جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد28

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج28، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

اشارة

ج28، ص: 2

ج28، ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

[كتاب الوقوف و الصدقات ]

اشارة

كتاب الوقوف و الصدقات

[أما الوقف ]

اشارة

و تمام النظر فيه يحصل في العقد، و الشرائط، و اللواحق

[النظر الأول في العقد]

الأول: الوقف عقد ثمرته تحبيس الأصل و إطلاق المنفعة كما في القواعد و التنقيح و إيضاح النافع و الكفاية على ما حكى عن بعضها بل و في النافع و اللمعة أيضا لكن ترك ذكر العقد، كما هو المحكي عن المبسوط، و فقه القرآن للراوندي و الوسيلة و السرائر و الجامع و المهذب البارع، و مجمع البرهان إلا أنه تبديل الإطلاق بالتسبيل كما

في النبوي (1)«حبس الأصل و سبل المنفعة»

إلا ان المتأخرين أبدلوه بالإطلاق لما قيل من أنه أظهر في المراد من التسبيل الذي هو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرف كيف شاء كغيره من الأملاك، لكن في الصحاح سبل فلان ضيعته أى جعلها في سبيل الله تعالى، و من هنا كان التعبير بالتسبيل أولى، بناء على ارادة ذلك من الإطلاق القابل للتحبيس كما هو مقتضى ابداله بذلك في المتن و غيره لإشعاره باعتبار القربة حينئذ و أنه من الصدقات، كما في النهاية و محكي المراسم أن الوقف و الصدقة شي ء واحد و لعله لذا عرفه في الدروس بأنه الصدقة الجارية، بل في المسالك و محكي التذكرة و المهذب البارع و التنقيح «قال العلماء: المراد بالصدقة الجارية الوقف».

و على كل حال فقد ذكرنا غير مرة أن المقصود من أمثال هذه التعاريف التمييز في الجملة، فلا ينبغي نقض تعريف المصنف بالسكنى و أختيها، و الحبس، و تعريف الدروس بنذر الصدقة و الوصية و لا الجواب عن الأول بإرادة الحبس على الدوام، و كان الاختلاف في ذكر العقد.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 511 لكن فيه « و سبل الثمرة».

ج 28، ص: 4

و عدمه على نحو ما سمعته في البيع و نحوه من أنها اسم للعقود، أو للمعنى الحاصل منها، و إن لم نقل بمشروعية المعاطاة فيه، أو لما تسمعه من الخلاف باعتبار القبول فيه و عدمه، المقتضى للاختلاف في عقد أولا كما ستسمع.

و كيف كان ف اللفظ الصريح فيه وقفت بلا خلاف كما في المسالك، و محكي التذكرة و جامع المقاصد، بل في محكي السرائر و التحرير و التنقيح و إيضاح النافع الإجماع على صراحتها فيه.

نعم عن الشافعي في بعض أقواله أنها كناية عن الوقف، و عن الفاضل في التذكرة أنه من أغرب الأشياء، و نفى الغرابة عنه بعض متأخري المتأخرين باستعمال لفظ الوقف في مجرد الحبس و السكنى و الرقبى و العمرى، في صحيح ابن مهزيار(1)، و الصفار(2)و فيه أن الاستعمال مجازا لا ينافي الصراحة المراد منها وضع اللفظ لذلك كما هو واضح.

نعم الظاهر أنها الصريحة أما و في بعض اللغات الشاذة أوقفت، و لا بأس بالعقد بها على شذوذها أما لفظ حرمت و تصدقت فلا خلاف في عدم صراحتهما فيه كما اعترف به غير واحد بل حكى الإجماع في المسالك، و محكي التنقيح فلا يحمل على الوقف إلا مع القرينة لاحتمالهما مع الانفراد عن قرينة حال أو مقال غير الوقف لاشتراكهما بينه و بين غيره.

و لكن لو نوى بذلك الوقف من دون القرينة دين بنيته كما عن الخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر و غيرها من كتب المتأخرين، بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به بعض مشايخنا، بل و لا في أنه يدان بنيته إن لم يقصد الوقف بما هو صريح فيه إذا لم يكن له معارض، لكن قد يشكل الأول بعدم الاجتزاء بمثل ذلك في غيره من العقود اللازمة، بل المشهور فيما بينهم عدم انعقادها بالمجازات، و إن كان

خلاف المختار إلا أنه على كل حال لا بد من اعتبار الدال على القصد في حصول أصل العقد، لا الحكم به، لأنه المتيقن من السببية و إن لم


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الوقوف- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الوقوف- الحديث- 2.

ج 28، ص: 5

نجد في المقام دليلا مخصوصا، و دعوى- أن هذا العقد ليس من الخطاب الذي يراد به إفهام الغير حتى يعتبر فيه ذكر القرينة- تستلزم الاكتفاء بذلك في غيره من العقود، فلا حظ و تأمل.

و على كل حال فالمراد من الإدانة بنيته هو إيكاله إلى دينه و قصده فيما بينه و بين ربه، فيعامل كلا منهما معاملة حاله في الواقع مع فرض عدم المعارض.

نعم لو أقر أنه قصد ذلك أى الوقف بالكناية حكم عليه بظاهر الإقرار في الظاهر فيكون كالصريح حينئذ من هذه الجهة، و أن بقي حكم الإدانة بحاله في الواقع أيضا، هذا.

و في محكي التذكرة إذا أتى بالكناية فالمقترن الزائد عليه إما لفظ أو نية، فاللفظ أن يقرن إليه صدقة موقوفة أو محبسة إلى أن قال: و أما النية فينظر إن أضاف اللفظ إلى جهة عامة كأن قال: تصدقت بهذا على المساكين بنية الوقف، فالأقرب إلحاقه بالصحيح، و إن أضافه إلى معين، فقال: تصدقت عليكم أو عليك لم يكن وقفا على الأقوى و في المسالك و غيرها أن الفرق غير واضح، إلا أنه لم يحك عن التذكرة كما حكيناه، و قد يقال: إن مراده من عدم الحكم بوقفه و إن نواه لعدم ما يقتضي التأييد.

ثم إنه قد يظهر من عبارة المصنف و ما شابهها أن اللفظين صيغة واحدة للوقف باعتبار إفراد الضمير الراجع إليهما و لعله لذا قال في الدروس، ان ظاهر الأصحاب يدل على أنهما صيغة واحدة، فلا تغني الثانية عن الأولى، و تغني الأولى مع القرينة و لو قال: جعلته وقفا أو صدقة مؤيدة محرمة كفى لكن في المسالك «أن ما ادعاه من الظاهر غير ظاهر».

قلت: قد عرفت الإشعار في المتن و ما شابهه، نعم قد يناقش- فيما ذكر من الفرق بين الأولى و الثانية- بأنه لا دليل عليه، بل في محكي التذكرة «و أما حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها، أود أرى محرمة أو مؤبدة، فالأقرب أنها كناية عن الوقف، فإن انضم إليها قرينة تدل على الوقف صارت كالصريح، و إلا فلا، و كذا عن غيرها.

نعم حكى فيها عن أظهر وجهي الشافعية المنع في حرمت و أبدت لعدم استعمالهما مستقلين،

ج 28، ص: 6

و إنما يؤكد بهما غيرهما، و أما ما ذكره أخيرا فلا أجد فيه خلافا.

نعم في المسالك بعد أن استحسنه قال: إلا أن فيه خروجا عن صيغة الوقف المنقولة، و ظاهرهم عدم المسامحة في مثل ذلك، و إن كان الأقوى الاكتفاء في كل لفظ يدل على المطلوب صريحا.

قلت: هو كذلك في غير المقام، أما فيه فمساحتهم فيه في غاية الظهور، نعم هو ليس صريحا في الاصطلاح الذي هو وضع اللفظ لخصوص المعنى.

و لو قال حبست أو سبلت قيل: يصير وقفا و أن تجرد ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(1)«و حبس الأصل و سبل الثمرة

فيكون صريحا في الوقف كما عن الخلاف و الغنية و الجامع و التذكرة و الكيدري، بل في الأول الإجماع عليه و قيل لا يكون وقفا إلا مع القرينة كما عن الأكثر لعدم الوضح له و الاستعمال أعم إذ ليس ذلك عرفا مستقرا بحيث يفهم (عند) الإطلاق لا أقل من الشك و الأصل بقاء الملك، و لا ريب في أن هذا أشبه بأصالة عدم النقل و الانتقال، و عدم ترتب أثر الوقف و أحكامه، خصوصا مع معلومية اشتراك كل منهما معنى بين الوقف و غيره، و الخبر إنما يدل على حصول الوقف بهما معا، لا بكل واحد منهما، فيكون صريحا في عدم صراحتهما التي هي بمعنى وضع اللفظ للوقف الذي معناه مركب من معناهما، كما هو واضح بأدنى تأمل. هذا بل هما معا لا يقومان مقام وقفت في الصراحة، لاشتراكهما بين الوقف و بين الحبس، بل لعلهما في الثاني أظهر، و ربما توهم من عدم تعرض المصنف للقبول، عدم اعتباره فيه، و كذا غيره.

و لكن فيه أنه يمكن اكتفاء المصنف عنه بذكر كونه عقدا، و من المعلوم اعتباره في معناه، و عدم ذكره بالخصوص لعدم النزاع في خصوص ألفاظ له، إذ هو ما يدل على قبول ذلك الإيجاب، و لذا ترك ذكره المصنف فيما تقدم

من بعض العقود الجائزة المعلوم اعتباره فيه، على أنه سيأتي له التصريح بعدم اعتباره في خصوص ما إذا كان على جهة عامة، و هو كالصريح


1- 1 المستدرك ج 2 ص 511.

ج 28، ص: 7

في اعتباره فيه في غيرها، و نحوه غيره ممن ذكره في قسم العقود، بل في جامع المقاصد و المسالك إطباق الأصحاب على أنه من قسمها مؤيدا ذلك كله بمعلومية عدم دخول عين أو منفعة بسبب اختياري ابتداء في ملك الغير من دون قبول، مع أنه لو كان لاتجه كونه حينئذ من قسم الإيقاع، فلا يبطله الرد، و هو مناف لما صرح به جماعة من البطلان به، و إن لم نقل باشتراط القبول، بل عن ظاهر الإيضاح و جامع المقاصد أنه لا خلاف فيه بيننا، و أن المخالف فيه إنما هو بعض الشافعية و حينئذ فعدم اشتراطه فيه مطلقا- كما عساه يتوهم من عدم ذكر جماعة له في غير محله.

نعم قد صرح المصنف و من تأخر عنه كالفاضل و الشهيدين و غيرهم بعدم الحاجة إليه في الوقف على الجهات العامة، لعدم القابل للقبول فيها، و لما عساه يظهر من المحكي من صدقات أمير المؤمنين (عليه السلام) و الزهراء (عليها السلام) و الصادق (عليه السلام)(1)المشتملة على ذكر إنشاء الإيجاب بدون قبول، و لأن الأصل عدم اشتراطه بعدم تناول المطلقات للمجرد عنه، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الأول الصحة بلا قبول، بل بعد فرض الدليل على اعتباره، يتجه عدم

الصحة فيها حينئذ، على أن قبول الولي العام كالحاكم أو منصوبه ممكن، بل ربما يستفاد من بعض الأدلة الآتية في القبض الاكتفاء بقبول من يجعله فيما لها، و لو نفسه كالقبض و لعله على ذلك ينزل ما وقع من صدقاتهم بناء على أنها من الوقف، لا قسم مستقل برأسه، يثبت مشروعيته من هذه الروايات، لخلوها عن التصريح بكونه وقفا، و لا بعد في دعوى مشروعية مثل هذا التسبيل بهذه النصوص، و إن لم أجد من احتمله.

و أما الأصل فيقتضي اعتباره، لا عدمه، لما سمعت من أن مقتضاه عدم ترتب الأثر، و المطلقات لا تتناوله، بعد فرض الشك في معناه، و أنه من قسم العقود المعتبر فيها المعنى الارتباطي بين اثنين أولا، بل من ذلك ينقدح قوة اعتباره مطلقا على نحو غيره من العقود، حتى في الفورية و العربية و غيرهما، ضرورة ظهور النصوص أجمع في كونه قسما واحدا، و قد عرفت المفروغية من اعتبار القبول فيه في الجملة، إذ القول بعدم اعتباره مطلقا و أنه فلك ملك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ج 28، ص: 8

كالتحرير في غاية السقوط، بل لم نعرفه قولا لأحد من المعتبرين و إنما يذكر احتمالا، و تهجسا، فالوحدة المزبورة حينئذ تقتضي اعتباره أيضا حتى في الجهات العامة، بعد فرض مشروعيته فيها، على نحو فرض مشروعية غيره من العقود فيها، من الصدقة و غيرها، و إلا كان للوقف معنيان أحدهما عقدي، و الآخر إيقاعي، و هو مناف للوحدة المزبورة، كما هو واضح و نافع و موافق للذوق السليم.

نعم قد يقال: إن الأصل يقتضي عدم اعتبار القربة في صحته، و إن كان هو خيرة الفاضل في القواعد، للأصل بعد اندراج فاقدها بناء على ما ذكرناه في العقود المأمور بالوفاء بها، و في نحو قوله

(1)«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها»

وقوله (صلى الله عليه و آله)(2)«حبس الأصل و سبل الثمرة»

و نحوها، و إطلاق الصدقة عليه في كثير من النصوص- بل لم يذكر فيما ورد مما أوقفوه (عليهم السلام) الا بلفظ الصدقة، و من المعلوم اعتبار القربة فيها خصوصا بعد

الصحيحين (3)«لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه الله عز و جل»

بل هو دال عليه في الفرض، بناء على إرادة الوقف منه أو ما يشمله، و ارادة نفي الصحة فيه كما هو الأقرب للحقيقة لا الكمال، بل لو سلم إطلاقها عليه من باب المجاز فهو من التشبيه البليغ أو الاستعارة المقتضيين للمشاركة في الأحكام الظاهرة التي لا شك في كون القربة منها، مؤيدا ذلك كله بما صرح به في وقوفهم من وقوع ذلك منهم ابتغاء وجه الله- لا يقتضي ذلك، ضرورة عدم اقتضاء شي ء من ذلك أن الوقف جميعه من الصدقة، بل أقصاه أن منه ما يكون كذلك، و هو ما قصد به وجه الله تعالى،

و هو الذي وقع منهم (عليهم السلام) و لذا اتبعوه بذلك، و لا دلالة فيه على اعتبارها في صحته على وجه، بحيث لو وقف على ولده و نحوهم من دون ملاحظة القربة يكون باطلا، مع أن مقتضى ما سمعته من الإطلاقات صحته، و ما من الغنية و السرائر من الإجماع على ذلك لم نتحققه، لخلو كثير من عبارات الأصحاب المشتملة على بيان شرائطه عنه.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 511.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 2- 3.

ج 28، ص: 9

نعم قد يقال: باستفادة رجحانه في نفسه عند الشارع على نحو رجحان النكاح و هو غير اعتبار النية فيه على وجه يلحقه بالعبادات، على بحث يأتي فيه، أنه هل هو اسم للصحيح منه أو للأعم، و أن القربة في الصيغة، أو في القبض و الإقباض و غير ذلك مما لا يخفى على الفقيه بأدنى ملاحظة القطع بعدمه، خصوصا بعد معلومية عدم اعتبار ما يعتبر في الصدقة في الموقوف عليه من فقر و نحوه، بل ستسمع إن شاء الله تصريحهم بجوازه على الكافر، و بصحة وقف الذمي على البيع و الكنائس، و منه و من العامي المعلوم عدم صحة عباداتهما لفقد الايمان، و لعله لذا و غيره اعترف غير واحد من المحققين هنا بعدم الدليل على الاشتراط هنا، و في الأول أي القبول بأن الأولى اعتباره حتى في الجهات العامة لما ظهر من ذلك، فتأمل جيدا فإن كثيرا من الكلمات هنا غير نقية بل ظاهرة في التشويش من أهلها، و الله العالم.

و كيف كان ف لا يلزم عقد الوقف إلا بالإقباض الذي هو القبض بالاذن فلكل منهما حينئذ فسخه قبله، و هذا لا ينافي كونه مع ذلك من شرائط الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر من ملك الموقوف عليه المنفعة و غيره كما سيصرح به المصنف و غيره، بل فرعوا عليه البطلان بموت الواقف قبله و غيره، ضرورة كون المراد هنا بيان عدم اللزوم قبله كما عن بعض العامة أو بيان أن وقوع العقد لا يقتضي وجوب الإقباض الذي هو من شرائط الصحة، و إن توهم من نظير المقام جمعا بين قوله تعالى (1)«أَوْفُوا» و ما دل على اعتباره في الصحة التي هي بمعنى ترتب الملك و نحوه إذ هو- مع أنه مناف لأصالة البراءة و غيرها- لا يوافق ما دل هنا على اعتباره مما هو كالصريح بل صريح في الاذن بالفسخ قبل حصوله، و أنه لا إثم عليه.

قال صفوان في الصحيح (2): «سألت عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا؟ فقال: إن كان وقفها لولده و لغيرهم، ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع، و إن كانوا صغارا، و قد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها، و إن كانوا كبارا و لم يسلمها إليهم، و لم يخاصموا حتى يحوزونها عنه، فله أن يرجع فيها، لأنهم لا يجوزونها عنه، و قد بلغوا».


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوقوف الحديث- 2 و 8.

ج 28، ص: 10

و

عن الأسدي فيما ورد عليه من جواب مسائله عن العمرى (1)عن صاحب الزمان روحي له الفداء «و أما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا و ما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه ما لم يسلم، فصاحبه فيه بالخيار، و كل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه، احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه «إلى أن قال»: و أما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لنا حياتنا ضيعة و يسلمها من قيم يقوم فيها و يعمرها و يؤدى من دخلها خراجها و مؤنتها، و يجعل ما بقي لنا من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها إنما لا يجوز ذلك لغيره»

لكن كما هما ترى غير صريحين، بل و لا ظاهرين في اشتراطه في الصحة بمعنى ترتب الأثر الذي هو الملك و نحوه ضرورة انطباق ما فيهما على كونه شرطا في اللزوم، و تظهر الثمرة في النماء المتخلل بينهما.

لكن في جامع المقاصد و المسالك نفى الخلاف من كونه شرطا فيها مكررا، بل فيها الإجماع على ذلك، و إن كان قد يناقش بما قد يظهر من الغنية من كونه شرطا في اللزوم حيث أنه بعد أن ذكر شرائط الصحة، قال: «فأما قبض الموقوف عليه أو من يقوم مقامه في ذلك فشرط في اللزوم» بل لعله صريحها بعد التأمل في جميع كلامه، و حينئذ يكون هو معقد إجماعها، بل لعله ظاهر اللمعة أيضا حيث ذكر أولا أنه لا يلزم بدون القبض بإذن الواقف، فلو مات قبله بطل، إلى أن قال، و شرطه التنجيز و الدوام، إذ من المحتمل بل الظاهر كونه من العقود الجائزة فيلحقه حكمها من البطلان

بالموت، و لو للنصوص الدالة على ذلك في الصدقة بناء على إرادة الوقف منها، أو ما نعم عبارة المصنف و ما شابهها محتملة لإرادة الصحة بقرينة تصريحه بعدم ذلك بكونه من شرائطها أو من شرائطه الظاهر في أرادتها أيضا، و احتمال العكس بعيد و لإرادة ما ذكرناه أو لبيان أنه متى كان شرطا في الصحة كان شرطا في اللزوم، أما من لم يكن له إلا التعبير بكونه شرطا في اللزوم، فلا ريب في ظهوره بترتب الصحة قبله كالمحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر، بل عن الأخيرين الإجماع عليه مضافا إلى إجماع الغنية، و بذلك يظهر أن في المسألة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوقوف الحديث 2، 8.

ج 28، ص: 11

قولين، بل عن الوسيلة أنه جعل التسليم شرطا في الصحة، إلا إذا جعل ولاية الوقف لنفسه مدة حياته.

و عن كافي أبي الصلاح «إذا تصدق على أحد الوجوه المذكورة، و أشهد على نفسه بذلك، و مات قبل التسليم، فان كانت الصدقة على مسجد أو مصلحة فهي ماضية، و إن كانت على من يصح قبضه، أو وليه، فهي وصية يحكم فيها بأحكام الوصايا» و عن سلار في المراسم عدم ذكره من الشروط أصلا، و بذلك كله يظهر لك ما في المسالك و الرياض و غيرهما من المفروغية عن اشتراطه فيها حتى فيما حكوه عن التنقيح من الإجماع على ذلك، مع أن التأمل في كلامه يقتضي إرادة دعواه على اعتباره في الجملة لأنه بعد ذلك بلا فاصلة معتد بها حكى الخلاف فيه، بل قد يقال: باقتضاء القواعد كونه شرطا فيه لا فيها، جمعا بين ما يدل عليها بدونه من الإطلاقات، و آية «أَوْفُوا» و غيرها و بين الخبرين السابقين.

و أما النصوص المتضمنة لبطلان الصدقة بالموت قبل القبض، فمع أن الاستدلال مبني على ارادة الوقف منها أو ما يشمله، لا تدل على اشتراطه في الصحة، و إن ذكره غير واحد، إذ من الممكن ما سمعت من كونه عقدا جائزا ينفسخ بالموت و مثله و لو لهذه النصوص، و الخروج عن ذلك في الصدقة غير الوقف لدليل لا يقتضي الخروج عنه في الوقف أيضا، و مع الإغضاء عن ذلك كله فالمتجه كونه شرطا كاشفا لا جزء سبب، كما حرره في المسالك، و تبعه غيره، لما عرفت من وجود مقتضى الصحة فلا وجه حينئذ لجعل الثمرة في النماء المتخلل، فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه إذا تم الوقف بجميع شرائطه المعتبرة فيه كان لازما، لا يجوز الرجوع فيه، إذا وقع في زمان الصحة بل الإجماع بقسميه عليه عندنا، بل هو كالضروري من مذهبنا، خلافا لأبي حنيفة، فجوز للواقف الرجوع به بل لورثته، إلا أن يرضوا به بعد موته، فيلزم، أو يحكم به حاكم، مع أن تلميذه أبا يوسف لما قدم إلى بغداد كان على قوله، و لكن حدثه إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن ابن عوف عن ابن عمر خلافه، فقال هذا لا يسع احد خلافه، و لو تناهى الى أبي حنيفة لقال

ج 28، ص: 12

به، مع أن المحكي عن أبي حنيفة أنه قال: إن أوصى بالوقف لزم في الثلث، و في الخلاف، تناقض، لأنه جعله لازما في ثلثه في مرضه المخوف، و لم يجعله إذ أنجزه لازما في جميع ما له في حال صحته، و إن كان قد يفرق بينهما، بعد تسليم ارادة لزوم الوقف منه، هذا.

و لكن للمفيد في المقنعة ما ينافي بظاهره لما ذكرنا قال: «الوقوف في الأصل صدقات لا يجوز الرجوع فيها إلا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم، و القرب إلى الله سبحانه و تعالى بصلتهم أو يكون تغير الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله، و إذا أخرج الواقف الوقف عن يده إلى من وقفه عليه لم يجز له الرجوع في شي ء منه، و لا يغير شرائطه و لا نقله من وجوهه و سبله» و عن ابن إدريس انه أطال في رده، و يمكن أن يكون ذلك منه بناء على اعتبار بقاء صلاحية الموضوع للتقريب في الموقوف، فيكون انتفاء الوصف المزبور حينئذ مقتضيا لانتفاء الموقوف عليه المقتضى لبطلان الوقف بناء على مختاره من عدم اعتبار التأييد فيه، و الأمر سهل بعد وضوح الحال، و الله العالم.

هذا كله لو وقف في زمان الصحة أما لو وقف في مرض الموت فإن أجازه الورثة نفذ من الأصل و إلا اعتبر من الثلث لكونه حينئذ ك باقي منجزاته من الهبة و المحاباة في البيع و نحوهما و قيل يمضى من أصل التركة و لا ريب في أن الأول أشبه كما أوضحنا ذلك مفصلا في كتاب الحجر و كتاب الوصايا و حينئذ ف لو وقف و وهب و أعتق و باع فحابى و لم يجز الورثة، فإن خرج ذلك من الثلث، صح و إن عجز بدئ بالأول فالأول لأنه هو السابق في التعلق حتى يستوفى قدر الثلث ثم يبطل ما زاد خلافا للمحكي عن الفاضل في المختلف فبسط الثلث على الجميع فارقا بين المنجزات و الوصايا، و ضعفه واضح.

و هكذا لو أوصى بوصايا، و لو جهل المتقدم قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة، لكن فيما إذا أوصى يقسم على الجميع بالحصص (11) لعدم الترجيح بعد قيام احتمال التقدم المعلوم كونه في أحدها في كل منها، و بذلك يكون الفرض كالمنجزات التي لم يعلم التقدم في أحدها المحكوم فيها بالاقتران لأصالة عدم تقدم كل منها على الآخر، كما هو قضية

ج 28، ص: 13

كل حادث اشتبه سبقه بالآخر و تأخره عنه و لكن فيه ما لا يخفى عليك في المقيس، و المقيس عليه، ضرورة كون المتجه في الأول القرعة، و لذا قال المصنف و لو اعتبر ذلك بالقرعة كان حسنا (1)

- «لأنها لكل أمر مشتبه (1)»

و لا ريب في أن الفرض منه، بل لعل الأمر كذلك في المقيس عليه أيضا إذا فرض عنوان الحكم في الشرع السبق و الاقتران، و لم يعلم

أحدهما، إذ الأصل لا يشخص الثاني الذي هو من الحوادث، و الأصل عدمه فليس إلا القرعة.

نعم لو قلنا أن العنوان في الشرع السبق خاصة كما هو الظاهر فمع عدم العلم يبقى الحكم على مقتضى إطلاق الوصية الذي هو التعلق بالجميع فمع القصور يتجه التقسيم حينئذ بالحصص، لا القرعة كما سلف لنا غير مرة في نظائر المقام، بل قد ذكرنا جملة من ذلك في هذه المسألة في كتاب الوصايا فلا حظ و تأمل.

ثم أنه لا يخفى عليك أنه ليس في الشرع اعتبار كيفية خاصة للقرعة بالنسبة إلى التعدد و الاتحاد، فله حينئذ تعددها في الثلاثة التي في المتن مثلا، مع فرض جهل الحال فيها على وجه لم يعلم أنها مرتبة كلا أو بعضا أو لا، فيقرع أولا لبيان اقترانها على السواء، أو ترتبها كذلك، أو الاقتران في بعض و الترتب في آخر، فإذا خرج أحدهما أقرع لتعرف احتمالاته خاصة إن كانت.

و له أن يقرع قرعة واحدة بثلاثة عشر ورقة على عدد الاحتمالات فيها، و هي ترتيبها مع سبق الوقف ثم العتق ثم البيع، أو مع تقدم البيع على العتق، و سبق العتق ثم الوقف ثم البيع، أو مع تقدم البيع و سبق البيع مع الصورتين، فهذه ست.

و مقارنة اثنين منها و هي ست أيضا، اقتران العتق و الوقف سابقين، و تأخر البيع و لاحقين له، و تقارن الوقف و البيع سابقين و تأخر العتق و لاحقين له، و اقتران العتق و البيع سابقين و تأخر الوقف و لاحقين له و اقتران الثلاثة.

و له القرعة بكتابة سبع رقاع في أحدها الوقف و في الثانية العتق، و في الثالثة البيع، و في الرابعة الوقف و العتق، و في الخامسة الوقف و البيع، و في السادسة العتق و البيع، و في السابعة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 11 و 18. و فيها « كل مجهول ففيه القرعة».

ج 28، ص: 14

اجتماع الثلاثة، ثم يخرج واحدة، فإن ظهرت بأحد المنفردين قدم، و أخرج أخرى، فإن ظهر منفرد آخر أو مجتمع مع غيره و الثلاثة أطرحتا و أخرج غيرها كما ذكر، و أن ظهر أولا رقعة الثلاثة أفاد الاجتماع، أو رقعة اثنين جمع بينهما سابقا و حكم بتأخر الثالث و بالجملة، فالمدار على كتبه رقاع تصح على جميع الاحتمالات، و الله العالم.

و إذا وقف شاة كان صوفها الذي على ظهرها و لبنها الموجود في ضرعها داخلا في ما اقتضاه الوقف من تسبيل الثمرة ما لم يستثنه نظر إلى العرف كما لو باعها بلا خلاف أجده بين من تعرض له من الفاضل، و الشهيدين و الكركي و غيرهم، بخلاف الحمل، بل و بخلاف ثمرة النخل و الشجر و نحوهما، فإنه لا عرف يقتضي ذلك إلا أن الانصاف عدم خلوه من الأشكال بحسب ما نجده الآن، بل قد يشك في أصل الحكم حتى مع التصريح بناء على عدم اقتضاء عقد الوقف تمليك نفس الثمرة و إنما اقتضاؤه ذلك بإدخال العين الموقوفة في ملك الموقوف عليه، فتكون الثمرة نماء ملكه المحبوس عليه بالمنع من التصرف فيه ببيع و نحوه بخلاف الثمرة، و من المعلوم أن ذلك إنما يكون في النماء المتجدد دون ما حصل من النماء الذي هو ملك الواقف فإنه لا يتصور تملكه من حيث التبعية المزبورة كما هو واضح، و دعوى قابلية عقد الوقف لنقلها باعتبار كونها ثمرة تقتضي قابليته لها على جهة التسبيل حتى مع الانفصال و هو محل تأمل، إلا أن ظاهر من تعرض المفروغية من قابليته لذلك كاقتضائه دخول باقي المنافع المتجددة في ملك الموقوف عليه كالصوف و اللبن المتجددين، و عوض البعض، و اجرة الدابة و العبد و نحوها، بل و النتاج المتجدد، كما نص عليه الفاضل في القواعد و محكي التذكرة و إن كان لا يخلو من نظر تقدم في نظائره في كتاب البيع.

و أما أغصان الشجر الذي هو كالثمر فيها نحو شجر الخلاف فهو أيضا ملك للموقوف عليه لأنه من المنافع، بل لا يبعد دخول ما جرت العادة بقطعه كل سنة مما فيه إصلاح الشجر و الثمرة من تهذيب الأغصان، و ما يقطع من أغصان شجر العنب في الثمار كما لا يبعد كونه من أجزاء الموقوف في حال، و من المنافع في حال آخر، مثل أطراف النخل حال كونها رطبة و يابسة، و الله العالم.

بقي الكلام في فروخ الأشجار المتجددة بعد الوقف، و لا يبعد أن تكون من نماء الوقف و من

ج 28، ص: 15

فوائده إن كانت متولدة منها نفسها و إلا فهي لمن يجوزها أو لمن كان بذرها له هذا.

و عن التذكرة اشتراط دخول اللبن المتجدد في منافع الموقوف على وجه يدخل في ملك الموقوف عليه بما إذا لم تكن العين موقوفة على جهة خاصة لا يدخل فيها نحو ذلك كما إذا وقف بقرة للحرث، فان الدرع يكون للواقف، و مرجعه الى جواز الوقف في بعض المنافع دون بعض و لنا فيه نظر يأتي إن شاء الله تعالى.

[النظر الثاني في الشرائط]
اشارة

النظر الثاني: في الشرائط و هي أربعة أقسام:

[القسم الأول في شرائط الموقوف ]

القسم الأول: في شرائط الموقوف و هي أربعة الأول أن تكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها، و يصح إقباضها، فلا يصح وقف ما ليس بعين كالدين معجلة و مؤجلة على الموسر و المعسر و كذا الكلي كما لو قال: وقفت فرسا أو ناضحا أو دارا و لم يعين و إن وصفها بأوصاف معلومة، بل و كذا المنفعة، لأن العين تطلق في مقابل الثلاثة التي لا يصح وقف شي ء منها للشك في تناول أدلة الوقف لذلك، و لاتفاق الأصحاب ظاهرا، و لأن المستفاد من

قوله (1)(صلى الله عليه و آله) «حبس الأصل و سبل الثمرة»

و ما وقع من وقوفهم، اعتبار فعليه التهيؤ للمنفعة في الأصل الذي يراد حبسه، و لا ريب في انعدام التهيؤ فعلا للكلي المسلم فيه مثلا، و لذا لا تصح إجارته و لا غير الإجارة

مما يقع على المنفعة، لعدم ملكها لمن يملكه.

نعم يصح بيعه و الصلح عليه و غيرهما مما يقتضي نقله نفسه، بل وهبته إن لم يدل دليل على اعتبار الشخصية فيها، و تهيؤه بعد القبض لا يقتضي ذلك قبله الذي هو مورد العقد في الفرض.

و أما وقف كلى موصوف في الذمة على نحو إجارته الذي أشار إليه المصنف بقوله «و كذا»


1- 1 المستدرك ج 2 ص 11 د.

ج 28، ص: 16

إلى آخره فيمنعه أولا: عدم صلاحية عقد الوقف لإثبات نحو ذلك في الذمم، كغيره من عقد الهبة و الصدقة و نحوهما مما هو ليس عقد معاوضة، بل هو غير مملوك. و ثانيا: عدم تحقق الحبس و التسبيل فعلا و تأخره إلى التعيين مناف لاعتبار تنجيزه، و مقارنة الأثر لسببه، و بذلك افترق عن الإجارة المقتضية لملك دابة موصوفة عليه فعلا، و تأخر تعينها للوفاء لا ينافي ذلك، كما لا ينافي ذلك ملك عين الكلي في ذمته، كل ذلك، مضافا إلى ما في جامع المقاصد، من دعوى الاتفاق على ما في القواعد من عدم صحة وقف الدين و المطلق كفرس غير معين و عبد في الذمة و ملك مطلق، قال: و المراد بالأخير أن يقف ملكا من الأملاك أيها كان و لا يشخصه، و يجوز أن يراد به أن يقول وقفت ملكا و يقتصر على ذلك».

قلت: قد يشك في عدم صحة وقف عبد من عبيده المعينين على وجه يكون الموقوف فيها واحدا منهم بخصوصه و شخصه على البدل على نحو مذهب الإمامية في الواجب المخير، و يتعين حينئذ بالقرعة، أو بتعيين الواقف، أو يكون الموقوف عبدا منها الصادق على كل منها، بل لعل هذا هو المتيقن في الفرض على تقدير الصحة، ضرورة عدم وقف كل منها بالخصوص على البدل، و إن جاز ذلك في الواجب المحير لغة و عرفا على وجه لا يحتاج إلى تعيين من الأمر و لا قرعة، بخلافه في المقام المفروض فيه كون أحدهما، لا كل منهما، و في محكي التذكرة عن الشافعية في أحد الوجهين صحته كصحة عتق أحد العبدين، و ربما يشعر به اقتصار المصنف الأولين في التفريع على العين، اللهم إلا أن يريد بقرينة قوله و لم يعين خصوص المفروض أو الأعم منه، و في مفتاح الكرامة «قل من تعرض لعدم الصحة في ذلك، و أول من تعرض له الفاضل في التذكرة» لكن في الرياض عن الغنية الإجماع على عدم الصحة في المنفعة و الدين و المبهم، و إن كنا لم نتحققه، و إنما الموجود فيها و في المحكي عن السرائر الإجماع على كونه معلوما مقدورا على تسليمه مع بقاء عينه في يد الموقوف عليه، مع أنه يمكن إرادة إخراج نحو وقفت شيئا من أملاكي، و بطلانه حينئذ للإبهام المحض الذي يشك معه في صلاحية كونه موردا للعقد ان لم يظن العدم، و لعله المراد من الملك المطلق في القواعد كما سمعته من جامع المقاصد في تفسيرها بل لعله المراد من اعتبار العلم فيما حكيناه عن الغنية و السرائر، ضرورة ارادة

ج 28، ص: 17

إخراج فاقده أصلا و هو المبهم المحض و بالجملة إن لم يكن إجماعا فالقول بالصحة لا يخلو من وجه خصوصا على المختار عندنا من صحة وقف المشاع المنافي لدعوى التشخيص، و لتحقق الحبس و التسبيل فعلا في أحدهما كالوصية به لشخص و الجهل بعينه لا يقدح بعد عدم اعتبار المعلومية فيه كالبيع و الإجارة، فتأمل جيدا فإنه قد تكون المسألة مبنية على جواز ملك الكلي في الخارج بدون الإشاعة بناء على أن الموقوف ملك للموقوف عليه، و قد تقدم الكلام فيها في كتاب البيع و غيره، و الله العالم.

و أما عدم صحة وقف المنفعة فلعدم تصور الحبس فيها، ضرورة كونها مبنية على الاستيفاء شيئا فشيئا، و دعوى- عدم اعتبار أصل التحبيس في الوقف، بل يكفى فيه تسبيل المنفعة كما عن أبي الصلاح- يدفعها ظهور النص و الفتوى بخلافه بل يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على ذلك، نعم نحو ذلك يشرع في السكنى و الرقبى و العمرى، و هي غير الوقف كما هو واضح.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف بيننا في أنه يصح وقف العقار و الثياب و الأثاث و الآلات المباحة و نحو ذلك مما ضابطه كلما يصح الانتفاع به منفعة محللة مع بقاء عينه لا كمنفعة أعيان الملاهي و نحوها، و لا ما لا منفعة له أصلا، أو لا منفعة له إلا بإتلاف عينه، كالطعام و الشمع و نحوهما، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، لإطلاق الأدلة و خصوصها في بعض.

نعم عن أبي حنيفة عدم جوازه في الحيوانات و الكتب، بل عن مالك في مطلق المنقول، و عن أبي يوسف عدم جوازه إلا في الأرض و الدور، و الكراع، و السلاح، و الغلمان تبعا للضيعة، إلا أنها كما ترى مخالفة للنصوص من طرقنا، و طرقها عموما و خصوصا، و الإجماع و السيرة المستمرة في وقف الحصير و القناديل و الزوالى و نحوها.

ج 28، ص: 18

لكن هل يعتبر طول زمان المنفعة أولا؟ ظاهر الأكثر كما اعترف به في الروضة و النصوص الثاني، فيصح حينئذ وقف ريحانة يسرع فسادها، و ربما احتمل الأول، بل هو ظاهر جماعة و صريح محكي التذكرة و التحرير، لدعوى الانسباق الممنوعة على مدعيها، و للمنافاة للتأبيد المراد من الوقوف الذي يدفعها معلومية عدم إرادة أزيد من عمر العين منه، و إلا لم يصح وقف أبدا، لعدم عين عمرها الأبد كما هو واضح.

و كذا لا يعتبر فعلية النفع، بل يكفي تأهله، فيصح وقف الفلو و الجحش، و العبد الصغار، بلا خلاف أجده، لإطلاق الأدلة أيضا و كذا يصح وقف الكلب المملوك ككلب الصيد و الماشية و الزرع و الحائط بناء على ملكيتها و السنور و غيرها من الحيوانات التي تدخل تحت الملك، و لها منافع مقصودة محللة، لحصول مقتضى الصحة حينئذ من ملك الأصل و لإمكان الانتفاع به المحلل مع بقاء العين.

نعم لو قلنا بعدم ملكها و أن لصاحبها حق الاختصاص، و لكن له الانتفاع بها اتجه حينئذ عدم صحة وقفها، بناء على اعتبار ملك الأصل، بل لعل قوله حبس الأصل و سبل الثمرة يشمله، إذ لا دلالة في الأصل على اعتبار كونه مملوكا و هو واضح، نعم لا يصح وقف الخنزير، لأنه لا يملكه المسلم و كذا غيره من كلب الهراش، و نحوه مما لا يدخل تحت يد المسلم على وجه يملك منفعته بلا خلاف أجده فيه، أما الكافر فالأقرب صحة وقفه له على مثله، كما في القواعد و غيرها، بناء على صحة الوقف منه لمعاملته معاملة الملك في حقه، و المراد بصحة الإقباض في المتن القدرة على تسليمه أو ما يشملها، و لذا قال و لا وقف الآبق لتعذر التسليم مفرعا له على ذلك، و هو جيد فيما يرجع منه إلى السفه، كالطير في الهواء و السمك في الماء، أما إذا لم يكن كذلك فلا دليل على عدم جوازه، لإطلاق الأدلة التي ليس في شي ء منها ما يقتضي مقارنة إمكان القبض للعقد في الصحة، بناء على اعتبارها فيها، بخلاف البيع المعتبر فيه، عدم الغرر، الذي هو بمعنى الخطر، و حينئذ فيقف الآبق فإن قبض بعد ذلك صح، و إلا فلا كما صرح به ثاني المحققين و الشهيدين، و أولى بالصحة وقفه على القادر على تسلميه لحصول الإقباض من المالك الذي هو بمعنى الإذن فيه من جهته، بل قد عرفت في كتاب البيع قوة صحة بيع مثله، فضلا عن وقفه.

ج 28، ص: 19

و هل يصح وقف الدراهم و الدنانير قيل: لا يصح و هو الأظهر عند المصنف وفاقا لجماعة من القدماء بل في الدروس عن المبسوط الإجماع عليه إلا ممن شذ، و الموجود في المحكي عنه و عن الغنية و السرائر نفي الخلاف فيه، لأنه لا نفع لها إلا بالتصرف فيها و هو مناف للوقف المقتضى بقاء الأصل و قيل: يصح كما أرسله في محكي المبسوط لأنه قد يفرض لها نفع مع بقائها كالتزين بها، و دفع الذل و نحوها، فيتناولها حينئذ إطلاق الأدلة، و لعله لذا استشكل الفاضل في القواعد بل في محكي التذكرة أن أصحابنا ترددوا، و في محكي السرائر لو قيل بالجواز كان وجها، و في المسالك أقوى، و في الدروس و محكي التذكرة و الحواشي و جامع المقاصد الصحة مع المنفعة، كالتحلي و نحوه.

قلت: و يؤيده الإجماع- في الظهور فضلا عن النصوص، كما تقدم في محله- على جواز إعارتها، و هي كالوقف في اعتبار وجود المنفعة، و احتمال الفرق بينهما لا وجه له هذا كله في خصوص الدراهم و الدنانير.

أما إذا اتخذت حليا أو اتخذ منها حليا فلا إشكال في جواز وقفها، و عن التحرير أنه يصح وقف الحلي إجماعا و لو وقف ما لا يملكه لم يصح وقفه مع عدم الإجازة قطعا و لو أجاز المالك قيل: لا يصح- لا لأن الفضولي على خلاف الضوابط فيقتصر فيه على خصوص ما ورد فيه، لأن الظاهر عدم الاختصاص، بل- لأن نية التقرب شرط فيه، و لا يقوم الغير مقام المالك فيها و نيتها حين الإجازة غير نافعة، إما لاشتراط المقارنة للصيغة، أو لأن تأثير نيته في الصحة غير معلوم، و الأصل بقاء الملك و اختاره الكركي وفاقا للمحكي عن المهذب و جامع المقاصد و التحرير في موضع، و كأنه قال به أو مال إليه في الروضة.

و قيل: يصح، لأنه بالإجازة صار كالوقف المستأنف و هو حسن وفاقا للمحكي عن التحرير في آخر، و اللمعة و الحواشي و شرح الإرشاد و للفخر، و الروض و التنقيح، و ظاهر المسالك و غيرها، لأنه قسم من الصدقة التي ثبت بالنص جوازها من الفضولي في مثل مجهول المالك و نحوه، و التقرب بمال الغير عن الفاعل غير مشروع أما عن الغير نفسه ففي

ج 28، ص: 20

الأدلة ما يدل على مشروعية كل ذلك، بناء على اعتبار نية التقرب فيه على وجه يكون من العبادة، أما على القول بعدم اعتبارها أصلا فلا ريب أن المتجه حينئذ الصحة.

و يصح وقف المشاع بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل نصوص التصدق به مستفيضة أو متواترة، فيدخل فيه الوقف، أو يراد منه بل في الغنية أنه مورد قوله (عليه السلام) حبس الأصل و سبل الثمرة، فما عن الشيباني- من عدم الجواز لعدم إمكان قبضه- واضح الضعف لما عرفت و لأن قبضه هنا كقبضه في البيع كما هو واضح، و الله العالم.

بقي الكلام فيما يندرج في الضابط المزبور من جواز وقف من ينعتق على الموقوف عليه، و قد صرح به الفاضل في قواعده، و وافقه عليه في جامع المقاصد لأن العتق إنما هو في الملك التام، بل عن غاية المراد الميل إلى ذلك، أو القول به، هذا.

و لكن الإنصاف عدم خلوه من النظر، و تسمع لذلك تتمة إن شاء الله تعالى، في صيرورة الأمة الموقوفة أم ولد، إذا وطأها الموقوف عليه، فولدت منه فتنعتق بموت السيد، و يؤخذ من تركته قيمتها للبطون المتأخرة، و أما أم الولد فالمتجه عدم جواز وقفها بناء على انتقال الموقوف للموقوف عليه، لعدم جواز، نقلها إلى الغير بجميع وجوه النقل، أما على القول ببقائه على ملك الواقف فقد يقال بالجواز، و تبقى حينئذ على الوقف إلى موت السيد، و لو مات ولدها قبله تأبد وقفها، و إلا عتقت من نصيبه و بطل وقفها.

و فيه أنه مناف للتأييد المعتبر فيه الذي يراد منه بناؤه عليه من أول الوقف، اللهم إلا أن يمنع اعتبار ذلك، أو يقال: كما عن بعض الشافعية من بقاء منافعها للموقوف عليه و إن تحررت، كما لو آجرها و مات، و أما المدبر فلا إشكال في جواز وقفه، و يكون حينئذ رجوعا عنه، و لعله لذا حكى الإجماع عن التذكرة على جواز وقفه.

نعم الظاهر عدم صحة وقف المكاتب بقسميه، لانقطاع سلطنة المولى عنه، كما عن التذكرة التصريح به، و أما العين المستأجرة و الموصى بمنفعتها شهرا مثلا فلا يجوز للمستأجر و الموصى له وقفها، لأنه لا يملك إلا المنفعة، و قد عرفت جواز وقفها، أما المالك فلا بأس

ج 28، ص: 21

به، و القبض حينئذ يكون بإذن الآخر، أو إلى انقضاء تعلقه.

نعم لو فرض مدة الإجارة يستغرق عمر العين غالبا، و تأييد الوصية بالمنافع لم يجز الوقف، ضرورة كون العين حينئذ مسلوبة المنافع، كضرورة عدم جواز الوقف في العين المملوكة التي تعلق بها حق الرهن، أو الدين لفلس و نحوه، فالغرض من الملك في الضابط الخالي من نحو ذلك، و يمكن أن يكون نظر المصنف و غيره في خروج ذلك إلى ما تسمعه من شرائط الوقف التام، و الله العالم.

[القسم الثاني في شرائط الواقف ]

القسم الثاني: في شرائط الواقف و يعتبر فيه البلوغ و لو بالعشر و كمال العقل و جواز التصرف و لعل الأخير مغن عن الأولين و لذا اكتفى في اللمعة باشتراط الكمال، و في الدروس بأهلية الوقف، و في محكي السرائر و الغنية كونه مختارا مالكا للتبرع به إجماعا، و الأمر سهل بعد معلومية سلب عبارة الصبي، و إن قلنا بشرعية عبادته، و أن الوقف من العبادة، و سلب عبادة المجنون بقسميه، و أن المحجور عليه لفلس أو سفه لا يجوز له التصرف المالي بعبادة أو غيرها، بل قد يشكل صحته منه مع الإجازة المتأخرة بما عرفته سابقا في الفضولي، اللهم إلا أن يجعل ذلك من شرائط الصحة كالقبض، فلا يمنع التقرب بالصيغة حينئذ.

و على كل حال ف في وقف من بلغ عشرا مميزا تردد بل خلاف، فعن المقنعة الأول، و عن وصايا النهاية و المهذب جواز صدقته، بل في جامع المقاصد في الوكالة أن المشهور جواز تصرفه في الوصية و العتق و الصدقة، و المشهور الثاني بل لعل عليه عامة المتأخرين، بل لعل الخلاف منحصر في خصوص المفيد بناء على إرادة ما لا يشمل الوقف من الصدقة في كلامهم، بل و لا دليل عليه، ضرورة اختصاص خبر زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)في الصدقة على الوجه المعروف في البالغ عشرا.

و موثق جميل (2)«عن أحدهما في صدقة الغلام إذا كان قد عقل»

و كذا موثق الحلبي و محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.

ج 28، ص: 22

ابن مسلم(1).

و من هنا قال المصنف المروي جواز صدقته على أنه في المسالك مثل هذه الأخبار الشاذة المخالفة الأصول المذهب بل إجماع المسلمين لا تصلح لتأسيس هذا الحكم، و في جامع المقاصد لا تنهض معارضات للتواتر.

قلت: و لا ينافي ذلك جواز وصيته و لو بالوقوف للنصوص المعمول بها بين معظم الأصحاب مع حرمة القياس، و حينئذ فلا ريب في أن الأولى المنع بل هو الأصح ل ما عرفت، و معلومية توقف رفع الحجر على البلوغ و الرشد و من المعلوم عدم تحقق الأول منهما ببلوغ العشر، و دعوى كونه بلوغا بالنسبة إلى خصوص

ذلك واضحة المنع، ضرورة أن البلوغ مرتبة خاصة لا تفاوت فيها في ذلك.

و كيف كان فلا إشكال في أنه يجوز أن يجعل الواقف النظر في الموقوف لنفسه خاصة و لغيره كذلك و لهما معا على الاشتراك و الاستقلال، بل و لا خلاف إلا ما يحكى عن ابن إدريس، و الموجود في محكي السرائر عداد الشروط، و منها أنه لا يدخله شرط خيار للواقف في الرجوع فيه، و لا أن يتولاه هو بنفسه أو بغيره متى شاء هو، و ليست صريحة، و لذا نفى الخلاف عنه من دون استثنائه غير واحد، و قطع به آخر، و نفي الشبهة عنه ثالث، و إلا كان محجوجا بعموم الأدلة و خصوصها بل مقتضى الإطلاق نصا و فتوى عدم الفرق في ذلك بين كونه عدلا أو فاسقا كما صرح به غير واحد بل لم أجد فيه خلافا و إن احتمله في المسالك، لكن في الرياض تبعا للكفاية فيه قولان و لم نتحققه.

نعم قد صرح غير واحد باعتبارها في غيره، بل في الكفاية أنه المعروف من مذهب الأصحاب، بل في الرياض دعوى حكاية الاتفاق عليه، و إن كان فيه ما لا يخفى على المتتبع، بل في محكي التحرير لو جعل النظر للأرشد عمل بذلك، و لو كان الأرشد فاسقا فالأقرب عدم ضم عدل إليه، و قال أيضا: لو جعل النظر لأجنبي عدل ثم فسق ضم إليه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.

ج 28، ص: 23

الحاكم أمينا، و يحتمل انعزاله بفسقه، و حينئذ فالمتجه عدم الفرق بين اشتراطها لنفسه و لغيره بالنسبة إلى ذلك، و ما في سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)من اعتبار الرضا بهديه و إسلامه و أمانته لا يدل على اشتراط ذلك في أصل الناظر.

و على كل حال ففي المسالك و غيرها أنه إن عادت العدالة إليه عادت النظارة إن كان مشروطا من الواقف، و نحو ذلك قد ذكروه في الوصي، و الظاهر اختصاص ذلك فيهما من بين العقود لاقتضاء العموم في دليل مشروعيتهما من

قوله (عليه السلام)(2)«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها إن شاء الله»

و قوله تعالى (3)«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» إلى آخره جواز ذلك، و هو جعل العنوان الشخص الموصوف من حيث الوصف، و من المعلوم عدم جواز مثل ذلك في الوكالة، و نحوها على وجه تدور وكالته مدارها وجودا و عدما.

ثم الناظر المشروط في نفس العقد لازم من جهة الواقف، لا يجوز له عزله مطلقا، لعموم الأمر بالكون مع الشرط، و إن كان لا يجب على المشروط له القبول، للأصل بل لو قبل: لم يجب عليه الاستمرار لما في الدروس و الروضة من أنه في معنى التوكيل.

و في المسالك «لأنه غير واجب في الأصل فيستصحب فإذا رد صار كما لا ناظر له ابتداء فيتولاه الحاكم، أو الموقوف عليه، و يحتمل الحاكم مطلقا، لخروج الموقوف عليه من استحقاق النظر بشرطه، فعوده إليه يحتاج إلى دليل، بخلاف الحاكم فإن نظره عام».

قلت: قد يناقش في جواز الرد بعد القبول بإطلاق الأمر بالوفاء بالعقد من المتعاقدين و غيرهما ممن له تعلق بالعقد، و القبول بالنسبة إليه حينئذ رضاه بما اشترط له منه، و دعوى أنه في معنى التوكيل كما ترى، ضرورة عدم الدليل و عدم القصد بل ربما يومئ في الجملة إلى ما قلناه وجوب القيام بما تقتضيه النظارة عليه مع عدم الرد لكونه من مقتضى العقد المزبور، بل و ما ذكروه أيضا من أنه إن اشترط الواقف له شيئا من الثمرة عوضا عن عمله جاز، و ليس له أزيد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 24

منه و إن كان أقل من الأجرة و إن أطلق فله أجرة مثل عمله إن لم يرد التبرع، ضرورة ابتناء التزامه بالعوض القليل على كونه من مقتضى العقد اللازم الذي لا وجه عند التأمل في جواز رده بعد قبوله، مع أن المردود من أجزاء مقتضاه، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

و لو جعل النظارة لاثنين مثلا اشتركا فيها على وجه لا يجوز لأحدهما الاستقلال على ما صرح به غير واحد و لا بأس به مع قصد الواقف ذلك لعموم

(1)«المؤمنون» (2)

و «الوقوف»

المقتضي جواز جميع الصور المتصورة في المقام من الاستقلال و الاشتراك في الجميع و

البعض و غيرهما مما لم يكن فيها مانع من الشرع.

و لكن هل يحمل على الاشتراك المزبور بمجرد تعدد الناظر لا يخلو من إشكال، كالإشكال في استقلال الآخر لو مات أحدهما أو انعزل بفسق و نحوه، كما أوضحنا ذلك في الوصي الذي لا مقتضى للفرق بينه و بين الناظر في مثل هذه الأحكام التي مرجعها إلى فهم معنى، أو عموم دليل أو نحو ذلك، و منه يعلم ما في المسالك من أنه لو اختص أحدهما بالعدالة أو بقي عليها ضم إليه الحاكم حيث لا يكون منفردا أو انضم إلى الموقوف عليه إن انتقل إليه النظر كما تقدم، فلاحظ و تأمل.

ثم إن وظيفة الناظر مع الإطلاق، ما يتعارف من ذلك من العمارة و الإجارة و تحصيل الغلة و قسمتها على مستحقها، و حفظ الأصل و نحو ذلك مما لا يجوز لغيره بعد فرض اشتراط النظر المنصرف عرفا إلى تولي شي ء من ذلك.

و في

التوقيع(3)«و أما ما سألت عن أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة فيسلمها من يقوم بها و يعمرها و يؤدي من دخلها خراجها و مؤنتها و يجعل ما بقي من الدخل لناحيتنا، فإن ذلك لمن جعله صاحب الضيعة لا يجوز ذلك لغيره.»

لكن في المسالك «الإشكال في ذلك من وجهين: (أحدهما) ما لو كان الموقوف عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوقوف الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف- الحديث- 8.

ج 28، ص: 25

متحدا، أما ابتداء أو لاتحاده في بعض الطبقات اتفاقا، فإنه مختص بالغلة فتوقف تصرفه فيها على إذن الناظر بعيد، لعدم الفائدة خصوصا مع تحقق صرفها إليه بأن تكون فاضلة عن العمارة و غيرها مما تقدم على القسمية نعم لو أشكل الحال توقف على اذنه قطعا، لاحتمال أن يحتاج إليها أو إلى بعضها في الأمور المتقدمة على اختصاص الموقوف عليه، (و ثانيهما) الأوقاف العامة على المسلمين و نحوهم التي يريد الواقف انتفاع كل من الموقوف عليه بالثمرة إذا مربها كأشجار الثمار فإن مقتضى القاعدة أيضا عدم جواز تصرف أحد منهم في شي ء منها إلا بإذن الحاكم، و لا يخلو من إشكال، و تفويت لكثير من أغراض الواقف، بل ربما دلت القرينة على عدم إرادة الواقف النظر على هذا الوجه، بل يريد تفويض الانتفاع إلى كل واحد من أفراد تلك الجهة، فكأنه في قوة جعل النظر إليه، لكن هذا كله لا يدفع الأشكال لما تقدم من أنه بعد الوقف حيث لا يشترط النظر لأحد يصير كالأجنبي، و ينتقل الحكم إلى الحاكم فلا عبرة بقصده خلاف ذلك، حيث لا يوافق القواعد الشرعية، جعل مثل هذا الإطلاق نظرا الى كل واحد في حيز المنع، و بالجملة فهذه القواعد الشرعية المتفق عليها، لا تدفع بمثل هذا الخيال، و ينبغي أن يقال: أن المتصرف على هذا الوجه يأثم خاصة، و يملك حيث لا يجب صرف الثمرة في الأمور المتقدمة على صرفها إلى الموقوف عليه، و كذا القول في تصرف الموقوف عليه المتحد، أما المتعدد فلا، لأن قسمتها و تمييز حق كل واحد من الشركاء يتوقف على ناظر، فيكون كالتصرف في المال المشترك بغير إذن الشريك، فتستقر في ذمته حصة الشريك من ذلك، و لم أقف في هذه الأحكام للأصحاب على شي ء فينبغي تحرير النظر فيه».

إلا أنه من غرائب الكلام، ضرورة أنه لا استبعاد في توقف تصرف الواحد على إذن الناظر مع فرض اشتراطه من الواقف على هذا الوجه، لأن

«الوقوف على حسب ما يقفها أهلها»

كما أنه لا وجه لدعوى توقف المنتفع بثمر شجر أو ماء بئر أو ظلال أو نحو ذلك مما يراد من وقفه الانتفاع لمن يمر به على إذن الحاكم، إذ هو و إن كان الناظر مع الإطلاق إلا أنه فيما لم يتجه المالك بوقفه له على هذا الوجه.

و دعوى- أنه أجنبي مع فرض أنه وقف على هذا الوجه- غريبة، و أغرب منها دعوى الإثم

ج 28، ص: 26

بالتناول المزبور، و إن ترتب عليه الملك، لمنافاته السيرة المستمرة، و للمعلوم من قصد الواقف بوقفه على هذا الوجه، و لما ورد في النص من أحقية السابق من غيره و لغير ذلك، و كذا لا يخفى عليك ما فيه من الفرق بين المتحد و المتعدد مع فرض تراضي الشركاء فيما بينهم بالقسمة، فإن الناظر لا مدخلية له في ذلك إلا أن يشترط الواقف كما هو واضح.

بقي الكلام فيما ذكره المصنف بقوله فإن لم يعين الواقف الناظر كان النظر إلى الموقوف عليهم بناء على القول بالملك و نحوه في القواعد و محكي التحرير و الجامع و غيرها، و إليه يرجع ما عن جماعة من إطلاق كونه للموقوف عليهم، و ما في المسالك «من أنه إن جعلنا الملك للواقف أو للموقوف عليه مطلقا فالنظر إليه، و إن جعلناه للموقوف عليه إن كان معينا، و لله تعالى إن كان على جهة عامة، فالنظر في الأول للموقوف عليه، و للحاكم الشرعي في الثاني، و كذا غيرها مما صرح فيه بتولية الحاكم إن كان عاما و إن كان على معين وليه بنفسه، لمعلومية ابتناء ذلك على كونه في العالم الله أو للفقراء، و على كل حال فالولي الحاكم».

لكن لم نعرف لهم دليلا يعتد به مع فرض إرادة أحكام الناظر المشترط التي تمضي إجارته على الأعقاب و نحوها، و كون العين و المنفعة ملكا لهم ما داموا أحياء لا يقتضي إثبات مثل هذه الولاية لهم.

نعم لهم تناول ما هو ملك لهم من دون استيذان، و لهم التصرف في تنميته و إصلاحه و نحو ذلك مما هو من توابع الملك، و ليس لهم إهماله كما يهمل المالك ملكه كما أنه ليس لهم النظر فيه على وجه يمضي على البطون المتأخرة، و من ذلك يظهر لك قوة ما حكاه في الدروس عن بعضهم من احتمال كون النظر للحاكم عند الإطلاق في الوقوف كلها، لتعلق حق البطون المتعاقبة، بناء على إرادته ما ذكرناه بقرينة تعليله، لا مطلق التصرف بها، و تناول ثمرتها و نحو ذلك مما لا ينافي حق البطون أو كان فيه مصلحة لها، بل يمكن تنزيل إطلاق الكلمات على ما ذكرناه من التفصيل.

و أما احتمال أنه للمالك، لأن النظر و الملك كانا له، فإذا زال أحدهما بقي الآخر، فإنه و إن حكاه في الدروس، بل احتمله الفاضل في محكي التذكرة، إلا أنه في غاية الضعف، ضرورة

ج 28، ص: 27

خروج الواقف بعد الوقف و صيرورته كالأجنبي بالنسبة إلى ذلك، و إنما كان له ماله تبعا لملكه، و قد زال كما هو واضح. و الله العالم.

[القسم الثالث في شرائط الموقوف عليه ]

القسم الثالث: في شرائط الموقوف عليه و قد اشتهر فيما بينهم أنه يعتبر في الموقوف عليه شروط أربعة(1)الأول أن يكون موجودا و الثاني: أن يكون ممن يصح تملكه و الثالث أن يكون معينا و الرابع أن لا يكون الوقف عليه محرما بل في محكي الغنية و السرائر الإجماع على كونه معروفا متميزا يصح التقرب بالوقف عليه، و هو ممن يملك، بل فيه أيضا و محكي المبسوط نفي الخلاف عن عدم صحته على المعدوم الذي لم يوجد بعد و الحمل و العبد، بل في الأخير أيضا أن الذي يقتضيه مذهبنا أنه لا يصح الوقف على المجهول و المعدوم، كل ذلك

مضافا إلى معلومية اقتضاء «عقد»(2)الوقف ملك الموقوف عليه المنفعة أو هي مع العين، و المعدوم و غير القابل للملك لا يصلح لذلك لعدم صلاحيتهما للقبول الذي قد عرفت اعتباره فيه.

و حينئذ ف لو وقف على معدوم ابتداء لم يصح، كمن وقف على من سيولد له مثلا أو على حمل لم ينفصل فإنه و إن كان موجودا أو صحت الوصية له و عزل الميراث له، إلا أنه بحكم المعدوم بالنسبة إلى الوقف للإجماع المزبور، أو لعدم قابليته للملك إلا ما خرج بناء على صحة الوصية له بمعنى التمليك الاختياري الفعلي و لو بقبول وليه، بناء على ثبوت الولاية له قبل التولد لا الوصية العهدية أو التملكية المتأخر قبولها من وليه عن تولده، فإن ثبوتها لا يقتضي صحة الوقف.

أما لو وقف على معدوم قابل لذلك بعد وجوده فضلا عن الحمل تبعا لموجود (11) قابل لعقد الوقف و مقتضاه من التملك للمنفعة فإنه يصح (12) بلا خلاف فيه


1- 1 و في المتن« شروط ثلاثة أن يكون موجودا، ممن يصح أن يملك، و أن يكون معينا و أن لا يكون الوقف عليه محرما إلى آخره».
2- 2 كلمة« عقد» ليست موجودة في بعض النسخ.

ج 28، ص: 28

بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص بعمومها و خصوص صدقاتهم مستفيضة أو متواترة فيه على معنى تملكه بعد وجوده مرتبا و مشاركا.

نعم لو بدء بالمعدوم ثم بعده على الموجود لم يصح على المعدوم قطعا لما عرفت، و لكن هل يقتضي ذلك بطلان العقد رأسا قيل: هو كذلك ف لا يصح حينئذ حتى بالنسبة إلى الموجود كما

هو المشهور، و في المسالك نسبته إلى المصنف و المحققين لأن اللازم من الصحة أحد أمور ثلاثة معلومة البطلان، و هي: إما صحة الوقف مع انتفاء الموقوف عليه، أو وقوع الوقف المشروط أو عدم جريان الوقف على حسب ما أراد الواقف، ضرورة أنه حال الوقف إن لم يكن موقوفا عليه فهو الأول أو الثاني، و إن فرض أنه البطن الثاني فهو الثالث.

و قيل و القائل الشيخ في محكي خلافه و مبسوطة يصح على الموجود قال في الأول: إذا وقف على من لا يصح الوقف عليه مثل العبد أو حمل لم يوجد أو رجل مجهول و ما أشبه ذلك ثم بعد ذلك على أولاده الموجودين في الحال، و بعد ذلك على الفقراء بطل الوقف فيما بدء بذكره، لأنه لا يصح الوقف عليهم، و صح في حق الباقين لأنه لا دليل على إبطاله، و لا مانع يمنع منه، و قال في الثاني ما حاصله أنه مبني على صحة تفريق الصفقة التي اعترف بالقول بها، ثم إن كان من بطل الوقف في حقه لا يمكن اعتبار انقراضه، كالوقف على معدوم أو مجهول صرفت منفعة الوقف إلى من صح في حقهم في الحال، و إن كان ذلك ممكنا كالعبد ففي صرفها إليهم أيضا و عدمه، بل تصرف إلى الفقراء و المساكين إلى انقراض العبد فترجع إليهم قولان.

و عن يحيى بن سعيد في الجامع موافقته في الصحة في حق الباقين، و كأنه مال إليه في غاية المراد حيث أجاب عن دليل الأول بالتزام أن هناك موقوفا عليه و هم البطن الثاني فإن أمكن اعتبار انقراض الأول اعتبر ذلك في جواز انتفاع البطن الثاني، لا في نفوذ الوقف، و النماء حينئذ للواقف أو ورثته، كمنقطع الوسط، مع احتمال مساواته لمن لا يمكن انقراضه، و يقال فيهما أنه لما كان المصدر به محالا كان شرط الواقف كلا شرط، فلا يلزم بمخالفته محال، و اتباع

ج 28، ص: 29

شرط إنما يلزم لو كان سابقا، و بطلان الوقف إنما يلزم لو لم يكن هناك موقوف عليه لكنه موجود قطعا و الواسطة غير صالح للمانعية.

و فيه- مضافا إلى ما عرفت- أنه مبني على عدم بطلان العقد ببطلان الشرط الذي قد تقدم الكلام فيه في محله، بل في المسالك أنه مناف أيضا لاعتبار إخراج الواقف نفسه عن الوقف و لو وفاء دين أو غلة سنة في صحة الوقف، و تشبيهه له بمنقطع الوسط رد له إلى المتنازع فإنه بمثابة منقطع الأول بعد الانقطاع، و إن أراد فيما قبله فالفرق واضح.

و بذلك ظهر لك حينئذ صلاحية الواسطة للمانعية و أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده بعد وضوح الفرق على العبد مثلا بينه و بين تبعيض الصفقة التي يساويها وقف الشاة و الخنزير مثلا، أو الوقوف على العبد مثلا و زيد الذي صرح الأكثر بجوازه في الثاني في النصف، لتوجه القصد في الأول إليهما فيصح في الجامع و يبطل في الفاقد، و في الثاني إلى التشريك بينهما فيصح في القابل، و يبطل في الفاقد بخلاف الفرض الذي تترتب في القصد بل هو قصد إلى المرتب الذي هو كالمركب في اقتضاء انتفاء المرتب عليه انتفاءه، لعدم الترتيب حينئذ، بل لعل التأمل يقتضي البطلان بنحو ذلك في منقطع الوسط، و منقطع الأخير بناء على مدخلية الترتيب في المتأخر كمدخليته في المتقدم، لاتحاد سلسلة الترتيب، فمتى كان اختلال في أولها أو وسطها أو آخرها بطلت، لأن المعنى الترتيبي واحد بالنسبة إلى الجميع.

اللهم إلا أن يدعي بين المرتب عليه و المرتب في العرف، و لكنه صعب مع التأمل و الا فلا إشكال فيه مع فرض قصد الواقف ذلك، و حينئذ يكون من تبعيض الصفقة، بل لو فرض في الأول أيضا كان كذلك فلا حظ و تأمل جيدا كي لا يخفى عليك ما في الذي حكيناه عن غاية المراد من التشبيه بمنقطع الوسط، و ما سمعته من رده بما في المسالك.

و كذا ظهر أيضا لك الحال فيما لو وقف على من لا يملك ثم على من يملك و إن كان فيه ال تردد و الخلاف المزبور و لكن المنع أشبه بأصول المذهب و قواعده لا عرفت، و لا أقل من أن يكون الوقف المفروض محل شك في تناول الأدلة، و لو الإطلاقات و العمومات فالأصل فيه الفساد، لكن لا

ج 28، ص: 30

يخفى عليك أن بناء جميع ما سمعته من الأصحاب في المنع على خلو الوقف عن موقوف عليه- و لا ريب في كون ذلك مانعا و منافيا لتنجيز الوقف، من غير فرق بين ابتداء الوقف و في أثنائه، و في آخره، مما عساه يظهر من المصنف و الدروس من أن هذا الشرط إنما هو في ابتداء الوقف، و إلا فلا بأس بالوقف على المعدوم تبعا للموجود- لا يخلو من إبهام، ضرورة أن الصحيح من الوقف على المعدوم تبعا هو ما لا يقتضي خلو الوقف عن موقوف عليه في أحد الأزمنة، و بهذا المعنى لو فرض في الأول يكون صحيحا للعمومات بمعنى أنه يقف على الموجودين ما دام لم يولد له مثلا، و متى ولد له كان الوقف عليهم على وجه يكونون هم المقدمون، و دعوى عدم صحة هذا أيضا ممنوعة على مدعيها، و إن كان سيأتي من المصنف ما يوهمها، و هو قوله «و لو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد لم يجز و بطل الوقف» إلا أنه في نقل الوقف من أصله عنهم، و هو غير ما نحن فيه مع أن ظاهر الشهيد في الدروس و غيره جوازه كما تسمعه في محله إن شاء الله تعالى.

و كيف كان فقد عرفت أنه لا خلاف بيننا كما لا إشكال في أنه لا يصح الوقف على المملوك بجميع أفراده المشتركة في عدم قابليته للملك الذي قد عرفت أنه من مقتضى الوقف.

نعم لو قلنا بأنه صح الوقف عليه و إن كان محجورا عليه، بل في عدم اعتبار إذن مولاه في القبول وجه، و ما عن بعض العامة- من جواز الوقف عليه على الأول و يكون لسيده واضح البطلان، ضرورة كون الوقف عقدا و هو تابع للقصد ف لا ينصرف الوقف إلى مولاه ل كون المفروض أنه لم يقصده بالوقفية و إنما كان قاصدا للعبد و كذا لا خلاف و لا إشكال في أنه يصح الوقف على المصالح الراجعة إلى كافة الناس أو بعضهم كالقناطر و المساجد لعموم الأدلة و لا ينافي ذلك عدم قابليتها للملك لأن الوقف في الحقيقة على الناس المسلمين (11) و إن وقعت هي في اللفظ و القصد الأولى لكن (12) المراد حقيقتهم باعتبار انتفاعهم في ذلك ف هو (13) حينئذ صرف إلى بعض مصالحهم (14) و كذا الوقف على أكفان الموتى

ج 28، ص: 31

و مؤنة حفر قبورهم بل و على العبيد المعدين لخدمة البيت و الحضرات المشرفة و الأماكن المعظمة، بل و البهائم كذلك لرجوع الأمر في ذلك كله إلى ما عرفت، بل يمكن القول بصحة الوقف على الجهات الخاصة، كالوقف على كتب زيد و مدرسته مثلا لأنه في الحقيقة وقف على زيد أن يصرفه في مصلحة خاصة.

نعم يحتاج مع ذلك إلى ما يكون به مؤبدا، ضرورة اتحاد الجميع في المدرك، و أما

المرسل في الفقيه في باب فضل المساجد(1)«إنه سئل عن الوقوف عليها، فقال لا يجوز، لأن المجوس وقفوا على بيوت النار»

المراد به على الظاهر ما رواه هو و

الشيخ في التهذيب من خبر الصحاري (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت له: «الرجل اشترى دارا فبقيت عرصة فبناها بيت غلة أ يوقفه على المسجد، فقال: إن المجوس أوقفوا على بيوت النار»

الذي هو مع شذوذه و ضعف سنده- و احتماله الوقف على نفس المسجد أو للتزويق و الزخرفة

أو وقف الأولاد للخدمة كما كان في الشرع السابق و غير ذلك و إن بعد- فيمكن حمله على إدارة بيان الأولوية بالجواز مما ذكر فيه من التعلل، فيكون حينئذ مؤيدا، لترك «لا» في بعض النسخ في المرسل الذي يكون حينئذ صريحا على هذا التقدير في الجواز المواقف لما دل على الأمر بعمارتها و كنسها و غير ذلك مما يكون الوقف مقدمة له، و الله العالم.

و لا يقف المسلم على الحربي، و إن كان رحما وفاقا للمشهور كما عن المسالك، بل قد تشعر عبارته بعدم الخلاف كما عن ظاهر التنقيح، و إن كان فيه حينئذ ما ستعرف، للنهي عن موادته و بره، و لأنه مباح المال على وجه ينافي صحة الوقف عليه التي يترتب عليها عدم جواز تناوله منه كما أومى إليه بتعليل المنع في الدروس بذلك.

لكن عن كثير من القدماء إطلاق جوازه على الكافر- بل عن مجمع البيان الإجماع على جواز أن يبر الرجل على من شاء من أهل الحرب قرابة كان أو غير قرابة، و إنما الخلاف في إعطائهم الزكاة و الفطرة و الكفارات، فلم يجوزه أصحابنا، و فيه خلاف بين الفقهاء- لعموم

قوله (3)


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام المساجد الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 1- 2.

ج 28، ص: 32

(عليه السلام) «الوقوف على حسب»

إلى آخره و نحوه و الحث على الإحسان و المعروف و صلة الأرحام، و ربما كان فيه تأليف لقلوبهم و ميلهم إلى الإسلام، و لأن

«لكل كبد حرى أجر(1)»

و النهي عن الموادة من حيث كونه محادا و محاربا، و إلا لحزم محادثتهم و التعارف معهم و نحوه، و تحريم تغييره من حيث كونه وقفا، لا ينافي جوازه من حيث كونه مال حربي، لا أقل من أن يكون التعارض من وجه، و لا ريب في رجحان الأخير، و مع الإغضاء عن ذلك كله، فالنهي عن الموادة لا يقتضي الفساد إذا كانت في عقد من العقود بل أقصاها الإثم.

و لكن فيه- بعد إمكان إرادة خصوص الذمي الذي ستعرف الحال فيه من الإطلاق كما عن الشهيد و جماعة، و أن يراد من معقد الإجماع المزبور ما لا يشمل الوقف عليهم، الذي هو أولى بالمنع من الوصية التي أطبقوا على ما قيل إلا من شذ على عدم جوازها له بل ظاهر المبسوط الإجماع على ذلك- أن ضرورة الشريعة تقتضي الحث على قطع رحم الكفر، و على الإسائة لهم بكل ما يمكن، لأنهم شر دواب الأرض المؤذية و أن الفساد على تقدير اعتبار القربة فيه واضح، لمعلومية عدم كون العبادة محرمة، بل و على العدم أيضا للنهي عن نفس العقد الذي هو فرد المقتضى للبر و الموادة كالنهي عن فرد الإعانة على الإثم، و ليس هو الأمر خارجي كالبيع وقت النداء و الظاهر أن ذلك مبني الفساد عندهم، لا ما في الرياض من عدم صلاحية الحربي للملك الذي هو مقتضى الوقف، و لا أقل من أن يكون محل شك، و الأصل

الفساد، إذ هو كما ترى مناف للضرورة و ما سمعته من إباحة ماله لا يقتضي ذلك، بل هو ظاهر في خلافه كظهور أدلة التمليك في ذلك أيضا، بل هو كالضروري من مذهبنا.

نعم قد يتوقف بناء على الصحة في تملك المسلم منه بالاغتنام و نحوه، لكونه وقفا لمسلم جامعا للشرائط، اللهم إلا أن يرجح ما دل على أن ماله في ء للمسلمين على ذلك بعد فرض تناول ذلك لمثل هذا المال له، كما أومأنا إليه سابقا، و هو أمر آخر غير ما نحن فيه، فتأمل جيدا و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الصدقة الحديث- 5.

