جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 32

اشاره

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج32، ص: 1

ج32، ص: 2

[القسم الثالث في الإيقاعات]

اشاره

القسم الثالث من الأقسام التي بنى عليها الكتاب في الإيقاعات جمع إيقاع، و هو اللفظ الدال على إنشاء خاص من طرف واحد و هي أحد عشر كتابا أولها

[كتاب الطلاق]

اشاره

كتاب الطلاق الذي قيل: إنه لغة محل عقد، و يطلق على الإرسال و الترك، يقال: ناقة طالق: أي مرسلة ترعى حيث تشاء، و طلقت القوم: إذا تركتهم، و شرعا إزالة قيد النكاح بصيغة «طالق» و شبهها، و في الصحاح بعد أن ذكر له معان متعددة قال:

«و طلق الرجل زوجته تطليقا، و طلقت هي بالفتح تطلق طلاقا في طالق و طالقة- إلى أن قال-: و قال الأخفش: لا يقال: طلقت بضم اللام» و في المسالك «عن ديوان الأدب أنه لغة».

ج 32، ص: 3

و على كل حال فظاهره أنه بمعنى فراغ (ق) الامرأة من اللغة أيضا، و هو كذلك كما حقق في محله أنه ليس في العقود و الإيقاعات حقيقة شرعية، ضرورة وجودها في هذه المعاني قبل زمن النبي صلى الله عليه و آله، و لكن اعتبر في الصحيح منها أمورا، و بهذا المعنى جعله الأصحاب معنى شرعيا مقابلا للمعنى اللغوي.

هذا و قد عرفت في كتاب البيع الخلاف في أن البيع اسم للنقل أو للعقد أو للأثر الحاصل منه، و أن الأصح الأول، و مثله يأتي في المقام، و إن لم نقل بشرعية المعاطاة فيه بخلاف البيع، لكن ذلك لا ينافي كونه اسما لا نشاء فراق الامرأة و إن اعتبر الشارع في الصحيح منه الصيغة الخاصة(1)و من ذلك يظهر لك ما في التعريف المزبور من المعلوم بناؤه على التسامح، و الأمر سهل بعد أن تكرر منا في العقود خصوصا البيع ما يستفاد منه تحقيق الحال في ذلك و في غيره من المباحث، فلا حظ و تأمل.

و كيف كان فتمام النظر في هذا الكتاب يكون في الأركان و الأقسام و اللواحق،

[النظر الأول في الأركان]

اشاره

الأول في الأركان و أركانه أربعة:


1- 1 كما ستسمع إنشاء الله ما في النصوص من حصر الطلاق بقوله:« أنت طالق» منه رحمه الله.

ج 32، ص: 4

[الركن الأول في المطلق]
اشاره

الركن الأول في المطلق و يعتبر فيه شروط أربعة:

[الشرط الأول البلوغ]

الأول:

البلوغ بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص به مستفيضة أو متواترة، ففي

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «كل طلاق جائز إلا طلاق المعتوه و الصبي أو مبرسم أو مجنون أو مكره»

و خبر أبى الصباح (2)عنه عليه السلام أيضا «ليس طلاق الصبي بشي ء»

و خبر أبى بصير(3)عنه عليه السلام أيضا «لا يجوز طلاق الصبي و السكران».

فلا اعتبار بعبارة الصبي قبل تمييزه قطعا، بل و بعده قبل بلوغه عشرا، و إن حكي عن ابن الجنيد أنه أطلق صحة طلاقه مع تمييزه، ل

مضمر سماعة(4)«سألت عن طلاق الغلام و لم يحتلم و صدقته، فقال: إذا طلق للسنة و وضع الصدقة في موضعها و حقها فلا بأس، و هو جائز»

و موثق ابن بكير(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقل و صدقته و وصيته و إن لم يحتلم»

لكن في

مرسل ابن أبي عمير(6)الذي هو بحكم الصحيح عند الأصحاب عن أبى عبد الله (عليه السلام) «يجوز


1- 1 الوسائل الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 4.
4- 4 الوسائل الباب- 32- من أبواب المقدمات الطلاق الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 32- من أبواب المقدمات الطلاق الحديث 5 راجع الاستبصار ج 3 ص 303.
6- 6 الوسائل الباب- 32- من أبواب المقدمات الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 5

طلاق الصبي إذا بلغ عشر سنين»

بل عن الشيخ روايته عن ابن بكير، و تبعه في المسالك و إن قيل: إنه وهم، و على كل حال فيقيد به إطلاق النصوص السابقة.

و لعله إلى ذلك أشار المصنف بقوله و فيمن بلغ عشرا عاقلا و طلق للسنة رواية بالجواز فيها ضعف و إلا فليس فيما حضرنا من النصوص خبر جامع للوصفين، و حكي عن الشيخين و جماعة من القدماء العمل بذلك، إلا أن المشهور بين المتأخرين بل لعل عليه عامتهم اعتبار البلوغ بالعدد أو بالاحتلام أو بغير ذلك من إماراته لقوة الإطلاق السابق المؤيد بنصوص (1)رفع القلم الشامل للوضعي و التكليفي، و بالأصول، و بعدم الفرق بين الطلاق و غيره من العقود التي قد عرفت سلب عبارة الصبي فيها، و بالشهرة العظيمة، و ب

خبر الحسين بن علوان (2)المروي عن قرب الاسناد، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن علي عليه السلام «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم»

بل لا يبعد من ذلك إرادة بيان إمكان صحة طلاق الصبي إذا بلغ عشرا عاقلا و لو لبعض الأمزجة في بعض البلدان التي ينبت فيها الشعر أو يحصل فيها الاحتلام، فلا ريب حينئذ في أن ذلك هو الأقوى، و إن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين بتوهم أنه مقتضي الجميع بين النصوص بعد حمل مطلقها على مقيدها، و فيه أنه فرع المكافئة، على أنه غير تام في خبر قرب الاسناد منها، كما هو واضح.

و كيف كان ف لو طلق وليه عنه لم يصح بلا خلاف فيه منا، بل الإجماع بقسميه عليه، ل

لنبوي المقبول (3)«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

الدال بمقتضى الحصر على اختصاص الطلاق بمالك البضع على وجه ينافي الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 36-- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص و الباب- 8- من أبواب مقدمات الحدود من كتاب الحدود و الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل الباب- 32- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
3- 3 كنز العمال ج 5 ص 155- الرقم 3151.

ج 32، ص: 6

بالولاية دون الوكالة التي هي في الحقيقة طلاق من المالك عرفا، بل لو سلم تناوله لمنع الوكالة أيضا كفى في خروجها عن ذلك النص (1)و الإجماع، فيبقى الطلاق بالولاية على المنع الذي لا ينافيه عموماتها بعد فرض ظهور الخبر المزبور بالتخصيص، كل ذلك مع التأييد باستصحاب بقاء النكاح المبني على الشهوة و التلذذ لخصوص الزوج على وجه لا يقوم الولي

مقامه في ذلك بعد فرض توقع زوال حجره غالبا فلا مصلحة- حتى تعطيل الزوجة- تقتضي قيام الولي مقامه في ذلك.

و بذلك يظهر لك وجه الحكمة في الفرق بينه و بين من اعتراه الجنون المطبق بعد بلوغه، باعتبار عدم أمد له ينتظر الذي ستعرف قيام الولي عنه في ذلك.

بل و به يظهر لك الوجه فيما ذكره المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة من أنه لو بلغ فاسد العقل طلق وليه مع مراعاة الغبطة بل عن فخر المحققين الإجماع على ذلك و إن منع منه قوم: منهم الشيخ في المحكي عن خلافه، و ابن إدريس، بل ادعى أولهما الإجماع عليه و لكن هو كما ترى بعيد عن مذاق الشرع، ضرورة منافاته لمصلحة الزوج و الزوجة بلا أمد ينتظر بل قيل: و ل

صحيح أبي خالد القماط(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل الأحمق الذاهب العقل أ يجوز طلاق وليه عليه؟ قال: و لم لا يطلق؟ قلت: لا يؤمن إن طلق هو أن يقول غدا: لم أطلق أولا يحسن أن يطلق، قال: ما أرى وليه إلا بمنزلة السلطان»

و خبره الآخر(3)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «رجل يعرف رأيه مرة و ينكر اخرى يجوز طلاق وليه عليه، قال: ما له هو لا يطلق؟ قلت: لا يعرف حد الطلاق، و لا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غدا لم أطلق، قال عليه السلام: ما أراه إلا بمنزلة الإمام، يعني الولي»

المراد منهما كونه بمنزلة الإمام في الطلاق عنه، كما


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 34- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 7

صرح به في

خبره الثالث (1)عنه عليه السلام أيضا «في طلاق المعتوه، قال: يطلق عنه وليه فإني أراه بمنزلة الامام»

و خبر شهاب بن عبد ربه (2)عنه عليه السلام أيضا «المعتوه الذي لا يحسن أن يطلق يطلق عنه وليه على السنة».

لكن في المسالك المناقشة بعدم وضوح دلالتها، فإن السائل وصف الزوج بكونه ذاهب العقل، ثم يقول له الامام: «ما له لا يطلق؟» مع الإجماع على أن المجنون ليس له مباشرة الطلاق و لا أهلية التصرف، ثم يعلل السائل عدم طلاقه بكونه ينكر الطلاق أو لا يعرف حدوده، ثم يجيبه بكون الولي بمنزلة السلطان.

قلت: قد يقال: إن المراد بالمعتوه ناقص العقل من دون جنون، قال في محكي المصباح المنير: «عته عتها من باب تعب و عتاها بالفتح: نقص عقله من غير جنون أو دهش» و عن التهذيب «المعتوه المدهوش من غير مس أو مجنون» و عن القاموس «عته فهو معتوه: نقص عقله أو فقد أو دهش» إلى غير ذلك من كلماتهم التي تقضي بالفرق بين العته و الجنون، و حينئذ لا يبعد أن يكون المراد منه من لا عقل له كامل، و مثله يصح مباشرته

للطلاق لكن بإذن الولي، لأنه من السفيه فيه كالسفيه في المال.

و على هذا لا يكون إشكال في النصوص المزبورة، بل ربما يكون ذلك جمعا بين ما دل على أنه «لا طلاق له» كما في جملة من النصوص (3)و بين ما دل على جواز طلاقه من النصوص السابقة(4)و غيرها ك

خبر أبي بصير(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه سئل عن المعتوه أ يجوز طلاقه؟ فقال: ما هو؟ فقلت: الأحمق الذاهب العقل، فقال: نعم»

بإرادة الصحة من ذلك مع الاذن من الولي، لعدم سلب عباراته باعتبار عدم جنونه، و إنما أفصاه النقص الموجب للسفه في ذلك، و عدمها من تلك النصوص مع عدم الاذن، فيثبت حينئذ سفه في الطلاق، و لا عيب في ذلك، غير أني لم أجده مصرحا به في كلام الأصحاب، نعم ربما كان ظاهر بعض متأخري المتأخرين بل


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 34- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 34- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.

ج 32، ص: 8

قد يقال: بإرادته من مثل المتن، للتعبير عنه بفاسد العقل، و هو غير المجنون الذي ذكره بعد ذلك في الشرط الثاني، و احتمال أنه ذكره هنا باعتبار اتصال فساد عقله بحال الصبا يدفعه أن البحث حينئذ من هذه الجهة في كون الولاية حينئذ للأب و الجد مثلا أو للحاكم لا في طلاق الولي عنه و عدمه الذي ذكره المصنف.

و على كل حال لا إشكال في دلالة النصوص المزبورة على صحة طلاق الولي عنه، فما سمعته من الشيخ و ابن إدريس- من عدم جوازه ل

خبر(1)«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

و ظهور قوله تعالى (2)«فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ» إلى آخرها في وقوع الطلاق منه، و لمشاركته للصبي في المعنى، و للإجماع المحكي عن الشيخ- واضح الضعف، ضرورة أنه لو سلم دلالة الخبر المزبور على نفي طلاق الولي فالنصوص المزبورة حاكمة عليه، و كذا الآية التي هي أضعف دلالة من الخبر على ذلك، و القياس على الصبي مع أنه غير جائز يدفعه أنك قد عرفت الفرق بينهما، مضافا إلى النصوص، و الإجماع مع وهنه بمصير المشهور إلى خلافه حتى من حاكيه في غير الكتاب معارض بما عن الفخر من الإجماع على الجواز هذا، و لا يخفى عليك أنه بعد تنزيل النصوص المزبورة على ما ذكرنا تدل بالأولوية حينئذ على جواز طلاق ولى المجنون عنه، كما هو واضح.

[الشرط الثاني العقل]

الشرط الثاني العقل بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه فلا يصح طلاق المجنون مطبقا أو أدوارا حال جنونه و لا السكران و لا من زال عقله بإغماء أو شرب مرقد أو نوم أو نحو ذلك لعدم القصد الذي يترتب


1- 1 كنز العمال ج 5 ص 155 الرقم 3151.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 23.

ج 32، ص: 9

عليه الحكم، بعد استفاضة

النصوص (1)على أنه «لا طلاق لهم».

بل و لا يطلق الولي عن السكران و شبهه ل لأصل و للنبوي (2)بناء على ظهوره في ذلك، و لفحوى المنع في الصبي باعتبار أن زوال عذره غالب مثله ف له أمد يرتقب، بل هو حينئذ كالنائم الذي لا إشكال و لا خلاف في عدم جواز طلاق الولي عنه، بل و لا غيره من التصرفات المالية فضلا عن مثل الطلاق.

نعم يطلق الولي عن المجنون ل نصوص المعتوه (3)أو لفحواها التي منها ما قد عرفت، و منه يعلم ضعف المحكي عن الشيخ و ابن إدريس من عدم الجواز، للأدلة التي قد سمعت أيضا ما فيها.

و لو لم يكن له ولي من أب أوجد طلق عنه السلطان أو من نصبه للنظر في ذلك (11) و ظاهره كغيره عدم الفرق هنا بين المتصل جنونه بالبلوغ و عدمه، و قد عرفت الكلام فيه في غير المقام، أما فيه فقد يقال: إن ظاهر ما سمعته من نصوص المعتوه (4)خصوصا الأخير منها ذلك، و لا ينافيه تنزيله منزلة الامام المشعر بان للإمام ذلك أيضا بعد قوة احتمال إرادة أنه بمنزلته، حيث يكون له الولاية، و إلا فمن المعلوم أن السلطان ولي من لا ولي له، فلا شركة بينهما فيها، فتأمل جيدا فإنه يمكن أن يستدل بما هنا على غير المقام بعد الإجماع على عدم الفصل، فيقال: إن ولاية المجنون مطلقا للأب و الجد من غير فرق بين المتصل و المنفصل.

و المراد بالمجنون الذي يطلق عنه الولي المطبق.

أما الأدواري فإذا كان له حال عقل كامل يرتقب فالظاهر كونه كالسكران حينئذ لأن له أمدا يرتقب، و للنبوي (5)و غيره و إن أطلق المصنف و غيره، نعم لو فرض تأثير حال جنونه في حال إفاقته على وجه يكون كالمعتوه اتجه حينئذ جوازه


1- 1 الوسائل الباب- 34- و 36- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 كنز العمال ج 5 ص 551- الرقم 3151.
3- 3 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب مقدمات الطلاق.
5- 5 كنز العمال ج 5 ص 551- الرقم 3151.

ج 32، ص: 10

عنه أيضا، كما أن المتجه- بناء على عدم ظهور النبوي في نفي طلاق الولي كالوكيل و إنما هو بالنسبة للفضولي و نحوه- صحته منه حينئذ، لإطلاق أدلة الولاية أو عمومها، فمن الغريب ما في المسالك من الجزم بعدم جوازه عنه، مع قوله بعدم ظهور النبوي في نفي ذلك، و أغرب منه احتمال تنزيل نصوص المعتوه على الأدواري، فالتحقيق حينئذ ما عرفت من عدم جواز طلاق الولي عنه، لكن في قواعد الفاضل «لو امتنع من الطلاق وقت إفاقته مع مصلحة الطلاق ففي الطلاق عنه- أي حال الجنون- إشكال» و فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الولاية عليه.

بقي شي ء، و هو ثبوت الولاية في غير المقام على المغمى عليه و السكران و شارب المرقد و عدمه، و فيه وجهان قد يستفاد من فحوى ما هنا عدمها في غيره حتى المال، مضافا إلى الأصل و غيره، و لعله كذلك فيما لا ضرر في

انتظاره، أما غيره فثبوت الولاية فيه قوى، و الله العالم.

[الشرط الثالث الاختيار]

الشرط الثالث الاختيار بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

النصوص العامة مثل «رفع عن أمتي»(1)

و الخاصة ك

حسن زرارة(2)عن أبى جعفر عليه السلام «سألته عن طلاق المكره و عتقه، فقال: ليس طلاقه بطلاق، و لا عتقه بعتق».

و خبر عبد الله بن الحسن (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يجوز الطلاق في استكراه- إلى أن قال-: إنما الطلاق ما أريد به الطلاق من غير استكراه و لا إضرار على العدة و السنة على طهر بغير جماع و شاهدين، فمن خالف هذا فليس


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 عن يحيى بن عبد الله بن الحسن.

ج 32، ص: 11

طلاقه بشي ء، يرد إلى كتاب الله عز و جل»

و المرسل (1)عنه عليه السلام «لو أن رجلا مسلما مر بقوم ليسوا بسلطان فقهروه حتى

يتخوف على نفسه أن يعتق أو يطلق ففعل لم يكن عليه شي ء»

و في آخر(2)«لا يقع الطلاق بإكراه و لا إجبار و لا مع سكر و لا على غضب»

إلى غير ذلك من النصوص.

فلا يصح طلاق المكره حينئذ بلا خلاف و لا إشكال، و المرجع فيه كغيره من الألفاظ التي هي عنوان لحكم شرعي إلى العرف و اللغة، إذ ليس له وضع شرعي و لا مراد، و قد قيل: إن الإكراه لغة حمل الإنسان على ارتكاب ما يكرهه بتخويفه مما يحذره.

و لكن جرت عادة المصنفين من العامة و الخاصة التعرض لموضوعه في المقام و قد أشار المصنف و غيره إلى اعتبار أمور فيه منها يظهر المراد به، فقال و لا يتحقق الإكراه ما لم تحصل أمور ثلاثة: كون المكره قادرا على فعل ما توعد به بولاية أو تغلب أو نحوهما، و زاد بعضهم مع عجز من هدد عن دفعه بنحو فرار أو مقاومة أو استغاثة و غلبة الظن أنه يفعل ذلك مع امتناع المكره، و أن يكون ما توعد به مضرا بالمكره في خاصة نفسه أو من يجرى مجرى نفسه كالأب و الولد، سواء كان ذلك الضرر قتلا أو جرحا أو شتما أو ضربا، و لكن الإكراه بالأخيرين يختلف بحسب منازل المكرهين في احتمال الإهانة و عدمه، فرب وجيه تنقص فيه


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 عن إبراهيم بن هاشم عن ابن أبى عمير أو غيره، عن عبد الله بن سنان و في الكافي ج 6 ص 126 عن إبراهيم بن هاشم، عن بعض أصحابه، عن ابن أبى عمير أو غيره، عن عبد الله بن سنان.
2- 2 وردت هذه الجملة في الفقيه ج 3 ص 321 عقيب رواية محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام، و فرق بينها و بين الرواية في طبعه النجف، كما و أنه نقل الرواية في الوسائل في الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9 من دون تتميمها بهذه الجملة، الا أن صاحب الحدائق قده استدل بهذه الفقرة بعنوان رواية محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام. و الله العالم.

ج 32، ص: 12

الشتمة الواحدة فضلا عن الضربة بخلاف المبتذل، و ليس كذلك الجرح و القتل اللذان يستوي فيهما جميع الناس من جهة الألم.

و لا يخفى عليك أن إيكال الأمر إلى ما سمعت أولى، ضرورة عدم اعتبار غلبة الظن بالفعل، بل يكفى تحقق الخوف كما سمعته في المرسل (1)فضلا عن العرف، بل لا يعتبر فيه أيضا عدم التمكين من الفرار عن بلاده أو التوسل بالغير أو نحو ذلك مما فيه ضرر عليه أيضا، و بالجملة تحديد مثل ذلك على وجه جامع متعذر أو متعسر، فايكال عنوان الحكم في النص و الفتوى إلى العرف أولى.

و لا ريب في تحققه بالتخويف بأخذ المال المعتد به أو المضر به على اختلاف القولين و إن تركه المصنف، بل عن بعض العامة التصريح بأنه ليس إكراها، لكنه كما ترى.

نعم لا يتحقق الإكراه مع الضرر اليسير الذي لا يستحسن العقلاء فعل المكره عليه لأجله و لا يعد مثله إكراها في العرف، كل ذلك في الاندراج تحت لفظ الإكراه، و إلا فقد عرفت العنوان في النص به و بالإضرار، و لا ريب في تحقق الأخير في الخوف على المال المزبور.

و كيف كان فيستثنى من الحكم بالبطلان الإكراه بحق، و لعل منه ما في

خبر محمد بن الحسن الأشعري (2)قال: «كتب بعض موالينا إلى أبى جعفر عليه السلام معي أن امرأة عارفة أحدث زوجها فهرب، فتبع الزوج بعض أهل المرأة فقال: إما طلقت و إما رددتك فطلقها و مضى الرجل على وجهه، فما ترى للمرأة؟ فكتب بخطه عليه السلام تزوجي يرحمك الله تعالى»

و عن بعض الناس أن منه أيضا التهديد بقتل أو قطع مستحق عليه و قد يقال: إنه ليس إكراها أصلا، و على كل حال فالطلاق الواقع بسببه صحيح.


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 راجع التعليقة 1 من ص 11.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 13

و لا إشكال في ترتب الحكم على لفظ المكره بحق بعد أن جعله الشارع من الأسباب، من غير فرق بين العقود و الإيقاعات و غيرها، كالإسلام الحاصل من التلفظ بالشهادتين و لو إكراها، لكن في المسالك «لا يخلو ذلك من غموض من جهة المعنى و إن كان الحكم به ثابتا من فعل النبي صلى الله عليه و آله فما بعده، لأن كلمتي الشهادة نازلتان في الإعراب عما في الضمير منزلة الإقرار، و الظاهر من حال المحمول عليه بالسيف أنه كاذب، لكن لعل الحكمة فيه أنه مع الانقياد ظاهرا و صحبة المسلمين و الاطلاع على دينهم يوجب له التصديق القلبي تدريجا فيكون الإقرار اللساني سببا في التصديق القلبي» قلت: قد يقال إن ظاهر الأدلة الحكم بإسلام قائلهما ما لم يعلم

كذبه، فالمنافق المعلوم حاله لا إشكال في كفره، نعم لا عبرة بالظاهر المزبور، إذ يمكن مقارنة الإسلام واقعا للإكراه الظاهري، بل يمكن صيرورته داعيا له في الواقع، و حينئذ فلا غموض، و دعوى تنزيلهما منزلة الإقرار بالنسبة إلى ذلك ممنوعة، نعم هي سبب شرعي في الحكم بالإسلام و حقن المال و الدم ما لم يعلم مخالفة باطن قائلها.

ثم لا يخفى عليك أن لفظ المكره كغيره من الألفاظ يراد به المحمول على المكروه له واقعا، و لكن اكتفي في تحققه بظاهر الحال المستفاد من تعقب الفعل للتهديد، فلو فرض حصول ما يرفع الظهور المزبور منه حكم بصحة الطلاق، للعمومات بناء على أن الكراهة مانع و لم يتحقق، أو حصول ما يظهر منه الاختيار بناء على أنه الشرط، و يكفي في الحكم بتحققه ظهوره، و على كل حال فقد ذكروا أن من ذلك ما إذا خالف المكره و أتى بغير ما حمله عليه، فان مخالفته له تشعر بالاختيار أو ترفع ظهور الكراهة، و له صور:

منها أن يكرهه على طلقة واحدة فيطلق ثلاثا، فإنه يشعر برغبته و اتساع صدره له حتى الاولى، فيقع الجميع، مع احتمال وقوع الأخيرتين دون الأولى التي لا معارض لمقتضى الإكراه فيها، و لو أوقع الثلاث بصيغة واحدة و كان ممن معتقد وقوع الواحدة بها فهو كمن أوقعها واحدة، و إن كان ممن يعتقد وقوعها ثلاثا

ج 32، ص: 14

وقع عليه الثلاث، بل لا يحتمل الالتزام بالاثنين هنا كما هو في السابق، لأنه لفظ واحد مخالف للمكره عليه ابتداء بخلاف الثلاث المترتبة.

و منها أن يكرهه على ثلاث طلقات فيوقع واحدة، فإنه بالمخالفة المزبورة يظهر منه الاختيار، إلا أنه كما ترى، ضرورة كون الواحدة بعض المكره عليه و قد يقصد دفع المكروه بالإجابة إلى بعضه؟.

و منها لو أكره على طلاق زوجة معينة فطلقها مع غيرها بلفظ واحد، فإنه يشعر باختياره أيضا، نعم لو طلقهما بصيغتين وقع الطلاق على غير المكره عليها و بطل في الأخرى، و قد يحتمل عدم الفرق بينهما.

و منها لو أكرهه على طلاق زوجتيه فطلق واحدة منهما، و فيه ما سمعته في الطلقات، نعم لو أكرهه على طلاق واحدة معينة فطلق غيرها ففي المسالك لا شبهة في الوقوع، لأن ذلك مغاير لما أكره عليه بكل وجه، و فيه أنه يمكن قصده التوصل إلى رفع الإكراه بذلك.

و منها لو أكرهه على طلاق إحدى زوجتيه فطلق واحدة معينة، و فيه أن ذلك أحد أفراد الكلي المكره عليه، نعم لو كان الإكراه على الإبهام و عدل إلى التعيين وقع عليها، بل في المسالك لا شبهة في ذلك، لأنه غير المكره عليه جزما.

و منها لو أكرهه على أن يطلق بكناية من الكنايات فطلق باللفظ الصريح، أو بالعكس عند القائل بصحته، أو عدل من صريح مأمور به إلى صريح آخر، فإنه يقع الطلاق خصوصا في الأول، لأنه قد حمله على طلاق فاسد فعدل إلى صحيح، و عند مجوزة عدل إلى غير الصيغة المكره عليها، إلى غير ذلك من الفروع الكثيرة المذكورة في كتب العامة و الخاصة المبتنية على ما قلناه، و كان الأولى تحرير الأصل المزبور و إلا فكثير من هذه الفروع محل للنظر، حتى فيما نفوا الشبهة عن عدم الإكراه فيه، فإنه قد يكون وقوعه بالإكراه، و التحقيق في الأصل المزبور الحكم بالصحة مع الشك في تحقق الإكراه، و لذا كانت البينة على مدعيه.

ج 32، ص: 15

و لا يعتبر عندنا في الحكم ببطلان طلاق المكره عدم التمكن من التورية بأن ينوي غير زوجته أو طلاقها من الوثاق أو يعلقه في نفسه بشرط أو نحو ذلك و إن كان يحسنها و لم تحصل له الدهشة عنها، فضلا عن الجاهل بها أو المدهوش عنها، لصدق الإكراه، خلافا لبعض العامة، فأوجبها للقادر.

و لو قصد المكره إيقاع الطلاق ففي المسالك و غيرها «في وقوعه وجهان:

من أن الإكراه أسقط أثر اللفظ و مجرد النية لا تعمل، و من حصول اللفظ و القصد، و هذا هو الأصح» قلت: مرجع ذلك إلى أن الإكراه في الظاهر دون الواقع، و قد تكرر من العامة و الخاصة خصوصا الشهيد الثاني في المسالك و الروضة في المقام و في البيع أن المكره حال إكراهه لا قصد له للمدلول، و إنما هو قاصد للفظ خاصة، و فيه منع واضح، ضرورة تحقق الإنشاء و القصد فيه، و لذا ترتب عليه الأثر مع الإكراه بحق، و مع تعقب الإجازة بالعقد بل ظاهر

قوله عليه السلام(1): «إنما الطلاق»

إلى آخره تحقق الإرادة من المكره، بل لعل عدم القصد للمدلول في المكره من التورية التي لم نوجبها عليه، و حينئذ فالمكره قاصد على نحو غيره إلا أنه قصد إكراه لا قصد اختيار، و إن شئت عبرت عن ذلك بالرضا و عدمه.

و من هنا يظهر لك ما في عنوان الوجهين السابقين المبنى على كون المكره غير قاصد، و عليه كان المتجه حينئذ إدراجه في الشرط الرابع، لا أنه يجعل شرطا مستقلا، نعم قد يقال: إن الهازل يقصد اللفظ دون المعنى فلا إنشاء له حينئذ، و به يتضح الفرق فيهما، أو يقال: إنه قاصد أيضا إلا أنه قصد هزلي لا أثر له في الشرع للأدلة الخاصة و لو تعقبه الرضا، بل قد عرفت اشتمالها على بطلان طلاق الغضبان و إن كنت لم أعرف من أفتى به إلا مع ذهاب العقل به أو القصد، فتأمل جيدا، و لاحظ ما ذكرناه في كتاب البيع.

و لو قال: طلق زوجتي و إلا قتلتك فطلق ففي المسالك في وقوع الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 16

وجهان: أصحهما الوقوع، لأنه أبلغ في الاذن، قال: «و وجه المنع أن الإكراه يسقط حكم

اللفظ فصار كما لو قال لمجنون: طلقها فطلق، و الفرق بينهما أن عبارة المجنون مسلوبة أصلا بخلاف عبارة المكره، فإنها مسلوبة بعارض تخلف القصد، فإذا كان الأمر قاصدا لم يقدح إكراه المأمور» قلت: هذا مبنى أيضا على ما سمعت من خلو المكره عن القصد، و قد عرفت الحال، نعم قد يشكل بناء على عدم جواز الفضولية في الطلاق بأن اللفظ المزبور الواقع من المكره لم يكن لفظ المكره لأن الفرض عدم الوكالة عنه شرعا، و كونه أبلغ في الاذن لا يقتضي صيرورة لفظه لفظه ليترتب عليه حكمه، و دعوى الاكتفاء بقصد الأمر و إن خلا المكره عن القصد لا دليل عليها، و كذا الكلام فيما لو أكره الوكيل على الطلاق دون الموكل فتأمل جيدا.

و لو توعده بفعل مستقبل كقوله: إن لم تفعل لأقتلنك مثلا ففي عده إكراها نظر، من حصول الخوف بإيقاع الضرر، و من سلامته منه الان و التخلص من الضرر يحصل بإيقاعه عند خوف وقوعه في الحال، و في المسالك «و هذا أقوى، نعم لو كان محصل الإكراه في الأجل على أنه إن لم يفعل الان أوقع به المكروه في الأجل و إن فعله ذلك الوقت و رجح وقوع المتوعد به اتجه كونه إكراها، لشمول الحد له» قلت: الظاهر عده إكراها عرفا.

هذا و في المسالك أيضا «و لو تلفظ بالطلاق ثم» قال: كنت مكرها و أنكرت المرأة فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه بأن كان محبوسا قدم قوله بيمينه، و إلا فلا، و لو طلق في المرض ثم قال: كنت مغشيا على أو مسلوب القصد لم يقبل قوله إلا ببينة تقوم على أنه كان زائل العقل في ذلك الوقت، لأن الأصل الصحة، و إنما عدلنا في دعوى الإكراه عن ذلك بالقرائن، لظهورها و كثرة وقوعها و وضوح مراتبها بخلاف المرض» قلت: ستعرف قبول قوله في عدم القصد على وجه لا يعارضه أصل الصحة، نعم قد يفرق بين نسبته مع ذلك إلى سبب كالإكراه و الغشيان و عدمه،

ج 32، ص: 17

و حينئذ يكون المدار على صدق كونه مكرها و مغشيا عليه عرفا و لو بالطرق المفيدة لذلك، و لا مدخلية لمطلق القرائن إذا لم تفد علما، ضرورة اعتبار العلم في مصاديق الألفاظ و الأوصاف الواقعية أو ما يقوم مقام العلم، و الله العالم.

[الشرط الرابع القصد]
اشاره

الشرط الرابع القصد بمعنى كونه قاصدا بلفظ الطلاق معناه في المقام و في غيره من التصرفات القولية بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى قول الباقر و الصادق عليهما السلام في خبر عبد الواحد(1)و صحيح هشام (2)و خبر اليسع(3)

و مرسل ابن أبى عمير(4): «لا طلاق إلا لمن أراد الطلاق»

و قول الباقر عليه السلام (5)«لا طلاق على سنة و على طهر بغير جماع إلا بنية، و لو أن رجلا طلق و لم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقا»

و يقرب منه خبر اليسع (6)إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة

بعموم (7)«لا عمل إلا بنية»

و(8)«إنما الأعمال بالنيات»

بناء على إرادة القصد منها لا خصوص القربة، و كان استفاضة النصوص في خصوص المقام في مقابل المحكي عن العامة من عدم اعتبار القصد مع النطق بالصريح، نعم هو معتبر في الكناية.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 مرسل ابن أبى عمير عن ابن بكير، عن زرارة.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8 و ذيله في الباب- 11- منها الحديث 1 و فيه « من غير جماع إلا ببينة.» كما في الكافي ج 6 ص 26 و التهذيب ج 8 ص 15.
6- 6 ما تقدم من قول الباقر عليه السلام انما ورد في خبر اليسع فقط، و ليس هناك خبر آخر بهذا المضمون غير خبر اليسع حتى يقرب منه خبره.
7- 7 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1 من كتاب الطهارة.
8- 8 الوسائل الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10 من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 18

و لعله لذا قال المصنف و هو شرط في الصحة مع قولنا ب اشتراط النطق بالصريح ضرورة عدم الاكتفاء بذلك عنه، فإن مطلق النطق بالصريح أعم من قصد الطلاق به.

و حينئذ فلو لم ينو الطلاق و إن نطق به لم يقع، كالساهي المرفوع عنه حكم سهوه (1)و النائم الذي هو أحد من رفع القلم عنه حتى

يفيق (2)و الغالط الذي هو في الحقيقة لم يقصد اللفظ و لا المعنى، لأنه أراد أن يقول مثلا: «أنت طاهرة» فسبق لسانه فقال: «طالق» فما في المسالك- من الفرق بينه و بين الأولين بأنه قد تخلف فيه قصد المعنى دون اللفظ بخلاف الأولين الذين تخلفا معا فيهما- لا يخلو من نظر إن أراد قصد خصوص لفظ الطلاق.

و أغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعت: «و هل يقبل دعوى سبق اللسان ظاهر العبارة يدل عليه، و وجهه أن ذلك أمر باطني لا يعلم إلا من قبله، فيرجع إليه فيه، و لأن الأصل عدم القصد، و يحتمل عدم القبول، لأن الأصل في الأفعال و الأقوال الصادرة عن العاقل المختار وقوعها عن قصد، و يمكن حمل عدم الوقوع في كلام المصنف عليه في نفس الأمر لا في الظاهر و أما في الظاهر فان وجد قرينة تدل عليه قوى القبول، و إلا فلا» إذ هو سهو واضح، فإن عبارة المصنف لا تعرض فيها لذلك. و إنما فيها اعتبار القصد واقعا و تخلفه كذلك، نعم سيأتي له التعرض لذلك بقوله: «و لو قال» إلى آخره.

و كيف كان فلا خلاف عندنا في بطلان طلاق الثلاثة بل ظني أنه كذلك عند العامة فضلا عن الخاصة و إن لم يعتبروا القصد في النطق بالصريح، لكن ذلك إنما هو في مقابلة اعتبار قصده بالكناية، بمعنى الإكتفاء في النطق بالصريح بقصد معناه بخلاف الكناية التي يعتبر قصد الطلاق بها، و لا يكفى قصد معناها.


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب قواطع الصلاة الحديث 2 من كتاب الصلاة و الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11 من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 19

نعم قد جوزوا طلاق السكران عصيانا مؤاخذة له بسوء اختياره، نحو ما سمعته منا في القصاص منه و نحوه مما لا يقاس عليه المقام الذي قد استفاضت النصوص أو تواترت ببطلان طلاقه، و جوزوا طلاق الهازل لأنه قاصد اللفظ و المعنى، لكن قصدا هزليا، و قد

رووا عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«ثلاثة جدهن جد و هزلهن جد: النكاح و الطلاق و الرجعة»

و لم يثبت الخبر المزبور عندنا، بل من المقطوع به خلافه، بل الظاهر من الإرادة في النصوص (2)المزبورة و غيرها الرضا و العمد إلى ذلك على وجه ينافيه، و من هنا

قال العبد الصالح عليه السلام لمنصور بن يونس (3)لما سأله عن طلاق زوجته مداراة لأخته و خالته و لم يرد الطلاق حقيقة: «أما ما بينك و بين الله تعالى فليس بشي ء، و لكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك».

و من ذلك أو يقرب منه عدم جريان حكم الطلاق على من ذكر الصيغة للتعليم أو للحكاية أو تلقينا من غير قصد لمعناها و لا فهم له أو نحو ذلك مما لا يريد منها الطلاق بالمعنى المزبور، و بذلك ظهر لك أن بطلان طلاق الهازل لما عرفت لا لتخلف القصد إلى المدلول و إن قصد اللفظ، نحو ما سمعته من بعضهم في المكره، ضرورة تحقق القصد فيهما معا إلى المدلول، لكن على الوجه المزبور الذي لم يعتبره الشارع نصا و فتوى كما هو واضح.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد تفريعا على الشرط المزبور أنه لو نسي أن له زوجة فقال: «نسائي طوالق» أو «زوجتي طالق» ثم ذكر لم يقع به فرقة بل لا خلاف أجده فيه، لأنه غير قاصد لطلاق زوجته من اللفظ أصلا، و كذا لو قال لزوجته: «أنت طالق» لظنه أنها زوجة الغير هازلا أو وكالة منه، أو قال: «زوجتي طالق» بظن خلوه من الزوجة، و ظهر أن وكيله زوجه، و غير ذلك مما هو فاقد قصد الفراق بينها و بينه و العمد إليه، بل لم أجد من احتمل


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 341.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 38- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 20

الصحة في المقام و إن ذكروه فيمن باع مال الغير فبان أنه ماله، و لعله لظهور الأدلة في المقام باعتبار القصد على الوجه المزبور، بحيث لا يجرى فيه احتمال المذكور، و مع فرض اتحاد المقامين يتجه الاستدلال بها على نفيه هناك فتأمل.

و كيف كان ف لو أوقع و قال بعد النطق بصيغته لم أقصد الطلاق بها قبل منه ظاهرا و دين بنيته باطنا و إن تأخر تفسيره ما لم تخرج المرأة عن العدة وفاقا لما صرح به الشيخ في المحكي من مبسوطة و خلافه و غيره، بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، بل عن ظاهر المبسوط و صريح الخلاف الإجماع، على ذلك لأنه إخبار عن نيته التي لم تعلم إلا من قبله، و مقتضى الأصل عدمها، و إنما حكم بها قبل التفسير اعتمادا على ظاهر حال العاقل المختار المعلوم حجيته في ذلك ما لم تصدر الدعوى منه بما ينافيه.

لكن أشكله في المسالك و أتباعها باقتضاء مثل ذلك في البيع و غيره من العقود و الإيقاعات، مع الاتفاق على عدم قبول قوله فيه، مع أن الأمر في الطلاق أشد، لما سمعته في النبوي (1)من أن هزله جد، على أن الدعوى المزبورة و إن كانت عن نيته إلا أنها متعلقة بحق الغير الذي يمنع من قبول الدعوى فيه و إن تعلقت بما لا يعلم إلا من قبله، و لو فرق بين الطلاق و غيره بأن القبول فيه مقيد بالعدة المقتضية لبقاء علقة الزوجية، بخلاف البيع و النكاح و غيرهما لانتقض ذلك بالعدة البائنة، فان الزوجية زائلة معها بالكلية، و إنما فائدتها استبراء الرحم من أثر الزوج، و هو أمر خارج عن الزوجية، و لذا ثبت للوطي بالشبهة مع انتفاء الزوجية أصلا، و ربما خص بعضهم الحكم المزبور بالعدة الرجعية، و فيه أنه حينئذ لا ثمرة له، لأن للزوج الرجوع بكل لفظ دل عليه، و منه دعواه عدم القصد كإنكار الطلاق، بل لعله أقوى في الدلالة على ذلك منه، فقبول قوله من حيث إنه رجعة، لا من حيث الرجوع إليه في القصد.

ثم قال: و يمكن أن يكون مستند حكمهم بذلك و تخصيص الطلاق رواية


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 341.

ج 32، ص: 21

منصور بن يونس (1)في الموثق عن الكاظم عليه السلام قال: «سألت العبد الصالح عليه السلام و هو بالعريض، فقلت له: جعلت فداك إني تزوجت امرأة و كانت تحتي فتزوجت عليها ابنة

خالي، و قد كان لي من المرأة ولد، فرجعت إلى بغداد فطلقتها واحدة، ثم راجعتها، ثم طلقتها الثانية، ثم راجعتها، ثم خرجت من عندها أريد سفري هذا حتى إذا كنت بالكوفة أردت النظر إلى ابنة خالي، فقالت أختي و خالتي:

لا تنظر إليها و الله أبدا حتى تطلق فلانة، فقلت: و يحكم و الله مالي إلى طلاقها من سبيل، فقالوا لي: و ما شأنك ليس لك إلى طلاقها من سبيل؟ فقلت: إنه كانت لي منها ابنة و كانت ببغداد، و كانت هذه بالكوفة، و خرجت من عندها قبل ذلك بأربع، فأبوا على إلا أن تطلقها ثلاثا، و لا و الله جعلت فداك ما أردت الله و لا أردت إلا أن أداريهم عن نفسي و قد امتلأ قلبي من ذلك، فمكث عليه السلام طويلا مطرقا، ثم رفع رأسه و هو متبسم، فقال: أما بينك و بين الله فليس بشي ء، و لكن إن قدموك إلى السلطان أبانها منك».

و فيه أن الخبر المزبور على العكس أدل كما اعترف به في كشف اللثام، ضرورة كون المراد عدم قبول دعوى عدم القصد ظاهرا لو رفع إلى السلطان، اللهم إلا أن يراد السلطان الجائر الذي لا يقف على قوانين الشرع.

و لعل الأولى أن يقال: إن الفرق بين الطلاق و ما يشبهه من الإيقاع و بين غيره من العقود بأن الطلاق ليس له إلا طرف واحد، و هو الإيقاع من الموقع، و أصل الصحة لا يجري فيه بعد اعتراف فاعله بفساده بما لا يعلم إلا من قبله، بخلاف البيع مثلا، فإنه لو ادعى الموجب عدم القصد المقتضى لفساد إيجابه و عدم جريان أصل الصحة عورض بأصالة صحة القبول الذي هو فعل مسلم أيضا، و الأصل فيه الصحة التي لا تتوقف على العلم بصحة الإيجاب، بل يكفى فيها احتمال الصحة الذي لا ريب في تحققه مع دعواه التي لا تمضي إلا في حقه بالنسبة إلى العقد المركب سببه منهما، بخلاف المقام الذي حق الزوجة فيه من الأحكام التي تتبع الموضوع


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 22

بعد تحققه، فليس حينئذ قبول دعوى عدم القصد من الزوج منافيا لحق الغير على وجه يقتضي عدم سماعها من مدعيها كغيرها من الدعاوي التي هي كذلك و إن كانت هي مقبولة في نفسها لو لا هذا التعارض، لما عرفت من استقلاله بالسبب، و اختصاصه بفعله، فيصدق فيه بما لا يعلم إلا من قبله، و اللفظ بمجرده غير معارض، لعدم دلالته على نفس القصد، و إنما حكم به بظاهر حال الفاعل العاقل، و لعله بذلك يفرق بين المقام و الإقرار الذي يتبع الحكم فيه صدقه، فمع فرض تحققه عرفا لا يقبل الإنكار منه،

لعموم «إقرار العقلاء»(1).

كما أنه قد يقال في وجه اختصاص الحكم المزبور بالعدة إنه ما دامت فيها يقبل منه ذلك، لبقائها في تعلقه و في يده على وجه يقبل قوله في الفعل المتعلق بها، نحو إخبار صاحب اليد بما يقبل منه ما دام هو كذلك، و إلا لم يقبل قوله، و بخروجها عن العدة تكون

أجنبية لا يقبل قوله في الفعل المتعلق بها، نحو إخبار صاحب اليد بالمال بعد خروجه من يده.

و من هنا يمكن الفرق بين الطلاق و غيره من أقسام الإيقاع التي لا مدة لها يبقى فيها التعلق، و منها الطلاق الذي لا عدة له، كطلاق غير المدخول بها، فإنه لا يقبل منه دعوى عدم القصد حينئذ، لصيرورتها أجنبية، و حينئذ يكون الأصل فيما نحن فيه قبول إخباره بما لا يعلم إلا من قبله مع بقاء متعلق الخبر تحت يده و إن كانت بائنة، فإنه لا ينافي تعلق الزوج بها بالعذر المزبور و إن لم يثبت لها أحكام الرجعة، و ثبوت العدة الموطوءة شبهة لا يقتضي سقوط التعلق المزبور على وجه يترتب عليه الحكم المذكور.

و ربما أشار إلى بعض ما ذكرنا في كشف اللثام حيث إنه بعد أن حكى الحكم المزبور عن الشيخ و غيره و تعليله بما عرفت قال: «و الفرق بين ما بعد العدة و ما قبلها أنها في العدة في علقة الزوجية، و بعدها قد بانت و ربما تزوجت بغيره، فلا يسمع قوله في حقه و إن صدقته، و لأن الإمهال إلى انقضاء العدة و تعريضها للأزواج


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 32، ص: 23

قرينة ظاهرة في كذبه، فهذا فرق ما بينه و بين البيع و سائر العقود، حيث لا يقبل قول العاقد فيها، لأنها بمجردها ناقلة» إلى آخره. فتأمل جيدا، فان ذلك أقصى ما يقال في توجيه قول الأعاظم من الأصحاب.

و على كل حال فلا خلاف أجده في قبول دعواه إذا صادقته، لأن الحق منحصر فيهما، بل ظاهرهم ذلك حتى مع انقضاء العدة، لكن قد يظهر من بعضهم في كتاب الشهادات العدم باعتبار تعلق حق الله تعالى شأنه، فمع فرض صدور ما يحكم به بظاهر الشرع على الصادر منه لا تجدي المصادقة المزبورة التي تنفع مع انحصار الحق، و كذا الكلام في الحرية أيضا.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين الاقتصار على دعوى عدم القصد و اضافة الهزل أو الغلط أو السهو أو نحو ذلك، نعم قد سمعت سابقا ما حكيناه عن الشهيد من الفرق بين دعوى الإكراه مع القرينة و عدمها و بين دعوى المريض عدم القصد أو الاختلال، و لا يخفى عليك ما فيه.

و كيف كان ف تجوز الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا بقسميه و للحاضر على الأصح وفاقا للمشهور، لإطلاق أدلة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة فيه كالعقود و الإيقاعات التي منها الطلاق، و إطلاق النصوص (1)في المقام التي منها

صحيح سعيد الأعرج (2)، عن الصادق عليه السلام «في رجل يجعل أمر امرأته إلى رجل، فقال: اشهدوا أنى قد جعلت أمر فلانة إلى فلان، فطلقها، أ يجوز ذلك للرجل؟ قال: نعم»

الذي ترك فيه الاستفصال.

خلافا للشيخ في النهاية و المبسوط و أتباعه، فلا يجوز، بل نسبه في الثاني منهما إلى أصحابنا جمعا بين ما سمعت و بين

خبر زرارة عن الصادق عليه السلام «لا تجوز الوكالة في الطلاق»

بحمل الأول على الغائب و الثاني على الحاضر.

و فيه مع عدم الشاهد له أنه فرع التكافؤ المفقود في المقام، بل لا حجة في الثاني، للضعف في السند مع عدم الجابر، بل قد عرفت الشهرة على خلافه، بل ستسمع


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث- 1.

ج 32، ص: 24

فيما نحكيه عن الحسن بن سماعة(1)في وقوع الطلاق بلفظ «اعتدى» القطع بعدمه.

لكن قد يقال: إن الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص (2)حصر الطلاق الصحيح في قول الرجل لامرأته في قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها:

«أنت طالق» باعتبار أنها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيدية كل ما يذكر فيه، و حينئذ فمن ذلك المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب، مؤيدا بخبر زرارة(3)بل لعل ذلك هو الوجه فيما يحكي عن الشيخ من اعتبار الغيبة عن البلد و إن حكي عنه الاكتفاء بالغيبة عن المجلس، لكنه خلاف ما صرح به، لأنه المتيقن من عدم اعتبار المباشرة فيه.

إلا أنه قد يدفع ذلك بمنع الظن و لو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة من ذلك

خصوصا بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو «أنت خلية» و شبهها، و لذا لم يعتبر في الصيغة الخطاب قطعا، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، لأن أمر الفرج شديد.

بل لعل ما ذكرناه أيضا هو الوجه فيما حكاه المصنف بقوله و لو وكلها في طلاق نفسها قال الشيخ: لا يصح و لو في حال الغيبة، لظهور تلك النصوص (4)في غيره، لا لأن القابل لا يكون فاعلا، ضرورة أنك قد عرفت الاكتفاء بالتغاير الاعتباري في العقود المركبة من الإيجاب و القبول فضلا عن الإيقاع الذي هو ليس إلا من طرف واحد، و لا ل

قوله صلى الله عليه و آله (5): «الطلاق بيد من أخذ بالساق»

المعلوم إرادة كون ولايته بيده منه على وجه لا ينافي توكيله.


1- 1 الكافي ج 6 ص 70.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق.
5- 5 كنز العمال ج 5 ص 155- الرقم 3151.

ج 32، ص: 25

و لكن مع ذلك الوجه الجواز لا طلاق الأدلة و منع ظهور أدلة الحصر في إرادة التقييد بذلك، خصوصا بعد الشهرة العظيمة على العدم، بل ربما استفيد الجواز من تخيير النبي صلى الله عليه و آله نساءه (1)و إن كان فيه- بعد تسليم إرادة طلاقهن باختيارهن منه لا طلاقه نفسه من تختاره منهن- أن ذلك من خصائصه كما

ستعرف الكلام فيه. و على كل حال فالاحتياط لا ينبغي تركه لما عرفت، و الله العالم.

[تفريع]

تفريع:

على الجواز و إن كان هو يأتي أيضا على غيره فيما لو وكل غيرها و لو حال الغيبة لو قال: «طلقي نفسك ثلاثا» فطلقت واحدة قيل: يبطل لأنها غير الموكل فيه و قيل: يقع واحدة لأنها بعض ما وكل فيه.

و التحقيق البطلان مع فرض إرادة المرسلة و قلنا ببطلانها، لعدم الوكالة حينئذ فيما وقع من الطلاق الصحيح، بل و كذا لو قلنا بصحتها واحدة، لأن التوكيل عليها بالطريق المخصوص لغرض من الأغراض، فلا يندرج فيه ما وقع من الواحدة بغيره، اللهم إلا أن يفهم منه إرادة الاذن في إيقاع الواحدة كيفما كان.

كما أن التحقيق الصحة لو أراد الثلاث المرتبة التي لا بد من تخلل الرجعة فيها بتوكيله على ذلك أيضا، أو قلنا باقتضاء التوكيل على نحو ذلك، لأن الواحدة حينئذ بعض ما وكل فيه، و قد وقعت صحيحة، و لا يجب عليه إتمام ما وكل فيه، اللهم إلا أن يراد اعتبار الهيئة الاجتماعية فيما وكل فيه على وجه تكون الواحدة جزء ما وكل فيه، و حينئذ تكون صحتها بعد وقوعها مراعاة بتمام العمل، و لا ينافي


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 26

ذلك توقف صحة الثلاث على سبق صحة الواحدة، و لا استلزام الحكم بتوقف الثانية على الرجوع صحة الأولى المستصحب بقاؤها، ضرورة اندفاع الجميع بالمراعاة المزبورة، بل المتجه على هذا عدم صحة التوكيل في الثلاث مع فرض عدم الاذن له في الرجوع إلا على إرادة كون الرجوع من الموكل و الطلاق من الوكيل كما هو واضح.

و كذا الكلام فيما لو قال: طلقي نفسك واحدة فطلقت ثلاثا مرسلة قيل: يبطل و هو كذلك بناء على بطلانها، بل لعله كذلك و إن قلنا بوقوع الواحدة، لأنها غير الموكل فيه، لأنه ربما كان له غرض بالواحدة بالطريق المخصوص، اللهم إلا أن تكون قرينة دالة على ما يشملهما.

و حينئذ فما قيل من أنها تقع واحدة حتى قال المصنف:

و هو أشبه لا يخلو من نظر إن كان المراد الثلاث المزبورة، نعم لا إشكال في صحة الواحدة مع طلاقها ثلاثا مترتبة، ضرورة عدم اقتضاء بطلان ما زاد على الاولى لعدم الأذن بطلانها، و الأمر في ذلك سهل بعد كون المسألة فرعا من فروع الوكالة التي من المعلوم وجه الحال فيها، حتى في صورة الإطلاق الذي مدار الأمر فيه على ما يفهم، فيجري عليه حينئذ ما عرفت، و إن أطنب في المسالك، و لكن محصله ما سمعت، و الله العالم.

ج 32، ص: 27

[الركن الثاني في المطلقة]
اشاره

الركن الثاني في المطلقة و شروطها أربعة بل خمسة لما ستعرفه من أن الأصح اشتراط التعيين.

[الأول أن تكون زوجة]

الأول:

أن تكون زوجة بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله من ضروريات المذهب فلو طلق الموطوءة بالملك لم يكن له حكم قطعا.

و كذا لو طلق أجنبية و إن تزوجها بعد ذلك. و كذا لو علق الطلاق بالتزويج لم يصح، سواء عين الزوجة كقوله: «إن تزوجت فلانة فهي طالق» أو أطلق أو عمم كقوله: كل من أتزوجها فهي طالق بلا خلاف في شي ء من ذلك بيننا نصا(1)و فتوى، و لا إشكال، بل من ضرورة المذهب أنه لا طلاق إلا بعد نكاح، لأنه لازالة قيده، و إنما ذكر المصنف ذلك تعريضا بالعامة المجوزين لذلك، نحو غيره من خرافاتهم الباردة، مع

أن في نصوصهم عن عبد الرحمن ابن عوف (2)قال: «دعتني أمي إلى قريب لها فراودتنى في المهر، فقلت: إن نكحتها فهي طالق، ثم سألت النبي صلى الله عليه و آله، فقال: انكحها فقال: لا طلاق قبل النكاح».


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 لم نعثر على هذا الحديث في جوامعهم من السنن الكبرى و كنز العمال و الصحاح و غيرها الا أن الموجود في سنن البيهقي ج 7 ص 318- 321 ما مضمونه ذلك عن غير عبد الرحمن بن عوف.

ج 32، ص: 28

[الثاني أن يكون العقد دائما]

الثاني أن يكون العقد دائما فلا يقع الطلاق بالأمة المحللة التي لا تندرج في اسم النكاح الذي نفي الطلاق قبله، و أنه لا يكون إلا بعده في النصوص (1)بل و لا المستمتع بها و لو كانت حرة بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه و إن لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها(2)نعم فيها ما يدل (3)على حصوله بانقضاء المدة و بهبتها، و لكن ذلك لا يقتضي عدم صحته عليها، لإمكان تعدد الأسباب. اللهم إلا أن يقال بانسياق


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 روى في الوسائل في الباب- 4- من أبواب المتعة الحديث 4 و 5 عن الكليني و الشيخ قدس سرهما بإسنادهما عن محمد بن مسلم، عن أبى جعفر عليه السلام « في المتعة ليست من الأربع، لأنها لا تطلق و لا ترث، و انما هي مستأجرة» و من الغريب أنه طاب ثراه- مع تبحره و اطلاعه التام على الروايات المتفرقة في أبواب الفقه و غيرها- لم يلتفت الى هذه الرواية هنا و قال:« و لم يحضرني من النصوص ما يدل على عدم وقوع الطلاق بالمستمتع بها» مع أنه قده تعرض لها في بحث المتعة، بل عقد صاحب الوسائل لهذا العنوان بابا و هو« باب أن المتمتع بها تبين بانقضاء المدة و بهبتها و لا يقع بها طلاق» و هو الباب- 43- من أبواب المتعة و كذلك روى في الوسائل في الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4 عن الشيخ قده بإسناده عن الحسن الصيقل، عن أبى عبد الله عليه السلام في حديث قال:« و المتعة ليس فيها طلاق».
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3 و الباب- 20- منها الحديث 3 و الباب- 22- منها الحديث 3 و الباب- 25- منها الحديث 1 و الباب- 29 و 41. منها الحديث 1.

ج 32، ص: 29

الدوام من النكاح الذي لا طلاق قبله في النصوص (1)أو يقال بظهور حصر طلاقها في

خبر هشام بن سالم (2)في شرطها مضيا أو إسقاطا في ذلك قال: «قلت: كيف يتزوج المتعة؟ قال: تقول: يا أمة الله أتزوجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما فإذا مضت تلك

الأيام كان طلاقها في شرطها، و لا عدة لها عليك»

و الأمر في ذلك سهل بعد ما سمعت من الإجماع المحقق، و الله العالم.

[الثالث أن تكون طاهرا من الحيض و النفاس]

الثالث:

أن تكون طاهرا من الحيض و النفاس بمعنى بطلان الطلاق فيهما بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص (3)فيه مستفيضة إن لم تكن متواترة، مضافا إلى الكتاب (4)بل الظاهر ذلك في الشرعيين منهما أيضا المندرج فيهما البياض المتخلل بين الدمين و الحيض بالاختيار و غير ذلك مما عرفته في كتاب الحيض، نعم المنساق من النص و الفتوى ذات الدمين فعلا أو حكما بخلاف من نقت و لما تغتسل من الحدث، فلا بأس بطلاقها، لإطلاق الأدلة.

إنما الكلام في كونهما ما تعين، لأنه المتيقن من نصوص (5)بطلان طلاقهما، أو أن الخلو منهما شرط، كما هو مقتضى العبارة و غيرها، فيبطل حينئذ طلاق المجهول حالها؟ وجهان بل قولان: قد يشهد للثاني منهما أن ظاهر النصوص الكثيرة(6)استفادة الشرط المزبور من قوله تعالى (7)«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ»


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 8 و- 9- من أبواب مقدمات الطلاق.
7- 7 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 30

لأن المراد الأمر بطلاقهن في طهر يكون من عدتهن، و الحائض حال حيضها ليس كذلك، و كذا ذات الطهر المواقعة فيه. و لعله لذا ذكره المصنف و غيره من الشرائط.

بل له ذكروا أيضا أنه يعتبر هذا الشرط في المدخول بها الحائل دون غير المدخول بها و دون الحامل، فإنه يصح طلاقهما حائضين بناء على مجامعة الحيض للحمل بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لأن غير المدخول بها لا عدة لها، كما أن الحامل عدتها وضع الحمل على كل حال، بل هو السبب في استفاضة النصوص (1)بعد غير المدخول بها و الحامل من الخمس التي يطلقن على كل حال، و منه يعلم كونهما خارجين من إطلاق النهي (2)عن طلاق الحائض، خصوصا مع انسياق إرادة هذا الحال من عموم «على كل حال» فلا وجه لاحتمال كون التعارض من وجه، و على تقديره فلا ريب في أن الترجيح لخروجهما للإجماع و غيره.

بل و كذا يعتبر الشرط المزبور أيضا في الحاضر زوجها لا الغائب عنها في طهر مواقعتها مدة يعلم بمقتضى عادتها انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى وقت قرء آخر و إن احتمل أنها في حال الطلاق حائض أو باقية على الطهر الأول، للنصوص التي هي ما بين مطلق (3)في جواز طلاق الغائب و مقيد بالشهر(4)و مقيد بالثلاثة(5)بناء على أن الوجه في اختلافها في التقييد المزبور اختلاف عادة النساء في ذلك، و إلا فالمراد انتقالها

من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر، و لعل السر في الاكتفاء بذلك في الغائب تعذر معرفة حالها حينه أو تعسره غالبا.


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.

ج 32، ص: 31

و من هنا ألحق بالغائب نصا(1)و فتوى كما ستعرف الحاضر المتعذر عليه معرفة حيضها و طهرها أو المتعسر، و لعل ذلك هو السر أيضا في عد الغائب عنها زوجها في المستفيض من نصوص الخمس التي يطلقن على كل حال (2)بل عن ابن أبي عقيل تواتر الأخبار بذلك، و

صحيح محمد بن مسلم (3)عن أحدهما عليهما السلام، «سألته عن الرجل يطلق امرأته و هو غائب، قال: يجوز طلاقه على كل حال، و تعتد امرأته من يوم طلقها»

و خبر أبي بصير(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يطلق امرأته و هو غائب فيعلم أنه يوم طلقها كانت طامثا قال: يجوز»

إلى غير ذلك من النصوص التي ستسمعها.

و حينئذ فلو طلقها و هما في بلد واحد متمكنا من تعرف حالها و لو بإقرارها و إن لم يكن في طهر واقعها فيه أو كان غائبا عنها في طهر مواقعتها دون المدة المعتبرة بناء على اعتبارها و قد بان أنها كانت حائضا أو نفساء حاله كان الطلاق بإطلاق علم بذلك حينه أو لم يعلم لكونه طلاقا لغير

العدة بل قد عرفت أن مقتضي الشرطية المستفادة من الآية(5)و الفتاوى بطلانه مع استمرار الاشتباه أيضا.

أما لو انقضى من غيبته عنها في طهر مواقعتها ما يعلم انتقالها فيه من طهر إلى وقت طهر آخر (11) بمقتضى العادة ثم طلق صح و لو اتفق في الحيض (12) لتأخر العادة بلا خلاف فيه نصا(6)و فتوى.

و كذا لو خرج في طهر لم يقربها فيه جاز طلاقها (13) و لو بان أنها حائض مطلقا (14) سواء مضت مدة يعلم انتقالها فيها من ذلك الطهر إلى آخر أم لا، كما


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
5- 5 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
6- 6 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.

ج 32، ص: 32

صرح به الشيخ في النهاية و غيره، بل لا أجد خلافا فيه، بل حكى الإجماع عليه بعض الأفاضل، لعدم مدخلية ذلك في الغرض، ضرورة صحة طلاقها في كل من الطهرين، فليس حينئذ إلا مصادفة الحيض، و قد عرفت عدم اعتبار العلم بالخلو منه للغائب، نعم لا يجوز طلاقها مع العلم به و إن مضت المدة، لإطلاق ما دل على البطلان به المقتصر في تقييده على المتيقن المنساق إلى الذهن من الغائب غير العالم بحالها.

و من ذلك يعلم أن النزاع في اعتبار المدة و عدتها و في مقدارها على الأول في الغائب عنها في طهر المواقعة لمكان إرادة تعرف الانتقال منه و عدمه لا مطلقا، ضرورة عدم

مدخلية المدة كائنة ما كانت في تعرف حيضها و عدمه حاله، نعم ينبغي مراعاة عادتها الوقتية إن كانت و كان عالما بها لا المدة المزبورة.

فمن الغريب إطناب المحدث البحراني تبعا لما حكاه عن سيد المدارك في شرح النافع من عدم الفرق في اعتبار المدة المزبورة بين طهر المواقعة و غيره، لإطلاق ما دل على اعتبارها و هو كما ترى، لما عرفت من عدم الإشكال في صحة طلاقها على كل حال.

و كذا لو طلق التي لم يدخل بها و هي حائض كان جائزا لما عرفت أيضا من عدم العدة لها، فلا تندرج في الأمر بالآية(1)بل من التأمل فيما ذكرنا قد ينقدح وجه جمع بين ما دل من النصوص التي سمعت تواترها على طلاق الغائب على كل حال (2)بحملها على الغائب عنها في طهر لم يواقعها فيه و لم يعلم بكونها حائضا و لو لعادة لها وقتية مثلا معلومة لديه، و بين ما دل منها على اعتبار الثلاثة أشهر و هي

صحيح جميل بن دراج (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «الرجل إذا خرج من


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.

ج 32، ص: 33

منزله إلى السفر فليس له أن يطلق حتى يمضي ثلاثة أشهر»

و موثق إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) الغائب الذي يطلق كم غيبته؟ قال: خمسة أشهر أو ستة أشهر، قلت: حد دون ذلك قال: ثلاثة أشهر»

و حسن ابن بكير(2)قال: «أشهد علي أبي جعفر (عليه السلام) أني سمعته يقول: الغائب يطلق بالأهلة و الشهور»

التي عن الإسكافي العمل بها و طرح ما عداها، و تبعه في المختلف بحملها على من خرج في طهر المواقعة، ضرورة أنه مع مضي المدة المزبورة إما أن تكون مستبينة الحمل، و طلاقها حينئذ للعدة، أو حائضا و هو غير قادح في الغائب، بل قد يحصل ذلك في الامرأة المستقيمة التي هي غير مسترابة بمضي شهر مضافا إلى عدتها.

و عليه ينزل

موثق إسحاق (3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «الغائب إذا أراد أن يطلقها تركها شهرا»

و خبر ابن سماعة(4)«سألت محمد بن أبي حمزة متى يطلق الغائب؟ قال: حدثني إسحاق بن عمار عن أبى عبد الله أو أبي الحسن (عليهما السلام)، قال:

إذا مضى له شهر»

فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد.

و إليه أشار الصدوق في الفقيه بقوله: «و إذا أراد الغائب أن يطلق امرأته فحد غيبته أنه إذا غابها كان له أن يطلق متى شاء خمسة أشهر أو ستة، و أوسطه ثلاثة أشهر، و أدناه شهر» بل لا يبعد إرادة الانتقال من طهر إلى زمان طهر آخر من الشهر في النصوص، و لعل هذا هو الوجه في اختلاف النصوص، و أولى من العمل بأحدها و طرح الآخر.

بل و أولى من الجمع بينها بحملها أجمع على الندب، و أن الغائب متى تحقق فيه الوصف و كان في حال لم يعلم حالها، انتقلت إلى طهر آخر أم لا؟ أو هي حائض أم لا؟ جاز له الطلاق و لو بعد يوم المفارقة الذي واقعها فيه بثلاثة أيام لاحتمال حيضها في ذلك اليوم و طهرها منه بعد الثلاثة، كما هو المحكي عن المفيد و سلار و علي بن بابويه و ابن أبى عقيل و أبى الصلاح و غيرهم.


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

ج 32، ص: 34

بل مقتضى إطلاقهم أو بعضهم جواز الطلاق مع الغيبة و إن انحصر أمرها بكونها في طهر المواقعة أو في حال الحيض، إذ هو كما ترى مناف لاستصحاب بقائها على الطهر، مع أنه لا شاهد له سوى اختلافها مع اتحاد راوي الثلاثة(1)و الواحد(2)منها و هو أعم من ذلك، بل ليس أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الثلاثة على الحد الأوسط لخبري الواحد المنزل على الحد الأدنى، و تقييد إطلاق نصوص الغائب

به، فيجوز حينئذ بعد مضى الشهر، كما عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة و غيرهما.

و إليه أشار المصنف بقوله و من فقهائنا من قدر المدة التي يسوغ معها طلاق الغائب بشهر عملا برواية يعضدها الغالب في الحيض كما أنه أشار إلى سابقه بقوله و منهم من قدرها بثلاثة أشهر عملا برواية جميل عن أبى عبد الله (عليه السلام)(3)و قد يقال: إن مرجع القول بالشهر إلى ما ذكرنا من أن به- مضافا إلى العدة- يتحقق الحمل غالبا في المستوية المستقيمة غير المسترابة أو تكون حائضا، و هو غير قادح في الغائب، بل يمكن إرادة الكناية عن الانتقال إلى طهر آخر.

و على كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه من وجه الجمع أولى من توجيه بما ذكره الشيخ- و تبعه عليه جماعة بل أكثر المتأخرين على ما قيل- من أن سببه اختلاف عادة النساء في الحيض بالنسبة إلى الشهر و الثلاثة و الأربعة و الأزيد من ذلك و الأنقص، فيكون المدار على العلم بالانتقال من طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر.

و إليه أشار المصنف بقوله و المحصل ما ذكرناه و إن زاد على الأمد


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.

ج 32، ص: 35

المذكور الذي هو الثلاثة بأن كان أربعة مثلا، و المراد العلم حقيقة لا الظن، و لا ينافيه

احتمال الحيض لتأخر العادة، ضرورة كون متعلقة الانتقال من زمان طهر المواقعة إلى زمان طهر آخر بمقتضى عادتها، و ليس المراد الانتقال المعتبر فيه تخلل الحيض، إذ ذاك لا يمكن ظنه فضلا عن علمه، لأن الفرض مواقعتها، و من المحتمل احتمالا مساويا علوقها بالحمل الذي يندر معه الحيض أو يتعذر، فيتعين كون المراد ما ذكرنا.

و لكن لا يخفى عليك ما في وجه الجمع المزبور، إذ هو مع ما فيه من التنزيل على الأفراد النادرة لا شاهد له، بل ظاهرها خلافه، إذ لم تكن هي في موارد خاصة كي تحمل على ذلك، بل هو بعنوان الضابط الكلى للجميع، و لكن الأمر سهل بعد الاتحاد في اعتبار انتقالها من ذلك الطهر إلى وقت طهر آخر بمقتضى عادتها كي تكون صالحة للطلاق، لكونها بمقتضى ذلك غالبا حاملا، أو في طهر لم يواقعها فيه، أو في حال حيض لا يقدح في الغائب، لا ما ذكروه، نعم لا ريب في أولوية الاستظهار في ذلك بالعلم بتكرر الانتقال، و عليه ينزل اختلاف النصوص.

إنما الكلام في أن المدار على ذلك، بحيث إذا لم يعلم الانتقال المزبور لعدم العلم بعادتها لا يجوز طلاقها حتى لو مضى لها ثلاثة أشهر فصاعدا، أو يرجع إلى المدة المذكورة في النصوص، و هي الشهر أو الثلاثة، لأنها بحكم المسترابة؟

ظاهر هذا القول الأول، و الأقوى الثاني، بل الأقوى الرجوع إلى الشهر الذي قد عرفت الوجه فيه، مؤيدا بما تسمعه من صحيح ابن الحجاج الوارد في الحاضر غير المتمكن من اطلاع حالها(1)بل التدبر بذكر الشهور و الأهلة فيه مع التصريح بالاكتفاء بالشهر كالصريح فيما ذكرناه من التحديد على الوجه المزبور، بل هو شاهد للجمع بذلك و إن أشكل على بعض متأخري المتأخرين المراد به، مضافا إلى أن الغالب في النساء كل شهر حيضة، كما تشعر به أخبار الامرأة الدمية(2)المتقدمة


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب الحيض الحديث 3 و 5 و 6 من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 36

في كتاب الحيض.

و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، و احتمال إرجاع القول بالإطلاق أو الشهر أو الثلاثة إلى ما ذكرنا بنوع من الاعتبار لا يخلو من بعد في البعض أو منع، خصوصا الأول و الأخير، كل ذلك مما شاة لهم على ما ذكروه و إلا فمن المحتمل قويا أن محل البحث في اعتبار أصل المدة و عدمها، و أنها شهر أو ثلاثة في مجهوله الحال التي لم يعلم أيام حيضها من أيام قرئها، إذ من المستبعد دعوى عدم اعتبار العادة مع فرض العلم بها بناء على القول بالإطلاق، و دعوى الاعتبار بالشهر لمن عادتها الأزيد منها، و دعوى الاعتبار بالثلاثة لمن عادتها الأزيد من ذلك، و إنما المتجه اعتبار العادة مع العلم بها.

أما مع الجهل بها فيأتي القول بعدم اعتبارها أصلا، للإطلاق، و القول بالشهر لأنه الغالب في غالب النساء، و الثلاثة لأنها

كالمسترابة، و لزيادة الاستظهار في أمر الفروج، و خيرها أوسطها حينئذ لما عرفت، و لكن عليه يكون ما اختاره المصنف و المتأخرون خروجا عن مفروض المسألة، كما أن عليه يتضح لك فساد كثير من الكلمات، و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال في صحة الطلاق بعد مضى المدة بناء على اعتبارها مع فرض المصادفة فيها لاجتماع الشرطين: كونها في غير طهر المواقعة، و الخلو من الحيض، بل لا خلاف فيه، بل في المسالك الإجماع عليه.

و كذا يصح لو بان أيها في حيض، لخبر أبي بصير(1)السابق المؤيد بإطلاق نصوص الخمس (2)بل و كذا لو بان أنها في طهر المواقعة، لظاهر النصوص (3)بل في المسالك «أنه أولى بالصحة من الأول الذي قد تخلف فيه الشرطان، بخلافه فإنه لم يتخلف فيه إلا شرط واحد» و إن كان هو كما ترى، و العمدة ظاهر النصوص.


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 37

و ربما قيل بالعدم لتخلف الشرط الذي لا يقاس على حال الحيض، و لأن الإذن بالطلاق مع مضيها لا يقتضي الحكم بالصحة لو بان الخلاف، و هو كما ترى، خصوصا مع فرض اندراج الفرض و سابقه في نصوص عد الغائب من الخمس التي تطلق على كل حال (1)مؤيدا بخبر الحيض (2)فلا اشتراط في الحال المزبور بأزيد من مضى

المدة المزبورة، و تخلف الحكمة في انقضائها باعتبار كونها لاستبراء الرحم لا يقتضي تخلف الصحة الظاهرة من النصوص المزبورة.

و كذا لا إشكال و لا خلاف في الصحة مع استمرار اشتباه أنها في حيض أو في طهر المواقعة، لأنه المتيقن من النصوص المزبورة، بل الظاهر الصحة لو طلق قبل المدة المعتبرة فصادف موافقة الشرائط، للإطلاق، و احتمال البطلان- باعتبار كون مضي المدة شرطا، و الفرض تخلفه- يدفعه كون الظاهر من نصوصها أنها لإحراز الشرائط المعتبرة، لا أن مضيها من حيث هو شرط، بل لا يبعد الصحة في الحاضر لو طلق قبل العلم بتحقق الشروط فصادف حصولها، نعم لا إشكال في البطلان لو طلق قبلها فبان عدم حصول الشرائط أو استمر الاشتباه كما هو واضح.

و لو طلقها بعد أن مضت المدة المعتبرة فأخبره عدل بأنها حائض ففي المسالك في صحة الطلاق وجهان أجودهما العدم، قال «و كذا لو أخبره ببقائها في طهر المواقعة أو بكونها حائضا حيضا آخر بعد الطهر المعتبر في صحة الطلاق، لاشتراك الجميع في المقتضى للبطلان، و صحة طلاقه غائبا مشروطة بعدم الظن بحصول المانع» و فيه إمكان منع الاشتراط المزبور، لإطلاق الأدلة المقتصر في تقييدها على صورة العلم خاصة، نعم قد يقال باعتبار خصوص خبر العدل بناء على أنه من العلم شرعا في هذا المقام لا كل ظن.

ثم قال فيها أيضا: «إن النفاس هنا كالحيض في المنع و الاكتفاء بطهرها منه، فلو غاب و هي حامل و مضي مدة يعلم بحسب حال الحمل وضعها و طهرها من النفاس جاز


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.

ج 32، ص: 38

طلاقها، كما لو انتقلت من الحيض، و يكفي في الحكم بالنفاس ظنه المستند إلى عادتها و إن كان عدمه ممكنا كما قلناه في الحيض- ثم قال- و لو وطأها حاملا ثم غاب و طلق قبل مضي مدة تلد فيها غالبا و يتيقن، و صادف الطلاق ولادتها و انقضاء نفاسها ففي صحته الوجهان الماضيان في الحيض، و الحكم فيهما واحد» و فيه أنه يمكن القول الجواز طلاقها على كل حال ما لم يعلم نفاسها، لاجتماع جهتي الجواز فيه، و هي الحمل و كونه غائبا، و لا مدخلية للمدة هنا فيه و حينئذ فلو وطأها حاملا ثم غاب عنها و طلق قبل مضى مدة تلد فيها غالبا فصادف الطلاق نفاسها صح، و كذا لو صادف ولادتها و انتفاء نفاسها، و ليس هو كالطلاق قبل المدة فصادف حيضها و طهرها، و ذلك لأن احتمال البطلان بسبب احتمال كون مضى المدة شرطا و لم يحصل، بخلاف المقام الذي لا وجه فيه لاعتبار المدة، ضرورة كونها حاملا أو في طهر لم يقربها فيه، و كل منهما لا يعتبر فيه مدة أصلا كما عرفت، إذ المدة إنما اعتبرت لتحصيل الظن بالانتقال إلى طهر آخر باعتبار مواقعته لها في الطهر الذي غاب فيه، و في الفرض لا تقدح مواقعته، لكونها حاملا أو في طهر لم يواقعها فيه.

و كيف كان ف لو كان حاضرا و هو لا يصل إليها بحيث يعلم حيضها و طهرها فهو بمنزلة الغائب في الحكم، كما أن الغائب لو فرض إمكان علمه بحالها كان كالحاضر، ل

صحيح عبد الرحمن (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها، و هي في منزل أهلها، و قد أراد أن يطلقها، و ليس يصل إليها ليعلم طمثها إذا طمثت، و لا يعلم بطهرها إذا طهرت، قال: فقال: هذا مثل الغائب عن أهله، يطلقها بالأهلة و الشهور، قلت: أ رأيت إن كان يصل إليها الأحيان و الأحيان لا يصل إليها فيعلم حالها كيف يطلقها؟ فقال: إذا مضى له شهر لا يصل إليها فيه يطلقها إذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود، و يكتب الشهر الذي يطلقها فيه، و يشهد


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 عن أبى الحسن عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 86 و الفقيه ج 3 ص 333.

ج 32، ص: 39

على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب و عليه نفقتها في تلك الثلاثة الأشهر التي تقعد فيها»

و خبر علي بن كيسان (1)«كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن رجل له امرأة من نساء هؤلاء العامة، و أراد أن يطلقها و قد كتمت حيضها و طهرها مخافة الطلاق، فكتب

(عليه السلام): يعتزلها ثلاثة أشهر و يطلقها».

لكن لا يخفى عليك أن مقتضى التدبر في الصحيح الأول على وجه يرتفع التنافي عنه يقتضي أن الحد الشهر و الأفضل الثلاثة، و لعله لذا قال الشيخ في نهايته:

«و متى كان للرجل زوجة معه في البيت غير أنه لا يصل إليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها».

و بذلك ظهر لك وجه شهادة لما قلناه سابقا من أن الحد في الغائب مع عدم العلم بالعادة الشهر الذي هو الغالب في النساء، بقرينة الحكم بالحيضة في كل شهر مرة للدمية، و أفضل منه الثلاثة، و أفضل من ذلك الأربعة و الخمسة، لزيادة الاستظهار، كما أن منه يعلم اعتبار العادة الشخصية مع فرض العلم بها للامرأة المخصوصة، ضرورة أنها أقوى ظنا من العادة النوعية.

و كيف كان فلا أجد خلافا في المسألة إلا من الحلي فيما حكي عنه بناء على أصله من عدم العمل بخبر الواحد، فإلحاق الحاضر حينئذ بالغائب قياس، و المتجه بقاؤه حينئذ على حكم الحاضر من عدم جواز طلاقه حتى يعلم انتقالها من طهر المواقعة و خلوها عن الحيض حين الطلاق، و لكنه كما ترى.

و لقد تلخص من جميع ما ذكرنا أن الغائب إن غاب عن زوجته في طهر لم يواقعها فيه جاز طلاقها من غير اعتبار مدة، نعم لو علم أيام قرئها لو فرض أن لها عادة وقتية أخره إلى أيام طهرها، بناء على اعتبار مثل هذه العادة هنا، خصوصا


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 40

بعد إطلاق المعظم الجواز، و لا ريب في أنه أولى.

و إن غاب عنها في طهر المواقعة، فإن كان لها عادة راعاها، لأولويتها من العادة النوعية، و إلا انتظرها شهرا، لأنه الغالب في نوع النساء، و الأفضل الثلاثة، بل كلما زاد عليها فهو أولى باستظهار كونها حاملا أو منتقلة إلى طهر آخر.

نعم لو غاب عنها مسترابة اتجه وجوب الصبر إلى ثلاثة أشهر حينئذ استصحابا لموضوعها و حكمها، بخلاف مجهولة العادة التي ليست منها موضوعا قطعا، بل و لا حكما، لما سمعته من النصوص (1)المبنية على قاعدة إلحاق المشكوك فيه بالأعم الأغلب بعد فرض تعذر العلم و الانتقال إلى مرتبة الظن، كما يومئ إليه اعتبار المدة في النص (2)و الفتوى، و بذلك كله ظهر لك وجه الحكم في اختلاف النصوص و الراجح من الأقوال في المسألة، مضافا إلى ما تقدم في فروعها.

[الشرط الرابع أن تكون مستبرأة]

الشرط الرابع أن تكون مستبرأة من المواقعة التي واقعها إياه بما جعله الشارع طريقا إلى ذلك من الحيضة أو المدة في الغائب و المسترابة فلو طلقها حينئذ في طهر واقعها

فيه لم يقع طلاق بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى القطع به من النصوص (3)إن لم تكن متواترة فيه و إلى عدم كونه طلاقا للعدة المأمور به في الكتاب العزيز(4)الذي استفاضت النصوص(5)


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 سورة الطلاق: 65 الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7 الباب- 10- منها الحديث 4 و 5.

ج 32، ص: 41

في كون المراد به الطلاق في مستقبل العدة.

نعم يسقط اعتبار ذلك في اليائسة التي لا عدة لها بلا خلاف أجده في ذلك نصا(1)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا و فيمن لم تبلغ سن المحيض الذي هو التسع لذلك أيضا، و هي المرادة بالتي لم تحض في نصوص الخمس (2)بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال عدا ما يحكي عن السيد في شرحه على النافع من أن الأولى إرادة الأعم منها و من التي لم تحض مثلها عادة، سواء كان لنقص سنها عن التسع أو لم تكن، فتكون أعم من الصغيرة و المسترابة، و كأنه ليس خلافا بعد أن جعلها من المسترابة التي ستعرف حكمها، نعم لو كان مراده جواز طلاقها على كل حال كغير البالغة تسعا كان مخالفا و محجوجا بإطلاق ما دل (3)على عدم جواز الطلاق في طهر المواقعة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن أو المتبادر من التي لم تحض، و هي غير البالغة تسعا، خصوصا بعد ما في رواية الخصال من إبدالها بالتي

لم تبلغ المحيض (4)بل في بعض روايات العدد(5)تفسير التي لم تحض بها على وجه يظهر منه كونه المراد من التعبير بذلك.

و كذا يسقط اعتبار الشرط المزبور في الحامل أيضا بلا خلاف فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه، و لأن طلاقها معه طلاق للعدة التي هي وضع الحمل، و لأنها إحدى الخمس التي استفاضت النصوص في طلاقها على كل حال(6).

إنما الكلام في أن طلاق الحامل يعتبر في صحته الاستبانة أم يكفي فيه مصادفة الواقع كما هو ظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته؟ بل هي القاعدة في وضع اللفظ للواقع، إذ الحامل لفظ مشتق بمعنى ذات الحمل، و لا مدخلية للعلم و الظن


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 42

فيه، و لذا لو طلقها بظن أنها حامل فبان خلافه بعد ذلك لم يصح طلاقه، لانكشاف فساد الظن بتبين خلافه، لكن في مصابيح العلامة الطباطبائي «لا يصح طلاق الحامل إلا إذا كانت مستبينة الحمل وقت الطلاق، فلو طلقها ثم تبين الحمل لم يصح- إلى أن قال-: لأن مصادفة الحمل لا تكفي في صحة الطلاق.

بل يشترط فيه الاستبانة كما اعتبره الشيخان في المقنعة و النهاية و ابن البراج و بنى حمزة و إدريس و سعيد و غيرهم- ثم استدل عليه- بما في الصحيحين من نصوص الخمس من

وصف الحامل بالمستبين حملها في أحدهما(1)و المتيقن في الآخر(2)و لا ينافيه إطلاق الحامل في غيرهما، لأن الظاهر من قولهم «يطلقهن» إباحة الطلاق دون وقوعه، و الإباحة مشروطة بظهور الحمل، و بأن الطلاق الواقع على غير السنة باطل عندنا بلا خلاف، و طلاق المرأة في طهر المواقعة مع عدم ظهور حملها محرم قطعا إذ لا مسوغ له، فيكون باطلا، و أطلق الفاضلان و الشهيدان صحة طلاق الحامل في طهر المواقعة، و لم يقيدوا ذلك بالاستبانة، فإن أرادوا صحة طلاقها بمجرد مصادفة الحمل و إن لم يستبن كانت المسألة خلافية، و الظاهر أن التقييد مراد في كلامهم، لتبادره من إطلاق طلاق الحامل و وقوع التقييد به في كلام القدماء مع عدم نقل خلاف في المسألة».

قلت: يمكن أن يكون كلام المتأخرين لرفع توهم الشرطية من الوصف في كلام القدماء المبنى على إرادة بيان حكم الاقدام المعلوم توقفه على الاستبانة، لأصالة عدم الحمل، فيحرم عليه إيقاع الطلاق في طهر المواقعة قبل الاستبانة، كحرمته عليه قبل تبين حيضها و طهرها، و لكن لو فعل فبان حصول الحمل أو حصول الحيض و الطهر صح، لصدق كونه طلاقا للعدة و لو طلق في طهر لم يواقعها فيه و طلاق أولات الأحمال و غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و فيه« الحامل المتبين» كما في الفقيه ج 3 ص 334.

ج 32، ص: 43

و ربما يؤيده ما سمعته منهم في الغائب لو طلق قبل المدة فبان مصادفته الشرط من أن

الأقوى الصحة المقابل بالاحتمال الضعيف من كون مضى المدة شرطا شرعيا و قد فات، و مثله يأتي في الفرض، بأن يقال: البطلان فيما لو طلق في طهر المواقعة فبان أنها حامل، لفوات شرطية الاستبراء لا لكون الحمل غير بين، و إلا فلو طلق بعد الحيضة فبان أنها حامل و أن الحيض كان في أثناء الحمل بناء على مجامعته له صح قطعا و إن كان غير بين حال الطلاق، و كذا لو طلق بعد المدة فبان أنها حامل و إن لم يكن الحمل مستبينا، و كذا لو طلق المسترابة بعد مضى المدة فبان أنها حامل صح و إن لم يكن الحمل مستبينا حال الطلاق، و الصحيحان اللذان ذكرهما لا دلالة فيها على اشتراط صحة الطلاق بذلك خصوصا بناء على ما اعترف به من أن المراد فيهما و في غيرهما بيان الإباحة المتوقفة على الاستبانة لا اشتراط صحة الطلاق بذلك.

و كذا عبارات الأصحاب الذين نسب إليهم الاشتراط لا دلالة فيها على الشرطية قال في المقنعة: «و الحامل المستبين حملها تطلق بواحدة في أي وقت شاء» و قال الشيخ في النهاية: «و إذا أراد أن يطلق امرأته و هي حبلي مستبين حملها طلقها أي وقت» و كذا عبارة ابن إدريس، بل عن أبي الصلاح عدم التقييد بالاستبانة.

و ما عساه ينساق من نصوص (1)النهي عن الطلاق في طهر المواقعة و أنه ليس بطلاق و ترجع الامرأة إلى زوجها- مما ينافي ذلك، لأنه لو صح طلاق الحامل واقعا وجب التربص فيه حينئذ

إلى بيان كونها حاملا أولا- يدفعه أن ذلك كله للحكم في الظاهر لأصالة عدم الحمل، لا لما لو اتفق بيان الحمل، و يؤيد ذلك كله مضافا إلى إطلاق الأدلة عدم ذكر أحد من الأصحاب ذلك من شرائط المطلقة أو من شرائط الطلاق، فمن الغريب جزم الفاضل المزبور بذلك، و لكن ظني أن المصابيح قد جمعت بعد وفاته من أوراق و حواشي و نحو ذلك، و فيها المنسوخ و غيره، فاشتبه على الجامع و جعلها مصباحا.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 44

و كذا يسقط الشرط المزبور في المسترابة التي هي في سن من تحيض و هي لا تحيض لخلقة أو عارض، لكن بشرط أن يمضي عليها ثلاثة أشهر لم تر دما معتزلا لها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، ل

صحيح إسماعيل بن سعد الأشعري (1)«سألت الرضا (عليه السلام) عن المسترابة من الحيض كيف تطلق؟ قال:

تطلق بالشهور»

و مرسل العطار(2)المنجبر بالعمل عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن المرأة يستراب بها و مثلها تحمل و مثلها لا تحمل و لا تحيض و قد واقعها زوجها كيف يطلقها إذا أراد طلاقها؟ قال: ليمسك عنها ثلاثة أشهر ثم يطلقها»

نعم في المسالك و بعض ما تأخر عنها أنه لا يلحق بالمسترابة من تعتاد الحيض في كل مدة تزيد عن ثلاثة أشهر، فإن تلك لا استرابة فيها، بل هي من أقسام ذوات الحيض يجب استبراؤها بحيضة و ان توقف على ستة أشهر أو أزيد.

هذا و في الرياض و من نصوص الخمس (3)يظهر السقوط في الغائب عنها زوجها لعدها منها و إن أهمله المصنف، و لعله غفلة أو مصير إلى القول بالبطلان الذي مضى في طلاق الغائب بعد المدة مع تبين الوقوع في طهر المواقعة، أو من حيث اختياره اعتبار العلم بالانتقال من طهر إلى آخر، كما عليه أكثر من تأخر، و الظاهر أنه هو الوجه في الإهمال، و فيه أنه يمكن اتكالا على ذكر حكم الغائب سابقا، و إلا فقد عرفت أن المراد الانتقال إلى زمان طهر آخر لا طهر حقيقة كما أوضحناه سابقا.

و على كل حال ف لو طلق المسترابة قبل مضي ثلاثة أشهر من حين المواقعة لم يقع الطلاق لما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 17.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 45

[الشرط الخامس تعيين المطلقة]

الشرط الخامس تعيين المطلقة و هو أن يقول: فلانة طالق أو يشير إليها بما يرفع الاحتمال مع فرض التعدد من قول هذه و نحو ذلك فلو كان له زوجة واحدة فقال زوجتي طالق صح، لعدم الاحتمال حينئذ بل في المسالك و غيرها الاكتفاء بالنية مع التعدد على وجه يظهر منه

المفروغية، فإن تحقق إجماعا فلا كلام، خصوصا مع العمومات، و إلا فقد يقال: إن ظاهر

قول أبى جعفر (عليه السلام) في صحيح محمد(1): «إنما الطلاق أن يقول لها في قبل العدة بعد ما تطهر من محيضها قبل أن يجامعها: أنت طلاق أو اعتدى، يريد بذلك الطلاق، و يشهد على ذلك رجلين عدلين»

اعتبار ذكر ما يفيد التعيين، و أظهر منه

خبر محمد بن أحمد بن المطهر(2)قال: «كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) إني تزوجت بأربع نسوة و لم أسأل عن أساميهن، ثم إني أردت طلاق إحداهن و أتزوج امرأة أخرى، فكتب إلى انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن فتقول: اشهدوا أن فلانة التي بها علامة كذا و كذا هي طالق، ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة».

مضافا إلى استصحاب بقاء النكاح المتوقف زواله على السبب الشرعي المحتمل مدخلية ذكر ما يقتضي التعيين و لو قرائن أحوال فيه، لا أقل من الشك في تناول العمومات التي لم تسق لبيان مشروعية مسمى الطلاق، اللهم إلا أن يمنع الشك بظاهر المفروغية السابقة، و احتمال أو ظهور كون المراد من الخبرين كون المطلقة معينة في نفسها في مقابل طلاق غير المعينة الذي ستسمع البحث فيه.

و حينئذ ف لو كان له زوجتان مثلا أو زوجات فقال: زوجتي


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 46

طلاق فان نوى معينة و ذكر ما يقتضي ذلك صح و قبل تفسيره لما لا يعلم إلا من قبله من غير يمين، و في المسالك «يؤمر بذلك على الفور، لزوال الزوجية عنها، و يمنع من الاستمتاع بهما إلى أن يبين، و لو أخر أثم، لأن الحق لهما في ذلك، فعليه بيانه إذ لا يعلم من غيره- إلى أن قال-: و تجب عليه التفقه لهما قبل البيان، لأنهما محبوستان حبس الزوجات، و لاستصحاب وجوب النفقة لكل واحدة منهما، و لا يسترد المصروف إلى المطلقة بعد البيان».

و الجميع كما ترى، إذ لا دليل على وجوب الفور في البيان، خصوصا في العدة، و خصوصا في الرجعية، كما لا دليل على وجوب الإنفاق عليهما بعد معلومية كون إحداهما أجنبية، و الاستصحاب المعلوم عدمه في إحداهما ليس حجة فيهما كما حرر في محله، و كونهما محبوستين بتخيلهما البقاء على العقد لا يقتضي وجوب الإنفاق عليهما، إذ هو اعتبار محض لا يوافق أصول الإمامية.

و على كل حال ف ان لم ينو واحدة معينة قيل و القائل المفيد و المرتضى و ابن إدريس و الشيخ في أحد قوليه يبطل الطلاق لعدم التعيين بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل في الانتصار و محكي الطبريات الإجماع عليه، بل ظاهره في الأول اختصاص القول بالصحة بالعامة، فعن أبي حنيفة و أصحابه و النوري و الليث أنه يختار أيتهن شاء، و يجعلها المطلقة، و عن الشافعي ذلك أيضا و لكنه صرح بأنه يمنع منهن حتى تبين، و عن مالك تطلق عليه جميع نسائه.

و قيل و القائل الشيخ فيما حكى عن مبسوطة يصح، و يستخرج بالقرعة، و هو أشبه عند المصنف، بل و الفاضل و الشهيد في أحد قوليهما، و لكن يرجع في التعيين إلى اختياره لا إلى القرعة، و لكن لا يخفى ما في أصل الصحة، ضرورة عدم دليل لها سوى دعوى عموم الأدلة التي لم تسق لذلك، على أن الطلاق لرفع قيد النكاح الذي لم يقع في الخارج إلا على شخص بعينه، و الأحدية و نحوها من الأمور الانتزاعية الوهمية لم يقع عليها عقد النكاح، بل ليس الطلاق في الحقيقة إلا من توابع النكاح الذي قد عرفت عدم وقوعه إلا على معين، خصوصا بعد

ج 32، ص: 47

اقتضاء ما يترتب عليه من العدة، و نحوها التعيين، كاقتضاء ما يترتب على النكاح ذلك، بل الظاهر عدم صلاحية الكلي الانتزاعي لقيام معنى الطلاق فيه، كغيره من آثار أكثر العقود و الإيقاع.

و بذلك كله يظهر لك عدم اندراج الفرض في مسمى الطلاق كي يندرج في الإطلاق الذي إن لم يقطع أو يظن بعدم تناوله لمثل ذلك، خصوصا مع ملاحظة الخبرين (1)السابقين و غيرهما من

النصوص (2)التي تسمعها في بحث الصيغة المشتملة على التعيين بعنوان التعريف للطلاق الجامع لشرائط الصحة التي منها التعيين و غيره، بل ظاهر المتن هناك اعتباره أيضا، و أن أقصى نصوص الصيغة التعدية من لفظ «أنت» إلى غيره من ألفاظ التعيين، بل قد يدعى أنه المنساق من أكثر النصوص بل الآية(3)فلا أقل من الشك الذي ينبغي البقاء معه على أصالة بقاء النكاح.

و قياس معنى طلاق الواحدة من نسائه مثلا على ما تطابق عليه النص (4)و الفتوى من تخير من أسلم على أكثر من أربع غير جائز في مذهبنا، و إنما هو مذهب مخالفينا، و لذا و غيره من الاعتبارات الفاسدة أفتوا بالصحة و ملؤوا كتبهم من الفروع التي لا تخلو بعضها من خرافة، كما لا يخفى على من لاحظها.

بل لعل استفاضة النصوص (5)فيما يقتضي التعيين فضلا عن خلوها عن ذكر المبهم و حكمه مع اشتهاره بين العامة في ذلك الزمان مما يورث الفقيه الظن أو العلم بأنه من المنكرات عليهم، نحو غيره مما أبدعوه في الطلاق، بل لو لم يكن في هذا القول إلا التزام جملة أمور لا دليل واضح عليها لكفى في بطلانه، إذ التعيين إن


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 و الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 181.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 48

كان مرجعه القرعة فقد أشكله بعضهم بأنها لكشف الأمر المشتبه، و ليس المقام منه، ضرورة خلوه عن القصد في الواقع، اللهم إلا أن يدعى أنها للأعم من ذلك و من المشكل الذي لا ترجيح فيه بظاهر الشرع، و إن كان مرجعه اختيار المطلق كما عن الفاضل ففيه أنه لا دليل بعد فرض صحة الطلاق على مدخلية اختياره في ذلك إلا القياس على من أسلم على الأزيد من أربع، و هو باطل في مذهبنا، أو دعوى أن له التعيين ابتداء فله التعيين استدامة، و هي كما ترى، ضرورة أن له طلاق المعينة ابتداء لا تعيين المطلقة، أو أن ذلك من توابع الطلاق الذي بيده، و فيه أن تعيين المطلقة أمر زائد على الطلاق.

ثم على القول به فهل هو معتبر في الطلاق؟ على معنى عدم حصول أثره إلا به، كما عن الفاضل استصحابا للنكاح، و احتياطا للعدة، و لأنها لو طلقت بالإيقاع فإما أن يقع الطلاق على الكل أو على واحد بعينه و فسادهما ظاهر، أو على واحدة مبهمة، و هو أيضا باطل، لأن الطلاق معنى لا يحل إلا بمعين، و لا وجود للمبهم في الخارج، فليس هو حينئذ إلا التزام طلاق في الذمة يتم بالتعيين، لكن ذلك كله كما ترى، على أنه مناف لما دل على سببية السبب و للحكم بتحريمها عليه قبل التعيين الذي قد اعترف هو به، بل قد حكى بعضهم الاتفاق عليه، بل و للحكم بأن لوارثهما المطالبة به فيما لو ماتتا أو إحداهما قبله لبيان الإرث، لعدم بقاء محل للطلاق.

و من هنا كان المحكي عن الشيخ كون التعيين كاشفا، و أن الطلاق قد وقع حين التلفظ، و تتبعه العدة لأنه أوقع صيغة الطلاق منجزة، فيقع بها الطلاق على إبهامه، و التعيين ليس من صيغة الطلاق في شي ء نحوه من أسلم على الأزيد، و هو أيضا كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة عدم كشف التعيين في أفراد الكلي في البيع و غيره.

و لو وطأ إحداهما بعد الطلاق بائنا ففي القواعد «إن قلنا يقع الطلاق باللفظ

ج 32، ص: 49

كان تعيينا أي للأخرى، و إن قلنا بالتعيين لم يؤثر الوطء» و في محكي المبسوط «إن جعل الوطء تعيينا أباح وطء من شاء منهما، و إنما حرم الجمع بينهما، و إن لم يجعله تعيينا حرمهما، لأنهما قبل التعيين متشبثان بحرمة الطلاق» و الأقرب عند الفاضل في القواعد مع أنه لا يجعله تعيينا تحريم وطئهما معا و إباحة من شاء منهما، و في المسالك «أن الوطء لا يكون بيانا إذا كان قد نوى واحدة بعينها، و تبقى المطالبة به بحالها، فان بين في الموطوءة فعليه الحد، و المهر بجهلها أنها المطلقة و إن بين في غير الموطوءة قبل، فان ادعت الموطوءة أنه أرادها حلف، فان نكل و حلفت هي حكم بطلاقها و عليه المهر، و لا حد للشبهة، لأن الثبوت باليمين، و إن كان لم ينو واحدة بعينها ففي كونه تعيينا أولا وجهان- إلى أن قال-:

و ربما بنى الوجهان على أن الطلاق يقع عند اللفظ أو عند التعيين، فعلى الأول هو تعيين بخلاف الثاني، ثم إن جعلناه تعيينا فلا مهر للموطوءة، لكونها زوجته حينئذ، و إلا طالبت بالتعيين، فان عين الطلاق فيها وجب المهر إن قلنا بوقوعه عند اللفظ، و إن قلنا بوقوعه عند التعيين ففي وجوب المهر وجهان: من أنها لم تكن مطلقة وقته، و من حصول ماله صلاحية التأثير، و من ثم حرم الوطء قبل التعيين».

