جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 31

اشاره

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج31، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[تتمة كتاب النكاح]

[تتمة يلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة]

[النظر الثاني في المهور]
اشاره

ج31، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

النظر الثاني في المهور جمع مهر، و يسمى الصداق بفتح الصاد و كسرها، و النحلة و الأجر و الفريضة و العقر و الصدقة بفتح الصاد مع ضم الدال و إسكانها و فتحها و بضمها و العليقة، و الحباء بالمد و كسر الحاء المهملة ثم موحدة، و الطول، و هو كما في المسالك مال يجب بوطء غير زنا منها و لا ملك يمين أو بعقد النكاح أو تفويت البضع قهرا على بعض الوجوه، كارضاع و رجوع شهود، و كأنه أخذه من بعض العامة، قال: «إنه في الشرع اسم لما وجب في مقابلة البضع بنكاح أو وطء أو موت أو تفويت البضع قهرا- ثم قال-: و قولنا: أو تفويت البضع قهرا يدخل فيه الرضاع و رجوع الشهود و وطء الأب زوجة ابنه و بالعكس بالشبهة فيهما، و وطء الأب جاريته، و إقرار الامرأة بعد إقرارها لزوج قبله، و غير ذلك من المواضع المعروفة في أبوابها» قلت:

ذلك و نحوه سبب في الرجوع بالمهر الذي هو مقابل لتملك منفعة البضع أو استيفائها بغير زنا منها، و الأمر سهل كسهولته في الأسماء المزبورة التي من المحتمل اختصاص اسم الأجر منها في مهر المتعة. بل قد يمنع تسميته بالنحلة، و إنما وقع في الآية(1)وصفه بها، كما أنه قد يمنع تسميته بالفريضة، و انما يوصف بها باعتبار كونه فرضا على الزوج و نحو ذلك مما لا طائل تحته.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 4.

ج 31، ص: 3

و على كل حال ف في البحث عن ه أطراف

[الطرف الأول في المهر الصحيح]

الأول في المهر الصحيح في نكاح المسلمين و هو كلما يصح أن يملك ه المسلم عينا كان أو منفعة لعقار أو حيوان أو إنسان عبد أو حر و لو الزوج نفسه، للأصل و المعتبرة المستفيضة في تحديد الصداق بما تراضيا عليه و أن المنساق منها ذلك بالنسبة إلى الكثيرة و القلة، ف

في صحيح الكناني (1)«سألت عن المهر ما هو؟ فقال: ما تراضي عليه الناس»

و صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر عليه السلام «الصداق كل شي ء يتراضى عليه الناس قل أو كثر»

و صحيح فضيل (3)عنه عليه السلام أيضا «الصداق ما تراضى عليه الناس من قليل أو كثير فهو الصداق»

و في الصحيح الآخر(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن المهر، فقال:

هو ما تراضى عليه الناس أو اثنتا عشرة أوقية و نش أو خمسمائة درهم»

مضافا إلى

الصحيح (5)عن أبي جعفر عليه السلام «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله، فقالت: زوجني، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، زوجنيها، فقال:

ما تعطيها؟ فقال: ما لي شي ء، فقال: لا، قال: فأعادت، فأعاد رسول الله صلى الله عليه و آله الكلام، فلم يقم أحد غير الرجل ثم أعادت، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله في المرة الثالثة: أ تحسن من القرآن شيئا؟ قال: نعم، قال: قد زوجتكها على ما تحسن من القرآن فعلمها إياه»

و في آخر(6)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل تزوج امرأة على أن يعلمها سورة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 4

من كتاب الله عز و جل فقال: ما أحب أن يدخل بها حتى يعلمها السورة و يعطيها شيئا، قلت: أ يجوز أن يعطيها تمرا أو زبيبا؟ فقال: لا بأس بذلك إذا رضيت به كائنا ما كان».

و قد بان لك من ذلك أنه لا إشكال في أنه يصح العقد على منفعة الحر كتعليم الصنعة و السورة من القرآن و الشعر و الحكم و الآداب و كل عمل محلل، بل و على إجارة الزوج نفسه مدة معينة أو على عمل مخصوص، وفاقا للمشهور لما عرفت و قيل و القائل الشيخ في النهاية و جماعة على ما حكي بالمنع استنادا إلى رواية لا تخلو من ضعف في السند مع قصورها عن افادة المنع و هي

رواية البزنطي (1)عن الرضا عليه السلام «في الرجل يتزوج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين فقال: موسى على نبينا و آله و عليه السلام علم أنه سيتم له شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أنه سيبقى حتى يفي، و قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله تتزوج المرأة على السورة و على الدراهم و على القبضة من الحنطة»

إذ هو- مع احتماله الكراهة و عدم مكافأته لما سمعت من وجوه- غير واضح الدلالة، ضرورة ظهوره في كون المانع عدم علمه بالبقاء إلى أن يفي، فلو فرض علمه بذلك صح، بل مقتضاه فساد الإصداق بنحو تعليم سورة و غيره الذي قد تضمن هو جواز جعله مهرا فضلا عن الإجماع و دلالة المعتبرة السابقة.

اللهم إلا أن يقال: إن محل النزاع الاصداق بإجارة خصوص نفسه لا الاصداق بعمل في ذمته كلي غير مشروط عليه المباشرة بنفسه، فان ذلك جائز عند الجميع، و هو مضمون المعتبرة المستفيضة(2)و المحكي عليه الإجماع، و من هنا صرح بعضهم بل لعله ظاهر المتن أيضا بكون النزاع في جعل الزوجة المهر استئجار


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 1 و الباب 7 منها الحديث 2 و الباب- 17- منها الحديث 1 و الباب- 22- منها الحديث 1.

ج 31، ص: 5

الزوج لأن يعلم أو يعمل هو بنفسه لها أو لوليها مدة معينة، كشهر أو شهرين أو سنة.

و ربما كان وجه المنع فيه حينئذ عدم الطمأنينة للامرأة بحصول المهر لاحتمال موته قبل العمل، و الفرض عدم كون الشي ء في ذمته حتى يؤخذ لها من تركته، و ليس هو كالإجارة على ذلك التي لا إشكال فيها مع عمله و مع عدمه يرجع بأجرته إذا انفسخت بموت و نحوه.

قلت: فيه (أولا) أنه إذا جعل عمله نفسه مهرا فان فعل فلا إشكال و إن مات بعد الدخول مثلا و لم يعمل كان لها قيمة ذلك العمل من تركته، إذ هو مضمون عليه حتى يوصله إليها، و ليس هو كالإجارة في الانفساخ بتلف العين المستأجرة على أنه لو سلم يكون لها مهر المثل حينئذ لعدم خلو البضع عن المهر، و الفرض انفساخ العقد بالنسبة إلى المسمى.

و (ثانيا) أن الأصل في هذا الشيخ في النهاية و ظاهر الخلاف، و ليس في كلامهما تعرض للفرق بين العمل في الذمة و بين إجارة النفس،

بمعنى اشتراط المباشرة أو على كونه كالأجير الخاص.

قال في النهاية: «يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي ء من الحكم و الآداب، لأن ذلك له أجر معين و قيمة مقدرة، و لا يجوز العقد على إجارة، و هو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليها أياما معلومة أو سنين معينة».

و قال في محكي المبسوط: «يجوز أن تكون منافع الحر مهرا، مثل أن يخدمها شهرا، أو على خياطة ثوب، أو على أن يخيط لها شهرا و كذلك البناء و غيره، و كذلك تعليم القرآن و الشعر المباح، كل هذا يجوز أن يكون صداقا، و فيه خلاف، غير أن أصحابنا رووا أن الإجارة مدة لا يجوز أن تكون صداقا، لأنه كان يختص موسى عليه السلام».

و في محكي الخلاف بعد أن ذكر أن الصداق ما تراضيا عليه مما يصلح أن

ج 31، ص: 6

يكون ثمنا لمبيع أو أجرة قليلا كان أو كثيرا و استدل على ذلك بإجماع الفرقة و أخبارهم، قال: «مسألة يجوز أن تكون منافع الحر مثل تعليم قرآن أو شعر مباح أو بناء أو خياطة أو غير ذلك مما له أجرة صداقا، و استثنى أصحابنا من جملة ذلك الإجارة، و قالوا: لا يجوز، لأنه كان يختص موسى عليه السلام، و به قال الشافعي و لم يستثن الإجارة، بل أجازها، ثم حكى عن أبي حنيفة و أصحابه أنه لا يجوز أن تكون منافع الحر صداقا بحال سواء كانت حجا أو غيره- ثم قال-: دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا روى سهل الساعدي»(1)و ساق الحديث السابق.

و ليس في شي ء من كلامه في كتبه الثلاثة الإشارة إلى الفرق بما عرفت، و لا يبعد أن يكون مراده باستثناء الإجارة بقرينة ذكر قضية موسى عليه السلام جعل الصداق الإجارة نفسها على وجه يكون البضع اجرة كما كانت الإجارة مهرا، على معنى تزويج المرأة نفسها بإجارة نفسه لها شهرا أو على عمل بحيث، يكون الصداق عقد الإجارة، أو يذكر العمل فيه على إرادة عقد الإجارة و يجعل البضع نفسه أجرة لذلك، كقول شعيب عليه السلام لموسى عليه السلام (2)«عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ» و لا ريب في عدم صحة ذلك، ضرورة عدم صلاحية البضع لأن يكون أجرة و لا ثمنا لمبيع و لا عوضا في جميع المعاوضات، مضافا إلى ما تسمعه من خبر حمادة(3)و ظاهر الآية مع فرض إرادته مختص بموسى عليه السلام، كما أنه اختص به جعل تلك الإجارة التي منفعتها لشعيب عليه السلام مهرا كما أومى إليه في

خبر السكوني (4)الذي رواه المشايخ الثلاثة قال: «لا يحل النكاح اليوم في الإسلام بإجارة، بأن تقول: أعمل عندك كذا و كذا سنة على أن تزوجني ابنتك أو أختك، قال: هو حرام، لأنه ثمن رقبتها، و هي أحق بمهرها».


1- 1 المستدرك الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 242.
2- 2 سورة القصص: 28- الآية 27.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 7

و من ذلك يعلم ما في كلام بعضهم من تحرير محل النزاع جعل ذلك مهرا لها أو لوليها، حتى أنه جعل المشهور الجواز، و ربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله، كما أن منه يعلم ما في تأويل ما في المتن و نحوه في تحرير النزاع من التعبير بإجارة الزوج نفسه بأن المراد جعل العمل الذي يكون موردا للإجارة، لا أن المراد الإجارة نفسها، بل منه يعلم أيضا أنه لا وجه للاستدلال للشيخ بالخبر المذكور أولا و إن كان فيه ذكر قصة موسى عليه السلام و التعليل بما عرفت الذي لا يمنع من أن يكون المنع فيه لعلة أخرى، و هي ما سمعت، بل الأولى الاستدلال بما دل على عدم جواز جعل الإجارة مهرا كخبر السكوني.

و ربما احتمل في كلام الشيخ أن محل نزاعه في خصوص العمل مدة، لكنه كما ترى، و كذا احتمال كون نزاعه جعل العمل للغير مهرا نحو ما وقع من موسى عليه السلام، فان كلامه الذي سمعته صريح في خلاف ذلك، و لعل التدبر في كلامه في كتبه الثلاثة يقتضي ما قلناه، بل ظاهره في الخلاف أن ذلك أمر معروف عند الأصحاب و عدم كون ذلك من خواصه، و لذا نسبه إلى استثناء الأصحاب ثم حكى عن أبي حنيفة ما سمعت المبني على عدم مالية منافع الحر، و لذا لا تضمن بالفوات، فلا تصح أن تجعل مهرا نعم لو قوبلت بمال كما في الإجارة، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص، بل هو منه، على أنه لا فرق في ماليتها في المعاوضات بين المقابلة بمال و عدمه، و لذا جاز استئجار الشخص الحر على عمل بعمل آخر من المستأجر كما هو واضح.

و على كل حال فقد عرفت أن المدار في المهر على المالية التي تصح أن تكون عوضا من غير فرق بين العين و العروض و المنافع و الأعمال و نحوها، بل الظاهر جواز جعل المهر حقا ماليا كحق التحجير و نحوه مما يصح المعاوضة عليه.

أما الحقوق التي يصح المعاوضة عن إسقاطها كحق الدعوى و اليمين و الخيار و الشفعة و نحوها ففي صحة جعلها مهرا وجهان ينشئان من عموم

قوله عليه السلام (1)«ما تراضيا عليه»

و أولوية المهر من غيره من المعاوضات، باعتبار كونه ليس عوضا صرفا و من إطلاق الفتاوى اعتبار كونه مملوكا على وجه ينتقل إلى الزوجة، و يقبل التنصيف


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 3.

ج 31، ص: 8

لو احتيج اليه بطلاق قبل دخول و نحوه و لو بتقويمه، و احتمال الالتزام بالتقويم في الفرض حينئذ يدفعه عدم كون مثل ذلك من المتقومات العرفية، و إنما تقع المعاوضة عليه بما يتراضيان عليه، اللهم إلا أن يدعى إمكان تقويمه و لو بملاحظة الدعوى مثلا، لكنه كما ترى، مضافا إلى

خبر حمادة بنت أخت أبي عبيدة الحذاء(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة و شرط لها أن لا يتزوج عليها و رضيت أن ذلك مهرها، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

هذا شرط فاسد، لا يكون النكاح إلا على درهم أو درهمين».

ثم إن المراد من قول المصنف: «كلما يصح أن يملك المسلم» الصحة المحققة على وجه ينتقل منه إلى غيره كي يتجه حينئذ جعل الزوج له مهرا منتقلا إلى الامرأة، و ربما خرج بذلك العقد على مال الغير بغير إذنه، فإنه لا يصح ملكه فعلا لمسلم بدون إذن مالكه، و يمكن أن يكون المصنف أراد الاحتراز عن مثله بمثل هذه العبارة، و عدم جواز جعله مهرا لحرمة التصرف في مال الغير و إن صدق عليه صحة تملك المسلم له، بل قد يمنع صحته مهرا حتى مع إذن المالك إذا لم يكن على وجه يدخل في ملك الزوج، لكون المهر كالأعواض التي لا يصح أن تكون لمالك و المعوض لاخر، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك في المهر و إن اعتبر مثله في المعاوضات، لكن ليس هو منها، فيصح حينئذ بذل الغير له، بل يصح العقد للزوج على أن يكون المهر في ذمة غيره، و قد يشهد له في الجملة ما تسمعه إنشاء الله من كون المهر في ذمة الوالد لو زوج ولده الصغير المعسر، بل يظهر من الفاضل في القواعد و غيره المفروغية من مشروعية بذل الغير المهر عن الولد الموسر الصغير بل و غيره، فلاحظ ما ذكره في الفرع الرابع عشر و هو: لو زوج الأب أو الجد له الصغير إلى آخره، و لعله الأقوى خصوصا مع ملاحظة مخالفة معاوضة المهر لأحكام المعاوضة في كثير من المقامات، و ربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.

و كيف كان ف لو عقد الذميان أو غيرهما من أصناف الكفار على


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 9

خمر أو خنزير أو نحوهما مما لا يصح من المسلم صح العقد و المهر حكما إذا كان كذلك في دينهم، بمعنى إقرارهم على ما في أيديهم و عدم التعرض له، و إلزامهم بما ألزموا به أنفسهم و لأنه في دينهما يملكانه فيصح ذلك بالنسبة إليهم عقدا و مهرا و حينئذ ف لو أسلما أو أسلم أحدهما بعد القبض فلا إشكال، و إن كان ذلك قبل القبض دفع الزوج القيمة عند مستحليه ل تعذر ما استحقته الزوجة بالعقد ب خروجه عن صلاحية ملك المسلم (11) له، و الفرض ضمانه عليه حتى يوصله إلى الزوجة، فيكون حينئذ كالمثلي الذي قد تعذر مثله في الانتقال إلى القيمة، ضرورة أنه بإسلامهما يمتنع قبضه و إقباضه في دين الإسلام عليهما، و كذا إن كان المسلم الزوج الذي لا يصح له إقباضه و لا دفعه نحو الزوجة التي لا يصح لها قبضه حينئذ، فليس حينئذ إلا القيمة التي هي أقرب شي ء إليه سواء كان (12) الخمر و الخنزير المجعولان مهرا عينا (13) مشخصة أو (14) كليا مضمونا (15) في الذمة، مؤيدا ذلك كله ب

خبر عبيد بن زرارة(1)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنا خمرا و ثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك و لم يكن دخل بها، قال: ينظر كم قيمة الخمر؟ و كم قيمة الخنازير؟ فيرسل بها

إليها ثم يدخل عليها، و هما على نكاحهما الأول»

و قد مر تحقيق في المسألة في نكاح الكفار و ذكر الأقوال فيها.

لكن ينبغي أن يعلم هنا أن ما يظهر من المصنف و غيره من ملكية الكافر للخمر و الخنزير و نحوهما مناف لقاعدة تكليف الكافر بالفروع، و لما دل (2)على عدم قابليتهما للملك شرعا من غير فرق بين المسلم و الكافر، و عدم التعرض لما في أيديهم من أديانهم لا يقتضي ملكيتهم ذلك في ديننا، بمعنى أن المسلم فيه لا يملك بخلاف الكافر، فإنه يملك ذلك، ضرورة منافاته لما عرفت، و لنسخ دينهم، فهو


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 55 و 57- من أبواب ما يكتسب به.

ج 31، ص: 10

حرام عليهم، و الثمن الذي يأخذونه في مقابلته حرام عليهم، و تصرفهم فيه حرام أيضا و إن جاز لنا تناوله منهم، و معاملته معاملة المملوك، و إجراء حكم الصحيح عليه إلزاما لهم بما ألزموا به أنفسهم، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع.

كما أنه ينبغي أن يعلم أيضا أنه قد يقال بعدم وجوب القيمة في المقام لو كان المهر مثلا خمرا معينا و قد أسلم الزوج و قد قبضته هي من دون إذن منه أو مع عدم منعه، لعدم جواز تعرضه لها في ملكها، بل من يتلف على الذمي خمرا يضمنه له، فوجوب القيمة في ذلك

محل نظر و إن لم أجد ذلك لأحد من أصحابنا، نعم عن بعض العامة الفرق بين الدين و العين، و هو جيد في هذا الفرد، لا فيما إذا أسلمت الزوجة قبل القبض و كان مهرها خمرا معينا فإنه بإسلامها تعذر عليه قبضها و تلف عليها، و الفرض ضمانه في يد الزوج، و ليس ذلك تفريطا بعد أن كانت مأمورة به شرعا، فالإسلام يرفعها و يعزها و قد أومأنا إلى ذلك في ذلك المقام، و الله العالم بحقيقة الحال.

و لو كانا أي الزوج و الزوجة مسلمين أو كان الزوج مسلما و عقدا على خمر أو خنزير مثلا عالمين بعدم صحة ذلك أو جاهلين أو مختلفين قيل و القائل جماعة منهم الشيخان في المقنعة و النهاية و القاضي و التقي على ما حكي:

يبطل العقد لتعليق الرضا بالباطل المقتضي لارتفاعه بارتفاعه، و لأنه حيث يذكر المهر فيه عقد معاوضة، ضرورة اتحاده مع عقود المعاوضة في القصد و دخول الباء و نحو ذلك، و لذا أطلق عليه اسم الأجر في قوله تعالى (1)«فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» فينبغي أن يعتبر فيه ما يعتبر فيها من توقف الصحة على صحة العوض كالبيع و نحوه، و صحته بلا مهر لا ينافي جريان حكم المعاوضة عليه مع ذكر المهر، بل قد يؤيد ذلك ما في المعتبرة المستفيضة(2)من أن المهر ما تراضيا عليه المنعكس بعكس النقيض إلى أن ما لا يتراضيان عليه لا يكون مهرا المقتضي عدم غير المذكور في


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 11

العقد مهرا فينافي ما دل على عدم إخلاء البضع عن المهر، فليس حينئذ إلا البطلان.

و قيل و القائل المشهور يصح العقد، بل عن بعض نفي الخلاف فيه إلا من مالك و بعض الأصحاب، للعمومات السالمة عن معارضة غير ما عرفت من التعليق المذكور الذي يمكن منعه بعدم ظهور المعاوضة في ذلك، و انما تقتضي معنى التعاوض و التبادل عرفا من غير اعتبار معنى التعليق بل ذلك فيها شبه الداعي يعني أن الزوجة مثلا رضيت بالنكاح و رضيت بكون الخمر ملكا لها، و الزوج رضي بكونها زوجة و أنها مالكة للخمر عليه، لا أن المراد إنشاء معلقا على وجه يكون الرضا معلقا عليه، فيكون حاصله أن الزوجة قد أنشأت الرضا بالنكاح معلقة ذلك على أن يكون الخمر ملكا لها، بحيث إن لم يكن ملكا لها فلا رضا لها بالنكاح، ضرورة عدم إرادة ذلك في المعاوضة و إن انساق إلى ذهن غير المحصل ابتداء و التحقيق ما عرفت، و حينئذ فلم يحصل في العقد المفروض إلا هذا التقابل، و هو مقتض للبطلان في العقد الذي اعتبر الشارع فيه العوض، كالبيع و الإجارة، أما نحو النكاح المسلم عند الخصم عدم اعتبار العوض فيه لا دليل على اقتضاء بطلانه بطلانه، بل الدليل من العمومات و غيرها يقتضي الصحة.

(و بالجملة) بطلان عقود المعاوضات ببطلان العوض العرفي شرعي لا لانتفاء الرضا، فالمعاوضة حينئذ عرفية و شرعية و هي المشتملة على العوض الصحيح شرعا و شرعية لا عرفية، لوجوب مهر المثل بالدخول و قيمة الشي ء بتلفه، و عرفية لا شرعية، و هي المشتملة على العوض الفاسد، و هذه إن اعتبر الشارع فيها العوض تكون باطلة لذلك، و إلا كان العقد صحيحا للعمومات و التعاوض باطلا، و ما نحن فيه من ذلك، ضرورة تسليم الخصم عدم اعتبار العوض فيه فيصح بلا مهر، بل و تسليمه صحة العقد مع ظن كونه خلا فبان خمرا، أو حيوانا مملوكا فبان خنزيرا، أو ماله فظهر مستحقا للغير، و نحو ذلك مما قيل فيه إن العقد صحيح قولا واحدا، و لا وجه له إلا ما ذكرناه الذي منه يستفاد الصحة في الفرض، و كذا فحوى ما دل عليها في

ج 31، ص: 12

النكاح المشتمل على الشروط الفاسدة التي هي كالمهر من حيث الرضا المزبور، بل ربما كانت الدعوى فيه أظهر مع حكمهم بالصحة و إن فسد الشرط، و ليس ذلك إلا لما عرفت، كل ذلك مضافا إلى صحيح الوشاء(1)في المسألة الاتية المصرح فيه بصحة العقد و بطلان ما جعل فيه من المهر لأبيها.

و كأنه إلى بعض ما ذكرنا أشار بعض الأفاضل في الاستدلال على الصحة في الفرض بالعمومات، قال: «و لا يخرج عنها سوى اشتراطه بالتراضي المفقود هنا بناء على وقوعه على الباطل المستلزم لعدمه بدونه، فلا يكون الرضا بالتزويج باقيا بعد المعرفة ببطلان المرضى به» و فيه أن الشرط حصوله و قد وجد فتثبت الصحة المشروطة به، و بطلان المتعلق غير ملازم لبطلانه أولا، و على تقديره فاللازم منه ارتفاع الرضا من حين المعرفة بالبطلان، و

عدم البقاء ليس شرطا في الصحة، بل الوجود و قد حصل، و دعوى استلزام بطلان المرضى به بطلان أصل الرضا و عدم حصوله فاسدة بالضرورة هنا و إن كان بعض ما ذكره لا يخلو من نظر.

و من ذلك بان ما في جميع أدلة الخصم حتى الأخير الواضح فساده، ضرورة أنه بعيد تسليم مقدماته الفاسدة يقتضي عدم كونه غير ما تراضيا عليه مهرا في العقد و هو لا ينافي ثبوت المثل بالدخول لا بالعقد، كما هو واضح. نعم لا ريب في اقتضاء ما ذكرناه انحصار ما أوجبه العقد في ملكية البضع خاصة من غير مهر.

فدعوى- إيجابه مع ذلك مهر المثل أو قيمة الخمر أو التفصيل في المذكور بين ما له قيمة و لو عند مستحليه و غيره كالحر، فيوجب مهر المثل في الثاني و القيمة في الأول، و التفصيل بين ما علم كونه خمرا أو خنزيرا و بين غيره مما ظن كونه خلا و حيوانا مملوكا فبان خمرا أو خنزيرا، فيجب بالعقد مهر المثل في الأول و القيمة في الثاني أو مقدار ذلك الخمر خلا أو غير ذلك- من الأقوال و الاحتمالات التي لا ينبغي أن تصدر ممن له أدنى نصيب في الفقه، ضرورة عدم إيجاب العقد ما لم يذكر


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 13

فيه، و لا ريب أن مهر المثل أو القيمة أو غير ذلك أشياء لم يذكرها المتعاقدان في العقد لا لفظا و لا تقديرا، و قيمة الشي ء انما تجب حكما من الشارع بعد استحقاق ذلك الشي ء لا قبل أن يستحق عليه.

فما وقع من جماعة- من نحو هذه الأقوال حتى أنه أوجبوا النصف بالطلاق و الجميع بالموت- واضح الفساد، بل لعل المتجه عدم جعل محل البحث من المفوضة، للعلم بعدم وقوع معنى التفويض منها، بل ما وقع منها من القصد إلى مهرية الخمر و الخنزير ينافيه، فلا متعة لها لو طلقت قبل الدخول، بناء على اختصاصها بها، كما لا شي ء مع الموت.

و انما يثبت لها مع الدخول مهر المثل الذي لا مدخلية للعقد في وجوبه، و لذا قد يجب بالوطء شبهة بدون عقد و حينئذ فما قيل: لا يجب مهر المثل لها بل الواجب لها قيمة الخمر أو مقداره خلا أو غير ذلك من الأقوال التي قد عرفت فسادها- لا ينبغي الالتفات إليه.

و قد ظهر لك من ذلك أن القول الثاني أي القول بصحة العقد، و أن لها مهر المثل مع الدخول مع كونه أشهر أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما عرفته بما لا مزيد عليه، و الله العالم بحقيقة الحال.

و لا تقدير في المهر في جانب القلة بل ما تراضي عليه الزوجان و إن قل ما لم يقصر عن التقويم كحبة من حنطة (11) و نحوها مما يعد نقله عوضا من السفه و العبث، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا(1)و فتوى، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

و كذا لا حد له في الكثرة (12) على المشهور بين الأصحاب، شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، لإطلاق الأدلة و عمومها كتابا(2)و سنة(3)


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 24 و 20 و سورة البقرة: 2 الآية 237.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 14

من آية الأجور و ما فَرَضْتُمْ (1)و غيرها، و لأنه نوع معاوضة فيتبع اختيار المتعاوضين في القدر كغيره من المعاوضات و خصوص المعتبرة(2)المحددة له بما تراضيا عليه قل أو كثر، و قوله تعالى (3)«وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً» الذي هو المال العظيم (4)أو وزن أربعين أوقية من ذهب أو فضة أو ألف و مأتا أوقية(5)أو سبعون ألف دينار(6)أو ثمانون ألف دينار(7)أو مأة رطل من ذهب أو فضة(8)أو مل ء مسك ثور ذهبا أو فضة(9)و قضية(10)عمر مع المرأة التي حجته بهذه الآية حين نهى عن المغالاة في المهر حتى قال: «كل الناس أفقه منك يا عمر حتى المخدرات» معروفة،

و صحيح الوشاء(11)عن الرضا عليه السلام «سمعته يقول: لو ان رجلا تزوج امرأة و جعل

مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا و الذي سماه لأبيها فاسدا»

و صحيح الفضيل (12)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا و بردا بألف درهم التي أصدقها، قال: إذا رضيت بالعبد و كانت قد عرفته فلا بأس، إذ هي قد قبضت الثوب و رضيت بالعبد»

و عن

الشيخ في المبسوط أنه روى فيه «عن عمر أنه لما تزوج أم كلثوم بنت


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة« ما عرضتم» و الصحيح ما أثبتناه كما في النسخة الأصلية المسودة بخط المصنف طاب ثراه.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 20.
4- 4 مجمع البيان سورة النساء ذيل الآية 20.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 233.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 233.
7- 7 سنن البيهقي ج 7 ص 233.
8- 8 سنن البيهقي ج 7 ص 233.
9- 9 مجمع البيان سورة آل عمران ذيل آية 14.
10- 10 سنن البيهقي ج 7 ص 233. راجع الغدير للامينى قده ج 6 من ص 95 الى 98.
11- 11 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 1.
12- 12 الوسائل الباب- 24- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 15

علي عليه السلام أصدقها أربعين ألف درهم»(1)

و أن أنس بن مالك تزوج امرأة على عشرة آلاف(2)

و «أن الحسن بن علي عليهما السلام تزوج امرأة فأصدقها مأة جارية، مع كل جارية ألف درهم»(3)

بل ربما روى أزيد من ذلك في عهد الصحابة و التابعين من غير نكير من أحد منهم.

و لكن مع ذلك قيل و القائل المرتضى بل حكي عن الإسكافي و الصدوق بالمنع من الزيادة عن

مهر السنة و هو خمسمائة درهم بل لو زاد عليه رد إليها بل في الانتصار دعوى إجماع الطائفة عليه، قال فيه: «و مما انفردت به الإمامية أنه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جياد، قيمتها خمسون دينارا، فما زاد على ذلك رد إلى هذه السنة، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك- إلى أن قال-: و الحجة بعد إجماع الطائفة أن قولنا: مهر يتبعه أحكام شرعية، و قد أجمعنا على أن الأحكام الشرعية تتبع ما قلناه إذا وقع العقد عليه، و ما زاد عليه لا إجماع على أنه يكون مهرا، و لا دليل شرعي، فيجب نفي الزيادة».

و في محكي الفقيه «و السنة المحمدية في الصداق خمسمائة درهم، فمن زاد على السنة رد إليها» و نحوه عن هدايته ثم ذكر «أنه إذا أعطاها درهما واحدا من الخمسمائة و دخل بها فلا شي ء لها بعد ذلك، و كان ذلك صداقها إلا أن تجعله دينا فتطالب به في الحياة و بعد الممات، و إذا لم تجعله دينا فالأولى أن لا تطالب به

- ثم قال-: و إنما صار مهر السنة خمسمائة درهم، «لأن الله تعالى أوجب على نفسه ما من مؤمن كبره و سبحه و هلله و حمده و صلى على نبيه صلى الله عليه و آله مأة مأة ثم قال:

اللهم زوجني الحور العين إلا زوجه الله حوراء من الجنة، و جعل ذلك مهرها»(4).

و أما ابن الجنيد فالمحكي عنه بعد أن ذكر أن كل ما صح الملك له و التمول


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 233 و فيه « على عشرين ألفا».
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 16

من قليل أو كثير فينتفع به في دين أو دنيا من عروض أو عين أو يكون له عوض من أجرة دار أو عمل إذا وقع التراضي بين الزوجين، فالفرج حينئذ يحل به بعد العقد عليه- قال-:

«و سأل المفضل (1)أبا عبد الله عليه السلام» إلى آخر الخبر المذكور دليلا للمرتضى و هو «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أخبرني عن مهر المرأة الذي لا يجوز للمؤمن أن يجوزه، فقال: السنة المحمدية صلى الله عليه و آله خمسمائة درهم، فمن زاد على ذلك رد إلى السنة، و لا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم، فإن أعطاها من الخمسمائة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي ء عليه، قال: قلت:

فان طلقها بعد ما دخل بها، قال: لا شي ء لها، إنما كان شرطها خمسمائة درهما فلما أن دخل بها قبل أن تستوفى صداقها هدم الصداق فلا شي ء لها إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته أو بعد موته فلا شي ء لها».

لكن لا يخفى عليك عدم صراحة كلام الإسكافي في موافقة المرتضى، بل و لا ظهوره، بل لعل ظاهره خلافه، كما أنه قد يظهر من الصدوق إرادته الاستحباب الذي لا كلام فيه للتأسي و غيره، بل لا يبعد كراهة الزيادة خصوصا من المحكي عنه في المقنع قال: «و إذا تزوجت فانظر أن لا يتجاوز مهرها مهر السنة، و هو

خمسمائة درهم، فعلى هذا تزوج رسول الله صلى الله عليه و آله نساءه، و عليه زوج بناته، و صار مهر السنة خمسمائة لأن الله أوجب على نفسه» إلى آخر ما سمعته، فانحصر الخلاف حينئذ في المرتضى خاصة، و منه يعلم ما في دعواه إجماع الطائفة على ذلك.

كما يعلم مما عرفت ما في الاستدلال له بالخبر المزبور الذي هو في غاية الضعف سندا، و مشتمل على بعض الأحكام الغريبة الذي لم يقل به أحد، و لذا سمعت الصدوق ذكر مضمونه على معنى رضاها بالدرهم و إبراؤها إياه عن الباقي فلا بأس بحمله على الندب و الكراهة ك

خبر محمد بن إسحاق (2)«قال أبو جعفر عليه السلام:


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 6.

ج 31، ص: 17

«تدري من أين صار مهور النساء أربعة آلاف درهم؟ قلت: لا، قال: إن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت في الحبشة فخطبها النبي صلى الله عليه و آله فساق عنه النجاشي أربعة آلاف درهم، فمن ثم هؤلاء يأخذون به، أما الأصل فاثنتا عشرة أوقية و نش»

الذي هو مع الضعف لا دلالة فيه على ذلك، بل لعله ظاهر في عكسه، و التأسي به بعد العلم بكون ذلك منه على الندب بالأدلة السابقة

يراد منه الاستحباب، و لعله لما سمعت قال المصنف و ليس بمعتمد.

و لكن مع ذلك كله فالأولى الاقتصار على الخمسمائة تأسيا بهم و إن أريد الزيادة نحلت على غير جهة المهر، ك

ما فعله الجواد عليه السلام لابنة المأمون (1)قال:

«و بذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلى الله عليه و آله لأزواجه، و هو اثنتا عشرة أوقية و نش على تمام الخمسمائة، و قد نحلتها من مالي مأة ألف».

بل قد يقال: إن المرتضى أجل من أن يخفى عليه ما في الكتاب (2)و السنة(3)المتواترة و فعل الصحابة و التابعين و تابعيهم و ما عليه الطائفة المحقة و احتجاج الامرأة على عمر و غير ذلك، و احتمال الاعتذار عنه- بأن ذلك منه بناء على مذهبه من أنه ليس للعموم صيغة تخصه، فحينئذ

قوله عليه السلام (4): «ما تراضى عليه الزوجان»

لا دلالة فيه على العموم- يدفعه (أولا) عدم حصر الدليل في نحو ذلك كما عرفت و (ثانيا) أنه و إن قال: إنه ليس له لغة لكنه وافق

على كونه في الشرع كذلك و (ثالثا) أن النصوص المزبورة فيها ما يدل على إرادة العموم، ك

قوله عليه السلام (5)«قل أو كثر»


1- 1 البحار ج 103 ص 264.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 20.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 3 و 9 و فيهما « ما تراضيا عليه» و في الحديث 1 و 4 و 5 و 10 « ما تراضى عليه الناس» و في سنن البيهقي ج 7 ص 241 عن على عليه السلام« ما تراضى به الزوجان».
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور الحديث 6 و 9.

ج 31، ص: 18

و نحو ذلك، كاحتمال الاعتذار عنه- بأن مراده الاستحباب و كراهة الزيادة، و استحباب العفو عنها مع فرض حصولها و نحو ذلك- مما ينافيه ظاهر كلامه أو صريحه.

نعم قد يقال: إن مراده أن المهر و إن لم يكن له وضع شرعي إلا أن له مسمى كذلك، و كل حكم في الشريعة كان عنوانه لفظ مهر يراد منه الشرعي، فإذا أمهرت الامرأة أزيد من الخمسمائة كان الجميع واجبا على الزوج قطعا، إلا أن المهر الشرعي منه الخمسمائة و الزائد مهر عرفي واجب شرعي على الزوج أيضا، و إن شئت فسمه نحلة، و كأنه إليه أومأ الجواد عليه السلام فإذا قال الشارع مثلا: «للامرأة الامتناع عن الزوج حتى تتسلم المهر» و لم تكن ثم قرينة على أراه العرفي كان الواجب الشرعي، و هكذا، و لعله إلى ذلك أشار المرتضى رحمه الله بقوله: «قولنا مهر» إلى آخره.

و حينئذ فالوجه في رده منع المسمى الشرعي للمهر على الوجه المزبور كمنع وضعه كذلك و إن اشتهر التلفظ بمهر السنة في النصوص و غيرها، لكن ليس المراد منه مسمى شرعي للمهر

على وجه يكون عنوانا للأحكام الشرعية المعلقة على المهر الظاهر عرفا بالعوض المقابل للبضع في العقد، لا رده بالاية(1)و الروايات (2)و فعل الصحابة و غير ذلك مما سمعت ما لا ينكره بناء على ما ذكرنا و الله العالم بحقيقة الحال.

و على كل حال يكفي في المهر مشاهدته إن كان حاضرا و لو جهل وزنه و كيله و عده و ذرعه كالصبرة من الطعام و القطعة من الذهب و الصبرة من الدراهم و الثوب و الأرض و نحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم إلى قطع الأصحاب، لإطلاق الأدلة التي منها ما سمعته من المعتبرة(3)المشتملة


1- 1 سورة النساء: 4 الآية 20.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 19

على تحديد المهر بما تراضيا عليه، و أنه كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله تتزوج الامرأة على السورة و على القبضة من الحنطة، مضافا إلى فحوى الاكتفاء بالقبضة و نحوها في نصوص المتعة(1)التي يعتبر في صحتها المهر بخلاف المقام الذي هو ليس على حد المعاوضات المعتبر فيها العلم الذي لا يكفي فيه المشاهدة و إن ارتفع بها معظم الغرر الذي يكفي هنا فيغتفر حينئذ ما عداه.

و حينئذ فإن قبضته و لم يتوقف الأمر على العلم بقدره أو علماه بعد ذلك فلا كلام، و إن استمر مجهولا و احتيج إلى معرفته قبل

التسليم أو بعده و قد طلقها قبل الدخول ليرجع بنصفه فالوجه الرجوع إلى الصلح، لانحصار الطريق فيه، و احتمال وجوب مهر المثل حينئذ كما عن بعضهم مناف لأصول المذهب و قواعده حتى لو فرض تلفه قبل القبض، فان ضمان المهر عندنا ضمان يد لا ضمان معاوضة، و لذا وجبت قيمته لو تلف في يد الزوج، و ليس هذا كما لو تزوجها ابتداء على المجهول الذي لا يجوز جعله مهرا، لعدم إمكان استعلامه في نفسه بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه لامتناع تقويم المجهول، و لاعتبار العلم به في المتعة التي لم يثبت الفرق بينها و بين غيرها بالنسبة إلى ذلك، بل ظاهر الأدلة اتفاقهما في المهرية و إن اختلفا في اشتراط صحتها به دون غيرها إلا أن ذلك أمر خارج عما نحن فيه.

فحينئذ و لذا قال في القواعد: «إنه يشترط في صحته- أي المهر- مع ذكره التعيين إما بالمشاهدة و إن جهل كيله و وزنه، كقطعة من ذهب و قبة من طعام، أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد المهر و صح العقد» بل لم أجد خلافا بينهم في ذلك، نعم ستسمع البحث فيما لو جعل المهر خادما آبقا لكن التأمل التام يورث إشكالا في المقام، ضرورة أن المهر إن كان مع ذكره يعتبر فيه ما يعتبر في المعاوضات- كما صرح به غير واحد، بل نفي عنه الخلاف، بل ربما نسب إلى قطع الأصحاب- ينبغي أن لا يكتفى فيه بالمشاهدة التي قد عرفت نفي الخلاف عن الاكتفاء بها أيضا كما لم يكتف فيها، و إن لم يعتبر فيه ذلك فلا


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب المتعة.

ج 31، ص: 20

وجه للبطلان بالجهالة في بعض الأوصاف و القدر و نحو ذلك، ضرورة كونه حينئذ من قبيل الخطابات الشرعية في الزكاة و الكفارة و العتق و النذر و الوصية و نحوها مما لا يعتبر فيها المعلومية، و يكفى المطلق عنوانا لها.

نعم يمكن اعتبار الوسط من الأفراد كما في الزكاة، مؤيدا ب

خبر ابن أبي عمير عن علي بن أبي حمزة(1)قلت لأبي الحسن عليه السلام: «تزوج رجل امرأة على خادم، فقال: لها وسط من الخدم قال: قلت: على بيت، قال: وسط من البيوت»

و مرسله الآخر عن بعض أصحابنا(2)عنه عليه السلام «في رجل تزوج امرأة على دار، قال: لها دار وسط»

و خبر علي بن أبي حمزة(3)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل زوج ابنه ابنة أخيه و أمهرها بيتا و خادما ثم مات الرجل، قال: يؤخذ المهر من وسط المال، قلت: و البيت و الخادم، قال: وسط من الخدم، قلت: ثلاثين أربعين دينارا، و البيت نحو من ذلك، فقال: هذا- يعنى البيت- سبعين ثمانين دينارا مأة»

المحكي على مضمونها الشهرة بين الأصحاب، بل في الخلاف دعوى إجماع الفرقة بعد أن نسبه إلى رواية أصحابنا، بل قال: «إنه ما اختلفت رواياتهم و لا فتاواهم» و في المبسوط فيما إذا أصدقها عبدا مجهولا: «قد روى أصحابنا أن لها خادما وسطا، و كذلك قالوا في الدار المجهولة، و هو الذي نفتي به» و في موضع آخر منه «لها عبد وسط عندنا و عند جماعة- إلى أن قال-: و كذلك إذا قال: تزوجتك على دار مطلقا، فعندنا يلزم دارا بين دارين» و قد تبعه عليه ابنا زهرة و البراج، بل لعله هو الظاهر من ابن إدريس أيضا، بل هو خيرة المصنف في النافع و الفاضل في الإرشاد.

لكن ظاهر الجميع الاقتصار على هذه الثلاثة، بل لعله صريح المبسوط، نعم قال بعض الأفاضل من متأخر المتأخرين: الظاهر ان الاقتصار على الخادم و الدار و البيت إنما كان لأن السؤال وقع عنها لا لخصوصيتها، و إلا فالملحفة و الخمار و القميص


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب المهور الحديث 3 مرسل موسى بن عمر الا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 375- الرقم 1520 موسى بن عمر عن ابن أبى عمير عن بعض أصحابنا.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 21

و الإزار و القرط و السوار و الشاة و البعير و نحو ذلك من الحلي و الحلل و الأنعام و غيرها أولى بذلك، لأنه أقل جهالة، و لاتحاد مدرك الرجوع إليه إذ هو إما انصراف المطلق إلى الفرد الغالب، و ليس هو إلا الوسط بخلاف الأعلى و الأدنى، بل لا يكاد يتحقق الفرد الأقصى منهما، و إما لأنه الجامع بين الحقين، بل ظاهر النصوص المزبورة عدم الخصوصية بما فيها، كما لا يخفى على من تأملها.

و حينئذ فما في جامع المقاصد- من طرح هذه الروايات، للطعن في سندها بل و في دلالتها، ضرورة عدم انحصار الوسط، و شدة اختلاف أفراده بما لا يتسامح فيه، و تبعه عليه ثاني الشهيدين و غيره- واضح الضعف، إذ هي- مع أن ابن أبي عمير في سندها و إرساله مقبول عند الأصحاب- منجبرة بما عرفت من الشهرة تحصيلا و نقلا و صريح الإجماع و ظاهره، و اختلاف أفراد الوسط بعد أن اجتزأ الشارع بأي فرد منها كالاجتهاد في مقابلة النص، إذ الوسط كالمطلق بالنسبة إليها، نحو اجتزائه في الزكاة، و إن أبيت عن الاجتزاء به كان المتجه الاجتزاء بكل فرد يتحقق به المطلق، نحو الوصية و النذر، و التخيير بيد الزوج، كما أن التخيير فيها بيد الوارث، و اختلاف الأفراد- بعد أن كان المهر ليس من الأعواض التي يعتبر فيها العلم، بقرينة الاكتفاء بالمشاهدة و القبض و الشي ء من الزبيب و نحوه، و ما يحسن من القرآن و السورة و الدار و الخادم و البيت، مع إطلاق تلك النصوص (1)المعتبرة تحديده بما يتراضيان عليه، و عدم كونه ركنا في العقد، و لذا لا يبطل ببطلانه- غير قادح، و حديث الغرر(2)مع أنه من طرق العامة إنما هو النهي عن بيع الغرر أو ما كان كالبيع في اعتبار المعلومية التي لا تكفي فيها المشاهدة، كالأجرة في الإجارة و حينئذ فيصح جعل المهر «شيئا» و نحوه، و يتعين على الزوج أقل ما يتمول، على أنه ليس في شي ء من نصوص المقام اعتبار المعلومية فيه، و إنما ورد(3)ذلك في


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 338.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب المتعة.

ج 31، ص: 22

المتعة التي اكتفوا فيها بالمشاهدة أيضا يمكن الفرق بينهما بكونه ركنا في عقدها بخلاف نكاح الدوام.

و الحاصل أن ما ذكروه- من الاكتفاء بالمشاهدة لعدم كونه معاوضة، و اعتبار حكم ثمن البيع في غير المشاهدة، لأنه مع ذكره في العقد يعتبر فيه ما يعتبر في عوض المعاوضة، حتى أنه صرح في جامع المقاصد باعتبار أوصاف السلم فيه عدا خصوص الخادم و الدار و البيت بناء على العمل بتلك النصوص، أو حتى هي أيضا بناء على طرحها- لا يتم إلا أن يكون إجماعا، و الله العالم بحقيقة الحال.

و كيف كان فلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه يجوز أن يتزوج امرءتين أو أكثر بعقد واحد، بل صريح بعض و ظاهر آخرين عدم الفرق في ذلك بين اتحاد الزوج و تعدده كما لو قال مثلا: «زوجت فاطمة زيدا و هندا بكرا» فقال وكيلهما: «قد قبلت» و المراد باتحاد العقد اتحاد إيجابه و قبوله أو أحدهما، فتعدده يكون بتعدد إيجابه و قبوله، و على ذلك يمكن اجتماع البيع و النكاح و غيرهما من العقود بعقد واحد فضلا عن اجتماع المنقطع و الدائم بأن يقول: «بعتك العبد و آجرتك الدار و زوجتك فاطمة بكذا» فيقول الرجل مثلا:

«قبلت كل ذلك» لإطلاق الأدلة و عمومها من الأمر بالوفاء بالعقود(1)و غيره، و فرعوا على ذلك جواز ذكر عوض واحد للجميع، و يكفى معلوميته

في هذا العقد و إن جهل التقسيط، فيصح مهر الامرأتين أو أزيد بشي ء واحد، بل يصح جعله عوضا للنكاح و البيع و الإجارة، و ذلك لأن المتيقن من اشتراط المعلومية حصولها في ذلك العقد، و هو حاصل و إن جهل التقسيط، نحو ما سمعته في كتاب البيع من جواز بيع المالين لمالكين من متحد أو متعدد بثمن واحد، و يسقط حينئذ على ما يخص كل واحد بحسب قيمته.

نعم لو فرض تعدد العقد بتعدد إيجابه و قبوله وجب حينئذ معلومية عوضه، و لا يكفى التقسيط حينئذ، فلا يجوز مثلا «زوجت فاطمة زيدا و زوجت هندا بكرا


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 31، ص: 23

بمأة» فقال كل منهما: «قبلت» ضرورة تعدد العقد حينئذ، فلا يكفي معلومية العوض بالنسبة إلى العقدين، مع احتماله أيضا اكتفاء بالمعلومية في هذه المقابلة و إن تعدد العقد، لعدم دليل على اعتبار الأزيد ذلك، كما لو قال: «بعت الدار زيدا و بعت العبد عمرا بمأة» فقال كل منهما: «قبلت» فتشتغل ذمة كل منهما بما يخص المبيع من التقسيط.

هذا و لكن المتجه بناء على ما عرفت فسخ العقد بوجود العيب في إحدى الزوجتين أو أحد الزوجين، ضرورة اتحاد العقد، و لا يتصور تبعيضه في الفسخ الطاري عليه، كما لو باع شيئين و كان أحدهما معيبا، و يلزم حينئذ رد نكاح الامرأة الصحيحة أو الرجل الصحيح من دون عيب و مع تراضي الزوجين و عدم إرادتهما الفسخ، بل يتجه حينئذ مع نظم العقود المتحدة بقبول واحد فسخ النكاح منها و غيره بخيار في البيع مثلا، لكون المفروض اتحاد العقد الذي لا يتبعض بالنسبة إلى ذلك، و لو سلم إمكان التزام تعدد العقد في هذا الفرض و فرض تعدد الزوجة فلا محيص عن الحكم باتحاده مع تعدد الزوجة و اتحاد الزوج، فإن الإيجاب فيه و القبول كذلك و مقتضاه انفساخ نكاح الصحيحة بفسخه في المعيبة فينافي ما دل على عدم رد المرأة بغير العيوب السابقة(1)كما أنه قد يتوقف من نظم العقود بتعدد إيجابها و اتحاد قبولها و عوضها في اندراجها تحت اسم أي عقد، و مع فرض خروجه عنها- لكنه يندرج تحت «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2)- يشكل جريان حكم كل عقد على متعلقة، و يشكل فسخ النكاح بفسخ البيع و بالعكس.

و من ذلك و نحوه قد يشك في أصل تعلق عقد النكاح الواحد بالمتعدد و إن لم يظهر فيه خلاف بينهم، بل قد يفرق بينه و بين البيع في ذلك فضلا عن غيره بإمكان ملاحظة جهة الوحدة في المبيع و إن تعدد على وجه يكون المجموع من حيث كونه كذلك، و لذا يثبت له خيار تبعض الصفقة بخلافه في النكاح، فإن جهة الوحدة في


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العيوب و التدليس.
2- 2 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 31، ص: 24

النساء على معنى يكون المجموع من حيث كونه كذلك منكوحا غير صحيح و حينئذ يكون المدار في جواز التعدد و عدمه في العقود على ذلك، لكنه مناف لكلام الأصحاب الذي يمكن ملاحظة جهة

الوحدة الاعتبارية فيه، أيضا، كما أنه يمكن اعتبار ملاحظتها في الصحة، للعمومات التي لا ينافي العمل بها التزام ما سمعته من الأحكام مع فرض اتحاد العقد، نعم قد يمنع الاتحاد عرفا في بعض الصور المزبورة، بل كل صورة تعدد فيها الإيجاب و القبول، ضرورة عدم أولوية إلحاقه بالمتحد باعتبار الاتحاد في أحدهما من إلحاقه بالمتعدد باعتبار التعدد فيهما، فالأولى حينئذ إلحاق حكم المتحد من جهة و التعدد من أخرى، فيجري عليه حكم الواحد بالنسبة إلى مقابلة المهر، فلا يقدح جهالة التقسيط و حكم المتعدد بالنسبة إلى الفسخ و نحوه، فتأمل جيدا فاني لم أجده محررا، و الله العالم.

و على كل حال ففي مفروض المسألة لو جمعهما بمهر واحد كقوله: «بمأة و فرس» و نحو ذلك فهل يكون باطلا و إن لم يبطل به عقد نكاح كما عن بعضهم؟

لأن المهر هنا متعدد في نفسه و إن كان مجتمعا، و حصة كل واحدة منه غير معلومة حال العقد، و علمها بعد ذلك لا يفيد الصحة، كما لو كان مجهولا و علم بعد ذلك.

بل قد يمنع صحة البيع للمالكين غير المشتركين بثمن واحد، كما هو المحكي عن خلاف الشيخ و غيره، لذلك و لأنه كالعقدين و الثمن غير معلوم بالنسبة إلى كل واحد منهما، بل عنه في المبسوط أيضا إذا اختلفت القيمتان، و يكون لكل واحدة مهر المثل مع فساد المسمى، أو أن المهر صحيح كالعقد كما هو مذهب الأكثر للعمومات التي لم يعلم تخصيصها بأزيد من العلم به جملة واحدة في العقد الواحد في البيع، فضلا عن المهر الذي قد عرفت الحال فيه، و أنه يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره، لأنه ليس معاوضة محضة، و يعلم حينئذ حصة كل واحد منهما بعد ذلك، بل هو الموافق ل

قوله عليه السلام (1)«المهر ما تراضى عليه الزوجان»

الصادق


1- 1 راجع التعليقة 4 من ص 17.

ج 31، ص: 25

على ذلك، على أن المسمى في مقابلة البضعين من حيث الاجتماع، و لا يلزم من التقسيط الحكمي التقسيط اللفظي، و و لعل هذا هو الأقوى.

نعم هل يكون المهر بينهن بالسوية؟ كما عن مبسوط الشيخ و من تبعه باعتبار عدم كونه عوضا حقيقة، فيبقى حينئذ على الأصل في الاستحقاق لو قيل لفلان و فلان كذا المقتضى للتسوية إذ لا ترجيح في مقتضى التمليك و قيل:

يقسط على مهور أمثالهن فيعطي كل واحدة ما يقتضيه التقسيط نحو البيع و هو مع كونه أشهر من الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، لظهور إرادة معنى المعاوضة مع ذكر المهر، و لذا يقع البحث في زيادته و نقصانه تبعا لزيادة قيمة المعوض و نقصانها، و ليس للبضع قيمة إلا مهر المثل، فيقسط المسمى حينئذ

عليه، نحو تقسيطه في المبيعين لمالكين، بل في المسالك احتمال تقسيطه كذلك حتى على القول ببطلان المهر، قال: للفرق بينه و بين المجهول المطلق الذي لا يمكن تقويمه، فان المتجه فيه مهر المثل، بخلاف المقام الذي يمكن فيه توزيع المسمى على مهور أمثالهن، فيكون لكل واحدة منه ما يقتضيه التوزيع، و حينئذ يتجه مع القول بالصحة و إن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم اعتبار توزيعه بعد فرض فساده، و عدم عقد ملزم به، و ما ذكره بعد تسليمه يصحح جعله مهرا باعتبار عدم منع جهالته عن التقويم التي هي مدار المنع، لا توزيعه بعد فرض عدم الالتزام به لفساده، كما هو واضح.

هذا و لو زوج أمتيه من رجلين على صداق واحد صح النكاح و الصداق قولا واحدا كما اعترف به في المسالك، لأن المستحق هنا واحد، فهو كما لو باع عبدين بثمن واحد، ثم قال في المسالك: «و لو كان له بنات و لاخر بنين فزوجهن صفقة واحدة بمهر واحد بأن قال: «زوجت بنتي فلانة من ابنك فلان و فلانة من فلان و هكذا بألف» ففي صحة الصداق كالسابقة وجهان، و أولى بالبطلان هنا لو قيل به ثم، لأن تعدد العقد هنا أظهر، لتعدد من وقع العقد له من الجانبين».

قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك، و أنه يمكن القول بالصحة مع فرض تعدد

ج 31، ص: 26

العقد بتعدد إيجابه و قبوله، فضلا عما فرضه من المثال المتحد فيه الإيجاب اكتفاء في العلم بالمهر بهذه المقابلة، و أنه لا دليل على اعتبار الأزيد من هذ المعلومية، خصوصا لو قلنا بالصحة في البيع لو قال: «بعت زيدا العبد و بعت عمرا الدار بمأة في ذمتيهما» و قال كل واحد منهما أو وكيله «قبلت».

كما أنه عرفت تحقيق الحال فيما لو تزوجها على خادم غير مشاهدة و لا موصوفة و أنه قيل بل هو المشهور كان لها خادم وسط، و كذا لو تزوجها على بيت مطلقا استنادا إلى رواية علي بن أبي حمزة(1)أو على دار على رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام (2)بما لا مزيد عليه فلاحظ و تأمل، و الله العالم بحقيقة الحال.

و لو تزوجها على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله و لم يسم مهرا كان مهرها خمس مأة درهم بلا خلاف أجده فيه، بل هو مجمع عليه مع قصدهما عالمين، بل ظاهر الأصحاب ذلك مطلقا، بل في الروضة و غيرها الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و عمومها المؤيدة لما سمعته سابقا من احتمال المهر من الجهالة ما لا يحتمله غيره، مضافا إلى

خبر أسامة بن حفص (3)القيم لأبي الحسن موسى عليه السلام المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده، و بالانجبار بما عرفت قال: «قلت له: رجل يتزوج امرأة و لم يسم لها مهرا و كان في الكلام أتزوجك على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها، فما لها من المهر؟ قال: مهر السنة قال: قلت: يقول أهلها: مهور

نسائها قال: فقال: هو مهر السنة، و كلما قلت له شيئا قال: مهر السنة»

فلا وجه للإشكال في ذلك بعد ما عرفت بأن تزويجها على الكتاب و السنة أعم من جعل المهر مهر السنة، كما لا يخفى، إذ كل نكاح مندوب إليه بل جائز فهو على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله.


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 راجع التعليقة 2 من ص 20.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 27

ثم على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنة ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر، كما لو قال: «زوجتك على المهر الذي تزوج به فلان».

ثم الزوجان قد يعلمان أن مهر السنة هذا المقدار، و قد لا يعلمانه، و قد يعلمه أحدهما دون الأخر، و الحكم بالصحة مطلقا يحتاج إلى سند صالح، و كثير من المتقدمين كابن الجنيد و ابن بابويه و سلار لم يذكروا هذه المسألة، ضرورة ظهور هذه العبارة في كون المراد على ما أباحه الله من النكاح و دعى إليه و سنه رسوله فيه من المهر و غيره و جرى عليه، و لما كان ذلك معلوما في الشريعة لم يضر خفاؤه عليهما لعدم الدليل على اعتبار المعلومية في المهر بأزيد من ذلك، بل إن لم يقم إجماع على فساد المهر لو قال: «مهر فلانة أو أمها» أو غير ذلك مما هو معلوم و مضبوط كان المتجه فيه الصحة أيضا، لما عرفته في محله، نعم لو فرض كون المراد بهذه العبارة أنه نكاح غير سفاح، و لم يقصد المهر لا عموما و لا خصوصا كان الواجب مهر المثل حينئذ، لعدم ذكر المهر فيه حينئذ، لكنه خروج عن فرض المسألة الظاهر فيما سمعت، و حينئذ يكون المهر مذكورا في العقد، ثابتا به لا بالدخول، كمهر السنة الثابت للمفوضة في بعض الصور، و لذا حكم بثبوته مع الموت في الخبر المزبور(1)فتأمل جيدا، و الله العالم.

و لو سمى للمرأة مهرا و لأبيها أو غيره واسطة على عمل مباح أو أجنبي شيئا معينا لزم ما سمى لها بلا خلاف، بل عن الخلاف الإجماع عليه و سقط ما سمى لأبيها بلا خلاف محقق أيضا، بل عن الغنية الإجماع عليه، و الأصل في ذلك

صحيح الوشاء(2)عن الرضا عليه السلام «لو أن رجلا تزوج امرأة و جعل مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا، و الذي جعله لأبيها فاسدا»

مضافا إلى معلومية كون المهر كالعوض الذي لا يصح أن يملكه في


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 28

عقد المعاوضة غير من له المعوض، و قد سمعت ما في

خبر السكوني (1)من أنها «هي أحق بمهرها»

و الشرط في العقد إنما يلزم إذا كان لمن له العقد، و فرض ذلك على وجه يرجع إلى الزوجة- حتى أنه ربما كان السبب في رضاها بذلك

المهر- يخرجه عن مفروض المسألة الذي هو جعل ذلك لأبيها على نحو جعل المهر لها.

و لا ريب في بطلانه بما عرفت، من غير فرق بين المجعول لأبيها تبرعا محضا أو لأجل وساطة و عمل محلل، و لا بين كون المجعول مؤثرا في تقليل مهر الزوجة بسبب جعله في العقد و قصدها إلزامه به و عدمه، كما هو مقتضى الصحيح المزبور على ما اعترف به في المسالك و غيرها، بل فيها أيضا «و لم يخالف في ذلك أحد من الأصحاب إلا ابن الجنيد- قال-: و لا يلزم الزوج غير المهر من جعالة لولي أو واسطة، و لو وفي الزوج بذلك تطوعا كان أحوط، ل

قول النبي صلى الله عليه و آله(2): «أحق الشروط ما نكحت به الفروج»

فان طلقها قبل الدخول عليها لم يكن لها إلا نصف الصداق، دون غيره، فان كان قد دفع ذلك يرجع عليها بنصف الصداق، و كل الجعالة على الواسطة- نعم في آخر كلامه قال-: قد يشكل الحكم في بعض فروض المسألة كما لو شرطت لأبيها شيئا و كان الشرط باعثا على تقليل المهر، و ظنت لزوم الشرط، فان الشرط حينئذ يكون كالجزء من العوض الذي هنا هو المهر، فإذا لم يتم لها الشرط يشكل تعيين ما سمته من المهر خاصة، كما سبق في نظائره من المعاوضات، و ذلك لا ينافي الرواية، لأن ما عينته من المهر ثابت على التقديرين، و انما الكلام في شي ء آخر، و لو لا الرواية الصحيحة لكان القول بفساد المهر و وجوب مهر المثل

قويا، لاشتمال المهر على شرط فاسد، فيفسده كما يفسد العقد لو كان العوض من لوازمه» و تبعه غيره في هذا الاشكال.

قلت: بل لا صراحة في كلام أبي على في الخلاف بعد ظهور إرادة الندب من.


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 248 و فيه « أحق الشروط ان يوفى بها ما استحللتم به الفروج».

ج 31، ص: 29

الاحتياط في كلامه المبنى على عدم إرادة الجعالة الاصطلاحية، و احتمال وجوبه باعتبار كونه جعلا مصطلحا على عمل محلل، فيجب حينئذ مع الفعل خروج عن مفروض المسألة الذي هو الوجوب من حيث التسمية في العقد.

و من ذلك يعلم ما عن المختلف في المسألة من أن الوجه أن نقول: «إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح و فعله لزمه، و لم يسقط منه شي ء بالطلاق، لأنه جعالة على عمل محلل مطلوب في نظر العقلاء، فكان واجبا بالعقد كغيره، و إن لم يكن على جهة الجعالة بل ذكره في العقد لم يكن عليه شي ء، سواء طلق أو لا» ضرورة خروج الوجوب بالجعالة أو الإجارة أو نحوهما عن مفروض المسألة الذي هو ما عرفت.

كما أنه قد يدفع إشكاله أن زعمها لزوم ذلك الجعل لا يقتضي فسادا في المهر و إن كان ذلك سببا في رضاها به، ضرورة كون ذلك من الدواعي التي لا تؤثر شيئا، إذ المهر ليس من العقود، و لا يؤثر فساده في العقد شيئا، فالرضا به لزعم شي ء آخر لا يقتضي فسادا، و إن قلنا: إن الشرط الفاسد في عقد يقتضي فساد العقد، لكن ذلك إنما هو لتعليق رضا التعاوض عليه، و ليس رضا معاوضة هنا كما هو واضح.

بل قد يظهر مما ذكرنا الوجه أيضا في المسألة الثانية و هي لو أمهرها مهرا و شرط أن يعطي أباها منه شيئا معينا فان المشهور كما في المسالك و غيرها على البطلان أيضا، بل لم يعرف فيه خلاف إلا ما يظهر من المحكي عن أبي علي، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله قيل: يصح المهر و يلزم الشرط بخلاف الأول نعم في المسالك عن ظاهر الشهيد في شرح الإرشاد الميل و كذلك المحقق الشيخ علي لعموم

قوله صلى الله عليه و آله (1): «المؤمنون عند شروطهم»

و النبوي (2)«أحق الشروط ما نكحت به الفروج»

و فيه (أولا) أنه لا صراحة في كلام ابن الجنيد بذلك،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 248 و فيه « أحق الشروط أن يوفى بها ما استحللتم به الفروج».

ج 31، ص: 30

إذ المحكي عنه أنه قال بعد العبارة السابقة: «فإن كانت المرأة اشترطت رجع عليها بنصف صداقها و نصف ما أخذه من شرطت له ذلك لأن ذلك كله بعض الصداق الذي لم ترض

بالنكاح إلا به» و هو صريح في كون الشرط للمرأة، و ليس ذلك الذي حكم الأصحاب بفساده، حتى عده بعضهم من الشرط المخالف للكتاب و السنة، و إنما هو جعل الشرط للأجنبي على وجه يكون حق الشرطية نفسها للأجنبي، لا أن الشرط للمرأة و المشترط له، و ذلك لا ريب في بطلانه، لما عرفت من عدم صحة الشرط لغير المتعاقدين، كما لا ريب في صحة الثاني، ضرورة كونه شرطا للامرأة لها إسقاطه و لها المطالبة به، و إن كان المشترط لغيرها نحو بيع الشي ء مثلا و شرط بناء دار زيد على المشتري، فان الشرط للبائع نفسه، و هو الذي ذكره ابن الجنيد، فلا يكون مخالفا للأصحاب، كما أن الظاهر عدم خلاف من عرفت في ذلك و إن حكموا بالصحة، لكن فيما حكم به ابن الجنيد، بل الظاهر أنه لم يخالف فيه أحد منهم، و إنما المحكوم ببطلانه الجعل للأب تسمية أو شرطا على الذي ذكرناه، كما هو ظاهر الصحيح المزبور و الفتاوى، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع.

و على كل حال فبناء على اعتبار المعلومية لا بد من تعيين المهر بما يرفع الجهالة، فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها رفعا للجهالة، ضرورة اختلاف أفرادها اختلافا شديدا و حينئذ ف لو أبهم فسد المهر، و كان لها مع الدخول لا بدونه مهر المثل بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، و إن كان قد يشكل أصل الحكم بما سمعت، بل قد تقدم ما في

خبر سهل الساعدي (1)من تزويج النبي صلى الله عليه و آله إياه على ما يحسنه من القرآن

الذي استدل به في الرياض على اغتفار مثل هذه الجهالة في المهر، كما أنه قد يشكل ما ذكره غير واحد من وجوب المتعة في الفرض لو طلق قبل الدخول، بعد صدق التفويض عليه بناء على أنه ذكر المهر في العقد، اللهم إلا أن يقال إن الفاسد بحكم العدم، و ستسمع إن شاء الله


1- 1 المستدرك الباب 2 من أبواب المهور الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 242.

ج 31، ص: 31

التحقيق فيه.

و هل يجب تعيين الحرف أي القراءة من

قوله عليه السلام (1): «نزل القرآن على سبعة أحرف»

بناء على أن المراد منه القراءات السبع و إن كان في نصوصنا(2)نفي ذلك، و أن المراد أنواع التراكيب من الأمر و النهي و القصص و نحوها؟

قيل و القائل بعض الأصحاب نعم يجب ذلك مع فرض عدم فرد ينصرف إليه الإطلاق، لشدة اختلافها و تفاوت الأغراض فيها. و قيل و القائل الأكثر كما في كشف اللثام لا يجب للأصل و عدم تعيين النبي صلى الله عليه و آله ذلك على سهل (3)مع أن التعدد كان موجودا في ذلك

الزمان و اغتفار هذه الجهالة بعد فرض جواز الجميع، و حينئذ فيلقنها الجائز منها، سواء كان إحدى السبع أو الملفق منها، بل في المسالك أن المتواترة لا تنحصر في السبع، بل و لا في العشر كما حقق في محله و هو أشبه بإطلاق الأدلة و عمومها السالمة عن معارضة اعتبار الأزيد من ذلك، و الاقتصار على المتواتر لانصراف إطلاق التعليم إليه، ثم إن التخيير إليه، ضرورة كون الواجب في ذمته أمر كلي موكول إليه كغيره من الدين الكلي.

و لو أمرته بتلقين غيرها أي غير القراءة المعينة لو كانت أو غير القراءة التي اختارها وفاء لما وجب عليه لم يلزمه إجابتها لأن الشرط لم يتناولها كي يجب عليه امتثالها، كما هو واضح.

و حد التعليم أن تستقل بالتلاوة، لأنه المفهوم عرفا، و لا يكفى تتبع نطقه، و لو نسيت الآية الأولى بعد استقلالها بالتلاوة عقيب تلقين الثانية لم يجب إعادة التعليم، لأن تعليم السورة لا يمكن إلا بتعليم آية آية، فإذا كان المفروض


1- 1 الخصال ص 327 ط النجف.
2- 2 الكافي ج 2 ص 630.
3- 3 المستدرك الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 242.

ج 31، ص: 32

استقلالها بتلاوة الآية الأولى مثلا حصل التعليم بالنسبة إليها، و لا دليل على وجوب الإعادة، نعم لا يكفى نحو كلمة و كلمتين، لأنه لا يعد في العرف تعليما، بل مذاكرة، لكن مع ذلك لا يخلو من إشكال، لأن المفهوم من التعليم هو الاستقلال بالتلاوة، فتعليم السورة إنما يتحقق باستقلالها بتلاوتها بتمامها، و للعامة وجه على ما قيل بأنه لا يتحقق التعليم بأقل من ثلاث آيات، لأنها مقدار أقصر سورة، و هي أقل مما يقع به الإعجاز.

و لو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة كذلك جاز لأنه ثابت في الذمة سواء أصدقها التعليم مطلقا بنفسه أو بغيره أو التعليم بنفسه، أما الأول فظاهر، إذ لا يتوقف تحصيل التعليم على علمه، نعم إن تعذر الغير ففي وجوب تعلمه ليعلمها إشكال، من أنه كالتكسب لوفاء الدين، أو من توقف الواجب عليه، و هو الوجه، و أما الثاني فلأنه يكفي القدرة على المهر، و لا يشترط الفعلية، و عن المبسوط وجه بالعدم، و عن القاضي الاحتياط به، إذ لا يصح إصداق منفعة شي ء بعينه و هو لا يقدر عليها، كاصداق منفعة عبد لا يملكه و الفرق ظاهر، فإن منفعة الغير لا تثبت في الذمة.

نعم لو تعذر عليه التوصل إلى تعليمها بنفسه و غيره، بل في القواعد أو تعلمت من غيره كان عليه أجرة مثل ذلك التعليم لأنها قيمة المهر حيث تعذر عنه، بل ظاهر الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين أن يكون قد اشترط تعليمها بنفسه فعرضت له ما منعه من ذلك و غيره، بل لا فرق بين أن يكون منفعة عين مخصوصة و تعذرت و غيرها، كل ذلك لأدلة وجوب المهر، و كونه مضمونا على الزوج حتى يوصله إلى الزوجة بالمثل أو القيمة، و ليس الإمهار من قبيل عقد الإجارة الذي ينفسخ بتلف العين المستأجرة و يتعذر وقوع العمل من الأجير المشروط عليه المباشرة، للأدلة الدالة على ذلك بخلاف ما هنا، فان عقد النكاح المذكور فيه المهر لا ينفسخ بذلك قطعا، لما عرفته من عدم كون

ج 31، ص: 33

المهر ركنا فيه، و المهر ليس هو عقدا بنفسه، و إنما هو واجب بعقد النكاح، و مضمون على الزوج ضمان يد، فمتى تعذر انتقل إلى المثل أو القيمة، و في الفرض أجرة مثل العمل المتعذر قيمته، كما هو واضح. و حينئذ فما في جامع المقاصد و كشف اللثام من احتمال وجوب مهر المثل واضح الضعف.

نعم قد يشكل وجوبها فيما لو تعلمت بنفسها مع بذل الزوج التعليم و استناد التقصير إليها بترك التعلم، و كذا لو أمهرها منفعة عين مخصوصة مدة و قد بذلها لها فلم تستوف منفعتها، و الظاهر سقوط مهرها في الثاني، أما الأول فقد سمعت ما في القواعد و إطلاق غيرها، و لعل وجهه ما عرفت لكنه محتاج إلى التأمل.

و على كل حال فهل يعتبر في تعليم غيره لها المحرمية الظاهر عدمه مع فرض عدم توقفه على ما يحرم من نظر أو لمس و فرض تجرده عن الريبة و الفتنة كما سمعته في محله، و الله العالم.

و لو أصدقها ظرفا مخصوصا على أنه خل مثلا فبان خمرا فلا خلاف في صحة العقد، بل في جامع المقاصد و غيره هو كذلك قولا واحدا إنما الكلام في المهر ف قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه كان لها قيمة الخمر عند مستحليه لأنها أقرب شي ء إليه عند التعذر، و لأنها عقدا على شخصي باعتبار ماليته، فمع تعذره لظهور بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.

و فيه أن الخمر غير مقصود أصلا، و لا وقع عليه التراضي، فكيف ينتقل إلى قيمته، و اعتبارها فرع صحة العقد على العين، بل هو غير العقد على الخمر عالمين به الذي قد عرفت البحث فيه أيضا، فإنهما قد تراضيا على العين، فلا يمنع الانتقال إلى القيمة لتعذر العين.

و لذا أعرض عنه المصنف و قال و لو قيل: كان لها مثل الخل كان حسنا بل هو المحكي عن ابني الجنيد و إدريس و الفاضل في المختلف، لأنهما عقدا على الخل بهذا القدر و ظناه خلا، فإذا ظهر خمرا لزم مثله، إذ هو مثلي فات،

ج 31، ص: 34

فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه، و لأن المعقود عليه خل منحصر في هذا الشخص، فإذا لم يتم الانحصار بقيت الخلية، بل رضاهما بالجزئي المعين الذي يظنان كونه خلا رضا بالخل الكلي مهرا، إذ هو مستلزم للجزئي، فالرضا به مستلزم للرضا به، فإذا فات الجزئي لعدم صلاحية الملك بقي الكلي الذي هو أحد الأمرين الذي وقع التراضي بهما.

و فيه أن المفروض وقوع العقد على خصوص ما في الظرف لا على خل بهذا القدر، فالمعقود عليه حينئذ الكلي المقترن بالمشخصات الموجودة، و هذا يمتنع بقاؤه إذا ارتفعت المشخصات، و المحكوم بوجوبه هو الكلي في ضمن شخص آخر لم يقع عليه التراضي أصلا، فإيجابه حينئذ إيجاب لما لم يتراضيا عليه، و كونه أقرب إلى المعقود عليه لا يستلزم وجوبه، لأن المهر الذي يجب بالعقد هو ما يتراضيا عليه، و لا يلزم من التراضي بأحد المثلين التراضي على الأخر.

و ما في المسالك- من «ان الجزئي الذي وقع عليه التراضي و إن لم يساوه غيره من أفراد الكلي إلا أن الأمر لما دار بين وجوب مهر المثل أو قيمة الخمر أو مثل الخل كان اعتبار المثل أقرب الثلاثة، لأن العقد على الجزئي المعين اقتضى ثلاثة أشياء: ذلك المعين بالمطابقة، و إرادة الخل الكلي بالالتزام، و كون المهر واجبا بالعقد بحيث لا ينفك المرأة من استحقاقه، حتى لو طلق كان لها نصفه، أو مات أحدهما فجميعه، فإذا فات أحد الثلاثة و هو الأول يجب المصير إلى إبقاء الأخيرين بحسب الإمكان، إذ

«لا يسقط الميسور بالمعسور»(1)

و عموم «إذا أمرتكم بشي ء فأتوا منه ما استطعتم»(2)

و هما لا يوجدان في ضمن وجوب مهر المثل، لأنه لا يجب إلا بالدخول عند القائل به، و إمكان وجودهما في ضمن قيمة الخمر قد عرفت فساده، فلم يبق إلا المثل، و لا شبهة في أن الرضا بالخل المعين في الظرف يستلزم إرادة


1- 1 رواه النراقي قده في عوائده ص 88 عن غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 326.

ج 31، ص: 35

كون الخمر خلا بخلاف القيمة و نحوها»- من غرائب الكلام، فإنه على طوله لا محصل له، و لا ينطبق على شي ء من القواعد الشرعية، بل هي منافية لها، فلا ريب في أن الأحسن من ذلك وجوب مهر المثل، وفاقا للفاضل في أكثر كتبه، لعدم الرضا بالكلي إلا في ضمن الشخصي المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية، فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلم لهما، فينتقل إلى مهر المثل.

و إشكاله في المسالك- بأن مهر المثل ربما كان زائدا عن قيمة الخل كثيرا فلا يكون مقصودا للزوج أصلا أو ناقصا كثيرا فلا يكون مقصودا للزوجة و لا مرضيا به و قد

قال عليه السلام (1): «المهر ما تراضي عليه الزوجان»

و لا يرد مثله في وجوب مثل الخل، لأن ذلك أقرب إلى ما تراضيا عليه، بل ربما لم يخالف ما تراضيا عليه إلا بمشخصات لا دخل لها في المقصود و لا في المالية، فيلغو عند حصول هذا العارض- واضح الفساد، ضرورة عدم القصد و الرضا في وجوب مهر المثل الثابت بالشرع قهرا عليهما، و الأقربية لا دخل لها في إيجاب غير المذكور في العقد، و الكلية التي في ضمن الجزئي بعد فرض وقوع القصد و الرضا عليه غير ملاحظة و لا منظور إليها كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

و كذا الكلام فيما لو تزوجها على عبد فبان حرا أو مستحقا بل الرجوع في مثله إلى مهر المثل أقوى من الأول، إذ لا مثل للحر كي يدفع عوضه و لا قيمة، و دفع قيمته بعد تنزيله عبدا لم يقع عليها العقد.

هذا و في المسالك بعد ما سمعت «هذا كله في المثلي كالخمر أما القيمي كالعبد إذا ظهر حرا فالانتقال إلى قيمته لقيامها مقام المثل في المثلي، و ليس هذا كالقول الثالث، لأن ذاك يعتبر قيمة العين بالوصف الواقع الذي امتنع صحته عليه بواسطته، و هنا اعتبرت القيمة باعتبار الوصف المقصود لهما، و على هذا فيسقط القول الثالث في القيمي، لأن الحر لا قيمة له، نعم لو ظهر مستحقا كان اعتبار قيمته جاريا على القولين، و على هذا فالقول بالمثل متعذر في القيمي مطلقا، و بقيمة الواقع


1- 1 راجع التعليقة 4 من ص 17.

ج 31، ص: 36

في الحر، فليس فيه إلا القول بقيمته عبدا أو مهر المثل، فإطلاقهم تشبيه الحكم في مسألة الحر بظرف الخمر لا يأتي على إطلاقه، بل يحتاج إلى تنقيح» قلت:

هو متأت بناء على وجوب مهر المثل لفساد المسمى، سواء كان مثليا أو قيميا، أما على القولين الآخرين فليس إلا القيمة و لو بفرض العبد حرا، نعم قد يتأتى بناء على ما سمعته منه في توجيه القول الثاني احتمال وجوب عبد عليه بأوصاف الحر الذي وقع عليه العقد، و إن كان هو كما ترى كأصله.

بقي شي ء و هو أن ظاهر العلامة في القواعد الفرق بينما لو ظهر خمرا أو حرا و بينه لو خرج مستحقا، فحكم في الأولين بمهر المثل و في الأخير بالمثل أو القيمة، و احتمل مهر المثل احتمالا، و لم يظهر لنا وجه الفرق، ضرورة اقتضاء ما سمعت مهر المثل مطلقا إذ ليس هو من قبيل ما إذا تلف المهر في يد الزوج بعد صحته في العقد كما هو واضح.

و على كل حال فلو أمهرها عبدين مثلا فبان أحدهما حرا لم ينحصر الصداق في الأخر كما عند أبي حنيفة لأنها لم ترض به، بل يجب لها بقدر حصة الحر من مجموع المسمى إذا قوما من مهر المثل بناء على المختار، إذ هو مقتضى الجمع بين الأدلة و كون المذكور في العقد قائما مقام مهر المثل، يعنى أنه لولاه لوجب هو بالدخول، فان فات أجمع ثبت بتمامه، و إن فات بعضه ثبت فيه بمقدار الفائت على النسبة، هذا كله على المختار، و إلا فبناء على وجوب دفع القيمة فيجب دفع قيمة الفائت، كما هو واضح، و في محكي التحرير «هل لها المطالبة بقيمتها و دفع الأخر؟ إشكال» قلت: لا إشكال عندنا بناء على عدم الفساد بتبعيض الصفقة عندنا، و لا دليل على الخيار، نعم يحكى عن الشافعية هنا أقوال بناء على الخلاف في تفريق الصفقة، فإن بطل به بطل هنا، فلها مهر المثل أو قيمتهما على القولين، و إن اختارت فإما أن يلزمها الرضا بالباقي خاصة أو ليس عليها ذلك، بل لها المطالبة بقيمة الأخر أو ما يخصه من مهر المثل، و قد عرفت أن المتجه الأخير، اللهم إلا أن يثبت بها خيار في المهر بهذا التبعيض، فتفسخه حينئذ و ترجع إلى مهر المثل، بل

ج 31، ص: 37

لعل المتجه حينئذ ما سمعته من أبي حنيفة من الرضا خاصة أو الفسخ و الرجوع إلى مهر المثل، و الله العالم.

و إذا تزوجها بمهر سرا و بآخر جهرا كان لها الأول عندنا، سواء كان هو الزائد أو الناقص، بلا خلاف و لا إشكال إذا كان قد أوقع العقد معها بمهر معين سرا ضرورة كون الثاني لغوا فلا يفيد شيئا، نعم عن بعض العامة الخلاف في ذلك، و لهم فيه تنزيلات مختلفة لا تنطبق على الأصول و الضوابط الشرعية، و إن كان المراد بذلك الاتفاق على ذكر ألفين مثلا ظاهرا و على الاكتفاء بألف باطنا في عقد واحد بأن يتواطئا على إرادة الألف بعبارة الألفين.

ففي المسالك «فيه وجهان مبنيان على أن اللغات هل هي توقيفية أو اصطلاحية؟ و على أن الاصطلاح الخاص يؤثر في الاصطلاح العام و بغيره أم لا؟ فعلى الأول يفسخ المهر، لأن الألف غير ملفوظة، و الألفين غير مقصودة، و لم تقع عبارة عنا لمباينتها لها، و ينتقل إلى مهر المثل، و على الثاني يحتمل الصحة، و يكون المهر الألف، لاصطلاحهما عليه، و كون الألفين بوقوع العقد عليه باتفاقهما، و الوضع العام لا يتغير، و هذا الاحتمال يجري أيضا على الأول، و قطع في المبسوط بوقوع ما يلفظانه، و لا يلتفت إلى ما اتفقا عليه سرا، محتجا بأن العقد وقع صحيحا سرا كان أو علانية، و فيه نظر يعلم مما قررناه- إلى أن قال- و هذه الصورة لم يتعرض لها من أصحابنا غير الشيخ، و كانت أحق بالبحث من الأولى لدقة مدركها و خفاء حكمها».

قلت: عدم تعرض الأصحاب لوضوحها، ضرورة اعتبار الألفاظ بسبب دلالتها على إرادة اللافظ مدلولها، فمع فرض العلم بعدم إرادتهما المعنى من اللفظ لا جهة لالتزامهما بمعناه، و لا مدخلية لتوفيقية اللغات و اصطلاحيتها في ذلك، إذ مع تسليم الأول إنما يكون ذلك على سبيل الغلط في اللغة منهما، و لا يعتبر فيما عدا صيغة النكاح من مهر و غيره الجريان على القانون العربي، و لعله إلى ذلك أشار

الباقر عليه السلام في خبر زرارة(1)في «رجل أسر صداقا و أعلن أكثر منه فقال: هو الذي أسر،


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 38

و كان عليه النكاح».

و ما في كشف اللثام- من أن الصواب حمله على أن يعقد سرا و إرادة ذلك من

قوله: «و كان عليه النكاح»

- مناف لظاهرة أو صريحه، كما أن ما فيه أيضا- من أنه لا يبعد القول بفسادهما، لخلو العقد عن الأول، و خلو لفظه عن قصد الثاني- واضح الضعف أيضا، لعدم خلو العقد بعد تواطي المتعاقدين على إرادته من اللفظ و إن كان لا يفيده لغة لا حقيقة و لا مجازا.

و أوضح منه فسادا ما سمعته من المبسوط الذي حكي مثله في كشف اللثام عن المهذب من كون اللازم المذكور في العلانية، لأنه الذي وقع عليه العقد، و لا يعدل في الألفاظ عن موضوعاتها باصطلاح خاص بين اثنين، ضرورة أنه لا وجه لالتزامهما بما لم يريداه و لم يتراضيا عليه، و ليس ذا عدولا عما كان بينهما في السر، إذ هو خلاف المفروض، و كان عدم تعرض الأصحاب لهذه الصورة لوضوحها و إن قال في المسالك ما سمعت، لكن قد عرفت وضوح الأمر فيها.

نعم قد يتصور صورة أولى بالنظر منهما، و هي ما لو تواطئا في السر مثلا على شي ء خاص و أظهرا في العلانية غيره مريدين ذكره في العقد قاصدين معناه، إلا أنهما قد تواطئا على عدم الالتزام به، و لم يريدا به ما تواطئا عليه في السر على وجه يكون كالاستعمال فيه، ضرورة إشكال ما تواطئا عليه سرا لعدم ذكره في العقد و لو استعمالا غلطا، كالإشكال في التزام ما وقع بالعلانية بعد فرض عدم قصدهما معا إلى عدم إيراد الالتزام به بالعقد و إن ذكراه فيه قاصدين معناه لكنه صوري، مع احتماله أخذا بما وقع فيه و إن لم يقصدا الالتزام به، لكون العقد ملتزما شرعيا غير متوقف على القصد، و إن كان الأقوى الأول.

كما أن الأقوى كون مثل هذا العقد مما لم يذكر فيه مهر، فلا يلزم بما في السر و العلانية إلا إذا أراداه فيه و بنياه عليه على وجه يضمراه فيه بقرينة بينهما، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و المهر مضمون على الزوج حتى يسلمه إلى الزوجة عينا كان أو دينا أو

ج 31، ص: 39

منفعة أو عملا بلا خلاف و لا إشكال، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أصول المذهب و قواعده في الجملة.

إنما الكلام في أنه هل هو ضمان معاوضة لقوله تعالى (1)«وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» و إطلاق اسم الثمن عليه، و التعبير بلفظ المعاوضة في نحو «زوجتك بكذا» و جواز من التمكين قبل القبض، و رده بالعيب كما ستعرف، و نحو ذلك، أو ضمان يد كالعارية المضمونة، و المقبوض بالسوم و نحوهما، لتسميته نحلة، و جواز خلو العقد عنه، و عدم انفساخه بتلفه، و عدم سقوطه بامتناعها من التمكين إلى الموت، و نحو ذلك؟ المعروف عندنا الثاني، بل لم أجد الأول قولا لأحد من أصحابنا، و إنما هو لبعض العامة، إذ لو كان ضمان معاوضة لاقتضى تبعيض العقد، ضرورة عدم انفساخه بتلفه، الذي هو ليس بأولى من عدمه من أول الأمر، و إنما ينفسخ بالنسبة إليه خاصة، و هو تبعيض للعقد من غير دليل شرعي، فليس هو حينئذ إلا ضمان معاوضة.

و لذا قال الشيخ في المحكي من مبسوطة بعد أن حكى عن العامة الخلاف:

«و الذي يقتضيه مذهبنا في كل مهر معين إذا تلف فإنه يجب قيمته، و لا يجب مهر المثل، و أما المهر إذا كان فاسدا فإنه يوجب مهر المثل بلا شك» و ما سمعته منا و من الفاضل من وجوب مهر المثل فيما لو بان خمرا و نحوه

إنما هو إذا بان فساده، لا ما إذا كان صحيحا ثم تلف، و البحث السابق في الصحة و لو باعتبار إرادة القيمة أو المثل و الفساد، و قد عرفت أن الأقوى الأخير.

و حينئذ ف في الفرض لو تلف قبل تسليمه بفعل المرأة بري ء و كان الإتلاف منها كالقبض، و إن تلف بفعل أجنبي تخيرت بين الرجوع على الأجنبي أو الزوج و إن كان لو رجعت على الزوج رجع هو به على الأجنبي، و إن تلف بفعل الزوج أو بغير فعل أحد كان ضامنا له بمثله إن كان مثليا، و بقيمته إن كان قيميا، و الأقوى اعتبار قيمته وقت تلفه و إن طالبته


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 25.

ج 31، ص: 40

به فمنعه لا لعذر كما في نظائره على قول مشهور لنا، لأنه وقت الانتقال إليها، و أما القول بضمان أعلى القيم من حين العقد إلى حين التلف أو من حين المطالبة به إن كانت إليه فقد عرفت فساده في نظائره المسألة في محالها، نعم لو كان نقصان القيمة لنقصان في العين و لو السمن لا لتفاوت السوق ففي احتمال ضمان ذلك الفائت قوة كما ذكرناه في محله، و يأتي إن شاء الله في الغصب له تتمة.

هذا و في المسالك «أن القول بالقيمة يوم التلف ليس هو المشهور و إن كان هو المنصور، بل المشهور خلافه، و سيأتي في الغصب نقل المصنف عن الأكثر ضمان المغصوب بقيمته يوم الغصب لا يوم التلف، فناسبه القول هنا بضمان قيمته يوم العقد، لكن لا قائل به هنا معلوما، و كيف كان فاعتبار يوم التلف ليس هو القول المشهور و لا محل توقف عند المصنف، فان اقتصاره على نسبته إلى القول يؤذن بتوقف فيه أو تمريض، و إنما المراد ما ذكرناه سابقا من حكم ضمان القيمة أو المثل لا مهر المثل فإنه محل البحث و الاشكال» قلت: قد عرفت أنه ليس محل بحث و لا إشكال عندنا لما يناسب المصنف التوقف فيه، و أما القول بالضمان يوم التلف فهو إن لم يكن المشهور فهو قول مشهور لنا، و قوته ظاهرة كما حرر في محله.

و لو وجدت به عيبا سابقا كان لها رده بالعيب، و الرجوع إلى قيمته بناء على ضمان اليد، و لها إمساكه بالأرش، لأن العقد انما وقع على السليم، فإذا لم تجده كذلك أخذت عوض الفائت، و هو الأرش، كذا ذكروه بلا خلاف فيه.

لكن قد يشكل (أولا) باقتضاء رده فسخ العقد بالنسبة إليه، و هو تبعيض محتاج إلى الدليل، و (ثانيا) أن مقتضى ذلك الرجوع إلى مهر المثل، ضرورة أنه بعد رده يكون العقد خاليا عن المهر، و الرجوع إلى القيمة إنما هو في الواجب بالعقد التالف في يد الزوج، بل قد يشكل الأرش أيضا و إن ثبت في المبيع بدليل خاص، مضافا إلى أنه جزء من الثمن مقابل الجزء الفائت من المبيع، فالمتجه ملاحظته هنا بالنسبة إلى مهر المثل، نحو ما سمعته سابقا فيما لو أمهرها بعبدين فبان حرية أحدهما (و بالجملة) إثبات هذا الحكم الذي هو الخيار بين الرد

ج 31، ص: 41

و أخذ القيمة و بين الإمساك و أخذ الأرش بغير دليل مشكل، لعدم وفاء القواعد به، اللهم إلا أن يكون إجماعا، فهو الحجة حينئذ، هذا كله في العيب قبل العقد.

و أما لو عاب بعد العقد قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و موضع من المبسوط و القاضي في محكي المهذب كانت بالخيار أيضا في أخذه مع الأرش، لكونه مضمونا عليه ضمان يد أو أخذ القيمة بعد رده، لأن العقد وقع عليه سليما فإذا تعيب كان له رده، و لو قيل: ليس لها القيمة لأصالة لزوم ملكها له و إنما لها عينه و أرشه لكونه مضمونا ضمان يد كان حسنا بل في القواعد أنه الأقرب، و هو كذلك.

و كيف كان ف لها أن تمتنع (11) قبل الدخول بها من تسليم نفسها حتى تقبض مهرها (12) اتفاقا، كما في كشف اللثام و غيره، لأن النكاح مع الاصداق معاوضة بالنسبة إلى ذلك، لاتحاده معها في الكيفية المقتضية أن لكل من المتعاوضين الامتناع من التسليم حتى يقبض العوض، و ل

خبر زرعة عن سماعة(1)«سأله عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه»

و للحرج و العسر و الضرر و الظلم عليها إن لم يكن لها الامتناع، لأن للبضع عوضا بالإجماع، كان النكاح معاوضة أو لا و لاستفاضة

الأخبار(2)، بأن ما يعطيها الزوج فتمكنه من الدخول به استحل فرجها.

هذا و لكن في محكي الحدائق تبعا لنهاية المرام أنه ليس لها ذلك، و لا له، بل كل منهما مخاطب بأداء ما عليه عصى الأخر أو أطاع، و فيه ما لا يخفى، ضرورة اقتضاء


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب المهور و الباب- 8- منها الحديث 13 و الباب- 33- منها الحديث 1 و الباب- 27- من أبواب المتعة الحديث 3 و الباب- 28- منها الحديث 1.

ج 31، ص: 42

المعاوضة ما عرفت.

نعم قد يشكل ذلك هنا بالنسبة إلى الزوج فيما لو امتنعا جميعا من التسليم حتى يقبض، فان المذكور في المسالك و كشف اللثام «إبداع المهر من يثقان به، فإذا وطأها قبضته، لأن الوطء في النكاح هو القبض، إذ البضع لا يدخل تحت اليد و إن كانت الزوجة أمة، لأن ملك الرقبة لغير مالك الاستمتاع، و لهذا لا يجب عليه عوض البضع بالغصب ما لم يطأ».

قلت: هو- مع أن الوضع في يد العدل حكم على الزوج- لا دليل على وجوب امتثاله بناء على ثبوت الحق لكل منهما بمقتضى المعاوضة، و إن وجهه في المسالك بأنه طريق جمع بين الحقين، و عليه لا ينحصر الأمر في ذلك، إذ الطرق متعددة قد يشكل بظهور الفتاوى كالعبارة و نحوها باستحقاق المرأة تسليم المهر أولا، خصوصا مع اعتبار ذلك في النكاح، و النصوص (1)الدالة على عدم الدخول بها حتى يقدم لها و

لو شيئا، و ما سمعته سابقا في نكاح المتعة الذي لا فرق بينه و بين المقام بالنسبة إلى ذلك على الظاهر، بل هو المأثور و السنة في النكاح.

و من هنا احتمل في المسالك و كشف اللثام أنه يجبر الزوج على التسليم، لأن فائت المال يستدرك دون البضع، و الإيقاف إلى أن يبادر أحدهما بالتسليم، فيجبر الأخر، و إن رد الأخير في المسالك بأنه قد يؤدى إلى بقاء النزاع بعدم بدأة أحدهما، و لا بد من نصب طريق شرعي يحسم مادته، و هو كذلك، أما الاحتمال الأول فهو متجه و إن لم يكن فيه جمع بين الحقين، لعدم حق للرجل في الفرض بناء على ما عرفت، و لا استبعاد في اختصاص النكاح بذلك الذي هو ليس معاوضة حقيقة، و يكفي في مشابهته لها في طرف واحد.

و على كل حال ذلك لها سواء كان الزوج موسرا أو معسرا ضرورة أن إعساره و إن أسقط حق المطالبة عنه بالأدلة الشرعية(2)لكنه لا يرفع حقها المستفاد


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب المهور.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 280 و الوسائل الباب- 25- من أبواب الدين و القرض من كتاب التجارة.

ج 31، ص: 43

من المعاوضة، فما عن ابن إدريس- من منعها من الامتناع للإعسار المانع من المطالبة- واضح الضعف، إذ امتناع المطالبة لا يوجب تسليم المعوض قبل العوض، و إنما يختلف الحال بالايسار و عدمه بالإثم و استحقاق النفقة و إن لم تسلم نفسها إذا بذلت

التمكين بشرط تسليم المهر، لأن المنع حينئذ بحق، فلا يقدح في التمكين، و أما مع إعساره فلا إثم عليه بالتأخير، و في استحقاقها النفقة حينئذ وجهان: من انتفاء التمكين، إذ هو متعلق بأمر ممتنع عادة، و هو الذي جزم به الشهيد فيما حكي من شرح الإرشاد، و من أن المنع بحق كالموسر، لاشتراكهما في بذل التمكين بشرط تسليم المهر، و امتناع التسلم عادة لا دخل له في الفرق، مع جواز الاجتماع بالاقتراض و نحوه، و هذا يتجه كما اعترف به في المسالك.

و فيها أيضا «أنه فرق مع عدم الدخول بين كونها قد مكنت منه فلم يقع و عدمه، فلها العود إلى الامتناع بعد التمكين إلى أن تقبض المهر، و يعود الحكم إلى ما قبله، لما تقرر أن القبض لا يتحقق في النكاح بدون الوطء» قلت: قد يقال:

إن ذلك منها إسقاط لحقها و ليس في الأدلة تعليق الحكم على الوطء.

و من ذلك يعرف الحال فيما لو كان المهر كله مؤجلا فإنه ليس لها الامتناع قطعا، لثبوت حقه عليها حالا، فان امتنعت و حل المهر لم يكن لها الامتناع أيضا وفاقا لما عن الأكثر، لاستقرار وجوب التسليم عليها قبل الحلول، فيستصحب، و لأنهما عقدا و تراضيا على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسلم الأخر، فبناء المعاوضة حينئذ على سقوط حق الامتناع بالنسبة إليها.

لكن و مع ذلك قد احتمل جواز الامتناع لها، بل ربما حكي عن إطلاق النهاية، لمساواته بعد الحلول للحال، و لأن الأصل في المتعاوضين جواز الامتناع من التسليم قبل التسلم، و انما يتخلف لمانع من تأجيل أحدهما دون الأخر، فالزمان قبل الحلول مانع من الامتناع، فإذا حل ارتفع المانع، و فيه أن الأصل استحقاق التسلم بالتسليم، و استحقاق كل منهما على الأخر التسليم لا الامتناع، و أيضا قد عرفت اقتضاء المعاملة عدم الامتناع.

ج 31، ص: 44

و لو كان بعض المهر حالا و بعضه مؤجلا فلكل واحد حكم نفسه، فلها أن تمتنع حتى تقبض الحال دون المؤجل و إن قل كما قرر.

و من ذلك أيضا يعرف الحال في أنه هل لها ذلك أي الامتناع بعد الدخول؟ قيل و القائل المفيد فيما حكي عن مقنعته، و الشيخ فيما حكي من مبسوطة نعم لها ذلك، لأن أحد العوضين و هو منفعة البضع تتجدد لا يمكن قبضه جملة، و المهر بإزاء الجميع، فبالتسليم مرة لم يحصل الإقباض، فجاز الامتناع، و لعموم العسر و الحرج و الضرر و الظلم.

و قيل: لا و هو مع كونه أشهر، بل المشهور، بل عن السرائر الإجماع عليه- أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأن الاستمتاع حق لزم بالعقد خرج منه الاستمتاع قبل القبض بالإجماع، فيبقى الباقي على أصله، و لما سمعته من سقوط حقها برضاها، و لا دليل على عوده.

بل في المسالك «و في معناه ما لو سلم الولي من ليست بكاملة و لم يقبض الصداق، فهل لها الامتناع بعد الكمال حتى تقبضه؟ وجهان، و أولى بعدم الجواز لأن تسليم الولي شرعي، إلا أن يمنع من جواز تسليمه لها قبل قبض المهر كغيره من المعاوضات، فتساوي المكرهة في الحكم» و هو كما ترى.

على أنه قد ذكر في المسالك في مقدماته في المسألة «أنه هل يشترط في القبض وقوعه طوعا أم يكتفى به مطلقا؟ وجهان: من حصول الغرض، و انتقال الضمان به كيف اتفق، و من تحريم القبض بدون الاذن، فلا يترتب عليه الأثر الصحيح، و الحق أن بعض أحكام القبض متحققة كاستقرار المهر بالوطء كرها، و بعضه غير متحقق قطعا كالنفقة، و يبقى التردد في موضع النزاع حيث يدخل بها كرها هل لها الامتناع بعده من الإقباض حتى تقبض المهر أم لا؟ قلت: لا وجه للتردد هنا ضرورة عدم دليل على سقوط حق الامتناع بالوطء حتى أنه يصدق مع الإكراه، و إنما هو حق اقتضته المعاوضة التي لا فرق في اقتضائها بين حالي الاختيار و الإكراه،

ج 31، ص: 45

بخلاف استقرار المهر الذي كان الحق عليه فيه لا له، فإن إكراهه لها أولى في إفادة الاستقرار، و الله العالم.

و لو لم يكن المرأة مهيأة للاستمتاع بأن كانت مريضة أو محبوسة لم يلزمه تسليم الصداق بناء على اشتراط وجوبه عليه بالتقابض من الجانبين، و قد يشكل ذلك بما لو كان قد عقدها غير مهيأة للاستمتاع، ضرورة أنه هو الذي قد أقدم على تعجيل حقها دونه، نحو ما ذكروه في الصغيرة التي لا يصلح للجماع إذا طلب الولي المهر، فإنه و إن قال في المسالك: «فيه وجهان: من تعذر التقابض من الجانبين، لعدم إمكان الاستمتاع، و هو خيرة الشيخ في المبسوط، و من أن الصداق حق ثابت، و قد طلبه المستحق، فوجب دفعه إليه، و عدم قبض مقابله من العوض قد أقدم الزوج عليه، حيث عقد كذلك، و أوجب على نفسه المال في الحال، كالعكس لو كان المهر مؤجلا» لكن لا ريب في أن الأخير هو الأقوى، كما اعترف هو به و الفاضل في القواعد، خلافا للمحكي عن المبسوط و الكافي من العدم، لتعذر التقابض.

و محل الإشكال في الصغيرة ما لو لم تصلح للاستمتاع مطلقا أما لو صلحت لغير الوطء فطلبها الزوج لذلك ففي وجوب إجابته وجهان: من تحقق الزوجية المقتضية لجواز الاستمتاع، فلا يسقط بعضه بتعذر بعض، فيجب التسليم للممكن، و من أن القصد الذاتي من الاستمتاع الوطء و الباقي التابع، فإذا تعذر المتبوع انتفى التابع، و إمساكها لغير ذلك حضانة، و الزوج ليس أهلا لها، و إنما هي حق للأقارب، و لأنه لا يؤمن إذا خلا بها أن يأتيها فتتضرر، و على هذا فلو بذلت له لم يجب عليه القبول، لأن حقه الاستمتاع و لم يخلق فيها، و لو وجب للزمه نفقة الحضانة و التربية، و في المسالك «و هذا أقوى، و هو خيرة المبسوط» قلت: و هو المحكي عن التحرير أيضا، لكن قد يحتمل وجوب التسليم إن طلبها، لإمكان الاستمتاع بغير الوطء كالحائض، خصوصا في الكبيرة المريضة، نعم قد يقوى المنع إذا لم يؤمن منه المواقعة.

و لو كانا صغيرين و طلب الولي المهر من الولي فالوجهان في الكبير مع

ج 31، ص: 46

الصغيرة، بل و أولى بعدم الوجوب لو قيل به ثم، لكن قد عرفت هناك أن الأقوى الوجوب، فالمتجه حينئذ ذلك هنا أيضا، و لو انعكس فكانت كبيرة و الزوج صغير فالوجهان أيضا، و عن المبسوط اختيار عدم وجوب تسليم المهر في الجميع، كما لا تجب النفقة، محتجا بأن الاستمتاع غير ممكن، و فيه أنه يتم في النفقة لا في المهر.

هذا و في القواعد «و لو منعت الزوجة مع تهيوئها للاستمتاع من التمكين لا للتسليم أي تسليم المهر إليها ففي وجوب التسليم إشكال» قلت: لا أعرف وجها للإشكال بعد البناء على اقتضاء المعاوضة التقابض المفروض انتفاؤه في المقام، و تسليم المهر إنما يجب إذ امتنعت من التسليم لتتسلمه، فإنه الامتناع المشروع، فإذا امتنعت لغيره لم تبذل نفسها، فلم تستحق عليه المهر، و صدق الامتناع من التسليم، و إن لم يكن لأجل التسليم لا يوجب تسليم المهر عليه، كما هو واضح.

و لو دفع الصداق فامتنعت من التمكين أجبرت عليه إن لم يكن لها عذر، لوجود المقتضي لوجوبه و انتفاء المعارض، و في القواعد «ليس له الاسترداد» و لعله لأنه حق لها، فهو كالدين المؤجل إذا تبرع المديون بتعجيل أدائه، قلت: قد يقال بناء على ما سمعته منا من وجوب تسليم المهر على الزوج أولا له الاسترداد، فإنه يدفعه دفعا مراعي بسلامة العوض له، فإذا امتنعت من التمكين استرد، و فيها أيضا «أنه إذا سلم الصداق فعليه أن يمهلها مدة استعدادها بالتنظيف و الاستحداد» أي إزالة الشعر بالحديد أو غيره، كما عن المبسوط مجرى العادة به، و لأنه ربما ينفر عنها إن لم تستعد له، و ربما يفهم من النهي (1)عن طروق الأهل ليلا

و قوله صلى الله عليه و آله (2): «أمهلوا كي تمشط الشعثة و تستحد المغيبة».


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب آداب السفر الحديث 2 و 3 من كتاب الحج.
2- 2 صحيح البخاري ج 7 ص 6 باب 10 من النكاح و صحيح مسلم ج 6 ص 55.

ج 31، ص: 47

و أما التحديد بيوم و يومين و ثلاثة كما عن المبسوط فلعل المراد به التمثيل و أن العبرة بزمان تستعد فيه، و عن المبسوط «أنه نص على عدم امهالها أكثر من ثلاثة أيام إذا استمهلت، لأن الثلاثة تسع لإصلاح حالها» قلت: لا يخفى عليك ما في أصل الحكم حينئذ من الوجوب، ضرورة عدم صلاحية مثل ذلك دليلا، و دعوى أن بناء استحقاقه تسليمها على ذلك واضحة المنع، لمنافاتها جميع ما دل على تسلط الزوج على الزوجة كتابا(1)و سنة(2)و لعله لذا كان المحكي عن التحرير أنه استقرب عدم وجوب الإمهال للأصل السالم عن المعارض.

و لا ريب في عدم وجوب إمهالها لأجل تهيئة الجهاز، و لا لأجل الحيض، لإمكان الاستمتاع بغير القبل، كما هو واضح، و الله العالم.

و يستحب تقليل المهر بلا خلاف كما في المسالك، ل

قوله صلى الله عليه و آله (3): «أفضل نساء أمتي أصبحهن وجها، و أقلهن مهرا»

و «إن من شؤم المرأة كثرة مهرها»(4)

و(5)

«إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة»

بل يكره أن يتجاوز مهر السنة، و هو خمسمائة درهم

لأنه صلى الله عليه و آله كما حكاه الباقر عليه السلام عنه (6)«لم يتزوج و لا زوج بناته بأكثر من ذلك»

و «قد أمر أن يسن ذلك لأمته ففعل»(7)

و حينئذ فما زاد عليه فهو شؤم المرأة الذي هو كثرة مهرها،

و في خبر حسين بن خالد(8)عن أبي الحسن عليه السلام «أيما مؤمن خطب إلى أخيه حرمة


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 34.
2- 2 الوسائل الباب- 79 و 80 و 81- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب المهور الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب المهور الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب المهور الحديث 3 و 10 و فيهما « من بركة المرأة خفة مئونتها» و في سنن البيهقي ج 7 ص 235 « من أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا».
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 48

فبذل خمسمائة درهم فلم يزوجه فقد عقه و استحق من الله عز و جل أن لا يزوجه حوراء».

نعم في المسالك «ظاهره أن الكراهة متعلقة بالمرأة و وليها لا بالزوج، و عبارة المصنف شاملة لهما، و يمكن تعلق الكراهة به من حيث الإعانة عليه إن أمكنه النقصان، و إلا فلا كراهة عليه، و قد تقدم إمهار الحسن عليه السلام امرأة مأة جارية(1)قلت: ظاهر الفتاوى الكراهة أيضا للزوج، بل هو مستفاد من التأمل في النصوص (2)و الله العالم.

و كذا يكره أن يدخل بالزوجة حتى يقدم مهرها أو شيئا منه أو غيره و لو هدية ل

خبر أبي بصير(3)عن الصادق عليه السلام «إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا، درهما فما فوقه أو هدية من سويق أو غيره»

و لا يحرم للأصل و قصور الخبر عن إفادة الحرمة، و

خبر عبد الحميد الطائي (4)قال له: «أتزوج المرأة و أدخل بها و لا أعطيها شيئا، فقال: نعم يكون دينا عليك».


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 4 و 5 و 9- من أبواب المهور.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 9.

ج 31، ص: 49

[الطرف الثاني في التفويض]
اشاره

الطرف الثاني في التفويض و هو لغة إيكال الأمر إلى الغير، و منه «أُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ»(1)و قد يطلق و يراد به الإهمال، و منه «لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم»(2).

و على كل حال ف هو قسمان: تفويض البضع و تفويض المهر،

[القسم الأول تفويض البضع]
اشاره

أما الأول فهو أن لا يذكر في العقد مهرا أصلا، مثل أن يقول الوكيل:

زوجتك فلانة أو تقول هي: «زوجتك نفسي» فيقول الزوج قبلت و حينئذ هو من التفويض بمعنى الإهمال، ضرورة عدم ذكر المهر فيه.

[مسائل]
[المسألة الأولى ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد]

الأولى قد عرفت فيما تقدم أيضا أنه لا خلاف في أن ذكر المهر ليس شرطا في صحة العقد، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ظاهر آية لا جُناحَ (3)و النصوص (4)المستفيضة أو

المتواترة، و حينئذ فلو تزوجها و لم يذكر مهرا في العقد أو شرط أن لا مهر صح العقد قطعا مع إرادة نفي المهر المسمى في العقد، أما لو أرادت نفيه حال العقد و ما بعده و لو بعد الدخول فلا خلاف و لا إشكال


1- 1 سورة غافر: 40- الآية 44.
2- 2 هذا مصراع من شعر الأفوه الأودي من شعراء العصر الجاهلي و تمام البيت « لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم و لا سراة إذا جهالهم سادوا»
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 24.
4- 4 الوسائل الباب- 12 و 13 و 21- من أبواب المهور و الباب- 58- منها الحديث 4 و 7 و 8 و 11 و 20 و 21 و 22.