ج 28، ص: 33

و أما القول بجواز أن يقف المسلم على الذمي و لو كان أجنبيا فهو محكي عن التذكرة و التبصرة، و موضع من التحرير و الدروس و إيضاح النافع، بل لعله لازم للقائل بجواز الصدقة عليه الذي نسبه في المسالك إلى الأشهر، بل في الكفاية إلى المشهور، بل قيل لم يحك الخلاف فيه إلا عن الحسن، و منه ينقدح الاستدلال عليه بالنصوص الدالة على ذلك، مضافا إلى عموم المقام، بل و عموم الإحسان و المعروف و صلة الرحم و غيرها، بعد قوله (تعالى)(1)«لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ .» و إلى فحوى ما دل على جواز الوصية من الإجماع المحكي، أو النصوص و إلى ما سمعته من إجماع مجمع البيان، بل لا ينافي ذلك القول باعتبار القربة فيه بعد فرض شمول الأدلة له، ضرورة

عدم المانع من كونه مقربا إلى الله تعالى، و إن كان على أهل الذمة كالصدقة، و بذلك يظهر لك ضعف القول باختصاص الجواز في الرحم- و إن حكي عن الشيخين و أبي الصلاح و بني حمزة و زهرة و سعيد و إدريس، بل في جامع المقاصد أنه المشهور، بل في الخلاف الإجماع عليه، بل قد يظهر من الغنية نفي الخلاف فيه-

للمرسل (2)«إن صفية وقفت على أخ لها يهودي فأقرها النبي (صلى الله عليه و آله)»

ضرورة عدم دليل صالح للاختصاص، و إن زاد الرحم بما دل على رجحان صلته و الوقف على الأرحام، بل يمكن إرادة القائلين وضوح القول بالجواز فيهم، لا الجزم بنفيه عن غيرهم، و حينئذ لا يكون مخالفا للمختار، و كذا القول باختصاصه فيما إذا كان أحد الأبوين مع أنا لم نتحقق القول به إلا ما يحكي عن السرائر مع أن المنقول عنها في موضع آخر التصريح بجوازه على مطلق الأرحام، كما لم نتحقق الدليل له إلا المرسل في محكي المراسم «إذا كان الكافر أحد أبوي الواقف كان جائزا» و الأمر بمعاضرتهما بالمعروف و هما غير صالحين للدلالة على الاختصاص، و أما القول بالمنع، و إن حكى عن سلار و ابن البراج و الفخر و الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه لكن لا دليل لهم سوى ما سمعته في الحربي الذي يجب الخروج عنه بما عرفته هناك كما هو واضح، هذا.

و لكن في الرياض المناقشة في أصل دلالة العمومات على الجواز مطلقا بكون المراد من

قوله (عليه السلام) «الوقوف»

إلى آخره و غيره، الوقوف الصحيحة المتضمنة لشرائط الصحة التي منها


1- 1 سورة الممتحنة الآية- 8.
2- 2 المغني لابن قدامة ج 4 ص 222 طبعة بيروت دار الكتاب العربي سنة 1932.

ج 28، ص: 34

قصد القربة، و هي فرع الأمر بالوقف أو مطلق الصدقة عليهم و المبرة بهم، و لا أثر له في الشريعة لا في الكتاب و لا في سنة، فكيف يقصد التقرب بشي ء لم يرد به أمر أو حث أو ترغيب نحو ما ورد في المستحبات الشرعية، و بذلك يظهر لك الجواب عن الاستدلال ب

قوله (عليه السلام) «لكل كبد حرى أجر»

و بآية «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ» إلى آخره فإن غايتهما الدالة على ثبوت الأجر، و عدم النهي عن المودة، و هما لا يستلزمان الأمر بالوقف أو المودة حتى يتحقق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة، مع معارضتهما بعموم دليل المنع، حتى يتحقق فيه قصد القربة المشترطة في الصحة، مع معارضتهما بعموم دليل المنع، و هو قوله تعالى (1)«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» إلى آخره، مع أني لم أجد لهذا القول عدا الماتن هنا و في الشرائع قائلا، إلى أن قال: فهو ضعيف غايته.

و هو من غرائب الكلام و ما كنا لنؤثر أن يقع ذلك منه لا في النظر و لا في التتبع، إذ قد عرفت أنه قول غير المصنف أولا، و ثانيا لا يخفي عليك- بعد الإغضاء عما في تقييد

العمومات بالصحيحة المقتضي لعدم استفادة الصحيح منها حينئذ، و الإغضاء عن شرطية نية القربة- أنه يكفي في ذلك إطلاق ما دل على استحباب الوقف، و أنه من الصدقة الجارية، ضرورة عدم الفرق بين متعلقة و متعلق أوامر الصدقة بين المسلم و الذمي خصوصا بعد

الخبر «أن لكل كبد حرى أجرا»

و كذا ما دل على الأمر بالإحسان و بالمعروف و فعل الخير و نحو ذلك، بل قوله تعالى (2)«لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ» إلى آخره كاف في ثبوت الحث على برهم، و الإقساط إليهم بالمودة، «ف إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ و المحسنين، و يأمر بالإحسان(3)» و أغرب من ذلك قوله فإن «غايتهما» إلى آخره و بالجملة هو من غرائب الكلام، و الله هو المؤيد و المسدد و الحافظ من زلل الاقدام و الأقلام.

هذا كله في الوقف عليهم أنفسهم من حيث أنهم من بني آدم، و يمكن تولد مسلم منهم، بل يمكن صيرورتهم مسلمين، بخلاف ما لو وقف على الكنائس و البيع التي هي معابدهم فإنه لم يصح بلا خلاف أجده فيه بل عن ظاهر المبسوط و الغنية


1- 1 سورة المجادلة الآية- 2.
2- 2 سورة الممتحنة الآية- 8.
3- 3 سورة البقرة الآية- 195- و سورة النحل الآية 90.

ج 28، ص: 35

نفيه بين المسلمين لكونه إعانة لهم على ما هو محرم عليهم من التعبيد فيها و نحوه و بذلك افترق عن الوقف عليهم لا بقصد شي ء من ذلك و إن صرفوهم في المحرم، و على المسلمين

أو مصالحهم كمساجدهم و قناطرهم و نحوها مما يستحب إعانتهم عليه هذا.

و لكن في المسالك بعد أن ذكر وجه المنع بنحو ما قلناه قال: و أما تعليل المنع- بأن من جملة مصرف الوقف عمارتها و هي محرمة، بخلاف عمارة المساجد، و باقي مصالح أهل الذمة- فغير مطرد، لأن من الكنائس ما يجوز لهم عمارتها بل هو الأغلب في بلاد الإسلام، و تخصيصه بكنيسة لا يجوز إحداثها كالمحدثة في أرض الإسلام، أو أرضهم بعيد عن الإطلاق من غير ضرورة».

و فيه أن عدم منعنا لهم عن ذلك لكونه من مقتضى عقد الذمة، لا يقتضي الجواز لهم في الواقع، بل هو محرم عليهم، و حينئذ لا يجوز الوقف منا لهم على هذه الجهة، بالإعانة على الإثم، نعم لا بأس في الوقف على المصالح الراجعة إليهم الجائزة لهم كبناء دورهم و نحوها، لأنه كالوقف عليهم.

و كذ لك في عدم الصحة لو وقف على معونة الزناة في زناهم من المسلمين فضلا عن غيرهم، أو قطاع الطريق أو شاربي الخمر أو غيرهم لاشتراكهم معهم في الدليل الذي هو النهي عن الإعانة على الإثم، و الوقف بهذا القصد فرد منها، فبناء على اعتبار القرية فيها فالأمر واضح، و على العدم يبطل لكون النهي عنه نفسه باعتبار أنه إعانة، نحو ما سمعته في الموادة و كذا لو وقف على كتب ما يسمى الآن بالتوراة، و الإنجيل بلا خلاف أجده فيه كما عن التذكرة و كذا المبسوط، لا لأنها منسوخة، فإن ذلك لا يقتضي حرمة النظر فيها كالمنسوخ من القرآن و إن توقف فيه في جامع المقاصد لاختلاف الملتين بخلاف منسوخ القرآن إلا أنه كما ترى بل لأنها محرفة و لو في الجملة و به صارت من كتب الضلال التي لا يجوز نسخها و النظر فيها لغير النقض و لذا

غضب رسول الله (صلى الله عليه و آله) على عمر لما رأى في يده شيئا من التوراة(1)«و قال له: أ في شك أنت يا بن الخطاب، أ لم آت بها بيضاء نقية،


1- 1 المغني لابن قدامة ج 6 ص 222 طبعة بيروت دار الكتاب العربي سنة 1932.

ج 28، ص: 36

و لو كان أخي موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي»

و لو وقف عليها بقصد الوجه الذي يجوز له إمساكها و النظر فيه جاز، لكونه حينئذ طاعة إلا أن الفرض لما كان نادرا أطلقوا المناع من الوقوف عليها، و كإطلاقهم المنع على الحربي، و البيع مع إمكان فرض جهة راجحة يجوز لها ذلك، لكنه بعد تسليم إمكان فرضه خروج عن محل البحث كما هو واضح. هذا كله في وقف المسلم.

و أما لو وقف الكافر على البيع و الكنائس أو أحد الكتابين جاز بلا خلاف أجده فيه كما عن المقتصر الأعراف به بل عن ظاهر التنقيح الإجماع عليه.

نعم في جامع المقاصد بعد أن افتى بالجواز قال: «و فيه وجه آخر» و على كل حال فالمعروف الأول إقرارا لهم على دينهم، لكن في المسالك هو يتم بناء على عدم اشتراط

القربة، أما معه فمشكل من حيث إن ذلك معصية في الواقع، فلا يتحقق معنى القربة بها إلا أن يراد قصدها في الجملة و إن لم تحصل، أو قصدها ممن يعتقد حصولها، و هذا هو الظاهر، و الأصل في ذلك ما عن الآبي في كشفه قال: سألت المصنف عن وجه عدم الصحة أي الذي ذكره في النافع، فأجاب بأنه يمكن أن يقال: أن نية القربة شرط في الوقف، و لا يمكن ذلك في الكافر، فلا يصح منه الوقف.

و ناقشه فيه بأن لقائل أن يمنع المتقدمين، و الوجه الصحة، إذ كل قوم يدينون بدين و يعترفون بمعبود يتوجهون إليه، و تبعهما في الرياض، فإنه بعد أن حكى عن المصنف احتمال عدم الجواز لتعذر النية قال: و فيه نظر، لاختصاصه بالمعطلة و الدهرية.

و فيه أن الجواز الإقراري غير محتاج إلى شي ء من ذلك، ضرورة أنه كوقف الخنزير و نحوه، و أما الجواز الواقع الذي ينبغي فرضه في الجامع لشرائط الصحة عندنا، سوى أنه من كافر لا في نحو المقام الذي باطل عندنا، و الفرض اشتراكهم في الفروع معنا، و حينئذ فلا ريب في الفساد بناء على أن الوقف من العبادات المعتبر فيها النية المتوقفة على تحقق الأمر، و ليس هي إلا

ج 28، ص: 37

بالصحيحة الجامعة للشرائط التي منها الإسلام، و دعوى الاتفاق على الصحة من الكافر في وقفه الجامع يقتضي ما أشرنا إليه من عدم اعتبار نية القربة فيه، و إلا لم يكف القصد المزبور، ضرورة شرطية الإسلام في صحة عباداتهم الجامعة للشرائط، فضلا عن محل الفرض الذي ليس موضوع عبادة في الواقع، و المذهب على اشتراكهم معنا في الفروع و لعل ذلك هو مراد المصنف كما وقع له في العتق، بل كذلك الكلام في الوقف من فرق المسلمين المخالفة للحق، فإنه باطل على اعتبار القربة لمعلومية اشتراط الإيمان في صحة العبادة».

و أما الوقف عليهم فالظاهر جوازه لنحو ما سمعته في الوقف على الذمي، إلا ما كان ملحقا منهم بالحربي كالخوارج و الغلاة و النواصب و نحوهم مما لم يثبت شرعية الوقف عليهم إن لم يكن الثابت من الأدلة خلافه، و هو معنى آخر غير اشتراط القربة، و عليه يتفرع عدم جواز الوقف على الفاسق من حيث كونه كذلك، و كذا الكافر و المخالف على وجه لا يكون من الإعانة على الإثم، فليس حينئذ إلا اعتبار مشروعية جهة الوقف في الصحة فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع، و مما ذكرنا يعلم وجه الصحة في وقف الكافر على بيوت النيران و قرابين الشمس و الكواكب كما هو المحكي عن المقنعة و المهذب و الكافي و الوسيلة و السرائر و الدروس و المقتصر، بل و ظاهر النهاية و الجامع، إذ هي إما أن يراد منها الصحة الإقرارية إن كانوا ممن يقرون على ذلك، نحو قولهم بصحة وقف الذمي الخنزير على مثله، أو مبني على عدم اعتبار نية القربة في الوقف، بل و على عدم اعتبار مشروعية الجهة في الوقف في الواقع، لكن عن المختلف و التنقيح التصريح بعدم صحة ذلك، و هو مبني على إرادة الصحة الواقعية لا الإقرارية، و أن القربة معتبرة فيها أو مشروعية الجهة و الله العالم.

و المسلم إذا وقف على الفقراء انصرف عرفا إلى إرادة فقراء المسلمين دون غيرهم و إن كان اللفظ جميعا معرفا، و مقتضاه الاستغراق، إلا أن شهادة الحال عرفا تكفي في تخصيصه و من هنا لو وقف الكافر كذلك بأن جعل عنوان وقفه الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته أيضا لما عرفت بلا خلاف أجده فيهما، و ليس هو من الحقيقة العرفية حتى يبني على مسألة تقديمها على اللغوية أو بالعكس كما توهم، بل

ج 28، ص: 38

هو من القرينة على إرادة الاختصاص، بل الظاهر قيامها على إرادة فقراء أهل مذهبه، لا غيرهم كما اعترف به بعضهم، بل يمكن إرادة الأكثر له، و إن أطلقوا، إلا أنه كان بصدد بيان عدم دخول فقراء الكافرين من حيث كون الواقف مسلما، من المحققين كان أو المبطلين، أما لو فرض كونه إماميا فشاهد هذا الحال الذي ذكرناه بنفسه قائم أيضا على إرادة الفقراء من الإمامية دون غيرهم، و هكذا إلا مع القرينة الدالة على إرادة خلاف قرينة الإطلاق، و كذا لو جعل العنوان فقراء بلد أو بلد مخصوص.

نعم لو لم يكن في البلد إلا فقراء غير مذهبه، و كان عالما بذلك أتجه حينئذ الصرف إليهم للقرينة، أما إذا لم يكن عالما فلا يبعد بطلان الوقف لعدم الموقوف عليه خلافا لما في المسالك من أن الأولى الصحة عملا بالعموم المتناول للموجودين و حملا للوقف على الوجه الصحيح، و فيه ما لا يخفى بعد فرض انصراف الإطلاق إلى ما ذكرناه و عدم القرينة إلى غيره.

و لو وقف على المسلمين انصرف إلى من صلى إلى القبلة كما عن الأكثر، بل المشهور، و هي الكعبة المشرفة، أي تدين بالصلاة إليها و إن لم يفعل، خلافا لما عن المفيد من اشتراط الفعل، بل الظاهر ما صرح به غير واحد من دخول أطفالهم و مجانينهم و المستضعفين منهم و نحوهم ممن محكوم بإسلامه شرعا للتبعية، بل و الإناث و إن كانت الصيغة للذكور، إلا أن المراد منها الجنس.

نعم يخرج عنهم كل من حكم بكفره، و لو لسب و نحوه، و إن انتحل الإسلام كالخوارج و الغلاة و نحوهم ما لم يكن الواقف منهم، و إن احتمال دخولهم في الرياض، لكنه في غير محله، من غير فرق في ذلك كله بين كون الواقف من المسلمين محقا و غيره، للعموم.

و قيل: إن كان الواقف محقا اختص الوقف بقبيلته بشاهد الحال، كما لو وقف على الفقراء، و لمنع صحة الوقف على غير المحق، بناء على اعتبار القربة فيه، و فيه منع شهادته بذلك، و لا تلازم بين اقتضائه في لفظ الفقراء، و اقتضائه في لفظ المسلمين، و إلا لاقتضى في لفظ الناس و بني آدم و نحوهم، و التعليل بعدم صحة الوقف على غير المحق خروج عن محل البحث، أولا، و ممنوع ثانيا و إن قلنا باعتبار القربة فيه، كما أوضحنا سابقا.

ج 28، ص: 39

و منه يعلم ضعف ما عن الحلبي من خروج غير المؤمن إن كان مبناه الحكم بكفره على وجه لا يجوز الوقف عليه كما أن من ذلك كله يظهر لك الحال فيما أطنب فيه في الرياض خصوصا بعد ملاحظة كون المرجع في المسألة الفهم عرفا و لو بشاهد الحال، فإيكاله حينئذ إلى الوجدان كما في نظائره أولى من إقامة الدليل و البرهان، و كذا في الدروس من أن الرجوع إلى الاعتقاد قوي، و إن خفي بني على تحقق الإسلام و الكفر و هو في علم الكلام، و الله العالم.

و لو وقف على المؤمنين انصرف إلى الاثني عشرية، و قيل: و القائل الشيخ و جماعة إلى مجتنبي الكبائر منهم التي منها الإصرار على الصغائر و الأول أشبه لعدم الدليل على اعتبار ذلك في الإيمان بل ظاهر الأدلة خلافه بل استقر المذهب الآن على ذلك بل هو المحكي عن التبين للشيخ قائلا أنه كذلك عندنا، مشعرا بالاتفاق عليه، و عن الحلبي و الديلمي و كافة المتأخرين، بل ظاهر المصنف و الأكثر على ما اعترف به بعضهم بل في الرياض نسبته إليهم عدم الفرق في الانصراف المزبور بين كون الواقف منهم أو من غيرهم.

لكن في المسالك بعد أن ذكر أن للإيمان معنيين، عام، و هو التصديق القلبي بما جاء به محمد (صلى الله عليه و آله)، و هو أخص من الإسلام، و خاص، و هو أيضا قسمان أحدهما أنه كذلك مع العمل الصالح، فصاحب الكبيرة ليس بمؤمن و الثاني الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، و هو المتعارف بين الإمامية و ذكر ما اقتضاه ظاهر المصنف و الأكثر قال: «و هو مشكل لأن ذلك غير معروف عنده، و لا قصده متوجه إليه، فكيف يحمل عليه، و ليس الحكم فيه كالمسلمين في أن لفظة عام فينصرف إلى ما دل عليه اللفظ، و إن خلاف معتقد الواقف كما تقدم، لأن الإيمان لغة هو مطلق التصديق، و ليس بمراد هنا و اصطلاحا مختلف بحسب المصطلحين، و المعنى الذي اعتبره أكثر المسلمين هو المعنى العام، فلو قيل بحمله عليه إذا كان الواقف غير إمامي كان حسنا، أو يقال: إذا كان من الوعيدية يحمل على معتقده أو من الإمامية، فعلى معتقده، أو من غيره فعلى معتقده عملا بشاهد الحال و دلالة العرف الخاص و القرائن الحالية، و لو كان الواقف إماميا و عيديا كما اتفق لكثير من قدمائنا تعارض العرفان، و لعل حمله على المعنى المشهور و هو الأخير أوضح لأنه أعرف» و تبعه على ذلك في الرياض.

ج 28، ص: 40

قلت: قد يقال: إن نظر الأصحاب إلى أن هذا الاختلاف في مصداق المؤمن الموجود في الكتاب و السنة النبوة و أخبار الأئمة (عليهم السلام)، و ليس هو تعدد اصطلاح منهم، و حينئذ فمن أوقف أو أوصى و جعل العنوان المؤمن نفذ فيما هو مصداقه واقعا، لظهور إرادة الواقع من كل متكلم إذا كان من قبيل لا يعرف اختلاف علمائه في ذلك، بل لعله كذلك و إن كان خلاف ما اعتقده الواقف، إلا أن تكون قرينة على إرادته بوقفه ما يزعم أنه مصداق له، و مجرد الاختيار في التفسير لا يصلح قرينة على ذلك، و لا ريب في أن المؤمن في العرف السابق، المصدق قلبا بمحمد (صلى الله عليه و آله)، و ما جاء به، و في العرف الحادث المصدق مع ذلك بإمامة الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام)، فهم المؤمنون حينئذ حقا.

نعم يعتبر فيهم عدم صدور ما يخرجهم عن الايمان إلى الكفر من سب و إنكار ضروري المذهب و نحو ذلك، مثل ما سمعته في المسلم بالنسبة إلى ذلك، بل و بالنسبة إلى إدخال أطفالهم و مجانينهم مما هو محكوم بايمانه بالتبعية، بل و المستضعف منهم، و كأنه أشار إلى بعض ما ذكرنا في الدروس حيث اعتبر اعتقاد العصمة في الاثنى عشر مع الإمامة، و لعله لأنها من ضروريات المذهب الذي يقتضي إنكارها- من أهل المذهب الكفر، و إن نظر فيه في المسالك قال: «و يلزمه اشتراط اعتقاد أفضليتهم على غيرهم من معتقدات الإمامية المجمع عليها، و الفتاوى خالية عنه، و الظاهر يشهد بخلافه» لكن فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و الله العالم.

و لو وقف على الشيعة فهو في عرفنا الآن للإمامية خاصة كما اعترف به في الرياض، بل في المسالك حكاه عن بعض من تقدمه، لكن قال: هو غريب بناء منه على أن الشيعي من شائع عليا (عليه السلام) في الإمامة مقدما له على غيره بعد النبي (صلى الله عليه و آله).

و حينئذ فيندرج فيهم الجارودية و الإسماعيلية من فرق الزيدية دون غيرهم و الكيسانية و الواقفية و الفطحية و غيرهم، الا أن المصنف اقتصر على الجارودية من فرق الزيدية للقول: بإمامة الشيخين من باقي فرقهم و انقراض الطوائف الأخر.

ج 28، ص: 41

و على كل حال فالقول بالانصراف المزبور هو المشهور بين الأصحاب كما في المسالك و لا يختص به فرقة نحلة الواقف خلافا للمحكي عن ابن إدريس فقال: «إن كان الواقف من احدى فرق الشيعة حمل كلامه العام عليه، و صرف في أهل نحلته دون من عداهم، عملا بشاهد الحال» و عن التذكرة نفي البأس عنه، و هو كذلك مع فرض قيام قرينة عليه و إلا فالحكم لمصداق اللفظ في الواقع كالمسلم، و مع فرض الاختلاف في مصداق الشيعي فالحكم على حسب ما قلناه في المؤمن، و هو واضح، كوضوح الانصراف الآن من هذا اللفظ- لو كان الواقف اثنى عشريا- إليهم خاصة، و لا يدخل فيه أحد من الجارودية أو غيرهم و لعل كلام الأصحاب محمول على حال عدم القرينة، فإن الأمر يدور حينئذ على المفهوم واقعا في نفسه، و من ذلك يظهر لك الحال فيما أورده بعض الناس- ممن قارب عصرنا- على الأصحاب من معلومية خروج غير الاثني عشرية إذا كان الواقف واحد منهم كما هو واضح و هكذا إذا وصف الموقوف عليه بنسبة دخل فيها كل من أطلقت عليه إلا أن تكون هناك قرينة صارفة، و هذا هو الضابط في جميع هذه المسائل على حسب غيره من المقامات.

لكن في المسالك «لا كلام في ذلك مع اتفاق العرف و الاصطلاح، و مع التعدد يحمل على المتعارف عند الواقف، و بهذا يتخرج الخلاف و الحكم في الجميع» و هو كذلك مع فرض العرف الخاص، لا القول الخاص في التفسير كما عرفته سابقا، و لكن لا يخفى عليك عدم تخرج الخلاف على ذلك ضرورة عدم النزاع في تقديم العرفية الخاصة على غيرها في لفظ أهلها كما هو واضح.

و على كل حال ف لو وقف على الإمامية، كان للاثنى عشرية خاصة لأنهم المعروفون بهذا الاسم، و الظاهر عدم اعتبار اجتناب الكبائر هنا ممن اعتبره في المؤمن كما هو مقتضى دليل القائل اما اعتبار العصمة فقد يظهر من الدروس ذلك، و لا يبعد أن يكون التحقيق فيها ما ذكرناه في المؤمن فلا حظ و تأمل و لو وقف على الزيدية كان للقائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين (عليه السلام) ثم لكل من خرج بالسيف من ولد

ج 28، ص: 42

فاطمة (عليها السلام) من ذوي العلم و الرأي و الصلاح، و ما عن ابن إدريس من بطلان الوقف إذا كان الواقف غير زيدي خروج عن محل البحث.

و كذا الحال لو علقهم بنسبته إلى أب، كان لكل من انتسب إليه بالأبوة كالهاشميين: فهو لمن انتسب إلى هاشم من ولد أبي طالب (عليه السلام) و الحارث و العباس و أبي لهب، و الطالبيين: فهو لمن ولده أبو طالب (عليه السلام) منهم خاصة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك بل و لا إشكال في أنه يشترك الذكور و الإناث في ذلك المنسوبون إليه من جهة الأب نظرا إلى العرف إذا كان بلفظ لا يخص أحدهم كالهاشمية و العلوية، بل و الهاشميين و العلويين و نحوهم مما يفهم إرادة الجنس منه أو هو مبني على التغليب و أما المنتسبون إليه بالأم ف فيه خلاف للأصحاب و قد حققنا في كتاب الخمس عدم دخولهم في مثل هذه الأسماء التي هي نحو أسماء القبائل، و إن قلنا بكونهم أبناء و أولادا حقيقة، فضلا عن الذرية و نحوهما، فلا يجزي عليهم الحكم الذي عنوانه ذلك كالخمس، بخلاف الحكم الذي- عنوانه الثاني كالنكاح، و لعل المرتضى و من تابعه اشتبه في حكم العنوانين، لا في الاندراج في الموضوعين فلا حظ و تأمل جيدا و الله العالم.

و لو وقف على الجيران رجع إلى العرف كما في القواعد و كشف الرموز و التذكرة و التحرير و المختلف و الإيضاح و جامع المقاصد و الروض و المسالك و الكفاية على ما حكي عن بعضها، و قواه بعض، و استحسنه آخر، و حكاه في جامع المقاصد عن جماعة، لأنه المدار في الألفاظ الصادرة من أهله. و قيل: لمن يلي داره إلى أربعين ذراعا كل ذراع أربعة و عشرون إصبعا من كل جانب و هو حسن بل في غير كتاب نسبته إلى الأكثر، بل في المسالك و غيرها نسبته إلى المشهور، بل في محكي الغنيمة و ظاهر التنقيح الإجماع عليه، بل قيل إنه يلوح أو يظهر من السرائر بل عن موضعين من الخلاف نسبته إلى روايات أصحابنا و إجماعهم، بل قد افتى به من لا يعمل إلا بالقطعيات كالتقي و ابني زهرة و إدريس، و ذكره من عادته التعبير بمتون الأخبار كالمقنعة و النهاية و غيرهما من كتب القدماء، و لعله غير مناف

ج 28، ص: 43

للأول ضرورة أنه تحديد للعرف بذلك، كما هي عادة الشارع في مثل ذلك، كالوجه و المسافة و نحوهما مما يشك في بعض الافراد منها، بعدم معرفة التحقيق في العرف على وجه يعلم الداخل فيه، و الخارج عنه فيضبطه الشارع الذي لا يخفى عليه الشي ء بما هو حد له في الواقع، و ليس ذلك منه معنى جديد، و لا إدخال لما هو معلوم الخروج في العرف و بالعكس.

و من هنا كان ما قيل و إن لم نعرف قائله كما اعترف به في المسالك من تحديده بما يلي داره إلى أربعين دارا من كل جانب صغيرة كانت أو كبيرة ضعيفا جدا، بل في المتن و هو مطرح و في غيره شاذ و في ثالث ليس بشي ء، كل ذلك للقطع بمخالفة العرف له و جعله عرفا شرعيا غير مجد في الألفاظ المتداولة بين أهل العرف في غيره كما هو المفروض.

و إن رواه

جميل بن دراج في الحسن أو الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)«حد الجوار أربعون دارا من كل جانب، من بين يديه و من خلفه، و عن يمينه و عن شماله».

و عمرو بن عكرمة عنه (عليه السلام) أيضا(2)«قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): كل أربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله».

و عمرو بن عكرمة عنه (عليه السلام) أيضا في حديث طويل في آخره (3)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمر عليا و سلمان و أبا ذر أن ينادوا في المسجد بأعلى أصواتهم بأنه لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه فنادوا بها ثلاثة، ثم أومأ بيده إلى أربعين دارا من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله».

لكنها محمولة على التقية من العامة الذين حكموا بذلك (4)

للمرسل عن عائشة «أن النبي سئل عن حد الجوار، فقال: إلى أربعين دارا»

أو على إرادة جوار الشرف كساكني النجف


1- 1 الوسائل- الباب- 90- من أبواب أحكام العشرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 90- من أبواب أحكام العشرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب أحكام العشرة الحديث 1.
4- 4 المغني لابن قدامة ج 4 ص 556 طبع دار الكتب العربية بيروت سنة 1390.

ج 28، ص: 44

و كربلاء و غيرهما بعنوان المجاورة لقبورهم، أو غير ذلك، فمن الغريب ميل ثاني الشهيدين إلى هذا القول مع شدة مخالفته للقواعد الشرعية، ضرورة اقتضائه الوقف أو الوصية لمن يعلم بعدم إرادة الواقف و الموصى إياه كما هو واضح.

و من ذلك يعلم أن المدار في التحديد المزبور على نحو ذلك أيضا، فلو علم بدخول

من خرج عن التحديد في إرادة الواقف حكم بدخوله، و إنما فائدة التحديد عنه الاشتباه.

و لو انتهى عدد الأذرع إلى باب الدار خاصة فعن ابن البراج الدخول، و قواه في الدروس، بل لعله ظاهر محكي المقنعة و النهاية أيضا و كأنه مبني على دخول الغاية في المغيا، و لعله هنا كذلك: أما إذا انتهى إلى أثناء دار فلا إشكال في الدخول عرفا.

لكن في المسالك إن انتهى العدد إلى آخر دار أو بين دارين فالحد متميز، و إن انتهى أثناء دار هل يدخل في الحد أم لا يبنى على دخول الغاية في المغيا مطلقا أم لا أم بالتفصيل بالمفصل المحسوس، فلا يدخل و عدمه فيدخل، و الأقوى تفريعا عليه حينئذ الدخول، و لو وصل المقدار إلى باب داره خاصة، بني على ما ذكروا أولى بعدم الدخول هنا، و صرح ابن البراج بدخوله في عبارة ردية و قواه في الدروس، و لا يخفى عليك ما فيه ضرورة كون المدار في التحديد دخول من وصل إليه بعض الحد إنما الإشكال خاصة فيما إذا كانت باب الدار مثلا على رأس الذراع الأخير، و هو المبني على ذلك كما هو واضح بأدنى تأمل. و لا يعتبر في الجار عرفا الملكية، فيدخل حينئذ المستأجر و المستعير و نحوهما بل و الغاصب في وجه قوي، و إن كان المحكي عن التحرير عدم استحقاقه، بل حكى عنه التوقف في المستأجر و المستعير، و لو باع صاحب الدار داره فسكنها المشتري دخل هو و خرج البائع، و لو عاد عاد الاستحقاق، و كذا المستعير و المستأجر و غيرهما ضرورة دوران الحكم على التلبس بالوصف وجودا و عدما.

نعم لو غاب غيبة بقصد الرجوع مع بقاء عياله و عدمه لم يخرج بذلك عن الوصف و إن حصل الوقف حالها الا مع طول المدة المقتضية ذلك عرفا، و لا عبرة بتقارب الدور مع عدم السكنى حتى على الثالث، و إن احتمله في المسالك، لكنه في غاية الضعف، ضرورة مدخلية السكنى في صدق اسم الجار، لا ملك الدار و نحوه، لكن يكفى فيها صدقها عرفا،

ج 28، ص: 45

فلو كان له داران يسكنهما صدق كونه جار الكل من يليهما مع تردده لكل منهما أما إذا كانت سكناه فيهما على التناوب و لو بحسب الفصول، ففي المسالك استحق زمن السكنى.

و الظاهر أن القسمة على عدد الرؤوس على الثلاثة، لصدق الجيران عرفا على الجميع و إن دخل بعضهم في العيال في وجه قوي.

نعم يخرج العبد لعدم قابليته للملك، إن كان المراد الملكية، لكن في المسالك لو اعتبرنا عدد الدور ففي قسمته على رؤوس أهلها أو على عدد الدور وجهان، و على الثاني يقسم على الدور أولا، ثم يقسم حصة كل دار على رؤس أهلها، و فيه ما لا يخفى من أنه لا اقتضاء في التحديد بالدور و اعتبارها نفسها في الجوار لا ساكنيها، بل المراد هم، و إن كان التحديد بها كما هو واضح، و الله العالم.

و لو وقف على مصلحة كمسجد و قنطرة و نحوهما فبطل رسمها و أثرها بالمرة صرف في وجوه البر كما هو المشهور على ما اعترف به غير واحد، بل لم أقف على راد له من الأصحاب عدا المصنف في النافع. حيث نسبه إلى قول، مشعرا بتردده فيه، و قد نسبه في محكي المهذب إلى الندرة، و غيره إلى الضعف، بل في محكي السرائر نفى الخلاف فيه، بل قيل ظاهرة بين المسلمين، و كان الوجه فيه بعد معلومية إرادة الواقف الدوام، و لو زعم دوام تلك المصلحة، بل عن جامع الشرائع و جامع المقاصد التصريح بكون الفرض مما تقتضي العادة بدوامها إلا أنه اتفق بطلان رسمها على خلاف العادة استصحاب صحته، و إطلاق الأدلة التي ليس فيها ما يقتضي البطلان بتعذر المصرف المعين، إذ هو ليس مقتضيا لانتفاء الموقوف عليه الذي هو في الفرض المسلمون، كما أنه ليس فيها ما يقتضي الانتقال إلى ما يشابه تلك المصلحة، فليس حينئذ إلا الصرف في وجوه البر التي هي الأصل في كل مال خرج عن ملك مالكه لمصرف خاص تعذر، كما ستعرف في نظائر المقام.

و من ذلك يعرف ما في المسالك و غيرها حتى فيما ذكره من التحقيق الذي قد اعترف بتوجه كلام الأصحاب فيما لو كان الوقف في مصلحة ما شأنه الدوام، لخروج الملك عن الواقف بالوقف فعوده يحتاج إلى دليل، و هو منتف، و صرفه في وجوه البر أنسب بمراعاة غرضه الأصلي

ج 28، ص: 46

إن لم يجز صرفه فيما هو أعم منه، و إنما توقف في الوقف على مصلحة مما تنقرض غالبا كشجر التين و العنب أو مجهولة الحال كالوقف على مسجد في قرية صغيرة أو على مدرسة كذلك، بل جزم في الأول بأنه كمنقطع الآخر، بل هو بعض أفراده، فيرجع بعد انقضائه إلى الواقف أو ورثته على الخلاف حيث لا يجعله بعده لمصلحة أخرى تقتضي التأبيد و أما الثاني فقد استشكل فيه من أصالة البقاء فيكون كالمؤبد، و من الشك في حصول شرط انتقال الملك عن مالكه مطلقا الذي هو التأبيد فيحصل الشك في المشروط فلا يحكم إلا بالمتيقن منه، و هو خروجه عن ملكه مدة تلك المصلحة، و يبقى الباقي على أصالة البقاء على ملك مالكه.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت من ظهور كلمة الأصحاب في إرادة الوقف المؤبد لا ما يشمل منقطع الآخر الذي هو بناء على مشروعيته ما يراد انقطاعه من أول صدوره و كون ذي المصلحة مما ينقرض غالبا لا ينافي دوام الوقف بعد عدم انحصاره فيها، و إنما هو مصرف فيها حيث يكون، و لو بأن يعود بعد الخراب و إلا فهو وقف على المسلمين، و يراد حينئذ بوجوه البر ذلك، أو أن المراد تلك الجهة، و لكن قد تعذرت، و تعذرها لا يقتضي البطلان كما عرفت و أن الصرف في وجوه البر للأصل الذي قد ذكرناه في كل مال قد تعذر مصرفه، كما يومي إليه في الجملة ما في كثير من النصوص الواردة في نحو الوصية و النذر المعين الذي له مصارف مخصوصة و قد تعذر.

كالخبر(1)«عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها كيف يصنع بالباقي، فوقع (عليه السلام) الأبواب الباقية اجعلها في وجوه البر».

و نحوه

خبر طويل (2)يتضمن «أنه لو أوصى رجل بتركته إلى رجل و أمره أن يحج بها عنه، قال الوصي: فنظرت فإذا شي ء يسير لا يكفى للحج، فسألت الفقهاء من أهل الكوفة فقالوا تصدق به عنه، فتصدق به، ثم لقي بعد ذلك أبا عبد الله (عليه السلام) فسأله و أخبره بما فعل،


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 47

فقال: إن كان لا يبلغ أن يحج به من مكة فليس عليك ضمان، و إن كان يبلغ ما يحج به، فأنت ضامن».

بل قد يؤيده في الجملة، ما في جملة وافرة من الاخبار(1)مما يدل أن ما أوصى به للكعبة أو كان هديا أو نذرا يباع إن كان جارية و نحوها، و إن كان دارهم يصرف في المنقطعين من زوارها، على أن القسم الأول الذي قد اعترف بصحة كلام الأصحاب فيه مبني على ذلك، ضرورة عدم مدخلية زعمه لدوام المصلحة في صحة الوقف بعد فرض بيان فساده، و لو لاتفاق خلاف العادة، إذ لو لم يكن مبني الصحة ما ذكرناه توجه بطلانه لعدم الموقوف عليه حينئذ و لو في الفرض النادر. هذا.

و ربما احتمل وجوب الصرف في الفرض إلى ما شابه تلك المصلحة فيصرف وقف المسجد في مسجد آخر، و المدرسة إلى مثلها، اقتصارا على

المتيقن، لاحتمال إرادة المثالية فيما ذكره مصرفا في الوقف المراد تأبيده أو لفحوى ما دل على صرف آلات المسجد بعد اندراسه أو خرابه في مسجد آخر، على ملاحظة الشارع الأقرب إلى نظر الواقف.

و لكن قد عرفت إطلاق فتوى الأصحاب الذي مبناه ما قلناه، من استواء القرب كلها في عدم تناول عقد الوقف لها، و عدم قصده إليها بخصوصها، فلا أولوية لبعضها على بعض بالنسبة إلى ذلك، و مجرد المشابهة لا دخل لها في تعلقه بها، فيبطل القيد، و يبقى أصل الوقف من حيث القربة، فيصرف في كل فرد منها، و لعل ذلك منشأ ما ذكرناه من الأصل، و نوقش بأن تحري الأقرب فالأقرب ليس من حيث المشابهة، بل من حيث دخوله في نوع المصلحة الخاصة، و إن تميزت عنه بالخصوصية، فإذا زالت بقي أفراد النوع الآخر الممكنة داخلة، فكان الوقف تضمن أشياء ثلاثة، القربة و المسجدية مثلا، و خصوصية المسجد، فإذا زال الأخير بقي الأول، لقاعدة «الميسور» و «ما لا يدرك».

بل في المسالك و لعل هذا أقرب، و تبعه في الرياض، الا أنه أشكله في الأول بأنه آت في المصلحة التي تعلم انقطاعها أيضا، مع أن حكم منقطع الآخر متناول لها، الا أن يخص هذا بما


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 48

لا يتعلق بمصالح المسلمين، مثل الوقف على أولاده من غير أن يسوقه في باقي البطون و نحو ذلك، ثم قال (1)و ليس بذلك، البعيد و للتوقف مجال، و كذا في الرياض، فإنه بعد أن ذكر مثل ذلك قال: هذا كله في غير معلومة الانقطاع، أما فيها ففي انسحاب الحكم أو لحاقها بمنقطع الآخر كما يظهر من بعض الأجلة وجهان، من إطلاق الفتاوى هنا و ثمة، و الاحتياط لا يترك في المقام.

و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه، بل منه يعلم عدم تحريرهم موضوع البحث عند الأصحاب، و أنه الوقف المؤبد الذي ذكر فيه الصرف على مصلحة خاصة و قد تعذرت، و أنه لا محل هنا لقاعدة الميسور، بعد ما سمعت من الأصل و معلومية عدم قصد الواقف ذلك، إذ لم يصدر منه إلا ذكر المصرف الخاص الذي يرتفع بارتفاع الخصوصية كما هو واضح.

و لو وقف على وجوه البر الذي هو كما قيل: اسم جامع للخير كله و أطلق صرف في الفقراء و المساكين و كل مصلحة يتقرب بها إلى الله سبحانه و تعالى بلا خلاف محقق أجده، و إن تعلق بعض وجوهه في الأغنياء أيضا بعد أن يكون من الخير المأمور يفعله شرعا و لا يحب تحري الأكمل فالاكمل بعد إطلاق العنوان كما هو واضح، و ما عن الوسيلة و الجامع من أن سبل البر الجهاد و الحج و العمرة: و مصالح المسلمين، و معونة الفقراء و الضعفاء- لا خلاف فيه لما ذكرناه، مع أن العنوان فيه سبيل البر لا وجوهه، و إن كانا هما بمعنى.

و لو وقف على بنى تميم و نحوهم مما هو غير محصور صح و لو بنى آدم و يصرف إلى من يوجد منهم و لا يجب عليه تتبع غيرهم، بل لا يجب استيعاب الموجودين على الأصح كما ستعرفه في المسألة العاشرة في اللواحق.

و قيل: و القائل ابن حمزة منا و الشافعي من غيرنا لا يصح لأنهم مجهولون فيعتذر المصرف و الأول هو المذهب بل حكى الإجماع عليه غير واحد صريحا و ظاهرا و اشعارا، مضافا إلى إطلاق الأدلة و خصوص

خبر النوفلي (2)«كتبت إلى أبي


1- 1 هكذا في النسخ لكن الظاهر « و ليس ذلك ببعيد».
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث- 1.

ج 28، ص: 49

جعفر الثاني (عليه السلام) أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد فلان ابن فلان، و هم كثير متفرقون في البلاد فأجاب (عليه السلام) ذكرت الأرض التي وقفها جدك على الفقراء من ولد فلان ابن فلان، و هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، و ليس لك أن تتبع من كان غائبا»

و يمكن حمل كلام المخالف على ما إذا علم ارادة الاستيعاب المفروض تعذره فيه، لا ما إذا علم العدم أو أطلق و حينئذ يكون خارجا عما نحن فيه.

و على كل حال ففي وجوب استيعاب من حضر على السوية أو التفاوت أو يكفي الصرف إلى أحدهم

كالزكاة أو إلى الثلاثة التي هي أقل الجمع مع فرض كون العنوان جميعا بحيث يأتي تحقيقه عند تعرض المصنف له في المسألة العشرة و الله العالم.

و لو وقف على الذمي جاز كما عرفت البحث فيه مفصلا لأن الوقف تمليك، فهو كإباحة المنفعة التي لا إشكال في جوازها له، و لكل من لم تنه عن موادته من الفرقة الباطلة و قيل: لا يصح، لأنه يشترط فيه نية القربة و هي مفقودة فيه و في كل فرقة غير محقق، و في أصل الاشتراط منع قدمناه، و على تسليمه نمنع فقده بعد فرض مشروعيته لشمول العمومات له، فإنه نفسه حينئذ قربة.

و قيل لا يصح الا على إحدى الأبوين المأمور بمعاشرتهما بالمعروف، و قيل يصح على ذوي القرابة خاصة.

و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما عرفت الكلام فيه مفصلا، و كلام المصنف صريح أو كالصريح هنا في عدم اشتراط نية القربة فيه و الله العالم.

و كذا يصح على المرتد كما في القواعد و المسالك، لكن قيداه بما إذا كان عن علة و زاد في الأخير الفطري إذا كان امرأة، و لم أجد شيئا من ذلك لغيرهم، بل الذي عثرت عليه من محكي التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد على الجواز في الملي، فضلا عن الفطري الذي قد صرح بعدم جواز الوقف عليه الشهيدان أيضا و غيرهم، بل لم نعرف فيه خلافا، عدا ما يحكى عن التذكرة أنه حكي فيه قولا و لم نعرفه بل و لا وجهه، بناء على عدم قبول توبته،

ج 28، ص: 50

و عدم قابليته للتملك، كما صرح به في المسالك، بل و على تقدير قبول توبته، فلا أقل من أن يكون حينئذ مساويا للملي الذي قد عرفت التصريح أيضا بعدم جواز الوقف عليه، و لعل الوجه فيه ما سمعته في الحربي، ضرورة عدم إقراره على دينه الذي يرجع إليه و قبول توبته لا يخرجه عن الحربي الذي نهينا عن موادته، و إن كان مقبول التوبة فيجري حينئذ ما يجري فيه، و قد عرفت عدم جواز الوقف عليه، و إن قال المصنف هنا و في الوقف على الحربي تردد، أشبهه المنع لكن قد عرفت الكلام فيه مفصلا، و الله العالم.

و لو وقف و لم يذكر المصرف بطل الوقف على المشهور بل لم أقف فيه على مخالف الا ابن الجنيد كما اعترف به في المسالك بل قد سمعت فيما سبق إجماعي الغنية و السرائر على كونه معروفا متميزا، بل لعل كون الموقوف عليه من أركان العقد من ضروريات الفقه، بل لعل ابن الجنيد غير مخالف في ذلك، فإن المحكي عنده لو قال: صدقة لله و لم يذكر من يتصدق بها عليه جاز ذلك و كانت في أهل الصدقات التي سماهم الله تعالى و هو ليس خلافا في أصل اعتبار الموقوف عليه، بل هو دعوى انصراف ذلك إلى أهل الصدقات، و ليس بأبعد من انصراف الوقف على مصلحة المسلمين باعتبار عودها إليهم.

و لعله لذا مال إليه في المختلف، و اقتصر في الدروس على نقل القولين مشعرا بالتردد بل ربما يؤيده معلومية صحة الوصية بالثلث، و إن لم يعين مصرفه، و دعوى- عدم جواز ذلك أو اختصاص الوصية به دون الوقف مع أن كلا منهما عقد- كما ترى، و كذا نذر الصدقة بالمال، و حينئذ فلا وجه لرده بأن الوقف يقتضي التمليك المستلزم لذات تقويم به، كما في كل عرض بالنسبة إلى جوهر، بل لا يخلو قوله من قوة.

نعم لو فرض ملاحظة الواقف عدم موقوف عليه اتجه البطلان فيه، بل و في المصالح أيضا و نحوها، و أما إذا كان يكفي في ملاحظة ما يرجع إليه فهو مستحق في المقام فتأمل جيدا.

و كذا لو وقف على غير معين كأن يقول: على أحد هذين، أو على أحد المشهدين أو الفريقين فالكل باطل بلا خلاف أجده، بل في المحكي من إجماعي الغنية و السرائر اعتبار كونه معروفا متميزا مضافا إلى ما عرفت، من اقتضاء الوقف التمليك الذي لا بد له من مالك

ج 28، ص: 51

معين، و لو في ضمن عام أو مطلق، و لا يعقل تمليك ما ليس بمعين.

و لما في المسالك من أن الوقف حكم شرعي، فلا بد له من محل معين يقوم به، كما يفتقر مطلق العرض إلى المحل الجوهري، و أحد الأمرين كلي لا وجود له خارجا، و إن كان كل واحد منهما موجودا خارجا، و مقتضاه اختصاص البطلان بالمبهم الذي لا يتقوم في فرد في الخارج، أما لو كان الموقوف عليه أحدهما الصادق في كل منهما فلا بأس به، و لعله لقابليته حينئذ التمليك كغيره من المفاهيم الكلية المالكة و المملوكة، و لا دليل على اعتبار العلم في الموقوف عليه على وجهه تقدح فيه مثل هذه الجهالة.

و لا ينافي ذلك ما في القواعد من الحكم بالبطلان في رجل غير معين أو امرأة كذلك بناء على إرادته المبهم الذي لا يتحقق في فرد، و لا يعقل تمليكه بل و لا تملكه، لا في الاكتفاء فيهما بالإطلاق و العموم، و لا يتوهم الانحلال ما ذكرناه إلى الوقف عليهما ضرورة اقتضاء ذلك التصنيف بينهما، و جواز تناول كل منهما من حيث انه مصداق لأحدهما لا يقتضي الوقف عليهما من حيث الخصوصية كما هو واضح.

و إذا وقف على أولاده، أو اخوته أو ذوي قرابته، اقتضى الإطلاق اشتراك الذكور و الإناث و الأقرب و الأبعد بعد فرض التساوي في صدق القرابة عرفا و التساوي في القسمة، إلا أن يشترط ترتيبا فيهم أو اختصاصا لبعضهم على بعض أو تفضيلا له على آخر، بزيادة النصيب و لو للأنثى أو الأبعد، بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال ضرورة اقتضاء الإطلاق ذلك كاقتضاء قاعدة

«المؤمنون»

و «الوقوف على ما اشترطه»،

و ما عن الإسكافي من أن للذكر مثل حظ الأنثيين في الوقف على الأولاد و الذرية في غير محله، الا أن يريد الوقف عليهم على حسب الإرث لا مع الإطلاق الظاهر في التساوي كما هو واضح.

نعم الظاهر خروج الإناث مع فرض كون الضيعة تخص الذكور، الا مع القرينة و ما في المسالك و غيرها- من أن الإناث يدخلن تبعا في اللفظ المختص في مثل هذه الإطلاقات، كما يدخلن في الأوامر الشرعية المختصة بالذكور إجماعا- كما ترى، ضرورة الفرق بينهما بمعلومية

ج 28، ص: 52

دليل الاشتراك فيها دون المقام الا مع فرض القرينة على ارادة الجميع كما هو واضح.

و لو وقف على أخواله و أعمامه تساووا جميعا لاشتراكهم في أصل الوقف الظاهر في التسوية، بلا خلاف أجده فيه، و إن حكى عن ابن الجنيد، لكن لم أتحققه و إنما المحكي عنه أنه

روى عن الباقر (عليه السلام)(1)«و إذا أوصى بشي ء معين لا عمامة و أخواله كان لا عمامة الثلثان، و لأخواله الثلث»

و الرواية ليست فتوى، و الوصية غير الوقف، و على تقديره فهو واضح الضعف.

و إذا وقف على أقرب الناس إليه ففي القواعد و غيرها بل المشهور هم الأبوان و الولد، و إن سفلوا، فلا يكون لأحد من ذوي القرابة شي ء، كما لم يعدم المذكورون ثم الأجداد و الاخوة و إن نزلوا، ثم الأعمام و الأخوال على ترتيب الإرث، لكن يتساوون في الاستحقاق، إلا أن يعين التفضيل لتساويهم في سبب الاستحقاق، لكن في محكي المبسوط أن المتقرب بالأبوين من الاخوة، الأقرب مطلقا، لأن الانفراد بقرابة يجري مجرى التقدم بدرجة.

و قواه في محكي المختلف، بل اختاره في محكي التحرير بل زاد الأعمام و الأخوال فجعل المتقرب بالأبوين منهم مقدما على غيره و إن كان متقربا بالأم الذي عن بعضهم استبعاد دخوله، و خروج المتقرب بالأب. لكن في الجميع أن مبني كلام الأصحاب تعليق قصد الواقف على مفهوم الأقرب في الواقع الذي كشف عنه الشارع بما ذكرناه في الميراث الذي سببه آية(2)«وَ أُولُوا الْأَرْحامِ»* لأن الناس لا يعلمون أيهم أقرب إليهم.

نعم لو كان قصد الواقف على ما هو أقرب في ظاهر ما عندنا من العرف اختلف مع الميراث في كثير من الافراد، لا في خصوص ما ذكروه كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 سورة الأنفال الآية- 75.

ج 28، ص: 53

[القسم الرابع في شرائط الوقف ]

القسم الرابع في شرائط الوقف و هي أربعة: الدوام، و التنجيز، و الإقباض، و إخراجه عن نفسه بلا خلاف أجده في الأول بمعنى عدم توقيته بمدة كسنة و نحوها، بل الإجماع محصله و محكيه- في الغنية و عن الخلاف و السرائر- عليه، و بذلك يخص عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)بناء على أنه منها، بل و عمومات الوقف أيضا إن لم نقل باعتبار ذلك في مفهومه كما هو ظاهر تعبيره عنه بالشرطية، و الا فلا شمول فيها له حينئذ، و حينئذ فلو وقفه و قرنه بمدة بطل قطعا مع فرض ارادته وقفا، أما إذا لم يعلم فهل يكون التوقيت قرينة على ارادته

حبسا، كما صار التأييد قرينة على ارادة الوقف لو كان اللفظ حبسا و لو لا صالة الصحة، صرح المصنف و الشهيدان في الدروس و المسالك و الروضة بالأول منهما، و في جامع المقاصد فيه قوة، لكن قد يناقش بعدم صلاحية ذلك صارفا عن المعنى الحقيقي، و لو بملاحظة أصالة الصحة التي لا مدخلية لها في الدلالة على المقصود الشامل للصحيح و الفاسد بعد ظهور اللفظ في الحقيقة المقتضية للفساد.

نعم لو قيل: بصيرورته حبسا و أن قصد معنى الوقف بدعوى أنه قدر مشترك بينهما كما عساه يظهر من بعضهم، و أن تشخيص كل منهما يحصل بذلك و نحوه كان متجها إلا أنه كما ترى، ضرورة تباينهما مفهوما حتى بالنسبة إلى تمليك العين و إن اشتركا في شي ء في الجملة نحو اشتراك البيع و الصلح مثلا في نقل العين على أنك قد عرفت فيما مضى أن التمييز على هذا الفرض منحصر في القصد حينئذ فمع فرض عدمه يبطلان معا كما هو واضح.

و من هنا قال في المسالك تبعا لجامع المقاصد، بعد أن ذكر التعليل المزبور أنما يتم مع قصد الحبس فلو قصد الوقف الحقيقي وجب القطع بالبطلان، و إن ناقشه في الرياض بأنه كذلك بناء على المختار من اشتراط الدوام، و أما على مختاره من التردد في اشتراطه، فلا وجه للقطع به، و لعل مراده على تقدير اشتراطه، و لكن يدفعها ان تردده فيه بالنسبة إلى المسألة الآتية، لا بالنسبة إلى التوقيف الذي لم نعرف قولا بصحته، بل و لا احتمالا.


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 28، ص: 54

و من ذلك يظهر لك أن ما أتعب به نفسه- حتى أنه ذكر أدلة المسألة الآتية و ما فيها من الشهرة و غيرها في هذه المسألة- في غير محله و اشتباه، و كان الذي أوقعه في ذلك ما في الكفاية من نسبة القول باعتبار الدوام إلى جماعة، و فرع عليه الاقتران بمدة، إلا أنه لم يذكر فيه أيضا قولا بالصحة وقفا بخلاف المسألة الآتية، فإنه هو قد اختار الصحة وقفا.

كما أنه غره في الاستدلال في المقام على الصحة حبسا بالصحيحين فقال: الأظهر الاستدلال عليه ب

صحيح ابن مهزيار(1)«قلت له: روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة، و كل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل مردود على الورثة، و أنت أعلم بقول آبائك (عليهم السلام)، فكتب (عليه السلام) هو كذلك عندي».

وصحيح ابن الصفار(2)«كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) أسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو، فقد روى أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة، و إذا كان موقتا فهو صحيح ممضى، و قال قوم: ان الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان و عقبه، فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث الله عز و جل الأرض و من عليها، قال: و قال آخرون: هو موقت إذا ذكر أنه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث الله الأرض و من عليها، و

الذي غير موقت ان يقول: هذا وقف و لم يذكر أحدا، فما الذي يصح من ذلك، و ما الذي يبطل؟ فوقع (عليه السلام): الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء الله تعالى»

ثم قال: و هما و إن دلا ظاهرا على الصحة وقفا الا أن حملهما على الصحة حبسا متعين جدا، جمعا بينهما و بين ما دل على كون التأبيد شرطا و رجوع مثل هذا الوقف بعد موت الموقوف عليه إرثا فإنه من لوازم الحبس كما يأتي إن شاء الله تعالى.

و فيه انه لا وجه لما ذكره في الصحيح الثاني المشتمل على تفسير الموقت فيه بما سمعت، بل هو شاهد على إرادته أيضا من الصحيح الأول كما ذكره شيخ الطائفة خصوصا بملاحظة كونه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 2.

ج 28، ص: 55

المعروف فيما بينهم من السؤال و النزاع فيه، لا المقرون بمدة الذي لم يعرف قديما و حديثا قول بصحته وقفا، و لا أقل من احتمال ذلك فيها على وجه يرتفع ظهورها، فكيف يصح الاستدلال بها؟

و منه يعلم كون المراد من معاقد الإجماعات على اعتبار الدوام عدم التوقيت بمدة كما هو صريح ابن زهرة و غيره، و إلا كان ما تسمعه منهم من الخلاف في صحته وقفا لو وقف على من ينقرض غالبا متدافع مع ذلك، ضرورة منافاته للإجماع على اعتبار الدوام المنافي لذلك.

و دعوى كون النزاع في صحته حبسا و عدمها لا وقفا لا يخفى بطلانها على من له أدنى ممارسة و دربة كدعوى الاستدلال بعموم الجواب في الثانية على المطلوب، ضرورة كونه كما ستعرف دالا على الصحة منقطعا لا الحبس، و بذلك كله ظهر لك الخلط في كثير من الكلمات المتأخرين في تحرير موضوع المسألة الذي قد عرفت أنه لا كلام في بطلانه وقفا في الاقتران بمدة، و إنما الكلام في صحته حبسا بمعنى أن ذلك قرينة على قصده الحبس أولا، و قد سمعت الحال فيه.

و كذا قد سمعت غير مرة اعتبار التنجيز في كل سبب شرعي إلا ما خرج و أنه يبطل لو علق شيئا بصفة متوقعة الحصول فيما يأتي، بل أو متيقنة بلا خلاف و لا اشكال كما تسمع تمام الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

و كذا ظهر لك الحال في الجملة لو جعله وقفا لمن ينقرض غالبا، كأن يقفه على زيد و يقتصره أو يسوقه إلى بطون ينقرضون غالبا، أو يطلقه في عقبه و لا يذكر ما يصنع به بعد الانقراض و إن هذه مسألة ثانية لا تتفرع على اعتبار الدوام بالمعنى المزبور و تحقيق البحث فيها أنه لو فعل ذلك قيل: يبطل الوقف كما عن المبسوط إرساله أيضا و لكن لم أتحقق قائلة.

نعم في القواعد و محكي الوسيلة و جامع الشرائع و الإرشاد و المختلف و التنقيح و المقتصر و إيضاح النافع و جامع القاصد و المسالك و الروضة، و كذا الروض التصريح بكونه حبسا،

ج 28، ص: 56

و هو يوهم في بادى النظر ذلك لكن من المحتمل إرادتهم الحبس حكما كما يقضى بذلك بعض كلماتهم، بل هو صريح المختلف و المسالك و في جامع المقاصد بعد أن حكى عن التذكرة عدم نقل العين منه إلى الموقوف عليه، معللا له بأن ذلك في المؤبد منه قال: فعلى هذا أقسام الوقف كان حبسا، و حينئذ فالنزاع يرجع إلى التسمية فقط» انتهى.

و قيل: يجب إجراؤه حتى ينقرض المسمون بمعنى أنه يصح وقفا كما هو صريح جماعة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الشيخين و المختلف و التذكرة و أكثر الأصحاب بل قد عرفت احتمال كونه مذهب الجميع بناء على إرادة المساواة في الحكم من التصريح بكونه حبسا.

و بذلك يظهر لك وجه نقل الأصحاب في المسألة، ففي المختلف و محكي الإيضاح نسبة صحته وقفا إلى الشيخين و ابن الجنيد و سلار و ابن البراج و ابن إدريس، و قال ابن حمزة «يكون حبسا بلفظ الوقف»، و عن المهذب البارع مثل ذلك، و في التنقيح نسبته إلى النافع و الشيخ و ابني حمزة و إدريس و العلامة في محكي المقتصر أنه يكون سكنى أو عمري أو حبسا بلفظ الوقف و نسبه إلى الشيخين و تلميذهما و أبي علي و ابن إدريس و المحقق في النافع و قد سمعت ما في جامع المقاصد، و لا تلتئم كلماتهم إلا على ما ذكرنا مؤيدا بأن المفهوم من أدلتهم و عنوانهم و غير ذلك كون البحث في صحة الوقف المنقطع آخره و بطلانه، و من المعلوم أن المراد مع قصد الوقفية، و هذا لا يمكن القول بصحته حبسا، ضرورة كون الحبس عقدا آخر يحتاج إلى قصد مستقل و هو مباين لقصد الوقف المقتضى لنقل العين للموقوف عليه و خروجها عن الواقف بخلاف الحبس فلا يتصور حينئذ القول به في مفروض المسألة الأعلى إرادة المساواة له في الحكم كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم القول بالحبس في مسألة أخرى و هي أنه بعد البناء على بطلان الوقف المنقطع لو عبر بلفظ وقفت و جعل متعلقها منقرضا، فهل يكون ذلك قرينة على قصد الحبس دون الوقف نحو ما سمعته في الاقتران بمدة، و هذه مسألة لفظية لها طريق آخر من الاستدلال لا نحو هذا المذكور في كلماتهم، و قد عرفت تحقيق الحال في نظيرها، و هي الاقتران بمدة.

ج 28، ص: 57

و من ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد و المسالك من ذكر أقوال ثلاثة، أحدها الحبس في مفروض مسألة المتن و غيره من كتب الأصحاب التي هي صحة الوقف المنقطع و عدمها، و أعجب من ذلك ما أطنب في الرياض من أن المسألة ذات قولين: أحدهما البطلان مطلقا، و الآخر الصحة و المراد الصحة حبسا لا وقفا، و استشهد على ذلك بتصريح جماعة ممن قال بالصحة بانتقال العين الموقوفة بعد الانقراض إلى الواقف و ورثته، و هذا من لوازم الحبس فتكون كلمة القائلين بالصحة متفقة على إرادة الصحة حبسا لا وقفا، و هو من غرائب الكلام، و ما كنا لنؤثر وقوع ذلك منه خصوصا بعد قول جماعة منهم بالانتقال إلى ورثة الموقوف عليه.

و قول آخر أنه يصرف في وجوه البر و تصريح غير واحد بأن الأكثر على صحته وقفا، بل التتبع يشهد به، بل قد عرفت عدم إمكان تصور القول بصحة ذلك حبسا، و ما ذكره من اللازم المزبور كاد يكون صريحا بخلافه، ضرورة ظهور كلام بعض و صريح آخر بعود ذلك الى الواقف بعد الانتقال إلى الموقوف عليه، و هذا لا يكون في الحبس الذي لم تنقل فيه العين عن المالك، و المصرح ببقاء العين هنا- مع ندرته- مدع أن هذا الوقف له حكم الحبس، و انما الذي يخالفه الوقف المؤبد دونه، و بالجملة لا ينبغي التأمل في ضبط تحرير المسألة منه و من غيره و التحقيق ما عرفت.

كما أن التحقيق فيها القول بالصحة و أنه هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لا لكثير مما ذكروه مما هو محل للنظر، بل لأصالة عدم الاشتراط المستفادة من عموم أدلة العقود و خصوص أدلة الوقف، سيما نحو

قولهم (عليهم السلام) «الوقوف على حسب ما- يوقفها(1)»

و خصوصا الصحيحان المزبوران (2)الظاهران أو الصريحان بعد تفسير أحدهما بما في الآخر في أن الوقف الموقت المحكوم فيهما الأعم من القسمين، بل هما ظاهران أو صريحان لمن وهبه الله تعالى قريحة نقادة في أن كل وقف موقت صحيح، و كل وقف غير موقت باطل مردود


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 1- 2.

ج 28، ص: 58

على الورثة، ففي مثل المفروض هو موقت ما دام الموقوف عليه موجودا، و غير موقت إذا انقرضوا فيثبت له حكم كل منهما من الصحة و الفساد، ضرورة أن

قوله (عليه السلام) في الصحيح الأول «هو كذلك عندي»

تقرير للكليتين المفسرتين بالصحيح الآخر الذي هو كالصريح في صحة الوقف بالتفسير الثاني منهما و هو مفروض مسألتنا فالجمع بينهما حينئذ نتيجة ما ذكرناه.

بل من قوله «على حسب» إلى آخره، يستفاد أيضا اعتبار الموقوف عليه في الصحة و إلا لم يدخل تحت المصداق الظاهر للفظ حسب هنا، كما أن منه يستفاد تأثير عقد، الوقف بالنسبة إلى نقله العين و المنفعة على حسب ما تضمنه العقد، و ما زاد عليه مما لم يكن فيه موقوف عليه هو من غير الموقت الذي حكم ببطلانه و رجوعه إلى الوارث.

بل لا يخفى ظهور قوله (عليه السلام) في الصحيح الأول باطل مردود على الورثة في نحو المفروض، لظهور لفظ الرد في ذلك، و كذا الورثة إذ لو كان المراد خصوص الباطل من أول الأمر لكان الرد فيه على الواقف الذي لم ينتقل عنه حتى يرد عليه، فتأمل جيدا.

و دعوى- أن ملك العين لا يكون إلى أمد، و أنها متى خرجت عن ملك المالك يحتاج عودها إلى سبب جديد- واضحة الفساد، لا لما في المسالك من النقض بالحبس و إخوته، ضرورة اقتضائها نقل المنافع إلى العين التي لا إشكال في بقائها على ملك المالك في الثلاثة، بل لأنها كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى في الوقف الذي قد شرع نقله على هذا الوجه، و لذا يتغير بتغيير الأوصاف التي منها الحياة و الموت، و الفقر و الغنى، و العلم و الجهل، و غير ذلك و في الجميع يتلقى الثاني الملك عينا و منفعة من الواقف لا من زائل الوصف.

و حينئذ فلا بأس في مفروضنا من دعوى كون العين المملوكة للموقوف عليه المفروض انقراضه ما دام موجودا مثلا، و بعده تعود إلى الواقف، لأن عقد الوقف بعد فرض مشروعيته على هذا الوجه انما اقتضى نقلها عن المالك ما دام الموقوف عليه غير منقرض، و متى صار غير موقت صار باطلا مردودا على الواقف أو ورثته كما هو صريح الصحيح الأول، فلا يحتاج حينئذ إلى سبب جديد، بأن الناقل عن مقتضى الملك إنما نقل هذا المقدار، و ليس هذا من

ج 28، ص: 59

التوقيت في الملك أو في الوقف الذي قد حكينا الإجماع على عدم جوازه، ضرورة كون ذلك الذي قد أخذت فيه المدة غاية، لا ما إذا جائت تبعا لانقراض الموقوف عليه فالعود إلى الملك بانتهاء سبب النقل كالعود بسبب الفسخ بالإقالة و الخيار اللذين ليسا سبب ملك جديد للمال، الذي خرج عن ملك المالك، و إنما هما سبب فسخ للسبب الذي اقتضى النقل، فعاد مقتضى السبب الأول على حاله، بل لعل ذلك هو الأصل في بطلان كل سبب طار على السبب الأول الذي منه ما نحن فيه كما هو واضح.

و من ذلك كله ظهر لك أنه لا وجه للقول بانتقاله إلى ورثة الموقوف عليه كما في المقنعة و محكي السرائر، بل ربما حكى عن سلار أيضا، بل مال إليه أو قال به الفاضل في محكي التحرير، باعتبار كونه ملكا لمورثهم، إذا المورث إنما ملكه على الوجه المزبور فلا يدخل في تركته حتى تشمله أدلة الإرث.

و كذلك القول بصرفه في وجوه البر الذي جعله في الغنية أحوط، و نفى عنه البأس في المختلف، إذ هو إما مبنى على بقائه وقفا و ترك ذكر المصرف فيه فيصرف فيها أو على أنه مال جهل مالكه، و لو من حيث الأدلة الشرعية بمعنى عدم دليل بالخصوص يشخص مالكه و كلاهما كما ترى، ضرورة عدم صحة بقائه وقفا، بعد فرض أن الواقف لم يقصد بوقفه الا على خصوص المفروض انقراضهم، و قد عرفت

أنه (عليه السلام) قال: «الوقوف على حسب، ما يوقفها أهلها(1)»

فبقاؤه وقفا حينئذ و صرفه في ذلك مناف للعنوان المزبور قطعا.

و أما دعوى كونه مجهول المالك شرعا فيدفعها ما عرفت من أن عقد الوقف لم يقتض إلا الإخراج عن الملك بالقدر المزبور، و ما عرفت من التصريح برجوع الوقف إلى الورثة و أنه المراد بعدم التوقيت الذي منه ما نحن فيه بعد الانقراض.

نعم قد يتوقف في انتقاله مع فقد الواقف إلى ورثته حين انقراض الموقوف عليه، باعتبار صيرورته بحكم ماله في ذلك الوقت، فلا مدخلية

للوارث السابق الذي كان وارثا للمال الذي هو


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 2.

ج 28، ص: 60

للميت حال موته، أو إلى الوارث الأول باعتبار تأهل الميت لصيرورته ملكا له بانقراض الموقوف عليه، لأن الملك إنما خرج عنه متزلزلا و هذا التأهل يتنقل إلى وارثه، لأن كل ما هو له يكون لوارثه، فهو حينئذ كفسخ المشتري بخياره بعد موت الميت بمدة، فإنه يكون المبيع للوارث الأول، و لو لأن انتقال المبيع عنه كان متزلزلا، بفسخ المشتري. إذ هو هنا كذلك قد انتقل المال عنه متزلزلا.

و لعل الثاني منهما لا يخلو من قوة، و إن أمكن الفرق بين المشبه و المشبه به، بوجود الثمن في البيع الذي ملكه البائع متزلزلا، و الفسخ يقتضي رد العوض بخلاف المقام إلا أنه فرق لا ينافي ما ذكرناه من القوة التي مبناها تناول أدلة الإرث لمثل ذلك.

و بذلك كله ظهر لك وجه القول بالرجوع إلى ورثة الواقف على فرض الصحة وقفا. و أما دعوى أن الفرض و إن كان وقفا إلا أنه لا يفيد الا مفاد الحبس- حتى ذكر بعضهم ندور الثمرة في الفرق بينهما، و انما هي في النذر و الوصية، و النية المصححة لمثل هذا الوقف إن كان متعلقها الحبس و المفسدة له إن كان الوقف، و نحو ذلك فلا يفيد حينئذ نقل العين إلى الموقوف عليه، و إن أفاده في المؤبد- فيدفعها ظهور أدلة الوقف في اتحاد مقتضاها في جميع أفراده، و إلا لاقتضى التوقف حينئذ في الحكم بملك العين و عدمه في نحو الفرض المحتمل لانقراض الموقوف عليه و عدمه و هو معلوم البطلان كما هو واضح.

و من الغريب دعوى هؤلاء كون الفرص من الحبس، و قولهم بندور الثمرة بينه و بين الحبس، ضرورة عدم معقولية ذلك إلا على جعله وقفا، كي يتجه ظهورها بمثل النذر و اليمين، و كل ذلك ناشئ من عدم تحريهم المسألة على وجهها.

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه ما في كثير من الكلمات في المقام- فضلا عما فيها من التشويش، و الله الهادي و الحافظ من زلل الاقدام و الأقلام- و لا ما في دليل القول بالبطلان الذي أرسله الشيخ المبني على دعوى اعتبار الدوام في الوقف على وجه يشمل الفرض- و هي مصادرة محضة، كدعوى رجوع ذلك إلى التوقيت الذي قد عرفت بطلانه، للفرق الواضح بينهما- و على أنه يكون وقفا على مجهول و هو باطل و فيه أن المجهول إن أريد به بالابتداء فظاهر

ج 28، ص: 61

فساده، و إن أريد به بعد الانقراض فليس هناك موقوف عليه أصلا، فلا يحكم عليه بالجهالة، إذ بعد انقراضه يبطل الوقف و يصير موروثا كما عرفت.

و كذا ظهر فلك الحال أيضا فيما ذكره المصنف و غيره بقوله فإذا انقرضوا رجع إلى ورثة الواقف، و قيل: إلى ورثة الموقوف عليهم و قيل: يصرف في وجوه البر و أن الأول أظهر و أشهر بل المشهور، و الله العالم.

هذا كله فيما لو حصل الانقراض في الموقوف عليه، أما مع فرض دوام له و ان كان محتملا من أول الأمر، فلا وجه لاحتمال البطلان حينئذ، فلو قال: وقفت على أولادي و نسلهم، فان مات الأولاد و لا نسل، فعلى إخوتي، فإذا انقرض النسل فعلى الفقراء، و اتفق حصول النسل و انقراضهم، صح الوقف بلا اشكال لعموم

«الوقوف (1)»

و غيره لكن في الدروس ربما احتمل البطلان على تقدير انقراض النسل، لأنه تأبيده حال العقد، و هو كما ترى، لأن المصحح صرفه إلى جهة مؤبدة و إن لم تكن معلومة الوقوع و من ثم لو بقي النسل أبدا صح الوقف، كما أن ما ذكرناه من الصحة إنما هو في منقطع الآخر بخلاف منقطع الأول الذي قد عرفت سابقا بطلانه، خلافا للشيخ، و أما منقطع الوسط فالظاهر الصحة إليه ثم البطلان بعده، فلو وقف مثلا على زيد ثم على عبده ثم على المساكين صح على زيد، و بطل في العبد و المساكين.

لكن في الدروس احتمال صحته في الطرفين، و بطلانه في الوسط، و صرف غلته فيه إلى الواقف أو وارثه، و كأنه مبنى على مختار الشيخ من اجراء حكم تبعض الصفقة فيه الذي قد عرفت بطلانه فيما تقدم، و احتمال الاستدلال له بالكليتين في الصحيح السابق يدفعه معلومية تقييد ذلك بما إذا لم يحصل للوقف مبطل آخر من تعليق و نحوه فتأمل.

نعم قد يحتمل البطلان على زيد أيضا باعتبار عدم حصول سلسلة الترتيب، فلم يكن الوقف حينئذ على حسب ما وقفه أهله، و منه يظهر الفرق حينئذ في منقطع الآخر بين أن يكون لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 2.

ج 28، ص: 62

ذكر موقوف عليه، و بين من كان لترتيب من لا يصح الوقف عليه، لكن فيه أن الظاهر من ذلك عدم ملاحظة الواقف الترتيب بالنسبة إلى ذلك، و إنما الظاهر ملاحظته بالنسبة إلى اعتبار المتقدم في المتأخر لا العكس، إلا مع القرينة المقتضية لملاحظة الترتيب في كل منهما، و حينئذ يتجه البطلان بفساد شي ء من السلسلة فتأمل.

و لو وقف على أبنية ثم على الفقراء فمات أحدهما ففي الدروس الأقرب صرف نصيبه إلى أخيه، لأن شرط الصرف إلى الفقراء انقراضهما و لم يحصل، و يمكن جعله منقطع الوسط فيكون نصيب الميت لأقرباء الواقف، و يمكن جعله للفقراء عملا بالتوزيع.

و فيه أن صرف نصيبه إلى أخيه مع عدم كون ذلك من الواقف لا وجه له فيتعين انقطاع الوقف حينئذ بالنسبة إليه و تختص صحته في نصيب الآخر خاصة و منه يعلم الحال فيما احتمله فيها أيضا فيما لو حبسه على أبنية ثم مات أحدهما احتمل صرف نصيبه إلى الحابس أو وارثه، و يحتمل صرفه إلى الآخر لأنه مصرف الحبس في الجملة، و لو وقفه على ولده سنة ثم على الفقراء أو مدة حياة الواقف على ولده ثم الفقراء ففي الدروس «صح و نقل فيه الفاضل الإجماع، لأنه وقف مؤبد في طرفيه و وسطه».

قلت: لكن فيه أنه مناف لاشتراط الدوام بالمعنى الذي ذكرناه سابقا، اللهم إلا أن يحمل ذلك على ارادة تقييد أصل الوقف بمدة، لا تقييده بالنسبة إلى خصوص موقوف عليه فتأمل جيدا.

و لو وقف على أولاده و شرط أن يكون غلته العام الأول لزيد و الثاني لعمرو و هكذا و بعدهم على الفقراء ففي العام الأول لعلمائهم و في الثاني لزهادهم، و في الثالث لشيوخهم اتبع شرطه، كما في الدروس

لعموم «المؤمنون»

و «الوقوف»

إذا كان الشرط للموقوف عليهم، أما إذا كان لأجنبي فالظاهر الصحة ما لم يستغرق، و كون الولد موقوفا عليهم لا ينافي ذلك، و إن استحقوا هم المنفعة لو لا الشرط المزبور، و ربما يستأنس له في الجملة ب

خبر جعفر بن حيان (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وقف غلة له على قرابة له من أبيه، و قرابة من


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 8. باختلاف يسير.

ج 28، ص: 63

أمه، و أوصى لرجل و عقبه من تلك الغلة ليس بينه و بينه قرابة بثلاثمائة درهم كل سنة، و يقسم الباقي على قرابته من أبيه و أمه؟ قال: جائز للذي درهم لورثته يتوارثونها ما بقي واحد منهم، فإذا انقطع ورثته و لم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت ترد إلى ما يخرج من الوقف»

بحمل الوصية فيه على تمليك ذلك بالشرط.