قلت: قد يقال بكون الوطء بيانا ما لم يصرح بخلافه، بل و دالا على التعيين كذلك بناء على وقوع الطلاق باللفظ، أما لو قلنا بوقوعه حينه فلا، بل المتجه جواز وطئهما معا قبله، لعدم الخروج عن الزوجية بدونه.

و لو ماتتا قبله فالمطالبة بالبيان بحالها للإرث، و كذلك المطالبة بالتعيين بناء على الوقوع حال التلفظ، و أما على الوقوع به فالمتجه بطلانه حينئذ، لعدم صحة وقوع الطلاق بعد الموت، فيرثهما معا حينئذ.

و لو مات هو فالمرجع في البيان إلى القرعة أو يقسم نصيب الزوجية بينهما صلحا، و احتمال قيام وارثه مقامه في ذلك من المضحكات إن أريد به إنشاء البيان، و إن أريد به الإخبار عن مورثه فليس قياما مقامه، بل هو مخبر به و شاهد عليه كغيره

ج 32، ص: 50

من الأجانب أو مدع لو فرض مطالبته بارث أحدهما، بل لعل قيامه مقامه في التعيين كذلك و إن قلنا بوقوع الطلاق حين التلفظ، ضرورة عدم كونه مما يورث، و قياسه على الشفعة و الخيار كما ترى، بل المتجه الترجيح (التعيين خ ل) بالقرعة بناء على عموم شرعيتها في مثل ذلك، أو يعزل نصيب زوجة يقسم بينهما صلحا قهريا.

ثم لا يخفى عليك توجه النزاع مع الوارث في دعوى البيان الذي ينسبه إلى المورث، بخلاف التعيين الذي ينشؤه هو بناء على قيامه مقامه في ذلك، نعم لهم الدعوى عليه بسبق تعيين من المورث و حينئذ يكون كالنزاع في البيان، و كذلك الكلام في النزاع مع المورث في البيان دون التعيين إلا على الوجه المزبور كما هو واضح.

و كيف كان فمما ذكرناه يظهر لك الحال فيما أطنب به بعض الأصحاب في هذه الفروع التي يقطع الناظر فيها بفساد مبناها، و أنها لائقة بأهل القياس و الاستحسان و الأهواء و الآراء، و قد ذكرنا جملة من أمثالها في بحث الاختيار من النكاح، بل يكفي في فسادها خلو نصوص الطلاق على كثرتها عن الإشارة إلى شي ء منها، بل قد عرفت ظهورها في اعتبار التعيين المنافي لها، بل فيها التعريض بالعامة و ما أحدثوه في الطلاق، حتى

قال الباقر (عليه السلام) في خبر معمر بن وشيكة(1)«لا يصلح الناس في الطلاق إلا بالسيف و لو وليتهم لرددتهم فيه إلى كتاب الله تعالى شأنه»

و قال هو أيضا و الصادق (عليه السلام) في خبر أبى بصير(2): «لو وليت الناس لأعلمتهم كيف ينبغي أن يطلقوا، ثم لم أوت برجل قد خالف إلا قد أوجعت ظهره»

إلى غير ذلك من النصوص المعرضة بذلك و نحوه مما أبدعوه في الطلاق و سودوا به مصنفاتهم، كما لا يخفى على من لاحظها، و الله العالم.

و لو قال: «هذه طالق أو هذه» قال الشيخ رحمه الله: يعين للطلاق من


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 عن أبى جعفر عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 57.

ج 32، ص: 51

شاء لأنه كما لو قال: «زوجة من زوجاتي طالق» في الاشتراك في إيقاع الطلاق على واحدة مبهمة و ربما قيل بالبطلان لعدم التعيين فيه، و في المسالك «و فيه نظر، لأن الثانية لم يقع بها طلاق بصيغة الشرعية، و مجرد عطفها على الأولى غير كاف في تشريكها معها في الصيغة، و سيأتي استشكال المصنف في نظير المسألة كذلك (لذلك خ ل) و يتجه على هذا أنه إن عين الأولى للطلاق طلقت، و إن عين الثانية لم تطلق، لما ذكر».

قلت: ظاهر تعليل المصنف هنا و فيما يأتي أن جهة البطلان عدم التعيين، نعم يبقى عليه سؤال الفرق بين ما هنا و ما تقدم الذي قد سمعت فيه موافقته للشيخ في الصحة، كما أنه

يبقى على الشيخ سؤال الفرق بينهما في الرجوع إلى القرعة في الأول و الاختيار في الثاني، و لعل وجه الأول الفرق بين المتواطئ و المبهم، فيصح الطلاق في الأول، لأنه تعيين في الجملة بخلاف الثاني، و إن كان قد عرفت البطلان فيهما عندنا، و وجه الأخر أن الأول يراد به الطبيعة المجردة عن ملاحظة الخصوصية بخلاف الفرض الملاحظ فيه ذلك، نحو الواجب المخير، إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى حاصل معتد به.

هذا و قد يتوهم من عبارة المتن أنه لا يأتي في الفرض احتمال الصحة لو أراد معينة، حيث لم يذكره كما في السابقة، بدعوى أنه نص في الترديد بخلاف المتواطئ و إحداهما الذي يجوز فيه إرادة المعينة و إن كان ظاهرا في الترديد، و مجرد نيته من دون صلاحية اللفظ للاستعمال فيما أراد غير كاف في الطلاق، و لذا كان المحكي عن المبسوط الصحة فيما لو قال: «طلقت نسائي» مفسرا له بالبعض، بخلاف ما إذا قال: «اربعتكن طوالق» ثم قال: «أردت بعضهن» لم يقبل، لكنه كما ترى مناف لعموم أدلة الطلاق و قاعدة الإدانة له بنيته، و ذكر الترديد ظاهرا لغرض من الأغراض غير مناف لذلك، و القبول ظاهرا في المبسوط و عدمه غير الصحة في نفس الأمر كما هو واضح.

و اما احتمال البطلان هنا و ان قلنا بعدم اعتبار التعيين لعدم تكرار الصيغة

ج 32، ص: 52

الذي سمعته من المسالك ففيه أن حرف العطف يغني في العقود و غيرها، و لذا لا يحتاج إلى تكرير الإيجاب في المبيع المتعدد، و ليس ذلك من الكناية في شي ء، ثم إن قوله: «و يتجه» لا يخلو من نظر، ضرورة رجوعه إلى الترديد بين الصحيح و الباطل، و لا يتصور صحة الكلى بالنسبة إليهما بحيث يحتاج إلى التعيين، فالمتجه حينئذ البطلان فيهما أو الصحة في خصوص الفرد الصحيح فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو قال: «هذه طالق أو هذه و هذه» طلقت الثالثة يقينا عند الشيخ، لأنها معطوفة على المفهوم من الترديد، و هو إحداهما المتعلق به الطلاق كذلك و إن لم يكن مذكورا في اللفظ، فيبقى الترديد بين فرديه.

و حينئذ يعين من شاء من الأولى أو الثانية بناء على أن له ذلك و لو مات استخرجت واحدة منهما بالقرعة بناء على شمول دليلها لمثله و لم نقل بقيام الوارث مقامه في ذلك، فيكتب رقعتان و يستخرج إحداهما.

و ربما قيل و القائل ابن إدريس بالاحتمال في الأولى و الأخيرتين جميعا لأن الثالثة معطوفة على سابقتها التي هي أولى من غيرها في ذلك مع فرض الصلاحية فيكون له أن يعين للطلاق الأولى أو الأخيرتين معا فان مات استخرج بالقرعة برقعتين إحداهما للأولى و الثانية للأخيرتين، لأن الفرض كون الترديد كذلك، و لعله أولى من الأول بمقتضى قواعد العربية من حيث اللفظ نفسه، لأن بناء البحث على ذلك، و إلا فمع العلم بقصده لا إشكال حتى لو أراد العطف على الأولى أو غيره.

و بذلك يظهر لك المراد مما في المسالك من جعل محل النزاع صورة سرد العبارة من غير قصد، ضرورة عدم إمكان خلوه عن القصد في الفرض، اللهم إلا أن يفرض إرادة ما يقتضيه دلالة اللفظ، لكنه كما ترى.

و كيف كان ف الإشكال في الكل ينشأ من عدم تعيين المطلقة، و في القواعد إن كلا من القولين محتمل، و لا ترجيح لأحدهما على الأخر.

ج 32، ص: 53

و حينئذ فلا بد للقرعة من رقاع ثلاثة: إحداها للأولى و الثانية للأخيرتين، و الثالثة للثالثة خاصة، فإن خرجت أولا رقعة الأولى خاصة حكم بطلاقها، ثم إن خرجت رقعة الثالثة المكتوب فيها اسمها خاصة حكم بالاحتمال الأول و طلقت، و إن خرجت الرقعة الجامعة حكم بعطف الثالثة على الثانية و بقائهما على النكاح، و إن خرجت أولا الرقعة الجامعة حكم بعطفها عليها و طلاقهما معا، و لا يحتاج إلى إخراج رقعة أخرى، و إن خرج أولا رقعة الثالثة حكم بطلاقها و بقي الاشتباه بين الأولى و الجامعة، فإن خرجت الأولى حكم بطلاقها أيضا، و إن خرجت الجامعة حكم بطلاق الثانية منها، و بقاء الأولى على النكاح.

و قد يشكل ذلك بأن مرجع هذا الإقراع إلى تفسير المراد باللفظ التابع لدلالته، إذ لا يعلم قصده العطف على الأخيرة أو على إحداهما المطلقة، و ليست القرعة طريقا لمثل ذلك، بل متى كان الاشتباه من حيث قيام الاحتمالين في الدلالة الذي على فرض أحدهما يكون من الإبهام بخلاف الأخر يتوقف و يرجع إلى الأصول إن كانت، و ليست القرعة طريقا لبيان دلالة الألفاظ، و إنما هي للفرد المشتبه ظاهرا أو للأعم منه و من المشتبه واقعا، كما في صورة قصد الإبهام، بخلاف الفرض الذي لم يعلم فيه قصد الإبهام بسبب احتمال إرادة العطف على إحداهما، و إلا لرجع إلى القرعة في تعيين أحد المجازات مع العلم بعدم إرادة الحقيقة و فرض عدم الترجيح، و في تعيين المراد باللفظ الإنشاء أو الإخبار و نحو ذلك، و كأنه «ره» نظر إلى نفس الاشتباه في المطلقة مع قطع النظر عن أن منشأه الدلالة، و الأمر سهل.

هذا و قد صرح غير واحد بأنه ليس له تعيين إحدى الأخيرتين بناء على قول ابن إدريس، لأن الفرض كونهما معا قسما مقابلا للأولى كما هو واضح، لكن قد يقال: إنه مبني على صحة طلاق المجموع من حيث إنه كذلك على وجه يقتضي بطلان الطلاق في البعض و لو بفوات شرط من شرائط الطلاق البطلان في الباقي،

ج 32، ص: 54

لفوات المجموع بفواته، و لا يخلو صحة ذلك من بحث و ان قلنا بعدم اشتراط التعيين، ضرورة عدم كون المجموع زوجة يصح طلاقه، بخلاف مفهوم الزوجة و أحدهما و نحوه المنطبق على أشخاص الزوجات، فتأمل جيدا، فإنه قد يفرق بين الفرض و بين ذلك.

و لو نظر إلى زوجته و أجنبية فقال: أحدا كما طالق و قصد المفهوم الكلى ففي صحة الطلاق و صرفه إلى الزوجة و فساده من أصله ما عرفت، لعدم قصد ما يصح به الطلاق و لو المفهوم الدائر بين الزوجتين، و لو قصد معينة ثم قال:

أردت الأجنبية قبل بلا خلاف و لا إشكال، لأنه أعلم بنيته و لم يكن منه ظاهر يقتضي خلاف ذلك.

نعم لو كان له زوجة و جارة كل منهما سعدى فقال: سعدى طلاق ثم قال: أردت الجارة قيل و إن كنا لم نظفر بقائله منا كما اعترف به في كشف اللثام لم يقبل، لأن أحدا كما تصلح لهما عرفا على وجه لا يقتضي المنافاة لما أخبر به بعد ذلك و إيقاع الطلاق على الاسم المشترك لفظا يصرف (ينصرف خ ل) عرفا إلى الزوجة فينا في تفسيره بعد ذلك بغيرها، فيكون من الإنكار بعد الإقرار.

و لكن في الفرق على وجه يقتضي الاختلاف في الحكم نظر (11) واضح، بل عن المبسوط ما يظهر منه الإجماع على قبول تفسيره في الثانية أيضا، لأنه ظهور حال ظنه السامع، لا ظهور دلالة لفظ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من تصديقه في دعوى عدم القصد إلى الطلاق بعد إيقاع صيغته، ضرورة اتحادهما في الظهور المزبور، بل ما هنا أضعف حتى لو ظهر منه قصد الإنشاء الذي قد عرفت صحة تعلقه بالأجنبية و إن لم يترتب عليه أثره، نعم لو ذكر لفظا يقتضي تعيين الزوجة ثم ذكر بعد ذلك ما ينافيه و لو بإرادة التجوز لم يسمع منه لأنه كالإنكار بعد الإقرار، بخلاف المقام الذي ظن فيه إرادة الزوجة من أصل الصحة و غيره مما يقتضي الحكم به إذا لم يظهر بعد ذلك ما ينافيه مما لا يعلم إلا من قبله، لا أنه

ج 32، ص: 55

يقتضي كونه منكرا بعد أن كان مقرا، و الله العالم.

و لو ظن أجنبية زوجته فقال: أنت طالق لم تطلق زوجته لأنه قصد المخاطبة بضميرها، و هي لا يتعلق بها طلاق، و قصد طلاق الزوجة بغير لفظ يدل عليها غير كاف، خصوصا في الفرض الذي قد تعقب القصد المزبور قصد الخطاب الذي لا ينطبق عليها، نعم لو فرض إرادة الزوجة من الخطاب المزبور دون المخاطبة الأجنبية صح، و بالجملة يعتبر مطابقة المراد باللفظ المقصودة على وجه الاستعمال فيه.

و لو كان له زوجتان: زينب و عمرة فقال: يا زينب، فقالت عمرة: لبيك، فقال: أنت طالق طلقت المنوية بالخطاب سواء كانت المجيبة أو المناداة و لو فرض عدم العلم بقصده بموت و نحوه استخرج بالقرعة، لعدم ظهور في اللفظ في الدالة لإرادة إحداهما.

نعم لو علم منه أنه قصد المجيبة ظنا منه أنها زينب قال الشيخ: تطلق زينب ترجيحا للاسم على الإشارة. و فيه إشكال، لأنه وجه الطلاق إلى المخاطبة بظنها زينب، فلم تطلق المجيبة، لعدم القصد، و لا زينب لتوجه الخطاب إلى غيرها فلم تحصل المطابقة بين المراد من اللفظ بالقصد الثاني للمقصود الأول، و لا استعمل اللفظ مرادا به منه، بل هو في الحقيقة كما لو قال للأجنبية: أنت طالق ظنا منه أنها زوجته، و لذا أفتى الفاضل بالبطلان، و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في جميع صور المسألة المتصورة في المقام.

كما أنه يظهر انحصار الإشكال في صورتين: الأولى: إذا لم يصدر منه إلا اللفظ المزبور و لم يعلم منه أمر زائد على ذلك، فهل يحمل على المناداة أو المجيبة أو على قصد المجيبة بتخيل أنها المناداة.

الصورة الثانية: أن يعلم أنه قصد المجيبة لظن أنها المناداة، و قد عرفت أن الحكم في الثانية عدم طلاق كل منهما، و حيث كان ذلك احتمالا مساويا للاحتمالين

ج 32، ص: 56

في الصورة الأولى أيضا يتجه عدم الحكم بطلاق إحداهما أيضا، فيتفقان في الحكم حينئذ، إذ ليس المقام مقام قرعة كما في الصورة التي ذكرناها، و هي لو علم أنه قصد إحداهما، و لكن لم نعلمه لموت و نحوه، إذ ليس فيها احتمال كون الطلاق للمجيبة بظن أنها المناداة، و الله العالم.

[الركن الثالث في الصيغة]
اشاره

الركن الثالث في الصيغة و من المعلوم كون الأصل في أن النكاح بعد وقوعه عصمة مستفادة من الشرع لا تقبل التقايل ضرورة من المذهب أو الدين فيقف رفعها على موضع الاذن منه كغيره من العصم المستصحبة، و لكن لا ريب في مشروعية الطلاق لرفعه، فكان المتجه زواله بتحقق مسماه الحاصل بإنشائه بكل لفظ دل عليه لو لا ما تعرفه من الأدلة على اعتبار خصوص صيغة خاصة ف يراد منه حينئذ الجامع للشرائط الشرعية التي منها كونه واقعا ب الصيغة المخصوصة المتلقاة من الشرع لازالت ه أي قيد النكاح و هي أنت طالق أو فلانة (11) طالق أو هذه أو ما شاكلها من الألفاظ الدالة على تعيين المطلقة (12) دون غيرها من الصيغ، ففي

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل قال لامرأته: أنت مني خلية أو برية أو بتة أو بائن أو حرام، فقال: ليس بشي ء»

و في

صحيح ابن مسلم (2)«سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته: أنت علي حرام أو بائنة أو بتة أو برية أو خلية، قال: هذا كله ليس بشي ء، إنما الطلاق أن يقول لها في


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

ج 32، ص: 57

قبل العدة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها: أنت طالق أو اعتدى، يريد بذلك الطلاق، و يشهد على ذلك رجلين عدلين» و رواه في المختلف عن جامع البزنطي عن محمد بن سماعة، عن محمد بن مسلم (1)عن الباقر (عليه السلام) من دون قوله: «أو اعتدى يريد بذلك الطلاق»

و في

صحيح الحلبي أو حسنه (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الطلاق أن يقول لها: اعتدى أو يقول لها: أنت طالق»

و في الكافي عن الحسن بن سماعة(3)«ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين أن يقول لها و هي طاهر من غير جماع:

أنت طالق، و يشهد شاهدين عدلين، و كل ما سوى ذلك فهو ملغى»

و في الانتصار «إجماع الإمامية على ذلك».

قلت: و بذلك افترق الطلاق عن غيره مما توسع في صيغته، لا للأصل الذي ذكره المصنف الذي نحوه جار في غيره، كأصل عدم انتقال المال في البيع و نحوه، و لكن مشروعية البيع الحاصل عقده بإنشائه باللفظ الصريح حقيقة أو مجازا متعارفا على اختلاف القولين قطعه، و مثله جار في المقام لو لا الأدلة الخاصة.

و على كل حال ف لو قال أنت الطالق أو طلاق أو من المطلقات لم يكن شيئا و لو نوى به الطلاق بلا خلاف أجده فيه، لعدم الهيئة الخاصة و إن وجدت المادة بل و كذا لو قال: مطلقة و إن قال الشيخ في المبسوط الأقوى أنه يقع إذا نوى به إنشاء الطلاق، و هو واضح الضعف لما عرفت بل يلزمه القول به في غيره من الصيغ السابقة التي اعترف بعدم وقوع الطلاق بها، لا لما ذكره المصنف من أنه بعيد عن شبه الإنشاء باعتبار دلالته على المضي، ضرورة كونه كالصيغة السابقة بالنسبة إلى ذلك بعد فرض

النقل من الاخبار إليه، بل ذكروا أن الماضي أنسب بالنقل إلى إرادة الإنشاء من غيره، و لذا جعلوا صيغ العقود الصريحة بلفظه، فالتحقيق كون الفارق النص المعمول به بين الطائفة قديما


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 58

و حديثا في مقابلة ما أبدعه مخالفوهم من التوسعة في ذلك. حتى أوقعوه بالكناية المراد بها الطلاق.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك من المناقشة في ذلك، كما أن منه يظهر لك أن ما يذكره الأصحاب من التعليلات التي لا توافق ما ذكروه في العقود إنما هو لبيان المناسبة بعد الوقوع، و إلا فالعمدة النصوص المزبورة.

و لعله لذلك لو قال: طلقت فلانة بقصد الإنشاء قال الشيخ:

لا يقع فما في المسالك من إشكاله بما اتفقوا على وقوعه بمثله في العقود في غير محله و لكن فيه إشكال ينشأ من وجه آخر، و هو وقوعه عند الشيخ و بعض أتباعه ب سؤاله هل طلقت امرأتك؟ فيقول: نعم ل

خبر السكوني (1)عن الصادق عن أبيه، عن علي عليهم السلام «عن الرجل يقال له: طلقت امرأتك، فيقول:

نعم، قال: قد طلقها حينئذ»

و من المعلوم أن قول: «نعم» تابع للفظ السؤال و مقتض، لا علامة على سبيل الإنشاء، فكأنه قال: «طلقتها» فإذا وقع باللفظ الراجع إلى شي ء لزوم وقوعه باللفظ الأصلي إذ هو أولى، بل يمكن القول به دونه للفرق بين الملفوظ و المقدر في الصيغ، و احتمال الفرق بالنص جمود مستقبح.

نعم التحقيق عدم الوقوع بهما معا، لما عرفت مما لا يعارضه خبر السكوني بعد ضعفه و عدم الجابر، بل الموهن متحقق، و بعد احتمال كون المراد به الحكم عليه بالطلاق للإقرار، لا أنه إنشاء طلاق، كما لعله المراد من

مرسل عثمان (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: «رجل طلق امرأته من هؤلاء، ولى بها حاجة، قال:

فتلقاه بعد ما طلقها و انقضت عدتها عند صاحبها، فتقول له: أطلقت فلانة؟ فإن قال:

نعم فقد صارت تطليقة على طهر، فدعها من حين طلقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدتها، ثم تزوجها، فقد صارت تطليقة بائنة»

و موثق إسحاق عنه (عليه السلام)(3)أيضا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 59

«في رجل طلق امرأته ثلاثا، فأراد رجل أن يتزوجها فكيف يصنع؟ فقال: يدعها حتى تحيض و تطهر ثم يأتيه و معه رجلان شاهدان فيقول: أطلقت فلانة؟ فإذا قال:

نعم تركها ثلاثة أشهر، ثم خطبها إلى نفسه»

و نحوه موثقه الآخر(1)و موثق حفص بن البختري (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا، ضرورة ظهورها أجمع أو صراحتها في إرادة الإخبار عن طلاق سابق من قول: «نعم» و مثله لا يصلح لوقوع الطلاق، للإجماع من الأمة على اعتبار الإنشاء فيه، و لذا لم يستدل بها أحد في المقام.

فمن الغريب ما في الحدائق من التزام الطلاق به حتى مع قصد الإخبار رادا على الأصحاب بهذه النصوص التي يجب حملها على إرادة الإشهاد على إقراره و الاستظهار بمضي العدة من حين الإقرار لكونه من المخالفين كما هو واضح.

و كيف كان فقد بان لك الوجه في أنه لا يقع الطلاق بالكناية عندنا التي هي اللفظ المحتمل للطلاق و غيره و إن أريد به بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (3)في الصيغة، بل قد عرفت عدم وقوعه بالصريح من غير الصيغة المخصوصة فضلا عنها، نحو «طلقت» و «أنت مطلقة» و إن اختلف فيها، فما في المسالك من أنه أطبق أصحابنا على عدم وقوعه به مطلقا يعنى بجميع ألفاظ الكناية و لكن اختلفوا في كلمات مخصوصة و هي من جملتها، و قد تقدم بعضها، و

سيأتي منها بعض آخر، و الفرق بينها و بين غيرها لا يخلو من تكلف واضح الفساد، نعم ستسمع الخلاف في خصوص «اعتدى» منها لظاهر النص (4)الذي ستعرف الحال.

و لا خلاف أجده في اعتبار النية بالكناية عند من أوقع الطلاق بها، و أن ذلك هو الفرق بينها و بين الصريح الذي لا يحتاج إلى زيادة عن قصد معناه بخلافها، فإنه يحتاج إلى قصد الطلاق بها، و لا يكفي إرادة المعنى الكفائي الدال على الطلاق بنوع


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 60

من الالتزام، و الأمر سهل بعد أن عرفت عدم وقوع الطلاق بها عندنا على كل حال.

و كذا لا يقع بغير العربية مع القدرة على التلفظ باللفظ المخصوص وفاقا للمشهور، لظاهر النصوص السابقة(1)مضافا إلى ما ذكرناه في البيع الذي من المعلوم أولوية الطلاق منه بالنسبة إلى ذلك، و كونها من المرادف لها و المقصود المعنى اجتهاد كدعوى اندراجه في إطلاق الأدلة الذي هو بعد تسليمه مقيد بما سمعت، بل الظاهر عدم الاجتزاء بالملحون منها للقادر على الصحيح و لو بالتعلم فضلا عنها، للأصل و ظاهر النص (2)بل لعله أولى بالمنع، لخروجه عن سائر اللغات، خلافا لما عساه يتوهم من إطلاق الشيخ في النهاية و بعض أتباعه من الاجتزاء بمرادف الصيغة المزبورة من كل لغة، ل

خبر وهب بن وهب (3)المعروف بالكذب عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليه السلام) «كل طلاق بكل لسان فهو طلاق»

الذي لا جابر له، بل الموهن متحقق، بل لا يبعد دعوى كونه مساقا لأصل بيان الاكتفاء بذلك، فيكفي في صحته حال العجز الذي لا خلاف و لا إشكال فيه لذلك، و لفحوى الاكتفاء بإشارة الأخرس و غير ذلك مما سمعته في البيع، بل قد يحمل كلام الشيخ و من تبعه عليه.

و كذا لا يقع بالإشارة قولا واحدا، للأصل و ظاهر النصوص (4)السابقة إلا مع العجز عن النطق فيقع حينئذ بالإشارة المفهمة لإرادة الإنشاء، و ذلك لأنه لا خلاف و لا إشكال في أنه يقع طلاق الأخرس و عقده و إيقاعه بالإشارة الدالة على ذلك على نحو غيره من مقاصده، بل قد عرفت الاجتزاء بها في عباداته فضلا عن معاملاته.

و ما في روايتي السكوني (5)و

أبي بصير(6)عن الصادق (عليه السلام) «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها و يضعها على رأسها و يعتزلها»

و هي التي عبر عنها المنصف بقوله:


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

ج 32، ص: 61

و في رواية يلقى عليها القناع، فيكون ذلك طلاقا و في

خبر أبان بن عثمان (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن طلاق الأخرس، قال: يلف قناعها على رأسها و يجذبه»

محمول على أن ذلك من أفراد الإشارة، لا اختصاص صحة الطلاق بذلك منها، لضعف الخبرين و إن كان هو الأحوط تخلصا مما حكي عن جماعة منهم الصدوقان من اعتبار ذلك و إن أمكن حمله على ما سمعته أيضا ك

صحيح ابن أبي نصر(2)قال: «سألت الرضا عليه السلام عن الرجل تكون عنده المرأة فيصمت فلا يتكلم، قال:

أخرس؟ قلت: نعم، قال: يعلم منه بغض لامرأته و كراهة لها؟ قلت: نعم، يجوز له أن يطلق عنه وليه؟ قال: لا، و لكن يكتب و يشهد على ذلك، قلت: أصلحك الله تعالى لا يكتب و لا يسمع كيف يطلقها؟ قال: بالذي يعرف به من فعله مثل ما ذكرت من كراهته لها أو بغضه لها»

المحمول على أن الكتابة أيضا من جملة أفراد الإشارة، بل لعلها أقواها، لأنها أضبط و أدل على المراد، و لعله لذا قدمها ابن إدريس على غيرها من أفراد الإشارة، لكن لا دليل عليه سوى الصحيح المزبور الذي لا دلالة فيه على اعتبار الترتيب، و أقصاه الدلالة على ذكر أفراد الإشارة، ل

خبر يونس (3)«في رجل أخرس كتب في الأرض بطلاق امرأته، قال: إذا فعل ذلك في قبل الطهر

بشهود و فهم عنه كما يفهم عن مثله و يريد الطلاق جاز طلاقه على السنة».

و بالجملة لا يخفى على من له أدنى علم بروايات أهل العصمة عليهم السلام ظهورها فيما ذكرنا من المعنى، و قد تقدم في البيع و غيره ما يؤكد ذلك و ما يستفاد منه حكم من لا يستطيع إلا العربية الملحونة مادة أو إعرابا أو غير ذلك، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لا يقع الطلاق بالكتابة من الحاضر و هو قادر على


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 62

التلفظ قولا واحدا، للأصل و النصوص (1)السابقة الحاصرة للطلاق بالقول المخصوص، و غيرها ك

قوله عليه السلام(2): «إنما يحرم الكلام و يحلل الكلام»

مضافا إلى معلومية عدم وقوع الطلاق بالأفعال، بل ربما ادعى أنه اسم للألفاظ المخصوصة المؤثرة للطلاق، و إلى

صحيح زرارة(3)«قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل كتب بطلاق امرأته أو بعتق غلامه ثم بدا له فمحاه، قال: ليس ذلك بطلاق و لا عتاق حتى يتكلم به»

و مضمر ابن أذينة(4)«سألت عن رجل كتب إلى امرأته بطلاقها أو كتب بعتق مملوكه و لم ينطق به لسانه، قال: ليس بشي ء حتى ينطق به»

من غير فرق في ذلك بين الغائب و الحاضر، لإطلاق الأدلة، بل في الخلاف و المبسوط الإجماع على ذلك على أن مقتضى قاعدة السببية عدم الفرق فيها بين الجميع في العقود و الإيقاعات نعم لو عجز عن النطق و لو لعارض في لسانه فكتب ناويا به الطلاق صح بلا خلاف، لما سمعته في الأخرس نصا(5)و فتوى.

و لكن مع ذلك كله قيل و القائل ابنا حمزة و البراج تبعا للشيخ في النهاية التي هي معدة لذكر متون الأخبار، و إلا فقد سمعت دعواه الإجماع على العدم في كتابي الفتوى يقع بالكتابة إذا كان غائبا عن الزوجة ل

صحيح الثمالي (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قال لرجل: اكتب يا فلان إلى امرأتي بطلاقها أو اكتب إلى عبدي بعتقه يكون ذلك طلاقا و عتقا فقال: لا يكون طلاق و لا عتق حتى ينطق به لسانه، أو يخطه بيده و هو يريد به الطلاق أو العتق،


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 عن عمر بن أذينة عن زرارة، قال:« سألته.».
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 4.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 عن أبى جعفر عليه السلام.

ج 32، ص: 63

و يكون ذلك منه بالأهلة و الشهور، و يكون غائبا عن أهله»

المعلوم قصوره عن مقاومة ما تقدم من وجوه:

(منها) موافقة الصحيح المزبور للعامة الذين أوقعوا الطلاق بالكتابة كالكناية، لأنها أحد الخطابين، و أحد اللسانين المعربين عما في الضمير، و نحو ذلك من الاعتبارات التي لا توافق أصول الإمامية.

و (منها) الشذوذ حتى من القائل به، لعدم اعتباره الكتابة بيده على وجه لا يجوز له التوكيل، بل قد سمعت دعوى الإجماع في مقابله، مؤيدا بالتتبع لكلمات الأصحاب قديما و حديثا، بل لا يخلو ذيله من تشويش ما أيضا.

مضافا إلى ما سمعته من النصوص، فكيف يحكم بمثله على غيره، و إن كان هو مقيدا و الأول مطلقا إلا أن من المعلوم اعتبار المقاومة فيه من غير جهتي الإطلاق و التقييد، كما تحرر في الأصول، و لا ريب في فقدها كما عرفت. و حينئذ فالمتجه طرحه أو حمله على التقية أو على كون «أو» فيه للتفصيل الذي يكفي فيه الجواز حال العجز، لا للتخير أو غير ذلك من الاحتمالات التي هي أولى من الطرح بعد أن عرفت مرجوحيته بالنسبة إلى مقابله و على كل حال فالقول ليس بمعتمد.

فمن الغريب ما في المسالك من الإطناب في ترجيح مضمون الخبر المزبور لمكان صحة سنده و كونه مقيدا و المعارض له مطلق، لكن لا عجب بعد أن كان منشأ ذلك اختلال طريقة الاستنباط كما وقع له، و تسمع مثل ذلك غير مرة، و نسأل الله العفو لنا و له من أمثال ذلك، و أغرب من ذلك تأييده القول بالصحة بالاعتبارات المذكورة في كتب العامة، فلاحظ و تأمل.

ثم قال في المسالك: «و اعلم أنه على تقدير القول بوقوعه بها يعتبر القصد بها إلى الطلاق، و حضور شاهدين يريان الكتابة: و هل يشترط رؤيته حال الكتابة أم يكفي رؤيتهما لها بعدها، فيقع حين يريانها؟ وجهان، و الأول لا يخلو من

ج 32، ص: 64

قوة، لأن ابتداءها هو القائم مقام اللفظ، و إنما تعلم النية بإقراره، و لو شك فالأصل عدمها، و حينئذ فتكون الكتابة كالكناية، و من ثم ردها الأصحاب مطلقا اطرادا للقاعدة، مع أنهم نقضوها في مواضع كما ترى، و لا فرق في الغائب بين البعيد بمسافة القصر و عدمه، مع احتمال شموله للغائب عن المجلس، لعموم النص (1)و الأقوى اعتبار الغيبة عرفا، و لتكن الكتابة للكلام المعتبر في صحة الطلاق، كقوله: «فلانة طالق» أو يكتب إليها «أنت طالق» و لو علقه بشرط كقوله: «إذا قرأت كتابي فأنت طالق» فكتعليق اللفظ إلى غير ذلك مما ذكره العامة مفرعين له على أصلهم الفاسد.

و الأصحاب إنما ردوا عليهم الكنايات القولية فضلا عن الفعلية، و لولا النهي عن اللغو في الكلام لأمكن مناقشتهم في كثير مما ذكروه من هذه الفروع على ذلك الأصل الفاسد، و الله أعلم بحقيقة الحال.

و على كل حال ف لو قال «أنت خلية من الزوج» أو «برية منه» أو «حبلك على غاربك» أو «ألحقى بأهلك» أو «بائن» أو «حرام» أو «بتة» أي مقطوعة الزوجية أو «بتلة» أي متروكة النكاح أو «لا أنده سربك» أو «اغربى عني» أي غيبي، أو «اغربى» أى تباعدى، أو «اذهبي» أو «أخرجي» أو «ترجعى كأس الفراق» أو «ذوقى مرارته» أو «كلي زاده» أو «اشربي شرابه» أو غير ذلك من ألفاظ الكناية التي ذكرها العامة في كتبهم أمثلة للظاهر منها و الخفي لم يكن شيئا عندنا سواء نوى الطلاق بها أو لم ينوه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (2)السابقة الحاصرة للطلاق بما سمعت و المصرحة بعدم وقوع الطلاق بأمثال ذلك.

و خلافا لهم، فجوزها وقوع الطلاق بها مع مقارنة النية لجميع اللفظ كما


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 16 و 15- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 65

في قول، و لأوله سواء استمرت إلى آخره أولا في آخر، بخلاف ما إذا تقدمت عليه أو تأخرت عنه، نعم لو اقترنت بآخره وجهان، كما أن القولين لهم في أن أولها «أنت» أو الباء من «بائن» إلى غير ذلك من خرافاتهم التي تمجها الأسماع، لأنها من وحي الشياطين بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً، و كان اعتبارهم النية هنا للفرق عندهم بين صريح اللفظ و كنايته، فلم يعتبروا النية في الأول، فجوزوه

من السكران و الهازل بخلاف الثاني، فاعتبروا فيه النية على الوجه المزبور.

أو يقال: إن الصريح لا اشتراك فيه بين معنى الطلاق و غيره، بخلاف الكنائي فإنه مشترك بين معنيين، فلا بد من قصد المعنى الطلاقي منه بخلاف الأول، و فيه أنه لا صريح في الطلاق على وجه لا يحتمل غيره حتى «أنت طالق» المحتمل للإنشاء و الإخبار، و منه حل الوثاق و غيره.

أو يقال: إن المراد عدم اعتبار العلم بحصول النية في الحكم بالطلاق إذا كان بالصريح، بخلاف الكنائي فإنه لا بد من العلم بذلك بتصريح منه أو بغيره من قرائن الأحوال، أو غير ذلك مما لا حاجة لنا في تحقيقه بعد أن عرفت عدم الوقوع بالكناية عندنا، بل و بالصريح مع عدم القصد إلى الطلاق به و إن أطنب بعض الناس هنا في ذلك.

و كيف كان فقد بان لك من جميع ما ذكرنا أنه لو قال: «اعتدى» و نوى به الطلاق أو استبرئى رحمك لم يكن شيئا، لما سمعته من الأدلة السابقة، مضافا إلى الإجماع في الانتصار و محكي الخلاف عليه بالخصوص، و إلى أنه من الكناية بل الخفي منها الذي قد عرفت الإجماع و غيره على عدم الطلاق به، نعم قد ذكره العامة في ألفاظ كناية الطلاق، حتى صرح بعضهم بوقوعه به و إن كان غير مدخول بها.

و لكن قيل و القائل محمد بن أبي حمزة و الإسكافي منا يصح الطلاق بقول: «اعتدى» بل عن الطاطري أنه الذي أجمع عليه و هي رواية الحلبي (1)


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 66

و محمد بن مسلم (1)عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدمتان سابقا، إلا أن الجميع كما ترى. و لذا منعه كثير بل الجميع و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها طرح الخبر الشاذ الموافق للعامة المهجور بين الأصحاب، حتى حكوا الإجماع عليه، بل عن ابن سماعة أنه قال: «غلط محمد بن أبي حمزة في ذلك» و أما الإسكافي فمن المعلوم ميلة إلى ما عليه العامة من القياس فضلا عن ذلك، فلا محيص للفقيه المستضي ء بأنوار أهل العصمة عليهم السلام عن رد هذين الخبرين إليهم بالنسبة إلى ذلك، أو الحمل على التقية التي لا ينافيها ذكر عدم الوقوع بنحو «خلية» و «برية» مما يقع الطلاق بها عندهم، لا مكان الإبهام عليهم بالفرق بين ألفاظ الكنايات كما وقع لبعضهم، أو على إرادة معنى الواو من «أو» على معنى ذكر ما يدل على إرادة الطلاق من «أنت طالق» في مقابل قول العامة بوقوع الطلاق بها مطلقا، أو على إرادة بيان كون الطلاق يقع بحضورها أو غيبتها، فان كان الثاني يرسل إليها رسولا يقول لها: «اعتدى».

كما عساه يشهد له

الصحيح أو الحسن (2)عن أبى جعفر عليه السلام «الطلاق للعدة أن يطلق الرجل امرأته عند كل طهر، يرسل إليها أن اعتدى فإن فلانا قد طلقك»

و الموثق (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «يرسل إليها فيقول الرسول: اعتدي فإن فلانا قد فارقك»

قال ابن سماعة راوي الموثق «إنما معنى قول الرسول: اعتدي فإن فلانا قد فارقك: يعنى الطلاق أنه لا يكون فرقة إلا بطلاق»

و في الكافي متصلا بذلك: حميد بن زياد عن ابن سماعة عن علي بن الحسن الطاطري (4)قال: «الذي أجمع عليه في الطلاق أن يقول: أنت طالق أو اعتدى،

و ذكر أنه قال لمحمد بن


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 عن أبى جعفر عليه السلام كما تقدم في ص 56.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
4- 4 الكافي ج 6 ص 70.

ج 32، ص: 67

أبى حمزة: كيف يشهد على قوله: اعتدى؟ قال: يقول: اشهدوا اعتدى، قال ابن سماعة: غلط محمد بن أبي حمزة أن يقول: اشهدوا اعتدى، قال الحسن بن سماعة:

ينبغي أن يجي ء بالشهود إلى حجلتها، أو يذهب بها إلى الشهود في منازلهم، و هذا المحال الذي لا يكون، و لم يوجب الله عز و جل هذا على العباد، و ليس الطلاق إلا كما روى بكير بن أعين» إلى آخر ما سمعت سابقا.

و من الغريب بعد ذلك كله ميل ثاني الشهيدين إلى القول المزبور، بل زاد عليه بالتعدي إلى كل كناية هي أولى منه، و ربما تبعه على ذلك بعض من تأخر عنه، و أطنب في الكلام، و أظهر العجب، و الانصاف أنه أحق بذلك، بل في كلامه نظر من وجوه، زيادة على كون منشئه الخلل في طريقة الاستنباط، بل فيما نقله عن الحسن ابن سماعة خلل على ما في الكافي من أنه روى ذلك عن بكير بن أعين، لا عن ابن بكير الذي طعن فيه و في روايته، و كان الاعراض عن كلامه و عما فيه أولى، فلاحظ و تعجب، و اشكر الله المؤيد المسدد، و الله العالم.

و لو خيرها و قصد تفويض الطلاق إليها و جعله بيدها فان اختارته أي الزوج أو سكتت و لو لحظة تقدح في الاتصال عرفا فلا حكم له عندنا. بل و عند المخالفين عدا مالك منهم، فإنه قال: «تكون عنده مع اختيارها له على طلقة» و في إيضاح الفخر «إذا تأخر اختيارها لم يقع اتفاقا و إن اختارت عقيب قوله بلا فصل فالأكثر كالشيخ أنه لا يقع» لكن عن ابن أبى عقيل الاكتفاء باختيارها في المجلس، و لعله ل

خبر زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «قلت له: رجل خير امرأته، فقال: إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فإذا تفرقا فلا خيار لهما».

و إن اختارت نفسها بقصد الطلاق في الحال قيل و القائل بعض العامة تقع الفرقة بائنة نعم عن ابن الجنيد منا ذلك إذا كان بعوض.

و قيل و القائل بعض آخر منهم و ابن أبى عقيل منا تقع الفرقة رجعية.


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.

ج 32، ص: 68

و قيل: لا حكم له أصلا و عليه الأكثر بل لم يحك الخلاف في ذلك إلا من ابني أبي عقيل و الجنيد و المرتضى، بل ظاهر ما حضرني من انتصار الأخير منهم عدم القول به، فينحصر الخلاف حينئذ في الأولين، و أما الصدوق فأقصاه أنه روى ما يدل على ذلك (1)، و قد رجع عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يروى فيه إلا ما يعمل عليه، كما لا يخفى على المتصفح له. و على كل حال فهو من الأقوال النادرة المهجورة، نحو ما سمعته من القول بوقوعه بقول: «اعتدى» أو نحوه من الكنايات.

و حينئذ فحجة المشهور مضافا إلى ما تسمعه من الروايات الخاصة(2)ما تقدم من الروايات (3)الحاصرة للطلاق بالصيغة الخاصة، ضرورة كون المحصل من كلمات العامة و الخاصة كون التخيير من الطلاق الكنائي، لا أنه قسم مستقل برأسه كالخلع و المبارأة و اللعان كي لا يستدل عليه بالحصر في صيغة الطلاق و إن كان يوهمه بعض النصوص(4).

و ظاهرهم أن الكناية بقولها: «اخترت نفسي» و حينئذ فلو قالت: «أنا طالق» في جوابه لم يكن إشكال في وقوعه حينئذ عند من يجوز مباشرتها له بالاذن فيه، لكونه بالصريح، فيكون البحث حينئذ عندنا في صحته بخصوص هذه الكناية و عدمه.

و قد يحتمل كون الكناية تخييره لها بقصد الطلاق، و مرجعه إلى الطلاق منه، لكنه معلق على اختيارها، و هو مبني عند العامة على صحة وقوعه بالكناية


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14 و 15.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 و الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة.

ج 32، ص: 69

و معلقا أما عند الخاصة المخالفين في الأصلين ففي جوازه حينئذ في خصوص ذلك منهما. و لعله لذا استدل بعض أصحابنا في المقام على البطلان بما دل على فساد التعليق، و كان السبب في ذلك تشويش كلمات العامة و الخاصة في تحقيقه، و إن كان الأصح بطلانه على الاحتمالات الثلاثة التي أظهرها كونه طلاقا بالكناية بقولها: «اخترت نفسي» للمعتبرة المستفيضة المعتضدة بالعمل قديما و حديثا.

ك

خبر عيسى بن القاسم (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه؟ قال: لا، إنما هذا شي ء كان لرسول الله صلى الله عليه و آله خاصة، أمر بذلك

ففعل، و لو اخترن أنفسهن لطلقهن، و هو قول الله تعالى (2)«قُلْ لِأَزْواجِكَ» إلى آخره»

و هو ظاهر في الاحتياج إلى الطلاق بعد الاختيار، و عن بعض النسخ «لطلقن» و حينئذ يكون وجه اختصاصه واضحا أما على الأول الموافق لظاهر استدلاله بالاية يكون اختصاصه بوجوب الطلاق عليه لو اخترن أنفسهن.

و خبر محمد(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الخيار، فقال: و ما هو؟ و ما ذاك؟

إنما ذاك شي ء كان لرسول الله صلى الله عليه و آله».

و خبره الآخر(4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني سمعت أباك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه و آله خير نساءه، فاخترن الله و رسوله، فلم يمسكهن على طلاق، و لو اخترن أنفسهن لبن، فقال: إن هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة، و ما للناس و الخيار، إنما هذا شي ء خص الله به رسوله»

و هو صريح في الرد على مالك القائل بأن المخيرة على طلقة إذا اختارت زوجها، و في أن الحديث الذي يرويه أبي بن كعب عن عائشة من أكاذيبها و افتراءاتها، و إنما ألحق ما سمعته من تخييرهن في ذلك، و لو أنهن اخترن أنفسهن لطلقهن رسول الله صلى الله عليه و آله بطلاق.


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 عن عيص بن القاسم كما في الكافي ج 6 ص 137 و الاستبصار ج 3 ص 312.
2- 2 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.

ج 32، ص: 70

و خبره الآخر(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «ما للنساء و التخيير؟ إنما هذا شي ء خص الله به رسوله».

و خبره الآخر(2)عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا «في الرجل إذا خير امرأته فقال: إنما الخيرة لنا ليس لأحد، و إنما خير رسول الله صلى الله عليه و آله لمكان عائشة، فاخترن الله و رسوله، و لم يكن لهن أن يتخيرن غير رسول الله صلى الله عليه و آله».

بل

و خبر زرارة(3)«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عز و جل أنف لرسوله من مقالة قالتها بعض نسائه، فأنزل الله تبارك و تعالى آية التخيير، فاعتزل رسول الله صلى الله عليه و آله تسعا و عشرين ليلة في مشربة أم إبراهيم، ثم دعاهن فخيرهن، فاخترنه، فلم يك شيئا، و لو اخترن أنفسهن كانت واحدة بائنة، قال: و سألته عن مقالة المرأة ما هي؟ فقال: إنها قالت: يرى محمد صلى الله عليه و آله أنه لو طلقنا أنه لا يأتينا الأكفاء من قومنا يتزوجونا»

بناء على أن المراد من أن الله تعالى أنف له، و خصه بهذا التخيير، و من قوله عليه السلام: «و لو اخترن» إلى آخرها أي كانت تطليقة بعد اختيار أنفسهن تطليقة واحدة بائنة، و كأنه لم يصرح بذلك ليكون أقرب إلى التقية.

و منه حينئذ يظهر وجه الدلالة في خبر الكناني (4)و خبر عبد الأعلى (5)و خبر داود بن سرحان (6)و خبر أبي بصير(7)بل قد يستفاد مما مر من النصوص في كتاب النكاح الدالة على عدم صحة تولية النساء هذا الأمر(8)حتى لو جعل


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- 3 الكافي ج 6 ص 137 و 138.
4- 4 الكافي ج 6 ص 138.
5- 5 الكافي ج 6 ص 138.
6- 6 الكافي ج 6 ص 138 و 139.
7- 7 الكافي ج 6 ص 139.
8- 8 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و الباب- 42- منها.

ج 32، ص: 71

ذلك شرطا كان باطلا.

(منها):

مرسل مروان عن بعض أصحابنا(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «ما تقول في رجل جعل أمر امرأته بيدها؟ قال: فقال: ولي الأمر من ليس أهله، و خالف السنة، و لم يجز النكاح».

و (منها)

صحيح ابن قيس (2)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى على عليه السلام في رجل تزوج امرأة فأصدقها و اشترطت أن بيدها الجماع و الطلاق، قال: خالفت السنة و وليت الحق من ليس بأهله، قال: و قضى على عليه السلام أن على الرجل النفقة، و بيده الجماع و الطلاق، و ذلك السنة»

و نحوه مرسل ابن فضال (3).

و لا يخفى ظهور الجميع في عدم جواز التولية المزبورة، و لذا لم يصح اشتراطها فبناء على أن المراد من التخيير هذه التولية لا أنه قسم من التوكيل و التفويض يتجه دلالة هذه النصوص حينئذ على فساده من أصله، و ربما كان في

قوله (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (4)«ما للنساء و التخيير»

إشارة إلى ذلك.

و على كل حال فلا ريب في أن مذهب الإمامية قديما و حديثا عدم التخيير المزبور في مقابلة العامة القائلين بجوازه على شدة اختلافهم فيه، و أنه يقتضي الطلاق البائن أو الرجعي، و للتقية منهم وردت جملة من النصوص مختلفة كاختلافهم.

(منها):

صحيح ابن مسلم(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا خيرها و جعل أمرها بيدها في قبل عدتها من غير أن يشهد شاهدين فليس بشي ء، و إن خيرها


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح مع اختلاف يسير، و ذكره بلفظة في التهذيب ج 7 ص 369.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 عن ابن فضال عن ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبى عبد الله عليه السلام.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13.
5- 5 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14.

ج 32، ص: 72

و جعل أمرها بيدها بشهادة شاهدين في قبل عدتها فهي بالخيار ما لم يتفرقا، فان اختارت نفسها فهي واحدة، و هو أحق برجعتها، و إن اختارت زوجها فليس بطلاق»

و خبر الصيقل (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الطلاق أن يقول الرجل لامرأته: اختاري، فإن اختارت نفسها فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب، و إن اختارت زوجها فليس بشي ء، أو يقول: أنت طالق، فأي ذلك فعل فقد حرمت عليه، و لا يكون طلاق و لا خلع و لا مباراة و لا تخيير إلا على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين».

و (منها):

صحيح ابن يسار(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل قال لامرأته:

قد جعلت الخيار إليك، فاختارت نفسها قبل أن تقوم، قال: يجوز ذلك عليه، قلت:

فلها متعة؟ قال: نعم، قلت: فلها ميراث إن مات الزوج قبل أن تنقضي عدتها؟

قال: نعم، و إن ماتت هي ورثها الزوج».

و (منها):

خبر زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: رجل خير امرأته، قال: إنما الخيار لهما ما داما في مجلسهما، فإذا افترقا فلا خيار لهما، قلت: أصلحك الله فان طلقت نفسها ثلاثا

قبل أن يتفرقا من مجلسهما، قال: لا يكون أكثر من واحدة، و هو أحق برجعتها قبل أن تنقضي عدتها، قد خير رسول الله (صلى الله عليه و آله) نساءه فاخترنه، فكان ذلك طلاقا، قال: فقلت: لو اخترن أنفسهن؟ قال: ما ظنك برسول الله (صلى الله عليه و آله) لو اخترن أنفسهن أ كان يمسكهن؟».

و (منها):

صحيحه و محمد بن مسلم (4)عن أحدهما عليهما السلام «لا خيار إلا على طهر من غير جماع بشهود».

و (منها):

خبر زرارة(5)أيضا عن أحدهما عليهما السلام «إذا اختارت نفسها فهي تطليقة بائنة، و هو خاطب من الخطاب، فان اختارت زوجها فلا شي ء».


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 17.
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 12.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9.

ج 32، ص: 73

و (منها):

خبر يزيد الكناسي (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا ترث المخيرة من زوجها شيئا في عدتها، لأن العصمة قد انقطعت فيما بينها و بين زوجها من ساعتها فلا رجعة له عليها، و لا ميراث بينهما»

و نحوه حسن حمران(2).

و هي كما ترى ظاهرة فيما ذكرناه، و لا ينافي ذلك صحة سندها و كثرة عددها، بل اختلافها في أنه رجعي أو بائن كاف في الإرشاد إلى ذلك، ضرورة أنه إن كان طلاقا و لكنه بلفظ «اخترت» فالمتجه جريان حكمه عليه، لا أنه بائن على كل حال، و إن كان سببا آخر من أسباب الفراق فليس هو إلا بائنا كاللعان و الفسخ بالعيب و نحوهما.

و احتمال الجمع بينهما بإرادة البينونة إذا حصل سببها من عوض أو عدم دخول أو نحو ذلك كما في المسالك حاكيا له عن ابن الجنيد يأباه ظهورها في أن ذلك حكم التخيير من حيث نفسه، فليس حينئذ إلا الجري على مذاق العامة. على أنه لم يحك عن أحد الثلاثة منا القائلين بمشروعية التخيير المزبور باقتضائه البينونة التي دل عليها ما سمعته منها و إن نسبه المصنف إلى القيل، فتكون حينئذ شاذة لا قائل بها، كما أن ما فيها من ثبوت الخيار ما داما في المجلس أو قبل أن تقوم قد سمعت دعوى الاتفاق من الفخر على خلافه، بل لعله ظاهر عبارة المصنف، بل هو المحكي عن صريح ابن الجنيد من القائلين بالقول المزبور، فهو شذوذ آخر و إن حكى عن العماني التعبير بمضمونها.

و ربما حمل الجميع على إرادة التخيير و الخيار بما لا يقدح في الفورية العرفية من المجلس، إلا أنه كما ترى.

و ربما بنى احتمال الاتصال بين التخيير و الاختيار على أن ذلك عقد تمليك أو توكيل، فعلى الأول يعتبر الاتصال كما في غيره من العقود بخلاف الثاني.

و فيه (أولا) أن مقتضاه عدم اعتبار المجلس على الثاني، بل يجوز مطلقا و (ثانيا) أن احتمال كونه عقد تمليك في غاية السقوط، ضرورة أنه ليس من


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11.

ج 32، ص: 74

موضوعه كما هو واضح، و من هنا احتمل بعض الناس كونه أمرا آخر مستقلا غيرهما.

و (ثالثا) أنه إن كان من عقد التمليك فيكفي في قبوله ما يدل على الرضا بذلك من قول: «قبلت» و نحوه، لا اختصاص قبوله بوقوع الاختيار. و بالجملة فهذه الخرافات و نحوها مما تزيد ما ذكرناه قوة و المقابل ضعفا، و هي لائقة بأهلها.

فمن الغريب بعد ذلك كله ميل الشهيد الثاني إلى القول المزبور، لهذه الأخبار التي قد عرفت حالها و ما يعارضها و قوة خروجها مخرج التقية، بل قد عرفت التصريح في بعضها بأن ذلك حديث ابى عن عائشة.

بل يمكن الجمع بينها بأن المراد من هذه الأخبار التخيير التوكيلى أو ما يشبهه، كما عساه يومئ إليه ما سمعته في بعضها من أنها

«لو طلقت نفسها ثلاثا وقعت واحدة»

لا التولية الممنوعة المنافية لكون

«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

المنزل عليها الأخبار السابقة أو غير ذلك.

هذا و في المسالك «أن موضع الخلاف ما لو جعل التخير على الوجه المدلول عليه بلفظه، بأن يريد منها أن يتخير بلفظه أو ما أدى معناه، أما لو كان مراده من التخيير توكيلها في الطلاق إن شاءت كان ذلك جائزا بغير خلاف عند من جوز وكالة الامرأة فيه، و لم يشترط المقارنة بين الإيجاب و القبول، كغيره من الوكالات، و كان فرضها حينئذ في إيقاعه بلفظ الطلاق المعهود و ما أداه، و العامة لم يفرقوا بين قوله: «اختاري نفسك» و بين قوله: «طلقي نفسك» في أنه تمليك للطلاق أو توكيل فيه، و أنه يتأدى باختيارها الفراق بلفظ الطلاق و بلفظ الاختيار و بما أدى معناهما بناء على أن جميع ذلك كناية عن الطلاق أو طلاق صريح، و أنه يقع بالأمرين».

قلت: قد يقال: إن العمدة في الخلاف العامة، فمع فرض كون العامة على

ج 32، ص: 75

ما ذكر ينحصر وجه النزاع معهم بوقوعه بلفظ «اخترت» لصحة وقوعه بالكناية عندهم، أو لخصوص النصوص (1)المخصوصة بذلك، نحو ما سمعته من الخلاف في وقوعه بلفظ «اعتدى» كما هو دليل من وافقهم على ذلك من أصحابنا و عدمه، لما عرفت من نصوص الحصر(2)و خصوص الأخبار(3)التي لا يقاومها الأخبار الآخر(4)

لما عرفت، و حينئذ فلا وجه لما ذكره أولا من أن موضع الخلاف ما ذكر.

على أنه مبنى على استفادة كون التخيير اسما للإنشاء المخصوص من الآية(5)و النصوص (6)فالاختيار حينئذ إيقاع مخصوص مشروط صحته بسبق التخيير، أو أنه بمنزلة العقود شبه الخلع، فيكون قبولا للإيجاب الذي هو التخيير، و بالجملة هو قسم من أقسام الطلاق سمى بالطلاق التخييري.

لكن فيه أنه لا دلالة في الآية(7)بل و لا في الرواية على شي ء من ذلك، و إن كان قد يشم من بعض النصوص (8)إلا أن الظاهر بمعونة الآية كون التخيير على حسب غيره من أفراد التخيير الذي مرجعه التفويض و الاذن لها في ذلك، و حينئذ فإن طلقت بلفظ الطلاق لم يكن فيه إشكال عند العامة و الخاصة، و إن طلقت بقول:

«اخترت نفسي» جاز عند العامة بناء على صحته بالكناية، و وافقهم عليه بعض


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 2 و 3 و 4.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8 و 9 و 10 و 11 و 12 و غيرها.
5- 5 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
6- 6 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق.
7- 7 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
8- 8 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15 و الباب- 6- من كتاب الخلع و المبارأة الحديث 4.

ج 32، ص: 76

الخاصة، لما سمعته من النصوص (1)و المعروف العدم، و هو الذي استفاض في النصوص (2)التعرض له بخلاف الأول.

و أما التخيير بالمعنى الأول الذي مرجعه إلى تولية الطلاق و جعل أمره إليها بعنوان كونها ولية له فهو الذي قد استفاض في النصوص (3)بطلانه، و لذلك لا يصح اشتراطه في عقد النكاح، و هو الذي أومأ إليه ب

قوله (عليه السلام)(4): «ما للنساء و التخيير؟»

و «وليت الحق غير أهله»(5)

و نحو ذلك، بل مقتضى ما حكاه عن العامة عدم جوازه عندهم، ضرورة رجوعه إلى أمر شرعي ليس للناس تسلط عليه، و لذا جعلوا التخيير بمنزلة التوكيل الذي قد سمعت حكايته له عنهم، و بذلك بان لك أنه لا وجه لما ذكره أصلا، فتأمل جيدا.

ثم إنه رحمه الله قد حكى عن ابن الجنيد أنه لو جعل الاختيار إلى وقت بعينه فاختارت قبله جاز اختيارها، و إن اختارت بعده لم يجز، و قال: «و هذا القول يشكل على إطلاقه باشتراط اتصال اختيارها بقوله، فلا يناسبه توقيته بمدة تزيد على ذلك، إلا أن يتكلف توقيته بمدة يسيرة لا تنافيه، بحيث يمكن فيه فرض وقوع اختيارها أو بعضه خارج الوقت المحدود مع مراعاة الاتصال، و لا يخلو من تكلف».


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و 8 و 9 و 10 و غيرها.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و غيرها.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب المهور من كتاب النكاح و الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و الباب- 42- منها.
4- 4 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 77

قلت: هذا مؤيد لما قلناه من كون التخيير على نحو غيره من أفراده، و ليس هو بمنزلة العقود، بل هو من التفويض و الاذن في الشي ء، و لكن مع عدم التوقيت قد يفهم منه الحالية، و مع التصريح بالمدة تعتبر هي دون ما بعدها.

و أغرب من ذلك أنه ذكر فيها أيضا «أنه يجوز له الرجوع في التخيير ما لم يتخير مطلقا، و هو الظاهر من رواية زرارة(1)و لأنه إن كان تمليكا فالرجوع فيه قبل القبول جائز، و إن كان توكيلا فكذلك بطريق أولى- ثم قال-: و مقتضى

قوله (عليه السلام)(2): «إن الخيار لهما»

إلى آخره جواز فسخه لكل منهما في المجلس و إن وقع التخيير من كل منهما، و هو مشكل من جانبها مطلقا، إذ لا خيار لها في الطلاق مطلقا، و من جانبه لو كان بائنا، إلا أن الأمر فيه أسهل، لإمكان تخصيصه بالرجعي» إذ فيه أن المراد من الخيار لهما في نفس التخيير، لا في الاختيار المتعقب للتخيير، كما هو واضح بأدنى تأمل.

ثم ذكر فيها أيضا «أنه يشترط في هذا التخيير ما يشترط في الطلاق: من استبراء المرأة، و حضور الشاهدين، و غير ذلك» و فيه أن ذلك يتم بناء على أنه طلاق بالكناية، أما على احتمال كونه سببا من أسباب الفراق فالمتجه الاقتصار على ما دل عليه نصوصه منها دون غيره.

ثم قال: «و هل يكفي سماع الشاهدين نطقهما معا أو نطقها خاصة؟ ظاهر الرواية(3)و الفتوى الأول، و أن الفراق يقع بمجموع الأمرين، فيعتبر سماعهما له، و ينزل حينئذ منزلة الخلع، و إن اختلفا في كون الطلاق هنا من جانبها لا جانبه» و فيه أن ظاهر الفتاوى حصول الطلاق باختيارها و إن اشترط صحة ذلك بتخيرها، فهو كطلاق الوكيل حينئذ، بل و كذا لو قلنا بكونه تمليكا لها، إذ هو


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7 و فيه« انما الخيار لها» و في الاستبصار ج 3 ص 313« انما الخيار لهما».
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14 و 15.

ج 32، ص: 78

على كل حال شرط ترتب الأثر على اختيارها، لا أنه جزء من الطلاق، و الفرق بينه و بين الخلع في غاية الوضوح، و أما النصوص فهي ظاهرة في كون التخيير في قبل العدة و حضور شاهدين إلا أنه يمكن بناء ذلك على اتصال الاختيار بالتخيير، فشهوده حينئذ شهوده، و يتفق النص و الفتوى حينئذ.

و بذلك كله بان لك الحال في فروع القول المزبور، كما بان لك الحال في فساد القول من أصله: و من هنا اقتصرنا على المقدار المزبور من فروعه، و إلا ففي كتب العامة، خرافات كثيرة فرعوها على ذلك، و كفى بالله حاكما و شاهدا و رفيقا و مؤيدا و مسددا.

و كيف كان ف لو قيل: هل طلقت فلانة؟ فقال: نعم منشئا له بذلك وقع الطلاق عند الشيخ في النهاية و بعض أتباعه و المصنف ل خبر السكوني (1)الذي لا جابر له كي يصلح معارضا

لنصوص (2)الحصر و غيرها مما يقتضي العدم، مضافا إلى الاعتراف بعدم وقوع الطلاق بالمقدر الذي قام مقامه «نعم» فهو أولى حينئذ بالمنع، و إلى ضعف الدلالة، لاحتمال إرادة الحكم بطلاقها للإقرار من

قوله (عليه السلام) فيه: «فقد طلقها حينئذ»

كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا.

و أما لو قيل: هل فارقت أو خليت أو أبنت؟ فقال: نعم لم يكن شيئا عندنا لعدم صلاحية المقدر لانشاء الطلاق أصلا لو صرح به فصلا عما قام مقامه، و الفرض عدم نص بالخصوص.

و يشترط في الصيغة تجردها عن التعليق على الشرط المتحمل وقوعه، نحو «إن جاء زيد» و على الصفة المعلوم حصولها، نحو «إذا طلعت الشمس» في قول مشهور، بل لم أقف فيه على مخالف منا (11) بل في الانتصار و الإيضاح و التنقيح و الروضة و محكي السرائر و غيرها الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ظهور نصوص (3)الحصر، و منافاته لقاعدة عدم تأخر المعلول


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 79

عن علته، إذ السبب الشرعي كالسبب العقلي بالنسبة إلى ذلك إلا ما خرج بالدليل، بل هو في الحقيقة من الشرائط المخالفة للكتاب و السنة و المحللة حراما، ضرورة أنه بعد ظهور الأدلة في ترتب الأثر على السبب الذي هو الصيغة فاشتراط تأخره إلى حصول المعلق عليه

شرع جديد، أو اشتراط لأمر لا يرجع مثله إلى المشترط و إنما يرجع به إلى الشارع، فلا وجه حينئذ لدعوى اقتضاء الإطلاقات و

عموم «المؤمنون»(1)

الصحة، مؤيدا ذلك كله باستصحاب بقاء النكاح، و بغير ذلك مما سمعته في العقود التي لا ريب في أولوية الطلاق منها بعدم الجواز.

و بذلك كله يتضح لك فساد الطلاق بفساد الشرط، ضرورة اختلال القصد حينئذ، فيبطلان معا، ضرورة الفرق بين القصد المنجز المفروض اعتباره في صحة الطلاق و القصد المعلق، فمن الغريب بعد ذلك كله ميل ثاني الشهيدين في المسالك إلى الصحة لذلك، و قياسا له على الظهار و نحوه مما ثبت في الأدلة، مؤيدا له بأن في تعليقه حكمة لا تحصل في المنجز، فإن المرأة قد تخالف الرجل في بعض مقاصده، فتفعل ما يكرهه، و تمتنع مما يرغب فيه، و يكره الرجل طلاقها من حيث إنه أبغض المباحات إلى الله تعالى شأنه، و من حيث أنه يرجو موافقتها، فيحتاج إلى تعليق الطلاق بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده، فإما أن تمتنع فيحصل غرضه، أو تخالف فتكون هي المختارة للطلاق، و بما تقدم من خبر(2)من علق طلاق امرأة على تزويجها، و سؤاله

النبي (صلى الله عليه و آله)، فأجاب بأنه «لا طلاق قبل النكاح»

و لم يجبه بأن الطلاق المعلق على شرط باطل.

و هو كما ترى لا يرجع إلى محصل ينطبق على أصول الإمامية، و إنما هو مناسب لخرافات العامة، و لذا أطبقوا على الجواز فيه، و ملؤوا كتبهم من فروعه، و الحمد لله الذي عافانا من كثير مما ابتلى به خلقه، و لو شاء لفعل، و كان خلو


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 راجع التعليقة 2 من ص 27.

ج 32، ص: 80

نصوصنا من هذه الخرافات و الحصر بالصيغة المنجزة للتعريض بهم.

و لا فرق عندنا في عدم جواز التعليق المزبور بين المشيئة و غيرها، نعم لا بأس بها للتبرك، لكن عن المبسوط و الخلاف «الاستثناء بمشيئة الله يدخل في الطلاق و العتاق، سواء كانا مباشرين مثل: «أنت طالق إنشاء الله» و «أنت حر إنشاء الله» أو معلقين بصفة نحو: «إذا دخلت الدار فأنت طالق إنشاء الله» و «إذا دخلت الدار فأنت حر إنشاء الله» و إن كان الطلاق و العتق بصفة لا يصح عندنا، و في اليمين بهما و في الإقرار و في اليمين بالله فيوقف الكلام، و من خالفه لم يلزمه حكم ذلك، لأصالة البراءة، و ثبوت العقد، و إذا عقب كلامه بلفظ «إنشاء الله» في هذه المواضع فلا دليل على زوال العقد في النكاح أو العتق، و لا على تعلق حكم بذمته، فمن ادعى خلافه فعليه الدلالة، و

روى ابن عمر(1)أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: «من حلف على يمين و قال في أثرها:

إنشاء الله لم يحنث فيما حلف عليه»

و هو على العموم في كل الأيمان بالله و بغيره».

و كأنه مناف لما ذكره في كتاب الأيمان من الخلاف، قال فيه على ما حكى عنه: «لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله تعالى إلا في اليمين فحسب، و به قال مالك، و قال أبو حنيفة: و يدخل في الأيمان بالله و بالطلاق و العتاق و في النذور و في الإقرار، دليلنا: أن ما ذكرناه مجمع على دخوله فيه، و ما قالوه ليس عليه دليل».

و من هنا قال ابن إدريس: «لا يدخل الاستثناء بمشيئة الله عندنا بغير خلاف بين أصحابنا معشر الإمامية إلا في اليمين بالله حسب، لأنه لا أجد أحدا من أصحابنا قديما و حديثا يتجاسر و يقدم على أن رجلا أقر عند الحاكم بمال لرجل آخر و قال بعد إقراره: إنشاء الله لا يلزمه ما أقربه، فأما شيخنا أبو جعفر فهو محجوج بقوله، فإنه رجع عما قاله في كتاب الطلاق من الخلاف بما قاله في كتاب الأيمان، ففي المسألة الأولى اختار مذهب أبي حنيفة، و في الثانية مذهب مالك» ثم استدل على صحة المسألتين.


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 46 و 47.

ج 32، ص: 81

و دفعه في المختلف بأن «مقصود الشيخ في المسألة الأولى قبول الطلاق و العتق للإيقاف بالمشيئة، فيبطل الإيقاع، و لو لم يقبلاه كان الاستثناء باطلا، و يكون الطلاق و العتق ماضيين و هو باطل إجماعا منا، و مقصوده في المسألة الثانية بعدم دخوله فيهما أنه يوقف حكم الطلاق و العتاق و يبطلان معه، فلا يبقى للدخول مع صحتهما إمكان».

و في التنقيح «الأحسن في توجيه كلام الشيخ أن نقول: إن الاستثناء يدخل في الطلاق و العتاق على وجه و لا يدخل على وجه آخر، فالأولى إبطالهما به، كما هو رأي الأصحاب، و الوجه الثاني عدم توقيفهما، كما هو رأى المخالفين» و الجميع كما ترى، و التحقيق ما عرفت.

بل الظاهر عدم قبول غير المستقبل المستفاد من قوله تعالى (1)«وَ لا تَقُولَنَّ» إلى آخره للتعليق بالمشيئة، إذ لا معنى لتعليق الواقع في الماضي، و منه الإقرار بحق سابق، كما أنه لا معنى لتعليق الأسباب الشرعية التي شاء الله تعالى تسبيها على المشيئة كما عرفت، و جعل هذا من التوصيف المقارن الذي ستعرف البحث فيه ينافي جعل المسألة (المشيئة خ ل) عنوانا و تخصيص الأمور المزبورة بها، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو فسر الطلقة باثنتين أو ثلاث لم يقع ذلك عندنا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل كأنه من ضروري مذهب الشيعة، و كذا لو كرر الصيغة مرتين أو ثلاثا قاصدا لتعدد الطلاق، نعم هو كذلك عند العامة على نحو غيره مما أبدعوه في الطلاق.

نعم لا خلاف بيننا في وقوع الواحدة في الصورة الثانية، كما أنه لا إشكال فيه أيضا بل الإجماع بقسميه عليه.

أما الأولى ف قيل و القائل المرتضى في المحكي من انتصاره و إن كنا لم نتحققه و ابنا أبي عقيل و حمزة و سلار و يحيى بن سعيد يبطل الطلاق من أصله،


1- 1 سورة الكهف: 18- الآية 23.

ج 32، ص: 82

للشك في زوال النكاح بذلك بعد ما سمعت من نصوص (1)حصر الطلاق الصحيح بالمجرد عن ذلك الذي يمكن إرادة التعريض به، لمعروفيته عند العامة كالتنجيز و التعيين المعروف خلافهما عندهم، و لأنه بالتفسير المذكور يكون المقصود الطلاق البدعي الذي هو الثلاث بقول: «ثلاثا» المنافي لقوله تعالى (2)«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» لا قول «مرتين» و للسنة النبوية التي منها رد النبي (صلى الله عليه و آله) طلاق ابن عمر ثلاثا(3)و كل من طلق على خلاف السنة رد إليها(4)و لما تسمعه من النصوص (5)الآتية.

و قيل و القائل المشهور بل عن المرتضى في الناصريات ما يشعر بالإجماع عليه، و كذا عن الخلاف، بل عن العلامة في نهج الحق ذلك صريحا يقع طلقة واحدة بقوله «طالق» و يلغو التفسير بالثلاث، فلا ينافي ترتب الوحدة على نفس الصيغة المقتضية لذلك.

و هو أشهر الروايتين عملا كما عرفت، بل قيل و رواية، ففي

صحيحي زرارة(6)عن أحدهما عليهما السلام، و اللفظ للأول منهما «سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد و هي طاهر، قال: هي واحدة»

و خبر عمر بن حنظلة(7)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «الطلاق ثلاثا في غير عدة إن كانت على طهر فواحدة، و إن لم يكن على طهر فليس بشي ء»

و خبر عمرو بن البراء(8)قال:


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب مقدمات الطلاق و الباب- 8- منها الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2 و 3.
7- 7 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.

ج 32، ص: 83

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أصحابنا يقولون: إن الرجل إذا طلق امرأته مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة، و قد كان يبلغنا عنك و عن آبائك أنهم كانوا يقولون إذا طلق مرة أو مائة مرة فإنما هي واحدة فقال: هو كما بلغكم»

و في خبر زرارة(1)عن أحدهما عليهما السلام «في التي تطلق في حال طهر في مجلس ثلاثا، قال:

هي واحدة»

و خبر بكير(2)عن أبى جعفر (عليه السلام) «إن طلقها للعدة أكثر من واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق»

و خبر أبى محمد الواشى (الوابشي خ ل)(3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل ولى امرأته رجلا أن يطلقها على السنة، فطلقها ثلاثا في مقعد واحد، قال: ترد إلى السنة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء فقد بانت بواحدة»

و خبر محمد بن سعيد الأموي (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق ثلاثا في مقعد واحد، قال: فقال: أما أنا فأراه قد لزمه، و أما أبى كان يرى ذلك واحدة»

المحمول بالنسبة إلى نفسه على التقية، أو على الجمع بينها و بين الواقع بإرادة إلزامه به إذا كان مخالفا و إرادة الواحدة لو وقع من غيره مما حكاه عن أبيه.

و ربما يشهد بذلك

خبر الخزاز(5)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «كنت عنده فجاء رجل فسأله، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، قال: بانت منه، قال: فذهب الرجل ثم جاء رجل آخر من أصحابنا، فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا فقال: تطليقة، و جاء رجل آخر فقال: رجل طلق امرأته ثلاثا، فقال: ليس بشي ء، ثم نظر إلى فقال:

هو ما ترى، قال: قلت: كيف هذا؟ فقال: هذا يرى أن من طلق امرأته ثلاثا فقد حرمت عليه، و أنا أرى أن من طلق امرأته ثلاثا على السنة

فقد بانت منه، و رجل طلق امرأته ثلاثا و هي على طهر فإنما هي واحدة، و رجل طلق امرأته ثلاثا على غير طهر فليس بشي ء».

و في الخبر(6)عن الصادق (عليه السلام) في حديث قال فيه: «فقلت: فرجل


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 13.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 14.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 16.
6- 6 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

ج 32، ص: 84

قال لامرأته: أنت طالق ثلاثا، فقال: ترد إلى كتاب الله و سنة نبيه»

بناء على إرادة الواحدة من الرد فيه إلى الكتاب و السنة، كما سمعته في خبر أبي محمد الواشي (الوابشي خ ل) و نحوه غيره، بل

في الصحيح (1)«طلق عبد الله بن عمر امرأته ثلاثا فجعلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) واحدة فردها إلى الكتاب و السنة»

فتأمل.

و أما الرواية الأخرى التي تشهد للأول فهي

خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من طلق ثلاثا في مجلس فليس بشي ء، من خالف كتاب الله رد إلى كتاب الله تعالى، و ذكر طلاق ابن عمر».

و مكاتبة عبد الله بن محمد(3)إلى أبي الحسن (عليه السلام): «جعلت فداك روى أصحابنا عن

أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل طلق امرأته ثلاثا بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنه يلزمه تطليقة واحدة، فوقع (عليه السلام) بخطه أخطأوا على أبي عبد الله (عليه السلام) لا يلزمه الطلاق، و يرد إلى الكتاب و السنة إنشاء الله».

و خبر هارون بن خارجة(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي عن كتاب الخرائج قال: «قلت: إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثا في دفعة، فسألت أصحابنا، فقالوا: ليس بشي ء إلا أن المرأة قالت: لا أرضى حتى تسأل أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال: ارجع إلى أهلك، فليس عليك شي ء».

و المروي عن الصادق (عليه السلام)(5)«إياكم و المطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن ذوات أزواج،»

و خبر الصيقل (6)«لا تشهد لمن طلق ثلاثا في مجلس».

و خبر محمد بن عبيد الله (7)«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن تزويج المطلقات


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 18.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 19.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 29.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 20.
6- 6 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 17.
7- 7 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 9 و الظاهر أن قوله عليه السلام: « و من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم» ليس من تتمة خبر محمد ابن عبيد الله كما في التهذيب ج 8 ص 59 و الاستبصار ج 3 ص 293، و قد روى الصدوق قده في الفقيه ج 3 ص 257 خبر ابن عبيد الله مرسلا، ثم قال: « و قال عليه السلام: من كان يدين. إلخ» و رواه في الوسائل أيضا كذلك، فهي رواية مستقلة.

ج 32، ص: 85

ثلاثا فقال لي: إن طلاقكم لا يحل لغيركم، و طلاقهم يحل لكم، لأنكم لا ترون الثلاث شيئا و هم يوجبونها، و من كان يدين بدين قوم لزمته أحكامهم»

بناء على أن المراد التحذير عنهن إذا كن من المؤمنين.

كما صرح به في

خبر عبد الله بن طاوس (1)المروي عن الكشي و العيون قال:

«قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): إن لي ابن أخ زوجته ابنتي و هو يشرب الشراب و يكثر ذكر الطلاق، فقال: إن كان من إخوانك فلا شي ء عليه، و إن كان من هؤلاء فأبنها عنه، فإنه عنى الفراق، قال: قلت: جعلت فداك أ ليس قد روى عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إياكم و المطلقات ثلاثا في مجلس واحد، فإنهن ذوات أزواج؟

فقال: ذلك من إخوانكم لا من هؤلاء، إنه من داع بدين قوم لزمته أحكامهم»

بل هو أيضا أحد أدلة المسألة.

و مكاتبة إبراهيم بن محمد الهمداني (2)قال: «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) مع بعض أصحابنا، فأتاني الجواب بخطه: فهمت ما ذكرت من أمر ابنتك و زوجها، فأصلح الله لك ما تحب صلاحه، فأما ما ذكرت من حنثه بطلاقها غير مرة فانظر رحمك الله تعالى، فان كان ممن يتولانا و يقول بقولنا فلا طلاق عليه، لأنه لم يأت أمرا

جهله، و إن كان ممن لا يتولانا و لا يقول بقولنا فاختلعها منه، فإنه إنما نوى الفراق بعينه».

مؤيدا ذلك كله بما سمعت أولا من الحصر في الصيغة المجردة و غيره، بل لا ريب في أن القول الأول هو الأقوى من حيث النصوص، ضرورة احتمال النصوص المزبورة إرادة من طلق ثلاثا بتكرير الصيغة المصرح به في

خبر الصيرفي (3)عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا طلق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثا في كلمة واحدة فقد بانت منه، و لا ميراث بينهما، و لا رجعة، و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و إن قال: هي طالق هي طالق


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 15.

ج 32، ص: 86

هي طالق فقد بانت منه بالأولى، و هو خاطب من الخطاب إن شاءت نكحته نكاحا جديدا، و إن شاءت لم تفعل»

المحمول صدوره على التقية أو غيرها، إذ هو مخالف للقولين معا.

بل قد يقال: لو كان الحكم فيه كالصورة الأخيرة لكان المتجه الجواب عنهما بجواب واحد، و هو وقوع الطلاق واحدة، إذ الحكم في الصورتين متحد عند العامة، فليس حينئذ إلا انحصار المخرج في الأولى بالباطل الموافق

للعامة، بخلاف الأخيرة التي تصح منها الواحدة، و بذلك يظهر كونه مؤيدا للنصوص المزبورة، و لو سلم تناولها للصورتين و لو لكون ذلك متعارفا بين العامة و أن بسبب ذلك تعارف السؤال عنه أو لأنه في سياق أداة العموم المقتضى لإفادته العموم- كما هو محرر في الأصول- إلا أن ذلك لا يعارض التصريح بعدمه في المكاتبة السابقة و غيرها التي لا وجه لاحتمال صدور ذلك منه لمصلحة من المصالح، إذ ذلك يسد باب الاستدلال في النصوص أجمع.

كل ذلك مع الإغضاء عما يقتضيه ظاهر

قوله (عليه السلام)(1)«من طلق زوجته ثلاثا»

من وقوع كل طلقة من الطلقات عليها و هي زوجة، و هذا لا يكون إلا من تخلل الرجوع بينها، و حينئذ تكون هذه النصوص موافقة لما تسمعه من ابن أبى عقيل من كون الطلاق بعد الرجوع في ذلك الطهر من غير مواقعة ليس طلاقا، و لا يقع منه و إن تعدد إلا الطلاق الأول، فتكون عنده على واحدة، كما يشهد به جملة من النصوص (2)متحد بعضها مع هذه النصوص في المفاد، فتخرج حينئذ عما نحن فيه بالمرة.

و معارضة هذا كله باحتمال إرادة نفى الثلاث من نفى الشيئية أو احتمال إرادته مع فقد بعض الشرائط كما في طلاق ابن عمر ثلاثا و كانت حائضا كما ترى، على أنه لا يأتي في المكاتبة الصريحة التي يعلم منها إرادة البطلان في الثلاث المرسلة


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و 6.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 87

من الرد إلى الكتاب و السنة، لا صحة الواحدة كما سمعته سابقا، و حينئذ يكون الخبر الأخير دليلا لهذا القول، و حينئذ تتفق النصوص المصرح فيها بالثلاث المرسلة على البطلان، فتخصص أو تقييد بها تلك النصوص المدعى شمولها للمرسلة.

و بذلك بان لك أن القول الأول أرجح من حيث النصوص إلا أن شهرة الأصحاب قديما و حديثا بل الإجماع المحكي قد رجح كون المراد من النصوص المزبورة ذلك، خصوصا مع ضعف المعارض و عدم الجابر.

لكن قد يقال باختصاص ذلك بما إذا لم يقصد الطلاق البدعي على وجه أراد من الطلاق في الصيغة ذلك، فيتجه البطلان فيه، لأنه يرجع إلى عدم قصد الطلاق الصحيح، ضرورة عدم تعقل التعدد بدون التكرار و إن بطل الثاني منه أيضا، لعدم مصادفة المحل، أما إذا قصد معنى الصيغة أولا و أضاف إليها ثلاثا بقصد آخر مستقل فإنه يكون حينئذ صحيحا و تلغو إضافته، ضرورة رجوعه إلى بيان ما تعلق به غرضه من عدد الصيغة، نحو

قول نوح على نبينا و آله و (عليه السلام)(1)لما خاف الغرق: «لا إله إلا الله ألفا»

فيكون مراده في الحقيقة في الثلاث تكرر النطق بها ثلاثا على معنى إنى أقول: «أنت طالق» ثلاثا و ربما كان ذلك وجه جمع أيضا،

بل ربما يشم في الجملة من مكاتبة إبراهيم (2)السابقة و غيرها.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك النظر في كلام جملة من الأصحاب، خصوصا السيد في الرياض، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد بان لك مما سمعته من النصوص السابقة أنه لو كان المطلق مخالفا يعتقد الثلاث لزمته لأن ذلك دينه، مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه، و إلى

خبر عبد الأعلى (3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا قال: إن كان مستخفا بالطلاق ألزمته ذلك»

و غيره، بل في

خبر علي بن أبي حمزة(4)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن المطلقة على غير السنة أ يتزوجها الرجل؟


1- 1 مهج الدعوات للسيد ابن طاوس قده ص 379.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

ج 32، ص: 88

فقال: ألزموهم من ذلك ما ألزموا أنفسهم، و تزوجوهن فلا بأس بذلك»

و خبر عبد الرحمن البصري (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «قلت له: امرأة طلقت على غير

السنة، فقال: تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج»

و خبر عبد الله بن سنان (2)«سألته عن رجل طلق امرأته لغير عدة ثم أمسك عنها حتى انقضت عدتها هل يصلح لي أن أتزوجها؟ قال: نعم لا تترك المرأة من غير زوج»

و غير ذلك من النصوص التي مقتضاها عدم الفرق بين الطلاق ثلاثا و غيره مما هو صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلق، و الحلف به، و الطلاق في طهر المواقعة و الحيض، و بغير شاهدين.

بل مقتضى خبر الإلزام أنه يجوز لنا تناول كل ما هو دين عندهم، ففي

خبر عبد الله بن محرز(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل ترك ابنته و أخته لأبيه و امه، فقال: المال كله لابنته، و ليس للأخت من الأب و الأم شي ء، فقلت:

فانا قد احتجنا إلى هذا و الميت رجل من هؤلاء الناس و أخته مؤمنة عارفة، قال:

فخذ لها النصف، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم و قضائهم و قضاياهم، خذهم بحقك في أحكامهم و سنتهم كما يأخذون منكم فيه، قال ابن أذينة: فذكرت ذلك لزرارة، فقال: إن على ما جاء به ابن محرز لنورا».

و خبر أيوب بن نوح (4)«كتبت إلى أبى الحسن (عليه السلام) أسأله هل نأخذ في أحكام المخالفين ما يأخذون منا في أحكامهم أم لا؟ فكتب (عليه السلام): يجوز لكم ذلك إذا كان مذهبكم فيه التقية منهم و المداراة لهم».

و صحيح محمد بن مسلم (5)عن أبى جعفر (عليه السلام) «سألته عن الأحكام، قال:

تجوز على أهل كل ذي دين ما يستحلون».


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 2 من كتاب المواريث.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 3 من كتاب المواريث.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 4 من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 89

و خبر إسماعيل بن بزيع (1)«سألت الرضا (عليه السلام) عن ميت ترك امه و إخوة و أخوات فقسم هؤلاء ميراثه، فأعطوا الأم السدس، و أعطوا الإخوة و الأخوات ما بقي، فماتت الأخوات، فأصابني من ميراثه، فأحببت أن أسألك هل يجوز لي أن آخذ ما أصابني من ميراثها على هذه القسمة أم لا؟ فقال: بلى، فقلت: إن أم الميت فيما بلغني قد دخلت في هذا الأمر، يعني الدين، فسكت قليلا، ثم قال:

خذه»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التوسعة لنا في أمرهم و أمر غيرهم من أهل الأديان الباطلة.

و لا فرق في محل البحث بين العارفة بناء على جواز نكاح المخالف لها و غيرها، ضرورة أن ذلك من التوسعة الشاملة، بل قد سمعت التصريح به في خبر إبراهيم (2)فمن الغريب ما وقع من بعض الناس من الفرق بينهما، نعم استيعاب الكلام في هذا الأصل و فروعه محتاج إلى مقام آخر، نسأل الله التوفيق له.

و لو قال: «أنت طالق للسنة» صح بلا خلاف و لا إشكال مع فرض اجتماع الشرائط، كما إذا كانت طاهرا و لم يواقعها مثلا، ضرورة عدم قدح الضميمة المزبورة في الصحة التي هي مقتضي ما سمعته من الأدلة السابقة، بل عن موضع من الخلاف و كذا لو قال للبدعة التي من المعلوم عدم اتصاف غير موضوعها بها كالسنة، و مجرد القول لا يصير السنة بدعة كالعكس، فتلغو الضميمة حينئذ، فيبقى اقتضاء الصيغة الصحة على مقتضي إطلاق الأدلة، بل ينبغي الجزم به مع فرض تجدد التقييد أو التعلق بالبدعة له لفظا فقط أو و قصدا.

أما مع فرض قصد ذلك له ابتداء على وجه يكون مراده تفسير الطلاق بذلك أو أطلق و قلنا المراد به ذلك فقد يشكل الصحة بأن مرجع ذلك إلى عدم إرادة


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 6 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 90

الطلاق التي عرفت اعتبارها في الصحة نصا(1)و فتوى، فالذي وقع غير مراد تأثيره، بل المراد عدم تأثيره فلا قصد للطلاق الذي تلفظ به و لا إرادة.

و لعله لذا قال المصنف و لو قيل: لا يقع كان حسنا، لأن البدعي لا يقع عندنا، و الأخر غير مراد بل جزم بذلك الفاضل و من تأخر عنه، و لا ينافي ذلك عدم مدخلية قصد الصحة في آثار الأسباب الشرعية التي هي بمنزلة الأسباب العقلية في ذلك، إذ الكلام في تحقق السبب في الفرض، خصوصا بعد قصد إرادة غير المؤثر منه الذي هو ليس بسبب.

و بذلك ظهر لك الفرق بين إيقاع العقد أو الإيقاع بزعم الفساد و بينه بقصد الفساد الذي مرجع الأخير إلى قصد عدم الأثر له، كما أن من ذلك يعلم حال كل ضميمة تكون مفسرة للمراد بإطلاق المقصود إيقاعه بالفاسد من قول فاسد و نحوه، نعم قد يتم ذلك عند العامة القائلين بترتب الأثر على الطلاق البدعي و إن أثم، و بجواز التعليق، فحينئذ يصح الطلاق المعلق على البدعة و إن لم تكن حال الطلاق متصفة بما يقتضي البدعة، فضلا عن المتحقق فيها ما يقتضيها من الحيض و نحوه، و الله العالم.

[تفريع]

تفريع:

إذا قال: «أنت طالق في هذه الساعة إن كان الطلاق يقع بك» قال الشيخ ره: لا يصح لتعليقه على الشرط و ظاهره عدم الفرق بين العلم بحالها و عدمه، و وافقه المصنف و الفاضل و غيرهما في صورة الجهل بالحال دون العلم به، فقالوا:

و هو حق إن كان المطلق لا يعلم بحالها أما لو كان يعلمها على الوصف الذي يقع معه الطلاق فينبغي القول بالصحة، لأن ذلك ليس بشرط مناف للتنجيز الذي قد عرفت اعتباره بل هو أشبه بالوصف المقارن للإيقاع و إن


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 91

كان بلفظ الشرط الذي لم يرد منه التعليق، بل قد يقال: إن مثله يساق لبيان إرادة الوقوع البتة كما ذكروا في قول: «أما بعد فاني فاعل» أن المعنى مهما يكن من شي ء فاني فاعل، أي إن يكن شي ء في الدنيا فاني فاعل.

اللهم إلا أن يقال: إن ظاهر أدلة الحصر في قول: «أنت طالق» يقتضي عدم سببية الصيغة المشتملة على التعليق و لو الصوري، و فيه منع واضح، خصوصا بعد أن عرفت كونها مساقة للتعريض ببطلان ما عند العامة من صحة الطلاق المعلق حقيقة، على أن مقتضاه حينئذ الفساد في صورة العلم.

و بذلك ظهر لك أن المدار في فساد التعليق على ما ينافي التنجيز الذي هو مقتضي تسبيب السبب و إن كان بالوصف المعلوم تحققه فيما بعد دون غيره، و حينئذ ينقدح قوة احتمال الصحة في الجاهل أيضا، ضرورة عدم منافاة التعليق لجهله للتنجيز المزبور، و دعوى أن قصده حينئذ معلق واضحة المنع، بل أقصاه تعليق إذعانه باقتضاء السبب مقتضاه، و هو معنى لا ينافي التنجيز المزبور الذي هو ترتب المسبب على السبب و عدم تخلفه عنه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و بذلك يظهر لك صحة الطلاق الاحتياطي و البيع كذلك مع الشك في الزوجية مثلا أو إنكارها، ضرورة عدم كون ذلك تعليقا، من غير فرق بين ذكره لفظا و عدمه، بل لا فرق بين الأمور التي علق الشارع الصحة عليها و غيرها من الأوصاف المقارنة، كما لا فرق بين صورتي الجهل و العلم، لكن الانصاف عدم خلو ذلك عن النظر حتى في العالم كما ذكرناه في غير المقام، لصدق التعليق بمعنى عدم التنجيز فتأمل.

و لو قال: أنت طالق أعدل طلاق أو أكمله أو أحسنه أو أقبحه أو أخسه و أقبحه أو أردأه أو أسمجه صح لإطلاق الأدلة و لم تضر الضمائم المزبورة التي يصح وصف الطلاق بها بنوع من التجوز.

و كذا لو قال مل ء مكة أو مل ء الدنيا أو طويلا أو عريضا أو صغيرا

ج 32، ص: 92

أو حقيرا أو كبيرا أو عظيما أو غير ذلك مما يصح وصفه به بضرب من التجوز.

بل الظاهر الصحة حتى لو قلنا بعدم صحة التجوز في ذلك، إذ أقصاه الغلطية التي لا تنافي قصد الطلاق، نعم لو فرض إرادة ما ينافي قصد الطلاق بذلك و لم يكن قد تجدد بعد الصيغة لم يقع حينئذ، لنحو ما عرفته في وصف الطلاق بالفاسد، كما هو واضح.

و عن العامة تنزيل أوصاف الحسن على طلاق السنة و أوصاف القبح على طلاق البدعة، و جعلوه كما لو قال: للسنة أو للبدعة، و فيه أنه لا وجه له مع فرض عدم القصد إلى ذلك، و دعوى أن الوصف بمل ء الدنيا مثلا يقتضي تقييده بما لا يمكن حصوله فيكون منافيا لصحته كالوصف بالبدعي يدفعها وضوح الفرق بينهما بمنافاة الثاني لقصد الطلاق الصحيح بخلاف الأول، فإن أقصاه التجوز أو الغلط بالوصف، و لو فرض كون القصد على وجه ينافي القصد المزبور اتجه حينئذ الفساد في الجميع كما عرفت.

و لو قال: أنت طالق لرضا فلان، فإن عنى الشرط بمعنى إن رضى و قصده بطل الطلاق، للتعليق الذي قد عرفت الحال فيه حتى في المقارن منه مع جهل المطلق و عدمه و إن عنى الغرض الذي هو داع من الدواعي لم يبطل سواء كان صادقا في ذلك أو كاذبا، لحصول مقتضى الصحة و عدم المانع.

و كذا لو قال: إن دخلت الدار بكسر الهمزة لم يصح، للتعليق و إن فتحها صح إن عرف الفرق بينهما و قصده ضرورة عدم التنجيز في الأول و التعليل في الثاني، نحو قوله تعالى (1)«أَنْ كانَ ذا مالٍ وَ بَنِينَ» من غير فرق بين صدقه و كذبه، و لو لم يعرف فقصد التعليق مع فتح الهمزة و التعليل مع الكسر انعكس الأمر، فإن المدار على القصد، و لو لم يعلم حاله فالظاهر الحمل على الحقيقة كما هو واضح.


1- 1 سورة القلم: 68- الآية 14.

ج 32، ص: 93

و لو قال: «أنا منك طالق» لم يصح بلا خلاف أجده فيه بيننا و لا إشكال ل لأصل و لمنافاته

لأدلة الحصر التي سمعتها، المؤيدة بظهور الكتاب في أنه ليس محلا للطلاق و أن الزوجة محله، كما هو ظاهر قوله تعالى «وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ»*(1)«وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ»(2)«وَ الْمُطَلَّقاتُ»(3)«فَإِنْ طَلَّقَها»(4)و غير ذلك فما عن بعض العامة- من جعله كناية موجها له بأن النكاح يقوم بالزوجين، فيجوز إضافة الطلاق إلى كل منهما- واضح الضعف.

و لو قال: أنت طالق نصف طلقة أو ربع طلقة أو سدس طلقة أو نحو ذلك لم يقع، لأنه لم يقصد الطلقة التي هي أقل ما تقع إذا كان المراد بالضميمة تفسير ما قصده بالطلاق لا مع التجدد، فتكون حينئذ منافية للقصد و لأدلة الحصر و غير ذلك، و ما عن العامة- من صحة وقوعه بجميع الأجزاء إلغاء للضميمة، أو للسراية التي لا دليل عليها هنا، بل الأدلة على خلافها- واضح الفساد.

و لو قال: أنت طالق ثم قال: أردت أن أقول طاهر قبل منه ظاهرا إجماعا محكيا عن الخلاف إذا كانت في العدة كما عن المبسوط و لو بائنة لما عرفته سابقا من قبول قوله في قصده الذي لا يعلم إلا من قبله، و مقتضى الأصل عدمه مع اعترافه بالقصد إلى اللفظ، فضلا عن المقام الذي دعواه عدم القصد إلى اللفظ، بل منه يعلم عدم الفرق في دعوى الغلط بين قوله: «أردت أن أقول طاهر» أو نحوه مما هو قريب إلى «طالق» و غيره إلا مع العلم بفساد الدعوى.

و على كل حال فالمراد القبول في الظاهر و دين في الباطن بنيته فلا تحل له واقعا إلا مع صدقه و إن قبل ظاهرا بيمينه مع عدم موافقة المرأة له في ذلك كما عرفت الكلام في ذلك كله مفصلا.

و كأن عدم تقييد المصنف هنا و غيره بالعدة مبنى على ما تقدم سابقا، و لذا كان المحكي عن المبسوط حصر قبوله هنا في العدة.

بل الظاهر عدم الفرق في دعوى الغلط بين متقارب الحروف كطاهر و طالق و نحوهما


1- 1 سورة البقرة: 2 الآية 231.
2- 2 سورة البقرة: 2 الآية 237.
3- 3 سورة البقرة: 2 الآية 228.
4- 4 سورة البقرة: 2 الآية 230.

ج 32، ص: 94

و بين غيره من فاضلة و نائمة و نحوهما كما صرح به في كشف اللثام، لاتحاد المدرك الذي هو قبوله في دعوى عدم القصد في الجميع و إن كان قد يتوهم من بعض الناس اختصاص الحكم هنا بالأول، فتكون حينئذ هذه المسألة غير المسألة السابقة التي هي دعوى عدم قصد الطلاق بصيغته، لكنه كما ترى، ضرورة عدم مدرك خاص لما هنا إلا الحكم بقبول قوله في عدم القصد الذي ما هنا أولى منه و مقتضاه عدم الفرق بين الجميع.

و لو قال: «يدك طالق» أو «رجلك» لم يقع، و كذا لو قال: «رأسك» أو «صدرك» أو «وجهك» و كذا لو قال «ثلثك» أو «نصفك» أو «ثلثاك» للأصل و ظهور الأدلة في أن محل الطلاق ذات الزوجة المدلول عليها بقول:

«أنت» أو «هذه» أو «زوجتي» أو «فلانة» أو ما شاكل ذلك، نعم لو أريد من لفظ الجزء ذلك مجازا بل أو غلطا صح، و من هنا كان ظاهر الأصحاب الاتفاق على عدم تعلقه بالأجزاء معينة أو مشاعة.

بل في المسالك «ظاهرهم عدم الفرق بين الجزء الذي يعبر به عن الجملة كالوجه و غيره، و هو كذلك مع فرض عدم إرادة الجملة به- ثم قال-: و لم يذكروا حكم ما إذا علق بجملة البدن كقوله: بدنك و جسدك و شخصك و جنبك، مع أنهم ذكروا خلافا في وقوع العتق بذلك بناء على أنه المفهوم عرفا من الذات، و ينبغي أن يكون هنا كذلك».

قلت: إن كان المراد منها معنى «أنت» و «فلانة» اتجه الصحة و إلا فلا، و فرق واضح بين العتق و الطلاق، و لذا غلط العامة في قياسه عليه في جواز تعليقه بالجزء ثم يسرى إلى المجموع كما يسرى العتق، و كأن المصنف نبه بالأمثلة على خلافهم.

كما أنه ظهر لك من نصوص الحصر(1)المساقة مساق الحدود التعريض بكثير


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 95

من خرافات العامة، و حينئذ فالمتجه الجمود عليه في سائر مقامات الشك، لأنه حينئذ كالأصل الذي يرجع إليه فيه.