ج 31، ص: 50

في فساد الشرط، بل المعروف فساد العقد أيضا، و لعله ل

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة تهب نفسها للرجل ينكحها بغير مهر، فقال: إنما كان هذا للنبي صلى الله عليه و آله، فأما لغيره فلا يصلح هذا حتى يعوضها شيئا يقدم إليها قبل أن يدخل بها، قل أو كثر و لو ثوب أو درهم، و قال: يجزئ الدرهم»

و في صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن قول الله عز و جل وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ (3)فقال: لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه و آله، و أما غيره فلا يصلح نكاح إلا بمهر»

و في المرسل عن عبد الله بن سنان (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في امرأة وهبت نفسها لرجل أو وهبها له وليها، فقال: لا، إنما كان ذلك لرسول الله صلى الله عليه و آله، و ليس لغيره إلا أن يعوضها شيئا، قل أو كثر»

و في مرسل ابن المغيرة(5)عنه عليه السلام أيضا «في امرأة وهبت نفسها للرجل من المسلمين، قال: إن عوضها كان ذلك مستقيما».

خلافا للمحكي عن الشيخ من الصحة، لأنه بمعنى «لا مهر عليك» فإنه أيضا نكرة منفية تفيد العموم، فكما خص ذلك بمجرد العقد فكذا هنا، و رد بأن العام يقبل التخصيص بخلاف التنصيص.

و فيه أن مرجع كلام الشيخ إلى فساد الشرط في الفرض دون العقد، ضرورة كون محل البحث مع إرادة عدم التخصيص، فليس حينئذ إلا القول بعدم التلازم بين فساد الشرط و بين فساد العقد هنا، و لذا لم يفسد بفساد ما يذكر فيه من المهر الذي هو أعظم من الشرط باعتبار ذكره بصورة العوض، و ربما يؤيده ما تسمعه فيما يأتي من أن المعروف بين الأصحاب عدم فساد عقد النكاح بفساد الشرط فيه و لا صراحة في النصوص السابقة في فساد العقد، بل قد يظهر من بعضها الصحة و إن وجب عليه أن يدفع عوضا، و لا يخلو من قوة، و ربما احتمل صحة العقد و فساد التفويض، فيثبت حينئذ مهر المثل بمجرد العقد،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح- الحديث 4.
3- 3 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح- الحديث 5.

ج 31، ص: 51

و لا ريب في ضعفه، لأن غاية فساد الشرط كونه في حكم السكوت عن المهر.

و على كل حال فان طلقها قبل الدخول فلها المتعة حرة كانت أو مملوكة، و لا مهر بلا خلاف أجده، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، مضافا

إلى ظاهر الكتاب (1)و السنة المستفيضة أو المتواترة(2)فما عن مالك و جماعة من العامة من استحباب المتعة نظرا إلى قوله تعالى في آخر الآية(3)«حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ» واضح الضعف، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الخروج عن ظاهر الأمر في الكتاب و السنة، بل مقتضى قوله: «حقا» و قوله: «على» الوجوب، و المراد بالمحسنين: من يحسنون بفعل الطاعة و اجتناب المعصية، و خصهم بالحكم تشريفا لهم، أو أن المراد من أراد أن يحسن فهذا طريقه و هذا حقه، بأن يعطي المطلقات ما فرض الله لهن.

و إن طلقها بعد الدخول و قبل الفرض فلها مهر أمثالها و لا متعة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى المعتبرة المستفيضة: منها

الصحيح (4)«عن رجل تزوج امرأة فدخل بها و لم يفرض لها مهرا ثم طلقها فقال:

لها مثل مهور نسائها، و يمتعها»

و نحوه الموثقان (5)«في رجل تزوج امرأة و لم يفرض لها صداقا، قال: لا شي ء لها من الصداق، فان كان دخل بها فلها مهر نسائها».

فان مات أحدهما قبل الدخول و قبل الفرض فلا مهر لها و لا متعة عندنا للأصل، و

صحيح الحلبي (6)عن الصادق عليه السلام «في المتوفى عنها زوجها قبل الدخول إن كان فرض

لها زوجها فلها، و إن لم يكن فرض لها مهرا فلا مهر»

و ما رواه بعض العامة عن النبي صلى الله عليه و آله (7)من أنه «قضى في تزويج بنت واشق و قد


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 236.
2- 2 الوسائل الباب- 48 و 49 و 50- من أبواب المهور.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 236.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 2 و 3.
6- 6 الوسائل الباب- 58- من أبواب المهور الحديث 22.
7- 7 سنن البيهقي ج 7 ص 244.

ج 31، ص: 52

نكحت بغير مهر فمات زوجها بمهر نسائها و الميراث»

غير ثابت عند الأكثر منهم فضلا عنا و غيره (1)خلافا لبعض العامة فأوجب مهر المثل.

و فيه أنه لا يجب مهر المثل عندنا بالعقد، و إنما يجب بالدخول المفروض انتفاؤه، خلافا لبعضهم، فأثبته فيه، و لا ريب في ضعفه، بل ظاهر الكتاب و السنة و الإجماع على خلافه.

[المسألة الثانية المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف و الجمال و عادة نسائها]

المسألة الثانية المعتبر في مهر المثل حال المرأة في الشرف و الجمال و عادة نسائها و السن و البكارة و العقل و اليسار و العفة و الأدب و أضدادها (و بالجملة) ما يختلف به الغرض و الرغبة اختلافا بينا، فيكون المعتبر حينئذ المثلية بالأهل و الصفات جميعا و إن

كنا لم نعثر في شي ء مما وصل إلينا من النصوص على أزيد من

قول: «لها صداق نسائها»(2)

و «مهر نسائها»(3)

و «مهر مثل مهور نسائها»(4)

اللهم إلا أن يراد بنسائها من ماثلها بالصفات من نساء أهلها، ضرورة كون ذلك نوعا من التقويم الذي ينبغي فيه ملاحظة كل ماله مدخلية في ارتفاع القيمة و نقصانها حتى الزمان و المكان.

و منه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من الأصحاب من اعتبار كون أقاربها في أهل بلدها، لتفاوت البلدان في المهور تفاوتا بينا، فلو لم يعتبر البلد أشكل الأمر مع الاختلاف، و كما اعتبر الاختلاف في الصفات لإيجابه اختلاف


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين و الصحيح« و غيرهما» و الضمير يرجع الى الأصل و صحيح الحلبي، فإن الموجود في النسخة المخطوطة بقلمه الشريف كان« و لا متعة عندنا للأصل و غيره» ثم أضاف في الهامش بعد قوله:« للأصل» قوله:« و صحيح الحلبي» إلى« فضلا عنا» و غفل عن تثنية الضمير في قوله:« و غيره».
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 53

المهر لزم اعتبار الاختلاف في البلد، و الضرر العظيم إن لم نعتبر البلد، و لأن الظاهر منها الرضا بمهر أمثالها في البلد إذا مكنت، و حينئذ، فاحتمال عدم اعتبار البلد لإطلاق الأخبار في غير محله.

بل لما ذكرنا اعتبر المشهور الأقارب مطلقا من غير فرق بين من يرجع منهم إلى الأب أو

الأم، ضرورة حصول الاختلاف في ذلك، خلافا للمحكي عن المهذب و الجامع، فاعتبر الأقارب من قبل الأب دون الأم، قالا: «فان لم يكن فغيرهم من ذوات الأرحام، فان لم يكن فمثلها من نساء بلدها» لكنه كما ترى فان اختلاف المهر بالنسبة إلى الأم و أقاربها شرفا و دناءة اختلاف بين، فلا بد من ملاحظته، لما عرفت أن ذلك نوع من التقويم، و حينئذ فالمثل مع مراعاة ذلك كله لا يختلف كقيمة الشي ء نفسه، نعم قد يختلف بالنسبة إلى تقويم المقومين، و الظاهر أنه يجري فيه ما جرى في غيره مما اختلف في تقويمه، فيؤخذ النصف من الاثنين، و الثلث من الثلاثة، و هكذا بعد جمع الجميع، أو نحو ذلك مما قرر في محله.

بل الظاهر اعتبار مهر مثلها مع فرض عدم معرفة أقاربها من الأب أو الأم؛ فيلحظ مهر المرأة بالصفات فيها غير معرفة الأب و الأم و هكذا.

بل ربما ظهر من بعضهم ملاحظة حال الزوج بالنسبة إلى مهرها؛ لاختلاف مهر النساء باختلاف الأزواج اختلافا بينا، و لا يخلو من وجه، بل جزم به العلامة في القواعد.

و من ذلك كله ظهر لك عدم الاختلاف في مهر المثل حينئذ و إن اختلف مهور نسائها باعتبار الزيادة على مهر أمثالهن و النقيصة، فإن ذلك ليس اختلافا في مهر، كما هو واضح.

ثم الواجب بالدخول أكثر مهر لمثلها من يوم العقد إلى الوطء أو يوم العقد؟

وجهان عند العامة، و لعل الأقوى عندنا ثالث، و هو يوم الدخول، لأنه هو يوم الثبوت في ذمته، كقيمة المال المضمون، لكن في قواعد الفاضل اعتبار يوم العقد،

ج 31، ص: 54

و فيه ما لا يخفى.

و على كل حال ففي المتن و غيره تقييد مهر المثل ب ما لم يتجاوز مهر السنة و هو خمسمائة درهم و إلا رد، بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الغنية و فخر المحققين الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

موثق أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن رجل تزوج امرأة فوهم أن يسمى صداقها حتى دخل بها، قال: السنة، و السنة خمسمائة درهم»

و إلى ما تقدم من

قوله عليه السلام أيضا في خبر المفضل ابن عمر(2)«فمن زاد على ذلك رد إلى السنة، و لا شي ء عليه أكثر من الخمسمائة درهم»

و إلى معلومية دون كل امرأة بالنسبة إلى بنات النبي صلى الله عليه و آله اللاتي (3)لم

يتزوجن إلا بذلك (4)و إلى فحوى ما ورد فيمن تزوج امرأة على حكمها من خبر زرارة(5)و غيره (6)و أنها لا تتجاوز ما سنه رسول الله صلى الله عليه و آله.

و المناقشة في خبر أبي بصير مع فسادها في نفسها مدفوعة بالانجبار بما عرفت، كالمناقشة في دلالتها بأنها ليست من المفوضة باعتبار نسيان ذكر الصداق، ضرورة أنك قد عرفت أن موضوع المفوضة يشملها، و كذا المناقشة في بعض ما ذكر مؤيدا للحكم المدلول عليه بما عرفت، و حينئذ فلا محيص عن القول به، فما وقع من ثاني الشهيدين و بعض من تأخر عنه- من الوسوسة في ذلك، بل جزم بعضهم بعدم التحديد بذلك، لإطلاق النصوص السابقة المؤيدة بظهور إقدامها بلا ذكر مهر في كون نظرها مهر أمثالها- واضح الفساد بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله العالم.

و المعتبر في المتعة عند المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه حال


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 14.
3- 3 في النسخة الأصلية« التي».
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب المهور الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 55

الزوج خاصة بالنسبة إلى السعة و الإقتار، لظاهر الآية(1)و

خبر الكناني (2)عنه عليه السلام «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف

مهرها فان لم يكن سمى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره و على المقتر قدره»

لكن قد يقال:

إن ذلك لا ينافي اعتبار حالها أيضا كما في

صحيح الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء»

و خبر أبي بصير(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها- إلى أن قال-:

فإن لم يكن فرض لها شيئا فليمتعها على مثل ما يمتع مثلها من النساء».

بل عن المبسوط أن الاعتبار بهما جميعا عندنا، و قال قوم: الاعتبار به، لقوله تعالى (5)«وَ مَتِّعُوهُنَّ» إلى آخره و هذا هو الأقرب، و منهم من قال:

الاعتبار بها بحسب يسارها و إعسارها و كمالها (و جمالها خ ل) و لعله أشار في الأخير إلى ما عن الشافعي من اعتبار حالها خاصة، نظرا إلى أنها عوض مهرها، فيعتبر فيها ما يعتبر فيه، لكن الكتاب و السنة و الإجماع بخلافه، و على كل حال فظاهر الآية(6)و

كثير من النصوص (7)اعتبار حالين للزوج: السعة و الإقتار.

لكن في المتن و غيره تقسيمه إلى ثلاثة فالغني يمتع بالدابة أو الثوب المرتفع أو عشرة دنانير، و المتوسط بخمسة دنانير أو الثوب المتوسط، و الفقير بالدينار أو الخاتم و ما شاكله و لعله لعدم اقتضاء الآية(8)حصر المتعة في شيئين:

عليا و دنيا، و ذلك لأن الناس ينقسمون باعتبار الإعسار و اليسار إلى ثلاثة: أعلى و متوسط و فقير، و لكل مراتب، فالغني يمتع بثوب نفيس أو فرس أو خادم أو


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 236.
2- 2 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 7.
4- 4 أشار إليه في الوسائل في الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 7 و ذكره في الكافي ج 6 ص 108.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 236.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 236.
7- 7 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور.
8- 8 سورة البقرة: 2- الآية 236.

ج 31، ص: 56

عشرة دنانير أو نحو ذلك بحسب مراتبه في الغنى و إن كان يجزؤه كل من ذلك في أي مرتبة كان من الغنى، و يستفاد حكم الوسط حينئذ إما لظهور إرادة المثال من الموسع و المقتر، و إما لأن ذكر حكمها يقتضي حكمه، إذ هو موسع بالنسبة و مقتر كذلك، فله حينئذ الحالة الوسطى بين اليسار و الإقتار، و لعله إلى ذلك أومأ في

المحكي عن فقه الرضا عليه السلام (1)«يمتعها منه قل أو كثر على قدر يساره، فالموسع يمتع بخادم أو دابة، و الوسط بثوب، و الفقير بدرهم أو خاتم، كما قال الله: وَ مَتِّعُوهُنَ- إلى آخره»

و في محكي الفقيه «و روى (2)أن الغني يمتع بدار أو خادم، و الوسط يمتع بثوب، و الفقير يمتع بدرهم أو خاتم و روى أن أدناه خمار و شبهه».

و حينئذ فما في

خبر ابن بكير المروي عن قرب الاسناد(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ مَتِّعُوهُنَ، ما قدر الموسع و المقتر؟ قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يمتع بالراحلة»

و عن العياشي (4)أنه رواه في تفسيره ثم قال: «يعني حملها الذي عليها»

و خبر أبي بصير(5)قلت لأبي جعفر عليه السلام:

«أخبرني عن قول الله تعالى (6)وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ، ما أدنى ذلك المتاع إذا كان معسرا لا يجد؟ خمار و شبهه»

و في خبر الحلبي (7)«إن كان الرجل موسعا عليه أن يمتع امرأته العبد و الأمة، و المقتر يمتع الحنطة و الزبيب و الثوب و الدرهم، و إن الحسن بن علي عليهما السلام متع امرأة له بأمة، و لم


1- 1 المستدرك الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 3 و 4.
3- 3 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 5.
4- 4 أشار إليه في الوسائل في الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 5 و ذكره في المستدرك في الباب- 34- منها الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 2.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 241.
7- 7 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 57

يطلق امرأة إلا متعها»

خارج مخرج التمثيل لا الحصر.

و كيف كان ف لا تستحق المتعة إلا المطلقة التي لم يفرض لها مهر و لم يدخل بها كما هو ظاهر معظم النصوص (1)و الفتاوى، بل و الآية(2)باعتبار تعقيبها المتعة و إلا لناسب تأخيره، لكن في

خبر زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل، و تمتع قبل أن تطلق»

و صحيح الحلبي (4)«سألته عن رجل تزوج امرأة فدخل بها و لم يفرض لها مهرا ثم طلقها، قال: لها مهر مثل مهور نسائها و يمتعها»

و خبره الآخر(5)عنه عليه السلام في قول الله عز و جل:

وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ- إلى آخره- قال: متاعها بعد أن تنقضي عدتها عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، و كيف يمتعها و هي في عدتها ترجوه و يرجوها و يحدث الله بينهما ما شاء»

و نحوه خبر سماعة(6)

و ما سمعته من «أن الحسن عليه السلام لم يطلق امرأة إلا متعها»(7)

و قوله تعالى (8)«فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ» إلى آخره.

مضافا إلى إطلاق

صحيح حفص (9)عنه عليه السلام «في الرجل يطلق امرأته أ يمتعها؟ قال: نعم، أ ما يحب أن يكون من المحسنين؟ أ ما يحب أن يكون من المتقين؟»

و خبر البزنطي (10)«إن متعة المطلقة فريضة»

و خبر جابر(11)عن أبي


1- 1 الوسائل الباب- 48 و 49 و 50- من أبواب المهور.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 236.
3- 3 الوسائل الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 2.
6- 6 أشار إليه في الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 2 و ذكره في الكافي ج 6 ص 105.
7- 7 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 1.
8- 8 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
9- 9 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 5.
10- 10 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 2.
11- 11 الوسائل الباب- 49- من أبواب المهور الحديث 6 مع الاختلاف اليسير.

ج 31، ص: 58

جعفر عليه السلام «في قوله تعالى (1)فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا، قال: متعوهن حملوهن بما قدرتم عليه من معروف، فإنهن يرجعن بكآبة و خسارة، و هم عظيم، و مهانة من أعلاقهن، فان الله كريم يستحيي، و يحب أهل الحياء، إن أكرمكم أشدكم إكراما لحلائلهم».

إلا أن المطلق منها منزل على المطلقة المفوضة التي لم يفرض لها و لم يدخل بها حتى الآية، خصوصا بعد ما قيل في نزولها(2)من أنه لما نزل «وَ مَتِّعُوهُنَّ» قال بعضهم: إن أحببت فعلت و إن لم أرد ذلك لم أفعله،

فنزل (3)«وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ» إلى آخره، أو أنها منسوخة بآية المتعة(4)أو أن المراد من المتاع منها النفقة كما قيل، أو غير ذلك، و الناص منها على ضرب من التقية، لأنه مذهب قوم من العامة: منهم سعيد بن جبير و الزهري و الشافعي في الجديد، أو على ضرب من الاستحباب كما عن الشيخ و جماعة، بل تأكده للتعبير بلفظ الوجوب و نحوه، و لا بأس به و إن أصبن شيئا جبرا لكسرهن، و لأنه نوع إحسان، و عليه ينزل قوله تعالى (5)«فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ» أو أن ذلك من خواصه صلى الله عليه و آله أو لفضل نسائه على غيرهن.

كل ذلك للإجماع بقسميه، و النصوص (6)على اختصاص الوجوب بالمطلقة المفوضة التي لم يفرض لها و لم يدخل بها باعتبار عدم إصابتها شيئا، فناسب إكرامها بالمتعة جبرا لما أصابها من الخجل و الهوان.

و ربما الحق بها- المفوضة المفارقة من قبل الزوج بعيب و نحوه، أو من قبله و قبلها كالخلع، أو من أجنبي كالرضاع- في وجوب المتعة، بل هو خيرة


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 49.
2- 2 الدر المنثور ج 1 ص 310.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 241.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 236.
5- 5 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
6- 6 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 7 و 8 و 10 و 12.

ج 31، ص: 59

المحكي عن مختلف الفاضل، بل ظاهر المحكي عن المبسوط الميل اليه إلا أنه لم نجد لهما موافقا منا، و إنما هذا الكلام و نحوه مذكور في كتب العامة، و لا دليلا سوى دعوى تنقيح

المناط، و ما يشعر به خبر جابر من التعليل، و هما معا كما ترى، ضرورة عدم التنقيح المعتبر، خصوصا بعد الشهرة العظيمة أو الإجماع على الاختصاص بالمطلقة، و ضعف الخبر المزبور الظاهر في جريان ما فيه مجرى الحكمة لا العلة، و لعله لذا وافق الشيخ في المحكي من خلافه الأصحاب.

نعم قد يقال بالاستحباب كما عن بعضهم لذلك، بل قد يقال به أيضا في مطلق المفارقة كالمطلقة للتسامح فيه، فيكفي حينئذ إشعار الخبر المزبور.

هذا و في الروضة «أنه ألحق بمفوضة البضع من فرض لها مهر فاسد، فإنه في قوة التفويض، و من فسخت في المهر لخيار به مثلا» قيل: و فيه منع، لدخولها فيها موضوعا بعد ما عرفته، فلا دليل على ثبوت حكمها لها، و احتمال كونها التي لم يذكر لها مهر صحيح لا دليل عليه، فتأمل و قال بعض الأفاضل: «ظاهر الكتاب و كلام الأصحاب أن محل التمتع ما بعد الطلاق، فإنه إنما يخاطب به بعده، كما جاء في عدة أخبار(1)فيمن طلقت قبل الدخول فليمتعها، بل إذا كان الدخول فمحله بعد انقضاء العدة حيث تبين، لخبر الحلبي (2)السابق».

قلت: لا دلالة في شي ء منهما على عدم جواز تقديمها، بل في كثير من الأخبار أنها قبله، ك

خبر أبي حمزة(3)«سألته عن الرجل يريد أن يطلق امرأته قبل أن يدخل بها، قال: يمتعها قبل أن يطلقها، فان الله تعالى قال وَ مَتِّعُوهُنَ»(4)

إلى آخره،

و صحيح ابن مسلم (5)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن الرجل يطلق


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب المهور الحديث 1 و الباب- 48- منها الحديث 7 و 8.
2- 2 الوسائل الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 4.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 236.
5- 5 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 60

امرأته قال: يمتعها قبل أن يطلق، فان الله تعالى يقول وَ مَتِّعُوهُنَ» إلى آخره»

و خبر زرارة(1)السابق، بل هو ظاهر قوله تعالى (2)«فَتَعالَيْنَ» إلى آخره نعم الظاهر أن ذلك من باب الاستحباب دون الاستحقاق الذي هو لا يتحقق إلا بعد تحقق الطلاق، كما هو مقتضى قوله تعالى (3)«وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ» إلى آخره بل قد عرفت خبر الحلبي (4)و إن كان هو في المتعة المستحبة، و حينئذ فإذا قدمها لا تكون متعة إلا بتعقيب الطلاق، لكن بقوي حينئذ كونه كاشفا، لما سمعته من النصوص (5)الدالة على كونها متعة قبل أن يطلق.

ثم إن المتعة لا يعتبر فيها رضا الزوجة، لظهور الآية و الرواية في كون الخطاب للزوج، خلافا لبعض العامة، فجعلها كالمهر ما تراضى عليه الزوجان، فان لم يتراضيا قدرها القاضي باجتهاده و لو فوق نصف المهر، و عن آخر منهم أنها لا تزيد على النصف، و عن ثالث منهم أنها لا تزيد على مهر المثل، فليس في شي ء من أخبار الباب و لا فتاوى الأصحاب تعرض لذلك، لما عرفت.

كما أنها هي بعد تحقق سبب وجوبها من الدين في ذمة الزوج، فللامرأة مع عدم دفعها لها الضرب مع الغرماء بموت أو فلس، و يبرء الزوج بدفعها لها كما وجبت عليه، فان امتنعت الامرأة من قبضها قبضها الحاكم أو كان ذلك البذل بحكم القبض. و بالجملة حالها كحال غيرها من الديون، و لو أبرأت المفوضة الزوج قبل الوطء و الفرض و الطلاق من مهر المثل أو المتعة أو منهما لم يصح، لأنه إبراء ما لم يثبت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 241.
4- 4 الوسائل الباب- 50- من أبواب المهور الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 48- من أبواب المهور الحديث 1 و 4 و الباب- 50- منها الحديث 1.

ج 31، ص: 61

[المسألة الثالثة لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز]

المسألة الثالثة قد ذكر غير واحد من الخاصة و العامة أن للمفوضة المطالبة بفرض المهر، و أن لها حبس نفسها عليه و على تسلمه بعده، و أنهما لو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز، لأن الحق لهما، سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقل، و سواء كانا عالمين أو جاهلين، أو كان أحدهما عالما دون الأخر لأن فرض المهر إليهما ابتداء فجاز انتهاء بل ذلك بعد تراضيهما لازم لهما، فليس لأحدهما الرجوع عما وقع التراضي عليه، بل يكون حينئذ كالواقع في العقد، نعم إن اختلفا و كان مفروض الزوجة حينئذ بقدر مهر السنة فصاعدا ففي المسالك «في لزومه من طرفها وجهان من أنه لو فوض إليها التقدير لما كان لها الزيادة عليه، و كذا للحاكم لما سيأتي، و من أن البضع يقتضي مهر المثل و الخروج عنه في بعض المواضع (الموارد خ ل) على خلاف الأصل فيقتصر عليه، و كون ذلك للحاكم ممنوع» و في القواعد و غيرها «و إن اختلفا ففي فرض الحاكم إذا ترافعا إليه نظر، أقربه أنه يفرض مهر المثل» و لعل وجه النظر أنه إثبات للمهر في ذمة الزوج، و لا يصح إلا بتراضي الزوجين، و لا مدخل فيه لغيرهما، و فيه أن الحاكم معد لقطع الخصومات و ليس ذلك منه إثبات مهر في ذمة الزوج، ضرورة أنها بالعقد ملكت أن تملك، نعم لا يفرض إلا مهر المثل كما في قيم المتلفات ما لم يتجاوز السنة، فيرد إليها كما عن التحرير التصريح به، و أما لو رضيا بفرضه لزمهما ما فرضه مطلقا وافق مهر المثل أو لا، وافق السنة أو لا، و الأمر في هذا كله سهل.

انما الكلام في دليل الأحكام الأول التي هي المطالبة بالفرض و حبس نفسها عليه و على تسليمه، و أنهما يلتزمان بما تراضيا عليه، و لعل الوجه فيها بعد ظهور ذكرهم لها ذكر المسلمات في الإجماع عليها أنها بالعقد ملكت أن تملك المهر عليه بالفرض أو الدخول، فكان لها المطالبة بذلك كي تعرف استحقاقها بالوطء

ج 31، ص: 62

أو الموت أو الطلاق، و رضاها بالتفويض إنما هو بالنسبة إلى خلو العقد عن المهر لا عدمه مطلقا الذي قد عرفت عدم اعتبار رضاها بالنسبة إليه.

و منه يعلم كون النكاح معاوضة في الواقع و إن خلا عقده عن ذكر العوض، فجرى عليه حينئذ حكمها من المطالبة بتعيين العوض، و حبس المعوض حتى تسلم العوض، و غير ذلك من أحكامها.

و أما الالتزام بما يتراضيان عليه من الفرض بعد العقد فهو لإطلاق ما دل على وجوب الفرض كتابا(1)و سنة(2)الشامل لحالي العقد و ما بعده، مؤيدا بما دل (3)على أن المهر ما تراضيا عليه الشامل لما هو في العقد و بعده، و بما دل (4)على لزوم الشرط بعد النكاح دون ما قبله، فمتى حصل التراضي منهما حينئذ كان مهرا، و دخل في ملك الزوجة فعلا عينا كان أو دينا حالا أو مؤجلا، و يجري عليه حينئذ ما يجري على المذكور في العقد.

و لو كان الفارض أجنبيا ففي لزوم فرضه عليها مع رضاهما به وجهان ينشئان من إطلاق أدلة الفرض و كونه كفرض الزوجة، ضرورة ظهور قوله تعالى(5):

«فَرَضْتُمْ» في كون الفرض للزوج، و من قاعدة الاقتصار على المتيقن، و حينئذ فلو فرضه الأجنبي و دفعه إلى الزوجة ثم طلقها قبل الدخول احتمل المتعة، فيرد المدفوع إلى الأجنبي بناء على أن فرضه لا يوجب على الزوج شيئا، فوجوده كعدمه، و احتمل الصحة بناء على صحة فرضه، فيرجع النصف إلى الزوج بالطلاق المملك لذلك و إن لم يكن المهر من الزوج نحو ما إذا أدى الأب مهر زوجة ابنه الصغير


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب المهور.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب المتعة.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 63

من ماله فبلغ و طلق قبل الدخول، فإنه يرجع النصف إليه لا إلى الأب، فما في القواعد- من احتمال رجوعه إلى الأجنبي على ذلك أيضا، لأنه دفعه ليقضى به ما وجب لها عليه، و بالطلاق سقط وجوب النصف، فيرد النصف إليه، لأنه لم يسقط به حق عمن قضاه- واضح الضعف، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو تزوج المملوكة ثم اشتراها فسد النكاح]

المسألة الرابعة لو تزوج المملوكة ثم اشتراها قبل الدخول بها فسد النكاح قطعا لما عرفته سابقا من عدم اجتماع سببية و لا مهر لها و لا متعة و إن كانت مفوضة، ضرورة عدم استحقاق السيد الأول المهر مع الانتقال عن ملكه و فسخ النكاح، و لا متعة لعدم كونه طلاقا، و لأنها حال استحقاقها غير مملوكة للسيد الأول، و لا يستحق المشتري على نفسه مالا، و كذا لو كان لها مهر مسمى في العقد و قد اشتراها قبل الدخول، كما هو مفروض المسألة، نعم لو كان قد اشتراها بعد الدخول كان للسيد الأول المسمى أو مهر المثل، كما هو واضح.

[المسألة الخامسة يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة و لا يتحقق في الصغيرة]

المسألة الخامسة يتحقق التفويض في البالغة الرشيدة قطعا و إن كانت بكرا بناء على الأصح من أن أمرها إليها و لا يتحقق في الصغيرة و لا المجنونة و لا في الكبيرة السفيهة قطعا أيضا، لأنه ليس لهن التزويج بالمهر فضلا عن التفويض.

انما الكلام في جواز ذلك للولي، فعن بعضهم عدم جواز ذلك، بل لا يجوز له التزويج بدون مهر المثل و حينئذ ف لو زوجها الولي بدون مهر المثل أو لم يذكر مهرا صح العقد بلا خلاف و لا إشكال مع المصلحة فيه أو عدم المفسدة،

ج 31، ص: 64

و بطل التفويض و النقص من مهر المثل. و يثبت لها مهر المثل بنفس العقد لأنه

«لا نكاح إلا بمهر»(1)

فمع فرض فساد التفويض و المسمى ليس إلا مهر المثل الذي هو عوض شرعي فهو حينئذ إتلاف لبضع الغير بغير عوض، فلا يجوز كما لا يجوز في المعاوضات على الأموال، و نسب هذا القول إلى مبسوط الشيخ، و لم نتحققه.

و مع ذلك فيه تردد منشؤه أن الولي له نظر المصلحة فيصح منه التفويض معها وثوقا بنظره، و هو أشبه بإطلاق الأدلة المقتضي جواز تصرف الولي في البضع و المال و غيرهما مع المصلحة أو عدم المفسدة، و لأن له العفو عن المهر أصلا، كما أشار إليه في الآية الشريفة(2)«أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ» فالمتجه حينئذ صحة ذلك معها، نعم لو لم يكن ثم مصلحة في أصل النكاح أو في خصوص المهر بالأقل أو التفويض كان العقد أو المهر فضوليا أو باطلا أو أن لها الخيار على ما تقدم الكلام فيه سابقا، بل لو سلم عدم جواز التفويض له أو المهر بالأقل كان المتجه ثبوت مهر المثل بالدخول لا بالعقد الذي لم يذكر ذلك فيه صريحا و لا مقدرا، و لا تلازم بين بطلان التفويض و ثبوت مهر المثل بالعقد، كما هو واضح.

و كيف كان ف على التقدير الأول لو طلقها قبل الدخول كان لها نصف مهر المثل الذي فرض ثبوته بالعقد، و على ما اخترناه من صيرورتها مفوضة لها المتعة حينئذ كما في غيرها، هذا و في المسالك «و أما على تقدير تزويجها بدون مهر المثل فان جوزناه بالمصلحة فلها مع الطلاق قبل الدخول نصف المسمى، و إن أوقفناه على رضاها به بعد الكمال كما هو المشهور فان طلقها قبل الكمال فلها نصف المسمى، و إن طلقها بعده روعي في الواجب رضاها به أو


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح الحديث 2 و 4 و 6 و فيها« فلا يصلح نكاح الا بمهر».
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 65

فسخه، فترجع إلى مهر المثل، و إن جعلنا الواجب حينئذ مهر المثل بالعقد إلحاقا لهذه التسمية بالفاسدة حيث وقعت بغير عوض المثل وجب بالطلاق نصف مهر المثل» قلت: قد يقال بالمراعاة المزبورة أيضا فيما لو طلقها قبل الدخول، لاتحاد الوجه فيهما فتأمل.

و لا إشكال كما لا خلاف في أنه يجوز أن يزوج المولى أمته مفوضة، لاختصاصه بالمهر بخلاف المولى عليها لصغر، و حينئذ يلحقها حكم المفوضة من الفرض و المتعة و مهر المثل بالدخول كما عرفت، فان بقيت على ملكه إلى أن دخل بها الزوج استقر ملكه على مهر المثل، و إن اتفق على فرضه هو و الزوج قبل الدخول صح، لأنه يملك بالعقد ما تملكه المفوضة، و لحق المفروض حينئذ حكم المسمى في العقد، كما هو واضح.

[المسألة السادسة إذا زوجها مولاها مفوضة ثم باعها كان فرض المهر بين الزوج و المولى الثاني]

المسألة السادسة إذا زوجها مولاها مفوضة ثم باعها من آخر كان فرض المهر بين الزوج و المولى الثاني الذي هو المالك حين الفرض إن اختار النكاح، و يكون المهر المفروض أو مهر المثل المستحق بالدخول له دون الأول نعم إن فسخ النكاح بطل العقد و تبعه المهر و لو أعتقها الأول قبل الدخول فرضيت بالعقد كان المهر لها خاصة سواء كان مهر المثل الذي تستحقه بالدخول أو المهر الذي قد تراضت مع الزوج على فرضه بعد تحريرها، و هذا بخلاف ما لو أعتقت بعد تزويجها و تعيين المهر في العقد، فإنه يكون للمولى كما مر، و الفرق أن المهر يملك بالعقد و المالك لمهر الأمة هو السيد بخلاف المفوضة، فإن ملك المهر يتوقف على الفرض أو الدخول كما مر، فقبله لا مهر، و قد حصل الانتقال عن ملكه قبل تحققه، فيكون لها لحدوثه على ملكها، و أما المشتري فإنه يملك

ج 31، ص: 66

مع الإجازة على التقديرين، و قد تقدم الكلام في ذلك في محله، فلاحظ و تأمل و الله العالم.

[القسم الثاني تفويض المهر]

و أما القسم الثاني- و هو تفويض المهر- فهو أن يذكر على الجملة و يفوض تقديره إلى أحد الزوجين بعينه، كما عن ظاهر التحرير و غيره، و في كشف اللثام أو مطلقا، كما ربما يظهر من الخلاف و المبسوط و السرائر، و إليهما جميعا كما فيها و في التحرير، للأصل و لعموم كون

المؤمنين عند شروطهم (1)،

و الأولوية من تفويض البضع مع الاتفاق في المقتضى و في القواعد أو أجنبي على إشكال من ذلك أيضا، حتى الأولوية بناء على فرض الأجنبي في المفوضة للبضع، و أنه كالنائب عنهما، و من انتفاء النص، لاقتصاره على أحدهما و أنه معاوضة، فتقدير العوضين إنما يفوض إلى المتعاوضين دون الأجنبي، و في كشف اللثام و ضعفهما ظاهر بعد ما عرفت.

قلت: الذي عثرنا عليه من النصوص

خبر زرارة(2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة على حكمها، قال: لا تتجاوز بحكمها مهر نساء محمد صلى الله عليه و آله اثنتي عشرة أوقية و نش، و هو وزن خمسمائة درهم من الفضة، قلت: أ رأيت إن تزوجها على حكمه و رضيت بذلك؟ فقال: ما حكم من شي ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا، قال: قلت له: فكيف لم تجز حكمها عليه و أجزت حكمه عليها؟ قال: فقال:

لأنه حكمها، فلم يكن لها أن تجوز ما سن رسول الله صلى الله عليه و آله و تزوج عليه نساءه، فرددتها إلى السنة، و لأنها هي حكمته، و جعلت الأمر إليه في المهر، و رضيت بحكمه في ذلك، فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا»

و صحيح ابن مسلم (3)عنه عليه السلام أيضا «في رجل تزوج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها، قال: لها المتعة و الميراث و لا مهر لها، قلت: فان طلقها و قد تزوجها على حكمها، قال: إذا طلقها و قد تزوجها على حكمها لم يتجاوز بحكمها عليه


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 67

أكثر من وزن خمسمائة درهم فضة، مهور نساء رسول الله صلى الله عليه و آله»

و خبر أبي جعفر(1)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل تزوج امرأة بحكمها ثم مات قبل أن يحكم، قال: ليس لها صداق، و هي ترث»

و خبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يفوض اليه صداق امرأته فتنقص عن صداق نسائها، قال: يلحق بمهر نسائها»

و هي كما ترى مشتملة على التفويض للزوج بعينه أو الزوجة كذلك.

لكن قد يقال: إن مبنى ذلك إطلاق الأدلة و عمومها الذي لا فرق فيهما بين هذين القسمين و غيرهما، ضرورة أنها مفوضة البضع، إلا أنه اشترط في العقد تعيين الفارض للعقد، و بذلك افترقت عن موضوع مفوضة البضع الذي هو إهمال ذكر المهر أصلا في العقد حتى اشتراط فرضه، فليس حينئذ تفويض المهر قسما من المهر المجهول صح للأدلة الخاصة حتى يقتصر فيه على ما تضمنته دون غيره من الأقسام، إذ لم يذكر مهرها في العقد بلفظ مشترك لفظا أو معنى مرادا منه فرد خاص و فرض تعيينه إلى الزوجة أو الزوج حتى يكون من المهر المجهول، بل المراد أنه فوض في عقدها أصل تقدير المهر إلى الزوج أو الزوجة، فهي في الحقيقة مفوضة البضع، إلا أن الفرق بينهما بأن الفرض في مفوضة البضع لم يتعرض في العقد إليه و لا إلى من يفرضه، بخلاف مفوضة المهر، فإنه قد تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرض مهرها، فلا مهر في عقدها كي يكون مجهولا.

فالمراد حينئذ من ذكر المهر في الجملة المذكور في المتن و غيره ذكره بالطريق الذي قلناه، بمعنى أنه تعرض في عقدها إلى تعيين من يفرضه بخلاف مفوضة البضع التي أهمل فيه ذكر المهر أصلا حتى بذلك، بل المراد بما

في النصوص «من تزوج المرأة بحكمها أو بحكمه»

هذا المعنى أيضا و ليس هو من المهر المجهول الذي هو بمعنى ذكر مشترك لفظا أو معنى و أريد منه فرد خاص و فوض تعيينه إلى أحدهما، فإن هذا و نحوه المهر المجهول.

و من ذلك ظهر لك خطأ المخالفين في إبطال هذا القسم من التفويض و جعله


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 68

من المهر الفاسد و إجراء حكمه عليه.

كما أنه ظهر لك جواز اشتراط جميع أفراد الفرض الجائزة في مفوضة البضع من دون اشتراط للاندراج تحت

قوله صلى الله عليه و آله(1): «المؤمنون عند شروطهم»

الذي قد استدل به هنا غير واحد من الأصحاب فضلا عن الإطلاقات و العمومات و الأولوية التي سمعتها من كشف اللثام.

و على كل حال فان كان الحاكم الذي اشترط في العقد هو الزوج لم يتقدر في طرف الكثرة

التي هي حكمه على نفسه و لا القلة إلا بما يتمول و يصح جعله مهرا التي هي حكم على الزوجة برضاها.

و لذلك جاز أن يحكم بما شاء بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى ما سمعته من الصحيح (2)و غيره (3)و من هنا وجب حمل خبر أبي بصير(4)على الندب، أو على ما عن الشيخ من أنه فوض إليه صداق امرأته على أن يجعله مثل مهور نسائها فنقصها، أو غير ذلك الذي هو أولى من الطرح.

و لو كان الحكم إليها لم يتقدر في طرف القلة إلا بما عرفت، لأنه حكم على نفسها و يتقدر في طرف الكثرة بما لا مزيد عن مهر نساء محمد صلى الله عليه و آله و بناته اللاتي (5)هن أعلى من كل امرأة إذ لا يمضي حكمها فيما زاد عن مهر السنة، و هو خمسمائة درهم بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الصحيح السابق و غيره، و منه يعلم وجه الفرق بين مضي حكمه عليها دون حكمها عليه، باعتبار أن لها حدا لا يجوز لها أن تتجاوزه بخلافه، فإنه لا حد له كما أومأ إليه في الصحيح(6).


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 0.
4- 4 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 4.
5- 5 و في النسخة الأصلية« التي».
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 69

و لو كان الحاكم الأجنبي فقيل: الظاهر الاقتصار على مهر المثل إلا أن يصرحا بالرضا بما يفرضه أيا كان، و فيه أنه لا فرق بين

التصريح بذلك و الظهور، و لو من حيث إطلاق الحكم نحو إطلاق الحكم للزوج الذي قد عرفت مضي حكمه على كل حال، نعم لو فرض تحكيم الأجنبي على وجه يكون نائبا عنها لا عن الزوج أو بالعكس أو عنهما جميعا جرى على الأولين حكم المنوب عنه، و على الثالث يتقيد بما لا يزيد عن مهر السنة، لكن من جعل الحكم إلى الأجنبي كان حاكما أصليا لا نائبا على وجه يراعى فيه حكومة المنوب عنه، فالمتجه حينئذ مضي حكمه على كل حال، كتحكم الزوج، و لا يتقيد بما تقيد به تحكم الزوجة المنصوص عليه بخصوصه.

و لو كان الحكم إليهما فلا إشكال مع التراضي، و مع التخالف قيل: يوقف حتى يصطلحا، كما عن المبسوط و التحرير، و يحتمل الرجوع إلى الحاكم و إلى مهر المثل، قلت: قد يقال: إذا بذل الزوج لها ما يساوى مهر السنة لم يكن لها اقتراح الزائد، لظهور الخبر المزبور(1)في ذلك، سواء كان الحكم لها خاصة أو مشتركا بينها و بين غيرها، نعم لو حكم بالأقل من ذلك كان لها خلافه، فيحتاج حينئذ إلى الحاكم، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و على كل حال ف لو طلقها قبل الدخول و قبل الحكم الزم من اليه الحكم أن يحكم مقدمة لإيصال الحق إلى صاحبه و كان لها النصف من ذلك و لا تسقط حكومته بالطلاق، للأصل و

عموم «المؤمنون عند شروطهم»(2)

و الصحيح (3)السابق متمما بعدم القول بالفصل، و بذلك ظهر الفرق بينها و بين مفوضة البضع الذي لا فرض لها بعد الطلاق.


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 70

و لو كانت هي الحاكمة فلها النصف ما لم تزد في الحكم عن مهر السنة فان زادت ردت إليه في ذلك الحكم على الأقوى، و يحتمل إلزامها بفرض آخر لفساد فرضها الأول بالزيادة.

و لو امتنعت عن الحكم على وجه لا يمكن إجبارها احتمل قيام الحاكم مقامها، يحكم لها بما لا يزيد عن مهر السنة، و يحتمل إيقاف حقها حتى تحكم.

و لو امتنع الزوج عن الحكم على وجه لا يمكن إجباره عليه احتمل قيام الحاكم مقامه، فيحكم عليه بما لا يزيد على مهر المثل أو السنة، و يحتمل الإيقاف حتى يتمكن من إلزامه بالحكم.

و لو جن مثلا من إليه الحكم قام وليه مقامه في وجه، و الحاكم في آخر و بطلان الحكومة و إيجاب المتعة لها لصدق كونها مطلقة قبل المس و لا فرض لها، و كذا لو طلقت قبل الدخول و مات من له الحكم، و لعله لا يخلو من قوة، و ربما كان في صحيح ابن مسلم (1)المتضمن للمتعة بالموت إيماء إليه في الجملة.

و كيف كان ف لو مات الحاكم قبل الحكم و بعد الدخول فلها مهر المثل مطلقا أو ما لم يزد عن مهر السنة، خصوصا إذا كان الحكم إليها و قد مات قبله بلا خلاف و و لا إشكال، و إن كان قبل الدخول قيل و القائل المشهور نقلا أو تحصيلا سقط المهر، و لها المتعة لصحيح ابن مسلم (2)السابق المؤيد بأنها ليست مفوضة بضع حتى يقال: إنها أقدمت على المجانية و لا مسمى لها في العقد، و لا مقتضي لمهر المثل إذ الفرض كونه قبل الدخول، فليس حينئذ إلا المتعة و بذلك ظهر الفرق بينها و بين مفوضة البضع التي لا شي ء لها عندنا في مفروض المسألة.

و المناقشة في الصحيح- بأن النشر على ترتيب اللف فيكون الحكم بالمتعة فيما إذا مات المحكوم عليه لا الحاكم، و باختصاص الجواب فيه بموت الزوج، إذ لو ماتت لم يكن لها ميراث، و لا تتم المقايسة بإيجاب المتعة لها و الميراث له- يدفعها


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 71

أنه لا فرق بين الموتين و أنه لا جهة لثبوت المتعة بموت المحكوم عليه مع بقاء الحاكم، فإن المؤمنين عند شروطهم، و انعقد النكاح على حكمه، فإذا كان باقيا كان له الحكم، و لا أثر لموت المحكوم عليه، كيف و قد نص في الخبر بعد ما ذكر على أن له الحكم مع الطلاق القاطع لعلاقة الزوجية بخلاف الموت، فلا بد من الحمل على موت الحاكم جمعا بين طرفيه و بين

الأصول، كل ذلك مضافا إلى فهم المراد منه عرفا، كما هو واضح.

و منه يعلم حينئذ ما في قواعد الفاضل من وجوب مهر المثل، لأنها لم تفوض بضعها، بل سمى لها في العقد مهر مبهم، فاستحقت المهر بالعقد، و لما لم يتعين وجب الرجوع إلى مهر المثل، مع أنه لم نره لأحد قبله و لا بعده، و إن حكى عن الشيخ إلا أنا لم نتحققه، بل لعل المحقق عنه خلافه، ضرورة كونه من الاجتهاد في مقابلة النص، على أن مهر المثل لم يذكراه في العقد و لا كان في قصدهما، فكيف يتصور وجوبه به؟ و دعوى أن كل مهر في العقد قد تعذر تعيينه يقتضي الانتقال إلى مهر المثل ممنوعة على مدعيها، بل قد يمنع أصل تسمية المهر في العقد في مفروض المسألة الذي قد عرفت أنه من مفوضة البضع إلا أنه تعرض في العقد لذكر الفارض كما أوضحناه في السابق.

و من هنا كان المتجه مع قطع النظر عن الصحيح المزبور ما عن ابن إدريس رحمه الله من عدم وجوب شي ء لها لا متعة و لا غيرها، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و قيل: ليس لها أحدهما و لكن قد عرفت أن الأول مروي صحيحا، و قد عمل به المعظم، فلا محيص عنه حينئذ، و وجوب المتعة حينئذ له لا على أصولنا من حجية مثله (1)لا للقياس الفاسد عند الإمامية، كما هو واضح.


1- 1 هكذا في النسختين الأصليتين و الصحيح« و وجوب المتعة حينئذ له على أصولنا من حجية مثله».

ج 31، ص: 72

[الطرف الثالث في الأحكام]
اشاره

الطرف الثالث في الأحكام

[مسائل]
اشاره

و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا دخل الزوج قبل تسليم المهر كان دينا عليه]

الأولى إذا دخل الزوج قبل تسليم ما في ذمته من المهر الحال فضلا عن المؤجل أو بعضه كان جميعه أو الباقي منه دينا عليه، و لم يسقط بالدخول، سواء طالت مدتها عنده أو قصرت، طالبت به أو لم تطالب به للأصل و الإجماع بقسميه، و العمومات من قوله تعالى (1)«وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» و غيره، و خصوص المعتبرة المستفيضة أو المتواترة(2)الصريحة في ذلك المعتضدة بأصول المذهب و قواعده و لكن مع ذلك فيه رواية أخرى (3)متعددة، و بعضها معتبر السند، لكنها مهجورة بين الطائفة و إن قيل في التهذيبين عن بعض الأصحاب السقوط بالدخول، و لم نتحققه.

نعم عن الصدوق و الحلبي أنها إن أخذت منه شيئا قبل الدخول سقط الباقي إلا أن توافقه على بقاء الباقي عليه دينا، و لعله ليس خلافا في المسألة، ضرورة كون ذلك منهما باعتبار ظهور حال رضاها بما دفع إليها و تسليمها نفسها بذلك في العفو عنه، لا مع عدم ظهور ذلك، كما هو ظاهر القول بأن الدخول من حيث كونه دخولا مسقطا للمهر، و احتمال إرادة

دلالته على الاسقاط خلاف ظاهر القول و دليله، و لو سلم فلا ريب في ضعفه، لما ستعرف من عدم كونه كذلك عرفا، إذ


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 4 و 5 و 6 و 8 و 14 و 15.

ج 31، ص: 73

هو أعم، و لا شرعا لعدم ما يصلح له على وجه يقاوم ما يدل على غيره، و يمكن أن يكون ما عن الصدوق و الحلبي في المسألة المشهورة بين الأصحاب، بل عن ابن إدريس و غيره الإجماع عليها، و هي في المفوضة التي لم يسم لها مهرا إذا قدم لها شيئا قبل الدخول ثم دخل بها ساكتة عن ذكر المهر كان ذلك مهرها و ليس لها بعد المطالبة بمهر المثل، بل و لا بمهر السنة، و لعل ذلك هو المراد من

صحيح الفضيل (1)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة و دخل بها ثم أولدها ثم مات عنها فادعت شيئا من صداقها على ورثته فجاءت تطلبه منهم و تطلب الميراث، فقال: أما الميراث فلها أن تطلبه، و أما الصداق فالذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل بها فهو الذي حل للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا قبضته منه و دخلت عليه به، و لا شي ء لها بعد ذلك»

بل يمكن تنزيل غيره من بعض النصوص الاتية عليه.

و على كل حال فالرواية التي أشار إليها المصنف هي

خبر محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «في الرجل يتزوج المرأة و يدخل بها ثم تدعى عليه مهرها، قال: إذا دخل بها فقد هدم العاجل»

و خبر عبيد بن زرارة(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يدخل بالمرأة ثم تدعى عليه مهرها، قال: إذا دخل بها فقد هدم العاجل»

و خبره الآخر(4)عنه عليه السلام أيضا «دخول الزوج على المرأة يهدم العاجل»

و خبر علي بن كيسان (5)«كتبت إلى الصادق عليه السلام أسأله عن رجل يطلق امرأته و طلبت منه المهر، و روى أصحابنا إذا دخل بها لم يكن لها مهر، فكتب: لا مهر لها»

و خبر عبد الرحمن (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الزوج و المرأة يهلكان جميعا، فيأتي ورثة المرأة فيدعون على ورثة الرجل الصداق، فقال: و قد هلكا و قسم الميراث؟ فقلت: نعم، فقال: ليس لهم شي ء، قلت: و إن كانت المرأة حية فجاءت بعد موت زوجها تدعي صداقها فقال: لا شي ء لها، و قد أقامت معه مقرة حتى هلك زوجها، فقلت: فان ماتت و هو حي فجاء ورثتها يطالبون بصداقها،


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 13.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 15.
6- 6 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 8.

ج 31، ص: 74

فقال: و قد أقامت حتى ماتت لا تطلبه؟ فقلت: نعم، قال: لا شي ء لهم، قلت: فان طلقها فجاءت تطلبه صداقها؟ قال: و قد أقامت لا تطالبه حتى طلقها؟ قال: لا شي ء لها، فقلت: فمتى حد ذلك الذي إذا طلبته كان لها؟ قال: إذا أهديت إليه و دخلت بيته ثم طلبت بعد ذلك فلا شي ء لها، إنه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل و لا كثير»

و خبر المفضل بن عمر(1)عن الصادق عليه السلام المتقدم سابقا في مهر السنة، قال فيه: «فان أعطاها من الخمسة مأة درهم درهما أو أكثر من ذلك ثم دخل بها فلا شي ء عليه، قلت: فان طلقها بعد ما دخل بها، قال: لا شي ء لها إنما كان شرطها خمسمائة درهم، فلما أن دخل بها قبل أن تستوفى صداقها هدم الصداق، فلا شي ء لها إنما لها ما أخذت من قبل أن يدخل بها، فإذا طلبت بعد ذلك في حياته أو بعد موته فلا شي ء لها».

لكن لقصورها عن معارضة ما عرفت من وجوه وجب طرحها أو حملها على هدم المطالبة للتمكين ثانيا، أو على أن الظاهر من التمكين إما القبض أو الإبراء، خصوصا إذا تأخرت المطالبة عن الطلاق أو الموت، فلا يقبل قولها في الاستحقاق،

قال الصادق عليه السلام في خبر الحسن بن زياد(2): «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر و قال الزوج: قد أعطيتك فعليها البينة و عليه اليمين»

بل

قوله عليه السلام في خبر عبد الرحمن (3)منها: «و كثير لها منه»

إلى آخره كالصريح في خلاف ما يقوله الخصم، ضرورة أنه لا وجه لليمين مع فرض السقوط بالدخول، بل هو حينئذ دال على المختار، كخبر ابن زياد، و ذلك واضح.

بل قد يقال: إن القول قول الزوج في عدم استحقاقها المهر عليه مطلقا، ضرورة أن صيرورتها زوجة له أعم من استحقاقها عليه ذلك، و إن كان النكاح لا يخلو من مهر، إذ من المحتمل كون المهر شيئا له كان في ذمتها أو عينا عندها أو غير ذلك، و احتمال القول: إن ملك البضع أو الدخول به يستدعي عوضا- فيحصل حينئذ سبب استحقاقها، و يكون بذلك القول قولها، خصوصا مع أصالة عدم وصول شي ء


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 8.

ج 31، ص: 75

منه إليها- يدفعه ظاهر النص و الفتوى، و ستسمع لذلك تتمة إنشاء الله في مسائل التنازع.

و من الغريب بعد ذلك كله ما في وافي الكاشاني حيث إنه بعد ذكر جميع النصوص قال: «و يخطر بالبال أن يحمل مطلق هذه الأخبار على مقيدها، أعني يحمل سقوط مطلق الصداق على سقوط العاجل منهم، فإنهم كانوا يومئذ يجعلون بعض الصداق عاجلا و بعضه آجلا، كما مر التنبيه عليه في بعض ألفاظ خطب النكاح و كان معنى العاجل ما كان دخوله به مشروطا

على إعطائه إياها، فإذا دخل بها قبل الإعطاء فكأن المرأة أسقطت حقها العاجل و رضيت بتركه له، و لا سيما إذا أخذت بعضه أو شيئا آخر، كما دل عليه حديث الفضيل، و أما الأجل فلما جعلته حين العقد دينا عليه فلا يسقط إلا بالأداء، و عليه يحمل أخبار أول الباب» ضرورة معلومية قصور المقيد عن مقاومة المطلق من وجوه، على أن بعض تلك النصوص كالصريح في عدم سقوط العاجل بالدخول، و أنه يكون دينا، كما أن بعض هذه النصوص ظاهر في سقوط الأجل بالدخول، و هو

خبر أبي بصير(1)عن أحدهما عليهما السلام «في رجل زوج مملوكته من رجل على أربعمائة درهم فيحل له مأتي درهم، و أخر عنه مأتي درهم، فدخل بها زوجها، ثم إن سيدها باعها من رجل، لمن يكون المائتان المؤخرتان على الزوج؟ قال: إن لم يكن أوفاها بقية المهر إن كان الزوج دخل بها و هي معه و لم يطلب السيد منه بقية المهر حتى باعها فلا شي ء له عليه و لا لغيره، و إذا باعها السيد فقد بانت من الزوج الحر إذا كان يعرف هذا الأمر»

و حينئذ فالتحقيق ما عرفت، و الله العالم.

و كيف كان فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أن الدخول الموجب للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا على وجه يتحقق عليه الغسل و إن لم ينزل دون غيره، للأصل و ظاهر قوله تعالى (2)«ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ» المتفق على


1- 1 الوسائل الباب- 87- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 236.

ج 31، ص: 76

أنه بمعنى الوطء، على أنه متردد بين إرادة المعنى اللغوي و الشرعي، و الأول باطل اتفاقا فيبقى الثاني، و هو الوطء، و استفاضة النصوص أو تواترها على تعليق ذلك عليه،

قال الصادق عليه السلام في خبر ابن البختري (1): «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدة و الغسل»

و في خبر داود بن سرحان (2)«إذا أولجه فقد وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر»

و سأله عليه السلام يونس بن يعقوب (3)أيضا «عن رجل تزوج امرأة فأغلق بابا و أرخى سترا و لمس و قبل ثم طلقها، أ يجب عليه الصداق؟ قال: لا يوجب الصداق إلا الوقاع»

و قال عبد الله بن سنان (4):

سأله عليه السلام أيضا أبي و أنا حاضر «عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه فلم يمسها و لم يصل إليها حتى طلقها هل عليها عدة منه؟ فقال: إنما العدة من الماء، قيل له: فان كان واقعها في الفرج و لم ينزل، قال: إذا أدخله وجب الغسل و المهر و العدة»

و قال يونس بن يعقوب (5)سمعته عليه السلام أيضا يقول: «لا يوجب المهر إلا الوقاع في الفرج»

و قال ابن مسلم (6)«سألت أبا جعفر عليه السلام متى يجب المهر؟ قال:

إذا دخل بها»

و قال يونس(7): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فأدخلت عليه، فأغلق الباب و أرخى الستر و قبل و لمس من غير أن يكون وصل إليها بعد ثم طلقها على تلك الحال، قال: ليس عليه إلا نصف المهر»

إلى غير ذلك من النصوص (8)الواردة في العنين و غيره.

و حينئذ ف لا يجب بالخلوة و إن كانت تامة بحيث لا مانع من الوطء حتى الإنزال في الفرج من دون وطء و لكن مع ذلك قيل: يجب بالخلوة أيضا على


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 5.
8- 8 الوسائل الباب- 13- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 5 و الباب 15 منها الحديث 1 و الباب- 17- منها الحديث 3.

ج 31، ص: 77

معنى أنها سبب تام في وجوبه كالدخول، إلا أنا لم نتحقق القائل به، و إن حكي عن خلاف الشيخ أنه حكاه عن قوم من أصحابنا، نعم في النهاية «متى خلا الرجل بامرأته و أرخى الستر ثم طلقها أوجب عليه المهر على ظاهر الحال، و كان على الحاكم أن يحكم بذلك و إن لم يكن قد دخل بها، إلا أنه لا يحل للمرأة أن تأخذ أزيد من النصف» و نحوه حكي عن ابن البراج و الكيدري، بل عن ابن أبي عمير «أنه

اختلف الحديث في أن لها المهر كملا أو بعضه، قال بعضهم: نصف المهر، و إنما معنى ذلك أن الوالي إنما يحكم بالحكم الظاهر إذا أغلق الباب و أرخى الستر وجب المهر، و إنما هذا عليها إذا علمت أنه لم يمسها فليس لها فيما بينها و بين الله إلا نصف المهر».

بل لعله هو مراد الصدوق في محكي المقنع «إذا تزوج الرجل المرأة و أرخى الستور و أغلق الباب ثم أنكرا جميعا المجامعة فلا يصدقان، لأنها ترفع عن نفسها العدة و يرفع عن نفسه المهر» مشيرا بذلك إلى ما في

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: «الرجل يتزوج المرأة فيرخي عليه و عليها الستر أو يغلق الباب ثم يطلقها فتسأل المرأة هل أتاك؟ فتقول: ما أتاني، و يسأل هو هل أتيتها؟

فيقول: لم آتها فقال: لا يصدقان، و ذلك لأنها تريد أن تدفع العدة من نفسها، و يريد أن يدفع هو المهر»

و هو أحد نصوص المختار، ضرورة أنه لو كانت الخلوة نفسها موجبة لم يكن لعدم تصديقهما مدخلية في ذلك.

و لعله عليه يحمل

خبر زرارة(2)عن أبي جعفر عليه السلام: «إذا تزوج الرجل المرأة ثم خلا بها و أغلق بابا و أرخى سترا ثم طلقها فقد وجب الصداق، إخلاؤه بها دخول»

و خبر السكوني (3)عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام: «إن عليا عليه السلام كان يقول:


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 4 عن إسحاق ابن عمار كما في التهذيب ج 7 ص 464 الرقم 1864 و الاستبصار ج 3 ص 227 الرقم 822.

ج 31، ص: 78

من أجاف من الرجال على أهله بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق»

كما عن الشيخ التصريح بحملهما على ذلك مستدلا عليه بخبر أبي بصير السابق، قال:

«و متى كانا صادقين أو كان هناك طريق يمكن أن يعرف به صدقهما فلا يوجب المهر إلا المواقعة» مستدلا عليه بخبر زرارة السابق، ثم حكي ما سمعته من ابن أبي عمير، و قال: «هذا وجه حسن و لا ينافي ما قدمناه، لأنه، إنما أوجبناه نصف المهر مع العلم بعدم الدخول و مع التمكن من معرفة ذلك، فأما مع ارتفاع العلم و ارتفاع التمكن فالقول ما قاله ابن أبي عمير».

و من ذلك كله ظهر لك الوجه في نصوص الخلوة التي منها ما سمعت، و (منها)

حسن الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يطلق المرأة و قد مس كل شي ء منها إلا أنه لم يجامعها، إلها عدة؟ فقال: ابتلى أبو جعفر عليه السلام بذلك، فقال له أبوه علي بن الحسين عليهما السلام:

إذا أغلق بابا و أرخى سترا وجب المهر و العدة».

و (منها)

خبر محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن المهر متى يجب؟ قال: إذا أرخيت الستور و أجيف الباب، و قال: إنى تزوجت امرأة في حياة أبى علي بن الحسين عليهما السلام و إن نفسي تاقت إليها فذهبت إليها فنهاني أبي، فقال:

لا تفعل يا بنى، لا تأتها في هذه الساعة، و إنى أبيت إلا أن أفعل، فلما دخلت عليها قذفت إليها بكساء كان علي و كرهتها، و ذهبت لأخرج، فقامت مولاة لها فأرخت الستر و أجافت الباب، فقلت: قد وجب الذي تريدين»

إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على ما عرفت أو على التقية، لقصورها عن معارضة ما سمعت من وجوه.

و أما ما يحكى عن ابن الجنيد- من وجوب المهر بالجماع في غير الفرج و التقبيل و سائر أنواع الاستمتاع إذا كان بتلذذ و الإنزال بالملاعبة- فلم أجد له في هذه النصوص ما يدل عليه، و يمكن أن يكون قد أخذه من النصوص (3)الدالة


1- 1 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 31، ص: 79

على قيام نحو ذلك مقام الوطء في حرمة مملوكة الولد على الوالد و بالعكس، باعتبار تنزيل ذلك منزلة الجماع، لكنه كما ترى.

و من ذلك كله ظهر لك أن الأقوال أربعة و أن الأول منها أظهر، بل هو الأصح، و الله العالم.

[المسألة الثانية قيل إذا لم يسم لها مهرا و قدم لها شيئا ثم دخل بها كان ذلك مهرها]

المسألة الثانية قيل و القائل الشيخان و سلار و بنو زهرة و إدريس و سعيد على ما حكى عنهم إذا لم يسم لها مهرا في العقد و لا بعده و قدم لها قبل الدخول شيئا ثم دخل بها كان ذلك مهرها، و لم يكن لها مطالبته بعد الدخول، إلا أن تشارطه قبل الدخول على أن المهر غيره أو أن ما قدمه لها بعض المهر و هو تعويل على تأويل رواية(1)و استناد إلى قول مشهور بل لا أجد فيه خلافا، بل في محكي السرائر أن دليل هذه المسألة الإجماع مؤيدا بما عن المقنعة من دلالة التمكين على الرضا بذلك مهرا، و إن كان فيه ما فيه، و بصحيح الفضيل (2)المتقدم و إن لم يكن صريحا في ذلك، بل ربما كان المراد منه و قبلته مهرا، بل ظاهر قول المصنف «تأويل رواية» أن ذلك ليس مدلولها، و إنما هو تأويل، بل ظاهره التردد فيه، بل ظاهر ثاني الشهيدين عدمه و الرجوع إلى القواعد الشرعية، و هي إن رضيت به مهرا لم يكن لها غيره، و إلا فلها مع الدخول مهر المثل، و يحتسب ما وصل إليها منه إذا لم يكن على وجه التبرع كالهدية.

لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإجماع المزبور المعتضد بفتوى المعظم الذي به تجبر دلالة الصحيح المتقدم، فلا بأس بخروج هذه المسألة عن


1- 1 المستدرك الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 8 و 13 و 14.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 13.

ج 31، ص: 80

القواعد لذلك، و لا حاجة إلى ما عن المختلف من أنه كانت العادة في الزمن الأول تقديم المهر على الدخول، و الان بخلافه، و لعل المنشأ في الحكم العادة، فإن كانت العادة في بعض الأزمان و الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ذلك، و إلا فلا، فان تنزيل ما عرفت على ذلك لا يخفى ما فيه، نعم ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و هو خصوص المفوضة الساكتة على ما قدم لها من شي ء، و هل يعتبر فيه مع ذلك قصد الزوج أن ذلك مهرها أو لا يعتبر، بل يكفى تقديمه ساكتا أيضا؟ وجهان، مقتضى الاقتصار على المتيقن الأول، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر]

المسألة الثالثة إذا طلق قبل الدخول كان عليه نصف المهر المسمى في العقد أو المفروض بعده بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الكتاب (1)و السنة(2)فان كان دينا عليه و لم يكن قد دفعه برأت ذمته من نصفه، و إن كان عينا كانت مشتركة بينه و

بينها و لو كان دفعه إليها استعاد نصفه إن كان باقيا، أو نصف مثله إن كان تالفا، و لو لم يكن له مثل فنصف قيمته التي هي أقرب شي ء إليه، و تقوم مقامه عند التعذر و لو اختلفت قيمته في وقت العقد و وقت القبض لزمها أقل الأمرين على المشهور، لأنه ملكته بتمامه بالعقد على الأصح فالزيادة حينئذ لها، و ليس النقصان عليها، فإنه ليس مضمونا عليها للزوج، لأنه ملكها، خصوصا و لم يسلم إليها، فإن زادت حين التسليم لم يستحق الزيادة، و إن نقصت حينه لم يضمن له النقصان، و إن نقصت في البين ثم زادت و الزيادة متجددة غير مستحقة له فهي لها (و بالجملة) إن كانت القيمة يوم العقد هي الأكثر


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 51- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 81

فالنقص قبل القبض مضمون عليه، فلا تضمن له ما هو في ضمانه، و إن كانت القيمة يوم القبض هي الأكثر فهي زيادة في ملكها، فلا تضمن له ما هو لها، هذا خلاصة ما ذكره.

و فيه أن القيم السوقية غير مضمونة بحال، و المتجه لو لا ما سمعته من خبر علي ابن جعفر(1)من ضمان القيمة يوم القبض لا أقل الأمرين ما بينه و بين العقد، كما سمعته من المشهور ضمانها القيمة يوم التلف باعتبار تعلق حق الاستعادة في العين ما دامت موجودة، فمع تلفها يتعلق بقيمتها في ذلك اليوم الذي هو ابتداء تعلق الحق المزبور أو ضمانها القيمة يوم الطلاق الذي هو يوم تملك النصف

من العين أو من قيمتها في ذلك اليوم، إلا أن ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة النص بعد ما سمعته من خبري علي بن جعفر(2)فضلا عما سمعته من المشهور المبني على ما عرفت مما لا يخفى ما فيه، خصوصا قولهم: «إنها لا تضمن له ما هو لها» ضرورة أن المال في يدها و إن كان لها، إلا أنه مضمون عليها، بمعنى أنه لو طلق قبل الدخول كان له عليها القيمة لو كانت العين تالفة، و هذا معنى الضمان، فتأمل جيدا، هذا كله مع بقاء العين بحالها.

و أما لو زال ملكها على المهر قبل الطلاق بوجه لازم كالبيع و العتق و الهبة اللازمة لزمها مثل النصف أو قيمته، ضرورة كونه حينئذ كالتالف، بل لو عاد إلى ملكها بعد أن دفعت له المثل أو القيمة لم يكن له الرجوع، نعم لو عاد قبل الدفع رجع، لزوال المانع من الرجوع قبل سقوط حقه منها بأخذ المثل أو القيمة، و لأن الرجوع إليهما لتعذر العين مع كونهما أقرب الأشياء إليها، و لا تعذر حينئذ،


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2، الا أنه لم يتقدم لعلى ابن جعفر ما يدل على ذلك. و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، و الصحيح« ما تسمعه».
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2 بسندين أحدهما عن على بن جعفر و الثاني عن السكوني و لم يتقدم لعلى بن جعفر خبر يدل على ذلك، و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف هنا أيضا، و الصحيح« ما تسمعه» فإنه قده ذكرهما بعد قليل.

ج 31، ص: 82

مع احتمال العدم أيضا، لسقوط حقه من العين أولا، و كون العود مملكا لا من جهة الصداق، و لأنه بالطلاق تعلق خطاب المثل أو القيمة، و لا دليل على ارتفاعه و إن كان قد يناقش بمنع سقوط الحق مطلقا، و عدم منافاة تملكه بالعود للتملك بالطلاق الذي هو سبب جديد لذلك، لا أنه التمليك باعتبار تسببه فسخ

السبب الأول الذي ملكت به المرأة حتى يقال: إن العود مملك غير الصداق، و تعلق خطاب المثل أو القيمة على جهة التزلزل لمكان التعذر كما هو واضح.

و لو تعلق به حق لازم من غير انتقال كالرهن و الإجارة ففي القواعد «تعين البدل، فان صبر إلى الخلاص فله نصف العين، و لو قال: أنا أرجع فيها و أصبر حتى تنقضي الإجارة احتمل عدم وجوب الإجابة و إجباره على أخذ القيمة إذا دفعتها، لأنه يكون حينئذ مضمونا عليها، و لها أن تمتنع منه، إلا أن يقول أنا أقبضه و أرده أمانة، أو يسقط عنها الضمان على إشكال فله ذلك» و في كشف اللثام «أنه يشكل الحكم بتعيين البدل مع كون الطلاق مملكا فان التمليك إذا كان قهريا و العين باقية في ملكها لزم التعلق بها كالإرث» و فيه أيضا احتمال وجوب الإجابة عليها مطلقا، لتعلق حقه بالعين أولا، و لا ينافيه تعلق حق الغير بها من جهة أخرى، فإذا رضي بالعين مسلوبا عنها المنافع مدة الإجارة أو الارتهان لزمتها الإجابة.

قلت: قد يقال: ليس له إلا البدل مطلقا، لعدم بقاء ما فرضه كما فرضه، و الطلاق إنما يملك قهرا إذا كانت العين موجودة على الحال التي دفعها، و رضاه بغير ماله لا يوجب الإجابة عليها، و قد يفرق بين الارتهان و الإجارة، خصوصا مع كون المدة قليلة، فتأمل.

و لو انتقل عنها لا على جهة اللزوم كما لو باعته بخيار تخيرت بين الرجوع و دفع نصف العين و عدمه و دفع نصف القيمة.

و لو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة أو نسيان الصنعة قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و يحيى بن سعيد في المحكي عن جامعه كان له نصف القيمة سليما تنزيلا للتعيب بذلك منزلة التلف، و له نصف العين أي بلا

ج 31، ص: 83

أرش على الظاهر منهما، لأن الرجوع إلى القيمة لكونها أقرب الأشياء إلى العين فالعين أولى، و لقوله تعالى (1)«فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» و هي عين المفروض، و إن بقيت و لما كان التعيب في ملكها لم نضمن الأرش و حينئذ ف لا يجبر على أخذ نصف العين كما لا يجبر على أخذ نصف القيمة، لما عرفته من التخيير.

و لكن فيه تردد و نظر، و ذلك لأن العين المفروضة إن كانت بهذه الحالة قائمة فاللازم أخذها من غير انتقال إلى القيمة، و إن كانت بهذا التغيير غير مفروض كما اعترفوا به فلا وجه للرجوع بالعين، و لأن التعيب- و إن كان في ملكها- لا ينافي ضمانها الأرش للزوج، ضرورة كونه كتلف العين على ملكها الموجب لضمانها قيمتها له، بل ضمانها مستلزم لضمان أجزائها و صفاتها و أرش ذلك كقيمة نفس العين.

فالمتجه حينئذ كما في القواعد و المسالك الرجوع بنصف العين مع الأرش، لأن التعيب بذلك خصوصا مثل نسيان الصنعة لا يخرج العين عن

حقيقتها، و بقبضها العين تدخل في ضمانها كلا أو جزءا أو صفة.

و من ذلك يظهر لك ما في المحكي عن المهذب من «أن العيب إن كان منها أو من الله تعالى تخير بين أخذ نصفه ناقصا أو أخذ القيمة يوم القبض، و إن كان من أجنبي تعين أخذ القيمة يوم القبض، فإنه إن كان من أجنبي استحقت عليه الأرش، فكان المهر الموجود مع الأرش، فالنقصان محسوب، فيكون كالتالف، و ان كان منها أو من الله تعالى لم يحسب النقصان فكانت العين كالتامة من وجه و التالفة من آخر» و في كشف اللثام «قد يقال: منشأ الخلاف أن معنى «ما فَرَضْتُمْ» هل هو الماهية وحدها أو مع صفاتها؟ فعلى الأول يتعين الرجوع في نصف العين، و على الثاني يتخير أو يتعين القيمة».

قلت: قد يستفاد من

خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه عن أبيه عليهما السلام


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 84

«إن عليا عليه السلام قال في الرجل: يتزوج المرأة على وصيف فيكبر عندها، و يريد أن يطلقها قبل أن يدخل بها، قال: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها، لا ينظر في زيادة و لا نقصان»

تعين القيمة على الوجه المزبور من غير أرش بناء على أن المراد عدم النظر إلى زيادة العين و نقصها و إن لم أجده قولا لأحد، بل لعل

صحيحه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن أمير المؤمنين عليه السلام قال: في المرأة تتزوج على الوصيف فيكبر عندها فيزيد أو ينقص ثم يطلقها قبل أن يدخل بها»

دال على ذلك أيضا و إن كان ظاهره إرادة زيادة القيمة و نقصها بسبب الكبر، بل هو حينئذ قرينة على إرادة هذا المعنى من خبره الأول.

لكنه أيضا دال على المطلوب، بتقريب أن عدم النظر الى الكبر الذي هو سبب زيادة القيمة و نقصها يقتضي عدم النظر إلى كل صفة تجددت في العين اقتضت زيادتها أو نقصها، و أنها توجب الانتقال إلى القيمة على الوجه المزبور، فيكون المدار حينئذ في رد نصف العين على بقاء العين غير متغيرة بشي ء يقتضي زيادة قيمتها أو نقصها، و إلا فالقيمة وقت القبض.

و منه يعلم أن المراد ما فرضتم العين و صفاتها، كما أن منه يعلم أن الواجب رد نصف القيمة لا قيمة النصف، بل و يعلم أن الواجب قيمته يوم الدفع لا الأقل.

أما لو نقصت قيمته لتفاوت السعر كان له نصف العين قطعا، و كذا لو زادت قيمته لزيادة السوق، إذ لا نظر إلى القيمة مع بقاء العين على حالها التي بها يتحقق نصف ما فرضتم،

لكن في القواعد بعد أن ذكر ذلك قال: «و تضمن- أي الزوجة للزوج- النقص- أي للقيمة لتفاوت السعر- مع التلف دون الزيادة، يعني إذا نقصت القيمة بعد القبض لنقصان السعر ثم تلفت العين ثم طلقها كان عليها رد نصف القيمة قبل القبض، لأنه لا عبرة بالنقص بعد القبض، لتعلق حق الاستعادة به حين التسليم، و لو زادت القيمة بعد القبض لزيادة السعر ثم تلفت كان عليها رد نصف القيمة قبل


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2 عن السكوني كما في الكافي ج 6 ص 108.

ج 31، ص: 85

الزيادة، إذا الزيادة بعد القبض أولى بعدم الاعتبار من النقصان بعد القبض» و هو جيد موافق للخبر(1)المزبور.

لكن قد يقال: إنه مناف لما سبق منه و من غيره من ضمان الأقل من حين العقد إلى حين القبض الشامل لما كانت قيمته حال القبض أعلى منها حال العقد الذي يقتضي الخبر المزبور زمان قيمته حال القبض لا حال العقد الذي هو الأقل، فتأمل جيدا.

و كذا لو زاد بكبر أو سمن و نحوهما من الزيادات المتصلة التي لا يمكن قطعها، كتعلم الصنعة و قصارة الثوب و صبغه كان له نصف قيمته من دون الزيادة التي هي ملك الامرأة و ليست مما فرض، و قد سمعت خبر علي بن جعفر(2).

و حينئذ ف لا تجبر المرأة على دفع العين مجانا و لا بعوض على الأظهر خلافا للمحكي عن

المبسوط فجعل له الرجوع بنصف العين مع زيادتها، للاية(3)التي قد سمعت عدم تناولها الزيادة، نعم لو دفعتها هي باختيارها جاز، لأن الحق لها بل المعروف وجوب قبوله، لأنها حقه مع زيادة، و المانع امتزاج الحقين، و قد انتفى برضاها، و ليس ذلك من المنة التي تدفع وجوب قبوله، خصوصا بعد معاوضة التشطير، و ربما كانت القيمة أرضى له، فلا منة بالعين.

كما أن المعروف أيضا وجوب قبوله القيمة لو بذلتها له، لوجوب تجنبه عن حقها بغير إذنها، و لا يتم إلا بالتجنب عن العين رأسا، و لدوران حقه بين الأمرين و لا اختيار له، فيلزمه قبول ما اختارته له، و ليس له تأخير المطالبة حتى تفوت العين فيلزمها القيمة، أو يفوت كمالها فيلزمها من العين، لتضررها بشغل الذمة، كما ليس له اختيار نصف العين مجردة عن الزيادة على وجه يشاركها بالنسبة، كما في كشف اللثام من «أن الزيادة لا تستقل بالتقويم، و لا بد حينئذ من تقويمها منفردة، فإنه إذا شاركها في السمين مثلا كان لها نصف العين و كل السمن، و إذا شاركها


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 86

فيما كبر عن صغر كان لها نصف العين و كل الكبر و نحو ذلك» و إن كان هو كما ترى، خصوصا بعد ملاحظة غير المقام مما لا تمنع فيه الزيادة عن الاستقلال بالرجوع، كما إذا أفلس المشتري بالثمن و أراد البائع الرجوع في المبيع مع الزيادة المتصلة و أراد الواهب

الرجوع في العين مع الزيادة، أو رد المشتري المبيع بالعيب و أراد الرجوع في العوض المشتمل على الزيادة المتصلة و غير ذلك.

لكن في المسالك الفرق بأن الملك في هذه المسائل يرجع بطريق الفسخ الذي يرفع العقد من أصله أو من حينه، فعلى الأول يكون كأنه لا عقد، و تكون الزيادة على ملك المالك الأول، و على الثاني فالفسوخ محمولة على العقود و مشبهة بها، و الزيادة تتبع الأصل في العقود و كذلك في الفسوخ، و عود الملك في تشطير الطلاق ليس على سبيل الفسخ، بل ملك مبتدأ، ألا ترى أنه لو سلم العبد الصداق من كسبه ثم عتق و طلق قبل الدخول يكون التشطير له لا للسيد؟ و لو كان سبيله سبيل الفسوخ لعاد إلى الذي خرج عن ملكه، و إنما هو ابتداء ملك يثبت فيما فرض صداقا للاية(1)و ليست الزيادة فيما فرض، فلا يعود شي ء منها إليه.

و فيه أنه إذا كانت من التوابع للملك لم يكن فرق في تبعيتها بين الملك بالعقد و شبهه و بين غيرهما، و عدم كونها من المفروض لا ينافي ملكيتها بالتبعية له، على أن دعوى جريان الفسوخ مجرى العقود واضحة البطلان، كما أن دعوى عدم كون الطلاق من قبيل الفسوخ لا تخلو من نظر.

نعم العمدة في وجوب القيمة هنا ما سمعته من النص (2)المعتضد بالفتاوى، إلا أن المتجه عليه تعين القيمة عليها على وجه لو أراد إجبارها عليه كان له، مؤيدا بأنه لا نظير لهذا التخيير في الشرع بمعنى عدم تعين

الواجب عليها أولا و يكون الثاني كالعوض عنه، كتخيير المكلف في الزكاة بين دفع العين و بين القيمة عنها، و تخير الوارث بين دفع التركة للديان و بين دفع القيمة عنها.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 87

اللهم إلا أن يقال هنا: أيضا إنه كان مقتضى الخبر تعين القيمة، و لكن جاز دفع العين عنها لما عرفت، مؤيدا بفتاوى الأصحاب، فإنه لا خلاف بينهم على الظاهر في ذلك، فيكون كالعين المستقرضة، فإنها ملك المستقرض بالقرض، و لا يجبر على دفعها لو أراد المقرض، لكن لو دفعها وجب عليه قبولها، فتأمل جيدا.

و أما لو زاد من جهة و نقص من أخرى، كما إذا أصدقها عبدا فتعلم صنعة مثلا و نسي أخرى، أو أصابه عور و سمن، أو كان بسبب واحد، كما لو كان عبدا صغيرا فكبر، فإنه نقصان من جهة نقصان القيمة، و من جهة أن الصغير يصلح لما لا يصلح له الكبير، و أبعد من الغوائل، و أشد تأثيرا بالتأديب و الرياضة، و زيادة من جهة قوته على الشدائد و الاسفار، و أحفظ لما يستحفظ، إذ لا يشترط في الزيادة زيادة القيمة بها: بل ما فيه غرض مقصود، و من هنا كان الكبر في العبد زيادة من جهة و نقص من اخرى، و لعل حمل الأمة كذلك، أما حمل البهيمة فهو زيادة محضة إلا إذا أثر في فساد اللحم، كما أن الزرع للأرض ينقصها.

و على كل حال فالمتجه بناء على ما سمعت تعيين القيمة، بل لعله المراد من

قوله عليه السلام: «يزيد و ينقص» في صحيح علي بن جعفر(1)

لكن في المسالك «الأمر موقوف هنا على تراضيهما، فان تراضيا برد النصف فذاك، و أيهما امتنع لم يجبر الأخر عليه، للزيادة على تقدير طلب الزوج و النقيصة على تقدير طلبها، و حينئذ تتخير المرأة بين دفع قيمة النصف مجردا عن الزيادة و النقيصة و بين دفع نصف العين مع أرش، أما الأول فلان فيه جمعا بينه و بينها، حيث لم يمكن وصوله إلى العين إلا بأخذ حقها في الزيادة، و لا دفعها إليه إلا بالنقيصة التي ليست العين معها نصف المفروض، و أما الثاني فلأنها إذا دفعت نصف العين كانت باذلة للزيادة، فيجبر على قبولها كما مر، و هي عين ما فرض، فيجبر عليها، و النقصان ينجبر بالأرش، لأنه قيمة الفائت كالتالف، و ليس لها جبر النقص بالزيادة بدون رضاه لاختلاف الحقين» و في القواعد «و لو زادت و نقصت باعتبارين- كتعليم صنعة و نسيان


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 88

أخرى- تخيرت في دفع نصف العين أو نصف القيمة، فإن أوجبنا عليه أخذ العين أجبر عليها و إلا تخير أيضا».

قلت: لعل المتجه بناء على كلامهم إجباره على قبولها لو بذلتها بدون أرش بناء على عدم

وجوبه له عليها أو معه بناء على وجوبه، نعم يتجه عدم إجباره على ما سمعته منا من أنه ليس له إلا القيمة، بل المتجه حينئذ إجبارها عليها لو طلبها منها، هذا كله في التعيب في يدها.

أما لو تعيبت في يده ففي القواعد «لم يكن له إلا نصف، فان كان قد دفع أرشا رجع بنصفه أيضا» قلت: قد يقال: إنه يجري على ما مر من تنزيل العيب منزلة التالف التخيير بين العين و القيمة أيضا، و لا يعين العين أخذ المرأة لها، فإنه لا يجعلها المهر المفروض، و لذا قالوا: إذا تعيب المهر في يده تخيرت المرأة بين أخذ العين و القيمة، لتلف العين بالتعيب، فإذا رضيت بالعين فليس، لأنه المفروض، بل لأنه عوضه كالقيمة، فللزوج إذا طلقها أن لا يرضى إلا بالقيمة، فتأمل جيدا.

و أما لو حصل له نماء منفصل كاللبن و الولد كان للزوجة خاصة سواء كان في يده أو يدها، لأنه نماء ملكها و انما له نصف ما وقع عليه العقد و هو ليس منه.

و لو أصدقها حيوانا حاملا على وجه يدخل الحمل في الصداق بالشرط أو بالتبعية كان له النصف منهما و إن كان بعد الوضع، لأن دخوله إن كان بالشرط فالشروط توزع عليها القيمة و تلحق بالمالية، و إن كان بالتعبية فهو مما يفرد بالملك، كما لو أذن مولى الأمة في النكاح دون مولى العبد، فإنه يكون الولد لمولى الأب على القولين، و حينئذ فيكون المفروض مهرا الحيوان و حمله، و يحتمل على هذا القول كما عن بعضهم أو عليه و على الأول كما عن آخر اختصاص الأم بالرجوع، لأن الولد زيادة ظهرت بالانفصال على ملكها، إذ هو قبل الوضع لا يفرد بالتقويم، نعم له أرش نقصانها بالولادة إن قلنا بضمانها مثل ذلك، بل بناء

ج 31، ص: 89

على حرمة التفريق بين الولد و امه و كان الحيوان أمة غرمت له نصف قيمتها، و أخذت الأم و الولد، و إلا فلا، بل عن قوم تباع هي و ولدها لهما، فتختص هي بقيمة الولد، و قيمة الأم بينهما نصفان.

و لكن في الجميع أنه مناف لما عرفت، و ل

موثق عبيد بن زرارة(1)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «رجل تزوج امرأة على مأة شاء ثم ساق إليها الغنم ثم طلقها قبل أن يدخل بها و قد ولدت الغنم، قال: إن كانت الغنم حملت عنده رجع بنصفها و نصف أولادها، و إن لم يكن الحمل عنده رجع بنصفها، و لم يرجع من الأولاد بشي ء»

و موثقه الآخر(2)قال له عليه السلام أيضا: «رجل تزوج امرأة و مهرها مهرا فساق إليها غنما و رقيقا فولدت عندها، فطلقها قبل أن يدخل بها، قال: إن كان ساق إليها ما ساق و قد حملن عنده فله نصفها و نصف ولدها، و إن كن حملن عندها فلا شي ء له من الأولاد»

و الله العالم.

و لو أصدقها تعليم صناعة ثم طلقها قبل الدخول كان لها عليه نصف أجرة تعليمها

لتعذر المهر حينئذ في يده إذ ليس للصنعة نصف، فيكون كالتالف في يده الذي يرجع فيه إلى القيمة التي هي هنا الأجرة و لو كان علمها قبل الطلاق رجع بنصف الأجرة لتعذر رجوعه بعين ما فرض، فيكون بمنزلة التالف في يدها، كما هو واضح.

و لو كان تعليم سورة قيل و القائل الشيخ في المحكي من خلافه و مبسوطة:

يعلمها النصف لكونه أمرا ممكنا في نفسه، و لكن لما صار الزوج أجنبيا ينبغي أن يعلمها ذلك من وراء حجاب بناء على جواز سماع صوتها مطلقا أو للضرورة، و لم يكن ثم خوف فتنة و خلوة محرمة، و الاعتبار في النصف بالحروف


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 أشار إليه في الوسائل في الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 368- الرقم 1491.

ج 31، ص: 90

و لكن فيه تردد ينشأ من التردد في حرمة سماع صوتها و إن كان الأقوى جوازه، و من اختلاف الألفاظ سهولة و صعوبة فلا يتعين النصف، و قد يقال: إن ذلك لا يمنع معرفة النصف عرفا، و في كشف اللثام و غيره «إذا لم يمكن التعليم إلا بالخلوة المحرمة أو مع خوف الفتنة فالرجوع بنصف الأجرة قطعا» قلت: قد يقال:

بوجوب استئجار من يعلمها ممن لا يحصل معه جهة محرمة مع إمكانه إذا لم يكن قد اشترط عليه المباشرة.

[المسألة الرابعة لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه]

المسألة الرابعة لو أبرأته من الصداق ثم طلقها قبل الدخول رجع بنصفه وفاقا للمشهور، ل

مضمر سماعة(1)«سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل، قال:

إذا جعلته في حل فقد قبضته، فان خلاها قبل أن يدخل بها ردت المرأة على الزوج نصف الصداق،»

مؤيدا بأن ذلك تصرف منها فيه تصرفا ناقلا له عن ملكها بوجه لازم و إسقاط، فيلزمها عوض النصف كما لو نقلته إلى ملك غيره أو أتلفته، لكن في القواعد و محكي المبسوط و الجواهر إنه يحتمل عدم رجوعه عليها بشي ء، بل عن بعض العامة القول به، لأنها لم تأخذ منه مالا، و لا نقلت اليه الصداق، و لا أتلفته عليه فلا تضمن، أما الأول فظاهر، و أما الثاني فلاستمحاله أن يستحق الإنسان شيئا في ذمة نفسه، فلا يتحقق نقله إليه، و أما الثالث فلأنه لم يصدر منها إلا إزالة استحقاقها في ذمته، و هو ليس إتلافا عليه، و من هنا لو رجع الشاهدان بدين في ذمة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه و إبراء المشهود عليه لم يرجع عليهما، لعدم تغريمهما له بشي ء، و لو كان الإبراء إتلافا على من في ذمته غرما له.

و فيه مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص صدق التصرف به قطعا على وجه اقتضى فراغ الذمة منه و إسقاطه، و ذلك كاف في إيجاب نصف بدله، فلا حاجة إلى تكلف


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب المهور الحديث 2 مع سقط في الجواهر.

ج 31، ص: 91

الأول و الثاني أو الثالث التي ليس واحد منها عنوان الحكم، كما لا حاجة إلى ما في المسالك من تجشم الفرق بين المقام و بين عدم الرجوع على الشاهدين بما ذكره فيها، ثم قال: «و في الفرق نظر» ضرورة وضوح الفرق بينهما بأن مبنى رجوع المدعى عليه عليهما بما يغرمه قاعدة قوة السبب على المباشر، فهما أولى بالاندراج في

قوله عليه السلام (1)«من أتلف»

و الفرض عدم إتلافهما شيئا عليه، لأنه أبرأه بخلاف ما لو دفعه له ثم وهبه له، ضرورة صدق الغرامة التي لا ينافيها هبته له ذلك التي هي ملك جديد بسبب جديد، فتأمل جيدا.

نعم قد يشكل الحال فيما ذكر المصنف و غيره بقوله و كذا لو خلعها به أجمع الذي معناه أنه كالإبراء و الهبة ما لو بذلته له ليخلعها عليه فخلعها به، فإنه يستحق عليها مقدار نصفه مضافا إلى ما خلعها به الذي بذلته له، فكان بمنزلة إبرائها و هبتها إياه، ضرورة وضوح الفرق بين المشبه و المشبه به الذي هو إتلاف للمهر قبل الطلاق على وجه يصادف وقوعه سبق انتقاله عنها، فيستحق عليها حينئذ مقدار نصفه لتعذره،

بخلاف المشبه الذي لا يملكه من حيث الخلع إلا بتمام الطلاق المفروض أنه مملك للنصف، لكونه قبل الدخول، فيتحد حينئذ زمان السببين، و الفرض تنافيهما، فلا يقع واحد منهما، و إلا كان ترجيحا بلا مرجح، و ليس ذلك مثل ظهور استحقاق مال الخلع كي يتجه حينئذ ضمانها ذلك، و لا أنه يتمحض بذلا للخلع، فيوجب الطلاق مقدار نصفه في ذمتها لتعذره، لأن كلا منهما مبني على


1- 1 المراد منه هو الحديث المشتهر على ألسنة الفقهاء« من أتلف مال الغير فهو له ضامن» الا أنه لم نجد نص ذلك مع التتبع في مظانها، و الظاهر أنه مستفاد من عدة روايات وردت في أبواب مختلفة: منها ما رواه في الوسائل في الباب- 10 و 11 و 14- من كتاب الشهادات و الباب- 7 و 5- من كتاب الرهن الحديث 2 منهما و الباب- 29- من كتاب الإجارة و الباب- 18- من كتاب العتق الحديث 1 و 5 و 9 و الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث 4 و الباب- 1- من أبواب نكاح البهائم الحديث 4 من كتاب الحدود.

ج 31، ص: 92

ترجيح أحد السببين على الأخر بلا مرجح، و دعوى ترجيح الثاني- بتقدم بعض سبب الملك و هو البذل و إن كان لا يتم إلا بتمام الطلاق و إلا فهو نفسه غير مملك- كما ترى، اللهم إلا أن يقال إنه يبطل خلعا و يصح طلاقا كما في كل مقام يظهر فيه فساد الخلع، فيكون ذلك ليس لتقديم أحدهما على الأخر مما تواردا عليه، بل لأن ازدحامهما يبطل تأثيرهما، فيفسد ما كان البذل ركنا فيه و هو الخلع، بخلاف الطلاق الذي لا مدخلية له في ذلك، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا و شيئا آخر ثم طلقها قبل الدخول كان له الرجوع بنصف المسمى دون العوض]

المسألة الخامسة إذا أعطاها عوضا عن المهر عبدا آبقا و شيئا آخر ثم طلقها قبل الدخول كان له الرجوع بنصف المسمى الذي هو المفروض دون العوض بلا خلاف و لا إشكال،

قال الفضيل بن يسار(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج امرأة بألف درهم فأعطاها عبدا آبقا و بردا حبرة بالألف التي أصدقها، فقال: إذا رضيت بالعبد و كانت قد عرفته فلا بأس، إذ هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد، قلت: فان طلقها قبل أن يدخل بها، قال: لا مهر لها، و ترد عليه خمسمائة درهم، و يكون العبد لها»

و لعل ذكر الضميمة مع الآبق قرينة على إرادة وقوع ذلك معها على جهة البيع، أو أن الدفع للآبق وفاء يعتبر فيه ما يعتبر في البيع من اعتبار الضميمة فيه.

و على كل حال فالثابت بالطلاق نصف المسمى دون المدفوع وفاء إلا إذا كان فردا للكلي الذي وقع عليه العقد، فإنه باعتبار حلول الكلي فيه يكون هو المفروض، بل الظاهر أنه لو دفعه إليها معيبا و رضيت به و طلقها قبل الدخول كان له نصف المعيب، لكونه المفروض دون الصحيح، مع احتماله، لأنه المفروض، و لذا كان لها الامتناع عن قبض المعيب وفاء، و رضاها بالعيب لا يصيره المفروض المنصرف


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 93

إلى الصحيح.

نعم قد يقال: إن له نصف المعيب مع الأرش لا نصف الصحيح، أو يفرق بين قبضها المعيب غير عالمة به و بين قبضها له عالمة راضية به وفاء عن ذلك الكلى، فيجب الأرش مع الأول، لأنه مستحق لها، فان لم تأخذه منه كان ذلك منها

عفوا له، بخلاف الثاني الذي لم يثبت لها فيه استحقاق أرش، و الفرض أنه أحد أفراد الكلي، فليس لها حينئذ إلا نصفه، بل قد يحتمل ذلك أيضا في الأول و إن أخذت الأرش، فضلا عما إذا لم تأخذه مع استحقاقها له باعتبار كونه المفروض، و الأرش إنما هو سبب المعيب منه لا أنه من المفروض، فتأمل جيدا.

و كذا لو أعطاها متاعا أو عقارا أو حيوانا أو غير ذلك مما هو ليس من أفراد الكلي المسمى في العقد- سواء وقع ذلك وفاء، و قلنا أنه معاوضة برأسها أو باعها ذلك مثلا بمالها في ذمته- ف انه على كل حال ليس له لو طلق قبل الدخول إلا نصف ما سماه و فرضه لها كما هو واضح، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا أمهرها مدبرة ثم طلقها صارت بينهما نصفين]

المسألة السادسة:

إذا أمهرها مدبرة فعن النهاية و المهذب لا يبطل التدبير بامهارها، لكونه عتقا معلقا، أو لأن الملك المتجدد لا يبطله و إن قلنا: إنه وصية بالعتق، و حينئذ فلو فعل ذلك ثم طلقها قبل الدخول صارت بينهما نصفين، فإذا مات تحررت كل ذلك ل

خبر المعلى بن خنيس (1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا حاضر عنده عن رجل تزوج امرأة على جارية له مدبرة قد عرفتها المرأة و تقدمت على ذلك، و طلقها قبل أن يدخل بها، قال: فقال: أرى للمرأة نصف خدمة المدبرة

يكون للمرأة يوم في الخدمة، و يكون لسيدها الذي دبرها يوم في الخدمة،


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 94

قيل له: فان ماتت المدبرة قبل المرأة و السيد لمن يكون الميراث؟ قال: يكون نصف ما تركته للمرأة، و النصف الأخر لسيدها الذي دبرها».

لكن لضعفه و عدم صراحته في بقاء التدبير و انه لا خلاف فيما تضمنه من غير ذلك قيل و القائل ابن إدريس و غيره على ما حكي: لا يصح جعلها و هي مدبرة مهرا بل يبطل التدبير بجعلها مهرا كما لو كانت موصى بها لزيد مثلا، فان تجدد الملك يبطل ذلك، ضرورة تعلق الوصية في ملكه، فمع فرض خروجها عن ملكه فيعدم موضوع الوصية، و التدبير نوع منها.

بل قد يقال ببطلانه أيضا لو قيل بأنها تملك بالإمهار النصف و الأخر يبقى على ملك الزوج حتى يدخل، و إن كان المنساق على هذا التقدير بقاء التدبير في النصف، إلا أنه يمكن القول ببطلانه باعتبار إقدام المدبر على فسخه بجعله مهرا متحملا لتمام سبب انتقاله عنه بالدخول، فينعدم التدبير، فيكون ذلك منه رجوعا عن التدبير، نحو ما لو أوصى به لزيد فوهبه من عمرو ثم رجع بالهبة قبل أن يقبض المتهب، فان ذلك منه يكون فسخا للوصية و إن لم يتم منه سبب الانتقال عنه، إلا أن الانصاف إمكان منع ذلك في المقيس و المقيس عليه، بناء على أن فسخ الوصية بالتضاد بينها و بين ما أوصى به، و لا تضاد هنا مع فرض عدم انتقاله عن ملكه، نعم لو كان هذا الفعل منه ظاهرا في الرجوع بالوصية اتجه حينئذ انفساخها بقصده لا بفعله.

و على كل حال هو أشبه عند المصنف و من تبعه، لأن التدبير وصية تنفسخ بنحو ذلك، و الخبر(1)المزبور لا صراحة فيه في بقاء التدبير، مع احتماله ما عن ابن إدريس من كون التدبير واجبا بنذر و نحوه مما لا يصح الرجوع معه منه، أو عن غيره من احتماله اشتراط بقاء التدبير، فإنه يكون حينئذ لازما

لعموم «المؤمنون»(2)

و لأنه كشرط العتق في البيع و نحوه، و يظهر من

قوله عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 95

في الرواية: «قد عرفتها و تقدمت على ذلك»

كونه قد شرط عليها بقاء التدبير.

و ربما ردا معا ببطلان جعلها مهرا حينئذ، و فيه أنه لا دليل على اعتبار تمامية الملك في المهر على وجه يمنع جعل المدبر لذلك بناء على تسليمه في البيع، ضرورة كونه مالا مملوكا قبل موت المدبر، و خروجه عن المالية بالحرية فيما بعد لا ينافي جعله مهرا الان،

نعم لو دلسه عليها أمكن حينئذ وجوب القيمة عليه أو مهر المثل أو غير ذلك مع الفسخ فيها، و من هنا قال في الرواية: إنها علمت به و قدمت عليه.

و بذلك يظهر دلالة الخبر المزبور على بقاء التدبير، مضافا إلى قوله فيه:

«فان ماتت المدبرة» و غير ذلك مما يؤكد هذا المعنى، فلا يبعد القول بعدم انفساخ التدبير بنقله عن الملك من بين الوصايا، و لعله لبناء العتق على التغليب، و يخرج الخبر المزبور شاهدا على ذلك، فيصح حينئذ جعله مهرا، بل لا مانع من جواز بيعه مدبرا بناء على الدليل على اعتبار تمامية الملك على وجه تمنع بيع مثل ذلك المشمول لعدم الأدلة إن لم يكن إجماعا، أما المقام فلا إجماع قطعا بل و لا شهرة محققة على البطلان، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع مثل أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى بطل الشرط]

المسألة السابعة إذا شرط في العقد ما يخالف المشروع مما لم يكن فيه خلل بمقصود النكاح على وجه يكون منافيا لمقتضى العقد مثل اشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا يقسم لضرتها أو لا يمنعها من الخروج من المنزل متى شاءت أو نحو ذلك بطل الشرط اتفاقا كما في كشف اللثام و غيره، ل

قوله (1)صلى الله عليه و آله: «من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز له و لا عليه»

و صح العقد اتفاقا لكونه ليس معاوضة محضة، و لذا لا يبطل ببطلان المهر


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 96

الذي هو كالركن فيه، فضلا عما يذكر شرطا فيه، بل المشهور صحة العقد و المهر بل قد يظهر من محكي المبسوط الاتفاق عليه لإطلاق ما دل على صحته من الكتاب و السنة و غيرهما، فلا تلازم بينه و بين الشرط الذي هو ليس من المهر قطعا و ان كان له دخل في قلته و كثرته، و ربما أومأ إلى ذلك

خبر محمد بن قيس (1)عن الباقر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة و شرط لها إن هو تزوج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سرية فهي طالق، فقضى في ذلك أن شرط الله قبل شرطكم، فان شاء وفى لها ما يشترط، و إن شاء أمسكها و اتخذ عليها و نكح عليها».

و كذا في صحة العقد و المهر و بطلان الشرط خاصة ما لو شرط تسليم المهر في أجل، فان لم يسلمه كان العقد باطلا عند المشهور بيننا أيضا، تصريحا من جماعة منهم بأنه متى فعل ذلك لزم العقد و المهر و بطل الشرط خاصة و ظاهرا من آخرين، لما عرفت

و صحيح محمد بن قيس (2)عن أبي جعفر عليه السلام أيضا «في الرجل تزوج المرأة إلى أجل مسمى فان جاء بصداقها إلى أجل مسمى فهي امرأته و إن لم يأت بصداقها فليس له عليها سبيل، و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه، فقضى للرجل أن بيده بضع امرأته و أحبط شرطهم».

و ربما يومئ أيضا إلى بطلان الشرطين الأولين ما رواه

زرارة(3)«من أن ضريسا كان تحته بنت حمران بن أعين فجعل لها أن لا يتزوج عليها و لا يتسرى أبدا في حياتها و لا بعد موتها على أن جعلت له هي أن لا تتزوج بعده أبدا، و جعلا عليهما من الهدى و الحج و البدن و كل مالهما في المساكين إن لم يف كل واحد منهما لصاحبه، ثم إنه أتى أبا عبد الله عليه السلام فذكر له ذلك، فقال: إن لابنة حمران لحق و حرمة عندي. و لن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحق، اذهب فتزوج و تسر، فإن


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب المهور الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 97

ذلك ليس بشي ء، و ليس عليك شي ء و لا عليها، و ليس ذلك الذي صنعتما بشي ء، فجاء و تسرى و ولد له بعد ذلك أولاد»

فإن ذلك ليس إلا لكونه غير مشروع في نفسه، و إلا لانعقد النذر عليه، و

خبر ابن سنان (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسريت فهي طالق، قال: ليس ذلك بشي ء، إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: إن من اشترط شرطا سوى كتاب الله فلا يجوز ذلك له، و لا عليه».

لكن قد يشكل ذلك بما في

خبر محمد بن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن أزوجك ابنتي فإن تزوجت أو تسريت عليها فعليك مأة دينار، فأعتقه على ذلك و تسرى أو تزوج، قال: عليه شرطه»

و خبر بزرج (3)قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام و أنا قائم: «جعلني الله فداك إن شريكا لي كانت تحته امرأة فطلقها فبانت منه، فأراد مراجعتها، فقالت المرأة: لا و الله لا أتزوجك أبدا حتى تجعل الله لي عليك أن لا تطلقني و لا تتزوج على، قال:

و قد فعل، قلت: نعم قد فعل جعلني الله تعالى فداك، قال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه في جوف الليل أو النهار؟ ثم قال: أما الان فقل له: فليتم للمرأة شرطها، فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: المسلمون عند شروطهم».

و خبره الآخر(4)عن عبد صالح عليه السلام قلت: «إن رجلا من مواليك تزوج امرأة ثم طلقها فبانت منه، فأراد أن يراجعها فأبت عليه إلا أن يجعل لله عليه أن لا يطلقها و لا يتزوج

عليها، فأعطاها ذلك، ثم بدا له في التزويج بعد ذلك، فكيف يصنع؟

قال: بئس ما صنع، و ما كان يدريه ما يقع في قلبه في الليل و النهار؟ قل له: فليف


1- 1 الوسائل الباب- 38- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب المهور الحديث 1.
3- 3 الكافي ج 5 ص 404 عن منصور بن بزرج.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4 و هو خبر منصور بن بزرج.

ج 31، ص: 98

للمرأة بشرطها، فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: المؤمنون عند شروطهم»

و غير ذلك مما يدل على مشروعية هذا الشرط، و عدم كونه مخالفا للمشروع، اللهم إلا أن يحمل ذلك على التقية، لموافقته العامة كما عن الإستبصار، أو يفرق بين النذر و الشرط، كما عن الشيخ في التهذيبين، و إن كان هو كما ترى و على كل حال فالمعروف ما عرفت من فساد الشرط و صحة العقد و المهر.

نعم في القواعد و المسالك و غيرهما احتمال فساد المهر، لأن الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق أو البضع، و مع فساده يتعذر الرجوع إلى القيمة، فيتجهل المهر و لو بجهالة ما يخص الشرط منه إذا كان عليها، بل في المسالك «هو متجه إلا أن يزيد المسمى عنه و الشرط لها أو ينقص و الشرط عليها، فيجب المسمى حينئذ لأنه قد رضي ببذله مع التزام ترك حق له، فمع انتفاء اللزوم يكون الرضا به أولى، و لأنها في الثاني قد رضيت به مع ترك حق لها، فبدونه أولى، و مع ذلك فينبغي احتساب المسمى من مهر المثل، و إكماله من غيره حيث يفتقر إليه، لاتفاقهما على تعيينه في العقد» و فيه أنه غير مجد مع فرض فساده، و لذا أطلق في القواعد وجوب مهر المثل على هذا الاحتمال، و الله العالم.

و لو شرط أن لا يقتضها لزم الشرط لعموم الوفاء(1)

و «المؤمنون عند شروطهم»(2)

و خبر سماعة(3)عنه عليه السلام قلت: «جاء رجل إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها، فقالت: أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر و التماس و تنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي فإني أخاف الفضيحة، قال: ليس له منها إلا ما اشترط»

و غيره من النصوص.

نعم لو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية

عن إسحاق بن عمار(4)


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 36- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 99

عن الصادق عليه السلام قلت له: «رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها ثم أذنت له بعد ذلك قال: إذا أذنت له فلا بأس».

و لكن مع ذلك قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة، و ابن حمزة في المحكي من

وسيلته، بل في المسالك نسبته إلى جماعة من المتقدمين و المتأخرين: منهم العلامة في المختلف و ولده في الشرح يختص لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع الذي هو مورد النصوص التي منها

خبر عمار بن مروان (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها متعة، فقالت:

أزوجك نفسي»

إلى آخر ما في

خبر سماعة المتقدم الذي قد يظهر إرادة ذلك أيضا، خصوصا مع قولها فيه: «إني أخاف الفضيحة»

و لأنه هو الذي لم يطلب فيه النسل، و إنما يراد منه الاستمتاع المتحقق بغيره، و لذا لم ينافه الشرط المزبور بخلافه في الدائم المراد منه النسل و التوالد، فهو حينئذ خلاف مقتضي العقد، بل لعله أيضا من خلاف المشروع باعتبار تصريح الكتاب (2)و السنة(3)بأن له الوطء أنى شاء، فيكون شرط عدمه خلاف المشروع، و ربما يومئ إليه الحكم بفساد اشتراط جعل الوطء و الطلاق بيد الزوجة في غير واحد من النصوص (4)و أنه من خلاف السنة، و لا ريب في أن اشتراط عدم الوطء أصلا أولى بذلك منه، بل لعله مناف لمقتضى العقد، أو مخالف للمشروع في الدائم و المنقطع، لكن خرج عنه في الأخير للنصوص بخلاف الأول، فإنه لا

نص يقتضيه عدا الخبرين، و هما مع ضعفهما يمكن إرادة المؤجل منهما، لكون المتعارف اشتراط ذلك فيه، بل قد عرفت القرينة عليه في أحدهما.

و هو كما ترى تحكم بلا حاكم، ضرورة عدم الفرق بين الدائم


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 223.
3- 3 الوسائل الباب- 79 و 83- من أبواب مقدمات النكاح.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 100

و المنقطع في ذلك، بل ربما كان الوطء في الأخير أشد فلاحظه، و خبر إسحاق بن عمار و غيره مطلق، و الضعف إن كان منجبر بالشهرة، و لو أن الوطء من مقتضيات النكاح على وجه يستلزم اشتراط عدمه بطلانه لم يجز نكاح المتعذر وطئها أو وطئه، و هو معلوم الفساد، و انما الوطء غاية من الغايات، و النصوص (1)المتضمنة لبطلان اشتراط كون ولاية الجماع بيدها و ولاية الطلاق كذلك إنما هو لمخالفة نحو قوله تعالى (2)«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ»

و «الطلاق بيد من أخذ بالساق»(3)

و نحو ذلك، و هو غير عدم الوطء.

من ذلك كله يعلم ما في القول ببطلان العقد و الشرط فيهما معا الذي هو كالاجتهاد في مقابلة النص، كالقول بفساد الشرط خاصة مطلقا، كما عن جماعة منهم الحلي، أو في

الأول خاصة و صحتهما في الثاني، كما عن ابن حمزة.

