جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 33

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج33، ص: 1

[تتمة القسم الثالث في الإيقاعات]

[كتاب الخلع و المبارأة]

اشاره

ج33، ص: 2

كتاب الخلع و المبارأة بضم الخاء من الخلع بفتحها الذي هو بمعنى النزع لغة، و شرعا إزالة قيد النكاح بفدية من الزوجة و كراهة منها له خاصة دون العكس، و كأنه لأن كلا منهما لباس الآخر كما قال سبحانه(1)«هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» فخلعه إياها نزع منه لها، و المخالعة بينهما تكون بذلك منه و بفدائها نفسها و كراهتها له.

هذا و في كشف اللثام «و مختلعة» بمنزلة «طالق» لا «مطلقة» و كأنه أشار بذلك إلى دفع ما يقال من المنافاة بين ذلك و بين ما تقدم من عدم جواز الطلاق بقول:

«أنت مطلقة» و وجه الدفع إما بقراءتها بكسر اللام حتى تكون بمنزلة «أنت طالق» أو أن المراد أنها بهذا المعنى و إن كانت بفتح اللام، كما عساه ظاهر الكفاية، و الأولى اختيار صيغة الماضي.

و كيف كان فالمبارأة بالهمز و تقلب ألفا لغة المفارقة، يقال: بارأ الرجل ريكه إذا فارقه، و شرعا إزالة قيد النكاح بفدية منها مع كراهة من الجانبين.

و كيف كان فشرعية الخلع ثابتة كتابا و سنة و إجماعا من المسلمين قال الله


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 187.

ج 33، ص: 3

تعالى(1)«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» و أما السنة من طريق الخاصة فمتواترة(2)و ستسمع طرفا منها في أثناء المباحث، بل لعلها من طرق العامة أيضا كذلك، منها ما

روى عن ابن عباس (3)«أنها جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و هي بنت عبد الله بن أبي، و كان يحبها و تبغضه، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله لا أنا و لا ثابت، و لا يجمع رأسي و رأسه شي ء، و الله ما أعيب عليه في دين و لا خلق، و لكن أكره الكفر بعد الإسلام ما أصفه بغضا، إني رفعت جانب الخباء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا و أخصرهم قامة و أقبحهم وجها، فنزلت الآية، و كان قد أصدقها حديقة، فقال ثابت:

يا رسول الله ترد الحديقة، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما تقولين؟ فقالت: نعم و أزيده، فقال: لا حديقته فقط، فاختلعت منه»

و ربما يستفاد من هذا و غيره عدم المرجوحية الشرعية فيه.

بل ربما حكى عن الشيخ و أبي الصلاح و ابن البراج و ابن زهرة وجوب الخلع عند تحقق موضوعه، قال الشيخ في النهاية: «إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها: إني لا أطيع لك أمرا، و لا أقيم لك حدا، و لا اغتسل لك من

جنابة، و لأوطئنّ فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول و علم من حالها عصيانها في شي ء من ذلك و إن لم تنطق به وجب عليه خلعها» و احتج له بأن النهي عن المنكر واجب، و إنما يتم بهذا الخلع، فيجب، و أجيب بمنع المقدمة الثانية.

و ربما حمل كلام الشيخ على شدة الاستحباب، بل في الحدائق حمل الوجوب


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الخلع و المبارأة.
3- 3 كنز العمال ج 3 ص 224 مع الاختلاف في اللفظ و ذكره الرازي في تفسيره ذيل الآية 229 من سورة البقرة- ج 2 ص 375- ط عام 1307 مرسلا مع الاختلاف في صدر الحديث و كذلك الطبري في تفسيره عن ابن عباس ج 2 ص 461 ط عام 1373 و فيه« أخت عبد الله بن أبى» مع الاختلاف في ذيل الحديث أيضا.

ج 33، ص: 4

في كلامه على الثبوت، بمعنى أنه لا يشرع و لا يثبت إلا بعد هذه الأقوال، نحو ما تضمنته

النصوص (1)من أنه «لا يحل له خلعها حتى تقول ذلك»

و ليس في شي ء منها أمر بذلك. و على كل حال فلا ريب في ضعفه و منافاته أصول المذهب و قواعده.

[كتاب الخلع]

اشاره

و كيف كان ف النظر في الصيغة و الفدية و الشرائط و الأحكام،

[النظر الأول في الصيغة]
اشاره

أما الصيغة ف اللفظ الصريح فيه أن يقول: خلعتك على كذا، أو فلانة مختلعة على كذا بلا خلاف أجده في المقام و إن توقفوا في الجملة الاسمية في العقود، بل قد عرفت الخلاف في «أنت مطلقة» في الطلاق، و إن كان التحقيق عندنا ما سمعته غير مرة من عدم الاقتصار على

لفظ مخصوص مادة أو كيفية، بل يكفي كل ما دل على إنشاء الخلع من لفظ صريح في نفسه أو بالقرينة، كما أشبعنا الكلام فيه في مقامات متعددة، و لعل وفاقهم على الجملة الاسمية هنا مما يؤيده، إذ لا دليل بالخصوص عليها في المقام الذي هو كغيره بالنسبة إلى ذلك، بل و ما تسمعه من جميل من الاكتفاء بقول: «نعم» بعد سؤال الرجل ذلك، بل و غير ذلك مما سمعته في محله، فلا فائدة في التكرار، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، فيقتصر على خصوص ما ذكره الأصحاب من الصيغ الخاصة في كل باب.

و على كل حال ف هل يقع الافتراق بمجرده من دون اتباع بطلاق؟ المروي مستفيضا صحيحا و غيره نعم

قال الباقر عليه السلام في خبر زرارة(2): «لا يكون الخلع حتى تقول: لا أطيع لك أمرا، و لا أبر لك قسما، و لا أقيم لك حدا، فخذ مني و طلقني، فإذا قالت ذلك فقد حل له أن يخلعها بما تراضيا به من قليل أو كثير، و لا يكون ذلك إلا عند سلطان، فإذا فعلت ذلك فهي أملك بنفسها من غير أن يسمى طلاقا».


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 5 و ذيله في الباب- 3- منه الحديث 10.

ج 33، ص: 5

و قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي(1): «عدة المختلعة عدة المطلقة، و خلعها طلاقها، و هي تجزئ من غير أن يسمى طلاقا».

و في

صحيح سليمان بن خالد(2)«قلت له: أ رأيت إن هو طلقها بعد ما خلعها أ يجوز؟ قال: و لم يطلقها و قد كفاه الخلع؟ و لو كان الأمر إلينا لم نجز طلاقها».

و في

صحيح ابن بزيع (3)«سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المرأة تبارئ زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه بذلك أو هي امرأته ما لم يتبعها بالطلاق؟ فقال: تبين منه و إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت، فقلت: إنه قد روى أنه لا تبين منه حتى يتبعها بطلاق، قال: ليس ذلك إذا خلعا، فقلت: تبين منه؟ قال: نعم».

و صحيحه الآخر(4)عنه عليه السلام «سألته عن المرأة تبارئ زوجها أو تختلع منه بشاهدين على طهر من غير جماع هل تبين منه؟ فقال: إذا كان ذلك على ما ذكرت فنعم، قال: قلت: قد روى لنا أنها لا تبين منه حتى يتبعها بالطلاق، قال:

فليس ذلك إذا خلعا، فقلت تبين منه؟ قال: نعم».

و قال الصادق عليه السلام (5): «المختلعة التي تقول لزوجها: اخلعني و أنا أعطيك ما أخذت منك، فقال: لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول: و الله لا أبر لك قسما، و لا أطيع لك

أمرا، و لآذنن في بيتك بغير إذنك، و لأوطئن فراشك غيرك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها، و كانت تطليقة بغير طلاق يتبعها، و كانت بائنا بذلك، و كان خاطبا من الخطاب»

إلى غير ذلك من النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
4- 4 أشار إليه في الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9 و ذكره في الكافي ج 6 ص 143.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4 و ذيله في الباب- 3- منه الحديث 3.

ج 33، ص: 6

بالخصوص.

مضافا إلى ما دل (1)على حصول البينونة بالخلع الصادق على المجرد عن الطلاق قطعا، إذ القائل باتباع الطلاق لا يجعله داخلا في مفهومه، و إنما هو من شرائط البينونة أو جزء سببها الذي هو الخلع المتبع بالطلاق.

بل ربما استظهر من صحيح ابن بزيع- بناء على نسخة النصب، بل و نسخة الرفع مع إضمار ضمير الشأن اسما لليس- اعتبار عدم اتباع الطلاق في مفهومه، و من هنا يكون جعل قراءة «خلع» فعلا و جعل «إذا» شرطا أولى، على معنى أن ذلك ليس شرطا إذا خلع، بخلاف ما إذا بارأ و إن كان قد يناقش بأن كون المراد اعتبار اتباع الطلاق في الخلع ينافي كون ذلك خلعا، لما ستعرف من أن الخلع طلاق، لا أن المراد خروجها عن الخلع باتباع الطلاق، بل أقصاه كون الطلاق حينئذ لغوا.

و ربما كان ذلك تعريضا بمن عمل بالرواية المزبورة من العامة، بل لعل

قوله عليه السلام: «لو كان الأمر إلينا»

إلى آخره إشارة إلى ذلك، أو إلى عدم مشروعية طلاق المختلعة من دون الرجوع بالفدية و الرجوع بالطلاق منه.

و على كل حال فلا محيص عن العمل بالنصوص المزبورة بعد ما عرفت، خصوصا بعد انجبارها بالشهرة العظيمة، بل يظهر من المحكي عن المرتضى الإجماع عليه.

و قال الشيخ: لا يقع حتى يتبع بالطلاق و تبعه ابنا زهرة و إدريس مدعيا أولهما الإجماع عليه، بل قال الشيخ: هو مذهب جعفر بن سماعة و الحسن بن سماعة و علي بن رباط و ابن حذيفة من المتقدمين، و مذهب علي بن الحسن من المتأخرين، و أما الباقون من فقهاء أصحابنا المتقدمين فلست أعرف لهم فتيا في العمل به.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 6 و 9.

ج 33، ص: 7

و على كل حال فلا دليل إلا الأصل المقطوع، و الإجماع الممنوع، و الاحتياط الذي لا تجب مراعاته، و

خبر موسى بن بكر(1)عن الكاظم عليه السلام قال: «قال علي عليه السلام: المختلعة يتبعها الطلاق ما دامت في العدة»

الضعيف سندا القاصر دلالة، ضرورة احتمال كون المراد منه جواز أن تطلق مرة أخرى ما دامت في العدة، و ذلك بأن ترجع في البذل فيراجعها الزوج ثم يطلقها، بل لعله أولى من دعوى إرادة اتباع الخلع الطلاق ما دامت في العدة الذي لا يقول به الخصم، إذ هو يعتبر

اتباع صيغته بصيغته، لا أنه يطلقها في العدة.

و أعجب من ذلك حمل تلك النصوص الكثيرة على التقية لمكان معارضة الخبر المزبور، مستدلين على ذلك ب

قول الصادق عليه السلام لزرارة(2): «ما سمعت منى يشبه قول الناس فيه التقية، و ما سمعت مني لا يشبه قول الناس فلا تقية فيه»

إذ لا يخفى عليك أن ذلك مع معارضتها بما لا يشبه قول الناس، و ليس إلا الخبر المزبور الذي قد عرفت حاله.

و أغرب من ذلك استدلال ابن سماعة و غيره بأنه «قد تقرر عدم وقوع الطلاق بشرط، و الخلع من شرطه أن يقول الرجل إن رجعت فيما بذلت فأنا أملك ببضعك فينبغي أن لا تقع به فرقة» إذ هو كما ترى ممنوع أصلا و تفريعا، بل ذلك من أحكامه لا من شرائطه، و على تقديره فليس هو شرطا في الخلع على وجه ينافي تنجيزه، و إنما هو اشتراط أمر آخر كما تسمعه في المبارأة بناء على اشتراط قول ذلك فيها.

و من ذلك يعلم ضعف فقاهة ابن سماعة و أن جميلا كان أفقه منه، فإنه قد

روى جعفر(3)أخوه «أن جميلا شهد بعض أصحابنا و قد أراد ان يخلع ابنته من بعض أصحابنا، فقال جميل للرجل: ما تقول؟ رضيت بهذا الذي أخذت


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 7 عن عبيد بن زرارة.
3- 3 الكافي ج 6 ص 141.

ج 33، ص: 8

و تركتها؟ فقال: نعم، فقال لهم جميل: قوموا، فقالوا: يا أبا علي ليس يريد يتبعها بالطلاق؟ فقال: لا».

و كيف كان ففي المسالك و كشف اللثام لا يقع عندنا بفاديتك مجردا عن لفظ الطلاق، و لا فاسختك و لا أبنتك (بتتك خ ل) و نحوها لأنها كنايات فلا يقع بها كالطلاق، لأصالة بقاء الزوجية، خلافا للعامة فأوقعوه بجميع ذلك، و جعلوها كنايات تتوقف على النية، و بعضهم جعل اللفظين الأولين صريحين فيه، لورود الأولى في قوله تعالى (1)«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» و لأن الثانية أشد دلالة على حقيقته من لفظ الخلع بناء على أنه فسخ، و على تقدير كونه طلاقا فهو كناية قطعا.

و يضعف الأول بأن مجرد و روده في القرآن أعم من كونه صريحا، و لأنه لم يتكرر و لا شاع في لسان أهل الشرع، فلا يلحق بالصريح، و مثله ورود الإمساك في الرجعة(2)و التسريح في الطلاق (3)و فك الرقبة في العتق (4)فإنها إطلاقات خفية لا تظهر في تلك المعاني إلا بانضمام القرائن.

قلت: كأن هذا الكلام مناف لما ذكره في غير مقام من كتابه- حتى في المقام- من عدم اعتبار ألفاظ خاصة، و عدم كونها بلفظ الماضي، و قياس المقام على الطلاق الوارد

فيه (5)لفظ الحصر المراد منه التعريض بما عند العامة من الكنايات و غيره مع حرمته عندنا مع الفارق كما عرفت، و انضمام القرائن مع إفادة أصل المعنى الذي هو إنشاء معنى الخلع غير قادح، كما هو واضح لمن أحاط خبرا بما قدمنا هنا و هناك، اللهم إلا أن يكون إجماعا هنا بالخصوص.

و كذا لا يقع بالتقايل الذي قد عرفت عدم مشروعيته في عقد النكاح الذي قام الطلاق و الخلع مقامه فيه، نعم لو قال الزوج بعد بذل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 229.
4- 4 سورة البلد: 90- الآية 13.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 33، ص: 9

المرأة: «أقلتك على ما بذلت» مريدا به معنى الخلع و لو مجازا بقرينة إن صح ففيه البحث السابق.

و كيف كان ف بتقدير الاجتزاء بلفظ الخلع هل يكون فسخا أو طلاقا؟ قال المرتضى و تبعه المشهور هو طلاق بل ظاهر ناصريات المرتضى أو صريحه الإجماع عليه بعد أن حكى عن بعض المخالفين أنه فسخ و مع ذلك هو المروي في المعتبرة المستفيضة(1)التي مر عليك شطر منها، و

في بعضها «خلعها طلاقها»(2)

و في آخر «و كانت عنده على تطليقتين»(3)

و في الثالث «و كان تطليقة بغير طلاق يتبعها»(4)

و في رابع «الخلع و المبارأة تطليقة بائن و هو خاطب من الخطاب»(5)

إلى غير ذلك.

و قال الشيخ: الأولى أن يقال فسخ لأنه ليس بلفظ الطلاق، و هو لا يقع عندنا بالكناية، و لأنه لو كان طلاقا لكان رابعا في قوله تعالى (6)«فَلا جُناحَ عَلَيْهِما» لأن قبله «الطَّلاقُ مَرَّتانِ» إلى آخرها، و بعده «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ» إلى آخرها، فذكر تطليقتين و الخلع تطليقة بعدها، و لأنها خلت من صريح الطلاق و نيته فكان فسخا كسائر الفسوخ و هو من الشيخ ره تخريج على القول بوقوعه مجردا، لما عرفت من أن مذهبه الاتباع بالطلاق، و رده غير واحد بالنصوص المزبورة(7).

و على كل حال ف قد فرعوا على ذلك أن من قال هو فسخ لم يعتد


1- 1 الوسائل الباب- 3 و 5 و 10- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 229.
7- 7 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 10

به في عدد الطلقات بخلاف القائل بكونه طلاقا.

قلت: كأن هذا البحث ساقط عندنا، لتظافر نصوصنا(1)بكونه طلاقا، بل الفتاوى أيضا كذلك، بل لو قلنا: إنه فسخ أمكن دعوى إجراء حكم الطلاق عليه للنصوص المزبورة بالنسبة إلى ذلك و غيره، و من هنا لم نعرف القائل

بذلك من أصحابنا، نعم مع قطع النظر عن النصوص المزبورة يتجه ما ذكره الشيخ، لأنه سبب آخر من أسباب الفراق، خصوصا بعد أن أفردوا له كتابا غير كتاب الطلاق الذي قد عرفت أنه الفراق بقول: «أنت طالق» و من هنا يظهر لك الحال على التقديرين بحيث يسقط القول الآخر.

كما أن ما في المسالك- من أن «هذا الخلاف متفرع على الخلاف السابق فإنا إن اعتبرنا اتباعه بالطلاق فالمعتبر في رفع النكاح هو الطلاق، و إضافة الخلع إليه قليلة الفائدة، لأن تملك المال يحصل بالطلاق في مقابلة العوض، بل بنيته مع سؤال المرأة»- لا يخلو من إجمال، ضرورة إمكان دعوى القائل أن الخلع هو المملك لكن بشرط الطلاق، كما أنه يمكن جعل المجموع سببا، بل يمكن القول بتوقف الفراق خاصة على الطلاق الذي لا يصلح للتمليك المحتاج إلى إنشاء من الطرفين، و لعل هذا الاحتمال كاف في فساد هذا القول.

و كيف كان ف يقع الطلاق مع الفدية بائنا و إن انفرد عن لفظ الخلع و ذلك لأن المحصل من النص (2)و الفتوى بل و آية الفدية(3)التي هي في البذل للطلاق كون الخلع نوعا خاصا من الطلاق الذي لا ينافيه التعريف المزبور المحمول على إرادة الطلاق المقابل للخلع و المبارأة، لا المعنى الأعم الشامل لهما و إن اختص بلفظ «خلعت» عن باقي أفراد الطلاق، إلا أنه لا ينافي وقوعه بصيغة الطلاق بعد أن كان فردا، إذ هو حينئذ كالسلف في البيع في كونه فردا خاصا منه، حتى إذا


1- 1 الوسائل الباب- 3 و 10- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 11

قلنا بعدم جواز عقد البيع غير السلم بلفظ «أسلمت» و «أسلفت» يجوز عقده بصيغة البيع، بل الظاهر عدم احتياجه إلى قصد السلمية بعد أن يكون الموضوع موضوعها، لعدم كونه ماهية أخرى حتى يحتاج إلى قصدها، بل يكفي في كونه سلما قصد البيعية و كون الموضوع موضوع السلم قصده أو لم يقصده، بخلاف الماهيات المختلفة، فإنه مع اتحاد المورد فيها لا بد في ترتب كل واحد منها بالخصوص من قصد الخصوصية، و لا يكفى قصد المعنى المشترك بينها.

ففي المقام إذا أوقع الطلاق بالفدية مع الكراهة كان خلعا قصده أو لم يقصده بعد أن عرفت أنه قسم خاص منه، فيكفي في تحققه حينئذ قصد الطلاق فيما هو موضوع الخلع و إن لم يقصد الخلع، كما يكفي في كون البيع سلما قصد البيع فيما هو موضوع السلم و إن لم يقصد السلمية، و من هنا كانت جميع شرائط الطلاق شرائط الخلع و لا عكس، كالسلم بالنسبة إلى البيع.

كما أنه بذلك يظهر أنه لا وجه لدعوى أعمية الطلاق بالعوض من الخلع فيشترط الكراهة في الثاني دون الأول، كما وقع من ثاني الشهيدين في المقام و غيره، ضرورة عدم الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافها، منها المعتبرة المستفيضة الدالة على عدم حلية أخذ شي ء من المرأة مع عدم الكراهة(1)و إطلاق أدلة الطلاق لا يقتضي

مشروعيته مع العوض و إن لم تكن كراهة، خصوصا بعد عدم قابلية الطلاق للتمليك المنافي لأصالة بقاء المال على ملك مالكه، و لذا لم يقبل شرطية تمليك شي ء من الأشياء، لا من طرف المطلق و لا المطلقة، و هو واضح، و سيأتي لك زيادة تحقيق لذلك، و إن كان مما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام جملة من الأساطين فضلا عن غيرهم، و حينئذ فيمكن إرادة المصنف ما ذكرنا.

بل لعله أيضا هو مراد غيره ممن صحح وقوع الخلع بصيغة الطلاق، بل في كشف اللثام عن المبسوط نفي الخلاف فيه، لا أن المراد وقوعه بصيغة الطلاق مقصودا


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 12

بها الخلع على معنى أنها صيغة أخرى له، ضرورة أن ذلك يتم لو جعلنا ماهيته غير ماهية الطلاق، و الفرض أنه منه نصا(1)و فتوى، حتى عدوه في أقسام الطلاق البائن سابقا. و بذلك يظهر لك ما في قول المصنف.

[فروع]
[الأول لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع]

الأول:

لو طلبت منه طلاقا بعوض فخلعها مجردا عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين أي القول بأن الخلع فسخ، و القول بأنه طلاق، أما الأول فواضح، ضرورة أنه غير ما طلبته، و أما الثاني ففي المسالك «لأنه و إن جعلناه طلاقا لكنه طلاق مختلف فيه، و ما طلبته لا خلاف فيه، فظهر أنه خلاف مطلوبها على القولين».

و فيه أن الخلاف فيه لا ينافي كونه مصداقا لما طلبته بعد تنقيح الحال فيه، و هو ثمرة النزاع، كالنذر و اليمين و غيرهما، و ليس معنى «طلقني بعوض» أي اخلعني بصيغة «أنت طالق بكذا» بل المراد حصول الطلاق بالعوض الذي لا فرد له إلا الخلع على الأصح، فهو عين ما طلبته، اللهم إلا أن يدعى انسياق الصيغة المخصوصة لكنها واضحة المنع، فإن أحدا لا يتخيل من قول: «بع لي هذا الكتاب» مثلا إرادة نقله بيعا بصيغة «بعت» بحيث لو باعه بغيرها كان غير موكل فيه، و الفرض أنه بيع كما هو واضح بأدنى التفات، و هذا أحد المقامات التي أشرنا سابقا إلى عدم تنقيح الحال فيها عندهم، و إلا فلا إشكال في حصول ما سألته بالخلع بناء على أنه طلاق بعوض.

و لو طلبت خلعا بعوض فطلق به لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع بمجرده فسخا لأنه حينئذ مباين للطلاق و يلزم على القول بأنه طلاق أو أنه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.

ج 33، ص: 13

يفتقر إلى الطلاق و ذلك لكون الطلاق الذي وقع مع فرض حصول موضوع الخلع خلعا منطبقا على سؤالها أو مع زيادة، و لا يخفى عليك أن ذلك بعينه جار في الأول بعد ما ذكرنا.

[الثاني لو ابتدأ فقال أنت طالق بألف أو و عليك ألف صح الطلاق رجعيا]

الثاني:

لو ابتدأ فقال للكارهة أنت طالق بألف أو و عليك ألف لم يصح خلعا مع عدم قبولها نعم صح الطلاق رجعيا في قول ستعرف تحقيقه و لم يلزمها الألف و لو تبرعت بعد ذلك بضمانها أي الالتزام بها- لم ينفع في صحته خلعا لأنه ك ضمان ما لم يجب في عدم الالتزام به، لتظافر النص (1)و الفتوى بأن موضوع الخلع تقدم فدائها، و ألحق به مقارنته للطلاق بالعوض، و على كل حال فالتزامها به بعد ذلك خارج عن موضوع الخلع و إلا لبقي موقوفا إلى زمن رضاها أوردها، و هو معلوم البطلان، لأن الفضولية لا تجري فيه.

و حينئذ ف لو دفعتها إليه بعد مضي زمان القبول إن صح كانت هبة مستأنفة و إلا كان دفعا فاسدا، و وجب رد المال إليها إذا كانت قد دفعتها فدية و لا تصير المطلقة بدفعها بائنة (11) حينئذ، لخروجها عن كونها فدية بها يصير الطلاق بائنا.

و بالجملة ظاهر الأصحاب أنه يعتبر في صيغة الخلع وقوعها على جهة المعاوضة بينه و بين الزوجة، و يتحقق ذلك بأحد أمرين: تقدم

سؤالها ذلك على وجه الإنشاء له، بأن تقول مثلا: «بذلت لك كذا على أن تخلعني» مثلا فيقول: «خلعتك على ذلك» مثلا أو «أنت طالق بذلك» أو مجردا ناويا العوض، و الثاني ابتداؤه به مصرحا بذكر العوض، فتقبل المرأة بعده بلا فصل ينافي المعاوضة، و بدون ذلك يقع


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 3- من كتاب الخلع و المبارأة و الباب- 7- منه الحديث 4.

ج 33، ص: 14

الخلع باطلا، بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

نعم أطنب في الحدائق مدعيا عدم ظهور النصوص في اعتبار الترتيب المزبور الذي هو كترتيب المعاوضة، بل يكفي تقدم فدائها ثم طلاقها عليه مع فرض استمرار عزمها على البذل، و الذي غره إجمال النصوص في ترتيب سائر المعاوضات، لكن من المعلوم أن الأصل عدم الصحة، و لا ريب في الشك في حصول الخلع بالفرض الذي ذكره، و لا إطلاق معتد به صالحا للخروج به عن الشك المزبور، خصوصا بعد ظهور اتفاق الأصحاب عليه و إطلاق لفظ الشراء و الصلح على الحال المزبور في النصوص،

فعن أمير المؤمنين عليه السلام (1): «لكل مطلقة متعة إلا المختلعة، فإنها اشترت نفسها»

و خبر البقباق (2)عن الصادق عليه السلام «المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح يقول: لأرجعن، في بضعك»

بل و ظهور النصوص (3)في اعتبار إنشاء التراضي بينهما بذلك، و لا ريب في أنه متى اعتبر الإنشاء من الطرفين كان لهما حكم سائر المعاوضة، فالفداء في المقام إما معاوضة مستقلة أو قسم من أقسام الصلح، فلا بد من الترتيب بينهما على الوجه المزبور.

بل الأولى اعتبار الألفاظ الدالة على ذلك بينهما، و إن كان يقوى الاكتفاء بالفعل منها بقصد الإنشاء، كما لو دفعت فادية فخلعها على ذلك، و إن كان الأحوط خلافه، كما أنه يكتفى منه بإيقاع ما أنشأت الفداء له من الخلع أو الطلاق و إن لم يذكر الفداء لفظا، نعم ستعرف أن التحقيق عدم كون المقام من المعاوضات الحقيقية و إن ثبت له بعض أحكامها لإجماع إن تم أو غيره.

هذا و ظاهر المصنف عدم الفرق بين الصيغتين في الصحة مع حصول القبول منها الجاري على نحو المعاوضة و البطلان مع عدمه، و لعله لظهور إرادة إنشاء العوضية فيهما عرفا، فلم يكن مانع من الصحة إلا تخلف ترتيب المعاوضة و فوريتها.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة و الباب- 7- منه الحديث 4.

ج 33، ص: 15

لكن أطنب في المسالك و ادعى الفرق بينهما بأن الثانية صيغة إخبار لا صيغة التزام مع عدم سبق البذل من المرأة «بل هي جملة معطوفة على الطلاق، فلا يتأثر بها، و تلغو في نفسها، كما لو قال: «أنت طالق و عليك حج»

حتى لو قبلت، لأن قبولها حينئذ رضا بما فعل، و الفرض عدم وقوع ما يقتضي المعاوضة منه بخلاف ما لو قالت: «طلقني و لك علي ألف» أو «و علي ألف» فأجابها بذلك، لوقوع الالتزام منها، و هو الذي يتعلق بها، و الزوج ينفرد بالطلاق، فإذا لم يأت بصيغة المعاوضة حمل كلامه على ما ينفرد به، و كفاه نيته حتى لو أطلق و قال: «أنت طالق» عقيب سؤالها بالعوض كفى ذلك و لزمها المال، لتحقق المعاوضة، و وقوعها من جانب من وظيفته الالتزام بها و وقوع التزامه به- إلى أن قال-: و بذلك ظهر الفرق بين الصيغتين اللتين أتى بهما المصنف، و جعلهما غير ملزومتين للمال، فان عدم لزومه في الأولى مشروط بعدم لحوق القبول منها، إذ الفرض كونها غير ملتمسة منه ذلك بخلاف الثانية، فإنها لا توجب التزام المال، سواء قبلت أم لا، لعدم دلالتها على المعاوضة وضعا و إن قصد، إذ لا بد من التعبير باللفظ الدال على المعنى المطلوب كغيره من المعاوضات- ثم أطنب بما يؤكد ذلك إلى أن قال-: و يتفرع على ذلك ما لو قال الرجل بعد قبولها: «قصدت في الثانية العوضية، و أردت بقولي: و لي عليك ألف ما يعينه القائل بقوله: «طلقتك على ألف» فإنه لا يصدق، لأن ذلك خلاف مدلول اللفظ، فلا يكفى قصده في لزوم العوض، و لو وافقته المرأة فوجهان: من أن اللفظ لا يصلح للالتزام، فلا يؤثر مصادقتها على قصده، و من أن الحق عليها، و من الجائز أن يريد لي عليك ألف عوضا عنه و نحو ذلك، و الأجود الأول» إلى آخر ما ذكره.

و قد اشتمل على غرائب و إن حكى عن الشيخ رحمه الله الموافقة على بعض ذلك، منها دعوى ظهور الصيغة في الإخبار، و منها عدم الاعتبار بها حتى مع قصده إنشائية العوضية بها، بل جعل الأجود ذلك و إن وافقته المرأة، مع أنه يكتفى في العقود بأي لفظ و لو مجازا، بل اكتفى في المقام بالنية كما سمعت على تقدير الموافقة، و الفرض أن الحق منحصر فيهما، كما أن خطاب المعاوضة كذلك لا ينفى احتمال

ج 33، ص: 16

عدم الاجتزاء بذلك.

و بالجملة فما أدرى ما الذي دعاه إلى هذا الاطناب مع خروجه عن السداد و الصواب؟! خصوصا على مذهبه في غير المقام فضلا عنه الظاهر من النصوص (1)توسعة الأمر فيه.

و لو قال: «أنت طالق على أن عليك ألفا» صح مع تقدم سؤالها ذلك أو تأخر قبولها بحيث لم يخرج عن قبول المعاوضة، و دعوى أنها صيغة شرط في الطلاق- فيكون قد علق طلاقها على شرط هو أن يكون عليها ألف لا على وجه المعاوضة- كما ترى خلاف المنساق عرفا منها.

و أوضح من ذلك فسادا دعوى البطلان في جميع صور تأخر القبول من المرأة، لأن فيه شائبة التعليق باعتبار ترتب الطلاق على قبول بذل المال كباقي الشرائط، بخلاف ما لو تقدم

بذلها، فان الواقع حينئذ يصير معاوضة منجزة شبه الجعالة، لأنها تبذل المال في مقابلة ما يقع من الطلاق، فإذا أتى به وقع موقعه و حصل غرضها، كالجعالة التي تبذل في مقابلة ما يستقبل من العمل.

و فيه ما قد عرفت سابقا من أن التعليق المنافي المقتضى لمفارقة المسبب سببه، و الشائبة المزبورة هي مقتضى المعاوضة، فإن من ابتدأ البيع و قال: «بعتك هذا» معناه أنك إن أعطيتني العوض ملكتك المعوض، و لكنه ليس تعليقا و إنما هو تحليل للقصد بالمعاوضة، و مثله غير قادح قطعا.

و كيف كان فالبحث حينئذ في صحة الطلاق في جميع الصيغ المقصود بها المعاوضة و عدمه متحد، و قد صرح جماعة بصحة الطلاق مع فرض فساد العوضية بعدم القبول أو غيره، و كونه رجعيا إن صادف موضوعه و إلا كان بائنا، لكن أشكله غير واحد بأن المقصود المقيد الذي ينتفي مطلقه بانتفاء قيده، فدعوى صحة المطلق الذي لم يقصد منافية لقاعدة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.


1- 1 الوسائل الباب- 1- و غيره- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 17

و دعوى انحلال المقام إلى قصدين و إنشاءين: أحدهما إنشاء الطلاقية، و الثاني إنشاء العوضية، و فساد أحدهما لا يقتضي فساد الآخر- و ذلك لعدم اعتبار العوضية في الطلاق، لا أقل من أن يكون العوض هنا كالنكاح الذي قد عرفت عدم بطلانه بفساد المهر- يدفعها منافاتها للوجدان الذي لم يفرق بين تقييد المقام و تقييد غيره، و عدم اعتبار العوض فيه لا ينافي كون القصد المقيد الذي هو قصد واحد عرفا، و القياس على النكاح لا يوافق مذهبنا، و من هنا مال جماعة إلى عدم الصحة.

نعم قد يقال: إنه لا عوضية حقيقة في المقام، و لذا لو رجعت بالبذل لم يبطل الطلاق، بل يكون رجعيا نصا(1)و فتوى، بل ستسمع عدم الخلاف بينهم في عدم فساد الطلاق لو كان البذل مما لا يملكه المسلم أو مغصوبا أو غير ذلك مما يقتضي عدم صحة بذله، و ليس ذلك إلا لعدم المعاوضة المصطلحة التي من المعلوم انتفاء موضوعها بانتفاء عوضها، و إنما هي معاوضة بالمعنى الأعم، أى أن البذل منها باعث على إيجاد الطلاق الذي هو من قسم الإيقاع الذي لا يملك عوضا و لا شرطا، فهو حينئذ على معناه الأصلي، و لم ينقلب طلاق الخلع إلى قسم العقود حتى يكون «فلانة طالق- مثلا- بكذا» إيجابا، و قولها: «قبلت» قبولا، و لكن الشارع ذكر في هذا القسم من الإيقاع صحة البذل الباعث على إيقاعه، و اعتبر فيه المقارنة له، و ارتفاع البينونة بارتفاعه، فهي حينئذ أحكام توهم من توهم منها إجراء حكم المعاوضة عليها، و غفل عما سمعت من الصحة نصا(2)و فتوى مع الرجوع بالبذل و غيره مما عرفت.

و بذلك يتجه ما ذكره المصنف و غيره من الأساطين في المقام و في غيره مما ستسمع، بل و في:


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 18

[الثالث إذا قالت: طلقني بألف كان الجواب على الفور]

الفرع الثالث: الذي هو إذا قالت: طلقني بألف كان الجواب على الفور الذي تقتضيه المعاوضة لما عرفت فإن تأخر على وجه ينافي ذلك لم يستحق عوضا و كان الطلاق رجعيا مع فرض اجتماع شرائطه، و إلا كان بائنا.

فمن الغريب ما في المسالك من ميلة إلى البطلان أولا لكن قال في المقام:

«و ظاهر كلام المصنف عدم الفرق بين العالم بالحال و الجاهل، و هو يتم بغير إشكال على تقدير كون الطلاق رجعيا كما أطلقه، أما لو كان بائنا كطلاق غير المدخول بها مع تصريحه بقصد العوض و لم يتعقبه قبولها على الفور فالحكم بصحة الطلاق على هذا الوجه بغير عوض لا يخلو من إشكال، لعدم القصد إليه، نعم يتجه كلامه على إطلاقه على تقدير أن تقول: «طلقني بألف» فيتراخى ثم يقول: «أنت طالق» و لا يذكر العوض، فإنه حينئذ طلاق مجرد عن العوض فلا يبعد القول بنفوذه كذلك، أما مع تصريحه بالعوض و جهله بالحال و تعذر الرجعة فهو محل الاشكال، و ما وقفت هنا لأحد من المعتمدين على شي ء يعتد به» إذ هو كما ترى، ضرورة عدم الفرق في القصد بين كون الطلاق رجعيا و غيره، و لعل عدم ذكر أحد من المعتمدين له لوضوح الحال فيه بعد تنقيح أصل المسألة، من غير فرق بين الرجعي و غيره كما هو واضح.

و لا فرق في بذل المرأة بين «طلقني بكذا» و بين «علي كذا» أو «على أن علي كذا» أو «على أن أعطيك كذا» بل في المسالك «و في معناها «إن طلقتني» أو «إذا طلقتني» أو «متى ما طلقتني فلك كذا» بخلاف قول الرجل: «مهما أعطيتني كذا» أو «إن أعطيتني كذا» أو غير ذلك من أدوات الشرط، فإنه لا يقع» و إن كان قد يناقش بعدم الفرق بينهما في منافاة هذا التعليق للإنشاء و عدمه، و لا ريب في أن الأحوط عدمه فيهما إن لم يكن الأقوى، كما أن الأحوط ذكر العوض بصيغة الطلاق أو الخلع مع تقدم بذلها، و إن كان الأقوى الاكتفاء بنيته.

ج 33، ص: 19

[النظر الثاني في الفدية]

النظر الثاني في الفدية التي هي العوض عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال لزوما و لا جوازا لكونه افتداء، و الافتداء إنما يصح إذا كانت في قيد النكاح، و لما عرفت من أنه طلاق فيعتبر في محله ما يعتبر فيه، و من هنا لا يقع الخلع عندنا في البائن، بل في القواعد «و لا بالرجعية و لا بالمرتدة عن الإسلام و إن عادت في العدة» و في كشف اللثام «خلافا للعامة، فلهم قول بالوقوع بالرجعية، لكونها كالزوجة، و بالمرتدة موقوفا» قلت: قد عرفت فيما تقدم ما يقتضي احتماله في الأخيرة عندنا.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا بينهم أن كلما صح أن يكون مهرا صح أن يكون فداء في الخلع، و مقتضاه أن كلما لا يصح أن يكون مهرا لا يصح أن يكون فداء حتى يتم كونه ضابطا، لكن لا أجد ذلك في شي ء من النصوص، نعم

في بعضها(1)«حل له أن يأخذ منها ما وجد»

و في آخر(2)«يحل له أن يخلعها بما تراضيا عليه من قليل أو كثير»

و في ثالث (3)«حل له أن يأخذ من مالها ما قدر عليه»

و في صحيح زرارة(4)عن الباقر عليه السلام «المبارأة يؤخذ منها دون المهر، و المختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، و إنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون المهر و المختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تعتدي بالكلام و تتكلم بما لا يحل لها»

إلى غير ذلك، مضافا إلى عموم الآية(5)و لعلهم أخذوا الضابط


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 20

المزبور من نصوص المهر(1)فإنه ملحوظ و لو بعنوان جواز الزيادة عليه، أو لمشاركة الفدية له في عدم اعتبارها في مفهوم الطلاق كعدم اعتباره في مفهوم النكاح، أو لأنه لا يعتبر فيه أزيد مما يعتبر في أصل المعاوضات من كونه متمولا معلوما في الجملة عينا أو

دينا أو منفعة قليلا كان أو كثيرا مقدورا على تسليمه.

و على كل حال ف لا تقدير فيه، بل يجوز و لو كان زائدا عما وصل إليها من مهر و غيره بلا خلاف أجده فيه نصا(2)و فتوى.

فتحصل مما ذكرنا من مقتضى الكتاب (3)و السنة(4)جواز الفداء بكل متمول قل أو كثر، معلوما كان أو مجهولا، إلا جهالة لا تؤول إلى العلم و لم يثبت شرعية الشارع لها في المعاوضات و إن كانت من قبيل ما نحن فيه، مثل شي ء من الأشياء، أو بعض ما يتمول أو نحو ذلك مما هو مثار النزاع، و لا تفي أدلة المقام بشرعيته، فيبقى على أصل عدم الانتقال و عدم الخلع و غيرهما من الأصول.

لكن قال المصنف و تبعه غيره: إنه إذا كان غائبا فلا بد من ذكر جنسه ككونه فضة أو ذهبا مثلا و وصفه مع اختلاف أوصافه و قدره كقفيز و نحوه.

و فيه أنه لا دليل على اعتبار ذلك، بل ظاهر الأدلة السابقة عموما و إطلاقا خلافه، بل هو مناف لقوله و قول غيره يكفي في الحاضر المشاهدة التي يمكن فرض مقدار ما يحصل من العلم منها في الغائب الذي هو مال معين لكن لا يعرف وزنه و لا عدده و لا جنسه.

و أغرب من ذلك التزام عدم الصحة فيما لو بذلت له مالها في ذمته من المهر أو الأعم منه و من غيره و لم يعلم مقداره، لأنه من الغائب الذي يعتبر معرفة مقداره،


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9 و الباب- 4- منه الحديث 1 و الباب- 7- منه الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 229.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 21

مع أنك قد عرفت اقتضاء عموم الأدلة و إطلاقها صحته كغيره من أفراد المجهول الذي يؤول إلى العلم، نحو ما في الصندوق و ما في كمي و نحوهما بعد العلم بوجود ما يصلح فيهما للبذل، و ليس في شي ء من أدلة المقام ما يقتضي كونه كالمهر بالنسبة إلى ذلك على فرض اشتراطه به، خصوصا بعد كون المهر أدخل في العوضية من المقام.

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه ينصرف الإطلاق فيما لو قالت مثلا: «مائة دينار- أو- درهم» إلى غالب نقد البلد و إن تعدد، سواء كان ناقصا عن الدراهم الشرعية أو زائدا، مغشوشا أو جيدا، و مع فرض عدم الغلبة التي ينصرف الإطلاق إليها لم يصح البذل، لما عرفت من كون مثل ذلك جهالة لا تؤول إلى العلم، و مثار النزاع، فلم تثبت شرعية التعاوض حتى في مثل معاوضة المقام التي هي و إن كانت كما عرفت لكن لا ريب في اشتراك حق المعاوضة بين المتعاوضين، و ليس هو من قبيل الوصية و نحوها مما يراد منه تحقق الامتثال، فمع فرض التعدد الذي لا يتسامح فيه لا ترجيح لأحدهما على الآخر في ولاية التعيين، و الرجوع إلى معين آخر من قرعة و نحوها مناف لقاعدة الشارع فيما شرعه من المعاوضات المبنية على عدم احتياج أمر آخر غيرها في استحقاق كل من عوضيها، كل ذلك مع الإطلاق أما مع التعيين فلا إشكال في الرجوع إلى ما عين بينهما و إن كان غير الغالب كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه لو خالعها على ألف و لم يذكر المراد و لا قصده و لا قرينة تصرف الإطلاق إليه فسد الخلع للجهالة المضرة بالمعاوضة كما عرفت، أما لو قصدا معينا صح و لزمها، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، بل لا يبعد صحته في غيره من المعاوضات كالبيع و غيره للعمومات، خلافا للمسالك و بعض من تبعها، بل أرسله إرسال المسلمات، و أبعد من ذلك احتماله الفساد في المقام أيضا قياسا على غيره من المعاوضات، و قد عرفت الصحة في المقيس عليه فضلا عن المقيس، لعدم الدليل على اشتراط ذكر العوض، بل ظاهر الأدلة خلافه.

ج 33، ص: 22

بل لا يبعد الصحة في المقام لو كان القصد من أحدهما خاصة إلى معين و قبل الآخر على ذلك القصد و إن كان مجهولا عنده، لما عرفت من عموم الأدلة و إطلاقها السالمين عن قدح مثل هذه الجهالة في مثل هذه المعاوضة، بل أقصاه كونه كبذل ما في الصندوق، نعم لا تجوز في البيع و نحوه مما يشترط فيه العلم للمتعاقدين.

بل لا يبعد الصحة في المقام أيضا مع قصد المعين من كل منهما و اتفقا في اتحاد قصديهما على غير تواط، لعموم الأدلة و إطلاقها و إن كان لا يخلو من تأمل.

و لو كان الفداء مما لا يملكه المسلم عالمين به كالخمر و الخنزير فسد البذل بلا إشكال و لا خلاف، لاشتراط المالية فيه، بل قيل فسد الخلع لفساد المعاوضة حينئذ و قيل و القائل الشيخ يكون الطلاق رجعيا لما عرفت من عدم اعتبار العوض في مفهومه، و أن إنشاء الطلاق مستقل و إن كان الباعث له عليه البذل المزبور، إلا أن أقصاه عدم كونه بائنا، لفحوى ما تسمعه من النصوص (1)المتضمنة لكون الطلاق رجعيا لو رجعت بالبذل.

و لكن قال المصنف هو حق إن أتبع بالطلاق، و إلا كان البطلان أحق و لعله لأنه مع الاقتصار على الخلع لا يتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض، لأن الخلع الذي يقوم مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلا اللفظ الدال على الإبانة بالعوض، فبدونه لا يكون خلعا، فلا يتحقق رفع الزوجية بائنا و لا رجعيا، و إنما يتم إذا أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لا يلزم من فساد أحدهما فساد الآخر فيفسد حينئذ الخلع لفوات العوض، و يبقى الطلاق المتعقب له رجعيا لبطلان العوض الموجب لكونه بائنا، و في المسالك هو الأقوى.

و فيه (أولا) أن الشيخ قد عرفت أنه ممن يوجب اتباع الخلع الطلاق،


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 23

فلا وجه للتفصيل في كلامه. و (ثانيا) أن الطلاق المتبع به الخلع لا يراد به إلا الطلاق بالعوض، و ليس هو إنشاء مستقلا، و قد سمعت سابقا من المسالك أنه هو المملك للعوض، و أن تقدم الخلع عليه قليل الفائدة، بل يمكن فرض مسألة المقام في كون الخلع بلفظ «أنت

طالق بكذا من الخمر» من دون سبق الخلع، و لا وجه للصحة فيه رجعيا إلا بناء على ما ذكرناه من عدم المعاوضة في ذلك حقيقة.

و منه ينقدح وجه الصحة رجعيا لو كانت الصيغة بلفظ «خلعت» أيضا و إن لم نجوز وقوع غير الطلاق بعوض بها، لما عرفت من كون الخلع طلاقا و إن كان مورده خاصا، فتارة يصح و اخرى يبطل لفقد شرط من شرائطه، و لكنه لا يبطل أصل الطلاق الحاصل به كما يومئ إليه ما تسمعه من النص (1)و الفتوى في صيرورة الطلاق رجعيا لو فسخت البذل و رجعت به، من غير فرق بين كون الخلع قد كان بلفظ «خلعتك على كذا» و بين «أنت طالق بكذا» و ما ذاك إلا لصحة وقوع الطلاق به في مورده و إن لم يسلم بفسخ للبذل أو بفقد شرط من شرائطه، و احتمال الجمود على خصوص مورد النص مناف لقاعدة الاستنباط المستفادة من فحاوي الأدلة المشار إليها ب

قولهم عليهم السلام (2): «لا يكون الفقيه فقيها حتى تلحن له بالقول فيعرف ما تلحن له»

و غيره، هذا كله مع العلم.

و أما مع الجهل كما لو خالعها على خل بزعمهما فبان خمرا صح و كان له بقدره خلا بلا خلاف أجده فيه، قيل: لأن تراضيهما على المقدار من الجزئي المعين الذي يظنان كونه متمولا يقتضي الرضا بالكلي المنطبق عليه، لأن الجزئي مستلزم له، فالرضا به مستلزم الرضا بالكلي، فإذا فات الجزئي لمانع صلاحيته

للملك بقي الكلي، و لأنه أقرب إلى المعقود عليه.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 المستدرك الباب- 15- من أبواب صفات القاضي الحديث 5 من كتاب القضاء و البحار- ج 2 ص 137 ط الحديث.

ج 33، ص: 24

بل في المسالك «لم ينقلوا هنا قولا بفساده، و لا وجوب قيمته عند مستحليه كما ذكروه في المهر، مع أن الاحتمال قائم فيه، أما الأول فلفقد شرط صحته، و هو كونه مملوكا، و الجهل به لا يقتضي الصحة، كما لو تبين فقد شرط في بعض أركان العقد، و أما الثاني فلأن قيمة الشي ء أقرب إليه عند تعذره، و لأن المقصود من المعين ماليته، فمع تعذرها يصار إلى القيمة، لأنه لا مثل له في شرع الإسلام فكان كتعذر المثل في المثلي حيث يجب، فإنه ينتقل إلى قيمته- ثم قال-:

و لو ظهر مستحقا لغيره فالحكم فيه مع العلم و الجهل كما فصل».

قلت: كأن ذلك مؤيد لما ذكرناه من عدم المعاوضة حقيقة هنا، و إلا كان مقتضاها الانتفاء من رأس بانتفاء العوض، كما هو واضح، و لكن لما كان إنشاء الطلاق مستقلا أثر أثره، و الفداء لم ينتف بانتفاء ذلك المعين عرفا بعد الإتيان بقدره خلا.

بل يمكن دعوى ذلك فيما لو كان الفداء خنزيرا بزعم أنه بقر مثلا فبان خنزيرا أبدل بما ينطبق عليه من البقر و صح، لأنه قسم من الفداء، و القيمة بعيدة عن مماثلة المبذول فداء، كما هو واضح. و لا يرد ذلك في صورة العلم المنحلة إلى عدم إرادة الفدائية حقيقة، لعلمهما بعدم صلاحيته فداء، اللهم إلا أن يفرض في صورة الجهل بالحكم شرعا، و حينئذ يأتي احتمال مثله، و علم أحدهما كاف في فساد البذل إجراء لحكم المعاوضة، فتأمل جيدا.

و لو خالع على حمل الدابة أو الجارية لم يصح مع عدم وجوده، لعدم كونه متمولا عرفا و شرعا، نعم قد يقال بصحة بذل الثمرة قبل وجودها للطمأنينة بحصولها، و كونها مالا و لو شرعا بدليل جواز بيعها.

أما مع وجوده ففي المسالك كذلك أيضا للجهالة، بل لعله ظاهر المتن و غيره أيضا، بل ظاهر المسالك انصحار المخالف في بعض العامة.

و لكن لا يخفى عليك أن المتجه الصحة بناء على ما ذكرناه و احتملها في

ج 33، ص: 25

المسالك في المقام، ثم قال: «و مثله ما لو خالعها على ما في كفها، فإنه لا يصح عندنا، سواء علم أن في كفئها شيئا متمولا و جهل مقداره أو عينه أو لم يعلم، و من أجاز الأول صححه هنا مع العلم بوجود شي ء في كفها يصلح للعوض، أو ظهور وجوده فيه، فان لم يظهر فيه شي ء ففي وجوب مهر المثل- كما لو ظهر فساد العوض- أو وقوع الطلاق رجعيا أو لزوم ثلاثة دراهم، لأن المقبوض في الكف ثلاثة أصابع، و هي ما عدا الإبهام و المسبحة، فيجب قدره من النقد؟ أوجه، أبعدها الأخير».

قلت: لا ريب في فساده، بل و فساد الأول، لعدم الدليل، كما أن الوجه الصحة مع العلم بأن في كفها ما يصلح للبذل، لما عرفت، فلو فرض ظهور عدمه انقلب الطلاق رجعيا على البحث السابق.

و يصح بذل الفداء منها بلا خلاف و لا إشكال، لأنه هو المنطبق على نسبته إليها كتابا(1)و سنة(2)و كذا من وكيلها القائم مقامها بعموم الوكالة و إطلاقها.

بل في المسالك في تفسير عبارة المتن و كذا ممن يضمنه في ذمته باذنها فيقول للزوج: «طلق زوجتك على مأة و علي ضمانها» و الفرق بينه و بين الوكيل أن الوكيل يبذل من مالها باذنها و هذا يبذل من ماله باذنها ليرجع عليها بما يبذله بعد ذلك، فهو في معنى الوكيل الذي يدفع العوض عن الموكل من ماله ليرجع به عليه، فدفعه له بمنزلة إقراضه لها و إن كان بصورة الضمان، قلت: هو جيد لو دفع عينا عنها، أما لو بذل كليا في ذمته فلا يتصور قرضه لها، كما أنه لا يتصور شغل ذمته به للخالع و شغل ذمتها له بإيقاع الخلع كما هو واضح.

بل هو إن صح يكون من مسألة المتبرع التي ذكرها بقوله و هل يصح من المتبرع و إن كان العقد إيجابا و قبولا من الزوج و الزوجة؟ فيه تردد،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 4- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 26

و الأشبه المنع عند المصنف و الشيخ و غيره من الأصحاب، بل في المسالك «لم يعرف القائل بالجواز منا» قلت: لا لأن الخلع من عقود المعاوضة، فلا يجوز لزوم العوض لغير صاحب المعوض- كالبيع لو قال: «بعتك كذا بمأة في ذمة فلان»- لإمكان الجواب عنه بما عرفت من عدم كون المقام منها، خصوصا و المعوض هنا فكها من قيد النكاح، فهو من قبيل الصلح الإسقاطي الذي يصح وقوعه من المتبرع، بل لأن المستفاد من الكتاب (1)و السنة(2)مشروعية الفدية منها و لو بواسطة وكيلها، أما المتبرع فيبقى على أصل المنع، إذ قد عرفت أنه لا إطلاق و لا عموم يقتضي مشروعية هذا القسم من طلاق الفدية المسمى بالخلع و طلاق العوض على وجه تجري عليه أحكامه، من كونه طلاقا بائنا إلا مع رجوعها بالبذل و غيره من أحكامه، و من هنا كان فرض المقام على وجه الجعالة من الأجنبي خروجا عن البحث، ضرورة عدم جريان أحكام الخلع على ذلك على فرض صحته.

و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بكون المقام من الفداء أو المعاوضة أو الطلاق أو الفسخ، إذ على كل حال مبنى المشروعية على الأدلة الخاصة التي لا شمول فيها للأجنبي، بل و لا للضامن باذنها على الوجه المزبور، فالمتجه منعه حينئذ إن لم يكن إجماعا، إلا أن يرجع إلى الوكالة في القرض في صورة الدفع و نحوه مما يمكن إجراؤه على القواعد الشرعية.

نعم قد يقال فيهما: إن الآية(3)و ما شابهها من السنة(4)تقتضي جواز فدائها نفسها بمال الغير مع الإذن على وجه لا رجوع به عليها، و ربما يدعى ظهور اتفاقهم فيما يأتي على جواز فداء الأمة نفسها بمال سيدها مع إذنه، بناء على مساواته لذلك، إذ كونه سيدا لا يقتضي كونه وكيلا أو وليا، و كون البضع له لا ينافي كون مشروعية الفداء بشي ء يتبعها بعد العتق.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 4- من كتاب الخلع و المبارأة.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 229.
4- 4 الوسائل الباب- 1 و 4- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 27

و بالجملة الفداء بمال الغير مع الاذن على وجه لا رجوع به عليها قد يقال بشمول الآية و ما شابهها من الرواية له، فان كانت مسألة التبرع المجوز عنها من هذا القبيل أشكل القول بعدم الجواز إن لم يكن إجماعا، فإن ما فرضناه متحقق فيه نسبة الفداء إليها و إن لم يكن المال قد أبيح لها افتداؤها به كالأمة، و ما في بعض النصوص (1)من ذكر «مالها» لا يقتضي التقييد أو التخصيص، لعدم المعارضة، كما هو واضح، فتأمل جيدا.

و على كل حال فبناء على عدم جواز البذل من المتبرع لا وقع لكثير من الفروع المذكورة هنا على بذل الأجنبي، مع أن بعضها لا يخلو من نظر، كدعوى جواز رجوعه به دون المرأة التي لا تملكه، نعم لها الرجوع بالبذل من الضامن الذي يرجع عليها، لكونه كمالها، بخلاف بذل المتبرع، إذ قد يناقش بإمكان منع جواز رجوعه به، لأصالة اللزوم بعد حرمة القياس

على جواز رجوعها، و بإمكان عدم جواز رجوعها بالبذل من الضامن، إذ هو أيضا ليس مالا لها، فلا يشمله ما دل (2)على جواز رجوعها بما بذلت الظاهر في غير الفرض بناء على ما عرفت.

ثم لا يخفى عليك أنه بناء على الصحة لا فرق بين تقدم سؤاله و بين قول الزوج:

«هي طالق بألف في ذمتك» فيقبل بلا تراخ.

كما لا فرق بين كونه و كيلا عنها و عدمه، إذ له دفع البذل بعنوان التبرع لا الوكالة التي على فرض إيقاعه بها يتجه مطالبة الزوج به لها مع التصريح بها و إلا تعلق به الفداء ظاهرا و رجع به على الزوجة، لأنه في الواقع في ذمتها مع فرض الوكالة كالمعاوضة، بل على فرض الجواز يجوز للأجنبي أن يوكل أجنبيا آخر على ذلك، بل له توكيل الزوجة و إن تخيرت بين بذلها نفسها و بعنوان الوكالة عن الأجنبي، كما لو كان هو وكيلا.

و لا ريب في أن قول الزوجة للأجنبي: «اسأل زوجي يطلقني بكذا» توكيل،


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 28

سواء قالت: «على» أو لم تقل، أما قول الأجنبي لها: «سلي زوجك يطلقك على كذا» فلا ظهور فيه في التوكيل، بل في المسالك «إن لم يقل: «علي» لم يكن توكيلا فلو اختلعت كان المال عليها، و إن قال: «علي» كان توكيلا فإن أضافت إليه أو نؤته ثبت على الأجنبي، و

لو قال أجنبي لأجنبي: «سل فلانا يطلق زوجته بكذا» كقوله للزوجة: «سلي زوجك» فيفرق بين أن يقول: «على» أو لا يقول».

و لو اختلع الأجنبي و أضاف العقد إليها مصرحا بالوكالة ثم بان أنه كاذب لم يقع البذل، و في وقوعه طلاقا البحث السابق، إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك إجراؤه على القواعد العامة، هذا كله في بذل المتبرع من ماله.

أما لو قال: «طلقها على ألف من مالها و علي ضمانها» أو «على عبدها هذا و علي ضمانه» صح، فان رضيت بذلك فذاك و إن لم ترض بدفع البذل صح الخلع و ضمن المتبرع كما صرح به بعضهم و لكن فيه تردد بل منع، لأن مرجعه ضمان الأجنبي أيضا الذي قد عرفت عدم ثبوت شرعيته، بل هو من ضمان ما لم يجب، و ورود صحة ضمان ألق متاعك في البحر و علي ضمانه لو قلنا به لا يقتضي صحة الفرض بعد حرمة القياس عندنا، نعم المتجه في الفرض كونه من الفضولي الذي يتوقف على إجازتها الكاشفة عن الصحة وقت البذل و عدمها، لما سمعته في بحث الفضولي و أنه جار على الضوابط، و أما ضمانه ذلك فلا أثر له، اللهم إلا أن يكون بعنوان الشرطية و التوسعة في أمر الفداء، لكن بعد البناء على صحته من المتبرع، فتأمل جيدا.

و لو خالعت في مرض الموت صح و إن بذلت أكثر من الثلث و كان من الأصل

لعموم (1)«الناس مسلطون على أموالهم»

المقتصر في الخروج منها على التبرعات المحضة، كالصدقة و الهبة و نحوهما.

و فيه قول آخر بل في المسالك أنه المشهور بين الأصحاب و المعمول به


1- 1 البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.

ج 33، ص: 29

بينهم و هو أن الزائد عن مهر المثل من الثلث لكونه كالمحاباة في المعاوضات و هو أشبه عند المصنف بأصول المذهب و قواعده التي منها ما عرفت سابقا من أن تصرف المريض مقصور على ثلث ماله حيث يكون متبرعا به، و كان مهر المثل هو عوض البضع شرعا، كالقيمة في المتقومات، و من ثمة لو تصرف فيه متصرف على وجه يضمنه كوطء الشبهة و المكره يجب عليه مهر المثل، فبذلها فدية للطلاق يتقدر نفوذها من الأصل بمهر المثل، لأن العائد إليها البضع، فيعتبر قيمته شرعا، كما لو اشترت شيئا بثمن مثله فان بذلت من ذلك كان مقدار مهر المثل من الأصل و الزائد من الثلث، كالمحاباة في المعاوضات، و حينئذ فلو كان مهر مثلها أربعين دينارا مثلا فبذلت مأة و لم يكن عندها غيرها صح للزوج ستون: أربعون في مقابلة مهر المثل، و عشرون بالمحاباة، هي ثلث باقي التركة، و يرجع إلى الورثة أربعون ضعف ما نفذت فيه المحاباة.

و ربما قيل: إن الجميع يعتبر من الثلث، لأن العائد إليها غير متمول بالنسبة إلى الورثة، و الحجر على المريض إنما هو لحق الورثة، و في المسالك «هو قول موجه» و فيه أن الخروج من الثلث مخالف للعمومات التي ينبغي الاقتصار في الخروج منها على المتيقن الذي هو غير الفرض، بل يكفي الشك في بقائه على مقتضاها، بل لو لا الشهرة لكان الأول في غاية القوة، و إن قال في المسالك، «إنه قول نادر غير موجه» ضرورة عدم صدق المحاباة فيه، لعدم مقدر عرفا و شرعا في البذل حتى يكون الزائد عليه محاباة، و كون مهر المثل قيمة للبضع في بعض الأحوال لا يقتضي كونه قيمة للبذل، لا أقل من الشك، فيبقى على العمومات هذا كله إذا لم تبرأ من مرضها، و لو برئت لزم الجميع كسائر المنجزات.

و أما مرض الزوج فلا يؤثر في الخلع، بل يصح خلعه في مرض الموت و إن كان بدون مهر المثل، لأن البضع لا يبقى للوارث، و إن لم يجر خلع فلا وجه للاعتبار من الثلث، و لأنه لو طلقها بغير عوض في مرض الموت لا يعتبر فيه الوضع من الثلث، فكذا إذا نقص عن مهر المثل، و الله العالم.

ج 33، ص: 30

و لو كان الفداء إرضاع ولده منها أو من غيرها أو حضانته صح عندنا للعمومات (1)لكن مشروطا بتعيين المدة رفعا للجهالة القادحة في أصل المعاوضة و إن كانت مثل المقام، نعم قد يقال بالاكتفاء بأوان فطامه للتسامح في مثل هذه المعاوضات، و لعموم الأدلة التي عرفتها سابقا.

و كذا يصح لو طلقها على نفقته بعد الرضاع مثلا أو مضافة إليه، لكن في المتن و غيره بشرط تعيين القدر الذي يحتاج إليه من المأكل و الكسوة و المدة بل في المسالك و غيرها يعتبر تعيين ما ينفق عليه كل يوم من الإدام و الطعام و الكسوة في كل فصل أو سنة، أو بضبط المئونة في جملة السنة، و يوصف بالأوصاف المشروطة في السلم.

و لا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما أسلفناه من العمومات التي مقتضاها بعد ضبط المدة الاكتفاء بالمتعارف له أكلا و شربا و كسوة في كل فصل، كنفقة الزوجة و غيرها، و حينئذ يسقط تفريع إن خرج زهيدا و فضل من المقدار شي ء فهو للزوج و إن كان رغيبا و احتاج إلى الزيادة فهو على أبيه إن كان الولد فقيرا.

و على كل حال ف لو مات قبل المدة كان للمطلق استيفاء ما بقي، فإن كان رضاعا رجع بأجرة مثله، و إن كان إنفاقا رجع بمثل ما كان يحتاج إليه في تلك المدة مثلا أو قيمة بناء على ما ذكرناه، و بالمقدر على ما ذكروه، لأن العوض له، و الولد إنما هو محل البذل، و عن العامة قول بانفساخ العقد، لتعذر الوصول إلى ما عين عوضا، فهو كالخلع على عين خرجت مستحقة أو كعوض تلف قبل القبض، و هو كما ترى. نعم يمكن القول بجواز الفداء إرضاعا و نفقة في المدة ما دام حيا على وجه يسقط استحقاقه بموته، لعموم قوله تعالى (2)«فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ»

و «تراضيا عليه»

و غيرهما من الأدلة السابقة.


1- 1 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 31

و كيف كان ف لا يجب عليها دفعه أى العوض من الأجرة و النفقة دفعة معجلا، لأن موت الولد لا مدخل له في حلول الدين بل إنما يجب إدرارا في المدة كما كان يستحق عليها لو بقي للأصل و غيره، خلافا لما عن العامة من القول بالحلول.

و لو تلف العوض المبذول قبل القبض لم يبطل الخلع بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و العمومات التي خرجنا عنها بالبيع لدليله، بل في المتن و غيره أنه باق على استحقاقه، و لزمها مثله أو قيمته إن لم يكن مثليا بل ظاهر كشف اللثام اتفاقنا عليه، نعم فيه للعامة قول بالانصراف إلى مهر المثل، و احتج له في المسالك

بعموم «على اليد»(1)

قال: «و يدها أخذت العين و لم تؤدها إلى مالكها، فتكون ضامنة لها- إلى أن قال-: و لا فرق في ذلك بين تلفه باختيارها أو بآفة من الله تعالى شأنه أو بإتلاف أجنبي، لكن في

الثالث يتخير الزوج بين الرجوع عليها و على الأجنبي، فإن رجع عليها رجعت على الأجنبي إن أتلفه على وجه مضمون».

و لا يخفى عليك ما في التعليل المزبور، نعم قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على ذلك:

إن مقتضى المعاوضة و ما شابهها وجوب التسليم، و لذا اعتبر في صحتها القدرة عليه، بل ربما ظهر من بعض المحققين في كتاب الإجارة اقتضاء التلف قبل القبض الانفساخ كالبيع، لفوات معنى المعاوضة التي مقتضاها تبديل ملك بملك و يد بيد، و إن كان فيه ما لا يخفى، لكن لا ريب في اقتضائها وجوب التسليم المستصحب بقاؤه إلى ما بعد التلف المعلوم قيام المثل أو القيمة معه، و هو معنى الضمان.

و لو خالعها بعوض موصوف فان وجد الزوج ما دفعته على الوصف المشترط فذاك و إلا كان له رده و المطالبة بما وصف (11) الذي هو حقه، و له الرضا بالمدفوع وفاء عن حقه مع التراضي منهما بلا خلاف و لا إشكال، و إن كان ما دفعته معيبا تخير بين قبوله و المطالبة بأرشه و بين رده و المطالبة بفرد آخر كما تقدم ذلك في السلم.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 95 و كنز العمال ج 5 ص 327 الرقم 5713.

ج 33، ص: 32

و لو كان ما خالعها عليه شيئا معينا فبان معيبا رده إن شاء و طالب بمثله أو قيمته، و إن شاء أمسك مع الأرش، و كذا لو خالعها على عبد على أنه حبشي فبان زنجيا أو على ثوب على أنه نقي فبان أسمر و علله في المسالك بأن فوات الجزء الموجب للعيب أو للوصف (1)كتبعيض الصفقة، فيتخير بين رده و أخذ عوضه و بين إبقائه مع أرشه، ثم قال: «و هذا بخلاف البيع فإنه مع رده لا يرجع إلى عوضه، بل يوجب انفساخ البيع، و الفرق أن الطلاق المترتب على العوض قد وقع قبل الرد، و الأصل فيه اللزوم، و ليس هو كغيره من عقود المعاوضات القابلة للتفاسخ مطلقا، بل يقف فسخه على أمور خاصة بدليل خاص لا مطلقا، فلا وسيلة إلا إلى تحصيل المطلوب من العوض بما ذكر» و كذا ذكر في تخلف الوصف مع اتحاد الجنس.

إلا أنه كما ترى، ضرورة اقتضاء تسلطه على الرد فسخ الملك الحاصل بسبب البذل و مقتضاه حينئذ عود الطلاق إلى الطلاق المجرد عن العوض- كما لو رجعت هي بالبذل، و ليس هذا فسخا للطلاق- لا المطالبة بالمثل أو القيمة المحتاجين إلى مملك جديد، خصوصا في تخلف الوصف المسلط في باب البيع و غيره من المعاوضات على الفسخ خاصة، و من هنا قال في آخر كلامه: «و للنظر في هذه المطالب مجال إن لم تكن إجماعية، إذ لا نص فيها، و إنما هي أحكام اجتهادية، و لو قيل في فوات الوصف بتعين أخذه بالأرش كان حسنا».

و الذي أوقعه في هذا الإشكال هنا و غيره من المقامات بناؤه على أنها معاوضة حقيقية، و المتجه على ذلك في تخلف الوصف الرد، و انقلاب الطلاق إلى المجرد عن العوض، و في العيب التخيير بين الرد- و يكون الحكم

كذلك- و بين الأرش، بناء على أن ذلك مقتضى قاعدة لا ضرر و لا ضرار في البيع و غيره من المعاوضات، نعم يتجه


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية، و في المسالك« فوات الجزء الموجب للعيب أو الوصف.» و هو الصحيح.

ج 33، ص: 33

كلامهم هنا بناء على ما ذكرناه من أنه لا معاوضة حقيقية أو اصطلاحية و إن كانت معاوضة بالمعنى الأعم التي هي كالباعث و الداعي، و المراد الفداء، و لا ريب في تحققه عرفا بالمثل و القيمة في المعيب و تخلف الوصف، و بالأرش في المعيب، و تفاوت القيمة في تخلف الوصف، بل لعل ذلك هو المتعارف في تدارك الفداء.

و من ذلك يظهر الوجه في قول المصنف و غيره أيضا أما لو خالعها على أنه أي الثوب إبريسم فبان كتانا صح الخلع، و له قيمة الإبريسم، و ليس له إمساك الكتان لاختلاف الجنس و إن كان قد يناقش في خصوص المثال بأنه من نحو تخلف الوصف بعد الاشتراك في الثوبية التي هي جنس لهما، كالاشتراك في العبدية بالنسبة للزنجى و الحبشي، إلا أنه يمكن التمثيل بما لو خالعها بمعين على أنه ثوب مثلا فبان حيوانا مثلا، كان له المطالبة بالقيمة أو الثوبية، و ليس له إمساك الحيوان إلا مع التراضي بينهما، و بالجملة قد عرفت أن المدار على تدارك الفداء مع فرض فواته بما يتدارك به عرفا، و هو معنى آخر غير معنى المعاوضة المصطلحة، و من هنا أثبتوا له أحكاما غير أحكام المعاوضة، كما نبهنا عليه غير مرة، و الله العالم.

و لو دفعت ألفا و قالت: «طلقني بها متى شئت» لم يصح البذل و إن قال الزوج بعدها بلا فاصل: «أنت طالق عليها» لعدم إنشاء فعلي، إذ المفهوم من هذه العبارة الإعلام بأنها باذلة ذلك، و ليس هو إنشاء بذل نحو قول المشتري: «بعني مالك هذا بدرهم متى شئت» و لو فرض دلالة القرينة على إرادة إنشاء بذل فعلي لذلك و قال الزوج: «أنت طالق» لم يكن إشكال في الصحة.

و احتمال البطلان للفصل بين إنشائها و قوله بقولها: «متى شئت» لا ينبغي أن يذكر، ضرورة عدم قدح مثل ذلك في فورية المعاوضات فضلا عن المقام.

بل ربما يرجع إلى ما ذكرنا ما يحكى من تعليل الشيخ البطلان بأنه سلف في طلاق، و بأنه عوض على مجهول، أي للجهل بالطلاق الواقع، و إلا أمكن النظر فيه بأن هذه الصيغة كما تناولت الطلاق الباطل مع التراخي تناولت الفوري بعد هذه

ج 33، ص: 34

الصيغة، و لا يلزم من بطلان التراخي بطلان مدلولها أجمع، و ليس هو حينئذ سلفا في طلاق بعد فرض شمولها للحال، و كذا القول في كونه عوضا على مجهول، خصوصا بعد عدم الدليل على البطلان بمثل هذه الجهالة.

و من هنا عدل في المسالك إلى تعليل البطلان بأن المعتبر في البذل الصحيح كونه في مقابلة الطلاق الواقع على الفور، فإذا جعلته في مقابلة الواقع مطلقا فكأنه قد جعلته في مقابلة طلاق باطل، و إن كان هو كما ترى أيضا إن لم يرد ما ذكرناه، و علله في كشف اللثام بالتعليق المانع من القبول كالإيجاب، و لعله يرجع إلى ما قلناه أيضا.

و على كل حال ف لو طلق كان رجعيا و الألف لها مع فرض كون مورده كذلك، و إلا كان بائنا على البحث السابق و إن جاء به على الفور لما عرفت.

و لو خالع اثنتين فصاعدا بفدية واحدة صح بلا خلاف أجده فيه، و إن كان لولاه لأمكن المناقشة فيه بخروجه عن أدلة المشروعية التي لا إطلاق فيها و لا عموم يشمل الفرض، و قد عرفت أنه على خلاف الأصل، اللهم إلا أن يدعى معلومية إلغاء الوحدة التي هي مورد تلك الأدلة، كما ألغيت في أصل الطلاق الذي من أدلته ما عرفت من الحصر بقول: «أنت طالق» بل قد يدعى صدق «افْتَدَتْ»(1)على كل واحد منهما.

و على كل حال كانت الفدية المبذولة بينهما بالسوية كما عن الشيخ و الأكثر، لظهور أمثال ذلك فيها، و لا يقدح الجهل بالتقسيط كما لا يقدح في غير المقام من المعاوضات المعتبر فيها المعلومية فضلا عن المقام.

و ربما احتمل كون التقسيط على مهر المثل الذي هو الملحوظ في قيمة البضع و عن القاضي أن التقسيط على المسمى في النكاح، و لعله يريد مهر المثل الذي قد يؤيد


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 35

التقسيط عليه أنه المتعارف في قيمة البضع، مع منع ظهور العبارة في التسوية، على أن التقسيط في البيع و نحوه إنما هو لكون المبيع المجموع الذي يتقسط الثمن عليه بحسب قيمة المبيع، و لو أن العبارة ظاهرة في التسوية لكان من الواجب الحكم بها لو كان المبيع لشخصين و إن اختلفت قيمة أحدهما، كما أنه لو كان المختلع في المقام المجموع على حسب البيع لم يصح خلع أحدهما خاصة عند قولهما أو قول وكيلهما:

«اخلعهما بألف» كما تسمعه، إذ ليس ذاك إلا لكون كل منهما مقصودة بنفسها لا منضمة مع الآخرى، على أن المسألة في كلامهم مطلقة على وجه يشمل فرضها مع عدم قصد التسوية من الخالع و الباذل، و دعوى أن الأصل في خلع المتعدد التسوية ممنوعة فليس حينئذ إلا التوزيع على نسبة مهر المثل، فتأمل جيدا، و كذا الكلام فيما لو ابتدأهما بطلاقهما على ألف و قبلا (قبلتا ظ) على الفور.

و لو قالتا طلقنا بألف فطلق واحدة كان له النصف بناء على التسوية، و ما يقتضيه التوزيع على مهر المثل أو المسمى لها في النكاح على القولين الآخرين، و لا يقدح في الصحة اختلاف السؤال و الإيقاع، لأن كل واحدة مقصودة بنفسها منفردة، كما لو قال رجلان: «رد عبدينا بكذا» فرد أحدهما دون الآخر، و ربما احتمل في المقام إرادة كل واحدة منهما طلاقهما معا، فيختلف السؤال و الإيقاع حينئذ، و لعله لذا استشكل في محكي التحرير في ثبوت النصف، لكنه في غير محله، كما أن فرق بعضهم بين الصورة المزبورة و بين ما لو ابتدأهما فقال: «خالعتكما بألف» فقبلت إحداهما خاصة- لأن القبول لم يوافق الجواب، كما لو قال: «بعتكما هذا العبد بألف» فقال أحدهما: «قبلت»- كذلك أيضا، ضرورة ظهور كون كل منهما مقصودة بنفسها في المقام بخلاف المثال الظاهر في عدمه، و إلا لجاء الاحتمال في الصورة الاولى.

و كيف كان ف لو عقب بطلاق الآخرى كان رجعيا إن كان مورده كذلك و لا عوض له لتأخر الجواب عن الاستدعاء المقتضي للتعجيل الذي قد عرفت اعتباره.

ج 33، ص: 36

و لو خالعها على عين فبانت مستحقة قيل و القائل الشيخ و تبعه غيره:

يبطل الخلع الذي هو معاوضة، لبطلان أحد العوضين، لكن قد عرفت المناقشة في ذلك غير مرة و من هنا قال المصنف لو قيل يصح الخلع و يكون له القيمة أو المثل إن كانت مثليا كان حسنا لكون ذلك هو المتعارف في تدارك الفدائية، و أولى من تداركه بمثل العين على نحو الفداء في الإحرام.

و ظاهر قول المصنف: «فبانت» أن مفروض المسألة الجهل لا مع العلم الذي ينحل إلى عدم إرادة الخلع عليه، للعلم بعدم سلامته كما تقدم الكلام فيه سابقا، و إن كان قد يناقش فيه بأن العلم بكونه مستحقا لا ينافي قصد الخلع عليه كباقي المعاوضة، نعم هو مؤيد لما ذكرنا من أنه لا معاوضة في القصد، و إنما هو من الباعث و إن أعطى بعض أحكام المعاوضة لإجماع إن كان أو غيره، و قد تقدم سابقا بعض الكلام فيما لو كان الفداء الخمر، و ظاهر ثاني الشهيدين هنا أن حكم المغصوب حكمه في حالي الجهل و العلم، و لكن جزم في المقام بالفساد، كما أن المصنف قد جزم هناك بالصحة فيما لو خالعها على خل فبان خمرا بخلاف المقام، و قد يتخيل الفرق بين المقامين، لكنه غير تام، و التحقيق ما عرفت.

و يصح البذل من الأمة بلا خلاف أجده فيه، بل لعله إجماع، و لولاه لأمكن المناقشة- في أصل جواز ذلك منها على أن تتبع به بعد العتق- بأنه مناف لما دل على عدم قدرة العبد على شي ء(1)خصوصا المعاوضات، و الضمان بالإتلاف ليس قدرة منه على شي ء، و لا يوجب وجود ذمة له على وجه يصح منه إيجاد شي ء فيها، كما تقدم نظير ذلك في الضمان، و من السيد بما عرفت من كونه كالفداء من المتبرع في عدم تناوله أدلة المشروعية إلا على الوجه الذي ذكرناه و أيدناه بكلامهم في المقام.

و على كل حال فلو أذن لها مولاها بالافتداء انصرف الإطلاق


1- 1 سورة النحل: 16- الآية 75.

ج 33، ص: 37

إلى الافتداء بمهر المثل كانصراف إطلاق الأمر بالشراء إلى قيمة المثل، و يكون في ذمة السيد لا في كسبها إن كانت ذات كسب، و لا في

خصوص ما في يدها من مال السيد، كما تقدم تحقيق ذلك في محله.

و لو بذلت زيادة عنه قيل: يصح الخلع و لكن تكون الزيادة لازمة لذمتها تتبع بها بعد العتق و اليسار و أما مقدار مهر المثل فعلى السيد للاذن، و لكن قد يناقش بمنع حصول الاذن بمهر المثل في الفرض، لظهور إذنه بكونه الفدية لا بعضها، و لعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، لأن المتجه حينئذ كون الجميع في ذمتها، و ذلك لأنه لا خلاف و لا إشكال عندهم في أنها تتبع بأصل البذل مع عدم الاذن بعد العتق و اليسار، و هذا منه، فتأمل جيدا.

و لو بذلت عينا من أعيان سيدها فأجاز المولى صح الخلع و البذل كما لو أذن ابتداء و إلا صح الخلع دون البذل، و لزمها قيمته أو مثله تتبع به بعد العتق و اليسار، لكونه حينئذ كما لو ظهر مستحقا، و هو مؤيد لما قلناه من أن المقام ليس من المعاوضات و إلا كان المتجه الفساد لعدم الإجازة.

و ظاهر المصنف و غيره هنا عدم الفرق بين علمه بالحال و جهله، و هو كذلك لما عرفت من إمكان تدارك الفدائية بالإبدال، كما ذكرناه غير مرة.

و لو بذل سيدها رقبتها ففي صحة الخلع و الالتزام بالمثل أو القيمة أو بطلان الخلع وجهان، اختار ثانيهما في المسالك، و أما احتمال الصحة فلم أجد من احتمله، و لعله لمنافاة الطلاق و الملكية اللذين هما أثر الخلع على وجه لا يتحد زمانهما، مثل الزوجية و الملكية فيما لو تزوجها في أن شراء وكيله لها مثلا بخلاف شراء الزوجة المسبب للملك المزيل للزوجية.

و نحوه بذل رقبة زوجته في خلع زوجته الآخرى، فإنه جائز، و لكن بناء على ما ذكرنا من عدم المعاوضة في المقام و عدم التقييد في قصد الطلاق يتجه حينئذ الصحة و الالتزام بتدارك الفداء لا البطلان، كما سمعته في نظائره، إذ أقصاه تعذر

ج 33، ص: 38

الفداء، فيتدارك بما عرفت.

و كيف كان ف يصح ال بذل من المكاتبة المطلقة و لو من المال الذي في يدها و لا اعتراض للمولى عليها بلا خلاف أجده، نعم أشكله في المسالك و تبعه غيره بما يأتي في بحث المكاتبة من عدم جواز التصرف المنافي للاكتساب و مسوغ فيه، من غير فرق بين المكاتب المطلق و المشروط.

و يدفعه بعد تسليمه أنه يمكن فرض المقام كذلك و لو بإرادة التكسب بالعقد المنقطع مثلا و فرضه أيضا بأن المبذول مهر المثل فأقل بناء على عدم جواز تكسبها بالأزيد، إذ المراد أن المكاتبة غير الأمة بالنسبة إلى ذلك. فمن الغريب قوله بعد ذلك: «و لو قيل بأن اختلاع المكاتبة مطلقا كاختلاع الأمة كان وجها، لكن لا أعلم به قائلا من أصحابنا، فينبغي التوقف إلى أن يظهر الحال أو وجه الفرق الذي ادعوه» ضرورة كفاية ما ذكرناه فرقا.

نعم قد يناقش فيما جعله واضحا- من قوله و أما المشروطة فكالقن معللا بأنها لا تخلص من محض الرق إلا بأداء جميع المال، فهي قبله بحكم القن- بأن ذلك إذا كان منها للتكسب على الوجه الذي فرضناه يتجه جوازه أيضا و ستعرف تحقيق الحال في ذلك في بحث المكاتبة إنشاء الله.

ج 33، ص: 39

[النظر الثالث في الشرائط]

النظر الثالث في الشرائط و لا خلاف كما لا إشكال في أنه يعتبر في الخالع شروط أربعة:

البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد سواء قلنا بأنه طلاق أو فسخ ف إنه على كل حال لا يقع مع الصغر و الجنون اللذين قد عرفت الإجماع على سلب عبارة معهما في مثل ذلك. و كذا لا يقع مع الإكراه الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه في البيع، بل و في الطلاق و في الفروع المتعلقة به. و لا مع السكر و لا مع الغضب الرافع للقصد كغيره من الإيقاع و المعاوضة، و لا مع الغفلة و السهو و العبث و نحو ذلك مما سمعته في الطلاق الذي قد مر البحث في ذلك فيه و في الرجوع إليه بدعوى عدم القصد و غيره من المباحث، كدعوى الإكراه و نحوه، فلاحظ و تأمل.

و لو خالع ولي الطفل بعوض صح إن لم يكن طلاقا مع المصلحة أو مع عدم المفسدة و بطل مع القول بكونه طلاقا لما عرفته سابقا من عدم صحته من ولي الطفل، بل قد يقال بعدم صحته منه و إن لم نقل: إنه طلاق، باعتبار النصوص (1)التي إن لم نقل أنها لبيان فرديته فلا ريب في أن المراد منها تنزيله منزلته، فيثبت له أحكامه الظاهرة بناء على أن ذلك منها على وجه يشمله إطلاق المنزلة، و لكن قد عرفت أنه من أفراده و إن لم يندرج في تعريفه المعتبر فيه صيغة «أنت طالق» المنزل على أنه للطلاق المقابل للخلع لا له بالمعنى الأعم الشامل له، و حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 40

فكل شرط يثبت للطلاق يثبت له، و يزيد بما ستعرفه من اعتبار الكراهة.

و كيف كان ف يعتبر في المختلعة البلوغ و العقل في محكي المبسوط و الجامع، و اختاره في كشف اللثام، لانتفاء الكراهة منها، و عن التحرير لأنه لاحظ لها في إسقاط مالها، و فيه مالا يخفى، و في صريح القواعد و محكي النهاية الجواز، و الظاهر فرضه في حال تحقق الكراهة منهما، ضرورة عدم منافاة حصولها للصغيرة المميز و المجنون الذي يمكن فرض سبق الكراهة منه في حال العقل ثم استمرت إلى حال الجنون، و دعوى عدم اعتبار كراهتهما يدفعها أنه لا دليل على العدم، بل ظاهر الأدلة الشرطية التي هي من أحكام الوضع الشاملة للمكلف و غيره، كالضمان و الحدث و نحوهما، و لعل ذلك هو الظاهر من المصنف، حيث لم يذكرهما في الشرائط، و قد عثرنا على نسخة لكشف اللثام قد غير فيها ما حكيناه عنه أولا، قال: «و هو الوجه في صغيرة لا

يتصور الكراهة منها» و هذا منطبق على ما ذكرناه.

و على كل حال فقد ذكر هو و غيره بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه أنه لا بد (يعتبر خ ل) في المختلعة أن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كانت مدخولا بها غير صغيرة و لا يائسة و كان حاضرا معها على حسب ما سمعته في الطلاق الذي قد عرفت كون الخلع فردا منه، فكل ما دل على اشتراطه فيه يشترط في الخلع، مضافا إلى

قول الصادق عليه السلام في خبر حمران (1): «لا يكون خلع و لا تخيير و لا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع و شاهدين يعرفان الرجل و يريان المرأة و يحضران التخيير و إقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها»

و قول الباقر(2)عليه السلام: «لا طلاق و لا خلع و لا مباراة و لا خيار إلا على طهر من غير جماع»

و غيرهما من النصوص (3)الدالة على اعتبار ذلك فيه.

و لعله لذا كان المحكي عن الخلاف الاتفاق على اعتبار ذلك فيه، سواء قلنا:

إنه طلاق أو فسخ، و لعله كذلك، نعم عن المراسم «و شروط الخلع و المبارأة شروط


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 41

الطلاق إلا أنهما يقعان على كل زوجة» و هو يغطي وقوعهما في الحيض و طهر المواقعة كما في كشف اللثام، لكن عن ابن إدريس يريد أنه بائن لا رجعة مع واحد منهما، سواء كان مصاحبا للطلقة الأولى أو الثانية، قال: «لأنه لما عدد البوائن ذكر ذلك، فالمعنى أنهما يبينان كل زوجة» و في كشف اللثام «حكي عن الراوندي أنه أراد المتمتع بها- و قال-: و هذا خطاء محض، لأن المبارأة لا بد فيها من طلاق، و المتمتع بها لا يقع بها طلاق».

و كذا يعتبر في الخلع أن تكون الكراهية من المرأة خاصة لا منه وحده، فلا يجوز أخذ العوض، و لا منهما فيكون مباراة، و لا خلاف في أصل اشتراط الكراهية، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى استفاضة النصوص (1)أو تواترها في ذلك.

إنما الكلام في الاكتفاء بمطلق الكراهة، كما هو ظاهر المصنف و غيره من المتأخرين، بل هو ظاهر الآية(2)التي جعل المدار فيها على خوف عدم إقامة حدود الله تعالى شأنه، و لا ريب في تحققه معها، أو أن المعتبر إسماع معاني الأقوال المذكورة في النصوص (3)كما هو المحكي عن الشيخ و غيره من المتقدمين، بل عن ابن إدريس «أن إجماع أصحابنا منعقد على أنه لا يجوز الخلع إلا بعد أن يسمع منها مالا يحل ذكره من قولها: «لا اغتسل لك عن جنابة، و لا أقيم لك حدا، و لأوطئنّ فراشك من تكرهه» أو يعلم ذلك منها فعلا».