و لعل من ذلك لو قال: أنت طالق طلقة قبل طلقة أو بعدها طلقة، أو بعد طلقة أو قبلها

طلقة أو معها طلقة، أو على طلقة، أو مع طلقة مريدا بذلك كله إنشاء التعدد خارجا بالتعدد لفظا بالطريق المزبور الذي هو غير ذكر العدد بلفظ المرتين و الثلاث لم يقع شي ء، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن كذلك لكونه غير المستفاد من الحصر في النصوص (1)المزبورة، و لا يقاس على وقوع الواحدة بقول: «ثلاثا» لو قلنا به، لدليله من الإجماع المحكي و نحوه، و إلا فقد عرفت أن مقتضى ذلك عدم وقوع شي ء بها، ضرورة كون المقصود بالصيغة التي وضعت لإنشاء طبيعة الطلاق التي تتحقق بالواحدة التعدد المحتاج إلى تعدد سببه، إذ ما وقع بعده من المرتين و الثلاث و قول «طلقة بعد طلقة» مثلا مفسرا للمراد بالصيغة التي أوقعها هو غير ما وضعت له الصيغة بمقتضى نصوص الحصر قطعا لا أنه قصد التعدد بالضميمة حتى لا يقدح بطلانها في المراد من الصيغة.

و لكن مع ذلك قال المصنف لو قيل: يقع طلقة واحدة بقوله: «طالق مع طلقة» أو بعدها طلقة أو عليها طلقة و لا يقع لو قال: «قبلها طلقة» أو «بعد طلقة» كان حسنا و احتمله الفاضل في القواعد.

بل في المسالك هو الأصح، قال: «أما الأول فلأن القصد إلى الاثنين يقتضي القصد إلى الواحدة، فإذا بطلت الثانية لفقد شرطها تبقى الأولى، لعدم المقتضى له، إذ ليس إلا توهم كونه لم يقصد إلا الطلاق الموصوف بذلك، و هو ممنوع، بل هو قاصد إلى كل واحد منهما، فتقع الواحدة بقول: «أنت طالق» و تلغو الضميمة، كما لو قال: «أنت طالق ثلاثا» أو «اثنتين» و

أما البطلان في الثاني فلأنه شرط في الطلقة الملفوظة كونها واقعة بعد طلقة أو أن يكون قبلها طلقة و لم يقع ذلك، فكأنه قد علق الطلاق الملفوظ على آخر لم يقع، و لأنه قصد طلاقا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 96

باطلا، لأن الطلاق المسبوق بآخر هو طلاق المطلقة من غير رجعة، و هو باطل بخلاف شرطه أن يكون بعده أو معه، فان الطلاق الواحد لا مانع منه، و إنما المانع من المنضم إليه».

و نحوه في كشف اللثام قال: «لأنه إنما نوى في الأخيرين إيقاع طلقة متأخرة عن طلقة و هو ينافي التنجيز، إلا أن يكون طلقها سابقا طلقة صحيحة و أراد تأخير هذه الطلقة عنها فتقع، و أما في غيرهما فإنه نوى إيقاع طلقة بها، و إن وصفها بعد ذلك بمقارنة طلقة أو بالتقدم على طلقة فيكون لغوا».

قلت: لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد التأمل فيما ذكرنا من كون المراد بهذه الصيغ إنشاء التعدد بالوجه المزبور نحو إنشائه بذكر الثلاث و الثنتين، و ليس من التعليق في شي ء، و إلا لاقتضى البطلان في الجميع، و لا الإخبار عن طلقة سابقه، و الأصل في ذلك كله العامة الذين ألحقوا التعدد بذكر العدد لفظا أو ما يفيده بالتعدد الحسي الخارجي، و المراد بقوله تعالى (1)«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» لغة و عرفا إيقاع الطلاق مرتين

المتوقف كل منهما على الزوجية، و لو بأن يرجع بها بعد طلاقها.

و قد ظهر بذلك كله أن الأمثلة المزبورة كلها من واد واحد، و لذا كان المحكي عن المبسوط وقوع طلقة واحدة بالجميع، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من أن المتجه بمقتضى أدلة الحصر عدم الوقوع أصلا بشي ء منها، نعم لو فرض استقلال القصد على معنى قصد معنى الصيغة منها مستقلا و التعدد من الضميمة مستقلا اتجه الصحة في الجميع، و التعليق المتصور في الأخيرين يتصور في غيرهما أيضا، لكن من المعلوم عدم إرادته و إنما المراد من الجميع إنشاء التعدد بذلك على الوجه الذي ذكرناه سابقا.

هذا و في المسالك «نبه المصنف بقوله: «سواء كان» إلى آخره على خلاف


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 32، ص: 97

العامة، حيث حكموا بوقوع الواحدة مطلقا بغير المدخول بها، و وقوع الاثنتين إن كانت مدخولا بها، لأن غير المدخول بها تبين بالواحدة، و لا تقبل الطلقة الأخرى، بخلاف المدخول بها، فإنها تقبل المتعدد».

و فيه أنه خلاف المحكي عنهم في المبسوط من وقوع اثنتين في الأولى أيضا، بل هو خلاف ما يقتضيه قياسهم، ضرورة كون الاثنتين قد وقعا دفعة، فلا يحتاج إلى أمر آخر و الظاهر أنه من المقطوع به عندهم أنه لو قال لغير المدخول بها: «أنت طالق ثلاثا» لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

و لو قال: «أنت طالق نصفي طلقة» أو «ثلاثة أثلاث طلقة» قال الشيخ ره:

لا يقع للأصل، و ظهور نصوص الحصر(1)في غيره، و معلومية عدم تجزئ الطلاق، فهو حينئذ كقول: «نصف طلقة».

و لكن قال المصنف لو قيل: يقع الطلاق بقوله: «أنت طالق» و تلغو الضمائم، إذ ليست رافعة للقصد كان حسنا بل في القواعد أنه الأقرب.

و لا كذا لو قال: نصف طلقتين الظاهر في إرادة نصف من كل طلقة، و لذا أوقع به بعض الشافعية طلقتين، لأنه في قوة نصف طلقة و نصف طلقة بناء على وقوعها تامة عندهم بذلك، و قد يحتمل كون المراد به الطلقة من الطلقتين، بل قيل: إنه الظاهر منه عرفا، و لذا أوقع به بعض آخر من الشافعية طلقة واحدة، لكنه كما ترى، ضرورة أنه إذا كان الوقوع بالصيغة- و الضميمة لغو- فهو موجود في الجميع، بل هو كذلك حتى في «أنت طالق نصف طلقة» و إن كان (2)اتحاد إرادة الطلقة من نصفيها و هي مفاد الصيغة فالمتجه الصحة أيضا في الأخير مع فرض إرادة ذلك أيضا، و التحقيق عدم الوقوع في الجميع، لكونه غير مفاد الصيغة المستفادة من


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 جاء في هامش النسخة الأصلية المبيضة برمز خ ل« لإرادة الطلقة من نصفيها التي هي مفاد».

ج 32، ص: 98

نصوص الحصر(1)و دعوى إلغاء الضميمة التي من الواضح مدخليتها في قصد الصيغة ظاهرة

الفساد، نعم هو كذلك في الضمائم التي لا مدخلية لها في ذلك.

[فرع]

فرع:

قال الشيخ: إذا قال لأربع زوجات أوقعت بينكن أربع طلقات وقع بكل واحدة طلقة لإطلاق أدلة الطلاق الذي لا ينافيه الحصر في النصوص (2)بعد تنزيله على غير ذلك، إذ لا ريب في صحة طلاق الزوجتين بأنتما طالقان، و الأربعة بأنتن طوالق، بل قد عرفت صحة الطلاق عند الشيخ بقول: «أنت مطلقة» و بقول: «نعم» في جواب سؤال «هل طلقت زوجتك» و هذا أولى.

و الأصل في هذا الفرع الشافعية، فإنه في مبسوطة جري معهم في فروعهم التي (منها) لو قال لأربع: «أوقعت بينكن طلقة» قالوا: يقع بكل واحدة طلقة، لسراية الربع الحاصل من الصيغة التي لا يعتبرون فيها لفظا خاصا، و (منها): ما لو قال للأربعة: «أوقعت بينكن أربع طلقات» وقع لكل واحدة واحدة أيضا، لأنه يكون قد أوقع لكل واحدة طلاقا تاما، فوافقهم على الثاني دون الأول المبني على تجزئ الطلاق الممنوع.

و لكن مع ذلك كله فيه إشكال، لأنه اطراح للصيغة المشترطة في حصول الطلاق الصحيح في نصوص الحصر(3)على وجه قد عرفت عدم وقوعه بكل ما هو مشكوك في حصوله به بمخالفته لهيئتها أو أحوالها أو أحوال المقصود بها، فضلا عن مظنون العدم، و لا يجدى الإطلاق الذي

قد علم تقييده بنصوص الحصر، نعم لو وقع ذلك بعنوان الإقرار بالطلاق لا إنشائه حكم به، كما هو واضح.

و لو قال: «أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا» صحت واحدة إن نوى بالأول الطلاق، و بطل الاستثناء إن قلنا باقتضاء الصيغة ذلك مع عدم الاستثناء، ضرورة بطلانه، لكونه مستغرقا، فوجوده حينئذ كعدمه، و يكون الحال كما إذا لم يكن استثناء،


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 99

نعم بناء على ما عند العامة من وقوع الثلاث بدون استثناء يحكم بصحة الاستثناء مع مراعاة قواعده المشهورة، فيبطل المستغرق و يبقى الثلاث، و يصح غير المستغرق كواحدة بقول: «إلا اثنتين» و اثنين بقول: «إلا واحدة».

هذا و في المسالك «قول المصنف: «إن نوى بالأول الطلاق» لا خصوصية له بهذه المسألة، لأن القصد معتبر في جميع الصيغ، و ليس هذا كالكناية المفتقرة إلى نية زائدة كما سبق، بل هي من الألفاظ الصريحة، نعم اعتبر القائلون بصحة الاستثناء أن يكون قصده مقترنا بأول اللفظ، فلو بدا له الاستثناء بعد تمام المستثنى منه لم يؤثر الاستثناء، لوقوعه بعد لحوق الطلاق فيلغو».

قلت: يمكن أن يكون الوجه في تقييد المصنف الحكم بالبطلان مع الاستثناء- و إن قلنا بالواحدة بدونه- إذا كان قد قصد من أول الأمر بذلك عدم الطلاق و إن أداه بالعبارة المزبورة التي يمكن دعوى ظهورها في ذلك، باعتبار كون الاستثناء بيانا للمراد بالمستثنى منه، فمع فرض استغراقه يرجع إلى إرادة عدم قصد الطلاق بالمستثنى منه، و لا يقدح في ذلك كون الاستثناء لاغيا، إذ لغويته لا تنافي دلالته على المعنى المزبور، كما لا تنافي ذلك الحكم في الإقرار بلزوم المستثنى منه، و بطلان الاستثناء في مثله للدليل أو لقاعدة عدم سماع الإنكار بعد الإقرار الذي منه المفروض، مع قاعدة صون كلام العاقل عن الهذيان، على أن معنى الإقرار قابل لإلحاق الاستثناء به، لأنه إخبار، بخلاف الإنشاء الذي يتبع ترتب أثره التلفظ بالصيغة المقصود معناها، و منه يمكن القول بالبطلان بقول: «أنت طالق طلقة إلا طلقة».

كل ذلك مع قطع النظر عن دعوى ظهور أدلة الحصر في غير ذلك، و أن الطلاق الصحيح هو قول: «أنت طالق» مجردة عن قصد أمر زائد على قصد طبيعة الطلاق بها الذي يلزمه وقوع الواحدة بها، نحو باقي الطبائع، و أن الحكم بالواحدة بقول: «أنت طالق ثلاثا» للإجماع المحكي و غيره مما عرفته سابقا، و حينئذ يتجه البطلان من رأس في الفرض، إلا مع فرض قصد الطلاق بقوله «أنت طالق»

ج 32، ص: 100

على نحو المذكور في أدلة الحصر، و أن قصد الثلاث إلا الثلاث أمر آخر قصده مستقلا، فيقع لغوا، فتأمل جيدا كي يظهر لك مما ذكرنا ما في كشف اللثام أيضا و غيره.

و لو قال: «أنت طالق غير طالق» فان نوى الرجعة بذلك و كان الطلاق رجعيا صح: لأن إنكار الطلاق رجعة كما ستعرف، فضلا عن الفرض الذي قصد الرجوع به و إن أراد النقض حكم بالطلقة التي تترتب عليه قهرا بإنشاء الصيغة المراد معناها التي هي سبب شرعا فيه، فلا يثمر نقضه لها.

و لو قال: «طلقة إلا طلقة» لغا الاستثناء، و حكم بالطلقة بقوله:

طالق ما لم يعلم منه عدم قصد الطلاق بذلك، بل قد عرفت إمكان دعوى ظهور التركيب في ذلك.

و لو قال: «زينب طالق» ثم قال: «أردت عمرة» و لكن غلط لساني و هما زوجتان له قبل لأن المرجع في تعيين المطلقة إلى قصده الذي لا يعلم إلا من قبله، مع أن الفعل فعله لا مشترك بينه و بين غيره، و الغلط اللفظي احتمال ممكن واقع كثيرا، فهو كدعوى الغلط بقول: «طالق» و أن المراد قول:

«طاهر» و نحوه مما عرفته سابقا.

و في المسالك «و قيد بكونهما زوجتين ليحترز عما لو ادعى قصد أجنبية و غلط في تسمية زوجته، فإنه لا يقبل، لأن ذلك خلاف الظاهر فإن الأصل في الطلاق أن يواجه به الزوجة أو يعلق بها، فدعواه إرادة الأجنبية غير مسموعة».

و فيه أنه يمكن رجوع ذلك إلى دعوى عدم القصد، أو إلى قصد إرادة الأجنبية، كما لو قال: «سعدى طالق» و كان الاسم مشتركا بين زوجته و الأجنبية الذي قد عرفت البحث فيه سابقا، و الأصل المزبور جار في أكثر أفراد المسألة التي قد عرفت القبول فيها، و لعل وجه التقييد قبول قوله في طلاق عمرة المنوية التي أريدت من قول: «زينب» غلطا لأن الفعل فعله، و متعلقة أمر في يده، لأن الفرض كون كل منهما زوجة له.

ج 32، ص: 101

و أما احتمال عدم وقوع الطلاق بأحدهما، لعدم النطق بلفظ يعين المطلقة- بل جعله في كشف اللثام هو الظاهر- ففيه أنه يكفى اللفظ الغلطى مع فرض القصد به، و الله العالم.

و لو قال: «زينب طالق بل عمرة» طلقتا جميعا، لأن كل واحدة منهما مقصودة في وقت التلفظ باسمها فتندرج في إطلاق الأدلة، بل في كشف اللثام «أن «بل» ليست نصا في الإنكار أو النقض، فلتحمل على الجميع» و إن كان فيه أن الظاهر ثبوت الحكم حتى على فرض إرادة النقض الذي لا يرجع فيه إليه بعد فرض حصول سببه الشرعي، نعم لو رجع ذلك إلى إرادة بيان الغلط اللساني في «زينب» اتجه الفساد حينئذ فيها بناء على قبوله منه، و لكن ذلك خروج عن الفرض.

و على كل حال فقال المصنف فيه إشكال ينشأ من اعتبار النطق بالصيغة التي هي «أنت مثلا طالق» و تبعه الفاضل في القواعد، فلا يكفي العطف خصوصا إذا كان بلفظ «بل» و لا أقل من الشك، و الأصل عدم حصوله، بل في المسالك «الأقوى توقف الثانية على الصيغة التامة مطلقا أى من غير فرق بين العطف بالواو و غيره، نعم لو وقع ذلك على وجه الإقرار حكم بطلاقهما، لأنه أقر بطلاق المذكورة أولا ثم رجع مستدركا و أقر بطلاق الثانية، فلا يقبل رجوعه عن الأولى، و يؤاخذ بالثاني، كما لو قال: له علي درهم بل دينار».

ت: قد عرفت البحث سابقا في الاكتفاء بحرف العطف عن إعادتها، من غير فرق بين الواو و غيرها و إن كان ربما فرق بينها و بين «بل» فحكم بالصحة بها نظرا إلى مقتضى الجمع بين المعطوف و المعطوف عليه، فيكون قوله: «طالق» في الأولى مرادا في الثانية، بخلاف المعطوف ببل، لأنها تفيد الإضراب عن الأولى و إثباته للمعطوفة، فإذا بطل حكم «طالق» في الأولى لم يكن مؤثرا في الثانية، لكنه كما ترى.

هذا و لقد أكثر العامة في ذكر الفروع المتعلقة بالإبهام، و التعليق، و الحلف بالطلاق، و تعقيب الصيغة بالمنافي، و غير ذلك، و قد أطنب الشيخ في المبسوط في

ج 32، ص: 102

ذكر الصحيح منها على أصولنا و الفاسد، و بملاحظتها يعلم ما هو المراد من نصوص الحصر(1)و غيرها من التعريض بهم، بل من ذلك يعلم أن الحصر في النصوص المزبورة من الباب التي ينفتح منها ألف باب، لكون المراد به فساد كثير مما ذكروه.

[الركن الرابع الاشهاد]
اشاره

الركن الرابع الاشهاد كتابا(2)و سنة(3)و إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر كالسنة،

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (4)لمن سأله عن طلاقه:

«أشهدت رجلين عدلين كما أمر الله عز و جل؟ فقال: لا فقال: اذهب، فليس طلاقك بطلاق»

و قال الباقر و الصادق عليهما السلام في حسن زرارة و محمد بن مسلم و من معهما(5): «و إن طلقها في استقبال عدتها طاهرا من غير جماع و لم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه إياها بطلاق»

و قال الباقر (عليه السلام) في حسنهما أيضا(6): «الطلاق لا يكون بغير شهود»

و

قال الصادق (عليه السلام): في خبر أبي الصباح (7)«من طلق بغير شهود فليس بشي ء»

و قال أبو الحسن عليه السلام في حسن أحمد بن محمد بن أبى نصر(8): «يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشاها بشاهدين عدلين، كما قال الله عز و جل في كتابه، فإن خالف ذلك رد إلى كتاب الله عز و جل»

إلى غير


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 سورة الطلاق:- 65- الآية 2.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 13- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6.
8- 8 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 103

ذلك من النصوص التي سيمر عليك جملة منها.

نعم الظاهر الاكتفاء بشهادة إنشاء الطلاق من الأصيل أو الوكيل أو الولي، و لا يعتبر العلم بالمطلق و المطلقة على وجه يشهد عليهما لو احتيج إليه، لإطلاق الأدلة.

لكن عن سيد المدارك في شرح النافع اعتبار ذلك، قال: «و اعلم أن الظاهر من اشتراط الإشهاد أنه لا بد من حضور شاهدين يشهدان بالطلاق، بحيث يتحقق معه الشهادة بوقوعه، و إنما يحصل ذلك مع العلم بالمطلقة على وجه يشهد العدلان بوقوع طلاقها، فما اشتهر بين أهل زماننا- من الاكتفاء بمجرد سماع العدلين صيغة الطلاق و إن لم يعلما المطلق و المطلقة بوجه- بعيد جدا، بل الظاهر أنه لا أصل له في المذهب، فان النص و الفتوى متطابقان على اعتبار الاشهاد، و مجرد سماع صيغة لا يعرف قائلها لا يسمى إشهادا قطعا. و ممن صرح باعتبار علم الشهود بالمطلقة الشيخ في النهاية، قال: «و متى طلق و لم يشهد شاهدين ممن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع- ثم قال-: و إذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول: «فلانة طالق» أو يشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود، فيقول:

هذه طالق» و يدل على ذلك- مضافا إلى ما ذكرناه من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم بالمطلقة-

مكاتبة محمد بن أحمد بن مطهر إلى العسكري (عليه السلام)(1)«إنى تزوجت بأربع نسوة لم أسأل عن أسمائهن ثم أريد طلاق إحداهن و تزويج امرأة أخرى، فكتب: انظر إلى علامة إن كانت بواحدة منهن، فتقول: اشهدوا أن فلانة التي بها علامة كذا و كذا هي طالق ثم تزوج الأخرى إذا انقضت العدة»(2).


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 3 من كتاب النكاح.
2- 2 الى هنا ينتهى كلام سيد المدارك قده في شرح النافع. و الموجود في النسخة المخطوطة منه في عام 1167 المخزونة في مكتبة السيد الحكيم قدس سره العامة في النجف الأشرف:« لا بد من حضور شاهدين يسمعان الطلاق بحيث يتحقق معه الشهادة بوقوعه».

ج 32، ص: 104

و أطنب في الحدائق في رده، و قال: «إن اعتبار العلم في الجملة مما لا إشكال فيه و لا مرية تعتريه، لا من أهل زمانه و لا من غيرهم، و هو الذي جرى عليه كافة من حضرنا مجالسهم من مشايخنا المعاصرين، و أما العلم الموجب لتميزهما و تشخيصهما فلا أعرف له دليلا واضحا، و جميع ما استدل به لا يخلو من نظر واضح، بل صريح الدليل خلافه، إذ ما ذكره- من عدم تحقق الاشهاد بدون العلم- ففيه منع واضح إن أراد العلم بالمعنى الذي ذكره، بل هو عين المدعى، و إن أراد في الجملة فهو مسلم، فإنه لو قال: «فاطمة زوجتي طالق» و الشهود ليس لهم معرفة سابقه إلا بهذا الاسم الذي ذكره، صح، و كذلك المطلق، إذا علموا أن اسمه زيد مثلا فإنه يكفي في العلم به، و لا يشترط أزيد من ذلك.

و عبارة الشيخ في النهاية إنما تدل على ذلك، فان المراد بقوله: «فينبغي» إلى آخره تسمية المطلقة باسمها العلمي، و مع عدم معرفة الاسم العلمي فلا بد من شي ء يدل على التعيين، لوجوبه في صحة الطلاق كما تقدم، بأن يشير إلى امرأة جالسة و يقول «هذه طالق» بعد علم الشهود بها و لو في الجملة، بأن تكون بنت فلان، أو أخت فلان، أو البصرية، أو الكوفية، أو نحو ذلك مما يفيد العلم في الجملة.

و أما الخبر فالمراد منه اعتبار ما يدل على التعيين من علامة و نحوها بعد تعذر الاسم، بل هو ظاهر في الاجتزاء به مع فرض معرفته، فيكون حينئذ ظاهرا فيما ذكرناه لا فيما ذكره.

بل يدل على ذلك صريحا

خبر أبى بصير المرادي أو صحيحه (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل تزوج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد و مهورهن مختلفة قال: جائز له و لهن، قلت: أ رأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان فطلق واحدة من الأربع و أشهد على طلاقها قوما من أهل تلك البلاد و هم لا يعرفون المرأة ثم تزوج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدة المطلقة ثم مات بعد


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 105

ما دخل بها كيف يقسم ميراثه؟ قال: إن كان له ولد فإن للمرأة التي تزوجها أخيرا من تلك البلاد ربع ثمن ما ترك، و إن عرفت التي طلقت بعينها و نسبها فلا شي ء لها من الميراث، و ليس عليها العدة، قال: و تقسم الثلاث نسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك، و عليهن العدة، و إن لم تعرف التي طلقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك بينهن جميعا، و عليهن جميعا العدة» و رواه الشيخ في الصحيح عن الحسن ابن محبوب

و طريقه إليه صحيح، و هو مع صحة سنده صريح في طلاق من لم يعرفها الشهود لشخصها، و لا ينافي ذلك اعتبار التعيين في صحة الطلاق، فان الاشتباه المذكور في ذيله يمكن أن يكون لعروض نسيان لهم أو غيره.

نعم ربما يدل على ما ذكره

حسن حمران (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «لا يكون خلع و لا تخيير و لا مباراة إلا على طهر من المرأة من غير جماع و شاهدين يعرفان الرجل و يريان المرأة و يحضران التخيير و إقرار المرأة أنها على طهر من غير جماع يوم خيرها، قال: فقال له محمد بن مسلم: ما إقرار المرأة هنا؟ قال: يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل حذار أن يأتي بعد فتدعي أنه خيرها و هي طامث فيشهدان عليها بما سمعا منها»

إلا أن هذا الخبر لم يتضمن الطلاق، و يمكن حمله على الاستحباب و الاحتياط- ثم قال-:

و بالجملة فإن ما ذكرناه من الاكتفاء بالمعرفة الإجمالية هو الذي جرى عليه مشايخنا الذين عاصرناهم، و حضرنا مجالس طلاقهم كما حكاه هو أيضا عما اشتهر في زمانه، و أما ما ادعاه فلم أقف له على موافق، و لا دليل يعتمد عليه. و لم أقف لأحد من أصحابنا على بحث في هذه المسألة سوى ما نقلناه عنه، و قد عرفت ما فيه»(2).


1- 1 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع الحديث 4.
2- 2 الى هنا ينتهى كلام صاحب الحدائق في مناقشة سيد المدارك قدس سرهما مع تغيير بعض الجملات بالنقل الى المعنى.

ج 32، ص: 106

و تبعه على ذلك في الرياض، فإنه- بعد أن ذكر إطلاق المستفيضة المكتفية بشهادة الشاهدين للصيغة خاصة من دون مراعاة الزائد عليها بالمرة- قال: «و هي و إن اقتضت صحة الطلاق مطلقا و لو من دون علمهما بالمطلقة و لو بالاسم أو الإشارة بالمرة إلا أن اللازم مراعاة المعرفة في الجملة بنحو من الاسم أو الإشارة تحقيقا لفائدة الشهادة، و التفاتا إلى بعض المعتبرة- أي المكاتبة المذكورة ثم قال-: و به صرح شيخنا في النهاية، و لعل هذا أيضا مراد بعض متأخري الطائفة من اعتباره في صحة الاشهاد علم الشاهدين بالمطلق و المطلقة، و لو أراد العلم بهما من جميع الوجوه لكان بعيدا غاية البعد، بل فاسدا بالضرورة، لاستلزامه تقييد الأدلة من غير دلالة، مع استلزام مراعاته الحرج المنفي آية(1)و رواية(2)و مخالفة الطريقة

المستمرة بين الطائفة، مع اندفاعه بخصوص الصحيحين- أى خبري أبي بصير(3)ثم قال-: ربما أشعرت بذلك عموم أخبار(4)صحة طلاق الغائب، لكون الغالب في شهوده عدم المعرفة بالمطلقة، و سيما إذا كانت الغيبة إلى البلاد البعيدة، و بالجملة الظاهر من الأدلة كفاية المعرفة بنحو من الاسم أو الإشارة من دون لزوم مبالغة تامة في المعرفة».

قلت: هما و إن أجادا في الإنكار عليه باعتبار العلم المزبور، لكن فيما اعتبراه أيضا من اعتبار العلم في الجملة بحث، بل فيه من الإجمال ما لا يخفى، على أنه لا وجه له إذا كان مبنى عدم اعتبار العلم بالمعنى المزبور هو كون المراد من


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 78.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب الوضوء الحديث 5 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1 بسندين راجع الباب- 9- من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث و التهذيب ج 8 ص 93 و ج 9 ص 296 و 384.
4- 4 الوسائل الباب- 25 من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 107

الكتاب (1)و النص (2)و الفتوى هو حضور العدلين إنشاء الطلاق من منشئه من غير اعتبار لاتصافهما بالشهادة على وجه يعتبر فيهما ما يعتبر في الشهادة، على (إلى ظ) غير ذلك من تشخيص المشهود عليه و نحوه.

بل يمكن دعوى الاكتفاء بشهادة العدلين ذلك و إن لم يقبل شهادتهما على المطلق أو المطلقة لأمر لا ينافي العدالة من خصومة أو أبوه أو رقية أو نحو ذلك بناء على اعتبار ذلك في

قبولها، و اعتبار التعيين أو ذكر ما يفيده في صحة صيغة الطلاق لا مدخلية له في الإشهاد بالمعنى المزبور، فلو قال: «زوجتي طالق» أو «فاطمة طالق» و كان الاسم مشتركا بين نسائه و قصد به معينا صح الطلاق و إن لم يعلم الشاهدان المعينة عنده.

بل لو أنشأ منشئ الطلاق بحضور عدلين من غير علم لهما بكونه وكيلا أو زوجا أو وليا صح، و كذا لو أنشأه بمحضر ممن لا يبصره و لا يعرفه لعمى أو غيره- فضلا عن معرفة المطلقة- صح أيضا، لإطلاق الأدلة.

و بالجملة لا يعتبر في شاهدي الطلاق كونهما شاهدين على المطلق أو المطلقة مقبولي الشهادة عليهما كي يعتبر في صحة الطلاق صحة شهادتهما عليهما.

نعم لو قلنا باستفادة اعتبار كونهما شاهدين من الأمر بالإشهاد في الكتاب (3)و السنة(4)لاتجه ما قاله السيد المزبور لا ما قالاه، بل اتجه اعتبار كونهما مقبولي الشهادة عليهما، كما عساه يومئ إليه حسن حمران (5)السابق المحمول على ضرب من الاحتياط، لعدم القائل بمضمونه حتى السيد المزبور، لكن قد عرفت عدمه، بل ظاهر الأدلة بل صريح بعضها خلافه، و ذكر العلامة في المكاتبة لإرادة التعيين لا يقتضي ذلك.

و لعله لذا قال المصنف في تفسير اعتبار الإشهاد: أنه لا بد من حضور


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من كتاب الخلع الحديث 4.

ج 32، ص: 108

شاهدين يسمعان الإنشاء أو يريانه في إشارة الأخرس و كتابة العاجز سواء قال لهما: اشهدا أو لم يقل ضرورة عدم توقف صدق شهادتهما بل و لا إشهادهما على ذلك، مضافا إلى

حسن ابن أبى نصر(1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل كانت له امرأة طهرت من محيضها فجاء إلى جماعة فقال: فلانة طلاق يقع عليها الطلاق و لم يقل اشهدوا؟ قال: نعم»

و نحوه حسن صفوان بن يحيى (2)عنه (عليه السلام).

نعم قد يقال باعتبار اقتضاء اعتبار الأمر بالإشهاد في الآية(3)و غيرها قصد إيقاع الطلاق بحضورهما، فلو طلق من دونه لم يصح و إن سمعه منه من لم يعلم به من وراء جدار مثلا، و إن لم أجد المصرح بذلك إلا أنه يمكن دعوى ظهور كثير من الكلمات فيه.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أن سماعهما التلفظ بإنشاء الطلاق أو ما يقوم مقامه شرط في صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة لم يقع و لو كملت شروطه الأخر بل قد عرفت أن ذلك مما تطابق عليه الكتاب (4)و السنة(5)و الإجماع بقسميه.

و كذا تطابقت على اعتبار التعدد فيهما و العدالة(6)و حينئذ ف لا يقع الطلاق بشاهد واحد و لو كان عدلا بل معصوما و لا بشهادة فاسقين فصاعدا و لو بلغ الشياع، بل و ما يفيد العلم و إن توهم بعض الناس الاكتفاء بالأخير، معللا له بأنه ليس بعد العلم من شي ء إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم مدخلية العلم بوقوعه فيما يعتبر في صحته بل لا بد حال وقوعه من حضور شاهدين (11) عدلين، نعم يكفي كون ظاهرهما العدالة.

و من فقهائنا (12) كالشيخ في نهايته و القطب الراوندي فيما يحكى عنه من


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.
6- 6 سورة الطلاق: 65- الآية 2 و الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 109

اقتصر على اعتبار الإسلام فيهما و مقتضاه الاجتزاء بالمسلمين الفاسقين فضلا عن المؤمنين.

و لا ريب في أن الأول أظهر بل ينبغي القطع به، إذ دعوى عدم اعتبارها فيه بعد اتفاق الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه عليه واضحة الفساد، كدعوى تحققها بالإسلام و إن قارن سائر المعاصي، ضرورة صدق اسم الفاسق عليه الذي يمتنع معه صدق اسم العدل، بل لا ينبغي نسبة هذا القول لأحد من أصحابنا المنزهين عن أمثال ذلك.

و لعل ما في النهاية من «أنه متى طلق بمحضر من رجلين مسلمين و لم يقل لهما اشهدا وقع

طلاقه، و جاز لهما أن يشهدا بذلك» غير مساق لبيان ذلك، لأنه قد تقدم له قبل ذلك بأسطر «أن من الشرائط العامة لجميع أنواع الطلاق أن يكون طلاقه بمحضر من شاهدين مسلمين عدلين، و يتلفظ بلفظ مخصوص» إلى آخره و هو صريح في اشتراط العدالة، كما أنه ظاهر أو صريح في أنها أمر زائد على الإسلام، نحو قوله تعالى (1)«وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» خصوصا بعد ما تقدم له سابقا في كتاب الشهادات من تعريف العدل بمضمون ما في صحيح ابن أبى يعفور(2)بل اعتبر نحو ذلك أيضا في شهادة النساء.

فمن الغريب نسبة بعض إليه هنا عدم اعتباره العدالة أو أنها هي الإسلام، و لعل النسبة إلى القطب كذلك، إذ لم يحضرنا كلامه.

و أغرب من ذلك الاحتجاج لهما بما في

حسن البزنطي (3)عن أبى الحسن (عليه السلام) «قلت: فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق أ يكون طلاقا؟ فقال: من ولد على الفطرة أجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه خير»

و صحيح عبد الله بن


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 110

المغيرة(1)قلت للرضا (عليه السلام): «رجل طلق امرأته و أشهد شاهدين ناصبيين، قال: كل

من ولد على الفطرة و عرف بالصلاح في نفسه جازت شهادته»

المحمولين بشهادة العدول عن جواب السؤال على التعبير بما هو جامع بين التقية و الحق الذي لا زالوا يستعملونه، حتى قالوا لبعض أصحابهم في

بعض (2)نصوص الطلاق ثلاثا معلمين لهم: «إنكم لا تحسنون مثل هذا»

أي فتجمعون بينهما بالعبارة الجامعة، فيراد حينئذ بمعرفة الخير فيه و الصلاح في نفسه المؤمن العدل الذي قد يقال: إنه مقتضى الفطرة أيضا، لا الناصب الذي هو كافر إجماعا، بل و لا مطلق المخالف الذي هو الشر نفسه.

فما في المسالك من الميل إلى القول المزبور واضح الفساد، و نحوه قد وقع له في كتاب الشهادات، و قد ذكرنا هناك ما عليه، و من العجيب موافقة سبطه له هنا على ذلك في المحكي عن شرحه على النافع، و لعله لقرب مزاجه من مزاجه باعتبار تولده منه.

نعم لا عذر للكاشاني في مفاتيحه، سواء قالوا بعدم اعتبار العدالة في شاهدي الطلاق أو قالوا بأنها فيه مجرد الإسلام، فإن الأمرين كما ترى.

و أغرب من ذلك قوله في المسالك بعد أن ذكر رواية البزنطي(3): «و هذه الرواية واضحة

الاسناد و الدلالة على الاكتفاء بشهادة المسلم في الطلاق، و لا يرد أن

قوله (عليه السلام) «بعد أن يعرف منه خير»

ينافي ذلك، لأن الخير قد يعرف من المؤمن و غيره، و هو نكرة في سياق الإثبات لا يقتضي العموم، فلا ينافيه مع معرفة الخير


1- 1 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 و فيه« قال: ثم التفت الى فقال: فلان لا يحسن أن يقول مثل هذا» كما في الاستبصار ج 3 ص 290 الرقم 1025 الا أن الموجود في التهذيب ج 8 ص 92« قال: ثم التفت الى فقال: يا فلان لا تحسن أن تقول مثل هذا».
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 111

منه بالذي أظهره من الشهادتين و الصلاة و الصيام و غيرهما من أركان الإسلام أن يعلم منه ما يخالف الاعتقاد الصحيح، لصدق معرفة الخير منه معه، و في الخبر- مع تصديره باشتراط شهادة عدلين، ثم الاكتفاء بما ذكر- تنبيه على أن العدالة هي الإسلام، فإذا أضيف إلى ذلك أن لا يظهر الفسق كان أولى».

ضرورة كونه من الكلام الذي لا يستأهل ردا و إن أطنب في الحدائق، بل و الرياض، بل لعل القول به مع عدم الإضافة المزبورة التي جعلها أولى مناف للضروري بين العلماء، كما أنه مناف معها أيضا لعلماء الفرقة المحقة، كما أوضحنا ذلك في كتاب الشهادات.

ثم إن الظاهر المنساق من الأدلة اعتبار شاهدين خارجين عن المطلق و إن كان وكيلا أو وليا، لكن في المسالك بعد أن اعترف باعتبار ذلك قال: «ثم إن كان هو الزوج فواضح، و إن كان وكيله ففي الاكتفاء به عن أحدهما وجهان: من تحقق اثنين خارجين عن المطلق، و من أن الوكيل نائب عن الزوج، فهو بحكمه، فلا بد من اثنين خارجين عنهما، و فيه أن أحدهما أعني الزوج أو الوكيل خارج، لأن اللفظ لا يقوم باثنين فأيهما اعتبر اعتبر شهادة الأخر» قلت: يصدق المطلق على كل منهما باعتبار، فلا بد من شاهدين غيرهما، كما هو واضح.

و من ذلك يعلم ما في القواعد «و لو كان أحدهما- أي الشاهدان- الزوج ففي صحة طلاق الوكيل إشكال، فإن قلنا به- أي الوقوع- لم يثبت- أي الطلاق- بشهادته، لأنه هو المدعي».

ثم إن المراد من قول المصنف ره: «ظاهرهما» إلى آخره بيان أن العدالة و إن كانت شرطا لكن يكفي في الحكم بحصولها على وجه يترتب عليه المشروط بها حسن الظاهر ضرورة تعذر الاطلاع على نفس الأمر أو تعسره، و لهذا اتفق النص (1)و الفتوى على الاكتفاء بذلك في الحكم بحصولها، فلا يقدح حينئذ فسقهما في نفس


1- 1 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 3.

ج 32، ص: 112

الأمر في الحكم بصحة الطلاق ظاهرا لغير العالم بحالهما، بل لا يشترط حكم الحاكم بذلك، كما في غيره من الموضوعات التي علق عليها الحكم.

بل في المسالك «هل يقدح فسقهما في نفس الأمر بالنسبة إليهما حتى لا يصح لأحدهما أن يتزوج بها أم لا، نظرا إلى حصول شرط الطلاق، و هو العدالة ظاهرا؟

وجهان، و كذا لو علم الزوج فسقهما مع ظهور عدالتهما، ففي الحكم بالوقوع بالنسبة إليه،

حتى يسقط عنه حقوق الزوجية و يستبيح أختها و الخامسة وجهان.

و الحكم بصحته فيهما لا يخلو من قوة».

و قد تبع ببعض ذلك الفاضل في القواعد «و لو أشهد من ظاهره العدالة وقع و إن كان في الباطن فاسقين أو أحدهما، و حلت عليهما على اشكال- لكن قال-: أما لو كان- أي المطلق- ظاهرا- أي مطلعا- على فسقهما فالوجه البطلان» و لعله لما في كشف اللثام من أن ظهور العدالة إن أفاد إنما يفيد في نظر المطلق، فهما حينئذ ليسا بظاهري العدالة.

قلت: قد يقال إن مقتضى قاعدة وضع اللفظ للواقع بطلان الطلاق لكل من هو مطلع على فسقهما فيه، حتى هما أيضا، و الاجتزاء بالظاهر للنص (1)و الفتوى إنما هو لغير منكشف الحال.

نعم لو قلنا إن العدالة هي نفس حسن الظاهر واقعا اتجه الصحة حينئذ حتى مع علم الزوج إذا فرض على وجه لا ينافي صدق حسن الظاهر، لكن لا يخفى ما فيه من البعد.

و دعوى ظهور ما دل علي الاجتزاء بالظاهر من النص (2)و الفتوى في ترتب الحكم المعلق عليه و إن بان بعد ذلك خلافه كما في الائتمام و نحوه إن لم نقل إنه عدالة لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة في الشهادات و غيرها خلافها، و الائتمام مداره على الصلاة خلف من وثق به، فلا يقدح في صدق الامتثال ظهور الفسق بعد


1- 1 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 3.

ج 32، ص: 113

ذلك، على أن الكلام هنا في علم الشاهدين بأنفسهما أو الزوج أو غيرهما المقارن لحال الطلاق.

فالتحقيق حينئذ اتحاد حكم هذا الموضوع مع غيره من الموضوعات و إن اجتزئ في الحكم بتحققه بظاهر الحال، لكن ما دام الأمر مستورا فمتى انكشف الحال و لو بعد ذلك لم يحكم بصحة الطلاق، فضلا عمن كان الحال مكشوفا لديه من الزوج أو الشاهدين أو غيرهم.

كما أن المتجه الصحة لو طلق بمحضر من مجهولي الحال فبان عدالتهما، بل و كذا الفاسقين في الظاهر و إن جعله في كشف اللثام أحد الوجهين.

هذا و لا ريب في أن ظاهر الكتاب العزيز و السنة و صريح الفتاوى بل الظاهر الاتفاق عليه اعتبار اجتماع العدلين في حضور إنشاء الطلاق، بل هو صريح

حسن البزنطي (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته من غير جماع و أشهد اليوم رجلا ثم مكث خمسة أيام ثم أشهد آخر، فقال: إنما أمر أن يشهدا جميعا»

الذي ينافيه

صحيح ابن بزيع (2)عن الرضا (عليه السلام) «سألته عن تفريق الشاهدين في الطلاق، فقال:

نعم، و تعتد من أول الشاهدين، و قال: لا يجوز حتى يشهدا جميعا»

المحمول بقرينة ما في آخره على إرادة التفريق في الأداء لا في حضور الإنشاء و بذلك كان الاعتداد من أول شهادة الشاهدين، لأنه يكون قد وقع بهما، فإذا شهد أولهما بوقت كان الأخر شاهدا به كذلك و إن تأخر في الأداء.

و حينئذ ف لو شهد أحدهما بالإنشاء ثم شهد الأخر به بانفراده لم يقع الطلاق بلا خلاف أجده فيه، لما عرفت من اعتبار الاجتماع في شهادة الإنشاء، و الفرض عدمه في كل من الإنشائين.

أما لو شهدا بالإقرار بالطلاق و لو المحمول على الوجه الصحيح لم يشترط الاجتماع فيحكم حينئذ به و إن اختلف وقت أدائهما، سواء شهد على إقراره الواحد شاهدان أو شهدا على إقراره في وقتين، لأن صحة الإقرار لا يشترط فيها الاشهاد،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 114

و إنما المعتبر ثبوته شرعا، و هو يحصل مع تعدده و شهادة كل واحد من الإقرارين، لأن مؤداهما واحد، كما لو أقر بغيره من الحقوق.

نعم لو سمع الإنشاء واحد ثم أقربه عند آخر، أو لم يسمع الإنشاء شاهد أصلا ثم أشهدهما على الإقرار لم يقع قطعا و لذا قال المصنف لو شهد أحدهما بالإنشاء و الأخر بالإقرار لم يقبل لأن الإقرار إخبار عما وقع سابقا، فإذا لم يصح السابق لفقد شرطه لم يصح الإقرار، و لذا

قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)لرجل أتاه بالكوفة فقال: «إنى طلقت امرأتي بعد ما طهرت من حيضها قبل أن أجامعها، فقال: أشهدت رجلين ذوي عدل كما أمرك الله تعالى؟ فقال: لا، فقال: اذهب فإن طلاقك ليس بشي ء».

و كذا ظاهر الكتاب (2)و السنة(3)و الفتاوى اعتبار كونهما ذكرين ف لا تقبل شهادة النساء في إنشاء الطلاق بل و لا الخنائى لا منفردات و لا منضمات إلى الرجال و لو ألفا، بل هو صريح

حسن البزنطي (4)قال للرضا (عليه السلام):

«فان طلق من غير جماع بشاهد و امرأتين، فقال: لا تجوز شهادة النساء في الطلاق، و تجوز شهادتهن مع غيرهن في الدم إذا حضرته»

و صحيح الحلبي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سأل عن شهادة النساء في النكاح، قال: تجوز إذا كان معهن رجل، و كان على (عليه السلام) يقول: لا أجيزها في الطلاق»

و خبر داود بن الحصين (6)عنه (عليه السلام) أيضا «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يجيز شهادة امرأتين في النكاح، و لا يجيز في الطلاق إلا شاهدين


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 7.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 35« يجيز شهادة امرأتين في النكاح.» كما في التهذيب ج 6 ص 282 و الاستبصار ج 3 ص 26.

ج 32، ص: 115

عدلين»

إلى غير ذلك من النصوص، بل الظاهر الاتفاق عليه، و ما عن ابني أبي عقيل و الجنيد بل و الشيخ في المبسوط من قبول شهادتين مع الرجال محمول على ثبوته بذلك بعد إيقاعه بشهادة الذكرين، فلا خلاف حينئذ في المسألة، و قد ذكرنا بعض الكلام في ذلك في كتاب الشهادات.

و لو طلق و لم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا بلا خلاف و لا إشكال و وقع الطلاق حين الإشهاد إذا أتى باللفظ المعتبر في الإنشاء قاصدا به ذلك، بأن قال: «اشهدا بأن زوجتي فلانة طالق» و ناويا بذلك إنشاء الطلاق و إيقاعه، لا الاشهاد على وقوع الطلاق السابق الفاقد للإشهاد، فان كلا منهما حينئذ باطل و إن كان الأول لعدم الاشهاد، و الثاني لعدم الإنشاء، و الفارق بينهما قرائن الأحوال أو إخباره أو نحو ذلك.

و عليه ينزل

صحيح أحمد بن محمد(1)«سألته عن الطلاق فقال: على طهر، و كان علي (عليه السلام) يقول: لإطلاق إلا بالشهود، فقال له رجل: فان طلقها و لم يشهد ثم أشهد بعد ذلك بأيام فمتى تعتد؟ فقال: من اليوم الذي أشهد فيه على الطلاق»

كي يوافق ما سمعته من النصوص السابقة المعتضدة بما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من كتاب الشهادات الحديث 10.

ج 32، ص: 116

[طلاق البدعة]

و على كل حال ف طلاق البدعة اصطلاحا ثلاث طلاق الحائض الحائل بعد الدخول مع حضور الزوج معها بل و مع غيبته دون المدة المشترطة على حسب ما تقدم سابقا و كذا النفساء فإنها كالحائض في الأحكام أو في طهر قربها فيه مع عدم اليأس و الصغر و الحمل و مضي المدة مع حضوره أو مطلقا على البحث السابق. و طلاق الثلاث من غير رجعة بينها مرسلة أو مترتبة. و الكل (11) محرم عندنا (12) بعنوان الشرعية، بل عند علماء الإسلام، كغيره من الطلاق الباطل بفقد بعض شرائط الصحة و إن اختصت الثلاثة باسم البدعة اصطلاحا.

و ربما قيل: إن الوجه في اختصاصها بذلك اختصاصها بورود النهي (1)عنها بخلاف غيرها من الطلاق الباطل لفقد الشرط، و لذا اختص الإثم بها دونه، إلا أنه كما ترى مجرد دعوى، و خصوصا الأخير، فإنه لا ريب في حرمته مع الإتيان به بعنوان الشرعية و عدمها مع عدمه،

إذ التلفظ بالصيغة من حيث كونه كذلك لا دليل على حرمته حتى في الثلاثة.


1- 1 الوسائل الباب- 8 و 29- من أبواب مقدمات الطلاق.

ج 32، ص: 117

و على كل حال فهو باطل عندنا ف لا يقع معه الطلاق إلا الأخير، فإنه لا خلاف في وقوع الواحدة به مع الترتيب، و على الخلاف في المرسلة، و لعل إطلاق المصنف البطلان بمعنى عدم ترتب الأثر عليه كملا، خلافا للعامة، فيقع به على بدعيته، و بالتأمل فيما ذكرنا يظهر لك عدم ورود ما ذكره في المسالك، و الأمر سهل.

[طلاق السنة]
اشاره

و أما السنة فقد ذكر المصنف أنها تنقسم أقساما ثلاثة:

بائن و رجعي و طلاق العدة و لكن المعروف جعل الأخير قسما من الثاني لا قسيما له، و حينئذ فينقسم طلاق السنة إلى بائن و رجعي، و الرجعي إلى عدي و غيره، و في القواعد قسم الطلاق الشرعي الذي هو طلاق السنة بالمعنى الأعم إلى طلاق عدة و سنة بالمعنى الأخص، و هو أن يطلق على الشرائط، ثم يتركها حتى تخرج من العدة، سواء كانت العدة رجعية أو بائنة، ثم يتزوجها بعقد جديد، و هذه القسمة و إن لم تكن متداخلة إلا أنها غير حاصرة، فإن الطلاق الشرعي أعم منهما، ثم بعد ذلك قسمه إلى البائن و الرجعي، و كذلك فعل في الإرشاد، إلا أنه قدم التقسيم إلى البائن و الرجعي على السني و العدي.

و في المسالك «التحقيق أن الطلاق العدي من أقسام الرجعي، و الطلاق السني- بالمعنى الأخص- بينه و بين كل واحد من البائن و الرجعي عموم و خصوص من وجه، يختص البائن عنه بما إذا لم يتزوجها بعد العدة مع كونه بائنا، و يختص السني عنه بما إذا كان رجعيا فلم يرجع و يتزوجها بعد العدة، و يتصادقان فيما إذا كان الطلاق بائنا و تزوجها بعد العدة، و يختص العدي عنه بما إذا رجع في العدة، و يختص السني عنه بما إذا كان الطلاق بائنا و تزوج بعد العدة، و يتصادقان فيما إذا كان الطلاق رجعيا و لم يرجع فيه إلى أن انقضت العدة ثم تزوجها بعقد جديد، فالأجود في التقسيم أن يقسم الطلاق السني إلى البائن و الرجعي، و القسمة حاصرة غير متداخلة، و يقسم أيضا إلى طلاق العدة و طلاق السنة بالمعنى الأخص و غيرهما، لا أن يقتصر

ج 32، ص: 118

عليهما، و ما ذكرناه من أن الطلاق السني بالمعنى الأخص أعم من البائن و الرجعي هو مدلول فتاوى الأصحاب أجمع، و سيأتي بيانه في عبارة المصنف، و لكن الظاهر من الأخبار اختصاصه بالطلاق الرجعي، و على هذا فيكون من أقسامه كطلاق العدة».

قلت: هذه المتعبة لا حاصل لها إذا كان المراد منها مجرد بيان اصطلاح لا بيان عنوانات أحكام شرعية مختلفة، و ليس إلا في الطلاق العدي بالنسبة إلى تحريم الأبد في التسع، و لا خلاف نصا(1)و فتوى في أنه ما

سمعته في عبارة المصنف دون غيره، و حينئذ ليس هذا الاختلاف إلا مجرد اصطلاح و نحوه مما لا يترتب عليه حكم شرعي، فيكون الأمر فيه سهلا.

لكن قد استفاضت النصوص في تقسيم الطلاق إلى طلاق العدة و طلاق السنة، بل في

صحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «كل طلاق لا يكون على السنة أو على العدة فليس بشي ء، قال زرارة: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): فسر لي طلاق السنة و طلاق العدة، فقال: أما طلاق السنة فإذا أراد الرجل أن يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث و تطهر، فإذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع، و يشهد شاهدين على ذلك، ثم يدعها حتى تطمث طمثتين، فتنقضي عدتها بثلاث حيض، و قد بانت منه، و يكون خاطبا من الخطاب، إن شاءت تزوجته، و إن شاءت لم تتزوجه، و عليه نفقتها و السكنى ما دامت في عدتها، و هما يتوارثان حتى تنقضي العدة، قال: و أما طلاق العدة الذي قال الله تعالى (3)فَطَلِّقُوهُنَ- إلى آخره- فإذا أراد الرجل منكم أن يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض و تخرج من حيضها، ثم يطلقها تطليقة من غير جماع، و يشهد شاهدين عدلين، و يراجعها في يومه ذلك إن أحب


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1. و ذيله في الباب- 2- منها الحديث 1.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 119

أو بعد ذلك بأيام قبل أن تحيض، و يشهد على رجعتها، و يواقعها حتى تحيض، فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلقها تطليقة أخرى من غير جماع، و يشهد على ذلك، ثم يراجعها أيضا متى شاء قبل أن تحيض، و يشهد على رجعتها، و يواقعها و تكون معه إلى الحيض أي الحيضة الثالثة، فإذا خرجت من حيضها الثالثة طلقها التطليقة الثالثة بغير جماع، و يشهد على ذلك، فإذا فعل ذلك فقد بانت منه، و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قيل له: فان كانت ممن لا تحيض، فقال: مثل هذه تطلق طلاق السنة».

و في

صحيح ابن مسلم (1)عنه (عليه السلام) أيضا «طلاق السنة يطلقها تطليقة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب، و إن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها، فتكون عنده على التطليقة الماضية».

و في

صحيح أبى بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) تفسير طلاق السنة بما سمعته في صحيح زرارة، قال: «و أما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض و تطهر، ثم يطلقها بشهادة شاهدين، ثم يراجعها و يواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على تطليقة

أخرى، ثم يراجعها و يواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و عليها أن تعتد ثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة».

إلى غير ذلك من النصوص.

و كيف كان

[أما البائن]
اشاره

فالبائن ما لا يصح للزوج بعده (معه خ ل) الرجعة بها، و هو ستة بلا خلاف نصا(3)و فتوى:


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و ذيله في الباب- 2- منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 1 و 2 و 3 و 8- من أبواب العدد و الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 120

[الأول طلاق الغير المدخول بها]

الأول:

طلاق التي لم يدخل بها و إن خلا بها خلوة، فإنه و إن حكم باعتدادها ظاهرا لكنها بائن باعتبار عدم الدخول قبلا و دبرا، فإنه معتبر كالقبل، لصدق المس و الإدخال و الدخول و المواقعة و التقاء الختانين إن فسر بالتحاذى، و إمكان سبق المني فيه إلى الرحم، و كونه أحد المأتين(1)، نعم يعتبر كون الدخول موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة و إن لم ينزل، لخروج ما دونها عما ذكر.

[الثاني طلاق اليائسة]

و الثاني:

طلاق اليائسة و هي من بلغت خمسين أو ستين سنة على ما تقدم في كتاب الحيض.

[الثالث طلاق الصغيرة]

و الثالث:

من لم تبلغ سن إمكان المحيض أي التسع و إن دخل بها، للأمن من اختلاط المائين، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن(2): «ثلاثة يتزوجن على كل حال: التي لا تحيض و مثلها لا تحيض، قال: و ما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي يئست من المحيض و مثلها لا تحيض»

الحديث.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الجنابة الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 4.

ج 32، ص: 121

[الرابع و الخامس طلاق المختلعة و المبارأة]

الرابع و الخامس:

طلاق المختلعة و المبارأة ما لم ترجعا في البذل، فان رجعا به كان رجعيا، فتلحقه أحكامه في الأقوى: من وجوب الإنفاق و الإسكان و تحريم الأخت و الخامسة و غيرها، فهو حينئذ بائن في حال و رجعي في آخر، كما تعرف ذلك إنشاء الله في محله.

[السادس المطلقة ثلاثا بينها رجعتان]

و السادس:

المطلقة ثلاثا بينها رجعتان و لو بعقد جديد بمعنى الرجوع إلى نكاحها، لما ستعرف من عدم اعتبار خصوص الرجعتين بالطلاق في بينونته و حرمتها عليه حتى تنكح زوجا غيره.

[طلاق الرجعي]

و الرجعي هو الذي للمطلق مراجعتها فيه، سواء راجع أو لم يراجع بلا خلاف و لا إشكال، و هو ما عدا الستة المزبورة كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا اعتدت بالأقراء أو الشهور أو الوضع.

[طلاق العدة]
اشاره

و أما طلاق العدة- الذي هو قسم مركب من البائن و الرجعي بناء على أنه مجموع الثلاث، و لذلك جعله المصنف كما عن التحرير قسيما لهما لا قسما من أحدهما- ف قال هو أن يطلق على الشرائط، ثم يراجعها قبل خروجها من عدتها و يواقعها قبلا أو دبرا ثم يطلقها في طهر آخر غير طهر المواقعة، ثم يراجعها و يواقعها، ثم يطلقها في طهر آخر، فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا آخر غيره (11) بلا خلاف و لا إشكال، و قد سمعت تفسيره بذلك في صحيح زرارة(3)


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 122

السابق فان نكحت و خلت ثم تزوجها ف ان اعتمد ما اعتمده أولا حرمت في الثالثة عليه أيضا حتى تنكح غيره، فان نكحت ثم خلت فنكحها ثم فعل كالأول حرمت في التاسعة تحريما مؤبدا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.

و ل

خبر أبى بصير(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق، ثم يراجع ثم يطلق، قال: لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ثم ترجع إلى زوجها الأول، فيطلقها ثلاث تطليقات، فتنكح زوجا غيره، ثم ترجع إلى زوجها الأول، فيطلقها ثلاث مرات على السنة، ثم تنكح، فتلك التي لا تحل له أبدا».

و خبر جميل بن دراج (2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) و إبراهيم بن عبد الحميد عن أبى عبد الله و أبي الحسن عليهما السلام قال: «إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول، ثم طلقها فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجها الأول، ثم طلقها الزوج الأول، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا».

و خبر زرارة و داود بن سرحان (3)عن الصادق (عليه السلام) «إن الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات لا تحل له أبدا».

و مكاتبة محمد بن سنان (4)للرضا (عليه السلام) «و علة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحل له أبدا عقوبة لئلا يتلاعب بالطلاق و لا تستضعف المرأة، و ليكون ناظرا في أموره متيقظا معتبرا، و ليكون يأسا لهما من الاجتماع بعد تسع تطليقات».

إلا أن الجميع كما ترى لا صراحة فيه في اشتراط التحريم بالتسع بالطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2. من كتاب النكاح و ذكره في الكافي ج 5 ص 428.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8.

ج 32، ص: 123

العدي على الوجه المزبور، بل ظاهره الإطلاق، فالعمدة حينئذ الإجماع.

مؤيدا بمفهوم القيد في

المروي (1)عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة قال: «و تزويج الرجل امرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات».

و بمفهوم الشرط في المحكي عن

الفقه الرضوي (2)فإنه بعد أن ذكر كيفية طلاق العدة على ما سمعته قال: «فان طلقها ثلاث تطليقات على ما و صفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه، و لا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا، و اعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت لم تحل له أبدا»

مضافا إلى عدم تعرضه للتحريم أبدا فيما ذكره من طلاق السنة أيضا.

و ب

خبري معلى بن خنيس (3)عن الصادق (عليه السلام) و اللفظ لأحدهما «في رجل طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها، ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها، ثم طلقها من غير أن يراجع، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع و يمس»

باعتبار ظهور لفظ التأبيد أو صراحته في العموم لما لو طلقت كذلك طلقات عديدة و لو تجاوزت التسع، و أنها لا تحرم بذلك إلا مع حصول الأمرين: من الرجوع و الوقوع، و ليس نصا في مختار ابن بكير، فيطرح لقبوله التقييد بحصول التحليل بعد كل ثلاث، و مقتضاه حينئذ أنه يتزوجها أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا، و إن كان هو كما ترى.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 المستدرك الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 بسندين راجع الكافي ج 6 ص 77.

ج 32، ص: 124

و نحوه التأييد بما في

الموثق الذي رواه ابن بكير(1)دليلا له عن أبى جعفر عليه السلام «فان فعل هذا بها- مشيرا إلى طلاق السنة- مأة مرة هدم ما قبله و حلت بلا زوج»

باعتبار أن خروج الذيل عن الحجية بالإجماع و المعتبرة لا يقتضي خروج الجميع عنها، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده به لاجتهاده، و يؤيده اعترافه بعدم سماعه رواية

من أحد غير هذا الخبر، إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة أن مبنى الحل فيه أبدا على عدم الاحتياج إلى المحلل، لانهدام الطلاق بتزويجه، و قد عرفت أن عنوان المحرمة أبدا في التسع في خبر زرارة و داود بن سرحان هي التي تطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات.

نعم قد يؤيد أيضا بتصريح النصوص (2)بالفرق في الحكم بين السني و العدي، و ليس إلا في التحريم أبدا بالتسع في الأخير، للتصريح بها بالاحتياج إلى المحلل فيهما، لكن فيه أيضا أن في بعض النصوص تصريحا أيضا بالتحريم أبدا بالتسع في طلاق السنة،

كالصحيح (3)«إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول، ثم طلقها فتزوجت رجلا، ثم طلقها فتزوجها الأول، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا»

لكنه شاذ لم نجد عاملا به. و (بالجملة) قد عرفت أن العمدة الإجماع، فلا وجه لتوقف بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور.

هذا و في الروضة و غيرها أن إطلاق الطلاق العدي على التسع المرتبة مجاز، لأن الثالثة من كل ثلاث ليست للعدة، فإطلاقه عليها إما إطلاق لاسم الأكثر على الأقل، أو باعتبار المجاورة، و فيه أنه يمكن دعوى وضع الطلاق العدي للثلاث


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16 عن عبد الله بن بكير عن زرارة.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 2- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 125

المزبورة على الوجه المزبور، فلا مجاز حينئذ.

و من هنا قال في كشف اللثام «إن الظاهر من عبارة المصنف و كثير أن مجموع الثلاث الطلقات صورة طلاق العدة، و ربما يتوهم من الخبر(1)- ثم قال-:

و الأجود ما مر في النكاح و يظهر مما سيأتي و نص عليه جماعة منهم ابني إدريس و سعيد من أنه الطلاق الذي يراجع في عدته، و الخبر بهذا المعنى، فإنه تفسير للاية(2)و قد أمر بها (فيها خ ل) و لا يظهر وجه للأمر بالثلاث، فالمراد في الخبر ب

قوله (عليه السلام): «ثم يطلقها. ثم يطلقها»

إن أراد و كذا الباقي».

و في الرياض «المستفاد من قوله في تفسيره: «ما يرجع فيه و يواقع ثم يطلق» هو أن المعتبر فيه أن يطلق ثانيا بعد الرجوع و المواقعة خاصة، و عن بعضهم عدم اعتبار الطلاق ثانيا و الاقتصار على الرجعة».

و عن النهاية و جماعة «أن الطلاق الواقع بعد المراجعة و المواقعة يوصف بكونه عديا و إن لم يقع بعده رجوع و وقاع، لكن الطلاق الثالث لا يوصف بكونه عديا إلا إذا وقع بعد الرجوع و الوقاع، قيل: و في بعض الروايات دلالة عليه».

قلت: لا ريب في ظهور النصوص و كثير من الفتاوى بكون الطلاق العدي المجموع المركب

من الثلاثة على الوجه المزبور، و حينئذ لا يتصور التفريق فيه، ضرورة خروجه بالتفريق بين طلقاته عن كونه عديا حينئذ.

نعم يتصور التفريق بين طلقاته التسع بأن يطلق بعد الفرد الأول منه و حصول المحلل للسنة مثلا، ثم يتزوجها بعد العدة لها أيضا، فيطلقها، ثم يتزوجها بعد العدة، ثم يطلقها، ثم يصيبها المحلل، ثم يتزوجها، ثم يطلقها طلاقا عديا للعدة ثلاثا، ثم يصيبها المحلل، ثم يتزوجها فيطلقها طلاقا عديا، و بالجملة لم تتوال أفراد الطلاق العدي، و الظاهر ترتب التحريم عليه أبدا، لصدق حصوله ثلاثا.

و لكن في الروضة بعد أن ذكر ما سمعت قال: «و حيث كانت النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 126

و الفتاوى مطلقة في اعتبار التسع للعدة في التحريم المؤبد كان أعم من كونها متوالية و متفرقة، فلو اتفق في كل ثلاث واحدة للعدة اعتبر فيه إكمال التسع كذلك» و ظاهره إمكان التفرق بين ثلاثة، فيكون الطلاق هو الذي يراجع في عدته و يواقع فيها.

و في الرياض «و للنظر فيهما مجال، أما في الأول فتعليق التحريم المؤبد فيه على وقوعها بحيث يحتاج كل ثلاث منها إلى محلل، أ لا ترى إلى الموثق (1)المصرح بأن الذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات و يتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا، و لا شي ء

من الطلاقات الثلاث العديات المتفرق كل منهما(2)في ثلاث يحتاج إلى محلل، و قد اعترف به في توجيهه احتمال اغتفار الثالثة من كل ثلاث وقع فيها عدية واحدة بأنه المعتبر عند التوالي، و أن الثالثة لم يتحقق اعتبار كونها للعدة، و إنما استفيد من النص التحريم بالست الواقعة بها، فيستصحب الحكم مع عدم التوالي، فبعد الاعتراف بكون المستفاد من النص التحريم بالست الواقعة لها المنحصرة هي في التوالي كيف يمكن دعوى شموله للتسع المتفرقة؟! و اعترف به أيضا في توجيهه احتمال عدم الاغتفار الذي قواه بأن ثبوته مع التوالي على خلاف الأصل، و إذا لم يحصل اعتبرت الحقيقة، خصوصا مع كون طلقة العدة هي الأولى خاصة، فإن علاقتى المجاورة و الأكثرية منتفيتان عن الثالثة، إذ لا مجاورة للعدية و لا أكثرية لها، بخلاف ما لو كانت العدية هي الثانية، فإن علاقة المجاورة موجودة، و أما في الثاني فلتصريح علي بن إبراهيم (3)في المحكي


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
2- 2 هكذا في النسختين الأصليتين: المسودة و المبيضة، الا أن الموجود في الرياض« كل منها» و هو الصحيح، راجع الرياض في أواخر البحث عن السبب الرابع من أسباب التحريم من كتاب النكاح.
3- 3 البحار ج 104 ص 2 الطبع الحديث.

ج 32، ص: 127

عنه بعين ما في الرضوي (1)مصرحا في آخره بأن هذه هي التي لا تحل لزوجها الأول أبدا الظاهر في الحصر الحقيقي و المجازي على خلاف الأصل، و نحوه الصدوق في الفقيه، بل ظاهرهما كالرضوي اشتراط الترتيب في تأبد التحريم، لتصريحه بأنه الطلقات التسع التي كل ثلاث

منها لا بد أن يكون كل واحد منها واحدا بعد واحد المتبادر منه ذلك».

قلت: لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سقوط كثير من هذا الكلام، ضرورة عدم تحقق الطلاق العدي المفسر بما سمعت في التفريق على الوجه المزبور الذي مقتضاه تحقق التحريم بعد الدخول في الخامسة و العشرين إن كان العدية هو الأولى من كل ثلاث، أو السادسة و العشرين إن كان الثانية بغير طلاق، بل قيل:

و لو توقف على طلاق آخر بعده و لم يكن ثالثا كما في الأول لزم جعل ما ليس بمحرم محرما و الحكم بالتحريم بدون طلاق موقوف على التحليل، و كلاهما بعيد و ذلك أمارة لزوم الاقتصار على مورد النص.

نعم قد عرفت شموله للتفريق بالمعنى الذي ذكرناه و إن كان الذي ينساق في بادئ النظر خلافه أيضا، كما أنه ينساق منه حصول التحريم بمطلق التسع التي تخللها المحلل، خرج ما خرج منها بالإجماع، و هو الخالي عن طلاق عدي، و بقي صور التفريق، لكن دقيق النظر يقتضي خلافهما، فلاحظ و تأمل، و لكن على كل حال ذلك كله في الحرة.

أما الأمة فقد استفاض في النصوص (2)و الفتاوى تحريمها المحتاج إلى محلل بطلقتين بينهما رجعة و وقاع، أما تحريمها أبدا بتكرر ذلك ثلاثا فتحرم حينئذ بالست كذلك فلم أقف فيه على دليل بالخصوص، و من هنا احتمل بعضهم بل جزم آخر إن لم يكن إجماع بعدم حرمتها مطلقا

و إن تكرر ذلك أزيد من ذلك، اللهم إلا أن يدعى استفادته من الحكم في الحرة بناء على أنها على النصف منها في هذه،


1- 1 المستدرك الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 128

و لم يتصور التنصيف في الطلقة، فجعل عدتها طلقتين، و بتكراره ثلاثا يحصل التحريم به أبدا في حرة أو أمة و إن اختلف موضوعه فيهما، بل يمكن استفادة ذلك من التأمل في النصوص (1)المزبورة، فلاحظ و تأمل مراعيا للاحتياط الذي لا يخفى حاله في جميع أفراد المقام.

و كيف كان فلا إشكال بل و لا خلاف معتد به كما ستعرف في أنه لا يقع الطلاق للعدة ما لم يطأها بعد المراجعة، و لو طلقها بعد المراجعة قبل المواقعة صح، و لكن لم يكن للعدة الذي من شرطه المواقعة بعدها، فلا يترتب على التسع به تحريم الأبد، بل و لا من السنة بالمعنى الأخص، نعم هو منها بالمعنى الأعم، و به و بغيره من الافراد يعلم عدم انحصار أفراد الطلاق في السني بالمعنى الأخص و العدي و إن أوهمته بعض النصوص (2)لكن لا بد من حملها على ما لا ينافي ذلك.

و كذا لا إشكال و لا خلاف معتد به في أن كل امرأة حرة استكملت الطلاق ثلاثا حرمت حتى تنكح زوجا غير المطلق، سواء كانت مدخولا بها أو لم تكن، راجعها في العدة و واقعها أو لم يواقعها ثم طلقها، ثم راجعها كذلك ثم طلقها

أو لم يراجعها فيها بل تركها إلى أن انقضت عدتها، ثم تزوجها بعقد جديد ثم طلقها، و هكذا ثلاثا.

و بالجملة لا فرق في ذلك بين العدي و السني بالمعنى الأخص و الأعم، و ستسمع شذوذ ابن بكير في تخصيص ذلك بالطلاق العدي دون السني، كشذوذ بعض النصوص (3)المتضمنة لذلك، لمعارضتها بالمستفيض من النصوص (4)أو المتواتر


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11 و 12 و 13.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 129

الموافق لإطلاق الكتاب (1)و لإجماع الأصحاب بقسميه، فالمسألة بحمد الله من الواضحات، و ستسمع إنشاء الله فيما يأتي ما يزيدها وضوحا.

[مسائل ست]
[الأولى إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها مستأنفا]

الأولى:

إذا طلقها فخرجت من العدة ثم نكحها مستأنفا ثم طلقها و تركها حتى قضت العدة ثم استأنف نكاحها ثم طلقها ثالثة حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره، فإذا فارقها و اعتدت جاز له مراجعتها، و لا تحرم هذه في التاسعة، و لا يهدم استيفاء عدتها تحريمها في الثالثة بلا

خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا إلا في الأخير من ابن بكير و الصدوق، فجعلا الخروج من العدة هادما للطلاق، فله حينئذ نكاحها بعد الثلاث بلا محلل، و لكن قد سبقهما الإجماع و لحقهما، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (2)بالخصوص بخلافهما، منها ما تقدم في تفسير السني و العدي، فضلا عن إطلاق الكتاب (3)و السنة(4).

نعم روى أولهما الذي هو ليس من أصحابنا عن

زرارة في الصحيح (5)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الطلاق الذي يحبه الله تعالى و الذي يطلقه الفقيه و هو العدل بين المرأة و الرجل أن يطلقها في استقبال الطهر بشهادة شاهدين و إرادة في القلب، ثم يتركها ثم تمضي ثلاثة قروء، فإذا رأت الدم في أول قطرة من الثالثة و هو آخر القرء لأن الأقراء هي الأطهار فقد بانت منه، و هي أملك بنفسها، فان شاءت تزوجته و حلت له بلا زوج، فان فعل هذا بها مأة مرة هدم ما قبله و حلت بلا زوج، و إن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ثم يطلقها لم تحل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 230.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 230.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 16.

ج 32، ص: 130

له إلا بزوج».

لكن قال الشيخ: «إنه يجوز أن يكون ابن بكير أسند ذلك إلى زرارة عن أبى جعفر (عليه

السلام) نصرة لمذهبه الذي كان أفتى به، لما رأى أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه: و ليس هو معصوما لا يجوز عليه هذا، بل وقع عنه من العدول عن مذهب الحق إلى اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف من مذهبه، و الغلط في ذلك أعظم من إسناده فيما يعتقد صحته بشبهة إلى بعض أصحاب الأئمة (عليهم السلام).

و لعل السبب في ذلك ما

عن ابن سماعة(1)«من أن الحسين بن هاشم سأل ابن بكير هل سمعت فيما ذكرته شيئا؟ فقال: رواية رفاعة، فقال له: إن رفاعة روى إذا دخل بينهما زوج فقال: زوج و غير زوج عندي سواء، فقال له: هل سمعت في هذا شيئا؟ فقال: لا، هذا مما رزق الله من الرأي- و لذا- قال ابن سماعة:

و ليس لأحد يأخذ بقول ابن بكير، فإن الرواية إذا كان بينهما زوج»

و ما عن ابن المغيرة(2)أيضا من «أنى سألت ابن بكير عن رجل طلق امرأته واحدة ثم تركها حتى بانت منه ثم تزوجها، قال: هي معه كما كانت في التزويج، قال: قلت:

فإن رواية رفاعة إذا كان بينهما زوج، فقال لي عبد الله: هذا زوج، و هذا مما رزق الله من الرأي، و متى ما طلقها واحدة فبانت ثم تزوجها زوج آخر ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول فهي عنده مستقبلة كما كانت، قال: فقلت لعبد الله: هذه رواية من؟ قال: هذا مما رزق الله من الرأي»

إذ لو كان عنده رواية زرارة لأسند فتواه إليها لا إلى ما ذكره من الرأي.

على أن رواية رفاعة ظاهرة بل صريحة في خلافه،

قال معاوية بن حكيم: روى أصحابنا عن رفاعة بن موسى (3)، «أن الزوج يهدم الطلاق الأول، فإن تزوجها


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12 و لكن أسقط ذيله و ذكره في الكافي ج 6 ص 78.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 131

فهي عنده مستقبلة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): يهدم الثلاث و لا يهدم الواحدة و الثنتين؟»

بل

عن ابن المغيرة(1)، أن رفاعة روى عن أبى عبد الله (عليه السلام) «طلقها ثم تزوجها رجل ثم طلقها فتزوجها الأول إن ذلك يهدم الطلاق الأول»

فلا ريب أن ابن بكير قد توهم ذلك من رواية رفاعة التي عرفت أنها بخلافه.

بل مما ذكرنا قد ينقدح الشك في

موقوفة عبد الله بن سنان (2)الموافقة لما ذكره ابن بكير قال: «إذا طلق الرجل امرأته فليطلق على طهر بغير جماع و شهود، فان

تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث، و بطلت التطليقة الأولى، فإن طلقها اثنتين ثم كف عنها حتى تمضي الحيضة الثالثة بانت منه بثنتين، و هو خاطب من الخطاب، فان تزوجها بعد ذلك فهي عنده على ثلاث تطليقات، و بطلت الاثنتان، فان طلقها ثلاث تطليقات على العدة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره»

أو أنه ذكر ذلك عن ابن بكير و أصحابه أو صدر منه تقية.

كخبر المعلى بن خنيس (3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يطلق امرأته، ثم لم يراجعها حتى حاضت بثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض، ثم تزوجها ثم طلقها من غير أن يراجع، ثم تركها حتى حاضت ثلاث حيض، قال: له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع و يمس»

أو غير ذلك.

و كيف كان فقد استقر المذهب على خلاف ابن بكير، و أنه لا فرق بين العدي و السني و المركب منهما في اشتراط الحل بالمحلل بعد الثلاث كما عرفته سابقا، و الله العالم.


1- 1 الكافي ج 6 ص 77.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 15.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13.

ج 32، ص: 132

[الثانية إذا طلق الحامل و راجعها جاز له أن يطأها و يطلقها ثانية]

المسألة الثانية:

إذا طلق الحامل و راجعها جاز له أن يطأها و يطلقها ثانية بعد شهر أو مطلقا للعدة إجماعا في القواعد و محكي الإيضاح و شرح الصيمري و إن أطلق المنع الصدوقان اللذان لحقهما الإجماع إن لم يكن قد سبقهما، لإطلاق الأدلة أو عمومها، و

موثق إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الحامل يطلقها زوجها ثم يراجعها ثم يطلقها ثم يراجعها ثم يطلقها الثالثة، قال: تبين منه و لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره».

و موثقه الآخر(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل طلق امرأته و هي حامل ثم راجعها ثم طلقها ثم راجعها ثم طلقها الثالثة في يوم واحد تبين منه، قال: نعم».

و موثقه الآخر(3)عن أبى الحسن (عليه السلام) الأول «سألته عن الحلبي تطلق الطلاق التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، قال: نعم، قلت: ألست قلت لي إذا جامع لم يكن له أن يطلق؟ قال: إن الطلاق لا يكون إلا على طهر قد بان أو حمل قد بان، و هذه قد بان حملها».

و مرسل ابن بكير(4)قال: «في الرجل تكون له المرأة الحامل و هو يريد أن يطلقها، قال: يطلقها إذا أراد الطلاق بعينه، و يطلقها بشهادة الشهود، فان بدا له في يوم أو من بعد ذلك أن يراجعها يريد الرجعة بعينها فليراجع و ليواقع، ثم يبدو له فيطلق أيضا، ثم يبدو له فيراجع كما راجع أولا، ثم يبدو

له فيطلق، فهي التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره إذا كان إذا راجع يريد المواقعة و الإمساك و يواقع».


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.

ج 32، ص: 133

و خبر يزيد الكناسي (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن طلاق الحبلى، فقال:

يطلقها تطليقة واحدة للعدة بالشهود و الشهور، قلت له: فله أن يراجعها قال: نعم و هي امرأته، قلت: فان راجعها و مسها ثم أراد أن يطلقها تطلية اخرى، قال:

لا يطلقها حتى يمضي لها بعد ما مسها شهر، قلت: فان طلقها ثانية و أشهد على طلاقها، ثم راجعها و أشهد على رجعتها و مسها، ثم طلقها التطليقة الثالثة و أشهد على طلاقها لكل عدة شهر، هل تبين منه كما تبين المطلقة على العدة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال: نعم، قلت: فما عدتها؟ قال: عدتها أن تضع ما في بطنها، ثم قد حلت للأزواج».

و لا ينافي ذلك النصوص (2)الكثيرة التي فيها الصحيح و غيره المتضمنة لكون طلاق الحامل واحدة، بل في خبر منصور الصيقل (3)عن الصادق (عليه السلام) النهي عن طلاقها بعد المراجعة فيها حتى تضع، إلا أنها شاذة لعدم القائل بمضمونها إلا ما سمعته من إطلاق الصدوقين، و محتملة لإرادة الاتحاد صنفا بمعنى أنه لا فصل بينهما بانقضاء طهر أو خلو من عدة، و

استحباب الاتحاد، بل كراهة التعدد، و غير ذلك مما لا بأس به بعد ترجيح النصوص السابقة بالموافقة لعموم الكتاب (4)و السنة(5)و العمل من زمنهما، بل و قبله إلى زماننا، مع اختلاف الأمصار و تفاوت المشارب، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور.

نعم قيل و القائل الشيخ في المحكي من نهايته و ابنا البراج و حمزة:

لا يجوز طلاقها للسنة بالمعنى الذي هو خلاف العدي، أى طلاقها بعد المراجعة بلا مواقعة، لا السني بالمعنى السابق الذي لا يتصور في المقام، لكون انقضاء عدتها وضع الحمل الذي تخرج به عن وصف الحامل التي هي موضوع البحث.


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 229.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 134

و دعوى بعض الناس خروجها عن العدة بالثلاثة أشهر فيتصور فيها حينئذ طلاق السنة واضحة الفساد، كما تعرفه في محله و إن

قال الصادق (عليه السلام) هنا في خبر الكناني (1)«طلاق الحامل واحدة و عدتها أقرب الأجلين»

لكن

في الصحيح (2)«طلاق الحبلى واحدة، و أجلها أن تضع حملها، و هو أقرب الأجلين».

مضافا إلى ما في الكتاب (3)و السنة(4): من أن عدتها وضع الحمل، فلا طلاق سني لها بالمعنى الأخص قطعا، بل لو فرض إرادة الشيخ ذلك كان المعنى أنه لا يصح طلاقها للسنة بمعنى عدم تصوره، و إن كان حمل النصوص عليه حينئذ لا يخلو من صعوبة.

و على كل حال فما أطنب به في المسالك و أتباعها في تحقيق ذلك في غير محله قطعا.

و كيف كان فلا دليل له سوى أنه جمع بين النصوص، لكن لا شاهد له سوى مرسل ابن بكير(5)الذي لا جابر له بحيث يصلح للحكم به على النصوص السابقة، بل الموهن متحقق.

و من هنا كان الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده، فضلا عن خصوص إطلاق الأدلة السابقة، ضرورة كونها زوجة بالرجوع الذي لا يعتبر في صحته المواقعة نصا(6)و فتوى، فهي محل للطلاق بعموم الأدلة و إطلاقها.

و كذا ما عن ابن الجنيد من اعتبار الشهر و إن توهمه بعض الناس من بعض العبارات القديمة، لكنه ليس له إلا الخبر المزبور(7)المعرض عنه بين الأصحاب


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب العدد.
5- 5 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من أبواب أقسام الطلاق.
7- 7 الوسائل الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.

ج 32، ص: 135

قديما و حديثا على وجه لا يصلح معارضا لإطلاق النصوص السابقة فضلا عن صريحها، خصوصا بعد إمكان حمله على ضرب من الندب باعتبار حصول

البعد فيه عن مشابهة العامة الذين يصححون الطلاق ثلاثا في مجلس واحد إرسالا و ترتيبا من دون تخلل رجعة، فضلا عن المواقعة، كما تسمع نظيره في حمل النصوص في المسألة الاتية.

و أوضح من ذلك احتمالها كون المراد احتساب طلاق الحامل واحدة و إن كان في طهر المواقعة، لا أنه باطل لذلك كما يتوهم، و ربما أرشد لذلك خبر إسحاق ابن عمار(1)السابق.

و بذلك كله ظهر لك وجه استقرار كلمة الأصحاب على الجواز بالمواقعة و بدونها بعد مضى الشهر و قبله و لو ساعة واحدة.

و ربما جمع بين النصوص بحمل نصوص الواحدة(2)على من لم يرد بالرجعة الإمساك، و إنما أرادها مقدمة لطلاقها، فإنه غير جائز، بخلاف ما لو رجع بها الإرادة إمساكها و مواقعتها ثم بدا له فطلقها، و هو مع أنه غير جامع لجميع النصوص لا قائل به، على أن هذا الجمع و نحوه إنما هو بعد فرض المتكافئة المعلوم فقدها في المقام، فليس حينئذ إلا العمل بالنصوص المزبورة المعتضدة بما عرفت، و ذكر وجه المنصوص المقابلة غير مناف لذلك إن أمكن، و إلا أطرحت و أو كل العلم بها إلى قائلها كما هو مقتضى أصول المذهب و قواعده.

[الثالثة إذا طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم راجعها فان واقعها و طلقها في طهر آخر صح إجماعا]
اشارة

المسألة الثالثة:

إذا طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم راجعها فان واقعها و طلقها في طهر آخر صح إجماعا بقسميه و نصوصا(3)مستفيضة أو متواترة، بل هو


1- 1 الوسائل في الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8.
2- 2 الوسائل في الباب- 20- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 و الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 136

من قطعيات أصول المذهب و قواعده، فضلا عما دل عليه بالخصوص و إن طلقها في طهر آخر من غير مواقعة فيه روايتان: إحداهما لا يقع الثاني أصلا.

و هي

صحيحة ابن الحجاج (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «الرجل يطلق امرأته له أن يراجع؟ قال: لا يطلق التطليقة الأخرى حتى يمسها».

و رواية المعلى بن خنيس (2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم يطلقها الثانية قبل أن يراجع، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا يقع الطلاق الثاني حتى يراجع و يجامع».

و موثقة إسحاق بن عمار(3)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن رجل يطلق امرأته في طهر من غير جماع، ثم راجعها من يومه ذلك ثم يطلقها، أ تبين منه بثلاث طلقات في طهر واحد؟ فقال: خالف السنة، قلت: فليس ينبغي له إذا هو راجعها أن يطلقها إلا في طهر آخر، قال: نعم، قلت: حتى يجامع، قال: نعم».

و صحيحة أبي بصير(4)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن طلاق السنة- إلى أن قال-: و أما طلاق الرجعة فأن يدعها حتى تحيض و تطهر ثم يطلقها بشهادة شاهدين ثم يراجعها و يواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على تطليقة أخرى، ثم يراجعها و يواقعها، ثم ينتظر بها الطهر، فإذا حاضت و طهرت أشهد شاهدين على التطليقة الثالثة، ثم لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، و عليها أن تعتد بثلاثة قروء من يوم طلقها التطليقة الثالثة، فإن طلقها واحدة على طهر بشهود ثم انتظر بها حتى تحيض و تطهر ثم طلقها قبل أن يراجعها لم يكن طلاقه الثاني طلاقا، لأنه طلق طالقا، لأنه إذا كانت المرأة مطلقة من زوجها كانت


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
4- 4 ذكر صدرها في الوسائل في الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و ذيلها في الباب- 2- منها الحديث 2.

ج 32، ص: 137

خارجة عن ملكه حتى يراجعها، فإذا راجعها صارت في ملكه ما لم يطلق التطليقة الثالثة، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فقد خرج ملك الراجعة من يده، فان طلقها على طهر بشهود ثم راجعها و انتظر بها الطهر من غير مواقعة فحاضت و طهرت ثم طلقها قبل أن يدنسها بمواقعة بعد الرجعة لم يكن طلاقه لها طلاقا، لأنه طلقها التطليقة الثانية في طهر الأولى، و لا ينقضي الطهر إلا بمواقعة بعد الرجعة، و لذلك لا يكون التطليقة الثالثة إلا بمراجعة و

مواقعة بعد المراجعة ثم حيض و طهر بعد الحيض ثم طلاق بشهود، حتى يكون لكل تطليقة طهر من تدنيس المواقعة بشهود».

و رواية أبي بصير(1)عنه (عليه السلام) أيضا «المراجعة في الجماع و إلا فإنما هي واحدة»

بناء على أن المراد منه بقرينة ما سبق عدم احتساب الطلقة بعد المراجعة طلقة أخرى إلا مع الجماع و إلا فهي الطلقة الأولى، إلى غير ذلك من النصوص.

و الرواية الأخرى يقع الطلاق و يكون ثانيا و هو الأصح خ ل ثم لو راجعها و طلقها ثالثة في طهر آخر حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره.

و هي

موثقة إسحاق بن عمار(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «قلت له: رجل طلق امرأته، ثم راجعها بشهود، ثم طلقها، ثم بدا له فراجعها بشهود، ثم طلقها فراجعها بشهود، تبين منه؟ قال: نعم، قلت: كل ذلك في طهر واحد، قال:

تبين منه».

و صحيحة عبد الحميد و محمد بن مسلم (3)«سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته و أشهد على الرجعة و لم يجامع، ثم طلق في طهر آخر على السنة، أ تثبت التطليقة الثانية من غير جماع؟ قال: نعم إذا هو أشهد على الرجعة و لم يجامع كانت التطليقة ثانية».

و صحيحة البزنطي (4)«سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بشاهدين،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 138

ثم يراجعها و لم يجامعها بعد الرجعة حتى طهرت من حيضها، ثم طلقها على طهر بشاهدين، أ يقع عليها التطليقة الثانية و قد راجعها و لم يجامعها؟ قال: نعم».

و حسنة أبي على بن راشد(1)«سألته (عليه السلام) مشافهة عن رجل طلق امرأته بشاهدين على طهر، ثم سافر و أشهد على رجعتها، فلما قدم طلقها من غير جماع أ يجوز ذلك له؟ قال: نعم قد جاز طلاقها».

مؤيدة بعموم ما دل على وقوع الطلاق على الزوجة كتابا(2)و سنة(3)الشامل لموضع النزواع بعد معلومية صيرورتها زوجة بالرجعة و لو من غير جماع نصا(4)و فتوى، فطلاقها حينئذ من أهله في محله.

و لا ريب في أن هذا هو الأصح بل هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة لا بأس بدعوى الإجماع معها، إذ لم أجد قائلا بالأولى إلا ما يحكى عن ابن أبى عقيل و قد لحقه الإجماع، فلا إشكال حينئذ في ترجيح هذه النصوص على السابقة، و حملها على ضرب من الاستحباب.

و من فقهائنا من حمل رواية الجواز على طلاق السنة الذي هو بمعنى خلاف العدي لا الأخص الذي قد عرفته سابقا و رواية المنع على طلاق العدة الذي قد عرفت اعتبار المواقعة بعد الرجعة فيه، مستشهدا على ذلك ب

خبر المعلى بن خنيس (5)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق فلا يكون فيما بين الطلاق و الطلاق جماع فتلك تحل له قبل أن تتزوج زوجا غيره، و التي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره هي التي تجامع فيما بين الطلاق و الطلاق».


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 230.
3- 3 الوسائل الباب- 1 و 2- من أبواب أقسام الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب أقسام الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.

ج 32، ص: 139

مؤيدا ب

خبر أبى بصير(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، فقال: أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي فأردت طلاقها فتركتها حتى (إذا أخ ل) طمثت و طهرت، ثم طلقتها من غير جماع، و أشهدت على ذلك شاهدين، ثم تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعتها و دخلت بها، و تركتها حتى طمثت و طهرت، ثم طلقتها على طهر من غير جماع بشاهدين، ثم تركتها حتى إذا كان قبل أن تنقضي عدتها راجعتها و دخلت بها، حتى إذا طمثت و طهرت طلقتها على طهر بغير جماع بشهود، و إنما فعلت ذلك لأنه لم يكن لي بها حاجة».

و لكنه كما ترى، ضرورة عدم دلالة الخبر الأول فضلا عن الثاني إلا على اشتراط التوقف على المحلل بالجماع بين الطلاقين، و هو غير التفصيل المزبور، على أنه مناف لما سمعته من النص و الإجماع على عدم اشتراطه بذلك، و أن مطلق الطلاق ثلاثا يقتضي توقف الحل على المحلل.

و لعله لذا قال المصنف هو تحكم لأنه لا شاهد له، و

قوله (عليه السلام) في خبر ابن مسلم (2): «على السنة»

إنما يراد به الجامع للشرائط الشرعية لا السني بالمعنى الأخص، بل قيل: إن بعض أخبار المنع لا تقبله، لظهورها أو صراحتها في عدم وقوع الطلاق رأسا، خصوصا خبر أبى بصير(3)المشتمل على التعليل السابق.

لكن لا يخفى عليك أن قول الشيخ ليس تفصيلا في المسألة، ضرورة أن المفروض- و إن قلنا بشرعيته- ليس من العدي قطعا، لما عرفت من اعتبار المواقعة فيه بعد الرجعة، و إنما ذكر ذلك محملا للنصوص النافية، و لا ريب في قابليتها لذلك، خصوصا خبر أبي بصير(4)الذي قد ذكر ما في ذيله لبيان الوجه فيما اعتبره في


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 140

الطلاق العدي من الرجعة و المواقعة، فيراد حينئذ بيان نفي الفاقد لأحدهما عن كونه من العدي.

و على كل حال فالأمر في ذلك سهل و إن كان الأولى منه ما قلناه من بيان ضرب من الأولوية و الكراهة، و الوجه في ذلك أنه قد اشتهر بين العامة صحة الطلاق في مجلس واحد بالإرسال و الترتيب من دون تخلل رجعة، و لهذا أشار (عليه السلام)(1)إلى ردهم في الثاني بأنه طلق مطلقة، فلا ريب في أن المراد من هذه النصوص التعريض بهم، و أن أولى الأفراد ما كان أبعد عما عندهم، و هو المشتمل على المراجعة و المواقعة المستلزمة لاعتبار طهر آخر غير الأول، و دونه الطلاق بعد الرجعة في طهر آخر غير الأول، و دونهما الطلاق في ذلك الطهر بعد المراجعة، و الكل غير ما عندهم من تعدد الطلاق من غير تخلل رجعة، و لكن الأفضل الفرد الأول، و هو الذي أشار إليه الإمام (عليه السلام) بكون غيره مخالفا للسنة، أي المستحب، و لهذا ذكره بلفظ «ينبغي» كما ذكر الباقر (عليه السلام) ما صنعه هو(2).

و بالجملة من تأمل في النصوص يكاد يجزم بكون المراد منها ذلك، و أنها خرجت لبيان هذا الأمر.

و بذلك كله ظهر لك أن الإطناب في المسالك و الحدائق في المقام لا حاصل له، خصوصا بعد استقرار كلمة الأصحاب من زمن ابن أبي عقيل إلى يومنا هذا على ذلك إلا من بعض أهل

الوسوسة ممن لم يعض على الأمر بضرس قاطع، و الله العالم.

و ربما جمع بين النصوص بأنه إن كان غرضه من الرجعة التطليقة الأخرى إلى أن تبين منه فلا يتم مراجعتها، و لا يصح طلاقها بعد المراجعة، و لا تحسب من الثلاث حتى يمسها، و إن كان غرضه من الرجعة أن تكون في حباله، و له فيها حاجة ثم بدا له أن يطلقها فلا حاجة إلى أمس، و يصح طلاقها، و يحسب من الثلاث،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.

ج 32، ص: 141

و الوجه أن أكثر ما يكون غرض الناس من المراجعة البينونة، كما أومأ إليه الباقر عليه السلام في خبر أبى بصير(1)السابق.

و ربما أيد ذلك

بالمروي (2)في تفسير قوله تعالى (3)«وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» عن أبي عبد الله (عليه السلام)، «الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يخلو (يحل خ ل) أجلها راجعها، ثم طلقها، يفعل ذلك ثلاث مرات، فنهى الله تعالى عن ذلك».

و خبر الحسن بن زياد(4)عنه (عليه السلام) «لا ينبغي للرجل أن يطلق امرأته ثم يراجعها و ليس له فيها حاجة ثم يطلقها، فهذا الضرار الذي نهى الله تعالى عنه، إلا أن يطلق و يراجع و هو ينوي الإمساك»

بناء على أن المراد منهما حصول الإضرار بها بعدم المواقعة في العدد الثالث (5)مع كون القصد من المراجعة البينونة، فإن العدة قد تكون تسعة أشهر، مع أن غاية ما رخص الشارع تركه للزوجة أربعة أشهر، و لعله لذا صدر من الامام (عليه السلام) المواقعة بعد كل رجعة.

لكنه أيضا كما ترى لا تتفق عليه جميع الأخبار المزبورة، و ليس قولا لأحد، بل إن كان المراد من

قوله: «فلا تتم مراجعتها»

اشتراط صحة الرجعة بالمواقعة فهو من المقطوع بفساده نصا(6)و فتوى، فلا ريب في أن الوجه ما ذكرناه أولا.

و كذا الكلام فيما لو أوقع الطلاق بعد المراجعة و قبل المواقعة في الطهر الأول إذ هو أيضا مثل الأول فيه روايتان (7)أيضا، لكن هنا الأولى


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 231.
4- 4 الوسائل الباب- 34- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2- 1.
5- 5 هكذا النسخة الأصلية المبيضة، و في المسودة بخطه قده« في العدد الثلاث» و هو الصحيح.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من أبواب أقسام الطلاق.
7- 7 الوسائل الباب- 17- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3 و الباب- 19- منها الحديث 5.

ج 32، ص: 142

تفريق الطلقات على الأطهار إن لم يقع وطء حتى يكون لكل طلقة طهر كما عرفت، و يكون أبعد مما عند العامة من وقوع الثلاث في مجلس واحد مع تخلل رجوع و عدمه مرسلة و مرتبة أما لو وطأ لم يجز الطلاق إلا في طهر ثان إذا

كانت المطلقة ممن يشترط فيها الاستبراء بلا خلاف و لا إشكال لما عرفت من اشتراط صحة الطلاق بكونه في غير طهر المواقعة، كما هو واضح.

[الرابعة لو شك المطلق في إيقاع الطلاق لم يلزمه الطلاق]

المسألة الرابعة:

لو شك المطلق في إيقاع أصل الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك و كان النكاح باقيا للأصل، بل و لا يستحب بالخصوص، خلافا للشافعي، نعم لا ريب في رجحان الاحتياط، و لو علم و شك في عدده لزمه اليقين و هو الأقل، من غير فرق بين الثلاث و التسع، هذا للأصل، و لأن الشك في شرط التوقف على المحلل و عدد الحرمة المؤبدة شك في المشروط، بل هو كذلك لو كان شكه في السني و العدي و إن علم العدد لما عرفت، و ليس الحل مشروطا بالسني حتى يعارض ذلك كما هو واضح.

خلافا لمالك و أبي يونس، فأوجبا الاجتناب، لتوهم اجتماع الحظر و الإباحة، فيغلب الحظر كما إذا اختلطت الأجنبية بالأخت و موضع النجاسة بغيره، و ضعفه ظاهر ضرورة عدم قدر متيقن معلوم في المثال، نعم لو فرض العلم بنجاسة موضع معين من الثوب بوقوع النجاسة و شك في الزائد عليه كان المتجه أيضا نفيه بالأصل، كما في المقام.

و لو شك في المطلقة من نسائه وجب اجتناب الجميع مقدمة، نحو اجتناب المشتبهة بالأخت، كما هو واضح في جميع أفراد المسألة.

نعم ليس منها كما في المسالك ما «لو دار الاشتباه بين زوجتي رجلين بأن

ج 32، ص: 143

أرادا طلاقهما و لم يوقعا إلا واحدا ثم اشتبهت المطلقة و بدا لهما في طلاق الأخرى، فإنا لا نحكم بطلاق واحدة منهما، بخلاف ما لو اتحد الشخص و تعددت المنكوحة، و الفرق أن الشخص الواحد يمكن حمله على مقتضى الالتباس و ربط بعض أمره ببعض، و الرجلان يمتنع الجمع بينهما في توجيه الخطاب- إلى أن قال-: و هذا كما إذا سمعنا صوت حدث بين اثنين ثم قال كل واحد منهما إلى الصلاة لم يكن للآخر أن يعترض عليه، و لو أن الواحد صلى صلاتين و تيقن الحدث في إحداهما ثم التبست عليه يؤمر بقضاء الصلاتين إن اختلفا عددا، و إلا فالعدد المطلق بينهما».

قلت: قد يقال في مثل الطلاق و نحوه- بناء على توجه الخطاب بالتفريق بين الأجنبي و الأجنبية إلى الحاكم مثلا- بإتيان باب المقدمة أيضا في حقه، أقصاه المعارضة بحق الغير على وجه يحتاج إلى الترجيح، نحو الاشتباه بين الأجنبية و الزوجة التي لها حق الوطء أربعة أشهر أيضا.

و بذلك يظهر لك إمكان إجراء حكم المقدمة في جميع الخطابات الحسب المتوجهة إلى الحاكم مثلا، و صيرورة الشخصين فصاعدا بالنسبة إلى تكليفه كالانائين للمكلف الواحد في المقام و غيره، كما لو علم أن أحد الشخصين يزني أو يواقع امه أو أخته مثلا و هكذا، فتأمل جيدا.

[الخامسة إذا طلق غائبا ثم حضر و دخل بالزوجة ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه]

المسألة الخامسة:

إذا طلق غائبا مثلا بائنا أو رجعيا و انقضت العدة ثم حضر و دخل بالزوجة ثم ادعى الطلاق لم تقبل دعواه فيما يتعلق بحق غيره و لا بينته تنزيلا لتصرف المسلم على المشروع، فكأنه بفعله مكذب لبينته و لقوله و إن أخذنا بما عليه من إقراره.

و حينئذ ف لو كان أولادها لحق به الولد و الأصل في ذلك

خبر

ج 32، ص: 144

سليمان بن خالد(1)المعتضد بالعمل على وجه لم يظهر لنا مخالف فيه «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته و هو غائب، و أشهد على طلاقها، ثم قدم فأقام مع المرأة أشهرا لم يعلمها بطلاقها، ثم إن المرأة ادعت الحبل، فقال الرجل: قد طلقتك و أشهدت على طلاقك، فقال: يلزمه الولد، و لا يقبل قبوله».

هذا و لكن في المسالك أشكل الأول بأن تصرفه إنما يحمل على المشروع حيث لا يعترف بما ينافيه، و لهذا لو وجدناه يجامع امرأة و

اشتبه حالها لا يحكم عليه بالزنا، فإذا أقر بأنه زان يحكم عليه بمقتضاه، و الثاني بأنه يتم مع كونه هو الذي أقامها، فلو قامت الشهادة حسبة و أرخت بما ينافي فعله قبلت، و حكم بالبينونة، و يبقى في إلحاق الولد بهما أو بأحدهما ما قد علم من اعتبار العلم بالحال و عدمه».