و لو وقف على ولده فإذا انقرضوا و انقرض أولادهم فعلى المساكين ففي الدروس، «الأقرب عدم دخول أولادهم في الوقف و النماء لأقرباء الواقف حتى ينقرضوا» و قال الشيخ بدخولهم، أما لشمول لفظ الولد للنافلة كقول المفيد و جماعة، و إما لقرينة الحال، و هو قوى.

قلت لا إشكال مع ذلك، إنما الكلام مع فرض تصريح الواقف بذلك، و لا ريب في كونه حينئذ مع انقراض الأولاد دون أولادهم منقطع الآخر، و حينئذ يتجه بطلانه لخلوه عن موقوف عليه في بعض الزمان، و في القواعد بعد أن حكى قول الشيخ قال: «و ليس بمعتمد بل يكون منقطع الوسط، فإذا انقرض أولاد أولاده عاد إلى الفقراء، و النماء قبل انقراض أولاد الأولاد لورثة الواقف على اشكال» و هو مبنى على اختصاص البطلان في منقطع الوسط فيه خاصة، الا أن ذلك يقتضي عدم الإشكال حينئذ في كونه لورثته.

و لو قال: وقفت إذا جاء رأس الشهر و إن قدم زيد لم يصح بلا خلاف و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، لما ذكرناه غير مرة من منافاة التعليق على متيقن الحصول أو متوقعة لظاهر ما دل على تسبيب الأسباب المقتضي لترتب آثارها حال وقوعها، فما في المسالك من عدم الدليل على ذلك في غير محله.

و من هنا كان المتجه الصحة في التعليق الذي لا يقتضي ذلك كقوله وقفت إن كان اليوم الجمعة للعالم بذلك و إن أبطله بعضهم أيضا بدعوى مانعية صورة التعليق لكن الإشكال في إثباتها هذا، و في المسالك «أنه يتوجه على قول الشيخ بجواز الوقف المنقطع الابتداء إذا كان الموقوف عليه أولا مما يمكن انقراضه أو يعلم كنفسه و عبده بمعنى صحته بعد انقراض من بطل في حقه جواز المعلق على بعض الوجوه».

ج 28، ص: 64

قلت: قد عرفت تحقيق كلامه و ضعفه، و إمكان خروجه عن التعليق في بعض وجوهه المحكية عنه و الأمر سهل، و كذا تقدم الكلام مشبعا في أن القبض بإذن الواقف شرط فيه للنصوص التي ستسمع بعضها مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه في الجملة.

و

صحيح صفوان عن أبي الحسن عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)«سألته عن الرجل يوقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا فقال إن كان وقفها لوالده و لغيرهم ثم جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها و إن كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم

لم يكن له أن يرجع فيها و ان كانوا كبارا لم يسلمها إليهم، و لم يخاصموا حتى يجوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنهم لا يجوزونها عنه، و قد بلغوا»

و خبر العمرى (2)عن صاحب الزمان (عليه السلام)، «و أما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا ثم يحتاج إليه صاحبه ما لم يسلم فصاحبه بالخيار، و كل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج إليه أو لم يحتج افتقر اليه أو استغنى عنه»

الحديث.

و لكن قد عرفت البحث في أن القبض شرط في صحته على وجه لا يترتب عليه الأثر قبله، أو أنه شرط للزومه فلو وقف و لم يقبض ثم مات بطل و كان ميراثا على الأول بل و الثاني، و كذا يبطل لو جن أو أغمي عليه كما هو الشأن في جميع شرائط الصحة إذا حصل المانع منها في أثنائها قبل تمام السبب الذي ظاهر ما دل على سببيته أو.

المتيقن منه اعتبار دوام التأهل إلى تمام السبب من غير فرق بين الموجب و القابل و العين التي هي متعلق العقد، و من هنا لم يظهر خلاف بين الأصحاب في سائر المقامات في بطلان السبب بعروض المانع في أثنائه و إن زال بعد ذلك.

نعم لو قلنا بكونه شرط اللزوم انفسخ بموت الواقف للصحيح الآتي بناء على ارادة الوقف فيه من الصدقة، و إن ناقش فيه في المسالك، إلا أن المشهور الاستدلال به، بخلاف الجنون و

الإغماء، بل قد يتوقف في الانفساخ بموت البطن الأول من الموقوف عليه قبله بناء على أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوقوف الحديث- 8.

ج 28، ص: 65

شرط اللزوم، و دعوى أن ذلك شأن العقد الجائز يدفعها عدم الدليل على ذلك لو كان من المملكات كالهبة و الجواز في نفسه أعم من ذلك، بل ربما احتمل عدم البطلان بموتهم على تقدير كونه شرطا للصحة أيضا لا مكان قيام البطن الثاني مقامه في القبض، و ان بطل بموت الواقف للفرق بينهما بالانتقال إلى الوارث المقتضى للبطلان بخلاف الفرض، و لعله لذا توقف في صحته إذا قبض البطن الثاني في محكي التحرير.

لكن قد يناقش- بأن المراد القبض ممن كان قبول العقد له، لعل ظاهر صحيح صفوان و غيره مما دل على اعتبار القبض- بما في الرياض من أن قبض البطن الثاني إنما يؤثر الصحة بالنسبة إليه، دون من مات و لم يقبض، فوجوده حينئذ كعدمه، و يكون وقفا على معدوم غير تابع لموجود، على أن معنى صحة الوقف صحة ما جرت عليه صيغة العقد و هو ليس إلا الوقف عليهما دون الثاني فقط، فصحته بالنسبة إليه خاصة دون الأول غير ما جرى عليه العقد، و فيه أنه لا حاصل له بعد فرض جريان العقد على وجه صحيح و البطلان و عدمه إنما عرض بحصول شرط الصحة شرعا و عدمه، فهو كالوقف على شخصين قبض أحدهما دون الآخر فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر عدم اعتبار الفورية فيه، لظهور ما دل على اعتباره من خبري عبيد و محمد في ذلك، مؤيدا بعدم الخلاف فيه فيما أجد، و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد مما ذكرناه، و من أنه باعتبار توقف الصحة عليه كان كالقبول من العقد، إلا أنه كما ترى.

و لو وقف ما في يده على أولاده الأصاغر الذين هو ولي عنهم كان قبضه قبضا عنهم، و كذا الجد للأب بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، ل

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أنه قال في الرجل يتصدق على ولده، و قد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره».

و خبر عبيد بن زرارة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه قال في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقف الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقف الحديث 5.

ج 28، ص: 66

قال: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز، لأن الوالد هو الذي يلي أمره، و قال: لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله».

و خبر علي بن جعفر(1)المروي عن قرب الاسناد عن كتابه «إذا كان أب تصدق على ولد صغير فإنها جائزة، لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

بل في المسالك و غيرها أن الظاهر عدم الفرق بين قصده بعد ذلك القبض عن المولى عليه للوقف، و عدمه، لتحقق القبض الذي لم يدل الدليل على أزيد من تحققه.

قلت: لا ينبغي التأمل في ظهور دليله في اعتبار كون القبض على أنه وقف، فلا يجزى القبض، بعد الوقف مع الذهول عنه، أو كان على وجه العارية أو الوديعة، أو نحو ذلك مما هو ليس قبضا للوقف من حيث أنه وقف قطعا، و حينئذ فمع فرض شرطيته حتى في الفرض لا يتعلق بدون القصد، ضرورة عدم امتياز أصل الفعل المشترك، فضلا عن الاستدامة التي كان افتتاحها لغيره.

نعم لو قيل بعدم اشتراطه في مثل الفرض لعدم العموم في دليله أو لخصوص النصوص المزبورة، بناء على أنه المراد من التعليل فيها أيضا على معنى أنه إذا كان هو الذي يقبض عنه، فكيف يعتبر القبض في وقفه، إذ لا يتصور أن يقبض نفسه، اتجه حينئذ ذلك، إلا أنه مناف لظاهرهم من عموم شرطيته.

اللهم إلا أن يراد من نحو العبارة صيرورة قبضه قبضا عنهم شرعا، و لكن فيه حينئذ أنه خلاف ظاهر الأدلة، خصوصا صحيح صفوان (2)الظاهر في اعتبار الحيازة لهم المتوقف على النية،

بل لعل ذلك هو المراد من التعليل، لا إرادة عدم الاحتياج إلى قصد، كما هو واضح لمن أوهبه الله تعالى الانتقاد.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الهبات الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 4.

ج 28، ص: 67

و لعله إلى ذلك أشار في جامع المقاصد بعد أن ذكر ظهور العبارة في كفايته مع عدم القصد، قال: «و يشكل بأن القبض انما القبض انما يحسب لذي اليد، ما لم يقصده لغيره ممن له ولاية عليه و نحوه» خلافا لما سمعته من ثاني الشهيدين و غيره بل و شيخنا في كشفه، بل في الأخير و لو نوى الخلاف فالأقوى الجواز، و فيه نظر، و أغرب منه ما سمعته من الأول من إلحاق قبض الودعي و المستعير، بل و الغاصب في وجه، يقبض الولي في عدم الحاجة إلى الإذن و القصد.

و على كل حال فلا فرق في الحكم بين أصناف الولي، خصوصا بعد ملاحظة التعليل المزبور، و لكن المتن و في الوصي تردد، أظهره الصحة و لم أجده لغيره عدا ما يحكى عن التحرير، و ما تشعر به عبارة النافع، و كأنه للتردد فيه في غير موضع، باعتبار اتحاد الموجب و القابل فيه، المغتفر في الأب و الجد، للنصوص، إلا أنه قد بينا ضعف ذلك أيضا في غير موضوع، و المراد هنا أن التردد لذلك، لا لدعوى أن ولاية الوصي ضعيفة، فلا تقتضي صيرورة قبضه قبضا عنهم، التي هي واضحة الفساد، إذا لا إشكال في عدم مدخلية ذلك، كما لا إشكال في كفاية قبضه عنهم في الوقف من أجنبي و الهبة و غيرهما مما لا خلاف فيه، و لا اشكال فيه، و إن ظن في الرياض دخول القبض من الأجنبي في التردد، إلا أنه كما ترى.

و كيف كان ففي المسالك و في معنى ما ذكر، أى قبض الولي ما لو كان الموقف تحت يد الموقوف عليه قبل الوقف بوديعة و عارية و نحوهما، لوجود المقتضي للصحة، و هو القبض، فإن استدامته كابتدائه، إن لم يكن أقوى، و لا دليل على اعتبار كونه واقعا مبتدأ بعدا الوقف فيه.

و إن كان فيه ما لا يخفى، بناء على عموم شرطيته، و عدم الاذن و القصد في الاستدامة، بل قد عرفت البحث فيه معهما في كتاب الرهن، و إن كان الأقوى الاكتفاء بهما حتى في القبض بالغضب و الشراء الفاسد، تنزيلا للاستدامة معهما منزلة العود ثم القبض في الإثم و غيره.

و أما احتمال الاكتفاء- بالقبض بلا اذن من الواقف و لا قصد من الموقوف عليه، بل و مع

ج 28، ص: 68

قصد العدم، لأن المدارك كونه تحت يده بعد الوقف مع فرض القول بالشرطية الشاملة للفرض ففي غاية الضعف، بل لا ينبغي صدوره من ذي مسكة.

و على كل حال فلا يعتبر فيما ذكرنا بناء على المختار مضي زمان يمكن فيه إحداث القبض، ضرورة عدم صيرورته قبضا حقيقة بذلك، و إنما المدار تنزيل زمان الاستدامة المفروض حصولها بالاذن و القصد منزلة القبض حقيقة، و هذا لا يحتاج إلى زمان بعد حصولها.

و في المسالك «و حيث لا يعتبر تجديد القبض لا يعتبر مضى زمان يمكن فيه احداثه و إن اعتبر، لأن الإذن فيه يستدعي حصوله، و من ضروراته مضى زمان، بخلاف ما لا يعتبر فيه التجديد».

و فيه أن ذلك لا يجدى في التجديد الحقيقي، و أما الحكمي فغير محتاج إلى ذلك كما هو واضح.

و لو وقف على نفسه لم يصح بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في محكي السرائر الإجماع، و هو الحجة، مضافا إلى عدم تعقله، لما عرفت من اقتضاء الوقف نقل المنفعة خاصة، أو مع العين للموقوف عليه، و لا معنى لنقل ملكه إلى نفسه، و إلى فحوى ما تسمعه من النصوص في المسئلة الآتية، فما عن بعض العامة- من جوازه لأن استحقاق الشي ء وقفا غير استحقاقه ملكا، و قد يقصد حبسه أو منع نفسه من التصرف المزيل للملك- واضح الفساد.

و كذا لم يصح الوقف من أصله لو وقف على نفسه ثم على غيره لكونه حينئذ منقطع الأول الذي قد عرفت تحقيق الحال فيه، و قيل و القائل الشيخ يبطل في حق نفسه و يصح في حق غيره و لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده كما تقدم الكلام فيه و في غيره من الصور مفصلا.

نعم لو عطف الغير عليه بالواو فالأقوى الصحة في النصف، لعدم الانقطاع فيه لبقاء موقوف عليه ابتداء و هو الغير، فإن الموقوف عليه ليس هو المجموع منه و من الغير من حيث هو

ج 28، ص: 69

مجموع، بل كل واحد منهما، فيبطل النصف في حقه، و يصح في النصف الآخر الذي لا مانع من الصحة فيه، و ربما احتمل كون المجموع للغير كما سمعته من الشيخ في المرتب فضلا عن المفروض، إلا أنه واضح الفساد فيهما، لمخالفته لقصد الواقف الذي جعل الشارع الوقف على حسب ما وقفه، كوضوحه أيضا في دعوى البطلان فيهما معا، لان ما وقع عليه العقد لا يجب به الوفاء إجماعا، و العقد لا يكون مبعضا ضرورة عدم كون ذلك من التبعيض الممنوع، بل هو من باب تبعض الصفقة الذي قد فرغنا من الكلام في صحته في محله، و لو وقف على نفسه و الفقراء فالظاهر الصحة أيضا في النصف، و في الدروس احتماله، و الصحة في الثلاثة الأرباع، و البطلان رأسا و في الأخيرين- المبني أولهما على إرادة أقل الجمع، و هو الثلاثة من لفظ الفقراء، و يكون هو حينئذ رابعا فيبطل و ثانيهما على بطلان تبعض الصفقة- ما لا يخفى.

و كذا لو وقف على غيره و شرط قضاء ديونه أو إدرار مؤنته لم يصح بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل ظاهر المسالك إلى الأصحاب، معللا له بأن الوقف يقتضي نقل الملك و المنافع عن نفسه، فإذا شرط ذلك و نحوه فقد شرط ما ينافي مقتضاه، فيبطل الشرط و الوقف معا، بل مقتضى إطلاق بعض ما هو صريح آخر من عدم الفرق في ذلك بين دين معين و عدمه و إدرار مؤنته مدة معينة و عدمه، و بين تقدير ما يأخذه منه أو إطلاقه.

و بين الانتفاع به مدة حياته أو مدة معلومة، كل ذلك للقاعدة المزبورة.

و إلا فليس في النصوص إلا

مكاتبة علي بن سليمان (1)إلى أبي الحسن (عليه السلام) «جعلت فداك ليس لي ولد ولي ضياع ورثتها عن أبي و بعضها استفدتها و لا آمن الحديثان فإن لم يكن لي ولد و حدث بي حدث فيما ترى جعلت فداك، لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني و المستضعفين أو أبيعها و أتصدق بثمنها عليهم في حياتي، فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي، فإن وقفتها في حياتي فلي أن تأكل منها أيام حياتي أم لا؟ فكتب (عليه السلام) فهمت كتابك في أمر ضياعك، فليس أن تأكل منها من الصدقة فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة، فبع


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1- 2- 3.

ج 28، ص: 70

و تصدق ببعض ثمنها في حياتك، و ان تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك، مثل ما صنع أمير المؤمنين (عليه السلام)».

و خبر طلحة بن زيد(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «أن رجلا تصدق

بدار له و هو ساكن فيها فقال: الحين اخرج منها»

و بعض النصوص الآتية في مسألة اشتراط العود إليه عند الحاجة.

مع أن في خبر أبي الجارود عن الباقر (عليه السلام) لا يشتري الرجل ما تصدق به، و إن تصدق بمسكن على ذي قرابة فإن شاء سكن معهم و إن تصدق بخادم على ذي قرابة خدمه إن شاء الله.

بل عن النهاية إذا وقف انسان مسكنا جاز له أن يقعد فيه مع من وقف عليه، و ليس له أن يسكن غيره فيه، و لعله نظر إلى الخبر المزبور الذي لا بد من حمله على اذن الموقوف عليه، و إلا كان مخالفا للقواعد و غيرها و لا جابر له.

نعم ليس في تلك المكاتبة و غيرها إخراج النفس، بل و لا جميع ما ذكروه، فيكون منشؤه القاعدة المزبورة، و لكن الظاهر عدم اقتضائها بطلان اشتراط ذلك على جهة الاستثناء له من التسبيل الذي قصده بالوقف لقاعدة

«المؤمنون»

و «الوقوف»

و غيرهما.

بل ربما كان المراد من

قوله (عليه السلام) في المكاتبة المزبورة «و إن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك»

كما عساه يظهر من عنوان الحر في الوسائل، أقصاها بطلان استحقاقه له من حيث كونه وقفا لاعتبار إخراج نفسه من عينه و منفعته، لا نحو ما ذكرناه الراجع إلى وقف عين و تسبيل منفعتها الخارجة عما استثناه، فهو حينئذ كوقف العين المستأجرة مدة مثلا، و ربما يشهد له في المجلة ما تقدم له سابقا من دخول اللبن و الصوف الموجودين في الشاة الموقوفة ما لم يستثنه، بل حكينا عن الفاضل في التذكرة أن وقف البقرة للحرث مثلا خاصة يقتضي بقاء باقي المنافع من اللبن و غيره للواقف.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1- 2- 2.

ج 28، ص: 71

لكن في جامع المقاصد التصريح في مسألة الشاة بعدم جواز استثناء شي ء من المنافع المتجددة بخلاف الصوف و اللبن الموجودين، فإنه يجوز استثناؤهما و يكون المسبل ما عداهما.

إلا أنه كما ترى جرد دعوى عارية عن الدليل بل مخالفة لما ذكره من الدليل، بل ستسمع هنا من المسالك جواز الشرط للناظر، فإذا كان الواقف، هو أخذه، و هو مبنى على ما ذكرناه، بل في كشف الأستاذ «و لو شرط رد مظالم عنه أو صدقة أو عبادة أو أداء ديون لزمته في حياته، و نحو ذلك قوي القول بالصحة» مع أنه قال قبل ذلك: «و لو شرط اجارة عن عبادة تجوز عن الاحياء و كان حيا كزيارة و حج و نحوهما قوى البطلان» و كأنه بناه على الفرق بين شرط الانتفاع به حال حياته، و بعد موته الذي هو خروج عن الوقف، و إن رجع إليه ثواب ذلك فلا تنافيه القاعدة المزبورة كما لا يتنافى شرط أكل أهله منه، بل و أضيافه و ممن يمر به و التابعة، فيصح حينئذ كما حكي من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) في خبر أحمد(1)عن أبي الحسن الثاني (عليه السلام) بل نحو ذلك عن فاطمة (عليها السلام) أيضا في صدقتها(2).

بل في الدروس و الرياض و لا يقدح كونهم واجبي النفقة، و تسقط نفقتهم ان اكتفوا به، و هو متجه في غير الزوجة و المملوك، أما هما فيشكل برجوع ذلك إلى نفسه أيضا، و لذا قال في الأول منهما بعد ما سمعت: «و لو شرط أكل الزوجة ففيه نظر من عود النفع إليه» و من توهم بقاء نفقتها كما لو وقف عليها و إن كان فيه أنه لا نظر في جواز أكلها، و انما الكلام في اشتراط نفقة الزوجية، و هو الذي قلنا أنه من شرط النفع لنفسه، و كذا مملوكه و لو كان حيوانا».

و على كل حال فالمدار على عدم منافاة القاعدة المزبورة، فيصح حينئذ جميع ما لا ينافيها، بل في المسالك «و كذا لو شرط أن يأكل الناظر منه أو يطعم غيره، فإن كان وليه الواقف كان له ذلك عملا بالشرط، و لا يكون ذلك شرطا لنفع نفسه» و هو إن لم يكن مبنيا على ما ذكرناه مشكل، ضرورة عدم خروجه بسبب النظارة عن ملكه صدقته و عدم إخراج نفسه عن وقفه، و كذا قيل: لا ينافي ما ذكره المصنف و غيره بقوله.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.

ج 28، ص: 72

أما لو وقف على الفقراء و كان منهم أو لم يكن ثم صار فقيرا، أو على الفقهاء و كان منهم أو لم يكن ثم صار فقيها صح له المشاركة بالانتفاع بل و الاختصاص به، لأنه ليس وقفا على نفسه و لا على جماعة هو منهم، لإن الوقف بهذا الوجه ليس وقفا على الأشخاص المتصفين بهذا الوصف، بل على الجهة المخصوصة، و لهذا لا يعتبر قبولهم، و لا قبول بعضهم و لا قبضهم و إن أمكن.

بل في المسالك «و لا ينتقل الملك إليهم، و إنما ينتقل إلى الله تعالى، و لا يجب صرف النماء في جميعهم، بل مثل هذا يسمى وقفا على الجهة، لأن الواقف ينظر إلى جهة الفقر و المسكنة و يقصد نفع كل موصوف بهذا الوصف لا شخص بعينه».

لكن في الكفاية الإشكال في المشاركة المزبورة قال: «و احتجاجهم بأن ذلك ليس وقفا على نفسه و لا على جماعة هو منهم صحيح غير نافع، إنما ينفع لو كان النص المانع واردا بلفظ الوقف على نفسه، أو ثبت إجماع على المشاركة في محل البحث، و ليس كذلك، إذ الأخبار المذكورة ليس على هذا الوجه كما لا يخفى، و لا إجماع على المشاركة هنا» و كأنه لحظ في نفي الإجماع خلاف ابن إدريس، فإن المحكي عنه عدم جواز انتفاع الواقف بما وقفه على الحال، بل و الفاضل في المختلف و التذكرة.

قال في الأول: «الوجه عندي أي الوقف إن انتقل إلى الله تعالى كالمساجد فإن للواقف الانتفاع به كغيره من الصلاة فيه و غيرها، و إن انتقل إلى الخلق لم يدخل سواء كان مندرجا فيهم وقت الوقف، كأن وقف على المسلمين أو على الفقهاء و هو منهم، أو لم يكن منهم وقت العقد ثم صار منهم» و كذا عن التذكرة و عن المهذب لابن البراج أنه جعل الوقف العام أقساما، وقف المسجد و القنطرة، و وقف الدور و المنازل التي ينزلها الحاج و الخانات، و وقف الدور و المنازل التي ليست كذلك. و الوقف على المسلمين، فحكم في الأول و الأخير بجواز الانتفاع و فصل في الدروس و المنازل بين ما ينزلها الحاج و الخانات و بين غيرها فجوز في الأول دون الثاني.

لكن في محكي المبسوط فأما إذا وقف وقفا عاما مثل أن يقفه على المسلمين جاز له الانتفاع بلا خلاف، لأنه يعود إلى أصل الإباحة، فيكون هو و غيره سواء، و مثله في محكي الغنية.

ج 28، ص: 73

قلت: لا ينبغي التأمل و لو للسيرة القطعية في جواز الانتفاع في المسجد، و الخان و نحوهما اللذين صارا بسبب الوقف كالتحرير، بل الظاهر خروجهما عن المالية فينتفع به حينئذ على الوجه الذي ذكره من غير فرق بين الواقف و غيره.

لكن دعوى- أن كل وقف عام حتى ما كان موضوعه العلماء و المجتهدون و غير ذلك و كان له ثمرات تدخل تحت الملك كثمرة البستان و نحوها كذلك- محل بحث أو منع، ضرورة كون الملك فيه بقصد الواقف و غيره للجنس، و لو بواسطة افراده التي لو- فرض كون الواقف منها، لم يكن قد أخرج نفسه عن صدقته و تحقق فيه المانع المزبور، من غير فرق بين ذي الوصف السابق و المتجدد، على أن وقفه على الفقراء نحو ملك الزكاة للفقراء الذين لا يندرج فيهم من عليه الزكاة، و مالكية الكلي على نحو مملوكيته، فكما أن خصوص الفرد في الثاني يكون منطبقا على الكلي المملوك و تحصل به براءة الذمة ممن عليه فكذلك مالكية الكلي أيضا إذا تشخص بفرد انطبق عليه، فإذا فرض أنه الواقف، صار هو المالك لصدقته المعتبر فيها خروجه عنه، فلا بد حينئذ في صحة الوقف من خروج تشخص الكلي به عنه، كما أومى إليه الفاضل فيما حكي عنه.

نعم لا بأس به فيما ذكرناه مما هو خارج عن المالية، و الانتفاع به ليس على طريق الملك، كالصلاة في المسجد و العبور على القنطرة و الجلوس في الخان، و نحو ذلك مما هو جائز باعتبار الإباحة الشرعية، و لو بسبب الوقف أو للسيرة القطعية أو لغير ذلك هذا.

و في جامع المقاصد عن بعض فتاوى الشهيد أنه ما لم يقصد منع نفسه أو إدخالها و استحسنه كثاني الشهيدين في المسالك قال: «فإنه إذا قصد إدخال نفسه فقد وقف على نفسه و لم يقصد الجهة، و إذا قصد منع نفسه خصص العام بالنية و هو جائز، فيجب اتباع شرطه للخبر السابق، و إنما الكلام مع الإطلاق».

و فيه أن قصد إدخال نفسه بقصد الجهة التي يندرج فيها عين مفروض المسألة فمع فرض بطلانه يتجه ما قلناه فتأمل جيدا.

و لو شرط عوده إليه عند حاجته صح الشرط، و بطل الوقف و صار حبسا و يعود إليه

ج 28، ص: 74

مع الحاجة التي يرجع في مصداقها إلى العرف على حسب غيرها من الألفاظ و يورث مع عوده بها أو مطلقا كما ستعرف، و الأصل في ذلك

خبر إسماعيل بن الفضل (1)«قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) يتصدق ببعض ماله في حياته في كل وجه من وجوه الخير، و قال: إن احتجت إلى شي ء من المال فأنا أحق به ترى ذلك له؟ و قد جعله لله يكون له في حياته، فإذا أهلك الرجل يرجع ميراثا إلى أهله أو يمضي صدقة؟ قال: يرجع ميراثا إلى أهله».

والموثق (2)«من أوقف أرضا ثم قال: إن احتجت إليها فأنا أحق بها ثم مات الرجل فإنها ترجع إلى الميراث».

و لكن اختلف فيه الأصحاب، فبين قائل ببطلان ذلك من أصله كما عن أبي علي و ابني حمزة و إدريس و الآبي، بل حكاه في المختلف عن الشيخ في المبسوط أيضا و إن كنا لم نتحققه نعم هو ظاهر النافع و الحر و الكفاية، لمنافاة الشرط المزبور دوام الوقف، بل هو من التعليق، و لظهور قوله يرجع ميراثا، في إرادة البطلان، و لأنه صدقة و لا يجوز رجوع إلى صدقة، و لوجوب إخراج نفسه من الوقف.

و بين قائل بصحته وقفا لإن احتاج كان منقطعا، و إلا كان مؤبدا كما هو صريح كلام السيد في الانتصار، مدعيا عليه الإجماع، و الفاضل في المختلف و القطيفي في المحكي عن إيضاحه و ظاهر المقنعة و المراسم، بل في المسالك نسبة صحة الشرط إلى السيد و المعظم تارة و أخرى قال:

«إن العمل بخبر إسماعيل بن الفضل اتفاق من الأصحاب أو من أكثرهم».

و على كل حال فلا ريب في أنه الأقوى، لعموم «الوقوف» و «المؤمنون» و عدم جواز الرجوع بالصدقة التي لم يكن التصدق بها على الوجه المزبور، و ليس هذا من إدخال الواقف نفسه في الوقف قطعا بل هو تقييد للوقف بما يقتضي انتهاءه، و دوام الوقف غير شرط كما عرفته سابقا من صحة الوقف المنقطع، و لا تعليق فيه على وجه ينافي عقد الوقف، بل هو تقييد للوقف على نحو


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 3- 1.
2- 2 التهذيب ج 9 ص 150 الحديث- 40.

ج 28، ص: 75

تقييده بوجود الموقوف عليه أو بغيره من الأوصاف التي لا إشكال في جوازها، ضرورة رجوعه إلى جعله وقفا ما دام غنيا عنه، لأنه بناء على مشروعية المنقطع منه، لا فرق في الأوصاف التي يكون ارتفاعها غاية، بين أن تكون في الموقوف عليه أو في غيرهم بعد اشتراكهما في اقتضاء ارتفاعهما بقاء الوقف حينئذ بلا موقوف عليه، و صيرورته من غير الموقف الذي قد عرفت بطلانه نصا و فتوى، و ليس هو من اشتراط الخيار في الوقف الذي لم اعرف خلافا في عدم جوازه، عدا عبارة في محكي التحرير لم يعلم أنها له أو للشيخ.

و على كل حال لا ريب في شذوذها لمنافاته اللزوم في الوقف على وجه لم يشرع فسخه اختيارا بوجه، و ما نحن فيه إنما هو من انتهاء الوقف بانتهاء الوصف المعلق عليه، و فرق واضح بين المقامين، و الخبران- بعد احتمال إرادة البطلان فيهما باعتبار اشتراط كونه أحق به، و هو وقف، لما سمعت من اعتبار إخراج نفسه من الوقف في جميع الأحوال، و حينئذ يكونان خارجين عما نحن فيه- يمكن إرادة الرجوع ميراثا في الأول منهما بعد فرض حصول الحاجة منه، و عاد الوقف اليه بحسب شرطه فإذا هلك بعد أن كان كذلك رجع المال إلى ورثته، ضرورة بطلان الوقف بحصول الحاجة، و الوجه في ذلك أن السائل سأل عن صحة الشرط و عدمه، و أنه على تقدير صحته يكون أحق به ما دام حيا، فإذا هلك يبقى على الصدقة لعدم حاجته إليه، أو يرجع ميراثا؟ فأجاب الإمام عن ذلك كله بالرجوع ميراثا، بمعنى أن الشرط صحيح، و إذا حصلت الحاجة إليه رجع المال إليه، و بعد رجوعه لا يعود إلى الوقف، بل هو ميراث.

و منه يعلم وجه المراد في الموثق لظهور اتحاد المراد فيهما، بل ربما يشهد لذلك في الجملة ما

في صدقة أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)حيث قال: «و أنه يقوم على ذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف و ينفقه حيث يريد الله تعالى في حل محلل لا حرج عليه. فإن أراد بيع

نصيب من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء و لا حرج عليه فيه، و إن شاء جعله شراء الملك»

بناء على إرادة الرخصة له إن شاء بيع نصيب من المال الموقوف على جهة إبطال وقفه لا خصوص الثمرة منه، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام العشرة الحديث- 2.

ج 28، ص: 76

و أما القول بصحة الشرط المزبور و رجوع الوقف حبسا حتى جعلوه قولا ثالثا في المسألة، و نسبوه إلى الشيخ و القاضي و المصنف هنا، و الفاضل في القواعد و التذكرة و الإرشاد و الشهيد في الدروس و التنقيح و جامع المقاصد و الروض و الروضة، فإن أرادوا به ذلك مع فرض تحقق الحاجة، فهو المختار، و إن أرادوا به ذلك مع عدم الحاجة أيضا بدعوى أن الميت بموته قد احتاج فهو كالخرافة، ضرورة عدم كون ذلك المراد من إطلاق الشرط مع إمكان فرض التصريح بإرادتها حال الحياة، و كذا دعوى- كون موت الحابس غاية لحبسه بعد أن لم يذكر له أمدا ضرورة أنه قد ذكر له أمدا و لم يحصل فمقتضى ذلك بقاؤه محبوسا إلى آخره، على أن مفروض المسألة في الوقف و هو ما علم قصد الوقف به، لا أن مفروض المسألة، من قال وقفت، فيحمل قصده على إرادة الحبس بقرينة الشرط المزبور إذ هو كما ترى خروج عما نحن فيه و رجوع إلى مسألة لفظية قد عرفت البحث في نظيرها، و أن المتجه فيها الحمل على البطلان لعدم صلاحية أصالة الصحة لصرف ظاهر اللفظ كما تقدم تحقيق الحال فيه سابقا.

على أن دعوى بطلان الشرط المزبور- بعد فرض القول بصحة الوقف المنقطع- واضحة الفساد، و كونه باطلا في نفسه للتعليق، يدفعه معلومية جواز نظائره في الوقف، و أنه ليس تعليقا ممنوعا، و لو سلم فهو باطل في الحبس أيضا ضرورة اشتراكهما بالنسبة إلى ذلك.

و كذا دعوى أن الحكم بكون الفرض حبسا مع القول بصحة الوقف المنقطع و صحة هذا الشرط، و كون القصد الوقف إنما هو للخبرين المزبورين، إذ قد عرفت أنهما- بعد احتمالهما ما سمعت- لا يصلحان لإثبات مثل هذا الحكم المخالف للضوابط من وجوه، و ليس بأولى من القول بصحته وقفا على هذا الوجه، بمعنى أنه له حكم الحبس نحو ما سمعته منا في حمل كلامهم في الوقف على من ينقرض، بل هو صريح الفاضل في المختلف، و إن كان هو هنا فيه ما لا يخفى فلا محيص حينئذ عن القول بالصحة حسب ما قلناه.

و مما ذكرناه يظهر لك الوجه في المسألة و أقوالها و أدلتها، بل و ما في الفوائد التي ذكرها في المسالك، بل و ما في غيرها من كتب الأصحاب أيضا، هذا و يمكن حمل عبارة المصنف

ج 28، ص: 77

و الفاضل و ما شابهها على إرادة بطلانه وقفا على كل حال و إن حبسه و صيرورته إرثا بعد عوده إليه للحاجة، لا كما ذكره في المسالك، أو يراد حكم الحبس فيها، أو غير ذلك.

و من الغريب بعد ذلك كله دعوى ابن إدريس الإجماع على البطلان. و من هنا حكم بخطئه في المختلف قال: «فإنه قد ذكرنا ما صرنا إليه و هو قول أكثر علمائنا، حتى أن السيد المرتضى ادعى الإجماع عليه، و احتج عليه بأن كون الشي ء وقفا تابع لاختيار الواقف، و ما يشترط فيه، فإذا شرط ما ذكرناه كان كسائر ما يشترطه و اعترض على نفسه بأن هذا شرط يناقض كونه وقفا و حبسا بخلاف غيره من الشروط، و أجاب بأنه غير مناقض لأنه متى لم يختر الرجوع فهو ماض على سبيله، و إن مات قبل العود نفذ نفوذا ثابتا، و هذا حكم ما أفاده في عقد الوقف، فكيف يكون نقضا لحكمه، و لا يقاس عليه العتق لبطلانه و للفرق بعدم صحة دخول الشرط مطلقا في العتق، بخلاف الوقف الذي لا فرق بين هذا الشرط و غيره في الجواز، ثم اعترض و قال: فإن قيل: قد خالف ابن الجنيد فيما ذكرتموه، ثم أجاب بأنه لا اعتبار به، و قد تقدمه إجماع الطائفة، و تأخر أيضا عنه، و إنما عول على ظنون له و حسابات و أخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها.

و لو شرط إخراج من يريد بطل الوقف بلا خلاف أجده فيه كما عن المبسوط اعترافه به، بل قيل ظاهره نفيه بين المسلمين، بل في المسالك و عن صريح و ظاهر غيره الإجماع عليه، و لعله العمدة، و إلا ففي الكفاية فيه إشكال، نظرا إلى الدليل، أي عموم «الوقوف» و نحوها مما اقتضى جواز نظائره، كالعود عند الحاجة و غيره، مما يمكن فرض ما نحن فيه نحوها و حينئذ فدعوى أنه شرط مناف لمقتضى اللزوم في عقد الوقف، يدفعها عدم المنافاة، مع فرض وقوعه على نحو غيره من الشرائط التي ينقطع الوقف بها و لا تكون منافية للزومه.

و ربما كان مراد الأصحاب باشتراط إخراج من يريد، فسخ الوقف حينئذ، لا خروجه بانتفاء الوصف المعلق عليه الوقف، و حينئذ يتجه البطلان فيه، ضرورة رجوعه إلى نحو اشتراط الخيار الذي قد عرفت فساده أو إلى اشتراط كون سلطنة السبب الذي هو المشهور إليه، و نحو ذلك مما تسمعه في اشتراط الإدخال و النقل، اللهم إلا ان يدعى صلاحية الإرادة وصفا

ج 28، ص: 78

للموقوف عليه، و لكنه كما ترى.

بل قد يشكل ذلك بما ذكره المصنف و غيره من أنه لو شرط إدخال من يريد مع الموقوف عليهم جاز سواء وقف على أولاده أو على غيرهم معللين له بأن هذا الشرط لا ينافي مقتضى الوقف، فإن بنائه على جواز إدخال من سيوجد أو سيولد مع الموجود، و اشتراط إدخال من يريد إدخاله في معناه، بل أضعف منه لأنه قد يريد، فيكون في معنى اشتراط دخوله، و قد لا يريد فيبقى الوقف على أصله، فإذا جاز الأول، اتفاقا جاز الآخر كذلك، أو بطريق أولى.

و ما يقال:- من أن ذلك يقتضي نقصان حصة الموقوف عليه فيكون إبطالا للوقف في ذلك البعض.

يدفعه أولا: أنه وارد في إدخال كل معدوم تابعا للموجود.

ثانيا: أن العقد لما تضمن الشرط لم يكن للموقوف عليه حق إلا ما كان مطابقا له فلا يعتبر.

و ثالثا: أن الوقف حق لازم في حق الموقوف عليه في الجملة، و إنما المختلف الحصة، و ذلك غير قادح، كما لو وقف على بطون فزادت تارة، و نقصت أخرى، ضرورة أن ذلك كله مبني على صلاحية الإرادة وصفا لدخول الموقوف عليه كالوجود و العلم و نحوهما، فإذا جاز ذلك جاز جعلها وصفا للخروج منهم، و كباقي الأوصاف التي يقتضي زوالها ذلك.

أما لو فرض إرادة اشتراط سلطنة الإخراج و الإدخال إليه، على وجه يكون أصل الوقف بيده دخولا و خروجا، فالمتجه البطلان فيهما، لرجوعه إلى اشتراط كون أصل السببية بيده، و الفرض أن ذلك أمر شرعي لا يرجع إليه.

و لعله لذا أبطله بهما في ظاهر الدروس كما حكاه عنه في جامع المقاصد و غيره قال فيها:

«و ليس له إدخال غيرهم معهم، و إن كانوا أطفاله على الأصح، و لا إخراج من يريده و لو

ج 28، ص: 79

شرطه في العقد بطل و في محكي المبسوط و لو شرط أن يخرج من شاء منهم، و يدخل في ذلك من شاء، و أن يفضل بعضهم على بعض إن شاء، أو يسوى بينهم إن شاء كان ذلك كله باطلا، لأنه شرط التصرف فيما هو ملك لغيره، بلا خلاف، و قد روى أصحابنا: أنه يجوز أن يدخل فيهم غيرهم، و أما الإخراج و النقل فلا خلاف عندنا أيضا في عدم جوازه».

و من ذلك يظهر ذلك ما في جامع المقاصد فإنه بعد أن حكى عن ظاهر الدروس ما عرفت قال: و هو بعيد، لعدم المنافاة، و عموم قوله

(1)«الوقوف»

فالأصح الصحة إذ قد عرفت أن المتجه الصحة مع جعل الإرادة وصفا للدخول و الخروج، فيدخل و يخرج من اتصف بها من غير إدخال و إخراج منه، كما أن المتجه عدمها مع اشتراط الإدخال و الإخراج، بمعنى جعل السلطنة إليه في الإدخال و الإخراج.

بل و كذا يظهر لك النظر فيما في المتن، و غيره من الفرق بينهما في الحكم، اللهم إلا أن ينزل على ما ذكرناه، و لكنه بعيد، ضرورة ظهورها في الفرق بين الإدخال و الإخراج، فلا يصح شرط الأول بخلاف الثاني.

و قد عرفت تحقيق الحال الذي عليه أو على ما لا ينافيه ينزل

خبر أبي طاهر البلالي المروي عن إكمال الدين (2)قال: كتب جعفر بن حمدان «استحللت بجارية إلى أن قال: و لي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلى هذه المرأة سبلتها على وصاياي و على سائر ولدي على أن الأمر في الزيادة، و النقصان فيه إلى أيام حياتي و قد أتت بهذا

الولد فلم ألحقه بالوقف المتقدم المؤبد، و أوصيت إن حدث بي حدث الموت أن يجري عليه ما دام صغيرا، فإن كبر أعطى من هذه الضيعة جملة مأتي دينار غير مؤبد، و لا يكون له و لا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شي ء، فرأيك أعزك الله تعالى، فورد جوابها يعني من صاحب الزمان، أما الرجل الذي استحل بالجارية «إلى أن قال:» و أما إعطاؤه، المأتي دينار و إخراجه من الوقف، فالمال ماله، فعل فيه ما أراد.»


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 1- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 2

ج 28، ص: 80

و كيف كان فهذا كله في الشرط على النحو المزبور و أما لو شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد لم يجز و بطل الوقف في المشهور بل قد سمعت نفي الخلاف عنه في محكي المبسوط: بل قيل: إن ظاهره إرادة نفيه بين المسلمين، لكن في القواعد على إشكال، بل في الدروس الأقرب جوازه، و في محكي التذكرة لو قال: هذا وقف على أولادي سنة ثم على المساكين صح إجماعا.

و فيه أيضا لو قال هذا وقف على أولادي مدة حياتي ثم بعد مماتي للمساكين صح إجماعا، لكن في المقام أفتى بالبطلان كالمشهور.

و لعله من التأمل فيما ذكرناه يعلم تحقيق الحال هنا، فيحكم بالبطلان على إرادة النقل منه، لرجوعه إلى اشتراط ما هو المشهور و الصحة على إرادة الانتقال على حسب باقي العنوانات في الوقف، بمعنى أنه على هؤلاء مثلا ما دام خاليا عن الولد، و إلا كان الوقف عليه، ثم منه على المساكين مثلا، فإن خروج من خرج حينئذ لفوات عنوان الموقوف عليهم، كالفقر و العلم و نحوهما، فيشمله

(1)«الوقوف على حسب»

إلى آخره و غيره.

و لعله إلى ذلك أومئ في جامع المقاصد فإنه بعد أن حكم بالبطلان قال، و يمكن الفرق بين ما هنا و بين إناطة الوقف بصفة في الموقوف عليه، مثل فقراء أولاده، و فقهائهم، بأن الوقف في الثاني لم يكن على الأولاد، بل على الفقراء منهم، فإذا زال الفقر ينتفي الموقوف عليهم، فإن ذلك جاريا مجرى موتهم و عدهم، بخلاف ما إذا ثبت الوقف لهم و شرط نقله عنهم، فان ذلك ابطال للوقف باختياره».

و قال أيضا في شرح قول الفاضل متصلا بمسألتنا السابقة «و كذا الإشكال لو قال على أصاغر أولادي سنة ثم على الفقراء»، منشأ الإشكال هنا قريب من الذي قبله، إلى أن قال: و اعلم أن بين هذه المسألة و التي قبلها فرقا، من حيث أنه في تلك شرط نقله عن الموقوف عليهم إلى من سيوجد، و في هذه وقفه على أولاده سنة ثم بعد مضيها هو وقف على المساكين، فينتقل إليهم هو،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1- 2.

ج 28، ص: 81

من غير أن ينقله هو» و هو ظاهر أو صريح في أن موضوع البطلان ما فرضناه، لا ما حكمنا بصحته.

أو يقال: إن المدار في الصحة و البطلان في هذه المسائل كلها ملاحظة معنى العنوانية سواء كانت لوصف في الموقوف عليه، أو في الواقف، أو في غيرهما فيصح لعموم

«الوقوف (1)»

و غيره و ملاحظة معنى الشرطية التي تقتضي تعليقا في السبب أو إبطالا لما هو ثابت في الشرع أو إثباتا لما هو للشارع لا له أو نحو ذلك، فيبطل جيدا، فإن في كلامهم تشويشا حتى الرياض، فإنه بعد الإغضاء عما حكاه فيه عن التذكرة و عما ذكره، من غير ذلك.

قال: «و التحقيق أن يقال: إن هنا إجماعين متصادمين بحسب المرجحات، فلا يمكن التمسك بأحدهما، فيبقى الرجوع إلى حكم الأصل، و هو عدم الصحة، و إثباتها بالعمومات غير ممكن، بعد فرض سقوطها، كالشهرة المرجحين للإجماعين في البين، كنفس الإجماعين، مضافا إلى ما عرفت من و هن الإجماع الثاني، فإذا المذهب مختار الأكثر، و إن كان الصحة في الجملة أحوط».

إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، بعد ما عرفت من أن موضوع إجماع التذكرة من انتقال الوقف، غير موضوع إجماع الشيخ الذي هو النقل، و من هنا قد سمعت أن المحكي عنه هنا البطلان، مع دعواه الإجماعين المزبورين.

بل و يظهر لك ما في المسالك، بل و ما في جامع المقاصد فضلا عن غيرهما من الكتب فلا حظ و تأمل كي تعرف الحال في المسائل الثلاثة، و أن المدار في البطلان فيها أجمع على اشتراط

الإدخال و الإخراج و النقل، و في الصحة على اشتراط الدخول و الخروج و الانتقال، و في معقد إجماع التذكرة و غير ذلك من مسألة الوقف على الأولاد سنة، ثم على الفقراء و غيرها و الله العالم.

و على كل حال فقد قيل و القائل الشيخ في النهاية إذا وقف


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 1- 2.

ج 28، ص: 82

على أولاده الأصاغر، جاز له أن يشرك معهم من يتجدد له من الأولاد و إن لم يشترط و وافقه على ذلك القاضي، و لكن بشرط عدم تصريحه بإرادة الاختصاص، و لعل ذلك مراد الشيخ أيضا.

و كيف كان فهو ليس بمعتمد لمنافاته قاعدة الأسباب و ما استفاضت به النصوص من عدم جواز الرجوع فيما كان الله، إذا التشريك فيه رجوع عما فعله أولا، و لغير ذلك، و لذا أعرض المشهور عنه، بل لم أجد من وافقهما عليه كما اعترف به غير واحد، فإن احتج لهما بصدر

صحيح ابن يقطين «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال: لا بأس بذلك، و عن الرجل يتصدق ببعض ماله على بعض ولده و يبينه لهم، إله أن يدخل معهم من ولده غيرهم بعد أن أبانهم بصدقة؟ قال: ليس له ذلك، إلا أن يشترط أنه من ولد له فهو مثل من تصدق عليه فذلك له».

و خبر سهل «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يتصدق على بعض ولده بطرف من ماله، ثم يبدو له بعد ذلك أن يدخل معه غيره من ولده، قال: لا بأس به».

و صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يجعل لولده شيئا و هم صغار ثم يبدو له أن يجعل معهم غيرهم من ولده، قال: لا بأس».

و خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «سألته عن رجل تصدق على ولده بصدقة ثم بدا له أن يدخل غيره فيه مع ولده، أ يصلح ذلك؟ قال: نعم يصنع الوالد بمال ولده ما أحب، و الهبة من والد بمنزلة الصدقة من غيره»

فإن الجميع- بعد الإغضاء عما في السند مع عدم الجابر، و عما في المتن من أنها غير مختصة بدعوى القائل من تشريك خصوص من يتحدد له من الأولاد، و احتمال الصدقة و الجعل غير الوقف أو إرادة الصدقة و العزم عليها- من المطلق الذي يجب حمله على المقيد الذي في خبر ابن يقطين، بل هو كالصريح في ذلك، ضرورة عدم الفرق بين سؤاليه حتى أجاب الأول منهما بنفي البأس، و الثاني بعدم الجواز إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الوقوف الحديث 5.

ج 28، ص: 83

بالتقييد المزبور، بل منه يظهر أن الإطلاق في مثل هذا السؤال منصرف إلى فاقد القيد، المراد منه عدم الإقباض أو عدم بيان المتصدق به، و إن كان عازما عليه.

و على كل حال يكون خارجا عن المفروض الذي هو التشريك في الوقف، بعد وقوعه و جمعه لجميع شرائط الصحة اللزوم، و تجرده عن اشتراط الشركة بالإرادة.

و من الغريب ما في المسالك من الميل إلى قول القاضي حيث قال بعد ذكر النصوص «و يمكن التوفيق بين النصوص بأمرين أحدهما- أن يكون في الثاني قد شرط قصره على الأولين كما يشعر به

قوله «بعد أن أبانهم بصدقة»

و يحمل الأول على ما لم يشترط ذلك على ما يدل عليه إطلاقه، فيكون ذلك كقول القاضي، و الثاني حمل النفي في الثاني على الكراهة جمعا، و كلاهما متجه، إلا أن الأول من التأويلين أوجه».

إذ هو كما ترى مناف للاستثناء الظاهر في الخبر المزبور، و بعيد عن لفظ الإبانة أو التبيين، فلا ريب في أن الجمع بينهما بما ذكرناه، و خبر قرب الإسناد إنما هو على مذاق غيره من النصوص الدالة على ثبوت السلطنة للوالد على مال ولده، نحو

(1)«أنت و مالك لأبيك»

المحمولة على رجحان عدم معارضة الولد للوالد فيما أحبه لو كان بالغا، و على ثبوت الولاية له على ماله على حسب الوجه الشرعي، فلا بد من حمل الصدقة فيه على ما يقبل التشريك الحاصل من الوالد، و لو بسبب جديد حتى في الوقف بالنظر إلى التشريك معه في المنفعة بصلح و نحوه.

فظهر من هذا كله أن الوقف متى تم لم يجز له حينئذ تغييره بإدخال أو إخراج أو نقل إلا مع الشرط الذي ذكرناه، لكن في المقنعة «لو حدث في الموقوف عليهم حدث يمنع الشرع عن معونته و الصدقة عليه، و التقرب إلى الله تعالى بصلته جاز التغيير فإن الوقف صدقة، فلا يستحقه من لا يستحقها، فإذا أحدث في الموقوف عليه كفر أو فسق بحيث يستعان بذلك المال عليهما جاز حينئذ للواقف التغيير و الإدخال».


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 2 و 8 و 9.

ج 28، ص: 84

و نفى عنه البعد في المختلف قال: «و إن منعه الحلبي و غيره «ثم قال» و هذا مع حدوث المانع، أما لو كان حاصلا حال الوقف فلا.

و هو كما ترى لا يخفى عليك ما فيه إذا لم يكن ذلك على جهة تغيير العنوان، ضرورة معلومية اللزوم في عقد الوقف، و لا دليل على جواز نقضه و تغييره بحدوث الحادث المزبور في الموقوف عليه الذي صار الموقوف بسبب الوقف كسائر أمواله، اللهم إلا أن يدعي أن الوقف لما كانت صدقة جارية اعتبر في استدامته ما اعتبر في ابتدائه من كون الموقوف عليه محلا للصدقة، و لكن هي أيضا كما ترى.

و مما ذكرنا ظهر لك جواز كل شرط سائغ في الوقف، حتى أنه لو شرط أن يؤجر من ضعيف أو مماطل أو لا يؤجر أزيد من عام مثلا أو لا يوقع عليه عقدا حتى ينقضي مدة الأول، أو لا يسلم حتى يقبض الأجرة و نحو ذلك.

نعم لو شرط أن له كلما شرط الواقفون في وقفهم أو سيشترطونه، ففي الدروس «بطل للجهالة» و عن بعض العلماء جوازه، و كأنه يحمله على الشروط السائغة بأسرها، و لو أنه صرح بذلك فالظاهر البطلان لعدم انحصارها.

قلت: قد يقال: أنه لم يثبت البطلان بعدم الانحصار هنا بعد فرض تناول

عموم «الوقوف»

و «المؤمنون»

له و الله العالم.

و كيف كان ف القبض معتبر في الصحة أو اللزوم في الموقوف عليهم أولا و إن شاركهم في طبقتهم من يتحدد من المعدومين و يسقط اعتبار غير ذلك من القبض في بقية الطبقات.

بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل و قد تشعر به عبارة بعضهم في باقي الطبقات، لعموم الأدلة و إطلاقها التي اقتصر في الخروج عنهما على هذا المقدار من القبض، دون غيره الذي يمكن دعوى القطع بعدم اعتباره، و هذا هو العمدة لا ما ذكروه- من أنهم يتلقون الملك عن الأول، و قد تحقق الوقف و لزم بقبضه، فلو اشترط قبض الثاني لانقلب العقد اللازم جائزا بغير دليل، و هو باطل.

ج 28، ص: 85

إذ هو كما ترى، ضرورة أن التلقي من الواقف، و خصوصا مع شركة المعدوم معهم في طبقتهم، فمع فرض عموم دليل القبض و عدم حصوله من الحاكم الذي هو ولي البطون، لا مانع من صيرورة العقد لازما في حق من قبض، دون غيره ممن فقد الشرط، و ليس ذلك انقلابا للعقد، و لا تبعيضا ممنوعا، بل أقصاه أنه يكون منقطعا مع فرض الفسخ قبل قبض الطبقة الثانية أو عدم قبضهم، و الممنوع إنما هو انقلابه جائزا في حق من لزوم في حقه بلا دليل، كما هو واضح و الأمر سهل بعد معلومية الحال.

و لو وقف على الفقراء أو على الفقهاء أو نحو ذلك ممن لا يمكن حصول القبض منهم أجمع، فلا بد بعد فرض تناول دليل اعتبار القبض لذلك من قبض الحاكم الذي هو الولي العام أو نصب قيم منه لقبض الوقف و لا يكفي قبض بعض المستحقين فإنه ليس هو الموقوف عليه بل الجنس الذي لا يتحقق القبض بالنسبة إليه إلا بقبض جميع أفراده أو الولي العام دون بعض أفراده.

و من هنا كان قبض الحاكم للزكاة قبضا للفقراء اجمع و موجبا لبراءة ذمة الدافع و كان له الصلح عنها بخلاف قبض مستحقيها فإنه لا يكون قبضا لها عن الجميع، و إنما له قبض ما يخصه الدافع به، باعتبار كونه مصرفا من مصارفها، كما هو واضح، هذا.

و لكن في الدروس و المسالك و الروضة و الكفاية و المفاتيح أن للواقف نصب قيم لذلك، بل في الثاني منها خصوصا مع فقد الحاكم و منصوبه، و محل نصبه قبل إيقاع الصيغة إن اعتبرنا فوريته، و إلا فقبله أو بعده.

و فيه أنه لا دليل على أن له هذه الوظيفة باعتبار كونه واقفا. نعم له اشتراط الناظر على وقفه في عقد وقفه، لعموم

(1)«المؤمنون عند شروطهم»

و هو غير قابض الوقف و ربما استدل له بما

في صحيح صفوان (2)السابق في مبحث القبض «إن كان أوقفها لولده و لغيرهم، ثم جعل لها قيما، لم يكن له أن يرجع فيها»

إلى آخره.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوقوف الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الوقوف الحديث 8.

ج 28، ص: 86

و ربما في التوقيع السابق (1)فإن ذلك جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها، و لا يجوز لغيره، إلا أن الثاني منهما إنما هو في الناظر، ضرورة كون الوقف فيه خاصا عليه، فلا يراد من القيم فيها إلا الناظر في عمارتها، و أداء خراجها، و مؤنتها و إيصال ما بقي من دخلها إليه، و أما الأول منهما- فهو مع أن من الموقوف عليه ولده، و لم يتعرض فيه

لقبضهم أو للقبض عنهم، و القيم لا يجدي بالنسبة إليهم- ظاهر في الإكتفاء في مثل هذا الوقف بذلك، و لا يحتاج إلى قبض، و لا دلالة فيه على ما ذكروه من النصب المزبور قبل الوقف أو بعده.

بل لعل التزام ذلك أولى منه، بدعوى أنه لا دليل على اعتبار القبض في مثل الفرض، لاختصاص أدلته بما لا يشمله، فإطلاق الأدلة و عمومها بحاله بالنسبة إلى نفي شرطيته فيه، و حينئذ فما ذكروه لا يخلو من إشكال، خصوصا بعد اعترافهم بأن المراد مما أطلقه المصنف و غيره من النصب، الحاكم، لا ما يشمل ذلك.

و لو كان الوقف على مصلحة كالقنطرة و المسجد و نحوهما كفى إيقاع الوقف على اشتراط القبول عند المصنف و جماعة، بل في المسالك أن وجهه ظاهر، لأن القبول يكون من الموقوف عليه، و قد عرفت أن الموقوف عليه في مثل ذلك هو الجهة، و لا يعقل اعتبار قبولها، بخلاف ما لو كان الوقف على معين، فإن قبوله ممكن.

و إن كان لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة كون القبول جزء من الوقف الذي قد عرفت الإجماع على أنه من العقود، فهو أولى من القبض الذي هو شرط على فرض اعتباره، و تكلفوا حصوله بقبض الناظر و الحاكم و غيرهما، و قد مر تحقيق المسألة، و قلنا الظاهر وحدة سببية الوقف، لا أنه عقد في المعين، و إيقاع في غيره، و قد استظهرنا كونه عقدا في الجميع، فلا بد من القبول من الحاكم أو منصوبه في المفروض، فضلا عن سابقه.

إنما الكلام في قول المصنف و من تأخر عنه هنا، و كان القبض إلى الناظر في تلك المصلحة الذي هو مبنى على اعتبار القبض في الوقف مطلقا، حتى في المسالك نفي الريب عنه، كما أن فيها و في غيرها أيضا أنه إن كان لتلك المصلحة ناظر شرعي من قبل الواقف تولى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 3.

ج 28، ص: 87

القبض من غير اشتراط مراجعة الحاكم، لأن الناظر مقدم عليه، فإن لم يكن لها ناظر خاص فالقبض إلى الحاكم.

و إن كان قد يناقش بأن لا دليل على اقتضاء نظارته المستفادة من

عموم «المؤمنون»

ثبوت ولاية له على وجه يكون قبضه لما يوقف على الصرف فيها قبضا عن الموقوف عليه، اللهم إلا أن يقال: إن مشروعية نظارته تقتضي ذلك، أو يقال: إن الوقف إنما هو على المصلحة التي تحقق ولايته عليها باشتراط النظارة فيها، فيكون وليا لها بالنسبة إلى ذلك.

لكن فيه ما عرفت من أن الوقف في ذلك على المسلمين و إن صرف في المصلحة الخاصة لهم، لعدم قابلية الجهة للوقف عليها، و حينئذ فاشتراط نظارته فيها لا تقتضي الولاية على المسلمين على وجه يقوم قبضه ما يوقف لإرادة تعميرها و نحوه مقام قبضهم، فضلا عن أن يكون هو مقدما على الحاكم الذي هو الولي العام، و لعله لذا و غيره عبر في الرياض عن هذا الحكم بلفظ قالوا مشعرا بعدم الإذعان به.

و لو وقف مسجدا صح الوقف، و لو صلى فيه واحد بإذنه بنية أنه قبض له، بل حتى لو كان هو الواحد، و كذا لو وقف مقبرة تصير وقفا بالدفن فيها و لو واحدا كذلك لتحقق القبض حينئذ بذلك، و لعل دليله ما يقال: من الإجماع المستفاد من الإيضاح، و جامع المقاصد، و إن كنا لم نتحققه.

نعم ذكره غير واحد من الأصحاب ذكر المسلمات، فان تم إجماعا و إلا فلا يخفى ما فيه من الإشكال، ضرورة أنه لا ولاية للفاعل على جميع الموقوف عليهم، حتى يكون القبض منه بالفعل المزبور قبضا عنهم، على أنه لم يعتبر أحد منهم في القبض و غيرهما انتفاع القابض بالموقوف فيما وقفه عليه واقفة، و إلا لا كتفي به في باقي الأوقاف العامة التي قد عرفت أنه لا بد من نصب قيم فيها، و دعوى الفرق بينهما- بأن الوقف فيها على الجهة، فيكفي قبض واحد من عباد الله بخلاف غيرها من الوقف على الفقراء و نحوهم كما ترى لا تستأهل ردا، ضرورة أن الوقف هنا على المسلمين أو أخص منهم، كما في المقبرة الخاصة، مع أن الفعل المزبور فرع حصول الوقف لا أنه به يتم الوقف و خصوصا في أمثال ذلك من المصالح العامة التي مرجعها للمسلمين بل إن أريد

ج 28، ص: 88

حصر قبضها لمثل ذلك على وجه لا يجزي غيرها ازداد إشكالا، لمخالفته لعموم ولاية الحاكم المقتضى للاكتفاء بحصول القبض منه، و من منصوبه بالاستيلاء عليه بإذن الواقف، كغيره من الموقوفات من غير حاجة إلى صلاة أو دفن.

و لذا صرح الفاضل في القواعد و المحقق الثاني في جامعه و الشهيد الأول في دروسه، و الثاني في مسالكه بالاكتفاء به، كما هو المحكي عن الإيضاحين و التنقيح و الكفاية و المفاتيح، إلا أن الجميع ذكروا ذلك بلفظ الأقرب و الأقوى و نحوهما، مشعرين باحتمال العدم، كما صرح به في جامع المقاصد قال: لعدم النص، و ظاهره وجوده في الأول، لكن لم نعثر عليه.

و على كل حال فقد قيده غير واحد بوقوع ذلك بإذن الواقف ليتحقق الإقباض الذي هو شرط صحة القبض، و بوقوعهما بنية القبض أيضا فلو أوقعاه لا بنيته كما لو وقع قبل العلم بالوقف أو بعده قيل الإذن في الصلاة أو بعدها لا يقصد أما لذهوله عنه، أو لغير ذلك لم يعتب، و هو مؤكد لما قلناه هناك في القبض.

لكن في جامع المقاصد و تبعه غيره «و إنما اختص هذا الوقف بنية القبض، و لم يشترط في مطلقه، لأن المقصود هنا صرفه إلى الجهة الموقوف عليها، و قبض بعض المستحقين كقبض الأجنبي بالنسبة إلى قبض الموقوف عليه، فلا بد من نية صادقة له إلى الوقف، بخلاف الوقف على معين، فإن قبضه متحقق لنفسه، و المطلوب صرفه إليه و هو حاصل، فلا حاجة إلى قصد بعينه» و من الفرق يظهر أن القابض لو كان وكيلا عن الموقوف عليه اعتبرا قصده القبض عن الغير، و كذا لو وقف الأب و الجد ما بيدهما على المولى عليه اعتبر قبضهما عن الطفل، و لا يكفي استصحاب يدهما، لأن القبض السابق محسوب لنفسه لا لغيره.

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا ما في هذا الكلام، بعد معلومية كون القبض يقع على وجوه متعددة، فلا بد من تشخيصه بالقصد، و إن كان الوقف على معين سواء كان في يده المال بعارية و نحوها أو لم يكن، فلا يكفى فاقد القصد فضلا عن المقصود به عدم قبض

ج 28، ص: 89

الوقف كما هو واضح مع أنه قد يقال في المقام الذي فرض دليله إطلاق الأصحاب ذلك، الاكتفاء بذلك كيف كان، للإطلاق المزبور، اللهم إلا أن يقال: بانسياق المقصود من القبض منه دون الأعم، و مثله آت في الوقف على المعين مع فرض وجود إطلاق يقتضي الاكتفاء به، و إلا فقد عرفت أن ظاهر الأدلة القبض المقصود به قبض وقف كما عرفت الكلام فيه مفصلا، و كذا المنساق بعد انحصار الدليل في الإطلاق المزبور الوقوع على الوجه الشرعي، و كون المدفون من جملة الموقوف عليهم، و كالمسلم فيما يوقف على المسلمين، و في حكمه من يتبعه من طفل أو مجنون، بل و المسبي في وجه قوى كما صرح بذلك كله بعضهم، و إن كان لا يخلو من نظر في بعض الأفراد التي يمكن دعوى تحقق صدق القبض فيها كالدفن الذي لم يمنع الرائحة مثلا.

و لو صرف الناس في الصلاة في المسجد أو في الدفن و لم يتلفظ ب صيغة الوقف، لم يخرج عن ملكه بلا خلاف أجده فيه هنا و كذا لو تلفظ بالعقد و لم يقبضه بل في المسالك هذا موضوع وفاق، و إنما نبه به على خلاف أبي حنيفة حيث جعل الوقف متحققا بالاذن مع الصلاة و بالدفن كذلك محتجا بالعرف، و قياسا على تقديم الطعام للضيف، و العرف ممنوع، و الفرق ظاهر.

قلت: لكن قد ذكرنا في أحكام المساجد أنه قال في المبسوط: «إذا بنى مسجدا خارج داره في ملكه، فإن نوى به أن يكون مسجدا يصلى فيه كل من أراده، زال ملكه، و إن لم ينو ذلك فملكه باق عليه، سواء صلى فيه أو لم يصل» و قال في الذكرى،: «ظاهره الاكتفاء بالنية، و ليس في كلامه دلالة على التلفظ، و لعله الأقرب» و نحوه في الدروس و محكي مجمع البرهان و قلنا هناك، إن دليلهم دعوى السيرة من المسلمين على ذلك، و هي ممنوعة، و عن جامع المقاصد أن في النفس من ذلك شيئا، لأن الحال فيه كالحال في غيره من العقود مثل النكاح.

قلت: هو حينئذ كالنكاح من العقود الخاصة مما شرعت المعاطاة فيه بالسيرة القطعية عند القائل بها كما نقحناه في محله إلا أنها لما كانت مفقودة في مثل المساجد و نحوهما فضلا عن غيره من

ج 28، ص: 90

الأوقات الخاصة قلنا: أنه كالنكاح لا يجرى فيه إلا العقد، و لا تشرع فيه المعاطاة و إن حكى عن بعض المعاصرين المتأخرين توهم ذلك، إلا أنه كما ترى.

[النظر الثالث في اللواحق ]
اشارة

النظر الثالث: في اللواحق و فيه مسائل:

[المسألة الأولى الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه ]

الأولى: الوقف إذا تم زال عن ملك الواقف عند الأكثر، بل عن المشهور بل في محكي الغنية و السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة على ما تفرد به أبو الصلاح في ظاهر المحكي من كافيه من البقاء على ملك الواقف، مضافا إلى إمكان دعوى القطع به من النصوص التي ستسمع بعضها في إثبات انتقاله إلى الموقوف عليه و مضافا إلى دعوى كون ذلك هو المراد من إنشائه الذي شرع الشارع المعنى المتعارف فيه على نحو شرعه باقي العقود، و إن جعل لها شرائط صحة و لزوم، خصوصا بعد ملاحظة كونه قسما من الصدقات.

و

قوله (عليه السلام)(1)«حبس الأصل و سبل الثمرة»

لا دلالة فيه على ما ينافي ذلك، ضرورة إمكان إرادة بقاء الأصل محبوسا و لو على ملك الموقوف عليه، بحيث لا يباع و لا يوهب و لا يورث إذ الحبس فيه مقابل تسبيل الثمرة، لا الحبس الذي هو العقد المقتضى بقاء ملك العين للمالك، إذ هو قسيم الوقف، لا نفسه، و

جواز إدخال من يريد فيه- مع صغر الأولاد و إن لم يشترط- قد عرفت منعه عندنا، مع أنه لا يدل على ذلك، ضرورة إمكان كونه لدليل شرعي، و هو النصوص السابقة، و إلا فلا إشكال في كون الثمرة للموقوف عليه فتكفي حينئذ في المنع عن التشريك المزبور كما هو واضح، فما عن بعض العامة- من بقائه على ملك الواقف لذلك و للأصل المقطوع بما عرفت واضح الفساد.

بل الأقوى ما أطلقه المصنف من أنه ينتقل إلى ملك الموقوف عليه كما عن المبسوط و فقه القرآن و الغنية و السرائر و التذكرة و الإرشاد و شرحه لولده و جامع الشرائع و التحرير و المختلف، سواء كان على معين أو غير معين أو جهة عامة حتى المسجد و المقبرة التي


1- 1 المستدرك ج 2 ص 511.

ج 28، ص: 91

وقف على المسلمين مثلا، بل في المسالك نسبة ما في المتن إلى الأكثر و عن غيرها إلى المشهور لأن فائدة الملك باستحقاق النماء و الضمان بالتلف و نحوهما موجودة فيه و نقض ذلك بضمان بواري المسجد و آلاته مع أنها ليست مالا- يدفعه منع عدم كونها مالا، و إلا لم تضمن، ضرورة اقتضاء اعتبار المالية في الضمان المستفاد من قوله

(عليه السلام)(1)«من أتلف مال غيره»

و نحوه فيتعين حينئذ ضمانها للمسلمين الذين هم الموقوف عليهم، كباقي أموالهم من أرض

الخراج و غيره، لعلو رتبة ملك، السموات و الأرض عن التشبيه، بملك الآدميين، و ما كان ذلك فهو لوليه، كما في الأنفال، و من المعلوم عدم كونه المقام منها.

و على كل حال فلا محيص عن القول بالملك للموقوف عليه. و المنع من البيع لا ينافيه كما في أم الولد و غيره مع أنه قد يصح بيعه على وجه من الوجوه عند كثير من الأصحاب، و لما سمعته سابقا من أن كل وقف لا بد له من موقوف عليه، بل هو من أركانه، و أن الوقف على الجهات في الحقيقة على المسلمين، و المراد بالموقوف عليه هو الذي يتصدق عليه بعين الموقوف و منفعته، كما هو صريح ما ورد عنهم (عليهم السلام) في صدقاتهم.

ف

في صدقة الكاظم (عليه السلام)(2)«هذا ما تصدق به موسى بن جعفر (عليه السلام) تصدق بأرضه، بمكان كذا و كذا و حد الأرض كذا و كذا كلها و نخلها و أرضها و بياضها و مائها و أرجائها و حقوقها و شربها من الماء و كل حق قليل أو كثير هو لها في مرفع أو مظهر أو مفيض أو مرفق أو ساحة أو شعبة أو مشعب أو مسيل أو عامر أو غامر، تصدق بجميع حقه من ذلك على ولده من صلبه الرجال أو النساء»

إلى آخره.

بل هو المستفاد من

«قول أمير المؤمنين (عليه السلام) لما جاءته البشير بعين ينبع (3)فقال: بشر الوارث هي

صدقة بتا بتلا في حجيج بيت الله تعالى و عابر سبيل الله لا تباع و لا توهب و لا تورث فمن


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 5. مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 2.

ج 28، ص: 92

باعها أو وهبها فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا»

فإن المراد بالوارث الموقوف عليه كما أن المراد من

قوله (عليه السلام) «بتة بتلاء»

بائنة منقطعة عن صاحبها، بل لعل

قوله «لاتباع و لا توهب»

يومئ إلى إرادة الصدقة بها عينا و منفعة على الموقوف عليه، إلا أن الصدقة بالعين ليس على حد غيرها من الصدقة التي تباع و توهب بل هي له على إرادة ملك نحلتها مثلا ملكا مطلقا، على أنه لا إشكال في أن أمثال هذه العيون و البساتين و الدور و العبيد أموال تضمن بالتلف، و ليس في الشرع مال بلا مالك، و الفرض خروج الواقف بوقفه عنه، فليس إلا الموقوف عليه الذي قصد التصدق به عليه، و مقتضى شرعية ذلك ترتب ما قصده عليه لا غيره، على أن رب العزة تعالى عن شبه ملك الآدميين، و انما هو مالك السموات و الأرضين و ما نحن فيه من الملك المالى المختص بالآدميين، و ملكه بالمعنى المزبور إنما هو لوليه كما في النص، و التزام ذلك هنا معلوم الفساد، ضرورة عدم كون العين الموقوفة من الأنفال التي هي للإمام (عليه السلام) بحق الإمامة، كما هو المعلوم من حصرها بغير المقام كما هو واضح.

و بذلك كله ظهر لك وجه الدليل في المسألة، لا ما يذكر في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما مما هو واضح الضعف، و من الغريب مع اعتراف بعضهم بضعف ما ذكروه دليلا قال: الأقوى الانتقال إليه، لكنه إنما يتم في الموقوف عليه المعين، أما لو كان على جهة عامة أو مسجد و نحوه فالأقوى أن الملك فيه لله تعالى شأنه، لتساوى نسبة كل واحد من المستحقين إليه و استحالة ملك كل واحد أو واحد معين أو غير معين، للإجماع و استحالة الترجيح و لا المجموع من حيث هو مجموع، لاختصاص الحاضر به.

و كأنه تبع بذلك الفاضل في قواعده حيث أنه بعد أن جزم بزوال الوقف عن مالكه قال: «ثم إن كان مسجدا فهو فك ملك، كالتحرير، و إن كان على معين فالأقرب أنه يملكه، و إن كان على جهة عامة فالأقرب أن الملك لله تعالى» و إن كان مخالفا له في المسجد و نحوه.

و فيه أولا: مضافا إلى ما عرفت إمكان دعوى الإجماع منا على الانتقال إلى الموقوف عليه، خصوصا في المعين، و إن أرسل في محكي المبسوط و السرائر قولا بالانتقال إلى الله تعالى إلا أن

ج 28، ص: 93

الظاهر كونه للعامة كما لا يخفى على المتتبع، بل قيل: ظاهر التذكرة أو صريحها أن الخلاف بين الخاصة و العامة في أنه هل ينتقل إلى الموقوف عليه أو إلى الله سبحانه و تعالى- إنما هو فيما إذا وقف على معين أو جهة عامة.

و ثانيا: إمكان دعوى القطع باتحاد كيفية سببية الوقف، و أن مقتضاه مقتضى واحد سواء كان متعلقة عامة أو خاصا و لا إشكال في اقتضائه الانتقال إلى المعين، فيثبت في غيره أيضا مطلقا، إذ كل وقف لا بد له من موقوف عليه كما عرفته في محله.

و ثالثا: قد ذكرنا غير مرة أن نسبة الملك إلى الكلي كنسبة المملوكية له ثابتة في الشرع، و لا محيص عن القول بها في مثل الزكاة و الخمس و الأرض المفتوحة عنوة و الوصية و النذور؟

و غيرها، فما ندري ما السبب الذي دعاهم إلى هذه التكلفات و التجسمات التي لا توافق قواعد الفقه، خصوصا بعد احتماله في الدروس أن الملك في المسجد فضلا عن غيره للمسلمين، ضرورة اقتضاء ذلك عدم امتناعه، فيجب أن يكون هو مقتضى العقد الذي قد قصد به الصدقة بالعين و المنفعة عليهم، لكن على الوجه الذي اعتبره الواقف «فإن الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها» بالنسبة إلى ذلك.

و لعله لذا أطلق المصنف و المعظم أن الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه لمعلومية عدم خلو وقف عن موقوف عليه، إما عام، و إما خاص حتى الوقف على الجهات، بل لعل ما تقدم من الفاضل من جواز وقف البقرة للحرث مثلا خاصة، على معنى بقاء غيره من المنافع على ملك المالك أيضا كذلك فتكون عين البقرة و منفعتها الخاصة للموقوف عليه، و إن بقي غيرها من المنافع على ملك الواقف كما لو استثنى بعض المنافع من تسبيل الوقف، فتأمل جيدا في ذلك بل و في غيره من الوقف المنقطع بناء على المختار عندنا من أنه قسم من الوقف لا أنه حبس، فيتجه حينئذ ما ذكرناه في الوقف المؤبد، و الله العالم.

و بذلك كله يظهر لك النظر فيما في جملة من كتب الأصحاب كالدروس و الإيضاح و جامع المقاصد و غيرها، فتأمل جيدا.

ج 28، ص: 94

فلو وقف عبده أو حصة من عبد مشترك بينه و بين غيره مثلا ثم أعتقه لم يصح العتق قطعا لخروجه عن ملكه عندنا

«و لا عتق في ملك (1)»

بل و عن القول ببقائه له، لمنافاته ما سبق من الوقف المقتضى حبس العين على وجه لا تتغير عينا و لا منفعة عما وقعت عليه بسبب قهري كالإرث فضلا عن الاختياري من بيع و نحوه، و فسخه بالشفعة إنما هو لسبق تعلقها بالعين قبل حصوله، فكأنه صار وقفا مستحقا في عينه الشفقة و ليس كذلك الخيار المتعلق بالعقد دون العين كما أوضحناه في محله.

