جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد29

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج29، ص: 1

اشارة

ج29، ص: 2

ج29، ص: 3

ج29، ص: 4

ج29، ص: 5

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[كتاب النكاح]

اشاره

كتاب النكاح الذي هو في اللغة للوطء عند المشهور بل عن المختلف الإجماع عليه، بمعنى اتفاق أهل اللغة، قال في محكي الصحاح: «النكاح الوطء و قد يقال للعقد» و في محكي المغرب «أصل النكاح الوطء ثم قيل للتزويج نكاح مجازا، لأنه سبب للوطء» و لا ينافيه ما عن القاموس من «أنه الوطء و العقد» لأنه كثيرا ما يخلط بين الحقيقة و المجاز و اللغة و الشرع، بل قيل: إنه في الشرع أيضا كذلك، لأصالة عدم النقل و قيل: إنه العقد فيهما، لشيوع استعماله كذلك، فإطلاقه حينئذ على الوطء إطلاق لاسم السبب على المسبب، بل عن الراغب «إنه محال أن يكون في الأصل للجماع ثم أستعير للعقد، لأن أسماء الجماع كلها كنايات، لاستقباحهم تعاطيه، و محال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه «لما يستحشونه» و قيل: إنه مشترك بينهما فيهما، لاستعماله فيهما كذلك، و الأصل في الاستعمال الحقيقة، و قيل:

إن أصله الالتقاء، يقال: تناكح الجبلان إذا التقيا، و عن الفراء «إن نكح المرأة بالضم بضعها أي فرجها» و قيل: أصله الضم، و عن المصباح المنير يقال: «إنه «مأخوذ من نكحه الدواء إذا خامره و غلبه، أو من تناكحت الأشجار إذا انضم بعضها إلى بعض، أو من نكح المطر الأرض إذا اختلط بثراها» و على هذا فيكون

ج 29، ص: 6

النكاح مجازا في العقد و الوطء جميعا لأنه مأخوذ من غيره، فلا يستقيم القول بأنه حقيقة لا فيهما و لا في أحدهما.

و يؤيده أنه لا يفهم العقد إلا بقرينة، نحو نكح في بني فلان، و لا يفهم الوطء إلا بقرينة نحو نكح زوجته، و ذلك من علامات المجاز، و إن قيل: إنه غير مأخوذ من شي ء، فيترجح الاشتراك، لأنه لا يفهم واحد من قسميه إلا بقرينة، و فيه أن من قال بالأخذ فإنما يقول بكونه حقيقة في عرف اللغة فيهما أو في أحدهما، و لا ينافي التجوز باعتبار أصله، على أن لزوم التجوز إنما يسلم إن لم يكن إطلاقه على الوطء من جهة كونه ضما و اختلاطا و مخامرة و غلبة و التقاء و هو ممنوع.

و على كل حال فقد عرفت أن المشهور كونه للوطء لغة، كما أن المشهور كونه للعقد شرعا، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه، بل عن ابن فهد و الشيخ و الفخر الإجماع عليه، لغلبة استعماله فيه، حتى قيل: إنه لم يرد لفظ النكاح في الكتاب العزيز بمعنى الوطء إلا في قوله تعالى (1)«حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً» بل قيل:

إنه فيها بمعنى العقد أيضا، و اشتراط الوطء إنما علم من دليل آخر، نعم، في المصابيح

للعلامة الطباطبائي الظاهر أن النزاع في المسألة مبني على الخلاف المشهور في الحقيقة الشرعية، فعلى القول بالثبوت يكون النكاح حقيقة في العقد مجازا في الوطء، و على العدم يكون الأمر بالعكس، و القول بثبوت الحقيقة الشرعية في لفظ النكاح خاصة دون سائر الألفاظ كالصلاة و الصوم و الزكاة و غيرها على ما يوهمه الإجماع المنقول مع بعده في نفسه غير معروف و لا منقول عن أحد، مع أن الظاهر كون الدعوى هناك نفيا و إثباتا على الوجه الكلي، و أن النافي للحقيقة الشرعية يدعي السلب الكلي، و ثبوتها في لفظ النكاح أعني الإيجاب الجزئي يناقضه.

قلت: هذا حاصل كلام الأصحاب في المقام، لكنه إن لم يتحقق الإجماع لا يخلو من بحث، ضرورة استعمال لفظ النكاح المقابل للسفاح قبل الشرع، نحو


1- 1 سورة البقرة: 2 الآية 230.

ج 29، ص: 7

استعمال لفظ البيع و الصلح و الإجارة و نحوها، بل ظاهر عنوان الأصحاب لها و جعل كل منها في كتاب أنها جميعا من واد واحد، فكتاب عقد البيع و عقد الصلح و عقد الإجارة و عقد النكاح بمعنى واحد، بل لو ادعى مدع أن الإضافة في خصوص الأخير بيانية دون غيرها لكان من الغرائب، و قد عرفت في أول كتاب البيع أن الأصح كونه اسما للنقل لا للانتقال و لا للعقد، كما أوضحناه على وجه لا يكاد يعتريه شك، و قلنا: إنه المطرد في سائر استعمالات ألفاظه، حتى ألفاظه الواقعة في إيجاب عقده، ضرورة عدم صحة إرادة العقد منها بعد فرض كونها إيجابا له، فلا يراد من «بعت» إيجابا «عقدت» و لا الانتقال، بخلاف النقل، و ذلك كله جار في لفظ «أنكحت» إيجابا، فان إرادة العقد منها واضح الفساد، و كذلك الوطء، فليس حينئذ إلا النقل و التسليط على البضع و إثبات السلطنة عليه، و هذا هو المراد بالنكاح، نحو البيع و الصلح و الإجارة و غيرها، و العقود إنما هي سبب في حصولها.

و لئن كان في أذنيك وقر عن سماع هذا فلا ريب في عدم ثبوت حقيقة شرعية له، بل هو لغة و شرعا مستعمل في العقد و الوطء خصوصا و الضابط في الحقيقة شرعية له، ما كان حقيقة في لسان المتشرعة، بمعنى أنه ما كان كذلك عندهم، فهل هو حقيقة عند الشارع فيه أولا؟ و لا ريب في عدم ثبوت الحقيقة المتشرعية في لفظ النكاح عندهم، و كونه بمعنى العقد على وجه لو استعملوه في الوطء احتاجوا إلى قرينة نحو قرائن المجازات، بل ستعرف فيما يأتي إنشاء الله تعالى من البحث في العقد عدم معاملة عقد النكاح معاملة غيره من الحقائق الشرعية المجملة، نحو الصلاة و غيرها، على وجه يأتي البحث فيما شك في جزئيته و شرطيته و مانعيته، بل عاملوه معاملة غيره من العقود المستدل بإطلاق الأدلة(1)على نفي جميع ما يدعى شرطيته.

و من الغريب دعوى عدم شيوع النكاح بمعنى الوطء في لسان الشرع، فإن ملاحظة الأخبار

النبوية(2)فضلا عن غيرها الواردة في النكاح و المرغبة فيه


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 29، ص: 8

باعتبار النسل و نحوه مما لا يراد منه إلا معنى الوطء أقوى شاهد على بطلانها، كما لا يخفى على من خلع ربقة التقليد عن عنقه، بل لا يخفى عليه وضوح فساد دعوى الحقيقة الشرعية في لفظ النكاح من بين أسماء العقود.

و كيف كان ف أقسامه ثلاثة:

[القسم الأول في النكاح الدائم]

اشاره

القسم الأول في النكاح الدائم و النظر فيه يستدعي فصولا

[الفصل الأول في آداب العقد و الخلوة و لواحقها]
اشاره

الفصل الأول في آداب العقد و الخلوة و لواحقها و فيه حينئذ ثلاثة مباحث

[المبحث الأول في آداب العقد]

أما الأول ففي آداب العقد النكاح مشروع، بل مستحب لمن تاقت و اشتاقت نفسه إليه، من الرجال و النساء كتابا(1)و سنة(2)مستفيضة أو متواترة، و إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين، أو ضرورة من الذهب بل الدين قال الله تعالى (3)«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ

وَ الصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَ إِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» فإن أمر الأولياء شرعا أو عرفا و السادات بانكاح الأيامى أي العزاب من الأحرار مطلقا و خصوص الصالحين من العبيد و الإماء و الترغيب فيه ليس إلا لفضيلة النكاح و رجحانه في نفسه، و كون الإنكاح سببا لوجوده و مؤديا إلى حصوله، فلو لم يكن النكاح مندوبا إليه و لا مرغبا فيه لزم أن يكون مقدمة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 32.

ج 29، ص: 9

المباح مندوبة من حيث إنها مقدمة له، و فساده ظاهر، خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى «إِنْ يَكُونُوا» إلى آخره. الظاهر في أنه رد لما عسى أن يمنع من النكاح و يزهد الناس فيه من خوف العيلة بأن الله الواسع العليم يغنيهم من فضله، و لذا

قال رسول الله صلى الله عليه و آله(1): «اطلبوا الغنا في هذه الآية»

وقال صلى الله عليه و آله (2)أيضا: «من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء ظنه بالله، إن الله عز و جل يقول إِنْ يَكُونُوا»

إلى آخره.

و لا ينافي ذلك قوله تعالى (3)«وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» إذ هو إنما يدل على الاستعفاف لمن لا يجد النكاح و لا يتمكن منه و لو بحصول من ينكحه،

و أن ذلك أولى له من تحمل المنة و الذل و السؤال في تحصيل ما ينكح به، إذ النكاح و إن كان مندوبا إلا أنه إذا توقف على مقدمات مكروهة مرجوحة سقط الخطاب باستحبابه حينئذ لا أنه ترتفع مرجوحية المرجوح له، و الحاصل أن المراد ترجيح الاستعفاف على النكاح المتوقف على عدمه، و هذا لا ينافي استحبابه مع التمكن و لو مع الفقر، على أن

المروي عن الصادق عليه السلام (4)في تفسيره «يتزوجوا حتى يغنيهم الله من فضله»

و لعل المراد أنهم يطلبون العفة بالتزويج و الإحصان ليصيروا بذلك أغنياء، أو ليحصل لهم به الغنا من الفقر، كما رواه

إسحاق بن عمار(5)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث الذي يرويه الناس حق إن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج، ففعل ثم أتاه فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج، حتى أمره ثلاث مرات؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: نعم هو حق، ثم قال: الرزق مع النساء و العيال»

و في النبوي (6)


1- 1 الدر المنثور ج 5 ص 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 33.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 4.
6- 6 أشار إليه في الوسائل في الباب- 20- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 3. و ذكر في الفقيه- ج 3 ص 245- الرقم 1161 و فيه « تزوجوا الزرق فان فيهن البركة» و لم أعثر على الفظ الذي ذكره قده. و الظاهر أنه سهو من قلمه الشريف، فان الموجود في الكافي- ج 5 ص 335 على ما رواه في الوسائل في نفس الباب أيضا و البحار- ج 103 ص 237 بطريق آخر و كنوز الحقائق على هامش الجامع الصغير حرف التاء كلمة« تزوجوا» و كنز العمال ج 8 ص 344- الرقم 3909 « تزوجوا الزرق فان فيهن يمينا».

ج 29، ص: 10

«تزوجوا للرزق، فان لهن البركة».

و من ذلك يظهر لك ما قيل في دفع المنافاة بين الآيتين بأن الأولى وردت للنهي عن رد المؤمن و ترك تزويج المؤمنة لأجل الفقر، و الثانية لأمر الفقير بالصبر على ترك النكاح حذرا من تعبه حالة الزواج، أو أن الأولى للنهى عن تركه مخافة الفقر اللاحق، و الثانية للأمر بالاستعفاف للفقر الحاضر، ضرورة أنه كما لا ينبغي رد المؤمن أو ترك تزويج المؤمنة لأجل الفقر فكذا لا ينبغي ترك التزويج للفقير باعتبار فقره كما سمعته في الخبر السابق، و كما أن الفقر اللاحق لا يمنع، بل يستحب معه التزويج، فكذا الحاضر، فان التزويج معه مستحب أيضا لأن الظاهر من الآية الأولى ثبوت الفقر حال التزويج، و أن المراد إن يكونوا فقراء حال التزويج يغنهم الله من فضله بعده، لا أنهم إن صاروا فقراء بعده أغناهم الله، بل الأمر بالإنكاح حال الفقر يدل على أنه حال النكاح غير مانع، فلا يكون الصبر على تركه مطلوبا، و قد سمعت الخبر المزبور الصريح في ذلك. و حينئذ فلا إشكال في دلالة الآية على المطلوب.

نعم ما وقع من غير واحد من الاستدلال عليه بقوله تعالى (1)«وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ» باعتبار اشتماله على الأمر الذي أقرب المجازات إلى معناه الحقيقي بعد تعذره الندب لا يخلو من نظر، ضرورة عدم

استفادة أكثر من الإباحة منه، باعتبار تعليقه على خوف ترك


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 3.

ج 29، ص: 11

القسط و العدل، المشعر بكون الأمر لانتفائه في المأمور به و سلامته عنه، و ذلك قرينة واضحة على إرادة الرخصة منه، من غير التفات إلى الوجوب و الندب، و المعنى حينئذ إن خفتم أن لا تعدلوا في يتامى النساء إذا تزوجتم بهن فانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهن، فإنهم كما قيل كانوا يتزوجون اليتامى اللاتي في حجورهم، طمعا في المال أو رغبة في الجمال، فيجتمع عند الواحد منهم منهن ما لا يقدر على القيام بحقه، أو إن خفتم أن تجوروا على من لكم الولاية عليهم من يتامى النساء بأخذ أموالهن و صرفها في مؤمن تزويجكم فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ، و لا تزيدوا حتى لا يحوجكم إلى ذلك، فقد قيل: إن الرجل من قريش كان يتزوج العشر من النساء و أكثر، فإذا عدم تناول من أموال اليتامى المولى عليهم، فنزلت هذه الآية(1)أو غير ذلك مما قيل في الآية مما هو مشترك فيما ذكرناه من عدم الالتفات فيه إلى الوجوب و الندب، و أنه لا يراد منه سوى الرخصة و الإباحة، نح قول القائل: «إن خفت من ضرر هذا الطعام فكل من ذلك» فان المفهوم أن الطعام المأمور به خال عن الضرر مرخص في أكله، و أما أن أكله مطلوب و مراد فلا يفهم

منه، على أن المفهوم من الآية في أكله، و أما أن الأربع، و من ثم استدلوا بها على حصر الجواز في ذلك، بل أمر النبي صلى الله عليه و آله عند نزولها من كان عنده أزيد من أربع بإمساك الأربع و تسريح البواقي (2)و ذلك إنما يصح لو كان الأمر للإباحة، فإن مفهوم العدد حينئذ يقتضي تحريم الزيادة، بخلاف ما لو كان الأمر للندب، فإنه يقتضي حينئذ عدم استحبابها، و هو أعم من تحريمها، و الأمر سهل بعد تعدد الأدلة على المطلوب غيرها آية و رواية.


1- 1 تفسير الطبري ج 4 ص 233.
2- 2 الموجود في سنن البيهقي ج 7 ص 149 و غيرها في هذا الباب أنه صلى الله عليه و آله أمر بإمساك أربع و مفارقة سائرهن بالنسبة إلى من أسلم و كان عنده عشرة أو ثمانية نسوة.

ج 29، ص: 12

ف

في النبوي المروي بين الفريقين (1)«النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني»

و في الروضة «من رغب عن سنتي فليس مني»(2)

و أن «من سنتي النكاح»(3)

وعن الكافي عن الصادق عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام (4)إنه قال:

«تزوجوا فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج»

و على كل حال فدلالته على المطلوب ظاهرة، فإن سنة النبي صلى الله عليه و آله و طريقته إما واجبة أو مندوبة، إذ لا يطلق على المباح و المكروه أنه من سنته صلى الله عليه و آله و إن كان الحكم بهما منها، على أن قوله صلى الله عليه و آله: «فمن رغب» الى آخره زجر عن الرغبة عن النكاح، و حث منه على الرغبة فيه، و ليس إلا لرجحانه و فضيلته.

و

في صحيح صفوان بن مهران عن أبي عبد الله (عليه السلام)(5)قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: تزوجوا و زوجوا»

الحديث.

و

في صحيح أبي خديجة عنه عليه السلام أيضا(6)«إن الله يحب البيت الذي فيه العرس، و يبغض البيت الذي فيه الطلاق، و ما من شي ء أبغض إلى الله من الطلاق»

بل

في النبوي (7)«ما بني بناء أحب إلى الله تعالى من التزويج»

و في آخر(8)«ما من شي ء أحب إلى الله عز و جل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح».

وموثق عبد الله بن ميمون القداح عنه عليه السلام أيضا(9)«ركعتان يصليهما


1- 1 البحار ج 103 ص 220 الطبع الحديث. و سنن ابن ماجه ج 1 ص 567 من أبواب النكاح الباب 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 1 و 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 14.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 2- من كتاب الطلاق عن أبي خديجة عن أبى هاشم، الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 54 عن أبى خديجة.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 10.
9- 9 الوسائل الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 1.

ج 29، ص: 13

المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب».

وخبر كليب الأسدي عنه عليه السلام أيضا(1)قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «من تزوج أحرز نصف دينه»

و في حديث آخر(2)«فليتق الله في النصف الآخر».

وحسن حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام (3)قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

ما أحببت من دنياكم إلا النساء و الطيب».

وموثق إسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام (4)«من أخلاق الأنبياء حب النساء».

و موثق يحيى بن يزيد عنه عليه السلام أيضا(5)«ما أظن رجلا يزداد في هذا الأمر خيرا إلا ازداد حبا للنساء».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك بأنواع الدلالة، خصوصا ما ورد منها في مدح الساعي بالتزويج.

كالنبوي المروي عن كتاب عقاب الأعمال (6)«من عمل في تزويج بين مؤمنين حتى يجمعهما زوجه الله ألف امرأة من الحور العين، كل امرأة في قصر من در أو ياقوت، و كان له بكل خطوة خطاها أو بكل كلمة تكلم بها في ذلك عمل سنة، قيام ليلها و صيام نهارها، و من عمل في فرقة بين امرأة و زوجها كان عليه غضب الله و لعنته في الدنيا و الآخرة، و كان حقا على الله أن يرضخه بألف صخرة من نار، و من مشى في فساد ما بينهما و لم يفرق كان في سخط الله و لعنته في الدنيا و الآخرة، و حرم الله عليه النظر إلى وجهه».

بل عن داود الظاهري وجوب النكاح، و عن غيره وجوبه على خصوص من


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 4 و الباب- 89- من أبواب آداب الحمام- الحديث 8 من كتاب الطهارة. و في الموضعين« ما أصيب» الا أن في الكافي- ج 5 ص 321« ما أحب».
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 3 عن عمر بن يزيد.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 5.

ج 29، ص: 14

تاقت نفسه، و إن كان كل منهما معلوم الفساد، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، بل لعل الضرورة من المذهب و الدين على ذلك، نعم في مصابيح العلامة الطباطبائي «اعلم أن الوجوب المنفي هو الوجوب العيني على كل أحد أو على من تاقت نفسه إلى النكاح، و أما

الوجوب الكفائي أي وجوب ما يقوم به النوع فيجب القطع بثبوته، حتى لو فرض كف أهل ناحية أو مصر عن النكاح وجب على الحاكم إجبارهم عليه، لئلا ينقطع النسل و يتفانى النوع، و الظاهر أنه لا خلاف فيه، و لا في الوجوب العيني إذا أفضى تركه إلى الوقوع في المحرم لأن سبب الحرام حرام و تحريم ترك التزويج يستلزم وجوب التزويج، فالحكم بنفي الوجوب رفع للإيجاب الكلي، لا سلب كلي، أو المراد نفي الوجوب لمجرد توق النفس، فلا ينافي ثبوته للإفضاء إلى المحرم».

و فيه إمكان منع وجوبه الكفائي على وجه يشمل أهل مصر و نحوه، للأصل و إطلاق الأدلة، و أقصى ما يمكن تسليم وجوب ما يحصل الفساد في النوع الإنساني بتركه، كما أنه يمكن منع الوجوب العيني فيما ذكره بمنع إفضاء ترك التزويج إلى المحرم على وجه العلية، لوجود الاختيار و بقاء القدرة على تركه معه، و لعله لذا أطلق الأصحاب الحكم بالاستحباب لمن تاقت نفسه، هذا كله فيمن تاقت نفسه.

و أما من لم تتق نفسه ف في استحبابه ل ه خلاف لكن المشهور استحبابه ل عموم أكثر الأدلة و إطلاقها، كقوله تعالى (1)«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى» و قوله أي النبي صلى الله عليه و آله فيما رواه عنه الكاشاني في مفاتيحه تناكحوا تناسلوا و في بعض نسخ المتن و تناسلوا بالواو- فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، حتى أن السقط ليجي ء محبنطئا على باب الجنة، فيقال له: ادخل، فيقول: لا حتى يدخل أبواي»

و إن كنا لم نقف عليه على هذا الوجه فيما وصل إلينا من كتاب الخاصة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.

ج 29، ص: 15

و العامة. نعم في محكي

الفقيه عن الصادق عليه السلام (1)«إن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: تزوجوا، فاني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة، حتى أن السقط يظل محبنطئا على باب الجنة»

إلى آخره. و

الكافي و التهذيب عنه عليه السلام أيضا(2)قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «تزوجوا الأبكار- إلى أن قال- أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة، حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة، فيقول الله عز و جل: ادخل الجنة، فيقول: لا حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله تبارك و تعالى لملك من الملائكة: آتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا لفضل رحمتي لك»

و عن العامة أنهم رووا(3)أنه صلى الله عليه و آله قال: «تناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم حتى بالسقط»

لكن الأمر سهل، فان لفظ هذه الروايات و إن كان مغايرا، إلا أن المعنى متحد.

و لقوله صلى الله عليه و آله و سلم فيما روته العامة عنه(4)

شرار موتاكم العزاب

و في طرقنا(5)«إن أراذل موتاكم العزاب» أو «رذال موتاكم العزاب»(6)

و على كل حال فالعزاب بالضم و التشديد الذين لا أزواج لهم من الرجال و النساء، و عن بعضهم أن العزب من لا أهل له، فيخرج عنه المتسري، بخلاف الأول، و الرذل الدون الخسيس، و بالضم ما انتفى جيده، و المستفاد من الحكم بالرذالة رجحان التزويج و كراهة العزوبة، فإنها لا تزيد على الخسة و الضعة و هي لا تقتضي التحريم و إن كانت لا تنافيه، نعم قد يقتضي ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2 و فيه « أن السقط يجي ء محبنطئا».
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
3- 3 الجامع الصغير- ج 1 ص 133.
4- 4 مسند أحمد- ج 5 ص 163 و فيه « شراركم عزابكم و أراذل موتاكم عزابكم» و لم أجد نص ما ذكره قده في مصادر العامة مع التتبع الكثير في مظانه و انما رواه بهذا اللفظ في البحار- ج 103 ص 220 الطبع الحديث و في فقه الرضا عليه السلام ص 77.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 3.

ج 29، ص: 16

لفظ الشرار لكنه محمول على المبالغة في أمر التزويج، و التشديد في كراهة العزوبة، أو على من أفضت به العزوبة إلى الوقوع في المحرم في وجه، أو أن المراد من لا خير فيه من الأراذل كما قيل في قوله تعالى حكاية عن الكفار(1)«ما لَنا لا نَرى رِجالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ» يعنون بهم أصحاب الضعة و غيرهم من فقراء المؤمنين الذين كانوا يسخرون منهم و

يستهزؤن بهم، أو أن المراد بالعزاب خصوص من لا يعتني منهم بالسنة، و لا يبالي بكمالات الشرع الشريف، و لا ريب في أنه من الأشرار.

ثم المراد بالعزب الذي هو من الأشرار و الأراذل من ثبت له وصف العزوبة على الدوام، أو في غالب الأزمنة و الأحوال بحيث يضمحل خلافه في جنبه، و مقتضاه استحباب أن يكون له أهل يتمكن منها غالبا، و ليس المراد من ثبت له الوصف في الجملة و لو نادرا لأن جل الناس أو كلهم عزاب بهذا التفسير، إذ قل ما يتفق لأحد دوام التأهل من ابتداء البلوغ إلى حين الوفاة لا يتخلله عزوبة أصلا، و خصوصا إذا فسرنا العزوبة بما يشمل الانقطاع من الأهل أيضا، و لا من كان على صفة العزوبة حال الموت خاصة، إذ يلزم منه أن يكون المتأهل الذي اتفقت له العزوبة عند موته من الأشرار، و العزب الذي يتفق له التأهل كذلك من الأخيار، و هو بعيد جدا، فالاعتبار إذن بالغلبة كما ذكرناه، إما في كلا الأمرين أو في خصوص العزوبة عملا بمقتضى الأصل.

و ل قوله صلى الله عليه و آله

فيما رواه عنه الصادق عليه السلام في خبر القداح المروي عن الكافي(2)

ما استفاد امرء بفتح الراء و ضمها- فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره صفة بعد صفة، أو استيناف بياني، كأنه قيل و أي فضل فيها فأجيب بأنها تسره- إذا نظر إليها، و تطيعه إذا أمرها، و تحفظه إذا غاب عنها في نفسها و ماله أى ترعى حقه، بأن لا تخونه

فيهما، و لا يخفى اقتضاء اشتمال التزويج على هذه الأمور فضيلته إما لأنها مطلوبة و مرادة في ذاتها، أو لكونها مرافق لحصول الطاعة


1- 1 سورة ص: 38- الآية 62.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 10.

ج 29، ص: 17

و تيسير العبادة المطلوبين، و على كل حال فالغرض بيان أفضلية التزويج من غيره بشهادة المقام و دلالة العرف، فإنه إذا قيل: ليس في البلد أفضل من زيد، فهم منه أنه أفضل علماء البلد، لا نفي الأفضل منه و إن أمكن المساوي له، كما يقتضيه المعنى بحسب اللغة.

و هذه العبارة تحتمل معنيين: أحدهما أن التزويج أفضل ما يستفاد بعد حصول الإسلام، و مقتضاه أن لا فائدة فيه قبل حصوله، لا أن فضيلته متأخرة عنه، و ثانيهما أن الإسلام أفضل ما استفاده المرء، ثم الأفضل من بعده التزويج، و المراد من الفائدة إما خصوص الفائدة العاجلة، كما يشعر به التعليل المستفاد من

قوله صلى الله عليه و آله و سلم «تسره إذا نظر إليها»

الى آخره، و حينئذ فكون التزويج أفضل الفوائد بعد الإسلام ناظر الى ما في الإسلام من الفوائد الدنيوية، كوقاية النفس و احترام المال و العرض، أو مطلق الفوائد دنيوية كانت أو أخروية، كالعبادات، و على هذا فالمراد من أفضلية التزويج أفضليته من بعض الوجوه، فلا ينافي أفضلية كثير من أفراد المفضل عليه منه من وجه آخر، و ليس المراد أفضلية التزويج من كل وجه، و لا الأفضلية المطلقة الراجعة إلى تعدد جهات الفضيلة في المفضل، أو تفضيل جهة الفضيلة فيه، نعم يمكن اعتبارها بالمعنى الثاني على التقدير الأول، إذ لا مانع منه، و لا يبعد اعتبارها على الثاني أيضا، لما في التزويج من الفوائد العظيمة التي من جملتها حصول النسل و تكثير النوع المعدين لأضعاف ما يقابل به من العبادات.

و في الحديث دلالة على الاكتفاء بالإسلام في الزوجة، و عدم اشتراط الايمان فيها، لأن

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «زوجة مسلمة»

و إن كان نكرة مثبتة، إلا أن وقوعها في كلام الحكيم يقتضي عمومها.

و في استفادة اشتراط الإسلام منه نظر من أن التقييد بالمسلمة إنما يقتضي خروج غير المسلمة عما هو الأفضل، و لا دلالة في ذلك على المنع، و من أنه لو جاز تزويج الكافرة لما حسن التقييد فيه بالمسلمة، لتأتي وظيفة النكاح حينئذ بغيرها، و إن كان مكروها كما في سائر من يكره مناكحته، فان الكراهة فيها لا تنافي اشتمالها على مصلحة النكاح،

ج 29، ص: 18

و لذا لم يقع الاستثناء عنها في الحديث، إلى غير ذلك من الأدلة الدالة بإطلاقها أو عمومها باشتمالها على الجمع المحلى و المضاف و من الموصولة و غير ذلك، بل ما ليس فيه شي ء من أدوات العموم قد يستفاد منه ذلك بتوسط القرائن، كالتعليل بتوقع النسل و تكثير العدد(1)و توسيع الرزق (2)و الاستعانة بالزوجة على المطالب (3)فان هذه الأمور مشتركة بين من تاقت نفسه إلى النكاح و من لم تتق، بل انتفاء القرينة على إرادة الخصوص كاف في الحمل على العموم في هذه المقامات، لاستحالة الترجيح مع فرض عدم التعيين، و منافاة الإبهام لمقام البيان، فيتعين الحمل على العموم، و لعل تقييد بعضهم بمن تاقت لظهور بعض الروايات فيه، نحو ما تضمن النهي عن العزوبة(4)و أن

المتزوج يحرز نصف دينه(5)

لكن فيه أن العموم في تلك الاخبار محقق معلوم، و العلة غير معلومة و إن كانت مناسبة، فلا يجوز ترك الأمر المحقق لأجلها، مع أنها قائمة في حق غير التائق، إذ ليس المراد منه من لا شهوة له إلى النكاح أصلا، بل من لم تبلغ شهوته حد المنازعة، و الوقوع في المحرم ممكن في شأنه، على أن التوقان أمر غير مضبوط الوقوع، و لا المحل، فربما يحصل مع ضيق الوقت عن كسره بالنكاح، فيخشى منه الوقوع في محرم، فلا ينبغي أن يترك النكاح المحلل ليأمن به عن مواقع الفتنة.

و أيضا فلا ريب في حسن النكاح و رجحانه لمن لم تتق بعد ثبوت إباحته له من الشرع و إن لم تتناوله عمومات النكاح لتكثير النسل، إذ

الإنسان مدني بالطبع يحتاج في تعيشه الى الاجتماع، للتعاون و التشارك في تحصيل الغذاء و نحوه، و في كثرة الخلق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2 و 3 و 6 و الباب- 16- منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 10 و 11- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث- 1 و 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 11.

ج 29، ص: 19

تسهيل لذلك، و ما فيه من السببية لنعمة الوجود للأولاد التي هي نحو نعمة الله في الخلاقية، و من ثم قرنت طاعة الأبوين بطاعة الله (1)عز و جل و الشكر لهما بالشكر له (2)قال الله تعالى «أَنِ اشْكُرْ لِي وَ لِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ» و لأن الأولاد أعضاد في الدنيا إذا أدركوا، و شفعاء للأبوين ما لم يدركوا و من هنا قال (3)زكريا عليه السلام «رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً» و وصف الله المؤمنين فقال «وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَ ذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ»(4)مضافا إلى ما فيه من تكثير الأمة و المسلمين،

قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (5): «ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلا لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض بلا إله إلا الله»

و إلى ما فيه من إبقاء النوع، و لذا خلق الله الشهوة في الإنسان حسب ما خلق فيه الشهوة إلى الطعام و الشراب إبقاء للنفس، و من المعلوم أن إبقاء النوع يقتضي إرادة النكاح مطلقا، و لا يختص بمن تاقت، و إلى ما فيه من الخلاص من الوحدة المنهي عنها، و الاستعانة

بالزوجة على أمور الدين، و غير ذلك مما لا يخفى حسنه من الأمور المترتبة عليه، و الأغراض و المصالح الحاصلة به، فلا ريب حينئذ في حسنه باعتبار كونه سببا في حصولها، و علة لوجودها، فيكون حينئذ مستحبا شرعا، لكون الأغراض المترتبة عليه من الأغراض الشرعية، على أن حسن النكاح عقلا يستلزم استحبابه شرعا، ضرورة استلزام حكم العقل بحسن النكاح حكم الشرع بذلك، للمطابقة، و حكم الشارع يستلزم كونه مرادا و مطلوبا له، لأنه حكيم.

و كيف كان ربما احتج المانع بأن وصف يحيى عليه السلام بكونه حصورا(6)يؤذن باختصاص هذا الوصف بالرجحان، فيحمل على ما إذا لم تتق النفس و بأن قوله


1- 1 كنز العمال ج 8 ص 280- الرقم 4789.
2- 2 سورة لقمان: 31- الآية 14.
3- 3 سورة آل عمران: 3- الآية- 38.
4- 4 سورة الفرقان: 25- الآية 74.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 3.
6- 6 سورة آل عمران: 3- الآية- 39.

ج 29، ص: 20

تعالى (1)«زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ» الى آخره وارد مورد الذم، خرج منه ما أجمع علي رجحانه، فيبقى غيره تحت العموم، و بأن في النكاح تعريضا لتحمل حقوق الزوجة و الاشتغال عن كثير من المقاصد الدينية، فالأولى تركه إلا مع خشية العنت، فيستحب لمكان الحاجة.

و يمكن الجواب عن الأول بأن المدح بذلك في شرع غيرنا لا يلزم منه وجوده في شرعنا و دعوي أن الأصل بقاء الشرائع السابقة إلا ما دل الدليل على نسخة- فان شرعنا ليس ناسخا لجميع ما في الشرائع السابقة بل المجموع من

حيث هو مجموع، للقطع ببقاء كثير منها كأكل الطيبات، و نكاح الحلال، و العبادات الثابتة في جميع الملل، و أيضا فوروده في كتابنا الذي هو في شرعنا من دون إشارة إلى نسخه دليل على بقائه فيه، و إلا لم يحسن مدحه عندنا- يدفعها أن الكتاب العزيز و السنة المتواترة الدالين على استحباب النكاح في شرعنا مطلقا يثبت بهما النسخ، و يخرج بهما عن مقتضى الأصل، و المدح على ترك الشهوة الغير الراجحة في شرعه، لحصر النفس و منعها عن اللذات حسن في شرعنا و إن كانت راجحة فيه، مع أن التوصيف بالحصور لم يقع خطابا لأهل شرعنا ابتداء حتى يجب حسنه عندهم، و انما خوطب به زكريا عليه السلام في مقام البشارة بالولد، و ذلك يقتضي حسنه عنده لا عندنا.

و ربما أجيب أيضا بأنه كان مكلفا بإرشاد أهل زمانه في بلادهم المقتضى للسياحة و مفارقة الزوجة المنافيتين لرجحان التزويج، فلذلك مدحه على تركه، لا لأن ترك التزويج من حيث هو كذلك مطلوب و مراد حتى يدل على مرجوحيته، و الحاصل أن النزاع في حكم التزويج بالنظر إلى تركه المطلق، و لا ينافي استحبابه كذلك رجحان الترك على وجه مخصوص، و ما يقال:- إن مثله وارد في شرعنا الذي يستحب فيه التزويج لا تركه- يدفعه منع ورد مثله في شرعنا، ضرورة وجوب رجوع الناس إلى من يحتاجون اليه، لا أنه يجب عليه السياحة لتعليمهم، و لو سلم ذلك لوجب القول بترك التزويج لمن هذا شأنه، فإن ملازمة التغرب و السياحة مما


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية- 14.

ج 29، ص: 21

لا يتأتى معها القيام بحقوق الزوجية، و حصول التمانع بينها و بين الإرشاد يقتضي تقديمه كما في يحيى عليه السلام.

و لعل الأولى في الجواب أن المراد بالحصور ما عن كثير من المفسرين من أنه المبالغ في حبس النفس عن الشهوات و الملاهي، من الحصر بمعنى الحبس، و حينئذ فمدحه عليه السلام بتنكبه عن الشهوات و إعراضه عن الملاهي و اللذات كما هو المعهود من حاله على ما حكاه عنه

العسكري عليه السلام (1)قال: «ما من عبد الله إلا و قد أخطأ أو هم بخطيئة ما خلا يحيى بن زكريا عليه السلام، فلم يذنب و لم يهم بذنب»

عكس المعهود من حال غيره الذي زين له حب الشهوات من النساء و البنين و القناطير المقنطرة و غيرها من الملاذ و الشهوات، فلا دلالة في الآية على رجحان ترك التزويج، ضرورة أن حصوريته بالمعنى المزبور لا تنافي تزويجه للنسل و غيره، لا للشهوة و اللذة و نحوهما.

و لعله إلى هذا و ما يقرب منه يرجع ما أجيب عنه أيضا بأن مدحه عليه السلام ليس على ترك التزويج حتى يدل على مرجوحيته، بل على انكسار الشهوة الطبيعية له بغلبة الخوف و استيلاء الخشية و قهرها بالعبادات و الرياضات، و لا ريب في حسن ذلك و مدحه و إن أدى الى ترك التزويج المطلوب، فإن تأدية الشي ء إلى ترك أمر مطلوب لا ينافي حسنه،

لتمانع أكثر الطاعات مع اتصاف جميعها بالحسن، و انما أطلق عليه الحصور لأن وجود الشهوة فيه بمنزلة العدم، فكأنه حصور لا شهوة له أصلا، و ليس إطلاقه عليه لترك النساء الملزوم لترك التزويج حتى يكون مدحا له على ذلك فيستلزم مرجوحية التزويج، و لا لسلب الشهوة و نزعها عنه بالكلية حتى ينافي وروده مورد المدح و الثناء، و وقوعه نعتا لمن لا يليق به النقص. و على كل حال فلا دلالة في الآية على رجحان ترك التزويج لمن لم تتق نفسه اليه.

بل مما ذكرنا يستفاد الجواب عن الثاني، ضرورة كون الذم المستفاد من آية التزيين لمن لم يبالوا بالدين و حدوده، و اتبعوا ما تهواه أنفسهم من حب


1- 1 البحار- ج 14- ص 186- الطبع الحديث.

ج 29، ص: 22

الشهوات من النساء و غيرها، لا أنه شامل من تزوج على الوجه الشرعي لإرادة النسل و الذرية، و رفع الوحشة من الوحدة، و الإعانة على كثير من الطاعات و العبادات، و إن لم تكن نفسه تائقة إلى التزويج، على أن الآية لو كان المراد ظاهرها لنا في رجحان التزويج لمن تاقت نفسه، ضرورة أولوية اندراجه في آية التزيين من غير التائق.

و ربما أجيب عن الثاني بأن الذم المستفاد من الآية مختص بمحبة ذلك للشهوة البهيمية دون إرادة الطاعة و امتثال الأمر، و فيه أن النكاح ليس من قبيل العبادات الموقوفة على إرادة الطاعة و قصد الامتثال حتى يلزم أن لا يكون فعله على غير ذلك الوجه مستحبا و مرادا، بل من المعاملات التي يكفي في رجحانها و فضيلتها ترتب الآثار و الأغراض المطلوبة من الأمر عليها، و إن لم يكن وقوعها على وجه الطاعة و قصد الامتثال، و من المعلوم أن ما يقتضي إرادة النكاح و الأمر به من المصالح كتكثير النسل و الأمة و إبقاء النوع و الخلاص من الوحدة و غيرها مما لا يختلف الحال فيها بين أن يكون وقوع النكاح بقصد الامتثال و إرادة الطاعة، أو لميل النفس و حب الشهوة، نعم وقوعه على وجه العبادة يتوقف على أن يكون الفعل لأجل أمر الشارع و إرادته، و لا كلام فيه، فان كل أمر مطلوب يصير بالنية و قصد الامتثال عبادة، و يحصل به التقرب، و هذا لا يقتضي توقف حصول المطلوب مطلقا على ذلك، و ما يقال: إن المستحب ما يثاب فاعله و لا يعاقب تاركه، فإنما أرادوا به أثابه فاعله على بعض الوجوه، لا على كل وجه.

و تحقيق المقام أن ما أمر به الشارع إما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة في الفعل لا تحصل إلا بقصد الامتثال و إرادة الطاعة، بحيث لا يكون الإتيان به بدون ذلك مرادا و مطلوبا بذلك الأمر كأوامر العبادات، فإنها و إن كانت بحسب الظاهر متوجهة إلى نفس الفعل إلا أنها في الحقيقة متعلقة به من حيث إنه مأمور به و مراد للشارع، لتوقف صحتها على ذلك، و عدم حصول الامتثال بها من دونه، و لا فرق في ذلك بين أن تكون العبادة من قبيل الأفعال كالصلاة و الزكاة، أو التروك كالصيام و الإحرام، إذ كما لا يجزى وقوع الفعل في العبادات الوجودية على أي وجه اتفق فكذا لا يجزي الترك كذلك في العبادات العدمية، بل لا بد في كل من الفعل و الترك من نية

ج 29، ص: 23

القربة و قصد الامتثال إذا كان عبادة، و إما أن يكون تعلق الأمر به لمصلحة حاصلة بنفس الماهية و الطبيعة من غير توقف على قصد الامتثال و إرادة الطاعة، كالأمر بإزالة الأخباث عن الثوب و البدن، فان المطلوب منه طهارتهما حال الصلاة و غيرها مما يشترط فيه الطهارة، و لا ريب في حصول هذا الغرض، لتحقق الإزالة المعتبرة و إن لم يقصد بها التقرب و إطاعة الأمر، بل لو كان غافلا عن النجاسة غير شاعر بها و اتفق له إزالتها فإنه يمتثل بذلك، و يخرج عن عهدة التكليف، و كالأمر بانقاذ الغريق، و الإطعام في المخمصة و في عام الجدب، فان الغرض منه إبقاء النفس المحترمة، و إنقاذها من الهلكة، و لا فرق في ذلك بين تحققه بقصد القربة و الإتيان به لرجاء النفع، أو لمجرد الرأفة، أو لغير ذلك من الأغراض، فإن الخروج عن العهدة حاصل على جميع تلك الوجوه، و من هذا القبيل أكثر التروك المطلوبة، فإن المقصود منها عدم صدور الأفعال القبيحة من المكلف، و إن لم يكن الترك بقصد الامتثال و الكف عن الفعل القبيح، فان من ترك الزنا يندفع عنه إثمه و إن كان امتناعه عنه للعجز أو الخوف أو الحياء أو للمحافظة على الحشمة و الخوف من الفضيحة، فإن ذلك كله من أسباب العصمة و رفع الإثم و العقوبة.

و بالجملة فامتثال الأمر في غير العبادات لا يتوقف على قصد الطاعة و إرادة الموافقة للأمر، بل انما يتوقف على موافقة الغرض و ترتب المصالح المقتضية للأمر و إن لم يكن شاعرا به، أو كان و لكن فعله لما فيه من الحظوظ النفسانية، نعم صيرورة تلك الأمور عبادة و ترتب الأجر و الثواب عليها موقوف على حصول القربة و قصد الامتثال، و هي من هذا الوجه داخلة في القسم الأول، فإن ترتب الأجر و الثواب عليها ليس لامتثال الأمر الأصلي فيها، لما عرفت من أنه لا يوجب ذلك، بل لامتثال الأمر الثانوي، أي الأمر بجعلها عبادة و فعلها من حيث إنها مرادة للشارع.

و قد ظهر مما ذكرناه أن استحباب النكاح على القول به غير مختص بالواقع على وجه الامتثال و قصد الطاعة، فإن ذلك إنما يتجه لو كان النكاح من العبادات

ج 29، ص: 24

الموقوفة على النية و قصد القربة، و ليس كذلك، للإجماع على أنه ليس عبادة بالأصل و إن أمكن صيرورته كذلك بالنية، و قد عرفت أن الطلب في غير العبادة سواء كان على وجه الوجوب أو الندب لا يختص بذلك، بل يعم الواقع بالنية و بدونها، و لا ينافي استحباب النكاح كذلك مرجوحية وقوعه على بعض الوجوه إلا إذا قصد التعبد به و أريد بفعله الأجر و الثواب، فإنه حينئذ يجب وقوعه بقصد الطاعة و الامتثال، و هو من هذا الوجه يندرج في القسم الأول، و يلحقه حكم العبادات، و النزاع في استحبابه هنا ليس من حيث كونه عبادة، لأن الكلام في أحكام المعاملات.

و بذلك كله يعلم الجواب عن الاستدلال بالآية من غير حاجة إلى تخصيص محل النزاع، و لا إلى التزام التخصيص البعيد في ذم حب الشهوات بمن لم يتق إلى النكاح.

و أما الجواب عن الدليل الثالث فبأن تحمل الحقوق الحاصلة بالتزويج يزيد في الأجر المترتب عليه أو في مطلق الأجر، و هو أي تحمل الحقوق من الأمور الدينية ف

في الحديث (1)النبوي «الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله»

و فيه (2)«العبادة سبعون جزءا أفضلها طلب الحلال»

وعن أبي جعفر(3)عليه السلام «من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا على أهله و تعطفا على جاره لقي الله عز و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر»

و عن أبي عبد الله عليه السلام (4)أنه قال له رجل:

«و الله إنا لنطلب الدنيا و نحب أن نؤتى بها، فقال: تحب أن تصنع بها ما ذا؟ قال:

أعود على نفسي و عيالي، و أصل منها، و أتصدق، و أحج، و أعتمر، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

ليس هذا من طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»

و حينئذ فلا ينافي التعريض لتحمل


1- 1 المستدرك الباب- 30- من أبواب مقدمات التجارة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمات التجارة- الحديث 6 و 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمات التجارة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات التجارة- الحديث 3.

ج 29، ص: 25

الحقوق رجحان النكاح الذي هو واسطة في حصوله، بل هو مما يؤكد الرجحان و يحققه، و إن حصل الاشتغال بتلك الحقوق عن بعض المطالب الدينية، لأن تمانع الطاعات و تضادها لا يخرجها عن كونها طاعات مأمورا بها، و إلا لزم خروج أكثر العبادات الوجودية بل جميعها عن كونها عبادة، فإن الأفعال لا تجتمع غالبا كالتروك و لا يقدح في ذلك كون الأمور المشتغل عنها بتحمل الحقوق كثيرة، و لا كونها أفضل من التحمل المذكور، إذ الكلام ها هنا في رجحان النكاح و فضيلته، لا في كونه أفضل من غيره، و ما ذكر على تقدير تسليمه إنما ينافي الثاني دون الأول، هذا إذا كان تحمل الحقوق و الاشتغال عن المطالب الدينية المذكوران في الاستدلال وجها واحدا لاستحباب ترك النكاح، بأن يكون المنع من تحمل الحقوق لاقتضائه الاشتغال المذكور.

أما إذا اعتبر تحمل الحقوق وجها مستقلا للمنع من النكاح لما فيه من التعريض للعصيان و المخالفة و جعل الاشتغال عن المطالب الدينية وجها آخر لمرجوحية النكاح فتقرير الجواب أن تحمل الحقوق يزيد في الأجر، فلا ضير في اختياره طلبا للثواب، و رغبة في الطاعة، و تعريضه للمعصية الاختيارية لا يمنع عن اختياره، كما في سائر التكاليف، و أن النكاح من الطاعات و الأمور الدينية عند القائل باستحبابه، فلا يقتضي الاشتغال به عن بعض المطالب الدينية استحباب تركه و كونه مرجوحا، لما عرفت من تمانع الطاعات و تضادها غالبا، نعم لو لم يكن النكاح مطلوبا و لا مأمورا به أمكن القول بمرجوحيته من ذلك الوجه و إن لم يكن في نفسه كذلك لثبوت الحسن و القبح بالوجوه و الاعتبارات الخارجة عن ذات الشي ء و صفاته اللازمة كما حقق في محله.

و بذلك كله ظهر لك قوة القول بالاستحباب مطلقا خلافا لمن عرفت، و للمحكي عن ابن حمزة من أن من تاقت نفسه و كان قادرا عليه يستحب له النكاح، و من لم تتق نفسه و لم يكن قادرا عليه يكره له ذلك، و من كان قادرا و لم يتق أو تائقا و لم يقدر لم يكره له و لم يستحب، بل كان النكاح له مباحا، و ذلك لأن واجد الوصفين أي الشهوة و القدرة جامع بين أمرين يقتضي كل منهما حسن النكاح، فيكون مستحبا له

ج 29، ص: 26

و فاقدهما جامع فيه أمرين يقتضي كل منهما حسن تركه، لقوله تعالى(1):

«وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً» في مدح يحيى على نبينا و آله و عليه السلام. و قوله عز و جل(2):

«وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً» إلى آخره. فيكون مكروها، و أما من كان واجدا لأحد الوصفين دون الأخر فهو جامع بين جهتي حسن النكاح و حسن تركه، فيتعارض الوجهان فيه و يثبت له حكم الأصل السالم عن المعارض أعني الإباحة، و فيه منع اقتضاء كل من عدم الشهوة و عدم القدرة حسن ترك النكاح، و الاستدلال بالآيتين على ذلك قد عرفت ضعفه مما تقدم.

و كيف كان فهل هو أفضل أم التخلي للعبادة؟ قولان: أقواهما الأول، لما في ترك النكاح و الاشتغال بالعبادة و الرياضة من الرهبانية المنفية في هذه الشريعة،

فعن تفسير علي بن إبراهيم (3)في تفسير قوله (4)تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ» الى آخره «إنها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام و بلال و عثمان بن مظعون، فأما أمير المؤمنين عليه السلام فحلف أن لا ينام بالليل أبدا، و أما بلال فإنه حلف أن لا يفطر بالنهار أبدا، و أما عثمان بن مظعون فإنه حلف أن لا ينكح أبدا، فدخلت امرأة عثمان على عائشة، و كانت امرأة جميلة، فقالت عائشة: ما لي أراك متعطلة؟ فقالت و لمن أتزين؟ فو الله ما قربني زوجي منذ كذا و كذا، فإنه قد ترهب، و لبس المسوح، و زهد في الدنيا، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أخبرته عائشة بذلك، فخرج فنادى

الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال:

ما بال أقوام يحرمون على أنفسهم الطيبات إني أنام بالليل، و أنكح و أفطر بالنهار فمن رغب عن سنتي فليس مني، فقام هؤلاء، فقالوا: يا رسول الله قد حلفنا على ذلك


1- 1 سورة آل عمران: 3- الآية 39.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 33.
3- 3 تفسير البرهان- ذيل الآية 87 من سورة المائدة.
4- 4 سورة المائدة: 5- الآية 87.

ج 29، ص: 27

فأنزل الله: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ (1)» الآية

، و

في خبر عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله (2)عليه السلام قال: «جائت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبي صلى الله عليه و آله فقال: يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار و يقوم الليل، فخرج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مغضبا يحمل نعليه حتى جاء إلى عثمان، فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، و لكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم و أصلي و أمس أهلي، فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي، و من سنتي النكاح»

وفي الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن مسكين النخعي (3)«و كان تعبد و ترك النساء

و الطيب و الطعام، فكتب الى أبي عبد الله عليه السلام يسأله، فكتب اليه: أما قولك في النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من النساء، و أما في الطعام فكان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يأكل اللحم و العسل»

و عن رجال الكشي انه روى في الموثق عن إبراهيم بن عبد الحميد(4)قال «حججت و مسكين النخعي، فتعبد و ترك النساء و الطيب و الثياب و الطعام الطيب، و كان لا يرفع رأسه داخل المسجد إلى السماء، فلما قدم المدينة دنى من أبي إسحاق عليه السلام فصلى الى جانبه، فقال: جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسائل، قال: اذهب فاكتبها و أرسل بها إلي فكتب جعلت فداك رجل دخله الخوف من الله عز و جل حتى ترك النساء و الطعام الطيب و لا يقدر أن يرفع رأسه إلى السماء، و أما الثياب فنسك فيها، فكتب: أما قولك في ترك النساء فقد علمت ما كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من النساء، و أما قولك في ترك الطعام الطيب فقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يأكل اللحم و العسل، و أما قولك: إنه دخله الخوف حتى


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 89.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 8 عن سكين النخعي.
4- 4 رجال الكشي ص 316 من طبع النجف و أشار إليه في الوسائل في الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 8 و فيهما: سكين النخعي.

ج 29، ص: 28

لا يستطيع أن يرفع رأسه إلى السماء فليكثر من تلاوة هذه الآيات : الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ، إلى آخرها»

و أيضا فإن المنقول عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام بالتواتر إيثار النكاح على التخلي للعبادة، و دليل التأسي يقتضي رجحانه بالنسبة إلينا.

لا يقال: لعل الوجه في ذلك وجود التوقان إلى النكاح كما هو الغالب، و لا نزاع في أفضليته حينئذ، إنما النزاع في أفضليته لمن لم تتق نفسه، و لا دلالة للفعل المنقول عليه إلا مع العلم بانتفاء الوصف، و هو ممنوع، لأنا نقول: ثبوت الفعل عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم و صحته عنه يقتضي رجحان التأسي و المتابعة لكل أحد و إن كان مخالفا له في الوصف إلا إذا كان مغيرا للحكم، لعموم الأدلة و انتفاء ما يصلح للتخصيص فيما عدا الوصف المغير، كيف و لو كان التأسي مقصورا على صورة العلم بتوافق الأوصاف التي يحتمله التغيير بها لزم أن لا يسلم في شي ء من الموارد، لقيام الاحتمال في جميعها، فرجحان التأسي في النكاح يقتضي عدم الفرق في ذلك بين وجود التوقان و انتفائه و إن قلنا بثبوته في المتأسي به إلا أن ثبوت الوصف له لا يقتضي استناد الحكم اليه حتى لا يجوز التأسي لفاقده.

لا يقال: إن دليل التأسي إنما يقتضي حسن الفعل و رجحانه في نفسه و أما أنه أفضل من غيره فلا يستفاد منه قطعا حتى يثبت أنه أفضل من التخلي، لأنا نقول: هو كذلك لو اعتبر التأسي في نفس النكاح، فإنه حينئذ انما يدل على حسنه لا على أفضليته، و أما إذا اعتبر بالنسبة إلى اختياره و إيثاره على التخلي فلا ريب في دلالته على الأفضلية، لأن رجحان التأسي في إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان إيثاره عليه، و رجحان إيثار النكاح على التخلي يستلزم رجحان النكاح نفسه بالقياس اليه، و هو المدعى.

و ما يقال- من أنه يلزم على ذلك استحالة صدور عبادة من النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام مرجوحة بالقياس الى عبادة أخرى مضادة لها، ضرورة اقتضاء صدورها إيثارها على

ج 29، ص: 29

الراجحة، و إيثارها عليها يقتضي رجحانها بالتقرير المتقدم، و ذلك ينافي كونها مرجوحة مفضولة على ما هو المفروض- يدفعه معلومية عدم اقتضاء نفس صدور العبادة منهم الأفضلية من عبادة أخرى مضادة، نعم لو كانت العبادة المأتي بها طاعة مستمرة مانعة عن العبادة المضادة لها، فان صدور مثل هذه الطاعة المطلوب منها الدوام عن الحكيم العارف بحقيقة الحال لا تكون إلا لرجحانها عنده على غيرها من الطاعات المضادة، لأن اختيار المفضول و الاستمرار عليه مما ينافي الحكمة، و التأسي في مثل هذا الفعل يقتضي الفضيلة و الأفضلية معا، بخلاف ما إذا كانت العبادة المأتي بها غير مانعة عما يضادها في الجملة، بحيث يمكن الإتيان بهذه تارة و بمضادها أخرى، كما في أكثر الطاعات و العبادات، فان صدورها عن الحكيم لا يقتضي إيثارها و لا كونها أفضل من غيرها، لإمكان صدورها و صدورها و صدور مضادها عنه في زمانين، فلا يكون صدورها إيثارا، فالتأسي في مثل هذه الأفعال إنما يقتضي الفضيلة دون الأفضلية، و لما كان النكاح أمرا مستمرا يطلب دوامه، فصدوره عنهم عليهم السلام يدل على إيثاره على ما يضاده، و هو التخلي، و مقتضى التأسي فيه كونه أفضل منه على ما قررناه، هذا.

و ربما يدل على المطلوب أيضا

قوله صلى الله عليه و آله (1)، «ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى، من التزويج»

و قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2)«ما من شي ء أحب الى الله عز و جل من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح»

فإنه بعمومه يشمل التخلي أيضا، مضافا إلى ما ورد(3)من الحث البليغ عليه، و عموم

قوله (4)عليه السلام أيضا: «ما استفاد امرء فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسره إذا نظر إليها و تطيعه إذا أمرها و تحفظه إذا غاب عنها في نفسها و ماله»

وقول الباقر(5)عليه السلام «ما أحب أن الدنيا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب مقدمات النكاح.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 4.

ج 29، ص: 30

و ما فيها لي و أن أبيت ليلة ليست لي زوجة، ثم قال: ركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل عزب يقوم ليلة و يصوم نهاره»

وقول الصادق (1)عليه السلام «ركعتان يصليهما متزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها الأعزب»

وقوله صلى الله عليه و آله و سلم(2): «شرار موتاكم العزاب».

و المناقشة- بأن الحث البليغ عليه لا يدل على كونه أفضل من غيره، و بأنه لا يلزم من أفضلية الزوجة ذات الصفات أفضلية مطلق الزوجة، و بأن المتزوج وقع في الخبر الأخر نكرة في مقام الإثبات، فلا يفيد العموم، و بأن العزوبة تندفع بالتسرى، ل

قول الكاظم (3)عليه السلام «لرجل قال له: ليس لي أهل: أ ليس لك جواري أو قال أمهات أولاد؟ قال: بلى، فقال انك لست بأعزب»

- يدفعها أن الاستدلال بكثرة الأوامر و المبالغة في الحث و الترغيب على وجه يظهر منه الأفضلية من غيره، لا بنفس الأمر و الترغيب و عدم معلومية كون الأمور المذكورة

صفات للزوجة، لاحتمال الاستئناف و إرادة بيان بعض فوائد الزوجة، و النكرة في الإثبات قد تفيد العموم، لوقوعها في كلام الحكيم، و الاشعار بالعلية، و اندفاع العزوبة بالتسرى لا ينافي الأفضلية، لأن العزوبة التي توجب كونه من الأشرار يندفع بأحد الأمرين، ففي كل منهما خير يندفع به ذلك الشر المتحقق من موته عزبا، سواء كان متعبدا أم لا.

و من ذلك كله ظهر لك ضعف القول بأفضلية التخلي منه، لما في التزويج من القواطع و الشواغل و تحمل الحقوق، ضرورة اقتضاء ذلك زيادة الأجر، فلا يقدح في الأفضلية، بل هو مما يحققها و يؤكدها.

نعم ربما قيل بالتفصيل بين من كانت عبادته من الأعمال، فالتزويج أفضل منها، لإطلاق ما دل على ذلك، و بين من كانت عبادته تحصيل العلوم الدينية، فهي


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 6.
3- 3 البحار- ج 103 ص 220- الطبع الحديث و فقه الرضا عليه السلام ص 77.

ج 29، ص: 31

أفضل منه، لأن كمال الإنسان العلم الذي هو الغرض الأصلي من خلقته، قال الله تعالى (1)«وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» و المراد بها كما في الحديث (2)المعرفة، و قال الله عز و جل (3)«اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عِلْماً»

مضافا إلى الآيات (4)و المتواتر من الروايات (5)الدالة على علوم مرتبة العلم و ارتفاع شأنه بحيث لا تساويه فضيلة، و لا تدانيه مرتبة، حتى قرنت شهادة أولي العلم بشهادة الله و شهادة الملائكة(6)و حصر الخشية التي هي أصل العبادة في العلماء(7)و

فضل مداد العلماء على دماء الشهداء(8)

و

نوم العالم ليلة على عبادة سبعين سنة(9)

بل

ورد «أن العلماء أحب الناس إلى الله»(10)

و «إنهم ورثة الأنبياء و خلفاؤهم»(11)

و «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به»(12)

و «إن العالم


1- 1 سورة الذاريات: 51- الآية 56.
2- 2 البحار- ج 5 ص 312- الطبع الحديث.
3- 3 سورة الطلاق: 65- الآية 12.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 162 و سورة الإسراء: 17- الآية 107 و سورة سباء: 34- الآية 6 و سورة المجادلة: 58- الآية 11 و سورة آل عمران: 3- الآية 7 و 18.
5- 5 أصول الكافي- ج 1 ص 32 و البحار- ج 2 ص 1 المطبوعين حديثا.
6- 6 سورة آل عمران: 3- الآية 18.
7- 7 سورة فاطر: 35- الآية 28.
8- 8 البحار- ج 2 ص 14 و 16 الطبع الحديث.
9- 9 البحار- ج 2 ص 22 و فيه « يا على نوم العالم أفضل من ألف ركعة يصليها العابد» و في ص 25 « يا على نوم العالم أفضل من عبادة العابد» و في ص 23 « ساعة من عالم يتكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاما».
10- 10 البحار- ج 2 ص 25 الطبع الحديث و فيه: « عظم العلماء و اعرف فضلهم فانى فضلتهم على جميع خلقي إلا النبيين و المرسلين.».
11- 11 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صفات القاضي- الحديث 2 و 50 من كتاب القضاء.
12- 12 أصول الكافي- ج 1 ص 34.

ج 29، ص: 32

يستغفر له من في السماوات و الأرض حتى الطير في الهواء و الحيتان في الماء»(1)

و «أن عالما ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»(2)

إلى غير ذلك من الفضائل التي لا تحصى كثرة على وجه يقطع ذو الفطرة السليمة الواقف على تمام ما ورد في فضيلة العلم و العلماء أنه أفضل السعادات و أشرف الكمالات، و أنه ينبغي تقديمه على كل فضيلة، و إيثاره على كل طاعة، سواء في ذلك التزويج و غيره، و ما ورد في الأخبار من فضل النكاح ليس مما يدانى فضيلة العلم، و لا مما يقاربه، فلا يصلح المعارضة به، و لا الشك في أفضلية العلم بسببه، و ان لم يذكر ذلك صريحا فيما ورد به، كما هو واضح بأدنى تأمل، فالواجب حينئذ تقديمه على ما يضاده و يعارضه، و الاجتهاد في قطع ما يقدر عليه من العوائق الشاغلة و العلائق المانعة عن تحصيله، أو عن الاستكمال فيه، و لا ريب أن التزويج من أكبر الشواغل و أعظم الموانع حتى اشتهر «أن العلم ذبح في فروج النساء» و قيل: «من تعود أفخاذ النساء لم يفلح».

لكن قد يناقش بأن النزاع هنا في التفاضل بين طبيعتى النكاح و التخلي للعبادة من حيث هما نكاح و تخل للعبادة، من غير اعتبار

خصوصية في النكاح أو التخلي، بل بمجرد النظر إلى الجنسين، نحو قولك: «الرجل خير من المرأة» و التفاضل بينهما على هذا الوجه لا يقتضي أفضلية كل فرد من النكاح على القول بأفضليته و لا العكس، بل يجوز على الأول أن يكون بعض أفراد التخلي أفضل منه نظرا إلى خصوصيته و إن كان مفضولا و مرجوحا بالنظر إلى طبيعته، و حينئذ يكون التفصيل المزبور ضائعا، ضرورة كون النظر فيه الى خصوصيات الأفراد، و النظر في المسألة إلى نفس الطبيعتين، فلا ينسلك التفصيل في جملة أقوال المسألة و لا يعد من احتمالاتها، كما يؤيد ذلك حصر الأصحاب الأقوال في المسألة في القولين، حيث إنهم بعد أن نقلوا الخلاف عن الشيخ في استحباب النكاح لمن لم تتق نفسه قالوا:

إنه على القول بالاستحباب فهل هو أفضل أم التخلي؟ فيه قولان.


1- 1 كنز العمال- ج 5 ص 203- الرقم 4139 و لم يذكر فيه« الطير في الهواء».
2- 2 أصول الكافي- ج 1 ص 33.

ج 29، ص: 33

بل من ذلك يظهر الجواب عما قيل على القول بأفضلية النكاح من أنه يقتضي كونه أفضل من التخلي لتحصيل العلم، مع ما فيه من الفضائل التي لا توجد في آخر لا في التزويج، و لا في غيره، فان ذلك انما يتوجه لو كان المراد تفضيل النكاح على جميع أنواع التخلي للعبادة، و قد عرفت أن المقصود تفضيله على طبيعة التخلي، مع قطع النظر عن خصوصيات أفراده، على أن المتبادر من العبادة ما تكون من جنس الأعمال لشيوع استعمالها فيه و وقوعها في مقابلة العلم، فلا يدخل التخلي لتحصيل العلم في محل النزاع و إن قلنا إن النزاع في تفاضل الأفراد و الأنواع دون الطبائع و الله العالم.

و كيف كان فاعلم أن النكاح إنما يوصف بالاستحباب مع قطع النظر عن العوارض اللاحقة، و إلا فهو بواسطتها تجرى عليه الأحكام الأربعة الباقية، فيجب مع النذر و شبهه، لرجحانه بالأصل، و مع ظن الضرر بالترك، لوجوب دفع الضرر المظنون، قيل: و عند خوف الوقوع في المحرم بدونه، و فيه أن ذلك لا يقتضي الوجوب، ضرورة بقاء الاختيار الذي يكفي في عدم الوقوع فيه، فلا يتوقف على التزويج، اللهم إلا أن يريد أن أحد الأفراد التي تكون سببا لعدم الوقوع في المحرم، و هو كما ترى، و يحرم إذا أفضى إلى الإخلال بواجب، كالحج، و مع الزيادة على الأربع، و يكره مع انتفاء الشهوة بالكلية، كما في العنين و المريض مرضا ملازما يمنعه عن الوطء، فان الظاهر رجحان الترك بالنسبة إليه، لانتفاء مصالح النكاح فيه، و منعه الزوجة من التحصن بغيره، و لاشتغاله عن العلم و العبادة بما لا فائدة فيه، كذا قيل، و فيه أن إثبات الكراهة المصطلحة بذلك لا يخلو من نظر، و يتصف بالإباحة إذا تضمن تر النكاح مصلحة تساوي مصلحة الفعل، فان ذلك قد يتفق، كما إذا خاف من تلف مال معتد به له بواسطة التزويج أو تضييع عيال له في محل آخر مع وجود الشهوة و كمال الرغبة، قيل: و كذا مع عدم قصد الامتثال و إرادة الطاعة بالتزويج، فان النكاح إنما يتصف بالاستحباب مع قصد التقرب به، فبدونه يكون مباحا، و فيه ما عرفت من عدم اعتبار ذلك في مستحب المعاملات

ج 29، ص: 34

و واجبها.

و قال ثاني الشهيدين: «إن الإباحة لا تتفق على القول المشهور إلا للغافل عن القصد الراجح، و الكلام في الأحكام الخمسة للقاصد، و يمكن فرضه عند الشيخ لمن لم تتق نفسه، فإنه في المبسوط اقتصر فيه على نفي الاستحباب، و ظاهره بقاء الإباحة، إذ لا قائل بالكراهة» و فيه أنه يمكن فرض الإباحة على القول المشهور بما عرفت، فلا ينحصر في الغافل عن القصد الراجح، على أن ما ذكره من أن الكلام في الأحكام الخمسة للقاصد لا يقتضي نفي الإباحة مع الغفلة عن القصد الراجح خاصة إن أراد بالقصد مطلق القصد، كما هو الظاهر، و إن أراد به خصوص القصد الراجح فحصر الكلام في الأحكام الخمسة فيه باطل، إذ لا ريب في البحث عنها من دون اعتبار الرجحان، و أيضا ما حكاه عن الشيخ ليس بجيد، لتصريح الشيخ- كما قيل- في المبسوط بأن من لا يشتهي النكاح يستحب له أن لا يتزوج، و مقتضاه كراهة التزويج له، لا إباحته، هذا.

و ربما تجري الأحكام الخمسة على النكاح باعتبار المنكوحة، فالواجب التزويج بمن يترتب عليه ضرر يجب عليه دفعه بترك تزويجها، قيل: و ما لو علم وقوع الزنا من أجنبية، و أنه لو تزوجها منعها منه و لا ضرر، فيجب كفاية، و يتعين عند عدم قيام غيره به، و المحرم: نكاح المحرمات عينا و جمعا، و المستحب: نكاح المستجمعة للصفات المحمودة في النساء، و المكروه: نكاح المستجمعة للأوصاف المذمومة في النساء.

و نكاح القابلة المربية، و المتوالدة من الزنا، و المباح: ما عدا ذلك، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر استحباب التزويج للفقير و الغنى، بل يكره تركه مخافة العيلة، لقوله تعالى (1)«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى» الى آخره، و لأن

النبي صلى الله عليه و آله (2)«زوج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد، و لا وجد له إلا إزار، و لم يكن له رداء»

و قال: «من سره أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليلقه بزوجة، و من ترك التزويج مخافة


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 242.

ج 29، ص: 35

العيلة فقد أساء الظن بالله عز و جل»(1)

بل في

النصوص (2)«أن التزويج يرفع الفقر و يجلب الرزق،»

و أما قوله تعالى (3)«وَ لْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» فقد عرفت عدم منافاتها لذلك، ضرورة كون الفرض

الفقير المتمكن من النكاح بلا صداق و من غير حاجة إلى تحمل المنة و الذل في طلب المهر و نحو ذلك، فلا إشكال في رجحان النكاح مطلقا.

بل يستحب الزيادة على الواحدة مع الحاجة قطعا، بل و بدونها على الأقوى، للتأسي و إطلاق بعض النصوص، و لما في الزيادة من تكثير النسل و الأمة، و لعروض الحاجة مع عدم التمكن من قضائها مع اتحاد الزوجة، لحيض أو مرض أو غيرهما، قيل: و لقوله تعالى (4)«فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» فإن أقل مراتب الأمر الندب، و فيه بحث تعرفه فيما يأتي إنشاء الله، فما عن الشيخ من كراهة الزيادة على الواحدة واضح الضعف، خصوصا بعد ما

روى العياشي عن الصادق عليه السلام (5)«في كل شي ء إسراف إلا النساء، قال الله تعالى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ»

إلى آخره، و أما قوله عز و جل (6)«وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ» فليس المراد من العدل فيه التسوية في النفقة و العشرة حتى يكون الجمع المفضي الى تركه مكروها، لأنه أمر ممكن فلا يصح نفي القدرة عليه، و لأنه لو امتنع لم يجز الجمع، لوجوب العدل، و التالي باطل بالضرورة، بل المراد به التسوية من جميع الوجوه، أو في المحبة و المودة خاصة، كما دلت عليه النصوص (7)فان ذلك هو العدل الذي لا يستطيعونه و لو حرصوا عليه، و به يجمع

بينها و بين قوله تعالى (8)«فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً»


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10 و 11- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 33.
4- 4 سورة النساء- 4- الآية 3.
5- 5 سورة النساء- 4- الآية 129.
6- 6 الوسائل- الباب- 140- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 12.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب القسم و النشوز و المستدرك الباب- 5- منها.
8- 8 سورة النساء: 4- الآية 3.

ج 29، ص: 36

بحمل العدل فيه على المقدور، بل الظاهر استحباب ذلك حتى مع الفقر، لإطلاق

ما دل (1)على أن التزويج يزيد في الرزق،

و لخبر إسحاق بن عمار(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحديث الذي يرويه الناس حق أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله فشكى إليه الحاجة فأمره بالتزويج- حتى أمره ثلاث مرات-؟ قال فقال أبو عبد الله عليه السلام: نعم هو حق، ثم قال: الرزق مع النساء و العيال»

هذا.

و قد قيل: إن النكاح المحكوم عليه بالاستحباب هو العقد المحلل للوطء، لأن لفظ النكاح حقيقة فيه، قلت: قد يحتمل قويا كون المراد منه ما يتناوله و التسري، لوقوع التعليل في كثير من النصوص بالوجوه المشتركة بينه و بين التزويج، كحصول النسل و تكثير الأمة و إبقاء النوع و الخلاص من الوحدة و طلب الرزق و الولد الصالح (3)فيكون الأمر بالتزويج في الايات و الأخبار لكون أحد الفردين الذين يتأتى بهما الاستحباب، لا لأنه مراد و مطلوب بخصوصه، و يؤيده

خبر عبد الله بن المغيرة(4)عن أبى الحسن عليه السلام «انه جاء رجل الى أبى عبد الله عليه السلام، فقال: هل لك من زوجة؟ فقال: لا فقال: إنى ما أحب أن لي الدنيا و ما فيها و انى بت ليلة و ليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله و يصوم نهاره، فقال محمد بن عبيد: جعلت فداك فأنا ليس لي أهل، فقال:

أ ليس لك جواري أو قال: أمهات أولاد؟ قال: نعم، قال: فأنت لست بعزب»

، و الله العالم.

و على كل حال ف يستحب لمن أراد العقد أمور كثيرة ذكر المصنف منها سبعة أشياء، و يكره له أمور أيضا ذكر المصنف منها واحدا، و هو ال ثامن، فالمستحبات السبعة أن يتخير من النساء من تجمع صفات أربعا: كرم


1- 1 الوسائل- الباب- 10 و 11- من أبواب مقدمات النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 و 3 و 6 و 9 و الباب- 11 و 15 و 16- منها و الباب- 1 و 2 و 3- من أبواب أحكام الأولاد.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.

ج 29، ص: 37

الأصل بأن لا تكون من زنا أو حيض أو شبهة أو ممن تنال أحدا من آبائها و أمهاتها الألسن ف

في الخبر عن سيد(1)البشر «إياكم و خضراء الدمن، قيل: يا رسول الله و ما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء»

و قال صلى الله عليه و آله و سلم (2)أيضا:

«اختاروا لنطفكم، فان الخال أحد الضجيعين»

وفي آخر(3)«تخيروا لنطفكم، فإن الأبناء تشبه الأخوال»

و قال صلى الله عليه و آله و سلم أيضا(4)«أنكحوا الأكفاء، و انكحوا فيهم، و اختاروا لنطفكم»

و في مرسل ابن مسكان (5)عن الصادق عليه السلام «إنما المرأة قلادة، فانظر ما تقلده».

و قيل: المراد من كرم الأصل، من لم يكن مس آبائها رق، و قيل: بأن يكون أبواها صالحين، و يمكن إرادة ما يشمل جميع ذلك منه، على معنى أن ليس في أصلها ما هو معيب و مذموم.

و كونها بكرا لكونها أخرى بالموافقة و الائتلاف، ل

قول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم(6):

«تزوجوا الأبكار، فإنهن أطيب شي ء أفواها»

و في حديث آخر(7)«و أنشفه أرحاما و أدر شي ء أخلافا و أفتح شي ء أرحاما، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة، فيقول الله عز و جل: أدخل الجنة، فيقول:

لا حتى يدخل أبواي قبلي، فيقول الله عز و جل لملك من الملائكة: آتني بأبويه، فيأمر بهما إلى الجنة، فيقول: هذا بفضل رحمتي لك»

و قال لجابر و قد تزوج (8)ثيبا:

«هلا تزوجت بكرا تلاعبها و تلاعبك».

بل من الخبر الأول يستفاد استحباب كونها ولودا مضافا إلى الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 كنز العمال ج 8 ص 242 الرقم 3870 و الجامع الصغير ج 1 ص 112 و فيهما « تخيروا لنطفكم فان النساء يلدن أشباه اخوانهن و أخواتهن».
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
8- 8 كنز العمال ج 8 ص 242- الرقم 3866 و 3917.

ج 29، ص: 38

الكثيرة، بل

في بعضها(1)«الحصير في ناحية البيت خير من امرأة لا تلد»

قيل:

و الجمع بين هذه الصفة و البكارة بأن لا تكون صغيرة و لا يائسة، و لا في مزاجها ما يدل عادة على عقمها، كانتفاء الحيض، قلت: الأولى في معرفة كون البكر ولودا الرجوع إلى نسائها من الأمهات و الأخوات.

و ينبغي أن تكون عفيفة

قال جابر بن عبد الله(2): «كنا عند النبي صلى الله عليه و آله فقال: إن خير نسائكم الولود الودود العفيفة العزيزة في أهلها الذليلة مع بعلها المتبرجة مع زوجها، الحصان على غيره، التي تسمع قوله، و تطيع أمره، و إذا

خلا بها بذلت له ما يريد منها، و لم تبذل كتبذل الرجل، ثم قال: أ لا أخبركم بشرار نسائكم الذليلة في أهلها العزيزة مع بعلها، العقيم الحقود، التي لا تورع من قبيح، المتبرجة إذا غاب عنها بعلها، الحصان معه إذا حضر، لا تسمع قوله، و لا تطيع أمره، و إذا خلا بها بعلها تمنعت منه كما تتمنع الصعبة عن ركوبها، لا تقبل منه عذرا، و لا تغفر له ذنبا»

إلى غير ذلك من النصوص المستفاد منها ذلك و غيره من الصفات التي لم يذكرها المصنف ككونها سمراء، عيناء، عجزاء، مربوعة(3)طيبة اللت، درمة الكعب، عظيمة الكعثب

(4)جميلة، فان الامرأة الجميلة تقطع البلغم، و المرأة السوداء تهيج المرة

(5)السوداء، ذات شعر، فان الشعر أحد الجمالين

(6)صالحة تعين زوجها على الدنيا و الآخرة

(7)، و تحفظه في نفسها و في ماله إذا غاب عنها

(8)و لتكن قرشية،

فان


1- 1 المستدرك الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 6- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 و ذيله في الباب- 7- منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 13.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.

ج 29، ص: 39

نساء قريش ألطفهن بأزواجهن و أرحمهن بأولادهن(1)

و غير ذلك، و على كل حال فلا تغني البكارة عن العفة حتى إذا فسرت بالعفة في الفرج، فإنه قد يظن خلافها بكون نسائها زناة و نشأتها بين الزناة و نحو ذلك، بل ربما علمت رغبتها في الزنا و ان لم يتفق لها.

و كيف كان لا يقتصر في اختيار المرأة على الجمال و لا على الثروة فربما حرمهما

قال الصادق عليه السلام (2)«من تزوج امرأة يريد مالها ألجأه الله إلى ذلك المال»

و قال عليه السلام أيضا(3): «إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو لمالها وكل إلى ذلك فإذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال و المال»

وعن ابى جعفر عليه السلام (4)عن رسول الله صلى الله عليه و آله «من تزوج امرأة لا يتزوجها إلا لجمالها لم ير فيها ما يحب، و من تزوجها لمالها لا يتزوجها إلا له وكله الله اليه، فعليكم بذات الدين»

وعنه عليه السلام (5)أيضا: «من تزوج امرأة لمالها وكله الله الى، و من تزوجها لجمالها رأى فيها ما يكره، و من تزوجها لدينها جمع الله له ذلك».

و يستحب له أيضا عند إرادة التزويج صلاة ركعتين و حمد الله بعدهما و الدعاء بعدهما أيضا

بما صورته اللهم إنى أريد أن أتزوج، فقدر لي من النساء أعفهن فرجا و أحفظهن لي في نفسها و مالي، و أوسعهن رزقا، و أعظمهن بركة،

أو غير ذلك من الدعاء بهذه المعاني و نحوها و إن لم يكن بهذه الألفاظ، و إن كان الأولى المحافظة على خصوص ما ورد عنهم عليهم السلام

قال الصادق عليه السلام (6): «إذا هم أحدكم بالتزويج فليصل ركعتين، و يحمد الله، و يقول: اللهم إنى أريد أن أتزوج، اللهم فاقدر لي من النساء» إلى آخر ما سمعت، و زاد «و اقدر لي منها ولدا طيبا تجعله خلفا صالحا في حياتي و بعد موتى».

و يستحب أيضا الإشهاد في الدائم، بل لعل تركه مكروه، ل

قول أبي الحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 53- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 1.

ج 29، ص: 40

عليه السلام في مكاتبة المهلب الدلال (1): «التزويج الدائم لا يكون إلا بولي و شاهدين»

بل عن أبي عقيل منا و جماعة من العامة وجوب ذلك فيه، و إن ضعف ما ذكر دليلا من النصوص المروية(2): من طرق العامة و الخاصة، و من هنا كان المعروف بين الأصحاب خلافه، بل هو من الأقوال الشاذة في هذا الزمان، بل لعله كذلك في السابق أيضا بقرينة ما حكى من الإجماع في الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و التذكرة على عدم الوجوب، و هو الحجة بعد الأصل و الاخبار الكثيرة التي يجب حمل الخبر المزبور في مقابلتها على ما عرفت، بل

قول أبي جعفر عليه السلام (3): «إنما جعلت البينة في النكاح من أجل المواريث»

يرشد إلى عدم الشرط و أن الأمر بذلك للإرشاد إلى دفع التهمة و تحقق النسب و الميراث و القسم و النفقات.

بل الظاهر استحباب الإعلان بذلك الذي هو أبلغ من الإشهاد، للأمر به في النبوي(4)

فعنه صلى الله عليه و آله «أعلنوا هذا النكاح»

بل في المسالك الاستدلال عليه بالخصوص بما

روى «أن (5)النبي صلى الله عليه و آله كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف و يقال:

أتيناكم أعناكم فحيونا نحييكم

و يستحب أيضا الخطبة بضم الخاء امام العقد و أكملها كما في المسالك اضافة الشهادتين و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام بعده، و الوصية بتقوى الله، و الدعاء للزوجين، و إنما استحبت كذلك للتأسي بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام، و خطبهم منقولة(6)في ذلك مشهورة، بل الظاهر استحبابها قبل الخطبة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب مقدمات النكاح و سنن البيهقي ج 7 ص 125.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 290.
5- 5 مجمع الزوائد ج 4 ص 288.
6- 6 المستدرك الباب- 33- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 29، ص: 41

بكسر الخاء للتأسي أيضا، و

قوله عليه السلام (1)«كل كلام لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم»

بل في المسالك أنه يستحب لولي المرأة الخطبة أيضا ثم الجواب، و لا بأس به، نعم الظاهر الاجتزاء بحمد الله و الصلاة على محمد و آله،

قال الصادق عليه السلام(2): «إن علي بن الحسين عليه السلام كان يزوج و هو يتعرق عرقا يأكل فما يزيد على أن يقول:

الحمد لله و صلى الله على محمد و آله، و نستغفر الله، و قد زوجناك على شرط الله»

بل

عن علي بن الحسين عليه السلام (3)إنه قال: «إذا حمد الله فقد خطب».

و كيف كان فلا تجب إجماعا أو ضرورة، خلافا لداود الظاهري، و قال

الصادق (4)عليه السلام و قد سأله عبيد بن زرارة عن التزويج بغير خطبة: «أو ليس عامة ما تزوج فتياتنا و نحن نتعرق الطعام على الخوان؟ نقول: يا فلان زوج فلانا فلانة، فيقول: نعم قد فعلت».

و يستحب أيضا إيقاعه أي العقد ليلا

للنبوي (5)«أمسوا بالأملاك فإنه أعظم للبركة»

و قول الرضا عليه السلام (6): «من السنة التزويج بالليل، إن الله تعالى جعل الليل سكنا و النساء انما هن سكن».

و يكره إيقاعه و القمر في العقرب ل

قول الصادق عليه السلام (7): «من تزوج و القمر في العقرب لم ير الحسنى»

و الظاهر إرادة البرج من العقرب، لا المنازل المنسوبة إليه، و هي الزبانا و الإكليل و القلب و الشولة، لأن القمر يحل في البروج الاثني عشر في كل شهر مرة، و جملة المنازل التي هذه الأربع بعضها ثمانية و عشرون، مقسومة على البروج الاثني عشر، فيخص كل برج منها منزلتان و ثلث، فللعقرب من هذه


1- 1 البحار ج 93 ص 316 و فيه« اقطع» بدل« أجذم».
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 لم أعثر على هذا الحديث مع التتبع في مظانه.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 54- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 42

الأربع ما لغيره، قال في المسالك: «و الذي بينه أهل هذا الشأن (اللسان خ ل) أن للعقرب من المنازل القلب و ثلثي الإكليل و ثلثي الشولة، و ذلك منزلتان و ثلث، و أما الزبانا و ثلث الإكليل فهو من برج الميزان، كما أن ثلث الشولة الأخير من برج القوس- إلى أن قال-: فلا كراهة في منزلة الزبانا مطلقا، و أما المنزلتان المنتظرتان فإن أمكن ضبطهما و إلا فينبغي اجتناب الفعل و القمر فيهما حذرا من الوقوع فيما كره منهما» و في كشف اللثام «و الظاهر أن لفظ الخبر مقول على عرف أهل النجوم، و لا يريدون بمثله إلا الكون في البرج بالمعنى المعروف عندهم، مع الأصل فيما زاد» قلت: بل الظاهر ان الخبر مقول على ما يرى عند عامة الناس من كون القمر في العقرب، لا على ما يقرره أهل النجوم من الدرجات و الدقائق و نحو ذلك مما هو جار على مصطلحاتهم، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[المبحث الثاني في آداب الخلوة بالمرأة]
اشاره

المبحث الثاني في آداب الخلوة بالمرأة و هي قسمان:

[القسم الأول يستحب لمن أراد الدخول أن يصلى ركعتين و يدعو بعدهما]

الأول يستحب لمن أراد الدخول بها أن يصلى ركعتين، و يدعو بعدهما بالمأثور أو غيره بعد حمد الله و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و سلم و يستحب له أيضا إذا أمر المرأة بالانتقال إليه أن تصلي هي أيضا ركعتين، و تدعو قيل: كل ذلك ل

صحيح أبى بصير(1)قال: «سمعت رجلا يقول لأبي جعفر عليه السلام: جعلت فداك إني رجل قد


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 43

أسننت و قد تزوجت امرأة بكرا صغيرة، و لم أدخل بها، و أنا أخاف إذا دخلت على فراشي أن تكرهني لخضابي و كبرى، قال أبو جعفر عليه السلام: إذا دخلت عليك فمرهم قبل أن تصل إليك أن تكون متوضئة، ثم لا تصل إليها أنت حتى تتوضأ و تصلي ركعتين، ثم مرهم يأمروها أن تصلي أيضا ركعتين، ثم تحمد الله تعالى و تصلي على محمد و آله، ثم ادع الله، و مر من معها أن يؤمنوا على دعائك، ثم ادع الله، و قل:

اللهم ارزقني ألفتها و ودها و رضاها بي، و أرضني بها، و اجمع بيننا بأحسن اجتماع و آنس ائتلاف، فإنك تحب الحلال و تكره الحرام»

لكنه كما ترى لا دلالة فيه على الدعاء منها، و إنما فيه أمر من معها بالتأمين، بل ليس فيه أمرها بالصلاة، و إنما أمرهم بأمرها، اللهم إلا أن يراد بذلك أمرها و لو بالواسطة، كما أنه لا صراحة فيه بأن صلاتها قبل انتقالها إليه، بل هو محتمل لكون ذلك

عنده، بل و متأخر عن صلاته خصوصا بناء على ما

عن الجعفريات (1)من أنه «إذا زفت إليه و دخلت عليه فليصل ركعتين ثم يمسح بيده ناصيتها، فيقول: اللهم بارك لي في أهلي، و بارك لهم في، و ما جمعت فاجمع بيننا في خير و يمن و بركة، و إذا جعلتها فرقة فاجعلها فرقة إلى خير، فإذا جلس إلى جانبها فليمسح بناصيتها، ثم يقول: الحمد لله الذي هدى ضلالتي، و أغنى فقري، و أنعش خمولي، و أعز ذلتي، و آوى عيلتي، و زوج أئمتي، و حمل رحلي، و أخدم مهنتى، و رفع خسيستي حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على ما أعطيت، و على ما قسمت، و على ما وهبت، و على ما أكرمت»

. و على كل حال فظاهر الصحيح المزبور أن صلاة الركعتين من الزوج من آداب الدخول، لا الخلوة المجردة عنه لمانع منها أو منه، إلا أن يراد بقيد وصوله إليها الخلوة بها، نعم ظاهره استحباب أن يكونا معا على طهر بل ظاهر بعضهم استحباب طهارتهما في تمام هذه المدة، أي مما قبل الدخول إلى تمام الدعاء، لكن لا يخفى عليك خلو النص عنه، إلا أنه لا بأس به، فإن الطهارة أمر مرغوب خصوصا


1- 1 المستدرك الباب- 41- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 44

عند الدعاء.

و قد عرفت مما سمعته عن الجعفريات أنه يستحب له أيضا أن يمسح يده على ناصيتها أى مقدم رأسها ما بين النزعتين، قائلا ما عرفت،

و لكن في خبر أبى بصير عن أبي عبد الله عليه السلام (1)«فل

يضع يده على ناصيتها إذا دخلت عليه و يقول: اللهم على كتابك تزوجتها، و في أمانتك أخذتها، و بكلماتك استحللت فرجها، فان قضيت في رحمها شيئا فاجعله مسلما سويا، و لا تجعله شرك شيطان،

قلت: و كيف يكون شرك شيطان؟ فقال لي: ان الرجل إذا دنى من المرأة و جلس مجلسه حضر الشيطان، فان هو ذكر اسم الله تنحى الشيطان، و إن فعل و لم يسم أدخل الشيطان ذكره، فكان العمل منهما جميعا، و النطفة واحدة»

و في خبر أبى بصير الأخر أيضا(2)«إذا دخلت بأهلك فخذ بناصيتها و استقبل القبلة، و قل: اللهم بأمانتك أخذتها، و بكلماتك استحللتها، فان قضيت لي منها ولدا فاجعله مباركا تقيا من شيعة آل محمد، و لا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا»

و في خبره الثالث (3)ما يستفاد منه استحباب هذا الدعاء كلما أتى أهله، قال: «قال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد إذا أتيت أهلك فأي شي ء تقول؟ قال: جعلت فداك و أطيق أن أقول شيئا، قال: بلى، قل: اللهم بكلماتك استحللت فرجها، و بأمانتك أخذتها، فإن قضيت في رحمها شيئا فاجعله تقيا زكيا، و لا تجعل فيه شركا للشيطان»

الحديث. و علامة شرك الشيطان و عدمه حب أهل البيت عليهم السلام و بغضهم كما استفاضت به النصوص(4).

و كذا يستحب أن يكون الدخول ليلا لما تقدم، و ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 68- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- و الباب 68 منها الحديث 2 و 5 و 6.
5- 5 المستدرك الباب- 31- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 3.

ج 29، ص: 45

«زفوا عرائسكم ليلا و أطعموا ضحى»

و لأنه أوفق بالستر و الحياء، بل قيل: إنه يستحب أيضا إضافة الستر المكاني و القولي إلى الستر الزماني، و قد

روي عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«إن شر الناس عند الله يوم القيامة الرجل يفضي الى المرأة و تفضي إليه ثم ينشر سرها»

بل في حديث آخر(2)

عنه صلى الله عليه و آله أيضا «من يفعل ذلك مثل شيطان و شيطانة لقي أحدهما بالسكة، فيقضي حاجته منها، و الناس ينظرون اليه».

و يستحب له أيضا أن يسمي عند الجماع لما سمعته الخبر(3)السابق، و

عن النبي صلى الله عليه و آله (4)«لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله اللهم جنبنا الشيطان، و جنب الشيطان منا مما رزقتنا، فان قدر بينهما في ذلك ولد لم يضر ذلك الولد الشيطان»

بل

عن الصادق عليه السلام (5)«إذا أتى أحدكم أهله فليذكر الله، فان لم يفعل و كان منه ولد كان شرك شيطان»

وروى البرقي عن على عن عمه (6)قال: «كنت عند أبى عبد الله عليه السلام جالسا، فذكر شرك الشيطان، فعظمه حتى أفزعني، فقلت: جعلت فداك فما المخرج من ذلك؟ فقال: إذا أردت الجماع فقل:

بسم الله الرحمن الرحيم الذي لا إله إلا هو بديع السماوات و الأرض اللهم إن قضيت منى في هذه الليلة خليفة فلا تجعل للشيطان فيه شركا و لا نصيبا و لا حظا، و اجعله مؤمنا مخلصا مصفى من الشيطان، و رجزه جل ثناؤك»

وقال الصادق عليه السلام في خبر الحلبي(7): «إذا أتى أهله فخشي أن يشاركه الشيطان يقول: بسم الله، و يتعوذ بالله من الشيطان»

وقال عليه السلام أيضا في خبر القداح (8)عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا


1- 1 الجامع الصغير ج 1 ص 100 عن صحيح مسلم.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 194.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 كنز العمال ج 8 ص 254- الرقم 4160.
5- 5 الوسائل- الباب- 68- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6 و فيه: « إذا أتى أحدكم أهله فلم يذكر الله عند الجماع و كان منه ولد» الى آخر.
6- 6 الوسائل- الباب- 68- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 68- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 68- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 46

جامع أحدكم فليقل: بسم الله و بالله، اللهم جنبني الشيطان، و جنب الشيطان ما رزقتني، قال: فان قضى الله بينهما ولدا لا يضره الشيطان بشي ء أبدا».

و مما سمعت يستفاد استحباب أن يسمي عند الجماع مطلقا ليلة الدخول و غيرها، و يسأل الله أن يرزقه ولدا ذكرا سويا

قال الباقر عليه السلام (1): «إذا أردت الجماع فقل: اللهم ارزقني ولدا، و اجعله تقيا زكيا مباركا ليس في خلقه زيادة و لا نقصان، و اجعل عاقبته الى خير».

و من آداب الخلوة بالمرأة أيضا خلع الزوج خفيها، و غسل رجليها، و صب الماء من باب الدار إلى أقصاها، ف

في مرسل الصدوق (2)«أوصى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم علي ابن طالب عليه السلام، فقال: يا علي إذا دخلت العروس بيتك فاخلع خفيها حتى تجلس و اغسل رجليها، و صب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك، فإنك إن فعلت ذلك أخرج الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر، و أدخل فيه سبعين ألف لون من البركة، و أنزل عليه سبعين ألف لون من الرحمة ترفرف على رأس العروس حتى تناول بركتها كل زاوية من بيتك، و تأمن العروس من

الجنون و الجذام و البرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار»

الى غير ذلك من الآداب المستفادة من نصوصهم عليهم السلام.

و منها أنه يستحب الوليمة عند الزفاف قال

الصادق عليه السلام في خبر هشام(3):

«إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حين تزوج ميمونة بنت الحارث أو لم عليها، و أطعم الناس الحيس»

وفي خبر الوشاء عن الرضا عليه السلام (4)«إن النجاشي لما خطب لرسول الله صلى الله عليه و آله آمنة بنت أبى سفيان فزوجه دعا بطعام، و قال: إن من سنن المؤمنين الإطعام عند


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 147- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- و فيه « ان من سنن المرسلين.».

ج 29، ص: 47

التزويج»

و عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (1)إنه قال: «لا وليمة إلا في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز»

أى التزويج و النفاس بالولد و الختان و شراء الدار و القدوم من مكة، بل عن الشافعي قول بوجوبها، لأن

النبي صلى الله عليه و آله قال لعبد الرحمن بن عوف (2): «أولم و لو بشاة»

و فيه أنه محمول على الاستحباب بقرينة تركه ذلك في جملة من أزواجه كما قيل.

و الظاهر أن المدار على مسماها في الكم و الكيف، فقد سمعت أن رسول الله صلى الله عليه و آله أولم و أطعم الناس الحيس، و

روى عنه صلى الله عليه و آله و سلم (3)أيضا أنه «أولم على صفية بسويق و تمر»

وعن (4)أنس «أنه ما أولم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم على امرأة من نسائه ما أولم على زينب، جعل يبعثني فأدعو الناس، فأطعمهم خبزا و لحما حتى شبعوا»

وعنه صلى الله عليه و آله (5)أيضا «أنه أولم على بعض نسائه بمدين من شعير».

و أما وقتها ففي المسالك عند الزفاف، و في جامع المقاصد «هل هو بعد الدخول أو قبله؟ لم أجد به تصريحا» و

رواية السكوني (6)«زفوا عرائسكم ليلا و أطعموا ضحى»

ظاهرة في أنها بعد الدخول، كما أن خبر النجاشي (7)ظاهر في أنه بعد العقد» قلت: قد يقوى جواز كل من الأمرين و لعل التقديم أولى.

و على كل حال فيستحب يوما أو يومين

للنبوي (8)«الوليمة في الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 258.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 260.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 260.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 259 مع اختلاف يسير و ذكره بعينه في المغني ج 8 ص 105.
6- 6 الوسائل- الباب- 37- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
8- 8 لم نجد هذا اللفظ في النبويات مع التتبع التام و انما الموجود في سنن البيهقي ج 7 ص 260 و غيرها في هذا الباب أنه صلى الله عليه و آله و سلم قال« الوليمة في أول يوم حق و الثاني معروف و الثالث رياء و سمعة.

ج 29، ص: 48

حق، و يومان مكرمة، و ثلاثة أيام رياء و سمعة»

و قال الباقر عليه السلام (1): «الوليمة يوم، و يومان مكرمة، و ثلاثة أيام رياء و سمعة».

و ينبغي أن يدعى لها المؤمنون الذين هم أفضل من غيرهم، و أولى بالمودة و أقرب الى إجابة الدعاء، نعم لو لم يمكن تخصيصهم فليجمعهم مع غيرهم، و لا يعتبر فيهم عدد مخصوص، و في المسالك «و لتكن قلتهم و كثرتهم بحسب حال الطعام و عادة البلد، ففي بعض البلاد يحضر الطعام القليل للخلق الكثير من غير نكير، و في بعضه بخلاف ذلك.

و كيف كان فلا تجب الإجابة عندنا، للأصل و غيره بل تستحب خلافا للمحكي عن بعض العامة فتجب،

للنبوي (2)«من دعي إلى وليمة و لم يجب فقد عصى الله و رسوله»

و نحوه آخر(3)و

في ثالث (4)«من دعي إلى وليمة فليأتها»

لكن لعدم اجتماع شرائط حجيتها في مثل الوجوب وجب حملها على الندب، بل تأكده بل كراهة الترك خصوصا إذا كان الداعي مؤمنا، فإن

«من حقه على أخيه إجابة دعوته»(5)

من غير فرق في ذلك بين القريب و البعيد، بل و البلد و غيره مع عدم المشقة التي لا تتحمل عادة، نعم في المسالك «يشترط في استحباب الإجابة أو وجوبها كون الداعي مسلما و أن لا يكون في الدعوى مناكير و ملاهي، الا أن يعلم زوالها بحضوره من غير ضرر عليه، فتجب لذلك، و أن يعم صاحب الدعوة الأغنياء و الفقراء، و لو من بعض الأصناف كعشيرته و جيرانه، و أهل حرفته، فلو خص بها الأغنياء لم يرجح الإجابة، و لم تجب عند القائل به، ل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (6): «شر الولائم ما يدعى لها الأغنياء و يترك الفقراء»

و أن يخصه بالدعوة بعينه أو مع جماعة معينين، و أما لو دعى عاما و نادى ليحضرن من يريد و نحو ذلك لم تجب الإجابة و لم تستحب، لأن الامتناع و الحال هذه لا يورث الوحشة و التأذي، حيث لم يعين، و أن يدعى في اليوم الأول


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 262.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 261.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 261.
5- 5 الوسائل- الباب- 122- من أبواب من أبواب أحكام العشرة الحديث 15 من كتاب الحج.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 262.

ج 29، ص: 49

أو الثاني، و لو أولم في الثالث كره الإجابة».

و قد يناقش في الأخير بعدم استلزام كراهة الوليمة للمولم في الثالث كراهة الإجابة المأمور بها، بل قد عرفت أنها من حق المؤمن على المؤمن، كما أنه قد يناقش في سابقه بأنه لا فرق في استحباب الإجابة بين الدعوة العامة و الخاصة، نعم ما ذكره من المثال ليس من الدعوة حتى لو وجهه الى خاص لم يبعد عدم الاستحباب أيضا، بخلاف ما لو نادى و قال «إنى أدعو جميع أهل الدار أو أهل المحلة» أو نحو ذلك على وجه أسمعهم نداءه و دعاءه، بل قد يناقش أيضا في اشتراط التعميم، لإطلاق أدلة الإجابة، و كونها شرا بالنسبة إلى المولم لا يقتضي كونها شرا للمجيب، خصوصا إذا كان هو فقيرا، بل وجود المناكير فيها على وجه لا يستلزم إثمه لا يقتضي عدم استحباب الإجابة.

و على كل حال فلو كان الداعي اثنان فصاعدا، قدم الأسبق، فإن جاءا معا ففي المسالك أجاب الأقرب رحما ثم الأقرب دارا كما في الصدقة، و قد

روى عن النبي صلى الله عليه و آله (1)انه قال: «إذا اجتمع داعيان فأوجب أقربهما إليك بابا، فان أقربهما إليك بابا أقربهما إليك جوارا فان سبق أحدهما فأجب السابق»

قلت:

و مع تعارض المرجحان فالقرعة، بل لعلها متجهة حال عدم المرجح الشرعي مطلقا.

و كما تستحب الإجابة يستحب الأكل الذي هو الغرض من الدعوة، و لما في تركه من الوحشة و كسر قلب الداعي خصوصا في بعض الأحوال من بعض الأشخاص، مضافا إلى

قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم (2)«من كان مفطرا فليطعم»

بل عن بعض من أوجب الحضور إيجاب الأكل و لو لقمة، لما عرفت، و لأن المقصود من الأمر بالحضور الأكل، فكان واجبا، و فيه منع انحصاره المقصود فيه، بل مجرد الإجابة كاف في جبر القلب، و لهذا كلف الصائم بالحضور واجبا من غير أكل، و يمنع حصول الوحشة مع إكرامه و اجابة دعائه و اجتماعه مع الجماعة، و التوعد المذكور إنما هو على ترك الإجابة، لا الأكل كما هو واضح.


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 275.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 263.

ج 29، ص: 50

ثم إن الصوم ليس عذرا في ترك إجابة الدعوة، للإطلاق، و ل

قول النبي صلى الله عليه و آله (1):

«إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فان كان مفطرا فليطعم، و إن كان صائما فليصل»

أي يحضر و يدعو لأهل الدعوة.

و الصوم إن كان مما يحرم إفطاره لكونه شهر رمضان أو نذرا معينا أو قضاء شهر رمضان بعد الزوال لم يجز له الأكل، و إلا جاز على كراهة

كما في المسالك إن كان موسعا، و إن كان نفلا و شق على صاحب الدعوة صومه استحب له الإفطار إجماعا و لأن

النبي صلى الله عليه و آله و سلم (2)«حضر دار بعضهم فلما قدم الطعام أمسك بعض القوم، و قال إنى صائم، فقال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يتكلف لك أخوك المسلم و تقول: إنى صائم، أفطر ثم اقض يوما مكانه»

بل يقوى استحبابه و إن لم يشق على صاحب الدعوة إمساكه، لعموم الأمر

في خبر الرقى عن الصادق عليه السلام (3)«لإفطارك في منزل أخيك أفضل من صيامك سبعين ضعفا»

وصحيح جميل عنه عليه السلام (4)«من دخل على أخيه فأفطر عنده و لم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة»

و لذلك أطلق المصنف فقال و إذا حضر فالأكل مستحب و لو كان صائما ندبا لكن عن التذكرة إنه قرب استحباب الإتمام عملا بظاهر التعليل في النبوي (5)فان التكلف له يوجب المشقة في تركه غالبا و هو مناط الأمر بالإمضاء، و فيه إيماء إلى العلة، فيتعدى إلى ما شاركها في المعنى، و هو مشقة الإمساك على نفسه، و فيه أنه لا تعليل يصلح لتقييد إطلاق غيره، فتعميم الاستحباب حينئذ أولى، نعم ينبغي أن يكون الباعث على الإفطار إجابة الدعوة و امتثال أمر الله فيها ليكون طاعة يترتب عليه الثواب،

و إلا لم يترتب عليه شي ء من الثواب، و إطلاق الأمر بالفطر محمول على تصحيح النية اتكالا على أن الأعمال


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 263.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 264 مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم الحديث 6 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم الحديث 4 من كتاب الصوم.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 264.

ج 29، ص: 51

بالنيات.

ثم لا يخفى عليك عدم اختصاص أكثر هذه الأحكام بوليمة العرس، بل هي شاملة لغيرها أيضا و إن قلنا باختصاص اسم الوليمة بالطعام المتخذ للعرس على وجه يحتاج إطلاقها على غيره الى قيد، كوليمة الختان و نحوه، كسائر المجازات، بخلاف المطلق الذي هو للأول، و إن كان ذلك لا يخلو من نظر أو منع، بل الظاهر تناول اسم الوليمة للجميع، فهي للقدر المشترك حينئذ، نعم قد يقال للطعام المتخذ للولادة:

الخرس و الخرسة، و عند الختان العذيرة و الاعذار، و عند إحداث البناء الوكيزة، و عند قدوم الغائب النقيعة، و للذبح يوم سابع المولود العقيقة، و عند حذاق الصبي الحذاق و هو بفتح أوله و كسره تعلم الصبي القرآن أو العمل، و المأدبة اسم لما يتخذ من غير سبب، لكن ذلك لا تقتضي اختصاص اسم الوليمة، في طعام العرس، بل

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1): «لا وليمة إلا- في خمس: في عرس أو خرس أو عذار أو وكار أو ركاز».

- أى التزويج و النفاس بالولد و الختان و شراء الدار و قدوم الرجل من مكة- يقتضي عدم اختصاصها بذلك، بل لعل التأمل الصادق في نحو هذا التركيب يقتضي ظهوره فيما قلناه من كونها للقدر المشترك، و الأمر سهل، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في جواز نثر المال في الأعراس مأكول و غيره، و ليس من السفه، و السرف، نعم الظاهر عدم ثبوت الاستحباب فيه بالخصوص، كما عن بعض العامة، لكونه من متممات أغراض السرور المطلوب في هذه المواضع، و لا الكراهة لكونه باختلاس و انتهاب و نحو ذلك مما يؤدى الى الوحشة و العداوة، و لأنه قد يأخذه غير من يحب صاحبه، لكن إثباتهما بمثل ذلك كما ترى.

و على كل حال أكل ما ينثر في الأعراس جائز بلا خلاف، و لا إشكال عملا بشاهد الحال الذي عليه السيرة في سائر الأعصار و الأمصار من غير فرق في النثر بين جعله عاما و خاصا بفريق معين، و إن اختص الجواز حينئذ في الثاني بذلك الفريق، كما لو وضعه بين يدي القرى و نحوهم، فلا يجوز لغيرهم الأكل منه إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.

ج 29، ص: 52

باذن المالك.

كما أنه لا يجوز أخذه على وجه النقل إلا بإذن أربابه نطقا أو بشاهد الحال الحاصل من نحو رميه على جهة العموم من غير وضعه على خوان و نحوه، و إلا لم يجز حتى مع اشتباه الحال، لأن الأصل المنع من التصرف في مال الغير إلا بالإذن، فما عن التذكرة من جواز أخذه ما لم يعلم الكراهة لا يخفى ما فيه، و ما

روى عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)«انه حضر في أملاك فأتي بإطباق عليها جوز و لوز فنثرت، فقبضنا أيدينا، فقال: ما لكم لا تأخذون؟ قالوا: لأنك نهيت عن النهب، قال: إنما نهيتكم عن نهب العساكر، خذوا على اسم الله، فجاذبناه و جاذبنا»

غير ثابت، و على تقديره غير دال على ذلك، كما هو واضح.

و كيف كان ف هل يملك المباح آخذه بالأخذ الذي هو بمنزلة الحيازة للمباح الأصلي من المالك الحقيقي؟ الأظهر نعم كما عن المبسوط و المهذب و الإرشاد و التذكرة، للسيرة القطعية في الأعصار و الأمصار على معاملته معاملة المملوك بالبيع و الهبة و الإرث و غيرها، بل هي كذلك في كل مال أعرض عنه صاحبه فضلا عما أباحه مع ذلك، سيما اباحة التملك التي هي متحققة فيما نحن فيه، خلافا لثاني الشهيدين في المسالك فجعله باقيا على ملك مالكه، للأصل حتى يحصل سبب يقتضي النقل، و ما وقع إنما يعلم منه إفادة الإباحة، قال: «و الفرق بينه و بين مباح الأصل واضح، لأن ذلك لا ملك لأحد عليه، فإثبات اليد عليه مع نية التملك كاف في تملكه، بخلاف المملوك إذا أبيح بالإذن، فإن ذلك لا يخرج عن أصل الملك و إثبات يد المأذون له فيه ليس من الأسباب الناقلة شرعا، فيتمسك بالاستصحاب إلى أن يعلم المزيل» و فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، و لعل منه الأنفال التي أباحوها عليهم

السلام لشيعتهم، فإنه لا ريب في تملكهم لها بالحيازة بهذه الإباحة، و من تسلط المالك على ملكه اباحة تملكه.

ثم إنه بعد أن ذكر التفريع على القولين جوز الرجوع به ما دامت عينه باقية


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 288 مع اختلاف يسير.

ج 29، ص: 53

في يد الأخذ، فلو أتلفه و لو بالأكل زال ملك المالك عنه، قال: «و لو نقله الأخذ عن ملكه ببيع و نحوه فالأقوى زوال ملك المالك عنه» و فيه أنه مع فرض بقائه على ملك المالك لا يزيله البيع، بل مقتضاه انتقال الثمن إليه، لأن الفرض عدم حصول سبب يقتضي ملكه له، و الثمن يقوم مقام المبيع للمالك، بل مقتضى ذلك أنه بالموت يرجع الى ورثة المالك أيضا، الى غير ذلك من الأحكام المعلوم خلافها فيما نحن فيه و في نظائره، من المال الذي غرق في البحر و غيره.

ثم قال: «و الكلام في أكل الحاضر منه الذي حكم بجوازه في أنه هل يباح الأكل من غير أن يحكم بالملك أم يملك؟ القولان، و على المختار لا يزول ملك المالك إلا بالازدراد، و مثله الطعام المقدم للضيف و يزيد الضيف عن هذا أنه لا يجوز له التصرف بغير الأكل مطلقا إلا بإذن المالك، نعم يترجح في نحو إطعام السائل و الهرة و إطعام بعضهم بعضا إلى قرائن الأحوال، و هي مما تختلف باختلاف الأشخاص و الأحوال و الأوقات، و جنس الطعام» و فيه أن المباح أكله لا يجرى فيه هذا الكلام، ضرورة كون الفرض اختصاص الإباحة بالأكل الذي لا يتوقف على الملك و لا يزيد هذا عن الضيف، و إطعام السائل و الهرة و غيرها مما ذكره مما جرت السيرة به و قامت القرائن القطعية على تناول الاذن له.

و كيف كان فبناء على عدم الملك فلا ريب في أولويته بما يأخذه، فليس لغيره أخذه منه قهرا بل لو بسط حجره لذلك فوقع فيه شي ء منه لم يبعد أولويته به أيضا، نعم لو سقط منه قبل أخذه ففي سقوط حقه منه وجهان، كما لو وقع في شبكته شي ء ثم أفلت، و لو لم يبسط حجره لذلك، ففي المسالك لم يملك ما يسقط فيه قطعا، و هل يصير أولى به؟ وجهان يأتيان فيما يعشش في ملكه بغير اذنه و يقع في شبكته بغير قصد، و فيه أنه يمكن المناقشة فيما ذكره من القطع بناء على عدم اعتبار نية التملك في الحيازة، ضرورة إمكان دعوى الملك هنا و لو لم يبسط حجره له، بل هو غير بعيد إذا نوى به التملك بعد وقوعه فيه بناء على ما سمعته من التملك بالحيازة، لمثل هذا المباح، كالأصلي و الله العالم.

ج 29، ص: 54

[القسم الثاني يكره الجماع في أوقات ثمانية ليلة خسوف القمر و يوم كسوف الشمس]

الثاني من آداب الخلوة يكره الجماع في أوقات ثمانية ليلة خسوف القمر، و يوم كسوف الشمس، لكراهة التلذذ عندهما، بل قيل: إنه إن صار فيهما ولد كان في ضر و بؤس حتى يموت، و

في خبر سالم عن أبى جعفر عليه السلام (1)«قلت هل يكره الجماع في وقت من الأوقات و إن كان حلالا؟ قال: نعم ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و من مغيب الشمس إلى مغيب الشفق، و في اليوم الذي ينكسف فيه الشمس، و في الليلة التي ينكسف فيها القمر، و في الليلة و اليوم اللذين يكون فيهما الريح السوداء و الريح الحمراء و الريح الصفراء، و اليوم و الليلة اللذين يكون فيهما الزلزلة، و قد بات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عند بعض أزواجه في ليلة انكسف فيها القمر فلم يكن منه في تلك الليلة ما كان يكون منه في غيرها حتى أصبح، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أ لبغض كان هذا منك في هذه الليلة؟ قال: لا، و لكن هذه الآية ظهرت في هذه الليلة، فكرهت أن أتلذذ و ألهو فيها، و قد عير الله أقواما، فقال جل و عز في كتابه وَ إِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ، فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (2).

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: و أيم الله لا يجامع أحد في هذه الأوقات التي نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عنها و قد انتهى اليه الخبر فيرزق ولدا فيرى في ولده ذلك ما يحب».

و كذا يكره عند الزوال بعده حذرا عن الحول، إلا يوم الخميس فيستحب، لأن الشيطان لا يقرب من يقضى بينهما حتى يشيب، و يكون فهما (قيما خ ل)


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 سورة الطور: 52- الآية 44 و 45.

ج 29، ص: 55

و يرزق السلامة في الدين و الدنيا(1).

و عند غروب الشمس أى من مغيبها حتى يذهب الشفق لما سمعته من الخبر(2)المعتضد ب ما ورد(3)في الجماع في الساعة الأولى من الليل من أن الولد يكون ساحرا مؤثرا للدنيا على الآخرة.

و في المحاق مثلثا: و هو ليلتان أو ثلاث آخر الشهر، حذرا من الإسقاط أو جنون الولد و خبله و جذامه (4)خصوصا آخر ليلة منها التي يجتمع فيها كراهتان من حيث كونها من المحاق و كونها آخر الشهر، فإنه يكره الجماع في الليلة الأخيرة منه (5)فتشتد الكراهة لذلك، كما أنها تشتد في خصوص الأخيرتين من شعبان اللتين إن رزق فيهما ولد يكون كذابا أو عشارا أو عونا للظالمين أو يكون هلاك فئام من الناس على يديه (6)و المراد كراهة الوطء في هذه الليالي، سواء كان ليلة الدخول أو


1- 1 الوسائل- الباب- 149- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و الباب- 151- منها الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 162- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 150- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 63 و 64- من أبواب مقدمات النكاح.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب مقدمات النكاح.
6- 6 الوسائل- الباب- 63- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 و فيه هكذا « يا علي لا تجامع أهلك في آخر درجة إذا بقي يومان، فإنه ان قضي بينكما ولد يكون عشارا و عونا للظالمين، و يكون هلاك فئام من الناس على يده» الا أن في البحار- ج 103 ص 282 الطبع الحديث نقلا عن العلل و الأمالي للصدوق قده هكذا « يا على لا تجامع أهلك في آخر درجة منه. فإنه ان قضى بينكما ولد كان مفدما، يا على لا تجامع أهلك على شهوة أختها فإنه ان قضى بينكما ولد يكون عشارا أو عونا للظالم، و يكون هلاك فئام من الناس على يديه».

ج 29، ص: 56

غيرها، كغيره مما تسمع، نعم

عن الكاظم عليه السلام (1)«من تزوج في محاق الشهر فليسلم لسقط الولد»

و التزويج حقيقة في العقد، فيمكن الحكم بكراهتهما معا لذلك أيضا و بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس للخبر السابق (2)و لأنه لا يرى في الولد ما يحب.

و في أول ليلة من كل شهر حذرا من الإسقاط أو الجنون أو الخبل أو الجذام (3)خصوصا ليلة الفطر التي يكون الولد فيها كثير الشر، و لا يلد إلا كبير السن (4)إلا في الليلة الأولى من شهر رمضان فلا كراهة، بل تستحب إعدادا للصيام و إجراء لسنة الإباحة، و

في المرسل قال علي عليه السلام (5): «يستحب للرجل أن يأتي أهله أول ليلة من شهر رمضان، لقول الله عز و جل أُحِلَ (6)- إلى آخرها- و الرفث المجامعة».

- يعني إذا بقي يومان( من شعبان)-

و في ليلة النصف من كل شهر، للإسقاط أو الجنون أو الخبل أو الجذام

(7)و خصوصا نصف شعبان، «فان الولد فيها يكون مشوما ذا شأمة في (8)وجهه

و في السفر إذا لم يكن معه ماء ل يغتسل به إلا أن يخاف على نفسه كما في الخبر(9)و

في آخر(10)«يا على لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام و لياليهن، فإنه إن


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 عن على بن محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام، و رواه عن أبى الحسن عليه السلام في الباب- 63- منها الحديث 1 و فيه « من أتى أهله في محاق الشهر» إلخ.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب- 149- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
6- 6 سورة البقرة: 2- الآية 187.
7- 7 الوسائل- الباب- 64- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0.
8- 8 الوسائل- الباب- 149- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 50- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
10- 10 الوسائل- الباب- 150- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 57

قضى بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم».

و عند هبوب الريح السوداء و الصفراء و الحمراء و الزلزلة لما عرفت، بل عن سلار و ابن سعيد و كل آية مخوفة، و ربما أومأ إليه الخبر السابق(1).

و الجماع و هو عريان الذي هو من فعل الحمار، و تخرج الملائكة من بينهما و يكون الولد جلادا(2).

و عقيب الاحتلام قبل الغسل خوفا من جنون الولد(3)و في المتن و محكي النهاية و

المهذب و الوسيلة و غيرها أو الوضوء أي وضوء الصلاة.

و لم نعرف له سندا كما اعترف به في كشف اللثام نعم لا بأس أن يجامع مرات من غير غسل يتخللها، و يكون غسله أخيرا للأصل، و فعل النبي صلى الله عليه و آله (4)بل فرق في الخبر بأن الاحتلام من الشيطان بخلافه، لكن يستحب غسل الفرج وضوء الصلاة بلا خوف، كما عن المبسوط و روى الوشاء الوضوء عن الرضا عليه السلام (5)و كذا

ابن أبى نجران مرسلا عن الصادق عليه السلام (6)«في الجارية يأتيها ثم يريد إتيان


1- 1 الوسائل الباب- 62- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و ليس فيه « أنه يكون جلادا» و انما ذكر ذلك للمجامعة تحت الشجرة المثمرة في الوسائل في الباب- 149- منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 70- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و 3.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 191.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوضوء الحديث 2 من كتاب الطهارة.
6- 6 ليس في المقام رواية لابن أبى نجران إلا رواية واحدة و هي التي ذكرها بعد هذه بعنوان مرسلة التميمي.

ج 29، ص: 58

أخرى»

و في مرسل التميمي عن أبى عبد الله عليه السلام (1)«إذا أتى الرجل جاريته ثم أراد أن يأتي الأخرى توضأ»

و عن الرسالة الذهبية المنسوبة إلى الرضا عليه السلام (2)«الجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون»

و الظاهر ضم غين الغسل، و يحتمل الفتح.

و يكره أيضا أن يجامع و عنده من ينظر اليه من ذوي العقول على وجه يراهما و يسمع كلامهما و نفسهما كما في النص لإيراثه زنا الناظر، ف

في خبر زيد عن الصادق عليه السلام (3)قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: و الذي نفسي بيده لو أن رجلا يغشى امرأته و في البيت صبي مستيقظ يراهما و يسمع كلامهما و نفسهما ما أفلح أبدا، إن كان غلاما كان زانيا أو جارية كانت زانية، و كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا أراد أن يغشى أهله أغلق الباب و أرخى الستور و أخرج الخدم»

وفي خبر راشد(4)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يجامع الرجل امرأته و لا جاريته و في البيت صبي، فإن ذلك مما يورث الزنا»

نعم لا فرق بين المميز و غيره كما هو مقتضى إطلاق المتن و غيره، لإطلاق النص، و ربما خص بالأول، بل

في خبر النعمان بن علي بن جابر(5)عن الباقر


1- 1 الوسائل- الباب- 155- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 عن عثمان بن عيسى عمن ذكره، و هو سهو، فان الموجود في التهذيب ج 7 ص 459- الرقم 1837- ابن أبى نجران و هو التميمي عمن رواه، و اما عثمان بن عيسى فقد روى رواية أخرى مرسلا ذكرها في التهذيب قبل هذه الرواية، و الظاهر أن صاحب الوسائل اشتبه تلك بهذه الرواية، و لذلك نسبها الى عثمان بن عيسى.
2- 2 المستدرك الباب- 117- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 19.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2 عن عبد الله بن الحسين ابن زيد عن أبيه عن أبى عبد الله عليه السلام.
4- 4 الوسائل الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 عن النعمان بن يعلى عن جابر.

ج 29، ص: 59

عليه السلام «إياك و الجماع حيث يراك صبي يحسن أن يصف حالك، قال: قلت: يا ابن رسول الله كراهة الشنعة؟ قال: لا، فإنك إن رزقت ولدا كان شهرة علما في الفسق و الفجور»

لكن لا ينافي الإطلاق السابق، و يمكن أن يراد بالمميز ما في الخبر و

عن بعض الكتب (1)عن الصادق عليه السلام «نهى أن توطأ المرأة و الصبي في البيت ينظر إليهما»

و ربما احتمل إرادة غير المميز من الصبي و الغلام و الجارية في أكثر النصوص (2)لكونه الذي لا يجتنب عنه غالبا، و يعرف منه حكم الكبير بالأولوية.

و كذا يكره النظر الى فرج المرأة خصوصا باطنه في حال الجماع، بل و غيره بل عن ابن حمزة حرمته عملا بظاهر النهي المحمول على الكراهة قطعا، خصوصا بعد

موثق سماعة(3)«سألته عن الرجل ينظر فرج المرأة و هو يجامعها، قال: لا بأس به إلا أنه يورث العمى»

وخبر أبي حمزة(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام أ ينظر الرجل الى فرج امرأته و هو يجامعها؟ فقال: لا بأس»

وفي خبر إسحاق بن عمار عنه عليه السلام (5)أيضا «في الرجل ينظر إلى امرأته و هي عريانة، قال: لا بأس بذلك، و هل اللذة إلا ذاك؟»

لكن يمكن أن يريد ما عدا الفرج هذا. و قد يستفاد من خبر(6)الوصايا استحباب غض البصر، و الأمر سهل.

و يكره الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها ل

خبر محمد بن العيص (7)«سأل أبا عبد الله عليه السلام، فقال: أجامع و أنا عريان؟ فقال: لا، و لا مستقبل القبلة و لا


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب مقدمات النكاح الحديث- 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و فيه « ينظر في فرج المرأة».
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 59- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 69- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 60

مستدبرها»

والمرسل (1)«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الجماع مستقبل القبلة و مستدبرها»

وفي خبر غياث بن إبراهيم عنه عليه السلام (2)أيضا «أنه كره أن يجامع الرجل مقابل القبلة»

بل في كشف اللثام

عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم (3)لعن المستقبل»

، لكن من الغريب جزمه في أحكام التخلي بحرمة الاستقبال و الاستدبار حال الجماع من غير نقل خلاف مع جزمه هنا بالكراهة كذلك، و هو الصواب، فانا لم نجده لغيره هناك و لا هنا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و الله العالم.

و يكره أيضا الجماع في السفينة للنهي عن ذلك في المرسل (4)و ما قيل من عدم استقرار النطفة.

و الكلام عند الجماع بغير ذكر الله خصوصا الكثير منه، و خصوصا إذا كان من الرجل، للنهى عنه في النصوص (5)و

في بعضها(6)«أنه يورث الخرس في الولد»

الى غير ذلك مما اشتملت عليه النصوص، كالدخول بالمرأة ليلة الأربعاء(7)و الجماع و هو مختضب بل

في خبر سالم (8)عن أبى الحسن عليه السلام «لا يجامع الرجل مختضبا و لا يجامع مع المرأة مختضبة»

و الجماع على الامتلاء و العجوز، بل

في المرسل(9)


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب القبلة- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل الباب- 69- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 69- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 69- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 60- من أبواب مقدمات النكاح.
6- 6 الوسائل الباب- 60- من أبواب مقدمات النكاح.
7- 7 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات النكاح.
8- 8 الوسائل الباب- 23- من أبواب الجنابة الحديث 3 عن سلم مولى على بن يقطين نقلا عن التهذيب، و رواه في المستدرك عن ثاقب المناقب عن على بن يقطين في الباب- 46- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- و رواه في البحار ج 103 ص 289 الطبع الحديث عن سالم مولى على بن يقطين عن على بن يقطين.
9- 9 الوسائل- الباب- 152- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 61

عن الصادق عليه السلام «ثلاث يهدمن البدن و ربما قتلن: دخول الحمام على البطنة، و الغشيان على الامتلاء، و نكاح العجائز».

و في خبر الوصايا(1)«يا على لا تجامع أهلك بعد الظهر، فإنه إن قضي بينكما ولد في ذلك الوقت يكون أحول، و الشيطان يفرح بالحول في الإنسان- إلى أن قال-:

يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك، فإني أخشى إن قضي بينكما ولد أن يكون مخنثا أو مخبلا، يا علي لا تجامع امرأتك إلا و معك خرقة و لأهلك خرقة و لا تمسحا بخرقة واحدة فتقع الشهوة على الشهوة، فإن ذلك يعقب العداوة بينكما، ثم يؤديكما إلى الفرقة و الطلاق، يا علي لا تجامع امرأتك من قيام، فان ذلك من فعل الحمير، فان قضى بينكما ولد كان بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان، يا علي لا تجامع امرأتك في ليلة الأضحى، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون له ستة أصابع أو أربعة أصابع، يا علي لا تجامع امرأتك تحت شجرة مثمرة، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون جلادا قتالا أو عريفا، يا علي لا تجامع امرأتك في وجه الشمس و تلألؤها إلا أن ترخي سترا فيستركما، فإنه إن قضى بينكما ولد لا يزال في بؤس و فقر حتى يموت، يا علي لا تجامع امرأتك بين الأذان و الإقامة، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون حريصا على إهراق الدماء، يا علي إذا حملت امرأتك فلا تجامعها

إلا و أنت على وضوء، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب بخيل اليد، يا علي لا تجامع أهلك على سقوف البنيان، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون منافقا مرائيا مبتدعا، يا علي إذا خرجت فلا تجامع أهلك تلك الليلة، فإنه إن قضي بينكما ولد ينفق ماله في غير حق، و قرء رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ (2)«يا علي لا تجامع أهلك إذا خرجت إلى سفر مسيرة ثلاثة


1- 1 ذكر قطعة منها في الوسائل في الباب- 149- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و بعده في الباب- 150- منها الحديث 1 و قطعة منها في الباب- 151- منها الحديث 1 و تمامه في الفقيه ج 3 ص 359 و 360- الرقم 1712.
2- 2 سورة الإسراء: 17- الآية 27.

ج 29، ص: 62

أيام و لياليهن، فإنه إن قضى بينكما ولد يكون عونا لكل ظالم عليك، يا على عليك أن تجامع ليلة الاثنين، فإنه إن قضي بينكما ولد يكون حافظا لكتاب الله راضيا بما قسم الله عز و جل له، يا على إن جامعت أهلك ليلة الثلثاء فقضي بينكما ولد فإنه يرزق الشهادة بعد شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله، و لا يعذبه الله مع المشركين، و يكون طيب النكهة و الفم، رحيم القلب، سخي اليد، طاهر اللسان من الغيبة و البهتان، يا علي و إن جامعت أهلك ليلة الخميس فقضي بينكما ولد يكون حاكما من الحكام، أو عالما من العلماء، و إن جامعتها يوم الخميس عند الزوال عند كبد السماء فقضى بينكما ولد فان الشيطان لا يقربه حتى يشيب، و يكون قيما، و يرزقه الله السلامة في الدين و الدنيا، يا علي

إن جامعتها ليلة الجمعة و كان بينكما ولد فإنه يكون خطيبا قوالا مفوها، و إن جامعتها يوم الجمعة بعد العصر فقضي بينكما ولد فإنه يكون معروفا مشهورا عالما، و إن جامعتها ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة فإنه يرجى أن يكون الولد من الأبدال إنشاء الله».

لكن في المسالك من هذه الوصية تفوح رائحة الوضع، و قد صرح به بعض النقاد، و في الوافي لا يخفى ما في هذه الوصايا، و بعد مناسبتها لجلالة قدر المخاطب بها، و لذلك قال بعض فقهائنا: إنها مما يشم منه رائحة الوضع، قلت: لعل سوء التعبير من الرواة و أما نفس الحكم فان الله لا يستحيي من الحق هذا.

و في المسالك ما حاصله: «إن التعليل في هذه النصوص بسقط الولد و خبله و جذامه و نحو ذلك، يقتضي اختصاص الكراهة في جماع يمكن فيه حصول ذلك، أما إذا كانت يائسا مثلا فإنه يقوى عدم الكراهة حينئذ، إذ ليس في الباب غير ما ذكر من النصوص، و ليس فيها الحكم بالكراهة مطلقا كما أطلقه الفقهاء».