و الأصل في ذلك

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي(4): «المختلعة لا يحل خلعها حتى تقول لزوجها و الله لا أبر لك قسما، و لا أطيع لك أمرا، و لا اغتسل


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3 و ذكر ذيله في الباب- 3- منه الحديث 2.

ج 33، ص: 42

لك من جنابة، و لأوطئنّ فراشك من تكرهه، و لآذنن عليك من تكرهه بغير إذنك، و قد كان الناس يرخصون فيما دون هذا، فإذا قالت المرأة ذلك لزوجها حل له ما أخذ منها- إلى أن قال-: يكون الكلام من عندها»

و قوله عليه السلام في حسن ابن مسلم (1): «لا يحل له أن يأخذ منها شيئا حتى تقول: و الله لا أبر لك قسما، و لا أطيع لك أمرا، و لآذنن في بيتك بغير إذنك، و لأوطئن فراشك غيرك، فإذا فعلت ذلك من غير أن يعلمها حل له ما أخذ منها»

إلى آخره،

و مضمر سماعة(2)«سألته عن المختلعة، فقال: لا يحل لزوجها أن يختلعها حتى تقول: لا أبر لك قسما، و لا أقيم حدود الله فيك، و لا اغتسل لك من جنابة، و لأوطئنّ فراشك، و لا دخلن بيتك من تكرهه من غير أن تعلم هذا، و لا يتكلمون

هم، و تكون هي التي تقول ذلك، فإذا هي اختلعت فهي بائن، و له أن يأخذ من مالها ما قدر عليه»

إلى غير ذلك من النصوص التي ظاهرها ذلك، مؤيدا بأصالة عدم الصحة بدونه.

لكن

قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3): «إذا قالت المرأة لزوجها جملة: لا أطيع لك أمرا مفسرا و غير مفسر حل له أن يأخذ منها، و ليس له عليها رجعة»

و خبر سماعة(4)قال للصادق عليه السلام: «لا يجوز للرجل أن يأخذ من المختلعة حتى تتكلم بهذا الكلام كله، فقال: إذا قالت: لا أطيع الله فيك حل له أن يأخذ منها ما وجد»

شاهدا عدل على عدم اعتبار تلك الأقوال، مضافا إلى اختلافها في تلك الألفاظ و الإجماع في الرياض، بل قضية جميلة(5)المتقدمة التي هي الأصل في نزول آية الخلع (6)خالية من ذكر الأقوال المزبورة.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 5 و ذكر ذيله في الباب- 4- منه الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 313.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 43

بل يقوى في النظر من ذلك كله أن المدار على الكراهة، إلا أنها لما كانت لا تعلم غالبا إلا بالقول أو الفعل- بل الأخير منهما لا دلالة فيه غالبا إلا بأن تفعل المخالفة لزوجها

- فلم يبق إلا القول الدال على ذلك، كما قالت جميلة زوجة ثابت (1)و إلا فالمدار على المدلول دون الدال، و من هنا اكتفى المصنف و من تأخر عنه- بل في كشف اللثام نسبته إلى الأصحاب- بالكراهة منها، سواء علم ذلك من قولها أو فعلها أو غيرهما، لأن بها يتحقق خوف عدم إقامة حدود الله تعالى فيما بينهما.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في الرياض من عدم الاكتفاء بالكراهة و إن وافق على عدم اعتبار العبارات المخصوصة، لكن قال: «لا بد من الوصول إلى هذا الحد الذي في النصوص، و هو تعديها في الكلام بما يدل على خوف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام» بل قال: لا وجه لإطلاق المتن و غيره الاكتفاء بالكراهة محتجا بظاهر النصوص المزبورة قال: «بل ربما دل بعضها على أن الاكتفاء بأقل من ذلك قول العامة» إلا أنه كما ترى حتى ما ذكره أخيرا، فإن

قوله عليه السلام في حسن الحلبي(2): «و قد كان الناس»

إلى آخره ليس إشارة إلى العامة، و إنما المراد حكاية فعل الناس، و أنهم يرخصون بأقل من هذا الكلام المنفر لكل أحد، بل مقتضاه فساد الخلع لكثير من النساء التي تختلع في عصرنا هذا و ما قاربه بمحضر من أعاظم علمائه.

و أغرب منه ما حكاه في الحدائق عمن عاصره من مشايخ بلاد البحرين من اعتبار الكراهة

الذاتية، قال: «و قد حضرنا في غير موضع مجلس الخلع، و كان لا يوقعونه إلا بعد تحقيق الحال و مزيد الفحص و السؤال في ثبوت الكراهة الذاتية، و عدم الكراهة العارضة، و السعي في قطع الأسباب الموجبة للكراهة التي تدعيها المرأة، ليعلم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 313.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.

ج 33، ص: 44

كونها ذاتية غير عارضية، فإذا تحقق ذلك و علموا أنه لا يمكن رفعها بوجه من الوجوه أوقعوا الخلع بها» و هو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب و لا سنة و لا فتاوى أصحاب لا في المقام و لا في غيره، بل كلامهم في باب الشقاق بين الزوجين صريح في خلافه، و الله الهادي إلى الصواب.

كما أن كلام المتأخرين مثل المصنف و غيره ظاهر أو صريح في عدم خلاف في المسألة حملا لكلام المتقدمين الذي منه ما سمعته من ابن إدريس على إرادة تحقق الكراهة منها، لا ما فهمه في الرياض من أنه لا بد معها من التعدي في الكلام على وجه يخاف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام.

بل في الحدائق «لم يشترط أحد فيما أعلم ممن تقدم أو تأخر البلوغ إلى هذا الحد المستفاد من هذه الأخبار و توقف الخلع على كلامها بشي ء من هذه العبارات» و لعله كذلك، ضرورة استبعاد دعوى اشتراط الاسماع المزبور تعبدا بحيث لا تجزئ الكراهة المتحققة التي يخاف معها من أمثال ذلك، بل يمكن دعوى القطع بعدمه خصوصا بعد ما سمعته (1)من بعض عبارات الأصحاب في المسألة الاتية.

و فرض حصول الكراهة مع الأمن من هذه الأحوال في امرأة لقوة دينها- كما يحكى عن امرأة كانت تحت شخص قد تمرض مرضا شديدا فبالغت في خدمته، فلما بري ء أراد جزاءها على ذلك، فقال لها: اقترحي علي جزاء، فقالت له:

اسكت عن هذا الكلام، ثم ألح عليها، فأجابته بأني أريد منك جزائي طلاقى، لأني كارهة لك من أول الأمر، و لكن فعلت ما فعلت خشية من الله تعالى شأنه في التقصير في حقك- مع أنه في غاية البعد- و لذا طلبت المرأة المزبورة أن يكون جزاءها طلاقها مخافة الوقوع في المحرم عليها من ترك حقوق الزوجية- يمكن أن يقال:

إن الشارع اكتفى بالكراهة التي من شأنها وقوع مثل ذلك، فلا ينافي تخلفها في بعض الأفراد النادرة، كما أنه لا يكتفي بالمخالفة و التقصير في حقوق الزوج مع عدم كونه عن كراهة، و لكن لضعف دين أو غيره، فتنقح من ذلك كله أن اعتبار


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة و في المسودة« تسمعه» و هو الصحيح.

ج 33، ص: 45

المتأخرين مطلق الكراهة في محله، و لعله مراد المتقدمين أيضا، بقرينة عدم ذكر الخلاف في المسألة، و حينئذ تكون الكلمة متفقة على ذلك.

و كيف كان ف لو قالت: لأدخلن عليك من تكره لم يجب خلعها للأصل، و ظاهر نفي الجناح و

الحل في الكتاب (1)و السنة(2)بل لا دليل في شي ء منهما على استحبابه و إن قال المصنف و غيره يستحب إلا أنه- للتسامح فيه- يمكن أن يكون وجهه الخروج من شبهة الخلاف و لما أرسله في المتن من أن فيه رواية بالوجوب و إن كنا لم نقف عليها كما اعترف به غيرنا أيضا، إلا أنه لا ينافي ذلك الاستدلال على الندب المتسامح فيه بها.

و من ذلك يظهر لك ضعف المحكي عن الشيخ و القاضي و جماعة من القول بالوجوب إذا قالت ذلك أو خيف عليها الوقوع في المعصية، استنادا إلى أن ذلك منكر منها و النهي عن المنكر واجب، و إنما يتم بالخلع.

و رده في المسالك و تبعه عليه غيره بمنع انحصار النهي في الخلع، بل تأدية بالطلاق المجرد من البذل أقرب إليه و أنسب بمقام الغيرة و النخوة من مراجعتها على بذل المال الحقير.

و فيه (أولا) منع كون القول نفسه من دون تعقبه بفعل منها منكرا.

و (ثانيا) منع وجوب الفراق عليه فضلا عن الخلع و إن أصرت هي على فعل الحرام، إذ الواجب من النهي عن المنكر القول أو الفعل الذي لا يستلزم فوات حقه، و إلا لوجب عليه تحرير العبد المصر على ترك طاعة سيده، و هو معلوم البطلان إذ لا يجب على الغير رفع يده من ماله أو حقه مقدمة لخلاص الآخر عن الحرام القادر على تركه بدون ذلك.

هذا و ظاهر القواعد بل و المتن و النافع اختصاص الخلاف في ذلك فيما لو


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 46

قالت القول المزبور، و المحكي عن الشيخ «و إنما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها إني لا أطيع لك أمرا، و لا أقيم لك حدا، و لا أغسل لك من جنابة، و لأوطئن فراشك من تكرهه إن لم تطلقني، فمتى سمع منها هذا القول أو علم من حالها عصيانه في شي ء من ذلك و إن لم تنطق به وجب عليه خلعها».

و عن ابن إدريس حمله على تأكد الاستحباب قال: «و إلا فهو مخير بين خلعها و طلاقها و إن سمع منها ما سمع بغير خلاف، لأن الطلاق بيده، و لا أحد يجبره على ذلك».

و عن ابن زهرة «و أما الخلع فيكون مع كراهة الزوجة خاصة، و هو مخير في فراقها إذا دعته إليه حتى تقول له: لئن لم تفعل لأعصين الله بترك طاعتك، و لأوطئن فراشك غيرك، أو يعلم منها العصيان في شي ء من ذلك، فيجب و الحال هذه طلاقها».

و عن ابن حمزة «و ما يوجب الخلع أربعة أشياء: قول من المرأة أو حكمه، فالقول أن تقول: أنا لا أطيع لك أمرا، و لا أقيم لك حدا، و لا اغتسل لك من جنابة، و لأوطئنّ فراشك من تكرهه، و الحكم أن يعرف ذلك من حالها» و الأمر في ذلك سهل بعد ضعف القول المزبور على كل حال.

و يصح خلع الحامل مع رؤية الدم كما يصح طلاقها و لو قيل إنها تحيض لأنها إحدى الخمس التي يطلقن على كل حال، و قد عرفت أن الخلع طلاق أو كالطلاق في الأحكام، مضافا إلى

خبر زرارة و محمد(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «الخلع تطليقة بائنة و ليس فيه رجعة، قال زرارة: لا يكون إلا على مثل موضع الطلاق، إما طاهرا و إما حاملا بشهود»

فما عن بعض الأصحاب- من أنها إن حاضت لم يجز خلعها و إن جاز طلاقها- واضح الضعف و إن قيل: إنه مبنى على كونه فسخا مع عموم ما سمعته من الخبرين (2)لكنه كما ترى.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3 و 4.

ج 33، ص: 47

و كذا التي لم يدخل بها و لو كانت حائضا، و تخلع اليائسة و أن وطأها في طهر المخالعة.

و يعتبر في العقد حضور أي شهادة شاهدين دفعة بمعنى سماعهما صيغة العقد على نحو ما سمعته في الطلاق الذي قد عرفت أن الخلع بإيجابه و قبوله فرد منه، بل إن لم نقل أنه فرد منه يعتبر فيه ذلك لإطلاق المنزلة، و النصوص (1)الخاصة التي مر عليك بعضها، فلا إشكال في المسألة و حينئذ ف لو افترقا لم يقع لكن في المسالك «و اعلم أن إثبات هذا المطلوب من النصوص على القول بكونه فسخا لا يخلو من إشكال، و لعل الاستناد إلى الإجماع أسهل» و فيه ما لا يخفى.

و يعتبر فيه أيضا تجريده عن شرط يقتضي تعليقه، للأدلة التي سمعتها في الطلاق و غيره، فما في المسالك من أن دليله غير صالح، و عموم الأدلة على مشروعيته يتناول المشروط، و ورود النص (2)بجواز تعليق الظهار على الشرط يؤنس كونه غير مناف للصحة في الجملة قد عرفت ما فيه في الطلاق، فلا حاجة إلى إعادته، و كفى بالإجماع المحقق هنا دليلا.

و يصح الخلع من المحجور عليه لتبذير أو فلس بلا خلاف بل و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و عمومها السالمة عن معارضة الحجر الذي لا ينافي ذلك، سواء أذن الولي أم لم يأذن، و سواء كان العوض بقدر مهر المثل أو دونه، فان ذلك لا يزيد على الطلاق مجانا الذي هو نافذ منهما، لعدم منافاته للحجر في المال، فما عساه يظهر من قواعد الفاضل- من اعتبار كون المبذول عوض المثل، و عن التذكرة التردد في ذلك- في غير محله، لعدم الدليل على الحجر عليه في ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه.

نعم لا يجوز للمرأة تسليم المال إلى السفيه، بل تسلمه إلى الولي، فإن سلمته إلى السفيه و كان الخلع على عين أخذه الولي من يده، فان تلفت في يد السفيه قبل


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 48

علم الولي بالحال ففي المسالك و غيرها «رجع على المختلعة بمثلها أو قيمتها، لحصول التلف قبل قبض المستحق للقبض، و لو علم و

تركها في يده حتى تلفت مع تمكنه من قبضها ففي ضمان الولي أو الدافع وجهان، أجودهما الثاني و إن أثم الولي بتركها في يده.

و إن كان الخلع على دين رجع الولي على المختلعة بمثله، لأنه لم يجر قبض صحيح تحصل به البراءة، و تسترد المختلعة من السفيه ما سلمته إليه، فإن تلف قبل رده ففي ضمانه له وجهان تقدما في بابه، و لا ضمان هنا على الولي و إن أمكنه انتزاعه منه بغير إشكال، لأنه ليس عين الحق. هذا كله إذا كان التسليم إلى السفيه بغير إذن الولي، فإن كان بإذنه ففي الاعتداد به وجهان: من أنه تسليم مأذون فيه ممن له الولاية فكان مبرئا، و من الشك في نفوذ مثل هذا الإذن إذ ليس للولي أن يفوض إلى السفيه الأمر في ماله إلا أن يفرض مراعاته له بحيث لا يخرج عن يده، فيتجه البراءة، و هذا التفصيل حسن، و أطلق في القواعد البراءة مع إذنه، و لا يخلو من إشكال».

قلت: قد تقدم تحقيق الحال في تصرفات السفيه في بابه، لكن المتجه هنا ضمان السفيه ما دفعته إليه، إذ ليس هو كالمجنون الذي يكون الدافع إليه أقوى في الإتلاف، لأنه عاقل، و قد دفع إليه المال على وجه مخصوص لا مجانا، فلا ريب في أنه أقوى من السبب، و من هنا كان المحكي عن التذكرة نفى البأس عن التضمين مطلقا بعد فك الحجر عنه.

و حينئذ فما في القواعد نحو ما سمعته من المسالك- من أنه ليس لها الرجوع على السفيه بعد فك الحجر عنه، لأنها سلطته على إتلافه بتسليمه- لا يخلو من نظر خصوصا مع الجهل بحاله، بل قد يقال: لها المطالبة لوليه بذلك قبل فك الحجر عنه، بل قد يقال بحصول التهاتر قهرا معها، لاشتغال ذمته لها بما اشتغلت ذمتها له، و بذلك يظهر لك أن ما في المسالك و كشف اللثام تبعا للقواعد لا يخلو من غبار فتأمل، هذا

ج 33، ص: 49

كله في الخالع إذا كان سفيها أو مفلسا.

أما المختلعة السفيهة فلا ريب في فساد بذلها بدون إذن الولي كما في القواعد و غيرها، و كذا المفلسة مع فرض بذلها شيئا مما تعلق به حق الغرماء، نعم لو بذلت شيئا في ذمتها صح، بل قد يقال بصحة ذلك في السفيهة أيضا على وجه تتبعه به بعد فك الحجر عنه كالأمة.

و كذا يصح الخلع من الذمي بل و الحربي بلا خلاف و لا إشكال لإطلاق الأدلة و عمومها، بل لو كان البذل خمرا أو خنزيرا صح معاملة لهم بدينهم و إن لم يجز بين المسلمين نعم لو أسلما أو أحدهما قبل الإقباض ضمنت القيمة عند مستحليه للتعذر الشرعي المنزل منزلة التعذر الحسي، و قد يحتمل سقوط حقه منه لو كان المسلم هو، كما سمعت حكاية المصنف له قولا فيما لو أسلمت قبل قبض المهر و كان خمرا.

و لو ترافعا إلينا و كان الخلع بعوض صحيح قبل الإسلام أو بعده منهما أو من أحدهما قبل القبض أو بعده كلا أو بعضا أمضاه الحاكم و إن كان العوض فاسدا.

ثم إن ترافعا بعد التقابض فلا اعتراض و إن كان قبله لم يأمر الحاكم بقبضه، بل يوجب عليهما القيمة، و كذا لو أسلما ثم تقابضا ثم ترافعا أبطل القبض، و لا شي ء عليهما إلا إذا كانا علما الحرمة، فيعزرهما كما عن المبسوط.

و كيف كان ف الشرط الذي يتوقف صحة الطلاق الخلعي على تجرده منه إنما يبطل إذا لم يقتضه العقد، فلو قال: فان رجعت رجعت لم يبطل ب هذا الشرط، لأنه مقتضى الخلع، و كذا لو شرطت هي الرجوع في الفدية (11) الذي هو لها شرطت أو لم تشرط، بل في المسالك «الضابط في كل شرط لا يصح تعليق العقد عليه هو الشرط الخارج عن مقتضى العقد، فلو شرط ما هو مقتضاه- بمعنى أن مضمونه يتناوله العقد و إن لم يشترط- لم يضر و كان ذلك بصورة الشرط لا بمعناه، كقوله: إن رجعت في البذل رجعت في الطلاق، فان ذلك أمر ثابت مترتب على صحة الخلع شرط أم لم يشرط، و كذا قولها: على أن لي الرجوع فيه في العدة

ج 33، ص: 50

و نحو ذلك» و قد تبعه غيره على هذا الكلام.

لكنه لا يخلو من غبار، ضرورة أنه إن كان المراد من الشرط في المقام هو ما يلزم به نحو الشرائط الإلزامية في العقود فهو خارج عما نحن فيه من الشرط التعليقي الذي قد تقدم اعتبار تجرد الطلاق عنه، و إنما هي مسألة أخرى لا مدخلية لها في اشتراط مقتضى العقد و عدمه، بل مبناها على قابلية الطلاق بل و غيره من الإيقاعات للشرائط الإلزامية على نحو العقود أو خصوص الخلع منه باعتبار مشابهته للعقد،

لعموم «المؤمنون عند شروطهم»(1)

و عدمها إلا ما دل عليه الدليل في العتق، و لعل الأقوى عدم قبول الإيقاع و خصوص الطلاق الذي هو بمنزلة الإقالة في العقود و الفسخ بالعيب و نحوه حتى الخلع منه للشرط بالمعنى المزبور، و ذلك لأن الإيقاع معنى متحد يتحقق بانتهاء صيغته، و ليس هو كالعقد المركب من القصدين الذي يقع القبول فيه لما يذكر في الإيجاب من العوض و الشرط و غيرهما، و من هنا يتسلط على الفسخ بعدم الوفاء بالشرط في العقد، باعتبار كون المراد عند التحليل عدم الالتزام بالعقد إذا لم يحصل الشرط الذي هو فيه جزء من العوض أو المعوض، و هذا المعنى لا يمكن التزامه في الإيقاع، خصوصا في مثل الطلاق الذي هو بمنزلة الفسخ بالعيب و نحوه حتى الخلع منه، بناء على ما عرفت من عدم إرادة المعاوضة الحقيقية فيه. و على كل حال فهذه مسألة خارجة عما نحن فيه.

و إن كان المراد بالشرط هنا هو الذي يقتضي تعليق إنشاء الإيقاع، فتحقيق الحال فيه أن الإجماع بقسميه على اعتبار التنجيز في العقد و الإيقاع، و لا ريب في منافاة التعليق له، و قد ذكرنا في السابق أن وجه البطلان في المقتضى تأخير الأثر- سواء كان على أمر محتمل أو متيقن الحصول- هو منافاته لمقتضى التسبيب المستفاد من أدلة شرعية هذه الأسباب.

و أما لو علق على أمر مقارن كقول: «أنت طالق إن كانت الشمس طالعة»


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 33، ص: 51

فقد ذكر بعضهم أنه يبطل أيضا إذ كان مترددا في ذلك بخلاف ما لو كان عالما بحصولها، فإنه لا تعليق حقيقة فيه، و إنما هو صورة تعليق، و كذا الكلام في «إن كانت زوجتي فهي طالق» و «إن كان ملكي فقد بعتك».

لكن قد يناقش بأن العلم بحصول المعلق عليه لا ينافي صدق تعليق الإنشاء حقيقة، ضرورة كون الإنشاء كيفية نفسانية، و لا ريب في اختلافها بحسب التنجيز و التعليق، سواء كان المعلق عليه معلوم الحصول أو لا، فيتحقق حينئذ عدم التنجيز المفروض اعتباره في العقد و الإيقاع.

اللهم إلا أن يدعى منع الإجماع بقسميه على اعتبار التنجيز بهذا المعنى، لكنه كما ترى، إذ التنجيز معنى متحد، فمع فرض كونه معقد الإجماع الذي هو دليل المسألة يتجه البطلان، لعدم حصوله قطعا، إذ لا مدخلية لوجود المعلق عليه و عدمه في صدق التعليق المنافي للتنجيز حقيقة في نحو قوله: «بعتك هذا إن كانت السماء فوقنا و الأرض تحتنا».

و حينئذ فمقتضيات العقد المذكور استثناؤها لا تزيد على المعلق عليه المعلوم الحصول، فلو قال: «خلعتك إن كان لي الرجوع برجوعك بالبذل» كان تعليقا، خصوصا إذا كان جاهلا بالحال، و كذا لو قال: «بعتك إن كان لي الخيار في المجلس» أو «إن كان لي الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيام» بل و كذا لو قال:

«بعتك إن كنت أملك الثمن» و هكذا.

نعم لا بأس بأن يقول بعد الخلع: «إن رجعت بالبذل رجعت بالبضع» على وجه لا يكون تعليقا للعقد، و كذا لو قالت هي بعد البذل: «و لي الرجوع بذلك في العدة» فإنه لا يقتضي التعليق في الإنشاء الذي قد عرفت أنه كيفية نفسانية، و الفرض حصولها من دون تعليق، فليس هو إلا منجزا، و الشرط المزبور إنما هو لغو، بل لا يتعقل فيه معنى الشرطية، و بذلك اتضح لك تحقيق الحال، و ربما يأتي لك زيادة تحقيق.

و من الغريب أنه في المسالك أعرض عن إشكال المسألة بما ذكرت و ذكر

ج 33، ص: 52

إشكالها بتخلل كلام بين الإيجاب و القبول في الأول على تقدير تأخر القبول، و تخلله بين الاستدعاء و الإيجاب في الثاني على تقدير تقدم الاستدعاء، و قد تقدم اعتبار الفورية بينهما المعلوم اندفاعه بأن ذلك لا يقدح، لأنه بناء على الصحة من توابع العقد و متعلقاته، فلا يضر فصله، بل لا فصل فيه، كما هو واضح. هذا كله في التعليق على الأمر الحاصل المقارن أو على خصوص ما اقتضاه.

أما لو قال: «خالعتك إن شئت» لم يصح و إن شاءت مقارنا لتمام إيجابه لأنه شرط ليس من مقتضاه و رافع للتنجيز المفروض اعتباره، خصوصا بعد أن كان التعليق على كلي المشيئة الذي لا ريب في بطلانه و إن كان أحد أفرادها المقارن.

و كذا لو قال: إن ضمنت لي ألفا أو أعطيتني أو ما شاكله و كذا باقي أدوات التعليق نحو متى أو مهما أو أي وقت أو أي حين و من الواضح الفرق بين ذلك و بين قوله: «خالعتك بألف» مثلا من غير أن يتقدم سؤالها و إن كان في المعنى هو مشروطا بقبولها، لكنه تعليق شرعي لا لفظي من المنشئ الذي لو قال مثلا: «بعتك كذا بكذا إن قبلت» بطل قطعا، لكونه تعليقا من المنشئ منافيا للتنجيز المفروض اعتباره.

و من الغريب ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر البطلان في هذه الأمثلة معللا لها بالتعليق و غيره قال: «و في الحقيقة هذه الأحكام كلها راجعة إلى صور الشرائط المرتبطة بالألفاظ، و إلا فالمعنى متحد، و إثبات الأحكام بمثل هذه الاعتبارات لا يخلو من تكلف».

و فيه ما لا يخفى من عدم تنقيحه لما هو المدار في المسألة، و إلا فلا ريب في عدم التنجيز في هذه الأمثلة و ما شابهها، و هي شرائط حقيقية لا صورية، و الفرق بين التعليق الشرعي و الإنشائي في كمال الوضوح، كالفرق بين الإنشاء التنجيزي و التعليقي سواء كان المعلق عليه متوقع الحصول أو معلومه أو هو حاصل فعلا و من مقتضى

ج 33، ص: 53

العقد أو غيره.

و أغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: «و بقي البحث في تعليق الاستدعاء على الشرط، و قد تقدم تجويزه و في التحرير لو قالت إن طلقتني واحدة فلك على ألف فطلقها فالأقرب ثبوت الفدية، و هو تعليق محض، إلا أن يقال بأن الاستدعاء يتوسع فيه، و من ثم لم يختص بلفظ بخلاف الخلع الواقع من الزوج، و في الحقيقة كل لفظ يتقدم منهما فهو معلق على الآخر، و من ثم قلنا: إنه مع تأخير القبول من جانبها يكون في الخلع شائبة الشرط، إلا أنهم اعتبروا في نفس الخلع الذي هو عبارة عن اللفظ الواقع من الزوج تجرده عن صورة الشرط بخلاف اللفظ الواقع منها، و لو جعلنا الخلع عبارة عن العقد المركب منهما أشكل الفرق، و على ما ذكره في تعريف الخلع في التحرير- من أنه عبارة عن بذل المرأة المال للزوج فدية لنفسها- يقوى الاشكال، خصوصا في حكمه الذي حكيناه عنه».

قلت: هو من غرائب الكلام، و مناف لما أسلفه سابقا جازما من جواز التعليق في استدعائها الذي هو عنده أحد ركني المعاوضة، و قد تقدم مناقشتنا له في ذلك، و التوسع في الاكتفاء عنه بكل لفظ لا مدخلية له في جواز التعليق، ضرورة ثبوت التوسع في القبول في سائر العقود الجائزة المعلوم عدم جواز التعليق فيها و أغرب من ذلك قوله: «و في الحقيقة كل لفظ» إلى آخره، إذ قد عرفت أن ذلك تعليق شرعي لا إنشائي.

نعم قد يقال: إن ذلك منهم بناء على جواز التعليق عندهم في بذلها مؤيد لما قلناه من عدم كونها معاوضة حقيقية مشتملة على الإيجاب و القبول، بل البذل منها داع على صدور الطلاق منه عليه، فحينئذ لا يقدح تعليقه، إذ ليس قبول إيجاب و إنشاء معاوضة، و إن جرى عليه بعض أحكامها من الفورية مثلا و غيره، للإجماع أو لأنه المتيقن من صحة الخلع المخالف للأصل، كما عرفت ذلك مكررا.

ج 33، ص: 54

[النظر الرابع في الاحكام]
[و فيه مسائل]
[المسألة الأولى لو أكرهها على الفدية فعل حراما]

الاولى:

لو أكرهها على الفدية فعل حراما بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كونه ظلما محرما، و يتحقق الإكراه عليها بنحو ما سمعته من الإكراه على الطلاق و غيره من العقد و الإيقاع، إذ الإكراه حقيقة واحدة في الجميع، و ليس منه ترك ما لا يجب عليه من الأمور المتعلقة بالزوجية و إن تأذت بذلك و التجأت إلى الفداء حتى الإغارة بزوجة، بل و إن قصد بذلك بذلها الفداء، بل ليس منه ترك حقوقها الواجبة عليه مع فرض عدم قصد إرادة البذل منها بذلك، نعم متى قصد بالترك بذل الفداء بتحقق الإكراه كما تقدم الكلام في ذلك في باب الشقاق بين الزوجين.

و على كل حال ف لو طلق به أي الإكراه صح الطلاق و لم تسلم له الفدية التي فرض الإكراه عليها و كان له الرجعة إن كان المورد مما له الرجعة فيه، و إلا بطل أصل الطلاق أو كان بائنا على البحث السابق، أو هو بائن على كل حال، لكون التقصير في المقام من جانبه.

نعم لا خلاف معتد به في صيرورة الطلاق رجعيا إذا كان مورده كذلك، و لا يستلزم بطلان الفداء بطلانه، و لعله لما عرفت من عدم المعاوضة الحقيقية، بل كان الفداء باعثا، و ربما كان كلامهم في المقام مؤيدا لذلك، ضرورة كون المتجه على

ج 33، ص: 55

المعاوضة حقيقة بطلان أصل الطلاق، لمعلومية بطلان المعاوضة ببطلان العوض الذي هو أحد أركانها، و لذا قال في المسالك من غير نقل خلاف: «إنه إن كان الواقع خلعا بطل، و إن قلنا: إنه طلاق فلا يكون رجعيا، لأن ماهيته لا تتحقق بدون صحة البذل عندنا» و إن كان قد يناقش بأن عدم صحته خلعا لا ينافي صحته طلاقا فالأولى تعليله بعدم وقوع الطلاق بلفظ «خلعت» بل هو كناية في غير الخلع من الطلاق، و فيه التأمل الذي ذكرناه سابقا.

[المسألة الثانية لو خالعها و الأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع و لا يملك الفدية]

المسألة الثانية:

لو خالعها و الأخلاق ملتئمة أي لا كراهة بينهما لم يصح الخلع و لا يملك الفدية بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى السنة(1)المستفيضة أو المتواترة التي قد مر كثير منها، بل و ظاهر اعتبار الخوف من عدم إقامة حدود الله تعالى (2)المنتفي في الفرض.

و لو طلقها و الحال هذه بعوض لم يملك العوض، و لكن صح الطلاق، و له الرجعة مع فرض كون مورده رجعيا، و إلا كان بائنا أو باطلا على البحث السابق بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص المستفيضة على عدم حل أخذ شي ء منها مع عدم الكراهة.

هذا و لكن في المسالك بعد أن ذكر الحكم الأول قال: «هذا بالنسبة إلى الخلع، و أما الطلاق بعوض فمقتضى كلام المصنف و الجماعة كونه كذلك، لاشتراكهما في المعنى، بل عده في المبسوط خلعا صريحا حيث قسمه إلى واقع بصريح الطلاق، و إلى واقع بغيره، و جعل الأول طلاقا و خلعا، و جعل الخلاف في


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 2- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 33، ص: 56

الثاني هل هو طلاق أم لا، و هذا إن كان إجماعا فهو الحجة في حكمه، و إلا فلا يخلو من إشكال، لأن النصوص (1)إنما دلت على توقف الخلع على الكراهة، و ظاهر حال الطلاق بعوض أنه مغاير له و إن شاركه في بعض الأحكام» و

قد تكرر منه هذا الكلام في المسالك و الروضة، و أنكر عليه سبطه معترفا بعدم الموافق له على ذلك من المتقدمين و المتأخرين.

و قد أطنب في الحدائق في بيان فساده بعد أن حكى ما وقع له من ذلك في المسالك و الروضة في مواضع، و حكى عن بعض معاصريه موافقته له في ذلك، و أنهم طلقوا بالعوض جملة من النساء مع عدم الكراهة، فضلا عن الجهل بالحال.

و لقد عثرت على رسالة كبيرة مصنفة في هذه المسألة للعالم الرباني المحقق المدقق الميرزا أبي القاسم القمي قدس سره و هو و إن أبدع فيها و ذكر فيها أنه منذ أربعين سنة أو أزيد كان على خلاف ما ذكره الشهيد و لكنه ظهر له بعد ذلك صحته، و صنف الرسالة المزبورة التي هي و إن أبدع فيها لكنها أوفق بفقه الأعاجم المبني على التجشم و التدقيق المعلوم كونه على خلاف طريقة المعتدلين من أهل الفن، و كان منشأ الوهم ما وقع للمصنف و غيره من ذكر حكم الخلع مستقلا، و ذكر حكم الطلاق بعوض غير مرة، و ما وقع لبعضهم كالفخر و المقداد و أبي العباس في تعريف الخلع مما يقتضي كون الطلاق بعوض مفهوما آخر غير الخلع، و من ذلك و نحوه نشأ الوهم في أنه شي ء مستقل يوافق الخلع و يفارقه، بل ظاهر بعض كلمات القمي في رسالته المزبورة أنه حيث يكون موافقا للخلع يقصد به معنى الخلع لا الطلاق و لقد أشرت سابقا إلى ما يفسد هذا كله، فلاحظ و تأمل.

و لكن نزيدك هنا أنه ليس في شي ء من النصوص طلاق العوض أو طلاق الفداء، نعم

فيها «أن الخلع و المبارأة طلاق(2)»

و ظاهرها كالفتاوى إرادة الفردية


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2 و فيه « الخلع و المبارأة تطليقة بائن».

ج 33، ص: 57

منه لا المشاركة في الحكم، بل ظاهر آية الفداء(1)التي هي في مقام الطلاق، فعلم من ذلك أعمية الطلاق منه على نحو ما قررناه في السلم الذي هو قسم من البيع، و لا ينافي ذلك تعريف الطلاق سابقا بما لا يشمل الخلع المبني على إرادة تعريف المقابل للخلع منه لا المعنى الأعم الشامل له و لغيره، و حينئذ فلا يحتاج إلى قصد معنى الخلع بلفظ الطلاق المستعمل في مورد الخلع، بل يقصد معناه و يكون خلعا باجتماع شرائطه، كما يكون البيع في مقام السلم سلما، و حينئذ فلا ريب في أن مفهوم الطلاق بالعوض و مفهوم الخلع متباينان، و لكن لا مصداق لهما إلا مورد الخلع، و من هنا افترق الخلع عن الطلاق بالعوض في صيرورة الثاني رجعيا ببطلان بعض شرائط الخلع بخلاف الأول، فإنه يبطل من أصله.

و من الغريب دعوى الفاضل المزبور تحقق الطلاق بالعوض في غير مورد الخلع، و ذكر له أقساما ستة: أولها الطلاق بالعوض، و الثاني الصلح عن الطلاق بكذا، و الثالث الهبة المعوضة بالطلاق، و الرابع الجعالة على الطلاق، و الخامس اشتراط الطلاق بعقد بيع مثلا، و السادس الطلاق مع شرط العوض، و ذكر أن دليل صحة ما عدا الأول و الثاني منها عمومات الصلح و الهبة و الجعالة و البيع.

ثم أطنب في اقتضاء الطلاق الواقع في المذكورات البينونة إلا مع التقايل و التفاسخ أو يكفي وقوعه و إن جاز له الرجوع به حيث يكون رجعيا، و تجشم لكونه كالخالع حينئذ بكون المراد في الصلح و الهبة و الجعالة و الشرط في البيع طلاقا لا رجعة له فيه، فهو حينئذ في قوة اشتراط عدم الرجعة به و إن كان لو لا ذلك لكان رجعيا، و جعل دليل الأول قوله تعالى (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» الشامل و لو للعقد الجديد و ما دل على الوفاء بالميثاق أو العهد المحتمل إرادته أيضا من الوفاء بالعقود، و دليل الأخير

«المؤمنون عند شروطهم»(3)

الشامل للإلزام بالعوض على جهة


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 33، ص: 58

الشرطية و لو في ضمن الإيقاع كالشرط في العتق، إلى غير ذلك مما ذكره فيها الذي لولا الأدب معه لقلنا فيه ما قلنا.

و من هنا ذكرنا أنها أوفق بفقه الأعاجم، وليته بقي على حاله قبل الأربعين سنة، ضرورة خروج مفهوم الطلاق بعوض عن المذكورات أجمع، فإنه فيها قد وقع عوضا، لا أنه بعوض الذي يراد منه أنت طالق بكذا على وفق الخلع، على أنه يمكن المناقشة في صحة الصلح عن الطلاق، بل و جعله عوضا عن الهبة، بل و في كونه عملا بجعل و إن صرح بجوازه ثاني الشهيدين و بعض من تأخر عنه.

و أغرب من ذلك كله الاستدلال على الأول بعموم «أَوْفُوا»(1)و غيره الذي من المعلوم عدم تناوله للمفروض، و على الثاني

بعموم «المؤمنون عند»(2)

إلى آخره الذي قد ذكرنا غير مرة عدم تناوله للإيقاع.

و بالجملة هذه الكلمات و نحوها مما لا ينبغي أن تسطر في أثناء كتب الشيعة التي هي معدن أسرار النبوة، و مبرأة من أمثال هذه الكلمات اللائقة بكتب العامة لا الخاصة.

و أغرب من ذلك كله الاستدلال على صحته بعوض أو بشرط إلزامي بعمومات الطلاق الذي هو مجرد إنشاء الفسخ الذي هو غير قابل للنقل أو الإلزام بشي ء.

و من ذلك كله و غيره ظهر لك الوجه فيما اتفق الأصحاب عليه من عدم صحة الطلاق بعوض إلا في مورد الخلع، و حينئذ تلحقه أحكامه من الرجوع بالبذل و غيره، كما هو واضح.


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.

ج 33، ص: 59

[المسألة الثالثة إذا أتت بالفاحشة جاز عضلها]

المسألة الثالثة:

إذا أتت بالفاحشة جاز عضلها عندنا لتفدي نفسها لقوله تعالى(1):

«وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» و قيل: هو منسوخ بآية الحد(2)التي هي غير منافية له و لم يثبت النسخ، بل و لا القائل به منا، كما اعترف به في المسالك و كشف اللثام، قال في الأول منهما: «و اعلم أن القول الذي حكاه المصنف من كون الآية منسوخة تبع فيه الشيخ في المبسوط، و هو قول بعض العامة، و أما أصحابنا فلا يعرف ذلك لهم و لم ينقله أحد من الأصحاب عنهم، و لكن الشيخ في المبسوط يحكي أقوالهم و يختار منها ما ترجح عنده، و قد نقل القول بكونها منسوخة بقول و قيل، و هو ضعيف المستند».

و المراد بالعضل هنا مضارة الزوجة و التضييق عليها بسوء العشرة لتضطر إلى الافتداء منه بمالها، لأن أصل العضل على ما عن الهروي و غيره: التضييق و المنع، يقال: أردت أمرا فعضلني عنه زيد إذا منعه و ضيق عليه، و أعضل في الأمر إذا ضاق.

و أما الفاحشة ففي المسالك «قيل: هو الزنا، و قيل: ما يوجب الحد مطلقا، و قيل: كل

معصية- ثم قال-: و كون الحكم على خلاف الأصل ينبغي الاقتصار منه على محل الوفاق، و هو الأول، لأنه ثابت على جميع الأقوال».

و في كشف اللثام «هي كل معصية كما في التبيان و مجمع البيان و أحكام القرآن للراوندي أو ما مر من أقوالها إذا كرهت الزوج، كما في تفسير علي


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 19.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 2.

ج 33، ص: 60

ابن إبراهيم (1)».

و في الحدائق «و أما ما يتعلق بهذه الآية(2)من الأخبار فلم أقف إلا على ما ذكره أمين الإسلام الطبرسي في كتاب مجمع البيان، حيث قال «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» أي ظاهرة، قيل: و فيها قولان: أحدهما يعني: إلا أن يزنين، عن الحسن و أبي قلامة(3)و السدي، و قالوا: إذا اطلع منها على زنية فله أخذ الفدية منها، و الآخر أن الفاحشة النشوز، عن ابن عباس، و الأولى حمل الآية على كل معصية، و هو المروي عن أبي جعفر عليه السلام (4)و اختاره الطبري».

هذا و في المسالك «هل يتقيد جواز العضل ببذل مخصوص كمقدار ما وصل إليها؟ ظاهر المصنف و الأكثر عدمه، لإطلاقهم الجواز إلى أن تفدي نفسها، لإطلاق الآية، و لعدهم هذا خلعا،

و هو غير مقيد، و رجح الشهيد في بعض تحقيقاته تقييده بما وصل إليها منه من مهر و غيره حذرا من الضرر العظيم، و استنادا إلى

قوله صلى الله عليه و آله لزوجة ثابت بن قيس (5)و قد قالت أزيده: «لا، حديقته فقط» و في بعض ألفاظ الخبر «أما الزيادة فلا، و لكن حديقته»(6)

و حمل كلام الأصحاب على غير صورة العضل، أو على ما إذا بذلت الزيادة من قبل نفسها- ثم قال- و في الاحتجاج من الجانبين معا نظر، لأن الاستثناء في الآية وقع من إذهاب الأزواج ببعض ما آتوهن لا بجميعه، و الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل في اللفظ، و الجميع غير داخل فيه، فإطلاق الاستثناء لا يفيد، فلا حجة فيها للفريقين، و أما الخبر فلا دلالة فيه أيضا على


1- 1 تفسير على بن إبراهيم ص 73 و نقله في تفسير البرهان ج 1 ص 355.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 19.
3- 3 في هامش النسخة الأصلية أبى قدامة خ ل الا أن الموجود في الحدائق و مجمع البيان« أبي قلابة».
4- 4 مجمع البيان ج 2 ص 24 ط صيدا- سورة النساء: 4 ذيل الآية 19.
5- 5 المتقدم في ص 3.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 314.

ج 33، ص: 61

موضع النزاع، لأن المرأة المذكورة ليست من هذا الباب، و لا عضلها زوجها، و إنما كان يريدها لو رضيت عنه، و إنما هي الكارهة له على أصل قاعدة الخلع، و تقييده صلى الله عليه و آله بالحديقة لكون الزوج طلبها، و إلا لجازت الزيادة إجماعا، و أما حمله لكلام الأصحاب على غير صورة العضل ففيه أنهم أطلقوا فيها، على أنك قد عرفت عدم الدليل على التقييد بقدر ما أخذت منه لا من الآية و

لا من الخبر، و ليس ذلك من باب الخلع و المبارأة ليبحث عن تقييده بذلك و شبهه، و أما حديث الإضرار فحسن، لكنه غير مقيد بكون البذل بمقدار ما وصل إليها، بل بما يحصل معه الإضرار و عدمه، و الأظهر الاقتصار في تقدير العضل على بعض ما وصل إليها مطلقا، عملا بظاهر الآية و وقوفا فيما خالف الأصل على محل اليقين» و نحو ذلك قد ذكر في الروضة أيضا.

قلت: صريح كلامه أن المقام ليس من الخلع و المبارأة بعد أن اعترف سابقا أنهم قد عدوه في بابه، و ظاهرهم كون المقام منه، و إلا فقد صرحت النصوص (1)المستفيضة أو المتواترة بعدم حل أخذ شي ء منها بدون كراهتها الظاهرة بالأقوال المزبورة، و قد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مصداق له غير مورد الخلع.

بل لعل التأمل في كلامهم في المقام و ذكرهم الفدية و نحوها يشرف الفقيه على القطع بكون الفرض من مقام الخلع، و إلا لذكروا له أحكاما مستقلة من كونه طلاقا بائنا حينئذ أو رجعيا، و أنه يجوز له الرجوع بما أفدته أو لا، إلى غير ذلك من الأحكام.

على أنه بناء على إرادة كل معصية من الفاحشة ينبغي القول بجواز إكراه المرأة على إفدائها بكل ما يقترحه عليها أو بمقدار ما وصل إليها منه أو بعضه بمجرد غيبة أو كذبه أو غير ذلك من المعاصي و إن كانت المرأة كارهة للفراق و محبة لزوجها، و هو

حكم غريب لم يذكره فقيه، و لا بحثوا عنه، و لا ذكروا له


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 62

أحكاما.

و كذا لو قلنا بأن المراد منها الزنا أو ما يوجب الحد، بل لعل القول بجواز الإكراه لها بما لا يجوز له قبل الفاحشة من سائر أفراد الظلم حتى تفدي نفسها من المستنكرات.

فالأولى أن يقال: إن المراد جواز إكراه المرأة الكارهة لزوجها التي هي موضوع الخلع إذا جاءت بالفاحشة، و هي نشوزها و خروجها عن طاعته، لكراهتها له بالتضييق عليها من الهجر و قطع النفقة و غير ذلك مما هو جائز لها حتى تفدي نفسها منه بما يشاء منها، و هو في الحقيقة ليس إكراها بما لا يجوز له، بل هو إكراه بحق فتأمل جيدا، فان المقام غير محرر في كلماتهم، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا صح الخلع فلا رجعة له]

المسألة الرابعة:

إذا صح الخلع فلا رجعة له بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد الأصل و النصوص المستفيضة أو المتواترة التي منها

قول الرضا عليه السلام في صحيح ابن بزيع (1)«تبين منه، و إن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها و تكون امرأته فعلت»

و في ذيل

صحيح ابن سنان المروي في المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم (2)«لا رجعة للزوج على المختلعة، و لا على المبارأة إلا أن يبدو للمرأة، فيرد عليها ما أخذ منها»

بل و مفهوم

موثق أبي العباس (3)عن الصادق عليه السلام «المختلعة إن رجعت في شي ء من الصلح يقول: لأرجعن في بضعك»

و غيرها من النصوص (4)الصريحة و الظاهرة، و إنما ذكرنا هذه خاصة منها لجمعها بين


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 63

الدلالة على ذلك و على أن لها الرجوع في الفدية ما دامت في العدة و إن لم يرض الزوج بذلك.

نعم مع رجوعها يرجع إن شاء الذي لا أجد فيه خلافا، أيضا إلا من ابن حمزة، فاعتبر التراضي منهما مع إطلاقهما، أما إذا قيدا أو أحدهما كان للمرأة الرجوع بما بذلت، و له الرجوع بها إن شاء، و لا ريب في ضعفه و إن نفى عنه البأس في المختلف، ضرورة كونه كالاجتهاد في

مقابلة النص الحاكم على قاعدة كون ذلك مقتضى المعاوضة بعد تسليم كونها كذلك حقيقة.

إنما الكلام في اشتراط جواز رجوعها بإمكان صحة رجوعه و عدمه، صريح جماعة كما عن ظاهر الشيخ الأول، بل ربما نسب إلى الشهرة، و ظاهر غير واحد ممن أطلق جواز الرجوع بها حتى المصنف الثاني.

و لعل الأقوى الأول،

لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار»

و غيرها، مضافا إلى ظاهر النصوص المزبورة، حتى الأول (1)منها الذي مقتضاه اشتراط الجواز المستفاد من قوله عليه السلام «فعلت» برد ما أخذت منه، و كونها امرأة له المنزل على إرادة بحكم امرأته، باعتبار جواز الرجوع له حينئذ، للإجماع على عدم رجوعها زوجة له بمجرد رجوعها بالبذل، فلا يجوز لها رد ما أخذت منه، و لا تكون امرأة له كما في المطلقة ثلاثا.

و أما الموثق (2)فدلالته ظاهرة و إلا لبقي الشرط بلا جزاء، بل لعل اتفاق الأصحاب على تقييد جواز رجوعها بالبذل بما إذا كان في العدة مع خلو النصوص عنه مبني على التلازم المزبور، للعلم بعدم جواز الرجوع له بعدها، لصيرورة المرأة أجنبية حينئذ كالصغيرة و اليائسة اللتين لا عدة لهما اللتين قد استفاضت النصوص (3)بكون طلاقهما حيث يقع

بائنا، فتقيد جواز رجوعها بالعدة مقدمة لجواز رجوعه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 2 و 3- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

ج 33، ص: 64

حينئذ، كما أن الإجماع و إطلاق النصوص (1)على جواز الخلع لمن لا عدة لها أو كانت عدتها عدة بائن كالمطلقة ثلاثا، فلا يتوهم اقتضاء النصوص المزبورة اختصاص مورد الخلع بالرجعية باعتبار ما فيها من أنه إن رجعت رجع، بدعوى كون ذلك كاللازم لماهيته، إذ هو كما ترى.

فتحقق حينئذ أنه لا رجوع لها حيث لا رجوع له لعدم عدة أو لانقضائها أو لغير ذلك، لا أقل من أن يكون ذلك هو المستفاد من النصوص (2)المزبورة، فيبقى عدم جواز رجوعها في غيره على أصالة عدم الجواز.

بل قد يقوى بملاحظة الأخير عدم صحة رجوعها مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محله، لأن الثابت من الأدلة المزبورة رجوعها في حال العلم بذلك، أما الصحيح الأول (3)الذي قد اعتبر في شرطه كونها امرأة له فأقرب مجازاته حال علمه الذي يكون فيه حينئذ أحق ببضعها، و أما الموثق (4)فجواب الشرط فيه الخطاب بقول: «لأرجعن ببضعك» الذي لا ينطبق إلا على حال العلم، و أما الثالث (5)فاختصاص دلالته في حال العلم واضح، و لم نقف على

غيرها، فيبقى في غير مفادها على أصالة المنع، مؤيدا

بقاعدة «لا ضرر و لا ضرار».

و دعوى ظهورها في أن الشرط ثبوت رجوعه شرعا أعم من أن يرجع أم لا- و متى كانت العدة رجعية كان رجوعه جائزا سواء علم أم لم يعلم، كما لو طلق رجعيا و لم يعلم بجواز الرجوع فيها فترك إلى انقضاء العدة، فإن ذلك لا يخرج العدة عن كونها رجعية- واضحة المنع بعد الإحاطة بما ذكرنا من انحصار الدليل في النصوص المزبورة التي لا ينكر عدم استفادة حكم غير الفرد المزبور منها، لعدم


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.

ج 33، ص: 65

تعرض فيها لغيره، فيبقى على أصل المنع بعد فرض عدم إطلاق يندرج فيه.

و كذا دعوى كون المحصل من الأدلة كون رجعتها شرطا في جواز رجوعه، و الشرط لا يتوقف وجوده على وجود المشروط بالفعل و إلا دار.

بل هي أوضح من الأولى منعا، خصوصا ما ذكر من الدور فيه المعلوم عدمه في المقام الذي حاصله عدم صحة رجوعها إلا في حال علمه بذلك.

و حينئذ فما في القواعد و غيرها من الحكم بالصحة لا يخلو من نظر، و كان منشأ الاشتباه استفادة الحكم الوضعي من النصوص (1)المزبورة، و هو غير مقيد، و هو كذلك لو أن الأدلة أفادته على الوجه المفروض، و إنما

إفادته على النحو الذي ذكرناه، و لا شمول فيه قطعا.

و على كل حال فبناء على عدم اعتبار العلم في جواز رجوعها لو أنشأ الرجوع جاهلا برجوعها فصادف سبق رجوعها فالظاهر الصحة، من غير فرق بين الذاهل و غيره، لإطلاق ما دل على سببيته، كما تقدم البحث في نظائر ذلك غير مرة.

ثم إنه حيث ترجع المرأة بالبذل و يكون للزوج حق الرجوع فهل تكون بذلك مطلقة رجعية يثبت لها جميع أحكامها من النفقة و التوارث و غيرهما كما هو أحد الوجهين أو القولين، لعدم كون الرجعية إلا من جاز الرجوع فيها، و إيماء الخبرين (2)المزبورين إلى ذلك أم لا، لأنها ابتدأت على البينونة و سقوط هذه الأحكام، فعودها بعد ذلك يحتاج إلى دليل، و الأصل بقاء الأحكام السابقة، و لا يلزم من جواز رجوعه على الوجه المزبور كونها رجعية مطلقا، لجواز أن يراد بالرجعية ما يجوز للزوج الرجوع فيها مطلقا، بل في المسالك هو الظاهر.

قلت: قد يقال- بعد تسليم عدم دلالة الخبرين المزبورين على صيرورتها حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3 و 4.

ج 33، ص: 66

رجعية و لو باتحاد التعبير عنهما أو ما يقاربه، و عدم ظهور الأدلة في كون الخلع طلاقا، و أن بينونته إنما هي من جهة الفداء الذي هو كالشراء أو الصلح، فمع فرض رجوع

البذل عاد الطلاق إلى أصله كما لو فسد، بل قد يدعى ظهور الأدلة حتى آية «وَ بُعُولَتُهُنَّ»(1)في أن الأصل في الطلاق أن يكون رجعيا-: إن

الصحيح الأول (2)باعتبار قوله عليه السلام فيه: «و تكون امرأته»

دال على أن المختلعة كالزوجة، نحو ما ورد(3)في الرجعية، فان لم نقل باندراجها فيها أمكن استفادة أحكامها من ذلك، نحو ما استفيد أحكام الرجعية.

و لعله لذلك و غيره أطلق الأصحاب في كل مقام يبطل الخلع فيه صيرورة الطلاق رجعيا، و حينئذ فلا يجوز له نكاح الأخت و لا الرابعة بعد رجوعها بالبذل، أما قبله فلا إشكال في الجواز، و إن ذكر بعض وجها للعدم، باعتبار تزلزله، لإمكان رجوعها، لكنه في غير محله، إذ هو حينئذ كالاجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص (4)أنه تطليقة بائنة، و خصوص

صحيح أبي بصير(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أ يحل له أن يخطب أختها من قبل أن تنقضي عدة المختلعة؟ قال: نعم قد برئت عصمتها منه، و ليس له عليها رجعة»

الظاهر- و لو بقرينة ما في ذيله الذي هو كالتعليل- في جواز التزويج بها، مضافا إلى

صدق عدم الجمع بين الأختين و تزوج الخمسة في الفرض، و غير ذلك.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 13- منها الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11 و الباب- 18 و 20 و 21- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 67

و هل لها الرجوع بالبذل حينئذ و إن لم يجز له الرجوع باعتبار كون المانع من قبله، مع أنه يتمكن منه أيضا و لو بتطليق الأخت مثلا بائنا- كما مال إليه بعض الناس- أو لا يجوز الرجوع، لعدم تناول النصوص (1)المزبورة المنحصر فيها دليل جواز رجوعها للفرض خصوصا الأول (2)منها بل و الثاني (3)و الثالث(4)؟ و لعله الأقوى، و لا ينافي شيئا مما ذكرنا ما في شرح الإرشاد و غيره من نفي الخلاف أو الاتفاق على كون البذل جائزا من جهتها المعلوم إرادة ذلك في الجملة منه خصوصا بعد عدم ذكرهم له في سياق المسألة، و إنما ذكر في أثناء كلام لهم في غير المقام، كما هو واضح بأدنى ملاحظة.

ثم إنه لا يخفى عليك ظهور الموثق (5)المزبور،

و قوله عليه السلام في صحيح ابن سنان (6): «ينبغي»

إلى آخره المعلوم منه إرادة استحباب اشتراط مقتضى الخلع فيه جواز(7)رجوعها ببعض البذل،

و أنه يثبت له حق الرجوع بذلك و لا ينافي ذلك

قوله عليه السلام في الصحيحين (8): «ما أخذ منها»

الظاهر في جميعه بعد أن لم يكن ظاهرا في الشرطية، و أقصاه أن ذلك أحد أفراد الرد، فلا ينافي استفادة جواز الفرد الأخر له و هو رد البعض من الموثق و الصحيح، مؤيدا ذلك بأنه إذا صح لها الرجوع بالجميع صح لها الرجوع بالبعض، لأن الحق لها، فلها إسقاط بعضه، كما لها إسقاط جميعه، فان عدم الرجوع في قوة الإسقاط، إذ لا يلزم منه رجوع العوض الأخر.

و من ذلك بان لك ضعف احتمال عدم جواز رجوعها بالبعض، لأن ذلك يقتضي


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
7- 7 هكذا في النسختين الأصليتين و الصحيح« في جواز».
8- 8 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3 و 4.

ج 33، ص: 68

صيرورة الطلاق رجعيا، و هو مشروط بعدم الاشتمال على العوض، و الفرض بقاء البعض عوضا، إذ لا فرق بين القليل و الكثير، و من ثم لو جعل ابتداء ذلك القدر الباقي أو أقل منه كفى في البينونة، و الجمع بين كون الطلاق رجعيا و بقاء العوض في مقابلته جمع بين متنافيين، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، على أن العوض هنا المجموع دون البعض الباقي و إن كان صالحا لأن يكون عوضا لو وقع الخلع عليه، فيصدق حينئذ بانتفاء البعض انتفاء العوض، و يثبت حكم الرجوع.

و من الغريب ميلة إلى ذلك في المسالك مستدلا له بما سمعت قال: «و في صحيح ابن بزيع (1)ما يرشد إليه، لظهوره في اعتبار رد الجميع، لأن «ما» من صيغ العموم، فلا يترتب عليها الحكم بالبعض، و هو العمدة في الباب لصحته» و فيه مالا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و أضعف منه احتمال جواز رجوعها بالبعض، لأن البذل جائز من جهتها، و لكن لا يجوز له الرجوع، لأن بقاء شي ء من العوض مانع من رجوعه و هو حاصل، إذ هو مع ما فيه مناف لقاعدة الإضرار، و التحقيق ما عرفت.

نعم الظاهر وجوب رد الجميع عليه إذا اختار الرجوع، لظهور ذيل صحيح ابن سنان (2)في ذلك، بل هو مقتضى المعاوضة.

بقي شي ء، و هو أن ظاهر النص (3)و الفتوى في المقام عدم الفرق في صيرورتها بحكم الرجعية في جواز الرجوع بها بين فراقها بصيغة الخلع أو الطلاق كما ذكرناه سابقا، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا من احتمال صيرورتها مطلقة رجعية لو بان فساد البذل و إن كان بصيغة «خلعت» و لو لم يكن إجماعا منهم لأمكن القول هنا أيضا بأنه إن كانت الصيغة هنا بلفظ «خلعت» و رجعت بالبذل فسد الخلع من أصله و عادت الامرأة امرأة له بلا رجوع منه، بل ربما أمكن تنزيل صحيح ابن


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 69

بزيع (1)عليه، بخلاف ما إذا كان الخلع بلفظ الطلاق، فإنه حينئذ يبطل الخلع، و يبقى الطلاق رجعيا أو غيره على حسب مورده، كما عرفته سابقا، و بذلك حينئذ تنتظم كلماتهم التي منها قوله:

[المسألة الخامسة لو خالعها و شرط الرجوع لم يصح]

المسألة الخامسة:

لو خالعها و شرط الرجوع (الرجعة خ ل) لم يصح الشرط، لكونه مخالفا للسنة(2)المقتضية كون الخلع طلاقا بائنا، بل يبطل الخلع أيضا، كما صرح به في المسالك، لكنه شبه المعاوضة التي قد عرفت بطلانها ببطلان الشرط فيها في محله، خلافا لابن إدريس كما تقدم تحقيق الحال فيه في كتاب البيع، و لا يكون الخلع ببطلان الشرط طلاقا، لما عرفت من عدم انعقاد الطلاق به عندهم، و أن العوض عندهم جزء مفهومه و منه الشرط، فمع فرض بطلانه يبطل أصل الخلع.

و كذا يبطل الشرط لو طلق بعوض لأنه شرط باطل على كل حال، من غير فرق بين كون الخلع بصيغة «خلعت» أو صيغة الطلاق بعوض، نعم في المسالك هنا أنه ينبغي أن يقع الطلاق رجعيا إن خلا من موجبات البينونة، و إلا اتجه بطلانه، و هو مبني على مذاقه الذي قد تقدم النظر فيه، ضرورة عدم الفرق في القصد بين كون مورد الطلاق رجعيا و غيره، فمع فرض عدم اقتضاء فساد العوض أو الشرط فساد أصل الطلاق لكونهما قصدين متباينين يتجه صحة الطلاق

كيفما كان مورده، و إلا بطل فيهما، و ظاهر الأصحاب عدم مدخلية العوض في صحة قصد الطلاق، فيتجه في المقام المفروض فيه بطلان الشرط صحة الطلاق و إن بطل المعنى المعاوضي الذي به صار خلعا على طريقة المعاوضة التي تبطل ببطلان


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 70

الشرط فيها و إن كان للنظر في أصل دعوى تمايز قصدي الطلاق و العوض و عدم الارتباط بينهما على نحو المعاوضة لا في العوض و لا في الشرط مجال.

[المسألة السادسة المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع]

المسألة السادسة:

المختلعة لا يلحقها طلاق بعد الخلع عندنا بلا خلاف و لا إشكال لأن وقوع الثاني بها مشروط بالرجعة و الفرض انتفاؤها، و كذا الظهار و الإيلاء المعتبر في موردهما كونها زوجة، و هي بالخلع الذي هو تطليقة بائنة صارت كالأجنبية. نعم لو رجعت في الفدية فرجع هو بها جاز استئناف الطلاق لصيرورتها زوجة حينئذ، كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا قالت طلقني ثلاثا بألف فطلقها قال الشيخ لا يصح]

المسألة السابعة:

إذا قالت: «طلقني ثلاثا بألف» فطلقها قال الشيخ فيما حكاه المصنف و الفاضل في محكي التحرير عنه لا يصح عندنا لأنه طلاق بشرط و فيه ما لا يخفى من أنه لا شرط في الفرض. و لذا قال المصنف مشيرا إلى النظر فيه الوجه أنه طلاق في مقابلة بذل، فلا يعد شرطا (11) لكن في المسالك «الذي رأيناه في كلام الشيخ خلاف ذلك، و أنه نقل البطلان معللا بالشرط في كلام آخر يخالف ما نقله المصنف في اللفظ و المعنى، و هو أنه جعل مورد الشرط ما لو قالت:

«طلقني على أن لك علي ألفا» و هذا اللفظ هو المحتمل للشرط دون ما عبر به المصنف، لأن الباء صريحة في العوض، قال في موضع من المبسوط: إذا قالت لزوجها:

«طلقني ثلاثا بألف درهم» فقال لها: «قد طلقتك ثلاثا بألف درهم» صح عند المخالف، و عندنا لا يصح، لأن الطلاق الثلاث لا يقع عندنا بلفظ واحد، و لا يجب أن نقول هنا أنها تقع واحدة، لأنها إنما بذلت العوض في الثلاث، فإذا لم يصح

ج 33، ص: 71

الثلاث وجب أن يبطل من أصله، ثم قال: إذا قالت له: «طلقني ثلاثا على أن لك علي ألفا» فطلقها صح الخلع، و لزمها الألف، و انقطعت الرجعة، و عندنا لا يصح، لما قلناه، و لأنه طلاق بشرط، و قال في موضع آخر إن قالت له: «طلقني ثلاثا بألف» فطلقها ثلاثا فعليها الألف، و إن طلقها واحدة أو اثنتين فعليها بالحصة، و عندنا أنه لا يصح أصلا، و قد مضى. و إن قالت له: «طلقني ثلاثا على ألف» فالحكم فيه كما لو قالت بألف، و قال قوم في هذه: «إن طلقها ثلاثا فله ألف، و إن طلقها أقل من ثلاث وقع الطلاق، و لم يجب عليها ما سمى، و فصل بينهما بأن قال: إذا قالت بألف فهذه باء البذل، و البذل يقتضي أن يقسط على المبذل، كما لو باعه ثلاثة أعبد بألف، و إذا قال: «علي ألف» علق الطلاق الثلاث بشرط هي الألف، فإذا لم يوقع الثلاث لم يوجد الشرط، فلم يستحق شيئا».

قلت: لا ريب في أن تعليل البطلان في العبارة المزبورة بصورة التعبير بعلى لا الباء، مع أن مختاره كونها كالباء في إفادة العوضية و إن حكي عن بعضهم الشرطية، لظهور قوله تعالى (1)«أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ» في العوض، بل هو المراد من قوله تعالى (2)«أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً» الآية، و أوضح منه «فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ»(3)إلى آخرها.

مضافا إلى إمكان دعوى فهم العرف منها ذلك من سائر استعمالاتها في أمثال المقام، خصوصا بعد أن لم يذكر أحد أنها من أدوات الشرط و إن كان لا مانع من قصد معناه فيها في بعض المقامات بضرب من التجوز أو غيره.

على أن الأمر في ذلك سهل، لأنها مسألة لفظية، فلا وجه للإطناب فيها كما في المسالك، على أن المصنف لم يسند ذلك إلى الشيخ في المبسوط، و لعله في


1- 1 سورة القصص: 28- الآية 27.
2- 2 سورة الكهف: 18- الآية 66.
3- 3 سورة الكهف: 18- الآية 94.

ج 33، ص: 72

الخلاف، بل لعله في المبسوط في موضع غير ما نقله، فان من لاحظ المبسوط يعلم تشويشه و كثرة تفريعه على مذاهب العامة و الخاصة على وجه يشتبه الحال في كثير من مقاماته، بل لا تنقيح في كثير من عباراته، و لعله لذا هجر استعماله في هذه الأزمنة، و اقتصر علي المنقول عنه في الكتب المعروفة.

و كيف كان ف تحقيق الحال في مفروض المسألة على أصولنا أنها إن قصدت الثلاث ولاء من دون تخلل رجعة بزعم صحتها مفيدة للبينونة سواء كان التثليث مترتبا أو مرسلا لم يصح البذل لكونه بذلا على أمر باطل، ضرورة معلومية عدم وقوع الثلاث عندنا بذلك و إن طلقها ثلاثا مرسلا بأن قال: «أنت طالق ثلاثا» فضلا عن المترتب الذي يقع فيه الثاني و الثالث على المطلقة، لما عرفت من عدم وقوعه بذلك ثلاثا عندنا على كل حال، بل هو في المرسل إما باطل أو يقع واحدة على الخلاف السابق، فلا يملك البذل حينئذ بذلك. لأنه لم يفعل ما سألته من الطلاق الثلاث المقتضي للبينونة، اللهم إلا أن تريد التلفظ بذلك، و هو خروج عما نحن فيه.

و قيل كما عن موضع من المبسوط بناء على وقوع الواحدة بالأخير يكون له الثلث من الألف، و كذا المترتب ل أنه هو بعد أن جعل عوضا كان موزعا على الثلاث و الفرض وقوع الواحدة قطعا في المترتبة، و في قول في المرسلة، فيكون لها ثلث الألف، و فيه أن الظاهر جعل البذل في مقابلة المجموع الذي ينتفي بانتفاء بعضه، فلا يستحق شيئا، و لذا كان المحكي عن موضعين آخرين من المبسوط عدم استحقاق شي ء.

أما لو قصدت الثلاث التي يتخللها رجعتان ففي القواعد و غيرها صح (11) و ظاهرها صحة ذلك خلعا، لكونه حينئذ بذلا على شي ء صحيح له فائدة فقصد، و فيه منع عموم أو إطلاق في أدلة الخلع على وجه يتناول الفرض بحيث تجري عليه أحكام الخلع التي قد عرفت مخالفتها للأصل.

ج 33، ص: 73

نعم قد يقال بصحته جعالة على إشكال تقدمت الإشارة إليه، و يأتي تحقيقه في محلها، بل و كذا الإشكال في صحته صلحا كما أشرنا إليه سابقا.

بل ربما أشكل كونه خلعا أيضا بأن وقوع الثلاث على هذا الوجه يستدعي تأخر الطلقتين الآخرتين عن استدعائها بتخلل الأول بينهما و بتخلل الرجعتين، و ذلك مناف لعقد الخلع كما سلف، و بأن البذل في مقابل الطلقات الثلاث و رجوعه في كل واحدة متوقف على رجوعها قبله بالبذل، فان لم يحصل لم تصح الطلقات، لكونها بائنة يتوقف على رجوعها ثم رجوعه ليصح الطلاق المتعقب، و إن حصل لم يتحقق استحقاقه الألف، لأن رجوعها بالبذل يرفع استحقاقه له، فلا يكمل له الألف في الثالثة، و لو قيل بأن البذل في مقابلة الثالثة خاصة ليسلم من توقفه على رجوعها لم يحصل الفورية بين طلبها و جوابه أصلا.

و عن بعض الجواب عن الأخيرين باعتبار الفورية في الطلاق الأول خاصة، و جعل الباقي من تتمة المقصود، و اعتبر رجوعها في البذل بين الطلقات، لتوقف ما طلبته عليه، و التزم توقف ملكه للألف على الثالثة، لأن بها حصل ما طلبته فاستحق ما بذلته، فيكون الأولتان شرطا في استحقاق البذل على الثالثة لا جزء من المطلوب.

و عن بعض آخر الجواب بأن شرطها ذلك إذن منها له و توكيل في الرجوع عنها في البذل، لاستلزام وقوع الثلاث على هذا الوجه تخلل الرجوع، فإذا بذلت عليه العوض فقد أذنت له في فعل ما يتوقف عليه صحتها، فإذا طلق واحدة جاز له الرجوع عنها في البذل لتصير رجعية، ثم يرجع و يطلق، ثم يرجع في البذل كذلك ثم يرجع هو و يطلق.

و قد يناقش في الأول بأن رجوعها يمنع من تملكه للعوض المفروض في مقابلة الطلقة المرجوع في عوضها، فلا يمكن الجمع بين كون الألف مبذولة في مقابلة الثلاث و بين ثبوتها في مقابلة الأخيرة، لأن ثبوتها في مقابلة الأخيرة خاصة يقتضي كون الأولتين رجعيتين، فلا يفتقر إلى رجوعها في العوض، و أيضا فإن مقتضى

ج 33، ص: 74

لفظها كون العوض في مقابلة المجموع لا الثالثة خاصة.

و في الثاني بأن صريح لفظها إنما هو بذل الألف في مقابلة طلاقه لها أما فعل ما يتوقف عليه من رجوعها فلا، و لا يلزم من عدم صحة طلاقه بدون رجعتها إذنها له في الرجعة، لجواز أن يوقع هو الطلاق ثم يتوقف على رجوعها بنفسها في العوض، و أيضا فالمحذور السابق من جعل البذل في مقابلة الجميع و سقوط ما قابل المرجوع فيه آت هنا.

و ربما ظهر من بعضهم أنه لا حاجة إلى دعوى التوكيل منها، بل يجوز له الرجوع بالأولتين و إن كانتا متقابلتين، لعدم تمام الخلع الذي يتوقف رجوعه على رجوعها بالبذل، و هو كما ترى أيضا، و لعل الأولى منه جعل البذل في مقابلة الثالثة التي بها يتحقق الخلع، و الأولتان مقدمة لتحقيق كونها ثالثة، و هما رجعيتان، إلا أن فيه أيضا أنه خلاف ظاهر اللفظ، و مناف لترتيب صيغة الخلع بالفصل بطلقتين و رجعتين، و الفرض عدم كونهما من متعلقات صيغة الخلع.

و من هنا جعل في المسالك «الحق في الجواب عنهما أن يقال: البذل إنما دفع في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع، لا في مقابلة كل واحد من الثلاث على وجه التوزيع، و لا في مقابلة الثالثة خاصة، و حينئذ فلا يتحقق استحقاقه العوض إلا بتمام الطلقات الثلاث، فالأوليان تقعان رجعيتين محضا، فله الرجوع فيهما من غير أن يتخلل رجوعها في العوض، فإذا تمت الثلاث استحق العوض بتمامه، لا في مقابلة الثالثة كما قيل، بل في مقابلة المجموع من حيث هو مجموع، و كانت حينئذ بائنة بوجهين: كونها في مقابلة عوض، و كونها ثالثة، و الأوليان رجعيتان، لعدم بذل عوض في مقابلتهما من حيث إنهما مفردتان، بل من حيث إنهما جزء من المجموع، و ذلك لا يقتضي استحقاق شي ء في مقابلتهما، فارتفع الإشكال الثاني. و أما الأول فيرتفع بفورية الطلاق الأول لاستدعائها و اتباعه بالباقي مع تخلل الرجعتين على الفور، لأن مجموع ذلك مطلوب واحد و عقد واحد، فيكفي ترتب

ج 33، ص: 75

أوله على استدعائها و إن بعد الجزء الأخير، كما لا يقدح بعد الجزء الأخير من الطلاق الواحد عن الاستدعاء، و هما مشتركان هنا في الوحدة من حيث اتحاد المطلوب، و كون البذل في مقابله، و إن افترقا بتعدد أحدهما في نفسه فان ذلك أمر آخر».

قلت: لكن فيه ما ذكرناه من الاشكال، و هو عدم صلاحية تناول أدلة الخلع لمثل المفروض، خصوصا بعد تخلل الرجعة المقتضية لعودها زوجة المنافية لكونها جزء الخلع كما هو واضح، بل قد يقال بعدم معقولية ما ذكره، ضرورة كون حاصله أن المجموع من حيث هو كذلك هو المقابل بالعوض، فينبغي أن يكون هو الخلع، و لا يتعقل كون مجموع طلقات مستقلات طلاقا واحدا خلعيا، إذ هو كدعوى كون مجموع بيوع مثلا بيعا واحدا، كما أنه لا يتعقل أيضا كون كل من الثلاث طلاقا خلعيا، و لذا يتوقف رجوعه على رجوعها في الأولتين، و أنه بالتمام يكون الطلاق طلاقا واحدا خلعيا، إذ هو كما ترى، خصوصا مع ملاحظة ما ورد من النصوص (1)بأن الخلع تطليقة بائنة، بل ظاهر جميع النصوص كون الخلع تطليقة واحدة بائنة، فلا تتناول المركب من الطلقات المتعددة بل

المركب منها ليس طلاقا شرعيا، بل هو نحو المركب من البيوع المتعددة، أقصى ما هنا جعل الشارع الطلاق الثالث محرما لنكاحه لها حتى تنكح زوجا غيره، كما أنه جعل التاسع في بعض الوجوه محرما أبدا، فالمتجه حينئذ دعوى الصحة في الفرض لا على جهة الخلع، نعم يصح جعالة على البحث السابق.

و حينئذ فإن طلق ثلاثا فله الألف، و إن طلق واحدة كما عن المبسوط قيل له: ثلث الألف، لأنه جعلته في مقابلة الثلاث، فاقتضى تقسيط المقدار على الطلقات بالسوية، و فيه تردد، منشأه جعل الجملة في مقابلة الثلاث بما هي فلا يقتضي التقسيط مع الانفراد خصوصا و الطلقة ليست متقومة، و العمدة هنا الثالثة إن لم يختص بها البذل.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 76

و لو كانت معه على طلقة مثلا فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة لا بنية الأقل منه كان له ثلث الألف لقاعدة التوزيع.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط له الألف إن كانت عالمة بعدم بقاء غير الواحدة و أنها تبين منه بها، لأن ذلك يكون قرينة على إرادة بذلها في مقابلتها و أن غرضها الحرمة الكبرى، على معنى كمل لي الثلاث بألف و الثلث إن كانت جاهلة لقاعدة التوزيع و فيه الاشكال السابق.

و قيل: يستحق الألف على كل حال لحصول المراد بالثلاث بالواحدة، و هي الحرمة الكبرى، و قيل: لا يستحق شيئا، لعدم حصول ما استدعته، بل هو لا يملكه فلا يمكنه، و التوزيع قد عرفت ما فيه، و دعوى كون علمها بالحال قرينة على ما عرفت ممنوعة، و مع فرضها يكون خروجا عن محل النزاع، و هو الذي اختاره في المسالك.

و لو سألت الثلاث على هذا الوجه و كان يملك طلقتين فطلقها واحدة فله ثلث الألف على الأول، و كذا على الثاني مع جهلها، و مع علمها فالنصف توزيعا للألف على الطلقتين، و لا شي ء له على الرابع، و الثالث منتف هنا، نعم لو طلقها تطليقتين استحق تمام الألف عليه، و ثلثيه على الأول، بل و على الثاني مع الجهل، و تمام الألف مع العلم، و لا شي ء على الرابع.

ج 33، ص: 77

[المسألة الثامنة لو قالت طلقني واحدة بألف فطلق ثلاثا ولاء وقعت واحدة]

المسألة الثامنة:

لو قالت: «طلقني واحدة بألف» فطلق ثلاثا ولاء بأن قال: «أنت طالق ثلاثا» وقعت واحدة بناء على حصولها بذلك و حينئذ يكون له الألف لإتيانه بما سألت إلا مع احتمال إرادتها الواحدة التي تحصل بغير التركيب المزبور لغرض من الأغراض لها، فان المتجه حينئذ صحته طلاقا لا خلعا، لعدم كونه جوابا لما سألت، كما هو واضح. و لا فرق في الأول بين العالم بالحال و الجاهل.

لكن في المسالك «لو قيل بالفرق و تخصيص الحكم المذكور بالعالم كان وجها، و يبقى الكلام في الجاهل الذي يجوز وقوع الثلاث، فان قصد الألف في مقابلة الأولى فكذلك، و إن قصدها في مقابلة غيرها أو مقابلة الجمع توجه عدم لزوم الألف، لأنه لم يقصد تملكها في مقابلة الطلاق الصحيح، بل علق تملكها على أمر لم يتم له كما لو طلقها ثلاثا ولاء و قصدها في مقابلة غير الأولى» و فيه أن المفروض كون الوقوع بالإرسال الذي لا يتصور فيه اولى و ثانية و ثالثة، اللهم إلا أن يريد التقدير.

و حينئذ يتجه فيه ما تسمعه فيما لو قالت: طلقني واحدة بألف فقال: أنت طالق فطالق فطالق فإنه لا خلاف عندنا و لا إشكال في أنها متى قالت:

ذلك طلقت بالأولى و لغا الباقي، فإن قال: الألف في مقابلة الأولى فالألف له، و كانت الطلقة بائنة لتحقق الخلع بها، و لغت الثانية و الثالثة، لوقوعهما على بائنة.

و لو قال في مقابلة الثانية كانت الأولى رجعية لأنها لم يقصد مقابلتها بعوض و إن سألته هي، فإن المدار على قصده و بطلت الثانية و الفدية فضلا عن الثالثة، لعدم صحة الطلاق عندنا على المطلقة و إن كانت رجعية، و كذا لو قصد في مقابلة الثالثة.

ج 33، ص: 78

و لو قال: في مقابلة الكل قال الشيخ: وقعت الأولى و له ثلث الألف بناء على التوزيع، و تبطل الثانية و الثالثة و ما خصهما من التقسيط، لوقوعهما على مطلقة.

و فيه إشكال من حيث إيقاعه ما التمسته و هو الطلقة الصحيحة، فينبغي استحقاقه الجميع إن نوى كون الفداء في مقابل الكل، لأن الخلع ليس معاوضة محضة حتى يبطل باختلاف الإيجاب و القبول في العوض، كما لو قال: «بعتك هذه العبيد الثلاثة بألف» فقال: «قبلت واحدا معينا منها» فإنه لا يصح قولا واحدا، و قد يدفع بأنه و إن لم يكن معاوضة محضة لكنه لما قصد كون الألف في مقابلة الجميع فقد نوى فعل الأول بثلث الألف فلا يستحق الجميع، لأن هذا الاستدعاء شبه الجعالة، و مع بذل الجاعل عوضا- فقبل القابل بنية التبرع أو بنية الأقل- لا يستحق الجميع، فكذا هنا.

نعم هذا يتم لو لم ينو شيئا، فإنه حينئذ يكون قد فعل ما التمسته، فيستحق ما بذلته، و يجعل جوابه بقوله: «أنت طالق» أولا مطابقا لما التمسته أما مع جعله في مقابل الكل فلا.

و لا يشكل ذلك بأن المتجه حينئذ عدم استحقاقه شيئا، لعدم مطابقة الجواب السؤال، إذ هو حينئذ كما لو قالت: «طلقني بألف» فقال: «أنت طالق بخمسمأة» لأنا نقول: الظاهر الصحة في المشبه به أيضا، كما عن الشيخ، لأنه زاد جزاء خيرا، و لأنه قادر على إيقاعه بغير عوض، فأولى أن يقدر على إيقاعه ببعض العوض المبذول الذي قد حصل إنشاؤه في ضمن إنشاء بذل الجميع، و قد عرفت أن المقام ليس كالمعاوضات المحضة، بل هو من قبيل الداعي.

و كذا لا يشكل ما هنا بأنه مناف عدم الحكم بالتوزيع في المسألة السابقة لوضوح الفرق بين المقامين، فإنه في الأول قد أتى ببعض ما التمسته من الطلقات و هو غير موافق لغرضها، بخلاف المقام الذي قد أتى فيه بملتمسها بأنقص م

ج 33، ص: 79

العوض الذي بذلته، فان مرجعه إلى التبرع بالزائد عن الثلث، و ليس كل ما فعل ما التمسته يستحق عليه ما بذلته، فإنه لو نوى التبرع بالطلاق الملتمس بغير عوض لا على وجه الجواب المطابق لم يستحق شيئا فكذا هنا بالنسبة إلى بعض العوض.

[المسألة التاسعة إذا قال أبوها طلقها و أنت بري ء من صداقها فطلق صح الطلاق رجعيا]

المسألة التاسعة:

إذا قال أبوها: طلقها و أنت بري ء من صداقها أو بعضه بمعنى أنه بذل له مالها في ذمته على طلاقها فطلق صح الطلاق رجعيا إن كان مورده كذلك و لم يلزمها الإبراء، و لا يضمنه الأب الذي هو أجنبي بالنسبة إلى ذلك مع بلوغ البنت و رشدها، و الفرض عدم وكالته، فلا ضمان عليه للزوج و لا للبنت بعد عدم حصول الخلع و البراءة، نعم لو أجازت هي ذلك و قلنا بصحة الفضولي في ذلك صح البذل و كان خلعا.

بل في المسالك «إن كان ولى عليها بصغر أو جنون أو سفه لم يصح أيضا، لأنه إنما يملك التصرف فيما له فيه غبطة و حظ، و لا حظ لها في هذا، كما لو كان لها دين فأسقطه- بل قال-: لا فرق في ذلك بين إبرائه من الجميع أو البعض و إن جوزنا له العفو عن بعضه، لأن العفو أمر آخر غير جعله عوضا عن الطلاق، و أيضا فإن العفو عن البعض مشروط بوقوعه بعد الطلاق، كما تشعر به الآية، و البراءة هنا تكون بنفس الطلاق فلا يقع» و إن كان فيه لا ما يخفى، ضرورة كون هذا التصرف بمالها كغيره من أموالها يتبع فيه عدم المفسدة أو المصلحة على القولين، بل أقواهما الأول في الولي الإجباري، و لا خصوصية للمقام، فينبغي بناء صحته و فساده على ذلك لا الجزم بعدمه مطلقا، و لعل كلام المصنف و غيره منزل على الكبيرة الرشيدة لا غيرها من المولى عليها التي يدور الحكم فيها على ما عرفت، من غير فرق بين الولي الإجباري و غيره.

ثم إن ذكره السفيهة هنا مع الصغيرة و المجنونة لا يخلو من شي ء، لأن السفيه

ج 33، ص: 80

محجر عليه في التصرف فيما له، و ليس عبارته مسلوبة ليقوم الولي مقامه في البذل، كما تقدم تحرير الكلام فيه في محله.

[المسألة العاشرة إذا وكلت في خلعها مطلقا صح]

المسألة العاشرة:

إذا وكلت في خلعها مطلقا صح، لمعلومية عدم اعتبار المباشرة في البذل، فتشمله عمومات الوكالة و اقتضى إطلاق الوكالة الذي هو بمعنى الاقتصار على التوكيل من غير ذكر المقدار لا عموما و لا خصوصا خلعها بمهر المثل فما دون نقدا بنقد البلد بناء على انصرافه من الإطلاق المزبور على نحو التوكيل في البيع و الشراء و إن كان لا يخلو من نظر.

و كذا الكلام في الزوج إذا و كل في الخلع و أطلق على الوجه المزبور اقتضى أيضا الخلع بمهر المثل فما فوق نقدا بنقد البلد فان بذل وكيلها المزبور ال زيادة على مهر المثل بطل البذل أو كان موقوفا على الإجازة، فان لم تحصل بطل و وقع الطلاق رجعيا إن كان مورده كذلك، و كان الخلع بصيغة الطلاق و لا يضمن الوكيل للأصل و غيره.

و لو خلعها وكيل الزوج بأقل من مهر المثل بطل الخلع (11) إن لم تحصل الإجازة و لو طلق بذلك البذل لم يقع (12) الطلاق فضلا عن الخلع مع فرض عدم الإجازة لأنه فعل غير مأذون فيه (13) فيكون طلاق أجنبي، بخلاف ما لو طلق الزوج بعوض بذله الوكيل فبان غير وكيل مثلا، فإنه يبطل الخلع و يصح طلاقا كما هو واضح.

[مسائل النزاع]
اشاره

و يلحق ب (14) فصل الأحكام مسائل النزاع و هي (15) كثيرة لا يخفى حكمها المبني على قواعد التداعي، و من هنا اقتصر المصنف منها على ثلاث:

ج 33، ص: 81

[المسألة الأولى إذا اتفقا في القدر و اختلفا في الجنس فالقول قول المرأة]

الأولى:

إذا اتفقا في القدر كالمائة و نحوها و اختلفا في الجنس كالدرهم و الدينار و الإبل و الغنم مثلا فالقول قول المرأة بيمينها، كما عن المبسوط و الجواهر، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، لأنها هي المدعي عليها، و الموافق قولها لأصل البراءة، فتحلف يمينا على نفي دعواه، و في المسالك «تحلف يمينا جامعة بين نفي ما يدعيه و إثبات ما تدعيه» و فيه أن ما تدعيه لا حاجة لليمين عليه، لثبوته بإقرارها.

و على كل حال ليس للزوج أخذه لاعترافه بعدم استحقاقه له، و في المسالك «نعم لو أخذه على وجه المقاصة اتجه جوازه» و فيه أنه مناف لقاعدة ذهاب اليمين بما فيها.

و كيف كان فقد أشكل في المسالك القول المزبور بأن «كلا منهما مدع و مدعى عليه، و الآخر ينكر ما يدعيه، و القاعدة في نظائره كالبيع و الإجارة التحالف- إلى أن قال-: فلو قيل: إنهما يتحالفان و يسقط ما يدعيانه بالفسخ أو الانفساخ و يثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما يدعيه الزوج كان حسنا، و لا يتجه هنا بطلان الخلع، لاتفاقهما على صحته، و إنما يرجع اختلافهما إلى ما يثبت من العوض، و يحتمل أن يثبت مع تحالفهما مهر المثل مطلقا لتسلط الدعويين بالتحالف، خصوصا إذا كان الواجب منه مغايرا لما يدعيه الزوج حتى لا يدخل في ضمن دعواه».

و في كشف اللثام بعد أن حكى عن الجامع قولا بالتحالف، و عن المبسوط أنه حكاه عن العامة قال: «و هو أولى، فإذا تحالفا ثبت مهر المثل».

قلت: لا يكاد يخفى وجه التحالف على مثل المصنف و الفاضل و غيرهما، خصوصا بعد أن ذكروا ذلك في نظائره، إلا أن ذلك منهم هنا مؤيد لما ذكرناه سابقا من

ج 33، ص: 82

عدم كون الخلع عندهم من المعاوضات الصرفة، بل هو قسم من الفداء، و حينئذ يتجه ما ذكروه، لعدم تعلق الدعوى بالمعاوضة، خصوصا بعد ما عرفته غير مرة من عدم بطلان الخلع بفساد العوض، و ليس هو إلا لكونه أمرا مستقلا لا تلحقه أحكام المعاوضة، فليس الزوج إلا مدعيا به، و ليست الامرأة إلا منكرة لما يدعيه، و لا ينافي ذلك إقرارها له بغير ما ادعاه، و في الحقيقة ليست هي مدعية على الزوج شيئا.