و كذا الاشكال من بعضهم في جواز الوطء بالاذن على تقدير الصحة، لتوقف إباحة البضع على العقد، و عدم كفاية الإذن فيها، و قد سمعت التصريح به في النص، على أن المبيح إنما هو العقد، و لكن كان الشرط كالمانع، فمع فرض الاذن يزول المانع، فيبقى المقتضي على مقتضاه، بل لو عصى و خالف الشرط لم يكن زانيا، و يلحق به الولد، كما هو واضح.

و الظاهر إلحاق غير الوطء من وجوه الاستمتاع به في جميع ما ذكرناه، لما عرفته من صلاحية العموم الذي لا فرق فيه بين الوطء و غيره مدركا لذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب المهور.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 34.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 360 و فيه « انما يملك الطلاق من أخذ بالساق».

ج 31، ص: 101

[المسألة الثامنة إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل يلزم]

المسألة الثامنة إذا شرط أن لا يخرجها من بلدها قيل كما عن النهاية و المهذب و الوسيلة و الجامع و النافع يلزم الشرط للعمومات، بعد أن كان سائغا جاريا مجرى مقاصد العقلاء و هو المروي

صحيحا(1)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يتزوج امرأة و يشترط لها أن لا يخرجها من بلدها قال: يفي لها بذلك، أو قال:

يلزمه ذلك»

و الصحيح لابن أبي عمير(2)قال: «قلت لجميل بن دراج: رجل تزوج امرأة و شرط لها المقام بها في أهلها أو بلد معلوم، فقال: قد روى أصحابنا عنهم عليهم السلام أن ذلك لها، و أنه لا يخرجها إذا شرط ذلك لها».

خلافا لما عن المبسوط و الخلاف و الغنية و السرائر من بطلان الشرط بمخالفته مقتضي العقد الذي هو استحقاق الاستمتاع بها في كل زمان و مكان، فيحمل الخبر حينئذ على الاستحباب، و فيه (أولا) أن مقتضي ذلك بطلان العقد أيضا و (ثانيا) أنا نمنع الاستحقاق المزبور حتى مع الشرط، و دعوى مخالفة الشرط استحقاقه كذلك يدفعها أن ذلك آت في كل شرط يمنع ما يقتضيه إطلاق العقد لو لا الشرط، كالأجل و نحوه مما هو معلوم أنه ليس منافيا للكتاب و السنة، و حينئذ فحمل الرواية على الاستحباب بمجرد ذلك غير جائز، إذ لا معارض لها، و المعارضة العامة غير كافية، بل لو سلم تعارض

عموم «المؤمنون»(3)

و عموم ما دل (4)على الاستمتاع في كل زمان و مكان من وجه كان الترجيح للأول، و لو للصحيح المزبور، مضافا إلى ظهور الثاني في ثبوت ذلك من حيث كونها زوجة، فلا ينافي عدمه من حيث الشرط، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب المهور الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب المهور الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 223.

ج 31، ص: 102

و من ذلك يظهر لك أنه لا فرق في اللزوم بين ذلك و بين اشتراط منزل مخصوص خلافا لبعضهم، فاقتصر على خصوص البلد، بناء منه على مخالفة المسألة للقواعد، فيجب الاقتصار على المتيقن، و فيه- مع أنك قد سمعت التصريح به في خبر ابن أبي عمير- ما عرفته من جريان المسألة على العمومات التي لا فرق فيها بين الجميع، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان فبناء على صحة الشرط المزبور حكي عن الشيخ و جماعة أنه لو شرط لها مهرا إن أخرجها إلى بلاده و أنقص منه إن لم تخرج معه، فأخرجها إلى بلد الشرك أي أراد إخراجها إليه لم يجب عليها إجابته لما في ذلك من الضرر في الدين، و لذا وجب الهجرة عنها و لها الزائد الذي قد اشترطه في العقد لها، و أنه لا يسقط إلا بامتناعها، و الفرض أن ذلك كان منها بحق.

و إن أخرجها إلى بلد الإسلام كان الشرط لازما قيل للعمومات و خصوص

حسن علي بن رئاب (1)عن الكاظم عليه السلام قال: «سئل و أنا حاضر عن رجل تزوج امرأة على مأة دينار على أن تخرج معه إلى بلاده، فان لم تخرج معه فمهرها خمسون دينارا أرايت إن لم تخرج معه إلى بلاده؟ قال: فقال: إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الشرك فلا شرط له عليها في ذلك، و لها مأة دينار التي أصدقها إياها، و إن أراد أن يخرج بها إلى بلاد الإسلام و دار الإسلام فله ما اشترط عليها، و المسلمون على شروطهم، و ليس له أن يخرج بها

إلى بلاده حتى يؤدى لها صداقها أو ترضى من ذلك بما رضيت به، و هو جائز له».

و لكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت و من مخالفته للأصول، لجهل المهر، و للحكم بأن لها الزائد إن أراد إخراجها إلى بلاد الشرك من غير خروج إليها مع أنه خلاف الشرط، و للحكم بأنه لا يخرجها إلى بلاد الإسلام إلا


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 103

بعد أن يوفي لها مهرها الأزيد، مع عدم جواز الامتناع لها مع الدخول، و عدم وجوب الوفاء بالمهر إلا بعد الدخول، أو المطالبة مع التهيؤ للتمكين، و لما عن السرائر من لزوم إطاعة الزوج و الخروج معه إلى حيث شاء.

و من هنا كان المتجه بطلان الشرط، بل و المهر للجهالة، فيجب مهر المثل حينئذ، لكن في المسالك «يشكل فيما لو زاد عن المفروض على تقديرية، لقدومها على الأقل، و كذا مع زيادته على الأقل إذا لم يخرجها من بلدها، و كذا يشكل فيما لو نقص عن المقدر على تقديرية، لالتزامه بالأزيد منه مع الشرط عليه، فلزوم المقدر مع عدم لزوم الشرط أولى» و فيه أن ذلك كله غير مجد فساد الشرط الملزم به، نعم قد يقال باغتفار مثل هذه الجهالة في المهر الذي قد تقدم البحث في اعتبار المعلومية فيه على وجه لا تبطله الجهالة بذلك و نحوه، خصوصا و قد عرفت الحال في مثل ذلك في الإجارة التي هي أضيق دائرة من المهر.

على أنه قد يقال: المهر هو المأة، و إنما اشترط عليها الإبراء إن لم يخرجها، فتجب عليه المأة إن أراد إخراجها إلى بلاد الشرك، و إن عصته لوجوب الهجرة عنها فلا بد من صرف الإخراج المشترط إلى الجائز منه، لئلا يخالف المشروع، و الإطاعة إنما تجب فيما ليس معصية لله و ليس نصا في وجوب إعطائها المهر قبل الإخراج مطلقا لاحتمال أنه ليس له الإخراج حتى يلزمه الأداء و لو بعده، أو حتى يوطن نفسه على الأداء، أو إذا طالبته و رضي من ذلك بما رضيت يشمل الرضا بالتأخير، و يمكن أن يكون التقديم مرادا من الشرط، بمعنى أنه اشترط على نفسه تعجيل ذلك إليها إن أراد إخراجها إلى بلاده، كما أنه يمكن بناء ذلك على وجوب تعجيل الزوج المهر إذا طلبته الزوجة، لإرادة التمكين و غير ذلك.

و من ذلك يظهر لك قوة العمل بالخبر(1)المزبور المعتبر سندا المعمول به عند جمع من الأصحاب، و هو العمدة لا العمومات و هذه التكلفات، ضرورة كون مضمون الخبر من التعليق الممنوع لو لا الخبر المزبور، فلا تجدي هذه التجشمات


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 104

و لذا لم يجز نظائره لا في النكاح و لا في غيره، و ما في الإجارة لو قلنا بجوازه فهو للدليل، كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة التاسعة لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر]

المسألة التاسعة:

لو طلقها بائنا ثم تزوجها في عدته ثم طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر لخروجها عن الزوجية الأولى بالطلاق البائن الذي لا ينافيه جواز تزويجها في العدة باعتبار كونها حقا له لحرمة مائة، فلا تمنعه، و إنما تمنع غيره، فإذا تزوجها ثبت المهر حينئذ في ذمته كغيره من عقود النكاح، و بالطلاق قبل الدخول يعود اليه نصف ما فرض في العقد الجديد، خلافا لبعض العامة، فأوجب لها جميع المهر تنزيلا للعقد منزلة الرجعة، فتكون من المطلقة المدخول بها، و ضعفه ظاهر.

[المسألة العاشرة لو وهبته نصف مهرها مشاعا ثم طلقها قبل الدخول فله الباقي]

المسألة العاشرة:

لو وهبته نصف مهرها مشاعا ثم طلقها قبل الدخول فله الباقي، و لم يرجع عليها بشي ء، سواء كان المهر دينا أو عينا بناء على كفاية لفظ الهبة في الإبراء صرفا ل ما وقع منها من الهبة إلى حقها منه بمعنى أنه بالطلاق قبل الدخول يتمحض النصف الباقي للزوج، لأنه مصداق «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»(1)فلا يرجع إلى المثل أو القيمة، لعدم تعذره، لكن في القواعد و المسالك احتمال الرجوع بنصف الباقي بعينه و قيمة الأخر من الموهوب، لشيوع نصفيهما في تمام العين، و شيوع النصف

الموهوب أيضا، فتعلق الهبة بنصفي النصيبين، فالنصف الباقي بمنزلة ما تلف نصفه و بقي النصف، بل قيل: إنه يظهر من المبسوط احتمال الرجوع بنصف الباقي خاصة، لأنه لما تعلقت الهبة بالنصف المشاع فقد تعلقت بنصفي النصيبين


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 105

فإنما ملك من نصيبها النصف و هو الربع، و استعجل نصف نصيب نفسه، و انما بقي له النصف الأخر من نصيبه و هو الربع، و ربما احتمل أيضا التخيير بين بذل تمام النصف الباقي و عين نصفه مع بذل نصفه الأخر دفعا لضرر تبعض الصفقة.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم تأتيها مع فرض بقاء النصف المشاع الذي هو مصداق «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ» نعم لو كان النصف الموهوب معينا لا مشاعا اتجه ذلك، كما هو واضح. و كذا لو خالعته على النصف فإنه إن قيدته بالنصف الذي يبقى لها بعد الطلاق فلا كلام، و إن أطلقت انصرف إلى ما تملكه بعد الطلاق، و على كل حال إذا تم الخلع ملك الزوج تمام المهر، بل مما فرق بينه و بين الهبة بأنه بذل على الطلاق المنصف للمهر، فهو تمليك بعد الطلاق، و للشافعية كما قيل وجه بالشيوع في نصفي النصيبين، و لا ريب في ضعفه، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشرة لو تزوجها بعبدين فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود و نصف قيمة الميت]

المسألة الحادية عشرة لو تزوجها بعبدين مثلا فمات أحدهما رجع عليها بنصف الموجود و نصف قيمة الميت ضرورة كون ذلك كانتقال أحدهما عن ملكها، لأن التالف عليهما و الموجود بينهما و تزلزل ملكهما في النصف المشاع من كل منهما، إلا أنه لما كان ما يرجع اليه مضمونا عليها وجب الانتقال إلى بدل التالف عليه في يدها، و عن الشافعية احتمال الرجوع بتمام الموجود أو ما يساوى منه النصف، لصدق أنه نصف المفروض، و احتمال التخيير نحو ما سمعته في المشاع، و لا ريب في ضعفهما.

[المسألة الثانية عشرة لو شرط الخيار في النكاح بطل العقد]

المسألة الثانية عشرة لو شرط الخيار في النكاح بطل العقد فضلا عن الشرط على المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد خلافا في بطلان الشرط، بل لعل الإجماع بقسميه عليه

ج 31، ص: 106

لمعلومية عدم قبول عقد النكاح لذلك، لأن فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار، و لحصر فسخه بغيره، و لذا لا تجري فيه الإقالة بخلاف غيره من عقود المعاوضات، فيكون حينئذ اشتراط الخيار فيه منافيا لمقتضاه المستفاد من الأدلة الشرعية، بل لم يريدا بلفظ العقد معنى النكاح مع اشتراطه، و من هنا كان هذا الشرط مبطلا للعقد و إن قلنا بأن فساد الشرط بالمخالفة للكتاب و السنة لا يبطل النكاح كما عرفت الكلام فيه سابقا، فما وقع من بعضهم- من تعليل البطلان هنا بأن التراضي لم يقع على العقد إلا مقترنا بالشرط المذكور فإذا لم يتم الشرط لا يصح العقد مجردا، لعدم القصد اليه كذلك- في غير محله، ضرورة أن ذلك يأتي في كل شرط فاسد، و قد عرفت سابقا الإجماع على عدم اقتضائه الفساد هنا و حينئذ فقول المصنف-:

فيه تردد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية، لوجود المقتضى و ارتفاعه عن تطرق الخيار، أو الالتفات إلى عدم الرضا بالعقد، لترتبه على الشرط غير متجه أيضا، و كان الأولى جعل منشئه التردد في أن بطلان هذا الشرط لمخالفته مقتضى العقد أو لكونه غير مشروع، فيكون مخالفا للكتاب و السنة، فعلى الأول يتجه بطلان العقد دون الثاني اللهم إلا أن يكون مراده ذلك.

و على كل حال فما عن ابن إدريس- من بطلان الشرط خاصة، بل قال فيما حكي عنه: إنه لا دليل على بطلان العقد من كتاب و لا سنة و لا إجماع، بل الإجماع على الصحة، لأنه لم يذهب إلى البطلان أحد من أصحابنا، و إنما هو من تخريج المخالفين و فروعهم، اختاره الشيخ على عادته في الكتاب- واضح الفساد بناء على ما عرفت من أن البطلان هنا للمنافاة لمقتضى العقد، لا لكونه غير مشروع في نفسه كي يختص بالبطلان في عقد النكاح كغيره من الشروط الفاسدة فيه، اللهم إلا أن يمنع ذلك، فإنه لا يخلو من تأمل، هذا كله في اشتراط الخيار في عقد النكاح.

أما لو اشترطه في المهر صح العقد و المهر و الشرط، لكون المهر كالعقد المستقل

ج 31، ص: 107

بنفسه، و من ثم صح إخلاؤه عنه، فيندرج اشتراط الخيار فيه حينئذ تحت

قوله صلى الله عليه و آله (1): «المؤمنون عند شروطهم»

نعم يشترط ضبط مدته كغيره من العقود، و لا يقدح إطلاق الأصحاب المعلوم بناؤه على ذلك و إن كان ربما احتمل عدم اعتبار ضبطه لذلك، و لأنه يغتفر فيه من الجهالة ما لا يغتفر في غيره، لكن المذهب الأول، و لا يتقيد بثلاثة و إن حكي عن الشيخ أنه مثل بها.

ثم إن استمر عليه و انقضت مدته لزم، و إن فسخه ذو الخيار يرجع إلى مهر المثل، كما لو عرى العقد عن المهر، و إنما يجب بالدخول كما مر الكلام فيه و في هذه المسألة، و الله العالم.

[المسألة الثالثة عشرة الصداق يملك بالعقد]

المسألة الثالثة عشرة الصداق يملك بالعقد على أشهر الروايتين و القولين، بل المشهور منهما شهرة عظيمة، بل عن الحلي نفي الخلاف فيه، و لعله كذلك، فاني لم أجده إلا من المحكي عن الإسكافي، فملكها النصف به و الأخر

بالدخول أو ما يقوم مقامه مع عدم صراحته في ذلك، لاحتمال إرادته الاستقرار كما في كشف اللثام، فلا خلاف حينئذ أصلا، كما يشهد به ما سمعته من الحلي، و عليه يمكن دعوى لحوقه بالإجماع إن لم يكن سبقه.

مضافا إلى ظهور قوله تعالى (2)«وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ» و غيره مما دل على وجوب دفعه إليهن المقتضى لملكهن فضلا عن ظهور الإضافة في الاختصاص، و إلى أن ذلك شأن المعاوضات، فكما أن المشتري يملك المبيع بالعقد و البائع الثمن به فكذلك النكاح الذي لا ريب في ملك الزوج البضع به المقتضي ملك الامرأة المهر


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 4.

ج 31، ص: 108

به الذي هو عوض عن ذلك في اللفظ و القصد، و إلى ما دل من النصوص (1)السابقة المعتضدة بالفتاوي على كون النماء المتخلل بين العقد و الطلاق لها، و هو مستلزم لملكها، و فضلا عن ظهور الإضافة في الاختصاص الذي لا يعارضه

صحيح أبي بصير(2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل تزوج امرأة على بستان له معروف و له غلة كثيرة ثم مكث سنين لم يدخل بها ثم طلقها، قال: ينظر إلى ما صار إليه من غلة البستان من يوم تزوجها، فيعطيها نصفه و يعطيها نصف البستان، إلا أن يعفو فتقبل منه، و يصطلحان على شي ء ترضى به منه، فإنه أقرب للتقوى»

لقصوره باعتضاد الأول مع تعدده بما عرفت، مع احتمال أن تكون الغلة من زرع يزرعه للرجل، و أن يكون الصداق و هو البستان دون أشجاره، و على التقديرين فليست الغلة من نماء المهر، فيختص بالرجل، و يكون الأمر حينئذ بدفع النصف محمولا على الاستحباب كما يرشد إليه

قوله عليه السلام: «فإنه أقرب للتقوى»

أو لأنه عوض أجرة الأرض.

و بذلك ظهر لك ضعف الاستدلال به للإسكافي، مضافا إلى ظهور عدة من النصوص السابقة التي منها

خبر محمد بن مسلم (3)سأل الباقر عليه السلام «متى يجب المهر؟

قال: إذا دخل بها»

و خبر يونس بن يعقوب (4)عن الصادق عليه السلام «لا يوجب المهر إلا الوقاع»

المحمول فيهما الوجوب على الثبوت و الاستقرار، لظهوره و غلبة استعماله في ذلك، أو للجمع أو لغير ذلك، فيكون المراد أنه لا يوجبه بتمامه إلا الوقاع في مقابلة احتمال وجوبه بالخلوة أيضا، و إلى أنها لو ملكته به لاستقر و لم يزل إلا بناقل من بيع و نحوه، و الملازمة ثم بطلان اللازم ممنوعان، و يكفي في السبب طلاقها قبل الدخول، كل ذلك مع قطع النظر عما دل على وجوبه أجمع بالموت من

النصوص (5)المعمول بها كما ستعرف، و عن الحاوي وجوب النصف


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب المهور الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 58- من أبواب المهور الحديث 20 الى 24.

ج 31، ص: 109

عليها فيما لو أبرأته، و وجوب دفع قيمة النصف عليها لو زاد عندها زيادة متصلة و لو كان قد دفع إليها عوضه عبدا آبقا و حبرة، و غير ذلك مما يشرف الفقيه على القطع بفساد القول المحكي.

و حينئذ ف لها التصرف فيه قبل القبض على الأشبه الأشهر، بل المشهور، بل لم أجد فيه خلافا إلا من الشيخ في محكي الخلاف، فمنع منه قبله، و يمكن دعوى لحوقه بالإجماع، بل و سبقه للأصل، و عموم تسلط الناس (1)و ما دل (2)على جواز إبرائها إياه منه، و على العفو عنه (3)و دفع الآبق و الحبرة عنه (4)و غير ذلك مما لا يعارضه النهي (5)عن بيع ما لم يقبض الذي هو أخص من المدعى، بل هو وارد في بيع ما اشتراه (6)و قد عرفت حمله على الكراهة في محله، و من الغريب استدلاله على ذلك بأن الإجماع محقق على تصرفها به بعد القبض دون ما قبله الذي يمكن منعه عليه، كما عرفت. على أن الدليل غير منحصر بالإجماع، بل يكفى ما عرفت من الأصل و العموم و غيرهما.

و على كل حال فإذا طلق الزوج عاد إليه النصف، و بقي للمرأة النصف بلا خلاف كتابا(7)و سنة(8)و إجماعا فلو عفت عما لها كان الجميع للزوج بلا خلاف أيضا و لا إشكال كتابا(9)و سنة(10)و إجماعا بقسميه، مضافا إلى عموم تسلط


1- 1 البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.
2- 2 الوسائل الباب- 26 و 35 و 41- من أبواب المهور.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من أبواب المهور الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 11 و 12 و 15 و غيرها من كتاب التجارة.
6- 6 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.
7- 7 سورة البقرة: 2- الآية 237.
8- 8 الوسائل الباب- 51- من أبواب المهور.
9- 9 سورة البقرة: 2- الآية 237.
10- 10 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 110

الناس على أموالهم (1)فإذا كان الصداق دينا أو عينا و قد تلفت في يد الزوج صح عفوها بلفظه و الاسقاط و الإبراء و الترك، بل في القواعد و المسالك و كشف اللثام و الهبة، بل في الأخيرين و التمليك، بل لم يحك أحد منهما الخلاف هنا و لعله لدلالة كل منهما على إسقاط الحق الذي لا يختص بلفظ، و لا إشكال فيه مع إرادة معنى الإبراء منهما، إنما الكلام فيما لو أريد منهما معناهما لو تعلقا بالعين على أن يكون الإبراء تبعا لذلك، و كان وجهه صحة تمليك ما في الذمة ممن هو عليه بالهبة، لكونه مقبوضا، فيحصل الإبراء باعتبار عدم قصور ملك الإنسان على نفسه، بخلاف هبة ما في ذمة الغير، فإنه لا يتصور قبضه دينا، و تشخيصه بالعين يخرجه عن الدين الذي هو محصل البحث.

لكن قد يناقش بأنه لا معنى لملك الكلي في الذمة إلا استحقاقه على من في ذمته، ضرورة

كونه معدوما لا يصلح لقيام صفة الملكية، فلا يتصور حصولها لمن في ذمته على نفسه، و حينئذ يتجه عدم الصحة إلا ما دل عليه الدليل في البيع و غيره من العقود المملكة لا المسقطة.

و قد يدفع بأن الشارع قد جعل الوجود الذمي كالوجود الخارجي، فيصح قيام صفة الملكية فيه إلا أن ذلك لما كان يتبعه الاستحقاق للمالك يتجه سقوطه في الفرض و نحوه، لعدم تصور استحقاقه على نفسه، لا يقال: إن ذلك يقتضي أيضا جواز هبة ما في ذمة الغير للغير، إذ هو حينئذ كالأعيان، لأنا نقول: إنه و إن كان كذلك لكنه يمنعه اعتبار القبض في صحة الهبة، و قد عرفت عدم إمكان قبضه دينا، و احتماله بالضمان مثلا يدفعه أنه ليس قبضا، و إنما هو عقد آخر و إن أفاد كونه مقبوضا لمن صار في ذمته بعد الضمان، هذا و لتمام الكلام فيه محل آخر.

و على كل حال لا يفتقر إلى قبول عند المشهور بأي لفظ وقع كسائر الابراءات، لإطلاق الأدلة المعتضدة بفتوى المشهور، و مما يؤيده هنا إطلاق قوله


1- 1 البحار ج 2 ص 272 ط الحديث.

ج 31، ص: 111

تعالى (1)«إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ»

و ما في الخبر السابق (2)من أنها «إذا جعلته في حل منه فقد قبضته»

فما عن المبسوط- من الافتقار إليه مطلقا و الشافعية إذا كان بلفظ الهبة و التمليك في وجه- ضعيف، و إن كان ما عن الشيخ أضعف مما عن الشافعية.

و إن كان عينا صح بلفظ الهبة و التمليك و نحوهما مما يقوم مقامهما، و اعتبر فيهما القبول و القبض.

و هل يصح بلفظ العفو؟ كما عن المبسوط و التحرير للاية(3)لمجيئه بمعنى العطاء كما عن العين و المبسوط، و في المسالك أن منه «وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ قُلِ: الْعَفْوَ من المال» أي الفضل من الأموال التي يسهل إعطاؤها، و قوله تعالى(4):

«خُذِ الْعَفْوَ» أي خذ ما أعطاك الناس من ميسور أموالهم، و لا تشدد عليهم، و فيه أنه لا دلالة على كونه بمعنى العطاء، و إنما هو عبارة عن نفس المال الزائد، و العطاء مستفاد في الأول من الإنفاق، و يحتمل العدم، لمنع مجيئه بمعنى العطاء، و لو سلم كان خلاف المعروف، و لا سيما إذا قال: «عفوت عنه» بل لعل المتعدي بعن لا يكون إلا بمعنى الإبراء، و الآية لا تتعين للفظ العفو، و إنما المراد إسقاط الحق من العين أو الدين مطلقا، و لعله أقوى.

و منه يعلم ما عن المبسوط من أنه إن عفت فهو هبة تقع بثلاثة ألفاظ: الهبة و العفو و التمليك، و افتقر إلى القبول و القبض إن كان في يدها، و مضي مدة القبض إن كان في يده، و الاذن في القبض على قول، و لها

الرجوع قبل مضي مدة القبض، و إن عفى فان كان الطلاق مخيرا فهو إسقاط لحقه- كحق الشفعة- لا هبة، فيصح بستة ألفاظ، و هي جميع ما مر و لا حاجة إلى القبول، و إن كان مملكا، و هو الصحيح عندنا فهو هبة انما يقع بالثلاثة الألفاظ، و افتقر إلى القبول، و كان له الرجوع قبل القبض أو مضي مدته، و نحوه عن التحرير، مضافا إلى ما فيه من النظر من


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 41- من أبواب المهور الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 237.
4- 4 سورة الأعراف: 7- الآية 199.

ج 31، ص: 112

وجوه أخر أيضا.

و كذا الكلام لو عفى الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ المذكور في الآية(1)سواء قلنا: إنه الزوج كما عند العامة أو قلنا هو الولي كما عند الخاصة، كالأب و الجد للأب و عن النهاية زيادة الأخ و قيل كما عن المهذب أو من تولته الامرأة عقدها كل ذلك لتظافر نصوصهم في ذلك أو تواترها، ك

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق عليه السلام «الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ فهو ولي أمرها»

و حسن الحلبي (3)أيضا في قوله تعالى (4)«أَوْ يَعْفُوَا» إلى آخره «هو الأب و الأخ، و الرجل يوصى اليه، و الرجل يجوز أمره في مال الامرأة، فيبيع لها و يشترى، فإذا عقا فقد جاز»

و نحوه في خبر سماعة(5)عنه عليه السلام أيضا، و في

مرسل ابن أبي عمير(6)عنه عليه السلام أيضا «يعني الأب و الذي توكله المرأة و توليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما»

و في خبر إسحاق بن عمار(7)«أبوها إذا عفا جاز له، و أخوها إذا كان يقيم بها، و هو القائم عليها، فهو بمنزلة الأب يجوز له، و إذا كان الأخ لا يهتم و لا يقيم عليها لم يجز أمره»

و في خبر أبي بصير(8)عنه عليه السلام أيضا قال: «هو الأخ و الأب، و الرجل يوصى اليه، و الذي يجوز أمره في مال يتيمته، قال: قلت: أ رأيت إن قالت: لا أجيز ما يصنع؟ قال: ليس لها ذلك، أ تجيز بيعه


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 237.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من كتاب الوكالة الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 5.
8- 8 أشار اليه و ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 3 و ذكر تمامه في البحار- ج 103 ص 358 ط الحديث- و فيه « في مال بقيمته».

ج 31، ص: 113

في مالها و لا تجيز هذا؟»

و قال الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم و أبي بصير(1): «هو الأب و الأخ، و الموصى إليه، و الذي يجوز أمره في مال الامرأة من قرابتها، فيبيع لها و يشتري فأي هؤلاء عفا فعفوه جائز في المهر»

و سأل رفاعة(2)الصادق عليه السلام في الصحيح «عن الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ فقال: الولي الذي يأخذ بعضا و يترك بعضا و ليس له أن يدع كله»

إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على أنه غير الزوج.

مؤيدة بأنه المناسب لعطفه على الغائب، إذ لو أريد به الزوج لما عدل عن الخطاب الذي قد صدر به الآية، و بأن العفو حقيقة في الإسقاط لا التزام ما سقط بالطلاق، إذ لا يسمى ذلك عفوا، و بأن إقامة الظاهر مقام المضمر مع الاستغناء بالمضمر خلاف الأصل، و لو أريد الأزواج لقيل: أو يعفو، و بأن المسند إليهن العفو أولا الرشيدات، فيجب ذكر غير الرشيدات ليستو في القسمة، و بأن قوله تعالى (3):

«إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ» استثناء من الإثبات، فيكون نفيا، و حمله على الولي يقتضي ذلك، ففيه طرد لقاعدة الاستثناء بخلاف ما لو حمل على الزوج، فإنه يكون الاستثناء من الإثبات إثباتا و هو خلاف القاعدة، و بأن قضية العطف التشريك، و هو حاصل على تقدير إرادة الولي، ضرورة اشتراكهما حينئذ في النفي، بخلاف ما لو حمل على الزوج، فإنه يكون إثباتا، فلا يحصل معه الاشتراك.

و هذه الوجوه و إن كان في بعضها أو جميعها نظر كما أطنب في بيانه في المسالك لكن قد عرفت أن العمدة النصوص السابقة التي لا يعارضها ما في بعض الشواذ(4)من كون المراد به الزوج، خصوصا بعد اتفاق الإمامية أو

كالاتفاق على مضمونها، و لولاه لأمكن إرادة الأعم من الزوج و وليه و وليها منه، على معنى ثبوت النصف


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح- الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح- الحديث 3.
3- 3 سورة البقرة 2- الآية 237.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 251.

ج 31، ص: 114

بالطلاق إلا أن يعفون أو يعفو أحد هؤلاء، فلا تنصيف حينئذ و إن اختلف مالك الكل.

لكن قد عرفت اشتمال بعض النصوص على الأخ، و الإجماع محقق منا على عدم ولايته، فلا بد حينئذ من إدراجه فيما بعده من كونه وصيا أو ولته أمرها كما سمعته في خبر إسحاق بن عمار(1)، فيكون حينئذ تعميما بعد تخصيص و لا بأس به، كما أنك قد عرفت اشتمالها على من توليه أمرها الذي سمعته من القاضي المؤيد- مضافا إلى ذلك- بعموم الآية(2)و بعدم الفرق بين الأخ و غيره في انتفاء الولاية بدون توليتها و ثبوتها بتوليتها و توكيلها، و لأنها إذا وكلت رجلا و أذنت له في كل ما يراه من التصرف في أموالها مطلقا كان له جميع ما يدخل في الاذن و منه هذا التصرف، و لعل اقتصار معظم الأصحاب على الأب و الجد لعدم كونه وليا حقيقة، ضرورة أنه عن أمرها و عن توليتها و توكيلها.

و من ذلك يظهر أنه لا وجه لما في المتن و غيره من نسبته إلى القيل مشعرا بتمريضه فضلا عن وقوع الخلاف، لما عرفت من عدم تصوره فيه، إذ مع فرض عموم وكالته لما يشمل ذلك لا إشكال في اعتبار عفوه حينئذ، كما أنه لا إشكال في عدم اعتباره مع فرض عدم عمومها، و

احتمال أن القائل يقول بذلك على هذا التقدير بعيد، بل لعل النصوص كالصريحة في خلافه.

نعم قد يقال: إن المراد هنا على وجه متحقق فيه الخلاف هو أن توليتها أو توكيلها إذا كان على جهة الإطلاق في غير مقام يقيد بالمصلحة، نحو إطلاق التوكيل في البيع المنصرف إلى ثمن المثل، أما فيه فله العفو و إن كان هو نفسه لا مصلحة لها فيه عملا بظاهر النصوص المزبورة، و حينئذ يكون الوجه في الخلاف أن القاضي عمل بالنصوص المزبورة المؤيدة بإطلاق الآية، فهو حينئذ كالأب و الجد بالنسبة إلى ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 5.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 115

و هو قوي إن لم نتحقق إعراض الأصحاب عنه على هذا التقدير، ترجيحا لما دل على اعتبار المصلحة في التصرف في مال المولى عليه من قوله تعالى(1) :

«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ: إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» و قوله تعالى (2)«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* و غير ذلك على هذه النصوص التي- ربما كان خبر إسحاق بن عمار(3)منها شاهدا على ما سمعت- توجب حينئذ صرف ظاهرها إليه أو رفع البعد عنه، نحو ما يظهر أيضا منها من مضى عفو كل من له الأمر في نكاحها و مالها من وصي أو غيره مما لم نعرف قائلا به و إن كان هو غير بعيد، بل لو لا اتفاق

الأصحاب ظاهرا على خلاف ذلك لأمكن أن يقال المراد من الآية بيان العفو منها أو من وليها على حسب عفوه عن غير ذلك من ديونها و أموالها، فلا يختص المقام حينئذ بخصوصية.

بل ربما حكي عن ابن إدريس و العلامة في المختلف و حاشية الكركي اعتبار المصلحة في العفو و لو عن البعض، و مقتضاه عدم الخصوصية للمقام، لكن قد يستفاد من معقد الاتفاق في محكي الخلاف و المبسوط أن للأب و الجد العفو، و أنه المذهب في محكي التبيان و مجمع البيان و روض الجنان للشيخ أبي الفتوح و فقه القرآن للراوندي و الأخبار أن للمقام خصوصية، و هي جواز عفوهما مطلقا مع المصلحة و عدمها.

بل ما ذكره المصنف و غيره- من أنه يجوز للأب و الجد للأب أن يعفو عن البعض و ليس لهما العفو عن الكل بل قيل: إنه يظهر الاتفاق عليه في المبسوط و التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن للراوندي- أصرح في إثبات الخصوصية، و لعل دليله الأصل، و صحيح رفاعة(4)السابق

و مرسل ابن أبي عمير(5)


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 220.
2- 2 سورة الانعام: 6- الآية 152.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من كتاب الوكالة الحديث 1.

ج 31، ص: 116

عن الصادق عليه السلام «و متى طلقها قبل الدخول بها لأبيها أن يعفو عن بعض الصداق و يأخذ بعضا، و ليس له أن يدع كله»

لكن عن المختلف وفاقا للجامع أن المصلحة إن اقتضت العفو عن الكل جاز، و في كشف اللثام و هو الموافق للأصول و يمكن حمل الخبرين على أن الغالب انتفاء المصلحة في العفو عن الكل و فيه أن محل البحث العفو من حيث كونه عفوا مع قطع النظر عن أمر خارج عنه، و لا ريب في عدم جوازه من الولي في غير المقام، لكونه تضييع مال المولى عليه.

و لذا قال المصنف و غيره بل ظاهرهم الاتفاق عليه إنه لا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقه إن حصل الطلاق منه ثم صار مولى عليه بجنون أو بلغ فاسد العقل و قلنا بصحة طلاق الولي عنه حينئذ لأنه منصوب لمصلحته و لا غبطة له في العفو نعم قل يقال-: بسبب استبعاد هذا الحكم خصوصا مع تصريح بعضهم بعدم الفرق في البعض بين القليل و الكثير المقتضي لجواز العفو مع إبقاء شي ء من المهر و إن قل و عدمه إلا مع المصلحة بالنسبة إلى ذلك القليل، و عدم وفاء مثل الخبرين (1)المزبورين بمثله مع فرض دلالة تلك النصوص (2)و الآية(3)و لو من جهة الإطلاق على العفو مطلقا، فيقصران حينئذ عن تقيده بهما- أنه يمكن طرحهما أو حملهما على ما لا ينافي ذلك.

و كيف كان فقد عرفت مما قدمناه أنه إذا عفت الزوجة عن نصفها مثلا أو عفى الزوج عن نصفه لم يخرج عن ملك أحدهما بمجرد العفو لأنه و إن قلنا: إنه هبة باعتبار وروده بمعنى العطاء أو لجواز عقد الهبة به مع إرادتها

منه و لو مجازا فلا ينتقل إلا بالقبض كغيره من أفراد الهبة،


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح- الحديث 3 و الباب- 7- من كتاب الوكالة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح و الباب- 52- من أبواب المهور.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 117

إذ احتمال اختصاصه بتحقق الملك بمجرد العقد به- لتوهم دلالة إطلاق الآية(1)و الرواية(2)على ذلك- واضح الفساد.

نعم لو كان الصداق دينا على الزوج أو تلف في يد الزوجة كفى العفو عن الضامن له زوجا كان أو زوجة لأنه يكون حينئذ إبراء كما عرفت ذلك، و عرفت أيضا أنه لا يفتقر إلى القبول على الأصح خلافا للشيخ فلاحظ و تأمل.

أما الذي عليه المال أو عنده فلا ينتقل عنه بعفوه ما لم يسلمه لأنه إن كان عينا فهو حينئذ هبة يحتاج صحتها إلى القبض، و إن كان دينا فالعفو عنه مع كونه ليس في ذمة العفو عنه كالهبة أيضا لا يتحقق ملكه إلا بالقبض، بل الظاهر أنه لا بد من تجديد الصيغة بعد تعيينه و تشخيصه، و لا يكفى التلفظ بالعفو السابق الذي لم يكن مورده عينا و لا دينا في ذمة المعفو عنه، لأنه بعد التسليم يكون كهبة ما في ذمة الغير لمن ليس عليه، و هي باطلة على ما قرر في محلها، و احتمال خصوصية للعفو هنا باعتبار إطلاق الآية(3)ضعيف، و حينئذ فظاهر المتن و غيره من كفاية العفو الذي يتعقبه التسليم لا يخلو من نظر إلا إذا قلنا بصحة هبة ما في ذمة الغير لمن ليس

عليه الحق بتعقب التشخيص و القبض، فإنه يتجه حينئذ ما ذكروه و الله العالم.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 118

[المسألة الرابعة عشرة لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع]

المسألة الرابعة عشرة قد عرفت فيما تقدم أنه لو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع عن الدخول بها، لأن بضعها ملك بالمهر المتأخر برضاها فلو عصت و امتنعت و حل مهرها المؤجل هل لها أن تمتنع؟ قيل: نعم، و قيل: لا، لاستقرار وجوب التسليم قبل الحلول، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده كما سمعت الكلام فيه مفصلا، و الله العالم.

[المسألة الخامسة عشرة لو أصدقها قطعة من فضة فصاغتها آنية ثم طلقها قبل الدخول كانت بالخيار في تسليم نصف العين أو نصف القيمة]

المسألة الخامسة عشرة لو أصدقها قطعة من فضة مثلا فصاغتها حليا أو آنية محللة أو للادخار بناء على جوازه ثم طلقها قبل الدخول كانت بالخيار في تسليم نصف العين أو نصف القيمة التي هي هنا المثل لأنه لا يجب عليها بذل الصفة كما تقدم البحث في نظيره من كل عين قد زادت في يدها، بل قد تقدم سابقا قوة تعيين القيمة لخبر العبد الذي كبر في يدها(1)مؤيدا بأن الطلاق من المملكات التي ينافيها خيارها بين بذل نصف العين و نصف القيمة، ضرورة قابليته تحقق صفة الملك في الكلي التخييري، و من هنا كان المتجه- بناء

على جواز بذلها نصف العين و وجوب القبول عليه و لو للإجماع، أو لكونه حينئذ أقرب إلى نصف المفروض من القيمة إن لم نقل: إنه منه- أن الواجب أولا للزوج القيمة أو نصف العين و يدفع الأخر عنه، و الأمر سهل بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

و لو أصدقها حليا فكسرته أو انكسر عندها و إعادته صنعة أخرى فهو زيادة و نقصان، و قد عرفت أن المتجه وجوب القيمة أيضا لخبر العبد(2)لكن ذكروا


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 31، ص: 119

فيه أن لهما معا الخيار كما سمعت.

إنما الكلام فيما إذا أعادت تلك الصنعة الأولى دون صنعة أخرى، فإنه يحتمل الرجوع إلى نصفه و إن لم ترض الزوجة، لأنه الان بالصفة التي كانت عليه عند الاصداق من غير زيادة، و يحتمل اعتبار رضاها بذلك فلا يرجع بدون رضاها لأنها زيادة حصلت عندها باختيارها و إن كانت مثل الأولى، و الزيادة الحاصلة عندها تمنع من الرجوع بدون رضاها و إن جوزنا إعادة المعدوم بعينه، فإنه يختلف باختلاف وضع الأجزاء و إن تشابه، و من المعلوم عادة أن الأجزاء لا تعود إلى أوضاعها السابقة، نعم يتجه إن قيل باتصال الجسم مع بقائه حال الانكسار و إعادة الصفة بعينه و لم يقل به أحد.

قيل: و فرق بين ذلك و بين الجارية إذا هزلت عنده ثم سمنت،- فإنه يرجع بنصف الجارية و

إن لم ترض مع حدوث السمن عندها- بأن السمن بدون اختيارها و الصفة باختيارها و التزامها المئونة، و من العامة من لم يفرق بينهما، بل عن فخر الإسلام الميل اليه، لكنه كما ترى، فإن أبت فله نصف قيمته مصوغا بتلك الصفة، فإنه بمنزلة التالف، و هو مركب من جزءين مادي و صوري، و لا مثل للصوري، فيتعين القيمة، و لا بد من أن يكون من غير الجنس تحرزا من الربا، و يحتمل أن يكون له مثل وزنه اجرة مثل الصفة، لأن الجزء المادي مثلي، و المثل أقرب إليه من القيمة، و لا ينافي اعتبار مثله اعتبار القيمة للجزء الأخر.

و لو كان الصداق ثوبا ف فصلته و خاطته قميصا لم يجب على الزوج أخذه كما لا تجبر هي على دفعه و كان له إلزامها بنصف القيمة، لأن الفضة لا تخرج بالصياغة عما كانت قابلة له، و ليس كذلك الثوب و من هنا وجب عليه القبول في الأول بخلاف الثاني، و قد عرفت سابقا قوة احتمال عدم وجوب القبول في نظير الأول أيضا، فلاحظ و تأمل.

ج 31، ص: 120

[المسألة السادسة عشرة لو أصدقها تعليم سورة كان حده أن تستقل بالتلاوة]

المسألة السادسة عشرة قد تقدم سابقا أنه لو أصدقها تعليم سورة مثلا كان حده أن تستقل بالتلاوة صحيحا بغير مرشد و لا يكفي في صدقه عرفا تتبعها لنطقه نعم قيل لو استقلت بتلاوة الآية ثم لقنها غيرها فنسيت الأولى لم يجب عليه إعادة التعليم عرفا، مع أن تحقق المراد من إطلاق تعليم السورة بذلك عرفا محل نظر أو منع، و عن بعضهم اعتبار ثلاث آيات مراعاة لما يحصل به الاعجاز، و أقله سورة قصيرة مشتملة على ثلاث آيات كالكوثر، و الأجود الرجوع إلى العرف، لعدم التقدير شرعا، و لا مدخلية للإعجاز في ذلك خصوصا مع اختلاف الايات قصرا و طولا.

و على كل حال ف لو استفادت ذلك من غيره كان لها عليه أجرة التعليم كما لو تزوجها بشي ء و تعذر عليه تسليمه سواء كان بتقصير منها في التعلم منه مع بذله نفسه لذلك و عدمه.

و كذا لو مات أحدهما قبل التعليم و قد شرط تعليمها بنفسه، أو تعذر تعليمها لبلادتها، أو أمكن بتكلف عظيم زيادة على المعتاد، و قد عرفت أن ذلك ليس كالإجارة، كما أنه ليس ذلك كوفاء دين الإنسان بغير إذنه، حيث حكم ببراءته ببذل الغير و لو من غير إذنه، لأن تعليمه بنفسه لا يمكن وفاؤه عنه بتعليم غيره، لأن ذلك غير التعليم المجعول مهرا، نعم لو كان الواجب عليه التعليم مطلقا فتبرع واحد عنه سقط حينئذ عنه و لم تستحق الامرأة شيئا، كما هو واضح.

ج 31، ص: 121

[المسألة السابعة عشرة يجوز أن يجمع بين نكاح و بيع]

المسألة السابعة عشرة قد عرفت فيما تقدم أنه يجوز أن يجمع بين نكاح و بيع و غيرهما في عقد واحد، و يقسط العوض حينئذ على الثمن الذي هو قيمة المبيع و مهر المثل الذي هو قيمة البضع، كما عرفته فيما تقدم و لو كان معها دينار مثلا فقالت: زوجتك نفسي و بعتك هذا الدينار بدينار فعن المبسوط و وافقه المصنف بطل البيع، لأنه ربا باعتبار مقابلته بدينار مع زيادة النكاح أو عوضه و فسد المهر حينئذ و صح النكاح الذي قد عرفت غير مرة أن المهر ليس من أركانه.

و لكن في القواعد و تبعه في المسالك أن الأقوى وجوب ما يقتضيه التقسيط من المسمى للنكاح و بطلان البيع خاصة، إذ لو أخلينا النكاح من المسمى لزم وقوع الدينار كله بإزاء الدينار، فيصح البيع حينئذ لانتفاء الربا، فلو فرض مهر مثلها دينارا كان ما يخص المهر منه نصف دينار، لاتفاقهما على جعله في مقابلة دينارين، و يبطل البيع في نصف الدينار بالدينار الذي يقابله، و لو فرض مهر مثلها عشرة دنانير قسم الدينار على أحد عشر جزء، و كان المهر عشرة أجزاء من أحد عشر جزء من الدينار، و بطل البيع في جزء من أحد عشر جزء من دينار، و لعل هذا آت في كل مختلفين جمعا في عقد واحد بعوض واحد، و لا يلزم من بطلان الربا بطلان الأمرين، لوجود المقتضي للصحة و انتفاء المانع.

و فيه أن عقد المعاوضة واحد إلا أن عدم بطلان النكاح من جهة عدم اعتبار العوض فيه، و إلا فلا ريب في بطلان «بعتك الفرس و الدينار بدينار» بل «و بعتك الفرس و وهبتك الدينار بدينار» بناء على جريان الربا في سائر المعاوضات، فتأمل جيدا، هذا كله مع اتحاد الجنس.

أما لو اختلف الجنس (11) كالدينار بالدرهم صح الجميع (12) لعدم الربا

ج 31، ص: 122

نعم يعتبر تحقق شرط الصرف و هو التقابض في المجلس و إلا بطل فيما يقابل الدرهم من الدينار، و صح فيما اقتضاه المهر من التقسيط، لعدم اعتبار التقابض فيه في المجلس و كأن المصنف ذكر هاتين المسألتين في هذا الباب- مع أنهما ليستا منه- لما يحكى عن العامة من عد ذلك من مفسدات المهر، و الله العالم.

[فروع]
[الأول لو أصدقها عبدا فأعتقته ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته]

الأول لو أصدقها عبدا فأعتقته ثم طلقها قبل الدخول فعليها نصف قيمته بلا خلاف و لا إشكال، كما عرفته في المباحث السابقة. و لكن الكلام فيما لو دبرته فإنه قيل: كانت بالخيار في الرجوع بالتدبير و إعطائه نصف العين و في الإقامة على تدبيره و إغرامه نصف القيمة، و ذلك لأن التدبير طاعة مقصودة قد تعلقت بالعبد، فكانت كالزيادة المتصلة التي قد سمعت أنها لا تجبر معها على دفع العين، بل قد سمعت قوة احتمال تعين القيمة، في مثل ذلك، و لتعلق حق الحرية بالعين و لا عوض عنه، بخلاف حق الزوج، فإن القيمة تقوم مقامه، فتدفع حينئذ جمعا بين الحقين، إلا أن ذلك كما ترى، ضرورة عدم إخراج التدبير المدبر عن الملك، كضرورة كون الطلاق مملكا للنصف، فالمتجه حينئذ انتقال نصف العين إلى المطلق، لكون العين باقية على ملكها، فلا مانع حينئذ من إعمال سبب الطلاق قبل الدخول عمله، كما في غير التدبير من الوصايا المتعلقة بالصداق، و احتمال خصوصية للتدبير يدفعه منع ذلك بعد فرض جواز الرجوع كغيره من الوصايا، نعم قد يتم ذلك لو قلنا بعدم جواز الرجوع به، كما هو المشهور بين العامة على ما قيل، كمنع احتمال ترجيح استصحاب بقاء حكم الوصية أو عموم

ج 31، ص: 123

ما دل على نفوذها ما لم يرجع صاحبها و عدم جواز تبديلها(1)على ما دل (2)على تنصيف الطلاق بناء العتق على التغليب الذي لأجله شرع التدبير، لكون التعارض بينهما من وجه، خصوصا مع عدم منع التدبير رجوع الواهب بالموهوب و لا الرجوع بالعين لعيب مثلا في البيع، فإنه لا فرق بينهما في المقام، و ما في بعض كتب العامة من قوة الفسخ فيهما، و كونه كالعقد بخلاف الطلاق مجرد استحسان، و من هنا كان خيرة ثاني الشهيدين بطلان التدبير في النصف، إلا أن الانصاف عدم خلو الأول من قوة أيضا.

و على كل حال فان رجعت بالتدبير أخذ نصفه، و إن أبت لم تجبر على الرجوع و كان عليها قيمة النصف بل قد يقال: بأن له قيمة النصف في الأول أيضا و إن رجعت فيه بعد الطلاق قبل

الغرامة، لما عرفت من كون الطلاق مملكا من حينه، فمع فرض تمليكه القيمة عليها يكون العبد مدبرا لا دليل على عود استحقاقه إلى العين بعد الرجوع، اللهم إلا أن يقال: إن لم يعد الحق إليها فلا ريب في أنها أقرب إليه من القيمة، و فيه أنه لا دليل فيه أيضا على وجوب الأقرب بعد فرض تعلق السبب بمقتضاه.

و من ذلك يعلم الكلام فيما لو دفعت نصف القيمة ثم رجعت في التدبير الذي هو أولى من الأولى بالحكم السابق و إن قيل كان له العود في العين لأن القيمة أخذت لمكان الحيلولة كالعين المغصوبة و لكن فيه تردد منشؤه ما عرفت، و ما في المتن من استقرار الملك بدفع القيمة و لو للأصل.


1- 1 الوسائل الباب- 32- من كتاب الوصايا.
2- 2 الوسائل الباب- 51- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 124

[الثاني إذا زوجها الولي بدون مهر المثل يصح المهر المسمى]

الثاني قد عرفت فيما مضى أن المولى عليها إذا زوجها الولي بدون مهر المثل لا لمصلحة كان لها عدم إجازة المهر، بل و العقد في وجه تقدم الكلام في ذلك مفصلا، و لكن في المتن هنا قيل: يبطل المهر و لها مهر المثل، و قيل: يصح المسمى و هو أشبه بعمومات الولاية و بما ثبت كتابا(1)و سنة(2)من أن له العفو عن المهر و هو مناف لما اختاره سابقا، اللهم إلا أن يحمل على الصحة التي لا تنافي اعتراضها، فلاحظ و تأمل.

و في المسالك «أن المختار صحة العقد و لزوم المسمى مع المصلحة، و ثبوت الخيار لها فيه مع عدمها، فان فسخت فلها مهر المثل مع الدخول كالمفوضة- إلى أن قال:- و لو كان المولى عليه ذكرا و زوجه الولي بأكثر من مهر المثل فالأقوى وقوفه على الإجازة لعقد الفضولي بالنسبة إلى المسمى، فإن أبطله ثبت مهر المثل كالسابق، و يتخير الأخر حينئذ في العقد، هذا إذا كان الصداق من مال الولد، فلو كان من مال الأب جاز، لأنه لا تخيير للولد حينئذ، و إن دخل في ملك الولد ضمنا» و ظاهره الفرق في الحكم بينهما، و فيه نظر يعرف مما قدمناه سابقا فلاحظ و تأمل.

[الثالث لو تزوجها على مال مشار اليه غير معلوم الوزن فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صح]

الثالث لو تزوجها على مال مشار اليه غير معلوم الوزن أو غيره مما يعتبر فيه العد و الكيل و الذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صح لعموم أدلة الإبراء(3)


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب المهور.
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 125

خلافا لما عن الشيخ من المنع عند الجهل بالقدر في قول و كذا لو تزوجها بمهر فاسد و استقر لها مهر المثل فأبرأته منه أو من بعضه صح لذلك و لو لم تعلم كميته، لأنه إسقاط للحق، فلم يقدح فيه الجهالة التي لا دليل يعارض العمومات و غيرها على مانعيتها، نعم لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول بناء على وجوبه به لم يصح، لعدم الاستحقاق

حينئذ، فهو إبراء مما لم يجب، مع احتمال أن يقال:

إنه مع تحقق استحقاق أن تستحق بالعقد مثلا يصح له إسقاط ذلك الاستحقاق لكنه ليس إبراء من مهر المثل، فتأمل، و الله العالم.

[تتمة إذا زوج ولده الصغير فان كان له مال فالمهر على الولد و إن كان فقيرا]
اشاره

تتمة:

إذا زوج ولده الصغير فان كان له مال فالمهر على الولد، و إن كان فقيرا أي لم يكن له مال فالمهر في عهدة الوالد و حينئذ ف لو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته لأنه من ديونه سواء بلغ الولد و أيسر أو مات قبل ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص، ففي

صحيح الفضل بن عبد الملك (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه و هو صغير، قال: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الأب، قال: لا، قلت: على من الصداق؟

قال: على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلا أن لا يكون للغلام مال، فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن»

و موثق عبيد(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزوج ابنه و هو صغير قال: إن كان لابنه مال فعليه المهر، و إن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ضمن أم لم يضمن»

و خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن الرجل يزوج ابنه و هو صغير فدخل الابن بامرأته على من المهر؟ على الأب؟ قال: المهر على الغلام، و إن لم يكن له شي ء فعلى الأب ضمن ذلك عن ابنه أو لم يضمن إذا كان هو أنكحه و هو صغير»


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 126

و على ذلك ينزل إطلاق

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن رجل كان له ولد فزوج منهم اثنين و فرض الصداق ثم مات، من أين يجب الصداق من جملة المال أو من حصتهما؟ قال: من جميع المال، إنما هو بمنزلة الدين».

فلا حاجة حينئذ بعد ذلك إلى ما عن السرائر و التذكرة- من الاستدلال عليه بأنه لما قبل النكاح لولده مع علمه بإعساره و بلزوم الصداق فعقد النكاح علمنا بالعرف و العادة أنه دخل على أن يضمنه- الواضح منعه، بل يمكن دعوى أن المرأة مع علمها بالحال دخلت على أن الصبر إلى الإيسار.

نعم في القواعد «لو تبرأ الأب في العقد من ضمان العهدة صح إن علمت المرأة بالإعسار» و لعله لأن

المؤمنين عند شروطهم (2)

و لدخول المرأة على ذلك، و للاقتصار في خلاف الأصل على المتيقن، بل لو لم تعلم بالإعسار، فكذلك أيضا لما عرفت، و إن قيل: إن لها حينئذ خيار الفسخ، مع أن فيه ما فيه، كما أن ما في كشف اللثام- من احتمال عدم اعتبار التبري حينئذ، لإمكان كون رضاها بذلك لظنها الإيسار و أن التبري قد كان مما ليس عليه ضمانه، و لو أنها علمت كون الضمان عليه لم ترض بالتبري منه- كذلك أيضا هذا.

و لكن في المسالك الإشكال في أصل صحة ذلك، لإطلاق النص و الفتوى بلا معارض، على أن الصبي غير محتاج إلى النكاح، فلاحظ له في التزام المهر في ذمته مع الإعسار عنه، و تزويج الولي له غير متوقف على وجود المصلحة، بل على انتفاء المفسدة، و لو قيد ذلك بما إذا كان في التزام الصبي بالمهر مصلحة- بأن كانت مناسبة له و خاف فوتها بدون ذلك و نحوه- قرب من الصواب إلا أن تخصيص النصوص الصحيحة بذلك لا يخلو من إشكال.

قلت: قد عرفت ما يقتضي تخصيصها لو سلم عمومها، لإمكان دعوى ظهورها


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 127

في صورة الإطلاق أو عدم ظهورها فيما يشمل هذه الصورة، فما عساه يقال-: إن بين أدلة(1)المقام

و «المؤمنون عند شروطهم»(2)

تعارض العموم من وجه و ترجيح الأول على الثاني ليس بأولى من العكس المعتضد بإطلاق الفتاوى- واضح الضعف، خصوصا بعد ما سمعت من عدم ظهور النصوص في الفرض، و إنما هي ظاهرة في النكاح من حيث نفسه، و كذا الكلام في صورة عدم المسمى لفساد أو لتفويض أو لنحو ذلك، فوجب مهر المثل بالدخول بعد البلوغ، فان ضمان الأب حينئذ له و إن بقي الولد على إعساره لا يخلو من إشكال أو منع، بل قد يتوقف في ضمانه بالفرض في مفوضة البضع أيضا.

و لو كان الصبي مالكا لبعض المهر دون بعض ففي المسالك «لزمه منه بنسبة ما يملكه، و لزم الأب الباقي- ثم قال فيها أيضا-: إن إطلاق النصوص و الفتاوى يقتضي عدم الفرق في مال الصبي بين كونه مما يصرف في الدين على تقديره و غيره، فيشمل ما لو كان له دار سكنى و دابة ركوب و نحو ذلك، فيكون المهر حينئذ في ذمته و إن كان لا يجب عليه الوفاء منها، بل تنتظره حتى يقدر على الوفاء إن شاء جمعا بين الأصلين» قلت: إن كان المراد من النصوص بالمال للصبي الذي تتسلط المرأة على استيفاء مهرها منه كان المتجه حينئذ عدم اعتبار المستثنيات المزبورة، و إن كان المراد صدق له مال و إن لم يكن كذلك لقلته أو لكونه مرهونا أو لغير ذلك من الموانع التي تمتنع المرأة من استيفاء مهرها إلا أنه مع ذلك يصدق عليه أن عنده مال و شي ء اتجه حينئذ عدم التوزيع في الفرع الأول، بل يكون تمام المهر عليه، و لعل ذلك هو الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، و لتعليق ضمان الأب على ما إذا لم يكن عنده شي ء في خبر علي بن جعفر(3)و مال في غيره (4)فتأمل جيدا.

و على كل حال ففي كل موضع لا يضمن الأب المهر لو أداه تبرعا عن


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 128

الصبي أو ضمنه لا بقصد الرجوع لم يكن له رجوع للأصل، كما لو أداه عن أجنبي أو أداة أجنبي، نعم لو أداه بقصده مع الغبطة أو عدم المفسدة يتجه حينئذ رجوعه، لعموم ما دل على نفوذ تصرف الأولياء، و خصوصا الإجباري منه، و ما عن التذكرة- من عدم الرجوع بالأداء، و رجوعه بالضمان مع قصده الرجوع به في موضع منها- غير واضح الوجه، ضرورة عدم الفرق بينهما في ذلك كما عرفت.

و لا يخفى أن مورد النصوص الأب و في التعدي إلى الجد و إن علا وجهان، من كونه أبا حقيقة، بل ولايته أقوى من ولاية الأب في بعض المواضع، و من مخالفة الحكم للأصول، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، خصوصا و المنساق منه هنا الأب، بل في المسالك منع كونه أبا حقيقة، و لذا يصح سلبه عنه، و مطلق الاستعمال أعم من الحقيقة، و إن كان فيه ما فيه.

و لا فرق في ضمان الأب المهر بين المؤجل منه و المعجل و إن زاد الأجل على زمان البلوغ، بل و لا في النكاح بين الفضولي و غيره مع

إجازة الأب له، نعم لو لم يجز الأب لعدم علمه مثلا فأجاز الولد بعد بلوغه أمكن عدم الوجوب على الولي، للأصل و ظهور خبر علي بن جعفر(1)في خلافه.

و كذا لا فرق فيه بين أن يكون دينا في ذمة الوالد أو عينا يبذلها للمهر بها عن ولده، بل صريح بعضهم المفروغية من ذلك، و لعله للقطع بإلغاء الخصوصية في مضمون النصوص، إلا أن الانصاف عدم خلوه من نوع تأمل و إن كان الأقوى ذلك، و الله العالم.

و كيف كان فلو دفع الأب المهر الذي ضمنه في ذمته لإعسار الصبي و بلغ الصبي فطلق قبل الدخول استعاد الولد النصف منه دون الوالد، لأن الطلاق مملك جديد للنصف لا فاسخ لسبب الملك و لما قيل من أن ذلك من الوالد يجري مجرى الهبة من الوالد إلى الامرأة، و على كل حال فمع طلاقه يرجع


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 129

اليه نصف المال الذي دفع مهرا، بل هو كذلك لو دفعه عن الصبي الموسر تبرعا أو ضمنه عنه كذلك، بل لا فرق بين الولد و الأجنبي في ذلك فضلا عن الكبير كما لا فرق بين الولد و بين الأجنبي.

و منه يعلم الوجه في قول المصنف:

[فرع لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثم طلق الولد رجع الولد بنصف المهر]

فرع لو أدى الوالد المهر عن ولده الكبير تبرعا ثم طلق الولد رجع الولد بنصف المهر، و لم يكن للوالد انتزاعه منه، لعين ما ذكرناه في الصغير و لكن في المتن و في المسألتين تردد و كذا في القواعد، لكن في الدفع عن الكبير ولدا كان أو أجنبيا، بل في محكي التحرير الحكم برجوع النصف للوالد كما في القواعد، و لعل ذلك كله لأن دفع الوالد إنما هو للوفاء عما في ذمة الولد تحقيقا أو تقديرا، كما في الصبي المعسر الذي كان ينبغي صيرورة العوض في ذمته مقابل البضع الذي ملكه على حسب المعاوضات، كما يومئ اليه التعبير في النصوص (1)بضمان الوالد المشعر بكونه كالضمان عنه، فمع الطلاق الذي هو فسخ عقد النكاح يعود النصف إلى من دفعه وفاء، نحو الفسخ بالعيب في البيع الذي دفع فيه الثمن عن ذمة المشتري تبرعا مثلا.

و من هنا جزم في القواعد بأنه «لو طلق الولد قبل أن يدفع الأب عن الصبي المعسر سقط النصف عن ذمة الأب و الابن، و لم يكن للابن مطالبة الأب بشي ء» بل في كشف اللثام «أنه ظاهر، لأنه بضمانه تمام المهر للامرأة لا يثبت للابن عليه شي ء، و إنما ينتقل إليه المهر بدفعه عنه إليها، كما أن المديون لا يطالب الضامن عنه بشي ء إذا أبرأه المضمون له، نعم لو كان المهر عينا للأب ملكتها المرأة بالإصداق و إن لم تقبضها، فإذا طلقها رجع إليه لا إلى الأب نصفها».


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 130

إلا أن الجميع كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النص (1)و الفتوى في أن الطلاق مملك لا أنه فاسخ يعود به السبب الأول للملك، بل ظاهر المحكي عن الشيخ الإجماع عليه، و حينئذ لا فرق بين دفع الأب و عدم دفعه، بل و لا بينه و بين الضمان تبرعا، و لا بين كونه عينا أو دينا، ضرورة عدم الفرق في تسبيبه الملك لنصف العين أو الدين، فيطالب به الأب.

و لعله لذا اعترف في المسالك بعدم ظهور الفرق بين الدفع و عدمه في الصبي المعسر برجوع الولد بالنصف، لكن قال: إن ذلك يتم لو كان الأب متبرعا بالدفع عن الصغير، و فيه أنه لا فرق أيضا مع دفعه أو ضمانه كذلك، نعم لو لم يكن قد دفع و لا ضمن لم يكن له الرجوع بشي ء على الوالد، لأن ذمته المشغولة لا والده، و الفرض عدم دفع عنه.

و من الغريب ما سمعته من كشف اللثام من قياس ذلك على الضمان الذي لا يتم التشبيه فيه إلا بالضمان عنه باذنه فاتفق أن المضمون له قد أبرأ ذمة الضامن فإنه تبرأ ذمة المضمون عنه أيضا، لكونه دينا واحدا، و هو غير ما نحن فيه، نعم لو قلنا في الصبي المعسر إن ذمته المشغولة و الأب ملتزم بالتأدية عنه اتجه حينئذ ما ذكره و لكنه خلاف ظاهر النصوص (2)بل صريحها و صريح الفتاوى، بل ما في النصوص من التعبير بالضمان يراد منه الالتزام نحو

قوله عليه السلام (3): «من أتلف مال غيره فهو له ضامن»

لا الضمان المصطلح، على أنه على تقديره فهو حينئذ ضمان شرعي قهري لا ينافي تملك نصفه للولد بالطلاق.

و دعوى أن المراد بالاية «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ»(4)عود النصف للفارض، و هو


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب- 17- من أبواب المهور و الباب- 24 و 31 و 34 و 35- منها.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب المهور.
3- 3 راجع التعليقة في ص 91.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 237.

ج 31، ص: 131

هنا الأب، أو أن المراد لها نصف ما فرضتم لهن، فيبقى النصف الأخر على حاله يدفعها ظهور النص و الفتوى في إرادة ما يشمل فرض الولي، و لهذا لم يكن عندهم إشكال معتد به في تملك الولد النصف مع الدفع، و ظهورهما أيضا في إرادة تملك المطلق نصف المفروض الذي ملكته الامرأة بتمامه في العقد كما هو واضح، و كأن تردد المصنف باعتبار اشتهار تعليل هذا الحكم بما ذكره من التنزيل منزلة الهبة، و حينئذ فإذا دفع و طلق الولد كان له باعتبار لزوم هبة الرحم، و إن كان من الأجنبي كان هذا الدفع منه للزوجة بمنزلة قبض الموهوب و تصرفه بالهبة، فليس له الرجوع، و يتعين للولد النصف بالطلاق، أما إذا لم يدفع فلا هبة، فإذا طلق لم يكن للولد الرجوع على الوالد، و فيه أنه لا رجوع له إلا مع الضمان التبرعي، و الطلاق مملك للولد

النصف، فيستحق حينئذ على الضامن إذا ملكت الامرأة عليه الكل بالضمان.

على أن دعوى الهبة في السابق مع عدم قصدها، و عدم ولاية الدافع عن المدفوع عنه في بعض أفرادها، و غير ذلك مما ينفي كونه هبة، و خصوصا مع ملاحظة النظائر التي يدفع فيها الدين تبرعا عن المديون و بدون إذنه، لعدم اعتبار المملوكية في المدفوع وفاء كي يحتاج إلى هذا التقدير مما لا ينبغي صدورها ممن له أدنى ممارسة في الفقه، و لعله لذلك تردد المصنف، و استشكل غيره، و التحقيق ما عرفت.

و من ذلك كله تعرف النظر في جملة من كلمات القوم التي أطنب فيها في المسالك، كما أنك منه قد عرفت الوجه في جميع أفراد المسألة، و الله العالم.

ج 31، ص: 132

[الطرف الرابع في التنازع]
اشاره

الطرف الرابع في التنازع و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا اختلفا في أصل المهر فالقول قول الزوج مع يمينه]
اشاره

الأولى إذا اختلفا في أصل استحقاق المهر و عدمه ف لا ريب في أن القول قول الزوج مع يمينه بلا خلاف و لا إشكال إذا كان ذلك قبل الدخول للأصل بل الأصول السالمة عن المعارض، لاحتمال تجرد العقد عن المهر الذي قد عرفت عدم اعتباره في صحته، بل قيل: مقتضى الأصل تجرده، و لذا كان الأصل التفويض لو وقع الاختلاف بينهما في التسمية و عدمها بلا خلاف و لا إشكال أيضا، نعم قد يظهر من بعض العامة التحالف، و مرجعه الى حكم التفويض أيضا، و على كل حال فلا إشكال في الحكم المزبور.

لكن الاشكال لو كان الاختلاف بينهما في أصل استحقاق المهر و عدمه بعد الدخول ف المشهور كما في كشف اللثام أن القول قوله أيضا نظرا إلى البراءة الأصلية لاحتمال أن ذلك قد كان بانكاح أبيه و هو صغير معسر، فيكون المهر على أبيه، و إنكاح سيده لأنه رق سابقا فيكون المهر في ذمة السيد، بل في الرياض الحكم بذلك قطعا مع ثبوت انتفاء التفويض باتفاقهما عليه أو البينة أو ما في معناها، لجواز كون المسمى دينا في ذمة الزوجة أو عينا في يدها، فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرده مقتضيا لاشتغال ذمة الزوج بشي ء من المهر و ظاهرا، مع احتماله أيضا لأصالة البراءة المرجحة على أصالة عدم التسمية، مع أن فرض

ج 31، ص: 133

التساوي لا يوجب الحكم باشتغال الذمة إلا مع رجحان الأصالة الأخيرة، و ليس فليس كل ذلك.

مضافا إلى ما في كشف اللثام من الاستدلال عليه بالأخبار ك

قول الصادق عليه السلام في خبر الحسن بن زياد(1): «إذا دخل الرجل بامرأته ثم ادعت المهر و قال:

قد أعطيتك فعليها البينة و عليه اليمين»

و في

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2): «إذا أهديت إليه و دخلت بيته و طلبت بعد ذلك فلا شي ء لها، إنه كثير لها أن يستحلف بالله ما لها قبله من صداقها قليل و لا كثير».

قلت: قد يقال: الظاهر أن مبني هذه النصوص على ما إذا كانت العادة الإقباض قبل الدخول، بل قيل إن الأمر كذلك كان قديما، فيكون حينئذ ذلك من ترجيح الظاهر على الأصل، و على كل حال موضوعها غير مفروض المسألة، ضرورة كونه في اختلافهما في وصول المهر إليها و عدمه، بخلاف ما نحن فيه الذي قد سمعت مفروضه استحقاق المهر و عدمه.

بل من ذلك يظهر لك وجه النظر فيما سمعته من الرياض على التقديرين لأن احتمال كون المهر دينا له في ذمتها أو عينا لا ينافي دعواها الاستحقاق، و إنما ينافي جوابه دعواها بعدم الاستحقاق، ضرورة كون ذلك على فرضه أداء منه لما استحق عليه، فكان عليه إثباته و من هنا لم يذكر الأصحاب ذلك في وجه براءته التي هي مقتضي الأصل، و إنما ذكروا احتمال كون المهر في ذمة الوالد و السيد، فإنه عليهما يكون إنكاره الاستحقاق عليه في محله، و هو الموافق حينئذ للأصل.

و من هنا قال في المسالك: «هذا التوجيه حسن حيث يكون الزوج محتملا لكونه بأحد الوصفين، فلو علم انتفاؤهما في حقه- بأن كانت حريته معلومة و لم يتزوج المرأة المدعية إلا و هو

بالغ أو مات أبوه قبل أن يتزوجها و نحو ذلك- لم يتمسك بالبراءة الأصلية، للقطع باشتغال ذمته بعوض البضع، لانحصار أمره حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور الحديث 8.

ج 31، ص: 134

في الأمرين على سبيل منع الخلو، لأنه إن كان لم يسم مهرا فقد استقر عليه مهر المثل، و إن كان قد سمى استقر المسمى، و الأصل عدم دفعه إليها، و اللازم من ذلك أن لا يلتفت إلى إنكاره، بل إما أن يحكم عليه بمهر المثل، أو ما تدعيه المرأة إن كان أقل، نظرا إلى أصالة عدم التسمية الموجب لذلك، و إما أن يطالب بجواب آخر غير أصل الإنكار، فإن ادعى تسميته حكم عليه بالمسمى إلى أن يثبت براءة ذمته منها أو عدمها فيثبت عليه مقتضى التفويض» و هو صريح في أن القول قولها حينئذ مع العلم بانتفاء الاحتمالين.

بل قد يقال بذلك مع عدم العلم أيضا، بدعوى أن الأصل ثبوت الاستحقاق بالدخول حتى يعلم عدمه، لاستفاضة النصوص (1)بكون الدخول موجبا للمهر و الغسل و العدة، و هو قاعدة شرعية قاطعة لأصالة البراءة، مضافا إلى أولوية البضع من المال بأصالة الاحترام و الضمان، و لعله إلى ذلك أومأ في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر ما عرفت عن المشهور قال: «و يشكل بأن الأصل مع الدخول شغل ذمة الزوج خصوصا إذا علم انتفاء الأمرين» بل هو ظاهر المسالك في أثناء كلام له، بل لعله إليه

يرجع ما عن الإرشاد في مفروض المسألة من وجوب مهر المثل بتقريب الأصل السابق و أصالة عدم التسمية، فيثبت التفويض الموجب لمهر المثل، و ليس ذلك من الأصول المثبتة، لأن التفويض قيده عدم (عدمي خ ل) يمكن إثباته بالأصل، فيترتب حكم التفويض، و لا حاجة إلى ما في المسالك من أنه لا بد من تقييده بعدم زيادته على ما تدعيه، لأن الزائد عنه منفي بإقرار المدعي، فلا يجب دفعه إليه، و ذلك لأن مفروض المسألة الاقتصار في اختلافهما على أصل استحقاق المهر و عدمه، و ما ذكره من التقييد خروج عن مفروض المسألة المتجه فيه الضمان بمهر المثل الذي هو قيمة له كالمال، فلا وجه حينئذ للقول بأن ثبوت استحقاق المهر إنما يقتضي ثبوت أقل ما يتمول الصالح لأن يكون مهرا يتحقق به أصالة ثبوته بالدخول، ضرورة أنك قد عرفت اقتضاء أصالة احترام البضع و ضمانه على حسب


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 135

المال ضمانه بقيمته التي هي مهر المثل، حيث لا يثبت الأقل أو الأكثر بالتسمية بالعقد مثلا، و حينئذ فالزوج مدع إن ادعى الأقل، كما أنها مدعية لو ادعت الأكثر.

و من ذلك يعلم ما في قول المصنف و لا إشكال لو قدر المهر بأرزة واحدة أي ربع حبة، و الحبة ثلث قيراط، و هو جزء من عشرين جزء من دينار لأن الاحتمال متحقق و الزيادة غير معلومة اللهم إلا أن يريد عدم الاشكال باعتبار رفع الاختلاف بينهما، ضرورة أعمية دعواها الاستحقاق من الأرزة و غيرها، فلا نزاع بينهما، لعدم إنكاره دعواها، لا أن الأرزة فقط ثابتة حتى لو زادت على دعواها استحقاق المهر بإنكار التسمية بذلك، فان القول حينئذ قولها بيمينها، للأصل و يثبت لها مهر المثل لما عرفت، و لو زادت مع ذلك في جوابه ببيان دعوى استحقاقها بدعوى التسمية بأزيد من ذلك كان ذلك من الاختلاف في القدر الذي ستعرف الكلام فيه.

و من ذلك كله ظهر لك ما عن التحرير من أنه «إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر هل سمى أم لا؟ فان ذكر تسمية كان القول قوله مع اليمين، و إن ذكر عدمها لزمه مهر المثل، و إن لم يجب بشي ء حبس حتى يبين» إذ من المعلوم أن الاستفسار إنما يجب مع إفادة الكلام فائدة بدونه، و قد عرفت أن مجرد الاعتراف بالنكاح مع الدخول له حكم يترتب عليه، فلا يجب الاستفسار و إن كان جائزا، كما أن من المعلوم ان القول قولها في عدم التسمية لا قوله، نعم هو كذلك لو اتفقا عليها و اختلفا فيها قلة و كثرة، كما تسمع الكلام فيه، و حبسه إذ لم يبين تعجيل عقوبة لا سبب لها، و ذلك لأن الدخول يقتضي حكما فينبغي ترتيبه عليه حتى يتبين خلافه.

و لو عدل الزوج قبل الحكم عليه بمهر المثل إلى دعوى لا تنافي الأولى بأن قال: كنا سمينا قدرا و لكن وصل إليها أو أبرأتني منه أو نحو ذلك سمعت الدعوى و رتب عليها حكمها من قبوله في القدر و قبول قولها في عدم القبض و الإبراء، و هو

ج 31، ص: 136

حسن إن تجبه بإنكار التسمية، و إلا كان لها أيضا مهر المثل بيمينها على نفي التسمية، كما هو واضح.

و لو اختلفا في قدره بأن ادعت الامرأة تسمية الزائد و الرجل الناقص أو اختلفا في وصفه بعد الاتفاق على جنسه أي نوعه على وجه ترتفع الجهالة القادحة فيه ثم ادعت المرأة زيادة وصف آخر مثلا و أنكر هو ذلك ف لا ريب في أن القول قوله أيضا كما هو المشهور بين الأصحاب، بل هو كالمجمع عليه، بل ربما حكاه عليه بعضهم، لأصالة البراءة من الزائد و من الوصف الذي هو بمنزلة دعوى الاشتراط، و ل

صحيح أبي عبيدة(1)عن الباقر عليه السلام «في رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فادعت أن صداقها مأة دينار و ذكر الزوج أن صداقها خمسون دينارا و ليس لها بينة على ذلك، قال: القول قول الزوج مع يمينه».

و جعل بعضهم من الاختلاف في الوصف الاختلاف في التعجيل و التأجيل أو زيادة الأجل، لمعارضة أصالة عدم التأجيل و زيادته بأصالة عدم الزيادة في المهر، فإن التأجيل نقص في المهر و عدمه زيادة فيه، و الأصل عدمها، و هكذا في كل وصف يقتضي زيادة المهر مضافا إلى أصالة عدم اشتغال الذمة الان مثلا في الاختلاف في الأجل، و فيه منع واضح و مخالفة للمعلوم في غير المقام من عدم معارضة أصالة عدم ذكر الأجل أو زيادته بأصالة عدم الزيادة باعتبار ورودها عليه.

و من الغريب ما في المسالك من تفسير عبارة المصنف بدعوى الامرأة استحقاقها عليه من جهة المهر مأة دينار سواء كان ذلك جميعه أو بعضه، ثم حكى عن مشهور الأصحاب تقديم قول الزوج و ذكر الصحيح المزبور إلى أن قال: «و لا فرق بين كون مدعاه مما يبذل مهرا عادة لأمثالها و عدمه عندنا، لعموم الأدلة- ثم قال-: و مقتضى إطلاق الأصحاب و الرواية أنه لا يستفسر هنا بكون ذلك تسمية أم من مهر المثل، و للبحث في ذلك مجال، لأنه لو كان بعد الدخول مع اتفاقهما على عدم التسمية فالواجب مهر المثل، فإذا كان الذي يعترف به أقل منه فدعواه في قوة


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب المهور الحديث 1.

ج 31، ص: 137

إيتاء الزائد، و التخلص منه بالإبراء و نحوه، و مثل ذلك لا يقبل قوله فيه، و كذا مع اتفاقهما على التسمية و اعترافه بأنها أكثر و لكن يدعى التخلص من الزائد، ضرورة أن ذلك ليس من الاختلاف في القدر المذكور في النص و الفتوى بل لعلهما صريحان في خلافه- ثم قال-: و الحق حمل النص و الفتوى على ما لو أطلق الدعوى أو ادعى تسمية هذا القدر و ادعت هي تسمية الأزيد- إلى أن قال-:

و مع ذلك ففيهما معا بحث، لأنه مع الإطلاق كما يحتمل كونه بطريق التسمية يحتمل كونه بطريق عوض البضع المحترم، و عوضه مطلقا مهر المثل، و إنما يتعين غيره بالتسمية، و الأصل عدمها، و هذا الأصل مقدم على أصل البراءة، لوجود الناقل عنها، و مع اختلافهما في قدر التسمية يكون كل منهما منكرا لما يدعيه الأخر منهما، فلو قيل بالتحالف و وجوب مهر المثل كان حسنا، إلا أن إطلاق الرواية الصحيحة المتناول لمحل النزاع يؤنس بترجيح ما أطلقه الأصحاب على ما فيه من الحزازة، و من ثم قال العلامة في القواعد: و ليس ببعيد من الصواب تقديم من يدعى مهر المثل منهما، فان ادعى النقصان و ادعت الزيادة تحالفا و ردا إليه، و لو ادعيا الزيادة عليه المختلفة احتمل تقديم قوله لأنه أكثر من مهر المثل و مهر المثل، و لو ادعيا النقصان عنه احتمل تقديم قولها و مهر المثل، و على كل حال فلا خروج عما عليه الأصحاب و يتناوله إطلاق النص الصحيح و إن كان ما قربه العلامة في محل القرب».

قلت: هذا منه أيضا كسابقه، ضرورة عدم اندراج صورة الإطلاق في النص و الفتوى و إن كان الحكم فيها ما ذكره بناء على عدم وجوب الاستفسار أو عدم التمكن منه على وجه يفيد، و إنما محل كلام الأصحاب الصورة الثانية خاصة، و لا وجه للتحالف فيها بعد تصادم الدعويين منهما، و رجوع الحال إلى الاختلاف في الدين من حيث كونه دينا زيادة و نقصا، و لا ريب في أن القول قول مدعى النقيصة بعد اتفاقهما على قدر متيقن، و الاختلاف إنما هو في الزائد و القول قول منكره، لأصالة البراءة، و كلام العلامة بعد أن ذكر أنهما لو اختلفا في قدره أو وصفه أو ادعى التسمية

ج 31، ص: 138

فأنكرت قدم قوله و لو قدره بأرزة مع اليمين قال ما سمعته، و ظاهره الفتوى في الأول، على أن التحالف لم يذكره إلا فيما إذا اختلفا بدعوى الزيادة على مهر المثل منه و النقصان منهما، أما إذا كان دعوى أحدهما مهر المثل كان القول قوله، لاعتضاد أصالة عدم الزائد بظهور الحال في ذلك، و هو غير ما ذكره من التحالف مطلقا.

هذا كله مضافا إلى ما في كلام العلامة من النظر الواضح، إذ لا وجه لتقديم قوله مع دعواه التسمية و لو بالارزة و إنكارها ذلك، مع أن الأصل عدم التسمية، فالمتجه حينئذ فيه مهر المثل الذي هو قيمة البضع، كما أنه لا وجه للرجوع إلى مهر المثل في دعواهما الزيادة المختلفة مع اعتراف الزوج بتسمية الأزيد منه و في دعواهما النقصان عنه مع اعتراف الزوجة بالأنقص منه، فالتحقيق حينئذ ما عرفت، بل لا فرق بين الاختلاف في القدر و في الوصف لكن على الوجه الذي عرفته.

أما لو كان اختلافهما في دعوى كل منهما وصفا مستقلا تختلف القيمة باختلافه فالمتجه التحالف، نحو الدعوى في اختلاف العين، فيفسخ الالتزام بالوصف خاصة مع فرض صحة العقد بدونه، و إلا فسد المهر و رجع إلى مهر المثل لانفساخ المسمى حينئذ بالتحالف.

و لو فرض اختلافهما في وصف يفسد العقد بانتفائه كان القول قول مدعيه، لأصالة الصحة.

و من ذلك كله يعلم ما في إطلاق المسالك من أنه لو قيل بالتحالف على تقدير الاختلاف في الصفة كان وجها فيثبت مهر المثل إلا أن يزيد عما تدعيه المرأة و ينقص عما يدعيه الزوج، كما أنه يعلم أيضا ما في دعوى إطلاق تقديم قول الزوج مع الاختلاف في الوصف و إن كان نحو الاختلاف في التأجيل و الحلول أو زيادة الأجل و نقصانه، ضرورة مخالفته للقواعد و للنظائر في غير المقام من غير دليل خاص.

و كذا ما عن جماعة منهم الشيخ في المبسوط و ابن إدريس و العلامة في التحرير من تقديم قول الزوج في الاختلاف في جنس المهر كالاختلاف في القدر، بل عن

ج 31، ص: 139

ظاهر الخلاف الإجماع عليه، ضرورة كون المتجه فيه التحالف، من غير فرق بين أن يختلفا قيمة أولا، لأن كلا منهما مدع منكر كما في نظائره، و أصالة براءته من غير العين التي يدعيها معارض بأصالة عدم استحقاقها غير العين التي تدعيها بالعقد.

اللهم إلا أن يريدوا الاختلاف في جنس لم يتعلق غرض بعينه، و إنما المراد منه القيمة، كما لو اختلفا في كون المهر مأة دينار أو مأة درهم بعد أن كان المتفق عليهما من النقد، فإنه يمكن أن يكون ذلك نحو الاختلاف في القدر باعتبار عدم تعلق الغرض بخصوص الدرهم أو الدينار، و إنما المراد المقدار، فيكون القول قول الزوج الذي هو مدعي النقيصة، و ربما يومئ إلى ذلك تمثيلهم له بذلك، لا ما إذا كان الاختلاف في أنه دار مثلا أو حيوان فإنه لا وجه لتقديم قول الزوج المنفي بالأصل، كالدعوى المقابلة له، كما هو واضح، و الله العالم. هذا كله في الاختلاف في أصل المهر أو قدره أو جنسه أو وصفه.

أما لو اعترف أي الزوج بالمهر ثم ادعى تسليمه و لا بينة ف لا إشكال و لا خلاف معتدا به في أن القول قول المرأة مع يمينها، لأصالة عدم التسليم من غير فرق بين ما قبل الدخول و بعده، نعم قد سمعت سابقا جملة من النصوص (1)و فيها الصحيح و غيره دالة على أن القول قوله مع الدخول، و هي مطرحة أو منزلة على ما إذا كانت عادة بتقديم المهر على وجه يكون الظاهر مع الزوج، فتخرج حينئذ هذه الأخبار دليلا على تقديم الظاهر على الأصل، بل ربما جمع بين المحكي عن صداق الخلاف أن بتقديم قولها الإجماع و الأخبار و عن نفقاته أن بتقديم قوله الإجماع و الأخبار بذلك أيضا فيحمل الثاني على جريان العادة بالتقديم، و الأول على خلافه إلا أنه مع ذلك لا يخلو من بحث أيضا. و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب المهور.

ج 31، ص: 140

[تفريع لو دفع قدر مهرها فقالت دفعته هبة فقال بل صداقا فالقول قوله]

تفريع:

لو دفع قدر مهرها مثلا من دون أن يقترن دفعه بما يقتضي وفاء أو هبة من لفظ أو غيره ثم اختلفا بعد ذلك فقالت المرأة دفعته هبة فقال: بل دفعته صداقا فالقول قوله، لأنه أبصر بنيته و الوفاء إنما يعتبر فيه نية الدافع دون القابض، بل في المسالك «أنه

كذلك بغير يمين، لأنه لو اعترف لها بما تدعيه لم تتحقق الهبة إلا بانضمام لفظ يدل عليها، فلا يفتقر إلى يمين» و فيه إمكان الاكتفاء في الهبة بالفعل المنوي به ذلك و إن كان هو حينئذ بحكم المعاطاة و حينئذ يتوجه لها اليمين عليه، كما يتوجه أيضا لو قرنه بلفظ قابل لكل منهما، بحيث لا يتشخص المراد به إلا بالقصد أيضا، ضرورة كونه المنكر باعتبار استناده إلى أمر لا يعلم إلا من قبله.

و كذلك لو ادعت عليه أنه تلفظ بما يدل على الهبة و إن كان ليس نزاعا في النية، و لكن قوله أيضا موافق لأصل العدم الذي يكفي في تحقق كونه منكرا.

و لو فرض اعترافه بصدور ما يظهر منه الهبة كان القول قولها و إن ادعى هو أنه أراد خلاف الظاهر بل لا يبعد عدم ضمانها للمدفوع مع فرض تلفه حتى لو علم بعد ذلك منه إرادة خلاف الظاهر، نعم يتجه له الرجوع حينئذ به لو كانت عينه باقية، كما هو واضح.

ج 31، ص: 141

[المسألة الثانية إذا خلا الزوج بالزوجة فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا و كانت بكرا فلا كلام]

المسألة الثانية إذا خلا الزوج بالزوجة خلوة خالية عن موانع الوقاع فادعت المواقعة فإن أمكن الزوج إقامة البينة على فساد دعواها بأن ادعت هي أن المواقعة قبلا و كانت بكرا فلا كلام في بطلان دعواها حينئذ من غير يمين، لبعد احتمال عودها و إن كان يسمع منها لو ادعته، لكن مع إقامتها البينة بالمواقعة أو بالزوال سابقا، نعم قد يناقش بأن الختانين يلتقيان من دون زوال البكارة كما في كشف اللثام، هذا و في المسالك في شرح عبارة المتن «إذا ادعت بعد الخلوة التامة الخالية من موانع الوقاع الدخول و أنكر فإن كانت بكرا فلا إشكال، لإمكان الاطلاع على صدق أحدهما باطلاع التعاقب من النساء عليها، و ذلك جائز لمكان الحاجة، كنظر الشاهد و الطبيب» و فيه مضافا إلى ما عرفت أن رؤياها ثيبا لا دلالة فيه على صدق دعواها، لاحتمال زوال بكارتها بغير وقاعه، كما أن كونها بكرا لا يوجب تمكينها من نفسها للاطلاع على معرفة حالها، خصوصا مع حرمة النظر إلى العورة، و ما فيه من المشقة، لمنافاته الحياء، فلها المطالبة حينئذ باليمين أو يكون القول قولها على اختلاف القولين، اللهم إلا أن يقال: إنه يظهر من بعض النصوص (1)السابقة في العيوب أن للحاكم تعرف نحو ذلك بنحو ذلك، فله الإلزام في مقام قطع الخصومة، و تبين صحة الدعوى من فسادها.

و على كل حال ف الا يتمكن الزوج من إقامة البينة على وجه المزبور كان القول قوله مع يمينه، لأن الأصل عدم المواقعة و حينئذ ف هو منكر لما تدعيه المرأة عليه، فيكون القول قوله بيمينه، و قيل كما عن الشيخ في النهاية و التهذيبين القول قول المرأة مع يمينها عملا بشاهد حال الصحيح في خلوته بالحلائل (11) فيكون قولها موافقا للظاهر، و هو المحكي عن


1- 1 الوسائل الباب- 4 و 15- من أبواب العيوب و التدليس.

ج 31، ص: 142

ابن أبي عمير و جماعة من القدماء، كما سمعته سابقا في البحث عن استقرار المهر بالخلوة للنصوص (1)السابقة الحاكمة باستقرار المهر بها التي يجب الجمع بينها و بين ما دل (2)على عدم استقراره إلا بالوقاع بالحكم شرعا بالوقاع معها، إلا أن يعلم عدمه مع عدم الدعوى منها، فضلا عما إذا ادعت ذلك كما في الفرض، بل في بعضها(3)عدم سماع دعوى عدم الوقاع منهما معها و إن تصادقا عليه لاتهامهما بإرادة عدم استقرار المهر و عدم العدة عليها، و لعل ذلك أولى مما سمعته من ابن الجنيد من العمل بهذه النصوص على جهة قرار المهر بالخلوة و إن لم يكن معها وقاع، لما سمعته فيما تقدم.

و لكن مع ذلك الأول أشبه منه بأصول المذهب و قواعده و أشهر بين الطائفة، بل لعله إجماع بين المتأخرين منهم، لقصور النصوص المزبورة عن المعارضة باعتبار ضعف سند أكثرها و موافقة لفظها

المروي (4)عن عمر «من أرخى سترا و أغلق بابا فقد وجب عليه المهر»

الذي قد أفتى به أبو حنيفة و كثير من العامة، فيقوى الظن بخروجها مخرج التقية،

فلا تصلح لإثبات ذلك، كما لا تصلح لما سمعته من ابن الجنيد من استقرار المهر بالخلوة المجردة عن الوقاع، فيبقى الظهور المزبور بلا مستند شرعي صالح لقطع الأصول الموافقة لدعوى عدم الوقاع، و الظاهر إذا لم يكن عليه دليل شرعي لا يعارض الأصل، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 55- من أبواب المهور.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور الحديث 6 و الباب- 55- منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 56- من أبواب المهور الحديث 1.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 255.

ج 31، ص: 143

[المسألة الثالثة لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت علمني غيره فالقول قولها]

المسألة الثالثة لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت: علمني غيره فالقول قولها بلا خلاف و لا إشكال لأنها منكرة لما يدعيه نحو إنكارها وصول المهر لو ادعى عليها تسليمه، و نحو إنكارها لو ادعى عليها تعليم السورة فقالت: علمني غيرها، و حينئذ يلزم في الفرض بأجرة التعليم كما عرفته سابقا.

[المسألة الرابعة إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين فادعى الزوج تكرار العقد الواحد و زعمت المرأة أنهما عقدان فالقول قولها]

المسألة الرابعة إذا أقامت المرأة بينة أنه تزوجها في وقتين بعقدين على مهرين متفقين أو مختلفين أو أقر الرجل بذلك فادعى الزوج تكرار العقد الواحد و زعمت المرأة أنهما عقدان فالقول قولها لأن الظاهر معها أي ظاهر الإتيان بالصيغ إرادة ترتب آثارها عليها الذي هو مقتضى أصالة الصحة فيها، لكن في المسالك «قدم قولها عملا بالحقيقة الشرعية، لأن العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع، و استعماله في نفس الإيجاب و القبول المجردين عن الأثر مجاز بحسب الصورة، كتسمية الصورة المنقوشة على الجدار فرسا، و مثله ما لو قال لغيره: بعني هذا العبد ثم ادعى أنه ملكه، فإنه لا يلتفت اليه، و يجعل استدعاؤه البيع إقرارا له بالملك، و لا يعتد بقوله: إني طلبت منه صورة البيع- إلى إن قال-: و المراد بقول المصنف: لأن الظاهر معها أن الظاهر من إطلاق اللفظ حمله على حقيقته دون مجازه، و أراد بالظاهر معنى الأصل من حيث إن استعمال العقد في غير حقيقته خلاف الظاهر في الاستعمال و إن كان المجاز في نفسه كثيرا شائعا» و في كشف اللثام «قدم قولها من غير خلاف يظهر، لأن الأصل و الظاهر معها، فإن الأصل و الظاهر التأسيس و الحقيقة في لفظ العقد و في صيغته، و لا عقد في المكرر حقيقة و لا في الصيغة المكررة بمعنى

ج 31، ص: 144

الإنشاء المعتبر في العقود».

قلت: لا حقيقة شرعية في لفظ العقد قطعا، و على تقديره فليس هو محط النزاع بينهما، ضرورة كون الواقع بينهما مصداق العقد لا لفظه، و دعوى اعتبار ترتب الأثر في أصل وضعه واضحة الفساد، ضرورة تحقق معناه الحقيقي في جميع صور الفساد التي لم يترتب الأثر فيها، و الإنشاء متحقق فيها و إن لم يكن صحيحا يترتب عليه الأثر، و لا ريب في تحقق جميع ما يعتبر في العقد من الإنشاء و غيره في العقد المكرر، و لذا لو صادف فساد الأول أثر فيه، نعم مع فرض كون الأول صحيحا لا يؤثر لانتفاء شرط تأثيره نحو غيره من العقود الفاسدة، فالصحة و الفساد شي ء و الحقيقة و المجاز شي ء آخر، كما هو واضح. نعم ما سمعته من التعليل الأول في كشف اللثام متجه، و مرجعه إلى ما ذكرناه، إذ التأسيس هو الصحة بمعنى ترتب الأثر و على كل حال مع اقتصارهما على الدعوى المزبورة و لو لموت و نحوه ف هل يجب عليه المهران المسميان فيهما؟ قيل: نعم عملا بمقتضى العقدين المحكوم بصحتهما شرعا فيترتب على كل منهما أثره كما هي القاعدة في كل سبب، و قيل كما عن الشيخ في المبسوط و سديد الدين والد العلامة:

يلزمه مهر و نصف، لمعلومية تحقق الفرقة و إلا لم يصح العقد الثاني، و الوطء غير معلوم، بل الأصل عدمه، فتستحق النصف منه، و ربما قيل بلزوم مهر واحد، لأصالة براءة الذمة بعد أن كان من أسباب الفرقة ما لا يوجب مهرا و لا نصفه كردتها و فسخه بعيبها قبل الدخول، و فسخها بعيبه غير العنن قبله أيضا، بل قد ينقدح من ذلك عدم لزوم مهر أصلا بعد فرض كون النزاع بعد الفراق منهما، إلا أن الجميع كما ترى.

و لذا كان الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة عدم ما يصلح به الخروج عن مقتضي السبب الثابتة سببيته و المستصحب مقتضاه، و أصالة عدم الدخول لا تصلح لإثبات التنصيف الذي ينفى مقتضية بأصالة عدم حصوله، كأصالة

ج 31، ص: 145

عدم العيب و نحوه، و مجرد احتمال كون الفرقة مما تقتضي عدم المهر أصلا أو نصفه لا يقطع أصالة بقاء الاستحقاق و الملك و نحوهما التي يكفي في ثبوتها احتمال كون الفرقة بما يقتضي تمام المهر، و لا ريب في تحقق الاحتمال في الفرض، كما هو واضح.

نعم لو ادعى كون الفرقة في الأول بالطلاق قبل الدخول على وجه يسمع ذلك منه اتجه حينئذ لزوم مهر و نصف، بل لو ادعى الطلاق في الثاني أيضا قبله لزم مهر واحد مجتمع منهما، بل ربما قيل إنه لو ادعى الفسخ بأحد الأسباب الموجبة لعدم المهر مع إمكانه فيجب المهر الثاني خاصة ما لم يدع الطلاق فيه أيضا قبله، فنصفه لا غير، و فيه منع قبول دعواه الفسخ بالعيب، لأصالة عدمه، و ما عن الشهيد في الشرح- من القبول محتجا بأن تجويزه ينفي القطع بالزيادة على المهر الثاني- كما ترى، و ليس هو كدعوى الطلاق الذي هو فعله، و يرجع فيه إليه، و أما الدخول فالأصل عدمه، كما أن الأصل استصحاب المهر كملا إلى أن يدعى المزيل، فلو سكت عن الدعوى ثبت المهران على الأقوى، و هذا كما يقال: إن المستودع بعد ثبوت الإيداع مطالب بالوديعة و محبوس ما دام ساكتا، فان ادعى تلفا أو ردا صدق بيمينه و انقطعت المطالبة، و الله العالم.

ج 31، ص: 146

[النظر الثالث في القسم و النشوز و الشقاق]
اشاره

النظر الثالث في القسم و النشوز و الشقاق

[القول في القسم]
[أما القسم]
اشاره

و القول الان في القسم، و الكلام فيه و في لواحقه، أما الأول فنقول: هو بفتح القاف مصدر قسمت الشي ء أقسمه، و بالكسر: الحظ و النصيب، و يقال: هو التقدير، و عرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات، و يمكن اعتباره من كل منهما.

و كيف كان ف لكل واحد من الزوجين حق يجب على صاحبه القيام به و يستحب كتابا(1)و سنة متواترة(2)و إجماعا و إن كان حق الزوج على الزوجة أعظم بمراتب، فإنه لا حق لها عليه مثل ما له عليها، بل و لا من كل مأة واحد، بل هو أعظم الناس حقا عليها(3)

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله (4): «لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، و لو صلح لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، و الذي نفسي بيده لو كان من مفرق رأسه إلى قدمه قرحة تشرح بالقيح و الصديد ثم استقبلته تلمسه ما أدت حقه»

و قال أمير المؤمنين عليه السلام (5): «كتب الله الجهاد على الرجال و النساء فجهاد الرجل بذل ماله و نفسه حتى يقتل في سبيل الله، و جهاد المرأة أن تصبر على ما ترى من أذى زوجها و غيرته»

و جهادها أيضا حسن التبعل (6)إلى غير


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228. و سورة النساء: 4- الآية 19 و 34.
2- 2 الوسائل الباب- 79 و 81 و 87 و 88- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 كنز العمال- ج 8 ص 251- الرقم 4091.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب جهاد العدو الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب جهاد العدو الحديث 2.

ج 31، ص: 147

ذلك مما ورد فيه (1)، و لا ينافيه قوله تعالى (2)«وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ» بعد ارادة التشبيه في أصل الحقيقة لا في الكيفية، ضرورة شدة اختلافهما.

و من حقه عليها «أن تطيعه و لا تعصيه و لا تتصدق من بيته إلا باذنه و لا تصوم تطوعا إلا باذنه، و لا تمنعه نفسها، و لو كانت على ظهر قتب، و لا تخرج من بيتها إلا باذنه»(3)

و لو إلى أهلها و لو لعيادة والدها أو في عزائه(4)

و «أن تطيب بأطيب طيبها، و تلبس أحسن ثيابها، و تتزين بأحسن زينتها، و تعرض نفسها غدوة و عشية»(5)

بل «ليس للمرأة أمر مع زوجها في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها»(6)

بل «أيما امرأة قالت لزوجها: ما رأيت منك خيرا قط أو من وجهك خيرا فقد حبط عملها»(7)

و «أيما امرأة باتت و زوجها عليها ساخط في حق لم تتقبل منها صلاة حتى يرضى عنها، و لا يرفع لها عمل»(8)

و «إن خرجت من غير إذنه لعنتها ملائكة السماء و ملائكة الأرض و ملائكة الغضب و ملائكة الرحمة حتى ترجع إلى بيتها»(9).

و من حقها عليه أن يشبعها و أن يكسوها و أن يغفر لها إذا جهلت (10)

«و لا


1- 1 الوسائل الباب- 79 و 81- من أبواب مقدمات النكاح.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 228.
3- 3 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 91- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من كتاب الوقوف و الصدقات الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 80- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
8- 8 الوسائل الباب- 80- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 2.
9- 9 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
10- 10 الوسائل الباب- 88- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 31، ص: 148

يقبح لها وجها»(1)

و «رحم الله عبدا أحسن فيما بينه و بين زوجته، فان الله تعالى قد ملكه ناصيتها،»(2)

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله (3): «أوصاني جبرئيل بالمرأة حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها إلا من فاحشة مبينة»

و «عيال الرجال أسراؤه، و أحب العباد إلى الله تعالى أحسنهم صنعا إلى أسرائه»(4)

و «إنما المرأة لعبة من اتخذها فلا يضعها»(5)

«أ يضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها»(6)

و «خيركم خيركم لنسائه، و أنا خيركم لنسائي»(7)

إلى غير ذلك مما يدخل تحت قوله تعالى (8)«وَ عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ».

ف حينئذ قد ظهر لك أنه كما يجب على الزوج النفقة من الكسوة و المأكل و المشرب و الإسكان على حسب ما ستعرف فكذا يجب على الزوجة التمكين من الاستمتاع مع عدم المانع عقلا أو شرعا و لو كانت على ظهر قتب و أن تتجنب (تجتنب خ ل) ما ينفر منه الزوج من الثوم و البصل و الأوساخ و القذارات و غير ذلك.

و أما القسمة بين الأزواج فهي حق على الزوج و له، لاشتراك ثمرته، و هو الاستئناس، و لأن الأخبار(9)توجب استحقاقها، و حق الاستمتاع يوجب استحقاقه، فلكل منهما الخيار في قبول إسقاط صاحبه له و عدمه و لا يتعين عليه القبول حرا كان أو عبدا و لو كان عنينا أو خصيا فإن القسمة للايناس و العدل و التحرز عن الإيذاء، و للمعاشرة بالمعروف، فلم يفرق فيها بين الحر و العبد، و لا بين العنين و الفحل، و لا بين الخصي و غيره، لاشتراك الجميع في


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 88- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 88- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 88- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 86- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 86- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 88- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
8- 8 سورة النساء: 4- الآية 19.
9- 9 الوسائل الباب- 1 و 5- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 149

الفائدة المطلوبة منه.

بل و كذا لو كان مجنونا و إن كان يقسم عنه الولي بأن يطوف به عليهن أو يدعوهن إليه أو بالتفريق، نعم إن لم يوثق به أو لا ينتفع به في مثل ذلك فلا قسم في حقه، و إن أمن و كان قد قسم لبعض نسائه ثم جن فعلى الولي أن يطوف به على الباقيات قضاء لحقوقهن، كما يقتضي ما عليه من الدين، و كذا إذا طلبن القسم بناء على اشتراك حق القسم بينهما، و إن قلنا باختصاصه بالزوج لم يجب على الولي الإجابة، و لو أردن التأخير إلى أن يضيق فيتم المؤانسة فلهن ذلك، و إن لم يكن عليه شي ء من القسم بأن كان معرضا عنهن أجمع أو جن بعد التسوية بينهن فان رأى منه الميل إلى النساء أو قال أهل الخبرة: إن غشيانهن ينفعه فعلى الولي أن يطوف به عليهن، أو يدعوهن إلى منزله، فإن جار في القسمة أثم.

و هل على المجنون القضاء بعد الإفاقة؟ المشهور على ما حكي نعم، و في المسالك «لو قيل بعدم الوجوب كان وجها، لأن المجنون غير مكلف، و القضاء تابع للتكليف بالفعل أو ثابت بأمر جديد، و هو منتف هنا» و فيه أن قضاء ذلك من تأدية الحق الثابت في ذمة المجنون بحكم خطاب الوضع كالدين و نحوه، ثم قال: «و لو انتفى الميل و المصلحة لم يجب على الولي أن يقسم به، و يظهر من العبارة وجوب القسم به مطلقا، و هو يتم على القول باشتراك الحق بين الزوجين و طلبن ذلك، لكن المصنف لا يقول به، كما سيأتي، فعدم الوجوب هنا أجود».

هذا، و في القواعد «و لو كان يجن و يفيق لم يجز له أن يختص واحدة بنوبة الإفاقة إن كان نوبتها مضبوطا، بأن يجن يوما و يفيق يوما مثلا، بل يطرح أيام الجنون و ينزلها منزلة أيام الغيبة، و يقسم أوقات الإفاقة، فلو أقام المجنون عند واحدة لم يقض لغيرها إذ لا اعتداد به، و يحتمل القضاء، و يحتمل أن يكون إليه القسمة أوقات الإفاقة و إلى الولي القسمة أوقات الجنون، فيكون لكل منهن نوبة من كل من الحالتين، و إن لم يكن نوبة الإفاقة مضبوطا فأفاق في نوبة واحدة قضى للأخرى ما جرى لها في الجنون، اى لم يعتد، لكونه عندها في الجنون و إن كان بقسمة الولي،

ج 31، ص: 150

لقصور حقها من الاستئناس حال الجنون، و لو خاف من أذى زوجته المجنونة سقط حقها من القسمة للضرورة و إلا وجب للعموم و انتفاء العذر»(1)و استظهر بعضهم السقوط إذا لم يكن لها شعور تنتفع بالقسم و تستأنس به، إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على أحكام كثيرة التي لم نقف فيها على دليل خاص، و إنما ذكرها بعض العامة، بل ربما كان بعضها منافيا للآخر، خصوصا مع عدم الدليل على الفرق بين الأدواري حال جنونه و بين المطبق، كما أن المتجه بناء على وجوب القسمة عدم وجوب القبول على الولي لو أردن التأخير إلى زمان الإفاقة.

و أقصى ما يقال: هو ما أشرنا إليه من أن المستفاد من النص (2)و الفتوى أن القسم حق مشترك بين الزوج و الزوجة، و أنه لا يسقط بالجنون من أحدهما مع إمكانه، و حينئذ يختص نقص ذلك بمن عرض في ليلتها، نحو غيره من الأعذار كالمرض و نحوه.

و أما انتقال الحكم التكليفي إلى الولي في الزوج و الزوجة- على وجه يجب عليه أن يطوف به و أن يأتي بالزوجة على وجه لا نقصان فيما يمكن من الاستمتاع بها و غير ذلك من الأحكام التي سمعتها- فلا دليل عليه، نعم لو كانت له مصلحة في الطواف به، كما لو فرض نفعه بذلك أو منعه من الفساد به، أو نحو ذلك من المصالح كان على الولي حينئذ مراعاتها، فتأمل جيدا، فإنه لم نجد دليلا واضحا سوى اعتبارات يشكل التمسك بها على أصولنا.

و كيف كان فالمشهور على ما حكاه غير واحد وجوب القسمة ابتداء، بمعنى وجوبها بالعقد و التمكين كالنفقة، للأمر بالمعاشرة بالمعروف (3)التي هي معظمها على أن الأمر فيه للتكرار قطعا، و ليس في كل الأوقات، فبقي أن يكون بحسب ما تقتضيه القسمة، إذ لا قائل بثالث،

و التأسي بالنبي صلى الله عليه و آله «فإنه كان يقسم


1- 1 ليس هذه من عبارة القواعد، و انما هي من كشف اللثام ملفقة بعبارة القواعد.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 5- من أبواب القسم و النشوز.
3- 3 سورة النساء 4:- الآية 19.

ج 31، ص: 151

بينهن»(1)

دائما حتى

«كان يطاف به في مرضه محمولا»(2)

و كان يقول «اللهم هذا قسمي فيما أملك و أنت أعلم بما لا أملك»(3)

يعنى من جهة الميل القلبي، و إطلاق

قول الصادق عليه السلام في خبر البصري (4)«في الرجل تكون عنده المرأة فيتزوج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيام، ثم يقسم»

كإطلاق المستفيضة الآمرة بالقسم للحرة ثلثي ما للأمة(5)و ما يشعر به

خبر علي بن جعفر(6)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما: ليلتي و يومي لك يوما أو شهرا أو ما كان أ يجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها و اشترى ذلك منها لا بأس به»

من كون ذلك حقا لها على وجه لها بيعه، و كذا غيره ك

خبر الحسن ابن زياد(7)و غيره قال: «سألته عن الرجل يكون له المرأتان و إحداهما أحب إليه من الأخرى إله أن يفضلها بشي ء؟ قال: نعم له أن يأتيها ثلاث ليال و الأخرى ليلة، لأن له أن يتزوج أربع نسوة، فثلاثة يجعلها حيث شاء، قلت: فتكون عنده المرأة فيتزوج جارية بكرا، قال: فليفضلها حين يدخل بها ثلاث ليال، و للرجل أن يفضل نساءه بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا»

و صحيح ابن مسلم (8)«سألته


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 298.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 298.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 4.
5- 5 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح « مثلي ما للأمة» كما هو مستفاد من الروايات المروية في الوسائل في الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من أبواب القسم و النشوز الحديث
7- 7 ذكر صدره و ذيله في الوسائل الباب- 1- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2 و وسطه في الباب- 2- منها الحديث 7 عن الحسين بن زياد، الا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 419 و الاستبصار ج 3 ص 242 الحسن بن زياد و في الجميع « فليلتيه يجعلهما حيث شاء».
8- 8 الوسائل الباب- 1- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.

ج 31، ص: 152

عن الرجل يكون عنده امرأتان إحداهما أحب إليه من الأخرى، قال: له أن يأتيها ثلاث ليال و الأخرى ليلة، فإن شاء أن يتزوج أربع نسوة كان لكل امرأة ليلة، فلذلك كان له أن يفضل بعضهن على بعض ما لم يكن أربعا»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن لكل زوجة ليلة من أربع ليال (1)الشامل لصورتي الاتحاد و التعدد المؤيدة بآية النشوز(2)المشعرة باشتراط الهجر في المضاجع به دون ما لم يكن نشوزا، فإنه لا سبيل له إلى ذلك.