و فيه أنه لا يخفى على المتأمل في المقام و غيره أن المراد من نحو هذه التعليلات ذكر بعض الحكمة في هذا الحكم المبني على العموم، لا أن المراد منها دوران الحكم مدارها وجودا و عدما و إن لم يفهم أحد من الفقهاء منها ذلك، لعدم كونها مسافة لمثله، بل المتأمل يقطع بعدم إرادة ذلك، كما أن الخبير الممارس لأقوالهم عليهم السلام

ج 29، ص: 63

يعلم ذلك منها أيضا.

ثم إنه قال بعد ذلك: «و ما ذكرناه من تفسير العمى في نظر الفرج ذكره جماعة من الأصحاب، و يحتمل قويا أن يريد به عمى الناظر، إذ ليس هناك ما يدل على إرادة الولد، و لا هو مختص بحالته، و هذا هو الذي رواه العامة(1)في كتبهم، و فهموه، و عليه يحسن عموم الكراهة» و فيه أن حديث الوصايا صريح في التعليل بعمي الولد، مضافا إلى حصول الظن من التعليل لغير ذلك مما يرجع الى الولد، خصوصا الكلام الذي يورث خرسه يكون المراد هنا عمى الولد، و روايات العامة و فهمهم دليل على خلاف الحق، لا عليه.

و لعل هذا المقدار من الكلام في هذا المقام كاف، لكونه من الكراهة، و الأمر فيها سهل، و إلا فلا يخفى كثرة فروع المقام، و كثرة شعب الكلام فيها.

[المبحث الثالث في اللواحق]
اشاره

المبحث الثالث في اللواحق (1) و هي ثلاثة:

[الأول يجوز أن ينظر الى وجه امرأة يريد نكاحها و إن لم يستأذنها]
اشاره

الأول لا خلاف بين المسلمين في أنه يجوز أن ينظر الى وجه امرأة يريد نكاحها و إن لم يستأذنها و كفيها، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض


1- 1 كنز العمال- ج 8 ص 254- الرقم 4152.

ج 29، ص: 64

أو متواتر، كالنصوص من الطرفين، ف

في خبر محمد بن مسلم (1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة أ ينظر إليها، قال: نعم إنما يشتريها بأغلى الثمن»

و في المرسل المروي عن المجازات النبوية(2)للسيد الرضي «إنه صلى الله عليه و آله قال للمغيرة ابن شعبة و قد خطب امرأة: لو نظرت إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما»

وفي آخر(3)«انه قال لرجل من أصحابه و قد خطب امرأة: انظر إلى وجهها و كفيها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما المودة و الألفة»

و في ثالث (4)«من تاقت نفسه الى نكاح امرأة فلينظر منها إلى ما يدعوه إلى نكاحها»

وفي خبر الحسن بن السري (5)عن الصادق عليه السلام «إنه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوجها قال: نعم فلم يعط ماله؟»

و في خبره الآخر(6)عنه عليه السلام أيضا «عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة يتأملها و ينظر إلى خلفها و إلى وجهها، قال: نعم لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلفها و إلى وجهها»

و في صحيح يونس المروي عن العلل (7)عنه عليه السلام أيضا «الرجل يريد أن يتزوج المرأة يجوز أن ينظر إليها، قال:

نعم، و ترقق له الثياب، لأنه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»

و في خبر غياث بن إبراهيم (8)عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام «في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوجها، قال:

لا بأس إنما هو، مستام فان يقض (يقضى خ ل) أمر يكون»

و في مرسل الفضل (9)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: أ ينظر الرجل إلى المرأة يريد تزويجها فينظر الى شعرها و محاسنها؟ قال: لا بأس بذلك، إذا لم يكن متلذذا»

و في خبر عبد الله بن (10)سنان قال:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يريد أن يتزوج المرأة فينظر إلى شعرها؟ فقال: نعم


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 13.
3- 3 المستدرك الباب- 30- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 الا أنه لم يذكر ذيل الحديث.
4- 4 المستدرك الباب- 30- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
8- 8 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
9- 9 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
10- 10 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.

ج 29، ص: 65

إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»

و في حسن هشام و حماد بن عثمان و حفص بن البختري (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا بأس

بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوجها»

الى غير ذلك من النصوص التي يمكن استفادة الندب المتسامح به من الأمر في بعضها، و التعليل بالمودة و الألفة الذي منه يرتفع دعوى انسياق إرادة الإباحة منه، باعتبار كونه في مقام توهم الحظر.

نعم لا ريب في اعتبار كونها ممن يجوز له نكاحها حال النظر، لا نحو ذات البعل و العدة، و إمكان إجابتها عادة، لا المعلوم عدمها، بل قيل باعتبار احتمال إفادة النظر ما لا يعرفه قبله، و لا بأس به اقتصارا على المتيقن المشعر به التعليل، ضرورة عدم الغرر بالنسبة إليه، بل الأولى الاقتصار على من يريد تزويجها خاصة، فلا يكفي إرادة أصل التزويج في الجواز، كما لا يكفي احتمال العزم على تزويجها بعد النظر.

و أما اعتبار عدم اللذة بذلك فينبغي القطع بعدمه، لإطلاق الأدلة، و لعسر التكليف به على وجه تنتفي الحكمة في مشروعية الحكم المزبور، و لذا كان المحكي عن التذكرة التصريح بجواز النظر مع خوف الفتنة، بل ظاهر المقنعة جواز النظر مع التلذذ، قال بعد الحكم بجواز النظر لمريد التزويج و الشراء: «و لا يحل له أن ينظر إلى وجه امرأة ليست له بمحرم ليتلذذ بذلك دون أن يراها للعقد عليها، و لا يجوز له أيضا النظر إلى أمة لا يملكها للتلذذ برؤيتها من غير عزم على ذلك لابتياعها» بل قد يشعر به ما ورد في الأمة عند إرادة الشراء الذي شبه ما نحن فيه بها بقوله عليه السلام «مستام» و نحوه، ف

في خبر حبيب (2)عن الصادق عليه السلام «إنى اعترض جواري المدينة فأمذى، فقال: أما لمن يريد الشراء فليس به بأس، و أما من لا يريد أن يشترى فإني أكرهه»

و التلذذ المذكور في الخبر المزبور إنما يراد منه النظر للتلذذ، لا ما يشمل حصول اللذة به، و إن كان الغرض منه اختيار النكاح لا التلذذ.

و كذا ما في المسالك من أنه «ينبغي أن يكون النظر قبل الخطبة، إذ لو كان


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 29، ص: 66

بعدها و تركها لشق ذلك عليها و أوحشها» و كأنه تبع بذلك الكركي حيث قال:

«و وقت النظر اجتماع هذه الشروط، لا عند الاذن في العقد، و لا عند ركون كل منهما الى صاحبه، و هو وقت تحريم الخطبة على الخطبة، خلافا لبعض العامة، و ينبغي» إلى آخر ما سمعته من المسالك.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله من الاجتهاد في مقابلة النص، كالذي في المتن و غيره من أنه يختص الجواز بوجهها و كفيها بل قيل: إنه المشهور و إن كنا لم نتحققه، خصوصا بعد ما في النهاية «و لا بأس أن ينظر الرجل الى وجه مرأة يريد العقد عليها، و ينظر الى محاسنها و وجهها، و يجوز أن ينظر الى مشيها و جسدها من فوق ثيابها، و لا يجوز له شي ء من ذلك إذا لم يرد العقد عليها» و في الوسيلة «و إذا

أراد أن يملك امرأة جاز له النظر الى محاسنها و مشيها و جسدها من فوق الثياب» بل لعله المراد أيضا مما في المقنعة من النظر الى وجهها و يديها بارزة من الثوب، و إليها ماشية في ثيابها، و في الكفاية: يتجه العمل بما تضمنته النصوص من النظر الى الشعر و المحاسن، و اختاره أيضا المقدس البغدادي و سيد المدارك و المحدث البحراني، و في الرياض العمل بها متجه وفاقا للمشايخ الثلاثة لا سيما القديمين و جمع من الأصحاب.

مع أنك قد عرفت خلو النصوص عن التخصيص المزبور، و انما

في حسن (1)حفص «نفي البأس عن النظر الى الوجه و المعاصم،»

و هو- مع كون المعصم فيه محل السوار غير الكف المحدود عندهم بمفصل الزند- غير مناف لباقي النصوص المتعاضدة بعضها مع بعض المشتركة في التعليل الموافق للاعتبار المقتضى جواز النظر الى جميع بدنها عدا العورة الذي به يزول الغرر و الخطر عنه، لأنه مستام يأخذ بأغلى الثمن، و معط ماله، و مريد للألفة الدائمة، و المودة المستمرة، بل قد يراد بالمحاسن ذلك لا خصوص مواضع الزينة، و لا ما قابل المساوي، خصوصا بعد ظهور بعض (2)نصوص


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان- من كتاب التجارة.

ج 29، ص: 67

شراء الأمة المشبه ما نحن فيه بها في ذلك، بل يمكن إرادة ما يشمل جميع ما تواجه به من الوجه فيه، كما يشعر به خبر ابن السري (1)المقابل للوجه فيه بالخلف، مضافا إلى ما في التخصيص المزبور من منافاة الحكمة التي شرع لها الحكم المزبور، ضرورة عدم تيسر اختصاص النظر إليهما فقط باعتبار عدم انفكاك ذلك عن النظر الى الشعر و العنق و غير ذلك مما هو خارج عن حد الوجه، فلا محيص للفقيه الذي كشف الله عن بصيرته عن القول بجواز النظر الى جميع جسدها بعد تعاضد تلك النصوص و كثرتها، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما الدالة بأنواع الدلالة على ذلك.

و أن له أن يتأملها و أن يكرر النظر إليها إذا لم يكن قد تعمق في الأول، و جواز استفادته منه ما لم يكن قد استفاده من النظر السابق.

و أن ينظرها قائمة و ماشية بل

قوله عليه السلام فيها: «مستام»(2)

و نحوه صريح في كونه كالمشتري الذي يبالغ في النظر للسلعة التي يريد شراءها و يستقصى بالنظر الى كل موضع مطلوب في دفع الثمن له، بل قد يشكل الفرق بين المقام و النظر إلى الأجنبية بناء على اختصاص الجواز بالوجه و الكفين، و أن له التكرار في كل منهما مقيدا ذلك بعدم التلذذ و الريبة، و الفرق بينهما بالاتفاق هنا و الخلاف هناك لا يصلح فارقا، و

من الغريب بعد ذلك قول المصنف و روى جواز أن ينظر الى شعرها و محاسنها بل و أن ينظر إلى جميع جسدها و لكن ينظره من فوق الثياب مشعرا بتمريض الرواية، و ربما علل بعدم صلاحية هذه الرواية للحجة بالإرسال و الجهالة و غيرهما، و قد عرفت أن الرواية الدالة على ذلك بأنواع الدلالة بين الموثق و الصحيح و الحسن و غيرها، بل هي دالة على جواز النظر الى الجسد عارية، نعم في الصحيح المزبور الأمر بترقيق الثياب له، و لا بأس به مع فرض قضاء الغرض به،

قال يونس بن يعقوب (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة و أحب أن


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.

ج 29، ص: 68

ينظر إليها قال: تحتجر- بالمهملة أو المعجمة- ثم لتقعد و ليدخل فلينظر، قال: قلت:

تقوم حتى ينظر إليها، قال: نعم، قلت: فتمشي بين يديه، قال: ما أحب أن تفعل»

بل لا يبعد رجحان الاقتصار على المتعارف من نظر الخطاب للمخطوبة، هذا.

و ربما ألحق بجواز نظره إليها جواز نظرها اليه على حسب نظرة إليها، لاشتراكهما في العلة، بل ربما كانت فيها أتم باعتبار كون

الطلاق بيده دونها، لكن فيه أن العلة كونه مستاما يأخذ بأغلى الثمن، و لا ريب في عدم تحققها بالنسبة إليها و حينئذ فيشكل الإلحاق المزبور بعد حرمة القياس عندنا، اللهم إلا أن يقال بإشعار التعليل بالألفة في بعض النصوص بذلك، لكن في الاكتفاء بمثله عن الخروج عن مقتضى التحريم نظر أو منع، كمنع جواز ذلك لغير مريد التزويج و لو وليا، لقصور الأدلة عن إخراجه عن مقتضى الحرمة، بخلافه في شراء الأمة الشامل له و لغيره عدا الفضولي على الظاهر.

و كذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها مثلا و الى شعرها و محاسنها على المشهور، بل في المسالك دعوى الوفاق عليه، بل و سائر جسدها عدا العورة، بل قيل و يمسها كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في كتاب البيع.

و يجوز أيضا كما عن الشيخين و جماعة بل في المسالك، نسبته إلى المشهور النظر الى نساء أهل الذمة و شعورهن، لأنهن بمنزلة الإماء للمسلمين، باعتبار كونهم كغيرهم فيئا لهم، و إن حرم عليهم بالعارض نكاحهن تبعا لذمة الرجال كالأمة المزوجة و الإماء التي حرمهن ملك المسلمين لهن، أو المراد بمنزلة الإماء للغير لما

في صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبى جعفر عليه السلام «إن أهل الكتاب مماليك الامام»

وخبر زرارة(2)عنه عليه السلام أيضا «إن أهل الكتاب مماليك للإمام، أ لا ترى أنهم يؤدون

الجزية كما يؤدون العبيد الضريبة إلى مواليهم»

بناء على جواز النظر الى


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 1 و هو صحيح أبى بصير عن ابى جعفر عليه السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب العدد الحديث 1 من كتاب الطلاق.

ج 29، ص: 69

أمة الغير، كما صرح به بعضهم، بل هو مقتضى التعليل المزبور الصادر من جماعة، بناء على أن المراد به ذلك، بل في المسالك أنه المشهور مقيدا بكون النظر الى وجهها و كفيها و شعرها خاصة بالقيدين، بل هو ظاهر بعض النصوص المتقدمة في شراء الأمة نحو

قوله عليه السلام: «لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها»(1)

و غيره بل ظاهر النصوص الواردة في مملوكة الوالد (2)المفروغية من كون الإماء يحل منهن لغير المالك في الجملة، بل هو مقتضى السيرة المستمرة في جميع الأعصار و الأمصار، بل قد يشعر به في الجملة أيضا عدم وجوب ستر رأسها في الصلاة، فالأقوى جواز النظر لأمة الغير، و عدم وجوب الستر عما هو متعارف من سيرة المتدينين حتى مع عدم رضا المالك، إذ هو حكم شرعي لا مالكي، و لا ينافي ذلك تقييدهم الجواز بمشتري الأمة فيما تقدم سابقا، إذ يمكن كون ذلك منهم لتعرض النصوص لها، على أنك قد عرفت التوسعة في مشتري الأمة على المختار بخلاف غيرها، نعم يشكل ذلك على من اقتصر في الجواز فيهما على شي ء واحد، هذا.

و لكن قد يشكل أصل الحكم هنا ب

خبر عباد بن صهيب عن الصادق عليه السلام(3)«لا بأس بالنظر إلى نساء أهل تهامة و الأعراب و أهل البوادي من أهل الذمة و العلوج، لأنهن لا ينتهين إذا نهين»

ضرورة ظهوره في كون العلة عدم الانتهاء بالنهي الذي يمكن كون المراد منه عدم وجوب الغض، و عدم حرمة التردد في الأسواق و الزقاق من هذه الجهة، لما في ذلك من العسر و الحرج بعد فرض عدم الانتهاء بالنهي، فهو حينئذ أمر خارج عما نحن فيه، و لذا جمع غيرهن معهن، و ربما يؤيده ترك أهل الذمة في المروي (4)عن الكافي و الفقيه، اللهم إلا أن يكون المراد ذكر التعليل الجامع للجميع، فلا ينافي حينئذ اختصاص أهل الذمة بعلة أخرى هي ما عرفت


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 3 و 5- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 الوسائل الباب- 113- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 مع اختلاف في لفظ الأول.
4- 4 الوسائل الباب- 113- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 مع اختلاف في لفظ الأول.

ج 29، ص: 70

التي قد يومي إليها ما

في خبر السكوني (1)عن أبى عبد الله عليه السلام قال:

«قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا حرمة لنساء أهل الذمة أن ينظر الى شعورهن و أيديهن»

ضرورة ظهور نفي الحرمة في معاملتهن معاملة الدواب المملوكة، و

في خبر أبي البختري المروي (2)عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على عليهم السلام «لا بأس بالنظر الى رؤوس نساء أهل الذمة»

الحديث.

و لكن مع ذلك كله قد منع ابن إدريس من النظر إليهن، لإطلاق الأمر بالغض المقيد بما عرفت، و النهي عن مد العين إلى ما متع أصناف منهم في الكتاب العزيز(3)المعلوم عدم إرادة ما نحن فيه منه، و تبعه الفاضل في المحكي عن مختلفه، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأول أقوى.

نعم لا يجوز ذلك لتلذذ بالنظر و لا لريبة و هي كما في كشف اللثام ما يخطر بالبال من النظر دون التلذذ، ثم قال: أو خوف افتتان، و الفرق بينه و بين الريبة ظاهر مما عرفت، و لذا ذكر الثلاثة في التذكرة، و يمكن تعميم الريبة للافتتان، لأنها من «راب» إذا وقع في الاضطراب، فيمكن أن يكون ترك التعرض له هنا و في التحرير و غيرهما لذلك. قلت: الظاهر أن المراد من الريبة خوف الوقوع معها في محرم، و لعله هو المعبر عنه بخوف الفتنة، فيكون الاقتصار عليهما كما في المتن أجود، و الأمر سهل بعد معلومية الحرمة عند الأصحاب و المفروغية منه، و إشعار النصوص بل ظهورها بل صريح بعضها فيه، فلا وجه للمناقشة في الثاني منهما بعدم ثبوت حرمة ذلك بمجرد

احتمال الوقوع في المحرم، ضرورة كون المستند ما عرفت، لا هذا كما هو واضح.

بل لا يبعد حرمته في نفسه بالنسبة إلى الأجنبية لا من حيث النظر خاصة، و لذا لم يكن إشكال في حرمته بالسمع و اللمس و نحوهما، بل الأحوط و الأولى اجتنابه بالتصور، فضلا عن ذكر الأوصاف و نحوه، و

في وصايا النبي صلى الله عليه و آله لعلي


1- 1 الوسائل الباب- 112- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 112- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 سورة الحجر: 15- الآية 88 و سورة طه: 20- الآية 131.

ج 29، ص: 71

عليه السلام (1)«يا علي لا تجامع امرأتك بشهوة امرأة غيرك فإني أخشى إن قضى بينكما ولد أن يكون مخنثا مخبلا»

و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه يجوز أن ينظر الرجل الى مثله ما خلا عورته الواجب عليه سترها في الصلاة شيخا كان أو شابا حسنا أو قبيحا ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ، و كذا المرأة بالنسبة إلى المرأة، بل في المسالك هو موضع وفاق، بل لعله من ضروريات الدين المعلومة باستمرار عمل المسلمين عليه في جميع الأعصار و الأمصار، و قد

روي (2)«أن وفدا قدموا على رسول الله صلى الله عليه و آله و فيهم غلام حسن الوجه فأجلسه من ورائه و كان ذلك بمرأى من الحاضرين»

و لم يأمره بالاحتجاب عن الناس، و إجلاسه وراءه تنزها منه صلى الله عليه و آله و تعففا و تعليما للناس.

بل منه يعلم كإطلاق المصنف و غيره في المقام و غيره عدم الفرق في التلذذ المحرم للنظر بين كونه لهيجان مادة الجماع و بين غيره و لو من حيث انه ولد حسن، فما يستعمله بعض الناس من التلذذ بالنظر الى حسان الوجوه من الأولاد معتذرا عن ذلك بأن التلذذ الحاصل منه كالتلذذ بالنظر الى البناء الحسن و نحوه من مكائد الشيطان و حبائله و مصائده، أعاذنا الله تعالى من ذلك، مع ظني أن ذلك عذر يعتذر به عند الناس، و إلا فلا عذر له عند العالم بالبواطن، و على فرضه لا يبعد جوازه على إشكال.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره بل هو المشهور عدم الفرق في جواز نظر المرأة إلى مثلها بين المسلمة و الكافرة، بل هو الذي استمرت عليه السيرة و الطريقة، خلافا لما عن الشيخ في أحد قوليه، من أن الذمية لا تنظر إلى المسلمة حتى الوجه و الكفين، فيجب عليها حينئذ الستر منها، لقوله تعالى (3)«وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَ-


1- 1 الوسائل الباب- 150- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 رواه ابن قدامة في المغني- ج 7 ص 463 عن أبى حفص.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 31.

ج 29، ص: 72

الى قوله تعالى- أَوْ نِسائِهِنَ» و الذمية ليست منهن، فعلى ذلك ليس للمسلمة أن تدخل مع الذمية إلى الحمام، بل مقتضى دليله عدم جواز ذلك لغير الذمية من الكفار، كما هو

مقتضى ما حكاه عنه و عن الطبرسي و الراوندي في كشف اللثام، مستثنيين من ذلك الأمة، بل فيه «و هو قوي» ثم حكى عن التذكرة قوة الجواز في الذمية، للأصل و عدم العلم بكون نسائهن بذلك المعنى، و لم يتعرض للكافرة، لكن في المسالك الأشهر الجواز، و أن المراد بنسائهن من في خدمتهن من الحرائر و الإماء، فيشمل الكافرة، و لا فارق بين من في خدمتها منهن و غيرها. قلت: قد عرفت المحكي عن الشيخ و من تبعه من استثناء الأمة، نعم يقوى الجواز للأصل و السيرة المستمرة، و احتمال إرادة مطلق النساء من نسائهن، على أن يكون بيان جواز إبداء زينتهن لأمثالهن، قال في الكشاف: الظاهر أنه عنى بنسائهن أو ما ملكت أيمانهن من في صحبتهن و خدمتهن من الحرائر و الإماء فكأنه قال سبحانه: النساء سواء في حل نظر بعضهن الى بعض، بل ربما كان

في خبر حفص بن البختري (1)عن الصادق عليه السلام «لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية و النصرانية، فإنهن يصفن ذلك لأزواجهن»

دلالة عليه من التعبير بلفظ «لا ينبغي» و من التعليل، مضافا إلى ما فيه من العسر و الحرج، خصوصا في الزمان السابق، لكن لا ينكر ظهوره في كراهة التكشف لهن، و الله العالم.

و للرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطنا و ظاهرا بتلذذ و بدونه حتى العورة على الأصح و إن كره، للنهى عنه المحمول عليها، و في كشف

اللثام ربما يرشد اليه قوله تعالى (2)«فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما» و قوله تعالى (3)«فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما» و قوله تعالى (4)«يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما» و فيه ما لا يخفى.

و كذا له أن ينظر إلى المحارم التي يحرم عليه نكاحهن نسبا أو


1- 1 الوسائل- الباب- 98- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 سورة الأعراف: 7- الآية 20.
3- 3 سورة طه: 20- الآية 121.
4- 4 سورة الأعراف: 7- الآية 27.

ج 29، ص: 73

رضاعا أو مصاهرة أو ملكا ما عدا العورة مع عدم تلذذ و ريبة، و كذا للمرأة أن تنظر إلى جسد زوجها ظاهرا و باطنا حتى العورة بتلذذ و بدونه، و إلى المحارم عدا العورة مع عدم التلذذ و الريبة، بلا خلاف في شي ء من ذلك، بل هو من الضروريات، فما عن الشافعية في وجه و الفاضل في آخر حد المحارب، و ظاهر التحرير من أنه ليس للمحرم التطلع في العورة و الجسد عاريا واضح الضعف، و إن كان

في خبر أبي الجارود(1)عن أبى جعفر عليه السلام المروي عن تفسير على بن إبراهيم في قوله تعالى (2): وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا ما ظَهَرَ مِنْها «فهو الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكف و السوار، و الزينة ثلاث: زينة للناس و زينة للمحرم و زينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه، و أما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها و الدملج و ما دونه و

الخلخال و ما سفل منه، و أما زينة الزوج فالجسد كله»

لكنه محمول على خصوص الزينة بعنوان الأولوية كما هو واضح.

و لو اشتبهت الأجنبية بالمحرمة على وجه الامتزاج وجب الاجتناب مع الحصر، بناء على المقدمة، و مع عدم الحصر لا يجب، كما صرح به الفاضل، في القواعد و الكركي، بل صرح الأخير منهما بأن له تكرار النكاح بعد الطلاق إلا إذا فحش، فان فيه ترددا، ثم قال: و لو بقي بعد تكرار النكاح عدد محصور فالمنع قريب، مع احتمال الجواز إلى أن تبقى واحدة استصحابا لما كان، و لأن الاشتباه في المجموع.

قلت: تفصيل الحال في سورة الامتزاج أن الصورة أربعة كما ذكرناه في غير المقام.

(الأولى) اشتباه المحصور في المحصور، على معنى محارم محصورة امتزجت مع أجنبيات كذلك، و لا ريب في وجوب الاجتناب بناء على المقدمة.

(الثانية) محارم غير محصورة في أجنبيات محصورة، و الاجتناب فيها أولى من الأولى.


1- 1 المستدرك الباب- 84- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 31.

ج 29، ص: 74

(الثالثة) محارم محصورة في أجنبيات غير محصورة، و حكمها عدم الاجتناب على ما سمعته من الفاضل و الكركي، بل هو مقتضى غيرهما أيضا.

(الرابعة) أن يكون كل منهما غير محصور و امتزج الجميع، فقد يتخيل في بادئ النظر أن الحكم فيها الحل، تمسكا بأصل البراءة، و قاعدة

«كل شي ء يكون فيه حلال و حرام»(1)

و لكن فيه أنه متجه إذا لم يكن قد جعل الشارع للحل عنوانا كما جعله للمحرم، و نحو أواني خمر غير محصورة اشتبهت بغيرها من المحلل، أما إذا جعل له عنوانا كما في النكاح فإنه قد جعل الحلال ما رواء المحرم، فيعتبر حينئذ في ترتب أثر العقد كون المعقودة ممن هي وراء المحرمات، و الشك فيها يقتضي الشك في ترتب أثر العقد الذي مقتضى الأصل عدمه، فالمتجه المنع، و كذا الحال في غير المقام مما جعل الشارع فيه العنوان شيئا وجوديا لا يمكن تنقيحه بالأصل المعارض بمثله، بل قد يتجه نحو ذلك في الصورة الثالثة، خصوصا مع الشك بكون الفرد من المحرم فضلا عن الظن، اللهم إلا أن يدعى أن الشارع أعطى حكم غير المحصور للمحصور المشتبه فيه، من غير فرق بين الحل و الحرمة و غيرهما على وجه يحكم على القاعدة المزبورة، لكنه لا يخلو من تأمل.

و المتجه الاقتصار فيه على ما جرت السيرة و الطريقة بعدم اجتنابه و لو للعسر و الحرج و نحوهما دون غيره، و من هنا يتوجه المنع فيما لو بقي عدد محصور من غير المحصور فضلا عما لو بقي فرد واحد منه، هذا كله في الممتزج.

أما الفرد المتحد المشتبه ابتداء بين المحرم و الأجنبية فإن كان الاشتباه باحتمال عروض ما يقتضي تحريمها بالرضاع و احتمال تولد من الأب أو الأم أو نكاح من الأب أو نحو ذلك مما يمكن نفيه بالأصل فلا ريب في أن المتجه عدم الاجتناب، و لعل منه

قوله عليه السلام(2): «تنكح المرأة و لعلها أختك برضاع أو نسب، و تشترى العبد و لعله حر خدع»

و إن كان الاشتباه لغير ذلك كالأم مثلا فان رجع إلى الشبهة الغير


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يكتسب به الحديث 4- و الحديث نقل بالمعنى.

ج 29، ص: 75

المحصورة، بأن يكون له أم لا يعرفها في الناس فحكمها ما عرفت، و إن رجع إلى غير ذلك بأن كانت الامرأة دائرة بين الأجنبية و لا أم له غيرها فيحل له نكاحها، و بين أن تكون هي الأم فالمتجه حينئذ الاجتناب، لكونه بحكم الشبهة المحصورة، مضافا الى ما سمعته من القاعدة، و لعل هذا هو المراد من إطلاق بعضهم وجوب الاجتناب إذا اشتبهت الأجنبية بالمحرم في الفرد المتحد، فتأمل جيدا، و الله العالم.

ثم من المعلوم أن المملوكة في حكم الزوجة مع جواز نكاحها، نعم لو كانت مزوجة للغير أو مرتدة أو مجوسية في قول أو وثنية أو مكاتبة في وجه أو مشتركة لم تكن كذلك، أما

لو كانت مؤجرة أو مستبرأة أو مرهونة أو معتدة عن وطء شبهة فإنها كذلك على الأقوى، إذ حرمة وطئها فيما يحرم من ذلك كحرمة وطيها حال الحيض أو الصوم أو غيرهما، و ربما يأتي لذلك تتمة في محله إنشاء الله.

و لا ينظر الى جسد الأجنبية و محاسنها أصلا إلا لضرورة إجماعا، بل ضرورة من المذهب و الدين، نعم يجوز عند جماعة أن ينظر الى وجهها و كفيها من دون تلذذ و لا خوف ريبة أو افتنان، لأنهما المراد مما ظهر منها، كما اعترف به غير واحد، بل عن مسعدة بن زياد

في الصحيح المروي (1)عن قرب الاسناد إنه قال: «سمعت جعفرا عليه السلام و قد سئل عما تظهر المرأة من زينتها، قال: الوجه و الكفين»

مؤيدا بما عن

علي بن جعفر عليه السلام (2)عن أخيه عليه السلام بإسناد معتبر أيضا على ما قيل قال: «سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر اليه من المرأة التي لا تحل له؟ قال: الوجه و الكفين»

و المرسل عن الصادق عليه السلام (3)«قلت له: ما يحل للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرما؟

قال: الوجه و الكفان و القدمان»

و عن جامع الجوامع عنهم عليهم السلام (4)في تفسير ما


1- 1 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
2- 2 البحار ج 104 ص 34 الطبع الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
4- 4 تفسير جوامع الجامع ذيل الآية 31 من سورة النور: 24.

ج 29، ص: 76

ظهر «أنه الكفان و الأصابع»

وفي خبر أبى الجارود(1)عن أبى جعفر عليه السلام «هو الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكفين و السوار، و الزينة ثلاث: زينة للناس، و زينة للمحرم و زينة للزوج، فأما زينة الناس فقد ذكرناه، و أما زينة المحرم فموضع القلادة فما فوقها و الدملج فما دونه و الخلخال و ما أسفل منه، و أما زينة الزوج فالجسد كله»

وعن زرارة(2)«سألته عن أبى عبد الله عليه السلام «الزينة الظاهرة الكحل و الخاتم»

وعن أبى بصير(3)«سألته عن ذلك، فقال الخاتم و المسكة، و هي القلب»

أى السوار، و

في صحيح المفضل (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن الذراعين هما من الزينة التي قال الله تعالى وَ لا يُبْدِينَ؟ قال: نعم و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوار»

بناء على أن المراد مما فوقهما، أى الوجه و الكف من الزينة الظاهرة المستثناة، بخلاف ما دونهما كالعنق و الذراع، و

صحيح ابن سويد(5)«قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنى مبتلى بالنظر الى الامرأة الجميلة فيعجبني النظر إليها، فقال: يا على لا بأس إذا عرف الله من نيتك الصدق، و إياك و الزنا».

و لعله لذلك ذكر من في آية الغض و النصوص المتقدمة في الإحرام التي منها

«أن أبا جعفر عليه السلام مر بامرأة محرمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بقضيبه عن وجهها»(6)

و خبر جابر(7)عن أبى جعفر عليه السلام عن جابر الأنصاري قال:

«خرج رسول الله صلى الله عليه و آله يريد فاطمة و أنا معه، فلما انتهينا الى الباب وضع يده عليه فدفعه، ثم قال: السلام عليك، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول الله صلى الله عليه و آله، قال:

أدخل؟ قالت: ادخل يا رسول الله، قال: أدخل أنا و من معى؟ فقالت: يا رسول الله ليس علي قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك و قنعي به رأسك، ففعلت- الى أن قال- فدخل


1- 1 المستدرك الباب- 84- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب النكاح المحرم الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 من كتاب الحج.
7- 7 الوسائل الباب- 120- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 77

رسول الله صلى الله عليه و آله و دخلت أنا و إذا وجه فاطمة أصفر كأنه بطن جرادة فقال رسول الله

صلى الله عليه و آله: ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله الجوع، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: اللهم مشبع الجوعة و دافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمد، قال جابر:

فو الله لنظرت الى الدم ينحدر من قصاصها حتى وجهها أحمر»

الحديث.

كل ذلك مضافا الى ما يشعر به كثرة السؤال عن الشعر و الذراع دون الوجه و الكف مع شدة الابتلاء بهما من معلومية الجواز فيهما دون العدم المعلوم أولوية الشعر و الذراع منه، و الى السيرة في جميع الأعصار و الأمصار على عدم معاملة الوجه و الكفين من المرأة معاملة العورة، و لذا لم تسترهما في الصلاة، و الى العسر و الحرج في اجتناب ذلك، لمزاولتهن البيع و الشراء و غيرهما.

و قيل: لا يجوز مطلقا، و اختاره الفاضل في التذكرة و غيره، لإطلاق آية الغض و معلومية كون المرأة عورة، بل في كنز العرفان تعليل ما اختاره من التحريم بإطباق الفقهاء على أن بدن المرأة عورة إلا على الزوج و المحارم، و ما تشعر به آية الحجاب (1)و آية الرخصة للقواعد من النساء(2)، و سيرة المتدينين من الستر، و

المروي عن الكافي بطريقين (3)عن الصادقين عليهما السلام انهما قالا: «ما من أحد إلا

يصيب حظا من الزنا، فزنا العين النظر، و زنا الفم القبلة، و زنا اليدين اللمس»

و لأمرها بالتنقب عند إرادة الشهادة عليها التي هي من الضرورة في مكاتبة(4)الصفار الآتية

و ما دل على النهي عن النظر(5)«و انه سهم من سهام إبليس»

و خبر سعيد الإسكافي (6)عن أبى جعفر عليه السلام قال: «استقبل شاب من الأنصار امرأة بالمدينة و كان النساء يتقنعن خلف آذانهن فنظر إليها و هي مقبلة، فلما جازت نظر إليها و دخل في زقاق، و قد سماه ببني فلان، فجعل ينظر خلفها، و اعترض وجهه عظم


1- 1 سورة النور: 24- الآية 31.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 60.
3- 3 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
4- 4 الفقيه ج 3 ص 40- الرقم 132.
5- 5 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 0.
6- 6 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4. عن سعد الإسكاف.

ج 29، ص: 78

في الحائط أو زجاجة فشق وجهه، فلما مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على صدره و ثوبه، فقال: و الله لآتين رسول الله صلى الله عليه و آله و لأخبرنه، قال: فأتاه، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله قال له: ما هذا؟ فأخبره فهبط جبرئيل بآية الغض».

و لمناسبة ذلك البعد عن الوقوع في الزنا و الافتتان و نحوهما المعلوم من الشارع إرادة عدمهما، و لذا حرم ما يحتمل إيصاله إليهما من النظر و نحوه، و

كان أمير المؤمنين عليه السلام «يترك السلام على الشابة لئلا يسمع صوتها»(1)

بل التقييد من المجوز بعدم خوف الفتنة و الريبة قاض بعدم الجواز غالبا، ضرورة حصول الخوف بالنظر الى كل امرأة لم يعلم حالها، فيحرم حينئذ، و يختص الجواز بمن يأمن ذلك بالنظر إليها من الأفراد الغير الغالبة، مع أن دليله قاض بالإطلاق على وجه لو حمل على خصوص هذه الأفراد لكان من المأول الذي لا حجة فيه، و تفسير ما ظهر منها بما عرفت كاف في عدم الوثوق، ضرورة اختلافه اختلافا لا يرجى جمعه مع ضعف السند في جملة منه، فلا يبعد إرادة الثياب الظاهرة منه.

و الصحيح الأول (2)إنما يقضى بجواز إظهار المرأة الوجه و الكفين، و هو أعم من النظر، إذ يمكن رفع الشارع وجوب الستر عليها بمجرد احتمال الناظر و مظنته، للعسر و الحرج، بخلاف باقي البدن، و إن وجب على الناظر الغض، كما عساه يقال في بدن الرجل بالنسبة إلى المرأة، فإنه لا يجب عليه الستر منها و إن حرم عليها النظر اليه.

و الخبر الآخر(3)مع عدم ثبوت اعتبار سنده قاصر عن معارضة أدلة الحرمة من وجوه، و محتمل لإرادة النظر الاتفاقي الذي يكون مقدماته اختيارية، على معنى أنه لا يجب على الرجل الغض باحتمال وقوع نظره على وجه أجنبية و كفيها، أو مظنته، للعسر و الحرج، و إن وجب عليه ذلك بالنسبة إلى باقي بدنها،


1- 1 الوسائل الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 109- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
3- 3 البحار ج 104 ص 34- الطبع الحديث.

ج 29، ص: 79

كما يجب عليه ستر عورته باحتمال وجود الناظر الاتفاقي أو مظنته، و يحتمل أيضا إرادة بيان حلية ذلك في الجملة و لو للقواعد من النساء أو لغير أولى الإربة من الرجال، و لغير ذلك.

و صحيح ابن سويد(1)محمول على إرادة إني مبتلى باتفاق وقوع النظر إلى الامرأة الجميلة، و أنه يحصل له بعد ذلك لذة، فأجابه بنفي البأس إذا عرف الله من نيتك الصدق، و أنك غير متعمد لذلك، ثم حذره عن الزنا، أى عن النظر الذي يخاف منه ذلك، أو أن المراد إياك و زنا العين، أى تعمد النظر للتلذذ و نحوه، لا أن المراد الرخصة له في النظر إلى الامرأة الجميلة التي يعجبه النظر إليها الذي يمكن دعوى الضرورة على عدم جوازه، و الضرورة على عدم وقوع ذلك من الامام عليه السلام الذي من عادته الحث و الترغيب في عدم ذلك،

قال الصادق عليه السلام (2)«من نظر الى امرأة فرفع بصره الى السماء أو غض بصره لم يرتد اليه طرفه حتى يزوجه الله من حور العين»

وفي خبر آخر(3)«حتى يعقبه الله إيمانا يجد طعمه»

و المراد بمن نظر الى آخره من وقع نظره اتفاقا، و منه ينقدح احتمال إرادة ذلك من

أدلة الجواز، و دعوى- عدم صلاحية النظر الاتفاقي لأن يكون موضوعا لحكم شرعي و لو الإباحة- يدفعها منع ذلك باعتبار مقدماته بالمعنى الذي ذكرناه سابقا.

و نصوص الإحرام (4)انما هو لحكم الإحرام من حيث إن إحرامها في وجهها، فلا يجوز وضع شي ء عليه و إن وجب عليها الستر بما لا يمسه، كما هو المتعارف الآن في إحرام النساء المتدينات.

و خبر(5)فاطمة عليهما السلام يمكن أن يكون بالنظر الاتفاقي، أو لغير ذلك، و إلا فمن المستبعد نظره العمدي إليها بمحضر من رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، بل يمكن القطع


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النكاح المحرم الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل الباب- 120- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 80

بعدمه، ضرورة معلومية كون الأولى خلافه من سائر النساء و الرجال، فضلا عن سيدة النساء و جابر، بل

في حديث آخر(1)«انها قالت للنبي صلى الله عليه و آله و سلم: خير النساء أن لا يرين الرجال و لا يراهن الرجال، فقال صلى الله عليه و آله: فاطمة مني».

و كثرة السؤال عن الشعر و الذراع لملازمتهما النظر الى الوجه و الكف غالبا فاكتفى بالنهي عنهما عن حكمهما، على أنه إشعار لا يعارض ما سمعت من الأدلة، و السيرة و الطريقة معارضة بمثلها من المتدينات و

المتدينين في جميع الأعصار و الأمصار، بل لعل التطلع الى وجوه النساء المستترات من المنكرات في دين الإسلام.

و العسر و الحرج في مثل الأعراب الذين لا ينتهون إذا نهوا مرتفع بعدم وجوب الغض عنهم، و عدم البأس مع اتفاق وقوع النظر عليهم، فلا ريب في أن ترك النظر أحوط و أقوى.

و أما ما ذكره المصنف من جوازه على كراهية مرة واحدة و حينئذ ف لا يجوز معاودة النظر في مجلس واحد، بل و لا إطالته فهو أضعف قول في المسألة، و إن قيل: انه وجه جمع بين ما دل على الجواز و ما دل على عدمه، بشهادة

النبوي (2)«لا تتبع النظرة النظرة، فإن الأولى لك و الثانية عليك، و الثالثة فيها الهلاك»

و عن العيون روايته (3)بدل «فإن» الى آخره «فليس لك يا على إلا أول نظرة»

و خبر الكاهلي (4)عن الصادق عليه السلام «النظرة بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة»

مؤيدا ذلك بما في تكرار النظر أو إطالته من خوف الفتنة بخلاف النظرة الأولى الصادرة عن غير شهوة.


1- 1 الوسائل الباب- 129- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 و الظاهر أنه ليس بنبوى فإنه عن الفقيه بعد نقل رواية عن ابى عبد الله عليه السلام قال:« و قال عليه السلام: أول نظرة لك و الثانية عليك و لا لك و الثالثة فيها الهلاك».
3- 3 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 104- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.

ج 29، ص: 81

لكنه كما ترى تأباه أدلة كلا الطرفين، على أن محل البحث في أن الوجه و الكفين عورة بالنسبة إلى النظر أو ليسا بعورة كما في الصلاة و إن يزيد القدمان فيها معهما، فدعوى كونهما ليسا بعورة في النظر الأولى العمدي دون الثاني واضح الضعف.

على أن محل البحث مع الأمن من الفتنة، فلا وجه للفرق بينهما بذلك، كما أنه لا وجه للحكم على إطلاق تلك الأدلة كتابا و سنة بالمراسيل الغير الظاهرة الدلالة، بل يمكن دعوى ظهورها في إرادة النهي عن اتباع النظر الاتفاقي بالنظر العمدي، كما هو الواقع غالبا، فيكون حينئذ دليلا للمختار.

و كيف كان ففي المتن و غيره و كذا الحكم في نظر المرأة الى الرجل، و أنه غير جائز إلا إلى وجهه و كفيه مرة عند المصنف و من وافقه، قيل: لوجود المقتضى فيهما، و لقوله تعالى (1)«قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ» لكن فيه- بعد الإغضاء عن اقتضاء ذلك التفصيل الذي ذكره المصنف- أن مقتضى المنع من الآية و غيرها متحقق إنما الكلام في الاستثناء، و ليس إلا دعوى التلازم، و أنه متى جاز له النظر الى ذلك منها جاز لها النظر إليهما منه، و فيه منع إن لم يكن إجماعا كما ادعاه في الرياض، قال: «تتحد المرأة مع الرجل، فتمنع في محل المنع، و لا تمنع في غيره إجماعا» و في محكي التذكرة منع أكثر علماؤنا نظر المرأة الي الرجل كالعكس، فلا يجوز لها النظر إلا إلى وجهه و

كفيه، بل قد يشهد له انسياق اتحاد المراد من لفظ «من» في الآية، فبناء على إرادة ما عدا الوجه و الكفين منها في المؤمن يتجه ارادة ذلك في المؤمنات، مضافا إلى دعوى العسر و الحرج، و إن كان فيهما معا منع، إلا أنه يسهل الخطب عندنا ما عرفته من أن الأقوى الحرمة، فيحرم حينئذ ذلك منها أيضا كما يحرم منه.

أما مع التلذذ و الفتنة فلا إشكال و لا خلاف في حرمته، و لعل منه المروي


1- 1 سورة النور: 24- الآية 31.

ج 29، ص: 82

في عقاب الأعمال(1): قال «اشتد غضب الله على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها و غير ذي محرم منها، فإنها إن فعلت ذلك أحبط الله كل عمل عملته.»

نعم في المسالك تبعا لجامع المقاصد لا بد من استثناء الصغيرة التي ليست مظنة الشهوة من الحكم، و كذا العجوز المسنة البالغة حدا ينتفي الفتنة و التلذذ بنظرها غالبا على الأقوى، لقوله تعالى (2)«وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ» و من استثناء غير المميز بالنسبة إلى المرأة، و هو الذي لم يبلغ مبلغا بحيث يصلح لأن يحكي ما يرى، لقوله تعالى «أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا» إلى آخره، و لأنه حينئذ بمنزلة سائر الحيوانات.

و أما المميز فان كان فيه ثوران شهوة و تشوق فهو كالبالغ في النظر، فيجب على الولي(3)

منعه منه، و على الأجنبية التستر عنه، و إلا ففي جوازه قولان: من إيذان استئذان من لم يبلغ الحلم في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة التكشف و التبذل دون غيرها بالجواز، و من عموم قوله تعالى «أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ» فيدخل غيره في النهي عن إبداء الزينة له، و هذا أقوى، و الأمر بالاستئذان في تلك الأوقات لا يقتضي جواز النظر، كما لا يخفى. هذا كله مع الاختيار، أما مع الاضطرار فسيأتي.

قلت: قد يقال: إن حكم العورة في الصبي و الصبية محدود بالبلوغ الذي هو أول تحقق اسم المؤمن و المؤمنة و الرجل و الامرأة، فقبله ليستا بعورة لكل من الرجل و المرأة مطلقا، نعم يحرم التلذذ لكل منهما و نحوه، إنما البحث من حيث حكم العورة،

قال البجلي : «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممن ليس بينها و بينه محرم؟ و متى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال: لا تغطي رأسها حتى تحرم عليها الصلاة»

يعني حتى تحيض أى تبلغ،


1- 1 الوسائل الباب- 129- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 31.
3- 3 الوسائل الباب- 126- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 83

بناء على أن المراد منه عدم حرمة النظر على من ليس بينه و بينها محرم، و

قال الرضا عليه السلام في صحيح البزنطي (1)الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه و أقروا له بالفقه المروي في الفقيه: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين، و لا تغطي المرأة شعرها منه حتى يحتلم»

و نحوه

صحيحه الآخر المروي (2)عن قرب الاسناد عن الرضا عليه السلام أيضا «لا تغطي المرأة رأسها عن الغلام حتى يبلغ الحلم»

متمما ذلك بعدم القول بالفصل و معتضدا بالأصل بمعنى الاستصحاب، بل و غيره بناء على انسياق غير الصبي و الصبية من الأدلة و مؤيدا بما يشعر به آية الاستئذان في الأوقات الثلاثة دون غيرها المحمول على ضرب من الأدب في الثلاثة، مضافا الى مفهوم قوله تعالى (3)فيها «وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا» الى آخرها. بل لعل ذلك هو المراد من الظهور على عورات النساء، بمعنى القوة على نكاحهن، فلا ينافي حينئذ ما يستفاد من الآية الثانية من كون الاعتبار في التستر منه و الاستئذان في غير الأوقات الثلاثة الحلم، بل حمل الآية على ذلك أولى من حمل الصحيحين على غير المميز الذي لا يحسن أن يصف، لكونهما كالصريحين بخلافه.

نعم ينبغي عدم وضع الصبية في الحجر و تقبيلها إذا كان قد أتى لها ست سنين بل خمس، فان ذلك ربما يثير الشهوة، ف

في مضمر أبي أحمد الكاهلي (4)«سألته عن جويرية ليس بيني و بينها محرم تغشاني فأحملها و أقبلها، فقال: إذا أتى عليها ست سنين فلا تضعها في حجرك»

و رواه

في الفقيه عنه (5)أنه قال: «سأل أحمد بن النعمان أبا عبد الله عليه السلام، فقال له: جويرية ليس بيني و بينها رحم و لها ست سنين، قال: لا


1- 1 الوسائل الباب- 126- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 126- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 « حتى يبلغ الحلم».
3- 3 سورة النور: 24- الآية 59.
4- 4 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 أشار إليه في الوسائل الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- و الفقيه ج 3 ص 275 الرقم 1307 و لكن فيه « سأل محمد بن النعمان».

ج 29، ص: 84

تضعها في حجرك»

وفي خبر زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام (1)قال: «إذا بلغت الجارية الحرة ست سنين فلا ينبغي لك أن تقبلها»

وفي خبر هارون بن مسلم عن بعض رجاله (2)عن أبى الحسن الرضا عليه السلام «إن بعض بنى هاشم دعاه مع جماعة من أهله، فأتى بصبية له فأدناها أهل المجلس جميعا إليهم، فلما دنت منه سأل عن سنها فقيل:

خمس فنحاها عنه»

و في مرسل عتبة(3)قال: «كان أبو الحسن الماضي عليه السلام عند محمد بن إبراهيم و الي مكة، و هو زوج فاطمة بنت أبي عبد الله عليه السلام، و كانت لمحمد بن إبراهيم بنت يلبسها الثياب، و تجي ء إلى الرجال فيأخذها الرجل و يضعها اليه، فلما تناهت الى أبى الحسن عليه السلام أمسكها بيديه ممدودتين، قال: إذا أنت على الجارية ست سنين لم يجز أن يقبلها رجل ليس بمحرم، و لا يضمها إليه»

و في مرفوع زكريا المؤمن (4)قال أبو عبد الله عليه السلام: «إذا بلغت الجارية ست سنين فلا يقبلها الغلام، و الغلام لا يقبل المرأة إذا جاز سبع سنين»

و لا يخفى عليك ما في تخصيص القبلة و الوضع بالحجر بالنهي، مع التعبير بلفظ «لا ينبغي» من التلويح بجواز النظر الذي يدل عليه الأصل بمعنى الاستصحاب و غيره، خصوصا مع عدم أمر الرضا عليه السلام بالغض عن الجارية، بل لا يخفى أن النهي عن ذلك لما فيه من تخوف الفتنة، نحو

قول على عليه السلام في خبر(5)غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام: «مباشرة الامرأة بنتها إذا بلغت ست سنين شعبة من الزنا»

كل ذلك مضافا الى ما جاء من تغسيل الرجل بنت خمس سنين.

و بالجملة يمكن اشتراط حرمة النظر من حيث العورة بالبلوغ إن لم يكن إجماعا، و ربما أيد ذلك السيرة المستمرة، نعم لا يمكن رجحان التجنب عن الصبي المميز القابل للتلذذ، الظاهر عليه ذلك كما يتفق في بعض الأولاد، بل ظاهر غير واحد من الأصحاب المفروغية من وجوب التستر عليه (عنه خ ل) و منع الولي إياه،


1- 1 الوسائل الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6 عن على بن عقبة عن بعض أصحابنا.
4- 4 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 127- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.

ج 29، ص: 85

بل في جامع المقاصد نفي الخلاف فيه بين أهل الإسلام، كما أن فيه أيضا الإجماع على عدم جواز نظر البالغ الأجنبية التي بلغت مبلغا صارت به مظنة الشهوة من دون حاجة الى نظرها، فان تم ذلك كان هو الحجة، و إلا كان محل بحث، لكن لا ريب في أنه أحوط.

و يمكن أن يريد البلوغ في معقد الإجماع بل ينبغي تجنبه إذا كان مما يحسن أن يصف ما يرى لعدم ائتمانه، و ربما كان وسيلة بوصفه الى حصول الفتنة، بل ربما يكون من مصائد الشيطان و أحد أبوابه و رسله،

قال الصادق عليه السلام (1): «سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الصبي يحجم المرأة، قال: ان كان يحسن أن يصف فلا.»

و أما القواعد من النساء فالذي يظهر بقاء حكم العورة بالنسبة الى ما يعتاد ستره من الأجساد في مثلهن من البطن و نحوها، نعم لا بأس ببروز وجوههن و بعض شعرهن و أذرعهن و نحو ذلك مما يعتاد في العجائز المسنة،

فالمراد من الآية أن القواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا أى يئسن من المحيض و الولد و الطمع في النكاح لكبر السن لا جناح عليهن إذا خرجن من بيوتهن أن يضعن ثيابهن التي يسترن بها، ثياب الزينة و غيرها من الملحفة و الجلباب و الخمار و نحوها، بشرط أن يكون ذلك لا على وجه التبرج بزينة، بل يكون للخروج في حوائجهن، و مع ذلك فان يستعففن و يسترن خير لهن، لا أن المراد ارتفاع حكم العورة بالنسبة إليهن الذي يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلافه، فضلا عن عموم الأدلة و إطلاقها من

قوله صلى الله عليه و آله: «النساء عورة»(2)

و غيره، و

في خبر يونس (3)قال: «ذكر الحسين أنه كتب إليه يسأل عن حد القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها


1- 1 الوسائل الباب- 130- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 عن على بن أحمد ابن يونس إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 467 الرقم 1871 عن على بن احمد عن يونس.

ج 29، ص: 86

و ذراعها، فكتب: من قعدن عن النكاح»

وفي صحيح البزنطي المروي عن قرب الاسناد(1)عن الرضا عليه السلام «سألته عن الرجل يحل له أن ينظر الى شعر أخت امرأته؟ فقال: لا،

إلا أن تكون من القواعد، قلت له: أخت امرأته و الغريبة سواء؟

قال: نعم، قلت: فمالي من النظر اليه منها؟ قال: شعرها و ذراعها»

و المراد إذا كانت من القواعد بقرينة أوله، و

في خبر الحلبي (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «إنه قرأ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ»، قال: الخمار و الجلباب، قلت: بين يدي من كان؟ فقال: بين يدي من كان غير متبرجة بزينة، فان لم تفعل فهو خير لها»

الحديث.

و

في خبر حريز(3)عنه عليه السلام أيضا «أنه قرأ أَنْ يَضَعْنَ من ثِيابَهُنَ، قال:

الجلباب و الخمار إذا كانت المرأة مسنة»

و في خبر محمد بن مسلم (4)عن أبى جعفر عليه السلام قال: «في قوله تعالى وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ- الى آخره- ما الذي يصلح أن يضعن من ثيابهن؟ قال: الجلباب»

بل

في خبر الكناني (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القواعد ما الذي يصلح لهن أن يضعن

من ثيابهن؟ فقال: الجلباب إلا أن تكون أمة فليس عليها جناح أن تضع خمارها»

و في خبر محمد بن أبي حمزة(6)عن أبى عبد الله عليه السلام «قال: القواعد- الى آخره- قال: تضع الجلباب وحده».

فما عساه يظهر من عبارة الشهيد و غيرها من ارتفاع حكم العورة عن جميع أجسادهن في غير محله، بل لا يبعد الاقتصار في الرخصة لهن على المستفاد من النصوص المزبورة من خصوص الوجه و الكفين بناء على ما سمعته منا من الحرمة، و في الذراع و الشعر و ما يخرج بعد وضع الخمار، و في وضع الملاحف و نحوها مما يستعمله غيرهن مما يسترن به زينتهن، كما أنه لا يبعد استفادة وجوب ستر الزينة من الحلي و الثياب الجدد من هذه الآية، بل و من قوله تعالى «وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ»(7)و قوله تعالى(8)


1- 1 الوسائل الباب- 107- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 110- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
7- 7 سورة النور: 24- الآية 31.
8- 8 سورة النور: 24- الآية 31.

ج 29، ص: 87

«وَ لا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ» فليحق حينئذ بالعورة في وجوب الستر نفس الزينة من الحلبي و غيرها إذا كانت في محالها، و هو غير بعيد، لما فيه من مظنة الفتنة و غيرها.

و أما استثناء غير أولى الإربة فستعرف المراد منه في البحث عن الخصى.

و أما ما ذكروه من تقييد ذلك بالاختيار فهو كذلك، إذ لا ريب في أنه يجوز عند الضرورة

نظر كل من الرجل و المرأة إلى الأخر و لمسه، بل و غيرهما مما تقتضي الضرورة به، ل

قوله عليه السلام(1): «ما حرم الله شيئا إلا و أحله عند الاضطرار اليه»

و قوله عليه السلام (2): «كلما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر»

و خبر الثمالي (3)عن أبى جعفر عليه السلام قال: «سألته عن الامرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إما كسر أو جراح في مكان لا يصلح النظر اليه و يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أ يصلح له أن ينظر إليها؟ فقال: إذا اضطرت اليه فليعالجه إن شاءت»

و مكاتبة الصفار إلى أبى محمد عليه السلام (4)«في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها محرم هل يجوز أن يشهد عليها و هو من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنها فلانة بنت فلان و هذا كلامها أو لا تجوز له الشهادة حتى تبرز من بيتها بعينها؟ فوقع عليه السلام: تتنقب و تظهر للشهود».

و لعله لذا جعل المصنف و غيره ذلك من أفراد الضرورة، فقال في المثال:

كما إذا أراد الشهادة عليها بل ظاهره عدم الفرق فيها بين التحمل و الأداء،


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب القيام الحديث 6 و 7 من كتاب الصلاة مع اختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات الحديث 3- 13.
3- 3 الوسائل الباب- 130- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الفقيه ج 3 ص 40 الرقم 132.

ج 29، ص: 88

كما صرح به في المسالك بل زاد فيها أيضا على ذلك المعاملة معها ليعرفها إذا احتاج إليها، بل قال بعد أن حكى الإجماع على جواز النظر للحاجة: إن من ذلك النظر إلى من يريد نكاحها أو شراءها.

نعم فيها و في المتن و في غيرهما أنه يقتصر الناظر منها أو منه على ما يضطر الى الاطلاع عليه، كالطبيب إذا احتاجت اليه للعلاج و لو الى العورة دفعا للضرر بل الظاهر جواز اللمس كذلك إذا توقف عليه، كما صرح به في المسالك، لكن قال: «لو أمكن الطبيب استنابة امرأة أو محرم أو الزوج في موضع العورة في لمس المحل و وضع الدواء وجب تقديمه على مباشرة الطبيب، ثم قال: و الأقوى اشتراط عدم إمكان المماثل المساوي له في المعرفة أو فيما تندفع به الحاجة، و لا يشترط في جوازه خوف فساد المحل، و لا خوف شدة الضنى، بل المشقة بترك العلاج أو بطء البرء» قلت: ينبغي أن يعلم أولا أنه لا فرق فيما ذكره أولا بين اللمس و النظر، و ثانيا أن ظاهر كلامه السابق كفاية الحاجة، و هي أوسع دائرة من الضرورة، بل ربما نافاه اشتراط عدم إمكان المماثل، و الذي يقوى في النظر الجواز للضرورة دون الحاجة، لأنها هي التي دلت عليها النصوص (1)بخلافها، إذ لم نعثر على ما يدل على جعلها عنوانا في الجواز في شي ء مما وصل إلينا من الأخبار، نعم قد سمعت الإجماع المحكي، فإن تم كان هو الحجة، و إن كان المظنون أن حاكيه قد استنبطه من استقراء بعض الموارد التي ذكرت في النصوص، مضافا الى ما يستعمله الناس في القصد و نحوه، إلا

أن ذلك كله لا يقتضي جعل العنوان الحاجة، كما هو واضح.

فالأولى الاقتصار في الجواز على خصوص ما في النصوص، و على ما قضت به السيرة المعتد بها، و على ما يتحقق معه اسم الاضطرار عرفا، سواء كان ذلك بمعارضة ما هو أهم في نظر الشارع مراعاة من حرمة النظر و اللمس من واجب أو محرم أولا، فيكون ذلك حينئذ هو المدار في الجواز، و ليس من الضرورة النظر الى من يريد


1- 1 المتقدمة في ص 87.

ج 29، ص: 89

نكاحها أو شراءها، بل ذلك لدليل خاص، و لذا جاز و لو تمكن من وصف الغير و نحوه مما يرتفع به الاضطرار، بل جاز في غير محل الاضطرار.

بل من ذلك يعرف ما في القول بجواز النظر الى فرج الزانيين، لتحمل الشهادة، و أن الأقوى فيهما حينئذ المنع، كما عن التذكرة، لأنه نظر الى فرج محرم، و ليست الشهادة على الزنا عذرا، للأمر بالستر، و حينئذ فالشهادة عليه انما تكون مع اتفاق الرؤية من دون قصد أو معه بعد التوبة، ان جعلناه كبيرة، خلافا للفاضل في القواعد، فجوزه لأنه وسيلة إلى إقامة حد من حدود الله، و لما في المنع من عموم الفساد، و اجتراء النفوس على هذا المحرم، و انسداد باب ركن من أركان الشرع، و لم يسمع الشهادة بالزنا، لتوقف تحملها على الاقدام الى النظر المحرم و إدامته، لاستعلام الحال بحيث يشاهد الميل في المكحلة، و إيقاف الشهادة على التوبة يحتاج الى زمان يعلم منه العزم على عدم المعاودة، فيعود المحذور السابق، و في المسالك «و هذا القول ليس بذلك البعيد- ثم قال-: و أما نظر الفرج للشهادة على الولادة، و الثدي للشهادة على الرضاع، فإن أمكن إثباتهما بالنساء لم يجز للرجال، و إلا فوجهان، أجودهما الجواز لدعاء الضرورة إليه و كونه من مهام الدين، و أتم الحاجات خصوصا أمر الثدي، و يكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال المشقة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه يثبت به الفعل».

قلت: قد عرفت كون المدار على ثبت في النص و على ما جرت به السيرة و على صدق الاضطرار الى فعل المحرم، و ليس المدار على الحاجة و نحوها نعم قد يتوقف في صدقه مع التمكن من الامرأة أو المحرم، بل و فعل ما يكون به محرما، فالأحوط مراعاة عدم ذلك كله، بل هو الأقوى في الأولين، و الله العالم.

ج 29، ص: 90

[مسألتان]
[المسألة الأولى هل يجوز للخصي النظر إلى المرأة]

الأولى هل يجوز للخصي البالغ النظر إلى المرأة المالكة له أو الأجنبية عنه و لو لكونه حرا و بالعكس؟ قيل: نعم يجوز، و قيل: لا يجوز، لكن لم نعرف القائل بالأول سابقا على زمن المصنف من الأصحاب على وجه العموم، نعم عن الفاضل في المختلف جوازه في المملوك بالنسبة إلى مالكته، و عن ابن الجنيد أنه

قال: روي (1)عن أبى عبد الله عليه السلام و أبى الحسن عليه السلام «كراهة رؤية الخصيان الحرة من النساء، حرا كان أو مملوكا،»

و هو مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة غير صريح في الفتوى بذلك بعد اقتصاره على نسبته إلى الرواية، بل لعله ظاهر في الخلاف كظهور المحكي عن ابن إدريس في أن مذهب الإمامية عدم الجواز في الخصي المملوك، فضلا عن غيره، قال: فأما إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما لها حتى يجوز له أن يخلو بها و يسافر معها؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما و هو مذهبنا أنه لا يكون محرما لها، و لا يجوز له النظر الى ما يجوز لذوي محارمها النظر اليه، و القول الآخر يكون محرما، و يحل له النظر إليها، و هو مذهب المخالف، ثم ذكر أنهم تمسكوا بقوله تعالى (2)«أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» و بما روى من حديث (3)فاطمة عليها السلام، و أجاب عن الآية بأن أصحابنا رووا عن الأئمة عليهم السلام في تفسيرها أن المراد الإماء دون الذكران، و عن الخبر بأنه رواية المخالف، مع أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 31.
3- 3 سنن أبى داود ج 2 ص 383 الطبعة الأولى بمصر كتاب اللباس الباب- 235.

ج 29، ص: 91

خبر آحاد، بل لعل ذلك أيضا هو مقتضى إجماع الشيخ في الخلاف، قال فيه: «إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا أو مجبوبا لا يكون محرما لها،

فلا يجوز أن يخلو بها و لا يسافر معها» ثم استدل بإجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، قال: و أما الآية فقد روى أصحابنا أن المراد بها الإماء دون العبيد الذكران، و عن ظاهر فقه القرآن للراوندي الإجماع أيضا على عدم الجواز في الخصي المملوك للمرأة، فضلا عن غيره كما أن فيه أيضا تفسير «ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» بالإيماء ناسبا له إلى رواية الأصحاب، نحو ما سمعته من ابن إدريس، و ربما يؤيده إرادة ذلك مما ملك في جميع القرآن أو أغلبه.

و لا ينافيه ما عن المبسوط «إذا ملكت المرأة فحلا أو خصيا فهل يكون محرما حتى يجوز له أن يخلو بها و يسافر معها؟ قيل: فيه وجهان: أحدهما و هو الظاهر أنه يكون محرما، لقوله تعالى (1)«أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» و الثاني و هو الأشبه بالمذهب أنه لا يكون محرما، و هو الذي يقوى في نفسي- إلى أن قال-: و قد روى أصحابنا في تفسير الآية أن المراد الإيماء» إذ هو كما ترى انما نسب الوجهين الى القيل، و يمكن كونه من العامة و إن قال في أولهما: إنه الظاهر مريدا به من الآية لو لا نصوص التفسير، و لكن مع ذلك كله قد اختاره في المسالك الجواز مطلقا، بل ربما مال إلى جواز رؤية الفحل الى مالكته، و تبعه بعض من تأخر عنه.

و على كل حال فلا ريب في أن الثاني هو الأظهر، لعموم المنع المستفاد من السنة(2)و الإجماع بقسميه على أن المرأة عورة، بل ذلك

من ضروري المذهب أو الدين و ملك اليمين المستثنى في الآية المراد به الإماء التي لم تندرج في نسائهن المنساق منهن الحرائر المسلمات، خلافا لعائشة و الشافعي، فالمملوك مطلقا، و خبر البصري (3)محمول على التقية التي يكفي فيها قطعا قول بعضهم بذلك،


1- 1 سورة النور: 24- الآية 31.
2- 2 الوسائل- الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح.
3- 3 الوسائل- الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 92

خصوصا في مثل المقام المعروف بين السلاطين و الحكام، و لا يعتبر فيها اتفاقهم على ذلك، كما في المسالك

قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته، قال: لا بأس».

وخبر ابن (1)عمار قال: «كنا جلوسا عند أبى عبد الله عليه السلام نحوا من ثلاثين رجلا إذ دخل أبى فرحب به أبو عبد الله عليه السلام و أجلسه إلى جنبه، فأقبل عليه طويلا، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إن لأبي معاوية حاجة فلو خففتم، فقمنا جميعا، فقال لي أبي: ارجع يا معاوية، فرجعت، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هذا ابنك، قال: نعم و هو يزعم أن أهل المدينة يصنعون شيئا لا يحل لهم، قال: و ما هو؟ قلت: المرأة القرشية و الهاشمية تركب و تضع يدها على رأس الأسود و ذراعيها على عنقه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا بني أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: اقرأ هذه الآية لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ- حتى إذا

بلغت- وَ لا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ، ثم قال: يا بنى لا بأس أن يرى المملوك الشعر و الساق».

و خبره الآخر(2)أيضا قال: «قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: المملوك يرى شعر مولاته و ساقها، قال: لا بأس»

خصوصا مع معلومية كون عمار ثقة في العامة وجها يكنى أبا معاوية كما عن فهرست الشيخ، و لعله لذا عظمه بما سمعت، على أن مقتضاها الجواز في الفحل المعلوم عدم جوازه عندنا، بل ربما يشعر إنكار عمار على أهل المدينة بكون ذلك معلوما في مذهب الشيعة.

و

خبر إسحاق بن عمار(3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أ ينظر المملوك إلى شعر مولاته؟ قال: نعم و إلى ساقها».

و المرسل المروي في كتب فروع الأصحاب (4)عن النبي صلى الله عليه و آله «إنه أتى


1- 1 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5 و تمامه في الكافي ج 5 ص 531.
2- 2 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
4- 4 سنن ابى داود ج 2 ص 383 الطبعة الأولى بمصر كتاب اللباس الباب- 235.

ج 29، ص: 93

فاطمة عليها السلام بعبد قد وهبه لها و على فاطمة ثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها، و إذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: إنه ليس عليك بأس، انما هو أبوك و غلامك»

المحتمل كونه صغيرا أهدى للحسنين عليهما السلام.

و

خبر عبد الرحمن (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المملوك يرى شعر مولاته قال: لا بأس».

أو يحمل ذلك على النظر الاتفاقي الذي تكون مقدماته اختيارية منها و منه، كما يومي اليه

خبر يونس بن عمار و يونس بن يعقوب (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا يحل للمرأة أن ينظر عبدها إلى شي ء من جسدها إلا إلى شعرها غير متعمد لذلك»

و المرسل (3)في الكافي «لا بأس أن ينظر الى شعرها إذا كان مأمونا»

و المروي عن قرب الاسناد عن الحسن بن علوان (4)عن جعفر عن أبيه إنه كان يقول: «لا ينظر العبد الى شعر مولاته؟»

و إلا كانت هذه الأخبار هي التي استقر عليها عمل الطائفة.

قال القاسم الصيقل (5)«كتبت إليه أم علي تسأله عن كشف الرأس بين يدي الخادم، و قالت له: إن شيعتك اختلفوا على في ذلك، فقال

بعضهم: لا بأس، و قال بعضهم: لا يحل، فكتب عليه السلام: سألت عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فان ذلك مكروه»

فان الظاهر إرادة الحرمة من الكراهة فيه التي علل بها النهي الذي هو حقيقة في التحريم الذي لا يعارضه لفظ الكراهة في التعليل بعد كونها للقدر المشترك في العرف السابق، و كان اختلاف الشيعة التي أشارت إليه مما وقع منه عليه السلام لتقية و غيرها، حتى ظن سامع الأول أن الحكم كذلك، و لذا بعد أن ظهر الحال استقر مذهب الشيعة على عدم جواز نظر المملوك الفحل الى سيدته، و كونه كالأجنبي.


1- 1 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8 عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام و فيه « الى شعر سيدته».
5- 5 الوسائل الباب- 124- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.

ج 29، ص: 94

بل و كذا استقر على عدم الفرق بين الخصي الحر أو المملوك بالنسبة الى غير سيدته، أيضا، ف

في خبر عبد الملك بن عتبة النخعي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أم الولد هل يصلح أن ينظر إليها خصي مولاها و هي تغتسل؟ قال: لا يحل ذلك»

و في خبر محمد بن إسحاق (2)«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام، قلت: يكون للرجل الخصى يدخل على نسائه فينا و لهن الوضوء فيرى شعورهن، قال: لا»

والمرسل (3)عن مكارم الأخلاق «لا تجلس المرأة بين يدي الخصي مكشوفة الرأس»

و لا يعارض ذلك

خبر ابن بزيع (4)«سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قناع الحرائر من الخصيان، فقال:

كانوا يدخلون على بنات أبى الحسن عليه السلام و لا يتقنعن، قلت: فكانوا أحرارا قال:

لا، قلت: فالأحرار يتقنع منهم، قال: لا»

بعد قصوره من وجوه: منها الموافقة للعامة و للمتعارف عند سلاطينهم و حكامهم، بل لعل في قوله عليه السلام في الجواب:

«كانوا» إلى آخره رائحة التقية، كما يؤيد ذلك ما في

حديث آخر(5)من أنه لما سئل عن هذه المسألة «فقال: أمسك عن هذا»

ضرورة ظهور ذلك في كونه للتقية، كتركه الجواب

في المروي عن الحميري عن الخثعمي (6)عن أبى الحسن عليه السلام قال:

«كتبت إليه أسأله عن خصي لي في سن رجل مدرك يحل للمرأة أن يراها و تنكشف بين يديه، فلم يجبني عليه السلام»

فمن الغريب تردد بعض أصحابنا في ذلك.

و أغرب منه دعواه اندراجه في غير أولى الإربة المتفقة أخبارنا على تفسيره بغير ذلك،

قال زرارة(7)في الصحيح: «سألت أبا جعفر عليه السلام عنه، فقال: الأحمق الذي لا يأتي النساء»

و قال أيضا

في صحيحه الآخر(8): «سألت أبا عبد الله عليه السلام، فقال: هو الأحمق الذي لا يأتي النساء»

و في موثق البصري (9)سألته عليه السلام عنه قال:


1- 1 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 125- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
7- 7 الوسائل الباب- 111- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
8- 8 التهذيب ج 7 ص 468 الرقم 1873.
9- 9 الوسائل الباب- 111- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 95

«الأحمق المولى عليه الذي لا يأتي النساء»

و في خبر القداح (1)عن أبى عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: «كان بالمدينة رجلان يسمى أحدهما هيت و الآخر مانع، فقال لا لرجل و رسول الله صلى الله عليه و آله يسمع: إذا افتتحتم الطائف إن شاء الله فعليك بابنة غيلان الثقفية، فإنها شموع بخلاء مبتلة هيفاء شنباء إذا جلست تثنت، و إذا تكلمت غنت، تقبل بأربع و تدبر بثمان، بين رجليها مثل القدح، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: لا

أراكما إلا من أولى الإربة من الرجال، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه و آله فعزب بهما في مكان يقال له: العرباء، و كانا يتسومان في كل جمعة»

ت: الظاهر، أن هذين الرجلين كانا مخنثين.

و دعوى كون الخصي مقطوع الشهوة يدفعها منع كونه بأقسامه كذلك و إن قلنا باختصاص محل البحث في مقطوع الذكر و الأنثيين منه، فان انقطاع الشهوة منه أيضا مطلقا ممنوع، مع أن الظاهر صدق اسم الخصي على الجميع، و عن المصباح و القاموس و المجمع و غيرها أنه من سل خصيتاه، فما عن بعضهم من إلحاق من بقي ذكره بالفحل مجرد تشه، و في كنز العرفان قيل: المراد بهم الشيوخ الذين سقطت شهوتهم، و ليس لهم حاجة الى النساء، و هو مروي (2)عن الكاظم عليه السلام، و الإربة الحاجة، و قيل: هم البله الذين لا يعرفون شيئا من أمور النساء، و هو مروي (3)عن الصادق عليه السلام و ابن عباس، و عن الشافعي انه هو الخصي المجبوب، و لم يسبق الى هذا القول، و عن أبي حنيفة هم العبيد الصغار، و هو كما ترى صريح في تفرد الشافعي بما سمعت.

و قد ظهر من ذلك أن المراد بغير أولى الإربة من لا يشتهي النكاح لكبر سن


1- 1 الوسائل الباب- 111- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 عن أبى عبد الله عن أبيه عليهما السلام و لم يذكر اسم الرجلين و ذكرهما في الكافي ج 5 ص 523 و رواه هناك عن أبى عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم السلام.
2- 2 كنز العرفان ص 322 الطبعة القديمة.
3- 3 معاني الأخبار ص 162 و فيه « هو الأبله المولى عليه الذي لا يأتي النساء».

ج 29، ص: 96

و نحوه، شبه القواعد من النساء التي لا ترجو نكاحا و لا تطمع فيه، على أن الظاهر جواز إبداء الزينة لمثله، بمعنى عدم وجوب وضع نحو الملحفة و الخمار و نحوهما على ثياب الزينة و حليها، لا أن المراد ارتفاع حكم العورة بالنسبة إليه في جميع الجسد و صيرورته كالمحرم، كما يدعيه الخصم الذي يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلافه، و قد سمعت سابقا إطلاق الفتوى، و معقد الإجماع على عدم جواز النظر إلى الأجنبية عدا الوجه و الكفين، نعم في جامع المقاصد و لو كان شيخا كبيرا جدا هرما ففي جواز نظره احتمال، و مثله العنين المخنث، و هو المشبه بالنساء، و اختار في التذكرة أنهم كالفحل، لعموم الآية(1)و هو قوى، و ربما نزل على الأبله الذي لا يحتاج الى النساء و لا يعرف شيئا من أمورهن، و هو كما ترى لم يحكم بشي ء، و لعل ذلك منه و من غيره مؤيد لما ذكرناه سابقا من حرمة نظر الوجه و الكفين مطلقا إلا غير أولى الإربة، حتى يكون موضوعا للآية التي لم أقف على من قال إنها منسوخة بآية الغض (2)أما على القول بالجواز لغيرهم

فضلا عنهم و عدم جواز غيرهما لهم أيضا، فلا موضوع لاستثنائهم، اللهم إلا أن يلتزموا بجواز نظر من لا إربة له زائدا على الوجه و اليدين، كما هو مقتضى كلام جماعة، منهم ثاني الشهيدين و غيره، خصوصا من كتب منهم في آيات الأحكام، فيكون ذلك استثناء منهم على نحو استثناء القواعد من الأجنبية.

و أغرب من ذلك كله عدم استبعاد إرادة خصوص الخصى من الآية مع اندراجه في غير أولى الإربة عند هذا القائل، و استبعاد إرادة الإماء مما ملكت أيمانهن بعد ما سمعت ما عن المبسوط و الخلاف و فقه القرآن للراوندي و السرائر من نسبة ذلك إلى رواية أصحابنا، بل ركن اليه ابن إدريس الذي لا يعمل بأخبار الآحاد، مع أن ظاهر الآية ذكر الذكور أولا ثم ذكر الإناث بقوله (3)تعالى «نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» لبيان عدم كون محال الزينة مثل العورة المحرم نظرها على الرجال


1- 1 سورة النور: الآية 31.
2- 2 سورة النور: الآية 30.
3- 3 سورة النور: الآية 31.

ج 29، ص: 97

و النساء و الواجب سترها منهما، إلا أنه لما كان من المعلوم عدم اندراج الإماء في النساء ذكرها بالخصوص، فلا تكرار حينئذ، كما توهم، بل الظاهر عدم إرادة خصوص المملوكة بالنسبة إلى مالكتها، بل المراد المملوكة و لو لغيرها، و كذا النساء مع احتمال إرادة خصوص ذلك، و يتمم الباقي بعدم القول بالفصل، كل ذلك بعد الإغضاء عما هو معلوم من دين متديني

الإمامية من عدم ذلك، فلا يحل لمؤمن التردد في ذلك مخافة أن يكون ذلك منه سببا للجرأة من غيره.

و من ذلك يعلم الحال فيما في الروضة أيضا و اتباعها كالكفاية و غيرها، بل و يعلم ما في الرياض المبني على أن الأصل بالإباحة، لعدم عموم يقتضي حرمة النظر في المقام و فيما سبق من المقامات، مع أنه يمكن دعوى الضرورة فضلا عن الإجماع، و

النصوص على أن «المرأة جميعها عورة»(1)

أى بحكمها في حرمة النظر، و وجوب الستر على وجه القاعدة، كما سمعته من المقداد في الكنز سابقا في حكم الوجه و الكفين.

[المسألة الثانية الأعمى لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية]

المسألة الثانية الأعمى فضلا عن المبصر لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية مع التلذذ أو الريبة و خوف الفتنة قطعا، أما مع عدم ذلك فقد يظهر من المتن و القواعد و التحرير و الإرشاد و التلخيص الحرمة أيضا، لأنه عورة فيحرم سماعه حينئذ، و يجب عليها ستره على كل حال، بل قيل: إنه المشهور و إنه مقتضى المستفيض من محكي الإجماع، و لعل مراده ما تقدم في الصلاة من حرمة الجهر عليها مع سماع الأجانب، فان في كشف اللثام و غيره الاتفاق على أن صوتها عورة، و لذا حرم عليها ذلك، بل


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4- 6 و الباب- 131- منها الحديث 1.

ج 29، ص: 98

و بطلت صلاتها كما حررناه في محله،

قال الصادق عليه السلام في خبر(1): «قال أمير المؤمنين عليه السلام: و لا تبدؤوا النساء بالسلام و لا تدعوهن إلى الطعام، فإن النبي صلى الله عليه و آله قال: النساء عي و عورة، فاستروا عيهن بالسكوت و استروا عوراتهن بالبيوت»

و قال عليه السلام، أيضا في خبر غياث بن (2)إبراهيم: «لا تسلم على المرأة»

و غير ذلك مما سمعته و غيره الذي منه النهي عن الجهر بالتلبية(3)بل قد تقدم في كتاب الصلاة ما يقتضي المفروغية من حرمة الجهر عليها بالقراءة مع سماع الأجانب، و بدونه مخيرة، و كذا الكلام في الأذان.

لكن ذلك كله مشكل بالسيرة المستمرة في الأعصار و الأمصار من العلماء و المتدينين و غيرهم على خلاف ذلك، و بالمتواتر أو المعلوم مما ورد من كلام الزهراء و بناتها عليها و عليهن السلام، و من مخاطبة النساء للنبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام على وجه لا يمكن إحصاؤه و لا تنزيله على الاضطرار الدين أو دنيا، بل قوله تعالى (4):

«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ» دال على خلاف ذلك أيضا، و لعله لذا و غيره صرح جماعة كالكركي و الفاضل في المحكي عن تذكرته و غيرهما ممن

تأخر عنه كالمجلسي و غيره بالجواز، بل بملاحظة ذلك يحصل للفقيه القطع بالجواز فضلا عن ملاحظة أحوالهم في ذلك الزمان، من كونهم أهل بادية، و تقام المآتم و الأعراس و غيرها فيما بينهم، و لا زالت الرجال منهم مختلطة مع النساء في المعاملات و المخاطبات و غيرها. نعم ينبغي للمتدينة منهن اجتناب إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع و تحسينه و ترقيقه حسبما أومأ إليه الله تعالى شأنه بقوله (5)«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ» الى آخره، كما أنه ينبغي للمتدينين ترك سماع صوت الشابة الذي هو مثار الفتنة حسبما أومأ إليه

أمير المؤمنين عليه السلام في تعليم الناس فيما رواه عنه الصدوق (6)قال: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله


1- 1 الوسائل الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 38- من أبواب الإحرام الحديث 3 من كتاب الحج.
4- 4 سورة الأحزاب: 23- الآية 36.
5- 5 سورة الأحزاب: 23- الآية 36.
6- 6 الوسائل الباب- 131- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 99

يسلم على النساء و يرددن عليه، و كان أمير المؤمنين عليه السلام يسلم على النساء و يكره أن يسلم على الشابة منهن، و يقول: أتخوف أن يعجبني صوتها فيدخل على من الإثم أكثر مما أطلب من الأجر»

بل ينبغي ترك ما زاد على خمس كلمات ل

خبر(1)المناهي قال: «و نهى أن تتكلم الامرأة عند غير زوجها أو غير ذي محرم منها أكثر من خمس كلمات مما لا بد لها منه»

المحمول على الكراهة قطعا، لضعف سنده، و اشتماله على كثير من النواهي المراد منها ذلك، و لإجماع الأمة على جواز الأزيد مع الضرورة، و

في المروي عن الخصال (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله أربعة تميت القلب: أحدها كثرة مناقشة النساء، يعنى محادثتهن»

الى غير ذلك مما لا يخفى على من أعطاه الله تعالى معرفة لسانهم و رمزهم ظهور إرادة الكراهة، و بالجملة سماع أصواتهن كسماعهن أصوات الرجال في القطع بالجواز ما لم يكن أحد الأمور السابقة، من غير فرق بين الأعمى و المبصر.

كما أنه لا فرق بينهما نصا و فتوى و سيرة في أنه لا يجوز للمرأة النظر إليه، لأنه يساوي المبصر في تناول النهي المستفاد من آية الغض و غيره، و

في المرسل (3)عن أم سلمة قالت «كنت أنا و ميمونة عند النبي صلى الله عليه و آله و سلم فأقبل ابن أم مكتوم فقال صلى الله عليه و آله: احتجبن عنه، فقلنا: إنه أعمى فقال صلى الله عليه و آله و سلم: أ عمياوان أنتما؟

أ لستما تبصرانه».

نعم لا بأس بمصافحة الامرأة الأجنبية للرجل من وراء الثياب، و بالعكس فضلا عن مصافحة كل منهما لمماثله مع عدم التلذذ و نحوه، كما صرح به بعضهم،

قال سماعة(4): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مصافحة الرجل المرأة قال: لا يحل للرجل أن يصافح المرأة إلا امرأة يحرم عليه أن يتزوجها: أخت أو ابنة أو عمة أو خالة أو بنت


1- 1 الوسائل الباب- 106- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 106- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 129- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4 مع اختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل الباب- 115- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 100

أخت أو نحوها، فأما المرأة التي يحل له أن يتزوجها فلا يصافحها إلا من وراء الثوب، و لا يغمز كفها»

وقال أبو بصير(1): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل يصافح الرجل المرأة ليست له بذي محرم؟ فقال: لا إلا من وراء الثوب»

هذا.

و في القواعد و العضو المبان كالمتصل على إشكال، قلت: لعل وجهه من ظهور الأدلة في أنه عورة حال الاتصال لا حال الانفصال الذي يكون فيه كالحجر، و استبعاد حرمة النظر الى مثل الأظفار و لمسها و السن و الشعر، خصوصا بعد ما ورد(2)من النهي عن الوصل بشعر الغير مع عدم التعرض فيه، لحرمة لمسه و النظر إليه

الذي، هو مظنته، خصوصا الأخير، و من ثبوت حرمته قبل الانفصال فيستصحب، و عدم مدخلية الاتصال و حكم العورة، و استلزام جواز النظر و اللمس الى المجموع المقطع أجزاء، و صدق اسم الذكر و نحوه على المقطوع، و لعل الأخير أقوى كما صرح به في جامع المقاصد.

ثم لا يخفى عليك أن كل موضع حكمنا فيه بتحريم النظر فتحريم اللمس (المس خ ل) فيه أولى، كما صرح به بعضهم، بل لا أجد فيه خلافا، بل كأنه ضروري على وجه يكون محرما لنفسه، و

في خبر(3)مبايعتهن للنبي صلى الله عليه و آله دلالة عليه، و لذا «أمر بقدح من الماء فوضع يده، ثم وضعن أيديهن»

مضافا الى ما سمعته من النهي عن المصافحة إلا من وراء الثياب و غير ذلك، و لو توقف العلاج على مس الأجنبية دون نظرها فتحريم النظر بحاله، و كذا العكس، فإنه لا تلازم بينهما في جانب العدم، و حينئذ فجواز النظر الى وجه الأجنبية و كفيها لو قلنا به لا يبيح مسها.

نعم لا بأس بلمس المحارم على حسب ما سمعته في النظر من غير خلاف يعتد به، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و لو بملاحظة السيرة القطعية.


1- 1 الوسائل الباب- 115- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب- 117- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 29، ص: 101

و أما الخنثى المشكل ففي جامع المقاصد أنه بالنسبة الى الرجل و الخنثى كالمرأة، و بالنسبة إلى المرأة كالرجل، لتوقف يقين امتثال الأمر بغض البصر و الستر على ذلك، ثم حكى عن بعض العامة جواز نظر المرأة و الرجل إليها و بالعكس، استصحابا لما كان ثابتا في الصغر من حل النظر حتى يظهر خلافه، و ليس بشي ء، لوجود الناقل عن ذلك، و الاشتباه غير مخل بتعلق الحكم، لكن لو شكت المرأة في كون الناظر رجلا أو شك الرجل في كون المنظور إليه امرأة يلزم القول بالتحريم، و هو محل تأمل.

و يمكن الفرق بإمكان استعلام الحال بخلاف الخنثى، و من ثم وجب الاحتياط في التكاليف المتعلقة به، قلت: لا يخفى عليك ما في الفرق المزبور، كما أنه لا يخفى عليك ما في جريان المقدمة في نظر كل من الرجل و المرأة إليه، ضرورة كون ذلك من محال أصل البراءة، لاشتراط الحرمة بالنسبة الى كل منهما بالرجولية و الأنوثية، و الفرض عدم العلم به، و الشك في الشرط شك في المشروط، و لا يجب على كل منهما ترك النظر مقدمة لحصول تكليفه و تكليف شخص آخر غير، و لعله لذا حكي عن جماعة من العامة الجواز، معللين له بالاستصحاب في حال الصغر، بل أيده بعضهم بما ذكره في الجنائز من أنه يغسله الرجال و النساء، بل ربما يتخيل جريان أصل البراءة في تكليفه نفسه، فيجوز له حينئذ النظر الى كل من الرجل و المرأة و إن علم تحقق أحد الخطابين بالنسبة اليه إلا أن كلا منهما مشروط أيضا بشرط غير معلوم التحقق، فيكون الشك فيه شكا بالمشروط، و ليس هو من الشبهة المحصورة التي تحقق فيها شرط التكليف و لكن اشتبه عليه خصوص الفرد اشتباها لا يسقط التكليف، و في الفرض لم يعلم فيه حصول شرط أحد التكليفين، فيتمسك حينئذ بأصل البراءة.

على أنه يمكن دعوى كون ذلك من الشبهة الغير المحصورة و لو باعتبار العسر و الحرج عليه في اجتناب كل من الرجل و المرأة، و الاحتياط في التكليف انما توجبه بعد القطع بالشغل لا مطلقا، و لذا يجب عليه ستر جميع بدنه في الصلاة كالمرأة،

ج 29، ص: 102

مقدمة لحصول يقين الفراغ من يقين الشغل، بخلاف محل الفرض الذي لا يقين فيه بخصوص الشغل و إن كان هناك يقين بكل الشغل، إلا أنه قد يمنع وجوب مراعاته، فلا تجب المقدمة له حينئذ، لكن فيه أنه مخاطب قطعا بحرمة نظر الرجل أو الامرأة، فيجب الاجتناب مقدمة، كما يجب عليه ستر عورتيه بعد أن كان مكلفا في الواقع بستر أحدهما، و نحو وجوب كشف وجهه و رأسه في الإحرام، و وجوب ترك زينتى الرجل و المرأة عليه، و غير ذلك مما يجرى فيه المقدمة باعتبار العلم بحصول الخطاب بأحد الأمرين المعين في الواقع المشتبه في الظاهر.

نعم لا يجب عليه ستر بدنه عدا العورة من الرجل و المرأة، لعدم العلم بالشغل بناء على عدم وجوب الستر على الرجل من الامرأة و إن حرم عليها النظر، و الفرض عدم العلم بكونه امرأة، فلا يقين بالشغل، بخلاف الأول الذي قد علم فيه تحقق الخطاب بالغض إلا أنه لم يعلم من يغض عنه، و قد كان دائرا بين الرجل و المرأة، فلا يتم إلا باجتنابهما، بل و الخنثى معهما، لأنهما إما رجل أو امرأة، و الفرض وجوب اجتنابهما عليه أصالة و مقدمة.

أما نظر كل من الرجل و الامرأة إليه فلا يقين بالشغل بالنسبة إلى كل منهما، فيجوز لكل منهما النظر اليه بل و لمسه، و هكذا الكلام في حكم الخنثى في جميع المقامات، فمتى تحقق الشغل فكان المكلف به مشتبها باعتبار اشتباه حالها وجب ملاحظة المقدمة، و إلا فلا، و من ذلك عدم نكاحها، و عدم إنكاحها، و منه وجوب ستر بدنها في الصلاة نحو الامرأة و إن وجب عليها الجهر بالقراءة فيما يجهر فيه مع عدم سماع الأجانب، أما معه فإن أمكنها الاحتياط و لو بتكرر الصلاة أو الصلاة في مكان لا يسمعها الأجانب فيه فالأولى لها مراعاته، و إلا كانت مخيرة، بل قد يقال بتخييرها بين الجهر و الإخفات مطلقا باعتبار جهلها به المقتضى لسقوطه، بناء على تناول دليله لمثل الفرض الذي هو الجهل بكونها رجلا أو امرأة، و لعله لذلك أطلق بعضهم تخيرها بينهما، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

ج 29، ص: 103

[الثاني في مسائل خمس تتعلق بهذا الباب]
اشاره

الثاني من اللواحق في مسائل تتعلق بهذا الباب، و هي مسائل خمس:

[المسألة الأولى الوطء في الدبر فيه روايتان]

الأولى الوطء في الدبر للجائز وطئها قبلا، فيه روايتان إحداهما الجواز و هي المشهورة بين الأصحاب رواية و عملا، بل في الانتصار و الغنية و محكي الخلاف و السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل و

صحيح صفوان (1)قال للرضا عليه السلام:

«إن رجلا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة هابك و أستحيي منك أن يسألك، قال: و ما هي؟ قال: قلت: الرجل يأتي امرأته في دبرها، قال: ذلك له، قال: قلت له:

فأنت تفعل، قال: إنا لا نفعل ذلك»

وخبر ابن أبى يعفور(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، قال: لا بأس إذا رضيت، قلت: فأين قول الله عز و جل شأنه (3)فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، قال: هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله، إن الله تعالى يقول نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ»(4)

و خبره الآخر(5)«سألته عليه السلام أيضا عن الرجل يأتي المرأة في دبرها، قال: لا بأس به»

و مرفوع البرقي الى ابن أبى يعفور(6)«سألته عن إتيان النساء في أعجازهن، فقال: ليس به بأس، و ما أحب أن تفعله»

و الموثق (7)«عن


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 222.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 223.
5- 5 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.
7- 7 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7 مرسل حفظ بن سوقة.

ج 29، ص: 104

رجل أتى أهله من خلفها، قال: هو أحد المأتيين، فيه الغسل»

و خبر حماد بن (1)عثمان «سألت أبا عبد الله عليه السلام أو أخبرني من سأله عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع و في البيت جماعة، فقال لي و رفع صوته: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من كلف مملوكه ما لا يطيق فليبعه، (فليعنه خ ل) ثم نظر في وجوه أهل البيت ثم أصغى إلى فقال: لا بأس به»

ومرسل موسى بن عبد الملك (2)قال: «سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها، فقال: أحلتها آية من كتاب الله (3)قول لوط هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ، و قد علم أنهم لا يريدون الفرج»

وخبر عبد الرحمن (4)المروي عن تفسير العياشي قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام و ذكر عنده إتيان النساء في أدبارهن، فقال: ما

أعلم آية أحلت ذلك إلا واحدة إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً»(5)

إلى آخرها.

و

خبر يونس بن عمار(6)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام أو لأبي الحسن عليه السلام: إني ربما أتيت الجارية من خلفها يعنى دبرها، و نذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعلي صدقه درهم، و قد ثقل ذلك على، قال: ليس عليك شي ء، و ذلك لك»

الى غير ذلك.

و أما رواية المنع فهي

خبر سدير(7)قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله: محاش النساء على أمتي حرام»

و في آخر(8)«محاش نساء أمتي على رجال أمتي حرام»

و خبر هاشم و ابن بكير(9)عن أبى عبد الله عليه السلام قال هاشم: «لا يفري و لا يفرث و ابن بكير قال: لا يفرث أى لا يأتي من غير هذا الموضع»


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
3- 3 سورة هود: 11- الآية 78.
4- 4 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 12.
5- 5 سورة الأعراف: 7- الآية 81.
6- 6 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 8.
7- 7 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
8- 8 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
9- 9 الوسائل- الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3 و ذكر في هامش النسخة الأصلية نسخا عديدة للرواية:« لا تعرى. لا تقرن. لا تعوب. لا تقرأ. لا تقرأن»

ج 29، ص: 105

و

مرسل أبان (1)عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن إتيان النساء في أعجازهن، فقال: هي لعبتك لا تؤذها»

و خبر معمر بن خلاد،(2)قال: «قال أبو الحسن عليه السلام:

أي شي ء يقولون في إتيان النساء في أعجازهن؟ قلت: إنه بلغني أن أهل المدينة لا يرون به بأسا، فقال: إن اليهود كانت تقول: إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول، فأنزل الله عز و جل نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود، و لم يعن في أدبارهن»

وخبره الآخر(3)عن الرضا عليه السلام أيضا مثله إلا أنه قال: «أهل الكتاب» بدل «أهل المدينة» و «من قبل أو دبر» مكان «من خلف أو قدام»

وخبر الفتح بن يزيد الجرجاني (4)قال: «كتبت إلى الرضا عليه السلام في مسألة، فورد الجواب: سألت عمن أتى جارية في دبرها،

المرأة لعبة الرجل، فلا تؤذى، و هي حرث كما قال الله عز و جل»

و خبر زيد بن ثابت (5)قال: «سأل رجل أمير المؤمنين عليه السلام أ تؤتى النساء في أدبارهن؟ فقال: سفلت سفل الله بك، أما سمعت الله تعالى يقول أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ؟ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ(6)»

وخبر أبى بصير(7)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها، فكره ذلك، و قال: إياكم و محاش النساء، و قال: إنما معنى نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي ساعة شئتم»

بناء على إرادة الحرمة من الكراهة و لو بقرينة ما بعده، و قد حكي الفتوى بها عن القميين و ابن حمزة و الشيخ أبى الفتوح الرازي و الراوندي في اللباب و السيد أبى المكارم صاحب بلابل القلاقل،


1- 1 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 أشار إليه في الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و ذكره في التهذيب ج 7 ص 460 الرقم 1840.
4- 4 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1 و فيه « كتبت الى الرضا عليه السلام في مثله» بعد أن ذكر خبر أبى بصير الوارد في ذلك أيضا.
5- 5 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
6- 6 سورة العنكبوت: 29- الآية 28.
7- 7 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.

ج 29، ص: 106

و في كشف الرموز و كان فاضل منا شريف يذهب الى التحريم، و يدعي أنه سمع ذلك مشافهة ممن قوله حجة، و هو مؤيد للنصوص، مضافا إلى قوله تعالى (1)«مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» و إلى الأمر(2)بالاعتزال في المحيض للأذى، و لا ريب أن النجوم أعظم، بل و إلى آية الحرث (3)فان

موضع الحرث الذي يتوقع منه حصول الولد القبل لا الدبر.

لكن الجميع كما ترى، فان الخبر الأول ضعيف، و الثاني لا دلالة صريحة فيه على المنع، مع اختلاف النسخ فيه، و عدم ظهور المراد من بعضها، بل ظهور بعضها، في الكراهة، و الثالث ظاهر في الكراهة.

و الرابع انما هو في تفسير الآية على أن تحصيل المراد منه لا يخلو من خفاء، إذ هو إن كان لبيان إتيان المرأة من قبلها، لكن من خلفها و حينئذ يكون السؤال من أبى الحسن عليه السلام عن ذلك خرج عن موضوع ما نحن فيه، و إن كان المراد بيان جواز الوطء في الدبر لكن لم يكن المراد من الآية خصوص الدبر كان دالا على المطلوب لا منافيا، مضافا إلى ما في الأول منهما من النقل عن أهل المدينة من التعريض في المخالفة، مع أن المعروف فيما بينهم المنع لا الجواز، فلا يبعد حينئذ وجود الخلل من الراوي في الخبر المزبور، اللهم إلا أن يريد بأهل المدينة الكناية عن الامام عليه السلام و أتباعه، فأقره الإمام عليه السلام على ذلك، ثم ذكر ما يدل على فساد استدلال المخالف على المنع بالآية و حينئذ يكون دالا على الجواز لا المنع، و كذا قوله «أهل الكتاب» في الخبر الثاني، أي من عنده علم الكتاب، و يمكن إرادة مالك و أتباعه من أهل المدينة، و الكناية عن العامة بأهل الكتاب تشبيها باليهود، و على كل حال فالخبر غير واضح.

و الخامس لم يعلم المراد به، و على فرض كونه المعصوم عليه السلام فهو خبر معارض بما عرفت.


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 222.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 222.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 223.

ج 29، ص: 107

و المراد من قوله «مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» الجهة التي أباحها الله، و هي القبل و الدبر، فيكون القيد للتعميم، و لو سلم إرادة القبل منه باعتبار المنع حال الحيض فلا دلالة فيها على عدم الجواز في الدبر، أو بمعنى الجهة التي ندبكم إليها، و هي القبل، و انما خص، لاختصاصه بالاعتزال في الحيض، أو ما سمعته في خبر ابن أبى يعفور(1)الذي يمكن أن يكون معارضا ل خبر معمر(2)في تفسير آية الحرث، سيما بعد

المروي عن العياشي (3)عنه قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إتيان النساء في أعجازهن، فقال: لا بأس، ثم تلا هذه الآية نِساؤُكُمْ» إلى آخرها،

وعن زرارة(4)عن أبى جعفر عليه السلام «في قول الله نِساؤُكُمْ حَرْثٌ، قال: حيث شاء»

اللهم إلا أن يراد منه الاستشهاد بها على أن المراد بالآية الأولى طلب الولد، لمكان الحرث، لا أن المراد بها الجواز في الدبر، و نصوص اللعبة مع ضعفها و لا جابر لها مشعرة أو ظاهرة بالكراهة، بل و كذا المروي عن

أمير المؤمنين (5)عليه السلام، و خبر أبى بصير(6)أيضا.

و دعوى أعظمية النجو من الحيض أذى ممنوعة، على أن الأذى ربما كان لغير النجاسة من فساد الولد و نحوه مما ورد(7)في مفاسد الوطء في الحيض، و يؤيده أن دم الاستحاضة نجس و لا يجب الاعتزال له.

و المراد من آية الحرث تسمية المرأة نفسها حرثا لشبهها بموضعه، ثم أباح إتيانها أنى شئنا، و هو لا يستدعي الاختصاص بموضع الحرث، و لذا يجوز التفخيذ نحوه إجماعا، بل ادعى بعضهم الإجماع على جوازه فيما بين السرة و الركبة.

فالمتجه حينئذ حمل نصوص المنع على الكراهة كما أومأ إليه نصوص الجواز بلفظ «لا أحب» و «إنا لا نفعله» و نحو ذلك أو على التقية من العامة، فإنه مذهب من عدا مالكا و جماعة من الشافعية، و الشافعي في رواية كما قيل، و هذا في الحقيقة مرجح آخر للمطلوب أيضا، ضرورة أنه على تقدير الجواز علم حمل رواية المنع، (يعلم


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 11.
6- 6 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 9.
7- 7 الوسائل الباب- 24- من أبواب الحيض- من كتاب الطهارة.

ج 29، ص: 108

حمل الرواية المنع خ ل) بخلافه على تقدير الحرمة، فإنه ليس لرواية الجواز حينئذ وجه صالح.

نعم قد يمكن الجمع بين الأخبار بما في خبر ابن أبى يعفور المتقدم من تقييد الجواز بالرضا المؤيد بالنهي عن الإيذاء، و بإمكان دعوى معلومية تمليك العقد منفعة البضع الذي هو المحل المقصود المتعارف في الوطء المسبب للخيار عيبه، فحينئذ تحمل رواية الجواز على ما إذا رضيت، و رواية المنع على ما إذا لم ترض، فإنه لا سلطنة له على قهرها على ذلك، بخلاف القبل، فإنه ليس لها المنع، إلا أنه لم أر به قائلا، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع المركب على خلافه.

و كيف كان فلا محيص عن القول بالجواز لكن على كراهية شديدة استأهلت لفظ الحرمة كما عرفت، فمن الغريب ما في المسالك من الإطناب في المسألة و مناقشة في أدلة الطرفين و خروجه عنها بلا حاصل و لا ترجيح قال: «إن جميع الأخبار من الجانبين ليس فيها حديث صحيح، فلذا أضربنا عن ذكرها» ثم حكى عن العلامة وصف خبري ابن أبى يعفور و صفوان بالصحة، و ناقش في الأول بأن معاوية بن حكيم و إن كان ثقة جليلا إلا أن الكشي قال: إنه فطحي، و في الثاني بأن فيه علي بن الحكم، و هو مشترك بين الثقة و غيره، و مجرد الظن بأنه الأول من حيث إن أحمد بن محمد يروي عنه كثيرا غير كاف.

و فيه أولا أن الحجية غير منحصرة في الخبر الصحيح، كما هو مفروغ منه في الأصول خصوصا في مثل المقام الذي تعاضدت فيه الروايات التي عمل بها الأصحاب، و حكوا الإجماع على مضامينها، فمثلها لا يقدح الضعف في سندها، فضلا عن أن تكون من قسم الموثق و نحوه، و ثانيا أنه لم يثبت فطحيته لاحتمال التعدد فيه، على أن كلام الكشي معارض بكلام النجاشي بعد تعارف إرادة الإمامي من إطلاق ثقة في كتب الرجال كما هو محرر في محله، و أما على بن الحكم فالظاهر اتحاده، و على تقدير اشتراكه فالظن كاف في فالظن كاف في تعيينه كما في غيره من الأسماء المشتركة، و دعوى عدم كفاية الظن واضحة المنع، بل هادمة لكثير من الفقه.

ج 29، ص: 109

ثم أطنب في المناقشة في الآية بدعوى اشتراك لفظ «أنى» بين معنى «أين» و معنى «كيف» الذي لا يدل عمومه على تعدد الأمكنة، بل تعدد الهيئة الشاملة لإتيانهن من قبل أو دبر في القبل، كما ورد(1)في سبب النزول، و المشترك لا يحمل على أحد معنييه بدون قرينة، و القرينة هنا إما منفية عن هذا المعنى أو موجودة في الجانب الأخر، و هي الحرث المقتضى للزرع، و قوله تعالى «وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ»(2)فإن المراد منه على ما قيل طلب الولد، و قوله تعالى (3)«فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» فإن آية الحرث وقعت بعدها كالمبينة لها، و أما ما ورد في سبب نزولها من

فعل عمر ذلك (4)«و أنه جاء الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقال: هلكت فنزلت»

فمعارض بما

روي (5)من «أن سببه الرد على اليهود»

، و كلاهما مروي من طرق العامة، و يزيد الثاني أنه مروي من طرق الخاصة كما سمعته في صحيح معمر(6)و حمل المشترك على معنييه كما وقع للطبرسي فقال: «المعنى أين شئتم و كيف شئتم» ليس مرضيا عند المحققين.

و فيه أن المصرح به في كلام أئمة اللغة أن «أنى» للمكان، فاستعمالها في غيره مجاز، لا اشتراك، و على تقديره فعموم الاشتراك عملا بالقرينتين غير ممتنع، بل هو المتجه كما سمعته من الطبرسي، لحصول القرينة، بل تعددها على كل منهما، هذا إن لم نقل: إن عموم الكيفية يقتضي التعميم في المكان كما مر، على أن المكان هو مطلق بالنسبة إلى الكيفية، و خبر معمر مع موافقته للعامة معارض بما في خبر ابن أبي يعفور بناء على إرادة الاستدلال بالآية فيه على ذلك، لا على أن المراد بقوله تعالى «مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» الولد، و الحاصل من تأمل ما في المسالك هنا وجد فيها مجالا للنظر.

و أغربه أنه مع أطنابه خرج من المسألة بلا حاصل، مع أنه لا محيص للفقيه


1- 1 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 223.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 222.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 198.
5- 5 سنن البيهقي ج 7 ص 194.
6- 6 الوسائل الباب- 72- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 110

عن القول بالجواز بعد الإجماعات المحكية و الروايات المعتبرة و الآيات المتعددة، بل لعل قوله تعالى (1)مضافا الى ما سمعت «إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ» الى آخره دال

أيضا، بل و قوله تعالى (2)«أَ تَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ؟ وَ تَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ» و إن نوقش فيها و الله العالم.

ثم إن الظاهر من

قوله عليه السلام في الموثق (3)«هو أحد المأتيين»

و غيره ما صرح به الفاضل و غيره، بل حكى عن الشيخ و كثير من كونه كالقبل في جميع الأحكام، حتى ثبوت النسب، فلو وطأها في الدبر و أتت بولد لستة أشهر فصاعدا ألحق به الولد، مع بعده جدا، و تقرير المسمى، فلو طلقها بعده لزمه تمامه، و حد الزاني إن وطأ الأجنبية لا لشبهة، و مهر المثل لو وطأها مع فساد العقد أو المهر، و العدة، فلو طلقها كانت عليها عدة المدخول بها، و تحريم المصاهرة، فيحرم عليه بنتها أبدا، و الأخت المملوكة جمعا إلا في التحليل، فلا تحل للمطلق ثلاثا إلا بالوطء قبلا بلا خلاف كما عن المبسوط قال:

«لقوله عليه السلام (4): «حتى تذوقي عسيلته و يذوق عسيلتك»

و هي لا تذوق العسيلة في دبرها، و الإحصان، فلا يثبت له به الإحصان بلا خلاف، كما عن المبسوط أيضا، فلا يحد من لا يقدر على وطء زوجته إلا في الدبر إذا زنا حد المحصن، و استنطاقها في النكاح، فلا تزول به بكارتها، فيكفي سكوتها في الرضا بالنكاح، مع احتماله كما تسمعه فيما يأتي، قيل: و إلا في نقض

الصوم و وجوب الكفارة به و وجوب الغسل فقد اختلف فيها، قلت: لكن قد عرفت مساواته للقبل في ذلك، قيل: و إلا في عدم الغسل عليها بخروج المنهي من دبرها، بخلاف ما لو وطئت قبلا فان فيه وجها بوجوب الغسل إلا أن تعلم أن ليس في الخارج من منيها شي ء، قلت: قد يقال: إن الأوجه


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.
2- 2 سورة الشعراء: 26- الآية 165 و 166.
3- 3 الوسائل الباب- 73- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7 و هو مرسل حفص.
4- 4 المستدرك الباب- 7- من أبواب أقسام الطلاق الحديث 5.

ج 29، ص: 111

خلافه، لاستصحاب الطهارة، على أن ذلك في الحقيقة أمر خارج عن أحكام الوطء، فلا حاجة الى استثنائه، قيل: و إلا في الخروج عن الإيلاء، فإنه لا تحصل الفئة إلا بالوطء في القبل، قلت: و ذلك لأن الإيلاء لا يقع إلا به دون الوطء دبرا، فلا حاجة الى استثنائه.

[المسألة الثانية قصد العزل عن الحرة إذا لم يشترط في العقد و لم تأذن قيل هو محرم]

المسألة الثانية قصد العزل عن الحرة المنكوحة دواما إذا لم يشترط في العقد و لم تأذن، قيل و القائل الشيخان في ظاهر المقنعة و صريح المحكي عن الخلاف و المبسوط و جماعة هو محرم بل في الثاني الإجماع عليه، لما

روى (1)عن النبي صلى الله عليه و آله «إنه نهى أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها»

بل

عنه صلى الله عليه و آله (2)أيضا «أنه الوأد الخفي»

أي قتل الولد، و لأن فيه فواتا للغرض من النكاح، و هو الاستيلاد، و للحق الذي للزوجة و هو الالتذاذ، بل ربما كان فيه إيذاء لها.

بل يجب معه دية النطفة للزوجة عشرة دنانير للإجماع عن الشيخ، و لما

روي صحيحا(3)عن على عليه السلام من وجوبها على من أفزع مجامعا فعزل، قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يفزع عن عرسه، فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك بنصف خمس المأة عشرة دنانير»

الظاهر كونه في الدية كائنا ما كان السبب، و لا ينافي ذلك اختصاصها بالزوجة، لكون الأب هو السبب في الفوات، فكان كالقاتل الذي أومأ إليه النبوي المزبور، فلا يرث حينئذ، منها بل يخص بالأم على كل حال، بل لعل ذلك فيه إيماء إلى الحرمة، و لذا رتب بعضهم الدية على الحرمة، بل


1- 1 المستدرك الباب- 56- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 231.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب ديات الأعضاء الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 29، ص: 112

في المسالك أنه أنسب بالقياس.

و قيل و القائل المشهور نقلا و تحصيلا هو مكروه و إن وجبت الدية، و هو أشبه بالأصول التي هي الحجة، مضافا الى عدم وجوب أصل الوطء عليه قبل الأربعة، و إلى

المعتبرة المستفيضة كخبر البصري (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل، فقال: ذلك الى الرجل»

و خبر محمد(2)عن أبى جعفر عليه السلام «لا بأس بالعزل عن المرأة الحرة، إن أحب صاحبها و إن كرهت، و ليس لها من الأمر شي ء»

والصحيح (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العزل، فقال: ذلك الى الرجل يصرفه حيث يشاء»

وخبر الحذاء(4)قال: «كان على بن الحسين عليه السلام لا يرى بالعزل بأسا، و يقرأ هذه الآية(5)وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالُوا: بَلى، فكل شي ء أخذ الله منه الميثاق فهو خارج و إن كان على صخرة صماء»

وخبر محمد بن مسلم (6)قلت لأبي جعفر عليه السلام: «الرجل يكون تحته الحرة أ يعزل عنها؟ قال: ذلك اليه إن شاء عزل، و إن شاء لم يعزل»

و صحيحه الآخر(7)عن أحدهما عليهما السلام «أنه سئل عن العزل، فقال أما الأمة فلا بأس، و أما الحرة فإني أكره ذلك، إلا أن يشترط عليها حين يتزوجها»

و في صحيحه الآخر(8)عن أبى جعفر عليه السلام مثل ذلك، و قال فيه: «إلا أن ترضى أن يشترط ذلك عليها حين يتزوجها»

وخبر أبي بصير(9)عن أبى عبد الله عليه السلام المروي عن بصائر الدرجات قلت له:

«ما تقول في العزل؟ فقال: كان علي عليه السلام لا يعزل، و أما أنا فأعزل، فقلت: هذا خلاف، فقال: ما ضر داود عليه السلام أن خالفه سليمان عليه السلام، و الله تعالى يقول:


1- 1 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
5- 5 سورة الأعراف: 7- الآية 172.
6- 6 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 5.
7- 7 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
9- 9 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 6.

ج 29، ص: 113

فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ (1)

وخبر الجعفي (2)«سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا بأس بالعزل في ستة وجوه: في المرأة التي أيقنت أنها لا تلد، و المسنة، و المرأة السليطة، و البذية، و المرأة التي لا ترضع ولدها، و الأمة»

الذي منه يستفاد ما عن الفخر من تقييد محل البحث بما إذا كان الجماع في الفرج دون الدبر الذي قل ما يتولد منه، بل قد يلوح منه أيضا أن المنع عن العزل لحق الاستيلاد، ك

قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم (3): «إنه الوأد الخفي»

لكن مقتضى ما سمعته في خبر ابن مسلم من نفي البأس مع رضا المرأة أو الشرط أن ذلك حق الامرأة كما صرح به في جامع المقاصد حاكيا له عن تصريح جمع من الأصحاب، و على ذلك يتفرع ارتفاع الكراهة أو شدتها كما ستعرف.

و على كل حال فمن هذه النصوص يعلم إرادة الكراهة من المروي عن النبي صلى الله عليه و آله، حتى الثاني منهما، و فوات الغرض مع أنه حكمة غير مطردة قد عرفت ما كشف عنه على بن الحسين عليهما السلام، و لذة الزوجة لا يجب على الزوج مراعاتها، و ربما كانت بإنزالها لا بالإنزال فيها، و وجوب الدية لا يقتضي الحرمة، على أنه قد يناقش فيه بعدم ظهور الخبر المزبور فيما نحن فيه، و عدم جواز القياس بعد فقد النص، و الاعتبار القاطع و نحوهما مما يجدي في التنقيح خصوصا بعد وضوح الفرق بين جناية الوالد و الأجنبي و المعارضة بظاهر

النصوص المجوزة(4)المشتملة على «أنه ماؤه يضعه حيث شاء»

و نحو ذلك مما هو ظاهر أو صريح في عدم استحقاق الزوجة عليه شيئا التي منها يعلم أيضا عدم مقاومة محكي الإجماع لها، فإن أقصاه كونه خبرا صحيحا لكنه قاصرا عن معارضة ما سمعته من الصحاح و غيرها سيما بعد ما عن الحلي من نسبة القول بالوجوب الى الشذوذ الذي هو ندرة القول به، فيضعف الظن بأصل حكايته.

فمن الغريب ما في المتن و القواعد من الحكم بالدية مع القول بالجواز، و من


1- 1 سورة الأنبياء: 21 الآية 79.
2- 2 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.
3- 3 سنن البيهقي ج 7 ص 231.
4- 4 الوسائل الباب- 75- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 29، ص: 114

هنا كان المحكي عن المعظم كالحلي و الفاضل في المختلف و ثاني المحققين و الشهيدين و غيرهم عدم الوجوب، و تسمع تمام الكلام فيه في كتاب الديات إنشاء الله، و كذا الكلام في الإجماع المحكي عن الشيخ في أصل المسألة الموهون بمصير المعظم إلى خلافه، بل عن نهايته ذلك أيضا، كل ذلك مع ما قيل من أن ظاهر عبارته المحكية في المختلف في كتاب الديات أن دعوى الإجماع المزبور انما هو على استحباب تركه لا تحريمه، و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى الجواز حتى في الوطء الواجب، لكن مع الكراهة إلا مع الشرط أو الاذن، مع احتمالها فيهما أيضا و إن خفت عملا بإطلاق النهي المحمول عليها الذي لا يحكم عليه المقيد، مضافا إلى

قول النبي صلى الله عليه و آله (1):

«إنه الوأد الخفي».

و كذا الكلام في الأمة التي حكى الإجماع على جواز العزل عنها غير واحد، بل يمكن تحصيله، مضافا الى ما سمعته من النص (2)و خصوصا إذا كانت مجوسية، ل

قول الباقر عليه السلام في خبر(3)ابن مسلم «لا بأس بأن يطأها و يعزل، و لا يطلب ولدها»

بل ظاهر النص و الفتوى و معقد الإجماع جواز العزل عن الأمة و إن كانت دائمة، و الحرة المتمتع بها التي يجوز أيضا العزل عنها و إن لم تأذن، قولا واحدا كما في جامع المقاصد، و إجماعا كما في غيره، بل و الخمسة التي ذكرت في خبر الجعفي (4)و إن كان الأول و هو رفع الكراهة أصلا فيما نفى عنه البأس المرادة هي منه و لو بالقرينة لا يخلو من قوة، خصوصا في بعض النساء التي ورد النهي عن طلب الولد منها الذي هو كناية عن العزل عنها المستلزم لكراهة الانزال فيها، لا العزل عنها، بل عن بعض القائلين بالتحريم استثناء ما إذا كان في دار الحرب و دعته حاجة الى الوطء، هذا.

و قيل: هل يحرم عليها العزل لو قلنا به؟ فيه وجهان، من اقتضاء الحكمة ذلك، و من الأصل، و كذا القول في دية النطفة له، قلت: إن أريد بعزلها منعها إياه


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 231.
2- 2 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 76- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 115

من الانزال فيها فلا ينبغي التأمل في الحرمة، بل الظاهر ترتب الدية عليها، ضرورة كونها حينئذ كالمفزع أو أعظم في التفويت إذا كان قد نحت نفسها عنه عند إنزاله، و إن أريد به عدم إقرار النطفة في رحمها بعد فراغه فقد يقوى عدم الحرمة عليها في ذلك، للأصل و غيره، و إن أريد بعزلها إراقة مائها من فرجها قبل إراقة مائه فيها فعلى فرض تصويره فالأقوى عدم الحرمة أيضا، للأصل، و فحوى ما

سمعته في الرجل، ثم لا خلاف بل و لا إشكال في لحوق الولد به مع العزل، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

قوله صلى الله عليه و آله (1): «الولد للفراش»

و غيره، و إلى احتمال سبق المنى من غير شعور، قال في مقطوعة ابن أبى عمير: الماء ماء الرجل يضعه حيث يشاء، إلا أنه إن جاء بولد لم ينكره، و شدد في إنكار الولد، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر]

المسألة الثالثة صرح غير واحد من الأصحاب أنه لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، بل عن نهاية المرام هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل في المسالك هذا الحكم موضع وفاق، و لعله الحجة بعد كونه مدة الإيلاء، و

الصحيح (2)عن الرضا عليه السلام «عن الرجل تكون عنده المرأة الشابة فيمسك عنها الأشهر و السنة لا يقربها، ليس يريد الإضرار بها، تكون لهم مصيبة، يكون بذلك آثما، قال: إذا تركها أربعة أشهر يكون بذلك آثما بعد ذلك، إلا أن يكون بإذنها»

مؤيدا بنفي الحرج(3)و الإضرار(4)و بالمروي

عن الصادق عليه السلام (5)«من جمع من النساء من لا ينكح فزنى منهن فالإثم


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
2- 2 الوسائل الباب- 71- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
3- 3 سورة الحج: 22- الآية 78.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.
5- 5 الوسائل الباب- 71- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 116

عليه»

بل قيل: و ب

حسن حفص (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإما أن يفي ء و إما أن يطلق، فان كان من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤول»

و إن كان فيه أنه ظاهر في إلحاق المغاضبة بالإيلاء، و هو غير ما نحن فيه، و اختصاص السؤال في الصحيح بالشابة بعد نفي الحرج و إطلاق الفتوى و معقد الإجماع، بل في الرياض لا اختصاص بها إجماعا لا ينافي التعميم و إن توهمه بعض القاصرين من متأخري المتأخرين على ما حكي عنه، فجوز ترك الوطء في غير الشابة تمام العمر، لكنه كما ترى لا يستأهل أن يسطر.

نعم في كشف اللثام و غيره تقييد الحكم بالزوج الحاضر المتمكن من الوطء، و لا بأس به بالنسبة الى الثاني مع فرض عدم التمكن الذي يسقط به الوجوب، أما الأول فقد ينافيه الاستدلال من غير واحد على المطلوب بما روته

العامة(2)عن عمر «أنه سأل نساء أهل المدينة لما أخرج أزواجهن إلى الجهاد و سمع امرأة تنشد أبياتا من جملتها:

فو الله لو لا الله لا شي ء غيره لزلزل من هذا السرير جوانبه

عن أكثر ما تصبر المرأة عن الجماع فقيل له: أربعة أشهر، فجعل المدة المضروبة للغيبة أربعة أشهر»

فإن مقتضاه عد الفرق بين الحاضر و الغائط، فيجب على النائي الرجوع من السفر لأداء ما عليه ما لم يكن سفرا واجبا، بل لعله مقتضى إطلاق المصنف، و غيره، بل و معقد إجماع المسالك، بل و الصحيح المزبور، لكن السيرة القطعية على خلاف ذلك اللهم إلا أن يكون المنشأ في ذلك نشوز أكثرهن، فإن الظاهر سقوط ذلك كباقي حقوق الزوجية به.

أو أنه انما يجب بالمطالبة كالدين و إن كان هو منافيا لإطلاق النص و الفتوى، اللهم إلا أن يقال: إن المتيقن منهما ذلك، فيكون حينئذ وجوبه مشروطا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإيلاء الحديث 2 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 كنز العمال ج 8 ص 308- الرقم 5234 مع الاختلاف في لفظ الحديث و الشعر.

ج 29، ص: 117

مثل القسم.

كما أن المتيقن منهما النكاح الدائم، فلا يجب ذلك في المنقطع الساقط فيه الإيلاء، و

أحكام الزوجية من النفقة و غيرها، لأنهن مستأجرات.

أما الدائمة الأمة فلم أجد فيها تصريحا من الأصحاب، و ربما كان ظاهر إطلاق النص و الفتوى دخولها، لكن معلومية نقص مرتبتها عن الحرة في العدة و القسم و غيرهما يقتضي خلافه، بل ربما كان معروفية كونها على النصف يقتضي حرمة التأخير عنها ثمانية أشهر، و كذا الكلام في الذمية إلا أن ذلك كله تهجس، خصوصا بعد تصريحهم في كتاب الإيلاء بعدم الفرق بين الحرة و بينها.

كما أنهم ذكروا فيه أيضا اعتبار الدخول بالمرأة، فبناء على اتحاد موضوعه مع ما هنا و إن اختص الأول بأحكام الإيلاء دونه، يتجه اعتباره أيضا في المقام، فلا يحرم حينئذ ترك وطء المعقودة أربعة و إن كانت ممكنة، لكن قد يمنع اعتبار ذلك هنا لإطلاق الأدلة، فتفترق في موضوعه عن الإيلاء، و يحرم الترك و إن لم يجز فيه الإيلاء، و لعله لا يخلو من قوة، هذا.

و في المسالك و المعتبر من الوطء الواجب ما أوجب الغسل و إن لم ينزل في المحل المعهود، فلا يكفى الدبر، و فيه أنه كما ينساق المحل المعهود من الوطء و إلا فهو صادق في الدبر، فكذلك ينساق الوطء المخصوص المناسب، لكونه إرفاقا بالزوجة، و أنها لا تصبر على أزيد من ذلك، بل قد عرفت سابقا قاعدة اشتراك الدبر مع الفرج، و أنه أحد المأتيين، ثم لا يخفى عليك الحكم في كثير من الفروع المتصورة في المقام بعد الإحاطة بمدرك المسألة بأدنى التفات.

ج 29، ص: 118

[المسألة الرابعة الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعا محرم و لو دخل لم تحرم]

المسألة الرابعة الدخول بالمرأة قبل أن تبلغ تسعا محرم إجماعا بقسميه، و لو دخل لم تحرم بذلك عليه أبدا على الأصح لكن لو أفضاها حرمت عليه أبدا و لم تخرج عن حباله، كما تسمع تفصيل الكلام في ذلك إنشاء الله بما لا مزيد عليه عند ذكر المصنف له ثانيا في المحرمات.

[المسألة الخامسة يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا]

المسألة الخامسة يكره للمسافر أن يطرق أهله ليلا ل

قوله عليه السلام (1): «يكره للرجل إذا قدم من سفره أن يطرق أهله ليلا حتى يصبح»

بل في المسالك لا فرق في الكراهة بين أن يعلم بذلك قبل الليل و عدمه، للعموم، و لعله للتسامح، و إلا فقد يقال: إن المنساق من يطرق و لو بواسطة حكمة الحكم، حال عدم الاعلام المستلزم لعدم الاستعداد، و ربما يومي اليه

خبر جابر(2)قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه و آله و سلم في غزوة، فلما قدمنا ذهبنا لندخل، فقال: أمهلوا (أنها خ ل) حتى ندخل

ليلا أى عشيا، لكي تمتشط الشعثة و تستحد المغيبة»

بل قد ينساق إرادة الزوجة من الأهل، كما هو المناسب لذكره في النكاح، لكن في المسالك أيضا أن المراد به من في داره أعم من الزوجة، بل فيها أن إطلاق الخبر يشمل جميع الليل، إلا أنه احتمل أيضا اختصاصه بما بعد المبيت عملا بظاهر قوله عليه السلام: «يطرق» و أيده بخبر جابر السابق،


1- 1 الوسائل الباب- 65- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.
2- 2 صحيح البخاري ج 7 ص 6 باب- 10- من كتاب النكاح و صحيح مسلم ج 6 ص 55.

ج 29، ص: 119

و لا يخفى عليك قوته.

[الثالث في خصائص النبي صلى الله عليه و آله]
اشاره

الثالث من اللواحق في خصائص النبي صلى الله عليه و آله، و هي كثيرة مذكورة في كتب العامة و الخاصة، لكن عند المصنف كما ستسمع أن أظهرها خمس عشرة خصلة: منها ما هو في النكاح، و هو الأكثر، و لذا جرت العادة بذكرها فيه و استطراد غيرها (فمنها) تجاوز الأربع بالعقد الدائم، بلا خلاف فيه بين العامة و الخاصة، بل هو من الضروريات، و ربما كان الوجه فيه على ما قيل الوثوق بعد له بينهن دون غيره لكن في المسالك هو منتقض بالإمام عند مشترط عصمته، و فيه أن ذلك حكمة لا يجب اطرادها، كجعل الوجه كون الناس بالنسبة إليه صلوات الله عليه كالمماليك، أو غير ذلك، و على كل حال فلا إشكال في أصل الحكم.

و

في الكافي مسندا عن أبى بصير و غيره (1)«في تسمية نساء النبي صلى الله عليه و آله و نسبهن و صفتهن: عائشة و حفصة و أم حبيب بنت أبى سفيان بن حرب و زينب بنت جحش و سودة بنت زمعة و ميمونة بنت الحارث و صفية بنت حي بن أخطب و أم سلمة بنت أبي أمية و جويرية بنت الحارث، و كانت عائشة من تيم، و حفصة من عدي، و أم سلمة من بني مخزوم، و سودة من بني أسد بن عبد العزى، و زينب بنت جحش من بني أسد، و عدادها في بني أمية، و أم حبيب بنت أبي سفيان من بني أمية، و ميمونة بنت الحارث من بني هلال، و صفية بنت حي بن أخطب من بني إسرائيل، و مات صلى الله عليه و آله عن تسع نسوة، و كان له سواهن التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه و آله، و خديجة بنت خويلد أم ولده، و زينب بنت أبى الجوان التي خدعت، و الكندية».

و في المسالك «جميع من تزوج صلى الله عليه و آله بهن خمس عشرة: و جمع بين إحدى


1- 1 الوسائل الباب- 140- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 10.

ج 29، ص: 120

عشرة و دخل بثلاث عشرة، و فارق امرأتين في حياته إحداهما الكلبية التي رأى بكشحها بياضا، فقال: ألحقى بأهلك، و الأخرى التي تعوذت منه بخديعة عائشة و حفصة حسدا لها.

و قال أبو عبيدة: تزوج رسول الله صلى الله عليه و آله ثماني عشرة، و اتخذ من الإماء ثلاثا،» و

علل تجاوزه الأربعة بامتناع الجور عليه، لعصمته، و هو منتقض بالإمام عند مشترط عصمته، و بظاهر قوله تعالى (1)«إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ» الآية.