ثم لو سلم كونه كالمعاوضات كان المتجه فسخ الخلع أو انفساخه لا الرجوع إلى مهر المثل، و اتفاقهما على الصحة غير مجد كما لا يجدى في البيع، للحكم شرعا بنفي ما ادعاه كل منهما باليمين و لو اتفقا على عدم غيره.

ثم إن ما احتمله في المسالك أخيرا لا يتصور له وجه في صورة زيادة مهر المثل على ما ادعاه الزوج، فان الحكم به له مع اعترافه بعدم استحقاقه له غير معقول، كما هو واضح، هذا كله في الاختلاف في الجنس بعد الاتفاق على القدر.

أما لو انعكس بأن اتفقا على الجنس و اختلفا في القدر فلا ريب في أن القول قول المرأة في دعوى الأقل، للأصل كما في المعاوضات، و إن ذكرنا احتمال التحالف فيها هناك إذا كان النزاع في تشخيص ما وقع عليه العقد، و مثله يجرى هنا بناء على أنه كالمعاوضة، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

ج 33، ص: 83

[المسألة الثانية لو اتفقا على ذكر القدر دون الجنس و اختلفا في الإرادة قيل يبطل]

المسألة الثانية:

لو اتفقا على ذكر القدر و هو المأة مثلا دون الجنس و اختلفا في الإرادة قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يبطل و هو كذلك بناء على كون المراد بالاختلاف في الإرادة أن كلا منهما أراد غير ما أراده الأخر، ضرورة سماع كل منهما في الاخبار عن إرادته، فيتحقق حينئذ اختلاف المرادين.

نعم لو كان المراد الاختلاف فيما اتفقا عليه من الإرادة وقت العقد بأن يقول أحدهما: أردنا كذا و الآخر يقول: أردنا كذا يتجه حينئذ ما قيل من أن على الرجل البينة ضرورة كونه كالمسألة السابقة إذ لا مدخلية للذكر بعد فرض العلم بالإرادة.

و لعله لذا قال المصنف و هو أشبه لما عرفت من كون مختاره في السابقة ذلك، و عن العامة قول بالتحالف كالسابقة.

و لو كان اختلافهما في أصل الإرادة مع اتفاقهما على عدم ذكر الجنس فقال أحدهما: أردنا جنسا معينا و قال الآخر: إنا لم نرد بل أطلقنا ففي المسالك «يرجع النزاع إلى دعوى الصحة و الفساد، و من المعلوم تقديم مدعي الصحة بيمينه» قلت:

لكن عن التحرير إطلاق تقديم قول المرأة هنا كما في القواعد، قال: «لو اتفقا على ذكر القدر و اختلفا في ذكر الجنس بأن ادعى ألف درهم، فقالت: بل ألف مطلقا فان صدقته في قصد الدراهم فلا بحث، و إلا قدم قولها و بطل الخلع» و لعل ذلك لأن دعوى الفساد ترجع إلى إنكار كون العوض المزبور المدعى به في ذمتها للزوج، و لذا كان القول قولها فيه، و إلا فحق البينونة هو للزوج، و قد ثبت عليه بإقراره الذي لا يعارضه دعواها الفساد، لأن القول قوله فيها، و هذا بخلاف دعوى الصحة

ج 33، ص: 84

و الفساد في عقود المعاوضة التي مقتضى دعوى الفساد فيها ترتب المطالبة بالعوض أو المعوض، و على ذلك مبنى كلامهم في:

[المسألة الثالثة لو قال خالعتك على ألف في ذمتك فقالت بل في ذمة زيد فالبينة عليه و اليمين عليها]

المسألة الثالثة: التي هي لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك فقالت: بل في ذمة زيد فالبينة عليه و اليمين عليها كما عن الشيخ و المتأخرين. و حينئذ يسقط العوض عنها مع يمينها، و لا يلزم زيد للأصل و اعتراف الزوج بكون البذل في ذمتها، و لكن تكون بائنة عنه لاعترافه بخلعها على الوجه الصحيح رعا.

و كذا لو قالت في جواب دعواه بل خالعك فلان و العوض عليه من غير فرق بين ذكرها على وجه يقتضي صحة الخلع أو فساده، لأن مبنى المسألة ما ذكرناه، لا مدعى الصحة و الفساد الذي يقدم فيه مدعي الصحة على مدعي الفساد أما لو قالت في جواب دعواه خالعتك بكذا و ضمنه عنى فلان أو يزنه عني فلان لزمها الألف لإقرارها ما لم تكن بينة على دعواها، لأنها دعوى محضة، و لا يثبت على فلان شي ء بمجرد دعواها.

و كان الفاضل في القواعد شرح عبارة الشرائع بقوله «و لو ادعى عليها الاختلاع فأنكرت و قالت: اختلعني أجنبي قدم قولها في نفي العوض عنها، و بانت بقوله، و لا شي ء له على الأجنبي، لاعترافه، و كذا لو قال: خالعتك على ألف في ذمتك فقالت: بل في ذمة زيد، أما لو قالت: خالعتك بكذا و ضمنه عني فلان أو يزنه عني لزمها الألف ما لم يكن لها بينة» و لعل الصحيح «يؤديه عني فلان» ضرورة أن دعواها الوزن لا تنافي دعواه و إن أقامت البينة، و إنما الذي ينافيها دعوى ضمان الغير عنها أو الالتزام بتأديته عنها بوجه شرعي.

و على كل حال فما عن ابن البراج- من أن القول قوله و عليها البينة لأن

ج 33، ص: 85

الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمة الزوجة- واضح الضعف، و الأصل المزبور غير أصيل، خصوصا بعد ما عرفت غير مرة أن العوض في الخلع ليس من أركانه، لا بمعنى صحته بدونه، بل المراد عدم اشتراط صحته بصحته، فالدعوى فيه حينئذ لا مدخلية لها في الخلع.

و من هنا حكم الأصحاب بأن القول قولها في نفيه و إن أجابت الدعوى بما يقتضي فساد البذل، لعدم كون المقام من مدعي الصحة و الفساد، خصوصا بعد أن اقتضى إقرار الزوج بالخلع الصحيح تلف المعقود عليه، لعدم تمكنه من رد البضع على كل حال، فدعواها الفساد حينئذ ترجع إلى دعوى نفي حق له عليها، لا إلى إثبات حق لها عليه، نعم لو كانت دعوى الفساد منه و دعوى الصحة منها اتجه حينئذ تقديم قولها بيمينها، لأنها تريد إثبات حق البينونة لها عليه، و هو بدعوى الفساد يريد أن يثبت حق الرجوع له عليها، فتأمل جيدا، فإن المسألة في غاية الدقة.

و لذا خفي مدركها على ثاني الشهيدين و بعض من تبعه، فإنه- بعد أن حكى عن الشيخ القول الأول و نسبه إلى عمل المتأخرين، و عن ابن البراج القول الثاني قال-: «و القولان مطلقا غير منقحين، و التحقيق أن نقول: دعواها وقوع المخالعة منها على الألف في ذمة زيد، إما أن يكون بمعنى أن لها في ذمة زيد ألفا فخالعته بها، أو بمعنى أنها خالعته بألف يثبت له في ذمة زيد ابتداء من غير أن يكون لها عند زيد ألف، فإن أرادت المعنى الأول فلا يخلو إما أن يوافقها الزوج على أن لها في ذمة زيد ألفا أولا، و على تقدير عدم موافقتها إما أن يكون زيد مقرا لها بالألف أو لا، فان كان الزوج موافقا لها على ثبوت الألف في ذمة زيد و زيد مقر لها بنى قبول قولها على أن العقد على دين في ذمة الغير هل يجوز أم لا، و كلامهم هنا قد يؤذن بجوازه، لكن لم ينبهوا عليه في الفدية و شرائطها، و جوازه في البيع محل نظر، و أما هنا فلا يبعد الجواز للتوسع في هذا العقد بما لا يتوسع به في المعاوضة المحضة،

ج 33، ص: 86

فإن جوزنا ذلك فالقول قولها، لاتفاقهما على خلع صحيح على التقديرين، و هو مع ذلك يدعي شغل ذمتها بالعوض، و مجرد الخلع أعم منه، و الأصل براءة ذمتها منه، و إن لم نجوز ذلك أو لم يكن زيد مقرا بالحق و لم يعترف الزوج بثبوتها في ذمته فالنزاع يرجع إلى صحة الخلع و فساده، لأن دعواها تقتضي فساده، حيث لم يسلم فيه العوض، و هو يدعى صحته، و مقتضى القاعدة المستمرة تقديم قوله، و إن أرادت بكونها في ذمة زيد المعنى الثاني- و هو أنها خالعته بعوض لا يثبت في ذمتها، بل في ذمة زيد ابتداء، بأن كان ذلك مع دعواها الوكالة عنه في الخلع و وافق- بنى على جواز خلع الأجنبي المتبرع، و إن لم تدع ذلك أو لم يوافق لدعواها يرجع إلى فساد الخلع، و هو يدعى صحته فيكون قوله مقدما. و قد ظهر بذلك أن تقديم قولها في هذه الصورة مطلقا غير جيد. و الظاهر أن موضوع المسألة ما إذا وقع الخلع بدين لها في ذمة زيد ليتصور بناء الصحة على التقديرين، و ربما تعارض على هذا التقدير الأصل و الظاهر، لأن الأصل براءة ذمتها و عدم التزامها بالمال، و الظاهر من المخالعة التزام العوض. و على كل حال فهذه الصورة مفروضة في اتفاقهما على وقوع العقد بينهما لا بينه و بين الأجنبي، لأن ذلك يأتي في الصورة الثانية».

و هو من غرائب الكلام، و ما كنا نرجو وقوع مثله من مثله، فإنه قد اشتمل على عجائب نسأل الله تعالى العصمة منها، خصوصا توقفه في البيع بشي ء مثلا في ذمة زيد، و خصوصا حمل كلامهم مع إطلاقه بل ظهوره في غير ما ذكره على خصوص ما إذا كان لها في ذمة زيد مأة مع إقراره بها و علم الزوج بذلك، على أن المتجه فيه بناء على مذاقه في المسألة التداعي و التحالف و الرجوع إلى مهر المثل، ضرورة أنه كالاختلاف بالجنس. بل هو منه كما هو واضح. و كذا كلامه في الصورة الثانية التي حكمها حكم الأولى كما عرفت و إن كان هو دون ذلك.

قال: «الثانية أن يدعي أنه خالعها بألف في ذمتها أيضا فأنكرت وقوع العقد معها مطلقا، و قالت: بل اختلعني فلان الأجنبي و المال عليه، و قد أطلق

ج 33، ص: 87

المصنف تبعا للشيخ تقديم قولها أيضا في نفي العوض، لأصالة براءة ذمتها منه، و لا شي ء للزوج على الأجنبي لاعترافه بأن الخلع لم يجر معه و تحصل البينونة بقول الزوج، و لا يقال: إنه أقر بعقد أنكرته المرأة و صدقناها بيمينها فيلغو و يستمر النكاح، كما لو قال: «بعتك هذه العين بكذا» فأنكر صاحبه و قبلنا قوله بيمينه، فان العين تبقى للمقر، و ذلك لأن الخلع يتضمن إتلاف المعقود عليه، و هو البضع، و البيع لا يتضمن إتلاف المعقود عليه، ألا ترى أن البيع يفسخ بتعذر العوض، و البينونة لا تسترد، فإذا كان كذلك فإقراره بالخلع المتضمن للإتلاف إقرار بالإتلاف فلا يرد، و نظيره من البيع أن يقول: بعتك عبدي هذا بكذا فأعتقته و أنكر فإنما يصدق بيمينه (1)و يحكم بعتق العبد بإقراره، فهذا تحرير الحكم المذكور، و هذا البحث إنما يتم إذا قلنا بأن خلع الأجنبي المتبرع صحيح ليكونا متفقين على وقوع العقد صحيحا، أما على ما يذهب إليه المصنف و الشيخ بل الأكثر أشكل تقديم قولها، لأنها حينئذ تدعي فساد الخلع، و هو يدعي صحته، فينبغي تقديم قوله، إلا أن يقال: إن مرجع اختلافهما إلى وقوع عقد المعاوضة معها و هي تنكر ذلك، فيقدم قولها، لأصالة عدم التزامها بذلك، كما لو ادعى أنه باعه شيئا فأنكر و أضاف إلى ذلك دعوى بيعه من فلان، فإنه لا يسمع في حق الغير، و يقدم قوله في نفيه، و لا يخلو ذلك من نظر، و لا ما بين المسألتين من الفرق، و على التقديرين يحكم عليه بالبينونة بمجرد دعواه، لاعترافه بها، و إنما الكلام في ثبوت العوض».

قلت: كأنه رحمه الله لم يحم حول المسألة أصلا، و ليته تنبه مما ذكره أخيرا من أن البينونة ثابتة على كل حال و الكلام في ثبوت العوض،

ضرورة أنه إذا كان الأمر كذلك فليس هو إلا مدع و هي منكرة، فضلا عن إساءة الظن بمثل


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين: المبيضة و المسودة و في المسالك« فانا نصدقه».

ج 33، ص: 88

هؤلاء الأساطين أنه خفي عليهم ما لا يخفى على أصاغر الطلبة: من قاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد، خصوصا بعد أن ملؤوا كتبهم منها، فما احتمل في نفسه أن ذلك منهم لأمر آخر يحتاج إلى التأمل، و هو ما ذكرناه، و لعله قد ظهر له حقيقة الحال في الروضة، و لذا لم يذكر شيئا من ذلك فيها، بل ذكر كما ذكر الأصحاب، فلاحظ و تأمل، و الله العالم. هذا تمام الكلام في الخلع.

[كتاب المبارأة]

و أما المبارأة التي بمعنى المفارقة ف هي قسم من الخلع، كما اعترف به في كشف اللثام، بل هو مقتضى إثباتهم لها أحكام الخلع من دون دليل دل على تنزيلها منزلته، بل هو مقتضى استدلالهم بآية الفدية(1)على الخلع و بعض أحكامه، مع أنها في المبارأة باعتبار ظهورها في كون المورد خوف عدم إقامتهما حدود الله تعالى الذي هو كناية عن حصول الكراهة منهما، إلى غير ذلك من الأمارات الدالة على أنها ضرب من الخلع، إلا أنها اختصت باسم خاص لمكان انفرادها عن مطلق الخلع ببعض الأحكام، كما يومئ إليه قولهم: إنها تزيد على الخلع بأمور ثلاثة و غيره، فهي حينئذ كالمرابحة و المواضعة و المساومة

و المحاقلة و المزابنة في البيع، و بذلك عطفت على الخلع في النصوص (2)و استحقت ذكر الكلام فيها بالخصوص.

بل ربما كان ذلك هو السبب في تعريف الخلع بما لا يشملها، كما أنهم عرفوا الطلاق بما لا يشمل الخلع، مع أنك قد عرفت كونه قسما من أقسامه، بل لعله


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2 و 4 و الباب- 6- منه الحديث 1.

ج 33، ص: 89

لذا توهم بعض الناس و جعل المبارأة إيقاعا مستقلا مقابلا للخلع، و لم يعلم أن مقابلتها باعتبار المعنى الخاص للخلع لا مطلقه، على نحو مقابلة السلم للبيع، و إلا فهي قسم من المعنى العام للخلع الذي هو عبارة عن فدية الزوجة نفسها الكارهة لإرادة الفك من قيد الزوجية، سواء كان ذلك مع كراهة الزوج أو لا، و إن كان للقسم الأول بعض الأحكام الخاصة التي استحق بها اسم المبارأة التي توهم من ذلك لها أنها إيقاع خاص ينبغي اشتقاق صيغة له من اسمه كغيره من أسماء العقود و الإيقاعات. بل تعارف في لسان الفقهاء أن المبارأة هو أن يقول: بارأتك على كذا فأنت طالق.

و كيف كان ف هي تترتب على كراهة كل واحد من الزوجين صاحبه بلا خلاف أجده فيه بينهم، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

موثق سماعة(1)عن أبى عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام «سألته عن المبارأة كيف هي؟ فقال:

يكون للمرأة شي ء على زوجها من صداق أو من غيره و يكون قد أعطاها بعضه، فيكره كل منهما صاحبه، فتقول المرأة لزوجها: ما أخذته منك فهو لي و ما بقي عليك فهو لك و أبارؤك، فيقول لها الرجل: فإن أنت رجعت في شي ء مما تركت فأنا أحق ببضعك».

إنما الكلام في كون الكراهة هنا من المرأة هي الكراهة التي مر الكلام فيها في الخلع أو أنه يكفى هنا مطلقها و إن قلنا بعدم الاكتفاء به في الخلع، بل لا بد من زيادة تلك الألفاظ أو ما في معناها؟ قد يظهر من ذكرهم اعتبار كراهة الزوج هنا زيادة على الخلع أن الكراهة منها متحدة فيهما، و إنما زادت باعتبار كراهة الزوج، و لهذا لم يتعرضوا للبحث فيها بالنسبة إليها- كغيرها مما مر في الخلع من المباحث- اتكالا على المساواة بينهما فيما لم يثبت زيادته، لأنها كما عرفت خلع بالمعنى الأعم.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.

ج 33، ص: 90

و قد يقال: إن إطلاقهم اعتبار الكراهة هنا مع شدة البحث فيها هناك يقتضي كون المعتبر هنا ماهيتها بخلافها في الخلع، بل لعل ذلك هو ظاهر

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «المبارأة يؤخذ منها دون الصداق، و المختلعة يؤخذ منها ما شئت، أو ما تراضيا عليه من صداق أو أكثر، و إنما صارت المبارأة يؤخذ منها دون الصداق و المختلعة يؤخذ منها ما شاء لأن المختلعة تتعدى في الكلام، و تتكلم بما لا يحل لها».

و لكن لا ريب في أن الأقوى الأول، و المراد من الصحيح المزبور أن المختلعة بالمعنى الأخص التي تختص الكراهة بها تعتدي بالكلام، و تتكلم ما لا يحل لها بلا كراهة من الزوج تقتضي ذلك بخلاف المبارأة، فإنها و إن كانت كذلك أيضا إلا أنها في مقابلة كراهة الزوج لها، خصوصا بعد ملاحظة اقتصار الأصحاب هنا على غيره من الفوارق بينها و بين الخلع.

على أن ذلك كله ساقط عندنا، لما عرفت من حمل تلك النصوص (2)على إرادة بيان أصل الكراهة لا خصوص فرد منها، بل قلنا: إن مراد المشهور ذلك أيضا، و حينئذ لا فرق بينهما في اعتبار أصل الكراهة، بل قد عرفت هناك قوة الاكتفاء بها مع العلم بها و إن لم يصدر منها ما يدل على ذلك.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يشترط اتباعه أي القول المزبور في المبارأة بلفظ الطلاق بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر، و حينئذ فلو اقتصر المبارئ على لفظ المبارأة لم يقع به فرقة، و لو قال بدلا من «بارأتك»: «فاسختك» أو «أبنتك» أو غيره من الألفاظ صح إذا اتبعه بالطلاق، إذ المقتضي للفرقة التلفظ بالطلاق لا

غير ه من الألفاظ المزبورة التي هي كنايات في الطلاق و الخلع، و قد عرفت عدم عقد الخلع فضلا عن الطلاق بشي ء منها، كما أنك قد عرفت كون المبارأة قسما من الخلع الذي لا ينعقد بشي ء


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 91

من ذلك.

نعم لو بارأها بلفظ الخلع اتجه حينئذ عدم الاتباع بالطلاق، بناء على عدم اعتبار اتباعه به، و أنه بنفسه فاسخ للنصوص (1)السابقة التي مثلها في المقام صريحا أو ظاهرا، ك

خبر حمران (2)«سمعت أبا جعفر عليه السلام يحدث يقول:

المبارأة تبين من ساعتها من غير طلاق، و لا ميراث بينهما، لأن العصمة بينهما قد بانت ساعة كان ذلك منها و من الزوج»

و موثق جميل بن دراج (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «المبارأة تكون من غير أن يتبعها الطلاق»

و غيرهما من النصوص (4)الظاهرة في ذلك أيضا التي هي كنصوص الخلع بالنسبة إلى ذلك المبنية على أن المبارأة خلع، و الخلع لا يحتاج إلى الأتباع بالطلاق إذا وقع بصيغته لا إذا وقع بالكنايات.

و بذلك انكشفت الغمة التي وقعت على جملة من المصنفين في المقام، حيث أنكروا على الأصحاب اشتراط اتباع المبارأة بالطلاق مع اتفاق النصوص (5)صريحا و ظاهرا على خلافه، فمنهم من قدم إجماعهم عليها، و منهم من قدمها عليه، و لم يعلموا أن كلام الأصحاب مبني على ما ذكروه من صيغ المبارأة التي هي كنايات في الطلاق و الخلع، كما صرحوا به في صيغة الخلع، كما أنهم لم يعلموا أن ما في النصوص مبني على المبارأة التي هي الخلع المؤداة بصيغته، لأنها قسم منه، و ليست إيقاعا جديدا اشتق لها صيغة من لفظها، بل هي كالمرابحة و المحاقلة و المزابنة التي لا يشتق لها صيغة تقوم مقام البيع من لفظها، لأنها أقسام من البيع، و صيغتها صيغته، و لكن اختصت بأسماء لمكان بعض أحكام، و كذلك المبارأة التي هي خلع، و لذا استفاضت النصوص بعدم احتياجها إلى الأتباع بالطلاق كالخلع.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من كتاب الخلع و المبارأة.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من كتاب الخلع و المبارأة.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 92

و بذلك يظهر لك أنه لا حاجة إلى الاستدلال للأصحاب ب

خبر(1)«ليس ذاك إذا خلع»

بناء على قراءته فعلا حتى يستدل بمفهومه على احتياج المبارأة للطلاق، مع أن صدره مناف لذلك، و التحقيق ما عرفت، و الحمد لله رب العالمين.

و بما ذكرناه مكررا في باب الخلع و في المقام يظهر لك الوجه فيما اتفقوا عليه من أنه لو اقتصر في مورد المبارأة على قوله: أنت طالق بكذا صح، و كان مباراة إذ هي عبارة عن الطلاق بعوض مع منافاة بين الزوجين، بل قد عرفت أن الطلاق بالعوض لا مورد له إلا الخلع و المبارأة، كما أنك قد عرفت عدم اعتبار قصد الخلع و المبارأة في صحة ذلك مع فرض وقوعه في موردهما، لأنهما من الطلاق، فيكفي في تحققهما قصد الطلاقية، و كون المورد صالحا لهما.

و بذلك يظهر لك فساد ما في المسالك هنا المبنى على مشروعية الطلاق بعوض من دون خلع و لا مباراة، فاعتبر قصد الخلعية و المبارأة مع فرض الوقوع بصيغة «أنت طالق بكذا» و مع عدم القصد و لو لعدم الشرائط يكون طلاقا بعوض مشروعا في نفسه، و قد عرفت مخالفته للكتاب (2)و السنة(3)و الإجماع على عدم جواز حل الفدية للزوج بدون ذلك، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يشترط في المبارئ و المبارأة ما يشترط في المخالع و المخالعة بل و لا إشكال، بناء على ما ذكرناه من كونها قسما من الخلع الذي قد عرفت وفاء الأدلة بما سمعت من أحكامه المتعلقة بهما و بالفدية و غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 9.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 33، ص: 93

و من ذلك يعلم أنه تقع الطلقة مع العوض بائنة ليس للزوج فيها رجوع إلا أن ترجع الزوجة في الفدية، فيرجع ما دامت في العدة، و للمرأة الرجوع في الفدية ما لم تنقض عدتها كما سمعت دليل ذلك كله في الخلع، مضافا إلى

قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة و محمد بن مسلم(1): «المبارأة تطليقة بائنة، و ليس في شي ء من ذلك رجعة»

و قول أحدهما عليهما السلام في خبر إسماعيل الجعفي (2): «المبارأة تطليقة بائنة، و ليس فيها رجعة»

و إلى غير ذلك مما تقدم من النصوص التي اشتمل بعضها على اشتراط الزوج عليها أنها إن رجعت بشي ء من البذل فهو أملك ببضعها الظاهر في الحكمين معا، نحو

قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير(3): «المبارأة تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك و اتركني، أو تجعل له من قبلها شيئا، فيتركها إلا أنه يقول: فان ارتجعت في شي ء فأنا أملك ببضعك و لا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه»

و في

موثق ابن سنان(4): «المبارأة: تقول لزوجها: لك ما عليك و بارئني فيتركها، قال: قلت:

فيقول لها: إن ارتجعت في شي ء فأنا أملك ببضعك، قال: نعم»

و في

صحيح الحلبي (5): «المبارأة أن تقول المرأة لزوجها: لك ما عليك و اتركني فيتركها، إلا أنه يقول لها: إن ارتجعت في شي ء منه فأنا أملك ببضعك».

إلا أن ما فيها من اعتبار اشتراط ذلك في المبارأة لم أجد به قائلا، بل ظاهر اقتصارهم على غيره من الفرق بينها و بين الخلع عدمه، و من هنا وجب حمله على ضرب من الندب، و ذلك لأن ذلك له إذا رجعت، كما أن لها أن ترجع و إن لم يذكر هذا الشرط بينهم كما سمعته في الخلع، و كذا بقية أحكامه التي


1- 1 الإستبصار ج 3 ص 319.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.

ج 33، ص: 94

لا خلاف في جريانها في المقام بل و لا إشكال، لما عرفت من أنها قسم من الخلع، بل من هذه النصوص يستفاد حكم الرجوع ببعض الفدية الذي قد عرفت البحث فيه سابقا.

و كيف كان ف المبارأة كالخلع في جمع ما تقدم لكن المبارأة تفترق عنه بأمور ثلاثة:

أحدها: أنها تترتب على كراهة كل من الزوجين ل صاحبه، و يترتب الخلع المقابل لها على كراهة الزوجة خاصة.

و ثانيها: أنه يأخذ في المبارأة بقدر ما وصل إليها منه من المهر و لا يحل له الزيادة و في الخلع جائز لما عرفت، بلا خلاف أجده في عدم جواز الزيادة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن جماعة من الأصحاب عدم جواز أخذ المساوي، بل لا بد أن يقتصر على الأقل، لما سمعته من صحيح زرارة(1)السابق الصريح في أن المبارأة يؤخذ منها دون الصداق، و

المرسل في الفقيه (2)«أنه روى أنه لا ينبغي له أن يأخذ منها أكثر من مهرها، بل يأخذ منها دون مهرها»

إلا أن ذلك لما كان منافيا لعموم تسلط الناس على أموالهم (3)و قوله تعالى (4):

«فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ» و «فِيمَا افْتَدَتْ»(5)و غير ذلك و معارضا بصحيح أبى بصير(6)السابق وجب إرادة المهر فما دون من العبارة المزبورة التي عبر


1- 1 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 1.
3- 3 البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 4.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 229.
6- 6 الوسائل الباب- 8- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.

ج 33، ص: 95

بمثلها عن ذلك في غير مقام، و من هنا كان الأقوى ذلك وفاقا للمشهور.

و ثالثها: أنها تقف الفرقة في المبارأة التي فسرها المصنف بأن يقول: بارأتك على التلفظ بالطلاق اتفاقا منا بقسميه. و في الخلع على الخلاف السابق الذي عرفت الحال

فيه، كما أنك عرفت التحقيق في المبارأة، و الله العالم.

ج 33، ص: 96

[كتاب الظهار]

اشاره

كتاب الظهار الذي هو مصدر «ظاهر» مثل «قاتل» مأخوذ من الظهر، لأن صورته الأصلية أن يقول الرجل لزوجته: «أنت علي كظهر أمي» و خص الظهر لأنه موضع الركوب، و المرأة مركوبة وقت الغشيان، فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة، ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع، و هو استعارة لطيفة، و كان طلاقا في الجاهلية محرما أبدا، و حرم في الإسلام، فقال «وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ»(1)إلى آخرها.

و السبب في نزولها على ما في

خبر حمران (2)عن أبي جعفر عليه السلام المروي عن تفسير علي بن إبراهيم قال: «إن امرأة من المسلمات أتت النبي صلى الله عليه و آله، فقالت:

يا رسول الله إن فلانا زوجي، و قد نشرت له بطني و أعنته على دنياه و آخرته، لم ير مني مكروها أشكوه إليك، قال: فبم تشكينه؟ قالت: إنه قال: أنت علي حرام كظهر أمي و قد أخرجني من منزلي، فانظر في أمري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله. ما أنزل الله تبارك و تعالى كتابا أقضى فيه بينك و بين زوجك، و

أنا أكره أن أكون من المتكلفين، فجعلت تبكي و تشكى ما بها إلى الله تعالى عز


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2 و ذكر ذيله في الباب- 2- منه الحديث 1، و البحار ج 104 ص 166 ط الحديث.

ج 33، ص: 97

و جل و إلى رسول الله صلى الله عليه و آله. و انصرفت، قال: فسمع الله تبارك و تعالى مجادلتها لرسول الله صلى الله عليه و آله في زوجها و ما شكت إليه، فأنزل الله عز و جل في ذلك قرآنا:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ، وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً، وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(1)قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه و آله إلى المرأة فأتته، فقال: جئني بزوجك فأتت به، فقال له: قلت لامرأتك هذه: أنت علي حرام كظهر أمي؟ فقال: قد قلت لها ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: قد أنزل الله تعالى فيك و في امرأتك قرآنا، فقرأ عليهما الايات، ثم قال: فضم إليك امرأتك، فإنك قد قلت منكرا من القول و زورا، و قد عفى الله عنك و غفر لك و لا تعد، قال: فانصرف الرجل و هو نادم على ما قال لامرأته، و كره الله عز و جل ذلك للمؤمنين بعد، و أنزل الله تعالى شأنه (2)«وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا»

يعنى ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي حرام كظهر أمي، قال: فمن قالها بعد ما عفى الله و غفر للرجل الأول فإن عليه تحرير رقبة من قبل أن يتماسا، يعني مجامعتها، ذلكم توعظون به، و الله بما تعملون خبير، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، يعنى من قبل أن يتماسا، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، قال: فجعل عقوبة من ظاهر بعد النهي هذا، ثم قال: ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ، وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، قال: هذا حد الظهار، قال حمران: و قال أبو جعفر عليه السلام: و لا يكون ظهار في يمين و لا في غضب، و لا يكون ظهار إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين».

و هذا الرجل المزبور الذي هو مورد نزول آية الظهار أوس بن الصامت،


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 1 و 2.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.

ج 33، ص: 98

و زوجته خولة بنت المنذر، ل

خبر ابن أبي عمير عن أبان (1)و غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام المروي في الفقيه، قال: «كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله يقال له:

أوس بن الصامت كان تحته امرأة يقال لها: خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم:

أنت علي كظهر أمي ثم ندم، فقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلا و قد حرمت علي، فجائت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، فقالت يا رسول الله: إن زوجي قال لي: أنت علي كظهر أمي،

و كان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله: ما أظنك إلا و قد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء، و قالت:

أشكو إلى الله تعالى فراق زوجي، فأنزل الله تعالى يا محمد «قَدْ سَمِعَ»- إلى آخرها- ثم أنزل الله عز و جل الكفارة في ذلك، فقال «وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» إلى آخرها.»

و إن لم يكن بالتفصيل المزبور الذي فيه أن الكفارة على غير الرجل المزبور ممن يفعل فعله بعد نزول الآية.

لكن عن

المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه نقلا من تفسير النعماني (2)بإسناده إلى علي عليه السلام «و أما المظاهرة في كتاب الله تعالى فان العرب كانت إذا ظاهر رجل منهم من امرأته حرمت عليه إلى آخر الأبد، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه و آله كان بالمدينة رجل من الأنصار يقال له: أوس بن الصامت، و كان أول رجل ظاهر في الإسلام، فجرى بينه و بين امرأته كلام، فقال لها: أنت علي كظهر أمي، ثم إنه ندم على ما كان منه، فقال: ويحك إنا كنا في الجاهلية تحرم علينا الأزواج في مثل هذا قبل الإسلام، فلو أتيت رسول الله فسألته عن ذلك،

فجاءت المرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبرته، فقال لها: ما أظنك إلا قد حرمت عليه إلى آخر الأبد، فجزعت و بكت، و قالت: أشكو إلى الله فراق زوجي، فأنزل الله عز و جل قَدْ سَمِعَ- إلى قوله- وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله: قولي لأوس زوجك: يعتق نسمة، قالت: و أني له نسمة، و الله ما له خادم غيري، قال: فيصوم شهرين متتابعين، فقالت: إنه شيخ كبير لا يقدر على الصيام، فقال: مرية فليتصدق على ستين مسكينا،


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 4.

ج 33، ص: 99

فقالت: و أني له الصدقة، فو الله ما بين لابيتها أحوج منا، قال: فقولي له فليمض إلى أم المنذر فليأخذ منها شطر وسق تمر، فليتصدق على ستين مسكينا»

و هو ظاهر في أن الكفارة كانت على الرجل المزبور، و الأمر في ذلك سهل.

[الأمور الأربعة في الظهار]

اشاره

و كيف كان ف النظر فيه أي في كتاب الظهار يستدعي بيان أمور أربعة.

[الأمر الأول في الصيغة]
اشاره

الأول في قول الصيغة و هو يتحقق ب أن يقول: أنت على كظهر أمي بلا خلاف نصا(1)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه من المسلمين فضلا عن

المؤمنين و كذا يتحقق لو قال بدل «أنت» هذه أو «زينب» أو ما شاكل ذلك من الألفاظ الدالة على تمييزها بلا خلاف أجده فيه أيضا، لظهور المثالية فيما ورد من النصوص (2)بلفظ «أنت» نعم قد يقال باعتبار التلفظ بما يدل عليها، فلو قال: «كظهر أمي» مضمرا لا سمها لم يقع، للأصل و غيره.

و كذا لا عبرة باختلاف ألفاظ الصلات كقوله: أنت مني أو عندي (11) أو لدى أو علي أو نحو ذلك، لظهور اختلاف ما ورد من النصوص (3)فيها


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار و الباب- 2- منه الحديث 2 و الباب- 4- منه الحديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار و الباب- 2- منه الحديث 2 و الباب- 4- منه الحديث 2 و 3 و الباب- 9- و الباب- 13- الحديث 5 و الباب- 16- منه.

ج 33، ص: 100

بعدم اعتبار لفظ مخصوص منها، بل الظاهر عدم اعتبارها أصلا، فلو قال: «أنت كظهر أمي» صح كما لو قال: «أنت طالق» و احتمال الفرق بينهما- باحتمال صيغة الظهار مجردة عن الصلة كونها محرمة على غيره حرمة ظهر أمه عليه، بخلاف الطلاق، فإنه لا طلاق و هي في حبسه دون حبس غيره- لا وجه له بعد ظهور إرادة الظهار له، فما عن التحرير من التوقف مع حذف الصلة لا يخلو من نظر، و كذا لا يعتبر في التشبيه لفظ الكاف قطعا، بل يكفي «مثل» و نحوها و في الاكتفاء بدون أداة التشبيه وجه، لكن الأحوط إن لم يكن الأقوى خلافه.

و كيف كان ف لو شبهها بظهر إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا كالأم و الأخت فيه روايتان:

صحيح زرارة(1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الظهار فقال: هو من كل ذي محرم: أم أو أخت أو عمة أو خالة، و لا يكون الظهار في يمين، قال: قلت: كيف يكون؟ قال: يقول الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع: أنت علي حرام مثل ظهر أمي أو أختي و هو يريد بذلك الظهار»

و صحيح جميل بن دراج (2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقول لامرأته: أنت على كظهر عمته أو خالته، قال: هو الظهار»

و مرسل يونس (3)الآتي عن أبى عبد الله عليه السلام «و كذلك إذا هو قال: كبعض المحارم»

لة على تحقق الظهار مؤيدة بإطلاق أدلته.

و صحيح سيف التمار(4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يقول لامرأته:

أنت علي كظهر أختي أو عمتي أو خالتي، قال: إنما ذكر الله الأمهات، و إن هذا لحرام»

مؤيدا بالأصل.

و لكن لا يخفى عليك أن أشهرهما رواية و فتوى الوقوع لانقطاع


1- 1 ذكر صدره في الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 1 و ذيله في الباب- 2- منه الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 101

الأصل بالنصوص المزبورة المعلوم رجحانها على صحيح سيف القابل لإرادة بيان أن المذكور في

الآية الأمهات، و هو كذلك، و لكن لا ينافي ثبوت التحريم من السنة و أن

قوله عليه السلام: «و ان هذا لحرام»

جواب للسائل، فيكون حينئذ كالأخبار السابقة، فلا ريب في أن الأقوى الوقوع.

إنما الكلام في تنزيل الرضاعيات منزلة النسبيات في ذلك، فقيل به، ل

قوله صلى الله عليه و آله (1): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

و لعموم قوله عليه السلام في الصحيح (2)السابق: «كل ذي محرم»

و قيل: لا يقع، للأصل و انسياق النسبيات من المحرم و المحارم، و التنزيل المزبور إنما هو في التحريم خاصة لا ما يشمل انعقاد صيغة الظهار.

و من الغريب ما في المسالك من رد ذلك بأن «من» في الخبر إما تعليلية، مثلها في قوله تعالى (3)«مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا» أو بمعنى الباء، كما في قوله تعالى (4):

«يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ» و التقدير يحرم لأجل الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل النسب أو بسببه، و كلاهما مفيد للمطلوب، لأن التحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة

إجماعا، فيثبت بسبب الرضاع كذلك، إذ هو كما ترى أجنبي عن انعقاد صيغة الظهار به.

و من هنا بان لك أن الأقوى عدم الوقوع بالأم الرضاعية فضلا عن غيرها، كما أنه بان لك الوقوع بالتشبيه بالمحارم كالأخت و العمة فضلا عن الجدات التي هن أمهات حقيقة في أحد القولين و إن كان الظاهر انسياق الوالدة بلا واسطة من الام، بل بان لك أيضا الحال في الصور الست المذكورة في المسالك.

و لو شبهها أي الزوجة ب أن قال: هي أو ما قام مقام ذلك عليه ك يد


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 1.
3- 3 سورة نوح ع: 71- الآية 25.
4- 4 سورة الشورى: 42 الآية 45.

ج 33، ص: 102

امه أو شعرها أو بطنها أو غير ذلك من أجزائها- من غير فرق بين ما يتوقف حياتها عليه أو لا يتوقف و لا بين ما حلته الحياة من الأجزاء و بين غيره- قيل:

لا يقع و القائل المرتضى، بل قيل و المتأخرون، بل في انتصاره أنه مما انفردت به الإمامية اقتصارا فيما خالف الأصل بل الأصول على منطوق الآية(1)و غيرها من أدلة الظهار المنساق غير المفروض منها و لو من ملاحظة المبدأ.

و لكن بالوقوع رواية فيها ضعف و هي

رواية سدير(2)عن الصادق عليه السلام «قلت له: و الرجل يقول لامرأته: أنت علي كشعر أمي أو كقبلها أو كبطنها أو كرجلها، قال: ما عنى؟ إن أراد به الظهار فهو الظهار»

و لكن هي منجبرة بما عن الشيخ في الخلاف من الإجماع على ذلك، بل و بعمل الصدوق و القاضي و ابن حمزة، فإن ذلك مع روايتها في التهذيب الذي هو أحد الكتب المعتبرة المتبينة كاف في جواز العمل بها، خصوصا بعد اعتضادها

بمرسل يونس (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل قال لامرأته: أنت على كظهر أمي أو كيدها أو كبطنها أو كفرجها أو كنفسها أو ككعبها أ يكون ذلك الظهار؟ و هل يلزم فيه ما يلزم المظاهر؟ فقال: المظاهر إذا ظاهر امرأته فقال: هي علي كظهر أمي أو كيدها أو كرجلها أو كشعرها أو كشي ء منها ينوي بذلك التحريم فقال:

لزمه الكفارة في كل قليل منها أو كثير، و كذلك إذا قال هو: كبعض ذوات المحارم فقد لزمته الكفارة»

و لا معارض لذلك سوى انسياق صوغ الصيغة من الاسم، و هو غير صالح للمعارضة، خصوصا بعد ملاحظة صوغ الصيغة في سائر العقود من غير مبدأ


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 2 و 3.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من كتاب الظهار الحديث 2 و فيه« ككفها» بدل« كقبلها» كما في التهذيب ج 8 ص 10.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من كتاب الظهار الحديث 1 و ذكر ذيله في الباب- 4- منه الحديث 4.

ج 33، ص: 103

اسمها، و سوى ما في صحيح زرارة(1)و خبر جميل (2)السابقين الذين لم يسق الحصر فيهما لما ينافي ذلك، و على تقديره فلا يصلح لمعارضة المنطوق المزبور، و هذا كله في التشبيه بغير الظهر من الأم.

أما لو شبهها بغير امه بما عدا لفظة الظهر من اليد و الرأس و غيرهما لم يقع قطعا للأصل السالم عن معارضة ما دل على (3)إلحاق المحارم بالأم بعد أن كان في خصوص التشبيه بالظهر، و لكن فيه أنه و إن كان مورده ذلك إلا أنه ظاهر- خصوصا مرسل يونس (4)منها- في كون غير الأم كالأم في تحقق الظهار بالتشبيه بها، سواء كان بالظهر أو غيره، خصوصا بعد معلومية كون الظهار معنى متحدا، فالأقوى الصحة إن لم يكن إجماعا، كما عساه يشعر به لفظ القطع في عبارة المتن، لكن عن المختلف أن بعض علمائنا قال بوقوعه، و آخرين بعدمه، و نحوه عن ابن إدريس.

و لو شبه الجملة بالجملة بأن قال: أنت على كأمي أو مثل أمي قيل و القائل الشيخ و من تبعه يقع إن قصد به الظهار و لعله الأقوى، لفحوى الخبرين (5)السابقين بل قيل: إنه أولى بالتحريم، لاشتمالها على تلك الأجزاء التي منها الظهر الذي هو محل النص (6)و الفتوى، مؤيدا ذلك بإطلاق أدلة الظهار الذي صار معناه و لو بمعونة النصوص (7)إنشاء تحريم الزوجة عليه، و انها كأمه أو باقي محارمه،

خلافا للأكثر كما في المسالك، و هو مبني على اعتبار ذكر الظهر في الحرمة، و قد عرفت ما فيه.

و منه يعلم ما في قول المصنف و فيه إشكال منشأه اختصاص الظهار بمورد الشرع و التمسك في الحل بمقتضى الأصل (العقد خ ل).


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من كتاب الظهار الحديث 1 و 2.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار.
7- 7 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 104

و لو شبه بعض أجزاء الزوجة بجملة الام مريدا به الظهار فالظاهر الصحة أيضا بناء على ظهور الخبرين (1)في الاكتفاء بالكناية في تحقق الظهار مع القصد، و هذا منها.

و كذا لو شبه جزء الزوجة بظهر الام، بل و كذا لو شبه الجزء بالجزء، كما لو قال: «يدك علي كيد أمي» مريدا به الظهار، و أولى من ذلك ما لو شبه جملة الزوجة بجملة غير الام من المحارم.

و بالجملة فالمدار على إنشاء تحريم الزوجة عليه بتشبيهها بإحدى المحرمات النسبية من غير فرق بين الصريح و الكنائي.

نعم لو شبهها بمحرمة بالمصاهرة تحريما مؤيدا كأم الزوجة و بنت زوجته المدخول بها و زوجة الأب و الابن لم يقع الظهار للأصل بعد انصراف المحرم أو المحارم إلى النسبيات، فما عن المختلف من التحريم أيضا لا يخلو من نظر.

و كذا لو شبهها بأخت الزوجة أو عمتها أو خالتها مما يحرم في حال لا مطلقا، ضرورة كون حكمها حكم الأجنبية في جميع الأحكام، لأن تحريمها يزول بفراق الام و الأخت، كما يحرم جميع نساء العالم على المتزوج أربعا و يحل له كل واحدة ممن ليست محرمة بغير ذلك على وجه التخيير بفراق واحدة من الأربع، بل عمة الزوجة و خالتها لا تحرم عينا و لا جمعا، إنما تحرم على وجه مخصوص، كما هو واضح.

و أولى من ذلك بعدم حصول التحريم لو قال: كظهر أبي أو أخي أو عمي فإنه لم يكن شيئا بلا خلاف أجده، بل في المسالك هو محل وفاق، للأصل و لأن الرجل ليس محلا للاستمتاع، و لا في معرض الاستحلال، خلافا لبعض، فحرمه قياسا على محارم النساء و كذا لو قالت: هي أنت على كظهر أبي أو أمي لأن الظهار من أحكام الرجال كالطلاق إجماعا.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من كتاب الظهار الحديث 1 و 2.

ج 33، ص: 105

و يشترط في وقوعه حضور عدلين يسمعان نطق المظاهر على نحو الطلاق بلا خلاف أجده فيه نصا(1)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، نعم في المسالك «و أما اشتراط كونهما عدلين فلا دليل عليه إلا من عموم (2)اشتراط العدالة في الشاهدين، و في إثبات الحكم هنا بمثل ذلك ما لا يخفى من الاشكال، و قد تقدم في الطلاق

رواية(3)بالاجتزاء فيهما بالإسلام، كما أطلق هنا» و قد عرفت البحث معه هناك.

و لو جعله يمينا جزاء على فعل أو ترك- قصدا للزجر عنه أو البعث على فعل، سواء تعلق به أو بها، كقوله: إن كلمت فلانا أو إن تركت الصلاة فأنت على كظهر أمي- لم يقع بلا خلاف أجده فيه، فإنه لا يمين بغير الله، و لقول أبي جعفر عليه السلام في

صحيح زرارة(4)السابق: «لا يكون الظهار في يمين»

و في حسن حمران (5)«لا يكون ظهار في يمين و لا في إضرار و لا في غضب»

و لا يقاس جوازه على جوازه معلقا بناء عليه، لحرمة القياس عندنا، و اتحاده في الصورة مع مفارقته له في المعنى و القصد- لأن المراد من الشرط مجرد التعليق و في اليمين الزجر و البعث- لا يقتضي جوازه، خصوصا بعد ما سمعت من النص و الفتوى، و الله العالم.

و لا يقع إنشاؤه إلا منجزا، فلو علقه بانقضاء الشهر أو دخول الجمعة أو نحوهما من التعليق على الوقت لم يقع على القول الأظهر بل الأشهر، بل المشهور، بل لا ينبغي الخلاف فيه، لمنافاة ذلك للإيقاع، بخلاف التعليق على


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات.
3- 3 استدل في المسالك للاجتزاء بالإسلام في الشاهدين في الطلاق بما رواه في الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من كتاب الظهار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من كتاب الظهار الحديث 2.

ج 33، ص: 106

الشرط الذي هو- مع أنك ستسمع النص (1)فيه- غير مناف لنفس الإنشاء، ضرورة رجوعه إلى تأخير مقتضاه و إلى متعلق الإنشاء، نحو التعليق «في أكرم زيدا غدا» و في النذر و نحوهما مما كان التعليق فيه لمتعلق الإنشاء لا له نفسه، فإنه غير متصور التحقق فضلا عن صحته و فساده، بخلاف تعليق الآثار و متعلق الإنشاء، فإنه متصور و صحيح مع فرض الدليل عليه بالخصوص، بل ربما اكتفى بعضهم في مشروعيته بالعمومات و إن كان فيه أنه مناف لما دل على تسبيبه لمسببه بمجرد وقوعه و حصوله، و من هنا كان من المسلم عند الأصحاب عدم جواز التعليق المزبور في كل عقد أو إيقاع إلا ما خرج بالدليل، من غير فرق بين الوصف و الشرط.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يقع للعمومات المعلوم عدم شمولها للمفروض الذي ذكرناه، فان مرجعه حينئذ إلى عدم الإنشاء، قيل:

و لفحوى وقوعه معلقا على شرط، بل لعله أولى، و فيه ما لا يخفى بناء على كون المراد بالمعلق الخارج بقيد التنجيز الذي إنشاؤه معلق لا المعلق أثره أو متعلقة على أمر محقق كانقضاء الشهر و دخول الجمعة، كما توهمه غير واحد فاستدل بالدليل المزبور، و لا ريب في أنه متجه، إذ احتمال جواز المحتمل دون المتيقن كما ترى، بل الأدلة لا تساعد عليه، إذ لا تعرض فيها لكون المعلق عليه معلوم الوقوع لدى المعلق أولا.

و لعله لذا قال المصنف مشيرا إلى القول المزبور الذي مقتضاه جواز التعليق في نفس الإنشاء و هو نادر إذ لم نعرف من وافقه عليه، بل لعله لا قائل به بالمعنى المزبور، فتخرج المسألة عن الخلاف بعد حمل كلام القائل على إرادة تعليق الأثر و المتعلق.

و هل يقع في إضرار؟ قيل كما عن النهاية و الوسيلة لا يقع ل

قول الباقر عليه السلام في حسن حمران (2): «لا يكون ظهار في يمين و لا في إضرار»

و فيه


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من كتاب الظهار الحديث 2.

ج 33، ص: 107

إشكال منشأه التمسك بالعموم و الإطلاق كتابا(1)و سنة(2)بل لعل ظاهر الأكثر الوقوع، لعدم ذكر ذلك في شرائطه، فلا يقوى حينئذ الخبر المزبور على التخصيص و التقييد، و لكن لا يخفى عليك إمكان منع ذلك بعد قبول الخبر للحجية، خصوصا بعد حكاية الشهرة كما عن الكفاية على مضمونه، و إمكان تأييده

بقاعدة «لا ضرر و لا ضرار»

اللهم إلا أن يقال: إن مبنى مشروعية الظهار على الضرار.

و كيف كان ف في وقوعه موقوفا على الشرط تردد و خلاف أظهره الجواز وفاقا للمحكي عن الصدوق و الشيخ و ابن حمزة، بل و أكثر المتأخرين، فلو قال: «أنت على كظهر أمي إن دخلت الدار» أو «إن شاء زيد» فدخلت الدار و شاء وقع، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن الحجاج(3): «الظهار ضربان: أحدهما فيه الكفارة قبل المواقعة، و الآخر بعدها، فالذي يكفر قبل المواقعة الذي يقول: أنت على كظهر أمي، و لا يقول إن فعلت بك كذا و كذا، و الذي يكفر بعد المواقعة الذي يقول: أنت على كظهر أمي إن قربتك»

و نحوه

مضمره الآخر(4): «الظهار على ضربين في أحدهما الكفارة، إذا قال: أنت علي كظهر أمي، و لا يقول أنت علي كظهر أمي إن قربتك»

و قوله عليه السلام أيضا في صحيح حريز(5)«الظهار ظهاران: فأحدهما أن يقول: أنت علي كظهر أمي ثم يسكت، فذلك الذي يكفر قبل أن يواقع، فإذا قال: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا و كذا ففعل فحنث فعليه الكفارة حين يحنث»

و خبر عبد الرحمن بن أبي نجران (6)قال: «سأل صفوان بن يحيى عبد الرحمن بن الحجاج و أنا حاضر عن الظهار، قال:


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الظهار.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 7.
6- 6 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 12 و ليس فيه سأل صفوان. و ذكره بعينه في الاستبصار ج 3 ص 260.

ج 33، ص: 108

سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا قال الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي لزمه الظهار، قال لها دخلت أو لم تدخلي خرجت أو لم تخرجي أو لم يقل شيئا فقد لزمه الظهار»

مضافا إلى العموم كتابا(1)و سنة(2)حتى

قوله صلى الله عليه و آله(3): «المؤمنون عند شروطهم»

بل و موافقة الحكمة، فإن المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده، فتفعل ما يكرهه و تمتنع عن ما يرغب فيه، و يكره الرجل طلاقها من حيث يرجو موافقتها، فيحتاج حينئذ إلى تعليق ما يكرهه بفعل ما تكرهه أو ترك ما تريده، فإما أن تمتنع و تفعل فيحصل غرضه، أو تخالف فيكون ذلك جزاء معصيتها، لضرر جاء من قبلها.

و خلافا للسيد و بنى زهرة و إدريس و سعيد و البراج، بل عن الغنية و السرائر الإجماع عليه، لمعلومية منافاة التعليق لإنشاء العقد و الإيقاع إلا ما خرج، و ل

خبر الزيات (4)«قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنى ظاهرت من امرأتي، فقال: كيف

قلت؟ قال: قلت: أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا و كذا، فقال: لا شي ء عليك، فلا تعد»

و مرسل ابن بكير(5)«قلت لأبي الحسن عليه السلام إني قلت لامرأتي: أنت علي كظهر أمي إن خرجت من باب الحجرة فخرجت، فقال:

ليس عليك شي ء، قلت: إني قوي على أن أكفر، فقال: ليس عليك شي ء، فقلت:

إني قوي على أن أكفر رقبة و رقبتين، قال: ليس عليك شي ء قويت أو لم تقو»

و مرسل ابن فضال (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يكون الظهار إلا على موضع الطلاق»

و قد عرفت عدم وقوع الطلاق معلقا، فلا يقع الظهار.

و لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة وجوب الخروج عن قاعدة التنجيز


1- 1 سورة المجادلة: 58 الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الظهار.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 109

بالأدلة السابقة، كالنذر و اليمين و غيرها مما جاز فيها التعليق، و الأخبار- مع الضعف فيها المانع من أصل القبول فضلا عن المعارضة، و احتمال الأول منها نفى الشي ء عليه قبل حصول الشرط، أو لعدم حضور الشاهدين و غير ذلك و اليمين، كالثاني.

و ظهور الثالث في إرادة المرأة من الموضع فيه- لا تصلح معارضة للأخبار السابقة، و الإجماعان المزبوران موهونان بما عرفت.

هذا و لكن في القواعد «في الفرق بين الفرض و بين المعلق نظر» و في شرحها للأصبهاني «من خروج التعليق عن النصوص، و من أن الوقوع مشروطا يدل على عدم اشتراط التنجيز و إرادة الإيقاع بنفس الصيغة فيه، و إذا لم يشترط ذلك لم يكن فرق بين الشرط و التعليق، بل قد يكون التعليق أولى بالوقوع».

و من الغريب ما وقع في المسالك في المقام و كان نسخته التي شرح عبارتها فيها سقط، كما لا يخفى على من لاحظ شرحه لها في المقام الذي قد جعل فيه الكلام في المسألة الثانية شرحا للمسألة الاولى، و حكى عن المصنف القول بالعدم، و أنه نسب القول بالجواز إلى الندرة، مع أن صريح كلامه الجواز بعد التردد، و كذا كلامه في النافع. و أغرب منه موافقة الرياض له على ذلك، و ما ندري أن السبب في ذلك اختلاف النسخ أو عدم التمامية في الملاحظة؟ و لعل الذي غرهما التعبير باعتبار التنجيز المراد منه في غير المقام عدم التعليق مطلقا، و لكن التدبر في العبارة يقتضي ما ذكرناه، و احتمال الفرق بين الشرط و الوصف في غاية البعد، بل يمكن القطع بفساده.

و لو قيد مدة كأن يظاهر منها شهرا أو سنة أو يوما قال الشيخ:

لا يقع للأصل، و لأنه لم يؤبد التحريم، فأشبه ما إذا شبهها بامرأة لا تحرم عليه على التأبيد، و ل

صحيح سعيد الأعرج (1)عن الكاظم عليه السلام «في رجل ظاهر من


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 10 و فيه« فوفى» بدل« يوما» كما في التهذيب ج 8 ص 14 الرقم 45 و الاستبصار ج 3 ص 262 الرقم 936. و الوافي ج 12 ص 139. الا أن فيه و في بعض النسخ« يوما» مكان« فوفى» كما يشير الى ذلك قريبا.

ج 33، ص: 110

مرأته يوما، قال: ليس عليه شي ء».

و لكن فيه إشكال مستند إلى عموم الآية(1)و الرواية(2)فإن مقتضاهما الجواز، مضافا إلى

خبر سلمة بن صخر(3)قال: «كنت امرءا قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري، فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان خوفا من أن أصيب في ليلتي شيئا فاتابع في ذلك إلى أن يدركنى النهار و لا أقدر أن أترك، فبينما هي تخدمني من الليل إذا انكشف لي منها شي ء فوثبت عليها، فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري، و قلت لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه و آله فأخبروه بأمري، فقالوا: و الله لا نفعل، نتخوف أن ينزل فينا قرآن، و يقول فينا رسول الله صلى الله عليه و آله مقالة يبقى علينا عارها، لكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه و آله، فأخبرته بخبري، فقال لي: أنت بذاك، فقلت: أنا بذاك، فقال: أنت بذاك، فقلت: أنا بذاك، فقال: أنت بذاك، فقلت: نعم ها أنا ذا فامض في حكم الله عز و جل

فأنا صابر له، قال: أعتق رقبة، فضربت صفحة رقبتي بيدي، فقلت: لا و الذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها، فقال: فصم شهرين متتابعين، فقال يا رسول الله صلى الله عليه و آله:

و هل أصابني ما أصابني إلا من الصوم؟ قال: فتصدق، قلت: و الذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا و ما لنا عشاء، فقال: اذهب إلى صاحب صدقة بني رزين فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك وسقا من تمر ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك و على عيالك، قال: فرجعت إلى قومي، فقلت: وجدت عندكم الضيق و سوء الرأي، و وجدت عند رسول الله صلى الله عليه و آله السعة و البركة، و قد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلى،


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الظهار.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 390 و المستدرك الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 4.

ج 33، ص: 111

فدفعوها إلى»

و في رواية اخرى (1)«إن النبي صلى الله عليه و آله أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا، فقال: أطعمه ستين مسكينا، و ذلك لكل مسكين مد».

إلا أن هذا الخبر لم نجده في طرقنا، و إنما هو من طرق العامة، كما اعترف به غيرنا أيضا، و إطلاق الأدلة لا تناول فيه للفرض، بل المنصرف منه غيره، خصوصا بعد أن كان الظهار في الجاهلية لحرمة الأبد و لم يشرعه الشارع، بل جعله من المحرمات و أنه لا يفيد حرمة و

لكنه يوجب الكفارة، فالإطلاق حينئذ ليس إلا للظهار المزبور، بل لعل قوله تعالى (2)«ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ» مشعر بذلك، بل إن شرع الإطلاق المزبور التقييد بالوقت فليشرع أيضا التقييد بالمكان و بغيرهما من الأحوال الذي لم نعرف له أثرا في كلام الأصحاب، فلا ريب في أن المتجه بحسب الأصول العدم، مؤيدا بالصحيح (3)المزبور و إن قيل:

إنه مختلف النسخ، ففي بعضها ما سمعت، و في آخر عوض «يوما» «فوفى» و حينئذ يخرج عن الدلالة على المقام، ضرورة كون المراد أنه وفى بظهاره، أي لم يقرب، بل ظاهر الوافي أن هذه النسخة هي المعتمدة، بل قيل: لا دلالة فيه على النسخة الأخرى أيضا، إذ يمكن أن يكون نفي الشي ء عليه لوفائه بما قال باعتبار قصر اليوم، لكن هذا كله لا ينافي التأييد، للأصول و لو للظهور أو الاحتمال على بعض النسخ، و الله العالم.

هذا و ربما قيل: إن قصرت المدة عن زمان التربص لم يقع لأن الظهار يلزمه التربص مدة ثلاثة أشهر من حين الترافع و عدم الطلاق، و هو يدل بالاقتضاء على أن مدته تزيد عن ذلك، و إلا لا لانتفى اللازم الدال على انتفاء الملزوم، بل عن المختلف اختياره و إن كنا لم نتحققه، بل في المسالك لا بأس به، و الرواية


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 390.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
3- 3 المتقدم في ص 109.

ج 33، ص: 112

الصحيحة(1)لا تنافيه.

و لكن هو كما ترى تخصيص للعموم بالحكم المخصوص من غير مقتض، و الحكم بالتربص تلك المدة على تقدير المرافعة لا يوجب تخصيص العام، لأن المرافعة حكم من أحكام الظهار و هي غير لازمة، فجاز أن لا ترافعه، فيحتاج إلى معرفة حكمه على هذا التقدير، و جاز أن لا يعلمها بإيقاعه و يريد معرفة حكمه مع الله تعالى شأنه، و الحكم بتربصها تلك المدة على تقدير المرافعة محمول على ما إذا كان مؤبدا أو موقتا بزيادة عنها، فإذا قصرت كان حكمه تحريم العود إلى أن يكفر من غير أن يتوقف على المرافعة.

و من هنا كان فيه أي القول المزبور ضعف واضح، ضرورة أنه لا دلالة فيما ذكره على مشروعية الموقت، بل لعل ظاهر إطلاق الحكم بتربص المدة المزبورة يقتضي كون الظهار مبنيا على الدوام، فهو إن لم يدل على العدم فلا دلالة فيه على مشروعية التوقيت قطعا، فالأصول المزبورة حينئذ بحالها، كما هو واضح.

نعم لو ثبت دليل التوقيت أمكن القول بعدم منافاة ذلك له لما عرفت، و الله العالم.

[فروع لو قال أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق]

فروع لو قال: أنت طالق كظهر أمي وقع الطلاق إذا قصده، لوقوع صيغة صحيحة و لغا الظهار،

قصده بأن أراد أنت طالق و أنت كظهر أمي أو لم يقصده و إن جاز وقوعه بالمطلقة الرجعية، لعدم تمامية الصيغة بسبب عدم ذكر الموضوع.

و قال الشيخ: إن قصد الطلاق و الظهار صح إذا كانت المطلقة رجعية، فكأنه قال: أنت طالق أنت كظهر أمي، و فيه تردد، لأن النية لا تستقل بوقوع


1- 1 المتقدمة في ص 109.

ج 33، ص: 113

الظهار ما لم يكن اللفظ الصريح الذي لا احتمال فيه كما في غير الظهار من العقود و الإيقاعات، و لكن لا يخفى عليك إمكان دفعه بناء على ما تكرر منا من أن المدار في صيغ العقود و الإيقاعات على إنشاء معناها باللفظ الدال عليها حقيقة كان أو مجازا إلا ما خرج بالدليل على التعبد بلفظ خاص، و حينئذ فالمتجه الصحة مع فرض معلومية قصده الظهار بالعبارة المزبورة، و الفرض أنها صحيحة بمقتضى القواعد العربية.

نعم لو لم ينو الظهار به أو نوى به التأكيد للطلاق لم يصح قطعا، بل في المسالك «و كذا إذا قصد بالجميع الظهار، فإنه يحصل الطلاق أيضا دون الظهار، أما حصول الطلاق فللفظه الصريح، و الصريح لا يقبل صرفه إلى غيره، حتى لو قال لزوجته: أنت طالق ثم قال: أردت به من وثاق غيري أو نحو ذلك لم يسمع و حكم به عليه، بخلاف ما لو أتى بالكناية حتى يصححه بها، و الأصل في ذلك و نظائره أن اللفظ الصريح إذا وجد نفاذا في موضوعه لا ينصرف إلى غيره بالنية، و أما عدم حصول الظهار فلأن الطلاق لا ينصرف إلى الظهار، و الباقي ليس بصريح في الظهار كما بيناه، و هو لم بنوبة الظهار و إنما نواه بالجميع، و يحتمل هنا لزوم الظهار أخذا بإقراره» و إن كان فيه مالا يخفى.

بل كأنه من غرائب الكلام إن لم يحمل على صورة التداعي، فيراد حينئذ من قوله: «قصد» أنه ادعى قصد الظهار بالمجموع، كما عساه يومئ إليه تعليله و قوله أخيرا: «أخذا بإقراره» و إن كان فيه ما فيه أيضا على هذا التقدير أيضا فتأمل.

و كذا قوله أيضا متصلا بذلك: «رابعها أن يقصد الطلاق و الظهار جميعا نظر، فان قصدهما بمجموع كلامه حصل الطلاق دون الظهار لما تبين، و إن قصد الطلاق بقوله: أنت طالق و الظهار بقوله: كظهر أمي ففيه الخلاف» إلى آخر ما ذكره، ضرورة أن المتجه عدم حصول كل منهما مع فرض قصد حصولهما بمجموع كلامه، لعدم كونه صيغة طلاق و لا ظهار، اللهم إلا أن يحمل على ما عرفت،

ج 33، ص: 114

أو يقال: إن قصد المجموع منهما لا ينافي وفاء صيغة الطلاق به، فتأمل. و كذا إذا قصد بالمجموع الطلاق أو الظهار، كما هو واضح.

و لو عكس فقال: أنت كظهر أمي طالق و قصدهما معا بما دل على كل منهما وقعا بناء على ما ذكرناه، و في المسالك «وقع الظهار لصراحته، و في وقوع الطلاق الوجهان، لأنه من النية و أنه ليس في لفظ الطلاق مخاطبة و لا ما في معناها» و قد عرفت ما فيه، و في القواعد بعد أن ذكر ما ذكر المصنف قال: «و يقعان معا لو قال: أنت كظهر أمي طالق و قصدهما على إشكال» و كأنه فرق بين المسألتين بسبب إمكان الاجتزاء بصيغة الطلاق بتقدير موضوع المطلقة، لفحوى الاكتفاء بقول: «نعم» بخلاف الظهار، و الحق عدم الفرق بينهما بعد فرض صحة ذلك في العربية.

و أغرب من ذلك قول المصنف و كذا لو قال: أنت حرام كظهر أمي مريدا عدم صحة الظهار به أيضا كالأولى، كما عن الشيخ في المبسوط و الخلاف مدعيا فيهما الإجماع على ذلك، و لعله لأنه غير المعهود من صيغة الظهار في النصوص، فالأصل عدم ترتب حكمه عليها.

لكن فيه أنك قد سمعت ما في

صحيح زرارة(1)عن الباقر عليه السلام جواب سؤاله عن كيفيته من قوله: «يقول لامرأته و هي طاهر في غير جماع: أنت على حرام مثل ظهر أمي أو أختي»

و هو نص في الباب، و كذا ما في

خبر حمران (2)عنه عليه السلام أيضا في سبب نزول الآية(3)من «أن الرجل قال لها: أنت علي حرام كظهر أمي- إلى قوله-: لما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي حرام كظهر أمي قال: إن قالها بعد ما عفى الله و غفر للرجل فان عليه تحرير رقبة»

و لأن قوله:

«حرام» تأكيد لغرضه، فلا ينافيه، فان قوله: «أنت كظهر أمي» لا بد له من


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 2.

ج 33، ص: 115

القصد إلى معناه، و هو يستلزم القصد إلى الحرمة، فإذا نطق به كان أولى.

و العجب من تجويز الشيخ وقوعه بالكناية، و ما هو أبعد من هذه مع خلوها عن نص يقتضي صحتها، و منعه من هذه الصيغة مع ورود النص الصحيح بها بل مع قطع النظر عنه يتجه الصحة، لتحقيق معنى الظهار بها و صراحتها فيه. و من هنا جزم في المسالك بالصحة تبعا للمحكي عن الفاضل في التحرير و المختلف، بل و القواعد و إن قال: «على إشكال».

نعم لو قال: «أنت على حرام» ففي القواعد «ليس بظهار و إن نواه» و لعله للأصل بعد فرض ظهور النصوص في اعتبار التشبيه به، مضافا إلى ظهور الأخبار ك

خبر زرارة(1)«سأل الباقر عليه السلام عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام، فقال:

لو كان عليه سلطان لأوجعت رأسه، و قلت: الله أحلها لك فما حرمها عليك، إنه لم يزد على من أكذب فزعم أن ما أحل الله له حرام، و لا يدخل عليه طلاق و لا كفارة، فقال زرارة: قول الله عز و جل (2)«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ؟» فجعل فيه الكفارة، فقال: إنما حرم

عليه جارية مارية، فحلف أن لا يقربها، فإنما جعل عليه الكفارة في الحلف، و لم يجعل عليه في التحريم»

و غيره من النصوص (3).

أما لو قال: «أنت على كظهر أمي حرام» أو «أنت علي حرام كظهر أمي» و «أنت طالق أنت كظهر أمي للرجعة» و «أنت كظهر أمي طالق» وقع من غير إشكال إذا قصده، لإتيانه بالصيغة كاملة من غير تخلل شي ء، و غاية ما زاده أن يكون لغوا مع فرض أنه قصد بحرام في الأولى و «طالق» في الأخيرة كونه خبرا ثانيا.

و لو ظاهر إحدى زوجتيه إن ظاهر ضرتها ثم ظاهر الضرة وقع الظهاران المنجز و المعلق عليه، بل في المسالك «لو قال: إن ظاهرت من إحداكما أو أيكما


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 من كتاب الطلاق.
2- 2 سورة التحريم: 66- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 33، ص: 116

ظاهرت منها فالأخرى علي كظهر أمي ثم ظاهر من إحداهما صار مظاهرا من الأخرى أيضا و إن كان هو كما ترى، اللهم إلا أن يكون مبنيا على صحة وقوع الظهار بالمبهم، نحو ما سمعته في الطلاق، فيراد حينئذ أنه ظاهر إحداهما باللفظ المزبور، فإذا ظاهر الآخرى ثم الظهاران، لكنه أيضا هو كما ترى، فتأمل.

و لو ظاهرها إن ظاهر فلانة الأجنبية و قصد النطق بلفظ الظهار صح الظهار عند مواجهتها به، و إن قصد الظهار الشرعي لم يقع ظهار

لاشتراط الصحيح منه بالوقوع على الزوجة، و إن أطلق ففيه وجهان، كما عن المبسوط و التحرير من احتمالي التعليق على الاسم و الصفة. و كذا لو قال: أجنبية على الحالية أو اقتصر عليها من دون ذكر فلانة.

و لو قال فلانة من غير وصف بالأجنبية ثم تزوجها و ظاهرها قال الشيخ: يقع الظهاران، و هو حسن و إن كان قد يحتمل العدم، لكون الشرط حين إيقاع الصيغة غير مشروع، و ربما قيل: إن الشرط هو الذي يجوز وقوعه حال التعليق و عدمه، و من المعلوم أن ظهار الأجنبية حال التعليق غير صحيح، و المفروض عدم إرادة مجرد الصورة، فكان ذلك أشبه بالصيغة المتأخرة عن التعليق و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم خروجه بذلك عن أصل الشرطية التي يكفي فيها التجويز بحسب الذات و إن تخلف لفقد شرط من شروطه، على أنه لا دليل لغة و لا عرفا على اعتبار إمكان حصول الشرط حال التعليق في مفهوم الشرط، كما هو واضح.

و لو نكح فلانة الأجنبية التي علق ظهار الزوجة على ظهارها و ظاهرها ففي المسالك «في وقوع الظهار بالزوجة الأولى وجهان: من خروجها بالنكاح عن كونها أجنبية فلا يقع، و من تعليق ظهارها بظهار فلانة، و الوصف بالأجنبية للتعريف لا للشرط، نحو ما لو حلف على أن لا يدخل دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها، فان في حنثه الوجهين أيضا، و منشأهما ترجيح الإشارة على الوصف أو بالعكس».

ج 33، ص: 117

نعم لا يقع الظهار إذا علقه عليها مريدا به الشرعي حال كونها أجنبية و إن نكحها و ظاهرها، لعدم حصول المعلق عليه الذي هو مستحيل شرعا، كما لو قال:

«أنت علي كظهر أمي إن بعت الخمر» و أراد البيع الشرعي، و الله العالم.

و لو علقه بمشيئة الله تعالى شأنه و قصد الشرط لم يقع، لعدم العلم بوقوعه إن لم يكن معلوما عدمه، نعم لو قصد التبرك وقع، لكونه منجزا حينئذ.

و لو قال: «أنت علي كظهر أمي إن لم يشأ الله تعالى» فلو كان عدليا يعتقد أنه تعالى لا يريد القبائح و المعاصي وقع إن عرف التحريم، لأنه منجز في المعنى، و إن كان أشعريا ففي القواعد إشكال، و لعله من الجهل بوقوع الشرط الموجب لاستصحاب الحل و الحكم بعدم وقوع الظهار، و من لزوم وقوعه شاء الله أو لم يشأ، فإنه إن شاء لم يجز أن لا يقع، لكون المشيئة عندهم سببا تاما لوقوع الشي ء، و إن لم يشأ تحقق الشرط، فيتحقق المشروط، و لزوم عدم وقوعه على التقديرين، فإنه إن شاء فقد انتفى الشرط فانتفى المشروط، و إن لم يشأ لم يقع، إذ ما من شي ء إلا بمشيئة الله تعالى، و ربما دفع بأنه يلزم منه بطلان التعليق، فلا يقع الظهار، لأنه إنما أوقعه معلقا.

و لو علق بالنقيضين كأن قال: «أنت علي كظهر أمي إنشاء الله أو لم يشأ» أو «إن دخلت الدار أو لم تدخلي» وقع لأنه في معنى نفي التعليق.

و لو علق بأمرين على الجمع لم يقع مع وقوع أحدهما، بل لا بد من وقوعهما و لو على البدل، إلا أن ينص على اجتماعهما دفعة، نعم يقع بوقوع أحدهما لو علقه بهما على البدل، كما هو واضح، إلى غير ذلك من الفروع التي ذكرها العامة في صورة تعليق الطلاق بناء على مذهبهم فيه، فان مثلها يأتي في المقام بناء على جواز التعليق في الظهار و إن لم نجوزه في الطلاق، و الله العالم.

ج 33، ص: 118

[الأمر الثاني في المظاهر]

الأمر الثاني في المظاهر و لا خلاف في أنه يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد بل و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، فلا يصح ظهار الطفل و لا المجنون و لا المكره و لا فاقد القصد بالسكر أو الإغماء أو الغضب أو النوم و السهو و نحو ذلك، للأدلة العامة على ذلك كله، نحو

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إنما الأعمال بالنيات»

و «رفع القلم»(2)

و نحوهما، بل لم يحك أحد الخلاف هنا في المراهق و إن عرفت البحث فيه في الطلاق، و لعله لخصوص أدلته هناك بخلاف المقام الذي ظاهر أدلته كتابا(3)و سنة(4)كون المظاهر

مكلفا، و لذا وصف بالمنكر و الزور، و وجب عليه الكفارة.

و الأمر سهل بعد وضوح الأمر من الأدلة العامة فضلا عما ورد هنا في بعض الشرائط، ك

موثق عبيد بن زرارة(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا طلاق إلا ما أريد به الطلاق، و لا ظهار إلا ما أريد به الظهار»

و حسن حمران (6)السابق عن أبي


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من كتاب الظهار الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من كتاب الظهار الحديث 2.

ج 33، ص: 119

جعفر عليه السلام «لا يكون ظهار في يمين و لا في إضرار و لا في غضب»

و قال الرضا عليه السلام في صحيح ابن أبي نصر(1): «الظهار لا يقع على الغضب»

و في موثق عمار(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الظهار الواجب، قال: الذي يريد به الرجل الظهار بعينه»

و غيرها.

و لعل من ذلك

خبر حمزة بن حمران (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل قال لأمته: أنت علي كظهر أمي

يريد أن يرضى بذلك امرأته، قال: يأتيها ليس عليه شي ء»

باعتبار عدم النية فيه أو أنه أراد اليمين لها على ذلك، و قد عرفت عدم انعقاده بالظهار، نحو

موثق ابن بكير(4)قال: «تزوج حمزة بن حمران ابنة بكر، فلما أراد أن يدخل بها قال له النساء: لسنا ندخلها عليك حتى تحلف لنا، و لسنا نرضى أن تحلف بالعتق، لأنك لا تراه شيئا، و لكن احلف لنا بالظهار، و ظاهر من أمهات أولادك و جواريك، فظاهر منهن، ثم ذكر ذلك لأبي عبد الله عليه السلام، فقال: ليس عليك شي ء، ارجع إليهن»

و لعل هذا الحلف كان على عدم طلاقها، كما يفصح عنه

خبر آخر(5)في معناه، و فيه «أنهم قالوا له: أنت مطلاق، فنخاف أن تطلقها، فلا ندخلها عليك حتى تقول: إن أمهات أولادك عليك


1- 1 الوسائل الباب- 7- من كتاب الظهار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من كتاب الظهار الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من كتاب الظهار الحديث 3 عن عبد الله بن المغيرة قال.، الا أن الموجود في الاستبصار ج 3 ص 258 و التهذيب ج 8 ص 11 عن ابن المغيرة عن ابن بكير قال.، و في الجميع « تزوج حمزة بن حمران ابنة بكير.».
5- 5 الوسائل الباب- 6- من كتاب الظهار الحديث 2 و فيه« أنت لا تبالي بالطلاق و ليس هو عندك بشي ء و ليس ندخلها عليك حتى تظاهر من أمهات أولادك قال: ففعل» و كذلك في الكافي ج 6 ص 154 و ما في الجواهر نقل بالمعنى أخذه من بيان المحدث الكاشاني.

ج 33، ص: 120

كظهر أمك أن طلقتها».

و كيف كان فلا إشكال في شي ء من الشرائط المزبورة. فما عن العامة- من عدم اعتبار النية- واضح الفساد، كالمحكي من قولهم أيضا من وقوع ظهار السكران، و ما أبعد ما بين ذلك و بين ما في الحدائق من أن إطلاق الخبرين المذكورين شامل لمطلق الغضب ارتفع معه القصد أو لم يرتفع، و تبعه في الرياض، فقال: «و كذا لا يقع في حال غضب مطلقا و إن لم يرتفع معه القصد أصلا و لا سكر بلا خلاف في الظاهر فيهما، و هو حجة فيهما كالأدلة القاطعة في الثاني و الصحيح و الموثق في الأول» و إن كان هو كما ترى مناف لإجماع الأصحاب على الظاهر و لجميع ما دل على وقوع الظهار مع حصول الشرائط المزبورة الذي لا يعارضه إطلاق الخبرين المزبورين اللذين يعارضهما ما دل على تحقق الظهار بإرادة الظهار من وجه، و لا ريب في أن الترجيح لذلك عليهما من وجوه، و من هنا كان ظاهر الأصحاب تقييد الغضب بالرافع للقصد، كما هو واضح.

و على كل حال فقد بان لك مما هنا و ما تقدم سابقا أنه لو ظاهر و نوى الطلاق لم يقع طلاق، لعدم اللفظ (التلفظ خ ل) المعتبر فيه و هو أنت طالق و لا ظهار، لعدم القصد و كذا لو طلق و قصد الظهار لم يقع ظهار، لعدم اللفظ المعتبر فيه، و لا طلاق لعدم القصد بلا خلاف في شي ء من ذلك عندنا و لا إشكال، خصوصا بعد

قول الصادق عليه السلام (1): «لا يقع ظهار عن طلاق و لا طلاق عن ظهار»

خلافا للعامة، فجوزوا وقوع الطلاق بلفظ الظهار مع النية حتى لو قال: «أنت طالق

كظهر أمي» و نوى الطلاق بالأخيرة وقع عليه طلاقان إن كان الأول رجعيا و بطلانه واضح عندنا.

و يصح ظهار الخصي و المجبوب و إن لم تبق لهما ما يتحقق به الجماع من إدخال الحشفة أو قدرها إن قلنا بتحريم ما عدا الوطء في الظهار مثل


1- 1 الوسائل الباب- 20- من كتاب الظهار الحديث 1.

ج 33، ص: 121

الملامسة و غيرها من ضروب الاستمتاع، لإطلاق أدلة الظهار الممكن تحقق فائدته بامتناع غير الوطء من الاستمتاع نعم لو قلنا باختصاصه بالوطء لم يقع منهما ظهار، لعدم فائدته، بل في المسالك «هذا كله إذا لم نشترط الدخول بالمظاهرة، و إلا لم يقع منهما مطلقا، حيث لا يتحقق منهما الدخول» قلت: قد يفرض عروض ذلك لهما بعد الدخول، و الأمر سهل.

و زاد في القواعد الخنثى، و أورد عليه بأنه يجوز أن يكون امرأة و آلة الرجل زيادة، فلا يتحقق الوطء الصادر من الرجال الذي هو مناط الظهار. و فيه أن المتجه عدم جواز تزويج الخنثى المشكل من أصله، لعدم العلم بكونه رجلا، و يمكن أن يريد العنين من الخنثى في كلامه، لغلبة التعنين في الخناثي، و الله العالم.

و كذا يصح الظهار من الكافر وفاقا للأكثر نقلا إن لم يكن تحصيلا، لإطلاق الأدلة و لكن منعه الشيخ و تبعه القاضي و سبقه الإسكافي فيما حكي عنهما، بل ظاهر مبسوط الأول الإجماع عليه التفاتا إلى تعذر الكفارة منه التي هي من لوازم الظهار إذ هي عبادة لا تصح منه، و إلى أنه حكم شرعي فكيف يصح ممن لا يقربه و لا ريب في أن المعتمد المزبور لهم في المنع ضعيف غير صالح لتخصيص العموم، و ذلك لإمكانها أي الكفارة منه بتقديم الإسلام القادر عليه، و لذلك كان مكلفا بالفروع.

و ما يقال من أن الذمي يقر على دينه فحمله على الإسلام لذلك بعيد، و أن الخطاب على العبادة البدنية لا يتوجه على الكافر الأصلي ففي المسالك «أنه أجيب عنه بأنا لا نحمل الذمي على الإسلام و لا نخاطبه بالصوم، و لكن نقول: لا نمكنك من الوطء إلا هكذا، فإما أن يتركه أو يسلك طريق الحل» قلت: هذا مع الترافع إلينا.

و إنما الكلام في صحة وقوعه من الكافر و ترتب حكمه عليه، و لا ريب في صحته و ترتب أحكامه عليه بناء على تكليفه بالفروع أقر بالشرع أو لم يقر إذ ذلك من باب الأسباب التي لا تفاوت فيها بين المقر و المنكر، هذا إن لم نقل بصحة

ج 33، ص: 122

العتق و الإطعام من كافر كما عن بعض، و إلا صح بلا إشكال و إن تعذر خصوص الصوم منه، كما أنه قيل: لا إشكال فيما لو أسلم بعد الظهار لعدم جريان الكلام المزبور فيه حينئذ.

و كذا يصح من العبد عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، للعموم و خصوص نحو

خبر محمد بن حمران (1)«سأل الصادق عليه السلام عن المملوك أ عليه ظهار فقال: عليه نصف ما على الحر: صوم شهر، و ليس عليه كفارة صدقة و لا عتق»

و صحيحة جميل (2)عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «في الظهار، و قال: إن الحر و المملوك سواء، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة، و ليس عليه عتق رقبة و لا صدقة إنما عليه صيام شهر»

و خبر الثمالي (3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن المملوك أ عليه ظهار؟ فقال: نصف ما على الحر من الصوم، و ليس عليه الكفارة صدقة و لا عتق»

فما عن بعض العامة- من المخالفة في ذلك لأن لازم الظهار إيجاب تحرير الرقبة و هو لا يملكها- واضح الفساد، خصوصا بعد قوله تعالى (4)«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا» و العبد غير واجد، فيلزمه الصوم كما هو واضح، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 3.
4- 4 سورة المجادلة: 58- الآية 4.

ج 33، ص: 123

[الأمر الثالث في المظاهرة منها]

الأمر الثالث في المظاهرة منها و لا خلاف عندنا و لا إشكال في أنه يشترط أن تكون

منكوحة بالعقد بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عنوان موضوعه كتابا(1)و سنة(2)بالزوجة أو ما في حكمها ف لا إشكال في الشرط المزبور، و لكن على معنى أنه لا يقع بالأجنبية خلافا لأبي حنيفة و لو علفه على النكاح بأن قال: «أنت علي كظهر أمي إن تزوجتك» خلافا لمالك و الشافعي.

و أن تكون طاهرا طهرا لم يجامعها فيه إذا كان زوجها حاضرا أو ما في حكمه و كان مثلها تحيض، و لو كان زوجها غائبا بحيث لا يعرف حال زوجته صح، و كذا لو كان حاضرا و هي يائسة أو لم تبلغ بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل إجماعنا بقسميه عليه، مضافا إلى

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام و قد سأله عن كيفيته، فقال: «يقول الرجل لامرأته و هي طاهر في غير جماع: أنت علي حرام كظهر أمي»

و رواية حمران (4)عنه عليه السلام أيضا «لا يكون ظهار إلا على طهر بعد جماع بشهادة شاهدين مسلمين».

و قول أبي عبد الله عليه السلام في المرسل (5): «لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق»

و منه مع اعتضاده بفتوى الأصحاب و إجماعهم يستفاد حكم الغائب و غيره على نحو ما سمعت في الطلاق محررا، و المدار في الشرط المزبور على وقت إيقاعه لا وقت حصول


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 2 و 3.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من كتاب الظهار.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 124

الشرط لو كان معلقا عليه كما هو واضح و في اشتراط الدخول تردد و خلاف و المروي صحيحا عن الصادقين عليهما السلام اشتراطه ففي

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام قال «في المرأة التي لم يدخل بها زوجها، قال:

لا يقع عليها إيلاء و لا ظهار»

و في صحيح الفضيل بن يسار(2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن رجل مملك ظاهر من امرأته قال: لا يلزم، ثم قال: و قال لي: لا يكون ظهار و لا إيلاء حتى يدخل بها»

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة مع ذلك بعمل الشيخ و الصدوق و أكثر المتأخرين كما في المسالك.

خلافا للمفيد و المرتضى و سلار و ابني إدريس و زهرة و هو القول الأخر الذي مستنده التمسك ب ما في الكتاب من العموم (3)القابل للتخصيص بالسنة(4)عندنا كما حرر ذلك في محله، و لا ينافي ذلك ما دل على أنه

«لا يكون ظهار إلا على مثل موضع الطلاق» من الخبر(5)

المزبور، و من المعلوم عدم اعتبار الدخول في صحة الطلاق، فليكن الظهار كذلك، ضرورة عدم اقتضاء الخبر المزبور إلا أن الظهار لا يقع إلا حيث يقع الطلاق، لا أنه حيث ما يقع الطلاق يقع الظهار، كما هو واضح.

و هل يقع الظهار بالمستمتع بها فيه خلاف، و الأظهر الأشهر بل المشهور الوقوع لإطلاق الأدلة، خلافا للمحكي عن الحلي و ظاهر الإسكافي و الصدوق، للأصل المقطوع بالإطلاق المزبور، و لانتفاء لازم الظهار الذي


1- 1 الوسائل الباب- 8- من كتاب الظهار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من كتاب الظهار الحديث 1 و ليس فيه « قال: لا يلزم ثم قال» الا أنه موجود في التهذيب ج 8 ص 21 الرقم 66.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من كتاب الظهار.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 125

هو الإلزام بأحد الأمرين: الفئة أو الطلاق المعلوم امتناعه فيها، و تنزيل هبة المدة منزلته قياس، على أن أجل المستمتع بها قد يكون قليلا لا يحتمل الأمر بالصبر إلى المدة.

و فيه منع كون ذلك لازم أصل الظهار، و إنما هو حكم ما تعلق منه بالزوجة التي يمكن ذلك في حقها، خصوصا بعد ما ستسمع من صحة وقوعه بالمملوكة التي لا يجري فيها ذلك، و

المرسل (1)عن الصادق عليه السلام «لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق»

لا جابر له في المقام، بل يمكن دعوى انصرافه إلى إرادة اعتبار شرائط الطلاق من الخلو عن الحيض و نحوه منه لا نحو المقام، كما أنه يمكن دعوى اندراج المتمتع بها في المثل، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك في كتاب النكاح.