و لكن مع ذلك كله قيل و القائل الشيخ فيما حكي من مبسوطة لا تجب القسمة حتى يبتدئ بها، و هو أشبه فلا يجب حينئذ للواحدة مطلقا التي لا موضوع للقسمة فيها، بل و لا للمتعددات إلا مع المبيت ليلة عند إحداهما فيجب حينئذ ذلك لهن حتى يتم الدور، ثم لا يجب عليه شي ء، فله الإعراض حينئذ عن القسم عنهن أجمع، للأصل و ظهور قوله تعالى (3)«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» في أن الواحدة كملك اليمين لا حق لها أصلا و يتم دلالته على عدم وجوب القسم مطلقا بالإجماع المركب، كما في المسالك من أن كل من قال بعدمه للواحدة قال بعدمه للأزيد إلا مع الابتداء بواحدة، و ما

روى (4)عن النبي صلى الله عليه و آله «أنه غضب على بعض نسائه فاعتزلهن أجمع شهرا»

، و لو كان القسم واجبا اختصت الناشزة بالحرمان، و لا دليل على أن ذلك من خصوصياته، بل الأصل الاشتراك، على أن حق الاستمتاع ليس للزوجات، و من ثم لم يجب على الزوج بذله إذا طلبته إلا الجماع، فإنه يجب في كل أربعة أشهر مرة.

كل ذلك مضافا إلى استفاضة النصوص أو تواترها في حصر حق الزوجة على الزوج في غير ذلك، ففي

خبر إسحاق بن عمار(5)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «ما حق


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب القسم و النشوز.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 34.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 3.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 38.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 5 من كتاب النكاح.

ج 31، ص: 153

المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها و يكسوها، و إن جهلت غفر لها»

و في خبر شهاب بن عبد ربه (1)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها، و يستر عورتها، و لا يقبح لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد و الله أدى إليها حقها».

و في خبر العرزمي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه و آله فسألته عن حق الزوج على المرأة فخبرها، ثم قالت: فما حقها عليه؟ قال: يكسوها من العري و يطعمها من الجوع، و إن أذنبت غفر لها، فقالت: فليس عليه شي ء غير هذا؟ قال: لا، قالت: لا و الله لا تزوجت أبدا ثم ولت»

الحديث، و في

خبر يونس بن عمار(3)قال: «زوجني أبو عبد الله عليه السلام جارية كانت لإسماعيل ابنه، فقال: أحسن إليها، فقلت: و ما الإحسان إليها؟ قال:

أشبع بطنها، و اكس جنبها، و اغفر ذنبها»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على هذا المعنى.

و دعوى تخصيص هذه النصوص بما سمعته من أدلة القسمة واضحة المنع، ضرورة قصورها عن ذلك،

بل عدم دلالة كثير منها على المدعى، فان الأمر بالمعاشرة بالمعروف لا يقتضي وجوب المبيت- و لو كانت واحدة- في كل أربع ليال ليلة واحدة، و إن سلم كونه من المعروف لكن من المعلوم عدم وجوب كل معروف معها، و إنما المسلم وجوبه ما أدى تركه إلى الظلم و الجور عليها و نحو ذلك، كما هو واضح.

و التأسي بالنبي صلى الله عليه و آله- بعد معلومية عدم وجوب القسم عليه، و لذا أذن له بايواء من يشاء منهن و اعتزال من شاء - لا محل له.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 84- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 8 من كتاب النكاح.

ج 31، ص: 154

و خبر البصري إنما يراد منه بيان عدم استحقاق الجديدة أكثر من ثلاث ليال يختص بها و أما غيرها فليس لها إلا على جهة القسمة، لا أن المراد بيان وجوبها ابتداء، كما هو واضح لمن تأمله.

و المراد من أخبار الحرة و الأمة بيان كيفية العدل حيث يريد القسمة.

و خبر علي بن جعفر في الامرأة التي لها ضرة و استحقت عليه ليلة يبيت ليلة عند ضرتها.

و خبر الحسن بن زياد و غيره إنما يراد منه بيان تفضيل بعض النساء على بعض، لا أن المراد به وجوب القسمة بينهن ابتداء على وجه يحرم عليه اعتزالهن أجمع و الإعراض عن مضاجعتهن و الاشتغال بعبادته أو مطالعته أو غير ذلك من أغراضه.

على أن جميع هذه النصوص جارية مجرى الغالب في حال الزوج أنه يبيت عند زوجته، فمع فرض تعددها كان عليه ملاحظة العدل في القسمة و التفضيل على الوجه المذكور في النصوص، و ليس المراد وجوبها ابتداء، و لا وجوب مبيت ليلة من الأربع لو كانت واحدة، بل ينبغي الجزم بعدم الأخير كما جزم به في الرياض، لعدم دلالة شي ء من تلك الأدلة عليه، سوى دعوى ظهور خبر الحسن بن زياد و ما شابهه في أن لكل امرأة ليلة من أربع ليال الممنوعة على مدعيها على وجه يفيد ذلك بحيث يعارض الأصل، و نصوص حصر حق الزوجة في غير ذلك.

و من هنا كان صريح ابن حمزة و ظاهر المحكي عن المقنعة و النهاية و الغنية و المهذب و الجامع وجوب القسم مع التعدد دون الواحدة، و اختاره بعض المتأخرين و متأخريهم، و لا ينافي ذلك ما سمعته من دعوى الإجماع المركب المردودة على مدعيها بذلك الذي منه و غيره يظهر ما في دعوى الشهرة على القول الأول أيضا.

و قد تحصل من ذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة، و لكن القول بوجوب القسمة ابتداء و لو في المتعددات التي هي محل اجتماع القولين- مع ما عرفته فيه

ج 31، ص: 155

من عدم الدليل الواضح فضلا عن أن يكون بحيث يعارض ما سمعت- يستلزم أحكاما عديدة يصعب التزامها، بل لعلها مخالفة للمعلوم من سيرة أهل الشرع و طريقتهم، كعدم جواز الاشتغال في العبادات و الاستئجار في الليل لبعض الأعمال و غير ذلك إلا برضا صاحبة الليلة.

و لا يقال: إن مثله أيضا لازم على القول بوجوب القسمة بعد الشروع، لأن له طريقا إلى التخلص بإتمام الدور، على أنك قد عرفت أن مبنى ذلك عدم حق للزوجة، و إنما هو من جهة مراعاة العدل في القسمة الذي يمكن دعوى عدم منافاته إذا كان ذلك لعذر شرعي أو عرفي أو غرض من أغراض العقلاء و نحوها، فإن الذي ينافيه ترجيح بعض الزوجات على بعض فيما ليس له الترجيح فيه من دون عروض إقبال، بل لو قلنا بكونه حقا للزوجة بدليل صحة شرائه منها و هبته لشريكتها و سقوطه بإسقاطها و نحو ذلك إلا أنه مقدر بملاحظة صدق عدم خروجه عن العدل إلى صدق الجور و الظلم.

و القول في حقوق الزوجات المتحقق بما عرفت بخلاف القول بكونه حقا لها ابتدائيا متعلقا بعين الزوج على نحو تعلق حقه بها، فان ذلك يقضى بالتزام أحكام كثيرة يصعب قيام الدليل عليها، بل ربما كان بعضها مخالفا للمعلوم من السيرة، بل و للمقطوع به من الشرع، كما لا يخفى على من أعطى النظر حقه في جميع لوازم هذا القول، و خصوصا مع ملاحظة كونه حقا لها على وجه يكون الأصل فيه القضاء مع الفوات و لو لعذر إلا ما خرج لدليل يقتضي سقوطه، بل هو مناف للنصوص (1)السابقة التي كادت تكون متواترة في حصر حق الزوجة على الزوج في غيره، بخلافه على ما ذكرناه، فإنه ليس حقا لها من حيث كونها زوجة، و لذلك لا يجب لها مع الاتحاد، بل و لا مع التعدد مع عدم القسمة، و إنما يجب عليه العدل في

القسمة، و عدم الجور فيها إن أرادها، و لم يكن حقا لها، أو كان و لكن كان من حيث عدم العدل في القسمة، فلا ينافي تلك النصوص المراد بها حصر حقوق الزوجة من حيث الزوجية،


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 3 و 5 و 7.

ج 31، ص: 156

فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، و الله العالم.

و على كل حال ف قد بان لك أن مقتضى القول الأول أن من كان له زوجة واحدة ف ان لها ليلة واحدة من أربع، و له ثلاث يضعها حيث يشاء و لو عند مملوكاته و للاثنتين ليلتان و له ليلتان يضعهما حيث يشاء و للثلاث ثلاث، و الفاضل و هو ليلة واحدة له يضعها حيث يشاء و و أما لو كان له أربع فلكل واحدة ليلة، بحيث لا يحل له الإخلال بالمبيت في إحداهن إلا مع العذر (11) العقلي أو الشرعي المرجح على أداء حقها المسقطين لأدائه أوله و لقضائه أو السفر (12) منه أو منها على الوجه الذي ستعرف الحال فيه أو إذنهن أو إذن بعضهن فيما يختص به الأذنة (13) إذ لا سلطان لها على غير حقها، كما أنه بان لك جميع ما يتفرع على الأقوال الثلاثة بحيث لا يحتاج إلى الإيضاح و الإطناب.

و كيف كان فلا خلاف في عدم جواز جعل القسمة- سواء قلنا بوجوبها ابتداء أو بالشروع- أنقص من ليلة، لكونها خلاف المأثور، بل خلاف ما دل على استحقاقها ليلة(1)و لو عند القسمة، و لتعسر ضبط أجزاء الليل، و لما في قسمته من

تنغص العيش، كما لا خلاف في جوازها ليلة ليلة.

و (14) إنما الكلام في أنه هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكل واحدة؟ قيل (15) و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و جماعة نعم (16) يجوز للأصل و إطلاق الأمر بالقسمة(2)مع عدم العول و الجوز فيها، و لا شي ء منهما في المفروض، بل ربما كان ذلك أصلح لهن و أتم لمطلوبهن، بل و للزوج خصوصا مع تباعد أمكنتهن على وجه يشق عليه ليلة ليلة.

و الوجه (17) عند المصنف و جماعة اشتراط (18) جوازه ب رضاهن (19) فلا يجوز مع عدمه، ل

خبر سماعة(3)«سألته عن رجل كانت له امرأة فيتزوج


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 5 و 9- من أبواب القسم و النشوز.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 8.

ج 31، ص: 157

عليها هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال: يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيام إذا كانت بكرا، ثم يسوى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى»

بناء على أن المراد به التسوية التي يتراضيان بها، فلو جعل لكل واحدة منهن ليلتين متواليتين و لم تطب نفس إحداهما إلا بليلة ليلة لم تفعل ذلك، و لأنه الثابت عن

النبي صلى الله عليه و آله (1)الذي يجب التأسي به، و لظهور النصوص (2)في استحقاق كل زوجة ليلة من أربع، و لأنه ربما أدى ذلك إلى الضرر في صاحبة النوبة، لإمكان عروض عارض له عن إتمام ما تساوي به ضرتها.

و في الجميع نظر، فان خبر سماعة لو سلم إمكان إرادة ذلك منه لا يصلح لذلك بعد عدم ظهوره، و كونه من المأول، و يمكن إرادة استحباب التسوية بينهما برضاهما فيما فضل عنده من الليالي و غير ذلك.

و التأسي بالنبي صلى الله عليه و آله مع عدم وجوب أصل القسمة عليه المقتضي لعدم وجوب كيفيتها عليه أيضا لا محل له.

و النصوص مساقة لبيان مقدار الاستحقاق الذي هو أربع من لياليه على وجه لو أراد التفضيل بما زاد عنده من الأربع كان له، لا أن المراد منها بيان الاستحقاق المنافي لذلك، كما لا يخفى على من تأملها، بل يمكن دعوى كون المراد منها بيان أقل أفراد القسمة، و احتمال وجوب وفائها حقها مع المطالبة به يدفعه منع ثبوت الحق لها مع فرض كون القسمة على ذلك.

و عروض العارض كما هو محتمل في القسمة ليلة ليلة محتمل في القسمة بأزيد، و أما الضرر فيمكن التخلص منه بتقييد الجواز بما لا ضرر فيه، و بما لا يعد فيه هجرا و عشرة بغير المعروف، و بما لا يتعارف في كيفيته قسمة مثل ذلك و المهاياة فيه، و لعل العلامة و غيره ممن أطلق الجواز يريد ذلك أيضا.


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 300 و 301.
2- 2 الوسائل الباب- 1 و 5 و 9- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 158

فالأقوى حينئذ خصوصا على المختار الجواز مطلقا لكن على الوجه المزبور، و كأنه أولى مما عن الشيخ من تحديده بالثلاث، كما هو عند جمهور العامة، و ما عن الإسكافي من التحديد بالسبع الذي يمكن أن يكون الوجه فيه تحديد العشرة بالمعروف، و عدم الهجر بذلك عرفا أو أن ذلك أقصى المأثور و لو في التي تزوجها جديدا، و لا ريب في أولوية ما ذكرناه من ذلك، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو تزوج أربعا دفعة مثلا رتبهن بالقرعة مع التشاح، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء أو بالشروع تخلصا من ترجيح بلا مرجح، و من العول فيها، و من لحوق شبهة الميل إلى من يبتدئ بها، ف

في الخبر(1)عن النبي صلى الله عليه و آله «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة و شقه مائل»

و فحوى القرعة من النبي صلى الله عليه و آله بين نسائه إذا أراد سفرا فيصحب من أخرجتها القرعة(2)و لأنها على الأول من قبيل المهاياة فيه المعلوم تعيين الأول فيها بالقرعة، بل هي كقسمة الأشياء المشتركة، ضرورة تعلق الحق بالعقد، بل و على الثاني الذي هو و إن لم يكن كذلك و لكنه من باب العدل في القسمة المتوقف على القرعة في المبتدأ بها.

و قيل: يبدأ بمن شاء منهن حتى يأتي عليهن ثم يجب التسوية على الترتيب و عند المصنف بل قيل و الأكثر هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأن ولاية القسمة بيده، إذ هو المخاطب بها، و إنما يحرم عليه العول و الجور فيها، و لازم ذلك التخيير في الترتيب، و وجوب التسوية بعد تمامه على نحوه، لتحقق القسمة حينئذ، و تعيين كل ليلة لصاحبتها.

نعم قد يقال- بناء على مختار المصنف- بعدم الالتزام بها في الدور الثاني الذي هو في الحقيقة قسمة جديدة، و خصوصا مع الإعراض عنهن مدة بعد تمام


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب القسم و النشوز و المستدرك الباب- 12- منها الحديث 1 و سنن البيهقي ج 7 ص 297 مع الاختلاف في الجميع.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 302.

ج 31، ص: 159

الدور، بل في القواعد بناء أصل المسألة- أي القسم بالقرعة أو الاختيار- على الوجوب ابتداء و عدمه، و لعله لاجتماع حقوقهن عليه على الأول بخلافه على الثاني، فإنه لا حق لأحد منهن عليه، فحينئذ له الابتداء بمن شاء منهن، نعم يتجه القرعة في الثاني مع تعددهن لثبوت الحق لهن بالمبيت عند إحداهن.

لكن في محكي المبسوط بعد التصريح بالوجوب بالشروع قال: «فأما إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهن فيجب عليه القسم، لأنه ليس واحدة منهن أولى بالتقديم من الأخرى، فعليه أن يقسم بينهن بالقرعة، فمن خرجت بالقرعة قدمها، هذا هو الأحوط، و قال قوم: قدم من شاء منهن، و كان وجهه ما أشرنا إليه من أنه و إن كان لا حق لهن إلا أنه مخاطب بقسمة العدل بينهن إن أراد القسمة، و لا تتحقق إلا بمعاملتها قسمة الحق بين مستحقيه، و لا ريب في الاحتياج في ترجيح الأول من المستحقين لمثل هذا الحق الذي لا يمكن استيفاؤه إلا بالترتيب إلى مرجح، و ليس إلا القرعة، و الأمر بالقسمة للزوج منصرف إلى الكيفية المتعارفة في قسمة أمثال ذلك، و حينئذ فالمتجه وجوب القرعة على القولين، لكن ذكروا في كيفيتها أنه إذا كانتا اثنتين كفت القرعة مرة واحدة، لأن الثانية تعينت و إن كن ثلاثا احتيج إلى قرعتين الأولى لتعيين الأولى منهن و الثانية لتعيين إحدى الباقيتين و إن كن أربعا احتيج إلى القرعة ثلاث مرات، كما هو واضح».

قلت: يمكن الاكتفاء بالقرعة الواحدة من أول بأن يكتب ليلة كل واحدة منهن في ورقة ثم يقرع فتكون ليلة كل واحدة منهن ما في ورقتها، و ظاهرهم عدم الحاجة في القرعة للواحدة، و إن قلنا بوجوب القسم ابتداء لتعيين ليلتها من الأربع مع فرض التشاح مع الزوج، و لعله لوجوب تعيين الأولى منهن لها في الفرض، لكونها ذات حق تطالب من هو متمكن منه، و دعوى أنه واحدة من الأربع لا الأولى منهن فان له أن يتزوج في تلك الليلة من يزاحمها فيها يدفعها وضوح الفرق بين وجود المزاحم و عدمه، كدعوى أنه هو المزاحم، لأن الزائد له، ضرورة عدم كون المراد من كون الفاضل له أنه حق له، فإنه لا يتصور استحقاقه على نفسه، بل المراد منه عدم استحقاق أحد عليه، فلا يتصور

ج 31، ص: 160

كونه مزاحما لمن له حق عليه.

هذا، و قد يظهر من المتن و محكي التلخيص اختصاص هذا البحث بمن تزوج دفعة دون من كان تزويجه مرتبا، و لعله لأن الترتيب في النكاح يقتضي الترتيب في الاستحقاق، لكن في المسالك «أن ذلك من المصنف على جهة المثال لا الحصر، لأن الخلاف يجرى و إن تزوجهن على الترتيب، أما على القول بعدم وجوب الابتداء بالقسمة فظاهر إذ لو كان معرضا عمن تزوجهن أولا ثم تزوج غيرهن و أراد القسمة جاء في البدأة الخلاف، و كذا لو قسم لاثنين و أكمل الدور لنفسه ثم تزوج ثالثة، و أما على القول بوجوب القسم مطلقا فيأتي الخلاف فيمن تزوج بها على رأس كل دور، بأن بات عند ثلاث ليال و تزوج رابعة، أو عند اثنتين ليلتين و تزوج ثالثة أو اثنتين».

قلت: قد يقال: إنه مع القسم للمتقدمات يتعين حقهن فيما قسمه لهن، كما أنه يتعين حق المتجددة فيما له من الليالي، ضرورة اقتضاء القسم السابق تعين الحق في الأولى من الدور مثلا، نعم لو تزتبن في النكاح و لم يكن قسم لنشوز أو غيره تأتي البحث حينئذ في كيفية البدأة به، و السبق في النكاح من حيث كونه كذلك لا يقتضي تعين ليلة مخصوصة من الأربع، بل هو و النكاح المتأخر سواء في كيفية اقتضاء استحقاق ليلة من أربع، كما هو واضح. و ليس له نقض القسم بدون رضا صاحبة الحق، إذ هو ليس في خصوص ليلة خاصة من الدور، بل متى وقع كان مقتضيا لتعلق الحق في كل أولى أو ثانية مثلا من الدور، بل قد يتوقف في مشروعيته مع التراضي بالقسم في دور خاص و إن يقوى جوازه، لانحصار الحق فيهما، أما مع عدم التصريح بذلك فالظاهر تعلقه بكلي الثانية مثلا من الدور لا الخاصة منها، فلا يجوز نقضه حينئذ من دون تراض.

نعم بناء على عدم وجوب القسم ابتداء قد يقال: إن له في كل دور تجديد القرعة، خصوصا مع الاعراض عنهن مدة طويلة بعد تمام الدور الأول، و إلى ذلك

ج 31، ص: 161

أشار في المسالك بقوله: «إذا أقرع بينهن و تمت النوبة فلا حاجة إلى إعادة القرعة، بل يراعى ما اقتضته من الترتيب الأول وجوبا أو استحبابا هذا إذا أوجبنا القسمة مطلقا أو أراد العود إليها على الاتصال، أما لو أعرض عنهن مدة طويلة ففي وجوب البناء على الترتيب السابق نظر، لأن القسمة الحاضرة حق جديد لا تعلق له بالسابق، بل يحتمل سقوط اعتباره و إن عاد على الاتصال حيث لا نوجبها مطلقا، لأن كل دور على هذا التقدير له حكم برأسه».

قلت: يمكن دعوى ظهور النص و الفتوى في اتحاد القسم، سواء قلنا بوجوبه ابتداء أو بعد الشروع، و عدم وجوبه على الزوج على الثاني بعد إتمام الدور لا ينافي تعينه بالكيفية التي وقعت أولا و إن لم يكن مستحقا عليه، ضرورة كونه قسما على كل حال، و لعله لذا كان خيرة المصنف وجوب التسوية على الترتيب مع قوله بالوجوب بالشروع.

بل لعل ذلك هو الوجه فيما احتمل من وجوب الترتيب أيضا فيما لو أساء و بدأ بواحدة من غير قرعة بناء على وجوبها ثم أقرع بين الباقيات، فان عصيانه لعدم مراعاة القرعة لا ينافي صدق كونه قسما و تعين الحق للباقيات في غير الليلة التي ظلم بها، فيجب عليه حينئذ ذلك الترتب لتشخص القسم بما وقع و إن ظلم في الأولى، و الوجه الأخر سقوط اعتبار البدأة شرعا، فتعتبر القرعة كما لو ابتدأ بالقسم، بل في المسالك هو أجود و إن كان لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله العالم.

و كيف كان ف الواجب في القسمة المضاجعة بأن ينام قريبا منها على النحو المعتاد معطيا لها وجهه كذلك في جملة من الليل، بحيث يعد معاشرا بالمعروف لا هاجرا و إن لم يتلاصق الجسمان لا المواقعة التي لا تجب عليه إلا في كل أربعة أشهر مرة، و ليست مقدورة في كل وقت، فهي حينئذ حق له متى أراده فعله بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل ظاهرهم المفروغية من ذلك، و هو كذلك بالنسبة إلى المواقعة التي دل عليه- مضافا إلى الأصل و غيره-

خبر إبراهيم

ج 31، ص: 162

الكرخي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له أربعة نسوة فهو يبيت عند ثلاث منهن في لياليهن و يمسهن و إذا نام عند الرابعة في ليلتها لم يمسها فهل عليه في هذا إثم؟ قال: إنما عليه أن يكون عندها في ليلتها، و

يظل عندها في صبيحتها، و ليس عليه أن يجامعها إذا لم يرد ذلك».

و أما المضاجعة على الوجه المزبور فإنها و إن لم نجد بها نصا بخصوصها كما اعترف به في كشف اللثام، بل قال: «المروي الكون عندها» لكن قد يدعى أنها المتعارفة من المبيت عندها، بل هو و شبهه السبب في تعيين ليلة لها و إضافتها إليها، بل هي المرادة من المعاشرة بالمعروف، بل يمكن استفادتها من آية(2)«وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ» إلى آخرها الظاهرة في اشتراط ذلك بالنشوز، و أنه مع الطاعة ليس للزوج عليها هذا السبيل، بل ربما كان في

قوله (3)«أ يضرب أحدكم المرأة ثم يظل معانقها»

و الله العالم.

و على كل حال ف يختص الوجوب بالليل الذي خلقه للناس سكنا من حركات التعب و نهضات النصب، و جعله لهم لباسا ليلبسوا من راحته و منامه فيكون ذلك لهم جماحا و قوة، و لينالوا به لذة و شهوة في المضاجعة و المواقعة و نحوهما، دون النهار الذي خلقه لهم مبصرا ليبتغوا فيه من فضله و ليتسببوا إلى رزقه و يسرحوا في أرضه طلبا لما فيه نيل العاجل من دنياهم و درك الأجل من آخر أهم (4)مضافا إلى الأصل و اقتصار النصوص على الليلة(5)و السيرة المستمرة و غير ذلك

، خلافا للمحكي عن المبسوط «كل امرأة قسم لها ليلا فان لها نهار تلك


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 34.
3- 3 الوسائل الباب- 86- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 ما ذكره قده في خواص الليل و النهار مأخوذة من الصحيفة السجادية: الدعاء 6 و ذكرها في البحار أيضا- ج 58 ص 199 ط الحديث.
5- 5 الوسائل الباب- 1 و 5 و 9- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 163

الليلة» و عن ابن الجنيد «العدل بين النساء هو إذا كن حرائر مسلمات لم يفضل إحداهن على الأخرى في الواجب لهن من مبيت بالليل و قيلولة صبيحة تلك الليلة، كان ممنوعا من الوطء أو لا».

و لعله إليه أشار المصنف بقوله و قيل: يكون عندها في ليلتها و يظل عندها في صبيحتها كما أنه أشار بقوله و هو المروي إلى خبر الحضرمي (1)السابق، و قد يشهد للأول

نصوص «للحرة يومان و للأمة يوم»(2)

و تخصيص البكر و الثيب بالأيام(3)بناء على كون اليوم اسما لمجموع الليل و النهار، لكن النصوص المزبورة معارضة بالمعتبرة المصرحة بدل اليوم بالليلة(4)فلا بد من التجوز بأحد الطرفين، إما بأن يراد من اليوم الليلة خاصة تسمية للجزء باسم كله، أو يراد من الليلة مجموع اليوم المشتمل على النهار تسمية للكل باسم جزئه، و لا ريب في رجحان الأول لاعتضاده بما سمعت، و صحة السند، و تعارف لحوق اليوم لليل في ذلك و إن لم يكن واجبا، و خبر الحضرمي مع قصوره عن معارضة(5)

غيره سندا و غيره إنما دل على الصبيحة لا القيلولة، اللهم إلا أن يريد الإسكافي من القيلولة المكث عندها في تلك الصبيحة بقرينة قوله: «صبيحة تلك الليلة» أو يحمل الخبر على إرادة اليوم من الصبيحة على معنى خصوص القيلولة منه، لأنها هي التي تشبه الليل في السكون و النوم و غيرهما، بخلاف غيرها من أجزاء النهار المعتاد فيها الخروج لتدبير المعاش و لغيره، و على كل حال فحمله على الندب متجه.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1 و هو خبر إبراهيم الكرخي المتقدم في ص 162.
2- 2 هكذا في النسختين الأصليتين و الصحيح« و قد يشهد للثاني» الا أن يريد قده به الأول من قولي الخلاف، و هما المحكي عن المبسوط و المحكي عن ابن الجنيد.
3- 3 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 3 و 4.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 1 و 9- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 164

بل المستحب أيضا إلحاق اليوم بالليل بل هو من الفرد الكامل من العدل و العشرة بالمعروف و المعهود من النبي صلى الله عليه و آله (1)بل

عن علي عليه السلام (2)«إنه كان لا يتوضأ في يوم إحداهن عند الأخرى».

و كيف كان فقد ذكر غير واحد أنه لا يراد من البيتوتة معها في الليلة القيام معها في جميعها، بل ما يعتاد منها، و هو بعد قضاء الرحل من الصلاة في المسجد و مجالسة الضيف و نحو ذلك، حملا للإطلاق على المتعارف، مع عدم منافاته للمعاشرة بالمعروف، نعم ليس له الدخول في تلك الليلة على الضرة إلا للضرورة فيما قطع به الأصحاب كما في الرياض، لمنافاته المعاشرة المزبورة، و من الضرورة عيادتها إذا كانت مريضة، بل عن المبسوط تقييده بثقل المرض و إلا لم يجز، فان مكث في

غير ذلك أثم، و وجب قضاء زمانه ما لم يقصر بحيث لا يعد إقامة عرفا، فيأثم خاصة.

قلت: إن كان استثناء الجلوس عند الأضياف و نحوه لعدم منافاته صدق المبيت ليلة عرفا، فلا تفاوت بين الجلوس عندهم و عند الضرة، ضرورة كون الواجب مصداق ذلك و الفرض تحققه، بل هو غير مناف للعدل و للعشرة بالمعروف بعد أن لم يكن لهن حق فيه، نعم لو قيل بأن الواجب المبيت في جميع الليلة عندها و إنما خرج خصوص بعض الأفعال المزبورة التي يكون الزمان من لوازمها لا أن زمانها مستثنى كي لا يتفاوت صرفه في الضيف أو في زيارة الصديق أو نحوهما إلا أنه محل للنظر و البحث و الانصاف تحقق السيرة القطعية في عدم المداقة في ذلك، كما أن الانصاف الاكتفاء بمطلق ما يكون مثله عذرا في العادة في التخلف عنها في بعض الليلة بل قد يسامح فيه بلا عذر، و الميزان ما يتحقق به مسمى العدل و العشرة بالمعروف، لا الفرد الكامل منهما الذي لا يستطيعه إلا الأنبياء أو الأوصياء (صلوات الله عليهم)


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.

ج 31، ص: 165

و عدم الميل إلى إحداهن على وجه تبقى الأخرى كالمعلقة.

هذا و قد قيل أيضا إن إطلاق النص و الفتوى بوجوب الليلة وارد مورد الغالب و هو ما يكون معاشه نهارا فلو انعكس كالوقاد و الحارس و البزار فعماد قسمته النهار خاصة بلا خلاف، جمعا بين الحقين، و دفعا للضرر، و التفاتا إلى قوله تعالى(1):

«جَعَلَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خِلْفَةً».

و لو اختلف عمله فكان يعمل تارة بالليل و يستريح بالنهار و تارة يعمل بالنهار و يستريح بالليل وجب عليه مراعاة التسوية بين زوجاته بحسب الإمكان، فإن شق عليه ذلك لزمه لكل واحدة ما يتفق في نوبتها من الليل أو النهار.

و لو كان مسافرا معه زوجاته فعماد القسمة في حقه وقت النزول، قليلا كان أم كثيرا، ليلا أم نهارا، قلت: قد ذكر هذا الحكم بعض العامة و الخاصة، و هو إن تم إجماعا كان هو الحجة، و إلا أمكنت المناقشة باحتمال سقوط القسم في حقه باعتبار تعذر محله، و الآية(2)لا تفيد عموم قيام الليل و النهار مقام الأخر في كل أمر وجب في أحدهما على وجه يفيد المطلوب، و أصالة بقاء الحق لا يصلح مثبتا لمشروعية أدائه في غير المحل المخصوص، إذ هو بالنسبة إلى ذلك من الأصول المثبتة، على أنهم قد ذكروا سقوط القسم للعذر و السفر على وجه لا يجب عليه قضاؤه، و لعل ذلك و نحوه من عدم المداقة في هذا الحكم التي قلناه سابقا، و الله العالم.

و إذا كانت الأمة مع الحرة أو الحرائر حيث يجوز الجمع بينهما في التزويج فللحرة ليلتان و للأمة ليلة بلا خلاف معتد به أجده فيه، إذ المحكي عن بعض القدماء منا من عدم

القسم للأمة محجوج بالنصوص (3)التي كادت تكون متواترة في خلافه، مضافا إلى ما دل (4)على أن الأمة على النصف من الحرة،


1- 1 سورة الفرقان: 25- الآية 62.
2- 2 سورة الفرقان: 25- الآية 62.
3- 3 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 3 و 4 و الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 166

و حينئذ فالمتجه كون الدور من ثمانية، خمس للزوج، و ليلتان للحرة، و ليلة للأمة، لكن نظر فيه في المسالك «بأن تنصيف الليلة في القسمة يجوز لعوارض كما سيأتي و إن لم يجز التنصيف ابتداء، فلا مانع من كونه هنا كذلك، و لما كان الأصل في الدور أربع ليال فالعدول إلى جعله من ثمان بمجرد ذلك مشكل، خصوصا إذا قيل بجواز جمع ليلتي الحرة من الثمان، لأن ذلك خلاف وضع القسمة» و فيه ما قد عرفت سابقا من أن القسم لا يقع في أقل من ليلة، لما فيه من تنغيص العيش، و تعسر ضبط أجزاء الليل، و المنافاة لظاهر التقدير بالليلة و اليوم، فلا يجوز قسمة الليلة الواحدة كما اعترف به سابقا، و المقام من ذلك قطعا، و عليه جرى

قوله عليه السلام (1)«و إن تزوج الحرة على الأمة فللحرة يومان و للأمة يوم»

و نحوه آخران(2)

و قوله عليه السلام في الموثق (3): «للحرة ليلتان و للأمة ليلة»

و نحوه غيره (4)إذ هو مبنى إما على بيان أقل القسمة بناء على جوازها بالأزيد أو على كيفيتها على وجه لا زيادة و لا نقيصة، نحو

ما ورد في الحرة(5)من أنها «لها ليلة من أربع»

الذي فهموا منه عدم جواز القسم بأقل منها، بل قد سمعت البحث في الأزيد، كل ذلك مضافا إلى ما عن الخلاف و غيره من الإجماع على ذلك، قلت: بل لعله من المسلمين فضلا عن المؤمنين.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى جواز الجمع بين ليلتي الحرة و التفريق خلافا لما عن بعض، فأوجب الثاني إلا برضاها بالأول، لأن لها حقا في كل أربع واحدة و لا يسقطه اجتماعها مع الأمة، و فيه- مع إمكان تحصيل ذلك أيضا في بعض أفراد الجمع، كما لو كانت الليلة الأولى الرابعة من الدور الأول، و الأولى من


1- 1 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 4.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 167

الدور الثاني- أن المراد من تلك النصوص تقدير الحق بذلك لا حصر القسم به، و لذا جوزناه بالأزيد، على أن المنساق منها حال اتحادها مع وجوب القسم ابتداء أو مع اجتماعها مع الحرة دون اجتماعها مع الأمة الذي أطلق فيه الليلتان الصادقتان على حالي الاجتماع و التفريق فالأصح حينئذ جواز كل منهما بناء على المختار من جواز القسم بأزيد، بل لعله كذلك أيضا بناء على القول

الأخر، ضرورة كون الليلتين هنا بمنزلة الليلة حال الاجتماع مع الحرة، و الله العالم.

و الكتابية الحرة كالأمة التي هي خير منها وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ (1)في القسمة و حينئذ فلو كان عنده مسلمة و كتابية كان للمسلمة ليلتان و للكتابية ليلة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لإطلاق (2)إنهن بمنزلة الإماء، و خصوص الخبر(3)المنجبر بذلك، بل عن جماعة عد مثله

في الصحيح «للمسلمة الثلثان، و للأمة و النصرانية الثلث»

فتوقف ثاني الشهيدين فيه في المسالك في غير محله و حينئذ ف لو كانت عنده أمة مسلمة و حرة ذمية كانتا سواء في القسمة فتستحقان ليلتين من ثمان بل المتجه على ذلك ما ذكره غير واحد من الأصحاب قاطعين به من أنه لو كان عنده أمة كتابية كان لها ربع القسمة، فتستحق ليلة من ست عشرة ليلة، لئلا تساوى الأمة المسلمة التي هي خير من الحرة الكافرة، و للأصل مع عدم المخرج عنه سوى إطلاق الخبر المتقدم بالتنصيف للنصرانية، و ليس فيه حجة لتخصيصه بقرينة السياق- حيث جعلت في مقابلة الأمة- بما لو كانت حرة، بل ربما ظهر من ذلك دليل آخر للحكم في المسألة السابقة بناء على مخالفة وجوب القسمة لأصالة


1- 1 إشارة إلى الآية الكريمة 221 من سورة البقرة « وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ»
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 و الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.

ج 31، ص: 168

البراءة، فيقتصر في الخروج عنها بالإضافة إلى الكتابية الحرة على ما هو المتيقن من الأدلة، و ليس إلا كونها كالأمة، إذ مساواتها للحرة المسلمة لا دليل عليها سوى إطلاق الأدلة(1)بأن للحرة من أربع ليال ليلة الذي هو غير منصرف إلى مثلها قطعا، كل ذلك مضافا إلى أصالة عدم التداخل في السببين اللذين هما الكتابية و المملوكية المقتضي كل منهما نقصا عن مقابله، و أنه على النصف، فإذا كان أحدهما مقتضيا ليلة من ثمان فإذا انضم الثاني معه اقتضى من الست عشرة واحدة، بل

قوله عليه السلام (2): «الأمة على النصف من الحرة»

مقتض ذلك أيضا، ضرورة اقتضائه حينئذ كون الأمة الكتابية على النصف من الحرة الكتابية التي قد عرفت مساواتها للأمة المسلمة، و النصف من النصف ربع، و هو المطلوب، على أن المراد من كون الأمة على النصف من الحرة من حيث كونها أمة، و كذا الكتابية من حيث كونها كتابية، لا أن المراد منه أن الأمة و إن كانت كتابية على النصف من الحرة و إن كانت مسلمة، بل ليس المراد عند التأمل إلا أن الأمة الكتابية على النصف من الحرة كذلك، و الأمة المسلمة على النصف من الحرة كذلك كما هو واضح، هذا.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحكم في جميع صور اجتماع الزوجات المتفرقات في

القسمة، و هي أربعون صورة: ست منها ثنائية، و أربع عشرة ثلاثية، و عشرون رباعية، تبلغ مع الصور المتفرقة إحدى و خمسون، و هي من واحدة إلى أربع أحرار مسلمات، و مثلها كتابيات، و اثنتان إماء كتابيات، و هما واحدة و اثنتان فيهما.

و اعلم أن القسمة في المتفرقة من ثمان في عشرين صورة، و من ست عشرة في


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 9- من أبواب القسم و النشوز.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1 و فيه « قسم للحرة مثلي ما يقسم للمملوكة»

ج 31، ص: 169

عشرين، و في المتفقة من أربع في أربع، و من ثمان في ست، و من ست عشرة في اثنتين، و الله العالم، هذا.

و في إلحاق المبعضة بالحرة أو الأمة أو التقسيط إشكال من أصالة التسوية بين الزوجات إلا من علم خروجها، و هو هنا غير معلوم، مضافا إلى تغليب الحرية، و من أن الحرية سبب التسوية و تحققها مع التبعيض غير معلوم، بل الظاهر العدم، لظهور عدم المساواة و من الجمع بين مقتضى النصيبين، و من التردد في الدخول في الحرة أو الأمة أو في كل باعتبار، و لعل الأخير أقوى نظرا إلى غير ذلك من الأحكام التي جرى فيها التقسيط.

و كيف كان فهنا

[فروع]

فروع: و هي لو بات عند الحرة ليلتين فأعتقت الأمة قبل ليلتها أو في أثنائها و رضيت بالعقد ساوت الحرة و كان لها ليلتان، لأنها صادفت محل الاستحقاق و التحقت بالحرة قبل توفية حقها و للشافعية وجه بالعدم نظرا إلى الابتداء و لو بات عند الحرة ليلتين ثم بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت لم يبت عندها أخرى لأنها استوفت حقها نعم يستأنف في الدور الثاني التسوية، و هل العتق في اليوم الثاني لليلتها كالعتق في الليلة؟ أما على القول بعدم الدخول في القسم أصلا فليس مثله قطعا، و على القول الأخر فيه وجهان، من عدم الاستيفاء، و من كونه تابعا، هذا إن بدأ بالقسمة بالحرة.

و أما العكس كما لو بات عند الأمة ليلة ثم أعتقت في أثناء ليلتها ساوت الحرة، فكانت لها أيضا ليلة واحدة، و إن أعتقت بعد تمام نوبتها قبل استيفاء الحرة حقها و لو في أثنائها في الليلة الأولى أو الثانية لم تساوها، فيجب حينئذ للحرة ليلتان، ثم يسوى بينهما بعد ذلك في دور آخر، لأنها إنما استحقت ليلة واحدة على أن يكون نصف ما للحرة.

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يقضي للأمة ليلة، لأنها ساوت الحرة قبل توفية حقها و فيه تردد (11) لما عرفت، و عن الشافعية قول

ج 31، ص: 170

بأنها إن عتقت قبل الليلة الأولى من ليلتي الحرة أو فيها لم يكن لها إلا ليلة، و إن أعتقت في الليلة الثانية خرج من عندها في الحال، و هو قريب من قول الشيخ، و إن كان الظاهر أنه لا يرى الخروج من عندها، و قد تقدم لك تمام الكلام في هذه المسائل في نكاح الكفار.

كما أنه قد ظهر لك مما ذكرنا الضابط في المسألة، و هو أن الأمة متى أعتقت بعد استيفاء حقها من النوبة فلا شي ء لها و أعطيت الحرة حقها كاملا، سواء كانت متقدمة أو متأخرة، و متى أعتقت قبل تمام نوبتها أكمل لها نصيب الحرة.

و ليس للموطوءة بالملك القسمة بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه واحدة كانت أو أكثر فله مع تعددهن تخصيص من شاء منهن بالمبيت إذا لم يكن له زوجة أو كان و فضل من الدور شي ء فصرفه إلى الأمة. و بالجملة فحكمهن في القسمة حكم المعدومات، فلو كان له زوجة واحدة و لم نوجب القسمة لها من كل أربع كان مبيته عند الأمة دائما بمنزلة الاعراض عن الزوجة و مبيته وحده.

و كذا لا خلاف معتد به في أن له أن يطوف على الزوجات في بيوتهن، و أن يستدعيهن إلى منزله، و أن يستدعي بعضا و يسعى إلى بعض لأن تعيين المسكن يرجع إليه، كما أن الطاعة واجبة عليها، و دعوى منافاة الأخير للعدل و العشرة بالمعروف واضحة المنع بعد فرض إرادة المقرر بالشرع منهما فيما جعله الشارع لهن فيه حقا، نعم لا يبعد استحباب المساواة، و أفضل منه خصوص الطواف عليهن تأسيا بالنبي صلى الله عليه و آله (1)و أتم في استجلاب المودة و العشرة بالمعروف.

و الله العالم.

و تختص البكر عند الدخول في التفضيل بسبع ليال و الثيب بثلاث


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 298.

ج 31، ص: 171

على المشهور،

للنبوي (1)«للبكر سبعة أيام و للثيب ثلاثة»

و لصحيح ابن أبى عمير عن غير واحد عن محمد بن مسلم (2)قال: «قلت: الرجل يكون عنده المرأة يتزوج أخرى أ له أن يفضلها؟ قال: نعم إن كانت بكرا فسبعة أيام، و إن كانت ثيبا فثلاثة أيام»

و خبره الآخر(3)قلت لأبي جعفر عليه السلام: «رجل تزوج امرأة و عنده امرأة، فقال: إذا كانت بكرا فليبت عندها سبعا؛ و إن كانت ثيبا فثلاثا»

و خبر هشام بن سالم (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يتزوج البكر، قال: يقيم عندها سبعة أيام»

و على ذلك ينزل إطلاق

خبر البصري (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوج الأخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال:

ثلاثة أيام ثم يقسم».

نعم في

خبر الحسن بن زياد(6)عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: «فيكون عنده المرأة فيتزوج عليها جارية بكرا، قال: فليفصلها حين يدخل بها ثلاث ليال»

و في

موثق سماعة(7)«سألته عليه السلام عن رجل كانت له امرأة فيتزوج عليها، هل يحل له أن يفضل واحدة على الأخرى؟ قال: يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيام إذا كانت بكرا، ثم يسوى بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى».

بل عن الشيخ في التهذيبين الجمع بينهما و بين النصوص السابقة بحمل السبع للبكر على الجواز، و الثلاث على الأفضل؛ بل عن ابن سعيد موافقته على ذلك، بل لعله ظاهر المحكي عن السرائر أيضا «إذا عقد على بكر جاز أن يفضلها بسبع، و يعود إلى التسوية؛ و لا يقضى

ما فضلها، فان كانت ثيبا فضلها بثلاث ليال لكن على الخلاف أن للبكر حق التخصيص بسبعة و للثيب حق التخصيص بثلاثة خاصة لها أو بسبعة يقضيها للباقيات» و استدل عليه بالإجماع و الأخبار(8)و بما

روى (9)عن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 301 و كنز العمال ج 8 ص 253 الرقم 4136 و فيهما « للبكر سبع و للثيب ثلاث».
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 8.
8- 8 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز.
9- 9 سنن البيهقي ج 7 ص 300.

ج 31، ص: 172

النبي صلى الله عليه و آله إنه قال لأم سلمة حين بنى بها: «ما بك على أهلك من هوان إن شئت سبعت عندك و سبعت عندهن و إن شئت ثلثت عندك و درت».

و قد يظهر من المحكي عن أبي على وجه آخر للجمع، قال: «إذا دخل ببكر و عنده ثيب واحدة فله أن يقيم عند البكر أول ما يدخل بها سبعا ثم يقسم و إن كانت عنده ثلاث ثيب أقام عند البكر ثلاثا حق الدخول، فان شاء أن يسلفها من يوم إلى أربعة تتمة سبعة، و يقيم عند كل واحدة من نسائه مثل ذلك ثم يقسم لهن جاز، و الثيب إذا تزوجها فله أن يقيم عندها ثلاثا حق الدخول ثم يقسم لها و لمن عنده واحدة كانت أو ثلاثا قسمة متساوية» إلا أنه كما ترى لا شاهد له، و لا ينتقل إليه من مجرد اللفظ.

بل قد يناقش في الجمع الأول أيضا المقتضي لكون الحكم من أصله ندبيا، و إن مال إليه

بعض الأفاضل من متأخري المتأخرين، مؤيدا بالأصل مع انتفاء الصارف عنه من النص و كلام أكثر الأصحاب من حيث تضمنهما ما يدل على الوجوب في مقام توهم الحظر بظهور النص و الفتوى أن ذلك على جهة الاستحقاق لها، و الأصل فيه وجوب الوفاء ممن عليه، و به تقوى إرادة الوجوب من الأمر به هنا، مضافا إلى ما سمعته من معقد إجماعه في الخلاف، و لمعلومية رجحان نصوص السبع في البكر بالشهرة العظيمة بل عدم الخلاف كما قيل، بل الإجماع المحكي عن جماعة على وجه لا يقاومها خبرا الثالث (1)المحمولان على أنها إنما تستحقها دون التكلمة سبعا، و إنما له تقديمها و يقضيها للباقيات كما سمعته من الإسكافي في الجملة، أو على إرادة استمرار تفضيلها بالثلاثة التي له و لها من الأربع، بل لعله ظاهر الأول منهما بقرينة ما قبله و ما بعده، فيراد حينئذ من حين الدخول بها و حدثان العرس الأيام القريبة منه، أو غير ذلك.

و أما الثيب فلا خلاف أجده في النص و الفتوى في عدم زيادة تفضيلها على الثلاث


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 7 و 8.

ج 31، ص: 173

إلا ما يحكى عن بعض الفتاوى و الأخبار من التفضيل بالسبع أيضا فعن

العلل (1)«أن رسول الله صلى الله عليه و آله تزوج زينب بنت جحش فأولم و أطعم الناس- إلى أن قال- و لبث سبعة أيام بلياليهن عند زينب،

ثم تحول إلى بيت أم سلمة، و كان ليلتها و صبيحة يومها من رسول الله صلى الله عليه و آله»

و هو مع قصور سنده و شذوذه و عدم مكافأته لما مر من الأخبار محمول على الاختصاص به صلى الله عليه و آله، لعدم وجوب القسم عليه، و إلا ما سمعته من الخلاف الذي هو ليس تفضيلا لها، و إنما هو تقديم و قضاء للباقيات، مع أنا لم نجده فيما وصل إلينا من النصوص المعتبرة سوى ما سمعته من قول النبي صلى الله عليه و آله لأم سلمة(2)المفتي به عند العامة التي جعل الله الرشد في خلافها المحمول أيضا على اختصاصه صلى الله عليه و آله به، فلا محيص حينئذ عن القول المشهور نقلا و تحصيلا.

بل الظاهر أنه لا يقضي لنسائه شي ء من ذلك، لظهور النص (3)و الفتوى في استحقاقهما القدر المزبور، بل لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته من الإسكافي منا الذي لم نعثر على دليل معتد به له، و أبي حنيفة من غيرنا، فأوجب القضاء مطلقا، و لا ريب في ضعفه، من غير فرق بين طلب الثيب المبيت عندها سبعا و عدمه، خلافا لما عن مشهور الشافعية من أنها إن التمست السبع قضاهن أجمع، و إن بات عندها سبعا من غير التماس لم يقض إلا الأربع، لأنه صلى الله عليه و آله خير أم سلمة في الخبر(4)المتقدم بين اختيار الثلاث خالصة و السبع بشرط القضاء، فدل على أنها إن اختارت السبع لزم القضاء، و لأن السبع حق البكر، فإذا التمستها فقد رغبت فيما ليس مشروعا لها، فيبطل أصل حقها، و إن التمست الست فما دونها، أو التمست البكر إقامة ما زاد على

السبع لم يقض إلا الزائد، لأنها لم تطمع في الحق المشروع لغيرها، و قد سمعت كلام الشيخ في الخلاف، و أنه اما أن يخصها بثلاث أو بسبع و يقضيها لخبر أم سلمة الذي هو عامي، فالتحقيق ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 300.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب القسم و النشوز.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 300.

ج 31، ص: 174

ثم إن الظاهر اعتبار الولاء فيها لأنه المنساق، بل كاد يكون صريح قوله في بعضها: «ثم يقسم» و لأن الغرض و هو الإيناس و رفع الوحشة لا يتم إلا به، نعم يتحقق بما سمعته في القسمة، و في المسالك «يتحقق بعدم خروجه إلى أحد من نسائه مطلقا على حد ما يعتبر في القسمة و لا إلى غيرها لغير ضرورة أو طاعة، كصلاة جماعة و نحوها مما لا يطول زمانه و إن كان طاعة، لأن المقام عندها واجب فهو أولى من المندوب» و فيه ما عرفت مضافا إلى كون المدار سبق المبيت عندها على النحو المتعارف حتى بالنسبة إلى عروض بعض العوارض من ضيف أو عبادة في ليلة مشرفة و نحو ذلك.

و على كل حال فلو فرق الليالي أساء قطعا بل في المسالك «و في الاحتساب به وجهان، من امتثال الأمر بالعدد، مكان ذلك بمنزلة القضاء، و من اشتمال التوالي على غاية لا تحصل بدونه، كالأنس و ارتفاع الحشمة و الحياء» قلت: كأن مراده وجوب قضاء عدد مشتمل على التوالي في أحد الوجهين، لكنه كما ترى، خصوصا مع عدم اعتبار التوالي في النصوص شرطا، و مع إرادة أيام مخصوصة متوالية متصلة بالعقد، و بذلك افترق الحال بين التوالي في الكفارة و بينه هنا، بل المتجه هنا إما سقوط القضاء من أصله أو قضائها مع الإخلال بها و لو مفرقة، و لعل الثاني لا يخلو من قوة.

ثم إنه قد صرح بعضهم بأنه لا فرق هنا بين الحرة و الأمة المسلمة و الكتابية لإطلاق النص و الفتوى، و لأن المقصود من ذلك أمر متعلق بالبضع، و هو لا يختلف بالحرية و الرق و لا بالإسلام و الكفر، كما يشترك الجميع في مدة الفئة في الإيلاء، و فيه أنه يمكن أن يكون الإطلاق هنا اتكالا على معلومية نقصان الأمة عن الحرة و الكافرة عن المسلمة، حتى ورد أن الأمة على النصف من الحرة(1)و أن الكتابية بمنزلة الأمة(2).


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.

ج 31، ص: 175

و من هنا حكى عن بعضهم التشطير على حسب القسم، و هو قوى، خصوصا بناء على أن المقام قسم من القسم أيضا.

إنما الكلام في كيفيته، فيحتمل تكميل المنكسر، فيثبت للبكر الأمة أربع ليال، و كذا الحرة الكتابية، و للثيب منهما ليلتان، و ليلة للأمة الكتابية، و يحتمل التزام التشقيص هنا إما لجوازه في القسم أو في خصوص المقام، لعدم كونه منه، بل في المسالك «أنه أصح الوجهين» و هو متجه على ما سمعته منه سابقا، أما على المختار فالمتجه الأول، لكونه من القسم الذي لا يجوز فيه التشقيص، و

حذف الكسر منها مرجوح بالنسبة إلى تكميلها به ترجيحا لحق الجديدة، كما عساه يومئ إليه ترجيحها بالسبع و الثلاث.

و كيف كان فالمعتبر في الحرية و الرقية بحالة الزفاف، فلو نكحها أمة و زفت إليه حرة لحقها حكم الحرائر، بل لا يبعد ذلك لو أعتقت في أثناء أيامها، لما عرفته سابقا، و لو قضى حق الجديدة ثم طلقها ثم راجعها لم يعد حق الزفاف، لأنها باقية على النكاح الأول الذي قضى حقه، نعم لو طلقها بائنا ثم جدد نكاحها في العدة فالأصح تجدد الحق، لعود الجهة بالفراق المبين، و قد يحتمل عود الأول، لكنه واضح الضعف، و مثله ما لو أعتق مستولدته أو أمته التي هي فراشه ثم نكحها.

و لو كان قد أبانها قبل أن يوفيها حقها ثم جدد نكاحها ففي المسالك «لزمه التوفية، لأنه ظلم بالطلاق-، قال-: و على هذا فلو أقام عند البكر ثلاثا و افتضها ثم أبانها ثم نكحها وجب أن يبيت عندها ثلاثا حق زفاف الثيب و لو قلنا بعود الأول وجب أن يبيت عندها أربعا لأن حق الزفاف في النكاح الثاني على هذا يبني على النكاح الأول، و قد بقي منه هذا المقدار» قلت: قد يمنع وجوب وفاء الأول الذي قد سقط بالطلاق، بل يمكن منع كونه ظلما لاحتمال اشتراطه ببقاء كونها زوجة، لا أنه يحرم عليه طلاقها قبل توفية حقها، و كذا الكلام في صاحبة الدور، كما ستسمع الكلام فيه في المسائل إنشاء الله.

ج 31، ص: 176

هذا و قد ظهر لك أن للجديدة حق الاختصاص بالعدد المذكور، و التقدم به على غيرها، فان زفت إليه بعد تمام الدور حصل لها الاختصاص خاصة، و كذا لو تزوجها على واحدة بناء على عدم القسم لها، و لو كان عنده امرأتان فزفت اليه جديدة بعد ما قسم لإحداهما دون الأخرى ففي المسالك «قضى حق الزفاف، و تحقق هنا الاختصاص و التقديم، ثم قسم للقديمة الأخرى و أعطى الجديدة نصف ما وفي القديمة، لاستحقاقها حينئذ ثلث القسم، فان كان قد قسم للأولى ليلة و في الأخرى بعد حق الزفاف ليلة، و بات عند الجديدة نصف ليلة، و خرج بقية الليلة إلى مسجد و نحوه، ثم استأنف القسم بينهن على السوية، و لو قسم للأولى خمس عشرة و تزوج بكرا خصها بسبع، ثم قسم ثلاثا للقديمة و واحدة للجديدة خمسة أدوار- و قال فيها أيضا- لو تزوج في أثناء القسم ظلم من بقي بتأخير حقها بعد حضوره، و لكن لا يؤثر في تقديم الجديدة، و يجب التخلص من مظلمة المتأخرة على الوجه الذي ذكرناه» انتهى.

و قد يقال: (أولا) أنه لا ظلم، لاشتراط حقها بعدم اتفاق نكاح جديد في الأثناء و إلا كان مقدما لإطلاق النصوص السابقة و (ثانيا) أنه لو فرض نكاحه بعد وفاء الأولى ليلتها دون الثانية اختصت الجديدة بأيام زفافها، ثم كان لها ليلة من الأربع، و لا يختص قسمها بين الباقية و الجديدة حتى أنه تستحق الثلث مما لها.

و لكن قد يدفع الأخير بأنه لا حق للجديدة مع القديمة المستوفية حقها في القسم قبل صيرورة الجديدة زوجة، و انما تشارك الباقية، فيكون كما لو كان عنده زوجتان، إلا أن القديمة الباقية قد استحقت عند القديمة الأولى، لأن القسم كان بينهما، فيكون للقديمة الباقية ثلثان و للجديدة ثلث، و يتجه حينئذ ما ذكره من أنه إذا وفى القديمة ليلتها كان للجديدة نصف ليلة.

و بتقرير آخر هو أن القديمة السابقة قد استوفت حقها من الأربع قبل صيرورة الجديدة زوجة، فاستحقت الثانية ليلة منها أيضا بمقتضى القسم بينهما قبل

ج 31، ص: 177

تجدد الجديدة، فلم يبق من الدور حينئذ إلا ليلتان للجديدة فيهما الربع، و هو نصف ليلة، و أما الليلتان منه للقديمتين فلا حق لها فيهما.

و كذا الكلام في القسم للأولى بخمس عشرة فإنه إذا أراد وفاء الثانية حقها مع إعطاء الجديدة حقها من الأدوار المتجددة بات عندها خمسة أدوار على الوجه المزبور، و هو ثلاث عند القديمة و واحدة عند الجديدة، فيحصل حينئذ خمس عشرة ليلة للقديمة، و خمس للجديدة يكون المجموع عشرين، إذ ليس للجديدة في الأدوار المزبورة إلا خمس، لأن لها من كل أربع ليلة و للقديمة الباقية كذلك، مضافا إلى استحقاقها في مقابلة ما أخذته القديمة السابقة و هو عشرة، إلا أن خمس منها للزوج، فالجديدة حينئذ إنما لها ثلث من الخمس عشرة، و هو خمس هي نصف ما و في به القديمة الباقية أي العشرة، فلا فرق بين هذا المثال و بين الليلة و نصف في المثال السابق مع قطع النظر عن الخمسة التي هي له دفعها في مقابلة الخمسة السابقة التي أخذ منها القديمة السابقة.

و كذا الكلام فيما تسمعه من المصنف و غيره من أنه لو كان له أربع فنشزت واحدة ثم قسم لكل خمس عشرة فبات عند اثنتين ثم أطاعت الناشز وجب توفية الثالثة خمس عشرة و الناشز خمسا، إذ لا حق لها في الثلاثين ليلة التي باتها عند الأولتين، لأنها كانت ناشزا، و لها مع الثالثة اشتراك في استحقاق الدور، فكأن له زوجتين، للناشز في كل دور ليلة، و للثالثة ثلاث إلى أن يكمل الخمس عشرة ليلة، فيبيت عند الثالثة في كل دور ثلاثا و عند الناشز ليلة خمسة أدوار ثم يستأنف القسم للأربع.

لكن هذا إذا قلنا بأنه إذا كان له أقل من أربع فقسم بما يستوعب الدور أو يزيد عليه سقط حقه من الأربع، و إلا كان متبرعا على كل من الأولتين بثلاث و ثلاثة أرباع، فلا يكون عليه للثالثة تمام الخمس عشرة، بل إحدى عشرة و ربع.

و ظاهر الأصحاب كما قيل على الأول بناء على وجوب العدل بينهن، خرج ما إذا قسم ليلة ليلة بالنص و الإجماع على أنه حينئذ له أن يضع ما له من الأربع عند من

ج 31، ص: 178

شاء من أزواجه، فيبقى غير هذه الصورة على أصل وجوب العدل، و إن كان قد يناقش بأن العدل إنما يجب فيما لهن من الحق لا فيما يتفضل به عليهن، أو على أنه إذا قسم لهن أزيد من ليلة كان حقه بعد تمام قسمة كل منهن مساويا لما قسمه لها في المضاعفة، فإذا قسم لاثنتين كان له بعد ليلتي الأولى أربع و كذا بعد ليلتي الثانية، و نزلت الليلتان منزلة ليلة، فلا يكون له فيهما حق، فله أن يأخذ بحقه بعد الأولى بأن يبيت بعد ليلتها عند غيرها و أن يأخذه بعد الثانية، فهنا أيضا لما وفي لكل من الاثنتين خمس عشرة كان الجميع حقهما، فله أن يبيت خمس عشرة ليلة عند غير زوجاته الثلاث ثم يبيت عند الثالثة خمس عشرة و أن يؤخر حقه عن توفية الثالثة حقها، و على كل حال فلها الخمس عشرة كاملة، و إذا رجعت الرابعة إلى الطاعة بكل ما كان له من الحق كما لو كانت له ثلاث فتزوج رابعة في الليلة الرابعة أو يومها.

و كذا لو نشزت واحدة و ظلم واحدة و أقام عند الأخريين ثلاثين ليلة ثم أراد القضاء للثالثة فأطاعت الناشز، فإنه يقسم للمظلومة ثلاثا و للناشز يوما خمسة أدوار، فيحصل للمظلومة خمس عشرة ليلة عشرة قضاء لأنه كان لها من كل ثلاث ليال ليلة، لنشوز الرابعة، و قد بات فيها عند إحدى الأخريين، و خمس أداء فكلما بات عندها ليلتين قضاء كانت الثالثة أداء لها، بخلاف الصورة الأولى، فإن تمام الخمس عشرة فيها أداء، لانتفاء الظلم، و يحصل خمس للمطيعة، كما في الصورة السابقة.

و لو سيق إليه زوجتان أو زوجات في ليلة أو يوم قيل: يبتدئ بمن شاء في وفاء أيام الاختصاص، لإطلاق خطابه بذلك مع التساوي في الاستحقاق و إن ترتبا في الزفاف، و قيل كما عن بعضهم: إنه يقرع بينهن، لما سمعته في القسم، ضرورة كون المسألتين من واد واحد، و الأول أشبه عند المصنف بناء على ما سمعته سابقا و الثاني أفضل خروجا من شبهة الخلاف و الميل و الجور، بل قد عرفت أنه الأقوى عندنا، لا ما ذكره المصنف و لا ما عن المبسوط

ج 31، ص: 179

و التحرير من وجوب الابتداء بمن سبق زفافها، لأن لها حق السبق، و فيه أنه لا يصلح مرجحا بعد الاتحاد في تعلق الحق.

ثم إن الظاهر القرعة في وفاء تمام الحق المعتبر فيه التوالي كما عرفت، لا أنه يخير بين ذلك و بين أن يبيت الليلة الأولى عند من خرجت القرعة باسمها ثم عند الأخرى و هكذا، فان في ذلك فوات التوالي فتأمل، و الله العالم.

و تسقط القسمة بالسفر بمعنى أن له السفر وحده من دون استصحاب أحد منهن، و ليس عليه قضاء ما فاتهن في السفر، سواء قلنا بوجوب القسمة ابتداء أم لا، للإجماع الفعلي من المسلمين على المسافرة كذلك من غير نكير و لا نقل قضاء مع أصالة عدم وجوبه بعد قصور أدلة القسم لمثله.

و لا شبهة في أنه لو أراد إخراجهن معه فله ذلك، و عليهن الإجابة إلا لعذر، و إن أراد إخراج بعضهن جاز اتفاقا، و لأن النبي صلى الله عليه و آله كان يفعل ذلك و لا قضاء عليه للمتخلفات، للأصل، و لأنه صلى الله عليه و آله لم ينقل عنه القضاء و لو وقع لنقل، خصوصا فيما اشتمل على ذكر سفره بمن خرج اسمها، بل في المسالك «في بعض الروايات أنه صلى الله عليه و آله لم يكن يقضي صريحا، و يؤيده أن المسافرة و إن حظت بصحبة الزوج لكنها قاست مشقة السفر، و لم يحصل لها دعة الحضر، فلو قضى لهن كان خلاف العدل».

و عن بعضهم اشتراط ذلك بكون خروج المصحوبة بالقرعة، فلو صحبها بدونها قضى، و إلا كان ميلا و ظلما و خروجا عن التأسي، فإن عدم قضاء النبي صلى الله عليه و آله للقرعة، و في القواعد «و لو استصحب من غير قرعة ففي القضاء إشكال» مما عرفت، و من أنه لا حق لهن في أوقات السفر و إلا لم يجز له بانفراده، و له استصحاب من شاء منهن خصوصا إذا استحبت القرعة كما ستعرف، و الأصل عدم وجوب القضاء، و أنها و إن فازت بالصحبة فقد قاست شدة السفر.

نعم هل ذلك عام لكل سفر لأن الاشتغال به مطلقا يمنع حق القسمة، لما فيه من المشقة و العناء المانع من حصول الصحبة و التفرد بالخلوة الذي هو غاية القسمة؟

ظاهر المصنف و صريح غيره ذلك.

ج 31، ص: 180

و قيل: يقضي سفر النقلة من مكان إلى مكان آخر و الإقامة أي الذي تحصل الإقامة فيه دون سفر الغيبة للتجارة و نحوها و لم تتخلل فيه إقامة، و اختاره الفاضل في القواعد قال: «و لو سافر للنقلة و أراد نقلهن فاستصحب واحدة قضى للبواقي و إن كان بالقرعة، لأن سفر النقلة و التحويل لا يختص بإحداهن- أي فهو في حكم الإقامة، و عليه نقل الكل- فإذا خص واحدة قضى للبواقي» بخلاف سفر الغيبة الذي هو للتجارة و غيرها بعزم الرجوع، فإنه لا حق لهن فيه، و في محكي المبسوط «إن في سفر النقلة وجهين- و لم يرجح شيئا منهما- أحدهما قضاء مدة السفر لذلك، و الأخر قضاء مدة الإقامة معها في بلد النقلة خاصة دون مدة السفر- و قال فيها أيضا- و لو سافر بالقرعة ثم نوى المقام في بعض المواضع قضى للباقيات ما أقامه دون أيام الرجوع على إشكال، و لو عزم على الإقامة أياما في موضع ثم أنشأ منه سفرا آخر لم يكن عزم أو لا لزمه قضاء أيام الإقامة دون أيام السفر، و لو كان قد عزم عليه لم يقض أيام السفر على إشكال» و في المسالك «عن بعض التفصيل أيضا في سفر النقلة بين الخروج بالقرعة و عدمه، فيقضى في الثاني دون الأول».

و الأقوى عدم الفرق بين سفر النقلة و غيره، و بين الخروج بالقرعة و غيره، و بين سفر الإقامة و غيره، للأصل السالم عن المعارضة بعد الشك في تناول أدلة القسم لذلك أو ظهورها في غيره، خصوصا بعد السيرة المستمرة.

إنما الكلام في أيام الإقامة المتخللة في أثناء السفر باعتبار خروجها عن اسم السفر شرعا، فهي من الحضر، مع قوة احتمال كونها كأيام السفر، لاندراجها فيها عرفا، و لأن السيرة أيضا على عدم الفرق بينها و بين غيرها، و يمكن دعوى ظهور عبارة المتن في ذلك، و إشكال الفاضل في أيام الرجوع في غير محله، ضرورة اتحاد سفر الغيبة ذهابا و إيابا، و القرعة هنا لا محل لها، و كذا إشكاله الأخير المبني على أحد الوجهين، و إيجاب القضاء مع السفر بلا قرعة، لكن من المعلوم أنه لا مجال لها هنا، كما هو واضح، فالمتجه حينئذ ما ذكرنا.

ج 31، ص: 181

نعم لو سافر باثنتين عدل بينهما في السفر أقرع عليهما أو لإحداهما خاصة أو لم يقرع، لعدم كونه غائبا عنهما، فان ظلم إحداهما قضى لها إما في السفر أو في الحضر من نوبة المظلوم بها، و له أن يخلف إحداهما في أثناء السفر في بعض الأماكن بالقرعة و غيرها على الأصح، لعدم الفرق بينه و بين منزله قبل إنشاء السفر، فان تزوج في السفر بأخرى خصها بثلاث أو بسبع في السفر ثم عدل بينهن، إذ السفر لا يسقط حق الجديدة، لإطلاق أدلته.

و لو خرج وحده ثم استجد زوجة لم يلزمه القضاء للمتخلفات من نوبة الجديدة و إن قلنا بالقضاء إن استصحب إحدى القديمات بالقرعة، نعم إن أقام في السفر أو منتهاه لزمه القضاء، مع أن فيه البحث السابق، و الله العالم.

و كيف كان فالظاهر أنه يستحب أن يقرع بينهن إذا أراد استصحاب بعضهن للتأسي (1)و لأنه أطيب لقلوبهن و أقرب إلى العدل، و لا يجب، للأصل، و كيفيتها معلومة، و لا تنحصر في طريق، لكن في كشف اللثام «أنها يكتب اسم كل منهن بالسفر في رقعة يجعلها في بندقة طين أو غيره فيقال لمن لم يعلم بالحال:

أخرج على السفر رقعة فكل من خرجت رقعتها سافر بها، فإن أراد إخراج أخرى أمره بإخراج رقعة أخرى، و كذا إذا أراد السفر بثالثة، و له إن أراد السفر باثنتين أن يجعل اسم كل اثنتين في بندقة، و الأول أعدل، أو يخرج السفر على الأسماء فإن أراد السفر بواحدة كتب في رقعة سفر و في ثلاث حضر، فان خرج على فلانة رقعة السفر سافر بها، و إن خرجت رقعة الحضر أخرج باسم أخرى، و إن أراد أن يسافر باثنتين كتب في رقعتين سفر و في أخريين حضر، أو اقتصر على رقعتين إحداهما سفر و في الأخرى حضر، و إن أراد السفر بثلاث كتب في ثلاث سفر و في واحدة حضر».

و نحوه في المسالك و لا بأس به إن أراد بذلك أحد الأفراد، إذ لا دليل على تعيين ذلك في كيفيتها، و الأمر سهل.

و هل يجوز العدول عمن خرج اسمها إلى غيرها؟ قيل كما عن المبسوط


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 302.

ج 31، ص: 182

و الوسيلة لا يجوز لأنها تعينت للسفر و إلا انتفت فائدتها، و فيه تردد بل الأقوى أن له ذلك، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي كونها من الملزمات، و فائدة القرعة استحباب اختيارها للسفر، كما هو واضح، و الله العالم.

و لا تتوقف قسم الأمة على إذن المالك، لأنه لا حظ له فيه، فليس له منعها عن المطالبة به و عن إسقاطه و هبته للزوج أو ضرائرها، و في المسالك «هذا لا كلام فيه» و هو جيد إن تم إجماعا، خصوصا لو أرادت الصلح عنه بمال.

و على كل حال فهل يتوقف القسم لها على وجوب نفقتها كالحرة؟ وجهان، من كونه من جملة الحقوق المترتبة على التمكين، و دورانه مع النفقة في الحرة وجودا و عدما، و من أن وجوب النفقة على الزوج يتوقف على تسليمها إليه نهارا، و هو غير واجب على السيد، فلا يكون حكمها كالناشز، بل المسافرة في واجب، و عن المبسوط «النفقة و القسم شي ء واحد، فكل امرأة لها النفقة لها القسم، و كل من لا نفقة لها لا قسم لها» و هذا يقتضي عدم وجوب القسم لأمة مع عدم تسليم المولى نهارا، لسقوط نفقتها حينئذ و إن كان ذلك غير واجب على المولى» و في المسالك «لعله الوجه» قلت: قد يقال:

إن مقتضي إطلاق أدلة القسم وجوبه عليه، خصوصا مع إقدامه على عدم استحقاقه التسليم نهارا بناء عليه على مولاها، فحينئذ امتناعها عليه بحق لا يسقط حقها من القسم، و الله العالم.

و يستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق و إطلاق الوجه و الجماع و غير ذلك، لأنه من كمال العدل و الانصاف المرغب فيهما شرعا، مع ما في ذلك من جبر قلوبهن و حفظهن عن التحاسد و التباغض، و

في الخبر(1)عن أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه «من كان عنده امرأتان فإذا كان يوم واحدة فلا يتوضأ عند الأخرى»

بل في

خبر معمر بن خلاد(2)النهي عن ذلك، فإنه سأل الرضا عليه السلام «عن


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3 و فيه « ان عليا عليه السلام كان له امرأتان، فكان إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى».
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.

ج 31، ص: 183

تفضيل نسائه بعضهن على بعض فقال: لا»

و إن كان من المعلوم عدم وجوبها، للأصل

و خبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي (1)سأل الكاظم عليه السلام «عن الرجل يكون له امرأتان يريد أن يؤثر إحداهما بالكسوة و العطية أ يصلح ذلك؟ قال: لا بأس و اجهد في العدل بينهما»

و ظاهر قوله تعالى (2)«وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ

الْمَيْلِ» و غير ذلك، و لذا أفتى الأصحاب باستحباب التسوية في غير ما دل الدليل على وجوبه من القسم و الإنفاق الواجبين و نحوهما، بل لا يبعد القول بكراهة التفاضل، لما سمعته من الخبر السابق (3)، و الله العالم.

و كذا يستحب أن يكون في صبيحة كل ليلة عند صاحبتها للخبر(4)المتقدم سابقا الذي منه قيل بالوجوب. و قد عرفت الحال فيه، و أن يأذن لها في حضور موت أبيها و أمها لما في منعها من ذلك من المشقة و الوحشة و قطيعة الرحم و إن كان له منعها عن ذلك و عن عيادة أبيها و أمها فضلا عن غيرهما و عن الخروج من منزله إلا لحق واجب لأن له الاستمتاع بها في كل زمان و مكان، فليس لها فعل ما ينافيه بدون إذنه، و منه الخروج إلى بيت أهلها و لو لعيادتهم و شهادة جنائزهم، و في

خبر عبد الله بن سنان (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن رجلا من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله خرج في بعض حوائجه فعهد إلى امرأته أن لا تخرج من بيتها حتى يقدم، قال: و أن أباها مرض فبعثت إلى النبي صلى الله عليه و آله تستأذنه في أن تعوده فقال: اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك، قالت:

فثقل فتأمرني أن أعوده فقال: اجلسي في بيتك و أطيعي زوجك، قال: فمات أبوها فبعثت إليه إن أبي قد مات فتأمرني أن أصلي عليه، فقال: اجلسي في بيتك و أطيعي


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 129.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 91- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 31، ص: 184

زوجك، قال: فدفن الرجل، فبعث رسول الله صلى الله عليه و آله أن الله تعالى غفر لك و لأبيك بطاعتك لزوجك»

بل منه يستفاد أن له منعها عن الخروج لغير الحق الواجب و إن لم يكن منافيا لاستمتاعه المفروض امتناعه عليه بسفر أو غيره.

و قد ظهر لك من ذلك كله كيفية القسم و زمانه، لكن المصنف ترك التعرض لمكانة، و في القواعد «أما المكان فإنه يجب أن ينزل كل واحدة منزلا بانفراده، و لا يجمع بين ضرتين في منزل إلا مع اختيارهن أو مع انفصال المرافق، و يستدعيهن على التناوب، و له المضي إلى كل واحدة ليلة، و أن يستدعي بعضا و يمضي إلى بعض، و لو لم ينفرد بمنزل بل كان كل ليلة عند واحدة كان أولى، و لو استدعى واحدة فامتنعت فهي ناشز لا نفقة لها و لا قسمة إلى أن تعود إلى الطاعة و هل له أن يساكن واحدة و يستدعي إليها؟ فيه نظر، لما فيه من التخصيص» لكن لا يخفى عليك خلو النصوص عن إفادة جميع ما ذكره و كذلك آية المعاشرة بالمعروف (1)بعد أن كان المراد منه ما وقته الشارع من القسم الواجب و النفقة، و كذلك قوله تعالى (2)«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ، وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» بل ربما كان دالا على خلاف بعض ما ذكره، نعم لا بأس بذلك سياسة و جلبا للقلوب، و مراعاة لكمال العدل و نحو ذلك مما يصلح للاستحباب لا

الإيجاب المحتاج إلى دليل مخصوص واف بالمطلوب.

نعم إن ظهر منه الإضرار بها بأن لا يوفيها حقها قسمة و غيرها استعدت عليه الحاكم لرفع ذلك عنها، و في القواعد أيضا «أنه يأمره بأن يسكنها إلى جنب ثقة ليشرف عليها، فيطالبه الحاكم بما يمنعه من حقوقها، فإن أراد السفر بها لم يمنعه الحاكم، لكن يكاتب حاكم ذلك البلد بالمراعاة» و إن كان فيه أيضا نحو ما تقدم إلا أن الأمر فيه سهل، خصوصا بعد ما تسمعه في السياسة بينهما لو حصل الشقاق، و الله العالم.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 19.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 31، ص: 185

[أما اللواحق فمسائل]
[المسألة الأولى القسم حق مشترك بين الزوج و الزوجة]

الأولى القسم بناء على وجوبه مطلقا حق مشترك بين الزوج و الزوجة لاشتراك ثمرته التي هي الاستمتاع لكل منهما بل و على المختار أيضا على معنى أنه حيث يجب و لو بالشروع يكون مشتركا بينهما، فما في المسالك- من أن ذلك إنما يوافق القول بوجوبه مطلقا خاصة، إذ الحق بناء على القول الأخر مختص بالزوج دون غيره- في غير محله، ضرورة أن المختص به الشروع به لا بعده، فإنه حينئذ يكون حقا لهما إلى تمام الدور، بل الظاهر أن المراد بالقسم هو ذلك، و حينئذ فلا حاجة إلى الاعتذار فيها عن المصنف و غيره ممن عبر بهذه العبارة مع عدم قوله بوجوب القسم مطلقا باحتمال إرادة الأعم من الواجب من الحق، ضرورة معلومية الاشتراك في ثمرته، و إنما الكلام في اشتراك حقيته أو اختصاصها بالزوج، ثم قال: «و لو أراد بالحق ما هو أعم من الواجب فلا بد من استعماله في معنييه، فليدخل حق الزوج فيه، فإنه واجب، و يمكن حينئذ أن يريد القدر المشترك بين الواجب و غيره، و هو الراجح مطلقا، و قد كان يمكن تفريع قوله «فلو أسقطت حقها منه» على الحكم بكونه حقا للزوج فليس لها حينئذ إسقاط نصيبها من القسم إلا برضاه، و تحصل المطابقة بين الحكمين» إذ قد عرفت أن الحكم بالاشتراك متجه على التقديرين.

و على كل حال فلو أسقطت حقها منه كان للزوج الخيار بين الرضا

ج 31، ص: 186

بذلك و عدمه، لما سمعته من الاشتراك بينهما المقتضي لعدم سقوط أحدهما بإسقاط الأخر، و منه يعلم صورة العكس، و هي لو أسقط هو حقه من ذلك كانت الزوجة بالخيار، للاشتراك المزبور، و لعل اقتصار المصنف باعتبار كون الغالب وقوع ذلك، و الظاهر أن المراد بالإسقاط هنا الاذن منها، لا أنه كإسقاط الحقوق التي تسقط بالإسقاط على وجه لم يكن لصاحب الحق العود اليه، و لا أنه من قبيل ما في الذمة. و ذلك لأنه استمتاع في زمان مستمر، فما دامت مستمرة هي على الاذن في ذلك كان ساقطا، فإذا رجعت عن الاذن كان الحق لها، بل لو خرجت عن قابلية الاذن بإغماء أو جنون لم يستمر السقوط.

و لها أن تهب ليلتها للزوج أو بعضهن مع رضاه لتسلطها على حقها كالمال، إلا أنه لما كان مشتركا بينها و بين الزوج اعتبر رضاه، و

للمرسل عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«إن سودة بنت زمعة لما كبرت وهبت نوبتها لعائشة فكان النبي صلى الله عليه و آله يقسم لها يوم سودة و يومها»

نعم الظاهر أن إطلاق الهبة على ذلك توسع، باعتبار أنه ليس من موردها الذي هو الأعيان، نعم الظاهر اعتبار القبول من الموهوبة، فان لم تقبل لم ينتقل الحق إليها.

و من هنا يمكن أن يقال: بجريان جميع أحكام الهبة على ذلك، فيكون الخارج بما هنا من النص و الفتوى تعلق الهبة بغير العين، لكن الإنصاف أن ذلك ليس بأولى من القول بعدم جريان شي ء من أحكام الهبة عليها و عدم اندراجها في إطلاق دليلها و إن شاركتها في بعض الأحكام، فلا يجرى عليها حكم هبة الرحم و نحو ذلك من أحكام الهبة، و إطلاق لفظ الهبة في المرسل و العبارات كله من باب التوسع، و إلا فالمراد الاذن منها في إسقاط حقها على وجه مخصوص، و هو وضعه عند واحدة منهن، و أما هبتها للزوج فليس معناه إلا الإسقاط.

و من هنا قال المصنف فان وهبت للزوج وضعها حيث شاء منهن


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 296.

ج 31، ص: 187

و من غيرهن و لو بأن يترك المبيت فيها عند أحد منهن، ثم إن كانت نوبة الواهبة متصلة بنوبة الموهوبة بات عندها ليلتين على الولاء، و إن كانت منفصلة فالأصح كما في المسالك وجوب مراعاة النوبة فيهما، لأن لها حقا من بين الليلتين سابقا، فلا يجوز تأخيره، و لأن الواهبة على تقدير تأخر ليلتها قد ترجع بين الليلتين، و الموالاة تفوت حق الرجوع، و إن وهبت حقها من الزوج فله وضعه حيث شاء، بمعنى أنه ينظر في ليلة الواهبة و ليلة التي يريد تخصيصها أ هما متواليان أم لا؟ و يكون الحكم على ما سبق.

و إن وهبتها لهن أجمع وجب قسمتها عليهن على معنى المبيت عند كل واحدة منهن بعض الليلة، و لو رضين بقسمتها ليال على معنى أن يكون عند واحدة منهن في كل دور جاز أيضا، و اتفاق رجوعها بعد استيفاء إحداهن دون الأخرى غير قادح، و مثله يأتي في القسمة أبعاضا، و من هنا كان المتجه القرعة في الابتداء مع التشاح، فينحصر الخسران حينئذ بالتي حصل رجوع الواهبة قبل استيفائها.

و إن وهبتها لبعض منهن معينة اختصت بالموهوبة على حسب ما عرفت. هذا و لكن في المسالك «و إن وهبت حقها من جميعهن وجبت القسمة بين الباقيات، و صارت الواهبة كالمعدومة، و مثله ما لو أسقطت حقها مطلقا، هذا إذا لم نوجب القسمة ابتداء، و إلا لم يتم تنزيلها كالمعدومة فيما لو كن أربع، لاشتراكهن حينئذ في تمام الدور، و هو الأربع، و لو جعلناها معدومة فضل له ليلة، و الواجب على هذا التقدير أن يرجع الدور على ثلاث دائما ما دامت الواهبة مستحقة، بخلاف ما لو طلقها أو نشزت، فان حكم ليلتها ساقط و تصير كالمعدومة محضا و على التقدير الأخر يفضل له ليلة» و هو جيد.

لكن قد يناقش بعدم الفرق بين القولين في عدم تمامية التشبيه، اللهم إلا أن يكون المراد أنه لا حق لها تهبه على القول بالوجوب بالشروع، فمرجع هبتها حينئذ إلى تنزيلها منزلة العدم، و فيه نظر، ضرورة إمكان هبتها في أثناء الدور،

ج 31، ص: 188

و إمكان عدم الحق لها و إن كان معلقا على الشروع كما نبه عليه قوله و كذا لو وهبت ثلاث منهن لياليهن للرابعة لزمه المبيت عندها من غير إخلال الذي وافقه عليه في المسالك، حيث قال: «و لو فرض هبة الجميع لواحدة انحصر الحق فيها، و لزمه مبيت الأربع عندها على تقدير القول بوجوب القسمة دائما، و لا ينزل حينئذ منزلة الواحدة، بل بمنزلة الأربع، و على القول الأخر يجب عليه إكمال الدور لها حيث ابتدأ به، و يسقط عنه بعد ذلك إلى أن يبتدئ به فيجب عليه إكمال الأربع، و هكذا. و يجرى عليه أيضا قوله: «لزمه المبيت عندها من غير إخلال» يعنى بالدور الواجب» فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا وهبت و رضى الزوج صح]

المسألة الثانية إذا وهبت و رضى الزوج الذي قد عرفت اعتبار رضاه للاشتراك في الحق الذي علمته صح لما تقدم.

و لو رجعت كان لها ذلك و لكن في غير ما مضى و إن كانت الموهوبة رحما لها، لعدم كونها هبة حقيقة، و لعدم القبض فيما رجعت فيه، و من هنا كان لا يصح رجوعها في الماضي بمعنى أنه لا يقضى لكونه بمنزلة التلف المانع من الرجوع به و يصح فيما يستقبل الذي هو متجدد و لا قبض فيه، فلها الرجوع فيه بحيث لو رجعت في أثناء الليل و علم به خرج من عند الموهوبة.

و لو رجعت و لم يعلم الزوج بذلك لم يقض ما مضى قبل علمه للأصل بعد عدم التقصير منه، و في المسالك «في المسألة وجه آخر، أنه يقضى كما قيل بانعزال الوكيل قبل العلم بالعزل، و الحق الأول» قلت: هو لا يخلو من قوة باعتبار انكشاف استيفاء حقها مع عدم إذنها، و عدم التقصير لا مدخلية له في تدارك الحق لذيه، و ليس هو كالمال المأذون في أكله الذي تأتي فيه قاعدة

ج 31، ص: 189

الغرور، كما أنه ليس من قسم الوكالة التي ثبت بالنص (1)و الفتوى عدم انفساخها قبل العلم، بعد حرمة القياس عندنا، فيتجه حينئذ التدارك لها، خصوصا مع علم الزوجة دونه،

فإنها حينئذ هي ظالمة تقاص من ليلتها، لأن الْحُرُماتُ قِصاصٌ (2)و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج هل يلزم قيل لا]

المسألة الثالثة لو التمست عوضا عن ليلتها فبذله الزوج هل يلزم؟ قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة لا يلزم لأنه حق لا يتقوم منفردا أي غير مالي، لعدم كونه في مقابلة عين أو منفعة، و إنما هو مأوى و مسكن فلا تصح المعاوضة عليه و الأقوى خلافه، لإطلاق أدلة الصلح مثلا الشاملة لمثل ذلك من الحقوق كحق الخيار و الشفعة، من غير فرق بين الصلح على إسقاطه أو انتقاله فيما كان قابلا منه للانتقال، كما في المقام، مضافا إلى

خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل له امرأتان قالت إحداهما: ليلتي و يومي لك يوما أو شهرا أو ما كان، أ يجوز ذلك؟ قال: إذا طابت نفسها و اشترى منها ذلك فلا بأس»

و من المعلوم أن إطلاق الشراء مجاز، لأن البيع متعلق بالأعيان، فهو كناية عن المعاوضة عليه بالصلح مثلا.

و الظاهر عدم اختصاص ذلك بالزوج، بل يجوز للنساء بعضهن مع بعض، لكن مع إذن الزوج، للإطلاق المزبور، كما أن الظاهر جوازه لهن بتبديل ليلة بعضهن بالأخرى لذلك أيضا.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من كتاب الوكالة.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 194.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.

ج 31، ص: 190

هذا و في المسالك «حيث لا تصح المعاوضة يجب عليها رد العوض إن كانت قبضته، و يجب القضاء لها إن كانت ليلتها قد فاتت، لأنه لم يسلم لها العوض، هذا مع جهلهما بالفساد أو علمهما و بقاء العين، و إلا أشكل الرجوع، لتسليطه لها على إتلافه بغير عوض حيث يعلم أنه لا يسلم له، كما في البيع الفاسد مع علمهما بالفساد» و فيه أنه لا يتم مع فرض كون البذل بعنوان المعاوضة التي لم يتم له فيها المعوض و عدم الرجوع في البيع الفاسد لو سلم فلدليل خاص من إجماع و نحوه، ضرورة أن التسليط المزبور لو اقتضى عدم الرجوع لاقتضى في المعوض أيضا كما في العوض، و قد تقدم تحقيق المسألة في محله.

[المسألة الرابعة لا قسمة للصغيرة]

المسألة الرابعة لا قسمة للصغيرة و لا المجنونة المطبقة و لا الناشزة و لا المسافرة بغير إذنه بمعنى أنه يؤديه ذلك لهن فعلا و لا يقضي لهن عما سلف أما في الأولى و الثالثة فلا أجد فيه خلافا هنا، و ذلك لأن القسمة من جملة حقوق الزوجية، و هي بمنزلة النفقة التي تسقط بالصغر و النشوز، و لعله كذلك في الناشزة، أما الصغيرة القابلة للاستمتاع الملتذة به فلا دليل عليه، لاندراجها في اسم الزوجة التي قد سمعت ما يدل (1)على استحقاقها الليلة من الأربع، و سقوط النفقة المشروطة بالدخول لو قلنا به لا يقتضي سقوط حقها من القسم، اللهم إلا أن يشك في شمول

أدلته لمثلها، و الأصل البراءة، و لعله كذلك.

و أما المجنونة المطبقة فقد علل بأنها لا عقل لها يدعوها إلى الأنس بالزوج و التمتع به، و هو كما ترى أخص من المدعى، و لذلك قال في المسالك:

«و الأولى تقييد المطبقة بما إذا خاف أذاها أو لم يكن لها شعور بالإنس به و إلا لم يسقط حقها منه» و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما سمعته سابقا في جنون الزوج،


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 9- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 191

نعم يمكن الشك أيضا، في تناول الأدلة للمجنونة على حسب ما سمعته في الصغيرة، خصوصا مع ظهور المفروغية منه عند المصنف و غيره، و كان التقييد بالمطبقة لإخراج ذات الأدوار، فإنه لا يسقط حقها حال إفاقتها قطعا، أما حال أدوارها فيشكل الفرق بينها و بين المطبقة أداء و قضاء.

و المسافرة بغير إذنه في غير واجب أو ضروري من الناشز التي قد عرفت الحال فيها، نعم إن كان في واجب مضيق أو بإذنه في غرضه لم يسقط حقها، و وجب القضاء لها بعد الرجوع على ما صرح به بعضهم، بل ظاهره عدم الخلاف فيه، لاقتصاره في حكايته على ما إذا كان بإذنه في غرضها، قال: «فيه قولان، من الاذن في تفويت حقه فيبقى حقها، و من فوات التمكين و الاستمتاع المستحق عليها لأجل مصلحتها، و الاذن إنما تؤثر في سقوط الإثم، و فوات التسليم المستحق و إن كان بسبب غير مأثوم فيه يوجب سقوط ما يقابله، كما إذا فات تسليم المبيع قبل القبض بسبب يعذر فيه، فإنه يسقط تسليم الثمن، و الأول خيرة العلامة في التحرير و الثاني خيرته في القواعد» قلت: مبني المسألة على الظاهر أمران: (أحدهما) أصالة تدارك هذا الحق و قضائه أولا (ثانيهما) أن ظاهر أدلة القسم شمولها لمثل المفروض أو أنها ظاهرة في الزوجات القابلة للتقسيم عليهن، و لعل الأقوى الأول في الأول، و الثاني في الثاني، و هو كاف في سقوط الحق لها، بل منه ينقدح الشك أيضا في ثبوته في الأولين إن لم يكن إجماعا، و الله العالم.

ج 31، ص: 192

[المسألة الخامسة لا يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها]

المسألة الخامسة لا يجوز أن يزور الزوج الضرة في ليلة ضرتها بغير إذنها، لما في ذلك من منافاة العدل و الإيذاء غالبا، و لأنها مستحقة لجميع أجزاء الليلة فلا يجوز صرف شي ء منها إلى غيرها إلا بما جرت به العادة، أو دلت قرائن الأحوال على إذنها فيه، كالدخول على بعض أصدقائه و الاشتغال ببعض العبادة و نحو ذلك، و لا ريب في عدم دخول زيارة الضرة فيه و احتمال أن المستثنى زمان أمثال ذلك فله وضعه حيث شاء، مناف لظاهر الأدلة إن لم يكن المقطوع به منها.

نعم لو كانت مريضة جاز له عيادتها لقضاء العادة، كما تجوز عيادة الأجنبي، و لعدم التهمة في زيارتها حينئذ، لمكان المرض بخلاف الصحة، و لذا قيده بعضهم بكون المرض ثقيلا و إلا لم يصح، ثم إن خرج من عندها في الحال لم يجب قضاؤه حتى لو فرض في حال عصيانه به، لكونه قدرا يسيرا لا يقدح في المقصود و لم يفد تداركه ف يبقى على الأصل.

و إن استوعب الليلة عندها في غير العيادة أو طال مكثه كذلك فلا شبهة في القضاء، و إن استوعبها فيها لاقتضاء المرض ذلك ف هل يقضيها؟ قيل: نعم، لأنه لم يحصل المبيت لصاحبتها و الأصل التدارك، و تممه في المسالك بأنه ليس من ضرورات الزيارة الإقامة طول الليلة، فهو ظلم، و كل ظلم للزوجة في المبيت يقضي و قيل: لا يقضى كما لو زار أجنبيا، و هو أشبه عند المصنف، لكن في المسالك «أن الأول أقوى، و الفرق بين الأمرين واضح، و الأصل ممنوع فإن زيارة الأجنبي مشروطة بعدم استيعاب الليلة».

قلت: محل البحث على الظاهر ما إذا اقتضى الحال استيعاب الليلة عندها لتمريضها، و المراد بالتشبيه بزيارة الأجنبي أنه يكون معتادا كأصل الزيارة، لا

ج 31، ص: 193

أن المراد الزيارة المستوعبة، و حينئذ لا يكون فيه ظلم للزوجة، فيبني على أصالة التدارك مع عدم الظلم، و يمكن أن يكون بناء المصنف عدم التدارك فيما لا يكون ظلما، و هو لا يخلو من وجه و إن كان الأقوى خلافه. و على كل حال لا يحتسب على المريضة نعم لو طال المكث عندها بغير عيادة اقتص منها بمثله في نوبتها.

أما لو طال المكث عند غير الضرة قضاه من ليلته إن بقيت له ليلة، و إلا بقيت المظلمة في ذمته إلى أن يتخلص منها بمسامحة و نحوها.

و لو دخل على إحدى الضرات في ليلة الأخرى فواقعها ثم عاد إلى صاحبة الليلة لم يقض المواقعة قطعا في حق الباقيات للأصل و لأن المواقعة ليست من لوازم القسمة نعم يتجه قضاء زمان المواقعة مع طوله، لما عرفت، و إن لم يطل ففي المسالك فالإثم خاصة، قلت: في الإثم أيضا نظر، و عن بعض العامة وجوب قضاء الجماع للمظلومة في ليلة المجامعة كما فعله لها، ثم يذهب إليها ليحصل العدل و إن لم يكن الجماع واجبا في نفسه، و هو كما ترى بعد عدم وجوب العدل بنحو ذلك، و الله العالم.

[المسألة السادسة لو جار في القسمة قضى لمن أخل بليلتها]

المسألة السادسة:

لو جار في القسمة قضى لمن أخل بليلتها بلا خلاف لكنه مشروط ببقاء المظلوم بهن في حباله، و بأن يفضل له من الدور فضل يقضى، فلو كان عنده أربع فظلم بعضهن في ليلتها بأن ترك المبيت فيها عندها و عند ضراتها لم يمكنه القضاء، لاستيعاب الوقت بالحق على القول بوجوب القسمة ابتداء فيبقى في ذمته إلى أن يتمكن بطلاق واحدة أو نشوزها أو موتها أو غير ذلك مما يكون سببا لرجوع شي ء من الزمان اليه يتمكن فيه من القضاء أو يسترضيهن بمال أو غيره، نعم لو كان ظلمه بالمبيت عندهن فان جعل ليلتها لواحدة معينة قضاها من دورها، و إن ساوى بينهن و أسقط المظلومة من رأس قضى لها من الزمان بقدر ما فاتها، بل قيل: مواليا إلى

ج 31، ص: 194

أن يتم لها حقها ثم يرجع إلى العدل، و وجهه ما تسمعه.

و كذا لا يتمكن من القضاء لو تزوج ثلاثا مثلا بعد مفارقة المظلوم بهن، فإن المظلومة لا حق لها عند المتجددات، نعم لو أمكن الجمع بين حق الجديدة و القضاء اتجه حينئذ ذلك. كما لو فارق واحدة منهن و تزوج أخرى أمكن القضاء من دور المظلوم بهما دون الجديدة، فيعطيها من كل دور ثلاثا و للجديدة ليلة إلى أن يكمل حقها ثم يرجع إلى العدل، فلو كان معه ثلاث نسوة مثلا فبات عند اثنتين منهن عشرين ليلة مثلا فاستحقت الثالثة عنده عشرا- بل قيل: و عليه أن يوفيها إياه ولاء، لأنها قد اجتمعت في ذمته، و هو متمكن من وفائها، فلا يجوز أن يؤخر و إن كان لا يخلو من نظر- فنكح جديدة بعد العشرين لم يجز أن يقدم قضاء العشرة، لأنه ظلم على الجديدة، بل يوفيها أولا حق الزفاف من ثلاث أو سبع ثم يقسم الدور بينها و بين المظلومة فيجعل لها ليلة و للمظلومة ليلتها و ليلتي الظالمتين، و هكذا ثلاثة أدوار فيوفيها تسعا، و يبقى لها ليلة.

قال في المسالك: «فان كان قد بدأ بالمظلومة بات بعد ذلك ليلة عند الجديدة، لحق القسم ثم ليلة عند المظلومة لتمام العشر، و يثبت للجديدة بهذه الليلة ثلث ليلة، لأن حقها واحدة من أربع، فإذا أكمل لها ثلث ليلة خرج باقي الليل إلى مكان خال عن زوجاته ثم يستأنف القسمة للأربع بالعدل، و إن كان قد بدأ بالجديدة فإذا تمت التسع للمظلومة بات ثلث ليلة عند الجديدة و خرج باقي الليل كما وصفناه، ثم بات ليلة عند المظلومة ثم قسم بين الكل بالسوية» و فيه نظر كقوله فيها: «إنه قد يحتاج إلى التبعيض بغير الظلم، كما لو كان يقسم بين نسائه فخرج في نوبة واحدة لضرورة و لم يعد أو عاد بعد وقت طويل، فيقضى لها من الليلة التي بعدها مثل ما خرج، و يخرج باقي الليل إلى المسجد أو نحوه كما قررناه و يستثنى من الخروج ما إذا خاف اللص و العسس أو لم يكن في داره مكان منفرد يصلح لمنامه بقية الليلة، فيعذر في الإقامة، و الأولى أن لا يستمتع فيما وراء زمان القضاء» فتأمل جيدا، و الله العالم.

ج 31، ص: 195

[المسألة السابعة لو كان له أربع فنشزت واحدة سقط حقها]

المسألة السابعة:

لو كان له أربع فنشزت واحدة سقط حقها و فضل له حينئذ من الدور ليلة يضعها حيث يشاء لو كانت قسمته ليلة ليلة، أما إذا كانت أكثر من ليلة ففي المسالك «استوعب دور القسمة أو زاد عليه، لأن أقل النسوة المتعددات أن يكونا اثنتين، فإذا جعل القسم بينهن اثنتين استوعب حقهما الدور، فيسقط حقه من الزائد، لأنه أسقطه بيده حيث اختار الزيادة» و نسب ذلك إلى ظاهر مذهب الأصحاب في مسألة الكتاب و نظائرها، قال: «و يدل عليه أن ثبوت حقه معهن و تفضيل بعضهن على بعض على خلاف الأصل، و الدلائل العامة من وجوب العدل و التسوية بينهن يدل على خلافه، و يقتصر فيه على مورد النص، و هو ثبوت حقه في الزائد عن عددهم في الأربع على القسمة ليلة ليلة على ما في الرواية الدالة من ضعف السند، و لو لا ظهور اتفاق الأصحاب عليه أشكل إثباته بالنص، و عامة الفقهاء من غير الأصحاب على خلافه، و أنه متى قسم لواحدة عددا وجب أن يقسم للأخرى مثلها مطلقا مع تساويهما في الحكم».

قلت: لا ريب في ظهور النص (1)المشتمل على الإشارة إلى الآية الكريمة(2)كما تقدم سابقا أن للرجل حقا في القسم على نسبة الأربع، ضرورة عدم الخصوصية للأربع، و لا ينافي ذلك وجوب العدل و التسوية و عدم التفضيل، إذ ذلك كله خارج عن محل البحث الذي هو ثبوت حق لهن فيه و عدمه، فإنه لو فرض استيفاء نصيبه بغير الاستمتاع بأحد منهن لم يكن منافيا للعدل و لا مفضلا و لا تاركا للتسوية، و فتوى عامة غير الأصحاب بخلافه مما يؤكد حقيقته، لا أنه يوهنه بعد أن جعل الله الرشد في خلافهم، و إطلاق المصنف و غيره في المسألة لا ينافي ذلك، لمعلومية إرادة القسم من ذلك، بل كاد يكون صريح كلامهم، خصوصا بعد عدم سوقه لمحل


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 6.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 4.

ج 31، ص: 196

البحث، كما هو واضح.

فلا ريب في أن المتجه أن له حقا على حسب نسبة الأربع، و لكن في المسالك يسهل الخطب بدعوى أن الفائدة إنما تظهر على القول بوجوب القسمة ابتداء دائما أما على المختار و هو القول بوجوبها مع الابتداء بها خاصة و جواز الإعراض بعد ذلك فالأمر سهل، لأنهن إذا وفى لهن العدد الذي جعله لهن جاز له الاعراض عنهن، سواء كان له حق في المدة أم لا، مع أنه أيضا لا يخلو من نظر.

و على كل حال فإذا نشزت واحدة من الأربع ثم قسم خمس عشرة فوفي اثنتين ثم أطاعت الرابعة وجب أن يجمع بين حقي الباقية و التي أطاعت، ف يوفي الثالثة خمس عشرة و التي كانت ناشزا خمسا فيقسم الدور بينهما خاصة، للناشز ليلة و للثالثة ثلاثا خمسة أدوار، فتستوفي الثالثة خمس عشرة، و الناشز خمسا ثم يستأنف و ليس له أن يفي الثالثة خمس عشرة متوالية، لمزاحمة حق المطيعة جديدا التي صارت بتجدد طاعتها كالمرأة الجديدة التي قد عرفت الحال فيها، و هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الثامنة لو طاف على ثلاث و طلق الرابعة بعد دخول ليلتها أثم]

المسألة الثامنة:

لو طاف على ثلاث و طلق الرابعة مثلا بعد دخول ليلتها أثم بذلك، كما في المسالك حاكيا له عن الشيخ و غيره، بل ظاهره المفروغية منه، إلا أنه لا يبطل به الطلاق، لكونه محرما لأمر خارج هو تفويت الحق، فيكون كالبيع وقت النداء من غير فرق في المطلقة بعد حضور نوبتها بين الراغبة و غيرها، و لا في الطلاق بين كونه رجعيا و بائنا و إن تمكن في الأول من التخلص بالرجوع، لكونه بقسميه سببا في تعطيل الحق و اشتغال الذمة، و فيه إمكان عدم الإثم به، لأن

ج 31، ص: 197

وجوب القسم مشروط بالبقاء على الزوجية، و لا يجب عليه تحصيل الشرط، و ربما كان ما تسمعه من اختيار المصنف مبنيا على ذلك.

و على كل حال فلو كان رجعيا و رجع في العدة وجب قضاء، و تخلص منها بغير إشكال كما في المسالك، لأن الرجعة أعادت الزوجية الأولى كما كانت.

و إن تركها حتى انقضت عدتها أو كان الطلاق بائنا ثم تزوجها قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يجب لها قضاء تلك الليلة لأنه حق استقر في ذمته و أمكنه التخلص منه، فيجب و لكنه فيه تردد كما عن الإرشاد و ظاهر التلخيص ينشأ، من ذلك و من سقوط حقها بخروجها عن الزوجية و تباين الحقوق بتباين النكاحين، فلا يفيد قضاء مثل ما فات في أحدهما في الآخر، بل يجب العدل في كل منهما، فلو قضى لها في الثاني لزم الجور على الأخر.

و بذلك يظهر لك وجه ما ذكرناه من الفرق بين الرجعة و التزويج الذي جعله المصنف عنوان المسألة إلا أنه مع ذلك و في المسالك أن الأقوى وجوب القضاء، لمنع الملازمة بين الخروج عن الزوجية و سقوط الحقوق المتعلقة بها، و من ثم يبقى المهر و غيره من الحقوق المالية و إن طلق، و تخصيص بعض الحقوق بالسقوط دون بعض لا دليل عليه، ثم فرع على ذلك وجوب التزويج لو توقفت البراءة عليه، و لو فرض إمكان التخلص بوجه آخر تخير بينهما، و حينئذ فلا يمنع من تزويج رابعة، لكون الفرض عدم الانحصار فيه، بل و على تقديره لم يقدح في صحة التزويج، لما سمعته من عدم اقتضاء مثل هذا النهي الفساد.

و لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في وجوب هذه الحقوق ما دامت الزوجية باقية، فهي من قبيل الواجب المشروط، و ليست مثل المهر و نحوه.

و كيف كان فمن المعلوم أن وجوب القضاء مع إمكانه و إلا فلا، كما إذا لم يبت في ليلتها عند واحدة من الباقيات أو أنه فارق التي باتها عندها و تزوج

ج 31، ص: 198

بجديدة مع المظلومة، أو نحو ذلك، فإنه لا يتمكن من القضاء ما دام تحته أربع زوجات، لاستيعاب حقوقهن الليالي، بل و كذا إن فارق التي باتها عندها و لم يجدد نكاحها و لا نكاح غيرها مع المظلومة بناء على أنه لا عبرة بالقضاء حينئذ إلا من نوبة المظلوم بها، و إن كان فيه نظر واضح، ضرورة عدم الفرق بعد وصول حقها إليها بين أن يكون من نوبتها أو مما فضل له من دوره، و الله العالم.

[المسألة التاسعة لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا كان عليه للأخرى مثلها]

المسألة التاسعة:

لو كان له زوجتان في بلدين فأقام عند واحدة عشرا قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة كان عليه للأخرى مثلها إذا كان ذلك منه على جهة القسمة، و ما يمضي عليه في السفر بين البلدين لا يحسب من لياليه و لا من ليالي إحداهما و إن لم يكن على وجه القسمة لم يلزمه للثانية إلا خمس لأنه نصف الدور فنصف العشر حقها و نصفها تبرع، و لعله لحاجة الإطلاق المزبور إلى التقييد المذكور نسبه المصنف إلى القيل أو للشك في وجوب القسم مع عدم اجتماع النساء في بلد واحد، بل كان بينهما مسافة فصاعدا، فله حينئذ الإقامة عند كل واحدة ما يشاء.

هذا و لكن في المسالك بعد أن ذكر ذلك عن المبسوط قال: «وجهه ما أشرنا إليه من أن المبيت عند واحدة من الزوجات زيادة على الليلة توجب المبيت عند الأخرى مثلها مراعاة للعدل بينهن، و أن جواز المفاضلة بين الاثنتين و الثلاث مشروط بجعل القسم ليلة ليلة و نقل المصنف له بصيغة القيل يؤذن باستشكاله، و وجهه ما علم من أن للزوج مع الاثنتين نصف الدور، فينبغي أن يكون له من العشر نصفها، و لكل واحدة منهن ربع، فلا يلزمه للثانية إلا ليلتان و نصف».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا خصوصا فيما ذكره أخيرا، بل لم أعثر على غيره قد جزم بالحكم المزبور، و في حاشية الكركي على

ج 31، ص: 199

الكتاب «هذا القول مشكل، لأن لها نصف القسم، فكيف يجب استيعابه للأخرى» و أجيب بوجوه ثلاثة (الأول) حمله على الاستحباب (الثاني) حمله على أن له زوجتين آخرتين، فان مفهوم الاسم ليس بحجة، و (الثالث) حمله على أنه استوفي حقه من القسم، و لم يذكر ما سمعته من المسالك وجها.

و كيف كان فمن المعلوم أنه يتخير في وفاء الثانية بين الذهاب إليها و استدعائها إليه، فإن امتنعت منه مع قدرتها سقط حقها، للنشوز حينئذ، و الله العالم.

[المسألة العاشرة لو تزوج امرأة و لم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها جاز له مع العود توفيتها حصة التخصيص]

المسألة العاشرة:

لو تزوج امرأة و لم يدخل بها فأقرع للسفر فخرج اسمها من بين غيرها استصحبها معه، و لكن جاز له مع العود بل وجب عليه إن طلبته منه توفيتها حصة التخصيص التي هي الثلاث أو السبع لأن ذلك لا يدخل في السفر، إذ ليس السفر داخلا في القسم خلافا للمحكي عن الشيخ من الاكتفاء في تخصيصها بما يحصل في أيام السفر، لحصول المقصود بها و هو الأنس و زوال الحشمة، و فيه- بعد منع انحصار الفائدة في ذلك، بل يمكن أن يكون أهمية الاستمتاع بالجديدة في هذه المدة، و كون هذه العلة مستنبطة- أن أيام التخصيص من ليالي القسم التي فضلت بها مثل ما فضلت الحرة على الأمة، و الاتفاق على أن أيام السفر لا تدخل في القسم، و لذا لم يقض للمتخلفات ما فاتهن مع المصحوبة فكذلك هنا.

نعم لو كان المتزوج بهما جديدا اثنتين فاستصحب إحداهما في السفر بالقرعة قضى حق المقيمة إذا حضر من الثلاث أو السبع، إما بعد قضاء حق المصحوبة أو قبله إن ترتبا في النكاح أو بالقرعة، و ذلك لاستصحاب ما لها من الحق من غير ما يدل على إسقاط صحبة الأخرى في السفر له، قيل كما أنه إذا قسم للأربع لكل منهن ليلة فبات عند ثلاث ثم سافر و استصحب معه غير الرابعة، فإنه يبقى عليه

ج 31، ص: 200

حق الرابعة، فإذا عاد وفاها حقها، و للعامة وجه بالعدم، للزوم تفضلها، لأنه لم يقضها ما لها من الحق، و إنما دخل حقها في السفر، فلو قضى المقيمة حقها لزم التفضيل، و هو كما ترى، و الله العالم.

[القول في النشوز]

القول في النشوز:

و هو الخروج من الزوج أو الزوجة عن الطاعة الواجبة على كل واحد منهما للآخر و أصله لغة الارتفاع يقال: نشز الرجل ينشز إذا كان قاعدا فنهض قائما، و منه قوله تعالى (1)«وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا» أي انهضوا إلى أمر من أمور الله تعالى، و سمى خروج أحدهما نشوزا لأنه بمعصيته قد ارتفع عما أوجب الله تعالى عليه من ذلك للآخر، قيل: و لذلك خص النشوز

بما إذا كان الخروج من أحدهما، لأن الخارج ارتفع على الأخر فلم يقم بحقه، و لو كان الخروج منهما معا خص باسم الشقاق كما يأتي، لاستوائهما معا في الارتفاع، فلم يتحقق ارتفاع أحدهما عن الأخر، و قال بعضهم:

يجوز إطلاق النشوز على ذلك أيضا، نظرا إلى جعل الارتفاع عما يجب عليه من الطاعة لا على صاحبه، و هو متحقق فيهما، و بعض الفقهاء أطلق على الثلاثة اسم الشقاق، و في المسالك و الكل جائز بحسب اللغة، و لكن ما جرى عليه المصنف أوفق بقوله تعالى (2)«وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ» إلى آخره و قوله تعالى (3):

«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» إلى آخره و قوله تعالى (4):

«وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما».