و على كل حال ظاهر أدلة مشروعيته عدم تغيره بسبب من الأسباب إلا ما خرج و من هنا لو أعتقه الموقوف عليه الذي قد عرفت أنه

المالك عندنا لم يصح أيضا لما سمعت، و لتعلق حق البطون به حيث يكون مؤبدا عليهم مثلا، بل و كذا الحال فيما لو أعتقه الشريك و إن مضى العقد في حصته و (11) لكن لم يقوم عليه (12) في الحصة التي هي الوقف، لما عرفت من اقتضاء الوقف بقاءها و ل (13) كن في المتن تعليله ب أن العتق لا ينفذ فيه مباشرة فأولى أن لا ينفذ سراية (14) لأن العتق مباشرة أقوى من العتق بالسراية، لأنه يؤثر إزالة الرق بلا واسطة، و هي إنما تؤثر فيه بالواسطة، و لأنها من خواص عتق المباشرة و توابعه، فإذا لم يؤثر الأقوى المتبوع و ذو الخاصة فالأضعف و التابع أولى فاتجه له أن يقول.

و يلزم من القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم انفكاكه من الرق و يفرق بين العتق مباشرة و بينه سراية (15) لفقدان الشرط الأول ل أن العتق مباشرة يتوقف على انحصار الملك في المباشر أو فيه و في شريكه (16) و هو هنا مفقود لتعلق حق البطون و ليس كذلك افتكاكه فإنه (17) لا يشترط فيه ذلك إذ هو ازالة للرق شرعا (18) بطريق القهر ل

قوله (عليه السلام)(2)«من أعتق شقصا من عبد و له مال قوم عليه الباقي»

و حينئذ فيسري في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العتق.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب العتق الحديث- 8.

ج 28، ص: 95

باقية، و يضمن الشريك القيمة، لأنه يجري مجرى الإتلاف الموجب لذلك.

و لكن فيه تردد بل منع بعد ما عرفت من أن الدليل ظهور أدلة الوقف في بقاء العين على وجه لا يؤثر في تغييرها عنه السبب الاختياري بعوض و دونه كالهبة و البيع، و لا القهري كالإرث.

بل لعل ما في النصوص من أنه لا تباع و لا توهب و لا تورث يشير إلى ذلك، و حينئذ فلا يعارضه أدلة الأسباب الأخر من غير فرق بين دليل السراية و غيره- مع عدم (1)(تمامها) في المنقطع بناء على المختار من كونه قسما من الوقف حقيقة لا حبسا و ليس مبنى المنع شركة البطون التي لاحظها المصنف في الفرق بين العتق مباشرة و سراية.

على أنه قيل: من شرط السراية، أن تستلزم الانتقال إلى ملك المعتق و هو مفقود في المقام فلا ريب في عدم نفوذ العتق فيه مباشرة و لا سراية وفاقا للمشهور، بل في المسالك كاد أن يكون إجماعا بل لم أجد قائلا بخلافه.

ثم إن ظاهر المتن اختصاص جريان الاحتمال المزبور على القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم، دون القول ببقائه على ملك الواقف أو انتقاله إلى الله تعالى شأنه، بل هو صريح الدروس حيث قال: «إن الوجهين مبنيان على المالك، فإن قلنا: هو الله تعالى أو الواقف فلا سراية، و إن جعلناه الموقوف عليه فالأقرب عدم السراية».

و في غاية المراد «أن احتمال التقويم على تقدير القول بالانتقال إلى الله تعالى و يقوى على تقدير القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم» و لم يتعرض لحكمه على القول ببقائه على ملك الواقف، و ربما وجه بأن انتقاله إلى الله سبحانه في معنى التحرير فلا وجه للسراية فيه، إلا أنه كما ترى، ضرورة إرادة قطع سلطنة الآدميين عنه، و إلا فهو كملكهم و لذا يباع في بعض الوجوه، و حينئذ فلا مانع من نفوذ العتق فيه مع الدليل، كما أن توجيه عدم السراية فيه- على القول ببقائه على ملك الواقف، بأنه ليس ملكا محضا له لملك البطون منفعته بالوقف، و من شرط السراية محضية الملك- واضح المناقشة بأن دليلها عام.


1- 1 هكذا في النسخ و الظاهر« تماميتها».

ج 28، ص: 96

و من هنا قال في المسالك: «الحق أن الاحتمال قائم على الجميع، لأن عموم خبر السراية شامل للجميع، و المنع مباشرة لعارض موجود كذلك، و قد قررناه سابقا، و الفرق بين ملك الواقف و الموقف عليه ضعيف جدا، فإن كلام منهما، ممنوع من التصرف، أما لحق الموقوف عليه مطلقا، أو لباقي البطون، أو لعموم اقتضاء الوقف تحبيس الأصل عن مثل هذا التصرف.

قلت: و دعوى أنها على خلاف القواعد فيقتصر فيها على المتيقن، و هو غير الملك المفروض تقتضي عدم جريانها حتى إذا كان الملك للموقوف عليهم كما هو واضح، و الأمر سهل بعد معلومية الحال.

[المسألة الثانية إذا وقف مملوكا كانت نفقته في كسبه ]

المسألة الثانية: إذا وقف مملوكا ففي محكي المبسوط كانت نفقته في كسبه شرط ذلك أو لم يشترط و إن قلنا بانتقاله إلى الموقوف عليه، لأن نفقته من شروط بقائه كعمارة العقار، و هي مقدمة من غلته على حق الموقوف عليه، و لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه، و هو موقوف على بقاء عينه و إنما تبقى بالنفقة فيصير كأنه شرطها من كسبه.

نعم لو عجز عن الاكتساب بما لا ينعتق به، كانت نفقته على الموقوف عليهم و فيه أن الكسب أحد أموال المولى الذي هو الموقوف عليه و لا دليل على اختصاص الإنفاق الواجب عليه من المال المزبور، و كذا العقار الا مع الشرط المفروض عدمه.

و من هنا لو قيل في المسألتين كذلك أي أنها عليهم بناء على الانتقال إليهم كان أشبه بالأدلة لأن ها مطلقة في أن نفقة المملوك تلزم المالك من غير فرق بين الموقوف عليه و غيره، و بين كسبه و غيره، و من هنا اختاره جميع من تأخر عن المصنف.

نعم قيده جماعة بما إذا كانوا معينين، و إلا كانتفي كسبه، إن كان ذا كسب، قال بعضهم:

و إلا ففي بيت المال، فإن لم يكن بيت مال وجبت كفاية كغيرها من المحتاجين، بل في الدروس هي في كسبه أيضا، و ان كان لمعينين إن قلنا بأن الملك لله تعالى، فإن تعذر فعلى الموقوف

ج 28، ص: 97

عليهم، و بناه في المسالك على أن نفقة الأجير الخاص و الموصى بخدمته على مستحق المنافع أم لا، لإن جعلناها عليه فهي على الموقوف عليهم أيضا، و إلا ففي كسبه، فإن تعذر ففي بيت المال، و يحتمل كونها في بيت المال مطلقا، ثم قال: «و على القول بكونه للواقف، فالنفقة على الموقوف عليه على الأول و على الواقف على الثاني، فإن تعذر لإعسار أو غيره ففي كسبه، فإن قصر ففي بيت المال و يحتمل تقديم كسبه، و تقديم بيت المال» و عن الإيضاح و ظاهر الدروس أو صريحها أنها في كسبه، و عن ظاهر التذكرة في بيت المال.

و لكن لا يخفى عليك أن مقتضى إطلاق دليل لزوم النفقة للمالك عدم الفرق بين كونه معينا أو غير معين، مع فرض وجود مال للأخير كما لو فرض أنه للفقراء. و لهم مال زكاة أو غيرها، فلا يتعين كونه في كسبه، و كذا لو قلنا: أنه لله تعالى شأنه كانت نفقته على غيره من أموال الله تعالى إن كانت، و الا وجب على بيت المال، أو على الناس كفاية كغيره من المحتاجين، و بناء على أنه للواقف تكون النفقة عليه، و فإنه تعذر كان في بيت المال، و إلا وجب على الناس كفاية، لأن المولى هو، لا مالك المنفعة، فالنفقة عليه، و كذا نفقة الأجير و الموصى بخدمته إن لم يفهم الاشتراط، أو يكون متعارفا ينزل عليه العقد، و كذا الكلام في مؤنة تجهيزه بعد مدته، و أما عمارة العقار مع عدم الشرط فلا يتعين كونها من غلته، بل لهم بذلها من غيره.

نعم مع عدمه أخذت عمارته منها، لمعلومية إرادة بقاء العين، فإذا قصرت لم تجب على أحد، بخلاف الحيوان الذي يجب حفظ حياته لمكان النفس المحترمة، و ربما تسمع في النفقات ماله دخل في المقام.

و على كل حال ف لو صار مقعدا مثلا انعتق عندنا فتسقط حينئذ عند الخدمة و عن مولاه نفقته لصيرورته حرا فيجري عليه حينئذ حكم الأحرار و كأنه لا خلاف في ذلك بيننا، و لولاه لأمكن الإشكال في تأثير نحو هذه الأسباب العتق لنحو ما سمعته في السراية، اللهم إلا أن يدعى قوة دليلها على أدلة الوقف و لو لهذا التسالم.

[المسألة الثالثة لو جنى العبد الموقوف عمدا، لزمه القصاص ]

المسألة الثالثة: لو جنى العبد الموقوف عمدا، لزمه القصاص بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه لعموم أدلته على وجه لا تصلح أدلة الوقف لمعارضتها فإن كانت

ج 28، ص: 98

دون النفس بقي الباقي وقفا للأصل، و إن كانت نفسا اقتصا منه، و بطل الوقف حينئذ بانتفاء موضوعه، و ليس للمجنى عليه استرقاقه هنا كما هو ظاهر الأكثر، و إن جاز في غيره، لما فيه من إبطال الوقف الذي قد عرفت اقتضاء الصحيح منه بقاء العين على حالها حتى يرثها وارث السموات و الأرض.

لكن في جامع المقاصد و المسالك أن له ذلك، لأولويته من استحقاق الإبطال بالقتل بعد مطلوبية العفو شرعا، بل فيه جمع بين ذلك، و بين حق المجني عليه، و التأييد في الوقف إنما هو حيث لا يطرأ عليه ما ينافيه، و هو موجود هنا في القتل الذي هو أقوى من الاسترقاق، و هو كما ترى بعد القطع بعدم الأولوية المزبورة، و حرمة القياس عندنا و التخيير الثابت للمجنى عليه إنما هو في غير الفرض المعتذر فيه أحد الفردين، لظهور قوة أدلة الوقف على ذلك من وجوه بالنسبة إليه، دون القصاص الذي لا مدخلية له في تغيير الوقف المستفاد منعه من الأدلة الظاهرة في إرادة نقله عما هو عليه بالنسب الاختياري أو القهري، لا نحو ذلك الذي هو من قبيل حده بالارتداد و نحوه، و لذا يتعين حينئذ القصاص دونه.

و إن كانت الجناية خطأ تعلقت بمال الموقوف عليه و إن كان ذا كسب، كما عن الشيخ و جماعة، بناء على الانتقال إليهم لتعذر استيفائها من رقبته الموقوفة، لاقتضاء ذلك بطلان الوقف في الكل و البعض فيتعين عليه الفرد الآخر من التخيير، و هو الفداء كما تعين القصاص من الفردين في الأول.

و قيل: كما عن الشيخ أيضا يتعلق المال بكسبه، لأن المولى لا يعقل عبده و لا يجوز إهدار الجناية، و لا طريق إلى عتقه فيتوقع فيتعين ذلك جمعا بين الحقين و هو هنا أشبه عند المصنف وفاقا للقواعد و غيرها، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، و فيه أن كسبه أحد أموال المولى، فالتأدية منه يقتضي عقل المولى له، و لا دليل على اختصاص هذا المال من أمواله على أنه لا يتم في غير الكسوب.

و من هنا قال في المسالك: «يتجه حينئذ تعلق حق الجناية برقبته، إذا لم يكن كسوبا، فيجوز بيعه كما يقتل في العمد، بل هو أدنى منه».

و فيه أن ذلك يقتضي ترجيح أدلة الجناية على أدلة الوقف، و حينئذ يتجه تعلقها من أول

ج 28، ص: 99

الأمر برقبته، إلا أن يفديه المولى، كما احتمله الفاضل في المحكي من المختلف، و لعله لا يخلو من قوة، و إلا كان المتجه سقوط حق الجناية عن المولى مطلقا حتى في كسب العبد الذي هو أحد أمواله، لأنه لا يعقل عبده، فينتظر حينئذ انعتاقه القهري أو يأخذ الأرش من بيت المال كالحر المعسر.

و بالجملة فالمتعين في المسألة أحد الاحتمالين، و إن كان الأول أقواهما، لا التعلق بمال المولى مطلقا، و لا خصوص كسبه، فإن لم يكن كسوبا فبرقبته، إذ لا يخفى عليك خروجهما عن قواعد الفقه، و لا ينافي ذلك ما ذكرناه في مسألة العمد الذي تعين حق الجناية، و عدم بطلان دم المسلم بالقصاص، بخلافه هنا، لأنه مع عدم التعلق برقبته الذي هو مقتضى دليل الجناية يقتضي بطلان دم المسلم مرجوجية حق الجناية بالنسبة إلى حق الوقف، و المعلوم خلافه فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع و الله العالم.

هذا كله على القول بانتقاله إلى الموقوف عليهم، أما لو قلنا بعدم انتقاله أو انتقاله إلى الله تعالى ففي القواعد و غيرها تعلق بكسبه، بل في المسالك «هو كذلك قطعا- لكن قال متصلا بذلك- و يحتمل تعلقها بمال الواقف بيت المال، بل في القواعد و كذا إن كان على المساكين أو على المعسر أي في التعلق بالكسب.

و لكن لا يخفى عليك بعد التأمل فيما ذكرنا أنه لا فرق بين الجميع فيما سمعته من الاحتمالين و أقواهما.

أما لو جنى عليه فإن أوجبت الجناية أرشا لكونها خطأ أو كان الجاني حرا فللموجودين من الموقوف عليهم دون غيرهم كما في محكي السرائر و التبصرة، و احتمله في القواعد و قواه في محكي المبسوط و الإيضاح لكونه حينئذ شبه المنفعة المختصة بهم، إن لم يكن منها، فلا استحقاق لغيرهم من البطون الذين يتوقف استحقاقهم على وجودهم المفروض عدمه، و على وجود العين الموقوفة.

و إن كانت نفسا توجب القصاص فإليهم بناء على أنهم المالكون، بل ربما احتمل ذلك حتى على القول بكون المالك هو الله تعالى شأنه، من حيث استحقاقهم المنفعة،

ج 28، ص: 100

و لاحتمال مصالحة القاتل على مال فيرجع نفعه إليهم طلقا أو وقفا، و ان كان هو كما ترى، بل المتجه أنه للحاكم، و إلا لاقتضى كون ذلك إليهم و إن كان المالك الواقف و إن لم أجد من احتمله، ضرورة منافاته ما دل على كون ذلك للمولى الذي هو مالك الرقبة قطعا لا المنفعة.

و إن أوجبت دية أخذت من الجاني قطعا و هل يقام بها مقامه؟ قيل:

نعم و اختاره في المسالك لأن الدية عوض رقبته و هي ليست ملكا تاما للموجودين، ل تعلق حق لبطون بها، و لو بالقوة القريبة باعتبار حصول سبب الملك، و مقدماته حينئذ فيلحق القيمة حينئذ حكم العين، و لا يكون ذلك الا بشراء مثلها و وقفها، و لأن الوقف تابع لبقاء المالية، و لهذا يجب الشراء بقيمته حيث يجوز بيع ما يكون وقفا، و لأن حق الوقف أولى من نحو حق الرهن الذي يتعلق بالقيمة.

و قيل: لا، بل تكون للموجودين من الموقوف عليهم لعين ما سمعته في الأرش ضرورة أنها عوض المنافع في الحقيقة، لعدم قيمة للعين مسلوبة منها، فكان المنافع أجمع وجدت دفعة لا تدريجا كي يستحقها البطون بتدرجهم.

و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأن الوقف تعلق بالعين الذي فرض نقلها، المقتضى لبطلان الوقف و انقطاع حق البطون، و لم يتناول القيمة و الا لاقتضى صيرورتها نفسها وقفا، و الشراء بها عبدا مماثلا بالذكورة أو الأنوثة أو شقصا فيكون وقفا أو بصيغة جديدة من الموقوف عليهم، أو من الحاكم الذي هو ولي البطون فيتولى الشراء و الوقف مع التمكن منه أو منصوبه و الا فعدول المؤمنين حسبه أحكام شرعية تحتاج إلى دليل، و لا تكفى فيها البدلية المعنوية و أسبق إلى الذهن ذلك لكنه من الاستحسان الفاسد عندنا، مع عدم الدليل المعتبر على أن وقف العين المشتراة بالقيمة على الموجودين مع فرض كونها ملكهم، مناف لوجوب إخراج الواقف نفسه عن الوقف، سواء كانوا هم الواقفين أو الحاكم إذ لا نيابة عن الواقف الأصلي الذي قد فرض خروجه عن العين بوقفه، و أضعف من ذلك دعوى مساواة الأرش للدية في ذلك كله، خصوصا في أرش الصفة و نحوها، على أنه حيث يكون المستحق القصاص فالدية عوض عن نفس الجاني المستحق ازهاقها، لا نفس المجني عليه

ج 28، ص: 101

التي كانت وقفا، و الفرض عدم القول بالفصل، بل هي على كل حال من الإبدال الشرعية عن النفس، بمعنى ترتب حكم شرعي بالسبب المزبور، لا البدلية المقتضية للحقوق أحكام المبدل منه، بل اللازم على ما ذكروه أنه مع تعذر العين المماثلة و الشقص يتجه شراء مال آخر و وقفه.

بل يشكل الحال في أرش- مثلا- لا يقابل ما لا تنتفع به البطون الذي مدار هذه الاحكام على مراعاة حقهم، و لعل احتمال كون الدية هنا للواقف- باعتبار بطلان الوقف الذي من أركانه بقاء العين و الانتفاع بها، فيكون من قبيل الوقف المنقطع، و لو بانقطاع بقاء العين- أو لبيت المال لتزاحم الامارات فيها، أولى مما ذكروه.

و كيف كان فقد ظهر لك النظر في المباحث المذكورة في المسالك و غيرها التي منها- هل للموقوف عليهم العفو عن القصاص أو عن الأرش أو الدية؟ يبني على أن البطون اللاحقة هل تشارك فيه، أم لا، فعلى الأول ليس لهم العفو، و على الثاني لهم، لانحصار الحق فيهم، و على تقدير المشاركة لو عفى الأول فللثاني أن يستوفى لوجود سبب الاستحقاق من حين الجناية، و إن لم يثبت بالفعل، مع احتمال العدم لتجدد استحقاقهم بعد سقوط الحق بالعفو، و على تقدير جواز استيفاء الثاني هل له القصاص كالأول لو كانت الجناية توجبه، أو تختص بالدية وجهان، من مساواته للأول في الاستحقاق، و من تغليب جانب العفو بحصوله من الأول، و الأقوى الأول، و كأنه أخذ بعض ذلك مما في القواعد من أنه لو جنى عليه بما يوجب القصاص، و فإن اقتص الموقوف عليهم استوفى، و إن عفى فهل لمن بعده من البطلان الاستيفاء الأقرب ذلك إن لم يكن نفسا.

و فيه أنه مناف لما ذكروه أجمع بلا اشكال و لا تردد، من أن للموقوف عليهم الموجودين استيفاء القصاص، بناء على انتقال العين إليهم بلا غرامة منهم للبطون اللاحقة، و على تقدير أنها لله تعالى- يتولاه الحاكم- أو للواقف يتولاه هو، و يحتمل على ضعف الموقوف عليهم فيهما كما تقدم سابقا- ضرورة أنه لا يتجه استيفاؤهم له، مع فرض مشاركة البطون اللاحقة لهم فيه، كما أن المتجه مع فرض أن ذلك لهم جواز عفوهم عنهم لمعلومية تخيير ذي الحق بين استيفائه

ج 28، ص: 102

و بين العفو عنه، و ليس للبطون الآتية القصاص حينئذ لعدم حق لهم فيه، و إن لوحظ قاعدة استيفاء حق القصاص للمشتركين أنه إن عفى أحدهم دون الآخر، كان له القصاص مع غرامة ما يخص من عفى من الدية، فيتجه حينئذ بناء على الاشتراك هنا غرامة من يقتص منهم الدية تماما للآخرين لعدم معلومية التوزيع هنا، مع عدم انحصار الموقوف عليهم، و دعوى- أن ذلك يوجب عدم الغرامة- ليس بأولى من دعوى عدم جواز القصاص مع العفو عن بعضهم.

كل ذلك مضافا إلى ما في القواعد من إشكال الفرق بين الطرف و النفس، و إن كان قد يوجه باقتضاء الجناية على النفس بطلان الوقف، فلا حق حينئذ للبطون، بخلاف الأطراف، فإن حق الوقف باق ببقاء محله، لكنه كما ترى، ضرورة اقتضاء ذلك اختصاص الواقف بالدية في الجناية على النفس خطأ لبطلان الوقف، بل مقتضاه أن ولاية القصاص له، و إن قلنا بالانتقال إليهم لانتقال ملكهم الوقفي بتلف ملك العين المفروض كونه من مبطلات الوقف نحو الانقطاع بموت الموقوف عليهم، و فرق واضح بين انتهاء الوقف، و بين بطلانه هذا.

و عن الإيضاح أنه حكى قولا بأن البطون يستوفون الدية لتغليب العفو و قال أنه الأصح، و عن الكركي إن فيه قوة.

و فيه إن العفو مع صحته على مال أو مطلقا يقتضي السقوط مطلقا، و إلا فلا يؤثر شيئا، و جميع هذه الاحتمالات و التهجسات نشأت من احتمال بقاء أثر عقد الوقف مع تلف العين بنحو ذلك، فينتقل أثره إلى ما أوجبه الإتلاف المزبور، و لو القصاص، إلا أنه هو كما ترى، و إنما المتجه اختصاص الموقوف عليهم، بناء على الانتقال إليهم بذلك قصاصا أو دية أو أرشا، أو بطلان الوقف و رجوع ذلك إلى الواقف، أو يرجع أمره إلى والى المسلمين، لعدم معرفة حاله، و لعلها مترتبة بالقوة و الضعف، و إن لم أجد المصرح بالأخيرين.

و لا يخفى عليك بعد ذلك كله الحال فيما لو كان الجاني عبد و استرق كله أو بعضه بجنايته، فهل يختص به الموجودون أو يكون وقفا، إذ هو على البحث السابق، و كذا لو اتفق هو و مولاه على الفداء، فهل يختصون به أيضا، أو يشتري به عبدا أو شقصا أو مالا آخر يكون وقفا؟

ج 28، ص: 103

[المسألة الرابعة إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى جميع ما يكون وصلة إلى الثواب ]

المسألة الرابعة: إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى جميع ما يكون وصلة و طريقا إلى الثواب، كالغزاة و الحج و العمرة و بناء القناطر و المساجد و نفع المحاويج و نحو ذلك مما هو طريق إلى ثوابه و رضوانه، كما هو المعروف بين الأصحاب، بل عن ابني زهرة و إدريس في بحث الوصية الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى الفهم عرفا، و إلى الخبر المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (1)على ما تقدم مفصلا في كتاب الزكاة خلافا للمحكي عن الشيخ من اختصاصه بالغزاة المطوعة دون العسكر المقاتل على باب السلطان، و بالحج و العمرة فيقسم أثلاثا، و ابن حمزة من اختصاصه

بالمجاهدين إذ هو كما ترى، مناف للمفهوم- عرفا و لغة- من ذلك بلا دليل و إن كان ما ذكروه أقوى في الدلالة، الا أنه لا يمنع من تناول غيره مما يدخل في مفهومه و ملاحظة معنى الطريق في ذلك لا يقتضي التخصيص المزبور عرفا كما هو واضح.

و كذا لو قال في سبيل الله تعالى و سبيل الثواب و سبيل الخير كان واحدا بمقتضى الفهم عرفا و حينئذ ف لا يجب قسمة الفائدة أثلاثا أحدها للغزاة و الحج و العمرة و هو سبيل الله، و الثاني: للفقراء و المساكين و يبدأ بأقاربه و هو سبيل الثواب، و الثالث: لأصناف الزكاة و هو سبيل الخير. كما عن الشيخ لعدم الدليل على ذلك على وجه يقتضي الخروج عن مفهوم اللفظ لغة و عرفا، و دعوى أنه كذلك فيها لا يخفى عليك ما فيها.

[المسألة الخامسة إذا كان له موال من أعلى و موال من أسفل ثم وقف على مواليه انصرف الوقف إليهما]

المسألة الخامسة: إذا كان له موال من أعلى و هم المعتقون له أو من انتهى إليه ولاء العتق و موال من أسفل و هم الذين أعتقهم و من انتقل إليه ولاؤه، ثم وقف على مواليه، فان علم أنه أراد أحدهما بقرينة حال أو مقال انصرف الوقف إليه (11) بلا خلاف و لا اشكال، كما إذا لم يكن إلا أحدهما، بناء على أنه قرينة على عدم إرادة غير الموجود، و لو مع الضم إلى الموجود، و إن لم يعلم (12) ففي المسالك، «رجع إليه في تفسيره، لأنه أعلم لما أراد، فإن تعذر الرجوع إليه أو قال: إنه لم يقصد شيئا بخصوصه، و إنما


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث- 7.

ج 28، ص: 104

وقف على مدلول هذا اللفظ، ففي بطلان الوقف أو صرفه إليهما، أو أحدهما أقوال».

و فيه إنه لا وجه لتعيين الرجوع اليه، بناء على أن اللفظ ظاهر ينصرف إليه، كما أنه لا بد من التأمل في تصور المسألة هنا، حيث يقول إني لم أقصد شيئا مع أنك قد عرفت فيما سلف الإجماع على اعتبار معلومية الموقوف عليه و تمييزه، و لو بجهة العموم، ضرورة اعتبار قصد إنشاء التمليك للمنفعة، أو مع العين منه، خصوصا في الوقف الخاص المحتاج إلى قبول للإنشاء الذي توجه إليه على أن المشترك اللفظي لا مدلول له بالخصوص يحمل عليه من دون قصد.

و على كل حال فالأمر في ذلك سهل، إذ يكفي في ذلك تصور المسألة الصورة الأولى:

و حكمها عند المصنف و جماعة أنه إذا كان كذلك انصرف الوقف إليهما وفاقا للمشهور، كما عن الدروس، و هو مبنى على جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى مطلقا أو إذا كان للفظ الجمع، و أنه يحمل على إرادة جميع المعاني مع التجرد عن القرائن مطلقا، و إذا كان بلفظ الجمع الذي لا يعتبر فيه- و في التثنية- اتفاق المعنى، كما صرح به بعض النحويين، لأنه بمثابة العطف بالواو، خلافا لجماعة فأبطلوه، بناء على عدم جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى و ان كان بلفظ الجمع أو على عدم حمله على الجميع مع التجرد.

قال في المسالك: «و إن قلنا بعدم حمله على معانيه حقيقة بطل، لعدم تعين مصرفه، سواء جوزنا جمع المشترك بجميع معانيه أم لا، أما على الأول فظاهر، و أما على الثاني فلأنه حينئذ بمنزلة المفرد المشترك، و حكمه كذلك، و تبعه عليه غيره».

قلت: قد حققنا في الأصول جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد لكن على جهة المجاز، و أن المعتبر في الجميع اتفاق المعنى مع اتفاق اللفظ، و أنه لا يحمل اللفظ المشترك على الجميع مع التجرد عن القرائن، بل على معنى واحد منها بخصوصه، إلا أنه مع ذلك كله قد يقال: بالصحة في المقام، و يستخرج الموقوف عليه بالقرعة، بعد فرض اجتماع باقي شرائط الصحة فيه، إذ إجمال الموقوف عليه في الظاهر لا يقتضي بطلان الوقف، بل هو كالمشتبه في الأثناء.

ج 28، ص: 105

نعم لو فرض تجرد الواقف عن قصد واحد بخصوصه، اتجه البطلان، و لكنه خلاف ظاهر الاستعمال، خصوصا في مثل المقام، و أما بناء الصحة في الفرض على أنه مشترك معنوي كما عن الشيخ فهو مناف للمحكي عن نص أهل اللغة على الاشتراك اللفظي، بل و للعرف الآن عندنا، خصوصا مع عدم صلاحية قدر مشترك بينهما يقصده المستعمل و كذا ما عن ابن حمزة من أنه إن جمع اللفظ حمل عليهما، و إن أفرد حمل على الأعلى، بقرينة المكافاة للإحسان، و أضعف منه ما عن بعض الشافعية من الحمل على المولى من أسفل خاصة بقرينة محتاجا فتوجه النفس إلى الوقف عليه لشدة حاجته بخلاف الأعلى، لأنه على العكس غالبا إذ هو كما ترى لا يستأهل ردا، و مما ذكرنا يعلم لك الحال فيما لو كان الوقف بلفظ المفرد، كما أنه يظهر لك الحال أيضا في ظاهر جملة من الكلمات هنا و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا وقف على أولاد أولاده، اشترك أولاد البنين و البنات ذكورهم و إناثهم ]

المسألة السادسة: إذا وقف على أولاد أولاده، اشترك أولاد البنين و البنات ذكورهم كما عن الشيخ و إناثهم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع صريحا و ظاهرا عليه من غير واحد، بل لعله لا اشكال فيه بناء على تناول اسم الولد الذي هو بمعنى التولد منه لهما حقيقة، و إن كان هو محل تأمل في عرفنا الآن، بل لعل الظن بالعدم كما أنه لا اشكال و لا خلاف في اشتراكهم في ذلك من غير تفصيل لأنه المفهوم عرفا من إطلاق سبب الاستحقاق المفروض اتحادهم فيه، بل الأظهر دخول الخناثي معهم أيضا كذلك، و إن قلنا إنهم طبقة مستقلة، لصدق اسم الولد بالمعنى المزبور عليها.

نعم لو كان وقفه على البنين خاصة، قيل: لم يدخلن، كالبنات، و على البنات لم يدخلن كالبنين، و عليهما بني دخولهم- على عدم خروجهم عن الصنفين في نفس الأمر، لقوله تعالى (1)«يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً» إلى آخره و لاستخراج أحدهما بالعلامات و مع فقدها نصف النصيبين- و خروجهم على كونهم واسطة لعدم ظهور الآية في الحصر و لا كلام فيه مع وجود

العلامات، كما لا دلالة في نصف النصيبين على ذلك، بل يمكن دلالته على عدمه، ضرورة جواز كون نصيبها المتوسط، لأنها متوسطة الحقيقة.


1- 1 سورة الشورى الآية- 49.

ج 28، ص: 106

قلت: قد يقال: إن المتجه القرعة في الأول كما في الدروس قال: «لأنها في نفس الأمر من أحد الصنفين» قلت: بل لعله كذلك، و إن قلنا بالواسطة، فتتجه القرعة، حتى في الثاني أيضا، إذ هي غير معلومة اللهم إلا أن يقال: بتشخيصها حينئذ بالخروج عنها بعدم ظهور أمارة أحدهما، و إلا فالأصول متعارضة حتى أصالة عدم الاستحقاق، فإنه معارض بأصالة عدم اختصاص غيرها به أيضا، و منه يظهر قوة القول بها في الأول، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفي عليك أن المراد هنا بيان اندراج أولاد البنين و البنات في الدرجة الأولى في أولاد الأولاد، لصدق الولد على الذكر و الأنثى، لا بيان دخول أولاد أولاد الذكور من الدرجة الثانية و الثالثة، و هكذا كما احتمله في الرياض، و أشكله في أولاد بنات أولاد الواقف، بناء على المشهور بأنهم ليسوا بأولاد حقيقة لأولاده بخلاف أولاد أولاده الذكور، فإنهم أولاد أولاد حقيقة، و إن نزلوا إجماعا إذ هو كما ترى مناف لما تسمعه منهم بلا خلاف من اختصاص الوقف على أولاده و أولاد أولاده بالبطنين فيما لو قال: أولادي، و أولادي أولادي، لدعوى الانصراف عرفا فلا وجه لاحتمال إرادتهم هنا ما ذكره كما هو واضح.

و على كل حال فذلك غير ما نحن فيه أما لو قال من انتسبا إلى منهم لم يدخل أولاد البنات على الأشهر بل المشهور، بل يمكن دعوى الإجماع من الجميع، فان المرتضى و ابن إدريس و إن قالا فيما لو قال أولادي و أولاد أولادي أنه ولد، لكن لا يلزم القول منه بصدق الانتساب المفهوم منه عرفا، خلاف ذلك.

و من هنا قال في محكي السرائر في الباب إنما أراد الشاعر بقوله

«بنونا بنو أبنائنا»

إلى آخر الانتساب، بمعنى أن أولاد البنت لا ينسبون إلى أمهم، و إنما ينسبون إلى أبيهم، و ليس كلامنا فيه، بل في الولادة و هي متحققة من جهة الأم من غير خلاف، و الذكر و الأنثى فيه سواء، و نحوه عن اختلاف، و قد أومأنا نحن سابقا إلى نحو ذلك، و قلنا: إن أولاد البنات و إن كانوا أولادا حقيقة إلا أنهم لا يستحقون الخمس الذي عنوانه اسم القبيلة الخاص بالذكور و من يتولد منهم، و حينئذ فما عن التحرير- من أن في دخول أولاد البنات في الفرض نظرا، و عن إيضاح النافع أن الفرض ضعيف و عن الكفاية أن الأظهر الرجوع إلى العرف بل عن الإيضاح و جامع المقاصد، أن الخلاف مع المرتضى

ج 28، ص: 107

و ابن إدريس- في غير محله.

و لو وقف على أولاده و أولاد فلان و أطلق و لم يكن ثم قرينة حال أو مقال انصرف إلى أولاده لصلبه، و لم يدخل معهم أولاد الأولاد وفاقا للمشهور و قيل: لما عن المقنعة و الكافي و النهاية و المهذب و السرائر، و بعض نسخ النافع. و اللمعة و التحرير بل يشترك الجميع لصدق الولد على الجميع حقيقة و لا ريب في أن الأول أظهر، لأن ولد الولد لا يفهم من إطلاق لفظ الولد و إن قلنا أنه حقيقة، لمعلومية اختلاف أفراد المتواطي، فلا ينافي الاختصاص بغيره كونه حقيقة، ضرورة رجوعه إلى انسياق بعض أفراد المطلق عند الإطلاق، و ربما يؤيده قرأة النصب في قوله تعالى (1)«وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَ يَعْقُوبُ» و احتمال كونه لتفخيم شأن يعقوب كما في عطف جبريل على الملائكة في قوله تعالى (2)«مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ» إلى آخره خلاف ظاهر العطف، و بذلك يظهر لك سقوط الأطناب هنا في الاستدلال على كونه ولدا حقيقة مطلقا، أو في خصوص ولد الذكر دون الأنثى، لما عرفت من أن وجه المسألة ما ذكرنا، اللهم إلا أن يمنع الانسياق المزبور، فيتجه الاستدلال المذكور حينئذ، و قد ذكرنا مختارنا فيه غير مرة أن ولد الولد ولد حقيقة، من ذكر كان أو أنثى، و الله العالم.

و لو قال: على أولادي و أولاد أولادي اختص بالبطنين دون ما نزل، إلا مع القرينة، بناء على ما عرفت من الانسياق المزبور من غير فرق في ذلك بين الذكور و الإناث.

و لو قال: على أولادي فإذا انقرضوا و انقرض أولادي فعلى الفقراء، فالوقف لأولاده لصلبه خاصة بناء على ما عرفت فإذا انقرضوا قيل:

كما عن الشيخ حاكيا له عن بعض يصرف إلى أولاده، فإذا انقرضوا فإلى الفقراء و إلا لكان ذكرهم لغوا، و في الدروس أنه قوي، إما لقرينة الحال و إما لشمول لفظ الولد للنافلة، كقول المفيد و جماعة، و كأنه مال إليه أيضا في غاية المراد،


1- 1 سورة البقرة- الآية- 132.
2- 2 سورة البقرة الآية- 97.

ج 28، ص: 108

قال: عملا بالظاهر و القرينة المقالية يجعل ذلك المجاز واردا مورد اللفظ، و لا شك أن عطف الانقراض، على الانقراض مشعر بذلك، و إلا لكان الوقف منقطعا، و الوقف شأنه الدوام.

و قيل: لا يصرف إلى أولاد الأولاد لأن الوقف لم يتناولهم، لكن يكون انقراضهم شرطا لصرفه إلى الفقراء بناء على صحة منقطع الوسط و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة أنه لا دلالة في اللفظ المزبور على دخولهم في الوقف، لا مطابقة و لا تضمنا و لا التزاما إذ لا تلازم بين اشتراط انقراضهم، و بين كونه وقفا عليهم، و إلا لاقتضى اشتراكهم مع الأولاد، لا ترتبهم عليهم، و الخصم لا يقول به، و اعتبار الدوام في الوقف لا يكون قرينة على ما لا يظهر من اللفظ، و يكفي في فائدة ذكرهم إرادة الشرطية فلا دلالة في عطفه انقراض الأولاد على إرادة الدخول، بل لعل فيه دلالة على العدم.

نعم على قول المفيد و من تبعه بشمول إطلاق الأولاد لأولادهم يتجه دخولهم في الوقف معهم على الشركة- لا على الترتيب- بمجرد اللفظ الأول و يكون ذكرهم ثانيا لفائدة بيان وقت استحقاق الفقاء، فيكون في قوة تقييد إطلاق الأولاد الشامل للبطون المترتبة أبدا بالبطنين الأولين، و يكون ذكرهما قرينة لإرادة تخصيصهما بالأولين، و إن كان منهما متناولا لما بعده أبدا لو لا القرينة.

أما على المختار من انسياق خصوص أولاد الصلب من إطلاق الأولاد و بطلان منقطع الوسط في المراتب المتأخرة مع فرض تحقق انقطاعه فالمتجه البطلان، اللهم إلا أن يدعى أنا نفهم عرفا أن العبارة المزبورة للدخول على الترتيب المذكور، و لكن المتجه أيضا على ما ذكرنا اختصاص ذلك بالبطنين، و قد تقدم البحث سابقا في مصرف الوقف بناء على صحة المنقطع حال الانقطاع بنحو ذلك، فلا حاجة إلى إعادته بعد معلومية فساده لديك بلا مزيد عليه كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا وقف مسجدا فخرب أو خرجت القرية أو المحلة لم يعد إلى ملك الواقف ]

المسألة السابعة: إذا وقف مسجدا مثلا فخرب أو خرجت القرية أو المحلة التي هو فيها لم تبطل بذلك مسجديته، للأصل بعد إمكان الانتفاع به، و لو فيما يأتي و حينئذ لم يعد لذلك إلى ملك الواقف، و لا تخرج العرصة عن الوقف

ج 28، ص: 109

و إن لم يبق من آثاره غيرها، إذا هي العمدة في المسجد بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا.

نعم في المسالك هذا كله يتم في غير المبنى في الأرض المفتوحة عنوة حيث يجوز وقفه، تبعا لآثار التصرف، فإنه حينئذ ينبغي بطلان الوقف بزوال الآثار، لزوال المقتضي للاختصاص، و خروجه عن الأصل، اللهم إلا أن تبقى فيه رسوم، و لو في أصول الحيطان بحيث يعد ذلك أثرا في الجملة، كما هو الغالب في خراب البناء، و حينئذ فقول المصنف «لا تخرج» إلى آخره لا يتم إلا في المملوك بالأصل، إذ لم يعتبر في الوقف إلا العرصة و هي أرض المسجد، و إن زالت الآثار أجمع.

قلت: قد أشرنا في كتاب البيع إلى خروج ذلك بالسيرة القطعية على اتخاذ المساجد فيها، و إجراء حكمها علينا من غير مدخلية للآثار في ذلك، ضرورة اقتضاء المسجدية الدوام و التأبيد، و حينئذ فلا وجه للحكم بمسجديتها لا على هذا الوجه، بل التزام عدم صيرورتها مسجدا حينئذ أولى، و إن كان هو مردودا بالسيرة القطعية، بل بالمعلوم من الشرع من جريان أحكام المساجد على مساجد العراق و نحوه، و غيرها من المفتوحة عنوة.

و على كل حال فما عن بعض العامة- من عود المسجد بما عرفت إلى ملك الواقف قياسا على ما لو أخذ السيل مثلا ميتا فيئس منه كان الكفن للورثة لجامع تعذر المصرف في الموضعين- واضح الضعف، أن الكفن الذي هو من التركة قد كان ملكا لهم بموت الميت، و إن وجب عليهم صرف ذلك في تكفينه فإذا زال الموجب عاد إلى ما كان، كما يعود إلى الزكاة أو إلى الوقف أو إلى باذله إن كان منها، بل لو قلنا أن مقدار الكفن من التركة على حكم مال الميت، فالحكم كذلك أيضا لمعلومية تقييده بما دام الميت محتاج إليه، و إلا دخل في الإرث.

[المسألة الثامنة إذا انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف و لم يجز بيعها]

المسألة الثامنة: إذا انهدمت الدار و لم يبق من آثارها شي ء لم تخرج العرصة بذلك عن الوقف و لم يجز بيعها بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، كالفاضل و الشهيدين و غيرهم، لأن الخراج لا يصلح لنقض الوقف و إبطاله، مع بنائه على التأبيد، و على عدم جواز بيعه، و لأن العرصة من جملة الموقوف، و هي باقية، بل لم يحكوا

ج 28، ص: 110

الخلاف في ذلك إلا عن بعض العامة، فجوز بيعها، إذا انهدمت، و لم يكن عمارتها كالمسجد، و في المسالك تقييده في غير الأرض الخراجية على نحو ما سمعته في المسجد».

قلت: لا ريب في أن الحكم كذلك مع فرض وقوع عقد الوقف عليها من حيث نفسها، و إن قارن بذلك كونها دارا، فينتفع بها حينئذ بزرع و نحوه مما تكون قابلة له، إذ لا حصر للانتفاع بها في الدارية، و إن كانت حال الوقف دارا، إلا أن يصرح بالاشتراط.

نعم قد يشكل تغييرها اختيارا كما نص عليه في محكي التذكرة قال: لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته، فلا يجوز جعل الدار الموقوفة بستانا و لا حماما، و لا بالعكس، و لو تعذر الاستمرار صار إلى أقرب الأوصاف، و

عن الكاظم (عليه السلام)(1)فيما وقفه «لا يحل لمؤمن بالله تعالى و اليوم الآخر أن يبيعها، و لا يبتاعها، و لا ينحلها و لا يغير شيئا منها»

إلى آخره، اللهم إلا أن يحمل ذلك منه لبيان الاشتراط منه (عليه السلام) كما يحمل كلام التذكرة على وقف الدار الملحوظ في وقفها داريتها، لكن لا يخفي أنه لا داعي إلى هذا الحمل، لظهور وقف الدار إلى إرادة الانتفاع بها دارا و هكذا إلا مع التصريح بعدم قصد ذلك و هو خارج عن محل الفرض.

هذا كله مع عدم ملاحظة الدارية في وقفه، أما إذا لا حظ الواقف في وقفه لها حيثية كونها دارا، فمتى بطل كونها كذلك بحيث خرجت عن قابلية ذلك، يمكن الحكم، ببطلان الوقف حينئذ بذهاب موضوعه، بل يمكن التزامه في النخلة الموقوفة الملاحظة في وقفها تسبيل ثمرتها أيضا إذا سقطت كما ستسمعه إن شاء الله تعالى.

و لعل مرجعه إلى نظير ما سبق من جواز الوقف في منفعة خاصة، و ربما يشهد لذلك ما سمعته سابقا من ثاني الشهيدين و من تبعه في أن الوقف على مصلحة تنقرض غالبا يكون من الوقف المنقطع الآخر، و هو كذلك.

و من ذلك كله يظهر لك أن وقف الدار مثلا يقع على وجوه:

أحدها: وقفها ما دامت دارا فانهدمت و الظاهر كونها من منقطع الآخر.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 5- مع اختلاف يسير.

ج 28، ص: 111

ثانيها: وقفها دارا على معنى أنه ينتفع بها دارا، و الظاهر أنها وقف كذلك ما دامت صالحة لذلك، و إن انهدمت نعم إذا خرجت عن قابلية ذلك على وجه لا يرجى عودها، أمكن القول ببطلان وقفها.

ثالثها: وقف الدار على معنى تسبيل منفعتها كائنة ما كانت و إن قارن كونها دارا حال الوقف، و الظاهر بقاء وقفها، بل يجوز تغييرها اختيارا.

رابعها: وقفها دارا و علم إرادة دوام أصل الوقف منه، فاتفق انهدامها، و الظاهر عدم جواز تغييرها اختيارا لكن إذا انهدمت جاز له الانتفاع بها على غير وجه الدارية، إلا مع التصريح.

و قد ذكرنا تفصيل بعض ذلك في كتاب البيع في مسألة بيع الوقف إذا أدى بقاؤه إلى خرابه و من ملاحظته يعلم الحال فيما لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه و إن قال المصنف هنا جاز بيعه جاز ما به، إلا أن المسألة شديدة الإشكال و الاختلاف، و قد استقصينا الكلام فيها هناك بحمد الله تعالى شأنه و كذا فيما لو لم يقع خلف بينهم و لا يخشى خرابه، بل كان البيع أنفع لهم و إن قيل: أنه يجوز بيعه حينئذ في ذلك و لكن الوجه المنع كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا و (11) منه يعلم الحكم أيضا فيما لو انقلعت نخلة من الوقف (12) و إن قال المصنف هنا قيل: (13) و القائل الشيخ في محكي مبسوطة و نهايته يجوز بيعها لتعذر الانتفاع إلا بالبيع و قيل: (14) و القائل ابن إدريس لا يجوز لإمكان الانتفاع بالإجارة للتسقيف و شبهه و هو أشبه (15) و في المختلف أن النزاع بينهما لفظي، لأن الشيخ فرض عدم الانتفاع إلا بالبيع، و ابن إدريس فرضه بالتسقيف و نحوه.

قلت: عبارة الخلاف لأنه لا يمكن الانتفاع بها إلا على هذا الوجه، لأن الوجه الذي شرطه الواقف قد بطل، و لا يرجى عوده، و عبارة المبسوط جاز بيعها لأرباب الوقف لأنه تعذر الانتفاع بها على الوجه الذي شرطه، و هو أخذ ثمرتها، و ظاهر هما بطلان الوقفية المقتضية لحبس العين و عدم جواز بيعها، ببطلان المنفعة التي وقفت العين أى حبست العين عن النوافل،

ج 28، ص: 112

لإرادة استيفائها، فلا يجب حينئذ على الموقوف عليه حبسها لغيرها من المنافع، و إن كانت صالحة للانتفاع بها مع بقاء عينها، و حينئذ يكون الخلاف معنويا لا لفظيا و إن زعمه الفاضل في المختلف.

بل لعل كلام الشيخ لا يخلو من قوة، و إن خالفه من تأخر عنه، خصوصا مع ملاحظة الواقف ذلك قيدا في وقفه، كما هو مقتضى تعبير الشيخ بالشرطية، و حينئذ يرجع إلى ما ذكرناه في البيع و في المقام من أنه متى جعل الجاعل هيئة الموقوف عنوانا في وقفه، فذهبت الهيئة، بطلت الوقفية المقتضية لتحبيس الأصل و جاز البيع للموقوف عليهم، لا للواقف كما أوضحناه في كتاب البيع.

نعم لو لم يجعل ذلك عنوانا بل كان مراده الانتفاع بالعين مع بقائها كائنة ما كانت المنفعة لم يجز البيع حينئذ، إلا مع سلب المنافع أجمع و انحصار منفعتها بالإتلاف كالخشبة للإحراق و نحوه فتأمل جيدا.

و لا ينافي ذلك- و لا ما تقدم من مسألة المسجد و الدار- ما تقدم سابقا من صرف الوقف- على مصلحة فبطل رسمها- في وجوه البر بعد ما عرفت أن مرادهم ذلك في الوقف المؤبد الذي ذكر له مصرفا خاصا فاتفق تعذره المنزل على أنه يصرف له ما دام ممكنا ليجامع تأبيد وقفه كما أوضحناه فيما تقدم هذا.

و في القواعد و لو شرط بيعه عند التضرر به كزيادة خراج و شبهه، و شراء غيره بثمنه أو عند خرابه و عطلته أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلعه أو قلة نفعه ففي صحة هذا الشرط إشكال، بل عن الإرشاد الوجه الجواز، و نفى عنه البأس في محكي الروض قيل: و كأنه مال إليه، أو قال به الشارحان له ولده و الشهيد، بل و ثاني المحققين و في الحواشي أنه الأقوى.

و لعله لعموم

«الوقف(1)»

و «المؤمنون (2)»

و ما عساه يظهر من إذن أمير


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 3.

ج 28، ص: 113

المؤمنين (عليه السلام)(1)للحسن (عليه السلام) في صدقته بذلك، و ربما يرجع ذلك كله أو بعضه إلى نحو ما قررناه في شرط عودة إليه عند الحاجة، كما أنه لا ينبغي الإشكال في جواز اشتراط بعض ذلك بناء على جواز بيعه منه من دون شرط، فضلا عنه معه.

نعم بناء على منافاة هذا الشرط لعقد الوقف في الجميع كما عن الإيضاح، أو في البعض وجه المنع واضح.

لكن قد عرفت فيما تقدم سابقا من المباحث إمكان كونه على وجه لا ينافي مقتضاه، إذ المسلم منه عدم جواز بيعه و هو وقف، لا جواز بيعه بعد خروجه عنه، و يمكن عود الشرط في جميعها أو في بعضها إلى ذلك، كما أومأنا إليه في اشتراط العود عند الحاجة، فلا حظ و تأمل كي تعرف بقرينة ما سمعته في الدية، و قيمة العين الموقوفة من اختصاص البطن الأول بها كالقيمة عند سلب المنافع منها، أن معنى الوقف تمليك العين محبوسة على المالك عن النواقل ما دامت قابلة، و متى خرجت عن الانتفاع تكون ملكا مطلقا من دون حبس، و كذا لو شرط الواقف ذلك معلقا له على حال من الأحوال السابقة أو يشرط شراء غيرها بثمنها على أن يكون وقفا، و لا يقدح ملك البطن في صحة الوقف عليهم، إذا المسلم منه غير هذه النوع من الملك، و لعل هذا غير الانقطاع من الملك الذي ذكرناه عوده إلى الواقف، ضرورة كون الفرض تقييدا في الحبس، لا في الملك، و لكن الانصاف عدم خلو ذلك عن التأمل، و إن كان يشهد له بعض كلماتهم، فلا حظ و تأمل.

و كذا في القواعد و لو خلق حصير المسجد و خرجت عن الانتفاع به فيه أو انكسر جذع بحيث لا ينتفع به في غير الإحراق، فالأقرب بيعه، و صرف ثمنه في مصالح المسجد كما عن التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد و الدروس التصريح به.

نعم زاد في الأخير اشتراط ان لا ينتفع به في غيره أيضا كما أنه في الثلاثة التصريح بصرف ثمنه في بدله من حصير و جذع، فان تعذر صرف في مصالح المسجد اعتبارا لما يقرب من مراد


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 4.

ج 28، ص: 114

الواقف، و في محكي التذكرة أيضا أنه لا خلاف بين العامة في جواز بيع ما اشترى من الوقف أو قبل المتولي هبته عند الحاجة، و في جامع المقاصد أنه لا يخلو من قوة، فإذا بيع صرف في مصالح المسجد من غير تعيين شراء مثله، و لا يخفى عليك التحقيق في ذلك كله و في شراء عين بثمن الموقوف عوضه مساوية أو غير مساوية أو يكون طلقا لهم، بعد الإحاطة بما أسلفناه في كتاب البيع، و بما ذكرناه في كتاب الوقف في مسألة ما لو أتلف العين الموقوفة متلف و غيرها من المسائل، فلا حظ و تأمل. لكن لا ينبغي ترك ما أمكن من الاحتياط في كثير من هذه المسائل لأنها غير منقحة.

نعم لا ينبغي التأمل في صرف حاصل الوقف في وجوه البر مع الجهل بأربابه، و إن توقف فيها أو في نحوها الخراساني في كفايته لكنه في غير محله، ضرورة أنه من مجهول المالك، مضافا إلى

خبر أبي علي (1)بن الراشد «اشتريت أرضا إلى جنب ضيعتي بألفي درهم، فلما وفرت المال خبرت أن الأرض وقف، فقال: لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها»

و هو صريح فيما ذكرنا، بل منه يعلم الحال في نسيان المصرف و نحوه، فإن الجميع من واد واحد.

نعم لو علم الموقوف عليه، و لم يعلم سهامهم و لا ترتيبهم و لا عدمه و لو لتلف ما رسمه الواقف، فالظاهر تساويهم في القسمة الذي هو الأصل في نظائره، و خلافا لبعض الشافعية فيوقف إلى أن يصطلحوا، و كذا لو اختلفوا في شرط الواقف و لا بينة، يقسم بينهم بالسوية.

نعم لو علم تفضيل بعضهم على بعض و لم يعرف المفضل احتمل الوقف حتى يصطلحوا و الأقوى القرعة، و عن التذكرة أنه لا بعد في الرجوع إلى قول الواقف لو كان حيا، لأنه هو المتصدق، و فيه أنه لا رجوع إليه بناء على رجوعه عن الوقف، إذ هو حينئذ كالأجنبي، و كالبائع الذي لا يرجع إليه عند اختلاف المشتريين منه.

[المسألة التاسعة إذا آجر البطن الأول الوقف مدة ثم انقرضوا في أثنائها فهل يبطل الإجارة فيه تردد]

المسألة التاسعة: إذا آجر البطن الأول الوقف مدة معينة مثلا ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.

ج 28، ص: 115

انقرضوا أجمع في أثنائها فإن قلنا أن الموقت يبطل الإجارة في الملك المطلق فلا كلام ضرورة أولوية المقام منه و إن لم نقل فهل يبطل هنا؟ فيه تردد من إطلاق ما دل على صحة الإجارة و لزومها عموما و خصوصا، و من انكشاف دخول غير ما لهم من المدة في مدتهم أظهره البطلان كما في الخلاف و المبسوط و التذكرة و التحرير و الإرشاد و الدروس و الإيضاح و اللمعة و جامع المقاصد و الروض و الروضة و المسالك، بل لا أجد فيه خلافا.

لأنا بينا أن هذه المدة ليست للموجودين ضرورة اقتضاء الوقف تسبيل المنفعة للموقوف عليه مدة العنوان الذي يجعله الواقف لا أزيد، و البطن الثاني يتلقى عن الواقف كالأول، و لذا لا تمضي إجارته مدة يعلم بالعادة زيادتها على حياته مثلا بل قد يتوقف في صحة غير ذلك لو صرح الواقف بإرادة تمليك البطن الأولى على حسب الملك المطلق، بناء على عدم مشروعية عقد الواقف لمثل هذا التمليك، و إن كان لا يخلو من نظر.

لكن لا إشكال في حمل قصد الواقف مع الإطلاق على ما ذكرنا، و حينئذ فإجارته في الفرض وقعت على ما له و ما ليس له، بخلاف المالك الذي هو مسلط على أمواله، و الوارث إنما يرث ما يجده على ملكه، فمع فرض زيادة مدة الإجارة على موته لم يكن للوارث شي ء إذ المنفعة صارت ملكا للغير بعقد الإجارة، و ليست من تركة الميت.

و حينئذ فيكون في الفرض للبطن الثاني الخيار بين الإجازة في الباقي و بين الفسخ فيه لأنه من الفضولي، و هو المراد من البطلان المزبور.

و إن كان قد يشكل أولا: بعدم المجيز له في المال بناء على اشتراط ذلك في الفضولي و فرض عدمه، اللهم إلا أن يجعل الناظر الولي على ذلك، إلا أنه كما ترى.

و ثانيا: بعدم الملك و المالك حال العقد و مجرد تأهل العقد لملكهم لو وجد و إلا يجعله من الفضولي، اللهم إلا أن يدعى تناول أدلته لمثله، و تكون الإجازة حينئذ كاشفة حال انقراض البطن الأول، لا حال وقوع العقد، و فيه بحث، و لعله لذا حكى عن جماعة البطلان، الذي لا يترتب عليه أثر بالنسبة إليهم، لا بالمعنى الذي سمعته من المصنف.

ج 28، ص: 116

و على كل حال فمع الفسخ و تسليمهم الأجرة يرجع المستأجر على تركة الأولين بما قابل المتخلف بلا خلاف و لا اشكال فينسب أجرة مثله إلى آجره مثل مجموع المدة و يرجع من المسمى بمثل تلك النسبة، فلو كان قد آجره سنة بمائة و مات بعد انقضاء نصفها، و فرضنا أن أجرة مثل النصف المتخلف تساوى ستين و أجرة مثل النصف الماضي تساوى ثلاثين رجع المستأجر بثلثي المائة كما هو واضح.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في ذلك، حتى تجرأ بعض من تأخر عنه إلى الجزم بجواز اجارة البطن الأول مدة تستغرق عمر الموقوف عليه، معللا له بأن المنفعة ملكهم ملكا مطلقا، و الناس مسلطون على أموالهم، و هو كما ترى.

نعم لو كان المؤجر، الناظر على الوقف لمصلحة الوقف اتجه ذلك، لأن له الولاية المقتضية لنفوذ تصرفه في ذلك مع وجودهم، فضلا عما قبله، و الأجرة يملكها الموجودون، و إن كانت هي عوضا عن منافع المدة المتأخرة عن حياتهم، إلا أنها بعد فرض المشروعية لهذه الإجارة بالإجماع، و ظاهر بعض النصوص الدالة على جواز اشتراط الناظر صيرورته وليا للمال نفسه، و أن له هذه الولاية تكون حينئذ بمنزلة وجود المنافع المتأخرة في حياتهم إلا أنها محبوسة أيضا لا يجوز لهم صرفها في غير التعمير و نحوه، مما يرجع مصلحته للبطون أيضا، و لو سلم عدم الجزم بذلك، كان الحكم بالصحة كافيا في حصول المطلوب و إن لم يجزم بتعيين مالك ما زاد من المنافع على الموجودين، و الله العالم.

و لو آجر المتولي بأجرة المثل في الحال، فاتفق زيادة لم تنفسخ الإجارة لأصالة لزومها بعد وقوعها على الوجه المعتبر شرعا، فلا خيار له، نعم لو آجره زيادة عن المدة التي اشترطها الواقف بطلت الإجارة في الزائد خاصة، لأنه من تبعض الصفقة، بل قد يحتمل البطلان بالجميع، لأنه عقد مخالف لشرط الواقف، إلا أن الأول هو الأقوى.

[المسألة العاشرة لو وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد]

المسألة العاشرة: لو وقف على الفقراء مثلا انصرف إلى إرادة صرف نمائه في ذي الوصف منهم، لا استيفاؤهم، ضرورة كون المراد من مثل هذه الوقف باعتبار عدم انحصارهم الجهة المخصوصة، و حينئذ فله صرفه في فقراء البلد، و من يحضره من

ج 28، ص: 117

غيرهم، و لا يجب تتبع الجميع بلا خلاف أجده فيه.

و كذا لو وقف على العلويين، و كذا لو وقف على بني أب منتشرين، صرف إلى الموجودين، و لا يجب تتبع من لم يحضر فإن الجميع من واد واحد في عدم إرادة- الاستيعاب و

في خبر علي بن محمد بن سليمان النوفلي (1)عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «قال:

كتبت إليه أسأله عن أرض وقفها جدي على المحتاجين من ولد فلان ابن فلان و هم كثير متفرقون في البلاد، فأجاب (عليه السلام) ذكرت الأرض التي وقفها جدك على الفقراء من ولد فلان هي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف، و ليس لك أن تتبع من كان غائبا».

لكن كلمات الأصحاب هنا لا تخلو من تشويش، إذ ظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته وجوب استيعاب فقراء البلد و من يحضره من غيرها، بل لعله ظاهر الخبر المزبور بل هو صريح المحكي عن شرح الإرشاد للفخر، قال: «إذا وقف على الفقراء صح إجماعا و لم يكن لبيان المصرف إجماعا، بل كان تشريكا، و صرفه للكل معتذر لانتشارهم، و للزوم خروج نصيب كل واحد منهم عن الانتفاع و التملك، و صرفه للبعض ترجيح من غير مرجح، فلا بد من أن يقال: إنه يصرف إلى كل فقراء البلد، و من حضر في البلد من غيرهم، و يجب الاستيعاب مهما أمكن، فهذا الوقف يشابه بيان المصرف من جهة الاقتصار على البعض، و التشريك من جهة أنه لا يجوز الاقتصار مع المسكنة».

و في الدروس «يفرق في فقراء بلد الوقف و من حضره، و لا يجب تتبع الغائب، و لو تتبعه جاز، و لا ضمان في الأقرب بخلاف الزكاة، و الفرق أن الفقراء فيها لبيان المصرف بخلاف الوقف، و لا يجزى أقل من ثلاثة، مراعاة لأقل الجمع، و لا يجب التسوية، بخلاف المنحصرين» الى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة و الصريحة، إلا أن ما في أيدينا من العرف في أمثال ذلك على خلافه، و أنه لا فرق بينه و بين الزكاة و الخمس.

و حينئذ فلا فرق بين الواحد و الأزيد من أهل البلد و غيرهم، و الحاضرين و غيرهم و لا مدخلية لأقل الجمع، و كونه ثلاثة و اثنين، بل يمكن إرادة ذلك من الخبر(2)المنساق لبيان عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.

ج 28، ص: 118

وجوب التتبع، و إن كان مشتملا على النهي، إلا أنه في مقام توهم الوجوب، و إلا لاقتضى عدم جواز الدفع إلى غيرهم، و هو باطل إجماعا، كما اعترف به بعضهم بل الظاهران المراد من قوله فيه «لمن حضر» بيان كونهم مصرفا لذلك، و إن كان لا يجب استيعابهم، لموضع المشقة و غيره أيضا، و حينئذ فالمتجه الضمان مع التأخير، بعد أن كان مقتضاه المصرفية و وجود المستحق، ضرورة كونه كالزكاة بالنسبة إلى ذلك.

و لا يجوز للموقوف عليه وطئ الأمة الموقوفة و إن انحصر في واحد، و قلنا:

بانتقال الملك إليه، بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، بل قيل: قد يظهر من المبسوط و التذكرة، أنه لا خلاف فيه بين الخاصة و العامة إلا أن ما ذكروه من الدليل له لا يخلو من إشكال ل أن المصنف و جماعة عللوه ب أنه لا يختص بملكها و غيره بأنه و إن كان مالكا إلا أن للبطون اللاحقة حقا، و وطؤه و إن كان له انتفاعا في زمن ملكه، إلا أنه يغاير غيره من وجوه الانتفاعات من حيث أنه معرض للحمل الموجوب لصيرورتها أم ولد المانعة من دوام وقفها على البطون، لانعتاقها بموته.

و هما معا كما ترى، إذ هما- مع أنهما غير تامين في المنقطع المختص به، و في اليائسة و نحوها المعلوم عدم ولادتها- قد يناقش في الأول منهما بمنع عدم الاختصاص الآن و إن تأهل العقد لملك البطن الثاني، إلا أنه ليس ملكا فعلا، حتى يترتب عليه الاشتراك و نحوه، خصوصا مع فرض كونه معدوما.

و منه يعلم وجه المناقشة في الثاني الذي لا يتم على القول بعدم صيرورتها أم ولد بذلك أيضا، على أن مجرد تعريضها لذلك لا يمنع الموقوف عليه من الانتفاع الحاصل له بسبب عقد الوقف فالعمدة حينئذ الإجماع ان تم.

و على كل حال ف لو أولدها كان الولد حرا لأن وطأه غير معدود من زنا لأنه مالك في الجملة و لا يجب قيمت ه عليه لمن بعده من البطون. لأنه المستحق له الآن إذ الولد بمنزلة كسبها و ثمرة البستان، و حينئذ ف لا يجب له على نفسه غرم (11) و كذا لا مهر عليه للبطون الآتية.

ج 28، ص: 119

نعم لو قلنا أن ولد الموقوفة وقف أيضا ففي المسالك «يجب أن يشترى بقيمته عند سقوطه- حيا ما يكون وقفا» و فيه نظر، و لا يجب عليه الحد لما عرفت من عدم كونه زانيا و إن أثم كالوطئ في الحيض، و لكن عليه التعزير مع العلم، بل عن التذكرة نفى الحد عليه أيضا على القول بانتقال الملك إلى غيره، لأنها مسألة اجتهادية، لا يرفع ترجيح أحد جانبيها أصل الشبهة عن الجانب المخالف، و هو كاف في درء الحد، و نفى عنه البأس في المسالك، و إن كان فيه ما لا يخفى.

هذا كله إذا لم يكن له شريك، بأن انحصر أهل طبقته فيه، و إلا وجب عليه قيمة حصة الشريك، بل في المسالك «و في حده بنسبة حصته وجه قوي، لأن ملكها مشترك بينهما على حد سواء، و وطء الأمة المشتركة يوجب ذلك، و لكن لم يتعرضوا له هنا».

قلت: قد يناقش فيه بعدم صدق الزاني عليه أيضا، و لا أقل من الشبهة التي تدرأ الحد أيضا، و قد مر تمام الكلام في ذلك في البيع فيما لو وطئ أحد الشريكين الجارية المشتركة.

و كيف كان ف هل تصير الأمة في الفرض أم ولد؟ قيل:

نعم كما عن المبسوط و التذكرة و شرح الإرشاد للفخر و الإيضاح و حواشي الشهيد، بل عن غاية المراد نسبته إلى الأصحاب لتحقق علوقها منه في ملكه، و هو السبب في صيرورتها أم ولد بالنص و الإجماع على ما في المسالك.

و حينئذ تنعقد بموته كغيرها من أمهات الأولاد، و تؤخذ القيمة من تركته لمن يليه من البطون، و فيه تردد بل منع، وفاقا لثاني المحققين و الشهيدين لمنع سببية مطلق ذلك على وجه يشمل الفرض الذي قد عرفت ظهور الأدلة في عدم تغيره بالأسباب الاختيارية و القهرية، مضافا إلى خصوص استصحاب بقاء حكمه و لزومه و دوامه، المقدم على عموم الاستيلاد، أو السالم عن معارضته، بعد معاضدته بعمومات الوقف، و خصوصا بناء على عدم اقتضاء الملك الوقفى الانعتاق، و لذا صح وقف من ينعتق على الموقوف عليه عند بعض.

ج 28، ص: 120

ثم على تقدير صيرورتها أم ولد، فلا خلاف أجده فيه في ترتب الحكمين المزبورين حينئذ بل عن التذكرة و الإيضاح الاتفاق على ذلك، بل عن المبسوط أن الناس متسالمون على أخذ قيمتها من تركته، و إنما اختلفوا فيما ذا يعمل بها، فمن قال: إن الموقوف عليه إذا أتلف اشترى بقيمته آخر قال هنا: يشتري بها أخرى تقوم مقامها، و من قال: تنتقل إليه قال: أعطى من يليه من البطون تلك القيمة، كما إذا وجبت القيمة و هو حي، و حاصل مراده أن الإتلاف منه على بعده إنما هو بعد موته الذي هو سبب في انعتاقها المترتب عليه رتبة كغيره من المسببات، و هو في ذلك الحال غير مالك، و إنما هو زمان ملك البطن المتأخر فلا تكون القيمة له.

نعم يجري فيها الاحتمالان اللذان سمعتهما في قيمة العين الموقوفة و الموقوف عليه موجود، و لعل هذا هو الوجه في استشكال الفاضل في القواعد قال: «و معه تنعتق بموته، و تؤخذ من تركته قيمتها لمن يليه من البطون على اشكال» بل و تردد المصنف بناء على رجوعه إلى ذلك، لا إلى صيرورتها أم ولد، و اعترضهم الشهيد في شرح الإرشاد «بأنها إذا صارت أم ولد حكم بنفوذ الاستيلاد في الحال، كما في صورة ما إذا وطأ أحد الشريكين و علقت، إلى أن قال: و لعلهم أرادوا ذلك، إلا أنه لما كان أحد الاحتمالين صرفها إلى من يليه من البطون، و هو الآن غير مالك، تأخر الدفع إلى ما بعد الموت، و لا يلزم منه تأخر الحكم بنفوذ الاستيلاد.

و فيه أولا: أن الفرق بين المقام و بين وطئ الشريكين واضح ضرورة حيلولته بين المالك و بين التصرف في ملكه، بمجرد الاستيلاد، بل بالإحبال، فتتوجه له القيمة عليه، كما تطابقت عليه النصوص و الفتاوى هناك، بخلاف المقام الذي لا حيلولة فيه بين العين الموقوفة و بين البطن اللاحق، لعدم استحقاقه، و لأن الوقف كان هو السبب في المنع من التصرفات الناقلة، فلا وجه لترتب الضمان عليه هنا بمجرد الاستيلاد.

و ثانيا: أنه مناف لتصريح بعضهم بانعتاقها من نصيب ولدها، إذ على تقدير أنها من وطئ أحد الشريكين ينبغي أخذ القيمة منه، لأنه من نصيب ولدها، و مناف أيضا لصريح المحكي عن المبسوط و التذكرة و بل كلامه نفسه في الحواشي بل و لظاهر المتن و غيره بل للإجماع المحكي على أخذ قيمتها من تركته على كل حال، بل و لما سمعته

ج 28، ص: 121

من عبارة الفاضل، لأنه على هذا التقدير لا تختص القيمة بمن يليه من البطون قطعا، فلا يتجه الإشكال المذكور، لأن احتمال اختصاص البطن الذي يليه بها إنما يتجه إذا كان الإتلاف واقعا حين اختصاصهم بالوقف، و لا يتحقق إلا إذا كان الحكم بنفوذ الاستيلاد بعد الموت.

أما إذا حكمنا بنفوذه قبله فإن الاختصاص بالوقف ثابت للواطي حينئذ فإيجاب القيمة عليه حينئذ على هذا التقدير إنما هو لتعلق حقوق الموقوف عليهم جميعا فكيف يحتمل اختصاص البطن الذي يليه بالقيمة ليكون فيه اشكال، و احتمال أن المراد بقولهم إن القيمة لمن يليه شراء جارية تكون وقفا لهم لاختصاصهم بذلك طلقا، يأباه صريح المحكي عن المبسوط و التذكرة و ظاهر غيرهما.

هذا مع أن الاستيلاد إنما يترتب عليه العتق الموجب للإتلاف بعد الموت، ضرورة أن الولد إذا مات قبل أبيه لم يتحقق سبب العتق، المقتضي لبطلان الوقف بعد تمامه و لزومه، و دعوى أن ذلك كاشف عن نفوذ الاستيلاد من حينه، ليس بأولى من دعوى عدم تمامية السبب قبله، و ليس في النصوص (1)إلا الانعتاق من نصيب الولد، و مسئلة وطئ أحد الشريكين قد عرفت أنها مورد نص (2)و فتوى، و وجه الفرق بينها و بين ما نحن فيه واضح، و قد أفرغنا الكلام فيها في محله فلا حظ و تأمل، على أنه لو سلم اقتضاء الاستيلاد ذلك كان المتجه شراء عين بدلها حينها، لا تأخيرها إلى البطن اللاحق ملاحظة إلى إرادة استمرار الوقف و استدامته المقصود للواقف، بل هو مع كونه صدقة جارية كما هو واضح.

و أضعف مما ذكره ما حكاه ما هو عن شيخه السيد عميد الدين في شرح مشكلات القواعد و في حلقة درسه من أن هذين الإشكالين إنما يتأتيان على تقدير دخول ولدها في الوقف لينتقل إليه بموت أبيه شي ء منها أو المجموع، أما على تقدير عدم دخوله في الوقف

فيموت الواطئ انتقلت إلى بطون أخر غيره فلم يجر للولد عليها ملك، فلا يفرض فيها عتق.

و فيه أولاد: أنه مناف لإطلاق صيرورتها أم ولد.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الاستيلاد.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الشركة.

ج 28، ص: 122

و ثانيا: أنه مناف لما ذكره الفاضل في القواعد من جواز وقف من ينعتق على الموقوف عليه، و أنه يبقى وقفا و حينئذ ملك ولدها لها على جهة الوقف لا يقتضي انعتاقها عليه إنما المقتضي له ملكها بطريق الإرث.

و من ذلك يظهر لك زيادة ضعف القول بصيرورتها أم ولد، ضرورة توقف ذلك على القول بخروجها عن الملك الوقفى إلى غيره من الملك بالاستيلاد من حينه أو قبل الموت بآن ما، ليتوجه وارثية ولدها حينئذ نصيبها منها ينعتق عليه، و يسري في غيره فيؤخذ القيمة منه، و هو كما ترى، ضرورة أن الاستيلاد لا يغير كيفية الملك، و إنما هو يبطل سلطنة بعض التصرفات فيه.

و كذا يظهر لك منه أيضا ما في جملة من الكتب في هذه المسألة التي قال فخر المحققين: «تسمى بمتشعبة المبادي».

ثم لا يخفى عليك أن جميع ما ذكرناه على فرض اختصاص البطن الأول بالواطي أما مع فرض شريك له فهل يحكم بالقيمة من حين الاستيلاد، أم بعد الموت؟ الظاهر الثاني كما في جامع المقاصد لمثل ما قلناه، و إن خالف في ذلك الشهيد في نكت الإرشاد، إذ هي الآن باقية على حكم الوقف، فلا ضرر على الشريك إلا بالموت المقتضى لانعتاقها، كما عرفت.

كما لا يخفى عليك أيضا أن المتجه على ما سمعته من الشهيد أخذ قيمة عوض الأمة من أصل التركة يشترى بها ما يكون وقفا للموقوف عليهم، ثم يغرم الولد ما زاد على نصيبه من أصل التركة، للورثة بسبب الانعتاق الحاصل من سراية انعتاق نصيبه عليه بل لعل ذلك كذلك بناء على ظاهر كلمات الأصحاب أيضا بل ربما كان هو المنساق من نحو عبارة المتن، اللهم إلا أن يقال انها تنتقل من الواقف إلى خصوص ولده دون باقي الورثة فيختص حينئذ بغرم قيمتها للموقوف عليهم من نصيبه، لكنه كما ترى، و لو كانت الأمة موقوفة على الواطى وقف انقطاع، و قلنا بانتقال الملك إليه فأولدها ففي غرامته القيمة فعلا، أو إلى أن يموت، البحث السابق، و كذا لو أولدها الواقف و قلنا هو المالك، لا الموقوف عليه.

و كيف كان فلا خلاف بيننا كما اعترف به بعضهم صريحا و ظاهرا في أنه يجوز

ج 28، ص: 123

تزويج الأمة الموقوفة و ما عن جامع الشرائع من نسبة عدم الجواز إلى القيل لا يقتضي كون القائل منا، كما أن التعبير في محكي المبسوط و التحرير عن الحكم بالأقوى و الأقرب لا يقتضي ذلك أيضا بل لا ينبغي الإشكال فيه أيضا ضرورة أنه عقد على بعض منافعها كالإجارة، و اقتضاء ذلك التعريض لها للحبل المعطل لها و الذي يتحقق معه التلف بالطلق لا يمنع جواز الانتفاع بها المملوك لهم بعقد الوقف و من ذلك يعلم قوة جواز وطئ الواقف لها إن لم يكن إجماعا.

و على كل حال فالمتولي لتزويجها هو الموقوف عليه، بناء على الانتقال إليه، و الوقف بناء على البقاء على ملكه، و الحاكم بناء على الانتقال إلى الله تعالى شأنه، كما لو كانت أيضا موقوفة على جهة العموم، و ما عن الشيخ من تزويجها لنفسها على الأخير في غير محله، و كذا احتمال أنه الموقوف عليه مطلقا، لأنه من المنافع التي هي له، و إن كان المالك للعين غيره.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في أن مهرها للموجودين من أرباب الوقف، لأنه فائدة كأجرة الدار فلا مدخلية لمالك العين حينئذ، إذ لا يخفى عليك الفرق بين النكاح و غيره، في توقف الأول على الاذن من السيد و هو المالك للعين، و لا يكفي فيه ملك المنفعة، بخلاف غيره، و لعل هذا هو السبب في اتفاقهم ظاهرا على كون المتولي للنكاح على التفصيل الذي ذكرناه، و إن كان هو أيضا إن لم يكن إجماعا محلا للنظر، بعد اقتضاء عقد الوقف تمليك سائر المنافع للموقوف عليه التي منها النكاح كما هو المفروض.

و كذا ولدها من نمائها، إذا كان من مملوك أو من زنا إذ هو كثمرة البستان و حينئذ يختص به البطن الذي تولد معهم و إن كانوا غير من حصل العقد في زمانهم، بل الظاهر اختصاص من كان علوقه في زمانهم و إن لم يولد، خلافا للمحكي عن الإسكافي و الشيخ من تبعية الولد للأم في الوقف كالمدبرة و المرهونة إذ هو بعد تسليم الحكم في المقيس عليه لا يصح عندنا، بناء على حرمة القياس كما هو واضح.