قلت: قد يقال بعدم سماع ما اعترف به مما ينافي فعله إذا كان متعلقا بحق الغير و إن أخذ به في حقه،

لعموم «إقرار العقلاء»(2)

كما أن ظاهر الخبر المزبور عدم سماع دعواه حتى لو قامت بينة بمقتضاها، سواء كان هو المقيم لها أولا، مؤاخذة له بفعله المقتضي ترتب ذلك عليه، فالمراد عدم سماع البينة فيما يتعلق بحقه الذي ألقاه بفعله، على أن قيام البينة هنا حسبة مبني على أن المقام منها باعتبار حق الله فيها، أما إذا قلنا إن ذلك من حقوق الآدميين فلا سماع للبينة المكذبة بالقول أو الفعل.

نعم قد يقال بسماعها إذا أظهر تأويلا مسموعا لفعله، لعموم حجية البينة، و كون مورد الخبر المجرد عن ذكر التأويل، بمعنى أن الجواب عنه (عليه السلام) مع فرض كون الدعوى على الكيفية المخصوصة التي منها السكوت عن ذكر التأويل الممكن الذي قد حكم غير واحد من الأصحاب بسماعه في الإقرار الذي هو أولى من الفعل، و بذلك كله يظهر لك النظر فيما ذكره غير واحد ممن تبع المسالك فيما عرفت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 32، ص: 145

[السادسة إذا طلق الغائب و أراد العقد على رابعة أو على أخت الزوجة صبر تسعة أشهر]

المسألة السادسة:

إذا طلق الغائب مثلا طلاقا رجعيا و أراد العقد على رابعة أو على أخت الزوجة صبر تسعة أشهر، لاحتمال كونها حاملا لا تنقضي عدتها إلا بذلك، فيستصحب حرمة نكاح الخامسة حتى يعلم الحل، و إلى ذلك أشار

صحيح حماد بن عثمان (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن و هو غائب عنهن متى يجوز له أن يتزوج؟؟ قال: بعد تسعة أشهر، و فيها أجلان فساد الحيض و فساد الحمل».

و ربما قيل: سنة كما عن الجامع، و اختاره الفاضل في القواعد احتياطا نظرا إلى حمل المسترابة التي رأت الدم و تأخر عنها الدم الثاني و الثالث، فإنها تصبر تسعة أشهر ثم تعتد بثلاثة أشهر، و ذلك سنة، فمع فرض لزوم الاحتياط في ذلك كما يومئ إليه الصحيح المزبور يتجه انتظارها.

لكنه كالاجتهاد في مقابلة النص، مضافا إلى ما ستعرفه من الكلام في ثبوت العدة المزبورة لها، كما أنه تقدم لك الكلام في البحث عن كون السنة أقصى الحمل الذي يحكي عن الجامع التعليل به هنا، على أن فيه إمكان منع كون مبنى المنع ذلك، و إنما هو الصحيح المزبور

الذي يمكن ملاحظة الغالب فيه الذي هو التسعة في المقام، و لعله لذا اكتفى به المصنف و الفاضل في محكي التحرير، مع أن مختارهما العشر في أقصى الحمل، و حينئذ فالمتجه الوقوف على ما في الصحيح المزبور.

نعم ظاهر قوله (عليه السلام) فيه: «فيها أجلان» إلى آخره أن مبنى الحكم المزبور الاستظهار بالمدة المزبورة، فيتجه ما ذكره المصنف و الفاضل و غيرهما من عدم الفرق في ذلك بين نكاح الخامسة و الأخت، خلافا للمحكي عن ابن إدريس، فاقتصر على الأولى جمودا على ما في الصحيح المزبور الذي قد اقتصر على مضمونه في المحكي عن


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 146

الشيخ أيضا، لحرمة القياس، و أما الأخت فيكفي في جواز تزويجها ما يعلمه من عادة المطلقة من الحيض و إلا فالثلاثة أشهر.

و فيه أن ذيله ظاهر أو صريح في التعليل المقتضي للتعدية، فلا حاجة إلى رده بما في المختلف، كما لا حاجة إلى الانتصار له بما في المسالك، و لا ينافي ذلك

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبى جعفر (عليه السلام): «إذا طلق الرجل امرأته و هو غائب فليشهد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أشهر فقد انقضت عدتها»

للإجماع على تخصيصه بغير نكاح الخامسة، و مع فرض ظهور ذيله في التعدية المزبورة يتجه تخصيصه أيضا بالأخت.

بل الظاهر عدم التعارض بينه و بين الأول، فإن انقضاء العدة لا ينافي وجوب الصبر لإرادة نكاح الخامسة أو الأخت احتياطا في أمر النكاح، ضرورة عدم كون التسع عدة لمطلقة الغائب، بل ينبغي القطع بعدم جريان باقي أحكام العدة على ما زاد عن الثلاثة أقراء أو الثلاثة أشهر: من الإنفاق و الرجوع و التوارث و غيرها، و لا إشعار في كلام أحد من الأصحاب بكون التسعة عدة هنا، و إنما أوجبوا الصبر إليها في خصوص نكاح الخامسة أو هي مع الأخت.

و بذلك يظهر لك ما في كلام بعض متأخري المتأخرين، كما أن من الذيل المزبور يظهر الحال فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو كان يعلم خلوها من الحمل كفاه ثلاثة أقراء إن علم عادة المرأة أو ثلاثة أشهر للعلم بانتفاء الحمل الذي يلحظ خروجها عن العدة بوضعه.

بل و يعلم أيضا أن المراد بالتسعة أشهر من حين الوطء لا حين الطلاق، فإذا فرض كونه ستة أشهر مثلا ثم طلقها صبر ثلاثة أشهر، فتكمل له تسعة أشهر التي هي مدة التربص المزبور، و كذا الأربعة و الخمسة و هكذا، و (بالجملة) يلحظ في أمرها مضي مدة يظهر فيها وضع الحمل لو كان، و قضاء العدة بالحيض إن كانت مستقيمة


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 147

أو الأشهر.

و على كل حال فلو تزوج قبل المدة أثم قطعا، و لكن يصح نكاحه إذا بان وقوعه بعد تمام العدة، كما يبين فساده لو بان وقوعه في أثنائها، بل الظاهر الفساد لو فرض اشتباه الحال، و لو تزوج بعد المدة فبان بقاء المطلقة في العدة لاسترابة أو غيرها ففي صحة نكاحه و فساده وجهان، أقواهما البطلان، و الله العالم.

[النظر الثاني في أقسام الطلاق]

النظر الثاني في أقسام الطلاق و لفظه الذي هو الأعم من الصحيح و الفاسد لغة و شرعا و عرفا يقع على البدعة و السنة فيقال: طلاق سني، و طلاق بدعي نسبته إليهما، بمعنى البدعة المحرمة و السنة المشروعة، وجوبا مخيرا، كطلاق المولى و المظاهر الذي يؤمر بعد المدة بالفي ء أو الطلاق، كما ستعرف إنشاء الله، و ندبا، كالطلاق مع الشقاق و عدم العفة، أو كراهته كالطلاق عند التيام الأخلاق.

[النظر الثالث في اللواحق]

اشاره

النظر الثالث في اللواحق و فيه مقاصد

[المقصد الأول في طلاق المريض]
اشاره

الأول في طلاق المريض يكره للمريض أن يطلق زيادة على كراهة أصل الطلاق على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لم يتحقق الخلاف في ذلك و إن حكي التعبير بلفظ:

«لا يجوز» عن المقنعة و التهذيب، «و لا يجوز طلاق يقطع الموارثة بينهما» عن الإستبصار، إلا أنه يمكن إرادتهما من ذلك الكراهة، كما وقع لهما غير مرة، خصوصا بعد كون ذلك منهما تبعا ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عبيد بن زرارة(1)«لا يجوز طلاق المريض، و يجوز نكاحه»

و في

خبر زرارة(2)«ليس للمريض أن يطلق، و له أن يتزوج»

المعلوم حمله على الكراهة، لمعارضته بالنصوص (3)المستفيضة


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 148

أو المتواترة التي سيمر عليك جملة منها التي فهم الأصحاب منها الصحة بلا إثم و لو بقرينة ما في

صحيح الحلبي (1)منها عن أبى عبد الله (عليه السلام) أنه سئل «عن الرجل يحضره الموت فيطلق امرأته أ يجوز طلاقه؟ قال: نعم و إن مات ورثته و إن ماتت لم يرثها»

معتضدا بالأصول و العمومات. بل يمكن إرادة عدم مضي تمام حكم الطلاق على طلاقه من عدم الجواز، لما ستعرفه من أنها ترثه و إن انقضت عدتها إلى سنة، نعم قد يقال باختصاص الكراهة فيما إذا لم تكن هي الطالبة للطلاق لكن النهي مطلق و إن قيد إرثها منه بذلك، كما ستعرف.

و على كل حال ف لو طلق صح طلاقه بلا خلاف كما عن المبسوط، بل لعله إجماع حتى من القائل بعدم الجواز الذي لا ينافي الصحة المستفادة من النصوص (2)المستفيضة أو المتواترة و هو يرث زوجته ما دامت في العدة الرجعية إجماعا بقسميه، مضافا إلى معلومية كونها كالزوجة في باقي الأحكام، و إلى

موثق زرارة(3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يطلق المرأة، قال: ترثه و يرثها ما دام له عليها رجعة»

و صحيحه (4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا طلق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدة، فإذا طلقها التطليقة الثالثة فليس له عليها رجعة، و لا ميراث بينهما»

و الصحيح (5)«أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2 الا أنه رواه مضمرا كما في الاستبصار ج 3 ص 304 و الكافي ج 6 ص 123 و لكن في الفقيه ج 3 ص 354 عن أبى عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب المواريث.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 10 من كتاب المواريث.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 8 من كتاب المواريث مع اختلاف يسير، و في الاستبصار ج 3 ص 344 كالجواهر.

ج 32، ص: 149

و لم تحرم عليه فإنها ترثه، و تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن توفت و هي في عدتها و لم تحرم عليه فإنه يرثها»

و خبر محمد بن قيس (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا طلقت المرأة ثم توفي عنها زوجها و هي في عدة منه لم تحرم عليه فإنها

ترثه و هو يرثها ما دامت في الدم من حيضتها الثانية من التطليقتين الأولتين، فإن طلقها الثالثة فإنها لا ترث من زوجها شيئا و لا يرث منها»

إلى غير ذلك من النصوص المستفيضة أو المتواترة التي لا يقاومها ما في صحيح الحلبي (2)السابق و إن كان خاصا بالمرض و هي مطلقة.

إلا أنه لشذوذه و عدم القائل بمضمونه قاصر عن التقييد مع احتماله عدة البائن، و لا ينافيه إرثها منه، لما ستعرفه من اتفاق النص (3)و الفتوى على إرثها منه بالشروط إلى سنة و إن كانت بائنا، إذ المراد لا يرثها إذا انقضت العدة، كما في

خبر الحلبي و أبي بصير و أبي العباس جميعا(4)عن أبى عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «ترثه و لا يرثها إذا انقضت العدة»

المعلوم كون الموضوع فيه طلاق المريض، كما لا يخفى على من لاحظ الكافي، فإنه رواه بعد أن روى عن أبي العباس (5)طلاق المريض على وجه يعلم منه أن مرجع الضمير فيه ذلك، على أنه لا يتم بقرينة غيره من النصوص إلا على ذلك، فهو حينئذ مقيد لصحيح الحلبي.

فمن الغريب ما وقع للخراساني و سيد المدارك من التوقف في الحكم المزبور للصحيح المذكور بعد اعترافهما بكون الحكم كذلك عند الأصحاب الذين هم أدرى منهما بالسنة و الكتاب.

و أغرب من ذلك ما في الرياض من نقل الجمع المزبور بالتقييد المذكور عن الشيخ، و نفي البأس، عنه جميعا بين الأدلة و لو لم يكن له شاهد و لا قرينة، مع أن الخبر المزبور بمرأى منه.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 2 من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 150

و نحو ذلك ما في كشف اللثام من أنه يمكن القول بالفرق بينهما مع قصد الإضرار و إن كان الطلاق رجعيا، و يمكن الحمل على أن الأفضل أن لا يرثها، إذ هما معا كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرنا و الأمر سهل.

م لا يرثها في البائن و لا بعد العدة الرجعية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن الخلاف الإجماع عليه، كما عن المبسوط نفي الخلاف، لانتفاء الزوجية و انقطاع العصمة بينهما، فأصالة عدم الإرث بحاله، و في

مرسل يونس (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته ما العلة التي من أجلها إذا طلق الرجل امرأته و هو مريض في حال الإضرار ورثته و لم يرثها؟ فقال: هو الإضرار، و معنى الإضرار منعه إياها ميراثها منه، فألزم الميراث عقوبة»

و التعليل في

خبر الهاشمي (2)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا ترث المختلعة و لا المبارأة و المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئا إذا كان ذلك منهن في مرض الزوج و إن مات في مرضه، لأن العصمة قد انقطعت منهن و منه»

و صحيح الحلبي (3)السابق بناء على إرادة البائنة منه.

بل في المسالك زيادة الاستدلال أيضا بموثق زرارة(4)السابق، لأن قيد الرجعة لا يصلح في ميراثها إجماعا، لثبوته مطلقا، فيبقى في ميراثه، و للقرب، و إذا انتفى القيد انتفى الحكم تحقيقا لفائدته. و لعله لذلك استدلال في الرياض بعموم المعتبرة المستفيضة المتقدمة في الاستدلال على إرثه منها في الرجعة.

لكن قد يقال: إنه لا شي ء منها في المريض الذي هو محل البحث، بل لا إطلاق في شي ء منها، باعتبار ما فيها من نفي إرثها منه الذي هو قرينة على كون الموضوع الصحيح، نعم يكفي في إثبات الحكم ما ذكرناه، خصوصا بعد عدم


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 151

المعارض المقاوم.

و بذلك يظهر لك ضعف المحكي عن الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة من القطع بتوارثهما في العدة في البائنة، و لعله لذا

نفى الريب المصنف في المحكي عن نكتة على النهاية عن اختلاله، و أنه لا بد من التنزيل على الرجعة. قلت: خصوصا مع المحكي عنها في الميراث من أنهما يتوارثان في العدة الرجعية، و لا توارث بينهما في حال إن كان الطلاق بائنا، و كذا عن المهذب و المبسوط.

و على كل حال فليس للشيخ إلا

الخبر(1)«في رجل طلق امرأته ثم توفي عنها و هي في عدتها أنها ترثه، و تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن توفت و هي في عدتها فإنه يرثها»

المحمول على الرجعية، و

خبر عبد الرحمن (2)عن موسى بن جعفر عليهما السلام «سألته عن رجل طلق امرأته آخر طلاقها، قال: نعم يتوارثان»

و خبر عمر الأزرق (3)عن أبى الحسن (عليه السلام) «المطلقة ثلاثا ترث و تورث ما دامت في عدتها».

و هما مع قصورهما عن المقاومة لما سمعت من وجوه ليسا نصين في المريض، و إطلاقهما مخالف للإجماع، و إخراجهما عن المخالفة بالتقييد بالمريض يحتاج إلى دليل، و مع ذلك ليسا نصين في طلاق البينونة، لاحتمال «آخر الطلاق» في الأول الأخر المتحقق فيه في الخارج، و يجامع أول الطلقات و الثاني، و لا ينحصر في الثالث، فيقبل الحمل على الأولين، «و المطلقة ثلاثا» في الثاني المطلقة كذلك

مرسلة بناء على أنها تقع واحدة، فترجع عدة الطلاقين في الروايتين إلى الرجعية.

و لعله إلى هذه الأخبار أشار في المسالك بأن للشيخ روايات تدل بظاهرها على التوارث بينهما من غير تفصيل.


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 عن يحيى الأزرق كما في الاستبصار ج 3 ص 291 و التهذيب ج 8 ص 94.

ج 32، ص: 152

و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ لا أقل من طرح النصوص أجمع، لضعفها و تعارضها، و الرجوع إلى الأصول التي مقتضاها نفي التوارث.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنها ترثه هي سواء كان طلاقها بائنا أو رجعيا ما بين الطلاق و بين سنة لا أزيد و لو لحظة ما لم تتزوج أو يبرء من مرضه الذي طلقها فيه، و لو برء ثم مرض ثم مات لم ترثه إلا في العدة الرجعية بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا، إلى النصوص المستفيضة.

ك

خبر عبيد بن زرارة(1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل طلق امرأته و هو مريض حتى مضى لذلك سنة، قال: ترثه إذا كان في مرضه الذي طلقها لم يصح بين ذلك».

و خبر أبى العباس (2)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: رجل طلق امرأته و هو مريض تطليقة

و قد كان طلقها قبل ذلك تطليقتين، قال: فإنها ترثه إذا كان في مرضه، قال:

قلت: و ما حد المرض؟ قال: لا يزال مريضا حتى يموت و إن طال ذلك إلى السنة».

و خبره (3)الآخر عنه (عليه السلام) أيضا «إذا طلق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك و إن انقضت عدتها، إلا أن يصح منه، قال: قلت: فان طال به المرض، قال: ما بينه و بين سنة».

و خبر الحذاء و مالك بن عطية عن أبي الورد كلاهما(4)عن أبى جعفر (عليه السلام) «إذا طلق الرجل امرأته تطليقة في مرضه ثم مكث في مرضه حتى انقضت عدتها فإنها ترثه ما لم تتزوج، فان كانت قد تزوجت بعد انقضاء العدة فإنها لا ترثه».

و المرسل (5)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلق امرأته و هو مريض، قال: إن مات في مرضه و لم تتزوج ورثته، و إن كانت قد تزوجت فقد رضيت بالذي صنع، لا ميراث لها»

إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على جميع ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.

ج 32، ص: 153

و لو قال: طلقت في الصحة ثلاثا أو نحو ذلك مما ينفي إرثها منه قبل في حقه مطلقا

لعموم «إقرار العقلاء»(1)

و في حقها في قول و لم ترثه بناء على أن إقرار المريض بما له أن يفعله مقبول و إن كان على الوارث، و ينزل منزلة فعله في الصحة.

و الوجه عند المصنف و الفاضل في القواعد أنه لا يقبل بالنسبة إلى إرث ها و إن قبل في غيره كتزويجها و نحوه، للتهمة التي هي الأصل في إرثها منه لو طلقها في حال المرض، و لما في كشف اللثام من أنه إنما يقبل إقراره بما يحرمه الوارث لغيره، و هنا لم يقر بما تحرمه الزوجة لأحد، فإنما هو بالنسبة إليها مدع و إن استلزمت الدعوى ثبوت حصتها لسائر الورثة، إلا أن الجميع كما ترى.

و لو قذفها و هو مريض فلاعنها و بانت باللعان لم ترثه بلا خلاف و لا إشكال لاختصاص موضوع الحكم نصا(2)و فتوى بالطلاق و حرمة القياس عندنا، فلا يلحق به اللعان، و لا الفسخ بالعيب و لو من جهته، و لا تجدد التحريم المؤبد برضاع منها أو لواط منه، و لا غير ذلك.

و أولى من ذلك ما لو استند اللعان حال المرض إلى القذف حال الصحة، ضرورة عدم إتيان القياس عند القائل به فيه، لكن في القواعد في تجدد التحريم المؤبد المستند إليه كاللواط نظر، و في العيب إشكال إن كان من طرفه، و لا وجه له سوى الإلحاق بالطلاق الذي لا يخرج عن القياس بعد فرض عدم علة في النصوص يتعدى بها، و لو أريد في الأول أنه

إذا طلقها مريضا ثم لاط لواطا أوجب تحريمها عليه أبدا كان المتجه إرثها منه، لإطلاق الأدلة و استصحاب موجب الإرث.

و (11) كيف كان ف هل التوريث لمكان التهمة (12) بإرادة الإضرار بها، فيكون ذلك عقوبة من الشارع. كما سمعت التصريح به في مرسل يونس (3)مضافا


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 154

إلى

مضمر سماعة(1)«سألته عن رجل طلق امرأته و هو مريض، قال: ترثه ما دامت في عدتها، و إن طلقها في حال الضرار فهي ترثه إلى سنة، فان زاد على السنة يوما واحدا لم ترثه»

قيل و القائل الشيخ في المحكي من استبصاره نعم.

و لكن الوجه وفاقا للأكثر تعلق الحكم بالطلاق في المرض لا باعتبار التهمة لأنه العنوان للحكم في أكثر النصوص على وجه لا يصلح ما عرفت لتقييدها بعد عدم الجابر و قوة إرادة الحكمة من العلة في المرسل (2)السابق كما لا يخفى على من أحاط خبرا بنظائر المقام.

نعم في ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردد من إطلاق الأدلة، و من خصوص خبر الهاشمي

(3)السابق أشبهه أنه لا إرث، و كذا لو خالعته أو بارأته للخبر المزبور(4)المعتضد بالأصول، بل و بخبر سماعة(5)و المرسل (6)و إن لم يحكم بهما في السابق، لكن لا بأس بتقوية الدليل بهما.

و من ذلك يعلم عدم التنافي بين كون عنوان الإرث المرض لا التهمة و بين عدم إرث الثلاثة للخبر(7)المخصوص المعتضد بما عرفت، فإن أقصى ذلك الرجوع إلى الإطلاق و التقييد، لا أن مبنى عدم إرثهن عدم التهمة في طلاقهن، فما في المسالك من الاعتراض على المصنف بذلك في غير محله.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 9 من كتاب المواريث و الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 9 من كتاب المواريث.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 7 من كتاب المواريث.
7- 7 الوسائل الباب- 15- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 155

[فروع]
[الأول لو طلق الأمة مريضا طلاقا رجعيا فأعتقت في العدة و ماتت في مرضه ورثته في العدة]

الأول:

لو طلق الأمة مريضا طلاقا رجعيا فأعتقت في العدة و ماتت في مرضه ورثته في العدة بلا خلاف و لا إشكال، لأنها زوجة ممنوعة بالرق و الفرض زواله، بل لا فرق بين الصحة و المرض في ذلك. و لم ترثه بعدها لانتفاء التهمة

بإرادة حرمانها من الإرث وقت الطلاق لكونها غير وارثة على كل حال، لكن فيه ما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة يدور الحكم معها نفيا و إثباتا.

و من هنا قال المصنف و لو قيل ترثه كان حسنا، لكون ما بعد العدة نحو ما قبلها إلى تمام السنة في مطلقة المريض، فهي فيها حينئذ وارثة قد ارتفع مانعها في وقت لها قابلية الإرث.

و من هنا يتجه أنه لو طلقها بائنا فكذلك ضرورة كونها في الحالين وارثا قد ارتفع المانع عنها في وقت قابليتها لذلك إلى تمام السنة، فهي حينئذ كغيرها من الورثة.

لكن و مع ذلك قيل: لا ترث، لأنه طلقها في حال لم تكن لها أهلية الإرث فلا يندرج في نصوص (1)المقام الظاهرة في قابلية مطلقة المريض للإرث لو لا المرض (الطلاق ظ)، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار على المتيقن، و الفرض عدم عموم أو إطلاق في النصوص صالح لتناول المفروض، فيكون المانع ذلك، لانتفاء التهمة الذي يرد عليه أنها حكمة على الأصح لا علة.

و مثله يجري في المطلقة رجعيا بعد العدة، ضرورة كون المراد في النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 14- من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.

ج 32، ص: 156

بناء على ما ذكرنا أن الزوجة الصالحة فعلا للإرث لو لا الطلاق إذا طلقت في المرض ترث إلى تمام السنة، لا أن المراد إذا تجدد لها

الصلاحية للإرث تمام السنة، و فرق واضح بين الأمرين، كوضوح ظهور النصوص في الأول.

و كذا الكلام فيما لو طلقها كتابية ثم أسلمت بعد العدة في أثناء السنة لو كانت رجعية، أو مطلقا لو كانت بائنا، نعم لو أسلمت في العدة الرجعية ورثت، لأنها زوجة، فليست في مفروض المقام الذي هو الإرث من حيث كون الطلاق في المرض كما هو واضح.

و بذلك يظهر لك النظر في ما في المسالك كما يظهر لك مما قدمناه سابقا أنه لا وجه لتعجبه من المصنف، و الله العالم.

[الثاني إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض و أنكر الوارث]

الثاني:

إذا ادعت المطلقة أن الميت طلقها في المرض و أنكر الوارث، و زعم أن الطلاق في الصحة، فالقول قوله، لتساوى الاحتمالين، و كون الأصل عدم الإرث إلا مع تحقق السبب إذ الشك في الشرط شك في المشروط، و لا شي ء من الأصول- سواء علم تاريخ الطلاق و جهل تاريخ المرض أو جهلا معا- صالح لتنقيحه على وجه يصدق عرفا لكون الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم، بل قد ذكرنا غير مرة أن الأصول بالنسيبة إلى ذلك مثبتة.

فمن الغريب ما في المسالك من المناقشة في تعليل المصنف الحكم بتقديم قول الوارث بتساوي الاحتمالين بأنه «إما أن يعلم أن له مرضا مات فيه أو لا يعلم فيه ذلك، بأن احتمل موته فجأة و في الأول الأصل استمرار الزوجية إلى حين المرض، و الطلاق حادث، و الأصل عدم تقدمه، و ذلك يقتضي ترجيح وقوعه في المرض بأصلين، و مع الوارث أصالة عدم إرث البائنة في حال الحياة إلا مع العلم بسببه هنا،

ج 32، ص: 157

فالاحتمالان غير متساويين، ضرورة معارضة قول الوارث بأصل من الأصلين، فيبقى الأصل الآخر مرجحا للمرأة، و أما الثاني- و هو أن لا يعلم له مرض مات فيه- فترجيح قول الوارث حينئذ واضح، إذ لا معارض لأصله، فالاحتمالان على كل حال غير متساويين».

إذ هو كما ترى بعد ما عرفت من أن الأصلين المزبورين الأولين لا يصلحان لإثبات الطلاق في المرض الذي هو عنوان الحكم، فلا ريب في بقاء أصل الطلاق المفروض تحققه على اقتضاء عدم الإرث، فالمراد بتساوي الاحتمالين أنها من حيث دعواهما من مدعيهما على حد سواء لا شاهد لأحدهما في تشخيص ما ادعاه، فيرجع إلى أصالة عدم الإرث، لقاعدة عدم تحقق الشرط و غيره، كما هو واضح.

[الثالث لو طلق أربعا في مرضه و تزوج أربعا و دخل بهن ثم مات فيه كان الربع بينهن بالسوية]

الثالث:

لو طلق أربعا في مرضه و تزوج أربعا و دخل بهن ثم مات فيه كان الربع بينهن بالسوية، و لو كان له ولد تساوين في الثمن و هكذا الحكم لو فرض أزيد من الثمانية، بأن طلق الأربع المدخول بهن و تزوج أربعا آخر و دخل بهن، فإن الاثنى عشر تشترك في الربع أو الثمن، و قيد المصنف بالدخول لاشتراط الإرث بنكاح المريض له، كما ستسمعه في محله إنشاء الله.

[الرابع مدار الإرث على الموت في المرض مع الطلاق فيه]

الرابع:

مدار الإرث على الموت في المرض مع الطلاق فيه، فلو قتل في أثناء مرضه الذي طلق فيه لم يترتب الحكم المزبور مع احتماله، إلا أن الأول أقوى.

ج 32، ص: 158

[الخامس الظاهر أن المدار أيضا على المرض الذي لا يلحق به غيره من الأحوال المحترمة]

الخامس:

الظاهر أن المدار أيضا على المرض الذي لا يلحق به غيره من الأحوال المحترمة، كما أنه لا يلحق الفسخ في المرض من المرأة بالطلاق فيه، لحرمة القياس عندنا، بل الظاهر اعتبار المرض السابق على حال النزع، فلا يترتب الحكم على الصحيح الذي حضره الموت و تشاغل بالنزع فيه، مع احتمال عد مثله مرضا، بل قد سمعت تعليق الحكم في الصحيح (1)السابق على حضور الموت، و لكن قاعدة الاقتصار على

المتيقن تقتضي الأول، إلا إذا كان حضور الموت لحضور مرض اقتضاه، و الله العالم.

[المقصد الثاني في ما يزول به تحريم الثلاث]
اشاره

المقصد الثاني في ما يزول به تحريم الثلاث فنقول: قد عرفت سابقا أنه لا خلاف معتد به و لا إشكال في أنه إذا وقعت الثلاث على الوجه المشترط من كونها مترتبة لا مرسلة، و بعد تخلل الرجعة لا قبلها حرمت المطلقة حتى تنكح زوجا غير المطلق من غير فرق بين السني و العدي و غيرهما، كطلاق غير المدخول بها، و التي رجع بها في العدة من غير المواقعة في ذلك الطهر، أو غيره، أو المراد بالوجه المشترط أي غير عدية، بناء على إرادة بيان الحلية بنكاح غير المطلق دائما و أبدا بعد التسع و قبلها، فإنها هي التي تكون كذلك، بخلاف العدية التي تحرم أبدا بالتسع، و لا ينفع المحلل فيها، و قد تقدم


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 159

حكمها سابقا، و يمكن تحميل الوجه المشترط ما يشمل الأمرين و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

[الشروط الأربعة للتحليل]
اشاره

إنما الكلام فيما يعتبر في زوال التحريم بالثلاث من الشرائط، و المعروف بين الأصحاب أنها شروط أربعة:

[أحدها أن يكون الزوج المحلل بالغا]

أحدها أن يكون الزوج المحلل بالغا فلا يكفى غير المراهق من الصبيان الذين لا يلتذون بالنكاح و لا يلتذ بهم قولا واحدا بين المسلمين فضلا عن المؤمنين و هو الحجة، مضافا إلى ما ستعرف. نعم في المراهق للبلوغ منهم تردد و خلاف أشبهه أنه لا يحلل وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، للأصل و

مكاتبة على بن الفضل الواسطي (1)المنجبرة بما عرفت «كتبت إلى الرضا (عليه السلام) رجل طلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فيتزوجها غلام لم يحتلم، قال: لا، حتى يبلغ، فكتبت إليه ما حد البلوغ؟ قال: ما أوجب على المؤمنين الحدود»

و المروي (2)في طرق العامة و الخاصة من النبي صلى الله عليه و آله و ذريته من اعتبار ذوق العسيلة من الجانبين، و هو لا يتحقق إلا في البالغ، بناء على أن المراد منه الإنزال، كما عن بعضهم، الذي لا ينافيه ما عن النهاية و غيرها من تفسيره بلذة الجماع، المحمول على إرادة الكاملة التي لا تحصل إلا بالإنزال.

كل ذلك مضافا إلى إمكان دعوى ظهور الكتاب (3)و السنة(4)في كون


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 374 و الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 13 و الباب- 7- منها الحديث 1 و 3.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 230.
4- 4 الوسائل الباب- 4 و 7- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 160

المحلل زوجا آخر مستقل بالعقد، خصوصا و قد وقع في الآية بعد ذلك قوله تعالى:

«فَإِنْ طَلَّقَها» و من المعلوم أن الطلاق لا يصدر عن غير البالغ، لا أقل من الشك في تناول الفرض، و الأصل البقاء على الحرمة.

فما عن أبي علي و الشيخ في أحد قوليه- من الاكتفاء به، كما عن العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم- واضح الضعف و إن جنح إليه في المسالك، للإطلاق و أهلية المراهق لذوق العسيلة التي هي اللذة في الجماع، و ضعف الخبر المزبور، إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت، خصوصا الأخير الذي من المعلوم كون المذهب جواز العمل به بعد الانجبار بما سمعت.

[الثاني أن يطأها في القبل]

و الثاني أن يطأها إجماعا من المسلمين ممن عدا سعيد بن المسيب، فاكتفى بالعقد، و نصوصا(1)من الطرفين، بل و كتابا(2)بناء على أن النكاح الوطء أو المراد به هنا ذلك، بل المعتبر الوطء في القبل بلا خلاف، لأنه المنساق من نصوص (3)ذوق العسيلة، بل لا بد أن يكون وطء موجبا للغسل بغيبوبة الحشفة أو مقدارها من مقطوعها، لأن ذلك مناط أحكام الوطء و الدخول في كل مقام اعتبرا فيه، و لانتفاء ذوق العسيلة من الجانبين بدونه غالبا، و لأنه لم يعهد في الشرع اعتبار ما دونه، فوقوعه بمنزلة العدم، مضافا إلى أصالة بقاء الحرمة.

نعم ظاهرهم الاتفاق على الاكتفاء بذلك و إن لم يحصل تكرار منه و لا إنزال، فإن تم

إجماعا كان هو الحجة، و إلا فهو محل للنظر، لظهور نصوص (4)ذوق


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أقسام الطلاق و سنن البيهقي ج 7 ص 374.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 230.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و الباب- 7- منها الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و الباب- 7- منها الحديث 3.

ج 32، ص: 161

العسيلة في خلافه حتى على تفسيره بلذة الجماع الذي قد عرفت ما فيه، ففي

خبر أبى حاتم (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ثم تتزوج رجلا و لم يدخل بها، قال: لا، حتى يذوق عسيلتها»

و خبر زرارة(2)عن أبي جعفر عليه السلام «في الرجل يطلق امرأته تطليقة ثم يراجعها بعد انقضاء عدتها، قال: فإذا طلقها الثالثة لم تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فإذا تزوجها غيره و لم يدخل بها و طلقها أو مات عنها لم تحل لزوجها الأول حتى يذوق الأخر عسيلتها».

بل

روى غير واحد من العامة(3)«أنه جاءت امرأة رفاعة القرطي إلى النبي صلى الله عليه و آله، فقالت: كنت عند رفاعة فبت طلاقي، فتزوجت بعده عبد الرحمن بن زبير، و أنه طلقني قبل أن يمسني»- و في رواية(4)«و أنا معه مثل هدية الثوب»- فتبسم النبي صلى الله عليه و آله و قال: أ تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك»

و لا أقل من الشك في شمولها لمحل البحث إن لم يكن إجماعا، و الأصل الحرمة، و الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[الثالث أن يكون ذلك بالعقد لا بالملك و لا بالإباحة]

و الثالث أن يكون ذلك بالعقد، لا بالملك، و لا بالإباحة لو كانت أمة بلا خلاف، فضلا عن الوطء حراما أو شبهة و لو بالعقد الفاسد بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى عدم صدق الزوج في الكتاب (5)و السنة(6)عليه.


1- 1 أشار إليه في الوسائل الباب- 7- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1، و ذكره في الكافي ج 5 ص 425.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 373 و 374 و 375.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 373 و 374 و 375.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 230.
6- 6 الوسائل الباب- 3 و 4 و 7 و 8- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 162

و إلى خصوص

خبر الفضيل (1)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل زوج عبده أمته ثم طلقها تطليقتين أ يراجعها إن أراد مولاها؟ قال: لا، قلت: أ رأيت أن وطأها مولاها أ يحل للعبد أن يراجعها؟ قال: لا حتى تتزوج زوجا غيره، و يدخل بها، فيكون نكاحا مثل نكاح الأول».

و خبر عبد الملك بن أعين (2)«سألته عن رجل زوج جاريته رجلا فمكثت معه ما شاء الله، ثم طلقها، فرجعت إلى مولاها فوطأها أ يحل لزوجها إذا أراد أن يراجعها؟ فقال: لا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»

و نحوه صحيح الحلبي (3)بعد تقييدهما بكون الطلاق مرتين.

و إلى ما تسمعه من استفاضة النصوص (4)المشتمل بعضها(5)على تفسير الآية(6)بما لا يشمل العقد المنقطع فضلا عنهما، بقرينة قوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها».

[الرابع أن يكون العقد دائما لا متعة]

و منه يعلم الوجه في (الرابع) الذي هو أن يكون العقد دائما لا متعة بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

صحيح ابن مسلم (7)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل طلق امرأته ثلاثا ثم تمتع منها رجل آخر هل تحل للأول؟ قال: لا»

و خبر الصيقل (8)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فتزوجها رجل متعة، أ يحل له أن ينكحها؟ قال: لا حتى تدخل في مثل ما خرجت منه»

و مثله موثق هشام بن سالم (9)و في

خبر الصيقل الآخر(10)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فتزوجها رجل متعة أ تحل


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 3 و 4- من أبواب أقسام الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 230.
7- 7 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
9- 9 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
10- 10 الوسائل الباب- 9- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 163

للأول؟ قال: لا، لأن الله تعالى يقول (1)فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ، و المتعة ليس فيها طلاق»

و موثق عمار بن موسى (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته تطليقتين للعدة ثم تزوجت متعة، هل تحل لزوجها الأول؟ قال: لا حتى تتزوج ثباتا».

نعم لا فرق في المحلل بين الحر و العبد، لإطلاق الأدلة، و خصوص

خبر إسحاق بن عمار(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، و تزوجها عبد ثم طلقها، هل يهدم الطلاق؟ قال: نعم، يقول الله عز و جل في كتابه (4)حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، و هو أحد الأزواج»

و من هنا قال الشهيد في المسالك: «أسلم طريق في الباب و أرفعه للعار و الغيرة أن تزوج من عبد مراهق- إن اكتفينا به- أو مكلف للزوج أو غيره، و يستدخل حشفته، ثم يملك ببيع أو هبة، و يفسخ نكاحه، و يحصل التحليل».

و كيف كان ف مع استكمال الشرائط المزبورة يزول تحريم الثلاث كما عرفت.

و هل يهدم نكاح غير الزوج ما دون الثلاث على وجه تكون المرأة لو رجعت إلى زوجها كما إذا لم تكن مطلقة؟ فيه روايتان (5)أشهرهما عملا بين الأصحاب أنه يهدم، فلو طلق مرة و تزوجت المطلقة ثم تزوج بها الأول بقيت معه على ثلاث مستأنفات، و بطل حكم السابقة بل لم يعرف القائل بالأولى و إن أرسله في محكي الخلاف عن بعض أصحابنا.

و الرواية المعمول بها هي

موثق رفاعة(6)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 230.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 230.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 164

رجل طلق امرأته، حتى بانت منه و انقضت عدتها، ثم تزوج زوجا آخر فطلقها أيضا، ثم تزوجها زوجها الأول أ يهدم ذلك الطلاق الأول؟ قال: نعم».

و خبره الآخر(1)الذي رواه عنه ابن أبى عمير عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن المطلقة تبين ثم تتزوج زوجا غيره، قال: انهدام الطلاق».

و خبره الآخر(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل طلق امرأته تطليقة واحدة فتبين منه، ثم يتزوجها آخر فيطلقها على السنة

فتبين منه، ثم يتزوجها الأول على كم هي عنده؟ قال: على غير شي ء، ثم قال: يا رفاعة كيف إذا طلقها ثلاثا ثم تزوجها ثانية استقبل الطلاق؟ فإذا طلقها واحدة كانت على اثنتين».

و خبر عبد الله بن عقيل (3)قال: «اختلف رجلان في قضية إلى علي عليه السلام و عمر في امرأة طلقها زوجها تطليقة أو اثنتين، فتزوجها آخر فطلقها أو مات عنها، فلما انقضت عدتها تزوجها الأول، فقال عمر: هي على ما بقي من الطلاق، و قال أمير المؤمنين (عليه السلام): سبحان الله، أ يهدم ثلاثا و لا يهدم واحدة؟».

و قد تقدم سابقا

أن معاوية بن حكيم (4)قال: «روى أصحابنا عن رفاعة ابن موسى أن الزوج يهدم الطلاق الأول، فإن تزوجها فهي عنده مستقبلة، قال أبو عبد الله (عليه السلام): يهدم الثلاث و لا يهدم الواحدة و الثنتين!!»

بل و تقدم غير ذلك مما يظهر منه معلومية خبر رفاعة بين أصحاب الأئمة عليهم السلام، حتى توهم منه ابن بكير بم عرفت، فلاحظ و تأمل.

كما أنه قد تقدم لك سابقا جملة من النصوص (5)الواردة في تفسير طلاق السنة و العدة، و منها يظهر أن المطلقة ثلاثا التي لا تحل حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 13 عن فضالة و القاسم جميعا عن رفاعة.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 1 و 2- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 165

هي التي يقع عليها ذلك من دون تخلل زوج، حتى ما ورد(1)في تفسير قوله تعالى (2)«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» منها، و منه يظهر أنه لا وجه للتمسك بإطلاق الكتاب الذي شك في شموله للفرض بعد ذلك إن لم يكن ظاهره خلافه.

و لعله لذلك كله حكي عن الشيخ أن روايات الهدم أكثر من عدمه، بل قد سمعت عبارة المصنف، بناء على إرادة الأشهر رواية و عملا، و لكن في مقابلها نصوص آخر أنهاها في الحدائق إلى سبعة، و فيها الصحيح و غيره، و بعيدة عن التأويل و الحمل على غير التقية و إن احتمل الشيخ حملها على اختلال بعض شروط المحلل.

بل في كشف اللثام بعد أن ذكر جملة منها قال: «و عندي أنه لا تعارض، لاحتمال أن يراد بما

في بعضها(3)من كونها «عنده على تطليقة و واحدة قد مضت»

أنها تكون زوجة، و يجوز له الرجوع إليها بعد تطليقتين، فيفيد الهدم، و أن المراد بمضي الواحدة انهدامها».

لكن لا يخفى على من لاحظها امتناعه في بعضها،

قال الحلبي في الصحيح (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته تطليقة ثم تركها حتى مضت عدتها، ثم تزوجها رجل غيره،

ثم إن الرجل مات أو طلقها فراجعها الأول، قال: هي عنده على تطليقتين باقيتين».

و صحيح ابن مهزيار(5)كتب عبد الله بن محمد إلى أبى الحسن (عليه السلام) «روى بعض أصحابنا عن أبى عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته على الكتاب و السنة فتبين منه بواحدة، فتتزوج زوجا غيره فيموت عنها أو يطلقها، فترجع إلى زوجها الأول أنها تكون عنده على تطليقتين و واحدة قد مضت، فوقع (عليه السلام) بخطه: صدقوا، و روى


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7- 10- 13.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 229.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
5- 5 أشار إليه في الوسائل في الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و ذكره في الكافي ج 5 ص 426.

ج 32، ص: 166

بعضهم أنها تكون عنده على ثلاث مستقبلات، و أن تلك التي طلقها ليس بشي ء، لأنها قد تزوجت زوجا غيره، فوقع (عليه السلام) بخطه: لا».

و صحيح منصور(1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في امرأة طلقها زوجها واحدة أو اثنتين، ثم تركها حتى تمضي عدتها، فيتزوجها غيره، فيموت أو يطلقها، فيتزوجها الأول، قال: هي عنده على ما بقي من الطلاق».

و نحوه خبر زرارة(2)عن أبى جعفر عن علي (عليه السلام).

و قد

أخبر محمد بن قيس (3)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل طلق امرأته تطليقة، ثم نكحت بعده رجلا غيره، ثم طلقها فنكحت زوجها الأول، فقال: هي عنده على تطليقة».

و زاد في الحدائق الاستدلال ب

صحيح جميل (4)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «إذا طلق الرجل المرأة، فتزوجت ثم طلقها، فيتزوجها الأول ثم طلقها، فتزوجت رجلا ثم طلقها، فإذا طلقها على هذا ثلاثا لم تحل له أبدا»

و نحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد عن الكاظم (عليه السلام)(5)إلا أنه يمكن إرادة التسع منهما بقرينة «أبدا» أي كررت الثلاث ثلاثا.

و على كل حال فلا ريب في أن مقتضى أصول المذهب و قواعده ترجيح الأولى عليها من وجوه، بل صراحتها و صحتها و كثرة عددها، و موافقتها لإطلاق الكتاب (6)و السنة(7)في وجه لا تجدي بعد إعراض الأصحاب- الذين خرجت منهم- عنها،


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث 2.
5- 5 أشار إليه في الوسائل في الباب- 11- من أبواب استيفاء العدد 2 الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 5 ص 428.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 229.
7- 7 الوسائل الباب- 3 و 4- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 167

بل يزيدها و هنا و أي و هن، خصوصا بعد إشارة النصوص (1)السابقة إلى أن مضمونها قول عمر، و إن خالفه بعض أوليائه بعد ذلك، بل

عن الخلاف حكايته عن عمر و أبي هارون و الشافعي و مالك و الأوزاعي و ابن أبى ليلى و زفر و الشيباني و غيرهم.

فمن الغريب غرور المحدث البحراني بها و أطنابه في المقام بما لا طائل تحته، بل مرجعه إلى اختلال الطريقة، و أغرب منه تردد الفاضل في التحرير مع نزاهته عن هذا الاختلال.

و من العجيب أن ثاني الشهيدين الذي شرع هذا الاختلال قال في المقام: «إن عمل الأصحاب على الأول، فلا سبيل إلى الخروج عنه».

و لو طلق الذمي الذمية ثلاثا فتزوجت بعد العدة ذميا جامعا لشرائط التحليل ثم بانت منه و ترافعا إلينا حكمنا لهما بالحل.

و لو أسلم الذمي ثم أسلمت هي بعد المحلل الذمي حل للأول نكاحها بعقد مستأنف بلا خلاف أجده فيه، للإطلاق كتابا(2)و سنة(3)و كذا الكلام في كل مشرك. و بناء على جواز نكاح الذمية ابتداء فتصور طلاقها ثلاثا واضح، بل و إن لم نقل به إذا طلقها بعد إسلامه أو قبله ثم راجعها في العدة و هكذا ثلاثا، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح، و الفرض عدم انفساخ نكاحه بإسلامه و إن لم نجوز له ابتداء النكاح.

و الأمة إذا طلقت مرتين حرمت حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ سواء كانت تحت حر أو عبد لأن العبرة في عدد الطلقات عندنا النساء لا الرجال، فالحرة ثلاث و إن كانت تحت عبد، و الأمة اثنتان و إن كانت تحت حر، خلافا للعامة فالعبرة عندهم

فيه الرجال، و تظهر الثمرة في الحرة تحت العبد و الأمة تحت الحر، و قد استفاضت


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 230.
3- 3 الوسائل الباب- 3 و 4- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 168

نصوصنا بخلافهم أو تواترت.

ففي

صحيح العيص بن القاسم (1)«أن ابن شبرمة قال: الطلاق للرجل، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): الطلاق للنساء، و تبيان ذلك أن العبد تكون تحته الحرة فيكون تطليقها ثلاثا، و يكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين».

و في

صحيح زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟ و كم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق، فان كانت حرة فطلاقها ثلاث و عدتها ثلاثة قروء، و إن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان و عدتها قرآن»

إلى غير ذلك من النصوص، بل في

النبوي العامي (3)أيضا «طلاق الأمة طلقتان، و عدتها حيضتان».

بل في المسالك الاستدلال عليه في مقابلة العامة بقوله تعالى (4)«الطَّلاقُ مَرَّتانِ» إلى آخره لكونه في الحرة، بقرينة قوله تعالى

(5)«وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» فإن الإتيان للحرة، و أما الأمة فلمولاها، و لا ينافي ذلك «وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ» من حيث كونه خطابا للأزواج، و الأخذ إنما هو الحر دون العبد، لمنع كونه خطابا للأزواج بل لمن الأداء من ماله الشامل للأزواج و غيرهم، و إن كان هو كما ترى، ضرورة إمكان دعوى كون الإتيان و لو للمولى أيضا، لكن الأمر سهل بعد معلومية الحال من نصوص (6)العترة صلوات الله عليهم الذين هم مع كتاب الله تعالى الخليفة عن النبي صلى الله عليه و آله فينا لن يفترقا حتى يردا عليه الحوض(7).


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 369 و 426.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 229.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 229.
6- 6 الوسائل الباب- 24- من أبواب أقسام الطلاق.
7- 7 الوسائل الباب- 13- من أبواب صفات القاضي الحديث 34 و 77 من كتاب القضاء.

ج 32، ص: 169

و كيف كان ف لا تحل للأول بوطء المولى بلا خلاف، للنصوص (1)السابقة المعتضدة بالأصل و ظاهر الكتاب (2)و غيرهما و كذا لا تحل لو ملكها المطلق، لسبق التحريم على الملك فيستصحب، و لإطلاق نفي الحل كتابا(3)و سنة(4)حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، و خصوص

صحيح بريد العجلي (5)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في الأمة يطلقها تطليقتين ثم يشتريها، قال: لا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»

و خبره الآخر(6)عن أبى عبد الله (عليه السلام) إنه قال «في رجل تحته أمة فطلقها تطليقتين

ثم اشتراها بعد، قال: لا يصلح له أن ينكحها حتى تتزوج زوجا غيره، و حتى تدخل في مثل ما خرجت منه»

و صحيح الحلبي (7)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل حر كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بائنا ثم اشتراها هل يحل له أن يطأها؟ قال: لا»

بعد إرادة المرتين من البائن فيه.

و موثق سماعة(8)«سألته عن رجل تزوج امرأة مملوكة ثم طلقها ثم اشتراها بعد، هل تحل له؟ قال: لا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»

بعد التقييد بالمرتين.

معتضدا ذلك كله بعمل الأصحاب قديما و حديثا، عدا ما يحكى عن ابن الجنيد من الحل، ل

خبر أبى بصير(9)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل كانت تحته أمة فطلقها طلاقا بانا ثم اشتراها بعد، قال: يحل له فرجها من أجل شرائها، و الحر و العبد في هذه المنزلة سواء»

القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه، فلا بأس بطرحه أو حمله على التقية، أو يقرأ «بائنا» بالنون لا التاء فتحمل البينونة على الشراء قبل الخروج من العدة أو بعدها لا التطليقتين، أو يقيد إباحة الفرج بالشراء بما إذا تزوجت زوجا آخر أو غير ذلك مما لا بأس به بعد عدم مكافئته.


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 230.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 230.
4- 4 الوسائل الباب- 3 و 4 و 7- من أبواب أقسام الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6.
7- 7 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
8- 8 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7.
9- 9 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 170

فمن الغريب جمع الكاشاني بينه و بين النصوص السابقة بالجواز على كراهة، مستدلا على ذلك ب

صحيح ابن سنان (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت تحته أمة فطلقها على السنة، فبانت منه، ثم اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجا غيره، قال: أ ليس قضى علي (عليه السلام) في هذا؟ أحلتها آية و حرمتها آية، و أنا أنهى عنها نفسي و ولدي»

الذي هو ظاهر في التحريم، خصوصا بعد

خبر ابن قسام (بسام خ ل)(2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عما يروي الناس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلا نفسه و ولده، فقلنا: كيف ذلك؟ فقال: أحلتها آية و حرمتها آية أخرى، قلنا. هل تكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟ قال: قد بين لهم إذ نهي نفسه و ولده، فقلنا: ما منعه أن يبين؟ فقال: خشي أن لا يطاع، فلو أن أمير المؤمنين (عليه السلام) ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله و الحق كله»

و نحوه المروي عن كتاب علي بن جعفر (عليه السلام)(3).

و لو طلقها أي الأمة مرة ثم اعتقت ثم تزوجها بعد العدة أو راجعها فيها بقيت معه على واحدة استصحابا للحال الأول، و حينئذ فلو طلقها أخرى حرمت عليه حتى يحلها زوج فان عتقها أو عتقه أو عتقهما لا يهدم الطلاق، و لا يغيرها عن حالها السابق، للأصل، و

صحيح رفاعة(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن العبد و الأمة يطلقها تطليقتين ثم يعتقان جميعا هل يراجعها؟

قال: لا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فتبين منه»

و صحيح محمد بن مسلم (5)عن أبي


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8 من كتاب النكاح عن معمر بن يحيى بن سام الا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 463 معمر بن يحيى بن بسام.
3- 3 البحار ج 10 ص 266 الطبع الحديث.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 28- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 171

جعفر عليه السلام «المملوك إذا كانت تحته مملوكة فطلقها ثم أعتقها صاحبها كانت عنده على واحدة»

و صحيح الحلبي (1)قال أبو عبد الله عليه السلام «في العبد تكون عنده الأمة، فيطلقها تطليقة ثم أعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة»

و موثق هشام بن سالم (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «إن العبد إذا كان تحته الأمة فطلقها تطليقة فأعتقا جميعا كانت عنده على تطليقة واحدة»

و هي مع ما ترى من جمعها لشرائط الحجية معتضدة بعمل الأصحاب.

فما عن ابن الجنيد- من أن الأمة إذا أعتقت قبل وقوع الطلاق الثاني بها انتقل حكم طلاقها إلى الحرائر، فلا تحرم إلا بالثالثة مؤيدا له في المسالك بما وقع لهم في نكاح المشركات إذا أسلم العبد و عنده أربع و أعتق، و في القسم بين الزوجات إذا أعتقت الأمة في أثنائه من أنه متى كان العتق قبل استيفاء حق العبودية يلحق بالأحرار في الحكم، و المقام منه- كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم ما ذكره.

و على كل حال فقد عرفت فيما تقدم أن مقتضى اتفاقهم و ما فهموه من نصوص العسيلة من إرادة الدخول كون الخصي يحلل المطلقة ثلاثا إذا وطأ و حصلت فيه الشرائط السابقة. و لكن في رواية

محمد بن مضارب (3)لا يحلل، قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن الخصي يحلل،

قال لا يحلل، و لا جابر لها، بل لم أجد عاملا بها إلا ما عساه يظهر من الحر في وسائله، فلا بأس بحملها على خصي لا يحصل منه الجماع، على أن الخبر المزبور قد رواه

الشيخ في زيادات النكاح من التهذيب بهذا الاسناد عن الرضا عليه السلام (4)قال: «سألته عن الخصي يحل قال: لا يحل»

و إرادة التحليل منه خلاف المتعارف في التعبير، فلذا احتمل إرادة حل نظره إلى

المرأة أو عقده من دون الاختبار بحاله، بل ربما احتمل إرادة سل الأنثيين الذي لا يجوز في الإنسان، أو أكل الخصيتين، و إن كان رسم


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.

ج 32، ص: 172

الكتابة بالياء في النسخ الصحيحة يأباهما. و على كل حال فهو شاذ ضعيف مضطرب.

و كذا قد عرفت فيما تقدم أنه لو وطأ الفحل قبلا فأكسل حلت للأول، للتحقق اللذة منهما التي هي المراد من العسيلة، بل و إن لم تحصل اللذة لهما، بناء علي أن المراد الدخول المفروض تحققه بغيبوبة الحشفة، كما هو واضح.

و لو تزوجها المحلل فارتد بعد وطئه لها حصل التحليل قطعا، و لو كان قبله قبلا و دبرا فوطأها في الردة لم تحل، لانفساخ عقد نكاح ه بالردة، إذ لا عدة لها، فوطؤه حينئذ وطء أجنبي، و كونها زوجته سابقا غير مجد هنا قطعا و إن قلنا بعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق، لظهور النص (1)و الفتوى في اعتبار وطئها حال كونها زوجة، و لذا لم يجد وطؤها بعد عقدها دائما و طلاقها قبل الدخول و إن كان لشبهة فضلا عن غيرها، كما هو واضح.

و لو كان لها عدة بوطئه لها دبرا فوطأها قبلا بعد الردة فيها فقد يقوى التحليل إذا فرض عوده إلى الإسلام فيها، لانكشاف كونه وطء زوجة، و كذا الكلام في ارتداد الزوجة بالنسبة إلى الأقسام الثلاثة، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 173

[فروع]
[الأول لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت و فارقها و قضت العدة و كان ذلك ممكنا في تلك المدة قيل يقبل]

الأول:

لو انقضت مدة فادعت أنها تزوجت و فارقها و قضت العدة و كان ذلك ممكنا في تلك المدة قيل و القائل المشهور بل لم أجد فيه خلافا محققا يقبل بلا يمين لا ل ما في المبسوط من أن في جملة ذلك ما لا يعلم إلا منها كالوطء و انقضاء العدة، فإنه لا يقتضي تصديقها في غيرهما كالتزويج و الطلاق، و من هنا قال في كشف اللثام: «لا يبعد تكليفه بالبينة فيهما» و لا لأنها ادعت أمرا ممكنا و لا معارض لها، كمدعي الوكالة مثلا على مال شخص أو شرائه، فإنه يجوز أخذه منه، لما ستعرفه. و لا لأنها مصدقة على نفسها لما تسمعه.

بل لأن في رواية

حماد الصحيحة(1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل طلق امرأته ثلاثا فبانت منه فأراد مراجعتها، فقال لها: إنى أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري، فقالت لي: قد تزوجت زوجا غيرك و حللت لك نفسي، أتصدق و يراجعها؟

و كيف يصنع؟ قال

إذا كانت المرأة ثقة صدقت في قولها» بناء علي عدم إرادة الشرطية بذلك، لعدم القائل به، و لأنه لا مدخلية لوثاقة المدعي من حيث كونه كذلك في تصديقه، و لغير ذلك، فيحمل على الندب و نحوه، فيكون حينئذ دليل المسألة، لا النصوص (2)المستفيضة المتضمنة لتصديق النساء في عدم الزوج، أو خلوها


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23 و 25- من أبواب عقد النكاح و الباب- 10- من أبواب المتعة من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 174

منه بموت و نحوه، سواء كان معلوما أو غير معلوم، بل في

بعضها(1)«أ رأيت لو سألها البينة كان تجد من يشهد أن ليس لها زوج»

و هو كالتعليل الشامل للمقام، فإنه قد يناقش بأن ذلك غير المفروض الذي قد صرح في الكتاب (2)و السنة(3)باشتراط الحل بالنكاح فيه الذي هو غير الخلو منه، و قبول قولها في الخلو من الزوج لا يقتضي قبوله في حصول التزويج.

كما أنه قد يناقش في الدليل الأول بأن مقتضاه جواز التناول من المدعي الذي لا معارض له لعدم تعلق خطاب مخصوص بالمتناول لا مطلقا و لذا لا يجوز دفع الوديعة إليه مثلا بمجرد دعوى الوكالة أو الانتقال إليه، و المقام من الثاني، ضرورة تعلق خطاب التحريم حتى يحصل نكاح زوج لها، فليس له نكاحها حتى يعلم ذلك و لو بطريق شرعي، و مجرد قولها لم

يثبت كونه طريقا لذلك، و دعوى أنه ربما مات الزوج أو تعذر مصادفته بعينه و نحوها، فلو لم يقبل منها ذلك لزم الإضرار بها و الحرج المنفيان (4)واضحة الفساد، ضرورة عدم الضرر و الحرج عليها باجتناب شخص خاص عنها.

و من ذلك يظهر أنه لا وجه للاستدلال بما هو كالتعليل في النصوص المزبورة لقبول قولها في الخلو، و حينئذ فينحصر الدليل حينئذ بالصحيح المزبورة على الشرط المذكور، و لا ريب في أن الأحوط مراعاته، خصوصا بعد ظهور عبارة المصنف و النافع في التوقف في الحكم المزبور، فتأمل جيدا.

و من ذلك يعلم أولوية عدم قبول قولها لو عينته و أنكر أصل النكاح، و إن مال في المسالك إلى قبوله في حصول التحليل و إن لم يثبت موجب الزوجية عليه لوجود


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب المتعة الحديث 5 من كتاب النكاح.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 230.
3- 3 الوسائل الباب- 3 و 4 و 7- من أبواب أقسام الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب الوضوء الحديث 5 من كتاب الطهارة و الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 32، ص: 175

المقتضى لقبول قولها مع عدم تكذيبه، و هو إمكان صدقها مع تعذر إقامة البينة على جميع ما تدعيه، و مجرد إنكاره لا يمنع صدقها في نفس الأمر.

و لا ينافي ذلك تقديم قوله، لأنه منكر، و استصحابا للأصل، و لإمكان إقامة البينة على أصل التزويج، لأنا لا نقبل قولها إلا في حقها خاصة، و الأصل لو عارض لقدح في أصل دعواها مطلقا.

و ناقشه في الحدائق بأن ظاهر النصوص قبول قولها حيث لا معارض لها في دعواها، و إلا كانت من مسألة المدعي و المنكر. و فيه أن ذلك لا ينافي قبول قولها بالنسبة إلى غير خصمها، على أن التكذيب أعم منه، إذ يمكن فرض ذلك حيث لا دعوى، بل كان ذلك مجرد تكذيب لها كالأجنبي.

نعم قد عرفت أنه لا دليل على قبول قولها في ذلك بمجرد إمكان صدقه و إلا فمع فرضه يتجه ما ذكره حتى في صورة الدعوى بالطريق الذي ذكره، فتأمل.

[الثاني إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول]

الثاني:

إذا دخل المحلل فادعت الإصابة فإن صدقها حلت للأول بلا خلاف و لا إشكال، لكونه أمرا لا يعلم إلا من قبلهما و إن كذبها قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يعمل الأول بما يغلب على ظنه من صدقها أو صدق المحلل و استدل له بأن الفرض تعذر البينة، و الظن مناط الأحكام الشرعية غالبا، فيرجع إليه، و هو كما ترى، ضرورة عدم كونه مناطا لتحقق موضوعاتها.

و الموجود في المبسوط بعد أن ذكر تصديقها مع عدم المعارض «فان قال الزوج الثاني: ما أصبتها فإن غلب على ظنه صدقها قبل قولها، و إن كذبها تجنبها، و ليس بحرام، و متى كذبها في هذه الدعوى ثم صدقها جاز له أن يتزوج بها، لجواز أن لا يعلم صدقها فكذبها ثم بان له صدقها فصدقها، فحل له أن يتزوج بها».

ج 32، ص: 176

و هو صريح في عدم الحرمة بعد حمل قوله «و إن كذبها» على إرادة غلبة الظن بكذبها، و الأمر بالتجنب على ضرب من الندب و الاحتياط، فيكون موافقا لما ذكره المصنف بقوله و لو قيل: يعمل بقولها على كل حال كان حسنا، لتعذر إقامة البينة بما تدعيه و في القواعد «هو الأقرب» و في المسالك «هو الأقوى لما ذكره المصنف من تعذر إقامة البينة، مع أنها تصدق في شرطه، و هو انقضاء العدة، فكذا في سببه، و لأنه لولاه لزم الحرج و الضرر، كما أشرنا إليه».

و ناقشه في الحدائق بنحو ما سمعته سابقا من أنها بحصول المعارض من مسائل المدعي و المنكر، فهي نظير ما لو ادعت المرأة أن لا زوج لها و ادعى آخر أنها زوجته، فان الظاهر أنه لا قائل بجواز تزويجها في هذه الحال بناء على أنها مصدقة في دعوى عدم الزوج، و الحال أنه يدعى زوجيتها، و إنما قبول قولها مع عدم ذلك، كما هو الظاهر من الأخبار(1)المتقدمة.

لكن لا يخفى عليك ما فيه من إمكان القطع بجواز تزويجها و إن ادعى مدع، و إلا لزم تعطيل أكثر النساء بمجرد الدعوى التي لا يجبر صاحبها عليها لتقطع بظاهر الشرع، و ربما يقال ذلك في مقام نشر الدعوى عند الحاكم و تشاغله بقطعها، لا أن مطلق مجرد

الدعوى يقتضي عدم جواز التزويج، و ليس ذلك لتصديقها، بل للأصل، كغيرها من الدعاوي في المال و غيره، كما هو واضح.

نعم قد يناقش بالشك في قبول قولها في الفرض باعتبار اشتراكهما في الائتمان عليه، و لذا يصدق كل منهما فيه مع عدم معارضة الأخر، و أما مع التعارض فيشكل ترجيح أحدهما على الآخر من دون مرجح، و لعله لذا كان المحكي عن الشيخ الترجيح بغلبة الظن في قول أحدهما، و مقتضاه عدم الجواز مع عدم الترجيح، و لا ينافي ذلك قبول قولها مع عدم معارضة الزوج باعتبار كونها مؤتمنة عليه.


1- 1 الوسائل الباب- 23 و 25- من أبواب عقد النكاح و الباب- 10- من أبواب المتعة.

ج 32، ص: 177

نعم قد يقال: لا دليل على الترجيح بغلبة الظن، إلا أن يراد بها الطمأنينة التي هي علم في العرف في مقابلة العلم عند أهل الميزان، فيتجه حينئذ وجوب الاجتناب مع عدمها، لأصالة بقاء التحريم السالمة عن المعارض حتى الصحيح (1)المزبور الظاهر في كون المراد تصديق قولها إذا كان ثقة في مفروض السؤال الذي هو خال عن تكذيب الزوج لها فتأمل جيدا.

و لو رجعت عن دعواها الإصابة قبل العقد عليها للزوج الأول لم تحل عليه، لإقرارها المؤاخذة به، و إن لم ترجع إلا بعد العقد عليها لم يقبل رجوعها، لكونه في حق الغير،

و لو رجع هو أو هي عن التكذيب إلى التصديق حلت، لأصالة صحة قول المسلم.

[لثالث لو وطأها محرما كالوطء في الإحرام قيل لا تحل]

الثالث:

لو وطأها محرما كالوطء في الإحرام أو الصوم الواجب و في الحيض أو نحو ذلك قيل و القائل الإسكافي و الشيخ فيما حكي عنهما لا تحل له، لأنه وطء منهي عنه، فلا يكون مرادا للشارع و لا مندرجا في أدلة التحليل الظاهر في اعتبار المواقعة فيه المستفاد منها الإذن فيه.

و قيل و القائل المشهور تحل، لتحقق النكاح المستند إلى العقد الصحيح الذي قد جعله الشارع سببا للجواز، و المقام من أحكام الوضع التي لا مانع من ترتيب الشارع لها على المحرم، بل قد عرفت في الأصول ترتيب المشهور صحة العبادة في مسئلة الضد على العصيان بترك المأمور به، و لا ريب أن المقام بطريق أولى، و دعوى ظهور الأدلة هنا أن الشرط الوطء المأذون فيه من حيث كونه كذلك و هو لا يتعلق بالمحرم و إن لم يكن عبادة واضحة الفساد، ضرورة أعمية الإذن المستفادة من الأدلة من دعوى اعتبارها في الشرطية، فالأقوى حينئذ الحل


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 178

في الفرض، فضلا عن الحرمة في العارض، لضيق وقت صلاة مثلا.

بل الظاهر عدم الفرق بين الحرمة بما عرفت و بينها بعدم بلوغ البنت تسعا و إن أفضاها، لإطلاق الأدلة، و دعوى ظهور الآية(1)في استقلال نكاح المحللة بنفسها دون الصغيرة التي يعقدها المولى واضحة الفساد، إذ الظاهر أن أمثال هذه الخطابات شاملة للوكالة و الولاية و غيرهما، كما في غير المقام.

و من هنا لم يكن فرق في المحلل و المحللة بين الجنون و العقل، نعم قد يتوقف في حصول التحليل في الصغيرة لا من هذه الجهة، بل لعدم بلوغها حد ذوق العسيلة، نحو ما سمعته في المراهق دون البلوغ، و مقتضاه عدم الإشكال في عدم حصوله فيها إذ لم تكن مراهقة، و في المراهقة البحث السابق.

إلا أن الذي يظهر من غير واحد من الأصحاب المفروغية من حصول التحليل فيها و إن كانت صغيرة، بناء على عدم اعتبار الحل في الوطء، خصوصا عند تعرضهم للشرائط و اقتصارهم على اعتبار البلوغ في المحلل، و لم يتعرضوا للمحللة، فإن تم إجماعا و إلا كان للنظر فيه مجال.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 230- 228.

ج 32، ص: 179

[المقصد الثالث في الرجعة]

المقصد الثالث في الرجعة التي هي لغة المرة من الرجوع، و شرعا رد المرأة المطلقة إلى النكاح السابق، و لا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها المستفادة من الكتاب (1)و

السنة(2)و الإجماع، كما لا خلاف بينهم في أنها تصح الرجعة نطقا كقوله: «راجعتك» و «ارتجعتك» مطلقا أو مع إضافة قوله: «إلى نكاحي» و نحو ذلك من الألفاظ الدالة على إنشاء المعنى المزبور بنفسها على تفاوتها بالصراحة أو بقرينة حال أو مقال على حسب غيره من المعاني التي يراد إبرازها بالألفاظ الدالة عليها.

هذا و لكن في الروضة بعد ذكر الألفاظ الصريحة في الرجعة قال: «في معناها «رددتك» و «أمسكتك» لو ردهما في القرآن (3)بقوله تعالى «وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» و قوله تعالى (4)«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ» و لا تفتقر إلى نية الرجعة، لصراحة الألفاظ، و قيل يفتقر إليها في الأخيرين، لاحتمالهما غيرها، كامساك باليد و في البيت و نحوه، و هو حسن».

و فيه أن إرادة المعنى من اللفظ المقصود به الدلالة على ذلك معتبرة في كل لفظ صادر من غير الساهي و النائم و العابث، نعم تختلف الألفاظ الصريحة عن غيرها بالحكم على المتلفظ بالأول منها من غير حاجة إلى إخباره بذلك بخلاف الثاني فإنه لا يحكم عليه بإرادة المعنى المقصود به إلا بإخباره أو وجود القرينة الدالة على ذلك الذي


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 230- 228.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 228.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 229.

ج 32، ص: 180

يكون بها صريحا أيضا كما هو واضح بأدنى نظر.

إنما الكلام في أمرين لم أجد لهما تحريرا في كلام الأصحاب: (أحدهما):

أن الرجعة من أقسام الإيقاع، فيعتبر فيها حينئذ قصد الإنشاء، و اللفظ الصريح الدال عليها عند من اعتبره في نظائرها من العقود و الإيقاعات، أو ليست كذلك، بل هي من حقوق المطلق، كما عساه يومئ إليه هنا اتفاقهم ظاهرا على عدم اعتبار لفظ مخصوص بها، بل ستسمع التصريح نصا(1)و فتوى بحصولها بالفعل المقتضي، للزوجية، بل تسمعهما أيضا في إن إنكار الطلاق رجعة، و نحو ذلك مما لم يعهد منهم نظيره في غيرها من الإيقاعات، بل ستسمع تردد المصنف في قبولها للتعليق، (ثانيهما) اعتبار قصد معنى الرجوع فيها أو يكفي حصول ما يقتضي كونها زوجة له فعلا و إن لم يتصور معنى الرجوع، كما عساه يومئ إليه الحكم بكون كل من الوطء و إنكار الطلاق رجعة، و ربما تسمع لهما فيما يأتي تنقيح في الجملة.

و كذا لا خلاف بيننا في أنها تصح فعلا كالوطء بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن بعض العامة موافقتنا عليه، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن القاسم (2): «من غشي امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحد، و إن غشيها قبل انقضاء العدة غشيانه إياها رجعة».

و لا خلاف في عدم اختصاص ذلك بالوطء، بل لو قبل أو لامس بشهوة أو بدونها أو نحو ذلك مما لا يحل إلا للزوج كان رجعة أيضا و لم يفتقر استباحته أي الوطء أو التقبيل أو اللمس

بشهوة إلى تقدم الرجعة في اللفظ لأنها زوجة ما دامت في العدة، فله فعل ذلك و غيره بها من دون تقدم رجوع، بل قد يظهر من المصنف و القواعد عدم اعتبار قصد الرجوع كما اعترف به غير واحد، بل في التحرير التصريح بأنه لا حاجة إلى نية الرجعة إذا تحقق القصد إلى الفعل بالمطلقة و إن كان ذاهلا عن الرجعة، بل في كشف اللثام احتمال ذلك حتى مع نية خلافها، لإطلاق النص (3)و الفتوى.


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.

ج 32، ص: 181

نعم لا عبرة بفعل الغافل و النائم و نحوهما مما لا قصد فيه للفعل، كما لا عبرة بالفعل المقصود به غيرها، مثل ما لو ظن أنها غير المطلقة فواقعها مثلا.

لكن في الحدائق و غيرها المفروغية من اعتبار قصد الرجوع بالفعل، لأن الأحكام صحة و بطلانا و ثوابا و عقابا دائرة مدار القصود، و هو كما ترى لا يستأهل ردا، ضرورة تحقق القصد إلى الفعل في المفروض، لكن بدون قصد الرجوع، و هو أمر زائد على أصل القصد بالفعل الذي يخرج به عن الساهي و النائم و نحوهما.

و كذا ما قيل من أن النكاح قد انفسخ بالطلاق، فلا يجوز الاستمتاع إلا بعد الرجوع الذي أقل ما يتحقق به قصده، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص (1)و الفتوى المصرحين

ببقائها في العدة على حكم الزوجة، الذي منه جواز وطئها من غير حاجة إلى قصد معنى رجوع.

و بذلك يظهر أن الأفعال رجوع و إن لم يقصد بها ذلك، لا دالة على الرجوع، كما صرح به في جملة من العبارات، بل قيل إنه أقوى من اللفظ، بل لعل مقتضى إطلاق النص (2)و الفتوى ذلك حتى مع قصد العدم أيضا، فيسقط حينئذ ما ذكره في المسالك من التفريع من أنه «لو أوقع الوطء بقصد عدم الرجوع أو مع عدم قصد الرجوع فعل حراما، لانفساخ النكاح بالطلاق و إن كان رجعيا، لأن فائدة الرجعي جواز الرجوع فيه لا بقاؤه بحاله، و إلا لم يبن بانقضاء العدة، لكن لا حد عليه و إن كان عالما بالتحريم، لعدم خروجها عن حكم الزوجية رأسا، و لقيام الشبهة، بل التعزير على فعل المحرم مع العلم لا مع الجهل بالتحريم، ثم إن لم يراجعها فعليه مهر المثل، لظهور أنها بانت بالطلاق، إذ ليس هناك سبب غيره، و إن راجعها بعد ذلك ففي سقوطه وجهان: من وقوع الوطء في حال ظهور خلل النكاح و حصول الحيلولة


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.

ج 32، ص: 182

منهما، و من ارتفاع الخلل أخيرا و عودها إلى صلب النكاح الأول، و من ثم لو طلقها بائنا كان طلاق مدخول بها، نظرا إلى الدخول الأول، و لأن الرجعة رد النكاح الذي زال بطلان الزوج، و مثله ما لو ارتدت المرأة بعد الدخول فوطأها الزوج في مدة العدة و عادت إلى الإسلام، أو أسلم أحد المجوسيين أو

الوثنيين و وطأها ثم أسلم المتخلف قبل انقضاء العدة و أولى هنا بعدم ثبوت المهر، لأن أثر الطلاق لا يرتفع بالرجعة، بل يبقى نقصان العدة، فيكون ما بعد الرجعة و ما قبل الطلاق بمثابة عقدين مختلفين، و أثر الردة و تبديل الدين يرتفع بالاجتماع في الإسلام، و يكون الوطء مصادفا للعقد الأول، و لو قيل بوجوب المهر هنا و بعدمه في تبديل الدين كان حسنا».

بل لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا في المرتد من أنه بالإسلام في العدة ينكشف البقاء على الزوجية، و لعل المقام أولى، من جهة كثيرة النصوص (1)بأن الرجعية في العدة زوجة المنزل على إرادة الحكم الزوجة الذي منه جواز وطئها، بل ما ذكره أولا من عدم ترتب الحد عليه دليل على ما ذكرناه عند التأمل.

و لو أنكر الطلاق في العدة كان ذلك رجعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، لأنه يتضمن التمسك بالزوجية بل في المسالك «هو أبلغ من الرجعة بألفاظها المشتقة منها و ما في معناها، لدلالتها على رفعه في غير الماضي، و دلالة الإنكار على رفعه مطلقا».

و لعل الأولى الاستدلال ب

صحيحة أبي ولاد(2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن امرأة ادعت على زوجها أنه طلقها

تطليقة طلاق العدة طلاقا صحيحا، يعنى على طهر من غير جماع و أشهد لها شهودا على ذلك، ثم أنكر الزوج بعد ذلك، فقال:

إن كان إنكار الطلاق قبل انقضاء العدة فإن إنكاره للطلاق رجعة لها، و إن كان أنكر الطلاق بعد انقضاء العدة فان على الامام أن يفرق بينهما بعد شهادة الشهود بعد ما


1- 1 الوسائل في الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 13- منها الحديث 6 و الباب 20 منها الحديث 11 و الباب- 18 و 20 و 21- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 183

يستحلف أن إنكاره الطلاق بعد انقضاء العدة، و هو خاطب من الخطاب».

و عن الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)(1)«و أدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق، فيكون إنكار الطلاق رجعة»

و لعل من ذلك يظهر عدم اعتبار قصد معنى الرجوع في الرجعة، ضرورة أن إنكار أصل الطلاق مناف لقصد الرجعة به.

و من هنا أشكل بعضهم الحكم المزبور بأن الرجعة مترتبة على الطلاق و تابعة له، و إنكاره يقتضي إنكار التابع، فلا يكون رجعة، و إلا لكان الشي ء سببا في النقيضين، و لا يحتاج إلى دفعه في المسالك «بأن الشارع إذا جعل إنكار الطلاق رجعة فقد قطع التبعية المذكورة، أو يجعل الإنكار كناية عن الرجعة، و لا يراد منه حقيقته، فان المقصود حينئذ من إنكار الطلاق إعادة النكاح المتحقق في الرجعة بأي لفظ دل عليه، و هذا منه».

بل في الأخير منه ما لا يخفى من ظهور النص (2)و الفتوى بإرادة الحقيقة من الإنكار الذي يترتب عليه الرجوع، بل في الأول أيضا ما لا يخفى إن كان المراد تحقق معنى الرجعة فيه، لا أن المراد منه أنه رجعة شرعا و إن لم يتحقق معناها و لا قصده و لكن ذلك ليس بأولى من القول بعدم اعتبار إنشاء معنى الرجوع فيها، بل يكفي فيها اللفظ الدال على كونها زوجة فعلا، بل و الفعل و إن لم يقصد معنى الرجوع، و بذلك يتفق خبرا(3)الإنكار و الفعل، بل يكفى فيه حينئذ قوله: «هي زوجتي الآن.» و أما احتمال الاكتفاء في الرجعة بما يقتضيه الإنكار و يستلزمه- من الرغبة في الزوجية و إرادة البقاء على النكاح الأول، و إلا لم ينكر زواله بالطلاق، و هذا معنى قول المصنف: «لأنه يتضمن» أي يستلزمه و يقتضيه- فهو كما ترى، و إن


1- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و الباب- 29- من كتاب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.
3- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 184

أيده بعضهم بأن إرادة الزوجية و الرغبة فيها بعد إزالتها ضرب من الرجوع إليها و إن لم يكن بقول و لا فعل، بل بمجرد الإرادة و المحبة المدلول عليها استلزاما بالإنكار، إذ فيه أن مقتضى ذلك اعتبار أن لا يظهر منه عدم إرادة الرجوع، من حيث أن المراجعة به إنما كانت باعتبار اقتضائه التمسك بالزوجية و

الرغبة فيها و الميل إليها، مع أن النص (1)و كلام الأصحاب مطلق.

فلا محيص حينئذ عن القول بأن الرجعة ليست من قسم الإيقاع، و لا يعتبر فيها قصد معنى الرجوع، بل يكفي فيها كل ما دل من قول أو فعل على التمسك بالزوجية فعلا و إن ذهل عن معنى الطلاق، و هو مراد المصنف. و من ذلك يعلم أنه لا وجه لكثير مما في كتب المتأخرين و متأخريهم.

(و دعوى) أن خصوص الوطء مثلا و الإنكار رجعة تعبدا و إن لم يكن فيهما إنشاء و لا قصد معنى الرجوع بخلاف غيرهما من أفراد الرجعة المعتبر فيها إنشاء معنى الرجوع (يدفعها) أنه لا دليل معتد به على اعتبار ذلك فيها كي يلتزم إخراج هذين القسمين من بين أفرادها، و قوله تعالى (2)«وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» كقوله تعالى (3)«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ» أو غيره أعم من اعتبار الأمرين المزبورين فيها، فيبقى حينئذ ما يستفاد من تحققها بالإنكار و الفعل مجردا عنهما من كون الرجعة مطلقا كذلك بحاله من غير معارض، خصوصا بعد ظهور النص و الفتوى في أن الرجعة شي ء واحد، لا أنها أمران: أحدهما يعتبر فيه الإنشاء و قصد معنى الرجوع، و هو ما عدا الأفعال و الإنكار من الأقوال، و ربما كان في التأمل في كلمات الأساطين منهم في المقام و غيره قرائن كثيرة على ذلك.

و كيف كان ف لا يجب الاشهاد في الرجعة بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة، مضافا إلى الأصل و النصوص (4)المستفيضة


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق

ج 32، ص: 185

أو المتواترة.

بل يستحب لحفظ الحق و رفع النزاع،

قال أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (1)«إن الطلاق لا يكون بغير شهود، و إن الرجوع بغير شهود رجعة، و لكن ليشهد بعد فهو أفضل»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي أو حسنه (2)«في الذي يراجع و لم يشهد قال: يشهد أحب إلى، و لا أرى بالذي صنع بأسا»

إلى غير ذلك من النصوص، و لا ينافي ذلك عدم قبول قوله في بعض الأحوال الناشئ من تقصيره في عدم الاشهاد، و قوله تعالى (3)«وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ» في الطلاق لا الرجعة، أو محمول على الندب لما عرفت.

و لو قال راجعتك إذا شئت أو إن شئت أو «إذا جاء رأس الشهر» لم يقع و لو قال: شئت على المشهور، كما في المسالك، بل نسبه فيها إلى الشيخ و أتباعه و المتأخرين، لنحو ما سمعته في غيرها من أقسام العقود و الإنشاءات من منافاته لظاهر ما دل على السببية المنافية لتأخر ترتب الأثر.

و لكن مع ذلك قال المصنف و فيه تردد من ذلك و مما في كشف اللثام:

من أنه «لا يشترط في الرجعة إلا التمسك بالزوجية، و لذا تحقق بالأفعال الدالة عليه، فلا يشترط فيها الإيقاع و لا الإنشاء» قلت: هو مؤيد لما ذكرناه سابقا.

لكن مع ذلك قد يناقش بأن عدم اعتبار الإنشاء فيها لا ينافي عدم قبول التعليق فيما لو قصده بها، إذ لا مانع من ترتب أثرها على إنشاء الرجعة المجرد عن التعليق و إن لم نقل باعتبار ذلك فيها، بل قلنا إنه يكفى فيها التمسك بالزوجية السابقة المجرد عن أصل الإنشاء فضلا عن إنشاء معنى الرجوع، فيتجه حينئذ البحث عن صحتها مع التعليق.

اللهم إلا أن يقال: إنها بعد أن لم تكن من أقسام الإيقاع المعتبر فيها ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 2.

ج 32، ص: 186

و لو بظاهر أدلة التسبيب تصح في المعلق على حسب غيرها من أقسام الإنشاء القابل لذلك، نحو قول السيد لعبده: «أكرم زيدا إن جاءك» أو «إذا جاءك رأس الشهر» و نحو ذلك، فإن إنشاءها حيث يؤتى به من هذا القبيل، لا من قبيل إنشاء الإيقاع.

و فيه أنه لا شك في احتياج الرجوع بعد حصول مقتضى الفسخ إلى سبب، و لم يثبت سببية المعلق، و لا إطلاق يتمسك به، فالأصل عدم حصوله.

و قد يدفع بأنه يكفي إطلاق أدلة الرجعة التي قد عرفت أن مفادها تحققها بما يحصل من قول أو فعل يقتضي البقاء على الزوجية السابقة و إن لم يقصد إنشاء معنى الرجوع، و لا ريب في حصوله بقول: «أنت زوجتي إذا جاء رأس الشهر» أو «إذا رضيت» أو «رضي زيد» و حصل المعلق عليه.

و العامة لم يجوزوا التعليق فيها مع تجويز هم له في الطلاق، و هو مبني على أنها عندهم استباحة بضع، فكانت كالنكاح الذي لا يقبله، لا كالطلاق الذي هو لحرمة استباحة العضو، و هو كما ترى مجرد استحسان و اعتبار، و مبنى على أصل فاسد، فتأمل جيدا.

و لو طلقها رجعيا فارتدت فراجع لم يصح في المشهور على ما قيل، كما لا يصح ابتداء الزوجية و إن لم نقل: إن الرجعة ابتداء نكاح، بل لمصادفتها محلا غير قابل للرجوع، ضرورة اقتضاء الارتداد انفساخ النكاح الكامل فضلا عن علقته في المطلقة رجعيا، و من هنا تبين منه لو لم تكن مطلقة، و ما دل على اقتضاء الرجعة الرجوع إنما هو مع انحصار سبب الفسخ في الطلاق، لا مع فرض حصول سبب آخر له، و دعوى صحة الرجعة بمعنى تأثيرها فسخ الطلاق فله أن يطلقها حينئذ واضحة الفساد، ضرورة عدم صحة الطلاق في البائنة منه بالارتداد.

نعم قد يقال بناء على ما ذكرناه سابقا من المراعاة في الفسخ بالارتداد بالإسلام و عدمه إلى انقضاء العدة يتجه حينئذ صحة الرجعة و الطلاق أيضا مراعي بإسلامها في العدة، لانكشاف حصولهما حينئذ في المحل القابل لهما، و لعله لهذا نظر المزني من العامة فقال: «تصح الرجعة موقوفة» أما على القول بأن الإسلام في العدة عود جديد

ج 32، ص: 187

من حينه فلا ريب في عدم صحة الرجعة فضلا عن الطلاق بعدها، و على هذا ينبغي أن يكون بناء الإسلام.

كما أن منه ينبغي التردد لا مما ذكره المصنف بقوله و فيه تردد ينشأ من كون الرجعية زوجة و إن تبعه عليه الفاضل و غيره، فإنه بعد تسليم كونها كذلك لا ينافي بينونتها بسبب آخر و هو الردة، كما إذا لم تكن مطلقة، فلا يصح الرجوع بها حينئذ لذلك و إن قلنا: إنها زوجة أو كالزوجة في الأحكام.

بل من ذلك يظهر لك ما في المسالك و غيرها من بناء المسألة على أن الطلاق رافع لحكم الزوجية رفعا متزلزلا يستقر بانقضاء العدة، أو أن خروج العدة تمام السبب في زوال الزوجية، مؤيدا للأول بتحريم وطئها لغير الرجعة، و وجوب المهر بوطئها على قول و تحريمها به إذا كمل العدد- و في كشف اللثام بأنها ابتداء نكاح، فان الطلاق زوال له، و الزائل لا يعود، و إطلاق الزوجة عليها مجاز، لثبوت أحكامها لها، و هو لا يفيد الزوجية- و الثاني (1)بعدم وجوب الحد بوطئها، و وقوع الظهار و اللعان و الإيلاء بها، و جواز تغسيل الزوج لها و بالعكس، بل في كشف اللثام نسبته إلى المفهوم من الأخبار و الأحكام (و الإجماع خ ل) و الفتاوى، و زاد بأنها لو لم

تكن زوجة كانت الرجعة تجديد نكاح، و لو كان كذلك لافتقر إلى إذنها، ضرورة عدم مدخلية ذلك في صحة رجوعها مرتدة، كضرورة عدم كونها زوجة حقيقة، و إلا لم يكن للرجوع بها معنى، و إنما لها أحكام الزوجة.

و كذا بناء المسألة على أن الرجعة ابتداء نكاح أو استدامته، إذ على التقديرين يتجه عدم صحة الرجعة، لانفساخ النكاح بالردة، فلا معنى لاستدامته، و احتمال عدم الفسخ بالردة هنا، لعدم مصادفتها النكاح الذي تفسخه، و إنما صادفت مطلقة لها علقة يدفعه أن العلة المزبورة هي علقة النكاح الأول الذي لا يصلح رجوعه مع الردة.


1- 1 عطف على «للأول» في قوله: «مؤيدا للاول بتحريم وطئها».

ج 32، ص: 188

و من هنا كان ظاهرهم المفروغية من عدم جواز الاستمتاع بها حال الردة لو رجع بها، و لو أنها مستثناة من التمسك بِعِصَمِ الْكَوافِرِ(1)و نكاح الكفار باعتبار عدم كون الرجعة نكاحا جديدا لاتجه حينئذ جواز الاستمتاع بها، بل لا تبين منه حتى إذا انقضت العدة مرتدة، و لا أظن قائلا به.

و كذا الكلام أنه لو فرض ارتداد الزوج في زمن العدة الرجعية لم يكن له الرجوع على حسب ما سمعته. و بذلك ظهر لك أن ما في القواعد- من أن الأقرب جواز الرجوع- لا يخلو من نظر أو منع.

ف لو أسلمت بعد ذلك استأنف الرجعة إن شاء لفساد الرجعة السابقة إلا بناء على الكشف الذي ذكرناه.

و لو كان عنده ذمية فأسلم فطلقها رجعيا ثم راجعها قيل: لا يجوز، لأن الرجعة كالعقد المستأنف المفروض عدم جوازه عليها ابتداء لأن الأول قد انفسخ بالطلاق. و لكن الوجه الجواز، لأنها لم تخرج عن زوجيته كما هو مقتضى إطلاق النص (2)و الفتوى، و ما سمعته من جواز وطئها من دون قصد الرجوع فهي برجوعه لها في العدة كالمستدامة التي لم يطلقها، على أن النكاح الأول لو كان زائلا بالطلاق الرجعي لكان العائد بالرجعة إما الأول أو غيره، و الأول مستلزم إعادة المعدوم. و الثاني منتف إجماعا، و إلا لتوقف على رضاها، فالنكاح الأول باق، غايته أنه متزلزل، و استدامته غير ممتنعة في الذمية إذا منعنا ابتداء نكاحها، و إلا سقط التفريع.

هذا و ظاهر عبارة المصنف و غيره أن موضوع المسألة الأولى الارتداد، بل كاد يكون صريح بعضهم، لكن في كشف اللثام تقييده بالارتداد كتابية، و كأنه لعدم احتمال صحة الرجعة في غيرها، و فيه أنه لا فرق في الارتداد بين الكتابية و غيرها،


1- 1 سورة الممتحنة: 60- الآية 10.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11.

ج 32، ص: 189

لأن الارتداد من حيث كونه ارتدادا فاسخ للنكاح، إلا مع العود للإسلام في العدة، و ليس الارتداد بالكتابية يجعل لها حكم الذمية

التي يجوز استدامة نكاحها، و إلا لاتجه حينئذ جواز الرجوع بها، لأن الرجعة ليس ابتداء نكاح، فيكون حكم المسألة الأولى كالثانية، مع أنك قد عرفت أن المشهور عدم جواز الرجوع فيها بخلاف الثانية، فإن الأمر بالعكس، فالمتجه حينئذ جعل موضوع المسألة الأولى الارتداد مطلقا كي يتجه القول بعدم جواز الرجعة، فتأمل.

و كيف كان فقد يلحق بذلك جواز الرجوع بالزوجة في الإحرام، لعدم كونه ابتداء نكاح، بل يجوز مراجعة الأمة لمن نكحها قبل نكاح الحرة لعدم الطول ثم استطاع فنكح الحرة إذا قلنا بعدم انفساخ نكاح الأمة، فلو طلقها حينئذ كان له الرجوع بها، و إن لم نجوز له ابتداء النكاح إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك وجهه.

و لو طلق و راجع فأنكرت الدخول بها أولا و زعمت أنه لا عدة عليها و لا رجعة و ادعى هو الدخول كان القول قولها مع يمينها، لأنها تدعي الظاهر الموافق للأصل مع فرض عدم الخلوة بها، و إلا كان فيه البحث السابق في النكاح، و كذا لو كانت دعواه إني طلقتها بعد الدخول فلي الرجعة، فأنكرت الدخول، ضرورة اتحاد المدرك في المسألة من غير فرق بين وقوع المراجعة منه و عدمها، نعم يختلفان في إلزامه بالأحكام على مقتضى إقراره من عدم جواز نكاح أختها و الخامسة إلا بعد طلاقها في الأول، بخلاف الثاني، فإنه يكفي في الجواز انقضاء العدة، و أما حكم المهر بالنظر إلى تنصيفه و المطالبة به و غير ذلك فقد تقدم في كتاب النكاح تفصيل القول فيه في هذا الفرض، و فيما لو كانت الدعوى منها الدخول و أنكره هو، على أنه واضح بأدنى التفات إلى القواعد العامة المتعلقة بالإقرار و نحوه.

و رجعة الأخرس بالفعل كغيره بالقول و بالإشارة الدالة على المراجعة وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، لما عرفته سابقا من الاجتزاء بذلك

ج 32، ص: 190

منه في عقوده و إيقاعاته، و الرجعة منها أو أولى بذلك منها.

و حينئذ فما قيل كما عن الصدوقين من اختصاص ذلك يأخذ القناع من رأسها واضح الفساد، لعدم دليل صالح لتقييد ما دل (1)على قيام مطلق إشاراته مقام اللفظ الذي يقع من غيره.

و من هنا قال المصنف و هو شاذ و إن أسنده في النافع إلى رواية، بل عن الشيخ و ابن البراج ذلك أيضا، إلا أنه لم نقف عليها، نعم

روى السكوني (2)عن الصادق (عليه السلام) «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها و يضعها على رأسها و يعتزلها»

و لا إشارة فيه إلى الرجعة، اللهم إلا أن يكون قد فهموا ذلك منه بالضدية، و ربما نسب ذلك إلى كتاب الفقه المنسوب إلى الرضا

(عليه السلام)(3)لكن قد عرفت غير مرة عدم تحقق هذه النسبة عندنا، و الأمر سهل بعد وضوح الحال، بل يمكن حمل الرواية على تقديرها بل و عبارة الصدوقين على إرادة كون ذلك أحد الأفراد.

و إذا ادعت انقضاء العدة بالحيض في زمان محتمل و أقله في الحرة ستة و عشرون يوما و لحظتان، إحداهما بعد وقوع الطلاق، و الأخرى لتحقق الطهر الثالث أو للخروج من العدة، لا أنه جزء منها، لأنها ثلاثة قروء، و قد انقضت قبلها، فلا يصح الرجعة فيها، و يصح العقد، و ربما قيل: هي منها، لأن الحكم بانقضائها موقوف على تحققها، و هو كما ترى لا يدل على المدعى، و قد يتفق الأقل نادرا في الحرة بثلاثة و عشرين يوما، بأن يطلقها بعد الوضع و قبل رؤية دم النفاس المعدود


1- 1 الوسائل الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3« عن السكوني قال: طلاق الأخرس.» الا أن الموجود في الاستبصار ج 3 ص 301 و الكافي ج 6 ص 128 « عن السكوني عن أبى عبد الله عليه السلام قال: طلاق الأخرس.».
3- 3 الموجود في فقه الرضا عليه السلام ص 33« و المعتوه إذا أراد الطلاق ألقى على امرأته قناعا و روى انها قد حرمت عليه فإذا أراد مراجعتها رفع القناع عنها يرى انها قد حلت له».

ج 32، ص: 191

بحيضة، و لأحد لأقله، ثم تطهر عشرة ثم تحيض ثلاثة ثم تطهر عشرة ثم ترى الحيض لحظة، و أما الأمة فأقل عدتها بالحيض ثلاثة عشر يوما و لحظتان، بل يتفق الأقل من ذلك فيما سمعته من الفرض النادر.

و على كل حال فان ادعت الانقضاء في الزمان المحتمل فأنكر الزوج مع اتفاقهما على تاريخ الطلاق أو سكوتهما فالقول قولها مع يمينها ل

قول أبى جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة أو حسنه(1): «الحيض و العدة إلى النساء، إذا ادعت صدقت»

و الصادق (عليه السلام)(2)في قوله تعالى (3)«وَ لا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ»: «قد فوض الله إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض و الطهر و الحمل»

و غيرهما من النصوص الدالة على تصديقها في مثل ذلك، بل قد يشعر النهي عن الكتمان في الآية بائتمانهن على ذلك، نحو قوله تعالى (4)«وَ لا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» على أنه شي ء لا يعلم إلا من قبلها فتصدق فيه.

بل مقتضى إطلاق ما سمعت عدم الفرق بين دعوى المعتاد و غيره، لكن قرب في اللمعة عدم قبول دعوى غير المعتاد من المرأة إلا بشهادة أربع نساء مطلعات على باطن أمرها، ناسبا له إلى ظاهر الروايات، و لم نعثر إلا على

المرسل (5)عن أمير


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 228.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 283.
5- 5 أشار إليه في الوسائل في الباب- 47- من أبواب الحيض الحديث 3 من كتاب الطهارة و ذكره في الفقيه ج 1 ص 55 الرقم 207. و قد ورد هذا اللفظ أيضا في رواية السكوني عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام بسندين ذكرهما الشيخ قده: الأول في التهذيب ج 1 ص 398 و الاستبصار ج 1 ص 148. راجع الوسائل الباب- 47- من أبواب الحيض الحديث 3، و الثاني في التهذيب ج 6 ص 271 راجع الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 37 و لعل الشهيد قده أشار الى هذه الروايات.

ج 32، ص: 192

المؤمنين عليه السلام «إنه قال في امرأة ادعت أنها حاضت في شهر واحد ثلاث حيض: أنه

يسأل نسوة من بطانتها هل كان حيضها فيما مضى على ما ادعت؟ فان شهدت صدقت، و إلا فهي كاذبة»

و عن الشيخ حمله على التهمة جمعا بين الأخبار.

و في المسالك بعد أن ذكر ما ذكرناه مع زيادة عدم الفرق بين مستقيمة الحيض و الطهر و غيرها، لعموم النص و إمكان تغير العادة قال: «و ينبغي استفصالها مع التهمة، و سؤالها كيف الطهر و الحيض؟ و في بعض الأخبار(1)أنه لا يقبل منها غير المعتاد إلا بشهادة أربع من النساء المطلعات على باطن أمرها، و قربه الشهيد في اللمعة، و لا بأس به مع التهمة و إن ضعف مأخذه».

و في الحدائق بعد أن ذكر جمع الشيخ قال: «و هو جيد، لما تقدم من النصوص (2)الدالة على قبول قولها في أمثال هذه الأمور- ثم حكى عن الشهيد ما سمعت ثم قال-:

لا أعرف له وجها، إذ ليس إلا الخبر المزبور المعارض بالأصح سندا و أكثر عددا و أصرح دلالة، فيتعين حمله على التهمة».

قلت: إن كان مراد الجميع أنه في حال التهمة يكون الأمر كما ذكره الشهيد وجوبا يدفعه قصور الخبر المزبور عن معارضة النصوص المزبورة المؤيدة بغيرها، بل و بإطلاق فتوى الأصحاب، حتى قيل: إنه من المقطوع به في كلامهم، و إن كان المراد استحباب السؤال حال

التهمة فلا ثمرة له مع فرض عدم من يشهد لها من النسوة حال التداعي المحتاج فيه إلى حكم من الحاكم لقطع الخصومة، فالمتجه حينئذ قبول قولها مطلقا، نعم يشرع للحاكم الاستظهار بطلب نسوة تشهد لها بذلك، و إن كان ميزانه الحكم لها مع فرض عدم من يشهد لها، بل و مع من يشهد بأن عادتها خلاف


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة و الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 37.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد و الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 193

ما ذكرت، لما عرفت من إمكان اختلاف العادة.

ثم إنه حيث لا تقبل دعواها لكونها قبل وقت الإمكان فجاء وقت الإمكان ففي المسالك «نظر إن كذبت نفسها أو قالت غلطت و ابتدأت دعوى الانقضاء صدقت بيمينها و إن أصرت علي الدعوى الأولى ففي تصديقها الان وجهان، من فساد الدعوى الأولى فلا يترتب عليها أثر و لم تدع غيرها، و من أن إصرارها عليها يتضمن دعوى الانقضاء الان و الزمان زمان الإمكان».

و لو ادعت انقضاءها بالأشهر و كان تاريخ الطلاق معلومات رجع إلى الحساب، و إن لم يعلم أو اختلفا فيه فأنكر الزوج انقضاءها كان القول قول الزوج لأن مرجع ه أي هذا الاختلاف في الحقيقة- إلى ال اختلاف في زمان إيقاع الطلاق و لا ريب أن القول قوله فيه، لأصالة بقائها في العدة، مؤيدا بأصالة تأخر الحادث.