و في الموطوءة بالملك و لو مدبرة أو أم ولد تردد و خلاف و المروي صحيحا و غيره أنه يقع كما يقع بالحرة و هو الأقوى وفاقا للمشهور بين المتأخرين لا للاية(2)التي يمكن دعوى انصراف النساء فيها إلى غيرها، بل ل

صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن الظهار على الحرة و الأمة، فقال: نعم»

و نحوه صحيحه الآخر(4)عن أبى عبد الله عليه السلام،

و موثق إسحاق بن عمار(5)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يظاهر من جاريته، فقال: الحرة و الأمة في ذلك سواء»

و صحيح ابن البختري أو حسنه (6)عن أبي عبد الله و أبى الحسن عليهما السلام «في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن جميعا بكلام واحد، فقال


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 3.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 3 عن أبى عبد الله أو أبي الحسن عليهما السلام، الا أن في الاستبصار ج 3 ص 263 و التهذيب ج 8 ص 21 عن أبى عبد الله و أبى الحسن عليهما السلام.

ج 33، ص: 126

عليه السلام: عليه عشر كفارات»

و خبر ابن أبي يعفور(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من جاريته، قال: هي مثل ظهار الحرة»

و صحيح ابن أبى نضر المروي عن قرب الاسناد(2)عن الرضا عليه السلام «سألته عن الرجل يظاهر من أمته، فقال: كان جعفر عليه السلام يقول: يقع على الحرة و الأمة الظهار»

و عن المبسوط روى أصحابنا(3)أن الظهار يقع بالأمة و المدبرة و أم الولد.

خلافا للمحكي عن بني أبي عقيل و حمزة و البراج و إدريس و المفيد و أبى الصلاح و سلار، للأصل المقطوع بما عرفت و المرسل (4)الذي قد عرفت الحال فيه آنفا، و

خبر حمزة بن حمران (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل جعل جاريته عليه كظهر امه، قال: يأتيها و ليس عليه شي ء»

القاصر عن معارضة ما تقدم بضعف السند، و الموافقة للعامة، و باحتماله الإخلال بالشرائط، كما عن الشيخ قال:

«لأن حمزة بن حمران روى هذه الرواية في كتاب البزوفري أنه يقول ذلك لجاريته يريد إرضاء زوجته، لا لإرادة الظهار الحقيقي». قلت: قد يؤيده ما سمعته سابقا من خبري حمزة بن حمران (6)و إن كان يمكن أن يكون ذلك خبرا آخر له، و لأن الظهار كان في الجاهلية طلاقا، و من المعلوم أن الطلاق لا يقع بها الذي هو كما ترى، خصوصا بعد ما نقل أنهم كانوا يظاهرون من الأمة أيضا، و يعزل سيدها

فراشها، بل نقل وقوع الطلاق عليها في الجاهلية.

هذا و في المسالك «و اعلم أنه على القول بوقوعه بها يأتي فيها الخلاف السابق في اشتراط الدخول و عدمه، لتناول الروايات الدالة عليه لها، كما تناولت الحرة،


1- 1 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 7.
3- 3 المستدرك الباب- 7- من كتاب الظهار الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من كتاب الظهار الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من كتاب الظهار الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من كتاب الظهار الحديث 2 و 3.

ج 33، ص: 127

توهم اختصاص ذلك الخلاف بالحرة ضعيف جدا بل باطل» قلت: لا ريب في اختصاص تلك الأدلة في الزوجة دون الأمة المملوكة، نعم قد يقال بظهور هذه الأدلة في مساواتها للحرة، و أنها ملحقة بها في ذلك، و قد عرفت اعتبار الدخول في الحرة فيعتبر فيها.

و الظاهر إلحاق الأمة المحللة بالمملوكة في وقوع الظهار عليها مع الدخول بها، لإطلاق الأدلة المزبورة الذي لا يقدح فيه اختصاص مورد سؤاله بغيرها، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف مع الدخول يقع و لو كان الوطء دبرا لما عرفته غير مرة من أنه لا خلاف في تحقق الدخول بالوطء دبرا في كل ما جعل عنوانا له من الأحكام، و لم نعرف مخالفا في ذلك إلا من المحدث البحراني، فادعى انسياق الدخول في القبل من الأدلة المزبورة، و قد تقدم البحث معه في ذلك.

و على كل حال فيقع الظهار مع تحقق شرطه صغيرة كانت المظاهرة أو كبيرة مجنونة أو عاقلة لأن الصغر و الجنون لا مدخلية لهما في أحكام الوضع إن لم يكونا لهما أهلية للترافع، كما أن حرمة الدخول بالصغيرة لا تنافي تحقق شرطية الظهار، و حينئذ لا إشكال في وقوع الظهار في الفرض.

و كذا يقع في الرتقاء المدخول بها في دبرها و المريضة التي لا توطأ في فرجها، و لكن دخل بها في دبرها، هذا و في المسالك «أنه يمكن بناء ذلك عليهما على القول بعدم اشتراط الدخول، بقرينة ذكر المريضة التي لا توطأ الشامل إطلاقه للقبل و الدبر في سائر الأوقات، و إن لم يدخل الرتقاء في هذا العموم غالبا النظر إلى الدبر، و مثله إطلاق المصنف الحكم بصحة ظهار الخصي و المجبوب للذين لا يمكنهما الوطء، فإنه لا يتم على القول باشتراط الدخول، فلا بد في إطلاق هذه الأحكام من تكلف».

قلت: قد عرفت إمكان إصلاحه في الخصي و المجبوب بإمكان عروض ذلك لهما

ج 33، ص: 128

بعد الدخول، إنما الكلام فيما ذكره هنا، و قد تبعه عليه الفاضل في القواعد، فقال:

«و على الاشتراط يقع مع الوطء دبرا في حال صغرها و جنونها، و يقع بالرتقاء و المريضة التي لا توطأ» و الظاهر إرادته ما ذكرناه في تفسير المتن.

و الأصل في التشويش عبارة المبسوط، فإنها على ما قيل «و أما بعد الدخول بها فإنه يصح ظهارها صغيرة كانت أو كبيرة، عاقلة أو مجنونة، بكرا أو ثيبا، مدخولا بها أو غير مدخول، يقدر على جماعها أو لم يقدر، لعموم الآية».

و لعل مراده بعد الدخول بها دبرا، فيكون مراده حينئذ نحو ما سمعته في عبارة المتن، و الثيبوبة و البكارة إنما هي بالنسبة إلى الفرج، و كذا الكلام في القدرة على جماعها و عدمها، هذا و لكن في كشف اللثام «و لا يظهر لهذا الكلام معنى إلا أن يكون المراد: سواء كانت الثيبوبة للدخول بها، أو لغيره، أو يكون المراد بالدخول الخلوة» انتهى.

ج 33، ص: 129

[الأمر الرابع في الاحكام]
[المسألة الاولى الظهار محرم لاتصافه بالمنكر و القول الزور]

الاولى: لا خلاف في أن الظهار محرم، لاتصافه بالمنكر و الزور في قوله تعالى(1):

«وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً» و هما معا محرمان مع تصريح الرواية(2)الواردة في سبب نزولها بكونه معصية. و لكن قيل و إن لم نتحققه لأحد من أصحابنا لا عقاب فيه، لتعقيبه بالعفو فقال عز و جل بعد ذكره (3):

«وَ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ» و هو يستلزم نفي العقاب.

و فيه أنه لا يلزم من وصفه تعالى بالعفو و الغفران فعليتهما بهذا النوع من المعصية، و ذكره بعده لا يدل عليه، فإنه تعالى موصوف بذلك عفى عن هذا الذنب الخاص أو لم يعف، نعم تعقبه له لا يخلو من باعث على الرجاء و الطمع في عفو الله تعالى، و نظائره في القرآن كثيرة، كقوله تعالى (4)«لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً» و غيره. هذا كله بالنسبة إلى نفس الآية الشريفة، و إلا فقد عرفت التصريح في الرواية(5)الواردة في


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 2.
4- 4 سورة الأحزاب: 33- الآية 5.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2.

ج 33، ص: 130

سبب نزولها بكونه معصية موجبة للكفارة، و إنما العفو كان لأول الفاعلين باعتبار جهله، و الله العالم، بحقيقة الحال.

[المسألة الثانية لا تجب الكفارة بالتلفظ عندنا]

المسألة الثانية:

لا تجب الكفارة بالتلفظ عندنا بل و عند غيرنا، بل الإجماع بقسميه عليه، لظاهر اعتبار العود في الآية(1)و غيرها، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (2)في ذلك، خصوصا ما دل (3)منها على عدم الكفارة مع عدم المس و حينئذ فما عساه يظهر من بعضها(4)من ترتب الكفارة على حصوله يجب تنزيله على ما في

غيره من أنه إنما تجب بالعود الذي هو العنوان في الآية.

و المشهور أنه هو إرادة استباحة الوطء بل قيل: إنه يظهر من التبيان و مجمع البيان و غيرهما الاتفاق عليه، ل

صحيح جميل (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سأله عن الظهار متى يقع على صاحبه فيه الكفارة؟ فقال: إذا أراد أن يواقع امرأته، قلت: فان طلقها قبل أن يواقعها أ عليها كفارة؟ قال:

سقطت الكفارة عنه»

و صحيح الحلبي (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد أن يتم على طلاقها، قال: ليس عليه كفارة، قلت: فإن أراد أن يمسها، قال: لا يمسها حتى يكفر، قلت: فان فعل فعليه شي ء، فقال: اي و الله إنه لآثم ظالم، قلت: عليه كفارة غير الاولى؟ قال: نعم»

و خبر أبي بصير(7)


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار و الباب 1 منه الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 6.

ج 33، ص: 131

«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: متى تجب الكفارة على المظاهر؟ قال: إذا أراد أن يواقع، قال: قلت: فان واقع قبل أن يكفر، قال: فقال: عليه كفارة أخرى».

بل و

خبر علي بن مهزيار(1)قال: «كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه السلام:

جعلت فداك إن بعض مواليك يزعم أن الرجل إذا تكلم بالظهار وجبت عليه الكفارة حنث أو لم يحنث، و يقول: حنثه كلامه بالظهار، و إنما جعلت عليه الكفارة عقوبة لكلامه، و بعضهم يزعم أن الكفارة لا تلزم حتى يحنث في الشي ء الذي حلف عليه، فان حنث وجبت عليه الكفارة، و إلا فلا كفارة عليه، فوقع عليه السلام بخطه: لا تجب الكفارة حتى يحنث»

بناء على أن المراد بالحنث فيه العود إلى ما حرمه على نفسه مما كان مباحا له، إلى غير ذلك من النصوص التي منها

المرسل (2)أيضا «في رجل ظاهر- إلى أن قال-: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة»

و غيره.

فما عن بعض العامة- من أن المراد به الوطء نفسه- واضح الفساد، ضرورة مخالفته ما عرفت من الكتاب (3)و السنة(4)و الإجماع و ما في بعض نصوصنا- من موافقته ك

خبر زرارة(5)«قلت لأبي جعفر عليه السلام: إني ظاهرت من أم ولدي ثم وقعت عليها ثم كفرت، فقال: هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا وقع كفر»

و خبره الآخر(6)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ظاهر ثم واقع قبل أن يكفر، فقال لي:

أو ليس هكذا يفعل الفقيه؟»

- محمول على التقية، أو على الظهار المعلق على الوطء أو على الاستفهام الإنكاري في الأول و زيادة «أو» من النساخ في الثاني، أو «و ليس» فيوافق الأول حينئذ في الإنكار، أو على إرادة هكذا يصنع الفقيه منهم، أو غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الظهار الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 6.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 5.

ج 33، ص: 132

و على كل حال فلا ريب في فساد القول المزبور كباقي أقوالهم في المقام عدا ما وافق ما ذكرناه.

و كذا ما سمعته سابقا في خبر(1)سبب النزول- من أن المراد عود غير الفاعل الأول إلى الظهار بعد أن نزلت آيته- لم أجد به قائلا منا، نعم عن أبى علي و المرتضى منا المراد بالعود إمساكها على النكاح زمانا و إن قل، كما عن بعض العامة، لأن صيغة الظهار تقتضي التحريم الذي لا يكون إلا بالبينونة، فإذا لم يبنها فقد عاد عن التحريم، كما يقال: قال فلان: قولا ثم عاد فيه و عاد له أي خالفه و نقضه يقرب من قولهم عاد فلان في هبته، و هو أيضا واضح الضعف، لا لاقتضاء «ثم» التراخي الذي هو وارد على المختار لو فرض أنه أراد استباحة الوطء عقيب الظهار بلا فصل، و إن أمكن الجواب عنه بجريانه على الغالب الذي هو عدم إرادة المظاهر خلاف ظهاره متصلا به،

بل إنما يكون بعد ذلك بمدة، بل هو للنصوص (2)التي يمكن دعوى تواترها بخلافه، خصوصا ما دل (3)منها على عدم الكفارة بعدم المس المعتضدة مع ذلك بالأصل و غيره مما عرفت، هذا.

و لكن الأقرب أنه لا استقرار لها فلو فارقها بعد إرادة الوطء لم يكن عليه كفارة بل معنى الوجوب تحريم الوطء حتى يكفر كما عن المشهور، لا أنه يخاطب بالكفارة بمجرد الإرادة المزبورة و إن عدل عنها و طلق مثلا الذي هو مناف لظاهر النصوص (4)التي منها ما دل (5)على أنه لا يمسها حتى يكفر و على سقوط الكفارة إذا فارقها قبل المس، بل و ظاهر الآية(6)الموجب للتحرير قبل المس، و القبلية تستدعي وجود المتضائفين.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 8.
6- 6 سورة المجادلة: 58- الآية 3.

ج 33، ص: 133

فما عن العلامة في التحرير- من القول بالاستقرار بإرادة الوطء التي هي العود المعلق عليه وجوب الكفارة و إن رجع عنها، و لأنها وجبت عند الإرادة فيستصحب، و لأنها إن لم تستقر بذلك لم تكن واجبة حقيقة، بل إنما كانت شرطا لإباحة الوطء- واضح الفساد، لأنه كالاجتهاد في مقابلة النص.

لكن في كشف اللثام «و الجواب أن الوجوب خلاف الأصل، و إنما علم من النصوص الوجوب بمعنى

توقف المس عليه و إن لم يكن ذلك وجوبا حقيقة».

و قد تبع بذلك ما في المسالك حيث قال: «فان قيل: يلزم من هذا عدم وجوبها، لأن الواجب هو الذي لا يجوز تركه لا إلى بدل، و هذه الكفارة قبل المسيس يجوز تركها مطلقا حيث يعزم على عدم المسيس إما مطلقا أو مع فعل ما يرفع الزوجية، و يترتب على ذلك أنه لو أخرجها قبل المسيس لا يجزي، لأنها لم تجب، و لأن نية الوجوب لها غير مطابقة، و هذا المعنى الذي أطلقتموه عليه غير الوجوب المتعارف، بل هو بالشرط أشبه، قلنا: الأمر كما ذكرت، و إطلاق الوجوب عليها بهذا المعنى مجازي، و قد نبهوا عليه بقولهم بمعنى تحريم الوطء حتى يكفر، فهي حينئذ شرط في جواز الوطء، و إطلاق الواجب على الشرط من حيث إنه لا بد منه في صحة المشروط مستعمل كثيرا، و منه وجوب الوضوء للصلاة المندوبة، و وجوب الترتيب في الأولين، بمعنى الشرطية فيهما، و أما نية الوجوب بالكفارة فجاز إطلاقها بهذا المعنى، لأن نية كل شي ء بحسبه، و لو لم نعتبر نية الوجه كما حققناه في أبواب العبادات لعدم الدليل الناهض عليه تخلصنا عن الاشكال» و قد تبعه غير واحد ممن تأخر عنه على ذلك.

لكنه كما ترى، ضرورة أن الوجوب الشرطي لا يكفي في ملاحظة الامتثال المتوقف عليه صحة العبادة التي لا تقع من دون أمر شرعي، و ما أدرى ما الذي دعاهم إلى ذلك؟ إذ لا منافاة بين الوجوب الشرعي و الشرطي، و الفرض ظهور الكتاب(1)


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.

ج 33، ص: 134

و السنة(1)فيهما معا، نعم إنما ذلك مع الإرادة المتعقبة لاستباحة الوطء و يحصل ذلك باستمرارها إلى تمام التكفير و إن لم يطأ، أما مع فرض الطلاق أو الرجوع عن الإرادة المزبورة أو غير ذلك فلا وجوب و لو في أثناء الكفارة، و هذا هو المراد من عدم استقرار الوجوب في مقابل القائل باستقراره و إن رجع عن تلك الإرادة، بل قد يقال: إن الظهار هو السبب الموجب لها، و لكن بشرط العود الذي هو الإرادة المزبورة، فمع فرض انتفاء استمرارها يرتفع الشرط، فيرتفع المشروط، بل هذا هو معنى قوله تعالى (2)«وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا».

و كيف كان ف لو وطأ قبل الكفارة لزمه كفارتان بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف و الانتصار و السرائر و الغنية و ظاهر التبيان و المبسوط الإجماع عليه، و لعل وجهه حصول سبب الكفارة أولا بالظهار و العود الذي قد عرفته، و الوطء سبب ثان لها باعتبار حصول الحنث به بالظهار الذي هو كاليمين و النذر بالنسبة إلى ذلك.

مضافا إلى صحيح الحلبي (3)و خبر أبي بصير(4)المتقدمين سابقا، و

حسن الصيقل (5)عن الصادق عليه السلام «قلت له: رجل ظاهر من امرأته فلم يكفر، قال: عليه الكفارة من قبل أن يتماسا، قلت: فإنه أتاها قبل أن يكفر، قال:

بئسما صنع، قلت: عليه شي ء؟ قال: أساء و ظلم، قلت: فيلزمه شي ء؟ قال: رقبة أيضا».

بل لم نجد في ذلك خلافا إلا من أبي علي في خصوص من كان تكفيره بالإطعام،


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 5« فلم يف» بدل« فلم يكفر» كما في الاستبصار ج 3 ص 262 و 265 و التهذيب ج 8 ص 14 و 18.

ج 33، ص: 135

فلم يوجب تقدمه على المس و لا تكريره به، كما هو ظاهر عبارته المحكية عنه و إن كانت لا تخلو من سماجة، و من هنا حكى بعضهم عنه عدم وجوب التعدد بالوطء الأول مطلقا، و لكن ما ذكرناه هو مقتضى التدبر فيها محتجا بإطلاق الآية فيه، بخلاف العتق و الصيام.

و استدل له في المسالك بخبري (1)زرارة السابقين المشتملين على التكفير بعد المواقعة، و قد عرفت الحال فيهما، و ب

حسن الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات، قلت: فان واقع قبل أن يكفر قال: يستغفر الله و يمسك حتى يكفر»

و خبر زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام «إن الرجل إذا ظاهر من امرأته ثم يمسها قبل أن يكفر فإنما عليه كفارة واحدة، و يكف عنها حتى يكفر»

و ما تقدم من خبر سلمة بن صخر(4)و أمر النبي صلى الله عليه و آله له بكفارة واحدة، مع أنه واقع بعد الظهار قبل التكفير،

و المرسل (5)عن النبي صلى الله عليه و آله «في المظاهر يواقع قبل أن يكفر، قال: كفارة واحدة».

و من هنا قال فيها: «و يمكن على هذا حمل الأخبار(6)الواردة بتعدد الكفارة على الاستحباب جمعا بين الأخبار، و مع أن في تينك الروايتين رائحة الاستحباب، لأنه عليه السلام لم يصرح بأن عليه كفارة أخرى إلا بعد مراجعات و عدول عن الجواب، كما لا يخفى- إلى أن قال-: قول ابن الجنيد لا يخلو من


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 2 و 5.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 2 و ذيله في الباب- 15- منه الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 9.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 386.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 386.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 136

قوة، و فيه جمع بين الأخبار» و تبعه على ذلك في الجملة في كشف اللثام، فإنه بعد أن حكى قول ابن الجنيد قال: «و يؤيده أن أكثر الأخبار إنما أوجب عليه رقبة ثانية» ثم ذكر بعض النصوص التي سمعتها.

لكن لا يخفى عليك أن هذا من الاعوجاج في الفقه، نسأل الله تعالى العافية منه، ضرورة أن

هذا القول الشاذ- الذي يمكن القطع بفساده و لو بملاحظة استقرار الكلمة على خلافه في الأعصار المتعاقبة- فيه أن من المعلوم كون ترك التقييد في الإطعام لكونه بدلا عنهما، فما القيد فيهما إلا قيد فيه، و كذا من المعلوم مرجوحية النصوص المزبورة بالنسبة إلى تلك النصوص من وجوه يكفي أحدها في عدم المكافئة التي تحتاج إلى الجمع المزبور الذي هو مع ذلك بلا شاهد.

بل قد عرفت الاحتمالات في خبري زرارة(1)كما أن غيرهما من النصوص لا صراحة فيه، بل و لا ظهور بخصوص المحكي عن ابن الجنيد الذي هو موافق للأصحاب في خصوص العتق و الصيام، بل ما فيه من الأمر بالاستغفار و الكف (2)و نحوهما مما ينافي قول ابن الجنيد الذي مبناه عدم وجوب تقديم الإطعام على المس و عدم تكرره بتكرره، فهي حينئذ من قسم المأول الخارج عن الحجية.

مع أنه ليس بأولى من حملها على صورة الجهل و النسيان المصرح بها في المسالك و كشف اللثام و غيرهما و المحكي عن الشيخ اللذين أولهما مبنى أمر النبي صلى الله عليه و آله سلمة بن صخر(3)بالكفارة الواحدة و كذا الرجل من بنى النجار(4)بل لعل ذلك أولى، لشهادة

قول الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (5)له بخلاف الأول، قال: «الظهار لا يكون إلا على الحنث، فإذا حنث فليس له أن يواقعها حتى

يكفر، فان جهل و فعل فإنما عليه كفارة واحدة»

المؤيد


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الظهار الحديث 2 و 5.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 2 و 3.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 386.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 8.

ج 33، ص: 137

بخبر(1)رفع الخطأ و النسيان و غيره، مضافا إلى ظهور النصوص (2)الموجبة في العامد و من ذلك يتجه إلحاق الناسي بالجاهل المصرح به في الصحيح المزبور(3).

و كيف كان ف لو كرر الوطء تكررت الكفارة وفاقا للمشهور، بل لا خلاف معتد به أجده فيه، لصدق الوطء قبل التكفير على كل منها، و قد عرفت ظهور الأدلة في كونه سببا للتكفير، و الأصل عدم التداخل، مضافا إلى

خبر أبى بصير(4)عن الصادق عليه السلام «إذا وقع المرة الثانية قبل أن يكفر فعليه كفارة أخرى»

و ليس في هذا اختلاف.

فما عن ابن حمزة- من أنه إن كفر عن الوطء الأول لزمه التكفير عن الثاني و إلا فلا، لأن الأخبار الموجبة لكفارة اخرى للوطء تشمل الوطء الواحد و المتعدد، و الأصل البراءة من التكرير، فإذا وطأ مرات قبل التكفير لم يكن عليه سوى كفارة أخرى، و أما إذا كفر عن الأول فإذا وطأ ثانيا صدق عليه أنه وطأ قبل

التكفير، فلزمه كفارة أخرى، و حسن أبى بصير ليس نصا في إيجاب التكرار مطلقا، و في كشف اللثام «و هو قوي»- لا ريب في ضعفه، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص أو في حكم النص.

نعم الظاهر أنه لا كفارة عليه فيما لو فرض حصول وطئه ثانيا بعد تكفيره عن السبب الأول، لعدم صدق الوطء قبل التكفير حينئذ، بناء على أن المراد به التكفير عن الظهار الذي هو قبل المس.

و لعله لذا جزم به في القواعد و شرحها للاصبهاني، نعم قالا: «لو وطأ ثانيا بعد أن أدى كفارة واحدة ناويا بها عن الوطء الأول بعينه أو عن أحدهما، أي الوطء الأول و الظهار لا على التعيين على إشكال في الثاني وجبت بالوطء الثاني


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 1 و 4 و 6.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 1.

ج 33، ص: 138

كفارة ثالثة» لصدق الوطء قبل التكفير عن الظهار الذي قد عرفت ظهور الأدلة في كونه سببا للكفارة حتى في الصورة الثانية، بناء على صحتها و انصرافها إلى التوزيع بينهما، لعدم حصول تمام كفارة الظهار حينئذ، فيكون كما لو وطأ في أثناء كفارته في أنه يصدق عليه أنه وطأ قبل أن يكفر.

اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن منه قبل الشروع في الكفارة، لكنه كما ترى، ضرورة كون الكفارة اسما للمجموع، نعم لو قيل في الفرض إنه تقع الكفارة لواحد منهما لا بعينه أمكن القول حينئذ بعدم الحكم بصدق الوطء قبل التكفير، و الأصل براءة الذمة، فتأمل جيدا.

[المسألة الثالثة إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر]

المسألة الثالثة:

إذا طلقها رجعيا ثم راجعها لم تحل له حتى يكفر بلا خلاف أجده فيه، لأنها حينئذ بحكم الزوجة، نعم ليس مجرد رجوعه بها موجبا للكفارة بل هي على حالها السابق الذي قد عرفت اعتبار العود بالظهار في وجوب الكفارة فيه، و الرجوع بها أعم من العود الذي قد عرفته، و

مرسل النميري (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «رجل ظاهر ثم طلق، قال: سقطت عنه الكفارة إذا طلق قبل أن يعاود المجامعة، قيل: فإنه راجعها، قال: إن كان إنما طلقها لإسقاط الكفارة عنه ثم راجعها فالكفارة لازمة له أبدا إذا عاود المجامعة، و إن كان طلقها و هو لا ينوي شيئا من ذلك فلا بأس أن يراجع، و لا كفارة عليه»

مع سقوطه عن الحجية قاصر عن المعارضة من وجوه، و لذا لم أجد عاملا به.

و لو خرجت من العدة ثم تزوجها و وطأها فلا كفارة فضلا عما قبل الوطء وفاقا للمشهور، للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة بعد ظهورها في أن الموجب لها العود و الوطء بالسبب الأول الذي وقع الظهار عليه لا مطلقا حتى


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 6.

ج 33، ص: 139

لو استباحها بسبب جديد، كما صرح بذلك كله في

خبر يزيد بن معاوية(1)على ما عن الفقيه و يزيد الكناسي على ما عن غيره المنجبر بما عرفت إن كان في سنده شي ء، قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها تطليقة، فقال: إذا طلقها هو تطليقة فقد بطل الظهار، و هدم الطلاق الظهار، فقلت له:

فله أن يراجعها؟ قال: نعم هي امرأته، فإن راجعها وجب عليه ما يجب على المظاهر من قبل أن يتماسا، قلت: فان تركها حتى يحل أجلها و تملك نفسها ثم تزوجها بعد ذلك هل يلزمه الظهار من قبل أن يمسها؟ قال: لا، قد بانت منه و ملكت نفسها»

مؤيدا بالنصوص (2)المستفيضة الدالة على سقوط الكفارة عنه بالطلاق.

و من ذلك يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره بقوله و كذا لو طلقها بائنا و تزوجها في العدة و وطأها ضرورة أنها بالطلاق البائن قد ملكت نفسها و انقطع حكم السبب الأول الذي وقع عليه الظهار، و إنما استحل نكاحها بعقد جديد، خلافا لسلار و أبي الصلاح فأوجبا حكم الظهار، و لو بالتزويج بعد عدة البائنة لإطلاق الآية(3)الذي هو مع الإغضاء عن تقييده

بما سمعت منساق إلى العود بذلك السبب لا مطلقا، و ل

حسن علي بن جعفر(4)عن أخيه عليه السلام سأله «عن رجل ظاهر من امرأته ثم طلقها بعد ذلك بشهر أو شهرين فتزوجت، ثم طلقها الذي تزوجها فراجعها الأول، هل عليه فيها الكفارة للظهار الأول؟ قال: نعم عتق رقبة أو صوم أو صدقة»

القاصر عن معارضة ما سمعت بمخالفة الشهرة و موافقة العامة و غير ذلك، فلا بأس بحمله على الندب.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 2 عن بريد بن معاوية كما في الفقيه ج 3 ص 342.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 9.

ج 33، ص: 140

و أما المناقشة في متنه- باحتمال فساده، لأنه عقب تزويجها بعد طلاقها بشهر أو شهرين، فيكون قد وقع في العدة، بل عقب التزويج فيه بالفاء المقتضية للفورية المستلزمة لعدم الخروج من العدة، بل قوله أخيرا «فراجعها الأول» و لم يقل «تزوجها» مشعر بذلك أيضا- فلا يخفى عليك ما فيها، بل أطنب في المسالك في ردها، و لكن لا حاجة إليه بعد ما عرفت.

و كذا لا كفارة قطعا لو ماتا أو مات أحدهما قبل العود بلا خلاف و لا إشكال أو ارتدا أو أحدهما عن فطرة أو عن ملة قبل الدخول أو بعده إذا كان المرتد الرجل عن فطرة، حتى لو قلنا بقبول توبته على وجه يصح له تزويجه بامرأته، لكن هو حينئذ كالمطلق بائنا بل أعظم، و لو كان عن ملة أو كانت المرتدة

الامرأة فهو بحكم الطلاق الرجعي، ضرورة الرجوع إلى الزوجة بالإسلام في العدة كما هو واضح، و يمكن كون إطلاق المصنف اتكالا على وضوحه، و للفرق بين الطلاق الرجعي و بينه بجعله سببا جديدا دون الطلاق، و الله العالم.

ج 33، ص: 141

[المسألة الرابعة لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ابتاعها فقد بطل العقد]

المسألة الرابعة:

لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ابتاعها فقد بطل العقد كما عرفته في محله، و يتبعه بطلان حكم الظهار لما سمعته. و حينئذ لو وطأها بالملك الجديد لم يجب عليه الكفارة، للأصل و غيره مما عرفت، بل هو أقوى من تزويجها بعد طلاقها بائنا، لاختلاف جنس السبب فيه دونه. و لو ابتاعها من مولاها غير الزوج ففسخ نكاحه سقط حكم الظهار الذي كان قد تعلق به.

و حينئذ ف لو تزوجها الزوج بعقد مستأنف لم تجب الكفارة و كذا لو اشتراها منه.

و لو ظاهر السيد أمته المملوكة- بناء عليه- فباعها من غيره بطل حكم الظهار و إن اشتراها منه بعد ذلك، و أولى منه ما لو أعتقها ثم تزوجها.

و لو ظاهر غير زوجته الأمة المظاهرة أيضا و عاد ثم قال لمالكها: «أعتقها عن ظهاري» ففعل وقع عتقها عن كفارته و انفسخ النكاح بينهما، لأن إعتاقها عنه يتضمن تمليكه، و إذا ملك زوجته انفسخ نكاحه، و يتبعه بطلان ظهاره لها، فإذا أراد تزويجها لم يتعلق به حكم الظهار، لما عرفت، و كذا لو أعتقها باستدعائه عن كفارة أخرى. و لو ظاهر عن أمته المملوكة و عاد فأعتقها عن ظهاره جاز.

و كذا لو آلى عن زوجته الأمة و وطأها لزمته الكفارة، فقال لسيدها(1):

«أعتقها عن كفارتي» ففعل جاز و انفسخ النكاح كالظهار، و لو ظاهر من زوجته الذمية و عاد ثم نقضت المرأة العهد فاسترقت فملكها الزوج فأسلمت و أعتقها عن كفارة ظهاره أو غيرها جاز، و ذلك و غيره كله واضح بحمد الله تعالى.


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة و المسودة« فقال سيدها» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 33، ص: 142

[المسألة الخامسة إذا قال أنت كظهر أمي إن شاء زيد فقال شئت وقع على القول بدخول الشرط في الظهار]

المسألة الخامسة:

إذا قال: «أنت كظهر أمي إن شاء زيد» فقال: «شئت» وقع على القول بدخول الشرط في الظهار و الإشكال بعدم العلم بمشيئته فإن قوله أعم من ذلك هين بعد معلومية إرادة المشيئة التي طريقها قوله، و لو لأنها شي ء لا يعلم إلا من قبله، و كذا لو علقها على مشيئتها أو مشيئته غيرها أو المركب أو غير ذلك من وجوه التعليق، نعم لو قال المعلق على مشيئته:

«شئت إن شاء زيد» مثلا لم يقع، لعدم قبول المشيئة التعليق.

و لو علقه على مشيئة صبي غير مميز لم يعقل مشيئته للظهار المتوقف على تعقله، أما المميز ففي المسالك «وجهان: من سلب عبارته شرعا، و إمكان مشيئته عقلا، و قبول خبره في نظائر ذلك» و فيه أنه لا إشكال فيه بعد فرض تحقق مشيئته، لعدم مدخلية عبارته هنا في صحة الظهار حتى يقال: إنها مسلوبة، بل لو علقها على مشيئة المجنون و كان يمكن تحقق ذلك منه صح و إن جزم هو بعدمه كغير المميز.

و لو علقه على مشيئتها فشائت باللفظ كارهة بالقلب وقع ظاهرا و في وقوعه باطنا بالنسبة إليها وجهان: من أنه تعليق بلفظ المشيئة، و لو كان بالباطن لكان إذا علق بمشيئة زيد لم يصدق زيد في حقها، من ظهور عدم الشرط و هو المشيئة عندها، و لا يخلو من نظر.

و لو قال: «إن شئت أو أبيت» فقضية اللفظ وقوعه بأحد الأمرين، نحو «إن قمت أو قعدت» اللهم إلا أن يظهر منه إرادة التنجيز.

و لو قال: إنشاء الله وقع إن قصد التبرك، و إلا لم يقع ظهار عندنا، لأنه لم يشأ المحرم، بل و عند الأشاعرة، للجهل بالشرط و إن جوزوا مشيئته له، و لو عكس فقال: «إن لم يشأ الله تعالى» وقع إن كان عدليا، للعلم بعدم مشيئته له،

ج 33، ص: 143

و إن كان أشعريا ففي المسالك وجهان، أجودهما الوقوع مطلقا.

قلت: قد تقدم جملة من الكلام في ذلك سابقا، و لكن نقول هنا: إن كلامهم مبني على إرادة الاختيار من المشيئة، و لذا كان محالا تعلقها عندنا و عند المعتزلة بإيجاد القبيح بخلاف الأشاعرة، و على أنه لا يمكن أن يقع خلاف مشيئة الله، كما عن الأشاعرة على ما حكاه عنهم في الإيضاح قال: «و جوزه المعتزلة و الإمامية» قلت: و مقتضاه حينئذ أن المشيئة أمر آخر، و بالجملة هذه المسألة كلامية و إن ذكرها الفقهاء على المتعارف منها.

[المسألة السادسة لو ظاهر من أربع بلفظ واحد كان عليه عن كل واحدة كفارة]

المسألة السادسة:

لو ظاهر من أربع بلفظ واحد لا بأربع ألفاظ فإنه لا خلاف حينئذ في تعدد الكفارة، و لكن قال: «أنتن علي كظهر أمي» كان مظاهرا منهن بلا خلاف أجده، بل في المسالك و كشف اللثام الإجماع عليه، فان فارقهن بما يرفع الكفارة من طلاق و نحوه فلا إشكال، و إن عاد إليهن أجمع فالمشهور أن عليه عن كل واحدة كفارة بل عن الخلاف الإجماع عليه، لصدق الظهار عن كل واحدة مع العود إليها و إن اتحدت الصيغة، و ل

حسن حفص بن البختري (1)عن الصادق و الكاظم عليهما السلام «في رجل كان له عشر جوار فظاهر منهن كلهن جميعا بكلام واحد، فقال: عليه عشر كفارات»

و خبر صفوان (2)قال: «سأل الحسين بن مهران أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل ظاهر من أربع نسوة، فقال: يكفر لكل واحدة كفارة، و سألته عن رجل ظاهر من امرأته و جاريته ما عليه؟ قال: عليه لكل واحدة كفارة».

خلافا لأبي علي، فكفارة واحدة، لاتحاد الصيغة كاليمين، و ل

خبر غياث بن إبراهيم (3)عن الصادق عن أبيه عن علي عليهم السلام «في رجل ظاهر من أربع نسوة،


1- 1 الوسائل الباب- 14- من كتاب الظهار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من كتاب الظهار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 144

قال: عليه كفارة واحدة».

و فيه منع التلازم بين اتحاد الصيغة و تعدد الظهار الذي هو الأثر الحاصل منها لا نفسها، كما حققناه في محله، و بذلك ظهر الفرق بينه و بين اليمين الذي لا إشكال في أنه اسم للعبارة المخصوصة اتحد متعلقها أو تعدد، و لا ينافي ذلك حكمهم باتحاد البيع الواقع على أعيان متعددة، و لذا لو ظهر عيب في بعضها كان له فسخ العقد من أصله أو أرش المعيب، و ليس له رد المعيب نفسه خاصة، لإمكان الفرق بينهما بصحة بيع المجموع من حيث هو كذلك على وجه يكون كل واحد من الأعيان جزء المبيع، بخلاف المقام الذي لا يصح فيه ظهار المجموع كطلاقه، و من هنا اتضح لك كون الظهار بالطلاق أشبه منه باليمين، و أما

الخبر المزبور فهو فاقد شرائط الحجية، فلا يصلح معارضا للحسن الأول المعتضد بها، و لو عاد إلى بعضهن دون بعض فعلى المختار تجب الكفارة بعدد من حصل فيها العود، و على القول الآخر تجب الواحدة و لو بالعود إلى الواحدة مع احتمال العدم أصلا، كما لو حلف أن لا يكلم جماعة بناء على أنه لا يلزمه الكفارة بتكليم بعضهم.

و لو ظاهر من واحدة مرارا و عاد لما قال بعد كل ظهار أو لم يعد بعد كل ظهار بل عاد بعد الأخير وجبت عليه بكل مرة كفارة وفاقا للأكثر، لظهور الأدلة في سببية كل منها، و الأصل تعدد المسبب بتعدد السبب، سواء فرق الظهار عن الآخر بأن حصل التراخي بينهما أو وقع في مجلس غير مجلس الأول أو تابعه و إن حكى عن المبسوط نفي الخلاف عن التعدد في صورة التفريق، و سواء اتحد المشبه به أو تعدد، و سواء تخلل التكفير أو الوطء أو لا، بل سواء قصد التأكيد بالثاني و الثالث مثلا أو لا و إن حكى عن الشيخ في المبسوط أنه نفى الخلاف عن الوحدة إذا نوى التأكيد، بل ظاهر الفخر في الإيضاح أن محل الخلاف في غير صورة التأكيد، و يقرب منه ما في كشف اللثام، و لكن لم نتحققه، بل لعل مقتضى إطلاق المتن و القواعد و النافع و محكي الجامع و ابن أبي عقيل و ابن زهرة و ابن إدريس

ج 33، ص: 145

عدم الفرق، و لعله لذا صرح في محكي المختلف بعدم الفرق.

و دعوى صدق اتحاد الظهار مع نية التأكيد لا تعدده ممنوعة، ضرورة أن المؤكد غير المؤكد، و إطلاق أدلة الظهار تقتضي ترتب الكفارة على مسماه مع العود، و هو متحقق في المقصود به التأكيد، مضافا إلى إطلاق

صحيح ابن مسلم (1)عن الباقر عليه السلام «سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر ما عليه؟ قال:

عليه مكان كل مرة كفارة»

و صحيحه الآخر(2)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل ظاهر من امرأته خمس مرات أو أكثر، فقال: قال علي عليه السلام: مكان كل مرة كفارة»

الحديث.

و صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته ثلاث مرات، قال: يكفر ثلاث مرات»

و خبر جميل (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «فيمن ظاهر من امرأته خمس عشرة مرة، قال: عليه خمس عشر كفارة».

فما عن المبسوط-: من أنه «إن والى و نوى التأكيد أو أطلق لم يلزمه أكثر من كفارة، و إن نوى الاستئناف أو فرق تعددت، تخلل التكفير أو لا» و نحوه عن الوسيلة صريحا و الخلاف مفهوما فإنه حكم بالتعدد إذا نوى الاستئناف لكن لم يفرق فيه بين التوالي و

التفريق، و لعله إليه أشار المصنف بقوله و من فقهائنا من فصل واضح الضعف لما عرفت خصوصا في صورة الإطلاق، و إن استدل له- مضافا إلى ما سمعت- بالأصل المقطوع بما عرفت، و

خبر عبد الرحمن ابن الحجاج (5)عن الصادق عليه السلام «في رجل ظاهر من امرأته أربع مرات، في مجلس واحد، قال: عليه كفارة واحدة»

القاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، فلا بأس بطرحه أو حمله كما عن الشيخ على الاتحاد في الجنس و إن بعد أو على إرادة الظهار أربعا بلفظ واحد أو غير ذلك.

هذا و في المسالك «أنه يظهر من قول المصنف: «و من فقهائنا» إلى آخره


1- 1 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 6.

ج 33، ص: 146

أن منهم من فرق بين ما لو تابع و فرق، فحكم بالتعدد في الثاني دون الأول، و في رواية ابن الحجاج ما يرشد إليه، لأنه حكم بالاتحاد مع اتحاد المجلس، و تلك الأخبار الدالة على التعدد مطلقة، فتحمل على اختلاف المجلس جمعا بين الأخبار، و هذا قول موجه بالنسبة إلى دلالة الأخبار، و طريق الجمع بينها، إلا أنا لم نقف على القائل به من أصحابنا، نعم نقله الشيخ في المبسوط عن بعضهم، و مقتضى طريقته أنه من العامة لا من أصحابنا».

و فيه أنه مع قطع النظر عن ذلك قاصر عن تقييد تلك المطلقات المعتضدة بالعمل و بقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب، و (دعوى) عدم تعدد السبب الذي هو الظهار و العود الذي قد تقدم كون المراد منه الإرادة المتعقبة للوطء، و هو غير متكرر و إن تكرر الظهار، سواء تخلل العود بين الظهارات أو وقع آخرا، لأن المتخلل بعد فرض الرجوع عنه بالظهار المتعقب له لم يكن تتمة السبب، بناء على المختار من كون العود إرادة الوطء مستمرة إلى تمام التكفير حتى تحصل استباحة الوطء، و أما الأخير فليس هو إلا عود واحد (يدفعها) أن إرادة الوطء المتأخرة مع انضمامها إلى كل واحد من الظهارات المتكررة تصير سببا تاما في الوجوب، فيتعدد كما اعترف به في التنقيح.

و أضعف منه ما عن أبي علي من أنه إن اختلف المشبه به تعددت الكفارة، كأن قال: «أنت على كظهر أمي أنت علي كظهر أختي» لأنهما حرمتان انتهكهما، و إن اتحد اتحدت ما لم يتخلل التكفير، إذ هو مع منافاته لظاهر الأدلة لا شاهد له.

و كيف كان ف لو وطأها قبل التكفير عن الجميع كفر عن البعض أولا وجب عليه عن كل وطء كفارة واحدة لا أزيد، للأصل و غيره، و عن كل مرة بقيت اخرى كما هو واضح.

ج 33، ص: 147

[المسألة السابعة إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر]

المسألة السابعة:

إذا أطلق الظهار حرم عليه الوطء حتى يكفر بلا خلاف معتد به و لا إشكال، لما سمعته من الكتاب (1)و السنة(2)و الإجماع و لو علقه بشرط كما لو قال مثلا: «أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار أو كلمت زيدا» جاز الوطء ما لم يحصل الشرط لعدم تحقق الظهار المشروط به، فان دخلت أو كلمت زيدا وقع بعد الدخول و التكلم، سواء طال الزمان أو قصر. و حينئذ ف لو وطأ قبله لم يكفر للأصل و غيره و لو كان الوطء هو الشرط بأن قال: «أنت علي كظهر أمي إن وطأتك» ثبت الظهار بعد فعله كغيره من الشرائط و لا تستقر الكفارة حتى يعود إلى إرادة وطئها ثانيا على الوجه الذي قدمناه سابقا.

و قيل كما عن الصدوق و الشيخ في الفقيه و المقنع و الهداية و النهاية:

تجب الكفارة بنفس الوطء (11) و إن كان ابتداؤه جائزا، لأن الاستمرار وطء ثان، و إنما المباح مسماه، فيجب حينئذ بما زاد على مسماه بالنزع أو غيره، و هو بعيد (12) ضرورة أن الوطء أمر واحد عرفا من ابتدائه إلى النزع، و الإطلاق محمول على العرف، و المشروط إنما يقع بعد وقوع الشرط لا قبله، و استدامة الإفعال ليس أفعالا مستقلة كاستمرار القيام و الجلوس مثلا، نعم لو نزع كاملا ثم عاد وجبت الكفارة و إن كان في حالة واحدة، لصدق تعدد الوطء حينئذ، كما هو واضح.

بل في كشف اللثام «و عندي أن شيئا من عبارات تلك الكتب ليس نصا في ذلك، ففي الفقيه: و الظهار على وجهين: أحدهما أن يقول الرجل لامرأته: هي


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 148

كظهر امه و يسكت، فعليه الكفارة من قبل أن يجامع، فان جامع من قبل أن يكفر لزمته كفارة أخرى، و إن قال: هي عليه كظهر امه إن فعل كذا و كذا فليس عليه شي ء حتى يفعل ذلك الشي ء و يجامع، فتلزمه الكفارة إذا فعل ما حلف عليه، و نحوه ما في المقنع و الهداية و في النهاية: ثم إنه ينقسم قسمين: قسم منه يجب فيه الكفارة قبل المواقعة، و الثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد المواقعة، فالقسم الأول هو أنه إذا تلفظ بالظهار على ما قدمناه، و لا يعلقه على شرط، فإنه تجب عليه الكفارة قبل مواقعتها، فان واقعها قبل أن يكفر كان عليه كفارة أخرى، و الضرب الثاني لا تجب فيه الكفارة إلا بعد أن يفعل ما شرط أنه لا يفعله أو يواقعها، فمتى واقعها كانت عليه كفارة واحدة، فان كفر قبل أن يواقع ثم واقع لم يجزه ذلك عن الكفارة الواجبة بعد المواقعة، و كان عليه إعادتها، و متى فعل ما ذكر أنه لا يفعله وجبت عليه الكفارة أيضا قبل المواقعة، فإن واقعها بعد ذلك كان عليه كفارة أخرى- قال-: و الظاهر أن معنى هذه العبارات أن عليه الكفارة بعد المواقعة إذا عاد لما قاله، فارتفع الخلاف من البين». قلت: و على تقديره فلا ريب في ضعفه.

و لو علقه بنفي فعل كقوله: «إن لم تدخلي الدار» لم يقع إلا عند اليأس من الدخول بموت أحدهما قبله، فيحكم بوقوعه قبل الموت، و نحوه لو قال: «أنت على كظهر أمي إن لم أتزوج عليك» فإنه يصير مظاهرا عند اليأس بالموت، و لكن لا كفارة عليه، لعدم العود بعده، لأن الموت عقيب صيرورته مظاهرا.

نعم لو علق النفي بإذا بأن قال: «إذا لم تدخلي» ففي المسالك «وقع عند مضى زمان يمكن فيه إيقاع ذلك الفعل من وقت التعليق فلم يفعل و الفرق بين الأداتين أن «إن» حرف شرط لا إشعار له بالزمان، و «إذا» ظرف زمان كمتى في التناول للأوقات، فإذا قيل له: «متى ألقاك» صح أن يقول له: «متى شئت» أو «إذا شئت» و لا يصح «إن شئت» فقوله: «إن لم تدخلي الدار» معناه «أي

ج 33، ص: 149

وقت فاتك دخولها»(1)و فواته بالموت، و قوله: «إذا لم تدخلي الدار» معناه «أي وقت فاتك الدخول» فيقع الظهار بمضي زمان يمكن فيه الدخول به، و يحتمل وقوعه في الموضعين بمضي زمان يمكن فيه الفعل، لدلالة العرف عليه، و يقوى الاحتمال مع انضباطه، و في معنى «إذا» «متى» و «أي وقت».».

قلت: قد يقال: إن المحتمل مساواة «إذا» لأن في العرف الان في هذا التركيب، فإنه لم يرد منها إلا معنى الشرطية الحاصلة بأن لا العكس، و فرق واضح فيه بينها و بين «متى» و «أى وقت» كما لا يخفى بأدنى التفات، و الأمر سهل بعد أن كان المدار على المفهوم عرفا منه.

و لو علقه بالحمل فقال: «أنت علي كظهر أمي إن كنت حاملا» فإن كان بها حمل ظاهر وقع في الحال، و إلا ففي المسالك «إن ولدت لأقل من ستة أشهر من التعليق بان وقوعه حين التعليق، لوجود الحمل حينئذ، و إن ولدت لأكثر من أقصى مدة الحمل أو بينهما و وطئت بعد التعليق و أمكن حدوثه به بأن كان بين الوضع و الوطء ستة أشهر فأكثر لم يقع، لتبين انتفاء الحمل في الأول، و احتمال حدوثه بعد التعليق في الثاني، و إن لم يطأها بعد التعليق بحيث يمكن حدوثه به ففي وقوعه وجهان: من احتمال حدوثه بغير الوطء كاستدخال المني، و الأصل عدم تقدمه، و من أن ذلك نادر، و الظاهر وجوده عند التعليق، و هذا هو الأقوى».

قلت: قد يقال: إن المدار على الحمل عرفا، و لا يتحقق صدقه بالولادة لدون الستة أشهر التي بها ينكشف استعداد النطفة للانعقاد الذي هو منشأ الحمل، كما قدمنا ذلك سابقا.

كما أنه قد يقال بعدم تحقق الحمل عرفا عند التعليق بالولادة بين الأدنى و الأقصى و إن لم يحصل وطء من الزوج، إذ الوطء حال النوم و غيره محتمل،


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين المبيضة و المسودة، و في المسالك «ان فاتك دخولها» و هو الصحيح.

ج 33، ص: 150

و الأصول متعارضة، فلا يقين بإحراز صدق الحمل حال التعليق، و نفيها شرعا بالنسبة إلى إلحاق الولد و نحوه لا يقتضي نفيها بالنظر إلى صدق النسب العرفية، و الظهور الذي ذكره أقصاه الظن، و هو لا يجدى في تحقيق النسب إذا كانت عنوانا لحكم شرعي كما هو واضح.

و لو قال: «إن ولدت أنثى» فولدتها وقع حين تحقق الولادة، و لو قال:

«إن كنت حاملا بها» تبين بولادتها وقوعه حين التعلق و إن توقف ظهوره على الولادة، و تظهر الفائدة، في احتساب المدة من حينه لو كان قد وقته بمدة و في غير ذلك.

و لو علقه بالحيض فقال: «إن حضت حيضة» لم يقع حتى تنقضي أيام حيضها، و لو قال: «إن حضت» و اقتصر ففي المسالك «وقع إذا رأت دما محكوما بكونه حيضا إن كانت معتادة، فلو رأته في عادتها وقع برؤية الدم، و إلا فبمضي ثلاثة أيام، و على القول بحيضها برؤية الدم مطلقا أو مع ظنه يقع كذلك، و يحتمل توقفه على ثلاثة مطلقا، إذ به يتحقق أنه ليس بدم فساد، و الفرق بينه و بين العبادة و التحريم أن الظهار لا يقع إلا بيقين، و أحكام الحيض يثبت بالظاهر».

قلت: إذا كان المدار في الظهار على ذلك لم تجد الثلاثة و لا الرؤية في زمن العادة، ضرورة عدم حصول اليقين بذلك، و إن جرى عليه حكم الحيض بالنسبة إلى الأحكام الشرعية التي مرجعها إلى الموضوع الشرعي بخلاف التعليق العرفي المراد به الموضوع الواقعي، كما اعترف به. نعم قد يقال: إن المنصرف من نحو ذلك إرادة التعليق على الموضوع الشرعي، و حينئذ يتجه الاجتزاء به مطلقا.

و لو قال لها ذلك و هي حائض لم يقع إلا بحيضة مستأنفة، و في المسالك «و متى قالت: حضت فالقول قولها، بخلاف ما لو علقه على دخول الدار فقالت: دخلتها، فإنها تحتاج إلى البينة، و الفرق عسر إقامة البينة على الحيض، و غاية عسرها مشاهدة الدم، و ذلك لا يعرف إذا لم يعرف عادتها و أدوارها، فلعله دم فساد، فاكتفى

ج 33، ص: 151

الشارع فيه بقولها، و قد تقدم في كتاب الطلاق ما يدل عليه من النص (1)و مثله لو قال: «إن أضمرت بغضي» فقالت «أضمرت» فالقول قولها لعسر الاطلاع، بخلاف الأفعال الظاهرة، كدخول الدار، لسهولة إقامة البينة عليها».

قلت: قد يقال: إنه لا مدخلية للعسر هنا، إذ أقصاه عدم ثبوت الظهار، و اكتفاء الشارع بقولها في ذلك بالنسبة إلى ما رتبه من الأحكام لا يقتضي الاكتفاء به في مثل المقام، نعم إن كان قصد المظاهر ذلك اتجه الاكتفاء به و إلا فلا، كما هو واضح.

لو تعدد الشرط بأن قال: «إن دخلت أو كلمت» مثلا وقع بأي واحد منهما، ثم لا يقع بالاخر شي ء، لأنهما ظهار واحد، نعم لو قال: «إن دخلت دار فلان فأنت على كظهر أمي و إن كلمت زيدا فأنت علي كظهر أمي» و وجد الشرطان وقع الظهاران، و لو قال: «إن دخلت الدار و كلمت زيدا» فلا بد من وجودهما معا لوقوعه، من غير فرق بين تقدم الكلام على الدخول و بالعكس بناء على أن الواو لمطلق الجمع كما هو الأصح، أما على الترتيب فيعتبر تقديم الدخول على لكلام، لأنه يكون كما لو قال: «إن دخلت ثم كلمته» كما هو واضح.

و لو قال: «أنت علي كظهر أمي إن دخلت الدار إن كلمت زيدا» ففي المسالك «لا بد منهما في وقوعه، و يشترط تقديم المذكور أخيرا- و هو الكلام- على المذكور أولا و هو الدخول، لأنه جعل الكلام شرطا لتعليق الظهار بالدخول، و يسمى ذلك اعتراض الشرط على الشرط و التعليق يقبل التعليق كما أن التنجيز يقبله، نظير قوله تعالى (2)«وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ» المعنى: إن كان الله يريد أن يغويكم فلا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم».


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
2- 2 سورة هود عليه السلام: 11- الآية 34.

ج 33، ص: 152

قلت: قد يقال: إن المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول و الكلام مطلقا كما عن بعض، فلا يشترط الترتيب بينهما حينئذ، و يقع الظهار بحصولهما كيف اتفق، لأنه ذكر صفتين من غير عاطف، فلا وجه لاعتبار غير الدخول، أو يقال: إن المفهوم منه عرفا التعليق على الدخول و الكلام حاله، و على كل حال هو غير ما ذكره.

و لو علقه على مخالفتها الأمر فقال: «إن خالفت أمري» ثم قال لها:

«لا تكلمي زيدا» مثلا فكلمته ففي المسالك «لم يقع الظهار، لأنها ما خالفت أمره، و إنما خالفت نهيه، و يحتمل الوقوع نظرا إلى أنه يسمى في العرف مخالفة أمره، و يقوى ذلك إن استقر العرف عليه، و إلا فالعبرة بالمعنى المصطلح عليه».

قلت: قد ذكروا أن للفظ الأمر معاني متعددة، منها القول، فمع قيام القرينة على واحد منها يكون هو المتبع، و إلا كان المرجع العرف لا الاصطلاح الخاص، إلا أن يكون المظاهر من أهله و قصد بالأمر الاصطلاح المزبور.

و لو علقه على مخالفة النهي ثم قال لها: «قومي» فقعدت ففي المسالك «في وقوعه أوجه مبنية على أن الأمر بالشي ء هل هو نهي عن ضده مطلقا أو ضده العام أو ليس نهيا عنهما؟ فعلى الأول يقع الظهار بفعلها ما يخالف أمره دون الأخيرين، هذا كله إذا لم يدل العرف على شي ء، و إلا عمل بمقتضاه مقدما على القاعدة الأصولية، لأن التعليقات تحمل على الأمور العرفية لا على القواعد الأصولية، هذا إن انضبط العرف، و إلا رجع إلى الاصطلاح».

و فيه ما عرفت من أنه مع فرض عدم دلالة العرف يتجه الحكم بعدم الوقوع لا الرجوع إلى الاصطلاح إلا على الوجه المزبور، على أنه كما أن الأمر بالشي ء نهي عن ضده فكذا النهي عن الشي ء أمر بضده، فكان عليه بناء المسألة الأولى على ذلك أيضا، و الجميع كما ترى.

ج 33، ص: 153

و لو علقه بقذفها زيدا مثلا وقع بقذفها له حيا و ميتا، لأن قذف الميت كقذف الحي في الصدق سواء، بخلاف ما لو علقه على تكليمها له، فإنه لا يقع إلا أن يسمع كلامها، كما اعترف به في المسالك، لكن قال: «و لو منع من السماع لعارض كذهول و صمم فوجهان» و فيه أن المتجه عدم اعتباره حينئذ.

و لو علقه بالضرب ففي المسالك أيضا «لم يقع بضربه ميتا» و فيه منع، و على كل حال فلا يشترط إيلامه به، للصدق عرفا بدونه.

و لو قال: «إن قذفته في المسجد» اعتبر كونها في المسجد دونه، و إن قال:

«إن ضربته في المسجد» ففي المسالك اعتبر كون المضروب فيه، قال: «و الفرق أن قرينة الحال تشعر بأن المقصود الامتناع عما يهتك حرمة المساجد، و هتك الحرمة تكون بالقذف فيه و الضرب فيه».

قلت: قد يقال: إن المدار على صدق اللفظ من حيث نفسه، و إلا فالقرائن لا ضبط لها، و هو يصدق على ضربها و هي في المسجد و إن كان المضروب خارجا.

و لو علقه برؤية زيد مثلا وقع برؤيتها له حيا و ميتا مستيقظا و نائما، و يكفي رؤية شي ء من بدنه و إن قل، و لو كان كله مستورا لم يقع، و لا يكفي رؤيته في المنام قطعا، نعم لو رأته في ماء صاف لا يمنع الرؤية أو من وراء جسم شفاف كالزجاج وقع، لصدقها و إن تخلل الماء مثلا لكنه كتخلل أجزاء الهواء، و لذا لا تصح صلاة المتستر به، و لو رأته بالمرآة مثلا أو بانعكاسه بالماء فوجهان: من حصول الرؤية في الجملة، و كون المرئي مثاله لا شخصه، و هو الأصح. و لو حدث في المرأة العمى لم يقع قطعا و إن حضر عندها، بل لعله كذلك لو علق الظهار عليه و هي عمياء إلا أن يراد بالرؤية حينئذ الحضور.

و لو علقه بالمس وقع إذا مست شيئا من بدنه حيا كان أم ميتا، نعم في المسالك «و يشترط كون الممسوس مما تحله الحياة، فلا يقع بمس الشعر و الظفر، إذ لا يقال لمن مسها من إنسان: أنه مسه، مع احتماله، و في اعتبار كون مسها

ج 33، ص: 154

بباطن كفها أو يعم سائر بدنها وجهان: أجودهما الثاني، و الوجهان آتيان في مس المحدث للقرآن، نعم يشترط كونه بما تحله الحياة من بدنها كما يشترط ذلك في الممسوس، و مثله يأتي في مس الميت على الوجه الذي يوجب الغسل».

قلت: قد ذكرنا في ذلك المبحث ما يعلم منه ما في كلامه هنا، فلاحظ و تأمل.

و لو قلنا بوقوعه موقتا فقال: «في شهر كذا» وقع أول جزء من ليلة هلاله، و لو قال: «في نهار شهر كذا» أو «في أول يوم منه» وقع عند طلوع الفجر من أول أيامه، و كذا لو قال: «في يوم كذا» و لو قال: «في آخر الشهر» وقع في آخر جزء منه، لا أول جزء من ليلة السادس عشر، لأن النصف الثاني كله آخر الشهر، و لا في أول اليوم الآخر منه، و لو قال: «عند انتصافه» ففي المسالك «وقع عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر، لأنه مسمى النصف، و لهذا يقال:

ليلة النصف من شعبان مثلا» و فيه منع مع فرض هلاله ناقصا، اللهم إلا أن يعد ذلك نصفا عرفا.

ثم لا يخفى عليك أن الأمر المعلق عليه إن فعله فاعله عمدا أو كان الغرض مجرد التعليق عليه- كقدوم الحاج أو السلطان و نحوهما- وقع الظهار عند حصول شرطه مطلقا، أما لو كان الغرض منه المنع، كما لو قال: «إن دخلت دار فلان أو كلمته» فدخلته أو كلمته جاهلة بالتعليق أو ناسية أو مجنونة أو مكرهة أو علق هو ذلك على فعله قاصدا منع نفسه منه ففي المسالك «في وقوعه وجهان: وجود المعلق به، و ليس النسيان و نحوه دافعا للوقوع، و من عموم

قوله صلى الله عليه و آله (1): «إن الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه»

و المراد رفع المؤاخذة أو رفع الأحكام، و التفصيل متوجه نظرا إلى القصد».

قلت: لا يخفى عليك ما في الذي جعله وجها للثاني، كما لا يخفى عليك أن المدار على صدق ما علق عليه الظهار.


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب الايمان الحديث 5.

ج 33، ص: 155

[المسألة الثامنة يحرم الوطء على المظاهر ما لم يكفر]

المسألة الثامنة:

يحرم الوطء على المظاهر إذا عاد ما لم يكفر سواء كفر بالعتق أو الصيام أو الإطعام بلا خلاف معتد به أجده، بل هو فيمن فرضه الأولان موضع وفاق بين المسلمين، و النصوص (1)من الطرفين وافية، مضافا إلى الكتاب (2)بل هو كذلك أيضا في الثالث، خلافا للإسكافي منا، و قد عرفت ضعفه و ضعف دليله فيما تقدم.

و لو وطأها خلال الصوم الذي هو الكفارة استأنف وفاقا للمحكي عن الشيخ بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، سواء صام من الشهر الثاني يوما أو لا، و سواء كان ذلك في ليل أو نهار، للنص كتابا(3)و سنة(4)على وجوب تقديم صيام الشهرين على المسيس، و لما عرفت من وجوب كفارتين عليه إذا وطأ قبل التكفير، و لا ريب في صدقه في الفرض، لكون الكفارة اسما للمجموع، فيلزمه حينئذ كفارتان تامتان، و الأصل عدم وجوبهما مع إيجاب إتمام ما تخلله الوطء، بل و لا قال به أحد.

و قال شاذ منا و هو ابنا إدريس و سعيد على ما حكي عنهما لا يبطل التتابع لو وطأ ليلا لأنه عبارة عن اتباع صوم اللاحق للسابق من غير فارق، و هو متحقق إن وطأ ليلا، فيصدق صيام شهرين متتابعين في الفرض، و غاية ما يستفاد من الآية(5)وجوب تقديم الصوم المتتابع على الوطء، فيأثم حينئذ بالوطء خلاله،


1- 1 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار و سنن البيهقي ج 7 ص 386.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.
5- 5 سورة المجادلة: 58- الآية 3.

ج 33، ص: 156

و لا دليل على الاستئناف، بل الأصل و غيره يقتضي عدمه، على أن الاستئناف لا يجديه شيئا، فإنه لا يصدق على المستأنف أنه كفر قبل الوطء، بل الإكمال أولى، لأن بعض الشهرين قد حصل قبل التماس، كما أن وجوب الكفارتين عليه لا يقتضي الاستئناف أيضا، إذ يمكن أن يكون أحدهما ما تخلله الوطء، و اختاره في المسالك لما عرفت، و لأنه لو وقع قبل الشروع يجتزئ بالصوم بعده مع عدم صدق الإتيان به قبل التماس فكذا الفرض.

و لعله لذا قال في القواعد: «الأقرب أن الوطء إن وقع ليلا وجب الإتمام مطلقا و التكفير ثانيا، و كذا إن وقع نهارا بعد أن صام من الثاني شيئا، و إن كان قبله استأنف و كفر ثانيا» و حاصله ملاحظة تتابع الشهرين المعتبر في الكفارة و عدمه.

قلت: لا ريب في كون المراد هنا بالتتابع أمرا زائدا على المعتبر في الكفارة، و هو كون الشهرين معا يقعان قبل التماس، فمع فرض حصول الوطء في أثنائهما و لو ليلا بعد حصول تتابع الكفارة لم يحصل الامتثال.

و الأصل في النزاع عبارة الشيخ في المبسوط و الخلاف، حيث عبر في المحكي منهما عن المعنى المزبور ببطلان التتابع، فيبطل ما تقدم من الصوم و يستأنف الشهرين، فاعترض عليه ابن إدريس بأنه لا يبطل التتابع بذلك، لأنه عبارة عن اتباع صوم يوم لا حق بصوم يوم سابق من غير فارق، و هذا متحقق مع الوطء ليلا، و لا يستأنف الكفارة لأنه لا يبطل من الصوم شي ء، فلا يجب عليه الاستئناف، بل يتم صومه و عليه كفارة أخرى للوطء، و إن كان الوطء نهارا من غير عذر قبل أن يصوم من الشهر الثاني شيئا وجب عليه الاستئناف للكفارة التي يوجبها الظهار و كفارة أخرى للوطء عقوبة، و كان مراد ابن إدريس أنه لا دليل على اعتبار أزيد من التتابع المعتبر في الكفارة في الصحة و الفساد، نعم يجب شرعا كتابا(1)و سنة(2)كونها قبل التماس،


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 157

و ذلك لا يقتضي أزيد من الإثم، لا البطلان الذي لا يمكن تلافيه بالاستئناف الذي هو واقع أيضا بعد التماس، و فرض تماس آخر مع أنه غير محل البحث يمكن فرض عدمه بموت المرأة مثلا و طلاقها، و ليس في أدلة(1)تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير إلا وجوب كفارة أخرى غير كفارة الظهار به على وجه لا ينافي الاجتزاء بما وقع منها للظهار، كما لا يخفى على من لاحظها.

و لعله لذا وافقه الفاضل و الشهيدان مؤيدا ذلك بأصالة صحة ما وقع، و بما عرفته من أنه لو اعتبر القبلية شرطا لم تجب الكفارة للظهار مع فرض الوطء قبل الشروع في التكفير، ضرورة عدم التمكن حينئذ من الإتيان بالمأمور به على وجهه، مع أنه لا خلاف في وجوبها بل و لا إشكال، و ليس ذلك إلا لأن القبلية المزبورة واجبة تعبدا لا شرطا، و لعله لذا وافقه عليه الفاضل و الشهيدان في الدروس و المسالك.

لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد عن الإشكال، ضرورة عدم إمكان إنكار ظهور الآية(2)و ما شابهها من الرواية(3)في توقف صدق امتثال الأمر المزبور على القبلية المذكورة كما في سائر القيود التي تذكر في المأمور به، و كان مقتضى ذلك تعذر المأمور به مع فرض الوطء قبله، و يتبعه حرمة الوطء عليه أبدا، بل يلزم بالطلاق مع مطالبة المرأة إلا أن الأدلة المعتضدة بالفتوى قد صرحت بإجزاء الكفارة عن الظهار عنه في هذا الحال، و هو لا يقتضي الاجتزاء بالكفارة التي تخللها الوطء، و دعوى الأولوية ممنوعة على مدعيها، بل المتجه بقاؤها على اقتضاء اشتراط القبلية عدم الاعتداد بها، و ليس ذلك لكون الاستئناف محصلا للمأمور به كي يتجه ما أورده الخصم من أن الاستيناف أيضا لا يحصل معه المأمور به، لكون الفرض


1- 1 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 158

حصول التماس، بل لأن به يقين البراءة إما للإجماع، أو لأنه كمن وطأ قبل أن يشرع في التكفير، أو للقطع بعدم الزيادة عليه.

بل قد ينقدح من ذلك طريق آخر لإثبات المطلوب، و هو انحصار الأمر في الاستئناف، و ذلك لفساد امتثال الأمر بالفعل قبل التماس بالمس في أثنائه، فلم يبق إلا الأمر بالتكفير لمن وطأ قبل أن يكفر، و ليس هو إلا ابتداء تكفير لا إتمامه.

بل قد يقال باقتضاء قاعدة الشغل ذلك أيضا، للقطع بعدم سقوط التكليف عنه، و لكن لم يعلم المكلف به هل هو الإتمام أو الاستئناف، فيجب الأخير مقدمة للبراءة اليقينية بعد القطع بعدم وجوبهما معا عليه، بل لا محيص عنها مع فرض تصادم الأدلة أو خلوها عما يرجح به أحد القولين، و لعله لذا كان خيرة فخر المحققين الاستئناف حاكيا له عن والده في المختلف و التحرير.

بل في المتن بعد قوله: «و قال شاذ منا» إلى آخره و هو غلط معرضا به بابن إدريس و كأنه ظن أن ابن إدريس لم يفهم المراد بالتتابع في كلام الشيخ، لكن الإنصاف أن المسألة في غاية الغموض، و لا يستأهل القائل بالإتمام الحكم بغلطيته، بل هو قول قوي و نظر حسن، كما عرفت ذلك كله.

بل قد عرفت اختيار جملة من الأساطين له كالفاضل و الشهيدين و الكركي، و لعله لذا قال الأخير في حاشيته على الكتاب: «و الحق أن ما غلطه به المصنف من التغليط و نسبه إلى الشذوذ توغل في الخشونة و خروج عن الانصاف» قلت: و يمكن أن يكون قد تنبه المصنف لذلك فيما بعد فضرب على هذا، و لكن قد تكثر النسخ فإنه يحكى عن جملة منها خلوها عن ذلك.

و من التأمل فيما ذكرنا ظهر لك الوجه فيما ذكره الفاضل في القواعد، فإنه بعد أن حكى القولين في المسألة قال: «و هل يكفي الاستئناف عن كفارة الوطء قبل إكمال التكفير إشكال» إذ هو ليس إلا من جهة حصول الوطء في الأثناء، فلا يدخل

ج 33، ص: 159

فيما دل (1)على إيجابه الكفارة زيادة على كفارة الظهار، لظهوره فيمن وطأ قبل أن يشرع في التكفير، لكن قد عرفت أنه بإفساده الكفارة التي وقع في أثنائها صار كالوطء قبل التكفير، و لعله لذا و غيره لم أجد خلافا في إيجابه الكفارة أيضا حتى من الفاضل في غير المقام.

و بالجملة فالمسألة غير منقحة في كلامهم، و تحقيقها ما سمعت، و الحمد لله، و لا يصعب عليك الالتزام بفساد الصوم بالوطء ليلا، إذ هو ليس من حيث كونه مفطرا، بل هو من حيث فوات شرط الكفارة كما هو واضح، بل لعل مثله يجري في الإطعام أيضا و إن لم يذكروه.

و هل يحرم عليه أي المظاهر بظهاره ما دون الوطء كالقبلة و الملامسة؟ قيل و القائل الشيخ و جماعة على ما قيل نعم، لأنه مماسة لغة، و الأصل عدم النقل و الاشتراك، و لأنه مقتضى تشبيهها بالأم التي يحرم فيها غير الوطء من الاستمتاع بها، و اختاره في القواعد، بل ظاهرها تحريم مطلق الاستمتاع حتى النظر المحكي عن ظاهر بعض الأصحاب التصريح بحليته.

و على كل حال ففي أصل تحريم غير الوطء من اللمس بشهوة و نحو ه عليه إشكال ينشأ من اختلاف التفسير للمماسة في الآية الشريفة(2)المتعارف الكناية بها عن الوطء في غير المقام، فيحصل الظن بإرادته منها هنا و إن كان المسيس أعم من ذلك لغة، بل في حاشية الكركي أنها كناية مشهورة عنه، و يعضده التفسير فيحمل عليه، بل عن ابن إدريس الاتفاق على إرادته منه هنا.

يؤيده أنه المنساق من نصوص الباب (3)خصوصا ما جاء في العود المفسر


1- 1 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار الحديث 6.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.

ج 33، ص: 160

فيها بإرادة الوطء(1)و خصوص ما تسمعه من صحيح أبي بصير(2)في المسألة الآتية و لا أقل من الشك، و الأصل الحل، و التشبيه بالأم يمكن كون المراد منه حرمة الوطء المستفاد من قوله تعالى (3)«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» خصوصا بعد أن لم تخرج المرأة عن ملك الاستمتاع بها، فيمكن أن يكون مفاد الظهار حينئذ حرمة وطئها كالحيض و الصوم و إن كان في الشرع أحوال للمرأة بالنسبة إلى الاستمتاع بها الذي قد يحرم على الزوج، كالمحرمة و المعتكفة، لكن لا ريب في أن الأصل الحل حتى يثبت ما يقتضي التحريم على العموم، كما هو واضح.

[المسألة التاسعة إذا عجز المظاهر عن خصال الكفارة عدا الاستغفار قيل يجزؤه]

المسألة التاسعة:

إذا عجز المظاهر عن خصال الكفارة أو ما يقوم مقامها إن قلنا به كما ستسمع التحقيق فيه في محله إنشاء الله عدا الاستغفار قيل و القائل الشيخ و جماعة، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر يحرم عليه الوطء حتى يكفر للأصل بعد إطلاق الأدلة كتابا(4)و سنة(5)حرمة الوطء قبل التكفير، بل أمره صلى الله عليه و آله لسلمة بن صخر(6)بالأخذ من صدقة قومه و التكفير منها كالصريح في


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الظهار الحديث 4 و 8 و 10 و الباب- 15- منه الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 23.
4- 4 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من كتاب الظهار.
6- 6 المستدرك الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 4.

ج 33، ص: 161

عدم إجزاء الاستغفار و إلا لأمره به.

مضافا إلى

صحيح أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام «كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار، فإنه إذا لم يجد ما يكفر به حرمت عليه أن يجامعها، و فرق بينهما إلا أن ترضى المرأة أن يكون معها و لا يجامعها»

و خبر أبي الجارود(2)قال: «سأل أبو الورد أبا جعفر عليه السلام و أنا عنده عن رجل قال لامرأته أنت علي كظهر أمي مأة مرة، فقال أبو جعفر عليه السلام: يطيق بكل مرة عتق نسمة؟ قال: لا قال: يطيق إطعام ستين مسكينا مأة مرة؟ قال: لا، قال: فيطيق صيام شهرين متتابعين مأة مرة قال: لا، قال: يفرق بينهما».

و قيل و القائل ابن إدريس و تبعه المصنف في النافع و الفاضل في محكي المختلف يجزؤه الاستغفار، و هو أكثر و إن كنا لم نتحققه، لأن الأصل براءة الذمة من الحرمة في الحال المزبور الذي إيجاب الكفارة معه تكليف بغير المقدور، بل في حرمة الوطء عليه مع أصالة عدم وجوب الطلاق عليه من الحرج ما لا يخفى، و ل

موثق إسحاق بن عمار(3)عن الصادق عليه السلام «إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، و لينو أن لا يعود قبل أن يواقع، ثم ليواقع، و قد أجزء ذلك عنه من الكفارة، فإذا و جد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر، و إن تصدق بكفه فأطعم نفسه و عياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا، و إلا يجد ذلك فليستغفر الله ربه، و ينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك و الله كفارة»

و خبر داود بن فرقد(4)«الاستغفار توبة و كفارة لكل من لم يجد السبيل إلى


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 4 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث- 3- من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 33، ص: 162

شي ء من الكفارة».

و فيه أن الأخير مقيد بالصحيح (1)السابق، كما أن الأصل مقطوع بظاهر الأدلة المقتضي حرمة الوطء على المظاهر حتى يكفر، و لا تكليف بالكفارة مع العجز عنها حتى يقال إنه تكليف بغير المقدور، بل أقصاه الامتناع عن الوطء، و فرض ذلك في خصوص ما لو وجب الوطء عليه- لكون المظاهرة زوجة و قد مضى لها أربعة أشهر- يدفعه منع التكليف له بالوطء باعتبار توقفه على التكفير المفروض تعذره، فهو حينئذ غير مقدور، فلا تكليف به.

بل في الرياض على تقدير التنزل عن ظهور المنع نقول: لا أقل من احتماله، و عدم القدرة على الكفارة كما يمكن صيرورته قرينة للاجتزاء بالاستغفار كذا يمكن خروجه شاهدا على عدم التكليف بذي المقدمة، و ترجيح الأول على الثاني موقوف على دلالة هي في المقام مفقودة.

هذا مع عدم جريان ذلك في التي لم يجب على المظاهر وطؤها كالأمة و المتمتع بها على القول بوقوع مظاهرتهما، كما هو مذهب الخصم و الأشهر الأقوى كما مضى، فالدليل أخص من المدعى و إن كان قد يناقش بإمكان دفع الأخير بعدم القول بالفصل، بل و الأول بإمكان ترجيح الأول بأنه حق لغيره، و هو الامرأة، فالمتجه حينئذ القول بإلزامه بالطلاق حينئذ إلا أن ترضى المرأة حينئذ بعدم الجماع، كما أشار إليه في الصحيح (2)المتقدم سابقا.

و أما الموثق فهو- مع الاضطراب في متنه بالنسبة إلى وجوب التكفير بعد ذلك إذا تمكن و عدمه- قاصر عن معارضة الصحيح المزبور المعتضد بفتوى الأكثر و إطلاق الأدلة الذي يمكن الاستدلال به مع فرض تعارض الخبرين و سقوطهما،


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 33، ص: 163

و دعوى معارضة الإطلاق المزبور بإطلاق ما دل على أن الاستغفار كفارة العاجز كما سمعته في خبر داود بن فرقد(1)كما ترى، ضرورة قصوره عن تلك الإطلاقات كتابا(2)و سنة(3)كما هو واضح.

هذا و في المسالك «و اعلم أن المراد بالاستغفار في هذا الباب و نظائره أن يقول: أستغفر الله مقترنا بالتوبة التي هي الندم على فعل الذنب و العزم على ترك المعاودة إلى الذنب أبدا، و لا يكفي اللفظ المجرد عن ذلك، و إنما جعله الله كاشفا عما في القلب، كما جعل الإسلام باللفظ كاشفا عن القلب، و اللفظ كاف في البدلية ظاهرا، و أما فيما بينه و بين الله تعالى فان لم يقترن بالتوبة التي هي من الأمور الباطنة لم يترتب عليه أثر فيما بينه و بين الله تعالى، بل كان الوطء معه كالوطء قبل التكفير، فيجب عليه به كفارة أخرى في نفس الأمر و إن لم يحكم عليه بها ظاهرا».

قلت: قد يقال: إن الاستغفار هو طلب المغفرة من الله تعالى، و ليست التوبة من مقوماته، نعم ظاهر الموثق (4)المزبور اعتبارها معه، لكن الفتاوى مطلقة، و دعوى الاجتزاء بذكره عنها لأن المراد به القول المزبور مقترنا بها ممنوعة، و على تقديره فدعوى جعل الشارع له كاشفا عن ذلك كالإسلام ممنوعة أيضا، لعدم الدليل، و إلا لاجتزء به في كل مقام اعتبرت التوبة فيه، بل الأصح عدم الاجتزاء في الحكم بها بإظهاره فضلا عنه ما لم تدل القرائن على صدقه في ذلك، كما حررنا ذلك في غير المقام ردا على المحكي عن الشيخ من الاجتزاء بمجرد إظهارها.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 3 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
3- 3 الوسائل الباب- 1 و 15- من كتاب الظهار.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 4 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 33، ص: 164

[المسألة العاشرة إن صبرت المظاهرة على ترك الزوج وطءها فلا اعتراض]

المسألة العاشرة:

إن صبرت المظاهرة على ترك الزوج وطءها فلا اعتراض بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، للأصل السالم عن المعارض بعد معلومية انحصار حق الاستمتاع فيهما، فلا اعتراض لأحد عليهما و إن لم تصبر رفعت أمرها إلى الحاكم المعد لأمثال ذلك، فإذا أحضره خيره بين التكفير و الرجعة و بين الطلاق، و أنظره للتفكر في ذلك ثلاثة أشهر من حين المرافعة، فإن انقضت المدة و لم يختر أحدهما حبسه و ضيق عليه في المطعم و المشرب بأن يمنعه عما زاد على سد الرمق مثلا حتى يختار أحدهما، و لا يجبره على الطلاق تعيينا (تضييقا خ ل) و لا يطلق عنه و لا على التكفير كذلك، لعدم الدليل عليه، بل ظاهر ما تسمعه من الأدلة الجبر على أحدهما تخييرا، لأنه كما إذا لم يجبره على أحدهما قبل المرافعة، لما عرفت من أن الحق لهما، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المسالك ظاهر الأصحاب الاتفاق على هذا الحكم، بل في نهاية المراد «و هذه الأحكام مقطوع بها في كلام الأصحاب، و ظاهرهم أنه موضع وفاق» و في كشف اللثام «الاتفاق على هذه الأحكام كما هو الظاهر» و في الرياض «ظاهر جماعة الإجماع عليه» و ظاهرهما معا خصوصا الأخير منهما أن ذلك هو الحجة فيها دون

موثق أبي بصير(1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ظاهر من امرأته، قال: إن أتاها فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، و إلا ترك ثلاثة، فإن فاء و إلا أوقف حتى يسأل أ لك حاجة في امرأتك أو تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شي ء، و هي امرأته، و إن طلق واحدة فهو أملك برجعتها»

لقصوره عن تمام المدعى.

و قد تبعا بذلك ثاني الشهيدين في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الخبر


1- 1 الوسائل الباب- 18- من كتاب الظهار الحديث 1.

ج 33، ص: 165

المزبور قال: «و في طريق الرواية ضعف، و في الحكم على إطلاقه إشكال، لشمول ما إذا رافعته عقيب الظهار بغير فصل بحيث لا يفوت الواجب لها من الوطء بعد مضي المدة المضروبة، فان الواجب وطؤها في كل أربعة أشهر مرة، و غيره من الحقوق لا يفوت بالظهار، أما إذا لم يحرم غير الوطء فظاهر و أما إذا حرمناه فيبقى لها حق القسم على بعض الوجوه، و هو غير مناف للظهار، و في الرواية أمور أخر منافية للقواعد».

و فيه- مع أن الخبر المزبور من قسم الموثق الذي تحقق في الأصول حجيته- أنه معتضد بعمل الأصحاب كما اعترف به غير واحد، فلا بأس بالعمل به حتى في المورد المزبور الذي قد جعل الاشكال فيه، بل في كشف اللثام «لعل المراد بالفئة الندم و التزام الكفارة ثم الوطء، لا الوطء ليستشكل بأنها ليس لها المطالبة به إلا في كل أربعة أشهر، و ربما رفعت أمرها بعد الظهار بلا فصل».

على أن مضمونه منطبق على القواعد العامة، بل معتضد في الجملة بالأمر بالتفريق بينهما في الخبرين (1)السابقين، بل ربما تسمعه أيضا في أخبار(2)الإيلاء المشتمل بعضها على ما ذكره الأصحاب هنا من التضييق عليه في المطعم و المشرب.

نعم هو ظاهر في غير الأمة و المتمتع بها بناء على جواز ظهارهما، باعتبار ذكر الطلاق فيه، و من المعلوم عدم وقوعه عليهما، بل لعل كلام الأصحاب أيضا كذلك.

كما أنه يمكن دعوى ظهوره كالفتاوى في القادر على الكفارة، دون العاجز عنها الذي قد ذكرنا سابقا إلزامه بالطلاق، بناء على عدم الاجتزاء بالاستغفار،


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 33، ص: 166

لكن في كشف اللثام عن النهاية و الغنية و الوسيلة لا يجبر على الطلاق بعينه إلا إذا قدر على التكفير و أقام على التحريم مضارة، بل عن الأخير إجماع الطائفة على ذلك، و ظاهرهم جبره عليه بخصوصه مع قدرته على التكفير و إقامته على التحريم.

و في الكشف «يعنون أنه إذا لم يقدر على التكفير لم يجبر على شي ء، فان الأصل عدم وجوب الطلاق عليه، و لعله ندم مما فعله و يشق عليه مفارقة زوجته، فابتلي هو كما ابتليت، فهما ينتظران الفرج».

و فيه أنه مناف لما سمعته سابقا من الصحيح (1)و غيره، بل لعل قاعدة لا ضرر و لا ضرار و نفي الحرج تقتضيه أيضا، نعم لو قلنا باجزاء الاستغفار في حال العجز اتجه حينئذ إلزامه به أو الطلاق.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 33، ص: 167

[الكلام في الكفارات]

اشاره

و يلحق بذلك النظر في الكفارات تبعا للنظر في كفارة الظهار التي هي المقصودة بالبحث هنا، و لعل ذلك هو الأمر الخامس الذي استدعاه النظر في كتاب الظهار. و على كل حال ف فيه مقاصد:

[المقصد الأول في ضبط الكفارات]
اشاره

الأول:

في ضبط الكفارات، و لكن ليعلم أنه قد سبق الكلام في كفارات الإحرام، فلنذكر هنا ما سوى ذلك، و هي أي الكفارة اسم التكفير الذي هو في الأصل بمعنى السر و منه الكافر، لأنه ستر الحق، بل يقال لليل: كافر، لأنه يستر من يفعل فيه شيئا، و في الشرع العبادة المخصوصة، نحو الصوم و الصلاة و الزكاة، بل يجرى فيها ما يجري فيها من البحث في ثبوت الحقيقة الشرعية و في كونها اسما للأعم أو الصحيح، و غير ذلك من المباحث التي حررناها في الأصول.

و في المسالك «قد عرفها بعضهم بأنها طاعة مخصوصة مسقطة للعقوبة أو مخففة غالبا، و قيد بالأغلبية لتدخل كفارة قتل الخطأ فيها، فإنها ليست عقوبة- قال-:

و ينتقض في طرده بالتوبة، فإنها طاعة مخصوصة، بل هي من أعظم الطاعات، ثم قد تكون مسقطة للذنب، كما إذا كان الذنب حق الله تعالى و لم يجب قضاؤه، و قد يكون مخففة له، كما إذا ترتب وجوب القضاء(1)أورد الحق و نحوه، و كذا ينتقض بقضاء العبادات، فإنه طاعة مسقطة للذنب المترتب على التهاون في الفعل


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين، و الموجود في المسالك «كما إذا اقترنت بوجوب القضاء».

ج 33، ص: 168

إلى أن يخرج الوقت أو مخففة له من حيث افتقار سقوطه رأسا إلى التوبة».

و فيه أن من المعلوم إرادة التمييز في الجملة من التعريف المزبور الذي هو أشبه شي ء بتعاريف أهل اللغة، كما أن من المعلوم أيضا إرادة الخصوصية المخصوصة التي لا وجود لها في التوبة و قضاء العبادة، لا جنس الخصوصية، كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك أن الأمر بالكفارة من حيث هو كذلك لا يقتضي الفور، إذ هو كغيره من الأوامر المطلقة التي قد حققنا في الأصول عدم دلالتها على الفور، نعم قد يكون متعلقها حقا للفقراء مثلا يجب أداؤه فورا كغيره من الحقوق المالية نحو الزكاة مثلا، للأدلة(1)الدالة على ذلك، هذا.