و هل كان له الزيادة على تسع؟ قيل: لا، لأن الأصل استواء النبي و الأمة في الحكم، إلا أنه ثبت جواز الزيادة إلى تسع بفعله، و الأولى الجواز مطلقا، لما ذكر من العلة، و ما ثبت أنه جمع بين إحدى عشرة، قلت:

روى الحلبي (2)في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن قول الله عز و جل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ، قلت: كم أحل له من النساء؟ قال: ما شاء من شي ء، قلت لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ (3)فقال: لرسول الله صلى الله عليه و آله أن ينكح ما شاء من بنات عمه و بنات عماته و بنات خاله و بنات خالاته و أزواجه التي هاجرن معه، و أحل له أن ينكح من غيرهن المؤمنة بغير مهر، و هي الهبة، و لا تحل الهبة، إلا لرسول الله صلى الله عليه و آله، فأما لغير رسول الله فلا يصلح نكاح إلا بمهر، و ذلك معنى قوله تعالى وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً(4)- الآية- قلت: أ رأيت قوله تعالى تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ(5)- الآية فقال: من آوى فقد نكح، و من أرجى فلم ينكح، قلت: قوله تعالى لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ، قال: إنما عنى به النساء اللاتي حرم عليه في هذه الآية حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إلى آخرها و لو كان الأمر كما

يقولون كان قد أحل لكم ما لم يحل له، إن أحدكم يستبدل كلما أراده، و لكن ليس الأمر


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.
2- 2 ذكر قطعة منه في الوسائل في الباب- 2- من أبواب عقد النكاح الحديث 6 و تمامه في الكافي ج 5 ص 387 و 388.
3- 3 سورة الأحزاب: 33- الآية 52.
4- 4 سورة الأحزاب: 33- الآية 51.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 121

كما يقولون: إن الله عز و جل أحل لنبيه ما أراد من النساء إلا ما حرم عليه في هذه الآية التي في سورة النساء.

و مثله خبر الحضرمي (1)عن أبى جعفر عليه السلام بأدنى تفاوت إلا أنه ليس فيه حديث الإرجاء، و كذا

خبر أبى بصير(2)عن أبى عبد الله عليه السلام أيضا و إن لم يكن فيه حديث الإرجاء و لا الهبة، لكن زاد فيه «أحاديث آل محمد صلى الله عليه و آله خلاف أحاديث الناس»

و كذا

خبره الآخر(3)عنه عليه السلام أيضا من دون الزيادة، و لكن قال فيه:

«أراكم و أنتم تزعمون أنه يحل لكم ما لم يحل لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم».

و في خبر جميل بن دراج و محمد بن حمران (4)قالا: «سألنا أبا عبد الله عليه السلام كم أحل لرسول الله صلى الله عليه و آله من النساء؟ قال:

ما شاء، يقول بيده هكذا، و هي له حلال، يعنى يقبض بيده»

بل

في الإسعاد شرح الإرشاد لبعض العامة «أنه لما خير رسول الله صلى الله عليه و آله نساءه اخترنه و الدار الآخرة، فحرم الله عليه التزويج عليهن مكافأة لحسن اختيارهن، فقال تعالى: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ الآية» ثم نسخ ذلك، لتكون المنة لرسول الله صلى الله عليه و آله في ترك التزويج عليهن بقوله تعالى إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ الآية»

و لعله الذي أومأ إليه الصادق عليه السلام في أول كلامه جواب سؤال السائل عن ذلك و إن كان لم يكتف به السائل أو لم يفهم معنى قوله عليه السلام، فأجابه جوابا اقناعيا، و الأمر سهل.

و منها العقد للنكاح بلفظ الهبة، ثم لا يلزمه بها مهر ابتداء و لا انتهاء كما سمعته في صحيح الحلبي (5)و الأصل فيه ما رواه

محمد بن قيس (6)عن


1- 1 الكافي ج 5 ص 389.
2- 2 ذكر قطعه منه في الوسائل في الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 2 و تمامه في الكافي ج 5 ص 291.
3- 3 الكافي ج 5 ص 388.
4- 4 الكافي ج 5 ص 389.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
6- 6 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 2- من أبواب عقد النكاح الحديث 8 و تمامه في الكافي ج 5 ص 568.

ج 29، ص: 122

أبى جعفر عليه السلام قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فدخلت عليه و هو منزل حفصة و المرأة متلبسة

ممشطة، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله إن المرأة لا تخطب الزوج، و أنا امرأة أيم لا زوج لي منذ دهر، و لا لي ولد، فهل لك من حاجة؟ فإن تك فقد وهبت نفسي لك إن قبلتنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه و آله: خيرا و دعا لها، ثم قال: يا أخت الأنصار جزاكم الله عن رسول الله صلى الله عليه و آله خيرا فقد نصرنى رجالكم و رغبت في نساؤكم، فقالت لها حفصة:

ما أقل حياءك و أجرأك و أنهمك للرجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: كفي عنها يا حفصة، فإنها خير منك، رغبت في رسول الله صلى الله عليه و آله فلمتيها و عبتيها، ثم قال للمرأة:

انصرفي رحمك الله، فقد أوجب الله لك الجنة لرغبتك في و تعريضك بمحبتي و سروري، و سيأتيك أمري إن شاء الله، فأنزل الله عز و جل وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً الى آخره، فأحل الله عز و جل هبة المرأة نفسها لرسول الله صلى الله عليه و آله، و لا يحل ذلك لغيره».

بل الظاهر أنه كما جاز وقوعه الإيجاب منها بلفظ الهبة كذلك جاز وقوع القبول منه لها، لاعتبار التطابق، خلافا لبعض العامة، فاشترط في القبول لفظ النكاح لظاهر قوله تعالى (1)«أَنْ يَسْتَنْكِحَها» و لا دلالة فيه بعد تحقق نكاحه بلفظ الهبة، فلا ريب في ضعفه، كضعف احتمال كون الذي من خواصه صلى الله عليه و آله النكاح بلا مهر مسمى و لا مهر المثل لا قبل الدخول و لا بعده، و ذلك بهبة المرأة نفسها بالنسبة

إلى ذلك، لا أن عقد النكاح يكون بلفظ الهبة أيضا، ضرورة مخالفته لما عند العامة و الخاصة، بل و لظاهر الكتاب و السنة مع عدم ما ينافي ذلك.

و منها وجوب التخيير لنسائه بين إرادته و مفارقته لقوله تعالى (2):

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ: إِنْ كُنْتُنَّ» الى آخره فان السبب في نزولها ما حكاه

في كنز العرفان عن تفسير ينسب إلى الصادق (3)عليه السلام «من أن النبي صلى الله عليه و آله لما حصل له


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.
2- 2 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.
3- 3 المستدرك الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 5.

ج 29، ص: 123

الغنائم من خيبر قالت له نساؤه: أعطنا من هذه الغنيمة، قال: قسمتها بين المسلمين بأمر الله، فغضبن و قلن لعلك تظن إن طلقتنا لم نجد زوجا من قومنا غيرك، فأمر الله باعتزالهن و الجلوس في مشربة أم إبراهيم حتى حضن و طهرن، ثم أنزل الله هذه الآية»

أو ما

قيل (1)من أن أزواجه سألنه شيئا من عرض الدنيا و طلبن زيادة في النفقة و آذينه لغيرة بعضهن من بعض، فآلى رسول الله صلى الله عليه و آله منهن شهرا، فنزلت آية التخيير،

و هي هذه، و كن يومئذ تسعة، فلما نزلت طلبهن و خيرهن في المفارقة و البقاء، فاخترنه.

نعم في المسالك هذا التخيير عند العامة القائلين بوقوع الطلاق بالكناية كناية عن الطلاق، و قال بعضهم: إنه صريح فيه، و عندنا ليس له حكم بنفسه، بل ظاهر الآية أن من اختارت الحياة الدنيا و زينتها يطلقها، لقوله تعالى (2)«إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها» الى آخره، قلت: صريح الفاضل في القواعد و محكي التحرير و الشيخ في محكي المبسوط أن هذا التخيير كناية عن الطلاق، و هو من خواصه صلى الله عليه و آله، بل ظاهر كنز العرفان المفروغية من ذلك، حيث إنه تارة حكم به من غير إشارة إلى خلاف، و اخرى قال: اختلف في حكم التخيير على أقوال:

(الأول) إن الله عز و جل إذا خير فاختارت زوجها فلا شي ء، و إن اختارت نفسها فهي تطليقة واحدة، و هو قول ابن مسعود و أبى حنيفة و أصحابه.

(الثاني) أنها إذا اختارت نفسها فهي ثلاث تطليقات، و إن اختارت زوجها وقعت واحدة، و هو قول زيد و مذهب مالك.

(الثالث) أنه إن نوى بالتخيير الطلاق كان طلاقا و إلا فلا، و هو مذهب الشافعي.

(الرابع) انه لا يقع بذلك طلاق و إن كان ذلك من خواصه صلى الله عليه و آله، و لو اخترن


1- 1 البحار ج 22 ص 173 الطبع الحديث.
2- 2 سورة الأحزاب: 33- الآية 28.

ج 29، ص: 124

أنفسهن لما خيرهن لبن منه، فأما غيره فلا يجوز له ذلك، و هو

المروي (1)عن الصادق عليه السلام حيث قال: «و ما للناس و الخيار، و إن هذا شي ء خص الله تعالى به رسوله صلى الله عليه و آله»

و قال ابن الجنيد و ابن أبى عقيل منا بوقوعه طلاقا مع نيته و اختيارها نفسها على الفور، فلو تأخر اختيارها لحظة لم يكن شيئا، و الأكثر منا على خلاف قولهما، ل

قول الصادق عليه السلام(2): «أن تقول لها: أنت طالق».

قلت: قد وردت عدة أخبار(3)من طرقنا في التخيير، و أنها تبين باختيارها، من غير فرق في ذلك بين النبي صلى الله عليه و آله و غيره، لكن حملها في محكي التهذيبين على التقية، لموافقتها مع اختلافها لمذاهب العامة، بل قد يظهر أيضا من عدة أخبار أخر أنه ليس من خواصه صلى الله عليه و آله البينونة باختيارهن، و إنما كان من خواصه صلى الله عليه و آله وجوب التخيير لهن، و أنه إن لم يخترنه يطلقهن، ف

في خبر عيسى بن القاسم (4)عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن رجل خير امرأته فاختارت نفسها بانت منه، قال:

لا، إنما هذا شي ء كان لرسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خاصة، أمر بذلك ففعل، و لو اخترن أنفسهن لطلقهن، و هو قول الله عز و جل قُلْ لِأَزْواجِكَ»

الى آخره و هو صريح فيما قلناه، بل

في خبر محمد(5)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنى سمعت أباك يقول: إن رسول الله صلى الله عليه و آله خير نساءه فاخترن الله و رسوله، فلم يمسكهن على طلاق، و لو اخترن أنفسهن لبن، فقال: إن هذا حديث كان يرويه أبى عن عائشة، و ما للناس و الخيار، و إنما هذا شي ء خص الله به رسوله»

و فيه رد على ما سمعته من مالك، كما أنه قد علمت من التخصيص فيه، بل منه يعلم الوجه

في خبر الكناني (6)قال: «ذكر


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 من كتاب الطلاق.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 0- من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 4 من كتاب الطلاق عن عيص بن القاسم.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 3 من كتاب الطلاق.
6- 6 الكافي ج 6 ص 138.

ج 29، ص: 125

أبو عبد الله عليه السلام أن زينب قالت لرسول الله صلى الله عليه و آله: لا تعدل و أنت رسول الله صلى الله عليه و آله، و قالت حفصة: إن طلقنا وجدنا في قومنا أكفاءنا فاحتبس الوحي عن رسول الله

صلى الله عليه و آله عشرين يوما، قال: فأنف الله عز و جل لرسول الله، فأنزل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ، قُلْ لِأَزْواجِكَ- الآية- قال: فاخترن الله و رسوله، و لو اخترن أنفسهن لبن، و إن اخترن الله و رسوله فليس بشي ء»

مع احتمال إرادة لبن بالطلاق بينونة لا رجعة فيها، و من ذلك كله يعلم قوة ما سمعته من المسالك، و ربما يأتي تتمة لذلك إن شاء الله في كتاب الطلاق.

و منها تحريم نكاح الإماء عليه بالعقد قيل: لاشتراطه بخوف العنت، و هو معصوم، و قد ينقض بالإمام، و بفقدان الطول، و لا مهر عليه ابتداء و لا انتهاء، و قد يناقش بإمكان فقد الطول بالنسبة إلى النفقة، و بأنه قد لا توجد الباذلة نفسها بلا مهر، و بأن من نكح أمة غيره كان ولده رقيقا و منصبه منزه عن ذلك، و فيه منع كونه رقيقا كما ستعرف، و بأن كون الزوجة مملوكة للغير محكوما عليها لغير الزوج مرذول، فلا يليق بمنصبه، و فيه منع رذالته، مطلقا و إلا لحرم على الإمام أيضا، فالعمدة الإجماع إن تم، و لعله لذا حكي عن بعض العامة جواز نكاحه الأمة المسلمة بالعقد، لكن المحكي عن الأكثر المنع، نعم لا بأس في وطئه للإماء بالملك، للآية(1)و الفعل، فإنه صلى الله عليه و آله و سلم قد ملك مارية القبطية و كانت مسلمة، و ملك صفية و هي مشركة، فكانت عنده إلى أن أسلمت، فأعتقها و تزوجها.

و منها حرمة الاستبدال بنسائه و الزيادة عليهن حين نزول هذه الآية عليه حتى نسخ ذلك

بقوله تعالى «إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ» الآية خلافا لما عن بعض العامة من عدم نسخ هذا التحريم أصلا، و فيه منع، بل قد سمعت ما تقدم من النصوص الدالة على عدم وقوع هذا التحريم أصلا، و أنه ليس من خواصه في وقت من الأوقات ك صحيح الحلبي (2)و غيره.

و منها ما هو خارج عن النكاح، و هو كثير لكن ذكر المصنف منه


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.
2- 2 المتقدم في ص 120.

ج 29، ص: 126

تسعا وجوب السواك و الوتر و الأضحية

للنبوي (1)«ثلاث كتبت علي و لم تكتب عليكم: السواك و الوتر و الأضحية»

و في آخر(2)«كتب علي الوتر و لم يكتب عليكم، و كتب علي السواك و لم يكتب عليكم، و كتب علي الأضحية و لم يكتب عليكم،»

خلافا لما عن بعض العامة من عدم وجوب الثلاثة عليه مع ورود هذه الروايات من جانبهم، و لذلك قال في المسالك: نحن أولى بذلك منه.

و الرابع قيام الليل و التهجد فيه، لقوله تعالى (3)«وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ» و عن بعض الشافعية أن ذلك قد نسخ عنه، و عن آخرين أن ذلك كان واجبا عليه و على أمته ثم نسخ، و لم يثبت من ذلك شي ء عندنا.

نعم ينبغي أن يعلم أن بين قيام الليل و الوتر الواجبين عليه مغايرة العموم و الخصوص المطلق، لأن قيام الليل بالتهجد يحصل بالوتر و بغيره، فلا يلزم من وجوبه وجوبه، و أما الوتر فلما كان من العبادات الواقعة بالليل فهو من جملة التهجد، بل أفضله، فقد يقال: إن إيجابه يغني عن قيام الليل، لكن فيه أن قيام الليل و إن تحقق بالوتر لكن مفهومه مغاير لمفهومه، لأن الواجب من القيام لما كان يتأدى به و بغيره و بالكثير منه و القليل كان كل فرد يأتي به منه موصوفا بالوجوب، لأنه أحد أفراد الواجب الكلي، و هذا القدر لا يتأتى بإيجاب الوتر خاصة و لا يفيد فائدته، فلا بد من الجمع بينهما.

و الخامس تحريم الصدقة الواجبة عليه و هي الزكاة المفروضة للنصوص المتواترة التي منها

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (4): «إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة»

مضافا الى ما في ذلك من الصيانة لمنصبه الشريف عن أوساخ الناس التي تعطى على سبيل الترحم


1- 1 لم أجد هذين اللفظين في الروايات مع كثرة التتبع في مظانها، و انما يستفاد مضمونها من الروايات التي ذكرها في الخصائص الكبرى ج 3 ص 253 المطبوعة بمطبعة المدني.
2- 2 لم أجد هذين اللفظين في الروايات مع كثرة التتبع في مظانها، و انما يستفاد مضمونها من الروايات التي ذكرها في الخصائص الكبرى ج 3 ص 253 المطبوعة بمطبعة المدني.
3- 3 سورة الإسراء: 17- الآية 79.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب المستحقين الزكاة الحديث 6 كتاب الزكاة.

ج 29، ص: 127

و تنبئ عن ذل الأخذ، و أبدل بها الفي ء الذي يؤخذ على سبيل القهر و الغلبة المنبئين عن ذل المأخوذ منه، و عز الأخذ، و مشاركة أولي القربى له في تحريمها لا يقدح في الاختصاص

به، لأن تحريمها عليهم بسببه، فالخاصة عائدة اليه، مع أنها لا تحرم عليهم مطلقا، بل من غير الهاشمي مع وفاء نصيبهم من الخمس بكفايتهم، و اما عليه صلى الله عليه و آله فإنها تحرم مطلقا، و في المسالك و لعل هذا أولى من الجواب السابق، لأن ذلك مبني على مساواتهم له في ذلك، كما تراه العامة، فاشتركوا في الجواب، و الجواب الثاني مختص بقاعدتنا، و في كشف اللثام و تحريم الصدقة الواجبة و إن كانت من بني هاشم و لم تكن زكاة، و الظاهر مشاركة الأئمة عليهم السلام له فيه، فالخاصة إضافية أو يقال وفاقا للتذكرة: إن التحريم عليهم بسببه، فالخاصة عائدة، اليه و بأحد الوجهين يكون من خواصه صلى الله عليه و آله و سلم تحريم الصدقة الواجبة من غير بنى هاشم، قلت: قد عرفت في كتاب الزكاة تحقيق الحال في ذلك. بل و في تحريم الصدقة المندوبة في حقه صلى الله عليه و آله و سلم و حق الأئمة عليهم السلام و إن كان فيه خلاف.

و السادس تحريم خائنة الأعين قيل و هو الغمز بها أي الإيماء بها إلى مباح من ضرب أو قتل على خلاف ما يظهر و يشعر به الحال، و الخائنة مصدر كالعافية، أو نائب منابه، أو اسم فاعل، و الإضافة بيانية، و المراد فعلها، و

عنه صلى الله عليه و آله (1)«ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين»

و إنما قيل له ذلك لأنه يشبه الخيانة من حيث إنه يخفى، و لا يحرم ذلك على غيره إلا في محظور، و في المسالك الأشهر أن ذلك مختص بغير حالة الحرب، فقد

روى (2)«أن النبي صلى الله عليه و آله كان إذا أراد سفرا ورى بغيره»

و بعضهم طرد الحكم فيه، و التورية اللفظية غير خائنة الأعين.


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 40 و الخصائص الكبرى ج 3 ص 279 مطبعة المدني.
2- 2 سنن أبى داود ج 2 ص 41 باب- 92- من كتاب الجهاد و فيه « إذا أراد غزوة ورى بغيرها» و في الخصائص الكبرى ج 3 ص 280 المطبوعة بمطبعة المدني « اشتهر أنه صلى الله عليه و آله كان إذا أراد سفرا ورى بغيره».

ج 29، ص: 128

و السابع أبيح له الوصال في الصوم المحرم على غيره الذي قد مر تحقيقه في كتاب الصوم.

و خص أيضا و هو الثامن بأنه تنام عينه و لا ينام قلبه

قال صلى الله عليه و آله (1):

«تنام عيناي و لا ينام قلبي»

بمعنى بقاء التحفظ و الإحساس قيل: و على هذا فلا ينتقض وضوؤه بالنوم، فيحصل باعتباره

خاصة أخرى له صلى الله عليه و آله، و قد عدت أيضا في خواصه صلى الله عليه و آله و سلم.

و التاسع أنه كان يبصر وراءه كما يبصر أمامه بمعنى التحفظ و الإحساس في الحالتين كما تقدم و ذكر أشياء غير ذلك من خصائصه صلى الله عليه و آله و سلم حتى أنه أفردها بعضهم بالتصنيف في كتاب ضخم، و العلامة في محكي التذكرة ذكر منها ما يزيد على سبعين.

(فمنها) أنه صلى الله عليه و آله و سلم كان إذا رغب في نكاح امرأة فإن كانت خلية وجب عليها الإجابة و حرم على غيره خطبتها، و إن كانت ذات زوج وجب عليه طلاقها لينكحها، لقضية زيد.

(و منها) وجوب إنكار المنكر إذا رآه و إظهاره، و مشاورة أصحابه في الأمر، و تحريم الخط و الشعر عليه و إن اختلف في أنه كان يحسنهما أم لا، و أنه كان إذا لبس لامة الحرب يحرم عليه نزعها حتى يلقى عدوه و يقاتل، و أن يمد عينيه الى ما متع الله به الناس، و أبيح له دخول مكة بغير إحرام خلافا لأمته، و أن يأخذ الطعام و الشراب من المالك و إن اضطر إليهما، و تفضيل زوجاته على غيرهن، بأن جعل ثوابهن و عقابهن على الضعف، و جعلهن أمهات المؤمنين، و حرم أن يسألهن غيرهن شيئا إلا من وراء حجاب، و بأنه خاتم النبيين صلى الله عليه و آله و سلم، و أمته خير الأمم، و نسخ شريعته جميع الشرائع، و جعلها مؤبدة، و بعثته إلى الكافة، و جعل كتابه معجزا و معجزته باقية محفوظا أبدا، مصونا عن التبديل و التغيير، و نصر بالرعب على مسيرة شهر، و شفعه


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 62.

ج 29، ص: 129

في أهل الكبائر من أمته على العموم، و جعله أول شافع و مشفع، و سيد ولد آدم إلى يوم القيامة، و أول من تنشق عنه الأرض، و أول من يقرع باب الجنة، و أكثر الأنبياء تبعا، و جعل تطوعه قاعدا كتطوعه قائما من غير عذر، و يحرم على غيره رفع صوته عليه، و مناداته من وراء الحجرات، و مخاطبة المصلي بقوله السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، و غير ذلك مما لا يمكن إحصاؤه و إن كان هذه أى ما ذكره المصنف أظهرها لكن ينبغي أن يعلم أن ما يرجع إلى الأحكام الشرعية الأصل الاشتراك، لدليل التأسي حتى يثبت الاختصاص بطريق من الطرق الشرعية، فكلما شك فيه حينئذ من ذلك، يبقى على الأصل كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف يلحق بهذا الباب

[مسألتان]
[المسألة الأولى تحريم زوجاته على غيره من بعد موته]

الأولى إنه من خواصه عليه السلام أيضا تحريم زوجاته على غيره من بعد موته، فإذا مات عن مدخول بها لم تحل إجماعا بل ضرورة من المذهب أو الدين، لنص الآية و كذا القول لو لم يدخل بها على الظاهر لتناول اللفظ، مع أنه لا خلاف فيه ظاهرا، بل لا موضوع له أما لو فارقها بفسخ كالتي وجد بياضا في كشحها أو طلاق كالمستعيذة منه ففيه خلاف، و الوجه أنها لا تحل عملا بالظاهر (11) بسبب صدق الزوجية عليها بعد الفراق في الجملة، فتدخل في إطلاق الآية(1)و قيل: لا تحرم، لصدق سلب الزوجية عنها، و لإعراضه عنها و انقطاع اعتنائه عنها، و قيل بالحرمة إن كانت مدخولا بها، و إلا فلا، لما

روى أن الأشعث بن قيس (2)«نكح المستعيذة في زمان عمر، فهم برجمها، فأخبر أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 53.
2- 2 أنوار التنزيل للبيضاوى ج 2 ص 279 ذيل الآية 53 من سورة النور.

ج 29، ص: 130

فارقها قبل أن يمسها فخلاها، و لم ينكر عليه أحد من الصحابة»

لكن فيهما أن

الكليني قد روى في الحسن عن عمر بن أذينة في حديث طويل (1)«أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم فارق المستعيذة و امرأة أخرى من كندة قالت لما مات ولده إبراهيم: لو كان نبيا ما مات ابنه، فتزوجت بعده صلى الله عليه و آله و سلم باذن الأولين، و أن أبا جعفر عليه السلام قال: ما نهى الله عز و جل عن شي ء إلا و قد عصي فيه، حتى لقد نكحوا أزواج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من بعده، و ذكر هاتين

العامرية و الكندية، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: لو سألتهم عن رجل تزوج امرأة فطلقها قبل أن يدخل بها أ تحل لابنه لقالوا: لا، فرسول الله أعظم حرمة من آبائهم»

و في رواية أخرى عن زرارة(2)عنه عليه السلام و نحوه، و قال في حديثه: «و هم يستحلون أن يتزوجوا أمهاتهم، و أن أزواج النبي صلى الله عليه و آله و سلم في الحرمة مثل أمهاتهم إن كانوا مؤمنين».

و من ذلك يعلم ما في قول المصنف و غيره، و ليس تحريمهن لتسميتهن أمهات، و لا لتسميته صلى الله عليه و آله و سلم والدا لأن ذلك وقع على وجه المجاز لا الحقيقة، كناية عن تحريم نكاحهن و وجوب احترامهن، و من ثم لم يجز النظر إليهن و لا الخلوة بهن، و لا يقال لبناتهن أخوات المؤمنين، لأنهن لا يحرمن على المؤمن فقد زوج رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فاطمة عليا عليه السلام و أختيها رقية و أم كلثوم عثمان، و كذا لا يقال لآبائهن و أمهاتهن أجداد المؤمنين و أمهاتهن، و لا لإخوانهن و أخواتهن أخوال المؤمنين و خالاتهم، و إن كان للشافعية وجه ضعيف في إطلاق ذلك كله، لكنه في غاية البعد، نعم قد عرفت الإشارة في الخبرين الى حرمتهن كحرمة الأمهات و نساء الأب، فلا يبعد كون المراد من الإطلاق المزبور تنزيلهن منزلة ذلك في حرمة النكاح خاصة، و لو للخبرين، و لا يلزم من ذلك إجراء باقي الأحكام على ذلك خصوصا بعد معلومية خلافه من الأدلة كما هو واضح، و الله العالم.


1- 1 الكافي ج 5 ص 421 مع اختلاف لفظ الثاني بكثير.
2- 2 الكافي ج 5 ص 421 مع اختلاف لفظ الثاني بكثير.

ج 29، ص: 131

[المسألة الثانية من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه و آله و سلم القسمة بين أزواجه]

المسألة الثانية من الفقهاء من زعم أنه لا يجب على النبي صلى الله عليه و آله و سلم القسمة بين أزواجه بل في كنز العرفان أنه المشهور بين أصحابنا لقوله تعالى (1)تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ أي تؤخر من تشاء و تترك إيواءه فلا تقسم له، و تؤوي إليك من تشاء و تقسم له، ثم لا يتعين عليك ذلك بل تؤوي أيضا من تشاء ممن عزلت، أي و ترجي من تشاء ممن أويت، كل ذلك لا جناح عليك فيه، و هو أدنى أن تقر أعينهن- الآية- لعدم كونه قسمة، بل الجميع متساويات في ذلك، و لذلك قبل:

إنه لما نزلت أرجى سودة و جويرية و صفية و ميمونة و أم حبيبة و كان يقسم بينهن ما شاء، و آوى عائشة و حفصة و أم سلمة و زينب، فكان يقسم بينهن، فيكون ذلك من خواصه صلى الله عليه و آله و سلم أيضا، و أن ما كان يفعله من القسمة حتى

روي أنه (2)كان يطاف به و هو مريض عليهن و يقول «هذا قسمي فيما أملك و أنت أعلم بما لا أملك يعنى قلبه»

تفضل منه، أو أنه كان قبل نزول الآية، و ربما يؤيد ذلك بكون نكاحه صلى الله عليه و آله

و سلم كالتسري بالنسبة إلى غيره، و لذا جاز له الزيادة على الأربع و بلا مهر، و بلفظ الهبة، و لكن مع ذلك قال المصنف و هو ضعيف لعموم أدلة القسمة، و الأصل الاشتراك، و لأن فعله صلى الله عليه و آله و سلم كان كذلك و لأن في الآية احتمالا يدفع دلالتها، إذ يحتمل أن تكون المشية في الإرجاء متعلقة بالواهبات و فيه أن الأولين يقطعهما الدليل، و الثالث قد عرفت أنه كان تفضلا أو قبل نزول الآية، و الاحتمال لا يرفع الظهور الذي هو مناط الاستدلال، على أن جمع الضمير هنا و أفراده في الواهبة كالصريح في نفي ذلك، بل في المسالك أنه لم يتزوج بالهبة إلا مرة واحدة على ما ذكره المفسرون


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 51.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 298.

ج 29، ص: 132

المحدثون، مضافا إلى أنه لا معنى لتخصيص الواهبات بهذا الحكم مع عموم اللفظ، و إلى أن غاية الهبة الصحة منه صلى الله عليه و آله و سلم بلفظها و بلا مهر، و ذلك لا يخرجها عن حكم الزوجة، و لا ريب في ضعف الاحتمال المزبور كضعف احتمال تطلق من تشاء و تترك طلاق من تشاء، لعدم الدليل عليه، بل ظاهر الآية خصوصا قوله تعالى «ذلِكَ أَدْنى» إلى آخرها خلافه، و الله العالم.

[الفصل الثاني في العقد]
اشاره

الفصل الثاني في العقد و يقع النظر في مقامين الصيغة و الحكم،

[أما الأول في الصيغة]

و أما الأول ف عقد النكاح كغيره من العقود اللازمة يفتقر إلى إيجاب و قبول لفظيين دالين على القصد الرافع للاحتمال أى القصد التفصيلي و من العبارة عن الإيجاب لفظان: زوجتك و أنكحتك بلا خلاف و لا إشكال لكونهما مشتقين من الألفاظ الصريحة في ذلك وضعا التي قد ورد القرآن بهما في قوله تعالى (1)«فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها» و قوله (2)«وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» المراد منه العقد قطعا للإجماع و غيره على تحريم معقودة الأب على الابن.

نعم في متعتك خلاف، و تردد من كونه من ألفاظ النكاح، و لذا لو نسي الأجل انقلب دائما، و من كونه حقيقة في المنقطع مجازا في الدائم، و العقود اللازمة لا تقع بالمجاز، و إلا لم ينحصر، مضافا الى ما عن الطبريات من الإجماع عليه


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 37.
2- 2 سورة النساء:- 4- الآية 22.

ج 29، ص: 133

هنا، و إلى ما في النكاح من شوب العبادة التي لا تلتقي إلا من الشارع و لكن مع ذلك جوازه عند المصنف أرجح لمنع المجازية، بل هو للقدر المشترك كلفظ «زوجتك» بقرينة تتبع موارد استعماله في الكتاب و السنة في مطلق الاستعمال و الانتفاع، أو لمنع اعتبار الحقيقة في العقود اللازمة، بل يكفي فيها المجازاة المتعارفة في مثلها، فيشملها حينئذ آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)و غيره، ضرورة

كون العقد حينئذ من جملة المقاصد التي تعتور الإنسان، فكلما يتعارف في التعبير عنه و في الدلالة عليه كاف فيه، كغيره من المعاني و المقاصد، و ربما كان ذلك هو السر في خلو النصوص عن التعرض لخصوص الألفاظ، بل التأمل فيما ورد منها في خصوص المقام يشرف الفقيه على القطع بذلك، كما لا يخفى على من لاحظ عدم اعتبارهم خصوص لفظ و لا خصوص هيئة، و من ذلك يعلم قوة ما ذكره المفيد و غيره في باب البيع من عدم اعتبار لفظ مخصوص، و قد اعترف بذلك في المسالك حيث إنه بعد أن حكى عن الفقهاء، أنهم عينوا للعقود اللازمة ألفاظا صريحة و أنهم بنوا أمرها على المضايقة بخلاف العقود الجائزة قال: «و الذي يظهر من النصوص أن الأمر أوسع من ذلك» الى آخره.

لكن لا ريب في أن الاحتياط لا ينبغي تركه خصوصا في النكاح الذي فيه شوب من العبادات المتلقاة من الشارع، و الأصل تحريم الفرج إلى أن يثبت سبب الحل شرعا، و أن من المحتمل كون الأمر بالوفاء للمتعارف من العقود التي لا طريق إلى معرفتها إلا بضبط الفقهاء الذين نصوا على اعتبار اللفظ الصريح وضعا في العقد اللازم، و أنه لا يكفى فيه المجاز، و بذلك و نحوه قد رجحنا ذلك في عقد البيع، و قد أطنبنا هناك، و حكينا كلمات الأصحاب، و لكن الانصاف عدم خلو القول بالاكتفاء بكل لفظ لا يستنكر العقد به في ذلك العقد و دال بنفسه أو بالقرينة على القصد الخاص من دون اعتبار هيئة خاصة فيه من قوة، و لو بملاحظة خلو النصوص عن التعرض للفظ بالخصوص، بل و اشتمالها خصوصا في المقام على المضارع و الأمر و غيرهما في العقد لأنفسهم و لغيرهم، و من هنا تعرف قوة ما ذكره المصنف و إن كان ينافيه ما


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 29، ص: 134

ستعرفه منه، كما أنه عرفت ما نوقش فيه بأن إطلاق هذا اللفظ على الدائم مجاز، لأن المتبادر منه المنقطع، كما هو معلوم، و لما ذكروه من افتقاره إلى القرينة، و هي عدم ذكر الأجل، بل ظاهرهم أن الأجل جزء مفهومه، و حينئذ فاستعماله بدونه استعمال للفظ في غير ما وضع له، و التجوز في العقود اللازمة توسع لا يرتضونه، و الفرق بينه و بين «زوجتك» واضح، لأن «زوجتك» حقيقة في القدر المشترك بين الأمرين أو مشترك بينهما اشتراكا لفظيا، و على التقديرين فاستعماله في كل منهما بطريق الحقيقة، بخلاف اللفظ الآخر الذي قد اعترفوا بمجازيته، إذ قد عرفت دفعها بمنع المجازية أولا، و منع عدم كفاية مثل هذا التجوز ثانيا، و دعوى الإجماع على ذلك ممنوعة أيضا، كدعوى الإجماع على عدم العقد به بالخصوص من الطبريات، و الأصل يكفي في قطعه ما سمعته من ظهور النصوص في كون ذلك من جملة المقاصد التي خلق الله الألفاظ للإنسان في بيانها بالطرق التي ألهمها إياه و دله عليها، و من غير فرق بين المجاز و الحقيقة، فالأصل حينئذ عدم الاشتراط، لإطلاق الأدلة، و تعارف العقلاء في بيان المقاصد.

و بذلك تعرف الكلام في كثير مما تسمعه في الإيجاب، بل و القبول و إن ذكره المصنف و غيره أنه هو أن يقول «قبلت التزويج» أو «قبلت النكاح» أو ما شابههما مثل «رضيت» و نحوه، لكن بملاحظة ما ذكرناه تعرف عدم انحصاره في لفظ مخصوص و لا هيئة مخصوصة، بل يكفي فيه كل لفظ دال عليه بالطريق المتعارف في بيان أفعاله من المقاصد، و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في حصوله باللفظين المذكورين و إن تخالف مع الإيجاب بأن كان: «زوجتك» فقال: «قبلت النكاح» أو بالعكس، ضرورة قيام الألفاظ المترادفة بعضها مقام بعض، على أن المراد ذكر ما يدل على المقصود من غير اعتبار خصوص دال، كما لا خلاف عندنا.

و لا إشكال في أنه يجوز الاقتصار على «قبلت» كغيره من العقود، خلافا لما عن بعض الشافعية من المنع، لأنه كناية لا صريح، كما لو قال: «زوجنيها» فقال: «قبلت» و رد بمنع عدم صراحته، لأن الغرض من الألفاظ الدلالة على الإرادة،

ج 29، ص: 135

و لفظ «قبلت» صريح في الدلالة عليها، و الشبهة آتية فيما لو قال «قبلت التزويج- أو- النكاح» و لم يضفه إليها، لاحتمال إرادة غير التزويج المطلوب، و يندفع بأن اللام ظاهرة في العهد الخارجي، على أن قرينة الحال كافية في مثل ذلك، كما هو واضح، و الله العالم.

ثم لا يخفى عليك أنه بما ذكرنا يعرف البحث فيما ذكره المصنف و غيره، بل في المسالك أنه المشهور، من أنه لا بد من وقوعهما أي الإيجاب و القبول بلفظ الماضي الدال على صريح الإنشاء، اقتصارا على المتيقن في الخروج عن أصالة عدم الانتقال، و خصوصا في الفروج المطلوب فيها شدة الاحتياط و تحفظا من الاشتمال المشبه للإباحة التي لا يعتبر فيها لفظ مخصوص، فضلا عن الهيئة المخصوصة، فلو فرض عدم اعتبار الماضوية هنا و الاكتفاء بكل لفظ دال من غير فرق بينه و بين المضارع و الأمر، كان النكاح و غيره من العقود اللازمة كالاباحات، على أن المضارع محتمل للوعد و الأمر للطلب، فلا صراحة فيهما في الإنشاء المخصوص، ضرورة إمكان المناقشة في ذلك كله بالاكتفاء في الخروج عن الأصل بإطلاق أدلة العقود، و ما تسمعه من النصوص (1)المؤيدة بأن المقصود من العقد الدلالة على القصد الباطن بلفظ دال عليه، من غير فرق بين الألفاظ، و بمنع صراحة الماضي في الإنشاء لاحتماله الإخبار و غيره، و مع فرض ملاحظة النقل و قرائن الأحوال يرتفع الاحتمال عن الجميع، بل الأمر بعض أفراد الإنشاء، فهو أولى بالنقل الى قصد الإنشاء، و الاقتصار على المتيقن غير لازم قطعا بعد ظهور الأدلة في التناول، على أنه قد يعارضه الاحتياط، كما إذا اتفق وقوع العقد بالأمر و المضارع، و أصر الزوج على البقاء على العقد، فان الحكم بنفي الزوجة و تزويجها لغيره مناف للاحتياط، و التحفظ من الاشتمال يمكن بجعل الضابط اللفظ الدال على القصد الباطن بالطريق المتعارف في إفادته، و التعبير عنه.


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة و المستدرك الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 2.

ج 29، ص: 136

و قد أجاد في المسالك بقوله: «من اعتبر الألفاظ المنقولة عن النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام في ذلك يجد الأمر أوسع مما قالوه» فان منه ما ذكره المصنف و لو أتى بلفظ الأمر و قصد به الإنشاء للرضا المستفاد من لفظ القبول كقوله «زوجنيها» فقال: «زوجتك» قيل و القائل الشيخ و ابنا زهرة و حمزة فيما حكى عنهم يصح كما في خبر سهل الساعدي

المروي (1)بطرق من الخاصة و العامة، بل في المسالك رواه كل منهما في الصحيح، و هو «إن امرأة أتت النبي صلى الله عليه و آله و قالت: يا رسول الله إنى وهبت لك نفسي و قامت قياما طويلا، فقام رجل، و قال:

يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله: هل عندك من شي ء تصدقها إياه؟ فقال: ما عندي إلا إزاري هذا، فقال: إن أعطيتها إزارك جلست بلا إزار، التمس و لو خاتما من حديد، فلم يجد شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله:

هل معك من القرآن شي ء؟ قال: نعم سورة كذا و سورة كذا، سور سماها، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: زوجتك بما معك من القرآن»

و ليس في الخبر في شي ء من طرقه أنه أعاد القبول، فما عن السرائر و الجامع و

المختلف- من المنع استصحابا لعصمة الفرج، و عدم العلم بالاجتزاء بما في الخبر، مع احتمال أن يكون ذلك اللفظ منه صلى الله عليه و آله إيجابا و قبولا لثبوت الولاية له على المؤمن، فهو من خواصه صلى الله عليه و آله- واضح الضعف، لأن الاستصحاب لا يعارض الدليل، و كفاية الظن بالاجتزاء من الاقتصار على ذلك في جميع طرق الخبر و بعد الاحتمال المزبور، على أنه لم يذكر ذلك من خواصه صلى الله عليه و آله و سلم، مضافا إلى أن المعروف في ولي الصغيرين إذا زوج بينهما التلفظ بكل من الإيجاب و القبول، بل في المسالك أنه موضع وفاق، و من هنا قال المصنف و هو أى القول بالصحة في الفرض حسن.

لكن الانصاف عدم خلو دلالة الخبر المزبور على ذلك من الإشكال، ضرورة عدم إنشاء القبول من الأمر فيه و إن كان طلبا لنكاحها، و لذلك طلب منه النبي صلى الله عليه و آله


1- 1 المستدرك الباب- 2- من أبواب المهور الحديث 2 و سنن البيهقي ج 7 ص 242 مع تفاوت في لفظ المستدرك.

ج 29، ص: 137

المهر، على أنه لو كان قبولا لزم جواز التخلل بين الإيجاب و القبول بالكلام الكثير الذي ليس من متعلقات الإيجاب.

و ما في المسالك- من أن المعهود من عقود النبي و الأئمة عليهم السلام المنقولة عنهم خصوصا عقد الجواد عليه السلام على ابنة المأمون مؤذن باعتبار عد مثل ذلك مما يتعلق بمصلحة العقد، و ليس على اعتبار المقارنة المحضة دليل صالح، و القدر المعلوم اعتباره أن بعد القبول جوابا للإيجاب، و يظهر من التذكرة جواز التراخي بين الإيجاب و القبول بأزيد من ذلك، فإنه اعتبر في الصحة وقوعهما في مجلس واحد و إن تراخى أحدهما عن الآخر- واضح الضعف لما عرفت من عدم إرادة القبول من الأمر السابق، فلا إنشائية عقد، و الفصل الذي لا يقدح إنما هو فيما كان متعلقات الإيجاب كالشرائط و نحوها، لا الفصل بما لا مدخلية له في ذلك، و إن كان هو من مصلحة المتناكحين، لترغيب أحدهما في الآخر مثلا و نحوه، لكن، يهون الخطب عدم انحصار الدليل على ذلك بذلك، و أن مبنى الاكتفاء بذلك على استفادة الرضا من الطلب الأول.

و على كل حال فما يظهر من المصنف- من الاقتصار في الاجتزاء بالأمر على هذه الصورة بقرينة ما سمعته منه من اعتبار الماضوية فيهما فحينئذ لو قالت الامرأة:

«تزوجني» منشأة بذلك الإيجاب، فقال: «تزوجتك» لم يصح حينئذ- هو كما ترى، فان الظاهر عدم الفرق، بل لعل هذه الصورة أولى، لسلامتها مما عرفت، و من تقديم ما هو بمعنى القبول على الإيجاب.

و كذا الكلام فيما ذكره أيضا من أنه لو أتى بلفظ المستقبل كقوله «أتزوجك» فتقول «زوجتك» جاز وفاقا للمحكي عن الحسن و قيل و القائل ابنا حمزة و سعيد و الفاضل في المحكي عنهم لا بد بعد ذلك من تلفظه بالقبول للاستصحاب و الاقتصار على المتيقن و فيه أنه مناف لما في رواية أبان بن

ج 29، ص: 138

تغلب عن الصادق عليه السلام (1)في المتعة أتزوجك متعة فإذا قالت: نعم فهي امرأتك

فإنه سأله «كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: تقول أتزوجك متعة على كتاب الله و سنة نبيه لا وارثة كذا و كذا يوما، و إن شئت كذا و كذا سنة بكذا و كذا درهما، و تسمي من الأجل ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا، فإذا قالت:

نعم فقد رضيت، فهي امرأتك، و أنت أولى الناس بها، قلت: فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام، قال هو أضر عليك، قلت: و كيف، قال: إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام، و لزمتك النفقة في العدة، و كانت وارثا، و لم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة»

و ما

في رواية ابن أبى نصر عن تغلبه (2)قال: «تقول: أتزوجك متعة على كتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليه و آله و سلم نكاحا غير سفاح على أن لا ترثيني و لا أرثك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما، و على أن عليك العدة»

و ما

في رواية هشام بن سالم (3)قال: «قلت: كيف أتزوج المتعة؟ قال: تقول: يا أمة الله أتزوجك كذا و كذا يوما بكذا و كذا درهما»

و احتمال اختصاص خصوص ذلك بالجواز كما هو ظاهر المصنف واضح الضعف، كاحتمال اختصاص

ذلك بالمتعة، ضرورة أنه متى جاز فيها جاز في الدوام، لعدم الفارق، و لما سمعته في الأول من أنه إذا ترك الشرط كان تزويج دوام.

كما أن إشكال ما في الخبر بأنه يلزم من صحة العقد بهذا اللفظ صحته بدون إيجاب، لأن «نعم» في جواب القبول لا يكون إيجابا، و ذلك باطل قطعا واضح الضعف أيضا، لكونه مصادرة واضحة، إذ القائل بذلك يجعل «نعم» إيجابا لتضمنها مجموع الجملة التي هي «زوجتك» لقيامها مقامها، على أنه يمكن أن يكون النكاح كالصلح يصح وقوع إيجابه من كل من الطرفين، فتكون «نعم» حينئذ قائمة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 1 و ذيله في الباب- 20- منها الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 2 عن ثعلبة و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 29، ص: 139

مقام القبول، و ربما كان في النصوص سيما الخبر الأول إشارة الى ذلك، و الحاصل أنه لا ينكر قوة القول بالاكتفاء بكل لفظ دال على قصد العقد به على الوجه المتعارف في الدلالة على مثله، من غير فرق بين الماضي و غيره، و بين الحقيقة و غيرها.

و على كل حال فقد عرفت دلالة الخبر المزبور على أنه لو قال الولي أو الزوجة: «متعتك بكذا» و لم يذكر الأجل انعقد دائما، و هو ظاهر في ال دلالة على ما سمعته منا من انعقاد الدائم بلفظ التمتع الذي قد عرفت أنه للقدر المشترك، و هو تمليك الانتفاع بالبضع، فلا يتشخص للمنقطع إلا بذكر الأجل، كلفظ «زوجتك» و «أنكحتك» و إن تعارف استعماله في المنقطع عرف حادث، فمع فرض الاقتصار على إرادة معناه الذي هو التمتع و الانتفاع من دون قصد الانقطاع يكون دائما، بل دعواه لا تسمع مع عدم الدلالة على ذلك من حال أو مقال، و يأتي إن شاء الله تحقيق المسألة في محلها.

و كيف كان فقد عرفت أيضا أنه لا يشترط في لفظ القبول مطابقته لعبارة الإيجاب، بل يصح الإيجاب بلفظ و القبول بآخر، فلو قال: «زوجتك» فقال: «قبلت النكاح» أو «نكحت» أو قال الولي مثلا «أنكحتك» فقال: «قبلت التزويج» أو «تزوجت» صح بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة.

و لو قال أجنبي مثلا زوجتك بنتك من فلان (11) مستفهما عن إنشاء التزويج فقال (12) الأب مثلا «نعم» (13) قاصدا إنشاء التزويج بذلك فقال الزوج: «قبلت» صح (14) في المحكي عن الشيخ و ابن حمزة و النافع و الإرشاد و القواعد على إشكال في الأخير لأن «نعم» يتضمن إعادة السؤال، و لو لم يعد اللفظ (15) فكأنه قال: «زوجت بنتي من فلان» منشئا فقال الزوج: «قبلت» فيدخل حينئذ تحت إطلاق الأدلة، بل ربما أومأ إليه ما سمعته من النصوص.

و (16) لكن قال المصنف فيه تردد (17) من ذلك، و من احتمال اعتبار ألفاظ خاصة على وجه لا يقوم مقامها ما يتضمنها، فلا يخرج عن الأصل إلا بها، و ضعف النصوص المزبورة و اختصاصها بالمتعة، مضافا إلى ما في الرياض من أن مقتضى

ج 29، ص: 140

تضمن السؤال الاستخبار عن وقوع المسؤول في الماضي، و مراعاة التطبيق بينه و بين الجواب يستلزم كونه إخبارا عن الوقوع لا إنشاء للتزويج، فلو صرح به فيه لارتفع التطابق اللازم المراعاة، و من هنا يمكن أن يقال بعدم وقوع التزويج لو أبدل «نعم» بالصريح إلا أنه قد عرفت قوة القول بعدم اعتبار خصوص لفظ، بل يكفى كل لفظ دال على الإنشاء على وجه لا ينكر استعماله في العقد في عرف المتشرعة، و حينئذ فالقول بالصحة لا يخلو من قوة، نعم لو قصد بذلك الاخبار كذبا أو صدقا لم ينعقد قطعا و حينئذ فضعف النصوص المزبورة غير قادح، و كذا اختصاصها بالمتعة مع أنه لا قائل بالفصل، و التطابق لا يجب مراعاته، مع أنه يمكن فرضه في الاستفهام التقرير الذي يراد منه وقوع العقد، على أن مفروض البحث قصد الإنشاء الذي يحصل به جواب المستفهم، و من الغريب ما سمعته من الرياض من احتمال عدم الاكتفاء لو أبدل «نعم» بالتصريح، و الله العالم.

و لا يشترط هنا تقديم الإيجاب على القبول، بل لو قال المتزوج:

تزوجت منشئا فقال الولي: «زوجتك» صح وفاقا للأكثر، كما في المسالك، بل عن المبسوط الاتفاق عليه، لإطلاق الأدلة، و ظهور النصوص السابقة فيه من خبر الساعدي (1)و غيره، مؤيدا ذلك بمراعاة الشارع الحياة في البكر، و لذا اكتفى عن رضاها بالسكوت (2)و لا ريب في

المشقة عليها من جهته بابتدائها بالإيجاب، بخلاف ما لو ابتدأ الزوج و ذكر ما أنشأ به إرادة النكاح و الشرائط و المهر و نحو ذلك، فإنه يهون عليها حينئذ قول: «زوجتك» مثلا.

و ما يقال من أن حقيقة القبول الرضا بالإيجاب فمتى وجد قبله لم يكن قبولا، لعدم معناه، يدفعه منع كون المراد بالقبول قبول الإيجاب، بل قبول النكاح، و هو متحقق على التقديرين، على أن القبول حقيقة ما وقع بلفظ القبول، و لا إشكال في عدم جواز وقوعه بهذا اللفظ الذي تمنع مادته عن تحقق معناه من دون تقديم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 242.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب عقد النكاح.

ج 29، ص: 141

الإيجاب، و إنما الكلام فيما وقع بلفظ «تزوجت» و نحوه مما هو بمعنى الإيجاب، و تسميته قبولا مجرد اصطلاح، بل قد عرفت سابقا احتمال كونه إيجابا، و أن النكاح كالصلح يقع إيجابه من كل من المتعاقدين، كما يومي اليه

قوله عليه السلام: «فإذا قالت نعم فقد رضيت»

إلى آخره، الظاهر في كون ذلك قبولا منها، و الإجماع على كون عقد النكاح إيجابا و قبولا لا يقتضي تعيين كل واحد من كل واحد، بل يمكن إرادة القائل بتقديم القبول، هذا المعنى، لا أن مراده التقديم قبولا، إذ قد يمنع تحقق معناه متقدما باعتبار كونه حينئذ كالانفعال الذي يحصل تبعا لحصول الفعل، شبه الانكسار المتعقب للكسر، و لا أن المراد عدم اعتبار معنى القبولية في النكاح المنافي للإجماع بقسميه، بل و ظاهر النصوص، فلا يكفي حينئذ اقتران إنشاء التراضي منهما بالنكاح، بل لا بد من اتصال أحدهما بالآخر لكن على الوجه المزبور من أيهما كان، فتأمل جيدا.

و لا يجوز العدول عن هذين اللفظين و ما شابههما من الألفاظ العربية إلى ترجمتهما بغير العربية من الفارسية و التركية و غيرهما اتفاقا منا كما عن المبسوط و التذكرة، للأصل السالم عن معارضة الإطلاق المنصرف الى اللفظ العربي و لو بقرينة كون المخاطب و المخاطب و القرآن عربيا إلا مع العجز عن العربية على وجه يشق عليه التعلم، لفحوى ما ورد(1)في الأخرس، كما أوضحنا ذلك كله في كتاب البيع، و ذكرنا هناك البحث في اللحن في المادة و الإعراب و أنهما أولى من الترجمة على الظاهر، و أنه لا يجب التوكيل و إن تمكن منه.

و حينئذ ف لو عجز أحد المتعاقدين تكلم كل منهما بما يحسنه بعد فرض علم كل منهما بمقصود الآخر و لو عجزا عن النطق أصلا أو أحدهما لخرس أصلي أو عارضي اقتصر العاجز على الإشارة إلى العقد و الإيماء فإن ذلك منه يقوم مقام اللفظ، و في


1- 1 الوسائل الباب- 59- من أبواب القراءة في الصلاة من كتاب الصلاة و الباب 19 من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

ج 29، ص: 142

كشف اللثام هو مما قطع به الأصحاب كما تقدم ذلك كله في كتاب البيع بما لا مزيد عليه، فلاحظ ما هناك في ذلك، و في غيره من المسائل

التي ذكرت هناك و إن كان بينهما نوع مخالفة لما هنا.

و كذا لا ينعقد بالكتابة للقادر على النطق، بل و لا للعاجز عنه إلا أن يضم إليها قرينة تدل على القصد، فإنها حينئذ من أقوى الإشارات، و الله العالم.

و كيف كان ف لا ينعقد النكاح بلفظ البيع و لا الهبة و إن جوزناها للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، بل تخصيصها بنص الكتاب (1)يرشد الى عدمها في غيره، بل قد يرشد الى العدم في غيرها أيضا و لا التمليك و لا الإجارة و لا غيرها من الألفاظ التي لم يتعارف استعمالها في عقده، بل هي منكرة في عرف المتشرعة، بل في المسالك أنه موضع وفاق، و انما نبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث جوزه بكل واحد من هذه الألفاظ سواء ذكر فيه المهر أو جرده و آخر اشترط اقترانه بمهر ليخلص اللفظ للنكاح، لكن الجميع كما ترى، و ذلك لا ينافي ما سمعته منا من عدم اعتبار لفظ مخصوص، لأن المراد الألفاظ التي لم يعلم عدم العقد بها مما هو مستنكر في عرف المتشرعة، نحو استعمال لفظ النكاح في البيع و بالعكس و غيره، بل ربما عد بعضه من الأغلاط، باعتبار خروجه عن قانون اللغة حقيقتها و مجازها، نعم قد يناقش في خصوص «ملكتك» فإنه يمكن القول بجوازه مع فرض إرادة معنى «أنكحتك» منه من تمليك سلطنة البضع منه، لأنه ليس من الألفاظ التي يستنكر في عرف المتشرعة عقد النكاح بها و لا هو مما علم عدمه، بل ورد التعبير بها عن العقد في النص و عبارات الأصحاب، فلا يبعد اندراجه تحت إطلاق الأدلة و

الأمر سهل بعد وضوح المراد و معرفة الضابط، و لكن مع ذلك لا ينبغي أن يترك الاحتياط، و قد أطنبنا في تحرير ذلك كله في كتاب البيع، فلاحظ و تأمل و من ذلك اعتبار التنجيز اتفاقا، فلو علقه و لو بأمر متحقق لم يصح، بل في كشف اللثام لم يصح و إن لم يرد التعليق، لأنه غير صريح، فهو بمنزلة الكناية،


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.

ج 29، ص: 143

و فيه ما لا يخفى من القطع بالصحة لو قال: «إن كان يوم الجمعة فقد زوجتك» على فرض عدم إرادة التعليق منه، هذا.

و في القواعد و يعتبر فيه أيضا اتحاد المجلس، فلو قالت: «زوجت نفسي من فلان» و هو غائب فبلغه فقبل لم ينعقد، و كذا لو أخر القبول مع الحضور بحيث لا يعد في العرف مطابقا للإيجاب، و فيه أنه لا دليل على اعتبار اتحاد المجلس فيه و في غيره من العقود، و في كشف اللثام لعل السر فيه أنه ما لم يتحقق الطرفان جاز لكل منهما الإعراض، فإذا تحققا في مجلس واحد لزم العقد لعدم الاعراض ظاهرا، بخلاف ما لو تفارقا، إذ لا قرينة على عدم الاعراض الموجب، فإنه أمر قلبي.

و بالجملة فمع التقارن صريح و مع الافتراق بمنزلة الكناية، فكما لا تعتبر و إن قصد المراد في العقد فكذا مع الافتراق و إن لم يعرض في البين، و فيه منع عدم الانعقاد عند ذلك كما عرفته غير مرة، نعم تأخير القبول على وجه ترتفع المطابقة بتخلل كلام أو سكوت اختيارا أو اضطرارا لا يبعد عدم الانعقاد معه، لذهاب هيئة التخاطب العقدي، و لا يقدح ابتلاع الريق و نحوه مما لا يرفع تلك الهيئة التي عليها المدار، و الله العالم.

[أما الثاني في الحكم و فيه مسائل]
اشاره

و أما النظر في الثاني أي الحكم ففيه مسائل:

[المسألة الأولى لا عبرة في النكاح بعبارة الصبي إيجابا و قبولا]

الأولى لا عبرة في النكاح كغيره من العقود بعبارة الصبي إيجابا و قبولا لنفسه و لغيره و لا بعبارة المجنون المطبق و لا الأدواري في دوره بلا خلاف معتد به أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل ربما كان من الضروريات سلب حكم ألفاظهما في جميع العقود، فكانت كأصوات البهائم بالنسبة الى ذلك و ربما يومي

ج 29، ص: 144

اليه في الجملة خبر(1)رفع القلم المشهور بناء على إرادة ما يشمل ذلك منه لا خصوص التكليفي.

نعم في عقد السكران الذي لا يحصل و لا يميز ما يخاطب و يخاطب به تردد و خلاف من كونه كالمجنون الذي قد عرفت سلب حكم عبارته، فلا تجديه الإجازة المتأخرة، و من إطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما يقتضي سلب حكم عبارته، إذ يمكن كونه كالمكره، الذي يصحح عقد رضاه

المتأخر أظهره عند المصنف و جماعة أنه لا يصح، و لو أفاق بعد ذلك فأجاز للأصل، و لأن المعتبر قصد المكلف الى العقد و الفرض عدمه، و الإجازة انما تثمر في الصحيح في نفسه لا الباطل و لكن في رواية محمد بن إسماعيل بن بزيع في الصحيح (2)إذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت و رضيت و دخل بها فأفاقت و أقرته كان ماضيا

قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة، ابتليت بشرب النبيذ فسكرت، فزوجت نفسها رجلا في سكرها، ثم أفاقت فأنكرت ذلك، ثم ظنت أنه يلزمها ففزعت منه، فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج، أ حلال هو لها؟ أم التزويج فاسد، لمكان السكر، و لا سبيل للزوج عليها؟ قال: إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها، قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها، قال: نعم»

بل عن الشيخ في النهاية و من تبعه العمل بها، بل حكى ذلك أيضا عن الصدوق في الفقيه و المقنع، بل مال اليه غير واحد من متأخري المتأخرين كسيِّد المدارك و صاحب الكفاية و المحدث البحراني، بل أيده الأخير ب

صحيح الحلبي (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ قال فقال:


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب القصاص في النفس الحديث 2 من كتاب القصاص.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب الإرث.

ج 29، ص: 145

أما التزويج فصحيح، و أما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك، فيعلم أنه كان قد طلق، فإن أقر بذلك و أمضاه فهي واحدة بائنة، و هو خاطب من الخطاب، و إن أنكر ذلك و أبى أن يمضيه فهي امرأته»

الحديث.

و إن كان هو كما ترى، و في محكي المختلف تنزيلها على سكر لا يبلغ حد عدم التحصيل، فإنه إذا كان كذلك صح العقد مع تقريرها، و في المسالك و فيه نظر بين، لأنه إذا لم يبلغ ذلك القدر فعقدها صحيح و إن لم تقرره و ترضى به بعد ذلك بالجمع بين اعتبار رضاها مع السكر مطلقا غير مستقيم، بل اللازم إما اطراح الرواية رأسا أو العمل بمضمونها و لعل الأول أولى.

قلت: لعل الأمر بالعكس، لصحة الخبر و عدم مهجوريته، كعدم ثبوت سلب حكم عبارة السكران و كونه كالمجنون، و يمكن أن يكون مراد العلامة بالتنزيل المزبور عدم بلوغ السكر الى حد يصدر منه الكلام على وجه الهذيان كالنوم و نحوه، بل هو باق على قابلية قصد العقد كما يومي اليه قوله: «فزوجت نفسها» إلا أنه لما غطى السكر عقله لم يفرق بين ذي المصلحة و المفسدة، فهو حينئذ قاصد للعقد، إلا أنه لم يؤثر قصده، لعارض السكر الذي ذهب معه صفة الرشد، فإذا تعقبته الإجازة صح و اندرج في آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)و غيرها، بل لعله أولى من السفيه بل و المكره في ذلك، فإنه أيضا قاصد للعقد، لكنه غير راض به، فإذا ارتفع الإكراه و حصل الرضا كفى ذلك

في الصحة، نعم لو فرض سكره على وجه يصدر اللفظ كالهذيان، اتجه حينئذ عدم الصحة و لو تعقبت الإجازة، لعدم القصد حال النطق، و كذا المكره الذي بلغ فيه الإكراه إلى زوال العقل حتى صار يصدر اللفظ منه على وجه الهذيان، فان الظاهر عدم الصحة و إن تعقبته الإجازة، و لا يناقش ذلك بإمكان فرضه في المجنون، لإمكان دفعها بالإجماع و غيره على سلب عبارة المجنون بجميع أفراده، و دعواه في جميع أفراد من زال عقله من غير فرق بين المجنون و غيره يمكن منعها، خصوصا في مثل السكران الذي كان سكره بسوء اختياره، فيعامل


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 29، ص: 146

معاملة المختار، و لذا كان عقابه في المعاصي الصادرة منه عقاب المختار، بل ربما أوجب عليه الحد، نعم يمكن تنزيل الصحيح المزبور على توكيلها في التزويج، كما هو الغالب و المتعارف، فهو حينئذ فضولي، بل لعل قوله عليه السلام «فهو رضا» يشعر به، و لا ينافيه الإنكار في السؤال المراد به الوحشة مما فعلته لا عدم الرضا، بل و لا قوله:

فيه «ثم ظنت» إلخ، إذ هو مع أنه في السؤال يمكن كونه من الدواعي لحصول الرضا، و من ذلك يعرف ما في الرياض، فإنه بعد أن ذكر ضعف الرواية عن مقابلة القواعد و أنه لا يمكن إلحاقها بالفضولي، لكون المذكور فيها الإنكار بعد الإفاقة الملازم لعدم الرضا، قال: فطرحها رأسا أو حملها على ما في المختلف و غيره و إن بعد متعين، و فيه ما عرفت مضافا الى مخالفة ما في المختلف إطلاق الأدلة أيضا المقيد بالصحيح المزبور، فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثانية لا يشترط في نكاح الرشيدة حضور الولي]

المسألة الثانية لا يشترط في نكاح الرشيدة و إن كانت بكرا حضور الولي على الأصح كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله و كذا لا يشترط عندنا في شي ء من الأنكحة الدائم و المنقطع و التحليل و الملك حضور شاهدين خلافا لما عن العامة و لابن أبى عقيل منا، فاشترطه في الدائم، لخبر ضعيف (1)موافق للعامة محمول على الاستحباب كما تقدم سابقا، لقصوره عن معارضة ما يقتضي الصحة من إطلاق الأدلة و غيره من المعتبرة المستفيضة، و لذا حكى الإجماع على خلافه في محكي الانتصار و الناصريات و الخلاف و الغنية و السرائر و التذكرة و حينئذ ف لو أوقعه الزوجان أو الأولياء سرا جاز كغيره من العقود، لما عرفت و لو تآمرا بالكتمان لم يبطل عندنا خلافا لمالك، فإنه و إن وافقنا على عدم اشتراط الإشهاد


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 11.

ج 29، ص: 147

لكن شرط عدم تواطئهما على الكتمان.

[المسألة الثالثة إذا أوجب ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب]

المسألة الثالثة إذا أوجب الموجب في النكاح أو غيره ثم جن أو أغمي عليه بطل حكم الإيجاب الذي هو قبل التمام بمنزلة العقد الجائز بالنسبة الى ذلك بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، مضافا الى ما دل على شرطية العقد و القصد و الرضا و نحوها في العقد الذي هو عبارة عن الإيجاب و القبول لا الإيجاب وحده، و المراد من اشتراطه مثلا بالنسبة إلى الموجب بقاؤه عاقلا الى قبول القابل، لا حال صدور الإيجاب منه، فإنه ليس شرطا في العقد حينئذ، فإذا فرض ارتفاع القابلية بعد الإيجاب قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد الذي يراد منه استمراره على الحال الذي يحصل له حال نطقه بالإيجاب و حينئذ فلو قبل القابل بعد ذلك كان لغوا نحو قبوله إيجاب المجنون و كذا لو سبق القبول بناء على جوازه و زوال عقله، فلو أوجب الولي بعده كان لغوا، و كذا الكلام في البيع و غيره من العقود، بل الظاهر البطلان حتى لو فرض إفاقته قبل القبول على وجه لا ينافي الاتصال، لبطلان حكم الإيجاب.

بل قد ظهر لك مما قدمنا انه لو نام بعد الإيجاب قبل القبول لم يصح القبول و إن كان النوم غير قادح في العقد الجائز، ضرورة اقتضاء ما دل على صحته عدم تأثير النوم في بقائه، لكونه مما يعتاد، بخلاف ما نحن فيه الذي قد عرفت اعتبار عدم استدامة ما ثبت اشتراطه من نحو ذلك الى تمام العقد، و لا ريب في انتفائه مع النوم، لكن في المسالك بعد أن ذكر أن الإيجاب قبل القبول كالعقد الجائز يجوز فسخه، فيبطل بما يبطل به الجائز قال: «و لا يضر عروض النوم كما لا يقدح ذلك في الوكالة و نحوها» لكن هل يصح الإتيان بالقبول للآخر حالته قيل: لا، و به قطع في التذكرة،

ج 29، ص: 148

لأن التخاطب بين المتعاقدين معتبر، و هو منتف مع نوم صاحبه، و من ثم لو خاطب شخصا بالعقد فقبل الآخر لم يصح، و يحتمل الصحة هنا، لأن الإيجاب توجه الى هذا القابل قبل النوم، و الأصل الصحة مع أنه في التذكرة قال في موضع آخر: «لو قال المتوسط للولي: «زوج ابنتك من فلان» فقال: «زوجت» ثم أقبل على الزوج فقال: «قبلت نكاحها» فالأقرب صحة العقد، و هو أصح وجهي الشافعية، لوجود ركني العقد: الإيجاب و القبول، و ارتباط أحدهما بالآخر، و الثاني لا يصح، لعدم التخاطب بين المتعاقدين، و يستفاد منه أن تخلل مثل هذا الكلام بين الإيجاب و القبول لا يضر، لأنه ليس أجنبيا صرفا» قلت: أو يفرض على وجه لا يقدح في الفورية المعتبرة في العقد، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، كما أنه لا إشكال في البطلان مع فرض حصول القبول من القابل بعد نوم الموجب، لما عرفت.

إنما الكلام فيمن نام بعد الإيجاب ثم استيقظ فقبل القابل، فإنه يمكن القول بالبطلان، لفساد حكم الإيجاب حينئذ بالنوم بعده بفقد الشرط الذي هو الاستدامة التي قد عرفتها، و يمكن القول بالصحة باعتبار كونه كالعقد الجائز الذي لا يضر فيه النوم، و لعل الأول أقوى و إن كان ظاهر ما سمعته من المسالك المفروغية من الصحة في الفرض، و انما جعل البحث في القبول حال النوم الذي قد عرفت المفروغية عندنا من بطلانه، و تشبيه ما نحن فيه بالعقد الجائز لا دليل عليه و إن تشاركا في بعض الأحكام للدليل المقتضى لذلك فيهما كما هو واضح، و الله العالم.

ج 29، ص: 149

[المسألة الرابعة يصح اشتراط الخيار في الصداق خاصة]

المسألة الرابعة يصح اشتراط الخيار للزوج و الزوجة أو غيرهما على حسب ما سمعته في البيع إلى مدة مضبوطة أو مطلقا كما احتمله في كشف اللثام، قال: لإطلاق العبارات و إن فرض في المبسوط و الخلاف و المهذب خيار الثالث، و فيه أن الإطلاق مساق لأصل قبول الخيار في مقابلة عدم قبوله بالنسبة إلى الزوجة، و إلا فالظاهر اعتبار ضبط المدة فيه في كل مقام شرط كالأجل.

و على كل حال فيصح اشتراطه في الصداق خاصة لعموم

«المؤمنون عند شروطهم»(1)

بعد معلومية عدم شرطية ذكره في صحة العقد، إذ أقصاه حينئذ جواز فسخه، و بقاء العقد بغير ذكر مهر فتصير كالمفوضة للبضع، و هو جائز.

م لا يصح اشتراطه في العقد اتفاقا في كشف اللثام و غيره، و قد أومأ إليه المصنف بقوله: «خاصة» لأنه ليس معاوضة محضة، و لذا لم يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية و لا وصف رافع للجهالة، و يصح من غير تسمية العوض و مع العوض الفاسد، و لأن فيه شائبة العبادة التي لا يدخلها الخيار، و لأن فسخه باشتراط الخيار فيه يفضى الى ابتذال المرأة و ضررها، و لهذا وجب بالطلاق قبل الدخول نصف المهر جبرا له، بل

في قوله عليه السلام في خبر(2)أبان: «كان تزويج مقام»

إشعار به، كقوله عليه السلام في غيره:

«تزويج البتة»(3)

و نحو ذلك، بل لعل منافاته لعقد النكاح من ضروريات الفقه، بل قد يتوهم عدم صحة اشتراطه في المهر فضلا عن العقد، لإطلاق بعض العبارات عدم الخيار في النكاح، مؤيدا بأن المهر المذكور في العقد جزء مما وقع عليه، فاشتراط الخيار فيه يقتضي تزلزل الجزء دون الكل، و هو غير معهود، و إلا لاقتضى جواز


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المتعة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 43- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 150

اشتراطه فيما لا يعتبر فيه العوض من العقود، كالصلح و الهبة المعوضة، اللهم إلا أن يلتزم ذلك أو يفرق بأنها و إن كان العوض غير معتبر فيها و لكن بحيث يذكر يكون حكمه حكم غيره في المعاوضات، و لذا يبطل العقد لو ظهر مستحقا مثلا بخلاف النكاح، و تزلزل الجزء دون الكل معهود في البيع و غيره، فضلا عن النكاح، كما لو اشترط الخيار في بعض أفراد المبيع مثلا دون الباقي فيفسخ العقد حينئذ فيه دون غيره فكذا هنا أيضا يفسخ عقد النكاح بالنسبة إلى المهر دون الزوجة، إذ هو المراد من الخيار في المهر، ضرورة عدم تصور فسخ المهر نفسه كما هو واضح.

بل يمكن القول بصحة اشتراطه في غير المهر مما يلزمه العقد، غير الزوجة كالشرط و نحوه، و لا إطلاق يعتد به يقتضي نفى الخيار في المهر، بل ربما يمكن دعوى نفى الخلاف فيه أو الإجماع عليه، مضافا الى عدم الاشكال فيه من حيث القواعد.

و على كل حال فاشتراطه في العقد يقتضي فساد العقد، بناء على أن كل شرط فاسد في عقد يقتضي ذلك، لأن الرضا وقع مقرونا به، خلافا لابن إدريس فصحح العقد و أبطل الشرط، لوجود المقتضى و هو العقد، و إنما فسد الشرط، فيلغو نفسه دون العقد و قد تقدم تحقيق الحال في كتاب البيع بما لا مزيد عليه فقول المصنف هنا:

و لا يفسد به العقد يحتمل عود الضمير فيه الى اشتراط الخيار في العقد المدلول عليه بقوله: «خاصة» بمعنى أنه فاسد، و لكن لا يفسد العقد، فيكون موافقا لما سمعته من ابن إدريس و هو غير معروف بذلك، على أنه لم يشر الى الخلاف في المسألة، مع أن القول فيها ببطلان العقد ببطلان الشرط معروف، بل في كشف اللثام نسبته الى المشهور هنا، و هو نفسه قد تردد في الصحة و عدمها في باب المهر، اللهم إلا أن يكون النكاح له خصوصية، فهو و إن خالف ابن إدريس في غير المقام لكنه في باب النكاح وافقه، و لو لفحوى صحته مع فساد المهر الذي لا ينقص ذكره عن الاشتراط.

و ربما نوقش أولا بأن الظاهر ممن تعرض للمسألة عدم الفرق بين النكاح و غيره من العقود من اقتضاء فساد الشرط فيها فساد العقد و عدمه إلا ما خرج بالدليل،

ج 29، ص: 151

و ثانيا بأن ثبوت ذلك للدليل في المهر لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس و وضوح وجه البطلان بفوات الرضا المقرون بالشرط بفواته، و ذلك و إن أمكن تقريره في المهر لكن للدليل خرجنا عنه، و من هنا احتمل عود الضمير فيه الى اشتراط الخيار في المهر، و وجهه حينئذ واضح، ضرورة أن الشرط الصحيح لا يقتضي فساد العقد، لكنه كما ترى خال عن النكتة، بل الحكم بصحة الاشتراط يقتضي عدم فساد العقد، فلا فائدة في ذكره بخصوصه، كما أن المناقشة المزبورة واضحة الدفع، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه في البيع.

نعم قد يقال: إن الضمير فيه عائد إلى ذلك، و المراد عدم إفساده العقد و إن قلنا بفساده في المهر، إذ أقصاه حينئذ فساد المهر الذي لا يستلزم فساد العقد، فتكون النكتة حينئذ أن الشرط الفاسد في المهر لا يقتضي فساد العقد و إن قلنا: إن الشرط الفاسد في العقد يقتضي فساده، لكن لما ظهر من الدليل عدم فساد العقد بفساد المهر اقتضى ذلك أيضا عدم فساد العقد بفساد المهر بالشرط الفاسد فيه، أو يراد أنه لا يفسد العقد إذا اختار الفسخ في المهر، كما في غيره من عقود المعاوضة، لما سمعته من عدم اعتبار المهر المسمى في النكاح، بخلاف باقي عقود المعاوضة، التي متى فسخ العوض فيها انفسخ أصل العقد، و لعل منها عقد المتعة الذي يعتبر فيه المسمى، فمع فرض صحة اشتراط الخيار فيه متى فسخ انفسخ عقد المتعة في المتمتع بها، لعدم صحة عقد المتعة بدون مسمى ابتداء و استدامة، كما أنه متى صح فرض اشتراط الخيار في مسماها صح اشتراط الخيار، لما عرفت من كونها حينئذ كباقي المعاوضات، اللهم إلا أن يدعى معلومية عدم قابلية عقد البضع و لو متعة للخيار، فيتجه حينئذ عدم صحة اشتراطه في مسماها، لاستلزامه الصحة فيها فتخص مسألة المقام في مهر الدائم، فتأمل جيدا، و الله العالم.

ج 29، ص: 152

[المسألة الخامسة إذا اعترف الزوج بزوجية امرأة و صدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي بالزوجية ظاهرا و توارثا]

المسألة الخامسة إذا اعترف الزوج بزوجية امرأة و صدقته أو اعترفت هي فصدقها قضي بالزوجية ظاهرا و توارثا لأن الحق منحصر فيهما،

«و إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1)

من غير فرق في ذلك بين الغريبين و البلدين، خلافا لما عن بعض العامة، فخص صحة الإقرار منهما بالغريبين، و اعتبر في البلدين إقامة البينة، بناء على اشتراط الاشهاد فيه، و سهولة إقامته فيهما بخلاف الغريبين، و فيه منع الاشتراط أولا، و منع اقتضائه ذلك ثانيا، ضرورة أنه على تقديره يعتبر في صحة أصل وقوعه، و فعلهما الثابت بإقرارهما يحمل على الوجه الصحيح، على أن الشاهدين لا يعتبر كونهما بلدين، فجاز أن يشهد البلديان غريبين، و تتعذر إقامتهما فيؤدي ذلك الى تعطيل الحق بغير موجب، كما هو واضح.

و لو اعترف أحدهما قضي عليه بحكم العقد دون الآخر المنكر، فان القول قوله بيمينه، نعم إن أقام المدعي بينة أو حلف اليمين المردودة ثبت النكاح ظاهرا و وجب عليها مع ذلك مراعاة الحكم في نفس الأمر، فإن كان المثبت الزوج فله الطلب ظاهرا و عليها الهرب باطنا، و هكذا، و إن لم يتفق أحد الأمرين و حلف المنكر انتفى عنه النكاح ظاهرا، و لزم المدعي أحكام الزوجية على ذلك الوجه لا مطلقا، فان كان المدعي الرجل فليس له التزويج بخامسة و لا أمها و لا بنتها مع الدخول بها، و لا بأختها و لا بنت أخيها و أختها بدون رضاها، بل يقدر بالنسبة إليها

كأنها زوجة، و يجب عليه التوصل إلى إيصالها المهر بحسب الإمكان، و أما النفقة فلا تجب عليه، لعدم التمكين الذي هو شرط وجوبها، و إن كانت المدعية المرأة لم يصح لها التزويج بغيره، و لا فعل ما يتوقف على إذن الزوج بدونه،


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 29، ص: 153

كالسفر المندوب و العبادات المتوقف عليه، هذا.

و في المسالك لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين حلف الآخر و عدمه، لأنها مترتبة على نفس دعوى الزوجية، بل قيل: و لا بين تكذيب المدعي و دعواه بعد ذلك و عدمه، قلت: هو كذلك، لكن قد يقال: إن ذلك كله جائز للمدعي إذا اعترف بعد ذلك بأنه قد كان مبطلا في الدعوى، لأنه شي ء لا يعلم إلا من قبله، مع احتمال الإلزام بإقراره، فتأمل جيدا، فإنه قد تقدم تحقيق المسألة في كتاب الحج عند تعرض المصنف في الإحرام فيما إذ اختلف الزوجان فادعى أحدهما وقوع النكاح فيه و أنكره الآخر، و الله العالم.

و لو أوقع الرجل المنكر صورة الطلاق و لو بقول: «إن كانت زوجتي فهي طالق» فالظاهر انتفاء الزوجية عنها، و جاز لها التزويج بغيره لا بأبيه و ابنه مطلقا، لاعترافها بما يوجب حرمة المصاهرة إلا على الوجه الذي ذكرناه.

[المسألة السادسة إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة و لم يسمها عند العقد لكن قصده لها بالنية صح]

المسألة السادسة إذا كان للرجل عدة بنات فزوج واحدة و لم يسمها عند العقد و لا فسرها بغير الاسم فان لم يقصد معينة بطل، لما ستعرفه من اعتبار تشخيص الزوج و الزوجة في النكاح على وجه يحصل به التمييز، و أنه لا يكفى فيه المطلق و إن كفى في البيع و نحوه، و إن قصد معينة لكن كان قصده لها بالنية صح و إن وافقه الزوج عالما بالموافقة، لا اتفاقا من دون قصد للتعاقد و الربط، أو و كل القصد إليه في قول، فقبل نكاح من نواها و إن لم تكن متميزة لديه فعلا، فإن الأول إلى العلم كاف لإطلاق الأدلة، و لكن لا يخلو من نظر تعرفه، إن شاء الله.

ف ان اختلفا في المعقود عليها بعد الاتفاق منهما على صحة العقد المستلزمة لورود الطرفين على واحدة معينة بالنية المتفقة منهما كان كل منهما

ج 29، ص: 154

مدعيا منكرا، فيتحالفان حينئذ، و ينفسخ العقد إذا لم يكن الزوج مثلا قد أوكل أمر القصد الى الآخر و قبل ما نواه، و إلا كان القول قول المفوض اليه بيمينه، لأنه أعلم بقصده، و لأنه أمينه و بمنزلة وكيله، فالقول قوله بيمينه، حتى لو ادعى عليه أنه قد صرح بها بعد العقد فأنكر، فإنه ليس عليه إلا اليمين، هذا ما تقتضيه الضوابط في الدعاوي.

و لكن قد ذكر المصنف و غيره أنهما إن اختلفا في المعقود عليها فان كان الزوج رآهن كلهن فالقول قول الأب، لأن الظاهر أنه وكل التعيين اليه، و عليه أن يسلم إليه التي نواها، و إن لم يكن رآهن كان العقد باطلا و الأصل فيه

صحيح أبي عبيدة(1)عن الباقر عليه السلام «سألت عن رجل كن له ثلاث بنات فزوج إحداهن رجلا و لم يسم التي زوج للزوج و لا للشهود، و قد كان الزوج فرض لها صداقا، فلما بلغ أن يدخل بها على الزوج و بلغ الزوج أنها الكبرى فقال الزوج لأبيها: إنما تزوجت منك الصغيرة من بناتك، فقال: قال أبو جعفر عليه السلام: إن كان الزوج رآهن كلهن و لم يسم له واحدة منهن فالقول في ذلك قول الأب، و على الأب فيما بينه و بين الله أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوجها إياه عند عقدة النكاح، قال: و إن كان لم يرهن كلهن و لم يسم له واحدة منهن عند عقدة النكاح فالنكاح باطل»

و عن الشيخ و أتباعه العمل بهذا الصحيح جامدين عليه من غير تأويل، و أما المصنف فقد سمعت تنزيله إياه، و تبعه عليه الفاضل، بل يمكن عدم الاحتياج الى اليمين في تقديم قول الأب، لإطلاق الصحيح و إن كان الأقوى خلافه، لمعلومية توقف انقطاع الدعوى عليه أو البينة في سائر المقامات، و لو فرض موت الأب قبل تعيينه حيث يكون القول قوله بلا يمين أو معه و حلف على قصده معينة غير التي ادعاها الزوج فالمتجه القرعة، كما في كل زوجة مشتبهة بغيرها، لأنها لكل أمر مشكل، و باب المقدمة، مع اختلاف الأحكام في الإرث و عدمه، و وجوب الوطء و حرمته و نحو ذلك لا يجرى، و الإلزام بالطلاق لا دليل عليه، بل ظاهر


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 155

الأدلة خلافه، بل يمكن دعوى الإجماع على اعتبار القرعة في نحو المقام.

و على كل حال فوجه الإشكال في الخبر أنه يدل حينئذ على أن الرؤية كافية في الصحة، و الرجوع إلى قول الأب و إن خالف ما نواه الزوج و عدمها كاف في البطلان و إن توافقا، مع أن الرؤية لا مدخل لها في صحة العقد و عدمها، و لا تفيد التعيين، و لا عدمها ينافيه، بل و لا تفيد ما نزله المصنف عليه، لأنه التفويض إلى الأب إن كفى مع تولية القبول من غير أن يقصد معينة فلا فرق بين الرؤية و عدمها، فيلزم الصحة على التقديرين، و إن لم يكف بطل على التقديرين، و لا دلالة في الرؤية و لا عدمها على شي ء من الأمرين و إن كان ظاهر المصنف ذلك، بل و كذا المحكي عن المختلف، فإنه قال: «و التخريج في هذه الرواية أن الزوج إذا كان قد رآهن كلهن فقد رضي بما بعقد عليه الأب منهن، و رضي باختياره، و وكل الأمر إليه، فكان في الحقيقة وكيله. و قد نوى الأب واحدة معينة، فينصرف العقد إليها، و إن لم يكن قد رآهن كان العقد باطلا، لعدم الرضا بما يسميه الأب و يعينه في ضميره، و الأصل في ذلك أن نقول: إن كان الأب قد نوى واحدة بعينها و كان رؤية الزوج لهن دليلا على الرضا بما يعينه صح العقد، و كان القول الأب فيما عينه، و إلا فلا» فهو كالصريح في أن العمدة هو التفويض، و الرؤية دليل عليه، و إن كان فيه نظر، بل منع، ضرورة أعمية خصوص الرؤية من ذلك، و انما هو إن كان فمن قبول الزوج، مع إجمال الأب، فإن ظاهر القبول الرضا بما أوجبه الأب و أراده و على كل حال فظاهره كون الرؤية دليلا كاشفا.

لكن في كشف اللثام جعل جواز التفويض و عدمه دائرا مدار الرؤية و عدمها، لا أن الرؤية دليل التفويض، و عدمها دليل عدمه الى أن قال: «إنه لا بعد في أن يكون التفويض إلى الولي جائزا في النساء التي رآهن، لأنهن تعين عنده، دون من لم يرهن لكثرة الجهالة، لا أن الرؤية دليل على التفويض، و أن التفويض جائز مطلقا على أنه إن رأى بعضهن خاصة كان الظاهر تعلق نيته بمن تعلقت بها الرؤية، و إن تعددت فالتفويض في تعيين واحدة منهن، فان ادعى الأب غيرهن لم يسمع منه، لظهور خلافه».

ج 29، ص: 156

قلت: كأن الذي دعاه الى ذلك ظهور كون القابل أراد ما قصده الأب في صورة الرؤية و عدمها، مع أن الامام عليه السلام فصل بينهما، فعلم منه أن التفويض مع الرؤية صحيح دون غيره، لكن لا يخفى عليك بعد اختصاص جواز التفويض في ذلك، ضرورة عدم اعتبار المعلومية في النكاح، فأي مدخلية للرؤية و عدمها.

و من هنا قال في المسالك بعد أن أشكل التنزيل المزبور بما سمعت: إن اللازم إما العمل بمدلول الرواية من غير حمل كما فعل الشيخ، أوردها رأسا و الحكم بالبطلان، كما فعله ابن إدريس، و لعله أجود، لأن العقد لم يقع على معينة مخصوصة منهما، و هو شرط في صحته، و إن كان قد يناقش بناء على تنزيل الخبر على ما عرفت بأن التمييز حاصل على الوجه المعتبر، فإن الزوج ينوي قبول نكاح من نواها الأب، و هو وصف مميز لها عما عداها، فأي فرق بين هذا الوصف و الوصف بالكبرى و الصغرى و نحوهما، نعم يتجه البطلان مع فرض عدم التفويض أو عدم التعيين من الأب حين العقد، فالبحث حينئذ في تنزيل الخبر على ذلك، و لا بأس به جمعا بينه و بين القواعد المعتبرة حتى بالنسبة إلى ظهور الرؤية في التفويض، بحيث يكون الزوج مدعيا لمخالفة الظاهر.

و بذلك ظهر لك حكم جميع الصور، و هو البطلان فيما إذا لم يقصدا معينة، أو تخالفا في القصد، أو لم يعرف أحدهما ما قصد الآخر، و الصحة لو قصدا معينة عالمين بالموافقة، و فيما لو قصد الزوج مثلا قبول من قصدها الأب بتفويض و بغيره مع فرض قصده معينة في قول و التحالف لو اختلفا في المعينة التي أوقعا العقد عليها، نعم قد يتوقف في الصحة في الصورتين الأخيرتين، لعدم صدق امتياز الزوجة فيهما الذي ستعرف اعتباره بالاسم أو الصفة أو الإشارة، ضرورة عدم كون المقصود للأب مثلا منها، إذ ليس هو وصف مميز إلا للأب بخلاف الكبرى مثلا.

فالتحقيق اختصاص جواز ذلك بمضمون الصحيح بناء على العمل به دون غيره، لا أن المراد من تنزيله أن ذلك جائز في نفسه مع قطع النظر عن الصحيح، لكونه مقتضى القواعد، فان ذلك مشكل جدا، بل لو قيل بصحته للخبر على وجه يجري

ج 29، ص: 157

في غير موضوعه كان مشكلا أيضا، لكونه كالمأول بالنسبة إلى ذلك، بل هو شبه القضية في واقعة لا يجسر بها على الحكم بما ينافي ما عرفت، هذا.

و لو ادعى الزوج عدم التعيين حاله و ادعى الأب التعيين بتفويض الزوج أو بإطلاقه كان القول قول الأب لأنه مدع للصحة، بخلاف الزوج المدعي للفساد، و كذا لو ادعاه باختلاف القصد في التعيين و ادعى الأب الصحة باتحاده.

[المسألة السابعة يشترط في النكاح امتياز الزوجة عن غيرها]

المسألة السابعة يشترط في النكاح بأقسامه امتياز الزوجة عن غيرها اتفاقا في كشف اللثام و غيره، كما أنه يشترط امتياز الزوج أيضا كذلك بالإشارة أو التسمية أو الصفة الرافعة للاشتراك أو غير ذلك مما يميزهما و يشخصهما في الواقع و إن لم يتعينا حال العقد، بل قد يقال بالإخراج بالقرعة مع فرض التمييز في الواقع و الاشتباه في الظاهر، إذ احتمال اعتبار التشخيص المستلزم لمعرفة الشخص في الظاهر أيضا- و لو بعد العقد و إلا بطل، فلا يجدي في إناطة العقد بتشخص في الواقع مجمل في الظاهر مخالف لإطلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن، و هو العقد على غير المتميز في الواقع مع احتماله، لأصالة عدم النقل المقتصر في الخروج عنها على المتيقن المعهود، و هو المتميز واقعا، و ظاهرا، نعم لا يعتبر فيه ذلك حال العقد، بل يكفى فيه التمييز بعده، بل لو اتفق عروض الاشتباه استخرج بالقرعة، لا أنه يكفي بناء العقد على المتشخص واقعا المجمل ظاهرا على أن يستخرج بالقرعة، كالعقد على الكبرى مثلا المعلوم عدم التمكن من معرفتها ظاهرا، لجهل تاريخ الولادة و نحوه، و لعله لا يخلو عن قوة.

و ربما كان هو الظاهر من عبارة المصنف و غيرها و إن كان التفريع خاصا، بل و معقد اتفاق كشف اللثام، بل كاد يكون صريح ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه

ج 29، ص: 158

قال في شرح العبارة: «لما كانت الزوجة معقودا عليها و عينها مقصودة للاستمتاع اشترط تعينها في صحة النكاح، كما في صحة النكاح، كما في كل معقود عليه سواء أريد عينه كالمبيع أو منفعته كالعين المؤجرة، و كذلك يشترط تعيين الزوج، لأن الاستمتاع يستدعي فاعلا و منفعلا معينين لتعينه فلو زوجه إحدى بنتيه أو هذا الحمل أو زوج بنته من أحد ولديه أو من هذا الحمل لم يصح العقد بل الثاني أولى، لمشاركته للأول في عدم التعيين، إذ يحتمل كونه واحدا أو أزيد، مضافا الى احتمال كونه غير قابل لنكاح المخاطب، بأن يكون ذكرا أو أنثى أو خنثى مشكلا».

و إن كان قد يناقش بالفرق بين النكاح و بين البيع و الإجارة باعتبار قدح الجهالة فيهما دونه، فليس اعتبار التشخيص في النكاح لذلك، و لا لكون الزوج و الزوجة معقودا عليهما، فأن العقد عليهما لا يقتضي اعتبار تشخصهما في الصحة، ضرورة صحة العقد على الكلي في البيع و الإجارة، فضلا عن غيرهما، نعم الإجماع المحكي و معهودية التشخيص في النكاح على وجه يقطع بعدم صحة غيره أو يشك في تناول الإطلاق له، فتبقى أصالة عدم النقل بحالها.

و بمنع أولوية عدم الصحة في الحمل، ضرورة عدم بناء العقد فيه على عدم التعيين، و احتمال حصوله بالتعدد لا يقتضي البطلان حينه، كما أن عدم معلومية كونه صالحا للنكاح أو نكاح المخاطب لا يقتضي ذلك، ضرورة عدم اعتبار معرفة تأثير العقد حال وقوعه، بل يكفى فيه مصادفته التأثير كما في سائر العقود، فعدم الصحة في الحمل حينئذ ليس لذلك، بل إن كان فهو، لعدم قابلية الحمل لإيقاع مثل هذا العقد عليه، و كذا البيع منه و الهبة له و غيرهما، و لو بقبول الولي، فهو بالنسبة الى ذلك معامل معاملة الجمادات إلا ما خرج بالدليل، كالوصية له و نحوها، و العمدة فيه الإجماع إن تم و إلا فقد يقال بالصحة المراعاة بقابلية وقوع النكاح، و عدم منافاة التمييز بالتعدد، لإطلاق الأدلة، اللهم إلا أن يشك في تناولها لمثل ذلك، فينبغى أصل عدم النقل سالما.

و كيف كان فلا يتوهم من العبارة و نحوها وجوب ذكر ما يقتضي التعيين

ج 29، ص: 159

في العقد على وجه لا يجري اتفاقهما في النية و القصد المعلوم عند كل واحد منهما، فان الظاهر القطع بصحة ذلك كما صرح به في كشف اللثام و المسالك، و تعذر الشهادة بعد عدم اشتراطها عندنا غير قادح، نعم في المسالك من اشترط الشهادة أبطل هنا، لأن الشاهد انما يشهد على اللفظ المسموع دون النية، و فيه أنه يمكن الشهادة عليها أيضا بالقرائن المفيدة لها أو بالإقرار فيها بعد العقد أو غير ذلك.

و على كل حال فليس المراد اعتبار ذكر ما به التعيين في العقد قطعا، بل المراد منه اعتبار التعيين عندهما، بل قد عرفت أنه يجزى على قول ما سمعته من تفويض أحدهما إلى الآخر فيه، فينوي ما نواه.

نعم لو سمى الكبرى مثلا باسم الصغرى غلطا و قبل الزوج ناويا نكاح الصغرى لم يصح، بخلاف ما لو قال: زوجتك بنتي فاطمة أو هذه فاطمة و كانا متطابقين، فإنه لا إشكال في صحته، و كان الثاني تأكيدا.

أما إذا لم يكونا متطابقين بأن كانت المشار إليها زينب أو كانت بنته و لكن سماها بغير اسمها ففي صحة العقد ترجيحا للإشارة أو البطلان لعدم بنت له بذلك الاسم أو ليست الحاضرة المسماة به وجهان، أقواهما الأول، و لو قال: زوجتك ابنتي الكبيرة أو الصغيرة أو الوسطى أو البيضاء أو السمراء و له بنات متعددة متميزة بذلك فلا إشكال في الصحة، و لو لم يكن له إلا واحدة فالوصف مؤكد، نعم ربما يشكل الحكم لو كان الوصف بالكبرى و أختيها حيث لا بنت له سواها بما سمعت من عدم وجود بنت له كبرى، مع أن الأقوى الصحة، ترجيحا للاسم، فيلغو حينئذ إرادة التشخيص بالوصف.

ج 29، ص: 160

[المسألة الثامنة لو ادعى زوجية امرأة و ادعت أختها زوجيته و أقام كل منهما بينة، فان كان قد دخل بالمدعية كان الترجيح لبينتها]

المسألة الثامنة لو ادعى زوجية امرأة فأنكرته و ادعت أختها زوجيته فان لم يقم أحد منهما بينة على دعواه حلفت الامرأة على نفي دعواه، و حلف هو للمدعية على نفي دعواها إن لم يكن قد دخل هو بها، و لوردت الأولى عليه اليمين مثلا فحلف هو فهل له رد اليمين على المدعية؟ وجهان، و على الأول فإذا حلفت كان الحكم كما لو أقام كل منهما بينة على إشكال، و إن كان قد دخل بها ففي كون اليمين عليه، لأنه المنكر بموافقته للأصل أو عليها بموافقتها الظاهر وجهان، أقواهما الأول، و حينئذ فلو أقام أحدهما خاصة البينة قضي له بها و إن كان الرجل الداخل بالمدعية، و احتمال عدم سماعها منه لتكذيبه إياها بفعله، يدفعه أعمية الدخول من النكاح المدعى، مع فرض عدم القرائن و أصالة الصحة لا تشخص وجهه، نعم لا بد له حينئذ من اليمين على نفي ما ادعته الأخت وفاقا للشهيد، ضرورة كونه منكرا بالنسبة إلى دعواها، و البينة على زوجية أختها لا يقتضي العلم بكذبها، ضرورة إمكان صدق البينة مع تقدم العقد عليها، كما أنها لو أقامت هي البينة حلفت هي معها أيضا على نفي العلم بسبق عقده على أختها مع فرض دعواه عليها لذلك أيضا، اللهم إلا أن يستفاد من فحوى الخبر الآتي عدمه هنا، بناء على عدمهما في مورده، و أنه يكفي ثبوت دعوى كل منهما في فساد الأخرى على وجه لا يحتاج الى اليمين، و لا استبعاد في سقوط يمين المنكر مثلا مع فرض إقامته بينة على دعوى تقتضي فساد دعوى المدعي، و ليست هي بينة منكر، فلاحظ و تأمل.

و إن أقام كل منهما بينة، فان كان قد دخل بالمدعية كان الترجيح لبينتها، لأنه مصدق لها بظاهر فعله سيما إذا تكرر و كذا لو كان تاريخ بينتها أسبق، لأنه حينئذ في حكم من لا بينة له، ضرورة بطلان بينة بالبينة

ج 29، ص: 161

السابقة التي لا تعارضها بينته المفروض تأخرها عن الأولى المراد بها أنها زوجته الآن منذ زمان كذا و مع عدم الأمرين بأن انتفى الدخول و اتفقت البينتان بالتاريخ أو أطلقتا أو سبق تاريخ بينته على تاريخ بينتها يكون الترجيح لبينته قيل: لرجحان ما على بينتها بأنها تنكر ما هو فعله الذي هو أعلم به من غيره، إذ لعله عقد على الأولى قبل العقد عليها و هي لا تعلم، و إن كان هو مع أنه أخص من المدعى لا يخلو من نظر بل منع، و ل

خبر الزهري (1)عن علي بن الحسين عليه السلام «في رجل ادعى على امرأة أنه تزوجها بولي و شهود و أنكرت المرأة ذلك، و أقامت أخت هذه المرأة على هذا الرجل البينة أنه تزوجها بولي و شهود و لم توقت وقتا، فقال: إن البينة بينة الزوج، و لا تقبل بينة المرأة، لأن الزوج قد استحق بضع هذه، و تريد أختها فساد هذا النكاح، فلا تصدق و لا تقبل بينتها إلا بوقت قبل وقتها أو دخول بها»

و المناقشة فيه بالضعف يدفعها عمل الأصحاب به من غير خلاف يعرف على ما اعترف به غير واحد عدا ما عن المصنف في النكت، بل عن بعض دعوى الإجماع عليه.

و على كل حال فقد ظهر لك أن الصور حينئذ في إقامتها البينتين اثنتا عشرة، لأنهما إما أن تكونا مطلقتين، أو مؤرختين أو إحداهما مطلقة و الأخرى مؤرخة، و على تقدير كونهما مؤرختين إما أن يتفق التاريخان أو يتقدم تاريخ بينته أو تاريخ بينتها، و على التقادير الستة إما أن يكون قد دخل المدعية أولا، يقدم قولها في سبعة منها، و هي الستة المجامعة للدخول مطلقا باعتبار ظهوره في الزوجية و إن كان قد يمنع ظهوره في ذلك، اللهم إلا أن يفرض اقترانه بما يفيد ذلك، و واحدة من الستة الخالية عنه و هي ما لو تقدم تاريخها، و يقدم قوله في الخمسة الباقية، كما ظهر لك أيضا أن الصور في غير الحال المفروض ستة هي عدم إقامة أحد منهما البينة أو إقامة الرجل دونها أو بالعكس، و الثلاثة مع الدخول و عدمه، و قد عرفت الحكم فيها جميعا، فتكون الصور حينئذ ثمان عشرة.

لكن في المسالك في شرح قول المصنف هذا الحكم مشهور بين الأصحاب لا يظهر


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 162

فيه خلاف بينهم، و هو مخالف للقواعد الشرعية في تقديم بينة الرجل مع إطلاق البينتين أو تساوى التاريخين، لأنه منكر، و يقدم قوله مع عدم البينة، و من كان القول قوله فالبينة بينة صاحبه، و فيه أنه منكر بالنسبة إلى دعوى المدعية، لا بالنسبة الى من ادعى عليها الزوجية المفروض إنكارها، فإنه مدع صرف، نعم قيل:

ترجح هذه البينة على بينتها بعد فرض عدم إمكان الجمع بينهما للتنافي بأنها على فعل لا يعلم إلا من قبله، بل لو فرض تصديق الأولى أمكن ترجيح بينته أيضا بأن يقال: إن الأختين حينئذ متداعيان، كل منهما يدعي زوجية الرجل، فمع فرض تصديقه لأحدهما ترجح بينتها على الأخرى بإقراره لها بالتزويج، نعم لو لم يكن إقرار منه أشكل تقديم إحدى البينتين على الأخرى مع فرض التنافي و عدم الترجيح، و حينئذ يتجه الرجوع الى القرعة التي هي لكل أمر مشكل، و التحقيق أن الترجيح لما ستعرفه لا لذلك، نعم قد يشكل ترجيح بينتها بالدخول الذي قد عرفت أعميته من النكاح خصوصا مع سبق بينة الرجل في التاريخ لبينتها، فليس حينئذ إلا للتعبد للخبر المزبور، لا للقواعد، اللهم إلا أن يفرض اقتران الدخول بقرائن تقتضي تكذيب بينته.

و كيف كان ففي القواعد و جامع المقاصد و المسالك و غيرها أن الأقرب الافتقار في قطع الدعوى الى اليمين ممن قبلت بينته، أما الرجل فلأن بينته إنما هي لإثبات ما ادعاه على المرأة الأولى، و بينه و بين أختها دعوى أخرى هو فيها منكر، فلا بد من اليمين لقطع دعواها، و لا يضر إقامتها البينة، لعدم المنافاة، لإمكان سبق العقد، و أما المرأة فيمينها على نفي العلم، لاحتمال علمها بقدم العقد على الأولى، و لتعارض البينتين في أنفسهما بالنظر الى المرأتين.

و إن كانت هي مدعية خاصة و الدخول إنما كان مرجحا لا مسقطا للبينة المقابلة فيبقى التعارض حينئذ إلى أن تحلف، و ليس في ذلك خروج عن النص، إذ غايته ترجيح البينة، و هو لا ينافي إيجاب اليمين، نعم لا يمين مع كون البينة بالسبق، ضرورة اقتضائها حينئذ بطلان البينة المقابلة، و قد يشكل ذلك في المرأة

ج 29، ص: 163

بأن يمينها مع أنه على نفى العلم الذي لا يفيد رفع الاحتمال انما يتوجه إذا ادعى عليها العلم على الأصح، على أنه لا وجه لليمين مع البينة المرجحة شرعا بالدخول، ضرورة كونه كباقي مرجحات البينات من الأعدلية و غيرها التي لا يحتاج معها الى يمين، و النص كالصريح، سيما قوله عليه السلام: «فلا تصدق» في عدم الحاجة الى اليمين، و إلا لكان فيه تأخير بيان عن وقت الحاجة، فلعل القول بعدم الاحتياج اليه مع قبول بينتها لا يخلو من قوة، و دعوى قاعدة وجوب اليمين على كل من قوى جانبه لا دليل عليها، مع أن مقتضاها اليمين على مضمون البينة كما عساه يوهمه بعض العبارات، و هو واضح البطلان، و لذا صرح في كشف اللثام بكون اليمين من ذي البينة على الوجه الذي تقدم، و فيه ما عرفت، و احتمال كون المراد صيرورة قوى الجانب منكرا فيتوجه عليه اليمين لذلك واضح الفساد، بل و كذا بالنسبة الى الرجل أيضا حال قبول بينته لما عرفت، و كونه منكرا بالنسبة إلى دعواها لا يستلزم ثبوت اليمين بعد أن أقام بينة تشهد على صحة إنكاره و صدقه فيه، خصوصا مع فرض سبق تاريخها، هذا.

و من التأمل فيما ذكرنا يعلم أن الوجه انسحاب حكم المسألة إلى مثل الأم و البنت لو ادعى زوجية إحداهما و ادعت الأخرى زوجيته، ضرورة عدم مدخلية الأخوة فيه، بل انما هو لتحريمه، و هو مشترك بين الجميع، مضافا الى ما عرفته من موافقة الحكم للقواعد الشرعية في الجملة التي لا فرق فيها بين الجميع كما يومي اليه التعليل في الخبر، ضرورة ظهوره في ذلك لا التعبد، و لعله لأن المراد أن الزوج باعتبار دعواه استحقاق بضع الأخت كان هو المدعي الذي وظيفته البينة بخلافها، فان دعواها الزوجية ليست دعوى عليه من حيث عقد النكاح الذي هو بمعنى مملوكية بضعها له، و هي ليست دعوى عليه من هذه الجهة، نعم هي مدعية من جهة اللوازم المشتركة بينها و بينه، و يزيد الرجل بدعوى الملكية للبضع بخلافها، و من هنا

قال عليه السلام: «البينة بينة الرجل»

فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، بل قد يدعى ظهور الخبر في التعدية، للتعليل و إن كان مخالفا للقواعد، و حينئذ فما في المسالك-

ج 29، ص: 164

من احتمال عدم الانسحاب بل جزم به في جامع المقاصد و كشف اللثام لكون الحكم على خلاف الأصل فيقتصر على مورده- لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

[المسألة التاسعة إذا عقد على امرأة فادعى آخر زوجيتها لم يلتفت الى دعواه إلا مع البينة]

المسألة التاسعة إذا عقد على امرأة فادعى آخر عليها زوجيتها لم يلتفت الى دعواه عليها إلا مع البينة

قال يونس (1)«سألته عن رجل تزوج امرأة في بلد من البلدان فسألها لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوجها، ثم إن رجلا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك، ما يلزم الزوج؟ قال: هي امرأته إلا أن يقيم البينة»

و نحوه مكاتبة الحسين بن سعيد(2)و في

خبر عبد العزيز بن المهتدي (3)سألت الرضا عليه السلام قلت له: «إن أخي مات و تزوجت امرأته، فجاء عمى فادعى أنه كان زوجها،

فسألتها عن ذلك فأنكرت أشد الإنكار، و قالت: ما كان بينى و بينه شي ء قط، فقال: يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها»

، و لا ينافي ذلك

مضمر سماعة(4)«سألته عن رجل تزوج امرأة أو تمتع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال: إن هذه امرأتي، و ليست لي بينة، فقال: إن كان ثقة فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل»

بعد أن كان محمولا على ضرب من الاستحباب للاحتياط، إذ لم نجد عاملا به.

و على كل حال فظاهر المصنف بل قيل و الأكثر أنه لو فرض عدمها كانت دعواه عليها مثلا باطلة، لا يتوجه لها عليها اليمين و إن كانت هي منكرة، إذ اليمين انما تتوجه على المنكر الذي لو اعترف لزمه الحق باعترافه، و الأمر هنا ليس كذلك، ضرورة أنها لو صادقت المدعي على دعواه لم تثبت الزوجية، لكونه في حق الغير، و هو الزوج المالك بضعها بالعقد المفروض، فلا يقبل قول الغير في إسقاطه،


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
2- 2 أشار إليها في الوسائل الباب- 23- من أبواب عقد النكاح الحديث 3 و ذكرها في التهذيب ج 7 ص 477 الرقم 1914.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 165

و منه يعلم عدم إمكان ردها اليمين عليه، لأن اليمين المردودة إن كانت كالإقرار و قد عرفت حكمه، و إن كانت كالبينة فهي بالنسبة إلى المتداعيين دون غيرهما، و هو هنا الزوج.

لكن قد يناقش بأنه مناف لعموم

قوله صلى الله عليه و آله: «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»(1)

و نحوه، و دعوى كون المتبادر منه لزوم الحلف لقطع أصل الدعوى المعلوم عدمه هنا لمكان حق الزوج لا اللوازم ممنوعة على مدعيها، و لذا سمعت على من باع المال و نحوه، كدعوى أن العمدة في التعدية إلى اللوازم الإجماع، و ليس لظهور إطلاق عبائر الأكثر في عدم السماع مطلقا، ضرورة كون التعدية لظاهر النصوص، و ستعرف المراد بإطلاق الأكثر، و ليس في النص إلا

قوله عليه السلام:

«هي امرأته حتى يقيم البينة»

و هو كذلك، فان اليمين، المردودة لا تخرج به عن الزوجية التي تعلق بها حق الغير، و حينئذ فيتوجه له اليمين، كما يتوجه لها الرد عليه و إن لم يسمع ذلك في حق الزوج، لكن فائدته على تقدير الإقرار و ما في حكمه ثبوت مهر المثل على الزوجة للمدعي، لحيلولتها بينه و بين البضع بالعقد الثاني، كما لو باع شيئا على أنه له، ثم أقربه لزيد، فإنه يغرم للمقر له عوضه مثلا أو قيمته، و على تقدير رد اليمين على المدعي أو نكولها عن اليمين و القضاء للمدعي بالنكول أو مع اليمين فالحكم كذلك، و من هنا ذهب جماعة كما قيل الى قبول الدعوى و إن لم تكن ثم بينة، و مال إليه في المسالك، لكن قال: «مبنى القولين على أن منافع البضع

هل تضمن بالتفويت أم لا؟ و قد اختلف فيه، فحكموا بضمانه تارة، و بعدمه أخرى، نظرا الى أن حق البضع متقوم شرعا فمن أتلفه وجب عليه عوضه، و هو المهر، و التفاتا إلى أنه ليس مالا للزوج، و إنما حقه الانتفاع به، و منافع الحر لا تضمن بالفوات، لأنها لا تدخل تحت اليد، و ينبه (على الأول) حكمهم بوجوب مهر المثل لمن انفسخ نكاحها بإرضاعها من يفسد النكاح، و وجوب دفع المهاجرة


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء و فيه « البينة على المدعى و اليمين على المدعى عليه».

ج 29، ص: 166

مسلمة إلى زوجها الكافر المهر، للحيلولة بينه و بينها بالإسلام، و هو قائم هنا، و (على الثاني) عدم وجوب مهر للزانية و لا لزوجها، و ثبوت مهر المثل لها في وطء الشبهة دونه- ثم قال- و القول بسماع الدعوى و ثبوت الغرم متجه عملا بالقاعدة المستمرة من ثبوت اليمين على من أنكر، و زجرا عن الاقدام على مثل ذلك».

قلت: ستعرف في الرضاع أن الأقوى عدم مالية البضع، و أن ثبوت المهر في بعض المواضع للدليل، لعدم عده مالا لغة و لا شرعا، و لا عرفا، لكن قد يقال بسماع الدعوى و إن لم نقل بماليته و لا بثبوت الغرم للحيلولة، بل للعموم السابق، و لأن إقرارها حقيقة أو حكما يثمر ثبوت الزوجية مع توجيه الدعوى على الزوج، فتثبت الزوجية حينئذ بإقرارهما أو نكولهما أو اليمين المردودة، بل قد تثبت في حقه أو حقها، و يترتب على ذلك أحكام كثيرة و لو باتفاق فراق الزوج الثاني أو موته عنها أو غير ذلك، كما أنها لو أقرت هي مثلا لم يكن لها مطالبة العاقد بمهر و لا نفقة و لا قسم، إلا أن تدعي الشبهة الممكنة في حقها، فليس مبنى القولين حينئذ ما ذكره.

و من ذلك يعلم حينئذ أن الدعوى تتوجه على الزوج و المرأة معا، إذ لا يعتبر في المدعى عليه الاتحاد، فان اتفقا على الحلف أو الرد فلا كلام، و إن اختلفا كان لكل حكمه، كالإقرار منهما أو من أحدهما، و لا فرق في ذلك بين اتحاد المجلس و عدمه، كما هو واضح، كما أن منه يعلم ما في المتن إن كان مراده عدم سماع الدعوى أصلا إلا مع البينة على وجه لم يتوجه له يمين لا على الزوج و لا على المرأة، كما جزم به في المسالك، حتى قال: «إنما جعل المصنف موضوع المسألة الدعوى على المعقود عليها، ليرتب الجزم بعدم سماع الدعوى نظرا إلى ما سمعته أولا، فإنها لو كانت خلية لسمعت قطعا، و ترتب عليها اليمين مع الإنكار، و لزوم العقد بالإقرار، و ثبوت النكاح لو نكلت، أو رد عليه اليمين فحلف» و فيه أنه يمكن إرادة المصنف هنا و النافع و غيره ما سمعته في النص من عدم ثبوت دعواه مطلقا إلا مع البينة، فإنها حجة على كل من الزوج و الامرأة بخلاف اليمين من كل واحد منهما، فان النكول

ج 29، ص: 167

عنه إنما يثبت في حقه لا في حق الآخر، و لعله لذا قال في القواعد: و لو ادعى زوجية امرأة لم يلتفت اليه إلا بالبينة سواء عقد عليها غيره أم لا، ضرورة معلومية توجه اليمين عليها مع عدم العقد، مع أنه نفى الالتفات الى الدعوى إلا مع البينة.

و على كل حال ففي المسالك أيضا مما يتفرع على الخلاف الأول جواز العقد على هذه، أي الخلية لغير المدعي قبل انتهاء الدعوى و عدمه، فان قلنا بسماعها بعد التزويج و ترتب فائدتها السابقة صح العقد الثاني، و تثبت الدعوى بحالها، لكن العقد الثاني يفيد سقوط تسلط المدعي على البضع، فيحتمل لذلك عدم جواز العقد حتى ينتهي الأول دعواه، لسبق حقه، فلا يسقطه الثاني بعقده، نعم لو تراخى الأول في الدعوى أو سكت عنها فجواز العقد أجود حذرا من الإضرار المترتب على المنع، فان الزوج إذا علم بعدم إقدام أحد عليها أمكن أن يؤخر دعواه لذلك، ليطول الأمر عليها، و يتوجه عليها الضرر بترك التزويج، فيكون وسيلة إلى الرجوع اليه، و هو يستلزم الحرج و الإضرار المنفيين بالآية(1)و الرواية(2)و إن قلنا بعدم سماع الدعوى على المعقود عليها أصلا كما ذهب اليه المصنف اتجه عدم جواز تزويجها إلى أن يخرج من حقه بانتهاء الدعوى، و يشكل الأمر حينئذ لو باطل بها و قصد ما ذكرناه، و لعل الجواز حينئذ مطلقا قوي.

قلت: قد عرفت عدم سقوط الدعوى بالتزويج عندنا و إن تعدد المدعى عليه به، و عدم تسلط المدعى على البضع لو فرض نكول المرأة عن اليمين لا يقتضي عدم جواز التزويج للامرأة الخلية شرعا، بل لو قلنا بسقوط الدعوى منه

أصلا أمكن القول بجواز التزويج لذلك، و أقصاه أنه توصلت الامرأة إلى إسقاط دعواه بطريق محلل، كما أن الرجل قد تزوج امرأة خلية شرعا و إن ترتب على ذلك سقوط دعوى المدعى، و احتمال أن مجرد الدعوى يمنعها من التزويج و من الاقدام عليها


1- 1 سورة الحج: 22- الآية 78.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من كتاب احياء الموات.

ج 29، ص: 168

كما ترى و إن لم يطل السكوت الذي تتضرر به المرأة.

[المسألة العاشرة إذا تزوج العبد بمملوكة ثم إذن له المولى في ابتياعها فان اشتراها لمولاه فالعقد باق]

المسألة العاشرة إذا تزوج العبد بمملوكة ثم إذن له المولى في ابتياعها فان اشتراها لمولاه فالعقد باق للأصل و إن اشتراها لنفسه بإذنه أو ملكه إياها بعد ابتياعها له فان قلنا العبد يملك مطلقا أو في نحو الفرض بطل العقد كما يبطل نكاح الحر للأمة إذا اشتراها، لظهور قوله تعالى (1)«إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ» و غيره في منع الجمع بين سببي الوطء و انقطاع الشركة بينهما، فيكون كل واحد منهما مؤثرا تاما في إباحة الوطء، ففي حال الاجتماع إما أن يرتفع تأثيرهما، و هو معلوم الفساد أو يكون المؤثر واحدا و ليس هو إلا الطاري فما في المسالك- من المناقشة في ذلك بأن علل الشرع معرفات، فلا يضر اجتماعها- يدفعه ما عرفته من ظهور الأدلة هنا في كونها في الفرض كالعلل العقلية

بالنسبة الى ذلك، نعم قد يناقش في ترجيح الطاري بعدم ما يقتضي ترجيحه، بل لعل الأول أرجح باعتبار سبق تأثيره، فلا يصادف الثاني موضوعا للتأثير، فيتجه بطلان البيع حينئذ لا النكاح، اللهم إلا أن يقال: الإجماع على صحة البيع يرفع ذلك، أو يقال: إن السبب نفسه أقوى في التأثير من استدامة الأول، أو غير ذلك مما يتجه معه حينئذ بطلان النكاح فيما نحن فيه، بناء على ملكية العبد.

لكن هل يستبيحها بغير إذن جديدة من المولى إما بالملك أو بالإذن الضمنية المستفادة من الإذن في شرائها لنفسه أم لا؟ وجوه، أقواها الأخير، للحجر عليه في التصرف و إن قلنا بملكيته، و الاذن في شرائها له لا يقتضي الاذن في التصرف إلا مع القرائن التي لا إشكال معها في الجواز، و لا يشكل بأنها وقعت منه في حال عدم الاذن له باعتبار كونها في ملك غيره نحو ما قيل في الوكالة على ما لا يملكه


1- 1 سورة المؤمنون: 23- الآية 6.

ج 29، ص: 169

الموكل، ضرورة اندفاعه فيهما بأنه سائغ فيما هو تابع، كالوكالة على شراء دار و بيعها بعد الشراء و نحو ذلك، لإطلاق أدلة الوكالة كما هو واضح.

هذا كله على القول بملكية العبد و إلا نقل بملكيته لمثل ذلك كان العقد باقيا لعدم وجود ما ينافيه بلا إشكال إذ الابتياع المزبور إما أن يكون فاسدا لوقوعه للعبد المفروض عدم قابليته للملك أو للمولى حينئذ كما عن بعضهم، لأن إذنه فيه للعبد تضمن أمرين: مطلق الشراء و كونه مقيدا بالعبد، فإذا بطل المقيد بقي المطلق المدلول عليه بالمقيد ضمنا، لكن في المسالك النظر في الثاني بأنه لا يلزم من الاذن في الشراء للعبد الاذن فيه للمولى، و بقاء المطلق مع انتفاء المقيد في مثل هذه المواضع ظاهر المنع، و من الجائز أن يرضى المولى بتملك الأمة المعينة للعبد، و لا يرضى بتملكها لنفسه، فعدم صحة العقد أصلا قوي، و هو متجه إن لم نقل بلغو نيته أنه للنفس بعد أن كان الشراء المأمور به لا يقع لها، نحو قول القائل:

«اشتر بعين مالي كذا لنفسك» و نحو الشراء بعين المال المملوك للمشتري مثلا للغير، كما أوضحناه في دين المملوك عند تعرض المصنف له.

و على كل حال فالذي ينبغي أن يكون محلا للنظر و التأمل ما لو أذن المولى للعبد في ابتياع الأمة له غير ملاحظة الملكية و الاختصاص و شراها العبد كذلك، بل قصد القدر المشترك بينهما دون الاذن صريحا أو ظاهرا في شرائها للمولى و الانتفاع بها للعبد، فان ذلك لا إشكال في صحته، و دون الاذن في شرائها له على جهة الملكية له، فان ذلك لا إشكال في الفساد معه بناء على عدم ملكه إلا على الاحتمال السابق، و المتجه فيه الصحة، لكون العبد مأذونا في أصل الابتياع المنصرف واقعا و شرعا الى من هو أهله دون العبد، من غير حاجة الى قصد العبد، بل قد يتجه ذلك مع قصد العبد نفسه، فإنه لا يؤثر في الانصراف المزبور بعد فرض عدم قابليته للتملك، فضلا عن عدم القصد، و الاقتصار على نية الشراء بالإذن الصادرة من المولى، و احتمال الفساد- بعدم قصد العبد كونه للمولى أوله- يدفعه منع اعتبار ذلك في صحة البيع، ضرورة كون ذلك في الفرض من الأحكام الشرعية التي لا مدخلية فيها للنية، هذا

ج 29، ص: 170

و قد تقدم البحث في نظير هذه المسألة في باب دين المملوك من هذا الكتاب، فراجعه ثمة، فإنه تحقيق بما لا مزيد عليه.

و كيف كان ف لو تحرر بعضه و اشترى زوجته بطل النكاح بينهما سواء اشتراها بمال ينفرد به أو مشترك بينهما لأنه صار مالكا لها أو لبعضها، فيبطل عقد النكاح فيها أو فيما يخصه، و العقد لا يتبعض نعم لا يصح له وطؤها في الثاني لأن البضع لا يتبعض بخلاف الأول الذي يملكها تماما عليه، كما هو واضح و الله العالم.

[الفصل الثالث في أولياء العقد]
اشاره

الفصل الثالث في أولياء العقد و فيه فصلان:

[الفصل الأول في تعيين الأولياء]

الأول في تعيين الأولياء، لا ولاية عندنا في عقد النكاح لغير الأب و الجد للأب و إن علا و المولى و الوصي و الحاكم بل الإجماع بقسميه عليه في غير الأم و آبائها، بل و فيهم، لما تعرفه من ضعف الخلاف في ذلك، و أولوية العم و الأخ منهم مع التصريح في النصوص بنفي و لا يتهما، ف

في المرسل (1)عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم «أنه أبطل تزويج قدامة بن مظعون بنت أخيه عثمان»

و في صحيح محمد بن الحسن الأشعري (2)«كتب بعض بنى عمى الى أبى جعفر عليه السلام ما تقول في صبية زوجها عمها، فلما كبرت أبت التزويج، فكتب عليه السلام بخطه: لا تكره على ذلك، و الأمر أمرها»

نعم


1- 1 سنن الدار قطني ج 3 ص 230 كتاب النكاح الحديث 36 و 37 و 38 و 39.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 171

في خبر أبى بصير(1)«ان الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو الأب و الأخ و الرجل يوصى اليه و الذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها و يشتري»

و في مرسل الحسن بن (2)على «الأخ الأكبر بمنزلة الأب»

لكنه منزل على ضرب من التقية أو على إرادة الولاية العرفية، بمعنى هؤلاء و أشباههم الذين ينبغي لها عدم مخالفتهم إذا لم يضاروها، أو غير ذلك مما لا ينافي الإجماع عندنا على انحصار الولاية بالقرابة فيهما، و ما عن ابن أبى عقيل من أن الولي الذي هو أولى بنكاحهن هو الأب دون غيره من الأولياء، لحصر بعض النصوص (3)الولاية فيه مع عدم قدح خلافه في الإجماع، فهو محجوج به، و بالنصوص

المشتملة على ثبوت الولاية لهما(4)و على تقديم الجد عند التعارض (5)المعتضدة بالشهرة و الإجماع بقسميه عليه المخصصة بها بعض نصوص الحصر غير صريح في المخالفة، لاحتمال إرادة ما يشمل الجد من الأب.

و لكن هل يشترط في ولاية الجد بقاء الأب؟ قيل و القائل الصدوق و الشيخ و بنوا الجنيد و البراج و زهرة و أبو الصلاح و سلار نعم مصيرا إلى رواية لا تخلو من ضعف في السند- و إن كانت من الموثق- و الدلالة و هي رواية

الفضل بن عبد الملك (6)عن أبى عبد الله عليه السلام «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه و كان أبوها حيا و كان الجد مرضيا جاز»

فإنها- مع كون الدلالة فيها بمفهوم الحال أو الصفة على ما قيل و إن كان فيه أنها من مفهوم الشرط- لإرادة بيان الجواز في هذا الحال فضلا عن حال موت الأب ردا علي من اعتبر موت الأب في ثبوت ولاية الجد من العامة، و من هنا كان الوجه انه لا يشترط للاستصحاب في بعض الأفراد، و لأن الجد له


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 172

ولاية المال إجماعا، فيثبت له ولاية النكاح كالأب، للخبر السابق (1)في تفسير من بيده عقدة النكاح، و ل

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق عليه السلام فيها أيضا قال: «هو ولي أمرها»

و لا خلاف في أن الجد ولي أمر الصغيرة في الجملة، و

موثق عبيد(3)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل و يريد جدها أن يزوجها من رجل، فقال:

الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجد»

الدال على قوة ولاية الجد من ولاية الأب، فلا يؤثر فيها موت الأضعف كالعكس، بل هو أولى، مضافا إلى إطلاقه جواز تزويج كل منهما عليها.

و من هنا كان الوجه أنه لا يشترط في ولايته بقاؤه و لا موته، و إن ذهب الى الأخير بعض العامة، بل لعله أقرب من الأول الذي مال إليه الأصبهاني في كشفه محتجا عليه بضعف الأدلة من الطرفين، و الأصل عدم الولاية إلا فيما أجمع عليه، و هو عند حياة الأب، و هو منه غريب بعد ما عرفت، و المراد من الجد للأب ما هو منساق منه عن أب الأب و هكذا فلا يندرج فيه أب أم الأب للأصل و غيره، لكن عن التذكرة الوجه أن جد أم الأب لا ولاية له مع جد أب الأب، و مع انفراده نظر، و فيه ما لا يخفى.

و كيف كان فلا إشكال في أنه تثبت ولاية الأب و الجد للأب على الصغيرة و إن ذهبت بكارتها

بوطء أو غيره ضرورة كون المدار في ولايتهما عليها صغرها لا بكارتها و حينئذ ف لا خيار لها لو عقداها أو أحدهما بعد بلوغها على أشهر الروايتين (4)رواية و عملا، بل لم أجد عاملا بالرواية المخالفة، بل لا بأس بوصفها بالشذوذ الذي أمرنا بالإعراض عن أمثالها معه،

قال عبد الله بن الصلت (5)في الصحيح: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 7- 8.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 173

إلها أمر إذا بلغت؟ قال: لا»

ومحمد بن بزيع (1)في الصحيح أيضا «سألت الرضا عليه السلام يزوجها أبوه ثم يموت و هي صغيرة ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها أ يجوز عليها التزويج أو الأمر إليها؟ قال: يجوز عليها تزويج أبيها»

و مثلهما صحيح ابن يقطين (2)و غيره مضافا إلى الأصل و تطابق الفتاوى على وجه لم يظهر فيه مخالف كما اعترف به في المسالك، بل في غيرها الإجماع عليه.

و كذا لو زوج الأب أو الجد الصغير لزمه العقد، و لا خيار له مع بلوغه و رشده على

الأشهر بل المشهور، للأصل و غيره، بل ربما استدل عليه ب

صحيح الحلبي (3)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره، أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ فقال: أما التزويج فصحيح، و أما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك»

و ب

صحيح محمد بن مسلم (4)عن أبى جعفر عليه السلام «في الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم، قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا»

وخبر عبيد بن زرارة(5)عن أبى عبد الله عليه السلام المروي في محكي البحار عن كتاب الحسين بن سعيد «في الصبي يتزوج الصبية هل يتوارثان؟ فقال: إن كان أبواهما اللذان زوجاهما حيين فنعم، قلنا فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: لا»

إذ لو كان نكاحهما موقوفا على إجازتهما بعد البلوغ لم يتوارثا صغيرين، لكن فيه أن مجرد الحكم بالصحة و التوارث لا يدل على نفي الخيار، لأن ما فيه الخيار نكاح صحيح يترتب عليه الأحكام من توارث و غيره، بخلاف الفضولي الذي لا يترتب عليه الأحكام حتى يجيز، اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق الصحة و إشعار الاقتصار على الطلاق فيما بعد البلوغ ظاهر في اللزوم


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 4 من كتاب الإرث.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
5- 5 البحار ج 203 ص 330 الطبع الحديث عن« ين» الذي هو رمز عن كتاب الحسين بن سعيد الا أن في التعليقة أخرجه عن نوادر محمد بن عيسى كما رواه في المستدرك في الباب- 5 من أبواب عقد النكاح الحديث 3 و الباب 11 منها الحديث 2.

ج 29، ص: 174

الذي يكفي فيه كونه مقتضى الاستصحاب، و آية «أَوْفُوا»(1)و غيرهما.

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية و بني البراج و حمزة و إدريس من أن له الخيار بعد البلوغ، لتطرق الضرر اليه باعتبار إثبات المهر في ذمته و النفقة من غير ضرورة تقتضي ذلك حال الصبا، بخلاف الصبية التي يثبت لها ذلك لا عليها، و ل

خبر الكناسي (2)عن الباقر عليه السلام «إن الغلام إذا زوجه أبوه و لم يدرك كان له الخيار، إذا أدرك أو بلغ خمس عشرة سنة»

إلا أن الأول مع أنه مجرد اعتبار يدفعه منع عدم المصلحة في ذلك، خصوصا مع كون المهر في ذمة الأب، و الثاني- مع ضعفه سندا بل و دلالة، لاحتمال الخيار بالطلاق أو بالعيب أو نحو ذلك- قد أعرض عنه المشهور، فلا يصلح مثلهما مخصصين لقاعدة اللزوم المؤيدة بالإشعار و الشهرة المتقدمتين، بل ربما ظهر من المسالك نفي ظهور الخلاف فيه أيضا كالصبية نعم

في صحيح ابن مسلم (3)«سألته عن الصبي يتزوج الصبية، قال: إذا كان أبواهما اللذان زوجاهما فنعم جائز، لكن لهما الخيار إذا أدركا»

إلا أنه- مع اشتماله على الصبية التي قد عرفت تظافر النصوص و الإجماع على نفي الخيار لها- محتمل للخيار بالطلاق أو العيب أو العقد بعنوان الفضولي لا الولاية أو نحو ذلك مما تسمعه فيما يأتي إن شاء الله.