لكن قد يقال بأنه لا يعارض إطلاق الصحيح (1)المزبور الذي مقتضاه رجوع أمر العدة إلى النساء و إلا لاقتضى تقديم قوله أيضا في عدم

الانقضاء بالحيض و الوضع، ضرورة كون مقتضى الأصل فيهما البقاء على الزوجية أيضا. و ربما دفع بأن النزاع هنا في الحقيقة ليس في العدة، فيقبل قولها و إن توجه إليها في الظاهر، بل هو في زمان وقوع الطلاق، و ليس مثله داخلا في الإطلاق، و بذلك يظهر حينئذ أن المراد بالأصل ليس أصل البقاء بل هو أصل عدم تقدم الطلاق، فتأمل جيدا، إذ الجميع كما ترى- مع قطع النظر عن شهرة الأصحاب أو اتفاقهم- بعد ظهور النصوص (2)في جعل أمر العدة إليها، و أنها إذا ادعت صدقت المقتضي للحكم بصدقها متى كان محتملا.

بل قد يقال: إن مقتضى ذلك تقديم قولها في الانقضاء بالأقراء و إن كذبها


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد و الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 194

الزوج بدعوى تأخر زمان وقوع الطلاق على وجه يقصر عن وقوع الأقراء، لأن احتمال صدقها كاف في تصديقها، و من ذلك يظهر أنه لا وجه لاشتراط قبول قول الزوج بالاتفاق على مضى زمان صالح، كما عساه يتوهم من عبارة المتن و نحوها.

و كذا لو ادعى الزوج الانقضاء للتخلص من النفقة مثلا فأنكرت هي ف ان القول قولها و إن كان الطلاق فعله، لأن الأصل بقاء علقة الزوجية التي كانت أولا مؤيدا بأن الأصل تأخر زمان وقوع الطلاق، بل لا فرق في ذلك بين كون العدة بالحيض و الأشهر.

و لو كانت حاملا فادعت انقضاء عدتها مثلا ب الوضع فأنكر الزوج وضعها بعد اعترافه بحملها قبل قولها بيمينها بلا خلاف أجده فيه أيضا و لم تكلف بالبينة و لا ب إحضار الولد (11) الذي قد تعجز عن إحضاره، لإطلاق ما دل (1)على تصديقهن في العدة، و لجواز وضعه بحيث لم يطلع عليه غيرها ثم موته أو سرقته، لإطلاق

قول الصادق (عليه السلام)(2): «تفويض الله لها الحمل»

الذي منه هذا، و لأنه يتعذر أو يتعسر عليها الإشهاد على ذلك في كل حال.

بل في القواعد «تصدق حتى لو ادعت الانقضاء بوضعه ميتا أو حيا ناقصا أو كاملا» معرضا بذلك بما عن بعض العامة من تكليفها بالبينة إن ادعت وضع الكامل، لأنها مدعية، و الغالب حضور القوابل، و منهم من كلفها في الميت و السقط أيضا، لأن ما نالها من العسر يمكنها من الإشهاد.

هذا و لكن في المسالك و غيرها تقييد تصديقها في ذلك بالإمكان أيضا، قال:

«و يختلف الإمكان بحسب دعواها، فان ادعت ولادة ولد تام فأقل مدة تصدق فيه ستة أشهر و لحظتان من يوم النكاح، لحظة لإمكان الوطء، و لحظة للولادة، فإن ادعت أقل من ذلك لم تصدق، و إن ادعت سقطا مصورا أو مضغة أو علقة اعتبر إمكانه


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 195

عادة، و ربما قيل: إنه مأة و عشرون يوما و لحظتان في الأول، و ثمانون يوما و لحظتان في الثاني، و أربعون و لحظتان في الثالث، ل

قوله صلى الله عليه و آله(1): «يجمع أحدكم في بطن امه أربعون يوما نطفة، و أربعون يوما علقة، و أربعون يوما مضغة ثم تنفخ فيه الروح».

قلت: لم نعثر على الخبر المزبور في طرقنا، لكن مضمونه موجود، ففي

موثق ابن الجهم (2)«سمعت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) يقول: قال أبو جعفر (عليه السلام): إن النطفة تكون في الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما ثم تصير مضغة أربعين يوما، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاقين».

و في

صحيح زرارة(3)عن أبى جعفر (عليه السلام) في حديث طويل إلى أن قال فيه:

«فتصل النطفة إلى الرحم، فتردد فيه أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما».

و في

خبر محمد بن إسماعيل أو غيره (4)عن أبى جعفر (عليه السلام) «أربعين ليلة نطفة، و أربعين

ليلة علقة، و أربعين ليلة مضغة، فذلك تمام أربعة أشهر، ثم بعث الله ملكين خلاقين»

بل مال المحدث البحراني إلى القول المزبور لهذه النصوص معرضا بالشهيد الثاني أنه لم يعثر عليها، و إلا لم يكن له مناص عن القول المزبور.

و في الرياض «أنه قيل في الثلاثة بالرجوع إلى الإمكان عادة، و لا ثمرة إلا مع ظهور المخالفة، و هي غير معلومة، و على تقدير تحققها فالأظهر العمل بالمعتبرة» لكن فيه أنه لم نعثر على عامل معتد به في هذه النصوص على وجه يترتب عليه عدم قبولا دعواها لو ادعت خلافها، خصوصا في المولود سقطا، و كأنه لأن تصديقها في أصل الوضع لا ينافي عدم قبول قولها في وضعه.

و من ذلك ينقدح الإشكال فيما جزم به في المسالك أولا في دعوى ولادته ولدا


1- 1 سنن البيهقي ج 10 ص 266 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الكافي ج 6 ص 13.
3- 3 الكافي ج 6 ص 13.
4- 4 الكافي ج 6 ص 16.

ج 32، ص: 196

تاما قبل الستة أشهر، و لعله لذا أطلق الأصحاب هنا قبول دعواها في الوضع من غير تعرض لإمكانه على الوجه المزبور، بل كاد يكون صريح ما سمعته من القواعد، و لعله لعدم مدخلية صدقها و كذبها في ذلك في قبول قولها في أصل الوضع فتأمل جيدا فإنه نافع.

و لو ادعت الحمل فأنكر الزوج كان القول قوله و إن أحضرت ولدا فأنكر ولادتها له لاحتمال التقاطها له و حينئذ فالقول قوله على كل حال بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، للأصل و غيره و لإمكان إقامة البينة بالولادة فلا يقبل مجرد قولها فيه،

«و الولد للفراش»(1)

إنما هو بعد ثبوت ولادتها له على فراشه، و أخبار الائتمان على انقضاء العدة(2)إنما هي إذا كانت حقيقة العدة معلومة أنها بالوضع أو بالأشهر أو الأقراء، دون ما إذا تداعيا في حقيقتها.

نعم قد يشكل بإطلاق

قول الصادق (عليه السلام (3)«تفويض الله الحمل لها»

بل

و الباقر (عليه السلام)(4): «العدة إليها»

بل هو مندرج في النهي (5)عن الكتمان الذي استشعر منه الائتمان، كما أنه قد يشكل ما هنا من عدم تصديقها بالولادة، لإمكان إقامتها البينة بما تقدم سابقا في المعلوم أنها حامل و أنكر الزوج ولادتها، اللهم إلا أن يفرق بينهما بالإجماع على قبولها هناك، دونه هنا، فتأمل جيدا.

و إذا ادعت انقضاء العدة التي يرجع أمرها إليه أو الأشهر ف صدقها الزوج في هذه الدعوى ثم ادعى هو الرجعة قبل ذلك بالقول أو الفعل فالقول قول المرأة بيمينها على البت في الفعلي، و على عدم العلم في القولي، لأصالة


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد و الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد الحديث 1.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 228.

ج 32، ص: 197

عدم مقتض لانفساخ الطلاق الذي هو سبب البينونة، بل قد عرفت فيما تقدم أنه محكوم بترتب أثره بمجرد وقوعه حتى يتحقق ما ينافيه، فهو باق على مقتضاه في صور الشك التي منها المقام الذي لم يجعل فيه قول الزوج حجة شرعية في ذلك، بل الظاهر عدم الفرق بين سبق دعواها الانقضاء على دعواه الرجعة قبله و بين العكس، ضرورة اتحادهما في الدليل المزبور.

نعم لو راجعها فادعت هي بعد اعترافها بتحقق الرجعة منه انقضاء العدة قبل الرجعة لتقع الرجعة في غير محلها فالقول قول الزوج، إذ الأصل صحة الرجعة فمدعيها حينئذ يقدم على مدعى الفساد، و قبول قولها إنما يقبل مع عدم معارضته لمثل الأصل المزبور الذي لا طريق لإفساده و لو بأخبارها بالانقضاء قبل تحقق الرجعة منه.

و الأصل في المسألة عبارة المبسوط، و هي «أنها إن سبقت بالدعوى فادعت انقضاء العدة ثم ادعى الرجعة قبل الانقضاء فالقول قولها مع يمينها، لأنها مؤتمنة على فرجها و انقضاء عدتها، و حكم بوقوع البينونة بقولها، فلا يقبل قول الزوج، و وجب عليها اليمين، لجواز كذبها، فتحلف على أنها لا تعلم بالرجعة قبل الانقضاء، و إن انعكس الأمر كان القول قوله مع يمينه، لأنها ما لم يظهر انقضاء العدة فالظاهر أنها في العدة، و يحكم بصحة الرجعة، فإذا ادعت الانقضاء قبل الرجعة لم يقبل منها، لأنه أمر خفي تريد به دفع الرجعة التي حكم بصحتها ظاهرا، و وجب عليه الحلف، لجواز كذبه و صدقها، فيحلف أنه لا يعلم أن عدتها انقضت قبل الرجعة، و إن اتفقت الدعويان أو جهل السابقة فمنهم من أقرع بينهما، فمن خرجت عليه فالقول قوله مع اليمين، و هو الأقوى عندنا، و منهم من قال: القول قولها مع يمينها، لإمكان صدق كل منهما، و الأصل أن لا رجعة».

و في كشف اللثام أنه «يمكن تنزيل عبارة القواعد في المسألتين على موافقته، بأن تكون الفاء فيهما للتعقيب، و هي نحو عبارة الكتاب، قال: «و لو ادعت الانقضاء فادعى الرجعة قبله قدم قولها مع اليمين، و لو راجع فادعت بعد الرجعة الانقضاء

ج 32، ص: 198

قبلها قدم قوله مع اليمين، لأصالة صحة الرجعة» و حينئذ يكون الفاضلان ساكتين عن صورتي اتفاق الدعويين و جهل السابقة، و فيه «أن الأقوى عدم الفرق بين الاقتران و ترتب أيتهما فرضت على الأخرى، ثم كيف يكفي الزوج اليمين على عدم العلم بانقضاء العدة قبل الرجعة؟ و هو اعتراف بعدم العلم بصحة الرجعة».

بل لا فرق أيضا بين اعترافها بالرجعة و عدمه بعد أن كانت دعواهما المفروض قبول قولها فيها بتقدم زمان انقضاء العدة على زمان الرجعة، و اعترافها بحصول ما تتحقق به الرجعة من القول مثلا لا ينافي الحكم بفساده بسبب تأخره عن انقضاء العدة التي قد جعل الشارع أمرها إليها، و أنها متى ادعت صدقت.

و دعوى أن تقدم انقضاء العدة على الرجوع من أحوال العدة التي لم تجعل إليها- و إنما الذي جعل إليها نفس العدة انقضاء أو بقاء لا تقدمه على الرجوع و نحوه- يدفعها إطلاق النصوص (1)المتضمنة لكون العدة إليها الذي منه قولها: «قد انقضت العدة قبل زمان رجوعك» من غير فرق بين الاتفاق على تعيين يوم انقضاء العدة و اختلافهما في يوم الرجوع، بأن قالت: «قد انقضت عدتي يوم الجمعة» و صدقها على ذلك و لكن قال هو: «رجوعي يوم الخميس» و قالت هي مثلا: «يوم السبت» فان القول قولها، و كذا لو اتفقا على وقت الرجعة يوم الجمعة، و قالت هي: «انقضت عدتي يوم الخميس» و قال الزوج: «قد انقضت يوم السبت» فان القول قولها في العدة المجعول أمرها إليها، و بين عدم الاتفاق على يوم الرجوع أو الانقضاء، بل هي تقول:

«قد انقضت عدتي قبل رجوعك» و هو يقول: «قد وقع رجوعي قبل انقضاء عدتك».

و لو أن اعترافها بالرجعة يقتضي الحكم بها عليها لأصالة الصحة لاقتضى فيما لو قال: «رجعت» منشئا فقالت هي: «قد انقضت عدتي» ضرورة كون الأصل الصحة أيضا، و الاعتراف هنا

لا مدخلية له، لكون الفعل من جانب واحد، بل نظيره قول المطلق: «هي طالق» و الامرأة تقول: «أنا حائض» و ليس هو كقول المشتري:


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد و الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 199

«بعتني و أنت غير بالغ» لكون البيع مشترك الوقوع من الجانبين، فقوله مناف لفعله، نحو قول البائع: «بعتك و أنا صبي» و حينئذ فأصالة الصحة بعد فرض كون الفعل من جانب واحد لا يقتضي الحكم به على آخر، مضافا إلى ثبوت الفساد، لقبول قولها في تقدم الانقضاء المقتضي له.

بل الظاهر كون الحكم كذلك حتى لو كانت العدة بالأشهر و الفرض أن النزاع قد وقع بعد انقضائها في حصول الرجعة في أثنائها أو خارج عنها، فإنه لا يحكم بكونها فيها بمجرد قول الزوج، و عدم الحكم بذلك كاف في عدم استحقاقه الزوجية على الامرأة الثابتة بينونتها منه بالطلاق المتوقف فسخه على الرجوع في العدة، و لم يثبت.

بذلك يظهر لك النظر في كثير من الكلمات المسطورة في المقام، ضرورة أنك قد عرفت عدم قبول الزوج (1)في حال من الأحوال، من غير فرق بين اعترافها بأصل الرجعة و عدمها، و اتفاقهما على تعيين زمانها و اختلافهما في زمن الانقضاء أو بالعكس، و بين إطلاقهما الدعوى من كل منهما، بل إن لم نقل بقبول قولها في الأخير كان كل منهما مدعيا منكرا

فيتحالفان، فلا تتحقق رجعة أيضا إلا مع فرض النكول، و أصل الصحة لا يحكم به على الآخر بعد فرض كون الفعل من جانب واحد، مع أنه معارض بإطلاق ما دل على قبول قولها فتأمل جيدا.

هذا كله إذا لم تتزوج، و إلا فإذا تزوجت كانت الدعوى عليها و على زوجها، فيأتي فيها البحث المتقدم في النكاح «لو ادعى زوجية امرأة رجل» و التفصيل الذي تقدم سابقا يأتي هنا، و هو واضح بأدنى التفات.

كوضوح ثبوت زوجيتها لمدعي الرجعة لو أقام بينة و إن لم تعلم هي بذلك، فإنه حينئذ أحق بها من الأخير بلا خلاف أجده نصا(2)و فتوى إلا ما يحكى عن بعض


1- 1 هكذا في النسختين المسودة بقلم المصنف قده و المبيضة و الصحيح« عدم قبول قول الزوج».
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 200

البحرانيين من اشتراط صحة الرجعة بعلمها بها، لبعض النصوص (1)الشاذة القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه، بل في بعض النصوص (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) نسبة ذلك إلى عمر، و أنه لا يفتي به مجنون.

فالمسألة حينئذ من الواضحات و إن أطنب بها المحدث البحراني، و قال: «لمكان الخبر المزبور المعارض بغيره الموافق للمحكي عن عمر المخالف لفتوى الأصحاب أجمع إن المسألة

قد بقيت في قالب الاشكال» و الله الموفق لنا و له في كشف الحال و تسديد المقال.

و لو ادعى أنه راجع زوجته الأمة في العدة فصدقته، فأنكر المولى و ادعى خروجها قبل الرجعة فالقول قول الزوج فلا يقبل من المولى ذلك إلا ببينة، لأن الأمر في العدة إليهن، و لكون الحق بينهما، و قد ارتفعت سلطنة المولى عنهما بالنكاح ما داما عليه. و من المعلوم أن الطلاق رجعي، و الرجعة فيه من توابعه، فالأمر فيه إليهما.

بل قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه: إنه لا يكلف الزوج اليمين على ما ادعاه ل هما عرفت من انحصار تعلق حق النكاح بالزوجين (بالزوجية خ ل) و لكن فيه تردد ينشأ من ذلك و من كون المولى في الحقيقة مدعيا، لارتفاع علقة النكاح، فيتوجه له اليمين عليه،

لعموم «اليمين على من أنكر»(3)

كما لو ادعى عليه الطلاق البائن مثلا، و لعله الأقوى.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 المستدرك الباب- 26- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 الا أنه لم يذكر ذيله: « أنه لا يفتي به مجنون» و ذكره في البحار ج 8 ص 234 طبعة الكمپاني.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء و فيه «اليمين على من ادعى عليه»

ج 32، ص: 201

[المقصد الرابع في جواز استعمال الحيل]

المقصد الرابع في جواز استعمال الحيل و هو باب واسع في الفقه، يختلف باختلاف أذهان الفقهاء حدة و قصورا، و قد أشار الأئمة

عليهم السلام إليه في الجملة في التخلص من الربا و الزكاة و غيرهما، بل في

صحيح ابن الحجاج (1)نوع مدح لذلك، قال: «سألته عن الصرف- إلى أن قال- فقلت له:

أشتري ألف درهم و دينارا بألفي درهم، قال: لا بأس، إن أبي كان أجرا على أهل المدينة مني، و كان يقول هذا، فيقولون: إنما هذا الفرار، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم، و لو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار، و كان يقول لهم، نعم الشي ء الفرار من الحرام إلى الحلال.»

بل قد

ورد في الصلاة(2)«لا يبطلها فقيه، يحتال لها فيدبرها».

و ما دل في تفسير العسكري (3)- في تفسير قوله تعالى (4)«وَ لَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ، فَقُلْنا لَهُمْ: كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ» عن علي بن الحسين عليهما السلام «كان هؤلاء قوم يسكنون على شاطئ بحر فنهاهم الله و أنبياؤه عن اصطياد السمك في يوم السبت، فتوصلوا إلى حيلة ليحلوا منها لأنفسهم ما حرم الله تعالى، فخدوا أخاديد و عملوا طرقا تؤدي إلى حياض، فيتهيأ للحيتان الدخول من تلك الطرق و لا يتهيأ لها الخروج إذا همت بالرجوع، فجاءت الحيتان يوم السبت


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الصرف الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1 من كتاب الصلاة مع الاختلاف في اللفظ.
3- 3 البحار ج 14 ص 56 الطبع الحديث.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 65.

ج 32، ص: 202

جارية على أمان لها، فدخلت الأخاديد، و حصلت في الحياض و الغدران، فلما كانت عشية اليوم همت بالرجوع منها إلى اللجج لتأمن من صائدها، فرامت الرجوع فلم تقدر، و بقيت ليلتها في مكان يتهيأ أخذها بلا اصطياد، لاسترسالها فيه و عجزها عن الامتناع، لمنع المكان لها، و كانوا يأخذون يوم الأحد، يقولون: ما اصطدنا في السبت، إنما اصطدنا في الأحد، و كذب أعداء الله تعالى، بل كانوا آخذين لها بأخاديدهم التي عملوها يوم السبت، حتى كثر من ذلك ما لهم»

- إنما هو لعدم موافقة الحيلة للتخلص من النهي عن الاصطياد في يوم السبت، أو لمعلومية منافاة ذلك للغرض المراد من النهي عن الاصطياد، و هو الطاعة و الامتثال في مقام الاختبار لهم.

و لعل من ذلك ما يتعاطاه بعض الناس في هذه الأزمنة من التخلص مما في ذمته من الخمس و الزكاة ببيع شي ء ذي قيمة ردية بألف دينار مثلا من فقير برضاه ليحتسب عليه ما في ذمته عن نفسه، و لو بأن يدفع له شيئا فشيئا، مما هو مناف للمعلوم من الشارع من كون المراد بمشروعية ذلك نظم العباد و سياسة الناس في العاجل و الأجل بكف حاجة الفقراء من مال الأغنياء، بل فيه نقض للغرض الذي شرع له الحقوق، و كل شي ء تضمن نقض غرض أصل مشروعية الحكم يحكم ببطلانه، كما أومأ إلى ذلك غير واحد من الأساطين، و لا ينافي ذلك عدم اعتبار اطراد الحكمة، ضرورة كون المراد هنا ما عاد على نقض أصل المشروعية، كما هو واضح.

و لعل ذلك هو الوجه في بطلان الاحتيال المزبور، لا ما قيل من عدم القصد حقيقة للبيع و الشراء بالثمن المزبور، حتى أنه لذا جزم المحدث البحراني بعدم جوازه لذلك، إذ هو كما ترى، ضرورة إمكان تحقق القصد و لو لإرادة ترتب الحكم و تحصيل الغرض، إذ لا يجب مراعاة تحقق جميع فوائد العقد، كما اعترف هو به في العقد على الصغيرة آنا ما لتحليل النظر، بل أشارت إليه النصوص (1)في بيع ما يساوي القليل بالكثير تحصيلا للربح الذي به يتخلص من الربا،. الذي منه علم


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب الربا من كتاب التجارة.

ج 32، ص: 203

عدم منافاة ذلك لغرض الشارع مما حرمه من الربا، فليس هو عائدا على نقض غرض أصل المشروعية، و فالتحقيق حينئذ ما عرفت.

نعم قد يقال: إن فتح الباب المزبور يعود على الغرض بالنقض، فلا ينافيه ما يصنعه بعض حكام الشرع في بعض الأحوال مع بعض الناس لبعض المصالح المسوغة لذلك، ضرورة أنه قد يتفق شخص غلب الشيطان عليه في أول أمره، ثم أدركته التوبة و الندامة بعد ذلك، ثم صار صفر الكف أو مات كذلك، و لكن ذمته مشغولة بحق الخمس مثلا، فان الظاهر جواز السعي في خلاصه، بل رجحانه بالطرق الشرعية التي يندرج بها في الإحسان و تفريج الكربة عن المؤمن، و نحو ذلك من الموازين الشرعية المأمور بها.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أنه يجوز التوصل بالحيل المباحة شرعا دون المحرمة في إسقاط ما لو لا الحيلة لثبت لإطلاق الأدلة و عمومها مع عدم العلم بمنافاة ذلك لغرض الشارع و مطلوبه، بل لو توصل بالمحرمة أثم و تمت الحيلة و ترتب الحكم الشرعي عليها باعتبار تحقق موضوعه و عنوانه.

فلو أن امرأة مثلا حملت ولدها على الزنا بامرأة لتمنع أباه من العقد عليها أو بأمة يريد أن يتسرى بها فقد فعلت هي و ولدها حراما، و لكن حرمت الموطوءة على قول من ينشر الحرمة بالزنا لتحقق موضوعه و إن كان المقصود منه ذلك، و هكذا غيره، إلا أن يثبت من الشارع ما يقتضي معاملته بضد غرضه، كما في طلاق المريض و حرمان القاتل من الإرث و نحوهما. أما لو توصل بالمحلل كما لو سبق الولد إلى العقد عليها في صورة الفرض لم يأثم و ترتب حكم حرمة نكاح حليلة الولد، و كذا لو كرهت المرأة زوجها و أرادت انفساخ العقد بينهما فارتدت بقول يترتب عليه ذلك و إن لم يزل اعتقادها انفسخ النكاح و بانت منه فعلا مع عدم الدخول، و إلى انقضاء العدة معه إذا لم تتب، و المناقشة فيها- في الحدائق بأن مرجعها إلى إظهار الكفر من غير زوال اعتقاد الإسلام، و هو غير موجب للارتداد شرعا- يدفعها ما عرفت من إمكان فرضها بالارتداد القولي.

ج 32، ص: 204

نعم قد يناقش فيما عدوه من هذا الباب من الحيل لنكاح امرأة واحدة ذات عدة جماعة في يوم واحد، بأن يتزوجها أحدهم و يدخل بها ثم يطلقها، ثم يتزوجها ثانية و يطلقها من غير دخول، فتحل للآخر باعتبار كونها غير مدخول بها. و تسقط العدة الأولى عنها بنكاح ذي العدة لها، فإنها لا عدة عليها لنكاحه، و هكذا الثاني و الثالث، لعدم تمامية الفرض أولا عندنا، لاشتراط صحة الطلاق بكونه من غير طهر المواقعة، نعم يتم ذلك عند العامة القائلين بعدم اشتراط ذلك.

و من هنا حكي عن الفضل بن شاذان إلزامهم بمثل هذا مشنعا عليهم- في طلاق الخلع و الطلاق البائن، بل عن المفيد حكاية ذلك عن الفضل، ثم قال: «و الموضع الذي لزمت هذه الشناعة فقهاء العامة دون الإمامية أنهم يجيزون الخلع و الظهار و الطلاق في الحيض و في طهر المواقعة من غير استبانة طهر، و الإمامية تمنع ذلك، و لذا سلمت مما وقع فيه المخالفون».

لكن فيه أنه لازم لهم في المتمتع بها إذا وهبها المدة ثم عقد عليها ثم طلقها قبل الدخول، و هكذا الآخر إلى العشرة، و لا مخلص من ذلك إلا بدعوى عدم سقوط العدة الأولى لغير الزوج الأول، كما صرح به الكاشاني و المحدث البحراني و البهائي فيما حكي عنه، لكن الانصاف عدم خلوه من الاشكال، لانقطاع حكم العدة الأولى بالعقد الثاني عليها، فلا وجه للعدة منها بعد الطلاق الذي لا دخول معه ضرورة عدم صدق ذات عدة من النكاح الأول عليها، مع أنها ذات بعل فعلا.

و لعله لذا يحكى عن الفاضل الداماد التصريح بعدم العدة عليها معه، بل ربما قيل: إنه ظاهر المشهور، بل ستسمع تصريح المصنف و غيره في المسألة السادسة من اللواحق لنحو ذلك، خلافا للقاضي، و الله العالم.

و لو ادعي عليه دين قد بري ء منه بإسقاط أو تسليم أو غيرهما فخشي من جواب دعواه ب دعوى الإسقاط أن ينقلب اليمين إلى المدعى لعدم البينة فيحلف و يأخذ منه الدين فأنكر الاستدانة و حلف جاز، لكن بشرط أن

ج 32، ص: 205

يوري ما يخرجه عن الكذب في أصل الكلام و عن الحنث في اليمين، بل هو في الثاني آكد، بأن يضمر في نفسه ظرفا أو مكانا أو زمانا أو حالا من الأحوال التي يخرج بها عن ذلك، بل ظاهر ثاني الشهيدين في المسالك المفروغية من اشتراط الجواز بالتورية المزبورة.

و كذا الكلام لو خشي الحبس ظلما لإعسار و نحوه بدين يدعى عليه فأنكر موريا و حلف كذلك، و لا يشكل ذلك بأن مقتضاه الخروج عن الكذب و عن الحلف كاذبا لو كان المدعي محقا، لمعلومية اختصاص الجواز المزبور بمكان الضرورة و إلا ف النية أبدا نية المدعي إذا كان محقا على وجه لا تجديه التورية المزبورة في رفع إثم الكذب. و الحلف بالله كاذبا للمدعى عليه إذا كان ظالما، كما أنها نية الحالف إذا كان مظلوما في الدعوى ففي

خبر مسعدة بن صدقة(1)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول «و قد سئل عما يجوز و ما لا يجوز في النية على الإضمار في اليمين، فقال: قد يجوز في موضع و لا يجوز في آخر، فأما ما يجوز فإذا كان مظلوما فما حلف عليه و نوى اليمين فعلى نيته، و أما إذا كان ظالما فاليمين على نية المظلوم»

و به يقيد إطلاق

صحيح صفوان (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يحلف و ضميره على غير ما حلف عليه، قال: اليمين على الضمير».

لكن قد يناقش بعدم ظهور الخبر المزبور باشتراط الجواز بالتورية المزبورة، بل أقصاه الجواز.

و احتمال الاكتفاء في الاستدلال على اعتبار ذلك بما دل على حرمة الكذب فضلا عن الحلف بالله كاذبا فمع فرض مشروعيته قسم خاص لا يتوقف خلاصه عن الظلم بالمحرم يدفعه ظهور جملة من النصوص بعدم حرمة الكذب في نحو الفرض.

قال زرارة(3): «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): نمر بالمال على العشار فيطلبون


1- 1 الوسائل الباب- 20- من كتاب الايمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من كتاب الايمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب الايمان الحديث 6.

ج 32، ص: 206

منا أن نحلف لهم و يخلون سبيلنا، و لا يرضون منا إلا بذاك، قال: فاحلف، فهو أحلى من التمر و الزبد».

و قال الوليد بن هشام المرادي (1): «قدمت من مصر و معي رقيق لي و مررت بالعشار فسألني، فقلت: هم أحرار كلهم، فقدمت المدينة فدخلت على أبى الحسن (عليه السلام) فأخبرته بقولي للعشار، فقال: ليس عليك شي ء».

و في

صحيح الحلبي (2)«سألته عن الرجل يحلف لصاحب العشور يحرز بذلك ماله، قال: نعم».

و خبر محمد بن مسعود الطائي (3)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: إن أمي تصدقت علي بدار لها أو قال بنصيب لها في دار، فقالت لي: استوثق لنفسك، فكتبت إني اشتريت و أنها قد باعتني و أقبضت الثمن، فلما ماتت قال الورثة: احلف أنك اشتريت و نقدت الثمن، فان حلفت لهم أخذته، و إن لم أحلف لهم لم يعطوني شيئا، فقال: (عليه السلام):

فاحلف و خذ ما جعلت لك».

و خبر أبى محمد بن الصباح (4)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن أمي تصدقت علي بنصيب لها في دار، فقلت: إن القضاة لا يجيزون مثل هذا، و لكن أكتبه شراء، فقالت: اصنع من ذلك ما

بدا لك في كل ما ترى أنه يسوق لك، فتوثقت، فأراد بعض


1- 1 الوسائل الباب- 60- من كتاب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب الايمان الحديث 8.
3- 3 أشار إليه في الوسائل في الباب- 9- من كتاب الوقوف و الصدقات الحديث 5 و ذكره في الكافي ج 7 ص 33.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من كتاب الوقوف و الصدقات الحديث 5 عن محمد بن أبى الصباح و كذلك رواه عنه في الباب- 43- من كتاب الايمان الحديث 1 كما في التهذيب ج 8 ص 287 و ج 9 ص 138 الا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 228 محمد بن الصباح، و في ج 4 ص 183 عن أبى الصباح.

ج 32، ص: 207

الورثة أن يستحلفني أني قد نقدتها الثمن، و أنا لم أنقدها شيئا، فما ترى؟ فقال:

احلف له»

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة ب

ما ورد أيضا في الكذب مصلحة(1)من «أن المصلح ليس بكاذب»

بناء على أن دفع الضرر عن نفسه أو غيره من المصلحة أيضا، و بما اشتهر على ألسنة أهل العلم من حسن الكذب النافع و قبح الصدق الضار، مدعين وصول العقل إلى ذلك، فتأمل جيدا.

و من الغريب أن ظاهر قول المصنف و لو أكرهه على اليمين أنه لا يفعل شيئا محللا فحلف و نوى ما يخرج به عن الحنث جاز، مثل أن يوري أنه لا يفعله بالشام أو بخراسان أو في السماء أو تحت الأرض عدم الفرق في اعتبار التورية المزبورة في الجواز بين الإكراه و عدمه، و قد عرفت سابقا و تعرف في كتاب الأيمان أنه لا ينعقد يمين المكره، و لا إثم عليه به و إن لم يور كما اعترف به في المسالك، و من هنا قال: «المطابق من المثال

أن يحمله على الحلف على ذلك لا على وجه الإكراه، فيوري بما ذكر و نحوه من المخصصات الزمانية و المكانية و الحالية، فيخرج به عن الحنث، و هو الإثم في مخالفة مقتضى اليمين».

و كذا الكلام في قوله و لو أجبره على الطلاق كرها فقال: «زوجتي طالق» و نوى طلاقا سابقا أو قال: «نسائي طوالق» و عنى نساء الأقارب جاز بل و قوله و لو أكره على اليمين أنه لم يفعل كذا في الزمن الماضي فقال:

«ما فعلت كذا» و جعل ما موصولة لا نافية صح اللهم إلا أن يريد بذلك بيان أصل الجواز أو رجحانه في الجملة، لا أن ذلك شرط في صورة الإكراه، بل قد عرفت قوة جواز الكذب في السابق للنصوص (2)السابقة، و لدفع الضرر من غير تورية.

بل الظاهر عدم الإشكال في الجواز بلا تورية في المثالين الأولين، ضرورة أن اليمين و الإيقاع يتبع القصد، لأن المقام ليس مقام محاورة و تداع كي يلحظ


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب الصلح. راجع الباب 141 من أحكام العشرة من كتاب الحج أيضا.
2- 2 الوسائل الباب- 12 و 20 و 21- من كتاب الايمان.

ج 32، ص: 208

فيه مقام المخاطبة، نعم في المثال الثالث لا إشكال في جوازه كذبا بلا تورية في صورة الإكراه، بل و في المصلحة التي يسوغ معها الكذب و إن كان الأولى مع ذلك قصد التورية.

أما بدونها ففي جواز التورية و الخروج بها عن إثم الكذب و الحلف كاذبا و عدمه قولان،

قد يظهر الثاني منهما مما تقدم للمصنف و من قوله أيضا و لو اضطر إلى الإجابة بنعم فقال: «نعم» و عنى الإبل أو قال: «نعام» و عنى نعام البر قصدا للتخلص لم يأثم من حيث تقييد ذلك بالاضطرار، و لعله لصدق الكذب عرفا معها في المحاورات، إذ اللفظ محمول على حقيقته المتبادرة، و كذا مجازه المقترن بقرائن الأحوال و المقال.

و قيل بالأول أي جواز التورية مطلقا ما لم يكن ظالما، لأن العدول عن الحقيقة سائغ و القصد مخصص، بل في المسالك «و هذا هو الأظهر لكن ينبغي قصره على وجه المصلحة، كما يروى عن بعض السلف الصالح أنه كان إذا ناداه أحد و لا يريد الاجتماع به يقول لجاريته: قولي له: اطلبه في المسجد، و كان آخر يخط دائرة في الأرض، و يضع فيها إصبع الجارية، و يقول لها: قولي له: ليس هنا و اقصدي داخل الدائرة».

قلت: و ربما يؤيده ما في بعض النصوص من التعجب ممن يكذب مع أن الكلام له وجوه، و

في آخر(1)إن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل قال لأبي حنيفة عند تفسير رؤيا قصت عليه بمحضر منه: «أصبت يا أبا حنيفة، ثم لما قام فسره الامام بخلاف ما ذكره أبو حنيفة، فسئل عن قول أصبت، فقال: إنما أردت أصبت عين الخطاء».

و لكن الأولى بل الأقوى الاقتصار في الجائز منها مطلقا على ما لا يقتضي صدق الكذب معه عرفا مما ينشأ من فهم السامع و تخيله القرائن الدالة على ذلك، نحو


1- 1 روضة الكافي ص 292 ط طهران 1389.

ج 32، ص: 209

ما سمعته من السلف الصالح، لا مطلقا اعتمادا على التخصيص بالضمير الذي لا يكفي في صرف الكلام عن الكذب عرفا، فما سمعته من المسالك لا يخلو من منع.

و نحوه ما ذكره في شرح قول المصنف و كذا لو حلف «ما أخذ جملا و لا ثورا و لا عنزا» و عنى بالجمل الحساب و بالثور القطعة الكبيرة من الأقط و بالعنز الأكمه لم يحنث فإنه قال: «هذا من أقسام التورية بصرف اللفظ المشترك إلى بعض معانيه التي على خلاف الظاهر في تلك المحاورة، و هو قصد صحيح بطريق الحقيقة و إن كانت مرجوحة بحسب الاستعمال حتى يلزم فرض بلوغها حد المجاز من حيث تبادر الذهن إلى غيرها كان قصدها صارفا عن الكذب، لأن استعمال المجاز أمر شائع و إن كان إطلاق اللفظ لا يحمل عليه عند التجرد عن القرينة، فإن المخصص هنا هو النية فيما بينه و بين الله تعالى للسلامة من الكذب حيث لا يكون ظالما بالدعوى عليه بذلك، و إلا لم تنفعه التورية كما مر».

إذ قد عرفت سابقا أن اليمين المجردة عن تعلق للغير تتبع ضمير الحالف حتى لو أراد من اللفظ ما لا يدل عليه حقيقة و لا مجازا، و أما مالها تعلق بالغير و لو على وجه المخاطبة و المحاورة و الاخبار و نحوه فلا يجوز التورية بما تنافي ظاهر اللفظ اعتمادا على ما في ضميره، لما عرفت من صدق الكذب عليه عرفا، مع احتمال القول بعدم الحنث في اليمين مع التورية في الضمير و إن أثم لصدق الكذب عرفا، لعدم مدخلية نية المحلوف له هنا في يمين الحالف إلا مع فرض كونه مدعيا بحق، و ظاهر آخر كلامه حمل ما في المتن على الثاني، و حينئذ يتوجه عليه ما سمعت.

و لو اتهم غيره في فعل فحلف المتهم بالفتح للمتهم بالكسر ليصدقنه في هذا الأمر فطريق التخلص من ذلك مع إبقاء الأمر على إبهامه باخباره بالنفي و بالإثبات، نحو أن يقول: فعلت و ما فعلت و ذلك لأن أحدهما صدق فيبر يمينه و إن كذب في الأخر، فإن الاصداق في أحد الخبرين لا ينافي الكذب في الأخر، نعم إنما يتم ذلك إذا لم يقصد التعيين

ج 32، ص: 210

و التعريف، كما هو الظاهر من إطلاق اللفظ، و إلا لم يبر إلا بالصدق في ذكر أحدهما خاصة، كما هو واضح.

و لو حلف ليخبرنه صدقا بما في الرمانة مثلا من حبة قبل كسرها مع فرض عدم إرادة التعيين فالمخرج من ذلك أن يعد العدد الممكن فيها بأن يبتدئ بأقل عدد يعلم اشتمالها عليه ثم يضيف إليه إلى أن يعلم خروجها عن ذلك، فيقول فيها مثلا «مأة حبة» و «مأة و واحدة» و هكذا إلى أن يعلم حصول ذلك في ضمن ما ذكره من الإخبار، نعم لو أراد التعيين لم يبر بذلك بل لا بد من كسرها و الإحاطة بما فيها من الحب، كما أنه يبر بأول الإخبار إن أراد المطلق من الخبر في كلامه الذي هو أعم من الصدق و الكذب و المحتمل لهما.

و كيف كان فذلك و أمثاله سائغ و قد أكثر العامة في الأمثلة لهم في الطلاق بناء منهم على جواز التعليق فيه و الحلف به، بل نحوه يجرى عند الخاصة في الظهار مثلا، لقبوله للتعليق عندهم، فلو قال مثلا لامرأته: «إن أكلت هذه الرمانة مثلا فأنت علي كظهر أمي» تخلصت مع فرض لزوم الأكل منها في الجملة بأكل البعض دون البعض على وجه يصدق عليها أنها ما أكلتها، و لو قال لها و هي صاعدة على السلم مثلا: «إن نزلت عن هذا السلم فأنت على كظهر أمي و إن صعدت عليه فأنت علي كظهر أمي» تخلصت بالطفرة أو بحملها مقهورة، فيصعد بها أو ينزل، و بإضجاع السلم على الأرض و هي عليه، و بانتقالها إلى سلم آخر يكون في جنبه، و نحو ذلك مما يكون به تخلصا عن مصداق ما ذكره، و لو قال لها: «كل كلمة كلمتني بها إن لم أقل لك مثلها فأنت على كظهر أمي» فقالت له: «أنت علي كظهر أمي» تخلص بقول ذلك مصرحا بعدم قصد الإنشاء، و لو كان في يدها كوز من ماء فقال: «إن قلبت هذا الماء أو تركته أو شربته أو شربه غيرك فأنت على كظهر أمي» تخلصت بوضع خرقة مثلا فيه حتى ينفذ،

ج 32، ص: 211

و لو كانت في ماء فقال لها: «إن مكثت فيه أو خرجت فأنت على كظهر أمي» حملها إنسان منه في الحال (1)إلى غير ذلك من الأمثلة التي مرجع الجميع فيها إلى نحو ما عرفت من الإتيان بما لا يصدق عليه المعلق عليه.

[المقصد الخامس في العدد]
اشاره

المقصد الخامس في العدد جمع عدة من العدد لغة لاشتماله عليها غالبا، و هي بحسب ما تضاف إليه فيقال:

عدة رجال و عدة كتب و نحو ذلك، و معناها شرعا أيام تربص المرأة الحرة بمفارقة الزوج أو ذي الوطء المحترم بفسخ أو طلاق أو موت أو زوال اشتباه، بل و الأمة إذا كانت الفرقة عن نكاح أو وطء شبهة، نعم لو كان عن وطء ملك سميت بالاستبراء و لعل منه التحليل، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد تطابق الكتاب (2)و السنة(3)و الإجماع على مشروعية العدة في الجملة و لكن تمام النظر في تفصيل ذلك يستدعي فصولا.

[الفصل الأول في عدة غير المدخول بها]

الأول:

لا عدة على من لم يدخل بها قبلا و لا دبرا سواء بانت بطلاق أو فسخ أو هبة مدة عدا المتوفى عنها زوجها، فإن العدة تجب مع الوفاة و لو


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين المسودة و المبيضة، و الاولى بحسب سياق العبارة أن تكون هكذا« تخلصت بحملها انسان منه في الحال».
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 228.
3- 3 الوسائل الباب- 12- و غيره من أبواب العدد.

ج 32، ص: 212

لم يدخل بها كما ستعرف، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

قوله تعالى (1)«ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها» و النصوص المستفيضة أو المتواترة،

قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي(2): «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فليس عليها عدة، تزوج من ساعتها إن شاءت، و تبنيها تطليقة واحدة»

و في

موثق أبي بصير(3): «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فهي بائن منه، و تزوج من ساعتها إن شاءت».

و قال هو و الباقر عليهما السلام في صحيح زرارة(4)«في رجل تزوج امرأة بكرا ثم طلقها قبل أن يدخل بها ثلاث تطليقات في كل شهر تطليقة، قال: بانت منه في التطليقة الأولى، و اثنتان فضل، و هو خاطب يتزوجها متى شاءت و شاء بمهر جديد، قيل له: فله أن يراجعها إذا طلقها تطليقة قبل أن تمضي ثلاثة أشهر؟ قال: لا، إنما كان له أن يراجعها لو كان دخل بها أولا، و أما قبل أن يدخل بها فلا رجعة له عليها، قد بانت منه ساعة طلقها».

و لا خلاف في أن كلا من الدخول و المس يتحقق بإيلاج الحشفة و إن لم ينزل بل و إن كان مقطوع الأنثيين فضلا عن معيبهما الذي من المعلوم عادة عدم الانزال منه و عدم الحمل ل ما عرفت من تحقق الدخول بالوطء منه لغة و

عرفا، و هو عنوان الحكم نصا(5)و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه، ضرورة كونه المراد من التقاء الختانين الذي رتب عليه الغسل و العدة في المستفيض من النصوص (6)أو المتواتر، و حكمة كون العدة البراءة الرحم لا تنافي ترتيب الشارع الحكم على معلومية البراءة كما في غيرها من الحكم.


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 49.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد الحديث 2 عن أحدهما عليهما السلام.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد الحديث 2 عن أحدهما عليهما السلام.
6- 6 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.

ج 32، ص: 213

و بذلك يعلم المراد من إدخاله في

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «سأله أبى و أنا حاضر عن رجل تزوج امرأة فأدخلت إليه فلم يمسها و لم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ قال: إنما العدة من الماء، قيل له: فان كان يواقعها في الفرج و لم ينزل، فقال: إذا أدخله وجب المهر و الغسل و العدة»

و في صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «ملامسة النساء هو الإيقاع»

و موثق يونس بن يعقوب (3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج».

بل لا فرق بين القبل و الدبر في ذلك بلا خلاف أجده فيه، عدا ما عساه يشعر به اقتصار الفاضل في التحرير على الأول، بل ظاهرهم الإجماع عليه، و إن توقف فيه في الحدائق بدعوى انصراف المطلق إلى الفرد الشائع الذي

هو المواقعة في القبل، بل به يتحقق التقاء الختانين، خصوصا بعد ما تقدم من الخلاف في الغسل بدخولها فيه، و تبعه في الرياض لو لا الوفاق.

لكن قد يقال بعد كون الدبر أحد المأتين و أحد الفرجين و ما تقدم سابقا من النصوص (4)في تفسير قوله تعالى (5)«فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» يمكن منع أن المنساق من الإيقاع و الإدخال و نحوهما غيره، بل ستسمع ترتب العدة على الالتذاذ في صحيح أبي عبيدة(6)المنزل على ما يشمل ذلك، كما أنك سمعت ترتبها على الماء الصادق بانزاله في الدبر، و يتم بعدم القول بالفصل، على أن كونه شائعا فيما يقع من الوطء لا يقتضي ندرة إطلاق الدخول و الإتيان و الوقاع و المس، بل و الوطء و نحوها عليه، و لا أقل من كونه بالشهرة أو بالإجماع يقوى الظن بإرادة ما يشمل الفرد المزبور من الألفاظ المزبورة لو سلم انسياق خصوص القبل منها. (و بالجملة)


1- 1 الوسائل في الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل في الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 2.
3- 3 الوسائل في الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح من كتاب النكاح.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 223.
6- 6 الوسائل الباب- 39- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 214

فالمناقشة المزبورة في غاية السقوط.

كالمناقشة منهما بنحو ذلك فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق بين وطء الصغير و الكبير، بل هو ظاهر الجميع، ضرورة ظهور النصوص المزبورة و غيرها وضعية الحكم المزبور على وجه لا يختلف الحال بين الصغير و الكبير كالغسل، و

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1)المزبور: «إنما العدة من الماء»

لا ينافي تصريحه بعد ذلك بوجود سبب آخر و هو الإدخال.

بل قد يقال: لا فرق بين قصده الفعل و عدمه بعد تحقق اسم الدخول و الالتقاء و نحوهما التي هي عنوان الحكم في النص (2)و الفتوى، و حينئذ فلو أدخلته و هو نائم ترتب الحكم.

و بذلك كله ظهر لك أنه لا فرق بين القبل و الدبر و الصغير و الكبير و الفحل و الخصى الذي يتحقق منه الإيلاج و إن لم ينزل، بل يدل على الأخير مضافا إلى ما سمعت

صحيح أبي عبيدة(3)«سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن خصي تزوج امرأة و فرض لها صداقا و هي تعلم أنه خصي فقال: جائز، فقيل: إنه مكث معها ما شاء الله ثم طلقها هل عليها عدة؟ قال: نعم، أ ليس قد لذ منها و لذت منه؟».

و لا يعارضه

صحيح ابن أبي نصر(4)قال: «سئل الرضا (عليه السلام) عن خصي تزوج امرأة على ألف درهم ثم طلقها بعد ما دخل بها، قال: لها الألف الذي أخذت منه، و لا عدة عليها»

بعد قصوره عن المقاومة من وجوه، فلا بأس بطرحه أو حمله على خصي لا يتحقق منه دخول، فيكون المراد من دخوله بها الخلوة، و الندب

من أخذها الألف، و على كل حال فهو أولى من الجمع بينهما بحمل الاعتداد في الأول


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور من كتاب النكاح و الباب- 1- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 215

على الندب المنافي لما عليه الأصحاب و النصوص (1)السابقة.

أما لو كان مقطوع الذكر سليم الأنثيين قيل في المبسوط تجب العدة إن ساحقها، فان كانت حاملا فبالوضع و إلا فبالأشهر دون الأقراء لإمكان الحمل عادة بالمساحقة مع بقاء الأنثيين حينئذ و من المعلوم أن الأصل في الاعتداد الحمل و التحرز عن اختلاط المائين، و لذا انتفى عمن لا يحتمل ذلك فيها، و لشمول المس و الدخول لذلك و غيره، خرج غيره من الملامسة بسائر الأعضاء بالإجماع، و مس مجبوب الذكر و الأنثيين جميعا بالعلم عادة ببراءة الرحم، و يبقى هذا المس داخلا من غير مخرج له، و لفظ المبسوط «و إن كان قطع جميع ذكره فالنسب يلحقه، لأن الخصيتين إذا كانتا باقيتين فالانزال ممكن، و يمكن أن يساحق فينزل، فان حملت منه اعتدت بوضع الحمل، و إن لم تكن حاملا اعتدت بالشهور، و لا يتصور أن تعتد بالأقراء، لأن عدة الأقراء إنما تكون عن طلاق بعد دخول، و الدخول يتعذر من جهته».

و لكن مع ذلك كله فيه تردد لما عرفت، و لأن العدة تترتب على الوطء و الدخول و نحوهما مما لا يصدق على المساحقة، و المس حقيقة في عرف الشرع أو مجاز مشهور في الوطء، و كذا الدخول بها، فلا أقل من تبادره إلى الفهم،

على أنه مطلق يقيد بما دل على اعتبار التقاء الختانين و الإدخال و نحوهما، و إمكان الحمل بمساحقته لا يكفي في العدة بعد أن كان موضوعها في النص (2)و الفتوى الدخول و نحوه مما لا يشملها.

نعم لو ظهر بالمساحقة حمل اعتدت منه بوضعه، لإمكان الإنزال الذي يتكون منه الولد فيلحق به، لأنه للفراش، و يندرج بذلك تحت قوله تعالى (3)«وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» بل في القواعد «و كذا


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 4.

ج 32، ص: 216

لو كان مقطوع الذكر و الأنثيين» أي تعتد بالوضع لو ساحقها فحملت، و لكن قال:

«على إشكال» و لعله من الفراش، و كون معدن المنى الصلب بنص الآية(1)و من قضاء العادة بالعدم مع انتفاء الأنثيين.

و فيه أن المتجه إلحاقه به مع الاحتمال المخالف للعادة، لإطلاق

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(2): «الولد للفراش»

بل قد يتجه القول بالاعتداد من مساحقته فضلا عن الأول و إن لم نجد قائلا به، كما أنا لم نجد موافقا للشيخ في الأول، ل

قوله (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (3)المزبور: «إنما العدة من الماء»

و قوله (عليه السلام) في صحيح أبى عبيدة(4): «لذت منه و التذ منها»

و إن صرح بعد ذلك بوجوب العدة للإدخال، إلا أن الجمع بينهما وجوبها بأحدهما، بل مقتضى أولهما وجوبها باستدخال مائه من غير جماع أو مساحقة موطوءة حين قامت من تحته إن لم يكن إجماع، كما هو الظاهر من إرساله إرسال المسلمات في كشف اللثام و غيره.

و في المسالك بعد أن ذكر أن المعتبر من الوطء غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا قال: «و في حكمه دخول منيه المحترم فرجا فيلحق به الولد إن فرض، و تعتد بوضعه، و ظاهر الأصحاب عدم وجوبها بدون الحمل هنا» و فيه أن المتجه مع فرضه كونه بحكم الاعتداد قبل ظهور الحمل مخافة اختلاط المائين، بل لعل وجوب العدة لها حاملا يقتضي ذلك أيضا، ضرورة معلومية اشتراط العدة بطلاقها الدخولي، فان لم يكن ذلك بحكمه لم يكن لها عدة حتى معه أيضا، لظهور النصوص (5)المزبورة في اعتبار الالتقاء و الإدخال و المس و نحوها مما لا يندرج فيها المساحقة، من غير


1- 1 سورة الطارق: 86- الآية 7.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب العدد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور من كتاب النكاح و الباب- 1- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 217

فرق بين الحامل و غيرها، و الآية(1)إنما يراد منها بيان مدة العدة للحامل، لا أن

المراد منها بيان وجوب العدة على الحامل و إن لم تكن مدخولا بها، كما هو واضح بأدنى تأمل.

فمن الغريب إثباتهم للعدة بالحمل من دون دخول مائه المحترم فيها، مع أن نصوص العدة(2)التي سمعتها لا فرق فيها بين الحامل و غيرها، و قد عرفت أن الآية(3)ليست في أسباب العدة، بل هي في بيان أجل العدة، نحو الثلاثة قروء و الثلاثة الأشهر المذكورين لغيرها، كما لا يخفى.

و أغرب من ذلك فرق الشيخ بين العدة بالأقراء و العدة بالأشهر باشتراط الأولى بالدخول بخلاف الثانية، إذ هو كما ترى خارج عن النصوص المزبورة.

و نحو ذلك في الغرابة حكمهم بعدم العدة في المجبوب الذي لا فرق بينه و بين مقطوع الذكر خاصة، بعد فرض حصول ماء من مساحقته يمكن تكون الولد منه و لو على خلاف العادة، لإطلاق

قوله صلى الله عليه و آله (4)«الولد للفراش»

المفروض شموله لمساحقة سليم الأنثيين، و لو كان الذي ألجأهم إلى ذلك حمل

قوله (عليه السلام)(5)«إنما العدة من الماء»

على إرادة بيان الحكمة لا السبب، و لذا أعقبه باعتبار الإدخال في العدة، و لم يجعلوا ذلك سببين للعدة، و حمل

قوله (عليه السلام)(6)«لذت منه و لذ منها»

على خصوص الالتذاذ بالإدخال لا مطلقا بحيث يشمل المساحقة لكن كان المتجه عدم التزام العدة حتى مع الحمل منه، و كون منيه محترما لا ينافي سقوط العدة.


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور من كتاب النكاح و الباب- 1- من أبواب العدد.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
4- 4 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
5- 5 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 1 من كتاب النكاح.
6- 6 الوسائل الباب- 39- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 218

المشترطة بالدخول، و الفرض عدمه، فيكون حملها نحو حملها باستدخال قطنة من منيه أو بمساحقة زوجة كانت تحته، و صعوبة التزام ذلك باعتبار كونها حاملا منه كصعوبة التزام عدم العدة لمائه المحترم فيها المحتمل تكون ولد منه، مع أن مشروعية العدة للحفظ من اختلاط الماء، و الحكمة و إن لم تطرد لكن ينتفي الحكم الذي شرع لها معها، فليس إلا القول بأن للعدة سببين: أحدهما دخول مائه المحترم فيها بالمساحقة أو بإيلاج دون تمام الحشفة، و الثاني إيلاج الحشفة و إن لم ينزل بل و إن كان صغيرا غير قابل لنزول ماء منه، فتأمل جيدا فان المقام غير منقح، و الله أعلم بالصواب.

و كيف كان ف لا تجب العدة فيما بينها و بين الله بالخلوة منفردة عن الوطء و عن وضع مائه فيها على الأشهر بل المشهور، بل المجمع عليه و إن كانت كاملة بالبلوغ و عدم اليأس، و كانت الخلوة تامة بكونها في منزله و وطأها فيما دون القبل و الدبر، لما سمعته من

النصوص (1)السابقة المؤيدة بالاعتبار، و قد عرفت في كتاب النكاح معنى ما ورد من الأخبار(2)الحاكمة بكون الخلوة كالدخول، و ما وافقها من كلام الأصحاب، فلاحظ كي تعرف ذلك و تعرف الحكم أيضا فيما لو خلا ثم اختلفا في الإصابة ف ان القول قوله في العدم مع يمينه للأصل أو قولها في الثبوت ترجيحا للظاهر على الأصل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 2 و 3 و 6 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 219

[الفصل الثاني في عدة المستقيمة الحيض]
اشاره

الفصل الثاني في عدة ذات الأقراء و هي المستقيمة الحيض أي التي يأتيها حيضها في كل شهر مرة على عادة النساء، و في معناها معتادة الحيض فيما دون الثلاثة أشهر، و ربما قيل: إنها التي تكون لها فيه عادة مضبوطة وقتا سواء انضبط العدد أولا، و فيه أن معتادة الحيض فيما زاد على ثلاثة أشهر لا تعتد بالأقراء و إن كانت لها فيه عادة وقتا و عددا كما ستعرف.

و كيف كان ف هي (هذه خ ل) تعتد بثلاثة أقراء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1)و السنة(2)و هي الأطهار هنا عندنا على أشهر الروايتين (3)عملا و رواية، بل لم أقف فيه على مخالف و إن أرسله بعضهم، بل عن صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر الاستبصار و غيرها الإجماع عليه، بل يمكن

تحصيله أو القطع بذلك و لو بملاحظة النصوص (4)و الفتاوى، كما أنه يمكن دعوى تواتر الأدلة فيه أو القطع به، منها و ما تسمعه من المفيد- من التفصيل بين الطلاق في مستقبل الطهر فثلاثة أطهار، و في آخره فثلاث حيضات- مسبوق بالإجماع و ملحوق به و إن استقر به بعض جمعا بين النصوص التي ستسمعها، لكنه مع أنه فرع المكافئة المفقودة من وجوه لا شاهد له.

و لا فرق فيما ذكرنا بين القول باشتراك لفظ القرء بين الحيض و الطهر لفظا أو معنى أو بكونه حقيقة في أحدهما مجازا في الأخر، كما أنه لا فرق بين القول


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 220

باختلاف معنى القرء بالفتح و الضم، و أن الأول للحيض، و يجمع على أقراء، و الثاني للطهر، و يجمع على قروء، و القول باتحادهما، و ذلك لتصريح النص و الفتوى بكون المراد هنا الأطهار على كل حال.

قال زرارة(1)في الصحيح أو الحسن: «سمعت ربيعة الرأي يقول: إن من رأيي أن الأقراء التي سمى الله في القرآن إنما هو الطهر بين الحيضتين، فقال:

كذب لم يقله برأيه، و لكن إنما بلغه عن علي (عليه السلام)، فقلت: أصلحك الله تعالى أ كان علي عليه السلام يقول ذلك؟ فقال: نعم، إنما

القرء الطهر، يقرأ فيه الدم فتجمعه، فإذا جاء الحيض دفعته».

و عنه أيضا(2)عن أبى جعفر (عليه السلام) «القرء بين الحيضتين»

و نحوه صحيح ابن مسلم (3)عنه (عليه السلام) أيضا، و في

حسن زرارة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «الأقراء الأطهار».

و في المروي عن مجمع البيان و تفسير العياشي عن زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن عليا (عليه السلام) كان يقول: إنما القرء الطهر يقرأ فيه الدم فتجمعه، فإذا جاء الحيض قذفته، قلت: رجل طلق امرأته من غير جماع بشهادة عدلين، قال: إذا دخلت في الحيضة الثالثة انقضت عدتها و حلت للأزواج، قلت: إن أهل العراق يرون أن عليا عليه السلام يقول: إنه أحق برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، فقال: كذبوا».

و في

صحيح زرارة(6)عن أبي جعفر (عليه السلام) «المطلقة تبين عند أول قطرة من الحيضة الثالثة، قال: قلت: بلغني أن ربيعة الرأي قال: من رأيي أنها تبين عند


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 4 راجع الكافي ج 6 ص 89.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 19.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 8 عن أبي عبد الله عليه السلام كما في الكافي ج 6 ص 87.

ج 32، ص: 221

أول قطرة، فقال: كذب ما هو من رأيه، إنما هو شي ء بلغه عن علي (عليه السلام).

و في

خبر محمد بن مسلم (1)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل يطلق امرأته متى تبين منه؟ قال: حين يطلع الدم من الحيضة الثالثة تملك نفسها، قلت: فلها أن تتزوج في تلك الحال؟ قال: نعم، و لكن لا تمكن من نفسها حتى تطهر من الدم».

و خبر زرارة(2)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إنى سمعت ربيعة الرأي يقول:

إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة بانت منه، و إنما القرء ما بين الحيضتين، و زعم أنه إنما أخذ ذلك برأيه، فقال أبو جعفر عليه السلام: كذب، لعمري ما أخذ ذلك برأيه، و لكن أخذه عن علي (عليه السلام)، قلت: و ما قال علي (عليه السلام) فيها؟ قال: كان يقول: إذا رأت الدم من الحيضة الثالثة فقد انقضت عدتها، و لا سبيل له عليها، و إنما القرء ما بين الحيضتين، و ليس لها أن تتزوج حتى تغتسل من الحيضة الثالثة».

و في موثقه أيضا(3)عنه عليه السلام أيضا «سمعته يقول: المطلقة تبين عند أول قطرة من الدم في القرء الأخير».

و موثق الجعفي (4)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يطلق امرأته، قال: هو أحق برجعته ما لم تقع في الدم الثالث»

إلى غير ذلك من النصوص- حتى ما مر منها في عدم جواز طلاق الحائض (5)و أنه مخالف للسنة لقوله تعالى (6)«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»- المعتبرة سندا الصريحة دلالة المعتضدة بعمل الأصحاب بل و بقوله تعالى «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»- المعتبرة سندا الصريحة دلالة المعتضدة بعمل الأصحاب بل و بقوله تعالى (7):


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 4 و ذكر ذيله في الباب- 16- منها الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق.
6- 6 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
7- 7 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 222

«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» بناء على ما سمعته سابقا من تواتر النص (1)بعدم صحة الطلاق في الحيض عدا ما استثني، فيراد حينئذ من العدة الطهر، أي طلقوهن وقت اعتدادهن و هو كونهن في طهر لم يواقعن فيه، بل عن

النبي صلى الله عليه و آله (2)قراءة «قبل عدتهن»

بل في جملة من نصوصنا(3)تفسيره بذلك، و مع ذلك كله فهي مخالفة للمروي (4)كذبا عن علي (عليه السلام)، كما أومأت هي إليه.

بل منه يعلم حينئذ وجه حمل النصوص المقابلة لها على التقية في ذلك الوقت- و لا ينافيه

موافقة بعض العامة في الأزمنة المتأخرة للخاصة في كون العدة بالأطهار- نحو

صحيح الحلبي (5)عن الصادق (عليه السلام) «عدة التي تحيض و يستقيم حيضها ثلاثة أقراء، و هي ثلاث حيض»

و مثله مضمر أبي بصير(6)مع احتمالهما عدم استيفاء الحيضة الثالثة، و

موثق القداح (7)عنه أيضا عن أبيه عليهما السلام: «قال: قال علي (عليه السلام):

إذا طلق الرجل المرأة فهو أحق بها ما لم تغتسل من الثالثة»

و قد سمعت تصريحه بأن ذلك مكذوب على علي (عليه السلام)، فلا ريب في أن المراد أنهم يروون ذلك عن علي (عليه السلام) أو قاله تقية، خصوصا بعد ما سمعت من النصوص الكثيرة المتضمنة للرواية عن علي (عليه السلام) خلاف ذلك.

و كذا

مرسل إسحاق بن عمار(8)عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: «جاءت امرأة


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب مقدمات الطلاق.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 323.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 1 و 19.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 7.
6- 6 أشار إليه في الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 7 و ذكره في الاستبصار ج 3 ص 330.
7- 7 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 12.
8- 8 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 13.

ج 32، ص: 223

إلى عمر تسأله عن طلاقها، قال: اذهبي إلى هذا فاسأليه- يعني عليا (عليه السلام)- فقالت لعلي (عليه السلام): إن زوجي طلقني، قال: غسلت فرجك؟ فرجعت إلى عمر فقالت أرسلتني إلى رجل يلعب، قال: فردها إليه مرتين كل ذلك ترجع فتقول: يلعب، قال:

فقال لها: انطلقي إليه فإنه أعلمنا قال: فقال لها علي (عليه السلام): غسلت فرجك؟ قالت:

لا، قال: فزوجك أحق ببضعك ما لم تغسلي فرجك»

بناء على أن المراد غسل الفرج من الحيض، و حينئذ يكون كالخبر السابق محمولا على التقية بذكر الرواية عن علي (عليه السلام) و إن كانت كذبا، كما تضمنته النصوص (1)السابقة.

و صحيح ابن مسلم (2)عن أبى جعفر (عليه السلام) «في الرجل يطلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع، يدعها حتى تدخل في قرئها الثالث و يحضر غسلها ثم يراجعها و يشهد على رجعتها، قال: هو أملك بها ما لم تحل لها الصلاة.»

و خبر الحسن بن زياد(3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «هي ترث و تورث ما كان له الرجعة من التطليقتين الأولتين حتى تغتسل»

محمولان على التقية أيضا في ذلك الزمان، باعتبار شهرة الرواية المكذوبة على علي (عليه السلام) في ذلك كما سمعت التصريح به

من أبى جعفر (عليه السلام) في عدة نصوص (4)معتبرة، فلا إشكال حينئذ بحمد الله في المسألة.

و ما عن المفيد- من الجمع بينها بأنه إذا طلقها في آخر طهرها اعتدت بالحيض، و إن طلقها في أوله اعتدت بالأطهار، مع أنه فرع التكافؤ المفقود من وجوه- لا شاهد له و إن استقر به الشيخ فيما حكي عنه، و تبعه بعض متأخري المتأخرين.

ثم لا يخفى عليك عدم الفرق في العدة بالأقراء بين مطلقة و مفسوخة النكاح من قبله أو قبلها، بل و الموطوءة شبهة بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر ثبوت عدة الطلاق بها أو بالأشهر على حسب ما تسمعه من أقرائها، لأنها المتيقن في الخروج عن حكم العدة الثابت بسببها الذي قد عرفته سابقا، و هو إدخال الحشفة أو الماء،


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 1 و 19.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 15.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 16.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد الحديث 1 و 19 بأسانيد متعددة.

ج 32، ص: 224

و كان الاقتصار على ذكر المطلقة في المتن و نحوه لكونها الأصل في هذه العدة، باعتبار ذكرها في الخصوص كتابا(1)و سنة(2)إلا أن الظاهر ثبوتها لمن عرفت و لو لكونها الأصل في العدة، أو لتوقف اليقين على الخروج منها عليها بعد فرض حصول السبب.

كما أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما تقدم في كتاب الحيض من الطهارة معرفة عدد أيام القرء في ذات العادة، و في غيرها حتى في

الدمية التي لا عادة لها، و ترجع في تعيين حيضها إلى التمييز، و مع عدمه فإلى عادة نسائها، و إلا فثلاثة من شهر و عشرة من آخر، أو سبعة من كل شهر، ضرورة بناء ما هنا على ما هناك، كما هو واضح بأدنى التفات.

و لا فرق في ذلك بين الحيض الطبيعي و بين ما جاء بعلاج، و كذا الطهر، لتحقق الصدق عرفا مع احتمال جعل المدار على المعتاد، لكن لم أجد لأحد من أصحابنا.

و كذا لا فرق بين الحيض و النفاس الذي هو كالحيض، و ما في النصوص (3)السابقة من أن القرء ما كان بين الحيضتين محمول على الغالب، أو على إلحاق ما هو كالحيض به، و حينئذ فالمراد به المدة التي بين حيضتين أو حيض و نفاس، فلو طلقها بعد الوضع قبل أن تر دما ثم رأته لحظة ثم رأت الطهر عشرا ثم رأت الحيض ثلاثا كان ما بينهما طهر(4)بل في المسالك «أو نفاسين» و يمكن فرضه في نفاس حمل لا يعتبر وضعه في العدة كأحد التوأمين إذ طلقها بينهما قبل النفاس من الأول.

و على كل حال فذلك كله إذا كانت المعتدة حرة سواء كانت تحت حر


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 12- و غيره من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
4- 4 هكذا في النسختين المسودة بقلمه الشريف قده و المبيضة و مراده« ثم رأت الحيض ثلاثا ثلاثا كان ما بينهما طهر».

ج 32، ص: 225

أو عبد بلا خلاف أجده، لما عرفت سابقا من أن المدار في العدة النساء لا الرجال نصا(1)و فتوى، و لو كانت أمة فقرءان كما ستعرف و إن كانت تحت حر.

و في المبعضة وجهان، من تغليب الحرية، و أصالة بقاء العدة إلى أن يعلم الانتقال، و بقاء التحريم إلى أن يعلم الحل، و من أصالة البراءة من الزائد، و استصحاب عدمه إلى أن يثبت الناقل بحريتها أجمع، و الأول أقوى، خلافا للمحكي عن الشافعية فالثاني.

ثم إن ظاهر الكتاب العزيز(2)اعتبار جميع مدة ما بين الحيضتين في الطهر، لتوقف صدق الأقراء الثلاثة على ذلك، بل ربما كان ذلك ظاهر ما ورد(3)في تفسير قوله تعالى (4)«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» من أنه الطلاق قبل العدة، لكن صريح الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف بينهم- بل يمكن دعوى الإجماع عليه- الاكتفاء في القرء الأول بلحظة منه بعد الطلاق، بل لعله ظاهر النصوص (5)السابقة أو صريحها أيضا، ضرورة اكتفائها في خروج المطلقة في الطهر من العدة برؤية الدم الثالث، سواء كان طلاقها في ابتدائه أو وسطه أو آخره.

و حينئذ ف لو طلقها و حاضت بعد الطلاق بلحظة احتسبت تلك اللحظة قرءا ثم أكملت قرءين آخرين، فإذا رأت الدم الثالث فقد قضت العدة لما عرفت، لا لأن بعض القرء مع قرءين تامين يسمى الجميع ثلاثة قروء، نحو قول القائل: «خرجت لثلاث مضين» مع أن خروجه في بعض

الثالث، و نحو قوله تعالى (6)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» و المراد شوال و ذي القعدة و بعض ذي الحجة،


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب العدد.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 228.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 6 و 7.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 197.

ج 32، ص: 226

ضرورة كون ذلك مجازا محتاجا إلى القرينة.

على أنه منقوض بما لو تم الأولان و أضيف إليهما بعض الثالث، بأن طلقها قبل الحيض بلا فصل و اتصل بآخره، فان القرء الأول إنما يحسب بعد الحيض مع اعتبار كمال الثالث إجماعا، و لا يكفى دخولها فيه، و آية الحج قد عرفت في محله أن المراد منها تمام ذي الحجة، و لو لصحة استدراك بعض الأفعال فيه، كما عرفته في محله.

فبان حينئذ بذلك أن احتساب بعض القرء الأول و إن قل قرء في العدة، للأدلة الخاصة، و هي ظاهر النصوص (1)السابقة و غيره، خصوصا بعد معلومية عدم اشتراط صحة الطلاق بوقوعه في آخر الجزء الأول على وجه يكون ابتداء العدة الطهر الذي هو بعد الحيض، و لا بوقوعه في ابتداء الطهر الأول على وجه لا يمضي منه إلا مقدار زمان وقوع الطلاق كما هو واضح.

نعم قد أطلق غير واحد من الأصحاب خروجها من العدة برؤية الدم الثالث كالنصوص (2)لكن قيده المصنف بقوله هذا إذا كانت عادتها مستقرة بالزمان أي مضبوطة الوقت، سواء كانت مع ذلك مضبوطة العدد أو لا و إن لم تكن كذلك بأن اختلفت صبرت إلى انقضاء أقل الحيض،

أخذا بالاحتياط و فيه إن الظاهر بناء المسألة على ما تقدم في كتاب الطهارة من التحيض برؤية الدم مطلقا لذات العادة و غيرها، لقاعدة الإمكان، و أصالة الحيض في دم النساء، أو اختصاص ذلك بذات العادة الوقتية دون غيرها، فلا تتحيض إلا بعد مضي ثلاثة.

و أما احتمال وجوب الصبر هنا و إن قلنا بالتحيض بالرؤية في ترك الصلاة و الصوم فلا دليل عليه، و الاحتياط المزبورة أقصى مراتبه الندب، بل مقتضاه الصبر حتى في ذات العادة لإمكان تخلفها، بل و بعد الثلاثة في غيرها لإمكان استمرار الدم


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 227

و رجوعها إلى التمييز المقتضي كون الحيض آخر الدم أو وسطه و غير ذلك.

و ما أبعد ما بين القول بوجوب الصبر المزبور في خصوص المقام للاحتياط في الأنساب و بين القول بعدمه فيه و إن قلنا به في خصوص الصلاة، باعتبار إطلاق النصوص (1)هنا خروجها بالدم الثالث الذي هو طبيعة الدم المتحقق بمجرد رؤيتها، و إن كان فيه أيضا أنها مساقة لبيان خروجها بالدم الذي هو حيض، فاللام فيه للعهد الذهني حقيقة لا الجنس، فالتحقيق بناء المسألة على ما سمعته في كتاب الطهارة، و الاحتياط العام طريقه غير خفي، كما هو واضح.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أن أقل زمان تنقضي به العدة لذات الحيض ستة و

عشرون يوما و لحظتان: إحداهما بعد الطلاق من الطهر الذي وقع فيه، و الثانية من الحيض الثالث، لكن الأخيرة ليست من العدة، و إنما هي لل دلالة على الخروج منها، فاعتبارها حينئذ مقدمة لحصول العلم بذلك، ضرورة أن العدة الأقراء بمعنى الأطهار و ليست اللحظة المتأخرة من الطهر قطعا كالقطع بعدم اعتبار شي ء زائد على الطهر.

و لكن قال الشيخ ره: هي من العدة لأن الحكم بانقضاء العدة موقوف على تحققها و تظهر الثمرة على القولين في التوارث لو فرض موتها أو موته في هذه اللحظة، و في الرجوع بها فيها، و في العقد عليها فيها.

و لا ريب أن الأول أحق لما عرفت، بل مقتضى ما سمعته من التعليل خروجها أيضا، ضرورة عدم مدخلية ما توقف عليه الحكم بالانقضاء فيما اعتبر انقضاؤه، بل قد ينتقل من التعليل المزبور كون النزاع لفظيا، و ذلك لعدم التحقق الخارجي في الزمان الحكمي الكائن بين الطهر و الحيض على وجه تترتب عليه الثمرات المزبورة، لعدم إمكان تعرف آخر زمان الطهر المتصل بأول زمان الحيض، نحو ما قلناه في آخر جزء النهار المتصل بأول جزء الليل، فمراد الشيخ بكونها من العدة هذا المعنى أو ما يقرب منه، ضرورة كون المراد من اللحظة الجزء الزماني من حصول الدم المتصل


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 228

بالجزء الزماني قبله، و لا يكاد يتحقق في الخارج على وجه تترتب عليه الثمرات، فتأمل جيدا.

هذا كله في ذات الحيض و إلا فقد يتصور انقضاء العدة بالأقل من ذلك في ذات النفاس، بأن يطلقها بعد الوضع قبل رؤية الدم بلحظة، ثم ترى النفاس لحظة، لأنه لأحد لأقله عندنا، ثم ترى الطهر عشرة، ثم ترى الدم ثلاثا، ثم ترى الطهر عشرا، ثم ترى الدم، فيكون مجموع ذلك ثلاثة و عشرين يوما و ثلاث لحظات، لحظة بعد الطلاق، و لحظة النفاس، و لحظة الدم الثالث التي فيها ما عرفت، و الله العالم.

و لو طلقها في الحيض على الوجه الذي قد مضى في الشرائط لم يقع الطلاق عندنا.

و لو وقع في الطهر ثم حاضت مع انتهاء التلفظ بحيث لم يحصل زمان يتخلل الطلاق و الحيض صح الطلاق، لوقوعه في الطهر المعتبر، و لم تعتد بذلك الطهر، لأنه لم يتعقب الطلاق حتى يكون عدة له، إذ لا وجه لاعتدادها بما وقع فيه الطلاق، لعدم صدق كونها مطلقة إلا بعده و حينئذ ف تفتقر في انقضاء عدتها إلى ثلاثة أقراء مستأنفة بعد الحيض و ذلك لا يكون إلا برؤية الدم الرابع، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بعد تحقق الغرض، و لولاه لأمكن الإشكال في صحة الطلاق المزبور بعدم صدق كونه للعدة المراد به طلاقها في طهر يكون عدة لها، خصوصا مع ملاحظة النصوص (1)الواردة في تفسيرها(2)بل قد عرفت سابقا اقتضاءها وقوع الطلاق أول الطهر لتحقق الأقراء الثلاثة، بعد

العلم باغتفار مقدار زمان الطلاق من الأول منها، و لو لاشتراط صحة الطلاق بوقوعه في الطهر، و التزام وقوعه في آخر الأول أو في أثنائه مع عدم الاعتداد به مناف لصريح الأدلة المقتصر فيها و لو بسبب


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5 و 6 و 7 و الباب- 2- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 229

إطلاقها على احتسابه من العدة مع الوقوع في أثنائه و إن قل، أما مع الوقوع في آخره الحقيقي فهو و إن صدق كون الطلاق في الطهر لكن لا يصدق أنه في الطهر الذي يكون عدة، كما هو واضح، و الله العالم.

[فرع]

فرع:

لو اختلفا فقالت: كان قد بقي من الطهر جزء بعد الطلاق لتحتسب به قرءا فتقصر العدة بذلك و أنكر هو ذلك، لتحصيل طول مدة العدة التي يكون له الرجوع و التوارث و غيرهما فيها ف لا ريب في أن القول قولها ل ما عرفته سابقا نصا(1)و فتوى من أنها أبصر بذلك منه، و من أن المرجع في الطهر و الحيض إليها و بهما يخرج عن أصالة بقاء العدة و استصحاب الزوجية، لكن ليس له مطالبتها بما دفع إليها من النفقة أخذا له باعترافه، كما أنه ليس لها مطالبته بها إن لم يكن قد دفعها لها أخذا باعترافها، بل قد يقال في الأول مع فرض بقاء عينها بكونها من مجهول المالك ينتظر بها اتفاقهما أو الصدقة به عنهما.

هذا و في المسالك «احتمال جواز أخذها منها في الأول بمعلومية اشتراط استحقاق المطلقة رجعيا النفقة ببقائها على الطاعة كالزوجية، و بدعواها البينونة لا يتحقق التمكين من طرفها، فلا تستحقها على كل حال، و لا يكون كالمال الذي لا يدعيه أحد، لأن مالكه معروف» و فيه منع كون ذلك نشوزا مسقطا للنفقة المستحقة عليه باعترافه، فتأمل جيدا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب العدد و الباب- 47- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.

ج 32، ص: 230

[الفصل الثالث في ذات الشهور]
اشاره

الفصل الثالث في ذات الشهور فنقول: لا إشكال و لا خلاف في أن التي لا تحيض خلقة أو لعارض و هي في سن من تحيض تعتد من الطلاق و الفسخ مع الدخول بثلاثة أشهر إذا كانت حرة بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، لقوله تعالى (1)«وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ، وَ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ» المتناول آخره للفرض، بل و أوله بناء على ما ستعرف، و للنصوص (2)المستفيضة أو المتواترة، ك

صحيح الحلبي أو حسنه (3)عن الصادق (عليه السلام) «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر»

و غيره.

بل يندرج في ذلك من بلغت التسع ما دامت لم تصل إلى وقت الحيض عادة، بل و إن بلغته، فان عدتها ما دامت لا تحيض ذلك، نعم لو فرض عروض الحيض لها قبل مضى ثلاثة أشهر على وجه يحصل لها ثلاثة أقراء ليس بينهن ثلاثة أشهر بيض تكون حينئذ من ذوات الأقراء، كما أن ذوات الأقراء لو فرض عروض مانع لهن من ذلك على وجه لم يحصل لها الأقراء الثلاثة على الوجه المزبور تكون من ذوات الشهور، لما ستعرف من أن العدة أحد أمرين: الأقراء الثلاثة أو الشهور، و أيهما سبق كان الاعتداد به و إن لم تكن الشهور متصلة بالطلاق على الأصح الذي ستسمع تحقيقه.

و إنما المراد هنا بيان عدة التي لا تحيض و هي في سنن من تحيض ما دامت على


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 7.

ج 32، ص: 231

وصف عدم الحيض و هي ما عرفت كتابا و سنة و إجماعا، من غير فرق بين الطلاق و الفسخ و غيرهما من أنواع الفراق، بل و وطء الشبهة عدا الوفاة على نحو ذات الأقراء، كما هو واضح.

و ما في

خبر الغنوي (1)مما ينافي ما ذكرنا «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن جارية طلقت و لم تحض بعد فمضى لها شهران ثم حاضت أ تعتد بالشهرين؟ قال:

نعم، و تكمل عدتها شهرا، فقلت: أ تكمل عدتها بحيضة؟ قال: لا بل بشهر، يمضي آخر عدتها على ما مضى عليه أولها».

و خبر ابن سنان (2)عنه (عليه السلام) «في الجارية التي لم تدرك الحيض، قال: يطلقها زوجها بالشهور، قيل: فان طلقها تطليقة ثم مضي شهر ثم حاضت في الشهر الثاني، فقال إذا حاضت بعد ما طلقها بشهر ألغت ذلك الشهر و استأنفت العدة بالحيض، فان مضى بعد ما طلقها شهر ان ثم حاضت في الثلاثة تمت عدتها بالشهور، فإذا مضى لها ثلاثة أشهر فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب، و هي ترثه و يرثها ما كانت في العدة»

مطرح إذ لم أجد عاملا به.

و بذلك ظهر لك أن لا عدة لمثل الفرض إلا بالثلاثة، بل و غيره ممن يأتيها الدم عادة أو اتفاقا في الأزيد من الثلاثة أشهر، إذ احتمال اعتدادها بالأقراء- لو فرض حصول طهر لها قبل الثلاثة و إن طالت مدتها إلى السنة أو السنتين فصاعدا، لانحصار اعتدادها حينئذ بها بعد انتفاء التلفيق المختص ببالغة سن اليأس، كما ستعرف، و بعد انتفاء الثلاثة، باعتبار اشتراط اتصالها بالطلاق، و إلا لزم كون الاعتداد بالأزيد من الثلاثة، و هو ما تقدمها معها بل لعل المنساق من

قوله عليه السلام (3): «أي الأمرين سبق»

الاتصال- واضح الفساد، ضرورة ظهور ما تسمعه من الأدلة في الاعتداد بها و إن كانت منفصلة، خصوصا مع ملاحظة المفهوم فيما هو العمدة من

صحيح جميل (4)الاتي، و لا يضر إضافة ما تقدمها إليها في الاعتداد، من حيث معلومية


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 5.

ج 32، ص: 232

احتساب ما قارن الطلاق من الزمان منها، و لو لقوله تعالى (1)«فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» و لا ينافي ذلك كونها معتدة بالثلاثة أشهر أيضا، كما هو واضح بأدنى تدبر.

بل من تأمل ما يأتي من النصوص (2)المتضمنة لاعتدادها بها في ذات العادة التي هي خمسة أشهر أو ستة أو سنة أو أزيد أو أنقص يكاد يقطع بما ذكرنا، ضرورة أن من أفرادها ما لو طلقها في قريب عادتها بحيث يأتيها الدم قبل الثلاثة ثم يتأخر إلى السنة مثلا، و الله العالم.

و كيف كان ف في اليائسة التي بلغت سن اليأس خمسين أو ستين أو الأول إن لم تكن قرشية أو نبطية و إلا فالثاني و التي لم تبلغ التسع الذي هو أول سن إمكان الحيض روايتان إحداهما أنهما تعتدان بثلاثة أشهر و هي

مضمرة أبي بصير(3)«عدة التي لم تبلغ المحيض ثلاثة أشهر، و التي قعدت عن المحيض ثلاثة أشهر»

و خبر ابن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) «في الجارية التي لم تدرك الحيض يطلقها زوجها بالشهور»

و خبر هارون بن حمزة الغنوي (5)سأله «عن جارية حدثة طلقت و لم تحض بعد، فمضى لها شهر ان ثم حاضت، أ تعتد بالشهرين؟

قال: نعم، و تكمل عدتها شهرا، قال: فقلت: أ تكمل عدتها بحيضة؟ فقال: لا بل بشهر، يمضي آخر عدتها على ما يمضى عليه أولها»

و خبر أبى بصير(6)عنه (عليه السلام) «عدة التي لم تحض المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر»

مضافا إلى صحيح الحلبي (7)السابق و غيره، بل و الآية(8)كما ستعرف، و هو خيرة ابن سماعة و المرتضى و ابن شهرآشوب فيما حكي عنه، و احتاط فيه ابن زهرة.


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 9.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 9.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 7.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 228.

ج 32، ص: 233

و الرواية الأخرى لا عدة عليهما و هي

حسنة زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «في الصبية التي لا تحيض مثلها و التي قد يئست من المحيض ليس عليهما عدة و إن دخل بهما»

و موثقة عبد الرحمن بن الحجاج (2)عنه (عليه السلام) أيضا «ثلاث يتزوجن على كل حال: التي لم تحض و مثلها لا تحيض قلت:

و ما حدها؟ قال: إذا أتى لها أقل من تسع سنين، و التي لم يدخل بها، و التي قد يئست

من المحيض و مثلها لا تحيض، قلت: و ما حدها؟ قال: إذا كان لها خمسون سنة»

و صحيح حماد بن عثمان (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التي يئست من المحيض و التي لا تحيض مثلها، قال: ليس عليهما عدة»

و حسنة محمد بن مسلم (4)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول في التي يئست من المحيض يطلقها زوجها، قال: بانت منه، و لا عدة عليها»

و حسنة محمد بن مسلم (5)عنه (عليه السلام) أيضا «التي لا يحبل مثلها لا عدة عليها»

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى تواترها.

فلا ريب في أن هذه هي الأشهر رواية بل و عملا، بل لم نعرف القائل بالأولى عدا من سمعت، بل ربما ظهر من غير واحد دعوى الإجماع في مقابله، حتى أن الشيخ ره حكاه عن معاوية بن حكيم من متقدمي فقهائنا، و عن جميع المتأخرين منهم.

و الأصل في الخلاف الآية السابقة المحكي عن المرتضى الاستدلال بها، بل هي العمدة له، لأن المعلوم من مذهبه عدم عمله بمثل الأخبار السابقة، بعد أن أورد على نفسه بأن فيها شرطا و هو قوله تعالى (6)«إِنِ ارْتَبْتُمْ» و هو منتف عنهما، ثم أجاب عنه بأن الشرط لا ينفع أصحابنا، لأنه غير مطابق لما يشترطونه، و إنما يكون نافعا لهم لو قال تعالى: «إن كان

مثلهن يحيض في الآيسات و في اللواتي لم يبلغن


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد الحديث 2.
6- 6 سورة الطلاق: 65- الآية 4.

ج 32، ص: 234

المحيض إذا كان مثلهن يحيض» و إذا لم يقل تعالى ذلك، بل قال «إِنِ ارْتَبْتُمْ» و هو غير الشرط الذي شرطه أصحابنا فلا منفعة لهم به، على أن الذي قاله جمهور المفسرين و أهل العلم بالتأويل كون المراد به «إن كنتم مرتابين في عدة هؤلاء النساء و غير عالمين بمبلغها فهي هذه».

و يؤيده ما

روي (1)في سبب نزول الآية «أن أبي بن كعب قال: يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب: الصغار و الكبار و أولات الأحمال، فأنزل الله تعالى الآية»

فكان هذا دالا على أن المراد بالارتياب ما ذكرناه، لا الارتياب بأنها آيسة أو غير آيسة، لأنه تعالى قد قطع في الآية على اليأس من المحيض، فالمشكوك في حالها و المرتاب في أنها تحيض أو لا تحيض لا تكون آيسة، على أنه لو كان المراد ذلك لكان حقه أن يقول «إن ارتبتن» لأن المرجع في ذلك إليهن، و لما قال «إِنِ ارْتَبْتُمْ» علم إرادة الارتياب بالمعنى الذي ذكرناه.

و فيه أنه خلاف الظاهر من التعبير بالارتياب إذ لو كان ذلك المراد لكان المناسب التعبير

بالجهل، على أن جميع الأحكام واردة على حال الجهل بها، فتكون حينئذ لا فائدة فيه، و خبر أبي- مع أنه مقدوح فيه بأنه إن صح لزم تقدم عدة ذوات الأقراء، مع أنها إنما ذكرت في البقرة(2)و هي مدينة، و تلك الآية في الطلاق (3)و هي مكية في المشهور- لا يتعين في غير البالغة و اليائسة، و أما ما حكاه عن جمهور المفسرين و أهل العلم بالتأويل فهو معارض بما في المحكي

عن مجمع البيان في تفسيرها، قال: «فلا تدرون لكبر ارتفع حيضهن أم لعارض فعدتهن ثلاثة أشهر، و هن اللواتي أمثالهن يحضن، لأنهن لو كن في سن من لا تحيض لم يكن للارتياب معنى، و هذا هو المروي عن أئمتنا عليهم السلام (4)».

و في

صحيح الحلبي أو حسنه (5)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 414 و 420.
2- 2 الآية 228.
3- 3 الآية 4.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 20.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 7.

ج 32، ص: 235

قول الله عز و جل إِنِ ارْتَبْتُمْ ما الريبة؟ فقال: ما زاد على شهر فهو ريبة، فلتعتد بثلاثة أشهر، و لتترك الحيض، و ما كان في الشهر لم يزد في الحيض على ثلاث حيض فعدتها ثلاث حيض».

و من ذلك كله يعلم أن المراد بالارتياب غير ما ذكره، و لا يبعد ذلك التعبير باليأس، لجواز أن لا يراد به ما هو المعروف عند الفقهاء، و لا الرجوع إليهن في الحيض و عدمه، لأن ارتيابها يوجب ارتيابنا إذا رجعنا إليها، بل قيل: إن الرجوع إليها في اليأس المعتبر شرعا ممنوع، فإنه في الحقيقة خبر عن السن.

بل لعل التأمل الجيد في الآية الشريفة يقتضي استفادة حكم عدة أربع نساء منها مفهوما و منطوقا، ضرورة أن اليائسة المرتاب فيها تعتد بثلاثة أشهر، و أما التي لا ريبة فيها و هي البالغة سن اليأس فلا عدة لها، لا الثلاثة و لا الأقراء المعلوم حصر العدة بهما، و أما التي لا تحيض المقدر فيها الشرط أيضا فالمرتاب فيها و هي البالغة سن الحيض فثلاثة أيضا، و أما التي لا ارتياب فيها و هي غير البالغة ذلك فلا عدة لها على الوجه المزبور، و لعله المراد من المحكي عن أبي، فان الصغار و الكبار شامل للجميع، و بذلك يتم الفائدة من الآية الشريفة، و على كل حال فلا ريب في أن الظاهر منها خلاف ما ادعاه.

و أما الأخبار فمع رجحان غيرها عليها من وجوه- منها مخالفة العامة- لا بأس بحملها على إرادة من بلغت سن الحيض و لكن لم تحض، أو انقطع حيضها و لكن لم تبلغ سن اليأس.

و بذلك كله ظهر لك الوجه فيما تسمعه من النصوص من كون العدة أحد الأمرين: الأقراء أو الأشهر، أيهما سبق كان الاعتداد بها، ضرورة كون المستفاد من آية الأقراء(1)و آية الأشهر(2)ذلك، فتأمل جيدا.

و حد اليأس أن تبلغ المرأة خمسين سنة و قيل: ستين سنة و قيل:


1- 1 سورة البقرة 2- الآية 228.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 4.

ج 32، ص: 236

في القرشية و النبطية: ستين و في غيرهما خمسين، و قد مضى تحقيق القول في ذلك في كتاب الطهارة، فلاحظ و تأمل.

و لو كان التي لا تحيض مثلها يحيض بمعنى أن انقطاع الدم عنها لأمر لم يعلم حاله اعتدت بثلاثة أشهر إجماعا إن لم تسبقها أقراء ثلاثة لم يكن بين الحيضتين منها ثلاثة أشهر بيض و ذلك لأن هذه تراعي الشهور و الحيض، فان سبقت الأطهار فقد خرجت العدة، و كذا إن سبقت الشهور، ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح جميل عن زرارة(1)«أمران أيهما سبق بانت به المطلقة المسترابة تستريب الحيض، إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض ليس لها دم بانت به، و إن مرت ثلاث حيض ليس بين الحيضتين ثلاثة أشهر بانت بالحيض، قال ابن أبي عمير: قال جميل:

و تفسير ذلك إن مرتب بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت ثم مرت بها ثلاثة أشهر إلا يوما فحاضت فهذه

تعتد بالحيض على هذا الوجه، و لا تعتد بالشهور، و إن مرت بها ثلاثة أشهر بيض لم تحض فيها فقد بانت»

و قول أحدهما عليهما السلام في موثق زرارة(2): «أي الأمرين سبق إليها فقد انقضت عدتها، إن مرت ثلاثة أشهر لا ترى فيها دما فقد انقضت عدتها، و إن مرت ثلاثة أقراء فقد انقضت عدتها».

هذا و لكن قد يتوهم من عبارة المصنف و ما شابهها كقواعد الفاضل و غيرها اختصاص هذه- و هي التي يرتفع طمثها و لم يعلم ما الذي رفعه المعبر عنها بمثلها من تحيض- بالحكم المزبور، و من هنا توهم بعض الناس كالصيمري أن التي يعلم الوجه في رفع طمثها كالرضاع و نحوه تعتد بالأقراء و إن طالت مدتها، و إن كان نحوه المحكي عن القاضي إلا أنه مخالف للنص و الفتوى، خصوصا المرضعة التي ورد فيها بالخصوص

خبر أبى العباس (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته بعد ما ولدت و طهرت، و هي امرأة لا ترى دما ما دامت ترضع، ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر».


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 6.

ج 32، ص: 237

مضافا إلى معلومية صدق المسترابة التي تستريب الحيض عليها و على غيرها ممن بلغت سن الحيض و لم تحض.

بل قد عرفت تحقق الريبة في الصحيح (1)المزبور بتأخر الحيض عن شهر، كما أنك قد عرفت النصوص (2)المتضمنة للاعتداد بالثلاثة أشهر لمستقيمة الحيض إذا كان في أزيد من ثلاثة أشهر. و من هنا يعلم الوجه في تفسير مستقيمة الحيض المتقدمة سابقا- التي ذكرنا اعتدادها بالأقراء- بمن لم يتأخر حيضها عادة عن الثلاثة أشهر كما سمعته في تفسير جميل.

و بذلك يتضح لك عموم الضابط المزبور لكل معتدة من الطلاق و ما يلحق به، و هو أي الأمرين سبق إليها اعتدت به، من غير فرق بين أفرادها جميعها، و إنما خص المصنف و الفاضل المذكورة في الحكم المزبور، لأن فرض الأولى أنها لا تحيض، فليس لها حينئذ إلا ثلاثة أشهر، أما مع فرض سبق الحيض إليها فلا ريب في أنها من ذوات الأقراء إذا كانت تأتيها قبل الثلاثة أشهر، و لإرادة ترتيب الحكم الاتي، و هو تربص تسعة أشهر الذي يمكن دعوى اختصاصه فيها دون غيرها ممن سبق إليها.

و هو الذي أشار إليه بقوله أما لو رأت في الثالث حيضا و تأخرت الثانية أو الثالثة صبرت تسعة أشهر، لاحتمال الحمل بسبب التأخر المزبور.

ثم إن تم أقراؤها أو وضعت فذاك و إلا اعتدت بعد ذلك بثلاثة أشهر، و هو أطول عدة و الأصل فيه

خبر سورة بن كليب (3)«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر من غير جماع بشهود طلاق السنة، و هي ممن

تحيض، فمضى ثلاثة أشهر، فلم تحض إلا حيضة واحدة، ثم ارتفعت حيضتها حتى مضت ثلاثة أشهر أخرى، و لم تدر ما رفع حيضتها، قال: إن كانت شابة مستقيمة الطمث فلم تطمث في ثلاثة أشهر إلا حيضة واحدة ثم ارتفع طمثها فما


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 12 و 14- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل في الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 238

تدري ما رفعها فإنها تتربص تسعة أشهر من يوم طلقها، ثم تعتد بعد ذلك بثلاثة أشهر، ثم تتزوج إن شاءت»

المنجبر سنده بعمل الأصحاب.

لكنه كما ترى خاص بمستقيمة الحيض التي عرض لها ارتفاع الحيض و لم تعلم بسببه، و من المحتمل كونه الحمل، إذ لا يرفع الحيض إلا فساد فيه أو حمل، و كان المتجه انتظارها إلى تمام التسع التي تتم بها الأقراء أو ثلاثة أشهر بيض أو وضع الحمل، و من هنا اقتصر عليها ابن إدريس فيما حكي عنه، إلا أنه طرح للخبر المزبور الذي قد سمعت انجباره بالعمل، فالمتجه الجمود على موضوعه من غير تعد لما ينافي الضابط الذي ذكرناه، و هو الاعتداد بأسبق الأمرين إليها.

و أما ما في رواية عمار(1)عن الصادق (عليه السلام)- من أنها تصبر سنة ثم تعتد بثلاثة أشهر

قال: «سئل عن رجل عنده امرأة شابة و هي تحيض كل شهرين أو ثلاثة أشهر حيضة واحدة كيف يطلقها زوجها؟ فقال: أمرها شديد، تطلق طلاق السنة تطليقة واحدة على طهر من غير جماع بشهود، ثم تترك حتى تحيض ثلاث حيض، متى حاضت ثلاثا فقد انقضت عدتها، قيل له: و إن مضت سنة و لم تحض فيها ثلاث حيض، قال: إذا مضت سنة و لم تحض فيها ثلاث حيض يتربص بها بعد السنة ثلاثة أشهر، ثم قد انقضت عدتها، قيل: فان مات أو ماتت، فقال: أيهما مات فقد ورثه صاحبه ما بينه و بين خمسة عشر شهرا»

- فلم أجد عاملا به و إن أرسل القول به في بعض العبارات، لكن لم أتحققه.

نعم في الإستبصار حمله على ضرب من الندب و الاحتياط، و استوجهه غير واحد ممن تأخر عنه، و عنه في النهاية أنه نزلها على احتباس الدم الثالث.

و قال المصنف هو تحكم لعدم ما يشعر بذلك فيه، لكن في كشف اللثام تعليله «بنصوصية الأولى في احتباس الثاني بخلاف الثانية، فإنه قال: «لم تحض في السنة ثلاثا»- و هو أعم- مع أنه مناسب للاعتبار، فإنها عند احتباس الثاني


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 239

تتربص تسعة أشهر للحمل و ثلاثة للعدة، كما هو قضية الخبر الأول، و ذلك إن لم تر دما في الثلاثة بعد التسعة، فإن رأت دما في آخر الثلاثة أي آخر السنة لم يكن بد من التربص ثلاثة أخرى، لتمر عليها بيضا، أو مع الدم الثالث، فليحمل الخبر الثاني عليه، لأن السائل إنما ذكر أنها لم تحض في السنة ثلاثا- قال-: فاندفع ما في الشرائع من أنه تحكم من غير ابتناء على أن السنة أقصى مدة الحمل كما في النكت».

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم ذكره ما يقتضي رفع التحكم الذي منشأه عدم إشعار الخبر المزبور بل و لا غيره باحتباس الدم الثالث الذي لا يناسبه إطلاق اعتبار الثلاثة أشهر، لإمكان إثباته قبل مضيها، على أن الأشهر البيض قد مرت في ضمن التسعة، و احتمال الحمل لا ينافي الاعتداد بكونها عدة بعد معلومية العدم بانقضاء التسع أو السنة، على أن احتباس الثاني أو الثالث لا مدخل له في هذه الأحكام، لأن احتمال الحمل يوجب فساد اعتبار الاثنين، كما يوجب فساد الواحدة، و أقصى الحمل مشترك بين جميع أفراد النساء بالتسعة أو السنة أو غيرهما، فالفرق بين جعل مدة التربص للعلم بالبراءة من الحمل سنة تارة و تسعة أخرى يرجع إلى التحكم إلا على احتمال تذكره في نصوص محمد بن حكيم (1)الاتية في دعوى الحبل إلى غير ذلك مما لا يخفى.

و من هنا قال بعد ذلك: «و على كل من هذه الأقوال يخالف الحكم في هذه الصورة ما تبين سابقا من الاعتداد بأي الأمرين سبق من الأشهر الثلاثة البيض أو الأقراء الثلاثة، فالملخص أنها إن رأت الدم مرة أو مرتين ثم ارتفع لليأس لفقت بين العدتين، و إلا فإن استرابت بالحمل صبرت تسعة أشهر أو سنة أو خمسة عشر

شهرا، و إلا اعتدت بأسبق الأمرين، و قريب منه قول القاضي إذا كانت المرأة ممن تحيض و تطهر و تعتد بالأقراء إذا انقطع عنها الدم لعارض من مرض أو رضاع لم تعتد بالشهور، بل تتربص حتى تأتي بثلاثة قروء و إن طالت مدتها، و إن انقطع لغير عارض و مضى لها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما فقد انقضت عدتها، و إن رأت


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 5.

ج 32، ص: 240

الدم قبل ذلك ثم ارتفع حيضها لغير عذر أضافت إليها شهرين، و إن كان لعذر صبرت تمام تسعة أشهر ثم اعتدت بعدها بثلاثة أشهر، فإذا ارتفع الدم الثالث صبرت تمام سنة ثم اعتدت بثلاثة أشهر بعد ذلك».