و لكن في المسالك «و اعلم أن الكفارات الواجبة إن لم تكن عن ذنب ككفارة قتل الخطأ فوجوبها على التراخي، لأن مطلق الأمر لا يقتضي الفور على أصح القولين، و إن كانت مسقطة للذنب أو مخففة له ففي وجوبها على الفور وجهان: من أنها في معنى التوبة من حيث كانت مسقطة للذنب أو مخففة له، و التوبة واجبة على الفور، و من أصالة عدم وجوب الفورية، و لا يلزم من مشاركتها للتوبة في ذلك مساواتها لها في جميع الأحكام، فإنها في الأصل حق مالي أو بدني، و في نظائرها من العبادات و الحقوق ما يجب على الفور، و منها مالا يجب على الفور، و منها مالا يجب، و أصل وجوبه متوقف على دليل يقتضيه غير أصل الأمر، و أطلق بعضهم وجوبها على الفور مستدلا بأنها كالتوبة الواجبة لذلك، لوجوب الندم على كل قبيح أو إخلال بواجب، و لا يخفى فساده على إطلاقه، فإن منها ما ليس مسببا عن قبيح، ثم على تقدير فعلها لا يكفي في إسقاط استحقاق العقاب حيث يكون عن ذنب، بل لا بد معها


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة و الباب- 46- من أبواب جهاد النفس الحديث 33 و 36 و الباب- 39- من فعل المعروف الحديث 2 و 6 من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و الباب- 7- من أبواب الدين و القرض من كتاب التجارة.

ج 33، ص: 169

من التوبة المشتملة على ترك الذنب في الحال، و الندم على فعله فيما سلف، و العزم على عدم العود إليه في الاستقبال، و لو وجب معها قضاء العبادة كافساد الصوم فلا بد معها من القضاء للقادر عليه، و مثله القول في الحدود و التعزيرات على المعاصي».

و فيه- بعد الإغضاء عما ذكره من القسم الثالث للواجب على الفور و عدمه- أن الأصل في الحقوق المالية سواء كانت لشخص معين أو غير معين الفورية إلا مع الإذن من صاحب الحق، و من ذلك رد الأمانات الشرعية إلى أهلها فورا و أداء الخمس و الزكاة و غيرها، و كأنه متفق عليه إلا ما دل عليه الدليل (1)من الرخصة في تأخير نحو الزكاة في الجملة طلبا لأفضل مواردها، بل لعل تأخير الحق عن مستحقية مع حاجتهم إليه من الظلم المحرم عقلا و نقلا(2)و من الإضرار المنهي عنه (3)أيضا.

بل قد يناقش في قوله: «ثم على تقدير فعلها» إلى آخره بأنه قد يظهر من أدلة بعض الكفارات حصول التكفير بها من غير حاجة إلى التوبة، كما ستسمع ذلك إنشاء الله فيما يأتي.

و كيف كان فالكفارة مرتبة و مخيرة و ما يحصل فيه الأمران و كفارة الجمع،

[الكفارة المرتبة]

فالمرتبة قد ذكر في المتن منها ثلاث كفارات، بل ظاهره كغيره حصرها في ذلك ما عدا كفارات الإحرام.

الأولى كفارة الظهار و الثانية كفارة قتل الخطأ و ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 8 و الباب- 52- منها الحديث 2 و الباب- 53- منها من كتاب الزكاة.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما تجب فيه الزكاة من كتاب الزكاة و الباب- 46- من أبواب جهاد النفس الحديث 33 و 36 و الباب- 39- من فعل المعروف الحديث 2 و 6 من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و الباب- 7- من أبواب الدين و القرض من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 33، ص: 170

لأنه يجب في كل واحدة العتق، فان عجز فالصوم شهرين متتابعين، فان عجز فإطعام ستين مسكينا بلا خلاف أجده في الأولى بل عن جماعة الإجماع عليه.

مضافا إلى نص الآية(1)بل و إلى الاستئناس له ببعض المعتبرة و إن لم تكن صريحة، ف

في الموثق (2)«جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي، فقال: اذهب فأعتق رقبة، قال: ليس عندي، قال: فاذهب فصم شهرين متتابعين، فقال: لا أقوى على ذلك، فقال: فاذهب فأطعم ستين مسكينا، فقال: ليس عندي»

و في المرسل (3)كالصحيح على الصحيح «في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثم و جد نسمة، قال: يعتقها و لا يعتد بالصوم»

و لا قائل بالفرق لظهور الأمر بالمعين في ذلك.

بل أظهر من ذلك النصوص (4)التي قد ذكرناها في أول الظهار الواردة في تفسير الآية(5)بل و غيرها من النصوص التي لا ينكر ظهورها أيضا في ذلك كخبر أبي الجارود(6)و غيره (7)فما في جملة من النصوص (8)من العطف بأو المقتضي للتخيير يجب إرادة بيان ماهية الكفارة منه إن كان فيها الصحيح و الموثق و غيرهما،


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب الكفارات الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب الظهار.
5- 5 سورة المجادلة: 58- الآية 3.
6- 6 الوسائل الباب- 13- من كتاب الظهار الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب الكفارات الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 14- من كتاب الظهار الحديث 2 و الباب- 18- منه الحديث 1 و الباب- 1- من أبواب الكفارات الحديث 3 و 4 و 6.

ج 33، ص: 171

لكن لا عامل بها بالنسبة إلى التخيير الذي هو أحد معاني «أو» و إلا فهي تأتي لغيره أيضا، بل إن أبيت عن ذلك فقد قيل: إنها شاذة لا عمل عليها مخالفة للكتاب و إجماع الأصحاب.

و أما الثانية فهي كذلك على المشهور، بل عن المبسوط، نفي الخلاف فيه، و كذلك المسالك في الديات للاية(1)في الأولين و النصوص (2)المستفيضة في الثلاثة التي منها

صحيح ابن سنان (3)عن الصادق عليه السلام «إذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة، فان لم يجد صام شهرين متتابعين، فان لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا»

فما عن سلار و ابن حمزة و ظاهر المفيد- من أنها مخيرة- واضح الضعف، خصوصا بعد أن لم نقف لهم على مستند كما اعترف به غيرنا أيضا إلا الأصل المقطوع بما عرفت، بل عن النزهة أن القول المزبور مخالف لظاهر التنزيل و الإجماع.

و لا يلحق بهما كفارة الجماع في الاعتكاف الواجب عند المصنف لظاهر حصره في غيرها، و تصريحه في كتاب الصوم بكونها مخيرة، و لعله كذلك وفاقا للمحكي عن الأكثر

للموثقين (4)«عن معتكف واقع أهله هو بمنزلة من أفطر يوما من شهر رمضان» و زيد في ثانيهما «متعمدا عتق رقبة أو صوم شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا»

خلافا لما عن الصدوق ره و جماعة

للصحيح (5)«عن المعتكف يجامع أهله، قال: إذا فعل فعليه ما على المظاهر»

و نحوه الصحيح الآخر(6)و الجمع بينهما بحمل كل منهما على الآخر ممكن إلا أن الشهرة التي هي أقوى المرجحات ترجح الثاني،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 92.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب الكفارات و الباب- 10- من أبواب القصاص في النفس الحديث 4 و المستدرك الباب- 8- من أبواب الكفارات.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الكفارات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الاعتكاف الحديث 2 و 5.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 6.

ج 33، ص: 172

و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

و الثالثة كفارة من أفطر يوما من قضاء شهر رمضان بعد الزوال لأنها على المشهور بين الأصحاب رواية و فتوى على ما في المسالك إطعام عشرة مساكين، فان عجز صام ثلاثة أيام متتابعات ففي

صحيح يزيد بن معاوية(1)عن الباقر عليه السلام «في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان قبل الزوال لا شي ء عليه إلا يوما مكان يوم و إن أتى أهله بعد زوال الشمس فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين لكل مسكين مد، فان لم يقدر صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع»

و بمعناه الخبر(2)المنجبر بما سمعت، مع أن في سنده من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه.

بل قد يستدل له ب

صحيح هشام بن سالم (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل وقع على أهله و هو يقضي شهر رمضان، قال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم، و إن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، و أطعم عشرة مساكين، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك»

بناء على ما عن الشيخ من أنه إذا كان وقت صلاتين عند زوال الشمس إلا أن الظهر قبل العصر جاز أن يعبر عما قبل الزوال بأنه قبل العصر لقرب ما بين الوقتين، و يعبر عما بعد العصر بأنه بعد الزوال بمثل ذلك، مؤيدا بما سمعت من المعتبرة السابقة و الشهرة، بل قيل و الإجماع.


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصوم عن بريد العجلي كما في التهذيب ج 4 ص 278 و الاستبصار ج 2 ص 120 و الفقيه ج 2 ص 96.
2- 2 الخبر الذي قبل بانجباره بما ذكره قده هو خبر بريد بن معاوية العجلي المتقدم فان في سنده الحارث بن محمد في جميع الطرق و ليس هناك خبر آخر بمعناه يكون منجبرا بما ذكره طاب ثراه.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.

ج 33، ص: 173

خلافا لما عن الحلبي و ابني زهرة و حمزة فخيروا بينهما، و للقاضي و ظاهر الشيخين فجعلوها كفارة يمين، و هما مع مخالفتهما لما مضى لم نقف على مستند لهما، و للعماني فأسقطها، للموثق (1)عن القاضي لرمضان المفطر بعد ما زالت الشمس، قال: «قد أساء و ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي أراد أن يقضيه» و هو و إن كان من الموثق و اعتضد بالأصل إلا أنه غير مكافئ لما مر من وجوه، و الصدوقين فجعلاها كفارة شهر رمضان،

للموثق (2)«عن رجل قضى من شهر رمضان فأتى النساء، قال: عليه من الكفارة ما على الذي أصاب في رمضان، لأن ذلك اليوم عند الله تعالى من أيام رمضان»

و عن ابن حمزة موافقته على ذلك مع الاستخفاف، بل عن الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار احتماله.

إلى غير ذلك من الأقوال التي تبلغ ثمانية أو تسعة. (منها)- مضافا إلى ما عرفت- ما عن ابن إدريس من أن عليه قضاء يومين: يوم لرمضان و يوم لقضائه، و (منها) ما عن التقي من صوم ثلاثة أيام أو إطعام عشرة مساكين، و (منها) ما عن المفيد في باب الكفارات من التخيير بين كفارة اليمين و بين ما ذكر أولا، و الجميع كما ترى، و قد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الصوم، فلاحظ.

نعم ما ذكره المصنف- من اعتبار التتابع في الأيام بل في كشف اللثام حكايته عن الشيخين و جماعة قاطعين به- لم أقف له على مستند بالخصوص، كما اعترف به في كشف اللثام، بل قد يخالفه عموم

قول الصادق عليه السلام (3)«كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين»

اللهم إلا أن يدعى انصراف ذلك من الأمر بصوم ثلاثة أيام (4)خصوصا في الكفارة التي اعتبر التتابع في شهريها فضلا عن الثلاثة،


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 33، ص: 174

إلا أنه كما ترى.

[الكفارة المخيرة]

و المخيرة كفارة من أفطر في يوم من شهر رمضان مع وجوب صومه بأحد الأسباب الموجبة للتكفير التي قد تقدم البحث فيها و في أصل المسألة في كتاب الصوم، فلاحظ. بل لا فرق بين إفطاره على محلل أو محرم فلاحظ و تأمل.

و كفارة من أفطر يوما نذر صومه من غير عذر على أشهر الروايتين (1)بل و القولين، بل عن الانتصار الإجماع عليه، لعموم ما تسمعه من أدلة كفارة النذر.

و كذا في التخيير كفارة الحنث في العهد سواء كان متعلقة الصوم أو غيره على المشهور أيضا، بل عن الانتصار أيضا و الغنية الإجماع عليه أيضا، ل

خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل عاهد الله تعالى في غير معصية ما عليه إن لم يف بعهده؟ قال: يعتق رقبة أو يتصدق بصدقة أو يصوم شهرين متتابعين»

و خبر أبي بصير(3)عن أحدهما عليهما السلام «من جعل عليه عهد الله و ميثاقه في أمر لله طاعة، فحنث فعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا»

و قصور سنديهما منجبر بما عرفت، فما عن بعض- من كونها كفارة يمين بتقريب أنه مثله في الالتزام- واضح الضعف و إن أمكن تأييده أيضا بما تسمعه من النصوص (4)على أن كفارة النذر كفارة يمين، و العهد مثله أو أولى منه بذلك.

و لكن الأقوى أن الكفارة في النذر مخيرة أيضا و إن قال المصنف


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 7 و 4، راجع الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب الكفارات الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 1 و 3 و 4 و 5.

ج 33، ص: 175

هنا على التردد إلا أن المشهور كونها مخيرة ككفارة شهر رمضان، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، و هما الحجة بعد تأييدهما بخبري العهد الذي هو مثله، و ب

خبر عبد الملك بن عمر(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عمن جعل عليه لله أن لا يركب محرما سماه فركبه، قال: لا، قال: و لا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين متتابعين أو ليطعم ستين مسكينا»

و بمكاتبة ابن مهزيار(2)للهادي عليه السلام «كتبت إليه: يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما لله تعالى فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب: يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة»

و مكاتبة القاسم الصيقل (3)على ما في المسالك بناء على عدم خصوصية للصوم، و أن المراد من الرقبة الإشارة إلى التخيير و إن كان فيه ما فيه، لاشتراكها بينها و بين كفارة اليمين، نعم قد يرجح الأول ما سمعت.

و حينئذ فيكون الواجب في كل واحدة من الكفارات الثلاث أو الأربع عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا على الأظهر خلافا للمحكي عن الصدوق في النذر، فجعلها كفارة يمين، و وافقه المصنف في النافع و جماعة، ل

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (4)«إن قلت: لله علي فكفارة يمين»

و خبر حفص بن غياث (5)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن كفارة النذر، فقال: كفارة النذر كفارة اليمين»

و خبر صفوان الجمال (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له:

بأبي و أمي جعلت على نفسي مشيا إلى بيت الله، قال: كفر يمينك، فإنما جعلت على نفسك يمينا»

إلى آخره

و لصحيح ابن مهزيار(7)قال «كتب بندار مولى


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 7 عن عبد الملك بن عمرو.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 4 من كتاب الصوم.

ج 33، ص: 176

إدريس يا سيدي إني نذرت أن أصوم كل سبت و إن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام و قرأته: لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم سبعة مساكين»

بناء على قراءة «شبعة» بإبدال السين المهملة بالشين المعجمة مع الباء الموحدة، و المراد من المساكين العشرة، أو على السهو من النساخ بإبدال العشرة بالسبعة، كما يومئ إليه ما حكاه في المسالك من تعبير الصدوق ره في المقنع بمضمونه مبدلا للسبعة بالعشرة، بل قال: «هو عندي كذلك بخطه الشريف».

بل أطنب في المسالك في ترجيح الحسن المزبور على خبر عبد الملك سندا و دلالة مؤيدا له بما سمعت من النصوص إلا أنها أجمع موافقة للعامة، بل في المسالك اتفاق روايات العامة(1)التي صححوها عن النبي صلى الله عليه و آله على مضمونها، و من الغريب ذكر ذلك مؤيدا للحسن، مع أن الميزان الشرعي بخلافه، خصوصا في مثل المكاتبة التي يراعى فيها التقية غالبا.

و بذلك- مضافا إلى ما سمعته من نصوص العهد و الإجماعين و الشهرة- يظهر لك رجحان الأولى عليها، فما أطنب فيه في المسالك من ترجيح العكس في غير محله، كما أنه لا وجه للجمع بينها بحمل السابقة على كفارة النذر المتعلق بالصوم و الأخيرة على غيره، كما عن المرتضى في بعض كتبه، و ابن إدريس و العلامة في غير المختلف، خصوصا مع عدم الشاهد عليه سوى وجه اعتباري، و هو مساواته بسبب تعلقه بالصوم لكفارته، و هو كما ترى.

بل لعل جمع الشيخ بينها بحمل الأولى على غير العاجز و الأخيرة عليه أولى، لشهادة

خبر جميل بن صالح (2)عن أبي الحسن موسى عليه السلام له، قال: «كل


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 69 الى 72.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 5.

ج 33، ص: 177

من عجز عن نذر نذره فكفارته كفارة يمين»

و إن كان قد يناقش بأن الظاهر إرادة عجز عن المنذور لا عن الكفارة، فيحمل على ضرب من الندب، بل ربما كان شاهدا للمختار في الجملة.

و نحوه

خبر عمر بن خالد(1)عن أبي جعفر عليه السلام «النذر نذران، فما كان لله تعالى فف به، و ما كان لغير الله فكفارته كفارة يمين»

بناء على أن المراد من غير الله تعالى فيه ما ينذره الإنسان معلقا له على شي ء لإرادة عدم فعله نحو اليمين، و ربما احتمل أن المراد كفارة إيقاع النذر لغير الله تعالى.

و لكن لا يخفى عليك بعده و أن ما ذكرناه أقرب منه، بل قد يشهد له

خبر عمر بن حريث (2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل قال: إن كلم ذا قرابة له فعليه المشي إلى بيت الله تعالى و كل ما يملكه في سبيل الله تعالى و هو بري ء من دين محمد صلى الله عليه و آله، قال: يصوم ثلاثة أيام، و يتصدق على عشرة مساكين»

بل و

خبر علي و إسحاق ابني سلمان عن إبراهيم بن محمد(3)قال لهما: «كتبت إلى الفقيه عليه السلام يا مولاي نذرت أن أكون متى فاتتني صلاة الليل صمت في صبيحتها، ففاته ذلك كيف يصنع؟ و هل له من ذلك مخرج؟ و كم يجب عليه من الكفارة في صوم كل يوم تركه إن كفر إن أراد ذلك؟ فكتب يفرق عن كل يوم بمد من طعام كفارة»

بناء على ن ذلك ضرب آخر من الندب لعدم لزوم هذا النذر.

بل قد يقال: إنه مما ذكرنا ينقدح وجه آخر للجمع بين النصوص، يحمل


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 6 عن عمرو بن خالد كما في الاستبصار ج 4 ص 55.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب الكفارات الحديث 2 عن عمرو بن حريث كما في التهذيب ج 8 ص 310- الرقم 1153.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 8 عن على و إسحاق ابني سليمان عن إبراهيم بن محمد كما في التهذيب ج 4 ص 329.

ج 33، ص: 178

النصوص (1)الدالة على أن كفارته كفارة اليمين على خصوص النذر المراد به ذلك و لو على ضرب من الندب، و هذا كله سبب رجحان النصوص المزبورة بما سمعت، فالمتجه حينئذ طرح ما عارضه أو حمله على ما لا ينافيها.

و على كل حال فما عن سلار و الكراجكي و ظاهر بعض- من أن كفارة النذر و العهد كفارة الظهار- واضح الضعف، بل لم أعثر له على مستند، و كذا ما عن الجامع من أنه إن أحنث بما نذره عمدا مع تمكنه منه فان كان له وقت معين فخرج فعليه كفارة شهر رمضان، فان لم يقدر فكفارة يمين، و فقه القرآن للراوندي من أن كفارة النذر مثل كفارة الظهار، فان لم يقدر كان عليه كفارة اليمين.

[ما يحصل فيه الأمران]

و أما ما يحصل فيه الأمران و هما التخيير و الترتيب فهو كفارة اليمين، و هي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فان عجز صام ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك «الحكم في هذه الكفارة محل وفاق بين المسلمين من حيث إنها منصوصة في القرآن»(2).

[كفارة الجمع]

و أما كفارة الجمع ف هي كفارة قتل المؤمن عمدا ظلما، و هي عتق رقبة و صوم شهرين متتابعين و إطعام ستين مسكينا بالإجماع و المعتبرة المستفيضة(3)كما في الرياض، و يأتي تمام الكلام فيها في محله إنشاء الله.


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب الكفارات و الباب- 9 و 10- من أبواب القصاص في النفس.

ج 33، ص: 179

[المقصد الثاني فيما اختلف فيه]
اشاره

المقصد الثاني فيما اختلف فيه، و هي سبع:

[الاولى من حلف بالبراءة فعليه كفارة ظهار]

الاولى:

من حلف بالبراءة من الله تعالى شأنه أو من رسوله صلى الله عليه و آله أو من الأئمة عليهم السلام المراد بها هنا نفي التعلق دينا و دنيا من سائر الوجوه، و كذا ما في معناها فعليه كفارة ظهار، فان عجز فكفارة يمين في المحكي عن الشيخين و جماعة، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل عنها ذلك بمجرده و إن لم يحنث، كما عن الطوسي و القاضي.

خلافا للمحكي عن المفيد و الديلمي من ترتبها على الحنث، و عن ابن حمزة عليه كفارة نذر، و عن الصدوق أنه يصوم ثلاثة أيام و يتصدق على عشرة مساكين، و لعله لخبر عمر بن حريث (1)المتقدم في المسألة السابقة بناء على أن ما فيه للحلف بالبراءة، و عن التحرير و المختلف التكفير بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد، و يستغفر الله تعالى شأنه،

للصحيح (2)«كتب محمد بن الحسن الصفار إلى أبى محمد العسكري عليه السلام رجل حلف بالبراءة من الله و رسوله فحنث ما توبته و كفارته؟

فوقع عليه السلام يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد، و يستغفر الله عز و جل»

و لا بأس بالعمل بمضمونها لصحتها كما في المسالك.

و لكن قيل كما عن الشيخ و ابن إدريس و أكثر المتأخرين:

يأثم و لا كفارة، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأنا لم نعثر على ما يدل


1- 1 راجع التعليقة 2 من ص 177.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 180

على القول الأول بل و لا على أن كفارته كفارة النذر عدا الإجماع الذي هو مع وهنه بشدة الخلاف في المسألة معارض بما عن الشيخ في الخلاف من إجماع الإمامية و أخبارهم على العدم، فالأصل حينئذ بحاله، و خبر عمر بن حريث (1)المتقدم مع احتماله ما قدمناه في المسألة السابقة غير جامع لشرائط الحجية كي يصلح قاطعا للأصل، بل و كذا الصحيح الموهون بالاعراض عنه إلى زمن الفاضل فعمل به في بعض كتبه، و من هنا قال المصنف في المحكي عنه من نكت النهاية: «إن ما تضمنه نادر» و لعله لاتفاق جميع ما سمعت من الإجماعين و الشهرة البسيطة و المركبة على خلافه، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب.

نعم لا خلاف فيما أجده في أصل الحرمة، بل الإجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين الصدق و الكذب و الحنث و عدمه، و تحليف الصادق عليه السلام الرجل الذي افترى عليه بالبراءة من حول الله و قوته (2)قضية في واقعة خاصة لحكمة من الحكم، فلا تدل على الجواز الذي قد علمت عدم الخلاف بل الإجماع على عدمه، بل عن فخر المحققين إجماع أهل العلم على عدم جوازه.

مضافا إلى

المرسل (3)عن النبي صلى الله عليه و آله «إنه سمع رجلا يقول: أنا بري ء من دين محمد، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: ويلك إذا برئت من دين محمد فعلى دين من تكون؟ قال: فما كلمه رسول الله صلى الله عليه و آله حتى مات»

و عن يونس بن ظبيان (4)أنه قال لي: «يا يونس لا تحلف بالبراءة منا، فإن من حلف بالبراءة منا صادقا أو كاذبا فقد بري ء منا»

بل في التنقيح جاء

عنهم عليهم السلام (5)«إذا عرضتم على البراءة منا


1- 1 راجع التعليقة 2 من ص 177.
2- 2 الوسائل الباب- 33- من كتاب الايمان الحديث 1 و 3.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب الايمان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من كتاب الايمان الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب الأمر و النهي الحديث 8 و 9 و 10 و 21 و هو نقل بالمعنى.

ج 33، ص: 181

فمدوا الأعناق»

و إن كان كالأول في غير الحلف بالبراءة، بل هو في أصلها، و قد استفاضت النصوص (1)في النهي عنها للتقية و إن كان العمل على خلافها، خصوصا إذا كانت لحفظ النفس من القتل، مع أنها براءة لفظية لا قلبية، بل قوله تعالى (2)«إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» كالصريح في جوازها فضلا عما دل على (3)أن الإكراه مما رفع عن الأمة، فلا بد من حمل تلك النصوص على ضرب من المبالغة في أمر البراءة.

بل منه يستفاد في الجملة حكم المقام الذي هو قسم من البراءة أيضا و إن كانت بعنوان الحلف المعلوم عدم انعقاده بها و حرمته لمعلومية عدم جواز الحلف بغير الله، بل في التنقيح «التلفظ بذلك أي البراءة إن علقه على محال لا يخرجه عن الإسلام، لأن حكم المعلق حكم المعلق به، و إن علقه على ممكن فهل يخرج به عن الإسلام، أم لا؟ الحق نعم، لقيام الدليل على وجوب الثبات على الاعتقاد الصحيح، و امتناع الانتقال عنه، فإذا علق على ممكن و الممكن جائز الوقوع فيقع المعلق عليه، نعم إن كان المتلفظ يعلم معنى التعليق كفر في الحال و إلا فلا».

و لعله إلى ذلك أشار في الرياض حيث قال: (بقوله خ ل): «إن الحلف بالبراءة يحتمل الكفر في بعض صوره» و كان مراده بالعلم بمعنى التعليق قصده، فيكون الحاصل أنه متى قصد معنى التعليق و كان المعلق عليه أمرا ممكنا نافى الجزم المأمور به في الاعتقاد، نعم إن قصد بذلك المبالغة في الامتناع عن المحلوف عليه لم يكن كفرا، و لكن المتجه على هذا عدم الفرق بين كون المعلق عليه أمرا محالا و عدمه، ضرورة منافاة التعليق على كل حال للجزم.

و لعله لذا قال الكركي في حاشيته على الكتاب في المقام: «و هل يكفر بذلك؟


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
2- 2 سورة النحل: 16- الآية 106.
3- 3 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

ج 33، ص: 182

يحتمل، لأن تعليق الكفر على بعض الحالات التي لا دخل لها في حصوله يقتضي الحصول بدونها، و الظاهر العدم، لأنه يراد بذلك المبالغة في المنع غالبا، و ما أشبهه بقول (1)إن شهد فلان فهو صادق إلى آخره. و لم يفرق مع تحقق التعليق بين كون المعلق عليه محالا أو لا، نعم ظاهر كلامه أن احتمال الكفر لعدم مدخلية التعليق في تحقق البراءة التي هي مقتضى الكفر، إما لأنها كالشتم و السب المعلقين، فإنهما متحققان و إن علقا، و إما لأن البراءة ليست من قسم الإيقاع المعلوم الذي له آثار يرجع إليها التعليق، بل هي ليست إلا معناها الحاصل بقصد إنشاءه سواء علق أولا.

و على كل حال فلا ريب في ظهور كلمات الأصحاب في عدم الكفر في الفرض الذي أمروا فيه بالكفارة و الاستغفار على اختلاف أقوالهم من المفيد إلى زماننا، قال في محكي المقنعة: «قول القائل: أنا بري ء من الإسلام أو أنا مشرك إن فعلت كذا باطل، لا يلزمه إذا فعل كفارة، و قسمه بذلك خطأ منه، و يجب إن يندم عليه و يستغفر الله تعالى شأنه» و كذا غيره و إن اختلفت كلماتهم في أصل الكفارة و في كيفيتها و في عدمها، و كذا ظاهر ما سمعته من المكاتبة(2)و غيرها.

و لعله لأن المراد من اليمين بالبراءة غالبا المبالغة لا التعليق حقيقة كي يتحقق به الكفر الذي ينبغي أن يحمل عليه ما سمعته من خبر يونس بن ظبيان (3)السابق، أو المبالغة في تحريم الصورة المزبورة و الكف عنها.


1- 1 في النسخة المخطوطة المبيضة «و مما أشبهه» كما هو المحتمل في المسودة أيضا و كتب كلمة «بقول» في هامش المبيضة برمز «بدل» و هي ليست في المسودة أصلا.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من كتاب الايمان الحديث 2.

ج 33، ص: 183

[الثانية في جز المرأة شعرها في المصاب فعليها كفارة الصيام]

الثانية:

في جز المرأة شعرها في المصاب عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا كما عن المراسم و الوسيلة و الإصباح و الجامع و النزهة و النافع، بل في المقنعة و الانتصار و عن النهاية «أن فيه كفارة قتل الخطأ: عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين».

لكن في كشف اللثام «عن الشيخين أنهما نصا على الترتيب في قتل الخطأ، و حينئذ فيحتمل أن يكون التشبيه في الخصال و الترتيب جميعا، و يكون التعبير بأو إجمالا للترتيب، و أن يكون التشبيه في أصل الخصال» و إن كان فيه أن نص المقنعة على أنها مثل كفارة شهر رمضان التي نص على أنها مخيرة، و يمكن أن يكون مذهب المرتضى ذلك أيضا، بل لعله هو الظاهر من عبارته هنا، و حينئذ فيكون إجماع الانتصار على التخيير.

مضافا إلى

خبر خالد بن سدير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل شق ثوبه على أبيه أو على امه أو على أخيه أو على قريب له، فقال: لا بأس بشق الجيوب، قد شق موسى بن عمران على أخيه هارون، و لا يشق الوالد على ولده، و لا زوج على امرأته، و تشق المرأة على زوجها، و إذا شق الزوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته حنث يمين، و لا صلاة لهما حتى يكفرا أو يتوبا عن ذلك، و إذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا، و في الخدش إذ أدمت و في النتف كفارة حنث يمين، و لا شي ء في اللطم على الخدود سوى الاستغفار و التوبة، و لقد شققن الجيوب و لطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي عليهما السلام، و على مثله تشق الجيوب و تلطم الخدود»

المنجبر بفتوى من عرفت، بل الإجماع المحكي كما


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 184

ستعرف، بل لم يعرف المخالف في العمل بما في ذيله من حكم المسألة الثالثة، بل عن ابن إدريس «أن أصحابنا مجمعون عليها في تصانيفهم و فتاواهم» إلى آخره، فلا وجه للتوقف في العمل به من الطعن في سنده، كما وقع من بعض من ذوي الاختلال في الطريقة، كما لا وجه للتوقف فيه من جهة الدلالة، كما وقع للفخر، ضرورة ظهور لفظة «في» هنا كنظائر في إفادة التسبيب.

و لكن مع ذلك قيل كما عن الحلبي مثل كفارة الظهار مدعيا الإجماع عليه، بل في الرياض عن الانتصار ذلك أيضا قال: «لكن ذيل عبارته ظاهر في التخيير و إن حكم في صدرها بأنها كفارة ظهار، و نحوه كلام الشيخ في محكي التحرير إلا أن الصدر أصرح، فليحمل الذيل كالرواية بمعونة فتوى الجماعة على بيان الجنس على التفصيل، لا كونها مخيرة كما ذكره بعض الأجلة، فتكون الرواية حجة في المسألة، لانجبار ضعفها بالشهرة العظيمة و حكاية الإجماعين المتقدمين».

و فيه أن الموجود في عبارة الانتصار تشبيهها بكفارة قتل الخطأ التي هي مخيرة عند المفيد و سلار، و مذهب المرتضى غالبا على وفق مذهبهما، فالمظنون ما هو ظاهر العبارة من التخيير فيهما، فيتفق الصدر، و يكون إجماعه الذي ذكره حجة للمسألة، مضافا إلى الخبر، و لعل فتوى من عرفت شاهد على صحة الإجماع المزبور، لا على أنها كفارة ظهار الذي لم يعرف القول به ممن تقدمه، بل و لا من تأخره عدا الحلي و الشهيد في اللمعة.

و بذلك يظهر لك و هن إجماع ابن إدريس، كما أن منه يظهر غرابة ما سمعته من الرياض، بل ما كنا لنؤثر وقوع مثل ذلك من مثله، بل و يظهر لك أيضا من قول المصنف و الأول مروي (1)(4)- نوع ميل إليه، بل ينبغي الجزم به، لما عرفت من ضعف القول بأنها كفارة ظهار.


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 185

و أما ما في المتن من أنه قيل: تأثم و لا كفارة استضعافا للرواية و تمسكا بالأصل فلم نتحققه قبل المصنف، كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، كالشهيد في النكت و غيره، بل قيل: لم يحكه أحد عدا المصنف هنا و الفاضل في القواعد و الإرشاد، نعم قد اختاره جماعة من المتأخرين كالفخر و ثاني الشهيدين في المسالك و الروضة و سبطه.

لكن فيه أن ضعف الرواية منجبر بما سمعت، فينقطع الأصل بها، مضافا إلى الإجماعين المزبورين المعتضدين بما عن الغنية من الإجماع على وجوب الصوم هنا، فلا محيص حينئذ عن القول بالوجوب، إنما الكلام في أنه تخييري أو مرتب، و الأقوى الأول، لما عرفت، و الأحوط الثاني.

ثم إن سياق الخبر(1)المزبور ظاهر في كون ذلك للمصاب كما قيد به المصنف و غيره، بل لا يبعد إرادة من أطلق حتى المرتضى ذلك للانصراف، و دعوى الأولوية ممنوعة، لأن الجز في المصاب مشعر بعدم الرضا بقضاء الله تعالى دون غيره، نعم لا فرق بين مصاب القريب و البعيد، أما اعتبار جز جميع الشعر فقد جزم به في المسالك، و في كشف اللثام إشكال، و لعله من الخلاف في إفادة مثل هذه الإضافة العموم أو لا، و فيه أنه لا إشكال في انصراف المقام إلى المتعارف الذي يتحقق في البعض، بل لو أريد استقصاء الجميع حقيقة ندر تحققه، و لعله لذا قال في الرياض:

«و هل يفرق بين كل الشعر و بعضه؟ ظاهر إطلاق الرواية العدم، و استقر به في الدروس، لصدق جز الشعر و شعرها عرفا بالبعض، و هو أحوط، بل لعله أقرب، لكون جز الكل نادرا، فيبعد حمل النص (2)عليه».

و يلحق بالجز الحلق و الإحراق كما عن بعض، و هو و إن كان أحوط لكنه لا يخلو من نظر، لعدم اندراجه في موضوع اللفظ، و عدم الفحوى أو الأولوية المفيدة، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 186

[الثالثة يجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب كفارة يمين]

الثالثة:

يجب على المرأة في نتف شعرها في المصاب الذي هو قلعه خلاف الجز الذي هو القص و خدش وجهها و شق الرجل ثوبه في موت ولده أو زوجته كفارة يمين بلا خلاف أجده، كما اعترف به في الروضة، بل في الانتصار الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الخبر(1)المنجبر بما سمعت بل قد سمعت ما حكيناه عن ابن إدريس من دعوى إجماع الأصحاب عليه في تصانيفهم و فتاواهم، ثم قال: «فصار الإجماع هو الحجة، و بهذا أفتي» و من ذلك يعلم ما في نسبة بعض الندب إليه، نعم بعض متأخري المتأخرين ممن لا يرى العمل إلا بالخبر الصحيح قد مال في المقام إلى القول بالاستحباب، و هو بعد العلم بأن منشأه فساد الطريقة لا يعبأ بخلافه.

و الكلام في تقييد ذلك بالمصاب و في الاجتزاء ببعض الشعر ما سمعته في المسألة السابقة.

نعم ظاهر إطلاق الفتوى فيما عدا النهاية بل و معقد الإجماع الاكتفاء بمسمى الخدش الذي لا يستلزم الإدماء، لكن قد عرفت تقييده بذلك في الخبر(2)اللهم إلا أن يقال بملازمة الخدش في المصاب للإدماء غالبا، فيبقى غيره على مقتضى الأصل إلا أن الأحوط الاجتزاء بالإطلاق، خصوصا بعد تصريح الفاضل في التحرير بعدم اعتباره معترفا بظهور الخبر فيه.

و لا يعتبر خدش جميع الوجه كما لا عبرة بادماء غيره فضلا عن خدشه و لا بشق ثوبها على ولدها أو زوجها و لا بقص الرجل شعره و لا نتفه، إذ المدار على عنوان الحكم في النص و الفتوى، و هو ما لا يشمل ذلك، و القياس و الاستحسان و الاجتهاد من غير ضوابطه الشرعية غير جائزة في مذهبنا، بل من ذكر حكم النتف مغايرا للجز ينقدح الشك في إلحاق الحلق و الحرق بالجز كما يظهر من بعض، لدعوى


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 187

القطع بالمساواة أو الأولوية.

ثم المعتبر في شق الثوب المتعارف منه في المصاب، لأنه المنصرف منه لا مطلق شقه كما قيل، بل عن بعض أنه لا فرق فيه بين الملبوس و غيره، و لا بين شقه ملبوسا أو منزوعا، إذ هو كما ترى و إن كان أحوط، نعم لا فرق في متعارفة بين الاستيعاب و عدمه.

كما أن الأحوط ما قيل من عدم الفرق في الولد بين الذكر و الأنثى و إن نزل، لا ولد الأنثى و إن كان لا يخلو من نظر، لما تحقق في محله أنه ولد حقيقة أيضا، و دعوى تبادر غيره يجري أيضا في ولد الذكر، و ما في الرياض من «أن التعميم بالإضافة لعله مستفاد من الاستقراء- ثم قال-: و لا ريب أن الأحوط التعميم مطلقا، بل لا يبعد الحكم به، للفحوى» لا يخفى عليك ما فيه من دعوى الاستقراء و الفحوى، نعم لا إشكال في أنه أحوط.

كما لا ريب في ثبوت الحكم في الزوجة الدائمة سواء كانت حرة أو أمة، بل في الرياض «أنها المتبادر منها نصا و فتوى قطعا، فيرجع في المتمتع بها إلى الأصل، خلافا لجماعة من أصحابنا، فألحقوها بالأولى، فإن كان إجماع و إلا فيأتي فيه ما مضى، مضافا إلى احتمال كون الصدق عليها مجازا، بل هو الظاهر من الأصول كما مر مرارا إلا أن يستدل عليه بالفحوى».

و فيه أنه لا إشكال، في صدق الزوجة عليها، و لا ينافيه تخلف بعض أحكامها عنها لأدلة مخصوصة، و احتمال المجازية واضح الضعف، و الأصول لا مدخلية لها في الصدق العرفي، و الفحوى التي ذكرها ممنوعة على وجه تكون مدركا للحكم مع فرض المجازية أو عدم الانصراف.

نعم قد يشك في إلحاق المطلقة رجعيا بها و إن صرح به بعض باعتبار الشك في عموم المنزلة لمثل الفرض مع أنه لا ريب في كونه أحوط إن لم يكن أقوى خصوصا بعد ملاحظة ثبوت ما هو أخفى من ذلك لها.

أما الأمة فلا ريب في عدم اندراجها و إن كانت أم ولد، و من الغريب احتمال

ج 33، ص: 188

إلحاقها أيضا للفحوى التي قد عرفت منعها على وجه تكون دليلا، بل من الاتفاق هنا على العدم يتأيد عدم تحققها، كما هو واضح.

هذا و قد تقدم سابقا الكلام في حكم الشق حلا و حرمة من الرجل و الامرأة، فلاحظ و تأمل.

كما أنه تقدم الكلام أيضا مفصلا في:

[الرابعة إنما يجب الكفارة في وطء الزوجة في الحيض مع التعمد و العلم بالتحريم و التمكن من التكفير]

الرابعة: التي هي حكم كفارة وطء الزوجة في الحيض مع التعمد و العلم بالتحريم و التمكن من التكفير فإنه قيل: يستحب، و قيل: يجب، و هو الأحوط بل الأقوى، و كذا تقدم الكلام في مقدارها الذي هو الدينار و نصفه و ربعه، فلاحظ و تأمل.

و منه أيضا يعلم الحال فيما ذكره غير واحد من أنه لو وطأ أمته حائضا كفر وجوبا بثلاثة أمداد من الطعام بل عن المرتضى الإجماع عليه، و قيل استحبابا، و الأول هو الأقوى أيضا.

[الخامسة من تزوج امرأة في عدتها فارق و كفر بخمسة أصوع من دقيق]

الخامسة:

من تزوج امرأة في عدتها فارق و كفر بخمسة أصوع من دقيق و في وجوبها خلاف فعن صريح جماعة و ظاهر آخرين ذلك أيضا، ل

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن امرأة تزوجها رجل فوجد لها زوجا، قال: عليه الحد و عليها الرجم، لأنه قد تقدم بعلم و تقدمت هي بعلم، و كفارته إن لم يقدم إلى الامام أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا»

و المرسل إليه أيضا(2)عن أبي عبد


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا الحديث 5 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 189

الله عليه السلام «في رجل تزوج امرأة و لها زوج، فقال: إذا لم يرفع خبره إلى الإمام فعليه أن يتصدق بخمسة أصوع دقيقا بعد أن يفارقها»

قيل و المناقشة في السند مدفوعة بفتوى من عرفت.

و فيه- مع عدم بلوغ ذلك حد الشهرة- أن العنوان في كلامهم ذات العدة و في الخبرين ذات الزوج، و هما متغايران، فما فيهما لا عامل به، و ما في الفتوى لا شاهد له، و دفع ذلك- بشمولها و لو بترك الاستفصال لذات العدة الرجعية، و لا قائل بالفرق بينها و بين البائنة- كما ترى، نعم لا وجه للمناقشة في الدلالة، لظهور لفظة «على» و الجملة الخبرية المقصود بها الإنشاء في ذلك، لكن لا يجدي ذلك في إثبات المطلوب بعد ما عرفت، بل ما اشتملا عليه من الشرط لم أجد عاملا به، كما اعترف به في الرياض، و هو موهن آخر لهما، نعم لا بأس بالعمل بهما على جهة الندب الذي يتسامح فيه.

و لذا قال المصنف الاستحباب أشبه خصوصا بعد حكاية الشهرة بين المتأخرين عليه، بل لا بأس بذلك فيما تضمنته الفتوى أيضا و لو للاحتياط، و في الانتصار «التكفير بخمسة دراهم مدعيا عليه الإجماع» و هو غريب، إذ لم نعرف القول به من غيره، كما اعترف به بعضهم، و من هنا حمله بعضهم على إرادة القول الأول، و لكن يجتزأ عن الصاع بدرهم قيمة، و فيه أنه لا دليل أيضا على الاجتزاء بذلك في المقام و لا في غيره مما كانت الكفارة فيه الإطعام، كما تسمعه إنشاء الله، فالأولى الاقتصار فيها على الدقيق، و أولى منه اعتبار دقيق الحنطة و الشعير اللذين هما من جنس ما يخرج في الكفارة، كما جزم به في التنقيح، و لعله للانصراف، مؤيدا بالاحتياط، و الله العالم.

ج 33، ص: 190

[السادسة من نام عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما من دون كفارة]

السادسة:

من نام عن العشاء حتى تجاوز نصف الليل أصبح صائما على رواية فيها ضعف بالإرسال و هي رواية

عبد الله بن المغيرة(1)عمن حدثه عن الصادق عليه السلام «في رجل نام عن العتمة و لم يقم إلا بعد انتصاف الليل، قال: يصليها و يصبح صائما»

و في الانتصار بعد أن ذكره من متفردات الإمامية و حكى عن الفقهاء الخلاف في ذلك قال: «دليلنا على صحة قولنا- بعد الإجماع الذي تردد- الطريقة التي ذكرناها من قوله تعالى (2)«وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ» و أمره عز و جل بالطاعة(3)» بل عن الغنية نحو ذلك أيضا.

و لكن مع ذلك و كونه أحوط لعل الاستحباب أشبه بأصول المذهب و قواعده التي من مقتضاها عدم حجية المرسل المذكور و إن كان الذي أرسله إماميا من أصحاب الإجماع كما حرر في محله، و إجماع السيدين كغيره من إجماعات القدماء لا وثوق بالمراد منها على وجه تستريح النفس في الفتوى بها بالوجوب و الحرمة، و إن قلنا بحجية الإجماع المنقول لكن في الغالب ينقلونه على مقتضى العمومات و نحوها، أو على غير ذلك مما لا يفيد في إثبات المطلوب.

و دعوى انجبار المرسل بصريح فتوى جماعة من القدماء و ظاهر باقيهم لأمرهم به الظاهر في الوجوب لم نتحققها في غير المرتضى، بل و فيه أيضا، خصوصا بعد ملاحظة ما وقع لهم غير مرة من التعبير عن المندوب بالوجوب و عن المكروه بالعصيان، على أن المحكي عن الشيخين أنهما أطلقا الإصباح صائما، و مع ذلك معارض بما


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب المواقيت الحديث 8 من كتاب الصلاة مع اختلاف يسير، و في التهذيب ج 8 ص 323 كالجواهر.
2- 2 سورة الحج: 22- الآية 77.
3- 3 سورة آل عمران: 3- الآية 32 و 132.

ج 33، ص: 191

عن ابن إدريس و من تأخر عنه كالمصنف و الفاضل و غيرهما من التصريح بالندب، فهو موهن لها، مؤيدا بمعلومية كون الأصل في الكفارة أن تكون عن ذنب، و ليس في الفرض بناء على أن ذلك كفارة، كما هو ظاهر الأصحاب أو صريحهم، إلا أن يكون المراد نام عنها عمدا، و هو خلاف الظاهر.

كل ذلك مع عدم تعرض الخبر المزبور لقضاء ذلك اليوم لو فرض تعذر صومه بعذر شرعي كحيض أو سفر أو مرض أو غير ذلك، كما أنه لا تعرض فيه لحكمه لو أفطره عمدا و إن قال في الدروس: «و لو أفطر في ذلك اليوم أمكن وجوب الكفارة لتعينه، و عدمه لتوهم أنه كفارة و لا كفارة فيها، و لو سافر فيه فالأقرب الإفطار و القضاء، و كذا لو مرض أو حاضت المرأة، مع احتمال عدم الوجوب فيهما و في السفر الضروري، لعدم قبول المكلف الصوم، و كذا لو وافق العيد أو التشريق، و لو وافق صوما متعينا فالأقرب التداخل، مع احتمال قضائه».

لكن الجميع كما ترى مجرد تهجس، بل لعل إهمال ذلك كله و غيره دليل الاستحباب الذي يقع فيه مثل هذا الإهمال بخلاف الواجب، مضافا إلى ما في النهاية من التعبير بأنه «يصبح صائما كفارة لذنبه في النوم عنها إلى ذلك الوقت» و نحوه في الانتصار، و من المعلوم عدم الذنب على النائم، فهو أمارة أخرى للندب في كلامهم.

فمن الغريب ما في الرياض من الميل إلى الوجوب، بل في بعض كلامه نفي الاشكال عنه، إذ قد ظهر لك أن الأمر بالعكس، و الله العالم.

و على كل حال فلا يلحق به ناسي غير العشاء بالنوم قطعا.

ج 33، ص: 192

[السابعة من نذر صوم يوم فعجز عنه]

السابعة قال الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار من نذر صوم يوم فعجز عنه أطعم مسكينا مدين ل

خبر إسحاق بن عمار(1)عن الصادق عليه السلام «في رجل يجعل عليه صياما في نذر و لا يقوى، قال: يعطي من يصوم عنه كل يوم مدين»

و في خبر آخر(2)«عن رجل نذر صياما فثقل عليه الصوم، قال: تصدق عن كل يوم بمد من حنطة»

مضافا إلى

الصحيح (3)المتقدم سابقا «من عجز عن نذر نذره فعليه كفارة يمين»

بناء على ما قلناه فيه.

و لكن اختلاف متنها و ضعف سند الأولين منها و عدم وضوح دلالة الأول منها أيضا يشهد للندب على تفاوت مراتبه، خصوصا بعد ملاحظة قاعدة سقوط النذر بالعجز عنه من غير استتباع الكفارة التي قد عرفت أصالة كونها عن ذنب.

و إليه أشار المصنف بقوله و ربما أنكر ذلك قوم بناء على سقوط النذر مع تحقق العجز و حينئذ يسهل الأمر في مدرك قوله فان عجز تصدق بما استطاع، فان عجز استغفر الله تعالى الذي قد اعترف بعض الناس بعدم العثور عليه، للتوسع في الندب الذي يكفي فيه هنا إطلاق بعض النصوص (4)في مطلق العجز عن الكفارة، و قاعدة «لا يسقط» و نحو ذلك مما لا يكفي في الندب و يكفي في الوجوب.

هذا و في التنقيح «عن المفيد يقضى و لا كفارة، و عن ابن إدريس إن رجي زوال


1- 1 الوسائل الباب- 12- من كتاب النذر و العهد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب النذر و العهد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب الكفارات الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 193

العجز أفطر و قضى من غير كفارة- ثم قال-: و في الكل نظر، لأن ذلك اليوم إما معين أو غيره، و الثاني يأتي به أي وقت شاء و لا كفارة، و الأول لا إثم عليه مع العجز، فلا وجه لوجوب الصدقة و الاستغفار».

قلت: ظاهر هذه الكلمات فرض المسألة في العجز عنه بعد الشروع فيه، و عبارة المصنف و غيره لا تأباه كالخبرين و إن كان فرض المسألة في الأعم أولى، لأن الحكم ندبي، و كذا لا فرق بين المعين و غيره مع فرض العجز الظاهر في الاستمرار، و الأمر سهل.

و من المندوب

ما عن الصادق عليه السلام (1)من أن «كفارة عمل السلطان: قضاء حوائج الإخوان».

و «كفارة المجالس أن تقول عند قيامك منها: سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ»(2).

و «كفارة الضحك: اللهم لا تمقتني»(3).

و «سئل رسول الله صلى الله عليه و آله ما كفارة الاغتياب؟ فقال: تستغفر لمن اغتبته»(4)

و قد تقدم الكلام في ذلك في بحث الغيبة.

و قال عليه السلام (5)أيضا: «الطيرة على ما تجعلها، إن هونتها تهونت و إن شددتها تشددت، و إن لم تجعلها شيئا لم تكن شيئا»

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله (6): «كفارة الطيرة التوكل».

و قد سمعت ما في

خبر خالد(7)عنه عليه السلام أيضا من أنه «لا شي ء في اللطم على


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 34- من أبواب الكفارات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 32- من أبواب الكفارات الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 35- من أبواب الكفارات الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 35- من أبواب الكفارات الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 31- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 194

الحدود سوى الاستغفار و التوبة».

[المقصد الثالث في خصال الكفارات]
اشاره

المقصد الثالث في تفصيل حكم خصال الكفارات، و هي العتق و الصيام و الإطعام

[القول في العتق]
اشاره

ف القول أولا في العتق و لا إشكال كما لا خلاف في أنه يتعين على الواجد في الكفارات المرتبة لأنه العنوان للحكم كتابا(1)و سنة(2)و معقد إجماع، و مرجعه إلى العرف.

و حينئذ ف يتحقق الوجدان بملك الرقبة فاضلة عن حاجته لرفعة أو مرض، كما صرح به غير واحد و إن كان عدم تحقق الصدق خصوصا في الأول لا يخلو من نظر.

و كذا يتحقق عرفا بملك الثمن فاضلا عن المستثنيات مع إمكان الابتياع أي الاعتياض بلا مجازفة تضر في الحال على نحو ما سمعته في الوجدان للماء و عدمه، بل بملاحظة ذلك المقام يظهر لك جريان كثير من فروعه هنا، على أنه ستسمع تعرض المصنف لجملة أخرى، فلاحظ و تأمل.

[الأوصاف المعتبرة في الرقبة]
اشاره

و (11) على كل حال ف يعتبر في الرقبة ثلاثة أوصاف:


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 92.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 195

[الأول الإيمان]

الوصف الأول:

الإيمان أي الإسلام و هو معتبر في كفارة القتل عمدا و خطأ إجماعا بين المسلمين بقسميه بعد تصريح الكتاب العزيز به في الخطأ منه (1)المعلوم إرادة ذلك فيه من حيث إنه كفارة قتل، لا من حيث كونه خطاء، و من هنا لم يفرق أحد بينه و بين العمد الذي هو أولى منه باعتبار ذلك، بل إيجاب الجمع عليه قرينة على إرادة جنس كفارة الخطأ منه، إلا أن الفرق بينهما بالترتيب و الجمع، مضافا إلى ما قيل من إطلاق النصوص (2)التي فيها الصحيح و غيره و إن كان فيه ما فيه.

نعم في غيرها كالظهار مثلا على التردد و الخلاف و الأشبه اشتراطه وفاقا للمحكي عن السيد و الشيخ و الحلي و غيرهم، بل في الرياض و غيره نسبته إلى الأكثر، بل عن انتصار الأول و كشف الحق الإجماع عليه و إن كنا لم نتحققه في الأول في خصوص المقام، نعم في ذلك بالنسبة إلى أصل عتق الكافر، لا لقاعدة حمل المطلق على المقيد و إن اختلف السبب التي تحقق في الأصول خلافها، بل لظهور اتحاد المراد بخصال الكفارة و إن اختلف السبب باعتبار كونها عبادة واحدة بكيفية خاصة من غير مدخلية لاختلاف أسبابها كالغسل مثلا.

مؤيدا ذلك ب

صحيح محمد بن مسلم (3)عن أحدهما عليهما السلام الوارد في الظهار قال:

«و الرقبة يجزئ عنها صبي ممن ولد في الإسلام»

و الخبر(4)الوارد في كفارة


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 92.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات و الباب- 17- من كتاب العتق.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 11 من كتاب الصوم.

ج 33، ص: 196

شهر رمضان «من أفطر يوما منه فعليه عتق رقبة مؤمنة»

و الخبرين (1)المتقدمين في كفارة المفطر يوما نذره على التعيين من غير عذر الذي فيهما «وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ».

و بقاعدة الاحتياط الواجب مراعاتها عند كثير في مثل المقام تحصيلا للبراءة اليقينية من يقين الشغل.

و بما دل على عدم جواز عتق الكافر من الإجماع المحكي، و

خبر سيف بن عميرة(2)عن الصادق عليه السلام المنجبر سندا و دلالة بالشهرة و الإجماع المحكي «أ يجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال: لا»

و قول الله تعالى شأنه (3)«وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» المشعر بالعلية باعتبار تعليق الحكم على الوصف في إرادة الخباثة من حيث هي مطلق، سواء كانت لرداءة المال أو لفساد العقيدة.

بل قيل: ربما كانت الخباثة من هذه الجهة أولى بالعلية في نحو المسألة المعتبر فيها قصد القربة بالإجماع و المعتبرة(4)و أي قربة في عتق رقبة محادة لله تعالى، بل هي موادة صرفة منعت منها الآية الآخرى (5)إلا أنها في المشرك خاصة، لتصريح الآية الآخرى بالجواز في أهل الذمة(6)المؤيدة هنا

بالمروي من فعل علي عليه السلام (7)«أنه أعتق عبدا نصرانيا فأسلم»

لكن يمكن الذب عن الاختصاص هنا بعدم القائل بالفرق، فان كل من منع من المشرك منع من غيره أيضا، و المعارضة


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 5.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 267.
4- 4 الوسائل الباب- 4 و 6- من كتاب العتق و الباب- 13- من كتاب الوقوف و الصدقات.
5- 5 سورة المجادلة: 58- الآية 22 و سورة الممتحنة: 60- الآية 1.
6- 6 سورة الممتحنة: 60- الآية 7.
7- 7 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 33، ص: 197

بالمثل هنا و إن أمكنت إلا أن دفعها ممكن بعد اشتهار الأخذ بالاية الاولى، و هو من أقوى المرجحات، و غير ذلك مما ستعرفه في محله، و إن كان في بعضها ما فيه، خصوصا الآية التي يمكن الجزم و لو بمعونة ما ورد(1)فيها من التفسير بإرادة الرداءة من الخبث فيها من حيث المالية الذي هو مقتضى المفهوم من قوله تعالى (2)«لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» و من غيره على وجه لا مدخلية لخبث العقيدة و إن كانت مالية تامة، بل قد يقال: إن المنساق من الإنفاق غير العتق، فما عن الإسكافي و الشيخ و غيرهما- من الجواز للإطلاق الذي يجب الخروج عنه بما عرفت- ضعيف.

و كيف كان ف المراد بالايمان هنا الإسلام الذي هو الإقرار بالشهادتين أو حكمه الحاصل بسبب إسلام أحد الأبوين و لا يعتبر مع ذلك العلم بالتصديق القلبي الذي لا يمكن الاطلاع عليه، و إن كان هو الإيمان حقيقة كما يومئ إليه قوله تعالى (3)«قُلْ: لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنا» لكن الشارع أجرى على المقر حكم المؤمن قلبا مع فرض عدم الاطلاع على حاله، بل ربما تعدى بعضهم فأجرى عليه حكم المسلم مع العلم بنفاقه مطلقا أو في بدء الإسلام، إلا أن الأصح خلافه، كما حققناه سابقا.

و كذا لا يعتبر الايمان بالمعنى الأخص الحادث الذي هو بمعنى الإقرار بالأئمة الاثني عشر، لتأخره عن زمن الخطابات، خلافا للتنقيح فاعتبره، حاكيا له عن ابن إدريس، لقاعدة الشغل التي هي غير مقعدة(4)هنا، و كأن الذي غره في ذلك ما ذكره الفخر في الإيضاح من تحرير الخلاف بين القائلين باشتراط الإسلام، فحكي عن المرتضى و ابن إدريس- و والده منهم- القول بالاشتراط و اختاره،


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات من كتاب الزكاة.
2- 2 سورة آل عمران: 3- الآية 92.
3- 3 سورة الحجرات: 49- الآية 14.
4- 4 هكذا في النسخة الأصلية و الاولى «غير متبعة» أو «غير مفيدة».

ج 33، ص: 198

و عن غيرهم العدم.

و الظاهر عدم خلاف بين الأصحاب كذلك، بل ليس هو إلا في الايمان بمعنى الإسلام، نعم اعتبر بعضهم الإسلام الملازم للايمان الذي هو بمعنى الإذعان، و إلا فالمسألة محررة بين الخاصة و العامة في اشتراط الايمان و عدمه في غير كفارة القتل، فالجميع بين قولين.

نعم لعل المرتضى و ابن إدريس من القائلين بعدم إجزاء عتق المخالف، لكفره عندهم، و هو غير ما حرره من البحث. و من هنا أطنب الصيمري في الإنكار عليه، بل ادعى الإجماع على عدم اعتبار الايمان بالمعنى المزبور، و هو في محله، بل قول والده في القواعد: «و الأقوى اعتبار الايمان» بمعنى إرادة التصديق منه لا الايمان بالمعنى المتأخر، و على تقديره فهو واضح الضعف كالأول أيضا و إن استدل له بأن غيره خبيث، و ب

خبر ناجية(1)قال: «رأيت رجلا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له:

جعلت فداك إني أعتقت خادما لي و هو ذا أطلب شراء خادم لي منذ سنين فما أقدر عليها، فقال: ما فعلت الخادم؟ فقال: حية، فقال: ردها في مملكتها، ما أغنى الله تعالى عن عتق أحدكم تعتقون اليوم و يكون علينا غدا، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلا عارفا»

و خبر الحلبي (2)الذي ستسمعه.

إلا أنه كما ترى، ضرورة منع تناول الآية(3)للمفروض، و قصور الخبر عن الحجية، و احتمال إرادة غير المسلم، و الناصب من غير العارف، أو ضرب من الكراهة، أو غير ذلك، و خبر الحلبي لا جابر له، خصوصا بعد إطلاق الأدلة، و خصوص

صحيح الحلبي (4)قلت لأبي عبد الله عليه السلام «الرقبة تعتق من المستضعفين، قال: نعم»

و خبر علي بن أبي حمزة(5)عن العبد الصالح عليه السلام «فيمن أوصى بعتق


1- 1 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 5.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 267.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من كتاب العتق الحديث 4.

ج 33، ص: 199

نسمة- إلى أن قال-: فليشتروا من عُرض الناس ما لم يكن ناصبا.»

و كيف كان ف يستوي في الإجزاء الذكر و الأنثى و الصغير و الكبير لصدق الرقبة و لكن ينبغي أن يعلم أن الطفل بحكم المسلم، و يجزئ إذا كان أبواه مسلمين للسيرة القطعية في جميع الأحكام حتى القتل به أو أحدهما و لو حين يولد أو بعد الولادة، لنصوص (1)تبعية أشرف الأبوين، من غير فرق بين أن يموت قبل أن يبلغ و يصف الإسلام و بعده، خلافا للعامة، فإن لهم اختلافا في ذلك.

نعم في رواية من طرقنا لا يجزئ في القتل خاصة إلا البالغ الحنث، و هي حسنة

معمر بن يحيى (2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يظاهر من امرأته يجوز عتق المولود في الكفارة، فقال: كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل، فان الله تعالى يقول فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ(3)يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث».

و نحوه

مرسل الحسين بن سعيد(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

كل العتق يجوز له المولود إلا في كفارة القتل، فان الله تعالى يقول فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث، و يجوز في الظهار صبي ممن ولد في الإسلام».


1- 1 الوسائل الباب- 70- من كتاب العتق و الباب- 3- من أبواب حد المرتد الحديث 7 و الباب- 6- من أبواب المستحقين للزكاة و الباب- 43- من أبواب جهاد العدو الحديث 1 من كتاب الجهاد.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 6 و ذكره في الكافي ج 7 ص 462.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 92.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 6.

ج 33، ص: 200

و في

خبر الحلبي (1)عنه عليه السلام أيضا «لا يجوز في القتل إلا رجل، و يجوز في الظهار و كفارة اليمين صبي».

و في خبره الآخر(2)عنه عليه السلام أيضا في قول الله عز و جل (3)«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ» قال: «يعني مقرة بالإمامة»

و نحوه

خبره الثالث (4)عنه عليه السلام أيضا بدون قوله: «بالإمامة».

و في خبر مسمع (5)عنه عليه السلام «لا يجزئ في كفارة القتل إلا رقبة قد صلت و صامت، و يجزئ في الظهار ما صلت و لم تصم».

و لكنه لم يعرف العمل بهذه النصوص إلا من الإسكافي و الكركي في حاشية الكتاب و بعض متأخري المتأخرين، فهي في الحقيقة مهجورة لا تصلح مقيدة لإطلاق ما دل على التبعية المزبورة المستفادة من لحوق حكم الارتداد له لو وصف الكفر بعد بلوغه و إن لم يتلفظ بالشهادتين، و من قوله تعالى (6)«وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» بناء على أن المراد به إلحاق الذرية في الإيمان و غير ذلك، المؤيد ب

خبر كردويه الهمداني (7)عن أبي الحسن عليه السلام في قوله تعالى «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ»: «كيف تعرف المؤمنة؟ قال: على الفطرة»

و خبر السكوني (8)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم السلام «الرقبة المؤمنة التي ذكرها الله تعالى إذا عقلت، و النسمة التي لا تعلم إلا ما قلته و هي صغيرة»

و خبر المبارك (9)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: جعلت فداك الرجل يجب عليه عتق رقبة مؤمنة فلا يجدها كيف يصنع؟ فقال: عليكم بالأطفال فأعتقوهم فإن خرجت مؤمنة فذاك، و إن


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 5.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 92.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 10.
5- 5 المستدرك الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 3 عن موسى عن أبيه، عن جده.
6- 6 سورة الطور: 52- الآية 21.
7- 7 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 7.
8- 8 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 8.
9- 9 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 3.

ج 33، ص: 201

لم تخرج مؤمنة فليس عليكم شي ء»

و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

و كيف كان ف لا يجزئ الحمل و إن كان أبواه مسلمين و انفصل بعد ذلك حيا بلا خلاف أجده فيه، لأصالة الشغل السالمة عن معارضة إطلاق الأدلة المنصرف إلى غيره و إن كان هو بحكم المسلم حتى أن الجاني عليه يضمنه كالمسلم على تقدير موته بعد انفصاله حيا، لكن لا يلحقه في الشرع حكم الأحياء حملا، و لذا لا تجب فطرته، و للعامة وجه بالاجتزاء إن انفصل لما دون ستة أشهر.

و إذا بلغ المملوك أخرس و أبواه كافران فأسلم بالإشارة القائمة مقام لفظه بعد بلوغه حكم بإسلامه و أجزأ بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال بعد ملاحظة ما دل (1)على قيامها مقام اللفظ في العبادة و غيرها، و قد

روي (2)هنا «أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و آله و معه جارية أعجمية أو خرساء،

فقال: يا رسول الله على عتق رقبة فهل تجزئ عني هذه؟ فقال صلى الله عليه و آله: أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء. ثم قال صلى الله عليه و آله: من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله، فقال صلى الله عليه و آله له: أعتقها فإنها مؤمنة».

و لا يفتقر مع وصف الإسلام في الإجزاء إلى الصلاة كما عن بعض العامة، و ربما حمل على ما إذا لم تكن الإشارة مفهمة.

و يكفي في الإسلام عندنا الإقرار بالشهادتين بل و الايمان بمعنى التصديق إلا أن يعلم خلافه و لا يشترط مع ذلك التبري مما عدا الإسلام (11) لإطلاق الأدلة و السيرة المستمرة من زمانه صلى الله عليه و آله إلى يومنا هذا، نعم عن العامة قول بذلك، و آخر باشتراطه إن كان ممن يعتقد رسالته صلى الله عليه و آله في الجملة، كقوم من اليهود يزعمون أنه رسول العرب خاصة، و اخرى أنه سيبعث، بل عن الشيخ في المبسوط اختياره، و منهم من قال: من أتى بالشهادتين بما يخالف اعتقاده حكم بإسلامه، فالوثني و المعطل إذا شهد بالتوحيد حكم بإسلامه، و منهم من


1- 1 الوسائل الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 388 و فيه «أتى بجارية سوداء».

ج 33، ص: 202

اكتفى بالإسلام بالإقرار بصلاة توافق ملتنا أو حكم يختص بشي ء، و الجميع كما ترى.

و لا يحكم بإسلام المسبي من أطفال الكفار سواء كان معه أبواه الكافران أو انفرد به السابي المسلم وفاقا للمشهور بين الأصحاب سيما المتأخرين كما في المسالك، لعدم الدليل عليها، بل هو على خلافها، ضرورة بقائه على حكم التبعية قبل السبي، خصوصا إذا كان معه أبواه، نعم قد يقال بانقطاعها بالنسبة إلى الطهارة في صورة انفراده عنهما، للأصل الذي يكفي فيه الشك في بقاء حكم التبعية السابقة، مضافا إلى السيرة، و من هنا فصل بعضهم بينها و بين العتق مثلا، فأجرى عليه حكم المسلم في الأول بخلاف الثاني، و اختاره في المسالك.

اللهم إلا أن يقال: إنها متحققة فيها في غيرها من العتق و الصلاة و دفنه في قبور المسلمين و غير ذلك، و ربما كان في إطلاق ما سمعته من النصوص (1)الآمرة بعتق الأولاد شهادة على ذلك.

مضافا إلى نصوص الفطرة(2)بناء على أن معناها الولادة على الإسلام، إلا أن الأبوين يهودانه و ينصرانه بذكر التقريبات له، و تربيته على ذلك، أو أن معناها الولادة على الإسلام إلا أن أبويه يهودانه مثلا بالتبعية له و التربية عنده، فمتى انقطعت عاد إلى حكم مقتضى الفطرة، و مقتضاها الحكم بإسلام المتولد منهم بموتهما عنه و بقاؤه منفردا لولا الإجماع، و ربما كان أيضا في

خبر السكوني (3)دلالة على المطلوب أيضا، لقوله: «و النسمة التي لا نعلم إلا ما قلته و هي صغيرة».

و لعله لذلك و غيره كان خيرة الدروس ذلك، و هو لا يخلو من قوة، و قد تقدم


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث.
2- 2 الكافي ج 2 ص 12 و الوسائل الباب- 48- من أبواب جهاد العدو الحديث 3 و البحار ج 67 ص 130.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات الحديث 8.

ج 33، ص: 203

بعض الكلام في المسألة سابقا، و تمامه في كتاب الجهاد(1).

و لو أسلم المراهق المميز لم يحكم بإسلامه لإطلاق ما دل على (2)سلب عبارته مؤيدا بما سمعته من النصوص (3)التي ذكرناها للإسكافي المشتملة على اعتبار البلوغ لتحقق الايمان، و لكن مع ذلك قال المصنف على تردد و لعله لاعتبار عبارته في الوصية و غيرها مما تقدم سابقا، و الإسلام أولى منها بذلك.

و فيه أنه لا يخرج عن القياس الممنوع عندنا، نحو التعليل بأن الإسلام يتعدى من فعل الأب إليه على تقدير كون أحد أبويه مؤمنا، فمباشرته للايمان مع عدم أبويه أقوى، و إطلاق ما دل (4)على حصول الإسلام بقول الشهادتين إنما هو لبيان عدم الحاجة إلى قول آخر غير قولهما، نحو إطلاق «كل عقد و إيقاع» المعلوم تقييده بصحة العبارة.

م هل يفرق بينه و بين أبويه؟ قيل: نعم صونا له أن يستزلاه عن عزمه و إن كان بحكم الكافر و إن كان لا يخفى عليك عدم صلاحية ذلك لإثبات الوجوب على وجه ينقطع به حكم ذمة الوالدين لو كان ذميا مثلا.

هذا و في المسالك «و ينبغي القول بتبعيته حينئذ للمسلم في الطهارة إن لم نقل بإسلامه، حذرا من الحرج و الضرر اللاحقين بمن يحفظه

من المسلمين إلى أن يبلغ، إذ لو بقي محكوما بنجاسته لم يرغب في أخذه، لاقتضائه المباشرة غالبا، و ليس للقائلين بطهارة المسبي دليلا و وجها بخصوصها دون باقي أحكام الإسلام سوى ما ذكرناه و نحوه» و هو كما ترى أيضا، خصوصا عدم الفرق بينه و بين المسبي.


1- 1 ج 21 ص 134 الى 140.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من كتاب الحجر و الباب- 32- من مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب الكفارات.
4- 4 الكافي ج 2 ص 25.

ج 33، ص: 204

[الثاني السلامة من العيوب]

الوصف الثاني:

السلامة من العيوب المسببة عتقه بلا خلاف و لا إشكال فلا يجزئ الأعمى و لا الأجذم و لا المقعد و لا المنكل به، لتحقق العتق بحصول هذه الأسباب فلا يحصل التحرير المأمور به في الكفارة، و في

الموثق (1)عن الباقر عليه السلام «لا يجزئ الأعمى في الرقبة، و يجزئ ما كان منه مثل الأقطع و الأشل و الأعرج و الأعور، و لا يجزئ المقعد»

و قال أمير المؤمنين عليه السلام في خبر السكوني (2): «في العبد الأعمى و الأجذم و المعتوه لا يجوز في الكفارات، لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعتقهم»

و في

خبر أبي البختري (3)«لا يجوز في العتاق الأعمى و المقعد، و يجوز الأشل و الأعرج»

و في

المحكي عن قرب الاسناد(4)«لا يجوز في العتاق الأعمى و المقعد»

و في

خبر علي بن جعفر المروي عنه أيضا(5)سأل أخاه عليه السلام «عن رجل عليه عتق نسمة أ يجزئ عنه أن يعتق أعرج أو أشل؟ فقال: إن كان ممن تباع أجزأ عنه إلا أن يكون وقت على نفسه شيئا، فعليه ما وقت».

نعم لا خلاف معتد به و لا إشكال في إجزاء الناقص نقصانا لا يخل باكتسابه و لا ينقص ماليته، كقطع بعض أنامله و نقصان بعض أصابعه، بل الأقوى أنه يجزئ مع غير ذلك من العيوب المنقصة لماليته و المخلة باكتسابه كالأصم و الآخرس و من قطعت إحدى يديه أو إحدى رجليه لصدق الرقبة، بل عن الخلاف و المبسوط الإجماع عليه في الأعور، خلافا للمحكي عن المبسوط من أن مقطوع


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من كتاب العتق الحديث 5 و فيه« الاعمى و الأعور» و في البحار ج 104 ص 197 « الاعمى و الأعور و المقعد» كما أشار الى هذا اللفظ في الوسائل نقلا عن الحميري في الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 4.

ج 33، ص: 205

اليدين أو الرجلين أو اليد و الرجل من جانب واحد لا يجزئ بغير خلاف، مع أن المحكي عنه

أيضا أنه قال بعد تفصيل مذاهب الناس في ذلك: «و الذي نقوله في هذا الباب الآفات التي ينعتق بها لا يجزئ معها، فأما من عدا هؤلاء فالظاهر أنه يجزؤه» و هو مخالف لما سمعته منه. و من ذلك يظهر ضعف المحكي من نفي الخلاف، بل قيل: إن المراد به بين الناس.

فما عن الإسكافي- من عدم إجزاء الناقص في الخلقة ببطلان الجارحة إذا لم يكن في البدن سواها، كالخصي و الأصم و الآخرس، دون الأشل من يد واحدة و الأقطع منها- شاذ ضعيف يمكن تحصيل الإجماع على خلافه.

و كذا يجزئ السقيم و إن بلغ به السقم إلى حد التلف للصدق المزبور، خلافا للمحكي عن المبسوط في المأيوس عن برئه، و لما عن العامة في الهرم العاجز عن الكسب.

و كذا من قدم للقتل دون من لم يقدم و إن وجب قتله، نعم في القواعد و لو أعتق من لا حياة له مستقرة فالأقرب عدم الاجزاء، و لعله لكونه بحكم الميت، كما ينبه عليه حكم الذبيحة، مع أن الأقوى خلافه في المقامين، كما هو محرر في محله.

نعم لو قطعت رجلاه لم يجز، لتحقق الإقعاد الموجب للعتق.

هذا و قد يقال: إن المراد مما في النصوص (1)عدم إجزاء ذوي هذه الأوصاف بالكفارة و لو كانوا مملوكين، كما لو فرض أنهم سبوا كذلك بناء على جواز سبيهم لإطلاق الأدلة، و يكون

الوجه في اختصاص هذه الأوصاف أنها توجب العتق لو فرض عروضها على الملك، و هذا معنى

قوله عليه السلام (2)«لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أعتقهم»

بل يمكن حمل كلام الأصحاب على ذلك أيضا، بل و تعليلهم في غير صورة التنكيل، كل ذلك مع عدم تصور العتق للمعتوق حتى يجعل من شرائط الكفارة،


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب الكفارات الحديث 3.

ج 33، ص: 206

فتأمل جيدا، و الله العالم.

و يجزئ ولد الزنا إذا بلغ و وصف الإسلام، لإطلاق الأدلة، بل عن المبسوط الإجماع عليه، و في

خبر سعيد بن يسار(1)عن الصادق عليه السلام «لا بأس أن يعتق ولد الزنا»

و منعه قوم استسلافا لوصفه بالكفر أو لقصوره عن صفة الإيمان بل عن المرتضى و ابن إدريس الإجماع على ذلك و إن كان موهونا باعراض الأكثر عنه و الإجماع المحكي، و آية(2)«لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ» إلى آخره لا تشمله بعد وصفه الإسلام، بل و قبله بناء على ما عرفت من المراد منها سابقا، كما أن نفي الخير في ولد الزنا في

النبوي (3)قال: «لا في لحمه و لا في دمه و لا في جلده- إلى أن قال- و لا في شي ء منه»

مع عدم الجابر لا ينافي عتقه أيضا و لذا قال المصنف:

هو ضعيف.

نعم لا يجزئ ولد الزنا قبل البلوغ، لعدم التبعية فيه، كما جزم به في التنقيح و غيره، و إن حكمنا بطهارته للأصل الذي مقتضاه ذلك حتى لو كان بين كافرين فضلا عن أن يكون بين مسلم و كافر، كما حققنا جميع ذلك و غيره في محله.

لكن في الدروس هنا «يتحقق إسلام ولد الزنا بالمباشرة بعد البلوغ و بتبعية السابي و في تحققه بسبب الولادة من المسلم نظر، من انتفائه عنه شرعا، و من تولده عنه حقيقة، فلا يقصر عن السابي» و في شرح الصيمري «و هو المعتمد».

قلت: حكمه بجواز سبيه مستلزم للحكم بتبعيته، و لولاها أشكل استرقاقه، خصوصا بناء على بعض ما ذكر في تفسير

قوله صلى الله عليه و آله (4)«كل مولود يولد


1- 1 الوسائل الباب- 16- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 267.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 من كتاب النكاح و هو خبر زرارة عن أبى جعفر عليه السلام.
4- 4 الوسائل الباب- 48- من أبواب جهاد العدو الحديث 3 و الكافي ج 2 ص 13 و صحيح مسلم ج 8 ص 52 ط عام 1334.

ج 33، ص: 207

على الفطرة»

إلى آخره إن يرد الولادة الشرعية، فلا معنى للنظر في تبعيته للمسلم، إذ لا فرق فيها بالنسبة إليهما.

نعم قد يقال: إن من المقطوع به عدم تبعيته للأبوين في الإسلام و الايمان، و منه ينبغي القطع أيضا بعدم تبعيته لهما في الكفر أيضا تنزيلا لما دل عليها على الولادة الشرعية، و لو ب

قوله صلى الله عليه و آله (1)«لكل قوم نكاح»

المراد منه أن غيره يكون سفاحا، فلا نسب شرعي بينهما يقتضي التبعية.

اللهم إلا أن يقال بالفرق بين المسلم و الكافر إن ابن الزنا من الثاني أولى، لتبعيته له في الأحكام التي هي الاسترقاق و النجاسة و نحوهما، بخلافه من الثاني، فإن تبعيته له تقتضي شرفا له بالإسلام، و هو بعيد عن ذلك، لكونه شر الثلاثة(2).

و لكن ذلك كله مجرد اعتبار لا يصلح مدركا لحكم شرعي، و قد عرفت أن العمدة في دليل التبعية السيرة، و لا سيره في المقام، لعدم تحقق ولد الزنا المعلوم أنه كذلك بلا شبهة من الواطئ.


1- 1 الوسائل الباب- 83- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 البحار ج 5 ص 285 ط الحديث. راجع سفينة البحار ج 1 ص 560. مادة« زنى» و سنن البيهقي ج 10 ص 57 و 58.

ج 33، ص: 208

[الثالث أن يكون تام الملك]

الوصف الثالث:

أن يكون تام الملك فلا يجزئ المدبر ما لم ينقض تدبيره قبل العتق، كما عن الشيخ و ابني الجنيد و البراج، ل

حسن الحلبي أو صحيحه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل يجعل لعبده العتق إن حدث به حدث و على الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار أ يجزئ عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟

قال: لا»

و مضمر عبد الرحمن (2)«سألته عن رجل قال لعبده إن حدث بي حدث فهو حر و على الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار إله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال: لا يجوز»

الذي جعل له ذلك.

و قال الشيخ في المبسوط و الخلاف: يجزئ بل في المسالك نسبته إلى ابن إدريس و المتأخرين، بل في كشف الرموز عن الشيخ الإجماع عليه و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها جواز الرجوع بالوصية بالقول و بفعل المنافي، و قد استفاضت النصوص (3)بكون التدبير منها، فيجوز التصرف فيها بنحو البيع و العتق، بل

في الصحيحين (4)«هو مملوكه إن شاء باعه و إن شاء أمسكه حتى يموت، فإذا مات السيد يخرج من ثلثه»

بل عن الانتصار الإجماع على جواز بيعه كما هو مضمون كثير من النصوص (5)و لا ريب في أولوية العتق الذي هو


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب التدبير الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من كتاب التدبير.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من كتاب التدبير الحديث 1 و الباب- 8- منه الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من كتاب التدبير.

ج 33، ص: 209

إحسان محض منه.

بل قد يقال: إن المراد من الصحيح عتق المدبر بعد موت سيده، كما في

خبر إبراهيم الكرخي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن هشام بن رزين سألني أن أسألك عن رجل جعل لعبده العتق إن حدث بسيده حدث الموت، فمات السيد و عليه تحرير رقبة واجبة في كفارة أ يجزئ عن الميت عتق العبد الذي كان السيد جعل له العتق بعد موته في تحرير الرقبة التي كانت على الميت؟ قال: لا»

و حينئذ يقرأ «يعتق» بالبناء للمجهول و أن السؤال في الثاني الاكتفاء بنفس التدبير في الكفارة، أو يحملان على أنه قد كان ذلك بطريق النذر و نحوه مما لا يجوز الرجوع به، هذا كله إذا لم ينقض تدبيره قبل العتق، و إلا جاز قولا واحدا، و الله العالم.

و لا المكاتب المطلق الذي أدى من كتابته شيئا بلا خلاف و لا إشكال، لحريته حينئذ بمقدار ما أدى.

نعم لو لم يؤد أو كان مشروطا قال الشيخ في الخلاف لا يجزئ، و لعله نظر إلى نقصان الرق، لتحقق الكتابة التي هي معاملة بين السيد و المملوك، و هي لازمة من قبل السيد، و قد خرج بها عن الملك خروجا متزلزلا حتى قيل:

إنها بيع العبد من نفسه، و الأصل لزوم العقد، و العتق يستلزم الملك، و بقاؤه في المكاتب غير معلوم، و من ثم لم تجب فطرته و لا نفقته و انتفت عنه لوازم الملك من المنع من التصرف و غيره و إن نهاه السيد، و الحجر عليه في بعض التصرفات مراعاة لوفاء الدين لا يقتضي كونه باقيا في الرق، و عوده إليه على تقدير العجز أمر متجدد، و قد بينا أن خروجه غير متيقن. و لذا مال إليه في محكي المختلف.

و لكن ظاهر كلامه في النهاية أنه يجزئ بل نسبه بعض إلى الأكثر، بل عن الحلي الإجماع عليه و لعله أشبه بأصول المذهب و قواعده


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الكفارات الحديث 1 و فيه هشام بن أدين أديم خ ل و كذلك في الكافي ج 6 ص 194 و في التهذيب ج 8 ص 231 هشام بن أذينة.

ج 33، ص: 210

من حيث تحقق الرق فيه و لذا جاز عتقه تبرعا إجماعا حكاه غير واحد، و ليس إلا لبقاء الرق المستصحب فيه إلى أن يثبت المزيل، و لا ثبوت قبل أداء المطلق شيئا من مال الكتابة و قبل أداء تمام المال في المشروط، و ثبوت المعاملة و وجوب الوفاء بها مسلم إلا أن ذلك لا يقتضي خروجه عن الرقية، و كونها بيعا للمملوك من نفسه غير صحيح عندنا فحينئذ هو باق على مقتضى إطلاق الأدلة المؤيدة ببعض ما تسمعه في المدبر.

و كذا يجزئ في الكفارة عتق الآبق إذا لم يعلم موته وفاقا للأكثر، بل عن الحلي الإجماع عليه، لأصالة بقائه حيا مؤيدة بالإجماع المزبور، و ما عن الحلي أيضا من نسبته إلى أخبار أصحابنا المتواترة و ب

صحيح أبي هاشم الجعفري (1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قد أبق منه مملوكه يجوز أن يعتقه في كفارة الظهار، قال: لا بأس به ما لم يعرف منه موتا» و المراد من المعرفة العلم كما هو مقتضى الأصل، لكن عن الكافي الذي هو أضبط روايته «لا بأس ما علم أنه حي مرزوق»

و يمكن أن يريد العلم و لو بالاستصحاب، فلا مخالفة حينئذ بين النسختين، و على تقديرها فلا ريب في رجحان الأولى بما عرفت.

فما عن الشيخ في الخلاف من تقييد الجواز بالعلم بالحياة إن أراد ما ذكرناه فمرحبا بالوفاق، و إلا فهو واضح الضعف لما عرفت.

و دعوى معارضة أصالة البقاء بأصالة الشغل واضحة الفساد بمعلومية ورود الأولى على الثانية، خصوصا مع ملاحظة جريان أحكام البقاء في نظائره من الموضوعات.

و كذا ما عن المختلف من أنه استوجه الرجوع فيه إلى الظن، فيصح عتقه مع ظن حياته، و

يبطل مع ظن وفاته أو اشتباه الحال و إن تبعه في التنقيح، على أنه لا دليل على اعتبار الظن هنا، فلا وجه لتخصيص أدلة المنع و الجواز مع


1- 1 الوسائل الباب- 48- من كتاب العتق الحديث 1.

ج 33، ص: 211

عمومها للصورتين.

و أضعف من ذلك كله ما عن بعض الشافعية من أنه لا يصح عتقه في الكفارة مطلقا لدعوى نقصان الملك الممنوعة على مدعيها، على أنه ليس في شي ء من النصوص اعتبار تمامية الملك كي يكون عنوانا للحكم، و إنما عبر بها بعض الأصحاب لإرادة البحث عن هذه الأفراد، و حينئذ فالمغصوب كالآبق في الإجزاء لما عرفت، و الله العالم.

و كذا تجزئ المستولدة لتحقق رقيتها سواء مات ولدها أو لا، بل الإجماع بقسميه عليه في الأول، و بلا خلاف إلا من الإسكافي في الثاني، لإطلاق الأدلة المؤيد بخصوص

الخبر(1)عن زين العابدين عليه السلام «أم الولد تجزئ في الظهار»

المتمم بعدم القول بالفصل، و امتناع بيعها لا ينافي بقاء الملك الكافي في صحة العتق، على أنه يصح بيعها في الجملة إجماعا، بل قيل: و عتقها تبرعا، فما عن قول للعامة- من عدم جواز عتقها لنقصان ملكها و لذا لا يجوز بيعها- واضح الفساد، خصوصا بعد ما عرفت من عدم ذكر التمامية عنوانا للحكم في شي ء من

الأدلة، بل مما ذكرنا يظهر لك أيضا إجزاء عتق الموصى بخدمته على التأبيد، لإطلاق الأدلة أيضا و إن حكي أن للعامة فيه قولين.

و لو أعتق نصفين من عبدين مشتركين مثلا على وجه لا سراية فيه إلى البعضين لم يجز، إذ لا يسمى ذلك عتق نسمة حقيقة و لا رقبة، فلا امتثال، خلافا لبعض العامة، فيجزئ، تنزيلا للاشقاص منزلة الأشخاص كما في الزكاة، و لاخر منهم، فيجزئ إن كان الشقص الآخر الباقي حرا و إلا فلا، لإفادة الأول (2)الإعتاق الاستقلالي و التخلص من الرق، و هو مقصود من الإعتاق، و الجميع كما ترى لا ينطبق شي ء منها على أصولنا، كما هو واضح.

و لو أعتق شقصا من عبد مشترك نفذ العتق في نصيبه، فان نوى الكفارة


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و الظاهر زيادة كلمة« الأول».

ج 33، ص: 212

و هو موسر أجزأ إن قلنا: إنه ينعتق بنفس إعتاق الشقص أو أوقفناه على الدفع على وجه الكشف فدفع، وفاقا للمشهور على ما في المسالك، لصدق إعتاقه الرقبة في الكفارة حينئذ و لو بسبب عتقه الشقص المقتضي للسراية في الباقي على حسب ما نوى به الأول، و الفرض نية الكفارة بذلك بل لا فرق في الإجزاء على هذا بين أن يقصد العتق لجميع العبد بطريق السراية و بين أن يقصده لنصيبه، لحصول العتق بالسراية في الحالين،

بناء على أن معناها اتباع الشارع الباقي على حسب ما وقع عليه الأول.

لكن في المسالك «يحتمل قويا اشتراط نية العتق لجميعه، لأنه مأمور بإعتاق رقبة بالنية، فلا يكفي نية نصيبه و إن تبعه الباقي بحكم الشرع، فان ذلك غير كاف في صرفه إلى الكفارة» و فيه أنه مأمور بعتق الرقبة التي لكيفيتها طريقان: أحدهما قصد عتقها أجمع و الآخر قصد الشقص المسبب لعتق الجميع، سواء لاحظ السراية أو لا، بل هو في الحقيقة نية للجميع، لأن قصد السبب قصد لما يترتب عليه.

خلافا لأبي على في أصل المسألة فلم يجتز بالعتق المزبور، معللا له بأن عتق الباقي يقع قهرا، فيلزم بالقيمة، و لا يجزئ عن الكفارة و إن قصدها، و هو كما ترى، خصوصا مع قصده عتق الجميع، و القهرية المزبورة لا تنافي كونها مختارة له مع قصد سببها، بل قد عرفت أن مقتضى السراية و التبعية كون الباقي على حكم الأول شرعا و إن لم يقصده، فتأمل.