قلت: الظاهر تحقق اسم النشوز بخروج كل منهما عن الطاعة الواجبة عليه


1- 1 سورة المجادلة: 58- الآية 11.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 34.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 128.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 35.

ج 31، ص: 201

للآخر بل لا يبعد كون ذلك بمعنى ارتفاع كل منهما عن الأخر عما وجب عليه، نعم تحقق اسم الشقاق بخروج أحدهما دون الآخر بعيد، كما أن ما عن نهاية الشيخ من تخصيص النشوز بخروج الزوج عن الحق كذلك، بل هو خلاف الآية الأولى و غيرها، و نحوه ما في ظاهر أحكام الراوندي

في اختصاصه بالعكس، إذ لا ريب في أنه قد يكون من الزوج، كما يكون من الزوجة.

بل ربما ظهر من الصحاح و القاموس و المجمع صدق اسم النشوز لغة على المعنى العرفي، فإن فيها «نشزت المرأة تنشز نشوزا استعصمت على زوجها و أبغضته، و نشز عليها إذا ضربها و جفاها» و عن شمس العلوم «عصته و خالفته، و نشز عليها: ضربها و جفاها» و المصباح المنير «عصته و امتنعت عليه، و نشز عليها: تركها و جفاها» و النهاية «عصت عليه و خرجت عن طاعته، و نشز عليها: جفاها و أضر بها و كرهها و أساء صحبتها».

اللهم إلا أن يقال: إن حاصل ذلك منهم كون النشوز منها الاستعصاء و الكراهة، و منه الضرب و الهجر، و هو خلاف ما في الشرع من كونه الامتناع من خصوص الحق الواجب عليه أو عليها و لذا قيل لم يكن من النشوز البذاء و إن أثمت به و استحقت التأديب، و لا الامتناع من خدمته و قضاء حوائجه التي لا تعلق لها بالاستمتاع، لعدم وجوب شي ء من ذلك عليها، و لا غير ذلك مما لا ينقص الاستمتاع بها.

و على كل حال ف قد ذكر المصنف و غيره أنه متى ظهر من الزوجة أمارته أي النشوز مثل أن تتقطب في وجهه أو تبرم في حوائجه المتعلقة بالاستمتاع أو تغير عادتها في أدبها جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها، و صورة الهجر أن يحول إليها ظهره في الفراش، و قيل: أن يعتزل فراشها، و الأول مروي عن الباقر و الصادق عليهما السلام (1)و لا يجوز له ضربها و الحال هذه، أما لو وقع النشوز


1- 1 مجمع البيان- ذيل الآية 34 من سورة النساء عن الباقر عليه السلام و مجمع البحرين مادة:« هجر» عن الصادق عليه السلام.

ج 31، ص: 202

و هو الامتناع عن طاعته فيما يجب له جاز ضربها و لو بأول مرة و لكن يقتصر على ما يؤمل معه رجوعها ما لم يكن مدميا و لا مبرحا و ظاهره الفرق بين الموعظة و الهجر و بين الضرب، فيجوز الأولان على ظهور أمارات النشوز بخلاف الأخير، فلا يجوز إلا مع تحقق النشوز، نعم معه يجوز من أول مرة، و لا يعتبر تقدم الوعظ أو الهجر بخلاف الأولين، فإن الثاني منهما مرتب على عدم نفع الأول، و هو أحد الأقوال في المسألة، محكي عن المبسوط و الفاضل في القواعد، و كان وجهه أن الأصل في هذا الحكم الآية الشريفة(1)و هي قوله تعالى «وَ اللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ، فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» و لا ريب في ظهورها بترتب الأمور الثلاثة بخوف النشوز إلا أن الأخير منها لما علم بالإجماع المحكي عن المبسوط و الخلاف اعتبار النشوز في جوازه المؤيد بقاعدة عدم جواز العقوبة إلا على فعل المحرم وجب تقدير ذلك بالنسبة إليه في الآية، و بقيت على ظاهرها في الأولين، و إطلاقها حينئذ يقتضي

جواز الضرب مع تحقق النشوز من غير تقدم الوعظ و الهجر، أما هما فمترتبان على حسب ترتب النهي عن المنكر.

و فيه أن الهجر تفويت لحقها الواجب عليه أيضا، فلا يجوز قبل تحقق الذنب، إذ هو عقوبة أيضا لا تجوز بدون فعل المحرم، و كونه أوسع من الضرب لا يقتضي جوازه بظهور أمارات المعصية، و إلا لجاز الضرب، و دعوى الاكتفاء بظاهر الآية في جوازه يقتضي جواز الضرب أيضا، ضرورة اتحاد الجميع بالنسبة إلى دلالتها اللهم إلا أن يقال: إن الإجماع السابق منع منه بالنسبة إلى الضرب بخلاف الأولين، أو يقال: إن ذلك أيضا محرم عليها و إن لم يكن نشوزا، فجوز عقابها بالهجر بخلاف الضرب المشروط جوازه بالنشوز للإجماع السابق، إلا أن الجميع كما ترى مجرد اقتراح و تعسف بلا شاهد معتد به.

و من هنا كان ظاهر المصنف في النافع ترتب الثلاثة على ظهور أمارات النشوز


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 34.

ج 31، ص: 203

من غير فرق بين الضرب و غيره، إلا أنها مترتبة على حسب ترتب النهي عن المنكر فجوازها حينئذ مع النشوز مستفاد من الأولوية، و فيه أنه و إن وافق ظاهر الآية بالنسبة إلى ثبوت الثلاثة على خوف النشوز، لكنه مناف لظاهرها بالنسبة إلى التخيير بين الثلاثة و الجمع، لأن الواو لمطلق الجمع، اللهم إلا أن يستفاد من ترتب أفراد النهي عن المنكر، لكن الكلام في أن ذلك منها؟ ضرورة عدم النشوز بها و عدم ثبوت حرمتها بدونه، على أنه مناف أيضا لما سمعته من الإجماع المحكي المعتضد بما عرفت من عدم جواز الضرب إلا على النشوز.

و من هنا عكس ابن الجنيد فيما حكي عنه بجعل الأمور الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل، و لم يذكر الحكم عند ظهور أماراته، و جوز الجمع بين الثلاثة ابتداء من غير تفصيل، فقال: «و للرجل إن كان النشوز من المرأة أن يعظها و يهجرها في مضجعها، و له أن يضربها غير مبرح» و يظهر منه جواز الجمع بين الثلاثة و الاجتزاء بأحدها أو باثنين منها، و لعله لأن ذلك حقه، فله فيه الخيار و لأن الواو لمطلق الجمع المقتضي جوازه و التخيير، و المراد من الخوف في الآية العلم، لقوله تعالى(1):

«فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً» فأول الخوف و استغنى عن الإضمار الذي تكلفه غيره.

لكنه فيه أنه مناف لقاعدة ترتب أفراد النهي عن المنكر، بل يمكن دعوى أن يكون المراد من الآية ذلك، و لعله لذا جعل العلامة في الإرشاد الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل، كما سمعته من ابن الجنيد، لكن جعلها مترتبة مراتب الإنكار.

و لعل ذلك أولى من جميع ما تقدم، و مما عن بعض العلماء من التفصيل أيضا من جعل الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاثة من حالها، فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ، و

مع تحققه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجر، فان لم ينجع و أصرت انتقل إلى


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 182.

ج 31، ص: 204

الضرب، فيكون معنى الآية: و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، فان نشزن فاهجروهن في المضاجع، فان أصررن فاضربوهن. إذا هو أيضا كما ترى و إن حكي عن العلامة في التحرير موافقته.

و انما المتجه ما سمعته من الإرشاد الذي هو يرجع أيضا إلى إرادة و إن خفتم استمرار نشوزهن، بل يمكن القطع بذلك بملاحظة ما ورد من النصوص (1)في قوله تعالى (2)«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» و في قوله تعالى (3)«وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما» ضرورة اتحاد المساق في الجميع، كضرورة اتحاد المراد من الخوف و النشوز في الكل و إن كان للرجل مع كراهته للمرأة مفرا بطلاقها بخلافها هي.

فمن الغريب تكثير القيل و القال هنا و اتفاقهم ظاهرا على إرادة ذلك في آية الشقاق، بل لا يبعد إرادة الكراهة من النشوز في الآية على وجه ينقص استمتاعه بها و لو بالتقطب في وجهه و إسماعه الكلام الغليظ، و نحو ذلك مما يذهب الرغبة في مقاربتها و

الاستمتاع بها، كما تسمع إنشاء الله النصوص (4)الواردة في قوله تعالى(5):

«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً» إلى آخره بل في

خبر زرارة(6)المروي في تفسير العياشي عن أبي جعفر عليه السلام «إذا نشزت المرأة على الرجل فهي الخلعة، فليأخذ منها ما قدر عليه، و إذا نشز الرجل مع نشوز المرأة فهو الشقاق»

إشارة إليه.

و من ذلك كله يظهر لك النظر في جملة من كلماتهم حتى ما في المسالك و غيرها من أن المراد بظهور أمارات النشوز تغير عادتها معه في القول أو الفعل،


1- 1 الوسائل الباب- 11 و 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.
2- 2 النساء: 4- الآية- 128.
3- 3 النساء: 4- الآية- 35.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 128.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 5.

ج 31، ص: 205

بأن تجيبه بكلام خشن بعد أن كان بلين، أو غير مقبلة بوجهها معه بعد أن كانت تقبل، أو تظهر عبوسا أو إعراضا و تثاقلا و دمدمة بعد أن كانت تلطف به و تبادر اليه و تقبل عليه، و نحو ذلك، و التقييد بتغيير العادة احترازا عما لو كان ذلك من طبعها ابتداء، فإنه لا يعد أمارة النشوز، نعم مثل التبرم في الحوائج لا يعتبر فيه العادة، لأن ذلك حقه، فعليها المبادرة إليها ابتداء، و لا عبرة بالعادة بخلاف الآداب، و هذه الأمور و

نحوها لا تعد نشوزا، فلا تستحق عليه ضربا على الأقوى، بل يقتصر على الوعظ، فلعلها تبدئ عذرا أو ترجع عما وقع من غير عذر.

و يظهر من مجوز الضرب بل الهجر أنها أمور محرمة و إن لم يكن نشوزا، و الضرب لأجل فعل المحرم، ثم قال: «ليس من النشوز و لا من مقدماته بذاءة اللسان و الشتم، و لكنها تأثم به و تستحق التأديب عليه، و هل يجوز للزوج تأديبها على ذلك و نحوه مما لا يتعلق بالاستمتاع أم يرفع أمره إلى الحاكم؟ قولان تقدما في كتاب الأمر بالمعروف، و الأقوى أن الزوج فيما وراء حق المساكنة و الاستمتاع كالأجنبي و إن نغص ذلك عيشه و كدر الاستمتاع- و قال أيضا- المراد بحوائجه التي يكون التبرم بها أمارة النشوز ما يجب عليها فعله من الاستمتاع و مقدماته، كالتنظيف المعتاد و إزالة المنفر و الاستحداد، بأن تمتنع و أو تتثاقل إذا طلبها على وجه يحوج زواله إلى تكلف و تعب، و لا أثر لامتناع الدلال و لا للامتناع من حوائجه التي لا تتعلق بالاستمتاع، إذ لا يجب عليها ذلك، و في بعض الفتاوى المنسوبة إلى فخر الدين أن المراد بها نحو سقى الماء و تمهيد الفراش، و هو بعيد جدا، لأن ذلك غير واجب عليها، فكيف يعد تركه نشوزا؟» فان الجميع كما ترى، ضرورة تحقق النشوز بالعبوس و الاعراض و التثاقل و إظهار الكراهة له بالفعل و القول و نحوهما مما ينقص استمتاعه بها و تلذذه بها، بل لا ينبغي التأمل في تحققه بتبرمها بحوائجه المتعلقة بالاستمتاع أو الدالة على كراهتها له، بل لعل ما سمعته من الفخر يراد منه ذلك، بل لعل إطلاق المتن مثله أيضا، كضرورة اقتضاء آية «الرِّجالُ قَوَّامُونَ

ج 31، ص: 206

عَلَى النِّساءِ»(1)و «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً»(2)إلى آخرها و غيرهما تولى تأديبها، خصوصا فيما يتعلق به نفسه.

و على كل حال فالمراد بالهجر في المضجع ما صرح به غير واحد من الأصحاب توليتها ظهره في الفراش، كما عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (3)بل عن المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا(4)، و عن مجمع البيان إلى الباقر عليه السلام (5)و لكن عن المبسوط و السرائر هو أن يعتزل فراشها، و عن المفيد التخيير بينهما، و في الرياض أنه أقوى، لاندراجهما في الهجر عرفا.

قلت: يمكن دعوى الترتيب في أفراده أيضا على حسب الترتيب في أفراد النهي عن المنكر، نعم ما عن تفسير علي بن إبراهيم (6)من سبها لا دليل عليه، و كذا الكلام في الضرب، فيقتصر على ما يؤمل معه طاعتها، فلا يجوز الزيادة عليه مع حصول الغرض به، و إلا تدرج إلى الأقوى فالأقوى ما لم يكن مدميا و لا مبرحا، و ابتداؤه الضرب بالسواك.

و عليه يحمل ما عن الباقر عليه السلام (7)من تفسيره به، لا أنه منتهاه، ضرورة منافاة إطلاقه الآية(8)و ما دل على النهي عن

المنكر(9)و بعده عن حصول الغرض به دائما، مضافا إلى إطلاق كلمات الأصحاب.

نعم ينبغي اتقاء المواضع المخوفة كالوجه و الخاصرة و مراق البطن و نحوه،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 34.
2- 2 سورة التحريم: 66- الآية 6.
3- 3 البحار ج 104 ص 58 ط الحديث.
4- 4 المبسوط ج 4 ص 338 ط الحديث.
5- 5 مجمع البيان ذيل الآية 34 من سورة النساء.
6- 6 البحار ج 104 ص 55 ط الحديث.
7- 7 مجمع البيان ذيل الآية 34 من سورة النساء.
8- 8 سورة النساء: 4- الآية 34.
9- 9 سورة آل عمران: 3- الآية 104.

ج 31، ص: 207

و أن لا يوالي الضرب على موضع واحد، بل يفرق على المواضع الصلبة مراعيا فيه الإصلاح لا التشفي و الانتقام، بل في المسالك أنه يحرم بقصده مطلقا، بل بدون القصد المأذون لأجله، و لو حصل بالضرب تلف وجب الغرم، لإطلاق أدلته الذي لا ينافيه الرخصة فيه، مع أن المرخص فيه غير المفروض من الضرب، كما لا ينافيه عدم الضمان بضرب الولي الصبي تأديبا الذي يمكن الفرق بينهما بعد تسليم ذلك فيه بأن ضرب الزوج لمصلحته بخلافه في الولي الذي هو محسن محض، و لذا كان للأول العفو بل في بعض النصوص النهي عن الضرب (1)بخلاف الثاني، و الله العالم هذا كله في نشوز الزوجة.

و أما إذا ظهر من الزوج النشوز بمنع حقوقها الواجبة من قسم و نفقة و نحوهما فلها المطالبة بها و وعظها إياه، و إلا رفعت أمرها إلى الحاكم و كان للحاكم إلزامه بها، و ليس لها هجره و لا ضربه، كما صرح به غير واحد مرسلين له إرسال المسلمات و إن رجت عوده إلى الحق بهما، لأنهما متوقفان على الاذن الشرعي و ليست، بل في الآيتين (2)ما

ينبه على تفويض ذلك إليه لا إليها، و أنه هو اللائق بمقامه و مقامها، و لا بأس به و إن نافى إطلاق أدلة الأمر بالمعروف، إذ يمكن دعوى سقوط هذه المرتبة منه هنا، كما تسقط بالنسبة للولد و الوالد، نعم إن عرف الحاكم ذلك باطلاع أو إقرار أو شهود مطلعين عليهما نهاه عن فعل ما يحرم، و أمره بفعل ما يجب، فان نفع و إلا عزره بما يراه، و له أيضا الإنفاق من ماله مع امتناعه من ذلك و لو ببيع عقاره إذا توقف عليه.

و إن كان لا يمنعها شيئا من حقوقها الواجبة و لا يفعل ما يحرم عليه بها إلا أنه يكره صحبتها لكبر أو غيره فيهم بطلاقها ف لها ترك بعض حقوقها


1- 1 المستدرك الباب- 65- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3- 5.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 34 و سورة التحريم: 66- الآية 6.

ج 31، ص: 208

أو جميعها من قسمة أو نفقة استمالة له و يحل للزوج قبول ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و الكتاب و السنة، إذ هو المراد من قوله تعالى (1)«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً» كما استفاضت به النصوص، ففي

صحيح الحلبي أو حسنه (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله تعالى وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ- إلى آخره- فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها، فيقول لها اني أريد أن أطلقك فتقول له: لا تفعل إني أكره أن تشمت

بي، و لكن انظر في ليلتي فاصنع بها ما شئت، و ما كان سوى ذلك من شي ء فهو لك، و دعني على حالتي، فهو قوله: فلا جناح- إلى آخره- و هذا هو الصلح».

و خبر أبي حمزة(3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ إِنِ امْرَأَةٌ- إلى آخره- فقال: إذا كان كذلك فهم بطلاقها فقالت له: أمسكني و أدع لك بعض ما هو عليك و أحلك من يومي و ليلتي حل له ذلك، و لا جناح عليهما».

و خبر أبي بصير(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله عز و جل وَ إِنِ امْرَأَةٌ- إلى آخره- قال: هذا تكون عنده الامرأة لا تعجبه فيريد طلاقها، فتقول له: أمسكني و لا تطلقني و أدع لك ما على ظهرك، و أعطيك من مالي و أحلك من يومي و ليلتي فقد طاب ذلك كله»

و نحوه خبر الشحام (5)عنه عليه السلام أيضا.

و في

خبر أحمد بن محمد(6)عن أبي الحسن الرضا عليه السلام «في قول الله عز و جل:

وَ إِنِ امْرَأَةٌ- إلى آخره- قال: النشوز: الرجل يهم بطلاق امرأته فتقول: أدع


1- 1 سورة النساء: 4 الآية 128.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2 عن على بن أبي حمزة.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 6.

ج 31، ص: 209

ما على ظهرك و أعطيك كذا و كذا و أحلك من يومي و ليلتي على ما أصلحا فهو جائز»

و في

خبر زرارة(1)«سئل أبو جعفر عليه السلام عن النهارية يشترط عليها عند عقدة النكاح أن يأتيها ما شاء نهارا أو من كل جمعة أو من كل شهر يوما و أن النفقة كذا و كذا، قال: فليس ذلك الشرط بشي ء، من تزوج امرأة فلها ما للمرأة من القسمة و النفقة، و لكنه إن تزوج امرأة فخافت منه نشوزا أو خافت أن يتزوج عليها فصالحت من حقها على شي ء من قسمتها أو بعضها فان ذلك جائز لا بأس به»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

إلا أنها جميعا كما ترى متفقة على جواز قبوله ما تبذله له من حقوقها في مقابلة ما يريد فعله معها مما هو غير محرم عليه كطلاق و نحوه، لا أنه جائز له و إن كان لدفع ما يفعله مما هو محرم عليه، كما تسمعه من بعض، و يأتي تحقيق الحال فيه إنشاء الله.

[القول في الشقاق]
اشاره

القول في الشقاق و هو مصدر على وزن فعال من الشق بالكسر: الناحية كأن كل واحد منهما صار في شق أي ناحية غير ناحية الأخر باعتبار حصول الكراهة و الارتفاع و المعصية و الاختلاف من كل منهما، فإن المشاقة و الشقاق الخلاف و العداوة، كما في الصحاح، و لعل الأولى كونه من الشق بمعنى التفرق الذي منه شق فلان

العصا، أي فارق الجماعة، و انشقت العصا أي تفرق الأمر.

و على كل حال فإذا كان النشوز منهما و خشي الشقاق بينهما بعث الحاكم حكما من أهل الزوج و آخر من أهل المرأة على الأولى، و لو كان من غير أهلهما أو كان أحدهما جاز أيضا و الأصل فيه قوله تعالى(2):


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 7.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 35.

ج 31، ص: 210

«وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً» و في

خبر علي بن حمزة(1)«سألت العبد الصالح عليه السلام عن قول الله عز و جل وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ- إلى آخره- فقال: يشترط الحكمان إن شاءا فرقا و إن شاءا جمعا، ففرقا أو جمعا جاز»

و نحوه خبر أبي بصير(2)عن الصادق عليه السلام.

و خبر سماعة(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى فَابْعَثُوا حَكَماً- إلى آخره- أ رأيت إن استأذن الحكمان فقالا للرجل و المرأة: ألستما قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التفريق؟ فقال الرجل و المرأة: نعم، و أشهدا بذلك شهودا عليهما أ يجوز تفريقهما عليهما؟ قال: نعم، و لكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع من

الزوج، قيل له: أ رأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت و قال الأخر: لم أفرق بينهما؟ فقال: لا يكون تفريقا حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا اجتمعا جميعا على التفريق جاز تفريقهما»

و في

خبر محمد بن مسلم (4)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن قول الله تعالى فَابْعَثُوا- إلى آخره- قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا»

و في

صحيح الحلبي (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله عز و جل فَابْعَثُوا- إلى آخره- قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا الرجل و المرأة، و يشترطا عليهما إن شئنا جمعنا و إن شئنا فرقنا فان فرقا فجائز و إن جمعا فجائز».

و الظاهر تحقق الشقاق بينهما بالنشوز من كل منهما، و من هنا كان المحصل


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2 عن على بن أبي حمزة كما يأتي في ص 216.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.

ج 31، ص: 211

من الأصحاب في المراد بالاية إضمار الاستمرار، بمعنى و إن خفتم استمرار الشقاق بينهما، أو كون المراد بالخوف العلم و التحقق، و منه يعلم المراد بالاية السابقة، لكن في الرياض بعد ذكر الأول قال: «و فيه نظر، لتوقفه على كون مطلق الكراهة بينهما شقاقا و ليس،

لاحتمال أن يكون تمام الكراهة بينهما فيكون المراد أنه إذا حصل كراهة كل منهما لصاحبه و خفتم حصول الشقاق فابعثوا، مع أنه المتبادر عند الإطلاق، و الأولى من الإضمار على تقدير مجازيته، نعم على هذا التقدير يتردد الأمر بين المجاز المزبور و بين التجوز في الخشية، بحملها على العلم و المعرفة و إبقاء الشقاق على حقيقته التي هي مطلق الكراهة» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما سمعت من تفسير الشقاق و الاتفاق على بعث الحكمين بحصوله و عدم انقطاعه لا على تمام الكراهة، بل من ذلك يعلم ما في كشف اللثام أيضا من احتمال إضمار شدة الشقاق بينهما و التأدي إلى التساب و التهاجر و التضارب، فان ذلك ليس عنوان بعث الحكمين قطعا.

و على كل حال فالظاهر ما عن الأكثر كما في المسالك من أن المخاطب بالبعث الحكام المنصوبين لمثل ذلك، بل في كنز العرفان أنه المروي (1)عن الباقر و الصادق عليهما السلام، و في

المرسل عن تفسير علي بن إبراهيم عن أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه (2)«في رجل و امرأة في هذا الحال فبعث حكما من أهله و حكما من أهلها»

و نحوه عن مجمع البيان خلافا لظاهر المصنف في النافع و المحكي عن الصدوقين من أنه

الزوجان، فان امتنعا فالحاكم، لظاهر النصوص (3)السابقة و صريح المحكي عن

فقه الرضا عليه السلام (4)«يختار الرجل رجلا و تختار المرأة رجلا»

إلى آخره.


1- 1 كنز العرفان ص 315 ط حجر.
2- 2 المستدرك الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.
4- 4 المستدرك الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.

ج 31، ص: 212

و فيه أنه مناف لاختلاف الضميرين بالغيبة و الحضور و التثنية و الجمع، و ليس المقام مقام التفات، على أن المأمور بالبعث الخائف من شقاقهما، و هو غيرهما، و الإنسان لا يبعث أحدا إلى نفسه، و لا منافاة بين كون الباعث الحاكم و بين اشتراطهما على الزوجين مما يريد ان اشتراطه.

و قريب منه ما عن الإسكافي إلا أنه جعل الحاكم بأمر الزوجين بأن يبعثا من يختارانه من أهلهما، و في المسالك «و فيه جمع بين الفائدتين و القولين، و في موثق سماعة(1)السابق ما يرشد إليه، بل قال: و يمكن أن يستدل به على أن المرسل الزوجان» و فيه ما لا يخفى.

و أضعف منهما ما عن بعض من شذ من كون المرسل أهلوهما، و هو مع كونه شاذا مناف

لظاهر الآية و النصوص و إن قيل إنه يشعر به بعض الأخبار(2).

نعم لو تعذر الحاكم قام عدول المسلمين مقامه في ذلك، و لو تعذر الجميع فبعث الزوجان كان المبعوث وكيلا محضا لا حكما، فيفعل ما تقتضيه الوكالة من عموم أو خصوص.

هذا و لكن في كشف اللثام بعد أن ذكر ما سمعته من النافع قال: «و هو حق، و لا يستلزم أن يكون الخطاب في الآية للزوجين ليستبعد، و لا ينافيه ظاهرها فان من المعلوم أن بعثهما الحكمين جائز و أنه أولى من الترافع إلى الحاكم، و كذا إذا بعث أولياؤهما الحكمين مع جواز الخطاب في الآية لهم عموما أو خصوصا أو البعث منهم أو منهما، فيقسم إلى الواجب و غيره كما في بعث الحاكم، و اقتصر في النهاية على نفي البأس عن بعث الزوجين، و بالجملة ينبغي أن لا يكون خلاف في جواز البعث من كل من هؤلاء، و وجوبه إذا توقف الإصلاح عليه، خصوصا الحاكم و الزوجين، و لا ينشأ الاختلاف في الآية الاختلاف في ذلك».


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب القسم و النشوز الحديث 6 و المستدرك الباب- 11- منها الحديث 1 و سنن البيهقي ج 7 ص 305.

ج 31، ص: 213

قلت: قد يناقش بإمكان منع بعث الزوجين حكمين و الأهلين على وجه يترتب عليه إمضاء حكمهما عليهما بالصلح و إن لم يرضيا بناء على اختصاص الخطاب في الآية للحكام، لعدم دليل حينئذ على ذلك، و كذا الكلام في العكس، و هذا و نحوه أحد ثمرات الخلاف في المسألة.

و كيف كان فالظاهر وجوب هذا البعث وفاقا لجماعة، لظاهر الأمر، و لكون ذلك من الأمر بالمعروف، و من الحسب التي نصب الحاكم لأمثالها، خلافا للمحكي عن التحرير من الاستحباب، للأصل و ظهور الأمر في الإرشاد، على أنه من الأمور الدنيوية التي لا يظهر إرادة الوجوب منه فيها، و فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت و الأخيرين لا ينافيان ظهوره في الوجوب المؤيد بما عرفت.

نعم قد يقال بعدم تعين وجوب الكيفية المخصوصة مع إمكان إصلاح حالهما بغيرها أما لو انحصر فيها تعين وجوبها.

و كذا الكلام في كون الحكمين من الأهلين، ضرورة عدم اعتبار القرابة في الحكومة، و الغرض يحصل بالأجنبي كما يحصل بها، و الآية مسوقة للإرشاد، فمع عدم انحصار الأمر فيهم يجوز الأجانب، كما إذا لم يكن ثم قريب، نعم لو انحصر الأمر فيهم اتجه الوجوب حينئذ، كما أنه لو انحصر الأمر في الأجنبي تعين.

هذا و في الرياض بعد اختيار الاختصاص بالأهل قال في شرح قوله في النافع:

«و يجوز أن يكونا أجنبيين» «أما مطلقا كما هو ظاهر المتن أو مقيدا بعدم الأهل كما هو الأقوى، لكن مع ذلك ليس لهما حكم المبعوث من أهلهما من إمضاء ما حكما عليهما، لمخالفته الأصل، فيقتصر فيه على مورد النص، و يكون حكمهما حينئذ الاقتصار على ما أذن به الزوجان و فيه و كلا، و ليس لهما من التحكيم- الذي هو حكم الحكمين كما يأتي- شي ء جدا، و في حكم فقد الأهل توقف الإصلاح على الأجنبي».

و هو من غرائب الكلام يمكن دعوى الإجماع على خلافه، مضافا إلى ظهور النصوص (1)في الآية في عموم الحكم للزوجين ذي الأهل و غيرهم، على أن التقييد


1- 1 الوسائل الباب- 10 و 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 214

الذي ذكره معناه مضي حكم الأجنبي و صيرورته كالأهل مع عدمهم، و إلا فالتوكيل لا ريب في جوازه مع وجود الأهل فضلا عن حال عدمهم (و بالجملة) لا يخفى ما في كلامه من الغبار، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب و التأمل في الآية الشريفة(1)و نصوص (2)الباب، و الله المسدد للصواب.

و كيف كان ف هل بعثهما على سبيل التحكيم أو التوكيل قولان إلا أن الأظهر منهما و الأشهر بل المشهور بل عن ظاهر السرائر و فقه القرآن الإجماع عليه، و في محكي المبسوط أنه مقتضى المذهب أنه تحكيم لأنه مقتضى تسميتهما حكمين في الكتاب (3)و السنة(4)و الفتاوى و مقتضى خطاب غير الزوجين ببعثهما، و الوكيل مأذون ليس بحكم، و المخاطب به الزوجان لا غيرهما، و لأنهما إن رأيا الإصلاح فعلاه من غير استئذان، و يلزم ما يشترطانه عليهما من السائغ، و لو كان توكيلا لم يقع إلا ما دل عليه لفظهما، و كون الزوج و الزوجة رشيدين، و الحق لهما لا ينافي حكم الشارع عليهما كالمماطل، فإنهما بالإصرار على الشقاق صارا

كالممتنعين عن قبول الحق، فجاز الحكم عليهما، كما أن عدم اعتبار الاجتهاد فيهما لا ينافي مضى حكمهما، لأن محله أمر معين جزئي يجوز تفويض أمره إلى الآحاد كنظائره، و ليس هو من الرئاسة العامة التي يعتبر فيها الاجتهاد، مع أن مثل ذلك لا يعارض ظاهر الكتاب و السنة، خصوصا و الحاكم في الحقيقة الحاكم الذي أرسلهما، فهما بمنزلة الوكيلين.

و الظاهر عدم اعتبار رضا الزوجين في بعثهما بناء على المختار، ضرورة كون ذلك سياسة شرعية.

نعم قد يقال باعتبار رضاهما على التوكيل مع احتمال عدمه أيضا، على معنى أنهما مع الامتناع يوكل عنهما الحاكم قهرا.

و لا ريب في اشتراط البلوغ و العقل و الاهتداء إلى ما هو المقصود من بعثهما،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 35.
2- 2 الوسائل الباب- 10 و 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.
3- 3 الوسائل الباب- 10 و 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.
4- 4 الوسائل الباب- 10 و 12 و 13- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 215

قيل: و الإسلام، و هو جيد فيما كان الشقاق بين المسلمين أما غيرهم فلا يخلو من نظر.

و أما العدالة و الحرية ففي المسالك «إن جعلناهما حكمين اعتبرا قطعا و إن جعلناهما وكيلين ففي اعتبارهما وجهان، أجودهما العدم، لأنهما ليسا شرطا في الوكيل» و فيه إمكان منع اعتبار ذلك على الأول أيضا، و ما دل على اعتبارهما في الرئيس العام لا يقتضيه في مثل المقام المجبور بنظر الرئيس، كما أنه احتمل اعتبارهما على الثاني بدعوى أن الوكالة إذا تعلقت بنظر الحاكم اعتبر فيها ذلك كأمر الحاكم.

و كيف كان فيجب عليهما البحث و الاجتهاد في حالهما و في السبب الداعي إلى الشقاق بينهما، ثم يسعون في أمرهما فإن اتفقا على الإصلاح فعلاه من غير مراجعة لهما، لأنه مقتضى تحكيمهما أو توكيلهما على ذلك، و إن اتفقا على التفريق فعلى التوكيل لم يصح إلا ب فرض التوكيل الدال على رضا الزوج في الطلاق و رضا المرأة في البذل إن كان خلعا، و أما على التحكيم فالأشهر بل المشهور عدم جوازه أيضا إلا مع مراجعتهما، و لعله لظاهر كون المراد من التحكيم فعل ما يتحقق به الإصلاح و التأليف، كما أومأ إليه بقوله تعالى (1)«إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما»

و قال الحلبي (2)في الحسن: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل (3):

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِها، قال: ليس للحكمين بأن يفرقا حتى يستأمرا الرجل و المرأة و يشترطا عليهما إن شئنا جمعنا و إن شئنا فرقنا، فان فرقا فجائز، و إن جمعا فجائز».

و في

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن قول الله عز و جل:


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 35.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 35.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.

ج 31، ص: 216

فَابْعَثُوا حَكَماً- إلى آخره- قال: ليس للحكمين أن يفرقا حتى يستأمرا».

و في

خبر علي بن أبي حمزة(1)«سألت العبد الصالح عليه السلام عن قول الله تعالى وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما- إلى آخره- فقال: يشترط الحكمان إن شاءا فرقا و إن شاءا جمعا ففرقا أو جمعا جاز»

و نحوه خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله عليه السلام،

و في خبر سماعة(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز و جل فَابْعَثُوا- إلى آخره- أ رأيت إن استأذن الحكمان، فقالا للرجل و المرأة: أ ليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التفريق؟ فقال الرجل و المرأة: نعم و أشهدا بذلك شهودا عليهما، أ يجوز تفريقهما عليهما؟ قال: نعم، و لكن لا يكون إلا على طهر من المرأة من غير جماع كالزوج، قيل له: أ رأيت إن قال أحد الحكمين: قد فرقت بينهما، و قال الآخر:

لم أفرق بينهما؟ فقال: لا يكون تفريق حتى يجتمعا جميعا على التفريق، فإذا اجتمعا على التفريق جاز تفريقهما».

لكن لا يخفى عليك ظهور هذه النصوص في أن التفريق لهما مع اشتراطهما ذلك، و لعله لا ينافي كلام المشهور المنزل على أنه ليس لهما التفريق مع الإطلاق بل على ذلك نزل كلام ابن الجنيد، فإنه قال على ما حكى عنه: «و يشترط الوالي أو المرضي بحكمه على الزوجين أن للمختارين جميعا أن يفرقا بينهما أو يجمعا إن رأيا ذلك صوابا، و على كل واحد من الزوجين إنفاذ ذلك و الرضا به، و أنهما قد وكلاهما في ذلك، و مهما فعلاه فهو جائز عليهما».

و في المسالك «قد روى (4)«أن عليا صلوات الله و سلامه عليه بعث حكمين و قال تدريان ما عليكما، عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما و إن رأيتما أن تفرقا


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب القسم و النشوز الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب القسم و النشوز الحديث 6 و المستدرك الباب- 11- منها الحديث 1 و سنن البيهقي ج 7 ص 305.

ج 31، ص: 217

فرقتما، فقالت المرأة: رضيت بما في كتاب الله علي و لي فقال الرجل: أما الفرقة فلا، فقال علي عليه السلام: كذبت و الله حتى تقر بمثل الذي أقرت به»

و قد احتج بهذا الخبر الفريقان، فالأول من حيث إنه اعتبر رضاهما و إقرارهما، و الثاني من حيث جعل الجمع و التفريق إلى الحكمين، و قوله عليه السلام: «حتى تقر» أي ليس لك أن تمتنع، بل عليك أن تنقاد لحكم الله تعالى، كما انقادت هي، و هذا أشبه بمذهب ابن الجنيد».

قلت: يمكن تنزيل الخبر على تلك الأخبار أيضا على معنى أنه لا بد من اتفاقهما على كيفية الحكم على الإصلاح خاصة أو عليه و على التفريق، نعم يظهر منه وجوب تبعية الأخر عن إرادة تعميم التحكيم.

و كيف كان فعلى ما قلناه إذا رأى حكم الرجل أن يطلق بغير عوض طلق مستقلا به، لأن حكم المرأة لا صنع له بالطلاق، و لا يزيد على واحدة، لكن إن راجع الزوج و داما على الشقاق زاد إلى أن يستوفي الطلقات الثلاث، و إن رأي الخلع و ساعده حكم المرأة تخالعا: و إن اختلفا وقف، و ينبغي أن يخلو حكم الرجل بالرجل و حكم المرأة بالمرأة خلوة غير محرمة ليعرفان ما عندهما و ما فيه رغبتهما، و إذا اجتمعا لم يخف أحدهما على الأخر بما علم، ليتمكنا من رأي الصواب و ينقدح ما رأياه صوابا بشرطه، فان اختلف رأيهما بعث إليهما آخرين حتى يجتمعا على شي ء، و ينبغي للحكمين إخلاص النية في السعي و قصد الإصلاح فمن حسنت نيته فيما تحراه أصلح الله مسعاه، و كان ذلك سببا لحصول مسعاه، كما ينبه عليه قوله تعالى (1)«إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما» و مفهوم الشرط يقتضي أن عدم التوفيق بين الزوجين يدل على فساد قصد الحكمين و أنهما لم يجتمعا على قصد الإصلاح، بل في نية أحدهما أو هما فساد، فلذلك لم يبلغا المراد و الظاهر أنه هو السبب في الفساد في تحكيم ابن العاص و أبي موسى الأشعري في أيام


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 35.

ج 31، ص: 218

صفين (1)فإن نية كل منهما فاسدة و إن كان الأول أشد من الثاني، و لذا ترتب عليه ما ترتب، و الله العالم.

[تفريع لو بعث الحكمان فغاب الزوجان أو أحدهما نفذ حكمها قطعا]

تفريع:

لو بعث الحكمان فغاب الزوجان أو أحدهما ففي المسالك نفذ حكمها قطعا بناء على التوكيل، لأن تصرف الوكيل فيما وكل فيه نافذ مع حضور الموكل و غيبته و مع بقائه على الخصومة و الشقاق و عدمه، و فيه إمكان منع نفوذه مع فرض ارتفاع الخصومة، ضرورة انتفاء موضوع التوكيل حينئذ على الصلح الرافع للنزاع و الشقاق المفروض ارتفاعهما قبل حكم الحكمين.

و أما على التحكيم ف قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة:

لم يجز الحكم، لأنه حكم للغائب لا عليه و الجائز الثاني لا الأول و لو قيل بالجواز كان حسنا ل ا لما ذكره المصنف من أن حكمهما مقصور على الإصلاح، أما التفرقة فموقوفة على الاذن ضرورة عدم انطباق ذلك على حجة المدعى، بل لمنع عدم جواز الحكم للغائب و عليه في المقام، لإطلاق الأدلة الذي لا يعارضه القياس على حكم الفقيه للغائب لو سلم المقيس عليه، و لذا لا يكون الغائب منهما على حجته في المقام بخلافه هناك، و دعوى عدم معلومية بقاء الشقاق بينهما مع الغيبة خروج عن عنوان البحث الذي هو الحكم عليهما من حيث الغيبة التي يمكن أن تجامع العلم ببقاء

الشقاق بينهما، على أن الاستصحاب كاف و إن كان قد يقوى عدم نفوذ الحكم عليهما لو فرض تأخره عن ارتفاع الشقاق بينهما، و كذا الحكم فيما لو سكت أحدهما، بل لا يبعد نفوذ حكم الحكمين فيما لو خرجا أو أحدهما عن قابلية التكليف بجنون أو إغماء فضلا عن الغيبة، لإطلاق الأدلة. و الله العالم.


1- 1 الكامل لابن الأثير- ج 3 ص 318.

ج 31، ص: 219

[مسألتان]
[المسألة الأولى ما يشترطه الحكمان يلزم إن كان سائغا]

الأولى ما يشترطه الحكمان عليهما أو على أحدهما يلزم إن كان سائغا بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و إلا كان باطلا، بل يقوى بطلان الحكم بما أوقعاه من الاصطلاح لا أن لهما نقضه كما عبر به المصنف مشعرا بأن لهما الرضا به و لهما نقضه، و هو غير متصور في الشرط لغير السائغ.

لكن في المسالك «إذا اشترط الحكمان شرطا نظر فيه، فان كان مما يصلح لزومه شرعا لزم و إن لم يرض الزوجان، كما لو شرطا عليه أن يسكنها في البلد الفلاني أو في المسكن المخصوص أو لا يسكن معها في الدار أمة و لو في بيت منفردا و لا يسكن معها الضرة في دار واحدة، أو شرطا عليها أن تؤجله بالمهر الحال إلى أجل أو ترد عليه ما قبضته منه قرضا و نحو ذلك،

لعموم «المؤمنون عند شروطهم»(1)

بعد جعل الحكم إليهما. و إن كان غير مشروع كما لو شرط عليها ترك بعض حقوقها من القسم أو النفقة أو المهر أو عليه أن لا يتزوج أو لا يتسرى أو لا يسافر بها لم يلزم ذلك بلا خلاف. ثم إن كان الشرط مما للزوجين فيه التصرف كترك بعض الحق فلهما نقضه و التزامه تبرعا، و إن كان غير مشروع أصلا كعدم التزويج و التسري فهو منقوض في نفسه، و يمكن أن يريد المصنف بقوله «كان لهما نقضه» مطلقا الشامل للجميع الدال بمفهومه على أن لهما أيضا التزامه التزام مقتضاه، بأن لا يتزوج و لا يتسرى تبرعا بذلك و إن لم يكن لازما له بالشرط، و إلى هذا يشير كلام الشيخ في المبسوط، حيث قال في هذا القسم: «فان اختار الزوجان المقام على ما فعله الحكمان كان جميلا، و إن اختارا أن يطرحا فعلا فان ظاهر فعل الجميل كونه تبرعا و تفضلا بغير استحقاق» و تبعه على ذلك في كشف اللثام.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه من النظر في أصل المطلب فضلا عن بعض


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 31، ص: 220

الخصوصيات، ضرورة لزوم كل شرط سائغ عليهما أو على أحدهما، لعموم الأدلة القاضية بكونهما حكمين، و أنه لا يبطل منه إلا الباطل بأصل الشرع، فليس حينئذ من الشروط ما لهما الالتزام به و لهما نقضه، كما هو واضح.

[المسألة الثانية لو منعها شيئا من حقوقها المستحبة أو أغارها فبذلت له بذلا ليخلعها صح]

المسألة الثانية لو منعها شيئا من حقوقها المستحبة أو أغارها بما لا يحرم عليه فبذلت له بذلا ليخلعها صح، و ليس ذلك إكراها قطعا و إن قصد بذلك ذلك بل الظاهر عدم الإكراه بترك حقوقها الواجبة عصيانا لا لإرادة البذل، كما جزم به في المسالك و إن كان آثما، بل فيها «و كذا لو قصد بترك حقها ذلك و لم يظهره لها و إن كان آثما أيضا- قال:- أما لو أظهر لها أن تركه لأجل البذل كان ذلك إكراها و أظهر منه ما لو أكرهها على نفس البذل- ثم قال:- و ما ذكره المصنف قول الشيخ في المبسوط(1)و وافقهما عليه العلامة في الإرشاد، و في التحرير نسب القول إلى الشيخ ساكتا عليه مؤذنا بتردده فيه أو ضعفه، و في القواعد قيد حقوقها بالمستحب، و مفهومه أنه لو منع الواجبة كان إكراها، و هذا القول نقله الشيخ في المبسوط أولا عن بعض العامة، ثم قال:

الذي يقتضيه مذهبنا أن هذا ليس إكراها، و هو المعتمد».

قلت: لا إشكال في تحقق الإكراه بالصورتين المذكورتين، و أما الصورة السابقة فهي إن لم تكن إكراها فقد يقال بحرمة البذل عليه أيضا لاندراجه في قوله تعالى (2)«وَ لا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا» المفسر بذلك، بل قد يقال: بحرمته


1- 1 في النسخة الأصلية المبيضة« و ما ذكره المصنف و الشيخ في المبسوط» و في المخطوطة بخط المصنف طاب ثراه« و ما ذكره المصنف الشيخ في المبسوط» و الصحيح ما أثبتناه، كما أن الموجود في المسالك أيضا كذلك.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 231.

ج 31، ص: 221

عليه في الأولى أيضا، و هي فيما لو ضارها حتى بذلت و لم يكن من قصده ذلك، لكونه أشبه شي ء بعوض المحرم، بل يمكن اندراجه في الآية أيضا.

و لا ينافيه قوله تعالى (1)«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً» و ذلك لما عرفت مما ورد في تفسير هذه الآية من النصوص (2)التي فيها الصحيح و غيره أن المراد بها الامرأة التي تخشى الطلاق أو التزويج عليها أو كان الرجل يكرهها أو لا تعجبه أو نحو ذلك مما يؤدى إلى فراقها فأسقطت بعض حقوقها لإرادة إمساكها و عدم طلاقها، و هذا غير المفروض الذي هو ترك حقوقها الواجبة عليه فبذلت له مالا للخلاص من يده و من أسره، إذ هي كالمظلوم في يد الظالم، فيبذل له للتخلص من ظلمه، فان ذلك لا ريب في حرمته على الظالم و إن لم يكن قد قصد بالظلم ذلك المبذول، و لعله إلى ذلك أومأ العلامة في تقييد الحقوق بالمستحبة في القواعد.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك أيضا ما في كشف اللثام و غيره حتى من الرياض، فإنه- بعد أن اعترف بعدم دلالة الآية و النصوص المفسرة لها على عموم الحكم من جواز الصلح ببذل حقها كما لو أخل الزوج ببعض حقوقها الواجبة أو كلها لظهور سياقها في غيره- قال: «نعم جاز له القبول هنا لو بذلته بطيب نفسها لا

مطلقا، للأصل و فقد الصارف عنه، و هذا هو ظاهر العبارة و الأكثر، و ربما منع منه من جوزه هنا لما قدمناه من اختصاص الآية و النص بالأول، و لقبح تركها الحق من دون عوض بناء على لزومه عليه من دونه، و فيهما نظر إذ اختصاص الكتاب و السنة بما ذكر لا يوجب المنع عن جريان الحكم الذي فيه في غيره بعد قضاء الأصل به، و القبح ممنوع حيث يرجى حصول الحقوق الواجبة التي أخل بها بالبذل فتكون هي العوض الحاصل بالبذل، و لزومه عليه غير ملازم، للزوم صدورها عنه حتى ينتفي


1- 1 سورة النساء: 4 الآية 128.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب القسم و النشوز.

ج 31، ص: 222

العوض حين البذل، ثم على تقديره يصح منع القبح أيضا، كيف لا و يجوز لها إبراء ذمة زوجها عن حقوقها بعضا أو كلا ابتداء مطلقا جدا (و بالجملة) لا وجه لتعليل المنع من الجواز بنحو هذا بعد طيبة نفسها في بذلها، و منه يظهر الجواز فيما لو بذلت بطيبة نفسها بعد إكراهها عليه و إن أطلق الأصحاب المنع حينئذ» فإنه كما ترى خروج عن موضوع البحث، بل هو غير لائق لجعله عنوانا في كلام الأصحاب كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله العالم.

[النظر الرابع في أحكام الأولاد]
اشاره

النظر الرابع في أحكام الأولاد و هي قسمان

[القسم الأول في إلحاق الأولاد]
اشاره

القسم الأول في إلحاق الأولاد، و النظر في أولاد الزوجات دواما و انقطاعا و الموطوءات بالملك و الموطوءات بالشبهة

[أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم]

(الأول) أحكام ولد الموطوءة بالعقد الدائم و هم يلحقون بالزوج بشروط ثلاثة: الدخول بغيبوبة الحشفة أو مقدارها قبلا أو دبرا، بل في كشف اللثام و غيره أنزل أو لا، لإطلاق الفتاوى و نحوه

قول الباقر عليه السلام لأبي مريم الأنصاري (1)«إذا أتاها فقد طلب ولدها».

لكن في الروضة «و المراد بالوطء- على ما يظهر من إطلاقهم و صرح به المصنف


1- 1 الوسائل الباب- 103- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 31، ص: 223

في القواعد- غيبوبة الحشفة قبلا أو دبرا و إن لم ينزل، و لا يخلو ذلك من إشكال إن لم يكن مجمعا عليه بانتفاء التولد عادة في كثير من موارده، و لم نقف على شي ء ينافي ما نقلناه يعتمد عليه» و تبعه في الرياض و قال: «ولد الزوجة الدائمة التام خلقة يلحق بالزوج الذي يمكن التولد منه عادة و لو احتمالا مع شروط ثلاثة: أحدها الدخول منه بها دخولا يحتمل فيه ذلك و لو احتمالا بعيدا، قبلا كان أو دبرا، إجماعا، و في غيره إشكال و إن حكى الإطلاق عن الأصحاب، و احتمل الإجماع، مع أن المحكي عن السرائر و التحرير عدم العبرة

بالوطء دبرا، و استوجهه من المتأخرين جماعة، و هو حسن إلا مع الإمناء و احتمال السبق و عدم الشعور به لا مطلقا».

قلت: مع فرض إمكان سبق المنى و عدم الشعور به لا سبيل حينئذ للقطع بنفي الاحتمال و لو بعيدا مع تحقق مسمى الدخول، على أنه يمكن التولد من الرجل بالدخول و إن لم ينزل، و لعله لتحرك نطفة الامرأة و اكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلها أو غير ذلك من الحكم التي لا يحيط بها إلا رب العزة، و لذا أطلق أن

«الولد للفراش»(1)

المراد به الافتراش فعلا لا ما يقوله العامة من الافتراش شرعا، بمعنى أنه يحل له وطؤها، فلو ولدت و إن لم يفترشها فعلا ألحق به الولد، إذ هو مع ما فيه من فتح باب الفساد للنساء أشبه شي ء بالخرافات.

و ربما يومئ إلى بعض ما قلناه

خبر أبي البختري (2)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن علي عليهم السلام قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و آله قال: كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد، فقال: الوكاء قد ينفلت، و ألحق به الولد»

و فحوى

التوقيع المروي عن إكمال الدين و إتمام النعمة(3)في جملة مسائل منها «استحللت

بجارية و شرطت عليها أن لا أطلب ولدها و لم ألزمها منزلي، فلما أتى لذلك مدة


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 224

قالت: قد حبلت ثم أتت بولد لم أنكره- إلى أن قال-: فخرج جوابها عن صاحب الزمان صلوات الله عليه: و أما الرجل الذي استحل بالجارية و شرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له في قدرته، شرطه على الجارية شرط على الله تعالى، هذا ما لا يؤمن أن يكون، و حيث عرض له في هذا شك و ليس يعرف الوقت الذي أتاها فليس ذلك يوجب البراءة من ولده».

و الثاني مضى ستة أشهر هلالية أو عددية أو ملفقة من حين الوطء لأنها أقل الحمل كتابا(1)و سنة(2)مستفيضة أو متواترة و إجماعا محكيا كذلك بل في المسالك نسبة ذلك إلى علماء الإسلام، بل و محصلا، فلا يلحق به إن وضعته حيا كاملا لأقل من ذلك، و ما عن المفيد بل و الطوسي أيضا- من التخيير بين النفي و الإقرار به- محجوج بما عرفت، بل قيل: لا يظهر له وجه إلا

خبر أبان بن تغلب (3)عن الصادق عليه السلام «رجل تزوج فلم تلبث بعد أن أهديت إليه أربعة أشهر حتى ولدت جارية، فأنكرها و ردها، و زعمت هي أنها حبلت منه فقال: لا

يقبل ذلك منها، و إن ترافعا إلى السلطان تلاعنا، و لم تحل له أبدا»

و هو مع الضعف يحتمل عدم حياة الولد أو تمامه و أن يتنازعا في المدة و في غير الكامل مما تسقط المرأة، ففي الرياض «يرجع في إلحاقه بالزوج حيث يحتاج إليه- ليجب عليه التكفين و مئونة التجهيز و نحو ذلك من الأحكام المترتبة على حياته- إلى المعتاد لمثله من الأيام و الأشهر، فإن أمكن عادة منه لحقه حكمه، و إن علم عادة انتفاؤه عنه لغيبته عنه مدة تزيد عن تخلقه عادة انتفى عنه» و كان المراد إلحاقه به مع إمكانه، و أنه لا ينفى عنه إلا مع العلم بانتفائه عنه.

و الثالث أن لا يتجاوز اقصى الوضع، و هو تسعة أشهر على الأشهر بل المشهور، بل عن ظاهر الإسكافي و الطوسي في المبسوط و الخلاف إجماعنا عليه،


1- 1 سورة الأحقاف: 46- الآية 15.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10.

ج 31، ص: 225

للمعتبرة المستفيضة ك

مرسل عبد الرحمن بن سيابة(1)«أقصى مدة الحمل تسعة أشهر لا يزيد لحظة، و لو زاد لحظة لقتل امه قبل أن يخرج»

و ظاهر

خبر وهب (2)عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه «يعيش الولد

لستة أشهر و لسبعة و لتسعة و لا يعيش لثمانية»

و صحيح ابن الحجاج (3)«سمعت أبا إبراهيم عليه السلام يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادعت حبلا انتظر تسعة أشهر، فإن ولدت و إلا اعتدت بثلاثة أشهر، ثم قد بانت منه»

و خبر محمد بن الحكم (4)عن أبي الحسن عليه السلام قلت له: «المرأة الشابة التي مثلها تحيض يطلقها زوجها و يرتفع حيضها كم عدتها؟ قال: ثلاثة أشهر؟ قلت: فإنها ادعت الحبل بعد الثلاثة أشهر، قال: عدتها تسعة أشهر، قلت: فإنها ادعت الحبل بعد تسعة أشهر، قال: إنما الحبل تسعة أشهر، قلت: تتزوج، قال: تحتاط بثلاثة أشهر، قلت: فإنها ادعت بعد ثلاثة أشهر، قال: لا ريبة عليها تزوجت إن شاءت»

و خبره الآخر(5)عن أبي عبد الله عليه السلام أو أبي الحسن عليه السلام قلت له: «رجل طلق امرأته فلما مضت ثلاثة أشهر ادعت حملا، فقال:

ينتظر بها تسعة أشهر قال: قلت: فإنها ادعت بعد ذلك حبلا، فقال: هيهات هيهات إنما يرتفع الطمث من ضربين، إما حمل بين و إما فساد في الطمث، و لكنها تحتاط بثلاثة أشهر»

مؤيدا ذلك ب

خبر أبان (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن مريم عليها السلام حملت بعيسى عليه السلام تسع ساعات كل ساعة شهر».

و الخبر المروي في باب مبدء النشوء من الكافي (7)فإن فيه «و للرحم


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق. عن محمد بن الحكيم.
5- 5 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 5 من كتاب الطلاق. عن محمد بن الحكيم.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7.
7- 7 الكافي ج 6 ص 15 كتاب العقيقة باب بدء خلق الإنسان و تقلبه في بطن أمه الحديث 5.

ج 31، ص: 226

ثلاثة أقفال، قفل في أعلاها مما يلي أعلى السرة من الجانب الأيمن، و القفل الأخر وسطها، و القفل الأخر أسفل من الرحم، فما يوضع بعد التسعة أيام في القفل الأعلى فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فعند ذلك يصيب المرأة خبث النفس و التهوع، ثم ينزل إلى القفل الأوسط، فيمكث فيه ثلاثة أشهر- إلى أن قال-: ثم ينزل إلى القفل الأسفل فيمكث فيه ثلاثة أشهر، فذلك تسعة أشهر، ثم تطلق المرأة».

لكن ظاهره زيادة تسعة أيام على تسعة أشهر، و يمكن إدراجها في التسعة أشهر بضرب من التأويل بحمل

قوله عليه السلام: «في القفل الأول فيمكث»

إلى آخره على الثلاثة التي منها التسعة، و الشاهد عليه ذيل الرواية و باقي النصوص، على أن إبقاءه على ظاهره مخالف للإجماع.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة عشرة أشهر، و هو حسن عند المصنف يعضده الوجدان في كثير و الفاضل في أكثر كتبه على ما قيل، إلا أنا لم نقف على ما يدل عليه

بالخصوص فيما وصل إلينا من النصوص، و إن حكي عن جماعة أن به رواية، بل يعارض ما ذكر من الوجدان بما في المسالك و نهاية المرام، بل و زماننا بوجدان الوضع إلى سنة، فقصره حينئذ عليه دونه ليس في محله، بل يمكن أن يكون ابتداء الحمل بالوجدان المزبور من التسعة، و يكون حبس الطمث قبله لريبة، كفساد الطمث، كما سمعته في النصوص السابقة المشتملة على أن الثلاثة للريبة، بل عن جماعة من الأصحاب منهم أبو الصلاح و ابنا زهرة و شهرآشوب التصريح بذلك، بل في كشف اللثام لا يبعد حمل كلام السيد عليه، و يؤيده ما نقل عنه في الموصليات من أولوية التسعة، ثم قال:

«و بالجملة فلم يظهر لي صريح قول بالسنة».

و من ذلك يعرف ما في القول الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل:

سنة، و هو متروك و إن نسب إلى المرتضى في الانتصار مدعيا عليه الإجماع، و الجامع و أبي الصلاح، و مال إليه في المختلف، بل في المسالك أنه أقرب إلى الصواب،

ج 31، ص: 227

إذ لم يرد دليل معتبر على كون أقصاه أقل من السنة، فاستصحاب حكمه و حكم الفراش أنسب و إن كان خلاف الغالب، و قد وقع في زماننا ما يدل عليه، مع أنه يمكن تنزيل تلك الأخبار على الغالب، كما يشعر به

قوله عليه السلام (1): «إنما الحمل تسعة أشهر»

ثم أمر بالاحتياط نظرا إلى النادر، و لكن مراعاة النادر أولى من الحكم بنفي النسب عن أهله، بل يترتب ما هو أعظم من ذلك على المرأة مع قيام الاحتمال و تبعه على ذلك سبطه و بعض أتباعه.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة أنه لو كان قدح في سند نصوص المشهور أو دلالتها فهو مجبور بما سمعت من الشهرة، بل الإجماع الذي لا يعارضه المحكي من إجماع المرتضى المحتمل ما عرفت، و أنه على النفي عن الأزيد لا أنه الأقصى ردا على العامة، كما أفصح عنه الخبر(2)السابق، و الحمل على الغالب- مع ما فيه من ظهور

قوله عليه السلام: «لو زاد ساعة لقتل أمه»

في نفيه، ضرورة عدم كون الغالب منحصرا في التسعة الحقيقية التي لا تزداد ساعة- ليس بأولى مما ذكرناه الذي منه يعلم أولوية الاستدلال بالصحيح (3)و الخبر(4)على المطلوب من الاستدلال بهما على السنة، بل يمكن دعوى صراحتهما في نفي ذلك و أن الثلاثة أشهر للعدة تعبد، أو لنفي الريبة، أو لنحو ذلك، بل يمكن إرادة العزم على طلاقها فادعت الحمل من قوله عليه السلام: «طلقها» فأخر ذلك حتى علم حالها، فطلقها حينئذ و اعتدت بثلاثة أشهر تعبدا، كما في غيرها من العدد المشروعة للتعبد و للاحتياط في تعميم ذلك مراعاة للفروج و للإسرار التي لا يحيط بها إلا

من شرع ذلك، فمن الغريب الاستدلال بهما على السنة.

نعم في

خبر سلمة بن الخطاب (5)بسنده عن علي صلوات الله و سلامه عليه


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق.
5- 5 الفقيه ج 3 ص 330- الرقم 1600 و في الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 15« السنتين» و رواه في الوافي أيضا- ج 12 ص 217 الباب- 228- من كتاب النكاح.

ج 31، ص: 228

«أدنى ما تحمل المرأة لستة أشهر و أكثر ما تحمل لسنة» لكن في الوافي و في بعض «و أكثر ما تحمل لسنتين»

بل عن الوسائل أنه لم يذكر غير هذه النسخة، و حينئذ فلا وجه إلا الحمل على التقية.

و في المرسل (1)في قول الله تعالى (2)«يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَ ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَ ما تَزْدادُ» قال: «الغيض كل حمل دون تسعة أشهر، و ما تزداد كل شي ء تزداد على تسعة أشهر، فكلما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فإنها تزداد بعدد الأيام التي رأت في حملها من الدم»

و في المرفوع المروي عن نوادر المعجزات للراوندي عن سيدة النساء فاطمة عليها السلام «إنها ولدت الحسين عليه السلام عند تمام سنة من حملها به».

لكنهما قاصران عن معارضة ما عرفت من وجوه بل الأول منهما بالنصوص (3)الواردة في تفسير الآية المزبورة بخلاف ذلك، بل يمكن إرادة ما لا ينافي الريبة التي سمعتها في النصوص (4)السابقة، كما أن المرسل الثاني معارض بغيره مما ورد(5)بخلافه فلا محيص عن القول بالتسع.

و الوجدان المدعي بخلافه على وجه ينفى الاحتمال الذي ذكرناه ممنوع على مدعيه، خصوصا مع احتمال الوطء من غير الزوج و لو شبهة أو مع عدم علمها بذلك، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6.
2- 2 سورة الرعد: 13- الآية 8.
3- 3 المستدرك الباب- 12- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6 و تفسير البرهان- ج 2 ص 282 ذيل الآية 13 من سورة الرعد.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 14 و المستدرك الباب- 12- منها الحديث 2 و 3 و 4.

ج 31، ص: 229

و حينئذ فالرجوع إلى الاستصحاب و إطلاق

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش»

و نحو ذلك مما سمعت مما لا ينبغي الإصغاء إليه، ضرورة عدم معارضة الأول منهما للدليل المزبور، و وجوب حمل الثاني على المقيد، و الله العالم.

و على كل حال فلو لم يدخل بها لم يلحقه إجماعا بقسميه و نصوصا، نعم قد يقال بعدم اعتبار العلم بالدخول مع ولادتها ما يمكن تولده منه تغليبا للنسب، و ل

قوله صلى الله عليه و آله(2): «الولد للفراش»

فان المراد به الزوج أو المرأة على تقدير مضاف، أي ذي الفراش، و على التقديرين يقتضي اللحوق، خرج منه ما علم عدم الدخول لما عرفت، و يبقى غيره، و حينئذ يكون الأصل بعد وقوع العقد لحوق الولد بالزوج مع الإمكان، و لا ينافي ذلك ذكر الدخول في عبارة المصنف و غيره بعنوان الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك بها، فإن الأصل الشرعي المزبور طريق للحكم بتحققها بالنسبة إلى الإلحاق المذكور.

و من هنا فرع المصنف و غيره على الاشتراط المزبور العلم بعدم الدخول، لا الولادة الممكنة اللحوق مع عدم العلم بالدخول، لكن ستعرف في كتاب اللعان التحقيق في ذلك، و إن جزم بالاحتمال المزبور في المسالك في كتاب اللعان، و الله العالم.

و كيف كان فيتحقق الدخول الموجب لإلحاق الولد و غيره من الأحكام بغيبوبة الحشفة خاصة أو قدرها من مقطوعها في القبل و إن لم ينزل، كما هو صريح بعض النصوص (3)الواردة في العزل و في المتعة و غيرها، بل يمكن دعوى تواتر النصوص فيه معنى، ضرورة ترتيب ذلك فيها على الوطء المتحقق بما سمعت قطعا، كما لا يخفى على من لاحظها، بل عن الشهيد في قواعده أن الوطء في الدبر على هذا


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 103- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و الباب- 33- من أبواب المتعة و الباب- 59- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب 16- و 19 من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 230

الوجه يساوى القبل في هذا الحكم و غيره إلا في مواضع قليلة استثناها و في المسالك «و

ما وقفت في كلام أحد على ما يخالف ذلك» قلت: لعل الوجه فيه أيضا ما عرفته من صدق مسمى الوطء المعلق عليه الحكم، و الدبر أحد المأتيين(1).

و كذا لو دخل بها و جاءت به لأقل من ستة أشهر حيا كاملا فإنه لا يلحق به على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لعل الإجماع بقسميه عليه و إن حكي عن الشيخين أنه خيراه بين نفيه و بين الاعتراف به للخبر السابق (2)الذي قد عرفت الحال فيه لكنه شاذ لا يقدح في تحصيل الإجماع، بل يمكن دعوى تواتر النصوص (3)بخلافه، و قد سمعت دعوى الإجماع من المؤمنين أو المسلمين على أن الستة أشهر أقل الحمل و غيرها من الأدلة على ذلك، و احترز بالحياة و الكمال عما ولدته في هذه المدة غير حي أو ناقص الخلقة، فإنه يلحق به مع إمكان تولده منه عادة، للأصل المزبور، فتجب حينئذ عليه مئونة تجهيزه، و يستحق ديته لو جني عليه، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على لحوقه به، نعم لو لم يمكن في العادة لحوقه به لم يلحق به، كما هو واضح.

و الظاهر أنه يجري هنا ما سمعته في السابق من الحكم بعدم اللحوق في المتولد حيا كاملا لأقل من ستة إذا كان ذلك معلوما، أما مع الجهل فالظاهر الحكم باللحوق للأصل الذي قدمناه، بل لعله هنا أولى باعتبار تحقق الدخول الذي هو أصل في الحكم باللحوق حتى يعلم فساده بالعلم بالتولد للأقل و نحوه، و ستسمع لذلك تتمة إنشاء الله.

و كذا لو اتفقا على انقضاء ما زاد عن تسعة أشهر أو عشرة من زمان الوطء أو ثبت ذلك بغيبة متحققة تزيد عن أقصى الحمل، و لا يجوز له إلحاقه بنفسه


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 231

و الحال هذه لما عرفت من عدم اللحوق مع التجاوز عن أكثر الحمل، نعم ذلك كذلك مع العلم، أما مع الشك فالظاهر اللحوق، للأصل السابق على نحو ما سمعته سابقا، و حينئذ فلا خلاف و لا إشكال في شي ء من الأحكام المزبورة إلا في ثبوت ذلك بل و السابقين بالاتفاق على عدم حصول الشرط، ضرورة تعلق الحكم بغيرهما و هو الولد، فلا يجدى اتفاقهما على نفيه عنه.

و ربما وجه بأن الحق منحصر فيهما، و الفعل لا يعلم إلا منهما، و إقامة البينة على ذلك متعذرة أو متعسرة، فلو لم يكتف باتفاقهما عليه و ألحقنا به الولد حتما نظرا إلى الفراش لزم الحرج و الإضرار به، حيث يعلم انتفاؤه عنه في الواقع و لا يمكنه نفيه ظاهرا، و لأن الشارع أوجب نفيه عنه مع العلم بانتفائه، و جعل له وسيلة مع إنكار المرأة اللعان، فلا بد في الحكم من نصب وسيلة إلى نفيه مع تصادقهما ليثبت الحكم اللازم له شرعا، و لا يمكن ذلك باللعان المشروط بتكاذبهما، فلم يبق لانتفائه إلا الاتفاق المزبور، و هو كما ترى.

بل عن الشهيد إشكاله بأنهما لو اتفقا على الزنا لم ينتف الولد، و لحق بالفراش و كذا هنا، و إن كان فيه أن مجرد الزنا غير كاف في انتفاء الولد عن الفراش إذا كان قد وطأ وطءا يمكن إلحاقه به، لما ثبت شرعا من أن

«الولد للفراش و للعاهر الحجر»(1)

و هذا بخلاف ما لو اتفقا على عدم الوطء في المدة المذكورة، لأن الولد لا يمكن لحوقه بالزوج من دون الوطء في مدة الحمل، و من ثم اتفقوا على أنه لو ثبت عدم الوطء في المدة بالبينة حيث يمكن إثباتها كما لو اتفقت الغيبة انتفى عنه بغير إشكال بخلاف ما إذا ثبت زناها بالبينة، فإنه لا يوجب نفيه عن الزوج و لا عن المرأة مع وجود الفراش الذي يمكن إلحاقه به، فافترق الأمران، اللهم إلا أن يريد الشهيد بالاتفاق على الزنا الاتفاق على كون الولد منه لا من وطء الفراش.

و على كل حال فالإشكال بما ذكرناه- من منع انحصار الحق في الزوجين


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 31، ص: 232

حتى يقبل تصادقهما فيه، لأن للولد حقا في النسب- متجه خصوصا مع حكمهم كما قيل بأنه لو ادعى مدع مولودا على فراش غيره بأن ادعى وطءه بالشبهة و صدقه الزوجان فلا بد من البينة، لحق الولد، فلا يكفى تصديق الزوجين في دعوى الولد، و مثل هذا آت هنا، لكن في المسالك «أنه وافق المصنف على هذا المدعى،

إلا أنه يمكن منعه بما ذكرناه من الحرج و الضرر، و كيف يجتمع الحكم بعدم جواز إلحاقه و وجوب نفقته مع الحكم بعدم انتفائه عنه بوجه من الوجوه حيث يتعذر إقامة البينة» قلت: اختلاف الأحكام ظاهرا و واقعا غير عزيز، فلا يكون ذلك دليلا على الدعوى، نعم قد يقال: إن التصادق منهما مسقط حق التداعي بينهما، أما الولد فإذا كبر كان له حق الدعوى، و يمكن حمل كلام المصنف و غيره على ذلك، و الله العالم.

و لو وطأها واطئ فجورا و لو بعده كان الولد لصاحب الفراش فضلا عن تهمتها به مع فرض وطئه على وجه يمكن إلحاق الولد به، فإنه أظهر أفراد

قوله (1): «الولد للفراش و للعاهر الحجر»

المتفق على مضمونه، فلا ينتفي عنه حينئذ إلا باللعان إذا لم يصرح باستناد النفي إليه، و إلا لم ينتف به أيضا على ما في كشف اللثام و إن كان قد يشكل بإطلاق أدلة اللعان مع فرض إقدامه عليه و لو لاطمئنانه في السبب المزبور، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره، و ستسمع في كتاب اللعان التحقيق في ذلك إنشاء الله.

و على كل حال ف لا ينتفي عنه في الفرض المزبور إلا باللعان لأن الزاني لا ولد له، و إنما له الحجر، فلا يعارض وطؤه وطء ذي الفراش سبق أو تأخر و شابهه الولد في الخلق و الخلق أو لا، و

خبر داود بن فرقد(2)عن الصادق عليه السلام «أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال: يا رسول الله إني خرجت و امرأتي حائض و رجعت و هي حبلى، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: من تتهم؟ (قال: اتهم رجلين) قال: ائت بهما،


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 100- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.

ج 31، ص: 233

فجاء بهما، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: إن يك ابن هذا فسيخرج قططا كذا و كذا، فخرج كما قال رسول الله صلى الله عليه و آله، فجعل معقلته على قوم أمه و ميراثه لهم»

مع الإرسال يحتمل طول الغيبة أو غير ذلك، و ما ورد في بعض الأخبار(1)من أن القيافة فضلة من النبوة، و العمل عليها منهم عليهم السلام في بعض الأحيان (2)محمول على ما لا ينافي المقام المجمع عليه نقلا و تحصيلا.

و احترز بالفجور عن الوطء شبهة على وجه يمكن تولده منهما، فإنه يقرع بينهما، و يلحق بمن تقع عليه القرعة، لأنها حينئذ فراش لهما، من غير فرق بين وقوع الوطءين في طهر و عدمه مع إمكان الإلحاق بهما، نعم لو أمكن لأحدهما دون الأخر تعين له من دون قرعة، كما أنه ينتفي عنهما بعدم إمكانه منهما، و هو واضح.

و لو اختلفا في الدخول أي الوطء الموجب لإلحاق الولد و عدمه فادعته المرأة لتلحق به الولد و أنكره أو اتفقا و لكن اختلفا في ولادته فنفاها و ادعى أنه أتت به من خارج

فالقول قول الزوج مع يمينه للأصل، و لأن الأول من فعله، فيقبل قوله فيه، و الثاني يمكنها إقامة البينة عليه، فلا يقبل قولها فيه بغيرها، و كذا إذا كبر الولد فادعى كونه ولدا له.

و لو اتفقا عليهما و اختلفا في المدة فادعى ولادته لدون ستة أشهر أو لأزيد من أقصى الحمل ففي اللمعة حلفت، و في الروضة «تغليبا للفراش، و لأصالة عدم زيادة المدة في الثاني- لكن قال-: أما الأول فالأصل معه، فيحتمل قبول قوله فيه عملا بالأصل، و لأن مآله إلى النزاع في الدخول فإنه إذا قال لم تنقص الستة أشهر من حين الوطء فمعناه أنه لم يطأ منذ ستة أشهر، و إنما وقع الوطء فيما دونها،


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب نكاح و العبيد و الإماء الحديث 4 و 5 و الكافي ج 1 ص 322 و صحيح مسلم ج 4 ص 172.

ج 31، ص: 234

و ربما فسر بعضهم النزاع في المدة بالمعنى الثاني خاصة، فيوافق الأصل، و ليس ببعيد إن تحقق في ذلك خلاف، إلا أن كلام الأصحاب مطلق» و كذا في المسالك و زاد أنه «لو نظر في تقديم قولها إلى أنها مع الاجتماع و الخلوة يكون الظاهر الدخول لكان ذلك مشتركا بين المسألتين» إلى آخره.

قلت: في تحقيق الحال أن يقال: إن قاعدة الفراش حجة شرعية، فالموافق لمقتضاها منكر على نحو قاعدة يد المسلم على المال، فلو فرض كون النزاع بينهما بكون الولد له و عدمه على وجه إبراز التداعي على هذا الوجه فلا ريب في أن القول قول مدعي الإلحاق بيمينه، نعم لو لم يقتصر في الدعوى، بل أسنده إلى سبب خاص على وجه يكون لحوق الولد به تبعا، كما لو ادعت الامرأة الدخول بها بحيث يلحق به الولد أو ادعت الولادة فأنكره كان القول قول المنكر، نحو ما لو أسند المسلم ما في يده إلى سبب خاص يقتضي بطلان دعوى المدعى، كما لو قال: «اشتريته منك» كان القول قول منكره بيمينه، هذا كله فيما يتعلق بالمسألة الأولى.

أما الثانية و هي الاختلاف فالظاهر أن مبناها أصالة لحوق الولد بالوطء المحترم حتى يتبين فساد ذلك، و هي قاعدة أخرى غير قاعدة «الولد للفراش» و لو لكونها أخص منها، و حينئذ فمتى تحقق الوطء حكم شرعا بلحوق الولد إلا إذا علم العدم بالوضع لأقل الحمل أو لأقصاه أو لغير ذلك، ففي الفرض الذي قد تحقق فيه الوطء و اختلفا في المدة تكون المرأة منكرة على كل حال باعتبار موافقة دعواها الأصل المزبور، من غير فرق بين دعوى الزوج الأزيد من أقصى الحمل أو الأقل من أدناه، إذ هو على كل حال مدع ما ينافي أصالة لحوق الولد بالواطي، و لعله لذا أطلق الحلف، بل و أولى مما في كشف اللثام من تعليله بالرجوع إليها في العلوق بالولد فإنه من فعلها فيقدم قولها مطلقا.

و في الرياض بعد أن حكى ما سمعته من الروضة قال: «لكن في الاكتفاء بمثله في الخروج عن الأصل إشكال إلا أن يعتضد

بعموم «الولد للفراش»

و لا

ج 31، ص: 235

ينتقض بصورة وقوع النزاع في الدخول، لعدم ثبوت الفراش فيها بدون ثبوته، بخلاف المقام، لثبوته باتفاقهما عليه، هذا مع إمكان المناقشة في الأصل الذي ادعى كونه مع الزوج، كيف و هو معارض بأصالة عدم موجب للحمل لها غير دخوله، و بعد التعارض لا بد من المصير إلى الترجيح، و هو معها. للعموم المتقدم، و لا ينتقض بالصورة المتقدم ذكرها، لانتفاء المرجح المزبور فيها كما مضى، فهذا أقوى».

و فيه (أولا) أن المراد بالفراش المرأة كما عن بعضهم، أو الزوج كما عن المصباح المنير، و معناه على الأول ان الولد الذي افتراش المرأة، فيتحقق حينئذ بمطلق الدخول بالمرأة و لو الوطء الذي قد اتفقا على عدم التولد منه، فيتجه شموله للصورة الأولى، و لا مخلص منه إلا بما ذكرناه من إسناد دعواها إلى ما يقتضي الأصل نفيه من وطء زائد على ما تحقق به اسم الفراشية، كما يقتضي به فرض كلامهم في الأعم من التي تحقق فيه الفراشية و عدمه، بل هو في الثاني أظهر، إذ ذاك مبنى على عدم قبول قولها مع فرض الخلوة، ترجيحا للأصل على الظاهر مع احتمال العكس، و كلامهم أجنبي عن ذلك هنا، كما لا يخفى على من له أدنى نظر و تأمل و أما على الثاني فالمراد به واضح، و على كل حال فلا يخرج منه إلا ما علم ولادته بلا وطء من الزوج.

و (ثانيا) أن أصل عدم موجب آخر للحمل لا يقتضي صحة دعواها من كون الوطء لأقل الحمل، و إلا لاقتضى أصل عدم التولد من وطئه ثبوت وطء غيره نعم إن كان مراده بأصل عدم موجب للحمل الإشارة إلى ما ذكرنا من الأصل الشرعي في الحكم بلحوق الولد مع تحقق الوطء إلا أن يعلم فساده بالتولد لدون أقصى الحمل أو لأزيد من أقصاه أو لغير ذلك كان متجها.

ثم قال: «و حيث قدمنا قولها فالمتجه عند جماعة منهم شيخنا الشهيد في اللمعة توجه اليمين عليها، و ربما لاح من كلام بعض كما حكي عدمه، و لا بأس به نظرا إلى الأصل و انتفاء المخرج، بناء على أن تقديم قولها ليس لإنكارها حتى يتوجه عليها اليمين، بل لتغليب جانب الفراش المستدل عليه بالعموم المتقدم، و ليس

ج 31، ص: 236

فيه اعتبار اليمين، و لكن الأحوط اعتباره» و فيه أنها ليست إلا منكرة، و لذا تقبل البينة في مقابل قولها، و تغليب جانب الفراش لا ينافي توجه اليمين عليها، لاحتمال نكولها و اعترافها بعدم الدخول الذي يتسبب منه (فيه خ ل) الوطء.

و كيف كان فقد ظهر لك أنه مع الدخول و انقضاء أقل الحمل و عدم تجاوزه أقصاه لا يجوز له نفي الولد، لمكان تهمة أمه بالفجور بل و لا مع تيقنه سواء ظن انتفاؤه عنه أو لا و حينئذ ف لو نفاه لم ينتف إلا باللعان إذ الفرض إمكان تولده منه، و قد سمعت

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش»

المتفق على مضمونه، و لا يستثنى من ذلك إلا وطء الشبهة على حسب ما عرفت.

و لو طلقها فاعتدت ثم جاءت بولد ما بين الوطء الذي لحقه الفراق إلى أقصى مدة الحمل لحق به الولد إذا لم توطأ بعقد و لا شبهة و إن وطئت زنا بلا خلاف و لا إشكال، لأنها فراشه، و لم يلحقها فراش آخر يشاركه في الولد، بل بناء على ما ذكرنا يلحق به أيضا لو لم يعلم الحال، لقاعدة الفراش أيضا، نعم لو كان بدون الأقل أو الأزيد من الأقصى انتفى عنه قطعا.

أما إذا لحقه فراش آخر بعقد أو شبهة فان لم يمكن لحوقه بالثاني فهو للأول، و إن لم يمكن لحوقه بالأول فهو للثاني، و إن لم يمكن لحوقه بواحد منهما انتفى عنهما، و إن كان قابلا للالتحاق بكل منهما ففي ترجيح الثاني أو القرعة قولان، قد تقدم الكلام فيهما سابقا، و يأتي أيضا، و لا ريب في أن الأقوى منهما ما هو المشهور بين الأصحاب من كونه للثاني للنصوص (2)التي فيها الصحيح و غيره.

و لو زنى بامرأة فأحبلها ثم تزوج بها لم يجز إلحاقه به، و كذا لو زنى بأمة فحملت ثم ابتاعها لما سمعت من النص (3)و الإجماع على أن للزاني الحجر، و تجدد الفراش لا يقتضي إلحاق المحكوم بانتفائه إذ المراد من

«الولد للفراش»

المنعقد في الفراش لا المتولد مطلقا، و لذا انتفى عنه ما كان منعقدا قبل الفراش، و لم


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 11 و 12 و 13.
3- 3 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 31، ص: 237

ينتف المنعقد فيه و إن زال عنه حال التولد بطلاق مثلا، كل ذلك مضافا إلى

خبر علي بن مهزيار عن محمد بن الحسن القمي (1)قال: «كتب بعض أصحابنا على يدي إلى أبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في رجل فجر بامرأة فحملت، ثم إنه تزوجها بعد الحمل فجاءت بولد، و هو أشبه خلق الله به؟ فكتب بخطه و خاتمه: الولد لغية لا يورث».

و على كل حال فقد عرفت مما قدمنا سابقا أنه يلزم الأب الإقرار بالولد مع اعترافه بالدخول و ولادة زوجته له على وجه يوجب إلحاقه به فلو أنكره و الحال هذه لم ينتف عنه إلا باللعان كما هو واضح، بل هو كالمستغنى عنه بما سبق، بل قد ظهر مما قدمنا سابقا أن المتجه الحكم باللحوق بعد تحقق الفراشية و إن لم يعلم دخوله في المسبب لانعقاد الولد، لقاعدة الفراش، خصوصا على ما سمعته من المعنى الثاني، و إنما قلنا بتقديم قوله بعدم الدخول مع فرض التداعي فيه لإرادة إلحاق الولد به لا مع عدم تداع فيه، و لا ينافي ذلك ذكرهم له بعنوان الشرطية المقتضية للشك في المشروط بالشك في حصولها، ضرورة أن ذلك طريق شرعي لما يستلزم الحكم شرعا بحصولها حتى يعلم العدم.

و كذا الكلام لو اختلفا في المدة على الوجه الذي قد عرفت تفصيل الحال فيه، فلا حظ و تأمل.

و كذا عرفت الحال فيما لو طلق امرأته فاعتدت و تزوجت أو باع أمته فوطأها المشتري أو أعتقها فاعتدت و نكحت ثم جاءت بولد لدون ستة أشهر كاملا، فهو للأول، و إن كان لستة أشهر فصاعدا فهو للثاني ففي

خبر زرارة(2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت و قد اعتدت و وضعت لخمسة أشهر فهو للأول، و إن كان ولد أنقص من ستة فلأمه و لأبيه الأول، و إن ولدت لستة أشهر فهو للأخير».


1- 1 الوسائل الباب- 101- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.

ج 31، ص: 238

و مرسل جميل (1)عن أحدهما عليهما السلام «في المرأة تزوج في عدتها، قال:

يفرق بينهما، و تعتد عدة واحدة منهما جميعا، و إن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو للأخير، و إن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر فهو للأول»

و في

خبر أبي العباس (2)قال: «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير، و إن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول»

و في

صحيح الحلبي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت و نكحت فان وضعت لخمسة أشهر كان من مولاها الذي أعتقها، و إن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير»

و من ذلك كله يعلم ضعف القول بالقرعة، مضافا إلى ما قيل من ظهور أدلة الفراش في الفعلي منه، و الله العالم.

[أحكام ولد الموطوءة بالملك]

و أما أحكام ولد الموطوءة بالملك ف إذا وطأ الأمة به فجاءت بولد لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل لزمه الإقرار به إن لم تظهر أمارة الخلاف، كما ستسمع الكلام فيه و إن لم نقل أنها فراش، كما هو المشهور بلا خلاف، بل في كشف اللثام اتفاقا كما يظهر منهم، بل و لا إشكال، لقاعدة لحوق الولد للوطء المحترم مع الإمكان، و ل

صحيح سعيد بن يسار(4)سأل الكاظم عليه السلام «عن الجارية تكون للرجل يطيف بها و هي تخرج فتعلق، قال: أ يتهمها الرجل أو يتهمها أهله؟ قلت: أما ظاهرة فلا، قال: إذا لزمه الولد»

و سأل الصادق عليه السلام في حديث آخر(5)«عن رجل وقع على جارية له تذهب و تجي ء و قد عزل عنها، و لم يكن منها إليها، ما تقول في الولد؟ قال: أرى أن لا يباع هذا يا سعيد» قال: «و سألت أبا الحسن عليه السلام فقال: أ يتهمها؟ فقلت: أما تهمة ظاهرة فلا، قال: فيتهمها أهلك؟

فقلت: أما شي ء ظاهر فلا، فقال: فكيف تستطيع أن لا يلزمك الولد؟».

و لكن لو نفاه انتفى و لم يحتج إلى أن يلاعن أمه، و حكم


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.

ج 31، ص: 239

بنفيه عنه ظاهرا إجماعا بقسميه اقتصارا في اللعان المخالف للأصل على موضع النص (1)و هو الأزواج، و إذا انتفى اللعان فيها لزم الانتفاء بالنفي، إذ لم يبق طريق إليه غيره، و هو بمنزلة فعله لا يعلم إلا منه، فيقبل فيه قوله.

نعم لو اعترف به بعد ذلك الحق به لعموم إقرار العقلاء(2)و فحوى صحيح الحلبي (3)بمثله في ولد الملاعنة، لكن الظاهر أنه أنما يترتب عليه من أحكام النسب ما عليه دون ما له أخذا بإقراريه كما صرحوا به في ولد الملاعنة وفاقا للأخبار(4).

و لو وطأ الأمة المولى و أجنبي فجورا حكم بالولد للمولى للأصل السابق الذي لا يعارضه وطء الزاني الذي ليس له إلا الحجر، و للأخبار ك

خبر سعيد الأعرج (5)سأل الصادق عليه السلام «عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»

أما إذا كان الوطء شبهة فالقرعة، لما عرفته سابقا.

و لو انتقلت الأمة إلى موال بعد وطء كل واحد منهم لها حكم بالولد لمن هي عنده إن جاء لستة أشهر فصاعدا منذ يوم وطئها، و إلا كان للذي قبله إن كان لوطئه ستة أشهر فصاعدا، و إلا كان للذي قبله، و هكذا الحكم في كل واحد منهم بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال في كونه للأخير منهم، لما سمعته من النصوص (6)27364- 27362 السابقة مضافا إلى

خبر الصيقل (7)عن أبي عبد الله عليه السلام «سمعته يقول و سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1- من كتاب المواريث.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ميراث ولد الملاعنة من كتاب المواريث.
5- 5 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 11 و 12 و 13.
7- 7 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 31، ص: 240

رحمها، قال: بئس ما صنع، يستغفر الله و لا يعود، قلت: فان باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها و لم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث. فقال أبو عبد الله عليه السلام: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»

و عن الشيخ روايته بسند آخر عن الصيقل (1)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام» و ذكر مثله، إلا أنه قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية»

و عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (2)«و إن كانوا ثلاثة واقعوا جارية على الانفراد و بعد أن اشتراها الأول و واقعها ثم اشتراها الثاني و واقعها ثم اشتراها الثالث و واقعها كل ذلك في طهر واحد فأتت بولد لكان الحق أن يلحق الولد بالذي عنده الجارية و يصبر، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر، هذا مما لا يخرج في النظر و ليس فيه إلا التسليم»

نعم ليس في الجميع إلحاقه بالذي قبله مع تعذره و لعله لأنه بتعذر الأخر يصير الاشكال فيما بينه و بين ما تقدمه، فهو بمنزلة ما لو وقع الاشكال فيه قبل الانتقال إلى الثالث، و لا يترتب في ترجيحه حينئذ، لما سمعته من النصوص التي يستفاد منها نسخ اللاحق للسابق مع الإمكان، و المقام منه، و الله العالم.

و لو وطأها المشتركون فيها في طهر واحد أو متعدد عالمين بالحرمة أو جاهلين، أذن كل واحد منهم للآخر أولا فولدت ولدا على وجه يمكن لحوقه بكل واحد منهم و تداعوه أو سكتوا أقرع بينهم إذ من المعلوم عدم لحوقه بالجميع، لأن التكون من أكثر من نطفة مندفع بالنص و الإجماع فمن خرج اسمه ألحق به الولد و أغرم حصص الباقين من قيمة أمه و قيمته يوم سقط حيا ضرورة كون الجارية بالنسبة إليه أم ولد، و كون الولد ولدا له، فهو حينئذ كالجاني على حصصهم، إذ قد سمعت فيما تقدم أن الأمة المشتركة إذا وطأها أحد


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 البحار ج 104 ص 63 ط الحديث.

ج 31، ص: 241

الشركاء أثم و عزر، لكن لا يكون زانيا بل يكون عاصيا، و يلحق به الولد، و تكون الجارية أم ولد، و يغرم حصة الشريك من الأم و الولد، و بعد القرعة يرجع الأمر إلى ذلك.

و لو ادعاه واحد منهم و نفاه الباقون ألحق به و أغرم حصص الباقين من قيمة الأم و الولد، لانتفائه عن غيرهم بالنفي من غير لعان، إذ حكم كل واحد بالنسبة إلى هذا الولد مثله من الأمة الموطوءة المنفردة من حيث اللحوق، و تحريم النفي مع عدم العلم بنفيه، و انتفائه بالنفي من غير لعان، و إنما يزيد هنا توقف لحوقه بأحدهم مع تداعيهم أو سكوتهم على القرعة، كما لو وطأ الأمة غير مالكها معه شبهة وطءا يمكن لحوقه بكل منهما.

و الأصل في ذلك- مضافا إلى بعض ما تقدم في وطء أحد الشريكين-

حسنة أبي بصير(1)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه و آله عليا صلوات الله و سلامه عليه إلى اليمن فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما مر عليك، قال: يا رسول الله أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطؤوها جميعا في طهر واحد، فولدت غلاما فأصبحوا فيه يدعونه، فأسهمت بينهم و جعلته للذي خرج سهمه و ضمنته نصيبهم، فقال النبي صلى الله عليه و آله: إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم إلى الله تعالى إلا خرج سهم المستحق»

و صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا وقع الحر و العبد و المشرك بامرأة في طهر واحد فادعوا الولد أقرع بينهم، فكان الولد للذي يخرج سهمه».

و صحيح معاوية بن عمار(3)عنه عليه السلام أيضا «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع بينهم، فمن قرع كان الولد ولده، و يرد قيمة الولد على صاحب الجارية».

و صحيح سلمان بن خالد(4)عنه عليه السلام أيضا قال: «قضى علي عليه السلام في ثلاثة


1- 1 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 عن سليمان بن خالد.

ج 31، ص: 242

وقعوا على امرأة في طهر واحد، و ذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الإسلام، فأقرع بينهم و جعل الولد لمن قرع، و جعل ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه و آله حتى بدت نواجده، و قال: لا أعلم فيها شيئا إلا ما قضي علي عليه السلام»

و صحيح الحلبي (1)عنه عليه السلام أيضا «إذا وقع المسلم و اليهودي و النصراني على المرأة في طهر واحد أقرع بينهم، و كان الولد للذي تصيبه القرعة».

لكن في المسالك بعد أن ذكر الخبر الأول قال: «و الأصحاب حكموا بمضمونها، و حملوا

قوله عليه السلام: «و ضمنته نصيبهم»

على النصيب من الولد و الأم معا، كما لو كان الواطئ واحدا منهم ابتداء، فإنه يلحق به و يغرم نصيبهم منها، لكن يشكل الحكم بضمانه لهم نصيب الولد لادعاء كل واحد منهم أنه ولده.

و أنه لا يلحق بغيره، و لازم ذلك أنه لا قيمة له على غيره من الشركاء، و هذا بخلاف ما لو كان الواطئ واحدا، فان الولد محكوم بلحوقه به، و لما كان من نماء الأمة المشتركة جمع بين الحقين بإغرامه قيمة الولد لهم و إلحاقه به بخلاف ما هنا، و الرواية ليست صريحة في ذلك، لأن قوله: «و ضمنته نصيبهم» يجوز إرادة النصيب من الأم لأنه هو النصيب الواضح لهم باتفاق الجميع بخلاف الولد، و يمكن أن يكون الوجه في إغرامه نصيبهم من الولد أن ذلك ثابت بزعمه أنه ولده، و دعواهم لم تثبت شرعا، فيؤخذ المدعي بإقراره بالنسبة إلى حقهم، و النصيب في الرواية يمكن شموله لهما معا من حيث إن الولد نماء أمتهم، فكل منهم له نصيب فيه، سواء ألحق به أم لا، و لهذا يغرم من ألحق به نصيب الباقين في موضع الوفاق و على كل حال فالعمل بما ذكره الأصحاب متعين، و لا يسمع الشك فيه مع ورود النص به ظاهرا و إن احتمل غيره».

و فيه (أولا) أن النصوص التي سمعتها غير الخبر الأول صريحة في ضمان قيمة الولد، حتى الخبر الأخير المراد من الدية فيه القيمة بناء على أن مورد الجميع


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ميراث ولد الملاعنة الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 31، ص: 243

الأمة المشتركة و لو لقرائن تدل على ذلك، كما أن

قول الصادق عليه السلام لعبد الله ابن سنان (1)فيما أرسله الشيخ عن يونس «في قوم اشتركوا في جارية فائتمنوا بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطأها: يجلد الحد و يدرأ عنه بقدر ما له فيها، و تقوم الجارية، و يغرم ثمنها للشركاء، فان كانت القيمة في اليوم الذي وطأ فيه أكثر من ما اشتريت به ألزم أكثر الثمن، لأنه قد أفسد على شركائه، و إن كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أكثر مما اشتريت به يلزم الأكثر لاستفسادها»

نعم روى مثله

في موضع آخر مسندا(2)و زاد فيه «قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراءها دون الرجل، قال: ذلك له، و ليس له أن يشتريها حتى يستبرئ، و ليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة»

و هو يدل على عدم الإجبار على التقويم و إعطاء القيمة و يمكن أن يكون ذلك في حال عدم ولادتها منه و إلا فهي أم ولد له في الظاهر.

و (ثانيا) أن ما أورده من الاشكال كما يجري في الولد يجري في الأم أيضا، ضرورة أن مقتضى دعوى كل واحد منهم صيرورتها أم ولد له، فلا وجه لأن يأخذ الغرامة عوضها مع وجوبها عليه، فحمله النصيب على النصيب منها لا يرفع الاشكال، اللهم إلا أن يقال: إن أخذه باعتبار الحيلولة بينه و بين ملكه.

و (ثالثا) أن إلزامه بإقراره لا يقتضي استحقاقهم عليه، أقصاه صيرورة المال مجهول المالك، و الذي يقوى في النظر حمل الدعوى في النص و الفتوى من كل واحد على إرادة الجميع معرفة لحوقه بواحد منهم، لأن كل واحد منهم يدعيه أنه له، فان ذلك مع الطريق له في غاية البعد، و إنما المراد عدم نفي أحد منهم إياه عن نفسه، بل أرادوا معرفة ذلك بالقرعة، و حينئذ فيتجه بعدها الغرامة لهم، أو يقال: إنه بالقرعة التي هي


1- 1 التهذيب ج 10 ص 29- الرقم 96 و فيه «و يغرم ثمنها للشركاء، فان كانت القيمة في اليوم الذي وطأ أقل مما اشتريت به.».
2- 2 أشار إليه في الوسائل في الباب- 17- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من كتاب التجارة و ذكرها في التهذيب ج 7 ص 72 الرقم 309.

ج 31، ص: 244

أمارة لاستخراج الواقع يعلم كذب دعوى كل مدع منهم، فله حينئذ تناول الغرامة ممن خرجت القرعة له، و على كل حال فالأمر كما ذكره الأصحاب من غرامة قيمة الأم و الولد، و لا يقدح فيه ما قيل من عدم تعرض الشيخين و ابن زهرة إلا لقيمة الولد، و ابن سعيد إلا لقيمة الأم و للعقر، فان ذلك ليس خلافا، و على تقديره فهو محجوج بما عرفت.

و كيف كان ف ان ادعاه واحد منهم خاصة و نفاه عنه غيره ألحق به بلا قرعة و ألزم حصص الباقين من قيمة الأم و الولد بلا خلاف و لا إشكال، لانتفائه عمن نفاه عنه بنفيه، إذ هو أولى من الواطئ المتحد، بل في كشف اللثام ذلك كذلك مع السكوت، لأنه بمنزلة النفي، و لأنه مدع بلا منازع، و للرجحان بدعواه مع سكوت الغير، فلا إشكال ليقرع، و لأن القرعة لإثبات النسب إلى واحد، و قد ثبت، و الأصل انتفاؤه عن الغير، و لاختصاص نصوص القرعة فيها بصورة التداعي، و إن كان قد يشكل بأعمية السكوت من النفي، فلا ينزل منزلته، و بظهور النصوص في كون الموضوع من المشتبه في نفسه المحتاج تميزه و تعينه إلى القرعة، و نصوص القرعة إنما يراد منها عدم نفي أحد منهم، و الكلام في ثبوته للمدعي مع سكوت الباقين بدون القرعة كي يثبت النسب، خصوصا مع دعوى الساكت بعد سكوته، و رجحانه عليهم بالدعوى لا دليل عليه شرعا.

ثم من المعلوم عدم جواز نفي النافي منهم أو جميعهم إلا مع العلم بانتفائه عنه، بل لو علم كون نفيه لا لذلك لم يسمع نفيه، و لا ينتفى عنه بنفيه، و لو نفوه أولا عنهم ثم أقروا بعد ذلك أنه لواحد منهم أمكن سماع هذا الإقرار فيما عليهم و الإخراج بالقرعة، و أولى بالقبول ما لو رجع كل منهم إلى دعواه بعد أن نفوه، نعم قد يقال بعدم سماع الإقرار بعد النفي و دعوى المدعي به و الحكم بلحوقه به، مع احتماله أيضا، كاحتمال عدم سماع الإقرار في الأول لكونه ليس إقرارا، و لم نجد للأصحاب في ذلك كلاما محررا، و الله العالم.

و لا يجوز نفي الولد لمكان العزل بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل

ج 31، ص: 245

الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (1).

و لو وطأ المولى أمته و وطأها آخر فجورا ألحق الولد بالمولى فضلا عما لو اتهمها إجماعا بقسميه و نصوصا(2)عموما و خصوصا إذا لم تكن أمارة يظن منها كونه لغيره.

و أما لو حصل مع ولادته أمارة يغلب بها الظن أنه ليس منه فعن جماعة على ما قيل بل الأكثر بل المشهور أنه لم يجز إلحاقه به و لا نفيه، بل ينبغي أن يوصى له بشي ء من ماله و لا يورثه ميراث الأولاد للنصوص التي منها

خبر ابن عجلان (3)«إن رجلا من الأنصار أتى أبا جعفر عليه السلام فقال: قد ابتليت بأمر عظيم، إنى قد وقعت على جاريتي ثم خرجت في بعض حوائجي فانصرفت من الطريق فأصبت غلامي بين رجلي الجارية فاعتزلتها، فحملت ثم وضعت جارية لعدة تسعة أشهر فقال له أبو جعفر عليه السلام: احبس الجارية و لا تبعها، و أنفق عليها حتى تموت أو يجعل الله لها مخرجا، فان حدث بك حدث فأوص أن ينفق عليها من مالك حتى يجعل الله لها مخرجا»

و نحوه

خبر عبد الله (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن رجلا من الأنصار أتى أبى».

لكن فيه مضافا إلى ذلك «فقال له أبي: لا ينبغي لك أن تقربها و لا أن تبيعها»

و خبر حريز(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل كان يطأ جارية له، و أنه كان يبعثها في حوائجه، و أنها حملت، و أنه بلغه عنها فساد فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ولدت أمسك الولد و لا تبعه و لا تجعل له نصيبا من دارك، قال: فقيل له: رجل يطأ جارية و أنه لم يكن يبعثها في حوائجه و أنه اتهمها و حبلت، فقال: إذا هي ولدت أمسك الولد و لا يبعه و يجعل له نصيبا من داره و ماله، و ليس هذه مثل تلك».

و خبر عبد الحميد بن إسماعيل (6)الذي رواه المشايخ الثلاثة «سألت أبا عبد الله


1- 1 الوسائل الباب- 33- من أبواب المتعة الحديث 5 و الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5 و الباب- 15 و 19- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 «فقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا ولدت أمسك الولد، فلا يبيعه و يجعل له نصيبا من داره.».
6- 6 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 31، ص: 246

عليه السلام عن رجل كانت له جارية يطؤها و هي تخرج فحبلت فخشي أن لا يكون منه كيف يصنع؟ أ يبيع الجارية و الولد؟ قال: يبيع الجارية و لا يبيع الولد، و لا يورثه من ميراثه شيئا»

و خبرا سعيد(1)المتقدمان في أول المبحث المتضمن ظاهرهما على اشتراط اللحوق بعدم التهمة.

و خبر محمد بن إسماعيل الخطاب (2)«كتب إليه يسأله عن ابن عم له كانت له جارية تخدمه، و كان يطؤها، فدخل يوما منزله فأصاب معها رجلا تحدثه، فاستراب بها فهدد الجارية، فأقرت أن الرجل فجر بها، ثم إنها حبلت بولد، فكتب إن كان الولد لك أو فيه مشابهة فيك فلا تبعها، فان ذلك لا يحل لك، و إن كان الابن ليس منك و لا فيه مشابهة منك فبعه و بع أمه»

و خبر يعقوب بن يزيد(3)«كتب إلى أبى الحسن عليه السلام: في هذا العصر رجل وقع على جارية ثم شك في ولده، فكتب إن كان فيه مشابهة منه فهو ولده».

و لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الغض عن السند في أكثرها، ضرورة عدم انطباق ما عدا الأخيرين على المدعى الذي هو عدم الحكم بلحوق الولد مع الأمارة التي يغلب الظن منها ذلك، إذ هي بين معلقة ذلك على الزنا أو تهمته أو خوف أن لا يكون الولد منه، و نحو ذلك مما لا يقول به الخصم، فهي في الحقيقة مخالفة للإجماع، معارضة بغيرها من النصوص (4)العامة و الخاصة المصرحة بلحوق الولد مع الزنا فضلا عن تهمته، بل خبر حريز(5)منها قد اشتمل على التفصيل


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 و 5.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4 عن جعفر بن محمد بن إسماعيل الخطاب كما في التهذيب ج 8 ص 180 و الاستبصار ج 3 ص 367.
3- 3 الوسائل الباب- 55- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
5- 5 الوسائل الباب- 56- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 31، ص: 247

بالبعث في حوائجه و بلوغه الفساد عنها و بين التهمة مع عدم البعث، و هو شي ء لا يقول به أحد، بل ربما نوقش في الأولين باحتمال رجوع الضمير إلى الجارية الوالدة لا المولودة، و إرادة المنع من الزنا من الحبس و المقاربة من

قوله عليه السلام: «و لا تقربها»

لا للنهي عن الإقرار بها، و إن كان هو كما ترى مخالف لظاهر جميع النصوص.

و أما الخبران الأخيران فمع مخالفتهما لما عرفت قد اشتملا على اشتراط اللحوق بالمشابهة و لم يعتبره، بل قيل: إنه مخالف للإجماع، بل و للمعتبرة الصريحة في خلافه، ف

في الخبر(1)«إن رجلا أتى بامرأته إلى عمر فقال: إن امرأتي هذه سوداء و أنا أسود، و إنها ولدت غلاما أبيض، فقال لمن بحضرته: ما ترون؟

فقالوا: نرى أن ترجمها فإنها سوداء و زوجها أسود و ولدها أبيض، قال: فجاء أمير المؤمنين عليه السلام و قد وجه بها لترجم، فقال: ما حالكما؟ فحدثاه، فقال للأسود: أ تتهم امرأتك؟ فقال: لا، قال: فأتيتها و هي طامث، قال: قد قالت لي في ليلة من الليالي إني طامث فظننت أنها تتقي البرد فوقعت عليها، فقال للمرأة:

و أنت طامث، قالت: نعم سله قد حرجت عليه و أبيت، قال: فانطلقا، فإنه ابنكما و إنما غلب الدم النطفة فابيض، و لو قد تحرك- أي نشأ و كبر- اسود، فلما أيفع اسود»

و مرسل ابن سنان (2)عن أبي جعفر عليه السلام «أتى رجل من الأنصار رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: هذه ابنة عمي و امرأتي لا أعلم منها إلا خيرا، و قد أتتني بولد شديد السواد، منتشر المنخرين، جعد قطط أفطس الأنف لا أعرف شبهه في أخوالي و لا في أجدادي، فقال لامرأته: ما تقولين؟ قالت: لا و الذي بعثك بالحق نبيا ما أقعدت مقعده مني منذ ملكني أحدا غيره، قال: فنكس رسول الله صلى الله عليه و آله رأسه مليا ثم رفع رأسه إلى السماء، ثم أقبل على الرجل، فقال: يا هذا إنه ليس من أحد إلا بينه و بين ولده تسعة و تسعون عرفا كلها تضرب في النسب، فإذا وقعت النطفة في الرحم اضطربت تلك العروق فسل الله الشبه لها،


1- 1 الوسائل الباب- 105- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 105- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 248

فهذا من تلك العروق التي لم يدركها أجدادك و لا أجداد أجدادك، خذ إليك ابنك، فقالت المرأة: فرجت عنى يا رسول الله»

إلى غير ذلك من النصوص (1)التي يمكن دعوى تواترها في عدم اعتبار المشابهة في اللحوق بالأولاد شرعا و لعله لما سمعت قال المصنف و فيه تردد.

[أحكام ولد الشبهة]

و أما أحكام ولد الشبهة فنقول الوطء بالشبهة التي قد تقدم الكلام مشبعا في موضوعها و في أنه يلحق به النسب كالوطء الصحيح بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (2)فلو اشتبهت عليه أجنبية فظنها زوجته أو مملوكته على وجه يكون مشتبها فوطأها لحق به الولد و إن لم تكن هي مشتبهة، كما أنه يلحق بها الولد مع شبهتها و إن لم يكن هو كذلك، و كذا لو وطأ أمة غيره لشبهة، لكن في الأمة يلزمه مضافا إلى العقر قيمة الولد يوم سقط حيا، لأنه وقت الحيلولة بينه و بين ماله الذي هو نماء ملكه، أما قبله فليس بمتمول، و لا يدخل تحت التقويم، كما تقدم الكلام في ذلك سابقا، و في أن الحكم في الولد القرعة مع فرض الاشتباه في فراش آخر و صلاحيته لكل واحد منهما، أما مع زواله فللأخير، و يأتي على كلام الشيخ القرعة، لكن زوال فراش الشبهة يكون بتمام عدتها منه على الظاهر، و لو وطأها الزوج في أثنائها فهو وطء فراش و إن أثم بذلك و ليس بزان، فيلحق به الولد مع عدم صلاحية التولد إلا منه، و يقرع بينه و بين المشتبه مع صلاحيته لهما، و الظاهر ترتب فراش المشتبهين كالفراش الصحيح، فيحكم به للأخير منهم، كما يحكم به له لو ترتب على الفراش الصحيح فضلا عن فراش الشبهة، و يقرع بينهم مع اتحاد الفراش، و يأتي في النفي و الإقرار ما سمعته سابقا، و كذا في دعوى الواحد مع


1- 1 الوسائل الباب- 105- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و المستدرك الباب- 76- منها الحديث 1 و البحار ج 60 ص 340 و 385.
2- 2 الوسائل الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء و الباب- 7- من أبواب العيوب و التدليس و الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 31، ص: 249

سكوت الباقين أو نفيهم على نحو ما تقدم سابقا، كما أنه يأتي به الحكم للأخير مع إمكانه و إلا فلسابقه، و هكذا.

و بالجملة ينزل فراش المشتبه منزلة فراش الصحيح، و يلحظ الحكم به كذلك و لعل العمدة في ذلك الإجماع، و لولاه لأمكن القول بترجيح فراش المالك مثلا على فراش المشتبه عملا بإطلاق ما دل (1)على الحكم به لمن هي عنده، فتأمل، هذا كله في الرجل المشتبه.

أما إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الامرأة خاصة فقد يتوهم بجريان القرعة بينها و بين زوجها في اختصاصها بالولد و اشتراكهما فيه، و

قوله صلى الله عليه و آله(2): «للعاهر الحجر»

لا ينافي ذلك، بل قد يقال بجريان جميع الأحكام السابقة على تقدير اشتباه الزوج، إلا أنى لم أجد ذلك في شي ء من كلمات الأصحاب، بل ربما لاح من بعضها ما ينافيه، و لعله كذلك، لأنها هي أم على كل حال، و الزاني لا شي ء له،

و قوله صلى الله عليه و آله (3)«الولد للفراش»

يقتضي اللحوق به، و قول الامرأة ليس لك غير مسموع، و من هنا كان الحكم معلقا في النص و الفتوى على اشتباه الواطئ و زناه دونها، فالمتجه حينئذ الحكم به لذي الوطء المحترم ما دام ممكنا حتى لو زال فراشه، ضرورة كون الوطء المفروض تعقبه له زنا بمنزلة العدم و إن كانت هي مشتبهة، و الله العالم.

و كيف كان ف لو تزوج امرأة لظنها خالية أو لظنها موت الزوج أو طلاقه على وجه يكون مشتبها على ما قدمنا سابقا فبان أنه لم يمت و لم يطلق ردت على الأول قطعا بعد الاعتداد من الثاني الذي قد فرض اشتباهه و اختص الثاني بالأولاد مع فرض حصول الشرائط السابقة في لحوق الأولاد سواء استندت في ذلك إلى حكم حاكم أو شهادة شهود عدول أو إخبار مخبر و لو فاسقا مع فرض تحقق موضوع الشبهة به، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3 و 4 و 7.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 31، ص: 250

[القسم الثاني في أحكام الولادة]
اشاره

القسم الثاني في أحكام الولادة و يقع الكلام فيها في سنن الولادة و اللواحق

[أما سنن الولادة]

أما سنن الولادة و آدابها الواجبة و المندوبة فالواجب منها استبداد النساء بالمرأة عند الولادة دون الرجال إلا مع عدم النساء بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال، ضرورة وجوب حضور من علم بحالها من النساء كفاية، لوجوب حفظ النفس المحترمة عند تحقق ما يخشى منه تلفها مع عدم الحضور، و منه ما نحن فيه، كضرورة وجوب استبدادهن بذلك للإجماع، قيل: و لملازمة اطلاع الرجال حتى المحارم لما يحرم عليهم من النظر للعورة و غيرها و مسها و سماع الصوت و نحو ذلك، بل ربما أدى حضورهم إلى تلفها و تلف ولدها باعتبار ما يحصل معها من الحياء و نحوه، و ربما يرشد إلى ذلك ما دل من نص (1)و فتوى على قبول شهادة النساء منفردات بالولادة و الاستهلال و نحوهما.