ج 28، ص: 124

فإن كان من حر بوطئ صحيح كان حرا بلا خلاف و لا اشكال تغليبا لجانب الحرية بالتبعية لأشرف الأبوين الا أن يشترطوا عليه رقيته في العقد فإنه يكون رقا حينئذ، خلافا لبعض كما تسمعه في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى.

و لو وطأها الحر بشبهة، كان الولد حرا لأنها كان كالصحيح بالنسبة إلى ذلك، و لكن عليه قيمته طلقا للموقوف عليهم بناء على ما عرفت كما لو وطأ غير الموقوفة شبهة، لأنه السبب في إتلاف النماء على أهله كما هو واضح، و محرر في محله.

و لو وطأها الواقف كان كالأجنبي بناء على خروجها عنه عينا و منفعة بالوقف هذا كله في الوقف.

[أما الصدقة]

اشارة

و أما الصدقة غير الوقف التي قد تواتر ندبها و الحث على فعلها حتى صار ذلك من ضروري المذهب، بل الدين، خصوصا في شهر رمضان و خصوصا على الجيران و خصوصا على الأرحام، فإن

«الصدقة بعشر(1)، و صلة الإخوان بعشرين و صلة الأرحام بأربع و عشرين»

و هي دواء المريض (2)،

و «دافعة البلاء و قد أبرم إبراما»(3)،

و «بها يستنزل الرزق»(4)

و «تقع في يد الرب قبل يد العبد»(5)،

و «تقضي الدين و تخلف البركة و تزيد في المال،»

و يستحب التكبير بها لدفع شر ذلك اليوم (6)، و في أول الليل كذلك ](7)

و «أنها تدفع ميتة السوء و الداء، و الدبيلة، و الحرق، و الغرق، و الهدم، و الجنون إلى أن عد سبعين بابا من السوء»(8)

إلى غير ذلك مما ورد فيها، هذا.

و لكن

قال الصادق (عليه السلام): في خبر زرارة(9)«إنما كان الناس على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) ينحلون و يهبون، و لا ينبغي لمن أعطى لله شيئا أن يرجع فيه، قال: و ما لم يعط لله


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصدقة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- إلى 20- من أبواب الصدقة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- إلى 20- من أبواب الصدقة.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- إلى 20- من أبواب الصدقة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1 إلى 20- من أبواب الصدقة.
6- 6 الوسائل- الباب- 1 إلى 20- من أبواب الصدقة.
7- 7 الوسائل- الباب- 1 إلى 20- من أبواب الصدقة.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصدقة الحديث- 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 125

تعالى أو في الله تعالى، فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز، و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته».

و لعل المراد على ما قيل: أن الناس كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) لا يتصدق بعضهم على بعض، إذا أرادوا معروفا فيما بينهم، سوى الزكاة و ما يعطى لأهل المسكنة، بل كانوا يهبون و ينحلون، إما لإرادة تحصيل ملكة الجود، أو لإرادة سرور الموهوب له، و الإثابة منه، و غير ذلك، و إنما صدقة بعضهم على بعض في غير الزكاة و الترحم للمساكين أمر محدث، أعنى القصد بالهبة و النحلة لله تعالى شأنه المسمى ذلك بالصدقة محدث، كما يشهد لذلك في الجملة ما

في خبر ولده (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصدق بالصدقة إله أن يرجع في صدقته؟ فقال: إن الصدقة محدثة، إنما كان النحل و الهبة و لمن وهب أو نحل أن يرجع في هبته حيز أو لم يحز و لا ينبغي لمن اعطى شيئا لله عز و جل أن يرجع فيه».

و ربما احتمل كون المراد حدوث الصدقة بمعنى الوقف، إلا أنه كما ترى، و من هنا قال في محكي المبسوط: إذا قصد الثواب و التقرب بالهبة إلى الله تعالى سميت صدقة، و فرق بذلك بينها و بين الهبة و الهدية.

و في الحدائق الظاهر أن إطلاق الصدقة على هذا المعنى المشهور المشروط بالشروط

المعلومة أمر محدث، لم يكن في زمنه (صلى الله عليه و آله)، و انما كان الذي في زمنه النحل و الهبات، و الصدقة يومئذ إنما تستعمل بمعنى الوقف، كما في صدقات علي و فاطمة (عليهم السلام) و الكاظم (عليه السلام)(2)، ثم استدل على ذلك بخبر عبيد المزبور، مدعيا ظهوره في السؤال عن الصدقة المعهودة، فأجاب بأنها بهذا المعنى محدث، و إنما المستعمل يومئذ النحل و الهبة، ثم أجاب بان من أعطى لله أي قرن عطيته بالقربة صدقة أو هبة أو نحلة لا ينبغي الرجوع فيه، و أما قوله و لمن وهب فالمراد به عدم القربة، و فيه أن ما ورد من الكتاب و السنة بهذا اللفظ مرادا به هذا المعنى لا يكاد يحصى، فليس المراد إلا حصول الحدوث بالمعنى الذي ذكرناه، و لعله هو الذي ينطبق عليه ما


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الهبات الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الوقوف.

ج 28، ص: 126

عن التذكرة و المسالك من أن الهبة أعم من الصدقة، لاشتراطها بالقربة دونها، و أن الهدية أخص من الهبة أيضا لأنها تفتقر إلى حمل الهدى من مكان إلى مكان، فلا يقال: أهدي إليه دار أو عقارا، بل يقال: و هبة ذلك، فلو نذر الهبة بري ء بالصدقة و الهدية، و لو حلف أن لا يهب حنث إذا تصدق أو أهدى، دون العكس، و هل يعتبر في حد الهدية أن يكون بين المهدي و المهدي إليه واسطة أو رسول وجهان:

أظهرها العدم و هو جيد، إلا أنك ستعرف أنه أعم منه من وجه.

و على كل حال ف هي عقد يفتقر إلى إيجاب و قبول بلا خلاف محقق أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط و فقه الراوندي و الغنية و الكفاية و المفاتيح الإجماع عليه، بل صريح بعض و ظاهر آخر اعتبار ما يعتبر في العقد اللازم فيها.

لكن في الرياض يعتبر فيها ما يدل على الإيجاب و القبول و لو فعلا، وفاقا لبعض أصحابنا خلاف لجماعة فاشترطوا فيها ما يشترط في العقود اللازمة، و إطلاق النصوص بلزوم الصدقة بعد القبض و قصد القربة يدفعه، و هي و إن اشتملت ما ليس فيه إيجاب و قبول بالمرة، إلا أن اعتبارهما و لو فعلا لازم البتة، فإن مع عدمها لا يعلم كونها صدقة مضافا إلى عدم انصراف الإطلاق بحكم التبادر إلى خلافهما، هذا مضافا إلى الاتفاق في الظاهر على اعتبارهما الجملة، و سيأتي عن المبسوط أن عليه إجماع الإمامية، و فيه أن ما ذكرها أيضا مناف للمتفق عليه في الظاهر من كونها عقدا بالمعنى المتعارف الذي قد عبروا به في غيرها من العقود، و من المعلوم عدم تحققه اصطلاحا بالإيجاب الفعلي كما أن من المعلوم تحقق الصدقة بالأفعال، و لو من الطرفين، فلا محيص عن التزام أن لها عقدا أو معاطاة على نحو ما سمعته في البيع، بل كان ينبغي التزام الجواز في الثاني و إن اندرج تحت اسم الصدقة على نحو اندراجها في اسم البيع، إلا أن ظاهر قوله في

نصوص المقام «أن ما كان لله تعالى لا رجوع فيه»

يقتضي لزومها، ضرورة استبعاد حمله على خصوص العقد منها، كاستبعاد القول بجوازها و إن قصد الله تعالى شأنه فيها، باعتبار عدم العقد فيها، فيتعين القول بلزومها و إن كانت معاطاة، إذ هو جهة غير جهة العقدية و المعاطاتية، و المتفق عليه في باب المعاطاة من الفرق بين العقد اللازم و معاطاته بالجواز

ج 28، ص: 127

و عدمه، انما هو إذا كان اللزوم من جهة العقدية، لا ما إذا كان من جهة هي متحققة في العقد و معاطاته، بل لو لا الجهة المخصوصة لكان عقدها جائزا ضرورة كونه حينئذ هبة، و هي من العقود الجائزة.

و من ذلك يعلم أنه لا وجه لاعتبار ما يعتبر في العقود اللازمة من اللفظ المخصوص و نحوه، ضرورة كون لزومها من جهة القربة لا من جهة العقدية، فيه حينئذ كالهبة المعوضة.

نعم يبقى شي ء و هو احتمال دعوى أعمية الصدقة من العقد، ضرورة صدقها على الإبراء المتقرب به، و الوقف كذلك، بل و على بذل الطعام و الماء و نحوهما للفقراء و المساكين مثلا، و إن لم يكن على جهة معنى العقدية الذي هو قصد الارتباط بالإيجاب و القبول، و لقد

كان علي ابن الحسين (عليه السلام)(1)«يتصدق على الفقير في السر على وجه لا يحصل فيه معنى العقدية،»

بل لا يبعد كونها دفع المال مجانا قربة إلى الله تعالى شأنه، فإن كان مورده الإبراء، كان صدقة و إبراء، و إن كان مورده الهبة، كان هبة و صدقة، و إن كان مورده الوقف، كان وقفا و صدقة، و إن كان غير ذلك كان صدقة، و منه الزكاة و الكفارة و نحوهما.

فالإبراء حينئذ منه ما هو صدقة، و منه ما هو ليس كذلك، و كذلك الهبة و الوقف، و حينئذ فيجري على كل منها أحكام ذلك إلا الرجوع بها حيث تقوم مقام الهبة للعلة التي سمعتها، و ليست هي عقدا مستقلا تقوم مقام المذكورات على نحو الصلح، كما عساه يظهر من أفرادها بكتاب عن الهبة و إطلاقهم كونها عقدا، لكنه ليس في محله عند التأمل، و إلا لاحتاجت إلى القبول في قيامها مقام الإبراء، و من المعلوم خلافه بل لم يجرحكم الإبراء حينئذ على ما كان صدقة منه و كذا الوقف و الهبة، و بذلك يظهر أن ذلك ليس ممنوعا لها عنها، كما أومئ إليه الفاضل و غيره فيما سمعته من الحنث بالصدقة لو حلف أن لا يهب و لا يهدى.

و بذلك يظهر لك النظر فيما ذكرها في جامع المقاصد حيث قال: «إن ما ذكروه في الاحتجاج على أن الإبراء لا يحتاج إلى القبول، و هو قوله تعالى (2)«وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ»


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصدقة الحديث- 8.
2- 2 سورة البقرة الآية- 280.

ج 28، ص: 128

حيث فسروا الصدقة هنا بالإبراء، يقتضي عدم اشتراط القبول، و لا نية القربة».

إذ هو كما ترى لا يقتضي إلا عدم اعتبار القبول في هذا القسم خاصة و أما اعتبار القربة فهو من مقوماتها دونه، فليس كل إبراء صدقة، و لا كل صدقة إبراء، و كذلك الهبة و الوقف، بل بينها و بين هذه العموم من وجه، لما عرفت من صدق الصدقة على ما لا يندرج في شي ء منه، فليست هي إلا لمعنى متحد شامل للجميع، و هذه افراده، و كل فرد منها داخل تحت اسم آخر يلحقه حكمه، و إن سمى باعتبار قصد القربة فيه أنه صدقة، إلا أن ذلك كله مناف لظاهر جعلها عقدا مستقلا عن الهبة، الظاهر في مباينتها لها، و أن التميز بينها و بين الهبة بالقصد و إن اتحد موردها، و حينئذ لا تجتمع الصدقة العقدية مع غيرها من العقود أصلا، و الهبة قربة إلى الله تعالى مع عدم القصد بأنها صدقة تكون هبة لا صدقة، و بالعكس صدقة لا هبة.

و بذلك يظهر النظر في جملة من الكلمات السابقة، و لعله الى ذلك يرجع ما في المسالك و إن كان هو لا يخلو من نظر من وجه آخر، قال: قد يلوح من بعض كلامهم عدم الاتفاق على اشتراط القربة، حيث استدلوا على أن الإبراء لا يحتاج إلى القبول بقوله تعالى (1)«وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ» و فسروا الصدقة هنا بالإبراء، مع أنه غير مفتقر إلى القربة، و يلزم منه عدم افتقارها إلى القبول أيضا كذلك، إلا أن يقال: إنها تطلق على معنيين: خاص و عام، و أن الإبراء صدقة بالمعنى العام، و كلامهم هنا في المعنى الخاص و قد

تقدم في الوقف أنه صدقة، و الاخبار مشحونة به، مع أن الأصح عدم اعتبار نية القربة فيه، و هذه فوائد اعتبار معنى العام».

و كيف كان فتفتقر صحتها مع الإيجاب و القبول إلى اقباض أي القبض بإذن، بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به واحد، بل قيل: إنه قد يلوح الإجماع على ذلك، أو يظهر مع المبسوط الراوندي بل عن التذكرة، الإجماع عليه في موضعين و هو الحجة بعد النصوص المذكورة في الوقف، ك

حسنة عبيد بن زرارة(2)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل يتصدق على ولد قد أدركوا فقال: إذا لم يقبضوا حتى يموت


1- 1 سورة البقرة الآية- 280.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 5.

ج 28، ص: 129

فهو ميراث»

و غيره مما تقدم سابقا لما عرفت من أعمية الصدقة من الوقف، فترك الاستفصال حينئذ يقتضي العموم، بل قد يدعى أنه المتبادر من نصوص الصدقة المشتملة على ذلك فإنها بمعنى الإعطاء صدقة، بل ربما يستدل بأصالة عدم الصحة أيضا، إلا أنه في غير محله، لانقطاعه بالعمومات.

نعم يتجه الاستدلال عليه بما دل على اعتباره في الهبة بناء على أنها هي مع زيادة نية القربة التي اقتضت عدم جواز الرجوع بها بعد

اجتماع شرائط صحتها التي منها الإقباض المزبور.

و حينئذ ف لو قبضها المعطى له، من غير رضا المالك لم ينتقل إليه لعدم حصول الإقباض الذي هو بمعنى القبض بالإذن، كما في كل مقام كان القبض فيه من شروط الصحة، لا لكونه منهيا عنه حينئذ بدون الإذن، إذ هو معاملة لا ينافي ترتب أثره عليه كونه محرما، و لكن الشرط الإقباض و لو للإجماع على ذلك، لم يحصل الشرط حينئذ، فلم يترتب عليه الأثر، فضلا عن عدم القبض أصلا، و ارتفاع الضمان عن المبيع- بقبض المشتري من دون إذن البائع- إنما هو لعدم كون القبض فيه شرطا للصحة، كما في الفرض، لتمامية الملك بعقد البيع، و إنما وجب الإذن للتقابض الذي هو مقتضى المعاوضة، و هو أمر خارج عما نحن فيه، و الضمان بالتلف قبل قبضه إنما كان لفوات المعاوضة، فمع فرض تحققه تمت المعاوضة، فلا ضمان بعد على البائع حينئذ من هذه الجهة، و إن كان القبض بغير إذنه.

نعم لا يرتفع الخيار مثلا بهذا القبض و لا غيره من الأحكام التي تترتب على القبض و الله العالم.

و من شرطها إن لم يكن من مقوماتها نية القربة بلا خلاف أجده فيه بلا الإجماع بقسميه عليه، و المناقشة في ذلك- و في اعتبار القبول بقوله تعالى (1)«وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ» المستدل به على الإبراء- قد عرفت جوابها مما تقدم، كل ذلك مضافا إلى

حسني حماد و صحيحه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا صدقة و لا عتق إلا ما أريد به وجه الله عز


1- 1 سورة البقرة الآية- 280.

ج 28، ص: 130

و جل»

و صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «و لا يرجع في الصدقة إذا ابتغى وجه الله عز و جل»

و خبر الحكم (2)«إنما الصدقة لله فما جعل لله فلا رجعة له فيه»

و غير ذلك من النصوص الدالة عليه حتى

النبوي (3)المروي في الطرفين «أن مثل الراجع في صدقته مثل الراجع في قيئه.»

و حينئذ ف لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض على الأصح بل عن السرائر و التذكرة و ظاهر المفاتيح و كذا الغنية الإجماع عليه، للعموم المقتضى ذلك و الخصوص الذي عرفته، و لأن المقصود بها الأجر و قد حصل، فهي كالهبة المعوض عنها و كالعبادة التي لا خيار فيها، مضافا إلى أولوية اللزوم في المقام منه في الهبة المنوي فيها القربة المحكي عليه الإجماع عن الانتصار و الغنية و التذكرة إن لم تكن هي، كما عرفته سابقا.

لكن مع ذلك كله عن المبسوط، و المهذب و فقه الراوندي ان صدقة التطوع بمنزلة الهبة في جميع الأحكام، و من شرطها الإيجاب و القبول، و لا تلزم إلا بالقبض أو ما يجرى مجراه، و كل من له الرجوع في الهبة، له الرجوع في الصدقة، و لا ريب في ضعفه و إن احتمل بناءه على عدم اعتبار القربة في الصدقة، و إذ هو لا يخفى عليك ما فيه، بل المحكي عن صريحة التصريح باعتبار القربة في مفهومها، فضلا عن كونه شرطا فيها، و ما أبعد ما بينه، و بين المحكي عنه في النهاية، و المفيد في المقنعة، من أن ما تصدق به لوجه الله فلا يجوز أن يعود إليه بالبيع أو الهبة أو الصدقة، و إن رجع بالميراث كان جائزا، و لعله لقول الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (4)المحمول على الكراهة لمعارضته للعمومات التي هي أصول المذهب و قواعده، بل عن المحقق حمل عبارة النهاية على ذلك، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عن جواز الرجوع بذلك، و لعله تحمل عبارة المقنعة على ذلك أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.

ج 28، ص: 131

و كيف كان ف الصدقة المفروضة أو الزكاة منها خاصة محرمة على بني هاشم إلا صدقة الهاشمي أو صدقة غيره عند الاضطرار، و لا بأس بالصدقة المندوبة عليهم مطلقا أو ما عدا النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) منهم، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

و من الغريب أنه بناء على أن الصدقة هي الهبة المتقرب بها و كذا الهدية و أن المندوبة محرمة على النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) يتوجه تحريمها حينئذ عليهم إلا مع عدم ملاحظة القربة و يمكن القطع بعدمه، و منه يعلم كون كل منها مفهوما مستقلا عن الآخر.

[مسائل ثلاث ]
اشارة

مسائل ثلاث

[المسألة الأولى لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض ]

الأولى: قد عرفت أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض، سواء عوض عنها أو لم يعوض، لرحم كانت أو لأجنبي على الأصح خلافا لمن سمعت، فجعل حكمها حكم الهبة، لأنها قسم منها، و قد عرفت ضعفه.

و لكن لا يخفى أن مرجع ذلك و مرجع ما سمعته عن التذكرة و غيرها أن الصدقة حينئذ من الأوصاف اللاحقة للهبة، و ليست عقدا مستقلا مقابلا لها، و حينئذ فإذا أفسدت النية فيها بمنافاة الإخلاص و نحوه يتجه ثبوت حكم الهبة لها حينئذ فله الرجوع بها حينئذ مع عدم العوض، و عدم كونها لرحم، و إلا فلا يجوز، أما على ما قلناه من كونها عقدا مستقلا فالمتجه بطلان العقد حينئذ بفساد شرطه، فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثانية يجوز الصدقة على الذمي ]

المسألة الثانية: يجوز الصدقة على الذمي و غيره من الكافر غير الحربي و إن كان أجنبيا على الأصح ل

قوله (صلى الله عليه و آله) «على كل كبد حرى أجر(1)»

و لقوله تعالى لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ (2)» و غير ذلك مما سمعته في الوقف، فإن المسألة من واد واحد دليلا، و خلافا و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصدقة الحديث- 2 و المستدرك ج 1 ص 546.
2- 2 سورة الممتحنة الآية- 8.

ج 28، ص: 132

[المسألة الثالثة صدقة السر أفضل من صدقة الجهر]

المسألة الثالثة: صدقة السر التي تطفئ غضب الرب (1)أفضل من صدقة الجهر بلا خلاف أجده فيه بل في المسالك هو موضع وفاق، قال الله تعالى (2)«وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» و

عن الصادق (عليه السلام)(3)«و الله الصدقة في السر أفضل منها في العلانية»

إلى غير ذلك، الا أن يتهم في ترك المواساة، فيظهرها دفعا للتهمة التي تجنب عنها سيد المرسل (صلى الله عليه و آله) مع بعده عنها فضلا عن غيره أو قصد الاقتداء به، أو ترغيب

الناس، أو نحو ذلك مما يقترن به الجهر على وجه يرجح على مراعاة السرية التي هي أرجح من الجهرية من حيث نفسها.

نعم في الدروس و غيرها تخصيص ذلك للمندوبة، أما الواجبة فالأفضل إظهارها، كما عن تفسير علي بن إبراهيم روايته عن الصادق (عليه السلام)، و لبعدها عن تطرق الرياء، و للأمر بحملها إلى الإمام المنافي للكتمان، بل

عن ابن عباس (4)«أن صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها بسبعين ضعفا، و صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة و عشرين ضعفا»

لكن المصنف و غيره أطلقوا أفضلية السر، و هو لا يخلو من وجه و الأمر سهل بعد إيكال الأمر إلى عالم السر و الجهر، و الله العالم.

و يكره الصدقة بجميع ماله على ما صرح به غير واحد، و لعله لقوله تعالى (5)«يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ، قُلِ الْعَفْوَ» أي الوسط و قوله تعالى (6)«وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ(7)» و «إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا»

قوله (صلى الله عليه و آله)(8)«أفضل الصدقة عن ظهر غنى»

لكن لا يخفى عليك رجحان مقام الإيثار الذي أشار إليه رب العزة بقوله (9)«وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» و فعله الأولياء و لعله لذا قال في الدروس: «و يكره أن يتصدق بجميع ماله إلا مع وثوقه بالصبر و لا


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصدقة الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة الآية- 271.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصدقة الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث- 1.
5- 5 المستدرك ج 1 ص 534.
6- 6 سورة البقرة الآية- 215.
7- 7 سورة الإسراء الآية- 29.
8- 8 سورة الفرقان الآية- 67.
9- 9 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الصدقة الحديث- 4.

ج 28، ص: 133

عيال له» و كأن الرجوع في ذلك كله إلى الموازين الشرعية- المختلفة باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الأحوال- هو المتجه في ذلك و في غيره، كالصدقة و عنده عيال محتاجون أو عليه دين التي نفى استحبابها في الأول في القواعد، و عن غيرها، و حكم بكراهتها في الثاني.

لكن من المعلوم إرادة قلة الثواب من ذلك، نحو الصدقة على الأجنبي مع حاجة القريب الذي ورد فيها

(1)«لا صدقة و ذو رحم محتاج»

المراد منها المرجوحية بالنسبة إلى تلك، و التي

«سئل النبي (صلى الله عليه و آله)(2)أي الصدقة أفضل؟ قال على الرحم الكاشح»

هذا.

و قد تضمنت النصوص وظائف كثيرة للصدقة، كما أنها تضمنت الحكم بالصدقة في جملة من الأمور كالتوسعة على العيال، و بذل الجاه، و الكلمة اللينة و نحو ذلك مما مراد منها مشابهتها في الفصل، لأنها منها حقيقة، فلاحظ و تدبر، و الله العالم و الموفق و المؤيد و المسدد.


1- 1 سورة الحشر الآية- 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصدقة الحديث- 4- 1.

ج 28، ص: 134

[كتاب السكنى و أختيها و الحبس ]

اشارة

كتاب السكنى و أختيها و الحبس و هي عقد بالمعنى الأعم الشامل للمعاطاة بناء على مشروعيتها يفتقر في الصحة إلى معنى الإيجاب و القبول و لو فعلا بلا خلاف و لا إشكال، و يفتقر في اللزوم إلى اللفظين منه على نحو غيرها من العقود اللازمة التي شرعت المعاطاة فيها، على أنها من أفرادها و لا فرق في ذلك بين كونها مطلقة، أو مقترنة بمدة أو عمر، كما هو ظاهر الأصحاب، و جواز الرجوع بها في الأول متى شاء لا ينافي افتقار مشروعيتها إلى معنى الإيجاب و القبول، على حسب ما سمعته في العقود الجائزة على أن الظاهر لزومها في الفرض أيضا بالنسبة إلى مسمى الإسكان، و جواز الرجوع لمكان تحقق مقتضاها لا لكون العقد جائزا، و إلا لجاز عدم إسكانه أصلا و الأمر في ذلك سهل.

و أما القبض فلا خلاف أجده في اعتبارها فيها أيضا، بل في الرياض عن ظاهر جماعة و صريح آخر الإجماع عليه. نعم في جامع المقاصد ينبغي أن يكون اشتراطه على القول باللزوم، أما على عدم اللزوم فإنه بمنزلة العارية، و الظاهر أن مراده ما في الروضة من أنه إنما يشترط على تقدير لزومها، أما لو كانت جائزة فالإقباض شرط في جواز التسلط على الانتفاع، و لما كانت الفائدة بدونه منتفية، أطلق اشتراطه فيها، و إلا فلا يخفى عليك عدم منافاة شرطيته لجوازه، كما في القبض بالنسبة إلى الهبة، على معنى عدم تحقق أثر العقد إلا به، هذا.

و عن المبسوط و المهذب و فقه الراوندي و السرائر و غيرها أنه يفتقر في صحتها إلى الإيجاب و القبول، و لزومها إلى القبض، و لعله لا يخلو من قوة، لأن العمدة في اشتراطه إجماع الخلاف، و هو أنه إنما يقتضيه، لا الصحة التي هي من مقتضى العمومات و الإطلاقات قال في

ج 28، ص: 135

المحكي عنه: «إذا أتى بواحدة منها أى العقود الثلاثة، و أقبضه فقد لزمت العمرى، ثم ادعى عليه إجماع الفرقة و أخبارهم.

لكن ظاهر الأكثر و صريح بعض أنه شرط في الصحة، بل الظاهر أنه معقد ما سمعته من الرياض، و لعله لكونها من لواحق الوقف أو الهبة، بل في المحكي من كلام ابن حمزة اعتبار نية القربة في صحتها أيضا، و لا دليل عليه، بل لا دليل على اعتباره في لزومها أيضا كما هو المحكي عن المقنعة و الكافي و جامع الشرائع و الغنية، بل ظاهر الأدلة كعموم «أَوْفُوا(1)» و

«المؤمنون»(2)

و غيرهما لزومها بدون ذلك، و غيرها.

و من هنا كان ظاهرا الأكثر أو المشهور ما هو صريح جماعة من عدم اعتبارها في الصحة و اللزوم، و إن توقف عليها حصول الثواب. نعم

في جواز السكنى المطلقة أو لزومها في المسمى خلاف تسمع تحريره إن شاء الله.

و على كل حال ف فائدتها التسلط على استيفاء المنفعة تمام المدة المشروطة مع بقاء الملك على ملك مالكه بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، إلا ما يحكى عن الشيخ و الراوندي و ابن البراج من اقتضائها نقل العين في خصوص ما لو قال: هذه الدار لك عمرك و لعقبك من بعدك، مع أنا لم نتحقق ذلك عن الشيخ و ابن البراج، بل المتحقق عن أولهما خلافه، و إن حكى عنه ما يوهم ذلك، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، ضرورة عدم اختلاف مقتضاها باختلاف كيفية تعلقها، مع أن الأصل بقاء الملك على ملك مالكه، كما ستسمع تحقيق الحال فيه.

و إنما غرض المصنف و غيره فيما ذكره التنبيه على خلاف بعض العامة حيث جعلها مفيدة فائدة الهبة على بعض الوجوه، فينتقل مالك العين إلى الساكن و هو واضح الفساد. و الله العالم.

و كيف كان ف يختلف عليها أي السكنى الأسماء بحسب اختلاف الإضافة، فإذا اقترنت بالعمر قيل: عمري و سكنى و بالإسكان


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 2.

ج 28، ص: 136

وحده قيل: سكنى خاصة و بالمدة المعينة قيل: سكنى و رقبى إما من الارتقاب، أو من رقبة الملك، فالسكنى حينئذ مع تعلقها بالمسكن، و كون الصيغة بلفظها أعم منها، و إن كانا هما أعم منها من وجه آخر و هو فيما إذا كانت الصيغة بلفظ أعمرتك و أرقبتك فإنهما حينئذ عمري و رقبى، و لا يقال: سكنى، أو كان موردهما غير المسكن بل دابة و نحوها، كذا في المسالك حاكيا له عن الأكثر، بل ستسمع فيما يأتي التصريح منه بأن العمرى و الرقبى المتعلقة بالمسكن هما كالسلم و الصرف بالنسبة إلى البيع، أي قسم خاص من السكنى.

لكن لا يخفى عليك أولا: أن مقتضاه إطلاق السكنى عليهما و إن كانت الصيغة بلفظهما، كإطلاق البيع على السلم و الصرف.

و ثانيا: أن المعلوم من النص و الفتوى تباين العقود، و أنه لا يجتمع عقدان في عقد واحد، ضرورة كون كل منهما سببا مستقلا في نفسه، كما أن المعلوم منهما هنا أن هذه العقود الثلاثة كغيرها من العقود، بدليل- اختلاف مواردها في كثير من المقامات- و غيره، و مع فرض اتحاد موردها و اتحاد الصيغة القابلة لكن منها يجب التمييز بالنية و القصد، كالصلة و البيع و الهبة المعوضة.

بل قد يظهر من المحكي عن التحرير عدم إمكان اجتماعها أصلا، قال: «إن كانت السكنى مطلقة أو يقول أسكنتك عمري أو عمرك، أو مدة معينة من الزمان قيل: سكنى، و إن قيدت بالعمر بأن يقول: أعمرتك مدة عمرك أو عمري قيل: عمري و إن قرنت بالمدة قيل: رقبى، بأن يقول: أرقبتك هذه الدار مدة» ضرورة ظهوره في اعتبار تحقق كل منها الصيغة باسمها بل لعل التباين ظاهر المحكي عن الوسيلة و الكافي.

قال في الأولى: «العمرى أن يجعل منفعة داره أو ضيعته لغيره مده حياته، و الرقبى أن يجعلها مدة معلومة، و السكنى أن يجعل سكناها لغيره مدة عمر أحدهما».

و في الثاني: السكنى أن يجعل منفعة سكناها لغيره مدة معلومة، و الرقبى أن يسكنه فيها مدة حياة المالك، و العمرى أن يسكنه فيها طول عمر المعمر» أى الغير.

ج 28، ص: 137

و عن المبسوط و الخلاف و المهذب و فقه القرآن للراوندي و الغنية و السرائر أن صورة الرقبى صورة العمرى، إلا أن اللفظ يختلف، فإنه يقول: أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو حياتي، و الرقبى يحتاج أن يقول أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو حياتي بل عن المبسوط لا فرق بينهما عندنا، و عن المهذب و ما يفرق به بعض الناس ليس مذهبا لنا.

و في محكي التذكرة

عن علي (عليه السلام)(1)«الرقبى و العمرى، سواء»

و في محكي الخلاف أن العمرى عندنا سكنى، و عن الجامع أن العمرى و الرقبى بحكم السكنى، و عن صيغ العقود أن العبارات شتى و المقصود واحد، و عن المختلف بعد أن ذكر كلام المبسوط و المهذب و الوسيلة و الكافي و السرائر قال: و هذه اختلافات لفظية.

قلت: لا إشكال في أن المفاد واحد مع فرض كون المورد المسكن، إلا أنه تظهر الثمرة مع فرض التباين بلزوم القصد مع فرض العقد باللفظ الصالح للجميع، كما في كل مشترك، و قضى القدر المشترك غير كاف، لعدم ثبوت مشروعيته لنفسه، نحو قصد النقل المطلق من دون تشخيص كونه بيعا أو صلحا أو هبة معوضة، و الفرض صلاحية المورد، فإن كان المراد من الوحدة و التسوية بالنسبة إلى النتيجة أو بالنسبة إلى أكثر الأحكام الثابتة لهما، فكذلك، و إن أريد بالوحدة الاتحاد بالعقد و إن تكثرت أسماؤه باعتبار ألفاظه فخلاف ظاهر النص و الفتوى أنها عقود مستقلة مختلفة المعاني، بل لو أريد من مورد أحدها الآخر بطل، نحو ما يراد من البيع الصلح، و بالعكس، إلا بناء على جواز إنشاء العقد اللازم بالمجاز، و الفرض قصد المعنى المجازي، أما مع عدمه فلا ريب في بطلانه ضرورة كونه حينئذ كإرادة الإجارة بالبيع، و بالعكس، فتأمل.

و من ذلك يظهر أن الأولى قصد السكنى و العمرى في اللفظ المشتمل عليهما، و كذا اللفظ المشتمل على المدة المعينة و ربما تسمع لذلك تتمة إن شاء الله تعالى.

و على كل حال ف العبارة عن العقد أن يقول: أسكنتك أو أعمرتك أو.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 513.

ج 28، ص: 138

أرقبتك أو ما جرى مجرى ذلك، هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا المسكن عمرك أو عمري أو مدة معينة بلا خلاف و لا إشكال في أصل جواز العقد بذلك.

إنما الكلام في حصره بذلك، و قد قدمنا سابقا تحقيق الحال في سائر العقود اللازمة، فضلا عن غيرها بالنسبة إلى خصوص اللفظ و بالنسبة إلى اعتبار الماضوية و غيرها فلاحظ و تأمل.

لكن عن التذكرة هنا أو يقول: أرقبتك هذه الدار، و هي لك مدة حياتك أو وهبت منك هذه الدار عمرك على أنك إن مت قبلي عادت إلى، و إن مت قبلك استقرت عليك، قيل: و ظاهره الملك للعين مستقرا كما حكاه هو و غيره عن بعض العامة، و يمكن ارادة الاستقرار للمنفعة بقية العمر لمعلومية مخالفة الأول لظاهر المذهب و أن يكون مراده صحة الهبة على هذا الوجه، و لكن جاء بها في المقام لأن لها شبها بالعمرى من حيث التقييد به، لا عقد العمرى بلفظ الهبة الذي قد يشكل بأنه مجاز فلا يعقد به العقد اللازم بناء على المعروف عندهم، و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحال.

ثم إنه غير خفي عليك وجه المناسبة في العمرى، أما الرقبى فالظاهر أنها من الارتقاب الذي هو الانتظار، لانتظار كل منهما المدة، المضروبة، أو من رقبة الملك باعتبار دفع الرقبة إليه لاستيفاء المنفعة، و عن بعض أصحابنا أن الرقبى أن يقول: جعلت خدمة هذا العبد لك مدة حياتك أو مدة حياتي، و كأنه أخذها من رقبة العبد إلا أنا لم نعرفه، كما اعترف به غيرنا.

بل في الحدائق إنكار أصل عقد الرقبى، لعدم وجود لفظها في شي ء من نصوصنا، و إن كان فيه عدم اعتبار ذلك في ثبوت العقد، خصوصا بعد المرسل عن علي (عليه السلام) المتقدم (1)، بل عن الخلاف نسبته إلى أخبارنا، و الله العالم.

[لزوم عقد السكنى ]

و كيف كان ف تلزم السكنى و أختاها بالقبض بعد فرض اجتماع غيره مما يشترط فيها قيل: و القائل أبو الصلاح في المحكي عن كافية، بل لعله ظاهر المحكي عن المقنعة و الغنية، و جامع الشرائع تلزم ان قصد به القربة و إلا فلا.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 513.

ج 28، ص: 139

و الأول أشهر بل المشهور في المسالك هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل فيها أيضا لم نقف على قائل بالقولين الآخرين، بل في محكي الخلاف إذا أتى بواحدة منها أي العقود الثلاثة و أقبضه فقد لزمت العمرى، ثم ادعى عليه إجماع الفرقة و اخبارهم، و لعله الحجة مضافا إلى قاعدة اللزوم و استصحابه.

و

خبر أبي الصباح الكناني(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سئل عن السكنى و العمرى فقال: إن كان قد جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، و إن كان جعلها له و لعقبه بعده حتى يغني عقبه، فليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا ثم ترجع الدار إلى صاحبها الأول».

و مضمر حمران (2)«سألته عن السكنى و العمرى؟ فقال: إن الناس فيه عند شروطهم إن كان شرط حياته سكن حياته، و إن كان لعقبه فهي لعقبه كما شرط حتى يفنوا، ثم ترد إلى صاحب الدار».

وحسن الحلبي أو صحيحه (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يسكن الرجل داره و لعقبه من بعده، قال: يجوز، و ليس لهم أن يبيعوا و لا يرثوا، قلت: فرجل أسكن رجلا في حياته قال: يجوز ذلك، قلت: فرجل أسكن رجلا داره، و لم يوقت، قال: جائز و يخرجه إذا شاء»

المعلوم إرادة المضي من الجواز فيه خصوصا بملاحظة ذيل الخبر، و ما تقدمه من النصوص المراد منها لزوم الشرط على حسب ما شرط.

و كذا

صحيح الحسين بن نعيم (4)عن الكاظم (عليه السلام) «سألته عن رجل جعل سكنى داره لرجل أيام حياته أوله و لعقبه من بعده، هل هي له و لعقبه كما شرط؟ قال: نعم قلت فان احتاج يبيعها قال: نعم، قلت فينقض بيعه الدار السكنى؟ قال: لا ينقض البيع، كذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2.
3- 3 الوسائل ذكره صدره في الباب- 3- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2 و ذيله في الباب- 3- الحديث- 1.
4- 4 التهذيب ج 9 ص 141 الحديث- 40 الفقيه ج 4 ص 185.

ج 28، ص: 140

سمعت أبي (عليه السلام) يقول، قال أبو جعفر (عليه السلام): لا ينقض البيع الإجارة و لا

السكنى، و لكن يبيعه على أن، الذي يشتريه لا يملك ما اشترى حتى تنقضي السكنى على ما شرط، و كذلك الإجارة».

كما صرح به

في خبر أحمد بن عمر الحلبي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل أسكن داره رجلا في حياته؟ قال: يجوز له و ليس له أن يخرجه، قال: قلت فله و لعقبه؟ قال يجوز له، و سألته عن رجل أسكن رجلا و لم يوقت له شيئا قال يخرجه صاحب الدار إذا شاء».

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها

خبر أبي البختري (2)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن علي (عليه السلام) «أن السكنى بمنزلة العارية إن أحب صاحبها أن يأخذها أخذها، و إن أحب أن يدعها فعل أي ذلك شاء»

القاصر عن ذلك من وجوه مع أنه محمول على السكنى المطلقة، بل لعلها هي السكنى، و أما المحدود بالعمر و المدة المعينة فهي العمرى، و الرقبى، كما سمعت الكلام فيه سابقا، و إطلاق المصنف و غيره هنا لزومها منزل على غير هذا الفرد الذي سيصرح المصنف بحكمه، مع إمكان إرادته الإطلاق حتى بالنسبة إليه لكن في مسماها خاصة، كما سمعته من الفاضل بل هو مقتضى الجمع بين الأدلة على ما ستعرف.

و على كل حال فقد ظهر لك ضعف القولين المزبورين اللذين لم نتحقق أولهما كما لم

نعرف دليله، سوى الخبر المزبور المعارض بما عرفت و بما دل سابقا من النصوص على عدم جواز الرجوع بما اعطى لله تعالى شأنه، إن كان مراده الجواز حتى في هذا الفرد، بل و لا دليل الثاني منهما إلا العمل به أيضا و بنصوص ما أعطى لله تعالى شأنه لا يجوز الرجوع فيه، إلا أن الجميع كما ترى مناف لقواعد الاستنباط، و الجمع بين جميع الأدلة بعد وزنها بموازين القسط. و الله العالم.

و لو قال: لك سكنى هذه الدار مثلا ما بقيت أنت أو ما حييت أنت جاز بلا خلاف و لا إشكال، لعموم الأدلة،


1- 1 التهذيب ج 9 ص 140 الحديث- 36 الفقيه 4 ص 186.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 3.

ج 28، ص: 141

و خصوصها التي تقدمت الإشارة إليها و مقتضاها أن السكنى ترجع إلى المسكن بعد موت الساكن لأن، ذلك هو مقتضى شرطه الذي شرطه.

لكن قال المصنف على الأشبه مشعرا بوجود الخلاف فيه بيننا، و لم نجده كما اعترف به غيرنا أيضا، بل في محكي المبسوط أنه الصحيح على مذهبنا، بعد أن حكى في المسألة قولين الصحة و البطلان، و أن القائلين بالصحة منهم من قال: إنها تكون للعمر مدة بقائه و لورثته بعده، و منهم من قال: إنه إذا مات رجعت إلى المعمر أو ورثته إن كان هو مات، و ظاهره ان هذه الأقوال للعامة خصوصا بعد أن كان المحكي عن أكثر أصحاب الشافعي استظهار البطلان من قوله في القديم، إلا أبا إسحاق منهم، و فإنه استظهر منه الصحة، و الرجوع بموته إلى المالك أو ورثته، و أما القول بالصحة و أنها ترجع إلى ورثته الساكن، كالهبة فهو قوله في الجديد، فكان الذي ينبغي ترك قول المصنف «و الأشبه» هذا كله مع الإطلاق.

و أما لو قال فإذا مت رجعت إلى فإنها ترجع قطعا بلا خلاف و لا إشكال بل عن المبسوط و الخلاف إجماع الفرقة عليه، مع زيادة و أخبارهم في الثاني، و إن كان لا فرق بين ذلك و الأول سوى التصريح و عدمه، و هو ليس فارقا كما هو واضح، و الله العالم.

و لو قال: أعمرتك هذه الدار لك و لعقبك، كان عمري فيجري عليها حكمها من لزومها ما دام العقب، فإذا انقرضوا رجعت المنفعة إلى المالك.

و أما العين فهي على ملك المال و لم تنقل منه إلى المعمر بالفتح و كان كما لو لم يذكر العقب، على الأشبه بأصول المذهب و قواعده و النصوص المتقدمة سابقا بل في ظاهر المحكي من التذكرة في مواضع و جامع المقاصد الإجماع عليه.

لكن عن المبسوط إذا قال: لك عمرك و لعقبك من بعدك، فإنه جائز، ل

ما رواه جابر(1)«أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال: أيما رجل أعمر عمري له و لعقبه، فإنما هي للذي يعطاها لا ترجع للذي أعطاها، فإنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث».


1- 1 المستدرك ج 2 ص 515.

ج 28، ص: 142

قيل و ظاهر احتجاجه بالحديث لفتواه عمله بمضمونه إذ لو لا ذلك لكان احتجاجه بالأخبار التي ذكرها هو في التهذيب كرواية أبي الصباح و غيرها أولى، و فيه أنه يمكن إرادة إثبات أصل المشروعية الذي أفتى به بالخبر المزبور، و من ثم لم يذكروا خلافه، بل عن بعض نسخ الكتاب أنها خالية عن لفظ الأشبه.

نعم يحكى عن فقه القرآن للراوندى الفتوى بمتن الخبر المذكور، من دون نسبة إلى رواية، و لا ريب في ضعفه، ضرورة كون الخبر عاميا معرضا عنه منافيا لظاهر النصوص المزبورة، بل و لأصول المذهب و قواعده، إذا أريد النقل إليه و إن لم يقصده الناقل. و الله العالم.

و إذا عين للسكنى مدة، لزمت بالقبض لما عرفته سابقا و لا يجوز الرجوع فيها إلا بعد انقضائها، و كذا لو جعلها عمر المالك لم ترجع السكنى و إن مات المعر بالفتح لجميع ما تقدم من أدلة اللزوم، و حينئذ ف ينتقل ما كان له إلى ورثته كغيرها من الحقوق و الأملاك، حتى يموت المالك بل عن الشيخ في الخلاف أن عليه إجماع الفرقة و أخبارهم، معتضدا بما في المسالك و عن غيرها من نفي الخلاف فيه.

و إن كان قد يناقش بما عن المصنف في المحكي من نكت النهاية قال: «إن الذي يرجح في ذهني أنه لا تكون لعقبه السكنى إلا إذا جعلها له و لعقبه بعد، و لو جعل السكنى له مدة حياة المالك و لم يتلفظ بجعلها العقبة، و مات المجعول له بطلت السكنى، لأنه ليس بتمليك، بل هو أشبه شي ء بالإباحة، فلا يتعدى المجعول له و ما ذكره في النهاية مطالب بدليله».

و فيه: إن الدليل ما عرفت من الإجماع المزبور و غيره، و بل خبر محمد بن قيس(1)، في أحد احتماليه قضى في العمرى أنها جائزة لمن أعمرها، فمن أعمر شيئا ما دام حيا فإنه لورثته إذا توفي.

لكن الإنصاف عدم خلو كلامه من قوة بناء على ما تسمعه من ظهور إطلاق السكنى في سكناه خاصة، و من يتبعه في العادة، و أنه ليس له إسكان غيره، و لا إجارته، اللهم إلا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2.

ج 28، ص: 143

يقال: إن ذلك لا ينافي كون السكنى حقا له على وجه الصلح عنه للمالك، و حينئذ يتجه انتقاله إلى الوارث، و إن لم نجوز له سكناه، و لكن يكون الحق له على وجه له الصلح عنه من المالك.

فيكون إسقاطا، إذ لا تلازم بين تعذر السكنى بموت أو حبس مثلا و بقاء الحق المزبور، و بهذا يجمع بين كلامهم هنا و كلامهم الآتي، أو يحمل هذا على ما إذا كانت العمرى على وجه

تنتقل إلى الوارث باعتبار التصريح فيها على أنها له يفعل فيها ما شاء، و كلامهم الآتي إنما هو في الإطلاق المنزل على إرادة الخصوصية الذي يقوى فيه ما سمعته من المصنف فلا حظ و تأمل جيدا.

و لو قرنها بموت المعر بالفتح ثم مات المالك قبله، لم يكن لورثته إزعاجه، لقاعدة اللزوم و غيرها مما عرفته سابقا، بلا خلاف معتد به أجده فيه، سوى ما يحكى عن أبي علي من التفصيل بأنه إن كانت قيمة الدار يحيط بها ثلث الميت لم يكن لهم إخراجه، و إن كان ينقص عنها كان ذلك لهم، و هو مع شذوذه مخالف للقواعد و الضوابط، فضلا عن الأدلة السابقة.

و لم نعثر له على شاهد سوى

خبر خالد بن نافع البجلي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل جعل لرجل سكنى دار له مدة حياته، يعنى صاحب الدار، فمات الذي جعل السكنى، و بقي الذي جعل له السكنى، أ رأيت إن أراد الورثة أن يخرجوه أ لهم ذلك؟ فقال:

أرى أن يقوم الدار بقيمة عادلة، و ينظر إلى ثلث الميت، فإن كان في ثلثه ما يحيط بثمن الدار، فليس للورثة أن يخرجوه، و إن كان الثلث لا يفي بثمن الدار فلهم أن يخرجوه، قيل له: أ رأيت إن مات الرجل الذي جعل له السكنى بعد موت صاحب الدار تكون السكنى لورثة الذي جعلت له السكنى؟ قال: لا».

و هو مع ضعف سنده و اضطراب متنه حتى قال الشيخ: ما تضمنه الخبر المزبور من قوله «يعنى صاحب الدار» غلط من الراوي و وهم منه في التأويل، لأن الاحكام التي ذكرها


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 1- 2.

ج 28، ص: 144

بعد ذلك إنما تصح إذا كان قد جعل السكنى حياة من جعلت له السكنى فحينئذ يقوم و ينظر باعتبار الثلث و زيادته و نقصانه، و لو كان جعل له مده حياته يعنى صاحب الدار لكان حين مات بطلت السكنى، و لم يحتج معه إلى تقويمه، و اعتباره بالثلث و ربما استظهر من هذا الكلام موافقة الشيخ لابن الجنيد.

و فيه: أنه يمكن إرادته بيان بطلان هذا التأويل بعدم جريان الأحكام المزبورة عليه، أما إذا جعل عمر الساكن و الفرض حياته، و موت المالك فيمكن جريان الحكم المزبور، بعد إرادة منفعة الدار من الدار فيه، و إرادة تسلطهم على الإخراج بالنقصان لثبوت حق لهم في الجملة، لا البطلان أصلا، و لو بحمله على الوصية أو على التنجيز في مرض الموت، أو على ما يوافق كلام الإسكافي أو غير ذلك.

و من هنا قال غير واحد: إن في متن الخبر المزبور اضطرابا و خللا، فكيف يخرج بمثله عن مقتضى الأدلة السابقة. فمن الغريب بعد ذلك كله وسوسة الخراساني في الكفاية في المسألة بعد أن لم نجد موافقا للإسكافي من زمنه إلى زمنه إلا ما سمعته من الشيخ.

هذا كله إذا مات المالك و المعمر حي أما إذا مات هو و الفرض أن الغاية عمره لم يكن لوارثه شي ء و رجعت إلى المالك بلا خلاف و لا إشكال و الله العالم.

ثم لا يخفى عليك أن مورد النصوص في العمرى عمر أحدهما و عمر عقب المعر بالفتح لكن يقوى في النظر التعدي إلى غير ذلك من عمر الأجنبي كما عن الشهيد الفتوى به في بعض فوائده، و نفي عنه البأس في المسالك و بعض من تأخر عنها، لعموم «الأمر بالوفاء، بالعقود(1)»،

«و المؤمنون»(2)

و خصوص مضمر حمران (3)و غيره مما تقدم سابقا، و لصدق اسم العمرى في الجملة، المدلول على شرعيتها في بعض الاخبار من غير تقييد بعمر أحدهما، كما في المسالك، بل مقتضى ذلك التعدي إلى غير ذلك من عمر حيوان بل جماد، و لو نفس العين


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السكنى الحديث- 1.

ج 28، ص: 145

التي هي مورد العمرى، و إن كان الأحوط عدمه، و أحوط منه الاقتصار على ما في خصوص النصوص.

و على كل حال فيفرع على التعدي المزبور حكم ما لو مات أحدهما في حياة من علقت بعمرة، فإن كان المالك فالحكم كما لو مات في حياة المعر الذي علقت العمرى بموته و قد عرفت سابقا أنه يبقى على استحقاقه، و إن كان هو

المعر ففي المسالك، و غيرها رجعت العمرى إلى المالك، كما لو مات من علقت على عمره.

و فيه: أن المتجه بناء على ما ذكرناه عوده إلى ورثة المعر في الأول نحو ما سمعته فيما لو مات بحياته المالك الذي كان عمره غاية العمرى، إلا على ما سمعته من المحقق في النكت كما تقدم الكلام فيه هنا، و فيها أيضا أنه أولى ما في النصوص جواز جعل العمرى لبعض معين من العقب، و مثله ما لو جعله له مدة عمره و لعقبه مدة مخصوصة، و العقد حينئذ مركب من العمرى و الرقبى، و فيه ما لا يخفى مع فرض اتحاد إيجاب العقد، و إلا لجاز اجتماع السكنى المطلقة و العمرى و الرقبى في عقد واحد، و إن كان متعلق كل منهما مختلفا، و حينئذ يكون العقد جائزا لازما، و هو كما ترى.

نعم قد يقال: إن مقتضى العمومات خصوصا خبر حمران جريان كثير من أحكام الوقف فيما، من التشريك و الترتيب و تبعية المعدوم للموجود، من غير فرق بين عقبه و غيره، و الدوام و الانقطاع و غير ذلك، بل يجوز فيها كل شرط سائغ في نفسه، نحو ما سمعته في الوقف أيضا، و لعل ترك الأصحاب التعرض لأكثر من ذلك اتكالا على ذكرهم له فيه، نحو اتكالهم في ذكر جملة من الأحكام على العمرى مثلا، أو السكنى أو الرقبى مثلا على اتحاد الجميع في ذلك، خصوصا بعد ما سمعت من

المرسل عن علي (عليه السلام) «العمرى و الرقبى سواء»

و في محكي المبسوط لا فرق بينهما عندنا، و المهذب و ما يفرق به بعض الناس ليس مذهبا لنا، إلى غير ذلك مما تقدم مما هو محمول على إرادة التساوي في الأحكام، حتى إذا كان مورد العمرى و الرقبى غير المسكن، فضلا عنه.

ج 28، ص: 146

و لو أطلق المدة و لم يعينها كان صحيحا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لإطلاق الأدلة و عمومها، و لكن له الرجوع متى شاء لحسن الحلبي أو صحيحه (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و خبر أحمد بن عمر الحلبي (2)عن أبيه عنه أيضا المتقدمين سابقا، لكن ظاهر الإخراج فيهما كما هو المحكي من تعبير الأكثر لا ينافي لزوم العقد الذي هو مقتضى ما عرفته سابقا من أدلته الشاملة لجميع الأفراد فيما يتحقق به مسمى السكنى، كما عن العلامة في التذكرة التصريح به، و وافقه عليه أول الشهيدين و ثاني المحققين فيما حكى عنهما، و ما في المسالك من المناقشة في ذلك- بأن الرواية مخصصة للآية، لدلالتها على جوازه مطلقا، كما خصصت الآية بسائر العقود الجائزة بدليل من خارج»- يدفعها ما سمعت من عدم اقتضاء الرواية أزيد مما عرفت، و الأمر سهل هذا كله في السكنى المطلقة.

أما العمرى و الرقبى فالظاهر بطلانهما مع الإطلاق، كما قطع به في الدروس في الأول.

و لم يتعرض للرقبى، و لعله لاتحادها معها في الحكم، و احتمل في المسالك «الصحة، إقامة

إلها مقام السكنى، لاشتراكهما في كثير من الأحكام و المعاني، و تناسبهما على الوجه الذي قررناه سابقا، فيكون كاستعمال لفظ السلم في مطلق البيع، و كذا القول: في الرقبى، و أولى بالصحة هنا، لأن إطلاقها باعتبار رقبة الملك، أو ارتقاب المدة التي يرتضيها المالك ممكنة هنا بطريق الحقيقة، فاستعمالها في السكنى يكون كاستعمال أحد المرادفين مكان الآخر، و إن اختلفا من جهة أخرى و هذا قوي».

و فيه: أن الكلام ليس في استعمال لفظ العمرى و الرقبى و السكنى، بل هو في مشروعية إطلاق عقديهما على نحو عقد السكنى، و لو في غير الدار، ثم حكى عن التحرير القطع بأنه مع إطلاق العمرى و الرقبى يصح، و يكون للمالك إخراجه متى شاء كالسكنى قال: و هو في الرقبى حسن، و فتوى الدروس في العمرى أحسن.

و فيه ما لا يخفى، إذ يمكن أن يكون بناء ما في السرائر على مساواة العمرى و الرقبى في الحكم المزبور للسكنى، و لو لا مكان دعوى تحققهما بعمر من الأعمار، و بمضي زمان من


1- 1 الوسائل- الباب- 3 و 2- من أبواب السكنى الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3 و 2- من أبواب السكنى الحديث- 2.

ج 28، ص: 147

الأزمنة لا لاستعمال لفظيهما فيها، حتى يفرق بينهما بالحقيقة و المجاز.

و أغرب من ذلك قوله و يتفرع على ذلك ما لو أعمره مدة معينة، فعلى جواز إطلاق العمرى لا شبهة في الجواز هنا، لانضباطها بالمدة، فهي أولى من الإطلاق، و على المنع يحتمله هنا، لاختصاصها بالعمر، و لم يحصل هنا، و الجواز هنا، و إن منع على الإطلاق، و الفرق أنها مع الإطلاق محمولة على أحدهما، أو عمر مطلق و لم يعين، فبطلت للجهالة، بخلاف ما لو عين المدة، فإنه صريح في إقامتها مقام السكنى أو الرقبى فيصح كما صح اقامة السلم مقام غيره من أفراد البيع الحال، مع التصريح بإرادة الحلول إقامة للنوع مقام الجنس، و أقل مراتبه أنه مجاز مشهور، و ليس بجيد، لأن المعتبر في العقود اللازمة الألفاظ الحقيقة الصريحة، و هو منفي هنا، إذ هو كما ترى.

و التحقيقي عدم مشروعية الجميع، للأصل السالم عن معارضة الأدلة الظاهرة في غير الفرض، فلا يصحان مع الإطلاق، و لا استعمال العمرى في الرقبى و لا العكس لما عرفت من أنها عقود متمايزة، و أما استعمال لفظ كل منهما في عقد الآخر فهو مبنى على ما حررنا في محله من جواز العقد اللازم بكل لفظ صالح للدلالة، و لو على جهة المجازية كما هو الأقوى، أو يعتبر لفظ مخصوص، و هذا غير ما نحن فيه كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان فلا يتوهم اختصاص مورد العمرى و الرقبى بمورد السكنى، بل هو أعم إذ كل ما صح وقفه، صح إعماره من العقار و الحيوان و الأثاث و غير ذلك كما صرح به كثير من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، للعمومات و خصوصا خبر محمد بن قيس (1)المتقدم سابقا، بل

في الصحيح محمد بن مسلم (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها، قال: هي لها على النحو الذي قال».

و خبر يعقوب بن شعيب (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون له الخادمة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2.

ج 28، ص: 148

تخدمه فيقول هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستة ثم يجدها ورثته، أ لهم أن يستخدموها بمقدار ما أبقت؟ قال: إذا مات الرجل فقد أعتقت»

و هما في الرقبى، فكان على المصنف أن يذكرها مع العمرى، إلا أنك قد عرفت أن ذلك و نحوه لمعلومية تساويهما في الحكم.

و على كل حال فلا يبطل عقد العمري بالبيع و غيره من نواقل العين الذي مورده غير موردها كما لا تبطل بالإجارة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه، كما عن ظاهر التنقيح أو صريحه، مضافا إلى الأصل و غيره من أدلة اللزوم المتقدمة، و خصوص صحيح الحسين بن نعيم المتقدم سابقا و الظاهر أن الرقبى أيضا كذلك، لاتحاد الدليل في الجميع، بل قيل أنها أولى، بل و كذا السكنى اللازمة، أما السكنى المطلقة و العمرى و الرقبى بناء على مشروعية الإطلاق فيهما فالذي صرح غير

واحد بل لا أجد خلافا بينهم فيه انفساخها، كما هو شأن العقد الجائز إذا طرأ عليه لازم ينافيه.

و ربما يحمل على ذلك ما في الدروس «لو باع المالك العين كان فسخا للسكنى، لا للعمري و الرقبى» بناء منه على عدم جريان الإطلاق فيهما، و قد يناقش بعدم منافاة نقل العين لنقل المنفعة، و إن كان على وجه الجواز حتى يكون ذلك فسخا شرعا و إن لم يقصده به.

نعم لو قصد به الفسخ و لو بقصد التسليط على العين و منافعها في وجه التجه حينئذ ذلك.

و كيف كان فالمراد أن نقل العين من حيث كونه كذلك لا يقتضي فسخ العقد اللازم الذي مورده المنفعة، بل يجب أن يوفى المعمر مثلا ما شرط له.

نعم في صحة أصل البيع من بين النواقل و بطلانه خلاف، فالأكثر على الصحة، للعموم و خصوص الصحيح المزبور، و الجهالة بوقت الانتفاع لا ينافيه، لأنها ليس موردا له، خصوصا مع عدم انحصار المنفعة في ذلك، لجواز التصرفات التي لا تنافيها، و استقرب الفاضل في محكي التحرير البطلان، بل عن إيضاح النافع القطع به و استشكل فيه في القواعد

ج 28، ص: 149

و محكي المختلف و موضع من التذكرة و الإيضاح و التنقيح، و جزم بالصحة في محكي الإرشاد، فاختلف كلامه في كتبه، و لعله ذلك مما عرفت، و من أن الغرض المقصود من البيع هو المنفعة، و لهذا لا يجوز بيع ما لا منفعة فيه، و الفرض أن زمان استحقاق المنفعة مجهول، فيتجهل المبيع، و لذا منع الأصحاب من بيع المسكن الذي تعتد فيه المطلقة بالإقراء لجهالة وقت الانتفاع به، و من المعلوم أن المقام أولى منه، لإمكان استثناء الزوج مدة يقطع بعدم زيادة العدة عليها، بخلاف المتنازع.

إلا أن ذلك جميعه كما ترى، ضرورة تحقق الانتفاع بالمبيع، و إنما تخلف منه نوع خاص، و ذلك لا يقدح، كما أن الجهل بوقت الانتفاع ليس جهلا بعين المبيع، إذ هو ليس من أوصافه فما دل على اعتبار المعلومية في المبيع لا ينافيه، مثل هذا الجهل الذي لم يثبت مانعيته من الصحة، و منع الأصحاب من بيع مسكن المعتدة مبنى على ما منعوه هنا لاشتراكهما في المعنى، و يلزم القائل بالصحة هنا القول به.

ثم إن لم يكن دليل يخصه، مضافا إلى النص المعتبر هنا بالجواز صريحا، الذي يكون القول بالبطلان معه كالاجتهاد في مقابلته، و هو صريح في الجواز، بل لعله ظاهر فيه حتى لو كانت العمرى في العقب الذي لا عادة بانتهائه، و من هنا أمكن الفرق بينهما بذلك، إن لم ندع اتحاد الطريق، أو يقال بخروج ذلك بدليله إن كان و الأولوية التي ادعوها في مسكن المعتدة باعتبار إمكان استثناء قدر يقطع بانقضاء العدة قبله.

ففي المسالك «إن مثله آت في العمرى، نظرا إلى العمر الطبيعي الذي لا يعيش المعمر بعده قطعا أو عادة، و من ثم يحكم بموت المفقود، و حينئذ يقسم ماله و تعتد زوجته عدة الوفاة، اتفاقا».

و إن كان قد يناقش في أصل ذكر الأولوية المزبورة، بأن المنع إنما هو مع فرض استثناء قدر العدة المجهول الدائر بين كونه ستة و عشرين يوما و لحظتين، أو خمسة عشرا شهرا أو سنة، أو تسعة أشهر، لا ما إذا فرض استثناء الزائد، ضرورة القطع بجواز بيع العين المستأجرة مدة معلومة.

ج 28، ص: 150

أنه قد يناقش في النقض بذلك، و بأن العمرى قد لا يمكن فيها ذلك، كما إذا كانت مقرونة بعمر العقب أيضا، فلا ريب في أن ذلك كله خروج عن وجه المسألة الذي هو بيع العين المستحق منفعتها زمانا مجهولا، باعتبار عود مثل هذه الجهالة للبيع و عدمه، و لا ريب في أن المتجه الصحة، إلا أن تكون المعاملة سفهية.

نعم يكون له الخيار مع الجهل بين الصبر مجانا إلى انقضاء المدة و بين الفسخ لقاعدة الضرر، من غير فرق في ذلك بين بيعه على المعمر و غيره، و إن قال في المسالك «إنه ربما فرق بينهما، فيصح في الأول، دون الثاني، نظرا إلى استحقاق المعمر المنفعة ابتداء و استمرار استحقاقه فتقل الجهالة، بخلافه غيره».

و فيه أن المعتبر من العلم بالمنفعة المطلوبة في البيع إن كان مما ينافيه هذا الفائت منها بطل مطلقا، و إلا صح مطلقا، لاختلافه الاستحقاقين، فلا يبني أحدهما على الآخر، كما هو واضح.

«بقي شي ء» و هو أن المعمر لو كان هو المشتري ففي المسالك جاز له بيع العين بجميع منافعها، لأنها بأجمعها مملوكة له، و لا مانع من نقلها إلى غيره بوجه، و إن كان قبل الشراء ما كان يمكنه بيع هذه المنفعة، فإن المانع لم يكن الجهالة، بل عدم جواز أفراد المنفعة بالبيع، و ليس ببعيد جواز الصلح عليها، لاحتماله من الجهالة ما لا يحتمله البيع، و صحته على العين و المنفعة، فعلى هذا لو كان مشترى العين غيره و جوزناه جاز له أن يصلح المشتري على تلك المنفعة المستحقة له مدة عمره، بمال معلوم، و يصير المشتري حينئذ مالكا للجميع، كما لو كان هو المعمر».

و فيه أولا: أن البيع لا يقع إلا على العين و المنفعة تكون تابعة للعين باعتبار تبعية النماء للأعيان في الملك، فمع فرض كون المنفعة مستحقة للمعمر بعقد العمرى لا يصح تناول عقد البيع لها، ضرورة عدم تبعيتها للعين المملوكة بسبب الملك كما هو واضح، و كذا في العين المستأجرة و نحوها، و ثانيا أنه لا يوافق ما سيأتي من عدم جواز إسكان الساكن غيره، و لا إجارته للمسكن، اللهم إلا أن يحمل على عمري مصرح فيها بجواز النقل للغير، و الأمر سهل.

ج 28، ص: 151

و كيف كان ف إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن بنفسه هو و أهله و أولاده، و لا يجوز أن يسكن غيرهم إلا أن يشترط ذلك كما صرح به جماعة، بل في جامع المقاصد نسبته إلى الأكثر، بل في المسالك و غيرها نسبته إلى المشهور و الظاهر إرادة ما في النافع و غيره من أن إطلاقها يقتضي أن يسكن بنفسه، و من جرت عادته بإسكانه معه، و لذا نسبه في التنقيح، إلى الشيخ، و القاضي و المشهور، قال: و عليه الفتوى.

لكن قد يظهر من بعض المتأخرين الخلاف بينهم، في ذلك، حتى أنه في الكفاية قال:

يلحق بأهله و ولده من جرت العادة بإسكانهم كالعبيد، و الإماء و الخدم و المرضعة و الضيف و غيرهم، و في غيرها عن جماعة أيضا إلحاق الدابة إذا كان الموضوع معدا لمثلها، و جواز وضع ما جرت العادة بوضعه من الأمتعة و الغلة.

و في التنقيح يجوز من الغلة قدر الحاجة، و الظاهر عدم الخلاف بينهم في ذلك و مراد الجميع أن المدار على ما يفهم عرفا من مثل الإطلاق المزبور الذي هو كغيره من الخطابات العرفية، و ليس هو إلا سكناه نفسه و توابعها.

و حينئذ ف لا يجوز له أن يؤجر السكنى لغيره كما لا يجوز أن يسكن غيره بعارية و نحوها، ضرورة اقتضاء الإجارة ثبوت السلطنة على موردها، و الفرض أن التمليك له قد وقع على وجه خاص.

لكن في السرائر: «الذي يقتضيه أصول المذهب أن له جميع ذلك له إجارته و انتقاله و إسكان غيره معه سوى ولده و امرأته، سواء اذن له في ذلك أم لا، لأن منفعة هذه الدار استحقها، و صارت مالا من أمواله و حقا من حقوقه فله استيفاؤها كيف شاء، بنفسه و غيره، و ما أورده شيخنا في نهايته فلا شك أنه خبر واحد قليلا ما يورده أصحابنا في كتبهم، فشيخنا المفيد لم يورده في مقنعته، و لا السيد المرتضى و لا المحصلون من أصحابنا».

قلت: لم نقف فيما وصل إلينا من النصوص على الخبر الذي ذكره كما اعترف به في

ج 28، ص: 152

الحدائق، اللهم إلا أن يقال: أنه

قول الصادق (عليه السلام) في خبري أبي الصباح و الحلبي (1)المتقدمين «ليس لهم أن يبيعوا و لا أن يورثوا»

و زاد في أولهما

«ثم ترجع الدار على صاحبها»

على معنى إرادة عدم نقل المنفعة لهم و عدم إرثها لا العين المعلوم فيها ذلك، بل ربما في جعل ذلك جوابا للشرط في أحدهما إشعار بذلك، و لا ينافيه نفي الإرث، إذ هو كذلك في مفروض البحث الذي هو سكناه و سكنى عقبه مدة عمر كل واحد منهم، و مع فرض موت أحدهما تنتهي السكنى، فلا إرث.

و لو لا ذلك لاتجه كلام ابن إدريس، ضرورة اقتضاء عقد السكنى و أختيها ملك المنفعة، التي هي السكنى، و الناس مسلطون على أموالهم و كون مورد العقد سكناه لا يقتضي اختصاص تمليكه بمباشرته، و إلا لاقتضى ذلك في الإجارة للسكنى، أو للركوب أو نحو ذلك مما كان المستأجر فيه موردا لا شرطا، و دعوى ظهور عقد السكنى في ذلك ممنوعة كل المنع، و أولى بذلك عقد العمرى و الرقبى، بل قد يقال: إن منافع الأعيان لا تتشخص بفعل المستوفي لها، ضرورة عدم كون فعله حينئذ من منافعها المملوكة له، و إنما الفعل مملوك الفاعلة.

نعم قد يكون ذلك بطريق الاشتراط، كما في الإجارة، بل لو قلنا بالتشخيص المزبور لم يتجه الإرث في مورده، بل لم يتجه ذلك ملك الساكن الأجرة بإذن المسكن لان سكنى الغير حينئذ ليس مما انتقل إليه فلا يملك أجرته، فليس حينئذ إلا دعوى أن الإيجاب هنا قد تحمل تمليك السكنى، و اشتراط كون الساكن هو المستوفي، و هي كما ترى لا يساعده عليها عرف، و لا شرع، إذا ليس الإيجاب هنا إلا كغيره مما يراد منه نقل مورده إلى المخاطب، و ليس هو هنا إلا منفعة الدار لا عمل الساكن، أى سكونه الذي هو ليس من منافع الدار.

و بذلك يظهر لك وجه النظر الذي ذكره في المسالك، فإنه بعد أن حكى عن ابن إدريس ما سمعته، و الجواب عنه بمنع ملكه لها مطلقا بل على الوجه المخصوص فلا يتناوله غيره قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 3- كم أبواب أحكام السكنى الحديث- 1- 2.

ج 28، ص: 153

«و فيه نظر» بل و يظهر النظر في أصل استدلال المشهور، بأن الأصل عصمة مال الغير من التصرف بغير إذنه، خرج ذلك ما أذن فيه، و هو سكناه بنفسه، و من في معناه، فيبقى الباقي على أصل المنع، ضرورة ابتناء ذلك على أن المفهوم من العاقد ذلك، و حينئذ يكون النزاع مع ابن إدريس فيما يفهم منه عرفا، فإن كان كما ذكره الشيخ وافقه ابن إدريس عليه، و إن كان العكس انعكس الحال، و قد سمعت من ابن إدريس أن مبنى منع الشيخ الخبر الذي أورده لا الفهم من عبارة العاقد، و بالجملة إن كلمات هؤلاء المتأخرين في غاية التشويش، لا يمكن الجمع بين تعليلهم المزبور و قولهم أن الأجرة للساكن إذا أذن المالك و قولهم بإرث حق السكنى فيما إذا كان الغاية عمر المالك، و بين قولهم أنه ملك على وجه خاص.

نعم يتم ذلك بناء على أن هذه الخصوصية شرعية على نحو خصوصية الموقوف عليه ملك العين الموقوفة، و خصوصية ملك أم الولد، و غير ذلك مما ثبت من الشرع، و يبقى المطالبة في دليل هذه الخصوصية، و ليس فيما نجد إلا الخبران المزبوران.

و لكن يشكل الخروج بهما عن مقتضى القواعد، مع عدم استدلال أحد من الأصحاب بهما على ذلك، اللهم إلا أن يقال، بكفاية عمل المشهور على ما يوافقهما و لا ريب في أنه أحوط.

و إذا حبس فرسه مثلا في سبيل الله تعالى شأنه أو غلامه في خدمة البيت أو المسجد لزم ذلك. و لم يجز تغييره ما دامت العين باقية بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به الحلي و غيره، قال في المحكي من نوادر قضاء سرائره: «إذا كان الحبس على مواضع قرب العبادات مثل الكعبة و المشاهد و المساجد، فلا يعاد إلى الأملاك، و لا تنفذ فيه المواريث، لأنه بحبسه على هذه المواضع، خرج عن ملكه عند أصحابنا بلا خلاف، مضافا إلى ما تقدم من النصوص في الصدقة(1)المتضمنة لعدم جواز الرجوع في كل ما يعطى لله تعالى شأنه، بل صريح ما سمعته من الحلي نفي الخلاف في الخروج عن الملك، فضلا عن اللزوم،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوقوف.

ج 28، ص: 154

لكن في المسالك ظاهر العبارة أنه لا يخرج عن ملك المالك، حيث حكم بلزومه، و عدم جواز تغييره ما دامت العين باقية».

و فيه منع الظهور المزبور، و لعل السيرة قديما و حديثنا في فرش المساجد و المشاهد المشرفة بناء على أنه على ذلك، بل لعل قصد الحابس ذلك أيضا، بل ربما كان ثوب الكعبة الذي قد تضمنت النصوص بجواز أخذ القطع منه انتهاء عمره للتبرك من أيدي الخدمة منه أيضا.

بل قد يقال: ان مقتضى السيرة الاكتفاء فيه بالفعل بهذا العنوان فلا يحتاج صحته بل و لا لزومه إلى لفظ، فضلا عن أن يكون عقدا محتاجا إلى القبول من الناظر، أو الحاكم، لكن عن التحرير و اللمعة و صيغ العقود و المسالك و

الروضة و التنقيح و التذكرة التصريح بكون الحبس عقدا بل قيل: أنه ظاهر الباقين، و يمكن إرادتهم غير المفروض، إذ قد عرفت فتوى المشهور في الوقف، بعدم الاحتياج إلى القبول، فضلا عن الحبس، و إن كان قد سمعت المناقشة فيه منا، و أما القبض فعن التذكرة، و اللمعة و المسالك و الروضة اعتباره في الحبس.

لكن قد سمعت سابقا في الوقف و في الصدقة أن أقصى ما تقتضيه الأدلة اعتباره في اللزوم، دون الصحة، فضلا عنه، فإنه لا دليل على اعتباره فيه، اللهم الا أن يستفاد من فحوى ما دل عليه في الوقف المنقطع، و مما دل عليه في الصدقة فيما كان منهما متمما بعدم القول بالفصل.

نعم الظاهر عدم اعتبار نية القربة في صحته، لما عرفته سابقا في الوقف، و في السكنى من أصالة عدم الاشتراط و غيرها، خلافا للمحكي عن المقنعة، و النهاية و الوسيلة و التحرير و جامع المقاصد و التذكرة، ثم إن الظاهر أنه كالوقف بالنسبة إلى الموقوف و الموقوف عليه كما عن المقنعة و النهاية و المهذب و الوسيلة و جامع الشرائع و التحرير و غيره من كتب المتأخرين، بل لعل حكمهم في الوقف المنقطع الآخر بأنه حبس ظاهر أو صريح في ذلك، و ربما كان هذا هو السبب في عدم استقصائهم الكلام في عقده، و شرطه و مورده، و المحبوس عليه، و نحو ذلك.

ج 28، ص: 155

بل لعل النصوص أيضا كذلك، فإنا لم نعثر فيه إلا على

صحيح ابن أذينة(1)قال:

«كنت شاهدا لابن أبي ليلى فقضى لرجل جعل لبعض قرابته غلة داره و لم يوقت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته عند ابن أبي ليلى، و حضر قرابته التي جعل لها غلة الدار فقال ابن أبي ليلى أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها، فقال له: محمد بن مسلم الثقفي أما إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت، فقال: و علمك؟ فقال سمعت أبا جعفر محمد بن على (عليه السلام) يقول قضى: علي بن أبي طالب (عليه السلام) برد الحبس و إنفاذ المواريث، فقال ابن أبي ليلى: هذا عندك في كتاب؟ قال: نعم قال: فأرسل إليه و ائتني به، فقال محمد بن مسلم: على أن لا تنظر في الكتاب إلا في ذلك الحديث، فقال: لك ذلك، فأحضر الكتاب فأراه الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام)، فرد قضيته».

و خبر عبد الرحمن الجعفي (2)قال: «كنت اختلف إلى ابن أبي ليلى في مواريث لنا ليقسمها و كان فيها حبيس، فكان يدافعني فلما طال شكوته إلى أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أو ما علم أن رسول الله أمر برد الحبيس و إنفاذ المواريث، قال: فأتيته ففعل مثل ما كان يفعل، فقلت إني شكوتك إلى جعفر بن محمد (عليه السلام) فقال لي كيت و كيت قال: فحلفني ابن أبي ليلى أنه قد قال ذلك؟ فحلفت له، فقضى لي بذلك.»

والمكاتبة عن ابن معبد «قال: كتب إليه محمد بن أحمد بن إبراهيم سنة ثلاث و ثلاثين و مائتين يسأله عن رجل مات و خلف امرأة و بنين و بنات و خلف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر من بعد عشر سنين فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام، و هم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلني الله فداك؟ فكتب (عليه السلام) لا يبيعوه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم»

بناء على إرادة الحبس من الوقف فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام السكنى الحديث- 2.