و إن قلنا: إنه لا ينعتق إلا بأداء قيمة حصة الشريك على وجه يكون ذلك تمام السبب فهل يجزئ عند أدائها؟ قيل: نعم، لتحقق عتق الرقبة و إن توقف على الأداء في البعض.

و لكن في المتن و تبعه عليه غيره فيه تردد، منشأه مما عرفت و من تحقق عتق الشقص أخيرا بسبب بذل العوض لا بالإعتاق و فيه أن بذل العوض كان متمما للسبب الذي وقع باختياره مقصودا به عن الكفارة، فهو في الحقيقة

ج 33، ص: 213

قد أعتق الكل عنها و إن كان قد تم العتق في البعض، و في الآخر حين الدفع، و ربما يقارنه لو فرض كون الأداء بجعل ماله في ذمته عوضا عن ذلك.

بل لعل الأقوى عدم الاحتياج إلى تجديد النية عند الأداء كما عن المبسوط، لأنها اقترنت بالعتق الذي كان حصوله على ترتب و تدرج، و ليس هو عتقا جديدا حاصلا بالأداء، فما في المسالك- من احتمال التجديد لتقترن النية بعتق نصيب الشريك كما اقترنت بعتق نصيبه- واضح الضعف ثم قال: «و لو نوى في الحال صرف العتق في نصيبه إلى الكفارة و نوى عند أداء القيمة صرف العتق في نصيب الشريك إليها أجزأ أيضا، لاقتران النية بحالة حصول العتق» و لا يخفى عليك ما فيه من الخفاء، هذا كله إذا كان موسرا يسرى عتقه.

و أما لو كان معسرا ففي المتن و غيره صح العتق في نصيبه، و لا يجزئ عن الكفارة لكونه شقصا لا رقبة و إن أيسر بعد ذلك لأنه لا يوجب السراية لاستقرار الرق في نصيب الشريك لكن قد يشكل أصل صحة العتق مع فرض كون المقصود له العتق عنها، فمع فرض عدم الصحة فيها يبطل العتق، لا أنه يصح و ليس كفارة، لقاعدة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، كما أنه يشكل ما فيه و في غيره أيضا من أنه لو ملك النصيب فنوى إعتاقه عن الكفارة صح و إن تفرق العتق، لتحقق عتق الرقبة و لو بدفعتين، إذ لا دليل على وجوب تحصيله دفعة بالشك في حصول المأمور به الحاصل من الإطلاق فتبقى أصالة الشغل سليمة، بل مؤيدة باستبعاد بقاء النفوذ عن الكفارة موقوفا.

هذا و في المسالك «و اعلم أنه يفرق بين هذه المسألة و بين السابقة- على القول بإجزاء العتق بالسراية عن الكفارة، مع أن إعتاقه لنصفي العبدين أبلغ من عتق النصف في الواحد، و قد حكم بإجزائه- بأن من شرط الإجزاء أن ينوي عتق الجميع عن الكفارة كما بيناه، أو ينوي عتق نصيبه و يطلق ليسرى العتق إلى الباقي، و يتبع ما نواه على الوجه الآخر، و الأمران منتفيان في السابقة، فإنه بنيته عتق النصفين

ج 33، ص: 214

من الاثنين عن كفارة واحدة قد صرح بعد إرادة عتق الباقي من العبد الواحد عن الكفارة على تقدير السراية، و نية العدم صرفت الشقص الخارج عن عتقه للكفارة، فلم يقع مجزئا عنها لذلك، و لو كان قد نوى عتق الشقصين عن كفارتين جاءت المسألة الثانية بأسرها و صح عتقهما عن الكفارة، و سرى إليهما على ما فصل».

و فيه أنه لا حاجة إلى فرض المسألة الأولى في عتق النصف الموجب للسراية حتى يحتاج إلى هذا التكلف الذي يمكن المناقشة فيه أيضا، بل يمكن فرضه في المبعض و غيره الذي لا سراية فيه لمانع من موانعها، كما هو واضح.

و لو أعتق بعض عبده عن الكفارة سرى في الجميع و أجزأه عنها، بل هو أولى مما تقدم سواء قصد السراية أو لا.

و لو أعتق المرهون لم يصح ما لم يجز المرتهن لما عرفته مفصلا في كتاب الرهن (1)من الحجر على الراهن و المرتهن في التصرفات، بل هو كالمفروغ منه هناك و لا دليل على استثناء العتق.

و لكن قال الشيخ: يصح مطلقا مع الإجازة و بدونها إن كان موسرا، و يكلف أداء المال إن كان حالا، أو رهنا بدله إن كان مؤجلا لغلبة العتق على حق الرهانة المجبور بما عرفت، إلا أنه كما ترى، على أنه كان عليه إيقافه على الفك أو الإبدال اللذين يمكن تعذرهما منه لا الاجتزاء بمجرد تكليفه، و لذا قال المصنف و هو بعيد.

و أضعف منه ما عن بعض العامة من الإجزاء مطلقا، و ما أبعد ما بينه و بين القول بالبطلان حتى لو أجاز المرتهن بعد العتق الذي لا يبقى موقوفا، و التزام الكشف مناف لما دل على منع حق الرهانة التي لا ريب في تحققها قبل الإجازة التي لا تصلح لرفعها فيما مضى من الزمان، و قد تقدم تحقيق ذلك كله في كتاب الرهن (2)فلاحظ و تأمل، فإنه قد ذكرنا هناك قوة احتمال قيام الفك مقام الاذن.


1- 1 راجع ج 25 ص 195 الى 207.
2- 2 راجع ج 25 ص 199 الى 206.

ج 33، ص: 215

و لو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان: (أحدهما) في محكي الخلاف، فمنع من صحته في العمد، و أجازه في الخطاء، و احتج عليه بالإجماع، بل قال: «لأنه لا خلاف بينهم أنه إذا كانت جنايته عمدا أنه ينتقل ملكه إلى المجني عليه، و إن كان خطأ فدية ما جناه على مولاه، لأنه عاقلته» و (ثانيهما) في محكي المبسوط عكس ذلك، قال: «الذي يقتضيه مذهبنا أنه إذا كان عامدا نفذ العتق، لأن القود لا يبطل بكونه حرا، و إن كان خطأ لا ينفذ، لأنه يتعلق برقبته و السيد بالخيار بين أن يفديه أو يسلمه».

و الأشبه عند المصنف المنع في الأول لما سمعته من الإجماع المحكي، و لأن الخيار فيه إلى أولياء المقتول إن شاؤوا قتلوه و إن شاؤوا استرقوه، و صحة عتقه يستلزم بطلان ذلك.

ثم قال و إن قتل خطأ قال في المبسوط: لم يجز عتقه، لتعلق حق المجني عليه برقبته، و في النهاية: يصح و يضمن السيد دية المقتول، و هو حسن لما سمعته من الإجماع أيضا، و لأن الخيار إلى المولى إن شاء افتكه و إن شاء دفعه إلى أولياء المقتول، فإذا أعتقه قد اختار الانفكاك، لكن في المسالك «هذا يتم مع يساره، فلو كان معسرا لم ينفذ عتقه، لتضرر أولياء المقتول به و إسقاط حقهم منه» إلى آخره.

و كيف كان فحاصل ما ذكره المصنف اختيار ما سمعته من الشيخ في الخلاف، و لعله إليه يرجع ما عن ابن إدريس في الخطأ من جوازه مع ضمان المولى قال: «لأنه قد تعلق برقبة العبد الجاني حق الغير، فلا يجوز إبطاله» بل و ما في القواعد «و يجزئ الجاني خطأ إن نهض مولاه بالفداء و إلا فلا، و لا يصح عتق الجاني عمدا إلا بإذن الولي» و في التحرير «و لو قتل عمدا فأعتقه في الكفارة فللشيخ فيه قولان، أقواهما عدم الجواز، و كذا القول في الخطأ، و الأقرب الإجزاء، و يضمن المولى الدية، و لو عفى الولي صح عتقه في الموضعين، و لا بد من تجديد العتق في العمد لو سبق

ج 33، ص: 216

على ما اخترناه» و في المسالك «الأقوى صحته مع الخطأ و العمد مراعى بفكه له في الخطأ و اختيار أولياء المقتول الفداء في العمد و بذله له أو عفوهم عن الجناية» و كأنه أخذه مما في الدروس قال: «الثالث سلامتها من تعلق حق آخر، ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان أقربهما المراعاة بالخروج عن عهدة الجناية».

قلت: كان الوجه في ذلك هو معلومية تعلق حق المجني عليه في رقبة العبد، لكن لا دليل على مانعية الحق المزبور لتصرف المالك الذي هو مقتضى العمومات، فهو حينئذ كتصرف الوارث في تركة الميت التي تعلق بها حق الدين، و لا يقاس هذا الحق على حق الرهانة الموقوف على الإذن لدليله الخاص، نعم لا بد من مراعاة حكم الحق المتعلق على وجه لا يضر أداء الحق، فينتقل المال عن المتصرف متعلقا به الحق، فمع فرض أداء المتصرف الحق إلى أهله يخلص المال عن تسلط ذي الحق المتعلق به، و إلا تسلط صاحب الحق على فسخ التصرف الواقع منه مقدمة لتحصيل حقه.

إلا أنه لا يخفى عليك صحة جريان هذا الكلام في مثل البيع و نحوه القابل للأمر المزبور، أما مثل العتق فيشكل جواز فسخه بأنه مبني على التغليب و أنه متى صار حرا لم يعد إلى الرقية، إذ ليس المقام من باب الكشف الذي لا ينافي ذلك، بل هو من فسخ التصرف الذي ترتب عليه أثره بعموماته و إن بقي الحق متعلقا بالعين التي كانت موردا للتصرف المزبور، و الفسخ لذي الحق حيث يحصل يكون من حينه، لما عرفت من عدم الدليل على منع التعلق المزبور أصل صحة التصرف و قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» إنما تقتضي عدم لزوم التصرف المزبور، لا أصل صحته، نعم لما كان أدلة العتق تنافي ذلك لم يتم الأمر إلا في المنع من أصل التصرف، و احتمال التزام الكشف فيه مما لا تساعد عليه الأدلة، و ربما أشار إليه الفاضل في التحرير في صورة العمد، فلاحظ و تأمل.

بل الظاهر أن مراد القائل بالمراعاة هو الصحة حقيقة على حسب الصحة في البيع لا الكشفية، و حينئذ يرد عليه ما سمعت من عدم عود الحر رقا إلا بدليل

ج 33، ص: 217

خاص و ليس، فالمتجه حينئذ عدم الصحة مطلقا.

و كأنه هو الذي فهمه الصيمري من الفاضل بل و غيره قال: «و في القواعد أجاز العتق إن كانت خطأ بشرطين، إما دفع الدية قبل العتق أو الضمان و يرضى الولي بالضمان، لا بدونهما، و هو يدل على جواز العتق في العمد و الخطأ معا، لأن مع حصول أحد الشرطين لا كلام في صحة العتق، لزوال تعلق الجناية برقبته، أما مع أداء المال فظاهر، و أما مع الضمان فإنه مع رضا الولي ناقل للأرش من رقبة العبد إلى ذمة المولى، فلا كلام في جواز العتق بعد أحد هذين الشرطين، و هذا هو المعتمد، أما عدم جوازه في العمد لأنه يؤدي إلى إسقاط حق المجني عليه، لأنه مخير بين قتله و بيعه و استرقاقه، و العتق يمنع من البيع و الاسترقاق، و كل تصرف يمنع حق الغير فهو باطل، و أما عدم جوازه في الخطأ فلأن الجناية متعلقة برقبته، و مع عدم افتكاك المولى فهو مخير بين البيع و الاسترقاق، و العتق يمنع من ذلك، فيكون باطلا و هو مذهب الدروس، لأنه قال: ففي الجاني عمدا أو خطأ قولان، أقربهما المراعاة بالخروج من عهدة الجناية، و لا يخرج من عهدة الجناية إلا بأحد الشرطين».

قلت: هو صريح في المختار، و إن كان دعواه- أن الشهيد على ذلك- لا تخلو من نظر، لأنه كالصريح في الصحة فعلا مع المراعاة المتأخرة لا السابقة، و أما ما ذكره عن الفاضل فقد أشار إلى عبارته في العتق، قال: «و هل يصح عتق الجاني؟

الأقرب ذلك إن كانت خطأ و أدى المال أو ضمنه مع رضاه و إلا فلا» بل في الإيضاح الإجماع على الصحة حينئذ، بل هو قد اختار ذلك فيه و في العمد، و هو صريح في المختار أيضا، لكن ينبغي أن يراد بالضمان الدخول في العهدة و لو بالصلح و نحوه على وجه تخلو رقبة العبد من الحق، و في كشف اللثام هناك «الأقوى البطلان- مع انتفاء الشرطين- لتعلق حق الغير بالرقبة، و لأن الصيغة لا تؤثر حين الإيقاع، فبعده أولى، نعم إن لم تستوعب الجناية الرقبة كان المعتق أحد الشريكين».

ج 33، ص: 218

و حينئذ يكثر القائل بالمختار الذي قد عرفت أنه الموافق للضوابط الشرعية في خصوص العتق الذي لا يوقف و لا يفسخ مع عدم الدليل على الكشف هنا، بل هو عند التأمل ساقط، نعم في

خبر جابر(1)عن الباقر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في عبد قتل حرا خطأ فلما قتله أعتقه مولاه، قال: فأجاز عتقه و ضمنه الدية»

فإن صحت الرواية أو انجبرت كان العمل بها و إلا أطرحت أو أولت بسبق الضمان و إن كان بعيدا.

هذا و في التحرير «و لو أعتق المرتد بعد رجوعه إلى الإسلام فإن كان عن غير فطرة أجزأ، و إن كان عن فطرة فالوجه عدم الاجزاء، و كذا لو أعتق من وجب عليه القتل حدا مع التوبة- إلى أن قال- و كذا لا يجزئ، لو جنى ما يجب العتق بالقصاص منه، كالعينين، و يجزئ لو جنى غير ذلك، و لو جنى دون النفس على عبد عمدا فالوجه الاجزاء و لو تعذر القصاص، و يضمن المولى حينئذ».

و فيه أن وجوب القتل عليه حدا لا يخرجه عن الملكية، و لا عتقه ينافي إقامة الحد عليه، كما أن القصاص المقتضي لانعتاقه لا ينافي ذلك أيضا، فمقتضى إطلاق الأدلة و عمومها الصحة حتى في الأخير، لعدم تحقق الانعتاق حينئذ قبله، نعم فيه الكلام الذي سمعته في الجاني عمدا من حيث تعلق الجناية لا من حيث الانعتاق، لكن في الدروس «و لا يجزئ المنذور عتقه أو الصدقة به و إن كان النذر معلقا بشرط لم يحصل بعد على الأقوى» و لعله كذلك.

و لو أعتق عنه معتق بمسألته صح للسائل، لأنه حينئذ يكون كالوكيل و النائب عنه، إذ من المعلوم قبول مثله للنيابة، فيندرج في إطلاق الأمر بتحرير الرقبة(2)بعد فرض دخوله في ملكه و إن اختلف في وقته، كما ستعرف بعد الاتفاق- كما في المتن- على إجزائه.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب ديات النفس الحديث 1 من كتاب الديات.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 92.

ج 33، ص: 219

لكن قد يناقش بالمنع من دخوله في ملكه بمجرد ذلك، لأنه ليس من الأسباب الشرعية لذلك، و من هنا كان المحكي عن ابن إدريس صحته عن المعتق، لأنه ملكه، و لا عتق إلا في ملك، و فيه أنه كالاجتهاد في مقابلة النص بعد الإجماع المحقق على الصحة عن السائل.

نعم قد يقال: إنها أعم من الدخول في الملك و إن كان 28997

الخبر(1)«لا عتق إلا في ملك»

إلا أنه يجب تخصيصه بالصورة المزبورة للإجماع المزبور، فلا داعي إلى دعوى الدخول في الملك كي يقال متى دخل و بأي سبب دخل، و لكن في الإيضاح عن المبسوط في كتاب الطهارة «أنه نص على انتقاله للأمر- ثم قال-: و لا خلاف فيه، ل

قوله عليه السلام (2)«لا عتق إلا في ملك».

اللهم إلا أن يمنع ذلك عليه، و يقال: إن مراد الشيخ بانتقاله للأمر صيرورة العتق له، لا انتقال ملكية العبد له، أو يقال: إن الوجه في دخوله في ملكه هو أنه لما أمره بما لا يصح منه إلا بعد ملكه له كان كالوكيل عنه في ذلك، ضرورة كون الإذن في الشي ء إذنا في لوازمه، فيكفي حينئذ في إدخاله في ملكه عتقه العبد بعنوان أنه له، إذ هو موجب قابل للتمليك موقع للعتق، نحو قول القائل مثلا: «اشتر لي عبدا بكذا منك» و من المعلوم أن المثمن لا يكون إلا لمن له الثمن، فإذا اشتراه بعين ماله بعنوان أنه للأمر دخل الثمن في ملكه بالشراء بعنوان أنه له، فيكون موجبا قابلا بالنسبة إلى ذلك، و هذا باب واسع في الفقه كثير النظائر، و منه ما نحن فيه، فإنه إذا قال له: «أعتق عبدك- مثلا- عنى» و المفروض أنه لا عتق إلا في ملك كان أمرا له بإدخاله في ملكه، فمع إعتاقه بعنوان أنه له كان ذلك إيجابا و قبولا بالنسبة إلى التمليك، و إيقاعا بالنسبة إلى الحرية، و لا تنافي بينهما، و كان هذا هو السبب في إجماعهم في المقام على الصحة.

نعم يبقى الإشكال في قول المصنف و غيره لم يكن له أى المعتق


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب مقدمات الطلاق و الباب- 5- من كتاب العتق مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب مقدمات الطلاق و الباب- 5- من كتاب العتق مع الاختلاف في اللفظ.

ج 33، ص: 220

عوض عن عبده الذي أعتقه بأمره، لعدم الشرط و إن كان هو مقتضى أصل البراءة و غيره، لأنه قد أتلف ماله بأمره في مصلحته، بل هو أولى من الحكم بالضمان الذي قد عرفت الحال فيه فيما لو قال: «أد ديني» فأداه عنه، ضرورة عدم اعتبار ملكية المدفوع عنه في وفاء الدين بخلاف العتق، فالمتجه الضمان خصوصا مع نية المأمور ذلك، إذ لا يكون ذلك إلا على جهة القرض، لأن المفروض كونه وكيلا عنه بأمره.

بل ذكرنا هناك أن قاعدة احترام مال المسلم تقتضي ذلك أيضا، فإن مباشرة المأمور لعتقه بعد فرض كونه وكيلا عنه تكون كمباشرته نفسه، فيكون قد أتلف مال الغير، فهو له ضامن، و إن كان بإذنه إن لم يكن على وجه المجانية، فلاحظ ما تقدم سابقا و تأمل. هذا كله مع عدم الشرط.

فان شرط عوضا كأن يقول له أعتق عبدك عني و علي عشرة مثلا صح و لزمه العوض بلا خلاف و لا إشكال، و يكون من قبيل قرض العبد بقيمة معينة، و ليس من قسم البيع مع فرض عدم قصده لهما.

و لو تبرع بالعتق عنه متبرع من غير مسألة قال الشيخ في محكي الخلاف نفذ العتق عن المعتق تغليبا للحرية، و لوقوع صيغة صحيحة من صحيح العبارة دون من أعتق عنه لاشتراط العتق بالملك، و لا يدخل في ملكه من دون اختياره، فلا يقع العتق عنه سواء كان المعتق عنه حيا أو ميتا.

و لو أعتق الوارث عن الميت من ماله لا من مال الميت قال أي الشيخ:

يصح، لأنه كما في الإيضاح «قائم مقام المورث في كثير من الأحكام، فان الوارث يملك لما كان ملكا للمورث، و يقبل قوله فيما كان يقبل قوله فيه، كالإقرار المجهول، و تعيين المطلقة، و المعتق تعيينا إنشائيا. و القول قوله في الكاشف مع اليمين و عدمه، و عليه قضاء ما عليه من صلاة أو صوم، على أن الوارث إذا أدى من التركة فهو منه في

ج 33، ص: 221

الحقيقة، لأنه يملكها بالموت، و إذا صح من أحد ماليه صح من الآخر- ثم قال-: و قال شيخنا ابن سعيد في شرائعه و الوجه التسوية بين الأجنبي و الوارث في المنع و الجواز و ضعفه ظاهر بما ذكرناه».

قلت: كأن الذي دعاه إلى ذلك حسن ظنه بأبيه، حيث قال في القواعد بعد أن ذكر عن الشيخ الفرق بين الوارث و غيره: «و لعل بينهما فرقا» و إلا فالإنصاف أن جميع ما ذكره لا دخل له في إثبات المطلوب، إذ هو بعد الإغضاء عن صحة بعض ما ذكره للوارث لا دخل له فيما نحن فيه من عدم الفرق بينه و بين الأجنبي في مفروض المسألة، و إن كان فرق بينه و بينه في أمور أخر قد جاءت بدليل خاص، كأصل إرثه منه دون الأجنبي كما هو واضح و من هنا أنكر عليه ذلك بعض من تأخر عنه، و استوجه التساوي بينهما.

لكن في المسالك «الوجه الإجزاء عن الميت مطلقا، و في وقوعه عن الحي نظر و إن كان الوقوع لا يخلو من قوة» و في حاشية الكركي اختيار الإجزاء عن الميت مطلقا دون الحي قال: «فان الفرض أن الأجنبي نوى العتق عن ذي الكفارة، فيقع منه،

لعموم «لكل امرئ ما نوى»(1)

و لا نجد مانعا سواء كونه أجنبيا، و لا دخل له في المانعية، إذ عدم القرابة لا ينافي قضاء الدين عن الميت تبرعا عبادة كان أو غيرها، و يكفي في التمسك بانتفاء المانعية عدم تحققها، تمسكا بالأصل، أما الحي فلا يجزئ عنه مطلقا إلا بإذنه، إذ لا يؤدى عنه دين إلا بفعله و لو نيابة فيما تدخل فيه النيابة، هذا هو الذي ساق إليه الدليل».

و في الجميع ما لا يخفى، إذ المانع في المقام اعتبار الملك فيمن يكون العتق له، و لا طريق إلى إدخاله في ملك الميت أو الحي قهرا، و ما في غاية المراد و المسالك- من أن توقف العتق على الملك يندفع بالملك الضمني، كما قيل به مع السؤال- يدفعه وضوح الفرق بين السؤال و عدمه بالنسبة إلى قابلية الدخول في الملك باختياره و عدمه، و من الغريب ما سمعته من الكركي من عدم إجزاء التبرع في


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.

ج 33، ص: 222

وفاء دين الحي.

فالأقوى عدم الفرق بينهما في البطلان هنا لو لا

حسن بريد(1)سأل الباقر عليه السلام «عن رجل كان عليه عتق رقبة فمات من قبل أن يعتق، فانطلق ابنه فابتاع رجلا من كسبه، فأعتقه عن أبيه، و أن المعتق أصاب مالا ثم مات و تركه، لمن يكون ميراثه؟ فقال: إن كانت الرقبة التي كانت على أبيه في ظهار أو شكر أو واجبة عليه فان المعتق سائبة لا ولاء لأحد عليه، قال: و إن كانت الرقبة على أبيه تبرعا و قد كان أبوه أمره أن يعتق عنه نسمة فإن ولاء العتق ميراث لجميع ولد الميت من الرجال، قال: و يكون الذي اشتراه فأعتقه كواحد من الورثة إذا لم يكن للمعتق قرابة من المسلمين أحرار يرثونه، و إن كان ابنه الذي اشترى الرقبة فأعتقها عن أبيه من ماله بعد موت أبيه تطوعا من غير أن يكون أمره بذلك فإن ولاؤه و ميراثه للذي اشتراه من ماله فأعتقه إذا لم يكن للمعتق وارث من قرابته».

و لعله لهذا الحسن المزبور فصل الشيخ بين الوارث و غيره، و لو كان لكان المتجه التسوية في عدم الإجزاء عن الميت الذي لا يدخل في ملكه، بل لعل المتجه بطلان العتق من أصله، لقاعدة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، كما عرفته سابقا.

و كيف كان ف إذا قال: «أعتق عبدك عني» فقال: «أعتقت عنك» فقد وقع الاتفاق كما حكاه غير واحد على الإجزاء و إن كان قد سمعت

الخلاف فيه من ابن إدريس، كما أنك قد سمعت نفي الخلاف من الشيخ عن الدخول في الملك و إن كان فيه ما فيه أيضا لكن وقع الخلاف في أنه متى ينتقل إلى الأمر؟ قال الشيخ: ينتقل بعد قول المعتق: «أعتقت عنك» ثم ينعتق بعده إذ اقتضاء العلة الواحدة الشيئين بالترتيب بينهما ممكن ثابت، و أشكله الكركي فيما إذا كان أحدهما شرطا لتأثير السبب في العقود و الإيقاعات، فإن عدم


1- 1 الوسائل الباب- 40- من كتاب العتق الحديث 2.

ج 33، ص: 223

ترتب أثر السبب عليه دليل فساده، و يمتنع الحكم بصحته بعد فساده آنا ما.

و لعله لذا قال المصنف و هو تحكم إذ لا دليل على تعيين ذلك من بين المحتملات، بل فيه أنه يستلزم تأخر العتق عن الإعتاق بقدر ما يتوسطهما الملك و إن اعتذر عنه بأن تأخير العتق عن الإعتاق بسبب أنه إعتاق عن الغير، و مثله واقع في قوله: «أعتقت عبدي عنك بكذا» فان عتقه يتوقف على قبول المعتق عنه، و يلزم منه تأخر العتق عن الإعتاق، و لكن لا يخفى عليك وضوح الفرق بين المثالين.

و من هنا قيل كما عن المفيد و العلامة و الفخر أنه يحصل الملك بشروعه في لفظ الإعتاق، و يعتق إذا تم اللفظ لمجموع الصيغة، فالجزء علة للملك، و هو ملك الأمر و الكل سبب لزوال ملكه عنه بالإعتاق، و فيه أنه يستلزم صيرورته ملكا للأمر قبل تمام الصيغة، فلو فرض ترك إكمالها خرج عن ملكه و لم يقع العتق.

و قيل: إنه يحصل الملك للمستدعي بالاستدعاء و يعتق عليه إذا تلفظ المالك بالإعتاق، و فيه ما عرفت و زيادة.

و قيل: إنه يحصل الملك و العتق معا عند تمام الإعتاق، و أورد عليه في المسالك بأنه و إن كان فيه سلامة من المحذور السابق، إلا أن اشتراط وقوع العتق في ملك يقتضي تقديم الملك على العتق فلا يتم وقوعهما في وقت واحد عند تمام لفظ العتق.

و فيه أنه يمكن الاكتفاء بالتقدم الذاتي الحاصل فيما بين العلة و المعلول، نحو ما قلناه في شراء من ينعتق عليه، و نحو ما يقال فيما لو قال: «أنت وكيلي على بيع داري» مثلا، فيقبل الوكالة بأن باع مثلا، فان البيع حينئذ كاشف عن قبول الوكالة، و هو إيجاب للبيع، و قد حصلا في زمان واحد، لكنهما مترتبان طبعا، و نظائره في ذلك كثيرة.

بل قد يقال: إنه يكفى في الصحة اتحاد زمانهما لصدق كون العتق في ملك، إذ ليس معناه اعتبار سبق الملك على العتق زمانا.

ج 33، ص: 224

و بالجملة فالظاهر أن اتفاق الأصحاب على المسألة في المقام ليس إلا لما ذكرناه الذي قد عرفت جريانه في نظائر المسألة، و إلا لم نقف لهم على دليل خاص، و حينئذ فإن رجع ذلك إلى أحد الأقوال الخمسة فمرحبا بالوفاق، و إلا كان قولا سادسا، و هو أقواها، و التمليك المزبور إن شئت جعلته من القرض بعوض، أو من التمليك به، نحو الهبة المعوضة، أو من التمليك المجاني حيث لا يكون عوضا أو نحو ذلك، فإنه بعد أن صار وكيلا عنه بأمره له و سؤاله إياه صار موجبا قابلا إذا كان الموكل فيه متوقفا على إدخال في ملك مثلا، إذ التوكيل في شي ء توكيل في لوازمه، و نحوه ما لو قال له: «اشتر لي كذا بثمن منك» أو «زوجني فلانة بمهر منك» فان المهر و الثمن يدخلان في ملك الموكل بفعل ما وكل فيه على الوجه الذي و كله عليه، و هذا الأمر جار في كثير من الأبواب، مفروغ من صحته، بل هو نحو ما لو قال المالك: «أعتق عبدي عن كفارتك بكذا» مثلا فأعتقه، فإنه يدخل في ملكه بذلك بعد تقدم الكلام المزبور من المالك الذي صار كالإيجاب لو فرض وقوع العتق مقارنا له، و إلا كان توكيلا له في تملك العبد متى شاء بالثمن المزبور.

و من ذلك يعرف النظر في كثير من الكلمات في المقام، بل يظهر النظر فيما ذكره الفخر من تخصيص صحة المسألة فيما لو وقعت على جهة الفورية دون التراخي بناء منه على أن مفروض المسألة من الإيجاب و القبول المعتبر فيهما ذلك، و لم يتفطن إلى التوكيل الذي لا يعتبر فيه ذلك، و من هنا كان ظاهر المصنف و غيره الإطلاق في فرضها، فلاحظ و تأمل.

و قيل: إنه يحصل بالأمر المقترن بصيغة العتق، فيكون تمام الصيغة كاشفا عن سبق الملك عليها، و عدم إيقاعها بعد الاستدعاء أو قطعها أو وقوع خلل فيها دال على عدم حصول الملك بالأمر، لعدم حصول ما يعتبر في صحته، و هو اقترانه بالأمر بالعتق، و أورد عليه في المسالك بأن الاقتران المذكور يكون شرطا في سبق الملك،

ج 33، ص: 225

و لا يتحقق الاقتران إلا بتمام صيغة العتق، فيلزم تأخر الملك عن الإعتاق و إلا لتأخر الشرط عن المشروط.

قال: «و لأجل هذه الإشكالات و نحوها قال المصنف و نعم ما قال: إن الوجه الاقتصار على الثمرة، و هي صحة العتق عن الأمر و براءة ذمته من الكفارة، و لا يجب البحث عن وقت انتقال الملك إليه، فإن ما عدا ما ذكر ه تخمين لا يرجع إلى دليل صالح».

قلت: لكن قد عرفت تحقيق الحال على وجه لا يأتي فيه شي ء من وجوه الاشكال، بل قد عرفت عدم اختصاص المقام، بل هو جار فيه و في نظائره و إن كان ما ذكره المصنف فيه استراحة عن تحليل المسألة.

قال و مثله ما إذا قال له: «كل هذا الطعام» فقد اختلفوا أيضا في الوقت الذي يملكه الأكل هل هو بتناوله في يده أو بوضعه في فيه أو بازدراد اللقمة بعد الاتفاق على عدم ملكه بوضعه بين يديه؟ و فرعوا على ذلك جواز إطعامه لغيره على الأول دون غيره من الأقوال، لكن لا يخفى عليك أنه لا داعي هنا إلى اعتبار الملك، إذ الإباحة تكفي في الجواز إلى آخر أمره.

و من هنا قال المصنف و الوجه عندي أنه يكون إباحه للتناول، و لا ينتقل إلى ملك الأكل و تبعه غيره عليه، لأنه ليس كالعتق يعتبر فيه الملك لمن يكون العتق له، قالوا: و حينئذ فلو نبت من غائطه شجرة مثلا كان ملكا للمقدم دون الأكل و إن كان قد يناقش بخروجه عن المملوكية إذا صار غائطا.

هذا و في كشف اللثام «أنه يمكن القول بمثله في مسألة الإعتاق أيضا، فإن النص (1)و الإجماع إنما هما على أن الإعتاق إنما يكون في ملك، و يكفي في صدقه هنا ملك المعتق، و لا محذور في إجزاء الإعتاق عن غير المالك».

قلت: هو كذلك، إلا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على إرادة اعتبار الملك ممن يكون العتق له إلا ما خرج بالدليل، كعتق الوارث عن الميت


1- 1 الوسائل الباب- 5- من كتاب العتق.

ج 33، ص: 226

للخبر(1)الذي سمعته.

[شروط الإعتاق]
اشاره

و كيف كان ف يشترط في الإعتاق شروط:

[الشرط الأول النية]
اشاره

الأول:

النية بمعنى القصد إلى فعله بعنوان أنه للكفارة، و ذلك لأنه أي الإعتاق عبادة تحتمل وجوها، فلا يختص بأحدها إلا بالنية، و لا بد مع ذلك من نية القربة المعتبرة في كل عبادة

كفارة و غيرها بالأدلة المذكورة في محلها على ذلك، كباقي مباحث النية من اعتبار نية الوجه و عدمه فيه أيضا و غيره من المباحث، بل و قد ذكرنا هناك الفرق بين العبادة و غيرها.

لكن في غاية المرام للصيمري هنا «يشترط في التكفير النية المشتملة على الوجه و القربة و التكفير، فلو نوى الوجه و القربة و لم ينو عن الكفارة لم يجز، و هذه الشروط مجمع عليها» و إن كان فيه ما فيه، ضرورة عدم الفرق بين المقام و غيره في اعتبار الوجه و عدمه الذي قد عرفت البحث و الخلاف فيه في محله.

إنما الكلام هنا في قول المصنف فلا يصح العتق من الكافر ذميا كان أو حربيا أو مرتدا لتعذر نية القربة في حقه فإنه قد أطنب في المسالك في إشكاله بالمنع من تعذر نية إيقاع الكافر الفعل طلبا للتقرب إلى الله سبحانه و تعالى سواء حصل ما نواه أو لا إذا كان كفره بإنكار النبي صلى الله عليه و آله و سلم و نحوه مما لا ينافي الاعتراف بالله تعالى، و إن كان المراد تعذر الإيقاع منه على وجه يستحق الثواب طالبناه بالدليل على اشتراط مثل ذلك، و عارضناه بعبادة المخالف من المسلمين و عتقه، فإنه لا يستتبع الثواب عنده مع صحة عتقه عنده، قال: «و في صحة عباداته غيره (2)بحث قرر في


1- 1 الوسائل الباب- 40- من كتاب العتق الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسختين المخطوطتين و في المسالك« و في صحة عبادات غيره».

ج 33، ص: 227

محله، و بالجملة فكلامهم في هذا الباب مختلف غير منقح، لأنهم نارة يحكمون ببطلان عبادة الكافر مطلقا استنادا إلى تعذر نية القربة منه، و مقتضى ذلك إرادة المعنى الثاني، لأن ذلك هو المتعذر منه لا الأول، و تارة يجوزون منه بعض العبادات كالعتق و سيأتي تجويز جماعة من الأصحاب له منه مع اشتراط القربة فيه، نظرا إلى ما ذكرناه من الوجوه في الأول، و قد وقع الخلاف بينهم في وقفه و صدقته و عتقه المتبرع به و نحو ذلك من التصرفات المالية المعتبر فيها القربة، و اتفقوا على عدم صحة العبادات البدنية منه نظرا إلى أن المال يراعى فيه جانب المدفوع إليه و لو بفك الرقبة عن الرق، فيرجح فيه جانب الغرامات، بخلاف العبادات البدنية، و من ثم ذهب بعض العامة إلى عدم اشتراط النية في العتق و الإطعام و اعتبرها في الصيام إلا أن هذا الاعتبار غير منضبط عند الأصحاب كما أشرنا إليه و سيأتي له في العتق زيادة بحث إنشاء الله».

و أورد عليه في الرياض بأن فيه- مضافا إلى ما دل على شرطية الايمان و عدم صحة عبادة المخالف الذي هو أولى من الكافر من الإجماع و النصوص(1)- أنه لا تتأتى منه نية القربة التي هي قصد الامتثال و موافقة الأمر، لعدم اعتقاده بموجب الكفارة، إذ هو إما منكر للبارئ تعالى كالدهرية و نحوهم أو جاحد للنبي صلى الله عليه و آله المبين لذلك الأمر به عنه سبحانه، فإذا صام بعد الظهار مثلا لا

يمكنه قصد الامتثال بذلك و العزم على أن الصيام كفارة لما وقع منه، فإنه لا يعتقد تحقق الحرمة بالموجب فضلا عن كون الصيام مكفرا لها، بل يجعلهما حراما و بدعة بقصد التشريع في شرعه، و لعل هذا هو السر في حكم الأصحاب بفساد عبادة الكفار، لعدم تحقق قصد القربة بهذا المعنى منهم.

و العجب من شيخنا في المسالك حيث اعترضهم في ذلك و جوز صدور نية القربة بهذا المعنى عنهم، فيا لله كيف يقصد الكافر بما يأتي به من هيئة صلاتنا أنه عبادة


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 33، ص: 228

مقربة له إلى جنابه سبحانه مع اعتقاده كون مثل ذلك بدعة و ضلالة؟! فإتيانه بذلك على تقديره يكون على طريق الاستهزاء و السخرية، و ما أرى مثل هذه الدعوى من نحو هذا الفاضل إلا غفلة واضحة، نعم قد تحصل له نية القربة في بعض الخصال إذا كانت عنده و في شرعه مقربة، و لكن مثل هذه القربة غير كافية، بل لا بد من نية القربة التي هي القصد إلى امتثال أمر الكفارة، و لذا إن أحدنا لو صام ندبا من دون نية التكفير لم يجز عنه إجماعا.

قلت: و كأنه لذلك فصل الشهيد في غاية المراد بين العتق للكفارة من الكافر غير الجاحد لله تعالى و العتق لغيرها، فأبطل الأول و صحح الثاني، قال بعد أن حكى الخلاف في صحة مباشرة الكافر العتق و عدمها عن الشيخ فصححه، و عن ابن إدريس و المصنف فأفسده: «و مبناه على مقدمات: (الاولى): هل نية القربة معتبرة في العتق أم لا؟ الحق نعم، ل

قولهم عليهم السلام(1): «لا عتق إلا ما أريد به وجه الله»

- إلى أن قال (الثانية):- هل المعتبر في نية القربة ما يترتب عليه الثواب أو مطلق التقرب إلى الله تعالى؟ يحتمل الأول، لأنه عبادة، و كل عبادة يترتب عليها استحقاق الثواب بفعلها صحيحة، و يحتمل الثاني لأن الدليل على صحة العتق إذا أريد به وجه الله تعالى، و هو أعم من ترتب الثواب و عدمه. (الثالثة): هل يعتبر في التقرب معرفة الله أم يكفي التقليد؟ يحتمل الأول، لأن هذه المعرفة ليست حقيقة، فليس ثم مقصود، و يحتمل الثاني، لصدق أنه قصد وجه الله- ثم قال-: إذا عرفت ذلك فنقول: الأصحاب جوزوا وقف الكافر و صدقته، مع أنهما مشروطان بنية القربة، و هو يشعر باختيارهم الثاني من الاحتمالين، فحينئذ يصح عتق الكافر، و إن قلنا بأول الاحتمالين لا يصح، ثم اعلم أن الكفر بسبب إنكار واجب الوجود تعالى و إقامة الشبهة على إنكاره لا يصح معه شي ء من العبادات، لزوال جميع المقدمات، و أما لو لم يكن شبهة بل مجرد إنكار قلد فيه فيصح على الثاني


1- 1 الوسائل الباب- 4- من كتاب العتق و الباب- 13- من كتاب الوقوف و الصدقات.

ج 33، ص: 229

من الاحتمالين، و أما الكافر المقر بالله تعالى العارف به و كفره بسبب جحده النبوة

أو بعض فرائض الإسلام فإنه لا ينبئ إلا على ثاني الثانية، فهو أولى بالجواز إذن، ثم اعلم أن العتق لما بني على التغليب و الوقف و الصدقة لما اشتمل على نفع الغير و اشتمل الجميع على المالية فجانب المالية أغلب من جانب العبادة، فمن ثم وقع الخلاف في صحة العتق، و لم يقع في عدم صحة الصلاة و الصوم، و الأقوى صحته عندنا ما لم يجحد الله تعالى إذا اعتقد أن العتق قربة إلى الله تعالى شأنه لما عتقه عن الكفارة». و هو الأصل لكل من تأخر عنه في هذه المسألة.

و تبعه الكركي في حاشية الكتاب في النتيجة، فقال: «إن كان كفره بجحد الربوبية أو لم يعتقد كون العتق قربة أو أعتق عن الكفارة لم يصح و إلا صح» إلى غير ذلك من كلماتهم التي يشبه بعضها بعضا.

لكنها لا تخلو من نظر، لا لعدم مشروعية عباداتنا في دينهم، لإمكان فرض ذلك، خصوصا في مثل العامة بل يمكن فرض وقوع ذلك من بعضهم بعنوان أنه مذهبه و لو جهلا، بل لإمكان دعوى التواتر في نصوصنا(1)أو الضرورة من مذهبنا على أنه لا عبادة لغير المؤمن مطلقا، لأنه يعتبر فيها موافقة الأمر من حيث دلالة ولي الله تعالى شأنه عليه، و لذا قرن طاعته بطاعتهم و محبته بمحبتهم (2)فمن جاء بعبادة موافقة لأمره لكن لا من حيث دلالة وليه عليه لم تكن صحيحة، و الأمر في الشريعة السابقة بعد نسخها غير كاف في الصحة و إن وافق الأمر في شريعتنا.

و من هنا تعذر على الكافر بجميع أقسامه نية التقرب المأخوذ فيه ملاحظة الأمر بواسطة ولاة الأمر، و كذا المخالف، و لا صحة في وقفهم و صدقاتهم، و إنما لها حكم الصحة في بعض ما جرت السيرة و الطريقة على استعماله كذلك من مساجدهم و بيعهم و كنائسهم و نحو ذلك، لا الصحة الحقيقية التي يستحق فاعلها الثواب على


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 59 و سورة المائدة: 5- الآية 60.

ج 33، ص: 230

فعلها من حيث صدق امتثال الأمر على وجهه المستلزم عقلا بقاعدة اللطف استحقاق الثواب، و لا الموافقة للأمر الذي قد عرفت أنه يعتبر في امتثاله ملاحظة من كان الواسطة به.

قال الباقر عليه السلام في خبر زرارة(1): «أما لو أن رجلا قام ليله و صام نهاره و تصدق بجميع ماله و حج جميع دهره و لم يعرف ولاية ولي الله تعالى شأنه فيواليه و يكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه، و لا كان من أهل الايمان»

و قال عليه السلام أيضا في خبر آخر(2): «من دان الله بغير سماع من صادق ألزمه الله البتة يوم القيامة».

و قال أمير المؤمنين عليه السلام(3): «قد جعل الله للعلم أهلا، و فرض على العباد طاعتهم

بقوله «أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»(4)و بقوله:

«وَ لَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَ إِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ»(5)و بقوله:

«وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»(6)و بقوله «وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(7)و بقوله «وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها»(8)و البيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الله عند الأنبياء، و أبوابها أوصياؤهم، فكل عمل من أعمال الخير يجري على يد غير الأصفياء و عهودهم و حدودهم و شرائعهم و سننهم مردود غير مقبول، و أهله


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب صفات القاضي الحديث 12 و 14 و فيهما« ألزمه الله البتة إلى الغناء العناء خ ل».
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب صفات القاضي الحديث 44 من كتاب القضاء.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 59.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 83.
6- 6 سورة التوبة: 9- الآية 119.
7- 7 سورة آل عمران: 3- الآية 7.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 189.

ج 33، ص: 231

في محل كفر و إن شملهم وصف الايمان»

إلى آخره.

و عن رسول الله صلى الله عليه و آله (1)أنه قال لعلي عليه السلام: «أنا مدينة العلم و أنت بابها، فمن أتى من الباب وصل، يا علي أنت بابي الذي أوتى منه، و أنا باب الله تعالى، فمن أتاني من سواك لم يصل إلى الله تعالى»

إلى غير ذلك من النصوص التي هي فوق عدد التواتر، بل لعله من ضروري مذهب الشيعة.

و من الغريب دعوى هؤلاء الفضلاء الصحة في الكافر غير الجاحد، مع أن مقتضاها اندراجه في المطيع، بل لا بد من ترتب الثواب عليه بقاعدة اللطف، لكونه وافق الأمر و جاء بالمأمور به على وجهه الذي أراده الله تعالى منه، لأن ذلك مقتضى الصحة، و عدم ترتب الثواب على هذا الفرض مناف لقاعدة اللطف، كما أن التزامه مناف لضرورة المذهب بل الدين، و كأن الذي دعاهم إلى ذلك جريان السيرة على إجراء حكم الصحة على مثل مساجدهم و كنائسهم و بيعهم و نحو ذلك، و قد عرفت عدم الصحة فيها بالمعنى المزبور، بل هو إجراء لحكمها لمصلحة من المصالح، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و أما ما عدا ذلك فلا.

و بذلك يظهر لك النظر في جميع تلك الكلمات حتى ما في الرياض و إن أكثر العجب من القائل بالصحة، لكن كان ينبغي أن يكون ذلك بالطريق الذي ذكرناه، لا ما ذكره الذي قد عرفت إمكان فرضه على وجه يسلم مما ذكره، على أنه في آخر كلامه قد اختار الصحة أيضا في العتق إذا لم يكن عن كفارة.

نعم قد أجاد سيد المدارك بقوله: «و أما اشتراط الايمان فيدل عليه أن التكفير عبادة و العبادة من شرطها الايمان، و المقدمتان إجماعيتان، و يدل على الثانية الأخبار الكثيرة المتضمنة لبطلان عبادة المخالف (2)» و إن كان هو لم يذكر ما ذكرناه أيضا من توجيه تعليلهم البطلان بتعذر نية القربة من غير المؤمن.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب صفات القاضي الحديث 40 من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 33، ص: 232

و من الغريب أنه في الرياض وافق أولا على اشتراط الايمان مستدلا عليه بنصوصه و لكن قال بعد ذلك بصحة عتق الكافر إذا لم يكن عن كفارة. و أغرب منه ما في التنقيح من صحة عتق الكافر غير الجاحد حاكيا له عن العلامة و استحسنه، و أنه يستحق عليه عوضا يشبه الثواب، فيسقط بها جزء من عقابه، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله المؤيد و المسدد.

و كيف كان ف يعتبر نية التعيين إن اجتمعت أجناس مختلفة على المكلف متماثلة، كما لو كان عليه كفارة ظهار و قتل خطأ، أو مختلفة كأحدهما مع كفارة اليمين مثلا على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها توقف صدق الامتثال عليه عقلا و عرفا، كما عرفت في كل عبادة تعدد جنسها على المكلف به، إذ لا مميز للفعل إلا النية، و الفرض عدم أمر مطلق يقصد امتثاله، كما أن تعدد السبب لا يقتضي تعدد المأمور به دون الأمر، فليس خطابه حينئذ بعتق رقبتين، بل هو مأمور بعتقين أحدهما للظهار و الآخر للقتل مثلا، فلا بد من امتثال كل منهما، و لا يحصل إلا بملاحظة خصوص كل واحد منهما، و إلا لم يقع لأحدهما، فلا يصدق عليه امتثال أحدهما، مؤيدا ذلك كله بقاعدة الشغل و غيرها.

خلافا للمحكي عن المبسوط، فاكتفى بالإطلاق مطلقا و وافقه عليه سيد المدارك، لأصالة البراءة من اشتراطه المقطوعة بما عرفت، و دعوى حصول الامتثال للأمر بالتكفير و انصرافه إلى واحدة لا بعينها فيبقى في ذمته اخرى الممنوعة على مدعيها بما سمعت، ضرورة أنه لا أمر بالتكفير على جهة الإطلاق، و إنما الموجود الأمر بالتكفير المقيد، و ليس امتثاله عرفا بالمطلق الذي لم يتعلق به أمر، و لو سلم نظير ذلك في الدفع وفاء عن الدين المتعدد بسبب الرهانة في بعضه دون آخر أو بسبب اختلاف من له الدين فيتحقق الوفاء مع إطلاق الدفع و إن كان الاحتمالات في توزيعه أو تعيينه بعد الدفع أو القرعة متعددة، ففرق واضح بين العبادة المتوقف صحتها على ملاحظة امتثال الأمر المتعلق بها بخلاف وفاء الدين المتحقق عرفا صدقه و إن فقد التعيين المزبور، فقياس ما نحن فيه على ذلك- كما يومئ إليه ما تسمعه عن الشيخ

ج 33، ص: 233

من الاكتفاء بالتعيين بعد الفعل- واضح الفساد.

و أوضح منه فسادا تخيل اتحاد الأمر هنا باعتبار اندراج الجميع تحت اسم التكفير الذي قد عرفت عدم مشروعية مطلقه، و إنما هو اسم انتزاعي لأنواع متعددة كل منها متعلق أمر خاص لا يصدق امتثاله إلا بملاحظته و إلا فالأمر بالعبادة أيضا متحد، مع أنه لا ريب في أن تحته أنواعا مختلفة، و المراد باتحاد الأمر و تعدده التنويع الشرعي بالأوامر المستقلة و عدمه، و هذا هو المدار في وجوب التعيين و عدمه مع الاجتماع على المكلف، كما ستسمع زيادة توضيحه.

كل ذلك مضافا إلى إشكال قول الشيخ في صورة الاختلاف حكما ككفارة الظهار و اليمين، فإنه إن تخير بعد العتق بين عتق آخر و الإطعام كان العتق منصرفا إلى المرتبة، و هو خلاف الفرض، و إن تعين العتق ثانيا كان منصرفا إلى المخيرة، و هو خلاف التقدير أيضا، و من هنا فصل في محكي المختلف، فأوجب التعيين مع اختلاف الكفارة حكما بالتخيير و عدمه، لا مع اتفاقهما و لو في أصل وجوب العتق، ككفارة الظهار و القتل خطأ أو أحدهما مع كفارة الجمع.

و ربما دفع الاشكال السابق بانصراف العتق أولا إلى المرتبة لترجيحها على المخيرة بتعيينه فيها دونها، و هو كما ترى. و بأن الشيخ صرح في المبسوط بجواز التعيين بعد الإبهام، فينصرف العتق إلى من أراد صرفه إليها، كما لو عين في الابتداء، و يبقى حكم الآخر بحاله، فلا محذور حينئذ، و اختاره الفاضل في التحرير و ولده.

و فيه- مع منع ذلك عليه في العبادة و إن قلنا به في مثل الديون- أنه قد يتعذر عليه ذلك بموت و نحوه، على أن الاشكال قبل التعيين.

و في المسالك «يمكن دفعه هنا بالتزام تعيين العتق ثانيا على تقدير كون إحداهما مرتبة و الآخرى مخيرة، و لا يلزم انصراف العتق أولا إلى المخيرة، بل إلى كفارة مطلقة مما في ذمته، و تبقى اخرى مطلقة كذلك مترددة بين المرتبة

ج 33، ص: 234

و المخيرة، و إن اختار غير العتق لم تحصل براءة الذمة مما هو متعلق بها، لأنه ليس مخيرا، و إذا اختار العتق برئت ذمته على التقديرين، فتعين العتق لذلك لا لانصرافه إلى المخيرة و إن شاركه في المعنى، و هذا كمن عليه كفارة مشتبهة بين المخيرة و المرتبة، فإنه يتعين عليه العتق لتيقن براءة الذمة منهما و إن لم يكن العتق متعينا عليه في نفس الأمر، بل من باب مقدمة الواجب، لتوقف براءة الذمة عليه».

قلت: قد تبع بذلك الفاضل في القواعد و ولده في الإيضاح، بل أطنب في تحرير المعنى المزبور، و قال: «إنه من غوامض هذا الباب».

و لكن قد يقال: إن المتجه على ما يقوله الشيخ مع فرض عدم التعيين ابتداء و بعد العتق الاجتزاء بإحدى خصال الكفارة المخيرة، و لا يتعين عليه العتق، و ذلك لأن مقتضى دليله رجوع أوامر الكفارات المتعددة و إن اختلفت إلى أمر واحد و هو التكفير، فيجتمع حينئذ على المكلف حكم الترتيب و التخيير، و يكون كما لو قال له «أعتق» مثلا و «أعتق أو صم أو أطعم» مثلا الذي لا ريب في تحقق الامتثال فيه بما ذكرنا، ضرورة كونه حينئذ عنده كسب واحد اقتضى ذلك، لأنه أرجع الأوامر المتعددة إلى أمر واحد بمقتضى كل واحد منها، و لذا لم يوجب التعيين، معللا له بصدق امتثال الأمر بالتكفير بدونه، و إن كان قد أوضحنا فساده، و قلنا:

إنه لا أمر بالتكفير مطلقا، و إنما الموجود الأوامر الخاصة، و التكفير الشامل لها قدر انتزاعي منا، و إنما الكلام في التفريع على قوله صحيحا كان أو فاسدا، و التحقيق فيه ما ذكرناه، و ليس عنده الباقي بعد العتق كفارة مجملة دائرة بين المرتبة و المخيرة كي يجب مراعاة الترتيب تحصيلا للبراءة اليقينية، بل صريح كلامه أن العتق الأول يقع مطلقا لا مجملا، و لكن قد اكتفى في الامتثال بإطلاقه، كوفاء درهم من الدرهمين في الذمة، تعدد سبب شغلها أو اتحد، و حينئذ فالمتجه الاكتفاء في الامتثال بخصلة المرتبة، و واحدة من خصلة التخيير، و لعل هذا أغمض مما ذكره فخر المحققين، و خصوصا إذا لاحظ وقوع ما ذكرناه دفعة بالعتق مثلا و الإطعام من

ج 33، ص: 235

و كيله لو كيل الستين، و الله العالم و الموفق و المؤيد و المسدد.

و كيف كان ف لو كانت الكفارات من جنس واحد بأن تكرر الظهار منه أو القتل خطأ أو الإفطار في شهر رمضان قال الشيخ في محكي الخلاف يجزئ نية التكفير مع القربة، و لا يفتقر في الامتثال إلى التعيين بملاحظة سبب كل واحد منها بخصوصه، لصدق الامتثال بدونه، بل في محكي الخلاف نفي الخلاف عنه.

و في غاية المراد «لم أعرف القول باشتراط التعيين مع تجانس السبب لأحد من العلماء، و لكن المحقق جعل فيه إشكالا» و إن أنكر عليه الصيمري ذلك، و قال:

«إن مذهبه في الدروس وجوب التعيين، اتحدت الكفارة أو تعددت، اختلف الجنس أو اتحد، و هو ظاهر المصنف في المختصر، لأنه أطلق وجوب التعيين، و هو المعتمد».

قلت: هو كذلك فيما حكاه عنهما.

و لعله لذا قال الكركي في حاشية الكتاب: «المعتمد أنه لا بد من التعيين مطلقا، اختلف الأجناس أو تجانست، لأن الاجزاء إنما يتحقق بالإتيان بالمأمور به على الوجه المأمور به، و إنما يؤثر في وجوه الأفعال النية، فلا تتعين الكفارة لسبب معين إلا بالتعيين، و لا يضر قول شيخنا في شرح الإرشاد بأن اشتراط التعيين مع تجانس السبب لا نعرفه قولا لأحد من العلماء سوى ما ذكره المصنف فيه من الإشكال، إذ لا يضر عدم القائل مع قيام الدليل حيث لم يثبت الإجماع، و نقل الشيخ عدم الخلاف في ذلك مع تحققه غير قادح».

قلت: و مما عرفت يظهر الوجه في قول المصنف و فيه إشكال مضافا إلى ما ذكره غير واحد في وجهه من أن كل واحد من الكفارات عمل، و كل عمل مفتقر إلى النية، فكل كفارة تحتاج إلى نية، و إن كان فيه أن البحث في نية التعيين لا أصل النية التي لا كلام في وجوبها في كل واحد منها، ضرورة عدم صحة العبادة بدونها، و لا ريب في أن كل كفارة عبادة.

ج 33، ص: 236

و من ذلك يعلم أن كثيرا من الكلمات في المقام مغشوشة حتى هؤلاء القائلين بوجوب التعيين في المفروض، فإن الصيمري منهم قال: «و المراد بالتعيين تعيين السبب لا تعيين شخص الكفارة فلا يجب أن يقول: «قتل زيد أو عمرو» و لا النذر الفلاني، و قد أخذه من الشهيد في غاية المراد قال: «و اعلم أن هاهنا تنبيها، و هو أن النزاع إما أن يكون في اشتراط تعيين خصوصية المحلوف عليه أو في اشتراط تعيين مطلق السبب؟ فان كان الأول فاحتمال عدم الاشتراط أظهر، و إن كان الثاني فالحق الاشتراط، لتردد الكفارة بين ما في الذمة و بين غيره، و ليس صرفها إلى ما في الذمة أولى من صرفها إلى غيره، فلا يتمحض لما في الذمة إلا بالنية، و الظاهر أنه لا نزاع في هذا عند هؤلاء، و أن محل النزاع هو الأول».

قلت: و من الغش الذي ذكرناه ما ذكروه من وجوب التعيين مع الاتحاد الذي هو صريح الدروس و التنقيح، و نسبوه إلى ظاهر النافع، مع أنه لا وجه لاعتبار التعيين مع الاتحاد، ضرورة كون المراد بالتعيين مع اشتراك ما في ذمة المكلف، و إلا فالمتعين في نفسه لا يحتاج إلى التعيين، و احتمال وجوب ملاحظة خصوص السبب تعبدا لا للتمييز- مع أنه من غير مسألة التعيين- واضح الفساد، ضرورة إطلاق أوامر التكفير بأسبابها، فالسبب غير داخل في وجه المأمور به قطعا، و إنما تجب نية السبب للتشخيص مع الاشتراك، بل هو كغيره من المشخصات و لا خصوصية له، و من هنا صح نية القربة و التكفير لمن كان في ذمته كفارة مرددة بين الظهار و القتل و إن تمكن من العلم بالرجوع إلى كتاب له مثلا أو بالتذكر و نحوهما.

نعم لا يجزئ مع الاتحاد نية العتق المطلق من غير ملاحظة التكفير لاشتراكه حينئذ بين التطوع و بينه، و هذا غير ما نحن فيه، كما أن ما سمعته من الصيمري لا مدخلية له في مسألة التعيين التي هي على القول بها في المتجانس لا بد من ملاحظة خصوص كل واحد منها بمشخص من مشخصاته.

و بذلك كله ظهر لك عدم تنقيح المسألة عندهم، و التحقيق فيها ما أشرنا إليه بعد عدم دليل بالخصوص قطعا من أنه متى تعددت الأوامر على وجه يقتضي التنويع

ج 33، ص: 237

لم يحصل الامتثال إلا بملاحظة كل واحد منها، إذ المطلق لا أمر به كي يصح امتثاله، و الفعل لا مشخص له مع اشتراكه إلا بالنية، و متى كان الأمر متحدا و إن تعددت أفراده لا يجب التشخيص، لصدق الامتثال بدونه قطعا، و ذلك كقضاء أيام شهر رمضان الذي هو في الحقيقة كوفاء الدين، و الأمر الضمني لا يقتضي التنويع، ففي الكفارات مع اجتماع أسبابها كالظهار و القتل خطأ أو أحدهما مع الإفطار في شهر رمضان لا بد من التعيين، لأنها أوامر متعددة متنوعة، و لا مدخلية لاتفاق حكم الكفارة بالترتيب و التخيير و عدمه، ضرورة عدم اقتضاء الأول اتحاد الأمر الذي قد عرفت أنه المناط في عدم وجوب التعيين.

فما سمعته في المختلف- من التفصيل بين المتفقة حكما فلا يجب التعيين بخلاف المختلفة في الترتيب و التخيير فيجب- واضح الفساد، كما أن القول بوجوب نية التعيين في أفراد متحدة السبب ككفارات الظهار مثلا على وجه لا يجزئ إلا نية خصوص كل منها بأحد مشخصاتها كذلك أيضا، ضرورة أنها أفراد أمر واحد، و تعددها بتعدد السبب لا يقتضي تعدد أوامرها على وجه التنويع، ضرورة كون السبب في جميعها الأمر بالكفارة للظهار، و في الحقيقة مع تعدد السبب- مرتين مثلا- كان كالأمر بعتق رقبتين، بل كالأمر بوفاء الدرهمين و إن استقرضهما بعقدي القرض مثلا بخلاف اختلاف الجنس كالقتل و الظهار، فان لكل منهما أمرا مستقلا بكفارته بتوقف امتثاله على تشخيصه، و كان الشيخ في المبسوط ظن أن هذه الأسباب كأسباب الدين المختلفة بالقرض و الجناية و الشراء مثلا، فإنه مع اجتماع القدر المخصوص منها في الذمة يكفي في صدق الوفائية الدفع المطلق عنها من دون تشخيص، و لكنه كما ترى، ضرورة الفرق بين أوامر العبادة الملاحظ فيها قصد الامتثال و غيرها، فلا بد من ملاحظة كل واحد منها بإحدى مشخصاته في صدق امتثاله.

و بذلك كله بان لك الوجه في اختلاف كلماتهم، و أن التحقيق فيها ما ذكرنا،

ج 33، ص: 238

و أنه لا معنى لإشكال المصنف في عدم وجوب التعيين في أفراد متحدة الجنس لما عرفت من أنها أفراد أمر واحد، نعم يجب قصد التكفير عن ذلك السبب أو عما في ذمته في كل واحد منها لا خصوص كل واحد منها بمشخصه. كما إذا اختلف السبب.

بل بان لك مما ذكرناه أنه لا وجه لقول المصنف أما الصوم فالأشبه بالمذهب أنه لا بد فيه من نية التعيين ضرورة عدم الفرق بين الصوم و غيره من خصال متحدة الجنس، و قول الأصحاب يجب التعيين في الصوم في غير شهر رمضان و النذر المعين يراد منه بنية التكفير، لا خصوص كل شخص من أشخاص سببها المتحد، كما هو واضح و بذلك يظهر لك أن هذا الكلام من جملة الكلام المغشوش.

و أما ما ذكره هنا من أنه يجوز تجديدها إلى الزوال فهو أمر خارج عما نحن فيه، و قد استوفينا الكلام فيه في كتاب الصوم، و أنه هل يختص بالناسي و من بدا له أو مطلقا حتى من تعمد العدم في الليل حتى طلع الفجر، فلاحظ و تأمل.

ج 33، ص: 239

[فروع على القول بعدم وجوب التعيين]
[الأول لو أعتق عبدا عن إحدى كفارتيه صح]

الأول:

لو أعتق عبدا عن إحدى كفارتيه المتفقتين في الترتيب، أو التخيير أو المختلفتين صح، لتحقق نية التكفير التي اجتزأ بها القائل بذلك إذ لا عبرة بالسبب عنده و لا غيره من المميزات مع اتحاد الحكم الذي هو وجوب العتق مرتبا أو مخيرا، نعم على ما سمعته من العلامة لا بد من إرادة الترتيب في الكفارتين أو التخيير فيهما من اتحاد الحكم فهو حينئذ أخص من الأول، و حينئذ فإن كانتا مع اختلاف سببهما متفقتين في الجمع أو الترتيب أو التخيير بري ء من العتق عن أحدهما، و لزمه في الأول عتق رقبة اخرى مطلقة كذلك فتبرأ ذمته منهما بالنسبة إلى العتق، و كذا في الثاني أو المركب منهما، و أما الثالث فإنه بالعتق تبرأ من إحداهما و يتخير ثانيا بين فعل إحدى الخصال الثلاث مطلقة فيبرأ منهما.

و لو كانت إحداهما مرتبة و الآخرى مخيرة برئت ذمته من إحداهما أيضا لا على التعيين، و تعين عليه العتق ثانيا عن إحداهما كذلك، لتوقف البراءة مما في ذمته المتردد بين الأمرين عليه إن لم يصرف ذلك المطلق الأول بعد العتق إلى واحدة معينة و إلا لزمه حكم الآخرى خاصة، و لو عجز ثانيا عن العتق تعين عليه الصوم، لما عرفت من العلة في العتق.

ج 33، ص: 240

[الثاني لو كان عليه كفارات ثلاث متساوية]

الثاني:

لو كان عليه كفارات ثلاث متساوية في الترتيب بين العتق و الصوم و الصدقة نحو كفارة الظهار و القتل و الجز بناء على أنه كفارة ظهار، أو متساوية في الخصال و إن اختلفت في الترتيب و التخيير، كما لو كان مع الأولتين كفارة إفطار شهر رمضان فأعتق و نوى القربة و التكفير أجزأ عن واحدة غير معينة إذا لم يعينها بعد العتق.

ثم لو عجز عن العتق فصام شهرين متتابعين بنية القربة و التكفير بري ء من اخرى كذلك أيضا ثم لو عجز عن الصوم فأطعم ستين مسكينا كذلك بري ء من الثلاث و لو لم يعين و كذا لو كان إحدى الثلاث مثلا مخيرة، أما لو كانت الثلاث مخيرة فلا حاجة إلى اعتبار العجز بخلافه على الأولين، و لو اجتمع عليه ثلاث كفارات جمع فأعتق و نوى الكفارة مطلقا فإنه يبرأ من عتق واحدة غير معينة، فاذا صام كذلك بري ء من صوم واحدة كذلك، فإذا أطعم فكذلك ثم إن لم يصرفه إلى واحدة معينة و إلا افتقر في تعيين الخصال إلى الإطلاق، و الله العالم.

ج 33، ص: 241

[الثالث لو كان عليه كفارة و لم يدر سببه فأعتق و نوى القربة و التكفير أجزأ]

الثالث:

لو كان عليه كفارة و لم يدر أ هي عن قتل مثلا أو عن ظهار فأعتق و نوى القربة و التكفير أجزأ بلا إشكال. لما عرفت من إجزاء هذه النية مع العلم بنوع الكفارة و تعددها، فمع الجهل و اتحادها أولى، بل في المسالك «و لو اشترطنا التعيين مع العلم احتمل سقوطه مع الجهل- كما في هذه الصورة- و وجوب التردد بين الأمرين كالصلاة المشتبه حيث و جب تعيينها ابتداء فكذا مع الجهل، فتردد النية بين الأقسام المشكوك فيها، و هو أولى».

و فيه أن المتجه سقوطه حتى مع العلم، لأنه متعين في نفسه، و التعيين إنما يجب مع التعدد، لتوقف صدق الامتثال عليه بخلاف المتعين، فإنه يكفي في صدق امتثاله ملاحظة الأمر المتعلق به واقعا، و ليس في الأدلة وجوب التعرض لخصوص السبب في النية، ضرورة صدق امتثال كفارة النذر مثلا بقصد الأمر الذي في ذمته، و كان في الواقع نذر مثلا، كما هو واضح.

و قد يفرق بين الظهرية و العصرية و بين المقام بإمكان القول بوجوب ملاحظة القيود المزبورة في نفسها، لا للتعيين لدخولها في نفس المأمور به، فيتوقف صدق الامتثال عليها، بخلاف المقام المعلوم خروج ملاحظة السبب عن المكلف به الذي هو الكفارة له فتأمل جيدا، فإنه لا يخلو من دقة.

هذا و في حاشية الكركي على الكتاب «و لو قلنا باشتراط التعيين وجب الترديد بينهما» و لا يخفى ما فيه، ضرورة عدم كونه تعيينا حينئذ، بل إما أن يقال بسقوطه أو لا بد من التكرار بناء على حصول الاحتياط به، و الله العالم.

ج 33، ص: 242

[الرابع لو شك بين النذر و الكفارة فنوى التكفير لم يجز و كذا العكس]

الرابع:

لو شك فيما في ذمته بين نذر و كفارة ظهار مثلا فنوى التكفير أو النذر لم يجز، لأن النذر لا يجزئ فيه نية التكفير و هو لا يجزي فيه نية النذر، نعم لو نوى إبراء ذمته من أيهما كان مع الترديد بينهما و بدونه كما سمعته سابقا جاز لكونه قدرا جامعا بينهما مختصا بهما مع فرض عدم احتمال غيرهما في ذمته، بل يقوى الاكتفاء بذلك مع تمكنه من العلم، لما سمعته سابقا من اتحاد المكلف به و تعينه في نفسه، بل و إن لم يتشخص عنده بما عينه به واقعا، و ما سمعته من الكركي سابقا قد عرفت ما فيه و إن ذكره هنا أيضا.

و لو نوى العتق مطلقا أي مجردا عن الصفة التي تقتضي تشخيصه في الواقع لم يجز، لأن احتمال إرادة التطوع أظهر عند الإطلاق، و مع فرض عدم نيتها أقصاه الإطلاق المجرد عن التشخيص، و كذا لو نوى الوجوب، لأنه قد يكون لا عن كفارة و لا عن نذر، فهو غير قابل في حد ذاته للتشخيص، لأنه من صفات الأمر، نعم لو نوى العتق الواجب مريدا به التشخيص أجزأ، بل لو قصد التميز بالوجوب كان كذلك و إن كان الأول أظهر في إرادة التشخيص.

و لعله لذا فرق في القواعد بين نية الوجوب و العتق الواجب، فلا يجزئ الأول و يجزئ الثاني، فما في المسالك- من أن الفرق بينهما غير واضح- لا يخلو من نظر، و الأمر سهل بعد معلومية كون المدار على نية ما يحصل به التشخيص واقعا و إن لم يعلم به بعينه، لصدق الامتثال، و الله العالم.

ج 33، ص: 243

[الخامس لو كان عليه كفارتان و له عبدان فأعتقهما و نوى نصف كل واحد منهما عن كفارة صح]

الخامس:

لو كان عليه كفارتان مثلا و له عبدان فأعتقهما عنهما و لكن كان كيفية ذلك بأن نوى عتق نصف كل واحد منهما عن كفارة قاصدا للسراية في النصف الآخر أو لم يتعرض لذلك على حسب ما سمعته سابقا صح، لأن كل نصف تحرر عن الكفارة المرادة به بقصده تحرره لها و يحرر الباقي عنها بالسراية التي قد عرفت الحال فيها.

و كذا لو أعتق نصف عبده عن كفارة معينة صح لأنه ينعتق كله دفعة كما تقدم الكلام في ذلك كله و في المحكي عن ابن الجنيد، و ليس المراد من العبارة عتق كل من نصفي كل من العبدين عن كفارة بمعنى نية نصف عن واحدة و النصف الأخر عن الآخرى، و هكذا الحال في العبد الآخر، كما ادعى في المسالك أنه المتبادر من العبارة أو هي شاملة له، ضرورة فساده على هذا التقدير، بل لا موضوع للسراية و الرغبة فيه ملفقة، و من المعلوم عدم إجزائها حينئذ، فليس المراد من العبارة إلا ما ذكرناه، و يكون هو حينئذ عين المسألة السابقة.

و لكن المصنف أعاده لبيان حكم ما ذكره بقوله أما لو اشترى أباه أو غيره ممن ينعتق عليه و نوى به التكفير قال في المبسوط يجزئ للصدق، إذ العتق و إن كان قهريا إلا أنه اختياري السبب، مثل عتق النصف المقتضي للسراية، و مع فرض استمرار النية تصادف ملكه الذي هو شرط أو سبب في الانعتاق، و في الخلاف لا يجزئ، و هو أشبه (11) عند المصنف بأصول المذهب و قواعده، لأن نية العتق (12) قبل الشراء لا أثر لها، إذ هي تؤثر في ملك المعتق (13) و إن تبعه غيره، كما سمعته في العبد المشترك لا في ملك غيره (14) و بعده تصادف حريته ف (15) ان السراية سابقه على النية، (16) و حينه ملكا(1)غير مستقر ف (17) على كل حال


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية المسودة و المبيضة و الاولى« كان ملكا».

ج 33، ص: 244

لا يصادف حصولها ملكا يصلح للعتق عن الكفارة.

و قد استشكل في ذلك الفاضل في القواعد، و جعل منشأ الاشكال ما سمعته من التعليلين، لكن في إيضاح ولده «الأصح عدم الإجزاء، لأن الملك هنا سبب معد للعتق لا من الأسباب الفاعلة، لأن السبب الفاعل هنا النسب، و الملك جاعل المحل قابلا لتأثير النسب في العتق، و فاعل قبول المحل لأثر صادر عن غيره ليس بفاعل لذلك الأثر، فلا يصدق عليه أنه أعتق، و لأن المكلف به مباشرة العتق، و مباشرة العتق إنما تكون بفعل سببه المؤثر، و القابل لا يصلح هنا للتأثير- قال-: و لقد عرضت هذا على المصنف و استحسنه- و قال-: الذي افتى به أنه لا يجزئ».

و فيه إمكان منع كون الفاعل النسب، إذ قد يقال: إنه الملك بشرط النسب أو هما معا العلة التامة، بل مع قطع النظر عن ذلك يصدق نسبة التحرير إليه على نحو غيرها من النسب الصادرة من الأسباب كما أومى إليه فيما تسمعه من المسالك.

و كأن الشهيد في غاية المراد قد عرض به، حيث استدل على الإجزاء بأن «الملك سابق على السراية قطعا، لسبق العلة على المعلول، و السبب سابق على الملك، ضرورة سبق السبب على المسبب، و النية مقارنة للسبب إلى حين الشراء، فالسراية لم تصادف إلا عبدا معتقا عن كفارة فلا سراية- ثم قال-: و حينئذ نمنع وجود العتق هنا إلا عن الكفارة لأنه إنما ينعتق لو لم يوجد سبب أسبق، و قد وجد نية الكفارة» و لا يخلو من قوة و إن ناقشه في كشف اللثام بأنه لو لم يكن العتق للقرابة لافتقر إلى صيغة، و التزامه بعيد جدا، على أن نية العتق ليست سببا فيه، و الأسباب الشرعية لا تتمانع.

و لكن في المسالك بعد أن ذكر ما سمعته في غاية المراد قال: «و هذا متجه بشرط استصحاب النية فعلا إلى عقد البيع، لتصادف الملك و تصدق مقارنتها للسبب إلى حين الملك، و ما ذكروه من الفرق بين هذه و عتق المشترك بأن النية إنما أثرت

ج 33، ص: 245

في المملوك أما ما سرى إليه العتق من ملك الغير فلم يكن مملوكا حال النية، و إنما ترتب السراية على عتق البعض و حكم بملك المعتق له ضمنا قبل السراية فالأمر هنا كذلك، بل الملك هنا حقيقي لا ضمني، لأن الانعتاق مسبب عن ملك القريب له، فإذا قارنته النية فقد قارنت العتق و اشتركا في مقارنتها السبب، و ربما فرق بين الأمرين بأن العتق بالنسبة إلى السراية إلى حصة الشريك سبب فاعلي له، و الشراء بالنسبة إلى عتق القريب سبب معد لا فاعل، لأنه يجعل المحل قابلا لتأثير النسب في العتق، و السبب الفاعلي فيه هو النسب، و فاعليته قبول المحل لأثر بفعل غيره غير فاعل لذلك الأثر، و المعتبر في العتق المطلوب في الكفارة كون المعتق فاعلا له كما مر، و فيه نظر، لاشتراك الأمرين في أصل السببية التي لها مدخل في التأثير في العتق، و الفاعل له حقيقة هو الله، و إنما هذه اعتبارات نسبها الله تعالى علامة لحكمة لا فاعلة في الحكم، فإما أن يصح العتق في الكفارة فيهما نظرا إلى السببية أو لا فيهما، لعدم مباشرته للصيغة التي جعلها الشارع موجبة للعتق بذاتها».

قلت: و هو ما أشرنا إليه سابقا من الاتحاد في صدق النسبة عرفا في الجميع، إذ التحرير الجعل حرا، و هو يعم ما كان بالصيغة و غيره، و هنا قد حرره بالشراء، و لما كان عقد البيع هنا كافيا في العتق جري مجرى صيغة الإعتاق، فكما تكفي النية عندها تكفي عنده، و إن ضويق في الاكتفاء بها فلينوه مستمرا إلى ما بعده، ليصادف الملك، كما أشرنا إليه سابقا، فالمتجه حينئذ الاجزاء إلا أن يكون إجماعا، كما عساه يظهر من عبارة المبسوط، حيث قال: «لا يجزئ عندنا» و من الغريب أن الموجود من عبارته ذلك، و قد حكى المصنف عنه في المتن القول بالإجزاء اللهم إلا أن يكون له مقام آخر.

ج 33، ص: 246

[الشرط الثاني تجريده عن العوض]

الشرط الثاني:

تجريده عن العوض ف لا تجزئ المكاتبة بنوعيها بل لو قال لعبده:

«أنت حر و عليك كذا» لم يجز عن الكفارة اتفاقا كما في كشف اللثام، و ل علة لما ذكره غير واحد، بل ظاهرهم أنه كالمفروغ منه من أن قصد العوض ينافي الإخلاص المعلوم اعتباره في العبادة التي قد عرفت كون الكفارة منها.

و كذا لو قال له قائل: «أعتق مملوكك عن كفارتك و لك علي كذا» فأعتقه لم يجز عن الكفارة أيضا إجماعا كما في المسالك فيه و في سابقه، لما عرفته، و ما عن بعض الشافعية- من الصحة عن الكفارة و سقوط العوض، لحصول العتق، فهو حينئذ نحو قول القائل: «صل الظهر عن نفسك و لك علي كذا» فصلى أنه تجزؤه صلاته و لا يستحق العوض- واضح الفساد بعد ما عرفت، بل لعل الحكم في المقيس عليه كذلك إذا فرض أنه صلى بقصد العوض المنافي للإخلاص.

نعم قد يشكل أصل التعليل في الصورتين بأن ذلك إن نافى الإخلاص المعتبر في نية الكفارة نافاه أيضا في نية العتق المجرد عنها بناء على أنه عبادة، ضرورة عدم الفرق حينئذ بين النية فيهما، و ظاهرهم المفروغية من الصحة مع التجرد عن الكفارة، بل الجعل في الصورة الثانية إن كان منافيا للإخلاص في النية لم يصح جعله في الحج و الصلاة و غيرهما من العبادات، و كذا الإجارة المعلوم فساد التزامه، لاستفاضة النصوص (1)في الإجارة على الحج.

و دعوى الفرق بين المقام و بينه- بأن الجعل هنا على فعل راجع إلى نفس المجعول له بخلاف الأول- يدفعها أن ذلك يقتضي فساد الجعالة لا فساد النية، مع


1- 1 الوسائل الباب- 2 و 3 و 4 و 10 و 11- و غيرها من أبواب النيابة في الحج- من كتاب الحج.

ج 33، ص: 247

أن ظاهرهم عدم الإشكال في الصحة من هذه الجهة و لعله لإطلاق أدلة الجعالة(1)و إمكان ترتب نفع له على ذلك، فالتحقيق الاستناد في أصل الحكم إلى الإجماع الذي سمعته، أو إلى دعوى ظهور أدلة الكفارة في التحرير المجرد عن العوض.

نعم في وقوع العتق لا عنها تردد من تغليب الحرية و صدور الصيغة من أهلها في محلها كما عن المبسوط، بل في غاية المراد «هذا هو الأصح» و في كشف اللثام «هو الأجود» و من أنه إنما نوى المقيد الذي يرتفع المطلق- الذي لم ينو- بارتفاعه، إذ لا عمل إلا بنية، و لعله الأقوى وفاقا للدروس و حاشية الكركي.

و لكن لو قيل بوقوعه هل يلزم العوض؟ قال الشيخ: نعم، و هو حسن في الصورة الأولى، لعموم ما دل (2)على صحة الشرط فيها، و

البطلان عن الكفارة لا يقتضي بفساد الشرط الذي صحته تبع لصحة العتق لا لصحة كونه عن الكفارة.

أما الثانية فلا يخلو من وجه بناء على ما عن المبسوط من أنه يقع عن الباذل، و يكون ولاؤه له، و إن كان فيه ما فيه أيضا، أما على القول بكونه عن المالك فقد يشكل بأنه لم يقع المعوض عنه، و هو العتق عن الكفارة، و لا وقع العتق له، فلا يستحق العوض الذي هو الجعل على ذلك، و من هنا قيل: إن الحكم بلزوم العوض و عدم الإجزاء عن الكفارة مما لا يجتمعان، و الثاني ثابت إجماعا فينتفي الأول.

و ما يقال-: من أن الجعل قد وقع عن العتق عن الكفارة، و قد فعل و إن كان لا يجزئ شرعا، إذ الإجزاء حكم شرعي، و ليس فعلا للمكلف حتى يصح


1- 1 الوسائل الباب- 1- و غيره من كتاب الجعالة.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المكاتبة من كتاب التدبير و المكاتبة.

ج 33، ص: 248

الجعل عليه- يدفعه أن الجاعل إنما يجعل على الفعل الصحيح شرعا، نحو غيره من الجعل على نحو الصلاة و الحج و غيرهما، و تعذر ذلك هنا لا يقتضي إرادة الصورة، خصوصا إذا كان الجاعل جاهلا بالحكم الشرعي، فالحق عدم استحقاق الجعالة حينئذ، نعم لو علم بالقرائن أن الغرض من ذلك تخليص العبد من الرق كيف كان و ذكر الكفارة من باب المثال اتجه حينئذ لزومه حتى لو قلنا بوقوع العتق عن المالك.

و على كل حال لو رد المالك العوض بعد قبضه أو أبرأه قبل قبضه لم يجز عن الكفارة أيضا لأنه إذا لم يجز حال الإعتاق فلم يجز فيما بعد، نعم لو قال ابتداء عقيب الالتماس: «أعتقه عن كفارتي لا على الألف» كان ردا لكلامه و أجزأه عن الكفارة، كما هو واضح.

و لو اشترى بشرط العتق فأعتقه عن الكفارة ففي محكي المبسوط لم يجزه عنها، و لعله لأنه إن جبر على الإعتاق فهو عتق واجب لغير الكفارة، و إلا فهو إعتاق لغير تام الملكية، لكنه كما ترى، ضرورة تناول الإطلاقات له، إذ هو عتق بلا عوض، و الوجوب بالشرط مؤكد للوجوب عن الكفارة لا إعتاق، و لعله لذا كان المحكي عن التحرير و المختلف الحكم بالإجزاء، و في كشف اللثام «لا يبعد التفصيل بالإجزاء إن تقدم وجوب الكفارة على الشراء، و العدم إن تأخر» و لا يخلو من نظر بناء على أن المراد من الشرط حصول ماهية العتق كيف كان بحيث يندرج فيه العتق عن الكفارة، و الله العالم.

ج 33، ص: 249

[الشرط الثالث أن لا يكون السبب محرما]

الشرط الثالث:

أن لا يكون السبب المؤثر للعتق محرما، فلو نكل بعبده بأن قلع عينيه أو قطع رجليه و نوى التكفير انعتق، و لم يجز عن الكفارة بلا خلاف و لا إشكال للنهي (1)المنافي لقصد الطاعة به المتوقف على الأمر به.

هذا كله في العتق.

[القول في الصيام]

و أما القول في الصيام و هو أحد خصال الكفارة بلا خلاف في أنه يتعين أي الصوم في المرتبة مع العجز عن العتق المراد من عدم الوجدان الذي هو عنوان الحكم في الكتاب العزيز(2)أو المندرج فيه، و لا إشكال بعد توافق الكتاب و السنة(3)و الإجماع عليه.

و لا ريب في أنه يتحقق عدم الوجدان الذي عبر عنه المصنف ب العجز إما بعدم وجود الرقبة عنده و عدم ثمنها و إما بعدم التمكن من شرائها و إن وجد الثمن، لعدم الباذل و قيل: حد العجز عن الإطعام أن لا يكون معه ما يفضل عن قوته و قوت عياله ليوم و ليلة (11) و نحوه في التحرير إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذكر ذلك في المقام الذي هو في العجز عن الرقبة لا الإطعام.

و من هنا قال في المسالك بعد أن ذكر استثناء النفقة: «و لم يقدر الأكثر هنا للنفقة و الكسوة مدة، فيمكن أن يكون المعتبر كفاية العمر، و يتحقق ذلك بملك ما يحصل من نمائه إدرار النفقة في كل سنة بما يقوم بكفايته و نحو ذلك،


1- 1 يمكن استفادة النهي مما ورد في تعزير من نكل بعبده المروي في المستدرك في الباب- 19- من كتاب العتق.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 92.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 250

و يمكن أن يريدوا به مئونة السنة، لأن المئونات تتكرر فيها و يتجدد الإعداد لها، و أن يريدوا به قوت يوم و ليلة زيادة على المحتاج إليه في الوقت الحاضر من الكسوة و الأمتعة، و لعدم ورود التقدير هنا في النصوص عدل المصنف إلى قوله: «و قيل: حد العجز» إلى آخره، و لم يذكر العجز عن الرقبة لما ذكرناه».

و فيه أن المصنف لم يتقدم له ذكر النفقة أصلا، و إنما ذكرها بعد ذلك، و يمكن أن يكون مراد المصنف بذلك أنه يأتي على هذا القول كون حد العجز عن الرقبة أن لا يكون عنده ما يفضل عن قوت يوم و ليلة، ضرورة عدم الفرق بينهما في ذلك، و وجهه حينئذ أن الكفارة من قبيل الديون التي يقتصر فيها على ذلك مع المستثنيات، و إن كان قد يناقش بإمكان كون المراد من الوجدان الغنى نحو

قوله عليه السلام (1): «لي الواجد يحل عقوبته و عرضه»

الذي هو مثل

قوله (2): «مطل الغني يحل عقوبته و عرضه».

قال في الصحاح: «وجد في المال وجدا و وجدا و وجدا و جدة أي استغنى- إلى أن قال-: و أوجده أو أغناه يقال: الحمد لله الذي أوجدني بعد فقر» و في مختصر النهاية «الواجد الغني

الذي لا يفتقر، و لي الواجد أي القادر على قضاء دينه، و وجد يجد جدة استغنى».

و ربما يؤيده

موثق إسحاق بن عمار(3)عن أبي إبراهيم عليه السلام «سألته عن كفارة اليمين في قوله تعالى (4)فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ما حد من لم يجد؟


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الدين و القرض الحديث 4 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الدين و القرض الحديث 3 و المستدرك الباب- 8- منها الحديث 2 و 6 و سنن البيهقي ج 6 ص 70 و في الجميع« مطل الغنى ظلم».
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب الكفارات.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 89.

ج 33، ص: 251

و أن الرجل ليسأل في كفه و هو يجد، فقال: إذا لم يكن عنده فضل عن قوت عياله فهو ممن لا يجد»

و إن كان هو في غير ما نحن فيه من وجدان الرقبة لكنه تفسير لمطلق من لا يجد على معنى أنه المالك لأزيد مما يحتاجه من قوته و قوت عياله و غيره من مئونة، فيكون ذكر القوت مثالا لكل مئونة، و اعتبار الزيادة حينئذ لأجل إمكان الإتيان بالمأمور به، و هو على جدته، لا أنه بذلك يكون فقيرا و مسكينا و حينئذ يكون المرتب عليه الصوم عدم الجدة أي الغني و السعة، و منه يشكل الحال في كثير مما ذكروه، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فلو وجد الرقبة و كان مضطرا إلى خدمتها لمرض أو كبر أو زمانة أو ضخامة أو لرفعة شأن أو إلى ثمنها لنفقته أو كسوته له أو لعياله الواجبي النفقة عليه، أو لدين و

إن لم يطالب به، أو حق لازم عليه أو نحو ذلك لم يجب العتق بلا خلاف و لا إشكال.

نعم في المراد من النفقة الوجوه أو الأقوال السابقة التي حكي عن ظاهر المبسوط اختيار الأول منها، لأنه قال: «إما أن يكون له فضل عن كفايته على الدوام أو وفق الكفاية، فإن كان له فضل لم يكن من أهل الصيام، لأنه واجد، و إن كان له وفق كفايته على الدوام لا يزيد شيئا، فإن فرضه الصيام» و في الدروس و المسالك و حاشية الكركي و غيرها اختيار الثالث منها، لأن الكفارة بمنزلة الدين الذي يستثنى منه ذلك بالنسبة إلى القوت.