و الجميع كما ترى ضرورة أن ما ذكره في المخلص لا يوافق شيئا من الضوابط، بل و لا الفتاوى، لما ستعرف من أن مسترابة الحمل لا يجب عليها الصبر تسعة فضلا عن السنة و الخمسة عشر شهرا، و كذا قول القاضي الذي جعله قريبا من ذلك، فان التفصيل المزبور فيه مناف لما عرفت، و كذا إضافة الشهرين، بل و غير ذلك.

و إنما المتجه الجمود على مضمون خبر سورة(1)المزبور، لا أنه يجعل قاعدة كلية في كل مسترابة، ضرورة مخالفته للضوابط من وجوه:

(منها) اعتبار التسعة أشهر من حين الطلاق، بناء على أن ذلك فيه لاحتمال الحمل، كما

يشعر به تعليل المصنف و غيره، فإنه لا يطابق شيئا من الأقوال فيه، لأن مدته في جميعها معتبرة من آخر وطء يقع بها، لا من حين الطلاق، فلو فرض أنه كان معتزلا لها أزيد من ثلاثة أشهر تجاوزت مدة أقصى الحمل على جميع الأقوال، و قد يكون أزيد من شهر، فيخالف القولين بالتسعة و العشرة.

اللهم إلا أن يقال المراد من آخر وطء تعقبه الطلاق بعد الاستبراء منه، نحو ما وقع لهم من التعبير فيما تسمعه من الفرع الثالث الذي اعترف في المسالك بكون ذلك المراد لهم و إن وقع التعبير بما يوهم خلافه مساهلة، فلاحظ و تأمل.

أو يقال: إن المراد بالنسبة إلى الحكم الظاهري إذا لم يعلم تقدم وطيه، فإن حكم الفراش لا ينقطع عنه إلا بالطلاق، فيلحظ المدة حينئذ فيه.

لكن فيه أن الطلاق الصحيح يقتضي سبق الوطء على الحيض، لعدم صحته في طهر المواقعة، فلا بد من تقدير زمان قبل الطلاق أقل ما يمكن فيه الوطء و الحيض بعده، كما صرح به في المسالك فيما يأتي.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 241

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك لا ينفي حكم الفراشية التي تكون سببا للحوق الولد الذي يكفي فيه مجرد الاحتمال و لو في زمن الحيض و لو في حال لم يعلم الزوج به من نوم و نحوه فتأمل جيدا، فان ذلك لا يخلو من بحث أيضا.

و (منها) الاعتداد بثلاثة أشهر بعد العلم ببراءتها من الحمل بتجاوز الأقصى، لأنه مع طرو الحيض قبل تمام الثلاثة إن اعتبرت العدة بالأقراء و إن طالت لم يتم الاكتفاء بجميع ذلك، و إن اعتبر خلو ثلاثة أشهر بيض فالمتجه بعد انتهاء أقصى الحمل الاجتزاء بما مر من الأشهر البيض في أثناء التسعة، لأن عدة الطلاق لا يعتبر فيها القصد إليها بخصوصها، و دعوى أن التسعة إنما هي للعلم ببراءة الرحم و ليست عدة- كما عساه يشعر به الأمر بالتربص فيها في الخبر(1)المزبور ثم الاعتداد بالثلاثة- يدفعها ظهور غيرها من ما تسمعه من أخبار محمد بن حكيم (2)في مستريبة الحمل أو مدعيته في أنها عدة، على أن تخلل هذه المدة بين الطلاق و العدة مناف للأمر بالطلاق للعدة(3)بل مقتضاه عدم إجراء حكم العدة عليها من التوارث و التزويج فيها جهلا و علما بالنسبة إلى الحرمة أبدا، و غير ذلك مما هو من أحكام العدة.

و (منها) أن ذلك مناف لما تسمعه منهم في مسترابة الحمل من جواز التزويج لها و إن استرابت به في أثناء العدة، على أن الخبر(4)المزبور لا دلالة فيه على أن التسعة لمكان الحمل و إن كان ربما أشعر به التقييد به، لكن

قوله: «من حين الطلاق»

ينافيه، على أن مقتضاه الاجتزاء بالثلاثة مثلا لو علمت في أثنائها انتفاء الحمل، إلى غير ذلك مما لا يخفى عدم انطباقه على الضوابط.

فالمتجه الجمود على مضمون الخبر(5)المزبور في خصوص المفروض من دون أن يجعل قاعدة كلية، بل الظاهر أن ذلك فيه عدة للموضوع الخاص من حيث


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 242

كونه بالوصف المزبور في النص، لا أن التسعة زمان تربص للاستبراء و الثلاثة بعدها زمان العدة.

و بذلك يظهر لك الإشكال في خبر عمار(1)بل هو أشد إشكالا مما فيه، على أن موضوعه غير الموضوع في خبر سورة(2)فمن الغريب ذكر مضمونهما على موضوع واحد، و لم نجد في شي ء مما وصل إلينا من النصوص ما هو بمضمونهما.

و أما أخبار محمد بن حكيم (3)التي هي في مدعية الحبل و مستريبته فهي غير ما نحن فيه، و لقد وقع هنا خبط عظيم في بعض الكلمات، و خصوصا في الحدائق، فإنه على أطنابه في المقام و زعمه أنه قد جاء بشي ء لم يسبق إليه قد خبط في موضوعات الأحكام و عنوانها، كما لا يخفى على من لاحظ تمام كلامه، و لو لا كثرة الكلمات في المقام و دعوى الشهرة من غير واحد في العمل بخبر سورة(4)لأمكن تنزيل الخبرين المزبورين على ضرب من الندب في الاحتياط و الاستظهار نحو ما تسمعه في أخبار محمد بن حكيم (5)و غيره الواردة في دعوى الحبل و المستريبة فيه، فان التأمل

الجيد فيها يقتضي اتفاقها في المذاق و المساق، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فقد ظهر لك أن المتجه بناء على العمل بالخبر(6)المزبور الجمود على مضمونه الذي هو في الحرة قطعا، و كان اقتصار المصنف على رؤية الدم في الثالث يومئ إلى بعض ما ذكرناه من الجمود، مع أن الخبر المزبور لا صراحة فيه في ذلك بل و لا ظهور، لكن عليه لو رأت في أشهر الأول أو الثاني و احتبس ففي إلحاقه بما ذكروه نظر، من مساواته له في المعنى بل أولى بالاسترابة بالحمل، و من قصر الحكم المخالف على مورده، فرده إلى القاعدة- و هي الاعتداد بأسبق الأمرين- أولى.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
6- 6 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 243

نعم لو قيل في مثل ذلك بوجوب مراعاة الأقراء و إن طالت المدة اتجه حينئذ الاقتصار على ما في الخبر المزبور نظرا إلى الأولوية التي ليست من القياس الباطل.

و من الغريب ما في المسالك، فإنه بعد أن أطنب في المقام و أشكل العمل بالخبرين (1)المزبورين من وجوه قال: «و لو قيل بالاكتفاء بالتربص مدة يظهر فيها انتفاء الحمل كالتسعة من غير اعتبار مدة أخرى كان وجها» ضرورة منافاة ذلك للقاعدة المزبورة، و لما يأتي من عدم وجوب التربص تسعة في مستريبة الحمل، نعم لا بأس بذلك على ضرب من الندب للاحتياط و الاستظهار، و إن كان لا محيص عن

العمل بخبر سورة(2)لاعتضاده بفتوى المشهور، فالمتجه الاقتصار عليه في تقييد القاعدة المزبورة من غير تعد لغيره على وجه يجعل عنوانا لمطلق المسترابة إذا رأت الدم في دون الثلاثة أشهر ثم ارتفع حيضها و لو لعارض معلوم من عادة و نحوها، كما وقع من غير واحد، ضرورة زيادة ذلك على مقتضى الدليل المزبور، فيكون تقييدا للقاعدة بغير مقيد، كما أن المتجه جعل الجميع فيه عدة للموضوع المفروض من حيث كونها كذلك و إن بان بعد ذلك كونها غير حامل، لا أنها خصوص الثلاثة بعد التسعة.

و لو رأت الدم مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين بلا خلاف أجده فيه، ل

خبر هارون بن حمزة(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في امرأة طلقت و قد طعنت في السن فحاضت حيضة واحدة ثم ارتفع حيضها، فقال: تعتد بالحيض و شهرين مستقبلين، فإنها قد يئست من المحيض»

و لما سمعته سابقا من النص (4)الدال على أن لكل شهر حيضة، بل ذلك هو الحكمة في قيام الأشهر مقام الأقراء عند تعذرها على المعتاد، و حينئذ فهي بدل عنها، من غير فرق بين تعذر الجميع أو البعض،


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 7 و 3 و قد ورد في لفظ الحديث 2 من هذا الباب« لكل شهر حيضة» الا أنه لم يتقدم سابقا.

ج 32، ص: 244

و لا يشكل ذلك بمحتبسة الحيض لعارض، لوضوح الفرق بينهما بإمكان عوده فيها دون الفرض.

بل مقتضى ذلك و فحوى النص المزبور بل و التعليل في آخره التلفيق بشهر لو فرض مجي ء الحيض مرتين، و لا تلفيق في عدة غيرها.

بل قد يقال: إن مقتضاهما أيضا إتمام عدتها بعد سن اليأس لو فرض طلاقها قبله مثلا بشهر أو شهرين بل أو لحظة، و كانت ممن تعتد بالشهور، بل لعله أولى من التلفيق المزبور و إن كان إجراء ذلك على مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن اقتضاء فحوى الخبر المزبور لا يخلو من إشكال، بناء على خروج مثل الفرض عن المنساق من إطلاق الأدلة، و الأصل براءة الذمة من الاعتداد.

و دعوى الحكم بأن السابق على زمن اليأس من العدة، فيستصحب يدفعها إمكان منع أنها منها بعد فرض معلومية حالها، لما عرفت من كونها موضوعا جديدا غير داخل في المنساق من الأدلة، اللهم إلا أن يمنع ذلك كله بسبب معلومية صدق كونها غير آيس عند الطلاق، فيشملها أخبار العدة(1)و أخبار المطلقة(2)و الأمر في ذلك كله سهل بعد ما سمعت من كون حكمها الاعتداد، و لو لفحوى النص المزبور حتى لو لم تكن ذات أقراء و قد صادف طلاقها لحظة قبل زمن سن اليأس، نعم لو فرض اتحاد زمان آخر صيغة الطلاق مع أول زمن اليأس اتجه عدم اعتدادها حينئذ.

و لو استمر بالمعتدة الدم مشتبها بأن تجاوز العشرة رجعت إلى عادتها في زمان الاستقامة

وقتا و عددا أو أحدهما إن كانت و أمكن اعتبارها، بأن لم تتقدم ما اعتادته من الوقت و لا تأخرت عنه، و تجعل الباقي استحاضة، فتلحق بالأول حكم الحيض و الباقي حكم الطهر إلى وقت العادة من الشهر الأخر، و تنقضي بذلك العدة كغير المستمر بها الدم من المستقيمة، و التقييد بالاشتباه باعتبار احتماله الحيض فيما زاد على العادة قبل التجاوز و إن كان بعد التجاوز لا اشتباه لما عرفت. و لو لم تكن لها عادة


1- 1 الوسائل الباب- 12- و غيره من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 12- و غيره من أبواب العدد.

ج 32، ص: 245

لابتدائها أو اضطرابها أو كانت و نسيتها اعتبرت صفة الدم بشرائطه المتقدمة في باب الحيض فاعتدت بثلاثة أقراء بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال، لما تقدم في محله من كون ذلك طريقا شرعيا في تشخيص الحيض المقتضي لتشخيص الطهر، فيتبعه حكم العدة، مضافا إلى

مرسل جميل (1)عن أحدهما عليهما السلام في خصوص المقام، قال: «تعتد المستحاضة بالدم إذا كان في أيام حيضها أو بالشهور إن سبقت إليها، و إن اشتبه فلم تعرف أيام حيضها فان ذلك لا يخفى، لأن دم الحيض دم عبيط حار و دم الاستحاضة أصفر بارد».

و لو اشتبه على وجه لا يتحقق به التمييز المعتبر شرعا رجعت إلى عادة نسائها من أقربائها أو أقرانها على ما تقدم في محله، مضافا إلى

خبر محمد بن مسلم (2)هنا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن عدة المستحاضة، فقال: تنتظر قدر أقرائها فتزيد يوما أو تنقص يوما، فان لم تحض فلتنظر إلى بعض نسائها فلتعتد بأقرائها».

و لكنه كما ترى صريح في خصوص المبتدأة التي قد عرفت اختصاص الحكم بها أيضا في محله، لأنها هي التي نطقت الأخبار(3)برجوعها إلى نسائها، و يمكن أن يكون إطلاق المصنف و غيره اتكالا على ما تقدم في كتاب الطهارة، نعم ما في الإرشاد من التصريح بالمضطربة دون المبتدأة كأنه سهو من القلم، و ربما يستظهر من ابن إدريس تقديم عادة النساء على التمييز، لكن المحكي من كلامه مضطرب، بل قيل: إنه لا يكاد يفهم.

و لو اختلفن أو فقدن اعتدت بالأشهر كفاقدة التمييز من المضطربة، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (4): «عدة المرأة التي لا تحيض و المستحاضة التي


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب العدد الحديث 2 أنه سأل أبا جعفر عليه السلام.» الا أن في الفقيه ج 3 ص 333 عن أبى عبد الله عليه السلام.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث 8.

ج 32، ص: 246

لا تطهر و الجارية التي قد يئست و لم تدرك المحيض ثلاثة أشهر»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر أبى بصير(1): «عدة التي لم تحض و المستحاضة التي لا تطهر ثلاثة أشهر»

و قد عدها أيضا في صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام ممن عدتها ثلاثة أشهر، بل في خبر موسى بن بكير عن زرارة(3)كون ذلك كالمفروغ منه. مؤيدا ذلك كله بالنصوص (4)الدالة على إبدال الأشهر عن الأقراء مع تعذرها، على أن يكون لكل شهر حيضة.

و من هنا لم يكن خلاف بين الأصحاب فيما أجد في اعتدادها بذلك و إن قالوا في كتاب الطهارة بتحيضها بالروايات (5)فيكون حكم العدة هنا مخالفا لما هناك، و لعله لمنافاة تخييرها بالروايات بين الثلاثة من شهر و عشر من آخر أو سبعة من كل شهر في أي مكان من الشهر شاءت، لانضباط العدة الظاهر من النص و الفتوى اعتباره.

لكن عن ابن إدريس أنه قال: «هنا(6)على قول من يقول بكون حيض هذه في كل شهر ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو سبعة أيام، ففي الثلاثة أشهر تحصل لها ثلاثة أطهار، فأما على قول من يقول بجعل عشرة أيام طهرا و عشرة حيضا فتكون عدتها أربعين يوما و لحظتين» و ظاهره وجود المخالف، و لكني لم أتحققه، بل فيه أنه لا يتعين على القول الأول الثلاثة أشهر، بل يكفي شهران و لحظتان.

و لو كانت لا تحيض إلا في ستة أشهر أو أربعة أو خمسة أو أزيد من ذلك أو أنقص و لو بعد كل ثلاثة أشهر اعتدت بالأشهر دون الأقراء بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام اتفاقا كما في الخلاف و السرائر، ل

خبر زرارة(7)


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 4 عن موسى بن بكر، عن زرارة.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب الحيض من كتاب الطهارة.
6- 6 و في السرائر« هذا» راجع ص 341 ط إيران.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 11.

ج 32، ص: 247

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التي لا تحيض إلا في ثلاث سنين أو في أربع سنين، قال: تعتد ثلاثة أشهر ثم تتزوج إن شاءت»

و خبر أبي بصير(1)عنه عليه السلام أيضا أنه قال: «في المرأة التي يطلقها زوجها و هي تحيض كل ثلاثة أشهر حيضة، فقال:

إذا انقضت ثلاثة أشهر انقضت عدتها، يحسب لها لكل شهر حيضة»

و خبر أبي مريم (2)عنه (عليه السلام) أيضا «عن الرجل كيف يطلق امرأته و هي تحيض في كل ثلاثة أشهر حيضة واحدة؟ قال: يطلقها تطليقة واحدة في غرة الشهر، فإذا انقضت ثلاثة أشهر من يوم طلاقها فقد بانت منه، و هو خاطب من الخطاب»

و منه يعلم كون المراد من حيضها في كل ثلاثة أشهر بعدها.

و في

صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: «في التي تحيض في كل ثلاثة أشهر مرة أو في ستة أو في سبعة أشهر، و المستحاضة، و التي لم تبلغ المحيض، و التي تحيض مرة و يرتفع مرة، و التي لا تطمع في الولد، و التي قد ارتفع حيضها و زعمت أنها لم تيأس، و التي ترى الصفرة من حيض ليس بمستقيم، فذكر أن عدة هؤلاء كلهن ثلاثة أشهر».

مضافا إلى ما دل (4)من الاعتداد بأسبق الأمرين: الأقراء أو الثلاثة أشهر، بناء على عدم اشتراط الاعتداد بالأشهر بوقوع الطلاق بعد ثلاثة أشهر بيض، لإطلاق النص (5)و الفتوى، فلو كانت لا تحيض إلا بعد ثلاثة و طلقت حيث بقي إلى حيضها شهر اعتدت بالأشهر أيضا و إن رأت الدم بعد شهر، لصدق ثلاثة أشهر بيض على ثلاث حيض، فإنه أعم من أن يكون بعد الطلاق من غير فصل أو مع الفصل، فتكون عدتها ثلاثة أشهر مع الحيض السابق و الطهر السابق عليه، و لا بعد


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 3 و 5.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 248

في اختلاف العدة باختلاف وقت الطلاق طولا و قصرا، بل هو واقع في المعتدة بالأقراء.

و إن أبيت إلا عن اعتبار اتصال أشهر البيض بالطلاق أمكن القول باختصاص ذلك في المسترابة، و محل الفرض ليس منها، بل هي تعتد بثلاثة أشهر و إن تخلل بينها دم، لإطلاق النصوص (1)المزبورة المعتضدة بالفتاوي، بل كأنه صريح المحكي في المسالك عن التحرير أو ظاهره و إن كنا لم نتحققه.

و على كل حال ما في

خبر الكناني (2)- «سألت الصادق (عليه السلام) عن التي تحيض كل ثلاثة أشهر مرة كيف تعتد؟ قال: تنتظر مثل قرئها التي كانت تحيض فيه على الاستقامة، فلتعتد ثلاثة قروء، ثم لتتزوج إن شاءت»

و عن التهذيب و الفقيه «سنين» بدل «أشهر» مثل خبري أبي بصير(3)و الغنوي (4)عنه (عليه السلام) أيضا- لم أجد عاملا به، فلا بأس بطرحه أو حمله على إرادة الكناية بذلك عن الأشهر، على معنى احتساب كل شهر بحيضة، كما أومى إليه في خبر أبي بصير(5)السابق، بل لعل حكمة الاكتفاء بالاعتداد بثلاثة أشهر عن الأقراء ذلك.

و متى طلقت في أول الهلال بأن انطبق آخر لفظ الطلاق مع الغروب ليلة الهلال اعتدت بثلاثة أشهر أهلة بلا خلاف بل و لا إشكال، لانصراف

الشهر إلى الهلالي في عرف الشرع، بل و في العرف العام، بل قد سمعت التصريح بذلك في خبر أبي مريم (6)السابق، نعم قد يقال: يصدق الطلاق في غرة الشهر بأوسع من التقدير المزبور الذي لا يكاد يمكن تحققه في الخارج، و حينئذ فيتسامح بمقدار زمان وقوع صيغة الطلاق و نحوه في صدق الثلاثة.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 10 راجع التهذيب ج 8 ص 122 و الفقيه ج 3 ص 332.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث- 14.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث- 19.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث- 2.
6- 6 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 3.

ج 32، ص: 249

و كيف كان ف لو طلقت في أثنائه اعتدت بهلالين لتمكنها منهما، و قد عرفت كون الشهر حقيقة فيهما و أخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الأول ليتحقق صدق الثلاثة الأهلة عرفا و لو لكون ذلك أقرب المجازات إلى الحقيقة و قيل تكمله ثلاثين لإمكان الهلالية في الشهرين و تعذره في الباقي، فينصرف إلى العددي و هو الأشبه عند المصنف.

و لكن فيه ما لا يخفى كالقول باعتبار العددي في الجميع، لأنه يكمل الأول من الثاني فينكسر، و يكمل من الثالث فينكسر، فيكمل من الرابع.

و كذا احتمال تلفيق ما نقص من الأول بمقداره من الأخر، بمعنى أنه لو فرض وقوعه في النصف من الأول لو حظ النصف من الأخر، و مقتضاه حينئذ تلفيق شهر تكون أيامه ثلاثين يوما إلا نصف يوم، و هو خارج عن الهلالي و العددي، فالأقوى ما ذكرناه أولا، و ذلك لأن الشهر حقيقة فيما بين الهلالين مجاز في غيره، و لا يقدح اختلاف مصداقه بالتسعة و عشرين تارة و

الثلاثين أخرى عرفا في جميع الآجال من غير فرق بين البيع و غيره، و مع تعذر الحقيقة فأقرب المجازات إليها التلفيق بما ذكرناه.

و بذلك يعرف الحال في جميع أفراد المسألة، إذ هي غير خاصة في المقام، بل لعل السنة كذلك أيضا، فإنها حقيقة في الأنثى عشر شهرا هلاليا، و تلفيقها بما ذكرنا إلا أن تقوم القرينة على إرادة غير ذلك.

[تفريع لو ارتابت بالحمل بعد انقضاء العدة و النكاح لم يبطل]

تفريع:

لو ارتابت بالحمل لحركة أو ثقل أو نحوهما بعد انقضاء العدة و النكاح لم يبطل النكاح، للأصل بل الأصول، بل ظاهر

حسن محمد بن حكيم (1)عن العبد الصالح (عليه السلام) عدم اعتبار الريبة بعد الثلاثة أشهر، قال: «قلت له: المرأة


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 4.

ج 32، ص: 250

الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها فيرتفع طمثها ما عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر، قلت: جعلت فداك فإنها تزوجت بعد ثلاثة أشهر فتبين لها بعد ما دخلت على زوجها أنها حامل، قال: هيهات من ذلك يا ابن حكيم، رفع الطمث ضربان: إما فساد من حيضة فقد حل لها

الأزواج و ليس بحامل، و إما حامل فهو يستبين بثلاثة أشهر، لأن الله تعالى قد جعله وقتا يستبين فيه الحمل، قال: قلت: فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ارتابت بعد تسعة أشهر، قال: إنما الحمل تسعة أشهر، قلت: تتزوج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت:

فإنها ارتابت بعد ثلاثة أشهر، قال: ليس عليها ريبة تتزوج»

الخبر.

و كذا يجوز لها التزويج، للأصل و غيره لو حدثت الريبة بعد العدة و قبل النكاح و لا ينافي ذلك ما في ذيل الحسن السابق (1)

و موثقه الآخر (2)«قلت له: المرأة الشابة التي يحيض مثلها يطلقها زوجها و يرتفع حيضها كم عدتها؟

قال: ثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد التسعة أشهر، قال: إنما الحبل تسعة أشهر، قلت: تتزوج؟ قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت بعد الثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تتزوج إن شاءت»

بعد التنزيل على الأولوية و الاحتياط، أو على استبانة الحمل لها بعد الثلاثة، على أن الأخير منهما مشتمل على دعواها الحمل نحو

خبره الثالث(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أو أبي الحسن عليهما السلام «قلت له: رجل طلق امرأته فلما مضت عليها ثلاثة أشهر ادعت حبلا، قال:

ينتظر بها تسعة أشهر، قال: قلت: فإنها ادعت بعد ذلك حبلا فقال: هيهات هيهات هيهات، إنما يرتفع الطمث من ضربين: إما حمل بين و إما فساد من الطمث، و لكنها تحتاط بثلاثة أشهر بعد»

و هو غير ما نحن فيه من الاسترابة، ضرورة


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 5.

ج 32، ص: 251

أنه لا إشكال في تربصها تسعة مع دعواها الحمل، فإنها مكلفة بالاعتداد، و الفرض أنها بزعمها من ذوات الأحمال، كما ستسمع الكلام فيه.

أما لو ارتابت به قبل انقضاء العدة لم يجز لها أن تنكح عند الشيخ، و مال إليه المحدث البحراني، بل هو خيرة الفاضل في التحرير و المختلف و لو انقضت العدة لحصول الشك في الحقيقة في انقضائها و في براءة الرحم، و لابتناء النكاح على الاحتياط، و

حسن ابن عبد الرحمن بن الحجاج أو صحيحه (1)، عن الكاظم (عليه السلام) «سمعت أبا إبراهيم (عليه السلام) يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظرت تسعة أشهر، فإن ولدت و إلا اعتدت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه».

و لكن مع ذلك لو قيل بالجواز ما لم يتيقن الحمل كان حسنا بل في القواعد «هو الأقرب» لانقضاء العدة شرعا و أصل انتفاء الحمل المؤيد بما عرفت، فيحمل ما سمعته في النصوص السابقة على الندب، نحو الأمر بالاحتياط بالثلاثة بعد التسعة.

على أن الصحيح المزبور و خبري ابن حكيم الأخيرين في دعوى الحبل، و قد عرفت خروجه عن مفروض المسألة، و أما الأول فظاهر سؤاله أنها تبينت الحمل بعد الثلاثة و بعد الدخول على زوجها، مع أن الامام (عليه السلام) أجابه بعدم العبرة بهذا التبين و إن كان بعد ذلك متصلا به ذكر التربص تسعة أشهر بالريبة بعد الثلاث. و منه يعلم اضطراب الرواية و لا بد من حمل الأخير فيها على ضرب من الندب، كالأمر بالاحتياط فيها ثلاثة أشهر.

و على كل حال هي غير ما ذكره الشيخ الذي مبناه على الظاهر و عروض الارتياب لها في أثناء العدة، فيستصحب حالها إلى انقضاء عدة الحامل، و لو لأنها من شبهة


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 1 عن عبد الرحمن بن الحجاج.

ج 32، ص: 252

الموضوع، بخلاف الذي تزوجت و جرى أصل الصحة على العقد المتعلق بغيرها، بل و كذا من انقضت عدتها من دون استرابة التي حكم بظاهر الأدلة بخروجها منها.

و فيه (أولا) مع كون المشكوك في أنه من أفراد الخاص أو العام من شبهة الموضوع، كما حققنا في محله. و (ثانيا) أن عدم الحمل المستصحب في خصوص الامرأة المشكوك في حالها كاف في الحكم شرعا بعدم كونها من أفراد الخاص، و في بقاء حكم العام عليها، و الاحتياط إنما هو من الأمور المستحبة حتى في الصورتين اللتين وافقنا الشيخ على الحكم فيهما، كما هو واضح.

و كيف كان ف على سائر التقديرات إذا ظهر حمل بطل النكاح الثاني، لتحقق وقوعه في العدة التي هي وضع الحمل دون الأقراء و الثلاثة، فإنها أمارة في الظاهر لا تعارض الواقع بعد فرض حصوله، كما هو واضح، و الله العالم.

[الفصل الرابع في عدة الحامل]
اشارة

الفصل الرابع في عدة الحامل و لا ريب في أنها هي و لو كانت أمة تعتد بالطلاق بوضعه و لو بعد الطلاق بلا فصل كتابا(1)و سنة(2)مستفيضة أو متواترة، قد سبق جملة منها في طلاق الحامل و يأتي في أثناء البحث أيضا، و إجماعا بقسميه، بل ظاهر الأولين كون ذلك عدتها دون الأقراء و الأشهر، كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا و إن كان الصدوق و ابن حمزة على اعتدادها بأقرب الأجلين منهما


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 253

و من الوضع، بل ظاهر المرتضى و ابن إدريس وجود مخالف غيرهما و إن كنا لم نتحققه.

و كيف كان فقد ذكروا له

خبر أبي الصباح (1)عن الصادق (عليه السلام) «طلاق الحامل واحدة و عدتها أقرب الأجلين»

و صحيحا الحلبي (2)و

أبي بصير(3)عنه (عليه السلام) أيضا «طلاق الحبلى واحدة و أجلها أن تضع حملها، و هو أقرب الأجلين»

و قالوا:

إنه قاصر عن معارضة غيره من الكتاب (4)و السنة(5)من وجوه، سيما بعد احتماله إرادة أن وضع الحمل أقرب العدتين باعتبار إمكان حصوله بعد الطلاق بلحظة، بل لعله ظاهر الأخيرين الذي ينبغي حمل الأول عليه، ضرورة أنه لا وجه للحكم بكونه كذلك إلا ما ذكرنا، و هو غير الاعتداد بأقرب الأجلين، و عدم قابلية عبارة الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)(6)للتأويل المزبور غير قادح، لقصوره أيضا، مع عدم تحقق النسبة المزبورة، بل من القوي كونه من تصانيف الصدوق رحمه الله و إن أرسل فيه عن الرضا (عليه السلام) ما يوهم كونه له.

هذا و لكن الانصاف عدم خلو قوله من قوة، ضرورة كونه مقتضى الجمع بين الأدلة كتابا(7)و سنة، إذ منها ما دل (8)على اعتداد المطلقة بالثلاثة، و منها ما دل (9)على اعتداد الحامل مطلقة كانت أو غيرها بالوضع، فيكون أيهما

سبق يحصل به الاعتداد، نحو ما سمعته في الثلاثة أشهر و الأقراء، بعد القطع بعدم احتمال كون كل منهما عدة في الطلاق كي يتوجه الاعتداد حينئذ بأبعدهما.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد.
6- 6 المستدرك الباب- 9- من أبواب العدد الحديث 1.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 228 و سورة الطلاق: 65- الآية 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 12- من أبواب العدد.
9- 9 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 254

و أما الصحيحان فالمراد منهما الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين، فالجملة حالية، فيوافقان الخبر الأول بل جعلها مستأنفة لا حاصل له، ضرورة كون الموجود في الخارج منه كلا من الأقرب و الأبعد، إذ كما يمكن الوضع بعد لحظة يمكن تأخره تسعة، بل يمكن القطع بفساد إرادة ذلك منهما، و كأن هذا هو الذي دعى المتأخرين إلى الإطناب بفساد قول الصدوق «ره»، و أنه في غاية الضعف، إلا أن الإنصاف خلافه، بل إن كان منشأ الشهرة هذا التوهم الفاسد من الصحيحين كان قولهم بمكانة من الضعف، ضرورة عدم المعارض إلا إطلاقات لا تصلح مقابلة للتصريح المصرح به في المعتبر من النصوص المتعددة، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا فرق في اعتدادها بذلك سواء كان تاما أو غير تام و لو كان علقة بعد أن يتحقق أنه حمل يندرج في إطلاق الكتاب (1)و السنة

قال ابن الحجاج في الموثق (2): «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الحبلى إذا طلقها

زوجها فوضعت سقطا تم أو لم يتم أو وضعته مضغة، قال: كل شي ء يستبين أنه حمل تم أو لم يتم فقد انقضت عدتها و إن كان مضغة».

و ربما ظهر منه أن أقل ما يتحقق به الحمل المضغة، كما عن ابن الجنيد التصريح به، فلا عبرة بالنطفة مع عدم استقرارها إجماعا بقسميه، بل و معه، و إن قال في المسالك: «فيه وجهان، من الشك في كونه قد صار حملا» لكن من المعلوم عدم العبرة به مع الشك في كونه حملا، ضرورة عدم تحقق الاندراج في أولات الأحمال».

و من الغريب ما حكاه فيها من إطلاق الشيخ انقضاء العدة بالنطفة، بل في كشف اللثام أنه خيرة التحرير و الجامع، لعموم النصوص (3)ثم قال فيها أيضا: «و الوجهان آتيان في العلقة، و هي القطعة من الدم التي لا تخطيط فيها- بل قال-: إنه وافق


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 255

المصنف و جماعة الشيخ عليها، و هو قريب مع العلم بأنها مبدأ نشوء آدمي و إلا فلا».

و فيه أنه لا ريب في كونها مبدأ آدمي، إذ هي كما عن بعض كتب أهل اللغة الدم الجامد المتكون من النطفة، إنما الكلام في صدق الحمل عرفا و إلا فلا ريب في أن النطفة مبدأ نشوء آدمي، و لذلك اكتفى بها من عرفت، و لا ينافي ذلك احتساب أقصى الحمل من حين الوطء، فإنه لا يقتضي صدقه عرفا بذلك.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك أيضا من أنه «إذا لم تظهر الصورة و التخطيط لكل واحدة من المضغة و العلقة و لكن قالت القوابل و أهل الخبرة من النساء أن فيه صورة خفية، و هي بينة لنا و إن خفيت على غيرنا حكم بانقضاء العدة و إثبات النسب و سائر الأحكام بذلك، و لو لم تكن فيه صورة ظاهرة و لا خفية تعرفها القوابل و لكن قلن: إنه أصل لادمي، و لو بقي لتصور و تخلق ففي الاكتفاء به قولان، و يظهر من المصنف الاكتفاء به، كما قطع به الشيخ لعموم الآية(1)و خصوص خبر ابن الحجاج(2)».

و فيه- بعد الإغضاء عن الدليل على قبول شهادة القوابل هنا في ذلك، خصوصا بعد أن لم يذكروه في كتاب الشهادات مما تقبل فيه شهادة النساء منفردات- ما قد عرفت من احتمال كون المدار على صدق الحمل عرفا، لا أنه نشوء آدمي، بل من المحتمل إرادة المصنف و من عبر كعبارته ذلك أيضا.

نعم هو ظاهر التحرير قال: «لا فرق بين أن يكون الحمل تاما أو غير تام بعد أن يعلم أنه حمل و إن كان علقة، سواء ظهر فيه خلق آدمي من عينين أو ظفر أو يد أو رجل أو لم يظهر لكن تقول القوابل: إن فيه تخطيطا باطنا لا يعرفه إلا أهل الصنعة، أو تلقي دما متجسدا (مستجسدا خ ل) ليس فيه تخطيط ظاهر و لا باطن، لكن تشهد القوابل أنه مبدأ خلق آدمي، لو بقي لتخلق و تصور، أما لو ألقت نطفة أو علقة انقضت بها العدة».


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 256

و ظاهره عدم اشتراطه في النطفة و العلقة العلم أو الظن بكونها مبدأ نشوء آدمي، و هو ظاهر المبسوط، و لعل الوجه فيه أن النطفة مبدأ مطلقا شرعا، و أن العلقة إنما أريد بها الدم الجامد المتكون من النطفة كما فسرت به في بعض كتب اللغة، و ظاهر أنه مبدأ له البتة، و عبر عن الدم الجامد الذي لا يعلم تكونه من النطفة بالدم المتجسد الخالي عن التخطيط.

قلت: قد عرفت أن المدار على صدق الحمل عرفا، لا كونه نشوء آدمي، فإنه أعم من ذلك، و هذا هو الوجه في تقييد المصنف و غيره بذلك، بل لعل الخبر(1)المزبور كذلك، لا أقل من الشك في صدق الحمل بالمفروض، و قد صرح المصنف و غيره بعدم العبرة به و قد عرفت وجهه، بل الظاهر عدم العبرة بظن أنه حمل فضلا عن الشك، لاعتبار العلم في مصاديق الألفاظ.

لكن في القواعد «الشرط الثاني: وضع ما يحكم بأنه حمل علما أو ظنا، فلا عبرة بما يشك فيه» و شرحها في كشف اللثام «أي مستقر في الرحم آدمي أو مبدأ له، علما و هو ظاهر أو ظنا لقيامه مقام العلم في الشرع إذا تعذر العلم، و لأنها إذا علقت دخلت في أولات الأحمال، و ربما أسقطت، فان لم يعتبر الظن لم يكن أجلها الوضع، فلا عبرة بما يشك فيه

اتفاقا، إذ لا عبرة بمجرد الاحتمال مع مخالفة الأصل».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل دعوى قيام الظن بأنه حمل مقام العلم واضحة المنع، و يمكن أن يريد الفاضل الظن المخصوص الناشئ من شهادة القوابل كما سمعته منه في التحرير، و إن كان فيه ما عرفت أيضا من عدم الدليل على قبول شهادتهن بذلك.

و أما الوضع فالمرجع فيه الصدق عرفا، فلا يصدق على خروج البعض متصلا أو منفصلا و لو المعظم إلا ما لا ينافي صدق وضعه عرفا من تخلف بعض الأجزاء، و هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 257

كوضوح اعتبار وضعه ملحقا شرعا بذي العدة، من المطلق أو الفاسخ أو غيرهما، أو محتملا أنه منه لكونها فراشا و إن انتفى باللعان، بناء على عدم انتفاء نسبه منه به و إن انتفت أحكام الولد شرعا منه، فلا عبرة بوضع الحمل غير ملحق به شرعا، كما لو كان الزوج بعيدا عنها بحيث لا يحتمل تولده منه.

و لا تنقضي به عدة بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في كشف اللثام، إذ الاعتداد به إنما هو لبراءة الرحم، و لا مدخل لبراءته من ولد غير المطلق في انقضاء عدتها منه، و الكتاب (1)و السنة(2)و إن عما إلا أن

المنساق كون الحمل ممن له العدة، فيبقى نصوص (3)الاعتداد بالأقراء و الأشهر على حالها، بل لعل ما تسمعه من ما دل على عدم الاجتزاء بوضعه لو كان من زنا في عدة الطلاق ظاهر فيما ذكرناه.

و حينئذ فلو أتت زوجة البالغ الحاضر بولد لدون ستة أشهر من الدخول لم يلحقه، فلا يعتبر وضعه في العدة، فإن ادعت أنه وطأها قبل العقد للشبهة و لم يصدقها لم تعتد به على الأقوى و إن احتمل كونه منه، لكنه منفي عنه شرعا، لانتفاء الفراش، و لا عبرة بالاحتمال ما لم يستند إلى سبب شرعي بخلاف المنفي باللعان، فان النسب له ثابت بأصل الشرع بالفراش، نعم لو صدقها انقضت العدة به بلا إشكال، و لو طلقت فادعت الحمل صبر عليها أقصى الحمل، و هو تسعة أشهر من حين الوطء، لأنها بزعمها حينئذ من أولات الأحمال الواجب عليهن الاعتداد بذلك ثم لا تقبل دعواها للعلم ببطلانها حينئذ. و في رواية أن أقصى الحمل سنة و ليست مشهورة كما عرفته في محله.

إلا أنك قد سمعت هناك اختيار المصنف كونه عشرة لا تسعة، كما أنك قد


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل- الباب- 4 و 12- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 258

سمعت النصوص (1)السابقة الإمرة بصيرها تسعة، و في بعضها(2)أنها الأقصى، لكن تضمنت الأمر باحتياطها ثلاثة أشهر مع ذلك، و حينئذ تكون

سنة و يمكن إرادة المصنف الإشارة إليها، بل في القواعد هنا «صبر عليها أقصى الحمل، و هو سنة» مع أن مختاره فيها خلاف ذلك، مضافا إلى عدم إشارة في النصوص المزبور أن أقصى الحمل سنة، بل فيها ما ينافي ذلك، و من هنا قد اختار جماعة العمل بها تعبدا و إن لم يكن الأقصى، بعد تنزيل الأمر حتى ما كان بلفظ الاحتياط على الوجوب الذي هو حقيقته.

و لكن فيه ما لا يخفى من البعد عن القواعد الشرعية، إذ الفرض انحصار الارتياب فيها بالحمل المفروض كون أقصاه التسعة التي بمرورها قد علم انتفائه، فتكتفي بالثلاثة الأشهر التي في ضمنها عدة لها، بل المتجه حينئذ ظهور عدم كون ما زاد عليها عدة، إذ احتمال كونها عدة لها من حيث الارتياب و دعواها الحمل و إن بان خلافه كما ترى.

و أحسن شي ء تحمل عليه هذه النصوص تفاوت مراتب الأقصى، ففي الغالب عدم تأخره عن التسعة، و بذلك حده الشارع في جملة من الأحكام، و ربما بلغ السنة، لكنه من الأفراد النادرة التي لا تنافي إجراء الأحكام على التسعة، و لكن لا بأس بالاحتياط له في نحو المقام، لشدة الأمر في الفروج.

بل لعل رواية عمار(3)السابقة تقتضي خمسة عشر شهرا. و هذا و إن كان منافيا لما ذكرناه سابقا في كتاب النكاح لكن لا بأس بالقول به هنا، للنصوص (4)المزبورة المعمول بها، خصوصا بعد حمل الأمر بالاحتياط فيها بالثلاثة على الندب الذي يتسامح فيه، بل

ربما كان في لفظ الاحتياط إشعار به، بل أحوط منه الانتظار بها خمسة عشر شهرا لخبر عمار(5)السابق.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب العدد الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب العدد.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 259

و بالجملة لا ملحوظ في المقام إلا احتمال الحمل الذي ينبغي الاحتياط فيه بالصبر إلى زمان الطمأنينة بعدمه، لأن أمر الأنساب شديد.

و لو كان حملها اثنين مثلا بانت ب وضع الأول و إن كان لم تنكح إلا بعد وضع الأخير كما عن النهاية و ابني حمزة و البراج، ل

خبر عبد الرحمن (1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل طلق امرأته و هي حبلى و كان ما في بطنها اثنان فوضعت واحدا و بقي واحد، قال: تبين بالأول، و لا تحل للأزواج حتى تضع ما في بطنها»

و لأن الحمل صادق على الواحد، فيصدق الوضع بوضعه، و لأنه لا ريب في أنه كذلك حالة الانفراد فكذا عند الاجتماع، للاستصحاب.

و عن أبي على إطلاق انقضاء العدة بوضع أحدهما، و يمكن تنزيله على ما سمعته من الشيخ للخبر المزبور المؤيد بالاحتياط بالنسبة إلى ذلك، للشك في صدق الوضع بوضع أحدهما.

و لكن مع ذلك الأشبه وفاقا للفاضل و محكي الخلاف و المبسوط و متشابه القرآن لابن شهرآشوب و غيرهم أنها لا تبين إلا بوضع

الجميع الذي هو مصداق حملهن، فلا يصدق بوضع بعضه، و كون الواحد حملا لا يقتضي صدق وضع حملهن، نعم لو لم يكن غيره صدق ذلك.

و به ظهر الفرق بين حالي التعدد و الاتحاد، و أنه لا وجه للاستصحاب، بل أصالة البقاء على العدة تقتضي خلافه، مضافا إلى معلومية كون العدة لاستبراء الرحم من ولد مشكوك فضلا عن المعلوم، و الخبر المزبور لا جابر لضعفه، و يمكن تنزيله على عدم معلومية وجود الثاني حال الطلاق، لإمكان انعقاده على وجه يكون حملا بعد الطلاق و إن سبق الوطء عليه، كما لو وطأها حاملا ثم طلقها بعد الوطء بلا فصل، لأن المعتبر في انقضاء العدة بوضع التوأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر و لو بلحظة، ليعلم وجودهما حين الطلاق، لكونها أدنى الحمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 260

و حينئذ فلو ولدت الثاني لستة أشهر فصاعدا فهو حمل آخر لا يرتبط بحكم الأول الذي قد تحقق وجوده حال الطلاق بوضعه تاما لدون الستة أشهر بخلافه، فتنقضي عدتها حينئذ بوضع الأول، نعم في المسالك «في جواز تزويجها قبل وضع الثاني مع كونه لا حقا بالأول نظر، من الحكم بالبينونة المجوزة للتزويج، و من إمكان اختلاط النسب حيث تلده لوقت يحتمل كونه لهما» و فيه أنه لا اختلاط بعد فرض العلم بكونه للأول و كونه متأخر الانعقاد، و إلا فللثاني لكن بناء على تنزيل الخبر على ما عرفت يكون هو الدليل مع فرض صلاحيته لذلك، و إن كان المتجه الجواز.

و قد تسامح الفاضل في القواعد بقوله: «و أقصى مدة بين التوأمين ستة أشهر» و ذلك لما عرفت من كون المعتبر في كونهما توأمين ولادتهما لأقل من ستة أشهر، كما عن التحرير التعبير بذلك، اللهم إلا أن يكون مبنى كلامه على التسامح في التعبير بمثل ذلك، كما اعترف به في كشف اللثام، و قال: «إن مثله غير عزيز في كلامهم» فتأمل جيدا.

و لو طلق الحائل طلاقا رجعيا ثم مات في العدة استأنفت عدة الوفاة بلا خلاف كما عن المبسوط، بل هو كذلك فيما أجد في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المستفيضة أو المتواترة.

ففي

مرسل جميل بن دراج (1)عن أحدهما عليهما السلام «في رجل طلق امرأته طلاقا يملك فيه الرجعة ثم مات عنها، قال: تعتد بأبعد الأجلين أربعة أشهر و عشرا».

و خبر هشام بن سالم (2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل كانت تحته امرأة فطلقها ثم مات قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بأبعد الأجلين: عدة المتوفى عنها زوجها».

و خبر محمد بن قيس (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: أيما امرأة طلقت ثم توفي عنها زوجها قبل أن تنقضي عدتها و لم تحرم عليه فإنها ترثه، ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 3.

ج 32، ص: 261

تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن توفت و هي في عدتها و لم تحرم عليه فإنه يرثها»

الحديث.

و خبر سماعة(1)«سألته عن رجل طلق امرأته، ثم إنه مات قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و لها الميراث».

و خبر محمد(2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل طلق امرأته تطليقة على طهر، ثم توفي عنها و هي في عدتها، قال: ترثه ثم تعتد عدة المتوفى عنها زوجها، و إن ماتت قبل انقضاء العدة منه ورثها و ورثته»

إلى غير ذلك.

مضافا إلى ما دل (3)على أنها بحكم الزوجة الشامل للمقام، فيشملها حينئذ عموم الآية(4)و غيره. و إلى أصالة بقائها في العدة و غيرها، بل لا إشكال في شي ء من ذلك على تقدير زيادة عدة الوفاة على عدة الطلاق.

أما لو انعكس كعدة المسترابة ففي الاجتزاء فيها بعدة الوفاة أي الأربعة أشهر و عشرا أو مع المدة التي يظهر فيها عدم الحمل أو وجوب إكمال عدة المطلقة بثلاثة أشهر بعد التسعة أو السنة أو وجوب أربعة أشهر و عشر بعدها أوجه، أقواها الأول لإطلاق الأدلة المزبورة

التي مقتضاها اندراجها في المتوفى عنها زوجها، و بطلان حكم الطلاق بالنسبة إلى ذلك، و لا ينافيه وصفها بأبعد الأجلين المنزل على الغالب فلا يعارض إطلاق غيره من النصوص المتروك فيه الوصف المزبور فيكتفى بها حينئذ ما لم يظهر الحمل لأصل العدم، و إلا اعتدت بأبعد الأجلين من وضعه و من الأربعة أشهر و عشر، كالحامل غير المطلقة.


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 5 من كتاب المواريث.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 13- منها الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11 و الباب 18 و 20 و 21 من أبواب العدد.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 234.

ج 32، ص: 262

و دعوى أن انتقالها إلى عدة الوفاة انتقال إلى الأقوى و الأشد، فلا يكون سببا في الأضعف كما ترى مجرد استحسان لا يصلح دليلا للحكم، كدعوى أن التربص بها مدة يظهر فيها عدم الحمل لا تحسب من العدة، و إنما تعتبر بعدها و من ثم وجب للطلاق ثلاثة أشهر بعدها، فتجب للوفاة أربعة أشهر و عشرا التي هي أبعد الأجلين، إذ هي كما ترى أيضا مناف لما تقدم سابقا من كون الجميع عدة، على أن احتمال ذلك مخصوص في الطلاق بخلاف المقام الذي انقلبت فيه العدة إلى عدة الوفاة.

و أغرب من ذلك معارضة النصوص المزبورة بما دل على عدة المسترابة التي لا ينافيها ما هنا، إذ أقصاه تربص الأربعة أشهر و عشرا من غير منع الزائد، و قد عرفت أنها منحصرة في خبري سورة(1)و عمار(2)و هما مع الإعراض عن الثاني منهما غير شاملين للفرض قطعا.

و أغرب منه ما في المسالك حيث إنه بعد أن ذكر الأوجه المزبورة قال: «و الحق الاقتصار في الحكم المخالف للأصل على مورده، و الرجوع في غيره إلى ما تقتضيه الأدلة، و غايتها هنا التربص بها إلى أبعد الأجلين من الأربعة أشهر و عشر، و المدة التي يظهر فيها عدم الحمل، و لا يحتاج بعدها إلى أمر آخر، و دعوى الانتقال هنا إلى الأقوى مطلقا ممنوع، و إنما الثابت الانتقال إلى عدة الوفاة كيف اتفق» ضرورة أن المتجه مع فرض كون الثابت ذلك عدم زيادة المدة المزبورة عليها، لما عرفت من أن الأصل عدم الحمل، و مجرد احتماله لا يجدي في وجوب التربص عليها، كما هو واضح، بل ستعرف عدم وجوب ذلك في المطلقة مع فرض حصول عدتها الأقراء أو الأشهر فضلا عنها، هذا كله في الطلاق الرجعي.

و أما لو كان بائنا اقتصرت على إتمام عدة الطلاق بلا خلاف أجده فيه، لأنها أجنبية، فهي على استصحاب عدتها غير مندرجة في الآية(3)و الرواية(4)


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 234.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 263

و إن ورثت، كما لو طلقها في مرض الموت، و

خبر علي بن إبراهيم عن بعض أصحابنا(1)«في المطلقة البائنة إذا توفي عنها زوجها و هي في عدتها، قال: تعتد بأبعد الأجلين»

متروك، للقطع و الإرسال، فلا يصلح معارضا للأصل فضلا عن المفهوم في النصوص السابقة، أو

محمول على الندب، بل في كشف اللثام «الظاهر إنه رأي رآه بعض الأصحاب حكاه عنه علي بن إبراهيم».

[فروع]
[الأول لو حملت من زنا ثم طلقها الزوج اعتدت بالأشهر]

الأول:

لو حملت من زنا ثم طلقها الزوج اعتدت ب السابق من الأشهر و الأقراء، كما لو لم يكن زنا، لا بالوضع الذي قد عرفت سابقا اعتبار كون الموضوع لذي العدة في الاعتداد به، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا في أن لها التزويج حينئذ بعد انقضاء العدة، لعدم العدة لها بوضعه، و كذا لو لم تكن ذات بعل و كانت حاملة من زنا.

نعم لو لم تحمل فعن الفاضل في التحرير أن عليها العدة حينئذ، و في المسالك «لا بأس به حذرا من اختلاط المياه و تشويش الأنساب» بل في الحدائق اختياره ل

خبر إسحاق بن جرير(2)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «قلت له: الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور،»

و خبر علي بن شعبة المروي عن تحف العقول (3)عن أبى جعفر الثاني (عليه السلام) «إنه سئل عن رجل نكح امرأة على زنا أ يحل له أن يتزوجها؟ فقال: يدعها حتى


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب العدد الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 264

يستبرئها من نطفته و نطفة غيره، إذ لا يؤمن منها أن يكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه، ثم يتزوج بها إذا أراد».

مؤيدين بإطلاق ما دل (1)على العدة بالدخول و الماء، و إن الحكمة فيها اختلاط الأنساب.

لكن فيه (أولا) أن بعض الأدلة المزبورة تقتضي وجوب العدة في غير محل الفرض الذي لا عدة فيه إجماعا، و الخصم لا يخالف فيه. و (ثانيا) أن الخبر الثاني ظاهر في عدم العدة عليه و لو علم عدم زنا غيره بها بخلاف الأول، مضافا إلى عدم اختلاط الأنساب بذلك، ضرورة أنه مع الدخول بها و احتمال كون الولد منه الحق به لكون

«الولد للفراش و للعاهر الحجر»(2)

و إلا فهو لغيره، فلا يبعد حمل الخبرين على ضرب من الندب، خصوصا بعد إطلاق ما دل (3)على جواز التزويج بالزانية على كراهة، و غيره.

و لو وطئت المرأة شبهة و الحق الولد بالواطي لبعد الزوج عنها و نحوه مما يعلم به عدم كونه له ثم طلقها الزوج اعتدت بالوضع من الواطئ ثم استأنفت عدة الطلاق بعد الوضع فلو فرض تأخر دم النفاس عنه لحظة حسب قرءا من العدة الثانية، و إلا كان ابتداء العدة بعده، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و لا إشكال.

بل لو فرض تأخر الوطء المزبور عن الطلاق كان الحكم كذلك أيضا، لعدم إمكان تأخير عدته التي هي وضع الحمل، فليس حينئذ إلا تأخير إكمال عدة الطلاق، بعد فرض عدم التداخل بين العدتين- كما هو المشهور- إذا كانتا لشخصين، بل عن الخلاف الإجماع عليه.

بل

عن طبريات المرتضى «أن امرأة نكحت في العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين عليه السلام (4)و قال: «أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 12 و 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
4- 4 لم نعثر عليه في الجوامع من الوسائل و المستدرك و البحار و غيرها و المسائل الطبرية للسيد المرتضى قده مخطوط، نسخة منها في مكتبة« مشهد» على ما نقل عن بروكلمان و الكنتورى في كشف الحجب.

ج 32، ص: 265

تزوجها فإنها تعتد من الأول، و لا عدة عليها للثاني، و كان خاطبا من الخطاب، و إن كان دخل بها فرق بينهما، و تأتي ببقية العدة عن الأول ثم تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة»

و روي مثل ذلك بعينه عن عمر(1)و «أن طليحة كانت تحت رشيد الثقفي فطلقها، فنكحت في العدة، فضربها عمر، و ضرب زوجها بمخفقة، و فرق بينهما، ثم قال: أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد عن الأول، و لا عدة عليها للثاني، و كان خاطبا من الخطاب، و إن كان دخل بها فرق بينهما، و أتت ببقية عدة الأول، ثم تعتد عن الثاني، و لا تحل له أبدا»

و لم يظهر خلاف لما فعل فصار إجماعا» انتهى.

مضافا إلى الأصل و

حسن الحلبي (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع و تتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا، فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا، و اعتدت بما بقي عليها من الأول، و هو خاطب من الخطاب»

و نحوه عن عبد الكريم، عن محمد بن مسلم (3).

فما عن أبي علي و الصدوق و في المحكي عن موضع من مقنعه من التداخل- لأصالة البراءة المقطوعة بما عرفت، و حصول العلم بالبراءة بالاعتداد بأطولهما الذي لا ينافي مشروعيتها للتعبد، كما في كثير من أفرادها، و

صحيح زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام) «في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها؟ قال: يفرق بينهما، و تعتد عدة واحدة منهما جميعا»

و نحوه صحيح أبي العباس (5)عن الصادق (عليه السلام)،


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 441.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 من كتاب النكاح و في الجواهر سقط و الحديث هكذا « و اعتدت بما بقي من الأول، و استقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء، و ان لم يكن دخل بها فرق بينهما و اعتدت بما بقي عليها من الأول و هو خاطب من الخطاب».
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 من كتاب النكاح.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 266

و خبر زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) أيضا «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا بثلاثة أشهر عدة واحدة»

التي حملها الشيخ على عدم دخول الثاني بها، الذي يمكن إرادته من

قوله (عليه السلام) فيها «تعتد منهما»

على معنى أنه لا عدة للثاني منهما- و إن كان بعيدا لكن لا بأس به بعد رجحان الأول عليه من وجوه.

نعم لو كان الاشتباه من المطلق نفسه مثلا اتجه التداخل، وفاقا للفاضلين بأن تستأنف عدة كاملة للأخير و اجتزأت بها، لأنهما إنما تعلقتا بواحد، و الموجب لهما حقيقة إنما هو الوطء، و إذا استأنفت عدة كاملة ظهرت براءة الرحم، و لا ينافي ذلك إطلاق الأكثر إطلاق عدم تداخل العدتين بعد انسياق التعدد منه.

و حينئذ فلو وقع الوطء شبهة مثلا في القرء الأول أو الثاني أو الثالث فالباقي من العدة الأولى يحسب للعدتين ثم تكمل الثانية.

و كذا لو وطأ امرأة شبهة ثم وطأها شبهة أيضا في أثناء عدتها، بل هي أولى بالتداخل المزبور من الأول، و لا فرق في ذلك بين كون العدتين من جنس واحد أو من جنسين، بأن تكون إحداهما مثلا بالأقراء و الأخرى بالحمل، خلافا للمحكي عن العامة من عدم التداخل في وجه مع اختلاف الجنس.

و كيف كان فوقت الاعتداد من الشبهة آخر وطئه لا وقت الانجلاء، لأن المراد حصول العلم ببراءة رحمها من ذلك الوطء الذي هو في الحقيقة موجب للعدة لا غيره و إن كان عقدا فاسدا، و دعوى أن الشبهة لما كانت بمنزلة النكاح الصحيح كان الانجلاء بمنزلة الفراق فتكون العدة منه كما ترى مجرد استحسان لا يصلح مدركا عندنا، كما هو واضح.

نعم قد يقال: إن ظاهر النصوص (2)المزبورة الدالة على عدم التداخل


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 267

الاعتداد للشبهة إذا كانت مع عقد تزويج بعد التفريق بينهما، و هو لازم ارتفاع الشبهة، نعم لو كانت الشبهة مجرد الوطء من دون عقد اتجه حينئذ الاعتداد من آخر وطء، و من هنا كان الاحتياط لا ينبغي تركه.

و لو تأخر الوطء شبهة عن الطلاق و لا حمل أتمت عدتها من الطلاق، للأصل المؤيد بتقدمها و قوتها باستنادها إلى عقد جائز و سبب مسوغ، فإذا فرغت منها استأنفت عدة الثاني، و للزوج مراجعتها في عدته إن كان الطلاق رجعيا، فان راجعها انقطعت عدته، و شرعت في عدة الوطء بالشبهة، و ليس للزوج وطؤها قطعا، لكونها في عدة، بل في القواعد و المسالك المنع من الاستمتاع بها إلى أن تنقضي عدتها، لكن لا دليل عليه يصلح لمعارضة ما دل (1)على الاستمتاع بالزوجة.

و بذلك يظهر لك جواز عقده عليها في أثناء عدته لو كان الطلاق بائنا و إن انفسخ بذلك عدته و دخلت في عدة المشتبه، إلا أنه لا مانع منه للعمومات و حرمة الوطء عليه لا تنافي ذلك.

و من الغريب ما في المسالك من ميلة إلى الجواز مع قوله بحرمة الاستمتاع معللا له بكونه كالعقد على الحائض و الصغيرة اللتين لا يباح وطؤهما، إذ لا يخفى عليك وضوح الفرق بينهما بحلية غير الوطء من أنواع الاستمتاع فيهما دونها، و هو كاف في صحة عقد النكاح، إذ المنافي له عدم ترتب حل أثر من آثاره عليه، نحو النكاح في حال الإحرام، و لذلك كان الأقرب عند الفاضل عدم الجواز، لأن كل نكاح لم يتعقبه حل الاستمتاع كان باطلا، نعم يتجه عليه منع عدم حل غير الوطء من الاستمتاع.

و لو كان المتقدم الاعتداد للشبهة فالمتجه بقاؤها عليها، للأصل ثم استئناف عدة الطلاق،

و ربما احتمل تقديم عدة الطلاق ثم إكمال عدة الشبهة بعدها، لقوتها لكنه كما ترى.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 223.

ج 32، ص: 268

نعم مع الاقتران- بل في المسالك و غيرها أو قبل الشروع في عدة الشبهة- قد يقال بتقديم عدة الطلاق لما عرفت، مع أنه لا يخلو من نظر و منع، ضرورة توجه الخطابين إليها بهما، فتخير في تقديم أيهما شاءت.

و هل له الرجعة في أثناء عدة الشبهة حيث تكون مقدمة؟ وجهان، بل في المسالك أجودهما المنع، قلت: قد يقال: إن المستفاد من أدلة الرجعة أن له الرجوع بها ما لم تنقض عدته، لا أن شرط رجوعه كونها في عدته، كما عساه يشهد له أنه لا إشكال في جواز الرجوع بالمطلقة رجعيا في زمن الحيض الذي هو ليس من العدة، حتى لو فرض اتصال زمان صيغة الطلاق بالحيض، كما أومأ إليه الشيخ فيما تسمع منه، و إن كان فيه ما فيه.

و بذلك يفرق بينه و بين العقد لو كان الطلاق بائنا بناء على ظهور أدلة ذلك في عدم جواز تزويجها، و هي في عدة الغير، و إلا لاتجه الجواز فيهما.

و لعله لذا قال في محكي المبسوط في الحامل من الشبهة لو طلقت رجعيا:

إن مذهبنا أن له الرجعة في زمن الحمل، قال: «لأن الرجعة تثبت بالطلاق، فلم تنقطع حتى تنقضي العدة، و هذه ما لم تضع الحمل و تكمل عدة الأول فعدتها لم تنقض، فتثبت الرجعة عليها و له الرجعة ما دامت حاملا، و بعد أن تضع مدة النفاس و إلى أن تنقضي عدتها بالأقراء- إلى أن قال-: و إذا قلنا: لا رجعة له عليها في حال الحمل- فإذا وضعت ثبت له عليها الرجعة و إن كانت في مدة النفاس- لم تشرع في عدتها منه، لأن عدة الأول قد انقضت، فتثبت له الرجعة و إن لم تكن معتدة منه في تلك الحال، كحالة الحيض في العدة».

قلت: لكن يتفرع على ذلك جواز عقد الغير عليها زمن الحيض المتخلل في أثناء العدة فضلا عن المتصل بالطلاق، و هو معلوم الفساد، ضرورة احتساب ذلك كله من العدة، و لذا يترتب التوارث مع موتها أو موته فيه، مع معلومية اشتراط ذلك بكونه في العدة اللهم إلا أن يدعى أن مدار ذلك أيضا على عدم

ج 32، ص: 269

انقضائها لا على كونه فيها، و فيه منع، كمنع دعوى خروج زمن الحيض عن العدة فتأمل جيدا.

[الثاني إذا اتفق الزوجان في زمن الطلاق و اختلفا في زمن الوضع كان القول قولها]

الثاني:

إذا اتفق الزوجان في زمن الطلاق و اختلفا في زمن الوضع فعن الشيخ و جماعة كان القول قولها سواء ادعت تقدمه أو تأخره لأنه اختلاف في الولادة، و هي من فعلها المؤتمنة عليه، لأنها ذات يد، فكما تصدق في أصله تصدق في وقته أيضا.

و من هنا لو فرض أنهما اتفقا في زمن الوضع و اختلفا في زمن الطلاق، ف ان القول حينئذ قوله سواء ادعى تقدمه أو تأخره لأنه اختلاف في فعله الذي هو الطلاق الذي كما يصدق في أصله يصدق أيضا في وقته.

و (11) لكن في المسألتين إشكال، لأن الأصل عدم الطلاق و عدم الوضع فالقول قول من ينكرهما (12) و هي القاعدة المعلومة عندهم، و هي تأخر مجهول التاريخ عن معلومه، و ليس في الأدلة ما يقتضي تقديم ذي الفعل على وجه يعارض القاعدة المزبورة في مقام الدعاوي، من غير فرق بين التشخيص بالزمان و المكان و غيرهما من المشخصات التي يتصور فرض التداعي فيها.

و الرجوع إليهن في العدة لا يشمل مثل الفرض، بل في كشف اللثام أن ذلك إنما هو إذا تيقنت العدة، بل و إذا لم يدع الزوج العلم بكذبها، و لذا حكم في المبسوط و غيره بأنهما «إذا تداعيا و حلفا، فيقول الزوج: «لم تنقض عدتك بالوضع، فعليك الاعتداد بالأقراء» و تقول: «انقضت عدتي بالوضع» فالقول قوله:

لأن الأصل بقاء العدة».

نعم قد عرفت غير مرة الإشكال منا في اقتضاء القاعدة المزبورة التأخر عن

ج 32، ص: 270

ذلك، فان مرجعه إلى كون الأصل مثبتا فيعارض حينئذ بأصل آخر مثله، و حينئذ فالمتجه عدم الفرق بين العلم بتاريخ أحدهما و عدمه في اقتضاء الأصل عدم تقدم أحدهما على الأخر، و يبقى معه- على تقدير كون (1)المدعى لتأخر الطلاق- أصالة بقاء سلطنة النكاح، فيقدم قوله بيمينه، و معها- على تقدير دعواها تأخره- أصالة بقاء حقوق الزوجة من النفقة و شبهها.

و لو كان الجواب من أحدهما في جواب الدعوى من الآخر لا أدرى ففي القواعد و المسالك و كشف اللثام يلزم باليمين على الجزم أو النكول، فيحلف المدعي حينئذ، و يثبت حقه، فان نكل عمل على مقتضى الأصل، كما إذا كان كل منهما لا يدرى، و ظاهرهم المفروغية من ذلك، بل في كشف اللثام أن الوجه فيه ظاهر، فان الشك لا يعارض الجزم، و في المسالك «أنه لو لم يكن كذلك لم يعجز المدعي عليه في الدعاوي كلها عن الدفع بهذا الطريق».

قلت: قد أطنبنا في كتاب القضاء في تحرير هذه المسألة، و قلنا: إن الظاهر انحصار طريق ثبوت حق المدعى بالبينة إن لم يرض المدعى عليه بيمينه، خصوصا في صورة علم المدعي بكون المدعى عليه لا يدري أو تصديقه في ذلك أو حلفه على ذلك، فان تكليفه اليمين الجازمة حينئذ لا وجه له، كما لا وجه لجعلها ناكلا، فلم يكن للمدعي إلا البينة، كما لو ادعى على غائب أو قاصر أو ميت و نحوه ممن لم يكن منهم إنكار، فلاحظ و تأمل.


1- 1 هكذا في النسختين المسودة و المبيضة، و الصحيح« على تقدير كونه.».

ج 32، ص: 271

[الثالث لو أقرت بانقضاء العدة ثم جائت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها قيل لا يلحق به]

الثالث:

لو أقرت بانقضاء العدة ثم جائت بولد لستة أشهر فصاعدا منذ طلقها قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطه لا يلحق به الولد إذا أتت به لأكثر من ستة أشهر من وقت انقضاء العدة، لقبول قولها في العدة، و هو يستلزم الخروج عن الفراش المستلزم لانتفاء الولد، مع أصالة التأخر، فلا يبطل قولها الصحيح ظاهرا بالأمر المحتمل.

و الأشبه التحاقه به ما لم يتجاوز أقصى الحمل من آخر وطء أو من الطلاق أو من انقضاء العدة الرجعية و لم تكن ذات بعل، لأنها حينئذ على حكم الفراش السابق في لحوق كل ما يحتمل كونه منه، و لذا لو لم تخبر بانقضاء العدة لم يكن إشكال في لحوق الولد به، بل في المسالك الإجماع عليه، و إقرارها بانقضاء العدة لا يرفع الحق الثابت للفراش المشترك بين الأبوين و الولد، بل هو في الحقيقة إقرار في حق الغير، مع أنه حصل له المعارض الذي هو في الحقيقة كما لو جاءت به لأقل من ستة أشهر مع إخبارها بانقضاء العدة فتأمل.

ثم إن مقتضي إطلاقه مجي ء الولد للمدة المزبورة منذ طلقها عدم الفرق بين عدة البائن و الرجعية، كما هو أحد القولين في المسألة، لأنها بالطلاق قد حرمت عليه بغير الرجعة التي هي كالعقد في البائنة، و الآخر الفرق بينهما، فيحسب من انقضاء العدة في الرجعية بخلاف البائنة، لما عرفت من جواز وطئها من دون نية رجوع، و إنما يكون هو رجوعا، و بقاء لوازم النكاح من التوارث و وقوع الظهار و الإيلاء، و بقاء المعلول دليل على بقاء العلة، فالنكاح باق، و كذا الفراش و لو ببقاء حكمها، و لعله الأقوى.

و أما إطلاق المصنف و غيره احتساب المدة من حين الطلاق- المقتضي لكون أقصى الحمل أكثر مما فرض أنه أقصاه كما اعترف به في المسالك قال: «لتقدم

ج 32، ص: 272

العلوق على الطلاق لأن المعتبر كونه في الفراش، و هو متقدم على الطلاق الذي لا يصح إلا في وقت متأخر عن الوطء بمقدار ما تنتقل من الطهر الذي أتاها فيه إلى غيره أو ما يقوم مقامه من المدة، و ذلك يوجب زيادة الأقصى بكثير»- فقد عرفت الحال فيه في بحث الاسترابة، و أنه إما مبني على التسامح، أو لأن حكم الفراش باق إلى حين الطلاق، و يكفي فيه الاحتمال الذي لا يعلم به المطلق على وجه لا ينافي صدق كونها في طهر لم يواقعها فيه بزعمه، مع أنه يمكن وطؤها في زمن الحيض، فإنه و إن أثم لا ينافي لحوق الولد بناء على عدم منافاة ذلك لصحة الطلاق لو وقع بعد طهرها، لصدق كونه حينئذ في طهر لم يواقعها فيه، فلاحظ و تأمل.

ثم لا يخفى عليك أنه بناء على لحوق الولد بالمطلق تكون المطلقة باقية في العدة، فله الرجعة بها حينئذ لو كان رجعيا، ضرورة لزوم ذلك للحوق الولد به.

و أما احتمال الجمع بين تصديقها بانقضاء العدة و لحوق الولد به لحكم الفراشية فلم أجد من احتمله، و لعله لمنافاته مقتضي الأدلة الظاهرية، و لذلك التزام الشيخ بنفيه عنه مع القول بمقتضى التصديق، فيتجه حينئذ بقاؤها في العدة على القول بلحوقه به، هذا.

و قد بقي شي ء و هو أنه بناء على قول الشيخ بعدم لحوق الولد به لا يحكم بكونه من زنا، لعدم حصول مقتضية، فليس إلا الشبهة المقتضية للعدة المقدمة على عدة الطلاق إذا كانت بالحمل، كما سمعته سابقا، فلا بد من فرض المسألة في صورة إمكان انقضاء عدتها التي أقرب بها قبل حصول الشبهة، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا إشكال في عدم لحوق الولد به مع فرض مجيئها به لأزيد من أقصى الحمل إلا مع دعوى فراش جديد و لو وطئ شبهة، فان تصادقا عليه فلا إشكال و إن ادعت هي ذلك و أنكر هو فالقول قوله بيمينه، فإذا نكل حلفت هي و ثبت النسب إلا أن ينفيه باللعان، فان نكلت فهل يحلف الولد إذا بلغ؟ ففي المسالك «فيه وجهان أجودهما ذلك إن فرض علمه و إن بعد» و فيه ما لا يخفى من الإشكال في

ج 32، ص: 273

إجراء حكم نكوله إلى زمن بلوغ الولد مع كون الدعوى بين الرجل و المرأة، نعم لا بأس بإجراء حكم الدعوى الجديدة بين الرجل و الولد، فتأمل.

و لو سلم الفراش و أنكر أصل ولادتها له كان القول قوله بيمينه، فان نكل حلفت و ثبتت الولادة و النسب بالفراش، إلا أن ينفيه باللعان.

و على كل حال ففي المسالك «و تنقضي العدة بوضعه و إن حلف الرجل على النفي، لأنها تزعم أن الولد منه، فكان كما لو نفي الرجل حملها باللعان، فإنه- و إن انتفى الولد- تنقضي العدة بوضعه، لزعمها أنه منه» و لا يخلو من غبار فتأمل.

و لو ادعت على الوارث بعد موت الزوج أنه كان راجعها أو جدد نكاحها فان كان واحدا، فالحكم كما ادعت على الزوج، إلا أن الوارث يحلف على نفي العلم، و لا لعان معه، و إن كان اثنين فان صدقاها أو كذباها و حلفا أو نكلا فحلفت فكما مر، و إن صدقها أحدهما و كذب الآخر و حلف ففي المسالك «يثبت المهر و النفقة بنسبة حصة المصدق، و لا يثبت النسب إلا أن يكون المصدق عدلين» و فيه أنه يثبت النسب أيضا في حق المصدق، و الله العالم.

ج 32، ص: 274

[الفصل الخامس في عدة الوفاة]
اشاره

الفصل الخامس في عدة الوفاة لا خلاف في أنه تعتد الحرة المنكوحة بالعقد الصحيح الدائم أربعة أشهر و عشرا إن كانت حائلا بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب و السنة(1)التي تقدم جملة منها، قال الله تعالى (2)«وَ

الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً» و لا ينافيه قوله تعالى (3):

«وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ» بناء على أن المراد منها الاعتداد بالسنة، لأنها حينئذ منسوخة بالأولى.

و لا فرق في الزوجة صغيرة كانت أو كبيرة مسلمة أو ذمية من ذوات الأقراء أو لا بالغا كان زوجها أو لم يكن حرا كان أو عبد ا دخل بها أو لم يدخل لإطلاق الأدلة و الإجماع، و خبر عمار(4)المتضمن لعدمها على غير المدخول بها كالمطلقة من الشواذ المطرحة، لمنافاته إطلاق الكتاب و السنة و إجماع المسلمين، مضافا إلى ظهور الفرق بين عدة الطلاق و عدة الوفاة التي هي في الحقيقة لإظهار التحزن و التفجع على الزوج و الاحترام لفراشه، و لذلك اعتبرت بالأشهر، و أمر فيها بالحداد بخلاف عدة الطلاق المعتبر فيها الأقراء أولا و بالذات.

و تبين بغروب الشمس من اليوم العاشر الذي يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، كما حقق في محله. لأنه نهاية اليوم للاتفاق كما في كشف اللثام، و الإجماع كما في المسالك، على أن المراد بالعشر عشر ليال مع عشرة أيام، خلافا للأوزاعي


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب العدد.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 234.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 240.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب العدد الحديث 4 عن محمد بن عمر الساباطي.

ج 32، ص: 275

فأبانها بطلوع فجر العاشر، لتذكير العدد في الآية(1)المقتضي التأنيث في تمييزه، فيكون ليالي، لكن ذلك لا يعارض ما سمعت، على أن المحكي عن بعض أهل العربية أن ذلك مع ذكر التميز، أما مع عدمه كما في الآية فلا يدل على ذلك، و يجوز تناوله للمذكر و المؤنث، بل قد يقال: كونه مؤنثا، لا ينافي إرادة عشر ليال بأيامها و الأمر سهل بعد ما عرفت.

و على كل حال فلا يشترط عندنا أن تحيض حيضة في المدة، لإطلاق الأدلة، و عن العامة قول به، و آخر باشتراط أن ترى فيها الحيض كما اعتادته.

و المراد بالشهر ما سمعته في أشهر المطلقة الذي قد تقدم البحث في المنكسر منه أيضا نعم ينبغي أن يعلم أنه لو مات و كان الباقي العشر فلا كسر، بل تعتد بها و تضم إليها أربعة أشهر هلالية، و إن كان الباقي أقل لم تعده، و تحسب أربعا هلالية أيضا، و تكمل باقي العشر من الشهر السادس، و إن كان الباقي أكثر جاء البحث السابق في المنكسر فيه، و إن انطبق الموت على أول الهلال حسبت أربعة أشهر بالأهلة، و ضمت إليها عشرة أيام من الشهر الخامس، و لو كانت في حال لا تعرف الهلال لحبس أو غيره و لو باخبار من الغير اعتدت بالأيام، و هي مائة و ثلاثون يوما استظهارا للعدة المستصحبة.

و لو كانت حاملا اعتدت بأبعد الأجلين من وضع الحمل و مضي الأربعة أشهر و عشر، و حينئذ فإن وضعت قبل استكمال الأربعة الأشهر و

العشرة أيام صبرت إلى انقضائها و كذا العكس بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (2)المستفيضة أو المتواترة.

بل قيل: إنه مقتضى الجمع بين آيتي الأحمال (3)و الوفاة(4)لدخول الحامل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 234.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب العدد.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 4.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 234.

ج 32، ص: 276

حينئذ تحت عامين، فامتثالها الأمر فيهما يحصل باعتدادها بأبعد الأجلين. و إن كان فيه (أولا) أن آية أولات الأحمال ظاهرة في المطلقة و (ثانيا) أن مقتضاه الترجيح لإحداهما على الأخرى، و مع عدمه فالجمع بينهما.

نعم قد يقال: إنه لو عمل بإطلاق الوفاة لاقتضى خروجها عن العدة بمضيها و إن لم تضع، فيلزم أن يكون عدة الوفاة أضعف من عدة الطلاق، و الأمر بالعكس، كما يظهر من زيادة عدتها و من شدة أمرها و كثرة لوازمها، فيكون مراعاة الوضع على تقدير تأخره عن الأربعة أشهر و عشر أولى منه في الطلاق الثابت بالإجماع، و لعل هذا هو السر في اعتدادها بأبعد الأجلين الذي استفاضت به نصوصنا(1)و انعقد عليه إجماعنا، خلافا للعامة، فأبانوها بالوضع و لو لحظة بعد وفاته، و هو كما ترى.

و كيف كان فلا خلاف نصا(2)و فتوى في أنه يلزم المتوفى عنها زوجها إذا كانت حرة الحداد بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة(3)المستفيضة بل المتواترة التي مر عليك بعض منها، و يمر عليك آخر إنشاء الله.

و هو لغة و شرعا ترك ما فيه زينة من الثياب، و الإدهان المقصود بها الزينة، و التطيب فيها أو في البدن، و التكحيل بالأسود أو بغيره مما فيه زينة بلونه أو بغيره، بل عن المبسوط أنهن يكتحلن بالصبر، لأنه يحسن العين و يطري الأجفان، فالمعتدة ينبغي أن تتجنبه، لما

روت أم سلمة(4)«أن النبي صلى الله عليه و آله قال لها:

«استعمليه ليلا و امحيه نهارا».

إلى غير ذلك مما تتزين به النساء، كالخطاط و الحمرة و ماء الذهب و الديرم و السفداج و نحوها.

و الحداد من الحد بمعنى المنع، من حدت المرأة تحد حدا: أي منعت نفسها


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 440.

ج 32، ص: 277

من التزيين، فهي حادة، و كذا الإحداد من أحدت تحد إحدادا فهي محدة، بل عن الأصمعي إنكار الأول، لكن الأصح خلافه.

و الأصل فيه- مضافا إلى النصوص (1)الدالة على الأمر بلفظه-

صحيح ابن يعفور(2)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن المتوفى عنها زوجها، فقال: لا تكتحل للزينة، و لا تطيب، و لا تلبس ثوبا مصبوغا، و لا تبيت عن بيتها، و تقضي الحقوق، و تمشط بغسلة، و تحج و إن كانت في عدتها».

و في

خبر زرارة(3)عن أبى جعفر عليه السلام في حديث «فتمسك عن الكحل و الطيب و الأصباغ».

و في

خبر أبى العباس (4)عن الصادق عليه السلام «لا تكتحل للزينة، و لا تطيب، و لا تلبس ثوبا مصبوغا، و لا تخرج نهارا، و لا تبيت عن بيتها، قلت: أ رأيت إن أرادت أن تخرج إلى حق كيف تصنع؟ قال: تخرج بعد نصف الليل، و ترجع عشاء».

و في

خبر أبي بصير(5)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن المرأة يتوفى عنها زوجها و تكون في عدتها أ تخرج في حق؟ فقال: إن بعض نساء النبي صلى الله عليه و آله سألته، فقالت:

إن فلانة توفي عنها زوجها، فتخرج في حق ينوبها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله: أف لكن، قد كنتن قبل أن أبعث فيكن، و أن المرأة منكن إذا توفي عنها زوجها أخذت بعرة فرمت بها خلف ظهرها، ثم قالت: لا أمتشط و لا أكتحل و لا أختضب حولا كاملا، و إنما أمرتكن بأربعة أشهر و عشرا، ثم لا تصبرن، لا تمتشط، و لا تكتحل، و لا تختضب، و لا تخرج من بيتها نهارا، و لا تبيت عن بيتها، فقالت:


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 2 صحيح ابن أبى يعفور.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 33- من أبواب العدد الحديث 7. في الطبع الحديث « تخرج بعد زوال الشمس» الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 117 « تخرج بعد زوال الليل».

ج 32، ص: 278

يا رسول الله: فكيف تصنع إن عرض لها حق؟ فقال صلى الله عليه و آله: تخرج بعد زوال الليل، و ترجع عند المساء، فتكون لم تبت عن بيتها، قلت له: فتحج، قال: نعم»

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم في

موثق الساباطي (1)عن الصادق عليه السلام «إنه سأل عن المرأة يموت عنها زوجها هل يحل لها أن تخرج من بيتها في عدتها؟ قال: نعم، و تختضب، و تدهن، و تمشط، و تصبغ و تصنع ما شاءت لغير ريبة من زوج»

و هو- مع ما قيل من كونه من الشواذ بل في الوافي قد مضى حديث آخر(2)بهذا الاسناد فيما

تفعل المطلقة في عدتها، و كان مضمونه قريبا من مضمون هذا الحديث إلا ما تضمن صدره، و يشبه أن يكون الحديثان واحدا، و إنما ورد في المتوفى عنها زوجها و المطلقة جميعا، و قد سقط منه شي ء- يمكن حمله على إرادة جواز فعل ذلك للضرورة، بل ربما كان في

قوله عليه السلام: «لغير ريبة من زوج»

إشعار بذلك، على أن التدهن و الامتشاط ليس مطلقهما من الزينة.

نعم ما فيه من جواز الخروج من بيتها موافق للأصول و ظاهر الاقتصار في الفتاوى على وجوب الحداد عليها الذي لا يدخل فيه ذلك قطعا و ل

موثق ابن بكير(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التي توفي عنها زوجها تحج؟ قال: نعم، و تخرج، و تنتقل من منزل إلى منزل»

و نحوه

خبر عبيد بن زرارة(4)عنه عليه السلام أيضا، بل و لمكاتبة الصفار(5)في الصحيح للعسكري (عليه السلام) «في امرأة مات عنها زوجها و هي في عدة منه، و هي محتاجة لا تجد من ينفق عليها، و هي تعمل للناس هل يجوز لها أن تخرج


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 7 مع الاختلاف و فيه « بغير زينة لزوج» الا أن الموجود في الوافي ج 12 ص 185 كالجواهر.
2- 2 راجع الوافي ج 12 ص 183 و هو الذي أشار إليه في الوسائل في ذيل الحديث 7 من الباب- 29- من العدد و ذكره الشيخ في التهذيب ج 8 ص 83.
3- 3 الوسائل الباب- 33- من أبواب العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 33- من أبواب العدد الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 34- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 279

و تعمل و تبيت عن منزلها في عدتها؟ فوقع عليه السلام: لا بأس بذلك إنشاء الله».

و لعله لذا كان المحكي عن الشيخ الجمع بين النصوص بحمل النهي عن البيتوتة على الكراهة، بل لم أجد أحدا من معتبري الأصحاب منعها من ذلك، نعم في الحدائق استظهر الجمع بينها بمضمون مكاتبة الصفار على معنى جواز ذلك للضرورة دون غيرها، مؤيدا لذلك أيضا ب

مكاتبة الحميري (1)لصاحب الزمان روحي له الفداء المروية في الاحتجاج و غيره «سألته عن المرأة يموت زوجها هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا؟ فوقع: تخرج في جنازته، و هل يجوز لها و هي في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا؟ فوقع: تزور قبر زوجها، و لا تبيت عن بيتها، و هل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها أم لا تخرج من بيتها في عدتها؟ فوقع: إذا كان حق خرجت فيه و قضته، و إن كان لها حاجة و لم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضيها، و لا تبيت إلا في منزلها».

لكنه كما ترى منشأه اختلال الطريقة، بل عدم معرفة اللسان، فان النصوص المزبورة ظاهرة لمن رزقه الله معرفة رمزهم و اللحن في قولهم فيما هو ظاهر الأصحاب من عدم منعها من ذلك، و أنه يجوز لها من دون ضرورة، لكن على كراهة، خصوصا بعد ملاحظة النصوص المستفيضة الدالة على جواز قضاء عدتها فيما شاءت من المنازل و لو كل شهر في منزل.

كما في

مرسل يونس (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن المتوفى عنها زوجها أ تعتد في بيت تمكث فيه شهرا أو أقل من شهر أو أكثر ثم تتحول منه إلى غيره فتمكث في المنزل الذي تحولت إليه مثل ما مكثت في المنزل الذي تحولت منه، كذا صنعتها حتى تنقضي عدتها؟ قال: يجوز لها ذلك، و لا بأس».

و في صحيح سليمان بن خالد(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة توفي عنها


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب العدد الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 32- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 280

زوجها أين تعتد، في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: حيث شاءت، ثم قال:

إن عليا عليه السلام لما مات عمر أتى إلى أم كلثوم، فأخذ بيدها و انطلق بها إلى بيته»

و غير ذلك من النصوص، فالمتجه حينئذ ما اقتصر عليه من المنع من الزينة في الثوب و البدن و الطيب.

نعم لا بأس بالثوب الأسود و الأزرق و نحوهما لبعده عن شبهة الزينة في العادة التي قد عرفت أنها المدار، و ربما تحصل ببعض الثياب الفاخرة التي لم تكن مصبوغة.

لكن في المبسوط «و أما الأثواب ففيها زينتان: إحداهما تحصل بنفس الثوب، و هو ستر العورة و سائر البدن، قال الله تعالى (1)«خُذُوا

زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» و الزينة الأخرى تحصل بصبغ الثوب، فإذا أطلق فالمراد به الثاني، و الأول غير ممنوع منه للمعتدة و إن كان فاخرا مرتفعا مثل المروي المرتفع و السابوري و الدبيقى و القصب و الصيقلي و غير ذلك مما يتخذ من قطن و كتان و صوف و وبر، و أما ما يتخذ من الإبريسم قال قوم: ما يتخذ منه من غير صبغ جاز لبسه و ما صبغ لم يجز، و الأولى تجنبه على كل حال، و أما الزينة التي تحصل بصبغ الثوب فثلاثة أضرب: ضرب يدخل على الثوب لنفي الوسخ عنه، كالكحلي و السواد، فلا تمنع المعتدة منه، لأنه لا زينة فيه، و في معناه الديباج الأسود، و الثاني ما يدخل على الثوب لتزيينه، كالحمرة و الصفرة و غير ذلك، فتمنع المعتدة منه، لأنه زينة، و أما الضرب الثالث فهو ما يدخل على الثوب و يكون مترددا بين الزينة و غيرها، مثل أن يصبغ أخضر أو أزرق، فإن كانت مشبعة تضرب إلى السواد لم تمنع منه، و إن كانت صافية تضرب إلى الحمرة منعت منها».

و لا يخفى عليك أنه تطويل بلا طائل، ضرورة كون المدار على ما عرفت، و هو مختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال، و لا ضابطة للزينة و التزين و ما


1- 1 سورة الأعراف:- الآية 31.

ج 32، ص: 281

يتزين به إلا العرف و العادة التي يندرج فيها الهيئات و غيرها.

نعم لا بأس بالسواك، و تقليم الأظفار، و تسريح الشعر، و دخول الحمام، و الإكتحال بما لا زينة فيه، و افتراش الفرش النفيسة، و المساكن المزينة، و تزيين أولادها و خدمها، و نحو ذلك مما لا يرجع إلى زينتها، بل لا بأس بما يرجع إليها أيضا للضرورة، كالاكتحال بالأسود، و لكن تقتصر على مقدارها، و لذا قال غير واحد: إنها تكتحل به ليلا و تمسحه نهارا.

و كيف كان ف يستوي ذلك في الصغيرة و الكبيرة و المسلمة و الذمية كما صرح به غير واحد، بل ظاهر المسالك المفروغية منه، بل عن الشيخ في الخلاف نفي الخلاف فيه، لإطلاق الأدلة، لكن عن ابن إدريس و الفاضل في المختلف التردد فيه، من ذلك و من أنه تكليف لا يتوجه إلى الصغير، و تكليف الولي غير معلوم، و لا إشارة في الأدلة إليه، و لا مفهوم من أمرها بالاحداد، بل في كشف اللثام هو الأقوى وفاقا للجامع، مؤيدا له بظهور أن السر فيه أن لا يرغب فيها و لا يرغب في الصغيرة، و مال إليه في الرياض إن لم يتم الإجماع.

قلت: قد يقال: لا يخفى على من رزقه الله فهم اللسان مساواة الأمر بالحداد للأمر بالاعتداد الذي لا خلاف بين المسلمين فضلا عن المؤمنين في جريانه على الصغيرة، على معنى تكليف الولي بالتربص بها، فيجري مثله في الحداد، و لا حاجة إلى الإشارة في النصوص إلى خصوص ذلك، ضرورة معلومية توجه التكليف إلى الأولياء في كل ما يراد عدم وجوده في الخارج، نحو ما سمعته في مس الطفل و المجنون كتابة القرآن.

و بالجملة فالمراد التربص بها هذه المدة مجردة عن الزينة، و هو معنى يشمل الصغير و الكبير و العاقل و المجنون، على معنى تكليف الولي بذلك أو سائر الناس، كما هو واضح بأدنى تأمل في أدلة الاعتداد و الحداد المستفاد منهما أنهما من خطاب الوضع بالمعنى المزبور، و لذا لم يتوقف صحة الاعتداد على ملاحظة الامتثال.

و أما الحداد في الأمة إذا كانت زوجة ففيه تردد و خلاف أظهره أن لا حداد عليها وفاقا لجماعة، بل قيل: إنه الأشهر، ل

صحيح

ج 32، ص: 282

زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «إن الأمة و الحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد و الأمة لا تحد»

و به يقيد إطلاق الأدلة إن لم يقل بانسياقه إلى الزوجة الحرة، و إلا لم يحتج إلى التقييد، و كان الصحيح مؤكدا لأصل البراءة و غيره مما يقتضي نفي ذلك عنها.

و خلافا لصريح المحكي عن المبسوط و السرائر و ظاهر أبي الصلاح و سلار و ابن حمزة، فأوجبوا الحداد عليها كالحرة،

للنبوي (2)«لا يحل لامرأة تؤمن بالله و اليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر و عشرا»

و لم يفرق.

و أجاب عنه في المختلف «أن هذه الرواية لم تصل إلينا مسندة عن النبي صلى الله عليه و آله، و إنما رواها الشيخ مرسلة، و لا حجة فيها، و العجب أن ابن إدريس ترك مقتضى العقل، و هو أصالة البراءة من التكليف بالحداد و ما تضمنته الرواية الصحيحة و عول على هذا الخبر المقطوع السند، مع ادعائه أن الخبر الواحد المتصل لا يعمل به فكيف المرسل!! و هذا يدل على قصور قريحته و عدم تفطنه لوجوه الاستدلال».

قلت: الإنصاف إن هذا الكلام لا يليق بابن إدريس الذي هو أول من فتح النظر و التحقيق، و لم يعتمد في المقام على الخبر المرسل، بل غرضه الاستدلال بإطلاق المتواتر من النصوص الدالة على الحداد في الزوجة الشاملة للحرة و الأمة، و الخبر الصحيح المزبور غير حجة عنده، فلا يحكم على الإطلاق المزبور.

و العجب منه في توجيه الجواب عن النبوي المزبور بكونه مرسلا غير حجة و أنه لم يصل إلينا مسندا مع أن مضمونة مقطوع به في نصوصنا، و لم يتنبه للجواب عنه بعدم تناوله للأمة بناء على عدم اعتدادها بالأربعة و العشر، و بانسياق الحرة من


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 المستدرك الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 9 و سنن البيهقي ج 7 ص 437.

ج 32، ص: 283

الامرأة فيه، و بأنه مقيد بالصحيح المزبور، و الأمر سهل بعد وضوح الحال. نعم لا فرق فيه بين الدائمة و المتمتع بها، للإطلاق المزبور.

و على كل حال فالمشهور على ما حكاه غير واحد أنه واجب تعبدي لا شرطي، فلو أخلت به عمدا فضلا عن النسيان لم يبطل الاعتداد الذي لا يجب عليها تلا فيه في غيره، للأصل و غيره، و لا منافاة بين المعصية و انقضاء العدة، فيندرج الفرض حينئذ في جميع ما دل على جواز نكاح المرأة بعد انقضاء العدة من قوله تعالى (1)«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» خلافا للمحكي عن أبى الصلاح و السيد الفاخر شارح الرسالة فأبطلا العدة بالإخلال به مطلقا أو حال العمد خاصة على اختلاف النقلين، لعدم حصول الامتثال، فيجب الاستئناف، و رد بأنه على شرطيته لا دليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، و من هنا وصف غير واحد هذا الخلاف بالندرة.

و لكن الانصاف عدم خلوه عن الوجه، خصوصا مع ملاحظة الاحتياط و قاعدة وجوب الشي ء في الشي ء، و النصوص (2)المتكثرة التي ستسمع جملة منها في تعليل وجوب الاعتداد عليها عند بلوغ الخبر بخلاف المطلقة بوجوب الحداد عليها أي في عدتها بخلافها، بل

قال أبو جعفر عليه السلام في خبر زرارة(3)منها: «إن مات عنها زوجها و هو غائب فقامت البينة على موته فعدتها من يوم يأتيها الخبر أربعة أشهر و عشرا، لأن عليها أن تحد عليه في الموت أربعة أشهر و عشرا فتمسك عن الكحل و الطيب و الأصباغ»

لا أقل من الشك في انقضاء العدة بدونه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا خلاف في أنه لا يلزم الحداد المطلقة بائنة كانت أو رجعية بل استفاضت

النصوص (4)بتزيين الثانية و تشوقها لزوجها لعل الله يحدث


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 234.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 284

بعد ذلك أمرا، أي يرجع بطلاقها، كما أنه استفاضت (1)أيضا في نفي الحداد عن مطلق المطلقة.

نعم في

خبر مسمع بن عبد الملك (2)عن أبي عبد الله عن علي عليهما السلام «المطلقة تحد كما تحد المتوفى عنها زوجها، لا تكتحل، و لا تطيب، و لا تختضب، و لا تمتشط»

و هو من الشواذ، و حمله الشيخ على استحباب ذلك للبائنة، و لا ريب في بعده، لقصور الخبر عن إثباته و إن كان مستحبا من وجوه.

و يمكن حمله على إرادة الإنكار أو على إرادة تجنب السوء لها، كما أومأ إليه

خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد(3)عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام «سألته عن المطلقة لها أن تكتحل و تختضب أو تلبس ثوبا مصبوغا؟ قال: لا بأس إذا فعلته من غير سوء»

و الأمر سهل.

و لو وطئت المرأة بعقد الشبهة ثم مات و قد انحلت الشبهة اعتدت عدة الطلاق حائلا كانت أو

حاملا بلا خلاف و لا إشكال و ذلك لأنه بعد أن ظهر الحال كان الحكم للوطء لا للعقد، إذ ليست زوجة كي تندرج في المتوفى عنها زوجها، فلم يبق إلا أنها موطوءة وطءا محترما تعتد منه عدة الطلاق، كما في حال حياته، و لعل نص المصنف و غيره على ذلك لخلاف بعض العامة الناشئ من استحسان أو قياس أو اجتهاد فاسد.

و لا حداد على غير الزوجة من أقارب الميت حتى أمهات الأولاد من الإماء، للأصل و غيره، و في

مضمر ابن مسلم (4)«ليس لأحد أن يحد أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها حتى تنقضي عدتها»

و في مرسل أبي يحيى الواسطي (5)


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 3 و الباب- 26- منها الحديث 7 و الباب- 28- منها الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 6.

ج 32، ص: 285

عن أبى عبد الله عليه السلام «يجد الحميم على حميمه ثلاثا و المرأة على زوجها أربعة أشهر و عشرا»

و في النبوي (1)المزبور ما سمعت.

و ظهور مرسل الواسطي في وجوب الثلاثة لا عامل به، مع أنه قاصر عن ذلك، و لذا حمله بعض على الندب، كظهور تحريم ما زاد من المضمر و

المرسل لم أجد قائلا به أيضا، فلا يبعد حمله على الكراهة، و الله العالم.

[تفريع لو كان له أكثر من زوجة فطلق واحدة لا بعينها]

تفريع:

لو كان له أكثر من زوجة مثلا فطلق بائنا أو رجعيا واحدة لا بعينها فان قلنا إن التعيين شرط فلا طلاق، و إن لم نشترطه و مات قبل التعيين فعلى كل واحدة الاعتداد بعدة الوفاة، تغليبا لجانب الاحتياط اللازم مراعاته هنا، كما ستعرف دخل بهن أو لم يدخل إلا إذا كن من ذوات الأقراء، فأبعد الأجلين من عدة الوفاة و من انقضاء الأقراء، لكون الاحتياط حينئذ فيه، لأنها إن كانت مطلقة فعليها الأقراء، و إن كانت مفارقة بالموت فعليها عدة الوفاة، فيقين البراءة موقوف على ذلك.

و من هنا لو كن حوامل أو إحداهن اعتددن بأبعد الأجلين لكون الاحتياط حينئذ فيه على حسب ما عرفت، لكن قيل: إن ذلك بالنسبة إليهما ليس من باب المقدمة، ضرورة عدم توجه خطاب إليها كي يجب عليها تحصيل اليقين بذلك، بل استصحاب الزوجية في كل منها، و احتمال الطلاق لا يهدمه، كما في الثوب المشترك، و إنما يكون من باب المقدمة بالنسبة إلى من يريد نكاحهما أو إحداهما، فإنه لا يسوغ له ذلك حتى يستوفيا معا أبعد العدتين، و إنما لزمهما الاحتياط لأنها إذا حرمت عليه حرم عليها، كما أنه إذا وجب عليه اجتناب من إحداهما رضيعته،- و هي مسئلة الإناءين- وجب على كل منهما اجتنابه، لأنها إذا حرمت عليه حرم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 437.

ج 32، ص: 286

عليها، و لذلك يسقط حكم الحداد الذي لا مدخلية له في ذلك، و لا مقتضى لوجوبه على إحداهما.

و فيه أن استصحاب الزوجية لا يعين عدة الوفاة، و إلا لم يكن مقتضى الاحتياط في ذات الأقراء انتظارها الأبعد بلا خلاف نجده بين من تعرض لذلك، و اقتصار المصنف على عدة الوفاة مبني على الغالب، بل كان المتجه وجوب الحداد عليها، و لم نعرف أحدا صرح بذلك، بل هو قد اعترف بعدمه، و حينئذ فلا وجه لذلك إلا استصحاب بقائها على حكم العدة إلى حصول اليقين بالخروج الذي به يكون الخروج من يقين الشغل، و هو باب المقدمة و الاحتياط اللازم.

نعم ربما يشكل ذلك في صورة عدم الدخول الذي لا عدة للمطلقة معه باعتبار عدم اليقين بنفيها بعده كي يستصحب، و الأصل البراءة.

و فيه- بعد معلومية كون الأصل في الفروج الحرمة، لأصالة عدم ترتب أسباب العقد، و ليس في عمومات النكاح ما يقتضي الحل في الموضوع المشتبه بين العنوان المحلل و المحرم كما أفرغنا الكلام فيه في كتاب النكاح في اشتباه الأجنبية مع الأخت و نحوها- أن المعلوم أن ذات البعل لا تخرج من التحريم إلا بالدخول في عنوان المحللة بالطلاق أو وفاة الزوج عنها أو نحو ذلك، فمع فرض اشتباه اندراجها في أحد العنوانين بالخصوص- بعد العلم بكونها في أحدهما- يجب الاحتياط عليها إلى حصول اليقين باندراجها فيهما على التقديرين، و هذا معنى الاحتياط اللازم و باب المقدمة المذكور في صريح كشف اللثام و ظاهر غيره.

و على كل حال فالأقراء حيث تلحظ تحسب من حين الطلاق بناء على وقوعه، لا بالتعيين، و عدة الوفاة من حينها، حتى لو مضى قرء واحد من حين الطلاق ثم مات الزوج عنها فعليها الأقصى من القرءين و من الوفاة.

و لو مضى قرءان ثم مات الزوج ففي المسالك «فعليها الأقصى من عدة الوفاة و من قرء».