ج 28، ص: 156

و كذا

خبر محمد بن مسلم (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها؟ قال: هي لها على النحو الذي قال»

وخبر يعقوب بن شعيب (2)عن أبي عبد الله «قال:

سألته عن الرجل له الخادم تخدمه فيقول: هي لفلان تخدمه ما عاش، فإذا مات فهي حرة فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستة ثم يجدها ورثته، أ لهم أن يستخدموها قدر ما أبقت؟ قال: إذا مات الرجل فقد عتقت».

و على كل حال فمما سمعت يظهر الوجه فيما ذكره المصنف و غيره بقوله أما لو حبس شيئا على رجل مثلا و لم يعين وقتا، ثم مات الحابس كان ميراثا كما دل عليه الخبران الأولان بل لا

أجد فيه خلافا، بل الإجماع بقسميه عليه، و كذا لو عين مدة و لو عمر أحد هما و انقضت كان ميراثا لورثة الحابس بلا خلاف، و لا إشكال في ذلك، و لا في لزومه إليها، لعموم «أَوْفُوا(3)» و

«المؤمنون»

و خبر محمد بن مسلم (4)و سابقه، بناء على أنهما من الحبس و لا ينافيه إطلاق الخبرين المزبورين المحمولين على الحبس المطلق، خصوصا و في سؤال أحدهما ذلك، على أن التعارض بينهما و بين ما ذكرنا من وجه، و لا ريب في أن الترجيح لذلك، و لو لفتوى الأصحاب.

إنما الكلام في لزوم الأول إلى موت الحابس، و جوازه ففي القواعد إن لم يعين كان له الرجوع متى شاء، و مال إليه بعض من تأخر عنه، و لعله لكونه حينئذ كالسكنى المطلقة، بناء على أن جوازها للقاعدة باعتبار عدم اقتضاء عقدها إلا الطبيعة التي تتحقق بالمسمى.

و فيه أن ذلك لما سمعته من النص، و إلا فمقتضى العقد اللزوم، و صيرورة السكنى مطلقا ملكا له، إذ ليست هي إلا شيئا متحدا، و التعدد إنما يكون في استيفائها، و قد ملكت بالعقد، إلا أن النص المزبور كشف عن أن الحكم فيها شرعا ذلك، فلا يقاس عليها الحبس خصوصا بعد ظهور الفرق بينهما، بعدم انسياق احتمال إرادة ذلك فيه، بل مقتضى عقده حث

صول الحبس في المحبوس الذي يحتاج إلى دليل شرعي في فكه، و الوقف ليس من مقوماته.


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السكنى الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السكنى الحديث 2.
3- 3 سورة المائدة الآية- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السكنى الحديث 1- 2.

ج 28، ص: 157

و من هنا ذهب و هم ابن أبي ليلى إلى لزومه، و عدم تغييره بموت الحابس، و لو لا قول رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قضاء علي (عليه السلام) «برد الحبيس و إنفاذ المواريث» لكان متجها، بل قد يدعى ظهور الخبرين المزبورين في لزومه إلى موت الحابس، بل لعله مقتضى التدبر في عبارة اللمعة أيضا.

و ربما يشهد لما ذكرنا حكمهم بلزوم الوقف المنقطع الآخر إلى موت الموقوف عليهم، فيرجع إلى ورثة الواقف حينئذ، و ما هو إلا لاقتضاء عقد الوقف ملك الموقوف عليه المنفعة المقتضى دوامه، و لو بالاستصحاب بل مقتضاه صيرورة المنفعة إرثا، إلا أن النصوص السابقة صرحت برجوعه إلى الورثة.

و منه يعلم قوة ما تقدم منا من كون الوقف المنقطع قسما من الوقف مشروع في نفسه، لا أنه حبس كما ذكروه، و إلا لاقتضى بطلانه بموت الحابس، نحو ما سمعته هنا في الحبس المطلق، لا موت المحبوس عليه، بل و كان جائزا على ما ذهب إليه الفاضل، و من تبعه مع أنه لا خلاف عندهم في لزوم الوقف المنقطع إلى موت الموقوف عليه، اللهم إلا أن يحمل كلامهم هناك على ما إذا علم إرادة الوقف ما دام الموقوف عليه حيا فلا ينافيه حينئذ ما ذكروه في الحبس المطلق، إذ هو بناء على كلامهم من الحبس المعلق على مدة.

إلا أنه كما ترى، ضرورة اكتفائهم في انقطاع الوقف بنحو قول الواقف «وقفته على زيد» من دون ذكر شي ء آخر هذا.

و ربما كان ظاهر المحكي عن التنقيح و إيضاح المنافع كون الحبس المطلق كالوقف المنقطع في العود إلى المالك بموت المحبوس عليه، لا الحابس، إلا أنه خلاف المشهور و خلاف ما دل عليه الخبران المزبوران.

و على كل حال ربما يؤيد ما ذكرناه إطلاقهم اللزوم في المحبوس على القرب من غير تقييد ذلك بما إذا أقرنه بمدة عمر المحبوس، بل ظاهرهم الإكتفاء بلزومه بمجرد الحبس على الأماكن المخصوصة، اللهم إلا أن يدعى ظهور ذلك في إرادة الدوام، و فيه منع.

ج 28، ص: 158

و دعوى- خروج ذلك عن الفرض من حيث نية القربة فيه- يدفعها أنه لا تقتضي إلا اللزوم في مقتضى العقد، إن دائما فدائما و إن مقيدا فمقيدا، فلو حبسه مثلا في سبيل الله تعالى سنة لم يلزم في غيرها، بل الظاهر عدم خروجها عن المالك بذلك و إن قلنا به في المطلق، لعدم السيرة فيه، فيبقى حينئذ على حكم غيره من أفراد الحبس إذ لا خلاف في بقائه على ملك مالكه، و بذلك كله بان لك أكثر أحكام الحبس، و إن أشكلت على بعض الناس، لعدم استيفاء الأصحاب لها، إلا أنك قد عرفت إيكالهم جملة منها إلى الوقف و السكنى و أختيها و الله هو العالم.

ج 28، ص: 159

[كتاب الهبات ]

اشارة

كتاب الهبات التي جمعها باعتبار اختلاف حكم أفرادها، و إلا فهي حقيقة واحدة، كالبيع و نحوه، و لذا عبر الأكثر بها موحدة، و كيف كان ف النظر فيها في الحقيقة و الحكم.

[النظر الأول في حقيقة الهبة]

أما الأول فحقيقة الهبة: هي العقد المقتضى تمليك العين من غير عوض، و تمليكا منجزا مجردا عن القربة أو الأثر الحاصل منه، و لو بالمعطاة أو فعل الواهب، كما تقدم نظير ذلك، إذا الظاهر كون المسألة من واد واحد.

لكن في الرياض هنا أن ظاهر الأصحاب الاتفاق على دعوى اعتبار العقد القولي كما يظهر من الكفاية، و صرح به في المسالك.

و فيه: أن ما ذكر سندا للمعاطاة في غيرها من دعوى السيرة القطعية متحقق في المقام، كتحقق صدق الهبة عليها بدون العقد، فلا محيص عن القول بمشروعيتها هنا بناء على مشروعيتها هناك لذلك، و حمل كلام المصنف و نحوه على إرادة بيان أنها من قسم العقود، لا الإيقاعات، و إن تحققت بما يتضمن معنى الإيجاب و القبول من الأفعال، أو على بيان القسم العقدي منها، كما ستمع تتمة لذلك إن شاء الله.

و حينئذ فالعقد بمنزلة الجنس الشامل لسائر العقود الذي يخرج به الفعل الدال على ذلك، و المقتضى له، كنثار العرس و حيازة المباح، و الموت المقتضى للتمليك بالإرث و نحو ذلك، كما أنه خرج بقوله «تمليك العين» نحو العارية و الإجارة و السكنى و الرقبى و العمرى،

ج 28، ص: 160

و نحوها، مما تقتضي تمليك المنفعة، أو إباحتها، و بقوله «من غير عوض» البيع و نحوه، و بقوله «منجزا» الوصية بالأعيان، و بقوله «مجردا عن القربة» الصدقة بل و الوقف، بناء على اعتبارها فيه، إلا أنك قد عرفت أن الأصح عدم شرطيتها فيه، فينتقض التعريف، اللهم إلا أن يقال إنه بناء على اقتضائه نقل العين ليس بملك تام، و هو المنساق من لفظ التمليك.

نعم ينتقض بالهبة المعوضة، و لو بالقربة، و قد يدفع بأن المراد- من قوله «من غير عوض و مجردا عن القربة»- عدم لزوم ذلك فيها، لا عدم اتفاق حصوله فيها، كما أن المراد من اقتضائه التمليك ما لا ينافي توقفه على أمر آخر، كالقبض كما هو واضح.

و على كل حال ف قد يعبر عنها بالنحلة و العطية و إن كانا هما أعم منها، ضرورة صدقهما على مطلق العطاء المتبرع به، الشامل للوقف و الصدقة و غيرهما، كما أن الهبة أعم من الصدقة و الهدية بناء على ما سمعته سابقا من التذكرة و المسالك مفرعين عليه البر بهما فيما لو نذر الهبة، دون العكس مطلقا، و الحنث بهما فيما لو حلف أن لا يهب فتصدق أو أهدى، دون العكس، بتقدير فعله فردا منها خارجا، و إن كان قد عرفت النظر فيه منا بالنسبة إلى الصدقة و الهبة، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف هي بمعنى العقد تفتقر إلى الإيجاب و القبول و القبض بالنسبة إلى صحتها و ترتب الأثر عليها، فالإيجاب كل لفظ أو ما قام مقامه نحو إشارة الأخرس قصد به التمليك المذكور و كان صالحا للدلالة عليه، بحسب التجاور كقوله مثلا وهبتك و ملكتك أو نحوهما، من غير فرق بين صيغة الماضي و غيره، فيكفي مثل قوله هذا لك قولا واحدا، كما في الرياض و غيره، و هو مؤيد لما قلناه سابقا من عدم اعتبار اللفظ المخصوص في العقود اللازمة، فضلا عن الجائزة كما أوضحناه سابقا هذا.

و لكن في المسالك بعد أن حكى عن ظاهر الأصحاب الاتفاق على افتقار الهبة مطلقا إلى العقد القولي في الجملة، قال: «فعلى هذا ما يقع بين الناس على وجه الهدية من غير لفظ يدل

ج 28، ص: 161

على إيجابها و قبولها لا يفيد الملك، بل مجرد الإباحة، حتى لو كان جارية لم يحل الاستمتاع بها، لأن الإباحة لا تدخل في الاستمتاع».

قال الشيخ في المبسوط: «و إن أراد الهدية و لزومها و انتقال الملك منه إلى المهدي إليه الغائب، فليوكل رسوله في عقد الهدية معه، فإذا مضى و أوجب له و قبل المهدي إليه و أقبضه إياها لزوم العقد، و ملك المهدي إليه الهدية» و نحوه قال في الدروس، و جعل عدم اشتراط الإيجاب و القبول احتمالا.

و اختلف كلام الفاضل، ففي القواعد جزم باعتبار الإيجاب و القبول و القبض فيها و في محكي التحرير قرب في أول الباب استغنائها عن الإيجاب و القبول، عملا بالإذن المستفادة من العادة، و قال في آخر كلامه نحو ما في المبسوط، ثم قال: «و لو قيل: بعدم اشتراط القبول نطقا كان وجها، لقضاء العادة بقبول الهدايا من غير نطق».

و ظاهر المحكي عن التذكرة عدم احتياجها إليهما، لأنه حكى عن قوم من العامة أنه لا حاجة في الهدية إلى ذلك، بل البعث من المهدي كالإيجاب، و القبض من المهدي إليه، كالقبول، لأن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) من كسرى و قيصر و سائر الملوك فيقبلها، و لا لفظ هناك، و استمر الحال من عهده إلى هذا الوقت من سائر الأصقاع، و لهذا كانوا يبعثون على أيدي الصبيان الذين لا يعتد بعباراتهم- ثم قال- و منهم من اعتبرهما، كما في الهبة، و اعتذروا عما تقدم بأن ذلك إباحة لا تمليك، و أجيب بأنه لو كان كذلك لما تصرفوا فيه تصرف الملاك، و معلوم أن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يتصرف فيه و يملكه غيره، و يمكن الاكتفاء في هذا الأطعمة بالإرسال و الأخذ، جريا على العادة بين الناس- إلى أن قال:- و التحقيق مساواة غير الأطعمة لها، فإن الهدية قد تكون غير طعام، فإنه قد اشتهر هدايا الثياب و الدواب من الملوك إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فإن مارية القبطية أم ولده كانت من الهدايا».

و في جامع المقاصد إنه قوي متين، و في المسالك هو حسن، لكن قال: «و مع ذلك يمكن أن يجعل ذلك كالمعاطاة يفيد الملك المتزلزل، و يبيح التصرف و الوطء، و لكن يجوز

ج 28، ص: 162

الرجوع فيها قبله، عملا بالقواعد المختلفة، و هي أصالة عدم اللزوم مع عدم تحقق عقد يجب الوفاء به و ثبوت جواز التصرف فيها، بل وقوعه، و وقوع ما ينافي الإباحة و إعطاؤه الغير، فقد

«وقع ذلك النبي (صلى الله عليه و آله) في مارية القبطية أم ولده(1)، و قد كان يهدى إليه الشي ء فيهديه لزوجاته و غيرهن»(2)

، «و أهدى إليه حلة فأهداها لعلي (عليه السلام) من غير أن ينقل عنه قبول لفظي، و لا عن الرسل إيجاب كذلك مقارن له،»

و هذا كله يدل على استفادة الملك في الجملة، لا الإباحة، و لا ينافي جواز الرجوع بها ما دامت العين باقية.

قلت: قد عرفت القول بمشروعية المعاطاة في الهبة و غيرها من العقود إلا ما خرج فضلا عن الهدية، و أنها تفيد مفاد العقد في الملك،

لاندراجها في الاسم و إن لم تكن عقدا، إلا أنهم اعتبروا فيها جميع ما يعتبر في العقد سوى اللفظ، و حينئذ يشكل في الفرض دعوى كونها منها، ضرورة عدم المقارنة بين الفعلين المنزلين منزلة الإيجاب و القبول، المقصود بهما الإنشاد.

نعم بناء على التوسع بالنسبة إلى ذلك في المعاطاة فيتجه كونها حينئذ منها، بل و كذا في معاطاة كل عقد، أما على عدمه فلا محيص حينئذ عن دعوى مشروعيته قسما آخر من الهداية مثلا مستقلا برأسه، خارجا عن العقد و المعاطاة، لمكان السيرة القطعية التي هي الأصل في مشروعية المعاطاة، فالفرض مثلها حينئذ، و لعله أومأ إليه بقوله كالمعاطاة، بل ينبغي التزامه في غير المقام، حتى البيع و شبهه، بناء على اندراج هذا القسم و إن لم يكن معاطاة في اسمه.

و أما إذا فرض مشروعيته بالسيرة، و عدم اندراجه في الاسم، فلا بد من القول باستقلاله بنفسه، و إن شابه معاطاة كل عقد في المفاد، و لزومه و جوازه يتبع الأدلة من استصحاب الملك و نحوه.

و إنما الكلام في أصل مشروعيته، و ترتب الأثر عليه من الملك و غيره، فهو كذلك في الهدية و غيرها، و من الغريب ما في ظاهر الرياض من عدم مشروعية المعاطاة في الهبة، لشبهة الاتفاق المزبور، و مشروعيتها في خصوص الهدية لما عرفت، و كأنه لم يسرح نظره في أطراف المسألة،


1- 1 البحار ج 22 ص 193 المغني لابن قدامه ج 6 ص 229 الى 252.
2- 2 البحار ج 22 ص 193 المغني لابن قدامه ج 6 ص 229 الى 252.

ج 28، ص: 163

بل اقتصر على بعض الكلمات الموهومة لذلك في المقام، و في غيره، فلا حظ و تأمل، و الله العالم.

و على كل حال ف لا يصح العقد أو ما يقوم مقامه الا من بالغ كامل العقل جائز التصرف على حسب ما مر غير مرة من تفصيل الحال في ذلك كله بالنسبة إلى غيره من العقود فلاحظ.

و لو وهب ما في الذمة، فإن كانت لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه بأصالة عدم الانتقال و غيرها، و الأشهر بل المشهور لأنها مشروطة بالقبض و ما في الذمة يمتنع قبضه، و دعوى- إمكانه- بقبض أحد جزئياته- يدفعها أن الموهوب الماهية، و هي غير الجزئيات قطعا، و صحة بيعه مع معلومية اشتراط صحته بالقدرة على التسليم، لمعلومية الاكتفاء فيها بما تتحقق به المعاوضة و تحققها يكفى فيه القدرة على تسليم بعض أفراد الماهية المعدود أحد العوضين، و يدخل في ملك المشتري من غير توقف على قبض، ثم يستحق المطالبة بالإقباض.

بخلاف المقام الذي لا شك في مدخلية الإقباض في حصول الملك فيه، فلا بد أن يقبض الواهب الدين، ثم يقبضه المتهب، فامتنع نقله إلى ملك المتهب حين هو دين، و كذا بعد تعيين المديون له قبل قبض الواهب، لانتفاء الملك، و بقبض الواهب يحدث الملك له، فيمتنع تقدم إنشاء الهبة عليه، إذ يكون هبته حينئذ جارية مجرى هبة ما سيملكه ببيع و غيره، و ذلك غير جائز قطعا، و إلا لصحة تمليك ما سيشتريه و يحتط به و يحتشيه، و من ثم لم يصح هبة موصوف في الذمة، و صح بيعه.

و لكن قد يناقش في ذلك كله بمعلومية كون التحقيق في محله أن وجود الكلي الطبيعي عين وجود أفراده، و بذلك جاز نقله بالبيع، المشروط بالقدرة على التسليم، و غيره من النواقل التي منها الهبة، و لا يقدح الفرق باستحقاق المبيع من دون القبض، بخلاف الهبة، لأنا لا نحكم بصحة الهبة حينئذ إلا بعد القبض، كما لا نحكم بصحتها لو تعلقت بعين خاصة إلا بعد قبضها، و هو ممكن بقبض بعض أفراد الماهية الذي وجوده عين وجود الكلي.

ج 28، ص: 164

و قبض الواهب له إنما يفيد تعيينا له من بين الأفراد، لا أنه يحدث ملكا جديدا، بل التأمل الصادق يقتضي عدم الفرق بين المقام، و بين هبة المشاع الذي هو كلي أيضا فلو وهبه كذلك، ثم عينه الواهب و دفعه إلى الموهوب له لم يكن إشكال في صحته، لعموم الأدلة فكذلك المقام.

هذا كله مع إرادة قبض الشخصي فيه، أما إذا وهبه كليا، لأنه مال مملوك له متحقق، و لذا جاز جريان غير الهبة عليه من النواقل، ثم أراد إقباضه على كليته بأن إذن للموهوب بقبضه على وجه التقابض بينه و بين من عليه الدين، إذا فرض كون الموهوب مديونا لمن عليه الذين بقدرة، و لا قائل بالفرق- فلا إشكال فيه حينئذ. كل ذلك مضافا إلى ما يشعر به

صحيح صفوان (1)«سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده، فذكر له الرجل المال الذي له عليه، فقال له: ليس عليك فيه شي ء في الدنيا و الآخرة، يطيب ذلك له؟ و قد كان وهبه لولد له؟ قال نعم وهبه له ثم نزعه فجعله لهذا»

- من صحة هبته، و إنما جاز له نزعه منه لعدم حصول القبض و إطلاق لفظ النزع باعتبار إيجاد عقد الهبة الذي هو جزء السبب الملك.

و من ذلك يظهر لك أن حمل الخبر على ما ذكرنا أولى من طرحه و رميه بالندور أو تأويله بإرادة المجاز من إطلاق الهبة، بمعنى العزم عليها و نحو ذلك، كما أنه ظهر لك منه قوة القول بالصحة، كما عن المبسوط و السرائر و المختلف و غيرها، و في المسالك أنه متجه، بل عن المبسوط أنه الذي يقتضيه مذهبنا، و لعله لذا ترك الترجيح في محكي التذكرة و الإيضاح و الدروس.

هذا كله في هبة الدين لغير من هو عليه و إن كانت له صح بلا خلاف أجده فيه، بل في بعض كتب مشايخنا ظاهر هم الاتفاق عليه و لعله ل

صحيح معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون له على الرجل دراهم فيهبها له، إله أن يرجع فيها؟

قال: لا».


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 165

و لا ينافيه

صحيحه الآخر(1)عنه أيضا «رجل كانت عليه دراهم لإنسان فوهبها له ثم رجع فيها ثم وهبها له ثم هلك قال: هي الذي وهب له»

إذ الرجوع بعد الهبة إنما كان في كلام السائل مضافا إلى عموم الأدلة التي لا ينافيها ما دل على اعتبار القبض في الهبة، إذ الموهوب هنا مقبوض للموهوب له، باعتبار كونه في ذمته، فهو حينئذ كهبة ما في يده بل أقوى.

و لذا لم يجز الرجوع فيها ضرورة اقتضاء صحتها سقوط المال عن ذمته لعدم تعقل ملك الإنسان على نفسه شيئا نحو غيرها من أسباب النقل كبيع الدين على من هو عليه، و غيره، فيكون ذلك بمنزلة تلف المال الموهوب الذي هو ملزم للهبة.

و من هنا قال المصنف صرفت إلى الإبراء على معنى اتحادها معه في المفاد لا أن المراد بلفظ الهبة الإبراء، فإن ذلك خارج عن المقام الذي هو هبة ما في الذمة، و من المعلوم أنها من أسباب التمليك كالبيع و نحوه لا الإسقاط و لكنها تفيد مفاد الإبراء بالطريق الذي عرفت.

و من هنا كان المتجه اعتبار القبول فيها و إن قلنا إنه لا يشترط الإبراء القبول على الأصح وفاقا للأكثر بل المشهور، و خلافا للمحكي عن الغنية و السرائر بل و المبسوط و إن كنا لم نتحققه، بل المحكي عنه التصريح

بكون الأقوى عدم الاشتراط، و إن كان الاشتراط قويا أيضا كالراوندي في فقه القرآن.

و على كل حال فالمذهب الأول، لصدق الاسم بدونه، و لأنه إسقاط، و لذا عبر عنه بالعفو في قوله تعالى (2)«إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ» إلى آخره و للنصوص المتكثرة(3)في إبراء المديون حيا مع عدم حضوره و ميتا، و لغير ذلك.

لكن المقام من العقود التي لا بد فيها من القبول، و إن كان هي بعد تمامها تفيد مفاد الإبراء، كالصلح و بيع الدين على من هو عليه، و بذلك ظهور لك حقيقة الحال على وجه لا يخفى عليك التشويش في جملة من كلماتهم التي بعضها ظاهر في كون البحث في التعبير عن الإبراء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 2.
2- 2 سورة البقرة الآية 237.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الدين.

ج 28، ص: 166

بلفظ الهبة و من المعلوم خروج ذلك عما نحن فيه، إذ هو بحث آخر، مبنى على عدم اشتراط لفظ مخصوص في الإبراء بل يكفى كل ما دل عليه من حقيقة أو مجاز، و بعضها ظاهر في أنه من الهبة، و لكن هذا القسم من الهبة لا يحتاج إلى القبول، لأنها كالإبراء و هو لا يحتاج إليه.

و فيه أن ظاهر النص و الفتوى كون الهبة قسما واحدا، و أنها من قسم العقود و ثالث جعلها من قسم الإبراء، و بنى مسألة القبول

على احتياج الإبراء إليه و عدمه، و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك.

و لا حكم للهبة من ملك و غيره ما لم يقبض الموهوب على ما هو المعروف من مذهب الأصحاب كما في جامع المقاصد، و عليه المتأخرون إلا الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس، و الأكثرون من علمائنا في محكي السرائر، و المشهور في محكي إيضاح النافع، بل عن التذكرة بعد ان حكى القول بان القبض شرط في اللزوم، لا الصحة عن ظاهر الشيخين.

و جماعة قال: «لا يحصل الملك بدونه عند علمائنا أجمع» و الإيضاح: عليه إجماع الإمامية، و نص الأئمة، و نهج الحق: ذهبت إليه الإمامية، بل لعله مقتضى التدبير في المحكي عن الخلاف، و إن قال فيه لا تلزم إلا بالقبض مستدلا عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم، إلا أن الظاهر إرادة الصحة من اللزوم فيه.

بل في الدروس لعل الأصحاب أرادوا باللزوم الصحة فإن في كلامهم اشعارا به، فإن الشيخ قال: لا يحصل الملك إلا بالقبض و ليس كاشفا عن حصوله بالعقد مع أنه قائل بأن الواهب لو مات لم تبطل الهبة فيرتفع الخلاف، و نظر فيه المسالك بأن العلامة في المختلف نقل القولين، و احتج لهما ثم اختار الثاني، فكيف يحمل على الآخر.

نعم كلام الشيخ الذي نقله متناقض، و ليس حجة على الباقين، فإن الخلاف متحقق، ثم قال: و في التذكرة اتفق ما هو أعجب مما في الدروس فإنه قال: الهبة و الهدية و الصدقة لا يملكها المتهب و المهدي إليه و المتصدق عليه بنفس الإيجاب و القبول إذا كان عينا إلا بالقبض، و بدونه لا يحصل الملك عند علمائنا أجمع، و هذا ظاهر في دعوى الإجماع على أن القبض شرط

ج 28، ص: 167

في الصحة إجماعا، و هو يؤيد ما في الدروس، و ينافي ما في المختلف و يمكن أن يحمل على أنه لا يحصل بدونه الملك التام، و هو اللازم فيكون أعم من الصحة و عدمها لئلا ينافي فتواه في المختلف، و نقله الخلاف، و إن كان خلاف الظاهر.

قلت: الظاهر أن مراده في المختلف من الصحة الحاصلة بدون القبض صحة العقد من حيث كونه عقدا لا صحته بمعنى ترتب الملك عليه فيكون المراد عدم مدخلية القبض في مفهوم الهبة باعتبار أنها عطية، و هي كذلك بل تصدق الهبة، و تتحقق بالعقد، و إن توقف الملك مع ذلك على القبض كما يشهد لذلك جوابه عن مرسل أبان- بعد أن ذكره دليلا للمخالف- بانا نقول بموجبه بأن الهبة بنفسها لا تنقل الملك بل مع القبض.

نعم العقد صحيح لكنه ليس لازما، و هو ظاهر فيما قلناه إن لم يكن صريحا و كأنه أراد بقوله ليس لازما الرد على ما حكاه عن الشيخ و ابن البراج بعد مسائل من أنه إذا مات الواهب قبل الإقباض لا تبطل الهبة، و قام الوارث مقامه كالبيع في مدة الخيار لأنه بعد أن حكى عنهما ذلك قال: و الأقرب البطلان لنا أنها عقد جائز قبل القبض فانفسخ بالموت كالوكالة و الشركة، و خبر داود بن الحصين الآتي.

قلت: و به يظهر ما في المسالك و غيرها من جعل ذلك من ثمرات الخلاف فتأمل ثم قال:

و الفرق ظاهر بينه و بين بيع الخيار لأنه نوع معاوضة بخلاف الهبة خصوصا و الشيخ رحمه الله ذكر خلافا في المبسوط إن الملك هل يحصل من حين القبض أن من حين العقد، و يكون القبض كاشفا، و اختار الأول و جعله الصحيح عنده، و هو الذي سمعت من الدروس و حكايته عن الشيخ مستظهرا منه إرادة الصحة من اللزوم فيها، و ربما يؤيده أيضا ما عن الخلاف و المبسوط من التصريح بأنه إذا قبض بغير إذن الواهب كان القبض فاسدا بناء على أن ذلك من لوازم كون القبض شرطا في الصحة لا اللزوم، كما عن فخر الإسلام و أبي العباس الاعتراف به بل زاد الثاني منهما البطلان لو مات أحدهما قبل القبض بل عن المبسوط إنه فرع على ما اختار من حصول الملك بالقبض فساده بدون الإذن هذا، و لكن المحكي عنه في الخلاف و المبسوط إنه قال: إذا وهب لغيره عبدا و لم يقبضه حتى هل شوال ثم قبضه فالفطرة على الموهوب له لأن الهبة تنعقد

ج 28، ص: 168

بالإيجاب و القبول و ليس من شرط انعقادها القبض و سنبين ذلك في باب الهبة، و إذا ثبت ذلك ثبت هذه لأن أحدا لم يفرق بينهما و في أصحابنا من يقول القبض شرط في صحة الهبة و على هذا لا فطرة، و تلزم الفطرة- الواهب، و هو كالصريح في حصول الملك الموجب للفطرة بالهبة قبل القبض، اللهم إلا أن يدعى أن عنوان وجوب الفطرة «الموهوب» و إن لم، يكن ملكا، إلا أنه كما ترى، و التزام اختلاف كلام الشيخ لبعد المسافة بينهما أولى و على كل حال فكلام القائلين بكونه شرطا للزوم غير منقح، و خصوصا بعد ما ستعرفه من الإجماع على جواز الهبة بعد القبض أيضا إلا في مواضع خاصة، و حمل كلام القائل عليها- بمعنى أنه لا جهة للزوم قبله- بخلاف ما بعده فإنه قد يلزم- واضح الفساد، بل الظاهر أن اللزوم في المواضع المخصوصة، لخصوصها، لا للقبض الذي هو كما أنه حاصل فيها حاصل في غيرها، و لو كان سببا في اللزوم لاقتضاه في الجميع كما هو واضح، اللهم إلا أن يقال كما ستعرف فيما يأتي أن المراد بجواز الرجوع بالهبة مالا ينافي اللزوم، باعتبار عدم كونه فسخا لعقد الهبة، و إنما هو ناقل للملك من المتهب، و حينئذ يكون العقد لازما بالقبض، بمعنى عدم جواز فسخه، و إن جاز الرجوع بالهبة، بخلاف ما قبل القبض، فإن له فسخ العقد، و عليه ينطبق حينئذ ما في بعض النصوص من أن له الخيار ما لم يقبض، فإنه لا خيار له في نفس العقد بعد القبض و لكنه أيضا مناف لظاهر ما سمعته منهم من كون الرجوع بالهبة بعد القبض فسخا لعقدها لا ناقلا مستقلا، و إن ذهب إليه بعض الشافعية فلا حظ و تأمل، و حينئذ تتم المنافاة المزبورة، بل هو أيضا مناف للإجماع إن لم يكن المحصل على مدخلية القبض في الهبة مطلقا في الجملة، و على التقدير المزبور ليس للقبض حينئذ في أكثر أفراد الهبة مدخلية لا في صحة و لا في لزوم.

و بذلك كله يظهر ضعف القول المزبور، بل لم أتحقق قائلا به على الوجه المحرر عند المتأخرين الذي ذكروا له الثمرات، و إن نسب إلى جماعة كظاهر الشيخين و بني حمزة و البراج و إدريس و لم يحضرنا كلام بعضهم، و لعله كغيره مما حضرنا لا صراحة فيه أو غير منقح.

كل ذلك مضافا إلى دلالة النصوص على المشهور أيضا ك

خبر أبي بصير(1)المنجبر بما عرفت


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات- 7.

ج 28، ص: 169

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها و الصدقة جائزة عليه»

فإن نفى الصحة أقرب من غيره إلى نفي الماهية، و

موثق داود(1)«الهبة و النحلة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها قال: هو ميراث، فإن كانت لصبي في حجره أو أشهد عليه فهو جائز»

فإن الظاهر منه بقاؤها على الملكية و لذا كان ميراثا، لا أنه كان عقدا جائزا انفسخ

بالموت و صار ميراثا، كما التزم به الفاضل في المختلف فإنه و إن كان محتملا إلا أنه مخالف للظاهر، و لا داعي له لما ستعرف من عدم المعارض المقتضى لارتكاب خلاف الظاهر.

و بذلك يظهر وجه الدلالة أيضا

في مرسل أبان (2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «النحلة و الهبة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها، قال: هي بمنزلة الميراث»

إذ هو كالسابق، و ان اختلف معه بلفظ المنزلة المراد منه من جهة تعلق عقد الهبة المفيد للتهيؤ و إن لم يكن ناقلا.

كل ذلك مضافا إلى فحوى ما تقدم في الصدقة التي لا فرق بينها و بين الهبة إلا باشتراط قصد القربة و عدمه، كما أومأت إليه النصوص سابقا، و إلى عدم دليل صالح لمعارضة ما سمعت سوى العمومات التي يجب الخروج عنها ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه مضافا إلى المناقشة في نحو «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» منها و إن كان فيها ما فيها.

و سوى

صحيح أبي بصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض، قسمت أو لم تقسم، و النحل لا تجوز حتى تقبض و إنما أراد الناس ذلك فاخطأوا»

الذي ليس بواضح الدلالة.

ضرورة كون المظنون مساواة المراد به ل

خبره الآخر(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صدقة ما لم يقسم و لم يقبض فقال: جائزة إنما أراد الناس النحل فأخطأوا»

بل عن بعضهم احتمال اتحاده معه، و التعبير بالهبة من الراوي أو النساخ، و قد فسر في الوافي خبر الصدقة بأنهم أرادوا الفتوى بالمنع من ذلك في النحل فأخطأوا، فمنعوا منه في الصدقات، و ذلك لأنهم أطلقوا الصدقة و أرادوا به النحلة.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات- 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات- الحديث- 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 2.

ج 28، ص: 170

و على كل حال يكون الموضوع فيهما حينئذ هبة ما لم يقبض للواهب و لم يقسم كذلك و هو غير ما نحن فيه مضافا إلى ما في التنقيح- من أنه لا دلالة في الرواية على المدعى، و إنما هي حكاية قول الناس و خطأهم فيه و تبين فيها الحق- و إلى ما فيها من مخالفة الإجماع من الفرق بين الهبة و النحلة و إلى احتمال كون المراد في الصدر بيان حكم هبة ما لم يكن مقبوضا للواهب من أملاكه كميراث لم يصل إلى يده أو قبل أن يقسمه، و في ذيله بيان عدم جوازها بدون قبض الموهوب، و التعبير بالنحلة، لا للفرق بينها و بين الهبة، بل تفننا في التعبير و إلى غير ذلك مما يقطع ببعضه بسقوط دلالته على المطلوب فضلا عن جميعه.

و من ذلك يعلم الكلام في دعوى دلالة

خبر عبد الرحمن بن سيابة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا تصدق الرجل بصدقة أو هبة قبضها صاحبها أو لم يقبضها علمت أو لم تعلم فهي جائزة».

ضرورة إمكان إرادة الواهب من الصاحب لا الموهوب، بل ربما احتمل فيه و في غيره إرادة اللزوم من الجواز كما في كثير من النصوص فيكون حينئذ خارجا مخرج التقية، و إن كان هو بعيدا في مثل الخبر الأول الذي ذكر التعريض بهم و فيه، و إرادة أصل المشروعية بمعنى عدم وقوع عقد الهبة باطلا بحيث لو جاءه القبض بعد ذلك لم يصح و غير ذلك فلا محيص حينئذ عن القول باعتبار القبض الصحة على وجه لا يترتب عليه ملك قبلها إلا على احتمال الكشف الذي هو قوى في نفسه، و قد قررناه في نظائره غير مرة إلا ان الإجماع بحسب الظاهر هنا على خلافه.

و أما الاستدلال بما في بعض النصوص (2)من الخيار في الرجوع و عدمه قبل القبض لا بعده فلا خيار، ففيه مؤولة عند الفريقين بإرادة الكراهة و نحوها للاتفاق على الجواز بعد القبض من الجميع.

و لو أقر الواهب بالهبة و الإقباض، حكم عليه بإقراره

لعموم «إقرار العقلاء»

و لو كانت في يد الواهب لعدم المنافاة بعد جواز إقباضه إياها ثم ردها إليه إلا مع العلم بكذبه و لو أنكر بعد ذلك لم يقبل بلا إشكال و لا خلاف بل ليس له


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 6 و 8.

ج 28، ص: 171

اليمين على الموهوب، لأن الغرض ثبوت الهبة و الإقباض شرعا.

نعم لو ادعى المواطاة على الإقرار، و أن مخبره لم يكن واقعا توجه له اليمين عليه على حصول القبض كما في الدروس و المسالك و محكي المبسوط و المهذب، أو على عدم المواطاة كما في محكي الحواشي المنسوبة إلى الشهيد و جامع المقاصد، و الأقوى الأول لأنه هو المقصود في الدعوى و المواطاة إنما ذكرت لبيان دعوى العلم بفساد ما وقع مع الإقرار الذي هو أمارة في الظاهر، و مثلا الإقرار بالبيع، و قبض الثمن ثم أنكر و ادعى المواطاة أو الاقتراض و ادعاها.

و لو مات الواهب أو الموهوب بعد العقد بل و الاذن و قيل القبض كانت ميراثا على المشهور بل في محكي التذكرة نسبته إلى علمائنا لعدم اجتماع شرائط الصحة، و تلفيق السبب من الوارث و المالك لم يثبت مشروعيته بعد انسياق العمومات و الإطلاقات إلى خلافه.

و من هنا كان الحكم عاما في جميع شرائط الصحة مضافا إلى ما سمعته من الخبرين السابقين المحكوم فيهما بكونها ميراثا إلا أنه مع ذلك كله حكى عن الشيخ و ابن البراج القول بعدم بطلانها بموت الواهب و أنه يقوم مقامه كالبيع في مدة الخيار من حيث إن الهبة عقد يؤول إلى اللزوم فلا تنفسخ و هو كأنه اجتهاد في مقابلة النص، بل و القواعد.

و لذا جزم الفاضل بكونها ميراثا مع قوله بعدم كون القبض من شروط الصحة على أن المحكي عن الشيخ رحمه الله في هبة ذي الرحم إذا مات قبل قبضها كان ميراثا كما أن المحكي عنه ما سمعته من أن الملك يحصل بالقبض، و ليس هو كاشفا عن حصوله بالعقد، فكلامه لا يخلو من تهافت كما أومأنا إليه سابقا، و لا فرق في الحكم المزبور بين الاذن قبله و عدمها لبطلانه، بالموت، و هو واضح كوضوح الحكم فيما لو أرسل هدية إلى انسان فمات المهدي أو المهدي إليه قبل وصولها، إذ هو من المفروض في الحقيقة فليس للرسول حينئذ دفعها إليه و لا إلى وارثه للبطلان بالموت، و الله العالم.

ج 28، ص: 172

و يشترط في صحة القبض الذي هو شرط في صحة الهبة على ما عرفت اذن الواهب كما في غيره مما اعترف فيه القبض بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى أنه مقتضى أصل عدم ترتب الأثر، و أصل عدم الانتقال مع عدم إطلاق يوثق به في تناوله مثله بل لعل ما دل على شرطيته ظاهر في خلافه بناء على قراءاته يقبضها من باب الافعال أو التفعيل كما هو واضح.

و حينئذ فلو قبض الموهوب لو من غير إذنه لم ينتقل إلى الموهوب له لعدم حصول الشرط إلا مع الإجازة بناء على جريانها في مثله، و لا فرق في ذلك عندنا بين المجلس و غيره، و دعوى ظهور العقد في الاذن بذلك في المجلس دون غيره- كما عن بعض العامة، بل أبي حنيفة منهم- واضحة الفساد مع فرض عدم القرينة.

نعم قد يتوجه عدم اعتبار الاذن على القول بتحقق الملك قبله لقاعدة «تسلط الناس على أموالها» و إن كان لا يترتب عليه لزوم في حق الواهب في موضوعه كهبة الرحم و نحوها لبعض ما سمعته من الأدلة على القول الأول مع احتماله هذا.

و ربما استفيد من إطلاق اعتبار الاذن عدم اشتراط كونه بنية الهبة فلو إذن فيه مطلقا صح، بل في الرياض أنه الأشهر، و عليه عامة من تأخر، و في الكفاية أنه المشهور لكن قد عرفت الكلام فيه في الوقف لم نتحقق ما ذكراه من الشهرة بل صرح الفاضل في القواعد هنا باعتبار إيقاع القبض للهبة.

و في المسالك هنا بعد ان حكى عن بعض الأصحاب اعتبار ذلك لصلاحية مطلق القبض لها و لغيرها فلا بد من مائز، و هو القصد قال تبعا لجامع المقاصد، و هو حسن حيث يصرح بكون القبض لا لها، لعدم تحقق القبض المعتبر فيها، أما لو أطلق فالاكتفاء به أجود لصدق اسم القبض و صلاحيته للهبة، و دلالة القرائن عليه، بخلاف ما لو صرح بالصارف».

و لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم كون البحث في الحكم الظاهري إنما الكلام في أصل تحقق الشرط بالقبض الخالي في الواقع عن قصد كونه للهبة، سواء كان بقصد غيرها أولا، و لا معنى لصرف مثل ذلك إليها بعد فرض تشخصه في الخارج، و دعوى- تحقق الشرطية

ج 28، ص: 173

بذلك دون المقصود به غير الهبة- واضحة المنع، و لا ريب في أن الأصل عدم ترتب الأثر بعد فرض عدم إطلاق يوثق به في تناول مثله لتحقق الشرط المعلوم اشتراطه و يقبل قول كل من الواهب و المتهب في تشخيص القصد، فلو خالفه الآخر قدم بيمينه، لأنه أعلم بقصده، هذا كله في هبة غير المقبوض للموهوب له.

و أما لو وهب ما هو في يد الموهوب له صح، و لم يفتقر إلى إذن الواهب في القبض، و لا أن يمضي زمان يمكن فيه القبض بلا خلاف أجده بين من تأخر عن المصنف و لا إشكال.

نعم ربما صار الى ذلك بعض من تقدمه من الأصحاب كالشيخ رحمه الله و يحيى بن سعيد فاعتبرا الاذن في القبض، و لو من إقراره له و مضى زمان يمكن فيه القبض، قال أولهما في المحكي عن مبسوطة: إذا وهب له شيئا في يده مثل أن يكون في يده وديعة فيهبها له نظر، فإن أذن له في القبض و مضى بعد ذلك زمان يمكن القبض فيه لزوم العقد، و إن لم يأذن له في القبض فهل يلزم القبض بمضي الزمان الذي يمكن فيه القبض أو لا بد من الاذن في القبض، و الأقوى أنه لا يفتقر الى الاذن في القبض، لأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض.

و ثانيهما في المحكي عن جامعه إذا أذن له في قبضه و مضى زمان يمكن فيه القبض صحت الهبة، و فيه منع تناول دليل الشرطية لمثل الفرض فيبقى أصالة استقلال العقد بتسبيب الملك بحاله، و إلا لوجب إرجاعه ثم قبضه جديدا، لتحقق صدق القبض للهبة حينئذ حقيقة، فإن استدامة القبض و لو مع الاذن و مضى الزمان ليست قبضا حقيقة، و لو سلم فيكفي الاذن و لا يحتاج إلى مضي زمان قطعا، و وجهه في المسالك بأن إقرار يده عليه بعد العقد دليل على رضاه بالقبض، فيكون ذلك كتجديد الإقباض فيعتبر مضي زمان يمكن فيه القبض، كما لو لم يكن مقبوضا بيده فأقبضه إياه فإنه يعتبر مضى زمان يكون فيه القبض، فكذا هنا، ثم أجاب عنه بما حاصله أن إيجاب العقد و إقرار يده على العين بعده دليل على رضاه بقبضه لها و ليس هو إقباضا بل هو متحقق قبله، و إنما هو علامة و أمارة على رضاه بالقبض السابق، و ينزله منزلة الإقباض.

ج 28، ص: 174

و فيه ما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم الدليل على الشرطية في الفرض و على تقديره فالمتجه عوده ثم قبضه، و لو سلم كفاية الاذن في الاستدامة في تحقق مسماه، فيمكن منع دلالة الإيجاب و الإقرار على مقتضى القبض السابق على ذلك، و إلا لاتجه كلام أبي حنيفة المتقدم سابقا، على أنه لا يتم فما لو فرض خلو الواهب عن ذلك المشمول لإطلاق المصنف و غيره.

و من هنا ناقش في الرياض في أصل الدليل بعد أن حكاه عنهم: «بأن دعوى حصول القبض المشترط أول البحث» لعدم عموم يدل على كفاية مطلقه لا من إجماع و لا من غيره للخلاف، و ظهور النصوص المشترطة له بحكم التبادر في القبض بعد العقد فاللازم في غيره الرجوع إلى حكم الأصل الدال على عدم الصحة، أو اللزوم إلى أن يتحقق القبض المتيقن إيجابه لهما، و ليس إلا المجمع عليه و هو القبض الخاص به، أو المأذون فيه ثانيا للهبة، و لعله لذا اعتبر بعض الأصحاب ما أسقطه الأكثر، و هو أظهر، إن لم يكن إجماع المتأخرين على خلافه انعقد، إلى أن قال: و يحتمل قويا المصير إلى مختار الأكثر لما مر في الوقف و سيأتي في هذا البحث من الاكتفاء بقبض الولي الواهب مع سبقه على العقد، للنصوص الدالة عليه، المعللة بعضها له بحصول القبض، من دون أن يذكر فيها ما مر من القيود، و هذا التعليل جار في المفروض و العلة المنصوصة يتعدى إلى غير المورد كما تقرر في الأصول».

و إن كان فيه مواضع للنظر لمن أحرز ما قدمناه في الوقف و في المقام، و ما يأتي، و قد تقدم نظير هذه المسألة في الرهن و في الوقف فلاحظ و تأمل كي تعرف الحال في القبض الغصبي أيضا الذي قد صرح هنا غير واحد بعدم الفرق بينه و بين غيره، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما عساه يظهر من ثاني الشهيدين في الروضة من المسيل إلى الفرق بينه و بين غيره، و باعتبار أنه لا يدل للغاصب عليه شرعا، بل ظاهره أنه قول البعض، و إن كنا لم نتحققه، بل لا وجه معتد به له بناء على حصول الاذن من العقد فيه، إذ لا فرق في اقتضائها تغيير الاستدامة عن الابتداء بين الجميع كما أن الوجه عدم الفرق أيضا على ما ذكرناه و هو واضح و الله العالم.

و كذا الحال لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير و لو أنثى ما هو في يده لزم بالعقد بلا خلاف أجده فيه لنحو ما سمعته فيما تقدم و لذيل

موثق داود(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 2.

ج 28، ص: 175

المتقدم ( (فإن كانت لصبي في حجره و أشهد عليه فهو جائز))

مضافا إلى فحوى ما تقدم في الوقف من

قوله (1)«و إن كانوا صغارا و قد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم».

و التعليل

في الصحيح الآخر(2)«لأن والده هو الذي يلي أمره»

و في خبر علي بن جعفر (عليه السلام)(3)«إذا كان أب يتصدق على ولد صغير فإنها جائزة، لأنه يقبض لولده إذا كان صغيرا»

و غير ذلك، إنما الكلام في اعتبار قصد القبض عن الطفل بعد الهبة ليتمحض القبض بها و عدمه.

في المسالك تبعا لغيره ينبغي ذلك عند من يعتبر إيقاع القبض للهبة كالعلامة لأن المال المقبوض في يد الوالي له، فلا ينصرف إلى الطفل إلا بصارف، و هو القصد، و على ما اخترناه من الاكتفاء بعده القبض لغيره هنا، و ينصرف الإطلاق إلى قبض الهبة، و يلزم ذلك.

قلت: قد عرفت تحقيق الحال هنا و في باب الوقف و أنه بناء على الشرطية في الفرض و كفاية القصد في الاستدامة في تحقق مسماه لا بد من حصوله، و إلا يكن قبضا، و مع الإطلاق لا ينصرف اليه قطعا إذا الفرض خلوه في الواقع خصوصا في قبض الولي الذي كان قبضا لنفسه.

على أنه مع فرض عدم التجديد يكون ناويا للخلاف، ضرورة لحوق الاستدامة بالابتداء ما لم يجدد لها قصدا يفصلها عن الابتداء، و النصوص السابقة إن لم تكن ظاهرة فيما ذكرناه من تجديد القصد المزبور، فهي مبنية على سقوط الشرط في الفرض نحو ما ذكرناه في المسألة السابقة، و ربما كان قول المصنف، «و كذا» إشارة إلى ذلك، و لا ينافيه التعليل بقوله لأن قبض الولي قبض عنه الذي يمكن إرادة بيان الوجه في سقوط الشرط بذلك منه.

و على كل حال فالمراد من المتن و غيره ممن أطلق ما قيدنا به العبارة من كون الموهوب في يده، أما لو فرض خروجه عنها كميراث لم يصل إليه، أو مبيع لم يقبضه فلا ريب في افتقار صحة هبة إلى قبض.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 5.

ج 28، ص: 176

نعم في المسالك و غيرها عدم خروج الوديعة عن اليد لأن يد المستودع كيده و في العارية وجهان أجودهما خروجها عن يده فيفتقر إلى قبض جديد من الولي أو من يوكله فيه، و لو وكل المستعير فيه كفى.

لكن لا يخفى ما في الفرق بين الوديعة و العارية، سواء كان ذلك من حيث كونهما كذلك أو من حيث أفرادهما، كما أنه لا يخفى عليك ما في دعوى عدم الخروج بالاستيداع مطلقا عن اليد، ضرورة عدم صدق كونه في يده، و تحت قبضته في جملة من أفراد الوديعة و إن حكى عن الإيضاح الإجماع عليه في الوديعة، و أنها كالمال في يد الوكيل، فإن تم كان هو الحجة، و إلا كان مشكلا.

و في القواعد، و لو كان مغصوبا أو مستأجرا أو مستعارا على اشكال، افتقر الى القبض بخلاف ما في يد وكيله، و الظاهر اختصاص الإشكال في العارية، كما عن الإيضاح التصريح بذلك، مدعيا الإجماع على الافتقار في الأولين، و جعل وجه الإشكال فيها من عدم كونها بحق لازم فكانت كقبض الوكيل، و من أنه إنما قبضه لنفسه فكانت اليد له لا للمعير فكان كالمستأجر.

و فيه: أنه لا مدخلية للأول في صدق القبض و إلا لكان المغصوب مقبوضا أيضا كما عن الشهيد الإشكال فيه أيضا لذلك حاكيا له عن بعض النسخ المقروءة على المصنف إلا أنه كما ترى مناف للصدق العرفي الذي عليه المدار، حتى في مثل الإجارة التي يمكن حصولها مع فرض كون العين في يد المؤجر، و حينئذ لا ينافي القبض المزبور الذي هو في كل شي ء بحسبه بمقتضى العرف فتأمل جيدا.

و خرج بقوله «الصغير» الكبير الذي لا ولاية لهما عليه في مثل ذلك ذكرا كان أو أنثى، و إن بقيت ولايتهما على الأنثى في النكاح عند بعض، لدعوى الدليل عليه بالخصوص لا مطلقا، فإن الرشيدة إذا تصرفت بمالها ببيع و هبة لم يتوقف على الولي اتفاقا

لعموم «الناس مسلطون»

و غيره لكن عن الإسكافي إلحاق الإناث و إن رشدن بالصغار في كون قبض الأب قبضا لهم، و لا ريب في ضعفه، إلا أن ينزل على الوكالة و الاذن في ذلك كما هو واضح.

ج 28، ص: 177

و لو وهبه غير الأب و الجد لم يكن له بد من القبض عنه سواء كان له ولاية أو لم تكن، و يستولي ذلك الولي أو الحاكم بلا خلاف و لا إشكال في ذلك، إذا كان الواهب غير الولي، ضرورة كونه حينئذ أجنبيا، فلا يكون قبضه حينئذ عن الطفل قبضا إنما الكلام في قول المصنف (سواء) إلى آخره فإن مقتضاه كون الوصي أجنبيا أيضا، فلا يقوم قبضه عنه، من غير فرق بين كونه هو الواهب أو غيره، كما عن المبسوط التصريح بذلك و لم نعرفه لغير هما صريحا، محتجا بأنه لا يصح له أن يبيع له شيئا من نفسه، و لا أن يشترى منه كذلك فينصب الحاكم أمينا يقبل منه هبة الصبي و يقبضها له.

و فيه: أن ولاية الوصي عامة كالأب و الجد بالنسبة إلى ذلك، بل ولايته في الحقيقة من ولايتهما، بل لعل التعليل المزبور في الخبر المتقدم سابقا يقتضي ذلك بل قد يشكل ولاية الحاكم الذي هو ولى له في الفرض المزبور الذي وصى أحد الأبوين فيه موجود، و دعوى ولايته في خصوص هذا التصرف كما ترى، بل التزام عدم جواز هذا التصرف حينئذ أولى.

و أولى منه ما اخترناه من عموم ولايته، بل هي ولاية الأبوين في الحقيقة، كما أن عموم ولاية الحاكم التي هي من ولاية اولى الحقيقي أولى، فمن الغريب موافقة المصنف هنا لما سمعته عن الشيخ الممنوع أصلا و تفريعا، و لو حمل كلام المصنف على أن ذلك منه بناء على التردد في مسألة اتحاد الموجب و القابل بالنسبة إلى غير الأب و الجد كما سمعته منه في الوقف- ففيه أن الذي استظهره بعد التردد هناك الاكتفاء بقبض الوصي، فكان المناسب هنا ذكر الحكم كذلك هذا.

و في المسالك «قول المصنف: و يتولى» إلى آخره يمكن فرضهما مع كون الواهب غير ولي، و أما إذا كان وليا كالوصي فلا يفرض فيه إلا تولى الحاكم، لأن الوصي لا يتحقق مع وجود الأب و الجد له كما سيأتي، فلم يبق إلا الحاكم، و في معنى الحاكم منصوبه لذلك مطلقا.

قلت: و أما لو كان الواهب الحاكم، و الفرض عدم ولي غيره، فلا بد من التزام قبض حاكم آخر عنه، و قد عرفت التحقيق الخالي عن مثل هذه الالتزامات و الله العالم.

ج 28، ص: 178

و هبة المشاع جائزة عندنا بل عن الغنية و نهج الحق الإجماع عليه، بل في جامع المقاصد لا خلاف بين أصحابنا في صحة هبة كلما صح بيعه من الأعيان سواء كان مشاعا أو مقسوما من الشريك و غيره، و عن التذكرة تصح هبة المشاع كما يصح بيعه على الحد الذي يجوز بيعه عند علمائنا أجمع، و هو الحجة مضافا إلى العمومات، و فحوى ما دل عليه من النصوص الكثيرة التي يمكن دعوى تواترها في الصدقة.

و خصوص

موثق أحمد بن عمر(1)الحلبي «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن دار لم تقسم فتصدق بعض أهل الدار بنصيبه من الدار، قال: يجوز قلت: أ رأيت إن كان هبة؟ قال يجوز».

و صحيح أبي بصير(2)المتقدم سابقا، بل قد يستفاد من المروي في طرق العامة فضلا عن الخاصة

كالنبوي (3)«زن و أرجح»

بناء على أن الراجح هبة مشاع، و

قوله (عليه السلام) لوفد هوازن لما جاء و أ يطلبون منه أن يرد عليهم ما غنمه منهم (4): «ما كان لي و لبني عبد المطلب فهو لكم»

و لكن مع ذلك كله و المحكي عن أبي حنيفة أن هبة المشاع الذي يمكن قسمته لا تجوز لغير الشريك و الذي لا تمكن قسمته لا تجوز هبته مطلقا، و عن مالك المنع من هبة المنقسم بين اثنين مستندين إلى أن وجوب القسمة يمنع من صحة القبض و تمامه و هو كما ترى تهجس و استحسان يندفع بوجوب تسليمه أجمع ثم أنه يقسم.

و كيف ما كان ف قبضه فهو كقبضه في البيع ضرورة اتحاد معناه عرفا فيهما و في غير هما فيجري فيه حينئذ القولان، و هما الاكتفاء بالتخلية مطلقا كما هو المختار، و التفصيل بها في غير المنقول و بالنقل و ما في معناه فيه بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن القاضي منا و بعض الشافعية من غيرنا من الفرق بينهما: بأن القبض في البيع مستحق، و للمشتري المطالبة، فجاز أن يجعل بالتمكين قابضا، بخلاف الهبة فإن القبض غير مستحق فاعتبر تحققه، و لم يكتف بمطلق التخلية في المنقول و ان كتفينا بها في البيع، و ليس بشي ء بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوقوف الحديث- 2.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 464 جامع الصغير ج 2 ص 28 الطبع أحمد حنفي.
4- 4 البحار ج 21 ص 185 من الطبعة الحديثة الآخوندى.

ج 28، ص: 179

ما عرفت من اتحاد مفهومه لغة و عرفا، و ما ذكره إنما يقتضي الفرق في حكمه لا في حقيقته، ثم إن الظاهر تحقق التخلية من دون إذن الشريك لعدم توقف مفهومها على التصرف فيه، و لو قبضه في يده، إذ هي على ما حققنا كون الشي ء تحت يده، و في سلطانه على نحو المالك الذي لا إشكال في كون ماله مقبوضا له بمعنى كونه في قبضه، و إن كان له شريك فيه، فمتى خلى بينه و بين الموهوب على هذا الوجه تحقق القبض.

و إن كان صريح جماعة و ظاهر آخرين عدم اعتبار إذن الشريك في القبض بالمعنى المزبور خلافا في الدروس فاعتبر إذن الشريك أيضا فيها، و وجه بأن المراد بها رفع يد المالك و تسليط القابض على العين، و ذلك لا يتحقق إلا بالتصرف في مال الشريك فيعتبر إذنه و رفع المانع عن حصة خاصة مع الإشاعة لا يحصل به التسلط المقصود من القبض، و قبض جميع العين واحد لا يقبل التفرقة، و من ثم لو كانت العين مغصوبة بيد متسلط لم تكف التخلية من المالك.

و تسليطه عليها مع وجود المانع من التسليم.

و هو كما ترى و إن استحسنه في المسالك، إذ التسلط لا يتوقف على الدخول في الدار و نحوها، و فرق واضح بين الفرض و بين الغصب الرافع للتسلط العرفي، و هو المانع عن صدق كون المال تحت قبضته و سلطانه.

و بذلك كله ظهر لك أنه حينئذ لا بحث على المختار من تحقق القبض بالتخلية مطلقا، أما على التفصيل فيتحقق في المنقول بتسليم الموهوب الجميع حينئذ كما إذا كان الباقي من الحصة للواهب أو لغيره و قد أذن، فإن امتنع و كله الموهوب له على القبض عنه، فإن امتنع مثلا رفع الأمر إلى الحاكم ليقبضه بنفسه أو نائبه.

و عن الفاضل في المختلف الإكتفاء بالتخلية مع امتناع الشريك لعدم القدرة الشرعية منزلة عدمها الحسية في غير المنقول، و فيه منع عدم القدرة الشرعية مع وجود الحاكم المنصوب لأمثال ذلك، أما مع عدمه ففي الدروس و المسالك لا بأس به دفعا للضرر و العسر.

و فيه: أن المتجه حينئذ مع فرض عدم قيام غيره من عدول المؤمنين مقامه بقاء الهبة موقوفة ضرورة عدم تغير معنى القبض بذلك، و الفرض اشتراطها به كما هو واضح.

ج 28، ص: 180

ثم إنه قد صرح غير واحد بعدم وقوع القبض إذا كان من دون إذن الشريك حيث يعتبر- لا للنهي الذي لا يقتضي الفساد في المعاملة على ما حرر في محله- بل لأن القبض لما كان من أركان العقد اعتبر فيه كونه مراد للشارع، فإذا وقع منهيا عنه لم يعتد به شرعا، فيختل ركن العقد، و قد عرفت أنه قبض واحد لا يقبل التفرقة في الحكم بجعل المقبوض للموهوب معتبرا و النهي عن الحق الغير الخارج عن حقيقة الموهوب.

إلا أنه كما ترى لا يرجع إلى مستند صالح بعد فرض كون النهي لأمر خارج لا يترتب عليه فساد، و معلومية كون القبض شرطا في صحة العقد، و عدم اعتبار ما كان بغير إذن الواهب لظهور الأدلة في اعتبار الإقباض المعتبر في تحققه الاذن كما أومأنا إليه سابقا.

كل ذلك مع أن الفاضل و ولده و الشهيدين و غيرهم على ما حكي عنهم قد صرحوا في كتاب الرهن بصحة قبض المشاع من دون اذن الشريك، و ترتب أثر الراهنة عليه، و إن تعدى به معللين له بأن النهي إنما هو لحق الشريك لا للاذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا، و كونه قبضا واحدا لا ينافي الحكم بالوقوع لاختلاف الجهة، و مثله آت في المقام إذا لا فرق بينهما بعد فرض كون القبض شرطا في الصحة فيهما.

و من ذلك يعلم الحال أيضا في هبة المرهون و إقباضه بدون إذن المرتهن و ان استشكل فيه في القواعد، بل عن الإيضاح و غيره عدم الصحة لما سمعته من التعليل المزبور الذي عرفت ما فيه.

نعم قد يقال: بعدم الحكم بحصول الملك فعلا حتى يقع الفك له، و إلا انكشف فساد الهبة، و لعله المراد من قوله في القواعد فإن سوغناه لم يحصل الملك، فإن فك صحت الهبة أو يقال بحصول الملك له بذلك، و لكن حق الرهانة على تعلقها، و لا يمنع ذلك من التسلط على بيعه و إن انتقل إلى غير الواهب إذ هو كانتقاله إلى الوارث مثلا.

نعم تبقى الصحة مراعاة لو وهبه المرهون و لم يقبضه، فإن بيع ظهر البطلان، و إن انفك فللراهن الخيار في الإقباض و عدمه بعد ما ستعرف من عدم اشتراط فورية القبض.

و من ذلك يعلم أيضا الكلام في هبة المستأجر و لغير المستأجر، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، و قد تقدم في كتاب الرهن ماله نفع تام في أمثال هذه المباحث كما أنه تقدم في كتاب

ج 28، ص: 181

البيع في بحث اشتراط القدرة على التسليم ما يستفاده منه صحة الهبة لغير المقدور على تسليمها حال الهبة إذا اتفق الإقباض بعد ذلك.

فما عن المبسوط و التحرير و التذكرة من اشتراط صحة هبة المغصوب لغير الغاصب بالقدرة على الانتزاع بل عن الأخير التصريح بفسادها، و فساد هبة الآبق و الضال لامتناع الإقباض كما ترى لا دليل عليه فيما كان إقباضه ممكنا، و إن كان غير مقدور الآن فيصح حينئذ، و يتم بالإقباض كما أوضحنا في البيع الذي فرق واضح بينه و بين المقام من حيث المعاوضة و عدمها.

نعم هي نحوه إذا كان فيها عوض، و يكون المدار على ما يعد سفها في أنظار العقلاء.

و لو وهب لاثنين شيئا مثلا فقيلا و قبضا، و ملك كل واحد منهما ما وهب له و لو مشاعا لوجود المقتضى من العمومات و ارتفاع المانع فإن قبل أحد هما و قبض، و امتنع الآخر، صحت الهبة للقابض منهما لاجتماع شرائط صحتها فيه دون الآخر، و ليس ذا من تبعيض العقد، فإنه باعتبار تعدد القابل كان بمنزلة عقدين كما لو اشتريا دفعة، فإن لكل منهما حكم نفسه في الخيار و نحوه كما في المسالك و غيرها.

قلت: و عليه يجوز للواهب الرجوع بهبة أحدهما دون الآخر، و كذا الحال فيما لو تعدد الواهب، و اتحد القابل.

نعم لو تعدد المال الموهوب قد يشكل جواز الرجوع بأحد هما دون الآخر، بناء على أن رجوعه فسخ للعقد، لاقتضائه التبعيض في العقد الواحد، و ليس كالواقع من أصله مبعضا نحو أن يهب ماله و مال غيره، أو ما تصح هبته و ما لا تصح هبته.

و كان الوجه في ذلك معلومية عدم اعتبار الوحدة في متعلق العقد، بل هي كغيرها في اقتضائه، بخلاف تعدد القبول أو الإيجاب، فإنه في قوة التعدد، و إلا لاقتضى مشروعية عقد واحد متعدد إيجابه، و يتحد قبوله، و بالعكس و هو غير معهود، بل المعهود خلافه، من أن العقد هو الإيجاب و القبول فلا بد حينئذ من جعل إيجاب، و لو تنزيلا مقابلا للقبول مع فرض تعدده، و بالعكس، و ربما كان العرف يشهد لذلك أيضا، و مع الإغضاء عن ذلك

ج 28، ص: 182

كله و جعل التعدد في الإيجاب و القبول كالتعدد في المتعلق بالنسبة إلى إطلاق مصداق العقد اتجه حينئذ الواحدة في الفرض و نظائره، و أشكل الفسخ حينئذ في بعض دون آخر فتأمل جيدا و الله العالم.

و يجوز تفضيل بعض الولد على بعض في العطية بلا خلاف معتد به أجده فيه بل الإجماع بقسيمه عليه، بل يمكن دعوى تواتر النصوص به أو القطع به منها مضافا إلى أصول المذهب و قواعده، فما عساه يظهر من المحكي عن ابن الجنيد من حرمة ذلك و تعديته إلى باقي الأقارب مع التساوي في القرب في غاية الضعف، بل مسبوق بالإجماع و ملحوق به.

و يمكن أن يريد به الكراهة، فإنه و إن قلنا بالجواز لكنه على كراهية كما هو المشهور، بل في محكي التذكرة نفي الخلاف فيه، و لعله كذلك و لا ينافيه إطلاق نفي البأس عن ذلك في محكي المقنعة المحتمل إرادة بيان الجواز بل مقتضى إطلاق الفتاوى و مقعد نفي الخلاف عدم الفرق في ذلك بين حالي الصحة و المرض، و العسر و اليسر، خلافا لما عن المختلف من قصرها على حال المرض أو الإعسار، و عن بعض نسخه «عليهما».

و في محكي النهاية و يكره في حال المرض إذا كان الواهب معسرا، و إن كان موسرا لم يكن به بأس، و لعله لإطلاق النصوص في الجواز، و أنه قد فعل ذلك الأئمة عليهم السلام على كثرتها حتى عقد لها في الوسائل بابا(1)، و ليس في شي ء منها إشارة إلى كراهة، سوى

خبر أبي بصير(2) عن الصادق (عليه السلام) «و قد سأله عن الرجل يخص بعض ولده بالعطية قال: إن كان موسرا فنعم، و إن كان معسرا فلا».

وموثق سماعة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده فقال: إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء، فاما في مرضه فلا يصلح».

وخبر جراح المدائني(4)قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن عطية الوالد لولده يبينه قال: إذا أعطاه في صحته جاز»

مع أن الأخيرين ليسا في التفضيل، بل و إن كان الولد


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الهبات.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 14.

ج 28، ص: 183

واحدا، و محتملان إرادة بيان عدم مضى ذلك من الأصل إذا كان في مرض الموت فلم يبق إلا خبر أبي بصير.

لكن لما كان الحكم الكراهة التي يتسامح فيها، و يكفى فيها بعض ما سمعت، مضافا إلى

النبوي العامي (1)«إنه قال: لبشير أبي النعمان لما نحل ابنه النعمان غلاما، أ كل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ فقال لا، فقال: اردده» في رواية و في أخرى «أرجعه»، و في ثالثة «اتقوا الله و اعدلوا بين أولادكم» و في رابعة «لا تشهدني على جور»

و إلى ما في ذلك من مثار و الشحناء و البغضاء و الحسد وجب حمله على شدة الكراهة الواضح وجهها باقتضاء ذلك حرمان الوارث أو النقض المضر به خصوصا بعد إمكان حمل ما في نصوصهم (عليهم السلام) من وقع التفصيل منهم على المزية في الفضل، أو النقض في المفضل عليه بناء على زوال الكراهة بذلك كما في محكي التحرير و الحواشي و الروضة و جامع المقاصد، و نفى عنه البأس في المسالك.

و على كل حال فالأمر سهل بعد أن كان الحكم من السنن و الله العالم.

و إذا قبضت الهبة بالإذن فإن كانت للأبوين لم يكن للواهب الرجوع إجماعا محكيا مستفيضا أو متواترا و محصلا، و خلاف المرتضى فيهما و في الأولاد و غيرهما من الأرحام منقرض و لذا لم

يعتدوا بخلافه، و أن نسبه إلى إجماع الإمامية و كذا لا يرجع ان كان الموهوب ذا رحم غيرهما و لكن فيه خلاف حتى في الولد في الجملة و إن حكى الإجماع عليه في محكي كشف الرموز و المختلف و المهذب البارع و غاية المرام و الدروس في الصغار، و المختلف في هبة الأب ولده، و ظاهر الوسيلة و التذكرة.

و في المسالك الظاهر أن الاتفاق حاصل فيه، و عن التنقيح، و ظاهر جامع المقاصد أنه لا خلاف فيه، بل عن الآبي إني سألت المصنف عن الإخلال بذكر الأولاد مع أن الإجماع حاصل منهم أيضا فقال كان زيغا من القلم، لكن عن موضوع من المبسوط يصح الرجوع ان وهب أولاده الكبار دون الصغار و به جمع بين الاخبار في المحكي من موضع من التهذيب و الاستبصار.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 176.

ج 28، ص: 184

اللهم إلا أن يحمل ما في المبسوط على ما قبل القبض، و ما في كتابي الاخبار على أنه احتمال للجمع لا مذهب.

و على كل حال فالحكم في المقامين واحد، بل التذكرة لا فرق بين الولد و ولد الولد و إن نزل الذكور و الإناث عند علمائنا، لا صلاة اللزوم، و إطلاق ما دل من النصوص على عدم جواز الرجوع في الهبة بعد القبض المقتصر في تقييدها على غير المقام و خصوص ما مر من النصوص في الأولاد الصغار هنا و في الصدقة و غير ذلك.

و أما باقي الأرحام فالمشهور نقلا و تحصيلا أنهم كذلك أيضا، بل في الرياض عليه عامة من تأخر، بل قيل قد يظهر من التحرير الإجماع عليه، بل عن الغنية دعواه صريحا و هو الحجة بعد ما سمعت، و بعد.

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «الهبة و النحلة يرجع فيهما صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم، فإنه لا يرجع فيها».

وصحيح ابن مسلم (2)بن أبي عبد الله و عبد الله بن سليمان «قالا سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يهب الهبة أ يرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال: تجوز الهبة لذوي القرابة و الذي يثاب عن هبته و يرجع في غير ذلك».

خلافا للمحكي عن أبي علي و موضع من السرائر، و ما سمعته من علم لهدي فجوز الرجوع فيها، و في محكي الخلاف إذا وهب لأجنبي أو لقريب غير الولد فإن الهبة تلزم بالقبض و له الرجوع، و ادعى عليه في الأول إجماع الفرقة و أخبارهم، و به جمع بين الاخبار في المحكي عن تهذيبه و كأنه أراد

موثق داود(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، «و أما الهبة و النحلة فإنه يرجع فيها حازها أو لم يحزها و إن كانت لذي قرابة»

و مثله صحيح المعلى بن خنيس و مرسل ابان، لكن لا يخفى عليك أن مقتضى قواعد الفقه طرحها في مقابلة ما عرفت، لعدم المكافاة من وجوه أو


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الهبات- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الهبات- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الهبات- 2- 1- 3.

ج 28، ص: 185

تأويلها بجعل قوله (عليه السلام) «و إن» إلى آخره قيدا لقوله (أو لم يحز) على معنى جواز الرجوع بها قبل القبض، و إن كانت لذي قربى، أو غير ذلك.

و من الغريب ما في الكفاية من حمل تلك النصوص على الكراهة، و أغرب من ذلك حملها عليها مع قطع النظر عن هذه النصوص لمعارضتها إطلاق ما دل على جواز الرجوع قال: «لأنه أولى من التقييد و يشهد له هذه الاخبار الثلاثة» و هو كما ترى لا يستأهل ردا و الله الهادي لنا و له.

و المراد بالرحم في هذا الباب و في الصلة و غيرهما مطلق القريب المعروف بالنسب و إن بعدت لحمته و جاز نكاحه، و في المسالك «أنه موضع نص و وفاق» مضافا إلى آية(1)«أُولُوا الْأَرْحامِ» و الصدق العرفي و غير ذلك، فما عن بعضهم من اختصاصه بمن يحرم نكاحه شاذ محجوع بما عرفت و الله العالم.

و إن كان الموهوب أجنبيا فله أى الواهب الرجوع ما دامت العين باقية، فإن تلفت فلا رجوع بلا خلاف معتد به في شي ء من ذلك، بل عن الغنية و السرائر و كشف الرموز و التذكرة و ظاهر التنقيح الإجماع عليه، بل لم يحك الخلاف فيه إلا من المرتضى فجوز الرجوع على كل حال و لعله لا يقول به في الفرض الذي هو تلف العين، و خروجها عن قابلية الرجوع بها، و

الرجوع إلى ضمان قيمتها لا دليل عليه و مناف لأصل البراءة و غيرها.

و

في صحيح جميل و الحلبي أو حسنهما(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع فيها، و إلا فليس له»

مضافا إلى إطلاق ما دل على جواز الرجوع بها من المعتبرة المستفيضة المقتصر في الخروج منها على المتيقن.

نعم الظاهر ما هو صريح بعض بل عن المهذب البارع الإجماع عليه، عدم الفرق في ذلك بين كون التلف من الله تعالى شأنه أو من غيره و لو المتهب بل في المسالك و عن جامع المقاصد


1- 1 سورة الأنفال الآية- 75.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 186

و الكفاية عدم الفرق بين تلف الكل أو البعض و إن كان قد يشكل ذلك فيما يصدق عليه قيام الهبة بعينها كتلف الظفر و نحوه، و لعلهم لا يريدونه، كما يشهد له التعليل في المسالك لما ذكره بان العين مع تلف جزء منها لا تعد قائمة بعينها بل لعلهم لا يريدون أيضا تلف بعض الموهوب المتعدد كعبدين و نحوهما، اللهم إلا أن يقال: إنه و إن تعدد فهو هبة واحدة، و المدار على قيامها.

و فيه ان الأصل جواز الرجوع، و الفرض محل شك- فيبقى على مقتضاه اقتصارا في الخارج منه على المتيقن و الله العالم.

و كذا لا رجوع بها إن عوض عنها و لو كان العوض يسيرا بلا خلاف أجده فيه حتى من المرتضى بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض أو متواتر مضافا إلى

صحيح عبد الله بن سنان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا عوض صاحب الهبة فليس له أن يرجع».

و صحيح عبد الرحمن و عبد الله بن سليمان (2)المتقدم سابقا، بل ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في العوض بين أن يكون في نفس العقد أو بعده بأن أطلق في العقد ثم بذل العوض بعد ذلك.

نعم صرح جماعة باعتبار بذله على أنه عوض، و قبول الواهب له على ذلك، إذ هو حينئذ هبة جديدة، و لا يجب عليه قبولها، و لا بأس به اقتصارا في الخروج عن أصل الجواز على المتيقن، و منه يعلم المناقشة فيما في القواعد و بعض من تأخر عنها، من الاكتفاء بها و لو كان من بعضها، بل المتبادر من المعاوضة هو كون أحد العوضين غير الآخر، و الا لزم صدق المعاوضة بدفعها جميعها إليه، و من المعلوم كون مثله ردا لا معاوضة، كما هو واضح.

و هل تلزم الهبة بالتصرف في الموهوب غير المتلف لعينه؟ قيل: و القائل الشيخ و

القاضي و أبو الصلاح و صاحب الرائع و ابن حمزة في


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 187

الواسطة و ابنا إدريس و سعيد و الآبي و الفاضل و ولده و الشهيدان و المقداد نعم تلزم بذلك بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الخلاف نسبة ذلك في قصر الثوب- فضلا عن غيره من التصرف- إلى إجماع الفرقة و اخبارهم.

و في محكي المبسوط نسبته إلى رواية أصحابنا، و أنه الذي يقتضيه مذهبنا، و عن السرائر و كشف الرموز الإجماع عليه، و هو الحجة مضافا إلى أصالة اللزوم و خصوص إطلاق ما دل عليه في الهبة بالقبض، و إن خرج عنه ما خرج.

و صحيح الحلبي (1)المشترط جواز الرجوع ببقاء الهبة بعينها قائمة بناء على انتفاء ذلك بمطلق التصرف و إلى منافاة الرجوع القواعد في خصوص التصرف الناقل للملك خصوصا إذا كان على وجه اللزوم، فإن التسلط على فسخه مناف لما دل على لزومه، و إلزام المتهب بالقيمة مناف لقاعدة البراءة و الضرر و غيرها، بل دليل الرجوع لا يقتضي إلا العين و كذا الكلام في التصرف المانع من الرد بالخيار فضلا عن المقام.

و لكن مع ذلك كله قيل لا تلزم بالتصرف و هو الأشبه عند المصنف خاصة و ان حكى عن المفيد

و أبي الصلاح و ابني حمزة و زهرة لكن في المقنعة الأول و كذا إذا أحدث فيها حدثا لم يكن له سبيل إلى الرجوع، و في محكي الكافي للثاني في الهدية التي هي من الهبة و له الرجوع فيها ما لم يتصرف من أهديت إليه و عن الواسطة للثالث موافقة المشهور، بل في كشف الرموز أنه حكى المشهور عن الشيخين و أتباعهما، و ابن البراج و صاحب الرائع، و صاحب الواسطة.