و كيف كان ف هل تثبت ولايتهما على البكر الرشيدة؟ فيه روايات أظهرها سقوط الولاية عنها و ثبوت الولاية لنفسها في الدائم و المنقطع، و حينئذ ف لو زوجها


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 8.

ج 29، ص: 175

أحدهما لم يمض عقده إلا برضاها كالأجنبي و كالولد الرشيد، و كالثيب الرشيدة التي لا خلاف يعتد به على ما اعترف به في المسالك في انتفاء الولاية عليها، إذ هو في خصوص ولاية النكاح على البكر الكاملة التي لم تتزوج، أو تزوجت و لم توطأ، أو وطئت دبرا، أو ذهبت بكارتها بغير الجماع قبل البلوغ، و بعده على قول و كان لها أب أوجد له كامل حاضر، أما إذا لم يكونا أو كانا غائبين غيبة منقطعة أو ناقصين بجنون أو رق أو كفر مع إسلامهما فلا ولاية لأحد عليها إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا.

كما أن المشهور في محل البحث نقلا و تحصيلا بين القدماء و المتأخرين سقوط الولاية عنها، بل عن المرتضى في الانتصار و الناصريات الإجماع عليه.

للأصل الذي لا ينافيه ثبوت الولاية حال النقص بالصغر، ضرورة تغير الموضوع، و لذا انتفت الولاية عنها في غير النكاح حتى التصرف ببدنها بعلاج و نحوه.

و ظاهر قوله تعالى (1)في المعتدات من الوفاة «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» كقوله تعالى فيهن (2)أيضا «فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ» و قوله تعالى فيهن (3)«فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا» بل قيل:

و قوله تعالى (4)«وَ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ» المراد منه أن مطلق المنع عضل لا الاستقلال بالنكاح حال العضل، و إن كان فيه ما فيه، و غير ذلك مما ظاهره استقلالها بالولاية و لو لبعض أفراد البحث، و هو من تزوجت و وطئت دبرا و يتم بعدم القول بالفصل، و صلاحية النسبة بدون الاستقلال لا ينافي ظهورها فيه، كما لا ينافي غلبة اتفاق


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 234.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 240.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 230.
4- 4 سورة البقرة: 2- الآية 232.

ج 29، ص: 176

بعض الأفراد حجية ظاهر اللفظ في غيرها بعد فرض عدم تبادر التقييد، و وجود الخلاف لا ينافي تحصيل الإجماع فضلا عن حكايته.

و

صحيح الفضلاء أو حسنهم (1)عن الباقر عليه السلام «المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و لا المولى عليها أن تزويجها بغير ولي جائز»

و المناقشة فيه- بمنع كون البكر مالكة أمرها و غير مولى عليها، و منع إفادة المفرد المعروف العموم، و عدم ظهور المراد في ملك النفس و الفائدة في الجمع بن السفيهة و المولى عليها- واضحة الدفع، ضرورة ظهور كون المراد ملك النفس بغير النكاح كي يصح الاخبار عنها بالجملة الأخيرة و حينئذ يتجه اندراج محل البحث فيها خصوصا بعد ملاحظة

قول الباقر عليه السلام في خبر زرارة(2)عنه «إذا كانت المرأة مالكة أمرها تبيع و تشترى و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شاءت فإن أمرها جائز، تتزوج إن شاءت بغير إذن وليها، و إن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلا بأمر وليها».

و منه يعلم حينئذ أن المراد بوصفها بغير السفيهة التوضيح للمراد بملكها نفسها من كونها رشيدة، و يحتمل إرادة الكناية بذلك عن البلوغ، فيتجه تقييدها حينئذ بكونها غير سفيهة و لا مولى عليها بسبب الجنون، فيكون الحاصل أن المرأة إذا بلغت رشيدة جاز تزويجها بغير ولي، و لا ينافي ذلك

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي مريم و غيره (3): «الجارية البكر التي لها أب لا

تتزوج إلا بإذن أبيها و قال: إذا كانت مالكة لأمرها تزوجت متى شاءت»

بدعوى ظهوره في اعتبار عدم الأب في ملك الأمر، إذ ليس هو بأولى من كون المراد أنها و إن كانت مالكة أمرها لا تتزوج إلا بإذن أبيها إذا كان لها أب مراعاة للوالدية، و حفظا له من عيب الناس، خصوصا بعد عقله و معرفته بالرجال، و ائتمانه و غلبة محبة الرجل الكامل صهرا، و الجمع بين


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 177

السفيهة و المولى عليها لعدم اندراج الأولى في الثانية إذا فرض عدم رشدها في خصوص النكاح و ما يشبهه، لا سفها ماليا، فان السفيهة في المال خاصة لا دليل على اعتبار اذن الولي في التزويج الذي هو تصرف غير مالي، و المفرد المعرف باللام للطبيعة المراد منها عموم الأفراد هنا، نحو «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(1)فلا إشكال حينئذ في دلالة الصحيح المزبور و إن أطنب فيه في المسالك لكنه لا يخفى ما فيه على من تأمله.

و

صحيح منصور بن حازم (2)عنه عليه السلام أيضا «تستأمر البكر و غيرها، و لا تنكح إلا بأمرها».

و خبر سعدان بن مسلم (3)عن الصادق عليه السلام «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت من غير إذن وليها».

و خبر عبد الرحمن (4)عنه عليه السلام أيضا «تتزوج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها، فإن شاءت جعلت وليا».

والمرسل عن ابن عباس (5)«إن جارية بكرا جاءت إلى النبي صلى الله عليه و آله، فقالت:

إن أبى زوجني من ابن أخ له ليرفع خسيسته و أنا له كارهة، فقال صلى الله عليه و آله: أجيزى (اخترى خ) ما صنع أبوك، فقالت: لا رغبة لي فيما صنع أبي، قال: فاذهبي فانكحى من شئت، فقالت: لا رغبة لي عن ما صنع أبى و لكن أردت أن أعلم النساء أن ليس للآباء في أمور بناتهم شي ء».

و خبره الآخر(6)عنه صلى الله عليه و آله أيضا «الأيم أحق بنفسها من وليها، و الكبر تستأذن في نفسها، و إذنها صماتها».


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 275.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 8.
5- 5 سنن ابن ماجه ج 1 ص 578.
6- 6 سنن البيهقي ج 7 ص 118.

ج 29، ص: 178

و

صحيح البزنطي (1)عن أبى الحسن عليه السلام «في المرأة البكر إذنها صماتها، و الثيب أمرها إليها»

ضرورة عدم اعتبار إذنها لو كانت مولى عليها، اللهم إلا أن يكون المراد أن إذنها حيث تعتبر صماتها بخلاف الثيب، فيخرج حينئذ هو و نظيره عن الاستدلال.

و

خبر صفوان (2)قال: «استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر عليه السلام في تزويج ابنته لابن أخيه، فقال: افعل و يكون ذلك برضاها، فان لها في نفسها نصيبا، قال:

و استشار خالد بن داود موسى بن جعفر عليه السلام عن تزويج ابنته علي بن جعفر، فقال:

افعل و يكون ذلك برضاها، فان لها في نفسها حظا».

و خصوص

خبر الحلبي (3)عنه عليه السلام «سألته عن المتعة بالبكر بلا إذن أبويها، قال: لا بأس».

و خبر القماط(4)«سأل عن المتعة بالبكر مع أبويها، قال: لا بأس، و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب».

ومرسل أبى سعيد(5)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك؟ قال: نعم و اتق موضع الفرج، قال: قلت: فان رضيت بذلك، قال: و إن رضيت، فإنه عار على الأبكار».

و خبر محمد بن مسلم (6)«سألته عن الجارية يتمتع فيها الرجل، قال: نعم إلا أن تكون صبية تخدع، قال: قلت: أصلحك الله فكم الحد الذي إذا بلغته لم تخدع؟

قال: بنت عشر سنين».


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 6 مع اختلاف في اللفظ.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 7.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب المتعة الحديث 4.

ج 29، ص: 179

و لا يعارض ذلك

صحيح أبى مريم (1)عن الصادق عليه السلام «العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة إلا بإذن أبيها»

بعد قصورها عن المعارضة من وجوه، فلا بأس بحمله على الكراهة أو الحرمة من جهة العوارض الآخر كما أومأ إليه

الصادق عليه السلام في خبر ابن البختري (2)عنه «في الرجل يتزوج البكر متعة، قال: يكره للعيب على أهلها»

و

سأل أبو الحسن الأبادى الحسين بن روح لم كره المتعة بالبكر؟ فقال:

قال النبي صلى الله عليه و آله(3): «الحياء من الايمان» و الشروط بينك و بينها فإذا حملتها على أن تنعم فقد خرجت عن الحياء و زوال

الايمان، فقال: فان فعل ذلك فهو زان، قال: لا.»

فحينئذ يتم الاستدلال بهذه النصوص على المطلوب بعد إتمامها بعدم القول بالفصل إلا من المحكي عن جمع الشيخ في كتابي الأخبار اللذين لم يعدا للفتوى بسقوط الولاية عنها في المنقطع دون الدائم، على أنه جمع يأباه ظاهر جميع الأخبار، بل و الاعتبار، ضرورة أولوية الدائم في ذلك منه باعتبار ما فيه من العار و الغضاضة، و احتمال الحبل و نحو ذلك مما لا يقاومه احتمال الفرق بتكثر حقوق الدائم و طول مدته بخلافه في المنقطع، إذ هو كما ترى، ضرورة إمكان طول المدة في المنقطع.

و من هنا يحكى عن بعضهم أنه عكس، فأثبت الولاية في المنقطع دون الدائم، و إن كنا لم نعرف قائله، كما أنا لم نعرف وجها يعتد به له، و لسابقه سوى اعتبار لا يصلح كونه مدركا لحكم شرعي، بل لعل الاعتبار يشهد بسقوط الولاية رأسا، ضرورة تحقق الظلم في الخبر العاقل الكامل على ما يكرهه، و هو يستغيث و لا يغاث، بل ربما أدى ذلك إلى فساد عظيم، و قتل و زنا و هرب إلى الغير، و بذلك مع الأصل تتم دلالة الكتاب و السنة و الإجماع و العقل.

كما أنه مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكاه المصنف و غيره بقوله و من الأصحاب من أذن لها في الدائم دون المنقطع، و منهم من عكس بل قد عرفت أن


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 10.
3- 3 المستدرك الباب- 93- من أبواب أحكام العشرة الحديث 11- 19 من كتاب الحج.

ج 29، ص: 180

الأول لم نعرف قائله و لا وجهه سوى دعوى ظهور ما دل على إسقاط ولايتهما في الدائم، و فيه ما لا يخفى خصوصا بعد النصوص المصرحة في المنقطع التي قد مر جملة منها، و صحيح أبي مريم (1)السابق الذي قد عرفت قصوره عن المعارضة من وجوه و كذا الثاني الذي قد عرفت أنه ذكره الشيخ وجه جمع بين الأخبار، لكنها جميعا تأباه، نعم قد يستدل له ب

مكاتبة المهلب الدلال (2)«سأل أبا الحسن عليه السلام إن امرأة كانت معي في الدار ثم إنها زوجتني نفسها، و أشهدت الله و ملائكته على ذلك، ثم إن أباها زوجها من رجل آخر، فما تقول؟ فكتب: التزويج الدائم لا يكون إلا بولي و شاهدين و لا يكون تزويج متعة ببكر استر على نفسك و اكتم رحمك الله»

باعتبار مفهوم الوصف، لكن من المعلوم جريانها على مذاق العامة، على أنها قاصرة عن المعارضة من وجوه، فلا ينبغي التأمل في ضعف القولين المزبورين، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافها.

و أما القول الرابع الذي أشار إليه المصنف بقوله و منهم من أسقط أمرها معهما فيهما فهو و إن ذهب اليه الصدوق و الشيخ و جماعة على ما قيل، بل مال إليه بعض متأخري المتأخرين للأصل و الأخبار الكثيرة(3)إلا أنه لم يبلغ حد الشهرة، بل في محكي السرائر أن الشيخ حكم بسقوط الولاية مع غيبتهما عنها و إن كانا على مسافة قريبة، بل فيه أيضا أنه

قد رجع عن هذا المذهب بالكلية في كتاب التبيان الذي صنفه بعد كتبه جميعها و استحكام علمه و سيره للأشياء و وقوفه عليها و تحقيقه لها، و الأصل لا ريب في انقطاعه كما عرفت، خصوصا بعد اعتراف الخصم بالسقوط مع الغيبة و الجنون و نحوهما من العوارض التي لا تسقط معها الولاية في حال الصغر، بل تنتقل الى وليه، فلا إشكال في انقطاع الولاية السابقة التي كانت من حيث الصغر، فلا وجه لاستصحابها كما هو واضح، و أما النصوص فجميعها أو أكثرها قاصر السند و لا جابر، مخالفة لظاهر الكتاب، موافقة لمذهب مالك و ابن أبي ليلى


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب المتعة الحديث 11.
3- 3 الوسائل الباب 6 و 9 من أبواب عقد النكاح.

ج 29، ص: 181

و الشافعي و أحمد و إسحاق و القاسم بن محمد و سليمان بن يسار و سالم بن عبد الله و نحوهم من كبار العامة، غير صريحة في المخالفة باعتبار احتمالها الأبكار التي لم يحصل لهن رشد في أمر النكاح و إن بلغن بالعدد و رشدن في حفظ المال، أو النهي كراهة عن الاستبداد و عدم الطاعة و الانقياد، خصوصا الأب الذي هو غالبا أنظر لها، و أعرف بالأمور منها، و ادعى لما يصلحها، و هو المتكلف بأمورها، و بالخصومة مع زوجها لو حديث بينهما نزاع و شقاق، فالذي يليق بها إيكال أمرها إليه كما هو الغالب و المعتاد في الأبكار من تبعية رضاهن لرضا الوالد و لو بالسكوت عند نقله، و لذا لا يستأمرها خصوصا بعد أن كان إذنها صماتها.

و ربما أومأ الى ذلك ما في جملة منها من نفي الأمر لهن إذا كن بين الأبوين بعد العلم بعدم ولاية للأم عندنا، ك

قول أحدهما عليه السلام في خبر ابن مسلم (1): «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها، ليس لها مع الأب أمر، و قال: يستأمرها كل أحد ما عدا الأب»

وقول الصادق عليه السلام في خبر إبراهيم بن (2)ميمون: «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر»

وقوله عليه السلام أيضا في خبر الفضل بن عبد الملك (3): «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوجها هو أنظر لها»

بل لعل الظاهر من استئمار غير الأب لها أن لها أمرا و إذنا.

و من ذلك يظهر الوجه

في خبري العلاء بن رزين (4)و ابن أبى يعفور(5)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا تتزوج ذوات الآباء من الأبكار إلا بإذن آبائهن»

بل لعل النهي فيه إرشاد باعتبار مخالفته لمذهب العامة، و ما فيه من العار و الغضاضة التي هي مظنة إثارة الفتن، كما أومأ إليه خبر المهلب السابق، بل و

خبر إسماعيل (6)


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
6- 6 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 15.

ج 29، ص: 182

«سألت الرضا عليه السلام عن رجل تتزوج ببكر أو ثيب لا يعلم أبوها و لا أحد من قراباتها و لكن تجعل المرأة وكيلا فيزوجها من غير علمهم، فقال: لا يكون ذا»

ضرورة عدم الولاية لأحد في الثيب.

و الوجه

في خبر الحلبي (1)عنه عليه السلام أيضا «في الجارية يزوجها أبوها بغير رضا منها، قال: ليس لها مع أبيها أمر، و إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة»

أي لا ينبغي لها معارضة أبيها و إن كرهت نفسها، فإن اللائق بها إيثار رضا أبيها على رضاها و محبتها، كما أومأ إليه النبي صلى الله عليه و آله في مخاطبته للجارية في الخبر السابق.

و

في خبر(2)زرارة «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا ينقض النكاح إلا الأب»

المحتمل أيضا إرادة بيان أنه لا ينبغي أن يعترض أحد أمر النكاح بعد تمام مقدماته إلا الأب، فإن له اعتراضه و نقضه، بل لعله دال على خلاف المطلوب، ضرورة اقتضائه صحة النكاح

إذا وقع منها إذا لم ينقضه الأب و إن لم يكن عن إذنه.

و

في خبر عبد الله بن الصلت (3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء إلها مع أبيها أمر؟ فقال: ليس لها مع أبيها أمر ما لم تثيب»

. بل مما ذكرنا يظهر لك الوجه

في النبوي صلى الله عليه و آله و سلم «لا نكاح إلا بولي»

و الآخر

عنه صلى الله عليه و آله أيضا إنه قال: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل- ثلاثا-»

مع أن الثاني نقلوه عن الزهري، و قد أنكره، قال ابن الجريح: «سألت الزهري عن هذا الخبر فلم يعرفه» كما حكاه في المسالك، بل المراد من الأول نفي النكاح الكامل قطعا لا الصحيح، كما لا يخفى على من


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد النكاح الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 11 و فيه عن الحلبي عن أبى عبد الله عليه السلام قال: سألته عن البكر- إلخ.

ج 29، ص: 183

تأمل إفراده و لاحظ نظائره.

كل ذلك مضافا إلى ما أطنب فيه في المسالك من المناقشة في جميع هذه النصوص سندا و دلالة، و أضعف من هذا ما عن الحلبيين و

المقنعة على اضطراب في عبارتها كما قيل، بل في كشف اللثام اقتصر فيها على ذكر الأب من التشريك بينهما في الولاية، بمعنى توقف الصحة على الرضا منهما معا.

كما أومأ إليه المصنف بقوله و فيه رواية أخرى دالة على شركتهما في الولاية حتى لا يجوز لهما أن ينفردا عنها بالعقد إذ لم نعرف له وجها سوى دعوى الجمع بين الأدلة بشهادة إشعار الحظ و النصيب و نحوهما مما مر في النصوص السابقة بذلك، و هو كما ترى تأباه كل منهما، و الحظ و النصيب لا ينافي الاستقلال، أي يستحب اختيار رضاها و محبتها الباطنة و إن كانت لا تعارض و لا تتكلم للحياء، و قد راعاه رسول الله صلى الله عليه و آله عند خطبة علي عليه السلام و غيره الزهراء سلام الله عليها منه، فلا ينبغي لمن له أدنى معرفة بمذاق الفقه و ممارسته في خطاباتهم التوقف في هذه المسألة.

نعم يستحب لها إيثار اختيار وليها على اختيارها، بل يكره لها الاستبداد كما أنه يكره لمن يريد نكاحها فعله بدون إذن وليها، بل ربما يحرم بالعوارض، بل ينبغي مراعاة الوالدة أيضا، بل يستحب لها إلقاء أمرها إلى أخيها مع عدمهما، لأنه بمنزلتهما في الشفقة و التضرر بما يلحقها من العار و الضرر و في الخبرة، و البصيرة، و لدخوله فيمن بيده عقدة النكاح في بعض الأخبار السابقة، بل الذي ينبغي أن تخلد إلى أكبر الإخوة إن لم يترجح عليه غيره بالخبرة و البصيرة و الشفقة و كمال العقل و الصلاح، لأنه بمنزلة الأب كما في مرسل الحسن بن علي عن الرضا عليه السلام.

و كيف كان فهذا كله إذا لم يعضلها.

أما إذا عضلها الولي و هو أن لا يزوجها من كفو مع رغبتها و رغبته بمهر المثل أو بدونه، و في الصحاح «يقال: عضل الرجل أيمه إذا منعها من التزويج» و فيه أيضا «و عضلت عليه تعضيلا إذا ضيقت عليه في أمره، و حلت بينه و بين ما

ج 29، ص: 184

يريد» قلت: قد يرجع الأول للثاني، و على كل حال فإنه تسقط ولايتهما حينئذ و يجوز لها أن تزوج نفسها و لو كرها إجماعا منا بقسميه، مضافا إلى الخيانة، و إلى قوله تعالى (1)«فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ» بناء على دخول بعض أفراد المقام فيه، و كون المراد نهي الناس أجمع الذي يدخل فيهم الأولياء، على معنى أنه لا يكون عضل منكم أو المراد خطاب الأولياء، و على كل حال فالمراد بأزواجهن من رضين به أن يكونوا أزواجا، لا خصوص الأزواج السابقة و إن احتمل في الآية، و لكن على أى وجه دال على المطلوب، نعم لو قيل بكون المراد نهي الأزواج السابقين عن عضل النساء أن يتزوجن بعد خلائهن خرجت عن الدلالة، هذا و ربما استفيد من الآية ثبوت الولاية و إلا لم يكن للعضل وجه، و فيه أن العضل ظلما متحقق على كل حال كما هو واضح.

و كيف كان فلا تحتاج إلى مراجعة الحاكم خلافا للمحكي عن أكثر العامة من سلب عبارتها في النكاح، فيزوجها حينئذ الحاكم، و لم نعرف ذلك لأحد من أصحابنا، نعم عن التذكرة تارة جواز الاستقلال، ناقلا له عن جميع علمائنا، مصرحا بعدم اشتراط مراجعة الحاكم، و أخرى اشتراط إذنه و إثبات العضل عنده و إلا لم يكن له، كما عن بعض العامة، لكنه واضح الضعف، مخالف للأصل و الإجماع بقسميه.

و ليس من العضل المنع من تزويج غير الكفو شرعا، بل النكاح معه فاسد بناء على ما تعرفه من اشتراط الكفاية في صحة النكاح، بل لعل المنع من غير الكفو عرفا للضعة و نحوها ليس بعضل، فلا يبعد جواز منع الولي عن ذلك، حتى على المختار من عدم الولاية لأحد عليها إذا كان في ذلك غضاضة و نقص و عيب في العرض، و إن كان لو خالفت و عقدت نفسها كان العقد صحيحا، و لو عضلها الأب دون الجد أو بالعكس سقطت ولاية من عضل دون الآخر.


1- 1 البقرة: 2- الآية 232.

ج 29، ص: 185

و لو كان المنع عن قسم خاص من النكاح، كالمؤجل أو الدائم أمكن كونه عضلا، خصوصا مع عدم تيسر الآخر و يحتمل العدم، لإطلاق أدلة الولاية المقتصر في تقييدها على المتيقن، و هو المنع من أصل التزويج، و فيه صدق المنع من أصل التزويج حال عدم تيسر الآخر، و قد يفرق بين التزويج الدائم و المنقطع، فيكون عضلا في الأول دون الثاني.

و لو اختارت شخصا و الولي آخر و كل منهما كفو ففي المسالك «ففي تقديم مختاره نظرا إلى أن رأيه في الأغلب أكمل، و لأنه الولي، أو مختارها، لأنه أقرب الى ألفتها وجهان: أجودهما الثاني» و فيه أن المتجه الأول بناء على عدم سقوط ولايتهما، لإطلاق الأدلة، و لأن ذلك يؤدى الى عدم ولايته في أغلب الأحوال، ضرورة إمكان دوام اختيار خلاف مختاره، و الظاهر تحقق العضل بمجرد منع الكفو مع رغبتها فيه و إن كان لطلب كفو آخر، بل و إن كان لعدم بذله مهر المثل، ضرورة إمكان عدم خاطب آخر، و لصدق المنع عن التزويج و إن كان لطلب الأعلى، و لأن المهر حقها، فلها العفو عن جميعه و بعضه، و لو قلنا باختصاص ولايتهما في الدائم دون المنقطع أو بالعكس ففي تصور العضل منهما مع تيسر القسم الآخر الذي لا ولاية لهما عليه فيه منع، أما مع عدم تيسره فيمكن تحققه حينئذ بمنعها منه، لكنه لا يخلو من إشكال، لإطلاق أدلة الولاية كما عرفته في نظيره، و الأمر سهل بعد سقوط هذه المسألة عندنا من أصلها، لما عرفته من استقلالها بالولاية.

و على كل حال ف لا ولاية لهما فضلا عن غيرهما على الثيب التي قد ذهبت بكارتها بالوطء و لو من زنا أو شبهة قبل البلوغ و بعده مع البلوغ و الرشد بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل يمكن دعوى القطع بذلك على وجه لا ينافيه خلاف العماني، خصوصا بعد ملاحظة الأصل و النصوص التي كادت تكون متواترة السالمة عن المعارض المعتد به، إذ

قوله صلى الله عليه و آله: «لا نكاح إلا بولي»

بعد تسليم كونه من القسم الذي يجوز العمل به من الأخبار عام يمكن تخصيصه بما عرفت، كما أن خبر إسماعيل السابق و نحوه محمول على ضرب من الإرشاد، و كذا ما في بعض

ج 29، ص: 186

النصوص من ظهور اعتبار النكاح في الثيب محمول على الغالب و نحوه بعد قصوره عن تقييد غيره من المطلق للشهرة و غيرها، بخلاف من ذهبت بكارتها بغير الوطء من عثرة أو غيرها، فإن الأصل و غيره يقتضي ببقاء حكم البكارة لها، فيجري فيها البحث السابق الذي قد عرفت أن الأقوى عدم الولاية عليها أيضا.

و كيف كان فلا إشكال في عدم ولايتهما عليها، كما لا إشكال في عدم ولايتهما على البالغ الرشيد بل و لا خلاف، بل يمكن دعوى الإجماع عليه، للأصل و بعض النصوص، نعم تثبت ولايتهما على الجميع أي البكر و الثيب و البالغ مع الجنون المتصل بالصغر، بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك أنه موضع وفاق، بل في غيرها الإجماع عليه، للاستصحاب المؤيد باستبعاد عزلهما عن ولاية النكاح خاصة، ضرورة بقاء ولايتهما على المال المشروط انقطاعهما بايناس الرشد، مضافا الى ما سمعته من خبر أبى بصير في تفسير من بيده عقدة النكاح.

و أما المنفصل بالبلوغ و الرشد فظاهر إطلاق المصنف هنا كإطلاق غيره أنه كذلك، بل هو صريح بعضهم، معللين له بإطلاق النص و في كشف اللثام بعد أن حكى عن التذكرة و التحرير أنه تعود ولايتهما قال: «و هو الأقرب، بل لا عود حقيقة، لأن ولايتهما ذاتية منوطة بإشفاقهما و تضررهما بما يتضرر به الولد» قلت: لم نعثر على نص يقتضي إطلاقه ذلك، و كونها ذاتية لا تستلزمه، فيندرج في إطلاق ما دل على أنه «ولي من لا ولي له» بعد انقطاع ولايتهما بالبلوغ و الرشد، بل لو لا الإجماع المدعى على ثبوت ولايتهما على المتصل لأمكن دعوى نفيها باعتبار كون المسلم منها الثبوت من حيث الصغر المفروض انتفاؤه، خصوصا بعد ما عن المسالك و غيرها في باب الحجر من أن الأكثر على ثبوت الولاية للحاكم على من بلغ سفيها و إن كان أبوه حيا، و إن كان للنظر فيه مجال، و لذا كان المحكي عن الشهيد و جماعة ثبوتها للأب، لما عرفته، و قد تقدم تحقيق الحال فيما تقدم، فلاحظ.

لكن و مع ذلك فالإنصاف قوة كون الولاية لهما في المتجدد بعد فرض ولايتهما

ج 29، ص: 187

في المتصل، خصوصا بعد معلومية كون المنشأ في ولايتهما الشفقة و الرأفة و نحوهما مما لا فرق فيه بين المتصل و المنفصل، و ملاحظة قوله تعالى (1)«وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ»* و غيره خصوصا فيما ورد في الأب الذي هو للولد بمنزلة الرب، و لعله لذا يحكى عن القطيفي دعوى عدم الفرق بين المتصل و المنفصل في باب النكاح، أي في الولاية و عدمها، على أن المتجه على تقدير التفصيل أنه لو كان الجنون أدواريا فاتفق دوره متصلا

بالبلوغ كانت الولاية لهما، و بعد انتهائه ترتفع، فإذا جاء الدور الثاني كانت الولاية للحاكم، و هو كما ترى، فتأمل جيدا.

و على كل حال ف لا خيار لأحدهم مع الإفاقة للأصل و غيره، بل في المسالك و غيرها الإجماع عليه.

و للمولى أن يزوج مملوكته صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة أو مجنونة راغبة أو كارهة و لا خيار لها معه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، ضرورة كونه مقتضي تسلط الناس على أموالهم، و مقتضى قوله تعالى (2)«فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ».

بل و كذا الحكم في العبد الصغير و الكبير و العاقل و المجنون و الراغب و الكاره، كما هو ظاهر قوله تعالى (3)«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَ الصَّالِحِينَ» الى آخره الذي لا ينافيه ذكر الأيامى معهم الذين علم اعتبار الاذن فيهم، و قوله (4)«عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ» و

حسن زرارة(5)عن الباقر عليه السلام «سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، فقال: ذاك إلى سيده إن شاء أجازه و إن شاء فرق بينهما»

و تسلط الناس على أموالهم، و كونه مالكا للطلاق لا ينافي جواز إجباره على النكاح و إن


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 76.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 29.
3- 3 سورة النور: 24- الآية 32.
4- 4 سورة النحل: 16- الآية 77.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 188

تمكن من ازالته به، فما عن بعض العامة من عدم ملك المولى الإجبار عليه لذلك في غير محله، بل له إجباره على الوطء، بل الظاهر عدم الفرق بين تولي السيد القبول عنه و بين إلزامه به بعد أن كان إكراهه بحق، كما هو واضح.

نعم لا ولاية له على المبعض على الوجه المزبور، بل و لا للكافر على المملوك المسلم، بل قد يشكل ولاية الحاكم حينئذ عليه، لعدم كونه مولى عليه على كل حال، كالصغير و المجنون حتى تترتب الأولياء في حقه، و إنما هو مولى عليه للمالك من حيث المالية، و قد فرض عدم ولاية له في هذا الحال، لا أن الكفر مانع، فيبقى حينئذ بلا ولي بالنسبة إلى النكاح و نحوه و إن تولى بيعه الحاكم مثلا على الكافر، فإنه لا تلازم، كما لا تلازم بين ثبوتها لولي لطفل و المجنون بالنسبة إلى مملوكهما و بين ما نحن فيه، لوضوح الفرق بينهما و الله العالم.

و المشهور على ما في الروضة أنه ليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ ذكرا كان أو أنثى، للأصل و عدم الحاجة إليه بعدم البلوغ، لكن فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم انحصار مصلحة النكاح في الوطء، و لذا جاز إيقاعه للأب و الجد و الأصل مقطوع بعموم ولاية الحاكم المستفادة من نحو

قوله صلى الله عليه و آله «السلطان ولي من لا ولي له»

و غيره المراد به أنه قائم مقام الولي حيث لا ولي غيره، على وجه استغنت عن الجابر في خصوص الموارد، نحو غيرها من القواعد، مضافا إلى خبر أبى بصير الوارد في تفسير من بيده عقدة النكاح، بل

في صحيح ابن سنان «الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو ولي أمرها»

و لعله لذا و نحوه ناقش في المسالك فيه، بل أجاد في كشف اللثام حيث إنه بعد أن ذكر المستند السابق قال: «و فيه نظر ظاهر، فان استند الفرق أي بين الحاكم و الأب إلى الإجماع صح، و إلا أشكل» أي بما ذكرناه اللهم إلا أن يقال: إن ولاية الحاكم على الصغير من باب الحسبة بخلاف ولاية الأب و الجد و الفرض عدم الحسبة حال الصغر، أو يقال:

إن ظاهر ما تسمعه من الخبر الآتي في الصغيرين إذا زوجا و مات أحدهما و نحوه من الأخبار المشتملة على التفصيل في الحكم بين تزويج الأب و غيره، و أنه إن كان

ج 29، ص: 189

الأول مضى، و إلا كان فضولا، ضرورة دخول الحاكم في الغير، لكن قد يمنع دوران ولايته على الحسبة، بل ظاهر ما دل عليه من نص و غيره كونه كغيره من الأولياء في موضوع الولاية، و ليس هو كولاية عدول المؤمنين، و أيضا قد يمنع عدم الحسبة حال الصغر، ضرورة عدم انحصارها في الوطء و نحوه، و أما الأخبار المزبورة فهي غير مساقة لبيان ذلك، بل المراد منها أن العقد إن كان ممن له الولاية مضى، و إلا كان فضولا كما لا يخفى على من تأملها، فالعمدة حينئذ الإجماع إن تم.

نعم لا ولاية له و لا لغيره على الأصح على بالغ رشيد ذكرا كان أو أنثى، للأصل و الإجماع بقسميه و تثبت ولايته على من بلغ غير رشيد بجنون و لم يكن له ولي من حيث القرابة أو تجدد فساد عقله إذا كان النكاح صلاحا له بلا خلاف أجده فيه، بل الظاهر كونه مجمعا عليه، لأنه

«ولي من لا ولي له»(1)

و في المسالك استظهر من المتن ثبوت ولايته عليهما مع وجود الأب و الجد، و استحسنه في المتجدد دون المتصل، و فيه أن المراد بقرينة كلامه السابق مع عدم الولي القريب، بل لعل ظاهر كلامه المتقدم ثبوتها له في المتجدد فضلا عن المتصل و إن كان فيه ما عرفت.

و لا ولاية للوصي و إن نص له الموصى على الإنكاح على الأظهر الأشهر كما في المسالك بل المشهور كما في غيرها، للأصل بعد عدم ثبوت مشروعية الإحداث لهما على وجه يشمل ذلك، و عدم قابلية نقل الولاية من حيث القرابة بعد الموت، لانقطاعها به، كما لا تقبل الحضانة و نحوها مما يختص بالقرابة النقل بالوصاة، و لانتفاء حاجة الصغير اليه.

و فيه أن الأصل مقطوع بعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ»(2)و نحوه مما دل على وجوب إنفاذ ما يعهد به

الميت المقتضي صحة جميع ما يوصى به إلا ما علم فساده،


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 105.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 181.

ج 29، ص: 190

و انسياق إرادة خصوص الإيصاء بالخير للوالدين و الأقربين من الضمير في الآية مناف لمعروفية الاستدلال بها في النصوص (1)و كلام الأصحاب على عموم الموصى به، كما لا يخفى على من لاحظ ذلك، على أن النصوص كافية في الدلالة على هذا المضمون.

و ب

صحيح ابن مسلم و أبى بصير(2)عن أبى جعفر عليه السلام «سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال هو الأب و الأخ و الموصى اليه»

و خبر أبى بصير(3)عن الصادق عليه السلام «الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ هو الأب و الأخ و الموصى اليه»

و اشتمالهما على ذكر الأخ لا يسقطهما عن الحجية في غيره مع إمكان حمله على كونه وكيلا لها أو وصيا، و إن صار عطف الوصي عليه من عطف العام على الخاص.

و لا يعارض ذلك

الصحيح المضمر(4)«سأله رجل عن رجل مات و ترك أخوين و بنتا و البنت صغيرة، فعمد أحد

الأخوين الوصي فزوج الابنة من ابنه ثم مات أب الابن المزوج فلما أن مات قال الآخر: أخي لم يزوج بابنه، فزوج الجارية من ابنه فقيل للجارية: أي الزوجين أحب إليك الأول أو الأخير؟ قالت: الأخير، ثم إن الأخ الثاني مات و للأخ الأول ابن أكبر من الابن المزوج، فقال للجارية:

اختاري أيهما أحب إليك: الزوج الأول أو الزوج الأخير، فقال الرواية فيها أنها للزوج الأخير، و ذلك أنها قد كانت أدركت حين زوجها، و ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها»

بعد كونه مضمرا في الكافي و التهذيب و عدم ثبوت كون الأخ وصيا على نكاح البنت، و إنكار الأخ الثاني ما فعله الأول، و نسبة ذلك الى الرواية المشعر بالتقية لو فرض كونه من الامام عليه السلام مع التعليل العليل كما هو واضح، كل ذلك بعد منع دعوى عدم ثبوت ولايتهما على الأحداث بعموم ولايتهما على وجه يشمل ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 32 و 33 و 35- من كتاب الوصايا.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 191

و لا ينافيه اعتبار المصلحة شرعا الذي هو شرط تصرف الوصي، ضرورة كون الوصي كالوكيل ينتقل اليه كلما كان للموصي فعله حيا و لا سيما بعد اعتراف الخصم بأن للوصي أن يزوج من بلغ فاسد العقل إذا كان به ضرورة إلى النكاح بل نفى بعضهم الخلاف عن ثبوتها في ذلك، بل عن ظاهر الكفاية الإجماع عليه، بل عن القطيفي دعواه صريحا إذ لو كانت غير قابلة لذلك لم تثبت ولايته عليه في هذا الحال، بل تكون حينئذ للحاكم، و دعوى كونها حينئذ مثل الإنفاق يدفعها إمكان كونها مثله قبل البلوغ أيضا، ضرورة عدم انحصار مصلحة النكاح في الوطء، بل له مصالح أخر أيضا كثيرة بها يندرج في قوله تعالى(1):

«وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ» و نحوه و دعوى عدم المصلحة أصلا في النكاح للصغير- و لذا لم يجز للحاكم و الوصي و نحوهما ممن يعتبر في تصرفه المصلحة التزويج، بخلاف الأب و الجد الذي لا يعتبر في تصرفهما ذلك، بل يكفي عدم المفسدة و الوطء فعلا هو المنفعة المقصودة من النكاح، و هو ممتنع في الصغير بخلاف البالغ- يدفعها ما عرفت من صدق الإصلاح في النكاح بمعنى العقد عرفا و لو من غير جهة الوطء كما هو واضح.

فالأقوى حينئذ ثبوت ولايته على الصغير في النكاح مع الغبطة، كباقي التصرفات، وفاقا للمحكي عن المبسوط و الخلاف و الجامع و غاية المراد و موضع من المختلف و الكركي بل لا فرق بين تصريح الموصى و بين إطلاقه إلا بالصراحة و الظهور، و هو غير مجد بعد اعتبارهما معا، نعم لو فرض انسياق غير ذلك منه اتجه العدم، و هو غير محل البحث، كما أن الأقوى عدم الفرق في الصورة المستثناة بين الذكر و الأنثى، فما عساه يظهر من بعضهم من تخصيص الاستثناء بناء عليه في الذكر لا وجه له.

و أما المحجوز عليه للتبذير ف لا يجوز له أن يتزوج غير مضطر إذا كان فيه إتلاف لما له،

بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال معتد به، بل لو أوقع كان العقد فاسدا و إن أذن له الولي به، لعدم جوازها له حينئذ فلا


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 220.

ج 29، ص: 192

تؤثر أثرا، نعم إن اضطر الى النكاح جاز للحاكم أو غيره، بل وجب عليه أن يأذن له فيه دفعا لما يلحقه من الضرر في الدنيا أو الآخرة أو فيهما مقتصرا على ما تندفع به الضرورة مما يليق بحاله، و الظاهر أنه يكفي الولي الإذن له بذلك سواء عين الزوجة أو أطلق إذ لا يزيد حجره على المملوك الذي يكفي في صحة تزويجه الاذن له بذلك من غير تعيين، بعد معلومية تقييد جواز ذلك له شرعا بما لا ينافي مصلحة ماله و يؤدى إلى فساده، فلا تفريط من الولي بإطلاق الإذن المعلوم تقييدها بعدم الإفساد، بل يمكن منع التفريط لو لم يأذن الولي أصلا و إن قلنا بإثمه، ضرورة عدم استلزام ترك الاذن الإتلاف لماله، ضرورة كونه أي السفيه مكلفا عاقلا يحرم عليه تبذير ماله، فليس له مع عدم إذن الولي إفساد ماله بما لا ينبغي، بل أقصاه سقوط اعتبار إذنه أو انتقال الولاية للحاكم، فيتزوج من تندفع به بالمهر الذي لا يقتضي تبذيرا في ماله، فان خالف و فعل غير ذلك على وجه أدى الى إتلاف ماله فهو جان على نفسه دون الولي، هذا كله مع عدم الإذن أصلا فضلا عن عدم التعيين.

فما وقع من بعضهم- من وجوب التعيين عليه و أنه يكون مفرطا إن لم يفعل إذا فرض صدور التزويج من المبذر بالمهر المقتضي لإتلاف ماله و لو بسبب الدخول بها مع جهلها- في غير محله، ضرورة أصالة براءة ذمة الولي من ذلك، و انما عليه أن يأذن بما فيه المصلحة و أن لا يجيز ما يخالفها بعد الوقوع، على أن عقد السفيه بمهر يزيد على مصلحته إما فاسد مطلقا أو مع جهلها بالحال، و لا يفترق حال هذا العقد بالاذن و الإجازة و عدمهما، و مع الفساد إما أن يلزمه بالدخول مهر المثل أولا، فعلى الأول إن سلمنا التفريط، و مع انتفاء الاذن مطلقا فلا نسلمه مع الاذن المطلق خصوصا مع انصرافه الى ما فيه المصلحة، و وجوب الاذن على الولي لا يوجب وجوب التعيين، و استحقاق المثل عليه انما هو بجنايته كإتلافه مال الغير، و على الثاني لم يتضرر بشي ء و كذا الكلام على باقي التقادير، فلا ريب حينئذ في عدم وجوب التعيين

ج 29، ص: 193

عليه، و الاكتفاء عنه بتعيين الشارع له، و تحريم التبذير عليه.

و كيف كان ف لو بادر المبذر الى التزويج قبل الاذن من الولي و الحال هذه من الاضطرار اليه صح العقد و إن أثم بعدم مراعاتها عند المصنف و الفاضل في القواعد، لأصالة الصحة مع عدم كون التزويج من التصرفات المالية المحضة، لأن المهر غير لازم في العقد، و النفقة تابعة كتبعية الضمان للإتلاف.

لكن قد يشكل بكونه كالتصرف المالى، بل ذكر المهر فيه منه قطعا، و لذا حجر عليه فيه مع عدم الضرورة، على أن الغرض من الحجر عليه حفظ ماله، و هو لا يتم إلا به، فلا بد في صحة العقد من الاذن سابقا أو الإجازة لاحقا، كما صرح به في جامع المقاصد و المسالك، بل هو المحكي عن الخلاف و المبسوط و التذكرة، بل عن الأول نفي الخلاف فيه، بل لا وجه للحجر عليه بعد عدم اعتبار إذن الولي، ضرورة معلومية عدم المنع منه تعبدا، و من الغريب ما في القواعد من عدم اعتبار الإذن تارة و من اعتبارها اخرى مع عدم فصل معتد به بين الموضعين، و ربما تجشم للجمع بينهما، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فان زاد في المهر عن المثل اللائق بحاله صح العقد، و بطل في الزائد و إن أذن فيه الولي إن لم ينحصر دفع الضرورة بذلك، لكونه تبذيرا منهيا عنه، لكن لا يبطل العقد بذلك لعدم اعتباره في صحته، و لذا جاز النكاح بدونه فهنا أولى، و لا سيما إذا علمت المرأة بالحال، لأنها أقدمت على ذلك، مع احتمال الفساد مطلقا، لكون التراضي انما وقع على المسمى، و لا يقدح العلم، ضرورة كونه كالمعاملة الفاسدة المعلومة لدى المتعاملين، أو في خصوص الجاهلة التي لم ترض إلا بالمسمى، فتكليفهما بالعقد مع الأقل منه إضرار بها.

و لو تزوج بمن يحيط مهر مثلها بما له مع وجود اللائقة بحاله ممن ليس هي كذلك فسد و إن كان قد أذن له المولى في مطلق التزويج، لأنه أيضا تبذير منهي عنه، بل فساد العقد هنا أوضح، ضرورة أنه على الصحة لم يكن للمهر شي ء يقدر

ج 29، ص: 194

به، و دعوى صحته حينئذ بدونه كما ترى، خصوصا في الجاهلية، و كذا الرجوع الى مهر السنة في خصوص المقام، نعم قد يحتمل في العالمة أنها يثبت لها مقدار مثل اللائقة بحاله، لأنه الذي ينفذ تصرفه فيه دون غيره، أو يتحقق لها شي ء في ذمته غير معلوم فيرجع فيه الى الصلح و نحوه.

و لو وطأ و الحال هذه وجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم و إن استغرق ماله، لكونه كوطء الشبهة، و لا يشكل ذلك بالأصل و بأنه لو وجب لم يفسد العقد، لأنه انما يبطل لئلا يلزمه مهر المثل، فإذا لزمه انتفى المقتضي لفساده، كما أنه إذا اشترى شيئا بغير إذن فتلف في يده، فإنه يضيع على البائع، ضرورة اندفاعه بأن الأصل انقطع بالوطء المحرم الموجب لذلك، و وجوب المهر بالجناية لا بالعقد، فما عن الشيخ من عدم وجوب مهر المثل في الفرض في غير محله، و كذا ما عن القاضي من التفصيل بعلمها بحاله و جهلها، و في كشف اللثام يعني مع الجهل بالتحريم في الحالين، و هو انما يتم إذا علمت بأنها لا تستحق المهر بالوطء، و إلا فهي انما بذلت نفسها في مقابلة العوض.

و على كل حال فلو لم يأذن له الولي في النكاح مع الحاجة أذن له الحاكم، فان تعذر استقل على الأقوى، لكونه مضطرا الى حق له استيفاؤه فإذا تعذر بغيره استوفاه بنفسه، بل قد يقال بأن له بمجرد امتناع الولي من غير حاجة الى استئذان الحاكم و إن تمكن منه، و إن كان الأحوط له ذلك، فتأمل جيدا.

ج 29، ص: 195

[الفصل الثاني في اللواحق]
اشاره

الفصل الثاني في اللواحق،

[فيه مسائل]
اشاره

و فيه مسائل

[المسألة الأولى إذا وكلت البالغة الرشيدة مثلا في العقد مطلقا لم يكن له أن يزوجها من نفسه إلا مع إذنها]

الأولى إذا وكلت البالغة الرشيدة مثلا في العقد عليها لزوج بعينه فخالف و عقدها من نفسه أو غيره كان فضولا، بل لو أذنت له في العقد مطلقا بأن قالت له: أنت وكيلي على أن تزوجني أو تزوجني من رجل أو كفو لم يكن له أن يزوجها من نفسه إلا مع إذنها فإن فعل كان فضولا، لعدم اندراجه في إطلاق التوكيل على ذلك و إن كان هو أحد أفراد المطلق من حيث تعلق الوكالة الظاهرة في إرادة التزويج من غيره أو غير الظاهرة فيما يشمله، بل في المسالك نفي الخلاف في ذلك هنا، نعم لو عممت موضوع الوكالة بأن قالت: أنت وكيلي على تزويجي من رجل أي رجل كان أو من كفو أي كفو كان، و بالجملة جعلت موضوع الوكالة لفظا عاما صالحا لشموله له من حيث تعلق التوكيل صح تزويجها له من نفسه، بناء على أن المنع من هذه الجهة، لا الخبر(1)الذي تسمعه، ضرورة كونه من الوكالة المطلقة بالنسبة الى ذلك، بخلاف الأول الذي هو من مطلق الوكالة المنصرف الى غيره أو غير الظاهر فيما يشمله، فيكون الفرق بينهما كالفرق بين مطلق الوكالة و الوكالة المطلقة، لكن في المسالك أن الفرق لا يخلو من نظر، من حيث إنه داخل في الإطلاق، كما هو داخل في التعميم و إن كان العموم أقوى دلالة، إلا أنهما مشتركان في أصلها الى أن قال: فان كانت المسألة إجماعية و إلا فللنظر فيها مجال، ثم حكى عن التذكرة احتمال جواز تزويجها من نفسه مع الإطلاق و احتمال المنع.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 196

قلت: هذا مضافا الى ما تقدم في كتاب البيع من الخلاف نصا و فتوى في جواز بيع الوكيل من نفسه، و الشراء كذلك فيما لو كان وكيلا على البيع أو الشراء، بل من الأقوال في تلك المسألة عدم الجواز حتى مع نص الموكل، و ذكرنا أن التحقيق هناك الجواز و أن انسياق الغير في أول النظر لا انسياق تقييد، و الفرق بين المقامين بغير الإجماع إن كان في غاية الصعوبة و أما النصوص فهي متعارضة و من المستبعد القول بالمنع لها و إن كانت الاذن من الموكل حاصلة، كاستبعاد القول بالجواز لها أيضا و إن لم يحصل الاذن، و كذا تقدم أيضا في المكاسب في مسألة ما لو دفع اليه مال ليصرفه في المحاويج ماله دخل في

المقام، بل منه يعلم قوة القول بالجواز مع الإطلاق المفروض صدقه على ما يقع من الوكيل.

بل منه يعلم الحال فيما ذكره المصنف و غيره هنا من أنه لو وكلته في تزويجها منه أو تزويجها بمن شاء و لو من نفسه قيل: لا يصح، لرواية عمار

(1)قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها، يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها، تقول له: قد وكلتك فاشهد على تزويجي، قال: لا- الى أن قال-: قلت: فان وكلت غيره بتزويجها منه، قال: نعم»

الحديث و لأنه يلزم أن يكون موجبا قابلا و لكن الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده المستفادة من العمومات الشاملة للفرض، و لا تصلح الرواية المزبورة لقطعها بعد ندرة القول بها و الطعن في سندها، بل و دلالتها بما في المسالك من جواز كون المنفي هو قوله: «وكلتك فاشهد على تزويجي» فإن مجرد الاشهاد غير كاف، و باحتمال الكراهة من النهي، باعتبار تطرق التهمة الموجبة للفتنة و مخالفة التقية و نحو ذلك، و اتحاد الموجب و القابل بعد التغاير الاعتباري الكافي في تناول العمومات و الإطلاقات له غير قادح.

و لذا صرح المصنف و غيره بل لا أجد فيه خلافا بجوازه في الولي للطفلين و الوكيل عن الاثنين و غيره ذلك، كما حرر في محله، بل في المتن و غيره هنا أما


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 197

لو زوجها الجد من ابن ابنه الأخر أو الأب من موكله كان جائزا مع أنه من مسألة الاتحاد التي يمكن التخلص منها بالتوكيل بحسب الولاية عمن هو ولى عليه، بل قيل: يمكن التخلص للوكيل أيضا بأن يوكل عن نفسه، فيكون موجبا بالوكالة، و يقبل وكيله عنه له و إن كان هو كما ترى من مسألة الاتحاد، ضرورة كون الوكيل قائما مقام الموكل، فكلما جاز له فعله جاز لموكله، نعم لو كان وكيلا على التوكيل فوكل شخصا عن موكله تخلص عن الاتحاد، و من ذلك و غيره يمكن أن يكون المانع في المسألة الأولى الخبر(1)المخصوص لا الاتحاد فينحصر المنع حينئذ على تقدير القول به في خصوص تزويج الوكيل من نفسه الذي هو مضمون الخبر دون غيره من صور الاتحاد التي منها أن يكون وكيلا عن الزوج و الزوجة فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية الجارية الحرة المولى عليها إذا زوجها الولي بدون مهر المثل هل لها أن تعترض فيه تردد]

المسألة الثانية الجارية الحرة المولى عليها إذا زوجها الولي للمصلحة بمهر المثل فأزيد من الكفو الحر السالم من العيب المبيح للفسخ لم يكن لها اعتراض بعد الكمال في العقد، و لا في المهر بلا خلاف و لا إشكال، و كذا لو زوجها الأب و الجد بذلك مع عدم

المفسدة للصحاح المستفيضة النافية للأمر لها في تزويج أبيها المندرج فيه الجد له أو الملحق به بالإجماع،

قال عبد الله بن الصلت (2): «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها إلها أمر إذا بلغت؟ قال: لا»

وابن بزيع (3)«سألت الرضا عليه السلام عن الصبية يزوجها أبوها ثم يموت، ثم تكبر قبل أن يدخل بها زوجها، أ يجوز عليها التزويج أم الأمر إليها؟ قال: يجوز عليها تزويج


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 3 « قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام» الا ان كان في الكافي ج 5 ص 394 كالجواهر.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 198

أبيها»

و نحوهما غيرهما، بل مقتضى إطلاقهما ذلك و إن كان بدون مهر المثل، و لعله كذلك، و في جامع المقاصد أنه المعتمد في الفتوى، بل الظاهر عدم الفرق بينهما و بين غيرهما من الأولياء.

أما مع عدمها أو مع المفسدة ف هل لها أن تعترض؟ فيه تردد ينشأ من إطلاق النصوص السابقة في الأب و أولويته من العفو الجائز له عن المهر بعد ثبوته، و لأن المقصود من النكاح النسل و التحصين و نحوهما لا المهر، فيكون حينئذ هو نفسه مصلحة خالية عن

المفسدة، و من إناطة تصر الولي بالمصلحة أو عدم المفسدة، و لا ريب في تحقق المفسدة في ذلك مع فرض وجود الكفو الباذل لمهر المثل.

و لذا قال المصنف الأظهر أن لها الاعتراض لكن قد سمعت النصوص السابقة في الأب التي لا تعرض فيها لنقصان المهر و زيادته، و من هنا أمكن دعوى الفرق بين الأب و الجد و بين غيرهما باعتبار عدم المفسدة فيهما و اعتبار المصلحة في غيرهما مع منع المفسدة في المقام، إلا أنه كما ترى، خصوصا مع سوق النصوص السابقة لبيان غير ذلك، مضافا الى غلبة التزويج بمهر المثل و كونه المعتاد، فلا يبعد كون ذلك مضارة بالنسبة إليها ما لم تقترن بمصلحة خارجية، و العفو إنما ثبت في مقام خاص بدليل خاص، كما أنه لا يبعد حينئذ توقف العقد المشروط مضيه من الولي بعدم المضارة المفروض تحققها على الإجازة، بناء على عدم اعتبار المجيز في الحال، لخصوص التصرف الخاص في الفضولي، و إلا بطل من أصله، لأن النكاح يمضى عليها و تتخير في المهر، فتفسخه إن شاءت، و يثبت لها مهر المثل مطلقا أو بالدخول بتقريب أن العقد و المهر أمران مختلفان، و ليس الثاني شرطا في صحته، فالمضارة فيه حينئذ يرتفع بفسخه، و يبقى العقد صحيحا، نعم قد يقال بتسلط الزوج حينئذ على الخيار باعتبار أنه لم يرض بالعقد إلا على الوجه المخصوص و لم يتم له، و إلزامه بمهر المثل على وجه القهر ضرر منفي، مع احتمال عدمه خصوصا إذا كان عالما بالحال، و الحكم لا قدامه على عقد قابل لأن يؤول الى ذلك، إذ من الواضح كون الواقع في الخارج أمرا واحدا مشخصا، و عدم فساد النكاح بفساد المهر

ج 29، ص: 199

إنما هو فيما لم يكن منشأ بطلانه عدم قبول أحد المتعاقدين، و إلا لصح لمن عقد له فضولا بمهر خاص أن لا يجيز في النكاح دونه، و هو معلوم البطلان، على أن إلزامها بمهر المثل على وجه القهر أيضا ضرر منفي.

و من ذلك كله تعرف ما في المحكي عن الشيخ من القول بالصحة و اللزوم في العقد و المهر، بل و ما في قول المصنف و غيره من الاعتراض في خصوص المهر، بل يظهر لك ما في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما من التشويش للمسألة خصوصا الثاني، فإنه مع أطنابه في المسألة لم يأت بشي ء محرر فيها، لا في الموضوع و لا في الحكم، نعم قال أولهما في آخر المسألة «و المعتمد في الفتوى أنه إن زوجها كذلك في المصلحة فلا اعتراض لها أصلا، و إلا كان لها فسخ المسمى و النكاح معا، لأنه عقد على خلاف المصلحة، و هل لها فسخ الصادق وحده حيث يكون إنشاء النكاح من الولي جائزا؟

يحتمل ذلك، فان فسخت كان للزوج فسخ النكاح» إذ هو كما ترى، ضرورة أنك عرفت فضولية العقد المخالف للمصلحة لا صحته، و الخيار فيه أو في المهر خاصة، و دعوى إمكان فرض المصلحة في أصل النكاح دون المهر يدفعها ما عرفت من كون الواقع في الخارج أمرا واحدا، على أن المتجه حينئذ مضي النكاح لا تخييرها بين فسخه و فسخ المهر خاصة، فلاحظ و تأمل جيدا، فإنه قد تلخص مما ذكرناه أنه لا اعتراض لها في النكاح بدون مهر المثل مع المصلحة في ذلك، لإطلاق الأدلة بل الظاهر عدم جريان الأقوال السابقة فيه، فما في جامع المقاصد من جعل ذلك موضوع المسألة في غير محله، كما أنه ليس منه ذو المفسدة و المضرة، فإن لها الاعتراض فيه قطعا، بل هو فضولي، لعدم ولاية له في نحو ذلك.

إنما الكلام في النكاح بدون مهر المثل من حيث كونه كذلك مع قطع النظر عن جهة أخرى تقتضي الفعل أو الترك، فالمحكي عن الشيخ عدم الاعتراض، للإطلاق الذي عرفت أنه غير مساق لذلك، و لأولويته من العفو عنه الممنوعة بعد أن كان هو في موضوع خاص لدليل خاص، و ظاهر المصنف و غيره بل هو صريح آخر أن لها الاعتراض في المهر خاصة، لاختصاص الضرر به، و عدم توقف صحة (جهة خ ل)

ج 29، ص: 200

عقد النكاح عليه، و بذلك افترق عن البيع بدون ثمن المثل، فإذا اختارت الفسخ ثبت لها مهر المثل بالدخول في أقوى الوجهين، كما أن الأقوى عدم ثبوت الخيار للزوج خصوصا مع علمه بالحال، لأصالة عدم الخيار في عقد النكاح ل

قوله عليه السلام «لا يرد النكاح»

الى آخره و غيره، و قيل: إن لها الخيار في أصل النكاح لكونه عقدا على خلاف المصلحة، و هو جيد إن كان المراد به الفضولية، لما عرفت من عدم ولاية له على هذا الشخصي من النكاح، و ربما قيل بالتخيير بين فسخ النكاح و بين فسخ المهر خاصة، و هو ضعيف، و أضعف منه احتمال فساد العقد باختيارها الفسخ للمهر، إذ جميع ذلك تهجس، و التحقيق ما عرفت خصوصا بعد إيقاع العقد على مقتضى واحد، و تخلف ذلك في بعض المقامات للدليل، فلا يقاس عليه غيره، هذا كله مع العلم بالحال.

أما إذا لم يعلم و قد بلغت الصبية و كان الولي قد عقدها بدون مهر المثل ففي جريان الأقوال السابقة باعتبار أصالة عدم مصلحة اقتضت ذلك على وجه يسقط اعتراضها و عدمه، لأصالة الصحة المقتضية ترتب الأثر وجهان، أقواهما الثاني، فيكون حينئذ كبيع الولي بدون ثمن المثل مع عدم العلم بالحال، كما ليس لها الاعتراض مع التزويج بالكفو بمهر المثل، مع دعوى المفسدة إلا بالبينة.

[المسألة الثالثة عبارة المرأة معتبرة في العقد عندنا مع البلوغ و الرشد]

المسألة الثالثة عبارة المرأة معتبرة في العقد عندنا مع البلوغ و الرشد أي العقل فيجوز لها أن تزوج نفسها و أن تكون وكيلة لغيرها إيجابا و قبولا بلا خلاف، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل و لا إشكال، لإطلاق الأدلة، بل لو قلنا بثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة للأب و الجد لم يستلزم ذلك سلب

ج 29، ص: 201

عبارتها للغير، بل و لا لها باذنه كما هو واضح، فما عن الشافعي من سلب عبارتها مطلقا معلوم البطلان.

[المسألة الرابعة عقد النكاح يقف على الإجازة]

المسألة الرابعة عقد النكاح يقف على الإجازة على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرة عظيمة بين القدماء و المتأخرين، بل في الناصريات الإجماع عليه، و في محكي السرائر نفي الخلاف عنه في غير تزويج العبد نفسه، و الأمة نفسها بغير اذن المولى، بل فيه الإجماع على ذلك، بل فيه مضافا الى ذلك دعوى تواتر الأخبار به، بل من أنكر الفضولي في غير النكاح أثبته هنا، للإجماع و النصوص، بل لم نعرف الخلاف في ذلك إلا من الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط، مع أنه في محكي النهاية و التهذيب و الاستبصار وافق المشهور، بل عنه في الخلاف حكاية الإجماع على صحة الفضولي في نكاح العبد، بل لم نعرف له موافقا قبله و لا بعده إلا ما يحكى عن فخر الإسلام، نعم في الوسيلة «إن النكاح لا يقف على الإجازة إلا في تسعة مواضع، و هي عقد البكر الرشيدة على نفسها مع حضور الولي، و عقد الأبوين على الابن الصغير، و عقد الجد مع عدم الأب، و عقد الأب على ابنه الصغير، و عقد الأم عليه، و عقد الأخ و الأم و العم على الصبية، و تزويج الرجل عبد غيره بدون إذن سيده، و تزويج نفسه من غير إذن سيده» و كان ذلك اقتصارا على ما في النصوص، و لا ريب في ضعف الجميع، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافها فضلا عما سمعته من محكيه، مضافا الى استفاضة النصوص المعتبرة ك

خبر محمد بن مسلم (1)عن أبى جعفر عليه السلام «سألته عن رجل زوجته أمه و هو غائب، قال:

النكاح جائز إن شاء الزوج قبل، و إن شاء ترك»

الحديث. و

حسن زرارة(2)«سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده، قال: ذلك إلى سيده إن شاء أجازه و إن شاء فرق بينهما، فقلت:


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 202

أصلحك الله إن الحكم بن عيينة و أصحابه يقولون، إن أصل النكاح باطل، فلا تحل إجازة السيد له، فقال عليه السلام: إنه لم يعص الله و إنما عصى سيده، فإذا أجاز فهو جائز»

و خبره الآخر(1)«سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه، فقال عليه السلام: ذلك الى مولاه إن شاء فرق بينهما- الى أن قال-: فقلت له: إنه في أصل النكاح كان عاصيا، فقال عليه السلام: إنه إنما أتى شيئا حلالا، و ليس بعاص لله، و إنما عصى سيده»

و صحيح ابن وهب (2)«جاء رجل الى أبى عبد الله عليه السلام فقال: إنى كنت مملوكا لقوم و إنى تزوجت امرأة حرة بغير إذن مولاي ثم أعتقوني بعد ذلك، فأجدد نكاحي إياها حين أعتقت، فقال: أ كانوا علموا أنك تزوجت امرأة و أنت مملوك لهم؟ فقال: نعم و سكتوا

عني و لم يتغيروا على، فقال: سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أنت على نكاحك الأول»

و صحيح الحذاء(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوجهما وليان لهما و هما غير مدركين فقال: النكاح جائز، و أيهما أدرك كان له الخيار»

بناء على إرادة العرفي من الولي لا الشرعي، و إلا لم يكن لهما الخيار، و ل

قوله في آخره:

«قلت: فان كان أبوها الذي زوجها قبل أن تدرك، قال: يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام»

و النبوي (4)في البكر التي زوجها أبوها فأتته تستعدي، فقال عليه السلام: «أجيزى ما صنع أبوك»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز الفضولي هنا، بل قد أشبعنا الكلام في كتاب البيع في كونه موافقا للقواعد و العمومات، و في الروايات المتشتتة الدالة على جوازه في سائر العقود، بل و في غير العقود من الأفعال التي رتب الشارع عليها أحكاما، و في غير ذلك من الفروع و المسائل التي لا يخفى جريانها في المقام بأدنى ملاحظة.


1- 1 الوسائل الباب- 24- من أبواب عقد نكاح العبد و الإماء الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب عقد نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
4- 4 سنن ابن ماجه ج 1 ص 578.

ج 29، ص: 203

كل ذلك مع عدم الدليل للشيخ سوى أن صحة العقود لا بد لها من دليل شرعي و ليس، و الأخبار(1)الناطقة بفساد النكاح بغير إذن الولي أو المولى، بل

ورد(2)«أن نكاح الأمة بغير إذن سيدها زنا»

، و لأن العقد مبيح فيمتنع صدوره من غير الزوجين أو وليهما، و لأن الإجازة شرط الصحة، و الشرط لا يتأخر عن المشروط، و الجميع كما ترى، ضرورة أن الدليل ما عرفت، بل قد ذكرنا كفاية العمومات في صحته، و الأخبار مع أن أكثرها عامية معارضة بأخبار الصحة، قابلة للتأويل بأنه في معرض الفساد إن لم تجز، أو بأنه فاسد مع عدم الإجازة أصلا، و المبيح هو العقد مع رضا المتعاقدين، و قد صدر العقد من صحيح العبارة، و لا يشترط صدوره من المتعاقدين، و إلا لم يجز التوكيل، و بالإجازة يحصل الرضا الذي هو شرط كاشف كما أوضحناه في كتاب البيع، فلاحظ و تأمل، فلا إشكال حينئذ في صحة الفضولي هنا.

و حينئذ فلو زوج الصبية مثلا صغيرة أو كبيرة غير أبيها وجدها قريبا كان أو بعيدا لم يمض إلا مع إذنها أو إجازتها بعد العقد و لو كان أخا أو عما لعدم ولاية غير الأب و الجد على ذلك، نعم قد سمعت الكلام في ولاية الوصي و الحاكم عليها و لكن يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها عند المشهور بين الأصحاب، ل

صحيح ابن ابى نصر(3)قال: «قال لي أبو الحسن عليه السلام في المرأة البكر إذنها صماتها و الثيب أمرها إليها»

و حسن الحلبي (4)«و سئل عن رجل يريد أن يزوج أخته، قال: يؤامرها، فان سكتت فهو إقرارها، و إن أبت لا يزوجها»


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 5 و 6 و 7 و الباب- 17- منها و الباب 11 من أبواب المتعة الحديث 11 و سنن البيهقي ج 7 ص 105.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 204

و

خبر داود بن سرحان (1)«في رجل يريد أن يزوج أخته يؤامرها، فان سكتت فهو إقرارها و إن أبت لم يزوجها»

و المناقشة فيها بأنها في الاذن السابقة و المناط غير منقح يدفعها أولا أنه لا خلاف في عدم الفرق بينهما، بل يمكن دعوى الإجماع عليه، و ثانيا إطلاق الصحيح الأول الذي لا فرق فيه بينهما.

بل قد يؤيد كفاية السكوت في الاذن اللاحقة صحيح ابن وهب (2)السابق و إن كان هو في غير ما نحن فيه، لكنه دال على أن السكوت المتأخر المقرون بقرائن تدل على الرضا كاف في الصحة، فمع فرض جعل الشارع سكوت البكر إقرارا و إن لم يقترن بقرائن كفى و إن كان متأخرا.

نعم قد يتوقف في أصل الحكم، بل عن ابن إدريس الجزم بالعدم، لعدم دلالته على الرضا،

و هو جيد على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، بل يمكن حمل هذه على إرادة السكوت الدال على الرضا و لو بقرائن الأحوال التي منها حياء البكر عن التصريح بالرضا بالتزويج، بخلاف العدم، فإنه يمكن أن تقول: إنى لا أريد التزويج، و لا غضاضة عليها بذلك، على أن البكر غالبا تسكت، موكلة الأمر إلى وليها العرفي.

و فيه أنه يمكن أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص المحتمل لأن يكون الحكمة في الاكتفاء بالسكوت منها هو ما سمعت و إن لم يكن ذلك مقيدا للعلم، لكن المتجه على ذلك أنه لا إشكال في الاكتفاء بالسكوت الدال قطعا على الرضا، و كذا السكوت المقرون بقرائن و لو ظنية، بل و السكوت من حيث كونه سكوت بكر و إن لم تكن ثم قرائن خارجية، كما أنه لا إشكال في عدم الاكتفاء به مع اقترانه بقرائن تدل على عدم الرضا، بل لعل المتجه ذلك أيضا في المقترن بقرائن ظنية تدل على ذلك أيضا، بل لا يبعد ذلك فيما تعارضت فيه الأمارات على وجه لم يحصل الظن بدلالته على الرضا و لو من حيث كونه سكوت بكر، و احتمال القول


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 205

بحجية ما عدا المقترن بما يدل على عدم الرضا قطعا تمسكا بإطلاق النص و الفتوى ضعيف، لكون المتيقن منهما غير هذه الأفراد، فتبقى هي حينئذ على قاعدة كون الشك في الشرط شكا في المشروط.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه تكليف الثيب النطق إلا مع اقتران سكوتها بقرائن تدل على رضاها قطعا، و هل المدار في البكارة و الثيبوبة على الزوال بالوطء و عدمه، فيندرج حينئذ في البكر من ذهبت بكارتها بغيره و لو بإصبع و نحوه، أو لم تكن بكرا خلقة، بل و الموطوءة دبرا و نحو ذلك، أو على وجود هذا الوصف و عدمه، فتندرج من زالت بكارتها أو من لم تكن بكرا في الثيب حينئذ؟ وجهان، أحوطهما الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن.

و لو كانت البكر مملوكة وقف على إجازة المالك لعدم الفرق عندنا في الفضولي حينئذ بين ذلك و غيره، و المفروض عدم العبرة باجازتها، نعم لا بد من تحقق الإجازة فيه، و لا يكفى السكوت الذي لم يقترن بما يتحقق حصول الرضا معه و إن كان المالك بكرا، لقاعدة الشك و غيرها.

و كذا لو كانت المعقود عليها فضولا صغيرة فأجاز الأب أو الجد صح أيضا، لما عرفت من عدم الفرق في الفضولي عندنا بين تعقبه الإجازة ممن له العقد أو من وليه الشرعي الذي له ذلك، و لا يكفى السكوت أيضا إلا إذا اقترن بما يدل على إرادة الرضا، بل قد عرفت في كتاب البيع احتمال اشتراط اللفظ في الإجازة، ل

قوله عليه السلام (1): «إنما يحلل الكلام و يحرم الكلام»

و لأنه الحاسم لمادة النزاع، و لذا اعتبروا صريح اللفظ في صيغ العقود، لكن قد سمعت

صحيح ابن وهب (2)الدال على الاكتفاء بذلك، مضافا الى صدق تحقق الاذن و الرضا، هذا و قد تقدم في كتاب البيع تمام الكلام في مباحث الفضولي بما لم نسبق اليه بحمد الله و لطفه و كرمه، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث 4 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 26- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 206

[المسألة الخامسة إذا كان الولي كافرا فلا ولاية له]

المسألة الخامسة إذا كان الولي رقا و لو مكاتبا قد تحرر أكثره فلا ولاية له على ولده الحر و المملوك الذكر و الأنثى بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و غيره، فلو عقد على بنته الصغيرة مثلا الحرة لم يمض عقده و إن لم يناف غرض السيد، بل و إن أذن له، فإن إذنه لا تفيده ولاية بعد أن كان ناقصا عنها، لعدم قدرته على شي ء، بل لو أذن سيده في العقد على بنته المملوكة له كان ذلك توكيلا من السيد، لا إثبات ولاية، فما عساه يتوهم من بعضهم من ثبوت الولاية حينئذ لما تسمع في كتاب القضاء من أن الأقرب عند المصنف عدم اعتبار الحرية فيه، فينفذ حينئذ قضاؤه بإذن مولاه، و تتبعه الولاية في غير محله، لإمكان الفرق باندراج حكمه بإذن مولاه في القسط و العدل و نحوهما مما أمرنا باتباعه (1)، بخلاف الولاية من حيث الأبوة مثلا التي لا شمول في دليلها لمثل الأب المزبور، و مع فرضه فهو في بعض الأفراد من تعارض العموم من وجه المرجح فيه غيره عليه من وجوه، بل الظاهر عدم ولايته أيضا من حيث الحكومة و إن أمضينا

حكمه، لقصور ما دل عليها عن تناول نحو الفرض الذي هو مولى عليه، كما هو واضح فتأمل.

و كذا لو كان كافرا ف انه لا ولاية له أيضا إجماعا على ولده المسلم بإسلام أمه أو جده أو بوصفه الإسلام قبل البلوغ بناء على اعتباره أو بعده في البكر البالغة إن قلنا بالولاية عليها، لنفي السبيل (2)و لأن

«الإسلام يعلو و لا يعلى عليه»(3)

و لو كان الأب كذلك ثبتت الولاية للجد خاصة و بالعكس، و لو كان معا كذلك كانت الولاية

للحاكم الذي «هو ولي من لا ولي له (4)

بل


1- 1 سورة الحجرات: 49- الآية 9.
2- 2 سورة النساء: 40- الآية 141.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب موانع الإرث الحديث 11 من كتاب المواريث.
4- 4 سنن البيهقي ج 7 ص 105.

ج 29، ص: 207

ظاهر العبارة و المحكي عن غيرها عدم ولاية الكافر مطلقا حتى على ولده الكافر لكن فيه أنه مناف لقوله تعالى (1)«وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» بل و لا طلاق ما دل (2)على ولاية الأب و الجد المقتصر في الخارج منهما على اليقين، و دعوى الولادة على الفطرة يدفعها بعد التسليم المعاملة للأولاد معاملة الكفار في الأحكام التي منها ذلك، نعم لو كان للمولى عليه الكافر وليان أحدهما مسلم

و الآخر كافر اتجه انتفاء ولاية الكافر حينئذ تغليبا للإسلام

الذي «يعلو و لا يعلى عليه»(3)

المعلل به إرث المسلم الكافر دون العكس، بل المعلل به اختصاص المسلم في الإرث و إن كان له ورثة كفار غيره أقرب منه، خلافا للمحكي عن الشيخ من اختصاص الكافر بالولاية، للاية و لا ريب في ضعفه، بل لعل احتمال اشتراكهما فيها عملا بإطلاق الأدلة معا أقرب منه، و إن كنا لم نعرف قائلا به، و على كل حال فالأقوى ما عرفت.

و كذا الكلام فيما لو جن الأب أو غيره من الأولياء أو أغمي عليه أو سكر فإنه لا ولاية له حينئذ، نحو ما سمعته من الكافر إجماعا، لعدم قابليته لها، كالصغير الذي لا ولاية له على مملوكه، بل عن التذكرة نفيها عن السفيه أيضا، لكن قد يشكل بأن الحجر عليه في خصوص التصرف المالي في ماله هذا.

و في المسالك لا فرق بين طول زمان الجنون و الإغماء و قصره لقصوره حالته و وجود الولاية في الآخر، و إنما يفرق بين الطول و القصر عند من يجعل ولاية الجد مشروطة بفقد الأب كالشافعي، فيجعل المانع القصير غير مبطل و لا ناقل لها إلى الأبعد، كالنوم. و فيه أن ذلك لا يتفرع على القول المزبور، ضرورة اشتراط ولاية الحاكم مثلا بفقد الأب و الجد عندنا، فيلزم جريان ذلك فيه،


1- 1 سورة الأنفال: 8- الآية 73.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب موانع الإرث الحديث 11- من كتاب المواريث

ج 29، ص: 208

فالمتجه عدم الفرق على القولين لعدم القابلية بذهاب العقل الموجب للفرق بينها و بين النوم الذي هو عادي للإنسان، و لذا لم يعتد به الشارع في كثير من المقامات التي اعتبر في صحتها العقل، كالصوم و الوكالة و غيرهما، بل لا يبعد انتفاء الولاية في السكران و إن بقي له تميز في الجملة، كما عن التذكرة التصريح به و إن استبعده في المسالك باعتبار عدم كمالية عقله، فان وجود التمييز في الجملة أعم من ذلك، فلا ولاية له، و فرض كمال تمييزه ينافي كونه سكرانا، كما هو واضح.

نعم لا خلاف و لا اشكال بل في الكشف الاتفاق عليه في أنه لو زال المانع عادت الولاية التي لم يزل ما اقتضاها من صدق الأبوة و الجدودة، أما الوصي فقد عرفت البحث في عود ولايته في محله.

ثم إنه قد يتوهم من تعبير المصنف بلفظ المانع ثبوت أصل الولاية لا سقوطها، و يتفرع على ذلك قيام الحاكم مقامه مع وجود المانع، فيزوج الصغير حينئذ مثلا باعتبار ولاية أبيه و إن قلنا بعدم تزويجه له بولاية الحكومة، لكن لا يخفى عليك إشكاله خصوصا بعد تعبير غيره بكون هذه الأمور مسقطات للولاية، فليس للحاكم حينئذ ولاية إلا من حيث كونه ولي من لا ولي له، نعم لا يسقطها الإحرام و إن لم تصح عبارة العقد منه حاله إيجابا و قبولا مباشرة و وكالة نصا(1)و إجماعا، لكن الولاية ثابتة له، بل الظاهر عدم ثبوت ولاية الحاكم من حيث

عدم الولاية في هذا الحال إلا إذا طال زمان الإحرام و اشتدت الحاجة الى التزويج، فيحتمل الانتقال اليه فيه غير المملوك، كما في كشف اللثام، دفعا للضرر، مع احتمال العدم، و لا يستأذن، لأن الإذن توكيل، و المحرم ممنوع منه.

و كيف كان ف لو اختار الأب زوجا و الجد آخر فمن سبق عقده صح بتقديم قبوله و بطل المتأخر بناء على استقلال كل منهما بالولاية،

قال الصادق


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام من كتاب الحج.

ج 29، ص: 209

عليه السلام في صحيح هشام بن سالم و محمد بن حكيم(1): «إذا زوج الأب و الجد كان التزويج للأول فإن كانا جميعا في حال واحدة فالجد أولى»

و في موثق عبيد بن زرارة(2)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «الجارية يريد أبوها أن يزوجها من رجل و يريد جدها أن يزوجها من آخر، فقال: الجد أولى بذلك ما لم يكن مضارا إن لم يكن الأب زوجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجد»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على الحكم المزبور الذي لم نعرف فيه خلافا بينهم، بل يمكن دعوى الإجماع عليه.

و من الموثق المزبور يستفاد ما ذكره المصنف و غيره من أنه إن تشاحا قدم اختيار الجد مضافا الى

صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما عليه السلام «إذا زوج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، و لابنه أيضا أن يزوجها، فقلت: فان هو أبوها رجلا و جدها رجلا آخر، قال: الجد أولى بنكاحها»

و كذا خبر عبيد بن زرارة(4)الآتي نعم في المسالك أنه لو سبق الأب و الحال هذه قاصدا سبق عقد الجد صح عقده و إن كان ترك الأولى، و ظاهر استحباب هذه الأولوية، بمعنى أنه ينبغي للأب مراعاة أبيه و طاعته في ذلك، و هو كما ترى مناف لظاهر المتن و غيره، بل و النصوص، بل لعله مناف لما دل (5)على وجوب الطاعة الشامل لمثل الفرض، فلا يبعد كونه عاصيا، بل قد يقال ببطلان عقده حينئذ لأولوية الجد منه في هذا الحال الظاهرة في انتفاء ولاية الأب، بل هو المعنى المعروف المستعمل فيه لفظ الأولى في غير المقام.

و لا ينافي ذلك

خبر البقباق (6)المروي في الكافي عن الصادق عليه السلام «إن الجد إذا زوج ابنة ابنه و كان أبوها حيا و كان الجد مرضيا جاز، قلنا: فإن هوى أبو الجارية


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
5- 5 أصول الكافي ج 2 ص 158 و البحار ج 74 ص 76 الطبع الحديث.
6- 6 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 210

هوى و هوى الجد هوى و هما سواء في العدل و الرضا، قال: أحب الى أن ترضى بقول الجد»

ضرورة ظهوره في الكبيرة التي لها رضا معتبر بخلاف ما نحن فيه، نعم

في التهذيب «أحب الى أن يرضى الجد»

و لا دلالة فيه أيضا سيما مع قراءة «يرضى» بالبناء للمجهول، اللهم إلا أن تنزل على الأول بل ربما يؤيده

خبره الآخر عنه عليه السلام أيضا(1)«إذا زوج الرجل فأبى ذلك والده فان تزويج الأب جائز و إن كره الجد، ليس هذا مثل الذي يفعله الجد ثم يريد الأب أن يرده»

بناء على كون المراد منه ليس الذي وقع من الأب مثل الذي لم يقع بعد من الجد، و لكن يريد فعله و يريد الأب أن يفعل غيره، فإن هوي الجد مقدم و لا يمضى ما يقع من الأب حينئذ باعتبار أولوية الجد حينئذ عند التشاح، و لعل ذلك ظاهر قول المصنف و غيره: «قدم اختيار الجد عند التشاح» بل هو معقد المحكي من إجماع الخلاف و المبسوط و الانتصار و السرائر و التذكرة.

لكن في كشف اللثام أنهما إن عقدا جميعا بعد التشاح أو لا بل جهل كل منهما باختيار الآخر قدم السابق اتفاقا، كما في السرائر و الغنية بل ربما استفيد صحة عقد الأب مع

السبق و لو بعد التشاح من موثق عبيد بن زرارة(2)السابق، بل و من غيره، فان تم ذلك كله لم يكن محيص عما عليه الأصحاب مؤيدا بالقاعدة و إطلاق الصحيح (3)و مفهوم موثق عبيد، و إلا كان للنظر فيه مجال.

و على كل حال ف لو أوقعاه في حالة واحدة على وجه اقترن العقدان منهما مع التشاح و عدمه ثبت عقد الجد دون الأب إجماعا محكيا عن الغنية و السرائر و الانتصار و الخلاف و المبسوط و التذكرة و الروضة و إن لم يكن محصلا، للصحيح (4)السابق و إطلاق مفهوم موثق عبيد(5).

ثم إن الظاهر ثبوت جميع ما عرفت من الأحكام للجد و إن علا مع الأب للصدق، فيندرج في جميع ما عرفته من الأدلة، نعم في جريان الحكم المزبور على


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 211

مثل الجد و أبيه الذي هو جد أيضا إشكال، ضرورة عدم صدق الجد و الأب بل هما جدان أو أبان، لكن قد يظهر من

خبر عبيد بن زرارة(1)عن الصادق عليه السلام أولوية الجد باعتبار ولايته على الأب الذي هو ابنه بلا واسطة أو بوسائط قال: «إنى ذات يوم عند زياد بن عبيد الله الحارثي إذ جاء رجل يستعدي على أبيه، فقال: أصلح الله الأمير إن

أبي زوج ابنتي بغير إذني، فقال زياد لجلسائه الذين عنده: ما تقولون فيما يقول هذا الرجل؟ قالوا: نكاحه باطل، قال: ثم أقبل على فقال: ما تقول يا أبا عبد الله فيما سألني؟ فأقبلت على الذين أجابوه، فقلت لهم: أ ليس فيما تروون أنتم عن رسول الله صلى الله عليه و آله إن رجلا جاء يستعديه على أبيه في مثل هذا، فقال له رسول الله صلى الله عليه و آله: أنت و مالك لأبيك، فقالوا: بلى فقلت لهم: كيف يكون هو و ماله لأبيه و لا يجوز نكاحه عليه؟ قال: فأخذ بقولهم و ترك قولي»

وخبر علي بن جعفر(2)عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الاسناد قال: «سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهو جدها أن يزوج أحدهما و هو أبوها الآخر، أيهما أحق أن ينكح؟ قال: الذي هوى الجد أحق بالجارية، لأنها و أباها للجد».

و لو اختلف الأب و الجد في السبق و عدمه فان علم التاريخ فلا إشكال، و إن علم تاريخ أحدهما و جهل الآخر حكم بصحة المعلوم بناء على أصالة تأخر المجهول عنه، و إن جهلا معا قدم عقد الجد بناء على أن مقتضى الأصلين الاقتران الذي عرفت تقدم عقد الجد فيه، و إن قلنا: إن الاقتران أيضا حادث ينفى بالأصل كان الحكم بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل (مشتبه خ ل) مع احتمال تقديم عقد الجد، لإطلاق ما دل عليه ما لم يسبقه عقد الأب، فمتى لم يعلم بحكم بتقدم عقده، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب عقد النكاح الحديث 8.

ج 29، ص: 212

[المسألة السادسة إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي صح]

المسألة السادسة إذا زوجها الولي بالمجنون أو الخصي أو غيرهما ممن فيه أحد العيوب الموجبة للفسخ صح للأصل و قيام الولي مقام المولى عليه الذي يجوز له فعل ذلك لو كان كاملا، إذ العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة التي يمتنع التزويج مع انتفائها من الولي و غيره، نعم لها الخيار إذا بلغت (بعد الكمال خ ل) للضرر في الإلزام، و لإطلاق ما دل على الفسخ بأحد العيوب الشامل لما نحن فيه بعد أن كان الصغر في المولى عليه بمنزلة الجهل لو كان مباشرا فيتخير حينئذ، بل لا يبعد ثبوته للولي أيضا باعتبار نيابته عن المولى عليه المفروض عدم إسقاط إقدامه مع علمه إياه.

و كذا الكلام لو زوج الولي الطفل بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ لكن عن الشيخ في الخلاف إنه أطلق جواز تزويج الولي الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجبوب أو مجذوم أو أبرص أو خصي محتجا بأن الكفاءة ليس من شرطها الحرية و لا غير ذلك من الأوصاف من غير ذكر للخيار، و كان وجهه أن الولي بعد أن جاز له ذلك كان كالمولى عليه في الفعل، و لا ريب في عدم ثبوت الخيار له مع علمه و إقدامه عليه، فهو حينئذ كما لو اشترى معيبا للطفل، و دعوى تناول أدلة العيوب لمثل المقام واضحة المنع، ضرورة ظهورها في غيره، فالمتجه حينئذ فضولية التصرف، أو جوازه بلا خيار، لإطلاق ما دل على لزوم التصرف الجائز للولي، و أنه لا اعتراض للمولى عليه عليه، نعم لو وقع من الولي علي وجه يثبت فيه الخيار و لو وقع من المولى عليه كما لو زوجه غير عالم بعيبه اتجه ثبوت الخيار حينئذ للولي فضلا عن المولى عليه، فان اختار الفسخ أو اللزوم على وجه كان يجوز له ذلك مضى على الطفل، و إلا فلا، كما أنه لو سكت فلم يختر حتى كمل الطفل مثلا كان الخيار له دون الولي.

ج 29، ص: 213

و لعله لذلك مال إليه في المسالك، فإنه بعد أن ذكر عن الشافعية وجها بعدم صحة العقد المذكور من حيث إنه لاحظ للمولى عليه في تزويج المعيب، سواء علم الولي أم لم يعلم، و وجها آخر بالتفصيل بعلم الولي بالعيب، فيبطل كما لو اشترى له المعيب مع علمه أو الجهل، فيصح و يثبت الخيار للولي على أحد الوجهين، أولها عند البلوغ، قال: و هذا الوجه الأخير موجه، و على القول بصحة الفضولي يكون المراد بالبطلان في الأول عدم اللزوم، بل يقف على الإجازة بعد البلوغ، ثم قال أيضا: و لو اعتبرنا في عقد الولي الغبطة كما مال اليه بعض الأصحاب فالعقد لازم معها مطلقا، و موقوف على الإجازة بدونها، قلت: قد يقال ذلك مع عدم اعتبارها أيضا، بناء على أن فيه المفسدة و الضرر، و لو الغضاضة العرفية و الاستنكار، و دعوى ارتفاع ذلك بالخيار يدفعها أن وجود الضرر يرفع صحة التصرف من الولي المعتبر في جواز فعله عدم الضرر، لا أنه يثبت فيه الخيار، و لعل ذلك لا يخلو من قوة إن لم يكن إجماعا، و لم تحصل مصالح تقتضي الفعل أو مرجحات بحيث ترتفع المرجوحية معها، و حينئذ ينفذ و يلزم على المولى عليه على الوجه الذي قد عرفت.

و من ذلك يعرف الكلام أيضا فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو زوجها بمملوك لم يكن لها الخيار إذا بلغت لعدم اعتبار الحرية في الكفاءة، و عدم كونها أحد العيوب الموجبة للفسخ و كذا الكلام في الطفل لو زوجه وليه بمملوكة بناء على عدم اعتبار خوف العنت في تزويجه الأمة، و أما عليه فالمتجه ما قيل بالمنع في الطفل، لأن الفرض أن نكاح الأمة مشروط بخوف العنت، و لا خوف في جانب الصبي، كما هو واضح.

ي الكلام في جواز عقد الولي الصغيرة مثلا متعة إلى ساعة مثلا بكذا لإرادة حل النظر إلى أمها مثلا للاندراج تحت أمهات النساء(1)مثلا و نحو ذلك مما هو مقتضى إطلاق النص (2)و الفتوى و عموم الوفاء بالعقد(3)و تبيعته للقصد


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 29، ص: 214

و غير ذلك، بل كاد يكون صريح بعضهم عند ذكره ما يحرم بالعقد من المصاهرة من دون

دخول، بل عن المحقق في الشرائع و للولي الإنكاح متعة و إن كنت لم أجده فيها نعم عن بعض الناس تقييد ذلك بأن يكون للمولى عليه مصلحة و أن يكون هو المقصود، فلو لم يكن مقصوده المولى عليه لم يصح، فلو عقد على صغيرة لإباحة النظر لامها أو لم يكن له فيه مصلحة لم يصح العقد، و لا يباح النظر، و لا يحرم به أم المعقود عليها، و كذا باقي أحكام المصاهرة، بل جزم بذلك بعض الفضلاء ممن قارب عصرنا و صنف فيه رسالة.

لكن لا يخفى عليك أن الجواز هو الموافق لما عرفت، و دعوى اعتبار كون المقصود ذلك للمولى عليه واضحة المنع، لمنافاتها عموم الأدلة و إطلاقها، سيما مع ملاحظة كثير مما ذكروه في الحيل الشرعية مما هو منطبق على القواعد في كتاب الطلاق، و التخلص عن الربا، و الجمع بين الأختين، و إسقاط العدة، و الاستبراء، و غير ذلك، و الفوائد المذكورة في أصل مشروعية النكاح و المتعة و الصلح و غيرها من العقود ليست شرطا في صحة العقد، و إنما هي حكم و مصالح لأصل المشروعية، كما هو واضح.

و كان عدم نص أساطين الأصحاب على ذلك للمفروغية منه كالمفروغية من عدم اعتبار القصد الى جميع آثار العقد و ما يترتب عليه في صحته، و أنه يكفي في ذلك القصد بالعقد الى كونها زوجة باعتبار أنها أنثى، و هي محل له ذاتا و إن لم تكن أهلا للوطء فعلا لإرادة ترتيب بعض الآثار و لو حل النظر إلى الأم و نحوه، و لذا نفى بعضهم عنه الخلاف بين أهل العلم.

فمن الغريب ما وقع من الفاضلين المزبورين من الوهم المسطور، و أغرب من ذلك ما ذكره ثانيهما في الرسالة المزبورة مما هو خارج عن محل البحث، و الله العالم و الهادي.

ج 29، ص: 215

[المسألة السابعة لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها]

المسألة السابعة لا يجوز نكاح الأمة إلا بإذن مالكها الذكر إجماعا أو ضرورة من المذهب أو الدين، بل و لو كان المالك امرأة في الدائم و أما المنقطع فالمعروف بين الأصحاب عدم جوازه، بل هو الذي استقر عليه المذهب، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه، لقبح التصرف في مال الغير، و الأمر بنكاحهن بإذن أهلهن (1)و ما يظهر من النصوص (2)أيضا و لكن مع ذلك قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و التهذيب يجوز لها أن تتزوج متعة إذا كانت لامرأة من غير إذنها لخبر سيف بن عميرة(3)الذي رواه تارة عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، و اخرى بواسطة علي بن المغيرة(4)و ثالثة بواسطة داود بن فرقد(5)و من هنا عده بعضهم ثلاثة أخبار، لكن في المسالك أن مثله اضطراب في السند يضعف الرواية لو كانت صحيحة، فضلا عن مثل هذه الرواية، و ربما ناقشه في ذلك بعضهم، و على كل حال فمتنه قال

: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير إذنها قال: لا بأس به».

و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، إذ لا يخفى عليك أن مثل هذه الأخبار- المخالفة لقاعدة قبح التصرف في مال الغير و الكتاب و إجماع الأصحاب و

صحيح البزنطي (6)«سألت تتمتع الأمة بإذن أهلها، قال:

نعم إن الله عز و جل يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ»

و غير ذلك- مما لا ينبغي الالتفات إليها، بل هي من القسم الذي قد أمرنا بطرحه و الاعراض عنه، بل ربما


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 25.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة و الباب- 29- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب المتعة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب المتعة الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب المتعة الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 29، ص: 216

كانت هي مما دس في كتب الشيعة لإرادة إفساد مذهبهم، فمن الغريب إطناب بعض الناس في ذلك، و أغرب منه ميلة الى القول بمضمونها، و ليس ذلك إلا من آفة نعوذ بالله منها، و لو أن مثل هذه الأخبار تزلزل ما استقر عليه المذهب مما كان مثل ذلك لم يبق شي ء منه مستقر، و قد قال الله تعالى (1)«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ» فلا بد من إذنها حينئذ، و لو قلنا بأنها مولى عليها مع كونها بالغة رشيدة، إذ لا تلازم بين الأمرين،

بل هو من التصرف المالي الغير الممنوعة منه قطعا.

[المسألة الثامنة إذا زوج الأبوان الصغيرين لزمهما العقد]

المسألة الثامنة إذا زوج الأبوان الصغيرين مراعيين ما يعتبر في جواز ذلك لهما لزمهما العقد للأصل، و قيام الولي مقام المولى عليه و للنصوص المعتبرة(2)بل لا خلاف أجده فيه في الصبية، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فيها، نعم خالف فيه جماعة من الأصحاب في الصبي، فأثبتوا له الخيار عملا ببعض الأخبار(3)القاصر عن معارضة غيره من وجوه، كما عرفته سابقا، فهو إما مطرح أو محمول على الخيار بالطلاق أو أحد العيوب، أو يراد بالخيار فيه الإجازة مع فرض وقوع ذلك من الولي على جهة الفضولي، لعدم الغبطة أو حصول المضارة أو نحو ذلك مما لا بأس به في مقام الجمع بين الراجح و المرجوح.

و على كل حال فان مات أحدهما ورثه الآخر حتى على القول بالخيار، كما حكي عنه التصريح به، ضرورة عدم منافاته لتحقق موجب الإرث الذي هو الزوجية.


1- 1 سورة الحجر: 15- الآية 9.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث 8 و 9.

ج 29، ص: 217

و لو عقد عليهما غير أبويهما مما (ممن ظ) لا يجوز له تزويجهما كان من الفضولي، بناء على عدم اعتبار المجيز له في الحال، أو يفرض وجود الولي لهما و لم يجز، أو لم يعلم و

الحكم فيه حينئذ إنه إن مات ا معا أو أحدهما قبل البلوغ بطل العقد قطعا، لعدم، تماميته و لو من طرف واحد و سقط المهر و الإرث حينئذ لعدم تحقق موجبهما كما هو واضح.

و لو بلغ أحدهما فرضي به لزم العقد من جهته بناء على أن الإجازة كاشفة، فالمراد باللزوم حينئذ من جهته عدم جواز فسخه له، بل في القواعد في نحو المقام أنه تحرم المصاهرة عليه، بل في كشف اللثام نفي الاشكال فيه، فلا يجوز له إن كان الزوج نكاح الأخت و الخامسة و كل من الأم و البنت إلا إذا فسخت الزوجة، فلا حرمة على إشكال في الأم، و في الكشف من أن الفسخ كاشف عن الفساد أو رافع له من حينه ثم قال فيها: و مع الطلاق نظر لترتبه على عقد لازم، فلا يبيح المصاهرة إلى أن قال فيها: و إن كان الزوجة لم يحل لها نكاح غيره مطلقا إلا إذا فسخ، و الطلاق هنا معتبر، و في الكشف و هل لها نكاح أبيه أو ابنه؟ فيه الوجهان في إباحة الأم بالفسخ، لكنه قد يناقش باعتبار تحقق النكاح في تحريم ذلك و ليس، إذ الفرض عدم حصول الإجازة من الآخر، و احتمال حصولها غير كاف في تحققها، بل الأصل يقتضي عدمها، بل مقتضاه جواز ذلك كله له حتى تحصل و إن انكشف بعد حصولها بطلان التصرف الحاصل بين العقد و بينها، فمن باع ماله من فضولي لم يمتنع عليه الانتفاع به و لو المتلف، اللهم إلا أن يفرق بينه و بين النكاح المطلوب فيه الاحتياط بالأنساب و غيرها، أو يلتزم فيهما معا بالحرمة من باب المقدمة، ضرورة أنه على الكشف بالمعنى المعروف عندهم يكون الأمر دائرا بين كونها أم امرأته مثلا أو غيرها، فيحرم وطؤها مقدمة لامتثال تحريم نكاح أم الزوجة، و يحرم عليه التصرف في المال، لدورانه بين كونه ماله و مال غيره، فيجب اجتنابه مقدمة لامتثال حرمة التصرف في مال الغير، و بذلك ينقطع استصحاب الجواز السابق، فإنه لا يعارض باب المقدمة، بل لعل موضوع المستصحب غير محقق بعد صدور ما يحتمل السببية منه المخرجة له

ج 29، ص: 218

عنه، كما أنه، لم يعلم تناول أدلة الحل للفرض، إذ هي نكاح غير أم الامرأة، و لم يعلم كونها كذلك، هذا أقصى ما يمكن أن يقال.

لكن الانصاف عدم خلوه مع ذلك عن الاشكال، خصوصا بعد ملاحظة أصل عدم حصول الإجازة، و استصحاب أحكام الموضوع السابق، مثل جريان هذا العقد و العزل في خبر الحذاء(1)إنما هو للاحتياط في حفظ المال، كالعزل للحمل، فهو مخصوص في محله، و لذا صرحوا بإعطائه للوارث مع فرض طول الانتظار و نحوه بجنون و نحوه، فتأمل فإنه قد يقال بمعارضة أصالة عدم الإجازة بأصالة عدم حصول المبطل للعقد المتأهل للصحة، و الاستصحاب قد انقطع قطعا، ضرورة اندراجها في المعقودة التي هي غير نافذة العقد، نعم هي محتملة لكونها من ذي العقد المقبول أو المردود، و لا أصل ينقح ذلك، فيجب الاجتناب مقدمة كالمعقودة المشتبهة بغيرها، مؤيدا ذلك بتناول أمر الوفاء بالعقد الشامل لمثل هذا العقد للأصيل

مثلا، و ليس الوفاء به إلا المراعاة لحاله، و إجراء حكم المصاهرة و نحوها عليه، لأن الوفاء بكل شي ء بحسب حاله، بل لعل الأمر بعزل المال في الصحيح الآتي (2)لذلك.

نعم من الغريب ما سمعته مع احتمال تحريم الأم و الأب و الابن بمجرد صدور العقد فضولا الذي تعقبه عدم الإجازة و لو من طرف واحد، لاحتمال كون الفسخ من حينه، فإنه لا يقتضيه أصل و لا قاعدة و لا فتوى، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة بخلافه، و الطلاق غير مجد، ضرورة اعتبار تعقبه للنكاح، و الفرض عدم تماميته لعدم حصول الإجازة، و إن قلنا بكونها كاشفة بناء على مدخليتها في تأثير الصحة و لو على جهة الكشف الشرعي فلا يؤثر الطلاق حينئذ فسخا، نعم على ما حققناه سابقا من عدم المدخلية لها في الصحة، و إنه يكفي فيها أن يرضى الذي هو في علم الله كالمحقق يتجه تأثير الطلاق لو صادف الصحة على الأصح، لعدم اعتبار العلم بها فيه فتأمل جيدا، فإنه دقيق.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 29، ص: 219

و كيف كان فان مات هذا الذي قد أجاز عزل من تركته نصيب الآخر قبل البلوغ احتياطا، لاحتمال كونه وارثا بالإجازة الكاشفة، نحو ما يعزل نصيب الحمل فان بلغ فأجاز العقد أحلف أنه لم يجز للرغبة في الميراث و ورث لانكشاف صحة العقد حينئذ من حين وقوعه، فتحقق

الزوجية الموجبة للإرث و المهر و غيرهما من أحكامها.

و لو مات الذي لم يجز قبل البلوغ أو بعده قبل الإجازة بطل العقد لعدم تحققه و حينئذ ف لا ميراث و لا مهر و لا غيرهما من أحكام الزوجية، و الأصل في هذه الأحكام

صحيح الحذاء(1)قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن غلام و جارية زوجهما وليان لهما و هما غير مدركين، فقال: النكاح جائز و أيهما أدرك كان له الخيار، و إن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر، إلا أن يكون قد أدركا و رضيا، قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر، قال: يجوز ذلك عليه إن هو رضي، قلت: فإن كان الرجل الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثم مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: نعم، يعزل ميراثها منه حتى تدرك فتحلف بالله ما دعاها إلى أخذ الميراث إلا رضاها بالتزويج، ثم يدفع إليها الميراث و نصف المهر، قلت: فان ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرك؟ قال:

لا، لأن لها الخيار إذا أدركت، قلت: فان كان أبوها هو الذي زوجها قبل أن تدرك، قال: يجوز عليها تزويج الأب، و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية»

و المراد بالوليين في صدره بقرينة ما في ذيله من له الولاية عرفا كالعم و الأخ، أو في المال خاصة، أو في النكاح أيضا و لكن لم يراع الغبطة المعتبرة في تصرفه، و اشتماله على تنصيف المهر بالموت و نحو غيره من

الأخبار الدالة على ذلك غير قادح في حجيته مع احتمال تقدم النصف الآخر.

ثم إن ظاهره كالفتاوى اعتبار اليمين في الإرث و غيره من الأحكام، فلو لم


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث 1 من كتاب المواريث.

ج 29، ص: 220

تحلف فلا إرث و لا مهر و لو لعارض من موت و غيره، فما في المسالك- من أنه ربما احتمل مع موته قبل اليمين ثبوت الإرث، من حيث إنه دائر مدار العقد الكامل، و هو هنا حاصل بالإجازة من الطرفين، بل في القواعد إن مات قبل اليمين بعد الإجازة فإشكال- كما ترى، ضرورة منع كمال العقد بدونه، و أنه لو كان كذلك لم يتوقف على اليمين ابتداء، بل قيل: إن الحلف فيه جار على الأصل باعتبار توقف صحة العقد على الرضا به واقعا على وجه بحيث لو كان حيا لرضيت به زوجا، لا أنها أظهرت الرضا رغبة في الميراث، و إلا فهي غير راضية به زوجا في الواقع و إن كان هو كما ترى، و لو جنت بقي المال على عزله من العين إن أمكن و إلا فمن المثل أو القيمة.

و قيل: لو خيف الضرر على الوارث أو المال دفع اليه، و ضمن للمجنون إن أفاق و أجاز و حلف، لأن استحقاقه الآن غير معلوم، و الأصل عدمه، و فيه أن استحقاق كل منهما غير معلوم، و لذا أمر بالعزل كما عرفته سابقا، فالمتجه الانتظار.

و لو أجاز الزوج و نكل عن اليمين ففي لزوم المهر عليه إشكال من مؤاخذة العقلاء بالإقرار، و من أنه فرع الزوجية التي لم تثبت إلا باليمين نصا و فتوى، بل هي جزء من علة النكاح أو شرط، و لعل الأول أقوى، لأن جزء السبب الرضا، و الإجازة تتضمن الاخبار به، فيكون إقرارا في حقه، و الافتقار الى اليمين لدفع التهمة، حيث يردا إثبات حق على الغير، مع أنه خارج عن النص لكونه في المرأة خاصة، و عليه ففي إرثه منه إشكال من توقف الإرث على اليمين، و من أن الإقرار لا يوجب المؤاخذة إلا ببعض المهر، فإن غاية ما يلزم تحقق الزوجية في طرفه، و هو لا يستلزم هنا إلا ثبوت بعض المهر، و لا دليل على الزائد، و أيضا هو إما صادق أو كاذب، فان كان الأول فليس عليه، إلا بعض المهر، و إن كان كاذبا فلا مهر أصلا، و ليس هو كالإقرار بمائة مثلا لامرأة ثم ادعى أنها مهر نكاح يرث منه، ضرورة وضوح الفرق بينهما و حكم المجنونين حكم الصغيرين.

نعم قد يشكل جريان الحكم في البالغين إذا زوجهما الفضولي من التساوي في الفضولية، و من أن في بعض أحكامه ما هو على خلاف الأصل، فيقتصر على مورده، لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد إن هذا أقوى، فيحكم ببطلان العقد

ج 29، ص: 221

إذا مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته و قبل إجازة الآخر، سواء قلنا: إن الإجازة جزء السبب أو كاشفة عن سبق النكاح من حين العقد، أما على الأول فظاهر، لأن موت أحد المتعاقدين قبل تمام السبب مبطل، كما لو مات أحدهما قبل تمام القبول، و أما على الثاني فلأن الإجازة وحدها لا تكفي في ثبوت هذا العقد، بل لا بد معها من اليمين، و قد حصل الموت قبل تمام السبب، خرج منه ما ورد فيه النص و هو العقد على الصغيرين، فيبقى الباقي، و لأن الإرث لا يثبت باليمين كما في جامع المقاصد، و فيه- مضافا إلى كون معية اليمين إنما هو بعد الموت لا قبله- أن اليمين لا مدخلية له في الثبوت واقعا، و لا في الإرث، و إنما هو كاشف عن إثبات الإجازة، و عن صدق المجيز في إخباره عن رضاه الباطن بالعقد، لا أنه أظهر الرضا للرغبة في الميراث، و أيضا هو كالإجازة في الكشف، لا أنه من تمام السبب الناقل كي يقال بالبطلان لحصول الموت قبله، على أن المتجه بناء على عدم اعتبار بقاء المعقود عليه على صفة القابلية في صحة الإجازة الصحة من غير حاجة إلى اليمين، ضرورة تمامية العقد حينئذ بدونه لا بطلان العقد، بل و كذا لو قلنا باعتبار اليمين لنفي التهمة الذي لا مدخلية له في العقد، كما هو واضح، و ما كنا لنؤثر أن يقع مثل ذلك عن مثلهما، نعم يقوى في النظر اعتبار بقاء قابلية المعقود عليه لتأثير العقد فيه، كما عن الفخر التصريح به في شرح الإرشاد، خصوصا بناء على ما ذكر في الكشف في بحث الفضولي من احتمال أن الإجازة لها مدخلية في التأثير و إن كان هو واضح الفساد، كما ذكرناه في محله.

و حينئذ فيكون ما في النص مخالفا للقواعد، يقتصر عليه، لا يتعدى منه إلا لما علم أولويته أو مساواته له.

و أغرب مما سمعت ما وقع من ثانيهما من احتمال الصحة في الفرض باعتبار الأولوية من المنصوص بأن يقال: إن عقد الفضولي إذا كان له مجيز في الحال فلا إشكال في صحته عند القائل بصحته، و إن لم يكن له مجيز في الحال فهو محل إشكال، و عقد الكبيرين فضولا من القسم الأول دون عقد الصغيرين، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى، و هذا متجه لم ينبه عليه أحد.

ج 29، ص: 222

قلت: لا يخفى عليك ما فيه، أما أولا فلأن العقد على الصغيرين قد يكون من القسم الأول، كما إذا كان لهما ولي نكاح لكن عقد عليهما الفضولي، بل قد يقال إنهما لا يخلوان من المجيز في الحال، بناء على عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك، و لعل مراده أن عقد الصغيرين فضولا قد لا يكون له مجيز في الحال بناء على المشهور و حينئذ فلا إيراد عليه من هذه الجهة، و ثانيا أن الاشكال في الصحة و عدمها لا مدخلية له في الأولوية التي تكون سببا لإثبات حكم شرعي.

و من ذلك يعلم الحال فيما ذكره فيها أيضا تبعا لغيره، من أنه لو تغير مورد النص بكون العاقد على الصغيرين أحدهما الولي و الآخر فضولي فمات من عقد له الولي أولا قبل بلوغ الآخر اطرد الحكم، لأن الجائز من الطرفين أضعف حكما من اللازم من أحدهما، فإذا ثبت الحكم في الأضعف ثبت في الأقوى بطريق أولى، و بذلك يخرج عن القياس الممنوع.

و كذا ما ذكره أيضا فيها فيما لو كانا بالغين و أوقعه أحدهما عن نفسه و الفضولي عن الآخر، أو كان أحدهما بالغا و الآخر صغيرا، فأوقع له الولي أنه و إن كان أبعد من جهة الخروج عن المنصوص في كونهما معا صغيرين، لكن ذلك منجبر بالأولوية المزبورة و يظهر منهم الجزم بالحكم في هذا أيضا، و هو متجه إذ الجميع كما ترى غير خارج عن القياس الممنوع ما لم يصل ذلك الى حد القطع بأولوية الحكم هنا من مورد النص أو مساواته.

و أغرب من ذلك ما فيها أيضا من أن الأقوى اعتبار اليمين و إن لم تحصل التهمة التي هي ليس علة تامة في اعتباره، بل هي حكمة لا يجب اطرادها و حينئذ فلا يستحق شيئا في أعيان التركة بدونه و إن كان ما يعترف به في ذمته أو في عين من الأعيان من المهر أضعاف ما يدعيه، و لا بعد في توقف ملكه لنصيبه من عين التركة عليه، لأن ذلك أمر آخر، و حق خارج لا ملازمة بينه و بين ما يقربه، إذ لا يخفى أن لفظ النص في الامرأة، و ألحقنا الرجل بها إلحاقا، و اليمين إنما يراد مع عدم علمه بصدق المخبر، أما لو علم و لو بقرائن قطعية فلا فائدة في اليمين.

ج 29، ص: 223

[المسألة التاسعة إذا أذن المولى لعبده في إيقاع عقد النكاح صح]

المسألة التاسعة إذا أذن المولى لعبده مثلا في إيقاع عقد النكاح له صح و إن لم يعين له امرأة و لا مهرا بلا خلاف أجده فيه، كما عن بعضهم الاعتراف به، فيجوز له حينئذ تزويج الأمة و الحرة الشريفة و الوضيعة من أهل البلد أو خارجه، نعم ليس له الخروج إليها إلا بإذن السيد، و لا يشكل ذلك بتفاوت المهر تفاوتا فاحشا، فلا يكفي الإطلاق في التزامه لاندفاعه بإقدامه عليه بإطلاق الإذن له، على أنه إذا أطلق اقتضى الإطلاق الاقتصار على مهر المثل نحو الإطلاق في البيع و الشراء و نحوهما و ما يقال: إن مهر المثل متفاوت أيضا بتفاوت ذوات الأمثال تفاوتا فاحشا يدفعه- مضافا الى إقدامه على ذلك- إمكان دعوى تنزيل الإطلاق على اللائقة بحاله و حال مولاه، و حينئذ فلو تزوج من لا يليق مثلها به أو من لا يليق مهر مثلها بالمولى فاما أن يقف النكاح على الاذن، أو يصح و يكون الزائد من مهرها على ما يليق بالمولى على العبد، يتبع به بعد العتق، و لعل الأقوى الوقوف في التي لا تليق بحاله، بخلاف من لا يليق مهر مثلها بالمولى، فيصح النكاح على الوجه الذي عرفت، نعم قد يقال بتسلط الامرأة على الخيار في العقد مع الجهل بالحال، كما ستعرفه في نظائره مع أن الأقوى عدمه.

و على كل حال فان زاد العبد على مهر المثل مع الإطلاق كان الزائد في ذمته يتبع به إذا تحرر و إن قلنا بوقف العقد في الشراء بأزيد من ثمن المثل، للفرق بينه و بين المقام بتوقف صحته على الثمن بخلاف النكاح، فإنه لا يتوقف على المهر، نعم قد يناقش بأن العبد إن كان أهلا لأن يثبت شي ء من المهر في ذمته فليثبت جميعه، و بأن المرأة إذا لم تكن عالمة بالحال قد أقدمت على مهر يثبت في ذمة المولى معجلا و لم يحصل، و قد يدفع بأنه أهل هنا للزائد على ما استحقه على المولى بالإذن كما ستعرف، و يمنع كون نكاح العبد مطلقا يوجب كون المهر

ج 29، ص: 224

معجلا في ذمة المولى أو غيره، بل قد يكون كذلك، و قد لا يكون كذلك، فالتقصير منها حيث إنها أقدمت جاهلة بالحكم الشرعي، لكن قد يناقش فيه بأنه مع عدم مدخلية ذلك بعض الصور لا مؤاخذة عليها في الجهل بحكم المعاملة، و قد تدفع بأنه و إن كان لا مؤاخذة عليها شرعا بذلك، لكن ما وقعت فيه إنما هو بجهلها و عدم سؤالها، خصوصا بعد معلومية مملوكية العبد لغيره، و أنه كل عليه فلا خيار لها حينئذ نعم لو دلس نفسه فتزوجته على أنه حر فبان أنه مملوك كان لها الخيار نصا و فتوى، هذا كله مع الإطلاق.

أما لو عين له الزوجة و المهر فلا ريب في نفوذه مع عدم التخطي عما عين له، فان تخطى في الزوجة خاصة أو فيها و في المهر كان موقوفا على إذن جديدة من المولى و إن كانت مساوية للمعينة.

و كذا لو عين له نوع النكاح فتخطى الى غيره، و لو أطلق فلا إشكال في الدائم، و يقوى الدخول المنقطع أيضا.

و لو كان في المهر خاصة اتبع بالزائد بعد العتق نحو ما سمعته في الزائد على مهر المثل، و نحو ما لو عين له المهر و أطلق له الزوجة، فإنهم صرحوا من غير خلاف فيه يعرف بينهم بأنه يتبع بالزائد بعد العتق و إن كانت الزيادة مع المعين لا تتجاوز مهر المثل، و في خيار المرأة ما عرفت.

و لو كان المهر المعين أكثر من مهر مثل التي عقد عليها ففي لزوم العقد و المسمى نظرا الى كونه مأذونا، أو تعلق الزائد بذمته يتبع به بعد العتق كما لو زاد في المطلق، و لانسياق إرادة الاذن بذلك لمن يكون مهر مثلها ذلك، وجهان:

عن التذكرة الأول و يقوى في النظر الثاني، فيثبت حينئذ الزائد عن مهر المثل في ذمته بعد العتق، مثل ما لو عين له الزوجة و أطلق له المهر فتخطى عن مهر المثل، فإن الزائد عليه حينئذ في ذمته يتبع به بعد العتق، و من ذلك يظهر لك ما في الحدائق من أنه لو عين له المهر و الزوجة فتعدي فيهما أو في أحدهما كان فضولا، و لعله

ج 29، ص: 225

توهمه من بعض نسخ المسالك أو مما في جامع المقاصد، قال: «إن المناسب للقواعد أي مع الزيادة على مهر المثل أو المعين، إما القول بوقف النكاح أو الصداق على إجازة المولى، فإذا فسخ الصداق ثبت مهر المثل بالدخول، و تتخير المرأة» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أنه يكون مهر المثل المأذون له في الإطلاق و المعين على مولاه و في ذمته، كما هو المشهور على ما في المسالك، أو يكون في ذمة العبد يؤديه مما يتجدد من كسبه إن كان مكتسبا، قيل أو مما في يده إن كان مأذونا في التجارة، و إلا بقي في ذمته، فيقال لزوجته إن زوجك معسر بالمهر فإن صبرت و إلا فلك خيار الفسخ، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل و القائل الشيخ و ابنا البراج و سعيد على ما يحكى عنهم في كسبه بل في كشف اللثام «هو عندي أقوى، لأن الأصل براءة ذمة المولى، و الاذن في النكاح لا يستلزم تعليق لازمه في الذمة، و إنما يستلزم الاذن في لازمه، و هو الكسب للمهر و النفقة، و أيضا فغاية العبد المكتسب إذا أذن له في النكاح أن يصير في المهر و النفقة بمنزلة الحر المكتسب، و أما المأذون في التجارة فإذنه فيها كأنه يتضمن الاذن في أداء المهر مما في يده، و التعويض عنه بكسبه» انتهى. و في الروضة «يجب حينئذ على المولى تخلية العبد للتكسب نهارا و للاستمتاع ليلا، إلا أن يختار الإنفاق عليه و على زوجته من ماله، فله استخدامه بشرط أن لا تزيد أجرة الخدمة على النفقة المبذولة، و إلا كان الزائد مصروفا في المهر، فيجب على المولى بذل الزائد أو تخليته ليصرف الكسب فيهما حيث يفضل» و هو جيد إلا أنه ينبغي تقييد الاستمتاع بالواجب عليه، أما غيره فلا يعارض وجوب طاعة السيد التي لا ينافيها الاذن له في ذلك، نعم لا يجب على الأمة المأذونة الطاعة مع معارضة استمتاع الزوج، للفرق الواضح بينها و بين العبد بوجوب ذلك عليه، بخلاف العبد.

و على كل حال فإنما يتعلق بكسبه الحاصل بعد العقد، و النفقة بكسبه الحاصل بعد وجوب الإنفاق المشروط بالتمكين، فما كان بيده من كسب قبل ذلك فهو للسيد،

ج 29، ص: 226

و المهر المؤجل يتعلق بالكسب عند حلول أجله فإن فضل من السابق عن النفقة شي ء فهو للمولى، لأن الاكتساب تابع لوجوب الحق.

و كيف كان فلا ريب أن الأول أظهر ضرورة عدم ذمة للعبد صالحة للاشتغال، و إلا لكان المهر جميعه فيها و لم يقل به أحد، كما أنه ليس في الاذن ما يقتضي اختصاص ذلك بخصوص الكسب من أموال السيد، فالمتجه تنزيل ذلك منزلة الاستدانة و الشراء المأذون فيهما من السيد و إن انتفع العبد بهما، بل ربما ظهر من

خبر علي بن حمزة(1)عن أبي الحسن عليه السلام المفروغية من ذلك «في رجل زوج مملوكا له من امرأة حرة على مأة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها، قال: يعطيه سيده من ثمنه نصف ما فرض لها، إنما هو بمنزلة دين استدانه بإذن سيده»

بل يمكن دعوى معلومية ذلك من الأصحاب أيضا، فإنهم في غير المقام لا إشكال عندهم في التزام السيد بكل ما يأذن به لعبده من التصرفات التي تستتبع مالا، اللهم إلا أن يفرق بين النكاح و غيره بأن المعوض في الشراء و الذين و نحوهما يدخل في ملك السيد، لعدم ملكية العبد، فلا بد من ثبوت العوض في ذمته حينئذ، بخلاف النكاح، فان البضع يكون للعبد، و فيه أن المتجه حينئذ كونه في ذمة العبد يتبع به بعد العتق، و لم يقل به أحد، نعم قد يقال: إنه في ذمة العبد، لكونه عوض ما انتقل اليه من البضع، و لكن يستحق على السيد أداؤه حالا أو عند حلول الأجل، و لعل هذا هو المراد من قولهم في ذمة السيد إنه في عهدته أداؤه عن العبد، و إلا فالمهر على الزوج نصا و فتوى، و الله العالم.

و كذا الكلام (القول خ ل) في نفقتها خلافا و دليلا، نعم عن ابن حمزة أنه فصل فيها بين كون العبد مكتسبا ففي كسبه، أى مع اختياره سيده، كما حكاه عنه في الإيضاح، و إلا فعلى سيده، و إن كان قد يفرق بينهما بأن الأول من المعاوضة التي يعتبر فيها ملك العوض في مقابلة ملك المعوض، بخلاف النفقة التي هي حكم


1- 1 الوسائل الباب- 78- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 عن على بن أبي حمزة.

ج 29، ص: 227

شرعي متعلق بالزوج و إن وجب على السيد أداؤه عنه للاذن، كما في كفارات الإحرام، هذا. و في كشف اللثام عن الشيخ أنه إن لم يكن مكتسبا قيل: إنها تتعلق بذمته فيقال لزوجته: إن زوجك معسر بالنفقة فان اخترت أن تقيمي معه حتى يجد، و إلا فاذهبي إلى الحاكم ليفسخ النكاح، و قيل: تتعلق برقبته، لأن الوطء كالجناية، و اختاره، و قال: إنه أليق بمذهبنا فان يمكن أن يباع منه كل يوم بقدر ما يجب عليه من النفقة فعل، و إلا بيع كله في الجناية، و وقف ثمنه ينفق عليها، و الاعتراض بأنه إذا بيع انتقل الى سيد آخر، و الثمن من مال الأول، فكيف ينفق منه على زوجته؟ ظاهر الاندفاع بمنع كون الثمن حينئذ من ماله، و إن سلم فنقول: إنه بالإذن في النكاح ألزم على نفسه الإنفاق على زوجته من ثمنه.

لكن الجميع كما ترى، خصوصا مع أن النفقة ليست بأولى من المهر في كونه عوض إتلاف، و لا ريب في أنها على سيده، لأنها من توابع ما أذن له فيه، بل ربما ظهر من

موثق الساباطي (1)المفروغية منه قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها، ثم إن العبد أبق فجاءت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد، فقال: ليس لها على مولاه نفقة، و قد بانت عصمتها منه، فإن إباق العبد طلاق امرأته، هو بمنزلة المرتد عن الإسلام، قلت: فان هو رجع الى مواليه ترجع إليه امرأته؟ قال: إن كان قد انتقضت عدتها منه ثم تزوجت غيره فلا سبيل له عليها، و إن كانت لم تتزوج و لم تنقض العدة فهي امرأته على النكاح الأول»

بل يمكن دعوى كونه من الواضحات، فلا يطال في تأييده، كما أنه لا يخفى عليك جريان نحو ذلك بما لو كانت الأذن للجارية في التزويج في الصور الأربع، و أنه في أيها يكون العقد فضولا أو لازما، و يلتزم بمهر المثل.


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 228

[المسألة العاشرة من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح]

المسألة العاشرة من تحرر بعضه ليس لمولاه إجباره على النكاح لأنه صار شريكا للمولى في الحق المتعلق برقبته، فليس لأحدهما التصرف إلا بإذن الآخر، و منه النكاح، فليس للمولى إجباره عليه مراعاة لجانب الحرية، لأن الحر لا يجبر عليه، و النكاح لا يختص ببعضه، و لا للعبد الاستقلال به مراعاة لجانب الرقية، بل يعتبر صدوره عن رأيهما، و تكون المهر و النفقة حينئذ بالنسبة، و الزيادة هنا عن المعين و المثل يتعلق بجزئه الحر، و على كل حال فلا ريب في عدم جواز استقلال أحدهما به، ضرورة كونهما كالشريكين اللذين

سأل زرارة الصادق عليه السلام (1)عنهما قال له «في عبد بين رجلين زوجه أحدهما و الآخر لا يعلم، ثم إنه علم بعد ذلك، إله أن يفرق بينهما؟ قال: للذي لم يعلم و لم يأذن أن يفرق بينهما، و إن شاء تركه على نكاحه»

و سأل علي بن جعفر(2)أخاه عليه السلام أيضا «عن مملوكة بين رجلين زوجها أحدهما و الآخر غائب، هل يجوز النكاح؟

قال: إذا كره الغائب لم يجز النكاح»

بل لعل إطلاق المتن و غيره يقتضي عدم جواز الاستقلال و لو في أيام المهاياة، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه]

المسألة الحادية عشر إذا كانت الأمة لمولى عليه كان نكاحها بيد وليه الذي له الولاية على سيدها و حينئذ فإذا زوجها لزم و ليس للمولى عليه مع زوال الولاية فسخه بعد فرض مراعاة الولي ما يعتبر في جواز تصرفه من الغبطة أو عدم المفسدة، ضرورة


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1 عن عبيد بن زرارة.
2- 2 الوسائل الباب- 70- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 29، ص: 229

كونه كباقي التصرفات فيما له الذي ليس له الاعتراض عليه فيه، من غير فرق في المالك المولى عليه بين كونه ذكرا و أنثى، بل في المسالك نبه بذلك على خلاف بعض العامة، حيث منع من تزويج، أمة المولى عليه مطلقا، لأنه ينقص قيمتها، و قد تحبل فتهلك، و منهم من شرط في جواز تزويج الولي كون المولى عليه ممن يجوز له مباشرة التزويج، و الكل عندنا ساقط، و الفرق بين التصرفين ظاهر، و اشتراط التصرف بالمصلحة يرفع احتمال النقص.

قلت: بل الظاهر عدم اعتبار كون الولي ممن يجوز له تزويج المولى عليه، فالحاكم و الوصي لهما تزويج مماليك الصغار و إن لم يكن لهما، تزويجهما، لما عرفت من أن ذلك من ولاية التصرف في المال التي هي لهما، بخلاف نكاحهما.

و كيف كان ف يستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد بكرا كانت أو ثيبا و إن تأكد في الأولى، بل قد عرفت اعتبار إذنه فيهما من جماعة و إن كان الأقوى خلافه كما تقدم، و الاستحباب المزبور مبني عليه، و لذا استدل عليه في المسالك، مضافا الى غلبة كونه أعرف بالأنسب من الرجال و أعرف بالأحوال فيها، بل في استبدادها من الغضاضة عليه ما لا يخفى، بل ربما أدى إلى عدم الاهتمام منه بما يهمها في جميع ما يعرض لها من الأمور التي يتكلف بها الولي بما سبق من الأخبار الكثيرة(1)الدالة على أن المتولي لتزويجها هو الأب المحمولة بعد معارضتها بما عرفت على ما هو أقل مراتبها من الحمل على الاستحباب، لكن لا يخفى على من تأمل تلك النصوص عدم إفادتها الاستحباب على الوجه المزبور، ضرورة خلوها منطوقا و مفهوما عن الأمر لها بالاستئذان خصوصا في الثيب، نعم هي ظاهرة في النهي عن نكاح البكر بدون إذن الأب، و عن مخالفة أمره و نحو ذلك مما يفيد كراهة الاستبداد لها، و هو لا يفيد استحباب الاستئذان، و لعله لذلك ناقشهم في الحدائق فيها و في المسألة الآتية بعدم الدليل على ما يفيد الاستحباب على الوجه المزبور، اللهم إلا أن يدعى استفادة ذلك عرفا من أمثال تلك الخطابات، بل هو


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح.

ج 29، ص: 230

معنى ولايته المجازية المستفادة من النصوص حتى في الثيب التي قد سمعت خبر إسماعيل (1)عن الرضا عليه السلام فيها و في البكر، مضافا إلى إطلاق ما دل على الولاية المزبورة.

و كذا الكلام فيما ذكره المصنف أيضا من أنه يستحب لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب و لا جد، لأنه من الذي بيده عقدة النكاح فيما سمعته من خبر أبى بصير(2)المحمول على الولاية المجازية و كذا

مرسل الحسن بن علي (3)عن الرضا عليه السلام «الأخ الأكبر بمنزلة الأب»

المستفاد منه أيضا ما ذكره المصنف من استحباب أن تعول على الأكبر إذا كانوا أكثر من أخ واحد، و حينئذ فلو تخير كل واحد من الأكبر و الأصغر زوجا تخيرت خيرة الأكبر الذي قد عرفت أنه بمنزلة الأب، مضافا الى ما تسمعه من الخبر(4)الآتي قريبا نعم قد تنضم مرجحات خارجية لخيرة الأصغر، و هو غير ما نحن فيه، إذ محل البحث الترجيح للأكبر من حيث كونه كذلك مع التساوي في المرجحات الخارجية، كما هو واضح.

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث:

[المسألة الأولى إذا زوجها الأخوان برجلين فان وكلتهما فالعقد للأول]

الأولى إذا زوجها الأخوان اللذان قد عرفت أنهما أجنبيان عندنا برجلين فان وكلتهما فالعقد للأول ضرورة وقوع الثاني حينئذ على امرأة ذات بعل و حينئذ ف ان كان قد دخلت بمن تزوجها أخيرا (11) جاهلة بعقد الأول فرق بينهما بلا خلاف معتد به أجده فيه، و إن حكى عن المبسوط أنه قال فيه:


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب عقد النكاح الحديث 15.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب عقد النكاح الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 231

إن فيه خلافا، و أنه روى أصحابنا(1)أن العقد له و أن الأحوط الأول، بل ربما توهمه بعضهم من عبارة الشيخ في النهاية التي تسمعها.

و على كل حال فلا إشكال في أنه يفرق بينهما ف ان كان قد حملت منه ألحق الولد به و بها، للشبهة التي بمنزلة الصحيح، و ألزم مهر مثل ها و أعيدت إلى السابق و استحقت عليه المسمى، و عن التذكرة احتمال أن لها المسمى على المشتبه أيضا، لأنه أمهر على ذلك، و ل

قول الباقر عليه السلام في خبر محمد بن قيس (2)«إن أمير المؤمنين عليه السلام قضى في امرأة أنكحها أخوها رجلا ثم أنكحتها أمها رجلا بعد ذلك فدخل بها، فاختلفا فيها، فأقام الأول الشهود، فألحقها بالأول، و جعل لها الصداقين جميعا، و منع زوجها الذي حقت له أن يدخل بها حتى تضع الولد، ثم الحق الولد بأبيه».