ج 32، ص: 287

و فيه أن الأقصى هنا منحصر في عدة الوفاة، إذ لا عبرة بما إذا تجاوز الثلاثة الأشهر البيض كما عرفت، نعم لو قلنا بوقوعه بالتعيين و قلنا بصحته مع ذلك اتجه اعتبار الأقراء حينئذ من حين الوفاة، لعدم التعيين قبلها، أما إذا قلنا بفساد الطلاق حينئذ لعدم التعيين إلى حين الموت فليس عليهن إلا عدة الوفاة، كما هو واضح.

و كذا الحال لو طلق إحداهن بائنا معينا لها في نفسه مثلا و مات قبل ذكر التعيين فعلى كل واحدة منهن الاعتداد بعدة الوفاة إلا في ذات الأقراء على الوجه الذي قد عرفت.

و لو عين قبل الموت انصرف الطلاق الواقع فيهما أولا إلى المعينة التي ذكرها أخيرا و لكن تعتد من حين الطلاق لما تقدم من وقوع الطلاق بالأول و إن تأخر التعيين و لا تعتد من حين الوفاة و (11) ذلك لأن الفرض كون طلاقها بائنا مبهما ثم عين.

نعم لو كان رجعيا اعتدت عدة الوفاة من حين الوفاة (12) لما عرفت من انقلاب عدة الرجعية إلى عدة الوفاة لو مات المطلق في أثنائها.

و بذلك ظهر لك ما في مناقشة المسالك فلاحظ و تأمل، فإن فيها غير ذلك من التشويش في بعض ما ذكره من حكم المسألة، كما لا يخفى على من لاحظه.

بل ربما كان فيها أيضا ما ينافي ما قدمه سابقا في بحث التعيين فراجع و تدبر، هذا.

و قد بقي شي ء و هو أن ظاهر من تعرض للمسألة كالمصنف و الفاضل و شارحه و ثاني الشهيدين و غيرهم عدم الفرق فيما ذكروه من الحكم المزبور بين المبهم ظاهرا و واقعا، و بين المبهم ظاهرا و هو معين واقعا.

و قد يتوهم أن المتوجه في الأخير القرعة، لأن ذلك المتيقن من موردها، بل قد يقال بجريانها في الأول بناء على عدم اختصاصها بذلك، بل هي في كل مشكل ليس في الأدلة ما يقتضي تعيينه، لكن لم أجد أحدا احتمله هنا مع ذكرهم ذلك في الطلاق المبهم.

و لعله لعدم الإشكال هذا، لما عرفته من إمكان التخلص الذي هو مقتضى باب

ج 32، ص: 288

المقدمة و قاعدة اليقين و الاحتياط اللازم، و انما يحتاج إلى القرعة حيث لا يكون طريق إلى ذلك، كما إذا بقي الزوج مثلا و أريد معرفة المطلقة من غيرها، و قلنا بعدم اعتبار تعيينه، أو خرج عن قابلية ذلك، أو كانت المطلقة معينة و اشتبهت، و في أمثال ذلك، لا مثل المقام الذي قد عرفت عدم الإشكال فيه على كل واحد منهن في التخلص من العدة، أو في معلومية الاندراج في عنوان التحليل.

إلا أن الانصاف مع ذلك كله الاعتراف بظهور كلامهم في ذلك المقام بجريان القرعة التي هي كاشف واقعا في مثل المقام، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و المفقود زوجها إن عرف خبره أو أنفق على زوجته وليه من نفسه أو متبرع أو كان له مال يمكن الإنفاق منه عليها فلا خيار لها و إن أرادت ما تريد النساء و طالت المدة عليها، فهي حينئذ مبتلاة فلتبصر، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، و للأصل و النصوص(1)، بل في

خبر السكوني (2)منها عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام قال في المفقود: لا تتزوج امرأته حتى يبلغها موته، أو طلاق، أو لحوق بأهل الشرك»

و إن وجب تقييده بغيره من النصوص.

كصحيح الحلبي (3)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن المفقود، قال: المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي أو يكتب إلى الناحية التي

هو غائب فيها، فان لم يجد له أثرا أمر الوالي وليه أن ينفق عليها، فما أنفق عليها فهي امرأته، قال: قلت: فإنها تقول:

إنى أريد ما تريد النساء، قال: ليس لها ذلك و لا كرامة، فان لم ينفق عليها وليه أو وكيله أمره بأن يطلقها، و كان ذلك عليها طلاقا».

و صحيح بريد(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المفقود كيف يصنع بامرأته؟

قال: ما سكتت عنه و صبرت يخلى عنها، فإن هي رفعت أمرها إلى الوالي أجلها أربع سنين، ثم يكتب إلى الصقع الذي فقد فيه، فيسأل عنه، فان خبر عنه بحياة


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 289

صبرت، و إن لم يخبر عنه بشي ء حتى تمضي الأربع سنين دعى ولى الزوج المفقود، فقيل له: هل للمفقود مال؟ فان كان له مال أنفق عليها حتى يعلم حياته من موته، و إن لم يكن له مال قيل للولي: أنفق عليها، فان فعل فلا سبيل لها أن تتزوج ما أنفق عليها، و إن أبى أن ينفق عليها جبره الوالي على أن يطلق تطليقة في استقبال العدة و هي طاهر، فيصير طلاق الولي طلاق الزوج، فان جاء زوجها من قبل أن تنقضي عدتها من يوم طلقها الوالي فبدا له أن يراجعها فهي امرأته، و هي عنده على

تطليقتين، و إن انقضت العدة قبل أن يجي ء أو يرجع فقد حلت للأزواج، و لا سبيل للأول عليها».

و في الفقيه و في رواية أخرى (1)«إن لم يكن للزوج ولي طلقها الوالي، و يشهد شاهدين عدلين، فيكون طلاق الوالي طلاق الزوج، و تعتد أربعة أشهر و عشرا، ثم تتزوج إن شاءت».

و خبر أبى الصباح (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «في امرأة غاب عنها زوجها أربع سنين، و لم ينفق عليها، و لم تدر أ حي هو أم ميت؟ أ يجبر وليه على أن يطلقها؟

قال: نعم، و إن لم يكن ولي طلقها السلطان، قلت: فان قال الولي أنا أنفق عليها، قال: فلا يجبر على طلاقها، قال: قلت: أ رأيت إن قالت: أنا أريد ما تريد النساء، و لا أصبر و لا أقعد كما أنا؟ قال: ليس لها و لا كرامة، إذا أنفق عليها».

و موثق سماعة(3)«سألته عن المفقود، فقال: إن علمت أنه في أرض فهي تنتظر له أبدا حتى يأتيها موته أو يأتيها طلاقه، و إن لم تعلم أين هو من الأرض كلها؟ و لم يأتها منه كتاب و لا خبر فإنها تأتي الإمام، فيأمرها أن تنتظر أربع سنين، فيطلب في الأرض، فان لم يجد له أثرا حتى تمضي أربع سنين أمرها أن تعتد أربعة أشهر و عشرا، ثم تحل للأزواج، فإن قدم زوجها بعد ما تنقضي


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 290

عدتها فليس له عليها رجعة، و إن قدم و هي في عدتها أربعة أشهر و عشرا فهو أملك برجعتها».

و هي كما ترى بعد الجمع بينها بحمل المطلق على المقيد ظاهرة في عدم الخيار لها مع أحد الأمرين.

بل قد يقال: إن ظاهره هذه النصوص انحصار تدبير أمرها في زمان انبساط يد الإمام عليه السلام، لا حال قصورها، و لعله لذا قال في المحكي عن السرائر: «إنها في زمن الغيبة مبتلاة، و عليها الصبر إلى أن تعرف موته أو طلاقه» و حينئذ فتسقط ثمرة المسألة في هذا الزمان.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك نصا و فتوى مبنى على الغالب من القصور في زمن الغيبة، و إلا فمع فرض تمكن نائب الغيبة من الإتيان بما ذكرته النصوص يتجه قيامه مقام الوالي في ذلك، لعموم ولايته الشاملة لذلك.

بل ظاهر المحدث البحراني تبعا للكاشاني عدم توقف مباشرة هذه الأمور على الحاكم، فإنه- بعد أن حكى عن المسالك قوله فيها: «لو تعذر البحث عنه من الحاكم إما لعدمه أو لقصور يده تعين عليها الصبر إلى أن يحكم بموته شرعا أو يظهر حاله بوجه من الوجوه، لأصالة بقاء الزوجية، و عليه يحمل ما

روي عن النبي صلى الله عليه و آله «تصبر امرأة المفقود حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه»

و عن علي عليه السلام (1)«هذه المرأة ابتليت فلتصبر»

و من العامة من أوجب ذلك مطلقا عملا بهاتين الروايتين»- قال: «و لا يخفى ما فيه من الإشكال و الداء العضال و الضرر المنفي بالاية(2)و الرواية(3)- إلى أن قال-: و هذا مبني على ظاهر ما اتفقت عليه كلمتهم من توقف


1- 1 المستدرك الباب- 18- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 7 و سنن البيهقي ج 7 ص 446.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 232 و سورة النساء: 4- الآية 19.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 32، ص: 291

الطلاق أو الاعتداد على رفع الأمر إلى الحاكم الشرعي، كما سمعت ما في القواعد من أنه لو مضت مائة سنة و لم ترفع أمرها إلى الحاكم فلا طلاق و لا عدة، بل تبقى على حكم الزوجة، و أن الفحص في ضمن الأربع لا بد و أن يكون من الحاكم و في الحكم بتعينه من الأخبار المزبورة نظر، لما عرفت من أن بعضها(1)و إن دل على الرفع إلى الحاكم إلا أن البعض الآخر(2)خال، و أن الفحص المأمور به لا يتعين كونه من الحاكم، بل يكفي كونه من الولي أو غيره- مؤيدا بما ذكره الكاشاني في الجمع بين النصوص من أنه- إذا فقد الرجل بحيث لم يوجد له خبر أصلا فان مضى عليه من حين فقد خبره أربع سنين و لم يوجد من أنفق على امرأته بعد ذلك و لم تصبر على ذلك أجبر

وليه على طلاقها بعد تحقق الفحص عنه، سواء وقع الفحص قبل مضي الأربع أو بعده، و سواء وقع من الولي أو الوالي أو غيرهما، و عدتها عدة الوفاة- إلى أن قال-: و بالجملة لا ظهور في النصوص في توقف الطلاق على رفع الأمر إلى الحاكم، و أن مبدء الأربع التي يجب عليها التربص فيها من مبدء الرفع، و أن الفحص إنما هو من الحاكم- ثم أطنب في بيان ذلك و قال-: و متى ثبت أن الحكم لا اختصاص له بالحاكم فلا إشكال في أنه مع فقده أو قصور يده لا ينتفي الحكم المذكور، بل يجب على عدول المؤمنين القيام بذلك حسبة، كما قاموا مقامه في غيره، و أما الخبران المذكوران في المسالك فهما عاميان».

و من لاحظ تمام كلامه ينبغي أن يقضي منه العجب، و ذلك لأن جميع النصوص المزبورة ما بين صريح و ظاهر في مدخلية الوالي في ذلك، بل ما في بعضها(3)من إرسال رسول أو الكتابة إلى ذلك الصقع، كالصريح في بسط اليد، و مع فرض عدم مدخلية الحاكم في ذلك لا مدخلية لعدول المؤمنين الذين ولايتهم فرع ولايته.


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.

ج 32، ص: 292

بل لو لم نقل بالطلاق توقف اعتدادها بالمدة المزبورة على أمر الحاكم و إن احتمل في المسالك «الاكتفاء بمضيها، لظاهر خبر سماعة(1)أنها تعتد بعد تطلبه أربع سنين، و

لإشعار الحال بالوفاة و دلالته عليها» لكن كما ترى (2)ضرورة ظهوره و غيره أن ذلك كله من أعمال الحاكم و مناصبه، فليس لها و لا لغيرها شي ء من ذلك بدونه، لا في ضرب الأجل، و لا في الفعل بعده، كما هو واضح، خصوصا بعد ملاحظة الاحتياط، و كون المسألة على خلاف مقتضى الضوابط.

كما أنه ينبغي أن يقضي العجب بما فيها أيضا من الاقتصار في الحكم المذكور على خصوص المفقود بسبب سفر و غيبة، دون المفقود بانكسار سفينة أو معركة أو نحو ذلك مما لا أثر له في النصوص المزبورة، فتتزوج هذه من دون رفع أمرها إلى الحاكم، و من دون تأجيل، بل بالقرائن الدالة على موته.

ثم أطنب في بيان ذلك، و حكى عن بعض مشايخه المحققين موافقته على ذلك، و كذا حكى عن الآخوند ملا محمد جعفر الأصبهاني الشهير بالكرباسي، قال: «و قد زوج جملة من النساء اللاتي فقدت أزواجهن في معركة قتال الأفغان مع عسكر شاه سلطان حسين في مفازة قرب كرمان».

إذ لا يخفى عليك ما فيه (أولا) من أن مقتضى ما ذكره حرمة التزويج إلى حصول العلم بالموت للمرأة و لمن يريد نكاحها ممن هو عالم بحالها، لا التزويج بالقرائن التي لا توجيه، و مع فرض حصوله بها لا بحث فيه، بل و في مسألة المفقود بالسفر أيضا و إن لم يكن ثم مخبر بذلك و إن توهمه في المسالك، ضرورة أنه ما بعد العلم من شي ء.

و (ثانيا) أن العنوان في النصوص المزبورة «المفقود» الشامل لهذه الأفراد،


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المخطوطة بقلم المصنف طاب ثراه« لكنه كما ترى» و هو الصحيح.

ج 32، ص: 293

و لا ينافي ذلك ما في بعضها(1)من الإرسال إلى النواحي، فإن المدار على التجسس عنه في الوجه الذي نفذ فيه، ليعلم حاله، و ليس هذا من القياس في شي ء، بل هو مقتضى إطلاق اللفظ الذي لا داعي إلى تخصيصه بذكر حال بعض أفراده، كما هو واضح.

و من هنا لم أجد أحدا من أساطين الأصحاب تردد في شي ء من ذلك، و قد جعلوا العنوان ما في النصوص من المفقود الشامل لجميع الأفراد المزبورة، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كيف كان ف لو جهل خبره و لم يكن من ينفق عليها و لو متبرع فان صبرت فلا بحث، ضرورة كون ذلك كله للإرفاق بها و إن رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها أربع سنين، و فحص عنه، فان عرف خبره صبرت، و على الامام أن ينفق عليها في الأجل المزبور من بيت المال المعد للمصالح التي هذه منها.

و إن لم يعرف خبره أمرها بالاعتداد عدة الوفاة ثم تحل للأزواج بلا خلاف أجده فيه نصا(2)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، لكن بعد الطلاق من وليه أو الوالي، كما سمعت

التصريح به في النصوص (3)المزبورة المعتضدة بالأصل و غيره، عدا

موثق سماعة(4)المحمول عليها، خصوصا بعد قوله عليه السلام فيه: «هو أملك برجعتها»

بل في كشف اللثام «لا خلاف في المسألة، فإن غاية الأمر السكوت في

مضمر سماعة(5)و عبارات أكثر الأصحاب».

قلت: و لا ينافي ذلك كون العدة عدة وفاة، لاحتمال اختصاص هذه العدة للطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
5- 5 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 294

بالمدة المزبورة، و لعل السر ملاحظة موته فيها، باعتبار قضاء العادة بالوقوف عليه مع الفحص أربع سنين في النواحي التي يظن وجوده فيها، فتكون عدة الطلاق هنا بمقدار عدة الوفاة، و من هنا صرح القائلون بالطلاق بكون العدة عدة وفاة.

و إن أبيت إلا وجود الخلاف في ذلك- كما ذكر في المسالك و غيرها، ناسبين له إلى الشيخ و جماعة، و إلى المصنف و غيره ممن عبر نحو عبارته بل جعلوا ثمرة المسألة النفقة و الحداد و غيرهما، بل في المسالك الإشكال في العدة أيضا مستظهرا من النصوص أنها عدة الطلاق، قال: إلا أن القائلين بالطلاق صرحوا بكونها عدة وفاة، و لا يخلو من إشكال، و

رواية سماعة(1)الدالة عليها موقوفة ضعيفة السند» و فيه أن رواية سماعة ليس دالة على أنها عدة طلاق، نعم مرسل الفقيه (2)دال على ذلك، و هو حجة بعد الانجبار، كما أن موثق سماعة بعد حمل إطلاقه على مقيد غيره يكون كذلك. و أما الحداد فلا ريب في عدم وجوبه و إن توقف فيه الفاضل،- لكنه في غير محله بعد صراحة النصوص (3)المزبورة بالطلاق المقتضي لكون ذلك عدته لا عدة وفاة.

على أنه لا إشعار في شي ء من النصوص بأن للحاكم حينئذ أن يحكم بموته و إلا لوجب عليها الاعتداد حينئذ، مع أنه لا خلاف و لا إشكال في أن لها الصبر و البقاء على الزوجية و لو بعد تأجيل الحاكم و فحصه، بل لا يبعد وجوب ذلك عليها لو فرض وجود المنفق بعد المدة المزبورة، كما أنه لا يبعد أن للحاكم بعد طلاقها لو أرادته بعد اختيارها الصبر بعد الأجل، و لا تحتاج إلى تأجيل آخر.

بل لا يبعد عدم احتياج غيرها من الزوجات- اللاتي لم يرفعن أمرهن إلى الحاكم- إلى التأجيل لهن بالخصوص، بل لا يبعد الاكتفاء بالفحص و البحث من الحاكم أربع سنين و إن لم يكن بعنوان التأجيل للمرأة المزبورة، و إن كان هو


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.

ج 32، ص: 295

خلاف ظاهر صحيح بريد(1)و موثق سماعة(2).

بل في قواعد الفاضل «ضرب أربع سنين إلى الحاكم، فلو لم ترفع خبرها إليه فلا عدة حتى يضرب لها المدة ثم تعتد و لو صبرت مائة سنة، و ابتداء المدة من رفع القضية إلى الحاكم و ثبوت الحال عنده، لا من وقت انقطاع الخبر» لكن يمكن حمله على ما لا ينافي ما ذكرنا.

نعم ظاهر أكثر الفتاوى و الصحيح المزبور(3)أن مبدأ المدة الرفع المذكور إذا لم يكن ثمة فحص سابق من الحاكم إلا أن في المحكي عن الخلاف «تصبر أربع سنين، ثم ترفع أمرها لتنتظر من يتعرف خبر زوجها في الآفاق، فان عرف له خبر لم يكن لها طريق إلى التزويج» إلى آخره. و في

صحيح الحلبي (4)«إذا مضى له أربع سنين يبعث الوالي»

و من المعلوم أنه لا مدة عليها لابتداء رفع أمرها، بل متى انقطع خبره و صدق عليه اسم المفقود و لم يكن لها منفق و لو متبرع رفعت أمرها إلى الحاكم، فلا بد من حمل ذلك على إرادة خصوص من يتوقف صدق اسم الفقد عليه على مضي المدة المزبورة لبعد جهة سفره أو غيره و أما إطلاقه إرسال الوالي فيحمل على ما في غيره من المدة المزبورة كما أنه يحمل خبر أبى الصباح (5)على ما إذا كان ذلك بأمر الحاكم، و الله العالم.

و لو فقد في بلد مخصوص أو جهة مخصوصة بحيث دلت القرائن على عدم انتقاله منها إلى

غيرها ففي المسالك «كفى البحث عنه في تلك البلد أو تلك الجهة، فان لم يظهر خبره تربص أربع سنين من غير بحث، فإذا مضت فعل بها ما تقرر من الطلاق أو الأمر بالاعتداد، ثم تزوجت إن شاءت، و كذا إن كان فقده في جهتين أو ثلاث أو بلدان كذلك اقتصر على البحث عنه فيما يحصل فيه الاشتباه».

قلت: كأنه فهم التعبد من الأجل المزبور، و يؤيده في محل الفرض استصحاب


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.

ج 32، ص: 296

المنع، و لكن ينافيه فيما لو فرض عدم وفاء الأجل المزبور باستقصاء البحث عنه في محتملاته، و التزام الفعل بها مع انتهاء الأجل المزبور و إن لم يستقص فيه الاحتمال كما ترى مناف للاستصحاب المزبور و الاحتياط و غيرهما، و القول بأن ذلك مثال لإرادة استقصاء البحث في محتملاته يقدح في القول بالتعبد المزبور، و الأخرى مراعاة الاحتياط في كل منهما.

هذا و قد عرفت أن مقتضى النصوص المزبورة تخير الحاكم بين المكاتبة و إرسال الرسل، بل و بين غيرهما من طرق الفحص عن أمثال ذلك، لكن في المسالك «يعتبر في الرسول العدالة، ليركن إلى خبره حيث لا يظهر و لا يشترط التعدد، لأن ذلك من باب الخبر لا الشهادة، و إلا لم تسمع، لأنها شهادة على النفي، و مثل هذا البحث لا يكون حصرا للنفي حتى يقال: إنه مجوز للشهادة، و إنما هو استعلام و تفحص عنه ممن يمكن معرفته له عادة، لا استقصاء كلى».

و فيه أن ذلك إذا كان استعلاما و تفحصا فلا مدخلية للعدالة فيه أيضا، ضرورة كونه كغيره مما يبحث عنه و يفحص، و قد سمعت ما في موثق سماعة(1)من اعتبار عدم علمها من الأرض، و عدم إتيان كتاب منه و لا خبر في رفع أمرها إلى الحاكم، كما أنك سمعت اعتبار عدم وجدان الحاكم أثرا له في الفعل المزبور، بل قد عرفت تضمنها الاعتماد على الكتابة التي هي ليس طريقا شرعيا، و بالجملة لا مدخلية للعدالة في المقام، و الله العالم.

ثم إنه لا يخفى عليك اختصاص الحكم المزبور بالزوجة، دون الميراث و عتق أم الولد و نحو ذلك مما يترتب على موته، فينتظر في قسمة ما له حينئذ انتهاء عمره الطبيعي، كما استوفينا الكلام في ذلك في المواريث، لحرمة القياس عندنا، فالأصول و القواعد حينئذ بحالها.

بل الظاهر اختصاص الحكم بالدائمة دون المتمتع بها، لإشعار الأمر بالطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 297

و الإنفاق في ذلك، نعم لا فرق بين الحرة و الأمة في ذلك، كما لا فرق بين الحر و العبد فيه، كما هو واضح.

و لو أنفق عليها الولي أو الحاكم من ماله ثم تبين تقدم موته على زمن الإنفاق أو بعضه ففي المسالك «لا ضمان عليها و لا على المنفق، للأمر به شرعا، و لأنها محبوسة لأجله، و قد كانت زوجته ظاهرا، و الحكم مبنى على الظاهر» و فيه أن ذلك كله لا ينافي قواعد الضمان بالإتلاف و اليد و نحوهما، و الظاهر بعد ظهور الحال لا يدفع الضمان، كما في الوكيل الذي قد بان انعزاله بموت الموكل مثلا، إذ المسألة ليست من خواص المقام، و الدفع بعنوان النفقة يوجب الضمان بعد ظهور عدم استحقاقها، كما هو واضح.

و كيف كان فقد بان لك من النصوص و ما ذكرناه فيه أن الشارع راعى بعد الفحص المدة المزبورة احتمالي الحياة و الموت، و لذا أمر بالطلاق و الاعتداد عدة الوفاة، ليكون ذلك خلاصا للمرأة على كل حال، فتكون المدة المزبورة حينئذ عدة وفاة لو صادفت و إن لم يكن قد بلغها الموت، كما أنها تكون عدة طلاق و إن كانت الامرأة من ذوات الأقراء.

و حينئذ فلو جاء زوجها أي ظهرت حياته و قد خرجت من العدة و نكحت زوجا آخر فلا سبيل له عليها إجماعا بقسميه، لما عرفت و لظاهر النصوص (1)المزبورة، بل و ان اعتدت بأمر الحاكم من دون طلاق على القول به.

و إن جاء في أثناء العدة فهو أملك بها للنصوص (2)المزبورة الدالة على أنها بحكم العدة الرجعية و إن كانت بقدر عدة الوفاة، حتى على القول


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 298

بالاعتداد بأمر الحاكم من دون طلاق، لتصريح

موثق سماعة(1)الذي هو دليل القول المزبور بذلك، بل ظاهر قوله فيه: «هو أملك برجعتها»،

أن له الرجوع بها، لا أنها تكون زوجته قهرا و إن احتمله بعض الناس أو استظهره فيه و في نحو عبارة المصنف، لكنه في غير محله، خصوصا بعد ملاحظة موافقته لغيره من النصوص التصريح في ذلك، ل

قوله عليه السلام فيه (2)«فبدا له أن يرجع فيها»

كما هو واضح.

و إن خرجت من العدة و لم تتزوج فعن الشيخ فيه روايتان و تبعه المصنف ثم قال أشهرهما(3)رواية و عملا أنه لا سبيل له عليها بل لم نقف على رواية الرجوع فيما وصل إلينا كما اعترف به غير واحد ممن سبقنا، بل في المسالك «لم نقف عليها بعد التتبع التام، و كذا قال جماعة ممن سبقنا» نعم صريح

النصوص (4)السابقة أنه لا سبيل له عليها، حتى موثق سماعة(5)الذي لم يذكر فيه الطلاق.

و منه يعلم ما في تفصيل الفاضل في المختلف بأن العدة إن كانت بعد طلاق الولي فلا سبيل للزوج عليها، و إن كانت بأمر الحاكم من غير طلاق كان أملك بها، و ذلك لأن الأول طلاق شرعي قد انقضت عدته، بخلاف الثاني، فإن أمرها بالاعتداد كان مبنيا على الظن بوفاته، و قد ظهر بطلانه، فلا أثر لتلك العدة، و الزوجية باقية، لبطلان الحكم بالوفاة، مضافا إلى اقتضاء ذلك أولويته بها، حتى لو تزوجت، و قد


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1« و فيه « فبدا له أن يراجعها».
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح، و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح، و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 299

عرفت الإجماع على خلافه، و الفرق بينهما- بأن الشارع قد حكم به ظاهرا، فلا يلتفت إلى العقد الأول، بخلاف ما لو كان قبل التزويج- كما ترى، ضرورة اتحاد حكم الشارع بالتزويج و حكمه بالعدة بالنفوذ و عدمه، و على كل حال فما عن الشيخ في النهاية و الخلاف و فخر المحققين واضح الضعف، بل هو كالاجتهاد في مقابلة النص، و الله العالم.

[فروع]
[الأول لو نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا]

الأول:

لو نكحت بعد العدة ثم بان موت الزوج كان العقد الثاني صحيحا بلا خلاف و لا إشكال، بل قد عرفت الإجماع عليه لو جاء حيا فضلا عن مجي ء خبر موته. و لا عدة عليها من موته كما هو ظاهر النصوص (1)السابقة أو صريحها سواء كان موته قبل العدة أو معها أو بعدها و ذلك لأن عقد الأول سقط اعتباره في نظر الشرع بالطلاق أو بالأمر بالاعتداد فلا حكم ل ه ب موته كما لا حكم ل ه في حال حياته المصرح به في النصوص (2)بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بيننا.

و في المسالك «و ربما قيل ببطلان العدة لو ظهر موته فيها أو بعدها قبل التزويج بناء على أنه لو ظهر حينئذ كان أحق، لأن الحكم بالعدة و البينونة كان مبنيا على الظاهر، و مستند حكم الحاكم الاجتهاد، و قد تبين خطأه، فعليها


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح، و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 300

تجديد عدة الوفاة بعد بلوغها الخبر كغيرها، بل يحتمل وجوب العدة عليها ثانيا و إن نكحت، لما ذكر، و سقوط حق الأول عنها لو حضر و قد تزوجت لا ينفي الاعتداد منه لو مات، و هذا قول لبعض الشافعية، و المذهب هو الأول، و المصنف نبه بما ذكره من الحكم على خلافه».

قلت: و لعل ذلك هو الداعي إلى فرض المسألة في صورة النكاح، و إلا فقد عرفت فيما مضى أنه لا فرق بين نكاحها و عدمه، نعم لو فرض مجي ء خبر موته و هي في أثناء العدة أمكن القول باستئنافها عدة الوفاة، كما إذا جاءها قبل الشروع بها.

أما إذا جاء بعد الاعتداد فلا إشكال في عدم التفاتها، لخلوصها منه حينئذ بالطريق الشرعي، و دعوى اختصاص ذلك بما إذا كان الأمر مشتبها لا شاهد لها، بل صريح ما فرض في النصوص من مجيئه بعد العدة خلافه، و لا يرد أنها عدة طلاق رجعي بناء على المختار، و من حكم عدة الطلاق أنه إذا تجدد الموت في أثنائها انتقلت إلى عدة الوفاة، و إن لم تعلم بالموت إلا بعدها استأنفت عدة الوفاة، و ذلك لظهور النص (1)و الفتوى في كفاية العدة المزبورة لها هنا على كل حال، كما هو واضح.

[الثاني لا نفقة على الغائب في زمان العدة]

الثاني لا نفقة على الغائب في زمان العدة و لو حضر قبل انقضائها نظرا إلى أنها عدة نشأت من حكم الحاكم بالفرقة فهي إما عدة وفاة و إن جاز له الرجوع في أثنائها أو عدة طلاق، و لكن لا دليل على النفقة فيه، و إن جاز له الرجوع، بدعوى ظهور الأدلة(2)في أن نفقة المطلقة الرجعية فيما لو طلقها هو، لا الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 301

في مثل الفرض الناشي من حكم الحاكم الذي هو باق على مقتضي أصالة البراءة بعد خروج الامرأة عن الزوجية.

و لكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت، و من ظهور النصوص (1)في كونه طلاقا رجعيا و إن كان المباشر له الولي الشرعي الذي هو أولى من الوكيل، بل يظهر من بعضها(2)أن حكم العدة فيه حكم العدة الرجعية و إن لم يكن ثم طلاق، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك في خصوص الرجوع لا مطلقا حتى النفقة، و لكنه لا يأتي على المختار من اعتبار الطلاق في فراقها، و لا ريب في ظهور النصوص في كونه طلاقا رجعيا و إن طالت عدته.

و مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما ذكر في بعض الكتب في المسألة، حتى الفاضل في القواعد الذي خص الإشكال في النفقة لو حضر، و ظاهره عدم الإشكال في عدم وجوبها مع عدم الحضور، إذ قد عرفت أن المتجه وجوبها باعتبار كون الطلاق رجعيا و إن لم يحضر، و لو قلنا بالاعتداد بدونه و أنه بالحضور و لو بعد العدة ينكشف البطلان يتجه وجوب النفقة لو جاء و لو بعد العدة، حتى لما مضى من العدة و ما بعدها، لبقائها على الزوجية حينئذ، كما هو واضح.

[الثالث لو طلقها الزوج أو ظاهر و اتفق في زمن العدة صح]

الثالث لو طلقها الزوج أو ظاهر أو آلى و اتفق كون ذلك في زمن العدة التي هي من طلاق الحاكم أو أمره صح بلا خلاف و لا إشكال، بناء على صحة ذلك في العدة الرجعية، ضرورة كونها منها إن وقع الطلاق من الولي أو الوالي، لما عرفت من كونه طلاقا رجعيا و إن كانت عدته مقدار عدة


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح و الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 302

الوفاة، و بحكم الرجعية إن اعتدت بأمره من دون طلاق، و احتمال كونها بحكمها في خصوص الرجعية دون غيرها جمود و لعله لذا جزم المصنف به مع ظهور عبارته السابقة أن العدة بأمر الحاكم من دون طلاق، إلا أن الانصاف عدم خلوه من الاشكال.

نعم لو اتفق كون ذلك بعد العدة لم يقع و لو قبل التزويج لانقطاع العصمة بينهما بانقضائها على كل حال مع فرض عدم معرفة خبره، لكن في المسالك و كشف اللثام إشكال صحة وقوع الطلاق على المطلقة الرجعية من دون تخلل رجعة بأنه لا تصح عندنا تطليقتان من دون تخلل رجوع بينهما، اللهم إلا أن يقال: إن المطلقة الرجعية باقية على الزوجية حقيقة إلى انقضاء العدة، أو يجعل ذلك بمنزلة الرجوع و الطلاق على نحو «أعتق عبدك عني».

هذا و قد تقدم لثاني الشهيدين في بحث النكاح الكلام في أن الطلاق الرجعي مزيل للنكاح زوالا متزلزلا لا يستقر إلا بانقضاء العدة أو أنه جزء السبب في الزوال، و تمامه انقضاء العدة، و فرع على الأخير جواز وقوع الظهار و اللعان و الإيلاء و جواز تغسيلها الزوج و بالعكس، بل جعله هو المراد للمصنف بقوله هناك: «إن الرجعية زوجة» فما أدري ما الذي دعاه إلى الإشكال في خصوص الطلاق الذي هو في الحقيقة كالظهار في اعتبار وقوعه على الزوجة.

[الرابع لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به]

الرابع لو أتت بولد بعد مضي ستة أشهر من دخول الثاني لحق به لأن الولد للفراش و لو ادعاه الأول و ذكر أنه وطأها سرا لم يلتفت إلى دعواه لزوال فراشه.

و قال الشيخ ره: يقرع بينهما نحو ما قاله فيما لو طلقها فتزوجت و أتت بولد يمكن إلحاقه بهما و لكن هو كما ترى بعيد لأنها فراش

ج 32، ص: 303

للثاني فعلا بخلاف الأول، فإنها كانت فراشا له، فلا ريب في رجحانه عليه، فلا إشكال كي يكون محلا للقرعة، و قد تقدم الكلام في ذلك في كتاب النكاح، بل هو في المقام أولى منه من وجوه.

[الخامس لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة و كذا لا ترثه]

الخامس:

لا يرثها الزوج لو ماتت بعد العدة و كذا لا ترثه بلا إشكال، بناء على ما عرفت من انقطاع العصمة بينهما بانقضائها و إن لم تتزوج، بل و إن لم نقل بالطلاق، لما سمعته من تصريح الموثق (1)بأنه لا سبيل له عليها بعدها لو جاء حيا فضلا عن الموت.

ن في المسالك على القول بأنه لو حضر حينئذ كان أحق بها يحتمل ثبوت التوارث، لظهور كونه موجودا إلى تلك الحال المقتضي ببقاء الزوجية في نفس الأمر، و كونه أحق بها على تقدير ظهوره دليل على أن الحكم بالبينونة مبني على الظاهر، و مستمر مع الاشتباه لا مع ظهور الحال.

و فيه- مضافا إلى ما عرفته من ضعف القول المزبور- أن المتجه عدمه عليه أيضا، لحكم الشارع بانقطاع العصمة بينهما بانقضائه و إن كان هو أولى بها لو جاء، فان ذلك لا يقتضي التوارث بينهما مع عدم مجيئه، كما هو واضح.

و لذا كان ظاهر المصنف عدم الإشكال في ذلك على كل حال، بل قال:

التردد لو مات أحدهما في العدة من كونها عدة رجعية أو بائنة و الأشبه الإرث حتى لو قلنا بالاعتداد من دون طلاق، لما عرفت من كونها بمنزلة الرجعة أيضا و إن كان لا يخلو من إشكال.


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و فيه «فليس له عليها رجعة» و قوله عليه السلام: «لا سبيل للاول عليها» مذكور في صحيح بريد المروي في الوسائل في الباب- 23- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 1.

ج 32، ص: 304

[السادس لو غلط الحاكم بالحساب فاعتدت و تزوجت قبل مضي مدة التربص بطل النكاح الثاني]

السادس:

لو غلط الحاكم بالحساب فأمرها بالاعتداد فاعتدت و تزوجت قبل مضي مدة التربص بطل النكاح الثاني لوقوعه على غير الوجه الشرعي، بل هو نكاح لذات بعل شرعا، بل الأقرب تحريمها عليه أبدا مع الدخول، لكونه تزويجا لذات بعل، و هو محرم أبدا نصا(1)و إجماعا كما عرفته في محله، نعم لو بان كون نكاحه لها بعد موته أمكن القول بعدم حرمتها عليه، بل في القواعد «الأقرب صحة الثاني لو تبين موت الزوج الأول قبل العدة».

قلت: لعله لعدم كونها حينئذ ذات بعل في نفس الأمر، بل و لا في عدة، لما عرفت من أنها عندنا موقوفة على الطلاق الصحيح الذي يتعقب تربص الأربع سنين، لكن في كشف اللثام: «و يحتمل البطلان، لابتنائه ظاهرا و في زعم المتعاقدين على الاعتداد المبنى على الخطاء».

و لو عاد الزوج من سفره و قد ظهر الغلط في الحساب فان لم يكن قد تزوجت وجب لها نفقة جميع المدة، و إن كانت قد تزوجت ففي القواعد «سقطت نفقتها من حين التزويج، لأنها ناشز، فإذا فرق بينهما فان لم يكن دخل بها الثاني عادت نفقتها في الحال، و إن دخل فلا نفقة لها على الثاني، لأنه مشتبه، و لا على الأول لأنها محبوسة عليه لحق غيره» و لا يخلو من نظر كما أن ما فيها أيضا من أنه «لو رجع بعد موتها ورثها إن لم تخرج مدة التربص و العدة و يطالب الورثة الثاني بمهر مثلها» كذلك أيضا.

و لو بلغها موت الأول اعتدت له بعد التفريق، و إن مات الثاني فعليها عدة وطء الشبهة، و لو ماتا معا فان علمت السابق و كان هو الأول اعتدت عنه بأربعة


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 32، ص: 305

أشهر و عشرة أيام، أولها يوم مات الثاني، لأن العدة لا تجتمع مع الفراش الفاسد، و فراشه قائم إلى وقت موته، و إن سبق الثاني فإن كان بين المدتين ثلاثة أقراء مضت عدة الثاني، فتعتد عن الأول، و إن كان أقل أكملت العدة ثم اعتدت من الأول، و لو لم يعلم السابق أو علم التقارن اعتدت من الزوج ثم من وطء الشبهة».

[الفصل السادس في عدد الإماء و الاستبراء]

الفصل السادس في عدد الإماء و الاستبراء لهن و إن كان قد تقدم الكلام في أكثر أحكامه في كتاب البيع مستوفى، لكن من المعلوم أنه طلب البراءة لغة، و التربص عن وطء الأمة مدة بسبب إزالة ملك أو حدوثه شرعا.

و أما العدة فهي التربص فيها للنكاح و شبهه على نحو ما سمعته في الحرة، و لعل اختصاصه بالاسم المزبور باعتبار تقدير تربصه بما يدل على البراءة من غير تكرر و تعدد فيه، بخلاف التربص الواجب بسبب النكاح الذي هو مأخوذ من العدد باعتبار تعدد الأقراء و الشهور فيه. هذا و لكن قد تطلق العدة على الاستبراء و بالعكس.

و كيف كان ف عدة الإماء في الطلاق مع الدخول و البلوغ و عدم اليأس قرآن بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله كذلك عند العامة- فضلا عن الخاصة- إلا ما يحكى عن داود منهم، فجعلها ثلاثة أقراء، و قد سبقه الإجماع، بل و لحقه، و المشهور كما في الحرة أن هما طهران شهرة عظيمة.

و قيل و القائل الإسكافي و العماني على ما حكي عنهما حيضتان و تبعهما بعض متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك و صاحبي الكفاية و الحدائق، بل

ج 32، ص: 306

كأنه مال إليه في الرياض.

و لكن لا ريب في أن الأول مع كونه أشهر بل هو المشهور، بل يمكن دعوى الاتفاق عليه من زمانهما إلى زمان المزبورين- أظهر ل

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن حر تحته أمة أو عبد تحته حرة كم طلاقها؟

و كم عدتها؟ فقال: السنة في النساء في الطلاق فان كانت حرة فطلاقها ثلاثا، و عدتها ثلاثة أقراء، و إن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان، و عدتها قرءان»

الذي هو كالصريح في اتحاد المراد بالقرء في الحرة و الأمة.

و قد عرفت النصوص (2)و الفتاوى بكونه فيها الطهر، بل قد سمعت من النصوص (3)ما يقتضي تفسيره بذلك، من غير فرق بين عدة الحرة و الأمة بل في بعضها(4)تعليله بكونه يقرء فيه الدم، أي يجتمع ثم يقذف بالحيض دفعة، و لا ينافي ذلك نصوص الحيضتين (5)التي هي كنصوص الثلاث حيض (6)في الحرة التي قد عرفت حملها على التقية، أو إرادة الدخول في الأخيرة لإتمامه، أو إرادة الإمساك عن خصوص التزويج إلى انقضائها كما عرفته سابقا.

و لقد أجاد في الوسائل بحمل ما هنا على ما عرفته في نظائرها هناك مع اختلال طريقته، ضرورة انسياق الاتحاد فيهما.

فمن الغريب ما وقع لبعض الناس من مستقيمي الطريقة هنا من الإشكال في المقام باعتبار إمكان الفرق بين القرءين فيهما، للنص (7)الدال على كونه الطهر


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 2 و 3 و 4 و 5.
6- 6 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد الحديث 7 و 8.
7- 7 الوسائل الباب- 14- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 307

هناك بخلافه هنا، فتبقى نصوص الحيضتين بلا معارض، فتكون مفسرة للقرء هنا أو مقيدة، إذ هو كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة العظيمة، و ملاحظة معلومية كون الرق على النصف من الحر في الحد و القسم و غيرهما، و مقتضاه كون العدة قرء و نصف، إلا أنه لما لم يعلم نصف القرء إلا بعد انتهائه كانت العدة قرءين، كما أنه جعل المدار في الأمة بالنسبة إلى المحلل على التطليقتين باعتبار عدم تعقل التنصيف في الطلاق، و بالجملة فلا ينبغي الشك في الحكم المزبور.

و يلحق بالطلاق فسخ النكاح و لو بسبب بيعها أو بيع زوجها ففسخ المشتري نكاحها، كما صرح بالأخير الفاضل في القواعد لأنه كذلك في الحرة، و لاستصحاب المنع المتحقق فيها و لو مدة الاستبراء، إذ احتمال عدم وجوب شي ء عليها مقطوع بعدمه، و من هنا كان الاحتمال المقابل للاعتداد الاستبراء، لخروجه عن مدلول لفظ الطلاق، و من منع انحصار الاعتداد في مسماه، كما سمعته في وطء الشبهة للحرة، و لأصل البراءة المقطوع باستصحاب المنع فيها، و دعوى الفرق بينها و بين الحرة- بأنه ليس للحرة مدة مضروبة لاستبراء رحمها أقل من عدة الطلاق، فلا يمكن الحكم بالبراءة في أقل منها، بخلاف الأمة- لا تصلح معارضة للاستصحاب المزبور.

نعم لو ثبت أن الأصل في وطء الأمة الاستبراء إلا ما خرج من الطلاق و نحوه لكان ذلك متجها، و لكن دونه خرط القتاد.

و من ذلك يعلم الحال في كل فرد حصل الشك فيه بالنسبة إلى اعتبار حكم العدة فيه أو الاستبراء، و لعل من ذلك وطء الشبهة و لو من المالك في المزوجة، و غيره مما يمر عليك في أثناء المباحث.

و لعل من ذلك عدة المبعضة و إن ذكر فيها وجهان، إلا أن المتجه للأصل المزبور اعتدادها بعدة الحرة، و أما احتمال ملاحظة المركب مما يقتضيه التقسيط على كل من عدتي الحرة و الأمة بالنسبة إلى ما فيها من الحرية و الأمية(1)فلم أجد قائلا به بل و لا من احتمله.


1- 1 في النسختين الأصليتين «و الأمة».

ج 32، ص: 308

و كيف كان ف أقل زمان تنقضي به عدتها ثلاثة عشر يوما و لحظتان: لحظة بعد وقوع الطلاق، و لحظة أخرى من الحيض نحو ما سمعته في الحرة.

و منه يعلم وجه البحث في اللحظة الأخيرة في أنها من العدة أو بها يحصل العلم بانقضائها، ضرورة كون الكلام كما في الحرة.

بل مما تقدم يعلم أيضا إمكان فرضه بأقل من ذلك، و هو عشرة أيام و ثلاث لحظات في صورة الطلاق بعد الوضع قبل النفاس بلحظة، ثم يأتي الدم لحظة، ثم تطهر عشرة أيام، ثم تحيض فتخرج حينئذ بأول لحظة من الحيض هذا كله في ذات الأقراء.

و أما إن كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض اعتدت بشهر و نصف، سواء كانت تحت حر أو عبد كما في خبر محمد بن الفضيل (1)عن أبي الحسن الماضي عليه السلام، و في

مضمر سماعة(2)«عدة الأمة التي لا تحيض خمسة و أربعون يوما»

و في الفقيه عنه (3)أيضا عن أبى عبد الله عليه السلام «عدة الأمة التي لا تحيض خمس و أربعون ليلة- يعني إذا طلقت-»

و في

خبر أبي بصير(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «عدة الأمة المطلقة شهر و نصف»

و في

خبر زرارة(5)عن أبي جعفر عليه السلام الاتي في النصرانية «عدتها في الطلاق عدة الأمة: حيضتان أو خمسة و أربعون يوما»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

و ما في آخر(6)من الشهرين فشاذ لا عامل به، بل لا أجد خلافا في الأول في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى معلومية كون الأمة في العدة على


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 4.

ج 32، ص: 309

النصف من الحرة، و القرآن فيها لما عرفت.

بل لعل الظاهر من التأمل في النصوص (1)الواردة في الحرة و الأمة اتحادهما في كيفية الاعتداد و إن اختلفا في الكمية، و حينئذ يتجه كون العدة في الأمة أحد الأمرين: القرءين أو الشهر و نصفا، نحو ما سمعته في الحرة من ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر بيض، أيهما سبق كان الاعتداد به.

من غير فرق في ذلك بين ذات الأقراء و بين من كانت في سن من تحيض و مثلها لا تحيض، كالمرضعة و ذات التسع سنين و نحوهما، و بين التي لا تحيض و مثلها يحيض و لكن لم تحض هي لمرض مثلا، بل و بين من كانت عادتها الحيض في الأزيد من الشهر و نصف، نحو ما سمعته في الحرة ممن كانت عادتها أزيد من ثلاثة أشهر، ضرورة أن الأمة أضعف من الحرة في العدة.

بل الظاهر عموم الضابط المزبور في الأمة حتى للمسترابة، بأن جاءها الحيض في الأقل من شهر و نصف و لو بيوم ثم غابت حيضتها، فإنها تعتد حينئذ بالشهر و النصف ما لم تأتها حيضة أخرى قبلها.

و لا يجري عليها حكم المسترابة في الحرة اقتصارا في خبر سورة(2)عليها خاصة، لظهوره أو صراحته فيها، و لا تعليل فيه يقتضي التعدية عنها في الحكم المخالف لإطلاق الأدلة المزبورة، و كذا خبر عمار(3)الذي قد عرفت الحال فيه سابقا.

و لعله للاتكال على ما سمعته في الحرة اقتصروا هنا على ذكر الاعتداد بالقرءين و الخمسة و أربعين يوما.

هذا و لكن في الرياض بعد أن ذكر الاعتداد بالخمسة و الأربعين يوما للتي لا تحيض و هي في سن من تحيض قال: «و لو كانت مسترابة بالحمل كان عليها الصبر بأشهر تسعة، وفاقا لشيخنا العلامة و بعض الأجلة، التفاتا إلى ظواهر النصوص الإمرة به في الحرة التي هي كالصريحة في أن الصبر تلك المدة لاستعلام البراءة، و لا يتفاوت


1- 1 الوسائل الباب- 12 و 40- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 310

فيه الحرة و الأمة، لكن ظاهرها أن الصبر تلك المدة ليس للعدة، بل إنما هو لمعرفة البراءة، و أما العدة فهي الأشهر الثلاثة التي بعدها، و بمقتضى ذلك يجب عليها الصبر هنا بعد التسعة بشهر و نصف البتة إلا أني لم أقف على مفت بذلك، بل هم ما بين مفت بتسعة و مصرح بعدم وجوبها و الاكتفاء بأشهر ثلاثة، التفاتا إلى ظهور الحمل في هذه المدة و اختصاص الأمر بالزيادة بالحرة، و المناقشة فيه بعد ما عرفت واضحة».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر بعد الإحاطة بما ذكرناه هناك، و ما أدري ما النصوص التي أشار إليها، فإن كان خبر سورة(1)فهو ليس إلا خبر واحد، و قد عرفت الحال فيه، و إن كان المراد نصوص (2)مدعية الحمل فهي غير الاسترابة فيه التي قد عرفت عدم اقتضائها وجوب التربص تسعة و إن استرابت و ظهرت أماراته من حركة و نحوها اللهم إلا أن يعلم أنها حامل، و مدعية الحمل غير المسترابة فيه، بل هي بزعمها أنها من ذوات الأحمال، و قد عرفت أنها لا تعتد بعد التسعة، كما أوضحنا الحال فيه هناك، فلا حظ و تأمل حتى تعرف وجوه النظر في كلامه.

و قد سبقه إلى هذا الوهم المقداد في التنقيح، بل إنما اغتر به، لأنه قال في شرح قول المصنف في النافع: «و لو كانت- أي الأمة- مسترابة فخمسة و أربعون يوما»: «هذا هو المشهور، و قال ابن الجنيد: لو اعتدت بشهرين كان عندي أحوط، قال: فان استرابت بالحمل انتظرت ثلاثة أشهر، قال العلامة: الوجه أنها مع الريبة تنتظر تسعة أشهر كالحرة، لتساويهما في زمان الحمل- ثم اعترضه بأنه لا حاجة إلى التسع، لأن العلم بالحمل لا يتوقف على مضي أقصى غايته- و لو قلنا بذلك في الحرة فلا تحمل الأمة عليها، بل يكتفى بثلاثة أشهر، لأنه بمضي ذلك يعلم الحمل، فعدتها بوضعه أو عدمه، فعدتها بالأشهر» و ما حكاه عن العلامة هو ما وقع له في المختلف.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 311

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما تقدم لنا سابقا و في المقام الذي لم يظهر لنا فيه مخالف غيرهم من كون عدة الأمة قرءين أو شهرا و نصف، و أما القول بالثلاثة فلم نجد له شاهدا و لا موافقا لمن قال به. و قد عرفت الكلام في مسترابة الحمل، و أنه لا يجب فيه الانتظار إلا مع دعواها، أو تكون من مضمون خبر سورة(1)الذي قد عرفت اختصاصه بالحرة، فلاحظ و تأمل.

ثم إنه لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه هناك في الأشهر الثلاثة من كونها هلالية مطلقا أم لا هنا، إذ المسألة من واد واحد، نعم قد يقال: إن المراد منهما هنا العدديان بقرينة ما سمعته من خبر(2)الخمسة و أربعين يوما أو ليلة، لكن ظاهرهم الاتفاق على الاجتزاء بالهلالي مع فرض وقوع الطلاق مقارنا لغرته، فتكمله خمسة عشر يوما من الأخر، و تعتد به و إن كان في أربعة و أربعين يوما لو فرض نقصانه.

نعم لو وقع الطلاق في أثناء الشهر اعتبر الخمسة و أربعون يوما، كما في الخبر(3)الذي حملوه على الغالب من وقوع الطلاق في الأثناء أو تمامية الشهر، بل احتمل بعض الناس ذلك في الفتاوى المطلقة أيضا.

و فيه أنه إن كان المراد الهلالي فينبغي التزام ذلك في النصف، إذ لا وجه للتفكيك بين قوله: «شهر و نصف» فيكون ثلاثة و أربعون يوما و نصف يوم، و عدم العلم بذلك لا ينافي جريان الحكم عليه لو وقع عليها عقد مثلا بعد ذلك، نعم مضي الخمسة عشر يوما موجب العلم بخروجها عن العدة، لأن الشهر إذا كان تاما لا يزيد على ثلاثين يوما.

و من هنا يمكن إرادة الهلالي من الشهر و نصف، لما عرفته من كونه المنساق


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 7 و الباب- 42- منها الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد 7.

ج 32، ص: 312

منه بعد حمل نصوص (1)الخمسة و الأربعين على الغالب الذي عرفت، بل لعل ذلك كذلك حتى لو وقع الطلاق في أثناء الشهر بأن يكمل من الآخر مقدار ما فات منه، بل مقتضى ما عرفت من كون عدة الأمة على النصف من الحرة ذلك بعد ما عرفت من كون المراد من الثلاثة فيها الهلالية، كما تقدم الكلام فيه مستوفى، فلاحظ كي تعرف المطابقة بين ما هناك و هنا، و الله العالم.

و لو اعتقت الأمة ثم طلقت فعدتها عدة الحرة بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كونها حرة مطلقة، فتندرج في أدلتها، بل و كذا لا إشكال و لا خلاف في عدم عود عدتها لو فرض وقوع العتق بعد انقضائها، ضرورة كونها طلقت أمة و اعتدت كذلك فتشملها جميع الأدلة.

نعم لو طلقت طلاقا رجعيا ثم أعتقت في العدة أكملت عدة الحرة، و لو كانت بائنا أتمت عدة الأمة بلا خلاف أجده فيهما، بل لعله إجماع، لا لكون الأولى بمنزلة الزوجة، ضرورة عدم خروجها بذلك عن صدق كونها أمة قد طلقت، فيجب لها عدتها و لو للاستصحاب.

و دعوى ظهور نصوص (2)اعتداد الأمة في التي هي كذلك إلى آخر العدة- بخلاف الفرض الذي لا يدخل في أدلة الحرة و لا الأمة، فهو موضوع جديد، فيستصحب حكم المنع فيه إلى انتهاء عدة الحرة، و لا يستصحب حكمها السابق المعلوم كونه من حيث إنها أمة- لو سلمت تقتضي عدم الفرق حينئذ بين البائنة و الرجعية فيحتاج خروج الأولى حينئذ إلى نص خاص، و ليست بأولى من القول بأن المتجه فيهما الاكتفاء بعدة الأمة فيهما، لصدق كونها أمة طلقت، و لكن خرجت الرجعية لدليل خاص و بقي البائنة.

و الأمر سهل بعد اتحاد الأمرين في النتيجة المزبورة المستفادة من الجمع بين


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 7 و الباب- 42- منها الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 313

ما دل على كل منهما بإطلاقه، ك

صحيح جميل (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «في أمة كانت تحت رجل فطلقها ثم اعتقت، قال: تعتد عدة الحرة»

و خبر محمد بن مسلم (2)عن أبى جعفر عليه السلام «إذا طلق الرجل المملوكة فاعتدت بعض عدتها منه ثم أعتقت فإنها تعتد عدة المملوكة»

بحمل الأول على الرجعي و الثاني على البائن بشهادة

خبر مهزم (3)المخبر بالعمل عن أبي عبد الله عليه السلام «في أمة تحت حر طلقها على طهر بغير جماع تطليقة، ثم اعتقت بعد ما طلقها بثلاثين يوما، و لم تنقض عدتها، فقال:

إذا أعتقت قبل أن تنقضي عدتها اعتدت عدة الحرة من اليوم الذي طلقها، و له عليها الرجعة قبل انقضاء العدة، فإن طلقها تطليقتين واحدة بعد واحدة ثم اعتقت قبل انقضاء عدتها فلا رجعة له عليها، و عدتها عدة الإماء»

و عدم عمومه لجميع أفراد البائنة غير قادح بعد عدم القول بالفصل، خصوصا على ما ذكرناه أخيرا من بقاء البائنة على الإطلاقات السابقة.

و عدة الذمية كالحرة في الطلاق و ما يلحق به و الوفاة بلا خلاف محقق أجده و إن نسبه الفاضل إلى بعض الأصحاب، و لكن قد اعترف غير واحد بعدم معرفته، بل عن بعضهم الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و خصوص

صحيح السراج (4)عن الصادق عليه السلام في الأخيرة «قلت له: النصرانية مات عنها زوجها و هو نصراني ما عدتها؟ قال: عدة الحرة المسلمة أربعة أشهر و عشرا».

بل و

صحيح زرارة(5)عن أبي جعفر عليه السلام فيها أيضا، لكنه مخالف في الطلاق، قال: «سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني فطلقها هل عليها عدة منه مثل عدة المسلمة؟ فقال: لا، لأن أهل الكتاب مماليك الإمام، ألا ترى أنهم يؤدون الجزية كما يؤدي العبد الضريبة إلى مواليه؟ قال: و من أسلم منهم فهو حر يطرح عنه


1- 1 الوسائل الباب- 50- من أبواب العدد الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 50- من أبواب العدد الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 50- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1 و رواه في التهذيب ج 7 ص 478- الرقم 1918 باختلاف كثير.

ج 32، ص: 314

الجزية، قلت: فما عدتها إن أراد المسلم أن يتزوجها؟ قال: عدتها عدة الأمة حيضتان أو خمسة و أربعون يوما قبل أن تسلم، قال: قلت له: فإن أسلمت بعد ما طلقها، فقال: إذا أسلمت بعد ما طلقها فان عدتها عدة المسلمة، قلت: فان مات عنها و هي نصرانية و هو نصراني فأراد رجل من المسلمين أن يتزوجها، قال: لا يتزوجها المسلم حتى تعتد من النصراني أربعة أشهر و عشرا، عدة المسلمة المتوفى عنها زوجها، قلت: كيف جعلت عدتها إذا طلقها عدة الأمة، و جعلت عدتها إذا مات عنها عدة الحرة المسلمة و أنت تذكر أنهم مماليك الإمام؟ فقال: ليس عدتها في الطلاق مثل عدتها إذا توفي عنها زوجها».

و عن الكافي (1)زيادة «إن الحرة و الأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة، إلا أن الحرة تحد و الأمة لا تحد».

و إليها أشار المصنف بقوله و في رواية تعتد عدة الأمة و لكن هي شاذة لم نتحقق بها عاملا، بل ظاهر الجميع أو صريحهم خلافها، فلا تصلح مقيدة لإطلاق الأدلة من الكتاب (2)و السنة(3)المؤيد بالاحتياط و الاستصحاب، فما في الحدائق- تبعا لما حكاه عن سيد المدارك من الإشكال في ذلك- في غير محله، بل هو ناش عن اختلال الطريقة.

و في المسالك «و حملت على أنها مملوكة، إذ لم ينص على أنها حرة» و فيه أنه مناف لما سمعته من التعليل فيها، فليس حينئذ إلا طرحها في مقابلة ما عرفت، مضافا إلى ما في ذيلها على رواية الكافي من المنافاة لما تسمعه من نصوص (4)اعتداد الأمة في الوفاة أيضا.

و عدة الأمة من الوفاة لزوجها شهران و خمسة أيام، و لو كانت حاملا


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 228 و 234.
3- 3 الوسائل الباب- 12 و 30- من أبواب العدد.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 315

اعتدت بأبعد الأجلين من الوضع أو المدة بلا خلاف أجده في الأخير، بل الإجماع بقسميه عليه، بل دليله واضح.

إنما الكلام في المدة هل هي المذكورة أو أربعة أشهر و عشرا؟ خيرة المصنف في غير ذات الولد الأول، بل هو المشهور بين الأصحاب، بل في الرياض لعل عليه عامتهم إلا من ندر من متأخريهم، لقاعدة التنصيف، و

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(1)«عدة الأمة التي يتوفى عنها زوجها شهران و خمسة أيام».

و الباقر عليه السلام في الصحيح عن محمد بن قيس (2)«و إن مات عنها زوجها فأجلها نصف أجل الحرة شهران و خمسة أيام»

و مضمر سماعة(3)في الموثق «سألته عن الأمة يتوفى عنها زوجها، فقال عدتها شهران و خمسة أيام»

و صحيح الحلبي (4)عن الصادق عليه السلام «عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران و خمسة أيام»

و خبر محمد بن مسلم (5)عنه عليه السلام أيضا «في الأمة إذا توفي عنها زوجها فعدتها شهران و خمسة أيام»

إلى غير ذلك.

خلافا للمحكي عن الصدوق و ابن إدريس و ظاهر الكليني، بل في كشف اللثام نسبته أيضا إلى التبيان و مجمع البيان و روض الجنان للشيخ أبي الفتوح، لإطلاق الأدلة المقيد بما عرفت، و صحيح زرارة(6)السابق.

و صحيحه الآخر(7)عنه عليه السلام أيضا «يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرة كانت أو أمة أو على أي وجه كان النكاح من متعة أو تزويج أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر و عشرا».

و موثق سليمان بن خالد(8)عن أبي عبد الله عليه السلام «عدة المملوكة المتوفى


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 9.
6- 6 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 5.

ج 32، ص: 316

عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا».

و خبر وهب بن عبد ربه (1)عنه عليه السلام أيضا على ما عن الفقيه «سألته عن رجل كانت له أم ولد فمات ولدها منه، فزوجها من رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها، إله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال: لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر و عشرة أيام، ثم يطأها بالملك من غير نكاح»

الحديث. القاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه.

بل يمكن حمل ما عدا الأخير منها على أم الولد إذا زوجها مولاها التي تعتد بالأربعة أشهر و عشرا، لتشبثها بالحرية، و لخصوص

صحيح سليمان بن خالد(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ فقال: حيضتان أو شهران حتى تحيض، قلت: فإن توفي عنها زوجها، فقال: إن عليا عليه السلام قال في أمهات الأولاد: لا يتزوجن حتى يعتددن بأربعة أشهر و عشرا و هن إماء».

و خبر ابن وهب (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل كانت له أم ولد فزوجها من رجل فأولدها غلاما، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها، إله أن يطأها قبل أن يتزوج بها؟ قال: لا يطأها حتى تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر و عشرا ثم يطأها بالملك بغير نكاح».

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و لو كانت أم ولد لمولاها كانت عدتها أربعة أشهر و عشرا بل في المسالك نسبته إلى الشيخ و أتباعه و المصنف و باقي المتأخرين، و في الرياض هو الأشهر، بل لعل عليه عامة من تأخر، بل في كشف


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب موانع الإرث الحديث 12 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب العدد الحديث 3 و هو خبر وهب بن عبد ربه أيضا كما في الاستبصار ج 3 ص 348 و التهذيب ج 8 ص 153 و الكافي ج 6 ص 172 و في الجميع «أ له أن يطأها؟ قال: تعتد من الزوج.».

ج 32، ص: 317

اللثام عن الخلاف و ظاهر المبسوط الإجماع عليه، خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و ابن أبي عقيل و ابن الجنيد، فشهران و خمسة أيام مطلقا.

و حينئذ تكون المسألة ثلاثية الأقوال، و قد عرفت ما يستدل به لكل منها، و أن أقواها التفصيل، لرجحان النصوص (1)السابقة بالشهرة العظيمة، و قبول تلك النصوص (2)عدا الأخير منها للتنزيل على أم الولد، و أما الأخير منها فهو مع اتحاده مضطرب المتن، لما سمعت من رواية الكليني له بترك قوله فيها «فمات ولدها منه» و من المعلوم أنه أضبط من غيره.

و يؤيده أنه المعروف في كتب الفروع مستدلين به على حكم أم الولد، بل جعله غير واحد منهم مع الصحيح الآخر(3)شاهد جمع على التفصيل المزبور و إن لم يكن مشتملا على نفي الاعتداد بذلك عن غيرها، لكن المراد من شهادته أنه من المحتمل إرادة مضمونه من النصوص (4)السابقة التي قد عرفت رجحان نصوص (5)المشهور عليها بالعمل و غيره.

على أن الصحيح الآخر دال على ذلك، ضرورة ظهور الاقتصار في جواب السؤال عن مطلق الأمة على ذكر خصوص أمهات الأولاد في ذلك.

و المناقشة فيه- بأن ذلك كذلك حيث لا يمكن استفادة مطلق الأمة منه، و ليس إلا مع فقد

قوله عليه السلام في الذيل: «و هن إماء»

المشعر بالعموم و ورود الحكم على مطلق الأمة، و كأنه أراد بيان حكم مطلق الأمة بقضية علي عليه السلام في أمهات الأولاد، و لكن لما كان ربما يتوهم منه الاختصاص بهن ذكر عليه السلام أن حكمه عليهن كان في حال كونهن إماء و لسن بحرائر، و هذه الحالة بعينها موجودة في فاقدة الولد- يدفعها ظهور كون المراد من ذلك بيان كون الاعتداد عليهن بذلك و إن كن إماء،


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 5 و الباب- 45- منها الحديث 1 و الباب- 52- منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 5 و الباب- 45- منها الحديث 1 و الباب- 52- منها الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 318

بأن كن مزوجات و مات الزوج و السيد باق.

و حاصله أن أم الولد من السيد تعتد من زوجها بذلك و إن كانت هي أمة، باعتبار بقاء سيدها و عدم انعتاقها من نصيب ولدها، و حينئذ يكون ظاهرا في إرادة الاختصاص بأم الولد كما فهمه المعظم.

و على كل حال فلا إشكال في اعتداد أم الولد بالأربعة أشهر و عشرا، إذ لا معارض لما دل (1)عليها بالخصوص المؤيد بالعمومات سوى إطلاق نصوص الشهرين و خمسة أيام (2)و هي بعد تسليم شمولها لذلك مقيدة بما سمعت.

إنما الكلام في اعتدادها بذلك من موت سيدها، و لا خلاف بل الإجماع بقسميه على عدم العدة لها إذا كانت متزوجة، أما إذا لم تكن متزوجة فقد يظهر من المصنف و غيره ممن اقتصر على اعتدادها به من الزوج عدم اعتدادها منه بذلك، بل عن الحلي التصريح به و أن عليها الاستبراء خاصة، و نفى عنه البأس في المختلف، بل عن موضع من التحرير الجزم به، للأصل و لإطلاق ما دل (3)على الاستبراء من وطء المالك، لا العدة التي هي من وطء غيره.

و عن الطوسي و الحلبي و ابن حمزة و موضع من التحرير و الشهيد و غيرهم اعتدادها بذلك، بل نسبه غير واحد إلى المشهور، لاستصحاب المنع عنها إلى المدة المزبورة.

و للصحيح (4)السابق في أمهات الأولاد، بناء على عمومه لموت المولى و الزوج، بل في الرياض أنه في الأول أظهر، و إن كان في أصل عمومه لذلك نظر


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان من كتاب التجارة و الباب- 18- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1- 4.

ج 32، ص: 319

فضلا عن كونه أظهر، لما عرفت من معناه و صحيح زرارة(1)السابق الشامل لأم الولد و غيره، و

موثق إسحاق بن عمار(2)عن الكاظم عليه السلام «سألته عن الأمة يموت سيدها، قال: تعتد عدة المتوفى عنها زوجها».

و لأنها حيث تعتق من نصيب ولدها حرة، و ليس لها حينئذ إلا العدة، لأن الاستبراء للإماء، متمما ذلك بعدم القول بالفصل.

و لفحوى اعتدادها بذلك من الزوج، لكونها متشبثة بالحرية، و فحوى ما تسمعه من النص (3)و الفتوى في عدة المدبرة من موت مولاها الذي كان يطأها.

بل قيل أو ل

خبر زرارة(4)عن أبى جعفر عليه السلام «في الأمة إذا غشيها سيدها ثم أعتقها فإن عدتها ثلاث حيض، فان مات عنها فأربعة أشهر و عشر»

و حسن الحلبي (5)عن أبى عبد الله عليه السلام «قلت له: الرجل تكون تحته السرية فيعتقها، فقال: لا يصلح أن تنكح حتى تنقضي ثلاثة أشهر، و إن توفي عنها فعدتها أربعة أشهر و عشرا»

و إن كان قد يناقش في ذلك بأنهما في المعتقة قبل الموت، و هي مسألة أخرى غير ما نحن فيه.

نعم يمكن الاستئناس لهما بما ذكرناه من انقلاب حكم الاستبراء من وطء المالك إلى العدة بصيرورتها حرة، لعدم الاستبراء فيها حينئذ فليس إلا العدة، بل عدة الحرة، و الأمر سهل بعد ما عرفت من الأدلة السالمة عن المعارض المكافى ء لها.

و المناقشة في ذلك- بدعوى ظهور خبر زرارة(6)السابق في اشتراط الغشيان ثم الإعتاق في الاعتداد بالمدة المزبورة، و لازمه عدمه بعدم الإعتاق، و حيث لا قائل بعد ثبوت العدم بالاعتداد بعدة أخرى سوى الاستبراء استقر دلالتها على عدم الاعتداد


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 51- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 5.

ج 32، ص: 320

مطلقا مع عدم الإعتاق، كما هو مفروض البحث، و سند الرواية ليس بذلك الضعف، بل ربما تعد من الحسن، و مع ذلك فهي معتضدة بالأصل المتيقن، و بعموم ما دل (1)على أن على الأمة الاستبراء خاصة من دون تفصيل بين موت مواليهن و عدمه، و بموافقة من لا يرى العمل بأخبار الآحاد- كما ترى، بل لا تستأهل جوابا، ضرورة عدم إرادة الشرطية منها بالنسبة إلى الوفاة التي ذكر حكمها للمفروض حالها بالغشيان و العتق، لأن الاعتداد بالوفاة بالمدة مشروطة بذلك أيضا، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يقال: إن مقتضى جملة من الأدلة المزبورة عدم الفرق بين ذات الولد و غيره، و من هنا قال في المسالك: «و العجب مع كثرة هذه الأخبار و جودة أسانيدها لم يوافق الشيخ على مضمونها أحد!! و خصوا أم الولد بالحكم، مع أنه لا دليل عليها بخصوصها، و أعجب منه تخصيصه في المختلف الاستدلال على حكم أم الولد بموثق إسحاق (2)مع أنه يدل على أن حكم الأمة الموطوءة مطلقا كذلك، و مع ذلك فغيرها من الأخبار التي ذكرناها يوافقها في الدلالة، مع أن فيها ما هو أجود سندا، و سيأتي أن المصنف و غيره أوجبوا عدة الحرة على الأمة المدبرة بما هو أقل مستندا مما ذكرناه هنا».

لكن ناقشه بعض الأفاضل بأن «العمدة في المسألة الشهرة، و هي هنا على الاستبراء خاصة، فلا تكافى ء المعتبرة(3)المزبورة حينئذ بعد الاعراض عنها أصل البراءة و عموم الاستبراء على المملوكة، و مفهوم صحيح سليمان بن خالد(4)السابق فوجب حملها حينئذ على خصوص أمهات الأولاد، و مفهوم خبر زرارة(5)السابق و إن عم أمهات الأولاد إلا أنه مخصص بمفهوم الصحيح المتقدم في أمهات الأولاد الشامل للزوج و المولى».


1- 1 الوسائل الباب- 17 و 18- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 321

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الحشو، خصوصا بعد الإحاطة بما قدمناه في المفهومين، بل لم يتحقق عندنا ما يقتضي سقوط هذه المعتبرة عن الحجية من إعراض الأصحاب أو غيره، بل يظهر من كشف اللثام موافقته للشيخ على ذلك، بل حكاه أيضا عن الجامع و النزهة، و عدم التعرض لذلك من كثير من الأصحاب أعم من الإعراض عن هذه النصوص، نعم عن ابن إدريس و الفاضل في التحرير و المختلف التصريح بعدم العدة عليها، و أن عليها الاستبراء خاصة، و مثله لا يوهن به النصوص المعتبرة، و لا أقل من حصول الشك من ذلك، و الأصل بقاؤها على المنع إلى المدة.

و كيف كان فقد بان لك أن الاعتداد للأمة ذات الولد من موت السيد إذا لم تكن مزوجة، بل أوفى عدة من زوج، بل و بعد انقضاء العدة إذا لم يكن قد وطأها السيد، و إن تردد فيه ثاني الشهيدين في الروضة، من إطلاق اعتدادها بموت السيد، و من عدم الوطء الموجب لذلك، إذ السابق على التزويج مع فرض حصوله قد سقط حكمه بالتزويج، لكنه في غير محله، لمعلومية اعتبار الوطء في الاعتداد، و ستسمع التصريح في صحيح المدبرة(1)بل قد سمعت الإشارة في حسن الحلبي (2)و خبر زرارة(3)السابقين.

نعم قد يقال باقتضاء إطلاق الأدلة وجوب اعتدادها من موت السيد و إن تعقب وطءه لها ما يصلح للاستبراء من الحيضة و غيرها، لبقائها على حكم وطئه من دون أن يتخلل تزويج يرفعه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا يخفى عليك أنه يتفرع على ما ذكرناه من اعتداد الأمة ذات الولد من السيد من وفاة الزوج أنه لو طلقها الزوج رجعية ثم مات و هي في العدة استأنفت عدة الحرة من الوفاة و هي أربعة أشهر و عشرا بلا خلاف و لا إشكال، لما سمعته في المطلقة الحرة الرجعية. و أنها لو لم تكن أم ولد


1- 1 الوسائل الباب- 51- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 5.

ج 32، ص: 322

استأنفت للوفاة عدة الأمة شهرين و خمسة أيام، بناء على ما سمعته من الأصح من كون عدتها ذلك، أما على ما سمعته من الصدوق و ابن إدريس فتستأنف عدة الحرة أيضا، نعم لو كان الطلاق بائنا بقيت على عدتها منه كما سمعته في الحرة، للأصل و غيره.

و لو مات زوج الأمة غير ذات الولد ثم أعتقت أتمت عدة الحرة، تغليبا لجانب الحرية و استصحابا للمنع، و اقتصارا في تخصيص العموم كتابا(1)و سنة(2)على غير الفرض الذي قد يدعى انسياقه من تلك النصوص، و ل

صحيح جميل و هشام بن سالم (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في أمة طلقت ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بثلاث حيض، فان مات عنها زوجها ثم اعتقت قبل أن تنقضي عدتها فان عدتها أربعة أشهر و عشرا»

و لما قدمناه سابقا من أنه يستفاد من جملة من النصوص (4)في موارد متعددة غلبة حكم الحرية مع فرض عروضها على مقتضي حكم المملوكة.

و لعله إلى هذا أشار المصنف ره بقوله: «تغليبا» إلى آخره بمعنى أنه متى اجتمع مقتضي كل منهما غلب جانب الحرية، و من ذلك حكم المدبرة الاتي، و أم الولد من موت سيدها السابق، و ما تسمعه فيما لو أعتقها سيدها في زمن حياته بعد أن كانت موطوءة له ثم مات عنها، و غير ذلك.

بل قد يرجع إلى هذا ما في المسالك من توجيه الغلبة المزبورة من أنها بعد العتق مأمورة بإكمال عدة الوفاة، و قد صارت حرة، فلا تكون مخاطبة بحكم


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 234.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب العدد.
3- 3 الوسائل الباب- 50- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 50- من أبواب العدد الحديث- 20- من أبواب موانع الإرث من كتاب المواريث و الباب- 12- من أبواب ديات النفس من كتاب الديات.

ج 32، ص: 323

الأمة، فيجب عليها إكمال العدة الحرة(1)نظرا إلى حالها حين الخطاب، و لا ينظر إلى ابتداء الخطاب بالعدة، فإنها كل يوم مخاطبة بحكمها، و إلا كان محلا للنظر.

و لو كان المولى يطأها ثم دبرها اعتدت بعد وفاته مع بقائها على حكم وطئه بأربعة أشهر و عشر، و لو أعتقها منجزا في حياته اعتدت من وطئه المزبور بثلاثة أقراء إن كانت من ذواته، و إلا فبالأشهر الثلاثة كالحرة المطلقة بلا خلاف أجده من غير الحلي، للعلة التي أشرنا إليها المؤيدة بالاستصحاب و الاحتياط.

و ل

صحيح داود(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في المدبرة إذا مات عنها مولاها إن عدتها أربعة أشهر و عشرا من يوم موت سيدها إذا كان سيدها يطأها، قيل له:

فالرجل يعتق مملوكته قبل موته بساعة أو يوم، فقال: تعتد بثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء من يوم أعتقها سيدها».

مضافا إلى ما سمعته سابقا في اعتداد أم الولد من موت سيدها من صحيح زرارة(3)و موثق إسحاق (4)و غيرهما مما يدل على حكم المدبرة، بل قد عرفت سابقا قوة القول باعتدادها بذلك و إن لم تكن مدبرة، و إلى ما سمعته سابقا من خبر زرارة(5)و حسن الحلبي (6)الدالين على الحكم الأخير، المؤيد بما تقدم أيضا.

و في

صحيح الحلبي أو حسنه (7)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يعتق سريته أ يصلح له أن يتزوجها بغير عدة؟ قال: نعم، قلت: فغيره، قال: لا حتى تعتد


1- 1 هكذا في النسختين المبيضة و المسودة و الصحيح «إكمال عدة الحرة».
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب العدد الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 4.

ج 32، ص: 324

ثلاثة أشهر»

و نحوه صحيح زرارة(1)عنه عليه السلام أيضا.

و في

موثق أبي بصير(2)عنه عليه السلام أيضا «إن أعتق رجل جاريته ثم أراد أن يتزوجها مكانه فلا بأس، و لا تعتد من مائه، و إن أرادت أن تتزوج من غيره فلها مثل عدة الحرة».

و في

خبره الآخر(3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل تكون عنده السرية له، و قد ولدت منه و مات ولدها، ثم يعتقها، قال: لا يحل لها أن تتزوج حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء».

بل و

صحيح الحلبي أو حسنه (4)عنه عليه السلام أيضا أنه قال: «في رجل كانت له أمة فوطأها ثم أعتقها و قد حاضت عنده حيضة بعد ما وطأها، قال: تعتد بحيضتين»

و إن كان ظاهره احتساب حيضته الواقعة بعد الوطء و قبل العتق من العدة، و لم يعرف القائل به على ما عن شرح النافع لسيد المدارك، لكن على كل حال دال على المطلوب الذي هو الانتقال عن حكم الأمة بالعتق.

فما عن ابن إدريس- من إنكار الحكمين لكون المدبرة غير زوجة و المعتقة غير مطلقة و الأصل براءة الذمة من العدة- واضح الفساد حتى مع قطع النظر عن النصوص المزبورة، للاستصحاب بعد القطع أو الظن بعدم اندراج كل منهما في حكم الأمة، كما هو ظاهر.

إنما الكلام فيما تضمنه خبر زرارة(5)و حسن الحلبي (6)السابقان من


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 13- من نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 من كتاب النكاح و ذكره في التهذيب ج 8 ص 175.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 325

الاعتداد عدة الوفاة بأربعة أشهر و عشرا لو مات سيدها بعد ما أعتقها المعتضد ب

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل أعتق وليدته عند الموت، فقال:

عدتها عدة الحرة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر و عشرا، قال: و سألته عن رجل أعتق وليدته و هو حي و قد كان يطأها، فقال: عدتها عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء»

المراد مما في صدره الموت بعد العتق و ما في ذيله من البقاء بعده، فما عن الشيخ من حمله على الندب لا داعي له، بل و ب

مرسل جميل (2)عن بعض أصحابه إنه قال:

«في رجل أعتق أم ولده، ثم توفي عنها قبل أن تنقضي عدتها، قال: تعتد بأربعة أشهر و عشرا، و إن كانت حبلي اعتدت بأبعد الأجلين».

و قد نسب ذلك في الحدائق إلى المشهور بين الأصحاب تارة، و إلى الشيخ و غيره أخرى، قال: «المشهور بين الأصحاب أن الأمة إذا أعتقها سيدها في حياته و كان يطأها فإنه لا يجوز لها التزويج بغيره إلا بعد العدة بثلاثة أقراء، و إذا توفي عنها اعتدت عدة الوفاة كالحرة، و كذا لو دبرها- إلى أن قال أيضا-:

قد ذكر ذلك الشيخ و غيره» و إن كان المظنون أن ذلك اشتباه منه، بل يمكن حمل كلامه على إرادة ذلك بالنسبة إلى الحكم الأول و الأخير، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه بتمامه، خصوصا بعد أن كان المحكي عن الشيخ تقييد النصوص الدالة على ذلك في صورة التدبير، بل عن أكثر الأصحاب كما ستعرف بقاؤها على اعتداد العتق، و لا تنتقل إلى عدة الوفاة، بل لعله ظاهر المصنف و غيره ممن أطلق الحكم المزبور.

على أنه لا ريب في منافاته لما سمعته في ذيل صحيح داود(3)الظاهر أو الصريح في اعتدادها بالأشهر أو الأقراء بعد موته المعتضد بإطلاق تلك الأدلة أيضا، و يكون العتق كالطلاق البائن الذي لا تنتقل عدته بالموت، و بإمكان حمل المعارض على صورة التدبير، بل في الرياض نسبة ذلك إلى أكثر الأصحاب، بل فيه «أن النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث 7.

ج 32، ص: 326

المزبورة غير مكافئة للصحيح المذكور، لا في السند و لا في العمل و لا في غيرهما».

قلت: و لكن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال، لكثرة الروايات (1)المقابلة للصحيحة(2)و بلوغها حد الاستفاضة مع اعتبار سند بعضها، و هي مع ذلك ما بين صريحة و ظاهرة، و معتضدة أجمع بأصالة بقاء الحرمة، و فتوى جماعة، كإطلاق عبارة الحلي و ظاهر عبارة ابن حمزة، و يظهر من المختلف الميل إليها أو التردد، فالاحتياط فيها لازم.

ثم إنه قد بان لك مما ذكرنا الحال في جميع أحوال الأمة، نعم لم يذكر المصنف هنا حكمها في العقد المنقطع، بل و لا الحرة اتكالا على ما سبق في النكاح.

كما إنه لم أقف على من تعرض لحكم الأمة المحللة، نعم في الوافي «أنه لا يبعد حمل

خبر ليث المرادي (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم تعتد الأمة من ماء العبد؟ قال: حيضة»

على ما إذا كانت محللة للعبد» و ظاهره المفروغية من أن حكمها الاستبراء لا الاعتداد، بل لعله ظاهر اقتصار الأصحاب على غيره من الدائم و المنقطع و وطء الشبهة، بل ربما يؤيده ما ذكروه من أن التحليل ملك يمين أو في حكمه، و هو مع كونه إجماعا لا إشكال، و إلا جرى فيه الأصل السابق الذي ذكرناه في أول المبحث، و هو استصحاب المنع بعد عدم ثبوت أصالة الاستبراء في الأمة.

و لكن على كل حال ينبغي الاعتداد منه بالموت عدة الحرة إذا كانت ذات ولد للسيد، لما عرفت من أنها تعتد كذلك للزوج و لموت السيد إذا لم تكن مزوجة فمع فرض كون التحليل من ملك اليمين يأتي الحكم المزبور أيضا، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد الحديث 6.

ج 32، ص: 327

و كيف كان فقد تقدم البحث في كتاب البيع في أن كل من يجب استبراؤها إذا ملكت بالبيع يجب استبراؤها لو ملكت بغيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو غير ذلك، و من يسقط استبراؤها هناك أي في البيع يسقط في الأقسام الأخر لاتحاد المدرك في الجميع، فلا حاجة إلى إعادته.

و كذا تقدم في كتاب النكاح أنه لو كان للإنسان زوجة فابتاعها بطل نكاحه إجماعا، لأن البضع لا يستباح بسببين، كما هو مقتضي التفصيل في الآية(1)القاطع للاشتراك، بل هو صريح

الموثق (2)المتمم بعدم القول بالفصل «عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل، ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين، فقال: حرمت عليه»

بل قد يستأنس لذلك بالمعتبرة المستفيضة(3)الدالة على بطلان نكاح الحرة إذا اشترت زوجها، إلى غير ذلك مما تقدم في محله.

نعم هو و إن بطل نكاحه لكن حل له وطؤها بملك اليمين من غير استبراء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لإطلاق الأدلة في إباحة وطء ملك اليمين، بل الأصل البراءة من أصل الاستبراء إلا ما دل عليه الدليل المعلوم قصوره عن تناول الفرض، خصوصا بعد انتفاء أصل حكمة شرعيته، و هي اختلاط الماءين، ضرورة كون الماء الواحد في الفرض و إن اختلفت جهة إباحته، بل قد تقدم في النصوص (4)السابقة ما يدل على عدم وجوب الاستبراء عليه للأمة الموطوءة له إذا أعتقها و أراد أن يتزوجها بخلاف غيره، و هو مؤيد لما هنا، فما عن بعض العامة- من وجوب الاستبراء لبعض وجوه اعتبارية لا تنطبق على أصولنا- واضح الفساد.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 25 و سورة المؤمنون: 23- الآية: 6.
2- 2 الوسائل الباب- 46- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 49- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 43- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 328

و لو ابتاع المملوك المأذون أمة و استبرأها كفى ذلك في حق المولى لو أراد وطأها مع فرض العلم أو إخبار العبد به و كان ثقة، إذ المعتبر من الاستبراء ترك وطئها في المدة كيفما اتفق، و لا فرق في ذلك بين أن يكون على المملوك دين و قضاه أولا، خلافا لما عن الشافعي من وجوب الاستبراء مع قضاء الدين، و هو كما ترى.

و إذا كاتب الإنسان أمته حرم عليه وطؤها لما تسمعه في باب الكتابة.

فإن انفسخت الكتابة للعجز مثلا حلت له و لا يجب عليه الاستبراء ما لم يكن وطء محترم بلا خلاف أجده بيننا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و إن كان يحرم عليه وطؤها بالكتابة، إلا أن ذلك لا يقتضي وجوبه الدائر على تملك شخص آخر لها محتمل الوطء، فأصل البراءة من الاستبراء سالم عن المعارض، خلافا للمحكي عن بعض العامة تنزيلا لحرمة الاستمتاع بها بالكتابة منزلة الانتقال، و فسخ الكتابة منزلة العود إلى الملك، و هو قياس في قياس.

و كذا لو ارتد المولى أو المملوكة عن ملة ثم عاد المرتد منهما إلى الإسلام لم يجب الاستبراء و إن حرم عليه الوطء حال الارتداد، لمثل ما عرفت في الكتابة، نعم لو بيعت عليه ممن يجب الاستبراء منه ثم عادت إليه بشراء مثلا، أو وطأها غيره وطءا محترما و لو لشبهة، أو كان الارتداد عن فطرة و قلنا بقبول توبته على وجه يملك المال بها جديدا، و فرض عودها إليه من الوارث الذي يستبرأ منه بشراء و نحوه وجب الاستبراء، كما هو واضح.

و لو طلقت الأمة بعد الدخول (11) بها لم يجز للمولى الوطء إلا بعد الاعتداد (12) و إن لم تنتقل عن ملكه بلا خلاف و لا إشكال. و (13) لكن تكفي العدة عن الاستبراء (14) للمولى الأول، للأصل و ظهور النصوص (1)في جواز وطئها له بعد الفراغ من العدة، بل و للثاني المشتري لها في العدة، لذلك أيضا، خلافا للمحكي عن المبسوط و السرائر في الأخير، بناء على أنهما حكمان لمكلفين لا يتداخلان،


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 329

و هو جار في الأول الذي قد حكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف الموافقة على سقوط الاستبراء فيه، أو بناء على كون الانتقال سببا للاستبراء، و الأصل عدم تداخل الأسباب.

و على كل حال هو لا يعارض ما استظهرناه من النصوص و لعله المراد مما في كشف اللثام من أنه «إنما يتحصل العلم بالبراءة بالتربص إحدى المدد المعهودة، و هو معنى الاستبراء، و أبيح لنا الوقوع عليها بعد ذلك، و قد حصل بانقضاء العدة.

و كيف كان فلو طلقت قبل الدخول فلا استبراء قطعا، للأصل، خلافا للمحكي عن بعض العامة، فأوجبه قياسا لزوال ملك الاستمتاع ثم عوده على زوال الملك و عوده، و هو باطل في مذهبنا، بل لعل الأصل عدم وجوب الاستبراء مع عدم العلم بالدخول و عدمه و إن وجب مع انتقال الملك، لحرمة القياس، و الله العالم.

و لو ابتاع حربية فاستبرأها فأسلمت بعده أو فيه لم يجب استبراء ثان و إن كان يحرم عليه وطؤها حال الكفر، للأصل بعد إطلاق الأدلة السالم عن احتمال اشتراط صحة الاستبراء بكون الأمة محللة للمولى لو لا الاستبراء بعد عدم الدليل عليه، فيكفي حينئذ و إن كانت محرمة عليه بسبب آخر، لحصول الغرض المقصود، فما عن بعض العامة- من الوجوب، لتجدد ملكه الاستمتاع بالإسلام- واضح الضعف.

و كذا لو ابتاعها و استبرأها محرما بالحج مثلا كفى ذلك في استحلال وطئها إذا أحل لما عرفت، بل هو أوضح.

ج 32، ص: 330

[الفصل السابع في اللواحق]
اشاره

الفصل السابع في اللواحق و فيه مسائل:

[المسألة الأولى لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته]

الاولى لا يجوز لمن طلق رجعيا أن يخرج الزوجة من بيته إلا أن تأتي بفاحشة حاملا كانت أو حائلا، كما أنها لا يجوز لها أن تخرج هي بنفسها أيضا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب و السنة قال الله تعالى شأنه (1)«لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ».

و في

صحيح أبى خلف (2)«سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن شي ء من الطلاق، فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها، و ملكت نفسها، و لا سبيل له عليها، و تعتد حيث شاءت، و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس الله تعالى يقول لا تُخْرِجُوهُنَ- إلى آخره- فقال: إنما عنى بذلك الذي يطلق تطليقة بعد تطليقة، فتلك التي لا تخرج حتى تطلق الثالثة فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، و لا نفقة لها، و المرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يخلو أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها، و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدتها».


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب العدد الحديث 1 عن سعد بن أبى خلف.

ج 32، ص: 331

و في

موثق إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المطلقة أين تعتد؟

قال: في بيت زوجها».

و في

خبر أبي بصير(2)عن أحدهما عليهما السلام «عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها إذا كان طلاقا له عليها رجعة، ليس له أن يخرجها، و لا لها أن تخرج حتى تنقضي عدتها».

و موثقة سماعة(3)«سألته عن المطلقة أين تعتد؟ قال: في بيتها لا تخرج، و إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، و لا تخرج نهارا، و ليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها».

و في

صحيح الحلبي (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا ينبغي للمطلقة أن تخرج إلا بإذن زوجها حتى تنقضي عدتها ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تحض»

إلى غير ذلك من النصوص.

إلا أن ظاهر غير واحد من الأصحاب بل صريح بعضهم أن وجوب الإسكان المزبور من حيث وجوب نفقتها عليه في العدة، و من هنا كان استحقاقها عليه حيث تستحقها عليه، فلو كانت صغيرة وطئت و لو محرما أو ناشزا من الزوجية أو في أثناء العدة فلا سكنى لها، كما لا نفقة.

نعم يفترق عن سكنى النفقة- بناء على ما في القواعد و المسالك و غيرهما بل قيل: إنه ظاهر الأكثر- بعدم جواز خروجها منه و لو اتفقا عليه، بل يمنعهما الحاكم من ذلك، لأن فيه حقا لله تعالى شأنه، كما أن في العدة حقا له بخلاف سكنى الإنفاق التي حقها مختص بالزوجة، كل ذلك لظهور الكتاب (5)و السنة(6)و الفتاوى في ذلك، بل عن الكشاف إنما جمع بين النهيين ليشعر بأن لا يأذنوا و أن ليس


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 1.
5- 5 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 332

لإذنهم أثر.

لكن قد يشكل بما في الصحيح الأخير(1)و ما في

خبر معاوية بن عمار(2)من أن «المطلقة تحج في عدتها إن طابت نفس زوجها»

من الدلالة على الجواز بالإذن الذي به يقيد إطلاق الآية و غيرها، و دعوى قصوره عن ذلك بإعراض الأكثر ممنوع، خصوصا بعد تصريح جماعة من الأصحاب- كما في المسالك منهم أبو الصلاح و الفاضل في التحرير- بالجواز.

بل عن الفضل بن شاذان «أن معنى الخروج و الإخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حق بإذن زوجها، مثل مأتم و ما أشبه ذلك، و إنما الخروج و الإخراج أن تخرج مراغمة و يخرجها مراغمة، فهذا الذي نهى الله عنه، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم يقل:

إنها خرجت من بيت زوجها، و لا يقال: فلان أخرج زوجته من بيتها، إنما يقال ذلك: إذا كان ذلك على الرغم و السخطة، و على أنها لا تريد العود إلى بيتها و إمساكها على ذلك، لأن المستعمل في اللغة هذا الذي وصفناه- إلى أن قال-: إن أصحاب الأثر و أصحاب الرأي و أصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط و الرغم، و أجمعوا على ذلك».

و حينئذ فالقول به لا يخلو من قوة، بل يمكن تنزيل من أطلق على إرادة غير الفرض، خصوصا بعد التصريح من بعضهم فيما يأتي من جواز الخروج إلى حج التطوع بالإذن، و دعوى الفرق بين الخروج إلى حج مثلا و بين الانتقال من منزل إلى منزل آخر خالية عن الدليل، بل إطلاق صحيح الحلبي (3)السابق شامل للأمرين، على أن الممنوع كتابا(4)و سنة(5)الإخراج و الخروج، فمع فرض جوازه بالإذن


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 1.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
5- 5 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 333

لا فرق بين أفراده.

و كيف كان فقد عرفت استثناء الإتيان بالفاحشة من ذلك في الكتاب (1)و غيره و قد اختلف في المراد منها، ففي الكتاب و القواعد هو أن تفعل ما يجب به الحد، فتخرج لإقامته، و أدنى ما تخرج له أن تؤذي أهله و ظاهرهما بل صريحهما عدم انحصارها في الأول، كما عن بعضهم، بل عن النهاية قد

روي (2)«أن أدنى ما يجوز له معه إخراجها أن تؤذي أهل الرجل» بل هو المروي (3)عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام،

و كذا في الخلاف و المبسوط و التبيان و مجمع البيان و الجامع و غيرها الاقتصار عليه، مستدلا عليه في الأول بالإجماع و عموم الآية(4)و بإخراجه صلى الله عليه و آله فاطمة بنت قيس لما بذت على أحمائها(5)و عن مجمع البيان هو المروي (6)عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.

قلت: و في

خبر محمد بن علي بن جعفر(7)«سأل المأمون الرضا عليه السلام عن ذلك، فقال: يعني بالفاحشة المبينة أن تؤذي أهل زوجها، فإذا فعلت ذلك فإن شاء أن يخرجها من قبل أن تنقضي عدتها فعل».

و في مرسل إبراهيم بن هاشم (8)عنه عليه السلام


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الظاهر أن الشيخ قده أراد بذلك ما ورد في خبر محمد بن على بن جعفر و مرسل إبراهيم بن هاشم و خبر ابن أسباط الاتية.
3- 3 الظاهر أنه أريد به ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان الذي رواه في الوسائل في الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 5 قال: «قيل: هي البذاء على أهلها، فيحل لهم إخراجها و هو المروي عن أبى جعفر و أبى عبد الله عليهما السلام».
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 433.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 334

أيضا في قوله عز و جل»(1): «لا تُخْرِجُوهُنَ- إلى آخره-» قال: «أذاها لأهل الرجل و سوء خلقها»

و في

خبر ابن أسباط(2)عنه عليه السلام أيضا «الفاحشة أن تؤذي أهل زوجها و تسبهم».

لكن

عن الفقيه (3)«سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل «لا تُخْرِجُوهُنَّ» فقال: إلا أن تزني فتخرج، و يقام عليها الحد»

و في

خبر سعد بن عبد الله (4)المروي عن إكمال الدين و إتمام النعمة قال: «قلت لصاحب الزمان عليه السلام: أخبرني عن الفاحشة المبينة إذا أتت المرأة بها في أيام عدتها حل للزوج أن يخرجها من بيته؟ فقال:

الفاحشة المبينة السحق دون الزنا، فإن المرأة إذا زنت و أقيم عليها الحد ليس لمن أرادها أن يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد، فإذا سحقت وجب عليها الرجم، و الرجم خزي، و من قد أمر الله برجمه فقد أخزاه، و من أخزاه فقد أبعده، و من أبعده فليس لأحد أن يقربه».

و كأن ذلك هو الذي دعى المصنف و غيره إلى الجمع بما عرفت، على معنى كل فاحشة تقتضي إخراجها و أدناها ذلك، و نفى الزنا في خبر سعد على معنى نفي اختصاص الفاحشة به، فان السحق أعظم منه، و لو كان أذيتها لأهله مثلا مع تباعد المسكن أدبها الحاكم، و لا تخرج منه، و ما عن بعضهم- من إخراجها أيضا لإطلاق الأدلة- ضعيف.

و كيف كان فلا إشكال في أنه يحرم الخروج عليها ما لم تضطر إليه لإطلاق الكتاب (5)و السنة(6)و الفتاوى، أما مع الاضطرار الذي يصلح معارضا لذلك فيجوز بلا خلاف أجده فيه، ل

مكاتبة الصفار(7)إلى أبي محمد الحسن بن


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد الحديث 4.
5- 5 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
6- 6 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.
7- 7 الوسائل الباب- 55- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 335

علي عليهما السلام «في امرأة طلقها زوجها و لم تجر عليها النفقة للعدة، و هي محتاجة، هل يجوز لها أن تخرج و تبيت عن منزلها للعمل و الحاجة؟ فوقع عليه السلام: لا بأس بذلك إذا علم الله الصحة منها».

و منه يعلم أن المدار على مقدار ما تتأدى به الضرورة، كما صرح به بعضهم و إن ذكر المصنف و غيره أنه لو اضطرت إلى الخروج خرجت بعد انتصاف الليل و عادت قبل الفجر إلا أنه يجب حمل ذلك على خصوص ما يمكن دفع الضرورة به، كما أن ما سمعته في موثق سماعة(1)- من أنه إن أرادت زيارة خرجت بعد نصف الليل، و لا تخرج نهارا- محمول على ضرب من رجحان الستر لها إذ المفروض فيه الزيارة لا الضرورة.

لكن في المسالك التصريح بوجوب خروجها بعد انتصاف الليل و العود قبل الفجر ناسبا إلى المصنف و جماعة، و إلى موقوفة سماعة(2)و هو كما ترى، نعم ورد(3)نحو ذلك في عدة الوفاة.

و من الغريب ما في الرياض، فإنه بعد أن نسب وجوب العود قبل الفجر إلى الأشهر قال: «بل لم أقف على مخالف إلا من بعض من ندر ممن تأخر، و الأصل فيه الموثق الذي مر، و لا قدح فيه من حيث الموثقية و الإضمار كما هو المقرر، مع أنه على تقديره فهو بالشهرة العظيمة منجبر، فهو أظهر إن ارتفع به و بغيره الضرر، و إلا بأن كان الدفع بالغير منحصرا جاز قولا واحدا» إذ هو كما ترى، إذ لا دلالة في الموثق المزبور على ذلك، خصوصا بالنسبة إلى وجوب العود قبل الفجر، لخلوه عن التعرض له أصلا و ما فيه من النهي عن الخروج نهارا لا يقتضي ذلك، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب العدد الحديث 3 و فيه «قال: تخرج بعد نصف الليل و ترجع عشاء»

ج 32، ص: 336

إنما الكلام في تحديد الاضطرار المذكور في المتن و غيره، و قد عرفت أن الموجود في مكاتبة الصفار(1)الاحتياج الذي قد يتوهم إرادة العرفي منه.

لكن قد يشكل بظهور المكاتبة المزبورة في جوازه من دون إذن من الزوج، و هو في الزوجة- فضلا عن المعتدة- محل منع، نعم مع فرض الاضطرار الذي مرجعه إلى تكليف شرعي صالح لمعارضة حرمة الخروج يتجه حينئذ عدم اعتبار الإذن، بل يكون أصل تحريم الخروج مقيدا بغير الفرض، و ليس هو من أقسام التعارض الذي ينظر فيه الأهم و غيره، فتأمل جيدا، فإنه لا كلام لهم منقح في ذلك كما في كثير من مسائل المقام.

ثم إنه قد يظهر من قول المصنف: «فتخرج لإقامته» كون المستثنى الخروج لإقامة الحد عليها، فتعود حينئذ إلى المسكن، كما هو المحكي عن بعضهم، تقديرا للضرورة بقدرها، لكن فيه أن المنساق من الآية(2)سقوط احترامها بهتكها لسترها بفعل الفاحشة، فحينئذ لا يجب ردها إليه، للأصل بعد أن كان خروجها في الحال المزبور من المستثنى، و لأنه لو كان ذلك للحد لوجب مراعاة ما ذكروه فيه: من أنها إن كانت مخدرة أقيم الحد عليها في منزلها، و إلا جاز إقامة الحد عليها في خارجه.

هذا و في المسالك «حيث تخرج لأذى أحمائها أو لم نوجب في الأول إعادتها ينقلها الزوج إلى منزل آخر مراعيا للأقرب فالأقرب إلى مسكن العدة».