و في المسالك «و أما الكسوة المحتاج إليها في الوقت فمستثناة و إن بقيت بعد ذلك مدة طويلة بغير خلاف، و كذلك المسكين و الخادم- ثم قال-: و حيث كان المعتبر قوت اليوم و الليلة فلو كانت مئونته تستدر من ضيعة أو تجارة و يحصل منهما كفايته بلا مزيد و لو باعهما لتحصيل عبد كان ممكنا لارتد إلى حد المساكين كلف ذلك، و استثني مئونته مما ذكر، و لو اعتبرنا قوت السنة أو الدوام لم يقع، و اختلف كلام العلامة، ففي التحرير أوجب بيعهما، و في القواعد قطع بعدم الوجوب، مع أنه لم يبين المراد من النفقة المستثناة له، و لكن هذا يشعر باستثناء أزيد من قوت

ج 33، ص: 252

اليوم و الليلة».

و رده في الرياض بعد أن حكاه عن الدروس و جماعة مستدلا له بصدق الوجدان لغة «بأنه معارض بعدم الصدق عرفا و عادة، و هو الأرجح حيثما حصل بينهما معارضة، مع التأيد بأصالة البراءة و الأولوية المستفادة من نفي الزكاة التي هي أعظم الفرائض بعد الصلاة عن مثله بالإجماع و الأدلة، مع منافاة الوجوب حينئذ للملة السهلة السمحة، و استلزامه العسر و الحرج في الشريعة المحمدية على المتصدع بها ألف صلاة و سلام و تحية، فالقول بذلك بعيد غايته كالقول الأول، فإذا الأوسط أوجه».

قلت: لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما ذكرناه من أن المراد بالوجدان السعة و عدمه عدمها، و لعل إيكالهما إلى العرف أولى من ذلك كله، و قياس ما نحن فيه على الدين ليس من مذهبنا و تقدير النفقة بما سمعت لا مدخلية له فيما نحن فيه، ضرورة عدم كونها عنوانا لحكم شرعي هنا في شي ء من الكتاب و السنة، كما أنه لا مدخلية هنا لملاحظة ذكر المستثنيات في الدين عينا أو قيمة بناء على أن الكفارة منه، ضرورة عدم مناسبة ذلك للخلاف بينهم في اعتبار نفقة السنة أو تمام العمر الذي من المعلوم عدم ملاحظة مثله في وفاء الدين الذي قد يمنع شموله لمثل المقام، خصوصا بعد ملاحظة ذكرهم له في باب المفلس الذي لا يكون إلا في حقوق الناس دون حقوق الله تعالى، و دعوى الأولوية على وجه يقطع العقل بها ممنوعة، فلا مدرك للمسألة حينئذ إلا ما ذكرناه من كون المعتبر في وجوب العتق كون المكلف ذا جدة أي سعة في المال، و العرف صالح لتشخيصه.

و إن أبيت جعلت المراد الغني الشرعي المقابل للفقير كذلك، و حينئذ فاستثناء الأمور المذكورة لصدق عدم الجدة فيمن لا يملك سواها، لا للاستثناء في الدين الذي منه الكفارة، بل لو فرض تعدد بعضها عنده لم يجب عليه بيعه في العتق مع عدم صدق الجدة به.

ج 33، ص: 253

و بذلك كله ظهر لك أن الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لا يباع المسكن و لا ثياب الجسد و لا غيرهما مما ذكر في الدين كدابة الركوب للحاجة أو للشرف و غيرها ما قلناه من عدم صدق الجدة.

بل و النظر في قولهم و يباع ما يفضل عن قدر الحاجة من المسكن إذا فرض عدم تحقق صدق الجدة و السعة به، نعم لا بأس بقولهم لا يباع الخادم على المرتفع عن مباشرة الخدمة لكن لما ذكرناه، لا لما ذكروه من كونه مستثنى في الدين.

و منه يعلم النظر في قولهم و يباع على من جرت عادته بخدمة نفسه إلا مع المرض المحوج إلى الخدمة بناء على عدم تحقق صدق الجدة عليه بذلك.

و كذا الكلام فيما لو كان الخادم غاليا بحيث يتمكن من الاستبدال منه ببعض ثمنه الذي قيل فيه يلزم بيعه، لإمكان الغنى عنه و قيل: لا يلزم، لإطلاق ما دل على استثنائه في الدين و كذا قيل في المسكن إذا كان غاليا و أمكن تحصيل البدل ببعض الثمن (11) بحيث يبيعه، لإمكان الجميع بين الأمرين.

و (12) لكن الأشبه (13) عند المصنف و غيره أنه لا يباع تمسكا بعموم النهي عن بيع المسكن (14) في الدين، و قد عرفت أن التحقيق دوران الأمر على صدق الجدة و عدمه.

و منه يعلم الحال في كثير من كلماتهم في المقام على اختلافها، حتى ذكر الوجهين فيمن وجد الرقبة بأزيد من ثمن المثل المبني على ما ذكروه في التيمم من الوجوب للمقدمة، و من عدمه لقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» المشعر باتحاد المراد من عدم الوجدان في الموضعين، إذ هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه من كون المدار على صدق الجدة و عدمها، نعم لو فرض معها توقف شراء الرقبة مثلا على بذل الزائد المستلزم قبحا أو ضررا رجح على باب المقدمة كما حققناه في محله.

ج 33، ص: 254

و بالجملة ليس المراد من عدم الوجدان هنا ما أريد به هناك، كما هو ظاهر بعضهم أو صريحه حتى فرع في المقام بعض ما ذكر هناك، كما عرفت الحال مفصلا.

بقي الكلام في شي ء، و هو ما ذكروه من الإجزاء لو تكلف غير الواجد فأعتق، بل ربما ادعي الإجماع عليه إلا مع فرض النهي عنه، و مثل بمن اشترى الرقبة مع وجود الدين المطالب به، و نوقش بعدم اقتضاء الأمر بشي ء النهي عن ضده، و الإثم بترك الوفاء لا يقتضي فساد العتق، و لعل الوجه في أصل الحكم بعد الإجماع المزبور دعوى ظهور الأدلة في إرادة التخفيف برفع الوجوب العيني مع عدم الجدة لا أصل المشروعية، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في أنه مع تحقق العجز عن العتق يلزم الحر في الظهار و القتل خطأ صوم شهرين متتابعين بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1)و السنة(2)المستفيضة أو المتواترة.

و المشهور بل قيل عليه عامة من تأخر بل عن الخلاف الإجماع عليه أن على المملوك صوم شهر

للصحيح (3)«الحر و المملوك سواء، غير أن على المملوك نصف ما على الحر من الكفارة، و ليس عليه صدقة و لا عتق»

و خبر محمد بن حمران (4)عن الصادق عليه السلام «سألته عن المملوك أ عليه ظهار؟ فقال: نصف ما على الحر: صوم شهر، و ليس عليه كفارة من صدقة و عتق»

و نحوه غيره (5)المنجبرين بما سمعت إن كان في سنديهما ضعف المعتضدين بغلبة التنصيف، بل قيل: إنها قاعدة، و بذلك كله تخص الآية بناء على ما حققناه في الأصول من جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إن لم نقل بظهورها في الحر، و إلا فلا حاجة إلى التخصيص، و الاختصاص بالظهار يدفعه عدم القول بالفرق بينه و بين القتل خطأ، فما


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 92 و سورة المجادلة: 58- الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 10- من أبواب الكفارات.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من كتاب الظهار الحديث 3.

ج 33، ص: 255

عن الحلبي و ابني زهرة و إدريس من كونه كالحر فيهما حينئذ واضح الضعف على أصولنا.

و لو أعتق قبل الأداء وجب الشهران بناء على ما ستعرفه من أن العبرة عندنا بحالة الأداء و لو أعتق بعد التلبس بالصوم فكذلك يجب عليه الشهران على إشكال، من أن العبرة بأول الأداء، و لذا لا يجب عليه العتق إذا أيسر، و احتمال كون مجموع الصوم عبادة واحدة، و لأن السبب في حقه سبب لصوم شهر، فلا يتسبب لصوم شهرين، و من أنه إنما كان يكفيه شهر للرق و قد زال، مع كون الظاهر أن صوم كل يوم عبادة مغايرة لصوم آخر، و إنما كان العبرة بأول الأداء في سقوطه الخصلة المتقدمة.

أما لو أفسد ما شرع فيه من الصوم فإنه يجب عليه الشهر ان قطعا بناء على وجوب العتق على المكفر إذا أيسر قبل التلبس، فإنه حينئذ كمن لم يشرع، و كذا لو أيسر و أفسد تعين العتق عليه بناء عليه، و قد يحتمل عدم تعين الشهرين عليه، و كذا العتق.

و أما المبعض فيحتمل إلحاقه بالحرة لإطلاق الأدلة المقتصر في الخروج منها على المملوك، و يحتمل ملاحظة النسبة فيه، و لعل الأول أحوط إن لم يكن أقوى.

و لو وجد بالجزء الحر مالا يفي بالعتق و جب عليه العتق للوجدان، و عن العامة قول بأنه ليس له بناء على أنه يقتضي الولاء و هو ليس أهلا له.

و على كل حال فإن أفطر الحر في الشهر الأول من غير عذر استأنف لفوات التتابع الذي هو شرط في الإجزاء عن الكفارة بلا خلاف و إن كان لعذر بنى على صومه، و لم ينقطع تتابعه للأدلة و إن صام من الثاني و لو يوما أتم و إن لم يتابع في الباقي، لتحقق التتابع في الشهرين و لو شرعا لذلك.

ج 33، ص: 256

و هل يأثم مع الإفطار؟ فيه تردد و خلاف أشبهه عدم الإثم وفاقا للأكثر كما أشبعنا الكلام في كتاب الصوم (1)في ذلك كله، بل و في إلحاق التتابع بنذر و شبهه به، بل و في الاجتزاء به لو كان في شهر بنذر و نحوه بصوم خمسة عشر يوما و في إلحاق كفارة العبد به، بل و في تحقيق العذر الذي لا يقطع التتابع و إن قال المصنف هنا العذر الذي يصح معه البناء الحيض و النفاس و المرض و الإغماء و الجنون، و أما السفر فان اضطر إليه كان عذرا و إلا كان قاطعا للتتابع.

و لو أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على أنفسهما لم ينقطع التتابع، و لو أفطرتا خوفا على الولد قال في المبسوط: ينقطع، و في الخلاف لا ينقطع، و هو أشبه.

و لو أكره على الإفطار لم ينقطع التتابع، سواء كان إجبارا كمن و جر الماء في حلقه أو لم يكن كمن ضرب حتى أكل، و هو اختيار الشيخ في الخلاف، و في المبسوط قال بالفرق.

و لو عرض في أثناء الشهر الأول زمان لا يصح صومه عن الكفارة كشهر رمضان و الأضحى بطل التتابع لكن تحقيق ذلك كله و غيره من

المباحث قد أشبعناه في كتاب الصوم (2)فلا نعيده، فلاحظ و تأمل.

[القول في الإطعام]

و أما القول في الإطعام و أحكامه فلا خلاف و لا إشكال في أنه يتعين أي الإطعام في المرتبة مع العجز عن الصيام أصلا بالهرم و نحوه، قيل و بالمرض المانع منه أو ما يحصل به مشقة شديدة و إن رجا برءه، و بالخوف من زيادته، و فيه منع صدق إطلاق عدم الاستطاعة مع رجاء البرء، خصوصا مع قصر الزمان، و لعل المسألة من مسألة جواز البدار لذوي الأعذار مع رجاء الزوال أو يجب عليهم الانتظار،


1- 1 ج 17- ص 71- 86.
2- 2 ج 17- ص 87- 89.

ج 33، ص: 257

و كان الفاضل في القواعد اختار الثاني هنا، حيث قال: «و لو عجز عن الصوم بمرض يرجى زواله لم يجز الانتقال إلى الإطعام إلا من الضرر كالظهار» و تبعه في كشف اللثام قال: «و من العامة من أجازه إذا ظن استمراره شهرين، لصدق أنه لا يستطيع الصوم» إلى آخره.

و الصحيح إذا خاف الضرر بالصوم انتقل إلى الإطعام، لشمول عدم الاستطاعة له، و كذا عدم القدرة في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فقال: أعتق رقبة، فقال: ليس عندي، قال: فصم شهرين

متتابعين. قال: لا أقدر، قال: فأطعم ستين مسكينا».

هذا و في القواعد و كشف اللثام أيضا «و هذا الصوم بخلاف صوم شهر رمضان، فلا يجوز فيه الإفطار من الصحيح لخوف المرض، لعموم الأمر بصومه و تعليق التأخير إلى أيام أخر على المرض، مع أنه لا بدل له» و فيه ما لا يخفى من عدم الفرق بين شهر رمضان و غيره من الصوم الواجب.

و لو خاف المظاهر الضرر بترك الوطء مدة وجوب التتابع لشدة شبقه فالأقرب الانتقال إلى الإطعام كما في القواعد و محكي المبسوط، أما إذا خاف من شدة الشبق حدوث مرض فهو من خوف الصحيح المرض الذي قد عرفت الحال فيه، و أما إذا كان الشبق هو الضرر فلأنه ضرر كغيره، و لا ضرر و لا حرج في الدين، و يؤيده أن الله تعالى رخص الرفث إلى النساء ليلة الصيام (2)بعد أن حرمه لما علم أنهم لا يصبرون، و

قصة سلمة بن صخر(3)الذي حمله الشبق على أن واقع بعد الظهار في رمضان فقال له النبي صلى الله عليه و آله: «صم شهرين متتابعين، فقال له: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و هل أصابني ما أصابني إلا من الصيام؟».

و كذا قيل: لا يلحق به السفر و إن امتنع حالته، لأنه مستطيع للصوم


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 187.
3- 3 المستدرك الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 2.

ج 33، ص: 258

بالإقامة غالبا، نعم لو تعذرت أمكن الجواز فيه، و فيه أن الحضر شرط وجوب الصوم، و لا يجب على المكلف تحصيل شرط الوجوب، فيمكن حينئذ دعوى صدق عدم الاستطاعة حاله، و لا يجب عليه الإقامة تحصيلا للشرط.

و كيف كان ف يجب إطعام العدد و لو بالتسليم إلى المستحق لكل واحد مد وفاقا للمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين، لأصالة براءة الذمة من الزائد، بعد الإجماع على عدم جواز الأقل و كفايته غالبا، و للنصوص المستفيضة أو المتواترة الواردة في كفارة اليمين (1)المتممة بعدم القول بالفصل، مضافا إلى خصوص ما ورد(2)في كفارة القتل خطأ و كفارة شهر رمضان من الخمسة عشر صاعا(3)و ما سمعته سابقا من حديث الأعرابي (4)الذي دفع له النبي صلى الله عليه و آله مكتل التمر الذي فيه خمسة عشر صاعا، و غير ذلك.

و لكن مع ذلك قيل كما عن الخلاف و المبسوط و النهاية و التبيان و مجمع البيان و الوسيلة و الإصباح مدان مع القدرة و مع العجز مد بل عن صريح أول و ظاهر الرابع و الخامس الإجماع عليه، للاحتياط المتعارض في بعض صوره.

و حينئذ فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي مقتضاها العمل بالنصوص (5)المستفيضة أو المتواترة التي فيها الصحيح و غيره، و مروية في الكتب الأربعة و غيرها المعتضدة مع ذلك بالأصول و

العمل و غيرهما، السالمة عن المعارض المكافى ء لها، إذ ليس هو إلا الإجماع الذي قد عرفت حاله،


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب الكفارات.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 و 10 من كتاب الصوم.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 390.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 259

و إلا

خبر أبي بصير(1)عن أحدهما عليهما السلام «في كفارة الظهار تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا لكل مسكين مدين مدين»

و المرسل (2)عن علي عليه السلام «في الظهار يطعم ستين مسكينا، كل مسكين نصف صاع»

اللذين ينبغي حملهما على ضرب من الندب، بل يمكن أن يكون ذلك منتهى الزيادة على المد التي قد ذكر استحبابها غير واحد من الأصحاب المقدرة في صحيح الحلبي (3)بحفنة، و في

حسن هشام (4)عن الصادق عليه السلام «في كفارة اليمين مد من حنطة و حفنة، لتكون الحفنة في طحنه و حطبه».

بل عن الإسكافي وجوبها، لظاهر الخبرين المزبورين و إن كان هو ضعيفا، لخلو معظم النصوص (5)المعتضدة بالعمل الواردة في مقام البيان عنها. و من هنا كان المتجه حملهما على الندب، فيكون حينئذ أقله الحفنة و أعلاه المد.

و نحو ذلك الإشباع المقدر في المشهور بالمرة، لإطلاق أكثر النصوص المتحقق صدق امتثاله بالمرة، بل في

صحيحة أبي بصير(6)منها عن الباقر عليه السلام «يشبعهم مرة واحدة»

لكن عن المفيد أنه اعتبر في الأيمان يشبعهم طول يومهم و لم يذكر المد إلا في القتل، و عن سلار فيها أيضا «و إطعامهم لكل واحد شبعة في يومه، و لا يكون فيه صبي و لا شيخ كبير و لا مريض، و أدنى ما يطعم كل واحد منهم مدا» و عن الوسيلة «أنه إذا أطعمهم أشبعهم، و إن أعطاهم الطعام لزمه لكل مسكين مدان في السعة و مد في الضرورة» و عن القاضي «فليطعم كل واحد منهم شبعة في يومه، فان لم يقدر أطعمه مدا من طعام» و عن أبي علي «هو مخير بين أن يطعم دون التمليك غداهم و عشاهم في ذلك اليوم، و إذا أراد تمليك الإنسان الطعام أعطى كل إنسان منهم مدا و زيادة عليه بقدر ما يكون لطحنه و خبزه و إدامه» و عن التقي و ابن زهرة الاقتصار على الإشباع في يومه، و في

خبر سماعة بن


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 6.
2- 2 دعائم الإسلام ج 2 ص 278 ط مصر عام 1379.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 5.

ج 33، ص: 260

مهران (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله تعالى (2)مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ،

قال: ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوما، و كان يعجبه مد لكل مسكين».

و لعل التأمل في ذلك أجمع يقتضي إرادة استحباب الزيادة على المد، و حدها المد الآخر، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، و على تقديره فقد عرفت أن الأقوى المد و استحباب الزيادة عليه إلى مد آخر.

و أما الجمع بين النصوص بالتفصيل بين حالي القدرة و العجز فهو- مع أنه لا شاهد له- فرع المكافئة المفقودة من وجوه، كالجمع بالتفصيل بين كفارة الظهار و غيرها، فيجب مدان في الأولى و مد في غيرها الذي ادعى مخالفته للإجماع، و لعله كذلك.

هذا و في المسالك «المعتبر من المد الوزن لا الكيل عندنا، لأن المد الشرعي مركب من الرطل، و الرطل مركب من الدرهم، و الدرهم مركب من وزن الحبات، و يركب من المد الصاع، و من الصاع الوسق، فالوزن أصل الجميع، و إنما عدل إلى الكيل في بعض المواضع تخفيفا، و تظهر الفائدة في اعتبار الشعير بالكيل و الوزن، فإنهما مختلفان جدا بالنسبة إلى مقدار البر بالكيل».

قلت: كما جاء التقدير بالمد و ليس له مكيال معروف جاء التقدير بالصاع هنا، كما سمعته من الأمر(3)بدفع خمسة عشر صاعا، و من المعلوم أنه مكيال معروف، فيجوز الدفع به حينئذ من دون ملاحظة الوزن اللهم إلا أن يقال:

إن مرجعه إلى الوزن، إذ هو أربعة أمداد، و قد عرفت أن ضبط المد بالميزان، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 9.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5 من كتاب الصوم.

ج 33، ص: 261

و كيف كان ف لا يجزئ عندنا مع الاختيار إعطاء ما دون العدد المعتبر و إن كان بقدر إطعام العدد لعدم صدق الامتثال، و ل

موثق ابن عمار(1)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن إطعام عشرة مساكين أو إطعام ستين مسكينا أ يجمع ذلك لإنسان واحد يعطاه؟ فقال: لا، و لكن يعطي إنسان إنسانا، كما قال الله تعالى»

نعم لو دفعه لواحد ثم اشتراه منه مثلا ثم دفعه لاخر و هكذا إلى تمام الستين أجزأه بلا خلاف و لا إشكال.

و على كل حال ف لا يجوز التكرار عليهم من الكفارة الواحدة و لو في أيام متعددة، لا المتعددة التي لا خلاف في جواز التكرار فيها حينئذ مع التمكن من العدد خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فاجتزأ بالصرف إلى واحد في ستين يوما و ضعفه واضح.

نعم يجوز ذلك في المشهور مع التعذر بل لم أقف فيه على مخالف صريح معتد به، كما اعترف به غيرنا أيضا، بل في كشف اللثام يظهر من الخلاف الاتفاق عليه، ل

خبر السكوني (2)المنجبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه

السلام: إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل و الرجلين فلتكرر عليهم حتى يستكمل العشرة يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا»

و احتمال التقية من أبي حنيفة بقرينة كون الراوي منهم يدفعه اشتماله على اشتراط جواز ذلك بعدم وجدان غير الرجل و الرجلين، و هو مناف لما سمعته من أبي حنيفة من إطلاق الاجتزاء بذلك، فلا بأس بتقييد الإطلاق به، فضلا عن الخروج به عن الأصول.

فما عساه يظهر من بعض- من الميل إلى وجوب الصبر إلى حال التمكن- واضح الضعف، و لكن ظاهر الخبر المزبور و بعض فتاوى الأصحاب ملاحظة التعدد في الأيام، و لا ريب في أنه أحوط، هذا كله في المتحدة.

و أما المتعددة فلا خلاف بلا إشكال في جواز الإعطاء لواحد و إن تمكن من


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 262

الغير، من غير فرق بين التسليم و الإشباع، فيحتسب حينئذ إشباع المسكين مرتين بمسكينين و لو في يوم واحد، و إن ظهر من الدروس نوع توقف فيه، قال: «و لو تعددت الكفارات جاز أن يعطي الواحد ليومه من كل واحدة مدا، و على القول بإجزاء الإشباع لو أطعم مسكينا مرتين غداء و عشاء في يوم ففي احتسابه بمسكينين احتمال، سواء وجد غيره أو لا».

و يجب أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله، و لكن لو أعطى ما يغلب على قوت البلد جاز و إن لم يكن من طعام أهله، و تبعه الفاضل في القواعد، و مرجعه إلى ما في المسالك من أن «المعتبر في الكفارة من جنس الطعام القوت الغالب من الحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما- إلى أن قال-: و يجزئ التمر و الزبيب» بعد أن حمل آية الأوسط(1)على الندب.

و قد تبع بذلك ما في الدروس من أنه «يجب الإطعام بما يسمى طعاما، كالحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما، و قيل: يجب في كفارة اليمين أن يطعم من أوسط ما يطعم أهله، للاية و حمل على الأفضل، و يجزئ التمر و الزبيب».

و قد أشار بالقيل إلى ما عن ابن إدريس من أنه «يجوز أن يخرج حبا و دقيقا و خبزا و كلما يسمى طعاما إلا كفارة اليمين، فإنه يجب عليه أن يخرج من الطعام الذي يطعم أهله للاية»(2)و اختاره في محكي التحرير.

و عن ابن حمزة «أن فرضه غالب قوته فإن أطعم خيرا منه فقد أحسن، و إن أطعم دونه جاز إذا كان مما يجب فيه الزكاة».

و عن المفيد ره «ينبغي أن يطعم المسكين من أوسط ما يطعم أهله، و إن أطعم أعلى من ذلك كان أفضل، و لا يطعم من أدون ما يأكل هو و أهله من الأقوات».

و في محكي الخلاف «كلما يسمى طعاما يجوز إخراجه في الكفارة، و روى


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 89.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 89.

ج 33، ص: 263

أصحابنا(1)أن أفضله الخبز و اللحم، و أوسطه الخبز و الزيت، و أدونه الخبز و الملح- و استدل بإجماع الفرقة و بقوله تعالى (2)«فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً» قال-:

و كل ذلك يسمى طعاما في اللغة، فيجب أن يجري مجرى الخبز في الحكم الظاهر».

و في النافع «يجب أن يطعم ما يغلب على قوته» بل في الرياض حكايته عن المبسوط و جماعة.

و في كشف اللثام عن ظهاره «الواجب في الإطعام في الكفارة من غالب قوت البلد و كذلك زكاة الفطرة، و قال قوم: يجب مما يطعم أهله، و هو الأقوى للظاهر، فإن أخرج من غالب قوت البلد و هو مما يجب فيه الزكاة أجزأه فإن أخرج فوقه فهو أفضل و إن أخرج دونه فان كان مما لا يجب فيه الزكاة لم يجزه و إن كان مما يجب فيه الزكاة فعلى قولين، و إن كان قوت البلد مما لا يجب فيه الزكاة فإن كان غير الأقط لم يجزه و إن كان أقطا قيل: فيه وجهان: أحدهما يجزؤه، و الثاني لا يجزؤه، لأنه مما لا تجب فيه الزكاة، و الذي ورد به نص أصحابنا أن أفضله الخبز و اللحم، و أوسطه الخبز و الخل و الزيت، و أدونه الخبز و الملح» و عن كفاراته «و يخرج من غالب قوت أهله بلده، قال: فان كان في موضع قوت البلد اللبن و الأقط و اللحم أخرج منه».

و فيه أيضا عن خلافه «أنه نص على وجوب ما يغلب على قوته و قوت أهله لا البلد، و استدل بالاية(3)و قال: أوجب من أوسط ما نطعم أهلنا، و هو دون ما يطعم أهل البلد».

و عن الفاضل في المختلف أنه استقرب إيجاب الحنطة و الدقيق، و في نهاية المرام


1- 1 إشارة الى ما رواه في الوسائل في الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2 و 3 و 5 و 9.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 4.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 89.

ج 33، ص: 264

و الكفاية و الرياض أن الأولى الاقتصار على إطعام المد من الحنطة و الدقيق إلا أن الأخير منهم نفى البأس عما سمعته سابقا من الخلاف من الاجتزاء بكل ما يسمى طعاما ترجيحا للغة هنا على العرف و العادة بالإجماع الذي حكاه على ذلك، الذي منه ينبغي حمل الآية على الندب، و كأنه أشار إلى ما في الصحاح من أن الطعام ما يؤكل، قال: «و ربما خص بالطعام البر» إلى غير ذلك من كلماتهم المختلفة أشد اختلاف، بل بعضها لا يرجع إلى حاصل، و لا يعرف له مستند.

و أما النصوص الواردة في تفسير الأوسط في كفارة اليمين فمنها ما هو ظاهر في إرادة التوسط في الجنس، نحو

خبر أبي بصير(1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن أوسط ما تطعمون أهليكم، قال: ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك، قلت: و ما أوسط ذلك؟ فقال: الخل و الزيت و التمر و الخبز تشبعهم به مرة واحدة».

و غيره (2)و منها ما هو ظاهر في إرادة التوسط في المقدار، ك

خبره الآخر(3)قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل (4)مِنْ أَوْسَطِ- إلى آخرها- قال: قوت عيالك، و القوت يومئذ مد».

و لا يبعد إرادتهما معا من الأوسط.

قلت: قد يقوى في النظر الاجتزاء بكل ما تؤكل و يسمى طعاما لو كان الامتثال بالإشباع، لإطلاق النصوص (5)الاكتفاء بإشباعهم بما يسمى إطعاما الذي قد عرفت أن في اللغة الطعام لكل ما يؤكل، فضلا عن الإطعام الذي هو في العرف كذلك أيضا، فيصدق حينئذ بالإشباع من الفواكه و المربيات و غيرها مما هو أعلى منها أو أدنى.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 10.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 89.
5- 5 الوسائل الباب- 12 و 14- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 265

و وجوب المد من الحنطة و الدقيق أو التمر، بل مطلق الأقوات الغالبة لو كان بالتسليم، حملا لمطلق المد في النصوص (1)الكثيرة على ما في

صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا «لكل مسكين مد من حنطة أو مد من دقيق و حفنة»

إلى آخره المعتضد ب

خبر الثمالي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن قال و الله ثم لم يف، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة».

و غيره (4)و على ما في النصوص السابقة من التصريح بالاجتزاء(5)و على مطلق الأقوات الغالبة لغالب الناس بناء على أن المراد من الأوسط إلى آخره ذلك، لأنه يقتضي الإضافة إلى «أَهْلِيكُمْ» الشامل لأهل المكفر و غيره، فيراد من «أَوْسَطِ» ما تطعمه الناس، و على أنه لا فرق بين كفارة اليمين و غيرها في المراد من الإطعام المعتبر فيها و إن كانت الآية خاصة بكفارة اليمين، فيكون المحصل من الجميع ما ذكرنا.

و قد يشهد لما ذكرنا في الجملة

خبر أبي جميلة(6)عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، و الوسط الخل و الزيت، و أرفعه الخبز و اللحم، و الصدقة مد مد من حنطة لكل مسكين»

و خبر زرارة(7)عن أبي عبد الله عليه السلام «في كفارة اليمين عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، و الإدام و الوسط الخل و الزيت، و

أرفعه الخبز و اللحم، و الصدقة مد لكل مسكين».

إذ المراد من قوله عليه السلام: «و الصدقة» فيهما الإشارة إلى القسم الثاني من الكفارة الذي هو التسليم.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 8 و 10.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 13 و الباب- 14- منها الحديث 7.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 9.

ج 33، ص: 266

بل قد يقال: اختلاف الأصحاب في ذلك بالنسبة إلى هذا القسم من الكفارة لا الإشباع الذي لا تقدير فيه بالمد قطعا.

بل لعل عبارة المتن و القواعد ظاهرة في ذلك، حيث فرق، فيهما بين الإطعام و الإعطاء، فاجتزأ بالثاني بالغالب من قوت البلد، و أوجب في الأول الإطعام من أوسط ما يطعم أهله المعلوم إرادة الوجوب التخييري بينه و بين الأعلى، بل و الأدنى، لما سمعته من النص (1)و الفتوى على الاجتزاء بالثلاثة في الإطعام، كما أشار إليه المصنف بقوله و يستحب أن يضم إليه إداما: أعلاه اللحم و أوسطه الخل و الزيت و أدونه الملح.

قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)«في قول الله عز و جل (3)مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ: هو كما يكون في البيت من يأكل المد، و منهم من يأكل أكثر من المد، و منهم

من يأكل أقل من المد فبين ذلك، و إن شئت جعلت لهم أدما، و الأدم أدناه ملح، و أوسطه الخل و الزيت، و أرفعه اللحم»

و قد سمعت قوله عليه السلام أيضا في خبري أبي جميلة(4)و زرارة(5)السابقين.

بل عن المفيد و سلار إيجاب ذلك للخبرين المزبورين و إن كان هو خلاف المشهور، بل الخبران المزبوران قاصران عن إفادة الوجوب، خصوصا بعد تفسيرهما للوسط بذلك المشعر بعدم إجزاء غيره، مع أنهما لم يقولا به، بل و لم يقل به أحد، على أنهما غير مكافئين للصحيح المزبور الظاهر أو الصريح في عدم الوجوب، للتعليق فيه على المشيئة المعتضد بإطلاق أدلة الإطعام كتابا(6)و سنة(7)


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2 و 3 و 5 و 9.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 3.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 89.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 9.
6- 6 سورة المجادلة: 58- الآية 4.
7- 7 الوسائل الباب- 12 و 14- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 267

فلا بد من حمل الأمر فيهما على أفضلية الفرد المزبور من الإطعام على غيره مما هو أدنى منه.

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه يجوز أن يعطى العدد المأمور به في الكفارة عشرة أو ستين متفرقين أو مجتمعين إطعاما و تسليما لصدق الامتثال و إن قال في الدروس: «هو الأفضل» بل الظاهر الاجتزاء بالتفريق، فيطعم بعضا و يسلم آخر، للصدق المزبور أيضا.

و كذا لا إشكال في أنه يجزئ إخراج الحنطة و الدقيق و الخبز بل و التمر للتصريح بها في النصوص (1)التي تقدمت.

و لا يجزئ إطعام الصغار منفردين محتسبا بهم من العدد إلا مع احتساب الاثنين بواحد، وفاقا للمشهور، بل في الرياض نفي الخلاف فيه إلا من بعض المتأخرين فاجتزأ به، للإطلاق الذي يجب تقييده بمفهوم الخبرين (2)الآتيين المحمول ما فيهما من الاختصاص بكفارة اليمين على المثال لغيرها، و لو بقرينة الشهرة، المؤيدة باستبعاد الفرق مع اتحاد الأمر فيهما بإطعام المسكين، بل يمكن دعوى ظهور ذلك في إرادة بيان كيفية الإطعام في جميع الكفارات و إن ذكر ذلك في كفارة اليمين.

و يجوز إطعامهم منضمين مع الكبار محتسبا بهم من العدد، من غير فرق بين كفارة اليمين و غيرها أيضا، وفاقا للمشهور أيضا، بل عن المبسوط و الخلاف نفي الخلاف فيه، و كأنه لم يعتن بخلاف المفيد المانع على ما قيل من إطعامهم مطلقا في صورتي الانفراد و الاجتماع مع عد الاثنين بواحد و عدمه، و لعله لشذوذه و مخالفته إطلاق الأدلة و خصوصها.

قال الصادق عليه السلام في خبر غياث(3): «لا يجزئ إطعام الصغير في كفارة


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 268

اليمين، و لكن صغيرين بكبير»

و في

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عليه السلام «أن عليا عليه السلام قال: من أطعم في كفارة اليمين صغارا و كبارا فليزود الصغير بقدر ما أكل الكبير».

بل في

صحيح يونس بن عبد الرحمن (2)عن أبي الحسن عليه السلام «سألته عن رجل عليه كفارة إطعام عشرة مساكين أ يعطى الصغار و الكبار سواء و الرجال و النساء أو يفضل الكبار على الصغار و الرجال على النساء؟ قال: كلهم سواء، و يتمم إذا لم يقدر على المسلمين و عيالاتهم تمام العدة التي تلزمه أهل الضعف ممن لا ينصب»

إلا أنه ظاهر في فرد التسليم الذي لا خلاف في اتحادهم فيه، إنما الكلام في فرد الإشباع اللهم إلا أن يدعى تناول الإعطاء لهما، إلا أنه كما ترى.

و على كل حال فقد ظهر لك أن الدليل فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو انفردوا احتسب الاثنان بواحد الخبران المزبوران، إلا أن الأول منهما مطلق شامل لصورتي الاجتماع و الانفراد، بل ظاهر الثاني منهما الصورة الأولى، و من هنا كان المحكي عن ابن حمزة احتساب الاثنين بواحد مطلقا، و مال إليه في الرياض، بل ربما حكي عن الإسكافي و الصدوق

أيضا، لكن في كفارة اليمين خاصة و أما في غيرها فيجتزأ بهم مطلقا كالكبار.

لكن قد يقال: إن

قوله عليه السلام في الصحيح المزبور: «و يتمم»(3)

ظاهر في الاجتزاء بإطعام المسلم و عياله الذين فيهم الكبار و الصغار محتسبا بهم من العدد مع القدرة على ذلك، و كذا فحوى

قوله عليه السلام: في صحيح الحلبي (4): «إن من في البيت يأكل أكثر من المد و أقل»

إلى آخره، مؤيدا ذلك بإطلاق الأدلة


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 3 و ذيله في الباب- 18- منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب الكفارات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 3، و هو نقل بالمعنى.

ج 33، ص: 269

المعتضدة بالشهرة، فتخرج هذه الصورة- أي صورة الانضمام- عن إطلاق خبر غياث (1)و تبقى صورة الانفراد التي يحتسب فيها الاثنان بواحد.

إلا أن الظاهر مما ذكرناه إرادة النبعية من الانضمام لا مطلق إطعام كبير مع صغير و لو في مجالس متعددة، كما عساه يتوهم، بل قد سمعت قول علي عليه السلام:

في خبر السكوني (2)المشتمل على الأمر بزيادة الصغير في صورة إطعامه مع الكبير الذي ينبغي حمله بناء على ما ذكرنا على غير صورة

التبعية من الانضمام، بل منه يستفاد إرادة قدر ما يأكل الكبير، و ذلك كما يكون باحتساب الصغيرين بواحد يكون باحتساب أكل الصغير مرتين في وقتين مرة، إذ احتساب الاثنين بواحدة لا يصيرهما مصداقا لمسكين، و لعل

قوله عليه السلام: «فليزود»

إلى آخره ظاهر فيما ذكره في الصورة الثانية، فتأمل جيدا، فاني لم أجد شيئا من ذلك منقحا في كلامهم.

و من هنا كان الاحتياط بالاقتصار على الكبار لا ينبغي تركه، خصوصا مع عدم تنقيح للصغر و الكبر هنا، و إن صرح بعضهم بالرجوع فيها هنا إلى العرف، و يحتمل مراعاة البلوغ و عدمه.

و يستحب الاقتصار في الكفارة على إطعام المؤمنين و من هو بحكمهم كالأطفال التابعين لهم في ذلك و تسليمهم، بل خيرة الفاضل في القواعد و التحرير و المقدار وجوب ذلك، بحيث إذا لم يجد أخرها إلى أن يتمكن كما هو المحكي عن بني الجنيد و البراج و إدريس، بل عن الأخير منهم اشتراط العدالة مع ذلك.

و في المبسوط تصرف إلى من تصرف إليه زكاة الفطرة، و من لا يجوز هناك لا يجوز هنا و المحكي أنها تصرف في المؤمن و المستضعف، و اختاره الفاضل في الإرشاد، و عن النهاية اشتراط الايمان مع الإمكان، فان لم يجد تمام العدة كذلك جاز إعطاء المستضعف من المخالفين، و عن الفاضل في المختلف اختياره.

و الوجه عند المصنف جواز إطعام المسلم الفاسق و لا يجوز إطعام


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب الكفارات الحديث 2.

ج 33، ص: 270

الكافر، و كذا الناصب و مرجعه إلى اشتراط الإسلام فيها دون الايمان، فيجوز إعطاؤها حينئذ إلى سائر الفرق المخالفة للحق إلا من كان كافرا منهم بغلو أو نصب أو نحوهما، لإطلاق الأدلة، و

موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام و قد سأله عن الكفارة قال: «قلت: أ فنعطيها ضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال: نعم، و أهل الولاية أحب إلى»

كما أن صحيح يونس بن عبد الرحمن (2)المتقدم سابقا دليل ما سمعته من الشيخ في النهاية، و كأن المصنف جمع بينه و بين الموثق المزبور بالحمل على الندب الذي هو صريح «أحب إلى» في الموثق، فيكون الشرط حينئذ له، لا لأصل الجواز بعد إرادة المؤمنين فيه من «المسلمين» كإرادة الفقير من الضعفاء فيه لا المستضعف، و هو و إن كان متوجها بالنظر إلى ما وصل إلينا من نصوص المقام التي سمعتها، و لذا اختاره بعض من تأخر عنه، لكن من المعلوم أنه مواساة و مودة و صلة و نحو ذلك مما لا محل لها إلا المؤمن، بل كل ما دل على منع إعطائها الكافر دال على من كان بحكمه من الفرق المخالفة التي هي

أشد من الكفار، بل لعل التعبير عنها بالصدقة فيما مضى من النصوص (3)مشعر بكونها من قسم الصدقات الواجبة التي منها الزكاة المتقدم في كتابها اعتبار الايمان فيها، بل قد تقدم هناك النصوص (4)المشتملة على المبالغة في المنع عنها و عن الصدقة لهم، و أنهم ليسوا أهلا لذلك، بل لا قربة في دفع نحو هذه الصدقات إليهم، فلاحظ و تأمل، فالمتجه حينئذ عدم ترك الاحتياط في ذلك إن لم نقل بقوة اعتباره.

ثم إنه لا ريب في اعتبار المسكنة في مصرفها، للاية(5)و الرواية(6)


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب الكفارات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2 و 6 و 9.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة و الباب- 21- من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.
5- 5 سورة المجادلة: 58 الآية 4.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.

ج 33، ص: 271

و الإجماع، فيختص مصرفها حينئذ في المسكين، و في المسالك «و لا يتعدى إلى غيره من أصناف مستحقي الزكاة غير الفقير حتى الغارم و إن استغرق دينه ماله إذا ملك مئونة السنة و كذا ابن السبيل إن أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، و إلا ففي جواز أخذه نظر، من حيث إنه حينئذ في معنى المسكين، و من أنه قسيم له مطلقا، و يظهر من الدروس جواز أخذه لها حينئذ» و نحوه في التنقيح، بل صرح بأن الأقوى الاقتصار على المسكين.

و إن كان قد يناقش بصدق اسم الفقير على الغارم المزبور، بناء على جواز دفعها

للفقير، إما لأنه أسوأ حالا كما ذهب إليه بعضهم، إذ يكون أولى حينئذ و إن احتمل عدم الجواز أيضا لعدم جواز صرف حق طائفة إلى أخرى، إلا أنه كما ترى، أو لأن كل واحد من المسكين و الفقير يدخل تحت الآخر حيث ينفرد بالذكر، و إنما يبحث عن الأسوإ حالا منهما على تقدير الاجتماع، كآية الزكاة(1).

نعم لا تصرف في الرقاب و لا في القناطر و نحوها من سهم سبيل الله تعالى شأنه.

أما ابن السبيل فقد يقوى في النظر إلحاقه بالفقير كما سمعته من الدروس و إن كان الذي عثرنا عليه منها هنا «و لا يجزئ ابن السبيل إذا أمكنه أخذ الزكاة أو الاستدانة، و لا الغارم و لا الغازي إذا ملكا مئونة السنة» بل قد يناقش في الغارم أيضا باعتبار أن ملكه لمئونة السنة غير الدين لا يخرجه عن اسم الفقير، و الله العالم.


1- 1 سورة التوبة: 9- الآية 60.

ج 33، ص: 272

[مسائل أربع]
[المسألة الأولى كفارة اليمين مخيرة]

الأولى لا خلاف نصا(1)و فتوى في أن كفارة اليمين مخيرة بين العتق و الإطعام و الكسوة و قد عرفت الكلام في الأولين، و أما الأخير فإذا كسى الفقير يجب أن يعطيه ثوبين مع القدرة، و مع العجز ثوبا واحدا عند الشيخ و

القاضي و الحلبي و ابن زهرة و الفاضل في القواعد و ولده في شرحه على ما حكى عن بعضهم، جمعا بين ما في

صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «لكل إنسان ثوبان»

و أخبار إسحاق بن عمار(3)و علي بن أبي حمزة(4)و

أبي جميلة(5)عنه عليه السلام أيضا «و الكسوة ثوبان»

و خبر سماعة بن مهران (6)عنه عليه السلام أيضا «ثوبين لكل رجل»

و بين

صحيح أبي بصير(7)عن أبي جعفر عليه السلام «قلت: أَوْ كِسْوَتُهُمْ (8)


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 13 عن أبى خالد القماط.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 9.
7- 7 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 5 و الباب- 15- منها الحديث 4.
8- 8 سورة المائدة: 5- الآية 92.

ج 33، ص: 273

قال: ثوب»

و صحيح محمد بن قيس (1)عنه عليه السلام أيضا «ثوب يوارى عورته»

و خبر معمر(2)عنه عليه السلام أيضا «سألته عمن وجب عليه الكسوة في كفارة اليمين، قال: هو ثوب يواري عورته»

لكنه كما ترى لا شاهد له، بل لا إشعار في شي ء من النصوص به.

و من هنا قيل كما عن الشيخ و الحلي و والد الصدوق و يحيى ابن سعيد يجزئ الثوب الواحد مع الاختيار بل في المتن و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، و تبعه أكثر من تأخر عنه كالفاضل في قوله الآخر و الشهيدين و المقداد و السيمري و غيرهم، و لعله كذلك، للأصل و إطلاق الأدلة و انسياق الندب من نظم جميع ما في النصوص المزبورة الذي هو الأمر بثوب و بثوبين، نحو ما في

مرسل الحسين بن (3)سعيد عن أبي عبد الله عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في حديث: و يجزئ في كفارة الظهار صبي ممن ولد في الإسلام، و في كفارة اليمين ثوب يواري عورته، و قال: ثوبان»

لأنه حينئذ كالتخيير بين الأقل و الأكثر المحمول على ذلك.

و دعوى ترجيح نصوص الثوبين مطلقا- بأن خبرهما الصحيح أصح من خبر أبي بصير الصحيح، لاشتراك أبي بصير نفسه و صحته اضافية، بخلاف صحيح الحلبي، و باقي الأخبار شواهد، لأنها ضعيفة الإسناد أو مرسله، فان محمد بن قيس الذي يروى عن الباقر عليه السلام مشترك بين الثقة و غيره، و خبر الحسين بن سعيد مرسل، و معمر ابن عثمان مجهول فلا تكافؤ حتى يجمع

بينها بذلك، و من هنا كان المحكي عن الصدوق و المفيد و الشيخ في الخلاف و سلار و ابن حمزة و الكيدري إطلاق وجوب الثوبين بل عن الخلاف الإجماع عليه- يدفعها منع الاشتراك في راوي الصحيحين، مع وجود القرينة على الثقة في أحدهما، و المجمع على تصحيح رواياته في الثاني، بل خبر معمر محتمل الصحة، لما يحكي من وجود «ابن يحيى» بدل «ابن عثمان»


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب الكفارات الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب الكفارات الحديث 3.

ج 33، ص: 274

في بعض النسخ، مع أن في سنده من أجمع على تصحيح ما يصح عنه، و من هنا قيل:

إن الأسانيد في غاية الاعتماد، و مع ذلك معتضدة بالشهرة المتأخرة و غيرها.

و أما ما عن ابن الجنيد- من حمل الكسوة على عرف الشرع في الصلاة فيفرق حينئذ بين الرجل و المرأة فيجزئ الأول ثوب يجزؤه في الصلاة، و للثانية درع و خمار- فلم نقف له على دليل، بل ظاهر ما سمعته من الأدلة على خلافه.

نعم لو قيل بالجمع بين النصوص باختلاف الفقراء مكانا و زمانا فمنهم من يجزؤه الثوب و منهم الثوبان كان وجها، لشهادة

خبر محمد بن مسلم (1)عن أحدهما عليهما السلام على ما في كشف اللثام «و أما كسوتهم فان وافقت به الشتاء فكسوته، و إن وافقت به الصيف فكسوته، لكل مسكين إزار و رداء، و للمرأة ما يواري ما يحرم منها إزار و درع و خمار»

و الذي وجدته في الوسائل راويا له عن

تفسير العياشي (2)«و أما كسوتهم فان وافقت بها الشتاء فكسوتهم لكل مسكين إزار و رداء، و للمرأة ما يواري ما يحرم منها إزار و خمار و درع».

و على كل حال فيه شهادة في الجملة على ما ذكرنا، مضافا إلى معلومية اختلاف الكسوة بالنسبة إلى الفقراء كاختلاف الأكل، ضرورة ظهور الإضافة في إرادة كسوتهم اللائقة بحالهم، لا مطلق مسمى كسوة.

و في الرياض «الأجود الجمع بين النصوص بحمل الأدلة على الأفضلية، أو ما إذا لم يحصل بالواحد ستر العورة، و لذا قيد بالستر في أكثر ما مر من المعتبرة بخلاف الأخبار الأولة و هذا أولى، فيكون المعيار بالكسوة ما يحصل به ستر العورة مع صدق الكسوة عرفا و عادة، كالجبة و القميص و السراويل، دون الخف و القلنسوة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك إلا في الأخير، ففيه إشكال و قول


1- 1 تفسير العياشي ج 1 ص 336 سورة المائدة الحديث 167 كما في البحار نقلا عنه ج 104 ص 225.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات الحديث 7.

ج 33، ص: 275

بالعدم كما عن المبسوط، لعدم صدق الكسوة عليه عرفا، و هو متجه إلا مع إعطاء قميص أو جبة معه لصدق الكسوة حينئذ جزما و من هنا يظهر الحكم في نحو الإزار و الرداء و إن جزم بهما كالأول الشهيدان و غيرهما».

قلت: قد يقال: إن التقييد بمواراة العورة جريا مجرى الغالب، و إلا فلم نجد أحدا اعتبر

ذلك، بل مقتضي إطلاقهم الاجتزاء بالقميص و نحوه الاكتفاء به و إن لم يكن ساترا لرقته، نعم ما ذكره من أن المدار على صدق اسم الكسوة عرفا جيد، فلا يجزئ ما لا يحصل به مسماها من الثياب.

و كيف كان فلا يجزئ ما لا يسمى ثوبا كالخف و القلنسوة و النعل و المنطقة، لما سمعته من النصوص (1)المعتضدة بظاهر الإضافة، خلافا للمحكي عن الشافعي فيهما في وجه.

و يكفي الغسيل من الثياب كما في القواعد و غيرها، بل عن المبسوط و السرائر التصريح به أيضا، لإطلاق الأدلة، خلافا لظاهر المحكي عن الوسيلة و الإصباح، نعم لا يجزئ البالي و لا المرقع الذي ينخرق بالاستعمال، كما صرح به غير واحد، للشك في تناول الإطلاق له إن لم يكن ظاهره خلافه، لبطلان المنفعة أو معظمها، بل ربما احتمل دخوله في الخبيث.

و لا فرق في مسماه بين القميص و الجبة و القباء و الرداء و غيرها، كما لا فرق في جنسه بين القطن و الصوف و الكتان و الحرير الممزوج و الخالص و القنب و الشعر و غيرهما مع الاعتياد.

بل يندرج في الكسوة ما جرت العادة بلبسه، كالجليد و الفر و من جلد ما يجوز لبسه و إن حرمت الصلاة فيه، خلافا للمحكي عن أبي علي، فاعتبر جوازها فيه، و لا دليل عليه، نعم لا يجزئ ما يعمل من ليف أو خوص أو نحوهما مما لا يعتاد لبسه.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 1 و 2 و 9 و 10 و 13 و الباب- 14- منها الحديث 1 و 2 و 5 و 7 و 8 و 9 و 10.

ج 33، ص: 276

و لا يشكل الأول بعدم صدق الثوب المفسر به الكسوة في النص (1)لأنه مساق لبيان الاتحاد و التعدد لا الجنس، مع إمكان دعوى صدق الثوب عليه.

هذا و في التحرير في الدرع إشكال، بل الدروس الجزم بالعدم، و لعله كذلك، لعدم انصرافه من الكسوة، بل العمامة كذلك.

و في القواعد تقييد الحرير الخالص للنساء و فيه أن ظاهر(2)الاجتزاء بتمليك الثوب أو الثوبين، فيتحقق الامتثال حينئذ بدفعه للرجل و إن حرم عليه لبسه، لكنه صالح للابدال و جائز لبسه للضرورة و الحرب و للبيع و غير ذلك.

و يجزئ كسوة الصغار و إن كانوا رضعاء و إن انفردوا عن الرجال و مع المكنة من كسوة الكبار، لإطلاق الأدلة، و لا يجب تضاعف العدد كما يجب في الإطعام، للأصل و انتفاء النص هنا.

و لو تعذرت العشرة انتظر، و في الدروس «كرر على الممكن في الأيام على احتمال» و أشكله بأنه «يؤدي إلى أن يكسي عشرة أثواب، و ذلك بعيد» قلت:

مضافا إلى عدم الدليل مع حرمة القياس عندنا، و فيها «أنه لو أخذ الكبير ما يواري

الصغير فالأشبه عدم الإجزاء» قلت: لا إشكال في عدم الاجتزاء به كسوة له، كما لا إشكال في الاجتزاء به كسوة لصغير عنده.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب الكفارات الحديث 4.
2- 2 جاء في هامش النسخة المخطوطة المبيضة« في المسودة« ظاهر النص» و ضرب على كلمة« النص» و المظنون أنه أراد أن يبدله بلفظ« الصحيح» فسها رحمه الله» و قد راجعت النسخة المخطوطة المسودة المحفوظة في مكتبة السيد الحكيم قده العامة في النجف الأشرف فوجدتها كما ذكره المحشي على النسخة المبيضة.

ج 33، ص: 277

[المسألة الثانية الإطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين]

المسألة الثانية:

الإطعام في كفارة اليمين مد لكل مسكين و لو كان قادرا على المدين، و من فقهائنا من خص المد بحال الضرورة، و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا

[المسألة الثالثة كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين]

المسألة الثالثة:

كفارة الإيلاء مثل كفارة اليمين لأنه من اليمين و إن اختص بأحكام لكن غير الاتحاد في الكفارة، كما ستعرف.

[المسألة الرابعة من ضرب مملوكه فوق الحد استحب له التكفير بعتقه]

المسألة الرابعة:

من ضرب مملوكه ذكرا أو أنثى فوق الحد استحب له التكفير بعتقه وفاقا للمحكي عن ابن إدريس و أكثر المتأخرين، ل

صحيح أبي بصير(1)عن أبي جعفر عليه السلام «من ضرب مملوكا حدا من الحدود من غير حد أوجبه المملوك على نفسه لم يكن لضاربه كفارة إلا عتقه»

المحمول على ذلك بقرينة

خبره الآخر عنه عليه السلام (2)أيضا: «إن أبي ضرب غلاما له ضربة واحدة بسوط، و كان بعثه في حاجة فأبطأ عليه، فبكى الغلام و قال: الله تبعثني في حاجتك ثم تضربني؟! قال:

فبكى أبي، و قال: يا بني اذهب إلى قبر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فصل ركعتين، فقل:


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب مقدمات الحدود الحديث 1 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 278

اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته، ثم قال للغلام: اذهب فأنت حر، فقلت:

كان العتق كفارة للذنب فسكت»

الظاهر في ذلك من وجوه و لو من سكوته في مقام البيان.

و أما

خبر عبد الله بن طلحة(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن رجلا من بني فهد كان يضرب عبدا له و العبد يقول: أعوذ بالله تعالى، فلم يقلع عنه، فقال: أعوذ بمحمد صلى الله عليه و آله و

سلم فأقلع الرجل عنه الضرب، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يتعوذ بالله فلا تعيذه و يتعوذ بمحمد فتعيذه؟! و الله أحق أن يجار عائذه من محمد، فقال الرجل: هو حر لوجه الله تعالى، فقال: و الذي بعثني بالحق نبيا لو لم تفعل لواقع وجهك حر النار»

فهو غير ما نحن فيه و إن كان لا يخلو من إشعار في الجملة، على أنا لم نتحقق القول بالوجوب صريحا و إن كان عساه يظهر من بعض عبارات القدماء التي لا وثوق بإرادة ذلك منها.

و كيف كان فقد يقال: إن المستفاد من خبر أبي بصير الثاني استحباب عتقه بمجرد الضرب الذي هو غير مستحق عليه و إن جاز للمولى للتأديب، بل يمكن إرادة ذلك من الحد في خبره الأول لا الحد المصطلح و إن قال في المسالك تبعا لغيره: «إن المتبادر من الحد المتجاوز هو المقدار من العقوبة المستحقة على ذلك الفاعل مع إطلاق الحد عليه شرعا، فلا يدخل التعزير، و يعتبر فيه حد العبيد لا الأحرار، و قيل يعتبر حد الأحرار، لأنه المتيقن، و لأصالة بقاء الملك سالما عن تعلق حد العتق على مالكه، و هذا يتأتى على القول بالوجوب، أما على الاستحباب: فلا، لأن المعلق على مفهوم كلي يتحقق بوجوده في ضمن أى فرد من أفراده، و حمله على حد لا يتعلق بالمحدود بعيد جدا، من أن ظاهر الرواية ما ذكرناه من اعتبار حد العبيد حدا».

و لا يخفى عليك سقوط هذا الكلام من أصله بناء على ما ذكرناه، بعد


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب الكفارات الحديث 2.

ج 33، ص: 279

الإغضاء عن بعض ما فيه، خصوصا بعد ملاحظة العتق من علي بن الحسين عليه السلام بالضربة الواحدة التي تظلم منها العبد، و خصوصا بعد التسامح في أمر الندب، و يمكن القول بتأكد الندب في الفرض الذي ذكره، بل يزداد تأكدا لو ضربه حد الأحرار، و الله العالم.

[المقصد الرابع في الأحكام المتعلقة بهذا الباب]
اشاره

المقصد الرابع في الأحكام المتعلقة بهذا الباب، و هي مسائل:

[المسألة الأولى من وجب عليه شهران فان صام هلاليين فقد أجزأه و لو كانا ناقصين]

الاولى:

من وجب عليه شهران فان صام هلاليين فقد أجزأه و لو كانا ناقصين بلا خلاف و لا إشكال، لصدق الامتثال، فان الشهر حقيقة ما بين الهلالين و إن صام بعض الشهر و أكمل الثاني اجتزأ به و إن كان ناقصا لما عرفت، و يكمل الأول ثلاثين من الشهر الثالث، لانكساره، فيتعذر اعتبار الهلال فيه، فيرجع إلى العدد.

و قيل: يتم من الثالث ما فات من الأول لأنه أقرب إلى الشهر الحقيقي، و قيل: ينكسر الشهران بانكسار الأول لأن الثاني لا يدخل حتى يكمل الأول، فيتم من الثاني الذي يليه ثلاثين أو مقدار ما فات منه، و يتم الثاني من الذي يليه كذلك.

و الأول أشبه عند المصنف و قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب

ج 33، ص: 280

الطلاق (1)و قلنا: إن الثاني أشبه لا الأول.

و تظهر الثمرة في ما لو صام من آخر رجب يوما و هو ناقص ثم أتبعه بشعبان و هو كذلك، فيقضي تسعة و عشرين من شوال على الأول، و ناقصا منه بواحد على الثاني، و ينتفى التتابع على الثالث في محل الفرض، لكون الذي صامه ثلاثين، و هو نصف ما عليه و في غيره- بأن لم يكن بعد الشهرين رمضان- صح التتابع إن صام بعد العدد يوما.

و من ذلك يظهر لك ضعف القول المزبور، لما عساه يظهر من صحيح منصور ابن حازم (2)عن الصادق عليه السلام من صحة التتابع فيمن صام شعبان في الظهار إذا كان قد زاد يوما، فلاحظ و تأمل، فإن إطلاقه إنما يتم على مختار المصنف و كذا القول الذي ذكره، أما على انكسارهما و إتمامهما ثلاثين ثلاثين فلا يتم إلا في صورة تمام الشهرين، أما إذا كانا ناقصين أو أحدهما فلا يتم، لعدم حصول الزيادة، نعم لو قلنا بإتمام الأول بمقدار ما فات منه مما يليه يتم في صورة تمامهما و نقصانهما و تمامية شعبان و نقصان رجب دون العكس، و الله العالم.

[المسألة الثانية المعتبر في المرتبة حال الأداء لا حال الوجوب]

المسألة الثانية:

المعتبر عندنا في الكفارة المرتبة ب حال الأداء لا حال الوجوب كالوضوء و الصلاة و غيرهما من العبادات المراعى فيها ذلك، باعتبار تناول إطلاق النصوص حال الأداء قدرة أو عجزا، و لا يشكل ذلك بمنافاته لمقتضى الاستصحاب إن قلنا بتعلق الوجوب حاله بخصلة خاصة، و بعدم اقتضاء الأمر الوجوب إن لم نقل، لأن المتجه بناء على ما ذكرنا الوجوب على ما يقتضيه الحال في سائر أوقات الامتثال، فلا استصحاب و إن صادف الخطاب حالا من الأحوال،


1- 1 راجع ج 32 ص 249.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 33، ص: 281

كما هو واضح.

و بذلك يظهر لك أن التحقيق ذلك و إن قلنا بفورية الكفارة، لأنها ليست توقيتا، فمع فرض العصيان يشمله إطلاق الأدلة، فما عساه يظهر من بعض العبارات من أن مبنى المسألة التراخي في الكفارة في غير محله. و حينئذ فلو كان قادرا على العتق و عجز صام و لا يستقر العتق في ذمته خلافا للمحكي عن بعض العامة من اعتبار حال الوجوب تغليبا لجانب العقوبة، و آخر من اعتبار أغلظ الحالين، لكونها حقا واجبا في الذمة بوجود المال، فيعتبر حال اليسار كالحج، و آخر من اعتبار أغلظ الأحوال من الوجوب إلى الأداء حتى لو أيسر استقر العتق عليه، و ليس لأصحابنا في المقام إلا الأول، و إن قال بعضهم باعتبار حال الوجوب في القصر و الإتمام.

و لو أعتق العبد ثم أيسر قبل الصوم ففي القواعد و محكي المبسوط يعتق لأنه حال الأداء موسر، و قد يحتمل العدم، لأن الرقية منعت من سببية الحنث لغير الصوم، بخلاف الحر لتحقق السببية بالنسبة إليه و العجز إنما يمنع من الحكم، فإذا انتفى عمل السبب عمله.

و التحقيق عدم الفرق، لأن العبودية أحد أسباب العجز أيضا، و إلا فسببية الظهار شاملة للحر و العبد، و من اعتبر من العامة حال الوجوب جعل عليه الصوم، و من اعتبر أغلظ الحالين أو الأحوال اعتبر الأغلظ من حين العتق و الأداء إلى الأداء، و الله العالم.

ج 33، ص: 282

[المسألة الثالثة إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه بل يجب]

المسألة الثالثة:

إذا كان له مال يصل إليه بعد مدة غالبا لم ينتقل فرضه، بل يجب عليه الصبر لعدم الفورية، فلا يتحقق إطلاق «لَمْ يَجِدْ»(1)الذي هو شرط الانتقال، و كذا لو لم توجد الرقبة فعلا و لكن ثمنها موجود و هي مما يتوقع وجودها، بل عن الشيخ التصريح بوجوب ذلك عليه و لو كان الصبر مما يتضمن المشقة عليه بالتأخير كالظهار لشدة شبق مثلا، لصدق الوجدان معها.

و لكن في الظهار تردد من ذلك و من قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» و نفي الحرج في الدين و سهولة الملة و سماحتها و سقوط كثير من

التكاليف بها، فيتجه حينئذ الانتقال و إن صدق معه اسم الواجد، كانتقال المكلف إلى التيمم مع وجدان الماء بالمشقة في استعماله مثلا، بل الأصح ذلك مع فرض بلوغ المشقة حدا يسقط معها التكليف، كما هو واضح.


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 4 و سورة المائدة: 5- الآية 92.

ج 33، ص: 283

[المسألة الرابعة إذا عجز عن العتق فدخل في الصوم ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق]

المسألة الرابعة:

إذا عجز عن العتق في المرتبة فدخل في الصوم و لو لحظة من اليوم ثم وجد ما يعتق لم يلزمه العتق وفاقا للمشهور ل

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أحدهما عليهما السلام قال: «سئل عمن ظاهر في شعبان و لم يجد ما يعتق، قال: ينتظر حتى يصوم شهرين متتابعين، فان ظاهر و هو مسافر انتظر حتى يقدم، و إن صام و أصاب مالا فليصم الذي ابتدأ»

و لما في المسالك و غيرها من «أنه عند الشروع كان فاقدا، و من ثم يشرع البدل، فلو لم يسقط التعبد بالعتق لم يكن الصوم بدلا، و متى ثبت السقوط استصحب، و الخطاب متعلق بالعتق قبل الشروع في الصوم لا بعده» ثم حكي عن ابن الجنيد أنه لو أيسر قبل أن يصوم أكثر من شهر وجب العتق، ل

مرسل محمد بن مسلم (2)أيضا الذي هو كالصحيح عن أحدهما عليهما السلام «في رجل صام شهرا من كفارة الظهار ثم وجد نسمة، قال: يعتقها و لا يعتد بالصوم»

و رده بأنه محمول على الأفضل جمعا بينه و بين صحيحه الآخر. و هذا هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و إن كان أفضل.

لكن قد يقال باقتضاء ذلك التخيير لا الترتيب الذي هو ظاهر الأدلة، و بأن قوله تعالى (3)«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» إن كان شرطا لصوم كل يوم من أيام الشهرين


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الكفارات الحديث 1 و ذيله في الباب- 5- منها الحديث 1 و فيه« قال: ينتظر حتى يصوم شهر رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين. و ان صام فأصاب مالا فليمض الذي ابتدأ فيه» كما هو كذلك في التهذيب ج 8 ص 17 و الاستبصار ج 3 ص 267 و الفقيه ج 3 ص 344 و الكافي ج 6 ص 156.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب الكفارات الحديث 2.
3- 3 سورة المجادلة: 58- الآية 4.

ج 33، ص: 284

كما هو الظاهر اتجه الاستئناف حينئذ حتى إذا وجد قبل انقضاء اليوم الأخير بلحظة، و إن كان شرطا لأصل الشروع في الصوم لم يشرع العتق حينئذ، لا أنه أفضل، لسقوط الأمر به بالأمر ببدله الذي هو الصوم، كما هو مقتضى ما سمعته من الدليل الذي حكيناه عن المسالك و غيرها، بل لعل ذلك هو المناسب لقولهم:

«إن العبرة بحال الأداء الذي هو قبل تمام الصوم منه، بل و لما ذكروه في التيمم من انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثنائه، بل و لقاعدة الشغل و غير ذلك.

فالمتجه حينئذ الترجيح بين الصحيحين، و لا ريب في حصوله للأول، للشهرة العظيمة و الصحة في السند، فإن الأول على ما قيل مروي في

التهذيب بسندين صحيحين، بل أكثر رواة أحدهما المجمع على تصحيح ما يصح عنه، بخلاف الثاني، فإنه ليس كذلك، و لغير ذلك، فيطرح الآخر حينئذ.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك مبني على ما سمعته سابقا من عدم سقوط خطاب مشروعية العتق بعدم الوجدان، و إنما الساقط تعينه، و لذا لو تكلف الفقير و أعتق أجزأه، فيتجه حينئذ العمل فيه بحمله على الأفضلية.

و كذا الكلام فيما لو عجز عن الصيام فدخل في الإطعام ثم زال العجز لكن ينبغي أن يكون العلة فحوى الصحيح (1)المزبور المعتضد بعدم القول بالفصل، و لو لا ذلك لأشكل إلحاق حكمه بالعتق، لما عرفت من ظهور الأدلة بخلافه.

و على كل حال ينبغي أن يعلم أن سقوط الحكم بالعتق على تقدير الشروع في الصوم يصير مراعى بإكمال الصوم على الوجه المأمور به، فلو عرض في أثنائه ما يقطع التتابع و وجدت القدرة على العتق حينئذ إما بالاستمرار السابق أو بأمر متجدد وجب العتق، لوجود المقتضي له، و هو القدرة عليه قبل أن يشرع في الصوم، لأنه


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الكفارات الحديث 2.

ج 33، ص: 285

ببطلان السابق ينزل منزلة من لم يصم أصلا بالنسبة إلى الكفارة و لو فقدت القدرة على الأعيان قبل أن يجب استئناف الصوم بقي حكم الصوم بحاله، إذ هو حينئذ كمن وجد الماء في

أثناء الصلاة و قلنا بوجوب بقائه عليها، فإنه لا يفسد التيمم إلا أن يستمر وجدان الماء إلى أن يفرغ من الصلاة و يتمكن من استعماله، فان فقد قبل ذلك بقي التيمم بحاله، و لو فرض قطعه الصلاة بسبب محرم قبل فقدان الماء بطل التيمم حينئذ و كلف بالطهارة المائية.

[المسألة الخامسة لو ظاهر و لم ينو العود فأعتق عن الظهار لا يجزؤه]

المسألة الخامسة:

لو ظاهر و لم ينو العود فأعتق عن الظهار قال الشيخ: لا يجزؤه، لأنه كفر قبل الوجوب و هو حسن بل لا نعلم للأصحاب قولا بخلافه، كما اعترف به في المسالك، لكن بناه على أن السبب في التكفير العود، لمعلومية عدم مشروعية تقدم المسبب على سببه، ثم قال: «نعم لو جعلنا السبب هو الظهار و العود شرطا أو جعلنا العود جزء السبب احتمل جواز تقديمها كما يجوز تقديم الزكاة على الحول مع وجود بعض سببها، و هو ملك النصاب و عدم تمامه بالحول، و هو قول لبعض الشافعية، و الشيخ وافقهم على تعجيل الزكاة، و وافق هنا على عدم إجزاء الكفارة، و كلاهما عندنا ممنوع».

و فيه أنه لا فرق في عدم الاجتزاء على التقادير الثلاثة، ضرورة عدم تعقل الامتثال قبل الأمر، و التقديم في الزكاة على القول به بأمر مستقل في التعجيل، أو أن تمام الحول شرط كاشف، كما تقدم تحقيق الحال في ذلك.

ج 33، ص: 286

[المسألة السادسة لا تدفع الكفارة إلى الطفل]

المسألة السادسة:

لا تدفع الكفارة إلى الطفل، لأنه لا أهلية له لقبول التمليك المعتبر في فرد التسليم في الكفارة، لظهور

قوله عليه السلام (1): «لكل مسكين مد»

و أنها صدقة في ذلك و لكن تدفع إلى وليه كغيرها مما يعتبر فيها التمليك، و كذا المجنون فما عن الخلاف من الخلاف في ذلك واضح الضعف، نعم لو كانت بالإطعام جاز مباشرته لها، لعدم اعتبار التمليك فيها.

و ما في المسالك- من احتمال المنع بدون إذن الولي كالتسليم، لأن مقتضى عموم ولايته توقف التصرف في مصالح الطفل على أمره- واضح الفساد، ضرورة رجحان الإحسان عقلا و شرعا، على أن الاذن هنا إن قلنا بها فهي في أصل التصرف في إشباع الطفل لا بالنسبة إلى صحة قبضه و ترتب الملك عليه، نحو ما سمعته في التسليم.

و أما الكسوة فظاهر اللام في النصوص (2)انحصارها في التمليك، فلا يجوز دفعها حينئذ للطفل و المجنون، بل تدفع إلى وليهما، فاحتمال جواز مباشرته لها- لأنها من

ضروراته، و لا يمكن الولي ملازمتها و هي ملبوسة له، فتكون في معنى الإطعام- واضح الفساد.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الكفارات.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 1 و الباب- 14- منها الحديث 7 و 10.

ج 33، ص: 287

[المسألة السابعة لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع]

المسألة السابعة:

لا تصرف الكفارة إلى من تجب نفقته على الدافع، كالأب و الأم و الأولاد و الزوجة و المملوك بلا خلاف أجده فيه، لا لأنهم أغنياء بالدافع كما أوضحناه في كتاب الزكاة(1)بل لانسياق غيرهم من الأدلة خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى (2)«مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» المشعر بكون المساكين غيرهم، و ملاحظة

قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمن (3)الوارد في الزكاة: «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و الزوجة، و ذلك لأنهم عياله لازمون له»

المشعر بأن العيالية منافية لصدق إيتاء الزكاة الظاهر في خروجها عنه و عن عياله، ضرورة اقتضاء إعطائها لعياله رجوعها إليه بنوع من الاعتبار، و كذا الصدقة التي منها الكفارة، بل لعل ما دل (4)على عدم أكل

العيال من العقيقة لأنها صدقة مشعر بذلك، بل قد يدعى معلومية ذلك من الشرع على وجه يعرفه كل تابع له.

و من ذلك يظهر لك جواز دفع الغير لهم الكفارة مع بذلها ممن عليه و عدمه، لعدم هذه الموانع، كما جاز دفع الزكاة من غير المنفق لهم عدا المملوك حتى


1- 1 راجع ج 15 ص 395- 403.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 92.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 من كتاب النكاح الا أنه ليس فيه التعليل بأنها صدقة، نعم ورد في المستدرك في الباب- 34- من أحكام الأولاد الحديث 2« فان لم يطبخه فلا بأس أن يتصدق به» و في البحار ج 10 ص 252 ط الحديث« لا يصلح لها- أي الأم- الأكل منه فليتصدق بها كلها».

ج 33، ص: 288

الزوجة إن لم يقم إجماع، كما تقدم تحقيقه في كتاب الزكاة(1)و به أفتى جملة من الأساطين، فلاحظ و تأمل ليظهر لك ما في تعليل المصنف هنا المقتضي عدم الفرق بين المنفق و غيره.

بل و ما في إطلاق الفاضل في القواعد من عدم جواز صرفها إلى ولد الغني و لا إلى من تجب نفقته عليه، و كذا ما فيها أيضا من جواز دفعها لعبد الفقير بناء على جواز تملكه قبول الهبة أو أذن له مولاه و إلا فلا، إذ فيه أن الإذن لا تصيره قابلا للتملك حتى يصح دفعها له، نعم لا بأس بإطعامه مع عدم نهى المولى بناء على جواز ذلك له، لأنه إحسان.

ثم قال: «و لا يجوز صرفها إلى من تجب عليه نفقته إلا مع فقر المكفر على إشكال» قيل: من أنه حينئذ لا يجب عليه الإنفاق، فيكون كالأجنبي الفقير، و قوله عليه السلام في

حسن جميل (2)لمن أفطر في رمضان: «فخذه فأطعمه عيالك، و استغفر الله تعالى»

و قول الصادق عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار(3): «إن الظهار إذا عجز صاحبه عن الكفارة فليستغفر ربه، و لينو أن لا يعود قبل أن يواقع ثم ليواقع، و قد أجزأ ذلك عنه عن الكفارة، فإذا وجد السبيل إلى ما يكفر به يوما من الأيام فليكفر، و إن تصدق بكفه و أطعم نفسه و عياله فإنه يجزؤه إذا كان محتاجا، و إن لم يجد ذلك فليستغفر الله ربه، و ينوي أن لا يعود، فحسبه بذلك و الله كفارة»

و من أنه إذا تمكن من الإطعام للكفارة فهو متمكن منه للقرابة مثلا، و هو مقدم فيجب عليه.

و لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة عدم مدخلية الفقر و الغني في عدم جواز صرفها لمن وجبت نفقته عليه، لما سمعته من عدم صدق


1- 1 راجع ج 15 ص 397 الى 401.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 4.

ج 33، ص: 289

الامتثال كما عرفت، ثم لا ملازمة بين الفقر و عدم وجوب الإنفاق، إذ قد تجب النفقة عليه و إن كان فقيرا، بمعنى أنه لا يملك مئونة السنة، و لكن يملك نفقة جملة من الأيام، و أما الخبران المزبوران فمن المعلوم إرادة سقوط الكفارة عنه فيهما، و إلا فإطعام النفس

ليس منها قطعا، و حينئذ فالمراد أن الله تعالى يحسب ذلك كفارة له بعد الاستغفار و الندم.

هذا و قد تقدم في الزكاة ما يستفاد منه جملة من الأحكام في المقام، مثل جواز دفع الزكاة للعيال لا للإنفاق، بل للتوسعة عليهم، و مثل دفعها إليهم، لأن عندهم من يعولون به، و غير ذلك من الفروع التي لا يخفى عليك جريانها في المقام، بل من التأمل فيما هناك يظهر لك النظر فيما في المسالك و غيرها فمن الغريب إرسالهم الحكم هنا إرسال المسلمات من غير إحالة له على ما تقدم، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أنها أي الكفارة تدفع إلى من سواهم ممن لا تجب نفقته و إن كانوا أقارب و لكن بشرط المسكنة و الايمان، بل هم أفضل من غيرهم، و الله العالم.

ج 33، ص: 290

[المسألة الثامنة في وجوب تقديم الكفارة على المسيس في الظهار]

المسألة الثامنة قد عرفت فيما تقدم أنه إذا وجبت الكفارة في الظهار وجب تقديمها على المسيس سواء كفر بالعتق أو بالصيام أو بالإطعام و إن لم يصرح به في الأخير في الآية(1)إلا أنه معطوف على المصرح به، خلافا للإسكافي في خصوص الإطعام، و قد سمعت ضعفه، و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد]

المسألة التاسعة:

إذا وجب عليه كفارة مخيرة كفر بجنس واحد عتق أو صيام أو إطعام و لا يجوز أن يكفر بنصفين من جنسين بأن يصوم شهرا و يطعم ثلاثين مثلا، بلا خلاف أجده و لا إشكال، لعدم إتيانه بالمأمور به على وجهه، نعم لا بأس باختلاف أفراد الصنف الواحد منها، كما لو أطعم بعضهم قوتا خاصا و آخر غيره، أو كسى أحدهم ثوبا و الآخر ثوبا من جنس آخر، لصدق اسم الإطعام و الكسوة، كما هو واضح.


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 4.

ج 33، ص: 291

[المسألة العاشرة لا يجزئ دفع القيمة في الكفارة]

المسألة العاشرة:

لا يجزئ دفع القيمة في الكفارة، لاشتغال الذمة بالخصال لا بقيمتها التي لا تندرج في إطلاق الأمر بالإطعام مثلا حتى في الفرد الذي يراد منه التمليك للإطعام، و الاجتزاء بها في الزكاة و نحوها للدليل، و من هنا لم يكن خلاف في ذلك عندنا، بل في المسالك هو إجماع و إن خالف فيه بعض العامة لنوع من الاستحسان الذي ليس بحجة عندنا كالقياس على الزكاة.

[المسألة الحادية عشرة كفارة من قتل في الأشهر الحرم]

المسألة الحادية عشرة قال الشيخ: من قتل في الأشهر الحرم وجب عليه صوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم و إن دخل فيهما العيد و أيام التشريق، لرواية (و هي رواية خ ل) زرارة(1)و المشهور عموم المنع بل حكى غير واحد الإجماع عليه، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب الصوم (2)فلاحظ.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
2- 2 راجع ج 17 ص 88.

ج 33، ص: 292

[المسألة الثانية عشرة كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما]

المسألة الثانية عشرة:

كل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز صام ثمانية عشر يوما، فان لم يقدر تصدق عن كل يوم بمد من طعام ل

خبر أبي بصير و سماعة(1)قالا: «سألنا أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة، قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام»

المؤيد

بالموثق (2)«عن رجل ظاهر عن امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدق و لا يقوى على الصيام، قال: يصوم ثمانية عشر يوما»

و إن كان مورده خاصا بالظهار الذي هو أحد أفراد الكلية الشاملة للكفارة المرتبة و

المخيرة لكن على معنى تعذر الفردين الآخرين و تعين الصوم عليه فعجز عنه على الوجه المراد منه، لا كما في المسالك حيث قال: «إطلاق وجوب الشهرين يشمل ما لو وجب بسبب كفارة أو نذر و ما في معناه و ما لو وجبا في الكفارة تعيينا أو تخييرا، لأن الواجب المخير بعض أفراد الواجب بقول مطلق- ثم قال-: و في الحكم بذلك على إطلاقه إشكال، و في مستنده قصور، لكن العمل بذلك مشهور بين الأصحاب- إلى أن قال بعد أن ذكر كلاما في الأثناء-: و بالجملة ليس لهذا الحكم مرجع يعتد به حتى يلحظ و يترتب عليه ما يناسبه من الأحكام» و تبعه على ذلك بعض من تأخر عنه.

و فيه أن المستند ما سمعت من الخبر المنجبر بالشهرة التي حكاها، و الموثق


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 نقلا عن التهذيب ج 4 ص 312 عن أبي بصير الا أن الموجود في الاستبصار ج 2 ص 97 عن أبى بصير و سماعة بن مهران.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الكفارات الحديث 1.

ج 33، ص: 293

الذي لم يرد منه خصوص الظهار و لو بقرينة الشهرة، بل بيان حكم خاص لكيفية التكفير التي لا فرق فيها بين الظهار و غيره، خصوصا بعد ملاحظة ما هو كالتعليل للحكم المزبور في الخبر الأول الظاهر- و لو بقرينة ذكر العتق و الصدقة- في الكفارة لا ما يشمل النذر، و كذا نحو عبارة المتن و غيرها، بقرينة ذكر ذلك من أحكام الكفارة، و كونه تعبيرا عن مضمون الخبرين المزبورين.

و من ذلك يعرف ما في دعوى تناول الإطلاق المزبور للنذر، كما عرفت ما في دعوى شموله للمخيرة على الوجه الذي ذكره، ضرورة عدم انسياقه من إطلاق الوجوب ثم العجز الظاهر في المعين إلا على الوجه الذي ذكرناه، و هو تعين ذلك بتعذر الفردين الآخرين، لعدم ما يجده للعتق و الصوم، فتعين عليه الصوم بتخيل القدرة عليه فعجز عن الإتيان به على الوجه المراد منه، و شرع له بدل آخر عن إطعام الستين، و هو صوم الثمانية عشر، بل هو كذلك أيضا في المرتبة، بل قد يدعى أن المراد من إطلاق نحو المتن ذلك أيضا.

و منه يعلم حينئذ إرادة التتابع فيها، لأنها من الكفارة و إن قال في المسالك و غيرها: «و في اشتراط التتابع في الثمانية عشر وجهان: من أصالة البراءة، و كون التتابع واجبا في الأصل فكذا في البدل، و الملازمة ممنوعة» لكنه كما ترى، ضرورة انسياق التتابع في كل صوم شرع كفارة، خصوصا في المقام.

و مما ذكرنا يعلم أيضا أن المراد بالصدقة عن كل يوم بمد الثمانية عشر لا الستين كما عن بعضهم، بل جعله في نهاية المراد أحد الوجهين، ضرورة أنك قد عرفت كون مفروض المسألة تعذر الآخرين في المرتبة و المخيرة، فلا يصح فرض الصدقة على الستين المقتضي للتمكن من فرد الإطعام الذي لا يقتضي الانتقال معه إلى صوم الثمانية عشر في المرتبة و المخيرة، و لعل الوجه فيه فحوى ما ورد(1)في


1- 1 لم يرد التصدق بمدين لصوم كل يوم في قضاء شهر رمضان، إلا في موثق سماعة- على ما قيل في بعض نسخه- المروي في الوسائل في الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5 و تعرض لها في الجواهر ج 17 ص 33 نعم في صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام في الشيخ الكبير و الذي به العطاش أنه لا حرج عليهما ان يفطرا في شهر رمضان« و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام». راجع الوسائل الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.

ج 33، ص: 294

النصوص في قضاء شهر رمضان و غيره من أنه مد ان لصوم كل يوم بل لعل إطعام الستين مع تعذر الشهرين في المرتبة يومئ إلى ذلك. و بذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من الأصحاب.

فما عن الإسكافي و المفيد- من عدم البدل للظهار مع تعذر الخصال للأصل المقطوع بما عرفت، بل و الصدوقين من أن بدله التصدق بما يطيق- واضح الضعف، بل لا شاهد للأخير سوى قاعدة الميسور التي لا تعارض الدليل المخصوص، بل العمل بها دونه كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم قد يعارض الخبر(1)المزبور

صحيح ابن سنان أو حسنه (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل وقع على أهله في شهر رمضان فلم يجد ما يتصدق به على ستين مسكينا، قال: يتصدق ما يطيق»

و في صحيحه الآخر(3)عنه عليه السلام أيضا «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر، قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فان لم يقدر تصدق بما يطيق»

بل عن ظاهر الكليني العمل بهما، بل قيل: إنه فتوى التهذيبين صريحا، بل في الرياض أنه لا يخلو من قوة، لصحة السند، و لموافقة قاعدة الميسور.

و جمع الشهيد في الدروس بينهما تبعا للفاضل في محكي المختلف بالتخيير بينهما الذي هو مقتضى الجمع، و لثبوته في المبدل منه فكذا في البدل.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1 من كتاب الصوم. راجع التعليقة 1 من ص 292.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 33، ص: 295

و فيه أن المتجه الجمع بينهما بالتخصيص، فيخرج حينئذ كفارة شهر رمضان من الحكم المزبور، كما سمعته من ظاهر الكليني و الشيخ، بل حكي عن الصدوقين أيضا و جماعة، و إن لم يكن على الوجه الذي ذكرناه جمعا بين النصوص، بل لا محيص عنه مع مراعاة مقتضى أصول المذهب و قواعده، و دعوى خرقه الإجماع المركب واضحة الفساد، لعدم استقرار إجماع فيها تستريح به النفس، كما هو واضح.

و أما الاستغفار الذي أشار إليه المصنف بقوله فان لم يستطع استغفر الله تعالى و لا شي ء عليه فظاهر الأصحاب الاتفاق على بدليته مع العجز عن خصال الكفارة على الوجه الذي عرفت في غير الظهار الذي قد تقدم البحث فيه على ما اعترف به في المسالك، كما أنه قد تقدم البحث عن ذلك في الجملة في كتاب الصوم (1).

و قد سمعت

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(2): «كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل

أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار»

و في

خبر زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن شي ء من كفارة اليمين- إلى أن قال-: قلت: فان عجز عن ذلك، قال: فليستغفر الله عز و جل و لا يعود».

بل لعل ظاهرهما خصوصا الأول منهما بدليته على وجه تسقط عنه الكفارة لو تمكن بعد ذلك، و المناقشة في سند الخبرين بعد الانجبار بما سمعت لا وجه لها،


1- 1 راجع ج 16 ص 311.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الكفارات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات الحديث 6.

ج 33، ص: 296

كالمناقشة بأنه لم يجعل بدلا في الكفارات التي سئل عنها النبي صلى الله عليه و آله (1)في رمضان و غيره مع اعتراف السائل بالعجز، إذ هو لا ينافي ثبوته في دليل آخر، و قد عرفت سابقا أن مقتضى إطلاقها الاكتفاء بالمرة فيه بدلا.

نعم الأولى له أن يضم إليه الندم على ما وقع و العزم على عدم العود إليه إن كان عن ذنب و إلا اكتفى به، و الله العالم بحقيقة الحال.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 و 5 من كتاب الصوم و الباب- 1- من كتاب الظهار الحديث 4 و الباب 1 من أبواب الكفارات الحديث 2.

ج 33، ص: 297

[كتاب الإيلاء]

اشاره

كتاب الإيلاء و هو في الأصل الحلف من ألوت أي قصرت، يقال: آلى يولى إيلاء، و الاسم الألية و الألوة، و الجمع ألايا، مثل عطية و عطايا، و كذا يقال: ائتلى يأتلي ائتلاء و منه قوله تعالى (1)«وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَ الْمَساكِينَ».

و شرعا حلف الزوج على ترك وطء زوجته الدائمة المدخول بها قبلا أو مطلقا مقيدا بالزيادة على الأربعة أشهر أو مطلقا للإضرار بها، كما ستسمع تفصيل ذلك كله إنشاء الله.

و الأصل فيه قوله تعالى (2)«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» بل منها يستفاد الوجه في جملة من أحكامه الاتية.

و قد كان طلاقا في الجاهلية كالظهار، فغير الشارع حكمه، و جعل له أحكاما خاصة إن جمع شرائطه، و إلا فهو يمين يعتبر فيه ما يعتبر في اليمين، و حينئذ فكل موضع لا ينعقد إيلاء مع اجتماع شرائط اليمين يكون يمينا، كما ذكره غير واحد، بل أرسلوه إرسال المسلمات و إن كان قد يناقش بأن المتجه عدم ترتب أحكام اليمين عليه، لأنه قصد به الإيلاء، و الفرض عدم انعقاده، فما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد.

لكن قد يدفع بأن الإيلاء فرد من مطلق اليمين، و يشخصه مورده لا قصده،


1- 1 سورة التوبة: 24- الآية 22.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 226 و 227.

ج 33، ص: 298

إذ الذي ذكروه في الفرق بينه و بين اليمين مع اشتراكهما في أصل الحلف و الكفارة الخاصة جواز مخالفته في الإيلاء، بل وجوبها على وجه و لو تخييرا مع الكفارة، دون اليمين المطلقة، و عدم اشتراط انعقاده مع تعلقه بالمباح بأولويته دينا أو دنيا أو تساوي طرفيه، بخلاف مطلق اليمين، و اشتراطه بدوام الزوجة كما ستعرف دونه، و انحلال اليمين على ترك وطئها بالوطء دبرا مع الكفارة دون الإيلاء، و هي أجمع بعد الإغضاء عن المناقشة في بعضها أحكام لا تغير مهيته.