نعم ربما كان ظاهرا المحكي عن المراسم و الغنية، و لأنه قال في الأول: «إن هبة الأجنبي على ضربين هبة ما يستهلك، و هبة غيره، فما كان مما يستهلك كالمواكيل و استهلك فلا رجوع، و ما لم يكن من ذلك فعلى ضربين، معوض عنه و غير معوض عنه فما عوض عنه لا يجوز الرجوع فيه، و ما لم يعوض يجوز الرجوع فيه».


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 188

و في الثاني قد جعل الضرب الذي لا يجوز الرجوع فيه ما استهلكت فيه الهبة أو تعوض عنها، و كانت لذي رحم، أو كان الموهوب له ممن يصح التقرب بصلته إلى الله تعالى و قال: الضرب الثاني ما عدا ما ذكرنا، و يدل على ذلك الإجماع و هو الحجة بعد استصحاب الجواز و خصوص إطلاق ما دل عليه من المعتبرة المستفيضة المتقدمة سابقا التي لا يقدح في دلالتها على ذلك خروج ما خرج منها بدليله، بعد ما تحرر في الأصول «أن العام المخصوص حجة في الباقي».

و فيه أن بعض ما سمعت يكفي في الخروج عن ذلك، فضلا عن جميعه، إذ العام لا يعارض الخاص، و المطلق لا يعارض المقيد، فضلا عن مثل المقام الذي قد عرفت اعتضاد أدلته مع اعتبارها في نفسها بالشهرة العظيمة و الفرض عدم معارضة شي ء لها عدا مطلقات، حتى إجماع الغنيمة، فإن معقده عام فلا يعارض ما عرفت من الإجماعات الخاصة و غيرها.

و من الغريب ما في الرياض من جعله العمدة في دليل هذا القول، حتى أنه مال إليه بعد شدة اضطراب في آخر كلامه، و أغرب من ذلك كله التمسك في هذه المسألة للقولين بعمومات و مطلقات و نحوهما، مع أن العمدة إنما هو صحيح الحلبي(1)، بل لا دليل على اللزوم بالتلف الذي اتفقوا عليه إلا هو، بل ربما كان ظاهر من خص الحكم بالتلف، دون باقي التصرف أنه فهم منه منافاته خاصة للقيام بعينها، و إن كان هو كما ترى، ضرورة أنه كما يدل على غيره مما لا يصدق عليه شرط الرجوع الذي هو على الظاهر بقاء نفس عين الموهوب قائما في يد المتهب بالهبة السابقة ليستحق الرجوع به، فمتى تصرف فيه تصرفا منافيا لذلك لم يجز الرجوع، لانتفاء شرطه، و يمكن إرادة القائل باللزوم به التصرف الذي هو كذلك لا مطلقه الذي لا ينافي شيئا من ذلك و يصدق معه بقاء نفس العين قائمة في يد المتهب، و إلا لم يبق لأخبار جواز الرجوع في الهبة على كثرتها موضوع، ضرورة صدق التصرف بوضعه بعد قبضه و يسقى الدابة و علفها و لمسها و ركوبها و نحو ذلك كما أنه يمكن إرادة المصنف عدم اللزوم بمطلقه لا ما كان منه نحو التلف في انتفاء شرط الرجوع. و

حينئذ تلتئم كلمة الجميع، و تذهب متعبة ثاني الشهيدين و أطنابه في


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 189

ترجيح خيرة المصنف و بطلان القول الآخر حتى ذكر له أدلة عشرة، و ردها أجمع و لكن قد ذكرها على وجه يدخل بعضها في بعض و يسهل الجواب عنها أجمع و ظن أن ذلك أقصى ما يقال لهم، و لا يخفى عليك أنه أطناب في غير محله، و إنما الأصل في المسألة الصحيح المزبور(1)الذي لا اشكال فيه من حيث السند لأنه و إن عد من قسم الحسن إلا أنه كالصحيح، بل أعلى من بعض أفراده و تحرير أنه الأصل في الهبة اللزوم، أو الجواز الذي ستسمعه في المسألة الآتية فمن خص مفهومه بصورة التلف، اقتصر في اللزوم عليه، و من جعل مفهومه أعم من ذلك كما هو الواقع ضرورة كونه أعم منه كما عرفت، تعدى من التلف إلى غيره مما يدخل في المفهوم المزبور، بل إليه نظر القائل بالتفصيل الذي نسبوا إلى الدروس و ابن حمزة و جماعة، و هو اللزوم بالخروج عن الملك، أو تغيير الصورة كقصارة الثوب و نجارة الخشب و الوطء للأمة و عدمه بدون ذلك كالركوب و السكنى و اللبس، بل عن ابن حمزة زيادة و لا يقدح الرهن و الكتابة بل قيل: ان مقتضى إطلاقه عدم الفرق بين العود إلى ملك الواهب و عدمه، مع أن غير واحد من الأصحاب جعل في المسألة قولين لا غير، بل قد سمعت احتمال

كون القول فيه واحدا لبعد التزام القول باللزوم بمطلق التصرف كبعد التزام اللزوم في خصوص التلف، مع أن الصحيح المزبور شامل لغيره قطعا، و لعله لذا جعل في الدروس التصرف بالخروج عن الملك خارجا عن محل الخلاف كالتلف لكن في المسالك ان التفريع على القول بالجواز مطلقا واضح فيما لا يحصل مع التصرف نقل الملك، و لا مانع من الرد كالاستيلاد، أما معهما فمقتضى كلام القائل به جوازه أيضا من غير استثناء، و عموم الأدلة يتناوله و حينئذ فلا يتسلط على رد العين، الانتقال الملك إلى غير الموهوب في وقت كان مالكا، فوقع التصرف صحيحا، و لكن يرجع إلى قيمة العين، و في اعتبار قيمته وقت الرجوع أو وقت النقل وجهان أجودهما الأول، لأنه وقت انتقال الملك له الموجب للقيمة جمعا بين الحقين».

و هو من غرائب الكلام ضرورة عدم تعقب الهبة المجانية الضمان المنافي لأصول المذهب و قواعده، و لعله التزام القائل بفسخ العقد المترتب عليها مع بقاء العين لأنه انتقل إليه ملك


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.

ج 28، ص: 190

جائز، أولى من ذلك، و إن كان فيه أن الأدلة إنما اقتضت فسخ الهبة من حينها، لا البيع الذي مقتضى دليله اللزوم، فلا محيص حينئذ عن القول باللزوم و ان الرجوع بالهبة إنما هو عيني لا عقدي، كالخيار، بل قد يحتمل كون الرجوع غير فاسخ و لا ناقص لعقدها، كما عن بعض الشافعية، و انما هو سبب شرعي لانتقال العين من المتهب إلى الواهب إذ النصوص إنما أفادت الرجوع الذي هو أعم من فسخ العقد الذي مقتضى العقد لزومه، و لعل هذا يكون وجها للقول بكون القبض فيها شرطا للزوم، مع قوله بأن له الرجوع، على معنى أن له فسخ العقد قبله، لا بعده، و إن جاز له الرجوع المقتضى لانتقال العين من المتهب إلى الواهب، إلا أن هذا الرجوع مشروط بقيام العين نفسها في يد المتهب بالهبة التي كانت السبب في ذلك على الحال الذي انتقلت إليه و من هنا لم يكن له الفسخ بعد موت المتهب على الأصح لانتقال الملك فيها إلى الوارث الذي لم يثبت سببية الرجوع به، بل بناء على أن الرجوع فسخ، يتجه اشتراطه حينئذ بذلك للصحيح المزبور، الكاشف عن أن حق الرجوع بالهبة إنما هو الرجوع بها نفسها من حيث كونه ملكها بالهبة.

و من هنا يظهر لك النظر فيما في المسالك من التفريع على القول باللزوم، قال: «و لو نقلها عن ملكه نقلا لازما فقد قطعوا بلزومها حينئذ و إن فرض عودها إلى ملكه بعد ذلك بإقالة أو غير ذلك من وجوه النقل المتجدد، لبطلان حق الرجوع بذلك، فعود يحتاج إلى دليل، و لو كان عوده بخيار أو فسخ لعيب و نحوهما مما يوجبه من حينه فكذلك، لتحقق انتقال الملك مع احتمال عود الجواز، نظر إلى ارتفاع العقد و وجوب سببه من حين العقد، و يضعف بأن الملك منتقل على التقديرين و إن كان متزلزلا، و قد صدر عن مالك و عوده إليه لم يبطل ذلك الملك، و إنما تجدد ملك آخر، و من ثم كان النماء المتخلل لمن انتقل إليه دون المتهب».

إذ لا يخفى عليك ما فيه من الفرق بين الإقالة و الفسخ بالخيار أولا، و من دعوى سببية ملك جديد بالفسخ ثانيا، مستدلا عليه بالنماء، مع معلومية أن الملك إنما هو الأول و لكن عاد جديدا و تبعية النماء لذلك، و إنما الكلام في ظهور الصحيح المزبور باشتراط الرجوع ببقاء ملك الهبة على حاله الذي انتقل به و عدمه، كما أن الكلام في غير ذلك من محل الشك بالنسبة إلى الشرط المزبور كوطئ الأمة و رهن العين و مكاتبة العبد و نحو ذلك مما يرجع فيه إلى الأصل المزبور،

ج 28، ص: 191

مع فرض الشك في تحقق الشرط فيها فلا يلتفت هنا إلى ما يقال من اقتضاء ما قلناه و نحوها الخرق للإجماع المركب بإحداث قول جديد ضرورة عدم القطع بالمسألة حتى يترتب عليه ذلك، بل مدارها على الاجتهاد في مفاد جديد الصحيح المزبور، و في تأسيس الأصل المذكور، و قد بينا لك الحال بعد أن دفعنا إليك القسطاس المستقيم فزن به مستعينا بالله الرؤوف الرحيم، و منه يظهر لك ما في جملة من الكلمات المتأخرة عن المسالك، و الله هو العالم و الهادي.

و تستحب العطية لذي الرحم و إن لم يكن فقيرا بلا خلاف، و لا إشكال في شي ء من ذلك، و تتأكد في الوالد و الولد الذين هم أولى من غيرهم من الأرحام، لأنها من صلة الرحم المعلوم ندبها كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا بل لعله من الضروري بل في المسالك «و إنما تستحب عطية الرحم حيث لا يكون محتاجا إليها بحيث لا تندفع حاجته بدونها و إلا وجبت كفاية إن تحققت صلة الرحم بدونها، و إلا وجبت عينا، لأن صلة الرحم واجبة عينا على رحمه، و ليس المراد هنا مجرد اجتماع البدن، بل ما يصدق معه الصلة عرفا، و قد يتوقف ذلك على المعونة بالمال، حيث يكون الرحم محتاجا، و الآخر غنيا لا يصره بذلك ذلك القدر الموصول به، بل قد تتحقق الصلة بذلك، و إن لم يسع إليه نفسه، كما أن السعي إلى زيارته بنفسه غير كاف فيها مع الحاجة على الوجه المذكور، و تبعه على ذلك في الكفاية.

و لكن قد يشكل ذلك فيما لا يرجع إلى وجوب الإنفاق، لمنافاته للأصول و عدم عدادهم له في الواجبات، و عدم بيان مقداره غير ذلك، اللهم إلا أن يفرض تحقق قطع الرحم بدونه، و قلنا بحرمته بالنسبة إلى ذلك، و هو كما ترى، و الله العالم.

و كذا تستحب التسوية بين الأولاد في العطية بلا خلاف فيه بين العلماء كما في محكي التذكرة، بل في محكي الخلاف، لا فرق في ذلك بين الذكر و الأنثى بإجماع الفرقة و أخبارهم، مضافا إلى ما سمعته من الأمر بالنسوية في النبوي المتقدم سابقا في كراهة التفضيل و المنساق من التسوية جعل الأنثى

كالذكر، و ان تفاوتت معه في الإرث لا كما يحكي عن شريح و أحمد و محمد بن الحسن من


1- 1 سورة النساء- الآية- 1، و سورة الأنفال الآية- 75، و سورة محمد الآية- 22.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصدقة.

ج 28، ص: 192

جعل الذكر ضعف الأنثى، و يكره الرجوع فيما تهبه الزوجة لزوجها، و الزوج لزوجته عند الأكثر في المفاتيح و عندنا في محكي المبسوط بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه و قيل: و القائل الفاضل و فخر الإسلام و المقداد و القطيفي و ثاني المحققين و الشهيدين و الخراساني و الكاشاني بجريان مجرى ذوي الرحم في اللزوم بل عن التذكرة حكايته عن جماعة، كما عن التحرير و الحواشي للشهيد حكاية عن الشيخ و كأنه مال إليه أول الشهيدين و الأول أشبه عند المصنف لإطلاق ما دل على الرجوع بها، و خصوص

صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) «أنه سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال: هي عليك صدقة فقال: إن كان قال ذلك لله فليمضها، و إن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها»

و الإجماع المحكي.

و فيه: أن الإطلاق المزبور معارض بإطلاق ما دل على المنع فيها من النصوص و غيرها، و الصحيح معارض ب

صحيح عبيد بن زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «لا ينبغي لمن أعطى لله تعالى أن يرجع

فيه و ما لم يعطه لله و في الله، فإنه يرجع فيه نحلة كانت أو هبة حيزت أو لم تحز و لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها، حيز أو لم يحز، أ ليس الله تعالى يقول «وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً» و قال «فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» و هذا يدخل فيه الصداق و الهبة»

المؤيد ب

صحيح ابن بزيغ (2)«سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها، من غير طيب نفسها من خدم أو متاع أ يجوز ذلك له؟

قال: نعم، إذا كانت أم ولده»

بناء على أن المراد بالشرط مملوكته، لعدم صحة الهبة لها، فيدل بمفهومه حينئذ على عدم الجواز إذا كانت زوجته، و إجماع الشيخ موهون بمصيره نفسه إلى خلافه، على ما حكى عنه، و حمل الصحيح المزبور على الكراهة ليس بأولى من حمل الصحيح الأول على فساد الصدقة، بخلوها عن القربة، بل هذا أولى، إن لم يكن متعينا و ترجيح الأول بمخالفته لمذهب أبي حنيفة معارض بموافقة الثاني للكتاب، بل منه يستفاد كون الآية(3)دليلا مستقلا لا يصلح لمعارضتها حينئذ ما سمعت، فضلا عن أن يحمل ما فيها من النهي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 2.
3- 3 سورة النساء الآية- 20.

ج 28، ص: 193

على الكراهة بعد التصريح في الخبر بتناول ذلك للصداق و الهبة و لعل هذا هو الذي دعا صاحب الكفاية إلى القول بعدم الجواز هنا مع قوله بالجواز في هبة ذي الرحم فما أطنب في التعجب منه في الرياض حينئذ في غير محله.

و المناقشة- في الصحيح المزبور باشتماله على ما لا يقول به أحد من لزوم الهبة قبل القبض- يدفعها عدم خروجها بذلك عن الحجية في غيره، مع أن الصحيح الأول في الصدقة التي تنزيلها على الهبة مع عدم القصد بكونها لله ليكون مما نحن فيه ليس بأولى من حملها على الصدقة غير لازمة أو غير صحيحة، بناء على اشتراط القربة في صحتها أو لزومها، بل هذا أولى لما فيه من بقاء الصدقة على حقيقتها، و مع التنزل عن ذلك كله فلا أقل من الشك، و الأصل اللزوم، و لو لاستصحاب الملك و قوله (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و دعوى أن الهبة من العقود الجائزة، و إن اعتراها اللزوم في بعض أفرادها بل هذا أولى، لأن اللازم قد يعتريه الجواز حتى البيع الذي فيه خيار المجلس، و العيب، و الغبن، و غيرها، و أما العقد الجائز فلزومه إنما يكون بأمر خارجي كشرط و نحوه على أنه قد ذكروا في غير مقام الإجماع على انفساخ العقد الجائز بالجنون و الإغماء و الموت و من المعلوم هنا خلافه، و ذلك كله دليل على أن الهبة من العقد اللازم، و إن اعتراها الجواز في بعض أفرادها بل قد يقال: إنه و إن اختلف إطلاق النصوص في ذلك باعتبار إطلاق الرجوع في بعضها، و عدمه في آخر، بل ربما كان دلالة بعضها على الجواز أظهر، لذكر الفرد اللازم على جهة الاستثناء، إلا أن الأصل

في العقد اللزوم، للاستصحاب بل و الآية(2)فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام أيضا و الله العالم.

[النظر الثاني في حكم الهبات و هي مسائل ]

اشارة

النظر الثاني: في حكم الهبات و هي مسائل:

[المسألة الأولى لو وهب فأقبض ثم باع مثلا من آخر فإن كان الموهوب له رحما لم يصح البيع ]

الأولى: لو وهب فأقبض ثم باع مثلا من آخر فإن كان الموهوب له رحما، لم يصح البيع على وجه يترقب عليه أثره، بل يكون


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.

ج 28، ص: 194

فضولا، و كذا إن كان أجنبيا و قد عوض أو نحو ذلك مما تكون الهبة به لازمة، ضرورة وقوع البيع حينئذ على مال الغير، أما لو كان أجنبيا و لم يعوض فلا إشكال في زوال ملك المتهب بل في المسالك و عن ظاهر المحكي عن التذكرة الاتفاق عليه.

و إنما الكلام في صحة البيع و فساده، و إليه أشار المصنف بقوله قيل: و القائل الشيخ و القاضي و يحيى بن سعيد على ما حكى عنهم يبطل البيع لأنه باع ما لا يملك و لأن الشي ء الواحد لا يحصل به الفسخ و العقد، و لذا كان المصلي يخرج بتكبيرة الإحرام الثانية من الصلاة، و لا يدخل بها فيها، و لأن البيع

موقوف على الملك الموقوف على الفسخ، المتأخر عن البيع، باعتبار كونه سببا فيه، و السبب متقدم على المسبب، فلو كان الفسخ سببا في صحته لزوم الدور.

و قيل: يصح لأن له الرجوع و لكن لم أعرف القائل به ممن تقدم على المصنف نعم هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه و ولده و الشهيد في الحواشي و المحقق الثاني و الشهيد الثاني و الخراساني على ما حكى عن بعضهم لعموم (1)«أَوْفُوا» و لأن العقد يدل على تحقق إرادة الفسخ، قبل العقد، فيكشف العقد عن حصول الفسخ بالقصد إليه قبل البيع و لأنه إذا تحقق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب فيصير العقد بمنزلة الفضولي، و قد ملكه من إليه الإجازة، بل هو أولى، لأن بايع ملك غيره قد لا يقصد بيعه على تقدير كونه مالكا لها، بخلاف الفرض فإنه قاصد إلى البيع مطلقا، و لأن ثبوت الفسخ فرع صحة العقد في نفسه لأنه أثره، فلو كان البيع فاسدا لم يترتب عليه أثر و لأنه بأول جزء منه تنفسخ الهبة فيكون المحل قابلا لمجموع العقد.

و لكن مع ذلك كله الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده عند المصنف لما عرفت، إلا أنه قد يناقش فيه بأن المسلم من الأول ما إذا اتحد مورد الفسخ و العقد لا مع التعدد، كما في الفرض الذي هو فسخ الهبة و انعقاد البيع، و عدم الانعقاد بالتكبيرة الثانية


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 28، ص: 195

للنهي عنها، و لأنها وقعت في صلاة منعقدة، و لغير ذلك مما قررناه في محله، و الدور إنما هو دور معية كما ستعرف.

كما أنه قد يناقش في أدلة القول الثاني بفقد شرط وقوع البيع فيه و هو الملك لأنه لا بيع إلا فيه، فلا وجه للتمسك بالعموم مع فقد الشرط المعلوم، و بما تقدم في إجازة الفضولي و الفسخ بالخيار، من اعتبار اللفظ الدال على ذلك ل

قوله (1)«إنما يحلل الكلام»

أو مطلق الدال و لو فعلا، و إنه لا يكفى القصد المجرد عن ذلك، و بالشك في تناول دليل الفضولي لمثله، على ما تقدم في محله، و بالمنع من توقف الفسخ على صحة العقد بل حصول لفظ يدل عليه، و إيقاع البيع على هذا الوجه يدل على إرادة الفسخ فيقتضيه و إن تخلفت صحة البيع من حيث اشتراط تقدم الملك عليه، و بأن السبب مجموع العقد فلا يكفى ورود ما بقي على المحل بعد انتقاله إليه.

فالأولى من ذلك كله الاستدلال على الصحة بإطلاق ما دل على الرجوع الشامل للأفراد و القولية و الفعلية و منها حينئذ البيع و العتق و نحوهما، إذ ليس المراد منه تصور معنى الفسخ و إنشائه، بل و لا تصور معنى الرجوع و إنشائه بلفظه، و إنما المراد إيجاد ما يدل عليه أو يقتضيه من قول أو فعل، و منه المفروض فيكون حينئذ دالا على صحة البيع، و لو بالتزام إلا الاكتفاء في اشتراط الملك فيه بنحو ذلك، فيؤثر عقد البيع حينئذ فسخ ملك

المتهب، و رجوع الملك إلى الواهب و انتقاله عنه، كما أثر عقد بيع الأب على ولده انتقالا من البائع إلى المشتري و تحريرا، لأنه مقتضى الجميع بين

«لا عتق إلا في ملك»(2)

«و من اشترى أباه انعتق عليه(3)»

و قلنا بكفاية الترتب الذاتي عن الزماني، جمعا بين الأدلة، و كذا المقام، فإنه بعد أن شرع له الرجوع بالبيع لا محيص عن التزام ذلك كله فيه، كما أنه بعد أن شرع الرجوع بالوطي مثلا، كان فعله سببا لفسخ الملك عن المتهب مثلا، مقارنا لدخوله في ملك الواطى، لكي يقع الوطي في ملك، فلا يكون أوله محرما و ثانيه محلللا و المقام من هذا القبيل عند التأمل، فلا وجه، حينئذ لهذه الإشكالات، التي منها أنه لا وجه لاقتضاء البيع الملك لشخصين في زمان واحد،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام العقود الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العتق الحديث- 1- 2- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العتق الحديث- 1- 2- 3.

ج 28، ص: 196

إذ ليس هو بأعظم من اقتضائه الملك، و الخروج عنه في زمان واحد فيصوره شراء الأب و الترتب الذاتي آت هنا، بان يقال اقتضى الانفساخ و الدخول في ملك البائع و منه إلى المشتري كما هو واضح، فإن العمدة ثبوت شرعيته المقتضية ذلك كله، خصوصا بعد معلومية كون الأسباب الشرعية من قبيل الأوضاع الجعلية، فيجوز ذلك كله فيها، بعد مجي ء

الدليل، لا أنها أسباب عقلية، و الله العالم. هذا كله في الهبة الصحيحة.

و أما لو كانت الهبة فاسدة صح البيع على جميع الأحوال من غير فرق فيها بين هبة الرحم و المعوض عنها و غيرهما، ضرورة بقاء المال حينئذ على ملك مالكه بل في القواعد الإجماع على ذلك، بل لعله كذلك في حالي العلم بالفساد و الجهل به و إن كان قد يشكل في الثاني مما في المسالك من عدم قصده النقل عن ملكه، لبنائه على أنه ملك غيره، و العقود تابعة للقصود، و لعله لو علم بالفساد و أن المال ماله لم يبعه، بل على تقدير احتمال إرادته البيع مطلقا، فمجرد إيقاعه البيع أعم من قصده إليه على تقدير علمه بملكه و عدمه، و العام لا يدل عليه الخاص، فالقصد إلى البيع على تقدير كونه مالكا مشكوك فيه، فلا يكون العقد فيه معلوم الصحة.

لكن قد يدفع أولا: بأن المفروض صدور البيع منه على أنه رجوع بالهبة التي يزعم صحتها على حسب البيع المذكور في المسألة السابقة، و هذا لا يكون إلا بقصد نقل ملكه و لعله لذا حكم في القواعد الإجماع كما سمعت، و إن حكى الخلاف فيها فيمن باع مال مورثه فبان موته و استوجه الصحة في كتاب البيع لوضوح فرق بينهما حينئذ.

و ثانيا: أن وقوع البيع يقتضي قصد نقل المال إلى المشتري، و كونه عنه أو عن غيره ليس من مشخصاته، و لذا لو قصد بيع مال الغير عن نفسه لم يخرج عن الفضولية فكذا لو قصد بيع ماله- و لو واقعا- عن غيره لم يخرج عن كونه بيعا لازما، كما أنه يدفع الأخير بأن إيقاع العقد و اللفظ الصريح كاف في الدلالة على القصد إليه شرعا، نحو نظائره من العقود، إذ لا يشترط في صحته العلم بكونه قاصدا إلى ذلك الشي ء حيث يكون شرعيا، بل يحمل إطلاق لفظه حيث يتجرد عن قرائن عدم القصد على كونه قاصدا بخلاف الهاذل و المكره.

ج 28، ص: 197

و مما ذكرنا يظهر لك النظر فيما في المسالك من استحسان الرجوع إلى قوله، بمعنى أنه إن أخبر عن قصده إرادة البيع و ان كان مالكا صح، و إن قصده لكونه فضوليا لم يصح على تقدير ظهور كونه مالكا لعدم توجه قصده إلى البيع اللازم و لأن هذا أمر لا يمكن معرفته إلا منه، فيرجع إليه فيه كنظائره.

حتى أنه أشكل قول المصنف و كذا القول فيمن باع مال مورثه و هو يعتقد بقاءه الظاهر في أن مفروض المسألة السابقة حال الجهل أيضا بقرينة التشبيه بما قدمه من عدم قصده إلى البيع اللازم، و إنما قصد الفضولية، فينبغي أن يعتبر رضاه به بعد ظهور الحال، خصوصا مع ادعائه عدم القصد على تقدير كونه مالكا، ثم قال: «و لعله أقوى لدلالة القرائن عليه، فلا أقل من احتماله احتمالا مساويا للقصد إلى البيع مطلقا، فلا يبقى وثوق بالقصد المعتبر في لزوم البيع».

و فيه: ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم تشخيص العقد بذلك و إن قصده، فيترتب عليه حينئذ ما يقتضيه من الأثر، إن لزوما فلزوم، و إن فضولا ففضول، و حينئذ فلا مدخلية لبيان جمل المطلق على قصد البيع لنفسه و عدمه، هذا.

و كأن المصنف عطف هذه المسألة على السابقة بقوله «و كذا» مشعرا بالفرق بينهما، لما ذكرناه أولا من فرض البيع الرجوعي الذي هو المبحوث عنه في أصل المسألة و حينئذ لا إشكال في الفرق بينهما ضرورة قصد البيع لنفسه و قد صادق اجتماع الشرائط في الواقع حتى لو كان جاهلا بالفساد، بل و لو كان زاعما صحة الهبة، و كانت لرحم، لكنه فعل ذلك لزعم جواز الرجوع الذي هو غير مشروع، و إن كان لا يخلو من اشكال و لعله على ذلك ينزل ما في الدروس فإنه بعد أن حكى عن الشيخ تساوي مسألتي فساد الهبة و بيع مال مورثه في الحكم بصحة البيع، و إن جهل الحال قال: «و قد يفرق بينهما بالقصد إلى صيغة صحيحة في مال الموروث بخلاف الموهوب» فيسقط عنه ما اعترضه به في المسالك- حيث أنه بعد أن حكى ذلك عنه قال: «و لا يخفى عليك فساد هذا الفرق فإن القصد إلى الصيغة الصحيحة بالمعنى المقابل للباطلة حاصل في المسألتين و بمعنى اللزوم منتف فيهما، و لا فرق بينهما أصلا- كما لا يخفى، إذ

ج 28، ص: 198

قد عرفت من كلامه في الفرض الذي ذكرناه و هو البيع لنفسه، و لو ظلما بإرادة الرجوع بالهبة اللازمة في ظنه.

نعم قد عرفت أن الأقوى فيه الصحة على التقدير المزبور لعموم الأدلة، و ربما كان في قول المصنف و كذا إذا أوصى برقية معتقة و ظهر فساد عتقه إشارة إلى ما قلناه، فإنه نحو مفروض المسألة ضرورة كونه أوصى برقية يزعم عتقها، و من هنا استوجه في المسالك كلام الدروس فيها، لعدم قصده إلى الوصية الشرعية بل بمنزلة الهاذل و العابث بالنظر إلى ظاهر حاله، فلا ينفه ظهور ملكه بعد ذلك في نفسه الأمر، بخلاف من باع مال غيره، فإنه قاصد إلى بيع صحيح شرعي غايته أنه جائز من قبل المالك، لكنه لازم من قبل المشتري، فهو عقد شرعي مقصود إليه، و إن لم يقصد إلى لزومه مطلقا لكنه كما ترى لا دليل على اعتبار مثل ذلك في الصحة، بل مقتضى عموم الأدلة و إطلاقها الصحة و لذا كان بيع الغاصب- القاصد ترتب الأثر على بيعه معاملا للمغصوب معاملة مال نفسه و لو ظلما- من الفضولي، و دعوى أن ذلك و الفرض و أشباههما كالهازل و العابث غريبة، بل هو قصد صحيح في نفسه كغيره من مقاصد عقلاء أهل الدنيا، و إن لم يترتب عليه أثر شرعي، بل من ذلك عقد الكتابية و المخالفة متعة، فإن الظاهر الصحة و إن زعما الفساد فإن الصحة الشرعية تترتب على القصد العرفي قصدت أو لم تقصد، بل و إن قصد عدمها بعد فرض حصول سببها الشرعي كما هو واضح. بل لعل السر في ذكر المصنف و غيره المثالين المزبورين إرادة بيان اتحاد الحكم و أنه الصحة على جميع التقادير فتأمل جيدا لكن لا يخفى عليك محال النظر فيما في المسالك و غيرها.

[المسألة الثانية إذا تراخى القبض عن العقد ثم اقبض، حكم بانتقال الملك ]

المسألة الثانية: إذا تراخى القبض عن العقد ثم اقبض، حكم بانتقال الملك لعدم اعتبار الفورية فيه، بلا خلاف أجده لإطلاق ما دل على شرطيته مما تقدم سابقا: بل لعل مرسل أبان منها ظاهرا في عدم اعتبار الفورية فيه، بل ينبغي القطع به بناء على أنه شرط للزوم لا الصحة، كما اعترف به بعضهم.

ج 28، ص: 199

نعم في القواعد «الإشكال في ذلك، بناء على أنه شرط للصحة لكونه حينئذ جزء السبب، فأشبه القبول، و للاقتصار على المتيقن» و فيه أن كونه جزء السبب لا يقتضي الفورية بعد إطلاق الأدلة، و وجوبها في القبول باعتبار كونه جوابا للإيجاب، فيخرج حينئذ مع عدم الفورية عن طريق التخاطب المعتبر في العقود كالعربية، و لعل الأولى في وجه الاشكال احتمال توقف حقيقة الهبة عليه، لأنها عطية و إيتاء، فالعقد بدونه لا يكون هبة كما هو مقتضى الخبر المتقدم «لا تكون الهبة هبة حتى يقبضها» منضما ذلك إلى دعوى ظهور الأدلة في أن الهبة التي يترتب عليها الأثر ليست إلا شيئا واحدا يحصل في زمان واحد مثل البيع و الإجارة و نحوهما، و حينئذ فسبيته الهبة بناء على اعتبار ذلك في مفهومها ينافيها التراخي، بل لا أقل من الشك في شمول الأدلة لها معه، و به يفرق بينه و بين غيره مما اعتبر القبض في الصحة كالوقف و نحوه، مما هو غير داخل في مفهومه، و إن اعتبر في ترتب أثر السبب عليه، لكونه شرطا له.

بل كان ذلك هو السبب في اتفاق القائلين بكونه شرطا للصحة على انتقال الملك به من حين ه أي القبض، لا أنه كاشف عن حصوله من حين العقد، و ليس كذلك الوصية فإنه يحكم بانتقالها بالموت مع القبول و إن تأخر القبض عنهما لعدم مدخليته في الملك بها لإطلاق الأدلة كما تسمع تحقيق الحال فيه إن شاء الله، مع أنه مقتضى القواعد- التي قررناها غير مرة في نظائره- كونه كاشفا، بناء على أنه من الشرائط فما ذلك إلا لعدم حصول الهبة إلا به، فلا سبب متقدم عليه حتى يكون هو شرطا كاشفا، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم توقف الهبة بمعنى العقد عليه، و إن توقف بمعنى العطية، و الكلام الآن في الأولى فليس هو حينئذ بالنسبة إليها إلا شرطا، و كان مقتضى ما عرفت أن يكون كاشفا لكن ظاهر ما دل على شرطيته مع الإجماع حصول النقل به لا قبله و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو قال وهبت و لم اقبضه كان القول قوله ]

المسألة الثالثة: لو قال: وهبت و لم اقبضه كان القول قوله بلا خلاف أجده فيه بل عن المبسوط و المهذب و التذكرة و التحرير و الدروس و الحواشي أنه كذلك و إن قال: مع ذلك خرجت منه المراد منه أني آذنت له في قبضه كل ذلك لما عرفت من عدم دخول الإقباض في حقيقة الهبة العقدية، بناء على انصراف الإطلاق إليها، و لا يقدح في ذلك كونه شرط

ج 28، ص: 200

للصحة، فيكون إنكاره كدعوى الفساد المعلوم تقدم دعوى الصحة عليها، لما في المسالك من الفرق بين الأمرين، فإن منكر الإقباض لا يدعى فساد الهبة، و إنما ينكر أمرا من الأمور المعتبرة فيها، و أنها لم تحقق بعد، كما لو أنكر الإيجاب و القبول، و إن اشترك الجميع في عدم صحة العقد بدونه، و هو تام لو كانت الدعوى من الواهب أما إذا كانت من وارثه التي هي دعوى الفساد بعد إقراره بأن مورثه قد وهب، و لكنه لم يقبض، بل قد يشكل ذلك فيه أيضا ضرورة أن مبنى عدم كون الإقرار بالهبة إقرارا بالقبض الذي أحد أركان صحتها دعوى كون المعروف شرعا من الهبة هو الإيجاب و القبول خاصة و القبض و إن كان معتبرا في الصحة إلا أنه خارج عن مهيتها، و قد تقدم في تعريف الهبة أنه العقد إلى آخره و لا شبهة في أن القبض أمر آخر غير العقد، فالإقرار بأحدهما لا يقتضي الإقرار بالآخر.

لكن قد يمنع ذلك بناء على ما تقدم غير مرة من دخول المعاطاة في مفهوم هذه الأسماء كالبيع و الإجارة و نحوهما و حينئذ فلا تكون أسماء للعقود حينئذ كي يتم الكلام المزبور، و يدفع بأن يقال إنا و إن قلنا: بعدم كونها أسماء للعقود نفسها لكنها اسم للأثر الحاصل بالعقد، و من المعلوم كونه التمليك المزبور، لا الأثر الحاصل من العقد و شرائطه و ليس القبض داخلا في مفهومه و حصوله بالفعل لا يقتضي دخول ما أفاده الفعل من الإقباض في حقيقته بل أقصاه حصول الأمرين به معا.

و حينئذ على كل حال فالإقرار بها ليس إقرارا به، بل لعله كذلك حتى لو قلنا بأن المعاطاة الفعلية نفسها هبة، ضرورة تعدد أفرادها، و الإقرار بفرد منها لا يقتضي الآخر، فعلى مدعيه البينة حينئذ فيتجه ما ذكره المصنف كما أنه قد يدفع الأول: بأن دعوى الوارث عدم القبض ليس دعوى فساد، و إنما هي قائمة مقام دعوى المورث، و إن قارن ذلك حصول انفساخ بالموت لكن لا يكون به دعوى فساد على وجه تقدم عليه دعوى الموهوب، بأنه قد أقبض فتأمل و كيف كان فالإقرار بالهبة ليس إقرارا بالقبض نعم لو قلنا بدخول القبض في مفهومها أتجه حينئذ عدم تقديم قوله و لكن قد عرفت فساد الدعوى المزبور.

نعم للمقر له إحلافه ان ادعى عليه الإقباض لعموم البينة، أما إذا

ج 28، ص: 201

لم يدعه فلا يتوجه له عليه يمين، لعدم كونه منكرا حينئذ كما هو واضح لكن في المسالك أنه منكر أيضا و لكن لا يمين عليه، إذ ليس كل منكر يتوجه على اليمين بمجرد الإنكار، بل لا بد من انضمام دعوى ما أنكره المنكر، و فيه ما لا يخفى، هذا و ليعلم أن المحكي عن المبسوط و المهذب و التذكرة و التحرير تقييد أصل الحكم المزبور بما إذا لم يكن الموهوب في يد المتهب أو بما إذا كان في يد الواهب على اختلافهم في التعبير و مقتضاه أنه متى كان كذلك فالقول قوله، لأن كونه في يده كناية عن إقباضه، و لعله لأنهم فرضوا المسألة فيما لو ضم إلى قوله وهبته خرجت منه إليه، الذي هو بمعنى الاذن بقبضه و إلا فمجرد كونه في يده لا يدل على القبض بإذن، و من هنا حكى عن المبسوط في باب الإقرار أن القول قول الواهب، و أنه لا فرق بين أن يكون الموهوب في يد الواهب أو المتهب، لأنه قد يقبضه بغصب و غيره، بل قد يقال: أن الحكم كذلك حتى مع الضميمة المزبورة فإن الإقرار بالإذن لا يقتضي كون يده عليه حال الدعوى بالإذن السابقة ضرورة كونها أعم من ذلك فتأمل جيدا.

و كذا لو قال: وهبته و ملكته ثم أنكر القبض في أن القول قوله إذا كان ممن يرى أن الملك بالعقد و لو تقليدا، بل و إن لم يعلم حاله، لأنه يمكن أن يخبر عن وهمه و متى احتمل فيه ذلك لم يحكم عليه بالإقرار بالقبض الذي تقتضي الأصول نفيه.

نعم لو علم أن مذهب المقر توقف الملك على الإقباض و لو تقليدا حكم عليه بالإقباض كما صرح به غير واحد لكن قد يناقش بإمكان إرادته التأكيد أو الهبة بصيغة التمليك الذي قد عرفت أنها تنعقد به، و مع ذلك يحتاج إلى القبض صحة أو لزوما، و دفعها- باقتضاء ذلك التأكيد الذي هو مرجوح بالنسبة إلى التأسيس- رده في المسالك «بأن ألفاظ الأقارير لا تنزل على مثل هذه القواعد، مع احتمال الأمرين بل يعتبر فيها المعاني الظاهرة، و هذه اللفظة مشتركة بين الصيغة و أثرها، فحملها على الثاني دون الأول ترجيح من غير مرجح، كما في الإقرار بلفظ مشترك، فإنه لا ينزل على أحد معنييه بدون القرينة و حمل العطف على المغايرة مطلقا ممنوع فإنه كما يجوز عطف الشي ء على مباينة يجوز عطفه على مرادفه، كما هو محقق في بابه».

و فيه: أنه لا إشكال في جوازه، إنما الكلام في مساواة احتماله للآخر مع عدم القرينة، و لا

ج 28، ص: 202

ريب في منعها، و مرجع هذه القواعد إلى ظاهر الخطاب الذي لا إشكال في حجيته في الإقرار، و غيره.

و أغرب من ذلك قوله متصلا بما سمعته منه و على تقدير تسليم ظهور المعنى الثاني أو أغلبيته على الأول ينبغي أن يرجع إليه في القصد، لا أن يتعين حمله على الغالب كما نبهوا عليه في نظائره من الإقرار بلفظ يحتمل معنيين فإنه يقبل من المقر إرادة أحدهما و أن حمل إطلاقه على الغالب منهما، كما لو قال له على درهم، و درهم، و درهم، فإنه يقبل منه دعوى إرادة تأكيد الأول بالثاني، و الثاني بالثالث، و إن كان العطف يقتضي المغايرة، و كان الغالب عدم التأكيد، إذ لا معنى للرجوع إليه بعد فرض ظهور لفظه، و لو بسبب الغلبة في ذلك، لما عرفت من حجية ظاهر اللفظ.

نعم لو ضم إليه مع ذلك ما يصلح لصرف ذلك الظاهر أتجه حينئذ عدم الأخذ به، كما في سائر الخطابات، و القبول في المثال- مع فرض ظهور الإطلاق في خلافه و تأخر دعوى إرادة التأكيد عن زمان الإقرار ممنوع فالمتجه حينئذ التفصيل في المفروض بين اتصال ما يقتضي صرف ذلك الظاهر على قياس المخاطبات التي هي كذلك عرفا و لا يعد فيه من التناقض، فلا يؤخذ به، و بين غيره الذي هو ليس كذلك فيؤخذ به و يحكم عليه، و لم يسمع إنكاره بعد ذلك و لا تأويله، و لو متصلا به، اللهم إلا أن يكون بحيث يقبل التأويل المتأخر على وجه يكون الأخذ بإطلاقه مبنيا على عدم ذكر تأويله، فتأمل جيدا، هذا كله فيما جاء باللفظين.

أما لو اقتصر على ملكيته فعن بعضهم كذلك يأتي فيه البحث السابق و لم يستجوده في المسالك لعدم ما يقتضي المغايرة فيه، بخلاف الأول و حينئذ فاحتمال إرادة الهبة المقبوضة منه، كاحتمال إرادة إيقاع صيغة الهبة خاصة بلفظ التمليك من غير أغلبية أحدهما على الآخر.

و فيه أنه و إن لم يكن فيه ما يقتضي المغايرة من عطف و نحوه، و لكن قد يدعى ظهوره مع الإطلاق في الاخبار بحصول أثر الملك نعم لو قرنه بما ينافي ذلك من عدم القبض و نحوه اتجه حينئذ الحكم بعدم اقتضائه الإقرار بالقبض فتأمل جيدا و الله العالم.

ج 28، ص: 203

[المسألة الرابعة إذا رجع في الهبة و قد عابت لم يرجع بالإرث ]

المسألة الرابعة: إذا رجع في الهبة المجانية حيث يكون له ذلك و قد عابت بزيادة أو نقصان لم يرجع بالإرث بلا خلاف أجده فيه، للأصل، و لأنه حدث في عين مملوكة للمتهب، و قد سلطه مالكها على إتلافها مجانا فلم تكن مضمونة عليه سواء كان التعيب بفعله أم لا.

و إن زادت زيادة متصلة لعلف و نحوه كالسمن و لو بفعله على وجه يكون جزءا من العين فللواهب بلا خلاف أيضا و لا إشكال، لأنها من العين المفروض جواز الرجوع بها.

و إن كانت منفصلة كالثمرة و الولد، فإن كانت متجددة كانت للموهوب له لأنها نماء ملكه، و خارجة عن العين، و إن كانت حاصلة وقت العقد كانت للواهب لأنها حينئذ من الهبة التي فرضنا جواز رجوعه بها بلا خلاف معتد به أجده في شي ء منه بل هو صريح بعض، و ظاهر آخر عدم الفرق في الأول بين كون الرجوع بعد الانفصال بالولادة أو بالحلب أو بالقطف أو قبله كالحمل قبل انفصاله، و اللبن، قبل أن يحلب، و الثمرة قبل قطافها و الصوف المستجز قبل جزه، لأن الجميع منفصل شرعا و عرفا عن العين الموهوبة لأنه شي ء جديد.

نعم في الوسيلة الرجوع بالحيوان الحامل مع حمله بناء منه على أنه الجزء من الأم، و هو كما ترى.

و أما الصوف و الشعر إذا لم يبلغ أو ان جزه ففي المسالك «أن الأجود تبعيته للعين» و هو حسن مع فرض كونه كذلك عرفا، هذا.

و لكن بقي الكلام في أمرين أحدهما أنه قد تقدم لزومها بتلف البعض كالكل، فإطلاقهم الرجوع هنا بالعيب الذي قد يكون بتلف البعض لا يخلو من تسامح، الثاني: أنهم أطلقوا هنا كون الزيادة للواهب إذا كانت متصلة، بل صرح بعضهم بأنها كذلك و إن كانت من فعله، و قد صرحوا في خيار الغبن بمشاركة المشتري للبائع المغبون إذا فسخ بزيادة الصفة في العين، بل و بغير ذلك مما يأتي مثله في المقام، و لم يشر أحد منهم إلى شي ء من ذلك.

ج 28، ص: 204

نعم في المسالك قد ذكر الاقسام هنا و هي كون العين بحالها أو نقصانها بما يوجب الأرش، أو بما لا يوجبه، و زيادتها بما يوجبه أيضا أو بما لا يوجبه، أو يوجب زيادة في القيامة أو جامعة بين الأمرين متصلة تلك الزيادة، أو منفصلة مطلقا أو من وجه، و تغييرها بالامتزاج بالأجود و المساوي و الأدنى، أو بغيره من الأعمال كالنجارة و القصارة و الطحن أو غير ذلك من التغييرات، و لم يتعرض لحكمها، بل ظاهره موافقة المصنف على إطلاقه كما أنه لم يتعرض لضمان الواهب لما يتضرر به الموهوب برجوعه من نقض بناء أو غرس أو نحوهما، و لعل ذلك كله للإحالة على ما تقدم مما لا يصعب جريان ما يقتضي القواعد جريانه هنا على من أحاط خبرا بما مضى من المسائل السابقة في العارية و في خيار الغبن و غيرهما، فلا حظ و تأمل أو على ما تسمعه منه إن شاء الله في المسئلة السادسة مع احتمال عدم اختيار الشركة في الصفات المحضة من المصنف و غيره ممن أطلق، بل يختص الواهب بالعين، و إن زادت بذلك، لإطلاق ما دل على الرجوع بها كما ذكرنا ذلك في خيار الغبن فلاحظ كما أنه لا يخفى عليك حكم الرجوع بالتغيير و لو بغير فعله بعد الإحاطة بما ذكرناه من كون المدار على صدق بقاء الموهوب بعينه، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا وهب و أطلق لم تكن الهبة مشروطة بالثواب ]

المسألة الخامسة: إذا وهب و أطلق فضلا عن أن يكون قد اشترط العدم لم تكن الهبة مشروطة بالثواب سواء كانت من المساوي أو من الأدنى، أو من الأعلى بلا خلاف محقق أجده فيه، و إن حكى عن المبسوط و الخلاف إلا أن الظاهر من المحكي عنهما خصوصا الأول إرادة اشتراط لزومها به، فلو كانت حينئذ لرحم مثلا لزمت حينئذ بدونه نعم عن كافي أبي الصلاح أن هدية الأدنى إلى الأعلى تقتضي الثواب بمثلها، و لا يجوز له التصرف فيها قبل الإثابة أو العزم عليها، و لعله يريد ما هو المتعارف من إرادة الثواب بمثل الفرض، و هو خارج عما نحن فيه، و حينئذ يتم ما حكيناه من نفى الخلاف في ذلك بيننا و كذا ما في السرائر من أن عليه إجماع أصحابنا و أن أحدا لم يذكر ذلك في مسطور، و هو الحجة بعد إطلاق الأدلة.

نعم هي و إن لم تكن مشروطة به، و لكن له الإثابة و عدمها فإن أثاب لم يكن للواهب الرجوع مع قبوله لما عرفته سابقا من أدلة لزومها بذلك نعم لا يجب عليه القبول

ج 28، ص: 205

للأصل لأنه بمنزلة هبة جديدة لا يجب عليه قبولها، خصوصا بعد اقتضائه سقوط حقه من الرجوع كما تقدم الكلام في ذلك بل الظاهر أيضا عدم جواز الرجوع للموهوب بثوابه، لأنه أيضا من الهبة التي اثيبت و إن شرط الثواب في هبته صح بلا خلاف فيه عندنا بل عن التذكرة الإجماع عليه، للإطلاق خلافا لما عن أحد قولي الشافعي من عدم الجواز لمنافاته مقتضاها الذي هو المجانية و فيه منع واضح، بل لا فرق في صحته أطلق أو عين بلا خلاف أجده في الثاني منهما، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه بل و الأول على ما في المفاتيح و ظاهر قوله في المسالك عندنا لكن عن يحيى بن سعيد في الجامع و إن شرط مجهولا لم يصح.

و فيه: أنه مناف لإطلاق الأدلة و لبنائها على المغابنة، و لأنها مضبوط بالقيمة مع التعاسر.

و ل

خبر القاسم بن سليمان (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يهب الجارية على أن يثاب فلا يثاب إله أن يرجع فيها؟ قال: نعم إذا كان شرط له عليه، قلت: أ رأيت إن وهبها له و لم يثبه أ يطأها أم لا؟ قال: نعم إذا كان لم يشترط عليه».

و خبر إسحاق بن عمار(2)«قال: قلت الرجل يهدي الهدية يتعرض لما عندي فأخذها و لا

أعطيه شيئا أ يحل؟ قال: نعم هي لك حلال، و لكن لا تدع أن تعطيه».

الخبر.

اللهم إلا أن يقال: أن الثاني منهما لا شرطية فيه، و إن كان الداعي هو الأول و المراد منه إطلاق الثواب المنزل عند التعاسر على المثل أو القيمة، و هو غير الثواب المجهول.

و لكن فيه بعد التسليم أن الإطلاق كاف و لكن له الرجوع ما لم يدفع إليه ما شرط مطلقا أو معينا بلا خلاف أجده فيه لإطلاق الأدلة السابقة، و خصوصا خبر القاسم، و أولويته من العقد اللازم الذي ثبت الخيار فيه، بعدم بذلك الشرط، و لغير ذلك و مع الاشتراط من غير تقدير، يدفع ما شاء و إن كان يسيرا مع رضا الواهب به، لعدم ما يقتضي التعيين، بل الإطلاق قاض بعدمه.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 91- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 2.

ج 28، ص: 206

و لو امتنع من قبوله فعن أبي على أنه يثيبه حتى يرضى، كما عن بعض العامة ل

خبر أبي هريرة(1)«أن أعرابيا وهب للنبي (صلى الله عليه و آله) ناقته فأعطاه: ثلاثا فأبى فزاده ثلاثا، فأبى فزاده ثلاثا فلما استكمل تسعا قال: رضيت»

الذي هو في غاية الضعف سندا و دلالة.

و عن التقى في الكافي في الهداية أنه يثيبه قدر قيمة الهبة أو مثلها، كما عن بعض

العامة أيضا أو يثيبه مقدار ما يعتاد في جزاء مثله، كما عن المبسوط و الخلاف و غيرهما، لانصراف الإطلاق إليه، و في محكي الخلاف أيضا لو قلنا: أن لا مقدار للثواب و إنما هو ما يثاب عنها قليلا كان أو كثيرا لكان قويا، و عن التحرير إذا شرط ثوابا مجهولا صح و لزمه دفع ما يصدق عليه إطلاق الاسم، و كأنه يرجع إلى ما عن بعض العامة من الإكتفاء بأقل ما يتمول، عكس ما عن آخر منهم أيضا من أنه لا بد من دفع ما يزيد على القيمة، و الا لباعها بالسوق، الى غير ذلك مما لا يخفى عليك وجهه و لا ما فيه عدا القول بدفع المثل أو القيمة الذي يرجع إليه القول بدفع المعتاد ثوابا ضرورة كونه المعتاد فصاعدا لا أنقص من ذلك كما أنه لا يخفى عليك أنه لم يكن للواهب مع قبضه الرجوع لما عرفته من صيرورة العقد حينئذ لازما و إنما الكلام فيما ذكره المصنف بقوله و لا يجبر الموهوب له على دفع المشترط، بل يكون بالخيار بين رد العين و بين دفع المشترط، و نحوه ما في القواعد من أنه إن لم يرض، أن الواهب بما دفع إليه، تخير المتهب بين دفع الموهوب، و عوض المثل قيل و مقتضاه عدم وجوب الوفاء عليه به، و بناه في المسالك على كونه كذلك في العقد اللازم أيضا و إنما فائدته جعل العقد اللازم جائزا، أو على أن هذا العقد من العقود الجائزة خصوصا من جهة الواهب، فلم يجب الوفاء به، كما لا يجب الوفاء بأصله و أشكله فيها أيضا بأنه من طرف المتهب لازم، فلا يجوز له الفسخ بنفسه، و إن لم يبذل المشروط و تخيره بين بذل العين و الثواب المشروط لا ينافيه، و إنما يظهر جوازه من قبل الواهب خاصة كما أن الأول قد بينا


1- 1 راجع ص 203.

ج 28، ص: 207

ضعفه في محله و قلنا: إنه مناف لعموم «أَوْفُوا(1)»

و «المؤمنون عند شروطهم(2)»

فيلزم حينئذ بالوفاء، و إن تسلط البائع مع ذلك على الخيار مع فرض عدم وصول شرطه إليه.

و يمكن أن يقال: بل لعله الظاهر أن الخيار المزبور في المتن و غيره لا ينافي لزوم العقد ورد العين- باعتبار كونها ثوابا، أو أولى منه- ليس فسخا للعقد، بل هو نحو رد العين في القرض، و إن أوجب عقده المثل أو القيمة، لكن رده نفسه أولى بالقبول، فكذا ما نحن فيه.

نعم يتسلط الواهب على الفسخ مع الامتناع عن أصل البذل على نحو ما سمعته في غيره من العقود اللازمة و لعله لذا جزم بعض بتنزيل إطلاق المحكي عن جماعة لزوم العوض على إرادة الخيار المزبور.

نعم بقي الكلام في شي ء آخر و هو أنه ما ذكره في المسالك أيضا من أنه يفهم من قول المصنف «و لم يكن للواهب الرجوع مع قبضه» جواز رجوعه متى لم يقبضه و أن بذلك المتهب و الأمر فيه كذلك و قد تقدم، و لا ينافيه عموم (3)«أَوْفُوا» و لا

قول أبي عبد الله (عليه السلام) في الصحيح «تجوز الهبة لذي القربى و الذي يثاب عن هبته، و يرجع في غير ذلك»

كما زعمه بعضهم، لأن عموم الوفاء بالعقود مقيد بغير الجائز، و قد عرفت دلالة النصوص الصحيحة على جواز هذا العقد على هذا الوجه، إذا سلم دلالة الوفاء على المضي فيها مطلقا، و الإثابة في الخبر لا يتحقق إلا بالاتفاق عليها، لا بمجرد بذلها، و لم يحصل هنا».

قلت: الذي قدمه في صدر المسألة بعد أن ذكر الصور الأنثى عشر، قوله: «و تفصيل حكمها أنه مع اشتراط عدم الثواب لا يلزم قطعا، و مع اشتراطه يلزم ما شرطه مطلقا ثم إن عينه لزوم ما عين بمعنى أن المتهب ان دفع المشروط، و إلا تسلط الواهب على الفسخ، و إن أطلق اشتراط الثواب لزوم أيضا الوفاء به، لكن إن اتفقا على قدر فذلك، و إلا وجب


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الهبات الحديث- 3.

ج 28، ص: 208

أثابه مقدار الموهوب عينا أو قيمة، و لا يلزم الأزيد، و إن طلبه الواهب، كما لا يجبر الواهب على قبول الأول، و المعتبر قيمة الموهوب عند القبض إذا وقع بعد العقد، و يحتمل عند دفع الثواب».

و هو كالصريح في وجوب القبول عليه، مع بذل المثل أو القيمة بل لعله ظاهر تقييد عدم وجوب القبول بما إذا لم يذكر العوض في الهبة في القواعد، بل لعله ظاهر قول المصنف ما لم يدفع إليه، إلى آخره كالقواعد أيضا، بل قيل إن مثل ذلك عبارة المبسوط، و التحرير و الدروس، بل لعله ظاهر ما سمعته أيضا من الفاضل من الخيار المزبور إذا لم يرض الواهب باليسر، بل عن جامع المقاصد ففي البعد عنه.

نعم عن الإيضاح أن الأقرب جواز الرجوع فيه، و فيه أنه مناف لآية «أَوْفُوا(1)» و

«المؤمنون(2)»

و غيرهما، و ثبوت الجواز في غير الفرض لا يقتضي ثبوته فيه، و ليس هو من الشرط في العقد الظاهر في صدق

يثاب عن هبته»

على بذله من المتهب، بل مقتضاه ذلك و إن كان يسيرا، إلا أن انصراف إطلاق العوض المشترط إلى المساوي- فصاعدا مضافا إلى قاعدة لا ضرر و إلى العادة- صار سببا للخروج عنه، أما إذا كان معينا فالظاهر لزومها ببذله، و إن كان يسيرا، و بذلك ظهر لك أن ما في المسالك مشوش، خصوصا بعد ملاحظة كلامه في تفسير قوله في المتن «و مع الاشتراط من غير تقدير» إلى آخره فلا حظ و تأمل.

و لو خرج العوض أو بعضه مستحقا أخذه مالكه، ثم إن كانت الهبة مطلقة لم يجب دفع بذله، و لكن للواهب الرجوع، لإطلاق دليله، بعد ظهور فساد ما دفع من العوض فيكون كما إذا لم يعوض عنها، و إن شرطت بالعوض:

ففي القواعد «دفع المتهب مثله أو قيمته مع التعيين أو العين، أو ما شاء إن رضى الواهب

مع الإطلاق» و هو ظاهر أيضا في وجوب دفع العوض، و في وجوب قبول الواهب له مع


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 28، ص: 209

بذله، اللهم إلا أن يحصل على إرادة بيان كفايته في عدم رجوع الواهب في العين و لو بقرينة ما تقدم له سابقا.

و لكن يشكل أيضا بأن الواجب على الواهب قبوله نفس العوض المذكور في العقد دون غيره، لعموم

قوله «المؤمنون»

و غيره.

نعم لو رضى به و قبضه فلا يجب، لكن لا يختص بالمثل أو القيمة حينئذ اللهم إلا أن يقال: إن فساد العوض فيها لا يقتضي فسادها ضرورة كونه فيها كالمهر في النكاح، لأنها تصح بدونه و حينئذ تبقى صحيحة، و لكن لا وجه للمجانية بعد فرض قصد المعاوضة بها فليس حينئذ إلا مثل العوض المذكور أو قيمته نحو ما ذكروه في المهر الفاسد.

لكن لا يخفى عليك النظر في المقيس عليه، كما ذكرناه في محله فضلا عن حرمة القياس.

نعم حكم بصحة النكاح للإجماع- و الرجوع إلى مهر المثل، بخلاف المقام، فإنه لا شي ء مقرر هنا على تقدير الفساد- فالمتجه حينئذ البطلان مع فرض ذكر المعوض فيها على طريق ذكره في عقود المعاوضة، بناء على صلاحية عقدها للتمليك كالنكاح فلا يحتاج إلى سبب آخر.

نعم لو ذكر العوض فيها على معنى اشتراط هبة عوض هبة أمكن القول لعدم اقتضاء ظهور استحقاقه فساد الهبة، و لكن يكون للواهب حينئذ الرجوع، و إن بذل المتهب المثل أو القيمة، هذا كله في العوض المعين المشخص، أما المطلق فيدفع بدله سواء كان مقدارا كمائة درهم، أو لم يكن، و من ذلك يعلم ما في عبارة القواعد من التشويش، و الأمر سهل بعد وضوح الحال و فيها أيضا «و لو كان معيبا ألزم بالأرش أو دفع العين في المعينة لا المطلقة» و هو ظاهر في وجوب قبول الواهب مع دفع الأرش.

و فيه: أن المتجه عدمه، لأن الفرض اشتراط العوض المعين المنصرف إلى الصحيح فلا يجب عليه القبول، فالأولى الإلزام بالعين، أو بما يرضى به الواهب، و لو الأرش، و أما المطلقة، فإن كانت من دون تقدير عوض أصلا، و دفع عوضا معينا و هو مع العيب بقدر.

القيمة، فإنه على ما يسبق ليس له رده، و لا الرجوع، و إن كان أقل طالب بالزائد و إن كانت

ج 28، ص: 210

بتقدير عوض غير مشخص، فدفع ذلك القدر فظهر معيبا، فإنه يتجه- بناء على أنه كالسلم- أن يقال له المطالبة بالأرش أو البدل أو العين، و متى دفع المتهب أحدها لم يكن له الامتناع، و إن قلنا ليس المقام كالسلم، فله المطالبة بالبدل، و الله العالم.

و لو ظهر استحقاق نصف العين الموهوبة، رجع بنصف العوض، بل قيل: له أن يرد الباقي و يرجع بجميع الثواب خلافا للمحكي عن أحد قولي الشافعي، و حيث قال: ببطلان هبة الكل، و لو ظهر استحقاقها بعد تلفها في يد المتهب، ففي القواعد الأقرب رجوعه على الواهب بما غرمه من القيمة، و إن زادت عن العوض أو قلت عنه، و عن الإيضاح و جامع المقاصد أنه الأصح، و قد تقدم في باب البيع و يأتي في الغضب ما يستفاد منه تحقيق ذلك و الله العالم.

و كيف كان ف لو تلفت العين الموهوبة في يد المتهب و الحال هذه أى كان مشروطا فيها الثواب أو عابت لم يضمن الموهوب له عند المصنف و الفاضل و ولده في محكي التذكرة و الشرح، و إن كان ذلك بفعل المتهب لأن ذلك حدث في ملكه و لأن المتهب لا يجب عليه دفع العوض، و للواهب الرجوع في العين، فالتفريط منه بتركها في يد من يجوز له ذلك فيها بتسليطه.

و لكن فيه تردد بل منع كما عن ابن الجنيد و جمع من المتأخرين لعموم «أَوْفُوا» و نحوه، و لأن قبضها على أن يؤدى عوضها و لأن الواجب أحد الأمرين ردها أو دفع العوض، فإذا تعذر الأول وجب الثاني، و بذلك يظهر لك ما في دليل القول الأول- ضرورة دخولها في ملكه، و لا هو سلطه عليها كذلك، و عدم وجوب دفع العوض إن أريد به عدم وجوبه عينا لم يلزم منه نفى الوجوب على البدل الذي هو المدعى، و حينئذ فإذا تعذر أحد الأمرين المخير فيهما وجب الآخر عينا و إن أريد عدم الوجوب أصلا فهو ممنوع- لكن المراد بالضمان هنا وجوب دفع العوض إذا كان معينا، و المثل أو القيمة إذا كان مطلقا لأنه هو مقتضى الأمر بالوفاء، و

قوله «المؤمنون»

و غير ذلك مما تقدم سابقا لا القيمة على كل حال، لأن العين مضمونة على القابض و الشرط لا يجب عليه قبوله، إذ فيه أنها مضمونة بالعوض لا غير، و دعوى عدم وجوب قبول العوض ممنوعة، كما عرفت، و ما في المسالك من أقل الأمرين من

ج 28، ص: 211

ذلك، و من العوض قال: لما عرفت من أن المتهب مخيرين الأمرين و المحقق لزومه هو الأقل، لأنه إن كان العوض هو الأقل فقد رضى به الواهب في مقابلة العين، و إن كان الموهوب هو الأقل فالمتهب لا يتعين عليه العوض، بل يتخير بينه و بين بذل العين، فلا يجب مع تلفها أكثر من قيمتها، و هذا هو الأقوى».

و لا يخفى عليك ما فيه بعد فرض عدم انفساخ العقد بذلك، و الإكتفاء برد العين مع وجودها

لا يقتضي الإكتفاء بقيمتها بعد تلفها، بل اللازم من اقتضاء قاعدة تعذر أحد فردي المخير التي اعترف بها تعين الفرد الثاني فتأمل جيدا، فإن بعض الوهم هنا قد نشأ من الخلل في المسائل السابقة، و من تفسير الضمان بالمعنى المزبور الذي لا يتم إلا مع انفساخ العقد، و كون العوض على طريق المعاوضات، أما إذا كان بمعنى الثواب و الجزاء بهبة جديدة فقد يتردد في الضمان من كونه كالعوض بالمعنى الأخص و من منع ذلك، و أنه لا يقتضي الضمان حينئذ، و كذلك الكلام لو وجدها معيبة، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا صبغ الموهوب له الثوب فإن قلنا التصرف يمنع من الرجوع فلا رجوع للواهب ]

المسألة السادسة: إذا صبغ الموهوب له الثوب مثلا فإن قلنا مثل هذا التصرف يمنع من الرجوع، فلا رجوع للواهب، و إن قلنا لا يمنع إذا كان الموهوب له أجنبيا رجع به و كان الموهوب له شريكا معه في الثوب ب مقدار نسبة قيمه الصبغ إلى الثوب.

بل في المسالك لا فرق بين الصبغ، و بين القصارة و الطحن عندنا في ذلك، و قد تقدم في الغبن و في الفلس و العارية و غيرها النظر في أمثال هذه المسائل فلا حظ و تأمل كي تعرف أيضا الحكم فيما لو كان للموهوب غرس و نحوه و رجع الواهب، فإن لكل ما له، و أنه هل لصاحب الأرض إجبار الغارس على ازالته مجانا، أو ليس له ذلك بل يتخير بين الإبقاء بأجرة، و القلع مع الأرش، و الله العالم و المؤيد.

[المسألة السابعة إذا وهب في مرضه المخوف، و برء صحت الهبة]

المسألة السابعة: إذا وهب في مرضه المخوف، و برء صحت الهبة بلا خلاف و لا إشكال فيها، و لا في شي ء من تصرفاته المجانية و إن مات في مرضه، و لم تجز الورثة اعتبرت من الثلث على الأظهر كما عرفت البحث فيه مفصلا في كتاب الحجر، و الله هو العالم، و الحمد لله رب العالمين أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و الشكر لله.

ج 28، ص: 212

[كتاب السبق و الرماية]

اشارة

كتاب السبق و الرماية بسكون الباء و هو في الأصل مصدر سبق كضرب، أو سابق، بل قيل: إنه أوفق في معاملته الكائنة بين اثنين فصاعدا على ما ستعرف، و لعل مادته كافية في ذلك عن الهيئة، و عرفا معاملة على إجراء الخيل و ما شابهها في حلبة السباق، لمعرفة الأجود منها و الأفرس من المتسابقين، و كذا الرمي و الرماية في الأصل لمطلق ذلك، و عرفا معاملة على المناضلة بالسهام مثلا ليعلم حذق الرامي و معرفته بمواقع الرمي.

و فائدتهما بعث العزم و تهيّؤه على الاستعداد للقتال و الهداية لممارسة النضال في حرب الكافرين.

و هي معاملة صحيحة و مستندها بعد إجماع المسلمين بقسميه بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، بل قيل: و الكتاب المبين،

للمرفوع المروي عن عبد الله بن مغيرة(1)في تفسير قوله تعالى «وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ» الآية عن النبي (صلى الله عليه و آله) «إنه الرمي»

و قوله تعالى (2)«إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ» بناء على أصالة بقاء مشروعية ما كان في ملة غيرنا حتى يعلم النسخ- السنة المستفيضة أو المتواترة منها قوله (عليه السلام) المروي في طرق الخاصة و العامة(3)لا سبق إلا في نضل أو خف أو حافر منها

قول الصادق (عليه السلام)(4)«إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه، ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل

و قد

سابق رسول الله (صلى الله عليه و آله) أسامة بن زيد و أجرى الخيل

، ك

قوله أيضا(5)«ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 3.
2- 2 سورة يوسف الآية- 17.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 1- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 4.

ج 28، ص: 213

شي ء تحضره الملائكة إلا الرهان و ملاعبة الرجل أهله» و

منها

خبر طلحة عن الصادق- عليه السلام (1)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أجرى الخيل التي أضمرت من الحصى (2)إلى مسجد بني زريق و جعل سبقها ثلاث نخلات فأعطى السابق عذقا أى نخلة و أعطى المصلي عذقا و أعطى الثالث عذقا»

و منه

خبر غياث بن إبراهيم عنه أيضا(3)عن أبيه عن علي بن الحسين (عليه السلام) «أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أجرى الخيل و جعل سبقها أواقي من فضة»

إلى غير ذلك من النصوص.

و كيف كان ف تحقيق هذا الباب يستدعي فصولا

[الفصل الأول في الألفاظ المستعملة فيه ]

الأول: في الألفاظ المستعملة فيه فالسابق: أى المجلى من خيل الحلبة المجتمعة للسباق و هو الذي يتقدم و لو بالعنق و الكتد بفتح التاء و كسرها و هو العالي بين الظهور و أصل العنق و يعبر عنه بالكاهل.

و قيل و القائل الإسكافي يكفي التقدم بأذنه، و الأول أكثر ل

قوله (عليه السلام) «بعثت و الساعة كفرسي رهان كاد أحدهما أن يسبق الآخر بأذنه».

و فيه- مع إمكان حمله على المبالغة نحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(4)«من بنى مسجدا و لو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة»

مع امتناع بناء مسجد كذلك- أنه لا دلالة فيه على كون السابق على الإطلاق كذلك، إذا النزاع فيه لا المقيد بنحو ذلك.

كما أن في الأول منعا واضحا إن أريد الحمل عليه، و إن كان العرف على خلافه، ضرورة عدم الوضع الشرعي فيه، و على تقديره فلا مدخلية له في ألفاظ المتراهنين، فالتحقيق حينئذ إيكاله إلى العرف، و لعله في زماننا لا يصدق إلا أن يسبق بالكل، و بالجملة فالمدار على العرف إن كان، و إلا فلا بد من التقييد لرفع الغرور و النزاع، بناء على اعتبار المعلومية في ذلك، و إن كان القائل بالأول أكثر و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 1.
2- 2 الحفي خ ل.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام المساجد الحديث- 2.

ج 28، ص: 214

و المصلى منها أيضا هو الذي يحاذي ب رأسه صلوى السابق فصاعدا و الصلوان ه ما العظمان النابتان عن يمين الذنب و شماله و التالي للمصلي هو الثالث، و يليه البارع الرابع لأنه يرع المتأخر عنه وفاقه، ثم المرتاح و هو الخامس، من الارتياح بمعنى النشاط، فكأنه نشط فلحق بالسوابق، و السادس الحظي لأنه حظي عند صاحبه حين لحق بالسوابق، أي صار ذا حظوة و نصيب عنده، أوفى مال الرهان.

و السابع: العاطف، لأنه عطف إلى السوابق أي مال إليها، أو كر عليها فلحقها و الثامن:

المؤمل لأنه اللحوق بالسوابق، و التاسع: اللطيم وزان فعيل بمعنى مفعول، لأنه يلتطم إذا أراد الدخول إلى الحجرة الجامعة للسوابق.

و العاشر: السكيت بالتصغير مخففا، و يجوز تشديده، سمى به لسكوت ربه إذا قيل لمن هذا، أو لانقطاع العدد عنده، و ليس لما بعد العاشر من خيل الحلبة اسم إلا الذي هو آخر الخيل كلها، فيقال له: الفسكل بكسر الفاء و الكاف أو بضمهما الذي هو آخر فرس يجي ء في الرهان، و قيل: إنه السكيت.

و لا يخفي عليك أنه لا مدخلية لهذه الأسماء في شي ء من أحكام الباب، ضرورة بناء أحكامها على مسمياتها، لا على أسمائها، و هو يتبع عرف المتراهنين، أو ما يتفقون عليه في بيان ذلك، فقد يعبرون عن المجلى و المصلى و غيرهما بغير أسمائها كما هو واضح.

و على كل حال فقد عرفت أن السبق بسكون الباء في الأصل المصدر ثم نقل إلى المعاملة الخاصة و بالتحريك: العوض في هذه المعاملة، و هو (11) المسمى ب الخطر (12) بالخاء المعجمة و الطاء المهملة المفتوحتين و الندب و الرهن و منه أخذ الرهان بهذه المعاملة و المحلل (13) هو الذي يدخل بين المتراهنين (14) و لا يبذل معهما عوضا بل يجري فرسه بينهما أو في أحد الجانبين على وجه يتناوله العقد، على أنه إن سبق (15) بنفسه أو مع غيره أخذ (16) العوض أو بعضه على حسب الشرط، و إن لم يسبق لم يغرم (17) شيئا و الغاية مدى السباق (18) و منتهاه.

ج 28، ص: 215

و المناضلة: المسابقة و المراماة قال في الصحاح: ناضله: أي راماه يقال:

ناضلت فلانا فنضلته، إذا غلبته، و انتضل القوم و تناضلوا: أي رموا للسبق، و عن التذكرة السباق اسم يشتمل على المسابقة بالخيل حقيقة، و على المسابقة بالرمي مجازا و لكل واحد منهما اسم خاص، فيختص الخيل بالبرهان، و يختص الرمي بالنضال.

و في المسالك «إطلاق المناضلة على ما يشتمل المسابقة ليس بمعروف لغة، و لا عرفا، و لعل المصنف و من تبعه في ذلك تجوزوا في الإطلاق، و بعض الفقهاء عنون الكتاب بالمسابقة و المناضلة، و هو الموافق لما سمعته من أهل اللغة».

قلت: يمكن أن يريد المصنف أن المناضلة المسابقة في الرمي، و يكون قوله و المراماة تفسيرا، و إطلاق السبق على الرمي هو المنافق لقوله (عليه السلام) لا سبق إلى آخره على أن يكون المراد منه الغلبة في السبق المعنوي: و الأمر سهل.

و يقال: سبق- بتشديد الباء- إذا أخرج السبق بالتحريك أي العوض منه لغيره و إذا أحرز أيضا باستحقاقه له قبضه أم لم يقبضه.

و الرشق- بكسر الراء- عدد الرمي أي عدد ما يرمى به من السهام يقال:

رمى رشقا: أي رمى بسهامه التي يريد رميها كلها، و إذا حصل الاتفاق على خمسة خمسة، فكل خمسة يقال له رشق، و عن بعض أهل اللغة تخصيصه بما بين العشرين و الثلاثين.

و أما بالفتح فهو الرمي الذي هو المصدر، يقال:

رشقه يرشقه رشقا: إذا رماه بالسهم، و يقال: أيضا رشق وجه و يد بكسر الراء و يراد، به الرمي على ولاء حتى يفرغ الرشق فيكون مشتركا إذا كان الإطلاقان على جهة الحقيقة، و في الصحاح «الرشق بالكسر الاسم، و هو الوجه من الرمي، فإذا رمى القوم بأجمعهم في جهة واحدة قالوا: رمينا رشقا».

و في المسالك «و المراد برشق اليد هذا المعنى، و إضافة الرشق إلى اليد كإضافته إلى الوجه، فيقال: و رشق يد، إذا كانت جهة الرمي واحدة، و يمكن مع ذلك إضافته إليهما معا كما يظهر من العبارة».

ج 28، ص: 216

قلت: قد يقال: ظاهر الولاء الذي في العبارة غير الاتحاد في الجهة، المذكور في الصحاح.

و على كل حال ف يوصف السهم المرامى به، بأوصاف كثيرة ذكر في محكي التحرير منها ستة عشر، و محكي كتاب فقه اللغة تسعة عشر اسما، و اقتصر المصنف على ستة منها، لما عرفت سابقا من عدم فائدة معتد ب ها في ذلك.

و هي الحابي، و الخاصر، الخازق، الخاسق، و المارق، و الخارم فالحابي: ما زلج أي زلق على الأرض ثم أصاب الغرض بمعنى أنه يقع دون الهدف ثم يحبو إلى الغرض فيصيبه، مأخوذ من حبو الصبي، و جمعه حوابي، و في محكي الصحاح سهم زلج: يتزلج عن القوس.

و الخاصر بالخاء المعجمة و الصاد المهملة من الخاصرة هو ما أصاب أحد جانبيه أي الغرض، و في المسالك يسمى جائزا و قيل: الجائز ما سقط من وراء الهدف، و قيل: ما وقع في الهدف عن أحد جانبي الغرض فهو مخطئ إن كان شرط الإصابة في الغرض، و مصيب إن كان في الهدف.

و الخازق بالخاء و الزاء المعجمتين ما خدشه أي الغرض.

و الخاسق: ما فتحه و ثبت فيه لكن عن نهاية ابن الأثير خرق السهم و خسق إذا أصاب الرمية و نفذ فيها، و سهم خازق و خاسق، و في الصحاح: الخازق من السهام المقرطس، و الخاسق لغة في الخازق، و قال في باب السين سمى الغرض قرطاسا يقال: رمى بمقرطس إذا أصابه و نحوه عن القاموس، و ظاهر الجميع أنهما بمعنى واحد، و هو النفوذ كما في النهاية، و الإصابة كما في الصحاح و القاموس، و عن الثعالبي في سر العربية إذا أصاب الهدف فهو مقرطس، و خارق و خاسق و صائب.

و الخارق (11) بالخاء المعجمة و الراء المهملة هو الذي يخرج من الغرض نافذا (12) من الخرق بمعنى الشق، لكن في المسالك «لم يذكره أحد من أهل اللغة ممن وقفت

ج 28، ص: 217

على كلامه في أسمائه، و في بعض نسخ الكتاب المارق بالميم يدل الخارق و هو الصواب الموافق لكلام أهل اللغة».

و الخارم هو الذي يخرم حاشيته أي الغرض، و في المسالك أيضا «لم يذكره أهل اللغة» و الأمر سهل.