و لو كانا عالمين فهما زانيان لا يلحق بهما الولد و لا تستحق عليه مهرا، و لو كانت هي عالمة خاصة لم تستحق المهر، و لم يلحق بها الولد، بل يختص إلحاقه بالأب، و لو انعكس الأمر لم يلحق به الولد، و استحق عليه المهر، كما هو واضح.

و لو علم سبق أحدهما و جهل فان علم تاريخ أحدهما و قلنا بتأخر مجهول التاريخ عن معلومه كانت المرأة لمعلوم التاريخ، و إلا فالقرعة، أو فسخ الحاكم النكاح، أو أجبرهما معا على الطلاق، و لعل الأوسط أوسط.

و إن اتفقا في حالة واحدة بأن علم ذلك، أو كان هو مقتضى الأصلين كما لو علم صدورهما و جهل التاريخ قيل و القائل الشيخ في كتابي الأخبار:

يقدم عقد الأكبر إلا أن يدخل بها الآخر، بل اختاره الفاضل في المختلف و ابنا سعيد و حمزة، و إن كان الأخير لم يشترط، بل ما عن النهاية و القاضي من إطلاق الحكم بعقد أكبرهما إلا مع دخول الآخر إلا مع سبق عقد الأكبر ظاهر في أن المراد اتفاق العقدين أيضا كما فهمه المصنف منه في محكي النكت،


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 232

و الأصل في ذلك

خبر وليد بياع الاسقاط(1)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوجها الأكبر بالكوفة و زوجها الأصغر

بأرض أخرى، قال: الأول أحق بها إلا أن يكون الآخر قد دخل بها، فان دخل بها فهي امرأته، و نكاحه جائز»

المحمول على صورة الاقتران بمقتضى الأصول.

كالمحكي من عبارة النهاية «و إن كان لها أخوان فجعلت الأمر إليها ثم عقد كل واحد منهما عليها لرجل كان الذي عقد عليها أخوها الأكبر أولى من الأخر، فإن دخل بها الذي عقد عليها أخوها الصغير كان العقد ماضيا، و لم يكن للأخ الكبير أمر مع الدخول، و إن كان الكبير قد سبق بالعقد و دخل الذي عقد عليه الأخ الصغير بها فإنها ترد إلى الأول، و كان لها الصداق بما استحل من فرجها، و عليها العدة» و حينئذ فيكون هو موافقا للمحكي عنه في كتابي الأخبار من حمل الخبر على ما إذا جعلت الامرأة أمرها إلى أخويها و اتفق العقدان في حالة واحدة، فإنه يكون حينئذ عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر، و إن زاد الأول بيان حكم سبق الأكبر مع دخول من عقد له الأصغر، كما أنه زاد في التهذيب التصريح بالاقتران، و مثل ذلك لا يكون خلافا في المسألة، و إن أطنب فيه في المسالك، و جعل ذلك من الشيخ قولين، و ما حكاه المصنف من إطلاق تقديم الأكبر ثالثا، مع أن المصنف قد بين حكم السابق على وجه لم يظهر فيه خلاف، فيكون موضوع ما حكاه بلفظ القيل صورة الاقتران مع عدم الدخول، و قد عرفت أن الشيخ قائل فيها في الكتب الثلاثة بتقديم الأكبر، بل ينبغي القطع بتنزيه الشيخ عن القول بتقديم عقد الأكبر و إن سبقه عقد الأصغر، خصوصا بعد تصريحه بتقديم عقد الأصغر مع الدخول و إن لم يعلم سبق عقده للأكبر، بل و لو علم الاقتران، ضرورة عدم جدوى الدخول مع فرض تقديم عقد الأكبر و إن كان متأخرا، لأنه يكون عقد الأصغر لاغيا و الدخول لا يصلح لتصحيحه.

و بالجملة ما أطنب فيه في المسالك في تحرير محل النزاع ليس بشي ء على


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 233

أن المصنف حكى ذلك بلفظ القيل، و لعله أراد ما في كتابي الأخبار في صورة عدم الدخول، أو أراد ما في الوسيلة، قال فيها: «و إن وكلت أخوين لها على الإطلاق و زوجها كل واحد منهما من رجل دفعة صح عقد الأخ الأكبر، و إن سبق أحدهما صح العقد السابق» و هو صريح فيما حكاه المصنف، بل يمكن تنزيل كلام الشيخ على ذلك كما عرفت.

و على كل حال ف هو أى القول بتقديم عقد الأكبر مع الاتفاق تحكم لعدم المرجح، و الخبر(1)مع فقده شرط الحجية في سنده و لا جابر غير صالح، على أنه محتمل لكون العقد منهما فضولا، بل لعل هذا الاحتمال منه أقوى من غيره، باعتبار خلوه من أمارات التوكيل، و حينئذ يكون الأول أحق بها، بمعنى أن الذي ينبغي لها إجازة عقد الأخ الأكبر الذي هو بمنزلة الأب، فلو فرض أنها دخلت بمن عقد له الأصغر لم يكن حينئذ لعقد الأكبر محل للإجازة، فينطبق الخبر المزبور على ما ذكره المصنف بقوله و إن لم تكن أذنت لهما أجازت عقد أيهما شاءت سواء تقارنا أو اختلفا و الأولى

لها إجازة عقد الأكبر الذي هو بمنزلة الأب و بأيهما دخلت قبل الإجازة قولا كان العقد له للاكتفاء بالإجازة الفعلية عن القولية، لكون المعتبر الرضا، فكلما دل عليه من قول أو فعل كان كافيا على إشكال لنا فيه قد تقدم في محله، أو يفرض تقدم قول عادة قبل الدخول، أو أنها كانت يكفي سكوتها أو غير ذلك، و بذلك كله ظهر لك الحكم في جميع صور المسألة من غير حاجة الى ما أطنب فيه في المسالك من الإكثار في الصور.

نعم بقي شي ء و هو أنه قد يقال على المختار بصحة نكاح الدخول بالامرأة في صورة عدم العلم بتاريخ العقدين لو فرض وقوع المخاصمة بعد الدخول، لأصالة الصحة في فعل المسلم، و قوله، و لأنه قد حكم له بظاهر الشرع بالزوجية، و لم يعلم فسادها بالاقتران أو السبق، فهو نحو مدعي الصحة و الفساد، نعم لو كانت المخاصمة


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 4.

ج 29، ص: 234

بينهما قبل الدخول لم يكن ترجيح لأحدهما على الآخر، فلا محيص عن الحكم بالبطلان بناء على أن الاقتران مقتضى الأصلين، و إن لم نقل بذلك أقرع أو يحكم بالخيار للمرأة أو يفسخ الحاكم العقدين أو يجبرهما على الطلاق، بخلاف المفروض، بل لا يعتبر في صحته على الوجه الذي ذكرناه دعوى الداخل سبق العقد، فيكفيه تشبثه بالزوجية، بل قد يقال إن للعاقد الدخول و إن علم بوقوع عقد آخر، إلا أنه لم يعلم كونه سابقا أو مقارنا اعتمادا على أصالة صحة عقده، لكن الانصاف عدم خلو ذلك كله عن بحث و نظر ليس هذا محله، و الله العالم.

[المسألة الثانية لا ولاية للأم على الولد]

المسألة الثانية لا ولاية للأم و لا لأحد من آبائها على الولد الصغير بلا خلاف أجده فيه إلا من الإسكافي الذي يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، للأصل و ظاهر النصوص (1)السابقة، خصوصا الحاصرة للولاية في غيرها و غير آبائها، نعم لا يبعد رجحان مراعاة إذن الأم في تزويج بنتها للمحكي

عن رسول الله صلى الله عليه و آله (2)«أنه أمر نعيم بن النخاع أن يستأمر أم ابنته في أمرها و قال: «و ائتمروهن في بناتهن»

فما عن الإسكافي من قيام الأم و آبائها مقام الأب و آبائه واضح البطلان.

و حينئذ فلو زوجته كان عقدها فضولا كغيرها من الأجانب ف إن رضي لزمه العقد، و إن كره بطل، لكن عن الشيخ و أتباعه أنه إن رده لزمها أي الأم المهر، و فيه تردد من الأصل بل الأصول، و من

خبر محمد بن مسلم (3)عن الباقر عليه السلام «إنه سأله عن رجل زوجته أمه و هو غائب، قال: النكاح جائز إن شاء المزوج قبل و إن شاء ترك، فان ترك المزوج تزويجه فالمهر لازم لامه»

و عن الشيخ في النهاية الفتوى به، إلا أنه ضعيف السند غير صالح لقطع الأصول، خصوصا بعد إعراض الفحول و معارضته


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح.
2- 2 مسند احمد ج 2 ص 97.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح الحديث 3.

ج 29، ص: 235

بما في صحيح الحذاء(1)من غرامة النصف في الفضولي، و إن كنا لم نجد قائلا به صريحا و ربما حمل على ما إذا ادعت الوكالة عنه و لم تثبت، لأنها حينئذ قد فوتت البضع على الامرأة.

لكن نظر فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأن ضمان البضع بالتفويت مطلقا ممنوع، و إنما المعلوم ضمانه بالاستيفاء على بعض الوجوه لا مطلقا، ثم قال: و الأقوى عدم وجوب المهر على مدعي الوكالة مطلقا إلا مع ضمانه، فيجب حينئذ ما يضمنه جميعه أو بعضه، قلت: لا ريب في أن مقتضى القواعد ذلك، و التعليل المزبور عليل.

لكن في الحدائق «أن العمدة في ذلك روايات فيها الصحيح و غيره دالة على الضمان بدعوى الوكالة قد ذكرناها في باب الوكالة» قلت: الذي عثرنا عليه من النصوص التي أشار إليها(2)دالة على التنصيف بل لعله المشهور، بل لم نجد للقول بضمان المهر كملا دليلا و إن حكي عن الشيخ في النهاية و القاضي سوى التعليل في

خبر التنصيف بأنه «ضيع حقها بترك الاشهاد»

و سوى ما في بعضه أيضا من ظهور ذلك، لكنه بعد التصريح بالتنصيف فيه لا وجه للأخذ به، فبعد الإغضاء عما في إرادة التعليل حقيقة منه، ضرورة عدم وجوبه عليه أولا، و عدم تماميته فيما لو أشهد و مات الشهود مثلا، الى غير ذلك مما هو قد كرر في محل تحرير هذه المسألة، فحمل الخبر على ذلك غير وجيه.

و ربما حمل على إرادة أن المهر لازم لامه لا عليها، أي لها استعادته لو كانت دفعته، و الامتناع عنه مع عدم الدفع، و على التقديرين هو لها لا عليها، نعم يفهم منه حينئذ عدم لزومه للولد مع الإجازة، بل على الأم، و لعله لبذلها إياه من نفسها، فتكون كمن ضمن عن الزوج للزوجة، إلا أنه كما ترى أيضا، فالأولى رد المراد به إلى قائله، أو يحمل على إرادة لزوم المهر، لأمه في الجملة على وجه


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من كتاب الوكالة الحديث 1.

ج 29، ص: 236

ينطبق على التنصيف، بناء على أن العقد بدعوى الوكالة موجب لذلك، مع إنكار الموكل، كما وقع ذلك في الصحيح (1)المعتضد بالخبر الذي هو مستند ذلك، بل ربما أيد بكونه كالفرقة قبل الدخول، و بأنه أقل مخالفة للقواعد من ضمان المهر كملا.

فما في الرياض- من أن الأقوى ضمان المهر كملا على تقدير صحة دعوى أن ادعاء الوكالة بمجرده يوجب المهر كملا و إلا فالبحث فيه ساقط من أصله- في غير محله، بل هو مخالف لصريح كلامه في باب الوكالة، فإنه هناك قد

اختار التنصيف كما لا يخفى على من لاحظه، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج زوجك العاقد من غير إذنك فقالت بل أذنت فالقول قولها مع يمينها]

المسألة الثالثة إذا زوج الأجنبي امرأة فقال الزوج: زوجك العاقد من غير إذنك فقالت: بل أذنت فالقول قولها مع يمينها على القولين، لأنها تدعي الصحة و الزوج مدعي الفساد، و مدعى الصحة مقدم، و لأن الاذن من فعلها و لا يعلم إلا من قبلها، و المراد بالاذن المتنازع فيه الاذن قبل العقد، فيكون صورة النزاع ما إذا صدر عنها بعد العقد قبل النزاع ما دل على الكراهة، فيتجه حينئذ تقديم قولها بيمينها، لأنها على كل من القولين تدعيها، و الزوج يدعى الفساد، أما على القول ببطلان الفضولي فواضح، و أما على القول بصحته فإنه يدعى فساده بالكراهة المتأخرة، و هي تدعي صحته بالاذن السابقة، فيكون القول قولها بيمينها، أما لو فرض أن صورة النزاع في حصول أصل الاذن و عدمه و لم يحصل منها ما يقتضي الرد و قلنا بصحة الفضولي لم تتصور الخصومة بينهما، ضرورة إمكان إبطالها دعواه بإنشاء الإذن، بل الظاهر أن دعواها الاذن في السابق كاف في الإجازة، اللهم إلا أن يدعى أنها غير قاصدة للإنشاء بذلك، فلا يكفي ذلك حينئذ فيها، و فيه أنها و إن لم تكن قاصدة للإنشاء، لكن لا ريب في دلالة هذه الدعوى منها على الرضا الكافي في تحقق الإجازة، على أنها لو أرادت إبطال دعواه من غير يمين أنشأته.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب عقد النكاح الحديث 1.

ج 29، ص: 237

و لو ادعى الزوج إذنها متقدما على العقد أو متأخرا فأنكرت فإن كان قبل الدخول قدم قولها مع اليمين، لأن الاذن من فعلها، فلا يعلم إلا منها، و الأصل لا يعارض بأصالة الصحة هنا، إلا على القول ببطلان الفضولي، و إلا فالأصل عدم البطلان الشامل للوقوف على الإجازة، و هو لا يجدى، فإن نكلت حلف الزوج و ثبت العقد، بخلاف الصورة الأولى، إذ لا يمكنه الحلف، لجواز إذنها و إن لم يطلع عليه، خصوصا إذا ادعته قبل العقد.

و إن كان بعد الدخول فالأقرب كما في القواعد تقديم قوله لدلالة الدخول عليه، لأن الأصل عدم الإكراه و الشبهة، نعم هو مبني على أن المدعي من يدعي خلاف الظاهر، و إلا فالأصل عدم الاذن، و لا يجدى كون الأصل في الدخول الشرعية فإنه ليس مما فيه النزاع، و إنما الدخول أمر يظهر منه الإذن لأصله.

[الفصل الرابع في أسباب التحريم]
اشاره

الفصل الرابع في أسباب التحريم و هي أحد و عشرون و إن اقتصر المصنف منها على ستة:

[السبب الأول النسب]
اشاره

السبب الأول النسب ثم الرضاع، و المصاهرة، و النظر، و اللمس، و الزنا بها، و الزنا بغيرها، و الإيقاب، و الإفضاء، و الكفر، و عدم الكفاءة، و الرق، و تبعيض السبب، و استيفاء العدد، و الإحصان، و اللعان، و قذف الصماء و الخرساء، و الطلاق، و الاعتداد، و الإحرام، و التعظيم كزوجات النبي صلى الله عليه و آله و سلم.

ج 29، ص: 238

و كيف كان فيحرم بالنسب و هو الاتصال بالولادة بانتهاء أحدهما إلى الآخر، أو انتهائهما الى ثالث أصول الإنسان و فروعه، و فروع أول أصوله، و أول فرع من كل أصل بعد الأصل الأول، و بعبارة أخرى كل قريب اليه و لو بواسطة من هو أقرب منه ما عدا أولاد العمومة و الخؤولة.

و تفصيل ذلك أنه يحرم أي بالنسب سبعة أصناف من النساء و هي المستفادة من قوله تعالى (1)«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمَّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ» الى آخره.

ف الأم و الجدة و إن علت لأب كانت أو لأم واحدة من السبع، و في المسالك «أن ضابطها كل أنثى ولدتك أو ولدت من ولدتك ذكرا كان أو أنثى» و فيه أنه إن أريد بالثاني خصوص الأم لزم خروج ما عدا الجدة للأب أو الأم كجدة الأبوين أو الأجداد عن الضابط، مع أن المقصود إدخالها، و إن أريد الأعم منها فلا بد من قيد يدل عليه، كقولنا: «بواسطة أو بغيرها» و معه يجوز الاقتصار على الأول و لا يحتاج الى الثاني.

و كذا الكلام في البنت للصلب و بناتها و إن نزلن و بنات الابن و إن نزلن و قد ضبطها في المسالك أيضا بأنها «كل أنثى ولدت لك أو ولدت لمن ولد لك ذكرا كان أو أنثى» و فيه

ما عرفت، فالأولى ضبطها بكل أنثى ينتهي نسبها إليك بواسطة أو بغيرها.

و الأخوات لأب كن أو لأم أولهما و ليست هن إلا الإناث التي ولدهن و إياك شخص واحد من غير واسطة، و لا يدخل في اسمهن غيرهن، و لذا لم يكن فيهن علو و لا سفل.

و أما بناتهن و بنات أولادهن فهي صنف آخر مقابل للأخت في الآية و حينئذ فالمراد من بنات الأخ و الأخت ما يشمل السافلات كبنات أولادها و بناتها، و الضابط كل أنثى انتهت إلى أبويك أو أحدهما بالتوليد بواسطة أو بوسائط


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 239

أو كل أنثى ولدها أبواك أو أحدهما و لو بواسطة.

و العمات سواء كن أخوات أبيه لأبيه أو لأمه أو لهما، و كذا أخوات أجداده و إن علون، و الخالات للأب أو للأم أو لهما و كذا خالات الأب و الأم و إن ارتفعن، فالمراد حينئذ من العمة و الخالة ما يشمل العمات و الخالات العاليات، أي عمة الأب أخت الجد للأب لأب أو لأم أو لهما، و عمة الأم أخت الجد لها كذلك، و عمة الجد أخت جد الأب لأب أو لأم أو لهما بالغة ما بلغ، و عمة الجدة أخت جد الأم كذلك، و خالتهم أى خالة الأب و الأم و الجد و الجدة، و هي كالعمة غير أن اتصالها بالجدات و اتصال العمة بالأجداد، و مراتب العمات و الخالات هي مراتب الآباء و الأمهات، فأخوات الآباء و الأمهات في جميع الطبقات عمات و خالات، فضابط العمة حينئذ كل أنثى هي أخت ذكر ولدت له بواسطة أو غيرها من جهة الأب أو الأم أو منهما، أو كل أنثى ولدها و أحد آبائك شخص من غير واسطة، و الخالة كل أنثى هي أخت أنثى ولدتك بواسطة أو غيرها أو كل أنثى ولدها و إحدى أمهاتك شخص من غير واسطة، فالعمة العليا و الخالة، العليا هي أخت الجد و إن علا و الجدة كذلك، لا عمة العمة و خالة الخالة، فإنهما قد يحرمان فيدخلان في المذكورات، و قد لا يدخلان فلا يحرمان كما إذا كانت العمة القريبة أختا لأبيه لأمه و الخالة القريبة أختا لأمه لأبيها، فإن عمة العمة حينئذ تكون أخت زوج الجدة، و خالة الخالة أخت زوجة الجد، و لا نسب بينه و بينهما، فلا تكونان محرمتين عليه، و لا يدخلان في المذكورات، لانتفاء التحريم، بخلاف ما إذا كانا محرمتين، كما إذا كانت العمة القريبة أختا للأب للأب و الأم أو للأب و الخالة القريبة أختا للأم للأب و الأم أو للأم، فإن عمة العمة تكون حينئذ أخت الجد و خالة الخالة أخت الجدة، فيحرمان و يدخلان في المذكورات.

و أما بنات الأخ سواء كان الأخ لأب أو لأم أو لهما و سواء كانت بنته لصلبه أو بنت بنته أو بنت ابنه و بناتهن و إن سفلن على حسب الضابط الذي سمعته في بنات الأخت.

ج 29، ص: 240

و على كل حال فقد عرفت المراد بالمحرمات السبع المذكورات في الآية سواء قلنا بصدق الأسماء حقيقة على العاليات و السافلات و إن تفاوت الأفراد في الانسياق، أو قلنا به فيما لا واسطة خاصة دون غيره، فمجاز إلا أنه مراد في خصوص الآية، لاتفاق المفسرين كما قيل على إرادة ذلك منها، و لأن المقصود منها تفصيل المحرمات كما يقتضيه المقام، و يدل عليه قوله تعالى (1)«وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» و لا ريب في أن الحمل على العموم أنسب بالفرض المذكور، لانحصار المحرمات النسبية في السبع على ذلك التقدير، بخلاف ما لو لم ترد منها ذلك، فإنه يخرج عنها حينئذ كثير مما يحرم بالنسب، و أيضا فالمعنى الحقيقي للأم على هذا التقدير ليس فيه تعدد يصح معه استعمال صيغة الجمع، فيجب حمله على ما يطلق عليه اللفظ و لو مجازا، تحقيقا لمقتضى الجمعية، و إرادة هذا المعنى من الأم يقتضي إرادته من غيره، لأن الظاهر كون الجمعية في الجميع على نسق واحد، و احتمال كون التعدد باعتبار تعدد المخاطبين خلاف الظاهر، لأن خطاب الجماعة للعموم، و مقتضاه ثبوت الحكم لكل واحد دون المجموع، و ما يقال إن المجاز هنا لازم إما في الخطاب أو في ألفاظ النسب و لا ترجيح يدفعه منع انتفاء الترجيح، فان التجوز في الثاني أقل، و الفائدة فيه أتم و أكمل، على أنه موافق للنصوص (2)المعتبرة المستفيضة الدالة على تحريم نساء النبي صلى الله عليه و آله على الحسن و الحسين عليهما السلام لو لم تكن محرمة على الناس بآية «وَ لا

تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ»(3)و حرمة حلائلهما عليهما السلام عليه صلى الله عليه و آله بقوله تعالى (4)«وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ» و على تحريم بنات الفاطميين عليه صلى الله عليه و آله بقوله تعالى (5)«وَ بَناتُكُمْ» الى غير ذلك مما يدل على المطلوب، فمن الغريب احتمال


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 12 و المستدرك الباب- 2- منها الحديث 6 و البحار ج 43 ص 228 و ج 96 ص 239 الطبع الحديث.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 22.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 23.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 241

بعضهم أن المراد في الآية خصوص ما لا واسطة فيه، و التحريم في غيره قد استفيد من السنة.

و كيف كان فيستفاد من الآية مضافا إلى ذلك أن مثلهن من الرجال يحرم على النساء فيحرم الأب و إن علا على البنت و الولد و إن سفل على الأم و الأخ و ابنه و ابن الأخت على الأخت و العمة و الخالة و العم و إن علا و كذلك الخال على بنت الأخ و بنت الأخت، و الضابط من لو كان امرأة و هي رجل كان محرما مع بقاء النسب بعينه، لأن التحريم من أحد الطرفين هنا يستلزم التحريم من الطرف الآخر، و لعل ذلك هو السبب في تخصيص الله تعالى في الآية المحرمات على الرجال و لم يذكر العكس.

نعم قد يناقش فيما ذكره بعضهم دليلا لذلك من أن النكاح مثلا أمر واحد بسيط، فلا يكون حلالا و حراما و إن اختلفت إضافته إلى الطرفين، فان ذلك لا يخرجه عن وحدته المانعة من

اجتماع الحكمين المتضادين بأنه إن أريد من النكاح العقد فهو الإيجاب و القبول، و هما فعلان قائمان بمحلين مختلفين، إذ الإيجاب فعل الموجب و القبول فعل القابل، فلا يكون شيئا واحدا، و إن أريد منه الوطء فلا ريب في أن المعنى القائم بالواطي غير المعنى القائم منه بالموطوء، فإن الوطء في الواطئ بمعنى الفاعلية، و في الموطوء بمعنى المفعولية، و هما معنيان متغايران، فلا اجتماع للضدين في محل واحد، بل بذلك يظهر لك التعدد في غير النكاح من المعاملات، كالبيع و الصلح و الإجارة و غيرها و حينئذ فلا مانع من اختلاف الحكم فيها.

و لعله لذا ذهب جماعة إلى اختلاف حكم المتعاقدين في البيع وقت النداء إذا كان أحدهما مخاطبا بالجمعة دون الآخر، فخصوا المنع بمن خوطب بالسعي، و حكموا بجواز البيع من طرف الأخر نعم رجح جماعة آخرون عموم المنع من حيث الإعانة على الإثم.

و ليس الحكم بالتحريم في المقام منها قطعا، للفرق الظاهر بين تحريم العقد على أحد الطرفين في نفس الأمر عند تحريمه على الآخر، و تحريم العقد عليه لكونه

ج 29، ص: 242

إعانة على ما يحرم على الآخر، فان التحريم على الأول كثيرا ما يكون ثابتا للمتعاقدين بالأصالة من غير أن يكون ثبوته لأحدهما تابعا لثبوته للآخر و إن كان العلم بثبوته لأحدهما منهما موقوفا على العلم بثبوته للآخر، لأن توقف العلم على العلم لا يستدعي توقف الحكم على الحكم، فان العلم بتحريم الابن على الأم من قوله تعالى(1):

«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ» و إن توقف على العلم بتحريم الأم على الابن إلا أن التحريم في الأول ليس بمتوقف على التحريم في الثاني و لا تابع له، بل تحريم الابن على الأم تحريم أصلي كتحريم الأم على الابن و إن كان تابعا له في العلم و التصديق، و من المعلوم أن التحريم بهذا الوجه لا يمكن إثباته بتحريم الإعانة، لكونه تابعا لتحريم الفعل على المعان، و موقوفا عليه إذ الإعانة على الإثم فرع تحقق التكليف الموجب للإثم على تقدير المخالفة، و أيضا فإن التحريم من جهة الإعانة مقصور على صورة العلم بتعرض المعان للإثم، إذ مع احتمال الاشتباه في الموضوع أو اعتقاد نفي التحريم على وجه معتبر لم يتحقق هناك إثم تحرم الإعانة عليه، بخلاف التحريم من جهة اللزوم، فإنه لا يختص بذلك، بل يثبت مطلقا و لو مع الجهل بالحال، كما هو مقتضى حكمهم بالتحريم هنا مطلقا، و بالجملة لا يحتاج فساد دعوى كون المنشأ في التحريم هنا الإعانة إلى تطويل.

فالأولى في الاستدلال على المطلوب في المقام بأن تحريم المعاملة إن كان لتوجه النهي إلى عينها أو وصفها اللازم كما في بيع الميتة و نكاح المحارم فالتحريم من أحد الطرفين يستلزم التحريم من الآخر لأن تحريمها على الوجه المذكور يقتضي فسادها، و هو يقتضي تحريمها من الطرف الآخر، لكون التحريم من لوازم الفساد و لو كان لتوجه النهي فيها

إلى أمر خارج كما في البيع وقت النداء، و بيع الأمة قبل استبرائها، و العقد على المخطوبة إن قلنا بتحريمه، فالتحريم من أحد الطرفين لا يستلزم التحريم من الآخر إلا من جهة الإعانة على الإثم، للأصل السالم عن المعارض، نعم قد يدعى كراهته.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 243

و حينئذ فآية التحريم دالة على تحريم معظم ما يقصد من النساء عادة، و هو أمران العقد و الوطء، فإن أريد العقد كما هو الظاهر من وقوعها في سياق أحكام النكاح الذي هو حقيقة فيه شرعا فدلالتها على فساد نكاح المذكورات و ثبوت التحريم من الطرف الآخر معلومة مما سبق، و إن أريد الوطء فالوجه في دلالتها أن المراد من تحريم وطء المذكورات أنه لا يحل بسبب محلل بالعقد و إلا فالتحريم بدونه ثابت لجميع النساء، و لا ريب في أن تحريم الوطء بذلك المعنى يقتضي فساد العقد، و فساد العقد يقتضي تحريمه من طرفي الموجب و القابل معا، فيثبت المطلوب الذي هو استلزام التحريم من طرف التحريم من الطرف الآخر، نعم لزوم العقد من أحد الطرفين لا يستلزم لزومه من الآخر لأن اللزوم معناه امتناع الفسخ، و لا ريب في جواز اختصاصه بأحدهما و كون العقد من الآخر جائزا يسوغ له فسخه، كما في كل عقد ثبت فيه الخيار من أحد الجانبين، فإنه لازم من جانب الآخر كما صرح به الأصحاب و دلت عليه النصوص (1)فما قيل أو عساه يقال: إن العقد اللازم إنما يلزم من الطرفين لأن جوازه من أحدهما مناف للزوم العقد واضح الضعف، و الله العالم.

[فروع ثلاثة]
اشاره

فروع ثلاثة

[الفرع الأول النسب يثبت مع النكاح الصحيح]

الأول النسب يثبت مع النكاح الصحيح في نفس الأمر، و المراد به هنا على ما ذكره غير واحد الوطء المستحق في نفس الأمر بأصل الشرع و إن حرم بالعارض لصوم أو حيض أو اعتكاف أو إحرام أو غير ذلك مما يجتمع تحريمه مع الزوجية أو الملك فيدخل حينئذ فيه وطء الجاهل بالاستحقاق، كمن وطأ


1- 1 الوسائل الباب- 3 و 4- من أبواب الخيار من كتاب التجارة.

ج 29، ص: 244

حليلته باعتقاد أنها أجنبية، لعدم علمه بالسبب، كما زوجه الوكيل أو الولي و لم يعلم به، أو لظنه الوقوع على وجه فاسد، كما لو زوجه الفضولي و توهم فساده، فان ذلك لا يقدح في كون الوطء صحيحا و إن أثم بإقدامه عليه معتقدا تحريمه، و إنما فسرنا النكاح بالوطء دون العقد، ليدخل فيه ملك اليمين و التحليل على قول جماعة، فان النسب يثبت بهما إجماعا مع انتفاء العقد فيهما، و حمله

على ما يعمهما و العقد مجازا لا يصح مع وصفه بالصحة، لأن الملك لا يتصف بها، و إرادة سبب الملك مع ما فيه من العبد و المخالفة لما هو المعهود من الاستناد الى الملك نفسه إنما يصح معها الوصف في السبب الاختياري، كالبيع دون القهري، كالإرث الذي لا يجري فيه التقسيم الى الصحيح و الفاسد كما لا يجري في أصل الملك.

و على كل حال ففي مصابيح العلامة الطباطبائي المراد من صحة الوطء كونه مستحقا بأصل الشرع، كما هو مقتضى التفسير المزبور، فان تعريف المشتق بالمشتق يكون في الأكثر تعريفا لمبدإ الاشتقاق بمبدإ الاشتقاق، إذ القصد في التعريفات الى بيان المفهوم غالبا دون المصداق، و ليس المراد من الصحة ها هنا المعنى المعروف المقابل للفساد، ضرورة كون وطء الشبهة صحيحا بهذا المعنى قطعا، فلا يصح جعله مقابلا للنكاح الصحيح في المتن و غيره إلا مع تقييده بالمستجمع للشرائط، و هو تكلف مستغنى عنه، و مع ذلك فهو خلاف المعهود في الحدود من إرادة المفهوم فيها و في المحدود، لأن تعريف النكاح الصحيح بالوطء المستحق يكون على هذا التقدير من قبيل تعريف أحد المتلازمين في الصدق بالآخر، كتعريف المتكلم بالكاتب قصدا الى بيان المصداق دون المفهوم، و حينئذ فلا يتوقف العلم بالنسب على العلم بكون الوطء صحيحا، بل على العلم بكونه فردا للوطء المستحق، و على تقديره فالعلم بالصحة لا يتوقف على العلم بثبوت النسب، فلا دور، و الله العالم.

و كذا يثبت النسب مع الشبهة إجماعا بقسميه، إنما الكلام في المراد به، فقد يقال: إنه الوطء الذي ليس بمستحق في نفس الأمر مع اعتقاد فاعله الاستحقاق أو صدوره عنه بجهالة مغتفرة في الشرع أو مع ارتفاع التكليف

ج 29، ص: 245

بسبب غير محرم، و المراد بالجهالة المغتفرة أن لا يعلم الاستحقاق، و يكون النكاح مع ذلك جائزا كاشتباه المحرم من النساء في غير المحصور بما يحل منهن، و التعويل على إخبار المرأة بعدم الزوج أو بانقضاء العدة أو على شهادة العدلين بطلاق الزوج أو موته أو غير ذلك من الصور التي لا يقدح فيها احتمال عدم الاستحقاق شرعا و إن كان قريبا، فالوطء في التعريف بمنزلة الجنس يدخل فيه الوطء بالشبهة و غيره، و بالقيد الأول أعني نفي الاستحقاق يخرج النكاح الصحيح، فإنه الوطء المستحق كما عرفت، و بالثاني يخرج ما عدا ذلك مما هو خارج عن الوطء بالشبهة، و هو أقسام:

الأول وطء المكلف العالم بعدم الاستحقاق، و هو الزنا الذي لا شبهة فيه.

و الثاني وطء الجاهل الذي ليس بمعذور في جهالته و إن ظن الاستحقاق إذا كان ظنه مما لا يجوز التعويل عليه، كما إذا تزوج المفقود زوجها من دون فحص و لا رفع الى الحاكم، و لكن ظن وفاته لطول المدة أو تعويلا على إخبار من لا يوثق به، أو شهادة العدل الواحد، أو تزوج امرأة في عدتها مع جهله بأنها كم هي، أو تزوج امرأة اشتبه عليه أمرها لشبهة رضاع أو مصاهرة أو غيرهما من أسباب التحريم من دون اجتهاد أو تقليد، الى غير ذلك من الصور التي يجب فيها الفحص و السؤال، و لا يعذر فيها الجاهل بالحال، فان الظاهر أن ذلك كله زنا لا يثبت معه النسب شرعا إلا إذا اعتقد جواز النكاح في تلك الصور لشبهة محتملة في حقه، فإنه حينئذ يكون وطء شبهة، و يصدق عليه حده نظرا الى اعتقاده الاستحقاق، لا لأن جهالته مغتفرة في الشرع، و الأصل في ذلك أن الفروج لا تستباح إلا بسبب شرعي، فما لم يتحقق فيه السبب المبيح فهو وطء محرم داخل في الزنا، و من المعلوم أن الشارع لم يبح الوطء بمجرد الاحتمال أو الظن، و إنما أباحه بشرط العلم بالاستحقاق، أو حصول ما جعله أمارة للحل، فبدونهما لا يكون الوطء إلا زنا.

و يدل عليه أيضا ما رواه

الكليني و الشيخ عن الحسن بن محبوب السراد عن أبي أيوب الخزاز عن يزيد الكناسي (1)قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت.


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا الحديث 3 من كتاب الحدود و فيه « سألت أبا عبد الله عليه السلام».

ج 29، ص: 246

في عدتها قال: إن كانت تزوجت في عدة طلاق لزوجها عليها الرجعة فإن عليها الرجم، و إن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها عليها الرجعة

فان عليها حد الزاني غير المحصن، و إن كانت تزوجت في عدة بعد موت زوجها من قبل انقضاء الأربعة أشهر و العشرة أيام فلا رجم عليها، و عليها ضرب مأة جلدة، قلت: أرايت إن كان ذلك بجهالة؟ قال:

فقال: ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا و هي تعلم أن عليها عدة في طلاق أو موت، و لقد كن نساء الجاهلية يعرفن ذلك، قلت: فان كانت تعلم أن عليها عدة و لا تدري كم هي، قال: فقال: إذا علمت أن عليها عدة لزمته الحجة، فتسأل حتى تعلم».

وصحيح أبي عبيدة الحذاء(1)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن امرأة تزوجت رجلا و لها زوج، قال: فقال: إن كان زوجها الأول مقيما معها في المصر الذي هي فيه تصل اليه أو يصل إليها فإن عليها ما على الزاني المحصن: الرجم قال: و إن كان زوجها الأول غائبا عنها أو مقيما معها في المصر لا يصل إليها و لا تصل إليه فإن عليها ما على الزاني غير المحصن، و لا لعان بينهما و لا تفريق- الى أن قال-: قلت: فان كانت جاهلة بما صنعت، قال: فقال: أ ليس هي في دار الهجرة؟ قلت: بلى، قال: فما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلا و هي تعلم أن امرأة المسلم لا يحل لها أن تتزوج زوجين، قال: و لو أن المرأة إذا فجرت قالت لم أدر أو جهلت أن الذي فعلت حرام و لم يقم عليها الحد إذا لتعطلت الحدود».

و الثالث وطء من ارتفع عنه التكليف بسبب محرم كالسكر، فان المشهور إن وطء السكران

بشرب خمر و نحوه زنا يثبت به الحد و ينتفى معه النسب كما عن الشيخين و غيرهما التصريح به، بل قيل: لم نقف على مخالف في ثبوت الحد سوى العلامة في التحرير، فنفاه عنه، و لكنه في غيره وافق المشهور، و لا ينافي ذلك عدم علمه بالتحريم حال سكره و إن اشترطناه في أصل ثبوت الحد، لكن من المعلوم


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا الحديث 1 من كتاب الحدود.

ج 29، ص: 247

أن ذلك لا يزيد على اشتراط التكليف المتحقق في الفرض، باعتبار أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، و ليس هو شرطا زائدا على اشتراط التكليف كي يتجه ارتفاع الحد بارتفاعه، و لا يخفى على من أحاط بالنصوص (1)الواردة في تحريم الخمر و كل مسكر أنها ظاهرة أو صريحة في أن السكران في أفعاله بمنزلة الصاحي في أفعاله، فيترتب ما يترتب عليه من قود و حد و نفي ولد و غير ذلك، و هو معن

ى قولهم (2)عليهم السلام: «إن الخمر رأس كل إثم»

و عدم توجيه الخطاب اليه باعتبار ارتفاع قابليته لذلك لا ينافي ترتب الأحكام و لو للخطاب السابق على حال السكر، كما هو واضح لا يحتاج إلى إطناب.

فتحصل من ذلك أن وطء الشبهة ثلاثة أقسام: (الأول) الوطء الذي ليس بمستحق مع اعتقاد

فاعله الاستحقاق، لجهل بالموضوع أو جهل بالحكم الشرعي على وجه يعذر فيه. (الثاني) الوطء الذي ليس بمستحق مع عدم اعتقاد فاعله الاستحقاق، إلا أن النكاح معه جائز شرعا، كالمشتبه بغير المحصور، و التعويل على إخبار المرأة.

(الثالث) الوطء الغير المستحق، و لكن صدر ممن هو غير مكلف، كالنائم و المجنون و السكران بسبب محلل و نحوهم، و ما عدا ذلك و النكاح الصحيح الذي قد عرفت كله زنا، هذا.

و لكن قد يشكل أولا بخروج المكروه اللهم إلا أن يتكلف دخوله في الثالث بإرادة ارتفاع التكليف بالحرمة، و ثانيا بخروج التكون من مائه بمساحقة أو غيرها مما هو ملحق به شرعا، و قد يدفع بكون المراد هنا ثبوت النسب من حيث الوطء، و ثالثا بأن ظاهر عبارات الأصحاب يقتضي تحقق الشبهة بمجرد الظن و إن لم يكن من الظنون المعتبرة شرعا، بل حصولها مع احتمال الاستحقاق مطلقا و لو مع الشك أو ظن الخلاف، فإنهم أطلقوا القول بلحوق الولد فيما إذا تزوج امرأة بظن أنها


1- 1 الوسائل الباب- 9 و 15- من أبواب الأشربة المحرمة كتاب الأطعمة و الأشربة.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الأشربة المحرمة الحديث 4 و 7 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 29، ص: 248

خالية فوطأها ثم بانت محصنة، و كذا فيما لو وطأ أجنبية بظن أنها زوجته أو أمته، و في غير ذلك من المسائل المفروضة في كلامهم، و لم يقيدوا الظن في شي ء منها بكونه معتبرا في الشرع، و لو لا تحقق الشبهة بمطلق الظن لوجب تقييده به و لم يجز إطلاقه.

و أيضا قد عرفت كثير منهم الشبهة على ما قيل بأنه الوطء الذي ليس بمستحق مع ظن الاستحقاق، و لو كان تحقق الشبهة موقوفا على حصول الظن المعتبر لم يصح التحديد بمطلق الظن، لعدم طرد التعريف على ذلك التقدير، و حمله على خصوص الظن المعتبر تجوز لا يرتكب مثله في الحدود المبنية على إرادة الظواهر.

بل في المسالك تعريفها بالوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بالتحريم، و هو يقتضي حصولها بمجرد الاحتمال و إن كان مساويا أو مرجوحا فكيف بالاحتمال الراجح.

قال الشيخ في المحكي عن نهايته: «و إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبرت بطلاق زوجها و اعتدت و تزوجت و رزقت أولادا ثم جاء زوجها الأول و أنكر الطلاق و علم أن شهادة من شهد بالطلاق شهادة زور فرق بينها و بين الزوج الأخير، ثم تعتد منه و ترجع إلى الأول بالعقد المتقدم، و يكون الأولاد للزوج الأخير».

و في محكي الخلاف «إذا وجد الرجل امرأة على فراشه فظنها امرأته فوطأها لم يكن عليه الحد، و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: عليه الحد، و قد روى ذلك (1)أصحابنا، دليلنا الأصل براءة الذمة، و شغلها يحتاج الى دليل».

و عن ابن إدريس «و إذا نعي الرجل الى امرأة أو أخبرت بطلاق زوجها لها فاعتدت و تزوجت و رزقت أولادا ثم جاء زوجها الأول- إلى آخر ما سمعته من الشيخ و زاد- من وطأ جارية من المغنم قبل أن يقسم و ادعى الشبهة في ذلك

فإنه يدرأ عنه الحد، للخبر(2)المجمع عليه و قد روى (3)أنها تقوم عليه، و يسقط من قيمتها بمقدار ما يصيبه، منها و الباقي بين المسلمين، و يقام عليه الحد، و يدرأ


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا الحديث 11 من كتاب الحدود.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث 6 من كتاب الحدود.

ج 29، ص: 249

عنه بمقدار ما كان له فيها، و الأولى ما ذكرناه، لأن الاشتباه في ذلك حاصل بلا خلاف، و أيضا فإنه يظن أن سهمه أكثر منها و من قيمتها».

و قال في المتن فيما يأتي: «الوطء بالشبهة يلحق به النسب فلو اشتبهت عليه أجنبية فظنها زوجته أو أمته لحق به الولد، و كذا لو وطأ أمة غيره لشبهة لكن في الأمة يلزمه قيمة الولد يوم سقط حيا، لأنه وقت الحيلولة، و لو تزوج امرأة بظن أنها خالية لظنها موت الزوج أو طلاقه فبان أنه لم يمت و لم يطلق ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، و اختص الثاني بالأولاد مع الشرائط، سواء استندت في ذلك الى حكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر».

و قال في النافع: «و لو تزوج امرأة لظنه خلوها فبانت محصنة ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، و كانت الأولاد للواطي مع الشرائط».

و في محكي التحرير: «الوطء بالشبهة يلحق به النسب كالصحيح، فلو اشتبهت عليه أجنبية

فظنها زوجته أو مملوكته فوطأها و جاءت منه بولد لحق به- و قال-:

لو ظن خلو الامرأة من زوج و ظنت هي موت زوجها أو طلاقه فتزوجها ثم بان حياته و كذب المخبر بالطلاق ردت على الأول بعد الاعتداد من الثاني، و لو حبلت من الثاني لحق به الولد مع الشرائط، سواء كانت استندت في الموت أو الطلاق إلى حكم حاكم أو شهادة شاهدين أو إخبار واحد».

و في القواعد: «وطء الشبهة كالصحيح في إلحاق النسب، فلو ظن أجنبية زوجته أو جاريته فوطأها فالولد له، و لو تزوج امرأة ظنها خالية و ظنت موت زوجها أو طلاقه ثم بان الخلاف ردت على الأول بعد العدة من الثاني، و الأولاد للثاني إن جمعت الشرائط سواء استندت إلى حكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر» الى غير ذلك من العبارات الخالية عن تقييد الظن بكونه معتبرا و بما إذا اعتقد جواز العمل به شرعا.

بل النصوص أيضا كذلك

قال أبو جعفر عليه السلام في الموثق و غيره عن زرارة(1): «إذا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ج 29، ص: 250

نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها أنه طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الأول بعد فإن

الأول أحق بها من هذا الأخير، دخل بها أو لم يدخل، و لها من الأخير المهر بما استحل من فرجها»

و في الحسن و غيره عن محمد بن قيس (1)قال: «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل حسب أهله أنه قد مات أو قلت فنكحت امرأته و تزوجت سريته فولدت كل واحدة منهما من زوجها، فجاء زوجها الأول و مولى السرية، قال: فقال: يأخذ امرأته فهو أحق بها، و يأخذ سريته و ولدها، أو يأخذ عوضا من ثمنه»

و في الصحيح عن محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن رجلين شهدا على رجل غابت عنه امرأته أنه طلقها، فاعتدت المرأة و تزوجت، ثم إن الزوج الغائب قدم فزعم أنه لم يطلقها و أكذب نفسه أحد الشاهدين، فقال:

لا سبيل للأخير عليها، و يؤخذ الصداق من الذي شهد و رجع، فيرد على الأخير، و الأول أملك بها، و تعتد من الأخير، و لا يقربها الأول حتى تقضي عدتها»

و في الموثق عن أبى بصير و غيره (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «إنه قال في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها مات أو طلقها، فتزوجت، ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق، قال: يضربان الحد، و يضمنان الصداق للزوج مما غراه، ثم تعتد و ترجع إلى الأول»

وخبر أبي بصير(4)عن أبى عبد الله عليه السلام «إن عليا عليه السلام قضى في الرجل تزوج امرأة لها زوج فرجم المرأة و ضرب الرجل الحد، و قال: لو علمت أنك علمت لفضخت رأسك بالحجارة»

والمروي عن تفسير علي بن إبراهيم (5)و غيره «إن


1- 1 الوسائل الباب- 37- من أبواب العدد الحديث 3 من كتاب الطلاق و فيه « يأخذ رضا من ثمنه» الا أن الموجود في الكافي ج 6 ص 150 كالجواهر.
2- 2 الوسائل الباب- 37- من أبواب العدد الحديث 2 من كتاب الطلاق و فيه « على رجل غائب عنه امرأته».
3- 3 الوسائل الباب- 37- من أبواب العدد الحديث 5 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل الباب- 37- من أبواب حد الزنا الحديث 7 من كتاب الحدود.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب حد الزنا الحديث 17 و 16 من كتاب الحدود.

ج 29، ص: 251

عمر بن الخطاب أتى بستة نفر أخذوا في الزنا، فأمر أن يقام على كل منهم الحد، و كان أمير المؤمنين عليه السلام حاضرا فقال: يا عمر ليس هذا حكمهم، قال: فأقم أنت الحد عليهم، فقدم واحدا منهم فضرب عنقه، و قدم الثاني فرجمه، و قدم الثالث فضربه الحد، و قدم الرابع فضربه نصف الحد، و قدم الخامس فعزره، و أطلق السادس، فتحير عمر و تعجب الناس من فعله، فقال له عمر: يا أبا الحسن ستة نفر في قضية واحدة أقمت عليهم ستة حدود و ليس يشبه شي ء منها الآخر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما الأول فكان ذميا فخرج عن ذمته لم يكن له حد إلا السيف، و أما الثاني فرجل محصن كان حده الرجم، و أما الثالث فغير محصن حده الجلد، و أما الرابع فعبد ضربناه نصف الحد، و أما الخامس فكان من الفعل بالشبهة فعزرناه و أدبناه، و أما

السادس فمجنون مغلوب على عقله سقط عنه التكليف»

وخبر السكوني (1)عن جعفر عليه السلام عن أبيه «إن عليا عليه السلام اتى برجل تزوج امرأة على خالتها فجلده و فرق بينهما»

و خبر الخنثى (2)التي ألحقها أمير المؤمنين عليه السلام بالرجل بعد اعترافها و زوجها بأنها ولدت و أولدت، ثم

قال له أمير المؤمنين عليه السلام:

«إنك لأجرأ من راكب الأسد» أو قال: «من خاصي الأسد»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب باعتبار حكم الشبهة من الاعتداد و إثبات المهر و إلحاق الأولاد من دون سؤال عن كون ذلك كان بطريق معتبر أولا، عالما بالاستحقاق أولا، أو كان الشاهدان معتبرين أولا، و باعتبار إثبات التعزير الذي هو ليس بحد، بل ليس هو إلا الإخلاد إلى ظن غير معتبر، و إلا لم يستحق التعزير.

فيعلم حينئذ عدم اعتبار حلية الوطء في تحقيق الشبهة، بل يتحقق مع حرمته، فالوطء مع عدم العلم بالحل و انتفاء الظن المعتبر محرم بناء على ما ذكر


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ميراث الخنثى الحديث 2 و 5 من كتاب المواريث.

ج 29، ص: 252

من أن الفروج لا تستباح بالاحتمال، لكن لم لا يجوز أن يثبت به النسب مع ظن الاستحقاق، نظرا إلى إطلاق النص و الفتوى، و أي مانع من القول بتحريم الوطء و ثبوت النسب معه إذا اقتضته الأدلة الشرعية، و لعل المناط في الزنا و انتفاء الشبهة العلم بعدم الاستحقاق مع انتفائه، و هو غير حاصل في الفرض و إن علم بتحريم الوطء عليه، بل لم نجد من اعتبر المعذورية في تحقق الشبهة قبل الشهيد الثاني، و تبعه سبطه و صاحب الكفاية، كما ستعرف، بل لعل الشبهة في المقام هي التي يدرأ بها الحد من غير فرق بينهما، و لم يعتبر أحد في تلك المعذورية.

و قد يدفع الاشكال من أصله بأنه بعد العلم بتوقف اباحة الفروج على الاذن الشرعي لا يفيدها ظن الاستحقاق، و لا احتماله إلا مع اعتباره و جواز التعويل عليه في الشرع، فبدونه كما هو المفروض ينتفي الاذن، و يثبت التحريم، فلا يكون هناك شبهة مسوغة للوطء كي يكون الوطء وطء شبهة، و من المعلوم أنه ليس نكاحا صحيحا، لأن المفروض أنه غير مستحق في نفس الأمر فيتعين أن يكون زنا، لانحصار الوطء في الأقسام الثلاثة على ما قطع به الأصحاب، و أيضا فإن تحريم الوطء مع عدم الاستحقاق يستلزم الزنا، لأنه ليس إلا الوطء المحرم الذي ليس بمستحق، و لا ريب أن الوطء المفروض كذلك، و حينئذ فإطلاق النص و الفتوى مع تسليمه يجب تقييده بالظن المعتبر و ما في حكمه أو بما إذا اعتقد الواطئ جواز الإخلاد إلى الظن الحاصل له لجهله بالحكم.

قال الشهيد في المسالك بعد نقله عن الشيخ و الأصحاب تحقق الشبهة في الوطء بظن المرأة خالية عن الزوج أو ظن موت زوجها أو طلاقه سواء استند الى حكم الحاكم أو شهادة الشهود أو إخبار مخبر: «إن الحكم المذكور لا إشكال فيه على تقدير حكم الحاكم أو شهادة شاهدين يعتمد على قولهما شرعا و إن لم يحكم حاكم، إذ ليس هناك نزاع حتى يفتقر الحكم اليه، و حينئذ فيكون ذلك شبهة مسوغة للوطء و موجبة للحاق الأولاد، و ثبوت الاعتداد بعد ظهور الفساد، لأن وطء الشبهة موجب ذلك، و أما على تقدير كون المخبر ممن لا يثبت به ذلك شرعا كالواحد فينبغي

ج 29، ص: 253

تقييده بما لو ظنا جواز التعويل على خبره جهلا منهما بالحكم، فلو علما بعدم الجواز كانا زانيين، فلا يلحق بهما الولد، و لا عدة عليها منه، و لو جهل أحدهما ثبتت العدة و لحق الولد به دون الآخر» و في التحرير صرح بالاجتزاء بخبر الواحد، و هو محمول على ما ذكرناه ليوافق القوانين الشرعية.

و قال السيد الفاضل في شرح النافع بعد إيراده عبارة المحقق المنقولة: «إنه يجب تقييد الحكم المذكور بما إذا اعتقد الزوج جواز التعويل على ذلك الظن، ليصير الوطء وطء شبهة، فلو كان الظن مما لا يجوز التعويل عليه و علما بذلك فان الوطء يكون زنا، و ينتفى الولد عن الواطئ كما هو واضح».

و قال في الكفاية: «لو تزوج امرأة لظنها خالية أو موت الزوج أو طلاقا بحكم حاكم أو شهادة شهود أو إخبار مخبر مع اعتقاد جواز التعويل على ذلك ثم بان فساد الظن ردت إلى الأول بعد الاعتداد من الثاني، و اختص الثاني بالأولاد مع الشرائط، و لو علما عدم جواز التعويل على قول المخبر بذلك كانا زانيين، فلا يلحق بهما الولد، و لا عدة عليها منه».

و قد ظهر من ذلك أن إطلاق الظن في تعريف الوطء بالشبهة و كذا عدم العلم بالتحريم ليس محمولا على ظاهره، بل هو مقيد بما يجوز معه الوطء على ما صرحوا به و اقتضته طريقتهم المعلومة في استباحة الفروج، و مثل هذا التسامح لا يخلو عنه أكثر التعريفات، سيما تعاريف أهل هذا الفن، فإنه لا يكاد يسلم شي ء منها عن المسامحة و الانتقاض بحسب الطرد و العكس، و قد اشتمل كل من التعريفين المذكورين على خلل غير ما ذكر، فان التعريف الأول يخرج عنه وطء غير المكلف كالمجنون و النائم و غيرهما، و كذا الوطء الجائز شرعا مع عدم ظن الواطئ الاستحقاق، كما لو أخبرته الامرأة الغير المأمونة بعدم البعل و انقضاء العدة، فإن الظاهر جواز التعويل على خبرها و إن لم يفد الظن، لأنها مصدقة على نفسها،

ج 29، ص: 254

كما ورد في الأخبار(1)و التعريف الثاني يدخل فيه وطء الظان بعدم الاستحقاق و إن استند الى سبب شرعي، كشهادة العدلين و الاجتهاد و

التقليد المعتبرين، فإنه يصدق معه أنه غير عالم بالتحريم، و إنما هو ظان، مع أنه لا خلاف في أنه زنا لا يثبت به النسب، و ما في القواعد- من أن الحد إنما يثبت في المحرم بالإجماع، كالخامسة و ذات البعل، دون المختلف فيه كالكتابية و المخلوقة من الزنا- يراد منه جواز استناد الواطئ مع الاختلاف الى القول بالحل، و ليس المراد منه أنه يدرأ عنه و إن علم منه خلاف ذلك، كما هو واضح.

كما أنه قد يقال: إن المراد من العلم بالتحريم الذي اعتبر انتفاؤه في التعريف الثاني للشبهة ما يعم الظن المعتبر أو العلم بالحكم الظاهري، للقطع بفساد الحد على تقدير إرادة العلم القطعي بالحكم الواقعي، و حينئذ فيخرج عن التعريف وطء المخالف الذي لم يعتقد الحل في الظاهر و إن ظن الإباحة في نفس الأمر، فإنه معلوم الحرمة، فلا يصدق عليه حد الوطء بالشبهة، بل بذلك يظهر انطباق التعريف المذكور على المدعى و أنه لا يصلح الاستناد إليه في تحقق الشبهة بمجرد الاحتمال، بل بمثله يتبين عدم صحة الاستشهاد بما دل على سقوط الحد مع الشبهة و الجهل بالحكم، فإنه إنما يصح لو أريد منها انتفاء العلم القطعي بالحكم الواقعي، و هو ممنوع بل الظاهر خلافه، لعدم صدق الشبهة و الجهالة مع العلم بتحريم النكاح شرعا، و خصوصا مع جعلهما عذرا يدرأ به الحد.

و أما حديث الخنثى فإنما يصح التأييد به لو كان إسقاط الحد عن زوجها لتجويزه كونها أنثى، و هو ممنوع إذ الظاهر أنه كان يعتقد أنه امرأة نظرا الى ظاهر الحال، حيث كان الغالب عليها مشابهة النساء دون الرجال كما يستفاد من ظاهر الرواية و تقتضيه القرائن الحالية، فإن الإقدام على تزويجها مع كون الغالب عليها مشابهة الرجال بعيد الوقوع في العادة.


1- 1 الوسائل الباب- 25- من أبواب عقد النكاح و الباب- 10- من أبواب المتعة و الباب- 24- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

ج 29، ص: 255

و أما روايات التعزير فمع عدم صراحة جميعها في وطء الشبهة و لا في أن المأتي به تعزير لأحد محمولة على التهمة في دعوى الجهالة بمظنة الزنا، أو على أن الاقدام على الوطء لظن معتبر لا يعلم الواطئ اعتباره، و لو سلم فلا نسلم امتناع التعزير مع الجهل بالحال، و خصوصا مع ظن عدم الاستحقاق، لأن الوطء في تلك الحال لا ينفك عن اجتراء على القبيح و مخالفة الاحتياط المطلوب سيما في الفروج، مع ما فيه من قطع المعاذير الباطلة و حسم مادة المعصية، و لا ريب في أنه مطلوب شرعا.

و أما فساد ما ذكر أخيرا فيعرف من ملاحظة كلام الفقهاء في الحدود، فإنه لم يشترط أحد منهم في الحد منهم في الحد العلم بعدم الاستحقاق في تحقق الزنا و انتفائه، و إنما اعتبروا فيه العلم بالتحريم، و بنوا عليه ثبوت الحد مع وجوده، و سقوطه مع انتفائه في جميع المسائل التي فرعوها على اعتبار العلم في حد الزنا، كما لا يخفى على من لاحظ عبارة المصنف و الفاضل و غيرهما هناك، هذا.

و لكن الانصاف عدم منافاة الإثم في الوطء للشبهة إذا كان منشأه التقصير في المقدمات، ضرورة كون نكاح الكفار و نحوهم جميعه من الشبهة و إن أثموا به باعتبار اختيارهم الأديان الباطلة، و كذا ظان الحلية من غيرهم، و لكن لتقصيره في عدم مباشرة أهل الشرع و الالتفات الى ما يراد منه لم يتنبه إلى حرمة العمل له بهذا الظن، فإنه لا ريب في تحقق الإثم عليه بذلك، كما أنه لا ريب في كونه من الشبهة و السكران إنما خرج بالأدلة الخاصة.

فالتحقيق حينئذ تعريف الشبهة بما ذكرناه أولا، لكن مع تعميم الاعتقاد للقطع و الظن الذي لم يتنبه صاحبه الى عدم جواز العمل به و لو لتقصير منه في المقدمات، و تعميمه أيضا للمقصر فيما اقتضاه كأهل المذاهب الفاسدة و غيره، و جميع ما نافى ذلك من عبارة أو رواية قد عرفت إمكان إرجاعه إليه، بل قد يقال بكفاية الظن بالاستحقاق في النسب و إن لم يعلم الواطئ بكفايته في الحلية بعد تنبهه للحال و تقصيره في السؤال كما هو مقتضى إطلاق ما سمعته من النص و الفتوى، لعدم كونه

ج 29، ص: 256

زنا، و أولى منه الاقدام على الشبهة المحصورة حتى مع العلم بحرمة الاقدام مع بقاء الاشتباه، ضرورة عدم تحقق الزنا بمطلق الحرمة، و خبر الكناسي و الحذاء إنما يدلان على عدم سماع دعوى الجهل بالحكم من الامرأة، لمكان كونه كالضروري، و هو غير ما نحن فيه، و كذا ما في أولهما من لزوم الحجة عليها لو علمت بالعدة و لم تدر كم هي، فإن عليها السؤال.

و بالجملة لا يتحقق الزنا بمثل هذه الحرمة، و لا أقل من الشك في ذلك، فتبقى أصالة ترتب حكم النسب على المسمى اللغوي بحاله، إذ لم يخرج منه إلا بعض الأحكام لولد الزنا المعلوم منه غير الفرد المزبور، و لعله لذا و نحوه أطلق الأصحاب كما سمعت، بل قد سمعت ما يقتضي الاكتفاء بعدم العلم بالحرمة في تحقق الشبهة، و لعله لا يخلو من قوة مع فرض جهله بالحكم الظاهري و إن كان متنبها للسؤال، لكنه أثم و أقدم، نعم لو علم اجتهادا أو تقليدا بحرمة نكاح المفقود زوجها مع الظن أو الاحتمال أمكن القول بخروجه حينئذ عن الشبهة، و بالجملة لا دليل على اعتبار المعذورية في الوطء الغير المستحق في تحقق الشبهة، بل مقتضى الدليل خلافه فتأمل.

و على كل حال فلا فرق في حكم الشبهة بين الأعمى و غيره، فما عن الشيخين و ابن البراج من عدم تصديقه لو ادعى الشبهة بظن الزوجية للأجنبية التي وطأها محمول على إرادة الفرق بين البصير و الأعمى في أصل دخول الشبهة، فإنه لما كان الاشتباه في حق الأعمى قريبا جدا وجب عليه غاية التحفظ، فلم يقبل منه دعواها، لمكان التهمة حينئذ، لا أن المراد منه أنه مع كمال التحفظ لو فرض دخول الشبهة عليه لا يجرى عليه حكم المشتبه، و لذا لم يسمع منه دعواها، ضرورة كون ذلك تخصيصا للأدلة من غير مخصص قابل لذلك، كما هو واضح.

و كيف كان ف لا يثبت النسب مع الزنا إجماعا بقسميه، بل يمكن دعوى ضروريته فضلا عن دعوى معلوميته من النصوص أو تواترها فيه

ج 29، ص: 257

فلو زنى فانخلق من مائه ولد على الجزم لم ينسب اليه شرعا على وجه يلحقه الأحكام، و كذا بالنسبة الى امه.

و لكن هل يحرم على الزاني لو كان بنتا؟ و الزانية لو كان ولدا؟

الوجه أنه يحرم، لأنه مخلوق من مائه و مائها فلا ينكح الإنسان بعضه بعضا، كما ورد في بعض (1)النصوص النافية لخلق حواء من آدم و أيضا هو يسمى ولدا لغة و الأصل عدم النقل، و مناط التحريم هنا عندنا عليها، كما اعترف به في كشف اللثام على وجه يحتمل أو يظهر منه الإجماع على ذلك، بل في المسالك أنه يظهر من جماعة من علمائنا منهم العلامة في التذكرة و ولده في الشرح و غيرهما أن التحريم إجماعي، بل الظاهر اتفاق المسلمين كافة على تحريم الولد على امه، و كأنه لازم لتحريم البنت على أبيها و إن حكي عن الشافعية عدم تحريمها عليه نظرا إلى انتفائها شرعا، لكنه كما ترى، ضرورة عدم الملازمة بين الانتفاء شرعا و الحلية بعد أن كان مناط التحريم اللغة.

بل يظهر من النصوص أن التحريم ذاتي لا مدخلية للنسب الشرعي فيه،

قال زرارة في المروي عنه (2)في محكي العلل: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدو النسل من ذرية آدم عليه السلام فان عندنا أناسا يزعمون أن الله أمر آدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه و أن أصل هذا الخلق من الإخوة و الأخوات، قال أبو عبد الله عليه السلام: سبحان الله و تعالى عن ذلك علوا كبيرا عما يقولون، من يقول هذا؟ إن الله عز و جل جعل أصل صفوة خلقه و أحبائه و أنبيائه و رسله و المؤمنين و المؤمنات من حرام، و لم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال؟ و قد أخذ ميثاقهم على الحلال و الطهر الطاهر الطيب، و الله لقد نبئت أن بعض البهائم تنكرت له أخته، فلما نزا عليها و نزل كشف له عنها و علم أنها أخته أخرج غرموله ثم قبض عليه بأسنانه ثم قلعه ثم خر ميتا»

و زاد


1- 1 البحار ج 11 ص 221 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 4.

ج 29، ص: 258

في حديث آخر(1)«ان كتب الله كلها مما جرى فيه القلم، في كلها تحريم الأخوات على الإخوة فيما حرم و أن جيلا من هذا الخلق رغبوا عن علم بيوتات الأنبياء، و أخذوا من حيث لم يؤمروا بأخذه، فصاروا الى ما قد ترون من الضلال- ثم قال-:

ما أراد من يقول هذا و شبهه إلا تقويه حجج المجوس، فما لهم قاتلهم الله»

و هو صريح فيما ذكرناه، و لذلك حكاه عن البهائم التي لا نسب شرعي بينها، فالقبح الذي لا يخفى على البهائم كيف يخفى على بني آدم إلا على من كان أسوأ منها.

مضافا الى ما فيه من نقصان الشهوة المفضي إلى اختلال أمر التناسل الذي هو الغرض الأصلي من النكاح، و إن النكاح لما كان من أعظم علل الضم و الاجتماع المطلوبين للتعاون و التشارك و التوسل الى الكمالات الكسبية للإنسان وجب أن يكونا من الغايات المقصودة منه، لأن مصالح الأفعال الحسنة غايات في طلب الحكيم العالم بها، و حيث كان الضم و الاجتماع حاصلين مع النسب اللغوي خاصة على أبلغ الوجوه و أحسنه لم يكن لعلقة السبب تأثير في حصولهما، لامتناع تحصيل الحاصل، فلا تكون العلاقة السببية مطلوبة مع وجود النسبية إلا مع ضعف تأثيرها في الاجتماع و الضم، كما في أولاد العمومة و الخؤولة، فإنه ينزل الضعف فيه منزلة العدم، و يجبر بالإذن في النكاح المقتضي للضم، كما في الأباعد.

و على كل حال فلا ينبغي التأمل في أن مدار تحريم النسبيات السبع على اللغة، و لا يلزم منه إثبات أحكام النسب في غير المقام الذي ينساق من دليله إرادة الشرعي لانتفاء ما عداه فيه، و هو قاض بعدم ترتب الأحكام عليه، لأن المنفي شرعا كالمنفي عقلا كما أومأ إليه النفي باللعان، فما في القواعد- من الإشكال في العتق أن ملك الفرع و الأصل و الشهادة على الأب و القود به و تحريم الحليلة و غيرها من توابع النسب- في غير محله، و في كشف اللثام «كالإرث و تحريم زوج البنت على أنها و الجمع بين الأختين من الزنا أو إحداهما منه و حبس الأب في دين ابنه أن منع منه- ثم قال- و الأولى


1- 1 ذكر قطعة منه في الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 5 و تمامه في البحار ج 11 ص 223 الطبع الحديث.

ج 29، ص: 259

الاحتياط فيما يتعلق بالدماء أو النكاح، و أما العتق فالأصل العدم مع الشك في السبب، بل ظهور خلافه، و أصل الشهادة القبول» قلت: لا ينبغي التأمل في أن المتجه عدم لحوق حكم النسب في غير النكاح، بل ستعرف قوة عدم جريان حكمه فيه أيضا في المصاهرات فضلا عن غير النكاح، بل قد يتوقف في جواز النظر بالنسبة الى من حرم نكاحه مما عرفت.

لكن الانصاف عدم خلو الحل من قوة بدعوى ظهور التلازم بين الحكمين هنا، خصوصا بعد ظهور اتحادهما في المناط، و من ذلك كله يظهر لك أنه لا وجه لما في المسالك من التردد في أمثال هذه المسائل، كما هو واضح.

[الفرع الثاني لو طلق زوجته فوطأت بالشبهة فإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني و لستة أشهر من وطء المطلق ألحق بالمطلق]

الثاني لو طلق زوجته فوطأت بالشبهة فإن أتت بولد لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني و لستة أشهر فما فوق إلى أقصى الحمل من وطء المطلق ألحق بالمطلق لانتفائه عن الثاني قطعا، لعدم الولادة كاملا قبل الستة أشهر، و الفرض أن الفراش منحصر فيهما، و المسلم لا يحمل على الزنا مع إمكان عدمه، و إن أتت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى الحمل من وطء الثاني و لزيادة من أقصى الحمل من وطء الأول فهو ملحق بالثاني قطعا لما عرفت.

أما لو كان الثاني له أقل من ستة أشهر و للمطلق أكثر من أقصى مدة الحمل لم يلحق بأحدهما لانتفائه عنهما شرعا و إن احتمل أن يكون منهما بأن أتت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدة الحمل من وطئهما معا استخرج بالقرعة عند الشيخ فيما حكي عن مبسوطة مؤذنا بالإجماع عليه، و حكاه في الكشف عن فخر الإسلام، لأنها لكل أمر مشكل، و هذا منه بعد اشتراك الفراش بينهما، و إن كان التكون منهما و تعارض الأصول في إلحاقه بكل منهما حتى أصالة تأخر الحادث التي هي في المقام لو قلنا بها كانت من الأصول المثبتة، و لذا قال في كشف

ج 29، ص: 260

اللثام في رد الأصل بأنه كما أن الأصل عدم التكون سابقا الأصل عدم التكون لاحقا، فالأصل بالنسبة الى كل منهما عدم النسب، لكن مع ذلك في المتن على تردد أشبهه أنه للثاني، و حكم اللبن تابع للنسب بل في المسالك نسبته إلى الأكثر، معللا له بأن فراش الأول قد زال و فراش الثاني ثابت، فهو أولى من الزائل، و لأن صدق المشتق على ما وجد فيه المعنى المشتق منه حالته أولى ممن سبق مع التعارض، للخلاف المشهور أنه مع سبقه يكون مجازا لا حقيقة، و فيه منع ثبوت الفراش للثاني بعد فرض ارتفاع الشبهة، لعدم صدقه هنا حقيقة بناء على أنها فيه بمعنى حال التلبس، بل قد يمنع أصل الفراش في الشبهة للتصريح في الصحاح و القاموس و مختصر النهاية و غيرها بأنه الزوجة، و لا ينافي ذلك لحوق الولد باعتبار احترام الوطء كما في الأمة بناء على أنها ليس فراشا كل ذلك مع احتمال القول بأن الطلاق غير مزيل حكم الفراشية و لذا يلحق به مع عدم معارضة غيره.

فالأولى الاستدلال على ذلك بالنصوص، و كأنه لم يعثر عليها، و لذا علله بما عرفت (منها)

صحيح الحلبي (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا كان للرجل منكم الجارية يطؤها فيعتقها فاعتدت و نكحت، فان وضعت لخمسة أشهر فإنه من مولاها الذي أعتقها، فإن وضعت بعد ما تزوجت لستة أشهر فإنه لزوجها الأخير».

(و منها)

المرسل عن زرارة(2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل إذا طلق امرأته ثم نكحت و قد اعتدت و وضعت لخمسة أشهر فهو للأول، و إن كان ولد أنقص من ستة أشهر فهو لامه و لأبيه الأول، و إن ولد لستة أشهر فهو للأخير»

. (و منها)

المرسل (3)عن أحدهما عليهما السلام «في المرأة تتزوج في عدتها، قال:

يفرق بينهما و تعتد عدة واحدة منهما جميعا، و إن جاءت بولد لستة أشهر أو أكثر فهو

للأخير، و إن جاءت بولد أقل من ستة أشهر فهو للأول».


1- 1 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 11.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.

ج 29، ص: 261

(و منها)

خبر أبى العباس (1)قال: «إذا جاءت بولد لستة أشهر فهو للأخير، و إن كان أقل من ستة أشهر فهو للأول»

إلا أنها غير وافية بتمام المطلوب الذي منه وطء الشبهة لا بعقد، اللهم إلا أن يدعى عدم القول بالفصل، أو يدعى أن خبر أبى العباس شامل له، أو يقال: إن الحكم فيه للأول لعدم زوال فراشه، أو تتعين فيه القرعة، كما لعله ظاهر المسالك، قال فيها: «و إنما قيد المصنف بالطلاق مع أن إلحاقه بهما ممكن بدونه، كما لو وطأ زوجته ثم وطأها آخر شبهة، فإن الأقسام تأتي فيه، إلا أنه هنا لا يتوجه الخلاف المذكور في هذه، لثبوت الفراش الملحق للنسب بهما، بخلاف صورة الفرض، فان فراش الأول قد زال بالطلاق، فكان الثاني أرجح من هذا الوجه، فيتصور الخلاف، و ظاهره القرعة».

و منه صورة الجهل بتاريخ الوطء، فان ظاهر النصوص المزبورة معلوم الإمكان، لا ما دار بينه و بين الامتناع. اللهم إلا أن يدعى كون المفهوم منها أعم من ذلك، لكنه مشكل، و لعل المتجه فيه القرعة أيضا بعد ما عرفت من فساد ما في المسالك من دعوى أصالة اللحوق بالثاني، لما عرفته من زوال فراشه، بزوال

الشبهة، نعم قد يقال بترجيح الفراش الفعلي على الزائل كما عساه الظاهر من أكثر النصوص السابقة مؤيدا ب

خبر الصيقل (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «سمعته يقول و قد سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها، قال: بئسما صنع، يستغفر الله و لا يعود، قلت: فان باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها و لم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

الولد للفراش، و للعاهر الحجر»

و المراد الأخير الذي عنده الجارية بقرينة

خبره الآخر في ذلك (3)إلا أنه قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام: الولد للذي عنده الجارية، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله: الولد للفراش و للعاهر الحجر»

و خبر سعيد الأعرج (4)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الحمل،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 29، ص: 262

قال: للذي عنده الجارية، لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الولد للفراش»

بل منها يستفاد كون الجارية فراشا، و فيه بحث يأتي في محله، و لعل المراد هنا بعد العلم بوطء المالك، و يأتي تمام البحث فيه.

أما إذا لم يكن فراش فعلي كما لو فرض اشتباه الجميع فالمتجه القرعة بعد ما عرفت من عدم جريان الأصول على وجه تفيد الإلحاق، و المرسل (1)و خبر أبي العباس (2)لا جابر لهما بالنسبة إلى الإلحاق بالأخير، بل لعل من ذلك

خبر معاوية بن عمار(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن قرع كان الولد ولده، و رد قيمة الولد على صاحب الجارية»

الخبر. و

خبر سليمان (4)عنه عليه السلام أيضا «قضى علي عليه السلام في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد، و ذلك في الجاهلية قبل أن يظهر الإسلام، فأقرع بينهم، فجعل الولد لمن قرع، و جعل عليه ثلثي الدية للآخيرين، فضحك رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم حتى بدت نواجده، و قال: لا أعلم فيها شيئا إلا ما قضى علي»

وخبر أبي بصير(5)عن أبى جعفر عليه السلام قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عليا الى اليمن، فقال له حين قدم: حدثني بأعجب ما مر عليك، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أتاني قوم تبايعوا جارية فوطؤوا أجمع في طهر واحد، فولدت غلاما،

فاحتجوا به كلهم يدعيه، فأسهمت بينهم، و جعلته للذي خرج سهمه و ضمنته نصيبهم، فقال:

النبي صلى الله عليه و آله و سلم: إنه ليس من قوم تنازعوا ثم فوضوا أمرهم الى الله إلا أخرج سهم المحق»

فتأمل جيدا.

و أما اللبن فلا ريب في تبعيته بثبوت النسب و إن حكي التردد فيه في وطء الشبهة عن ابن إدريس، لكنه في غير محله، ضرورة اندراجه في نحو


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.

ج 29، ص: 263

«أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ»(1)بعد فرض تحقق النسب بوطء الشبهة، كما هو واضح.

[الفرع الثالث لو أنكر الولد و لاعن انتفى عن صاحب الفراش]

الفرع الثالث لو أنكر الولد و لاعن انتفى عن صاحب الفراش بلا خلاف و لا إشكال، و كان اللبن تابعا، فلا ينشر حرمة بالنسبة اليه و إن نشر بالنسبة إلى الامرأة، للحكم به بوطء صحيح بالنسبة إليها بخلافه، و حينئذ يكون كلبن الشبهة من طرف المرأة الذي ستعرف الكلام فيه إنشاء الله، و إن كان قد يشكل بعدم الفحل شرعا، فيكون كلبن الدر، و قد يدفع بأنه ليس كذلك في حقها بخلاف الملاعن نفسه.

نعم يحرم الولد عليه إن كان بنتا مع الدخول بالأم، لكونها ربيبته حينئذ، أما إذا لم يكن

قد دخل فلعل المتجه عدم الحرمة، للعمومات بعد أن قطع الشارع نسبه عنها باللعان، و ما يقال: إنه غير منتفية عنه قطعا، بدليل أنه لو أقر بها بعد اللعان ورثته، يدفعه أن ذلك غير كاف في التحريم، فان البنت المجهولة النسب التي يمكن تولدها عنه لو ادعى كونها بنته قبل مع أنها لا تحرم عليه قبل ذلك.

و كيف كان ف لو أقر به بعد ذلك اللعان عاد نسبه إليه بمعنى أنه يرثه الولد و إن كان هو لا يرث الولد بل يقوى في النظر أن ذلك لعدم عود النسب بإقراره، لا أنه يعود به و عدم الإرث عقوبة، ضرورة عموم ما دل على انقطاع النسب باللعان، و الإرث منه مؤاخذة له بإقراره لا ينافيه، فيبقى حينئذ حكم انقطاع النسب بالنسبة الى غير ذلك، فيقتص منه بقتله، و يحبس في دينه، و يقطع بالسرقة من ماله، و تقبل شهادته عليه، و غير ذلك من أحكام الأجانب، بل لا يعود حكم اللبن إلا بالنسبة إليه خاصة مؤاخذة له بالإقرار، و ربما احتمل عوده مطلقا، و لكنه واضح الضعف، و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في محله.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 264

[السبب الثاني الرضاع]
اشاره

السبب الثاني من أسباب التحريم الرضاع كتابا(1)و سنة متواترة(2)و إجماعا و ضرورة من المذهب أو الدين و لكن النظر في شروطه و أحكامه

[أما شروطه]
اشاره

إذ لا ريب في أن انتشار الحرمة بالرضاع يتوقف على شروط:

[الشرط الأول أن يكون اللبن عن نكاح]

الأول أن يكون اللبن عن نكاح أى وطء بعقد صحيح أو ملك يمين فلو در من الامرأة من دون نكاح فضلا عن غيرها من الذكر و البهيمة لم ينشر حرمة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، للأصل و

الموثق (3)«عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية أو غلاما بذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا»

والخبر(4)«عن امرأة در لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكرانا و إناثا أ يحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ قال: لا»

و بهما مع الإجماع يخص العام و يقيد المطلق لو سلم شمولهما المثل الفرض، بل ظاهرهما عدم النشر به بعد الولادة و إن كانت منكوحة، بل و أن كانت حاملا، كما هو مجمع عليه في الأولى و الأشهر في الثانية، بل عن الخلاف و الغنية و السرائر الإجماع عليه.

بل ربما استدل عليه بظاهر

صحيح ابن سنان (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل، فقال: هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

ج 29، ص: 265

أخرى فهو حرام»

بل

في خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا «عن لبن الفحل، فقال ما أرضعت امرأتك من لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام»

بتقريب عدم صدق لبن الولد على الحمل، لكن قد يقال: إنه و إن كان في تعريف لبن الفحل إلا أنه لم يسبق لبيان ذلك، و لا لإرادة القيدية في جميع ما ذكره، ضرورة عدم انحصاره في ذلك، فالعمدة حينئذ ما سمعت، خلافا للقواعد و المسالك و الروضة و ظاهر عبارة المصنف الآتية، للإطلاق الواجب تقييده بما عرفت لو سلم شموله للفرض و عدم انسباق الولادة من الرضاع فيها، لتعارفه كما عساه يومئ اليه إرادته من لفظ الرضاع في الخبرين السابقين.

نعم هل يعتبر في الولادة كونها في محل يعيش الولد أو بعد ولوج الروح فيه أو لا يعتبر شي ء من ذلك، بل يكفي مطلق الوضع له و إن قلت أيامه ما لم يعرف كونه درا؟ لم أجد لهم نصا في ذلك، و لا ريب في أن الأخير أحوط إن لم يكن أقوى، للإطلاق الذي لا يعارضه عموم الحل بعد أن كان موضوعه ما وراء المحرمات.

بقي شي ء، و هو أن ظاهر المصنف و غيره اعتبار الوطء في ترتب حكم الرضاع، و مقتضاه حينئذ عدم العبرة بمن حملت امرأته من مائه السابق الى فرجها من دون دخول ثم ولدت، و لكن فيه أنه مناف لإطلاق الأدلة الذي لا يقدح فيه ندرة اتفاق ذلك، فالأولى جعل المدار على تكون الولد من مائه على وجه ينسب اليه الولد الذي يتبعه اللبن حتى في نكاح الشبهة الذي ستعرف كونه بحكم النكاح الصحيح بالنسبة الى ذلك، و لعل تعبير الأصحاب بالوطء باعتبار الغلبة، لا أن المراد اشتراط ذلك على وجه يخرج به ما عرفت و إن كان ربما حكي عن ثاني الشهيدين التصريح باعتبار الدخول، و لكن فيه ما عرفت، و الله العالم.

و كذا لا ينشر لو كان عن وطء زنا و لو مع الولادة إجماعا و ذكره في الكافي ج 5 ص 440.


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

ج 29، ص: 266

بقسميه و هو الحجة بعد ما

في الدعائم عنه أي علي عليه السلام (1)إنه قال: «لبن الحرام لا يحرم الحلال، و مثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثم أرضعت بلبن فجور قال:

و من أرضع من فجور بلبن صبية لم يحرم نكاحها، لأن اللبن الحرام لا يحرم الحلال»

و بعد ظهور الأدلة في غيره، خصوصا بعد ما عرفت من عدم تحقق النسب المقتضي لكون اللبن من غير فحل شرعي، فما عن ابن الجنيد- من

أنها لو أرضعت بلبن حمل من زنا حرمت و أهلها على المرتضع، و كان تجنبه أهل الزاني أحوط و أولى- في غير محله، سيما فرقه بين الزاني و الزانية.

نعم في نكاح الشبهة تردد كما هو ظاهر من السرائر أشبهه تنزيله على النكاح أى الوطء بالعقد الصحيح وفاقا للأكثر، بل لم نجد فيه خلافا محققا، فان ظاهر المحكي عن الحلي التردد، و لعله للأصل و منع العموم في الرضاع المطلق في الآية(2)و الأخبار(3)المنصرف الى غير الشبهة، لندرتها و اختصاص الملحق لها بالنسب من الإجماع بغير محل الخلاف، و لا نص عام يدل عليه، مضافا الى مفهوم الصحيح (4)السابق الذي عرفت عدم كونه مساقا لإرادة القيدية كمنع دعوى الانصراف المزبور الذي لا ينافيه ندرة وقوع الشبهة، فلا ريب حينئذ في اللحوق بالصحيح، للعمومات المؤيدة بما يحصل من استقراء مشاركته للصحيح في لحوق الأولاد به و الاعتداد و المهر و نحو ذلك من الظن، لتنزيله منزلته إلا ما خرج، و إن كنا لم نعثر في النصوص على تشبيهه به أو تنزيله منزلته أو حمله عليه، اللهم إلا أن يقال: إن من الشبهة ما

ورد فيه (5)«لكل قوم نكاح»

و المراد منه أن ما بأيديهم من العقود الفاسدة لها حكم النكاح، لا أن المراد منه أنه نكاح حقيقة، ضرورة


1- 1 المستدرك الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 23.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 83- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 29، ص: 267

معلومية بطلان نكاح الأم و الأخت.

هذا كله في الشبهة من الطرفين، و إلا ففي الروضة ثبت الحكم في حق من ثبت له النسب، و هو إن تم إجماعا فذاك، و إلا أمكن التوقيف، سيما فيما إذا كان الزاني الزوج لبعض ما سمعته في الزنا من عدم الفحل شرعا و غيره.

و كيف كان فلا ريب في اعتبار العلم بالامرأة في الحرمة، فلو ارتضع من خنثى مشكل و إن كان قد وطئت بالشبهة لم ينشر حرمة، لتخصيص عمومات الرضاع بما ذكرناه، فإنه لا يكاد يشك من لحظ النصوص، خصوصا نحو

قول الباقر عليه السلام (1):

«لا يحرم من رضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة»

و نحوه مما كان ظاهره إرادة القيدية من جميع ما يذكر فيه ظهورها في اعتبار الأنوثة، لا أن الخارج الذكر خاصة كما يشهد له أيضا ما عساه يظهر من بعضهم من دعوى الوفاق على عدم النشر بالرضاع منها.

نعم لا يعتبر في النشر بقاء الامرأة في حبال الرجل قطعا و إجماعا ف لو طلق الزوج و هي حامل منه ثم وضعت بعد ذلك أو أرضعت و هي حامل بناء على كونه كالولادة أو طلقها و هي مرضع أو مات عنها كذلك فأرضعت ولدا نشر هذا الرضاع الحرمة كما لو كانت في حباله بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في

المسالك و غيرها أنه لا فرق بين أن يرتضع في العدة و لا بعدها، و لا بين طول المدة و قصرها، و لا بين أن ينقطع اللبن ثم يعود و عدمه، لأنه لم يحدث ما يحال اللبن عليه، فهو على استمراره منسوب اليه، لكن إن شرطنا كون الرضاع و ولد المرضعة في الحولين اعتبر كون الرضاع قبلهما من حين الولادة، و إلا فلا.

و كذا لو تزوجت و دخل بها الزوج الثاني و لم تحمل منه، بل و إن حملت منه مع كون اللبن بحاله لم ينقطع و لم تحدث فيه زيادة، فإنه للأول أيضا بلا خلاف أجده فيه، كما عن التذكرة الاعتراف به، للأصل الذي مقتضاه ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 268

أيضا حتى مع زيادته الممكنة كونه للثاني، و عن التذكرة القطع به أيضا، بل لم أجد فيه خلافا عندنا، يحكي عن الشافعي في أحد قوليه أنه إن زاد بعد أربعين يوما من الحمل الثاني فهو لهما عملا بالظاهر من أن الزيادة بسبب الحمل الثاني، فيكون اللبن للزوجين، و في المسالك «و هذا قول موجه على القول بالاكتفاء بالحمل و إن كان العمل على الأول» قلت: هو فيها ممن اكتفى بالحمل، و حينئذ فالذي ينبغي له العمل عليه لا على الأول.

أما لو انقطع اللبن انقطاعا بينا ثم عاد في وقت يمكن أن يكون لل حمل من ال ثاني و ربما حدد بمضي أربعين يوما من انقطاعه الى عوده حينئذ كان اللبن له دون الأول بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل في المسالك نسبته الى قطع المصنف و الأصحاب، نعم عن الشافعي قول إنه للأول ما لم تلد من الثاني مطلقا، لأن الحمل لا يقتضي اللبن، و إنما يخلقه الله للولد عند خروجه لحاجته اليه، و هو غذاء الولد لا غذاء الحمل الذي يتغذى بدم الحيض، و قول آخر إنه يكون لهما مع انتهائه إلى حال ينزل معه اللبن، و أقله أربعون يوما، لأن اللبن كان للأول، فلما عاد بحدوث الحمل فالظاهر أنه رجع بسبب الحمل للثاني فكان مضافا إليهما، كما لو لم ينقطع، و أما أصحابنا فقد عرفت اتفاقهم على كونه للثاني.

نعم لو اتصل اللبن و لم ينقطع اللبن حتى تضع الحمل من الثاني كان ما قبل الوضع للأول زاد عما قبل الحمل أولا، لأن الأصل عدم الحدوث من الثاني، و كما يزيد بالحمل يزيد بدونه، و ما بعد الوضع للثاني خاصة إجماعا من الكل كما عن التذكرة، سواء زاد أم لم يزد انقطع أم اتصل، لأن لبن الأول انقطع بولادة الثاني، فإن حاجة المولود الى اللبن يمنع كونه لغيره، و في كشف اللثام نسبته إلى إجماع أهل العلم، لأن الولادة أقوى من أصالة استمرار اللبن، هذا حاصل ما عند من وقفنا عليه من الأصحاب. و لكن لا يخفى عليك إشكاله في كثير من أفراده، ضرورة عدم مدخلية للعقل في ذلك، و لا دليل شرعي

ج 29، ص: 269

قاطع للعذر يؤخذ به، و لعله لذا قال في كشف اللثام في الأول الذي لا خلاف فيه عندهم و لم يتجدد فيه سبب غير السبب الأول، بعد أن حكى عن التذكرة تعميمه بما ذكرنا: فيه تأمل، إذ ربما طال حتى علم أنه در بنفسه لا من الأول، و نحوه يجري في غيره من الأفراد، و دعوى أن العرف كاف في تحقيق هذه النسبة جيدة إن تمت على وفق ما ذكروه، ضرورة إمكان دعوى كون اللبن لهما فيه في بعض الأفراد، و حينئذ يمكن أن يكون حكمه نشر الحرمة بالنسبة إليهما معا، لإطلاق أدلة الرضاع و عدمه مطلقا بظهور اعتبار وحدة اللبن، و إلا كان كمن ارتضع من لبن في أثناء كل رضعة من لبن آخر، و لعل هذا أقوى، و كيف كان فالمدار على صدق نسبة اللبن و إجراء الحكم عليه، و الله العالم.

[الشرط الثاني الكمية]

الشرط الثاني الكمية إذ لا يكفي في التحريم مسمى الرضاع إجماعا بقسميه، و نصوصا(1)مستفيضة أو متواترة، بل و لا الرضعة الكاملة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في محكي الخلاف و نهج الحق و عدة مواضع من التذكرة، للنصوص (2)المستفيضة أو المتواترة الواردة في التحديد بغيرها، بل صرح جملة منها بعدم الاعتداد بالرضعة و الرضعتين كما ستعرف.

فما عن كثير من العامة- كأبي حنيفة و أصحابه و مالك و الأوزاعي و الثوري و البلخي و الليث بن سعد من التحريم بمطلق الرضاع و إن قل راوين ذلك عن علي عليه السلام و ابن عباس و ابن عمر- معلوم البطلان، و من الغريب دعوى الليث منهم إجماع أهل العلم على نشر

الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم، مع أن المحكي عن الأكثر منهم موافقتنا.


1- 1 الوسائل الباب- 2 و 3 و 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- 2 الوسائل الباب- 2 و 3 و 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 270

و أغرب منه ما عن الشيخ في التبيان و ابن إدريس في السرائر من حكاية ذلك عن بعض أصحابنا و لم نعرفه، نعم

عن المصري في دعائم الإسلام إنه روي (1)عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: «يحرم من الرضاع كثيره و قليله حتى المصة الواحدة»

ثم قال و هذا قول بين صوابه لمن تدبره و وفق لفهمه، لأن الله تعالى شأنه يقول (2)«وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ» و الرضاع يقع على القليل و الكثير، و عن ابن الجنيد إنه قال: قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعا في قدر الرضاع المحرم، إلا أن الذي أوجبه الفقه عندي و احتاط المرء لنفسه أن كلما وقع عليه اسم رضعة و هو ملأه بطن الصبي إما بالمص أو الوجور محرم للنكاح، إلا أنه قد استقر المذهب على خلافهما و على رميهما بالشذوذ، مع أنه لا دليل لهما إلا العمومات و

مكاتبة علي بن مهزيار(3)في الصحيح أبى الحسن عليه السلام «يسأله عما يحرم من الرضاع، فكتب إليه: قليله و كثيره حرام»

و الضعيف برجال العامة و الزيدية

عن زيد بن علي (4)عن آبائه عن علي عليهم السلام إنه قال: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا»

والقوي (5)«الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يتملأ و يتضلع»

والحسن المضمر(6)«سألته عما يحرم من الرضاع، قال: إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فان ذلك ينبت اللحم و الدم، و ذلك الذي يحرم».

لكن الجميع كما ترى ضرورة تخصيص العمومات، و قصور غيرها عن معارضة النصوص الصحيحة الصريحة المشهورة رواية و فتوى بما فيها من الشذوذ و الضعف


1- 1 المستدرك الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 و فيه « يحرم من الرضاع قليله و كثيره المصة الواحدة تحرم».
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 23.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 12.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 271

و الإرسال و الإضمار و المكاتبة، و موافقة أهل الخلاف، و مخالفة أهل الحق، و ركاكة متن الأولين، و احتمال الأخيرين تحديد الرضعة لا التحديد بها، و إمكان حمل الصحيح على ما يبلغ المحرم بمعنى حصول التحريم بالمقدر، سواء كان قليلا أو كثيرا، بل يمكن تنزيله على الحرمة بعد الفطام، كل ذلك مضافا الى انقراض القائل، و استقرار الإجماع بعدهما على خلافهما، و قطع الأصحاب بشذوذ ما ورد من النشر بما دون العشر، و ندرة القائل به، و عدم الاعتداد به، فلا ينبغي الشك حينئذ من هذه الجهة.

و كيف كان فللأصحاب في تحديد الرضاع المحرم تقديرات ثلاثة: الأثر و الزمان و العدد، و المشهور ثبوت التحريم بكل منها، خلافا للمحكي عن المفيد و الديلمي، فخصا الحكم بالعدد، و للصدوق حيث قصره فيما حكي من هدايته على الزمان و المقنع على الأثر مسندا الأخيرين إلى الرواية، و للمحكي عن ابن سعيد من تخصيص التأثير بما عدا الأثر، إلا أن الأقوى الأول.

و المراد بالأثر هو ما أنبت اللحم و شد العظم و الأصل فيه بعد الإجماع المعلوم و المنقول عن التذكرة و الإيضاح و المسالك و تلخيص الخلاف و غيرها

النبوي المروي في كتب أصحابنا(1)«الرضاع ما أنبت اللحم و شد العظم»

و ما استفاض

عن الصادق عليه السلام من التحديد بذلك ففي الصحيح (2): «ما يحرم من الرضاع؟

قال: ما أنبت اللحم و شد العظم»

و في الخبرين (3)«لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و شد العظم»

و في خبر آخر(4)«قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاث، فقال: لا إلا ما اشتد عليه العظم و نثبت اللحم».

نعم ظاهر النص و الفتوى فعلية ذلك، فلو ارتضع رضاعا من شأنه ترتب ذلك عليه


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 461 و فيه « لا رضاع الا ما شد العظم و أنبت اللحم».
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 و الباب- 2- منها الحديث 19.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 23.

ج 29، ص: 272

لكن منع منه مانع كمرض و نحوه لم يؤثر، مع احتماله كما يومئ اليه الاكتفاء بإخبار أهل الخبرة المبني على أنه مما ينبت، بل يومئ إليه أيضا جعل الزمان و العدد كاشفين عنه، ضرورة ابتناء كشفهما على ذلك، لكن قد يقال: إن أقصى ذلك كله الحكم به على غير معلوم الحال، لا الأعم منه و ما علم عدمه، و لعل هذا هو الأقوى، و مرجعه الى اعتبار الفعلية التي طريقها ما عرفت.

و كذا ظاهر النص و الفتوى اعتبارهما معا في الحرمة، فلا يكفي حينئذ أحدهما، خلافا للشهيد في اللمعة، فاكتفى به، بل حكاه السيد في نهاية المرام عن جماعة، و قواه و علله بالتلازم، و احتمل التعليل به في الروضة، و لكن رجح اعتبار الجمع، و قطع به في المسالك، و رد القول بالاكتفاء بالشذوذ و مخالفة النصوص و الفتوى، و كأنه استضعف التعليل بالتلازم، و لعدم ظهوره، و عدم ظهور استناد الشهيد اليه، كما يشعر به كلامه في كتابيه، و إلا فالبناء عليه يقتضي الموافقة في كون المحرم وجود الوصفين معا و إن اكتفى في العلم بالتحريم بأحدهما، فإنه للكشف عن وجود الآخر، لا للاستغناء به عنه، و ليس في ذلك ما يخالف النص و لا الفتوى، لكنه فرع ثبوت التلازم، و هو في حيز المنع، خصوصا بالنسبة إلى إنبات اللحم، ضرورة عدم استلزامه لشد العظم، لبطء تحلله و تغذيه، فقد تكون بعض الرضعات مغذيا للحم خاصة و بعضها مغذيا للعظم خاصة، كما في صورة استغناء اللحم عن الغذاء.

نعم يمكن دعوى التلازم من جهة اشتداد العظم باعتبار سبق اللحم عليه، فلا يشتد العظم إلا بعد أن يستغني اللحم المشتمل عليه عن الغذاء، و يكون الجمع بينهما حينئذ في الأخبار مع إغناء الثاني عن الأول لوجهين: الأول أن نشر الحرمة لهما، و الآخر أن تغذى العظم بعد استغناء اللحم عن الغذاء، فبعض الرضعات ينبت اللحم خاصة، و بعضها يشد العظم، و الكل معتبر مع احتمال عدمه أيضا، ضرورة إمكان تصور شد العظم خاصة من رضاع امرأة بعد استغناء اللحم من امرأة أخرى.

و من هنا أمكن أن لا يكون نظر الشهيد الى ذلك، بل للاكتفاء في النصوص

ج 29، ص: 273

المتضمنة للتحريم بما أنبت اللحم بدون اعتبار اشتداد العظم، كما في المعتبرين (1)السابقين، و

في الصحيح (2)«قلت له: فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: ما أنبت اللحم و الدم»

و الحسن (3)«لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و الدم»

و التحريم بما ينبت اللحم يقتضي التحريم بما يشد العظم، للإجماع على اعتبار الاشتداد جمعا أو تخييرا، فإذا انتفى الأول ثبت الثاني، و لا ينافي ذلك اعتبار إنبات الدم في هذه الأخبار، لأنه متقدم على إنبات اللحم، فلا يزيد اشتراطه على اشتراطه، و في كشف اللثام أن المراد بالدم فيهما الغريزي، و هو الذي ينسب إليه الإنبات، لا الذي يستحيل اليه الغذاء في الكبد قبل الانتشار منه الى الأعضاء، و كذا لا ينافيه انضمام الاشتداد فيما تقدم من النصوص، لاحتمال تلازم الوصفين، فيصح الجمع و الاكتفاء.

لكن فيه أن الظاهر تخلف الاشتداد عن الإنبات كما عرفت، بل يشهد به الحس و يقتضيه النظر، فان العظم لبطء تغذيه يتأخر اشتداده عن نبات اللحم، بل ربما كان التغذي فيه بعد استغناء اللحم عن الغذاء لأنه لسرعة قبول له و شدة احتياجه اليه يجذبه الى نفسه، فلا يصل الى العظم إلا بعد استغنائه عنه، بل قد يتخلف الإنبات عن الاشتداد فيما إذا ورد الغذاء على البدن بعد استغناء اللحم بما تقدمه، فينصرف إلى العظم.

و ما يقال- من أن الغذاء الوارد على البدن يتوزع على الأعضاء و يأخذ كل عضو منه قسطه اللائق به- فليس على إطلاقه، بل هو بشرط الاحتياج و بقدر الحاجة، و إذا ثبت التخلف مطلقا أو من جهة الاشتداد فقط ظهر التعارض بين ما دل على التحديد بما أنبت اللحم و شد العظم و ما دل على التحديد بالأول وحده، و الجمع بينهما يتحقق إما بتخصيص الثاني و إما بحمل العطف في الأول على التقسيم أو ارتكاب حذف الموصول فيه مع بقاء الصلة، و يترجح الأول بمطابقة الأصل و فتوى المعظم، و قوة الدلالة


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 274

فيما دل على الجمع، و قرب الحمل فيما يعارضه، لشيوع التخصيص، بل يمكن إرادة المغذي للعظم من الدم فيه، فيتجه حينئذ اشتراط الاجتماع كما هو المشهور بل قد يقال مع فرض عدم العلم بالتخلف: إن المتجه أيضا التخصيص عملا بظهور اللفظ فيه، و احتمال التلازم لا يكفي في نفيه و في قطع الأصل، خصوصا بعد معارضة ذلك باحتمال بناء نصوص اللحم وحده على التلازم، بل يمكن إرادة شد العظم، من الدم فيها و لو باعتبار تغذيه منه، فتأمل جيدا.

و كيف كان فالمراد بإنبات اللحم و شد العظم ما كان مسببا عن الرضاع التام بحيث يستقل في حصول الأمرين، و يتحقق حصولهما، و يظهر لدى حس أهل الخبرة، فلا يتحقق بالمسمى و إن كان له تأثير في حصولهما، لأن الاكتفاء بمطلق التأثير يقتضي فساد التحديد، فإنه لا يزيد على اعتبار أصل الرضاع و لا بالرضعة و الرضعات اليسيرة، لأن الظاهر اعتبار السببية التامة كما قلنا دون الناقصة، و لأن المفهوم من التحديد بما ينبت اللحم و يشد العظم حصول كثرة يعتد بها، و هي غير متحققة في الرضاع اليسير، و لوقوع التصريح في النصوص (1)بعدم حصول الإنبات و الاشتداد

بالرضعة فما فوقها الى العشر، بل بانتفائهما فيها، كما ستعرفه. فمع ملاحظة الجمع بين النصوص و الفتاوى يعلم كون المراد مرتبة خاصة من الإنبات و الاشتداد، لا مطلق التأثير، كما هو واضح.

و هذا التحديد الوارد في النصوص المستفيضة المعتبرة من أقوى الحجج على ابن الجنيد و من قال بالمسمى من أصحابنا، و الظاهر أنهم لم يخالفوا في أصل التحديد، بل حملوا ذلك على مطلق التأثير، و هذا مع عدم ملائمته لمذهب ابن الجنيد قد ظهر فساده مما قلناه.

و اختلف الأصحاب فيما يحصل به العلم بالأثر فالحلبيان و الطبرسي على ما قيل أوقفوا ذلك على حصول التقدير بالزمان أو العدد، و هو ظاهر كتابي الشيخ في الأخبار، حيث بنى العمل على ما تضمن التحديد بأحدهما ورد التقدير بالأثر


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2 و 9 و 19 و 21 و 23.

ج 29، ص: 275

اليه بجعله مفسرا له، و يحتمله كلام المفيد و الديلمي و ابن سعيد، بأن يكون وجه التخصيص فيه إجمال الحد عندهم بالإنبات و الاشتداد، لا عدم اعتباره من أصله، و مقتضى هذا القول سقوط الفائدة في هذه العلامة، و الاستغناء عنها بالزمان و العدد، و المشهور بين الأصحاب أنها علامة مستقلة مقابلة لهما غير متوقفة عليهما، و به قال الشيخ في النهاية و الخلاف و القاضي و الحليون الثلاثة و الشهيدان و المحقق الكركي و عامة المتأخرين، و هو الأصح، إذ المستفاد من النصوص حصول التحريم به، سوآء وافق أحدهما أو خالف، و لا ينافي ذلك

الموثق (1)«لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات»

بعد ظهور كون المراد نفي التحريم من هذه الجهة كما أن تعليل عدم النشر بالعشر بعدم إنباتها اللحم لا يقتضي كونه الأصل و أنهما علامتان، إذ لعل المراد عدم نشره الحرمة من هذه الجهة، و أما العدد و الزمان فالمفروض نفيهما.

نعم قد يقال إن حصر الرضاع المحرم في كثير من النصوص بما أنبت اللحم مع الإشارة في بعضها إلى أن التحريم بالعدد لكونه محصلا لذلك حتى أنه أومأ إلى التعريض بما عند العامة من كون العشر تنبته يقتضي أنه الأصل كما هو ظاهر المصنف و غيره، بل لعله لذا و غيره قال في كشف اللثام: «الأظهر في الاعتبار و الأخبار كون الأثر هو الأصل، و الباقيان علامتان له» انتهى. لكن لا تنحصر علامته فيهما، فقد يتحقق عند أهل الخبرة، بل و عند غيرهم ذلك بدونهما، فالمراد حينئذ من كونهما علامتين الحكم بالتحريم بحصول الأثر عندهما و إن لم يظهر ذلك لأهل الخبرة، لا أن المراد حصر ذلك فيهما وجودا و عدما على وجه يقتضي سقوط هذه العلامة، بل قد يقال إنه لو فرض و لو نادرا معلومية حصول الأثر بالأقل منها ترتب التحريم، نعم قد يشك في ترتبه لو فرض نادرا عدم حصول الإنبات مع حصولهما، ضرورة منافاة ذلك لكونهما علامتين، و لإطلاق

تحقق التحريم بتحققهما و تنزيل ذلك على الغالب ليس بأولى من جعل ذلك حكمة في دوام حصول التحريم بحصولهما، بل لعل هذا أولى بملاحظة نظائر ذلك في الشرع.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 276

و على كل حال فما عن بعضهم- من أن الأصل العدد و إنما يعتبر الآخران عند عدم الانضباط به- واضح الضعف، مع أنه لم نتحقق القائل به، ضرورة ظهور النصوص و الفتاوى في كونها علامات مستقلة، كل واحدة أصل برأسها، و أنها كغيرها من العلامات مطردة غير منعكسة، فلا ينتفي التحريم بانتفاء أحدها ما لم ينتف الآخران، أو أن الأصل الإنبات و الآخران علامتان له على الوجه الذي عرفته، و لعله الأقوى في النظر.

نعم ينبغي أن يعلم أن المدار في التحريم بالأثر استقلال الرضاع في حصوله على وجه ينسب اليه، فلو فرض تركيب غذاء الصبي منه و من السكر مثلا على وجه الامتزاج بمعنى أنه يرتضع الرضعة الناقصة فيكمل غذاءه بالسكر فيكون التغذي و الإنبات و الاشتداد منسوبا إليهما أشكل ثبوت التحريم به، للأصل بعد عدم صدق النسبة، اللهم إلا أن يدعى أنهما و إن امتزجا في المعدة، إلا أن لكل منهما أثرا مستقلا، فيصدق على كل منهما أنه أنبت لحما و شد عظما، فيتحقق التحريم حينئذ إلا أنه كما ترى. نعم قد يدعي ذلك فيما لو فرض استقلال الرضاع بالغذاء في وقت و السكر في وقت آخر، كأن يرتضع بالنهار مثلا و يتغذى باللبن و بالليل يتغذى بالسكر، مع أنه أيضا لا يخلو من إشكال، لعدم العلم بصدق النسبة اليه و تحققها و إن استمر على هذا العمل، و الأصل الحل، و ربما يومئ اليه ما تسمعه من النصوص على عدم النشر بالعشر إذا كن متفرقات بعد حصره الرضاع المحرم بالذي أنبت.

و كيف كان فللعلم بالأثر طريقان: (أحدهما) الرجوع الى قول أهل الخبرة، كما نص عليه جماعة، لأن تعيين الموضوع لا يتوقف على الشرع، نعم يعتبر فيه شروط الشهادة من الايمان و العدالة و العدد، فلا حكم للواحد و إن أفاد الظن و اكتفى به في مثل المرض المبيح للفطر و التيمم، لأن المدار فيه على مطلق الظن، بخلاف المقام المعتبر فيه العلم أومأ يقوم مقامه، نعم قد يأتي على قول المفيد و الديلمي بالاكتفاء بشهادة الامرأة الواحدة في الرضاع قبول الواحد من باب الشهادة، و لكنه شاذ.

ج 29، ص: 277

ثم إنه لا ريب في اختلاف الحال هنا باختلاف اللبن و الأولاد و كمال الرضاع و نقصه و الزمان و المكان، و في حصوله بما دون العدد المعتبر و المدة؟ وجهان من الأصل و عموم الموثق و غيره، و من عدم اشتراط الانعكاس في العلامات، فيحمل العموم على نفي التحريم بالنظر الى بعضها، فلا ينافي التحريم ببعض آخر، و لعله الأقوى، و به قطع في المسالك.

(و ثانيهما) أن يتحقق الرضاع مدة طويلة كشهرين و ثلاثة مثلا مع اختلال شرط الزمان و العدد، كما إذا كانت الرضعات ناقصة و اشترطنا الكمال في المدة كالعدد، أو تحقق الفصل في المدة قبل إكمال العدة و قلنا بعدم اشتراط التوالي في النشر بالأثر، فيحكم بالتحريم بهذا الطريق، لأن العادة قاضية باستقلاله مثلا في إنبات اللحم و شد العظم و إن لم يرجع فيه الى أهل الخبرة، و هذا القسم و إن لم يصرحوا به إلا أنه داخل فيما قالوه، و لا ينافي ذلك

قول الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبى عمير(1)السابق: «و الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يتملأ و يتضلع و ينتهى من نفسه»

من حيث ظهوره في اعتبار الكمال في الإنبات، فالناقصة حينئذ لا تنبت، لاحتمال كون المراد الإنبات الذي يحصل من المدة و العدد اللذين هما علامتان شرعيتان له، لا عدم حصول الإنبات مطلقا، ضرورة مخالفته للوجدان، و كذا اعتبار التوالي في المدة و العدد، فان المراد نفي كونهما علامة له مع عدم التوالي فيهما، و ذلك لا ينافي تحققه من طريق آخر كطول المدة و نحوها، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد عرفت أنه لا حكم لما دون العشرة إلا في رواية شاذة(2)و إن صح سندها قد أعرض عنها الأصحاب و استفاضت النصوص بخلافها، و لم نعرف عاملا بها سوى ما عرفته من الإسكافي الذي استقر المذهب على خلافه في ذلك، بل لعله قبله كان كذلك نحو ما سمعته من المصري أيضا، فليس هو حينئذ محرما مستقلا، و لا كاشفا عن الإنبات شرعا، و لا عند

أهل الخبرة غالبا، و لو فرض نادرا حصول المرتبة المحرمة من الأثر به أمكن تحقق التحريم به، و لا ينافيه


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.

ج 29، ص: 278

إطلاق عدم العبرة به في النصوص بعد حمله على إرادة عدم العلم بتحقق ذلك به غالبا، بل لعله يكون وجه جمع بين ما دل على ثبوت التحريم به و ما دل على عدمه، بل هو أولى من طرح الأول بترجيح الثاني عليه حتى في الفرض النادر و إن أمكن، لاحتمال عدم اعتبار الشارع له عنوانا للحكم الشرعي لندرته، و الأمر سهل.

إنما المعركة العظمى، في أنه هل يحرم بالعشرة؟ فيه روايتان إحداهما الحرمة، و هي

رواية الفضيل بن يسار(1)على ما في بعض كتب الفروع عن أبي جعفر عليه السلام «لا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلا المجبور، قال:

قلت: و ما المجبور؟ قال: أم تربى و ظئر تستأجر و أمة تشترى ثم ترضع عشر رضعات يروى الصبي و ينام»

المؤيدة بالعمومات و الاحتياط خصوصا في الفروج، و بالمفهوم

في خبر هارون بن مسلم (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم. و أنبت اللحم، فأما الرضعة و الرضعتان و الثلاث حتى بلغ عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس»

و خبر عمرو بن يزيد(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة و الرضعتين، فقال: لا يحرم، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال: إذا كانت متفرقة فلا»

وخبر عبيد بن زرارة(4)عن أبى عبد الله عليه السلام


1- 1 روى في الوسائل في الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 و 11 عن فضيل بن يسار روايتين: الاولى عن أبى عبد الله عليه السلام قال:« لا يحرم من الرضاع الا ما كان مخبورا- و في معاني الأخبار ص 65« مجبورا»- قلت: و ما المخبور؟ قال: أم مربية أو أم تربى أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى.» و الثانية عن أبى جعفر عليه السلام قال:« لا يحرم من الرضاع إلا المخبورة أو خادم أو ظئر ثم يرضع عشر رضعات يروى الصبي و ينام» و الظاهر أن ما روى في كتب الفروع مأخوذ عنهما.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 19 عن هارون بن مسلم عن مسعدة.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5 عن عمر بن يزيد و فيه« يرضع الرضعة و الثنتين».
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 21.

ج 29، ص: 279

«سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: ما أنبت اللحم و الدم، ثم قال: ترى واحدة تنبته؟ فقلت: اثنتان أصلحك الله، قال: لا، فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات»

بناء على مخالفة الجواب بما بعد «حتى» لما قبلها، بل و

خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا في حديث إلى أن قال: «فما الذي يحرم من الرضاع؟

فقال: ما أنبت اللحم و الدم، فقلت: و ما الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: كان يقال: عشر رضعات، قلت: فهل يحرم عشر رضعات؟ فقال:

دع هذا، ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع»

و ما عن الفقه (2)المنسوب إلى الرضاء عليه السلام.

و الثانية لا تحرم و هي

موثقة عبيد بن زرارة(3)عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

«سمعته يقول: عشر رضعات لا يحرمن شيئا»

و نحوه خبر ابن بكير(4)عنه عليه السلام أيضا، و

صحيحة علي بن رئاب (5)عنه عليه السلام أيضا قال: «قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال:

ما أنبت اللحم و شد العظم، قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: لا، لأنه لا ينبت اللحم و لا يشد العظم عشر رضعات»

و موثق زياد بن سوقة(6)قلت لأبي جعفر عليه السلام: «هل للرضاع حد يؤخذ به؟ قال: لا يحرم الرضاع أقل من رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعته امرأة أخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحها»

و ما

في المقنع «و لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم و شد العظم» و سئل الصادق عليه السلام (7)هل لذلك حد؟ فقال: لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن»

المؤيدة بالأصل و عمومات النكاح و حصر التحريم في المنبت في النصوص (8)المستفيضة مع الظن بعدمه في العشر أو الشك فيه.


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18.
2- 2 المستدرك الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 14.
8- 8 الوسائل الباب- 2 و 3- من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 280

و من أجل ذلك اختلف الفتاوى حتى من المفتي الواحد في الكتاب الواحد على ما حكي، فذهب ابن إدريس في أول كتاب النكاح الى القول بالعشر، و جعله الأظهر في الفتوى و الصحيح، و رجع عنه في باب الرضاع، و حكم بأن الخمس عشرة هو الأظهر من الأقوال و قال: «و قد حكينا الخلاف فيما مضى، و اخترنا هناك التحريم بالعشر، و قويناه، و الذي أفتي به و أعمل عليه الخمس عشرة، لأن العموم قد خصه جميع أصحابنا المحصلين، و الأصل الإباحة، و التحريم طار، فبالإجماع من الكل تحرم الخمس عشرة، فالتمسك به أولى و أظهر، لأن الحق أحق أن يتبع».

و ذهب العلامة في التذكرة و الإرشاد و التبصرة و التلخيص و ظاهر القواعد و التحرير إلى القول بالخمس عشرة، و نص في الأول على أنه المشهور، و بالغ في تقويته،

ثم رجع عنه في المختلف، و اختار القول بالعشر، و احتج عليه بعمل الأكثر.

و قال في اللمعة: «و يشترط أن ينبت اللحم و يشد العظم أو يتم يوما و ليلة أو خمس عشرة رضعة، و الأقرب النشر بالعشر».

و قال أبو العباس في المهذب: «من شرائط الرضاع ارتضاع المقدر الشرعي، و هو ثلاث: ما أنبت اللحم و شد العظم، أو رضاع يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة» ثم نص فيه و في المقتصر على النشر بالعشر.

بل اختلفت كلماتهم في الأشهر من القولين، ففي المختلف و المنتصر و غاية المرام و نهاية السيدان العشر هو قول الأكثر، و في الروضة أنه قول المعظم، و في التذكرة و زبدة البيان و المفاتيح أن المشهور هو الخمس عشرة، و عزاه في كنز العرفان إلى الأكثر، و في كنز الفوائد إلى عامة المتأخرين، و في المسالك إلى أكثرهم، قال: «و أكثر القدماء على القول بالعشر» و رفع بذلك التنافي بين كلامي العلامة في المختلف و التذكرة.

قلت: الإنصاف أن شهرة الخمس عشرة عند المتأخرين محققة، و أما القدماء فإنه و إن ذهب كثير منهم إلى العشر كالعماني و المفيد و القاضي و الديلمي و الحلبي

ج 29، ص: 281

و الطوسي و أبي المكارم، بل حكي عن المرتضى و إن كنا لم نتحققه إلا أن ذلك لم يبلغ حد الاشتهار، خصوصا بعد أن كان خيرة الشيخ و الطبرسي و غيرهما من القدماء الخمس عشرة، بل حكي عن أتباع الشيخ، بل لعله خيرة أئمة الحديث و فقهاء أصحاب الأئمة، كمحمد بن أحمد بن يحيى، و أحمد بن محمد بن عيسى، و محمد بن أبى عمير، و الحسن بن محبوب، و حماد بن عثمان، و علي بن رئاب، و هشام بن سالم، و غيرهم ممن اقتصر على رواية الخمس عشرة دون العشر، كما عساه يومئ اليه ظهور دعوى الشهرة من محكي المبسوط و التبيان و مجمع البيان، بل ربما ظهر من عبارتي الخلاف و التذكرة إجماع الإمامية على ذلك، خصوصا الأخيرة، قال فيها: «الرضاع المحرم ما حصل به أحد التقريرات الثلاثة: إما رضاع يوم و ليلة، أو رضاع خمس عشرة رضعة، أو ما أنبت اللحم و شد العظم عند علماء الإمامية- ثم قال-: يشترط توالي الرضعات من المرأة الواحدة، فلو تخلل بين العدد رضاع امرأة أخرى لم ينشر الحرمة، و لم يعتد برضاع، شي ء منهما ما لم يكمل رضاع إحداهما خمس عشرة رضعة متوالية، فلو رضع من إحداهما أربع عشرة رضعة ثم رضع مثلها من اخرى لم يعتد بذلك الرضاع عند علمائنا أجمع» و إن كان هو مع شهرة الخلاف المزبور كما ترى، لكن لا ريب في استفادة شهرة هذا القول أيضا بين القدماء.

و مع ذلك هو في غاية البعد عن أقوال العامة و رواياتهم، فان للقائلين بالعدد منهم ثلاثة أقوال:

(أحدهما) الثلاث، و به قال زيد بن ثابت أو أبو ثور و ابن المنذر و داود و أهل الظاهر، لمفهوم

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(1): «لا تحرم الرضعة و لا الرضعتان».

(ثانيها) الخمس، و هو المشهور بينهم، و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق و طاوس و عطا و سعيد بن جبير و عبد الله بن زبير و عبد الله بن مسعود و عائشة، لما

رووه (2)عنها أنها قالت: «كان فيما أنزل الله في القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 455 و 458.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 454.

ج 29، ص: 282

نسخه بخمس معلومات، و أنه صلى الله عليه و آله و سلم توفي و هي مما تقرأ في القرآن»

و الحديث مشهور عندهم، أخرجه الستة إلا البخاري.

(و ثالثها) التحريم بالعشر كما حكي عن عائشة و حفصة و طائفة منهم، لما

روى عن عائشة(1)أنها قالت: «نزلت آية الرجم و رضاعة الكبير عشرا و لقد كان في صحيفة تحت سريري، فلما مات رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و تشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»

و لما رواه

عروة في حديث سهلة(2)بنت سهيل «أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لها فيما بلغنا: أرضعيه عشرا تحرمي عليه» و لكن المعروف في هذه الرواية عندهم أنه قال لها: «أرضعيه خمسا»

و لذلك كانت عائشة تأمر بنات أخواتها و بنات أخواتها أن يرضعن من أحبت أن يراها خمس رضعات و إن كان كبيرا و بذلك تظهر قوة هذا القول باعتبار بعده عمن جعل الله الرشد في خلافهم.

و مع هذا أصحهما سندا أنه لا تحرم و أظهرهما دلالة، بل لا صحة في رواية العشر، ضرورة كون العمدة فيها الرواية الأولى، و في طريقها محمد بن سنان الذي ضعفه الشيخ و النجاشي و ابن الغضائري، و قال: إنه غال لا يلتفت اليه، بل روى الكشي فيه قدحا عظيما، بل عن ابن شاذان أنه من الكذابين المشهورين، على أنها مختلفة المتن، فاسدة الحصر، متروكة الظاهر، إذ هي على ما حضرني من نسخة الوافي مروية عن التهذيب

عن ابن محبوب عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن حريز عن الفضيل بن يسار(3)عن ابى جعفر عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلا المجبورة، أو خادم أو ظئر قد رضع عشر رضعات يروى الصبي و ينام»


1- 1 سنن الدار قطني ج 4 ص 179 كتاب الرضاع الحديث 222 و سنن ابن ماجه ج 1 ص 599 باب رضاع الكبير.
2- 2 ذكره ابن قدامة في المغني ج 9 ص 193.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 11 و فيه« الا المخبورة».

ج 29، ص: 283

و

عنه أيضا عن الثيملى عن النخعي عن حريز عن الفضيل بن يسار عن البصري (1)قال:

«لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا، قلت: و ما المجبور؟ قال: أم مربية أو لم ترتب أو ظئر تستأجر أو خادم يشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه»

وعن الفقيه عن حريز عن الفضيل بن يسار(2)عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا، قلت: و ما المجبور؟ قال: أم مربية أو ظئر تستأجر أو خادم تشترى»

و عن بعض نسخ الفقيه «المحبور» بالحاء المهملة، و هو مع حذف العشرة منه جعل «المحبور» فيه صفة للرضاع، و فسره بإحدى النسوة الثلاث، و في الأولى من روايتي التهذيب جعل الخادم و الظئر مقابلين للمجبورة.

و أما أنها متروكة الظاهر فهو واضح، ضرورة عدم اعتبار نوم الصبي في التحريم، و عدم انحصار المحرم في ذلك، فان رضاع المتبرعة أو المستأجرة على عدد خاص و غيرهما محرم قطعا، على أنه إن كان قوله عليه السلام: «قد رضع» الى آخره مختصا بالظئر كان مخالفا للظاهر عند الخصم أيضا، كما أن حصره مخالف له أيضا، فلا بد من طرحه أو تأويله، بل اختلال متنه كاف في فساده، و من هنا احتمل الشيخ أن يكون المراد به نفي التحريم عمن أرضع رضعة أو رضعتين مستدلا عليه ب

خبر موسى بن بكير(3)عن أبى الحسن عليه السلام «قلت له: إن بعض مواليك تزوج إلى قوم، فزعم النساء أن بينهما رضاعا، قال: أما الرضعة و الرضعتان و الثلاث فليس بشي ء إلا أن يكون ظئرا مستأجرة مقيمة عليه».

و أما خبرا هارون (4)و عمرو بن يزيد(5)فمع الطعن في سندهما- خصوصا


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 و فيه « الا ما كان مخبورا».
2- 2 أشار إليه في الوسائل في الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7 و ذكر نصه في الفقيه ج 3 ص 307 الرقم 1474.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8 عن موسى بن بكر.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 19.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5 عن عمر بن يزيد.

ج 29، ص: 284

الأول لأن هارون بن مسلم من أهل الجبر و التشبيه، بل هو تارة رواها عن أبي عبد الله عليه السلام بلا واسطة و أخرى رواها عنه عليه السلام بواسطة مسعدة بن زياد العبدي- دلالتهما بالمفهوم الذي هو أضعف من المنطوق، على أن الأول إذا كان الظرف فيه متعلقا بالبأس المنفي اقتضى مفهومه تحريم ما دون

العشر أيضا مع الاجتماع، و لا ينافيه خبر عمرو بن يزيد، لإمكان ذلك فيه، و إلغائه بالنسبة الى ذلك ليس بأولى من إلغائه بالنسبة إلى الجميع، على أن يكون المراد منه عدم المحرم على سائر الوجوه بخلاف العشر، فإنها قد تحرم فيما لو فرض حصول الإنبات بها على نحو الخمس عشرة، على أنه يمكن كون المراد منه ما سمعته من خبر موسى بن بكير المتقدم المعلوم عدم إرادة المفهوم منه.

و أما خبر عبيد بن زرارة(1)فهو بالدلالة على خلاف المطلوب أولى، ضرورة ظهوره في كون الجواب «لا» و إلا لذكره، على أنه هو بنفسه روى (2)عن الصادق عليه السلام عدم إنبات العشر، و كذا خبره (3)الآخر الظاهر في نسبة الإنبات بها الى غيره، سيما بعد الاعراض عن جوابه ثانيا، بل هو ظاهر في الخروج مخرج التقية.

و الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام لم تثبت حجيته عندنا، بل لعل الثابت عدمها.

و من ذلك كله يظهر لك فساد ما عساه يقال: إن القول بالعشر تجتمع عليه جميع الروايات بعد حمل مطلقها على مقيدها على معنى حمل ما دل على النفي بالعشر على المتفرقات، و ما دل على الثبوت بها على المجتمعات، ضرورة عدم المكافئة سندا و دلالة، على أنه لا يتم في مثل مرسل (4)المقنع، بل و لا في موثق زياد

بن سوقة(5)الذي هو كالتصريح في التحديد بالخمس عشرة، خصوصا بعد ملاحظة


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 21.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3 و فيه عدم ثبوت الحرمة بعشر رضعات.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 18.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 14.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 285

وروده في بيان التحديد، بل يمكن دعوى القطع ممن له أدنى خبرة بكلماتهم عليهم السلام بعدم إرادة مثل هذا التقييد في أمثال هذه الخطابات التي هي صريحة أو كالصريحة في عدم النشر بالعشر و لو مجتمعات، فلم يبق إلا الترجيح، و ليس إلا للنفي، لصحة السند، و كثرة العدد، و وضوح الدلالة، و شهرة العمل، و الاشتمال على التعليل، و غير ذلك. و لو سلم فلا أقل من الشك بعد تعارض الأدلة التي منها مطلقات الإنبات في أن العشر يحصل بها الإنبات المحرم، و الشك في الشرط شك في المشروط، و احتمال التمسك في إثباته بالعشر بمطلق الإنبات بعد فرض حصول الإنبات بها عرفا يدفعه معلومية إرادة المرتبة الخاصة من الإنبات لا مطلقه، و لذا لم يحصل بما دون العشر و لو يسيرا عند الخصم، فهو في الحقيقة مجمل لا مطلق أراد الشارع منه الإطلاق إلا ما أخرجه الدليل، كما لا يخفى على من رزقه الله بصيرة في فهم كلماتهم عليهم السلام التي قد ينكشف بها خلاف ما تقتضيه صناعة فن القواعد الأصولية المبنية على الغالب، فلا ريب حينئذ في أن الترجيح لنفي التحريم بها.

و منه يعلم أنه ينشر الحرمة إن بلغ خمس عشرة رضعة ضرورة استلزام عدم النشر بها النشر بالأكثر، و هو إما الخمس عشرة أو ما فوقه أو ما بينه و بين العشر، و الأخيران باطلان بالإجماع، فتعين الأول، و الإجماع هنا مع وضوحه منقول في كلام الأصحاب، فإن الشيخ في الخلاف و الحلي و الآبي احتجوا على الخمس عشرة بالإجماع على التحريم، و به صرح العلامة في المختلف و السيوري في التنقيح بأن بطلان العشر يستلزم ثبوت الخمس عشرة، لعدم القائل بغيرهما من المحققين، و في المسالك ليس فيما فوق العشر ما يجوز التعويل عليه غير الخمس عشرة بالإجماع، لكن في التقييد إشعار بوجود قول لا يعتد به، و ليس القول بما دون العشر، لبطلانه ببطلان العشر قطعا، و كأنه إشارة إلى القول بالخمسة عشر يوما، و هو كما ستعرف قول شاذ منقوض ملحوق بالإجماع، فلا ريب في تعين الخمس عشرة، مضافا إلى موثق زياد بن سوقة و مرسل المقنع، و قد اتضح الحال بحمد الله على وجه لم يبق شك في المسئلة أو شبهة.

ج 29، ص: 286

كما لا شك في ثبوت التحريم لو رضع يوما و ليلة للموثق المزبور المعتضد بمرسل المقنع المذكور و فتوى الطائفة قديما و حديثا، بل قد يظهر من محكي التبيان و مجمع البيان و الغنية و الإيضاح و غيرها عدم الخلاف فيه، و في الخلاف إجماع الفرقة عليه، و في محكي التذكرة نسبته الى علماء الإمامية، و في كشف اللثام الاتفاق عليه، و منه يعلم ما

عن الفقه (1)المنسوب الى الرضا عليه السلام «و الحد الذي يحرم به الرضاع مما عليه عمل العصابة دون كل ما روى، فإنه مختلف ما أنبت اللحم و قوي العظم، و هو رضاع ثلاثة أيام متواليات، أو عشر رضعات متواليات محررات مرويات بلبن الفحل»

ضرورة أنه لم نعرف بل و لا حكي عن أحد من عصابة الحق العمل بذلك، بل لم نعثر على رواية و لو شاذة توافقه مع كثرة أخبار الباب، على أنه لا يخفى عليك بعد ما بين العلامتين، و هذا أحد المقامات التي تشهد بعدم صحة نسبة هذا الكتاب، مضافا الى ما اشتمل عليه مما لا يليق بمنصب الإمامة، و مما هو مخالف للمتواتر عن الأئمة عليهم السلام أو ما ثبت بطلانه بإجماع الإمامية بل الأمة، بل منه أيضا يعلم ما

في مرسل الصدوق في الهداية عن الصادق عليه السلام (2)«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما و لياليهن و ليس بينهن رضاع»

و يحتمل انقطاع الحديث على «النسب» فيكون الباقي فتوى مشعرة بالرواية، و على الأول رواية مشعرة بالفتوى، و ربما حكي

عن المقنع أنه قال:

«و روي (3)«أنه لا يحرم من الرضاع إلا رضاع خمسة عشر يوما و لياليهن ليس بينهن رضاع»»

و به كان يفتي شيخنا محمد بن الحسن، لكني لم أجده فيما حضرني من نسخة المقنع، بل الموجود فيه ما سمعته من المرسل السابق.