و لعله لذا اكتفى الأصحاب فيه بكل لسان مع اشتراط العربية للقادر في غيره من العقود و الإيقاعات، إذ ليس ذلك إلا لأن الإيلاء لم يكن للشارع تصرف في إيقاعيته على وجه تغاير إيقاعيته اليمين و إن كان قد يتوهم من قولهم: «كتاب الإيلاء» و قولهم: «هو لغة كذا و شرعا كذا» إلا أن ذلك كله على ضرب من التسامح، و ليس الإيلاء إلا يمينا مخصوصة باعتبار خصوص موردها، مثل الصرف و السلم بالنسبة إلى البيع، فتأمل جيدا، و ربما تسمع له تأييدا.

و كيف كان ف النظر في أمور أربعة:

[الأمر الأول في الصيغة]

الأول:

في الصيغة و من المعلوم أنه لا ينعقد الإيلاء إلا بأسماء الله سبحانه و تعالى المختصة به أو الغالبة فيه، بلا خلاف أجده فيه، للأصل و لأنه كما عرفت من اليمين المعتبر فيه ذلك، ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1)«من كان حالفا فليحلف بالله أو فليصمت»

و قال محمد بن مسلم (2)«قلت لأبي جعفر عليه السلام قول الله عز و جل «وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى»(3)«وَ النَّجْمِ إِذا هَوى»(4)و ما أشبه ذلك، فقال: إن


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 28.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
3- 3 سورة الليل: 92- الآية 1.
4- 4 سورة النجم: 53- الآية 1.

ج 33، ص: 299

لله تعالى أن يقسم من خلقه بما شاء، و ليس لخلقه أن يقسموا إلا به»

و قال الصادق عليه السلام: في صحيح الحلبي(1): «لا أرى أن يحلف الرجل إلا بالله تعالى»

و قال عليه السلام في صحيحه الآخر(2)أيضا: «و الإيلاء أن يقول: و الله لا أجامعك كذا و كذا، و الله لأغيظنك ثم يغاضبها، فإنه يتربص به أربعة أشهر».

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم قد يقال بالاكتفاء بكل ما يدل على الحلف بمسمى الاسم من موصول و صلة و إشارة و نحو ذلك مما يصدق معه أنه حلف بالله تعالى المعلوم إرادة كونه حلفا بمسماه لا بخصوص اسمه، و يأتي إنشاء الله تمام البحث في ذلك في الأيمان.

و على كل حال فلا ينعقد لو كان الحلف بالكعبة أو النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الأئمة عليهم السلام و غيرها مما هو محترم و إن أثم بهتك الحرمة للاسم، بل و المسمى كما نص عليه في كشف اللثام، بل لا بد مع ذلك من التلفظ بها أي بالجملة القسمية، فلو قال: «لأتركن وطءك» لم يقع و إن أشعرت اللام بالقسم للأصل.

و يقع بكل لسان لصدق الإيلاء و الحلف معه و إن قلنا باشتراط العربية في غيره من العقد و الإيقاع، لكن قد عرفت أن الإيلائية ليست شيئا زائدا على اليمين الذي يقع بكل لسان، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا، كما أشرنا إليه.

نعم لا بد أن يكون ذلك مع القصد إليه فلا يقع من الساهي و النائم و السكران و نحوها.

و اللفظ الصريح فيه هو قول و الله تعالى لا أدخلت فرجي في


1- 1 الوسائل الباب- 3- من الإيلاء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب الإيلاء الحديث 1.

ج 33، ص: 300

فرجك و ما أشبهه أو يأتي باللفظة المختصة بهذا الفعل كالنيك، بناء على اختصاصه بالوطء في القبل دون الدبر أو ما يدل عليه صريحا من نحو ذلك.

و المحتمل الذي هو في المتن كقوله: لا جامعتك و لا وطأتك، فان قصد به الإيلاء صح، و لا يقع مع تجرده عن النية، و فيه أنهما من الصريح عرفا و إن كانا في الأصل للأعم من ذلك، و لذا اكتفى بالأول منهما في

صحيح (1)أبي بصير عن الصادق عليه السلام «سألته عن الإيلاء ما هو؟ فقال: هو أن يقول الرجل لامرأته: و الله لا أجامعك»

و كذا في غيره أيضا، فالأصح كونه من الألفاظ الصريحة.

أما لو قال: لا جمع رأسي و رأسك بيت أو مخدة أو لا ساقفتك بمعنى «لا جمعني و إياك سقف» و نحو ذلك من الملاصقة و الملامسة و المباشرة مما هو كناية عن المعني المزبور قال في الخلاف: لا يصح به إيلاء و تبعه ابن إدريس و الفاضل على ما حكي عنهما، للأصل و حصر الإيلاء في غير واحد من النصوص (2)فيما لا يشمل ذلك، و قال في المبسوط: يقع مع القصد، و هو حسن بل عن الفاضل في التحرير و التلخيص و المختلف اختياره، لإطلاق أدلة الإيلاء، و ل

حسن يزيد ابن معاوية(3)«إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته و لا يمسها و لا يجمع رأسه و رأسها فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر»

و في

خبر أبي الصباح الكناني (4)«الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته: و الله لأغضبنك أو لأسوأنك»

و صحيح الحلبي (5)السابق، و لما عرفت من أن الإيلاء من اليمين المعلوم انعقاده بذلك، و هو الأقوى.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1 و 6 و الباب 9 منها.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب الإيلاء الحديث 1.

ج 33، ص: 301

و لو قال: «لا جامعتك في دبرك» لم يكن مؤليا لأنه محسن غير مضار، و كذا لو قال: لا وطأتك في حيض أو نفاس» أو نحو ذلك.

و هل يشترط تجريد الإيلاء عن الشرط؟ للشيخ قولان، أظهرهما عند المصنف اشتراطه كما عن بني حمزة و زهرة و إدريس و يحيى بن سعيد و الفاضل في أحد قوليه، فلو علقه بشرط أو زمان متوقع أو صفة كان لاغيا بل عن الخلاف الاستدلال عليه بالإجماع و الأخبار و أصالة البراءة، لكن لعل المراد بالأخبار ما سمعته من النصوص (1)المتضمنة لتفسيره منجزا، و إلا فلم نقف على خبر يدل على الحكم المزبور بخصوصه، و بالإجماع أنه إنما وقع مطلقا، و لا دليل على وقوعه مشروطا، نعم عن ابن زهرة دعوى الإجماع على اشتراط التجريد، كما عن ظاهر السرائر.

إلا أن الأقوى مع ذلك جوازه وفاقا للمحكي عن المبسوط و المختلف، لما عرفت من عدم تسبيب للشارع في الإيلاء زائد على تسبيب اليمين المعلوم قبوله للشرط، و حينئذ فكل ما جاز في مطلق اليمين يجوز فيه، بل هو ليس إلا

فردا مخصوصا من اليمين، و النصوص (2)المزبورة إنما سيقت لبيان صيغته بالنسبة إلى المحلوف به و المحلوف عليه، لا غير ذلك مما يشمل المفروض، و الإجماع المزبور بالمعنى الذي ذكرناه يرجع إلى الاحتياط الذي لا يعارض الإطلاق.

و أما إجماع ابن زهرة المعتضد بظاهر السرائر فلم نتحققه، بل لعل المحقق خلافه، و كأنه نشأ من توهم كون الإيلاء كغيره من أفراد الإيقاع المعلوم عدم جواز تعليقه بالإجماع و غيره مما عرفته سابقا، كالطلاق و نحوه إلا ما خرج و نحوه.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1 و الباب- 9- منها.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 6 و الباب- 9- منها.

ج 33، ص: 302

و لكن قد عرفت أنه ليس الإيلاء إلا اليمين الذي قد دل الدليل على جواز تعليقه، و ليس له إنشائية زائدة على إنشائيته، و لا تسبيب زائد على تسبيبه، نعم لهذا الفرد الخاص من اليمين و هو المتعلق بترك جماع الزوجة الدائمة أزيد من المدة أحكام شرعية بها استحق اسم الإيلاء، و دعوى أن من خصوصيته كونه منجزا لا دليل عليها. بل لعل الإطلاق يقتضي خلافها، و لعله إلى ذلك أشار في كشف اللثام، حيث إنه بعد أن اختار الجواز فرق بينه و بين غيره من الإيقاع- كالطلاق و العتاق- بأنهما إيقاعان، و التعليق ينافي الإيقاع، و الإيلاء يمين و التزام.

و كيف كان ف لو حلف بالعتاق لا يطأها أو بالصدقة أو التحريم بأن قال: إن جامعتك فعبدي حر أو مالي صدقة أو أنت أو فلانة محرمة علي أو نحو ذلك لم يقع عندنا يمينا فضلا عن الإيلاء و لو قصد الإيلاء لما عرفته من اعتبار الحلف بالله تعالى.

و كذا لو قال: إن أصبتك فعلي كذا لم يكن إيلاء بلا خلاف و لا إشكال، و إنما ذكره تنبيها على خلاف بعض العامة في ذلك، و ضعفه بل فساده واضح عندنا.

و لو آلى من زوجته و قال للأخرى: شركتك معها أو أنت شريكتها أو مثلها أو نحو ذلك لم يقع بالثانية و لو نواه، إذ قد عرفت أنه لا إيلاء إلا مع النطق باسمه تعالى و لا تجزئ الكناية عنه و إن قلنا بالاكتفاء بها في المحلوف عليه، بل في المسالك «فان التصريح باسمه عماد الدين (1)حتى لو قال به:

لأفعلن كذا ثم قال: أردت بالله لم ينعقد يمينه، و هذا مما اتفق عليه الكل و إن اختلفوا في مثل قوله: أنت طالق ثم قال للأخرى: شركتك معها، فقد قال جمع بوقوعه، لأن الكنايات فيه عن الطلاق، و هو مما قد قيل بوقوعه أيضا ككناية المحلوف عليه هنا» و هو حسن إلا دعوى اعتبار التصريح به بحيث


1- 1 هكذا في النسختين المخطوطتين و في المسالك« فان التصريح باسمه عماد اليمين».

ج 33، ص: 303

لا يجزئ الضمير.

و على كل حال ف لا يقع الإيلاء إلا في إضرار بلا خلاف أجده في ذلك، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، فلو حلف لصلاح اللبن أو لتدبير في مرض لم يكن له حكم الإيلاء، و كان كالأيمان قال الصادق عليه السلام في

خبر السكوني (1): المنجبر بما عرفت «أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين إن امرأتي أرضعت غلاما و إني قلت: و الله لا أقربك حتى تفطميه، قال عليه السلام: ليس في الإصلاح إيلاء»

و قد تقدم ما في صحيح الحلبي (2)

و غيره(3)من أن «الإيلاء أن يقول: و الله لا أجامعك كذا و كذا، و الله لأغيظنك ثم يغاضبها»

و نحوه ما في

خبر أبي الصباح (4)«الإيلاء أن يقول الرجل لامرأته:

و الله لأغضبنك و لأسوأنك»

و في

الخبر أو الصحيح (5)«إن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤول»

فمن الغريب وسوسة بعض الناس في الحكم المزبور، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء الحديث- 3.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب الإيلاء الحديث 2.

ج 33، ص: 304

[الأمر الثاني في المؤلي]

الأمر الثاني:

في المؤلي و لا خلاف كما لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه في أنه يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل و الاختيار و القصد مضافا إلى ما عرفته مكررا من الأدلة العامة الدالة على اشتراطها في غيره من العقود و الإيقاعات.

و يصح من المملوك حرة كانت زوجته أو أمة لمولاه أو لغيره مع اشتراط رقية الولد و عدمه، للعموم كتابا(1)و سنة(2)، بل لا أجد فيه خلافا و لا إشكالا، نعم في المسالك «أما إذا كانت حرة فظاهر، إذ لا حق للمولى في وطئه و عموم الآية(3)يتناوله، و أما إذا كانت أمة للمولى أو لغيره و شرط مولاه رقية الولد فقد ينقدح عدم وقوع الإيلاء منه، لأن الحق فيه لمولاه، فيتوقف على إذنه» و فيه منع حق للمولى على وجه يصح إجباره عليه، و وجوب الطاعة ليس حقا في خصوص الفرض، و إلا لجاء الإشكال في الحرة أيضا، فالمتجه العموم.

و كذا يصح من الذمي و غيره من الكفار المقرين بالله للعموم، و امتناع صحة الكفارة منهم ما داموا كفارا لا يقدح في صحته، لأن الشرط مقدور عليه بتقديمه الإسلام، و لا ينحل بالإسلام، خلافا لمالك، و لم يخالف الشيخ هنا

في الوقوع منه و إن خالف في الظهار، مع أن المقتضي واحد.

هذا و في المسالك «و التقييد بالذمي من حيث اعترافه بالله تعالى، و ينبغي أن لا يكون على وجه الحصر فيه، بل الضابط وقوعه من الكافر المقر بالله تعالى ليتوجه حلفه به» و يقرب منه ما في كشف اللثام.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1 و 6 و الباب- 9- منها.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 226.

ج 33، ص: 305

و قد يقال بترتب حكم الإيلاء عليه من التكفير و نحوه بالحلف بالله و إن لم يكن مقرا به، لأنه مكلف بالفروع التي منها ترتب ذلك على الحلف بالله من المقر و غيره للعموم و لأنه لولا ذلك لم يتوجه اليمين عليه لو ادعى عليه.

و كذا يصح من الخصي الذي يولج و لا ينزل بلا خلاف و لا إشكال، للعموم.

نعم في صحته من المجبوب الذي لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم الجماع تردد من العموم و من كونه يمينا على الممتنع، بل و خلاف. لكن أشبهه الجواز وفاقا للمبسوط و التحرير و الإرشاد و التبصرة و التلخيص، لعموم الكتاب (1)الذي لا ينافيه

ما في السنة من كون «الإيلاء أن يقول: و الله لا أجامعك»(2)

لإمكانه منه بالمساحقة، خصوصا إذا بقي من آلته دون الحشفة يلجه في الفرج و ينزل منه، و أولى من ذلك بالجواز ما لو عرض الجب بعد الإيلاء.

و على كل حال ف تكون فئته بناء على ما ذكرنا العود إلى المساحقة، لا أنها تكون كفئة العاجز لمرض و نحوه التي هي القول باللسان «لو قدرت لفعلت». نعم قد يقال: إن فئته ذلك لو فرض تعذر المساحقة منه، و لا ينافي ذلك عدم صدق للجماع حتى على المساحقة، لإطلاق قوله تعالى(3):

«لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ» و ليس في شي ء من النصوص السابقة اشتراط الجماع الذي يمكن دعوى انسياقه إلى غير المساحقة، بل أقصاها أن يقول الرجل لزوجته: «و الله لا أجامعك» و هو متحقق فيمن يكون مجامعته المساحقة و نحوها، بل و من لا يكون له مجامعة أصلا، بناء على ما ستعرفه من عدم اعتبار إمكان وقوع المحلوف عليه


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 266.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1 و الباب- 9- منها الحديث 1 و 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 266.

ج 33، ص: 306

من الحالف في الإيلاء، فيتحقق حينئذ بذلك، و تكون فئته القول باللسان و العزم على الفعل مع فرض إمكانه له، ضرورة أن ذلك فئة مثل هذا المولى الذي فرض تناول الأدلة له، نعم قد يقال: إنه و إن سلم كون فئته ذلك لكن لا ريب في عدم تحقق الإضرار الذي اعتبروه شرطا، إذ الفرض أنه لإجماع له، اللهم إلا أن يمنع شرطيته ذلك على وجه ينافي ذلك، و إنما

المراد منها إخراج الحلف لصلاح الولد و نحوه، لا بحيث يشمل المقام، و من هنا كان المشهور تحقق الإيلاء، مع أنك قد عرفت الاتفاق على اعتبار الإضرار، و لا يمكن ذلك إلا بما قلناه.

و على كل حال فما في المسالك- من أن الأصح عدم الإيلاء منه، لفقد شرط الصحة منه، و هو مخصص لعموم الآية، و الفرق بينه و بين المريض توقع زوال عذره دونه، و مرافعته و صرب المدة له ليقول باللسان ذلك في حكم العبث الذي لا يليق بمحاسن الشرع، حتى التزم لذلك بطلان الإيلاء لو عرض الجب في أثنائه، لاستحالة بقاء اليمين مع استحالة الحنث، و مجرد المطالبة باللسان و ضرب المدة لذلك قبيح، كالمجبوب ابتدءا- لا يخلو من نظر بعد الإحاطة بما ذكرناه، مضافا إلى إمكان منع عدم انعقاد اليمين على الممتنع، للإطلاق، و استحالة الحنث لا ينافي انعقادها.

لكن الانصاف عدم تحقق الإضرار بالزوجة الذي قد عرفت اعتباره مع الحال المزبور إلا على المساحقة التي ذكرناها، فتأمل جيدا. هذا كله المجبوب الذي لم يبق من آلته ما يتحقق به اسم الجماع، و إلا جاز الإيلاء منه بلا خلاف و لا إشكال، بل في شرح الصيمري الإجماع عليه.

ج 33، ص: 307

[الأمر الثالث في المؤلي منها]

الأمر الثالث:

في المؤلي منها، و لا خلاف في أنه يشترط فيها أن تكون منكوحة بالعقد لا بالملك بل لعله إجماع، لعدم اندراج المملوكة في «نِسائِهِمْ»(1)و في الزوجة.

و أن تكون مدخولا بها بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في كشف اللثام، حتى ممن قال بعدم اعتباره في الظهار، كالمفيد و سلار و ابني زهرة و إدريس، فإن المحكي عنهم التصريح هنا باعتباره، نعم في المسالك «و ربما قيل به هنا أيضا، و لكنه نادر» و إن لم نتحققه، و لعله نظر في النصوص الدالة على ذلك هنا، ك

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام قال: «في غير المدخول بها لا يقع عليها إيلاء و لا ظهار»

و خبر أبي الصباح (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يقع الإيلاء إلا على امرأة قد دخل بها زوجها»

و في

خبر آخر(4)عنه عليه السلام «إن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن رجل آلى من امرأته و لم يدخل بها، قال: لا إيلاء حتى يدخل بها، قال: أ رأيت لو أن رجلا حلف ألا يبني بأهله سنتين أو أكثر من ذلك أ يكون إيلاء؟».

لكن قد يقال إن ذلك مناف لما سمعته من المشهور من وقوعه من المجبوب الذي لا يتصور

دخول فيه، مع فرض جبه على وجه لم يبق من الذكر شي ء يتحقق به الدخول، اللهم إلا أن يحمل الدخول في كلامهم هنا على ما يشمل دخول


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من كتاب الظهار الحديث 2 عن أبى جعفر و أبى عبد الله عليهما السلام الا أن الموجود في التهذيب ج 8 ص 21 الرقم 65 عن أبى جعفر أو أبى عبد الله عليهما السلام.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الإيلاء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الإيلاء الحديث 3.

ج 33، ص: 308

المجبوب من المساحقة و نحوها.

و كيف كان ف في وقوعه بالمستمتع بها تردد، أظهره المنع وفاقا للمشهور إما لتبادر الدائمة من النساء و الزوجة أو لظهور قوله تعالى (1)«وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ» بعد قوله «لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ» في قبول المولى منها له، و هو منتف في المستمتع بها، نحو ما جاء في النص (2)من الاستدلال على اعتبار النكاح الدائم في المحلل بقوله تعالى (3)«فَإِنْ طَلَّقَها» كما نبهنا عليه في محله، فلاحظ و تأمل.

و لما قيل: أن لازم صحته جواز مطالبتها بالوطء و هو غير مستحق للمستمتع بها، و لأصالة بقاء الحل في موضع النزاع، و ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن أبي يعفور(4): «لا إيلاء على الرجل من المرأة التي تمتع بها».

خلافا للمحكي عن المرتضى من الوقوع بها، للعموم الذي لا يخصصه عود الضمير إلى بعض المذكورات سابقا، و مطالبتها مشروطة بالدوام نظرا إلى الغاية، و هو لا يستلزم عدم وقوعه بدون المطالبة، و الأصل مقطوع

بالإيلاء الثابت بالاية(5)و هو كما ترى، و قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح، فلاحظ.

و يقع بالحرة و المملوكة كما يقع من الحر و المملوك، للعموم، بلا خلاف أجده فيه. و لا في أن المرافعة إلى المرأة لضرب المدة و كذا إليها بعد انقضائها المطالبة بالفئة و لو كانت أمة، و لا اعتراض للمولى لأن حق الاستمتاع لها لا لمولاها.

و كذا يقع بالذمية كما يقع بالمسلمة للعموم، و الله العالم


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 227.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 230.
4- 4 التهذيب ج 8 ص 8 الرقم 22.
5- 5 سورة البقرة: 2 الآية 226.

ج 33، ص: 309

[الأمر الرابع في أحكامه]

الأمر الرابع:

في أحكامه، و فيه مسائل.

[المسألة الأولى لا ينعقد الإيلاء حتى يكون التحريم بالحلف]

الأولى:

لا ينعقد الإيلاء حتى يكون التحريم بالحلف مطلقا فيحمل على التأبيد، ضرورة توقف الصدق على الانتفاء في جميع الأوقات أو مقيدا بالدوام الذي هو تأكيد لما اقتضاه الإطلاق أو مقرونا بمدة تزيد على الأربعة أشهر و لو لحظة و إن انحلت بعدها اليمين،

قال زرارة(1): «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

رجل آلى أن لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر، قال: فقال: لا يكون إيلاء حتى يحلف أكثر من أربعة أشهر»

أو مضافا إلى فعل لا يحصل إلا بعد انقضاء مدة التربص يقينا أو غالبا، كقوله و هو بالعراق: حتى أمضي إلى بلاد الترك و أعود، أو يقول:

ما بقيت الذي هو بمعنى أبدا، فان أبد كل إنسان عمرة، بل لو قال: ما بقي زيد فكذلك في أحد الوجهين أو أقواهما مع غلبة الظن ببقائه، لأن الموت المعجل كالمستبعد في العادات، فيكون كالتعليق على خروج الدجال.

و لا يقع لأربعة أشهر فما دون لما عرفت و لا معلقا بفعل ينقضي قبل هذه المدة يقينا أو غالبا أو محتملا على السواء لعدم صدق الحلف على أكثر من أربعة أشهر، و لعدم تحقق قصد المضارة، فلا يحكم بكونه مؤليا و إن اتفق مضي أربعة أشهر و لم يوجد المعلق به، بل يكون يمينا، لما عرفت من عدم تحقق قصد المضارة في الابتداء، و أحكام الإيلاء منوطة به، لا بمجرد اتفاق الضرر بالامتناع من


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الإيلاء الحديث 2.

ج 33، ص: 310

الوطء كما لو امتنع من غير يمين، و حينئذ فيرتفع اليمين لو وجد المعلق به قبل الوطء و تجب الكفارة لو وطأ قبل وجوده حيث ينعقد اليمين.

قلت: قد يقال: إن لم يكن إجماعا- على ما سمعت المدار على واقعية الزيادة- على أربعة أشهر- لا ظن حصولها أو عدمه، فان الصدق يدور مداره- فمع فرض التعليق لغاية يضم في العادة بلوغها الأزيد من أربعة فاتفق عدمه خلاف العادة و بالعكس لا معنى لجريان حكم الإيلاء على الأول دون الثاني المتحقق فيه الصدق دون الأول، و كذا محتمل الوقوع فاتفق تأخره عن الأربعة، و لا دليل على اعتبار إحراز ذلك على الوجه المزبور، نعم هو كذلك لتعجيل حكم الإيلاء، لا لأصل كونه إيلاء حتى بعد الانكشاف، فتأمل جيدا، فاني لم أجد ذلك محررا في كلماتهم.

و لو قال: و الله لا وطأتك حتى أدخل هذه الدار و لم يكن له مانع منها لا يرتفع إلا بما زاد على أربعة أشهر لم يكن إيلاء، لأنه يمكنه التخلص من التكفير مع الوطء بالدخول الذي هو غاية الحرمة و هو مناف للإيلاء المعتبر فيه حرمة الوطء عليه أزيد من الأربعة إلا مع الكفارة، إذ هو الذي تتحقق به المضارة، بل لا يصدق على مثله أنه آلى إلى أزيد من أربعة أشهر بعد أن كان غاية اليمين راجعة إلى اختياره، كما هو واضح.

ج 33، ص: 311

[المسألة الثانية مدة التربص في الحرة و الأمة]
اشاره

المسألة الثانية:

مدة التربص في الحرة و الأمة و المسلمة و الذمية أربعة أشهر من حين الإيلاء على الأصح، كما ستعرفه سواء كان الزوج حرا أو مملوكا مسلما أو ذميا بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (1)فيه مضافا إلى الكتاب (2)و ما عن مالك في الزوج المملوك و أبي حنيفة في الزوجة المملوكة- من كون المدة فيهما على النصف في الحر و الحرة لقاعدته- كالاجتهاد في مقابلة النص.

و على كل حال ف المدة حق للزوج و ليس للزوجة مطالبته فيها بالفئة لكن إن وطأ فيها كفر و انحل الإيلاء و إلا تربص إليها،

قال الباقر و الصادق عليهما السلام في الصحيح(3): «إذا آلي الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول و لا حق في الأربعة الأشهر، و لا إثم عليه في كفه عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسها فما سكتت و رضيت فهو في حل و سعة، و إن رفعت أمرها قيل له: إما أن تفي ء فتمسها، و إما أن تطلق، و عزم الطلاق أن يخلي عنها، فإذا حاضت و طهرت طلقها فهو أحق برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء، فهذا الإيلاء الذي أنزل الله تبارك و تعالى في كتابه و سنة رسوله صلى الله عليه و آله»

و نحوه غيره (4).

و لا ينافي ذلك

خبر أبي مريم (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «عن رجل آلى من


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 226.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 3 و هو مضمر الا أن في الاستبصار ج 3 ص 255 عن أبي عبد الله عليه السلام.

ج 33، ص: 312

امرأته، قال: يوقف قبل الأربعة أشهر و بعدها»

المنزل على إرادة الإيقاف قبلها لإلزام الحكم عليه بعد تلك المدة، لا لإلزام الطلاق أو الإيفاء، فإنه إنما يكون بعد، ليوافق غيره من النصوص (1)المجمع عليها، ك

خبر أبي الجارود(2)«أنه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول: الإيلاء يوقف بعد سنة، فقلت: بعد سنة، فقال: نعم يوقف بعد سنة»

المنزل على إرادة أنه يوقف و لو مضت سنة لم يرفع أمره فيها، و لا تكون مطلقة بمضي المدة ليوافق غيره من النصوص أيضا التي منها

خبر عثمان (3)عن أبي الحسن عليه السلام «سألته عن رجل آلى من امرأته متى يفرق بينهما؟ قال: إذا مضت أربعة أشهر و وقف، قلت له: من يوقفه؟ قال: الامام، قلت: و إن لم يوقفه عشر سنين، قال: هي امرأته».

بل ظاهر النص (4)و الفتوى أن المدة المزبورة حق للزوج ليس لها مرافعته و إن كان قد ترك وطء ما قبل الإيلاء بأربعة أشهر أو أقل مثلا، و في المسالك «و لو فرض كونه تاركا وطءها مدة قبل الإيلاء يفعل حراما بالنسبة إلى ما زاد من أربعة أشهر من حين الوطء، لأنه لا

يجوز ترك وطء الزوجة أكثر من ذلك، و لا ينحل بذلك اليمين، لأن الإيلاء لا ينحل بذلك».

و فيه أن ظاهر الآية(5)و النصوص (6)بل هو صريح الصحيح (7)المزبور عدم الإثم عليه في ترك الوطء مدة التربص مطلقا، بل لعل الغالب عدم وطئها قبل الإيلاء بآن ما، بل لو كان المراد تربص الأربعة في خصوص الموطوءة في زمان متصل بإيقاع الإيلاء و إلا اتجه لها المطالبة قبل المدة المزبورة لصار زمان الإيلاء


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث- 4.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 226.
6- 6 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء الحديث 1.

ج 33، ص: 313

شهرا و شهرين و أقل و أكثر إذا فرض ترك وطئها قبل الإيلاء بثلاثة أشهر أو شهرين و نحو ذلك، و هو مناف للنص و الفتوى، و إن قال الفاضل في القواعد: «و لو كان الوطء يجب بعد شهر مثلا فحلف أن لا يطأها إلى شهرين ففي انعقاده نظر» و لعله من القصور عن المدة المقدرة للإيلاء، و من أن الإيلاء إنما انعقد لامتناعه من الوطء مدة يجب عليه في أثنائها، و لكن لا ريب في أن الأول أقوى، كما اعترف به في كشف اللثام.

و كيف كان فلا ريب في ظهور النص (1)و الفتوى في أن المدة المزبورة حق للزوج ليس لها المطالبة فيها إذا آلى و إن ترك وطيها سابقا، و لعل هذا أيضا من أحكام الإيلاء، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة.

و على كل حال فإذا انقضت الأربعة أشهر لم تطلق بانقضاء المدة عندنا، للأصل و ظاهر الكتاب (2)و السنة(3)أو صريحهما، خلافا لأبي حنيفة، فقد جعل المدة وقت الفئة، و قال: «إذا لم يفي ء فيها طلقت طلقة بائنة» و لعل

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(4): «إذا آلى الرجل من امرأته فمكث أربعة أشهر فلم يفي ء، فهي تطليقة، ثم يوقف فان فاء فهي عنده على تطليقتين، و إن عزم فهي بائنة منه»

مطرح أو محمول على ما عن الاستبصار من أنه إذا طلق بعد الأربعة أشهر فهي تطليقة رجعية، فإن فاء أي راجعها كانت عنده على تطليقتين، و إن عزم حتى خرجت من العدة فقد صارت بائنة لا يملك رجعتها إلا بعقد جديد و مهر مسمى، و إن بعد إلا أنه خير من الطرح الذي لا بد منه مع فرض عدم تأويله، لاتفاق الكتاب و السنة القطعية و الإجماع على خلافه.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 226.
3- 3 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 4.

ج 33، ص: 314

بل لو فرض عدم طلاق الزوج لها بعد المدة لم يكن للحاكم طلاقها بلا خلاف أجده فيه، لأن

«الطلاق بيد من أخذ بالساق»(1)

و لفحوى النصوص(2)الدالة على حبسه و التضييق عليه ليفي ء أو يطلق، مضافا إلى

ظاهر الكتاب (3)و السنة(4)أو صريحهما، و ما في

مضمر عثمان (5)من أنه «إن لم يفي ء بعد أربعة أشهر حتى يصالح أهله أو يطلق جبر على ذلك، و لا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف و إن كان بعد الأربعة الأشهر، فان أبي فرق بينهما الإمام»

كالذي في خبره السابق الآخر(6)محمول على إرادة جبر الامام له على ذلك إن لم يفي ء، فما عن مالك و الشافعي في أحد قوليه- من أن له ذلك- واضح الفساد.

و على كل حال ف إذا رافعته فهو مخير بين الطلاق و الفئة، فإن طلق فقد خرج من حقها، و يقع الطلاق رجعة (الطلقة رجعية خ ل) إن لم يكن ما يقتضي البينونة على الأشهر بل المشهور، بل لم يعرف المخالف بعينه و إن أرسله بعض، لأنه الأصل في الطلاق، و لذا احتاج البائن إلى سبب يقتضيه، و للنصوص (7)التي منها

قول الصادق عليه السلام في حسن يزيد بن معاوية(8): «فإذا


1- 1 كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 226 و 227.
4- 4 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء الحديث 4 عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال:« سألته.».
6- 6 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء الحديث 1 و الباب- 10- منها الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.

ج 33، ص: 315

مضت الأربعة أشهر أوقف، فاما أن يفي ء فيمسها، و إما أن يعزم على الطلاق فيخلى عنها حتى إذا حاضت و طهرت من محيضها طلقها تطليقة قبل أن يجامعها بشهادة عدلين، ثم هو أحق برجعتها ما لم تمض الثلاثة الأقراء».

فما في

صحيح منصور بن حازم (1)عن الصادق عليه السلام «المؤلي إذا وقف فلم يفي ء طلق تطليقة بائنة»

محمول على من يرى الإمام إجباره على البائنة بفدية، أو على من كانت عند الرجل على تطليقة واحدة، و كذا

مضمره الآخر(2)«إن المؤلي يجبر على أن يطلق تطليقة بائنة»

و في الكافي عن غير منصور(3)«أنه يجبر على أن يطلق تطليقة يملك فيها الرجعة، فقال له بعض أصحابه: إن هذا ينتقض، فقال: لا، التي تشكو فتقول يجبرني و يضربني و يمنعني من الزوج يجبر على أن يطلقها تطليقة بائنة، و التي تسكت و لا تشكو شيئا يطلقها تطليقة يملك فيها الرجعة».

ثم على تقدير طلاقه رجعيا إن استمر عليه فذاك و إن رجع عاد الإيلاء، كما ستسمع تمام الكلام فيه إنشاء الله.

و على كل حال فبطلاقها يخرج عن حقها و كذا إن فاء و رجع إلى وطئها يخرج عن حقها أيضا.

و إن امتنع عن الأمرين بعد مرافعة الحاكم حبس و ضيق عليه حتى يفي ء أو يطلق بلا خلاف أجده فيه،

قال الصادق عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (4): «كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا أبى المؤلي أن يطلق جعل له حظيرة من قصب و أعطاه ربع قوته حتى يطلق»

و قال في خبر حماد بن عثمان (5)«كان أمير المؤمنين عليه السلام يجعل له حظيرة من قصب يحبسه فيها و يمنعه من الطعام و الشراب حتى يطلق»

و في المرسل (6)«إن فاء و هو أن يرجع إلى الجماع و إلا حبس


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 4.

ج 33، ص: 316

في حظيرة من قصب و شدد عليه في المأكل و المشرب حتى يطلق»

بل

عن الفقيه «روي (1)«أنه متى أمره إمام المسلمين بالطلاق فامتنع ضرب عنقه، لامتناعه على امام المسلمين»

و في مرسل خلف بن حماد(2)عن الصادق عليه السلام «في المؤلي إما أن يفي ء أو يطلق، فان فعل و إلا ضربت عنقه»

بل

روي أيضا(3)«إن أمير المؤمنين عليه السلام بنى حظيرة من قصب و جعل فيها رجلا آلى من امرأة بعد الأربعة أشهر، فقال له: إما أن ترجع إلى المناكحة و إما أن تطلق و إلا أحرقت عليك الحظيرة».

و كيف كان ف لا يجبره الحاكم على أحدهما تعيينا قطعا لأن الشارع خيره بين الأمرين، فلا يجبر إلا على ما وجب عليه شرعا.

و لو آلى مدة معينة و دافع بعد المرافعة حتى انقضت المدة سقط حكم الإيلاء و لم يلزمه الكفارة مع الوطء لأنها تجب مع الحنث في اليمين، و لا يتحقق إلا مع الوطء فيها، و أما إذا انقضت سقط حكم اليمين، سواء رافعته و ألزمه الحاكم بأحد الأمرين أم لا، لاشتراكهما في المقتضي و إن أثم بالمدافعة على تقدير المرافعة، كما هو واضح.

و لو أسقطت حقها من المطالبة مدة و لو بالسكوت عنه لم يسقط أصل المطالبة، لأنه حق يتجدد فيسقط بالعفو ما كان لا ما يتجدد و إن وجد سببه، و لما كان حقها في المطالبة يثبت في كل وقت ما دام الإيلاء باقيا فهو مما يتجدد بتجدد الوقت، فإذا أسقطت حقها فيها لم يسقط إلا ما كان فيها ثابتا وقت الاسقاط، و ذلك في قوة عدم إسقاط شي ء كما اعترف به في المسالك، لأن الان الواقع بعد ذلك بلا فصل

يتجدد فيه حق المطالبة و لم يسقط بالإسقاط، فلها المطالبة متى شاءت، قال: «و كذلك القول في نظائره من الحقوق المتجددة بحسب الوقت، كحق القسمة للزوجة، و حق الإسكان في موضع معين حيث نقول بصحته


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 6.

ج 33، ص: 317

و نحو ذلك، و من هذا الباب ما لو علمت بإعسار الزوج فرضيت ثم أرادت الفسخ على قول من يجوزه به، فلها ذلك لتجدد الضرب بفوات النفقة يوما فيوما، و يخالف ما إذا رضيت بعنة الزوج ثم أرادت الفسخ، حيث لا يبطل خيارها لفوات الفورية، بأن جهلت الفورية أو نحو ذلك مما سبق، فإنها لا تمكن منه، و فرق بأن العنة عجز حاضر و خصلة ناجزة لا تبسط على الأيام، و حق الاستمتاع و النفقة يبسطان عليها، و بأن العنة عيب و الرضا بالعيب يسقط حق الفسخ».

قلت: لا يخفى عليك ما في الفرق المزبور، و المتجه في كل سبب يسلطها على الخيار في العقد متى أسقطت حقها منه لزم العقد، و ليس لها بعد المطالبة، ضرورة اتحاد صيغة العقد بالنسبة إلى ذلك، فلا يكون في حال جائزا و في آخر لازما، كما هو واضح.

إنما الكلام في إسقاط حق القسم و حق المطالبة، و لا ريب في سقوطه لو وقع بعقد صلح و نحوه، كما ورد ذلك في حق القسم، أما سقوطه بالإسقاط فلا يخلو من إشكال، لما عرفت، مع احتمال صحته اكتفاء بحصول سببه، و لفحوى ما دل (1)على سقوطه بالصلح، ضرورة أنه مع فرض عدم قابلية سقوطه لعدم حصوله لا يصلح الصلح و الفرض صحته، فيدل على صحة سقوطه بالإسقاط.

و من ذلك حق الدعوى الذي لا خلاف في مشروعية الصلح لإسقاطه، و هو أقرب شي ء إلى حق المطالبة لها في المقام، نعم لا يسقط بالسكوت عنه مدة قطعا، كما هو صريح النص و الفتوى، إنما الكلام في سقوطه بالإسقاط الحاصل بقولها:

«أسقطته من أصله» و نحوه، فتأمل جيدا، فان المقام محتاج إلى التأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب القسم و النشوز من كتاب النكاح.

ج 33، ص: 318

[فروع]
[الأول لو اختلفا في انقضاء المدة فالقول قول من يدعى بقاءها]

الأول:

لو اختلفا في انقضاء المدة بأن ادعت المرأة انقضاءها لتلزمه بالفئة أو الطلاق و ادعى هو بقاءها فالقول قول من يدعى بقاءها للأصل، لأن مرجع دعوى انقضائها إلى تقدم زمان الإيلاء أو زمان المرافعة، و الأصل عدم تقدم كل منهما.

و كذا لو اختلفا في تقدم زمان إيقاع الإيلاء أو المرافعة و تأخره فالقول قول من يدعي تأخره للأصل المزبور، كما هو واضح.

[الثاني لو انقضت مدة التربص و هناك مانع من الوطء كالحيض و المرض]

الثاني:

لو انقضت مدة التربص و هناك مانع من الوطء كالحيض و المرض و نحوهما لم يكن لها المطالبة بالفئة فعلا بلا خلاف أجده، بل في المسالك الإجماع عليه لظهور عذره في التخلف و لعدم المضارة لها، نعم لو قيل لها المطالبة بفئة العاجز عن الوطء كان حسنا بل اختاره غير واحد، بل حكي عن كثير، لإطلاق الأدلة، و لقاعدة الميسور، و لتخييره بين الفئة و الطلاق و ربما طلقها إذا طالبته، و لعدم كون المانع منها، بل هي ممكنة و لكن المانع من الله تعالى، خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع، لأن الامتناع من جهتها، و فيه أن عدم قبول المحل كعدم القدرة من الفاعل، و كما يلزم بفئة العاجز عند عجزه عن الوطء كذلك يلزم عند عجزها، فلا فرق بين الحيض و غيره.

ج 33، ص: 319

و لو تجددت أعذارها في أثناء المدة قال في المبسوط: تنقطع الاستدامة عدا الحيض أي لا تحتسب من المدة، فإذا زال العذر بنت على ما مضى من المدة قبل العذر كما في حاشية الكركي و المسالك، لأن الحق لها و العذر من قبلها، و مدة التربص حق له فلا يجب عليه منها ما لا قدرة له على الفئة فيه، بل في كشف اللثام «تستأنف مدة التربص لمنعها من ابتداء الضرب- إلى أن قال-: و إنما يستأنف و لا يبني على ما مضى لوجوب المتابعة في هذه المدة، كصوم كفارة الظهار و نحوه» و فيه منع واضح. و على كل حال تنقطع المدة بتجدد أعذارها الشرعية و الحسية عند الشيخ، نعم يستثنى من ذلك خصوص الحيض، فإنه لا يقطعها إجماعا، لأنه لو قطع لم تسلم مدة التربص أربعة أشهر، لتكرره في كل شهر غالبا.

و لكن فيه تردد من ذلك و من إطلاق الأدلة مع قيام فئة العاجز مقام الوطء من القادر، و هو بحكمه.

و من هنا لا ينقطع المدة بأعذار الرجل ابتداء و لا اعتراضا إجماعا، لأن حق المهلة له و العذر منه، و المرأة لكن المضارة حاصلة(1)سواء كانت شرعية كالصوم و الإحرام أو حسية كالجنون و المرض. و كذا لا تمنع من المواقعة(2)انتهاء لو اتفقت على رأس المدة، بل يؤمر بفئة العاجز أو الطلاق، كما سيأتي، لإطلاق الأدلة.


1- 1 هكذا في النسخة المخطوطة المسودة، و الموجود في المبيضة« و المرأة لكن المضارة حاصلة» و هو خطأ، و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية، و في الشرائع المطبوع« المرافعة».

ج 33، ص: 320

[الثالث إذا جن بعد ضرب المدة احتسب المدة عليه و إن كان مجنونا]

الثالث:

إذا جن بعد ضرب المدة احتسب المدة عليه و إن كان مجنونا للإطلاق، فإن انقضت المدة و الجنون باق تربص به حتى يفيق لرفع القلم عنه، و لا يقوم وليه مقامه في ذلك، نعم لو كان العذر مما لا يرتفع معه التكليف أمر بفئة العاجز.

[الرابع إذا انقضت المدة و هو محرم ألزم بفئة المعذور]

الرابع:

إذا انقضت المدة و هو محرم ألزم بفئة المعذور لما عرفت. و كذا لو اتفق صائما على وجه لا يجوز له الإفطار، و لا يلزم بالوطء المحرم و لكن لو واقع أتى بالفئة و إن أثم لحصول الغرض، سواء وافقته على ذلك أم أكرهها، و سواء قلنا بجواز موافقتها له لأنه ليس محرما من طرفها أو لا، لأنه إعانة على الإثم و كذا الكلام في كل وطء محرم كالوطء في الحيض و الصوم الواجب و نحوهما.

[الخامس إذا ظاهر ثم آلى أو عكس صح الأمران]

الخامس:

إذا ظاهر ثم آلى أو عكس صح الأمران لبقاء الزوجية الصالحة لإيقاع كل منهما و إن كانت قد حرمت بالسبب الآخر، فتحرم حينئذ من الجهتين و لا تستباح بدون الكفارتين، لكن قد عرفت اختلاف المدة في إمهاله فيهما، ففي الظهار ثلاثة و في الإيلاء أربعة، و حينئذ ففي الفرض إذا انقضت مدة الظهار

ج 33، ص: 321

الزم بحكمه خاصة، فترافعه و يوقف بعد انقضاء مدت ه أي الظهار، فان طلق فقد و في الحق و خرج من حكمي الإيلاء و الظهار و إن أبى ألزم ب التكفير و ال عود لل وطء لأنه أسقط حقه من التربص إلى الأربعة بالظهار و كان عليه كفارة الإيلاء إذا وطأ و إن توقفت كفارة الظهار على مدة تزيد عن مدة الإيلاء أو كان الظهار متأخرا عنه بحيث انقضت مدته قبل التخلص منه طولب بالأمرين معا و لزمه حكمها، و لكن قد يختلف حكمها فيما لو انقضت مدة الإيلاء و لما يكمل الكفارة للظهار، فان حكم الإيلاء إذا لم يختر الطلاق إلزامه بالفئة و تعجيل الوطء، و حكم الظهار تحريمه إلى أن يكفر، و طريق الجمع حينئذ إلزامه للإيلاء بفئة العاجز، لأن الظهار مانع شرعي من الوطء قبل التكفير، فتجتمع الكفارتان بالعزم على الوطء إحداهما للفئة و الآخرى للعزم عليه، و لو أراد الوطء في هذه الحالة قبل التكفير للظهار حرم عليه ذلك، بل يحرم عليها أيضا تمكينه منه، كما سبق و إن أبيح له و لها من حيث الإيلاء، و لو فعل حراما و وطأ حصلت الفئة و لزمه كفارتا الظهار و الإيلاء.

ج 33، ص: 322

[السادس إذا آلى ثم ارتد لا تحتسب عليه مدة الردة]

السادس:

إذا آلى ثم ارتد عن غير فطرة مثلا قال الشيخ: لا تحتسب عليه مدة الردة، لأن المنع بسبب الارتداد الذي هو فاسخ للنكاح كالطلاق لا بسبب الإيلاء فلا تحتسب مدته من مدة الإيلاء المقتضية لاستحقاق المطالبة بعدها بالوطء، لتضاد المؤثرين المقتضي لتضاد الأثرين كما لا يحتسب زمان العدة.

و الوجه عند المصنف بل في المسالك نسبته إلى الأكثر الاحتساب، لتمكنه من الوطء بإزالة المانع فلا يكون عذرا، و يفارق العدة بأن المرتد إذا عاد إلى الإسلام تبين أن النكاح لم ينفسخ و الطلاق الماضي مع لحوق الرجعة لا ينفسخ، و لهذا ظهر أثره بتحريمها بالثلاث و إن رجع في الأولين، و لكن ذلك كما ترى. و لعله لذا قال الكركي في الحاشية: «و في الفرق بحث».

ج 33، ص: 323

[المسألة الثالثة إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا]

المسألة الثالثة:

إذا وطأ في مدة التربص لزمته الكفارة إجماعا بقسميه، و لا طلاق ما دل على كفارة اليمين من الكتاب (1)و السنة(2)ضرورة كون

المفروض منه، و لا إثم عليه في الكف عنها في المدة المزبورة التي لا حق لها فيها.

و لو وطأ بعد المدة قال في المبسوط: لا كفارة للأصل بعد الشك أو الظن بخروج الفرض عن إطلاق ما دل على وجوبها بالحنث بسبب وجوب الوطء عليه شرعا، لأنها مطالبة بعد مضي الأربعة، فلا حنث حينئذ، و بذلك يظهر لك الفرق بين ما بعد المدة و أثنائها، على أن خروج الثاني في صورة جواز الوطء أو رجحانه بالإجماع لا يقتضي خروج الأول عن مقتضى أصالة البراءة عن التكفير.

و لكن مع ذلك قال في الخلاف و محكي النهاية و التبيان:

تلزمه الكفارة كما عن مجمع البيان و روض الجنان و أحكام القرآن، بل هو ظاهر الأكثر، بل عن الخلاف الإجماع عليه، مضافا إلى

خبر منصور بن حازم (3)المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن رجل آلى من امرأته فمرت به أربعة أشهر، قال: يوقف فان عزم الطلاق بانت منه، و عليها عدة المطلقة، و إلا كفر عن يمينه، و أمسكها»

معتضدا ب

ما عن العياشي من إرساله عنه عليه السلام (4)«أنه سئل إذا بانت المرأة من الرجل هل يخطبها مع الخطاب؟

قال: يخطبها على تطليقتين، و لا يقربها حتى يكفر عن يمينه»

و كذا

ما أرسله


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 92.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الإيلاء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب الإيلاء الحديث 4.

ج 33، ص: 324

عنه عليه السلام أيضا في المحكي عن بعض الكتب (1)أنه قال: «إذا فاء المؤلي فعليه الكفارة».

و لعله لذا قال المصنف و هو أشبه و تبعه الفاضل و غيره، مؤيدا ذلك بأن يمين الإيلاء يخالف مطلق اليمين في أمور هذا منها، و منها انعقاده و إن كان تركه أرجح، بل ربما وجب، كما لو آلى في وقت يجب فيه الوطء، فما في المسالك- من الوسوسة في الحكم المذكور لأمور لا توافق أصولنا- في غير محله، على أنه هو في آخر كلامه أعاذه الله تعالى و إيانا من الوسواس قال: «و مع ذلك فاعتمادنا على المذهب المشهور من وجوب الكفارة على المؤلي مطلقا».

[المسألة الرابعة إذا وطأ المؤلي ساهيا بطل حكم الإيلاء]

المسألة الرابعة:

إذا وطأ المؤلي ساهيا أو مجنونا، أو اشتبهت بغيرها من حلائله أو في نحو ذلك من الأحوال التي لا يكون بها عامدا قال الشيخ: بطل حكم الإيلاء الذي هو ترك وطئها في المدة المزبورة بحيث يكون لها المطالبة، ل أن المفروض تحقق

الإصابة و لو في الأحوال المزبورة نعم لم تجب الكفارة بلا خلاف و لا إشكال و إن انحل حكم الإيلاء لعدم الحنث إذ الفرض عدم عمده، فيندرج فيمن رفع عنه الخطأ أو النسيان من الأمة، بل من المعلوم أن المراد من اليمين الالتزام بمقتضاها، و لا يكون ذلك إلا حال التذكر، فليس الفرض حينئذ متعلقا لليمين، لكن قد ينقدح من ذلك حينئذ عدم الانحلال، لأنه ليس من أفراد المحلوف عليه، و كذا مطلق اليمين.

اللهم إلا أن يقال: إن متعلق اليمين عدم وجود الحقيقة من الحالف أصلا، إلا أن الكفارة على اليمين يتبع التكليف المتوقف على حصول التذكر، فالانحلال


1- 1 المستدرك الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 2.

ج 33، ص: 325

يحصل بكونه منافيا للمحلوف عليه من عدم وجود الحقيقة أصلا و لا تجب الكفارة، لأن عنوانها حال التكليف، فتأمل جيدا.

ثم إن الحكم على تقدير انحلال الإيلاء واضح، أما إذا لم نقل بالانحلال ففي المسالك «وجهان أحدهما أنه لا تحصل الفئة و تبقى المطالبة، لأن اليمين باقية، و الثاني تحصل بوصولها إلى حقها و اندفاع الضرر، و لا فرق في إبقاء الحق بين وصوله إلى صاحبه حال الجنون و العقل كما لو رد المجنون وديعة إلى صاحبها، و لأن وطء المجنون كوطء العاقل في التحليل و تقرير المهر و تحريم الربيبة و سائر الأحكام فكذلك هنا، و لا يلزم من عدم وجوب الكفارة عدم ثبوت الفئة، لأنها حق لله تعالى، و الفئة حق للمرأة، و يعتبر في حق الله تعالى من القصد الصحيح ما لا يعتبر في حق الآدمي، و الأصح الأول».

قلت: لا يخفى عليك ما في دعوى الوجهين، ضرورة أنه يتعين مع عدم انحلاله عدم كون ذلك فئة، و إن حصل بسببه سقوط المطالبة من المرأة في تلك الأربعة و لكن يبقى لها حكم المطالبة في أربعة أخرى، لبقاء حكم الإيلاء فيها، و قد عرفت أن الأقوى عندنا الانحلال، فيسقط هذا التفريع من أصله.

ج 33، ص: 326

[المسألة الخامسة إذا ادعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه]

المسألة الخامسة:

إذا ادعى الإصابة فأنكرت فالقول قوله مع يمينه بلا خلاف أجده فيه لتعذر إقامة البينة أو تعسرها، فلو لم يقبل قوله فيه مع إمكان صدقه لزم الحرج، و لأنه من فعله الذي لا يعلم إلا من قبله، و أصالة بقاء النكاح، و عدم التسلط على الإجبار على الطلاق، و

قول الباقر عليه السلام في خبر إسحاق بن عمار(1): «إن عليا عليه السلام سئل عن المرأة تزعم أن زوجها لا يمسها و يزعم أنه يمسها، قال:

يحلف و يترك»

و قول الصادق عليه السلام فيما أرسل عنه في بعض الكتب (2)«في فئة المؤلي إذا قال: قد فعلت و أنكرت المرأة فالقول قول الرجل و لا إيلاء»

و مثله في تقديم قوله في الإصابة المخالف للأصل ما لو ادعى العنين اصابتها في المدة أو بعدها.

ثم إذا حلف على الإصابة و طلق و أراد الرجعة بدعوى الوطء الذي حلف عليه قال في التحرير: «الأقرب أنه لا يمكن، و كان القول قولها في نفي العدة و الوطء على قياس الخصومات من أن البينة على المدعى و اليمين على من أنكر، و إنما خالفناه على دعوى الإصابة لما ذكر من العلة، و هي منتفية هنا، كما لو اختلفا في الرجعة ابتداء».

و في المسالك «هذا التفريع لابن الحداد من الشافعية، و وافقه الأكثر، و استقر به العلامة في التحرير، و هو مع اشتماله على الجمع بين المتناقضين لا يتم على أصولنا من اشتراط الدخول في صحة الإيلاء، قال الشهيد ره: ما سمعنا فيه خلافا، و إنما فرعوه على أصولهم من عدم اشتراطه، و مع ذلك فلهم وجه آخر


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
2- 2 المستدرك الباب- 11- من أبواب الإيلاء الحديث 1.

ج 33، ص: 327

بأنه يمكن من الرجعة، و يصدق في الإصابة من الرجعة كما يصدق فيها لدفع التفريق، لأن في الرجعة استيفاء ذلك النكاح أيضا، و هذا أوجه».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من دعوى التناقض، و إنما هو اختلاف الأحكام الظاهرية، و اشتراط الدخول في الإيلاء لا ينافي ثبوته بطريق شرعي، كتصديق المرأة في دعوى الحيض و نحوها.

[المسألة السادسة المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء]

المسألة السادسة قال في المبسوط و محكي الغنية و السرائر و الجامع و ظاهر غيرها:

المدة المضروبة بعد الترافع لا من حين الإيلاء، بل في المسالك هو المشهور، بل عن الأول دعوى الإجماع على ذلك، لأن ضرب المدة إلى الحاكم، و لما

عن تفسير العياشي عن العباس بن هلال (1)عن الرضا عليه السلام «ذكر لنا أن أجل الإيلاء أربعة أشهر بعد ما يأتيان السلطان»

و حسن أبي بصير(2)المروي عن تفسير علي ابن إبراهيم عن الصادق عليه السلام «و إن رفعته إلى الامام أنظره أربعة أشهر، ثم يقول له بعد ذلك: إما أن ترجع إلى المناكحة و إما أن تطلق، فان أبى حبسه أبدا»

و للمروي عن قرب الاسناد عن البزنطي (3)عن الرضا عليه السلام «أنه سأله صفوان و أنا حاضر عن الإيلاء، فقال: إنما يوقف إذا قدمته إلى السلطان، فيوقفه السلطان أربعة أشهر ثم يقول له: إما أن تطلق و إما أن تمسك»

و خبر أبي مريم (4)المتقدم سابقا عن أبي عبد الله عليه السلام «عن رجل آلي من امرأته، قال: يوقف قبل الأربعة أشهر و بعدها».


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 3 راجع التعليقة 5 من ص 311.

ج 33، ص: 328

و لكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت و من عموم الآية(1)و الأخبار(2)و الأصل و الحكمة، لأن الأربعة غاية صبرها، و انسياق ابتدائه من الإيلاء و غير ذلك، بل عن القديمين التصريح بأنه من الإيلاء، بل هو خيرة الفاضل في المختلف و ولده في الشرح، بل جزم به في المسالك، لترتيب التربص في الآية(3)على الإيلاء، فلا يشترط بغيره، و ل

قول الصادق عليه السلام فيما تقدم من حسن يزيد بن معاوية(4): «لا يكون إيلاء إلا إذا آلى الرجل ألا يقرب امرأته و لا يمسها و لا يجمع رأسه و رأسها، فهو في سعة ما لم تمض الأربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة أشهر وقف، فاما أن يفي ء و إما أن يعزم على الطلاق»

و نحوه حسن الحلبي (5)و أبي بصير(6)عنه عليه السلام.

مضافا إلى منع احتياج المدة إلى الضرب، بل هو مقتضى الحكم الشرعي الثابت بالاية(7)و

الرواية(8)المرتب على مضي المدة المذكورة من حين الإيلاء، و إثبات توقفها على المرافعة يحتاج إلى دليل، و هو منتف و هذا الدليل أخرجه عن حكم العدم الأصلي، كما أن أصالة عدم التسلط قد انقطعت بالإيلاء المقتضى له بالاية(9)و الرواية(10)و الإجماع.

إلا أن ذلك كله كما ترى مناف لأصول المذهب و قواعده التي منها العمل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 226.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب الإيلاء الحديث 1 عن بريد بن معاوية.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 9- من أبواب الإيلاء الحديث 1.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 226.
8- 8 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.
9- 9 سورة البقرة: 2- الآية 226.
10- 10 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.

ج 33، ص: 329

بالنصوص (1)المزبورة المعتضدة و المنجبرة بما سمعت، بل قد يدعى انسياق كون ذلك من أعمال السلطان، و الآية و الرواية تعليم لذلك، نحو

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(2): «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و نحوها مما هو ميزان للحكم و كيفية لعمل الحاكم.

[المسألة السابعة الذميان إذا ترافعا كان الحاكم بالخيار]

المسألة السابعة:

الذميان إذا ترافعا إلينا كان الحاكم بالخيار بين أن يحكم بينهما بمقتضى شرعنا، لعموم الأدلة، و لأنهم مكلفون بالفروع، و

لقوله تعالى (3)«لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ» و بين ردهما إلى أهل نحلتهما لإقرارهم عليها المقتضي لجواز الإعراض عنهم في ذلك، لقوله تعالى (4)«فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ» و دعوى أنها منسوخة بقوله تعالى(5):

«وَ أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ» كما عن بعض العامة لم نقف على شاهد لها، مع أن النسخ خلاف الأصل و الاعراض عنهم من الحكم بينهم بما أنزل الله، نعم قد يقال: إن الاعراض عنهم غير الأمر لهما بالرجوع إلى أهل نحلتهما الذي هو من الباطل، فلا يؤمر به، و إقرارهم عليه غير الأمر بالرجوع إليه.


1- 1 الوسائل الباب- 8 و 9- من أبواب الإيلاء.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 1 من كتاب القضاء و فيه« البينة على من ادعى و اليمين على من ادعى عليه».
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 105.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 42.
5- 5 سورة المائدة: 5- الآية 49.

ج 33، ص: 330

[المسألة الثامنة فئة القادر غيبوبة الحشفة في القبل]

المسألة الثامنة:

فئة القادر على الجماع عقلا و شرعا غيبوبة الحشفة في القبل الذي هو المحلوف عليه بلا خلاف أجده فيه، بل في السرائر و الغنية و متشابه القرآن لابن شهراشوب أن المراد بالفي ء في الكتاب العزيز(1)العود إلى الجماع بالإجماع، مضافا إلى ظاهر النصوص (2).

و أما فئة العاجز عقلا و شرعا كما عرفت ف إظهار العزم على الوطء مع القدرة بأن يقول أو يكتب أو يشير إشارة مفهمة، و يمهل إلى زوال عذره. و لو طلب الإمهال مع القدرة أمهل ما جرت العادة به، كتوقع خفة المأكول منه إن كان شبعانا أو الأكل إن كان جائعا أو الراحة إن كان متعبا و السهر و الانتباه إن كان نائما و ما قضى الشرع بإمهاله، كالفراغ من الصوم و الصلاة و الإحرام، و لا يتقدر ذلك و نحوه بيوم أو ثلاثة عندنا، خلافا لبعض العامة، فقدر بثلاثة، و لا دليل عليه، فالمتجه فيه الرجوع إلى العرف و العادة في أمثاله.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الإيلاء و الباب- 8- منها الحديث 7 و الباب- 10- منها الحديث 1.

ج 33، ص: 331

[المسألة التاسعة إذا آلى الحر من الأمة ثم اشتراها و أعتقها و تزوجها لم يعد الإيلاء]

المسألة التاسعة إذا آلى الحر من الأمة ثم اشتراها و أعتقها و تزوجها لم يعد الإيلاء، و كذا لو آلى العبد من الحرة ثم اشترته و أعتقته و تزوج بها بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كون العنوان تحريم ما حل بالزوجية، فمع فرض انتفائها ينتفي موضوع الحكم و إن عاد بعد ذلك بسبب جديد، و عوده بالرجعة بالطلاق إنما هو لبقاء الحل حينئذ بالتزويج السابق.

و من ذلك يعلم الحل في المثال الأول بمجرد الشراء، لأن الوطء بالملك حينئذ، و هو بسبب جديد غير التزويج، فلا يتوقف على العتق و التزويج، نعم هو كذلك في المثال الأخير، لأنها لا تباح له بالعقد و هو مملوك لها و إن كان التحريم قد زال بالشراء، لزوال العقد كما زال بالطلاق و إن لم يفرض تزويجه لها، و تظهر الفائدة لو وطأها قبل العقد بشبهة أو حراما، فإنه لا كفارة، لزوال حكم الإيلاء لزوال الزوجية، كما هو واضح.

ج 33، ص: 332

[المسألة العاشرة إذا قال لأربع: و الله لا وطأتكن لم يكن مؤليا في الحال]

المسألة العاشرة التي قال في المسالك: «إنها مسألة شريفة كثر اعتناء الفضلاء ببحثها و الخلاف فيها و في أقسامها» و هي إذا قال لأربع: و الله لا وطأتكن مريدا بذلك مجموعهن لا كل واحدة منكن و لو بالقرينة لم يكن مؤليا في الحال عندنا، بمعنى عدم ظهور ترتب اليمين في الحال، لعدم الحنث بوطء الثلاث الذي هو ليس مصداقا لوطئهن أجمع، نعم يظهر بوطء الرابعة باعتبار تحقق الصدق حينئذ و لكن ليس عليه إلا كفارة واحدة، لأنها يمين واحدة متعلقها المجموع الذي كل واحدة جزء مفهومه، لأن المراد من المفروض سلب العموم لا عموم السلب، و تقريب الوطء بالواحدة و الثنتين إلى الحنث لا يوجب حصول الإيلاء الذي هو الحلف على ترك وطء الزوجة.

فما عن بعض العامة- من أنه يكون مؤليا منهن كلهن من حيث إن وطء كل واحدة مقرب للحنث، و قد منع نفسه من وطئهن باليمين بالله تعالى، فكان مؤليا، كما لو قال: لا أطأ واحدة منكن- واضح الضعف، لا لما قيل من أن تمكنه من وطء كل واحدة منهن بغير حنث يدل على عدم تأثير يمينه قبل وطء الثلاث، و هو معنى قولنا: غير مؤل في الحال، لا أن المراد به تأخر انعقاد الإيلاء حتى يكون منافيا لقاعدة اقتران الأثر للمؤثر و السبب للمسبب، بل هو قد انعقد من حين وقوعه إلا أنه كان كيفية انعقاده على الوجه المزبور، إذ قد يناقش بأن وطء الرابعة من حيث إنها رابعة ليست مصداقا لوطء جماعتهن قطعا فليس تحقق الحنث بها إلا باعتبار ضم وطء من سبق منهن إلى وطئها حتى يصدق وطؤهن أجمع، فيكون متعلق الإيلاء وطء الجميع، و عدم الحكم عليه قبل وطء الرابعة باعتبار عدم العلم بانضمام ما يتحقق به متعلقا للإيلاء لا ينافي الحكم بتعلقه به بعد حصول ما ينكشف به

ج 33، ص: 333

أنه متعلق الإيلاء، بل أقصاه أنه مراعى بوطء الرابعة و عدمه، و دعوى أن وطء الثلاث شرط لتحقق متعلق اليمين بوطء الرابعة لا أنه من متعلقة ممنوعة، ضرورة عدم كونها مصداقا، بل لا فرق بين وطئها و وطء الأولى في ذلك، و إنما تحقق بها المصداق الذي هو وطؤها و وطء غيرها، فتأمل فإنه دقيق.

بل لأن ذلك و إن انكشف به الإثم في وطء الأولى إلا أنه لا يترتب عليه حكم الإيلاء، ضرورة أن الإثم المزبور قد كان من جهة أن وطء الأولى جزء من مفهوم وطء المجموع الذي هو متعلق الإيلاء، لا أنه من حيث كونه نفسه متعلقا للإيلاء، و المتيقن من الأدلة أن الإيلاء الثاني لا الأول، ضرورة مخالفته الأصل، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، بل إن لم يكن إجماعا أمكن منع ترتب حكم الإيلاء إذا كان متعلقة المجموع بالمعنى المزبور، فان المجموع من حيث كونه كذلك ليس زوجة و ليس من النساء اللذين هما و نحوهما عنوان حكم الإيلاء، كما تقدم نظير ذلك في الطلاق و الظهار، حيث يكون متعلقهما المجموع بالمعنى المزبور، فلاحظ و تأمل، فإني لم أجده محررا في كلام أحد من الأصحاب.

بل منه ينقدح النظر في كلامهم حتى قول المصنف و غيره جاز له وطء ثلاث منهن، و يتعلق التحريم في الرابعة، و يثبت الإيلاء، و لها المرافعة، و يضرب لها المدة، ثم تقفه بعد المدة إذ قد عرفت أن الرابعة و غيرها سواء في مصداق المجموعية، و جواز وطء الثلاث إنما هو مع عدم وطء الرابعة، و إلا انكشف تعلق التحريم بالجميع، و إلا فالرابعة من حيث نفسها لم يتعلق بوطئها يمين فكيف يثبت لها الإيلاء و المرافعة و الضرب و الإيقاف، إذ هي جزء من مصداق المجموع الذي هو متعلق اليمين، و كون انكشاف تحقق المصداق يحصل بوطئها لا يقتضي ترتب الأحكام المزبورة لها.

و كيف كان ف لو ماتت واحدة منهن قبل الوطء انحلت اليمين بناء على توقف انعقادها على إمكان حصول الحنث بها و الفرض تعذره هنا،

ج 33، ص: 334

لأن الحنث لا يتحقق إلا مع وطء الجميع و قد تعذر في حق الميتة، إذ لا حكم لوطئها حتى في المصاهرة و نحوها إلحاقا لها بالجمادات أو لانسياق وطء الحية في المقام.

و ليس كذلك إذا طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا و لو بائنا لأن حكم اليمين هنا باق فيمن بقي، لإمكان الوطء في المطلقات زنا أو حلالا و لو بالشبهة لأن الاسم يشمل الحلال و الحرام، فتثبت الكفارة حينئذ في هذه الحالة على تقدير وطء الباقية في النكاح مع وطئهن، لتحقق الحنث و هو الحلف على وطء الزوجة، فوطء المطلقات شرط في حصول الحنث في وطء الزوجة لا لأن الإيلاء متعلق بهن، لما تقدم من أن الطلاق البائن يبطل اليمين، كذا قرره في المسالك في شرح عبارة المتن، و تبعه غيره في شرح عبارة الفاضل، و سبقهما إلى ذلك و إلى كثير مما ذكر هنا الفخر في شرح القواعد.

و لكن قد يناقش بأن الحلف قد وقع على ترك وطء جماعة الزوجات لا خصوص الباقية، و لا ريب في انتفاء الموضوع، بل تعذره في طلاق الواحدة فضلا عن الزيادة، ضرورة تعذر الحنث حينئذ كما في الميتة، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من اعتبار تعلق الإيلاء بالزوجة من حيث كونها كذلك، و لذا لو طلقها بائنا انحل الإيلاء، و لا يعود بعقدها جديدا، إذ هو سبب آخر غير الذي حرم عليه مقتضاه بالحلف.

و من الغريب قوله: «لتحقق الحنث» إلى آخره، إذ المحلوف عليه ليس ترك وطء الزوجة الباقية، بل مجموع الزوجات الذي قد تعذر بانتفاء الموضوع و لو في إحداهن، و لو كان المراد ما يشمل المطلقة لتحقق بوطئهن زنا أو شبهة مع طلاقهن أجمع، كما هو واضح. هذا كله في الصورة الأولى.

و أما الثانية و هي لو قال: لا وطأت واحدة منكن مريدا فيها العموم البدلي تعلق الإيلاء بالجميع، و ضرب لهن المدة عاجلا، لأن كل

ج 33، ص: 335

واحدة مصداق لمفهوم متعلق الإيلاء الذي هو مطلق الواحدة، نعم لو وطأ واحدة منهن حنث و انحلت اليمين في البواقي لتحقق مفهوم الواحدة التي تعلق بها الإيلاء.

و لو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الإيلاء ثابتا فيمن بقي لأنه مصداق للمفهوم الذي تعلق به الإيلاء.

و لو قال في هذه أردت واحدة معينة قبل قوله، لأنه أبصر بنيته مع قبول اللفظ لما ذكره و إن كان ظاهره خلافه، فاحتمال عدم القبول لاتهامه في إخراج بعضهن عن موجب ظاهر اللفظ واضح الضعف، نعم تؤمر بالبيان، فان صدقته الباقيات فذاك، و إن ادعت غيرها أنه عناها و أنكر فهو المصدق بيمينه، فان نكل حلفت المدعية، و حكم بكونه مؤليا عنها أيضا، و إن أقر في جواب الثانية أنه عناها أخذ بموجب إقراره، و طولب بالفئة أو الطلاق، و لا يقبل رجوعه عن الأولى.

بل في المسالك «و إذا وطأهما في صورة إقراره تعددت الكفارة و إن وطأهما في صورة نكوله و يمين المدعية لم يتعدد، لأن يمينها لا يصلح لإلزام الكفارة عليه» و إن كان قد يناقش بالمنع مع تعدد الكفارة بعد العلم ببطلان أحد إقراريه، لأن المفروض إرادة واحدة فقط و إن اختلف كلامه في تعيينها، و ملاحظة الحكم في الظاهر يقتضي عدم الفرق بين الإقرارين و أحدهما مع اليمين المردودة، و إن كان هو لا معنى له باعتبار أنه تكليف شرعي يخصه و هو أعلم بتكليفه، و لا مدخلية لإلزام الحاكم له بذلك.

و دعوى تسلطه عليه باعتبار تعلق حق الفقراء يدفعها- مع أن من خصالها ما لا تعلق للفقراء فيه، كالصوم و التحرير- أنه لا وجه لتسلطه عليه بعد العلم بأن عليه كفارة واحدة، كما هو واضح، مع إمكان القول بأن الإنكار بعد الإقرار يقوم مقام الفئة، فلا يبقى للإيلاء فيها حينئذ حكم.

و لو ادعت واحدة أولا أنك عينتني فقال: «ما عينتك» أو «ما آليت عليك»

ج 33، ص: 336

و بمثله أجاب ثانية و ثالثة تعينت الرابعة للإيلاء.

و لو قال: «أردت واحدة غير معينة» لا على جهة العموم البدلي ففي المسالك «في كونه مؤليا وجهان مثلهما في طلاق المبهمة، فإن قلنا به أمر بالتعيين، و يكون مؤليا قبله عن إحداهن لا على التعيين، و إذا عين واحدة لم يكن لغيرها المنازعة، و في كون المدة من وقت التعيين أو من وقت اليمين إذا جعلنا مدة الإيلاء من حينه وجهان مبنيان على أن الطلاق المبهم إذا عينه يقع عند التعيين أو يستند إلى اللفظ، فان لم يعين و مضت أربعة أشهر فإن أوقعنا الإيلاء من حينه و طالبته أمر بالتعيين ثم الفئة أو الطلاق، و لوفاء إلى واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو طلق لم يخرج عن موجب الإيلاء، لاحتمال أن المؤلي عنها الرابعة، و إن قال:

طلقت التي أوليت عنها خرج عن موجب الإيلاء، لكن المطلقة مبهمة، فعليه التعيين».

قلت: قد يقال بصحة الإيلاء عن المبهمة هنا و إن منعناه في الطلاق لما سمعته من أن الإيلاء من اليمين الباقي على كيفية الخطابات التي لا مانع من تعلقها بالواحد المطلق، لكن استظهر الكركي في حاشيته عدم كونه مؤليا أصلا، لعدم المضارة لزوجة خاصة، إذ كل واحدة تحتمل غيرها، و فيه أن المضارة تنكشف حينئذ بتعينها و لو بالقرعة، و على القول بصحته و عدم التعيين يحنث بوطء الجميع و تترتب عليه الكفارة.

و لو طلق واحدة بائنة أو ماتت انحل الإيلاء، و لو ترك وطء هن أجمع حتى مضت المدة كان الحق لواحدة منها، فتستخرج حينئذ بالقرعة أو يرجع فيها إلى تعيينه.

و لو وطأ بعضهن و ترك الآخر حتى مضت المدة أمكن القول بجعل الحق لمن ترك وطءهن، فان كانت واحدة تعينت للإيلاء و إلا استخرجت بالقرعة أو بتعيينه، و أمكن القول ببقاء الحق شائعا بين الجميع، فيقرع حينئذ، فإن خرجت القرعة

ج 33، ص: 337

لمن وطأها في أثناء المدة انحل الإيلاء، و لم يكن للأخرى إيقافه من حيث الإيلاء، بل و كذا لو قلنا بأن مرجع التعيين إليه، فيعين من وطئها في أثناء المدة، فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة، و ربما كان فيما تقدم في طلاق المبهمة إشارة لبعض أحكامها، فلاحظ و تأمل.

و إن أراد الاستغراق اللغوي من المفروض لا العموم البدلي- بدعوى أنه معنى عرفي للفظ المزبور، بمعنى إرادة التعميم فيه بغير طريق البدل- كان الحكم فيه ما تسمعه في الصورة الثالثة.

و لو أطلق اللفظ المزبور و لم يعلم إرادته منه ففي حمله على الواحدة المبهمة أو العموم البدلي أو الشمولي أوجه، و لعل أوسطها أوسطها.

و أما الصورة الثالثة التي هي لو قال: و الله لا وطأت كل واحدة منكن مريدا منها العموم الشمولي الملحوظ فيه كل واحدة واحدة بطريق العموم ففي المتن و غيره كان مؤليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة منفردة لتعلق المحذور بوطء كل واحدة منهن، و هو الحنث و لزوم الكفارة و تضرب المدة في الحال، فإذا مضت كان لكل واحدة منهن مطالبته بالفئة أو الطلاق و كل من طلقها منهن فقد وفاها حقها و لم ينحل اليمين في البواقي، و كذا لو وطأها قبل الطلاق لزمته الكفارة و كان الإيلاء في البواقي باقيا لأنك قد عرفت انحلال الفرض إلى اليمين على كل واحدة بخصوصها على وجه لا تعلق له باليمين على اخرى. و كذا الكلام في كل يمين تعلق على الوجه المزبور.

و قد يقال بالفرق بين ملاحظة الأفراد بجهة العموم و بين ملاحظة كل واحد واحد منها بالخصوص، فإن الأول يعد في العرف يمين واحدة على وجه متى حنث في بعضها انحل في الباقي بخلاف الحلف على كل واحد بالخصوص، و لعلك تسمع لهذا تتمة إنشاء الله في الأيمان و النذور إذا كان متعلقها مثل ذلك.

هذا و في المسالك هنا أنه «يمكن أن يقال هنا كما قيل في السابقة من أنه

ج 33، ص: 338

إن قصد بقوله: لا أجامع كل واحدة المعنى الذي قرروه اتجه بقاء الإيلاء في حق الباقيات، و إلا كان الحكم فيها كالحكم فيما لو قال: و الله لا اجامعكن، فلا يحصل الحنث و لا يلزم الكفارة إلا بوطء الجميع، و لا يكون مؤليا في الحال على ما قرر هناك، لوجهين: أحدهما أنه إذا وطأ بعضهن كالواحدة مثلا صدق أنه لم يطأ كل واحدة منهن، و إنما وطأ واحدة منهن، كما يصدق أنه لم يطأهن و إنما وطأ إحداهن، و ذلك يدل على أن مفهوم اللفظ واحد، و الثاني أن قول القائل: طلقت نسائي و قوله: طلقت كل واحدة من نسائي يؤديان معنى واحدا و إذا اتحد معناهما في طرف الإثبات فكذلك في طرف النفي، فيكون معنى قوله: «لا أجامع كل واحدة منكن» معنى قوله:

«لا اجامعكن» خصوصا على ما ذكره الشيخ عبد القاهر و من تبعه من أن كلمة «كل» في النفي إذا دخلت في حيزه بأن قدم عليها لفظا كقوله: «ما كل ما يتمنى المرء يدركه» و قوله: «ما جاء القوم كلهم»، أو «ما جاء كل القوم» أو تقديرا بأن قدمت على الفعل المنفي و أعمل فيها، لأن العامل رتبته التقديم على المعمول، كقولك: «كل الدراهم لم آخذ» توجه النفي إلى الشمول خاصة لا (دون خ ل) إلى أصل الفعل، و أفاد الكلام ثبوته لبعض أو تعلقه ببعض، و في هذا المقام بحث، و له جواب لا يليق بهذا المحل».

قلت: هو على طوله لا حاصل له، ضرورة رجوعه إلى بحث لفظي، و المراد هنا بيان الحكم على فرض كون المراد العموم الشمولي على أن إرجاع قوله:

«لا اجامعكن» إلى إرادة العموم الشمولي أولى من العكس عرفا، و بالجملة ذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه، و هو حكم الإيلاء على تقدير إرادة المعنى المفروض، و الله العالم بحقائق أحكامه، و نسأله التأييد و التسديد.

ج 33، ص: 339

[المسألة الحادية عشرة إذا آلى من المطلقة الرجعية صح]

المسألة الحادية عشرة:

إذا آلى من المطلقة الرجعية صح بلا خلاف و لا إشكال، لما تكرر من أنها بحكم الزوجة و يحتسب زمان العدة من المدة بناء على أن مبدأها من حين الإيلاء، أما على القول بأنها من حين المرافعة فلا، ضرورة أنه ليس لها المرافعة، لأنها لا تستحق عليه الاستمتاع، فلا يحتسب منها شي ء من العدة، بل إن راجعها فرافعته ضربت لها المدة حينئذ.

و كذا لو طلقها طلاقا رجعيا بعد الإيلاء و راجع في احتساب العدة من المدة، و حينئذ يطالب مع فرض رجوعه و انقضائها بأحد الأمرين: الفئة أو الطلاق، لأن الزوجية و إن اختلت بالطلاق إلا أنه متمكن من الوطء بالرجعة، فلا يكون الطلاق عذرا كالردة و إن افترقا بأن النكاح معها لا ينخرم، و الطلاق بالرجعة لا ينهدم، إلا أن هذا الفرق لا يوجب اختلاف الحكم هنا، لاشتراكهما في التمكن من الوطء بإزالة المانع من قبل الزوج.

خلافا للمحكي عن الشيخ، فمنع من احتساب المدة فيهما، محتجا بأن الطلاق رفع النكاح و أجراها إلى البينونة، بمعنى أنها في العدة في زمان يقتضي مضيه البينونة، فلا يجوز احتساب هذه المدة من مدة يقتضي مضيها المطالبة بالوطء، و هو زمان التربص، لتضاد الأثرين المقتضي لتضاد المؤثرين، و كذا الردة.

و عن التحرير موافقته على انهدامها، و أنه إن راجع ضربت له مدة أخرى وقف عند انقضائها، فإن فاء أو طلق و في، فإن راجع ضربت له مدة أخرى و وقف

ج 33، ص: 340

بعد انقضائها و هكذا.

و فيه أنه مناف لإطلاق الكتاب (1)و السنة(2)بعد فرض اندراج المطلقة الرجعية في النساء، سواء كانت مطلقة قبل الإيلاء أو بعده، و من هنا كان ما في المتن لا يخلو من قوة، و أما الردة فقد عرفت البحث فيها سابقا، و أنها كالمطلقة.


1- 1 سورة البقرة: 2 الآية 226.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و غيره- من أبواب الإيلاء.

ج 33، ص: 341

[المسألة الثانية عشرة لا تكرر الكفارة بتكرر اليمين]

المسألة الثانية عشرة:

لا تكرر الكفارة بتكرر اليمين سواء قصد التأكيد أو لم يقصد أو قصد بالثانية غير ما قصد بالأولى إذا كان المحلوف عليه واحدا و الزمان واحدا كأن يقول: «و الله لا وطأتك و الله لا وطأتك» أو يقول: «أبدا» فيهما أو «خمسة أشهر» فيهما، لأن اليمين مبالغة في المحلوف عليه و إنما تغايرها بتغاير المحلوف عليه، فإذا كررها على محلوف عليه واحد فإنما زاد في التأكيد و المبالغة، و لا يجدي قصد المغايرة، و الأصل البراءة من التكرير، و لأنه يصدق الإيلاء بالواحد و المتعدد على السواء، و العمدة الإجماع إن تم، كما عساه يظهر من نسبته إلى ظاهر الأصحاب في المسالك، و إلا فلا يخلو من نظر مع الإطلاق أو قصد التأسيس، لأصالة عدم التداخل بعد ظهور تعدد السبب بتعدد اليمين، و منه يظهر الحال في اليمين غير الإيلاء، اللهم إلا أن يقال: إن التأكيد لازم لتكراره، قصده أو لم يقصده، لأنه كتكرار الاخبار بالجملة الواحدة، فإن اليمين لم يخرج عن الخطابات.

نعم لو قال: و الله لا وطأتك خمسة أشهر فإذا انقضت فو الله لا وطأتك ستة أشهر أو دائما فهما إيلاءان و كذا لو قال: «و الله لا وطأتك خمسة أشهر و الله لا وطأتك سنة» و إن تداخلا في الخمسة و انفرد الثاني بباقي السنة كما في كشف اللثام، قال: «فيتربص به أربعة أشهر فإن فاء أو دافع حتى انقضت السنة انحلا، و ليس عليه بالفئة إلا كفارة واحدة، و إن دافع حتى انقضت مدة الأول بقي حكم مدة الثاني، و إن طلق ثم راجع أو جدد العقد عليها و أبطلنا مدة التربص

ج 33، ص: 342

بالطلاق فان لم يبق من مدة الثاني بعد الرجعة إلا أربعة أشهر أو أقل انحل الثاني أيضا، و إلا طالبته بعد التربص».

و نحوه ما في المسالك، قال في مفروض المسألة: «فإذا مضت أربعة أشهر فلها المطالبة، فإن فاء انحلت اليمينان، فإذا أوجبنا الكفارة فالواجب كفارة واحدة أو كفارتان على ما سبق- أي من احتمال التعدد في مطلق الإيلاء و إن اتحد مورده- و إن طلقها ثم راجعها أو جدد نكاحها فإن بقي من السنة أربعة أشهر أو أقل لم يعد الإيلاء و تبقى اليمين، و إن بقي أكثر من أربعة أشهر و لم نقل ببطلان المدة عاد الإيلاء بالرجعة، و في تجديده ما سبق».

و ظاهره كالأول حصول الإيلاء الثاني مع فرض اجتماع شرائطه مع تجديد العقد أيضا. بل هو صريح كلامه في المسألة الاتية، معللا له بأن الطلاق البائن إنما يحل الإيلاء الحاصل لا المتوقع.

و لكن قد يشكل ذلك في الفرض بأنه مناف لانحلالهما بالفئة المبني على كون المدة من أول الإيلاء الأول لهما، ضرورة عدم الانحلال مع فرض اختصاص المدة المشتركة بالأول، و حينئذ فالمتجه انحلالهما أيضا بالطلاق البائن المقتضي لخروج الزوجة عن الزوجية موضوعا و حكما، بل لعله كذلك أيضا المسألة الآتية، و فرض خروجها عن الزوجية قبل حصول وقتها لا ينافي بطلان استعداد تعلقه الحاصل باليمين الأول، و حينئذ فالأول و الثاني سواء في الحكم المزبور، نعم لا تداخل في الأول، بل هما إيلاءان متباينان لكل منهما حكمه.

و حينئذ ف لها المرافعة لضرب مدة التربص عقيب اليمين، فإذا انقضت أربعة أشهر فإن فاء في الخامس أو طلق وفاها حقها من الأول و بقي من الثاني.

و لو رافعته فما طل حتى انقضت خمسة أشهر فقد انحلت اليمين الأولى،

ج 33، ص: 343

قال الشيخ: و يدخل وقت الإيلاء الثاني فله التربص أربعة أشهر إن لم يكن طلقها أو راجعها و احتسبنا العدة من المدة أو بقي أزيد من أربعة أشهر. و أيضا فيه وجه ببطلان (و الوجه بطلان خ ل) الإيلاء الثاني لتعليقه على الصفة على ما قرره الشيخ كما عرفت الكلام فيه سابقا، و بالجملة فكلامهم في المقام لا يخلو من غبار.

ج 33، ص: 344

[المسألة الثالثة عشرة إذا قال و الله لا أصبتك سنة إلا مرة لم يكن مؤليا]

المسألة الثالثة عشرة:

إذا قال: و الله لا أصبتك سنة إلا مرة أو أزيد أو يوما لم يكن مؤليا في الحال عندنا بمعنى عدم جريان حكم الإيلاء عليه في الحال لأن له الوطء من غير تكفير و لكن لو وطأ العدد الذي استثناء وقع الإيلاء حينئذ بالمعنى الأعم ثم ينظر فان تخلف من المدة قدر التربص فصاعدا صح إيلاء بالمعنى الأخص لحصول الحنث و الكفارة و كان لها المواقفة، و إن كان دون ذلك بطل حكم الإيلاء بالمعنى المزبور و بقي بالمعنى الأعم، خلافا للمحكي عن بعض العامة فجعله مؤليا في الحال، لأن الوطء الأول و إن لم يحصل به الحنث لكنه مقرب منه كما سبق، و قد عرفت ضعفه.

و لو لم يطأها في السنة أصلا كان عليه كفارة، لأن الاستثناء من النفي إثبات، إلا أن يريد باليمين الالتزام بعدم الزيادة على الواحدة.

و لو وطأها في هذه الصورة و نزع ثم أولج لزمته الكفارة بالإيلاج الثاني، لأنه وطء مجدد، و في المسالك احتمال العدم، لعد الايلاجات المتتابعة في العرف وطأة واحدة مثل الأكلة، و هو كذلك مع عدم النزع.

و لو قال: «إن أصبتك في هذه السنة فو الله لا أصبتك فيها» أو أطلق لم يكن مؤليا في الحال أيضا و بني وقوعه بعد الإصابة على جواز المعلق، بخلاف الأولى التي

ج 33، ص: 345

عقد اليمين فيها في الحال و استثنى وطأه واحدة مثلا، و هنا علق الإيلاء على إصابتها، فلا يمين قبل إصابتها، و الله العالم و الموفق و المسدد.

إلى هنا تمت بحمد الله تعاليقنا على الجزء 33 من كتاب جواهر الكلام، و هي الموسوعة الكبيرة الفقهية التي امتازت عن سائر الكتب الفقهية بسعتها و احاطتها، و لا أنس جهود العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني سلمه الله حيث شاركني في إنجاز العمل، و أرجو من الله تعالى وحده أن يوفقني لإتمام العمل و تحقيق بقية الاجزاء انه سميع مجيب.

محمد القوچاني النجف الأشرف 20- ع 2- 1396 و تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه في اليوم الخامس عشر من شهر صفر الخير سنة- 1398- و الحمد لله أولا و آخرا، و ذلك بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.