نعم مع فرض عدم من يقوم بحاجتها من النساء يجب على الرجال، و ينبغي تقديم المحارم، بل عن بعضهم وجوبه، و هو لا يخلو من وجه، بل قد يحتمل إيجاب جعل الأجنبي محرما مع الإمكان، إلا أن الأقوى خلافه، بل قد يقوى عدم اختصاص الوجوب بالمحارم لاتحاد الجميع في اقتضاء الدليل الدال على وجوب حفظ النفس المحترمة المرجح على غيره، فتباح حينئذ المحظورات عند الضرورات التي اقتضت جواز لمس الطبيب و نظره حتى إلى العورة، بل ربما نوقش في إطلاق عدم جواز مساعدة الرجال بعدم دليل عليه مع عدم استلزامها اطلاعهم على العورة و إن كان قد تدفع بما أومأنا إليه.

نعم لا بأس بالزوج و إن وجدت النساء لعدم حرمة شي ء عليه بلا خلاف فيه،


1- 1 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 2 و 38 و 41.

ج 31، ص: 251

بل و لا إشكال، هذا و لكن في

خبر جابر(1)عن أبي جعفر عليه السلام «كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا حضر ولادة المرأة قال: أخرجوا من في البيت من النساء، لا تكون المرأة أول ناظر إلى عورته»

و هو حكم غريب مخالف للسيرة و الفتاوى و غيره من النصوص(2).

و أما الندب فقد ذكر المصنف منه ستة و إن كان المستفاد من النصوص أزيد من ذلك كاللف بخرقة بيضاء(3)بل كراهة الصفراء(4)و غير ذلك.

الأول غسل المولود بضم الغين كما هو مقتضى ذكر الأصحاب له في الأغسال، بل لعله الظاهر من الأخبار(5)لذلك، و ربما احتمل الفتح، و قد تقدم الكلام فيه و في اعتبار الترتيب فيه و غيره من أحكام الغسل على الأول، و في أن وقته كما هو المنساق من النص(6)، و الفتوى و العمل حين الولادة، و في أن المشهور ندبه، و قيل بالوجوب تمسكا بظاهر النص (7)في الأغسال المندوبة من كتاب الطهارة مفصلا، فلاحظ و تأمل.

و الثاني الأذان في أذنه اليمنى.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد و الباب 24 من كتاب الشهادات.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 10 و 13 و 15.
4- 4 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 و 13 و 15.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3 و الباب- 27- منها من كتاب الطهارة.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 1- من أبواب الأغسال المسنونة الحديث 3.

ج 31، ص: 252

و الثالث الإقامة في اليسرى

للنبوي (1)«من ولد له مولود فليؤذن في أذنه اليمنى أذان الصلاة، و ليقم في أذنه اليسرى، فإنه عصمة من الشيطان الرجيم»

و قال الصادق عليه السلام لأبي يحيى الرازي(2): «إذا ولد لكم مولود أي شي ء تصنعون به؟ قلت: لا أدري ما يصنع به، قال: خذ عدسة جاوشير فدفه بالماء ثم قطر في أنفه في المنخر الأيمن قطرتين و في الأيسر قطرة، و أذن في أذنه اليمنى أذان الصلاة، و أقم في اليسرى، تفعل به ذلك قبل أن تقطع سرته، فإنه لا يفزع أبدا و لا تصيبه أم الصبيان»

إلى غير ذلك من النصوص (3)المعتضدة بالفتوى، لكن في

خبر حفص الكناني (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «مروا القابلة أو بعض من يليه أن يقيم الصلاة في أذنه اليمنى»

و يمكن حمله على الرخصة أو على استحباب ذلك أيضا مضافا إلى الأول، و الأمر سهل.

هذا و ربما ظهر من بعض اختصاص الاستحباب قبل قطع السرة، و لعله للخبر المزبور، و لكن فيه أنه مناف لإطلاق النص و الفتوى، و الخبر المذكور إنما ذكر فيه ذلك و الدواء لأجل تينك الغايتين، فلا ينافي إطلاق الاستحباب منفردا حتى بعد قطع السرة لأمر آخر غيرهما، بل ظاهر بعض النصوص أو صريحه المتضمن لفعل النبي صلى الله عليه و آله (5)و الكاظم عليه السلام (6)وقوع ذلك منهما بعد قطع السرة، بل قيل قد ورد(7)فعلهما بالسابع و لا بأس بالجميع و إن اختلفت غاياته، و الله العالم.

و الرابع تحنيكه بماء الفرات الذي هو النهر المعروف،


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 35- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و 4 و 5 و 7 و 10 و 15.
4- 4 الوسائل الباب- 35- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 عن حفص الكناسي و هو الصحيح.
5- 5 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 و 7 و 10 و 15.
6- 6 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
7- 7 البحار ج 104 ص 122 ط الحديث.

ج 31، ص: 253

و بتربة الحسين عليه السلام للنصوص (1)فان لم يوجد ماء الفرات فبماء السماء كما في النص (2)لكن المصنف بل قيل و الأصحاب قالوا بماء فرات أي عذب، و لم يحضرني نص عليه و ما في كشف اللثام- أنه يمكن فهمه من بعض نصوص ماء الفرات بناء على احتمال إضافة العام إلى الخاص- لا يخفى عليك ما فيه، كما لم يحضرني نص على ما قالوه أيضا ف ان لم يوجد إلا ماء ملح جعل فيه شي ء من التمر أو العسل نعم قد ورد(3)استحباب التحنيك بالتمر نفسه بل و في المحكي عن فقه الرضا عليه السلام (4)العسل أيضا و إن كان لا بأس بخلط شي ء من العسل و التمر بماء الفرات أو السماء و تحنيكه به، فان فيه جمعا بين الجميع، و المراد بالتحنيك ما هو المنساق إلى الذهن إدخال ذلك إلى حنكه، و هو أعلى داخل الفم.

ثم الخامس أن يسميه أحد الأسماء المستحسنة فإن ذلك من حق الولد على الوالد، و أنه يدعى باسمه يوم القيامة و أفضلها على ما ذكره المصنف و الفاضل ما يتضمن العبودية لله سبحانه و تعالى، نحو عبد الله و عبد الرحمن و عبد الرحيم و نحو ذلك و إن ذكر جماعة أنا لم نقف على نص في ذلك، و إنما الموجود إن أصدقها ما تضمن العبودية لله و أفضلها أسماء الأنبياء عليهم السلام،

قال الباقر عليه السلام (5)«أصدق الأسماء ما سمي بالعبودية، و أفضلها أسماء الأنبياء»

و هو لا يقتضي الأفضلية.

قلت:

قال أبو جعفر عليه السلام في خبر جابر(6)المروي عن الخصال قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله ألا أن خير الأسماء عبد الله و عبد الرحمن و حارثة و همام، و شر


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و 3 و 4.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 المستدرك الباب- 27- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.

ج 31، ص: 254

الأسماء ضرار و مرة و حرب و ظالم».

و في

خبر ابن حميد(1)أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام و شاوره في اسم ولده، فقال:

«سمه بأسماء العبودية، فقال: أي الأسماء هو؟ قال: عبد الرحمن»

و لا يبعد دعوى الأفضلية فيها على غيرهما، و أما هما فلكل منهما جهة، فما اشتمل على العبودية من جهة الخضوع و الاعتراف بالعبودية.

و أما أسماء الأنبياء عليهم السلام فللتبرك و التيمن، بل لا يبعد أفضلية اسم «محمد»، منها بل لا يبعد كراهية ترك التسمية به فيمن ولد له أربعة أولاد، ففي

خبر عاصم الكردي (2)عن الصادق عليه السلام «أن النبي صلى الله عليه و آله قال: من ولد له أربعة أولاد و لم يسم أحدهم باسمي فقد جفاني»

و الأمر سهل. و في

خبر سليمان بن جعفر الجعفري (3)«سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا يدخل الفقر بيتا فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفرا أو طالب أو عبد الله أو فاطمة من النساء».

و على كل حال فقد بان لك قول المصنف و يليها أسماء الأنبياء و الأئمة عليهم السلام كما بان لك إمكان دعوى رجحان تسمية الإناث بأسماء الصالحات منهن، و خصوصا اسم فاطمة منها.

و السادس أن يكنيه أي المولود ذكرا كان أو أنثى مع الاسم، و المراد بها ما صدر بأب و أم مخافة النبز و هو لقب السوء،

قال الباقر عليه السلام في خبر محمد بن ختيم (4)«إنا لنكني أولادنا في صغرهم مخافة النبز أن يلحق بهم»


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 عن عاصم الكوزي كما في الكافي ج 6 ص 19.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 27- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 عن معمر بن خثيم كما في الكافي ج 6 ص 19 و التهذيب ج 7 ص 438.

ج 31، ص: 255

و في

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «من السنة و البر أن يكنى الرجل باسم أبيه».

و كيف كان فقد روى مستفيضا(2)استحباب التسمية يوم السابع لكن أكثر الأخبار مطلق، بل في بعضها قبل الولادة، و في آخر بعدها كما في السقط.

ففي

خبر أبى بصير(3)عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده عليهم السلام قال أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه: «سموا أولادكم قبل أن يولدوا، فان لم تدروا ذكرا أو أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر و الأنثى، فإن أسقاطكم إذا لقوكم في يوم القيامة و لم تسموهم يقول السقط لأبيه: ألا سميتني، و قد سمى رسول الله صلى الله عليه و آله محسنا قبل أن يولد»

و في

خبر أبي البختري (4)المروي عن قرب الاسناد عن أبى عبد الله عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله سموا أسقاطكم، فإن الناس إذا دعوا يوم القيامة بأسمائهم تعلق الأسقاط بآبائهم، فيقولون: لم لم تسمونا؟ فقيل:

يا رسول الله صلى الله عليه و آله من عرفناه أنه ذكر سميناه باسم الذكور، و من عرفناه أنه أنثى سميناه باسم الإناث أ رأيت من لم يستبن خلقه كيف نسميه؟ قال: بالأسماء المشتركة، مثل زائدة و طلحة و عنبسة و حمزة».

و لعل الوجه في ذلك أنه يستحب تسمية الحمل ما دام حملا بمحمد فإذا ولد بقي على ذلك إلى اليوم السابع، فان شاء غيره فيه و إن شاء أبقاه، و أما السقط فليس له سابع فيستحب عند ولادته،

قال الصادق عليه السلام في مرسل أحمد(5)«لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمدا، فإذا مضى سبعة أيام فإن شئنا غيرنا و إن شئنا تركنا»


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 36 و 44- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 21- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 256

فيراد حينئذ مما ورد(1)من استحباب التسمية في اليوم السابع الاسم المستقر أو يراد أن منتهى الرخصة في التأخير إلى اليوم السابع، و الله العالم.

و يكره أن يكنيه أبا القاسم إذا كان اسمه محمدا ل

خبر السكوني (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن النبي صلى الله عليه و آله نهى عن أربع كنى: عن أبى عيسى، و عن أبى الحكم، و عن أبى مالك، و عن أبى القاسم إذا كان الاسم محمدا»

و الظاهر أن القيد للأخير، أما الثلاثة فتكره مطلقا.

و كذا أبو مرة ففي

خبر زرارة(3)«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان رجل يغشي علي بن الحسين عليهما السلام كان يكنى أبا مرة، و كان إذا استأذن عليه كان يقول:

أبو مرة بالباب، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا هذا إذا جئت بابنا فلا تقولن أبو مرة».

و كذا يكره أن يسميه حكما أو حكيما أو خالدا أو حارثا أو مالكا أو ضرارا ففي

خبر عثمان (4)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إن رسول الله صلى الله عليه و آله دعا بصحيفة حين حضره الموت يريد أن ينهى عن أسماء يسمى بها، فقبض و لم يسمها، منها الحكم و حكيم و خالد و مالك و ذكر أنها ستة أو سبعة مما لا يجوز أن يسمى بها».

و في

خبر محمد بن مسلم (5)عن أبي جعفر عليه السلام «إن أبغض الأسماء إلى الله سبحانه حارث و مالك و خالد»

و قد سمعت خبر الخصال (6)الدال على النهي عن ضرار، بل فيها غير الأسماء المزبورة و لا بأس، بل قد يستفاد من

خبر علي بن عنبسة(7)


1- 1 الوسائل الباب- 36 و 44- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 حماد بن عثمان.
5- 5 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6 عن على بن عطية أنه عليه السلام قال لعبد الملك بن أعين.

ج 31، ص: 257

عن الصادق عليه السلام أنه قال لعبد الله بن أعين: «كيف سميت ابنك ضريسا؟ قال:

كيف سماك أبوك جعفرا؟ قال: إن جعفرا نهر في الجنة و ضريس من أسماء الشيطان»

و كراهة التسمية بضريس بل بكل اسم من أسماء الشياطين و صفاتهم بل و الأسماء المنكرة باعتبار الاشتمال على الصفات الذميمة، كما أنه قد يستفاد كراهة التسمية بصفات الخالق، و الأمر سهل. و الله العالم.

[أما اللواحق فثلاثة]
اشاره

و أما اللواحق فثلاثة: الأول سنن اليوم السابع و الثاني الرضاع و الثالث الحضانة و قد ذكر المصنف و غيره أن

[الأول سنن اليوم السابع]

سنن اليوم السابع أربع مضافا إلى ما سمعته من التسمية الحلق و الختان و ثقب الأذن و العقيقة (6)

- قال الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(1)«في المولود يسمى في يوم السابع، و يعق عنه، و يحلق رأسه، و يتصدق بوزن شعره فضة و يبعث إلى القابلة بالرجل مع الورك، و يطعم منه و يتصدق».

و في خبره الآخر(2)«إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزورا، و كل منها و أطعم، و سم، و احلق رأسه يوم السابع، و تصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، و أعط القابلة طائفا من ذلك، فأي ذلك فعلت أجزأك»

و قال أبو الصباح الكناني(3): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصبي المولود متى يذبح عنه و يحلق رأسه و يتصدق بوزن شعره و يسمى؟ قال: كل ذلك يوم السابع».

و في

موثق عمار(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العقيقة عن المولود كيف هي؟

قال: إذا أتى على المولود سبعة أيام سمي بالاسم الذي سماه الله تعالى، ثم يحلق رأسه و يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، و يذبح عنه كبش».

إلى غير ذلك من النصوص (5)الدالة على ذلك التي لا ينافي زيادتها على أربع


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 44- و غيره من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 258

بعد أن كانت هي فيها كالصدقة بوزن الشعر و لطخ الرأس بالزعفران و الخلوق و نحوها.

فأما الحلق منها ف قد عرفت أن من السنة حلق رأسه يوم السابع و لو في آخر جزء منه، بل

في الصحيح (1)«عن مولود لم يحلق رأسه يوم السابع فقال إذا مضى سبعة أيام فليس عليه حلق»

و إن كان قد يقال باستحبابه أيضا

للمروي (2)في محكي العلل «إن العلة في الحلق التطهير من شعر الرحم»

بل في الرياض «أنه مؤيد لما يقتضيه إطلاق النص و الفتوى من عدم الفرق في ذلك بين الذكر و الأنثى» قلت: بل قد سمعت خبر أبي بصير المصرح فيه بالغلام أو الجارية و لا ينافيه خبر أبي الصباح.

و ينبغي أن يكون مقدما على العقيقة، قيل لظاهر

الحسن (3)«عن العقيقة و الحلق و التسمية بأيها يبدأ؟ قال: يصنع ذلك كله في ساعة واحدة، يحلق و يذبح و يسمى»

و فيه نظر، نعم

في الروضة قال إسحاق بن عمار(4)للصادق عليه السلام: «بأي يبدأ؟ قال: تحلق رأسه و تعق عنه و تتصدق بوزن شعره فضة، يكون ذلك في مكان واحد»

و الأمر سهل.

و أما التصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة فقد عرفت ما يدل عليه، و قد يحتمل رجحان الفضة، للاقتصار عليها في جملة من النصوص (5).

و يكره أن يحلق من رأسه موضع و يترك موضع، و هي القنازع.


1- 1 الوسائل الباب- 60- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و فيه «سألته عن مولود يحلق رأسه يوم السابع» و في الكافي ج 6 ص 38 «سألته عن مولود يحلق رأسه بعد يوم السابع» الا أن الموجود في الفقيه ج 3 ص 316 كالجواهر و في التهذيب ج 7 ص 446 «سألته عن مولود لم يحلق رأسه بعد يوم السابع» أيضا.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 21.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2 و 8 و 9.

ج 31، ص: 259

ففي

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا تحلقوا الصبيان القزع، و القزع أن تحلق موضعا و تترك موضعا» قيل: و في بعض النسخ «لا تخلفوا الصبيان»

بالخاء المعجمة و الفاء، و المراد بها حينئذ واضح، كما أن المراد على الأول بتقدير مضاف أي حلق القزع، و أصل القزع بالتحريك: قطع من السحاب، الواحد قزعة، و سمي حلق بعض الرأس و ترك بعضه في مواضع متعددة بذلك تشبيها بقطع السحاب المتفرقة، و يقال: القنازع الواحد قنزعة بضم القاف و الزاء و فتحهما و كسرهما.

و على كل حال فلا ريب في الكراهة، بل في

خبر السكوني (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه أتى النبي صلى الله عليه و آله بصبي يدعو له و له قنازع، فأبى أن يدعو له، و أمر أن يحلق رأسه»

لكن قد ينافي ذلك ما روى من ثبوت ذلك للحسن و الحسين عليهما السلام

قال ابن خالد(3): «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التهنئة بالولد متى؟ قال:

إنه لما ولد الحسن بن علي عليهما السلام هبط جبرئيل على النبي صلى الله عليه و آله بالتهنئة في اليوم السابع، و أمره أن يسميه و يكنيه و يحلق رأسه و يعق عنه و يثقب أذنه، و كذلك كان حين ولد الحسين عليه السلام، فأمره بمثل ذلك، قال و كان لهما ذؤابتان في القرن الأيسر، و كان الثقب في الأذن اليمنى في شحمة الأذن، و في اليسرى في أعلى الأذن، و القرط في اليمنى، و الشنف في اليسرى»

و في الكافي روى (4)«أن النبي صلى الله عليه و آله ترك لهما ذؤابتين في وسط الرأس».

و ربما قيل بأن ما دل على الكراهة مخصوص بما إذا كان ما يترك بغير حلق في مواضع متفرقة لا في موضع واحد، لظهور كلام أهل اللغة في اختصاص القزع بذلك، ف

في نهاية ابن الأثير «في الحديث (5)«نهى عن القنازع»

و هو أن يأخذ بعض الشعر و يترك منه مواضع متفرقة كالقزع» و نحوه عن القاموس، و فيه أنه مناف لما رواه

القداح (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه كان يكره القزع في رؤوس


1- 1 الوسائل الباب- 66- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 66- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 66- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
5- 5 نهاية ابن الأثير- مادة: «قنزع».
6- 6 الوسائل الباب- 66- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.

ج 31، ص: 260

الصبيان، و ذكر أن القزع أن يحلق الرأس إلا قليلا و يترك وسط الرأس، و تسمى القزعة».

و أما الختان ف لا خلاف في أنه مستحب يوم السابع بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص به مستفيضة أو متواترة (فمنها) ما تقدم، و (منها)

قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (1)«اختنوا أولادكم لسبعة أيام، فإنه أطهر و أسرع لنبات اللحم، و أن الأرض لتكره بول الأغلف»

و (منها)

قوله عليه السلام أيضا في خبره الآخر(2)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله طهروا أولادكم يوم السابع، فإنه أطيب و أطهر و أسرع لنبات اللحم، و أن الأرض تنجس من بول الأغلف أربعين يوما»

و كتب عبد الله بن جعفر(3)إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام «أنه روى عن الصادقين عليهما السلام أن اختنوا أولادكم يوم السابع يطهروا، و إن الأرض تضج إلى الله من بول الأغلف، و ليس جعلت فداك بحجامي بلدنا حذق بذلك، و لا يحسنونه يوم السابع، و عندنا حجام اليهود، فهل يجوز لليهود أن يختنوا أولاد المسلمين أم لا؟ فوقع عليه السلام: السنة- أي في الختان- يوم السابع، فلا تخالفوا السنن»

إلى غير ذلك من النصوص.

و لكن لو أخر عنه جاز بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى ظهور النصوص المزبورة في استحبابه المقتضى جوازه تركه فيه، و إلى

صحيح ابن يقطين (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ختان الصبي لسبعة أيام من السنة هو أو يؤخر و أيهما أفضل؟ قال: لسبعة أيام من السنة، و إن أخر فلا بأس»

و إلى غيرها.

نعم لو بلغ و لم يختن وجب أن يختن نفسه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع


1- 1 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5 و هو خبر مسعدة ابن صدقة.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 54- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 261

بقسميه عليه و ذلك لأن الختان واجب في نفسه بالضرورة من المذهب و الدين التي استغنت بذلك عن تظافر النصوص كغيرها من الضروريات، على أن في

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه: إذا أسلم الرجل اختتن و لو بلغ ثمانين»

و لا قائل بالفصل،

و كتب الرضا عليه السلام إلى المأمون (2)«الختان سنة واجبة للرجال و مكرمة للنساء»

و منه يظهر وجه الدلالة في المستفيض من النصوص (3)أو المتواتر من كون الختان سنة،

و في بعضها(4)«السنة في الختان على الرجال، و ليس على النساء»

و في آخر(5)«من الحنيفية الختان»

و في صحيح ابن سنان (6)«ختان الغلام من السنة، و خفض الجواري ليس من السنة».

و في

خبر السكوني (7)عن أبي عبد الله عليه السلام «خفض النساء مكرمة ليست من السنة، و ليست شيئا واجبا، و أي شي ء أفضل من المكرمة»

فإن المراد بعد معلومية استحبابه في النساء نفي الوجوب، فيدل على إرادة الواجبة من السنة في مقابلتها، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على كونه من الحنيفية التي أمرنا باتباعها، و كونه من السنة الواجبة في نفسه، لا لكونه شرطا في صحة الصلاة، لعدم ثبوت ذلك.

فمن الغريب وسوسة المحدث البحراني عند ذلك كله و ميلة إلى عدم الوجوب نعم في وجوبه على الولي قبل البلوغ خلاف، و الأشهر بل المشهور العدم، للأصل


1- 1 الوسائل الباب- 55- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 52 و 54 و 56 و 58- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 الوسائل الباب- 56- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 و فيه «من الحنيفية الختن».
6- 6 الوسائل الباب- 56- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 56- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 و هو خبر مسعدة ابن صدقة.

ج 31، ص: 262

و ظهور ما تضمن خطاب الولي من النصوص السابقة في الاستحباب، خصوصا المصرح فيها بجواز التأخير، و خصوصا المشتمل منها على التعليل المناسب للاستحباب، خلافا للمحكي عن الفاضل في التحرير فأوجبه، بل في المسالك «أنه ظاهر عبارة المصنف، لإطلاق حكمه عليه بالوجوب، و لا ينافيه حكمه بالاستحباب يوم السابع لأن الوجوب على هذا القول موسع، و أفضل أفراده السابع، كما يقال يستحب صلاة الفريضة في أول وقتها و حينئذ يكون الوجوب متعلقا بالولي، فان لم يفعل إلى أن بلغ الصبي أثم و تعلق الوجوب بالصبي» و فيه أن الأظهر في عبارة المصنف ما ذكرنا من الاستحباب على الولي قبل البلوغ و الوجوب على الصبي بعده، كما عرفت.

و الخنثى المشكل يقوى عدم الوجوب عليه، للأصل، لكن في المسالك «في وجوبه و توقف صحة صلاته عليه وجهان، من الشك في ذكوريته التي هي مناط الوجوب معتضدا بأصالة البراءة، و من توقف حصول اليقين بصحة الصلاة عليه، و تناول

قوله صلى الله عليه و آله (1): «اختنوا أولادكم يوم السابع»

خرج الأنثى منه خاصة، فيبقى الباقي» و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من عدم توقف صحة الصلاة عليه و كون عنوان الوجوب الذكر، هذا كله في الذكر.

و أما في الإناث المعبر عنه في كلام الأصحاب ب خفض الجواري ف مستحب بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (2)مستفيضة فيه أو متواترة، و قد تقدم جملة، و لا يجب على الولي قبل البلوغ و لا عليهن بعده، و الظاهر أن وقته فيهن لسبع سنين، بل في

خبر غياث بن إبراهيم (3)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام «لا تخفض الجارية حتى تبلغ سبع سنين».


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 52- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 9 و الباب- 56- منها الحديث 3 و الباب- 58- منها و الباب- 18- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و هو خبر وهب عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام كما في التهذيب ج 6 ص 360 الرقم 1033.

ج 31، ص: 263

كما أنه ينبغي عدم استئصال فيه، ل

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «لما هاجرن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه و آله هاجرت فيهن امرأة يقال لها أم حبيب و كانت خافضة تخفض الجواري، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه و آله قال لها: يا أم حبيب العمل الذي قد كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت: نعم يا رسول الله إلا أن يكون حراما تنهاني عنه، فقال: لا بل حلال، فادني حتى أعلمك، قال: فدنت منه، فقال:

يا أم حبيب إذا أنت فعلت فلا تنهكي أي لا تستأصلي، و أشمي فإنه أشرق للوجه و أحظى للزوج».

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا الحال فيما لو أسلم كافر غير مختتن وجب أن يختن نفسه و لو كان مسنا و قد سمعت الخبر(2)المشتمل عليه. و ظهر لك أيضا فيما لو أسلمت امرأة و انه لم يجب ختانها و لكن استحب لها ذلك، و في

خبر أبي بصير(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجارية تجي ء من أرض الشرك فتسلم فتطلب لها من يخفضها فلا تقدر على امرأة فقال: أما السنة في الختان على الرجال و ليس على النساء».

و أما ثقب الأذن فلا خلاف أجده في استحبابه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى السيرة المستمرة و إلى النصوص التي تقدم بعضها، و في

خبر السكوني (4)قال النبي صلى الله عليه و آله: «يا فاطمة اثقبي أذني الحسن و الحسين عليهما السلام خلافا لليهود»

و في

خبر مسعدة بن صدقة(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن ثقب أذن الغلام من السنة»

و نحوه صحيح عبد الله بن سنان (6)فما وقع من بعض العامة من الوسوسة في ذلك باعتبار ما فيه من الإيذاء، و التأليم اجتهاد في مقابلة النص، ثم إنك قد سمعت اشتمال بعض (7)النصوص على ثقب الأذنين بل على التفصيل في كيفية الثقب في


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 55- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 56- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.

ج 31، ص: 264

اليمنى و اليسرى، و في آخر(1)كالفتاوى ثقب الأذن و لا يبعد دعوى الاستحباب في كل منهما، كما لا يبعد استحباب تلك الكيفية الخاصة، و الأمر سهل، و الله العالم.

هذا و يستحب الدعاء عند ختان الولد بما في

خبر مرازم بن حكيم (2)عن الصادق عليه السلام «في الصبي إذا ختن تقول: اللهم هذه سنتك و سنة نبيك صلواتك عليه و آله، و اتباع منا لك و لنبيك بمشيتك و بإرادتك و قضائك لأمر أردته و قضاء حتمته و أمر أنفذته، و أذقته حر الحديد في ختانه و حجامته لأمر أنت أعرف به منى، اللهم فطهره من الذنوب، و زد في عمره، و ادفع الأذيات عن بدنه و الأوجاع عن جسمه، و زده من الغناء، و ادفع عنه الفقر فإنك تعلم و لا نعلم، و قال الصادق عليه السلام:

أيما رجل لم يقلها عند ختان ولده فليقلها عليه قبل أن يحتلم، فان قالها كفى حر الحديد من قتل أو غيره».

و أما العقيقة فهي هنا الذبيحة التي تذبح للمولود و إن كان تقال أيضا للشعر الذي يولد عليه المولود آدميا كان أو غيره كالعقيق، و العق بالكسر و قيل:

إن أصل العق الشق، يقال: عق ثوبه أي شقه، و منه عق الولد أباه أي عصى و شق ما أوجبه الله عليه من الطاعة، و همي به الشعر الذي على المولود باعتبار حلقه أو زواله، و الذبيحة باعتبار شق حلقومها، أو لأنها تفعل لأجل العقيقة فأطلق اسم السبب على المسبب، و الأمر سهل.

و على كل حال ف قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يستحب أن يعق عن الذكر ذكرا و عن الأنثى أنثى بل عن الخلاف إجماع الفرقة و أخبارهم عليه، و لعله ل

خبر محمد بن مارد(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن العقيقة، فقال: شاة


1- 1 الوسائل الباب- 51- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 59- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13 و ذيله في الباب- 42- منها الحديث.

ج 31، ص: 265

أو بقرة أو بدنة، ثم يسم و يحلق رأس المولود في يوم السابع، و يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة، فإن كان ذكرا عق عنه ذكرا و عن الأنثى أنثى»

و المرسل (1)في الكافي عن الباقر عليه السلام «إذا كان يوم السابع و قد ولد لأحدكم غلام أو جارية فليعق عنه كبشا، عن الذكر ذكرا و عن الأنثى مثل ذلك».

لكن في أكثر النصوص التسوية، ففي

صحيح منصور بن حازم (2)عن الصادق عليه السلام «العقيقة في الغلام و الجارية سواء».

و في

موثق سماعة(3)«سألته عن العقيقة فقال: في الذكر و الأنثى سواء»

و في خبر أبي بصير(4)عن الصادق عليه السلام «عقيقة الغلام و الجارية كبش»

و في خبر ابن مسكان (5)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن العقيقة فقال عقيقة الغلام كبش كبش»

و في خبر علي بن جعفر(6)عن أخيه عليه السلام «سألته عن العقيقة الجارية و الغلام فيها سواء قال: كبش كبش»

و في خبر يونس بن يعقوب (7)«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن العقيقة الغلام و الجارية فيها سواء، قال: نعم».

و في المسالك بعد أن اقتصر على المرسل في الدلالة على ما في المتن، و ذكر جملة من أخبار التسوية قال: «إن المرسل ليس صريحا في اعتبار المساواة، بل الظاهر من

قوله عليه السلام: «و الأنثى مثل ذلك»

أن المستحب كونه ذكرا في الذكر و الأنثى، فيكون موافقا لغيره من الأخبار الدالة على التسوية بينهما» قلت:

لا ريب في إجزاء كل منهما في كل منهما، و إنما الكلام في الأفضلية، و ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قوة، لما عرفت من الإجماع المحكي و الخبر، و نصوص التسوية يمكن إرادة ثبوت أصل استحباب العقيقة فيها، أو إيراد بيان أصل الجواز.


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و فيه «عقيقة الجارية و الغلام كبش كبش».
6- 6 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 42- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6.

ج 31، ص: 266

و لعل الأصل في ذلك شدة التسامح في أمر العقيقة، كما أومى إلى ذلك في

خبر منهال (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا يطلبون العقيقة إذا كان إبان يقدم الأعراب فيجدون الفحولة، و إن كان غير ذلك الإبان لم يوجد فيعز عليهم، فقال: إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية، يجزئ فيها كل شي ء»

و في خبر مرازم (2)عنه عليه السلام أيضا «العقيقة ليست بمنزلة الهدي، خيرها أسمنها»

و قد سمعت ما في خبر ابن مارد(3)من إجزاء البقرة و الشاة و البدنة.

و في

خبر أبي بصير(4)عن الصادق عليه السلام «إذا ولد لك غلام أو جارية فعق عنه يوم السابع شاة أو جزور»

و في

خبر الفطحية(5)عنه عليه السلام أيضا «يذبح عنه أي المولود كبش، و إن لم يوجد كبش أجزأه ما يجزئ في الأضحية، و إلا فحمل أعظم ما يكون من حملان السنة»

و المراد بالحمل ولد الضأنة في السنة الأولى، كل ذلك للتساهل في أمر العقيقة، و إن كان لا يبعد وجود جهة رجحان في مراعاة الذكر للذكر و الأنثى للأنثى، كما أنه لا يخلو عق الذكر عنهما معا لكونه أطيب لحما و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في أنه هل تجب العقيقة؟ قيل كما عن الإسكافي و المرتضى و بعض متأخر المتأخرين نعم بل عن انتصار الثاني الإجماع عليه للأمر بها في جملة من النصوص (6)بل في خبر علي بن أبي حمزة(7)و خبر علي (8)و موثق أبي بصير(9)و

صحيحه (10)«العقيقة واجبة»

مضافا إلى ما

ورد(11)من «أن


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 13.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 و 8 و 11 و 12.
7- 7 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
8- 8 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
9- 9 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
10- 10 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 10 الا أن السند فيه موافق لسابقه.
11- 11 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2 و 6 و 7.

ج 31، ص: 267

كل امرء أو مولود مرتهن بعقيقته».

و لكن مع ذلك كله الوجه الاستحباب وفاقا للمشهور، بل عن الخلاف الإجماع عليه الذي لا يعارضه ما سمعته من إجماع المرتضى بعد تبين حالهما، و الأمر بها في جملة من السنن المعلوم ندبها أوضح قرينة على كونه فيها أيضا كذلك، بل ما سمعته من ذلك التساهل في أمرها كذلك، و الوجوب في النصوص يراد منه تأكد الندب، كما يومئ إليه

صحيح عمر بن يزيد(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

إني و الله لا أدري أبي عق عني أو لا، قال: فأمرني أبو عبد الله عليه السلام فعققت عن نفسي و أنا شيخ»

و قال عمر(2): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول كل امرء مرتهن بعقيقته، و العقيقة أوجب من الأضحية»

فإن الأضحية مندوبة إجماعا على ما قيل و منه يعلم المراد بالارتهان أيضا.

و بالجملة لا يخفى لسان الندب في ذلك كله على الفقيه الممارس، بل يمكن إقامة قرائن كثيرة على ذلك على وجه يكون كالمقطوع به، خصوصا ما دل (3)من النصوص على إجزاء الأضحية عنها، و أنه إذا جاز سبعة أيام فلا عقيقة له (4)المعلوم إرادة نفي الكمال منها، بقرينة ما دل (5)من النصوص الكثيرة على بقاء ندبها إلى آخر العمر، بل قد يستفاد من أخبار(6)الارتهان العق عنه بعد الموت أيضا، و أن هذا الوجوب إن كان على الولي فلا وجه لانتقاله، كما لا يخفى على من له أدنى درية بالفقه، فوسوسة بعض متأخري المتأخرين و جزم آخر في ذلك في غير محله، و ناش من عدم التعمق في الفقه.


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 65- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 الوسائل الباب- 60- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الأولاد و الباب- 65- منها الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 268

هذا و

في بعض النصوص المروية في غيبة البحار(1)«أن أبا محمد عليه السلام عق عن صاحب الأمر عليه السلام بكذا و كذا شاة»

و منه يستفاد استحباب التعدد فيها، مضافا إلى أنها أوجب من الأضحية التي من المعلوم شرعية ذلك فيها، بل قد يستفاد من تعارف تعاقب الذبح في الشياه المتعددة استحباب التكرار مع التسامح في الندب، خصوصا في مثل الدماء التي يحب الله إراقتها، و الله العالم.

و لو تصدق بثمنها لم يجز في القيام بالسنة بلا خلاف، للأصل، و لأن الله يحب إراقة الدماء،

قال محمد بن مسلم (2): «ولد لأبي جعفر عليه السلام غلامان فأمر زيد ابن علي أن يشترى له جزورين للعقيقة، و كان زمان غلاء، فاشترى له واحدة و عسرت عليه أخرى فقال لأبي جعفر عليه السلام: عسرت على الأخرى فأتصدق بثمنها؟ فقال: لا، أطلبها حتى لا تقدر عليها، فان الله يحب إهراق الدماء و إطعام الطعام»

و قال ابن بكير(3): «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فجاء رسول عبد الله بن علي فقال له: يقول عمك: إنا طلبنا العقيقة فلم نجد فما ترى نتصدق بثمنها؟ قال: لا، إن الله يحب إطعام الطعام و إراقة الدم».

و حينئذ لو عجز عنها أخرها حتى يتمكن لما عرفت من عدم قيام الصدقة بثمنها مقامها مع إطلاق الأدلة باستحبابها، بل قد سمعت خبر عمر بن يزيد(4)السابق المتضمن لعقة عن نفسه و هو شيخ ف لا يسقط حينئذ الاستحباب بالتأخير لعذر أو غير عذر، لأنه مرتهن بها.

و يستحب أن يجتمع فيها شروط الأضحية من كونها سليمة من العيوب سمينة، فإنها أوجب منها كما في خبر عمر بن يزيد(5)

و في الموثق المتقدم (6)«يذبح عنه كبش، فان لم يوجد كبش، أجزأه ما يجزى، في الأضحية،


1- 1 البحار ج 51 ص 5 ط الحديث.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 41- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 269

و إلا فحمل، أعظم ما يكون من حملان السنة»

و ما في بعض النصوص (1)من أنه إذا ضحى أو ضحى عنه فقد أجزأه عن العقيقة.

لكن قد سمعت ما في

خبر منهال (2)من أنها «إنما هي شاة لحم ليست بمنزلة الأضحية»

و ما في خبر مرازم (3)من أنها «ليست بمنزلة الهدي خيرها أسمنها»

و لعله لذا عنون الباب في الكافي بأنها ليست بمنزلة الأضحية، و تبعه بعض المحدثين مدعيا عدم دليل في النصوص على ما ذكروه، و قد عرفت الحال، و أنه مقتضى الجمع بين النصوص اعتبار ذلك فيها و إن لم يكن متأكدا تأكده في الأضحية، فتأمل و الله العالم.

و يستحب أن يخص القابلة منها بالرجل و الورك كما استفاضت به النصوص (4)و لعل المراد إعطاء ثلثها كما في خبر أبى خديجة(5)و دونه ربعها كما في غيره (6)من النصوص و إن كان الأولى كون الثلث أو الربع ذلك،

و في خبر عمار(7)«و إن لم يكن قابلة فلأمه تعطيه من شاءت».

و منه يعلم الوجه في قوله و لو لم تكن قابلة أعطى الأم تتصدق به أي تعطيه من شاءت و لو الغنى، و لو كانت القابلة يهودية لا تأكل ذبائح المسلمين أعطيت قيمة الربع، كما رواه عمار(8)نعم لو كانت القابلة أم الرجل أو من عياله فليس لها منه شي ء على ما رواه أبو خديجة(9)عن الصادق عليه السلام كما ستسمعه.

و لو لم يعق الوالد استحب للولد أن يعق عن نفسه إذا بلغ بل لو شك


1- 1 الوسائل الباب- 65- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد.
5- 5 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 10 و 15.
7- 7 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
8- 8 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
9- 9 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 270

في ذلك استحب له ذلك أيضا كما سمعته في خبر عمر بن يزيد(1)مضافا إلى ما دل (2)على أنه مرتهن بعقيقته، بل قد يستفاد من فحوى ذلك كونها كالدين في إجزاء العق عنه و لو من أجنبي.

و لو مات الصبي يوم السابع قبل الزوال سقطت، و لو مات بعده لم يسقط الاستحباب ل

خبر إدريس بن عبد الله (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن مولود يولد فيموت يوم السابع يعق عنه، قال: إن مات قبل الظهر لم يعق عنه و إن مات بعد الظهر عق عنه»

و قد يقال: إن المراد سقوط شدة الاستحباب، لإطلاق الأدلة بالعق عنه بالولادة.

و يكره للوالدين أن يأكلا منها و كذا من في عيالهما حتى القابلة لو كانت منهم، ل

قول الصادق عليه السلام (4): «لا يأكل هو و لا أحد من عياله من العقيقة و قال للقابلة ثلث العقيقة، فإن كانت القابلة أم الرجل أو في عياله فليس لها منها شي ء، و تجعل أعضاء ثم يطبخها و يقسمها و لا يعطيها إلا أهل الولاية، و قال: يأكل من العقيقة إلا الأم»

و الظاهر تأكد الكراهة بالنسبة إلى الأم، ل

قول الصادق عليه السلام في حسن الكاهلي(5): «لا تطعم الأم منها شيئا»

بل في المحكي من كتاب

فقه الرضا عليه السلام (6)«أنها إذا أكلت منها فلا ترضعه»

و الأمر في الجميع سهل لكون الحكم من السنن، إذ قد ورد في خبري أبي بصير(7)السابقين أكل الأب منها، بل في


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 38- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 61- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
6- 6 المستدرك الباب- 34- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 و ليس هناك لأبي بصير خبر آخر يتعرض فيه لأكل الأب من العقيقة.

ج 31، ص: 271

خبر يحيى بن أبي العلاء(1)عن الصادق عليه السلام في حديث عقيقة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم عن الحسن و الحسين عليهما السلام قال: «و عق عنهما شاة شاة، و بعثوا برجل شاة إلى القابلة و نظروا ما غيره فأكلوا منه، و هدوا إلى الجيران».

و ربما استفيد من

قول الصادق عليه السلام (2)«تجعل أعضاء»

و قوله عليه السلام (3)«إذا قطع العقيقة جداول فاطبخها و ادع عليها رهطا من المسلمين»

كراهة أن يكسر شيئا من عظامها، بل تفصل أعضاء لكن هو كما ترى، ضرورة أن الأمر بذلك لا يقتضي كراهة الكسر، خصوصا بعد

خبر عمار(4)«و سئل عن العقيقة إذا ذبحت هل يكسر عظمها؟ قال: نعم يكسر عظمها، و يقطع لحمها، و تصنع بها بعد الذبح ما شئت»

إلا أن الحكم من السنن، و الأمر فيها سهل، سيما مع النهي عن الكسر في بعض النصوص (5)كما قيل.

و يستحب الدعاء عند ذبحها بالمأثور(6)، و هو كثير، كما أن المستفاد من النصوص (7)التخيير بين تفريقها لحما و بين طبخها بماء و ملح، بل

في الفقيه «أنه أفضل أحوال طبخها»(8)

و بإضافة شي ء إليها من الحبوب أو غير ذلك من أنواع الطبخ و دعاء عشرة من المؤمنين إليها، و إن زاد فهو أفضل، يأكلون منها و يدعون للغلام (9)و أما ما اشتهر بين السواد من استحباب لف العظام بخرقة بيضاء و دفنها فلم نقف عليه في شي ء مما وصل إلينا من نصوص الباب و فتاوى الأصحاب، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 50- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 8 مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 17.
5- 5 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 16.
7- 7 الوسائل الباب- 46- من أبواب أحكام الأولاد.
8- 8 الوسائل الباب- 44 و 47- من أبواب أحكام الأولاد.
9- 9 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و 12 و 15 و الباب 47 منها الحديث 1.

ج 31، ص: 272

[الثاني الرضاع]
اشاره

و أما الرضاع فلا يجب على الأم إرضاع الولد بلا خلاف أجد فيه بيننا للأصل، و لظاهر قوله تعالى (1)«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» و قوله تعالى (2)«وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى» و قوله تعالى (3)«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» الشامل لاضرارها بالإجبار على إرضاعه لو كان واجبا، و ل

خبر سليمان بن داود(4)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرضاع، قال: لا تجبر المرأة على إرضاع الولد، و تجبر أم الولد».

نعم في المسالك و غيرها «أن عدم وجوب إرضاع الولد على الأم مشروط بوجود الأب أو وجود مال للولد و وجود مرضعة سواها و قدرته على دفع الأجرة إليها أو تبرعها، و إلا وجب عليها إرضاعه، كما يجب عليها الإنفاق عليه حيث يكون مفقودا أو معسرا» و في الرياض «المعروف من مذهب الأصحاب بل كاد يكون إجماعا منهم أنه لا تجبر الأم الحرة و لا مملوكة الغير على إرضاع ولدها إلا إذا لم يكن للولد مرضعة أخرى سواها، أو كانت و لم يتمكن لعدم وجود الأب أو إعساره أو عدم تمكنه منه مع عدم مال للولد يمكن به إرضاعه من غيرها، فيجب عليها بلا خلاف، لوجوب إنفاقها عليه في هاتين الصورتين».

قلت: المراد من نحو عبارة المصنف عدم وجوب الإرضاع على الأم من حيث كونها أما، فالتقييد المزبور في غير محله، ضرورة وجوب الإرضاع عليها مع الانحصار إنما هو من حيث حفظ النفس المحترمة كغير الأم مع فرض الانحصار فيها، على أن الظاهر عدم سقوط الأجرة من الأب الموسر أو مال الطفل في هذه الصورة، و لا يجب إنفاقها عليه، فلا وجوب عليها حينئذ في هذه الصورة من حيث كونها أما، و أما الصورة الثانية فلا يجب عليها إرضاعها إياه، إذ أقصاه وجوب


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 233.
4- 4 الوسائل الباب- 68- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 273

إنفاقها عليه و لو باستئجار مرضعة أخرى أو بالتماسها، فلا وجوب حينئذ من حيث كونها أما، و بذلك يظهر أنه لا حاجة إلى تقييد العبارة بذلك، كما أن منه يظهر وجه استدلال الأصحاب بالآيتين و إن كان مساقهما في المطلقات، إذ المراد عدم الوجوب من حيث الأمية التي لا تفاوت فيها بين المطلقة و غيرها، فما في الحدائق و الرياض من النظر في ذلك في غير محله.

بل الظاهر عدم تقييد نحو المتن بغير اللبأ، و هو أول ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيام، لوجوب إرضاعه إياه، لأنه لا يعيش بدونه، كما أفتى به الفاضل و الشهيد لعدم الدليل على وجوبه، بل ظاهر إطلاق الأدلة خلافه، و دعوى توقف الحياة عليه يكذبها الوجدان، و من هنا حملها بعض الناس على الغالب أو على أنه لا يقوى و لا تشتد بنيته إلا بذلك، و حينئذ فلا وجه للوجوب، و لو سلم فهو حينئذ من حيث الضرر لا من حيث كونها أما الذي هو محل البحث، إذ يمكن ولادته و شربه اللبأ من غيرها مع فرض ولادة أخرى مقارنة لها.

ثم إن الظاهر عدم سقوط الأجرة على تقدير الوجوب، إذ هو حينئذ كبذل الزاد للمضطر، فلا يرد أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب.

و على كل حال بما ذكرنا يصرف ظاهر الطلب المطلق المنصرف إلى الوجوب في قوله تعالى (1)«وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ» إلى الاستحباب جمعا بين الأدلة، و في الرياض «و يمكن الجمع بحمله إما على الصورتين الأولتين أو على أم ولد المولى» قلت: لكنه كما ترى، و قد يقال إن المراد من الآية بيان مدة الرضاع لمن أراد أن يتم الرضاعة لا بيان وجوب أصل الرضاع عليهن كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كيف كان ف لها أي الأم المطالبة بأجرة رضاعه مع وجود المال له أو الأب الموسر بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة كون نفقته عليه أو على ماله، و منها رضاعه المتوقف حياته عليه، بل قيل: ربما ظهر من إطلاق نحو العبارة


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.

ج 31، ص: 274

وجوب الأجرة على الأب و لو مع إعساره، و فيه أنه مناف للأصل، على أن الظاهر كون الأجرة من الإنفاق المعلوم عدم وجوبه في الفرض، و إطلاق الآيتين إنما هو على حال الإنفاق، فلا وجه للتوقف في ذلك، بل و لا أظن فيه خلافا، كما أنه لا وجه للتوقف في عدم الوجوب عليه مع وجود المال للولد و إن اقتضى ذلك إطلاق الآيتين المنزل على ذلك، بل عن بعضهم وجوب ذلك على الأب و إن كان عند الولد مال، نعم لو مات الأب وجب من مال الولد، ل

صحيح ابن أبي يعفور(1)عن الصادق عليه السلام «إن أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه قضى في رجل توفي و ترك صبيا فاسترضع له إن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه و أمه»

و مرسل ابن أبي عمير(2)عنه أيضا «قضى علي عليه السلام في صبي مولود مات أبوه إن رضاعه من حظه مما ورث من أبيه»

و صحيح ابن سنان (3)السابق، إلا أن الجميع كما ترى، لا دلالة في شي ء منها على ما ذكروه، و إنما هي دالة على أجرة رضاع الصبي من ماله حال عدم الأب و هو لا خلاف فيه و لا إشكال.

و على كل حال ف له استئجارها على الرضاع إذا كانت بائنا بلا خلاف و لا إشكال، نعم قيل و القائل الشيخ منا لا يصح ذلك و هي في حباله و كذا لا يصح استئجارها لخدمته أو خدمة غيره و إرضاع ولد غيره، لعدم القدرة على التسليم باعتبار ملك الزوج للاستمتاع بها، و فيه- مع فرض كون المستأجر الزوج- أن المانع من قبله، فهو في الحقيقة إسقاط منه لحقه، بل هو أولى بالصحة من أجير أذن له المؤجر بالإجارة من غيره في مدة إجارته، أما إذا كان


1- 1 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 447 الرقم 1792.
3- 3 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و لم يتقدم هذا الصحيح سابقا و الصواب «الاتى» فإنه قده يذكره بعد قليل.

ج 31، ص: 275

المستأجر الغير فلا ريب في تقييده بما إذا لم يناف حق الزوج، كما هو واضح.

و من هنا كان الوجه الجواز وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل لم نعرف فيه خلافا بيننا إلا ما سمعته من الشيخ للعمومات و الإطلاقات.

كما لا خلاف و لا إشكال في أنه يجب على الأب بذل أجرة الرضاع مع يسره إذا لم يكن للولد مال لأنها من النفقة الواجبة عليه إجماعا، بل هو مقتضي قوله تعالى (1)«فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» بل و قوله تعالى (2)«وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ» الذي هو كناية عن أجرة الرضاع، بل في التعبير بالمولود له تنبيه حسن على كون الولد حقيقة له، و لذا نسب إليه دون أمه، و وجبت نفقته عليه، أما إذا كان له مال فلا تجب نفقته عليه، لأنه غني حينئذ.

و لأمه أن ترضعه بنفسها و بغيرها و على كل حال لها الأجرة ل

صحيح ابن سنان (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل مات و ترك امرأته و معها منه ولد فألقته على خادمة لها فأرضعته ثم جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي؟ فقال:

لها أجر مثلها و ليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع إليه ماله»

و حينئذ يكون ذلك حكما شرعيا، و هو استحقاق الأم أجرة الرضاع و إن لم تقع معاملة بينها و بين الأب، سواء أرضعته بنفسها أو عند غيرها.

لكن في المسالك حمل العبارة على معنى آخر قال: «إذا استأجرها للرضاعة فإن صرح بإرادة تحصيل رضاعه بنفسها و غيرها فلا شبهة في جواز الأمرين و استحقاقها الأجرة المسماة، و إن شرط إرضاعه بنفسها تعين، و لا يجوز لها إرضاعه من غيرها، فان فعلت فلا أجرة لها، و إن أطلق بأن استأجرها لارضاعه فهي مسألة الكتاب، و المشهور جواز إرضاعها بنفسها و بغيرها، لأنها حينئذ أمر مطلق، و من شأنه جواز تحصيل المنفعة بنفسه و غيره، و قيل: لا يجوز لاختلاف المراضع في الحكم و الخواص، و دلالة العرف على مباشرتها حتى قيل: إنه يجب


1- 1 سورة الطلاق: 65 الآية 6.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 276

تعيين المرضعة في العقد لذلك، فلا أقل من تعينها عند الإطلاق، و الأقوى الرجوع إلى العرف، فان لم يتفق أو اضطرب جاز أن ترضعه بنفسها و غيرها، و لا فرق في الغير بين أن يكون خادمها و غيره، و حيث جاز استحقت الأجرة، و إلا فلا» و تبعه على ذلك الفاضل الأصبهاني في شرح القواعد و المحدث البحراني.

لكن الجميع كما ترى إذ لا خصوصية لهذه المسألة في المقام، و لا يليق التنبيه عليها، و إنما المراد ما ذكر من بيان استحقاق الأم أجرة الرضاع، سواء وقع معها عقد الإجارة أم لا، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة، و سواء أرضعتها بنفسها أو بغيرها للصحيح (1)المزبور، بل الظاهر عدم الفرق في الغير بين مملوكتها و غيرها، و سواء أرضعته عند الغير بأجرة أو لا، و هو حكم يليق التنبيه عليه مستفاد من الكتاب (2)و السنة(3)و الفتاوى.

و لا يشكل بأنه لا وجه لرجوعها بالأجرة مع إرضاع الغير لها غير المملوكة و المستأجرة، إذ ذاك ليس إلا لكون من يتبرع قد تبرع لها، و أدى عنها ما يراد منها بتلبسه بالقيام، فهو كالمتبرع عمن في ذمته عمل للغير بالعمل بعنوان كونه للأجير و عنه، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و للمولى إجبار أمته على الرضاع لولده منها أو من غيرها أو غيره ولده بلا خلاف و لا إشكال، لأن جميع منافعها مملوكة له.

و الأصل في نهاية الرضاع حولان للاية(4)و

للمروي (5)في تفسير «لا رضاع بعد فطام»

انه الحولان، و فحوى ما دل (6)على أن ليس للمرأة


1- 1 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
3- 3 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 233.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 277

أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين و إن جاز الزيادة عليها و النقصان، فان ذلك لا ينافي الأصل المزبور و لذا قال المصنف و غيره: إنه يجوز الاقتصار على أحد و عشرين شهرا بلا خلاف أجده فيه، للأصل و

قول الصادق عليه السلام في خبر سماعة(1)«الرضاع أحد و عشرون شهرا، فما نقص فهو جور».

و في

خبر عبد الوهاب بن الصباح (2)«الفرض في الرضاع أحد و عشرون شهرا، فما نقص عن أحد و عشرين شهرا فقد نقص المرضع، فإن أراد أن يتم الرضاعة له فحولين كاملين»

قيل و ظاهر قوله تعالى (3)«وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» بناء على المختار من أن التسعة أكثر الحمل و أنه الغالب المنزل عليه إطلاق الآية فيكون الباقي أحد و عشرون شهرا لكن قد ينافيه استدلالهم سابقا بهذه الآية مع قوله تعالى (4)«وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ» أن أقل الحمل ستة أشهر، فإنه يقتضي تنزيلها على كون المراد منها الوضع لأقل الحمل، و يسهل الأمر في ذلك عدم انحصار الدليل فيها.

و على كل حال فظاهر الخبرين بعد الانجبار سندا و دلالة أنه لا يجوز نقصه عن ذلك و حينئذ ف لو نقص لغير ضرورة كان جورا محرما، بل في كشف اللثام دعوى الاتفاق عليه، و لعله ظاهر غيره أيضا، فما عن بعض- من الجواز للأصل و ظاهر قوله تعالى (5)«فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما»

و الصحيح (6)«ليس للمرأة أن تأخذ في رضاع ولدها أكثر من حولين كاملين، فإذا أرادا الفصال قبل ذلك عن تراض منهما فحسن»

- واضح الضعف، لوجوب تقييد ذلك بالمدة المذكورة للأدلة المزبورة.

و كيف كان فالمشهور بين الأصحاب أنه يجوز الزيادة على


1- 1 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 سورة الأحقاف: 46- الآية 15.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 233.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 233.
6- 6 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 278

الحولين للأصل و ظاهر الصحيح السابق، و أظهر منه

صحيح سعد بن سعد الأشعري (1)عن الرضا عليه السلام «سألته عن الصبي هل يرتضع أكثر من سنتين؟ فقال: عامين، قلت: فان زاد على سنتين هل على أبويه من ذلك شي ء؟ قال: لا»

بل ظاهره كالأول عدم تحديد ذلك بأشهر و الشهرين، كما هو مقتضى الأصل، بل عن جماعة الميل إليه، إلا أن المشهور خلافه، بل في الرياض «مستنده غير واضح، إلا ما يقال من أن به رواية و في الاعتماد على مثلها في تقييد ما مر من الأدلة مناقشة، و إن كان ربما يتوهم كونها مرسلة مجبورة بالشهرة، فترجح على تلك الأدلة، و ذلك لأن الرجحان بعد وضوح الدلالة و ليس، إذ يحتمل التوهم، لكن مراعاة الاحتياط مطلوبة بالبداهة».

قلت: قد يقال: إن مستنده حرمة الإرضاع بعد الحولين، باعتبار حرمة شرب لبنها فيما خرج عن مدة الرضاع، لكونه من فضلات ما لا يؤكل لحمه الممنوع أكلها، بل الظاهر أن ذلك لكونه من الخبائث كالبصاق و باقي رطوباتها، و كلما حرم على المكلف لخبثه يحرم إطعامه لغير المكلف كالدم و نحوه، و حينئذ فالمحتاج إلى المستند جوازه بعد الحولين اللذين هما منتهى الرضاع كتابا(2)و سنة(3)و إجماعا.

نعم قد يستثنى الزيادة شهرا أو شهرين باعتبار صعوبة فصال الطفل دفعة واحدة على وجه يخشى عليه التلف، لشدة تعلقه به، و للمرسل المنجبر بالشهرة، و احتمال التوهم يسد باب النقل بالمعنى، إذ ليس ما يحكونه من الروايات إلا كما يرونه، بل قد يدعى ظهور قوله عليه السلام «عامين» في صحيح سعد(4)جوابا للسؤال المزبور في عدم جواز الزيادة، بل و الآية(5)و لا ينافي ذلك ما في الدليل بعد احتمال


1- 1 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 233.

ج 31، ص: 279

إرادة أن ارتضاع الصبي في نفسه عند من يرضعه أزيد لا يؤثر على الأبوين حرمة، لعدم كونه من فعلهما، فتأمل، و الله العالم.

و كيف كان ف لا يجب على الوالد و غيره ممن وجب عليه إرضاع الصبي دفع أجرة ما زاد على حولين لأنهما منتهى الرضاعة الواجبة عليه و إن لم يرض، لكونه حقا للولد عليه و نفقة له، فأجرتهما جعل شرعي تستحقه الأم بإرضاعها للصبي بنفسها و بغيرها على الوجه الذي ذكرناه سابقا من غير حاجة إلى معاملة مع الأب و تراض، بل الظاهر ذلك حتى مع عدم رضاه بأصل إرضاعها، أما ما زاد على الحولين فلا تستحق عليه ذلك إلا بمعاملة معه، و هو المراد من

قوله عليه السلام في الصحيح (1)السابق: «ليس للمرأة»

إلى آخره.

و بذلك يظهر أنه لا وجه للإشكال من جماعة في الحكم المزبور بأنه لا معنى لعدم استحقاقها الأجرة للزائد الذي هو بمنزلة النفقة الضرورية التي تجب على الولد، و لا لدفعه في الرياض بأنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النصوص المعتبرة المعتضدة بالأصل و الشهرة، بل و الاتفاق كما يظهر من عبائر الأجلة، لكن ربما يجاب عن النصوص و عبارات الأصحاب بالورود مورد الغالب، و ربما لا يخلو من مناقشة، إلا أن الأحوط مراعاة الأجرة، إذ الجميع كما ترى، و خصوصا ما سمعته من الرياض مما هو ظاهر في عدم العض على المسألة بضرس قاطع، و كان السبب في ذلك أنه تبع غيره في الإشكال المزبور الذي لا محل له بناء على كون المراد مما في النص و الفتوى ما ذكرنا من أن أجرة المثل المضروبة للأم على الأب شرعا إنما هي في الحولين لا الأزيد، فإن استحقاقها أجرتها محتاج إلى معاملة مع الزوج أو غيرها مما يقتضي استحقاقها إياه غير الإرضاع، كما هو واضح عند التأمل.

نعم قد يشكل استحقاقها أجرة ما زاد على الواحد و العشرين شهرا مع عدم رضا الأب، بل و مع سكوته، باعتبار ما سمعت من أن الفرض عليه أحد و عشرون


1- 1 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 280

شهرا، فالزائد على ذلك حينئذ كالزائد على الحولين، و يدفعه أن ظاهر قوله تعالى(1):

«وَ الْوالِداتُ» و السنة(2)و الفتوى أن الأصل في منتهى الرضاعة شرعا الحولان، و أما النقصان إلى الواحد و العشرين فهو مشروط بالتراضي منهما و التشاور، و إلا فمع فرض إرادة الأب ذلك فصلا عن سكوته و عدم رضا الأم فالظاهر ثبوت الأجرة لها، ضرورة ظهور الآية(3)في اعتبار رضاهما و تشاورهما في رفع الجناح عن النقصان عن الحولين، و هذا و إن خلت عنه كلمات الأصحاب و تصريحا إلا أنه ظاهرها، بل هو ظاهر الكتاب بل هو صريح المقداد في الكنز فلا بأس بالفتوى به، بل هو جيد جدا، فتأمل و الله العالم.

و كيف كان ف الأم أحق بإرضاعه بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله المراد من قوله تعالى (4)«وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ» خصوصا مع قوله تعالى بعد ذلك «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» مضافا إلى

الخبر(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «الحبلى المطلقة ينفق عليها حتى تضع حملها، و هي أحق بولدها أن ترضعه بما تقبله امرأة أخرى، إن الله عز و جل يقول (6)«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَ لا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ».

و خبر الكناني (7)عنه عليه السلام أيضا «إذا طلق الرجل و هي حبلي أنفق عليها حتى تضع حملها، فإذا وضعته أعطاها أجرها و لا يضارها إلا أن يجد من هو أرخص أجرا منها، فإن هي رضيت بذلك الأجر فهي أحق به حتى تفطمه».

و خبر البقباق (8)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «الرجل أحق بولده أم المرأة؟


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.
2- 2 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 233.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 233.
5- 5 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 233.
7- 7 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.

ج 31، ص: 281

فقال: لا بل الرجل قال: فان قالت المرأة لزوجها الذي طلقها: أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من ترضعه فهي أحق به».

و خبر داود بن الحصين (1)عنه عليه السلام أيضا في قول الله عز و جل «وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ» إلى آخره قال: «ما دام الولد في الرضاع فهو بين الأبوين بالسوية، فإذا فطم فالأب أحق به من الأم، فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة، فإن وجد الأب من يرضعه بأربعة دراهم و قالت الأم لا أرضعه إلا بخمسة دراهم فان له أن ينزعه منها، إلا أن ذلك خير له و أرفق به أن يترك مع أمه»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أحقية الأم إذا لم تكن مضارة بزيادة الطلب و إنما طلبت ما يطلب غيرها، و أما لو طلبت زيادة كان للأب نزعه و تسليمه إلى غيرها للنهي (2)عن المضارة و للنصوص (3)السابقة المعتضدة بعدم الخلاف نقلا و تحصيلا أو الإجماع كذلك.

و حينئذ ف لو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأم بالتبرع فهي أحق به لما عرفت و إن لم ترض بذلك فللأب تسليمه إلى المتبرعة بل لعل ظاهر المصنف سقوط الحضانة أيضا كما ستسمع جزمه به فيما يأتي، إنما الكلام فيما لو عصت به و لم تسلمه إلى الأب مع وجود المرضعة بالأقل فهل يسقط حقها أصلا، لأنها تكون حينئذ كالأجنبية المتبرعة، أو يسقط بالنسبة إلى ما طلبته من الزيادة؟ وجهان، ظاهر الأصحاب و النصوص الأول، لعدم الإذن حينئذ في رضاعها إياه شرعا، و يحتمل قويا الثاني إن لم يكن إجماعا على عدمه، بل يمكن تنزيل النص و الفتوى عليه. فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر سقوط حقها مطلقا مع وجود المتبرعة مجانا، و عن بعض العامة بل ربما حكى عن بعض منا أيضا أن مع رضاها بأجرة المثل تكون لها، وجدت


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 282

المتبرعة أو لم توجد، رضى الأب أو لم يرض، لإطلاق قوله تعالى (1)«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ» و غيره لكنه- بعد ما سمعت من النصوص- كالاجتهاد في مقابلة النص، بل و قوله تعالى (2): «لا تُضَارَّ. مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» بل و فحوى قوله تعالى (3):

«وَ إِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى».

[فرع لو ادعى الأب وجود متبرعة و أنكرت الأم فالقول قول الأب]

فرع:

لو ادعى الأب وجود متبرعة و أنكرت الأم ف المحكي عن المبسوط أن القول قول الأب لأنه يدفع عن نفسه وجوب الأجرة فهو حينئذ منكر و هي مدعية وجوبها عليه و لكن على تردد كما عن التحرير، لأصالة أحقية الأم كما سمعت النصوص (4)الدالة عليه، فوجود المتبرعة كالمانع الذي يحتاج مدعيه إلى البينة عليه، خصوصا مع إمكان إقامتها عليه، و

قوله عليه السلام (5)في النصوص «إلا أن يجد»

يراد منه إلا أن يوجد أو يعلم أنه يجد، لا أن المراد إيكال ذلك إلى دعواه، بل ينبغي الجزم به لو كانت الدعوى بعد حصول الرضاع، فان عليه إقامة البينة على وجود المتبرعة حال رضاعها مع طلب انتزاعه منها و امتناعها، ضرورة أصالة احترام عمل المسلم و ماله، و المراد من نحو المتن التداعي من أول الأمر، مع أن الأقوى فيه أيضا ما سمعت، نعم لو أقام بينة بعد ذلك أن المتبرعة كانت موجودة في ذلك الوقت الذي قلنا بتقديم قولها فيه سقطت أجرتها، مع أنه قد يمنع مع فرض حصول اليمين و انقطاع الدعوى، لذهاب اليمين بما فيها، بل قد يحتمل ذلك مع عدم الحلف مع فرض عجزه عن البينة أو تساهله في إقامتها على دعواه، فان عمل الامرأة و لبنها حينئذ محترم، فيبقى على أصل الاحترام بعد فرض كون ذلك


1- 1 سورة البقرة:- الآية 233.
2- 2 سورة البقرة:- الآية 233.
3- 3 سورة البقرة:- الآية 233.
4- 4 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.
5- 5 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 2.

ج 31، ص: 283

منها بالطريق الشرعي، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و يستحب أن يرضع الصبي بل المولود بلبن أمه فهو أبرك و أفضل من غيره لأنه أقرب إلى مزاجه، و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر طلحة بن يزيد(1)قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه».

كما أنه يستحب إرضاع المرضعة الولد من الثديين معا ل

خبر العباس بن الوليد عن أمه أم إسحاق بنت سليمان (2)قالت: «نظر الصادق عليه السلام إلى و أنا أرضع أحد ابني محمد أو إسحاق فقال: يا أم إسحاق لا ترضعيه من ثدي واحد، و أرضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاما و الأخر شرابا».

و في خبر جابر(3)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: إذا وقع الولد في بطن أمه- إلى أن قال-: و جعل الله رزقه في ثدي أمه أحدهما شرابه و الأخر طعامه»

الخبر.

هذا و لكن ينبغي أن يعلم أن ظاهر استحباب الارتضاع بلبن الأم إنما هو من حيث الأمية المقابل بالأجنبية، و إلا فقد تقتضي العوارض أولوية الارتضاع من غير الأم من حيث شرافة الأجنبية و طيب لبنها و خباثة الأم لكونها ذمية أو مجوسية أو غير عفيفة أو غير نقية أو نحو ذلك، فالمراد حينئذ أنه مع تساوى المرضعات من كل الجهات الأمية جهة مرجحة، و الله العالم.

[الثالث الحضانة]
اشاره

و أما الحضانة بالفتح و الكسر فهي كما في القواعد و المسالك ولاية و سلطنة على تربية الطفل و ما يتعلق بها من مصلحة حفظه و جعله في سريره و كحله و تنظيفه و غسل خرقه و ثيابه و نحو ذلك، و فيه أنه إن كان المراد أنها ولاية كغيرها من الولايات التي لا تسقط بالإسقاط و أنه تجب على الأم مراعاة ذلك على وجه لا تستحق عليه الأجرة- كما صرح به في المسالك- منهما ليس في شي ء من الأدلة


1- 1 الوسائل الباب- 68- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 عن طلحة بن زيد و هو الصحيح.
2- 2 الوسائل الباب- 69- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 69- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.

ج 31، ص: 284

ما يقتضي ذلك، بل فيها ما يقتضي خلافه، كالتعليق على مشيئتها و التعبير بالأحقية، بل ظاهرها كون هذه الأحقية مثلها في الرضاع، و حينئذ لا يكون ذلك واجبا عليها، و لها إسقاطه و المطالبة بأجرته، اللهم إلا أن يكون إجماعا و لم نتحققه، بل لم نعثر على تحرير لأصل المسألة في كلماتهم، نعم في الرياض «لا شبهة في كون الحضانة حقا لمن ذكر، و لكن هل تجب عليه مع ذلك أم له إسقاط حقه منها؟ الأصل يقتضي ذلك، و هو الذي صرح به الشهيد في قواعده فقال: لو امتنعت الأم من الحضانة صار الأب أولى، و لو امتنعا معا فالظاهر إجبار الأب، و نقل عن بعض الأصحاب وجوبها، و هو حسن حيث يستلزم تركها تضييع الولد، إلا أن حضانته تجب كفاية كغيره من المضطرين، و في اختصاص الوجوب بذي الحق نظر، و ليس في الأخبار ما يدل على غير ثبوت أصل الاستحقاق، و هو لا يستلزم الوجوب» و هو كما ترى لا تحرير فيه، بل ما ذكره من عدم إجبار الأب واضح الضعف، و الله العالم.

و على كل حال فأصله الحفظ و الصيانة كما عن المقابيس، و لعله يرجع إليه ما قيل من أنها من الحضن، و هو ما دون الإبط إلى الكشح، كما عن العين و غيره، يقال:

حضن الطائر بيضه يحضنه إذا ضمه إلى نفسه، و لا إشكال في أمرها كما في كشف اللثام إذا لم يفترق الزوجان بطلاق أو غيره، فإذا افترقا فان كان الولد بالغا رشيدا تخير في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما و التفرد ذكرا كان أو أنثى، لأصالة عدم ولاية أحد على أحد المقتصر في خلافها على محل اليقين، و لأنها إنما ثبتت مع ضعف المولى عليه و نقصه، فإذا كمل فلا جهة للولاية عليه، فلا عبرة بإطلاق بعض أخبار ما يوهم عموم ولاية الحضانة، و هو جيد، لكن قوله: «لا إشكال» إلى آخره فيه أنه لا فرق في حكم الحضانة بين الافتراق و عدمه، اللهم إلا أن يريد من عدم الاشكال غلبة عدم التشاح و النزاع في الولد مع عدم الافتراق، لا عدمه بالنسبة إلى الحكم، و الأمر سهل.

و إن كان صغيرا فالأم أحق بالولد مدة الرضاع، و هي حولان ذكرا كان

ج 31، ص: 285

أو أنثى إذا رضعته هي بنفسها أو بغيرها بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في الرياض «إجماعا و نصا و فتوى» لقوله تعالى (1)«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها» و للنصوص (2)السابقة الدالة على أحقية الأم، و ل

مرسل المنقري (3)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يطلق امرأته و بينهما ولد أيهما أحق؟ قال: المرأة أحق بالولد ما لم تتزوج»

و رواه الصدوق عنه عن حفص بن غياث (4)عن أبي عبد الله عليه السلام،

و خبر أيوب بن نوح (5)قال: «كتب إليه بعض أصحابه أنه كانت لي امرأة و لي منها ولد فخليت سبيلها، فكتب: المرأة أحق بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلا أن تشاء المرأة»

و خبر داود الرقي (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة حرة نكحت عبدا فأولدها أولادا ثم طلقها، فلم تقم مع ولدها و تزوجت، فلما بلغ العبد أنها تزوجت أراد أن يأخذ ولده منها، و قال: أنا أحق بهم منك إذا تزوجت، قال: ليس للعبد أن يأخذ منها ولدها و إن تزوجت حتى يعتق، هي أحق بولدها منه ما دام مملوكا، فإذا أعتق فهو أحق بهم منها».

و خبر الفضيل بن يسار(7)عن أبي عبد الله عليه السلام «أيما امرأة حرة تزوجت عبدا فولدت منه أولادا فهي أحق بولدها منه، و هم أحرار، فإذا أعتق الرجل فهو أحق بولده منها لموضع الأب».

و موثق جميل و ابن بكير جميعا(8)«في الولد من الحر و المملوكة، قال:

يذهب إلى الحر منهما»

و خبر عبيد الله بن علي المروي عن الأمالي (9)عن الرضا عن آبائه، عن علي عليهم السلام «إن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قضى بابنة حمزة لخالتها، و قال: الخالة والدة».


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 4.
4- 4 أشار إليه في الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 275 الرقم 1303.
5- 5 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 6.
6- 6 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
9- 9 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.

ج 31، ص: 286

و خبر أيوب بن نوح (1)قال: «كتب إليه مع بشار بن بشير: جعلت فداك رجل تزوج امرأة فولدت منه ثم فارقها متى يجب له أن يأخذ ولده؟ فكتب: إذا صار له سبع سنين فإن أخذه فله و إن تركه فله»

لكن عن ابن الفهد أن الحضانة مشتركة بين الأب و الأم، بل ادعى الإجماع، و ربما كانت الآية(2)دالة عليه، بل خبر داود بن الحصين (3)السابق ظاهر فيه، و فيه أن الإجماع موهون بمصير الأكثر إلى خلافه بل الكل، و معارضة صدر الخبر بذيله مع عدم وضوح المراد بالتسوية فيه، إذ يمكن إرادة ذلك من جهة أن على الأم الرضاعة و على الأب الأجرة فتربيته بينهما بالسوية من هذه الحيثية، و على كل حال فلا ريب في ضعفه.

نعم لا خلاف في اشتراط ذلك بما إذا كانت حرة مسلمة عاقلة و غير مزوجة بلا خلاف في الأربعة ف لا حضانة للأمة المقيدة بالرق المانع من ثبوت ولاية له باعتبار كونه كلا على مولاه لا يقدر على شي ء، و كون المولى عليه لا يكون وليا بناء على أن الحضانة من الولايات، و إلا كانت النصوص التي سمعتها هي الحجة، مؤيدة بأن منافع الأمة مملوكة للسيد المقدم حقه على غيره، من غير فرق في المملوك بين المدبر و أم الولد و المكاتب المشروط و المطلق إذا لم يتحرر منه شي ء أما المبعضة فيحتمل أن لها الحضانة بمقدار جزئها الحر في مدة المهاياة، نحو ما في المسالك من أنه «لو كان نصف الولد رقا و نصفه حرا فنصف حضانته للسيد و نصفه للأم أو من يلي حضانة الحر من الأقارب، فإن اتفقا على المهاياة أو على استئجار من يحصنه أو رضى أحدهما بالاخر فذاك و إن تمانعا لم يضيع و استأجر الحاكم من يحضنه، و أوجب المئونة على السيد و من يقتضي الحال الإيجاب عليه، و ليس هذا كتزاحم المتعددين في درجة على الحضانة كما سيأتي، لأنه لا استحقاق


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 7 و فيه «كتبت اليه مع بشر بن بشار.» كما هو كذلك في السرائر ص 479.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 287

هنا لكل واحد في مجموع الحضانة بخلاف ما يأتي، فلا يتوجه القرعة» قلت: لكن يتوجه المهاياة بينهما في ذلك.

و كذا لا حضانة للكافرة مع الأب المسلم لكون الولد حينئذ مسلما بإسلام أبيه وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا(1)بناء على أنها ولاية، بل و إن قلنا: إنها أحقية، فإن

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(2)

و المسلم أحق من الكافر الذي يخشى على عقيدة الولد ببقائه عنده و نموه على أخلاقه و ملكاته، نعم لو كان الولد كافرا تبعا لأبويه فحضانته لها إلى أن يفطم إن ترافعوا إلينا، بل في المسالك أنه لو وصف الولد الإسلام نزع من أهله، و لم يمكنوا من كفالته، لئلا يفتنوه عن الإسلام الذي قد مال إليه و إن لم يصح إسلامه، و إن كان قد يناقش بأنه مخالف لمقتضى الأدلة التي لا يصلح الخروج عنها باعتبارات لا دليل عليها من الشرع.

و لا حضانة أيضا للمجنونة التي لا يتأتى منها الحفظ و التعهد، بل هي في نفسها محتاجة إلى من يحضنها، بل في المسالك «لا فرق بين أن يكون الجنون مطبقا أو منقطعا إلا إذا وقع نادرا أو لا يطول مدته، فلا يبطل الحق، بل هو كمرض يطرء و يزول» و فيه أن الأدواري و إن لم يكن نادرا لا يمنع جريان حكم المعاملة حال عدمه، كما في نظائر المقام، لإطلاق الأدلة، بل قد يقال إن لم يكن إجماعا: إن الجنون و إن كان مطبقا لا يبطل حقها من الحضانة و إن انتقل الأمر حينئذ في تدبير ذلك إلى وليها كباقي الأمور الراجعة إليها، و لعله لذا ترك المصنف اشتراطه، و كأن من اشترطه نظر إلى كون الحضانة ولاية، و المجنون معزول عنها، و قد عرفت ما فيه.

و منه يعلم ما في المسالك و غيرها من أن «في إلحاق المرض المزمن الذي


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 141.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من كتاب المواريث.

ج 31، ص: 288

لا يرجى زواله كالسل و الفالج بحيث يشغله الألم عن كفالته و تدبر أمره وجهين، من اشتراكهما في المعنى المانع من مباشرة الحفظ، و أصالة عدم سقوط الولاية مع إمكان تحصيلها بالاستنابة، و به يفرق بينه و بين الجنون» ضرورة أن السقوط مناف لإطلاق الأدلة على كل تقدير.

و كذا ما في المحكي عن قواعد الشهيد عن بعضهم من اشتراط أن لا يكون بها مرض معد من جذام أو برص مما يترتب على حضانتها من خوف الضرر على الولد، و قد

قال صلى الله عليه و آله و سلم (1): «فر من المجذوم فرارك من الأسد»

ضرورة منافاة ذلك أيضا لإطلاق الأدلة، خصوصا بعد

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2): «لا عدوى و لا طيرة»

على أنه يمكن التحرز عن ذلك بمباشرة غيرها بأمرها.

و كذا ما يحكى عنها أيضا من سقوط حضانتها أيضا بسفر الأب، لجواز استصحابه الولد حينئذ فتسقط حضانتها، و كذا ما يحكى عن مبسوط الشيخ من اعتبار كونها مقيمة فلو انتقلت إلى محل يقصر فيه الصلاة بطل حقها من الحضانة، ثم حكى عن قوم أنه إن كان المنتقل هو الأب فالأم أحق به، و إن كانت الأم


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام العشرة الحديث 2 من كتاب الحج عن الصدوق قده بإسناده عن شعيب بن واقد عن الحسين بن زيد عن الصادق عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي قال: «و كره ان يكلم الرجل مجذوما.» الا أن هذه القطعة لم يذكر في حديث المناهي المروي في الفقيه ج 4 ص 2 بالسند المتقدم بعينه، فما ذكره المعلق على الوسائل الطبع الحديث من أن في الاسناد و هم في غير محله، فان سند حديث المناهي هو ذلك، و هذه القطعة مذكورة في روايتين: الاولى في وصايا النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعلي عليه السلام المروية في الفقيه ج 4 ص 258 الا أن السند غير السند المتقدم، و الثانية في ضمن المكروهات التي ذكرها النبي صلى الله عليه و آله و سلم المروية في الفقيه أيضا ج 3 ص 363 بسند آخر.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الدواب الحديث 1 من الحج.

ج 31، ص: 289

منتقلة فان انتقلت من قرية إلى بلد فهي أحق به، و إن انتقلت من بلد إلى قرية فالأب أحق به، لأن في السواد يقل تعليمه، بل عنه أنه قواه.

و الجميع كما ترى تهجس لا يجوز الخروج به عن إطلاق الأدلة، و من الغريب ذكرهم جملة من الأمور هنا بعنوان الشرطية لاستحقاق الحضانة و لم يذكروا شيئا منها في أحقية الرضاع مع اتحاد الوجه فيهما فتأمل.

و كذا الكلام في اعتبار العدالة التي من النادر حصولها في النساء باعتبار أن الفاسق لا ولاية له، و لا يؤمن أن يخون في حفظه فلا حظ له في حضانتها إذ قد عرفت أنها ليست ولاية، مع أن منشأها الشفقة التي هي من لوازم طبيعة كل حيوان، و من هنا قال في القواعد: «الأقرب عدم اشتراط العدالة» خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ و قواعد الشهيد و تحرير الفاضل، فاشترطوا عدم الفسق.

و في المسالك «أنه يمكن الجمع بين عدم اشتراط العدالة مع اشتراط عدم الفسق، لثبوت الواسطة عند الأكثر، و يجعل المانع ظهور الفسق لما يترتب عليه من الأخطار السابقة، بخلاف غير من المستورين و إن لم تظهر عدالته بالمعنى الذي اعتبره المتأخرون» و فيه أن مقتضى إطلاق الأدلة أيضا خلاف ذلك، خصوصا مع غلبة الفسق في النساء، نعم لو ظهر عدم ائتمان المرأة على الولد أمكن حينئذ دعوى سقوط حضانتها و عدم شمول الإطلاقات لها، بل في كشف اللثام أنه لا شبهة في ذلك.

أما اشتراط عدم التزويج فلا أجد فيه خلافا، بل في الروضة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد مرسل المنقري (1)المنجبر بما عرفت، بل و فحوى خبر داود الرقي (2)معتضدا ذلك كله

بالنبوي (3)العامي إنه صلى الله عليه و آله و سلم قال: «الأم أحق بحضانة ابنها ما لم تتزوج»

و في آخر(4)«إن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 المستدرك الباب- 58- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
4- 4 سنن البيهقي ج 8 ص 4.

ج 31، ص: 290

بطني له وعاء و ثديي له سقاء و حجري له حواء و إن أباه طلقني و أراد أن ينتزعه مني، فقال لها النبي صلى الله عليه و آله و سلم: أنت أحق به ما لم تنكحي»

و بأنها بالتزويج تشتغل بحقوق الزوج عن الحضانة، و إذنه لا تجدي كإذن السيد لاحتمال رجوعه فيتشوش أمر الولد، و العمدة النص و الإجماع، إذ حقوق الزوجية لا تنافي حق الحضانة و إلا لنافتها و هي في حباله، على أن ظاهر النص و الفتوى سقوط حق حضانتها بمجرد عقد النكاح و إن لم يحصل دخول يقتضي التشاغل في حق الزوج، بل ظاهرهما ذلك أيضا و لو التزم الزوج الجديد بملزم شرعي لعدم الرجوع بالاذن لها و بما لا ينافي الحضانة أو فرض التزويج بحال لا ينافي الحضانة.

إنما الكلام في عود الحضانة لها بالطلاق و عدمه، فعن الشيخ الأول، لوجود المقتضي و فرض ارتفاع المانع، و عن ابن إدريس الثاني، لاستصحاب السقوط بعد عدم الدليل على العود، قيل و على الأول أنه يعود بمجرد وقوعه إذا كان بائنا، و إن كان رجعيا فبعد العدة، و يحتمل عوده بمجرده أيضا، لعدم الاشتغال بحقوق الزوجية معه و إن كان رجعيا.

بقي شي ء: و هو أن ما قلناه من الحضانة للأم مدة الرضاعة أي الحولين مشروط بارتضاعه منها، فلو فطم قبل الحولين ترتفع حضانتها، كما هو مقتضى

قوله عليه السلام (1): «فإذا فطم فالأب أحق منها»

أو أن لها الحضانة في مدة تمام الحولين و إن فطم قبلهما، و إنما ترتفع حضانتها بتمامهما و إن بقي يرتضع بعدهما؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوة، للأصل و إمكان تنزيل

قوله عليه السلام (2): «حتى يفطم»

على الغالب من الحولين، فتأمل جيدا، هذا كله في مدة الرضاعة أي الحولين.

ف أما إذا فصل الولد و انقضت مدة الرضاعة فالوالد أحق بالذكر و الأم أحق بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين من حين الولادة على الأشهر بل المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه فيهما، و السرائر في الأول لخبري الكناني(3)


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.

ج 31، ص: 291

و داود بن الحصين (1)المتقدمين و إن شملا الأنثى إلا أن المراد منهما الذكر، جمعا بينهما و بين ما دل على السبع من خبري أيوب بن نوح (2)السابقين المنزلين على الأنثى، و الشاهد الإجماع المحكي فيهما المؤيد بالاعتبار، إذ الوالد أنسب بتربية الذكر و تأديبه، كما أن الوالدة أنسب بتربية الأنثى و تأديبها.

و قيل و القائل المفيد و سلار و القاضي فيما حكي عنهم الأم أحق بها حتى تبلغ تسعا إلا أنا لم نقف على مستنده اللهم إلا أن يقال: إنها لما كانت مستورة و لا بد للأب من التبرج كثيرا لم يكن بد من ولي يربيها إلى البلوغ، و حده تسع سنين، أو تستصحب الحضانة إليها بعد تنزيل خبري السبع على الذكر، كما عن الخلاف و المبسوط و أبي علي و القاضي أيضا، فيقتصر بهما على الخروج منه عليه خاصة، فإنه و إن كان مطلقا إلا أن الأليق ولاية الأب عليه إذا بلغ سبعا و الأنثى بخلافه، إذ بلوغ السبع وقت التأديب و التربية لهما، و تأديبه أليق بالأب و تربيتها بالأم، و ربما يؤيد النصوص (3)الواردة في إهمال الصبي سبعا، و ضمه و لزومه للأب و تعليمه الكتاب سبعا، و تعليمه الحلال و الحرام سبعا، بل منها مال في الحدائق إلى التوقيت بالسبع في الذكر و الأنثى، إلا أنه قد فاته ملاحظة نصوص (4)التعليق على الفطام.

و قيل و القائل الصدوق في المحكي عن مقنعة و أبو علي فيما حكى عنه أيضا إن الأم أحق بها ما لم تتزوج الأم لمرسل المنقري (5)و خبر حفص بن غياث (6)السابق، و لكن يمكن حمل الخبر و كلاميهما على ما قبل البلوغ على


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 82 و 83- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.
5- 5 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
6- 6 راجع التعليقة 4 من ص 285.

ج 31، ص: 292

ما يقتضيه الأصول، كما عن صريح الخلاف، فيوافق القول بالانتهاء إلى تسع سنين، و على كل حال ف الأول أظهر لما عرفت. ثم يكون الأب أحق بها حينئذ.

و كذا قد عرفت أنه لو تزوجت الأم سقطت حضانتها عن الذكر و الأنثى و كان الأب أحق بهما للنص (1)و الإجماع السابقين، لكن من المعلوم إرادة تزويجها بغير الأب و إلا لسقطت حضانتها و هي في حباله قبل أن تفارقه، و هو معلوم العدم، فمن الغريب ما في المسالك من احتمال ذلك.

نعم ينبغي أن لا يمنع الولد من زيارتها و الاجتماع معها كما لا تمنع هي من زيارته و الاجتماع معه، لما في ذلك من قطع الرحم و المضارة بها، فان كان ذكرا ترك يذهب إلى أمه، و إن كانت أنثى أتتها هي زائره مع فرض الضرر عليها بخروجها و إلا مضت هي إليها، و المراد عدم منع المواصلة بينهما مع فرض عدم التضرر على الطفل بها، و خصوصا في حال مرضه أو مرضها أو موت كل منهما، كما هو واضح، هذا كله في الذكر و الأنثى.

أما الخنثى المشكل ففي إلحاقه بالذكر أو بالأنثى قولان، منشؤهما استصحاب حق حضانة الأم الثابت قبل تمام الحولين، للشك في المزيل، إذ هو الذكورة و لم تتحقق، و كون استحقاقها مشروطا بالأنوثية و لم يعلم.

و في المسالك و غيرها «الأقوى الأول لوجوب جريان أحكامها عليها من الستر و نحوه، و دخوله في عموم الأخبار(2)الدالة على استحقاقها الولد مطلقا، خرج منه الذكر لمناسبة تربيته و تأديبه فيبقى الباقي» و فيه منع وجوب الستر عليها في غير متيقن الشغل، كالصلاة المحتاجة إلى البراءة اليقينية، و عموم أخبار السبع (3)ليس بأولى من عموم أخبار التعليق على الفطام (4)الذي لم يعلم خروج غير


1- 1 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6- 7.
4- 4 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1 و 2.

ج 31، ص: 293

الأنثى منه، فالمتجه حينئذ الرجوع إلى إطلاق ولاية الأب على ولده المقتصر في تقييده على خصوص الحولين في حضانة الذكر و السبع في حضانة الأنثى، فيبقى الخنثى في غير القدر المشترك أي الحولين تحت الإطلاق.

و كيف كان ف لو مات الأب بعد انتقال الحضانة إليه أو قبله كانت الأم أحق بهما من الوصي للأب و من باقي أقاربه حتى أبيه و امه فضلا عن غيرهما، كما أنها لو ماتت هي في زمن حضانتها كان الأب أحق بهما من وصيها و من أبيها و أمها فضلا عن باقي أقاربها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل ظاهرهم الإجماع عليه، للأصل في بعض الصور متمما بعدم القول بالفصل، و لأنها أشفق و أرفق «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ»*(1)و لما في

مرسل ابن أبي عمير عن زرارة(2)عن الباقر عليه السلام المتقدم سابقا «و ليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع اليه ماله».

و ما في

خبر داود بن الحصين (3)السابق أيضا «فإذا مات الأب فالأم أحق به من العصبة»

و لظهور قوله تعالى (4)«لا تُضَارَّ» إلى آخره في كون الحق لهما دون غيرهما، إلا أنه مع وجودهما كان تفصيل الأمر بينهما شرعا على ما عرفت، أما مع موت أحدهما يبقى الآخر بلا معارض، فلا يضار بأخذ الولد منه، بل لعل ذلك ظاهر النصوص (5)السابقة باعتبار إثبات الأحقية للأم في الذكر حتى يفطم فيكون الأب أحق به، و في الأنثى سبعا، فيكون الأحق الأب، فأصل الحق ثابت لكل منهما إلا أنه يكون غيره أحق منه، و من المعلوم أن ذلك يكون مع وجوده، أما مع عدمه


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.
2- 2 أشار إليه في الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2 و ذكره في التهذيب ج 8 ص 106 الرقم 356 الا أنه لم يتقدم هذا المرسل سابقا، و انما ذكر لفظه في صحيح ابن سنان المتقدم في التعليقة 3 من ص 275.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 233.
5- 5 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.

ج 31، ص: 294

فليس الحق حينئذ إلا لذي الحق، ضرورة فرض عدم الأحق منه، و كأن ذلك و نحوه منشأ اتفاق الأصحاب، فما وقع من بعض الناس- من الإشكال في ذلك باعتبار خلو النصوص عن التعرض لذلك- في غير محله.

و منه يعلم الوجه فيما يقتضيه إطلاق العبارة و غيرها من كونها حينئذ أحق حتى لو كانت متزوجة، كما هو صريح المحكي عن إرشاد العلامة و تلخيصه، لكن في المسالك «أن باقي عبارات الأصحاب في ذلك مجملة، كعبارة المصنف محتملة لتقييدها بكونها غير مزوجة نظرا إلى أنه شرط في الحضانة مطلقا، و إلى التعليل المذكور باشتغالها بحقوق الزوج، فإنه آت هنا» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، و بعد ما سمعته سابقا مما في التعليل المزبور الذي لا أثر له في شي ء من النصوص، مضافا إلى ما عساه يستفاد من قول المصنف و غيره.

و كذا لو كان الأب مملوكا أو كافرا كانت الأم الحرة المسلمة أحق بهما و إن تزوجت بل لعله لا خلاف فيه، إذ ليس ذاك إلا من جهة عدم حق لهما في الحالين، فيبقى حقها حينئذ بلا معارض نحو ما سمعته في المقام، بل هو منشؤ النصوص (1)السابقة المصرحة بأولوية الأم مع رقية الأب، بل

في بعضها(2)«و إن تزوجت».

و أما الكافر فإنه و إن لم يكن فيه نص إلا أن من المعلوم عدم ولايته على المسلم و عدم معارضته له، لأن

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(3)

فهو حينئذ أنقص من المملوك بالنسبة إلى ذلك، فيكون أولى منه بالحكم المزبور.

و من هنا يعلم أن ما اعتبر في الحضانة بالأم معتبر أيضا في الأب عدا التزويج إلا أن المصنف لما اقتصر هناك على الحرية و الإسلام ذكرهما خاصة هنا، و أما العقل و غيره مما سمعته فيما تقدم فالكلام فيها كالكلام هناك، فالضابط حينئذ أن الأب إنما يكون أولى من الأم مع اجتماع شرائط الحضانة فيه التي منها الإسلام


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من المواريث.

ج 31، ص: 295

و الحرية قطعا، بل في المسالك و العقل إجماعا و إن كان فيه الاحتمال السابق.

و أما الإقامة و الحضر و السلامة من الأمراض المزمنة و المعدية فعلى البحث السابق، فمتى اختل شرط من شروطها فيه كانت الأم أحق بالولد مطلقا إلى أن يبلغ، و متى اختل شرط من شروطها فيها فالأب أحق به مطلقا، و متى مات أحدهما انتقل الحق إلى الآخر مطلقا، لما عرفته مفصلا، و اشتراط عدم تزويجها إنما يعتبر في ترجيحها على الأب مع اجتماع الشرائط ف يه خاصة.

نعم لو أعتق العبد كان حكمه حكم الحر بلا خلاف أجده فيه للنص (1)المتقدم، و مثله ما لو أسلم الكافر أو عقل المجنون أو عدل الفاسق إلى غير ذلك من الشرائط السابقة بناء على اعتبارها، ضرورة اتحاد الجميع في المدارك، و هو أن الولاية ثابتة بالأصل و إنما تخلفت لفقد الشرط، فإذا حصل ثبتت. أو أن هذه الأشياء موانع، فإذا زالت أثرت لإطلاق ما دل (2)على أن الأب مثلا أحق بالحضانة الشامل لمحل الفرض، خصوصا بعد فحوى ما ورد(3)في العبد من أنه لو أعتق كان أحق لموضع الأب المراد منه أن الأبوة المقتضية لأحقيته متحققة فيه، إلا أنه كانت الرقية مانعة من تأثيرها، فلما زالت اقتضت الأبوة مقتضاها، و هو أمر جار في جميع نظائره، كما هو واضح، و لا ينافي ذلك عدم عودها بالطلاق بناء عليه، لظهور الدليل في سقوط أحقيتها بأصل وقوع النكاح منها، و هو متحقق منها و إن طلقت، فتأمل و الله العالم.

و كيف كان فان فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب أي الجد للأب، وفاقا للمحكي عن ابن إدريس و الفاضل، لأن أصل الحضانة للأب لأن له الولد انتقلت عنه إلى الأم مع وجودها بالنص و الإجماع، فإذا انتفيا انتقلت إلى أب الأب، لأنه أب و مشارك للأب في كون الولد له، و له الولاية عليه في المال و غيره، و كذا في


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد.
3- 3 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 296

الحضانة، و لا يرد أن أم الأم و أم الأب يسميان بالأم فيشملهما ما دل على حضانة الأم، لأنها لما خالفت الأصل اقتصرنا فيها على المتيقن.

فان عدم أي الأب للأب قيل كانت الحضانة للأقارب و ترتبوا ترتب الإرث نظرا إلى أولوية الأرحام في الآية(1)و فيه تردد أو منع إذ المتجه حينئذ كون الحضانة للوصي للأب ثم للوصي للجد، لكونهما نائبين عنهما و قائمين مقامهما، و منها حضانة الطفل و تربيته و السعي في مصالحه و مفاسده، و ربما استفيد من مرسل ابن أبي عمير(2)ثبوت حق في الجملة للوصي و إن كانت الأم أحق منه، لكن لم أجده قولا لأحد من الأصحاب مع كثرة أقوالهم في المسألة و تشتتها.

(فمنها) ما سمعت من أنها للجد من الأب مع فقد الأبوين، و مع عدمه فان كان للولد مال استأجر الحاكم من يحضنه و إلا كانت حكم حضانته حكم الإنفاق تجب على الناس كفاية كما عن ابن إدريس، و ربما قيل: إنه ظاهر المصنف أيضا، و إن كان فيه ان تردده في انتقالها إلى الأرحام أعم من ذلك، لإمكان صيرورتها إلى الوصي الذي سمعته أو إلى الحاكم بعده أو من أول الأمر باعتبار أنه ولي من لا ولي له، فيحضنه حينئذ من بيت المال.

و (منها) أن حضانته بعد الأبوين للأولى بميراثه، فان اتحد و إلا أقرع بينهم، لأنه لاحظ للولد في الشركة به، و هو الذي اعتمده في المسالك لاية «وَ أُولُوا الْأَرْحامِ»*(3).

و (منها) ما في محكي الإرشاد من أنها للأجداد دون من شاركهم في الإرث من الإخوة، فإذا عدموا فالى باقي مراتب الإرث، إلا أنه لم يفصل بين الأجداد للأب و للأم، و لا بين القريب و البعيد.

و (منها) ما عن المفيد من أنها تكون لأم الأب، فان لم تكن فلأبيه، فإن


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.
2- 2 راجع التعليقة 2 من ص 293.
3- 3 سورة الأنفال: 8- الآية 75.

ج 31، ص: 297

لم يكونا فلأم الأم.

و (منها) ما عن أبي علي من أنه من مات من الأبوين كان الباقي أحق به من قرابة الميت، إلا أن يكون المستحق له غير رشيد، فيكون من قرب إليه أولى به، فان تساوت القرابات قامت القرابات مقام من هي له قرابة في ولايته- إلى أن قال-:

و الأم أولى به ما لم تتزوج، ثم قرابتها أحق به من قرابة الأب، ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1)في ابنة حمزة: «يدفعها لخالتها دون أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه و جعفر»

إلى آخره. إلى غير ذلك من أقوالهم المنتشرة التي لم نقف لها على دليل معتبر، إذ ليس فيما عثرنا عليه هنا مما يصلح مدركا و لو في الجملة إلا الآية و خبر بنت حمزة و إشعار

قوله عليه السلام في الخبر(2)السابق: «الأم أحق به من العصبة»

كقوله في آخر:

«أحق به من الوصي و ولاية الجد للأب»

و نحو ذلك مما لا يستفاد منه شي ء من هذه الأقوال، نعم دعوى عدم الحضانة لشي ء من الأرحام سوى الأب و الأم و الجد للأب كما عن ابن إدريس واضحة الضعف، للاية و خبر بنت حمزة و ما يشعر به قوله تعالى(3):

«وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» من معلومية هذا الحال في ذلك الزمان مضافا إلى فعل زكريا، و الذي يقوى في النظر كونها للجد من قبل الأب بعد فقد الأبوين، ثم للوصي المتأخر موته منهما، ثم للأرحام على مراتبهم في الإرث، ثم للحاكم، ثم للمسلمين كفاية، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4 و المستدرك- الباب- 52- منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 سورة آل عمران: 3- الآية 44.

ج 31، ص: 298

[فروع أربعة]
[الفرع الأول قال الشيخ إذا اجتمعت أخت لأب و أخت لأم كانت الحضانة للأخت من الأب نظرا إلى كثرة النصيب في الإرث]

الأول قال الشيخ «ره»: إذا اجتمعت أخت لأب و أم أو لأب و أخت لأم كانت الحضانة للأخت من الأب نظرا إلى أن كثرة النصيب في الإرث تقتضي زيادة القرب، فتكون أولى، أو أن البنت من السببين أولى من السبب الواحد و قد سمعت الاشكال من المصنف في أصل الاستحقاق للحضانة، للأصل و اختصاص النص بالأب و الأم و إرادة الأولوية بالإرث من الآية(1)و على تقديره فالإشكال في الترجيح أيضا و منشؤهما تساويهما في الدرجة التي يستحقان بها الإرث، و زيادة النصيب أعم من كونها للقرب المقتضي للاختصاص في الحضانة، و من هنا كان المحكي عنه في موضع من مبسوطه أنه قال:

«و إن قلنا: إنهما سواء و يقرع بينهما كان قويا» بل ستسمع كلامه في الفرع الثالث.

و كذا قال في أم الأم مع الأب فخص الحضانة بالثانية لذلك أيضا و فيه الإشكال من الوجهين و إن كان قد عرفت ما في أولهما، نعم هو لا يخلو من وجه في ثانيهما، مع إمكان القول بأن ذلك مرجح لأحدهما على وجه يرفع القرعة المعتبر في محلها التساوي في الفردين من كل وجه، و فيه منع كون ذلك مرجحا بعد أن


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.

ج 31، ص: 299

لم يكن عليه دليل شرعي، على أنه يعارض في الثاني بأن أم الأم أم أو بمنزلتها، فينبغي أن تكون مقدمة على من كان بمنزلة الأب خصوصا بعد المحكي عنه في

[الفرع الثاني قال في جدة و أخوات الجدة أولى]

الفرع:

الثاني: و هو أنه قال في جدة و أخوات: الجدة أولى لأنها أم فيشملها النص حينئذ و إن اتفق قلة نصيبها من الأخت، و فيه منع كونها أما حقيقة، و لذا يصح السلب عنها، فيقال: ليست أما و إنما هي أم أم أو منع إرادتها منها هنا و لو للانسياق و إلا لقدمت على الأب، و لعله لذا كان المحكي عنه في المبسوط تساويهما أي الأخوات و الجدة في الاستحقاق لاشتراكهما في أصل الإرث فيتناولهما آية أولى الأرحام (1)و لعله الأقوى وفاقا لثاني الشهيدين، و حينئذ فيقرع بينهما، و للشافعي قول على ما قيل ترجيح (2)الأخت، لأنها ركضت مع المولود في رحم أو صلب.

[الفرع الثالث إذا اجتمعت عمة و خالة فهما سواء]

الفرع الثالث قال: أي الشيخ أيضا إذا اجتمعت عمة و خالة فهما سواء مع زيادة نصيب العمة على الخالة، و هذا مما يدل على اضطرابه في المسألة، اللهم إلا أن يكون منشؤه تعارض الترجيح بزيادة النصيب مع التعليل في خبر(3)بنت حمزة بأن الخالة أم فيتساويان و يقرع بينهما حينئذ.


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية المبيضة الا أن الموجود في المخطوطة بخط المصنف طاب ثراه «بترجيح» و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل الباب- 73- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.

ج 31، ص: 300

[الفرع الرابع قال إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمة و الخالة أقرع بينهم]

الفرع الرابع:

قال: إذا حصل جماعة متساوون في الدرجة كالعمة و الخالة أقرع بينهم لأنه لاحظ للصبي في الاشتراك بحضانته دفعة أو مهايأة و ما يشعر به قصة مريم (1)و حيث يتعين أحد بالقرعة يستمر الاستحقاق إلى أن يموت أو يعرض عن حقه، فينتقل إلى غيره إن اتحد، و إلا افتقر إلى القرعة أيضا، كما هو واضح.

[من لواحق الحضانة ثلاث مسائل]
[المسألة الأولى إذا طلبت الأم للرضاعة أجرة زائدة عن غيرها فله نزعه منها و تسليمه إلى الأجنبية]

الأولى قد سمعت النص (2)و الفتوى على أنه إذا طلبت الأم للرضاعة أجرة زائدة عن غيرها سواء كانت أجرة المثل أو أزيد فضلا عن وجود المتبرعة فله نزعه منها و تسليمه إلى الأجنبية و لكن في سقوط حضانة الأم حينئذ تردد ينشؤ من تبعيتها في العادة له، بل العسر و الحرج زمانا و مكانا في تفريقهما، و ظهور لفظ النزع في الخبر(3)و من كونهما حقين متغايرين لا يسقط أحدهما بالاخر، و من ذلك يعلم حينئذ حال العكس الذي لم أجد فيه خلافا و إن كان يمكن جريان التردد فيه.

و على كل حال ف السقوط هنا أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة معلومية أصالة أحقية الوالد بولده المنسوب إليه إلا أنه خرج عنها الحضانة التابعة للرضاع لأنها المتيقنة من النص، فيبقى غيرها على الأصل.


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 44.
2- 2 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 81- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.

ج 31، ص: 301

[المسألة الثانية إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه]

المسألة الثانية لا خلاف في أنه إذا بلغ الولد رشيدا سقطت ولاية الأبوين عنه للأصل و كان الخيار إليه في الانضمام إلى من شاء منهما أو من غيرهما، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه.

[المسألة الثالثة إذا تزوجت سقطت حضانتها فإن طلقها رجعية فالحكم باق]

المسألة الثالثة قد عرفت الحال في أنه إذا تزوجت سقطت حضانتها فإن طلقها رجعية فالحكم باق مع احتمال العدم، و إن بانت منه ثم رجعت إليه قيل و القائل ابن إدريس لم ترجع حضانتها، و الوجه عند المصنف و جماعة الرجوع فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

[النظر الخامس في النفقات]
اشاره

النظر الخامس في النفقات فنقول: من المعلوم أنه لا تجب النفقة (11) من حيث كونها نفقة لا من حيث توقف حفظ النفس المحترمة إلا بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية و القرابة و الملك (12) بإجماع الأمة كما عن جماعة الاعتراف به،

[القول في نفقة الزوجة]
اشاره

و القول (13) الآن في نفقة الزوجة (14) المدلول عليها مضافا إلى ما عرفت بالكتاب و السنة المتواترة «ذلِكَ

ج 31، ص: 302

أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا»(1)و «عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(2)و «لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ، وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ»(3)و «عاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»(4)«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَ بِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ»(5)«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ»(6)و

قال الصادق عليه السلام (7)في قوله تعالى «وَ مَنْ قُدِرَ» إلى آخره: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، و إلا فرق بينهما»

و الباقر عليه السلام في خبر أبي بصير(8)«من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و لم يطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما»

و سئل أبو عبد الله عليه السلام (9)«عن حق المرأة على زوجها قال:

يشبع بطنها، و يكسو جنبها، و إذا جهلت غفر لها».

و في

خبر عنبسة(10)عنه عليه السلام أيضا «إذا كساها ما يوارى عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها، أقامت معه، و إلا طلقها»

إلى غير ذلك من النصوص (11)التي هي فوق حد التواتر، و منها ما

روى (12)«أن هند امرأة أبي سفيان جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقالت: إن أبا سفيان شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي إلا ما آخذ منه سرا و هو لا يعلم، فهل علي من ذلك شي ء؟ فقال: خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف».


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 3.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 سورة الطلاق: 65 الآية 7.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 19.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 34.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 229.
7- 7 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 2.
9- 9 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 3.
10- 10 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 4.
11- 11 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.
12- 12 كنز العمال ج 8 ص 303- الرقم 5171.

ج 31، ص: 303

إنما الكلام في الشرط و قدر النفقة و اللواحق، و

[أما الشرط]
اشاره

أما الشرط المتفق عليه ف اثنان

[الأول أن يكون العقد دائما]

الأول: أن يكون العقد دائما فلا نفقة لذات العقد المنقطع إجماعا بقسميه، كما عرفته فيما تقدم.

[الثاني التمكين الكامل]
اشارة

و الثاني: التمكين الكامل، و هو التخلية بينها و بينه على وجه به يتحقق عدم نشوزها الذي لا خلاف في اعتباره في وجوب الإنفاق، بل الإجماع بقسميه عليه فمتى مكنته على الوجه المزبور بحيث لا تخص موضعا و لا وقتا مما يحل له الاستمتاع بهما وجب عليه الإنفاق و إلا فلا.

فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان أو في مكان دون آخر مما يسوغ فيه الاستمتاع لم يحصل له التمكين و لم تجب عليه النفقة قطعا لتحقق نشوزها حينئذ بذلك، بل لو مكنته قبلا و منعت غيره من الدبر أو سائر الاستمتاعات لا لعذر سقطت نفقتها أجمع في أقوى الوجوه، بل في المسالك «أنه يمكن أن يكون المراد بالمكان في المتن ما يعم البدن كالقبل و غيره» و إن كان هو كما ترى، نعم قد تقدم قوة سقوط نفقتها أجمع بذلك و احتمال التبعيض و عدم السقوط.

و على كل حال ففي المتن بعد ما عرفت و في وجوب النفقة بالعقد أو بالتمكين تردد، أظهره بين الأصحاب وقوف الوجوب على التمكين و في القواعد «الأول في الشرط: إنما تجب النفقة بالعقد الدائم مع التمكين التام. فلا تجب بالمتعة و لا لغير الممكنة من نفسها كل وقت في أي موضع أراد، فلو مكنت قبلا و منعت غيره سقطت نفقتها، و كذا لو مكنته ليلا أو نهارا أو في مكان دون آخر مما يجوز فيه الاستمتاع، و هل تجب النفقة بالعقد بشرط عدم النشوز أو بالتمكين؟ فيه إشكال» و ظاهرهما أو صريحهما بعد التأمل الجيد في كلامهما أنه لا كلام في اعتبار التمكين الذي هو ضد النشوز، و لا يتحقق عدمه إلا به في وجوب الإنفاق، و لذا فرعوا عليه ما يقتضي النشوز، و إنما الكلام في اعتبار غيره فيه، و لعله إلى ذلك أومأ في المسالك، فإنه بعد أن ذكر كلام المصنف الأول قال: «فان جعلنا التمكين شرطا فظاهر، و إن جعلنا النشوز مانعا كان ملحوظا في تحقق معناه، فلذا بدأ به قبل تحقق محل

ج 31، ص: 304

الخلاف- ثم قال أيضا في شرح تردد المصنف: لا ريب في أن للنفقة تعلقا بالعقد و التمكين جميعا، فإنها لا تجب قبل العقد و تسقط بالنشوز بعده، و اختلف في أنها بم تجب؟

فقيل بالعقد كالمهر- إلى أن قال-: و قيل: لا يجب بالعقد مجردا بل بالتمكين» إذ لو لم يرجع حاصله إلى ما ذكرناه كان بلا حاصل.