و على كل حال فهذه الرواية على تقدير ثبوتها و وجود القائل بها لا تزيد على


1- 1 المستدرك الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
2- 2 المستدرك الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 و فيه« قال النبي.».
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 15.

ج 29، ص: 287

خبر مرسل غير منجبر، فلا ينهض لمعارضة مما سبق من النص و الإجماع، كما لا ينهض لمعارضتهما

صحيح العلاء بن رزين (1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرضاع فقال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد سنة»

فإنه و إن كان معتبر السند إلا أن عمل الطائفة بخلافه، فهو من الشاذ الذي أمرنا بطرحه، و صحفه بعض متأخري المتأخرين بالضم و التشديد أو بالكسر مع الإضافة إلى ضمير الارتضاع، على أن المراد الرضاع في الحولين اللذين هما سن الرضاع و السنة فيه، فضلا عن

خبر الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «لا يحرم من الرضاع إلا ما كان حولين كاملين»

و خبر عبيد بن زرارة أو زرارة(3)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن الرضاع، فقال: لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين»

الضعيفين المتروكين أيضا بإجماع الطائفة الممكن تأويلهما بإرادة الظرفية، و لا يأباه وصف الكاملين.

فمن الغريب توقف بعض متأخري المتأخرين في ذلك فيهما، بل أغرب منه ميلة الى اعتبار الحولين لتعدد رواياته و تأيده بالأصل و المخالفة لمذاهب الجمهور، إذ يمكن أن يكون مخالفا لإجماع المسلمين و للأخبار المتواترة عن الأئمة الميامين عليهم السلام، بل يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من الدين، كالذي عساه يظهر من النصوص السابقة، في المجبور، من اعتبار الدوام و الاستمرار في تحريم الرضاع الذي لا يخلو من تأييد للحولين، و لكن لو ساغ للفقيه التردد بكلما يجد أو الجمود على كل ما يرد ما اخضر للفقه عود و لا قام للدين عمود، نسأل الله تعالى تنوير البصيرة و صفاء السريرة، فإنه الرحيم المنان المتفضل الحنان ذو الفضل و الإحسان.

ثم لا يخفى عليك ظهور النص و الفتوى في الاكتفاء بذلك و إن لم يبلغ العدد، و يمكن أن يكون تحديد الشارع ملاحظا فيه الوسط من الناس، فإنه كما اعترف به في المسالك يأتي على العدد تقريبا، و هذه عادة للشارع في ضبط قوانين الشرع في مقامات عديدة، و يكون تحقيقا في تقريب، و قد عرفت أن الأصل الإنبات،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 13.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8.

ج 29، ص: 288

و إنهما علامتان شرعيتان له على التحقيق الذي تقدم، فما عن الشيخ و التذكرة- من أنهما لمن لم يضبط العدد، و مقتضاه عدم اعتبارهما مع العلم بالنقص عن العدد- في غير محله، خصوصا بعد إطلاق النص و الفتوى مع معلومية اختلاف الأطفال في ذلك اختلافا بينا، نعم قد يقال: إن الظاهر من ملاحظة ما سمعت و العدد و نحوهما عدم اعتبار خصوص اليوم و الليلة الحقيقين فيكفي الملفق حينئذ المقابل لهما في المقدار مع ملاحظة الاتصال فيه مع احتمال العدم.

كما أنه لا يخفى عليك ظهورهما أيضا و لو للإطلاق في أن المراد ارتضاع الصبي فيهما كلما يحتاج إليه، فلا ينافي ارتوائه حينئذ قبل الليلة بيسير على وجه لم يحتج الى الرضاع إلا بعد انتصاف الليل مثلا، ضرورة تحقق الصدق بعد عدم اعتبار ابتداء إرضاعه من أولهما، و لا استيعابهما بالرضاع، فتأمل جيدا.

و و كيف كان ف يعتبر في عدد الرضعات المذكورة اجتماع قيود ثلاثة: الأول أن تكون الرضعة كاملة بلا خلاف أجده فيه بيننا، للأصل و التبادر و التصريح بها في الأخبار كما عرفت. و الثاني أن تكون الرضعات متوالية بالمعنى الذي ستعرفه و الثالث أن يرتضع من الثدي و أما غير العدد من التقدير فلا يعتبر فيه اجتماع ذلك، نعم يعتبر الارتضاع من الثدي في الثلاثة قطعا، لتوقف تحقق مسمى الارتضاع المعتبر في الجميع عليه، و أما كمالية الرضعة فقد عرفت عدم اعتبارها في الإنبات، ضرورة إمكان تحققه بالناقصة إذا بقي على ذلك مدة، كما عرفت.

و

قول الصادق عليه السلام في مرسل ابن أبى عمير(1)«الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع حتى يتملأ و يتضلع و ينتهى نفسه»

ك

خبر ابن أبى يعفور(2)«سألته عما يحرم من الرضاع، قال: إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فان ذلك ينبت اللحم و الدم، و ذاك الذي يحرم»

يجب حمله على إرادة بيان المنبت من حيث


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 289

العدد أو نحو ذلك، و إلا كان مخالفا للوجدان، نعم صرح في كشف اللثام و غيره باعتبارها أيضا في التقدير الزماني، و هو متجه مع فرض انتفاء صدق رضاع يوم و ليلة بذلك، لكن دعوى ذلك في جميع الأفراد محل شك، كما لو فرض ارتضاع الصبي بعض الرضعة و اشتغل بلعب و نحوه حتى تحقق الفصل الطويل ثم ارتضع رضعة كاملة، فإنه قد يمنع عدم صدق رضاع يوم و ليلة فيه، ضرورة ابتناء ذلك على العرف الذي لا يقدح فيه أمثال ذلك من تأخير وقت رضاع الصبي في الجملة، و عدم الإكمال في الجملة و نحو ذلك مما لا ينافي الصدق عرفا على وجه الحقيقة دون المسامحة، بل لو كان تمام الليلة أو اليوم ببعض الرضعة كفى بلا إشكال، و ذلك كاف في عدم اعتبار الكمال

بالمعنى المعتبر في العدد فيه، كما هو واضح.

و أما التوالي بالمعنى الذي ستعرفه فستعرف تحقيق الحال فيه، و لعل إلى ذلك أومأ في المسالك، حيث قال في شرح المتن: «هذه القيود الثلاثة إنما تعتبر في الرضعات بالنسبة إلى العدد، أما غيره من التقديرين فمنها ما يعتبر فيه مطلقا، و هو الارتضاع من الثدي، و منها ما يعتبر في تقدير الزماني دون النشوي و هو توالي الرضعات، فان المعتبر في رضاع اليوم و الليلة كون مجموع غذاء الولد في ذلك الوقت من اللبن بحيث كلما احتاج اليه يجده إذ لم يبق منتفيا في الزماني إلا الكمال، لكن في الرياض جعل القيود الثلاثة معتبرة في الزماني و العددي محتجا عليه بما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، فلاحظ و تأمل.

ثم إنه هل المعتبر مع ذلك حصول العدد بشرائطه كيف اتفق أم يعتبر مع صحة مزاج الولد؟ وجهان كما في المسالك، قال: «و تظهر الفائدة لو كان مريضا و رضاعه قليل الكمية و حصل العدد المعتبر منه، بحيث كان مرتويا في جميعها بحسب حاله، فعلى الأول يكفي ذلك في نشر الحرمة عملا بإطلاق النص الشامل له، و على الثاني يعتبر في الكمية مقدار ما يتناول صحيح المزاج حملا على المعهود، و الوجهان آتيان في القدر الزماني، و ما وقفت فيه على شي ء يعتد به» قلت: لعل العرف في ذلك مختلف كما لا يخفى على من تأمله.

ج 29، ص: 290

و على كل حال ف يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف الذي هو المرجع في كل لفظ لم يعين له الشارع حذا مضبوطا. و قيل: حدها أن يروى الصبي مثلا و يصدر من قبل نفسه و كأنه في محكي التذكرة أرجع القولين إلى قول واحد حيث قال: «إن المرجع في الكاملة إلى العرف،- ثم قال-: إذا ارتضع الصبي و روى و قطع قطعا بينا باختياره و أعرض إعراض ممتل باللبن كان ذلك رضعة» و هو الذي فهمه في كشف اللثام، فإنه قال: «القولان مذكوران في المبسوط، و نسب الثاني إلى أصحابنا، و في الخلاف قطع به، و نسب الأول إلى الشافعي، و الظاهر أن الثاني تفسير للأول، كما هو صريح التذكرة، و لا تنافيه هذه العبارة و لا عبارة المبسوط» و قد سبقه الى ذلك ثاني الشهيدين في المسالك قال فيها: «و القولان للشيخ، و هما في الحقيقة قول واحد، لأن ما ذكره ثانيا مما يدل عليه العرف و لا يدل على غيره، و إنما الاختلاف في العبارة، و قد جمع بينهما في التذكرة» ثم حكى ما سمعته عنها و قال: «فجعل العبارتين معا حدا واحدا، و قد فصل المصنف بينهما بقيل، و كذلك العلامة في القواعد و التحرير نظرا الى الشك في تساويهما مفهوما، و كلام الشيخ في المبسوط ليس فيه ما ينافي اتحادهما، لأنه قال: و المرجع في ذلك الى العرف، لأن ما لا حد له في الشرع و لا في اللغة يرجع فيه الى العرف، غير أن أصحابنا قيدوا الرضعة بما يروى الصبي منه و يمسك، و هذه العبارة هي مستند الجماعة في جعلهما قولين، و ليست بدالة على ذلك، و ربما نزلت الحكاية بقيل على التنبيه على اختلاف العبارة في ضبطها، لا أنه قول مستقل».

قلت: لا يخفى ظهور ذلك و المحكي عن الخلاف في أنهما قولان مستقلان، و كأن ثانيهما نظر الى الخبرين المزبورين، فلا يكفي حينئذ عدم الارتواء و الامتلاء و التضلع و لو لعارض في الصبي أو عادة أو نحو ذلك بخلاف الأول، فإنه يكفي صدق الرضعة عرفا المتحققة بحسب حال الصبي و يكون ذلك فائدة القولين، و لعل الأول، أقواهما كما هو ظاهر الأصحاب، و مقتضى القاعدة في أمثال ذلك من الألفاظ، و الخبران يمكن إرجاعهما إليه، بل لم نجد عاملا بهما على جهة مخالفة العرف، فتأمل جيدا فإنه قد ينكشف بذلك الحال في المسألة السابقة، و هي اعتبار صحة المزاج الذي قد عرفت الوجهين فيها، و الله العالم.

ج 29، ص: 291

و كيف كان فقد عرفت أن المدار على العرف، فلو التقم الصبي الثدي ثم لفظه و عاود فان كان أعرض أولا عن الرضاع لعدم إرادته فهي رضعة، و إن كان لا بينة الاعراض كالتنفس أو الالتفات إلى ملاعب بضم الميم أو فتحها أو الانتقال من ثدي إلى آخر أو غير ذلك مما يكون قرينة على عدم إكمال الأولى كان الكل رضعة واحدة عرفا حينئذ، نعم قد يقال بتحقق الرضعة في الأول عرفا بمجرد الاعراض مع عدم قرينة تدل على النقصان على إشكال.

و لو منع بأن قطعته المرضعة مثلا قبل استكماله الرضعة لم يعتبر في العدد قطعا، لما عرفت خلافا للمحكي عن الشافعية من الوجه في تعدد الرضعات بتعدد قطع المرضعة نظرا إلى أنه لو حلف «لا أكلت اليوم إلا أكلة واحدة» فاستدام الأكل من أول النهار الى آخره لم يحنث و إن أكل و قطع قطعا بينا ثم عاد إليه حنث، و فيه أنه كفى بالعرف فارقا بين المقامين، و حينئذ لم تحتسب الرضعة الناقصة في العدد و إن لفقت برضعة ناقصة اخرى، بل يخرجان معا عن الاعتداد بهما في العدد.

و على كل حال فقد عرفت أيضا أنه لا بد في العدد من توالي الرضعات بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد بإكمالها من غير تحقق رضاع اخرى فلو رضع من واحدة بعض العدد ثم رضع من اخرى بطل حكم الأول (11) و إن أكملته بعد ذلك.

و (12) كذا لو تناوب عليه عدة نساء لم تنشر الحرمة (13) و إن كن لرجل واحد ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء و (14) حينئذ ف لا يصير صاحب اللبن (15) بذلك مع اختلاف المرضعات أبا و لا أبوه جدا و لا المرضعة أما (16) لانتفاء الشرط و هو التوالي فتنتفي الحرمة حينئذ بانتفائه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل في محكي الخلاف و الغنية و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا الى موثق زياد بن سوقة(1)المتقدم سابقا و الى ما عرفت من أن الأصل الإنبات و الباقيان


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 292

علامتان، و مع الفصل لا يعلم إن لم نقل لا يحصل النبات و الاشتداد به و حده الذي هو المتبادر.

فمن الغريب بعد ذلك كله دغدغة صاحب المسالك في بعض أفراد ذلك، حيث إنه بعد أن ذكر أن لاعتبار التوالي جهتين: إحداهما ما ذكره المصنف من عدم النشر بإكمال العدد من مرضعة أخرى، و ذكر دعوى التذكرة الإجماع عليه، و الاستدلال له برواية زياد، قال: و هذه الرواية ناصة على المطلوب إلا أنك قد عرفت ما في سندها من الإشكال، و لعل التعويل على الإجماع أولى على ما فيه، و قد خالف في ذلك العامة كافة، فلم يعتبروا المرضعة بل اتحاد الفحل، و الأصل و عموم أدلة الرضاع تقتضيه، و تخصيصها باشتراط اتحاد المرضعة يحتاج الى دليل صالح، و الرواية ليست حجة مطلقا، أما على المخالف فظاهر، و أما علينا فلضعف السند.

و من ثم لم يعتبرها الأكثر في اشتراط كون العدد خمس عشرة، نظرا الى ذلك، فيبقى الاحتياج الى تحقيق الإجماع و حجيته، و فيه ما لا يخفى، ضرورة تحقق الإجماع و حجيته، و الخبر مع أنه من قسم الموثق الذي قد فرغنا من حجيته في الأصول معتضد بفتوى الأصحاب قديما و حديثا، معمول به فيما بينهم في المقام و غيره، فلا ينبغي حينئذ التوقف في عدم النشر بالإكمال من عدة نساء و إن كن لفحل واحد، و أنه لا يكون الفحل أبا و لا أحد من المرضعات اما، و ربما وافقنا على ذلك بعض العامة، نعم خالف فيه آخر منهم، فحكم بكونه أبا إذا كن لفحل واحد، لأن جميع اللبن له، كما لو اتحدت المرضعة، و الزوجات ظروف، و لا تلازم بين الأبوة و الأموة، فيمكن تحقق كل منهما بدون الآخر كما في النسب، و حينئذ فلو فرض كون المرتضع زوجة صغيرة لصاحب اللبن انفسخ نكاحها دونهن، و لكن يحرمن عليه لو كان ذكرا لأنهن موطوءات أبيه لا لكونهن أمهات له، كغيرهن ممن وطأ أبوه و إن لم يكن قد رضع منهن إذ الفرض عدم رضاعة من واحدة منهن ما تستحق به ذلك، و هو واضح، و إن كان فيه ما عرفت.

كوضوح كون المراد بالتوالي عدم الفصل بخصوص رضاع امرأة أخرى نصا

ج 29، ص: 293

و فتوى، فلا يقدح الفصل بالأكل و نحوه، بل و بوجود اللبن في فمه بلا خلاف أجده فيه، بل يظهر من المسالك و غيرها المفروغية منه، لكن قد يشكل ذلك بناء على كون العدد كاشفا عن الإنبات فيما لو كان الفصل بالأكل و نحوه على وجه يعلم عدم الإنبات بالخمس عشرة المتخللة، كما لو اتفق الفصل بين كل رضعتين مثلا حتى أكمل الخمس عشرة رضعة، اللهم إلا أن يقال: إن العدد المزبور كاشف شرعا و هو أدرى به، و يمكن أن يكون قد لاحظ الكشف في أغلب أفراده و جعلها علامة دائما محافظة على ضبط الشرع.

إنما الكلام في أن القادح في التوالي مسمى رضاع امرأة أخرى أو الرضعة الكاملة، فلا يقدح فيه حينئذ الناقصة، وجهان بل قولان، صريح القواعد الأول، بل لعله ظاهر المصنف و المحكي من عبارة المبسوط، بل في كشف اللثام نسبته إلى إطلاق الأصحاب، و في المسالك ينبغي أن يكون العمل عليه، و صريح المحكي عن التذكرة الثاني، لظهور لفظ «رضعة» في الموثق المزبور الذي هو الأصل في هذه الأحكام في ذلك، خصوصا بعد إرادة الكاملة منها في ضمن الخمس عشرة، مع ظهور اتحاد المراد منها فيهما، اللهم إلا أن يقال: إن المنساق من إضافتها إلى الامرأة و إن كانت هي بمعنى «من» إرادة مصداق الرضاع منها، لكنه كما ترى، و المناسب لإطلاق دليل الرضاع اعتبار الكاملة، فينبغي أن يكون العمل عليه و إن كان مراعاة الاحتياط أولى، هذا كله في العدد.

و أما التقديران الآخران فليس في النصوص اعتبار التوالي بهذا المعنى فيهما، فينبغي المدار على حصول مسماهما و عدمه، من غير فرق بين الفصل بالأكل و نحوه و بينه بالرضاع، فكل ما نافي حصول مسماها اعتبر عدمه، و لا ريب في اختلاف الأفراد في ذلك بحسب القلة و الكثرة، و تغذى الصبي و عدمه، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر من النص و الفتوى كون المراد بالتوالي عدم الفصل المزبور، فيكفي الأصل في الحكم به مع الشك، لا أن المراد به أمر وجودي يلزمه ذلك، فلا يكفي الأصل حينئذ في الحكم مع الشك به و إن علم حصول العدد من الامرأة،

ج 29، ص: 294

لما عرفته من ظهور النص و الفتوى بخلافه، مضافا الى إطلاق الرضاع، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد عرفت أنه لا بد في التقديران الثلاثة من ارتضاعه أي المرتضع من الثدي في قول مشهور، تحقيقا لمسمى الارتضاع، فلو وجر في حلقه أو أوصل إلى جوفه بحقنة و ما شاكلها من سعوط و تقطير في إحليل أو ثقب من جراحة أو نحو ذلك لم ينشر حرمة، لعدم صدق الارتضاع، و ل

خبر زرارة(1)عن الصادق عليه السلام «لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين»

الذي هو نص في المطلوب و إن كان ظاهره غير مراد، فيبقى حينئذ عموم الحل سالما بعد حرمة العمل على العلة المستنبطة، خلافا للعامة للقياس المعلوم بطلانه عندنا بعد فرض حصول موضوعه، بل عن بعضهم الحرمة بالسعوط، لأن الدماغ جوف للتغذي كالمعدة، أو لأن الحاصل فيه ينحدر إليها في عروق متصلة بها.

و كذا لو جبن فأكله جبنا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل في كشف اللثام نسبته إلى علمائنا أجمع إلا في الجور، فاعتبره الإسكافي و الشيخ في موضع من المبسوط، مع أنه قوى المشهور في مواضع أخر، ل

لمرسل (2)عن الصادق عليه السلام «وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع»

و لكن مع فقده شرائط الحجية و عدم صراحته لاحتمال إرادة المنزلة في الغذاء و نحوه قد أعرض عنه الأصحاب، و لدعوى شمول الرضاع، و هي ممنوعة، و لأن العلة في التحريم الإنبات، و هو حاصل بالوجور كالرضاع، و فيه منع كون العلة ذلك، و منع العمل على العلة المستنبطة، و يمكن أن يكون للرضاع مدخلية، فلا إشكال حينئذ في عدم اعتبار الوجور.

بل لا يبعد أن يكون في حكم وجور الحليب الوجور من الثدي، فإن المعتبر هو ما كان بالتقامه الثدي و امتصاصه، كما صرح به في كشف اللثام، بل قد يشك


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.

ج 29، ص: 295

في جريان حكمه بالامتصاص من غير رأس الثدي فضلا عن الامتصاص من غير الثدي كثقب و نحوه، بل و في جذب الصبي اللبن من الثدي بغير الفم، فتأمل.

و كذا يجب أن يكون اللبن بحاله، فلو مزج بأن ألقى في فم الصبي مائع مثلا و رضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا استهلكه أم لا غالبا أم لا لم ينشر إذ الرضاع و إن تحقق إلا أن المعتبر مع ذلك نصا و فتوى وصول اللبن، بل في كشف اللثام أن ذلك هو المفهوم من الرضاع و الإرضاع و الارتضاع، بل فيه أيضا أن في حكمه امتزاجه بريقه كذلك كما في التذكرة، و لو لم يخرجه عن الاسم جرى عليه الحكم ما لم يحصل مناف من جهة أخرى.

و لو ارتضع من ثدي الميتة تمام العدد مثلا أو رضع بعض الرضعات منها و هي حية ثم أكملها منها ميتة أو أكمل الرضعة الأخيرة منها كذلك لم ينشر الحرمة، لا لأن اللبن متنجس أو حرام أو ليس في محل الولادة أو نحو ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه، بل لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام العرفية التي منها صدق كونها مرضعة «و أَرْضَعْنَكُمْ» و نحو ذلك، فهي حينئذ كالبهيمة المرضعة (11) التي قد عرفت عدم نشر الحرمة بين الرضيعين منها، و النائمة و الغافلة و المغمى عليها و نحوها قد خرجن بالدليل على عدم اعتبار القصد، فيبقي اعتبار الحياة المستفاد من «أَرْضَعْنَكُمْ» و غيره بحاله، كل ذلك مع عدم ظهور خلاف فيه، بل في كشف اللثام لا حكم للبن الميتة، بالاتفاق أيضا كما يظهر من التذكرة. و (12) لكن في المتن مع ذلك فيه تردد، (13) و لعله مما عرفت و من إطلاق أدلة الرضاع الذي يجب الخروج عنه بما عرفت، لا أقل من الشك، و الأصل الحل.

و كذا يعتبر في النشر الوصول إلى معدة الصبي الحي، فلا اعتبار بغير المعدة، و لا بالإيصال إلى معدة الميت، لعدم الامتصاص و الارتضاع و الاغتذاء و نبات اللحم و شد العظم، فلو و جر حينئذ لبن للفحل في معدته لم يصر أبا له، و لا المرأة اما له، و لا زوجته حليلة ابن، كما هو واضح.

ج 29، ص: 296

[الشرط الثالث أن يكون في الحولين]

الشرط الثالث أن يكون في الحولين، و يراعى ذلك في المرتضع من حين انفصاله و لو بتكميل المنكسر من الشهور من الخامس و العشرين على وجه يكون شهرا هلاليا أو عدديا، و يحتمل إكماله مما يليه من الشهر و هكذا، فيجري الانكسار في الجميع حينئذ، و التكملة حينئذ هلالية أو عددية، و لعل الأقوى الأول إن لم يكن الدليل ظاهرا في إرادة تحقق الحولين المراد منهما أربعة و عشرون شهرا هلاليا على وجه يخرج المنكسر عنهما و إن لحقه الحكم، نحو ما سمعته سابقا في خيار الحيوان، و لعل هذا هو المراد من أحد الاحتمالين في جامع المقاصد، قال «و المعتبر في الحولين الأهلة كما في سائر أبواب الفقه، و لو انكسر الشهر الأول فاحتمالان».

و على كل حال فلا خلاف معتد به في اعتبار كون الرضاع في حولي المرتضع فلا عبرة بما بعدهما و لو في الشهر و الشهرين، بل الإجماع بقسميه عليه، لقوله أي النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيما رواه عنه الصادق عليه السلام في خبر منصور بن حازم (1)و قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (2)أيضا

لا رضاع بعد فطام

و معناه كما في الفقيه أنه إذا رضع الصبي حولين كاملين ثم شرب بعد ذلك من لبن امرأة أخرى ما شرب لم يحرم ذلك الرضاع، لأنه رضاع بعد فطام، أي بعد بلوغ سن الفطام،

قال حماد بن عثمان(3): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا رضاع بعد فطام، قال: قلت:

جعلت فداك و ما الفطام؟ قال: الحولان اللذان قال الله عز و جل»

و بذلك يعلم المراد من

قوله عليه السلام في صحيح البقباق(4): «الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم»

لا أن المراد منه اعتبار عدم فطامه قبل الحولين أيضا كما عن الحسن بن أبى عقيل، و إلا كان منافيا لإطلاق الأخبار و الفتاوى، بل لم نتحقق خلاف الحسن، لأن


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

ج 29، ص: 297

المحكي عنه اعتبار الفطام و يمكن إرادته سن الفطام، فلا خلاف حينئذ في نشره الحرمة فيهما و إن فطم الصبي.

إلا أنه مع ذلك فالإنصاف عدم خلو اعتبار ذلك عن قوة إن لم يقم إجماع، ضرورة كونه هو مقتضي قواعد الجمع بين الإطلاق و التقييد، و أصالة التأسيس و ظهور الفطام في الفعلي منه لا سنه، بل استعماله فيه مجاز، بل في الكافي في تفسير

قوله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا رضاع- إلى آخره- أن الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما يفطم لا يحرم ذلك الرضاع التناكح»

نعم ما عن الإسكافي من النشر بالرضاع بعد الحولين إذا لم يفطم مناف لصريح النص و الفتوى، بل الإجماع بقسميه، مع أنه لا دليل عليه إلا الإطلاق و المفهوم اللذين يجب الخروج عنهما بما عرفت، و

خبر داود بن الحصين (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «الرضاع بعد حولين قبل أن يفطم يحرم»

الضعيف بلا جابر، أو الموثق الموهون بما عرفت الذي رماه في التهذيب بالشذوذ، و حمله فيه و في الاستبصار على التقية، بل يمكن حمله على الحولين من ولادتها بناء على عدم اعتبار ذلك في التحريم، و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في أنه هل يراعى ذلك أيضا في ولد المرضعة الأصح عند المصنف و ابن إدريس و الفاضل في غير المختلف و الشهيدين و فخر الإسلام و الكركي و غيرهم بل ربما نسب إلى الأكثر أنه لا يعتبر للعموم، خلافا للتقي و ابني زهرة و حمزة، بل في الغنية الإجماع عليه، للأصل و إطلاق

«لا رضاع بعد فطام»(2)

و أخبار الحولين (3)و لأن

ابن فضال (4)سأل ابن بكير في المسجد فقال: «ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان؟ أ يفسد ذلك بينهما؟ قال: لا يفسد ذلك بينهما، لأنه رضاع بعد فطام، و إنما قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا رضاع بعد

فطام، أي أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن، و لا يفسد بينه و بين من شرب من لبنه، قال: و أصحابنا يقولون:


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4 و 5 و 8.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 6.

ج 29، ص: 298

إنها لا تفسد إلا أن يكون الصبي و الصبية مما يشربان شربة شربة»

و ربما حكي عن ظاهر التهذيبين الموافقة على هذا التفسير، و أجيب بمنع الإجماع، بل في كشف اللثام و غيره أنه ادعى الإجماع على خلافه، و أن الظاهر فطام المرتضع و الحولين من سنه، لأنه المبحوث عنه، لا ولد المرضعة، لعدم مدخليته في البحث ليكون الكلام فيه، و الأصل يجب الخروج عنه بإطلاق الأدلة فضلا عن غيره، و فهم ابن بكير الناشئ عن اجتهاد غير حجة و إن كان من أصحاب الإجماع، هذا.

و لكن قد يقال: إنه لا شهرة محققة على عدم اعتبار ذلك، فإنه في كشف اللثام قد اعترف بإجمال عبارة الشيخين و كثير، كما أنه في محكي المختلف حكي الإطلاق عن أكثر المتقدمين أو الإجماع.

قال في المقنعة: «و ليس يحرم النكاح من الرضاع إلا ما كان في الحولين قبل الكمال، فأما ما حصل بعد الحولين فإنه ليس برضاع يحرم به النكاح

قال رسول الله صلى الله عليه و آله (1): «لا رضاع بعد فطام، و لا يتم بعد احتلام، و لو أرضعت امرأة صبيا قد أكمل سنتين و كانت لها بنت جاز التناكح بينهما، إذ هو رضاع بعد انقضاء أيامه و حده على ما وصفناه».

و قال في محكي النهاية: «و ينبغي أن يكون الرضاع في مدة الحولين، فان حصل الرضاع بعد الحولين سواء كان قبل الفطام أو بعده قليلا كان أو كثيرا فإنه لا يحرم».

و في محكي المبسوط بعد أن ذكر عدم العبرة برضاع الكبير خلافا لعائشة قال: «الرضاع لا حكم له إلا ما كان في الحولين، فان رضع بعضه في الحولين و بعضه خارج عن الحولين لم ينشر الحرمة، و لا فرق بين أن يكون مفتقرا الى شربه أو مستغنيا».

و كذا في محكي الخلاف، فإنه بعد أن ذكر مسألة الكبير قال: «مسألة المعتبر في الرضاع المحرم ينبغي أن يكون في مدة الحولين، فان وقع بعضه


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 12.

ج 29، ص: 299

في المدة و بعضه خارجا عنها لم يحرم».

و في محكي المراسم «المحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لا يفصل بينها برضاع اخرى، و أن يكون اللبن لبعل واحد، و أن يكون الرضاع في الحولين، و لهذا نقول: إنه متى رضع أقل من العشر لم يحرم، أو رضع بعد الحولين لم يحرم» إلى غير ذلك من عباراتهم التي لا ظهور

فيها بإرادة حولي المرتضع خاصة، بل يمكن دعوى ظهورها في حولي الولادة مع ذلك، لأنه هو مقتضى التعريف في الحولين المشار به الى ما في الآية(1)المعلوم إرادتهما منها، بل من ذلك يظهر دلالة خبر حماد بن عثمان عليه أيضا، بل ليس في تفسير الفقيه للخبر المزبور منافاة لما ذكره ابن بكير، لأنه ذكر بعض الأفراد في مقابلة العامة الذين يحرمون برضاع الكبير، بل لعل ملاحظة ما في المبسوط و الخلاف و ذكرهما المسألتين مستقلتين أى رضاع الكبير و مدة الرضاع يشهد لما ذكره ابن بكير.

على أنه لو نزل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصة يكون لأحد عندهم لمدة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة، فإنه يبقى رضاعها مؤثرا و لو سنين متعددة، و هو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدر مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك، خصوصا بعد أن تعرض له العامة، فإنهم قد اختلفوا في تحديد مدة الرضاع، فذهب جماعة إلى أنها حولان لقوله تعالى (2)«وَ الْوالِداتُ» الى آخره فدل على أن الحولين تمام مدتها، فإذا انقضت فقد انقطع حكمها، و هو قول سفيان الثوري، و الأوزاعي و الشافعي و أحمد و إسحاق و المروي عن عمرو بن مسعود و أبى هريرة و أم سلمة، و عن مالك أنه جعل حكم الزيادة على الحولين إذا كان يسيرا حكم الحولين، و قال أبو حنيفة: مدة الرضاع ثلاثون شهرا لقوله تعالى (3):

«وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ» إلى آخره و فيه أنه لأقل مدة الحمل و أكثر مدة الرضاع، لأن الفصال

الفطام، و قال بعضهم: مدة الرضاع ثلاث سنين، الى غير ذلك من الشواهد


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 233.
2- 2 سورة البقرة: 2- الآية 233.
3- 3 سورة الأحقاف: 46- الآية 15.

ج 29، ص: 300

الكثيرة، لما ذكره ابن بكير، نعم قد ينافيه موثق داود بن الحصين (1)بناء على تفسيره بما سمعت، و لكن قد عرفت شذوذه.

و كيف كان فلو مضى لولدها أكثر من حولين ثم أرضعت من له دون الحولين نشر الحرمة على القول الأول، و لم ينشر على الثاني و لو رضع العدد إلا رضعة فتم الحولان ثم أكمله بعدها لم ينشر الحرمة على القولين، لتحقق الفطام في المرتضع و الولادة و كذا لو كمل الحولان و لم يرو من الأخيرة ضرورة عدم صدق تمام العدد فيهما أيضا و هو واضح. نعم ينشر على الأول إذا تمت الرضعة مع تمام الحولين للمرتضع و عليهما إذا تمت بتمام الحولين له و لولد المرضعة، لإطلاق أدلة الرضاع، و اختصاص النفي بما بعد الفطام الذي هو الحولان، لكن قد ينافي ذلك ما في صحيح البقباق (2)من كون الرضاع قبل الحولين الذي لا يصدق مع التمام، بل هو مقيد لإطلاق المفهوم السابق، اللهم إلا أن يراد منه قبل تجاوز الحولين لا قبل تمامهما، فلا يكون منافيا، و لعل ذلك أقوى و لو لفهم الأصحاب المؤيد بإطلاق الرضاع، و صدق كونه في الحولين الذي هو معقد الإجماع المحكي، نعم عن غاية المراد «يعتبر في نشر الحرمة في الرضاع أن يكون المرتضع دون الحولين طول مدة الرضاع إجماعا، و خلاف ابن

الجنيد حيث نشر الحرمة بعد الحولين ما لم يتخلل فطام ضعيف، لسبق الإجماع و تأخره» الى آخره، و يمكن أن يريد بقرينة ما حكاه عن ابن الجنيد بدون الحولين ما لا ينافي المقارنة، و الله العالم.

و لو جهل الحال فلم يعلم كونه في الحولين أو في غيرهما ففي القواعد و جامع المقاصد الحكم بالحل من غير فرق بين العلم بتاريخ أحدهما و عدمه، و لعله لقاعدة أن الشك في الشرط شك في المشروط، فيبقى أصل الإباحة بحاله، و لما عرفته منا مكررا من عدم الحكم بالاقتران مع تعارض الأصلين و جهل التاريخ، بل هو حادث و الأصل عدمه، و لا بتأخر المجهول عن المعلوم كما حررناه في محله، و حينئذ فأصل


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.

ج 29، ص: 301

الحل مرجح على أصل البقاء في الحولين الذي هو غير صالح لإثبات كون الرضاع فيهما، بل ظاهرهما كون الحكم كذلك حتى في حال الارتضاع مع الشك في زمن الولادة، و لعله كذلك، فتأمل.

[الشرط الرابع أن يكون اللبن لفحل واحد]

الشرط الرابع أن يكون اللبن لفحل واحد ف لا حرمة بين المرتضع و امه و أبيه فضلا عن غيرهم مع كون القدر المحرم من اللبن لفحلين، لشبهة، أو مفارقة للأول و تزويج للثاني، و بقاء الولد متغذيا في أثناء العدد بأكل أو وجور و نحوهما مما عرفت عدم قدح تخلله بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل موثق زياد بن سوقة(1)و غيره دال عليه بل يمكن القطع به من النص و الفتوى كالقطع منهما بأن المرأة مثلا لو أرضعت بلبن فحل واحد مأة حرم بعضهم على بعض، و كذا لو نكح الفحل عشرا و أرضعت كل واحدة واحدا أو أكثر القدر المحرم حرم التناكح بينهم جميعا إجماعا و نصوصا، و هو المراد مما اشتهر قديما من كون اللبن للفحل،

قال عبد الله بن سنان (2): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل، فقال:

هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام»

و قال سماعة(3): «سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس أ ينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ فقال: لا، لأنها أرضعت بلبن الشيخ»

وقال البزنطي(4): «سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة أرضعت جارية و لزوجها ابن من غيرها أ يحل للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي أرضعت؟ فقال: اللبن للفحل»

وروى مالك بن عطية(5)عن أبى عبد الله عليه السلام أيضا «في الرجل يتزوج المرأة فتلد منه ثم ترضع


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 13.

ج 29، ص: 302

من لبنها جارية أ يصلح لولده من غيرها أن يتزوج تلك الجارية التي أرضعتها؟

قال: لا، هي بمنزلة الأخت من الرضاعة، لأن اللبن لفحل واحد»

وقال صفوان (1)«قلت للعبد الصالح عليه السلام: أرضعت أمي جارية بلبني، قال: هي أختك من الرضاعة، قال: قلت: فيحل لأخي من أمي لم ترضعها بلبنه، يعني ليس لهذا البطن و لكن لبطن آخر، قال: و الفحل واحد؟ قلت: نعم هو أخي لأبي و أمي، قال: اللبن للفحل، صار أبوك أباها و أمك أمها»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على أن العبرة بلبن الفحل.

و لا ينافي ذلك

قوله عليه السلام في خبر أبى بصير(2)«في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية، ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا، ثم إنها أرضعت من لبنها غلاما، أ يحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الأخيرة؟ قال: ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه»

فان نفي المحبة ليس صريحا في عدم الحرمة، فيمكن أن يراد منه ما لا ينافيها، خصوصا بعد ما عرفت من النصوص المعتضدة بالفتاوي و عمومات الرضاع، و لعل هذا التعبير منه عليه السلام تقية ممن لا يحرم عنده لبن الفحل من العامة، كعروة بن الزبير و عبد الله بن الزبير و إسماعيل بن علية و داود الأصبهاني، و يروى أيضا عن سعيد بن المسيب و أبي مسلم بن عبد الرحمن و سليمان بن يسار و إبراهيم.

و على كل حال فلا إشكال في الحرمة مع اتحاد لبن الفحل على الوجه الذي عرفته، كما لا شك في عدمها مع عدمه على الوجه الذي سمعت، بل هو بهذا المعنى شرط في أصل الحرمة بالرضاع على قياس الشرائط السابقة له.

أما مع تعدده و لو مع اتحاد المرضعة كما لو أرضعت اثنين مثلا


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3- عن أبى الحسن عليه السلام و الكليني رواه في الكافي ج 5 ص 439 عنه عليه السلام و في ص 444 عن العبد الصالح عليه السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 5.

ج 29، ص: 303

بلبن فحلين الرضاع المحرم لم يحرم أحدهما على الآخر على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل عن المبسوط و السرائر و التذكرة و غيرها الإجماع عليه، لعدم اتحاد الفحل، فهو حينئذ شرط لخصوص الحرمة بين المتراضعين، لا أصل الرضاع، فإنه يحرم بالنسبة إلى المرضعة، و كل من الفحلين بالنسبة إلى لبنه، كما هو واضح،

قال العجلي (1)في الصحيح أو الحسن «سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل (2)وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً فقال: إن الله جل و عز خلق آدم من الماء العذب و خلق زوجته من سنخه فبرأها من أسفل أضلاعه، فجرى بذلك الضلع سبب و نسب، ثم زوجها إياه، فجرى بسبب ذلك بينهما صهر، و ذلك قول الله جل و عز نَسَباً وَ صِهْراً فالنسب يا أخا بني عجل ما كان من سبب الرجال، و الصهر ما كان من سبب النساء، قال:

فقلت له: أ رأيت قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فسر لي ذلك، فقال: كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام، فذلك الرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و كل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحدا بعد واحد من جارية أو غلام فان ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و إنما هو من سبب ناحية الصهر رضاع و لا يحرم شيئا، و ليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة، فيحرم»

وقال الساباطي (3)في الموثق «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام رضع من امرأة يحل له أن يتزوج أختها لأبيها من الرضاع؟ قال: فقال: لا قد رضعتا من لبن فحل واحد من امرأة واحدة، قال: قلت: فيتزوج أختها لأمها من الرضاعة، قال: فقال:

لا بأس بذلك، إن أختها التي لم ترضعه كان فحلها غير فحل التي أرضعت الغلام، فاختلف الفحلان، فلا بأس»

و قال الحلبي (4)في الصحيح «سألت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 5 ص 442.
2- 2 سورة الفرقان: 25- الآية 54.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.

ج 29، ص: 304

عن الرجل يرضع من امرأة و هو غلام أ يحل له أن يتزوج أختها لأمها من الرضاعة؟

فقال: إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا تحل، و إن كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحلين فلا بأس بذلك».

و بها معتضدة بما عرفت يخص عموم

قوله صلى الله عليه و آله و سلم(1): «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

خلافا للطبرسي، فاكتفى في الحرمة بالاشتراك بالأمومة للعموم السابق، و

خبر محمد بن عبيدة الهمداني (2)قال: «قال الرضا عليه السلام: ما يقول أصحابك في الرضاع؟ قال: قلت: كانوا يقولون اللبن للفحل حتى جاءتهم الرواية عنك أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فرجعوا إلى قولك، قال: فقال لي: و ذلك لأن أمير المؤمنين

سألني عنها البارحة، فقال لي: اشرح لي اللبن للفحل، و أنا أكره الكلام، فقال لي: كما أنت حتى أسألك عنها، ما قلت في رجل كانت له أمهات أولاد شتى فأرضعت واحدة منهن بلبنها غلاما غريبا؟ أ ليس كل شي ء من ولد ذلك الرجل من أمهات الأولاد الشتى محرم على ذلك الغلام؟ قال: قلت: بلى، قال: فقال أبو الحسن عليه السلام: فما بال الرضاع يحرم من قبل الفحل و لا يحرم من قبل الأمهات، و إنما حرم الله الرضاع من قبل الأمهات و إن كان لبن الفحل أيضا يحرم».

و فيه أن هذه الرواية قاصرة عن معارضة ما سمعت من وجوه منها هجرها، كما نبه عليه المصنف بقوله و فيه رواية أخرى مهجورة مع إمكان حملها على أن الرضاع من قبل الأم يحرم من ينسب إليها من جهة الولادة دون الرضاع، إذ لا إشكال و لا خلاف في أنه تحرم أولاد هذه المرضعة نسبا مثلا على المرتضع منها و إن لم يكن بلبن فحلهم، لعموم

«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»(3)

السالم عن المعارض، و إنما يشترط اتحاد الفحل بين المتراضعين


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 305

الأجنبيين منها، و ربما يومئ الى ذلك ظهور الخبر في حرمة الأولاد النسبيين للفحل، أو يحمل على التقية، فإنه مذهب العامة، كما حكاه عنهم في محكي السرائر قال فيها: «إن

كان لأمه من الرضاع بنت من غير أبيه من الرضاع فهي أخته لأمه عند المخالفين لا يجوز أن يتزوجها، و قال أصحابنا الإمامية بأجمعهم: يحل له تزويجها، لأن الفحل غير الأب، و بهذا فسروا قول الأئمة عليهم السلام في ظاهر النصوص، و ألفاظها المتواترة «اللبن للفحل» يريدون لبن فحل واحد، بل لعل قوله عليه السلام في الخبر المزبور: «كانوا يقولون» الى آخره ظاهر في معلومية الحال بين الشيعة».

و ما أبعد ما بين قول الطبرسي و بين ما اعتبره العلامة من اتحاد الفحل في نشر الحرمة من الرضاع، من عدم اختصاصه بين الرضيعين الأجنبيين من امرأة، بل اعتبره في كلما كان الرضاع من الطرفين منشأ للحرمة، و من هنا قال في القواعد:

«لا تحرم أم المرضعة من الرضاع على المرتضع و لا أختها منه و لا عمتها منه و لا خالتها و لا بنات أخيها و لا بنات أختها و إن حرمن بالنسب، لعدم اتحاد الفحل».

و أغرب من ذلك موافقة المحقق الثاني له، فإنه قال في شرح هذه العبارة:

«أطبق الأصحاب على أن حرمة الرضاع لا تثبت بين مرتضعين إلا إذا كان اللبن لفحل واحد- إلى أن قال-: فعلى هذا لو كان لمن أرضعت صبيا أم من الرضاع لم تحرم تلك الام على الصبي، لأن نسبتها اليه بالجدودة إنما يتحصل من رضاعه من مرضعته و رضاع مرضعته منها، و معلوم أن اللبن في الرضاعين ليس لفحل واحد، فلا تثبت الجدودة بين المرتضع و الأم المذكورة، لانتفاء الشرط، فينتفي التحريم، و من هذا يعلم أن أختها من الرضاع و عمتها منه و خالتها منه لا يحرمن و إن حرمن من النسب، لما قلناه من عدم اتحاد الفحل، و لو كان المرتضع أنثى لم يحرم عليه أبو المرضعة من الرضاع، و لا أخوها منه، و لا عمها منه، و لا خالها منه، لمثل ما قلناه، قيل:

عموم قوله صلى الله عليه و آله و سلم «يحرم» إلى آخره يقتضي التحريم هنا، و أيضا فإنهم قد أطلقوا على مرضعة المرضعة أنها أم و على المرتضعة بلبن أبي المرضعة أنها أخت فتكون الأولى جدة و الثانية خالة، فيندرجان في عموم المحرم للجدة و الخالة، و كذا

ج 29، ص: 306

البواقي. قلنا: الدليل الدال على اعتبار اتحاد الفحل خاص، فلا حجة في العام حينئذ، و أما الإطلاق المذكور فلا اعتبار به مع فقد الشرط، فإنهم أطلقوا على المرتضع أنه ابن للمرضعة، و على المرتضعة منها بلبن فحل آخر أنها بنت لها أيضا، و لم يحكموا بالأخوة المثمرة للتحريم بين الابن و البنت، لعدم اتحاد الفحل».

و فيه أن العمدة في الشرط المزبور ما مر من خبري الحلبي و عمار، و هما قد نصا على حرمة أخت المرضعة للأب، فيعلم أن المراد منه اشتراطه في الإخوة بالنسبة إلى المرتضعين الأجنبيين من امرأة واحدة في سائر المراتب، من غير فرق بين الخالات و الأخوال و الأعمام و العمات، فإن الإخوة على الوجه المزبور ملحوظة في الجميع، فاتحاد الفحل شرط في تحققها، لا كل ما كان حرمته من الرضاع و إن كان ربما يوهمه ذيل خبر العجلي، لكنه ليس كذلك نصا و فتوى، فيبقى حينئذ ما عداها على عموم

قوله عليه السلام «يحرم من الرضاع»

إلى آخره، ضرورة عدم التلازم بين اعتبار اتحاد الفحل في تحقق الاخوة المحرمة و إن كانا معا ولدين للمرضعة بالرضاع، و بين اعتباره في الجدة و العمة و نحوهما، على أنه يمكن أن يكون المراد بلبن الفحولة المستفاد من خبر العجلي الذي يكون منشأ و هم العلامة ما كان له أثر في المرتضع و لو بواسطة مرضعته و إن علت ما لم يتخلل فصل باختلاف فحلين، كالأخت الرضاعية من طرف الأم التي نصت الرواية على حليتها، فإنهما و إن اشتركا في لبن الجدودة إلا أنهما اختلفا في لبن الفحولة من طرف الأب الذي هو أقرب تأثيرا، و حينئذ يتحقق في الفرض اتحاد الفحل بهذا المعنى، و يتجه التحريم. و على كل حال فلا ريب في سهو قلمهما الشريف في ذلك، و الله العالم.

و كيف كان ف يستحب لمن استرضع وليا كان أو غيره أن يختار للرضاع العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة

قال الباقر عليه السلام (1)قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: «لا تسترضعوا الحمقاء و العمشاء فان اللبن يعدى و إن الغلام ينزع

الى اللبن، يعني إلى الظئر في الرعونة و الحمق»

وقال الصادق عليه السلام (2)«كان


1- 1 الوسائل الباب- 78- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 78- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.

ج 29، ص: 307

أمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا تسترضعوا الحمقاء، فان اللبن يغلب الطباع، و قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا تسترضعوا الحمقاء فان الولد يشب عليه»

و قال عليه السلام (1)أيضا «قال أمير المؤمنين عليه السلام: انظروا من ترضع أولادكم، فإن الولد يشب عليه»

و قال محمد بن مروان (2)«قال لي أبو جعفر عليه السلام: استرضع لولدك بلبن الحسان و إياك و القباح، فان اللبن يعدى»

و قال أيضا

في خبر زرارة(3): «عليكم بالوضاء من الظؤرة، فان اللبن يعدى»

الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها رجحان اختيار الزائد من الأوصاف الحسنة على المذكورة و مرجوحية اختيار أضدادها في الخلق و الخلق.

و من هنا قال المصنف و غيره: إنه لا ينبغي أن تسترضع الكافرة لما عرفت، و لفحوى

قول الباقر عليه السلام في حسن ابن المسلم (4): «لبن اليهودية و النصرانية و المجوسية أحب الى من ولد الزنا»

و منه يستفاد الجواز اختيارا، مضافا الى الأصل و

خبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (5)سأل الصادق عليه السلام «هل يصلح للرجل أن ترضع له اليهودية و النصرانية و المشركة؟ قال: لا بأس و قال:

امنعوهن من شرب الخمر»

فلا تقدح نجاسة اللبن حينئذ.

و لكن لا ريب أن الأولى عدمه إلا مع الاضطرار، بل الذي ينبغي معه أن تسترضع الذمية و يمنعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير

قال عبد الله بن هلال (6): «سألت الصادق عليه السلام عن مظائرة المجوسي، قال: لا، و لكن أهل الكتاب»

و قال(7): «إذا أرضعن، لكن فامنعوهن من شرب الخمر»

وقال:

أياض في خبر سعيد بن يسار(8): «لا تسترضع للصبي المجوسية، و تسترضع له اليهودية و

النصرانية، و لا يشربن الخمر و يمنعن من ذلك»

وقال الحلبي (9)«سألته عن رجل دفع ولده الى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها أو ترضعه في بيته، قال: ترضعه لك اليهودية و النصرانية في بيتك و تمنعها من شرب


1- 1 الوسائل الباب- 78- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 79- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 79- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
6- 6 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
7- 7 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 4.
8- 8 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
9- 9 الوسائل الباب- 76- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6.

ج 29، ص: 308

الخمر و ما لا يحل مثل لحم الخنزير، و لا يذهبن بولدك الى بيوتهن، و الزانية لا ترضع ولدك، فإنه لا يحل لك، و المجوسية لا ترضع ولدك إلا أن تضطر إليها»

و ربما كان ظاهر النص و الفتوى الوجوب تعبدا أو شرطا في جواز الاسترضاع، فليستأجرها مشترطا عليها ذلك إن لم تكن أمة له كي يتوجه له المنع، بل في كشف اللثام احتمال جوازه مطلقا من باب النهي عن المنكر، إذ لا فرق في التكليف بين المسلم و غيره و إن كان فيه أنه خارج عما نحن فيه، كما أنه يقوى عدم الوجوب، و يمنع من أصله، للأصل و الإطلاق و انسياق الندب في هذه النصوص المبتني ذلك فيها على المحافظة على طيب اللبن الذي قد عرفت تأثيره في الصبي.

و كيف كان فيستفاد من خبر الحلبي المزبور: أنه يكره أن يسلم إليها الولد لتحمله الى

منزلها مضافا الى عدم أمانتها عليه و ربما سقته مسكرا أو أطعمته لحم خنزير.

كما أن منه و من غيره يستفاد أنه تتأكد الكراهة في ارتضاع المجوسية و أنه يكره أن يسترضع من ولادتها من زنا و

سأل علي بن جعفر(1)أخاه موسى عليه السلام «عن امرأة زنت هل يصلح أن تسترضع؟ قال: لا يصلح، و لا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا»

نعم روي بعدة طرق أنه إن أحلها مولاها فعلها إذا كانت أمة طاب لبنها و زالت الكراهية

قال إسحاق بن عمار(2):

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن غلام لي و ثبت على جارية لي فأحبلها فولدت و احتجنا الى لبنها فإن أحللت لهما ما صنعا أ يطيب لبنها؟ قال: نعم»

وروى هشام بن سالم و جميل بن دراج و سعد بن أبي خلف (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «في امرأة الرجل يكون لها الخادم قد فجرت فتحتاج الى لبنها، قال: مرها فلتحللها يطيب اللبن»

و في مرسل جميل (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل كانت له مملوكة فولدت من فجوز، فكره مولاها أن ترضع له مخافة أن لا يكون ذلك جائزا له، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فحل خادمك من ذلك حتى يطيب اللبن».

و لكن مع ذلك قال


1- 1 الوسائل الباب- 75- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 75- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 75- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 39- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 29، ص: 309

المصنف هو شاذ مستبعدا تأثير التحليل فيما وقع و مضى محرما، و كأنه اجتهاد في مقابلة النص، و ربما حملت على الفضولي الذي تعقبته الإجازة، و لا بأس به و إن بعد في بعض ألفاظها، بل لا بأس بحمله على تأثير الاذن في التحليل و إن تأخر في الإخراج عن الزنا شبيه الاذن في بعض أفعال المعاملة، كالقبض و نحوه، و هذا كله في النظر في شروط الرضاع.

[و أما أحكامه ففيه مسائل]
اشاره

و أما أحكامه ف فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا حصل الرضاع المحرم انتشرت الحرمة من المرضعة و فحلها الى المرتضع]

الأولى إذا حصل الرضاع المحرم و هو ما اجتمعت فيه الشروط السابقة انتشرت الحرمة من المرضعة و فحلها الى المرتضع نفسه و نسله و منه إليهما ف صار هو و ما تولد منه ابنا لهما و صارت المرضعة له اما و صار الفحل الذي هو صاحب اللبن أبا و آباؤهما من الذكور و الإناث أجدادا و جدات و أولاد كل من هما من المرضعة أو غيرها و الفحل أو غيره إخوة (11) و أخوات و إخوتهما أخوالا (12) و خالات و أعماما (13) و عمات بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الظاهر اتفاق أهل الإسلام جميعا عليه إلا من لا يعتد به من العامة الذين قصروا الحرمة على الأمهات و الأخوات خاصة جمودا على ما في الآية(1)و هو معلوم البطلان خصوصا بعد تواتر

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2)«يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

المراد منه على الظاهر أن كلما يحرم من النسب يحرم نظيره في الرضاع، فيشمل حينئذ المحرم من جهة النسب و المحرم من جهة المصاهرة بعد وجود سببها نحوها في النسب، فالبنات و الأمهات و الأخوات و العمات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت منه نحوها من النسب في الحرمة، و كذا حليلة الابن الرضاعي و منكوحة الأب الرضاعي و أم الزوجة الرضاعية و الجمع بين الأختين الرضاعيتين و نحو ذلك كلها يستفاد تحريمها منه مضافا الى النسبيات.

نعم ينبغي ملاحظة خصوص أسماء المحرمات في إثبات الحرمة من جهة الرضاع، و كشف ذلك أن من الواضح البين عدم مدخلية للشارع في تحقيق موضوعات النسب من الأبوة و الأمومة و العمومة و الخؤولة و نحوها، بل هي ليست إلا كغيرها


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 310

من الألفاظ التي مرجعها إلى اللغة و العرف، و إنما جاء من الشارع أحكام رتبها عليها في النكاح و غيره، فالمحرمات السبع و ما حرم بالمصاهرة منها من حليلة الابن و منكوحة الأب

و أم الزوجة و نحو ذلك لا مدخلية للشارع في تحقيق أسمائها كما هو واضح، و كذلك لا مدخلية له أيضا فيما حصل بالرضاع من العلقة التي هو قال فيها:

«إنها لحملة كالحمة النسب»(1)

و لم يعهد من الشارع تحديد للأم من الرضاعة و لا الأخت منه و لا غيرها، بل هو لغة و عرفا و شرعا كحال ألفاظ النسب مرجعه إلى اللغة و العرف، فالأم من الرضاعة و الأب منه و الأخ منه مثلا و هكذا يرجع فيها إليهما على حسب الرجوع إليهما في أسماء النسب، و

قوله صلى الله عليه و آله و سلم:

«يحرم من الرضاع»

الى آخره ليس فيه إلا بيان ما يحرم بالرضاع، أي كل شخص من أشخاص المحرم مما كان موضوعه اسما من أسماء النسب، و نظيره مما هو مسمى باسمه من الرضاع محرم، من غير فرق بين موضوع المحرم في النسب و المصاهرة و غيرهما، فيكون المقصود منه بيان ما يحرم به لا بيان كيفية علقته و كيفية تأثيره بالنسبة الى ما يرجع الى موضوع الحكم مما ليس هو وظيفة الشرع.

و بذلك كله اتضح لك ما ذكره غير واحد من الأصحاب من قصر نشر الحرمة في الرضاع بين

الأب الرضاعي و الأم الرضاعية و المرتضع دون غيرهم من أصول المرتضع، و ذلك لانحصار عنوان ما يحرم من النسب فيهم، ضرورة كون الأب في النسب و إن علا يحرم عليه كلما تولد منه من الإناث و لو بوسائط، فكذلك يحرم على الأب الرضاعي كلما تولد منه كذلك، و الأم النسبية و إن علت يحرم عليها كل ما تولد و لو بوسائط فكذلك الأم الرضاعية، و هكذا في كل عنوان من أسماء النسب التي جعلت موضوعا للحل و الحرمة في مصاهرة و غيرها يجري في نحو ذلك العنوان


1- 1 لم نعثر على هذه الرواية مع التتبع التام في مظانها و انما الموجود بهذا السياق قوله صلى الله عليه و آله:« الولاء لحمة كلحمة النسب» و قد رواه في الوسائل في الباب- 42- من كتاب العتق الحديث 2 و 6 نعم ذكر السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ذيل الآية 23 من سورة النساء « الرضاع لحمة.» و لا اعلم أنه هل أخذه من كتب الحديث أو من الكتب الفقهية كالجواهر و أمثاله

ج 29، ص: 311

من الرضاع، و ليس شي ء منها موجودا في أصول المرتضع و فروع أصوله النسبيين، نعم هي متحققة في فروعه خاصة و من هنا كان نشر الحرمة مقصورا في الثلاثة و عام للمحرم من حيث النسب و من حيث المصاهرة، و تحريمه في الأخيرة على حسب تحريمها في النسب، لأنه إنما يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فلا بأس حينئذ للفحل أن ينكح أخت المرتضع نسبا و إن كانت هي أخت ولده، ضرورة عدم كونها بنتا رضاعية و لا ربيبة كذلك عرفا، و المحرم في النسب منها البنت و الربيبة، و مثلهما من الرضاع يحرم عليه، و أما أخت الولد التي هي قدر مشترك غير موجود في الخارج في غير الفردين المذكورين اللذين قلنا بحرمة مثلهما من الرضاع، فليس من عنوان المحرم في النسب كي يتجه تحريمه بعد فرض انحصار المحرم في الشريعة في البنت و الربيبة من النسب و الرضاع، و الفرض أنها ليست منهما في العرف و اللغة، و دعوى أنها بنت من الرضاعة شرعا له باعتبار ارتضاع أخيها بلبنه واضحة الفساد، للقطع بعدم علقة عند الشارع للرضاع غير العلقة العرفية التابعة للنسبية التي أومأ إليها رب العزة بعد ذكره المحرمات من النسب بقوله تعالى (1)«وَ أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ» مكتفيا عن غيرهما بقياسها على أسماء المحرم في نسب أو مصاهرة من العمة و الخالة فيها و حليلة الابن و منكوحة الأب و أم الزوجة و هكذا.

و قد ظهر لك من ذلك أن

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (2): «يحرم من الرضاع»

الى آخره المتفق عليه بين المسلمين، بل الظاهر تواتره عند الفريقين من جوامع الكلم التي قد أوتيت للنبي صلى الله عليه و آله و سلم، و من الكلام الذي قد اختصر له اختصارا، كما أنه قد ظهر لك عدم احتياجه الى بيان من يحرم عليه بالرضاع ضرورة صراحته في أن موضوع المحرم به هو موضوع المحرم بالنسب، و المحرم عليه فيه محرم عليه فيه، و بالجملة هو هو لكن مع ضم اسم الرضاع و لفظه الى اسم المحرم بدونه، فنقول بدل تحريم الأخت من النسب تحريم الأخت من الرضاعة، و البنت كذلك، و هكذا في حليلة الابن و منكوحة الأب، و الجمع بين الأختين و غير ذلك مما هو من أسماء النسب تضيف اليه لفظ


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 312

«من الرضاع» و يبقى الحكم بحاله من الحل و الحرمة و المحلل له و المحرم عليه، فلا تغيير لعبارة تحريم النسب بشي ء إلا بزيادة لفظ «من الرضاعة» إلى موضوع التحريم الذي هو اسم من أسماء النسب، فان ذلك هو المعيار و المدار، فكل شي ء أردت معرفته من الرضاع تنظر الى شخص عنوان حرمته في النسب، و تضيف اليه من الرضاعة و تحكم بالحرمة.

و لا يشتبه عليك أن المراد بنشر الرضاع الحرمة في المصاهرة أنه يحدث مصاهرة بمعنى أن الأجنبية لو أرضعت ولدك مثلا صارت بمنزلة زوجتك، فتحرم أمها، لأنها من أمهات نسائكم، كما توهمه جماعة، بل المراد من نشره ذلك على حسب النشر في النسب، أي لا بد من وجود سبب المصاهرة و هو النكاح، نعم الرضاع جعل الأم لها في الرضاعة بمنزلة الأم من النسب في الحرمة التي تسبب فيهما معا عن النكاح، و كذلك منكوحة الأب الرضاعي و الابن الرضاعي و الجمع بين الأختين من الرضاعة.

و بالجملة الرضاع يوجد العلقة النسبية و يتبعها التحريم بالنسب أو بالمصاهرة، لا أنه يوجد المصاهرة، ضرورة عدم اقتضاء الدليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، بل يمكن تحصيل الإجماع أو الضرورة على ذلك إلا ما دل عليه دليل بخصوصه لا يتعدى منه الى غيره كما ستعرف.

فظهر لك أن المدار على عنوان النسب الذي صار موضوعا للمحرم في مصاهرة أو غيرها لا نظائره، فلا يشتبه عليك ذلك بما ينتزع من ألفاظ الأقدار المشتركة مما هي ليست من أشخاص عنوان المحرم في النسب، كما وقع فيه جملة من الأعاظم و ارتطم عليهم الأمر حتى وقع منهم تحريم جملة مما أحله الله غفلة عن حقيقة الحال.

بل لا يحتاج الى ما في التذكرة من استثناء أربع صور من ضابط

«يحرم من الرضاع»

الى آخره، حيث قال: «يحرم في النسب أربع نسوة قد يحرمن في الرضاع و قد لا يحرمن: الأولى أم الأخ في النسب حرام، لأنها إما أم أو زوجة أب، و أما في الرضاع فان كانت كذلك حرمت أيضا، و إن لم تكن كذلك لم تحرم، كما لو أرضعت أجنبية أخاك أو أختك لم تحرم. الثانية أم ولد الولد حرام، لأنها

ج 29، ص: 313

إما بنته أو زوجة ابنه، و في الرضاع قد لا تكون إحداهما، مثل أن ترضع الأجنبية ابن الابن، فإنها أم ولد الولد، و ليست حراما. الثالثة جدة الولد في النسب حرام، لأنها إما أمك أو أم، زوجتك، و في الرضاع قد لا تكون كذلك كما إذا أرضعت أجنبية ولدك، فأن أمها جدته و ليست بأمك و لا أم زوجتك. الرابعة أخت ولدك في النسب حرام عليك، لأنها إما بنتك أو ربيبتك، و إذا أرضعت أجنبية ولدك فبنتها أخت و ليست ببنت و لا ربيبة». ضرورة عدم كون شي ء منها عنوانا للمحرم في الشرع، بل موضوع المحرم في الأولى من النسب الأم و منكوحة الأب، و مثلهما في الرضاع حرام أيضا لا أم الأخ كي يحتاج الى استثناء فرد من نظيره في الرضاع. و في الثانية البنت و حليلة الابن و مثلهما من الرضاع كذلك لا أم ولد الولد كي يحتاج الى ما ذكر. و في الثالثة الأم و أم الامرأة، و مثلهما في الرضاع ثابت لا جدة الولد.

و في الرابعة البنت و الربيبة، و مثلهما في الرضاع ثابت لا أخت الولد الذي هو لفظ منتزع للقدر المشترك، إلا أنه اتفق انحصار أفراده في النسب في المحرم بخلافه في الرضاع، و ليس هو مما جعله الشارع عنوانا للمحرم، اللهم إلا أن يريد العلامة بهذا الاستثناء الذي هو في الأصل لبعض العامة اختصاص خروج الرضاع عن النسب حتى في ألفاظ لوازم النسب الاتفاقية في هذه الألفاظ الأربعة، بمعنى أنه ليس هناك لفظ و لو للازم النسب ينفرد به عن نظير له في الرضاع إلا هذه الألفاظ، لكن ذلك على فرض تماميته ليس له كثير فائدة.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا ما أطنب به القائلون بعموم المنزلة، خصوصا جدي الفاضل المتبحر الآخوند الملإ أبو الحسن الشريف في رسالته الرضاعية، بل و يظهر لك أيضا جملة مما ذكره السيد الداماد في رسالته التي عملها في هذه المسألة، و تسمع إن شاء الله زيادة تحقيق لذلك.

ج 29، ص: 314

كما أنه قد ظهر لك الوجه في

[المسألة الثانية كل من ينسب الى الفحل من الأولاد ولادة و رضاعا يحرمون على هذا المرتضع]

المسألة الثانية و هي كل من ينسب الى الفحل من الأولاد ولادة و رضاعا يحرمون على هذا المرتضع، لأنهم إخوة من الأب و الأم أو من الأب، و الأخوات من عنوان المحرم بالنسب فيحرم مثله في الرضاع، و كذا كل من ينسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة لكونهم إخوة من الأم، فيحرمون و بينهم و إن نزلوا عليه و لا يحرم عليه من ينسب إليها بالبنوة رضاعا من غير لبن فحله و إن كان هو أخا من أم، لما عرفت من صراحة النصوص (1)في اعتبار اتحاد الفحل في الحرمة، فيختص هذا الفرد بالخروج من عموم

قوله صلى الله عليه و آله (2): «يحرم»

الى آخره، خلافا للطبرسي كما تقدم الكلام فيه مفصلا، و هل يحرم عليه نسل الإخوة من الام نسبا و رضاعا بمعنى المرتضع بلبن الأخ من الأم؟ الظاهر ذلك، لعموم الخبر و اختصاص الاشتراط في المرتضعين من امرأة واحدة كما سمعت البحث فيه مفصلا، و الله العالم.

[المسألة الثالثة لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة و لا رضاعا و لا في أولاد زوجته المرضعة ولادة]

المسألة الثالثة لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة و لا رضاعا و لا في أولاد زوجته المرضعة ولادة لا رضاعا لأنهم صاروا في

حكم ولده كما في النص (3)وفاقا للشيخ في غير المبسوط و ابني حمزة و إدريس، بل نسبه بعضهم


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 315

إلى الشهرة، بل ربما ادعي الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة ك

صحيح ابن مهزيار(1)قال: «سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه السلام إن امرأة أرضعت لي صبيا، فهل يحل لي أن أتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي: ما أجود ما سألت، من ها هنا يؤتى أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غير، فقلت له: إن الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها، فقال: لو كن عشر متفرقات ما حل لك منهن شي ء، و كن في موضع بناتك»

و صحيح الحميري (2)قال: «كتبت الى أبى محمد بن الحسن بن علي العسكري عليه السلام امرأة أرضعت ولدا لرجل هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا؟ فوقع عليه السلام لا تحل له»

و صحيح أيوب بن نوح (3)قال: «كتب علي بن شعيب الى أبى الحسن عليه السلام امرأة أرضعت بعض ولدي أ يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه السلام لا يجوز ذلك، لأن ولدها صار بمنزلة ولدك»

و المناقشة- بأن ولدها و ولد الفحل لم يكونوا بالرضاع إلا أخوة ولده، و هم غير محرمى النسب، ضرورة اشتراك ذلك بينه و بين الربائب المتوقف حرمتهم على الدخول بأمهم و ليس، و قد عرفت أن الرضاع إنما يحرم ما يحرم بالنسب خاصة، لا الأعم منه و من المصاهرة المتوقف تحريمها في النسب على سبب آخر و هو النكاح فضلا عن الرضاع- كأنها من الاجتهاد في مقابلة النص، فما عساه يظهر من المبسوط و القاضي بل و ابن فهد من الحل في الجميع في غير محله.

و من الغريب ما عن الآبي من الحل، و أنه المشهور، لكن المحكي من عبارته أنه قال: «لا شبهة أن أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا لا تحرم على أبي المرتضع، ل

قولهم عليهم السلام: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»

و هذا لا يحرم في النسب فلا يحرم في الرضاع، لكن ذهب الشيخ في الخلاف و النهاية إلى تحريم ذلك تمسكا برواية علي بن مهزيار و رواية أيوب بن نوح، و ما أعرف في هذه المسألة مخالفا، فهي مشهورة بين الأصحاب، و عليها العمل» و يمكن أن يريد بنفي الشبهة عن اقتضاء


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 316

القواعد ذلك و إن خرجنا عنها بالنصوص، كما عساه يشهد له التعبير بالأشبه المعروف إرادة ما ذكرناه منه في نسخة قديمة، و حينئذ فيكون عدم معرفته الخلاف بالنسبة إلى التحريم الذي نقله عن الشيخ و أتباعه، لا كما توهمه بعضهم منه من العكس، و أن المراد نفي معرفته من غير الشيخ و أتباعه، فان أستاده المحقق و قبله ابن إدريس مصرحان بالحرمة، فالمسألة حينئذ لا ريب فيها، و كان الوجه في تخصيص ولد المرضعة بالنسبي دون الفحل عدم حرمة الرضاعي منها على ولده الذي هو المنشأ في التحريم عليه، لما عرفت من اعتبار اتحاد الفحل بخلاف صاحب اللبن، فان جميع أولاده يحرمون على المرتضع نسبا و رضاعا كما تقدم، مضافا الى ما أشار إليه خبر عيسى من أن المنشأ في التحريم لبن الفحل الذي هو مشترك بين الرضاعي و النسبي، بل قد لا يشرب النسبي منه، فلا إشكال في الحكم حينئذ.

و من الغريب تردد بعض متأخري المتأخرين في أصل الحرمة، بعد ما سمعت من النصوص المعتبرة المعتضدة بالعمل و الاحتياط، و أصالة الحرمة في وجه، السالمة عن معارضة ما عدا الأصل المقطوع بعد تسليمه و ما عدا ما يفهم من نصوص الرضاع من كون عنوان المحرم منه ما يحرم من النسب، و الفرض عدمه في المقام كما عرفت الذي يمكن منع دلالتها على الحصر في ذلك. فلا تنافي حينئذ بينها و بين أدلة المقام، و مع التسليم- بل لعله الظاهر المنساق منها، خصوصا بعد ذكرها في مقام التحديد و البيان- يجب تخصيصها بما هنا، كما هو مقتضى القواعد، لا حملها على الكراهة البعيدة عن سياقها، خصوصا خبر ابن مهزيار منها.

و إنما الكلام في أنه هل ينكح أولاده الذين لم يرتضعوا من هذا اللبن في أولاد هذه المرضعة و أولاد فحلها؟ قيل و القائل الشيخ في الخلاف و النهاية:

لا يجوز، بل عن الأول منهما الإجماع عليه، لاستلزام صيرورتهم أولادا لأبيهم الأخوة بينهم، بل الحرمة بينهم من مقتضى حكم إطلاق المنزلة.

و لكن مع ذلك الوجه الجواز وفاقا للمحكي عن الأكثر، للأصل بعد منع الإجماع المزبور، بل المحكي عنه نفسه في المبسوط الحكم بالجواز، و من هنا

ج 29، ص: 317

احتمل في إجماعه أنه على التحريم على الأب أو على المنزلة في الجملة، بل قيل: إنه لا خلاف في الجواز، لرجوعه عن الحرمة فيهما إلى الجواز في المبسوط المتأخر عنهما، كما أن المحكي عن الشهيد في بعض تحقيقاته من الحرمة أما أنا لم نتحققه قد رجع عنه في اللمعة التي هي آخر ما صنف، فقطع بالجواز، و منع استلزام التنزيل المزبور ذلك، ضرورة إمكان كون المراد منه ذلك بالنسبة إلى التحريم على الأب، بل لعله المنساق منه، خصوصا خبر ابن مهزيار منها، بل المنساق من كل علة لحكم أنها علة للحكم الذي سيقت له، على أن منصوص العلة بناء على حجيته في غير محل العلة يراد منه تسرية الحكم في كل موضوع وجدت فيه العلة، نحو «حرمت الخمر لإسكاره» المقتضي لحرمة كل مسكر، و مقتضى ذلك الحرمة في كلما صاروا في حكم ولده، لا الحرمة بالنسبة إلى أولاده، ضرورة عدم كون ذلك من مفاد العلة، بل هو قسم من مستنبط العلة بتقريب أنهم إذا صاروا بحكم ولده استلزم ذلك صيرورة ولده إخوة لهم، فيحرم نكاحهم فيهم.

بل تعدى بعض هؤلاء المتوهمين، و قال: إن ولد الفحل و المرضعة ما حرموا على أبى المرتضع إلا لصيرورتهم إخوة ولده، و هم في النسب منحصرون في الأولاد و الربائب، فيحرمون في الرضاع، و مقتضى ذلك التحريم بالرضاع لكل امرأة صارت بمنزلة امرأة محرمة نسبا أو مصاهرة و إن لم يوجد سببها، فتحرم أم المرضعة على أب المرتضع، لصيرورتها بمنزلة أم الزوجة باعتبار كونها جدة ولده، بل ربما صرح بعض هؤلاء بحرمة أختها عليه، و حينئذ فإذا أرضعت ولده أخت زوجته حرمت امرأته عليه، بل صرح بعض هؤلاء في رسالته بنشر الحرمة أيضا من الفحل، و أولاده في آباء المرتضع و أولادهم إذ كما حرم على أبى المرتضع لكونهم بمنزلة ولده باعتبار إخوتهم لولده كذلك بالنسبة إلى الفحل و أولاده، ضرورة صيرورة المرتضع ولدا له بالرضاع، فيكون إخوته بمنزلة الولد له على حسب ما سمعته في أب المرتضع، فيحرمون عليه، و هكذا بالنسبة إلى جداته من طرف الأب و الأم على حسب العموم في أب المرتضع.

ج 29، ص: 318

و بالجملة متى ارتضع المرتضعان من امرأة واحدة و لبن فحل واحد انعقدت الأخوة بينهما و بين إخوة كل منهما، و انتشرت الحرمة فيهم و في الآباء النسبيين و الرضاعيين، من غير فرق بين المصاهرة و النسب.

بل وقفت على بعض الرسائل المعمولة في هذه المسألة، فرأيت فيها أمورا عجيبة و أشياء غريبة يقطع من له أدنى نظر بخروجها عن المذهب أو الدين، حتى التزم فيها حرمة كل امرأة أرضعت أولاد بعض المحرمات نسبا أو رضاعا، لصيرورتها بالرضاع بمنزلة تلك المحرمات، فمرضعة ابن العمة عمة و ابن الخالة خالة و هكذا، بل مقتضى ما ذكروه في رسائلهم حرمة بنات عم رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم جميعهن بسبب رضاعه مع عمه حمزة عند امرأة واحدة بلبن فحل واحد، فإنه بذلك صار أخا له، و استلزم ذلك أخوه النبي لجميع إخوة حمزة، فلا يجوز له نكاح أحد من بنات عمه، و هو مخالف لصريح قوله تعالى(1): «إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ- إلى قوله- وَ بَناتِ عَمِّكَ وَ بَناتِ عَمَّاتِكَ» و لمفاخرة الصادق أو الباقر عليهما السلام مع الرشيد في تزويج النبي صلى الله عليه و آله و سلم منه لو خطب منه كريمته (2)و هي مشهورة معروفة، بل مخالف لصريح

موثق يونس بن يعقوب (3)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة أرضعتني و أرضعت

صبيا معى و لذلك الصبي أخ من أبيه و أمه فيحل لي أن أتزوج ابنته؟ قال: لا بأس»

بل هو مناف ل

موثق إسحاق بن عمار(4)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج أخت أخيه من الرضاع، فقال: ما أحب أن أتزوج أخت أخي من الرضاعة»

ضرورة ظهورها في الكراهة، فلا بد من حملها على إرادة الأخت من الرضاعة لأخيه من النسب، بمعنى أن أخاه النبي قد ارتضع من امرأة، و لها بنت من أبيه الرضاعي أو من غيره، فإنه يحل لأخيه النسبي نكاح هذه البنت و إن كانت أختا لأخيه و محرمة


1- 1 سورة الأحزاب: 33- الآية 50.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 3 و فيه أن موسى بن جعفر عليهما السلام قال للرشيد، و لا يخفى أن الصادقين عليهما السلام لم يكونا في عهد الرشيد.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالنسب الحديث 2.

ج 29، ص: 319

عليه، لكن لا يحرم مثله من النسب، فبالرضاع أولى، أو أن المراد لو ارتضع صبي معي من لبني فصار أخي من الرضاعة و له أخت من النسب، فإنه يحل لي أن أتزوجها على كراهة لما عرفت، لا أن المراد الأعم من ذلك و من الأخت التي ارتضعت بلبني مثلا مع أخي، فإنها حرام لكونها أختا من الرضاعة، لا أخت أخ، إذ المراد بها كل من ارتضع بلبنك سواء كانت معك أو لا.

فمن الغريب ما وقع لجدي في رسالته من الاستدلال بهذا الموثق على التحريم مدعيا أنه المراد من قوله عليه السلام «ما أحب» و إلا لزم حلية خلاف المعلوم مما عرفت، فيحمل على

العموم، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت، و من الغريب حمله الموثق الأول في رسالته أيضا على التقية أو على عدم اتحاد الفحل، فإنه لم نعرف الداعي الى هذا الحمل.

و أغرب من ذلك دعوى هؤلاء أن الأصحاب جميعهم على هذا التعميم، مع أنا لم نقف لهم على شي ء من ذلك سوى ما عرفته من حرمة نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا و في أولاد المرضعة ولادة لظاهر النصوص السابقة، مع أن جماعة حملوها على الكراهة و نفوا التحريم اقتصارا على اختصاص حرمة الرضاع بما يحرم من النسب، و هو جيد لو لا النصوص المزبورة التي لا يخفى ظهور

قوله عليه السلام في خبر ابن مهزيار(1): «هذا هو لبن الفحل لا غير»

و قوله عليه السلام: «حرمت عليه من قبل لبن الفحل»

في اختصاصها بالاستثناء، و أنها من المسائل التي يصاب الناس فيها، أي العامة، حيث اقتصروا في التحريم على ما يحرم من النسب، و ليس هذه المسألة منه، كما هو واضح بأدنى تدبر للخبر المزبور، أو يراد مطلق الناس على معنى أنه يتأتى قول الناس أي يصح، لأن هذا لبن الفحل، أو غير ذلك مما هو مذكور في الوافي و غيره.

بل المتجه بناء على ما ذكرناه الاقتصار على مفادها و مفاد الفتاوى، فلا يتعدى الى أمهات الفحل، و لا إلى أخواته و غيرها، و كذا المرضعة، بل لا يبعد


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.

ج 29، ص: 320

جواز نكاح أم المرتضع في أولاد صاحب اللبن في أولاد المرضعة، لأن صيرورتهم بحكم الأولاد لأبي المرتضع لا يقتضي ذلك بالنسبة إلى أم المرتضع إلا بالقياس الممنوع عندنا، نعم لا يبعد إرادة الأب و إن علا للمرتضع مع احتمال الاقتصار، كما لا يبعد إلحاق الأب الرضاعي للنسبي في الحرمة.

و سوى ما عن الخلاف و النهاية و الوسيلة من حرمة أولاده في أولاد الفحل و المرضعة، للتعليل بأن أولادهما بحكم أولاده، و هو يقتضي كونهم بمنزلة الإخوة للمرتضع لأبيه، و هو ممنوع، فان الربيبة بمنزلة الولد في الحرمة على الأب، و لا تحرم على أولاده من غير تلك الامرأة، و التعليل للحرمة فيما سيق له من الحرمة على الأب كما عرفت الكلام فيه مفصلا:

و سوى ما عن الشيخ في الخلاف و النهاية من حرمة نكاح الفحل في إخوة المرتضع، بل عن ابن إدريس موافقته على ذلك، مع شدة منافاة المحكي عنه في غير ذلك للتعميم المزبور، بل قال: «إنه هو الذي يقتضيه مذهبنا لأنه لا يجوز في النسب أن يتزوج الرجل بأخت ابنه و لا بأم امرأته فكذا في الرضاع» بل ظاهر المحقق الثاني في الرسالة الموافقة على ذلك مع شدة إنكاره على هذا التعميم، لكن قال هنا: «الظاهر عدم الفرق بين بنات الفحل بالنسبة الى أبي المرتضع و أخوات المرتضع بالنسبة إلى الفحل نظرا إلى العلة المذكورة في الحديثين، فان كانا حجة وجب التمسك بمقتضى العلة المنصوصة، و إلا انتفى التحريم في المقامين» و فيه أن ذلك ليس من مقتضى العلة و إنما هو نظيرها، ضرورة اقتضائها صيرورة أولاد الفحل و المرضعة أولادا لأبي المرتضع، لا الأعم من ذلك و من العكس، على أن أخت الولد ليس من عنوان النسب، لأن حرمتها لكونها بنتا أو ربيبة دخل بأمها، و الرضاع لا يؤثر مصاهرة، و خروج ذلك عن القاعدة بالنسبة الى أبى المرتضع لا يقتضي الخروج بالنسبة إلى الفحل، فمن الغريب ما وقع للمحقق الثاني من الحكم هنا بالتحريم لما عرفت، مع نهاية محافظته عن الوقوع في القياس، حتى أنه أنكر على العلامة

ج 29، ص: 321

و الشهيد و غيرهم في المسألة الآتية.

و سوى ما عن الشيخ في الخلاف و ابن إدريس أيضا من حرمة نكاح الفحل أم أم المرتضع، لحرمة ذلك في النسب فيحرم مثله في الرضاع، و لظهور خبر ابن مهزيار(1)فيه، بل هو ظاهر الفاضل في المختلف، فإنه بعد أن حكي عن المبسوط الجواز قال: «و هو و إن كان قويا إلا أن رواية ابن مهزيار على خلافه، فإن الإمام عليه السلام حكم فيها بتحريم أخت الابن من الرضاع و جعلها بمنزلة البنت، و لا ريب أن أخت الابن إنما تحرم بالنسب لو كانت بنتا و السبب لو كانت بنت زوجة، فالتحريم هنا باعتبار المصاهرة، و جعل الرضاع كالنسب في ذلك، فيكون في أم الأم كذلك قال: و لو لا هذه الرواية لقلت بقول الشيخ رحمه الله» و نحوه

محكي عن الشهيد في النكت، ثم قال: «و ليس هذا قياسا لأنه تنبيه بجزئي من كلي على حكم الكلي».

و فيه أن ذلك من القياس المنهي عنه، ضرورة صدق تعريفه عليه، إذ ليس هو إلا تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع، لظن علة متحدة فيهما، و الأصل فيما ذكره هو أخت الولد من الرضاع، و الفرع هو جدة الولد منه، و الحكم المطلوب تعديته هو التحريم الثابت بالأصل في النص، و ما يظن كونه علة التحريم هو كون أخت الولد من الرضاع في موضع من يحرم من النسب، أعني البنت النسبية، و هذا بعينه قائم في جدة الولد من الرضاع، فإنها في موضع جدته من النسب، بل لعل ذلك أسوء حالا من القياس الذي قد عرفت أنه تعدية الحكم من جزئي إلى آخر، لاشتراكهما فيما يظن كونه علة الحكم، و هو رحمه الله قد حاول تعدية الحكم من الجزئي إلى الكلي و نبه على العلة و ثبوتها في أول كلامه، و أغرب في عبارته فسمى ذلك تنبيها على الحكم، و نفى عنه اسم القياس.

و كأن الذي أوقع بعض متأخري المتأخرين في الوهم هو صدور مثل ذلك من الشهيد و بعض عبارات الخلاف و التذكرة الظاهرة في الإجماع على بعض ما يوافق


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 10.

ج 29، ص: 322

التعميم المزبور، إلا أنه مع احتمال كون المراد منها غير ذلك و رجوعهما (و رجوعهم خ ل) عن ذلك في باقي مصنفاتهم و اضطراب كلماتهم في المسائل الأربعة التي قد عرفت البحث فيها لا ينبغي الإقدام في هذه المسائل على أمثال ذلك التي هي ليست مظنة الإجماع، بل يمكن دعواه بالعكس.

بل يظهر من غير واحد من الأساطين المفروغية من حكم ما ذكره المصنف بقوله أما لو أرضعت امرأة ابنا لقوم و بنتا لآخرين جاز أن ينكح إخوة كل واحد منهما في إخوة الآخر، لأنه لا نسب بينهم و لا رضاع مع أن مقتضى كلام أهل عموم المنزلة بل هو صريح بعضهم التحريم، بدعوى أن الاشتراك في الرضاع يعقد الأخوة بين المرتضعين و بين من كان في طبقتهما من الإخوة و الأخوات، كما أنه ينشر التحريم في أصولهما و فروعهما، و بالجملة صار الجميع إخوة و إن تعدد آباؤهم و أمهاتهم.

لكنه كما ترى، بل هو من الفساد بمكانة، خصوصا بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه الذي منه يعلم عدم الحرمة فيما حكاه المحقق الثاني في رسالته عن بعضهم، و صرح سبطه الداماد في رسالته بكثير منها. و هي حرمة نكاح المرضعة بلبن فحلها التي هي في حباله حين الإرضاع أخاها أو أختها لأبويها أو أحدهما، أو ولد أخيها أو ولد أختها أو ولد ولدها، أو عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها، أو ولد عمها أو عمتها أو ولد خالها أو ولد خالتها، أو أخ زوجها أو أخته، أو ولد ولد الزوج أو ولد أخ الزوج، أو عم الزوج أو عمته أو خال الزوج أو خالته، أو المرضعة بلبنه ولد ولد الزوجة الأخرى.

ضرورة عدم المقتضى للتحريم في شي ء من ذلك بعد أن عرفت انحصاره عندنا فيما يساوق النسب عرفا، و في نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن ولادة و رضاعا، و أولاد المرضعة، إذ الأولى إنما صارت أخت الولد من الرضاع، و ليس هي من عنوان المحرم في النسب، نعم هي تحرم إذا كانت بنتا أو ربيبة قد دخل بأمها، و هي ليست كذلك لا نسبا و لا رضاعا لغة و عرفا، و الثانية عمة الولد منه،

ج 29، ص: 323

و ليست هي أيضا من عنوانه، و إنما المحرم منها ما كانت أختا نسبا أو رضاعا، و هي ليست كذلك قطعا، و الثالثة إنما تحرم للجمع بينها و بين أختها، و ذلك منتف، و الرابعة جدة ولده من الرضاعة، و هي ليست أيضا من عنوان النسب و إنما تحرم إذا كانت أما نسبا أو رضاعا أو أم زوجة كذلك، و هي ليست كذلك قطعا لغة و لا عرفا، خلافا لمن عرفت من غير أهل التنزيل إذ هذه إحدى المسائل الثلاث السابقة، و الخامسة و السادسة بنت أخ ولد صاحب اللبن أو بنت أخت ولده، و هما ليسا من عنوان النسب، بل إنما يحرمان بكونهما بنت الابن أو بنت ابن الزوجة المدخول بها، و هما ليسا كذلك، و السابعة و الثامنة بنت عم ولده أو عمته أو بنت ابن خال ولده أو خالته، و هي ليست من عنوان النسب، و كذلك أم الأخ و أم ولد الولد و أم ولد الأخ و أم العم و العمة و الخال و الخالة، بل ما كان منها مندرجا في عنوان النسب حرم مثله في الرضاع، و ما كان متوقفا منها على نكاح أب أو ولد توقفت الحرمة على حصول سببه في النسب و الرضاع، على أن بعض هذه الصور مما لا تندرج في محرم و لو على التعميم المزبور، مثل ما إذا أرضعت ولد أخ زوجها إذ هي أم ولده من الرضاع و أم ولد أخيه من النسب، و لا يحرم شي ء منهما عليه.

و في رسالة السيد الداماد الفرق بين رضاعها ولد عمها و ولد عمتها، فتحرم على زوجها بالأول دون الثاني و كذا ولد الخال و ولد الخالة، قال: «لأن الزوج يصير أبا لولد عمها من الرضاعة، و أبوه نسبا محرم عليها، فكذا رضاعا، فهو حينئذ بمنزلة عمها، بخلاف ولد العمة، فإن الزوج يكون بمنزلة زوج عمتها، و هو غير محرم عليها، و كذا الكلام في ابن الخال و الخالة» قلت: قد يقال على طريقتهم: إنها تكون في الأول بمنزلة عمة ولده لقيامها مقام امه النسبية و الفرض أنها عمة فتحرم عليه، لصيرورتها بمنزلة أخته، و كذا إذا أرضعت ابن خالتها تكون خالة ولده، فتصير حينئذ أختا لزوجته، فتحرم عليه جمعا.

و بالجملة من لاحظ رسالة الداماد قضى منها العجب، و علم انتهاء الوهم و الاشتباه في العلماء، بل و كذا رسالة جدي المرحوم المبرور الآخوند الملإ أبى الحسن

ج 29، ص: 324

الشريف و إن كان بين الرسالتين بون عظيم، فإنه إن كان لأهل هذا القول كلام يمكن أن يقال فهو ما ذكره فيها، لا ما ذكره السيد في رسالته، فإنه شي ء لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة فضلا عن العلماء.

نعم ينبغي الاحتياط في المسائل الثلاث التي قد سمعت كلام الأصحاب فيها و اضطرابه في حكمها، حتى أنه حكى عن الشيخ الإجماع في بعضها، و عن العلامة أيضا لكن من أحاط خبرا بغير ذلك من كلماتهم عرف الصحيح منها من الفاسد، و ما هو مظنة الإجماع و مظنة خلافه، و ما نشأ من الاشتباه بين القياس الجائز و الممتنع، و ما نشأ من اشتباه إطلاق المنزلة بالعموم اللغوي، و عدم الفرق بين ما سيقت العلة له و غيره، كما لا يخفى على من له أدنى تأمل و تدبر. و الله هو العالم الهادي.

[المسألة الرابعة الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا و يبطله لاحقا]

المسألة الرابعة لا إشكال و لا خلاف في أن الرضاع المحرم يمنع من النكاح سابقا و يبطله لاحقا للقطع بعدم الفرق بين الابتداء و الاستدامة في ذلك، كما تطابقت عليه النصوص (1)و الفتاوى من الخاصة، بل و العامة، و حينئذ فلو تزوج مثلا رضيعة فأرضعتها من يفسد نكاح الصغيرة برضاعها كأمه فتكون أخته، و زوجته فتكون بنته، وجدته فتكون عمته أو خالته، و أخته فتكون بنت أخت، و زوجة الأب فتكون أختا لأبيه، و طوجة الأخ فتكون بنت أخيه إذا كان لبن المرضعة منهما و إلا كانت ربيبة لهما، فلا يحرم نكاحها عليه فسد النكاح قطعا لما عرفت، و للنصوص الدالة على مطلق الحكم المزبور التي ستسمعها في المسألة الآتية، إنما الكلام في المهر الذي أوجبه العقد ف (11) نقول إن انفردت المرتضعة بالارتضاع مثل أن سمعت إليها فامتصت ثديها من غير شعور المرضعة سقط مهرها


1- 1 الوسائل الباب 1 و 10 و 14 من أبواب ما يحرم بالرضاع.

ج 29، ص: 325

لبطلان العقد الذي باعتبار استدامت ه يثبت استدامة استحقاق المهر بل كل عقد يتعقبه الفسخ و الانفساخ من طرف أو طرفين يبطل تسبيبه، و منه الإقالة و الخيار في البيع المقتضيين رد الثمن إلى المشتري و المبيع إلى البائع، بل ذلك روح البطلان الذي هو كالصحة المستلزم حصولها في طرف ثبوتها في الطرف الآخر، و من هنا لم يذكر أحد في المقام وجها لثبوت المهر.

نعم عن التذكرة إن السقوط أقوى، و لعله يؤذن باحتمال عدم السقوط، و وجهه في المسالك بأن المهر وجب بالعقد، و الأصل يقتضي استمراره الى أن يدل دليل على خلافه، و لا نص عليه هنا، و الرضيعة لا قصد لها، فكان فعلها بمنزلة عدمه، فيحتمل حينئذ أن يثبت لها نصف المهر، لأنها فرقة قبل الدخول كالطلاق، و هو أحد وجهي الشافعية، و يضعف بأنها قياس لا نقول به، فإما أن يثبت الجميع لما ذكره، أو يسقط الجميع من حيث استناده إليها، و كيف كان فالمذهب السقوط.

قلت: لما عرفت- بل لعل ذلك هو ظاهر الحكم بالفساد في النصوص السابقة من غير تعقيبه بشي ء، ضرورة استلزام فساد العقد رد كل عوض الى صاحبه، و ليس هذا كالموت الذي ليس هو من فواسخ عقد النكاح و مبطلاته، بل حاله كحال تلف المبيع في يد المشتري، و أما الطلاق بعد الدخول فمع أنه ليس من الفواسخ بل هو إيقاع رتب عليه الشارع أضداد الصحة- يمكن أن يقال إنه حيث كان بعد الدخول الذي هو سبب استقرار المهر سنة(1)و كتابا(2)لم يؤثر فسخا حينئذ إلا بالنسبة إلى البضع، و لعله لأن معوض المهر الانتفاع بالبضع و لو آنا، ضرورة عدم مدة معلومة له كي يوزع المهر عليها. نعم كان مقتضى ذلك عدم استحقاق شي ء مع الطلاق قبل الدخول، لكن ثبت النصف لدليل خاص، كما هو واضح.

و من ذلك يعلم الحال فيما لو تولت المرضعة إرضاعها مختارة و قد سمى لها مهرا و إن قيل كما عن المبسوط و جماعة: إنه كان للصغيرة


1- 1 الوسائل الباب- 54- من أبواب المهور.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 24.

ج 29، ص: 326

نصف المهر، لأنه فسخ حصل قبل الدخول، و لم يسقط المهر لأنه ليس من قبل الزوجة فأشبه الطلاق حينئذ، لكنه كما ترى لا يخرج عن القياس المحرم و من هنا قيل بوجوب الجميع عليه، لوجوبه بالعقد، فيستصحب الى أن يثبت المزيل، و التنصيف إنما ثبت بالطلاق، إلا أنه أيضا لا يخلو من نظر، لما عرفته سابقا من لزوم صدق انفساخ العقد و بطلانه، و فساده لبطلان ما ترتب عليه، بل هو معنى البطلان المقابل للصحة في المعاملة، بل هي ظاهرة، في مدخلية الاستدامة و إلا لم يتصور معنى للانفساخ و الفساد و البطلان، كما هو واضح

بأدنى تأمل، فان لم ينعقد إجماع كان المتجه السقوط، كما في الأولى التي لم يكن لفعلها الذي كفعل البهائم مدخلية في السقوط، و لو قيس بتلف الأموال كان المتجه ضمانها له مهر المثل، لا سقوط المسمى الذي قد يوافقه و قد يخالفه.

و من ذلك يظهر لك الحال فيمن لم يسم لها مهر، فإنه لا ريب في كون المتجه الانفساخ و عدم ثبوت شي ء لها، ضرورة انحصار ثبوت المتعة لها بالقياس على الطلاق، و هو محرم عندنا، كضرورة انحصار إثبات مهر المثل لها أو نصفه بالقول بغير علم أو بما شابهه، و عدم خلو البضع عن عوض مسلم إذا استوفي بوجه غير فاسد لا مطلقا حتى إذا لم ينتفع به بشي ء، فإن دعوى عدم خلوه في هذا الحال ممنوعة كل المنع، فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا.

و منه يعلم سقوط البحث عن الرجوع على المرضعة، نعم يجي ء البحث فيه بناء على ثبوت شي ء من ذلك على الزوج، و فيه قولان منشأهما ضمان البضع بالتفويت باعتبار كونه كالأموال، لأنه يقابل بها في النكاح و الخلع، و لا يحتسب على المريض المهر لو نكح بمهر المثل فما دون، و كذا المختلعة بمهر المثل.

و حينئذ ف للزوج الرجوع على المرضعة بما أداه إن كان قد قصدت الفسخ بالإرضاع، و إلا لم تكن متعدية، بل كانت كمن حفر بئرا في ملكه فتردى فيه مترد، بل هي محسنة على المرضعة، فلا سبيل عليها، لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد الوجه عدم الفرق في الضمان و عدمه بذلك، لأن إتلاف الأموال موجب

ج 29، ص: 327

له على كل حال، فان كان البضع ملحقا بها ضمن في الحالين و إلا فلا، و الفرق بينه و بين الحفر بعد تحقق الإتلاف فيه دونه واضح، قلت هو كذلك نعم قد يمنع كون البضع من الأموال، ضرورة عدم صدق المالية عرفا، و لذا لم يتحقق به غنى و لا استطاعة، و لا بالمهر في مقابلته خمس و لا غير ذلك، من لوازم المالية عرفا، و ملك الانتفاع به في مقابلة ملك المهر لا يقضي بكونه مالا، إذ المال قد يكون عوضا شرعا لغير المال كما في الديات و أروش الجنايات، على أن ملك الانتفاع غير ملك المنفعة، و لذا لم يصح له نقلها للغير، كما لا يصح له الرجوع على الزاني، بل و على المشتبه، و لا عليها أو على غيرها لو قتلت نفسها، بل من ذلك يعلم أنه ليس من منافع الحر المقابلة بمال فضلا عن أن يكون مالا بنفسه.

و لعله لذا قال المصنف و في الكل تردد مستنده الشك في ضمان منفعة البضع قلت: بل كان المتجه الجزم بعدمه، و إلا لكان اللازم الرجوع بمهر المثل سواء كان الذي غرمه أزيد أو أنقص، كما أن المتجه الرجوع على الصغيرة التي رضعت بنفسها بما زاد من مهر المثل على المسمى، و لها الرجوع عليه بما زاد من المسمى عليه، نعم يقاصها بالمساوي من مهر المثل للمسمى.

و من جميع ما ذكرناه يعلم الكلام فيما ذكره في المسالك تبعا لغيره من الصور الباقية التي (منها) ما لو كان الرضاع بفعل الصغيرة و الكبيرة عالمة لكن لم تعنها عليه، فان في إلحاقها بالسابقة أو عدم الضمان وجهين: من أنها لم تباشر الإتلاف، و مجرد قدرتها على منعها لا يوجب الضمان، كما لو لم تمنعها من مباشرة إتلاف مال الغير مع قدرتها على المنع.

قيل: و ربما ظهر من المصنف و أكثر الجماعة أن تمكينها بمنزلة المباشرة، و به صرح في التذكرة، بل في المسالك أن ظاهر الأصحاب القطع بإلحاق التمكين بالمباشرة، و لعله لأن المرتضعة غير مميزة، فكان تمكينها من الرضاع بمنزلة الفعل، و لكن إن لم يكن إجماعا لا يخلو من نظر، و من هنا قال في المسالك:

«لو قيل هنا باشتراك الصغيرة و الكبيرة في الفعل، فيكون السبب منهما، و لا يرجع

ج 29، ص: 328

الزوج على المرضعة إلا بنصف ما يغرمه لكان أوجه من ضمانها مطلقا».

(و منها) أن تتولى الكبيرة و لكن مع الحاجة بأن ينحصر الرضاع فيها و توقف حياة الصغيرة على ذلك، فإن في ضمانها حينئذ وجهين من كونها مأمورة بذلك شرعا، فلا يستعقب فعلها ضمانا و كونها محسنة، و من تحقق الإتلاف بالمباشرة التي هي من الأسباب، و أقصى ذلك رفع الإثم كالطبيب و البيطار و نحوهما.

(و منها) أن تكون الكبيرة مكرهة، فإن الإكراه يسقط ضمان المال المحقق فضلا عن مثل هذا، نعم يمكن دعوى الرجوع على المكره باعتبار قوة السبب على المباشر.

و لكن لا يخفى عليك ما في جميع ذلك بعد أن عرفت أن المتجه سقوط المهر، و أن البضع ليس من الأموال، و كان جملة من كلامهم في المقام تبعوا به ما وقع لأبي حنيفة و صاحبيه و الشافعي، و التحقيق ما عرفت إن لم يكن إجماع أو دليل خاص، و الله هو العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك أنه مما يتفرع على الضابط السابق ما لو كان له زوجتان كبيرة و رضيعة فأرضعتها الكبيرة ضرورة أنه متى كان كذلك حرمتا أبدا إن كان من لبنه و إن لم يكن دخل بالكبيرة، بأن كان قد أولدها شبهة ثم عقد عليها و لم يدخل، أو كان قد دخل بها و طلقها و هي ذات لبن منه ثم بعد العدة قد عقد عليها و لم يدخل بها، فإن الصغيرة حينئذ تكون بنته برضاعها من لبنه، فتحرم عليه، و الكبيرة أم امرأته، لأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و لو مثل هذه المصاهرة المتحقق سببها بغير رضاع، كما عرفت تحقيقه سابقا.

و كذا يحرمان أبدا إن كان رضاعها له بغير لبنه، لكن إذا كان قد دخل بالكبيرة كي تكون الصغيرة ربيبة قد دخل بأمها و الكبيرة أم امرأة و إلا يكن قد دخل بها حرمت الكبيرة حسب لكونها أم امرأة دون الصغيرة التي هي ربيبة لم يدخل بأمها، نعم ينفسخ عقدها بسبب اجتماعها مع الأم في استدامة عقدي نكاحهما التي هي كالعقد عليهما ابتداء الذي لا ريب في بطلانه، لعدم صلاحيته للتأثير فيهما شرعا و تأثيره في إحداهما دون الآخر

ج 29، ص: 329

ترجيح بلا مرجح، فليس حينئذ إلا البطلان، و مثله يأتي هنا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الظاهر الاتفاق عليه، بل عن الإيضاح دعواه صريحا، لكن ربما أشكل بأن أصالة بقاء صحة نكاح الصغيرة يقتضي ترجيحها، و المانع إنما طرأ في نكاح المرضعة، و فساده بطرو المانع بالنسبة إليها لا يستلزم فساد ما خلا عنه، و قياس ذلك على العقد عليهما دفعة قياس مع الفارق، و ستسمع الجواب عنه في آخر البحث، مضافا الى منافاته للمعتبرة.

قال الصادق عليه السلام في الصحيح (1)و

في خبر ابن سنان(2): «لو أن رجلا تزوج جارية رضيعا فأرضعتها امرأته فسد نكاحه»

و قال عليه السلام في الصحيح الآخر(3)«في رجل تزوج جارية صغيرة فأرضعتها امرأته أو أم ولده، قال: تحرم عليه»

بل في خبر ابن مهزيار(4)الآتي التصريح بحرمة الكبيرة و الصغيرة، بل لعله المراد من

قوله عليه السلام: «فسد نكاحه»

أي لكل منهما، فلا إشكال حينئذ في الحكم الأول بأنه بمجرد صدق الأمية و البنتية يتحقق انفساخ النكاح، فلا تكون الكبيرة أم امرأته.

بل عند التأمل الصادق يستحيل صدق أمية الزوجة فعلا، ضرورة استلزام صدق الأمية فسخ الزوجية، لأنه أول آنات صدق البنتية، و كذا الكلام في تحقق الجمع في استدامة العقدين بالنسبة للأم و بنتها الذي قلنا: إنه يقتضي فسخ العقدين و حرمة الأم دون الربيبة التي له تجديد العقد عليها مع فرض عدم الدخول بأمها، إذ يمكن دفع الأول منهما- بناء على تحقق الحرمة بإرضاع من كانت زوجة- بأنه لو سلمنا عدم الصدق المزبور فعلا لكن لا ريب في أنها كانت زوجة و إن انفسخ عقدها في أول أزمنة صدق البنتية بل يمكن دفعه- بناء على عدمه أيضا- بأن ظاهر النص و الفتوى الاكتفاء في الحرمة بصدق الأمية المقارنة لفسخ الزوجية بصدق البنتية إذ الزمان و إن كان متحدا بالنسبة إلى الثلاثة أي البنتية و الأمية


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.

ج 29، ص: 330

و انفساخ الزوجية، ضرورة كونها معلومات لعلة واحدة، لكن آخر زمان الزوجية متصل بأول زمان صدق الأمية، فليس هي من مصداق أم من كانت زوجتك، بل لعل ذلك كاف في الاندراج تحت أمهات النساء، بخلاف من كانت زوجتك، و كأنه إلى ذلك أومأ أبو جعفر عليه السلام فيما تسمعه من خبر ابن مهزيار الآتي المشتمل على الفرق بين الصورتين.

و أما الثاني فليس المراد من الجمع أنه تحقق في زمان ثم انفسخ، بل المراد أنه لما اتحد زمان البنتية و الأمية بالجزء الأخير من الرضاع فاستدامة العقدين عليهما غير ممكن، و انفساخ أحدهما بالخصوص ترجيح من غير مرجح، فليس إلا انفساخهما، و تحرم الكبيرة باعتبار أنها أم الزوجة بالتقريب الذي سمعته، و الربيبة لعدم الدخول بأمها يجوز له تجديد العقد عليها، و دعوى اختصاص الأم بالانفساخ- لتحقق سبب التحريم فيها و إبقاء الربيبة على عقدها الأول- يدفعها ما عرفته من اتحاد زمان تحققهما، أي البنتية و الأمية، فلا مجال للترجيح، و تحقق سبب التحريم فيها لا يقتضيه كما هو واضح، و احتمال الترجيح بالقرعة- مع أنه مناف لظاهر النص و الفتوى- يدفعه احتمال أن القرعة لاستخراج المتحقق واقعا المشتبه ظاهرا، لا لترجيح المشتركين في السبب، و إلا لجرت في العقد عليهما دفعة.

و كيف كان ف للكبيرة مهرها إن كان دخل بها لأنه يستقر به، و لذا تنحصر ثمرة الفسخ في البضع خاصة، نعم بناء على أن البضع من الأموال يمكن الرجوع عليها بما أتلفته عليه من بضعها، فيرجع عليها بمهر المثل، بل في كشف اللثام أنه كما لو طلقها ثم راجعها فأنكرت الرجوع في العدة فحلفت و تزوجت ثم صدقته، فإنها تغرم له المهر بما فوتت عليه البضع، و قال: «و لا يجدى الفرق ببقائه هنا بخلافها في المسألة كما في التذكرة» قلت: لكن قد عرفت ما في ذلك كله سابقا.

و إلا يكن قد دخل بها فلا مهر لها لأن الفسخ جاء منها و لما عرفته من أن ذلك مقتضى انفساخ العقد، كما في غير ذلك من العقود على ما عرفته سابقا.

ج 29، ص: 331

و منه يعلم ما في قوله و للصغيرة مهرها و إن لم تحرم عليه، كما في صورة عدم الدخول بالأم و الارتضاع من غير لبنه لانفساخ العقد حينئذ بالجمع الذي عرفته، و الفرض أنه قد حصل بفعل غيرها، لكن قد عرفت أن مقتضى الانفساخ عدم رجوعها عليه بشي ء، خصوصا مع عدم التقصير منه، كما أنك قد عرفت أن القول الذي حكاه المصنف هناك نصف المهر، و هنا جزم بالجميع، مع أن المسألة من واد واحد.

و كذا لا يخفى عليك ما قيل: إنه يرجع به على الكبيرة لأنها هي التي فوتت عليه البضع. و قد عرفت البحث في ذلك مفصلا في جميع الصور، فلا يحتاج إلى الإعادة.

كما لا حاجة الى البحث فيما لو أرضعت الكبيرة له زوجتين صغيرتين ضرورة أنه بعد الإحاطة بما سمعت يعلم متى كان ذلك حرمت الكبيرة و المرتضعتان إن كان ذلك بلبنة أو كان قد دخل بالكبيرة من غير فرق بين التعاقب و الدفعة لأنها حينئذ إما بنت أو ربيبة قد دخل بأمها، فتحرم الثانية و إن بانت أمها منه، لحرمة الربيبة من النسب مطلقا فكذا بالرضاع.

و إلا (11) يكن قد دخل بها حرمت الكبيرة (12) التي هي أم زوجته بالتقريب السابق دون المرتضعين لأنهما ربيبتان لم يدخل بأمهما، نعم ينفسخ عقدهما معا إذا ارتضعا دفعة، و إلا اختص الانفساخ بالأم و الأولى، دون الثانية التي ارتضعت بعد تحقق انفساخ عقد الأم و البنت، فليست هي حينئذ إلا بنت زوجة لم يدخل بأمها، فلا تحرم، كما لا تحرم بصيرورتها أختا لمن كانت زوجة له، كما هو واضح.

و لو كان له زوجتان و زوجة رضعية فأرضعتها إحدى الزوجتين أولا (13) بلبنه مثلا ثم أرضعتها الأخرى حرمت المرضعة الأولى و الصغيرة (14) لصيرورتهما بنتا و أم زوجة بالتقريب السابق دون الثانية، لأنها أرضعتها و هي بنته (15) لا زوجته كي تندرج تحت «أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»(1)بل هي ليست إلا أم بنته،


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 332

و ليست محرمة على الأب، كما كشف عن ذلك

خبر ابن مهزيار(1)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قيل له: إن رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأته الأخرى، فقال ابن شبرمة: حرمت عليه الجارية و امرأتاه، فقال أبو جعفر عليه السلام: أخطأ ابن شبرمة، حرمت عليه الجارية و امرأته التي أرضعتها أولا، فأما الأخيرة فإنها لا تحرم عليه، لأنها أرضعتها و هي بنته»

و هو صريح في المدعى، و لا يلزم منه عدم حرمة الربيبة التي هي بنت من كانت زوجته المدخول بها، ضرورة الفرق بين مصداق قوله تعالى (2)«وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ

نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» و بين قوله تعالى (3)«أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ» فإن الأولى صادقة قطعا على بنت من كانت زوجة، بخلاف الثانية الظاهرة في اعتبار اجتماع الأمية، و الزوجية، خصوصا مع اشتراط بقاء المبدء في صدق المشتق و ما شابهه.

على أنه قد عرفت انحصار المحرم في الرضاع بما يحرم من النسب، و ليس في النسب من انحصر صدقها في أم من كانت زوجة، إذ أم المطلقة مثلا ليس حرمتها لذلك، بل لتحقق الصدق قبل الطلاق، و هو سبب التحريم مؤبدا، فليس حرمتها لأنها أم من كانت زوجته، بل لأنها كانت أم زوجة فعلا، بخلاف الربيبة، فان في النسب بنت من كانت زوجة مندرجة تحت الآية الشريفة، فيحرم مثلها في الرضاع، و لعله لذلك كان المحكي عن الإسكافي و الشيخ في النهاية و ظاهر الكليني حلية الثانية، بل هو خيرة الرياض و سيد المدارك حاكيا له عن جماعة، بل هو ظاهر الأصفهاني في كشف أو صريحه أيضا، بل ربما كان ظاهر ما حكاه فيه عن ابن إدريس أيضا.

و لكن مع ذلك كله قيل: بل تحرم أيضا في الفرض لأنها صارت أما لمن كانت زوجته بل نسبه في المسالك إلى ابن إدريس و المصنف في النافع و أكثر المتأخرين، بل لم يحك القول الأول إلا عن الشيخ في النهاية و ابن الجنيد، نعم قال إنه مال اليه المصنف لقول و هو أي التحريم أولى


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 23.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 333

ثم ناقش في الخبر بضعف سنده بصالح بن أبي حماد و هو ضعيف، بل قال و مع ذلك فهو مرسل، لأن المراد بأبي جعفر حيث يطلق الباقر عليه السلام و بقرينة قول ابن شبرمة في مقابله، لأنه كان في زمنه، و ابن مهزيار لم يدرك الباقر عليه السلام، و لو أريد بأبي جعفر الثاني و هو الجواد عليه السلام بقرينة أنه أدركه و أخذ عنه فليس فيه أنه سمع ذلك بلا واسطة، فالارسال متحقق على التقديرين، مع أن هذا الثاني بعيد، لأن إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد عليه السلام ثم اختار هو ذلك، معللا له بالصدق، لأن الأصح عدم اشتراط بقاء المعنى في صدق المشتق، و بمساواة الرضاع للنسب، و هو يحرم سابقا و لاحقا.

و فيه ما عرفت من منع الصدق، و اعتبار بقاء المبدء في الصدق لو كان هذا منه، لإمكان المنع، إذ الموجود لفظ «النساء» لا «الزوجة» و هو جامد لا مشتق، و أيضا لا نظير له في النسب كي يحرم مثله في الرضاع، و منع الإرسال على تقدير إرادة الجواد عليه السلام من أبى جعفر، و كثرة إطلاقه على الباقر عليه السلام لا ينافي حمله على الجواد عليه السلام خصوصا بالقرينة، بل في الرياض ليس في سند الخبر المزبور من يتوقف فيه عدا صالح بن أبى حماد، و هو و إن ضعف في المشهور إلا أن القرائن على مدحه كثيرة، و توهم الإرسال فيه ضعيف قلت: على أن الدليل غير منحصر في الخبر، بل يكفي فيه الأصل و عموم (1)«أُحِلَّ» و غير ذلك بعد عدم الاندراج في أمهات النساء، فالخبر مؤيد حينئذ لا دليل، و لا ينافي ذلك

الحكم بالتحريم في الصورة الأولى، لما عرفت من كفاية اتصال زمن الزوجية بزمان صدق الأمية في الاندراج تحت أمهات النساء كما ذكرناه سابقا، و كشف عنه الخبر أيضا لاحقا، حيث حرم الأولى و الصغيرة.

و كيف كان فقد ظهر لك مما قدمناه أن في كل من هذه الصور الثلاثة التي ذكرها المصنف ينفسخ النكاح لتحقق الجمع المحرم إلا صورة من المسألة الثانية التي قدمناها و أما التحريم أبدا و عدمه فعلى ما


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.

ج 29، ص: 334

صورناه و بيناه.

بل و منه يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف، من أنه لو طلق زوجته بعد الدخول بها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه لكونهما بنتا أو ربيبة مدخولا بأمها و أم زوجته، لكن في المسالك «إن جزمه بتحريم الصغيرة أيضا على تقدير الدخول بالكبيرة مبنى على الاكتفاء بإرضاع من كانت زوجته، و قد سبق منه الحكم بخلاف ذلك، لأن الأولوية لا تقتضي التحريم، فكأنه قرينة على كونه اختار التحريم في السابقة، أو رجوع عن الحكم- إلى أن قال-: و لا يتوهم اختلاف الحكم من حيث إن الخارجة من الزوجية هنا المرضعة، و هناك الرضيعة، لاشتراكهما في المعنى المقتضي للتحريم و عدمه» و فيه ما عرفت من وضوح الفرق بين المسألتين في الدليل و غيره، ضرورة صدق الربيبة على بنت من كانت زوجته نسبا و رضاعا بخلاف أمهات نسائكم، فإنه غير صادق على من كانت امرأة، و صدق الإضافة بأدنى ملابسة لا يقتضي حمل اللفظ عليها، بل لا ينبغي التأمل في اعتبار اجتماع وصف الأمية و الزوجية في الصدق، فلا يكفي تقدم الزوجية و تأخر وصف الأمية عنها بعد انفساخ الزوجية كما في المسألة السابقة، و هذا هو السر في جزم المصنف هنا في هذه، و ميلة إلى الحلية في الأولى كما عرفت الكلام فيه مفصلا، فتأمل جيدا، فان هذه المباحث غير محررة في كلامهم، و الله هو العالم.

[المسألة الخامسة لو كان له أمة يطؤها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه جميعا]

المسألة الخامسة لو كان له أمة يطؤها فأرضعت زوجته الرضيعة حرمتا عليه جميعا سواء كان بلبنة أو لبن غيره، لصيرورتهما بنتا أو ربيبة قد دخل بأمها و أم امرأة و يثبت مهر الصغيرة بأجمعه عليه، لوجوبه بالعقد، مع عدم كون الفسخ من قبلها،

ج 29، ص: 335

و فيه البحث السابق، كما أنه لا يخفى عليك جريان الصورة السابقة و انما المراد هنا بيان أنه لا يرجع به على الأمة التي أرضعت و إن قلنا بالرجوع به في غيرها لأنه لا يثبت للمولى مال في ذمة مملوكه لعدم تصور أدائه له بعد فرض كونه و ما يملكه ملكا للمولى، إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك عن التأمل إن لم يكن إجماعا، ضرورة اشتراك ضمانه مال الغير- و يتبع به بعد العتق إن أعتق- و ضمانه مال مولاه في الدليل الذي هو «من أتلف» و نحوه من الخطابات الوضعية التي لا يعتبر في ثبوت الحكم الوضعي بها تحقق الحكم الشرعي، فللمولى حينئذ مطالبته به بعد العتق، و له استيفاؤه من باب الزكاة و نحو ذلك، نعم إن كان إجماع على الفرق بين مال المولى و مال غيره اتجه ذلك، على أنه يجب تقييده بغير المكاتبة، أما هي فقد جزم في المسالك بالثبوت عليها سواء كانت مكاتبة مطلقة أو مشروطة مطلقا لانقطاع سلطنته عنها، و صيرورتها بحيث يثبت عليها مال.

نعم هذا كله لو كانت الأمة الموطوءة ملكا له أما لو كانت موطوءة بالعقد و هي ملك للغير قيل رجع به عليها، و يتعلق برقبتها و عندي و عند المصنف في ذلك تردد للتردد في أصل ضمان منفعة البضع، و أنه بالمسمى أو بمهر المثل، بل قد سمعت أن التحقيق عندنا عدمه، بل لو قلنا بوجود العود أي الرجوع بالمهر لما قلنا ببيع المملوكة فيه، بل تتبع به إذا تحررت إذ ليس هو من قبيل الجنايات التي يباع العبد فيها، و إنما هو من قبيل الأموال التي يتبع بها بعد العتق، فقول القائل يتعلق برقبتها لا وجه له، اللهم إلا أن يريد ذلك، كما هو واضح.

ج 29، ص: 336

[المسألة السادسة لو كان لاثنين زوجتان صغيرة و كبيرة فطلق كل منهما زوجته و تزوج بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما]

المسألة السادسة لو كان لاثنين زوجتان صغيرة و كبيرة فطلق كل منهما زوجته و تزوج بالأخرى ثم أرضعت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة عليهما و إن لم يكن بلبن أحدهما، لصيرورتهما أم زوجة فعلا بالنسبة إلى أحدهما، و أم من كانت زوجة بالنسبة إلى الآخر بناء على التحريم بمثله و إن كان قد سمعت ما فيه و حرمت الصغيرة على من دخل بالكبيرة لصيرورتها ربيبة قد دخل بأمها، فلو فرض دخولهما معا بها حرمت عليهما معا، كما أنه لو فرض اللبن لأحدهما صارت بنتا له.

[المسألة السابعة إذا قال هذه أختي من الرضاع أو بنتي على وجه يصح فان كان قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا]

المسألة السابعة إذا قال: هذه أختي من الرضاع مثلا أو بنتي أو أمي على وجه محتمل لأن يصح ذلك لا معلوم فساده لكبر في السن أو غيره فان كان قد صدر ذلك منه قبل العقد حكم عليه بالتحريم ظاهرا لعموم(1)

«إقرار العقلاء»

سواء صدقته المرأة أو كذبته أو لم تكن عالمة بصدقه و لا كذبه، فإن أكذب نفسه و وافقته المرأة على ذلك احتمل قويا جواز النكاح، لانحصار الحق فيهما، لكن أطلق في القواعد عدم القبول، و كذا شارحها الكركي و الأصبهاني و ثاني الشهيدين في المسالك، نعم قال في الأخير: «إنه لو أظهر لدعواه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 29، ص: 337

تأويلا محتملا بأن قال: إنى اعتمدت في الإقرار على قول من أخبرني ثم تبين لي أن مثل ذلك لا يثبت به الرضاع و أمكن في حقه ذلك احتمل القبول، لإمكانه- لكن قال بعد ذلك-: أطلق الأصحاب عدم قبوله مطلقا لعموم

«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»(1)

و عليه العمل» و فيه أن المتيقن من الخبر المزبور إلزام المقر بما أقربه لمن أقر له، مع المخالفة له، لا أن المراد به إلزامه بذلك و إن وافقه المقر له على الكذب في الإقرار.

و من الغريب عدم احتمال الثلاثة الأولين القبول في هذه الصورة مع احتمالهم القبول في الرجوع عن الإقرار بعد التزويج، فإنه قال في القواعد قبل ذلك: «و لو رجع أحد الزوجين بعد إقراره بالرضاع عنه بعد الفرقة لم يقبل رجوعه ظاهرا، و إن ادعى الغلط الممكن، لأن الإنكار لا يسمع بعد الإقرار» لكن في كشف اللثام تبعا لجامع المقاصد أنه يفهم من السيد سماعه قبل الحكم بالفرقة، و لعله لكونه إقرارا بالنكاح بعد إنكاره، ثم حكيا عن التذكرة إطلاق عدم السماع، كما أنه حكي في الجامع عن أبي حنيفة قبول الرجوع من المقر عن إقراره، من غير فرق بين الرجل و المرأة، و هو و إن كان على إطلاقه غير جيد، ضرورة عدم قبوله مع المخاصمة، نعم ما قلناه في صورة التصديق على الكذب في الإقرار لا

يبعد قبوله في المقام، و في غيره من المقامات من البيع و الملكية و الوقفية و الزوجية و نحو ذلك، بل إن لم يقم إجماع أمكن دعوى القبول في حال عدم العلم من الخصم فضلا عن صورة الموافقة له على الإقرار الصوري، و المسألة محتاجة إلى تأمل تام في غير المقام من أفرادها.

و على كل حال فلو أوقع العقد على هذا الحال، أى حال الإقرار بالأختية مع التكذيب له من المرأة مثلا فقد يحتمل في بادى النظر إلزام كل منهما بمعتقده، فيكون العقد فاسدا في حقه، صحيحا في حقها، كما لو ادعى الأختية بعد العقد، لكن دقيق النظر يقضي بخلافه، ضرورة اشتراط الصحة من الطرفين في العقد، و مع فرض انتفائها من أحدهما بظاهر الشرع لا بد من انتفائها من الآخر، و من هنا جزم


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 29، ص: 338

في كشف اللثام بأنه لو أوقع العقد حينئذ لم يقع ظاهرا، و فرق واضح بين ذلك و بين الدعوى بعد العقد، ضرورة ثبوت الصحة ظاهرا في العقد قبل الدعوى، و هي لا تقتضي فساده في ظاهر الشرع، و إنما يلزم بحكم الفساد بالنسبة إليه خاصة مؤاخذة له بإقراره و إلا فحكم الصحة في العقد باق كما هو واضح. هذا كله في الإقرار قبل العقد من غير فرق بين وقوعه من الرجل و المرأة.

و أما إن كان من الرجل مثلا بعد العقد و معه بينة على دعواه، أو ادعى عليها العلم فنكلت عن اليمين و حلف هو، أو وافقته على ذلك حكم بها له فان كان قبل الدخول فلا مهر أصلا و لا متعة لتبين فساد العقد و إن كان بعده كان لها المسمى عند الشيخ إذا لم تكن بغيا بأن لم يثبت علمها بذلك قبل الدخول، و لكن ستعرف ضعفه و إن أشعرت عبارته المحكية عنه بالإجماع عليه.

و إن فقد البينة و أنكرت أي الزوجة أو لم تعلم بصدقه و لا كذبه و لم يدع عليها العلم أو ادعاه و حلفت هي على نفسه لزمه الحكم بحرمتها عليه بمقتضى إقراره و لزمه المهر كله مع الدخول لعدم ثبوت بطلان العقد، بل هو مستصحب الصحة و إلزامه باجتنابها مؤاخذة له بإقراره، لا يقتضي انفساخا له و نصفه مع عدمه على قول مشهور لأنه فرقة قبل الدخول، فيكون كالطلاق، لكنه واضح الضعف، إذ هو مع أنه قياس قد عرفت الفرق بينه و بين الطلاق، فالمتجه إلزامه بالمهر كملا مطلقا، اللهم إلا أن يثبت أن كل فرقة قبل الدخول كالطلاق، نعم لو أوقع الطلاق مثلا في هذا الحال أمكن القول بالتنصيف، و دعواه الأختية لا ينافي تأثير الطلاق في حقها بعد فرض تكذيبها، مع احتمال العدم اقتصارا فيما دل على تشطير الطلاق على ما كان الطلاق مفرقا للزوجية، و الفرض عدمه هنا باعتقاد الزوج، فتطالب الامرأة حينئذ بالمهر تاما و إن بانت بالطلاق عنه باعتقادها.

و مما ذكرنا يعلم ما في المحكي الذي سمعته عن الشيخ من لزوم المسمى أيضا في الأول باعتبار أن العقد هو سبب ثبوت المهر، لأنه مناط الشبهة، فكان كالصحيح المقتضي لتضمين البضع بما وقع عليه التراضي في العقد، و فيه أن المقام نحو المقبوض بالعقد الفاسد

ج 29، ص: 339

من البيع و غيره، و ليس في شي ء مما وصلنا من النصوص أن عقد الشبهة كالصحيح حتى يؤخذ بإطلاق التشبيه، و لذا لم يكن لها شي ء مع عدم الدخول، فليس حينئذ إلا استيفاء البضع على وجه الضمان، فيضمن بقيمته، و هي مهر المثل عرفا و شرعا كغيره مما يقبض بعنوان العقد الصحيح، بل ليس المقام إلا أحد أفراد قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و هو واضح، هذا كله في دعواه.

و منه يعلم الحال فيما لو كانت الدعوى منها، ضرورة اتحاد الجميع فيما سمعته من الأحكام، و منه ما إذا قالت الامرأة ذلك أي هو أخي أو ابني من الرضاع على وجه يصح بعد العقد لم تقبل دعواها في حقه كما لم تقبل دعواه في حقها إلا ببينة أو تصديق أو دعوى العلم و حلفها بعد نكوله، أو نحو ذلك، و لا ينافي سماع دعواها رضاها بالعقد، لجواز جهلها به حالة العقد و تجدد العلم لها بخبر الثقات، خلافا لبعض العامة، بل لا يبعد قبول دعواها و إن ادعت العلم بالحال حين العقد، لإطلاقهم سماع دعوى النساء مع البينة، و لعموم

«البينة على المدعي»(1)

و نحو ذلك، لكن قد يظهر من قواعد الفاضل عدم سماعها، و لعله لتكذيب فعلها قولها.

و كيف كان فان صدقها الزوج أو ثبت بالبينة ثبت لها المهر مع الدخول و جهلها، و إلا يكن دخل بها فلا مهر لها، و لو كذبها و لا بينة لها لم تقع الفرقة، و عليها أن لا تمكنه من نفسها ما أمكنها، و تفدي نفسها بما أمكنها تخلصا من الزنا باعتقادها، و ليس لها المطالبة بالمسمى كلا و بعضا لا قبل الدخول و لا بعده، لاعترافها بفساد العقد، و لا مهر المثل إن كان أكثر من المسمى، لأنه دعوى منها بلا بينة، نعم إنما يثبت لها بعد الدخول أقل الأمرين من المسمى و مهر المثل.

بل فيما حضرني من نسخة المسالك أن لها ذلك مطلقا، أي في حالتي التصديق و التكذيب إلا إذا كانت بغيا فإنه لا شي ء لها حينئذ و فيه أنه لا فرق على الظاهر بين دعواها و دعوى الزوج في ذلك، فمع فرض التصديق أو قيام البينة


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5 من كتاب القضاء.

ج 29، ص: 340

يتجه لها مهر المثل و إن كان أكثر من المسمى، نحو ما سمعته في دعوى الزوج، و أنه من قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» و رضاها بما في العقد لا تلتزم به بعد ظهور فساده، كما لا يلتزم به الزوج على حسب ما عرفته. فمن الغريب موافقته في المسألة السابقة على ثبوت مهر المثل و خلافه هنا، مع اتحادهما في المدرك إلا في الصورة التي فرضناها، و هي ما لو كذبها، فإنه ليس لها حينئذ إلا الأقل، ضرورة كونها مدعية صرفا مع فرض زيادته على المسمى، و ما في القواعد من احتمال مطالبته بمهر المثل في هذه الصورة لأنه دخول بعد عقد تبين فساده من أصله مع جهلها كما ترى، ضرورة عدم تماميته إلا من قبلها دون الزوج الذي فرض تكذيبه لها.

نعم لها إحلافه على نفي العلم إن ادعته عليه أو احتملت علمه، كما هو شأن الحلف على نفي فعل الغير، فان نكل حلفت على البت، كما هو شأن الحلف على إثبات فعل، فيحكم بالفرقة حينئذ و مهر المثل مع الدخول لا قبله، لاعترافها بعدم الاستحقاق، و لو نكلت أو كان قد حلف الزوج أو لا فان كان قد دفع الصداق لم يكن له مطالبتها به، لاعترافه باستحقاقها له، إلا إذا طلقها قبل الدخول ارتجع نصفه، و إلا يكن دفعه إليها لم يكن لها المطالبة، لاعترافها بعدم الاستحقاق، فان كان عينا كان مالا مجهول المالك، و كذا إذا قبضته و كان باقيا و كان العقد ثابتا في الظاهر، أما إذا نكلت فظاهر، و أما إذا حلف أولا فليمينه.