و فيه (أولا) أن وجوب الأقرب فالأقرب و إن صدر من الشيخ و غيره في صورة تعذر سكنى منزل الطلاق كما ستسمع لكن لا دليل عليه بحيث يوافق أصولنا. و (ثانيا) أنه يمكن أن يقال بعدم وجوب ملاحظة حكم الاعتداد في غير منزل الطلاق، لأن النهي في الآية(3)عن الإخراج و الخروج عن بيوتهن التي كن فيها قبل الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 55- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 337

و بعده، فمع فرض الخروج عنها(1)لا دليل على إعطاء حكم الاعتداد لغيره من المنازل التي تجب على الزوج من حيث الإنفاق، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن موضع النقل في صورة الإيذاء لو كانت الدار تسع الجميع، أما لو كانت ضيقة لا تسع لهم و لها ففي المسالك و غيرها «نقل الزوج الأحماء و ترك الدار لها» و فيه أنه مع فرض كونها من المسكن اللائق بها معهم و إن كانت ضيقة لا يتعين عليه، للاستثناء في الآية(2)المفسرة في النصوص (3)المزبورة فتأمل.

و لو كان الأحماء في دار أخرى لم تنقل المعتدة، بل تؤدب و هي في منزلها، و ربما قيل بكونه بعض أفراد المستثنى و إن كان إيذاؤها لهم بالجوار، لكنه كما ترى.

و لو كانت في دار أبويها لكون الزوج ساكنا معهم فطلقها فيها فبذأت على الأبوين ففي المسالك «في جواز نقلها عنهم وجهان، من عموم الآية المتناولة لذلك، حيث نقول بتفسيرها بالأعم، و من أن الوحشة لا تطول بينهم كما هي بينها و بين الأحماء، نعم لو كان أحماؤها في دار أبويها أيضا و بذأت عليهم أخرجوا دونها، لأنها أحق بدار الأبوين، مع احتمال جواز إخراجها، للعموم».

و هو كما ترى ضرورة انطباق ما ذكره من التعليلات على مذاق العامة، و المتجه على أصولنا- مع فرض شمول المنزل المخصوص لبيوتهن و لو لاستحقاق الزوج السكنى مع أبويها- جواز خروجها بالفاحشة المزبورة، و لا أحقية لها بدار أبويها من حيث الأبوة، كما أنه لا مدخلية لعدم طول ذلك بينها و بين أهلها بخلاف أحمائها بعد فرض تفسير الفاحشة بما يشمل مثل ذلك، كما هو واضح.

و كيف كان ف لا تخرج في حجة مندوبة مثلا إلا بإذنه بلا


1- 1 و في النسختين الأصليتين «فمع فرض الخروج عنهن».
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 338

خلاف أجده فيه، لخبر معاوية بن عمار(1)السابق المؤيد بإطلاق

مضمر محمد بن مسلم (2)«المطلقة تحج و تشهد الحقوق»

و لا ينافي ذلك إطلاق

قوله عليه السلام في خبر سماعة(3)السابق «ليس لها أن تحج حتى تنقضي عدتها»

بعد تقييده بالخبر الأول.

و على كل حال فذلك يؤيد ما ذكرناه من أنه لا حكم للاعتداد من حيث الإذن، (و احتمال) اختصاص ذلك في السفر لحج و نحوه و إن استلزم قضاء العدة أجمع في خارجه دون الانتقال إلى منزل آخر، فإنه لا يجوز و إن اتفقا عليه، بل يمنعهما الحاكم من ذلك (و إن كان ممكنا) لكنه مخالف لمذاق الفقه.

و تخرج في الواجب المضيق و إن لم يأذن لأنه من الضرورة حينئذ، كما في كل واجب كذلك، نعم لو كان موسعا اتجه المنع، خصوصا في المقام الذي اجتمع فيه حق الاعتداد و النكاح.

و كذلك الكلام في جميع ما تضطر إليه و لا وصلة لها إليه إلا بالخروج من حفظ مال أو نفس أو عرض، بل صرح غير واحد بأن من ذلك ما إذا كانت الدار غير حصينة، و كانت تخاف من اللصوص، أو كانت بين قوم فسقة تخاف على نفسها منهم و لو على العرض، أو كانت تتأذى من الجيران أو من الأحماء تأذيا شديدا، و لم يمكن إخراجهم عنها، بأن كانوا في مسكن يملكونه و نحو ذلك.

لكن قد ذكرنا سابقا أنه ليس في شي ء من النصوص عنوان الضرورة، و إنما الموجود في مكاتبة الصفار(4)خصوص الحاجة للتعيش، فلا بد من تقدير الضرورة بما إذا عارض حرمة الخروج المزبورة واجب آخر مضيق مثلا، فيرجح مطلقا و إن كان ذلك أهم منه، بناء على ظاهر كلامهم الذي لم يوكل الأمر فيه إلى الترجيح.


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب العدد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 55- من أبواب العدد الحديث 1.

ج 32، ص: 339

كما أنه لم يذكروا هنا وجوب بذل المال غير المضر بها عليها في دفع ما يقتضي خروجها من المنزل للمقدمة و إن لم يبذل ذلك الزوج، لأنها منهية عن الخروج، كما أن الزوج منهي عن الإخراج، و ستسمع فيما يأتي ذكرهم المقدمة بالنسبة إلى الزوج، إلى غير ذلك مما يدل على عدم تنقيح كلماتهم في المقام، و الله العالم.

و لا إشكال كما لا خلاف في أنه تخرج في العدة البائنة أين شاءت لانقطاع العصمة بينهما، و إن كانت حاملا تجب نفقتها على الزوج للنصوص (1)السابقة المعتضدة بعدم الخلاف، بل الإجماع بقسميه عليه.

[المسألة الثانية في لزوم نفقة الرجعية زمن العدة]
اشاره

المسألة الثانية قد عرفت أنه لا خلاف و لا إشكال في أن نفقة الرجعية لازمة في زمن العدة، و كسوتها و مسكنها بل الظاهر أنها يوما فيوما ضرورة كونها كنفقة الزوجة، بل هي هي، لأن الطلاق لم يسقطها، و لا فرق عندنا فيها مسلمة كانت أو ذمية لإطلاق الأدلة.

أما الأمة ف قد عرفت الحال في نفقتها في كتاب النكاح و إن ذكر المصنف هنا أنه إن أرسلها مولاها ليلا و نهارا فلها النفقة و السكنى، لوجود التمكين التام، و لو منعها ليلا أو نهارا فلا نفقة، لعدم التمكين لكن تمام الكلام في كتاب النكاح، و يتبعها الحكم بالنسبة إلى طلاقها رجعية، فلاحظ و تأمل.

و كذا تقدم الكلام فيه أيضا في أنه لأنفقه للبائن و لا سكنى إلا أن تكون حاملا، فلها النفقة و السكنى حتى تضع إلا أنها سكنى نفقة لا سكنى اعتداد على وجه يحرم عليه إخراجها إلى منزل آخر لائق بها و يحرم عليها الخروج، و تقدم الكلام أيضا في أن هذه النفقة للحمل أو للحامل و الفروع المتفرعة على ذلك، فراجع و تدبر.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب النفقات من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 340

و كذا قد عرفت فيما تقدم أنه تثبت العدة للوطء بالشبهة بلا خلاف و لا إشكال و لكن هل تثبت النفقة أيضا لو كانت حاملا؟ قال الشيخ:

نعم و ربما فرعه على كون النفقة للحمل دون الحامل. و فيه إشكال ينشأ من توهم اختصاص النفقة سواء قلنا: إنها للحمل أو للحامل بالمطلقة الحامل دون غيرها من البائنات للأصل و غيره، بل هو ليس من التوهم، بل هو المتحقق، فالأصح أن لا نفقة لها مطلقا، و الله العالم.

[فروع في سكنى المطلقة]
[الأول لو انهدم المسكن جاز له إخراجها]

الأول:

لو انهدم المسكن على وجه لا يمكن إصلاحه أو يعسر بحيث يكون فيه الاعتداد أو كان مستعارا قد رجع به المعير، أو مستأجرا فانقضت المدة جاز له إخراجها فليس لها إلزامه بذلك. و (11) جاز لها الخروج (12) فليس له إلزامها بذلك لأنه إسكان غير سائغ (13) في الأخيرين قطعا، لكونه ما لا للغير.

نعم في المسالك و غيرها «يجب على الزوج أن يطلبه من المالك و لو بأجرة توصلا إلى تحصيل الواجب بحسب الإمكان، فإن امتنع أو طلب أزيد من أجرة المثل نقلها إلى مسكن آخر و أوجب جماعة تحري الأقرب فالأقرب إلى الأول اقتصارا في الخروج المشترط بالضرورة على موردها، و هو حسن».

قلت: لا حسن فيه على أصولنا، ضرورة عدم الفرق بين أفراد الخروج المفروض

ج 32، ص: 341

جوازه، إذ كل من القريب و البعيد عنه يتحقق به الخروج عنه، لأنه معنى متحد، و لعله لذا قال في كشف اللثام بعد أن حكاه عن المبسوط و غيره: «و فيه نظر».

بل قد يناقش في أصل وجوب تطلب الزوج ذلك من المالك و لو بأجرة المثل، ضرورة عدم صدق الإخراج منه فيهما، كعدم صدق الخروج منها، فلا يندرج في النهي عن الإخراج و لا النهي عن الخروج، و إلا لوجب بذل غير المضر بالحال و إن زاد عن أجرة المثل، كما هو مقتضى باب المقدمة في تحصيل ماء الوضوء و الغسل و نحوهما.

بل قد يقال إن مقتضى التكليف بذيها عدم تسلط المعير على الرجوع بالعين إذا كان قد أعارها لأن تطلق فيه، ضرورة كونه حينئذ- كالعارية للدفن و الرهن و للصلاة و نحوها مما يتعلق به خطاب شرعي- بعد التلبس. يمنع من رد العين إلى مالكها، و أقصى ما يقتضيه فسخ العقد الجائز استحقاق الأجرة عليه، بل ربما يقال بذلك فيما لو أعاره للسكنى فاتفق الطلاق فيه، بناء على اللزوم فيما لو أعاره الثوب مثلا للبس فصلى فيه أو منزلا للسكنى فصلى فيه، فلا محيص حينئذ عن رفع اليد عن باب المقدمة أو الالتزام بمثل ذلك، و لم أجد أحدا احتمل ذلك، نعم قد يقال: إن إطلاق المصنف و غيره الجواز يقتضي عدم ملاحظة المقدمة، فتأمل.

و لو انتفت الضرورة بأن بذله مالكه بعد الخروج ففي وجوب العود إليه وجهان، من زوال الضرورة، و من سقوط اعتباره بعد الاذن شرعا بالخروج و الإخراج منه، و الأصل براءة الذمة من العود و الإعادة، خصوصا بعد أن كان الغرض الذاتي ملازمة المرأة للمسكن من غير أن تخرج، و قد فات، و لعله الأقوى كما في كشف اللثام و غيره.

بل في المسالك في عودها إلى الأول منافاة للمقصود، كانتقالها عنه، و ظاهره جريان حكم الإخراج و الخروج منه على الثاني، و لا يخلو من نظر، ضرورة ظهور النص (1)و الفتوى بل و الكتاب (2)في اختصاص الحكم المزبور بمنزل الطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 342

لا غيره، و الأصل براءة الذمة من جريان حكم الاعتداد الزائد على حكم النفقات على الثاني، و الله العالم.

و لو طلقت في مسكن دون مستحقها من المنازل فان رضيت بالمقام فيه و إلا جاز لها المطالبة ب الخروج عند الطلاق إلى مسكن يناسبها و إن كانت رضيت به حال النكاح، لاستصحاب الجواز السابق لها قبل الطلاق، باعتبار كون ذلك حقا لها، بل عن المبسوط بعد حكمه بالجواز أن عليه حينئذ نقلها إلى أقرب المواضع إلى ذلك فالأقرب و إن كان قد عرفت ما فيه بل في أصل حكمه بجواز المطالبة تردد مما عرفت و من ظهور الكتاب (1)و السنة(2)في حرمة الخروج عليها من حيث الاعتداد، و لا ينافي ذلك كونه أنقص من مسكنها المستحق لها من حيث الإنفاق، إذ يمكن الجمع بينهما بغرم التفاوت.

و أولى من ذلك بعدم الجواز ما لو كان قد أسكنها قبل الطلاق في مسكن زائد ثم طلقها فيه، لإطلاق النهي المزبور و إن صرح بعضهم بجواز ذلك له، بل ظاهر المسالك المفروغية منه، لكنه في غير محله، كما هو واضح. نعم يجوز بناء حاجز بحيث لا يضر في مستحقها.

و لو تمكن الزوج من ضم بقعة أخرى- و لو بابتياعها و استيجارها- إلى المنزل على وجه يصير باعتبارها مسكنا لائقا بها ففي القواعد لزمه ذلك، و وافقه في كشف اللثام إن لم يلزمه غرامة أو ضرر فوق ما يلحقه من نقلها إلى آخر، لكنه و على كل حال لا يخلو من بحث.

و لو أراد الزوج أن يساكنها في دار واحدة بأن تكون في بيت و هو في بيت آخر فان كانت المطلقة رجعية ففي القواعد لم تمنع، بل في كشف اللثام «عندنا، لأن له وطءها و مقدماته، و يكون لها رجعة و إن لم ينوها كما عرفت، فالخلوة بها أولى


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 343

خلافا للعامة».

لكن في المسالك أشكله بعد اعترافه بأنه ظاهر الأصحاب بأن «التمتع بها بالنظر و غيره إنما يجوز بنية الرجعة لا مطلقا، فهي بمنزلة الأجنبية و إن كان حكمه أضعف، فتكون الخلوة بها محرمة كغيرها».

و فيه (أولا) أنه مناف لما تقدم في الرجعة من عدم الحاجة إلى النية على الأصح، و (ثانيا) بما يظهر من النصوص المتكثرة(1)من أن لها التزين و التشوق له و نحوهما استجلابا له، بل و الاجتماع معه، بل هو المراد من قوله تعالى (2):

«لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» بل في النصوص المزبورة تعليل ذلك بذلك، بل هو المقصود من عدم إخراجهن من بيوتهن، بل لعل سكناها معه هو المنساق من قوله تعالى (3)«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ» لا أقل من الشك في شمول ما دل على تحريم الخلوة بالأجنبية لها، و الأصل البراءة، خصوصا بعد أن لم نعثر على دليله سوى

النبوي (4)الذي لم أجده في طرقنا «لا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان»

و خبر مسمع بن أبي سياب (5)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «فيما أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله البيعة على النساء أن لا يحتبين و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء»

و خبر موسى بن إبراهيم (6)المروي عن المجالس عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله «من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يبيت في موضع يسمع نفس امرأة ليست بمحرم»

و مرسل مكارم الأخلاق للطبرسي (7)عن الصادق عليه السلام قال: «أخذ رسول الله صلى الله عليه و آله


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 91 و المستدرك الباب- 77- من مقدمات النكاح الحديث 8 من كتاب النكاح.
5- 5 الوسائل الباب- 99- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 من كتاب النكاح عن مسمع بن أبي سيار.
6- 6 الوسائل الباب- 99- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 99- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 32، ص: 344

عن النساء أن لا ينحن و لا يخمشن و لا يقعدن مع الرجال في الخلاء»

و غير ذلك مما يمكن حمله على الكراهة، بل لعل المنساق منها ذلك، فان اللسان لسانها، و لا شهرة محققة للأصحاب.

نعم في القواعد «إن كانت المطلقة بائنة منع من السكنى معها إلا أن يكون معها من الثقات من يحتشمه الزوج» و في الوسائل عقد لحرمة ذلك بابا ذكر فيه النصوص المذكورة، و في المسالك «هذه المسألة من المهمات و لم يذكرها الأصحاب في باب النكاح، و أشاروا إليها في هذا الباب».

قلت: يمكن أن يكون ذلك لعدم الحرمة عندهم، و لعل ذلك للعامة كما يومئ إليه ما ذكره فيها من فروع المسألة، قال: «و المعتبر من الخلوة المحرمة أن لا يكون معهما ثالث من ذكر أو أنثى بحيث يحتشم جانبه و لو زوجة أخرى أو جارية أو محرم له، و ألحق بعضهم بخلوة الرجل بالمرأة خلوة الاثنين فصاعدا بها، دون خلوة الواحد بنسوة، و فرقوا بين الأمرين بأن استحياء المرأة من المرأة أكثر من استحياء الرجل من الرجل، و لا يخلو ذلك من نظر- ثم قال-: و حيث يحرم عليه مسكنها و الخلوة بها يزول التحريم بسكنى كل واحد منهما في بيت في الدار الواحدة بشرط تعدد المرافق، فلو كانت مرافق حجرتها كالمطبخ و المستراح و البئر و المرقى إلى السطح متحدة في الدار لم يجز بدون الثالث، لأن التوارد على المرافق يفضي إلى الخلوة، و حكم السفل و العلو حكم الدار و الحجرة، و لو كان البيت متحدا لكنه واسع فبنى حائلا جاز إن كان ما يبقى لها سكنى مثلها، ثم إن جعل باب ما يسكنه خارجا عن مسكنها لم يفتقر إلى ثالث، و إن جعله في مسكنها لم يجز إلا به، لإفضائه إلى الخلوة بها وقت المرور».

و لا يخفى عليك ما في ذلك من عدم الانطباق على أصولنا بعد فرض عدم دليل صالح لتفريع ذلك و نحوه عليه، كما هو واضح، و من الغريب اعتماد بعض الناس هنا على الحرمة بدعوى ظهور عبارة المسالك فيه بقوله: «أشاروا» إلى آخره.

و أغرب منه ما يحكى عن بعض من قارب عصرنا من دعوى الإجماع على ذلك

ج 32، ص: 345

فضلا عن دعوى آخر الشهرة، ضرورة أن أمثال هذه الدعاوي لا تورث الفقيه الماهر ظنا بمثل هذا الحكم العام البلوى الذي تنافيه السيرة القطعية، بل و جملة من النصوص (1)الدالة على صحبة غير المحرم في طريق الحج و غيره، لأن المؤمن ولي المؤمنة و غير ذلك، و الله العالم.

[الثاني لو طلقها ثم باع المنزل فان كانت معتدة بالأقراء لم يصح البيع]

الثاني لو طلقها ثم باع المنزل من غير ذكر للمشتري استحقاقها الاعتداد فيه تخير المشتري بين الصبر و بين الفسخ، سواء كان اعتدادها بالأقراء أو بالأشهر.

و إن ذكر ذلك بعنوان الاشتراط عليه فان كانت معتدة بالأقراء أو الحمل لم يصح البيع، لأنها حينئذ تستحق سكنى غير معلومة باعتبار تقدم العادة و تأخرها و نقصانها و زيادتها فيمن استقام حيضها و كذا الحمل فتتحقق الجهالة بالشرط، فيبطل و يبطل العقد، و العادة المستقيمة في الأقراء و الحمل لا تجدي لإمكان تغير العادة و لو كانت معتدة بالأشهر صح لارتفاع الجهالة.

و أشكل كلا منهما في المسالك «أما الأول فبأن الاختلاف الحاصل أو الممكن مع اعتيادها استقامة الحيض قدر يسير، فلا تضر جهالته حيث تكون المنفعة في زمانه تابعة للمعلوم، كما جوزوا تبعية المجهول للمعلوم في البيع حيث يكون المجهول تابعا، نعم هذا يجرى على قول من لا يصح بيع المجهول مطلقا، و المصنف منهم كما نبه عليه في بابه، فلذلك أطلق هنا».

و فيه أنه لا وجه للتبعية هنا بخلافها في أس الجدار و بواطن الحيطان التي مبني البيع فيها عرفا على جهالتها، نعم لو قلنا يفتقر مثل ذلك في الشرائط اتجه الصحة و إلا فلا.

ثم قال: «و أما الثاني فيمكن مساواته للأول في احتمال الجهالة، لأن


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب وجوب الحج من كتاب الحج.

ج 32، ص: 346

المعتدة بالأشهر قد تتوقع الحيض في أثنائها، فتنتقل إليها كما سبق- إلى أن قال-:

و مع ذلك يمكن طرو الموت في أثناء العدة، فتبطل و ترجع المنفعة إلى ملكه أو ملك ورثته، فلا وثوق بخروج المنفعة عن ملكه مدة العدة، و بهذا يفرق بين بيع العين المؤجرة مدة معينة و بين بيع هذه الدار، لأن منافع العين المستأجرة ملك للمستأجر، ألا ترى أنه لو مات كانت لورثته، بخلاف المعتدة، فإنها لا تملك منفعة الدار، و لذا لو ماتت كانت منافعها بقية المدة للزوج».

و لا يخفى عليك أن الأخير من غرائب الكلام، ضرورة عدم مدخليته في صحة البيع و فساده، إذ ليس من الشرائط وثوق البائع بعدم عود المنفعة إليه، فإن من باع دارا مستأجرة مدة معينة مشروطا فيها الخيار مثلا لا إشكال في صحة بيعه و إن لم يثق البائع بعود المنفعة إليه بالفسخ، نعم إشكاله الأول لا يخلو من وجه، إلا أنه قد يدفع بأن مبنى البطلان في الأول جهالة الأقراء عادة، فإن الاستقامة فيها مبنية على الاختلاف بتقدم العادة و تأخرها و زيادة أيامها و نقصانها، فمتى أخذت شرطا كان من الشرائط المجهولة المحكوم ببطلانها، و يتبعها بطلان البيع، لا أن مبناه احتمال تغير العادة و الانتقال إلى الأشهر، كي يأتي مثله في ذات الأشهر التي هي ذات مدة مضبوطة صح من جهتها البيع بناء على الغالب أو أصالة عدم التغير، فمع فرض التغير ينجبر بالخيار، و مثله لا يوجب جهالة قادحة، فبان الفرق بينهما، و أما دعوى التسامح في اليسير من اختلاف الأقراء حتى في صورة الشرطية فممنوعة.

و على كل حال فلو حاضت ذات الأشهر في الأثناء فإن انقضت عدتها بها في مقدار الأشهر أو أقل ففي المسالك «لا اعتراض للمشتري و كان البحث في بقية الأشهر هل ينتقل منفعتها إلى المشتري أو إلى البائع كما لو ماتت في أثنائها؟ و الأظهر انتقالها إلى البائع، لأنها كالمستثناة له مدة معلومة».

و فيه أن مفروض المسألة استثناء اعتدادها تلك المدة، فمع فرض موتها لا اعتداد، فتتمحض الدار للمشترى، و أولى من ذلك اتفاق اعتدادها بالأقل، و ليست المنفعة مملوكة للبائع، و إنما يستحق سكنى زوجته فيها تلك المدة بالشرط، كما

ج 32، ص: 347

أنها هي أيضا غير مملوكة لها، و إنما لها حق الاستيفاء، فتأمل جيدا، فان بذلك يظهر لك النظر في غير ذلك من كلامه، بل و كلام غيره ممن تأخر عنه.

و لو اتفقت العدة بالأقراء لذات الأشهر أكثر من الأشهر قدمت الزوجة بالباقي، لسبق حقها، و في تخير المشتري في الفسخ و الإمضاء وجهان، من فوات بعض حقه، فكان كتبعيض الصفقة، و من قدومه على ذلك، فإنه كما يمكن بقاء استحقاقها طول المدة، باستمرارها على عدم الحيض يحتمل نقصانه عنها، و زيادته بالتغيير الطاري و تصحيح البيع للبناء على الغالب أو على أصالة عدم التغير لا يوجب تعيينه.

و في المسالك «الأقوى الفرق بين من يعلم بالحكم و غيره، فيتخير الثاني دون الأول، لأن خيار تبعض الصفقة مشروط بجهل ذي الخيار بما يقتضي التبعيض».

و فيه (أولا) أن المقام ليس من خيار تبعض الصفقة قطعا، لأن المنفعة ليس من المبيع، بل من صفاته، و لذا لا يتقسط الثمن عليها مع الرضا بفواتها.

و (ثانيا) أن خيار التبعيض ليس مشروطا بالجهل بالحكم الشرعي، و إنما هو مشروط بالجهل بالموضوع، كما لو باع ماله و مال غيره غير عالم بذلك، و الفرض في المقام علم المشتري بكونه سكنى ذات عدة محتملة للزيادة و النقصان فالمتجه حينئذ عدم الخيار له لأصالة اللزوم بعد إقدامه على الحال المزبور، هذا.

و فيها أيضا «و ربما استثني من عدم صحة بيع المسكن- حيث لا نصححه- ما لو بيع على المطلقة، لاستحقاقها حينئذ جميع المنفعة و إن كان بعضها به و بعضها بالزوجية، فإن ذلك لا يقدح، كما لو باع ما يملك و ما لا يملك مع الجهل بقسط ما صح فيه البيع حالته، و قد تقدم البحث في نظير المسألة في كتاب السكنى إذا بيع المسكن مدة معلومة أو مجهولة كالمقترن بالعمر، و حققنا القول فيه، فليراجع ثمة».

ج 32، ص: 348

و لا يخفى عليك ما في تنظيره المقام ببيع المملوك و غيره و حضور التقسيط في ذهنه، على أنه قد يشكل ذلك بناء على ما ذكره من عدم الوثوق بالمنفعة، لاحتمال رجوعها إليه بالموت أو بعضها بانقضاء الأقراء في الأقل من الثلاثة، و (بالجملة) لا يخفى عليك حال جميع كلامه في هذا المبحث، و من الغريب اتباع بعض الناس كالفاضل الأصبهاني له في بعض ذلك، و الله العالم.

[الثالث لو طلقها ثم حجر عليه الحاكم]

الثالث لو طلقها في منزل من منازله التي تباع في الدين ثم حجر عليه الحاكم قيل و القائل المشهور، بل في المسالك «بين الأصحاب و غيرهم، لم ينقل أحد فيه خلافا» عدا المصنف هي أحق بالسكنى، لتقدم حقها على الغرماء كالمرتهن و المستأجر و غيرهما و قيل و إن كنا لم نعرفه تضرب مع الغرماء بحقها من أجرة المثل و وجه بأن حقها في السكنى تابع للزوجية السابقة، و لهذا كان مشروطا بشروطها من بقائها على الطاعة و التمكين و غيره من الشرائط، فلا يكون حقها أزيد من حق الزوجة، و الزوجة إنما تستحق السكنى يوما فيوما، و على تقدير الحجر عليه لا تستحق السكنى إلا يوم القسمة خاصة، فإذا بقي من استحقاقها في السكنى شي ء ضربت به مع الغرماء كالدين، لأنه متعلق بذمة الزوج و إن اختص برقبة المسكن الخاص.

و أجيب بأن حق الزوجة في الإسكان و النفقة في مقابلة الاستمتاع، فكان متجددا بتجدده، بخلاف حق المطلقة، فإنه ثابت بالطلاق لمجموع العدة لا في مقابلة شي ء، و إن كان مشروطا بشرائط نفقة الزوجة، و من ثم وجب لها في البائن و الحامل.

و الأصوب في الجواب أن يقال بزيادة المطلقة على الزوجية بتعلق حقها في

ج 32، ص: 349

خصوص المسكن، للنهى عن إخراجها و خروجها(1)فتعلق حق الغرماء حينئذ قد كان على الوجه المزبور، لفرض سبقه.

و أما ما في توجيه الاستدلال من تعلق حق الزوجة إلى يوم القسمة ففيه (أولا) أن المتجه ضرب الزوجة مع الغرماء بيوم الحجر خاصة، لمقارنة حقها فيه للحجر و تأخر ما بعده كغيره، كما صرح به هنا الفاضل في القواعد، و (ثانيا) أنه قد تقدم في كتاب الفلس أنه يجري عليه النفقة من ماله له و لمن وجبت نفقته عليه من زوجة و غيرها إلى يوم القسمة تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء، و الله العالم.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، لما عرفت من سبق تعلق حقها بالعين على حق الغرماء، هذا كله إذا تقدم الطلاق على الحجر.

أما لو حجر عليه ثم طلق كان حقها من أجرة المثل أسوة مع الغرماء بلا خلاف أجده هنا بين من تعرض له إذ لا مزية لها عليهم، قالوا:

و ليس ذلك كدين يحدث بعد الحجر لا يزاحم صاحبه الغرماء، لأن حقها و إن كان حادثا فهو مستند إلى سبب متقدم، و هو النكاح، و أيضا فإنه حق يثبت لها بالطلاق من غير اختيارها، فأشبه ما إذا أتلف المفلس مالا، فإنه يزاحم الغرماء، و مقتضاه الضرب بغير المسكن من النفقة.

بل هو صريح المسالك في الفرع الرابع، قال: «و اعلم أنه لا فرق في هذه المسائل بين اجرة المسكن و النفقة، فتضارب الغرماء عند إفلاس الزوج بالنفقة و السكنى جميعا، بل المضاربة بالنفقة ثابتة على كل حال بخلاف المسكن، فإنها قد تختص به، فلذلك أفردوه بالذكر».

و فيه- إن لم يكن إجماعا- أنه لا وجه لضربها معهم في المسكن فضلا عن النفقة، لكونه من الدين المتجدد، فهو كنفقة الزوجة المتجددة بعد الحجر،


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.

ج 32، ص: 350

ضرورة أن الطلاق لم يوجب نفقة، و إنما هي نفقة الزوجة، أقصى ما هناك لم يسقطها الطلاق، و من المعلوم عدم ضرب الزوجة بنفقتها المتجددة بعد الحجر، نعم قد صرحوا في كتاب الفلس أنه تجري نفقة المفلس له و لمن وجبت نفقته عليه من المال إلى يوم القسمة بلا خلاف يعرف فيه بينهم تقديما لخطاب النفقة على خطاب الوفاء، فلاحظ و تأمل.

و دعوى اختصاص المطلقة بالحكم المزبور لا دليل عليها، كما أن احتمال إرادتهم الضرب بما زاد من النفقة على يوم القسمة- أما قبله فهي مما تجرى على المفلس من ماله، لأنها من واجبي النفقة عليه- مناف لظاهر كلامهم بل صريح بعضهم.

و دعوى أن ذلك كالإتلاف- لكون الطلاق من غير اختيارها- يدفعها- مضافا إلى ما ذكرناه من الإشكال في كتاب الفلس في المشبه به- أن النفقة مستحقة بالنكاح لا بالطلاق، و قد كان باختيارها، و الذي يثبت بالطلاق حرمة إخراجها و خروجها من المسكن حاله، لا أصل استحقاقها للسكنى، و حينئذ فيشكل أصل ضربها مع الغرماء بالسكنى المتجددة فضلا عن غيرها و إن كان هو مفروغا منه عندهم، نعم هي كباقي النفقة مما تجري بها على المفلس إلى يوم القسمة، و بعدها تكون في ذمته، اللهم إلا أن يكون إجماعا في المقام، و الله العالم.

ج 32، ص: 351

[الرابع لو طلقها في مسكن لغيره استحقت السكنى في ذمته]

الرابع لو طلقها في مسكن لغيره قد تبرع به لها مثلا لا له استحقت السكنى في ذمته لأنها من جملة النفقة اللازمة له، إذ لم تكن في بيت له يحرم عليه إخراجها منه، فليس حينئذ إلا استحقاق النفقة، و في ضربها بها مع الغرماء الإشكال السابق، اللهم إلا أن يكون إجماعا، و عليه فان كان له غرماء و قد فلسه الحاكم ضربت مع الغرماء بأجرة مثل سكناها اللائقة بها فإن كانت معتدة بالأشهر فالقدر معلوم عادة، و احتمال التخلف زيادة و نقصانا منفي بالأصل.

و إن كانت معتدة بالأقراء أو بالحمل ضربت مع الغرماء بأجرة سكنى أقل الحمل أو أقل الأقراء لأنه المتيقن فان اتفق كذلك فلا إشكال و إلا أخذت نصيب الزائد لتبين استحقاقها حينئذ كدين ظهر بعد القسمة، و ربما احتمل رجوعها على المفلس، لتقدير حقها بما أعطيت، فلا يتغير الحكم، و هو واضح الفساد، ضرورة كون التقدير المزبور للاستظهار لحق الغرماء، لا أنه حكم من الحاكم بذلك، فلا إشكال في استحقاقها الزائد، كما لا إشكال في ردها التفاوت لو فرض انقضاء عدتها بالأقل من المدة.

و كذا لو فسد الحمل بإسقاط و نحوه قبل أقل المدة رجع عليها بالتفاوت لظهور الزيادة عندها على ما تستحقه، و لعل المتجه مع العمل بالأصول دفع مقدار مدة الأقصى لها، لأصالة العدم، و الأعدل الجامع وضع ما يخصها على أضعف احتمال بيد الحاكم حتى يعلم الحال.

ج 32، ص: 352

[الخامس لو مات فورث المسكن جماعة لم يكن لهم قسمته إلا بإذنها]

الخامس:

لو مات فورث المسكن جماعة جاز لهم قسمته عندنا لانقلاب عدتها حينئذ عدة وفاة، و لا سكنى لها فيها حتى لو كانت حاملا، لكن عن الشيخ إطلاق أنه لم يكن لهم قسمته إذا كان بقدر مسكنها إلا بإذنها أو مع انقضاء عدتها لأنها استحقت السكنى فيه على صفته و في قسمتها ضرر عليها، فلا يجوز، كمن استأجر دارا من جماعة ثم أرادوا قسمتها، و هو- بعد تقييده بالقسمة المضرة- منطبق على مذهب بعض الشافعية القائلين استحقاقها ذلك في عدة الوفاة كما تجب في غيرها.

و لعله لذا قال المصنف الوجه أنها لا سكنى لها بعد الوفاة ما لم تكن حاملا و تبعه عليه الفاضل، و لكن فيه أنها كذلك و إن كانت حاملا كما ستسمع، نعم عن الشيخ أن لها النفقة من نصيب ولدها، و هو مع ضعفه لا يقتضي المنع من القسمة، ضرورة كونها حينئذ كأحد الشركاء، و لا حق لها في خصوص العين، و الله العالم.

[السادس لو أمرها بالانتقال فنقلت رحلها و عيالها ثم طلقت و هي في الأول]

السادس قد عرفت أن مقتضي الآية(1)و الرواية(2)عدم الإخراج و الخروج من بيوتهن التي كن فيها حال الطلاق، بمعنى المسكن الذي

أسكنهن فيه الأزواج إلا مع المانع، فلو انتقلت مع غير إذن الزوج ففي المسالك «عليها أن تعود إلى الأول مطلقا، و لو أذن لها بعد الانتقال في أن تقيم في المنتقلة إليه كان كما انتقلت


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 353

إليه بعد الطلاق بإذنه، فإن جوزناه جاز هنا و إلا فلا» قلت: قد يقال: إنه لا إخراج في الفرض و لا خروج، فتأمل.

و لو أمرها بالانتقال من منزل كانت تسكن فيه سواء كان ملكا لزوجها أو مستأجرا أو مستعارا فنقلت رحلها و عيالها ثم طلقت و هي في الأول اعتدت فيه دون الثاني الذي يصير بيتها إذا انتقلت ببدنها إليه، إذ المعتبر عندنا الانتقال بالبدن الذي به يتحقق الصدق عرفا دون المال و العيال، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، فعكس.

نعم لو انتقلت ببدنها بنية السكنى و بقي عيالها و رحلها ثم طلقت اعتدت في الثاني الذي قد صار بيتها حينئذ بذلك، فيشمله النهي عن الإخراج و الخروج.

و لو انتقلت إلى الثاني ثم رجعت إلى الأول لنقل متاعها مثلا ثم طلقت اعتدت في الثاني، لأنه صار منزلها الان فمضيها إلى الأول كمضيها إلى زيارة أو سوق، بل ربما استظهر من العبارة ما هو صريح كشف اللثام من أنه لا فرق في الانتقال بين أن يكون انتقال قرار أو تردد و أن كانت تنتقل أمتعتها لكنها غير مستقرة في أحدهما، لأنها كالمأمورة بالانتقال- و طلقت في الطريق- التي ستعرف حكمها، و عن بعض من كانت مترددة كذلك فان طلقت في الثاني اعتدت فيه و إن طلقت في الأول فاحتمالان، فتأمل.

و لو خرجت من الأول فطلقت قبل الوصول إلى الثاني اعتدت في الثاني كما في القواعد و محكي المبسوط لأنها مأمورة بالانتقال إليه عن الأول الذي خرج عن كونه بيتها بخروجها منه بعد الأمر، و للشافعية أوجه ثلاثة أخر:

اعتدادها في الأول، لأنها لم تحصل في مسكن آخر قبل الطلاق، و تخييرها بينهما، لأنها غير حاصلة في شي ء منهما مع تعلقها بهما، و اعتبار القرب، فان كانت أقرب إلى الثاني اعتدت فيه، و إن كانت أقرب إلى الأول اعتدت فيه.

قلت: لا يخفى عليك إن كثيرا من فروع المقام للعامة، و هي مبنية على الرأي

ج 32، ص: 354

و القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة و نحو ذلك من أصولهم الفاسدة، و ليس في أدلتنا سوى الآية الشريفة(1)المشتملة على النهي عن الإخراج و الخروج، و الآية الأخرى (2)المشتملة على الأمر بإسكانهن من حيث سكنتم بناء على أنها في المطلقات، و سوى ما في

النصوص (3)من الأمر بالاعتداد في بيوت أزواجهن المعبر عنه ببيوتهن.

و لعل المنساق خصوصا بقرينة النصوص الأخر(4)الواردة في غير الرجعية المشتملة على الإذن لهن في الاعتداد أين شئن إرادة بقائهن على حالهن قبل الطلاق، لكونهن كالأزواج، و «لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً»(5)أي رجوعا من الأزواج بهن، و لهذا ورد(6)أمرهن بالتزين و الخضاب و غيره من الزينة و التشوق للزوج استجلابا لهواه و رجوعه بالطلاق، فتعتد عنده لهذه الحكمة.

و قد عرفت سابقا أن الخروج و الإخراج جائز مع اتفاقهما، و أنه يجوز لها الحج مندوبا بالإذن، بل و غير الحج أيضا من الزيارات المندوبة، بل و مطلق السفر و لو للنزهة.

ثم إن من المعلوم عدم كون ذلك شرطا في صحة العدة، فلو أخرجها آثما أو خرجت هي عاصية حتى مضت عدتها صحت، و لا تحتاج إلى إعادة، لإطلاق ما دل على انقضاء عدتهن بالأقراء أو الأشهر كتابا(7)و سنة(8)و إجماعا، فالأمر حينئذ


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.
4- 4 الوسائل الباب- 20 و 32- من أبواب العدد.
5- 5 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 228.
8- 8 الوسائل الباب- 12 و 15- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 355

بذلك للتعبد المحض، لا أنه شرط.

فإذا تقرر لك ذلك كله علمت أنه لم يثبت بالطلاق سوى أنه ليس للزوج إخراجهن عن المنزل و لو إلى منزل آخر بدون رضاهن، و أما خروجهن بدون الاذن فقبل الطلاق غير جائز لهن أيضا.

و بذلك كله يظهر لك النظر في كثير من فروع المقام المبنية على تعبدية كون العدة في المنزل الذي يقارن الطلاق و إن انتقل الرجل بعياله و رحله إلى منزل آخر، مع أن في النصوص ما هو صريح في اعتدادها عنده (1)و من ذلك مسألة الكتاب أيضا.

و أزيد من ذلك ما ذكروه من أنه لو أذن لها في السفر ثم طلقها قبل الخروج اعتدت في منزلها، سواء نقلت رحلها و عيالها إلى البلد الثاني، و سواء كان السفر سفر حاجة أو سفر نقلة، لأنها طلقت و هي مقيمة فيه، و لو خرجت من المنزل- أي موضع اجتماع القافلة في البلد أو ارتحلت معها- فطلقت قبل مفارقة بيوت البلد- فضلا عما بعدها- فالأقرب الاعتداد في الثاني و إن كانت في البلد، إذ لا فرق بين المنزلين في بلد أو بلدين، و قد عرفت أنها إذا طلقت و هي في الطريق بين المنزلين اعتدت في الثاني.

و عن الشيخ أنها ما لم تفارق البلد فهي في حكم المقيمة، يعنى أن البلد كالمنزل، فكما أنها إذا طلقت و هي في المنزل الأول اعتدت فيه فكذا إذا طلقت و هي في البلد الأول اعتدت فيه، و لا يكون إلا في ذلك البيت ما لم

يكن مانع، لأنها ما لم تخرج عن البنيان فهي في البلد إلى آخره.

و لو كان سفرها للتجارة أو الزيارة و نحوهما مما لغير النقلة ثم طلقت و قد شرعت في السفر فارقت البنيان أولا فالأقرب أنها تتخير بين الرجوع و المضي في


1- 1 لم أعثر في الروايات على التصريح بالاعتداد عنده، و انما يستفاد ذلك من مجموع الروايات المروية في الوسائل في الباب- 18 و 20 و 21- من أبواب العدد، فهي كالصريحة في ذلك.

ج 32، ص: 356

سفرها، لأن المنزل الأول خرج عن بيتها بالإذن في الخروج، و لم يعين لها منزلا آخر يتعين عليها الخروج إليه، و لأن في إلزام العود إليها إبطال أهبه السفر إن لم تتجاوز البنيان و المشقة من غير الوصول إلى المقصد، و الانقطاع عن الرفقة إن تجاوزت، و كل ذلك ضرر. و فيه أن خروج المنزل عن كونه بيتا لها بالإذن واضح المنع.

و عن الشيخ الحكم و الاعتداد في البلد إن لم تفارق البنيان مطلقا، قال: «و إن فارقت البنيان ففيه مسألتان: إحداهما أن يكون أذن لها في الحج أو الزيارة أو النزهة، و لم يأذن في إقامة مدة مقدرة، و الثانية أذن لها في ذلك، ففي الأول لا يلزمها العود، فإنه ربما كان الطريق مخوفا و تنقطع عن الرفقة، فإذا أرادت العود كان لها ذلك، و إن تعدت في وجهها فان كان أذن لها في الحج فإذا قضت حجها لم يجز لها أن تقيم بعد قضائها، و إن كان أذن لها في النزهة أو الزيارة فلها أن تقيم ثلاثة أيام، فإذا مضت الثلاث أو قضت حجها فان لم تجد رفقة تعود معهم و خافت في الطريق فلها أن تقيم، لأنه عذر، و إلا فإن علمت من حالها أنها إذا عادت في البلد أمكنها أن تقضي ما بقي من عدتها لزمها ذلك، و إلا فقال بعضهم: لا يلزمها العود، بل لها الإقامة، و هو الأقوى، و في الثانية إن طلقت و هي بين البلدين فكما لو طلقت بين المنزلين، و إن طلقت و هي في البلد الثاني لزمها الإقامة ثلاثة أيام، و هل لها الإقامة المدة المضروبة؟

قولان، فان لم يكن فالحكم كما في المسألة الأولى».

و عند الشافعية إن لم تفارق البنيان فوجهان: تخييرها بين العود و المضي و العود، لأنها لم تشرع في السفر، فهي كما لو لم تخرج من المنزل، و وجه آخر إن كان سفرا لحج تخيرت و إلا وجب العود، و إن فارقت تخيرت، و وجه آخر أيضا، إن لم تقطع مسافة يوم و ليلة لزمها الانصراف.

و عن أبي حنيفة إن لم يكن بينها و بين المسكن مصيرة ثلاثة أيام لزمها الانصراف، و إلا فإن كان الموضع موضع إقامة أقامت و اعتدت فيه، و إلا مضت

ج 32، ص: 357

في سفرها.

و مما ذكروا أيضا أنه لو نجزت حاجتها في السفر ثم طلقت رجعت إلى منزلها إن بقي من العدة إن رجعت إليه ما يفضل عن مدة الطريق، إذ لا بيت لها سواه، فيجب الاعتداد فيه و لو يوما، و إلا يفضل شي ء فلا.

و لو أذن لها في الاعتكاف فاعتكفت ثم طلقها فيه خرجت إلى بيتها للاعتداد فيه، بل عن التذكرة إجماع علمائنا عليه، لأنه واجب مضيق لا قضاء له كالجمعة، خلافا لبعض العامة، و قضت الاعتكاف بعد ذلك مستأنفة له إن كان واجبا كما عن المبسوط، و عن المعتبر و التذكرة و المنتهى إن لم تشترط و إلا بنت، و عن الخلاف إطلاق البناء.

و لو كان الاعتكاف في زمان معين بالنذر مثلا ففي الخروج للاعتدال إشكال، بل عن الشهيد القطع بالاعتداد في المسجد، و عن الإيضاح على تقدير الخروج ففي القضاء إشكال من أن العذر ليس باختيارها، و الزمان لم يقبل الاعتكاف، فظهر عدم انعقاد النذر، و عدم صحة اليومين، و من الوجوب بالنذر أو باعتكاف اليومين و لم يفعل فيجب القضاء.

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى عليك ما في كثير منها بعد الإحاطة بما ذكرنا، و خصوصا إذا قلنا بكون المراد من الآية(1)و الرواية(2)بقاءها على الزوجية السابقة من الكون في دارها مع زوجها، كما هو مقتضى قوله تعالى(3):

«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ» و إن هذا معنى

قوله عليه السلام (4): «تعتد في بيتها عنده»

بل هو معنى النهي عن الإخراج و الخروج، أي لا تخرجوهن من حيث كونهن


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 5 و فيه« تعتد المطلقة في بيتها» و ليس فيه كلمة« عنده» راجع التعليقة في ص 355.

ج 32، ص: 358

مطلقات و صرن كالأجنبيات، كما أنهن لا يخرجن من حيث إنهن كذلك.

و بالجملة ذلك كله لدفع توهم صيرورتهن أجانب بالطلاق كالبائنة، و المراد بقاء سلطنة الزوج عليهن، و استحقاقهن السكنى معه كالزوجة غير المطلقة، و حينئذ لا بأس باعتدادهن في سفر أو حضر أو اعتكاف أو غير ذلك إذا كن معه معاملات معاملة الأزواج، كما أنه لا يتم أيضا لو قلنا بكون الحكم الاعتدادي قد رفع اختيار الزوج في أفراد السكنى، و أوجب المنزل الخاص على وجه لو اقترح غيره لم يكن له، بل لا يتم أيضا لو قلنا بوجوب الاعتداد في منزل الطلاق تعبدا على وجه يكون كالحداد في المتوفى عنها زوجها، بحيث يجب بقاؤها فيه للاعتداد و إن سكن الزوج و عياله غيره و تركها فيه، و هو- مع أنه مناف لقوله تعالى (1)«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ»

و «تعتد عنده»(2)

و غيرهما- لا يتم جملة من كلامهم عليه أيضا، لشدة الاختلاف فيه، و بناؤه على اعتبارات و مناسبات لا توافق أصولنا، خصوصا بعد ملاحظة أن السفر للحج أو مطلقا جائز لها بإذنه في العدة، فضلا عما لو طلقها في أثنائه و إذنه مستمرة بالسفر كعزمها عليه، و ملاحظة إمكان انتفاء موضوع الإخراج و الخروج و بيتها و

بيت زوجها في كثير من أفراد المطلقات و كثير من أحوال مصادفة الطلاق لهن، و الله العالم بحقائق أحكامه.


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد الحديث 5 راجع التعليقة الرابعة في الصفحة السابقة.

ج 32، ص: 359

[السابع البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه]

السابع قد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد خلافا فيه بينهم في أن البدوية تعتد في المنزل الذي طلقت فيه و إن كان بيتها من صوف أو شعر أو غيرهما، إذ لا فرق بينه و بين الأجر و الطين في صدق البيت الذي هو العنوان في الكتاب (1)و السنة(2)بل في كشف اللثام «فلا يجوز لها الخروج، و لا له الإخراج عن القطعة من الأرض التي عليها القبة أو الخيمة، و يجوز تبديلهما، فان البيت في المأوى».

كما أن في المتن و القواعد و غيرهما فلو ارتحل النازلون به ارتحلت معهم دفعا لضرر الانفراد من الوحشة و الخوف و غيرهما و إن بقي أهلها فيه أقامت معهم ما لم يغلب الخوف بالإقامة، و لو رحل أهلها التي كانت تستأنس بهم في بيتها و بقي من النازلين فيه من فيه منعة و تأمن معهم فالأشبه كما عن المبسوط جواز النقل دفعا لضرر الوحشة بالانفراد، بل في كشف اللثام «و إن بقي معها الزوج» و في القواعد «أما لو هرب- أي النازلون- عن الموضع لعد و فان خافت هربت معهم و إن لم يهرب أو ينتقل أهلها للضرورة، و إلا أقامت

إن بقي أهلها، لأن أهلها لم ينتقلوا، و لا هي خائفة، فلا بها ضرورة الخوف و لا ضرورة الوحشة».

و لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما ذكرنا، خصوصا ما عساه يظهر منهم من عدم جواز تنقل بيتها من مكان إلى مكان للنزهة أو لطلب الماء أو المرعى أو لغير ذلك مما يفعله البدو، إذ هو كما ترى، ضرورة عدم المفهوم من الكتاب (3)و السنة(4)أزيد من بقائها حال الاعتداد في بيتها لا تخرج منه و لا تخرج


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 360

هي على حسب حاله، فلا ينافيه تنقل البدو من مكان إلى مكان و غيره مما هم عليه، كما هو واضح.

[الثامن لو طلقها في السفينة فان لم تكن مسكنا أسكنها حيث شاء]

الثامن لو طلقها في السفينة فان لم تكن مسكنا لها بأن كانت مسافرة مثلا ففي القواعد تبعا للمصنف أسكنها حيث شاء لأنها حينئذ كغيرها من المسافرات و إن كانت مسكنا لها بأن كان زوجها ملاحا مثلا اعتدت فيها لأنها حينئذ بيتها بمنزلة الدار للحضرية.

و في المسالك «فان اشتملت على بيوت مميزة المرافق اعتدت في بيت منها معتزلة من الزوج، و سكن الزوج بيتا آخر، و كانت كدار

فيها حجرة منفردة المرافق، و إن كانت صغيرة نظر، إن كان معها محرم يدفع الخلوة المحرمة اعتدت فيها، و لو أمكن خروجه منها مع انتفاء الضرر بخروجه بحيث يبقى فيها من يمكنه معالجتها وجب، كما تقدم في البيت الواحد، و حيث تعتد خارجها يجب تحرى أقرب المنازل الصالحة لها إلى الشط، كما تقدم في ضرورة الخروج من منزل الطلاق».

و في القواعد «هل له إسكانها في سفينة تناسب حالها؟ الأقرب ذلك» و في كشف اللثام «خصوصا إذا اعتادت السكنى في السفن و إن لم تكن تلك السفينة مسكنا لها، لعموم «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ»(1)و مناسبة حدوث الرجعة مع الأصل، فإن النهي إنما وقع عن الخروج و الإخراج عن البيوت، فان دخلت السفينة في البيوت فلا إخراج، و إلا فلا بيت حتى يحصل الإخراج عنه، و يحتمل العدم حملا للإسكان على الغالب».

و لا يخفى عليك ما في الجميع أيضا، ضرورة أن المتجه بناء على كلامهم السابق عودها إلى منزلها مع فرض كونها مسافرة و قد قضت وطرها و كان قد بقي من العدة.


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 32، ص: 361

ما يمكن قضاؤه في بيتها، كما أن المتجه بناء على مذاقهم وجوب قضائها العدة في تلك السفينة، بل في بيت الطلاق منها إذا كانت مسكنا لها، فلا يجزي غير بيت فيها فضلا عن

سفينة أخرى، و عن منزل آخر، و قد عرفت أيضا جواز الخلوة بالرجعية.

[التاسع إذا سكنت في منزلها و لم تطالب بمسكن فليس لها المطالبة بالأجرة]

التاسع إذا طلقت و هي في مسكنه فخرجت بغير إذنه و سكنت في منزلها فلا أجرة لها قطعا و إن كانت قبل الطلاق ساكنة في منزلها و طلقها و بقيت فيه.

و لم تطالب بمسكن مع حضوره و ملائته فليس لها المطالبة بالأجرة كما في القواعد لأن الظاهر منها التطوع بالأجرة فهي حينئذ كمن قضى دين غيره بغير إذنه.

و كذا لو استأجرت مسكنا فسكنت فيه لأنها إنما تستحق السكنى عليه حيث يسكنها لا حيث تتخير، و قد يشكل بأن سكناها من جملة النفقات الواجبة التي تستقر في الذمة بفواتها و يجب قضاؤها، و لا يلزم من سكوتها أن تكون قاضية لدينه بغير إذنه، و إلا لم تستحق نفقة إذا امتنع من الإنفاق عليها و هي زوجته فأنفقت على نفسها، فإنها حينئذ تكون قاضية لدينه بغير إذنه مع وجوب قضائها إجماعا، و دعوى كون الظاهر من حالها التبرع تتخلف فيما إذا صرحت بقصد الرجوع.

و احتمال كونه هنا من قبيل نفقة الأقارب- لا نفقة الزوجة، لخروجها عن الزوجية، و أن الغرض من سكناها تحصين مائه على موجب نظره و احتياطه، و لم يتحقق، فكانت بذلك شبيهة بنفقة الأقارب التي لا قضاء لها بعد فواتها، لأنها من البر و الصلة، لا المعاوضة- واضح الفساد.

ج 32، ص: 362

و أوضح منه فسادا احتمال الفرق بين السكنى و النفقة، بأن السكنى لكفاية الوقت و قد مضى، و المرأة لا تملك المسكن، و لها تملك الانتفاع به، و النفقة عين تملك، تثبت في الذمة، ضرورة اقتضاء ذلك عدم ضمانه للزوجة، بل و الكسوة بناء على أنها إمتاع.

و مثلهما تعليل المصنف الأخير، فإنه إنما يتم مع بذل الزوج السكنى لها، لا مع سكونه الذي هو المفروض، فالتحقيق ثبوت ذلك لها في ذمته ما لم تكن ناشزا أو تصرح بالتبرع أو يعلم ذلك من حالها.

نعم إنما تستحق عليه أجرة مسكن قابل لها، لا خصوص أجرة مسكنها و إن علت، و لا خصوص الأجرة التي استأجرت بها، اللهم إلا أن تكون قد رفعت أمرها إلى الحاكم بعد امتناعه أو تعذره، فأمرها بالاستئجار عليه، فاستأجرت اللائق بها، فان عليه الأجرة المسماة، بل في القواعد لو استأجرت في نحو الفرض فالوجه رجوعها إليه، قال: «لو طلقها غائبا أو غاب بعد الطلاق و لم يكن لها مسكن مملوك و لا مستأجر استدان الحاكم عليه قدر أجرة المسكن، و له أن يأذن لها في الاستدانة عليه، و لو استأجرت من دون إذنه فالوجه رجوعها إليه» و إن كان هو كما ترى مع فرض إرادة الأجرة المسماة.

[المسألة الثالثة لا نفقة للمتوفى عنها زوجها و لو كانت حاملا]
اشاره

المسألة الثالثة:

لا نفقة للمتوفى عنها زوجها و لا سكنى من مال الزوج إذ لا مال له و لو كانت حاملا للأصل و غيره، كما تقدم الكلام فيه في كتاب النكاح نعم روى أنه ينفق عليها من نصيب الحمل الذي يعزل له،

قال الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح الكناني (1): «المرأة المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 363

الذي في بطنها»

و قال أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم (1): «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله»

بناء على رجوع الضمير إلى الولد و إن لم يجر له ذكر، بل عن النهاية و الكافي و المقنع و الفقيه الفتوى بذلك.

و لكن في الرواية المزبورة بعد باعتبار مخالفتها قواعد المذهب التي (منها) عدم تملك الحمل قبل سقوطه حيا، و (منها) عدم وجوب نفقة الأقارب إلا في حال مخصوص، و هو الإعسار، و كلام الخصم و دليله مطلق، نعم عن الجامع التقييد بذلك و (منها) أن به تعريضا بمال الوارث للتلف حيث يسقط الحمل ميتا.

على أنها معارضة بالنصوص الكثيرة، ك

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام سأله «عن المتوفى عنها زوجها إلها نفقة؟ قال: لا، ينفق عليها من مالها»

و حسن الحلبي (3)سئل الصادق عليه السلام «عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟

قال: لا».

و من هنا كان الأقرب عدم النفقة لها كما صرح به جماعة، بل المشهور، بل لم أجد فيه خلافا إلا ممن عرفت، سواء قلنا: إن النفقة للحمل أو للحامل، لأن ذلك إنما هو في المطلقة البائن، فما عن المختلف من أنه «إن كانت النفقة للحمل أنفق عليها و إلا فلا» كما ترى.

و ما في

خبر السكوني (4)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع»

- مع الضعف و المعارضة بما سمعت و عدم القائل بمضمونه بل في كشف اللثام الإجماع على خلافه- يحتمل الاستحباب، و أن


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 6 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح مع الاختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب النفقات الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 364

المراد الإنفاق من الجميع حتى إذا وضعت الولد حيا أخذت النفقة من نصيبه.

و على كل حال ف لها أن تبيت حيث شاءت كما سمعت الكلام فيه سابقا.

[المسألة الرابعة لو تزوجت في العدة لم يصح]

المسألة الرابعة لو تزوجت في العدة لم يصح بلا خلاف و لا إشكال نصا(1)و فتوى، كما تقدم الكلام في كتاب النكاح، من غير فرق بين حال الجهل و العلم و حينئذ لم تنقطع عدة الأول قطعا، لأن مجرد العقد الفاسد لا يقطعها.

(ف) حينئذ إن عقدها و لم يدخل الثاني بها فهي في عدة الأولى بلا خلاف و لا إشكال، بل إن وطأها الثاني عالما بالتحريم فالحكم كذلك أيضا، لما عرفت من أنه لا حرمة لماء زان سواء حملت (11) منه أو لم تحمل (12) فهي حينئذ في عدة الأول و لا عدة عليها للثاني، كما تقدم الكلام فيه سابقا أيضا.

و لو كان جاهلا و لم تحمل أتمت عدة الأول، لأنها أسبق و استأنفت أخرى للثاني على أشهر الروايتين (13) عملا، بل المشهور، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لأصالة عدم التداخل، و ل

صحيح الحلبي أو حسنه (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن الحلبي يموت زوجها فتضع و تتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا، فقال: إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لم تحل له أبدا، و اعتدت بما بقي عليها للأول، و استقبلت عدة أخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها فرق بينهما، و اعتدت بما بقي عليها من الأول، و هو خاطب من الخطاب».

و موثق ابن مسلم (3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن الرجل يتزوج المرأة


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث- 6 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 365

في عدتها، قال: إن كان دخل بها فرق بينهما، و لم تحل له أبدا، و اعتدت بما بقي عليها من الأول، و استقبلت عدة أخرى من الأخر، و إن لم يكن دخل بها فرق بينهما، و أتمت عدتها من الأول، و كان خاطبا من الخطاب»(1).

و خبر علي بن بشير النبال عن أبي عبد الله عليه السلام و فيه «و إن فعلت ذلك بجهالة منها ثم قذفها بالزنا ضرب قاذفها الحد، و فرق بينهما، و تعتد بما بقي من عدتها الأولى: و تعتد بعد ذلك عدة كاملة».

و لما

عن طبرسيات المرتضى من أنه روي (2)«أن امرأة نكحت في العدة ففرق بينهما أمير المؤمنين عليه السلام، و قال: «أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد من الأول، و لا عدة عليها للثاني، و كان خاطبا من الخطاب، و إن كان دخل بها فرق بينهما، و تأتي ببقية العدة عن الأول، ثم تأتي عن الثاني بثلاثة أقراء مستقبلة»

و روي مثل ذلك بعينه عن عمر(3)و «أن طلحة كانت تحت رشيد الثقفي، فطلقها فنكحت و هي في العدة، فضربها عمر، و ضرب زوجها، و فرق بينهما، ثم قال أيما امرأة نكحت في عدتها فان لم يدخل بها زوجها الذي تزوجها فإنها تعتد عن الأول، و لا عدة عليها للثاني، و كان خاطبا من الخطاب، و إن كان دخل بها فرق بينهما و أتت ببقية عدة الأول، ثم تعتد عن الثاني، و لا تحل له أبدا»

و لم يظهر خلاف لما فعل، فصار إجماعا» انتهى. بل لم أجد خلافا في ذلك ممن تقدم إلا من الإسكافي.

و أما الصدوق فإنه و إن قال في المحكي عن موضع من مقنعه: «إذا نعي إلى امرأة زوجها فاعتدت و تزوجت ثم قدم زوجها فطلقها و طلقها الآخر فإنها تعتد عدة واحدة ثلاثة قروء» لكن قال في المحكي عن موضع آخر منه: «إذا تزوج


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 18 من كتاب النكاح.
2- 2 راجع التعليقة 4 من ص 264.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 441 و فيه« ان طليحة» كما تقدم في ص 265.

ج 32، ص: 366

الرجل امرأة في عدتها و لم يعلم و كانت هي قد علمت أنه قد بقي من عدتها ثم قذفها بعد علمه بذلك فان كانت علمت أن الذي عملته محرم عليها و قدمت على ذلك فان عليها حد الزاني، و لا أرى على زوجها حين قذفها شيئا، و إن فعلت بجهالة منها ثم قذفها ضرب قاذفها الحد، و فرق بينهما، و تعتد عدتها الأولى، و تعتد بعد ذلك عدة كاملة».

كما أني لم أعرف له دليلا سوى دعوى أصالة البراءة المقطوعة بظاهر اقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب، و

صحيح زرارة(1)عن الباقر عليه السلام «في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال: يفرق بينهما، و تعتد عدة واحدة عنهما جميعا»

و خبر أبي العباس (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «في المرأة تتزوج في عدتها، قال: يفرق بينهما، و تعتد عدة واحدة عنهما جميعا»

و مرسل جميل (3)عن أحدهما عليهما السلام «في المرأة تتزوج في عدتها، قال: يفرق بينهما، و تعتد عدة واحدة منهما جميعا»

و خبر زرارة(4)عن الباقر عليه السلام «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت، ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة، و ليس للاخرة أن يتزوجها أبدا».

مؤيدا ذلك بأن قاعدة اقتضاء تعدد السبب تعدد المسبب مختصة بما إذا كان السبب مطلقا، و أما إذا كان مقيدا بوقت خاص لا يسع إلا فردا واحدا فلا اقتضاء، لاستحالة التعدد حينئذ بل يكون ذلك دليلا على أن المراد التعريف من الاجتماع الأسباب حينئذ، و ما نحن فيه من الثاني، ضرورة ظهور جميع أدلة العدد

في اتصال العدة بالسبب أو ما يقوم مقامه، كبلوغ الخبر في الوفاة، و هو زمان غير قابل للتعدد، فلا محيص عن التداخل حينئذ، خصوصا بعد أن كان الغرض الاستبراء، و قد حصل بالعدة الأولى، بل ليس


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12 من كتاب النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14 من كتاب النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 367

المقام عند التأمل إلا كشي ء متحد تعددت الأوامر به.

نعم قد يقال: إن ظاهر النصوص المزبورة كون التداخل مع فرض عروض السبب في أثناء مقتضي الأول، بمعنى استئناف عدة للمتجدد تكون هي متممة لما بقي من العدة الأولى، و عدة تامة للآخر، لا أن المراد عدم تأثير الثاني أصلا مع فرض عروضه في أثناء عدة الأول، حتى أنه يجتزأ بما بقي من اللحظة مثلا من عدة الشبهة لو فرض وقوع الطلاق في أثنائها، و كأنه واضح الفساد.

و على كل حال فدليل التداخل ما سمعت، و من هنا مال جماعة من متأخري المتأخرين إلى قول ابن الجنيد، حاملين أخبار التعدد على الندب، أو على التقية التي يشهد لها- مضافا إلى ما سمعت من كونه فتوى عمر-

خبر زرارة(1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة نعي إليها زوجها فاعتدت و تزوجت، فجاء زوجها الأول ففارقها و فارقها الأخر، كم تعتد للناس؟ قال: ثلاثة قروء، إنما تستبرئ رحمها بثلاثة قروء، و تحل للناس كلهم، قال زرارة: و ذلك أن الناس قالوا:

تعتد عدتين، من كل واحد عدة، فأبى ذلك أبو جعفر عليه السلام، و قال: تعتد بثلاثة قروء، و تحل للرجال».

و مرسل يونس (2)«في امرأة نعي إليها زوجها، فتزوجت، ثم قدم الزوج الأول فطلقها و طلقها الآخر، فقال إبراهيم النخعي عليها أن تعتد عدتين، فحملها زرارة إلى أبي جعفر عليه السلام، فقال: عليها عدة واحدة».

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة، فضلا عن الإجماع المحكي، بل يمكن دعوى تحصيله، فلا مكافئة حتى يجمع بينهما بذلك.

و دعوى عدم معقولية التعدد هنا واضحة المنع، ضرورة أن العدة إنما هي تربص مدة من الزمان عن التزويج، و الاتصال بالسبب غير معتبر في مفهومها شرعا و لا لغة، نعم ظاهر الأدلة فوريتها، فمع فرض التعدد يكون الفورية حينئذ على


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب العدد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 38- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 368

حسب الإمكان بالتعاقب.

على أنه اجتهاد في مقابلة النصوص المعمول بها بين الأصحاب، بل قد سمعت دعوى الإجماع على مضمونها، فلا تصلح النصوص المزبورة بعد الاعراض عنها مكافئة لها، بل المتجه طرحها أو حملها على ما عن الشيخ من كونها مع عدم دخول الثاني، و حينئذ فيكون ما فيها من الاعتداد منهما على معنى أنه لا عدة عليها

للثاني، و قد تقدم جملة من هذا الكلام في هذه المسألة في كتاب النكاح، بل و في فروع الفصل الرابع من هذا الكتاب، فلاحظ و تأمل.

و لكن هنا نقول أيضا لو حملت هنا و كان ما يدل على أنه للأول و لو بفرض أنه طلقها حاملا ثم وطأها المشتبه اعتدت بوضعه للأول قطعا، لأن الكلام هنا في المطلقة و إن كان حكم التزويج في العدة شاملا لها و لغيرها و للثاني بثلاثة أقراء بعد وضعه إن كانت معتدة بها، و إلا فبالأشهر.

و إن كان هناك ما يدل على أنه للثاني و لو بولادته لأكثر من أقصى الحمل من وطء الأول و لما بينه و بين الأقل من وطء الثاني اعتدت بوضعه له، و أكملت عدة الأول بعد الوضع بلا خلاف و لا إشكال، كما تقدم الكلام في ذلك كله سابقا.

نعم في المسالك هنا «أنه إن كانت الأولى بالأشهر فواضح، و إن كانت بالأقراء و عرض وطء الثاني في أثناء القرء لم يحتسب قرء، بل تكمله بعد الوضع إلى أن يبتدئ النفاس إن تأخر عن الولادة، و لو اتصل بها سقط اعتبار ما سبق من الطهر، و احتسب بما بعد النفاس و إن طال زمانه، لأنها قد ابتدأت العدة بالأقراء، فلا ترجع إلى الأشهر لو فرض مضي ثلاثة بعد النفاس طهرا بسبب الرضاعة، نعم لو فرض بلوغها بعد الولادة سن اليأس أتمت العدة الأولى بالأشهر، كما سبق نظيره».

و فيه أن المتجه في الأول أيضا الاجتزاء بالأشهر الثلاثة، لما سمعت من النص (1)و

الفتوى أن العدة أسبق الأمرين: الأقراء أو الأشهر، كما أوضحنا


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب العدد الحديث 3- 5.

ج 32، ص: 369

الكلام في ذلك، من غير فرق بين سبق القرء و عدمه إلا في المسترابة التي قد مر الكلام فيها أيضا.

بل قد يشكل أيضا ما ذكره من التلفيق المزبور- بناء على أنه مخالف للقواعد- بأن الفرض غير المنصوص منه.

و أشكل من ذلك ما ذكره فيها أيضا من أنه قد يكون إحدى العدتين بالأقرباء و الأخرى بالأشهر، كما لو طلقها الأول و مضى عليها قرءان مثلا، ثم وطئت بالشبهة و لم تحمل، فإنها تكمل الأولى بالأقراء، فلو فرض انقطاع دمها في زمن الثانية ثلاثة أشهر اعتبرت بالأشهر، و لو فرض بلوغها سن اليأس بعد الحكم عليها بالاعتداد من الثاني و قبل الفراغ من عدة الأول بأن بقي لها منها قرء أكملت عدة الأول شهرا و اعتدت للثاني بثلاثة أشهر و إن كانت يائسة في جميع وقتها، لسبق وجوبها قبل اليأس، كما سبق وجوب إكمال الأولى قبله، و لا يأتي عندنا اعتداد اليائسة بجميع العدة في زمن اليأس إلا هنا، و لو اعتبرنا زمن استفراش الثاني لها قاطعا لعدة الأول فاستدام فراشه إلى أن بلغت سن اليأس ثم فرق بينهما أكملت عدة الأول بالأشهر أيضا ثم اعتدت للثاني بها، ضرورة منافاة ذلك لأصل البراءة، و لما دل (1)على عدم العدة على

اليائسة الشامل للفرض و لغير ذلك مما يظهر لك مما قدمناه في مسألة التلفيق، فلاحظ و تأمل.

و أما ما أومأ إليه أخيرا بقوله: «و لو اعتبرنا» إلى آخره فقد ذكر سابقا «أنه يفهم من قول المصنف: «و لم ينقطع» إلى آخره أن زمن زوجية الثاني ظاهرا و وطئه محسوب من عدة الأول و إن كانت فراشا للثاني، و لا يخلو من إشكال، لأن الفراش ينافي الاعتداد المعتبر لبراءة الرحم، خصوصا زمن الوطء بالفعل، و لو قيل بأن مدة كونها فراشا للثاني و هو من حين العقد إلى حين العلم بالحال لا يعتبر من عدة الأول كان وجها، و لو فرض كون وطء الشبهة بغير عقد فالمستثنى من العدة على هذا الوجه زمن الوطء فيبني على العدة السابقة، لما عرفت من ذلك الأمر، و يظهر كونه فراشا.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 370

للثاني مع جهله و إن كان العقد فاسدا من تعليل إلحاق الولد به بل من ترجيحه على الأول بكونها فراشا بالفعل، نعم لو قيل بأنها لا تصير فراشا إلا بالوطء خاصة و إن وقع عقد لفساده شرعا اتجه أيضا، أما نفي فراشها مطلقا كما ذكره في التحرير معللا به عدم قطع العدة مطلقا فغير واضح».

قلت: قد اشتهر على الألسنة أن الفراش لا يجامع العدة، لكن لا دليل على إطلاقه، بل هو مناف للمعتدة عن وطء الشبهة إذا كانت زوجا لاخر، نعم قد يقال:

إنه لما كانت العدة تربص المرأة عن الوطء المحترم نافاها نفس الوطء، فيستثنى حينئذ زمانه خاصة من العدة، من غير فرق في ذلك بين كون الشبهة عن عقد و عدمه، و ربما كان فيما قدمنا سابقا من كون الأصح احتساب العدة للشبهة من وطئها لا من ارتفاع الشبهة نوع إيماء إلى ذلك، بل لو لا الاستظهار السابق من الاعتداد ما ذكرناه أمكن احتساب زمن الوطء من العدة فضلا عن غيره، لإطلاق الأدلة و استصحاب العدة و غيرهما.

و بذلك ظهر لك أنه لا مدخلية لصدق اسم الفراش في المنافاة المزبورة مع فرض عدم الدليل حتى يحتاج إلى الكلام، فتأمل جيدا.

و مما قدمناه في المباحث السابقة يعلم الوجه فيما ذكره من الشبهات هنا في المسالك، و خصوصا ما قدمناه في فروع الفصل الرابع، فضلا عن مسألة نفقة الحامل عن شبهة التي قد ذكر فيها هنا وجوها خمسة، و إن كان ثلاثة منها في غاية الضعف، و الله العالم.

و كذا الكلام فيما ذكره المصنف من تتمة المسألة من أنه لو كان ما يدل علي انتفائه أي الحمل عنهما بأن ولدته لأكثر من مدة الحمل من وطء الأول و لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني لم يعتبر زمن الحمل به من العدتين، لفرض خروجه عنهما، و ليس محكوما بكونه من زنا، فالمتجه حينئذ إذا كان الأمر كذلك أتمت بعد وضعه عدة الأول، و استأنفت عدة الأخير كما هو واضح

ج 32، ص: 371

بعد الإحاطة بما ذكرناه. و لو احتمل أن يكون منهما قيل و القائل الشيخ:

يقرع بينهما للإشكال و يكون الوضع حينئذ عدة ممن يلحق الولد به و لكن فيه إشكال ينشأ من كونها فراشا للثاني بوطء الشبهة، فيكون أحق به تقديما للفراش الفعلي على غيره، و قد عرفت تمام الكلام في ذلك في كتاب النكاح، بل و فيما مضى من كتاب الطلاق.

[المسألة الخامسة تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة]

المسألة الخامسة:

تعتد زوجة الحاضر من حين الطلاق أو الوفاة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لقاعدة اتصال العدة بسببها، و لصدق تربصها المدة المزبورة، بناء على أن المراد منه جلوسها عن النكاح المدة المزبورة، كصدق مضي ذلك، فيندرجان حينئذ في إطلاق ما دل على ذلك، و للمفهوم في النصوص (1)الاتية في الثانية، و لغير ذلك.

و كذا تعتد من الغائب في الطلاق من وقت الوقوع عند المشهور بين الأصحاب، بل عن الناصريات الإجماع عليه، للنصوص المستفيضة أو المتواترة، ك

صحيح ابن مسلم (2)قال لي أبو جعفر عليه السلام: «إذا طلق الرجل و هو غائب فليشهد على ذلك، فإذا مضى ثلاثة أقراء من ذلك اليوم فقد انقضت عدتها».

و صحيح الحلبي أو حسنه (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يطلق امرأته و هو غائب عنها من أي يوم تعتد؟ فقال: إن قامت لها بينة عدل أنها طلقت في يوم معلوم و تيقنت فلتعتد من يوم طلقت، و إن لم تحفظ في أي يوم أو في أي شهر فلتعتد من يوم يبلغها».


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 372

إلى غير ذلك من النصوص التي لم أجد لها مخالفا عدا ما يحكى عن التقي من اعتبار البلوغ لظاهر الأمر(1)بالتربص الذي يجب الخروج عنه بعد تسليمه بما عرفت، و لأن الاعتداد عبادة يحتاج إلى النية، و فيه منع واضح، بل الظاهر إلحاق غير الطلاق من الفسخ و غيره به في ذلك.

نعم تعتد زوجة الغائب منه في الوفاة من حين البلوغ لا من حين الوفاة على المشهور أيضا، بل عن الناصريات الاتفاق عليه، بل عن السرائر و التحرير نفي الخلاف فيه، للنصوص المستفيضة أو المتواترة.

ك

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «في رجل يموت و تحته امرأة و هو غائب، قال: تعتد من يوم يبلغها وفاته».

و خبر أبي الصباح الكناني (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «التي يموت عنها زوجها و هو غائب فعدتها من يوم يبلغها إن قامت لها البينة أو لم تقم».

و صحيح يزيد بن معاوية(4)عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: «في الغائب عنها زوجها إذا توفي، قال: المتوفى عنها زوجها تعتد من يوم يبلغها الخبر، لأنها تحد عليه».

و صحيح البزنطي (5)عن الرضا عليه السلام المروي عن قرب الاسناد «سأله صفوان ابن يحيى و أنا حاضر عن رجل طلق امرأته و هو غائب فمضت أشهر، فقال: إذا قامت البينة أنه طلقها منذ كذا و كذا و كانت عدتها قد انقضت فقد حلت للأزواج، قال: فالمتوفى عنها زوجها، قال: هذه ليست مثل تلك، هذه تعتد من يوم يبلغها الخبر، لأن عليها أن تحد».


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 3 عن بريد بن معاوية.
5- 5 الوسائل الباب- 26- من أبواب العدد الحديث 7.

ج 32، ص: 373

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقاومها

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: امرأة بلغها نعي زوجها بعد سنة أو نحو ذلك، فقال: إن كانت حبلى فأجلها أن تضع حملها، و إن كانت ليست بحبلى فقد مضت عدتها إذا قامت لها البينة أنه مات في يوم كذا و كذا، و إن لم يكن لها بينة فلتعتد من يوم سمعت».

و خبر الحسن بن زياد(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المطلقة يطلقها زوجها و لا تعلم إلا بعد سنة، و المتوفى عنها زوجها و لا تعلم بموته إلا بعد سنة، قال: إن جاء شاهدا عدل فلا تعتدان، و إلا يعتدان».

و خبر وهب بن وهب (3)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «إن عليا عليه السلام سئل عن المتوفى عنها زوجها إذا بلغها ذلك و قد انقضت عدتها فالحداد يجب عليها؟ فقال علي عليه السلام: إذا لم يبلغها حتى تنقضي عدتها فقد ذهب ذلك كله، و قد انقضت عدتها»

بعد الشذوذ، و احتمال و هم الراوي في المطلقة- كما عن الشيخ- و موافقتها للمحكي عن جميع العامة، و احتمال الأخير الحاضر، كما ستعرف.

فما عن ابن الجنيد- من القول بمضمونها- واضح الضعف و إن مال إليه في المسالك جامعا بينها و بين الأولى بالحمل على الندب، لكنه كما ترى، ضرورة كونه فزع المكافئة، على أن الحمل على التقية أولى من الندب.

و أضعف من ذلك ما عن الشيخ في التهذيب من التفصيل بين المسافة القريبة كيوم أو يومين أو ثلاثة و البعيدة، فالأولى تعتد من حين الوفاة، و الثانية من حين البلوغ، ل

صحيح منصور(4)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المرأة يموت زوجها أو يطلقها و هو غائب، قال: إن كانت مسيرة أيام فمن يوم

يموت زوجها تعتد، و إن كان من بعد فمن يوم يأتيها الخبر، لأنها لا بد أن تحد له»

الواضح قصوره عن مقاومة ما عرفت من وجوه، فلا يصلح للجمع بين النصوص حينئذ فلا بد من


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 12.

ج 32، ص: 374

طرحه أو حمله- كما في الحدائق- على من كان في حكم الحاضر ممن كان في بلاد متسعة جدا، بحيث يمكن تأخر وصول الخبر اليوم و اليومين، أو رستاق فيه قرى عديدة، و إن كان بعيدا لفرض الغائب فيه.

نعم ما ذكره من حكم المحمول عليه متجه، فان ظاهر الأصحاب اعتداد زوجة الحاضر من حين الوفاة و إن لم يبلغها الخبر لمانع من الموانع- كالحبس و المرض و نحوهما- حتى مضى جملة من العدة بل أكثرها بل جميعها.

و لعله لظهور أدلة العدة في الاتصال بسببها خرج منها الغائب للنصوص المزبورة المحمول ما فيها من الإطلاق الشامل له و لغيره على التقييد بالغائب في غيرها، أو المنساق من مواردها و فحواها و غيرهما، بل يمكن حمل خبر وهب بن وهب (1)المتقدم على ذلك.

و احتمال إلحاق مثل الفرض بالغائب نحو ما سمعته في طلاق الغائب و إن كان ممكنا خصوصا بعد احتمال الجري على الغالب في التقييد بالغائب بل و الحاضر في عبارات الأصحاب إلا أني لم أجد أحدا ذكره، بل ظاهرهم خلافه، مع

أنه موافق لما عرفت من قاعدة اتصال المسبب بسببه، فلا حاجة للخروج منها.

كما أني لم أجد من صرح بمقتضى التعليل المزبور في النصوص من كون ابتداء اعتداد الأمة من حين الوفاة، لما عرفت من أنه لا حداد عليها إلا ثاني الشهيدين في الروضة خاصة و أما المسالك فقد جزم فيها بكونها كالحرة في اعتدادها بلوغ الخبر، بحمل التعليل المزبور على الحكمة دون العلة، و لكن لم يذكر دليلا على ذلك، مع ظهور كثير من النصوص (2)في كونه علة.

نعم قد يقال: إن مقتضاه حينئذ كون الحداد واجبا شرطيا لا تعبديا، كي يصح الاستدلال من الامام عليه السلام بذلك على كون الاعتداد من بلوغ الخبر بخلاف المطلقة التي لا حداد عليها، و قد عرفت ضعف القول بذلك خصوصا بعد ملاحظة ما دل


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 3 و 4 و 5.

ج 32، ص: 375

من الإطلاق بانقضاء العدة بتربص أربعة أشهر و عشر من الآية و الرواية، فتأمل.

و لو كانت الامرأة مجنونة أو صغيرة و لم يبلغ الولي موت زوجها حتى كبرت أو أفاقت فهل تعتد حينئذ، لأن ذلك الوقت بالنسبة إليها بلوغ، أو تحسب عدتها من حين الوفاة، لقاعدة الاتصال السابقة و ظهور النصوص في غير الفرض؟ وجهان، لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب، و لكن ثانيهما لا يخلو من قوة، بل لعل العمل عليه.

كما أن الظاهر اعتداد أم الولد من حين وفاة سيدها لقاعدة الاتصال المزبورة التي لا يعارضها النصوص (1)المذكورة بعد أن كان مضمونها الزوجة إلا بدعوى الإلحاق التي لا دليل عليها، بل الظاهر كون المحللة كذلك، بناء على أنها تعتد من وفاة المحللة له، نعم لا فرق في الزوجة التي تعتد بالبلوغ بين الحرة و الأمة و الدائمة و المتمتع بها، لإطلاق الأدلة، و الله العالم.

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر الأصحاب اعتدادها ببلوغ الخبر و لو كان الذي أخبر غير العدل، لكن لا تنكح إلا بعد الثبوت شرعا و فائدته الاجتزاء بتلك العدة لو بان صدق الخبر، بل لو تزوجت فبان كونه بعد عدتها صح، و لا تحرم عليه و إن فرق الحاكم بينهما ظاهرا قبل ذلك، و إثما بالاقدام، بل صرح بذلك غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا، و لعله لإطلاق الأدلة و

قوله عليه السلام في خبر أبي الصباح (2)السابق «إن قامت لها البينة أو لم تقم»

و إن كان- إن لم يكن إجماعا- أمكن المناقشة بإرادة البلوغ الشرعي و لو خبر العدل الذي يصدق معه عدم قيام البينة، فلا ينافيه خبر أبي الصباح.

و على كل حال فهل يقوم اعتدادها لامارة ظنية غير الخبر مقامه حتى يجتزأ بها لو صادف ذلك؟ وجهان، لم أجد لهما تنقيحا في كلام الأصحاب.


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 376

كما أني لم أجد تنقيحا أيضا لكون الاعتداد عليها بخبر الفاسق مثلا على جهة الوجوب- كما هو المنساق في بادئ الرأي من الأوامر في النصوص (1)- أو أن ذلك لها رخصة، لفائدة الاجتزاء بها بعد ذلك لو صادفت، و الأمر في النصوص إنما يراد به ذلك لأنه في مقابلة اعتداد المطلقة من حين الطلاق، و لا ريب في أن الأحوط لها تجديد الاعتداد إذا لم تكن قد عزمت عليه ببلوغ الخبر المزبور، خصوصا مع تركها الحداد.

و الظاهر قيام الكتابة مقام الخبر، بل كل أمارة تفعل لإرادة الإخبار من إرسال ثيابه و نحوها كذلك، لصدق اسم البلوغ بها عرفا، و الله العالم. هذا كله في المتوفى عنها زوجها.

و أما المطلقة فقد عرفت اعتدادها من حين الطلاق في الحاضر و الغائب، نعم لو علمت الطلاق و لم تعلم الوقت اعتدت عند البلوغ بلا خلاف أجده فيه، لصحيح الحلبي(2)السابق، و لأصالة تأخر الحادث، إذ المراد و إن كان النص و الفتوى مطلقين عدم علمها بالوقت على وجه يحتمل كون الطلاق قد وقع في زمان علمها، أما إذا فرض علمها بسبق ذلك و إن لم تعلم بالخصوص اعتدت بمقدار ما علمته من المدة ثم أكملته بعد ذلك بما يتمها، لتطابق النص و الفتوى على اعتداد المطلقة من حين الطلاق، و إن لم تعلم به، ففي الفرض تعلم انقضاء جملة

من عدتها، فلتعتد باحتسابه، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب العدد.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب العدد الحديث 2.

ج 32، ص: 377

[المسألة السادسة إذا طلقها بعد الدخول ثم راجع في العدة ثم طلق قبل المسيس لزمها استئناف العدة]

المسألة السادسة:

إذا طلقها بعد الدخول، ثم راجع في العدة، ثم طلق قبل المسيس لزمها استئناف العدة، لبطلان الأولى بالرجعة المقتضية فسخ الطلاق و عود النكاح السابق، بل هو معنى الرجوع في الحقيقة، و ليست هي سببا لإنشاء نكاح جديد، و إلا لتوقف على رضاها، فيصدق حينئذ على الطلاق الثاني أنه طلاق امرأة مدخول بها بالنكاح الذي يريد فسخه بالطلاق، خلافا للعامة، فأوجبوا عليها إكمال العدة الأولى التي بطلت بالفراش الحاصل بالرجعة.

و كذا الحال فيما لو خالعها بعد الرجعة إذ هو كالطلاق بالنسبة إلى ذلك و إن قال الشيخ هنا: الأقوى أن لا عدة، و لكن هو كما ترى بعيد خصوصا إذا أراد اختصاص الخلع بذلك عن الطلاق، كما هو ظاهر المتن، ضرورة عدم الفرق بينهما لأنه كما يصدق على الطلاق أنه طلاق امرأة مدخول بها فتجب العدة لها، كذلك يصدق أنه خلع عن عقد تعقبه الدخول لما عرفت من أن الرجعة أفادت عوده إلى النكاح الأول، هذا كله في المطلقة رجعيا ثم راجعها في العدة.

أما لو خالعها من أول الأمر بعد الدخول بها و صيرورتها في طهر جديد ثم تزوجها في العدة، و طلقها قبل الدخول لم تلزمها العدة (11) كما سمعت الكلام فيه في بحث الحيل، لأن العدة الأولى بطلت بالفراش الجديد (12) المنافي للاعتداد، ضرورة كونها زوجة حينئذ، و قد انقطع حكم الخلع و (13) الفرض أنه أى العقد الثاني لم يحصل معه دخول (14) فيندرج فيما دل من الآية(1)و الرواية(2)على عدم العدة على المطلقة غير المدخول بها.


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 49.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب العدد.

ج 32، ص: 378

و قيل و القائل القاضي يلزمها العدة، لأنها لم تكمل العدة الأولى و ظاهره عدم العدة للطلاق الثاني، و لكن يجب عليها إكمال العدة الأولى التي لم تتمها، و انقطاعها إنما هو بمقدار زمان الفراشية، فمع فرض زواله بالطلاق الثاني وجب عليها إكمال الأولى المستصحب بقاؤها.

و فيه أن مقتضاه وجوب ذلك عليها أيضا لو فرض طلاقها بعد الدخول الموجب عدة، اللهم إلا أن يدعى دخول الأولى في الثانية حينئذ، و على كل حال فهو واضح الضعف، ضرورة انقطاع حكم الطلاق من أصله بالعقد الثاني الذي صيرها زوجة بعد أن كانت مطلقة و من هنا قال المصنف الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده.

نعم ربما قال بعض متأخري المتأخرين بوجوب عدة للطلاق المتجدد باعتبار الدخول السابق،

لصدق طلاق مدخول بها و لو بالعقد السابق الذي لم يتم عدته.

و فيه أن المراد الدخول بالعقد الذي فسخه الطلاق، لا ما يشمل العقد الأول، لا أقل من الشك و الأصل عدم العدة، و قد تقدم تمام الكلام في ذلك في بحث الحيل، فلاحظ و تأمل.

[المسألة السابعة في سقوط الحد في وطء الشبهة]

المسألة السابعة لا خلاف و لا إشكال في أن وطء الشبهة يسقط معه الحد الذي عنوانه الزنا و تجب له العدة لإطلاق ما دل (1)على وجوبها بالإدخال و الماء الشامل للفرض، كما تقدم الكلام في ذلك غير مرة، و في أن عدته عدة الطلاق.

نعم في المسالك و الحدائق و المحكي من عبارة الشيخ وجوب العدة للشبهة و لو من الامرأة خاصة، بل أرسلوه إرسال المسلمات، و لكن فيه أنه مناف للأصل و لما


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 379

دل (1)على عدم حرمة ماء الزاني، فلا حق له عليها في الاعتداد الذي ظاهر قوله تعالى (2)«فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها» كونه من حقوقه، و لعله لذا قال في كشف اللثام: «لا عدة عليها و إن لم يكن الولد ولد الزنا،

كما نص عليه الأصحاب، فإن العدة إنما هي حق الواطئ، فإذا لم يحرم وطءه لم يكن له عدة».

و كيف كان ف لو كانت المرأة عالمة بالتحريم و جهل الواطئ لحق به النسب، و وجبت له العدة، و تحد المرأة حد الزانية و لا مهر لها لأنها بغي بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، كما أنه لو انعكس الأمر لحق الولد بالامرأة، و يحد الرجل حد الزاني، و لها عليه مهر المثل، و لا عدة عليها على الأصح، و إن كان هو الأحوط.

و لو كانت الموطوءة العالمة بالتحريم مع جهل الواطئ أمة لحق به الولد قطعا، لأنه أشرف الأبوين و إن كان علي ه أي الواطئ قيمته لمولاه حين سقط، و مهر مثل الأمة و إن كانت هي بغيا و قيل: العشر إن كانت بكرا، و نصف العشر إن كانت ثيبا، و هو المروي (3)كما قدمنا الكلام في ذلك مفصلا في كتاب النكاح، فلاحظ و تأمل.


1- 1 يستفاد ذلك من قوله صلى الله عليه و آله:« الولد للفراش و للعاهر الحجر» المروي في الوسائل في الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء من كتاب النكاح.
2- 2 سورة الأحزاب: 33- الآية 49.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب النكاح العبيد و الإماء الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 380

[المسألة الثامنة إذا طلقها بائنا ثم وطأها لشبهة قيل تتداخل العدتان]

المسألة الثامنة:

إذا طلقها بائنا ثم وطأها لشبهة قيل و إن لم نعرف القائل به قبل المصنف:

تتداخل العدتان بأن تستأنف عدة كاملة للأخير منهما، و تدخل فيها بقية الأولى لأنهما لواحد

و الموجب لها حقيقة إنما هو الوطء، و إذا استأنفت عدة كاملة ظهرت براءة الرحم، لانقضائها، و لأولويته من التداخل لشخصين الذي قد سمعت التصريح به في النصوص (1)و هو حسن عند المصنف، بل جزم به الفاضل في القواعد حاملا كانت المطلقة أو حائلا خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن إدريس، فلا تتداخل، بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأكثر، و في غيره إلى المشهور، للأصل الذي لا يقطعه ما ذكره من الحكمة و لا الأولوية المزبورة بعد عدم القول بمضمون النصوص المذكورة كما سمعت، و ليس الموجب لها في الفرض حقيقة الوطء، بل هو و الطلاق، و كل منهما سبب.

نعم لو تعدد الوطء من المشتبه اجتزئ بعدة كاملة للأخير، لكون الموجب لها حقيقة هو الوطء.

فالأقوى حينئذ عدم التداخل، سواء كانت من جنس واحد- و هو الأقراء أو الأشهر- أو جنسين، بأن كانت إحداهما بالحمل و الأخرى بالأقراء، كما لو طلقها حائلا ثم وطأها في الأقراء و أحبلها، أو بأن طلقها حاملا ثم وطأها قبل أن تضع، بل عدم التداخل في الأخير أوضح، بل قد يمنع تحقق التداخل المصطلح فيه، لعدم اتحاد المكلف به، فيرجع حينئذ إلى سقوط سببية أحد السببين، لأنه مع فرض انقضائهما أجمع بالوضع الذي كان عدة الأول يكون الثاني لا مقتضى له، أو الأول الذي كان مقتضاه الأقراء مثلا.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12 و 13 من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 381

و على كل حال فله الرجعة في الطلاق الرجعي إلى أن تضع إن كانت عدة الطلاق بالحمل و طرأ الوطء، بناء على عدم كون الوطء شبهة موجبا للرجوع تعبدا.

و إن كانت عدة الطلاق بالأقراء و حدث الحمل من الوطء ففي المسالك «في الاكتفاء بالوضع عنهما نظر، من أنها في عدة الطلاق و إن وجبت عدة أخرى، فالوضع يوجب براءة الرحم من ماء الوطء و الزوج مطلقا، و من أن مقتضي القواعد الماضية حيث ابتدأت عدة الطلاق بالأقراء أن لا تكمل بغيرها، فتكون العدة حينئذ بالأقراء هي الأكثر، فتدخل عدة الحمل فيها لا بالعكس، هذا إذا قلنا: إن الحامل لا تحيض أو اتفق لها ذلك، فيتوقف الانقضاء على إكمال الأقراء بعد الوضع، كما لو لم نحكم بالتداخل، و مثله ما لو كان وطء الشبهة عارضا على عدة الحمل و قد بقي للوضع أقل من ثلاثة أشهر، لأن الأكثر حينئذ هو عدة الشبهة، و لو فرض رؤيتها الدم زمن الحمل أمكن الجمع بين العدتين و الاكتفاء بالوضع عنهما على تقدير مضى الأقراء حالة الحمل، و بالجملة لا بد من مراعاة أكثر العدتين عند اجتماعهما حيث نحكم بالتداخل». قلت: لا يخفى عليك ما فيه من التشويش.

نعم قد يقال: إن المتجه عدم جواز الرجوع زمن الحمل على القول بعدم التداخل، إذ هو كالمسألة الاتية التي ستعرف فيها القول بعدم جواز الرجوع فيه لو كانت عدة لشخص آخر، فضلا عما لو كان عدة له.

إنما الإشكال هنا في مقدار مدة الرجوع له على القول بالتداخل، و ظاهرهم مع عدم الحيض جواز الرجوع له في جميع مدة الحمل، لأنها أجمع محسوبة من بقية الأولى، و لا يخلو من نظر، و ذلك لقيام الأشهر مقامها حينئذ، لما عرفت من أن العدة أسبق الأمرين.

و دعوى وجوب إكمالها بالأقراء حيث افتتحت و إن طالت واضحة المنع، كما نبهنا عليه سابقا، كدعوى أن الانقلاب إلى الأشهر إنما يكون مع عدم الحمل، و حينئذ بعدها لا يجوز الرجوع، لتمحض العدة حينئذ للوطء و انقضاء

ج 32، ص: 382

عدة الطلاق.

و دعوى انقلاب عدة الأولى و إن كانت بالأقراء، فنقلت إلى الوضع لاية أولي الأحمال (1)كما ترى، إذ الفرض أن الحمل صار من الوطء الثاني لا الأول الذي قد سبق إيجابه، و العدة بالأقراء أو الأشهر، و آية أولي الأحمال إنما تدل على الحامل وقت الطلاق كما هو واضح.

بل من ذلك يعلم النظر فيما في القواعد و شرحها من أنه «لو طلقها رجعيا و وطأها بظن أنها غيرها بعد مضى قرء مثلا فحملت و انقطع الدم كان له الرجعة قبل الوضع، لأن الحمل لا يتبعض ليحسب بعضه من الأولى و الباقي من الثانية، فيكون جميع أيامه محسوبا من بقية الأولى، و جميع الثانية» إذ هو كما ترى مناف بإطلاقه لما ذكرناه: من انقضاء عدتها بالأشهر حينئذ لو فرض سبقها للوضع، فيتمحض الزائد للوطء فلا يجوز الرجوع فيه، إذ لا خلاف عندهم في أنه لو وطأ المطلقة رجعية بظن أنها غير

الزوجة و قلنا: إن مثله ليس رجوعا وجب استئناف العدة، فإن وقع الوطء بالقرء الأول أو الثاني أو الثالث فالباقي من العدة الأولى يحسب للعدتين و تكمل الثانية، و له أن يراجع في بقية الأولى دون ما يخص الثانية.

و كيف كان فقد عرفت أن الأصح عندنا عدم التداخل، بل لكل وطء عدة مستقلة كالشخصين، لتعدد السببين، بل الأقوى ذلك أيضا لو فسخت المطلقة رجعية في أثناء العدة، بناء على أن لها ذلك، لأنها كالزوجة، فتأتي بعدة مستأنفة للفسخ بعد انقضاء عدة الطلاق، و لا يكتفى عن الأولى باستئناف عدة للفسخ، فضلا عن الاكتفاء عن الثاني بإكمال الأولى، و إن قال في القواعد: «و لو فسخت النكاح في عدة الرجعي ففي الاكتفاء بالإكمال إشكال» و في كشف اللثام في شرحها «ففي الاكتفاء بالإكمال أو الاستئناف إشكال، من أن الفسخ إنما أفاد البينونة و زيادة قوة في الطلاق من غير رجوع إلى الزوجية أو حصول وطء محترم، و هو خيرة المبسوط،


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 4.

ج 32، ص: 383

و من أن الطلاق و الفسخ سببان للعدة، و الأصل عدم التداخل و لما كانت عدتاهما حقين لمكلف واحد- و أبطل الفسخ حكم الطلاق، و لذا لا يثبت له معه الرجعة- استأنفت عدة الفسخ» و الجميع كما ترى، و الفسخ غير مبطل للطلاق، و إنما هو مانع من جواز الرجوع بها، لفسخ النكاح حينئذ بسبب آخر غيره، فتأمل جيدا.

[المسألة التاسعة إذا نكحت في العدة الرجعية و حملت من الثاني اعتدت بالوضع من الثاني]

المسألة التاسعة:

إذا نكحت في العدة الرجعية لمشتبه و حملت من الثاني اعتدت بالوضع من الثاني قطعا دون الأول، لأن الحمل له دونه و أكملت عدة الأول بعد الوضع بأشهر أو أقراء، لما عرفت من عدم التداخل و كان للأول الرجوع في تلك العدة التي هي له دون زمان الحمل الذي هو عدة المشتبه، خلافا للمحكي عن المبسوط من جواز الرجوع له في زمن الحمل، قال: «مذهبنا أن له الرجعة في زمن الحمل، لأن الرجعة تثبت بالطلاق، فلم تنقطع حتى تنقضي العدة، و هذه ما لم تضع و تكمل عدة الأول فعدتها لم تنقض، فتثبت الرجعة عليها ما دامت حاملا و بعد أن تضع مدة النفاس و إلى أن تنقضي عدتها بالأقراء- بل قال-: لو قلنا: لا رجعة عليها في زمن الحمل تثبت له الرجعة عليها أيام النفاس و إن كانت هي لم تشرع في عدتها، لأن عدة الأول قد انقضت، و هي المانع له من الرجوع و إن لم تكن معتدة منه في تلك الحال، كحالة الحيض في العدة» و قد تقدم الكلام في هذه المسائل و غيرها، فلاحظ و تأمل.

إلا أن ظاهرهم في المقام و غيره عدم اجتزائه عن عدة الطلاق بالأقراء لو اتفق حصولها في زمن الحمل- بناء على مجامعته للحيض- فضلا عن الأشهر لو فرض اعتدادها بها، و لعله لظهور نصوص عدم التداخل (1)المتقدمة سابقا في ذلك،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة من كتاب النكاح.

ج 32، ص: 384

مؤيدا بأن مرجع الجميع إلى انقضاء مدة فلا يكون إلا تداخلا، و ليس هو من قبيل الشيئين المتغايرين الخارجين عن موضوع التداخل.

و الحمد لله الذي وفق لإتمام كتاب الطلاق، و أسأله أن يشفع أوائل مننه بأواخرها فيوفق لما بقي من إتمام الكتب التي منها كتاب الخلع و المبارأة.

و بهذا- و الحمد لله- انتهت تعاليقنا على الجزء 32 من كتاب جواهر الكلام بجوار أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه أفضل الصلاة و السلام، و لا يفوتني التنويه بجهود العلامة الأخ الشيخ محمد القوچاني سلمه الله حيث شارك في إنجاز عملي هذا، و أرجو من العلى القدير وحده أن يوفقنا لا تمام هذا المشروع الجبار و إكمال تحقيق هذه الموسوعة الفقهية الكبيرة انه سميع مجيب.

محمود القوچاني النجف الأشرف 15- صفر الخير- 1396 و تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه في اليوم الرابع عشر من شهر شوال سنة- 1397- و الحمد لله أولا و آخرا، و ذلك بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.