و كيف كان فغاية ما ذكروه دليلا لذلك أن اشتراط هذا الشرط معروف بين الأصحاب، بل كاد يكون إجماعا، مع أنا لم نقف على مخالف فيه صريحا و لا ظاهرا إلا ما ربما يستفاد من تردد المصنف و استشكال الفاضل في القواعد، و هو بمجرده لا يوجب المخالفة، مع تصريح الأول بأن اعتباره هو الأظهر بين الأصحاب بكلمة الجمع المفيد للعموم الظاهر في الإجماع، و نحوه شيخنا الشهيد في المسالك، و أظهر من كلامه ثم كلامه في الروضة، فاختار المصير إلى اعتباره بعد المناقشة في دليله معتذرا بعدم ظهور مخالف فيه، و جعله وسيلة لاختياره، و هو ينادي باجماعيته، فان دأبه عدم جعل الشهرة بل و لا عدم ظهور الخلاف بمجرده دليلا و إن وجد له من الأخبار الغير الصحيحة شاهدا فحكمه ثم بالمصير لأجله قرينة واضحة على بلوغه حد الإجماع و درجته، و هو الحجة فيه بعد الأصل المؤيد بل المعتضد بظاهر الأمر بالمعاشرة بالمعروف (1)الظاهر في اختصاص الأمر بالإنفاق بما تقتضيه العادة، و ليس من مقتضياتها الوجوب إلا بعد التمكين كما هو المشاهد من أهلها، فإنهم ينكحون و يتزوجون من غير إنفاق إلى الزفاف مع عدم اختلاف من الزوجات و أهلهن فيه مع الأزواج المستمرين، و ربما يؤخذ ذلك من المسلمين إجماعا، و يجعل مثله وفاقا و ربما يحلق بالضرورة قطعا، و قد جعل هذا من فروع التمكين، و مع ثبوت حكمه يثبت غيره من الفروع جدا، لعدم القائل بالفرق أصلا فتأمل جيدا.

و ربما أيد اعتباره أيضا، بل قيل: إنه لا يبعد جعله دليلا ما

روى عن النبي


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 19.

ج 31، ص: 305

صلى الله عليه و آله و سلم (1)«إنه تزوج ثم دخل بعد سنين و لم ينفق».

كل ذلك مضافا إلى ما قيل أيضا من أن العقد يوجب المهر عوضا، فلا يوجب عوضا آخر، و أن النفقة مجهولة، و العقد لا يوجب مالا مجهولا.

و ما

روى عنه صلى الله عليه و آله و سلم (2)من قوله: «و اتقوا الله في النساء، فإنهن عواري عندكم اتخذتموهن بأمانة الله، و استحللتم فروجهن بكلمة الله، و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف»

فإنه صلى الله عليه و آله و سلم أوجب لهن من الرزق و الكسوة إذا كن عندهم.

لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم عد ذلك من الإجماع المحكي الذي قام الدليل على حجيته، كضرورة عدم ظهور الأمر بالمعاشرة بالمعروف في اشتراط التمكين، و عدم الإنفاق إلا بعده بعد تسليمها أجنبية عن الدلالة على الاشتراط، بل دعوى اتخاذ ذلك إجماعا أو ضرورة من غرائب الكلام، و ما كنا نرجو وقوع هذا الكلام من مثله، كعدم الإنفاق الصادر من النبي صلى الله عليه و آله و سلم مع عدم علمنا بكيفية عدم صدوره منه، و ليست النفقة من الأعواض الواجبة بالعقد، بل و لا من المال المجهول، و إنما العقد أفاد كونها زوجة له، و الشارع أثبت النفقة للزوجة، نحو شراء الدابة و العبد المملوك، و الخبر المزبور لا دلالة فيه على اشتراط النفقة بكونهن عندكم، بل قد يقال: إن إطلاقه دليل على العدم.

و من هنا قد اعترف في كشف اللثام بضعف هذه الأدلة غير الأصل، قال:

«و هو يكفينا، فإن أدلة الوجوب مجملة، فنقتصر على مدلولها على موضع اليقين» و تبعه على دعوى الإجمال في الرياض، لكن في المسالك بعد أن أفسد جميع ما ذكر دليلا له قال: «و أما أصالة البراءة فإنما تكون حجة مع عدم دليل ناقل عنه، لكنه موجود بالعمومات الدالة على وجوب نفقة الأزواج، و الأصل عدم التخصيص» و مراده على الظاهر إطلاق الكتاب و السنة الذي قد سمعته، و هو حجة كالعموم، و دعوى


1- 1 سنن النسائي- ج 6 ص 131.
2- 2 سنن البيهقي- ج 7 ص 304.

ج 31، ص: 306

الاجمال واضحة الفساد، و من هنا جزم المحدث البحراني باختيار القول الثاني الذي لا يخفى عليك دليله بعد ما ذكرنا.

لكن قد يقال: إن ظاهر

النصوص المشتملة على بيان حق الزوج على الامرأة- و أن منه «أن تطيعه و لو كانت على ظهر قتب(1)

و «أن تلبس أحسن ثيابها، و تتطيب بأحسن طيبها، و تعرض نفسها عليه كل غدوة و عشية(2)

و «أن لا تخرج من بيته بغير إذنه»(3)

و غير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي هي و إن كانت خالية عن ذكر اعتبار ذلك في النفقة، إلا أنه قد يستفاد ذلك مما دل (4)على سقوط نفقتها بخروجها من بيته بغير إذنه و نشوزها الذي هو مخالفة ما تضمنته النصوص الأولى المشتملة على بيان حقه عليها- كون النشوز مسقطا باعتبار تفويته الشرط الذي هو وجوب طاعتها و عرضها نفسها عليه، و عدم خروجها من بيته بغير إذنه، لا أنه مانع لوجوب النفقة الذي كان سبب وجوبها العقد مجردا، كما هو واضح بأدنى التفات، بل ربما يشم من قوله تعالى (5)«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ» ما يشبه معاوضة الاستمتاع بالإنفاق على نحو ما ورد(6)من الإنفاق على الدابة عوض ما يستوفيه من منافع ظهرها، كما أنه يشم من نصوص (7)بيان حق كل منهما على الأخر مقابلة كل منهما لصاحبه.

نعم الإنصاف أن هذا المعنى المستفاد من النصوص المزبورة ليس هو اعتبار مطلق التمكين الذي فرعوا عليه الفروع المتجه بناء عليه سقوط النفقة لمن لم تمكن من ذلك و لو لعذر شرعي، ضرورة عدم مدخلية العذر شرعا في صدق انتفائه المقتضي


1- 1 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب النفقات.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 34.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من كتاب الرهن الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب- 79 و 88- من أبواب مقدمات النكاح و الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 7 و الباب- 6- منها الحديث 2.

ج 31، ص: 307

لانتفاء مشروطه و إن كان لا إثم عليها به، لأن الفرض معذوريتها شرعا، فالمتجه حينئذ اعتبار الطاعة التي يكون عدمها نشوزا في وجوب الإنفاق، و هو لا يكاد ينفك عن عدم النشوز، فلا يتجه الفرق بين القول بكون التمكين شرطا و بين القول بكون النشوز مانعا بعد فرض إرادة ما ذكرناه من التمكين على الوجه المزبور الذي مرجعه إلى اتحاد مصداق المراد من مفهوم التمكين و عدم النشوز بالنسبة إلى وجوب الإنفاق، فاتفاق صدق عدم النشوز في بعض الأفراد التي لا يتحقق فيها مصداق التمكين غير قادح بعد فرض عدم الاكتفاء بمثله في الإنفاق كما في الصغيرة، كما أنه لا يقدح عدم صدق التمكين في بعض الأفراد التي لا نشوز فيها باعتبار العذر شرعا أو عقلا المانع عن الاستمتاع في وجوب الإنفاق الذي فرضنا كفاية صدق عدم التقصير من الامرأة فيما وجب عليها من حقوق الزوج فيه و الفرض تحققه.

و كيف كان فما عن التحرير- من أنه لا بد من قول: «سلمت إليك نفسي في كل زمان و مكان شئت» في التمكين التام الذي هو شرط النفقة، و في كشف اللثام لأنه لا يتحقق بدونه إلا أن يكتفى بالتمكين مرة مع الوثوق، أو بالوثوق و إن لم يحصل التمكين و إن بعد الفرض- واضح الفساد، و كأنه أومأ إليه في المسالك حيث قال: «اعلم أن الظاهر من كلام المصنف و غيره بل صرح به بعضهم أن التمكين لا يكفي حصوله بالفعل، بل لا بد من لفظ يدل عليه من قبل المرأة، بأن تقول: «سلمت نفسي إليك حيث شئت أو أي زمان شئت» و نحو ذلك، فلو استمرت ساكتة أو مكنته من نفسها بالفعل لم يكف في وجوب النفقة، و لا يخلو ذلك من إشكال».

قلت: بل واضح المنع، ضرورة عدم دليل عليه، و عدم توقف صدق الطاعة و الانقياد عرفا عليه، و عرض نفسها عليه كل غدوة و عشية لا يقتضي ذلك قطعا.

(و بالجملة) من لاحظ مجموع كلماتهم في هذا المقام و فيما يأتي- من إيجابهم النفقة للمعذورة عقلا أو شرعا في عدم التمكين الذي يقتضي اعتباره شرطا فيها انتفاؤها بانتفائه و لو لعذر، ضرورة عدم مدخلية الحكم التكليفي في الحكم

ج 31، ص: 308

الوضعي- يعلم أنها لا تخلو من تشويش و اضطراب و أن جملة منها لا ترجع إلى حاصل، ضرورة عدم دليل بالخصوص على استثناء ذلك من اعتبار التمكين، و أنه لا محيص على القول بالاكتفاء في عدم التقصير فيما يجب عليها من حقوق الزوج في وجوب الإنفاق، و ذلك إنما يكون بتمكينها من نفسها و تخلية بينها و بينه مع عدم المانع شرعا أو عقلا، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق.

و كيف كان فقد ذكروا أنه من ثمرات الخلاف ما لو تنازعا في النشوز و عدمه، فان عليه بينة النشوز على القول بكونه مانعا، لأن الأصل معها، و هو وجوب النفقة و انتفاء المانع، و على القول الأخر عليها إقامة البينة على التمكين، لأن الأصل معه.

و قد يناقش في الأول بأن المانع يكفى فيه الأصل مع فرض كون عدمه على مقتضاه بلا معارضة شي ء آخر، أما في المقام فقد يقال بمعارضة أصالة عدم طاعتها و عدم وصول حقه إليه، و الفرض انحصار الدعوى بينهما بالطاعة و النشوز على وجه يكون غير الناشزة و غير الطائعة معلوم خروجهما عن دعواهما و مقطوع بعدمهما.

كما أنه قد يناقش في الثاني في الاكتفاء في ثبوته بسبق حصوله مع فرضه، أو أصالة عدم تقصير المسلم بما يجب عليه من تكليف، على أن أصالة عدم حصول ذلك منها لا يكفي في سقوط النفقة عند القائلين باعتبار التمكين، لما تسمعه من ثبوتها عندهم لغير الممكنة لعذر شرعي أو عقلي كالمريضة و المسافرة في واجب مضيق و نحوه، فعدم تمكنها مع فرض كونه مقتضى الأصل لا يقتضي سقوط نفقتها إلا إذا كان على جهة النشوز، و أيضا إقامة البينة على ذلك في الليل و النهار مما يتعذر أو يتعسر، فيؤدى تكليفها بها إلى سقوط هذا الحق.

و التحقيق أنه ليس في شي ء مما ذكرناه و ذكروه من أدلة التمكين ما يقتضي اعتباره شرطا على وجه تتفرع عليه الفروع التي ذكروها المعلوم توقفها على دليل يدل على شرطيته بقول مطلق، و أقصى ما يستفاد من نصوص (1)الطاعة و حقيقة الزوج


1- 1 الوسائل الباب- 79 و 91- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 31، ص: 309

أنه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة الذي يتحقق بنشوزها و تقصيرها في تأدية حقه.

كما أن الانصاف عدم إجمال فيما دل على وجوب الإنفاق على الزوج من الكتاب (1)و السنة(2)و معاقد الإجماعات و من الغريب دعوى ذلك مما سمعته من كشف اللثام و فاضل الرياض و المحكي عن سيد المدارك، مع أنهم لا مفر لهم عن التمسك بها في فاقدة التمكن لعذر شرعي أو عقلي، فالمتجه حينئذ في مثل الفرض عدم الحكم بالنفقة، للشك في حصول الطاعة، لا لأن التمكن شرط و لم يتحقق، فإنك قد عرفت أنه لا دليل على شرطيته كما هو واضح بأدنى تأمل و انصاف.

و بذلك يظهر لك الفرق بين قولنا و القول بأن النشوز مانع، كما أنه يظهر لك فيما يأتي من الفروع الفرق بينه و بين القول بأن التمكين شرط، فالمختار حينئذ واسطة بين القولين.

و على كل حال منه يظهر لك الحال أيضا فيما في المتن و غيره من أنه

[من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها]

من فروع التمكين أن لا تكون صغيرة يحرم وطء مثلها سواء كان زوجها صغيرا أو كبيرا و لو أمكن الاستمتاع منها بما دون الوطء لأنه استمتاع نادر لا يرغب إليه في الغالب فلا نفقة لها حينئذ، من غير فرق بين تصريحها ببذل نفسها و تصريح وليها و عدمه، و لا بين صغر الزوج و كبره، لصدق انتفاء التمكين الكامل المفروض شرطيته أو كونه جزء السبب.

و في كشف اللثام «و لا يفيد تمكينها مع حرمته أو عدمها بأن كان الزوج صغيرا و لا يحرم عليه، فإنه تمكين غير مقصود شرعا و الفرق بينها و بين الحائض أن الحائض أهل للاستمتاع بالذات، و إنما المانع أمر طارئ بخلافها، فإنها ليست أهلا للتمكين، لصغرها و نقصها، و لا عبرة بتسليم الولي، لأنها ليست مالا بخلاف الحائض، فإنها مسلمة لنفسها تسليما معتبرا لكمالها، و الإجماع على استثناء زمن


1- 1 تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص 302.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 310

الحيض و نحوه، فالتمكين التام في الشرع هو التمكين في غير هذه الأحوال، بخلاف حال صغرها، فان استثناءه غير معلوم، و الأصل البراءة من النفقة».

و في المسالك «أنه لا يتحقق التمكين من الصغيرة سواء مكنت منه أم لا، لتحريم وطئها شرعا، و عدم قبولها لذلك، و بهذا يفرق بينها و بين الحائض، على أن الاستمتاع بالحائض ممكن حتى بالوطء على بعض الوجوه، بخلاف الصغيرة، فلا يجب على الزوج الإنفاق عليها و لا على وليه لو كان صغيرا، لفقد الشرط، و المعتبر في الصغير هنا من لا يصلح للجماع و لا يتأتى منه و لا يلتذ به، و بالكبير من يتأتى منه ذلك، لا ما يتعلق بالتكليف و عدمه، فالمراهق كبير هنا، و محل الكلام فيما إذا عرضت الصغيرة نفسها أو وليها، أما بدونه فلا مجال للبحث كالكبيرة، إلا إذا جعلنا الموجب العقد وحده».

قلت: هذا أقصى ما ذكروه في المقام، و فيه منع عدم صدق اسم التمكين منها مع فرض بذلك نفسها نحو الكبيرة، و حرمة وطئها لا مدخلية لها في صدق اسم التمكين منها المتحقق عند المصنف برفع المانع من جهتها كما تسمعه، و خصوصا في المراهقة مع كبر الزوج أو كونه مراهقا على ما هو مقتضي إطلاق المتن و غيره الصغير المعلوم إرادة ما قبل البلوغ منه على وجه يندرج فيه المراهق، و ما سمعته من ثاني الشهيدين في تفسيره مجرد اقتراح لا شاهد له من كلماتهم، و كأن الذي دعاه إلى ذلك أنه لا وجه لعدم كونه تمكينا من المراهقة.

كل ذلك مضافا إلى ما سمعته من عدم دليل على شرطية التمكين بحيث يتفرع عليها ذلك، و لعله لذا قال ابن إدريس بوجوب النفقة لها إلا إذا كان الزوج صغيرا، مع قوله بكون التمكن شرطا على ما حكي عنه، و ربما كان وجهه أنه يخص اشتراطه في ذات التمكين، أي الكبيرة المطلوب منها ذلك، بخلاف محل الفرض التي تبقى على إطلاق ما دل على النفقة، و أنها لا تسقط إلا بالنشوز المعلوم عدمه هنا، نعم لو كان الزوج صغيرا لم يكن لها نفقة، لعدم وجوب شي ء عليه، و لا عبرة بتسلمه و لا تسلم الولي فإن تسليم الزوجة منوط بالشهوة.

ج 31، ص: 311

و بالجملة لا يخفى على من لاحظ كلماتهم في المقام شدة تشوشها، و كأن السبب في ذلك عدم تحقيقهم كيفية اعتبار التمكن في النفقة، و أنه على وجه يشمل مثل الفرض كي يتم لهم تفريعه أو لا، و قد عرفت أن الانصاف عدم دليل لاعتبار اشتراط التمكين بحيث يترتب عليه عدم النفقة في مثل الفرض، ضرورة أن نصوص (1)حقوق الزوج و نصوص (2)النشوز و غيرها أجنبية عنه، كما أن الانصاف الشك في تناول إطلاقات النفقة له إن لم يدع ظهوره في غيره، فالتمسك حينئذ بأصل البراءة من النفقة لا بأس به، و على كل حال فلا وجه لتفريعه على ذلك الأصل الذي قد عرفت حاله، و الله تعالى هو العالم، هذا كله في الصغيرة.

و أما لو كانت كبيرة و زوجها صغيرا قال الشيخ في المحكي من خلافه و مبسوطة لا نفقة لها و نحوه عن الجامع و المهذب، للأصل مع انتفاء التمكين بانتفاء التمكن.

و لكن في المتن فيه إشكال منشؤه تحقق التمكين من طرفها لأن المعتبر في استحقاق العوض التسليم من صاحب العوض الأخر و إن لم يتسلمه صاحبه الأول مع عموم أدلة النفقة و من هنا كان الأشبه عند المصنف وفاقا للمحكي عن ابني الجنيد و إدريس وجوب الإنفاق و فيه منع تحقق التمكين بدون التمكن، و لو سلم على أن الثابت اشتراطه بذل نفسها و عدم المانع من قبلها فقد يقال: إنه يشك في شمول الأدلة لذلك، ضرورة ظهورها باعتبار أنها خطابات و تكاليف في غير الصغيرة، و صرفها إلى الولي مدفوع بالأصل، بل قيل: إنه مستلزم إما حصرها فيه أو استعمالها في متغايرين، و لذا كان قول الشيخ هو المتجه كما اعترف به كشف اللثام و الرياض و محكي نهاية المرام، كما أن منه يعلم عدم الوجه في تفريعه على اشتراط التمكين، لما عرفت من خروج هذا الموضوع عن المنساق


1- 1 الوسائل الباب- 79- من أبواب مقدمات النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 80 و 91- من أبواب مقدمات النكاح و الباب- 6- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 312

من الأدلة، فيبقى أصل البراءة سالما عن المعارض، نحو ما سمعته في الصغيرة، و الله العالم.

و لو كانت مريضة أو قرناء أو رتقاء لم تسقط النفقة بلا خلاف أجده فيه، بل و في كل ما امتنع الاستمتاع فيه لعذر شرعي أو عقلي، ل للأصل و عموم أدلة الإنفاق و إمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا و ظهور العذر فيه فإسقاط النفقة حينئذ به من غير المعاشرة بالمعروف، و لأنه إن لم تجب النفقة مع دوام عذرها لزم دوام الزوجية بلا نفقة، و هو ضرر عظيم، و أيام المرض كأيام الحيض في ظهور العذر و توقع الزوال و رضاه لما تزوج، فإن الإنسان لا ينفك عنه دائما، فاستثناؤها لا ينافي تمامية التمكين، خصوصا مع علمه و إقدامه على التزويج بمن يتعذر الاستمتاع بها بالوطء، فكأنه أسقط حقه من التمكين من الوطء و رضى بما عداه فهو التمكين التام في حقه، إلى غير ذلك مما ذكروه في المقام.

و فيما لو اتفق الزوج عظيم الإله و هي ضعيفة أو كانت ضئيلة و هو غيل يضر وطؤه بها و إن لم يكن عظيم الإله بالنسبة إلى غيره من أنه إذا كان الحال كذلك منع من وطئها و لم تسقط النفقة و كانت كالرتقاء لما عرفت.

لكن لا يخفى على كل ناظر لكلماتهم هنا وضوح التجشم و التهجس عليها، و أنها لا ترجع إلى دليل شرعي، خصوصا بعد أن ذكروا أن الموجب لها هو التمكين من الوطء و لا عبرة بغيره من الاستمتاعات، فإنها مقصودة بالتبع، و كل ذلك دخل عليهم من دعوى شرطية التمكين المقتضية انتفاء المشروط بانتفائه و لو لعذر عقلي أو شرعي، ضرورة عدم مدخلية العذر في ذلك بعد عدم الدليل عليه بالخصوص، و خصوصا من ادعى منهم إجمال الإطلاقات، أما على ما ذكرناه- من أن الثابت من شرطيته الطاعة فيما وجب عليها من حقوق الزوجية الذي يكون انتفاؤه بالنشوز و ما عداه يكون داخلا تحت إطلاق الأدلة الذي قد عرفت أنه لا إجمال فيه- فالأمر واضح، و الظاهر أنه هو المدرك لهذه الأحكام كلها، و هذا كله ناش من عدم التأمل في تنقيح الشي ء على وجهه و جميع ما يتفرع عليه، بل يحفظ شيئا و يغيب عنه أشياء

ج 31، ص: 313

و يبقى يتمحل و يتجشم في الخروج عما ينافي ما سبق إلى بادئ النظر، و الله هو الحافظ و المؤيد و المسدد.

و من ذلك ما ذكره بعضهم في المريضة من أنها معذورة في الامتناع من التخلية إذا كان الوطء يضرها في الحال أو فيما بعد، و لا يؤمن الرجل في قوله لا أطؤها لكن قال: «في وجوب النفقة حينئذ لها نظر، لامتناعها من سائر الاستمتاعات الممكنة- ثم قال-: نعم لا يظهر خلاف في استحقاق النفقة أيام المرض إذا تمكن من الاستمتاع بها بغير الوطء لقضاء العادة باستثنائها مع بقاء الائتلاف و الاستمتاع بسائر الوجوه».

قلت: بل العادة قاضية بذلك و إن تعذر عليه سائر وجوه الاستمتاع، لكونها زوجة غير مقصرة فيما وجب عليها من حقوق الزوج بعد فرض معذوريتها شرعا.

نعم لو أنكر التضرر بالوطء رجع إلى أهل الخبرة من الرجال و النساء، نحو ما ذكروه فيما لو ادعت قرحة في فرجها تمنع الوطء و نحوها من أنها تفتقر مع إنكاره إلى شهادة أربع من النساء، و لو فرضت شهادة رجلين بذلك فالظاهر الحكم بها، و إن تعذرت الشهادة أحلفته إن ادعت عليه العلم، و إن ادعت كبر آلته و ضعفها عنها أمر النساء بالنظر إليهما وقت إرادة الجماع ليقض عليه و هو جائز للحاجة، و ربما اكتفى بواحدة بناء على أنه من باب الإخبار، و لكن ضعفه واضح، فتأمل جيدا في أصل المسألة، فإنه من مزال الأقدام، و قد مضى و يأتي له أيضا مزيد تحقيق.

و منه أيضا ما ذكروه فيما لو سافرت الزوجة بإذن الزوج فإنه لا خلاف بينهم في أنه لو فعلت كذلك لم تسقط نفقتها سواء كانت في واجب أو مندوب أو مباح متعلق به أو بها إلا ما احتمل في الأخير من سقوطها، إلا أن الذي استقر عندهم أجمع عدم الالتفات إلى هذا الاحتمال، و أنه لا فرق مع سفرها باذنه بين أن يكون لمصلحته أو مصلحتها، معللين ذلك بأن الإذن منه إسقاط لحقه، فيبقى حينئذ مقتضى حقها بحاله، و فيه أن المتجه- بناء على ما ذكروه من شرطية التمكين- السقوط أيضا لصدق انتفائه، و الاذن إنما تفيد عدم نشوزها، لا تخلف

ج 31، ص: 314

أثر الحكم الوضعي الذي لا مدخلية للإذن فيه.

و كذا الكلام فيما ذكروه أيضا فيما لو سافرت في واجب مضيق بغير إذنه كالحج الواجب و نحوه من أنها تستحق النفقة، لكونها معذورة

و «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»(1)

نعم هو متجه بناء على المختار، ضرورة عدم حق للزوج عليها مع الاذن أو تضييق الوجوب كي تكون مقصرة فيه، فتبقى مندرجة في إطلاق أدلة الإنفاق.

أما لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح سقطت نفقتها على كل حال بلا خلاف و لا إشكال، لأنه من حقه عليها أن لا يقع ذلك منها إلا بإذنه، بل الظاهر ذلك و إن لم يناف الاستمتاع لغيبة منه أو غيرها، بل هي من الناشزة لا نفقة لها، و قد سمعت التصريح في النص (2)بسقوط نفقتها بالخروج من بيته بغير إذنه و لو لغير سفر فضلا عما كان له كما هو واضح.

بل لا يبعد القول بسقوط نفقتها أيضا في السفر بغير إذنه في الواجب الموسع، لتضييق حقه، فلا يعارضه الموسع، و دعوى كون الواجب مستثنى بالأصل و تعينه منوط باختيارها شرعا و إلا لم يكن موسعا واضحة المنع، فما عساه يظهر من المتن بل هو المحكي عن بعضهم بل هو خيرة ثاني الشهيدين من عدم اعتبار الاذن فيه كالمضيق لا يخلو من منع.

و من ذلك يعلم الحال فيما لو صلت أو صامت أو اعتكفت بإذنه أو في واجب و إن لم يأذن مضيق أو مطلقا و أنه لم تسقط نفقتها لكن قد صرح هنا غير واحد بأنه لا خلاف في عدم الفرق في الصلاة الواجبة بين كون وقتها موسعا أو مضيقا في جواز فعلها بدون إذنه، و عدم تأثيره في سقوط النفقة، بخلاف


1- 1 الوسائل الباب- 59- من أبواب وجوب الحج الحديث 7 و الفقيه ج 4 ص 273.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 315

الصوم و نحوه، فان في الموسع منه البحث السابق.

و كأن وجه الفرق ما قيل من أن الوقت لها بالأصالة بخلاف ما يثبت بالنذر و بأن الأمر بها في قوله تعالى (1)«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ» عام فصارت كالصوم المعين، و أن الصلاة قيل بوجوبها في أول الوقت الذي هو رضوان الله تعالى بخلاف آخره الذي هو عفو الله (2)و أن زمان الصلاة يسير لا يستوعب اليوم بخلاف الصوم، إلا أن الجميع كما ترى.

نعم يمكن القطع بالسيرة المستمرة و غيرها أنه لا تحتاج في المبادرة إلى ذلك إلى الاذن، أما مع فرض طلب الاستمتاع منها في أول الوقت فالظاهر وجوب طاعتها له، لعدم معارضة الموسع للمضيق، اللهم إلا أن يكون إجماعا و لم أتحققه، بل الظن أن مراد مدعيه الصورة التي ذكرناها، و كفى بها فرقا بينها و بين غيرها من الواجب الموسع المحتاج إلى سفر مثلا كالحج و نحوه، فإنه لا يجوز لها المبادرة له إلا مع الاذن.

و كذا لك لا تسقط نفقتها لو بادرت إلى شي ء من ذلك و نحوه ندبا من دون إذنه، بل و مع نهيه إذا فرض عدم منافاته لما يريده منها من الاستمتاع و لو لأن له فسخه فلو صامت حينئذ ندبا بدون إذنه أو مع نهيه لم تسقط نفقتها، لأنه غير مانع من التمكين، نعم لو طلب الاستمتاع فمنعته سقطت لذلك لا لأجل العبادة، خلافا للمحكي عن مبسوط الشيخ من السقوط بذلك و أنها تكون ناشزا إذا طلب منها الإفطار و امتنعت، و يمكن إرادته طلب الاستمتاع بها المقتضي للإفطار فامتنعت، و إلا فلا ريب في أن مخالفتها بترك الأكل و الشرب من حيث كونهما كذلك لا يعد نشوزا، لأنه لا يجب عليها طاعته فيهما، و الوطء يمكن بدونهما.


1- 1 سورة الإسراء: 17- الآية 78.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب المواقيت الحديث 16 من كتاب الصلاة.

ج 31، ص: 316

و ما يقال-: من أن الصوم عبارة عن توطين النفس على ترك المفطرات التي من جملتها الوطء، و هو مستلزم لعزمها على منع الزوج عن الوطء الذي هو عين النشوز- يدفعه (أولا) أنه مناف لدعوى الشيخ التي هي تعليق نشوز بالامتناع من الإفطار الذي طلبه منها، و هو يقتضي تحقق النشوز بمجرد نية الصوم أو بدخول أول النهار و إن لم يطالب. و (ثانيا) ما في المسالك من أن نية النشوز ليست نشوزا، إذ هو الخروج عن الطاعة و منعه من الاستمتاع و الخروج بغير إذنه أو نحو ذلك، لا نيته حتى لو نوت أن تخرج عن طاعته و لم تفعل لم يكن نشوزا، و إن كان قد يناقش فيه بأنه لو سلم عدم كونه نشوزا لكنه للتمكين الذي هو عبارة عن التصريح بالبذل في أي مكان و أي زمان مع عدم ظهور مناف منها له، و هو الشرط في وجوب النفقة.

فالأولى في دفعه أن يقال: إنه لا تلازم بين نية الصوم و بين بقائها على التمكين بمعنى أنها عازمة عليه ما لم يحصل المنافي له، لا أنه يستلزم العزم على عصيان الزوج لو أراد الاستمتاع منها، لا بما سمعت، و لا بما قيل من أن منع الصوم مستلزم للدور من حيث إن كونه مانعا يستلزم صحة المستلزم، لكونه عذرا فلا يسقط به النفقة، و لا يكون مانعا، بل يلزم من إسقاطه لها عدم إسقاطه، ضرورة أن مدعى إسقاطه للنفقة لا يتوقف على إثبات كونه مانعا، لأن النشوز يتحقق بحصول الامتناع من جهة المرأة و إن قدر الزوج على قهرها عليه، و الشيخ بناء على أن مراده ما عرفت قائل بأن الصوم ندبا نشوز من جانب المرأة من حيث امتناعها منه و إعراضها عنه بما ليس بواجب و إن قدر الزوج معه على الاستمتاع المقتضى لفساده.

و مما ذكرنا ظهر لك أن المراد بقول المصنف و لو استمرت مخالفة تحقق النشوز و سقطت النفقة لاستمرارها على الامتناع من تمكينها نفسها، لا أن المراد بقاؤها على إظهار العزم على الصوم و ترك الأكل و الشرب و نحو ذلك، و إلا كان فيه ما عرفت، و الله العالم.

و تثبت النفقة للمطلقة الرجعية كما تثبت للزوجة بلا خلاف، بل الإجماع

ج 31، ص: 317

بقسميه عليه، مضافا إلى

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة(1)«إن المطلقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها، إنما ذلك للتي لزوجها عليها رجعة»

و صحيح سعد بن أبي خلف (2)«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن شي ء من الطلاق، فقال: إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلقها، و ملكت نفسها، و لا سبيل له عليها، و تعتد حيث شاءت، و لا نفقة لها، قال: قلت: أ ليس الله يقول:

لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ (3)قال: فقال: انما عنى بذلك التي تطلق تطليقة بعد تطليقة فتلك التي لا تخرج و لا تخرج حتى تطلق الثالثة، فإذا طلقت الثالثة فقد بانت منه، و لا نفقة لها، و المرأة التي يطلقها الرجل تطليقة ثم يدعها حتى يحل أجلها فهذه أيضا تعتد في منزل زوجها، و لها النفقة و السكنى حتى تنقضي عدتها»

و إطلاق

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الاسناد «سألته عن المطلقة أ لها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال: نعم»

المنزل على ذلك.

نعم قد استثنى بعضهم منها آلة التنظيف، لعدم انتفاع الزوج بها، مع أن المحكي عن آخر عدمه فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، بل في الحدائق هو المؤيد بالأخبار الكثيرة

، كالموثق (5)عن أحدهما عليهما السلام «في المطلقة تعتد في بيتها و تظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا»

و خبر محمد بن قيس (6)عن أبي جعفر عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 1.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق في النسخة الموجودة عندي عن أبي عبد الله عليه السلام الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 91 و التهذيب ج 8 ص 131 عن أحدهما عليهما السلام.
6- 6 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 4 و فيه «تسوق لزوجها» و في الكافي ج 6 ص 91 «تشوفت لزوجها».

ج 31، ص: 318

«المطلقة تشوق زوجها ما كان له عليها رجعة، و لا يستأذن عليها»

و خبر زرارة(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «المطلقة تكتحل و تختضب و تلبس ما شاءت من الثياب، فان الله تعالى يقول لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً(2)لعلها أن تقع في نفسه فيراجعها»

و إن كان فيه أن ذلك كله لا يدل على كون آلة الزينة منه، و لعل الأولى الاستدلال عليها بالإطلاق السابق.

و في القواعد «استثناء وطئها للشبهة في العدة- سواء حملت أولا- و تأخرت عدة الزوج عن عدتها و قلنا لا رجوع له في الحال، فلا تجب النفقة على إشكال» و لعله من أنها إنما تجب للزوجة و من في حكمها و هي من في العدة الرجعية، لكونها بمنزلة الزوجة الممكنة لأنه له الرجوع إليها متى شاء و الأمران منتفيان، و من بقاء حكم الزوجية و إن امتنع الرجوع الان لمانع، كما تجب النفقة على الزوجة الصائمة و المحرمة مع امتناع الاستمتاع بها، و إطلاق النص، و في كشف اللثام «هذا إذا كانت الشبهة منها أو من الواطئ أيضا، و إن اختصت بالواطي فالأظهر عدم النفقة فإنها التي سببت لامتناع الرجوع، فهي كالناشز».

قلت: لو فرض توبتها عن ذلك كانت كغيرها، بل قد يمنع صدق النشوز بذلك، اللهم إلا أن يدعى أولويته منه في إسقاطه النفقة و الظاهر بناء الحكم في هذه المسألة على الحكم في الزوجة إذا وطئت شبهة، فإنه لا فرق بينهما، لكن في القواعد الإشكال في نفقتها أيضا، قال: «و المعتدة عن (في خ ل) شبهة إن كانت في نكاح فلا نفقة لها على الزوج على إشكال» و لعله من انتفاء التمكين، و من العذر كالمريضة و ربما فرق بينهما بوجود النص (3)على الإنفاق في المطلقة بخلاف الباقية في النكاح، إلا أنه كما ترى، ضرورة أولويتها منها بذلك، و الاتفاق على الإنفاق على الباقية


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب العدد الحديث 2.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 319

في النكاح، و هو إن لم يكن أقوى من النص فلا يقصر عنه، على أن ما دل من الكتاب (1)و السنة(2)على النفقة للزوجة كاف، و على كل حال فالأقوى وجوب الإنفاق عليها مع عدم اختصاص الشبهة بالواطي، بل و معه أيضا في وجه قوى.

ثم إنه لا فرق في الرجعية بين الحرة و الأمة و الحائل و الحامل في معاملتها معاملة الزوجة في ثبوت النفقة و سقوطها بما تسقط به، و تستمر إلى انقضاء العدة بوضع الحمل أو غيره، و لو ظهر بها أمارات الحمل بعد الطلاق على وجه تحصل به الطمأنينة عرفا فعليه النفقة حينئذ إلى أن تضع أو يبين الحال، فإن أنفق ثم بان أنه لم يكن حمل فله استرداد المدفوع إليها بعد انقضاء العدة في الأقوى و إن لم تكن مدلسة كما تسمع الكلام فيه إن شاء الله و تسأل حينئذ عن قدر الأقراء، فإن عينت قدرا صدقت باليمين إن كذبها الزوج، و بلا يمين إن صدقها و إن قالت:

لا أعلم متى انقضت العدة سئلت عن عادة طهرها و حيضها فان ذكرت عادة مضبوطة عمل عليها، و إن ذكرت أنها مختلفة أخذ بأقل عادتها، و رجع الزوج فيما زاد، لأنه المتيقن الذي لا تدعي زيادة عليه، و إن قالت نسيت عادتي ففي البناء على أقل ما يمكن انقضاء العدة به، لأصالة البراءة من الزائد أو على ثلاثة أشهر بناء على الغالب وجهان منشؤهما تعارض الأصلين المعتضدين بالظاهر و المتيقن.

و إن بانت حاملا و أتت به لمدة يمكن أن يكون منه فالولد له و النفقة عليه إلى حين الوضع لأنها بحكم الزوجة، و إن أتت به لمدة لا يمكن لحوقه به انتفى عنه بغير لعان، و لا تنقضي عدتها به عنه، بل تكون بالأقراء، فإن نسبته إلى غير الزوج و ادعت أنه وطأها بعد الأقراء استعيد الفاضل، و إن قالت بعد قرءين فلها نفقتهما، و لا شي ء لها عن مدة الحمل بناء على ما سمعت، و عليها تتمة الاعتداد بالقرء الثالث بعد الوضع، و لها نفقته، و إن قالت عقيب الطلاق فعدتها بعد الوضع ثلاثة أقراء، و لا نفقة لها عن مدة الحمل، و الله العالم.


1- 1 تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص 302.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 320

و تسقط نفقة البائن و سكناها سواء كان عن طلاق أو فسخ تبين به، كما إذا كان بردته عن فطرة أو قبل الدخول أو بعيب فيها أو بنحو ذلك، بلا خلاف أجده في شي ء منه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل بعد انقطاع الزوجية، و إلى تظافر النصوص في المطلقة ك

صحيح ابن سنان أو موثقه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن المطلقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال:

لا»

و خبر أبي بصير(2)عنه عليه السلام أيضا سأل «عن المطلقة ثلاثا إلها سكنى و نفقة؟

قال: حبلي هي؟ قلت: لا، قال: لا»

و موثق سماعة(3)قلت: «المطلقة ثلاثا إلها سكنى أو نفقة؟ فقال: حبلي هي؟ قلت: لا، قال: ليس لها سكنى و لا نفقة»

على وجه لا يعارضها

صحيح ابن سنان (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المطلقة ثلاثا على العدة لها سكنى أو نفقة؟ قال: نعم»

المحمول على الاستحباب أو كونها حاملا،

كالمروي عن قرب الاسناد(5)عن «المطلقة إلها نفقة على زوجها حتى تنقضي عدتها؟ قال: نعم»

المحتمل زيادة على ذلك التقييد بالرجعية.

نعم لو كانت المطلقة بائنا حاملا لزمه الإنفاق عليها حتى تضع، و كذا السكنى بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه، كالنص كتابا(6)و سنة(7)بل في القواعد ثبوتها للحامل البائنة بالفسخ على إشكال و إن كان الذي يقوى عدمه، للأصل السالم عن المعارض حتى إطلاق الآية(8)التي هي في ذيل أحكام المطلقات، نعم لو قلنا بأن النفقة للحمل أمكن حينئذ وجوبها، بل في القواعد الجزم به، بل ظاهر كشف اللثام نفي الاشكال عنه و إن كان فيه ما ستعرفه.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات الحديث 11.
6- 6 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
7- 7 الوسائل الباب- 7- من أبواب النفقات.
8- 8 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 31، ص: 321

كما أن المتجه أيضا عدمها للفراق باللعان سواء كانت حائلا أو حاملا و كان اللعان لنفي الولد و في كشف اللثام «و قلنا بكون النفقة للحمل و إلا ففيه الإشكال» قلت: قد عرفت ضعفه، نعم في القواعد «لو أنفقت على الولد المنفي باللعان أي و لو متصلا إن قلنا بأن النفقة للحمل ثم كذب نفسه ففي رجوعها بالنفقة إشكال» و لعله من تسببه لحكم الحاكم عليها بالإنفاق، و كون اللعان شهادة بالاية(1)و قد أوجبت النفقة عليها، و إذا كذب الشاهد نفسه رجع عليه بما غرم، لشهادته و نفى الضرر(2)و هو خيرة المحكي عن المبسوط، و من أن نفقة القريب لا تقضى، و ستعرف ما فيه و ما في قوله في القواعد أيضا من أن المعتدة عن شبهة إن كانت خلية عن نكاح فلا نفقة لها على الواطئ إلا مع الحمل، فتثبت النفقة إن قلنا: إنها للحمل.

و على كل حال ف هل النفقة للحمل أو لامه؟ قال الشيخ ره في المحكي عن مبسوطة، و تبعه عليه جماعة، بل في الحدائق نسبته إلى الأكثر هي للحمل و عن ابن حمزة و جماعة هي للحامل و تظهر الفائدة في مسائل: (منها) في الحر إذا تزوج بأمة و شرط عليه مولاها رق الولد و قلنا بصحته، فإنه لا نفقة عليه إذا أبانها حاملا لأن نفقة الرقيق على مولاه، بخلاف ما إذا قلنا النفقة للحامل فان المتجه حينئذ وجوبها عليه.

و (منها) في العبد إذا تزوج أمة أو حرة و شرط مولاه الانفراد برق الولد من الحرة أو الأمة فأبانها حاملا إذ الولد حينئذ ملك للمولى، فالنفقة عليه، بل إن لم يشترط الرقية في ولد الحرة لم تجب النفقة على الزوج أيضا، لأنه رقيق و لا نفقة عليه للقريب و لا على مولاه، و هو ظاهر كظهور اشتراك المؤمنين في النفقة مع عدم اشتراط الانفراد بالولد من الأمة (و بالجملة) لا نفقة على الزوج الرقيق للحمل حرا كان أم رقا مشتركا أو مختصا، فذكر المصنف و غيره شرط الانفراد لعله لدفع ما قد يتوهم من أنه مع اشتراطه تكون نفقته عليه من كسبه كنفقة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 6 الى 9.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 31، ص: 322

زوجته، أما على القول بكون النفقة للحامل فالمتجه حينئذ وجوبها على مولى العبد أو في كسبه على البحث السابق في نفقة زوجته.

و (منها) فيما إذا لم ينفق عليها حتى مضت مدة أو مجموع العدة فلا قضاء عليه على الأول، لأن نفقة الأقارب لا تقضى بخلافه على الثاني، فإن نفقة الزوجة تقتضي، لا يقال: إن القضاء للزوجة من حيث كونها كذلك و الفرض انتفاؤها، لأنا نقول: إن المراد وجوبها لها على وجوبها للزوجة، و لعله لكون النفقة حقا ماليا، و الأصل فيه القضاء.

و (منها) فيما لو كانت ناشزا وقت الطلاق أو نشزت بعده، فان المتجه السقوط على الثاني، لما عرفت من كون نفقة المطلقة كالزوجة تثبت حيث تثبت، و تسقط حيث تسقط، بخلافه على الأول الذي لا مدخلية للنشوز و عدمه (فيه ظ).

و (منها) فيما لو ارتدت بعد الطلاق، فلا تسقط على الأول دون الثاني.

و (منها) صحة ضمان النفقة الماضية على الثاني دون الأول.

و (منها) سقوطها بموت الزوج على الأول دون الثاني، فإن فيه قولين يأتيان.

و (منها) سقوطها بالإبراء بعد طلوع الفجر من نفقة اليوم على الثاني دون الأول.

و (منها) استرداد نفقة اليوم لو سلمها إليها إذا خرج الولد ميتا في أوله على الأول دون الثاني مع احتماله أيضا.

و (منها) وجوب الفطرة على الثاني، لأنها من عياله دون الأول، و ربما احتمل الوجوب على القولين، لكونها منفقا عليها حقيقة عليهما، إلى غير ذلك من الفوائد التي لا تخفى، و ستسمع بعضها.

إنما الكلام في ترجيح أحد القولين اللذين قد استدل لأولهما بدوران النفقة معه وجودا و عدما، و لانتفاء الزوجية التي هي أحد أسباب الإنفاق كالملك، فليس إلا القرابة، و بوجوبها له منفصلا فكذا متصلا، و بنص الأصحاب على أنه ينفق عليها من مال الحمل، و لثانيهما بأنه لو كانت للحمل لوجبت نفقته دون نفقتها، و لما كانت

ج 31، ص: 323

نفقته مقدرة بحال الزوج، لأن نفقة الأقارب غير مقدرة بخلاف نفقة الزوجة، و بأنه لو كانت للحمل لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا، و لسقطت بيساره بإرث أو وصية قد قبلها وليه، لكن عن الشيخ الالتزام بالأخيرين، و الجميع كما ترى.

و من هنا قال في الرياض: «إن استند الجانبان إلى اعتبارات واهية ربما أشكل التمسك بها في إثبات الأحكام الشرعية، لكن بعضها المتعلق بأنها للحمل قوى معتضد بالشهرة المحكية، فالمصير إليه لا يخلو عن قوة» قلت:

بل القوة في القول الأخر، ضرورة ظهور الآية(1)في الأعم من الرجعيات و البائنات، و لا كلام في أن نفقة الأولى نفقة زوجة، كما لا إشكال في ظهورها في اتحاد النفقة فيهما، بل لعل هذا المعني هو المستفاد من النصوص (2)خصوصا المعبرة بقول: «لها النفقة» الظاهر في ملكيتها لها، فضلا عن إصافتها إليها، بل لعل التأمل الصادق يشهد بفساد كثير مما ذكروه من التفريع على القولين، ضرورة ابتنائه على كونه نفقة للحمل حقيقة حتى أنه أوجبه في كل حمل حتى للحامل من وطء الشبهة، بل قد سمعت ما ذكروه من يسار الحمل و إعساره و غير ذلك مما هو واضح الفساد.

نعم قد يقال في تصور هذا النزاع بعد الاتفاق منهم جميعا على كون النفقة على الحامل أكلا و كسوة و سكنى و نحو ذلك مما كان يجب للزوجة: إنه لما انعقد الإجماع و تظافرت النصوص (3)في الإنفاق على الحامل المطلقة المعلوم كون ذلك لأجل الحمل- ضرورة انقطاع حكم الزوجية التي هي سبب الإنفاق- حصل الشك في أن حكم هذه النفقة حكم نفقة الزوجة، على معنى أن وجود الحمل يجعلها بحكمها كالرجعية في غيرها، فيجري حينئذ على نفقتها حكم نفقة الزوجة، أو أنه بسبب انقطاع الزوجية بينهما و كون الحمل علة في الإنفاق يجعلها بحكم نفقة


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 324

القريب، فيجري عليها حينئذ حكمها، لا أن المراد كونها نفقة للحمل حقيقة، و إن توهمه بعضهم، حتى أنه وجه ذلك باعتبار صيرورتها سببا لتعييش الحمل، فاطعامها و كسوتها و سكناها مقدمة له، فإن الإنفاق عليه إنما يكون بالإنفاق على أمه و هو كما ترى من المضحكات، و إنما المراد ما عرفت من الإنفاق عليها لا عليه و لكن الشك في ذلك باعتبار ما سمعت، و لا ريب في أن الأقوى كونها بحكم نفقة الزوجة، لكن لا على حد السقوط بالنشوز و الارتداد و نحوهما مما علم كون السبب في إسقاطها فوات التمكين و انقطاع الزوجية المعلوم عدمهما في المقام، بل على حدها في الكيفية و القضاء و خطاب الزوج بها و نحو ذلك، كما أن المراد بكونها نفقة للحمل الإنفاق عليها لأجل الحمل، لا أن المراد نفقته على وجه يلاحظ يساره و إعساره اللذين يمكن منعهما حال كونه حملا كما ستسمعه إنشاء الله تعالى في المتوفى عنها زوجها.

و من هنا يظهر لك النظر في كثير من الفروع السابقة، بل و في كثير من الكلمات التي لا مدرك لها، خصوصا ما في القواعد، و خصوصا ما في تعدية الحكم إلى الحمل في الفسخ و في وطء الشبهة بناء على أن النفقة له و غير ذلك مما لا يخفى فساده ضرورة أن الحمل ممن لا نفقة له أصلا، و لذا لم يجب في المتوفى عنها زوجها في الأشهر و في غير ذلك، فلا ريب في أن النفقة للأم هنا، و لذا خص المصنف الحكم في المطلقة بعد ذكره المفسوخة، لكن هل ثبوتها على حد نفقة القرابة باعتبار كونها السبب فيها أو نفقة الزوجية باعتبار كونها امرأته و في عدته و مشغولة بما تحمل منه؟

وجهان، و لا يخلو الثاني منهما من قوة كما عرفت، و إن أبيت لكان المتجه ملاحظتها نفقة مستقلة يثبت لها حكم كل منهما إذا كان موافقا للقواعد العامة، ضرورة كون المتجه مراعاة الأصول و القواعد في هذه النفقة بعد فرض عدم ظهور دليل يقتضي مساواتها لنفقة الزوجة أو القرابة، كما هو واضح.

و أوضح منه أنه يلزم بناء على أن النفقة للحمل نفسه حقيقة كما هو مقتضى بعض الكلمات وجوب نفقتين للمطلقة الرجعية الحامل، بل الزوجة الحامل كذلك

ج 31، ص: 325

أيضا، إذ لا فرق في نفقة القريب بين المطلقة و غيرها، و لا أظن التزامهم به، هذا كله في المطلقة.

و أما الحكم في الحامل المتوفى عنها زوجها و هي حامل ففيه روايتان أشهر هما رواية و عملا أنه لا نفقة لها بل في الرياض أنه حكى الشهرة المطلقة عليه جماعة، قال الصادق عليه السلام في

صحيح الحلبي أو حسنه (1)«في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنه لا نفقة لها»

و في حسن الكناني (2)«في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا»

و في

خبر زرارة(3)في «المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: لا»

و أحدهما عليهما السلام في صحيح ابن مسلم (4)بعد أن سئل عن المتوفى عنها زوجها، قال: «لا، ينفق عليها من مالها».

و الرواية الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها و هي

قول الصادق عليه السلام في خبر الكناني (5): «الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها»

و ربما وصفت بالصحة، و لكن فيه أن في سندها محمد بن الفضيل، و هو مشترك بين الثقة و الضعيف، نعم في

صحيح ابن مسلم (6)عن أحدهما عليهما السلام «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله»

و في

خبر السكوني (7)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتى تضع».

إلا أن الأول لا ذكر فيه للولد، بل و لا للحمل، و تقديره مرجعا للضمير بلا قرينة مخالف للضوابط، خصوصا مع ظهوره في الزوج، فيوافق الخبر الثاني في كونه من الشواذ التي لم يعمل بها أحد من الأصحاب، إذ المحكي عنهم الخلاف من الإسكافي و الصدوق و أبي الصلاح و ابني البراج و حمزة قالوا بأن النفقة من نصيب


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب النفقات الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 4.
7- 7 الوسائل الباب- 10- من أبواب النفقات الحديث 2.

ج 31، ص: 326

الولد، على أن المحكي في الكافي أنه أورد الصحيح الأول في باب الرجل يطلق امرأته ثم يموت قبل أن تنقضي عدتها، و هو ظاهر في حمله الخبر على المطلقة قبل الوفاة و إن لم تكن حاملا، و هو غير ما نحن فيه، و ربما حمل على استحباب ذلك للورثة، كما أنه حمل خبر السكوني عليه، أو على نصيب الولد فان له من جميع المال نصيبا، أو لأن نصيبه بعد لم يتميز لعدم العلم بكونه ذكرا أو أنثى، أو على التقية أو غير ذلك.

بل لو لا الإجماع لأمكن أن يقال في وجه العمل بالنصوص الثلاثة: إن الحامل المتوفى عنها زوجها لا تسقط نفقتها من جهة شغلها بالحمل، إلا أنها من مال الحمل مع انفصاله، لأولويته من غيره من الورثة بذلك، و إلا فمن الجميع، ضرورة رجوع المال المعزول إليهم أجمع، فيصدق حينئذ أن نفقتها من جميع المال و من مال الزوج، فليس حينئذ إلا الخبر الأول الذي قد عرفت سنده مع عدم الجابر له.

بل قد يقال: إن الحمل لا يكون له مال حتى يولد حيا كما أوضحناه في محله، بل عن تمهيد المفيد أنه أنكر ذلك أشد الإنكار، و قال: إن الجنين و هو جنين لا يعرف له موت و لا حياة، فلا ميراث له و لا مال، فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية و الإدخال فيها؟ و إن كان قد يقال: إن المراد من المال المعزول للولد، فان خرج حيا حسب عليه و إلا استرد منها في وجه أو يكون تالفا على الجميع في آخر كما سمعته فيما تقدم، فمن الغريب بعد ذلك دعوى الجمع بين النصوص بحمل الأولى على إرادة لا نفقة لها من مال الميت و إن كان لها نفقة من مال الولد، إذ هو مع أنه فرع التكافؤ المفقود هنا قطعا من وجوه مناف لما في صحيح ابن مسلم (1)منها المصرح فيه بكون الإنفاق عليها من مالها، و إن كان هو ليس في خصوص الحامل لكنه مطلق، اللهم إلا أن يحمل على غير الحامل.

و أغرب منه ما عن المختلف من كون التحقيق بناء المسألة على أن النفقة


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات الحديث 6.

ج 31، ص: 327

للحمل أو للحامل، فعلى الأول يتجه الثاني و إلا فالأول، و وجه بكون مراده بذلك الجمع بين النصوص بحمل الأولى على عدم النفقة لها من غير الولد، إذ هو مع أن فيه أيضا ما عرفت لا وجه له، ضرورة كون النزاع هناك في المطلقة باعتبار خطاب الزوج بالنفقة لها إلا أنه لم يعلم كونها نفقة زوج أو قريب، و هنا لا إشكال في سقوط النفقة عن المتوفى، فليس حينئذ إلا العمل بالخبر المزبور أو طرحه، و قد عرفت أن القواعد تقتضي بالثاني لمرجوحيته بالنسبة إلى غيره من وجوه. و لعل حمله على إرادته أنه لو قلنا في تلك المسألة إن النفقة للحامل اتجه السقوط باعتبار موت المنفق، و إن قلنا إنها للحمل لم تسقط باعتبار أن الحمل له مال فينفق حينئذ منه أولى من ذلك، و إن كان فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه في المسألة السابقة.

و أما ما عن بعض المحدثين- من الجمع بين النصوص بحمل الثاني منها على ما إذا كانت الأم محتاجة لأنه حينئذ تجب نفقتها عليه و الأول على ما إذا لم تكن محتاجة- فهو مع أنه فاسد في نفسه مخالف للإجماع لا شاهد عليه فلا محيص حينئذ عن القول الأول، و الله العالم.

و كيف كان ف تثبت النفقة للزوجة مسلمة كانت أو ذمية بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة، بل أو أمة إذا مكنه السيد منها ليلا و نهارا، نعم لو لم يمكنه منها إلا ليلا بناء على أن له ذلك كما سمعته سابقا فالذي ذكره غير واحد من الأصحاب أنه لا نفقة حينئذ لها، لعدم التمكين التام، لأنها لكونها أمة ليست أهلا للاستقلال في التمكين، لملك المولى منافعها إلا ما ملكه الزوج منها و هو الاستمتاع، فلا عبرة إلا بتمكين المولى، بخلاف ما إذا منع الأب أو غيره الحرة البالغة من زوجها، فإنه لا عبرة به، و لا تسقط نفقتها إذا كانت ممكنة، لأنها مالكة لنفسها، فهي مستقلة بالتمكين، و يؤكد ذلك أنه لا نفقة للأمة إلا من مال المولى، فإذا أراد إسقاطها عن نفسه لزمه التسليم الكامل، فإذا لم يفعل لزمه النفقة، بخلاف الحرة، فربما تنفق على نفسها من مالها، و جواز منع المولى للأمة نهارا

ج 31، ص: 328

بناء على بقاء حق الخدمة له لا يستلزم أن يكون التمكين التام بالنسبة إليها هو التمكين ليلا ليلزم به النفقة، فإن الإجماع منعقد على أنه لا نفقة لها بانتفاء التمكين التام مع تفسيره بالتمكين كل حين في كل مكان.

و قد يقال إنما انعقد الإجماع على سقوط النفقة بالنشوز، و لا نشوز هنا، لوجوب طاعة المولى، كما لا نشوز بالامتناع للحيض و نحوه، و يدفعه أن الأصل البراءة إلا فيما أجمع فيه على الوجوب، و لا إجماع هنا، بخلاف الحائض و نحوها.

قلت: قد عرفت فيما تقدم أنه لا دليل على شرطية التمكين على وجه يقتضي أن انتفاءه مطلقا يترتب عليه انتفاء الإنفاق، و لذا أوجبوه للمريضة و المسافرة في المضيق و الصائمة و الحائض و غيرهن من ذوات الأعذار، و المسلم من الإجماع ما ذكره أخيرا من أن انتفاءه على وجه النشوز يقتضي انتفاء الإنفاق، فالمتجه حينئذ الإنفاق هنا، ضرورة كونها حينئذ كباقي ذوات العذر في عدم التمكين، بل ربما كانت أولى منهن باعتبار إقدامه في تزويجه بها على ذلك، و ما ذكره من أن الأصل البراءة فيه ما لا يخفى من وضوح عدم كون المدرك الإجماع على خصوصيات ذوات الأعذار، و إنما هو ما عرفت مع إطلاق أدلة الإنفاق، و هو بعينه جار في المقام، و دعوى إجمال الإطلاقات فلا تعارض أصل البراءة واضحة الفساد، بل لا يليق وقوعها ممن له أدنى نصيب في الفقه.

و كأن الذي أوقعهم في الشبهة في هذا المقام و غيره من المقامات معلومية مدخلية التمكين في الجملة في الإنفاق، فظنوا أنه صار بذلك شرطا على وجه يقتضي انتفاء مشروطه بانتفائه كيف ما كان على ما هو القاعدة في الشروط، و غفلوا عن أن ذلك يتوقف على ملاحظة دليل الشرطية، فإن كان هو بحث يقتضي ذلك جرى عليه أحكامها و إلا فلا، و ليس في المقام دليل شرطية على الوجه المزبور و إلا لما صح لهم في إيجاب النفقة في ذوات الأعذار شرعا أو عقلا و دعوى أن ذلك للإجماع و غيره من الأدلة الخاصة معلومة البطلان لمن له أدنى فهم و درية و ملاحظة لكلمات الأصحاب، خصوصا ما وقع لهم من الاستدلال على الإنفاق على ذوات الأعذار

ج 31، ص: 329

بالعذر، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، و به ينكشف الغبار عن كثير من المقامات، و ربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.

هذا و لا يخفى أن الحكم في النفقة التي لم تتوقف على التمليك- كالإسكان و الكسوة على القول بأنها إمتاع- واضح، لأن الأمة أهل للانتفاع المجرد عن الملك و إن توقف على الملك كالمئونة التي تملكها في صبيحة كل يوم ففيما حضرني من نسخة المسالك لكنها غير نقية من السقط و الغلط «أنه يشكل الحكم بها للأمة، إلا أن نقول يملكها بالمولى، و يتلقى الانتفاع بها غيره عنه، و يتوقف تصرفها فيها على إذنه، إذ له إبدالها و إطعامها من غيرها، و يمكن أن يجعل تزويجها بنفسه مفيدا للاذن لها في تناول المئونة و إن لم تكن مالكة، عملا بشاهد الحال و العرف، و هذا حسن- ثم قال-: و على القولين فللأمة أن تطالب بها الزوج، كما لها أن تطالب السيد، و إذا أخذت فللسيد الابدال، لحق الملك، و الحاصل أن له في النفقة حق الملك، و لها حق التوثق، و يتفرع عليه أنه ليس للمولى الإبراء من نفقتها، و لا بيع المأخوذ إلا أن يسلمها بدله».

و فيه (أولا) إمكان منع التوقف على الملكية فيه أيضا، فيكون حينئذ استحقاقها في الجميع الإنفاق، و (ثانيا) منع عدم جواز الإبراء للسيد بعد فرض كونه المالك، أقصى ذلك أنه يتعين عليه الإنفاق عليها كما إذا لم تكن ذات زوج، و دعوى تعلق حق لها بها على نحو تعلق حق الدين بتركة الميت يدفعها أنه لا دليل عليها بعد أن صرفت أدلة الإنفاق المراد منها الملكية إلى السيد، ضرورة كونها حينئذ كالمهر الذي تستحقه الزوجة بعقد النكاح أشد من استحقاق النفقة، نعم مقتضى ذلك اختصاص تعلق حق هذه النفقة بالسيد، و هو مخير بين دفعها إليها و بين غيرها من أمواله، فإن عصى جبره الحاكم.

و من ذلك يظهر لك ما في قوله فيها أيضا: «و لو اختلفت الأمة و زوجها في تسليم نفقة اليوم فالقول قولها مع يمينها، و لا أثر لتصديق السيد الزوج، مراعاة

ج 31، ص: 330

لحقها، و فيها لو اختلفا في النفقة الماضية اتجه ثبوت المدعى بتصديق السيد، و كذا الخصومة فيها، لأنها حينئذ كالصداق، و حقها إنما يتعلق بالحاضر» و نحوه ما في القواعد، قال: «و لو اختلفا في النفقة الماضية فالغريم السيد، فان صدق الزوج سقطت، و إلا حلف و طالب، أما الحاضرة فالحق فيها لها، لأنها حق يتعلق بالنكاح، فيرجع إليها كالإيلاء و العنة» و إن كان ربما أشكل بعدم جواز الحلف على نفى فعل الغير، لكن قد يدفعه معلومية إرادة ما لو كان الاختلاف في الدفع بعد مضى جملة من الأيام، فإن الغريم حينئذ السيد، و لا يجدي تصديق الأمة و لا حلفها و لا نكولها، لعدم تعلق حق لها به، إذ هو دين محض للسيد، و لا إذن للأمة في قبضه، نعم لو كان الاختلاف بينهما في الدفع فيما مضى يوما فيوما فالخصم حينئذ ليس إلا الأمة، فإذا صدقته سقطت، ضرورة كونها مأذونه في قبضها و إن كان المالك السيد، و إن أنكرت و لا بينة لها حلفت، و تمحض الحق للسيد، مع إمكان أن يقال: إنه كذلك أيضا، و يكون الحلف منه على عدم وصول حقه إليه و لو في يد المأذون أو الوكيل، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[أما قدر النفقة]

و أما الكلام في قدر النفقة فضابطه القيام بما تحتاج المرأة إليه من طعام و إدام و كسوة و إسكان و إخدام و آلة الادهان تبعا لعادة أمثالها من أهل البلد للأصل و إطلاق الأوامر بالإنفاق كتابا(1)و سنة(2)الذي يرجع في مثله إليها بعد أن لم يكن ثم تقدير شرعي، على أنه صرح في

النصوص (3)بأن «حق المرأة على الرجل أن يشبع بطنها و يكسو جنبها»

نعم في

صحيح شهاب بن عبد ربه (4)قلت لأبي عبد الله عليه السلام؟ «ما حق المرأة على زوجها؟ قال: يسد جوعتها، و يستر عورتها، و لا يقبح لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد أدى و الله إليها حقها، قلت: فالدهن، قال: غبا يوم و يوم لا، قلت: فاللحم، قال: في كل ثلاثة أيام مرة، فيكون في


1- 1 تقدمت الايات الدالة على ذلك في ص 302.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 331

الشهر عشرة مرات لا أكثر من ذلك، و الصبغ في كل ستة أشهر، و يكسوها في كل سنة أربعة أثواب: ثوبين للشتاء و ثوبين للصيف، و لا ينبغي أن يفقر بيته من ثلاثة أشياء: دهن الرأس و الخل و الزيت، و يقوتهن بالمد، فإني أقوت به نفسي و عيالي، و ليقدر لكل إنسان منهم قوته، فان شاء أكله و إن شاء و هبة و إن شاء تصدق به، و لا تكون فاكهة عامة إلا أطعم منها عياله، و لا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل في الطعام أن ينيلهم من ذلك شيئا لا ينيلهم في سائر الأيام».

لكن الظاهر حمل ذلك فيه على ضرب من الندب أو على العادة في البعض أو غير ذلك، و إلا فالواجب ما عرفت، و قد تعرض بعض الأصحاب إلى بيان المعتاد من ذلك، فأوجبوا فيها أمورا ثمانية: الأول الإطعام، و إنما يجب منه سد الخلة أي حاجتها بحسب حالها، بل في كشف اللثام «لعله يدخل في ذلك اختلافها شرافة و رضاعة».

و في تقدير ه أي الإطعام خلاف فمنهم من قدره بمد للرفيعة و الوضيعة من الموسر و المعسر، و هو الشيخ في المحكي من خلافه محتجا بإجماع الفرقة و أخبارهم التي لم نعثر منها إلا على صحيح شهاب المتقدم الذي قد عرفت حمله على الفضل، و ما ورد(1)من تقديره في الكفارة التي لا يقاس ما نحن فيه عليها، و منهم هو أيضا في المحكي من مبسوطة، فقدرة بذلك للمعسر و بمدين للموسر و مد و نصف للمتوسط، كما عن الشافعي، و لم نعثر له على دليل معتد به و منهم من لم يقدر ه بشي ء من ذلك و اقتصر على سد الخلة، و هو مع أنه أشهر بيننا، بل المشهور شهرة عظيمة أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و أما جنسه فقد قيل: إن المعتبر فيه غالب قوة البلد، كالبر في العراق و خراسان، و الأرز في طبرستان، و التمر في الحجاز، و الذرة في اليمن، لأن شأن كل مطلق حمله على المعتاد، و لأنه من المعاشرة بالمعروف، و إن اختلف الغالب باختلاف الناس اعتبر حالها، و في محكي المبسوط «و يعتبر بغالب قوت أهل البلد، و ينظر إلى غالب قوته»


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 31، ص: 332

فأوجب عليه كالإطعام في الكفارات، و يحتمل أن يكون أراد به ما ذكره بعضهم من أنه إن لم يكن القوت الغالب أي لم يقدر عليه الزوج إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق بالزوج، لأنه لا تكلف نفسا إلا وسعها، و لقوله تعالى (1)«وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ» و في المسالك «أنها ترجع فيما تحتاج إليه من طعام و جنسه من البر و الشعير و التمر و الزبيب و الذرة و غيرها و الإدام و السمن و الزيت و الشيرج و اللحم و اللبن، و الكسوة من القميص و السراويل و المقنعة و الجبة و غيرها، و جنسها من الحرير و القطن و الكتان، و الإسكان في دار أو بيت لائقين، و الإخدام إذا كانت من أهله من ذوي الحشمة و المناصب المرتفعة، و آلة الادهان التي تدهن به شعرها أو ترجله من زيت أو شيرج مطلق أو مطيب بالورد أو البنفسج أو غيرهما مما يعتاد لأمثالها و المشط، و ما يغسل به الرأس من السدر و الطين و الصابون على حسب عادة البلد و نحو ذلك مما يحتاج إليه في عادة أمثالها من أهل بلدها، و إن اختلفت العادة ترجع إلى الأغلب، و مع التساوي فما يليق منه بحاله».

قلت: لعل ما في المسالك من الرجوع إلى عادة الأمثال من أهل البلد أولى من جعل المدار على القوت الغالب في الفطر أو البلد، ضرورة انسياق الأول من إضافة «رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ»(2)

و «ستر عورتها و سد جوعتها»(3)

و كذا ما ذكره من الرجوع إلى الأغلب مع الاختلاف، فإنه الأقرب إلى الإضافة المزبورة و إلى حمل الإطلاق، نعم ما ذكره من الرجوع إلى ما يليق بحال الزوج مع التساوي لا يخلو من نظر، فان المتجه في الفرض التخيير بين افراد ما يليق بها، إذ هو الفرد القريب إلى الإضافة المزبورة و إلى المعاشرة بالمعروف، كما أن ما ذكره غيره من أنه إن لم يقدر الزوج على القوت الغالب إما لعدمه أو عدم الوصول إليه فما يليق بالزوج كذلك أيضا، لاحتمال


1- 1 سورة الطلاق: 65 الآية 7.
2- 2 سورة البقرة: 2 الآية 233.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1 و فيه «يسد جوعتها و يستر عورتها».

ج 31، ص: 333

احتساب ذلك عليه دينا خصوصا في الأخير، و لو أخذ بإطلاق الآية(1)لكان المتجه اعتبار حال الزوج بالنظر إلى إعساره و إيساره و إن كان القوت الغالب موجودا، و لعل الخصم لا يلتزم به.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد عدم الشي ء في نفسه أو حصول المانع إليه من خوف عام أو نحو ذلك مما هو من عوارض النفقات في العرف و العادة أيضا لا من عوارض المنفق، فإنه حينئذ قد يقال: العشرة بالمعروف هو المقدور، بل يكون هو قوت الأمثال في هذا الحال، فتأمل جيدا.

قال في كنز العرفان: «قال المعاصر في هذه الآية(2)دلالة على أن المعتبر في النفقة حال الزوج لا الزوجة، و لذلك أكده بقوله تعالى (3)لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها» إذ لو كان المعتبر حال الزوجة لا حال الزوج لأدى ذلك في بعض الأوقات إلى تكليف ما لا يطاق، بأن تكون ذات شرف و الزوج معسر، و عندي فيه نظر أما (أولا) فلفتوى الأصحاب أنه يجب القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام و إدام و كسوة و إسكان تبعا لعادة أمثالها. و (ثانيا) فلأن قوله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ» إلى آخره قابل للتقييد، أي في حال التي قدر فيها الرزق، و حينئذ جاز أن يكون الواجب عليه ما هو عادة أمثالها، فيؤدي ما قدر عليه الان، و يبقى الباقي دين عليه، فلذلك اتبع الكلام بقوله تعالى (4)سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً».

قلت: هو صريح فيما قلناه، بل ظاهره الإجماع على ذلك، على أنه يمكن تنزيل الآية على نفقة غير الزوجة التي يسقط بالإعسار ها هنا ما يعسر عليه حتى بالكسب بناء على وجوبه لنفقة القريب، و الله العالم.

و على كل حال فالثاني الإدام، و البحث فيه جنسا و قدرا كالإطعام، لاتحاد المدرك في الجميع، لكن عن المبسوط أن عليه في الأسبوع اللحم مرة، لأنه هو العرف، و يكون يوم الجمعة لأنه عرف عام، و عن أبي علي أن على المتوسط أن يطعمها اللحم في كل ثلاثة أيام مرة، و الأولى منه الرجوع فيه إلى العرف في أمثال الامرأة و يمكن إرادة الجميع


1- 1 سورة الطلاق: 65 الآية 7.
2- 2 سورة الطلاق: 65 الآية 7.
3- 3 سورة الطلاق: 65 الآية 7.
4- 4 سورة الطلاق: 65 الآية 7.

ج 31، ص: 334

ذلك، فلا يكون خلافا، كما أنك قد عرفت المراد في صحيح الشهاب (1)السابق: بل هو المرجع في جنسه أيضا، و كونه من الضأن و غيره و في قدره و إن حكي عن بعضهم أنه رطل، و عن آخر الزيادة عليه بيسير، و حينئذ لو كان عادة أمثالها دوام أكل اللحم وجب، لأنه هو المعاشرة بالمعروف في رزقهن، بل في كشف اللثام «و كذا لو اعتادته هي مع التضرر بتركه و إن لم يكن الضرر إلا بمخالفة العادة» و إن كان لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو وجوب التنباك و الترياق و القهوة لها إذا كان عادة لأمثالها أولها خاصة و لو مع التضرر بتركه، من نظر أيضا نعم لو تبرمت بجنس من الإدام كان عليه الابدال مع فرض تعدده، لأنه هو حينئذ المعاشرة بالمعروف، بل لو كان عادة أمثالها أكل الشي ء العزيز من القند و المربيات و نحو ذلك وجب، بل لو كان عادتها هي على وجه تتضرر بتركه أمكن وجوبه و إن كان ذلك كله لا يخلو من بحث أيضا.

و كيف كان فلها أن تأخذ الإدام و الطعام و إن لم تأكل، لما تعرف إنشاء الله من أنها تملكهما بالأخذ فلها التصرف بهما كيف شاءت، و قد سمعت ما في صحيح شهاب (2)السابق.

الثالث الكسوة، و المرجع فيها و في جنسها و في قدرها إلى العادة أيضا و إن ذكر بعض أصحابنا أنه يجب منها أربع قطع: قميص و سراويل و مقنعة و نعل أو شمشك، و يزيد في الشتاء الجبة، بل ستسمع نحو ذلك من المصنف، لكن مراد الجميع ملاحظة العادة في ذلك و في الجنس أيضا، فلو كان عادة الأمثال القطن أو الكتان وجب، و كذا الخز و الإبريسم و نحوهما دائما أو في وقت، بل لو كانت من ذوي التجمل وجب لها زيادة على ثياب البدن الثياب له على حسب أمثالها، فالضابط حينئذ ما عرفت، و عليه يحمل ما في صحيح شهاب (3)السابق، كما أن ما عن كتب العامة من تعديد أشياء بخصوصها محمول عليه أيضا، و لعل عدم التعرض لضبط ذلك أولى، ضرورة شدة الاختلاف في الكم و الكيف و الجنس بالنسبة إلى ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 335

و خصوصا في البلدان.

الرابع الفراش الداخل في عموم الإنفاق و المعاشرة بالمعروف، بل في كشف اللثام «يدخل بعضه في الكسوة» كما أن في القواعد «يجب لها حصير في السيف و الشتاء، فان كانت متجملة بالزينة و البساط وجب لها ذلك ليلا و نهارا، و يجب لها ملحفة و لحاف في الشتاء، و مضربة و مخدة، و يرجع في جنس ذلك إلى عادة أمثالها في البلد» و في محكي المبسوط «فأما الفراش و الوسادة و اللحاف و ما ينام فيه قال قوم:

يجعل لها فراش و وسادة من غليظ البصري و لحاف منه، و قال قوم: الفراش الذي يجلس عليه نهارا هو الذي ينام عليه ليلا مثل لبد أوزولية، فأما مضربة محشوة فلا، لأن العرف هذا، و الأول أقوى، لأنه العرف و العادة، و يكون لها لحاف محشو و قطيفة، فأما خادمتها فلها وسادة و كساء تتغطى به دون الفراش، هذا في امرأة المؤسر، و أما امرأة المعسر فدون هذا، و يعطيها كساء تتغطى به، و لخادمتها عبادة أو كساء غليظ تنام فيه أو فروة» قلت: لا يخفى عليك أن إحالة ذلك كله إلى العادة في القدر و الجنس و الوصف و نحو ذلك أولى، بل هو المتعين، ضرورة عدم دليل على الخصوصيات.

الخامس آلة الطبخ و الشرب، مثل كوز و جرة و قدر و مغرفة إما من خشب أو حجر أو خزف أو صفر بحسب عادة أمثالها.

السادس آلة التنظيف، و هي المشط و الدهن، و لا يجب الكحل و الطيب، و يجب المزيل للصنان، و له منعها من أكل البصل و الثوم و كل ذي رائحة كريهة، و من تناول السم و الأطعمة الممرضة، و لا تستحق عليه الدواء للمرض، و لا أجرة الحجامة و لا الحمام إلا مع البرد، و عن المبسوط «أنه شبه الفقهاء الزوج بالمكتري و الزوجة بالمكري دارا، فما كان من تنظيف كالرش و الكنس و تنقية الابار و الخلاء فعلى المكتري لأنه يراد للتنظيف، و ما كان من حفظ البنية كبناء الحائط و تغيير جذع انكسر فعلى المكري، لأنه الأصل، و كذلك الزوج ما يحتاج إليه للنظافة و ترجيل الشعر فعليه، و ما كان من الأشياء التي تراد لحفظ الأصل و البنية كالقصد

ج 31، ص: 336

و الحجامة فعليها، و إنما يختلفان في شي ء واحد، و هو أن ما يحفظ البنية على الدوام و هو الإطعام فعليه دونها، ففي هذا يفترقان و في ما عداه يتفقان» و فيه ما لا يخفى.

السابع السكنى، و عليه أن يسكنها دارا يليق بها، إما بعارية أو إجارة أو ملك:

الثامن نفقة الخادمة إن كانت من أهل الإخدام لشرف أو حاجة، و المرجع فيه العرف، فان كانت من أهل بيت كبير و لها شرف و ثروة لا تخدم بنفسها فعليه إخدامها و إن تواضعت في الخدمة بنفسها، و كذا إن كانت مريضة تحتاج إلى الإخدام لزم و إن لم تكن شريفة، بل لو كانت الزوجة أمة تستحق الإخدام لجمالها لزم ذلك لها، لقضاء العادة.

و المرجع في نفقة الخادمة جنسا و قدرا و غير ذلك العادة لأمثالها من الخدام أيضا، و ما عن بعض العامة من التقدير للموسر بمد و ثلث و للمعسر بمد لا عبرة به عندنا، و كذا الخلاف في أن الإدام دون إدام الزوجة أو مثله.

و قد أشار المصنف إلى أكثرها حتى آلة التنظيف المرادة من قوله: «آلة الادهان» بمعنى ما تدهن به شعرها و ترجله و غيره، كما سمعته من المسالك، و حتى فراش النوم المشار إليه فيما يأتي بقوله «و لا بد» و حتى نفقة خادمها المشار إليها بقوله: «فالزوج بالخيار» نعم ليس في كلامه إشارة إلى آلة الطبخ و الشرب، و يمكن اكتفاؤه عن ذلك بالإطعام الذي هذه الأمور من مقدماته.

لكن لا يخفى عليك ما في هذه الكلمات من التشويش و الاضطراب، و لو أحالوا ذلك إلى العادة لكان أحسن، و كأنهم تبعوا بذلك ما في كتب العامة من التعرض لأمثال هذه الأمور التي تستعملها قضاتهم لتناول العشر منها أو غير ذلك من المقاصد الفاسدة، ضرورة أنه إن كان المدار في الإنفاق بذل جميع ما تحتاج إليه المرأة لم يكن لاستثناء الدواء و الطيب و الكحل و أجرة الحمام و الفصد وجه، و إن كان المدار على خصوص الكسوة و الإطعام و المسكن لم يكن لعد الفراش و الإخدام و خصوصا

ج 31، ص: 337

ما كان منه للمرض و غير ذلك مما سمعته في الواجب منها وجه، و إن جعل المدرك فيه المعاشرة بالمعروف و إطلاق الإنفاق كان المتجه وجوب الجميع، بل و غير ما ذكروه من أمور أخر لا حصر لها، فالمتجه إحالة جميع ذلك إلى العادة في إنفاق الأزواج على الزوجات من حيث الزوجية لا من حيث شدة حب و نحوه، من غير فرق بين ما ذكروه من ذلك و ما لم يذكروه، مع مراعاة حال الامرأة و المكان و الزمان و نحو ذلك، و مع التنازع فما يقدره الحاكم من ذلك لقطع الخصومة، و إلا فليس على ما سمعته منهم إثباتا و نفيا دليل معتد به بالخصوص.

و منه ما ذكره المصنف و غيره من أنه يرجع في الإخدام إلى عادتها، فان كانت من ذوي الأخدام وجب للعشرة بالمعروف، و إلا خدمت نفسها من غير فرق في ذلك بين إعسار الزوج و إيساره، نعم الاعتبار بحال الامرأة في بيت أبيها دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها.

و أنه إذا وجبت الخدمة فالزوج بالخيار بين الإنفاق على خادمها إن كان لها خادم فيكون ذلك منه عوض الخدمة حينئذ و بين ابتياع خادم لها أو استيجارها حرة أو أمة أو استعارتها أو مملوكة له يأمرها بالخدمة أو الخدمة لها بنفسه و عن بعض العامة و الخاصة بل ظاهر المسالك اختياره تقييد الأخير بما لا يستحيى منه، كغسل الثوب و كنس البيت و طبخ الطعام، أما ما يستحيي منه كالذي يرجع إلى خدمة نفسها من صب الماء على يدها و حمله إلى الخلاء و غسل خرقة الحيض فلها الامتناع من خدمته، لما فيه من المشقة عليها المنافية للعشرة بالمعروف، بل عن بعضهم أن لها الامتناع من قبول خدمته مطلقا، لما فيه من الحياء و التعيير، و على كل حال فالخيار في أفراد الخدمة له، لأنه هو المكلف بها.

و ليس لها التخيير فحينئذ لو اختارت خادما و اختار الزوج غيره قدم اختياره، و كذا اختار الخدمة بنفسه، لكن عن الفاضل احتمال تقديم اختيارها لجواز كون ما تختاره أقوم بخدمتها، و لاحتشامها الزوج عن الخدمة، بل له إبدال

ج 31، ص: 338

خادمتها المألوفة لريبة أو غيرها، لما عرفت من أن له الاختيار ابتداء فكذا استدامة، و احتمال بعضهم عدمه لغير الريبة، لعسر قطع المألوف، قيل: و للعامة قول بعدم الإبدال مطلقا.

و أنه لا يلزمه أكثر من خادم واحد و لو كانت من ذوي الحشم و من أجل الناس لأن الاكتفاء يحصل بها خلافا لما عن بعض العامة، فأوجب خادما خارج الدار و آخر للداخل، و عن آخر أنه أوجب لمن كانت شريفة زفت إليه مع جواز كثيرة الإنفاق على الجميع، بل عن بعض الأصحاب احتماله، لكونه من المعاشرة بالمعروف، بل في المسالك احتمال اعتبار عادتها في بيت أبيها، فإن كانت ممن تخدم بخادمين أو أكثر وجب، لأنه من المعاشرة و إنه لو أرادت استخدام ثانية و ثالثة من مالها فللزوج أن لا يرضى بدخولهن داره، و كذا لو حملت أكثر من واحدة فله الاقتصار على واحدة و إخراج الباقيات من داره، كما أن له تكليفها بإخراج مالها من داره، و منع أبويها و ولدها من غيره أو غيرهم عن الدخول إليها في داره، و منعها من الخروج إليهم للزيارة و غيرها كما في صحيح ابن سنان (1)السابق.

و أن من لا عادة لها بالإخدام يخدمها مع المرض أو يمرضها نظرا إلى العرف و لا ينحصر هنا في واحد، بل بحسب الحاجة.

إلى غير ذلك من كلماتهم المشتملة على التعليل الذي هو أعم من المدعي، بل مع قطع النظر عما ذكرناه لا يخلو أصل وجوب الإخدام الذي لا تعلق له في الإنفاق من نظر، ضرورة حصر الأدلة حقها في ستر العورة و سد الجوعة و إسكانها (و الإسكان خ ل) فلا يجب حينئذ غير هذه الثلاثة، و على تقديره من إطلاق الإنفاق و العشرة بالمعروف و نحوها فلا ينبغي عدم الالتفات هنا إلى ما تقتضيه عادة أمثالها في القدر و الجنس أيضا، ضرورة عدم الفرق بينه و بين غيره مما ادعى انصراف إطلاق الأدلة بل لا ينبغي إخراج الدواء و أجرة الحمام و الفصد و الحجامة و نحو ذلك، إذ لا فرق بينها و بين الخادم لها عند المرض و بين غيرها مما أوجبوه للمعاشرة بالمعروف


1- 1 الوسائل الباب- 91- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 31، ص: 339

و إطلاق الإنفاق و كون الامرأة عيالا عرفا، بل هو المراد من قوله تعالى (1):

«ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا» و عيال الرجل ثقله و كل عليه فالمناسب حينئذ جعل المدار ما أشرنا إليه سابقا مما يعتاد إنفاقه على الزوجات من حيث الزوجية، ملاحظا فيه حد الوسط الذي هو المراد من المعروف، لا الإسراف الذي يقع من المبذرين، و لا التقتير الذي يقع من الباخلين، و مع التنازع و التشاح ما يقدره الحاكم في قطع الخصومة ملاحظا الميزان المعلوم.

و كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه يرجع في جنس المأدوم و الملبوس لها و لخادمها إلى عادة أمثالها و أمثال خادم مثلها من أهل البلد، و كذا في المسكن و إن كان لا يعتبر فيه تمليكها إياه، لكونه إمتاعا فيكفي المستعار و المستأجر اتفاقا، بل نص بعض الأصحاب على أنها لو كانت (2)من أهل البادية لم يكلف الإسكان في بيت مدر و إن كانت من أهل الحضر، بل كفاه بيت شعر يناسب حالها، للزوم الحرج بالتكليف بذلك، و قضاء العرف بالاكتفاء به، و لقوله تعالى (3)«أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ» و لعله لذا قيد بعض الناس وجوب المسكن المناسب بالقدرة.

و لكن ذكر غير واحد من الأصحاب أن لها المطالبة بالتفرد بالمسكن عن مشاركة غير الزوج ضرة أو غيرها، من دار أو حجرة منفردة المرافق مع القدرة عليه، لأنه من المعاشرة بالمعروف و الإمساك بالمعروف، و لفهمه من قوله تعالى (4)«وَ لا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ» و إن كان لا يخلو


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 3.
2- 2 هكذا في النسختين الأصليتين الا أن الموجود في كشف اللثام «لو كان من أهل البادية» و هو الصحيح و الظاهر ان المراد من بعض الأصحاب هو الفاضل الهندي قده فإن العبارة إلى آخر الآية الاتية مأخوذة من كشف اللثام.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 31، ص: 340

من نظر مع فرض عدم كون عادة أمثالها كذلك و عدم تضرر لها به و إلا وجب من هذه الجهة، لا أن ذلك حق لها من حيث كونها زوجة، و لعل الرجوع فيه إلى الضابط الذي ذكرناه أولى.

و كذا تقدم أنه لا بد في الكسوة من زيادة في الشتاء للتدثر، كالمشحوة لليقظة و اللحاف للنوم و غير ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و النساء، بل لو كانت من أهل الاصطلاء بالنار وجب الحطب و الفحم و غيرهما، كما أنه يجب ملاحظة حال أمثالها في ثياب الضيف.

و يرجع في جنسه أي الدثار و غيره إلى عادة أمثال المرأة و الخادمة، و كأن المصنف أخذ وجوبه من الكسوة، و هو كما ترى بالنسبة إلى اللحاف، و كذا ما تحتاجه من الفراش في اليقظة، و لو لا ما ذكرناه لأشكل وجوب ذلك كله، و عليه فلا ينحصر تعداد أفراده، و من هنا حصل الزيادة و النقصان في التعدد في كلامهم المبنى على مراعاة عادة أمكنتهم و أزمنتهم و أحوالهم.

و قد عرفت فيما مضى أيضا أنه تزاد إذا كانت من ذوي التجمل زيادة على ثياب البذلة ما يتجمل أمثالها به للمعاشرة بالمعروف و إطلاق الإنفاق و انصراف ستر العورة إليه، مضافا إلى ما ذكرناه من الضابط السابق الذي بعد الإحاطة به و بما قدمناه في جميع هذا المبحث يظهر لك الحال في أطراف المسألة.

ج 31، ص: 341

[أما اللواحق فمسائل]
[المسألة الأولى لو قالت: أنا أخدم نفسي و لي نفقة الخادم لم يجب إجابتها]

الأولى:

لو قالت: أنا أخدم نفسي و لي نفقة الخادم لم يجب إجابتها لما عرفت من كون التخيير في طرف الخدمة إليه، بل في كشف اللثام «أن عليه الإخدام إن كانت من أهله و إن تواضعت، كما أن عليه الإنفاق عليها بما هي أهله، و إن رضيت بالتقتير» و نحوه في المسالك قال فيها: «لأن ذلك يسقط مرتبتها، و له أن لا يرضى بها، لأنها تصير مبتذلة، و له في رفعتها حق و غرض صحيح و إن رضيت بإسقاط حقها» و فيه أنه لا وجه للوجوب مع الرضا على وجه الاسقاط للحق، نعم ليس لها النفقة إن لم تقبل الخادم، لأن الخدمة للنزاهة و الدعة فإذا لم تخترها لم يكن لها عوض عنها.

كما أنها لو بادرت بالخدمة من غير إذن لم يكن لها المطالبة بالأجرة و لا نفقة الخادم و إن ادعت أنها ما تبرعت بمقتضى إطلاق المصنف و غيره، و إن كان قد يشكل أصل الحكم بعدم الفرق بين الإخدام و الكسوة و الإطعام في الرجوع بالعوض مع عدم ظهور إسقاط منها بالاعراض عما بذله لها من ذلك مثلا، إذ الظاهر أنه لا يتوقف استحقاقها النفقة على المطالبة، فما في المسالك- من تعليل هذا الحكم بكونها متبرعة فلا أجرة لها و لا نفقة زائدة بسبب الخدمة- يلزمه مثل ذلك في الإطعام و الكسوة، و لعله لا يلتزمه، ضرورة إطلاق الأدلة في استحقاقها ذلك عليه على وجه إن لم يدفعه إليها يكون دينا عليه إلا إذا أسقطت حقها منه كما هو واضح، و الله العالم.

ج 31، ص: 342

[المسألة الثانية الزوجة تملك نفقة يومها مع التمكين]

المسألة الثانية لا خلاف في أن الزوجة تملك المطالبة ب نفقة يومها في صبيحته مع التمكين و أنه إذا قبضتها كانت ملكا لها، لقوله عليه السلام في

صحيح شهاب (1)المتقدم «و ليقدر لكل إنسان منهم قوته، فان شاء أكله و إن شاء وهبه و إن شاء تصدق به»

و ظاهرهم بل هو صريح المسالك أن ذلك كذلك في كل ما يتوقف الانتفاع به من النفقة على إتلاف عينه من مأكل و مشرب و دهن و طين و صابون و نحو ذلك و إن كان هو لا يقتضي اعتبار الملكية فيه، ضرورة إمكان الاكتفاء بالبذل و الإباحة المطلقة، بل يمكن أن تجامع حتى ما في الصحيح المزبور من التسلط على بيعه و هبته فإنه من الإباحة ما يكون كذلك، و من هنا اعترف في كشف اللثام بإمكان القول بعدم اعتبار الملك فيه و أن الواجب إنما هو البذل و الإباحة.

قلت: بل لعله متعين بناء على اعتبار التمكين على وجه الجزئية في سبب ملكها، إذ لا وجه حينئذ لتقدم المسبب على السبب و المعلول على العلة، نعم قد يتوجه بناء على شرطيته بمعنى أنه يكون شرطا كاشفا أو شرطا للاستقرار فحينئذ لو قبضتها من الصبح يبقى الملك فيها مراعى حتى ينقضي ذلك اليوم متمكنة، فينكشف استقراره بأول القبض حينئذ أو يستقر حينئذ، و عبارة المتن محتملة للوجوه الثلاثة و إن كانت لا تخلو من إشعار بالأخير بقرينة ما بعد.

لكن فيه أن ذلك يتم لو كان في الأدلة ما يقتضي سببية قبضها للملك كي يجمع بينهما حينئذ بما عرفت، كما هو الشأن في الشرائط الكاشفة و ليس، إذ أقصى ما ذكروه في وجه ذلك أنه لما كان المقصود من النفقة القيام بحاجتها و سد خلتها لكونها محبوسة لأجله وجب أن يدفع إليها يوما فيوما، إذ لا وثوق باجتماع الشرائط في باقي الزمان، و الحاجة تندفع بهذا المقدار، فيجب دفعها في صبيحة كل


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 343

يوم إذا طلع الفجر، و لا يلزمها الصبر إلى الليل ليستقر الوجوب، لأنها ربما تجوع فتتضرر بالتأخير، و ربما زاد الضرر إذا افتقرت إلى خبز أو طبخ أو إصلاح، إذ الواجب عليه دفع الحب مئونة إصلاحه، و كذا الإدام من اللحم و نحوه، لا عين المأكول.

بل في قواعد الفاضل التصريح بعدم وجوب تسليم الدقيق في الخبز أو القيمة إلا مع التراضي منهما، و في كشف اللثام «أما القيمة فالأمر فيها ظاهر، فان الواجب انما هو الطعام، و أما الدقيق و الخبز فظاهر أنه لا يجبر الزوج عليهما إذا دفع الحب مع مئونة الطحن و الخبز و الطبخ، و أما الزوجة فالظاهر أنها تجبر على القبول، كما يعطيه كلام الإرشاد، و يحتمل العدم، كما هو قضية الكلام هنا، لأنهما لا يصلحان لجميع ما يصلح له الحب» و إن كان لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد الإحاطة بما في نصوص (1)المقام من الاقتصار فيها على أن حقها سد جوعتها و نحو ذلك مما هو أظهر فيما لا يحتاج بعد ذلك إلى عمل كالخبز و الطبيخ و التمر و ما أشبه ذلك مما لا يتوقف إلا على تناول المرأة.

بل جزم المحدث البحراني بكون الواجب على الزوج ذلك، فلا تجبر المرأة حينئذ على قبول الحب و مئونته، بل يجبر الزوج على ما لا يحتاج إلى مئونة غير التناول، و إن كان قد يناقش بمخالفته المعتاد في الإنفاق المحمول إطلاقه عليه، كإطلاق سد الجوعة، لا أقل من أن يكون الزوج مخيرا بين الأمرين إن لم يكن غضاضة على الزوجة في فعل المطبوخ عليها على وجه ينافي عادة أمثالها.

و على كل حال فليس في شي ء من ذلك ما يقتضي اعتبار الملكية، فضلا عن كون القبض سببا فيها، و لو سلم لكان المتجه ذلك أيضا في قبض نفقة الأيام المتعددة، و لا أظن القائل يلتزم به، ضرورة عدم الفرق في كيفية اشتراط التمكين بين اليوم الحاضرة و غيره، اللهم إلا أن يقال بالفرق بينهما بحضور هذا اليوم الذي هو بمنزلة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 344

تحقق السبب فيه، و لذا قدم قوته على الغرماء في المفلس بخلاف ما عداه، بل لعل الأمر بالإنفاق منزل على ذلك، ضرورة عدم كونه نفقة له بعد انقضائه، بل هو وفاء دين، فليس نفقته إلا استقباله بما تقع الحاجة فيه إلى صبيحة اليوم الأخر، لكنه كما ترى أيضا، فليس حينئذ إلا الإجماع على ذلك و ما في صحيح الشهاب (1)السابق، فيكون حينئذ هما الدليل على وجوبها و ملكها قبل حصول التمكين، نحو تقديم غسل الجمعة يوم الخميس، و تقديم الفطرة قبل الهلال، و إلا لأمكن القول بأن المقدم ما يساوى استحقاقها المؤخر حينئذ، فبعد حصول شرطه أو تمام سببه يقع التهاتر قهرا، و مع عدمه يرجع عليها بما دفع إليها.

و كيف كان فلو منعها و انقضى اليوم ممكنة استقرت نفقة ذلك اليوم في ذمته إن لم تكن قد قضت، و ملكها لها إن كانت قد قبضت و كذا الكلام في نفقة الأيام الأخر و إن لم يقدرها الحاكم و لم يحكم بها بلا خلاف فيه بيننا و لا إشكال، ضرورة ثبوت الحق لها و إن سكتت و لم تطالب و لا وقع التقدير خلافا لمن اعتبر التقدير من العامة.

إنما الكلام فيما لو ماتت في أثناء النهار أو طلقها أو نشزت، و في موضع من القواعد الجزم بعدم استردادها في الأولين، لأنها ملكتها، و الاسترداد في الأخير على إشكال من تقديم القبض الموجب للملك قبل النشوز، و من أن الملك مشروط بالتمكين، فبالقبض إنما ملكته ملكا مراعي.

و في كشف اللثام هذا مع بقاء العين، إذ مع الإتلاف لا دليل فيه على وجوب العوض مع إباحة المالك و الاذن شرعا في الإتلاف، و لا يخفى عليك أن الوجه الأخير من الاشكال آت أيضا في الأولين، كما لا يخفى عدم الفرق بين الإتلاف و عدمه بعد أن كان الدفع بعنوان النفقة التي بان عدمها بفوات التمكين.

هذا و لكن قال في موضع آخر من القواعد في مسألة ما لو دفع لها نفقة لمدة و انقضت تلك المدة ممكنة فقد ملكت النفقة قولا واحدا و كذا


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 345

لو استفضلت منها شيئا بالتقتير عليها أو بأن أنفقت على نفسها من غيرها كانت ملكا لها بلا خلاف فيه بينهم، لما عرفته فيما تقدم ما لفظه «فان طلقها في الأثناء استعاد نفقة الباقي إلا يوم الطلاق، و لو نشزت أو ماتت أو مات هو استرد الباقي» أي من النفقة لذلك اليوم و لغيره، و هو مناف لما سمعته منه سابقا، بل قد يشكل الفرق بين يوم الطلاق و غيره بعد اشتراط التمكين و إن قيل: إنها في صورة الطلاق مسلمة للعوض الذي هو التمكين، و إنما رده الزوج بالطلاق بخلاف غيره من الصور التي لا تسليم فيها، لكنه كما ترى، ضرورة صدق عدم حصوله بفوات الزوجية بسبب الطلاق المأذون فيه شرعا، و المشروط عدم عند عدم شرطه، كدعوى الفرق بين يوم الطلاق و غيره من الأيام، و بأنها ملكت النفقة ملكا مستقرا في صبيحته ببذل التمكين أوله بخلاف غيره الذي لا ملك لها فيه أصلا، إذ هي إنما تملك متجددا بتجدد كل يوم، و ذلك لما عرفت من عدم الفرق بين الأيام في كيفية اشتراط التمكين، فهي و إن ملكت المدفوع إليها في يومه لكنه مراعي بالتمكين الذي هو كالمعوض، فان سلم فذاك و إلا استرد بإزائه، نحو المؤجر الذي يملك تمام الأجرة ملكا مراعي بسلامة العوض للمستأجر بل اللازم على تقدير الاكتفاء ببذل التمكين أول اليوم الاستقرار في ذمته لها إن لم يدفع لو طلقها في أثناء اليوم، و الظاهر أنهم لا يلتزمون به، و لعله لذلك كله اعترف في كشف اللثام بأن الفرق مشكل بعد أن حكاه عن قطع الشيخ و غيره، قال: «و لذا احتمل بعض العامة استرداد نفقة يوم الطلاق».

قلت: و هو المتجه بناء على ما قدمنا، بل ربما احتمل استرداد جميع نفقة اليوم و الليلة بفوات التمكين و لو في الجزء الأخير منها، لكونه في تمام اليوم و الليلة، و لعله ظاهر بعض العبارات، و إن كان الذي يقوى في النظر التوزيع، نحو توزيع الأعواض على المعوضات، و هذا متجه في نفقة اليوم و الليلة الحاضرين، أما ما زاد عليهما فلا إشكال و لا خلاف في استردادها بالموت و الطلاق و النشوز و غير ذلك،

قال

ج 31، ص: 346

زرارة(1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل سافر و ترك عند امرأته نفقة ستة أشهر أو نحوا من ذلك ثم مات بعد شهر أو اثنين، فقال: ترد ما فضل عندها في الميراث».

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه لو دفع إليها كسوة لمدة جرت العادة ببقائها إليها صح ذلك نفقة، ضرورة كونه المعتاد في مثلها، لعدم كونها كالطعام الذي يمكن توزيعه يوما فيوما، إنما الكلام في أن ذلك ملك لها أو إمتاع و كذا الكلام في غير ذلك من أعيان النفقة التي لا يتوقف الانتفاع بها على إتلافها و إن كان الاستعمال يتلفها لكن بعد مدة نحو فراش النوم و اليقظة و آلات التنظيف من المشط و نحوه، و حينئذ تكون النفقة أقساما ثلاثة: (أحدها) ملك بلا خلاف و هو طعام اليوم و الليلة و نحوها مما يتوقف انتفاعه على إتلافه، كالصابون و نحوه.

و (الثاني) إمتاع بلا خلاف، كالمسكن و الخادم و نحوهما مما علم من الأدلة عدم اعتبار الملك في إنفاقهن. و (الثالث) محل البحث، و هو الكسوة و ما شابهها.

ففي القواعد و محكي المبسوط و غيره أنها ملك، و لعله الظاهر مما تسمعه من المصنف و في الإرشاد و كشف اللثام و غيرهما أنها إمتاع، و مال إليه في فوائد الشرائع، بل في الرياض أنه أشهر و أجود، و لعله كذلك خصوصا بعد ما عرفت في الإطعام، مع أن الأصل يقتضي ذلك أيضا، ضرورة عدم ما يدل على اعتبار الملك في صدق الإنفاق المأمور به شرعا، و الفرض عدم قصد الباذل له، فلا سبب للملك شرعا و لا قصدا.

و دعوى أن بذل شخصي الكسوة عن كليها الثابت في الذمة بالتمكين أو بالزوجية موجب لذلك نحو المدفوع وفاء للدين واضحة المنع، ضرورة أعمية خطاب الإنفاق من اقتضاء ملك مال في الذمة على الزوج كي يكون شخص المدفوع وفاء عنه بل هو ليس إلا خطابا شرعيا نحو الخطاب بالنفقة للأرحام و المماليك و نحوها مما لا يقتضي ملكيته.


1- 1 الوسائل الباب- 99- من كتاب الوصايا.

ج 31، ص: 347

كما أن الآية الكريمة(1)«وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ» لا تقتضي ذلك أيضا و إن عطف فيه الكسوة على الرزق المعتبر فيه الملكية على ما عرفت، لكن العطف إنما يقتضي المشاركة في الحكم المثبت للمعطوف عليه في العبارة لا الأحكام الخارجة الثابتة له بغيرها من الأدلة، نعم الحكم الثابت للمعطوف عليه وجوب ذلك، فالعطف يقتضي مشاركته له في ذلك، و هو أعم من الملكية و الإمتاع، و تعين الأول في الأول من خارج لا يستلزم تعين إرادته في الآية.

و أما

النبوي (2)«لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف»

فمع ضعف سنده و عدم وجوده في كتبنا المعتبرة قد يمنع إرادة الملكية من اللام هنا، خصوصا على القول باشتراكها بين معان المقتضي توقف إرادة واحد بخصوصه منها على قرينة هي في المقام مفقودة، و مجرد ثبوت الملكية في الرزق غير ملازم لثبوتها في الكسوة إلا على تقدير قيام الدلالة على إرادتها بالنسبة إليه من اللام المذكور في الرواية، و هو محل مناقشة، إذ ليس إلا الإجماع الذي حكاه جماعة، و لا يستفاد منه سوى ثبوت الملكية له في الجملة المجامع لثبوتها له من غير الرواية، و أما هي فلا يستفاد منها سوى الاستحقاق الذي هو أعم من ذلك، نحو قوله تعالى (3)«وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ» و كالمفهوم من

قوله عليه السلام (4)«إذا خرجت من بيتها بغير إذنه فلا نفقة لها»

خصوصا بعد استفاضة التعبير في النصوص (5)بكون ذلك من حقوق الزوجة على الزوج، فلا ريب حينئذ في بقائها على ملكية الزوج إلا مع التصريح بإنشاء التمليك لها، فيكون حينئذ خارجا عن محل النزاع الذي هو أن دفع الكسوة من حيث خطاب النفقة يقتضي الملك شرعا و إن لم يقصده الدافع في دفعه، بل و لا القابض في قبضه، اللهم إلا أن يقال:

إنه يجب على الزوج في إنفاقه أن يملك الزوجة الكسوة على وجه إن لم يملكها


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 304.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 228.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب النفقات الحديث 1. نقل بالمعنى.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 348

لم يكن منفقا، فيكون ذلك شرطا في إنفاق الكسوة شرعا، و إن كان هو كما ترى مناف للسيرة المستمرة مع عدم دليل يقتضي ذلك، و الله العالم.

و على كل حال فقد ذكروا أنه تظهر فائدة الخلاف في أمور:

(منها) أنه لو أخلقتها أى الكسوة المدفوعة إليها للمدة التي جرت العادة ببقائها إليها قبل المدة لم يجب عليه بدلها على الملك و يجب على الإمتاع، و فيه أن المتجه الإبدال عليهما مع فرض عدم التقصير في ذلك، و كون العادة تقتضي بقاؤها إلى المدة لا يستلزم انحصار خطاب النفقة فيها و إلا لكان المتجه عدم الإبدال على التقديرين، نعم قد يقال: على فرض التقصير لا يجب الإبدال على الملك بخلافه على الإمتاع و إن ضمنت حينئذ له ما أتلفته بتقصيرها، مع إمكان القول بأنه لا إبدال عليه أيضا، لقاعدة الاجزاء و احتساب ما قبضته نفقة عليها للمدة، فهي كما لو قبضت تمام نفقتها ثم أتلفتها، و من هنا قال في المسالك: «و لو أتلفتها بنفسها فلا إبدال على القولين، لأنه على الإمتاع يلزمها ضمانها، فكأنها لم تتلف- إلى أن قال- و لو تخلقت قبل مجي ء الوقت لكثرة تحاملها عليها زيادة على المعتاد أو قصرت في حفظها و نشرها حيث يفتقر إليه فهو كما لو أتلفتها» فتأمل جيدا.

و (منها) أنه لو انقضت المدة و الكسوة باقية طالبته بكسوة ما يستقبل على الأول دون الثاني، لبقائها على ملكه، و فرض صلاحيتها لاكتسائها، و فيه أيضا أن ذلك إن كان لاتفاق حسن الكسوة و عدم عروض ما اقتضى خلقها أمكن منع وجوب الإبدال على الأول أيضا، ضرورة أن ملكها لها على جهة الإنفاق لا مطلقا، و لا تقدير للمدة شرعا و إنما هو يزعم بقاء الكسوة إليها، فمع فرض اتفاق بقائها إليها لا دليل على خطابه بالإنفاق، نعم لو استفضلت ذلك بلبس ثياب منها أو بتحمل العرى أو نحو ذلك أمكن حينئذ القول بأن لها المطالبة على الملك، لنحو ما سمعته في استفضال الطعام.

و (منها) كما في المسالك و كشف اللثام أنه إذا لم يكسها مدة صارت الكسوة دينا عليه على الأول دون الثاني الذي معناه تمكينها من الانتفاع الذي لا يتصور ضمانه

ج 31، ص: 349

بعد انقضاء مدته، إذ ليس هو منفعة لها و لا عين، و فيه أنه يكفى في ضمانه كونه حقا ماليا لها، و لعل ذلك هو مقتضى اللام الذي سمعته في الآية(1)و الرواية(2)و إن لم نقل بكون الكسوة ملكا لها، و لعله لذا احتمله في المسالك، بل هو المتجه.

و (منها) كما في كشف اللثام أنه لا يصح الاعتياض عنها على الإمتاع، و يصح على التمليك، و فيه أنه مبني على السابق من كون الإمتاع بشي ء يرجع إلى الممتع نفسه، فلا يقضى من فواته و لا ينقل عينه، و لذا لا يصح الاعتياض عنه، لكن فيه ما عرفت من أنه حق مالي يكون كالدين يقضى مع فواته و يصح الاعتياض عنه و لو لإرادة إسقاطه عمن عليه، و لعله لذا وجد مضروبا عليه في نسخة الأصل، و الله العالم و (منها) أن له أخذ المدفوع إليها و إعطاؤها غيره على الإمتاع دون التمليك إلا برضاها، و فيه أنه يمكن القول بذلك أيضا عليه باعتبار تزلزل ملكها و عدم انحصاره فيما قبضته، بل هو مخير في ذلك ابتداء و استدامة إلا أنه كما ترى.

و (منها) أنه لا يصح لها بيع المأخوذ و لا التصرف فيه بغير اللبس من إجارة أو إعارة و نحوهما على الإمتاع بخلاف الملك ما لم يناف غرض الزوج من التزين و التجمل و نحوهما، مثل نفقة الطعام التي يؤدي تصرفها بغير الأكل إلى الضعف و ما لا يليق بالزوج من الأحوال، و فيه أنه قد يمنع تصرفها فيه على الملك بناء على أنه ملك مراعي ببقائها ممكنة إلى تمام المدة، فإنه حينئذ يكون نحو ملك الفضولي المال الذي لا يجوز له المبادرة إلى التصرف في عينه قبل معرفة الحال، إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب الأصحاب.

و على كل حال ف لو سلم إليها نفقة طعام لمدة ثم طلقها قبل انقضائها استعاد نفقة الزمان المتخلف الذي لم تكن قد ملكته بالقبض، لما


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 350

عرفته من أنها لا تملك عندهم إلا بتجدد كل يوم، بل لو قلنا بملكها به فإنما هو في مقابلة التمكين، فإذا لم يسلم له بعض العوض استرد ما بإزائه، فملكها حينئذ مراعي بسلامة العوض، كما أن المؤجر يملك تمام الأجرة ملكا مراعي بسلامة العوض للمستأجر، نعم في القواعد و غيرها إلا نصيب يوم الطلاق فلا يستعاد منها، قيل: لأنها تملكه في صبيحته ملكا مستقرا ببذل التمكين أوله، بل هو المحكي عن قطع الشيخ و غيره في الحكمين، لكن قد نقدم لك سابقا ما فيه، و أن المتجه استعادته أيضا كما لو نشزت أو مات هو أو هي، و احتمال الفرق بأنها في صورة الطلاق مسلمة للعوض الذي هو التمكين و إنما رده الزوج بالطلاق بخلاف النشوز و الموت كما ترى، بل قد عرفت فيما تقدم عدم الفرق فيما حكم باستعادته بين بقاء عينه و عدمه، لكونه من المضمون عليها بعد أن كان مدفوعا على وجه خاص، و إن تقدم في كشف اللثام الفرق بينهما، هذا كله في نفقة الطعام.

و أما الكسوة فله استعادتها ما لم تنقض المدة المضروبة لها بل و إن انقضت بناء على الإمتاع، بل و على التمليك في وجه قد تقدم سابقا، نعم لو لم تكن قد لبستها و قد انقضت المدة اتجه حينئذ استقرار ملكها بناء على التمليك نحو الطعام المستفضل، و في القواعد في فروع الإمتاع و التمليك «لو طلقها قبل انقضاء شي ء من المدة المضروبة للكسوة كان له استعادتها، و لا يكون له استعادتها إن طلقها بعدها» أي على التمليك دون الإمتاع ثم قال: «و لو انقضت نصف المدة سواء لبستها أولا ثم طلقها احتمل على التمليك التشريك و اختصاصها به، و كذا لو ماتت» و لعل وجه الاختصاص أنها ملكتها بالقبض و استحقتها بالتمكين الكامل، فيكون كنفقة اليوم إذا طلقها في الأثناء، و لكن فيه ما عرفت، فالمتجه حينئذ انفساخ ملكها عنها مع فرض لبسها له، أما مع عدمه كما لو أبقتها لإرادة الاستفضال كان المتجه التشريك بينهما، هذا كله على التمليك دون الإمتاع فإن المتجه عليه استعادتها مطلقا، فتأمل جيدا.