و ربما نوقش في الأخير بأن نفي علمه لا ينفيه، فيمكن أن يحلف على ما ادعته، و على كل حال فليس لها مطالبته بحقوق الزوجية و إن نكلت لاعترافها بعدم الاستحقاق، بل ربما وجب عليها الفرار من بعضها مع الإمكان، فما عن بعضهم من احتمال مطالبتها بغير القسم و الجماع لإقراره بالزوجية و لزوم حقوقها واضح الضعف.

نعم قد يقال: إن لها المطالبة في خصوص النفقة باعتبار كونها محبوسة عليه، و منعها من تمكينه إنما هو من جهة الشرع، مع أنه أيضا كما ترى، و في كشف اللثام

ج 29، ص: 341

«قد يقال: إنها إن رجعت عن دعواها و صدقت الزوج في عدم الرضاع كانت لها المطالبة بالحقوق، و غاية المطالبة بها الرجوع عن الدعوى، فيبقى جوازها لها» و فيه أن مفروض المسألة المطالبة في حال إصرارها على الدعوى، و كيف كان فهذا كله إذا كانت الدعوى منها بعد العقد، و أما لو كان ذلك منها قبله حكم عليها بظاهر الإقرار نحو ما سمعته في دعوى الرجل، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثامنة لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة]

المسألة الثامنة لا تقبل الشهادة بالرضاع إلا مفصلة بجميع ما يعتبر عند الحاكم الذي تقوم عنده الشهادة، حتى عدم قي ء اللبن بناء على اعتباره عنده بلا خلاف أجده ممن تعرض لها لتحقق الخلاف في الشرائط المحرمة للرضاع كما عرفته مفصلا في محاله و حينئذ فيقوم احتمال أن يكون الشاهد استند الى عقيدته التي اعتقدها باجتهاد أو تقليد المخالفة لما عند الحاكم إلا أن يكون الشاهدان اللذان شهدا عنده مقلدين له، عارفين بما يشترط عنده، و يكون واثقا بمعرفتهما، فيتجه حينئذ احتمال قبول الإطلاق حينئذ، و لعل إطلاق الأصحاب منزل على غير هذه الصورة، خصوصا بعد ملاحظة التعليل، نعم لا يعتبر مع ذلك ذكر وصول اللبن الى الجوف، ضرورة اقتضاء الشهادة بالرضاع ذلك، مع عدم الخلاف بين العلماء في كيفيته بعد أن يكون الرضاع من الثدي، فيكفي فيه حينئذ إطلاق الشهادة بالرضاع، نعم لا تكفي حكاية القرائن، بأن يقول: رأيته قد التقم الثدي و حلقه يتحرك، لأن حكاية ذلك لا تعد شهادة، بل إذا علم الشاهد العلم العادي بوصول اللبن الى جوفه بالقرائن المفيدة له يشهد بحصوله على الوجه المفصل، هذا. و في المسالك «أن مثل ذلك ما لو شهد الشاهد بنجاسة الماء مع الاختلاف الواقع بين الفقهاء فيما به يحصل نجاسته، إذ لا بد حينئذ من التفصيل أو العلم بموافقة مذهب الشاهد لمذهب الحاكم» و صريحه كظاهر غيره

ج 29، ص: 342

سراية المسألة في كل ما كان المشهود به ذا شرائط مختلف فيها اختلافا معتدا به أو أسباب كذلك و منه حينئذ الملك و البيع و الوقف و الزوجية و الطلاق و نحو ذلك مما يقطع الفقيه بملاحظة أفرادها بعدم اعتبار التفصيل في الشهادة بها.

و منه يقدح الاشكال فيما نحن فيه، و يمكن أن يكون الشارع اعتبر ما يظهر من عبارة الشاهد، و نزله منزلة الواقع تعبدا حتى يعلم خلافه، فمتى قال: هذا ملك لزيد، أو زوجة له، أو قد باع، أو قد اشترى، أو نحو ذلك حكم به و إن لم يعلم موافقته لرأي الحاكم، و احتمل كونه ملكا على رأيه أو رأي من يقلده، فيتجه حينئذ مثله في المقام، فيحكم حينئذ بمجرد قول الشاهد هذه أخته من الرضاع و إن لم يعلم موافقته للحاكم أو مخالفته، و احتمال قبول شهادته فيما تقدم باعتبار عدم جواز إطلاق الحكم بالملكية مثلا إلا مع إرادة ذات السبب المتفق عليه بين الجميع و إلا كان مدلسا بعينه جار في المقام، فالمتجه طرد الحكم في الجميع نحو ما سمعته من المسالك، إذ احتمال الخصوصية في الرضاع لم نتحققها، اللهم إلا أن يكون من جهة معروفية الخلاف المعتد به فيه على وجه يقطع أو يظن كون المراد للشاهد أن يشهد (شهد خ ل) ما كان عنده أو عند مقلده، فيتجه حينئذ جعل المدار على ذلك و شبهه مما حصل في عبارة الشاهد ما يظهر منه بناء على ما شهد به على الخلاف، فإنه حينئذ لا بد من التفصيل بعدم العلم بكون المشهود به هو ما عند الحاكم، بخلاف ما لو أطلق العبارة، فإن الظاهر منه إرادة الواقع، فيتحد حينئذ مع ما عند الحاكم الذي يزعمه أن الواقع ذلك، فتأمل جيدا، و على كل حال فذلك معتبر في الشهادة بالرضاع.

أما لو شهد بالإقرار به، فلا خلاف أجده في الاكتفاء بالإطلاق، لعدم الاختلاف، و ما يقال- من أن المقر ربما ظن محرما ما ليس منه- يدفعه أنه أمر آخر لا تعلق له بالشهادة على الإقرار الذي مع ثبوته لا يجب على الحاكم استفصاله، لعموم مؤاخذة العقلاء بإقرارهم (1)و لكن مع ذلك قد يناقش باحتمال


1- 1 الوسائل الباب- 3- من كتاب الإقرار الحديث 2.

ج 29، ص: 343

أن الإقرار على حسب الاعتقاد المفروض بطلانه عند حاكم المخاصمة لا يؤخذ به، و حمله على ما عند الحاكم و إن لم يعلم تقليده له بل و إن علم تقليده لغيره كما ترى، ضرورة عدم

الفرق بين عبارته و عبارة الشاهد، و أما إخبار الشاهد بالرضاع ف هو كغيره لا بد فيه من العلم به و لو بالقرائن المفيدة له عادة، و حينئذ يكفي فيه مشاهدته الصبي ملتقما حلمة ثدي المرأة ذات اللبن ماصا له على العادة حتى يصدر فيشهد على البنت و إلا لم يقدر أن يشهد على مشاهدة ذلك، إذ يمكن عدم حصول الرضاع منه، و بالجملة لا بد من حصول العلم بالرضاع له بأي طريق يكون، كما هو واضح.

[المسألة التاسعة إذا تزوجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت ثم تزوجت آخر و أرضعته بلبنه حرمت على الزوج]

المسألة التاسعة إذا تزوجت امرأة كبيرة بصغير ثم فسخت إما لعيب فيه و إما لأنها كانت مملوكة فأعتقت أو لغير ذلك ثم تزوجت زوجا آخر و أرضعته أي الصبي بلبنه حرمت على الزوج، لأنها كانت حليلة ابنه بناء على عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق و على الصغير لأنها (11) امه و منكوحة أبيه (12) و كذا لو تزوجت بالكبير أولا ثم طلقها بعد أن أولدها ثم تزوجت بالصغير فأرضعته من لبن الأول، لذلك بعينه.

[المسألة العاشرة لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ نكاحهما]

المسألة العاشرة لو زوج ابنه الصغير بابنة أخيه الصغيرة ثم أرضعت جدتهما أحدهما انفسخ نكاحهما، لأن المرتضع إن كان هو الذكر فهو إما عن لزوجته (13) إن كانت

ج 29، ص: 344

الجدة جدة الصغيرة لأبيها أو خال إن كانت جدتها لأمها، أو كلاهما إن كانت لهما و إن كان الأنثى فهي إما عمة لزوجها أو خالة أو هما معا على نحو ما عرفت.

[المسألة الحادية عشر تقبل شهادة النساء في الرضاع]

المسألة الحادية عشر تقبل شهادة النساء في الرضاع على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، إذ هو خيرة المقنعة و الناصريات و المراسم و الوسيلة و المتن فيما يأتي و النافع و كشف الرموز و المختلف و القواعد و الإرشاد و الإيضاح و الدروس و اللمعة و التنقيح و المعالم و المهذب البارع و غاية المرام و الروضة و المسالك على ما حكي عن بعضها، بل قيل:

إنه ظاهر الصدوقين و القديمين و أبى الصلاح و ابن البراج و كل من أطلق قبول شهادة النساء فيما يخفى على الرجال و لم يصرح بالخلاف هنا، بل في الناصريات نسبته إلى أصحابنا مشعرا بالإجماع عليه، بل لم يعرف الخلاف فيه إلا من الشيخ في كتاب الرضاع من المبسوط، و فيه و في كتاب الشهادات في الخلاف، و ابني إدريس و سعيد و العلامة في رضاع التحرير، مع أن الشيخ- ره- قد رجع عن ذلك في شهادات المبسوط المتأخر عن الخلاف، كما أن كتاب الشهادات متأخر عن كتاب الرضاع منه، و كذا العلامة قد رجع عنه في التحرير في كتاب الشهادات منه المتأخر عن كتاب الرضاع، فأفتى فيه بالقبول كما في سائر كتبه، فانحصر الخلاف حينئذ في ابني إدريس و سعيد.

فمن الغريب بعد ذلك نسبته في محكي السرائر و التحرير و المسالك إلى الأكثر، و في كشف الرموز الى الشيخ و أكثر أتباعه، و أغرب من ذلك دعوى الشيخ الإجماع ظاهرا في الأول، و صريحا في الأخيرين، بل في شهادات المبسوط عن أصحابنا أنهم رووا(1)أنه لا تقبل شهادة النساء في الرضاع أصلا، مع أن الإجماع


1- 1 المبسوط ج 8 ص 175.

ج 29، ص: 345

مظنة الأول كما سمعته من المرتضى الذي يشهد له التتبع، و الرواية غير موجودة في الأصول المعتمدة و لا مقبولة حتى عند من حكاها في الموضع الذي نقلها فيه، لما عرفت أنه في هذا الموضع من الكتاب المزبور قد أفتى بالقبول، و يمكن أن يكون قد أخذهما من الإجماع و الأخبار(1)على عدم قبول شهادتهن فيما لا يعسر اطلاع الرجال عليه على وجه كان الأصل فيها عدم القبول، مضافا الى أن الرضاع من ذلك، باعتبار إمكان اطلاع المحارم من الرجال عليه، بل و الأجانب مع اتفاق الرؤية، أو تعمدها مع عدم الإثم حال التحمل، أو مع تجديد التوبة، أو مع القول بعدم قدح مثله في العدالة، و فيه منع عدم العسر، فان

الرضاع مما لا يطلع عليه الرجال غالبا، و لا يحل لهم النظر اليه عمدا، لأنه في محل العورة التي لا يحل للأجانب النظر إليها، خصوصا بعد اعتبار التفاصيل السابقة في الشهادة بالرضاع، فلا ريب في كونه مما يعسر الاطلاع عليه لهم، و لم يعتد علم الرجال به بالنظر المشتمل على سائر تفاصيله، و حينئذ فيندرج في جميع ما دل على قبول شهادتهن في مثل ذلك من إجماع و نصوص، نحو

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(2): «تجوز شهادة النساء وحدهن بلا رجال في كل ما لا يجوز للرجال النظر»

و في خبر داود بن سرحان (3): «أجيز شهادة النساء في الصبي، صاح أو لم يصح، و في كل شي ء لا ينظر اليه الرجال تجوز شهادة النساء فيه»

ك

قول الرضا عليه السلام في خبر محمد بن الفضيل (4):

«يجوز شهادة النساء فيما لا يستطيع الرجال أن ينظروا إليه»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، مضافا الى المعتبرة المستفيضة(5)الدالة على قبول شهادتهن في العذرة و النفاس و استهلال المولود و عيوب النساء المعلوم كون الوجه

في ذلك تحريم النظر و عسر الاطلاع و عدم اعتياده، و الرضاع إن لم يكن أولى من بعضها فهو مثله، و إلى إطلاق ما دل (6)على قيام امرأتين مقام رجل واحد


1- 1 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 12.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 0.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من أبواب كيفية الحكم الحديث 5- من كتاب القضاء.

ج 29، ص: 346

في الشهادات، و إطلاق

قول الباقر عليه السلام في رواية ابن أبى يعفور(1): «تقبل شهادة المرأة و النسوة إذا كن مستورات»

و إلى خصوص

قول الصادق عليه السلام في مرسلة ابن بكير(2)«في امرأة أرضعت غلاما أو جارية، قال: يعلم ذلك غيرها، قلت: لا، قال: لا تصدق إن لم يكن غيرها»

فان مفهوم الشرط المعتبر هو تصديقها حيث يعلم ذلك غيرها، و السند مجبور بما عرفت.

و من ذلك كله يعرف الحال فيما استدل به للخصم من الأصل المقطوع بما عرفت، و الإجماع المعارض بمثله الموهون بما سمعت، و المرسل (3)في المبسوط الذي قد بان لك الحال فيه، و دعوى عدم عسر اطلاع الرجال على ذلك الممنوعة على مدعيها، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى قبول شهادتهن منفردات فضلا عن حال الانضمام، فيثبت حينئذ كسائر أحوال النساء بشهادة رجلين، أو رجل و امرأتين أو أربع

نسوة، و ما أبعد ما بين القول بعدم ثبوته بهن و بين المحكي عن القاضي من عدم ثبوته إلا بهن، لكنه شاذ ضعيف، كضعف المحكي عن التحرير من عدم ثبوته برجل و امرأتين، مع تصريحه بجواز النسوة كالرجلين، و ثبوت أحوال النساء بالجميع.

و كيف كان فلا تكفي في ثبوته المرأة أو المرأتان وفاقا للمشهور، للأصل بعد معلومية اعتبار المرأتين بواحد فيما تسمع فيه شهادة النساء، بل قد صرح الأصحاب بأن شهادة النساء حيث تقبل على الانفراد يشترط فيها بلوغ الأربع، و استثنوا من ذلك ميراث المستهل و الوصية بالمال، فأثبتوا بالواحدة ربع المشهود به، و بالاثنين نصفه و بالثلاث ثلاثة أرباعه، و ما عن ابن الجنيد- من أن كل أمر لا يحضره الرجال فشهادة النساء فيه جائزة كالعذرة و الاستهلال و الحيض، و لا يقضي به بالحق إلا بأربع منهن، فان شهد بعضهن فبحساب ذلك- مع ضعفه لا يتأتى في مثل الرضاع، فان


1- 1 الوسائل الباب- 41- من كتاب الشهادات الحديث 20.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
3- 3 المبسوط ج 8 ص 175.

ج 29، ص: 347

الحق فيه لا يقبل القسمة، فالتحقيق حينئذ ما عرفت.

خلافا للمحكي عن المفيد من الاجتزاء بشهادة الاثنتين فيما لا يراه الرجال كالعذرة و عيوب النساء و النفاس و الحيض و الولادة و الاستهلال و الرضاع، بل قال:

«و إذا لم يوجد على ذلك إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه» بل عن سلار موافقته على ذلك غير مشترط عدم وجود غيرها، و عن أبى الصلاح الحكم بشهادة الاثنتين فيما لا يعاينه الرجال، و يمكن أن يدخل فيه الرضاع.

و على كل حال فلم نجد ما يدل على الاجتزاء بالاثنتين سوى

قول الباقر عليه السلام في خبر أبى بصير(1): «يجوز شهادة امرأتين في الاستهلال»

و ظاهر

قول الصادق عليه السلام في المرسل (2)السابق: «لا تصدق إن لم يكن غيرها»

و لا ما يدل على الواحدة سوى

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (3)و قد سأله عن شهادة القابلة، فقال:

«تجوز شهادة الواحدة»(4)

الأول مع أنه في الاستهلال و الثاني بالإطلاق الذي يقيد بما عرفت، على أنه لا جابر له في ذلك، و الثالث في غير الرضاع، يمكن حمل الأول و الأخير على إرادة الاجتزاء بالاثنتين و الواحدة و لو بالنسبة إلى النصف و الربع، بل يمكن حمل عبارة القائل بالواحدة في خصوص

المقام على إرادة الندب، كما عساه يومئ إليه عبارة السيد في الناصرية، قال: استحب أصحابنا أن يقبل في الرضاع شهادة المرأة الواحدة تنزيها للنكاح عن الشبهة و احتياطا فيه، و احتج على ذلك بالإجماع و

النبوي «دعها كيف و قد شهدت السوداء»

حيث إنها وحدها شهدت بالرضاع، و حينئذ فيرتفع الخلاف في الواحد و إن بعد التنزيل، و إن أبيت فلا ريب في ضعفه، كالاجتزاء بالاثنتين، لما عرفت.

ثم لا فرق بناء على القبول بين شهادة أم الزوجة و جدتها و بين شهادة


1- 1 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 41.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 24- من كتاب الشهادات الحديث 2.
4- 4 سنن الدار قطني ج 4 ص 177 كتاب الرضاع من رقم 15 إلى 19.

ج 29، ص: 348

أم الزوج وجدته و بين غيرهن من النساء، لإطلاق الدليل، خلافا للمحكي عن العامة، ففرقوا بين الصورتين الأولتين، بل الظاهر سماع شهادة بنت الزوجة و الزوج ما لم تتضمن شهادة على الوالد، و ما عن الشافعية- من أنه لا يتصور شهادة البنت على أمها بأنها ارتضعت من أم الزوج، لاشتراط الشهادة عليه بالمشاهدة- يدفعه منع اشتراطها بذلك، إذ قد يحصل العلم بالاستفاضة و نحوها، و لو شهدت المرضعة بالرضاع منها بين اثنين أو بينها و بين واحد قبلت مع ثلاث أو أخرى و رجل، لأنها لم تشهد على فعلها، و لجواز ارتضاعه منها و هي نائمة، و لا تفيد لها أجرة لو ادعتها، بل

في القواعد لو شهدت بأني أرضعته فالأقرب القبول ما لم تدع أجرة، أي بأن أقرت بالتبرع أو الإبراء أو الأخذ، لانتفاء المانع حينئذ، لكن قد يناقش بأنها شهادة على فعل نفسها، فهي في معنى الدعوى أو الإقرار، و قد يدفع بأن المقصود بالشهادة إنما هو الارتضاع، و هو فعله، بل عن الشافعية وجه بسماع شهادتها و إن ادعت الأجرة و إن لم يقبل منها في دعوى الأجرة، و تقبل شهادتها بالرضاع، و الأقوى عدم القبول مطلقا، ضرورة خروج الفرض عن موضوع الشهادة و اندراجه في موضوع الدعوى، كما هو واضح، و الله العالم.

[السبب الثالث المصاهرة]
اشاره

السبب الثالث من أسباب التحريم المصاهرة، و هي علاقة قرابة تحدث بالزواج جعلها الله تعالى كما جعل النسب، فقال عز من قائل (1)«هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً» نعم قد تعارف هنا البحث عن أمور ألحقت بها إلحاقا و ربما عرفها بعضهم بما يشملها توسعا، و الأمر سهل.

و على كل حال فهو أى السبب المذكور يتحقق مع الوطء الصحيح الناشئ عن العقد و لو تحليلا أو الملك، و يشكل تحققه مع الزنا و الوطء بالشبهة كما ستعرف الكلام فيه و في تحققه أيضا ب النظر و اللمس ف الذي


1- 1 سورة الفرقان: 25- الآية 54.

ج 29، ص: 349

ينبغي البحث فيه حينئذ في الأمور الأربعة.

[أما النكاح الصحيح]

أما النكاح الصحيح ف كل من وطأ امرأة و لو دبرا بالعقد الصحيح الدائم أو المنقطع أو الملك عينا أو منفعة بالتحليل حرم على الواطئ أبدا أم الموطوءة و إن علت لأب أو أم و بناتها و إن سفلن لابن أو بنت، سواء تقدمت ولادتهن أو تأخرت و لو لم تكن في حجره أي في حضانته و حفظه و ستره بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل بين المسلمين كافة، بل هو إجماع منهم، لقوله تعالى (1)«وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ» و الإماء لو سلم عدم كونهن من النساء فلا فرق بينها و بينهن إجماعا بقسميه.

كما أن التقييد بالحجور فيها غير معتبر كذلك،

قال علي عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم(2): «الربائب عليكم حرام، كن في الحجر أم لم يكن»

و في رواية إسحاق بن عمار(3)عنه عليه السلام: «الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور و غير الحجور سواء»

و في صحيح ابن مسلم (4): «في رجل كانت له جارية فأعتقت و تزوجت فولدت أ يصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟

قال: لا هي حرام، و هي ابنته، و الحرة و المملوكة في هذا سواء»

و في مرسل جميل(5): «في رجل له جارية فوطأها ثم اشترى أمها أو بنتها قال: لا تحل له أبدا»

الى غير ذلك مما لا يعارضه الشواذ المطرحة من النصوص، ك

رواية رزين (6)قلت لأبي جعفر عليه السلام: «رجل كانت له جارية فوطأها فباعها أو ماتت ثم وجد ابنتها أ يطؤها؟ قال: إنما حرم الله هذا من الحرائر، و أما الإماء فلا بأس»


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 21- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 8.
6- 6 أشار إليها في الوسائل الباب- 21- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 16 و ذكرها بعينها في الاستبصار ج 3 ص 161 الرقم 584.

ج 29، ص: 350

و

خبر الفضيل بن يسار(1): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له مملوكة يطؤها فماتت، ثم يصيب بعد ابنتها، قال: لا بأس، ليس بمنزلة الحرة».

و كما حرم على الواطئ الأم و البنت كذلك يحرم على الموطوءة المذكورة أب الواطئ و إن علا لأب أو أم و أولاده و إن سفلوا لابن أو بنت

تحريما مؤبدا نصا(2)و إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل ربما أدرجا في آية حلائل الأبناء(3)و آية «وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ»(4)و إن كنا في غنية عنه بغيره، هذا كله في الوطء بالعقد و الملك.

و لو تجرد العقد عن الواطئ حرمت الزوجة على أبيه و إن علا و ولده و إن سفل على حسب ما عرفت، و تقييد حلائل الأبناء بالذين من أصلابكم لإخراج من لم يكن من الصلب كالذي يتبنى و لم تحرم بنت الزوجة عينا بل إنما تحرم جمعا و حينئذ ف لو فارقها أي الأم قبل الدخول جاز له نكاح بنتها (11) إجماعا، لنص الكتاب(5).

و هل تحرم أمها بنفس العقد (12) عليها؟ فيه روايتان، أشهرهما (13) رواية و فتوى أنها تحرم (14) بل في الغنية و الناصريات الإجماع عليه، لدخولها تحت «أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»(6)و للأخبار(7)و الاحتياط، خلافا للحسن، فاشترط الحرمة بالدخول كالبنت، للأصل و

صحيح جميل بن دراج و حماد بن عيسى(8)


1- 1 نقل مضمونها في الوسائل في الباب- 21- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 15 عن الفضيل بن يسار و ربعي بن عبد الله قالا: سألنا و رواها في الاستبصار ج 3 ص 161 الرقم 587 كالجواهر.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 23.
4- 4 سورة النساء: 4- الآية 22.
5- 5 سورة النساء: 4- الآية 23.
6- 6 سورة النساء: 4- الآية 23.
7- 7 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث- 0.
8- 8 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث- 3 عن جميل بن دراج و حماد بن عثمان.

ج 29، ص: 351

عن الصادق عليه السلام: «الأم و البنت سواء إذا لم يدخل بها، يعني إذا تزوج المرأة ثم طلقها قبل أن يدخل بها فإنه إن شاء تزوج أمها و إن شاء ابنتها»

ومضمر محمد بن إسحاق بن عمار(1): «قلت له: رجل تزوج امرأة و دخل بها، ثم ماتت أ يحل له أن يتزوج أمها، قال: سبحان الله كيف يحل له أمها و قد دخل بها؟ قال: قلت له: فرجل تزوج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها يحل له أمها، قال: و ما الذي يحرم عليه منها و لم يدخل بها؟»

و لأن الظاهر من الآية(2)كون الدخول قيدا للنساء في الجملتين، لأن، ظاهر الصفة و الشرط و نحوهما إذا تعقبت جملا متعاطفة رجوعها الى الكل تسوية بينها.

و الأصل مقطوع بما عرفت، و احتمال صحيح جميل بن دراج أو ظهوره في أن قوله: «يعنى» من كلام الراوي، بل عن الوسائل أنه رواها عن نوادر ابن عيسى عارية عن هذه الزيادة، و حينئذ فلا يكون حجة بعد عدم تعين كلام الامام له، لجواز رجوع ضمير «بها» إلى الأم، فالمعنى أنه إذا لم يدخل بالأم كانت هي و البنت سواء في الحل، و أما ما يحكي عن الصدوق رحمه الله- من رواية(3)

الخبر المزبور «الأم و البنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلت له الأخرى»-

فقد قيل من المحتمل قويا أن يكون ذلك من كلام الصدوق تفسيرا بالمعنى، تبعا لما فسر به في تلك الرواية، نعم قد يقال باستفادة كونه مذهبا له في ذلك لكن ينافيه ما صرح به في المقنع، قال: «إذا تزوج البنت دخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأم و قد

روي (4)«أن الأم و البنت في هذا سواء إذا لم يدخل


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 23.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
4- 4 المستدرك الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.

ج 29، ص: 352

بإحداهما حلت له الأخرى»

بل منه يستفاد كون ذلك من تتمة الخبر المزبور، اللهم إلا أن يكون رواه على مقتضى ما فهمه.

و على كل حال فمع التسليم يكفي طعنا في الخبر المزبور هذا الاختلاف في متنه، و مع ذلك هو مضطرب الإسناد، لأنه كما ذكره الشيخ قال: لأن الأصل فيه جميل و حماد و هما تارة يرويانه عن الصادق عليه السلام بلا واسطة، و أخرى يرويانه عن الحلبي عنه عليه السلام، بل جميل يرويه مرة ثالثة عن بعض أصحابه عن أحدهما عليه السلام و مثل ذلك مما يضعف الاحتجاج به في الثاني، مع أنه مضمر لا صراحة فيه أيضا.

و أما الآية فالتحقيق أن القيد في الجمل المتعاطفة التعلق بالأخيرة و لو لأصالة بقاء

ما قبلها على الإطلاق و خصوصا هنا، لأنه إن علق بالجملتين قوله تعالى:

«اللَّاتِي» الى آخره لزم الفصل بين الصفة و موصوفها بأجنبيات، و إن علق بها جملة قوله تعالى «مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي» الى آخره لم يصح إلا أن يكون «من» باعتبار الأولى بيانية، و باعتبار الثانية(1)و هو و إن سلم جوازه و لو بأن تحمل بالنسبة إليهما على الاتصالية، نحو قوله تعالى (2)«الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ» و يكون المجموع حالا عن أمهات النساء و الربائب جميعا، لكنه لا بد له من قرينة و ليست، بل هي على خلافها من النصوص محققة.

قال الصادق عليه السلام في خبر ابن عمار(3): «إن عليا عليه السلام كان يقول: الربائب عليكم حرام من الأمهات اللاتي دخلتم بهن في الحجور و غير الحجور سواء، و الأمهات مبهمات دخل أم لم يدخل، فحرموا و أبهموا ما أبهم الله».

و قال أبو حمزة في خبر العياشي (4): «سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح هكذا« و باعتبار الثانية ابتدائية».
2- 2 سورة التوبة: 9- الآية 67.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل الباب- 18- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و ذيله في الباب- 20- منها الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.

ج 29، ص: 353

امرأة و طلقها قبل أن يدخل بها أ تحل له ابنتها؟ قال: فقال: قد قضى في هذا أمير

المؤمنين عليه السلام، لا بأس به إن الله يقول: و ربائبكم اللاتي في حجوركم- الى آخرها- و لكنه لو تزوج الابنة ثم طلقها قبل أن يدخل بها لم تحل له أمها، قال: قلت: أ ليس هما سواء؟ قال: فقال: لا، ليس هذا مثل هذا، إن الله تعالى يقول:

وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ، و لم يستثن في هذه كما اشترطه في تلك، هذه مبهمة ليس فيها شرط و تلك فيها شرط»

مضافا إلى غير ذلك من النصوص (1)المصرحة باعتبار الدخول في تحريم الربيبة و عدمه في تحريم الأم التي لم يتعرض فيها للتفسير.

بل قد يظهر من

صحيح منصور بن حازم (2)- الذي استدل فيه الخصم، و هو على خلافه أدل- معلومية قضاء علي عليه السلام في ذلك بين الشيعة حتى أنهم كانوا يفتخرون فيه على غيرهم، قال: «كنت عند أبى عبد الله عليه السلام، فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوج بامرأة فماتت قبل أن يدخل بها، أ يتزوج بأمها؟ فقال أبو عبد الله:

قد فعله رجل منا، فلم نر به بأسا، فقلت: جعلت فداك ما يفخر الشيعة إلا بقضاء علي عليه السلام في هذه السمحة التي أفتى بها ابن مسعود أنه لا بأس بذلك، ثم أتى عليها عليه السلام، فقال له علي عليه السلام: من أين أخذتها؟ فقال: من قول الله تعالى وَ

رَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ الى آخرها، فقال علي عليه السلام:

هذه مستثناة و هذه مرسلة و أمهات نسائكم، فقال أبو عبد الله عليه السلام للرجل: أ ما تسمع ما يروي هذا عن علي عليه السلام؟ فلما قمت ندمت، و قلت: أي شي ء صنعت، يقول هو: قد فعله رجل منا فلم نر به بأسا، و أقول أنا: قضى علي عليه السلام فلقيته بعد ذلك، فقلت: جعلت فداك مسألة الرجل إنما كان الذي كنت تقول، كان زلة مني، فما تقول فيها؟ فقال: يا شيخ تخبرني أن عليا عليه السلام قضى فيها، و تسألني فما تقول فيها»

كما أن منه يظهر الوجه في حمل الخبرين المخالفين، بعد فرض دلالتهما،


1- 1 الوسائل و المستدرك الباب- 18 و 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- 2 ذكر صدره و ذيله في الوسائل الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 5 ص 422.

ج 29، ص: 354

و هو التقية المستفادة من هذا الصحيح بوجوه من الدلالة، فحينئذ لا ريب في المسألة و الله العالم.

و لا تحرم مملوكة الأب على الابن بمجرد الملك، و لا مملوكة الابن على الأب، للأصل، و ظهور حصر المحرمات في غيرهما، ضرورة عدم اندراجهما في حليلة الابن و منكوحة الأب، و احتمال كون المراد منهما من جاز وطؤها و لو بالملك مقطوع بعدمه، مناف للظاهر من لفظي الحلائل و النكاح. نعم لو وطأ أحدهما مملوكته و لو دبرا حرمت على الآخر إجماعا و نصا(1)و لا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الآخر إلا بعقد أو

ملك أو تحليل، لقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه.

و لكن يجوز للأب أن يقوم مملوكة ابنه إذا كان صغيرا ثم يطؤها بالملك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد النصوص (2)إنما الكلام في أن المراد من تقويمها تملكها بعقد شرعي كبيع و نحوه، أو يكفي في دخولها في ملكه مجرد تقويمها على أن تكون مملوكة له بالقيمة في ذمته مثلا لولده، قد صرح غير واحد من الأصحاب بالأول، لأصالة عدم دخولها في الملك إلا بالمملك الشرعي، بل في جامع المقاصد القطع بذلك تارة، و نفي الخلاف أخرى، قال: «و لا يكفي مجرد التقويم قطعا، إذ لا ينتقل الملك إلا بسبب ناقل، و قبله لا يجوز التصرف، و لا أثر للتقويم بدون العقد المملك، و لا خلاف في شي ء من هذه الأحكام» و هو إن تم إجماعا كفى، و إلا أمكن أن يحتمل الثاني عملا بظاهر النص (3)و ما كان كالمتن من الفتوى، و يكون حينئذ شبه فرض القيميات، و حينئذ يتجه احتمال الاقتصار في هذا الحكم على خصوص الأب لا الجد، و خصوص مملوكة الولد لا البنت، جمودا على ما خالف الأصل على المتيقن، و إن كان الذي يقوى في النظر العموم، للقطع باتحاد الجميع، بل ينبغي


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
3- 3 الوسائل الباب- 40- من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

ج 29، ص: 355

القطع به على الأول، ضرورة تسلط الجد على التصرفات جميعها التي منها ذلك، كما أنه

ينبغي القطع بعدم الفرق بين الولد و البنت عليه أيضا كما هو واضح.

و لو بادر أحدهما فوطأ مملوكة الآخر من غير شبهة كان زانيا بلا خلاف و لا إشكال، و في نشر الحرمة بذلك ما سيأتي لكن لا حد على الأب الذي هو أصل للولد و مالك له و لما له، كما كشف عن ذلك النص (1)و به صرح في القواعد و الإرشاد و التلخيص و المسالك و جامع المقاصد، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في جامع المقاصد، إلا أنى لم أجد به نصا بالخصوص على وجه يصلح مقيدا لما دل على الحد بالزنا، بل لم أعثر على من استثناه في كتاب الحدود، كما استثنوا سقوط الحد على الوالد بسرقة مال الولد، بل في المسالك في شرح المسألة الرابعة من الشرائع في كتاب الحدود في حد السارق ما هو كالصريح في مفروغية ترتب حد الزاني على الأب لو زنى بجارية الابن، فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و على الابن الحد لإطلاق أدلته، و لو كان هناك شبهة سقط الحد عنه للأمر بدرئه عندها(2)و لو حملت مملوكة الأب من الابن مع الشبهة الملحقة للولد بأبيه أعتق قهرا، لعدم ملك الأب ولده و إن نزل فينعتق حينئذ على جده المالك للجارية و لا قيمة على الابن للأصل و غيره و ليس هكذا لو حملت مملوكة الابن من الأب شبهة، فإنه لم ينعتق على الولد المالك للجارية، لأن الرجل يملك أخاه و (11) لكن على الأب فكه (12) منه إلا أن تكون أنثى (13) فتنعتق قهرا على أخيها، و لا قيمة على الأب.

و لو وطأ الأب زوجة ابنه لشبهة لم تحرم على الولد، لسبق الحل (14) و كذا العكس، و إن قلنا: إن الشبهة تنشر الحرمة لكن إذا لم يكن العقد مثلا سابقا كما ستعرف البحث فيه، و قيل: تحرم لأنها منكوحة الأب (15) فتندرج


1- 1 الوسائل الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب حد الزنا الحديث 11 من كتاب الحدود.

ج 29، ص: 356

في عموم (1)«وَ لا تَنْكِحُوا» و فيه أن المراد من النكاح فيها العقد كما ستعرف، و عليه يلزم الأب مهرها بما استحل من فرجها، و لو عاودها الولد فان قلنا بالثاني أى أن الوطء بالشبهة ينشر الحرمة كان ت حينئذ أجنبية عنه، ف عليه لها مهران إذا كان قد عاودها مشتبها: أحدهما المسمى السابق، و الثاني مهر المثل للوطء الأخير، و هكذا و إن قلنا بالأول أى أن وطء الشبهة لا يحرم و هو الصحيح عند المصنف كما ستعرفه أو في خصوص الفرض فلا مهر عليه سوى الأول ضرورة بقائها حينئذ على زوجيته و لم تحرم عليه بوطء أبيه كما هو واضح. و الله العالم.

و من توابع المصاهرة تحريم أخت الزوجة (11) لأب و أم أو لأحدهما جمعا لا عينا (12) كتابا(2)و سنة(3)مستفيضة أو متواترة و إجماعا بقسميه، بل لا يجوز الجمع بينهما بالوطء بالملك، لذلك أيضا، و ما

في خبر ابن يقطين(4)- «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن أختين مملوكتين و جمعهما، قال: مستقيم و لا أحبه لك، قال: و سألته عن الام و البنت المملوكتين قال: هو أشدهما و لا أحبه لك»

- محمول على إرادة الجمع في الملك أو على التقية، ك

خبر الحلبي (5)عن أبى عبد الله عليه السلام قال:

«قال محمد بن علي عليه السلام في أختين مملوكتين تكونان عند الرجل جميعا قال: قال علي عليه السلام: أحلتهما آية(6)و حرمتهما آية أخرى(7)، و أنا أنهى عنها نفسي و ولدي»

فإن الظاهر كون الداعي الى هذا الإجمال التقية، و إن كان هو ظاهرا في إفادة التحريم، ضرورة ظهور

قوله عليه السلام: «و أنا أنهى نفسي»

في رجحان آية النهي و إن العمل عليها، بل منه يستفاد ترجيح النهي في العامين، من وجه فان ذلك


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 22.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 23.
3- 3 الوسائل الباب- 24 و 25 و 26 و 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
6- 6 سورة النساء: 4- الآية 3 و 24 و 25.
7- 7 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 357

منه، إذ آية التحليل آية الملك و آية التحريم آية النهي عن الجمع بين الأختين،

قال معمر بن يحيى بن بسام (1): «سألت أبا جعفر عليه السلام عما يروي الناس عن أمير المؤمنين عليه السلام عن أشياء من الفروج لم يكن يأمر بها و لا ينهى عنها إلا نفسه و ولده، فقلت: كيف يكون ذلك؟ قال: أحلتها آية و حرمتها اخرى، فقلنا: هل إلا أن تكون إحداهما نسخت الأخرى أم هما محكمتان ينبغي أن يعمل بهما؟

فقال: قد بين لهم إذ نهى نفسه و ولده، قلنا: ما منعه أن يبين ذلك للناس؟ قال:

خشي أن لا يطاع، و لو أن أمير المؤمنين عليه السلام ثبتت قدماه أقام كتاب الله كله و الحق كله»

و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم.

و من توابعها أيضا تحريم بنت أخت الزوجة و بنت أخيها إلا برضا الزوجة و حينئذ ف لو أذنت صح و إلا فلا، بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع مستفيضا أو متواترا عليه كالنصوص (2)فما عن الإسكافي و العماني من الجواز مطلقا بعد تسليم صحة ذلك عنهما لإطلاق قوله تعالى (3):

«وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» و

خبر علي بن جعفر(4)«سألت أخي موسى عليه السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عمتها أو خالتها، قال: لا بأس»

المقيدين بغيرهما من النص (5)و الإجماع واضح الضعف، كوضوح ضعف المحكي عن الصدوق من المنع مطلقا، لإطلاق جملة من النصوص (6)المقيد أيضا بما عرفت، خصوصا بعد أن كان مذهب جميع العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، بل لا يبعد عدم قدح خلافهما في الإجماع السابق لهما و اللاحق، فالمسألة حينئذ لا إشكال فيها.

نعم له إدخال العمة و الخالة على بنت أخيها و أختها و لو كره المدخول


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 24.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 29، ص: 358

عليها بلا خلاف معتد به أجد فيه، بل عن التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصل و عموم الآية(1)و خصوص

خبر ابن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «لا تزوج ابنة الأخ و لا ابنة الأخت على العمة و لا على الخالة إلا بإذنهما، و تزوج العمة و الخالة على ابنة الأخ و الأخت بغير إذنهما»

و نحوه خبره الآخر(3)

و خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن امرأة تزوجت على عمتها و خالتها، قال: لا بأس، و قال: يتزوج العمة و الخالة على ابنة الأخ و بنت الأخت، و لا تزوج

بنت الأخ و الأخت على العمة و الخالة إلا برضا منهما، فمن فعله فنكاحه باطل»

و خبر مالك بن عطية(5)عن الصادق عليه السلام «لا تنكح المرأة على خالتها، و تزوج الخالة على ابنة أختها»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، فما عن المقنع من إطلاق المنع كالعكس واضح الفساد، كاحتمال الاستدلال له ب

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح (6)«لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة و عمتها، و لا بين المرأة و خالتها»

إذ هو مطلق يجب حمله على المقيد هذا، و لكن في بعض القيود إن القول بالجواز و إن كرهتا مناف ل

خبر ابن مسلم (7)عن الباقر عليه السلام «لا تتزوج الخالة و العمة على ابنة الأخ و ابنة الأخت بغير إذنهما».

و فيه أن الذي عثرنا عليه في الأصول من

خبر ابن مسلم «تتزوج الخالة»

إلى آخره من دون نهي، نعم رواه في المسالك كذلك، و الظاهر أنه وهم منه، و على تقديره يمكن حمله على إرادة الاذن من العمة و الخالة كما جزم به في المسالك، حيث إنه بعد أن ذكر الجواز قال: «و لكن بشرط علم الداخلة بكون المدخول عليها زوجة، و إلا لم

يصح، و المصنف أطلق الجواز، و هو محمول على رضا الداخلة، ثم


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12.
4- 4 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 و فيه « لا تتزوج المرأة.».
6- 6 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.

ج 29، ص: 359

على تقدير جهلها بالحال فهل يقع العقد باطلا أم يتوقف عقد الداخلة على رضاها أم عقدها و عقد المدخول عليها؟ أوجه، أوجهها الوسط، لأن جواز عقد الداخلة مشروط برضاها، فلا وجه لإبطاله بدونه، و عقد السابقة قد حكم بصحته و لزومه قبل العقد الثاني فيستصحب، و الحق في ذلك للداخلة، فتتخير في عقد نفسها بين فسخه و الرضا بمصاحبة المدخول عليها، و كون رضاها شرطا في صحة الجمع لا يدل على أزيد من ذلك، لأن العقد حينئذ لا يقصر عن عقد الفضولي، و سيأتي تحقيقه» و ظاهره المفروغية من اعتبار رضاها، و لعله أخذه مما تسمعه في نكاح الحرة على الأمة، بناء على اشتراك المسألة في كيفية دلالة الدليل، و في حكمة الحكم، و هي الاحترام، إلا أنه ستعرف هناك عدم اعتبار الاذن في الجواز و الصحة، و إنما تتسلط هي على الخيار، كما ستسمع، اللهم إلا أن يريدوا ذلك هنا أيضا، و فيه أنه بعد التسليم لا يخرج عن القياس.

و من هنا قال في الرياض: «لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أخت أم لا وفاقا للأكثر، للأصل و إطلاق النصوص» و عن العلامة اشتراط العلم و مستنده غير واضح، و النصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة الأولى، و ظاهره عكس ما سمعته من المسالك، نعم في قواعد الفاضل «الأقرب أن للعمة و الخالة حينئذ فسخ عقدهما لو جهلتا، لا المدخول عليهما، أى لا عقد المدخول عليهما، لأصالة صحته و لزومه، و لا أحدهما يقع باطلا، لأصالة الصحة و استصحابها مع عدم الدليل على البطلان، فليس حينئذ إلا فسخ عقد أنفسهما مع عدم رضاهما» و فيه أن المتجه ما عرفت من الصحة و اللزوم فيهما اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و هو الصورة الأولى التي هي المناسبة لاحترام العمة و الخالة، لا المروضة، و خبر أبى الصباح (1)مع أنه ضعيف لا جابر له في خصوص ما نحن فيه، و موافق بإطلاقه للعامة يقوى في الظن إرادة الصورة التي صرحت النصوص بالمنع من الجمع فيها من دون الاذن، و هي إدخال بنت الأخ و الأخت على العمة و الخالة، لا ما نحن


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.

ج 29، ص: 360

فيه الذي أطلق في النصوص جوازه، بل لو سلم عدم التفات النصوص إلى الاذن و عدمها في هذه الصورة لاكتفينا في حليتها بعمومات الحل، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عدم اعتبار الاذن، و عليه لا يحتاج الى البحث في تنقيح الاحتمالات المذكورة في المسالك تبعا لجامع المقاصد و إن كان الأقوى فيها على القول باعتبار الاذن أن لهما فسخ عقد أنفسهما لا المدخول عليهما، و هو واضح.

بل قد يقال إن مقتضى ما ذكرنا جواز الجمع بينهما بعقد واحد بغير إذن منهما، لاختصاص

النصوص باعتبار الاذن في صورة إدخالهما على العمة و الخالة، اللهم إلا أن يستفاد حكم ذلك مما تسمعه في الجمع بين الحرة و الأمة بعقد واحد بناء على اتحادهما في كيفية دلالة الدليل، و قد ورد الخبر الصحيح (1)هناك بصحة عقد الحرة دون الأمة، أي مع عدم الاذن فلاحظ و تأمل جيدا، هذا.

و ظاهر النصوص و الفتاوى اختصاص الحكم في التزويج فلا يحرم الجمع بينهما بالوطء بالملك للتعبير بالتزويج و النكاح في أكثر النصوص (2)و هو حقيقة في العقد، بل لو سلم اشتراكه بينه و بين الوطء فالقرينة على إرادة العقد منه هنا ظاهرة، لأن المملوكة ليست أهلا للإذن و لا للسلطنة على النكاح، و كذا لو كانت العمة و الخالة أمتين له و أدخل عليهما بنت الأخ و الأخت حرتين، بل لعله أولى بالجواز، بل لو انعكس الفرض بأن كانت العمة و الخالة حرتين و أدخل عليهما بنت الأخ و الأخت المملوكتان، فكذلك أيضا.

و دعوى المنع للأولوية من إدخالهما حرتين يدفعها منع الأولوية، لعدم استحقاق الأمة الاستمتاع، كاحتمال منع مطلق الجمع للنهي عنه في خبر أبي الصباح (3)و لأن النكاح بمعنى الوطء لغة، و لأن الملك بمنزلة النكاح في الاستفراش، و لأن الحكمة احترام العمة و الخالة بالنسبة الى بنت الأخ و الأخت و الاحتراز عن وقوع البغضة بينهما، إذ قد عرفت ضعف خبر أبي الصباح، و لا جابر له


1- 1 الوسائل الباب- 48- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.

ج 29، ص: 361

بالنسبة الى ذلك، مع أنه موافق للعامة، و قد عرفت أن النكاح العقد، و أنه على تقدير اشتراكه يراد منه العقد، و وضوح الفرق بينه و بين النكاح في الاحترام و الامتهان و غيرهما، فالتحقيق قصر الحرمة على خصوص التزويج.

نعم لا فرق فيه بين الحرائر و الإماء، لإطلاق الأدلة، بل لعل المنع هنا أولى في بعض الأفراد، و أما التحليل فالظاهر إلحاقه بالملك في الحكم لا التزويج، كما ستعرف تحقيقه إن شاء الله في محله.

كما أن الظاهر عدم الفرق في العمة و الخالة بين الدنيا و العليا و إن احتمل الاقتصار على الأولى، لمخالفة الحكم للأصل إلا أن الأقوى التعميم، للاشتراك في العلة، و احتمال شمول اللفظ للجميع، خصوصا في مثل النكاح الثابت نظير ذلك فيه في نظائر هذا اللفظ في المحرمات و نحوها، و الله هو العالم.

و كيف كان ف لو تزوج بنت الأخ أو بنت الأخت على العمة أو الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلا لا تنفع الإجازة بعده، لاقتضاء النهي ذلك في المعاملة، بل لعله يقتضي هنا خروج الموضوع عن قابلية النكاح، كالنهي عن النسبيات، و ل

قول الكاظم عليه السلام في خبر أخيه (1): «فمن فعل فنكاحه باطل»

لأن رضا العمة و الخالة شرط في صحة العقد، فيجب مصاحبته للمشروط، كما هو الأصل في الشرائط، أي الظاهر من أدلتها خصوصا في المقام.

و قيل و القائل الشيخان و أتباعهما بل نسبه غير واحد إلى الأكثر كان للعمة و الخالة الخيار في إجازة العقد و فسخه أو فسخ عقدهما بغير طلاق فيكون لهما الفسخ بغير طلاق من زوجهما و الاعتزال عنهما و الأول لوقوع العقدين صحيحين، أما الأول فظاهر، و أما الثاني فلأنه صدر من أهله في محله جامعا لشرائطه، فلا يؤثر تجدد البطلان بفسخ العمة و الخالة في صحته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على رضا الغير إذا وقع صحيحا، فكانت حينئذ نسبة العقدين إلى العمة و الخالة على السواء، و لما كان الجمع موقوفا على رضاهما تخيرا في رفع


1- 1 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 29، ص: 362

الجمع بما شائا من فسخ عقدهما و عقد الداخلة، لأن كلا منهما يحصل به رفع الجمع الذي قد جعل إليهما.

و فيه أن العقد الأول لازم بالأصل، و رفع الجمع يحصل بفسخ العقد الطاري الذي هو متعلق الرضا، و رفع الجمع و إن كان يحصل لكل منهما إلا أن فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي، و هو سبق لزومه، فيختص التسلط

على رفع الثاني، كما اختص الفساد بعقد الأخت الطاري على عقد أختها، لا أقل من أن يكون ذلك مرجحا لفسخه على فسخ عقدهما، على أن ظاهر النصوص التي سمعتها اعتبار الاذن في صحة العقد الطاري، فلم تجتمع شرائط الصحة بدونها، بخلاف الأول، و لذا لم يجز له التصرف به قبل استئذانهما و إن كانتا غير عالمين، بل لو ماتتا قبل علمهما لا بد من تجديد العقد، فدعوى تمامية شرائط صحة العقد الثاني في غير محلها، بل هو كالفضولي في غير المقام الذي شبهه به المستدل، و حينئذ فيختص هو بالتوقف على الاذن صحة و فسادا، و هو القول الثالث الذي اختاره جماعة من المتأخرين، فجميع ما عرفته في حجية الفضولي من عموم «أَوْفُوا»(1)و غيره، بل لعله أولى بالصحة منه، فإن الذي تعقب فيه رضا من بيده عقدة النكاح بخلافهما، و ليس في شي ء من النصوص هنا زيادة على اعتبار الرضا في المقامين، بل تلك الأدلة أوضح في اشتراطه منها هنا، فكما قلنا هناك باندراج العقد المتعقب بالرضا في الإطلاقات و العمومات فكذا هنا، و حينئذ فيراد بما دل على النهي بدون الرضا ما فقده سابقا و لاحقا، و منه الخبر الذي استدل به للقول الأول، ضرورة شموله لما تعقبه الاذن، بل منه يعلم ما في دعوى دلالة مثل هذا النهي على الفساد، و أغرب منها دعوى دلالته على خروج الموضوع عن القابلية كالنسبية، ضرورة عدم كون المقام من ذلك، فإنه محلل بالاذن لا من المحرمات، بل منه يعلم ما في دعوى ظهور الشرطية في المصاحبة، فإن شرطية الرضا ليست من هذا القبيل، خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرناه من أدلة الفضولي و ما وقع في الشرع مما يعلم منه


1- 1 سورة المائدة: 5- الآية 1.

ج 29، ص: 363

كون شرطية الرضا و لو متأخرا في جميع ما اعتبر فيه من العقود كافيا، كما لا يخفى على من كشف الله بصيرته.

فبان حينئذ فساد القول الأول الذي لم نتحقق القائل به بعد احتمال إرادة البطلان في نحو عبارة المتن الوقوف على الاذن إلا ما يحكي عن ابن إدريس هنا من بطلان الثاني و تزلزل العقد الأول، و هو القول الرابع في المسألة، محتجا على الأول بما سمعته من الأدلة السابقة، و لم يتعرض لدليل الثاني، و في المسالك كان الأصل فيه نقله عن الشيخ تزلزل العقدين، و اعترضه بالنهي الدال على فساد الثاني، و أبقى الأول على حاله، فاضطربت فتواه، لأنه إذا وقع الطاري فاسدا لم يكن لتخيرها في فسخ عقد نفسها وجه، لأن المقتضي للفسخ الجمع، و مع وقوع العقد فاسدا لا جمع، و لعل ما ذكره من حمل كلامه على ذلك أولى، و إلا فهو من المستغربات التي لا ينبغي أن تنسب الى فقيه.

و قد تبين بذلك كله أن القول الثالث لا الأول الذي اختاره المصنف أصح الأقوال، اللهم إلا أن يرجع اليه كما عرفت.

و لو كانت العمة أو الخالة مجنونتين مثلا ففي سقوط اعتبار إذنهما أو انتقاله الى وليهما أو لا يصح العقد لانتفاء شرط صحته وجوه: أوسطها أوسطها(1)، سيما إذا كانتا

صغيرتين مثلا، و لكن لم أجد شيئا من ذلك في كلام أحد من الأصحاب، و لا فيما إذا عرض الجنون لهما مثلا بعد العقد، بل و لا غير ذلك من الفروع المتصورة في المقام.

هذا كله في حرمة المصاهرة و تابعها بالوطء الصحيح.

[أما الزنا]

و أما الزنا و نحوه فان كان طارئا على الدخول الصحيح بعقد أو ملك لم ينشر الحرمة للأصل و الإجماع بقسميه، بل لعل المحكي منهما


1- 1 في هامش النسخة الأصلية هنا تعليقة منه قدس سره و هي:« أقول هو كذلك في مسألة اعتبار إذن الحرة في نكاح الأمة قطع بعدم شمول أدلة الولاية لمثله و رجح الصحة حسن وفقه الله».

ج 29، ص: 364

مستفيض أو متواتر كالنصوص التي (1)منها المشتملة على التعليل بأنه

«لا يحرم الحرام الحلال»

و أنه

«ما يحرم حرام قط حلالا»

و حينئذ فمن تزوج بامرأة و دخل بها ثم زنى بأمها أو بنتها أو لاط بأخيها أو أبيها أو ابنها أو زنى بمملوكة أبيه الموطوءة له أو ابنه كذلك لم تحرم عليه امرأته و مملوكته فان ذلك كله و ما شابهه لا يحرم السابقة بل إطلاقها خصوصا التعليل فيها كالفتاوى عدم الفرق في الزوجة بين المدخول بها و غيرها، خلافا للمحكي عن أبي علي، فقال: «إن عقد الأب أو الابن على امرأة فزنى بها الآخر حرمت على

العاقد ما لم يطأها، لعموم «ما نَكَحَ آباؤُكُمْ»(2)مع عدم القول بالفرق و ل

موثق عمار عن الصادق عليه السلام (3)«في الرجل تكون له الجارية فيقع عليها ابن ابنه قبل أن يطأها الجد أو الرجل يزني بالمرأة هل يحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: لا، إنما ذلك إذا تزوجها فوطأها ثم زنى بها ابنه لم يضره، لأن الحرام لا يفسد الحلال، و كذلك الجارية»

بل حكي عنه بعضهم اعتبار الدخول في عدم النشر مطلقا لا في خصوص معقودة الأب و الابن، و لعله لفهم التعميم

في خبر الكناني (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا، و إن كان قد تزوج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه، و إن هو تزوج ابنتها و دخل بها ثم فجر بأمها بعد ما دخل بابنتها فليس يفسد فجوره بأمها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها»

لكنه ضعيف جدا، بل في الرياض قد ادعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه.

و يمكن منع إرادة الوطء من الآية أو ما يعمه، و على تقديره يخص بالأخبار


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- 2 سورة النساء: 4- 2 لآية 22.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و فيه« هل يجوز لأبيه» كما في الكافي ج 5 ص 420 الا أن في الاستبصار ج 3 ص 164 الرقم 597« هل يحل لأبيه».
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

ج 29، ص: 365

السابقة و الإجماعات، و الخبر الأول- مع ما قيل إنه ضعيف سندا و دلالة- قاصر عن تقييد غيره كالثاني نعم ظاهر تقييد المصنف و الفاضل الأمة بالموطوءة انتفاء الحكم مع انتفاء الوطء لكن في القواعد قبل ذلك بقليل «و لو وطأ أحدهما مملوكة الآخر بزنا أو شبهة ففي التحريم على المالك نظر» و مراده بقرينة ما بعده الزنا بها قبل وطء المالك لها.

و اختار في جامع المقاصد الحرمة بعد أن حكاها عن الشيخ و ابن الجنيد و البراج و جماعة، لعموم «وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» مع عدم القول بالفرق، و خبر عمار السابق الذي لا يقدح ضعفه على ما قيل بعد اعتضاده بظاهر الآية و غيره من الأخبار(1)كما في جامع المقاصد و بعد تأييده بأخبار(2)تحريم زوجة أحدهما عليه بزنا الأخر قبل العقد، كما في كشف اللثام، و بعد تأيده أيضا ب

خبر الكاهلي (3)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن رجل اشترى جارية و لم يمسها فأمرت امرأته ابنه و هو ابن عشر سنين أن يقع عليها، فوقع عليها، فما ترى فيه؟ قال: أثم الغلام، و أثمت أمه، و لا أرى للأب إذا قربها الابن أن يقع عليها»

الحديث، هذا.

و لكن قد يناقش بأنه- مع مخالفته للأصل و عموم «ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ»(4)و عموم

«لا يحرم الحرام الحلال»(5)

- منع كون النكاح بمعنى الوطء لغة، لما عرفت، و معارضة الخبر ب

قول أبى جعفر عليه السلام في خبر زرارة(6): «إن زنى رجل بامرأة أبيه أو بجارية أبيه فإن ذلك لا يحرمها على زوجها، و لا يحرم الجارية


1- 1 الوسائل الباب 4 و 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
2- 2 الوسائل الباب- 4 و 9 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
4- 4 سورة النساء: 4 الآية 3 و 24 و 25.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 366

على سيدها، و إنما يحرم ذلك منه إذا كان أتى الجارية، و هي حلال فلا تحل تلك الجارية أبدا لأبيه و لا لابنه»

وخبر مرازم (1)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام و سئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع، فقال: أثمت و أثم ابنها، و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها إن الحلال لا يفسده الحرام»

و لعله لذا كان المحكي عن ابن إدريس عدم الحرمة.

لكن قد يقال: إن التعارض بين الأدلة جميعها من العموم و الخصوص و الإطلاق و التقييد فيجب

حينئذ حمل المطلق فيها على المقيد و العام على الخاص، و دعوى قصوره عن ذلك مدفوعة بما عرفت، بل قد يقال: إن خبر مرازم المسؤول فيه عن قضية الامرأة هو بعينه ما في خبر الكاهلي، و إن الامام عليه السلام أجابه بالإمساك تقية، فإن المعروف عندهم كما قيل الحل، بل التعليل فيه مبني على ذلك، ضرورة إمكان الشك في اندراجها تحت الحلال قبل اتخاذها فراشا، إذ ليس الملك لها يجعلها كذلك، و لذا لم تحرم على ابنه و لا على غيره بمجرد الملك، بل لعل ابن إدريس قال بالحل بناء منه على ما ذهب اليه من أن الزنا للسابق لا ينشر حرمة، و ستعرف ضعفه.

و احتمال أن النشر هنا باعتبار قيام الملك مقام العقد- فيكون من الزنا اللاحق الذي قد عرفت أنه لا يحرم الحلال و إن كان قبل الدخول، و لذا تردد العلامة في التحريم هنا، مع قوله بأن الزنا السابق ينشر و اللاحق لا ينشر- يدفعه ما عرفت من ظهور كون المراد بالحلال الفرج المستباح بسببه المخصوص كالعقد أو الذي وطأ بسببه الشامل له و لغيره، كالأمة المملوكة الموطوءة مثلا.

و على ذلك يتجه بناء هذه المسألة على مسألة نشر الزنا السابق، و هو الذي ذكره المصنف بقوله و إن كان الزنا سابقا على العقد فالمشهور تحريم بنت العمة و الخالة إذا زنى بأمهما بل عن المرتضى و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

ج 29، ص: 367

مضافا الى

خبر محمد(1)قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثم ارتدع، أ يتزوج ابنتها؟ فقال: لا، فقال: إنه لم يكن أفضى إليها إنما كان شي ء دون شي ء، فقال: لا يصدق و لا كرامة»

وخبر الخزاز(2)عنه عليه السلام أيضا قال: «سأله محمد بن مسلم و أنا جالس»

الحديث بأدنى تفاوت.

و ناقش فيه في المسالك بضعف السند، و عدم التصريح فيه، بالوطء بل بعدمه الذي لا يليق بمنصب الإمامة تكذيبه فيه، و أنه في الخالة خاصة، و حينئذ فيتجه إدراج حكم الزنا بهما في حكم غيرهما الذي ستعرف البحث فيه، لا أنهما بخصوصهما ينشر الزنا بها الحرمة و إن لم نقل به في غيرهما كما وقع من بعضهم.

و فيه أنه خبر لا يعرف للطائفة خلاف في مضمونه، على أن الشيخ و إن رواها بطريق موثق لكن الكليني بطريق حسن كالصحيح بإبراهيم بن هاشم، و يمكن أن يكون التكذيب عن علم منه بالواقع، و لا زالوا يخبرون بأمثال ذلك، و إلحاق العمة بها لعدم القول بالفصل، بل

عن السرائر(3)روى «أن من فجر بعمته أو خالته لم يحل ابنتاهما أبدا»

فيمكن أن يكون رواية لم تصل إلينا، على أن العمدة الإجماع الذي عرفته، و لا يقدح فيه توقف ابن إدريس فيه.

هذا كله مع فرض عدم النشر في الأجنبية، و إلا فلا ريب في النشر فيهما، ضرورة تناول الأدلة لهما، بل هما أولى. فمن العجب توقف العلامة في المختلف هنا مع حكمه بالنشر في الأجنبية، و لعله في إثبات الحكم فيها بالخصوص و إن كان فيه ما عرفت من أنه لا ينبغي التأمل أيضا بعد الإجماعين و الخبرين المزبورين المؤيدة بمرسل السرائر، و الله العالم.

أما الزنا بغيرهما فهل ينشر حرمة المصاهرة كالوطء الصحيح؟ فيه روايتان إحداهما ينشر(4)و هي أوضحهما طريقا و أكثرهما عددا و عاملا، و الأخرى


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 29، ص: 368

لا ينشر(1)و لكن العمل على الأولى وفاقا للأكثر نقلا مستفيضا و محصلا، بل هو المشهور كذلك، إذ هو خيرة الشيخ في النهاية و التهذيب و الاستبصار، و أبى الصلاح و بنى البراج و حمزة و زهرة و سعيد، و العلامة في التذكرة و المختلف، و ولده في الإيضاح، و الشهيد في اللمعة و ظاهر النكت، و السيوري في الكنز و التنقيح، و ابن فهد في المقتصر و ظاهر المهذب، و الصيمري في غاية المرام و تلخيص الخلاف، و المحقق الكركي في كنز الفوائد، و الشهيد الثاني في الروضة و المسالك، و سبطه الفاضل في شرح النافع، و

الفاضل الهندي في كشف اللثام، و العلامة الطباطبائي في مصابيحه، و المقدس البغدادي، بل في الكافي روى في «باب الرجل يفجر بالمرأة فيتزوج أمها أو بنتها» الأخبار الدالة على التحريم مقتصرا عليها، و ظاهره القول بالحرمة، و قد عرفت أن ابن الجنيد حرم مزنية الأب و الابن على الآخر بعد التزويج قبل الوطء، و هو يقتضي التحريم بالزنا قبل العقد بطريق أولى، و في المحكي عن التبيان و الطبرسي في مجمع البيان في قوله تعالى (2)«وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ» و «كل من عقد عليها الأب من النساء تحرم على الابن دخل بها الأب أو لم يدخل بلا خلاف، فان دخل بها الأب على وجه السفاح فهل تحرم على الابن؟ فيه خلاف، و عموم الآية يقتضي أنها تحرم عليه، لأن النكاح يعبر به عن الوطء كما يعبر به عن العقد، فيجب أن يحمل عليهما» و اللفظ للأول، و الثاني قريب منه، و ظاهرهما القول بالتحريم، كما أن ظاهر المصنف هنا ذلك أيضا، و في الغنية أن تحريم أم المزني بها و ابنتها هو الظاهر من مذهب أصحابنا، و الأكثر من رواياتهم، ثم حكى إجماع الطائفة على تحريم مزنية الأب و الابن على الآخر.

و أما القول الآخر فهو خيرة الفقيه و المقنع و المقنعة و المسائل الناصرية و المراسم و السرائر و النافع و الإرشاد و كشف الرموز، و لم نعرف غيرهم، نعم حكاه في السرائر على ما

قيل عن التبيان في تفسير قوله (3)«وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ»


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6 و 7 و 9 و 10.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 22.
3- 3 سورة النساء: 4- الآية 23.

ج 29، ص: 369

و كلامه في هذا الموضع لا يدل على اختيار أحد القولين، و إنما يدل على منع دلالة الآية على التحريم، و هو غير الحكم بنفيه، فمن الغريب دعوى المرتضى في الناصريات الإجماع عليه، مع أن كلامه في الانتصار يعطي اختيار التحريم، و كذا ما يلوح من كلام ابن إدريس من شهرة القول بالحل، على أنك قد عرفت أن معظم أصحابنا المتقدمين عليه على التحريم، و أما المتأخرون فكاد يكون إجماعا منهم.

و بذلك كله يظهر لك ما في الرياض و دعواه شهرة الحل، كدعواه أن المشهور بين المخالفين التحريم، مع أن المستفاد من كلام السيد في الانتصار كون المشهور بينهم الحل، بل قد يشعر به

قول الصادق عليه السلام في خبر مرازم (1)«و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة»

إلى آخره.

و على كل حال فيدل عليه- مضافا إلى ما عرفت من الإجماع المحكي- ما رواه

الكليني و الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «إنه سئل عن

رجل يفجر بامرأة أ يتزوج ابنتها؟ قال: لا، و لكن إن كانت عنده امرأة ثم فجر بأمها أو بنتها أو أختها لم تحرم عليه امرأته، إن الحرام لا يفسد الحلال»

و ما رواه

الشيخان في الصحيح و غيره عنه (3)عن أحدهما عليهما السلام قال: «سألته عن رجل فجر بامرأة أ يتزوج أمها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: لا»

و صحيح منصور بن حازم (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل كان بينه و بين امرأة فجور، هل يتزوج ابنتها؟ فقال: إن كان قبلة أو شبهها فليتزوج ابنتها، و إن كان جماعا


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3. و ليس فيه « و إن كان جماعا فلا يتزوج ابنتها» و هي موجودة في الاستبصار ج 3 ص 167 الرقم 608.

ج 29، ص: 370

فلا يتزوج ابنتها، و ليتزوجها هي إن شاء».

و في الصحيح عن عيص بن القاسم (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باشر امرأة و قبل، غير أنه لم يفض إليها، ثم تزوج ابنتها، فقال: إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس و إن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها»

قيل: هكذا رواه الشيخان في أكثر النسخ، و ذكره الأصحاب في كتب الاستدلال، و احتج به الشيخ و غيره على هذا المطلب، و به يظهر

فساد ما في بعض النسخ «رجل باشر امرأته» بالإضافة إلى هاء الضمير، فتكون حينئذ لا تعلق لها بهذا الحكم أصلا.

و معتبر يزيد الكناسي (2)«قال: إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة، فقال: أحب أن تسأل أبا عبد الله عليه السلام، و تقول له: إن رجلا من أصحابنا تزوج امرأة قد زعم أنه كان يلاعب أمها، و يقبلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال:

فسألت أبا عبد الله عليه السلام فقال: كذب، مره فليفارقها، قال: فرجعت من سفري، فأخبرت الرجل بما قال أبو عبد الله عليه السلام، فو الله ما رفع ذلك عن نفسه، و خلى سبيلها»

وخبر أبي الصباح الكناني (3)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحل له ابنتها أبدا»

الحديث، و

الصحيح عن أبى بصير(4)«سألته عن الرجل يفجر بالمرأة أ تحل لابنه؟ أو يفجر بها الابن أ تحل لأبيه؟ قال: إن كان الأب أو الابن مسها لم تحل»

و خبر علي بن جعفر(5)عن أخيه موسى عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5 لم يذكر صدره في الوسائل و انما ذكره في الكافي ج 5 ص 416.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 371

قال: «سألته عن رجل زنى بامرأة هل تحل لابنه أن يتزوجها؟ قال: لا»

و رواه الحميري في قرب الاسناد كذلك، و موثق عمار(1)و خبر الكاهلي (2)السابقين.

و من ذلك كله يعلم ما في حجة الخصم، من الأصل المقطوع بما عرفت، و العمومات المخصصة بما سمعت، و الإجماع الممنوع أو الموهون بخلاف المعظم، بل إطباق المتأخرين، بل لم نعثر على موافق للناقل له ممن تقدمه سوى آحاد لا يثبت بهم الإجماع، بل لعل عكسه مظنته كما سمعته من ابن زهرة، بل ظاهر الناقل له في الانتصار خلافه، بل ربما ظهر من كلامه فيه الإجماع على ذلك.

و الأخبار، و هي

خبر هشام بن المثنى (3)«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: رجل فجر بامرأة أ يحل له ابنتها؟ قال: نعم، إن الحرام لا يفسد الحلال»

و خبره الآخر قال (4)«كنت عند أبى عبد الله عليه السلام جالسا، فدخل عليه رجل، فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أ يتزوجها؟ قال: نعم و أمها و ابنتها»

و خبر حنان بن سدير(5)«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ سأله سعيد عن رجل تزوج امرأة سفاحا يحل له ابنتها؟ قال: نعم إن الحرام لا يحرم الحلال»

و خبر سعيد بن يسار(6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج بابنتها، فقال: نعم يا سعيد إن الحرام لا يفسد الحلال»

و خبر زرارة(7)«قلت لأبي جعفر عليه السلام:

رجل فجر بامرأة هل يجوز أن يتزوج بابنتها؟ قال: ما حرم حرام حلالا قط»

و خبر صفوان (8)قال: «سأله المرزبان عن الرجل يفجر بالمرأة و هي جارية قوم آخرين، ثم اشترى بنتها أ يحل له ذلك؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال، و رجل


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 عن أبى عبد الله عليه السلام« أنه سئل عن الرجل» الا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 320 الرقم 1343.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11.
6- 6 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
7- 7 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9.
8- 8 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 12.

ج 29، ص: 372

فجر بامرأة حراما أ يتزوج ابنتها؟ قال: لا يحرم الحرام الحلال»

و خبر زرارة(1)السابق المشتمل على حصر الإفساد بالوطء الحلال دون الحرام.

إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما عرفت سندا و عددا و عاملا و دلالة، لاحتمال الجميع الفجور بغير الجماع، أو به و لكن

بعد التزويج، أو التقية، و هو أحسن المحامل، و ذلك لأن هذا الخبر كما يظهر من الانتصار و الغنية و غيرهما

نبوي (2)أي «لا يفسد الحرام الحلال»

و أنه من رواياتهم عنه صلى الله عليه و آله و سلم و هو صحيح، لكنهم لم يفهموا المراد منه، فظنوا أن المراد منه ما يشمل الحلال تقديرا، و هو ليس كذلك، ضرورة أن الصور ثلاثة:

(أحدها) أن يقع الوطء الحرام متعقبا للوطء الحلال بالعقد أو الملك، و لا ريب في كون ذلك من أفراده.

(ثانيها) أن يقع بين العقد و الوطء، و قد عرفت أن ابن الجنيد يقول بالنشر فيه، للموثق الذي سمعت، و لدعوى كون المراد أن الوطء الحرام لا يفسد وطء الحلال، و لو لا دعوى الإجماع بخلافه و نفى الخلاف في محكي البيان عنه لكان له وجه، لأن النصوص جميعها أو أكثرها مطلقة قابلة للتقييد بالموثق المزبور، إلا أنه لما لم يكن صريحا في ذلك و إمكان دعوى الاندراج تحت «إن الحرام لا يفسد الحلال» ضرورة فعلية الحل فيه بعد العقد، و عدم وقوعه لا ينافي صدق الحلية عليه فعلا بعد حصولها بسببها المخصوص كان الأوجه خلافه، نعم هو متجه في مثل الملك الذي هو ليس سببا خاصا للوطء، و لذا لم تحرم مملوكة الولد على الوالد و بالعكس، بخلاف معقودتهما، و من هنا كان التحقيق نشر الحرمة بزنا كل منهما

في مملوكة الآخر قبل وطئه لها عليه كما عرفت، و لا ينافيه النبوي المزبور(3).


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 سنن الدار قطني ج 3 ص 267 كتاب النكاح باب المهر الرقم 87 و فيه. « لا يفسد الحلال الحرام».
3- 3 سنن دار قطن ج 3 ص 267 كتاب النكاح باب المهر الرقم 87.

ج 29، ص: 373

(ثالثها) أن يقع الحرام قبل إيجاد سبب الحل، و لا ريب في عدم تناوله لهذا الفرد، ضرورة كون المراد فعلية الحل لا تقديرها، و دعوى حلية العقد عليها فعلا يدفعها ظهور إرادة أن الحرام من ذلك الصنف لا يفسد الحلال منه، لا أن المراد ما يشمل ذلك و الحلال من كلي آخر، بل قد يدعى ظهور لفظ الإفساد في بعض هذه النصوص في المتعقب لما هو قابل للإفساد من العقد الذي هو سبب حلية الوطء أو الملك المتعقب للوطء و حينئذ تكون هذه النصوص المشتملة على التعليل المزبور الذي هو غير منطبق على ما هو الظاهر إنما خرجت على مذاق العامة و ما يعللون به، بل

قوله عليه السلام في الخبر السابق: «و لقد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له»

إلى آخره مشعر بما قلناه من صدور ذلك و نحوه تقية، و لذا قد فصلوا الأمر في النصوص التي قد عرفتها، و بينوا بها فساد ما فهمه العامة من النبوي، فكان ذكر التعليل منهم فيما ليس من أفراده ظاهرا رمز منهم على صدور ذلك منهم تقية، و أن الفقيه لا يكون فقيها حتى يفهم ما يلحنوه و يرمزوه له كما ورد عنهم عليهم السلام (1)خصوصا بعد التصريح

في تلك النصوص، فليس حينئذ بعد اليوم في المسألة من إشكال، و مما ذكرنا يعلم ما في الرياض و دعواه الشهرة على عدم النشر، كدعواه أن الشهرة بين العامة على النشر و غير ذلك مما لا يخفى فساده بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم لو طلق الرجل البنت التي زنى بأمها بعد تزويجه بها طلاقا بائنا ففي جواز عقده عليها ثانيا وجهان: أحوطهما في الفرج الاجتناب، و أقواهما الجواز، و لو للشك، فبقي عمومات الحل سالمة، و ربما كان ذلك وجها آخر في النصوص المعارضة فيكون حينئذ ذاتها حلالا له، لا أنها ما دامت زوجة له، بل مقتضى ذلك الحل له حتى لو زنى بالأم بعد الطلاق، لكن لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال خصوصا في الفروج، فتأمل جيدا و الله العالم، هذا كله في الزنا.

[أما الوطء بالشبهة]

و أما الوطء بالشبهة فالذي خرجه الشيخ و تبعه عليه المشهور نقلا و تحصيلا أنه ينزل منزلة النكاح الصحيح، و فيه تردد أظهره عند المصنف


1- 1 المستدرك الباب- 15- من أبواب صفات القاضي الحديث 5.

ج 29، ص: 374

و الحلي فيما حكي عنه أنه لا ينشر الحرمة لكن يلحق معه النسب للعمومات، و لكن الأقوى الأول، لا للظن بكونه أولى من الزنا، و لا للظن من استقراء جملة من أحكامه لحوقه بالصحيح في جميع الأحكام إلا ما خرج، و لا للاندراج في قوله تعالى «وَ لا تَنْكِحُوا» بدعوى إرادة ما يشمل الوطء و العقد منه، ضرورة عدم تمامية الجميع، بل للإجماع المحكي عن التذكرة المعتضد بنفي الخلاف في محكي المبسوط، و بالشهرة العظيمة نقلا و تحصيلا، بل عن ابن المنذر نسبته الى علماء الأمصار، و عد منهم أصحاب النص و هم الإمامية، فالعمدة في نشره ذلك، و إن كان لا بأس بتأييده بما ذكره من الاستقراء و الأولوية خصوصا مع دعوى كونها من الأولوية العرفية التي يمكن دعوى حجيتها، نعم إنما ذلك إذا كان سابقا على العقد مثلا، أما إذا كان لاحقا فالأقوى عدم النشر كما عن الأكثر، للأصل السالم عن معارضة ما يدل على خلافه بعد ظهوره في السابق، فلاحظ و تأمل.

و أما النظر الى ما يحرم لغير المالك النظر اليه و اللمس بشهوة فيحرمان المنظورة و الملموسة على أب اللامس و ابنه عند المشهور بين الأصحاب نقلا بل و تحصيلا، إذ هو خيرة الصدوق و الشيخ و القاضي و ابني حمزة و زهرة و العلامة في المختلف و ولده و يحيى بن سعيد و الآبي و المحقق الكركي و الشهيد الثاني و سبطه على ما حكي عن بعضهم، بل في الغنية نفي الخلاف عن تحريم منظورة الأب على الابن، بل الظاهر أن القول بالجواز مطلقا إنما نشأ من ابن إدريس و بعض من تأخر عنه كالمصنف و الفاضل في أكثر كتبه و ابن القطان فيما حكي عنه، و إنما الخلاف في منظورة الابن خاصة فصرح المفيد بعدم حرمتها، و تبعه الشهيد في اللمعة، و لعله ظاهر اقتصار أبي الصلاح في الحرمة على منظورة الأب خاصة، نعم ربما لاح من ظاهر ما حكى عن سلار التوقف في الحكم أيضا حيث أسند التحريم إلى الرواية.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى الأول، لا للاندراج تحت اسم الحليلة خرج ما خرج بالإجماع و بقي ما بقي و منه محل البحث، و يتم بعدم القول بالفصل،

ج 29، ص: 375

لظهور منع صدق اسم الحليلة، و لا لأن النظر و اللمس أقوى من العقد المجرد لكون مثل ذلك قياسا، بل للمعتبرة المستفيضة ك

صحيح محمد بن إسماعيل (1)«سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الرجل تكون له الجارية فيقبلها هل تحل لولده؟ فقال:

بشهوة، قلت: نعم، قال: ما ترك شيئا إذا قبلها بشهوة، ثم قال ابتداء منه: إن جردها و نظر إليها بشهوة حرمت على أبيه و ابنه، و قلت: إذا نظر الى جسدها، فقال: إذا نظر الى فرجها و جسدها بشهوة حرمت عليه»

وصحيح ابن سنان (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل تكون عنده الجارية يجردها و ينظر الى جسدها نظر شهوة هل تحل لأبيه؟ و إن فعل أبوه هل تحل لابنه؟ قال: إذا نظر إليها بشهوة و نظر منها إلى ما يحرم على غيره لم تحل لابنه، و إن فعل ذلك الابن لم تحل للأب»

و خبر محمد(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا جرد الرجل الجارية و وضع يده عليها فلا تحل لابنه»

وخبر العيص بن القاسم (4)عنه عليه السلام أيضا «أدنى ما تحرم به الوليدة تكون عند الرجل على ولده إذا مسها أو جردها»

وخبر ابن سنان (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل تكون عنده الجارية فيكشف فيراها أو يجردها لا يزيد على ذلك، قال:

لا تحل لابنه»

وخبر داود الأبزارى (6)«سألته عن رجل اشترى جارية فقبلها، فقال: تحرم على ولده، و قال: إن جردها فهي حرام على ولده»

و خبر البجلي و حفص بن البختري (7)قالوا: «سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول عن الرجل تكون له الجارية أ فتحل لابنه، قال: ما لم يكن من جماع أو مباشرة كالجماع فلا بأس»

ومرسل يونس (8)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن أدنى ما إذا فعله الرجل بالمرأة لم تحل لابنه و لا لأبيه، قال: الحد فيه المباشرة ظاهرة أو باطنة مما يشبه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 77- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 77- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب- 77- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4. عن داود الأبزاري و هو الصحيح.
7- 7 الوسائل الباب- 5- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
8- 8 الوسائل الباب- 4- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ج 29، ص: 376

مس الفرجين».

و ليس للخصم المجوز مطلقا و المفصل إلا أصل الحل و عموماته المخصوصة بما عرفت، و

موثق ابن يقطين (1)عن العبد الصالح عليه السلام «عن الرجل يقبل الجارية يباشرها من غير جماع داخل أو خارج أ تحل لابنه أو لأبيه؟ قال: لا بأس»

وخبر الكاهلي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سألته عن رجل تكون له جارية فيضع أبوه يده عليها من شهوة أو ينظر منها الى محرم من شهوة، فكره أن يمسها ابنه»

و الاقتصار على الولد في مقام البيان في أكثر النصوص (3)القاصرين عن معارضة ما تقدم سندا و عددا و عاملا بل و دلالة، إذ الظاهر إرادة الوطء و المباشرة بالشهوة و مس الفرجين و نحو ذلك مما يصنعه الرجل بحليلته من الجماع داخلا و خارجا خصوصا مع ملاحظة خبر البجلي و البختري و مرسل يونس السابقين، بل لو أغضي عن ذلك، فليس هو إلا مطلق يحمل على المقيد، و الكراهة مع إمكان منع كونها حقيقة في المعنى المصطلح في العرف السابق يمكن إرادة الحرمة منها و لو مجازا بقرينة الأخبار السابقة، على أن الظاهر خروجه عما نحن فيه، إذ الظاهر كون الجارية للولد، لا أنها ملك للوالد، و الاقتصار في بعض النصوص يمكن أن يكون اتكالا على ما بينوه في النصوص الأخر صريحا و ظاهرا، فلا يكون قرينة على إرادة مفهوم اللقب منه، كما هو واضح، فليس في المسألة حينئذ ريب.

نعم لا خلاف و لا إشكال في عدم نشر الحرمة بمثل نظر الوجه و الكفين بغير شهوة، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و العمومات و ما يستفاد من فحاوي النصوص المزبورة، بل قد يقال بعدم النشر بالنظر إليهما بشهوة، لظهور النصوص فيما لا يشمله، كما اعترف به في المسالك، بل و لا ما يشمل ما ماثله من النظر الى ما يبدو عادة من الجارية و إن تلذذ بذلك، بل و غيره أيضا،


1- 1 الوسائل الباب- 77- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 3 و 5- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 29، ص: 377

لكن لم يعاملها معاملة الأمة التي يراد استفراشها بالتجريد و التقبيل، و لمس البواطن و نحو ذلك مما رمز اليه عليه السلام بقوله تارة «جماع» أو «كالجماع»، و اخرى بالمباشرة ظاهرة و باطنة كمس الفرجين، و ثالثة بالجماع داخل و خارج إلى غير ذلك مما هو ظاهر فيما لا يشمل المفروض، كظهوره فيما لا يشمل تجريدها و لمسها و لو للباطن للتداوي أو نحوه و إن تلذذ.

فما عساه يظهر من بعضهم من الميل الى النشر بالنظر الى الوجه و الكفين بشهوة فضلا عن لمسهما مدعيا أنه الظاهر من كلمات الأصحاب في غير محله و إن أوهمته بعض العبارات.

نعم لا يبعد القول بالنشر بالتجريد و اللمس لباطن الجسد، و وضع البطن على البطن و إن لم يكن ذلك عن شهوة و تلذذ، بل كان منه لإرادة إثارة الشهوة و تحريك العضو، عملا بإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه المفهوم في بعض النصوص السابقة بعد معلومية إرادة إخراج مثل السابق و نحوه مما لم يرد به المعاملة معاملة المتخذة فراشا منه، بل يمكن عدم إرادة المفهوم فيه.

كما أنه لا يبعد القول بالنشر فيما ينشر من ذلك بالنسبة إلى أم المنظورة و بنتها وفاقا للمحكي عن أبي علي و الشيخ، بل عن الثاني منهما دعوى الإجماع عليه، بل و غير ذلك من أحكام المصاهرة، لظهور النصوص المزبورة في قيام ذلك مقام الجماع في ترتب الأحكام، و حينئذ لا فرق في الحكم بين الأب و إن علا و الابن و إن نزل، بل لعل إجماع الشيخ يرشد إلى إرادة الأصحاب المثال من ذكر الولد و الوالد كما هو غير بعيد إرادته في النصوص، و لعله هو الوجه في الاقتصار على الولد في الأكثر منها، بل قد يشهد بذلك مضافا الى ما عرفت

النبوي (1)«من كشف قناع امرأة حرم عليه أمها و ابنتها»

و الآخر(2)«لا ينظر الله تعالى إلى رجل نظر


1- 1 المستدرك الباب- 20- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
2- 2 المستدرك الباب- 18- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

ج 29، ص: 378

الى فرج امرأة و ابنتها»

و صحيح ابن مسلم (1)«من تزوج امرأة فنظر الى رأسها و إلى بعض جسدها أ يتزوج ابنتها؟

قال: لا، إذا رأى منها ما يحرم على غيره فليس له أن يتزوج ابنتها»

و في كشف اللثام و نحوه أخبار أخر(2).

و من ذلك قد يقال بحرمة الربيبة و لو حرة بالعقد على أمها الأمة، بل و الحرة مع النظر و اللمس المذكورين، على أن يكون المراد من النصوص سيما مرسل يونس أن كل مصاهرة يعتبر في نشرها الحرمة الدخول، يقوم النظر و اللمس المذكوران مقامه، من غير فرق بين الأمة و الحرة، إلا أنه لما كان ذلك معتبرا في المملوكة دون الحرة التي ثبتت مصاهرتها بالعقد إلا في الربيبة منها استفاضت الرواية في الأمة دونها، و من هنا أطلق في مرسل يونس، بل ربما زاد بعضهم فيما حكي عنه، فخرج بناء على تحقق حكم المصاهرة بالزنا السابق أن النظر و اللمس المذكورين إذا حصلا في الأجنبية نشرا حكم المصاهرة كالزنا، مدعيا ظهور النصوص المزبورة في كونهما يقومان مقام الجماع و أنهما مثله، مؤيدا له بالنبويين المزبورين، إلا أنه قول غير معروف القائل كما اعترف به في المسالك، نعم ظاهر المحكي عن الخلاف بل معقد إجماعه فيه تحقق المصاهرة فيهما لو وقعا حلالا أو شبهة إلا إذا كانا محرمين، و إن كانا معا ضعيفين، ضرورة ظهور النصوص التي سمعتها في قيامهما مقام الدخول في تحقق المصاهرة متممين بسبب المصاهرة كالملك للأمة و العقد على الأم لا مطلقا، بل لو وقعا من المالك للأمة محرمين كما لو كانت مزوجة لم يثبتا مصاهرة، للأصل بعد ظهور النصوص فيما لا يشمل ذلك.

بل المعروف بين الأصحاب قصرهما على خصوص الأمة المملوكة دون الربيبة التي هي بنت الأمة المعقود عليها و إن كانت مملوكة فضلا عن الربيبة


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و فيه« فنظر الى بعض جسدها أ يتزوج» إلا أن الموجود في التهذيب ج 7 ص 280 الرقم 1187 و الاستبصار ج 3 ص 162 الرقم 590 كالجواهر.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 29، ص: 379

الحرة التي من أمها حرة أيضا، للأصل و ظاهر الآية(1)و

صحيح العيص (2)«سئل الصادق عليه السلام عن رجل باشر امرأة و قبل غير أنه لم يفض إليها ثم تزوج ابنتها فقال: إذا لم يكن أفضى إلى الأم فلا بأس و إن كان أفضى إليها فلا يتزوج ابنتها»

و إن كان قد يناقش بأن الأصل و العمومات مخصصة بما عرفت، و صحيح العيص قد عرفت أن الموجود في النسخ الصحيحة «باشر امرأة» فيكون ظاهرا في الأجنبية، و دالا على عدم كون ذلك كالزنا السابق كما عرفت تحقيقه، فيبقى صحيح ابن مسلم المعتضد بظاهر النصوص المزبورة سالما عن المعارض حينئذ بعد إرادة ما يشمل النظر و اللمس المزبورين من الدخول في الآية، و لو للنصوص المتقدمة.

و لعل ذلك هو الأقوى إن لم يكن إجماعا على عدمه، إذ قد عرفت سابقا المفروغية من اعتبار الدخول في حرمة الربيبة الظاهر فيما لا يشمل النظر و اللمس المزبورين؛ كظهور كلامهم هناك في عدم الفرق بين بنت الأمة المعقود عليها و الحرة.

و من ذلك كله يظهر لك محال النظر في المتن و ما شابهه في هذه المسألة، قال:

[أما النظر و اللمس]

و أما النظر و اللمس فما يسوغ لغير المالك كنظر الوجه و لمس الكف لا ينشر الحرمة، و ما لا يسوغ لغير المالك كنظر الفرج و القبلة و لمس باطن الجسد بشهوة فيه تردد، أظهره أنه يثمر كراهية، و من نشر به الحرمة قصر التحريم على أب اللامس و الناظر و ابنه خاصة دون أم المنظورة و الملموسة و بنتيهما مضافا الى ما فيها من جواز اللمس للكف لغير المالك، مع أنه لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، كما عرفته سابقا، و جواز النظر لا يستلزم جواز اللمس، و الى ما فيها أيضا من ظهورها في التحريم بنظر الوجه بشهوة، لكونه مما لا يسوغ لغير المالك، مع أن الذي قد سمعته من النصوص السابقة عدم الحرمة بمثله، و إلى ما فيها من دعوى قصر الحرمة على القول بها على أب اللامس و ابنه، مع أنك قد عرفت ظهور الأدلة


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 29، ص: 380

في خلاف ذلك، بل يمكن إرادة المثال مما اقتصر عليهما و على الوالد من الفتاوى، كالنصوص التي قد عرفت ظهورها أو صراحتها في ذلك، خصوصا المشتملة على الولد خاصة، بل يظهر لك ما في جملة من كلمات القوم هنا، فانى لم أر من حرر المسألة على الوجه الذي ذكرنا.

و من أغرب ما وقفنا عليه هنا للمقداد في التنقيح حيث جعل محل البحث و الخلاف في نظر خصوص الفرج و لمسه و القبلة بشهوة، و كأنه لم يلحظ نصا و لا فتوى حال كتابته، نعم ظاهر النصوص و الفتاوى أن محل البحث هنا الأمة المملوكة، لكن عن الشهيد في نكت الإرشاد تحميل نحو المتن الأعم منها بدعوى إرادة الأعم من المالك للرقبة أو البضع، على أن يكون ذلك عنوانا للحرمة فيهما، فيتحصل حينئذ من العبارة جريان الخلاف في نظر ما عدا الوجه و الكفين من الوالد و بالعكس، و حكم النظر إليهما و قد عرفت قوته و إن كان الموجود في أكثر الفتاوى بل و أكثر النصوص المملوكة رقبة من المالك، و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك أيضا مما ذكرناه في باب الرضاع أن حكم الرضاع في جميع ذلك من أقسام المصاهرة حكم النسب بل قد سمعت من النصوص ما اشتمل على المحرمة بالرضاع، و الله هو العالم.

[و من مسائل التحريم مقصدان]
اشاره

و من مسائل التحريم مقصدان:

[المقصد الأول في مسائل من تحريم الجمع]
اشاره

الأول في مسائل من تحريم الجمع، و هي ستة:

[المسألة الأولى لو تزوج أختين كان العقد للسابقة و بطل عقد الثانية]

الأولى لو تزوج أختين نسبا أو رضاعا لأب و أم أو لأحدهما كان العقد للسابقة و بطل عقد الثانية بلا إشكال و لا خلاف سواء دخل في الثانية أولا، و سواء دخل بالأولى أولا، بل له وطء زوجته السابقة في عدة الثانية لو كان لها عدة لعدم المانع خلافا للمحكي عن أحمد، ضرورة عدم صدق اسم الجمع بين الأختين، فيبقى تحت عمومات

ج 29، ص: 381

الحل، بل هو أولى من حل نكاح الأخت في عدة الأخرى البائنة الذي لا خلاف فيه لذلك أيضا، كما لا خلاف في الحرمة في العدة الرجعية، لكونها فيها بمنزلة الزوجة، نعم صرح جماعة بالكراهة في الأول حتى تخرج منها، لأنها من علاقة الزوجية، و ل

صحيح زرارة(1)«سأل أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة بالعراق ثم خرج الى الشام فتزوج امرأة أخرى فإذا هي أخت امرأته التي بالعراق، قال: يفرق بينه و بين التي تزوجها بالشام، و لا يقرب المرأة حتى تنقضي عدة الشامية قلت:

فان تزوج امرأة ثم تزوج أمها و هو لا يعلم أنها أمها، قال: قد وضع الله عز و جل عنه جهالته لذلك، ثم قال: إذا علم أنها أمها فلا يقربها، و لا يقرب البنت حتى تنقضي عدة الأم منه فإذا انقضت عدة الأم حل له نكاح البنت»

الحديث. المحمول عليها فيها و في البنت لما عرفت، و هو جيد إن ثبت قصوره عن معارضة العمومات السابقة و لو لإعراض المعظم مع أنه ليس ابتداء نكاح و إلا كانت مخصصة به، كما

عن ظاهر الشيخ في النهاية و المحكي عن ابني حمزة و البراج، هذا.

و لا فرق في الحكم المزبور بين الدائم و المنقطع و المختلف كما لا فرق في جواز العقد على إحداهما في عدة البائن للأخرى من غير فرق بين الطلاق و الفسخ و غيرهما، فيجوز حينئذ متعة إحدى الأختين، فإذا انقضى أجلها عقد على الأخرى و إن كانت في العدة، و هكذا، لأنها من عدة البائن و ليس عليه لنفسه عدة، و هو طريق لاحتيال الجمع بين الأختين على الدوام، و يؤيده

قول الصادق عليه السلام في خبر الصيقل (2)«لا بأس بالرجل أن يتمتع أختين»

المقتصر في الخروج منه على الجمع بينهما في حالة واحدة، بل يمكن دعوى ظهوره في المفروض مع اعتبار إرادة الاستمرار الذي لا يكون في غير المتعة، لعدم المحلل فيها، و إلا فلا خصوصية للمتعة.

لكن في النهاية بعد أن ذكر جواز العقد على إحدى الأختين في عدة طلاق البائن قال «و قد روي فيها أنه إذا انقضى أجلها فلا يجوز العقد على أختها إلا بعد


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 382

انقضاء عدتها» مشيرا بذلك الى

صحيح ابن سعيد(1)قال: «قرأت كتاب رجل الى أبى الحسن عليه السلام: الرجل يتزوج المرأة

متعة إلى أجل مسمى فينقضي الأجل بينهما، هل يحل له أن يتزوج أختها من قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها»

المؤيد بخبر يونس (2)و خبر علي بن أبي حمزة(3)و خبر احمد بن محمد بن عيسى المروي عن نوادره (4)بهذا المضمون الذي مرجعه الى قارئ المكتوب، بل عن نهاية المرام لسيد المدارك أن العمل به متعين، بل في التهذيب التصريح بعدم جواز ذلك متعة مدعيا أنه مضمون الصحيح و إن كان هو كما سمعت مطلق بل هو لازم لما سمعته من الشيخ في النهاية و ابني حمزة و البراج.

لكن لا يخفى عليك أولوية حمله على الكراهة، لقصوره عن مقاومة ما عرفت على وجه يصلح للتقييد و لو لإعراض الأصحاب عنه، بل في السرائر هذه الرواية شاذة مخالفة لأصول المذهب لا يلتفت إليها و لا يجوز التصريح عليها إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط سيما في الفروج.

و لو اشتبه السابق و لم يكن ثم ما يشخصه و لو علم التاريخ بناء على الحكم بتأخر المجهول عن المعلوم أقرع في وجه قوي و إن لم أجد من ذكره هنا، نعم في القواعد «الأقرب إلزامه بطلاقهما، لأن الواجب عليه الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، و لم يتمكن من الأول فيتعين عليه الثاني، فإذا امتنع منه ألزمه الحاكم به، كما في كل من وجب عليه أمر فامتنع منه، و للزوم الحرج على

المرأتين» و لعل غير الأقرب احتمال العدم، و احتمال فسخهما، و فسخ الحاكم، و بطلانهما، و حينئذ فلا يكفي في حلية إحداهما طلاق الأخرى، لاحتمال كون الثانية اللاحقة إلا أن يجدد العقد عليها، و كذا لو قال: «زوجتي منهما طالق» و إن صح الطلاق، لتعين الزوجة في الواقع و إن لم يعلمها بنفسها المطلق، نعم لو جدد العقد على من يريدها منهما صح، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 27- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 383

و على كل حال فلو طلقهما معا ثبت لهما ربع مجموع مهريهما مع اتفاقهما جنسا و قدرا و وصفا، بل في القواعد و مع اختلافهما على إشكال، و لعله من أن الواجب حينئذ نصف أحدهما، و هو مخالف لربع المجموع، فإيجابه عليه يوجب إسقاط الواجب و إيجاب غيره، و من أن النصف لما اشتبه بينهما و لا مرجح لزم التقسيط، و حينئذ فيدفع القسط من كل مهر الى من عين لها، و ربما احتمل قسمة المجموع عليهما، لعدم المرجح، و القرعة، و الإيقاف حتى يصطلحا أو يتبين الحال، و لعل الأقوى من ذلك كله القرعة في مستحقة المهر منهما، لأنها واحدة منهما و قد اشتبهت، فمن خرجت القرعة لها استحقت نصف مهرها، و لا إشكال، هذا كله قبل الدخول بهما.

أما معه فيثبت المسميان لهما مع جهلهما بالحكم أو وقوع العقدين على وجه يحرم وطؤهما بناء على وجوب المسمى في النكاح الفاسد مع الوطء شبهة، و ليس له تجديد عقد على إحداهما إلا بعد مفارقة الأخرى و انقضاء عدتها من حين المفارقة، بل قيل: و كذا عدة الأولى من حين الإصابة، لكونها في نكاح فاسد، و فيه منع عدة عليها، لكون الإصابة منه و لحوق السبب به، و كونه في حكم الإصابة الصحيحة، و حينئذ فلو فارق إحداهما بائنا جدد العقد على الأخرى و إن لم تمض عدتها من حيث الإصابة، و لو طلق إحداهما بائنا و الأخرى رجعيا و أراد التجديد على الأولى لزم انقضاء عدة الرجعية، و لم يلزم انقضاء عدة البائن إلا من حين الإصابة، بناء على الاحتمال السابق و إن أراد التجديد على الرجعية لم يلزم انقضاء عدة البائن، و إنما يلزم انقضاء عدة الرجعية من حين الإصابة على الاحتمال السابق، و لو أوجبنا مهر المثل في الفاسد مع الوطء شبهة فان اتفق المسمى مع مهر المثل فلا إشكال، و إن اختلف فالقرعة أو الإيقاف حتى يصطلحا، و الله العالم.

و لو تزوجهما أي الأختين في عقد واحد أو عقدين متفرقين

ج 29، ص: 384

قيل و القائل جماعة منهم الشيخ في محكي المبسوط و ابنا إدريس و حمزة و غيرهم بطل نكاحهما للنهي (1)المقتضي للفساد، و إن لم يكن في عبادة، و لامتناع نكاح كل منهما مع الأخرى، فيمنع العقد حينئذ على كل منهما العقد على الأخرى، و الفرض أن نسبته إليهما

متساوية، و لا مرجح، و أحدهما لا بعينه يستحيل كونه موضوعا للصحة، فيتعين البطلان.

و لكن مع ذلك روي أنه يتخير أيتهما شاء و أفتى به الشيخ و أتباعه و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده عند المصنف و غيره من المتأخرين و في الرواية ضعف في السند على ما رواها في الكافي و التهذيب بعلى بن السندي، و هو مجهول، بل و بالإرسال، لأن رواها

جميل بن دراج عن بعض أصحابه (2)عن أحدهما عليهما السلام «أنه قال، في رجل تزوج أختين في عقدة واحدة، قال: هو بالخيار يمسك أيتهما شاء و يخلى سبيل الأخرى»

بل و ضعف في الدلالة، لاحتمال إرادة الإمساك بعقد مستأنف، نحو

خبر الحضرمي (3)قلت لأبي جعفر عليه السلام: «رجل نكح امرأة ثم أتى أرضا فنكح أختها و هو لا يعلم، قال: يمسك أيتهما شاء و يخلى سبيل الأخرى»

المراد منه قطعا التخيير بين إمساك الأولى بالعقد الأولى و بين طلاقها و إمساك الثانية بعقد مستأنف، و لعل هذا هو العمدة لمن عرفت في ضعف القول المذكور، و إلا فجميع ما ذكر لا يصلح معارضا للدليل الجامع لشرائط الحجية، فإنه مع فرض ظهور دلالته لا يقدح الضعف في سنده بعد رواية الشيخين له، على أنه رواه في الفقيه بطريق صحيح عن جميل عن أبى عبد الله عليه السلام، و ليس متضمنا لما هو مناف

للعقل، فان التخيير قد ورد فيمن أسلم عن أزيد من أربع و غيره، فلا مانع من وقوع العقد صحيحا قابلا للتأثير بالاختيار المتعقب له، أو أنه أثر الصحة في إحداهما و له الخيار في التعيين، مثل ملك الصاع من الصبرة و واحد الشيئين


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 385

أو الأشياء في الوصية.

و على كل حال فنظائره في الشرع كثيرة، نعم ما سمعته- من ضعف الظن بإرادة ذلك منه خصوصا بعد إعراض المعظم و قوة القواعد المنافية له و إرادة غير المعنى المزبور من نحوه و الاحتياط في الفروج- يوهن الركون اليه، إلا أن الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال، لأن الاحتمال المزبور لا يخرج الظاهر عن كونه ظاهرا، و هو الحجية، بل ستعرف فيما يأتي من العقد على الأزيد من النصاب قوة التخيير، و هو مع ما نحن فيه من واد واحد، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو وطأ أمة بالملك ثم تزوج أختها يصح]

المسألة الثانية لو وطأ أمة بالملك ثم تزوج أختها قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط يصح التزويج، و حرمت الموطوءة بالملك أولا ما دامت الثانية في حباله و عن التحرير اختياره، لكون المحرم الجمع، فيدور الأمر بين بطلان التزويج أو الوطء أو كليهما، و لا ريب أن التزويج أقوى من غيره، لكثرة ما يتعلق به من الأحكام التي لا يلحق الوطء بالملك، كالطلاق و الظهار و الإيلاء و الميراث و غيرها، بل الغرض الأصلي من الملك المالية فلا ينافي النكاح، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة منع القوة، و ترتب تلك الأحكام لا يدل عليها، بل و لا كون الغرض الأصلي من الملك المالية على الضعف مع تساويهما في الاستفراش الصحيح، بل بعد استفراش الأمة اختص تحريم الجمع بتزويج أختها و نحوه، ضرورة انحصار فرد الجمع به، فهو حينئذ نكاح الأخت على الأخت، بل ليس هو من التعارض الذي يفزع فيه الى الترجيح، كما هو واضح.

و من الغريب ما في المسالك من أنه «أجيب عن ذلك ببطلان القياس مع وجود الفارق، فان النكاح أقوى من الوطء بملك اليمين» إذ لا يخفى عليك عدم

ج 29، ص: 386

كون ذلك من القياس، بل هو من انحصار فرد النهي به، و لعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بالتردد فيه، و هو في محله، بل مال إليه في كشف اللثام، فلا يجوز حينئذ تزويج أختها إلا أن يخرج الأولى عن ملكه، نعم لو تزوج إحدى الأختين جاز له شراء الأخرى، لعدم كونه من الجمع المحرم، إلا أنه يحرم عليه وطؤها، و لو أثم فوطأ لم تحرم المنكوحة قطعا.

و لو كان له أمتان ف وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى يخرج الاولى عن ملكه إجماعا بقسميه و كتابا(1)و سنة قد سمعت فيما مر بعضها، كخبر الطائي (2)و غيره، و

قال عبد الله بن سنان (3): «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:

إذا كانت عند الرجل الأختان المملوكتان فنكح إحداهما ثم بدا له في الثانية فنكحها فليس ينبغي له أن ينكح الأخرى حتى يخرج الأولى من ملكه، و يهبها أو يبيعها، فان وهبها لولده يجزؤه».

نعم في القواعد في اشتراط اللزوم إشكال، من صدق الخروج عن الملك، و من أن العمدة في حل الأخرى حرمة الأولى بحيث لا يتمكن من وطئها، و هو لا يحصل بدون اللزوم، إلا أن الوجه الثاني و إن كان أحوط كما ترى لا يصلح معارضا لإطلاق النص بعد حرمة العلة المستنبطة عندنا، و لعل العمدة الخروج عن الملك، أو الحرمة بالخروج و إن جاز له الرجوع، فإنه مع اللزوم يتمكن أيضا من الوطء بعود الملك اليه و لو بالاستقالة.

و عن التذكرة القطع بعدم كفاية الهبة ما لم تقبض، لأنها إنما تتم به، و البيع بالخيار إذا جاز للبائع الوطء، و هو جيد في الأول بناء على توقف الملك على القبض فيه، بخلاف الثاني، فإن جواز الوطء له لا ينافي الخروج عن الملك و إن الفسخ بالوطء، اللهم إلا أن يستفاد اعتبار لزوم الملك من

قوله عليه السلام في الخبر السابق: «فان وهبها لولده يجزؤه»

باعتبار ظهور كون ذلك أقل المجزئ


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 387

مع كون الملك فيه لازما لأنه من هبة القرابة.

إلا أنه كما ترى، و كذا في القواعد الإشكال في الاكتفاء بالتزويج و الرهن و الكتابة من كون العمدة هو الحرمة، و من ظهور النص و الفتوى في اعتبار الخروج عن الملك إلا أن الأول كما ترى أيضا، و عن التذكرة القطع بأن الرهن لا يكفي، قال: «لأن منعه من وطئها لحق المرتهن، لا لتحريمها عليه، و لهذا يحل باذن المرتهن في وطئها، و لأنه يقدر على فكها متى شاء و استرجاعها اليه» و نوقش بأنه يحل وطء المبيعة و الموهوبة أيضا باذن المبتاع و المتهب، و قد لا يستبد بالقدرة على الفك، و لا يكفي المطلقة، لتحققها في العقود المخرجة عن الملك أيضا، و عنها أيضا أنه قطع بكفاية الكتابة وفاقا للمحكي عن المبسوط، لأنها حرمت عليه بسبب لا يقدر على رفعه إلا أن الجميع كما ترى مخالف لقواعد المذهب و أصوله بعد اتفاق النص و الفتوى على اعتبار الخروج عن الملك في حل الثانية، و لعل وجهه أنه لما وطأها بالملك صارت بحكم الزوجة إلى أن يذهب ذلك السبب الذي وطأها به، فيقوم مقام الطلاق، فلا ينبغي التجاوز عنها بمجرد احتمال كون العلة غير ذلك، فيتعدى بعد حرمة القياس عندنا، كما هو واضح، هذا كله في حل نكاح الأخرى له.

أما إذا وطأهما قبل أن يخرج الأولى عن ملكه قيل كما في المتن حرمت الأولى عليه حتى تخرج الثانية عن ملكه و لكن لم نعرف قائله بناء على كون المراد منه حرمة الأولى و حل الثانية، و قد اعترف في المسالك بعدم معرفة قائله، بل قال: و لا من نقله غير المصنف، نعم ربما احتج له ب

خبر معاوية بن عمار(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت عنده جاريتان أختان فوطأ إحداهما ثم بدا له في الأخرى، قال: يعتزل هذه و يطأ الأخرى، قال: قلت:

فان انبعثت نفسه للأولى قال: لا يقربها حتى يخرج تلك عن ملكه»

بل وجه من حيث الاعتبار بأن مجرد الملك للأمة لا يمنع من الجمع بينها و بين أختها


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 388

كما مر و إنما يمنع الجمع بالوطء بخلاف الحرة، فإن الممتنع الجمع بالعقد و إن لم يطأ، فالوطء في الإماء منزل منزلة العقد في الحرائر، فكما أن الحرة تحل أختها بطلاقها المزيل للعقد المحرم فالأمة تحل أختها بترك وطئها المنزل منزلة العقد، فإنه مع ترك الوطء تصير مملوكة غير فراش، و الملك لا يمنع الجمع، و فيه أن الخبر المزبور مع فقده لشرائط الحجية دال على حل الثانية بالاعتزال، و محل البحث في الوطء بدون اعتزال في الأولى، على أنه بالنسبة الى ذلك معارض بما سمعته من النصوص و الإجماع بقسميه على عدم حل الثانية لمن وطأ الأولى إلا

بإخراج الموطوءة عن الملك، بل و لما تسمعه من النصوص (1)في المقام، و الاعتبار لا يصلح معارضا للأدلة، فلا ريب في ضعفه، بل و بطلانه، نعم لعل القائل المزبور يريد حرمتهما معا عليه، و حينئذ يكون له وجه تعرفه فيما يأتي.

و قيل و القائل الشيخ في النهاية و ابنا البراج و سعيد و تبعهم جماعة منهم الفاضل في محكي المختلف و ولده و الشهيد في شرح الإرشاد و المحقق الثاني في شرحه على القواعد إن كان الوطء بجهالة للموضوع أو الحكم لم تحرم الأولى عليه كحرمتها حال العلم، بل يجوز له الرجوع إليها إذا أخرج الثانية عن ملكه و لو للعود إليها و إن كان الوطء مع العلم حرمت الأولى حتى تخرج الثانية من ملكه لا للعود إلى الأولى و حينئذ ف لو أخرجها للعود إليها و الحال هذه لم تحل الأولى قال فيها ما هذا لفظه:

«لا بأس أن يجمع الرجل بين أختين في ملك، لكنه لا يجمع بينهما في الوطء، لأن حكم الجمع بينهما في الوطء حكم الجمع بينهما في العقد، فمتى ملك الأختين فوطأ واحدة منهما لم يجز له وطء الأخرى حتى تخرج تلك عن ملكه بالبيع أو الهبة أو غيرهما، فإن وطأ الأخرى بعد وطئه للأولى و كان عالما بتحريم ذلك عليه حرمت عليه الأولى حتى تموت الثانية، فإن أخرج الثانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى لم يجز له الرجوع الى الأولى، و إن لم يعلم بتحريم ذلك جاز له الرجوع الى الأولى على كل حال إذا أخرج الثانية عن ملكه».


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 29، ص: 389

و حاصله تحريم الأولى بوطء الثانية في حالتي الجهل و العلم، و أنه لا تحل الأولى إلا بعد موت الثانية أو الإخراج عن الملك و إن اختلفا فيه بنية العود إلى الأولى و عدمه، و أما الثانية فالظاهر عدم اعتبار ذلك في حلها في الحالتين، و كأن الوجه فيه بعد إمكان اندراجه فيما دل على (1)أن وطء إحدى الأختين المملوكتين يحرم الأخرى، ضرورة صدق ذلك بالنسبة الى كل منهما و إن حرم عليه وطء الثانية لكنه لا ينافي نشره الحرمة، فإن مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد عقلا و لا لغة و لا عرفا، إذ هو كوطء المملوكة في الحيض الذي لا إشكال في نشره حرمة المصاهرة، فإن الحرمة هنا ليست هي إلا من حيث الجمع، و إلا فمقتضى الحل و هو الملك متحقق، و بذلك افترق ما نحن فيه عن العقد على الحرة مثلا بعد العقد على أختها، فإن النهي عن الجمع هنا منحصر في الثانية، فتختص بفساد عقدها على ما سمعته سابقا كاف في الدلالة على اختصاصها بالفساد دون الأولى، بخلاف المقام المشترك فيه سبب الحرمة بينهما، و هو وطء إحدى الأختين، و قاعدة «لا يحرم الحرام الحلال»- مع أنها لا تأتي في صورة الجهل، و يتم بعدم القول بالفصل، بل يمكن دعوى ظهورها فيما لا يشمل ذلك مما كان محرما في ذاته بزنا و نحوه- معارضة لما هنا بالعموم

من وجه، و الترجيح له عليها و لو للنصوص المعتبرة المستفيضة التي قد عمل بها جماعة من الأساطين.

ف

في صحيح أبى الصباح الكناني (2)عن أبى عبد الله عليه السلام «أنه سئل عن رجل عنده أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: إذ وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى، قلت: أ رأيت إن باعها؟ فقال: إن كان إنما يبيعها لحاجة و لا يخطر على باله من الأخرى شي ء فلا أرى بذلك بأسا، و إن كان إنما يبيع ليرجع إلى الأولى فلا».

وصحيح الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا «أنه سئل عن رجل كانت عنده أختان


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث- 0.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
3- 3 أشار إليه في الوسائل في الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 و ذكره في الكافي ج 5 ص 432.

ج 29، ص: 390

مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى، قال: إذا وطأ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى، قلت: أ رأيت إن باعها أ تحل له الأولى؟ قال: إن كان يبيعها لحاجة و لا يخطر على قلبه من الأخرى شي ء فلا أرى بذلك بأسا، و إن كان إنما يبيعها ليرجع إلى الأولى فلا و لا كرامة»

و مثلهما

صحيح ابن مسلم (1)عن أبى جعفر عليه السلام.

و في خبر أبى بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له أختان مملوكتان فوطأ إحداهما ثم وطأ الأخرى أن يرجع الى الأولى فيطؤها؟ قال: إذا وطأ الثانية فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت أو يبيع الثانية من غير أن يبيعها من شهوة لأجل أن يرجع الى الأولى».

وخبر علي بن أبي حمزة(3)عن أبي إبراهيم عليه السلام «سألته عن رجل ملك أختين أ يطؤهما جميعا؟ قال: يطأ إحداهما، و إذا وطأ الثانية حرمت عليه الأولى التي وطأ حتى تموت الثانية أو يفارقها، و ليس له أن يبيع الثانية من أجل الأولى ليرجع إليها إلا أن يبيع لحاجة أو يتصدق بها أو تموت».

و خبر عبد الغفار الطائي (4)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل كانت له أختان فوطأ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى، قال: يخرجها من ملكه، قلت: الى من؟

قال: الى بعض أهله، قلت: فان جهل ذلك حتى وطأها، قال: حرمتا عليه كلتاهما»

و هي كما ترى متعاضدة جامعة لشرائط الحجية، فهي حجة مستقلة فضلا عن أن تكون مرجحة لما عرفت، بل الأخير منها صريح في الجاهل، و لا ينافيه

صحيح الحلبي (5)عن أبى عبد الله عليه السلام «قلت له: الرجل يشتري الأختين فيطأ إحداهما ثم يطأ الأخرى بجهالة، قال: إذا وطأ الأخرى، بجهالة لم تحرم عليه الأولى،


1- 1 أشار إليه في الوسائل في الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9 و ذكره في الفقيه ج 3 ص 284 الرقم 1352.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.

ج 29، ص: 391

و إن وطأ الأخرى و هو يعلم أنها تحرم عليه حرمتا عليه جميعا»

بعد قصوره عنه و لو لاعتضاده بإطلاق الأدلة السابقة، فلا بأس بالجمع بينهما بإرادة عدم الحرمة نحو حال العلم، بل يكفي في حلها إخراج الثانية عن الملك و لو للعود إليها بخلاف حال العلم المستحق زيادة عقوبة بذلك، و بأن الحيل الشرعية و إن اعتبرت في غير المقام لكنه للإقدام على المعصية رفع الشارع اعتبارها هنا.

و من ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف تبعا للشيخ في المحكي من مبسوطة و ابن إدريس، بل نسبه في المسالك الى أكثر المتأخرين الوجه أن الثانية تحرم على التقديرين أى العلم و الجهل دون الأولى فإنها تبقى على الحل السابق نحو المعقودتين، بل و المعقودة الحرة الموطوء أختها بالملك بعدها، للأصل، و اختصاص النهي عن الجمع بالأخيرة، و قاعدة «لا يحرم الحرام» إلا أن الجميع كما ترى، سيما في صورة العلم التي اتفقت جميع النصوص عليها التي لا يجوز على مقتضى قواعد المذهب طرحها أو تأويلها، نعم ربما طرح بعضهم خبر

عبد الغفار منها، و اقتصر في العمل على الباقي، و مقتضاه حينئذ بعد مراعاة قاعدة الجمع بين الإطلاق و التقييد تخصيص حرمة الأولى في صورة العلم حتى تخرج الأخيرة عن ملكه دون صورة الجهل، لكنه- مع أنا لم نعرف قائله و إن حكاه الشيخ في التهذيب و شرحه بالأخبار السابقة، كما في المسالك- فيه طرح أيضا لما في النصوص السابقة من اعتبار عدم نية العود إلى الأولى في الإخراج عن الملك المحلل للرجوع إليها، أو حمله على ضرب من الندب و الكراهة من غير داع، و لعل الأولى منه الحكم بحرمتهما معا على الوجه الذي ذكرناه، و حمل خصوص التفصيل بنية العود إلى الأولى و عدمها على صورة العلم، كما عن ابن حمزة، أو على ضرب من الندب و الكراهة لاستبعاد اعتبار ذلك في الحل بعد فرض صحة البيع في نفسه، و ارتفاع موضوع الجمع معه الذي يندرج به في عمومات الحل، مضافا إلى قاعدة «إصلاح الحلال الحرام» عكس القاعدة السابقة و غيرها، بل قد يقال: إن المراد من ذلك عدم العبرة به إذا أريد به الاحتيال المنافي صحة البيع، فيخرج حينئذ عما نحن فيه، و الأمر في ذلك، كله سهل بعد

ج 29، ص: 392

ظهور الأمر في أصل المسألة بحمد الله و فضله.

و منه يعلم ما في جملة من المصنفات خصوصا المسالك، و أطرف شي ء فيها نقل صحيح أبي الصباح (1)متهافت المتن على وجه يخرج به عن الحجية، و ناقش فيه بذلك، مع أنا لم نعثر

على نسخة شاذة توافق ما ذكره، بل الموجود فيما حضرني من الوافي و الكافي ما سمعت، و فيها أيضا المناقشة في النصوص السابقة بعدم تعرضها لتحريم الثانية الذي يمكن أن يقال: إن ترك ذلك لوضوحه، إذ لا خلاف نصا و فتوى في حرمة وطئها أولا، و هو كاف في بقاء الحرمة، و احتمال أن وطأه المحرم عليه صار سببا لحله ثانيا باعتبار تحريم الأولى عليه، فيرتفع الجمع كما ترى، و عليه قد يحتمل حينئذ عود حل الأولى له بوطئه المحرم لها، لكن تحرم الثانية عليه، فيرتفع الجمع، و هكذا، و هو كما ترى بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي منه قد يستفاد حكم الأختين اللتين قد لمسهما أو نظرهما نظر شهوة على وجه يقوم مقام الوطء بناء على ما سمعته سابقا دفعة واحدة، فإن تحريمهما معا بذلك غير بعيد، بل لعله أولى من حرمة الأولى بوطء الثانية، كما هو واضح.

هذا و

في خبر ابن أبى عمير(2)المروي في زيادات التهذيب عن رجل من أصحابنا قال: «سمعته يقول: لا يحل لأحد أن يجمع ثنتين من ولد فاطمة عليها السلام إن ذلك يبلغها فيشق عليها قلت: يبلغها قال: اى و الله»

و عن العلل روايته مسندا عن حماد بن عثمان عن أبى عبد الله عليه السلام لكن لم أجد أحدا من قدماء الأصحاب و لا متأخر بهم ذكر ذلك في المكروهات فضلا عن المحرمات المحصورة في ظاهر بعض، و صريح آخر في غيره، مضافا الى عموم الكتاب و السنة، فهو حينئذ من الشواذ

التي أمرنا بالإعراض عنها، نعم جزم المحدث البحراني بحرمة ذلك، و عمل فيها رسالة أكثر فيها التسجيع و التشنيع و ذكر فيها أنه قد عرضها على بعض معاصريه من العلماء المشاركين له في اختلال الطريقة، و وافقه على ذلك، لكن لا يخفى على من رزقه الله


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 393

معرفة لسانهم و ما يلحنون به من أقوالهم ظهور الكراهة منه، مع أنه لا جرأة لنا بسبب شذوذه على الفتوى بها فيهما فضلا عن تزويج غير العلوية عليها الذي مقتضى التعليل أنه يشق عليها أيضا، كما أن مقتضى الخبر المزبور سيما على مذهب المحدث المذكور مطلق من تولد منها و لو من البنات و إن علون فلا يخلو حينئذ كثير من الناس عن ذلك، و من هنا عد ذلك بعض الناس من البدع، كما أنه احتمل كون الخبر المزبور كانتحال أبى الخطاب أن العلويات إذا حضن قضين الصوم و الصلاة(1)و الله العالم.

[المسألة الثالثة قيل لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين عدم الطول و هو عدم المهر و النفقة و خوف العنت و هو المشقة من الترك]

المسألة الثالثة قيل و القائل القديمان و الشيخان، و ابن البراج و غيرهم، بل في كشف اللثام و غيره نسبته إلى أكثر المتقدمين، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، بل عن ابن

أبي عقيل نسبته إلى آل الرسول (صلوات الله عليهم): إنه لا يجوز للحر العقد على الأمة إلا بشرطين: عدم الطول، و هو عدم المهر و النفقة، و خوف العنت، و هو المشقة من الترك لقوله تعالى (2)«وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ، وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ، فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» و

خبر محمد بن صدقة البصري (3)المروي عن تفسير العياشي قال: «سألته عن المتعة أ ليس هذا بمنزلة الإماء؟ قال: نعم، أما تقرأ قول الله عز و جل وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ- الى قوله- وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ؟ فكما لا يسع الرجل


1- 1 الوسائل الباب- 41- من أبواب الحيض الحديث 15 من كتاب الطهارة.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.
3- 3 الوسائل الباب- 46- من أبواب المتعة الحديث 1.

ج 29، ص: 394

أن يتزوج الأمة و هو يستطيع أن يتزوج الحرة فكذلك لا يسع الرجل أن يتمتع بالأمة و هو يستطيع أن يتزوج بالحرة»

وصحيح ابن مسلم (1)سأل أحدهما عليهما السلام «عن الرجل يتزوج المملوكة، قال: لا بأس إذا اضطر إليها»

و نحوه خبر أبي بصير(2)و

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن الرجل يتزوج الأمة، قال: لا، إلا أن يضطر الى ذلك»

و مرسل ابن بكير(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا ينبغي أن يتزوج الرجل الحر المملوكة اليوم، إنما كان ذلك حيث قال الله عز و جل وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا، و الطول المهر، و مهر الحرة اليوم مثل مهر الأمة أو أقل»

وخبر يونس (5)عنهم عليهم السلام «لا ينبغي للمسلم المؤمن أن يتزوج الأمة إلا أن لا يجد حرة، و لذلك لا ينبغي له أن يتزوج امرأة من أهل الكتاب إلا في حال الضرورة، حيث لا يجد مسلمة حرة و لا أمة»

وخبر أبى بصير(6)عن أبى عبد الله عليه السلام «لا ينبغي للحر أن يتزوج الأمة و هو يقدر على الحرة، و لا ينبغي أن يتزوج الأمة على الحرة»

الحديث.

و المناقشة في الأولين بأن ثبوت البأس في المفهوم أعم من المنع يدفعها- بعد إمكان دعوى معروفية التعبير عن ذلك- أنه قد كشف عنه التصريح به في صحيح زرارة، كالمناقشة في غيرهما بإشعار لفظ «لا ينبغي» فيه بالكراهة، فإنه- بعد إمكان دفعها بمنع إشعاره بذلك- ظاهر في إرادة المنع منه هنا

في بعضها و لو باعتبار تكريره في المعلوم إرادة ذلك منه فيه، كخبر أبى بصير و غيره، بل و لعل مرسل ابن بكير ظاهر في إرادة المنع منه أيضا، بل منه يستفاد اندفاع المناقشة


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب القسم و النشوز الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3 و فيه « لا ينبغي للمسلم الموسر. و كذلك لا ينبغي له.».
6- 6 ذكر صدره في الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و ذيله في الباب- 46- منها الحديث 3.

ج 29، ص: 395

في الآية من الوجوه التسعة المذكورة جميعها أو أكثرها في زبدة البيان للأردبيلي و غيرها.

كالمناقشة بعدم إرادة المفهوم باعتبار سوق الآية للإرشاد و المخرج عند الحاجة، نحو

قوله صلى الله عليه و آله و سلم (1): «من لم يستطع منكم الباه فعليه بالصيام فإنه وجاء»

و نحو القول للجار مثلا «إذا أعوزك أمر فصر إلينا» و قول الطبيب: «إذا خفت فساد الدم فعليك بالرمان، و هيجان الصفراء فعليك بالسكنجبين» الى غير ذلك مما يراد به الإرشاد إلى المخرج عند الحاجة و الضرورة، و يؤيده

النبوي (2)«إن الحرائر صلاح البيت، و الإماء خراب البيت»

و لذا لم يجب نكاح الحرة مع القدرة و الأمة مع انتفائها، و لو كان الغرض منها الأمر و النهي و الترتيب في الحكم لوجب ذلك.

أو باعتبار أن المفهوم إنما يكون حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة سوى نفي الحكم عند انتفائه كما بين في الأصول، و للشرط هنا وجه ظاهر غير ذلك، و هو الترغيب في أمر النكاح و الحث على فعله بمجرد القدرة عليه و لو بنكاح الأمة، مع التنبيه على أن نكاح الحرة أولى و أفضل من نكاح الأمة، و أنه لا ينبغي أن يعدل عن الحرة إلا للضرورة.

أو باعتبار خروجه مخرج الغالب، فإنه إنما يرغب في نكاح الأمة غالبا من لا يستطيع نكاح الحرة، فعبر عن مريد نكاح الأمة بمن لا يستطيع نكاح الحرة التفاتا الى هذه الغلبة.

أو باعتبار أن «من لم يستطع» ليس صريحا في الشرط و إن تضمن معناه، و مفهوم الشرط إنما يكون معتبرا إذا كان معنى الشرط مفهوما من صريح اللفظ،


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 من كتاب الصوم مع اختلاف في اللفظ.
2- 2 المستدرك الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و فيه« و الإماء هلاكه».

ج 29، ص: 396

و لذا عبر عنه بعض الأصوليين بمفهوم «إن».

و بأن المفهوم لو كان معتبرا هنا لزم أن لا يجوز للعبد نكاح الأمة مع قدرته على نكاح الحرة، لأن «من» من أدوات العموم، فيتناول الحر و العبد و اللازم باطل بالإجماع، فكذا الملزوم.

و بأن المعلق على الشرطين هو رجحان النكاح، فان معنى قوله تعالى «فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فلينكح مما ملكت أيمانكم، و قضية المفهوم حينئذ انتفاء الرجحان عند انتفاء الشرطين دون الجواز، فلا يقتضي المنع.

و بأن قوله تعالى «وَ أَنْ تَصْبِرُوا» الى آخرها يدل على الجواز مع فقد الشرطين، فإنه إذا خاف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في الزنا فظاهر وجوب النكاح حينئذ، فكيف يكون الصبر معه خيرا، و أيضا فإنهم حكموا باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه مطلقا، و ذلك يقتضي استحباب نكاح الأمة مع فقد الحرة لتعينها له حينئذ، و التخصيص بالحرة و لو مع فقدها بعيد جدا، فالمراد أن صبركم عند تزويج الأمة مع فقد الشرطين خير، فيكون تزويجها معه جائزا.

و بأن هذا المفهوم معارض بمنطوق قوله تعالى «وَ أُحِلَّ»(1)و «فَانْكِحُوا»(2)و «لَأَمَةٌ»(3)و المنطوق مقدم على المفهوم لقوته.

و باحتمال كون الآية للأمر باتخاذ السراري مع عدم القدرة على نكاح الحرائر، فلا يكون من محل النزاع في شي ء.

مضافا الى ما في الأول من أنه إن أريد بالإرشاد معناه الأعم أي الهداية إلى ما فيه المصلحة فهو غير مناف للتحريم، ضرورة كون الأحكام الشرعية جميعها إرشادية بهذا المعنى، و إن أريد معناه المصطلح أي الدلالة على ما هو الأليق و الأصلح بحال العبد في الأمور الدنيوية خاصة، كما يستفاد من كلامهم


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 32.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 221.

ج 29، ص: 397

في الأمر الإرشادي و غيره، فادعاء ظهوره من سوق الآية ممنوع بل مقطوع بفساده، إذ ليس في

الآية إشعار بذلك، بل قد عرفت دلالتها على خلافه، و سوقها يقتضي أن المراد بيان الحكم الشرعي من حيث الحل و الحرمة، لوقوعها بعد آية التحريم (1)المشتملة على ذكر ما يحل من النساء و ما يحرم، و تعقيبها بقوله تعالى (2)«يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَ يَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ» الدال على أن المقصود بيان الحكم كما ذكرناه، و أما عدم وجوب نكاح الحرة مع القدرة و الأمة بدونها فلعدم ما يدل عليه، فان المضمر غير معين، و لو سلم فعدم الوجوب لوجود الصارف عنه، لا لفهم الإرشاد من الآية كما ظن.

و ما في الثاني من أن تسليم حجية المفهوم يقتضي أن الفائدة تخصيص الحكم، و مخالفة المفهوم للمنطوق، و إن احتمل غيره من الفوائد، إذ لو كان الاحتمال قادحا لم يكن المفهوم حجة أصلا، فإنه لا خلاف في كون التخصيص من جملة الفوائد، و لا في تعيين إرادته مع انتفاء غيره صونا لكلام الحكم عن اللغو و العبث، إنما الخلاف في أنه مع احتمال الفوائد الأخر يتعين الحمل على هذه الفائدة أو يبقى الكلام محتملا لها و لغيرها، و القائلون باعتبار المفهوم يدعون الأول بناء على غلبة هذه الفائدة بالنظر الى غيرها، و أن المظنون إلحاق المحتمل بالأعم الأغلب، أو أنها هي المفهومة من اللفظ المتبادرة عند الإطلاق، فلا يصرف الكلام عنها إلا بدليل، و هذا معنى قولهم: «المفهوم حجة إذا لم يظهر للقيد فائدة» لا مجرد الاحتمال،

فإنه سهو بين ناشئ من قلة التأمل، و حينئذ فإن أريد مجرد احتمال الحث و الترغيب فهو مسلم، و لا يقدح في حجية المفهوم، و إن أريد ظهوره في ذلك فهو واضح المنع، خصوصا مع ملاحظة قوله تعالى «وَ أَنْ تَصْبِرُوا» الدال على الحث البليغ على ترك نكاح الأمة، و كذا قوله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ» المشعر بكون ذلك للضرورة و نحو ذلك مما هو ظاهر في إرادة الترك المنافي للترغيب.

و ما في الثالث من أن موضوع الحكم على القول بالجواز مطلقا هو كل من


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 23.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 26.

ج 29، ص: 398

يتأبى من نكاح الأمة سواء كان محتاجا إليه أم لم يكن، و سواء أراد نكاحها أو لم يرد، و غير المستطيع ليس غالبا في أفراده، و إنما هو غالب في أفراد المحتاج إلى نكاحها أو المريد له، إلا أنه ليس موضوعا للحكم المزبور بالجواز، لأنه غير مقصور عليه، و لا على مريد النكاح لعدم تأثير الإرادة في الحكم الشرعي، على أن بناء المناقشة على الظاهر، و مقتضاه اختصاص الجواز بغير المستطيع، و إرادة الغالب على تقديره خروج عن الظاهر، فلا يصار اليه إلا بدليل.

و ما في الرابع من أن «من» في الآية إما شرطية و الفاء في جوابها، أو موصولة و الفاء في خبرها، و على كل حال فالمفهوم معتبر، أما الأول فلأن حجية المفهوم للدلالة على الاشتراط، فمتى حصلت تبعها المفهوم، سواء كان اللفظ صريحا في الشرط أو متضمنا له، كأكثر كلمات الشرط، بلا خلاف نجده بين علماء العربية و التفسير و الأصول و الفقه و غيرهم، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم و مواضع استدلالهم بأمثال ذلك، بل كل ما دل على اعتبار المفهوم في الأول دال عليه فيها أيضا، و لم يخص أحد النزاع بالأول، و تعبير بعضهم بان ليس تخصيصا قطعا، بل هو تعبير عن محل النزاع بما يعبر به غالبا، و أما على الثاني فلأن دخول الفاء في الخبر يدل على تضمن الموصول معنى الشرط كما صرح به أئمة العربية فيه، بل و في كل موصوف، فيكون المفهوم معتبرا، و لا يقدح فيه عدم وضعها لمعنى الشرط كالشرطية، إذ العبرة بفهمه مطلقا و لو بالقرينة، لا باستفادته من جهة الوضع بخصوصه.

لا يقال دخول الفاء إنما يقتضي الإيذان بالشرط حتى كأن الموصول و الموصوف متضمن له دخيل (متضمنا له دخيلا ظ) في معناه، و لا يقتضي كونه متضمنا له حقيقة تضمن كلمات الشرط، مثل «من» و «ما» و «متى» معنى «إن» الشرطية، و من ثم لم يلتزم فيه الإبهام المعتبر في كلمات الشرط، بل جاز أن يكون خاصا، كما في قوله تعالى (1)«الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ» المسوق للحكاية عن جماعة خاصة، و كذا لم يجب أن يعامل معاملة كلمات الشرط من التزام الفاء في الجواب،


1- 1 سورة البروج: 85- الآية 10.

ج 29، ص: 399

و كون الصلة فعلا صريحا مستقبل المعنى، فيجوز «الذي يأتيني له درهم» بدون فاء على قصد السببية، بل يجوز وصله بالظرف و ما في معناه مما ليس فعلا صريحا، و هو كثير، بل و بالفعل الماضي كما في الآية، و قول النحاة يتضمن الموصول و الموصوف معنى الشرط على ضرب من التسامح.

لأنا نقول: دخول الفاء دال على إرادة الشرط قطعا بإجماع النحاة، لسبقه الى الذهن، و هذا القدر كاف في اعتبار المفهوم المستفاد من فهم أهل العرف الذين لا يفرقون في الدال على الشرط صريحا أو بتضمنه معنى الشرط، كما في كلم المجازاة أو بالقرينة لدخول الفاء في الخبر، فان جميع ذلك مشترك في الدلالة على مقصود المتكلم منطوقا و مفهوما عرفا، و إن اختلف الدال على الاشتراط بالوضع و القرينة، فإن أراد بكون الفاء مؤذنة أن الدلالة قد استفيدت فهو مسلم، لكنه غير قادح في المطلوب المبنى على فهم الاشتراط و لو من القرينة كما عرفت، و إن أراد بكونها مؤذنة إنها مشعرة لا دالة كما يقضي به لفظ الإيذان فهو- مع كونه خلاف ظاهر جعلهم الفاء من أمارات الشرط و أدلته، نحو إيذان اللام الموطئة للقسم بالقسم- واضح الفساد ضرورة عدم الفرق في الدلالة عرفا، في نحو «من جاءك فأكرمه» بين كونها موصولة أو شرطية، و لا يقدح في ذلك استعمالها غير مبهمة في نحو قوله تعالى «الَّذِينَ فَتَنُوا» الى آخرها، لأن دخول الفاء إنما يكون قرينة على إرادة الشرط مع إمكانه، و هو فيما إذا كان خاصا ممتنع، كما أنه لا يقدح عدم المعاملة معاملة أدوات الشرط في التزام الفاء و نحوها مما هي أحكام لفظية لا مانع من أن تتبع وضع اللفظ، بخلاف اعتبار المفهوم، فإنه من توابع المعنى دون اللفظ.

بل قد يقال بعد التسليم و التنزل إنه لا ريب في أن دخول الفاء مما يتقوى به اعتبار القيد، و تتأكد معه الدلالة في مفهوم الوصف، و لا أقل من أن يصير به المفهوم متوسطا في القوة و الضعف بين مفهومي الشرط و الوصف، كما يظهر بالتدبر في قول القائل: «الذي يأتيني له درهم» و قوله: «الذي يأتيني فله درهم» فإنك

ج 29، ص: 400

ترى أن دلالة الثاني على انتفاء الاستحقاق عند عدم الإتيان أقوى من الأول و إن كانت أضعف من قوله: «إن يأتيني أحد فله درهم» و حينئذ فالقول بمفهوم الوصف يقتضي اعتبار المفهوم، لتحقق الوصف فيه مع زيادة، و القول بعدم اعتباره لا يوجب النفي فيه، لإمكان تأثير الزيادة في الحجية، و من هنا يعلم أن خروج هذا المفهوم من مفهوم الشرط بعد تسليمه لا يقتضي عدم اعتباره، و لا يتوقف على القول بحجية مفهوم الوصف، و الله العالم.

و ما في الخامس من ظهور الآية في خصوص الأحرار باعتبار ظهورها في استطاعة مهر الأمة المنتفية في العبد، و في أن المراد عدم الاستطاعة لفقد الطول، لا لامتناعه، و هي في هذا المعنى ليست إلا في الأحرار، سيما على المختار من عدم ملكية العبد، بل الظاهر من قوله تعالى: «مِنْكُمْ» الأحرار نحو قوله تعالى (1):

«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ» و كذا قوله تعالى (2)«فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» الظاهر في الملك فعلا أو إمكانه، و هو ليس إلا في الأحرار، و مع الإغضاء عن ذلك كله فلا مانع من ارتكاب التخصيص في المفهوم لا إلغاؤه، و مع دوران الأمر بينهما فلا ريب في تقديم الأول، على أن هذه المناقشة و ما شابهها إنما هي في خصوص قوله تعالى «وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ» لا قوله تعالى «ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ» إلى آخرها، و هو كاف في ثبوت المطلوب، لأن ثبوت أحد الشرطين هاهنا يقتضي ثبوت الآخر، للإجماع على عدم اشتراط أحد الأمرين بخصوصه في نكاح الأمة، فإن الأصحاب اختلفوا في هذه المسألة على قولين لا ثالث لهما: الجواز مطلقا و الجواز مع وجود الشرطين معا، فالقول بالجواز المشروط بأحدهما خاصة خلاف الإجماع المركب.

و ما في السادس من أن المفهوم من تعليق نكاح الأمة على عدم استطاعة نكاح الحرة أن نكاح الأمة بدل عن نكاح الحرة، و قائم مقامه عند فقدها


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.

ج 29، ص: 401

أو عدم التمكن منها، و مقتضى ذلك ثبوت ما علم هاهنا من حكم الحرة مع الاستطاعة للأمة بدونها، فان المفهوم من جعل شي ء بدلا عن آخر بعد بيان حكمته قصد إثبات ذلك الحكم بعينه عند انتفائه للبدل، و حيث إن المستفاد من قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء «وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ»(1)هو جواز نكاح الحرة مجردا عن وصف الرجحان و الوجوب و لو من جهة العموم فينبغي أن يكون ذلك هو حكم الأمة التي هي بدل عنها، فكأنه قيل: أحل لكم نكاح الحرائر من النساء، و من لم يستطع نكاحهن فلينكح من الإماء، فيكون المستفاد منه الجواز لا الرجحان، و لا ينافيه رجحان نكاح الحرة من دليل آخر، على أن سوق الآية لوقوعها بعد ذكر ما يحرم و يحل يقتضي أن المقصود بيان حكم الأمة من حيث الحل و الحرمة دون الرجحان و عدمه، بل إرادته منافية لقوله تعالى «وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ» فان المعنى كما ستعرف أن الصبر على ترك نكاح الأمة مع وجود الشرطين خير من نكاحها، و هو صريح في رجحان الترك، فلا يصح الحمل على رجحان الفعل المضاد له.

و لعل هذا أولى من الجواب عن ذلك، بأن استفادة الرجحان فرع تقدير الأمة و إرادة الطلب، و هو غير متعين، لاحتمال أن يكون المقدر ما يقتضي مجرد الجواز و الإباحة، بل هو أولى لأنه متيقن بخلاف الأمر، فإنه يتضمن شيئا زائدا على الجواز، و هو مشكوك فيه، فيجب نفيه بالأصل، إذ يمكن المناقشة فيه بأن

مخالفة الأصل لازمة على تقدير الجواز أيضا، فإن الأصل عدم التحريم مع فقد الشرطين، بل المخالفة على هذا التقدير أظهر كما لا يخفى.

و أولى من الجواب بأن رفع الرجحان الذي هو بمنزلة الفصل يستلزم رفع الجنس الذي هو رفع الجواز على ما هو التحقيق، و فيه أنه يقتضي رفع الحصة المعينة من الجواز التي تقوم بها الرجحان، لا ارتفاع الجواز مطلقا كما هو المطلوب.


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 24.

ج 29، ص: 402

و ما في السابع من أن ما ذكره لما يقتضيه نظم العبارة كما لا يخفى على العارف بأساليب الكلام، ضرورة ظهور الآية في أن الصبر على ترك النكاح مع الشرطين خير من فعله، على أن الصبر الذي قد صرح أهل اللغة به و شهد به العرف- و هو تحمل المشقة و حبس النفس عن الجزع- إنما يناسب ترك النكاح مع الشرطين، لما فيه من المشقة الظاهرة، بخلاف فاقد التوقان و القادر على نكاح الحرة، فإنه لا مشقة عليه بترك نكاح الأمة لانتفاء الموجب له في الأول، و الاستغناء بنكاح الحرة في الثاني، و دعوى ظهور كلمات الفقهاء في الوجوب مع خوف الضرر بالعزوبة أو الوقوع في المحرم فلا يكون الصبر معه خيرا يدفعها أن المسلم وجوبه مع خوف الضرر البدني، و لم يعلم إرادته من الآية، للمحكي عن أكثر المفسرين: منهم جار الله الزمخشري و العلامة الطبرسي أن المراد من خشية العنت خوف الإثم الذي تؤدي إليه الشهوة، و حينئذ يكون حكم نكاح الأمة مع خوف الضرر البدني حكم المحرمات بالنسب و غيره، فكما لا تحل تلك به فكذلك هذه، و إلا لزم جواز نكاح المحرمات بأسرها مع الانحصار، بل وجوبه بذلك، و بطلانه ضروري، على أنه لو صح لوجوب تخصيص مفهوم الآية بما عدا ذلك، و ليس في هذا ما يقتضي حمل قوله تعالى «أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ» على أفضلية الصبر مع فقد الشرطين كما ذكره المعترض، و هو ظاهر.

و أما وجوب النكاح مع خوف الوقوع في المحرم لغلبة الشهوة كما ذكره بعضهم فقد عرفت ما فيه في محله سابقا، لأن ترك المحرم أمر مقدور لا يتوقف على التزويج، و لذا لم يجز ارتكابه مع عدم التمكن من النكاح المحلل بالكلية و إن بلغ من الشهوة ما بلغ، و لو لا أنه مقدور لما حرم ذلك، و القول بوجوبه و إن فرض اقتداره على ترك المحرم بالتقوى و شدة الورع كما ترى، ضرورة أن القول بوجوبه على تقديره ليس تعبدا محضا، بل إنما هو لاستلزام ترك النكاح الوقوع في المحرم على ما مر سابقا، و قد عرفت ما فيه و لو سلم فتخصيص، هذه الصورة أعني نكاح الأمة من ذلك لدلالة الآية عليه لا ينافي طريقة التحقيق، فان تخصيص العمومات غير

ج 29، ص: 403

عزيز، و يشهد له ظاهر كلام الفقهاء و المفسرين، حيث اقتصروا في معنى الآية على ما هو الظاهر، و لم يتعرض أحد منهم حتى القائل بجواز نكاح الأمة مطلقا لتأويل الآية و صرفها عن ظاهرها، و لا بقيام الاحتمال فيها، مع ما علم من طريقتهم في استنباط الأحكام من الآيات و ذكر ما فيها من الوجوه و الاحتمالات، و هذا بمنزلة التصريح منهم بعدم وجوب النكاح في تلك الصورة، و إلا فكان ينبغي لهم التعرض لتنزيل الآية على الوجوب حتى يوافق ما ذهبوا اليه، و الموجود في كلامهم خلافه.

هذا مع إمكان أن يقال: لو أريد من خشية العنت ما يعم خوف الضرر البدني فلا دلالة في الآية على جواز ترك النكاح معه، لعدم تحقق معنى الصبر فيه حقيقة، فإن الصبر تحمل المشقة و الكلفة، و لا مشقة في ترك النكاح مع خشية الضرر البدني، و إنما الموجود معه خوف حصول المشقة دون المشقة نفسها، بخلاف الترك مع خوف الوقوع في المحرم، فإنه لا ينفك عن المشقة الحاصلة باعتبار المنازعة و قهر القوة الشهوية، و على هذا فيكون الصبر على ترك النكاح مقصورا على خوف الإثم خاصة و إن كان خشية العنت أعم من ذلك، و إطلاق الصبر على ترك النكاح مع خشية العنت نظرا إلى المشقة التي يؤول إليها الترك معها غالبا و إن كان ممكنا إلا أنه تكلف مستغنى عنه، و لو سلم فالواجب تخصيص قوله تعالى «وَ أَنْ تَصْبِرُوا» بما عدا خوف الضرر البدني، لوجوب النكاح معه بمقتضى الحمل على العموم، و هذا أولى من حمله على أفضلية الترك مع فقد الشرطين، فإنه بعيد جدا بخلاف التخصيص، كما أنه يجب حكم الفقهاء باستحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه بناء على عمومه بما عدا هذه الصورة، لدلالة الآية على أن ترك النكاح فيها بالخصوص أفضل، فإن الخاص مقدم على العام، و لا بعد في ذلك إذا اقتضته الأدلة الشرعية، إذ ربما كان مصلحة ترك نكاح الأمة أهم من مصلحة الفعل و إن تاقت النفس اليه، فلا يكون الفعل حينئذ راجحا كما عن بعضهم التصريح به أو كالتصريح.

و ما في الثامن من أن الخاص و لو كان مفهوما مقدم على العام و إن كان منطوقا

ج 29، ص: 404

لقوته، و ما قيل من تقدم المنطوق على المفهوم إنما هو مع التعادل من سائر الجهات، لا أن المنطوق من حيث أنه منطوق مقدم على المفهوم من حيث إنه مفهوم، و ما يقال- من أن المفهوم و إن ترجح باعتبار كونه خاصا فالعام يترجح لكونه منطوقا فيتعادل الدليلان- يدفعه أن تعادل الدليلين بتعادل جهتي الترجيح، و هما هنا غير متكافئين، لأن الفهم يتسارع الى التخصيص عند جمع الدليلين و ملاحظتهما من غير توقف، و لأن تخصيص العموم شائع كثير بخلاف إلغاء المفهوم، و لأن دلالة المفهوم على المورد المعين أظهر من دلالة المنطوق العام عليه، و الترجيح ها هنا ليس إلا لقوة الدلالة خصوصا المفهوم في قوله تعالى (1)«ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ» حتى قيل: إنه لا يقصر عن المنطوق.

و ما في التاسع من أن العامل في قوله تعالى «فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» فعل النكاح المقدر

بقرينة ذكره في الشرط، و التقدير إن من لم يستطيع أن ينكح المحصنات المؤمنات فلينكح أو فله أن ينكح مما ملكت، و قد عرفت أن النكاح حقيقة فيما لا يشمل الملك، على أن الحمل على إرادة التسري ينافيه معلومية عدم اشتراطه بعدم الاستطاعة و خوف العنت، بل و قوله تعالى «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ» و قوله تعالى «وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» بل و قوله تعالى «وَ أَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ» إذ لا ريب في جواز التسري و الوطء بملك اليمين من دون كراهة و لا منع، سواء قدر على الحرة أو لم يقدر، و سواء خشي العنت أو لم يخش.

و قد ظهر لك من ذلك تمامية دلالة الآية على المطلوب، و كفى بها دليلا فضلا عن النصوص المذكورة.

و لكن مع ذلك كله قيل و القائل جماعة يكره ذلك أي نكاح الأمة من دونهما أي الشرطين و هو الأشهر بين المتأخرين، بل في الغنية الإجماع عليه، للأصل المستفاد من عموم الكتاب (2)و السنة(3)و

قول الصادق عليه السلام


1- 1 سورة النساء: 4- الآية 25.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 29، ص: 405

في خبر ابن أبى منصور(1): «لا بأس أن يتزوج الأمة متعة بإذن مولاها»

و صحيح البزنطي(2): «سألت الرضا عليه السلام يتمتع الأمة بإذن أهلها، قال: نعم إن الله تعالى يقول فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ»

و إشعار لفظ «لا ينبغي» في النصوص السابقة(3)و إشعار نصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة(4)و من حيث تخصيص النهي بكونه على الحرة، فلو أن النهي كان عاما لخلا التقييد عن الفائدة، و من حيث دلالتها على التزويج و لو في الجملة و هو منصرف الى العموم، لعدم الصارف له عنه، و إشعار معقد الإجماع على جواز تزويج الأمة على الحرة، بإذنها، و إشعار ما دل (5)على جواز تزويج الحرة على الأمة.

إلا أن الجميع كما ترى فإن الإجماع لا وثوق به بعد شهرة القدماء نقلا و تحصيلا على خلافه، و معارض بما سمعته من ابن أبى عقيل من النسبة إلى آل الرسول (صلوات الله عليهم) و العمومات مخصصة بما عرفت، بل الآية مساقة لتخصيص قوله تعالى (6)«وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» منها، و نصوص المتعة- مع معارضتها بما دل على النهي، مثل

خبر يعقوب بن يقطين (7)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يتزوج الأمة على الحرة متعة، قال: لا»

- لا تنافي ما دل على الاشتراط بالأمرين الآخرين، بل

قوله عليه السلام في الصحيح منها(8): «نعم إن الله»

الى آخره ظاهر في إرادة ما تضمنته الآية المشتملة على اعتبار الشرطين مع ذلك و «لا ينبغي» مع أنه للقدر المشترك بين المحرم و المكروه قد عرفت القرائن الدالة على إرادة الحرمة منه، و نصوص النهي عن تزويج الأمة على الحرة من حيث كونه على الحرة


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
4- 4 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.
5- 5 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
6- 6 سورة النساء: 4- الآية 24.
7- 7 الوسائل الباب- 16- من أبواب المتعة الحديث 3.
8- 8 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 29، ص: 406

و إن جمع الشرطين و لو لعدم قدرته على وطء التي عنده فيمكن أن يكون شرطا ثالثا، لأن المراد كفاية إذنها و إن فقد الشرطين، و التزويج في الجملة لا إطلاق فيه، و يكفي فيه الجواز مع الشرطين، كما أنه يكفي في معقد الإجماع و نصوص تزويج الحرة على الأمة.

و أضعف من ذلك القول بالتفصيل بين من عنده الحرة و غيره، فلا يجوز للأول، و يجوز للثاني، مع أنه لم نعرف قائله و إن حكي عن الشيخ أنه حكاه عن قوم من أصحابنا، بل ظاهر حكايته المنع و إن رضيت الحرة و هو مخالف لما تعرفه من الإجماع، على أنه قد بالغ بعض الأفاضل في نفي هذا القول، و أنه ليس قولا في المسألة، و إن مرجعه الى القول بالجواز، و يؤيده تصريح بعض المتبحرين بأن ليس في المسألة إلا قولين، و ظاهر المسالك أن هذا القائل قد اعتبر في المنع وجود الحرة فعلا لا القدرة عليها، لكنه كما ترى أيضا. و على كل حال فثبوته قولا في المسألة هنا و هي جواز

تزويج الأمة مع عدم الشرطين أو أحدهما لا من حيث إذن الحرة و عدمه مشكل، و مع تسليمه فهو أضعف من سابقه كما لا يخفى عليك.

و كذا ما عد قولا رابعا، و هو ما يظهر من المفيد من التحريم دون الفساد، فإنه ليس قولا في أصل التحريم، مع أنه في غاية الضعف مناف للفهم العرفي المستفاد من الآية و النهي في الرواية في أمثال هذه المقامات مما كان مورده ركني (ركن خ ل) العقد التي هي أولى من نواهي حرمة الجمع، كما هو واضح بأدنى نظر.

ثم المراد من الطول هنا المهر و إن كان هو أعم كما سمعت التصريح به في الخبر(1)لكن ألحق به المصنف و غيره النفقة أيضا، و كأنه أخذه من أصل المعنى اللغوي، و هو الزيادة و الفضل و السعة في المال، لكن الإنصاف أنه يمكن عدم اعتبار غير المهر في الطول الذي هو شرط الجواز و أما النفقة فأمر قد ضمنه الله تعالى خصوصا بعد قوله تعالى (2)«إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
2- 2 سورة النور: 24- الآية 32.

ج 29، ص: 407

و خصوصا بعد قوله تعالى (1)«وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ».

و لو وجد الشرطان فنكح الأمة ثم ارتفعا لم يؤثر ذلك في صحة النكاح السابق، بل لو فرض أنه قد كان طلقها طلاقا رجعيا جاز له الرجوع بها و إن فقد الشرطان، لأنها بمنزلة الزوجة،

و لو أمكنه زوال العنت بوطء ملك اليمين مع فقده الطول للحرة لم يجز له نكاح الأمة، لعدم الشرط، و ربما احتمل الجواز، لصدق عدم استطاعة طول حرة، و فيه أن خوف العنت شرط آخر، و الفرض عدم حصوله، هذا.

و في المسالك «القدرة على وطء الحرة شرط في وجود الطول، فلو كان عنده حرة رتقاء أو ضعيفة عن الوطء بمرض أو صغر أو كانت غائبة عنه بحيث خشي العنت قبل الوصول إليها جاز له نكاح الأمة، لفقد شرط الطول و دفعا للحرج، نعم لو قدر مع وجودها على زوال العنت ببعض الاستمتاعات غير الوطء امتنع» و ظاهره الجواز من غير مراعاة الاذن من الحرة، و هو لا يخلو من إشكال لما ستعرف، نعم ما فيها أيضا من «أنه لا فرق في المنع عن العقد على القول به بين الدائم و المنقطع، لشمول النكاح المشروط لهما، و أما التحليل فان جعلناه عقدا امتنع أيضا، و إن جعلناه اباحة فلا، كما لا يمتنع وطؤها بملك اليمين» جيد جدا خلافا لبعضهم، فخص المنع بالدائم معللا له بأنه المنساق من الإطلاق و بما سمعته من صحيح (2)نفي البأس عن المتعة الذي قد عرفت سوقه من حيث كونه على الحرة، أو لبيان أصل جواز ذلك بإذن أهلها، و الانسياق المزبور ممنوع، خصوصا بعد ملاحظة موارد نظائر المقام، كما هو واضح. لكن ما ذكره من المنع في التحليل بناء على العقد يمكن منعه حتى عليه أيضا لظهور النص و الفتوى فيما لا يشمله، كما صرح به


1- 1 سورة الذاريات: 51- الآية 22.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب المتعة الحديث 3.

ج 29، ص: 408

بعضهم.

و التمكين من نكاح الكتابية بناء على جوازه رافع لخشية العنت الذي هو أحد شرطي الجواز، فيكفي حينئذ في المنع و إن صدق معه عدم طول نكاح المؤمنة المحصنة، اللهم إلا أن يقال بمعونة قوله تعالى (1)«وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ» و العسر في شدة المحافظة عن سؤرها و غيره إن المراد خشية العنت من حيث عدم نكاح المؤمنة، فيكفي حينئذ في جواز نكاح الأمة المؤمنة و إن تمكن من نكاح الكتابية، أو يقال بجواز كل منهما له أو نحو ذلك فتأمل جيدا.

و لو توقف نكاح الحرة على مهر يجحف بالحال أو زيادة لا يتسامح في مثلها فالظاهر عدم وجوب البذل و إن تمكن، و الاستطاعة في الآية(2)محمولة على المتعارف، و لعل ذلك مثل بذلك الزيادة المزبورة في تحصيل ماء الطهارة و ساتر الصلاة و راحلة الحج، هذا.

و في المسالك «المعتبر في المال المبذول في المهر القدر الزائد عما يستثنى من المسكن و الخادم و ثياب البدن و نحوها، لأن ذلك لا ينافي الفقر، و الفقير غير مستطيع، مع احتماله، لتحقق القدرة في الجملة المانعة من نكاح الأمة».

قلت: لعل إيكال صدق الاستطاعة طولا الى العرف أولى من التعرض لجزئياته التي لم تنضبط، لاختلافها مكانا و زمانا، و من ذلك ما ذكره فيها أيضا من أنه «لو كان له مال غائب يتحقق به الطول و لكن لا وصول اليه الآن مع

خوف العنت فإن أمكنه الاستدانة عليه فهو مستطيع، و إلا فلا، و من ثم جاز له أخذ الزكاة، و لو وجد من يشتريه بأقل من ثمن المثل ففيه الوجهان السابقان. و ما فيها أيضا من أنه «لو لم يكن مالكا للمهر و لكنها رضيت بتأجيله فان كان إلى وقت لا يترقب فيه المال عادة فلا عبرة به، و إن كان مما يتوقع فيه القدرة فوجهان،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 221.
2- 2 سورة النساء: 4- الآية 25.

ج 29، ص: 409

من تحقق القدرة على الحرة الآن، و من أن المعتبر المال المخصوص للحرة، و الفرض عدمه، و شغل الذمة بمثل ذلك مع إمكان كذب الظن فضلا عن الاحتمال لا دليل عليه إن لم يكن فيه ضرورة، و هذا أقوى، و لا فرق بين طلبها مع ذلك مقدار مهر المثل معجلا أو أزيد منه أو أنقص، و كما لا يجب التزام دينها كذلك لا يجب التزامه من غيرها بقرض و عدمه، حيث لا يكون عنده وفاء» إلى غير ذلك مما ليس وظيفة الفقيه التعرض له في مثل الألفاظ التي لا حقيقة لها شرعية، بل ربما كان بعض المتنبهين لمصاديق العرف أعرف من الفقيه بها، و المرجع إليه في معرفة نفسه بخوف العنت و عدم الطول ما لم يعلم كذبه.

و كيف كان فلا يخفى أنه بناء على القول الأول لا يجوز له أن ينكح إلا أمة واحدة لزوال العنت بها اللهم إلا أن يفرض عدمه فيجوز له الثانية و أما من قال ب القول الثاني أباح اثنتين لأن الفرض عدم حرمة نكاح الأمة عنده للعمومات، نعم لا تجوز له الثالثة اقتصارا في المنع على موضع الوفاق و هو الثلاث كما ستعرفه، فيبقى ما عداه على أصل الجواز و عموماته، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين]

المسألة الرابعة لا يجوز للعبد أن يتزوج أكثر من حرتين كما ستعرف إن شاء الله.

[المسألة الخامسة لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها]

المسألة الخامسة لا يجوز نكاح الأمة على الحرة إلا بإذنها بلا خلاف أجده فيه

ج 29، ص: 410

في المستثنى و المستثنى منه إلا ما عساه يظهر مما حكاه الشيخ عن قوم من أصحابنا من عدم الجواز و إن أذنت، و هو مع أنه غير معروف القائل واضح الضعف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص

قال ابن بزيع (1)في الصحيح: «سألت أبا الحسن عليه السلام هل للرجل أن يتمتع المملوكة بإذن أهلها و له امرأة حرة؟ قال:

نعم إذا رضيت الحرة، قلت: فان رضيت الحرة يتمتع منها، قال: نعم»

بل قد يشعر به

خبر حذيفة بن منصور(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تزوج أمة على حرة لم يستأذنها، قال: يفرق بينهما، قلت: عليه أدب، قال: نعم، اثني عشر سوطا و نصف، ثمن حد الزاني و هو صاغر»

و غيره من النصوص (3)نعم يعتبر وجود الشرطين السابقين بناء على منع نكاح الأمة بدونهما، و لا ينافي وجود الحرة عنده تصور وجودهما بعد إمكان خوف العنت معها لرتق أو مرض أو غيرهما، و عدم الطول لنكاح حرة غيرها، لكن قد يظهر مما في المسالك في المسألة السابقة عدم اعتبار إذن الحرة حينئذ، و فيه أنه مخالف لظاهر الأدلة.

نعم يمكن عدم اعتبار إذنها على القولين إذا كانت ليست من أهل الاذن لصغر أو جنون، بناء على ظهور اعتبار الاذن في القابلة لذلك، فيبقى غيرها حينئذ على عمومات الحل، مع احتمال العدم، لإطلاق النهي عن نكاح الأمة على الحرة، و ظهور القابلية إنما هو في المستثنى، فيقتصر عليه في تخصيص المستثنى منه، و احتمال الرجوع إلى إذن الولي لا دليل عليه، إلا إطلاق الولاية الذي لا يشمل مثل ذلك قطعا، فلو تجدد لها القابلية بعد النكاح ففي اعتبار إذنها حينئذ في البقاء أو أن لها الخيار في فسخ عقد نفسها خاصة أو مع عقد الأمة وجوه، أما الغيبة و نحوها مما يمنع الاستئذان ممن له أهلية الإذن فالظاهر بقاء اعتبار الاذن معها، لإطلاق


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب المتعة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 و الباب- 49- من أبواب حد الزنا من كتاب الحدود.

ج 29، ص: 411

الأدلة.

و على كل حال فان بادر و عقد من دون إذن كان العقد باطلا عند بني أبي عقيل و الجنيد و إدريس و الشيخ في محكي التبيان و ظاهر المبسوط و قيل و القائل الشيخان و أتباعهما كان للحرة الخيار في الفسخ و الإمضاء لعقد الأمة و لها فسخ عقد نفسها أيضا، لنحو ما سمعته في عقد بنت الأخ و الأخت على العمة و الخالة حتى التصريح بالبطلان هنا في بعض النصوص (1)كما هناك، و لكن قد عرفت جوابه هناك، كما عرفت أن الأقوى الصحة مع الوقوف على الاذن شبه الفضولي، بل قد لا ينافيه القول بالبطلان بعد حمله على إرادة العقد بدون الاذن سابقا و لاحقا، كالحكم به هنا في نصوص المقام و غيره، ضرورة عدم صدق النكاح بغير إذن على من لحقه الاذن، بل يمكن إرادة عدم ترتب أثر الصحة قبل الاذن من البطلان، كما اتفق التعبير بذلك عن الفضولي ممن يرى صحته.

و من ذلك يظهر الوهن في الاستدلال على البطلان بظاهر الإجماعات المحكية على ذلك، و إلا كانت موهونة بالقول الثاني الذي قد يدعى شهرته بين القدماء، بل لعل الشق الأول منه يرجع الى ذلك أيضا كما هو ظاهر كشف اللثام أو صريحه، ضرورة عدم إرادة ما يقابل اللزوم من الخيار فيه، و إلا لاقتضى صحة النكاح بغير رضاها و إن كان لها فسخه، و هو مناف لما دل من نص و إجماع على اعتبار الاذن في الصحة،

اللهم إلا أن يستفاد ذلك من اعتبار إذنها أيضا في نكاحها على الأمة، مع أنه هناك للزوم، لا لأصل الصحة، و لكن فيه أنه بعد تسليمه لا ينبغي قياس ما نحن فيه عليه بعد اختلافهما، في مفاد الدليل، فيحمل حينئذ على إرادة الوقف على رضاها من الخيار فيه، بمعنى أن لها الخيار في صحته و فساده بإيجاد الشرط، و هو رضاها و عدمه، و هو عين ما قلناه.

نعم قد زاد هؤلاء بأن لها مع ذلك الخيار في عقد نفسها أيضا و كان المراد تخييرها بين رد عقد الأمة و بين فسخ عقد نفسها، فلها حينئذ الالتزام بهما معا،


1- 1 الوسائل الباب- 46- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 2 و 5.

ج 29، ص: 412

و ليس لها رد عقد الأمة و فسخ عقد نفسها، و لعل الوجه فيه ظهور النصوص (1)و الفتاوى في أن أمر الجمع بينها و بين الأمة إليها، فإن رضيت به صح، و إلا كان لها إبطاله، و هو يحصل بأحد أمرين: رد عقد الأمة أو فسخ عقد نفسها، فتخير فيهما، و فيه أنه منحصر في الأول بعد سبق لزوم عقدها، و عدم الدليل على طرو تزلزله كما عرفته سابقا في عقد بنت الأخ و الأخت على العمة و الخالة، بل فحوى صحيح الحذاء(2)يقضي بخلافه، على أنه مع فسخها عقد نفسها يلزم صحة عقد الأمة من دون إذن، فينافي ما دل على اعتبار الاذن في صحة النكاح، و انتفاء الزوجة بعد إيقاع العقد لا

يكفي، لصدق النكاح بغير إذن الحرة و إلا لكفى موتها مثلا بعد العقد قبل الاذن.

و من ذلك كله بان لك أن ما قلناه لا الأول و لا الثاني أشبه بأصول المذهب و قواعده التي هي من صحة الفضولي إلا إذا رجعا إليه على حسب ما سمعت، هذا كله فيما لو تزوج أمة على حرة.

أما لو تزوج الحرة على الأمة كان العقد ماضيا بلا خلاف أجده فيه، بل في الرياض الإجماع عليه للعمومات و غيرها و لكن لها الخيار في نفسها إن لم تعلم ل

خبر سماعة(3)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج امرأة حرة و له امرأة أمة و لم تعلم الحرة أن له امرأة أمة، قال: إن شاءت الحرة أن تقيم مع الأمة أقامت، و إن شاءت ذهبت إلى أهلها، قال: قلت له: فان لم ترض بذلك و ذهبت إلى أهلها أفله عليها سبيل إذا لم ترض بالمقام؟ قال: لا سبيل له عليها إذا لم ترض حين تعلم، قلت: فذهابها إلى أهلها فهو طلاقها، قال: نعم إذا خرجت من منزله اعتدت ثلاثة أشهر أو ثلاثة قروء ثم تتزوج إن شاءت»

و خبر يحيى


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة و الباب- 7- من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 4 و الباب- 49- من أبواب حد الزنا.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 29، ص: 413

الأزرق (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل كانت له امرأة ولية فتزوج حرة و لم يعلمها بأن له امرأة وليدة، فقال: إن شاءت الحرة أقامت و إن شاءت لم تقم، قلت: قد أخذت المهر فتذهب به، قال: نعم بما استحل من فرجها».

و لعل المستفاد منهما اعتبار الاذن هنا في اللزوم لا الصحة بخلاف الصورة السابقة، و احتمال اعتباره فيها كالسابقة لا دليل عليه، بل ظاهر العمومات و غيرها خلافه، كما أنه قد يستفاد منهما عدم وجوب إعلام الحرة بأن عنده أمة، للأصل و غيره، و دعوى استلزام ثبوت الحق لها بالخيار لوجوب الاعلام يدفعها منع الملازمة أولا، و منع ثبوت الحق لها حال الجهل ثانيا، كدعوى ظهور الأدلة في اعتبار الاذن في الجمع بينها و بين الحرة من غير فرق بين سبقها على الأمة و العكس، و إن اختلفا في تزلزل عقد الأمة في الأول و الحرة في الثاني، لأصالة لزوم السابق، و كذا الكلام في عقد العمة و الخالة على بنت الأخ و الأخت كما سمعته هناك من المسالك، بل ظاهرها المفروغية، من ذلك، إلا أنها كما ترى مجرد احتمال في الأدلة لا يساعد ظاهرها عليها كما عرفت، هذا.

و لكن في الرياض «و لو أدخل الحرة على الأمة جاز، و لزم علم الحرة بأن تحته أمة إجماعا و نصوصا» و لم نتحقق ذلك، و يمكن أن يريد الإجماع و النصوص على الحكم الأول، و هو الجواز أو يريد اعتباره في لزوم العقد أو غير ذلك، و على كل حال فلا خيار لها في عقد

الأمة الثابت لزومه، خلافا للمحكي عن البيان، فخيرها فيه أيضا لما عرفت، و فيه ما سمعت، و في محكي المبسوط جعله رواية و لم نتحققها.

و لو جمع بينهما أي الحرة و الأمة مثلا في عقد واحد صح العقد فيهما مع الاذن منها سابقا و لاحقا لما عرفت، و الأصح عقد الحرة للعمومات دون الأمة و لا يقدح تبعيض مورد العقد عندنا، للأصل و غيره، و في

صحيح الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام «أنه سئل عن رجل تزوج امرأة حرة


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 414

و أمتين مملوكتين في عقد واحد، قال: أما الحرة فنكاحها صحيح، و إن كان سمى لها مهرا فهو لها، و أما المملوكتان فان نكاحهما في عقد مع الحرة باطل يفرق بينه و بينهما»

و ينبغي تقييده مع عدم الاذن، للقطع بالصحة معها، و منه يعلم أن ليس لها فسخ عقد نفسها، و بالأولى يستفاد عدم فسخه مع سبقه، كما هو واضح، هذا.

و لا يخفى عليك أن المبعضة خارجة عن مفهوم الأمة، فالمتجه عدم لحوق الأحكام السابقة جميعها حينئذ، فتنكح حينئذ على الحرة من غير إذن، و تنكح عليها الأمة من غير إذن، اللهم إلا أن يستفاد من الأدلة أن ذلك للشرف بالحرية المختلف كلا و بعضا على وجه لا يكون من القياس و نحوه مما يحرم الأخذ به، و الله العالم.

[المسألة السادسة لا يحل وطء الزوجة حتى تبلغ تسع سنين]

المسألة السادسة لا يحل وطء الزوجة حتى تبلغ تسع سنين إجماعا بقسميه و نصوصا(1)بل

في الموثق (2)«لا توطأ جارية لأقل من عشر سنين، فان فعل فعيبت ضمن»

لكنه شاذ يمكن حمله على الدخول في العشر أو على الكراهة أو غير ذلك، نحو

قوله عليه السلام في الخبر(3): «لا يدخل بالجارية حتى يأتي لها تسع سنين أو عشر سنين»

المحمولتين على الترديد من الراوي، أو استحباب التأخير إلى العشر، أو اختلاف النساء في تحمل الوطء.

و لا فرق في الزوجة بين الدائمة و المستمتع بها إجماعا أيضا بقسميه، مضافا الى إطلاق النصوص، بل صرح غير واحد بإلحاق المملوكة بذلك، بل في التنقيح و محكي نهاية المرام و الكفاية و ظاهر المجمع الإجماع عليه، و هو الحجة بعد


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات النكاح.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.

ج 29، ص: 415

إطلاق الخبرين، و اشتراك علة المنع، و عدم تحمل الصغيرة الوطء، و إفضائه إلى الإفضاء، و قبح وطء ذات الثلاث و الأربع، فيستصحب المنع الى التسع، و لا ينافي ذلك اقتصار جملة من العبارات على الزوجة، لأن التخصيص بالذكر لا يقتضي تخصيص الحكم، و لأنها مسوقة لبيان التحريم المؤبد و الخروج عن حبال الزوجية و عدمه، و الثاني مختص بالزوجة، و كذا الأول على أظهر القولين، كما ستعرف.

لكن

روى الشيخ في الصحيح عن الحلبي (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل ابتاع جارية و لم تطمث، قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة، فليطأها إن شاء»

و في الحسن (2)عنه عليه السلام أيضا إنه قال: «في الجارية التي لم تطمث و لم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل، قال: ليس عليها عدة يقع عليها»

وخبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (3)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ المحيض و إذا قعدت عن المحيض ما عدتها؟

قال: إذا قعدت عن المحيض أو لم تحض فلا عدة لها»

و يمكن حملها كما اعترف به جماعة على من تجاوز سنها التسع و لم تبلغ الحد الذي يخشى

معه الحمل، كذات العشر و غيرها ممن لا تحيض، فيسقط الاستبراء لها عملا بهذه النصوص المطابقة للأصل و الحكمة، بل يمكن حملها على الوطء بعد التسمع مع عدم مضى مدة الاستبراء من حين الملك، فيصح على تفسير الصغيرة بمن لم تبلغ التسع كما هو المشهور، و لا يعارض ذلك باحتمال تخصيص تلك الأدلة بما عدا المملوكة، ضرورة رجحان الأول عليه بوجوه، منها الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا على حرمة وطئها لدون التسع.

نعم

روى الصدوق في المحكي من عيونه عن جعفر بن نعيم بن شاذان عن محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع (4)عن الرضا عليه السلام «في حد الجارية الصغيرة السن الذي إذا لم تبلغه لم يكن على الرجل استبراؤها، قال: إذا لم تبلغ استبرأت بشهر، قلت: و إن كانت ابنة سبع سنين أو نحوها مما


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 11.

ج 29، ص: 416

لا تحمل، فقال: هي صغيرة، و لا يضرك أن لا تستبرئها، فقلت: ما بينها و بين تسع سنين قال: نعم تسع سنين»

و هو كالصريح في الجواز، لكنها ضعيفة السند، ركيكة المتن، متروكة الظاهر، متدافعة الصدر و العجز، مخالفة للإجماع و

الأخبار لا يخلو عليها آثار التقية، فلا يصلح التعويل عليها في مثل هذا الحكم.

و كيف كان فالظاهر أن الدبر كالقبل في الحرمة، لاشتراكهما غالبا في الأحكام، و لإطلاق المنع من الدخول المتناول لهما نصا و فتوى، كإطلاق معقد الإجماع المحكي على تحريمه، نعم لا بأس بالاستمتاع بغير الوطء للأصل السالم عن المعارض.

و مشتبهة السن كالمعلوم صغرها في الحرمة، للأصل و تعليق الحل في النص على بلوغ التسع، فالشك فيه شك في المعلق، كما هو واضح.

و على كل حال ف إذا أثم و دخل ب الزوجة ال صبية أي التي لم تبلغ تسعا فأفضاها حرم عليه وطؤها أبدا و إن قلنا لم تخرج بذلك من حباله كما ستعرف إجماعا محكيا صريحا عن الإيضاح و التنقيح و كنز الفوائد و غاية المرام، و ظاهرا في المسالك و محكي كشف الرموز و المقتصر و المهذب البارع، بل و السرائر إن لم يكن محصلا، بل لعله كذلك إذ لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن نزهة ابن سعيد مع تصريحه بالتحريم في محكي الجامع، و الفاضل الهندي في كشف اللثام، و لا ثالث لهما، نعم ربما لاح من المفيد و ابن الجنيد، و الصدوق ذلك، حيث لم يتعرضوا للتحريم مع تصريح الأولين ببقائها على الزوجية، قال الأول: «إذا جامع الرجل الصبية و لها دون تسع سنين فأفضاها كان عليه دية نفسها، و القيام بها حتى يفرق الموت بينهما» و قال ابن الجنيد: «فإن أولج عليها فأفضاها قبل تسع سنين فعليه أن لا يطلقها حتى تموت، و ينفق عليها، و يقوم بأمرها، فإن أحب طلاقها أغرم ديتها، و لزمه مع ذلك مهرها» و قال الصدوق في المقنع: «و لا تتزوج امرأة حتى تبلغ تسع سنين،

ج 29، ص: 417

فان تزوجتها قبل أن تبلغ تسع سنين فأصابها عيب فأنت ضامن» لكن ذلك لا يثبت به قول، و لذا لم يسند أحد من الأصحاب القول به إليهم.

و أما إطلاق ابن البراج في المحكي من جواهره جواز وطء المفضاة إذا تحقق اندمال جرحها فهو محمول على الزوجة الكبيرة، فإن الصغيرة لا يتصور فيها ذلك إلا بفرض الإفضاء قبل البلوغ و الاندمال بعده، و هو فرض بعيد لا ينصرف إليه الإطلاق، إلا أن الانصاف مع ذلك كله عدم خلوه عن القوة، للعمومات و خلو جميع النصوص المعتبرة، مع التصريح في بعضها بالبقاء على الزوجية، ك

خبر بريد العجلي (1)عن الباقر عليه السلام «في رجل اقتض جاريته يعني امرأته فأفضاها، قال: عليه الدية إن كان دخل بها فأفضاها قبل أن تبلغ تسع سنين، فإن أمسكها و لم يطلقها فلا شي ء عليه»

و صحيح حمران (2)عن أبى عبد الله عليه السلام قال: «سئل عن رجل تزوج جارية بكرا لم تدرك، فلما دخل بها اقتضاها فأفضاها، فقال: إن كان دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه، و إن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقل من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضها فإنه قد أفسدها و عطلها على الأزواج، فعلى الامام أن

يغرمه ديتها، و إن أمسكها و لم يطلقها حتى تموت فلا شي ء عليه»

و غيرهما من النصوص التي لا ينبغي ترك بيان الحرمة المؤبدة فيها التي هي أولى بالبيان من غيرها من الأحكام، بل لعل قوله عليه السلام «أمسكها» في الخبرين ظاهر في ذلك أيضا.

مضافا الى ما في تعطيل هذا الفرج و عدم استنمائه (استمتاعه ظ) المنافي لغرض الشارع، بل و لقوله تعالى (3)«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» و خصوصا إذا اندمل جرحها و عادت على ما كانت الذي احتمل السيوري فيه الجواز، بل في كشف اللثام عن بعضهم التصريح به إلا أنه جزم بالعدم معللا له بالاستصحاب و ظاهر فتوى الأصحاب، إلا أنهما كما ترى بعد الإحاطة بما عرفت.

نعم لم أقف إلا على

مرسل يعقوب بن يزيد(4)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 سورة البقرة: 2- الآية 229.
4- 4 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 418

خطب المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما و لم تحل له أبدا»

و هو خبر واحد ضعيف مرسل، بل ظاهره يقتضي التحريم المؤبد بالدخول مطلقا قبلا أو دبرا،

أفضى أو لم يفض، عالما كان بالصغر أو جاهلا، و حصول البينونة بمجرد ذلك، و هو خلاف فتوى المعظم، بل الكل في المسألتين، و خلاف النص المعتبر الدال على بقاء الزوجية مع الإفضاء فكيف بدونه، فالمتجه طرحه، و دعوى التمسك به فيما لا تنافيه الأدلة بعد جبر سنده بالشهرة ممكنة موافقة لصناعة الفقه إلا أنها لا تورث الفقيه ظنا.

و من ذلك كله تعرف ضعف القول بالتحريم المؤبد بالدخول و إن لم يفض الذي أشار إليه المصنف بقوله و لو لم يفضها لم تحرم على الأصح و إن نسب الى الشيخين في المقنعة و النهاية و ابن إدريس على أنه لم نتحقق النسبة إلى الأول.

بل الموجود في نسخة عندنا ما سمعته المشعر بالجواز مع الإفضاء فضلا عن عدمه، نعم قيل إن في التهذيب في آخر باب من يحرم نكاحهن بالأسباب «و من تزوج بصبية فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرق بينهما، و لم تحل له أبدا» و احتج على ذلك بمرسلة يعقوب بن يزيد السابقة، و على العبارة المذكورة علامة المتن، و يمكن أن يكون ذلك من التهذيب، و وضع العلامة كان خطأ من النساخ.

و أما النهاية و السرائر فإنه و إن قال فيهما في أول أبواب النكاح: «و إذا تزوج الرجل بصبية لم تبلغ تسع سنين فوطأها فرق بينهما، و لم تحل له أبدا» لكنهما قالا في باب الزفاف ما يدل على اشتراط الإفضاء، قال في النهاية: «و لا يجوز للرجل أن يدخل بامرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين، فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع سنين فعابت كان ضامنا لعيبها، و يفرق بينهما، و لا تحل له أبدا» و قال في المحكي من الثاني: «و لا يجوز للرجل أن يطأ امرأة قبل أن يأتي لها تسع سنين، فان دخل قبل ذلك فعابت كان ضامنا لعيبها، و لا يحل له وطؤها أبدا» و لعله لذا حكي بعضهم عنهما موافقة الأصحاب حملا لإطلاق كلامهما على مقيده، فلم يتحقق حينئذ قول بذلك، فلا وجه لاستعظام جماعة له، حتى توقف لأجله العلامة في المحكي من تحريره، و مالك

ج 29، ص: 419

الشهيد الثاني في المسالك و بعض من تأخر.

ثم المراد بالإفضاء على ما صرح به جماعة جعل مسلكي البول و الحيض واحدا، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل قد يظهر من محكي الخلاف الإجماع عليه، خلافا لابن سعيد، فجعله رفع الحاجز ما بين مدخل الذكر و الغائط، و لعله محتمل القواعد أو ظاهرها، بل ربما ظهر من بعضهم أنه أشهر القولين، و لعل مراده بين العامة، بل لعله المشهور عندهم لا عندنا، فإنه قد صرح غير واحد من أصحابنا باستبعاد وقوعه، لبعد ما بين المسلكين و قوته، بل عن ابن فهد التصريح بعدم ترتب حكم عليه لو وقع، بل في محكي المبسوط بعد أن حكاه عن كثير من أهل العلم قال:

«و هذا غلط، لأن ما بينهما حاجز عريض قوى» ثم الفقهاء فرعوا على الإفضاء إذا كان البول مستمسكا أو غير مستمسك، و هو إنما يصح على ما قلناه، و في محكي السرائر بعد أن حكاه عن توهم كثير من الناس قال: «و هذا غلط عظيم».

قلت: لكن صرح العلامة في التحرير و المختلف و القواعد بوجوب الدية في كل منهما، و تبعه على ذلك ولده و السيوري، معللين له بصدق اسم الإفضاء على كل منهما حقيقة، و بعد وقوع الثاني لا ينافي التسمية عرفا، و كذا الفاضل الهندي، قال: «هو صيرورة مسلك البول و الحيض واحدا كما هو الغالب المشهور في تفسيره، أو مسالك الحيض و الغائط واحدا على رأي فإنه أيضا ممكن داخل في مفهوم لفظ الإفضاء، فإنه الإيصال» بل ظاهر المسالك و الروضة ذلك أيضا هذا.

و في المتن فيما يأتي «و أما الإفضاء فهو تصيير المسلكين واحدا» و في النافع هو أن يصير المسلكين واحدا و قيل أن يخرق الحاجز بين مجرى البول و الحيض، و في الصحاح و القاموس «أفضي المرأة جعل مسلكيها مسلكا واحدا» و في مجمع البحرين «يعنى مسلك البول و الغائط» و عن الآبي في كشف الرموز تفسير عبارة النافع بذلك أيضا، و لعلهما أخذاه من تبادرهما من هذا اللفظ عند الإطلاق، و عليه يكون قولا آخر في المسألة، و مقتضاه حينئذ كون الإفضاء برفع الحاجزين معا، فإن صيرورة مسلك البول و الغائط واحدا لا يتم إلا برفع الحاجز بين مسلك البول و الحيض، و مسلك

ج 29، ص: 420

الحيض و الغائط، فإن مسلك الحيض متوسط بين المسلكين الآخرين، فلا يتحدان إلا باتحاد الجميع، و هو شي ء غريب بعيد الوقوع في العادة، و قد استبعدوا ذهاب الحاجز بين مسلكي الحيض و الغائط وحده، و خطؤوا القائل فيه، فكيف يرفعه و رفع الحاجز الآخر معه، فإنه كاد أن يعد ممتنعا إلا أن يراد خرق الحاجزين و لو بتكرار الوطء و فيه بعد من وجه آخر.

و الأولى صرف هذا الكلام عن ظاهره، و تنزيله على ما يرجع الى غيره من الأقوال، و ذلك إما بالحمل على إرادة رفع الحاجز بين مسلكين من مسالكها الثلاث برفع أحد الحاجزين، فيتحد حينئذ مع ما سمعته من العلامة، لكن ينافيه تعريف «المسلكين» إذا المناسب لإرادة هذا المعنى التنكير دون التعريف المفهم للعهد.

أو بالحمل على مسلكي البول و الحيض فيرجع الى القول الأول، و ظاهر المسالك تنزيل عبارة الشرائع على ذلك، لكنه مع عدم تعارف التعبير عن مخرج الحيض بالمسلك لا يتأتى في عبارة النافع المقابلة فيها بين هذا المعنى و المعنى الأول اللهم إلا أن يريد بالأول رفع الحاجز بينهما من أصله، و بالثاني خرق ما بينهما إلا أنه كما ترى.

أو بحمل المسلكين على القبل و الدبر، على أن يكون المراد بصيرورتهما واحدا اتحاد مسلك الغائط و مسلك الحيض من القبل بذهاب الحاجز بينهما، فيعود الى المعنى الثاني، و لعل هذا هو الوجه في تنزيله، بل هو الذي استظهره السيوري فيما حكي عنه من عبارة النافع، بل قد يشهد له شيوع إطلاق المسلكين عليهما، و كذا تعبير العلامة في القواعد عن أحد القولين في المسألة بخرق الحاجز بين القبل و الدبر، و استبعاده له بأن الحاجز بينهما عصب قوي يتعذر ازالته بالجماع، بل عن ولده في الشرح التصريح بكون ذلك هو القول الذي حكاه في المبسوط عن كثير من الناس، و حينئذ يكون القول باتحاد المسلكين و القول بخرق الحاجز ما بين القبل و الدبر و القول بصيرورة مسلكي الغائط و الحيض واحدا واحدا، و يكون

ج 29، ص: 421

الاختلاف بمجرد التعبير.

و كيف كان فكلام الفقهاء و أهل اللغة متفق على أن إفضاء المرأة شي ء خاص، لا أن المراد به مطلق الموصل أو التوسعة أو الشق أو الخلط كي تترتب أحكامه على كل فرد من أفراد ذلك كما هو مبنى كلام العلامة و من تابعه، و وجود معنى المطلق في ذلك الخاص لا يقتضي كون المراد المطلق و أن ذكر الخاص من المثال، إذ يمكن أن يكون من الألفاظ المشتركة بين العام و الخاص، أو أن المعلق عليه الحكم الخاص من حيث الخصوصية و لو للقرائن، خصوصا بعد مخالفة الحكم للأصول و القواعد المناسبة، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن و هو الخاص من حيث الخصوصية.

نعم يبقى الكلام في تعينه من بين الأفراد التي سمعتها أقوالا و احتمالا، و لا ريب في أن المظنون منها ما هو المشهور، للشهرة و الإجماع المنقول، و تعارف الوقوع و غير ذلك، و ما في الصحاح و القاموس يمكن حمله عليه، و إلا كان خلطا بين المعنى اللغوي و المتعارف بين كثير من فقهائهم، و يمكن أن يكونا من الناس الذين غلطوا في ذلك، المشار إليهم في كلام الشيخ و ابن إدريس.

و كيف كان فلا إشكال في وجوب المهر بإفضائها مطلقا صغيرة كانت أو كبيرة، حرة أو مملوكة، زوجة أو أجنبية، حل له وطؤها أو حرم، إلا إذا كانت مملوكة له أو محللة أو بغيا غير مملوكة، لإطلاق ما دل على وجوبه الشامل للمقام، خلافا لمحكي الخلاف و المبسوط و ظاهر الوسيلة و التحرير في المكرهة على الزنا، فلها الدية دون المهر، و هو كما ترى، ضرورة انتفاء الزنا في حقها مع الإكراه، بل عن ديات الخلاف إجماع الفرقة عليه، و نقل الخلاف عن أبي حنيفة.

ثم إن حكم المهر في المفضاة حكمه في غيرها، و إنما تعرض الأصحاب هنا لئلا يتوهم دخوله في الدية، فيختلف حينئذ في التسمية و عدمها، و بالنسبة إلى عقر الأمة و إن كانت بغيا هل هو مهر المثل أو عشر القيمة في البكر و نصف العشر في الثيب؟ الى غير ذلك من الأحكام التي لا فرق فيها بين المفضاة و غيرها، نعم هذا كله إذا أفضاها بالوطء، أما لو أفضاها بغيره لم يستقر المهر به في الزوجية، و لم يلزمه مهر في الأجنبية، لأنه منوط بالدخول، و هو مفقود.

ج 29، ص: 422

و على كل حال فلا إشكال بل و لا خلاف معتد به في وجوب الدية بإفضاء الزوجة قبل بلوغها التسع، بل عن الشيخ في كتابي الصداق و الديات من الخلاف الإجماع عليه، كما لا إشكال في عدم وجوبها بالإفضاء بعد التسع، بل عن الشيخ في صداق الخلاف الإجماع عليه و عن أبي العباس تطابق الأقوال و الأخبار عليه، و قد دل عليه خبرا بريد(1)و حمران (2)السابقان، فما عن الوسيلة في فصل آداب الخلوة من كتاب النكاح من وجوب الأرش به يمكن إرادة الدية منه، كما صرح به في مقام آخر منها كالضمان في المقنع، بل الظاهر ثبوت الدية في إفضاء الأجنبية صغيرة كانت أو كبيرة، مملوكة أو حرة، موطوءة بشبهة أو الزنا، مطاوعة أو مكرهة، كما عن بعضهم التصريح به و يقتضيه ظاهر آخر، لإطلاق

صحيح سليمان بن خالد(3)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد، قال: الدية كاملة»

فيتحصل حينئذ وجوب الدية مطلقا إلا في صورة واحدة، و هي إفضاء الزوجة بعد البلوغ، للإجماع السابق المقيد لإطلاق الصحيح المذكور، فما عن الحلبيين من إطلاق الدية بالإفضاء في غير محله، و المراد بها دية المرأة الحرة، و هي نصف دية الرجل إن كانت المفضاة حرة، و إلا فالقيمة ما لم تتجاوز دية الحرة إن كانت أمة، نعم عن العلامة إلحاق الزوجة النحيفة بالصغيرة، و كأنه اجتهاد، و كذا ما عن الشيخ في صداق الخلاف التسوية بين الزوجة و الموطوءة بشبهة في الفرق بين الصغيرة و الكبيرة مدعيا عليه الإجماع المتبين خلافه بعدم موافقة أحد له عليه فيما أجد.

و عن ابن الجنيد سقوط دية الزوجة إذا أمسكها الزوج و لم يطلقها، و لعله لظاهر

الخبرين الواجب حملهما على سقوطها صلحا، بأن تختار المقام معه بدلا عن الدية، فإن الدية قد لزمته بالإفضاء بدلالة النص و الفتوى، فلا تسقط مجانا من غير عوض، و لأنه لو لم يحمل على الصلح فإما أن يكون المراد سقوط الدية


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب ديات المنافع الحديث 1 من كتاب الديات.

ج 29، ص: 423

بالعزم على الإمساك أو بنفس الإمساك المستمر الى الموت، بأن تسقط الدية به أو يبقى الحكم بالسقوط مراعى بالموت، فإن أمسكها حتى مات تبين السقوط من حين الإمساك، أو عدم ثبوت الدية بالإفضاء، و اللوازم خصوصا بعضها في غاية البعد، فالمتجه الحمل على التزامه بوجه شرعي في مقابلة إسقاط الدية كما قلناه.

و إشكاله بالمنع من اشتراط مثله في النكاح- و إذا امتنع اشتراطه كانت المعاوضة عليه أولى بالمنع، و بأن كل شرط أسقطه الشارع في عقد النكاح فهو مناف لمقتضى العقد، و متى كان منافيا لم يجز التزامه بوجه- مدفوع بمنع بطلان هذا الشرط في عقد النكاح، لتعارض الأدلة فيه، و لو سلم فغايته البطلان إذا اشترط في هذا العقد، و لا يقتضي ذلك البطلان إذا وقع التراضي عليه في عقد آخر، بأن يكون شرطا فيه أو ركنا، لاختلاف العقود فيما يعتبر فيها من الأركان و الشروط، و الأولوية ممنوعة، و المنافاة لمقتضى عقد النكاح لا يستلزم المنافاة لغيره من العقود.

فظهر أنه يمكن حينئذ حمل الخبرين على ذلك، بل لعله أولى من حملهما على نفي الإثم، لدفع توهم منافاته التحريم المعلوم ثبوته بالإفضاء، إذ يبعده وقوعه في مقابلة إثبات الدية المقتضي لارادتها في جانب النفي و لو في ضمن العموم، بل يبعده أيضا قوله: و إن كان دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه، لأن المراد به إما نفي الدية خاصة، أو ما يعمها و غيرها من الأشياء، فينبغي أن يكون المراد به هناك أيضا ذلك حتى لا يحصل التفكيك بين القرينين، و الأمر في ذلك سهل.

ثم لا فرق في الحرمة أبدا بين الدائمة و المتمتع بها، لإطلاق النص (1)و الفتوى، و لا ينافيه تعقيب ذلك في كلام الأصحاب بتوقف البينونة على الطلاق و عدمه بعد معلومية إرادة المثال من ذلك، أى تتوقف على حصول أحد أسبابها أو تحصل بمجرد الوطء.

نعم الظاهر قصر الحكم على الزوجة الصغيرة المفضاة بالوطء فلا تحرم الكبيرة،


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 424

و لا المفضاة بالإصبع، و لا المملوكة و لا الأجنبية، للأصل السالم عن المعارض، فما عن الفاضل و ولده من تحريم الأجنبية و غيرهما مع ذلك الأمة غير واضح، و دعوى الأولوية بزيادة الإثم في الأجنبية ممنوعة، كدعوى أن الزوجية سبب للحل، فلا تكون سببا للتحريم الذي هو ضده، فليس هو إلا الصغر و الإفضاء، و هما متحققان هنا، ضرورة منع كون التحريم

المحض العقوبة مع انتفاء مثل تلك في الأجنبية، فإن تحريمها أخف من تحريم الزوجة، فلعله أسقط فيهما ذلك، لثبوت ما هو أشد منه، و من ثم لم يثبت في المفضاة بالإصبع مع كونه أشد من الإفضاء بالوطء، و الحكم في النص و الفتوى منوط بالزوجية، فتكون جزءا من السبب المحرم، و لا استبعاد فيه إذا اقتضته الأدلة الشرعية، خصوصا بعد بطلان القياس، و عدم المنقح من إجماع أو غيره من الأدلة المعتبرة، كما هو واضح.

و لو ظن أنها كبيرة فأفضاها ثم تبين الخلاف لم تحرم على ما صرح به بعضهم، بل هو ظاهر كثير حيث رتبوا الحكم على الوطء المحرم، للأصل السالم عن معارضة النص و الفتوى بعد انسياق غير ذلك منهما، خصوصا بعد فرض كون التحريم عقوبة، كما صرح به غير واحد منهم، و هي إنما تترتب على المحروم دون المباح، نعم أطلق جماعة التحريم بوطء الصغيرة أو إفضائها، بل النص أيضا مطلق، لكن يمكن إرادة الجميع العلم بالصغر، نعم يمكن شمول النص و الفتوى للصغيرة المعلوم كونها صغيرة، و إن كان جاهلا بحرمة وطئها جهلا يعذر فيه شرعا.

و لو اندمل المحل و صلح الوطء لم يعد الحل للاستصحاب و ظاهر فتوى الأصحاب، و عن الصيمري القطع به في غاية المرام، و عن السيوري أنه أولى الوجهين، و احتمل العود بزوال علة التحريم، و حكاه في كشف اللثام قولا لبعضهم في موضع منه، و حكم به في موضع آخر، و لعله لما عرفته سابقا من الإشكال في أصل الحرمة بالإفضاء، و على القول بها فيقتصر بها على المتيقن، و هو غير هذا الفرد، خصوصا بعد

قوله عليه السلام (1): «أفسدها و عطلها على الأزواج»

هذا و قد قيل: إنه يأتي الوجهان


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.

ج 29، ص: 425

على القول بالبينونة و عدمها، لكن فيه أن احتمال العود على القول بها واضح الفساد، كما أنه لو قلنا بالتحريم بمجرد الوطء سقط هذا الفرع من أصله.

و كيف كان فلا إشكال في ثبوت التوارث بينهما، لثبوت الزوجية بناء على المختار، و عموم أدلة الإرث، و في تحريم الخامسة و الأخت و بنت الأخت و الأخ بل و العقد على الأمة بدون رضاها، لكن في المحكي عن المهذب البارع استقرب سقوط الاذن في الأمة إذا لم يكن عنده غيرها و لا طول دفعا للضرر، و فيه ما عرفت سابقا من أن الأقرب اعتبار الاذن في أمثالها كالممنوع عن وطئها لمرض و غيره، لإطلاق الأدلة و اندفاع الضرر بالطلاق.

نعم الظاهر اختصاص التحريم في الوطء قبلا و دبرا دون باقي الاستمتاعات وفاقا لصريح بعض و ظاهر آخرين، للأصل السالم عن المعارض، فما في الروضة من استجواد تحريم الاستمتاع بغير الوطء أيضا في غير محله، و في استحقاقها القسم مع غيرها وجهان، أجودهما ذلك كما تستحقه الرتقاء و القرناء و الحائض و

النفساء، لأن الغرض منه الأنس بالمضاجعة دون المواقعة.

و لو وطأها عالما بالتحريم أثم و عزر، و لكن لا حد عليه كالحائض، و لو حملت منه لحق به الولد، نعم لا يثبت الإحصان بها، لأن من شرطه التمكن من الوطء، و هو مفقود هنا، فلو زنى أو زنت وجب الحد دون الرجم.

و لا إشكال في جواز طلاقها بناء على بقائها على الزوجية، و لا يشترط فيه شرط زائد على غيره من أفراد الطلاق، خلافا لظاهر ما سمعته سابقا من ابن الجنيد من إغرام الدية إن أراد الطلاق، و لا دليل عليه، بل ظاهر الخبرين (1)السابقين توقف الدية على الطلاق، و هو عكس ما قاله، اللهم إلا أن يكون ذلك مراده و إن قصرت عبارته عنه، على أن الظاهر ثبوت الدية لها على كل حال، فلا بد من حمل ذلك على الصلح عنها بالإمساك، أو حمل

قوله عليه السلام: «لا شي ء عليه»

فيهما على نفي الإثم، و لو طلقها جاز له العود برجعة أو نكاح مستأنف، و كانت عنده


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1 و 3.

ج 29، ص: 426

كما كانت قبل.

و هل يقع بها الظهار؟ عن أبى العباس نعم إن حرمنا به غير الوطء من ضروب الاستمتاع و إلا فلا، و هو جيد، و على الثاني يكون كالإيلاء، و أما اللعان فان كان على القذف وقع، و لا ينافيه اشتراط الإحصان، فإنه فيه بمعنى

العفة دون المعنى المعتبر في الحد، و كذا لو كان لنفي الولد إن احتمل وطؤه لها بعد البلوغ مع اجتماع سائر الشروط المعتبرة في اللحوق.

و يجب عليه الإنفاق عليها ما دامت حية بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل قد حكى الإجماع عليه جماعة، و الأصل فيه مضافا إلى ذلك

صحيح الحلبي(1) عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل تزوج جارية فوقع عليها فأفضاها، قال: عليه الاجراء عليها ما دامت حية»

و هو كما ترى شامل للبائنة عنه بطلاق و نحوه و غيرها، خلافا للمحكي عن الإسكافي فأسقط النفقة لها بعد طلاقها، و هو محجوج به و بالإجماع بقسميه.

بل هو شامل للصغيرة و الكبيرة، فإن الجارية بنص أهل اللغة هي الفتية من النساء، و لا ريب في شمولها لمن بلغت التسع و تجاوزت عنها إلى أواخر زمن الشباب، إلا أن المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا على اختصاص الصغيرة بذلك، قال في محكي الخلاف: «من وطأ امرأة فأفضاها فإن كان قبل تسع سنين لم يكن عليه شي ء غير المهر- ثم قال-: دليلنا على ذلك إجماع الفرقة، فإنهم لا يختلفون في ذلك» نعم حمل هذا الخبر في محكي الإستبصار على الكبيرة جمعا بينه و بين خبر بريد العجلي (2)مع أنه لا تعارض بينهما، ثم قال: «و لا ينافي هذا التأويل

قوله عليه السلام في الخبر الأول: «إن شاء طلق و إن شاء أمسك»

إذا كان الدخول بعد تسع سنين، لأنه قد ثبت له الخيار بين إمساكها و طلاقها، و لا يجب عليه واحد منهما و إن كان يلزمه النفقة على كل حال» و هو


1- 1 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 34- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.

ج 29، ص: 427

صريح في الإنفاق على الكبيرة، و يؤيده إطلاق الصحيح السابق.

اللهم إلا أن يقال: إنه مقيد بالإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع، فان الشيخ بعد تسليم ذكره ذلك مذهبا له لا مجرد جمع بين الأخبار قد رجع عنه في الخلاف، و ادعى الإجماع عليه، أو يقال: إنه معارض بما في الخبرين السابقين من

قولهما عليهما السلام: «و إن كان دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه»

فإنه عام للنفقة و إن كان واقعا في مقابلة إثبات الدية في الصغيرة. لكن ذلك إنما يقتضي تحقق إرادتها من العموم لا قصر العموم عليها، كما أنه لا يقال: إن التعارض بينهما من وجه و لا ترجيح، ضرورة وجود المرجح لهما دونه بالأصل و الإجماع السابق و غيرهما، على أن العموم فيهما وضعي باعتبار كونه نكرة في سياق النفي بخلاف الإثبات الذي هو مطلق يرجع الى العموم، و النفي أصرح في العموم من الإثبات، فلا ريب حينئذ في كون التحقيق ما عند الأصحاب من قصر الحكم المزبور على الصغيرة.

نعم عن ابن فهد و الصيمري و ابن القطان و أحد وجهي القواعد و الإيضاح و الروضة تقييد الحكم بما إذا لم تتزوج بغيره، لزوال علة الوجوب، و هي الزوجية، و التعطيل على الأزواج، و امتناع وجوبها بالزوجية على أكثر من واحد، مع أن الأقوى خلافه أيضا، لعموم النص المعتضد بفتوى المعظم و إجماع الخلاف و استصحاب الوجوب بعد منع التعليل بالزوجية، و من ثم وجبت حال الصغر و بعد البينونة قبل التزويج، و كذا التعليل بالتعطيل، لاحتمال العقوبة، و وجوبها عليهما ليس للزوجية فيهما، بل للإفضاء في الأول و الزوجية في الثاني، كما هو واضح.

و لو أفضى الزوجة بغير الوطء أو وطأ أمته فأفضاها لم يثبت الحكم، للأصل السالم عن المعارض، بل و الأجنبية وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين لذلك أيضا، خلافا للمحكي عن الخلاف، فأوجب الإنفاق عليها إن وطأها بعقد شبهة، بل في القواعد وجوبه مطلقا على إشكال، أما لو ظن أنها كبيرة فوطأها و أفضاها فالأقرب وجوب الإنفاق عليها، لإطلاق النص خلافا لما عساه يظهر من جماعة

ج 29، ص: 428

العدم، حيث رتبوا ذلك على الوطء المحرم، و إلا أنه كما ترى.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى وجوب الإنفاق عليها بجميع ما تحتاجه من مئونة أو كسوة أو مسكن كالزوجة و غيرها من واجبي النفقة، و لا يختص بالأول، فإن الاجراء الوارد به لفظ النص يعم الجميع، و كذا الإنفاق المعبر به في كلام الأكثر، و لأن هذه النفقة إما نفقة الزوجة أو بدلها المستحق لها بتعطيلها على الأزواج أو بالعقوبة على الإفضاء، و كيف كان فيجب فيها ما يجب في الإنفاق على الزوجة، و لو قلنا بوجوب النفقة بالعقد أو اكتفينا فيها بالتمكن من الاستمتاع و لو بغير الوطء حيث لا يمكن كان الواجب عليه نفقة الزوجة ما دامت في حباله، فيستصحب حكمها بعد المفارقة، بل الظاهر قضاؤها لو فاتت كنفقة الزوجة، و لأنه الأصل في كل حق مالي ثابت في الذمة، نعم الظاهر سقوطها بموته كما هو واضح، و الله العالم.

[المقصد الثاني في مسائل من تحريم العين]
اشاره

المقصد الثاني في مسائل من تحريم العين، و هي ستة

[المسألة الأولى لا يجوز النكاح في العدة]

الأولى لا يجوز نكاح المرأة دائما و لا متعة في العدة، رجعية كانت أو بائنة، عدة وفاة أو غيرها، من نكاح دائم أو منقطع، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لقوله تعالى (1)«وَ لا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ» فإن المفهوم عرفا النهي عن النكاح نفسه و لو لشيوع التعبير عن تحريم الفعل


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 235.

ج 29، ص: 429

بالنهي عن مقدماته لقصد المبالغة، و لذا لو قال السيد لعبده: «أعزم على هذا الأمر أو لا تعزم عليه» فهم منه توجه الخطاب بالأمر أو النهي عن نفس الفعل دون العزم عليه بخصوصه، على أن الآية قد دلت على تحريم العزم، و المراد منه أما معناه الحقيقي و هو القصد و الإرادة أو الفعل المعزوم عليه مجازا لكونه ملزوما للعزم، و على التقديرين يثبت المطلوب، أما على الثاني فظاهر، و أما على الأول فلأن تحريم العزم على النكاح يستلزم تحريم النكاح المعزوم عليه، فإنه لو كان جائزا لجاز العزم عليه قطعا، إذ لا حكم للعزم بالنظر إلى ذاته، و إنما يثبت له التحريم و الجواز بواسطة ما أضيف إليه من الفعل المعزوم عليه، فان كان محرما فالعزم حرام، و إلا فجائز، بل لا يعقل جواز الفعل مع تحريم العزم عليه، و حيث ثبت تحريم العزم بالآية ثبت تحريم العقد نفسه.

و ربما وجه الاستدلال بها بمعلومية عدم إرادة النهي عن العزم نفسه، بل المراد منه النكاح، و ذلك لإباحة العزم على النكاح بالإجماع، و بقوله تعالى (1)«وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ، أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ» فإن الاكنان في النفس بمعنى الإضمار فيه، و ليس ذلك إلا العزم، مع أن رفع الجناح عن التعريض يستلزم إباحة العزم

أيضا، لامتناع حصول التعريض بدونه، و فيه أن المعلوم من إباحة العزم على النكاح إنما هو العزم عليه فيما بعد العدة لا العزم عليه فيها، فإنه محرم لكونه عزما على محرم، فالاتفاق على إباحة العزم على النكاح بعد انقضاء العدة لا يقتضي حمل العزم على نفس الفعل، إذ يمكن حمله على معناه الحقيقي مع التقييد بالعدة، و منه يعلم تقييد الاكنان بما بعد العدة، لأن العزم على القبيح قبيح، فيمتنع من الحكيم تجويزه، و لأن الحكم بالجواز على تقدير استفادته من الآية شرعي، و لا ريب في نفى الجواز الشرعي و إن لم يكن الجواز مستحيلا عند العقل، فان التصريح بجواز العزم على النكاح في العدة مع تحريمه و المنع عنه مما يعد سفها و عبثا، و ذلك محال على الله تعالى، و من ذلك يعلم أن التعريض بالنكاح في العدة إنما يجوز لو كان القصد إلى إيقاعه بعدها،


1- 1 سورة البقرة: 2- الآية 235.

ج 29، ص: 430

و ذلك إنما يقتضي إباحته العزم بهذا الوجه.

و على كل حال ف من تزوج امرأة في عدتها عالما بالحكم و الموضوع عامدا حرمت عليه أبدا بمجرد العقد و كذا إن جهل العدة و التحريم أو أحدهما و دخل بها قبلا أو دبرا حرمت عليه أيضا، و لو لم يدخل بها بطل ذلك العقد و كان له استئنافه بعد انقضاء العدة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة، قال الصادق عليه السلام في خبري زرارة(1)و داود بن سرحان (2)و

في خبر أديم (3)بياع الهروي الذي يتزوج المرأة في عدتها و هو يعلم: «لا تحل له أبدا»

وقال عليه السلام أيضا في الحسن (4)كالصحيح: «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها و دخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا، و إن لم يدخل بها حلت للجاهل و لم تحل للآخر»

و في صحيح ابن الحجاج (5)عن أبي إبراهيم عليه السلام «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أ هي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال: لا أما إذا كان بجهالة فليتزوجها بعد ما تنقضي عدتها، و قد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك، فقلت: بأي الجهالتين يعذر؟ بجهالته أن يعلم أن ذلك محرم عليه أم بجهالته أنها في عدة؟ فقال: إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، و ذلك بأنه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت: فهو في الأخرى معذور، قال: نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها، فقلت: فان كان أحدهما متعمدا و الآخر بجهل، فقال: الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا»

و في الحسن كالصحيح (6)أيضا عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن المرأة الحبلى يموت

زوجها فتضع، و تتزوج قبل أن يمضي لها أربعة أشهر و عشرا، فقال:

إن كان دخل بها فرق بينهما، ثم لا تحل له أبدا، و اعتدت بما بقي عليها من الأول، و استقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ج 29، ص: 431

فرق بينهما، و اعتدت بما بقي عليها من الأول، و هو خاطب من الخطاب»

و نحوه موثق ابن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام، و

في الموثق الآخر المضمر(2)«سألته عن رجل تزوج امرأة في عدتها، قال: يفرق بينهما، و إن كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، و يفرق بينهما، فلا تحل له أبدا، و إن لم يكن دخل بها فلا شي ء لها من مهرها»

و في الحسن أو الموثق (3)«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: بلغنا عن أبيك أن الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا، فقال: هذا إذا كان عالما، فإذا كان جاهلا فارقها و تعتد، ثم يتزوجها نكاحا جديدا»

و في خبر حمران (4)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة تزوجت في عدتها بجهالة منها

بذلك، فقال: لا أرى عليها شيئا، و يفرق بينها و بين الذي تزوج بها و لا تحل له أبدا، قلت: فان كانت قد عرفت أن ذلك محرم عليها ثم تقدمت على ذلك، فقال: إن كانت تزوجت في عدة لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة فإني أرى أن عليها الرجم، و إن كانت تزوجت في عدة ليس لزوجها الذي طلقها عليها فيها الرجعة فإني أرى عليها حد الزاني، و يفرق بينها و بين الذي تزوجها، و لا تحل له أبدا»

و هي كما ترى واضحة الدلالة على جميع ما عرفت بعد حمل المطلق فيها على المقيد.

بل قد يظهر من «الآخر»(5)فيها الحرمة عليهما أبدا بمجرد العلم من أحدهما، و هو كذلك بعد فرض علم الآخر بأن الثاني قد أقدم عالما، ضرورة التلازم هنا بين الحرمة أبدا من طرف الحرمة كذلك من طرف آخر، للتلازم بين فساد العقد من طرف فساده من آخر، إذ هو مركب لا يتصور فيه تبعيض الصحة، بل ربما أدى ذلك الى التناقض، فان مقتضى الصحة ملك المعقود عليه، و مقتضى الفساد عدمه، فيكون الشي ء الواحد مملوكا و غير مملوك، نعم قد يجري حكم الصحة ظاهرا على أحدهما و الفساد على آخر في الظاهر دون الواقع، كما لو أقر بالزوجية و أنكر الآخر،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 17.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و 4.

ج 29، ص: 432

فيلزم كل منهما بإقراره و إنكاره، و ليس هذا تبعيضا للعقد في الواقع، بل هو ليس إلا

واحدا، بخلاف المقام المفروض فيه التبعيض واقعا، و إلا لم يكن فيه إشكال أصلا إذا فرض كونه من هذا القبيل، كما لو ادعت الامرأة مثلا بعد تجديد العقد عليها أنها كانت عالمة حال العقد الأول و أقدمت على محرم، و أنكر الزوج علمها بذلك، و ادعى أنهما معا كانا جاهلين حال العقد الأول، فلا تترتب حرمة أبدا، فان المتجه حينئذ بقاء العقد الثاني على الصحة ظاهرا و إن وجب على الامرأة في باطن الأمر التخلص منه، كما في نظائره.

و لا ينافي ما ذكرنا ما في ذيل صحيح ابن الحجاج (1)المعلوم عدم اختصاص الحرمة أبدا في العالم على وجه لو جدد العقد بعد العلم بالحال يكون صحيحا من جهة و فاسدا من اخرى، بل المراد أن الحرمة في الواقع أبدا على خصوص العالم فيهما بعد فرض عدم علم الآخر به، فان العقد كان صحيحا بحسب الظاهر، لعدم ثبوت دعوى مدعي العلم في العقد الأول بعد العقد الثاني بمجرد دعواه.

و قد نبه لبعض ما ذكرناه في المسالك، فقال: «و إن جهل أحدهما و علم الآخر اختص كل واحد بحكمه و إن حرم على الآخر التزويج به من حيث مساعدته على الإثم و العدوان، و يمكن التخلص من ذلك بأن يجهل التحريم أو شخص المحرم عليه، و متى تجدد علمه تبين فساد العقد، إذ لا يمكن الحكم بصحة العقد من جهة دون أخرى في نفس الأمر و إن أمكن في ظاهر الحال، كالمختلفين في صحة العقد و فساده» لكن فيه أولا أن الفساد ليس للإعانة على الإثم إذ يمكن فرض عدمها في الغفلة و نحوها، بل هو لما

عرفت، و ثانيا ما في كشف اللثام، فإنه بعد أن ذكر اختصاص الحرمة في العالم قال: «و إنما تظهر الفائدة إذا بقي الآخر على جهله حتى عاد، أما إذا تجدد له العلم قبل العود فيشكل التحريم من أحد الجانبين خاصة، إلا أن يقال بالحل للآخر إن جهل التحريم أو شخص المعقود عليها ثانيا، و لكن


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

ج 29، ص: 433

لا يظهر الفرق بينه و بين صورة علمها إلا بأن يقال بلزوم العقد حينئذ و إن تجدد العلم بالتحريم أو الشخص بعد العقد، و يمكن أن يكون التحريم ثابتا لهما أيضا، لكن للعالم بالذات و للجاهل بالواسطة، لكون التحريم عقوبة على العقد، و لا عقوبة إلا على العالم، و يحتمل أن لا يكون العقد باطلا حين جهل أحدهما و إن كانا حين العقد الثاني عالمين بالحكم و الشخص و إن أثم العالم، لكن لا نعرف به قائلا» قلت:

بل و لا وجها معتدا به كغيره مما ذكره، و قريب منه ما ذكره المقدس البغدادي من أنه لا مانع من التزام تبعيض الصحة في الواقع، لأنها في المعاملة مجرد ترتب آثار، فلا بأس في جريانها بالنسبة إلى شخص دون الآخر، و فيه ما عرفت.

فالأولى أن يقال: ليس المراد في النص و الفتوى الفرق بين علمهما و علم أحدهما في ذلك، بل المراد إبانة التساوي بين الصورتين، لما عرفت أن الحرمة هنا أبدا من جانب تستلزمها من آخر، لعدم قابلية عقد التبعيض في نفس الأمر، و من هنا اكتفى في المحرمات جميعها بذكر حرمتها من جهة، كما هو واضح.

و قد أشرنا إليه سابقا في البحث عن الشبهة، فلاحظ و تأمل تجد الأمر ظاهرا، لظهور اعتبار الدخول في العدة في الحرمة أبدا فيما يعتبر فيه ذلك، فلو عقد جاهلا عليها فيها و دخل بها بعد العدة ثم علم بالحال بعد ذلك لم تحرم أبدا، بل كان له الاستئناف كما صرح به في المسالك.

و من الغريب ما في الرياض من الحرمة أبدا بذلك معللا له بإطلاق الفتاوى كالنصوص، ثم قال: «و ربما اشترط في الدخول وقوعها في العدة، و هو ضعيف» و ظاهر المفروغية من ذلك، مع أنه لا ينكر انسياق الدخول في العدة مما أطلق فيه ذلك من النصوص، خصوصا بعد صراحة نصوص الحلبي (1)في ذلك، و موثق ابن مسلم (2)و غيره فإنها جميعا بمذاق واحد، و

في خبر أبى بصير(3)عن أبى عبد الله عليه السلام أنه قال: «في رجل نكح امرأة و هي في عدتها، قال: يفرق بينهما،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 6 و 20.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

ج 29، ص: 434

ثم تقضي عدتها، فان كان دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، و يفرق بينهما، و إن لم يكن دخل بها فلا شي ء لها»

فإنه كالصريح في ذلك أيضا، على أن الحكم مخالف للعمومات، فالمتجه الاقتصار فيه على المتيقن إذ لا أقل من الشك في تناول الإطلاقات بمثله، و من ذلك بان لك أن المناسب له المفروغية من عدم الحرمة و ذكر الحرمة احتمالا، لا العكس كما هو واضح.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب أن في إلحاق ذات البعل بذات العدة في الحكم المزبور وجهين: ينشئان من أولوية حرمة الزوج التي هي حكمة الحكم المزبور فيها من ذات العدة، و من الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، إلا أن الأول كما ترى، و الأولى الاستدلال عليه بأنه من ذات العدة الرجعية قطعا التي قد صرح بها في خبر حمران (1)السابق، و قد اتفق النص (2)و الفتاوى على أنها بحكم الزوجة، فيعلم منه حينئذ أن حكم الزوجة، مثل حكمها، كما هو واضح. و بالنصوص، ف

في مرفوع أحمد المروي (3)في الكافي و التهذيب «أن الرجل إذا تزوج المرأة و علم أن لها زوجا فرق بينهما و لم تحل له أبدا»

و في موثق أديم بن الحر(4)قال أبو عبد الله عليه السلام: «التي تتزوج و لها زوج يفرق بينهما ثم لا يتعاودان أبدا»

و نحوه في موثقه الآخر(5)و

موثق زرارة(6)عن أبى جعفر عليه السلام «في امرأة فقدت زوجها أو نعي إليها فتزوجت ثم قدم زوجها بعد ذلك فطلقها، قال: تعتد منهما جميعا ثلاثة أشهر عدة واحدة، و ليس للآخر أن يتزوجها أبدا».


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 17.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أقسام الطلاق و الباب- 13- منها الحديث 6 و الباب- 20- منها الحديث 11 و الباب- 18 و 20 و 21- من أبواب العدد من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 من كتاب الحج.
6- 6 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 435

لكن في كشف اللثام «لو عمل بالأخبار الواردة بالتحريم هنا أمكن الحكم بالتحريم مطلقا، مع الجهل و العلم، و مع الدخول و بدونه، لإطلاقها» قلت: هو كذلك لو لا ما عرفت من أن حكمها حكم ذات العدة الرجعية، و لو لا ما يظهر من

صحيح ابن الحجاج (1)عن الصادق عليه السلام «و من تزوج امرأة و لها زوج و هو لا يعلم فطلقها الأول أو مات عنها ثم علم الآخر أ يراجعها؟ قال: لا حتى تنقضي عدتها»

و اعتبار العلم في المرفوع الدال بمفهومه على عدم الحرة مع الجهل، و هو و إن تناول كالصحيح (2)السابق حال الجهل مع الدخول إلا أنه يجب تقييده بموثق زرارة(3)السابق الظاهر في هذه الصورة، فتبقى صورة الجهل مع عدم الدخول على مقتضى العمومات، بل في الرياض دعوى الإجماع على الحل فيها، و بذلك

يتساوى حينئذ حكم ذات البعل لذات العدة كما صرح به جماعة من المتأخرين منهم المحقق الثاني، بل لعله ظاهر الجميع و إن لم يتعرضوا له بالخصوص اتكالا على معلومية اتحاد حكمها لحكم ذات العدة الرجعية.

و منه يعلم ما في نسبة عدم الإلحاق إلى المشهور، باعتبار قصر الحكم على ذات العدة كما أنه يعلم عدم الحرمة أبدا فيمن عقد على بكر ذات بعل جاهلا ثم دخل بها بعد الطلاق، نحو ما سمعته فيمن عقد على ذات العدة ثم دخل بها بعد الخروج عن العدة، بل لعل الحكم كذلك فيمن عقد على ذات بعل ثم دخل بها في عدتها بائنا، أو عقد على ذات عدة ثم دخل بها بعد أن صارت ذات بعل اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن الذي هو غير الفرض، نعم لا يبعد الحرمة أبدا على من عقد على ذات بعل ثم دخل بها في عدتها الرجعية منه بناء على أنها بحكم الزوجة على وجه يشمل الفرض، نعم لا يلحق بالعدة مدة استبراء الأمة في الشراء و نحوه و إن كانت هي بمعناها، بل الحكمة فيهما متحدة، إلا أن المنساق من لفظ العدة غيرها، و الحكم مخالف للأصول، أما إذا كانت معتدة لطلاق أو وفاة فلا ريب


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 436

في تناول الأدلة لها.

إنما الإشكال في نكاح الامرأة في المدة قبل العدة، كما لو تزوج امرأة بعد وفاة زوجها المجهولة لها أو لهما قبل العدة، و الأقرب كما في القواعد و المسالك و غيرهما عدم التحريم المؤبد، لعدم كونها ذات بعل و معتدة واقعا، ضرورة عدم الاعتداد عليها قبل العلم بالوفاة، و الأصل الحل، لكن لا يستلزم ذلك جواز الاقدام عليها، و لا صحة العقد عليها، للاكتفاء في عدم جواز ذلك استحقاق العدة عليها للزوج في نفس الأمر، فلا يؤثر العقد عليها في نفس الأمر و إن استمر جهلها حتى تخرج من عدته و لم يبق له تعلق بها أصلا، ضرورة معلومية عدم الزوجين في آن واحد للمرأة، كما أومأ إليه ثم في خبر الجهالة(1)بالاعتداد، بل ربما احتمل لذلك نشر الحرمة أبدا، بل قيل: إنه أولى، لكونه في زمان أقرب الى الزوجية، بل هي في ظاهر الشرع زوجة، بل هي داخلة في عموم موثق زرارة(2)عن الباقر عليه السلام المتقدم آنفا، إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا دعوى الاندراج في الموثق المزبور الذي بان فيه أن الزوج حي، فالأقوى حينئذ عدم التحريم.

بل لعل الأقوى أيضا عدم إلحاق مدة المسترابة التي قد جاءها الدم في أثنائها و انتقلت الى الاعتداد عن الطلاق البائن بالاقراء بالعدة، ضرورة ظهور الحال في كونها في هذه المدة ليست ذات بعل و لا ذات عدة، و الحكم بأن تلك المدة من العدة إنما كان في الظاهر، و قد انكشف فساده، فلا تحرم حينئذ مؤبدا بالعقد عليها مع عدم الدخول، و لا به مع الدخول مع الجهل، و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد و شارحاها من دون ترجيح، و ليس الوطء بملك اليمين في العدة بل و لا بالتحليل بناء على كونه إباحة من النكاح فيها، و إن استشكل فيه المحقق الثاني و لم يرجح، لكن وجه الترجيح فيه واضح، ضرورة عدم

الاندراج في الأدلة، و الحكم مخالف للأصول و القياس محرم عندنا.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 17.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 437

[المسألة الثانية إذا تزوج في العدة و دخل فحملت و كان جاهلا لحق به الولد]

المسألة الثانية إذا تزوج في العدة و دخل فحملت و كان جاهلا لحق به الولد قطعا إن جاءت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدة الحمل منذ دخل بها و أقصى مدة الحمل من وطء الأول، إذ هو من وطء الشبهة الملحق بالصحيح بالنسبة الى ذلك نصا(1)و فتوى، أما إذا جاءت به لدون الستة أشهر من وطئه و لها فصاعدا من وطء الأول، كان للأول قطعا، كالقطع بخروجه عنهما لو جاءت به لأقصى مدة الحمل لهما، و لو جاءت به في المدة المشتركة ففيه البحث السابق من الحكم به للأول أو الثاني أو القرعة، لكن أطلق هنا و في القواعد أنه للثاني من غير اشارة للخلاف، و الظاهر أن ذلك منهما اتكال على ما تقدم، فان احتمال الخصوصية لهذه المسألة من بين أفراد وطء الشبهة واضح الضعف، و مرسلة جميل (2)و غيرها مما أطلق فيها الحكم هنا بأن الولد للثاني إذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا إلى أقصى مدة الحمل من أدلة القول به في جميع أفراد الشبهة، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم.

و على كل حال يفرق بينهما لما عرفته و يلزمه المسمى لها أو مهر المثل على الخلاف

السابق، و إن كان قد يشعر بالأول هنا خبر أبى بصير(3)و خبر سليمان بن خالد(4)لكن يمكن إرادة الجنس من المهر فيهما لا العهد، لما قدمناه سابقا، كما أنه يمكن القول بوجوب المسمى في خصوص هذا الفرد من الشبهة و تتم العدة للأول محتسبة أيام وطء الثاني منها و تستأنف عدة أخرى للثاني وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل يمكن دعوى الإجماع عليه، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، للصحيح(5)


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 14.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ج 29، ص: 438

و الموثق (1)السابقين و غيرهما مضافا الى قاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب.

و قيل و القائل الصدوق فيما حكي من مقنعه و ابن الجنيد تجزئ عدة واحدة ل موثق زرارة(2)السابق و

صحيحه الآخر(3)عن أبي جعفر عليه السلام «في امرأة تزوجت قبل أن تنقضي عدتها، قال: يفرق بينهما و تعتد عدة واحدة عنهما جميعا»

إلا أنهما قاصران عن معارضة النصوص السابقة من وجوه، منها الشهرة و الاعتضاد بالقاعدة و الإجماع و غير ذلك، فوجب طرحهما أو حملهما على عدم دخول الثاني، فيكون نسبة العدة إليهما لأدنى ملابسة أو يراد بالواحدة الاتحاد في المقدار مع فرض العدة الأولى عدة طلاق، أو

غير ذلك من المحامل التي هي و إن كانت بعيدة إلا أنها خير من الطرح.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أن لها مهرها على الأول لتحقق موجبه، و تزوجها في عدته لا يقدح في استحقاقه، للأصل و إطلاق الأدلة، بل قد عرفت وجوب مهر المثل أو المسمى مع ذلك على الأخير إن دخل بها و كانت جاهلة بالتحريم أو أنها في عدة و مع علمها بالتحريم ف لا مهر لها ضرورة كونها حينئذ بغيا، و لا مهر لبغي، كما أنه لا شي ء لها عليه مع الجهل و عدم الدخول، لظهور فساد العقد و عدم استحلال فرجها، و ما عن بعض الشواذ من الأخبار(4)من أن لها نصف المهر حينئذ مرفوض عند الطائفة، و الله العالم.

بقي في أصل المسألة شي ء و هو أن المراد بالنكاح في العدة المحرم أبدا ما إذا كان بنفسه أو بوكيله على ذلك و إن كان الوكالة فاسدة إلا أنه يصدق عليه بذلك أنه نكح في العدة، أما إذا كان قد عقد وكيله على مطلق النكاح فلا حرمة بمجرد العقد و إن علم الوكيل، بل لو وكله على ذلك بالخصوص و كان الوكيل عالما دونه لم تحرم بمجرد العقد، و لو كان العاقد الولي للطفل مع العلم لم يؤثر


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 21.

ج 29، ص: 439

في الحرمة و كذا المجنون، بل و إن دخل على إشكال، و لو عقدها الفضولي عن أحدهما فأجازت هي أو أجاز في العدة فالظاهر الحرمة

مع العلم أيضا، و كذا لو عقدها الفضوليان عنهما فأجازا في العدة، بل لو تأخرت الإجازة عن العدة أمكن الحرمة أيضا بناء على الكشف، لصدق النكاح الصحيح الذي لو لا كونه في العدة لأثر، و يحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، و الله العالم.

[المسألة الثالثة من زنى بامرأة خلية عن زوج لم يحرم عليه نكاحها]

المسألة الثالثة من زنى بامرأة خلية عن زوج لم يحرم عليه نكاحها و إن لم تتب وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل في محكي الخلاف الإجماع عليه للعمومات التي منها

«إن الحرام لا يحرم الحلال»(1)

و خصوص

صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «أيما رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها حلالا، قال: أوله سفاح و آخره نكاح، و مثله مثل النخلة أصاب الرجل من ثمرها حراما ثم اشتراها بعد فكانت له حلالا»

و خبر أبي بصير(3)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له أن يتزوجها، فقال: حلال، أوله سفاح و آخره نكاح، أوله حرام و آخره حلال»

وخبر زرارة(4)عن أبي جعفر عليه السلام «لا بأس إذا زنى رجل بامرأة أن يتزوج بها بعد،

فضرب مثل ذلك مثل رجل سرق ثمرة نخلة ثم اشتراها بعد»

وخبر هاشم ابن المثنى (5)قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا فدخل عليه رجل فسأله عن الرجل يأتي المرأة حراما أ يتزوجها؟ قال: نعم، و أمها و ابنتها»

خلافا للشيخين و جماعة، بل في محكي الغنية الإجماع عليه، فاشترطوا التوبة لظاهر الآية(6)مضافا إلى إطلاق غيرها مما تسمعه من النصوص (7)الواردة في المشهورة


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7 راجع التعليقة في الصفحة 371 الرقم 4. و هناك هشام بن المثنى- المصحح.
6- 6 سورة النور: 24- الآية 5.
7- 7 الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

ج 29، ص: 440

و غيرها و

خبر أبي بصير(1)«سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد أن يتزوجها، فقال: إذا تابت حل له نكاحها، قلت: كيف يعرف توبتها، قال: يدعوها إلى ما كان عليه من الحرام، فان امتنعت فاستغفرت ربها عرف توبتها»

وخبر إسحاق (2)ابن جرير عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له: «الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء فرجها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها، و إنما يجوز له أن يتزوجها بعد أن يقف على توبتها»

والموثق (3)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن الرجل يحل له أن يتزوج امرأة كان يفجر بها، فقال: إن أنس منها رشدا فنعم، و إلا فليراودها على الحرام، فان تابعته فهي عليه حرام، و إن أبت فليتزوجها»

و خبر محمد(4)عنه عليه السلام أيضا أو عن أبي جعفر عليه السلام «لو أن رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شي ء من ذلك»

و لا يعارضها النصوص السابقة بعد أن كانت مطلقة و هذه مقيدة معتضدة بظاهر الكتاب و إجماع ابن زهرة، فتحمل عليها كالعمومات.

و فيه أنها قاصرة عن ذلك بالشهرة على خلافها، و بموافقتها لابن حنبل و قتادة، و الآية- مع أن الظاهر إرادة المشهورة بالزنا منها كما تسمع التصريح به في النصوص- إنما يراد بها الإخبار على قياس قوله تعالى (5):

«الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ. وَ الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ» خصوصا ما ورد أن الخبث هو الزنا الخبيث هو الزاني، و إجماع ابن زهرة إنما هو على أصل الحل في مقابل ما يحكى عن البصري من الحرمة مطلقا، فالمتجه حمل هذه النصوص على التقية أو الكراهة.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 5.
5- 5 سورة النور: 24- الآية 26.

ج 29، ص: 441

و منه يعلم عدم الحرمة على غيره بطريق أولى، خلافا لما عساه يظهر من إطلاق المحكي

عن الصدوق في المقنع و أبي الصلاح، للآية(1)أيضا على أن

زرارة قد روى (2)عن أبى جعفر عليه السلام «سأل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها، فإذا النساء تنبئ عليها بالفجور، فقال: لا بأس أن يتزوجها و يحصنها»

و قال علي ابن يقطين (3)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: نساء أهل المدينة، قال: فواسق، قلت: فأتزوج منهن، قال: نعم»

و قال زرارة(4)أيضا: «سأله عمار و أنا حاضر عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة، قال: لا بأس، و إن كان التزويج الآخر فليحصن بابه»

و قال علي بن رئاب (5)في المروي عنه صحيحا في المحكي عن قرب الاسناد:

«سألت أبا عبد الله عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم، قال: نعم، و ما يمنعه و لكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد»

إلى غير ذلك مما لا معارض له إلا دعوى دلالة الآية على ذلك بناء على إرادة النهي من الخبر فيها، لمعلومية كذبه، تعالى الله عن ذلك.

و فيها- مضافا إلى ما عن بعضهم من أن المراد منها المشهورة بالزنا كما يشهد به بعض النصوص الآتية، و إلى ظهورها في الحرمة

على غير الزاني، و المطلوب الحرمة عليه و على غيره- أن إرادة التحريم منها يقتضي أن يباح للمسلم الزاني نكاح المشركة، و للمسلمة، الزانية نكاح المشرك، و لا ريب في بطلانه، للإجماع على أن التكافؤ في الإسلام شرط في النكاح، بل مقتضاها عدم جواز مناكحة الزاني إلا إذا كانت الزوجة زانية، و المعروف من مذهب الأصحاب جوازها على كراهة، فإنهم حكموا بكراهة تزويج الفاسق مطلقا، من غير فرق بين الزاني و غيره، نعم


1- 1 سورة النور: 24- الآية 5.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و فيه « فإذا الثناء عليها في شي ء من الفجور».
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 6.

ج 29، ص: 442

صرحوا بشدتها في شارب الخمر منه، و لو كان تزويج الزاني محرما لاستثني من ذلك.

فالظاهر أن الآية خبر أريد به الإخبار دون النهي، و المعنى أن الزاني أي الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته، و إنما يميل إلى خبيثة من شكله أو مشركة تقرب منه في الخباثة، و الزانية أي الفاسقة المسافحة لا يرغب في نكاحها الصالحون من الرجال، و إنما يميل إلى نكاحها من هو مثلها في الفسق أو مشرك يقرب منها في الخبث، فإن المشاكلة علة النظام و الألفة، و المخالفة سبب الافتراق و النفرة، و يصير المعنى في الآية نحو قوله تعالى «الْخَبِيثاتُ» إلى آخرها، و المقصود بيان المناسبة و المشاكلة الداعيين، إلى الألفة و المواصلة، و انما قرن الزنا بالشرك تشديدا لأمر الزنا و تغليظا لحرمته، حتى أنه لا يشبهه شي ء من المعاصي سوى الشرك، أو لأن الزاني يسلب عنه الايمان حين ما يزني، لإطاعته الهوى و إشراكه في العبادة، و لذا

قال عليه السلام (1)«لا يزني الزاني و هو مؤمن»

أو لأن المشرك لا يمتنع من الزنا و لا يبالي منه، إذ لا يعتقد تحريمه كالزاني، فكأنه قيل: إن الزانية لا يميل إليها إلا من لم يعتقد حرمة الزنا كالمشرك، أو يعتقد و لا يجري على مقتضي اعتقاده كالزاني، و حيث كان المراد بما في صدرها ذلك لزم أن يكون المراد من التحريم في آخرها الإخبار عن حال المؤمنين بامتناعهم عما يرتكبه غيرهم من المشركين و فساق المسلمين من الميل إلى الزواني و عدم المبالاة من نكاحهن، إلا لا مناسبة ظاهرة بين نهي المؤمنين و الإخبار عن عدم امتناع الفساق عنها حتى يجمع بينهما بالوصف، بخلاف الأخبار، فإن المناسبة المحسنة للتعاطف بينهما ظاهرة لا تخفى.

على أن إرادة النهي انما يصح لو جعل ذلك إشارة إلى نكاح الزانية خاصة، و هو و إن كان أقرب بحسب اللفظ إلا أن الأنسب جعله إشارة إليه و إلى إنكاح


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب النكاح المحرم- الحديث 24.

ج 29، ص: 443

الزاني، و إنكاحه على اعتبار التغليب في المؤمنين، و مراعاة جانب المعنى حيث يصح معه اللفظ أهم في إنظاره البلغاء من جانب اللفظ، و حينئذ فلا يصح إرادة النهي لما

عرفت من جواز تزويج الزاني على كراهة إلا أن يحمل على ما هو أعم من التنزيه مجازا، و ذلك يقتضي سقوط الاحتجاج، إذ لا حصر في المجاز، و يشهد لذلك تخصيص المؤمنين بالحكم، فان الوجه فيه ظاهر على الاخبار بخلاف النهي، فإنه يعم المؤمنين و غيرهم من المشركين و فساق المسلمين، لأن الكفار معاقبون بالفروع عندنا، فالتعميم حينئذ أنسب.

هذا كله مع أنه قيل كما عن سعيد بن المسيب أن الآية منسوخة بآية «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى»(1)إلى آخرها و إن كان فيه التخصيص أولى من النسخ، و قيل أيضا: إن النكاح فيها بمعنى الوطء كما عن سعيد بن جبير و الضحاك بن مزاحم، و ربما اعترض عليه بأن المعنى يؤول حينئذ إلى نهي الزاني عن الزنا إلا بزانية، و الزانية أن يزني بها إلا زان، و هو معلوم الفساد، لكن قد يدفع بمنع كون المعنى كذلك، بل هو كما روى عن ابن عباس أنه إن جامعها مستحلا فهو مشرك، و إلا فهو زان، و كذا الزاني و لا فساد فيه، نعم الانصاف و التأمل الجيد يقضيان بعدم إرادة النهي على وجه يفيد الخصم، بل هو إن كان فهو على ضرب من التنزيه مستفاد من الاخبار.

و كذا الكلام لو كانت مشهورة بالزنا و إن استفاضت النصوص في تفسير الآية بها، ففي خبري زرارة(2)و الكناني (3)و اللفظ للأول

«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى الزَّانِي- إلى آخرها- قال: هن نساء مشهورات بالزنا، و رجال مشهورون بالزنا، شهروا به و عرفوا به، و الناس اليوم بذلك المنزل فمن أقيم عليه حد الزنا أو شهر بالزنا لم ينبغ لأحد أن يناكحه حتى يعرف


1- 1 سورة النور: 24- الآية 32.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.

ج 29، ص: 444

منه توبة»

وخبر محمد(1)عن أبي جعفر عليه السلام «في قول الله عز و جل الزَّانِي- إلى آخرها- و هم رجال و نساء كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم مشهورين بالزنا، فنهى الله عز و جل عن أولئك الرجال و النساء، و الناس اليوم على تلك المنزلة، من شهر بشي ء من ذلك أو أقيم عليه حد فلا تزوجوه حتى يعرف توبته»

وخبر حكم بن حكيم (2)فيها أيضا عن أبى عبد الله عليه السلام «إنما ذلك في الجهر، ثم قال: لو أن إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث يشاء»

مضافا إلى

خبر الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا «لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا، و لا يزوج الرجل المعلن بالزنا إلا أن يعرف منهما التوبة»

إلا أن الجميع مراد منه ضرب من التنزيه، خصوصا بعد عدم معروفية القائل في تخصيص الحرمة بالمشهورة خاصة، و منه يعلم حينئذ هجر ظاهر هذه الأخبار المقتضي لوجوب حمله على ما عرفت، و لرجحان ما يقتضي الحل مما سمعته من النصوص و غيرها عليها من وجوه.

و كذا الكلام لو زنت امرأته و هي في حباله، فإنه لا يجب عليه طلاقها و لا تحرم بذلك عليه و إن أصرت على الأصح للأصل و العمومات و غيرها مما عرفت مضافا إلى

خبر عباد بن صهيب (4)عن جعفر بن محمد عليهما السلام «لا بأس أن يمسك الرجل امرأته إن رآها تزني، و إن لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شي ء»

بل عن المبسوط الإجماع على بقاء زوجيتها إلا من الحسن البصري، نعم لا ريب في أولوية رفع اليد عنها تخلصا من العار و من اختلاط المياه و غير ذلك مما يدنس العرض، خصوصا إذا كان ذلك منها قبل الدخول، نحو ما ورد في أنه ينبغي للمرأة أيضا التخلص من الزوج إذا زنى خصوصا قبل الدخول بها، ف

في خبر طلحة بن زيد(5)


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و تمامه في الكافي ج 5 ص 355.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.

ج 29، ص: 445

عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام «قرأت في كتاب علي عليه السلام إن الرجل إذا تزوج

المرأة فزنى قبل أن يدخل بها لم تحل له، لأنه زان، و يفرق بينهما، و يعطيها نصف الصداق»

و في خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها، فزنى ما عليه؟ قال: يجلد الحد، و يحلق رأسه، و يفرق بينه و بين أهله، و بنفي سنة»

وخبر الفضل بن يونس (2)«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن رجل تزوج امرأة فلم يدخل بها فزنت، قال: يفرق بينهما، و تحد الحد، و لا صداق لها»

وخبر السكوني (3)عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها الرجل: يفرق بينهما، و لا صداق لها، إن الحدث كان من قبلها»

إلى غير ذلك مما هو محمول على ضرب من الندب و نحوه، لإعراض الطائفة عن العمل بمضمونها.

فما عن المفيد و سلار من تحريم الامرأة و لو المدخول بها بزناها مصرة عليه لا دليل عليه سوى الآية(4)التي قد عرفت الكلام فيها، على أن استدامة النكاح ليس نكاحا، و في كشف اللثام «و إن حمل النكاح فيها على الوطء لم يفد المدعى إلا أن يراد وطء غير الزاني، و يكون عدم التوبة إصرارا على أن المفيد قد صرح بوجوب المفارقة، لحرمة نكاحها على غيره

أيضا عنده» و سوى الاحتراز عن اختلاط مائه بماء الزنا، و لذا ورد(5)

في الأخبار أن «من أراد التزويج بمن فجر بها استبرأ رحمها من ماء الفجور»

، لكنه كما ترى لا يفيد الدعوى، و سوى ما عن بعضهم من الاستدلال بحفظ النسب، و فيه أنه لا نسب للزاني، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب حد الزنا الحديث 8 من كتاب الحدود.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب حد الزنا الحديث 9 من كتاب الحدود و أشار إليه في الباب- 6- من أبواب العيوب و التدليس الحديث 3.
4- 4 سورة النور: 24- الآية 3.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

ج 29، ص: 446

و لو زنى بذات بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه أبدا في قول مشهور بل لا أجد فيه خلافا كما عن جماعة الاعتراف به، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب عدا المصنف هنا، بل في الانتصار الإجماع عليه في ذات العدة، بل عن الغنية و الحلي و فخر المحققين الإجماع عليه مطلقا، و في محكي

الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام (1)«و من زنى بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها و أراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا»

و في الرياض عن بعض متأخري الأصحاب أنه قال:

«روي أن من زنى بامرأة لها بعل أو في عدة رجعية حرمت عليه، و لم تحل له أبدا»

قال: و هو ينادي بوجود الرواية فيه بخصوصه، كما هو ظاهر الانتصار و جماعة، هذا. مضافا إلى ما قيل من أولوية ذلك من العقد عليها مع عدم الدخول في حال العلم، و من العقد عليها مع الدخول في حال الجهل.

لكن الإنصاف أن العمدة في ذلك الإجماع، و لا فرق في إطلاق معقده بين المدخول بها و غيرها، و بين العالمة و الجاهلة بل و بين علم الزاني بأنها ذات بعل أو جهله، و لا بين الدائم و المنقطع، نعم لا يلحق بها الأمة المستفرشة، لعدم الصدق بل و لا المحللة، فتبقيان على العمومات.

و لو كانت هي الزانية دونه لعلمها بأنها ذات بعل دونه ففي الحرمة أبدا إشكال و إن كان ظاهر العبارات عدم شموله، لكن يمكن استفادته من حكم العقد على ذات البعل، بناء على الأولوية المزبورة، و إن حكمها الحرمة أبدا مع علمها دونه بمجرد العقد، كذات العدة التي منها الرجعية، و هي فيها زوجته كما أومأنا إليه سابقا فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع.

و كيف كان فلا يلحق الزنا بذات العدة البائنة و عدة الوفاة بذات البعل، و لا الموطوءة شبهة و لا الموطوءة بالملك، للأصل و العمومات السالمة عن المعارض هنا و لذا لم نجد فيه خلافا، لكن في الرياض فيه نظر، لجريان الأولوية الواضحة


1- 1 المستدرك الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 8.

ج 29، ص: 447

الدلالة في ذات العدة المزبورة، لبناء ما عرفت من الحرمة بالعقد عليها مع العلم، و مع الدخول في حال الجهل، و فيه منع الأولوية المفيدة كما هو واضح، و الله العالم.

[المسألة الرابعة من فجر بغلام فأوقبه حرم أبدا على الواطئ العقد على أم الموطوء و أخته و بنته]

المسألة الرابعة من فجر بغلام فأوقبه حرم أبدا على الواطئ العقد على أم الموطوء و أخته و بنته بلا خلاف أجده بل عن الانتصار و الخلاف و غيرهما الإجماع عليه، بل هو في أعلى درجات الاستفاضة و التواتر، و هو الحجة بعد المعتبرة، ك

صحيح ابن أبي عمير عن رجل (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يعبث بالغلام، قال: إذا أوقب حرمت عليه ابنته و أخته»

وخبر اليماني (2)عنه أيضا «في الرجل لعب بغلام هل تحل له أمه؟ فقال: إن كان ثقب فلا»

وخبر حماد بن عثمان (3)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «رجل أتى غلاما أ تحل له أخته؟ قال: فقال: إن كان ثقب فلا»

إلى غير ذلك من النصوص، نعم المنساق منها الغلام الحي، فيبقى غيره على عمومات الحل لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك و من الإطلاق، بل في جامع المقاصد لم يبعد التحريم، و لا ريب في ضعفه.

كما أن ما فيها أيضا- من عدم الفرق في الموطوء بين الغلام و الرجل، بل هو من معقد إطباق الأصحاب في جامع المقاصد، بل في الروضة الإجماع عليه- لا يخلو من إشكال إن لم يتم الإجماع المزبور بعد حرمة القياس و عدم القطع بالمساواة، اللهم إلا أن يقال: إن اسم الغلام مما يقع على حديث العهد بالبلوغ، و لا قائل بالفصل بينه و بين من زاد عن ذلك، و فيه عدم معلومية أن لا قائل بالفصل بعد أن كان المعلق في الفتوى كالنص الغلام الذي لا يشمل الكهل و الشيخ قطعا، و كذا الكلام فيما إذا كان الواطئ الغلام، لا لعدم تكليفه، فان الحكم الوضعي يشمل المكلف و غيره، بل لأن عنوان الحكم فيما عثرنا عليه من النصوص وطء الرجل للغلام،


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 4.

ج 29، ص: 448

خلافا لثاني المحققين، فجعل التحريم أقوى، لعدم الفرق في حكم المصاهرة بين البالغ و غيره، و صدق عنوان الحكم عليه بعد البلوغ، فيقال: إنه رجل أوقب و إن كان إيقابه سابقا، و التحريم في النص خارج مخرج الغالب، و الجميع كما ترى.

نعم الظاهر إلحاق الرضاع بالنسب هنا، لعموم يحرم منه ما يحرم منه (1)كما أنه لا يبعد وفاقا للفاضل و غيره تعدية الحكم إلى الجدات و إن علون و بنات الأولاد و إن نزلن دون بنت الأخت، هذا.

و في القواعد «و لو أوقب خنثى مشكل أو أوقب فالأقرب عدم التحريم» و لعله للأصل مع الشك في السبب، و ربما نوقش بأنه إن كان مفعولا و كان الإيقاب بإدخال تمام الحشفة حرمت الام و البنت على واطئة بناء على نشر الزنا الحرمة، و إن كان فاعلا فالنساء جميعها حرام عليه، كما أنه هو حرام على الرجال، و قد يدفع- بعد تسليم شمول الأم التي تحرم ابنتها بالزنا بها له بالنسبة إلى ما يلده- بأن المراد نفي الحرمة من حيث الإيقاب الذي ستعرف عدم اعتبار دخول تمام الحشفة فيه، لا من حيث الزنا، و لا من حيث الشك في ذكورته و أنوثته، على أن كلامهم في باب إرث الخنثى المشكل إذا كان زوجا أو زوجة يقضي بجوازه، و أيضا فالذي يحرم بالإيقاب ما يتولد منه لا ما يلده، و في الزنا ما يلده، فاختلف موجبهما.

و على كل حال فلا يحرم على المفعول به بسببه شي ء، لكن قيل: أنه حكى الشيخ عن بعض الأصحاب التحريم عليه أيضا، و لعله لاحتمال الضمير في الاخبار الكل من الفاعل و المفعول، و لذا كان التجنب أحوط، و فيه أن المحدث عنه فيها «الرجل» على أن الظاهر عدم جواز مثل ذلك لغة إلا على ضرب من المجاز المقطوع بعدمه هنا، كما هو واضح.

هذا كله فيما إذا كان الإيقاب سابقا و حينئذ ف لا تحرم إحداهن لو كان عقدها سابقا للأصل و عدم تحريم الحرام الحلال (2)لكن

في مرسل ابن


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب ما يحرم بالرضاع.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12.

ج 29، ص: 449

أبي عمير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يأتي أخا امرأته، فقال: إذا أوقبه فقد حرمت عليه الامرأة»

و عن ابن أبى سعيد في الجامع العمل به، و هو أحوط كما أن الأحوط عدم تجديد العقد لو طلق مثلا بعد الإيقاب، بل مال بعض الأفاضل إلى عدم الجواز، لكن يقوى الجواز للاستصحاب الذي لا يقدح في جريانه انقطاع ذلك النكاح بالطلاق، و كذا لا يحرم ما دون الإيقاب، للأصل و تعليق الحرمة عليه، و المراد به إدخال بعض الحشفة، لأنه لغة إدخال القضيب، فيصدق بمسماه بخلاف الغسل المعلق نصا(2)و فتوى على غيبوبة الحشفة التي هي معنى التقاء الختانين، لكن الانصاف انسياق ما يحصل به حرمة المصاهرة في غير المقام مما علق على الدخول و الوطء و نحوهما من الإيقاب، فإن ثبت إجماع على نشره الحرمة و إن لم يحصل ذلك كان متبعا، و إلا كان للتوقف فيه مجال.

و لا يحرم غير الثلاثة فلا بأس بنكاح ولد الواطئ ابنة الموطوء أو أخته أو امه بلا خلاف أجده فيه، لكن

في مرسل موسى بن سعدان (3)ما ينافي ذلك، قال:

«كنت عند أبى عبد الله عليه السلام فأتاه رجل، فقال له: جعلت فداك ما ترى في شابين كانا

مضطجعين فولد لهذا غلام و الآخر جارية أ يتزوج ابن هذا ابنة هذا؟ قال:

نعم، سبحان الله لم لا يحل؟ فقال: إنه كان صديقا له، فقال: و إن كان فلا بأس، قال:

إنه كان يكون بينهما ما يكون بين الشباب، قال: لا بأس، فقال: إنه كان يفعل به، قال. فأعرض بوجهه، ثم أجابه و هو مستتر بذراعه، فقال: إن كان الذي كان منه دون الإيقاب فلا بأس أن يتزوج، و إن كان قد أوقب فلا يحل له أن يتزوج»

إلا أنى لم أجد به قائلا، مع أنه فاقد لشرائط الحجية، فلا بأس بحمله على الكراهة، و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الجنابة الحديث 2 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 3 و فيه« مصطحبين» إلا ان الموجود في الكافي ج 5 ص 417 كالجواهر.

ج 29، ص: 450

[المسألة الخامسة إذا عقد المحرم على امرأة عالما بالحرمة حرمت عليه أبدا]

المسألة الخامسة إذا عقد المحرم لحج أو عمرة عنه أو عن غيره فرض أو نفل على امرأة عالما بالحرمة حرمت عليه أبدا و إن لم يدخل بها إجماعا بقسميه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر، و هو الحجة مضافا الى

خبر زرارة و داود بن سرحان (1)عن أبى عبد الله عليه السلام، و خبر أديم بياع الهروي (2)عنه عليه السلام أيضا إنه قال:

«و المحرم إذا تزوج و هو يعلم أنه حرام عليه لم تحل له أبدا».

و لو كان جاهلا فسد عقده إجماعا و نصوصا و لكن لم تحرم عليه مع عدم الدخول على المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلا من المرتضى و سلار، فحرماها كما في صورة العلم، لإطلاق

خبر أديم بن الحر الخزاعي (3)عن الصادق عليه السلام «إن المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما، و لا يتعاودان أبدا»

و خبر الحكم بن عيينة(4)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن محرم تزوج امرأة في عدتها، قال: يفرق بينهما و لا تحل له أبدا»

و خبر إبراهيم بن الحسن (5)عن أبى عبد الله عليه السلام «إن المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما، ثم لا يتعاودان أبدا»

لكن مع ضعف الجميع و عدم الجابر مطلقة يجب تقييدها بمفهوم الخبرين الأولين المعتضد بالعمومات، و ب

خبر محمد بن قيس (6)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحل، فقضى أن يخلي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل، فإذا أحل خطبها إن شاء، فان شاء أهلها زوجوه، و إن شاؤوا


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 15.
5- 5 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 من كتاب الحج.
6- 6 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 من كتاب الحج « قضى أمير المؤمنين في رجل. إلخ».

ج 29، ص: 451

لم يزوجوه».

بل الظاهر عدم الحرمة و إن دخل، للأصل، و عموم الأدلة، و إطلاق المفهوم، و الإجماع المحكي عن المنتهى و التذكرة، خلافا للمحكي عن الخلاف و الكافي و الغنية و السرائر و الوسيلة، فحرموها بالدخول أبدا، كذات العدة، بل عن الأول الإجماع عليه، و إن كنا لم نتحققه على ما نحن فيه، و على تقديره فهو موهون بما سمعت من دعوى الفاضل الإجماع المعتضد بالأصل و غيره، و القياس على ذات العدة غير جائز عندنا، و إطلاق الأخبار السابقة بعد تقييدها بمفهوم الخبرين غير صالح للاستدلال به، نعم قد يستفاد مما في الفقيه وجود خبر دال، حيث

قال: قال يعني أبا عبد الله عليه السلام (1): «إن تزوج امرأة في إحرامه فرق بينهما، و لم تحل له أبدا»

و في رواية سماعة(2)«لها المهر إن كان دخل بها»

لكن مثل ذلك غير كاف في مثل هذا الحكم، هذا.

و قد صرح غير واحد بعدم الفرق في الحكم المزبور بين وقوع العقد في أثناء الإحرام الصحيح أو بعد إفساده، و لعله لمعاملته معاملة الصحيح في جميع أحكامه، و كذا لا فرق بين العقد الدائم و المنقطع، نعم في محكي

التحرير «الظاهر أن مراد علمائنا بالعقد في المحرم و ذات العدة إنما هو العقد الصحيح الذي لو لا المانع لترتب عليه أثره» و فيه أن لفظ التزويج و النكاح للأعم، مع أنك قد سمعت خبر الحكم المشتمل على التزويج في العدة، و هو فاسد مع قطع النظر عن الإحرام، نعم قد يقال:

إن المنساق من نصوص المقام و فتاواه العقد الصحيح في نفسه خصوصا خبر ابن قيس، فلا عبرة بالفاسد كنكاح الشغار، بل و لا بالفاسد لفقد شرط من شرائط الصحة، كالعربية و نحوها، بخلاف ما كان فساده بالعدة و البعل و نحوهما مما هو كالإحرام في الإفساد، فتأمل.

و لا تحرم الزوجة بوطئها في الإحرام مطلقا مع العلم بالتحريم و الجهل، للأصل


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 من كتاب الحج.

ج 29، ص: 452

من غير معارض، و عموم عدم تحريم الحرام الحلال (1)و محكي الإجماع.

بل صرح غير واحد بعدم الحرمة إن عقد عليها و هي محرمة، و هو محل للأصل خلافا للخلاف، فحرمها أيضا مستدلا عليه بالإجماع و الاحتياط و الأخبار، و رده في الرياض بأن الأخبار لم نقف عليها، و دعوى الوفاق غير واضحة، و الاحتياط ليس بحجة.

قلت: يمكن إثباته بقاعدة الاشتراك، أو بإرادة الجنس من الألف و اللام في بعض النصوص السابقة و نحو ذلك، اللهم إلا أن يدفع الأول

بأن الاشتراك في المعنى الصالح وقوعه منهما و الفرض أن النصوص دلت على تزويج المحرم بمعنى اتخاذه زوجة، و هو معنى يخص الرجال، فلا تشمله قاعدة الاشتراك، و الثاني بأن الجنسية مع فرض إرادتها يراد منها الجنس في معنى اللفظ، و الفرض أن المحرم خاص بالذكر فيكون الجنس في ذلك.

و في الجميع نظر أما الأول فلا ريب في تناول القاعدة إياه بعد معلومية كون ذلك من أحكام الإحرام المفروض اشتراكه بين الرجال و النساء، فكل حكم يثبت فيه للرجال يثبت للنساء إلا ما خرج، فإذا ثبت حرمة التزويج لهم ثبت حرمة التزويج لهن، و إن اختلف معنى التزويج لكل منهما باتحاد الزوجة و الزوج، و من هنا لم يتوقف أحد في إثبات غير هذا الحكم من جهة التزويج و التوليد منه و نحو ذلك للنساء، و أما الثاني فالمراد جنسية المحرم بمعنى الشخص المتصف بالإحرام الذي لا ريب في شموله للمذكر و المؤنث كما هو واضح، و من ذلك كله يقوى اتحاد المحرمة و المحرم في الحكم المزبور، نحو التزويج في العدة و نكاح ذات البعل، بل و الزنا فيها كما عرفته سابقا، بل لا إشكال عندهم في الأولين في عدم الفرق في الحرمة أبدا بين نكاح الرجل ذات العدة و بين نكاحها هي، و إن اختلفا في أولية الحرمة أبدا من العالم القادم و تبعية الأخر له فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، و لعله لذا نفى الخلاف بعض أفاضل العصر عن كون إحرامها كاحرامه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 11 و 12.

ج 29، ص: 453

هنا، و ظاهره المفروغية من المسألة، و لعلها كذلك، و الله العالم.

[المسألة السادسة لا تحل ذات البعل لغيره إلا بعد مفارقته و انقضاء العدة]

المسألة السادسة لا تحل ذات البعل لغيره إجماعا أو ضرورة إلا بعد مفارقته و انقضاء العدة إن كانت ذات عدة و لعل من ذلك العقد متعة على الامرأة و لو في وقت انقضاء أجل الأول و عدته، بل لعل منه تحليل الأمة، حال كونها محللة لشخص و لو بعد انتهاء مدة الأول و عدته، و يأتي إن شاء الله تمام الكلام في ذلك.

انتهى الجزء التاسع و العشرون، و تم تصحيحه و تهذيبه بيد العبد- السيد إبراهيم الميانجى- عفى عنه و عن والديه، و لله الحمد أولا و آخرا، و يليه إن شاء الله تعالى الجزء الثلاثون و اوله:

(السبب الرابع) استدراك جاء في ص 123 س 15 نقلا عن كنز العرفان «الأول أن الله عز و جل إذا خير» و هو كذلك في النسخة الأصلية، إلا أن الموجود في المطبوع من كنز العرفان «الأول أن الرجل إذا خير».

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.