ج 31، ص: 351

[المسألة الثالثة إذا دخل بها و استمرت تأكل معه و تشرب على العادة لم يكن لها مطالبته بمدة مؤاكلته]
اشاره

المسألة الثالثة إذا دخل بها و استمرت تأكل معه و تشرب على العادة لم يكن لها مطالبته بمدة مؤاكلته لصدق الإنفاق عليها، و حصول الملك لها فيما تتناوله، و للسيرة المستمرة على ذلك، نعم لها الامتناع من المؤاكلة ابتداء بمعنى أن لها طلب كون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء من أكل أو غيره، لا أن المراد امتناعها عن خصوص هذا الفرد من الإنفاق و طلب كون طعامها حبا مثلا أو نحو ذلك، ضرورة عدم دليل معتد به على وجوب دفع فرد خاص من النفقة، بل ظاهر الأدلة تخيير الزوج بين جميع أفراد النفقة المناسبة لعادة أمثالها و إن كان هي تملك الفرد المدفوع إليها منها.

نعم في المسالك «هذا إذا كانت المرأة بالغة رشيدة أو كانت تأكل معه بإذن الولي، أما لو كانت مولى عليها و لم يأذن الولي فالزوج متطوع به، و لا يسقط نفقتها، لتوقفها على قبضه أو إذنه».

و فيه أولا أنه إن كان القبض له مدخلية في كون الشي ء نفقة و في الملك لم يجد إذن الولي ضرورة سلب أفعال المجنون مثلا و أقواله عن القابلية، فلا بد حينئذ من قبضه أو وكيله في حصول الملك، و إن كان لا مدخلية له في ذلك- باعتبار أن الزوج هو المخاطب بالإنفاق، و إن كان من ينفق عليه يملك ما يكون في يده منه، لكنه تمليك شرعي لا مدخلية فيه للقبض و نحوه من الأسباب التي يعتبر فيها العقل- فلا يحتاج إلى استئذانه في ذلك، و يسقط عنه خطاب النفقة بالمؤاكلة المزبورة، و لعل السيرة و الطريقة على ذلك، و على عدم اعتبار قصد الزوج التمليك فيما يدفعه من الطعام إلى زوجته و عدم قصدها التملك له و إن كان هو ملك لها شرعا.

و من ذلك ينقدح أن الزوجة إذا كانت أمة كان له النفقة عليها بالمؤاكلة

ج 31، ص: 352

و نحوها و إن ملك السيد حينئذ ما يكون في يدها من ذلك، و ليس هذا تمليكا للعبد، بل هو مقتضى إطلاق دليل الإنفاق، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لو تزوجها و لم يدخل بها و انقضت مدة لم تطالبه بنفقة لم تجب النفقة على القول بأن التمكين موجب للنفقة أو شرط فيها، إذ لا وثوق بحصول التمكين لو طلبه و المشروط عدم عند عدم شرطه، كما أن المسبب لا يحصل بدون سببه، نعم تجب عليه النفقة بناء على أن سببها العقد و الفرض حصوله، و أن النشوز مانع و الفرض عدمه.

هذا و لكن في المسالك و غيرها توجيه نحو ما في المتن من عدم التمكين بأن المراد منه على ما فسره به غيره أن تقول باللفظ: «سلمت نفسي إليك في أي وقت شئت و أى مكان شئت» و نحو ذلك، و لا يكفى السكوت و إن وثق ببذلها التمكين على تقدير طلبه منها، قال: «و تعليل المصنف بعدم الوثوق بحصول التمكين يريد ذلك، لكن العبارة عنه غير جيدة، بل الأولى التعليل بعدم التمكين كما ذكرناه، سواء حصل الوثوق أولا، و قد أجاد الشيخ في المبسوط، حيث علل عدم الوجوب بقوله: لأن النفقة لا تجب إلا بوجود التمكين لا بإمكانه، و في القواعد جمع بين العلتين، و كان يستغنى بإحداهما، و هو عدم التمكين و إن تكلف متكلف للجمع بينهما فائدة ما» و تبعه على ذلك بعض الأفاضل فاعتبر في التمكين التصريح باللفظ مع عدم صدور ما ينافيه، أو الدخول بها مرة و الوثوق بحصوله بعد ذلك، و في الفرض لا تصريح و لا دخول، فلا تمكين فلا نفقة.

و فيه منع اعتبار ذلك في التمكين، ضرورة صدق حصوله عرفا بالوثوق بحصوله منها لو طلبه في أي زمان أو مكان سواء دلت على ذلك بقول أو فعل أو علم من حالها ذلك، و لكن عدم النفقة في الفرض باعتبار عدم الوثوق بالحصول لو طلبه، و حينئذ فالصحيح ما في المتن، بل يمكن أن يكون قد قصد بذلك التعريض بما سمعته من المبسوط، فتأمل جيدا، و الله العالم.

ج 31، ص: 353

و لو فرض كونها مولى عليها بالجنون مثلا قيل: اعتبر في التمكين التصريح من وليها المتمكن منها ببذلها للزوج في كل مكان أو زمان، و لا يجدى بذلها نفسها، و فيه أن إطلاق الأدلة يقتضي الاجتزاء به، ضرورة صدق كونها حينئذ امرأة ممكنة، فيثبت حقها على الرجل الذي هو سد جوعتها و ستر عورتها، و ليس هذا من التسبيب المسلوب في أفعال المجنون و أقواله، بل هو أشبه شي ء بالحكم الشرعي المترتب على حصول موضوعه بأي طريق كان، و عدم كونها ممن يصح تصرفها غير قادح بعد استحقاق الزوج قبضها، و لا اعتبار في كون المقبوض من أهل الإقباض، كما لو دفع ثمن المبيع و قبضه من صبي أو مجنون أو وجده في الطريق، و كذا لو كان الزوج مجنونا و قد بذلت الامرأة نفسها له على وجه يصدق تمكينها كفى في مطالبة الولي بالنفقة، للإطلاق المزبور، فتأمل جيدا.

[تفريع على التمكين لو كان غائبا فحضرت عند الحاكم و بذلت التمكين لم تجب النفقة إلا بعد إعلامه]

تفريع على التمكين: لو كان الزوج غائبا بعد أن مكنته الزوجة وجبت نفقتها عليه بلا خلاف و لا إشكال مع فرض بقائها على الصفة التي فارقها عليها، و إن كان قد غاب و لم يكن قد دخل بها فحضرت عند الحاكم مثلا و بذلت التمكين الكامل لم تجب النفقة إلا بعد إعلامه المتوقف صدق التمكين عليه و وصوله إليها أو وكيله و تسليمها نفسها إياه لو أراد نقلها من مكان إلى آخر و نحو ذلك نعم لو أعلم فلم يبادر و لم ينفذ وكيلا سقط عنه نفقة زمان قدر وصوله نفسه أو وكيله إليها و ألزم ب (11) نفقة ما زاد (12) على ذلك، لأن الامتناع حينئذ منه، و لو أعلمته الحال من غير توسط حاكم فكذلك أيضا، بل في المسالك لو لم يعرف موضعه كتب الحاكم إلى حكام البلاد التي تتوجه إليها القوافل من تلك البلد عادة ليطلب و ينادى باسمه، فإن لم يظهر فرض الحاكم نفقتها في ماله الحاضر، و أخذ منها كفيلا بما يصرفه إليها، لأنه لا يؤمن أن تظهر وفاته أو طلاقه و إن كان قد يناقش بأن المتجه حينئذ سقوطها، لعدم حصول التمكين المتوقف على إعلامه المفروض عدمه، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه، نحو ما اعترف به

ج 31، ص: 354

فيها من وقوف النفقة فيما لو لم يظهر له خبر، أو لم يتمكن الحاكم من الإرسال و البحث عنه بناء على اعتبار التمكين، ضرورة اتحادهما في المدرك الذي هو ما عرفته.

و كيف كان ف لو نشزت و قد غاب عنها و هي كذلك ثم عادت إلى الطاعة لم تجب النفقة حتى يعلم و ينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله لنحو ما عرفته سابقا، بل هي في الحقيقة من المسألة السابقة و إن فارقتها باستمرار عدم التمكين في الأولى من حين العقد و تجدده بالنشوز في الثانية، و في المسالك أنها تفارقها أيضا في جريان حكم هذه المسألة على القولين أي القول بشرطية التمكين و القول بكون النشوز مانعا، ضرورة تحققه بخلاف المسألة السابقة، فإنها مبنية على اعتبار التمكين، و نحوه في كشف اللثام أيضا، و قد يناقش بمنع جريانها على القول الثاني الذي مبناه على سببية العقد للنفقة و أن النشوز مانع، فمع فرض عودها إلى الطاعة تحقق ارتفاع المانع، فيكون السبب تام السببية، و ليس التمكين شرطا حتى يتوقف صدقه على إعلامه، كما أن عدم النشوز و ارتفاعه لا يتوقف صدقه على إعلامه، و إنما أقصى ذلك عدم وجوب المبادرة إلى الإنفاق عليه عملا بالاستصحاب، فإذا بان بعد ذلك عودها إلى الطاعة وجب عليه قضاؤها.

ثم إن ظاهر المتن و غيره الاجتزاء في المسألة السابقة و غيرها بناء على اعتبار التمكين بإعلامه و مضي زمان قدر وصوله أو وكيله في وجوب النفقة، من غير فرق بين حصول المانع له من الوصول بنفسه أو وكيله و لو خوف الطريق أو حبس ظالم و عدمه، و لعله لصدق التمكين حينئذ من قبلها: فهي حينئذ كما لو مكنته و قد عرض له نحو هذه العوارض و هو حاضر، فإنه لا ريب في وجوب النفقة لها، لأن المراد به عندهم رفع الموانع من قبلها لا جعل الاستمتاع ممكنا من كل وجه، و هو صادق في الفرض، و استثناء زمان الوصول إنما هو من جهة توقف صدق التمكين منها في حال الغيبة عليه، إذ تمكين كل شي ء بحسبه، فمن هذه الجهة حسب عليها مقدار زمان الوصول بخلاف غيره من الموانع التي لا مدخلية لها فيهن، كما هو

ج 31، ص: 355

واضح، فتأمل جيدا فإنه ربما دق، و الله العالم.

و لو ارتدت الزوجة الممكنة سقطت النفقة لخروجها بذلك عن الزوجية ظاهرا فيتبعها سقوط النفقة حينئذ و لكن لو غاب و أسلمت عادت نفقتها عند إسلامها و إن كان قد انكشف بذلك عدم خروجها عن حكم الزوجية بالارتداد السابق الذي فرض تعقبه الإسلام بالعدة إلا أنه لما فوتت عليه التمكين من الاستمتاع بها بسوء اختيارها الارتداد كان ذلك موجبا لسقوط نفقتها على القولين، ضرورة كونه بحكم النشوز أو أعظم منه بالنسبة إلى ذلك و إن فارقه عند المصنف و المحكي عن الشيخ بعود النفقة بعودها في غيبته و إن لم يعلم بذلك، بخلافه فإنه لا تعود حتى يعلم و يمضي زمان وصوله أو وكيله إليها كما عرفت، و ذلك لأن الردة سبب السقوط و قد زالت فيزول المسبب بزوالها، لأن المعلول عدم عند عدم علته، فيبقى حينئذ مقتضى النفقة الذي هو العقد و التمكين بحاله، لأن الفرض عدم خروجها عن قبضته بالارتداد و إن منعه الشارع عن وطئها و الاستمتاع بها. و ليس كذلك الأولى أي الناشزة و قد غاب عنها ناشزة لأنها بالنشوز خرجت عن قبضته فلا تستحق النفقة إلا بعودها إلى قبضته و ذلك لا يكون إلا بعد إعلامه و مضى الزمان المذكور.

و ربما أشكل ذلك بأن الارتداد مانع شرعي من الاستمتاع و قد حدث من جهتها، و متى لم يعلم الزوج بزواله فالواجب عليه الامتناع منها و إن حضر، و لا يكفى مجرد كونها في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي جاء من قبلها فأسقط النفقة، نعم هذا الفرق يتم لو كان المانعان حصلا في غيبته و لم يعلم بهما فان نشوزها بخروجها من بيته إذا أسقط النفقة لم تعد برجوعها إلى بيته، لخروجها عن قبضته، فلا بد من عودها إليه، و لا يحصل ذلك حال الغيبة، بخلاف ما لو ارتدت ثم رجعت و لما يعلم بهما، فان التسليم حاصل مستصحب، و المانع حصل و زال و هو لا يعلم به، فلم يتحقق من جهته الامتناع منها لأجله بخلاف ما لو علم.

لكن في المسالك «يمكن الجواب عن ذلك بأن العقد لما اقتضى وجوب النفقة

ج 31، ص: 356

إما مع التمكين أو بدونه و هو شرط، فالأصل يقتضي وجوبها إلى أن يختل الشرط، و الارتداد لا يحصل معه الإخلال به، لأن التمكين من قبلها حاصل، و إنما كانت الردة مانعا، فإذا زال المانع عمل المقتضي لوجوب النفقة عمله، كما أشرنا إليه، بخلاف النشوز، فان الشرط و السبب قد انتفى، فلا بد للحكم بوجوب النفقة من عوده، و لا يحصل إلا بتسليم جديد، فان قيل: الارتداد لما أسقط وجوبها توقف ثبوتها حينئذ على سبب شرعي جديد و إلا فحكم السقوط مستصحب، قلنا: السبب موجود، و هو العقد السابق المصاحب للتمكين لأنه الفرض، فالردة ما رفعت حكم العقد، و لهذا لو أسلمت عادت إلى الزوجية بالعقد السابق، فعلى هذا لا يفرق بين علمه بعودها و عدمه».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد أن كان وجه الاشكال المزبور عدم كفاية كونها في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي حدث من قبلها و أسقط النفقة، نعم بناء على ما ذكرناه من أن سقوط النفقة بالارتداد باعتبار فوات الزوجية ظاهرا، و قد انكشف بإسلامها في العدة بقاء السبب الأول بحاله، و إنما سقط نفقة المتخلل باعتبار حصول الحائل من قبلها، فلم يكن ثم حينئذ فوات تمكين كي يحتاج في عودها إلى عوده بخلاف النشوز الذي هو سبب تام في فوات التمكين، فاحتاج حينئذ عود النفقة إلى عوده، و لا يحصل إلا مع العلم به، إلا أن ذلك كما ترى لا يتم إلا على القول باعتبار التمكين في النفقة، أما على القول بكون النشوز مانعا فالمتجه عدم الفرق بينه و بين الارتداد في وجوب النفقة بمجرد ارتفاعه، لصدق كونها زوجة غير ناشز، و عدم توقف ذلك على علمه، و الفرض كونه السبب في النفقة لا تمكينها المحتاج إلى العلم بحصوله.

اللهم إلا أن يقال: إن الموجب لها صدق ذلك عنده، و هو لا يكون إلا مع علمه بارتفاع النشوز، و فيه أنه مناف لإطلاق الأدلة، و استصحابه نشوزها إنما يفيده عدم الإثم في المبادرة إلى نفقتها، لا سقوطها بعد أن تبين فساده بسبق ارتفاعه،

ج 31، ص: 357

فلا محيص حينئذ عن القول بوجوبها بارتفاعه و إن لم يعلم به، فهو حينئذ كالردة على هذا القول، بل قد يقال بذلك أيضا على القول الأخر بناء على توقف حصول التمكين على العلم به، ضرورة أنه و إن قلنا بأن إسلامها يكشف عن بقاء الزوجية، السابقة، إلا أنه مع فرض عدم العلم به لا يصدق معه كونها ممكنة، و دعوى عود الزوجية المصاحبة للتمكين السابق واضحة المنع، على أن التمكين السابق بعد أن تعقبته الردة التي لا يعلم ارتفاعها غير مجد في حصول التمكين الفعلي الذي هو السبب في وجوب الإنفاق، فتأمل جيدا، فان منه أيضا يظهر لك الحال في المانعين الحاصلين في غيبته، و أن المتجه عدم سقوط النفقة بهما معا من غير فرق بين الردة و النشوز، و ذلك لعدم صدق فوات التمكين المفروض استصحابه و مقارنته للواقع و إن تخلل في أثنائه ما كان يحتاج إلى العلم بارتفاعه في تحقق التمكين لو كان قد علم به، نعم لا بأس بالقول بسقوط النفقة زمان التخلل، لانتفاء التمكين الذي هو سبب أو شرط في النفقة، بل هو كالعوض عنها، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا ادعت البائن أنها حامل صرفت النفقة إليها يوما فيوما]
اشاره

المسألة الرابعة:

إذا ادعت المطلقة البائن أنها حامل صرفت النفقة إليها يوما فيوما جوازا أو وجوبا، لأن ابتداءه لا يعلم إلا من قبلها، فلو لم يجب الإنفاق عليها بادعائها لزم الحرج بحسبها عليه من غير إنفاق، مع نهيهن عن كتمان ما خلق الله في أرحامهن (1)و الأمر بالإنفاق على أولات الأحمال (2)مع كون المرجع فيه غالبا إلى ادعائهن، و لأن ذلك جمع بين حقها و حقه المنجبر بالرجوع عليها لو تبين عدمه، و العكس ينافيه الإضرار بها مع حاجتها إلى النفقة، أو مطلقا لو قلنا:

إن النفقة للحمل الذي لا تقتضي نفقته باعتبار كونه من الأرحام.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 228.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 31، ص: 358

لكن عن الشيخ في المبسوط تعليق الوجوب على ظهور الحمل، و السرائر على شهادة أربع قوابل، و في المسالك «لعله أجود، لانقطاع وجوب الإنفاق على الزوجة بالطلاق البائن، و الوجوب معه مشروط بالحمل، كما هو مقتضى قوله تعالى (1)«وَ إِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ» و الأصل عدمه، و هذا الوصف لا يتحقق بمجرد الدعوى».

و فيه أن محل البحث في قبول دعواها و عدمه، إذ على فرضه لا تنفع قاعدة الشرط و لا غيرها، لكونه حينئذ طريقا شرعيا للحكم بتحققه، كما أنه لا وجه للوجوب مع عدمه لما ذكر، و دعوى المقدمية المنافية لقاعدة الشرطية في نحو المقام واضحة الفساد، لعدم تحقق الخطاب بذي المقدمة، كوضوح فساد دعوى كون المقام من قاعدة كل ما لا يعلم إلا من قبل المدعي، ضرورة عدم الفرق بين المدعي و غيره في عدم معرفة الواقع على وجه اليقين، و في اشتراكهما في الطمأنينة بالأمارات الظاهرة على وجه يصدق عليها أنها حامل، كما في غير المقام مما علق عليه حكم للحمل، و الظاهر أن ذلك هو المدار في وجوب الإنفاق، فإن صادف و إلا استعيد، كما ستعرف.

و كيف كان فان تبين الحمل فذاك و إلا استعيدت النفقة،

لعموم «على اليد»(2)

و «من أتلف»(3)

و التسليط الذي وقع منه مقيد بكونه نفقة على حامل لا مطلقا، و دعوى تنزيل خطاب النفقة على مظنونة الحمل بعدم العلم يدفعها إمكان تنزيلها على الواقع، كما هو مقتضي عنوان كل خطاب، و الظن إنما هو طريق للإلزام بالمبادرة، فما في الرياض- من أن الأظهر عدم الرجوع بالمأخوذ للأصل إلا إذا دلست عليه الحمل فرجع به للغرور- واضح الضعف، ضرورة أن الإنفاق خلاف الأصل بعد أن كان النص (4)الإنفاق على أولات الأحمال، فلما


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 95 و كنز العمال ج 5 ص 327 الرقم 5713.
3- 3 راجع التعليقة من ص 91.
4- 4 سورة الطلاق: 65- الآية 6.

ج 31، ص: 359

ظهر فساد الظن علم الخروج من النص، و استحقاقها بالظن إنما كان استحقاقا مراعي.

و من ذلك يعرف أيضا ما في المحكي عمن لم يوجب التعجيل من أنه إن عجل بأمر الحاكم استرد، و إلا فان لم يذكر عند الدفع أنه نفقة معجلة لم يسترد، و كان تطوعا، و إن ذكر و شرط الرجوع استرد، و إلا فوجهان، أصحهما الرجوع نعم هل تطالب الامرأة بكفيل لاحتمال ظهور الخلاف؟ وجهان، و في المسالك لا يخلو أولهما من قوة، للجمع بين الحقين، و فيه أن ثانيهما أقوى بعد فرض وجوب الدفع، لإطلاق الأدلة و أصل البراءة، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أنه لا ينفق على بائن غير المطلقة الحامل للأصل و النصوص (1)السابقة و قال الشيخ في المحكي من مبسوطة:

ينفق على البائن الحامل مطلقا لأن النفقة للولد و قد عرفت ضعفه بما لا مزيد عليه، و أن مبناه دعوى وجوبها للمطلقة الحامل لأجل الحمل من حيث كونه ولدا للمتعلق لا لأجلها، فتجب حينئذ حتى للحامل من نكاح فاسد شبهة، و إطلاق الأخبار وجوبها على الحامل (2)و هي واضحة الفساد، ضرورة رجوع الأول إلى القياس المحرم عندنا، إذ الآية(3)كالصريحة في الحامل المطلقة و ليس فيها و لا في غيرها من النصوص إشارة إلى كون النفقة للحمل، و إنما المعلوم منها كونها للحامل و إن كان ذلك بسبب الحمل، بل قد عرفت فيما مضى أنه لا وجه لدعوى كون النفقة للحمل نفسه، و أما الأخبار التي ادعى عمومها فلم نعثر فيها إلا على

خبر محمد بن قيس (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «الحامل أجلها أن تضع حملها، و عليها نفقتها


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب النفقات.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب النفقات.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب النفقات الحديث 3 عن أبي جعفر عليه السلام كما في التهذيب ج 8 ص 134 و الكافي ج 6 ص 103

ج 31، ص: 360

بالمعروف حتى تضع حملها»

المحتاج إلى جابر و ليس، الممكن بل لعله الظاهر إرادة المطلقة فيه، فلا وجه للخروج عن الأصل بمثله و مثل تخريج العلة المزبورة.

و من ذلك يظهر لك حال ما في قواعد الفاضل من الإشكال في نفقة الحامل البائنة بفسخ العيب مثلا بناء على أنها للحامل و الجزم بها بناء على أنها للحمل كما تقدم سابقا، فلاحظ و تأمل.

[فرع على قول الشيخ إذا لاعنها فبانت منه و هي حامل فلا نفقة لها لانتفاء الولد]

فرع على قوله أي الشيخ ره إذا لاعنها لنفي الولد فبانت منه و هي حامل فلا نفقة لها لانتفاء الولد عنه باللعان، فهي كالحائل بالنسبة اليه على القولين، نعم لو كان لعانها للقذف مع الاعتراف بالولد اتجه بناء نفقتها حينئذ على القولين، فان قلنا: إنها للحمل وجب هنا، لوجوب الإنفاق عليه لولده، و إن قلنا إنها للحامل سقطت، لعدم الدليل على إلحاق البائنة بغير الطلاق به.

و كذا لو طلقها ثم ظهر بها حمل فأنكره و لاعنها فإنها و إن كانت مطلقة إلا أنها صارت كالحائل بالنسبة إليه بعد نفي الولد باللعان. فلا نفقة حينئذ لها على القولين أيضا و لو أكذب نفسه بعد اللعان و استلحقه لزمه الإنفاق بناء على أنه للحمل، لأنه حينئذ من حقوق الولد الذي لحقه بإقراره، فيجب حينئذ النفقة لأمه قبل الوضع، نعم ظاهر المصنف بل هو صريح المسالك عدم وجوب النفقة فيما لو أكذب نفسه بناء على أنها للحامل في الصورتين، و قد يناقش فيه بأن الثانية حينئذ مطلقة حامل فالمتجه وجوب النفقة لها على كل حال. اللهم إلا أن يقال: إنها باللعان صارت بائنة بغير الطلاق أيضا، و قد عرفت أنه لا نفقة للبائنة بغيره و إن كانت حاملا، و فيه منع إبطال اللعان صدق

ج 31، ص: 361

كونها مطلقة حاملا، و حينئذ فالمتجه الوجوب لها بل و قضاء ما فات منها، كما أن المتجه عدم وجوب قضاء ما فات بناء على أنها للحمل، لكونها حينئذ من نفقة الأقارب التي لا تقضى.

لكن عن المبسوط أن لها الرجوع بذلك و بما أنفقته عليه بعد الوضع، و لعله لأن النفقة و إن كانت للحمل إلا أنها مصروفة إليها، فهي صاحبة حق بها، فتكون دينا كنفقة الزوجة، و لأنه السبب في الحكم حاكم بوجوب النفقة عليها، فيضمن لكونه أقوى من المباشر، بل اللعان من الشهادة التي من حكمها ضمان الشاهد بما يتلف بسبب شهادته لو رجع عنها.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم كون اللعان من الشهادة و إن أطلقت عليه، و عدم استناد نفقتها على الولد إلى الحكم حاكم بها عليها، هذا كله بناء على أنها للحمل.

أما على القول بأنها للحامل فلا نفقة لها أصلا في الصورتين و إن كان قد أكذب نفسه بصيرورتها حينئذ بائنا باللعان الذي هو غير الطلاق، و هو واضح كوضوح جريان الكلام منا هنا على مذاقهم في تفسير كونها للحمل أو للحامل، لا على ما قلناه سابقا، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الخامسة نفقة زوجة المملوك تتعلق بكسبه أو رقبته]

المسألة الخامسة قال الشيخ في المحكي من مبسوطة ما حاصله أن نفقة زوجة المملوك المأذون في التزويج تتعلق بكسبه إن كان مكتسبا و برقبته إن لم يكن مكتسبا و يباع منه في كل يوم بقدر ما يجب عليه منها إن أمكن، و إلا بيع كله كما في الجناية، و وقف ثمنه للإنفاق، و قد انتقل ملك سيده منه إلى آخر.

و قال آخرون تجب النفقة في ذمته يتبع بها بعد العتق و اليسار

ج 31، ص: 362

و لو قيل تلزم السيد لوقوع العقد باذنه و الإذن في الشي ء إذن في لوازمه كان حسنا بل هو المحكي عن ابني حمزة و إدريس، بل و ابن الجنيد، و قد تقدم سابقا الكلام فيه.

و قال الشيخ ره أيضا و لو كان مكاتبا لم تجب عليه نفقة ولده من زوجته، و تلزمه نفقة الولد من أمته التي اشتراها باذن السيد لأنه حينئذ بحكم ماله فتجب عليه نفقته من كسبه كنفقة الحيوان المملوك له، و لا ينعتق عليه، لعدم استقرار ملكه عليه بخلاف الولد من الزوجة، فإنه إن كانت حرة كان الولد حرا، و نفقته على أمه حينئذ لكون الأب مملوكا لا يقدر على شي ء، و إن كانت أمة و قد اشترط مولاها الانفراد بالرق كان الولد ملكا له، فتجب نفقته عليه، و إلا كان مشتركا بين الموليين، فتجب نفقته عليهما دونه، و لكن الانصاف مع ذلك قد يستشكل في الأول كما في كشف اللثام بأنه لا دليل على جواز الإنفاق ثم لزومه على مملوك السيد من ماله بغير إذنه اللهم إلا أن مقتضي الكتابة ذلك، و على كل حال لا نفقة عليه لولده الحر.

نعم لو تحرر منه أي المكاتب شي ء كانت نفقته (11) أي الولد الحر في ماله بقدر ما تحرر منه (12) لأن الرق مانع من الوجوب، فإذا زال بعضه زال بعض المانع و ثبت بعض الممنوع، و إن كان له التصرف في نصيبه مما يملكه كيف شاء و أمكنه تمام الإنفاق منه، فما عن العامة من الوجه بوجوب تمام النفقة في غير محله، و أما نفقة زوجة المكاتب فالظاهر أنها باقية على السيد إلى أن يتحرر أجمع فيكون عليه، أو بعضه فعليه بقدر ما تحرر منه، فما في المسالك من وجوبها في كسبه لا دليل عليه.

ج 31، ص: 363

[المسألة السادسة إذا طلق الحامل رجعية فادعت أن الطلاق بعد الوضع و أنكر فالقول قولها مع يمينها]

المسألة السادسة:

إذا طلق الحامل التي علم أنها كذلك في زمان من الأزمنة رجعية فادعت أن الطلاق قد كان بعد الوضع فلها النفقة عليه لكونها حينئذ في العدة و أنكر هو ذلك و ادعى أن طلاقها قد كان قبل الوضع فلا نفقة لها لخروجها عن العدة به حينئذ فالقول قولها مع يمينها لأصالة تأخره، و أصالة بقائها في العدة و بقاء النفقة و لكن يحكم عليه بالبينونة منها و عدم الرجوع له بها تديينا له بإقراره المسموع في حقه دون حق غيره و لها النفقة حينئذ عليه و إن كانت بائنا في حقه و خارجة من العدة استصحابا لدوام حكم الزوجية.

(11) و لو انعكس الفرض بأن ادعى هو تأخير الطلاق لإرادة إثبات حق الرجعة بها و أنكرت هي ذلك و ادعت أنه قبل الوضع كان القول قوله بيمينه، لما عرفت لكن ليس لها المطالبة بالنفقة، لاعترافها بعدم استحقاقها.

هذا و ظاهر إطلاق المصنف عدم الفرق في الحكم المزبور بين اتفاقهما على تاريخ أحدهما و عدمه، لكن في المسالك «و لو قيل بتخصيص هذا الحكم بما إذا لم يعينا زمانا لأحدهما أما لو اتفقا عليه و اختلفا في تقدم الآخر و تأخره فالقول قول مدعي تأخره مطلقا لأصالة عدم تقدمه و استقرار حال ما اتفقا عليه كان حسنا فلو فرض أن الطلاق وقع يوم الجمعة مثلا و اختلفا في زمان الوضع، و ادعت أنه يوم الخميس في المسألة الأولى و ادعى هو وقوعه يوم السبت مثلا فالقول قوله، لأصالة عدم تقدم الوضع، و لو انعكست الدعوى بأن ادعت هي تأخره و ادعى هو تقدمه فالقول قولها لما ذكر، و لو اتفقا على وقوع الوضع يوم الجمعة مثلا و اختلفا في تقدم الطلاق و تأخره فالقول قول مدعي التأخير في المسألتين».

و فيه أن مفروض البحث تقدم الطلاق و تأخره، و لا ريب في أن القول قول من

ج 31، ص: 364

يدعي تأخره، و الوضع و عدمه لا مدخلية له في ذلك، و إنما هو من المقارنات و لازم إحدى الدعويين نعم لو كان الاختلاف بينهما في دعوى تقدم الطلاق على الوضع و تقدم الوضع على الطلاق اتجه ما ذكره حينئذ.

مع أنا نقول أيضا على تقديره فيه ما ذكرناه غير مرة من أن أصالة تأخر الحادث إنما تقضي تأخره في نفسه لا عن مفروض الدعوى و إلا كانت من الأصول المثبتة المعارضة بمثلها، إذ الأصل أيضا عدم تأخره عنه، لكونه من الحوادث أيضا فالتحقيق حينئذ عدم الفرق بين العلم بزمان أحدهما و عدمه الذي قد عرفت حكمه، و أنه لا يحكم فيه بالاقتران الذي هو أيضا من الحوادث، و الأصل عدمه.

و بذلك ظهر قوة إطلاق المصنف و ضعف التقييد المزبور، و أضعف منه ما حكاه هو أيضا قال: «و ربما قيل بأنه مع الاتفاق على أحدهما و الاختلاف في الأخر يقدم قول الزوج في الطلاق مطلقا لأنه من فعله، و قولها في الوضع مطلقا كذلك»(1)ضرورة عدم الدليل على قبول كل ما كان من فعل المدعي و إن كان لا يعسر اطلاع الغير عليه، بل ظاهر الأدلة التي

منها «البينة على المدعي»(2)

خلافه، كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا كان له على زوجته دين جاز أن يقاصها يوما فيوما إن كانت موسرة]

المسألة السابعة:

إذا كان له على زوجته دين و امتنعت عن أدائه جاز له أن يقاصها يوما فيوما إن كانت موسرة لإطلاق الأدلة فينوي الاستيفاء بما لها عليه في صبيحة كل يوم يوم، و لا يجوز له ذلك مع عدم امتناعها، لأن التخيير في جهات القضاء من أموالها إليها، إلا أن يفرض التهاتر قهرا بأن يكون له عليها مثل النفقة التي تستحقها منه.


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و في المسالك «لذلك».
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 31، ص: 365

و كذا لا يجوز له المقاصة مع إعسارها لأن قضاء الدين فيما يفضل عن القوت و لذا استثنى للمفلس، نعم لو رضيت هي بذلك لم يكن له الامتناع إلا مع المخالفة لجنس الحق أو مع التضرر له بضعفها عن حقه.

بقي شي ء، و هو أنه لو فرض مساواة ماله عليها لما تستحقه عليه هل يقع التهاتر قهرا و إن كانت معسرة؟ يحتمل ذلك، و استثناء القوت إنما هو فيما لو استوفى لا ما إذا حصل الوفاء قهرا، باعتبار عدم تصور أنه يملك عليه ما يملكه عليه، إذ ليس هو إلا كلى واحد، و حينئذ فلا ينقدح إشكال في قوله: «و لو رضيت بذلك» إلى آخره بأن يقال مع اتحاد الجنس يقع التهاتر قهرا، و مع اختلافه له الامتناع حينئذ فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الثامنة نفقة الزوجة مقدمة على الأقارب]

المسألة الثامنة نفقة النفس مقدمة على نفقة الزوجة عند التعارض بلا خلاف و لا إشكال، لأهمية النفس عند الشارع. و الزوجة مقدمة على الأقارب لكونها من المعاوضة، و لذا تجب لها مع غناها و فقرها مع غنى الزوج و فقره، و لو بأن تكون دينا عليه، بخلاف نفقة الأقارب التي هي من المواساة، و لذا لا تقضي و لا تكون دينا مع الإعسار، و حينئذ فما فضل عن قوته صرفه إليها ثم لا يدفع إلى الأقارب إلا ما يفضل عن واجب الزوجة ل ما عرفت من أنها نفقة معاوضة و تثبت في الذمة نعم تقدم نفقة الأقارب على ما فات من نفقة الزوجة الذي قد صار دينا، بخلاف النفقة الحاضرة التي هي أعظم من الدين، و لذا قدمت عليه في المفلس، فما عن بعض الشافعية- من تقديم نفقة الطفل على الزوجة- في غير محله، و أضعف منه احتمال تقديم نفقة القريب مطلقا عليها باعتبار كونها من الديون التي تقدم نفقة القريب عليها كما في المفلس، و ربما أيد بما

روى (1)من «أن رجلا جاء إلى


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 366 و ليس فيه «أنفقه في سبيل الله» و انما هو مذكور في الرواية التي رواها الشيخ قده في المبسوط ج 6 ص 3.

ج 31، ص: 366

النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: معي دينار فقال: أنفقه على نفسك، فقال: معي آخر، فقال:

أنفقه على ولدك، فقال: معي آخر، فقال: أنفقه على أهلك، فقال: معي آخر، فقال: أنفقه على خادمك، فقال: معي آخر، فقال: أنفقه في سبيل الله»

فقدم نفقة الولد على الأهل كما قدم نفقة النفس عليه، إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا بعد كون الخبر من غير طرقنا و محتملا للإنفاق على وجه التبرع توسعا في النفقة، كما يومئ إليه ما في آخره الذي لم يعلم وجوبه، و الله العالم.

[القول في نفقة الأقارب]
اشاره

و أما القول في نفقة الأقارب فتفصيل البحث و تمام الكلام فيه يكون فيمن ينفق عليه و كيفية الإنفاق و اللواحق.

[الكلام في من ينفق عليه]

أما الأول ف تجب أي النفقة على الأبوين و الأولاد إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين و نصوصا مستفيضة أو متواترة،

قال حريز(1): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من الذي أجبر عليه و تلزمني نفقته؟ فقال: الوالدان و الولد و الزوجة»

و نحوه صحيح الحلبي (2)لكن مع زيادة «و الوارث الصغير، يعني الأخ و ابن الأخ و غيره»

قال محمد بن مسلم (3): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: من يلزم الرجل من قرابته ممن ينفق عليه؟ قال: الوالدان و الولد و الزوجة».

و في مرسل جميل (4)عن أحدهما عليهما السلام «لا يجبر الرجل إلا على نفقة الأبوين و الولد، قلت لجميل: فالمرأة؟ قال: روى بعض أصحابنا و هو عنبسة بن ابن مصعب و سورة بن كليب عن أحدهما عليهما السلام أنه إذا كساها ما يواري عورتها و أطعمها


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 9. راجع الفقيه ج 3 ص 59 الرقم 209.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 4.

ج 31، ص: 367

ما يقيم صلبها أقامت معه و إلا طلقها، قال: قلت لجميل: فهل يجبر على نفقة الأخت؟ قال: إن جبر على نفقة الأخت كان ذلك خلاف الرواية»

إلى غير ذلك من النصوص المتفقة على وجوب نفقة العمودين و الأولاد.

إنما الكلام في وجوب الإنفاق على آباء الأبوين و أمهاتهم ففي النافع تردد من الأصل و عدم دخولهم في إطلاق الوالدين و الأبوين، و من ظهور الأصحاب عليه، بل في كتاب المقدس البغدادي أنه حكى الإجماع عليه فضلا عن إشعار جملة من العبارات به، كما اعترف به في الرياض و غيره، بل لم نعرف المناقشة من أحد منهم سوى المصنف هنا و النافع، مع أنه قال: أشبهه و أظهره الوجوب للظن إن لم يكن القطع بإرادة من علا منهم من الوالدين و الأبوين هنا و لو بمعونة الاتفاق ظاهرا، مضافا إلى ما يشعر به

الخبر(1)«في الزكاة يعطى منها الأخ و الأخت و العم و العمة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجد و الجدة»

خصوصا بعد استفاضة النصوص (2)و انعقاد الإجماع على حرمتها لواجبي النفقة، فليس النهي عن إعطائهما حينئذ إلا لوجوب نفقتهما، بل لا بد من إرادتهما من الأب و الأم حينئذ

في الصحيح (3)«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و الزوجة، و ذلك لأنهم عياله لازمون له».

و كذا الكلام في أولاد الأولاد و لو البنات منهم و إن نزلوا الذي لم يتردد فيهم المصنف، بل يدل على الإنفاق عليهم مضافا إلى ما سمعت قوله تعالى (4):

«وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ» هذا كله بعد تسليم عدم انصراف إطلاق الوالدين و الأبوين و الولد لمن علا و إن نزل، و إلا كما أوضحناه


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3 من كتاب الزكاة.
2- 2 الوسائل الباب- 13 و 14- من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1 من كتاب الزكاة.
4- 4 سورة الإسراء: 17- الآية 31.

ج 31، ص: 368

في كتاب الخمس فلا إشكال حينئذ في أصل المسألة، و لعل المقام من الشواهد لما ذكرناه هناك أيضا، و الله العالم.

نعم لا إشكال بل و لا خلاف محقق في أنه لا تجب النفقة على غير العمودين و الأولاد من الأقارب ممن كان على حاشية النسب كالاخوة و الأعمام و الأخوال و غيرهم بل في الرياض الإجماع في الظاهر عليه، للأصل و الحصر في النصوص (1)السابقة الذي قد سمعت الاعتراف به من جميل و استفاضة النصوص (2)في إعطائهم الزكاة المنافي لوجوب الإنفاق عليهم كما عرفت، مؤيدة بما عرفت من ظهور الإنفاق عليه.

و ما في القواعد من حكاية قول بالوجوب على الوارث لم نعرف قائله و إن أسنده شراحه إلى الشيخ، إلا أن المحكي عنه في المبسوط القطع بخلاف ذلك، بل ظاهره الإجماع، نعم عن الخلاف احتماله، و في محكي المبسوط إسناد الوجوب إلى رواية(3)حملها على الاستحباب، مع أنه أنكر جملة ممن تأخر عنه- كما قيل- العثور عليها، و إن كان فيه أنه يمكن إرادة الصحيح السابق و إن كان هو أخص من ذلك أو

خبر غياث (4)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «اتى أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه بيتيم فقال: خذوا بنفقته أقرب الناس إليه من العشيرة ممن يأكل ميراثه»

الذي حمله الشيخ في محكي الإستبصار على الندب أو على ما إذا لم يكن وارث غيره بحيث إذا مات أحدهما ورث الأخر لا كل وارث، مع أن المحمول عليه أخيرا أيضا لا وجه له و لا دليل عليه، بل هو محجوج بما عرفت، و نحوه ما عن


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 4- 9 و الباب- 11- منها.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3 و الباب- 14 و 15- منها.
3- 3 المبسوط ج 6 ص 35 ط الحديث.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.

ج 31، ص: 369

سيد المدارك من الميل إلى العمل بمضمون الصحيح (1)السابق المتضمن لوجوب الإنفاق على الوارث الصغير.

ضرورة عدم الالتفات إلى أمثال ذلك بعد استقرار الكلمة في الأعصار المتعددة على عدم الوجوب، و بعد ما سمعت من الأدلة المعتضدة بما يشعر به

مرسل زكريا المروي (2)عن الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام «من عال ابنتين أو أختين أو عمتين أو خالتين حجبناه من النار باذن الله»

و بالمروي من تفسير العسكري عليه السلام (3)لقوله تعالى (4)«وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* من الصدقات و الزكاة و الحقوق اللازمات- إلى أن قال-: و ذوي الأرحام القريبات و الإباء و الأمهات و كالنفقات المستحبة على من لم يكن فرض عليهم النفقة و سائر القرابات»

و بعد معروفية القول المزبور لابن أبى ليلى الذي هو من الذين جعل الله الرشد في خلافهم، مستدلا عليه بقوله تعالى (5)«وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» بناء على أن المراد منه و على الوارث للصبي، و فيه أنه خلاف الظاهر، بل المراد به الكناية عن الصبي الرضيع، أى عليه في ماله الذي ورثه من أبيه مثل ما كان على أبيه من الإنفاق بالمعروف على أمه، كما أشار إليه في

المروي عن أمير المؤمنين عليه السلام (6)«أنه قضى في رجل توفي و ترك صبيا و استرضع له أن أجر رضاع الصبي مما يرث من أبيه و أمه»

أو المراد به الباقي، نحو

قوله عليه السلام (7)«و اجعلهما الوارثين مني»

أي الباقين فيكون المعنى:

و على الباقي من الأبوين مثل ذلك.

و على كل حال فلا ريب في عدم ظهور الآية فيما ذكره، خصوصا بعد ما


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النفقات الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب النفقات الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب النفقات الحديث 2.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 3.
5- 5 سورة البقرة: 2- الآية 233.
6- 6 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2- 3.
7- 7 ورد ذلك في الدعاء المعروف للحسين عليه السلام في يوم عرفة الا أن فيه: «و اجعل سمعي و بصري الوارثين مني.».

ج 31، ص: 370

أكثروا فيها من الاحتمالات، بل لم يدعوا وجها يمكن القول به إلا قال به بعضهم، فعن ابن عباس أن المراد به وارث الأب، و عن الحسن و قتادة و أبي مسلم و القاضي و غيرهم وارث الولد، و هؤلاء اختلفوا، فعن عمر و الحسن و مجاهد و عطاء و سفيان و إبراهيم أنه العصبات دون الأم و إخوة الأم، و عن قتادة و ابن أبي ليلى مطلق وارثه من الرجال و النساء على قدر النصيب من الميراث، و عن أبي حنيفة و أصحابه أنه الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم و المولى، و عن بعضهم أن المراد بالوارث الباقي من الأبوين، و عن مالك و الشافعي أن المراد به الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى، على معنى أن أجرة رضاعه فيما له الذي ورثه من أبيه إن كان له مال، و إلا أجبرت الأم على رضاعه.

بل اختلفوا في المراد بمثل ذلك، فقيل: إنه النفقة و الكسوة، و قيل ترك الإضرار، و قيل منهما كما عن أكثر أهل العلم، و في

الصافي عن العياشي عن الباقر عليه السلام (1)أنه سئل عنه أى قوله «وَ عَلَى الْوارِثِ» فقال: «النفقة على الوارث مثل ما على الوالد»

و عن الصادق عليه السلام (2)أنه سئل عنه، فقال: «لا ينبغي للوارث أن يضار المرأة، فيقول: لا أدع ولدها يأتيها و يضار ولدها إن كان عبد لهم عنده شي ء فلا ينبغي أن يقتر عليه»

و في الكافي عنه عليه السلام (3)في قوله تعالى: «وَ عَلَى الْوارِثِ» إلى آخره «إنه نهى أن يضار بالصبي أو تضار أمه في رضاعه، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين»

إلى غير ذلك مما هو مذكور في كتب العامة و الخاصة مما يقتضي إجمال الآية، أو إرادة غير ما نحن فيه، أو ما ذكرناه مما هو موافق لما سمعت من النص و الفتوى، فلا وجه للاستدلال بل لا ينبغي حتى على الاستحباب الذي يتسامح فيه، كما وقع من بعضهم، نعم لا بأس


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب النفقات الحديث 3 عن أحدهما عليهما السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب النفقات الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 70- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3 راجع الكافي ج 6 ص 41.

ج 31، ص: 371

في حمل الخبر(1)المزبور عليه أى الندب أو التقية أو طرحه، لقصوره عن المقاومة لما سمعت من وجوه، و الاتفاق على أنه من الشواذ التي أمرنا بالإعراض عنها، و الله العالم.

هذا و لكن تستحب نفقتهم التي هي من صلة الرحم الذي قال الله تعالى شأنه فيه (2)«وَ اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ»

و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (3): «لا صدقة و ذو رحم محتاج»

و يتأكد الاستحباب في الوارث منهم لما عرفته من الخبر(4)المزبور و غيره، و الله العالم.

[كيفية الإنفاق]

و كيف كان فلا خلاف في أنه يشترط في وجوب الإنفاق الفقر في المنفق عليه، بمعنى عدم وجدانه تمام ما يقوته، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة بعد انصرافها لغير المفروض.

و إنما الكلام في أنه هل يشترط مع ذلك العجز عن الاكتساب اللائق بحاله؟ الأظهر عند المصنف بل لعله الأشهر اشتراطه بل لم أعثر فيه على مخالف هنا لأن النفقة معونة على سد الخلة، و المكتسب قادر فهو كالغنى (11) و لذا منع من الزكاة و الكفارة المشروطة بالفقر،

فعن النبي صلى الله عليه و آله و سلم (5)«لا حظ في الصدقة لغني و لا لقوي مكتسب»

لكن قد يناقش بمنع صدق الغنى عرفا على القادر المعرض عن الاكتساب، بل يصدق عليه أنه محتاج، و لا دليل على أنه


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 1.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب الصدقة الحديث 4 من كتاب الزكاة راجع الفقيه ج 2 ص 38- الرقم 166 و ج 4 ص 267.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.
5- 5 المستدرك الباب- 6- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2 من كتاب الزكاة و فيه «لا يحل».

ج 31، ص: 372

بحكم الغنى شرعا، نعم لو تلبس بالاكتساب الساد لخلته كان غنيا أو بحكمه، و لعل هذا هو المراد من الخبر المزبور، بل يمكن تنزيل كلام الأصحاب أيضا عليه، كما أوضحنا ذلك في باب الزكاة.

و من الغريب ما وقع من بعضهم هنا أن الامرأة القادرة على التكسب بالتزويج كذلك بحكم الغني، إذ من الواضح عدم اندراج نحو ذلك في القدرة على التكسب الذي هو بحكم الغني، و أغرب من ذلك ما عن شرح النافع من احتمال اشتراط عدم تمكن القريب من آخذ من الزكاة و نحوها من الحقوق، و الله العالم.

و على كل حال ف لا عبرة عندنا كما عن الخلاف بنقصان الخلقة بعمي أو إقعاد و نحوهما و لا بنقصان الحكم بجنون أو صغر مع الفقر و العجز لإطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فتجب حينئذ نفقة الصحيح الكامل في الأحكام إذا كان فقيرا غير مكتسب، كما أنها لا تجب للأعمى و لا للمقعد و غير الكامل مع الغنى بالمال أو بالتكسب، بل صرح بعضهم بعدم وجوبها للطفل مثلا إذا بلغ حدا يستطيع تحصيل نفقته بالتكسب بإذن الولي، و إن كان فيه ما فيه بناء على ما سمعته منا ما لم يتلبس بذلك، كما هو واضح.

و تجب النفقة بلا خلاف أجده فيه لمن عرفت من الأصول و الفروع و لو كان فاسقا أو كافرا بلا خلاف أجده فيه، بل عن جماعة الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و خصوصا في الوالدين المأمور بمصاحبتهما بالمعروف مع كفرهما(1)لكن قد يناقش بمعارضة ذلك للنهي (2)عن الموادة لمن نصب لله المحادة و لو من وجه، فان مقتضاه التساقط و الرجوع إلى الأصل المنافي للوجوب، و يدفع بأنه لا ريب في ترجيح الأول بما سمعت من الإجماع المحكي المعتضد بفتوى الأصحاب مع إمكان منع كون ذلك موادة، خصوصا بعد الأمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين الكافرين، فهو حينئذ كالخاص بالنسبة إلى ذلك، و يتم بالنسبة للأولاد،


1- 1 سورة لقمان: 31- الآية 15.
2- 2 سورة المجادلة: 58- الآية 22.

ج 31، ص: 373

لعدم القول بالفصل.

و لعله لذا قال في محكي المبسوط «كل سبب يجب به الإنفاق من زوجية و نسب و ملك يمين فانا نوجبها مع اختلاف الدين كما نوجبها مع اتفاقه، لأن وجوبها بالقرابة، و تفارق الميراث، لأنه يستحق بالقرابة في الموالاة و اختلاف الدين يقطع الموالاة» و في المسالك «أنه أغرب المحقق الشيخ فخر الدين حيث جعل المانع من الإرث كالرق و الكفر و القتل مانعا من وجوب الإنفاق، و ربما نقل عنه أن ذلك إجماعي».

قلت: لعل وجهه وجوب نفقة المملوك على المولى دون القريب، و إسقاط التكليف عن المقتول بالقتل، و النهي عن الموادة للكافر المنافية للإنفاق على القرابة الذي منشؤه المواساة و صلة الرحم، و إن كان في الأخير ما سمعت. و ما يقال- من أن ذلك في الرق لا يمنع النفقة على القريب، بل أقصاه أولوية المالك منه باعتبار استيفائه لمنافعه، و إلا تجب على القريب مع فرض إعسار المولى أو تقصيره على وجه لا يمكن جبره عليها أو على بيعه- يمكن منعه بعد تخصيص أدلة المقام بما دل على وجوبها على المالك، و فرض إعساره أو تقصيره لا ينافي الإنفاق على العبد برقيته و إن لم يمكن جبره على البيع، بل هو الموافق لقول المصنف و غيره و تسقط أي النفقة إذا كان مملوكا و تجب على المولى بلا خلاف أجده فيه، بل في الرياض الإجماع على اشتراط الحرية الموافق للسقوط المفروض في المتن، إذ المشروط عدم عند عدم شرطه، و ليس هو إلا معنى السقوط المذكور المراد منه عدم خطاب القريب بها أصلا و لو لتحكيم ما دل (1)على كونها على المولى على أدلة(2)المقام بعد القطع بعدم وجوبها عليهما معا، فان مقتضاه حينئذ السقوط لا الخطاب بها مرتبا على حسب ما سمعت، و حينئذ فكلامه في الرق و القتل تام على معنى سقوط النفقة.


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب النفقات و الباب- 14- من كتاب العتق.
2- 2 الوسائل الباب- 11 و 12- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 374

أما الكفر فقد يقال بتمامه أيضا في غير محقون الدم كالمرتد عن فطرة و الحربي و نحوهما، فإن الإنفاق المنافي للحكم بإزهاق نفسه غير متجه، و أما محقونه فظاهر الأصحاب و الأدلة ما سمعت من وجوب الإنفاق، و لكنه غير مناف لما ذكرناه من عدمه في غير المحقون، لكون المراد أن المخالفة في الدين من حيث كونها مخالفة لا يقتضي سقوط النفقة كالإرث، لا أن المراد الوجوب على كل كافر، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يشترط في وجوب النفقة على المنفق القدرة عليها بعد نفقته و نفقة زوجته التي قد عرفت تقدمها على نفقة القرابة فلو فرض أنه حصل له قدر كفايته خاصة اقتصر على نفسه المقدمة شرعا و عادة على غيرها فان فرض أنه فضل منه شي ء فلزوجته كما عرفته سابقا فان فرض أنه فضل (11) منه شي ء فللأبوين و الأولاد (12) و لا ريب في تحقق القدرة بها على التكسب لنفقة نفسه التي يجب عليه دفع الضرر عنها، و يحرم عليه إلقاؤها إلى التهلكة، نعم في كشف اللثام «و يدخل في التكسب السؤال و الاستيهاب إن لم يقدر على غيره- ثم قال-: و يمكن القول بوجوب التكسب بغيره إذا قدر عليه،

لما ورد(1)من التشديد على السؤال، و «أن المؤمن لا يسأل بالكف»

قلت: الظاهر عدم حرمة مطلق السؤال الذي هو بمعنى الاستيهاب، للأصل و السيرة و غيرهما، و إنما يحرم منه ما به يحصل هتك العرض الذي يجب على الإنسان حفظه كالنفس و المال، بل هو أعظم من الأخير منهما، و إن كان قد يجب مقدمة لحفظ النفس مع فرض الانحصار فيه، فاحتمال وجوب التكسب بغيره مع التمكن في غير محله.

و كذا يجب عليه التكسب لنفقة زوجته لوجوبها عليه معاوضة، و لوجوب الإنفاق عليها اتفاقا، مع أن الغالب في الناس التكسب، و الأصل في الواجب الإطلاق فما عن بعض العامة- من عدم وجوبه لها، لأنها كالدين- واضح الضعف، نعم


1- 1 الوسائل الباب- 31 و 32- من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.

ج 31، ص: 375

الظاهر عدم وجه عليه بالسؤال الهاتك للعرض مع فرض الانحصار فيه، بل لا يبعد عدم وجوبه بالاستيهاب، لما فيه من المشقة التي يسقط مثل هذا التكليف معها، بل لعل قبول الهبة من ذلك فضلا عن الاستيهاب، لما فيها من المنة.

و أما نفقة الأقارب ففي أصل وجوب التكسب لها إشكال من إطلاق الأمر بإعطاء الأجر(1)للرضاع، و هو نفقة المولود، و إطلاق أخبار الإنفاق (2)و أن القادر على التكسب غني في الشرع، و قد اتفقوا على وجوبها على الغني، و نحو

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(3): «ملعون من ضيع من يعول به»

و قول الصادق عليه السلام (4)«إذا أعسر أحدكم فليضرب في الأرض، يبتغي من فضل الله و لا يغم نفسه و أهله»

و هو المحكي عن التحرير و المبسوط، و من الاقتصار فيما خالف أصالة البراءة و غيرها على محل اليقين، و هو الوجوب بشرط الغني و أن النفقة عليهم مواساة و لا مواساة على الفقير، و قوله تعالى (5)«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ» و لم يقل فليكتسب و إن كان قد يقال أنه لبيان قدر النفقة و كيفية الإنفاق لا الوجوب مع أنه إدخال القادر على الاكتساب في كل من ذي السعة و خلافه، و على كل حال فالأقوى الأول، و للعامة قول بالفرق بين الولد و غيره، فيجب الاكتساب للولد لأنها من تتمة الاستمتاع بالزوجة، و لأن الولد بعضه، فكما يجب الاكتساب لنفسه فكذا لبعضه، و ضعفه واضح.

هذا و في القواعد «أنه يباع عبده و عقاره فيه» أي الإنفاق على القريب، و لعله


1- 1 الوسائل الباب- 71- من أبواب أحكام الأولاد.
2- 2 الوسائل الباب- 11 و 12- من أبواب النفقات.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب النفقات الحديث 5.
4- 4 راجع الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمات التجارة الحديث 12 و المستدرك الباب- 1- منها الحديث 3 و الباب- 3- منها الحديث 2.
5- 5 سورة الطلاق: 65- الآية 7.

ج 31، ص: 376

لإطلاق الأدلة و عدم الاستثناء، و فيه أنه يمكن أن يكون ذلك اتكالا على ما ذكروه من تقديم نفقة النفس التي منها داره و عبده و نحوهما مما استثنى في الدين، نعم يتجه بيع ما لا يرجع إلى ذلك منها، كما أنه يتجه استثناء نحو ذلك للمنفق عليه، فلا يكفي في سقوط النفقة عمن هي علة وجود نحو ذلك عند من وجبت النفقة له، ضرورة أنها من جملة النفقة التي يستنغي بها عن المنفق.

هذا و لا إشكال في أنه لا تقدير في النفقة كما لا خلاف أجده فيه هنا، بل عن جماعة الإجماع عليه، للأصل و إطلاق الأدلة بل الواجب قدر الكفاية من الإطعام و الكسوة و المسكن و ما يحتاج إليه من زيادة الكسوة في الشتاء للتدثر يقظة و نوما و غير ذلك مما يحتاج إليه مما جرت العادة بإنفاقه مع اعتبار اللائق بحاله في الجميع نحو ما سمعته سابقا في نفقة الزوجة و إن فرق بينهما بكون المدار هنا على الحاجة، فلو فرض استغناؤه بضيافة و نحوها لم تجب له نفقة بخلاف الزوجة، و بأنه هنا إمتاع بلا خلاف أجده فيه دونه في الزوجة التي قد عرفت اعتبار الملك في المأكول و نحوه من نفقتها، و في الملبوس و نحوه البحث السابق.

لكن قد يناقش بأن مقتضى صحيح شهاب (1)المتقدم الذي هو العمدة في اعتبار الملك هناك عدم الفرق بين الزوجة و غيرها في ملك الطعام منها، ل

قوله عليه السلام: «و ليقدر لكل إنسان منهم قوته، إن شاء وهبه و إن شاء تصدق به»

و لا ينافي ذلك كون النفقة هنا للمواساة و الرحم باعتبار سد الخلة الذي لا يتوقف على الملك، بل ليس له المطالبة به مع فرض الاستغناء عنه و لو بضيافة و نحوها، بخلافه في الزوجة التي لها ادخار نفقتها و المطالبة بها و إن كانت غير محتاجة إليها، لكونها من قبيل المعاوضة، ضرورة اقتضاء ذلك و نحوه عدم الملك عليه على وجه يكون كالدين له، لا أنه لا يكون ملكا له بعد أن قبضه مستحقا لقبضه له باعتبار حاجته إليه، فله حينئذ التقتير على نفسه و هبته و الصدقة به.

بل قد يقال له ذلك لو فرض استغناؤه عنه بعد قبضه له و لو ببذل أحد له ما يقوم


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب النفقات الحديث.

ج 31، ص: 377

مقامه، بل لو قلنا بعدم جواز التصرف له فيه بغير الأكل أمكن دعوى كونه ملكا له أيضا، لكنه على الوجه المخصوص، باعتبار كونه مدفوعا إليه بعنوان الإنفاق على نفسه، و الملك على وجه خاص غير عزيز في الشرع، و قد تقدم نظيره في كتاب الزكاة التي تدفع للفقير على وجه خاص، و ربما يؤيد ذلك إن كان القطع بالاجتزاء عن تكليف النفقة بالدفع إليه كما جزم به في القواعد فقال: «و لو أعطاه النفقة فهلكت في يده لم يستحق ثانيا» بل لعل ذلك كذلك و إن قصر هو و أتلفه في غيرها، و لا يجب على المنفق البذل جديدا، و لو كان إمتاعا لكان المتجه ذلك، و إن اشتغلت ذمته بمثله له أو قيمته يؤديه له عند اليسار، نحو ما سمعته في نفقة الزوجة الامتاعية، و التزامه كما هو ظاهر بعض و صريح آخر بعيد عن مذاق الفقه، نعم قد يقال به و لو قلنا بكونه إمتاعا لقاعدة الاجتزاء.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه إن لم يكن إجماعا أمكن القول بالملك في خصوص القوت، بل و غيره مما يتوقف الانتفاع على إتلاف عينه بناء على أن ذلك هو المدرك في الملك لذلك.

و لا يجب إعفاف من تجب النفقة له ولدا كان أو والدا بتزويج أو إعطاء مهر أو تمليك أمة أو نحو ذلك مما يناسب حاله في الإعفاف، بلا خلاف معتد به أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة إطلاق النفقة في الأدلة السابقة بعد القطع أو الظن بعدم إرادة ما يشمل ذلك من النفقة المزبورة المراد منها ما هو المتعارف في الإنفاق من سد العورة و ستر العورة و ما يتبعهما، و المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الوالدين (1)إنما يراد بها المتعارف من المعروف، و ليس هو إلا ما ذكرنا، لا أقل من الشك في ذلك، و الأصل البراءة، فما عن بعض العامة- وجوب إعفاف الأب مع الإعسار و نقصان الخلقة و الأحكام أو مع الإعسار فقط لكونه من المصاحبة بالمعروف، بل في المسالك حكايته عن بعض الأصحاب لذلك، و لأنه من وجوه حاجاته المهمة فيجب على الابن القيام به- واضح الضعف، و لو كان قادرا على التزويج مالكا للمهر لم يجب


1- 1 سورة لقمان: 31- الآية 15.

ج 31، ص: 378

على القولين و إن وجبت نفقته بعد ذلك، و في المسالك «و يشترط حاجته إلى النكاح و يقبل قوله في الرغبة من غير يمين، لكن لا يحل له طلبه حيث نقول بوجوبه إلا إذا صادفت شهوته و شق عليه الصبر» و فيه أنه يمكن دعوى عدم اعتبار ذلك بناء على أنه من النفقة التي يكفي فيها تعارف ذلك بالنسبة إليه كغيره من أفراد الإنفاق، و لا مدخلية للشهوة و نحوها فيه، بل قد يقال: إن محل البحث بين الأصحاب وجوبه من حيث كونه إعفافا باعتبار أنه من النفقة عرفا، أما مع فرض الاحتياج إليه لشدة شق أو أذية في مزاج أو نحو ذلك فهو خارج عن البحث و إن كان مندرجا حينئذ في البحث عما يتفق الاحتياج إليه من دواء و نحوه مما لم يكن من النفقة المعتادة، و فيه وجهان تقدما في الزوجة المأمور بمعاشرتها بالمعروف (1)أيضا كالمصاحبة للوالدين، و إن كان قد صرح بعضهم هناك بعدم وجوب الدواء و أجرة الفصد و نحو ذلك لها، إلا أنه تقدم لك أيضا الكلام في ذلك، فراجع و تأمل، فإن كثيرا من أحكام النفقة هنا يمكن استنباطه من حكم النفقة هناك، ضرورة أولوية تلك منها، و لذا تقدم عليها عند التعارض و تكون دينا كما عرفت.

و كيف كان فقد عرفت أنه يجب على الولد أن ينفق على أبيه مع الشرط في المنفق و المنفق عليه، و في بعض نسخ المتن «و على زوجة أبيه على تردد» و لم أجده لأحد من أصحابنا، بل في كشف اللثام حكايته للعامة وجها، و في آخر وجوبه لزوجة كل قريب، و في ثالث لزوجة الابن أيضا، لكن في المسالك «و نفقة الزوجة تابعة للاعفاف، فان وجب وجبت و إلا استحبت، و كذا القول في نفقة زوجة الأب التي يتزوجها بغير واسطة الابن و أوجب الشيخ في المبسوط نفقة زوجته و إن لم يجب إعفافه، لأنها من جملة مؤنته و ضرورته، كنفقة خادمه الذي يحتاج إليه».

قلت: قد يقال: إن محل البحث في وجوبها للزوجة من حيث وجوبها على الأب و التحقيق حينئذ عدم وجوبها عليه، ضرورة اختصاص الأدلة في وجوب نفقته لا أداء ما عليه من كفارة أو قضاء دين أو أرش جناية أو حق زوجة أو نحوه مما يمكن


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 19.

ج 31، ص: 379

أن يكون دينا عليه للميسرة، و دعوى اندراج نفقتها في نفقته الواجبة على المنفق واضح المنع، لا أقل من الشك، و الأصل البراءة، و قياسها على نفقة الخادم و الدابة التي هي من تتمة نفقة الإخدام و المركب الواجب عليه نحو ما سمعته في الزوجة محرم عندنا، و لو فرض حاجته إلى الزوجة التي لا بد من بذل نفقة لها و كانت عنده أو قلنا بوجوب ذلك على المنفق أمكن أن يقال: إنها واجبة من هذه الجهة، لا أنها واجبة من حيث كونها نفقة زوجة على وجه يجرى فيها البحث السابق في ملك ما يملك منها و امتناع غيره و القضاء و نحو ذلك، فتأمل جيدا. و مما ذكرنا ظهر لك وجه التردد في كلام المصنف.

كما أنه ظهر لك الوجه أيضا في إعفاف الولد و النفقة على زوجته و إن كان الذي في بعض نسخ المتن «النفقة على زوجة الأب».

و على كل حال فالنفقة على الأب دون أولاده الصغار و إن وجبت نفقتهم على الأب لو كان موسرا لأنهم إخوة المنفق الذي قد عرفت عدم وجوب نفقة حواشي النسب عليه و لكن ينفق على ولده و أولاده لأنهم أولاد حقيقة أو في خصوص الإنفاق، لما سمعته من الأدلة السابقة.

و لا تقضى نفقة الأقارب بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه لأنها مواساة لسد الخلة الذي لا يمكن تداركه بعد فواته و إن كان عن تقصير و حينئذ ف لا تستقر في الذمة بمضي يوم مثلا و لو قدرها الحاكم خلافا لبعض العامة.

نعم لو أمره أي الحاكم المنفق عليه بالاستدانة عليه (11) أي المنفق لغيبته أو لمدافعته أو نحو ذلك فاستدان وجب (12) عليه القضاء (13) تنزيلا لأمر الحاكم منزلة أمره، لكونه وليا بالنسبة إلى ذلك، فلو استدان حينئذ من غير إذن الحاكم مع إمكانه لم يجب عليه لما عرفت، و لو فرض تعذر الحاكم قام مقامه عدول المسلمين، و مع تعذرهم أمكن الاجتزاء حينئذ بنيته، بل في كشف اللثام

ج 31، ص: 380

«تتجه الاستدانة عليه مع التعذر دفعا للحرج، و للعامة قول بوجوب الاشهاد على استدانته إن تعذر الحاكم».

قلت: قد يشكل ذلك بعدم ثبوت ولاية لغير الحاكم أو عدول المسلمين على وجه يمضي عليه مثل ذلك، نعم قد يشكل أصل عدم وجوب القضاء بأن الأصل القضاء في كل حق مالي لا دمي، و دعوى كون الحق هنا خصوص السد الذي لا يمكن تداركه واضحة المنع بعد إطلاق الأدلة المزبورة، و حرمة العلة المستنبطة عندنا، على أنه لو سلم فهو مخصوص بما إذا كان الفائت السد لضيافة أو تقتير أو نحوهما، أما إذا كان قد فات بقرض و نحوه فان تداركه ممكن بدفع عوض ما حصل بالسد فالعمدة حينئذ الإجماع و هو مع فرض تماميته في غير المفروض، فتأمل.

[تشتمل اللواحق على مسائل]
اشاره

و كيف كان ف تشتمل اللواحق للبحث في القول المزبور على مسائل:

[المسألة الأولى تجب نفقة الولد على أبيه]

الأولى في ترتيب المنفقين: تجب نفقة الولد ذكرا كان أو غيره على أبيه بلا خلاف و لا إشكال و إن كان معه أم موسرة، لقوله تعالى (1)«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ» و أصالة الأب المستفادة من قوله تعالى (2)«وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» و ترك الاستفصال في حديث هند زوجة أبي سفيان (3)و للإجماع على عدم وجوب الإرضاع على الأم، و لظاهر النصوص (4)المزبورة التي لا يتعدى فيها إلى الأم، بل مطلق الأنثى إلا بقاعدة الاشتراك المفقود هنا بالإجماع


1- 1 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
2- 2 سورة الأعراف: 7- الآية 172.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 477.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات.

ج 31، ص: 381

و غيره نعم مع عدمه أي الأب أو فقره فعلى أب الأب الذي هو أب كما عرفت دون الأم، خلافا لما عن بعض العامة، فعلى الأم الثلث و على الجد الثلثان، فان فقد الجد أو كان معسرا فعلى أب الجد و هكذا، و إن علا لأنه أب حقيقة أو في خصوص النفقة، و الترتيب باعتبار آية أولى الأرحام (1)و ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام في الخبر السابق (2): «خذوا بنفقته أقرب الناس منه في العشيرة كما يأكل ميراثه».

و لو عدمت الإباء أو كانوا أجمع معسرين و لم يكن له ثم ولد و لو أنثى و كان معسرا أيضا فعلى أم الولد التي هي أقرب الناس إليه حينئذ، و مشاركة للرجل في وجوب النفقة على الولد المعسر بقاعدة الاشتراك في الحكم.

و مع عدمها أو فقرها فعلى أبيها و أمها و إن علوا الأقرب فالأقرب لنحو ما سمعته في الإباء و إن كان الأقرب أنثى و الأبعد ذكرا، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن جماعة الإجماع عليه.

و مع التساوي يشتركون بالسوية في الإنفاق و إن اختلفوا في الذكورة و الأنوثة، للإجماع بحسب الظاهر، أو لدعوى انسياق ذلك من خطاب النفقة مع فرض تعدد عنوان أفراد المنفق أو لغير ذلك، و لولاه لأمكن القول بالوجوب كفاية، أو يكون التخيير بيد المنفق عليه، نحو رجوع المالك على ذوي الأيدي أو بالقرعة لتعين من ينفق منهم، و ذلك لاقتضاء الخطاب تكليف كل واحد منهم بتمام النفقة لا النصف أو الثلث مع التعدد، فتأمل و إن كان لا مناص عنه بعد ما عرفت.

فعلى أبوي الأم حينئذ النفقة بالسوية بخلاف جد الأم و أمها فإن النفقة على أمها، و كذا جدتها مع أبيها، فإنها على أبيها، و هكذا. نعم لو كان معها أم أب شاركتهم للتساوي في الدرجة، أما لو كان أبو الأب معهم فإن النفقة عليه و إن علا، لأنه أب و متقرب


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.

ج 31، ص: 382

بالأب، فلا يضر مساواته في الدرجة لهم، (و بالجملة) فالتساوي في الدرجة إنما يوجب الاشتراك في الإنفاق في الأقرباء من الأم و لو من جهة الأب، لا فيهم مع الأقرباء من الأب و جدهم فإن أبا الأب و أمه إذا اجتمعا كانت النفقة على أبي الأب، و في شرح المقدس البغدادي بعد نفي الخلاف عن ذلك كله قال: «نعم يبقى حكم أبي أم الأب، فلم يتعرضوا له، فيبقى على أصل البراءة».

قلت: قال في المسالك: «قد ذكر الشيخ و غيره من الأصحاب أن حكم آباء أم الأب و أمهاتها و إن علوا حكم آباء الأم و أمهاتها، فيشتركون بالسوية مع التساوي في الدرجة، و يختص الأقرب منهم بها مع عدم التساوي» و في محكي المبسوط «أنه متى اجتمع اثنان ينفق كل واحد منهما على الأخر إذا انفرد لم يخل من ثلاثة أحوال: إما أن يكونا من قبل الأب أو من قبل الأم أو منهما، فان كانا من قبل الأب نظرت فان اشتركا في التعصيب فلا يكونان على درجة، و لا بد أن يكون أحدهما أقرب، و الأقرب أولى، و إن تساويا في القرب و انفرد أحدهما في التعصيب مثل أم أب و أبى أب فالعصبة أولى، فإن كان الذي له العصبة أبعدهما فهو أولى عندهم، و لو بعد بمأة درجة، و عندنا أن الأقرب أولى، و إن لم يكن لأحدهما تعصيب و لا يدلي بعصبة فان كانا على درجة واحدة فهما سواء، و إن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى بلا خلاف، و إن لم يكن أحدهما عصبة لكن أحدهما يدلي بعصبة مثل أم أم أب و أم أبي أب فهما سواء عندنا، و قال بعضهم:

من يدلي بعصبة أولى، فإن كانا من قبل الأم معا نظرت فان كانا على درجة فهما سواء، و إن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى، سواء كانا ذكرين أو أنثيين أو ذكرا و أنثى، لأن الكل من ذوي الأرحام، و إن كانا من الشقين معا فان كان أحدهما عصبة فهو أولى عندهم، و إن تعدد عندنا هما سواء، و الأقرب أولى، و إن لم يكن أحدهما عصبة و لا يدلي بعصبة فان كانا على درجة فهما سواء، و إن كان أحدهما أقرب فالأقرب أولى، مثل أم أم و أم أم أب، فإن كان أحدهما يدلي بعصبة فان كانا على درجة واحدة مثل أم أم و أم أب فهما سواء عندنا، و قال

ج 31، ص: 383

بعضهم: أم الأب أولى، و إن اختلفا في الدرجة فالأقرب أولى، مثل أم و أم أب أو أم أم و أم أبي أب فالأقرب أولى» و إن كان هو أيضا كما ترى، و ذلك لأن ما ذكره في القسم الأول من أولوية الأقرب و إن كان الأبعد عصبة مخالفا لما سمعته من أن أبا الأب و إن علا أولى من أم الأب، و ما ذكره في القسم الثالث من أنه إن كان أحدهما عصبة فهما سواء عندنا يخالف ما سمعته أيضا من أن أبا الأب أولى من أم الأم، بل و لما قطع به نفسه من أن أبا الأب و إن علا أولى بالإنفاق من الأم.

و على كل حال فلا ريب في أن ما ذكرناه أولى، و هو أن الأبوة و إن علت مقدمة في الإنفاق لكنها مترتبة على الأم و إن قربت، ثم الأم بلا واسطة، ثم من تقرب بها من أبويها و أبوي أم الأب يشتركون بها مع التساوي في الدرجة، و يختص الأقرب منهم فالأقرب مع الاختلاف فيها، فإنه المستفاد من الفتاوى و آية أولى الأرحام (1)و الخبر(2)المزبور و غير ذلك، و اقتصار بعضهم على أم الأب إنما هو في مقام بيان الدرجة بعد انتفاء الأم، و ليس بها حينئذ إلا أمها و أباها و أم الأب لأن أبا الأب داخل في الأبوة التي قد علمت تقدمها على الأمومة، و في الدرجة الثانية أبو أم الأب و أمها و أبو أم الأم و أمها و أبو أبيها و أمه و هكذا.

نعم هذا كله إذا لم يكن له ولد و إلا كان شريكا بالسوية للأب في النفقة و تختص به مع عدم الأب،

فعنه صلى الله عليه و آله و سلم (3)«إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه و أن ولده من كسبه»

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم (4)«إن أولادكم هبة من الله لكم، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ، و أموالهم لكم إذا احتجتم إليها»

بل مرتبة البنوة


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 479 و 480.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 480.

ج 31، ص: 384

بالنسبة إلى ذلك كالأبوة، و حينئذ فالأب يختص بها مع عدم الولد و إن كان له ولد ولد، لكونه الوالد حقيقة، نعم يشترك ولد الولد مع الجد، فهم بالنسبة إلى ذلك كالطبقة الواحدة، الأقرب منهم أيضا بدرجة أولى من الأبعد، و يشتركون فيها مع التساوي، و لكن هي مقدمة على الأمومة، فلو كان له ابن و أم فالنفقة على الابن دونها، بل و كذا البنت، لكن ستسمع التردد فيها من بعضهم، بل ذكر غير واحد أن في اشتراك الأم و الولد الموسرين في نفقة الولد المعسر و اختصاص الولد بها وجهين، من اتحاد الرتبة و كون الولد مقدما على الجد المقدم عليها و إن كان الأقوى الأخير منهما.

و على كل حال فقد تلخص من جميع ذلك أنه لو كان له أب وجد فالنفقة على أبيه الذي هو الوالد و المولود له و الأقرب، دون جده، و لو كان له أم و جدة من قبل الأب أو الأم فالنفقة على الأم التي هي أحد الوالدين، دون الجدة، و لو كان له أم و جد لأب فالنفقة عليه، دون الأم، لما عرفت من أن الأبوة هي الأصل.

و لو كان له أولاد موسرون تشاركوا في الإنفاق و قدر النفقة إن كانوا ذكورا أو إناثا، لاشتراك العلة من غير رجحان، و لو كانوا ذكورا و إناثا ففي القواعد و كشف اللثام احتمل التشريك، للتساوي في الولادة و الكون من كسبه، إما بالسوية لانتفاء المرجح أو على نسبة الميراث، لقوله تعالى (1)«وَ عَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» و ل

قول أمير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه (2): «خذوا بنفقته أقرب الناس إليه في العشيرة كما يأكل ميراثه»

و احتمل اختصاص الذكور، لأنهم لما كانوا أكثر ميراثا كانوا أقرب، بل قد يؤيد أن على الأب الإنفاق دون الأم إذا اجتمعا، و أن


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب النفقات الحديث 4.

ج 31، ص: 385

«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ»(1)و أنهم أقدر منهن على الكسب، بل لعل الأصل في الإنفاق الرجال، إلا أن الجميع كما ترى لا يصلح الخروج به عما دل على النفقة على الولد الشامل للذكر و الأنثى المقتضي للاشتراك بالسوية مع التعدد.

و لو كان له ابن موسر فعلا و الأخر مكتسب فهما سواء للإطلاق، لكن في القواعد على إشكال، و هو في غير محله مع فرض كون الكسب كاليسار فعلا.

و لو كان له بنت و ابن ابن فالنفقة على البنت التي هي أقرب، لكونه والدها.

و لو كان له أم و بنت ففي القواعد احتمل التشريك أي إما بالسوية أو على نسبة الميراث، و اختصاص البنت بالنفقة، قلت: و هو الأقوى، لأنه من كسبه، و لوجود ما يدل على عدم الوجوب على الأم من الكتاب (2)و السنة(3)بخلاف البنت المأمورة بالمصاحبة بالمعروف التي هي أقرب و أكثر ميراثا.

و لو كان له أب و ولد ولد فالنفقة على الأب، و لو كان له جد و ولد ولد له اشتركا فيها على حسب ما عرفت، و الله العالم.

[المسألة الثانية في ترتيب المنفق عليه]

المسألة الثانية في ترتيب المنفق عليه، و قد عرفت فيما تقدم أن النفس أولى، و لكن هل يدخل في النفس نفقة المملوك المحتاج إليه و الدابة المحتاج إليها، فتقدم حينئذ على نفقة الزوجة فضلا عن الأقارب؟ وجهان، لا يخلو أولهما من قوة، ثم الزوجة ثم الأقارب، فإن فضل عنده ما يكفى الجميع وجب من غير فرق بين الإباء و إن علوا من جهة الأب أو من جهة الأم و بين الأولاد و إن نزلوا ذكورا أو إناثا أو أولاد ذكور أو إناث مع فرض تحقق الشرط، و هو يساره و حاجتهم و لو لعدم


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 33.
2- 2 سورة الطلاق: 65- الآية 6.
3- 3 الوسائل الباب- 71- من أبواب النفقات الحديث 1.

ج 31، ص: 386

ما ينفق عليهم ممن هو أولى بالوجوب منه، نعم هم مترتبون مع فرض القصور، فالأبوان و

الأولاد المتساوون في الدرجة مقدمون على غيرهم، فان فضل فللأجداد و أولاد الأولاد، و هكذا يتساوون الواقعون في درجة قريبة أو بعيدة في النفقة، فإذا فضل عن الأدنى درجة ارتقى إلى الأبعد، و إن لم يفضل اقتصر على الأدنى.

ف إذا كان له أبوان و فضل له ما يكفي أحدهما كانا فيه سواء مع فرض انتفاعهما به و كذا لو كان ابنا و أبا لما عرفت من أنهم مستوون في الدرجة و وجوب الإنفاق عليهم من حيث الوالدية و الوالدية متحد، نعم لو كان أبا و جدا أو أما و جدة مثلا خص به الأقرب الذي هو أولى بالمعروف، و لو فرض عدم الانتفاع في الفاضل لأحد من كان في الدرجة مع شركة غيره فالوجه القرعة، لأن النفقة عليهم إنما هي لسد الخلة، فإذا لم ينسد خلة الجميع لزمه الإنفاق على من تنسد به خلته واحدا أو أكثر، و لا يمكن الترجيح إلا بالقرعة، و ليست كالدين الذي يقتسمه الديانة و إن لم ينتفع أحد منهم بما يأخذه، لكن عن المبسوط و السرائر احتمال القسمة للاشتراك في الاستحقاق، و اختصاص القرعة بما ينحصر المستحق فيه في واحد و لم يتعين، و يندفع بما عرفت، نعم قد يقال بالتخيير له في اختصاص من شاء إلا أن القرعة أعدل، بل لو لا عدم ظهور المخالف في الاشتراك مع الانتفاع الذي لم يحصل به سد الخلة لأمكن القول بالقرعة فيه أيضا لأنه هو المكلف به المنفق، و الفرض عدم تمكنه إلا من واحد.

على كل حال فإن أقرع و فضل من الغذاء شي ء أقرع بين من عدا الأول الذي اندفعت ضرورته الان منهم بخلاف غيره، و في القواعد احتمالها بين الجميع، باعتبار عدم اندفاع ضرورة من خرجت القرعة له أو لا في بقية يومه، فيبقى حينئذ استحقاقه معهم، إلا أنه كما ترى.

و الظاهر عدم اعتبار شدة الحاجة لصغر أو غيره في ترجيح أحد المتساوين

ج 31، ص: 387

في الدرجة و إن احتمله في القواعد، لكنه لا دليل عليه، فان أقصى ما يستفاد من آية أولى الأرحام (1)و غيرها تقديم الأقرب فالأقرب، فلو كان له أب و جد معسران قدم الأب على الجد، ثم الجد على أبيه و هكذا. نعم يتساوى الأجداد من الأب مع الأجداد من الأم مع التساوي في الدرجة، لتساوى درجة الأبوين، و ولد الولد و إن نزل مع الجد و إن علا يتشاركان مع التساوي في النسبة إلى المنفق للتساوي في الدرجة و إن لم يرث الجد مع ولد الولد، و الذكور و الإناث من الأولاد يتشاركون بالسوية و إن اختلفوا في الميراث، لانتفاء الدليل هنا على الاختلاف، كما يحكم بالتشارك بالسوية في الأبوين و في الأجداد.

بقي شي ء، و هو أن ظاهر الأصحاب وجوب النفقة على القريب مع الشرط، و هو على إطلاقه مشكل، إذ قد يمنع في ذات الزوج المعسر مثلا حتى لو كانت اما أو بنتا، و إلا لكان الواجب لها نفقتين إحداهما دين على زوجها و الأخرى على قريبها، و المفهوم من الأدلة أن لا واجب إلا

نفقة واحدة، نعم لو فرض سقوط خطابه بها بالإعسار كما في نفقة القريب اتجه حينئذ خطاب البعيد بها، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فمما قدمناه سابقا في ترتيب المنفق ظهر لك الوجه في:

[المسألة الثالثة لو كان له أب و جد موسران فنفقته على أبيه دون جده]

المسألة الثالثة و هي لو كان له أب و جد موسران فنفقته على أبيه دون جده، و لو كان له ابن و أب موسران كانت نفقته عليهما بالسوية فلاحظ و تأمل، و لو كان الأقرب مثلا معسرا و الأبعد موسرا فدفع النفقة ثم أيسر الأقرب كانت النفقة على الأقرب، و لكن لا رجوع للأبعد بها عليه، نعم لو فرض يساره مع وجود عينها بيد المنفق عليه أمكن الرجوع بها، لأنها إمتاع بيده، و الخطاب قد توجه إلى الأقرب بيساره، و لو كان له ولدان


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 75.

ج 31، ص: 388

و لم يقدر إلا على نفقة أحدهما و له أب موسر قيل وجب على الأب نفقة الأخر، فإن اختلفا في قدر النفقة و كان مال الأب يسع أحدهما بعينه كالأقل نفقة اختص به، و وجبت نفقة الأخر على جده، و إن تساويا في النفقة و اتفقا على الشركة أو على أن يختص كل واحد منهما بواحد فذلك، و إلا رجعا إلى القرعة.

قلت: قد يكون ذلك مؤيدا لما ذكرناه سابقا فيما لو تعدد المنفق الذي حكموا فيه بالاشتراك فيها، ضرورة أنه يأتي فيه مثل ما هنا من احتمال القرعة، و إلا كان المتجه فيه الاشتراك و إن كان الموضوع في المسألتين مختلفا فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا دافع بالنفقة الواجبة أجبره الحاكم]

المسألة الرابعة إذا دافع بالنفقة الواجبة من خوطب بها متحدا أو متعددا أجبره الحاكم حسبة، فان لم يكن فعدول المؤمنين، بل إن لم يكونوا ففساقهم في وجه. فان امتنع حبسه إذا فرض توقف حصولها عليه لخفاء ماله مثلا و إلا ب أن كان له مال ظاهر جاز له أي الحاكم أن يأخذ من ماله ما يصرف في النفقة من غير حاجة إلى اعتبار رضاه، فإنه وليه و الحال هذه، و لا حاجة إلى حبسه ليباشر الإنفاق، لكنه لا دليل عليه.

و إن كان له عروض أو عقار أو متاع جاز له بيعه، لأن النفقة حق كالدين الذي لا ريب في بيع الحاكم ذلك في الوفاء مع فرض امتناعه، بل هي أعظم منه كما عرفت سابقا، بل له الأمر بالاستدانة عليه، بل قد عرفت القول بالاجتزاء بنية الرجوع من المنفق عليه مع تعذر الحاكم خاصة أو مع عدول المسلمين للحرج، كما قد عرفت أن له صرف المال فيها و لو ببيع و نحوه مع الغيبة فضلا عن الامتناع، قال في المسالك هنا: «و لو لم يقدر على الوصول إلى الحاكم ففي جواز استقلاله بالاستقراض عليه أو البيع من ماله مع امتناعه أو غيبته وجهان، أجودهما

ج 31، ص: 389

الجواز، لأن ذلك من ضروب المقاصة حيث يقع أخذ القريب في الوقت و الزوجة مطلقا» و إن كان قد يناقش بمنع اندراجه في دليل المقاصة في القريب مطلقا و في الزوجة قبل مضي المدة، لعدم الملك حينئذ عليه، على أنه لا دليل على جوازها لغير الحاكم مع الغيبة و نحوه ها مما لا امتناع منه، ثم إن الاستدانة عليه لا مدخلية لها في المقاصة بوجه، و إنما تتوقف على ثبوت ولاية للمستدين، و هي لغير الحاكم ممنوعة كما أشرنا إلى ذلك سابقا، و الله العالم.

[القول في نفقة المملوك]
اشاره

و اما القول في نفقة المملوك فلا خلاف في أنه تجب النفقة على ما يملكه الإنسان من رقيق و بهيمة و إن كان لكل منهما أحكام تخصه أما العبد و الأمة ف نفقتهما على مولاهما إجماعا بقسميه و نصوصا قال الصادق عليه السلام في

صحيح ابن الحجاج(1): «خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المرأة و المملوك، و ذلك لأنهم عياله لازمون له»

و في

خبر ابن الصلت المروي عن الأمالي عن عدة من أصحابنا(2)عنه عليه السلام أيضا «خمسة لا يعطون من الزكاة: الولد و الوالدان و المرأة و المملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم»

و النبوي (3)«للمملوك طعامه و كسوته بالمعروف»

مضافا إلى قوله تعالى (4)«كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ» إلى غير ذلك من النصوص المعمول عليها بين الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه، بل نفاه بعضهم من علماء الإسلام فضلا عن علماء الايمان، من غير فرق في المملوك بين


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 4 عن العلل.
3- 3 سنن البيهقي ج 8 ص 6.
4- 4 سورة النحل: 16- الآية 76.

ج 31، ص: 390

الصغير و الكبير و الصحيح و الأعمى و المدبر و أم الولد و المنتفع به و غيره و المرهون و المستأجر و الكسوب و غيرهم، رفع السيد عنه و خلي بينه و بين نفسه أو لا.

نعم في الكسوب عبدا كان أو أمة مولاهما بالخيار في الإنفاق عليهما من خاصة ماله أو من كسبهما الذي هو أحد أمواله أيضا، و لهذا لو قصر كسبه وجب التمام على السيد، و لو زاد أخذه له، و لكن قد

روى عنه عليه السلام (1)أنه قال: «لا تكلفوا الصغير الكسب، فإنكم متى كلفتموه سرق، و لا تكلفوا الأمة غير الصغيرة الكسب، فإنكم متى كلفتموها الكسب اكتسبت بفرجها».

و على كل حال ف لا تقدير في الشرع لنفقتهما، بل الواجب قدر الكفاية و سد الخلة من إطعام و إدام و كسوة و غيرها مما عرفته سابقا في النفقات، و لا يكفى قدر مثله مع فرض عدم سد

خلته به و إن احتمله بعضهم، إلا أن الأقوى خلافه، و كذا في نفقة القريب.

نعم يرجع في جنس ذلك كله إلى عادة مماليك أمثال السيد من أهل بلده نحو ما سمعته في نفقة الزوجة، إذ هو المعروف في الخبر المزبور(2)، و المنصرف إليه إطلاق الأدلة، و لعله المراد مما عن المبسوط من أنه غالب قوت البلد و كسوته، كما تقدم الكلام في نحو ذلك في نفقة الزوجة، و منه يعلم الحال فيما هنا، لكن في المسالك «أنه يراعى حال السيد في اليسار و الإعسار و المقام، فيجب ما يليق بحاله من رفيع الجنس الغالب و خسيسة، و لا يجوز الاقتصار في الكسوة عن ذلك و إن لم يتأذ بحر و لا برد، لأن ذلك يعد تحقيرا و إذلالا- ثم قال-: و لو كان له مماليك لزمه التسوية بينهم مع اتفاقهم في الجنس و ان اختلفوا في النفاسة و الخسة».

و الجميع كما ترى للنظر فيه مجال، و ذلك لاتحاد الأدلة في جميع النفقات التي قد عرفت انسياق اعتبار حال المنفق عليه لا المنفق، اللهم إلا أن يمنع ذلك


1- 1 سنن البيهقي ج 8 ص 9 و فيه« الأمة غير ذات الصنعة».
2- 2 سنن البيهقي ج 8 ص 6.

ج 31، ص: 391

في خصوص نفقة القريب أو يقال: إنه لا مثل للعبد إلا بالنسبة إلى حال سيده المختلف باليسار و الإعسار و المقام، فتأمل جيدا.

و على كل حال فيستحب أن يطعمه مما يأكله و يلبسه مما يلبسه، ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1): «إخوانكم حولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل و يلبسه مما يلبس»

و قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2): «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه و قد كفاه حره و عمله فليقعده فليأكل معه و إلا فليناوله أكلة من طعام»

و قوله صلى الله عليه و آله و سلم (3): «إذا كفى أحدكم خادمه طعامه حره و دخانه فليدعه فليجلسه معه، فان أبي فليروغ له اللقمة و اللقمتين»

و في محكي المبسوط «و الترويع أن يرويه من الدسم» و في المسالك «و ليكن ما يناوله من اللقمة كثيرة تسد مسدا، دون الصغيرة التي تهيج و لا تقضى النهمة» بل فيها عن بعضهم وجوب أحد الأمرين:

أي الاجلاس معه أو ترويغ اللقمة، و أن الأول أفضل، لكنه كما ترى، ضرورة ظهور إرادة التواضع و مكارم الأخلاق و رد شهوة من عالج الطعام منهم من الخبرين كما هو واضح، و لذا جزم في المسالك و غيرها باستحباب إجلاس رقيقه معه و إطعامه».

خصوصا إذا كان هو المعالج و إن كان قد يتوقف في ذلك تنزيلا للخبر المزبور على الخادم الحر لا المملوك الذي مرتبته أقل من ذلك، و ربما نافي السياسة في تأديبه و تعظيم السيد في نفسه، و الأمر سهل.

و كيف كان ف لو امتنع المولى عن الإنفاق مع قدرته عليه و لو بالتكسب من رقيقه أو منه نفسه- فان الظاهر وجوبه عليه بنفقته و إن لم نقل له بالنسبة إلى القريب، لكونه محبوسا عليه، و منافعه مملوكة له، بل في كشف اللثام أن نفقته أقوى من نفقة الزوجة.


1- 1 المستدرك الباب- 13- من كتاب العتق الحديث 8.
2- 2 كنز العمال ج 5 ص 17 الرقم 374 و ص 18 الرقم 408 و ص 20 الرقم 432 بألفاظ مختلفة متقاربة.
3- 3 سنن البيهقي ج 8 ص 8.

ج 31، ص: 392

أجبر على بيعه أو غيره مما يزيل حبسه و ملكه عنه أو الإنفاق عليه و مع تعذر أحدهما يتعين الثاني كما هو الشأن في كل واجب مخير.

و يستوي في ذلك كله القن و المدبر بل قيل و أم الولد لكونه أقل ضررا من الاحتباس عليه مع فقد النفقة، بل فيه حفظ النفس من الهلاك لكن قد يناقش بإطلاق دليل المنع، و عدم انحصار طريق الخلاص في ذلك، بل قد يقال بالإنفاق عليها من بيت المال المعد لذلك أو من الزكاة أو غير ذلك، بل لو فرض تعذر ذلك كله و أدى بقاؤها إلى الهلاك وجب على الناس كفاية، و لعله لذا حكي عن بعضهم الجزم بعدم إجباره على بيعها، فتأمل و في القواعد «لو عجز عن الإنفاق على أم الولد أمرت بالتكسب، فان عجزت أنفق عليها من بيت المال، و لا يجب عتقها، و لو كانت الكفاية تحصل بالتزويج وجب، و لو تعذر الجميع ففي البيع إشكال» و كأنه لما عرفت من أن به حفظا عن الهلاك الذي هو أولى لها من التشبث بالحرية و من عموم النهي (1)و احتمال كونها كفقراء المؤمنين يلزمهم الإنفاق عليها، فتأمل.

هذا و في المسالك «أنه خرج بمن عدد من المماليك المكاتب، فان نفقته تسقط عن المالك، و تكون في كسبه، و كذا لو اشترى مملوكا أو اتهب أو أوصى له حيث جوزناها و لو بأبيه و أمه» و فيه أن ذلك ليس سقوطا عن السيد، ضرورة كون كسبه من أمواله، و لذا لو فرض قصوره عنها وجب على السيد الإتمام، و أما قبول اتهاب الوالد أو الولد أو الوصية بهما فقد صرح الفاضل في القواعد بجوازه، و لزوم النفقة حينئذ له.

بل في كشف اللثام «و إن لم يأذن المولى، لأن قبول الهبة و الوصية لا يتضمن إتلاف مال، و وجوب النفقة أمر خارج عن ذلك لازم للقرابة» و لكن لا يخلو من نظر، و لذا كان المحكي عن المبسوط عدم جواز القبول إن كان ممن يلزمه نفقته،


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 31، ص: 393

لأنه يستقر بالإنفاق، و فيه منع وجوب النفقة عليه بعد فرض عدم قدرته للحجر عليه بالنسبة إلى ذلك، و يأتي تمام الكلام فيه في محله إنشاء الله فتأمل جيدا، و الله العالم.

و يجوز له أن يخارج المملوك بأن يضرب عليه ضريبة في كل يوم أو مدة يؤديها له و يجعل الفاضل له إذا رضي بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

صحيح عمر بن يزيد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له و قد كان مولاه يأخذ منه ضريبة فرضها عليه في كل سنة و رضي بذلك المولى فأصاب المملوك في تجارته مالا سوى ما كان يعطي مولاه من الضريبة، قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: أ ليس قد فرض الله على العباد فرائض فإذا أدوها لم يسألهم عما سواها؟ قلت: فللمملوك أن يتصدق بما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده، قال: نعم، و أجر ذلك له، قلت:

فإن أعتق مملوكا مما كان اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ فقال:

يذهب فيتولى من أحب، إذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و ورثه، قلت: أ ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الولاء لمن أعتق؟ فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله، قلت: فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته و حدثه يلزمه ذلك، و يكون مولاه و يرثه؟ فقال: لا يجوز ذلك، لا يرث عبد حرا».

ف لا إشكال حينئذ في أصل المخارجة التي يمكن وفاء العمومات بها أيضا، خصوصا بعد أن كان حكمها من غير خلاف يعرف فيه أنه إن فضل قدر كفايته و كله إليه و إلا كان على المولى التمام و أنه لا يجوز أن يضرب عليه ما يقصر كسبه عنه، و لا ما لا يفضل معه قدر نفقته إلا إذا قام بها المولى و أنه إن زاد على النفقة و الضريبة كان مبرة من السيد إلى

عبده، و أنه كما لا تلزم ابتداء لا تلزم استدامة، نعم لو قلنا بلزومها و لزوم دوام بذل السيد لتلك الزيادة على وجه لا يجوز


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1 من كتاب التجارة.

ج 31، ص: 394

له الرجوع بها أو نحو ذلك مما هو خارج عن القواعد اتجه حينئذ الاحتياج إلى دليل خاص، إلا أني لم أقف على تصريح من الأصحاب بترتب أحكام خاصة عليها و إن كان هو مقتضى الصحيح المزبور.

و كيف كان فليس للعبد إجبار السيد عليها إجماعا، بل في المسالك «و لا للسيد إجبار العبد على أصح القولين، لأنه يملك استخدامه المعتاد لا تحصيل ذلك المطلوب منه بالكسب» و في القواعد «ليس له أن يضرب مخارجة على مملوكه إلا برضاه» بل هو ظاهر اشتراط الرضا في المتن أيضا، بل هو المحكي عن المبسوط أيضا، و لكن قد يناقش بأنه مناف لعموم تسلط المولى عليه على وجه له نقل منافعه إلى غيره بالعوض على كره منه، فالمخارجة مثله أو أولى بعد فرض اعتبار ما سمعت فيها من عدم تكليفه بما يشق عليه.

و لعله لذا كان المحكي عن التحرير جواز الإجبار، بل هو خيرة الأصبهاني في كشفه أيضا، بل هو الموافق لما صرحوا به من غير خلاف يعرف فيه بينهم من أن للسيد الاستخدام فيما يقدر عليه المملوك و لا يخرج عن وسعه عادة و الملازمة عليه إلا في أوقات اعتيد فيها الاستراحة، و أما الأفعال الشاقة الشديدة التي لا يمكن المداومة عليها عادة فله الأمر بها إذا قدر عليها في بعض الأوقات و على المملوك بذل الوسع في جميع ذلك، و لا يكلفه الخدمة ليلا و نهارا معا لأنها فوق الوسع، بل إذا عمل بالنهار أراحه ليلا أو بالعكس و يريحه في الصيف وقت القيلولة، و بالجملة فالمتبع العادة الغالبة.

[أما نفقة البهائم المملوكة]

و أما نفقة البهائم المملوكة التي منها دود القز و النحل و غيرهما فواجبة بلا خلاف سواء كانت مأكولة اللحم أو لم تكن و سواء انتفع بها أو لا،

قال الصادق عليه السلام في خبر السكوني (1): «للدابة على صاحبها ستة حقوق: لا يحملها فوق طاقتها، و لا يتخذ ظهرها مجلسا يتحدث عليها، و يبدأ بعلفها إذا نزل منها، و لا يشتمها، و لا يضربها في وجهها، فإنها تسبح، و يعرض عليها


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الدواب الحديث 6 من كتاب الحج.

ج 31، ص: 395

الماء إذا مر به»

و في

خبره الآخر بإسناده (1)قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: للدابة على صاحبها خصال: يبدأ بعلفها إذا نزل، و يعرض عليها الماء إذا مر به، و لا يضرب وجهها، فإنها

تسمح بحمد ربها، و لا يقف على ظهرها إلا في سبيل الله، و لا يحملها فوق طاقتها، و لا يكلفها من الشي ء إلا ما تطبق»

و عنه صلى الله عليه و آله و سلم (2)أيضا أنه قال: «اطلعت ليلة أسرى بي على النار فرأيت امرأة تعذب، فسألت عنها، فقيل:

إنها ربطت هرة و لم تطعمها و لم تسقها و لم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت فعذبها بذلك، و قال: و اطلعت على الجنة فرأيت امرأة مومسة يعني زانية فسألت عنها، فقيل: إنها مرت بكلب يلهث من العطش فأرسلت إزارها في بئر فعصرته في حلقه حتى روى فغفر الله لها».

و لكن لا تقدير لنفقاتهن و إنما الواجب القيام بما تحتاج إليه من أكل و سقى و مكان و جل و نحو ذلك مما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

نعم يكفيها في إطعامها تخليتها ترعى من خصب الأرض فإن اجتزأت بالرعي فذلك و إلا علفها، فان امتنع من الإنفاق عليها و لو بالتخلية للرعي الكافي لها أجبر ه الحاكم على بيعها مثلا أو ذبحها إن كانت تقصد بالذبح للحم أو الإنفاق عليها، فان تعذر إجباره ناب الحاكم عنه في ذلك على ما يراه و يقتضيه الحال، فقد يبيع عقاره و نحوه في علفها مثلا إن لم يمكن التوصل إلى ما تعتلف به من ماله، فان لم يكن له ملك أو كان بيع الدابة أنفع له بيعت عليه كلا أو كل يوم بقدر ما يفي

بنفقتها إن أمكن و لم يكن بيع الكل أنفع للمالك،


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الدواب الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 روى الشيخ قده هذا الخبر بنصه في المبسوط ج 6 ص 47 كما روى القطعة الأولى منه نقلا بالمعنى في البحار ج 65 ص 64 و 65 و كنزل العمال ج 8 ص 173 من الرقم 3001 الى 3005 و القطعة الثانية كذلك في البحار ج 65 ص 65 و كنز العمال ج 3 ص 277 الرقم 4548 و 4549.

ج 31، ص: 396

و إن أمكن إجارتها بما يفي بعلفها و كانت أنفع له أو جرت (و بالجملة) يراعي مصلحته في ذلك لكونه الولي عنه في هذا الحال، بل قد عرفت سابقا أن للحاكم ذلك بمجرد الامتناع من غير حاجة إلى إجبار المالك على مباشرة ذلك.

و على كل حال فما ذكرناه من التخيير مع إمكان ما فرضناه من الأفراد و إلا وجب الممكن، فلو فرض عدم وقوع التذكية عليها أجبر على الإنفاق أو البيع أو نحوه دون التذكية.

و هل يجبر على الإنفاق خاصة إن امتنع البيع في غير مأكول اللحم مما تقع عليه التذكية للجلد أو عليه أو على التذكية أيضا؟ وجهان بل قولان، أقواهما الثاني، لكون التذكية فيها كالتذكية في مأكول اللحم و في كونها أحد طرق التخلص خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط فالأول خاصة، و لعله لكونها غير مقصودة بالذبح في أصل الشرع، إلا أنه كما ترى.

و لو لم يوجد ما ينفق على الحيوان و وجد عند غيره وجب الشراء منه، فان امتنع من البيع ففي المسالك يجوز غصب العلف منه لإبقائها إذا لم يوجد غيره، كما يجوز غصبه كذلك لحفظ الإنسان، و يلزمه المثل أو القيمة، و في القواعد «كان له قهره عليه و أخذه منه غصبا إذا لم يجد غيره» و في كشف اللثام «و لم تشتد حاجته إليه لنفسه أو مملوكه من انسان أو غيره و إن لم يحضره الثمن و أمكنه بيع مملوكه منه أو من غيره- إلى أن قال-: و كذا يجوز غصب الخيط لجراحته كما يجبر على الطعام لنفسه، للاشتراك في حرمة الروح و نفي الضرار» و لكنه لا يخلو من نظر و تأمل، و لعله لذا قال في كشف اللثام بعد ذلك: «و الأحوط التوصل إلى الحاكم مع الإمكان، و أنه إن أمكن البيع باع إن لم يحتج إليه و لو للشرف» قلت: بل قد يقال و إن احتاج إليه.

و كيف كان ف ان كان لها أي البهيمة ولد يرضع و فر عليه من لبنها قدر كفايته لكونه النفقة الواجبة عليه حينئذ فما عن بعض العامة من أنه إنما يجب إبقاء ما يقيم الولد حتى لا يموت واضح الضعف، نعم له الفاضل بعد ذلك.

ج 31، ص: 397

و كذا لو اجتزأ الولد بغيره من رعى أو علف كلا أو بعضا جاز له أخذ اللبن كلا أو بعضا، و لو كان أخذ اللبن مضرا بالدابة نفسها لقلة العلف لم يجز له أخذه و إن لم يضر ولدها بل يسقيها إياه، نعم يكره له أو يحرم ترك الحلب مع عدم الإضرار بها و بولدها، لما فيه من تضييع المال، و لكن لا يستقصى في الحلب بل يبقى في الضرع شي ء لأنها تتأذى بذلك.

بل يستحب له أن يقص أظفاره تحرزا من إيذائها بالقرص، و لا يكلفها ما لا تطيقه من تثقيل الحمل و إدامة السفر، و لذا نهي (1)عن ارتداف ثلاثة عليها، بل و كذا الشاق عليها المنافي للعادة.

و ينبغي أيضا أن يبقى للنحل شي ء من العسل في الكوزة، بل في المسالك و غيره «أنه لو احتاجت إليه كوقت الشتاء وجب إبقاء ما يكفيها عادة، و يستحب أن يبقى أكثر من الكفاية إلا أن يضربها» بل فيها و في غيرها أيضا «أن ديدان القز إنما تعيش بورق التوت، فعلى مالكها بكفايتها منه، و حفظها من التلف، فان عز الورق و لم يعتن منها باع الحاكم من ماله و اشترى لها منه ما يكفيها» قلت:

ينبغي التخيير بين ذلك و بين البيع عليه نحو ما سمعته في الامتناع من نفقة الحيوان الذي هو منه، و لكن إذا جاء وقتها جاز تجفيف جوزها في الشمس و إن أدى ذلك إلى هلاكها تحصيلا للغرض المطلوب منه، و للسيرة المستمرة عليه في سائر الأعصار و الأمصار، هذا كله في المال ذي الروح.

أما ما لا روح فيه فالظاهر أنه لا خلاف في عدم وجوب عمارة العقار و نحوه بزرع أو غرس أو غيرهما، بل في القواعد «و لو ملك أرضا لم يكره له ترك زراعتها» لكن في المسالك الجزم بالكراهة إذا أدى إلى الخراب، بل في كشف اللثام أنه قد يحرم إذا أضر بها الترك للتضييع، و فيه منع حرمة مثل هذا التضييع بل و كراهته بالخصوص، نعم لو ملك زرعا أو

شجرا أو نحوهما مما يحتاج إلى السقي ففي القواعد


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب أحكام الدواب الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 31، ص: 398

«كره له تركه لأنه تضييع، و لا يجبر على سقيه، لأنه من تنمية المال، و لا يجب على الإنسان تملك المال، فلا يجب تنميته» و في المسالك «في وجوب سقى الزرع و الشجر و حرثه من الإمكان قولان، أشهرهما العدم» لكن في كشف اللثام في شرح ما سمعته مع القواعد «و فيه أنه إبقاء لما ملكه و صون له من الضياع، و هو واجب، نعم يمكن القول بأنه لا يجبر عليه، لكنه ربما دخل بذلك في السفهاء فيحجر عليه» و في التحرير «أن ما يتلف بترك العمل فالأقرب إلزامه بالعمل من حيث أنه تضييع للمال، فلا يقر عليه».

قلت: قد يقال: إن الأصل و السيرة و عموم تسلط الناس على أموالها(1)يقتضي عدم حرمة مثل هذا الإتلاف للمال المحتاج حفظه إلى معالجة و عمل، بل لا يعد مثله سفها، و من ذلك يعلم ما في قوله أيضا «و يكره أو يحرم ترك عمارة الدار و نحوها حتى تخرب إن لم يكن الخراب أصلح لها، و القول في الإجبار عليها و عدمه كما مر، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، و هو حرمة مثل هذا التضييع للمال، من غير فرق في الأموال بين العقار و الكتب و الثياب و غيرها» و التحقيق عدم حرمة ما لا يعد سفها و سرفا منه.

و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و له الشكر على توفيقه لإتمام كتاب النكاح الذي هو آخر قسم العقود، و الرجاء منه التوفيق لإتمام الباقي الذي منه القسم الثالث في الإيقاعات، و هي أحد عشر كتابا، و قد كان ذلك عند العصر تقريبا في يوم الأربعاء: رابع عشر من ربيع الثاني من سنة السابعة و الأربعين بعد الألف و المأتين، و هي السنة التي أدب الله في شوال سابقتها أي السادسة و الأربعين أهل بغداد و في ذي القعدة منها أهل الحلة و أهل النجف و أهل كربلاء و غيرهم بالطاعون العظيم الذي قد من علينا و على عيالنا و أطفالنا و بعض متعلقينا بالنجاة منه، و كم له من نعمة، فإنه المنان الكريم الرحمن الرحيم.

و بهذا و الحمد لله انتهت تعاليقنا على الجزء الحادي و الثلاثين من كتاب (جواهر


1- 1 البحار ج 2 ص 272.

ج 31، ص: 399

الكلام) و قد بذلنا غاية المجهود في تنميقه و التعليق عليه و مقابلته بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه، فنشكره تعالى على ما وفقنا لذلك، و نسأله أن يديم توفيقنا و يزيد من فضله.

كما و أنى في الختام أشكر أخي العلامة الشيخ محمد القوچاني على جهوده المتواصلة حيث كان عونا لي في سرعة الإنجاز وفقه الله تعالى لمراضيه.

و بهذا الجزء تم كتاب النكاح و يتلوه الجزء الثاني و الثلاثون في كتاب الطلاق إنشاء الله.

النجف الاشراف 20- ذي القعدة- 1395 محمود القوچاني و تم تصحيحه و تهذيبه و ترتيبه في اليوم الثالث من ثاني الربيعين سنة 1397 و الحمد لله أولا و آخرا و ذلك بيد العبد:

السيد إبراهيم الميانجى عفى عنه و عن والديه

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.