و يقال: أيضا في اسم السهم المزدلف و هو الذي يضرب الأرض ثم يثب إلى الغرض و ظاهر القواعد أنه رديف للحابي قد يفرق بينهما بما تشعر به عبارة المصنف من اعتبار القوة في الثاني، بخلاف الحابي، بل في المسالك «إن هذا هو الظاهر من التذكرة».

و الغرض ما يقصد اصابته، و هو الرقعة، و الهدف ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره كحائط و نحوه، و قد يطلق على الغرض القرطاس، و إن لم يكن قرطاس، و قد يجعل في الغرض نقش كالهلال، يقال: لها الدائرة، و في وسطها شي ء آخر يقال له الخاتم:

و الإصابة تتبع الشرط، فقد يكفي فيها الهدف، و قد لا يكفي إلا الخاتم كما هو واضح.

و المبادرة أحد قسمي المراماة و هي أن يبادر أحدهما مثلا إلى مطلق الإصابة أو إصابة عدد معين مع التساوي في الرشق (11) من مقدار معين أو مطلق، فلو أصاب أحدهما في أول الرشق و أخطأ الآخر فهو ناضل له، و لو أصابا معالم يناضل أحدهما الآخر، و لو اشترطا اصابة خمسة في ضمن العشرة، فأصاب أحدهما فيها و أخطأ الآخر فهو ناضل له، و إن أصاب أيضا لم يتناضلا، و إلى ما ذكرناه يرجع تفسيرها في المسالك «بأنها اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عدد معين، من مقدار رشق معين مع تساويهما فيه» ضرورة أنه أعم منه كما هو مقتضى إطلاق المصنف.

و (12) القسم الثاني المحاطة و هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة (13) بعد تساويهما في الرشق، فإن نضل أحدهما الآخر، فهو ناضل له، و إلا لم يتناضلا، سواء اشترطا عددا معينا أولا، لأن المدار على تساويهما في الرشق، و نضل أحدهما الآخر و أما غير ذلك فهو على حسب الشرط، و هذا مقتضى إطلاق المصنف، و إليه و إلى بعضه يرجع تفسيرها في

ج 28، ص: 218

المسالك «بأنها اشتراط العوض لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابة الآخر، و طرح اشتركا فيه» ثم أكثر من الأمثلة، و لكن إطلاق المصنف أجود، و منه يظهر أنه لا وجه لمناقشة المصنف بأن المقصود من معنا هما غير حاصل من لفظه، و بدخول كل منهما في تعريف الآخر، كما أن منه أيضا يعلم رجوع المناضلة إليهما، لا أنها قسم ثالث كما في القواعد، مع أن المحكي من التحرير صريح في مرادفتها له.

نعم ربما قيل إن الجواب من دون ياء قسم ثالث للمراماة، و هي أن يحتسب بالإصابة للغرض و الهدف، و يسقط الأقرب للغرض ما هو الأبعد منه و لا بأس به.

[الفصل الثاني فيما يسابق به ]

الفصل الثاني: فيما يسابق به و لا ريب أن الأصل عدم ترتب آثار هذا العقد و حينئذ ف يقتصر في الجواز على النصل و الخف و الحافر، وقوفا فيما خالف الأصل على مورد الشرع و الإجماع على شرعيته في الجملة لا يقتضي العموم، كما أن كون الحكمة فيه الاستعداد للجهاد كذلك أيضا، بل و لا «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بعد أن ذكرنا غير مرة أن المراد منها العموم في أنواعها، لا أفراد كل نوع منها الذي يرجع في مشروعيته إلى ما دل على مشروعية نوعه إن كان على جهة العموم، أو الإطلاق الشامل للفرد المشكوك فيه، و ليس في المقام ذلك، بل ظاهر خير الحصر، و نفرة الملائكة عند الرهان، و لعن صاحبه خلافه، و بذلك يظهر لك النظر فيما في المسالك فلا حظ و تأمل.

نعم أطنب في الحدائق في إضافة الطيور إلى الثلاثة مستدلا على ذلك بنصوص قاصرة السند و لا جابر، على أن خبر الحمام منها محتمل لإرادة اللعب به، بلا مسابقة و لا إرادة الخيل منه، بل قيل: أنه المتعارف في لسان أهل المدينة، بل لعله أيضا ظاهر أو محتمل الاستدلال عليه في خبره للنبوي المتضمن لإجراء الخيل، بل ربما احتمل في النصوص الريش منها إرادة السهم ذي الريش، و ليس في عطفه على النصل في أحد الخبرين دلالة على التغاير بينهما، بعد احتمال كونه من عطف المرادف، أو الخاص على العام المؤيد بإسقاط العطف، و إبدال النصل بالريش في الخبر الثاني المصرح فيه بحرمة الباقي، كل ذلك مضافا إلى الإجماع المحكي مستفيضا على الحصر في الثلاثة.

ج 28، ص: 219

و كيف كان ف يدخل تحت النصل: السهم و النشاب و الحراب و السكين و السيف و الرمح، قال في الصحاح: النصل نصل السهم و السيف و السكين و الرمح، و فيه أيضا: النشاب السهام، فيكون عطفه عليه هنا من عطف التفسير و عن مبسوط الشيخ أنه باعتبار اللغات، فيقال: سهم في لغة العرب، و نشاب في لغة العجم، و في المسالك «إن حصر النصل فيما ذكر هو المعروف لغة، و عرفا، فلا يدخل فيه مطلق المحدد كالدنبوس و عصا المرافق إذا جعل في رأسها حديدة و نحو ذلك عملا بالأصل السابق» و لكن مع ذلك قال: «و يحتمل الجواز بالمحدد المذكور، إما الادعاء دولها في الأصل، أو لإفادتها فائدة النصل في الحرب، حيلة على جواز الفعل نظرا إلى دخوله بذلك في النصل» و هو كما نرى، ضرورة أنه لا وجه للاحتمال المزبور بعد الاعتراف بأن الحصر المزبور هو المعروف لغة و عرفا، فإن ادعاء دخولها يكون غلطا حينئذ، كدعوى لحوقها في الحكم و إن لم تدخل في الموضوع كما هو واضح.

و يتناول الخف: الإبل و الفيلة اعتبارا باللفظ الشامل لذلك بلا خلاف، أجده فيه بيننا، بل ظاهر المسالك الإجماع عليه، بل حكاه فيها عن أكثر العاملة أيضا نعم عن بعضهم المنع لأنه لا يحصل بها الكر و الفر، فلا معنى للمسابقة عليها، و كأنه مال إليه بعض متأخري المتأخرين منا، لكنه في غير محله، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص، و دعوى انصرافه إلى الأول خاصة ممنوعة، على أن كر كل حيوان و فراره بحسب حاله.

و كذا يدل الحافر على الفرس و الحمار و البغل فيجوز المسابقة عليها كما في المسالك، خلافا لبعض العامة فمنع منها في الأخيرين، لأنهما لا يقاتل عليهما عملا غالبا، و لا يصلحان للكر و الفر، و مال إليه بعض متأخري المتأخرين لذلك، و لدعوى عدم انصراف الإطلاق إلى ما يشملهما، لكنه في غير محله كما عرفت، خصوصا بعد مقاتلة أمير المؤمنين (عليه السلام) على بغلة رسول الله (صلى الله عليه و آله).

و كيف كان ف لا تجوز المسابقة المشتملة على عوض بالطيور و لا على القدم و لا بالسفن و لا بالمصارعة و لا بغير ذلك مما هو غير الثلاثة المزبورة بلا خلاف أجده

ج 28، ص: 220

فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الحصر السابق، و لعن الملائكة الراهن في غيرها و أنه قمار حرام.

نعم عن بعض العامة جواز المسابقة بالجميع، لإمكان الاحتياج إلى الطيور في حمل الكتب، و استعلام حال العدو، و تعارف الحرب على الأقدام كتعارفه بالسفن في البحر، و

النبوي المروي (1)من طرقهم «أنه (عليه السلام) سابق عائشة بالقدم مرتين، سبق في إحداهما، و سبق في الآخر»،

و «أنه صارع ثلاث مرات (2)كل مرة على شاة فصرح خصمه في الثلاث، و أخذ منه ثلاث شياه».

و لكن لم يثبت شي ء من ذلك عندنا، بل الظاهر الثابت خلافه كما عرفت، و أما جوازها بدون عوض فقد حكى فيه قولان: قيل: إن منشأهما فتح الباء في لفظ سبق المروي في خبر الحصر و سكونها، فعلى الأول الذي هو المشهور لا يدل إلى على عدم مشروعية بذل العوض في غير الثلاثة، و لا تعرض فيها لغير ذلك، فيبقى على أصالة الجواز، و على الثاني يدل على المنع مطلقا، لكن يرجح الأول- مع شهرة روايتها كذلك أن احتمال الأمرين يرفع دلالتها على المنع مطلقا، فيبقى أصالة الجواز خالية عن المعارض.

مضافا إلى إمكان ترتب غرض صحيح عليها، يخرجها عن اللهو و اللعب، مع أنهما لم يثبت تحريمهما على وجه الإطلاق بحيث يشمل المجرد عن الآلات المعدة لمثل ذلك، فيجوز حينئذ المسابقة بالأقدام، و رمي الحجر و دفعه، و المصارعة و الآلات التي لا تشتمل على نصل و الطيور، و لعل من ذلك

مصارعة الحسنين (عليهما السلام) بمحضر النبي (صلى الله عليه و آله)(3)

و مكاتبتهما، و غيرهما مما هو مروي عن الحسن (عليه السلام) أيضا، و من ذلك و غيره

جزم به ثاني الشهيدين و من تبعه، لكن في الرياض «أن الأشهر خلافه، بل ظاهر المهذب و المحقق الثاني و صريح المحكي عن التذكرة أن عليه إجماع الإمامية في جميع الأمور المذكورة، ثم اختاره للإجماع المزبور المعتضد بالشهرة، و بما دل على حرمة اللهو و اللعب لكون المسابقة في المذكورات منها بلا تأمل.


1- 1 المغني لابن قدامه ج 11 ص 127- 129.
2- 2 المغني لابن قدامه ج 11 ص 127- 129.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 517.

ج 28، ص: 221

و خصوص ما مر من المعتبرة(1)المنجبر قصور سندها بالشهرة، بل و عمل الكل و لو في الجملة الدالة على تنفر الملائكة عند الرهان، و لعنها صاحبها ما خلا الثلاثة، مع التصريح في بعضها بأن ما عداها قمار محرم، و دعوى توقف صدق القمار و الرهانة على بذل العوض غير معلوم الصحة مع صدقهما، سيما الرهانة بدونه عرفا و عادة و ربما جعل ذلك كله قرينة على صحة رواية السكوني التي دلالتها على عدم الصحة بل الحرمة ظاهرة، لعدم إمكان إرادة نفي الماهية، فتحمل على أقرب المجازات، و هو إما نفى جميع أحكامها التي منها الصحة و المشروعية، أو نفيهما خاصة، لأنه المتبادر من نفي الماهية بلا شبهة، سيما مع الاعتضاد بما عرفته من أدلة الحرمة و بذلك يظهر الجواب عما في الكفاية: من أنه لا دلالة في الرواية على الحرمة على النسختين، فإنه على الفتح يحتمل أن لا لزوم،

أو لا تملك، أو لا فضل للسبق، و العوض إلا في هذه الثلاثة من بين الأفعال التي يسابق عليها، و حينئذ فلا دلالة لها على تحريم الفعل، أو الملاعبة مع العوض أيضا في غير الثلاثة، بل لا يدل على تحريم العوض أيضا، و على السكون يحتمل أن يكون معناها لا اعتداد بسبق في أمثال هذه الأمور إلا في الثلاثة، أو لا فضل لسبق إلا في الثلاثة، فلا دلالة فيها على التحريم» إذ هو كما ترى بعد ما عرفت، إذ لا ريب في بعد الاحتمالات التي ذكرها، و لهذا لم يشر أحد من الأصحاب إلى جريان شي ء منها في الرواية، بل أطبقوا على دلالتها على الحرمة، و إنما اختلفوا لاختلاف النسخة في متعلقها هل هو العوض خاصة، أو نفس الرهانة، و أين هذا الإطباق من صحة ما ذكره بل ينبغي القطع بفساده.

سيما مع ما عرفت من الروايات، بل للأدلة الأخر الظاهرة في الحرمة و أخبارهم يكشف بعضها عن بعض» هذا حاصل ما في الرياض، و نقلناه بطوله لجودة محصوله.

لكن ينبغي أن يعلم أن التحقيق الحرمة و عدم الصحة إذا أريد إيجاد عقد السبق بذلك، إذ لا ريب في عدم مشروعيته، سواء كان بعوض أو بدونه، و لو للأصل، فضلا عن النهي في خبر الحصر.

أما فعله لا على جهة كونه عقد سبق، فالظاهر جوازه، للأصل و السيرة المستمرة على فعله في جميع الأعصار و الأمصار من الأعوام و العلماء، و

ما ورد من مصارعة الحسن و الحسين


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 6.

ج 28، ص: 222

(عليه السلام)(1)و مكاتبتهما و التقاطهما حب قلادة أمهما،

بل

ما روته العامة من مسابقة النبي (صلى الله عليه و آله)(2)لعائشة بقدمه فسبق و سبق»

لو قلنا بصحة ذلك، و عدم منافاة مثله لمنصب النبوة، لأنه من المداعبة مع الزوجة و غير ذلك.

بل لا يبعد جواز إباحتهما العوض على ذلك، و الوعد به مع استمرار رضاهما به، لا على أنه عوض شرعي ملتزم، بل قد يحمل عليه ما

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله) في طرق العامة(3)«من المسابقة بالقدم مع أشخاص ثلاثة على شاة، فغلب الثلاثة و أخذ الشياة الثلاث»

ملتزم به، و المراد من الخبر- على السكون- لا عقد سبق، فإن السبق اسم لهذه المعاملة، كالبيع و الصلح و الإجارة، و على الفتح لا سبق إلا في الثلاثة لعدم مشروعية عقد السبق في غيرها، و حينئذ يتحد المراد منها على النسختين، و الإجماعات المزبورة إنما هي على

ما ذكرنا من عدم مشروعية عقد السبق في غير الثلاثة، و إن كان بغير عوض ففعله حينئذ تشريع محرم، لا أن المراد حرمة مطلق المغالبة، و إن تعلق بها غرض صحيح، و دعوى أنها مطلقا لهو و لعب، و هما مطلقا حرام واضحة المنع، خصوصا بعد معروفية مداعبة الصلحاء و مغالبتهم في كثير من الأمور، بل ربما عد مثلها عبادة، و بذلك ظهر لك ما في كلام من الأصحاب، و إنه غير محرر، فإن جملة من كلماتهم تقتضي بأن محل البحث إيقاع عقد المسابقة، و جملة منها تقتضي بحرمة مطلق المغالبة بغير الثلاثة، و إن لم يكن على أنه عقد مسابقة، لأنها لهو و لعب و قمار، إلا أن التحقيق ما عرفت.

[الفصل الثالث في عقد المسابقة و الرماية]

الفصل الثالث: في عقد المسابقة و الرماية و هو يفتقر مضافا إلى ما يعتبر في غيره من العقود من البلوغ و العقل و نحوهما إلى إيجاب و قبول كغيره من العقود بالنسبة إلى ذلك، و إلى جميع ما يعتبر في اللازم منها، بناء على أنه منها من العربية و المقارنة و نحو ذلك.

نعم الظاهر جريان المعاطاة فيه كغيره، بناء على عموم مشروعيتها.


1- 1 المستدرك ج ص 517.
2- 2 المغني لابن قداحة ج 11 ص 127.
3- 3 المغني لابن قداحة ج 11 ص 127.

ج 28، ص: 223

و قيل: و القائل الشيخ فيما حكى عنه و الفاضل في محكي مختلفة هي جعالة فلا تفتقر إلى قبول، و يكفي البذل كما يكفي فيها قول من رد عبدي فله درهم و نحوه، و على الأول: فهو لازم كالإجارة لعموم (1)«أَوْفُوا» و(2)

«و المؤمنون»

و الأصل و على الثاني: هو جائز، شرع فيه أو لم يشرع كالجعالة و إن كان التحقيق خروجه عنهما معا، ضرورة انتفاء جملة من خواص كل منهما فيه، منها- العوض، فإن الظاهر عدم اعتباره فيه، لإطلاق الأدلة و عمومها، بل و قد وقع من رسول الله (صلى الله عليه و آله) بدونه.

قال الصادق (عليه السلام) في خبر طلحة بن زيد(3)«أغار المشركون على سرح المدينة، فنادى فيها مناديا سوء صباحاه فسمعها رسول الله (صلى الله عليه و آله) فركب فرسه في طلب العدو و كان أول أصحابه و لحقه أبو قتادة على فرس له، و كان تحت رسول الله (صلى الله عليه و آله) سرج دفتاه من ليف ليس فيه أشر و بطر، فطلب العدو فلم يلقوا أحدا، و تتابعت الخيل. قال: أبو قتادة: يا رسول الله إن العدو قد انصرف، فإن رأيت أن نستبق فقال: نعم فاستبقوا فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) سابقا ثم أقبل عليهم فقال: أن ابن العواتك من قريش إنه لهو الجواد البحر»

و منها عدم معلومية السابق، و منها عدم رجوع العمل للجاعل إلى غير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل، على وجه يقطع بخروج هذا العقد عنهما، و كونه عقدا برأسه، و ثاني الشهيدين و إن ذكر ذلك هنا احتمالا لكنه جزم بعد ذلك بخروجه عنهما، كالمحقق الثاني و عليه فرع

جملة من الأحكام الخارجة عنهما محتجا عليه بأنه عقد برأسه، بل لعل الأصحاب أجمع كذلك، و إن وقع من بعضهم كونه إجارة أو جعالة، إلا أن مرادهم كالأول في اللزوم، و الاحتياج إلى القبول، و كالثاني في الجواز، و عدم الاحتياج إلى القبول العقدي، لا أن المراد كونه فردا منهما، و لذا جعلوا له كتابا مستقلا على نحو غيره من العقود، و أثبتوا له أحكاما لا توافق شيئا من العقدين كما هو واضح.

و على كل حال فالدليل على عقديته ذكر الأصحاب له في نظمها، بل ظاهر المصنف في النافع، و الفاضل في المختلف بل و غيرهما المفروغية من ذلك، و ان التردد إنما هو في اللزوم و الجواز، و إن كان ظاهره هنا تفريغ لزومه و جوازه على عقديته و عدمه، لكنه في غير محله،


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام السبق و الرماية الحديث- 2.

ج 28، ص: 224

ضرورة كون كل منهما أعم من ذلك.

كما أن التردد في الجواز و اللزوم بعد فرض عقديته في غير محله، ضرورة أن الأصل في العقد اللزوم، لعموم «أَوْفُوا»(1)و الاستصحاب الذي مقتضاه ذلك أيضا، و إن لم نقل بعقديته، و ما في المختلف «من أن المراد من الأمر بالوفاء بالعقد العمل على مقتضاه إن كان جائزا، و ليس المراد مطلق العقود، و إلا لوجب الوفاء بالجائزة» واضح الفساد ضرورة ظهور الأمر بالوفاء بالشي ء التزامه و العمل به، لا العمل بمقتضاه من جواز أو لزوم و من

هنا كان طريقة الأصحاب حتى هو الاستدلال بها على اللزوم، و إلا كان دورا واضحا و خروج العقود الجائزة منها للأدلة، لا ينافي بقاء حجيتها في الباقي.

و بذلك كله ظهر لك أنه لا إشكال في اللزوم على تقدير عقديته الذي قد عرفت ثبوتها من التسالم المزبور، بل و من أن ثبوت العوض في ذمة المسبوق، مع فرض كون الإيجاب من السابق من الأمور التي لا تثبت إلا بالعقود، المعلوم كون موردها نحو ذلك بخلاف موارد الإنشاء، على أنه على فرض الشك في كونه عقد أو غيره، فالأصل عدم ترتب الأثر بالإيجاب خاصة، و لا ينافيه إطلاق المسابقة بعد فرض الشك فيها، و في الرياء بعد الفراغ من عقديته قال: «و حينئذ الأجود الاستدلال على اعتبار القبول أن يقال إن الوجه فيه ظاهر على القول باللزوم، و كذا على القول بالجواز، بناء على أن لزوم العوض المبذول بعد العمل للسابق على المسبوق لا يتأتى إلا على اعتبار قبوله، إذ لولاه لأمكنه الامتناع من بذله بعد العمل، مدعيا عدم رضاه بالإيجاب، و لعله خلاف الإجماع، بل العوض لازم عليه بهذا العمل كالجعالة بلا خلاف، و لا يتم ذلك إلا بالإجماع لكن هذا إنما يجري لو كان السابق هو الموجب، و لو انعكس أمكن عدم الاحتياج إلى القبول كالجعالة، و إلا أنه يمكن التعميم بعدم القول بالفصل فتأمل».

و فيه، أولا: أنه لا حاجة إلى هذا الاستدلال، بعد فرض معلومية كونه عقدا، لما هو معلوم من أنه المركب من الإيجاب و القبول، سواء كان جائز أو لازما.

و ثانيا: أن المراد اعتبار القبول العقدي، و اللزوم بعد العمل يمكن أن يكون لحصول الرضا، و إن لم يكن على جهة القبول العقدي كالجعالة:


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 28، ص: 225

كما أن ما فيه أيضا- بعد تسليم اللزوم في هذا العقد، بمعنى عدم جواز الامتناع من بذل العوض بعد تمام العمل لما في ذلك من الضرر على السابق بتضييع عمله المحترم الذي لم يقع إلا برضاه، بدفع العوض عنه «من منع اللزوم بمعنى وجوب العمل عليه ابتداء، و عدم جواز الفسخ قبله أو بعده قبل التمام، للأصل، و لأنه إنما التزم فيه ببذل العوض بعد حصول السبق، إذ لا معنى لقوله من سبق فله كذا غير ذلك و هو غير الالتزام بنفس العمل في العوض في بدو الأمر بل حالها حينئذ كالجعالة، فلكل منهما فسخها ابتداء، أو في الأثناء، و لكن يجب على المسبوق منهما للسابق بذل العوض الذي عيناه-».

لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة عدم الدليل على أن كيفية العقد ما ذكره، بل لعل الظاهر خلافه، و أن ذلك يذكر بعد إنشائهما الالتزام بالمسابقة و المراماة الذي مقتضاه وجوب فعل ذلك منهما كما هو مقتضى العقود اللازمة، و كأنه لا خلاف فيه، قال الفاضل في القواعد و على اللزوم يجب البدء بالعمل، لا بتسليم السبق، و في جامع المقاصد في شرح ذلك: «الظاهر أنه لا خلاف فيه».

بل لا يخفى على من تأمل غير ذلك من كلماتهم خصوصا القواعد و التذكرة و جامع المقاصد أنه لا إشكال على اللزوم في وجوب العمل، و عدم جواز الفسخ، بل يظهر من القواعد و غيرها التوقف في الفسخ على الجواز في بعض الصور، قال فيها بعد أن استقرب الجواز- فلكل منهما فسخه قبل الشروع، و يبطل بموت الرامي و الفرس و لو مات الفارس فللوارث الإتمام على أشكال، إلى أن قال: و إن كان بعد الشروع و ظهور الفضل، مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهام أكثر، فللفاضل الفسخ لا المفضول على أشكال، بل في جامع المقاصد «إن الأصح عدم الجواز» و هو مقرب التذكرة، لأن ذلك يؤدي إلى سد باب المسابقة، إذ متى ظهرت أمارات الغلبة لأحدهما فسخ الآخر، و إن كان هو كما ترى بعد استصحاب بقاء الجواز.

نعم ربما كان ذلك مؤيدا للقول باللزوم من الأصل، ثم لا يخفى عليك ما في قوله للوارث الإتمام، إذ لا ريب في الانفساخ على اللزوم، فضلا عن الجواز، ضرورة كون المغالبة وقعت بين الشخصين، لا ورثتهما فهو كالمستأجر المشترط عليه المباشرة.

ج 28، ص: 226

و دعوى- أن المراد بالمسابقة امتحان الفرس، لا الفارس و بذلك افترق عن المراماة و انفسخت بموت الفرس- واضحة المنع كوضوح فساد أصل الحكم، خصوصا بعد ملاحظة قصور الوارث عن ذلك، لكونه طفلا أو أنثى أو نحو ذلك، و دعوى استنابة غيرهم في ذلك كما ترى، و بذلك كله بأن لك بحمد الله تعالى الحال في جميع أطراف المسألة.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يصح أن يكون العوض عينا أو دينا على حسب غيره من المعاملات لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص

«ما وقع من النبي (صلى الله عليه و آله)(1)من بذل النخلات و الأواقي من الفضة.»

نعم ستعرف فيما يأتي أنه يعتبر في ملكه- العمل على وجه يكون جزء السبب، فلا يصح ضمانه لو كان دينا قبله و لا الرهن عليه- أولا يعتبر ذلك، و إنما هو شرط كاشف و السبب العقد، و إن أطلق في المسالك هنا ضمانة و الرهن عليه و الأمر سهل.

و إذا بذل السبق غير المتسابقين صح إجماعا من المسلمين- إذا كان الإمام و مطلقا- من المؤمنين، خلافا لبعض العامة فخص جوازه بالإمام، لأنه له النظر في الجهاد، و ضعفه واضح، إذ هو و مقدماته مرغب فيه مطلقا.

و إذا بذله أحدهما أو هما صح عندنا، و لو لم يدخل بينهما محلل خلافا لبعض العامة- أيضا، فلم يجوزه من أحدهما خاصة، معللا له بأنه قمار، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص الذي منه الإطلاق و العموم و لابن الجنيد فلم يجوزه منهما من دون دخول محلل، لخبر عامي لا يصلح لمعارضة إطلاق الأدلة و عمومها.

و لو بذله الإمام من بيت المال جاز بلا خلاف و لا إشكال لأن فيه مصلحة للإسلام و المسلمين، و هي مصرفه و لو جعلا السبق للمحمل بانفراده

إذا سبق جاز أيضا لإطلاق الأدلة و عمومها، فلا يستحق أحدهم شيئا إذا سبق بل يكون السبق لباذله، لعدم حصول السبق ممن بذل له، و كذا لو سبق أحدهما و المحلل إذا كان الشرط سبق المحلل لهما نعم لو كان الشرط سبقه و لو لأحدهما استحق حينئذ.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام السبق و الرماية.

ج 28، ص: 227

و كذا يجوز لو قيل: من سبق منا أي الثلاثة فله السبق، عملا بإطلاق الإذن في الرهان المقتضية جواز ذلك و غيره، و يرجع في معناه إلى العرف كما تسمع في نظائره.

و كيف كان ف تفتقر المسابقة إلى شروط خمسة: الأول تقدير المسافة ابتداء و انتهاء للغرر، و لأنه مع عدم تعيين الغاية قد يديمان السير فتهلك الدابة و لأن من الخيل ما يقوي سيره في ابتداء المسافة، ثم يأخذ بالضعف، و هو عتاق الخيل و منها بالعكس، و هو هجانها، و صاحب الأول يريد قصر المسافة و الآخر يريد طولها، فيؤدي عدم التعيين حينئذ إلى النزاع المعلوم من الشارع إرادة حسمه، فعلى هذا لا يجوز استباقهما، بل و بدون غاية المعرفة أيهما يقف.

و الثاني: تقدير الخطر بعد معرفة جنسه، للغرر في المجهول و إثارة النزاع. نعم قد يجي ء على القول بأنها جعالة جواز جهالته في بعض الوجوه، كما أنه لا إشكال في اعتبار معلوميته بناء على أنها إجارة، و إن كان التحقيق خلافهما، و أنها عقد مستقل يشارك كلا منهما في بعض الأمور، و ينفرد عنهما بأمور أخر.

و الثالث: تعيين ما يسابق عليه بالمشاهدة، لأن المقصود امتحان الفرس و ذلك يقتضي تعيينه، بل لا يكفي الوصف حينئذ، و إن كفى في السلم الذي يراد به الكلي لا الشخصي.

و الرابع: تساوي ما به السباق في أصل احتمال السبق و إن رجح في أحدهما فلو كان أحدهما ضعيفا تيقن قصوره عن الآخر لم يجز لعدم الاستعلال فيه حينئذ.

لكن لا يخفى عليك المناقشة في دليل كثير منها، أو جميعها كما تسمعه في الشرائط الآتية، اللهم إلا أن يكون إجماعا كما عساه يظهر من نفي الخلاف من بعضهم، و إن كان هو كما ترى.

ج 28، ص: 228

الخامس: أن يجعل السبق لأحدهما أو للمحلل فلو جعل لغيرهما لم يجز بلا خلاف للأصل بعد الشك في تناول إطلاق الأدلة له و لما قيل: من أنه مفوت للغرض من عقد المسابقة و هو التحريص في طلب الغلبة و بذلك الجهد في الفروسية و نحوها، و إن كان لا يخلو من مناقشة.

نعم لو جعل للمسبوق فات الغرض، بسبب اقتضاء ذلك حرص كل واحد منهما على كونه مسبوقا، فيفوت الغرض.

بل في المسالك «و كذا لا يجوز جعل القسط الأوفر للمسبوق، و يجوز العكس لحصول الغرض في الجملة بالنسبة إلى الزيادة، كما يجوز جعلها خاصة عوضا».

و لكن قد يناقش بالشك في تناول إطلاق الأدلة له إن لم يكن ظاهرها خلافه، و الأصل الفساد.

و زاد في محكي التذكرة سادسا: و هو تساوي الدابتين جنسا، فلا يجوز المسابقة بين الخيل و البغال مثلا لأنه مناف للغرض من استعلام قوة الفرس بالسباق مع جنسها و مرجعه إلى الأصل السابق بعد فرض الشك في تناول الإطلاق له، بل يمكن استفادته أيضا من المتن.

نعم يمكن منع الشك المزبور مع حصول احتمال سبق كل منهما، أما لو تساويا جنسا لا صنفا كالعربي و البرذون و البختي و العربي، فالأقوى الجواز مع فرض تحقق الاحتمال المزبور، لتناول الإطلاق.

و سابعا: و هو إرسال الدابتين دفعة، لمنافاة الغرض مع عدمه إذا ربما كان السبق مستندا إلى إرسال أحدهما أولا.

و فيه: أنه يتبع الشرط و لذا لا يشترط التساوي في الموقف، كما ستعرف، نعم يعتبر معرفة مقدار ذلك مع فرض الاشتراط تخلصا عن الجهالة المفضية إلى التنازع مع احتمال الاكتفاء في تحقق السبق من أحدهما.

و ثامنا: و هو أن يستبقا على الدابتين في الركوب، فلو عقدا على إرسال الدواب بنفسها كان باطلا.

ج 28، ص: 229

و فيه: أنه خروج عن موضوع السبق لا أنه من شروطه.

و تاسعا: و هو أن يجعلا المسافة بحيث يحتمل الفرسان قطعها و لا ينقطعان دونها، فلو كانت بحيث لا ينتهيان إلى غايتها إلا بانقطاع أو تعب شديد بطل العقد.

و عاشرا: و هو أن يكون مورد العقد ممن يستعد للقتال فلا يجوز السبق و الرمي للنساء لأنهن لسن من أهل الحرب.

و فيه: منع، خصوصا في مثل الصبيان بعد العقد من أوليائهم.

و الحادي عشر: العقد المشتمل على أركانه المعتبرة فيه، و فيه أن نحو ذلك ليس من الشرائط، على أن الظاهر الإكتفاء فيه بالمعاطاة، و قد تقدم في كلام المصنف ما يدل عليه.

و الثاني عشر: عدم تضمن العقد شرطا فاسدا، فلو قال: إن سبقتني فلك هذه العشرة، و لا أرمي بعد هذا أبدا، أو لا أنا ضلك إلى شهر بطل، لأنه شرط ترك قربة مرغب فيها، ففسد و أفسد.

و فيه أولا: أنه ليس من الشرائط.

و ثانيا: منع عدم صحته و بذلك كله ظهر لك الحال في أكثر هذه الشرائط، و أنه لا دليل عليها بالخصوص، و كأن كثيرا منها موافق لمذاق العامة، و التحقيق ما عرفت من صحة ما يفهم من الأدلة منها، و ما يشك في شرعية العقد الفاقد لها منها، لأنه الأصل الفساد، و إلا فإطلاق الأدلة ينفيه، هذا.

و في القواعد و ليس لأحدهما أن يجنب إلى فرسه فرسا آخر يحرصه على العدو، و لا يصيح به في وقت سباقه و لعله

للنبوي المرسل (1)«لا جلب و لا جنب»

لكن عن نهاية ابن الأثير الجلب هو أن يتبع الرجل فرسه فيزجره، و يجلب عليه و يصيح حثا له على الجري، و الجنب بالتحريك أن يجنب فرسا إلى فرسه الذي يسابق عليه، فإذا افتر المركوب تحول إلى المجنوب فنهوا عنهما، و هو غير ما في القواعد، بل قد يتوقف في أصل الحكم، لعدم ثبوت دليله، بل لعل إطلاق الدليل يقتضي خلافه، خصوصا مع التصريح باشتراط نحو ذلك منهما و الله العالم.


1- 1 جامع الصغير للسيوطي ج 2 ص 202.

ج 28، ص: 230

و على كل حال ف هل يشترط التساوي في الموقف؟ قيل: نعم لفوات الغرض الذي هو معرفته الفرس و الفارس و الأظهر أنه لا يشترط بعد فرض احتمال السبق، لأنه مبني على التراضي فيشمله إطلاق الأدلة(1)و

«المؤمنون عند شروطهم»

و إلى هذا يرجع الشرط السابع كما أومأنا إليه سابقا، هذا كله في السبق.

و أما الرمي فيفتقر إلى العلم بأمور ستة و البحث فيها نحو ما عرفته في السبق الأول الرشق بكسر الراء الذي قد عرفت أنه عدد الرمي، إذا لو لم يعين أمكن أن يطلب المبسوط تعدد الرمي حتى تحصل الإصابة، و يمتنع الآخر، فيفضي إلى التنازع المعلوم من حكمة الشارع خلافه.

و لكن قد تقدم لنا في المبادرة ما يستفاد منه عدم اشتراط ذلك، مع فرض كون الشرط الإصابة مع التساوي في الرمي، فمع فرض حصولها من أحدهما في المرتين أو الثلاث فهو ناضل للآخر.

و الثاني عدد الإصابة كخمس من عشرين رمية، لأن الاستحقاق، و بيان حذق الرامي بها، فلو عقدا على أن يكون الناضل منهما أكثرهما أصابه من غير بيان العدد لم يصح، كما لو جعل السبق على الخيل، لا إلى غاية، و ظاهر المسالك الإجماع عليه، فإن تم كان هو الحجة، و إلا فإطلاق الأدلة يقتضي الجواز مع فرض ضبط عدد الرمي، بل لعل ذلك قسم من المحاطة، قيل: و أكثر ما يجوز اشتراطه من الإصابة ما نقص عن عدد الرمي المشروط بشي ء و إن قل، ليكون تلافيا للخطإ الذي يتعذر أن يسلم منه المتناضلون، و أحذق رماة من أصاب تسعة من عشرة، فلو شرطاها كذلك جاز، لبقاء سهم الخطأ، و ربما قيل: بعدمه لندوره، و أقل ما يشترط من الإصابة ما يحصل به التفاضل، و هو ما زاد على الواحد.

و فيه: أن الإطلاق يقتضي جواز اشتراطها في جميع العدد المشروط أيضا.

و الثالث صفتها (11) من خزق أو خرق و غيرهما من الصفات للغرر مع عدمه.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 3.

ج 28، ص: 231

و فيه: أن الإطلاق يقتضي جواز اشتراط مطلق الإصابة التي هي قدر مشترك بين الجميع.

و الرابع معرفة قدر المسافة التي يرميان منها بالمشاهدة، أو ذكر المساحة، إلا أن يكون عادة ينصرف إليها الإطلاق فتكفي حينئذ عن ذلك.

نعم يعتبر فيها احتمال الإصابة و لو نادرا على الأقوى، فلو عينا مسافة يعلم عدم اصابتهما أو أحدهما فيها لم يصح.

و الخامس الغرض الذي هو المقصود بالإصابة، فلا بد من العلم بموضعه من الهدف ارتفاعا، و انخفاضا، و قدره بالنسبة إلى الضيق و السعة، و لعل مشاهدته تكفى عن ذلك.

و السادس السبق حذرا من الغرر و الجهالة المفضية إلى النزاع المعلوم من الشارع إرادة رفعه، لا ثبوته، لكن الظاهر عدم اعتباره في الصحة.

نعم حيث يشترط يجب معرفته بما يرتفع معه النزاع و لا دليل على اعتبار أزيد من ذلك.

و كذا يفتقر الرمي إلى العلم ب تماثل جنس الآلة من كون القوس مثلا عربيا أو فارسيا، لاختلاف الرمي باختلاف ذلك، فهو حينئذ بمنزلة تماثل حيوان السبق، و إنما فصله عن الشرائط السابقة، لأنه إنما يفتقر إليه في العقد لا مما يجب أن يعلم بخلافها، لكن قد عرفت فيما مضى عدم الدليل على اشتراط نحو ذلك، مع احتمال الإصابة، بل إطلاق الأدلة يقتضي خلافه، و لذلك قيل هنا لا يشترط التعيين، و لا يضر اختلاف النوع، و يجوز إطلاق العقد، مجردا عنه، و إنما يتم مع اشتراطه.

ثم إن كان هناك عرفت تعين حمل الإطلاق عليه، و إلا كان لهما الخيار فيما يتفقان عليه، و في المسالك «هذا هو الأقوى» و حيث يشترط التعيين أو يشترطانه لا يجوز لأحدهما العدول عن المشترط،

لعموم «المؤمنون»

إلا برضا صاحبه فيجوز حينئذ، لأن له إسقاط حقه.

و في اشتراط تعيين أحد القسمين أي المبادرة و المحاطة في عقد الرماية تردد (11) بل و خلاف و لكن الظاهر أنه لا يشترط (12) لانصراف إطلاق

ج 28، ص: 232

العقد إلى المحالطة على الأشهر، كما قيل: إذا اشتراط السبق إنما يكون لإصابة معينة من أصل العدد المشترط في العقد، و ذلك يقتضي إكمال العدد كله، ليكون الإصابة المعينة منه، فإنهما إذا عقدا على أن من أصاب خمسة من عشرين كان له كذا، فمقتضاه رمى كل منهما العشرين، و إلا لم يتحقق كون الخمسة التي حصلت الإصابة بها من العشرين، و ذلك هو معنى المحاطة إذ المراد بها خلو إصابة الخمسة من رمى العشرين لواحد، و لأنها أجود فائدة في الرمي باعتبار إكمال العدد غالبا.

و قيل: يحمل على المبادرة لأنها الغالب في المناضلة و لأن المتبادر من اشتراط السبق لمن أصاب عددا معينا استحقاقه إياه متى ثبت له ذلك الوصف.

و على كل حال لا وجه للاشتراط بعد فرض الانصراف المزبور، نعم لو فرض عدم انصراف الإطلاق اتجه الاشتراط حينئذ للغرر، و تفاوت الأغراض و الرماة فإن منهم من يكثر الابتداء و يقول في الانتهاء، و بالعكس و عن الفاضل في التذكرة اختياره و استجوده في المسالك، و الأقوى الأول.

و كذا لا يشترط تعيين شخص القوس و السهم لإطلاق الأدلة بل قيل: لو عينه لم يتعين، و عن التذكرة بل يفسد العقد بذلك، كما في كل شرط فاسد، و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم كونه من الشرط المخالف، فالأقوى لزومه مع الاشتراط، و إن كان اشتراطه غير معتبر في صحة العقد،

لعموم «المؤمنون»

و لا مكان تعلق الغرض بذلك، و عدم اعتباره في الصحة لا يقتضي فساده كما هو واضح.

[الفصل الرابع في أحكام النضال ]

اشارة

الفصل الرابع: في أحكام النضال الشامل للسبق على ما عرفته سابقا و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا قال أجنبي لخمسة مثلا من سبق فله خمسة فتساووا في بلوغ الغاية فلا شي ء لأحدهم ]

الأولى: إذا قال أجنبي لخمسة مثلا من سبق فله خمسة فتساووا في بلوغ الغاية، فلا شي ء لأحدهم بلا خلاف و لا إشكال لأنه لا سبق لأحدهم كما لا خلاف و لا إشكال في أنه لو سبق أحدهم كانت الخمسة له لتحقق الوصف فيه دون غيره، و

ج 28، ص: 233

أما إن سبق اثنان منهم ففي المتن و عن جماعة كانت الخمسة لهما بالنصف دون الباقين و كذا لو سبق ثلاثة أو أربعة بالثلث أو الربع موزعة على الرءوس، لظهور كون المراد بذل الخمسة لا غير لمن حصل له الوصف المزبور متحدا أو متعددا، خصوصا مع تشخصها، بل مع فرض منع الظهور بلا إشكال في الاحتمال و الأصل براءة الذمة من وجوب دفع الزائد، فيقتسمها السابقون.

و قيل: يستحق كل واحد منهم خمسة، و اختاره في جامع المقاصد، و تبعه في المسالك، لأن (من) للعموم الذي هو بمعنى كل فرد، بل الحكم في جميع القضايا الكلية كذلك، على أن لفظ (من) مفرد، بدليل عود الضمير إليها كذلك فهي بمعنى أي فرد، و لأن العوض في مقابل السبق و قد وقع من كل واحد، فيستحق كل منهم كمال العوض و قد صرح المصنف و الفاضل في كتاب الجعالة باستحقاق كل واحد الدراهم في نحو قوله من دخل داري فله درهم فدخلها جماعة لأن كل واحد منهم قد دخل دخولا كاملا، و لا يقدح في ذلك عدم معرفة العوض حينئذ لعدم معرفة السابقين، لأن المعتبر العلم بأصل القدر في الجملة و لذا جاز من سبق فله كذا، و من صلى فله كذا.

و قد يناقش بأن مقتضى عموم الإفراد الذي هو بمعنى، لكل واحد سابق، عدم استحقاق واحد منهم شيئا مع التعدد، ضرورة عدم صدق الواحد السابق على الجميع عليه، و قد اتفق القولان على عدمه، فليس المراد حينئذ إلا العموم في (من) باعتبار الصلة الذي هو بمعنى كل سابق، الشامل للمتحد و المتعدد، إما لدعوى ظهوره في ذلك، أو لأنه كذلك بعد انتفاء الأول، و هذا لا يتم إلا بملاحظة كون السابق المجموع ضرورة كونه هو الذي تحقق فيه السبق المطلق بخلاف كل فرد، فإنما المتحقق فيه مطلق السبق الشامل للإضافى الذي تحقق صدق السبق معه ليس بأولى من صدق عدمه، بخلاف المجموع، فإنه يصدق اسم السبق المطلق عليه، و لا يصح عدم صدق السبق عليه، و بذلك افترق ما نحن فيه عن نحو من دخل داري، و كان نحو من رد عبد و قد اشترك في رده جماعة، و صح كلام الشيخ و المصنف و الفاضل فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

ج 28، ص: 234

و منه يظهر لك الوجه فيما ذكره المصنف فيما لو قال: من سبق فله درهمان و من صلى فله درهم حيث قال فلو سبق واحد أو اثنان، أو أربعة فلهم الدرهمان و لو سبق واحد، و صلى ثلاثة و تأخر واحد كان للسابق درهمان، و للثلاثة درهم، و لا شي ء للمتأخر و لو سبق ثلاثة مثلا و صلى واحد و تأخر واحد كان الدرهمان للثلاثة و للمصلي درهم، و لا شي ء للمتأخر، إذ ذاك كله مبني على ما عرفت، و حينئذ يكون للمصلي أكثر من السابق في الفرض الأخير.

و من هنا قال في المسالك تبعا لجامع المقاصد: «هو خلاف الأمر المعتبر في العقد، فإنه يشترط فيه أن يجعل للسابق أزيد مما يجعل للمصلي، فلو ساوى بينهما لم يصح، فما زاد أولى» و من ثم احتمل البطلان هنا لفوات الغرض ثم قال: ورد بأن استحقاق الزيادة باعتبار التفرد بالوصف، لا باعتبار جعل الفاضل للمتأخر، و فيه نظر لمنافاة الغرض المقصود على التقديرين و على ما اخترناه من استحقاق كل واحد من السابقين القدر المعين حينئذ يرتفع الإشكال، لأنه لا يتحقق معه مساواة المصلي للسابق فضلا عن رجحانه عليه».

قلت: قد عرفت سابقا ما في أصل اشتراط زيادة السابق، على أنه بناء على ما ذكرناه لا إشكال أيضا، إذ هو المجموع لا كل واحد فهو أكثر من المصلي.

[المسألة الثانية لو كان المتراهنان اثنين و أخرج كل واحد منهما سبقا و أدخلا محللا فله السبقان ]

المسألة الثانية: لو كان المتراهنان اثنين مثلا و أخرج كل واحد منهما سبقا و أدخلا محللا، و قالا: أي الثلاثة سبق فله السبقان، فإن سبق أحد المستبقين كان السبقان له بلا خلاف و لا إشكال على ما اخترناه من جواز جميع صور بذلك السبق.

و كذا لو سبق المحلل لحصول الوصف فيه و لو سبق المستبقان كان لكل واحد منهما مال نفسه، و لا شي ء للمحلل لكن قد يشكل بأنه بناء على ما ذكرناه سابقا يشتركان في المالين، لا أنه يكون لكل واحد منهما مال نفسه، و قد يدفع بأن المعهود من عوض السبق إذا كان من المتسابقين أن يبذله المسبوق إذا سبق و لم يسبق في الفرض أحدهما، فلا وجه لأخذ العوض منه مع كونه سابقا.

ج 28، ص: 235

و كذا الحال فيما لو سبق أحدهما و المحلل، كان للسابق مال نفسه لأنه لم يسبقه أحد، و نصف مال المسبوق، و نصفه الآخر للمحلل لاشتراكهما في.

صفة السبق له، لكن قد يشكل بعدم تناول مفروض العبارة لسبق ما زاد على الواحد، و فيتجه حينئذ عدم استحقاق شي ء للمركب، اللهم إلا أن يقال: بصدق سبق الواحد منهم و لو شاركه غيره، أو يقال: إن المراد أي الثلاثة و لو المركب فتأمل.

و لو سبق أحدهما و صلى المحلل كان الكل للسابق عملا بالشرط خلافا لما عن بعض العامة من كون مال المسبوق الآخر للمحلل الذي هو سابق عليه و إنما يحرز السابق مال نفسه، و هو غلط واضح.

و كذا لو سبق أحد المستبقين، و تأخر الآخر و المحلل، و كذا لو سبق أحدهما و صلى الآخر و تأخر المحلل خلافا لما عن ذلك البعض من العاملة فللسابق سبق نفسه، و للمسبوق الثاني سبق نفسه أيضا، لأنه سابقا المحلل و لا شي ء للمحلل، و لو تساووا جميعا في الوصول إلى الغاية أحرز كل منهما مال نفسه و لا شي ء للمحلل، و ذلك كله واضح.

[المسألة الثالثة إذا شرطا المبادرة و الرشق عشرين و الإصابة خمسة فرمى كل واحد منهما عشرة فأصاب خمسة فقد تساويا في الإصابة و الرمي ]

المسألة الثالثة: إذا شرطا المبادرة، و الرشق عشرين، و الإصابة خمسة مثلا فرمى كل واحد منهما عشرة، فأصاب كل واحد خمسة، فقد تساويا في الإصابة و الرمي فلا يجب إكمال الرشق، لأنه يخرج عن المبادرة التي قد عرفت أنها اشتراط العوض، لمن بدر إلى إصابة عدد معين، من مقدار رشق معين، مع تساويهما فيه، أو أعم من ذلك، و حينئذ فإذا رميا رشقا و تساويا في إصابته لم يتحقق السبق، و لو وجب الإكمال لرجاء السبق في الباقي، خرج عن موضوع المبادرة إلى المحاطة، و هو خلاف المفروض.

و كذا لا يجب الإكمال فيما لو رمى كل واحد منهما عشرة، فأصاب أحدهما خمسة، و الآخر أربعة، فقد نضله صاحب الخمسة و حينئذ ف لو سأل (11) صاحب الأربعة إكمال الرشق لم يجب (12) لحصول المبادرة، و إلا خرج عن موضوعها.

ج 28، ص: 236

أما لو شرطا المحاطة، فرمى كل واحد منهما عشرة، و أصاب خمسة، تحاطا خمسة بخمسة، و أكملا الرشق رجاء لحصول السبق، لأن مقتضى المحاطة ذلك على ما عرفت من تعريفها.

و كذا لو أصاب أحدهما من العشرة تسعة و أصاب الآخر خمسة تحاطا خمسة بخمسة، و أكملا الرشق رجاء لحصول السبق فيما بقي و لو تحاطا، فبادر أحدهما إلى إكمال العدد الذي اشترط الإصابة فيه فإن كان مع انتهاء الرشق منهما فقد نضل صاحبه لحصول الفراغ من العقد و إن كان قبل انتهائه، فأراد صاحب الأقل إكمال الرشق نظر، فإن كان له في ذلك فائدة، مثل أن يرجو أن يرجح عليه كما لو رمى كل منهما عشرة، فأصابها أحدهما و أصاب الآخر منها خمسة فإن صاحب الأقل يرجو إصابة العشرة أجمع، و خطأ صاحبه له، فينضله حينئذ و يكون الخطر له، لأنه بعد التحاط يحصل له إصابة الخمسة المفروض اشتراطها في عدد العشرين أو يساويه كما لو فرض في المثال خطأ أحدهما للعشرة، فإنه يرجو بالإكمال إصابة العشرة الباقية، و خطأ الآخر له، فيساويه و يتحاطان و لا يستحق أحدهما على الآخر شيئا أو يمنعه أن ينفرد بالإصابة، بأن يقصر بعد المحاطة عن عدد الإصابة كما لو فرض إصابة الاثنين من العشرة التي أصابها أجمع صاحبه، فيرجوا بالإكمال إصابة العشرة الباقية له، و خطأ الآخر فيتحاطان عشرة بعشرة و يبقى اثنان له و لا يستحق أحدهما على الآخر شيئا فمتى كان كذلك أجبر صاحب الأكثر على الإكمال و إن لم يكن له فائدة (11) لأنه مغلوب على كل حال لم يجبر (12) صاحب الأكثر على الإكمال كما إذا رمى أحدهما خمسة عشر فأصابها و رمى الآخر فأصاب منها خمسة، فيتحاطان خمسة بخمسة (13) و يبقى لأحدهما عشرة فإذا أكملا فأبلغ ما (14) يفرض أنه يصيب (15) ها صاحب الخمسة ما تخلف و هي خمسة و يخطئها صاحب الأكثر، فيجتمع لصاحبه الخمسة (16) حينئذ عشرة فيتحاطان عشرة بعشرة، و يفضل لصاحب الأكثر خمسة فلا تظهر للإكمال فائدة (17) و هو واضح كوضوح مما يتصور هنا من نحو ذلك.

ج 28، ص: 237

[المسألة الرابعة إذا تم النضال ملك الناضل العوض ]

المسألة الرابعة: إذا تم النضال ملك الناضل العوض بلا خلاف و لا إشكال لأنه مقتضى العقد المحكوم بصحته شرعا، بل لا يبعد دعوى الكشف هنا، لما عرفته غير مرة في نظائره، و إن كان هو خلاف ظاهر المتن و غيره، إلا أن سببية العقد المعلومية من النص و الفتوى تقتضي بما ذكرناه، بل لعل التدبر في عبارة المسالك يقتضي بذلك قال «و كأن السر في تعليق الملك على تمامية النضال أن العقد و إن كان لازما، إلا أن الملك لا يعلم لمن هو قبل تمامه، لاحتمال السبق من كل منهما و عدمه، فإذا تحقق السبق على وجه من الوجوه فقد تم النضال، سواء أكمل الرشق أم لا، و تحقق الملك للسابق و قبل ذلك لا يحصل بخلاف الإجارة».

و هو ظاهر فيما قلناه، يتوجه صحة ضمانه، و صحة الرهن عليه كما صرح به في القواعد، و إن قلنا بجواز العقد، و إلا أشكل ذلك، ضرورة أنه بناء على اعتبار العمل في ثبوته، يكون ضمانه من ضمان ما لم يجب، و إن قلنا بلزومه، إذ هو لا يجدي محله، لما عرفت في محله أن التحقيق كون المدار الثبوت في الذمة سواء كان بعقد جائز أو لازم.

إنما الكلام في توقف ثبوته في الذمة على العمل، و لا ريب في أنه عليه يتوجه ما عن التذكرة من حكايته الإشكال فيه عن بعض الفقهاء.

بل في جامع المقاصد أن هذا الإشكال واضح بين، و لا مدفع له إلا ما ذكرناه، و لا يقدح فيه عدم حصول وصف السبق حال العقد، إذ لا مانع من اقتضائه الملك حاله لمن يتصف بالسبق بعده، بناء على أن السبق شرط كاشف.

و على كل حال ف له التصرف فيه بعد تمامية النضال كيف شاء و له أن يختص به و له أن يطعمه أصحابه لعموم

«الناس مسلطون على أموالهم(1)»

و غيره و لو شرط في العقد إطعامه لحزبه لم أستبعد صحته لعموم (2)«أَوْفُوا»

و «المؤمنون»(3)

خلافا للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه من البطلان للشرط و العقد، لأن عوض العمل يجب أن يكون للعامل، كالإجارة، فاشتراط خلافه مناف لمقتضاه.


1- 1 البحار ج 2 ص 272.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 2.

ج 28، ص: 238

و ردده في المسالك بأن إلحاقه بالإجارة قياس مع الفارق، لما عرفت أنه ليس على نهجها مطلقا، بل و لا على نهج المعارضات لصحة البذل فيه من الأجنبي الذي لم يصل إليه شي ء من العوض الآخر، فإذا دل على صحته دليل عام كما ذكرنا لم يقدح فيه مخالفته لما أشبهه من العقود مع مغايرته له من وجوه، و نحوه في جامع المقاصد.

قلت: إن كان المراد بالشرط التزام صرف ما هو ملكه بالعقد في مصرف خاص فلا يقدح في الإجارة فضلا عن غيرها، و إن كان المراد اشتراط ذلك على وجه يكون المستحق بالعقد غير المتسابقين، فقد تقدم سابقا اعترافه بأن من شرائط صحة العقد كون العوض و لو من أجنبي لأحد المتسابقين، و أنه لا يجوز لأجنبي، و يمكن أن يكون المراد اشتراط إطعامه لحزب المسبوق منهما فيما إذا كان عقد المراماة بين حزبين، كما تسمعه في المسألة السابعة، و وجه البطلان حينئذ أنه رجوع إلى اشتراطه للمسبوق و قد عرفت جوازه، و الصحة للعمومات، و كون الحزب غير المسبوق.

[المسألة الخامسة إذا فسد عقد السبق لم يجب بالعمل أجرة المثل ]

المسألة الخامسة: إذا فسد عقد السبق بسبب كون العوض خمرا مثلا أو مجهولا أو بنحو ذلك مما هو من شرائط صحة العقد لم يجب بالعمل أجرة المثل وفاقا للمحكي عن الشيخ و يسقط المسمى لا إلى بدل لظهور فساد العقد الذي تضمنه، لأنه لم يعمل له شيئا، و لا استوفى منفعة عمله، إذ نفع سبقه راجع إليه بخلاف الإجارة و الجعالة الفاسدتين، الراجع نفع العمل فيهما إلى المستأجرة و الجاعل.

و لكن في القواعد و جامع المقاصد و محكي التذكرة أن له أجرة المثل، بل يجب أجرة مثل عمله، و هو مجموع ركضة لا قدر ما سبق به، لأنه سبق بمجموع عمله، لا بذلك القدر لقاعدة «ما يضمن بصحيحه» و لا ينافيه عدم حصول النفع له، فإن القراض الفاسد يجب فيه أجرة المثل، و إن لم يحصل نفع بالعمل للمالك.

و أشكله في المسالك بأن الالتزام لم يقع إلا على تقدير العقد الصحيح و الأصل براءة الذمة من وجوب غير ما وقع عليه العقد، و الفرق بينه و بين ما تجب به أجرة المثل من العقود واضح، لا من جهة ما ذكروه من رجوع نفع عمل العامل إلى من يخاطب بالإجارة حتى يرد عليه مثل العمل الذي لا يعود عليه نفع في القراض، بل لأن تلك العقود اقتضت أمر العامل بعمل له

ج 28، ص: 239

أجرة في العادة، فإذا فسد العقد المتضمن للعوض المخصوص، بقي أصل الأمر بالعمل الموجب لأجرة المثل، بخلاف هذا العقد، فإنه لا يقتضي أمرا بالفعل، فإن قوله سابقتك على معنى أن من سبق منا فله كذا، و نحو ذلك من الألفاظ الدالة على المراد ليس فيها أمر، و لا ما يقتضيه بفعل له أجرة، و الأصل براءة الذمة من وجوب غير ما في العقد، و قاعدة «ما يضمن» لا دليل عليها كلية، بل النزاع واقع في مواردها، فكل ما لا إجماع و لا دليل صالح يدل على ثبوت شي ء فيه، فالأصل يخالف مقتضى القاعدة، نعم لو اتفق وقوع العقد بصيغة تقتضي الأمر بالفعل و جوزناه اتجه وجوب أجرة المثل، إلا أن هذا خارج عن وضع الصيغة المعهودة و إنما يتم حيث لا نخصه بعبارة، بل كل لفظ يدل عليه كالجعالة.

و هو من غرائب الكلام ضرورة أنه لا مدخلية للفظ الأمر المقصود به إنشاء العقد في وجوب أجرة المثل، بعد فرض فساد العقد، و إنما المقتضي لها عدم كون العمل متبرعا به، و الأصل ضمانه، لأن عمله كماله، و هو في الجميع حاصل، و إن فرض عدم اعتبار وصول النفع إليه، على أنه لا فرق عند التأمل في أصل الضمان بين ذلك، و بين ما ذكره المصنف و غيره، بل ظاهرهم عدم الخلاف فيه، من أنه لو كان السبق مستحقا وجب على الباذل مثله أو قيمته ضرورة اشتراك الجميع في فساد العقد من الأصل، و كون الأخير صالحا للصحة لو أجاز المالك لا يقتضي فرقا في الحكم المزبور.

و منه يظهر أن المتجه فيه أيضا وجوب أجرة المثل لما عرفت، دون مثل المسمى أو قيمته، لعدم وجوب المسمى حتى يتجه ضمانه بذلك، لأن الفرض الفساد من الأصل، و القرب من المسمى الثابت لا يقتضي ضمانه، بعد فوات ما يقتضي لزوم المسمى، كما أن ثبوت نظيره في الصداق على فرض تسليمه لا يقتضي الثبوت هنا بعد حرمة القياس، و قد اعترف بجملة من ذلك كله في جامع المقاصد و المسالك،

[المسألة السادسة إذا فضل أحدهما الآخر في الإصابة فقال له اطرح الفضل بكذا قيل لا يجوز]

المسألة السادسة: إذا فضل أحدهما الآخر في الإصابة، فقال له: اطرح الفضل بكذا، قيل: لا يجوز، لأن المقصود بالنضال إبانة حذق الرامي و ظهور اجتهاده بحصول الغلبة له، فلو طرح الفضل بعوض أو بغير عوض كان تركا للمقصود بالنضال فتبطل المعاوضة و يرد ما

ج 28، ص: 240

أخذ ه منه لذلك، بل في المسالك بعد أن حكاه عن المشهور لم يذكر كثير منهم فيه خلافا، إلا أنه قد يشعر من نسبة المصنف له إلى القيل بتمريضه و وجهه في المسالك بأنه جعل على عمل محلل، و منع كون المقصود بالنضال منحصرا فيما ذكر، لجواز أن يقصد به كسب المال، فإذا حصل بالسبق أمكن تحصيله بمقدماته، مضافا إلى أصالة الصحة و عموم الأمر بالوفاء، و الكون مع الشرط، و منافاته للشرع غير متحققة.

و في الرياض «أنه أوجه من الأول، إن لم يكن الإجماع على خلافه انعقد» و فيه ما لا يخفى، إن أريد إدراجه في الجعالة، إذ لا عمل يستحق عليه ذلك، بل و في الصلح لعدم ثبوت حق له بذلك على وجه يصح بذل العوض عنه، و كذا إن أريد أنها معاوضة برأسها كما هو ظاهر المتن، بل لعل ذلك هو مفروض البحث، لا جواز ذلك صلحا أو غيره.

و فيه: أنه لا دليل على مشروعيته، و عموم «أَوْفُوا» إنما هو للعقود المتعارفة، لا نحو ذلك، خصوصا بعد ما عرفت من شهرة عدم مشروعيتها، و أنه لم يذكر فيه خلاف من غير فرق بين كون المراد من ذلك إتمام النضال بعد رفع اليد من الفضل، أو رفع اليد عنه رأسا، بل الثاني أولى بالعدم لأنه من العقود اللازمة.

نعم يشرع فيه التقابل و هو غير المفروض هنا الذي هو طرح الفاضل بالعوض، كما هو واضح.

[المسألة السابعة يجوز عقد النضال بين حزبين ]

المسألة السابعة: يجوز عقد النضال بين حزبين كما يجوز بين اثنين، لإطلاق الأدلة و المرسل عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه مر بحزبين من الأنصار يتناضلون، فقال: أنا مع الحزب الذي فيه ابن الأردع، و المراد من تناضل الحزبين إيقاع العقد بين الجماعتين و لو بوكالة كل جماعة واحدا منها، و يكون كل حزب فيما يتفق لهم من الإصابة و الخطأ كالشخص الواحد.

و في اشتراط تساوي عددهم وجهان، بل قولان: أقواهما العدم، لإطلاق الأدلة، فيرامي واحد مثلا ثلاثة، بمعنى أنه يرمي ثلاثة، و كل واحد منهم مرة، و هل يعتبر تعيين كل واحد منهما في مقابلة من يرمي معه أو يكفي نصب رئيس لهما يكون الاختيار له في تعيين

ج 28، ص: 241

ذلك؟ و لا ريب في أن الأولى الأول، و إن كان يقوي جواز ذلك أيضا إذا فرض تراضيهم في العقد على ذلك، و لا يعتبر في العاقد عن الحزبين أن يكون مطاعا فيما بينهم، مقدما عليهم في الرمي، و إن اعتبرا ذلك بعض، و لكن لا دليل معتبر عليه، و لو شرط السبق من الرئيس خاصة أو من أجنبي أو من أحد الحزبين أو منهما جاز.

نعم يسقط على الحزبين بالسوية غرما و أخذا، إذا لم يشترط التفاوت، و احتمال التوزيع على قدر الخطأ و الإصابة لا دليل عليه، و يشترط قسمة الشرق بين الحزبين بغير كسر، فيجب عدد له ثلث إذا كانوا ثلاثة، و ربع إذا كانوا أربعة، و هكذا، و لو كان في أحد الحزبين من لم يحسن الرمي بطل العقد فيه، و في مقابلة، و حينئذ، يتخير كل من الحزبين في فسخ العقد، لكونه حينئذ كتبعض الصفقة، و كيفية الغلبة بين الحزبين على حسبما يشترطونه و يتفقون عليها بينهم، و الله العالم و الحمد لله رب العالمين أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا و الشكر له على الإكمال.

ج 28، ص: 242

[كتاب الوصايا]

اشارة

كتاب الوصايا جمع وصية من أوصى يوصي، أو وصى يوصي، قال في الصحاح: «أوصيت له بشي ء و أوصيت إليه إذا جعلته وصيك، و الاسم معا الوصاية بالكسر و الفتح، و أوصيته و وصيته أيضا توصية بمعنى، و الاسم الوصاية، إلى أن قال و وصيت الشي ء بكذا إذا وصلته به، و ذكر غير واحد من الأصحاب أن الوصية منقولة من وصى يصي بالمعنى الأخير، لما فيها من وصل القربات الواقعة بعد الموت بالقربات في حال الحياة أو بالعكس أو وصل التصرف حال الحيوة به بعد الوفاة، لكن ذلك كله كما ترى، و الأولى نقلها من الوصية بمعنى مطلق العدة، يقال:

أوصاه و وصاه توصية عهد إليه إلى خصوص ما يعهده الإنسان بعد وفاته، بل الوصية بمعنى التمليك ألصق بهذا المعنى من الأول كما هو واضح، و الأمر سهل.

و على كل حال في النظر في ذلك يستدعي فصولا.

[الفصل الأول في الوصية]

اشارة

الأول: في الوصية و هي إنشاء الموصى تمليك عين أو منفعة بعد الوفاة و هذه لا اشكال بل لا خلاف في أنها تفتقر إلى إيجاب و قبول للإجماع بقسميه على أنها حينئذ بحكم العقود المتوقفة على ذلك، و أنها بمنزلة الهبة و العطية و الصدقة مضافا إلى أصالة عدم انتقال الملك من الموصى، و عدم دخوله في ملك الموصى له بدونهما، بل ليس في الشريعة في أسباب الملك ما هو كالايقاع في الحصول من جانب خاصة، و دعوى صدق الوصية على الإيجاب وحده، على وجه يشمل ما نحن فيه واضحة المنع، خصوصا بعد ظهور إطلاقات الوصية فيها بمعنى العهد الذي يعهد الموصى فعله بعد وفاته بأمر و نحوه، لا ما يشمل محل البحث، و هي بهذا المعنى ليست من العقود قطعا بل ضرورة.

ج 28، ص: 243

و من ذلك يظهر لك ما في إطلاق كثير من الأصحاب كون الوصية عقدا ثمرته تمليك العين أو المنفعة بعد الوفاة، اللهم إلا أن يريدوا من ذلك أحد أفراد الوصية، و لعل الظاهر ذلك، و حينئذ، فلا وجه لنقض التعريف المزبور بالوصاية و بالوصية بإبراء المديون و بالوقف و نحو ذلك، ضرورة كون المراد تعريف ذلك الفرد من الوصية، لا مطلق الوصية به، بل لا يرد التدبير أيضا، بناء على أنه عتق معلق جاز للدليل، لا وصية، بل لو سلمنا أنه وصية فهو قسم آخر منها خارج عما نحن فيه، من البحث عن الوصية التمليكية الملحقة بكتاب العطايا و الصدقات، و حينئذ فالتعريف تام.

نعم زاد فيه محكي التذكرة و إيضاح النافع تبرعا، و لعله لبيان الواقع باعتبار ظهور النص و الفتوى في اعتبار المجانية في الوصية بالمعنى المزبور، لأنها بمنزلة الصدقة، فلو قال: هذا الفلان بعد موتي بكذا بطلت.

فما في جامع المقاصد- من اشكاله بما إذا أوصى بالبيع و نحوه من المعاوضات فإنه وصية، و لا تبرع فيه- في غير محله لما عرفت من أن محل البحث في الوصية المملكة، لا العهدية، و قد عرفت اعتبار المجانية فيه، بل الظاهر اقتصار التمليك فيها على ما كان نحو الصدقة، فلو قال:

بعث هذا من زيد بعد وفاتي بكذا مثلا بطل- لا للتعليق الذي يمكن دفعه بأنه ممنوع في البيع، لا في الوصية به التي مبناها على ذلك، و لذا، جاز في صيغة التمليك المجاني، بل لعدم ما يدل على صحة الوصية على الوجه المزبور، بعد ما عرفت من ظهور نصوصها في خلاف ذلك فيما كان بلفظ التمليك و نحوه فضلا عما كان بلفظ البيع و الصلح و الإجارة و نحوها مما لا دليل على صحة إيجاب الوصية بها، فضلا عن ملاحظة العوض فيها.

و من ذلك لم يصح إنشاء الوقف و الرهن، و غيرهما مما لا عوض فيه بالوصية على وجه يكون كالتمليك، بأن يقول: هو وقف بعد وفاتي على زيد، أو هو رهن بعد وفاتي أو نحو ذلك.

نعم يصح الوصية بذلك على معنى العهد، أي يأمر بوقفه بعد وفاته مثلا، فتأمل جيدا كي يظهر لك ما في كثير من كلماتهم في المقام، حتى أن منهم من زاد في

ج 28، ص: 244

التعريف «أو تسليط على تصرف» لإرادة شمول الوصاية بمعنى الولاية، مع أنه ينتفض بالتدبير أيضا، و لذا زاد في الكفاية مع ذلك «أو فك ملك قيل: أو تسليط».

و منهم من عرفها بأنها «تنفيذ حكم شرعي من مكلف أو ما في حكمه بعد الوفاة» و هو كما ترى خارج عما نحن فيه، ضرورة كون التنفيذ فعل الوصي أو الحاكم، و هما معا خارجان عن الوصية، فضلا عن محل البحث، و الأمر في ذلك كله سهل.

و على كل حال ف الإيجاب كل لفظ دل على ذلك القصد وضعا أو بقرينة و لو حالية كقوله: أعطوا فلانا بعد وفاتي، أو لفلان كذا بعد وفاتي مريدا بالأول إنشاء التمليك بذلك، لا الأمر بفعله بعدها أو أوصيت له بكذا من غير تقييد بما بعد الوفاة، للاستغناء عنه بلفظ الوصية بخلاف الأولين.

نعم ينبغي أن يظهر إرادة إنشاء التمليك فيه بذلك و لو بقرينة حالية، لا الوصية العهدية الخارجة عن محل البحث.

و لو قال: هو له فهو إقرار في الحال لا يقبل منه حمله على الإيصاء عند التداعي، إلا أن يكون قد قرنه بما يفسد الإقرار، و يجعله وصية.

نعم قد يقوي الإكتفاء بنيته التي قد فسر اللفظ بها بعد ذلك، إذا لم يكن له معارض و لا خصم، و المال في يده و تحت سلطنته، و كذا الكلام في قوله وهبته، ثم فسره، بإرادة الوصية لا التنجيز، أما لو قرن ذلك و نحوه بما يقتضي ذلك لم يكن إشكال حينئذ في الحكم بكونه وصية، لعدم اختصاصها بلفظ، و كذا لو قال: عينت له كذا بعد وفاتي أو جعلت له كذا.

نعم ينبغي أن يكون استعماله اللفظ في ذلك جاريا مجرى الاستعمال المتعارف و لا يكفي إرادته ذلك من لفظ غير صالح، لإرادته حقيقة و لا مجازا، و كذلك الكلام في القبول الذي هو أوسع من الإيجاب و لذا جاز فيه أن يكون فعلا دالا على الرضا بالإيجاب بلا خلاف أجده فيه، و في سائر العقود الجائزة.

ج 28، ص: 245

نعم ظاهرهم بل صريح بعضهم عدم تحقق العقد في شي ء منها بالفعل في الإيجاب، لكن لا يخفى عليك مشروعيته في الجميع، كما لا يخفى عليك صدق أسمائها كالعارية و الوديعة، و نحوهما على ذلك، فلا مناص حينئذ عن القول بجواز ذلك فيها و لحوق أحكامها له، إلا أنه ليس عقدا لها، فهو شبه المعاطاة في العقود اللازمة التي تندرج في الاسم، و لا يجري عليها حكم العقد، و ليس عدم الثمرة هنا بين المعاطاة و العقد بعد الاشتراك في الجواز مانعا من ذلك كما هو واضح، فينحصر العقد هنا بالإيجاب لفظا و القبول كذلك أو فعلا، و ما عداه معاطاة، و هو ما كان إيجابه فعلا، سواء كان قبوله كذلك أو لا؟.

بقي الكلام في أمرين:

أحدهما: أن ظاهر إطلاق المصنف و غيره حتى معقد إجماع الغنية و نحوه و عدم الفرق في افتقار هذا القسم من الوصية إلى الإيجاب و القبول بين كونها لمعين و غير معين كالوصية بشي ء للفقراء أو لبني هاشم، و غير ذلك مما هو غير محصور، أو كان لجهة كالمسجد.

لكن في القواعد و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و محكي التذكرة و التحرير و المختلف و الإيضاح و الدروس و التنقيح و إيضاح النافع و الكفاية أنه ينتقل بالموت من غير حاجة إلى القبول، بل في المسالك «نفي الخلاف فيه، و عن إيضاح النافع أن عليه الفتوى، و ظاهرهم أنه لا يحتاج إلى قبول من الحاكم إن أمكن، كالوقف و ربما قيل: فيه بذلك، و لكن لا قائل به هنا» و نحوه في جامع المقاصد، و لعله لإطلاق الأمر بإنفاذ الوصية بعد فرض صدقها هنا على ذلك، من غير حاجة إلى قبول، و السيرة المعلومة، و ما عساه يستفاد مما ورد من الوصايا بنحو ذلك و لما استدل به في التذكرة و غيرها من تعذر القبول منهم جميعهم، و البعض ترجيح بلا مرجح، على أن الكلام في البعض الآخر، و إن أمكن المناقشة فيه إمكان اعتبار قبول الحاكم الذي هو بمنزلة الجميع، أو الناظر.

لكن، لا يخفى عليك أن فساد ذلك لا يقتضي فساد أصل الدعوى، و إن تخيله بعض من عاصرناه، قائلا قضية كلامهم أنه لو لا هذه العلة لوجب القول بالقبول، و هذا يقضي بقوة القول به، بعد أن عرفت فسادها بالقبول من الحاكم مضافا إلى عدم الانتقال و نحو ذلك،

ج 28، ص: 246

و إلى إطلاقهم كونها عقدا الذي يمكن أن يكون هو السبب لهم في الاتكال على عدم التصريح بالقبول من الحاكم هنا، بل مثله يعد إجماعا على الاشتراط، و يؤخذ حجة عليه خصوصا بعد عدم المعارض لذلك كله إلا إطلاق الأدلة الذي لم يسبق لذلك، بل قد يمنع صدق اسم الوصية على الفرض، كما أنه قد يمنع إرادة هذا الفرد منها إلا أن الجميع كما ترى.

نعم قد يقوى كون الوصية للفقراء و للجهة غير ما نحن فيه من الوصية التمليكية بل هو من الوصية العهدية بالصرف على ذلك، خصوصا الوصية للجهة، ضرورة عدم صحة تمليك الجنس بعقد من العقود المملكة و إن قبل الحاكم عنه، إلا الوقف على إشكال فيه لقصور أدلتها عن ذلك، من غير فرق بين البيع و الصلح و الهبة و غيرها مما اشتمل على العوض، أو لم يشتمل، و لا يقاس التمليك بها على الملك الشرعي الثابت في الزكاة و الخمس، بل و الوقف بناء على القول به، لحرمة القياس، على أن بناء الوقف على تمليك المعدوم بخلاف الوصية، مع أن أفراد الجنس مختلفة، كمال الاختلاف ضرورة كونهم حال الوصية غيرهم في الزمن الآخر، لصيرورة الفقير غنيا و الغني فقيرا، بل فيهم من لم يكن موجودا أصلا، ثم وجد فقيرا و هكذا، و لا ريب في عدم ظهور معتد به في أدلة العقود على وجه يقتضي صلاحيتها لنحو هذا التمليك، بل لا يبعد بطلان الوصية لو قصد بها التمليك المذكور.

و من ذلك ينقدح أن إطلاق الأصحاب كون الوصية عقدا محتاجا إلى الإيجاب و القبول في محله، و لا يرد عليهم مثل ذلك، لخروجه عن الوصية التمليكية، و دخوله في الوصية العهدية الخارجة عن محل البحث، خصوصا الوصية للجهة كالمسجد و القنطرة و المدرسة و نحوها، مما هي غير قابلة للتمليك، و لم يقصد منها تمليك غيرها من الفقراء و نحوهم، فليس حينئذ إلا إرادة المصرف فتأمل جيدا فإنه جيد جدا، و إن كان مخالفا لما صرح به بعضهم، كالفاضل و المحقق الثاني و غيرهم من كون الوصية في الفرض مملكة و لكن لا تحتاج إلى قبول مطلقا أو تحتاج إلى قبول من الحاكم، ضرورة منافاة ذلك لكونها عقدا مفتقرا إلى الإيجاب و القبول المعتبر، فيهما ما يعتبر في باقي العقود إلا ما خرج بالدليل، حتى العربية بناء على اعتبارها في العقود جميعها، و إن صرح في الروضة بعدم اعتبارها هنا، لكنه مسلم في العهدية منها دون العقدية،

ج 28، ص: 247

لعدم الفارق بينها و بين غيرها من العقود في ذلك، و القياس على ما خرج بالدليل من الفرق بينها و بين غيرها ممنوع عندنا.

اللهم إلا أن يدعي جواز ذلك من العقود الجائزة، و إن قدر على العربية كما صرح به هنا في الدروس.

و لكن فيه أن دليل العربية مشترك بين العقود جميعها، إذ هو انسياق العربي فيما اعتبر فيه اللفظ، فتأمل جيدا، فإنه قد يقال: إن الوصية في عهد الميت بعد وفاته، بل لعله العقدية المستفادة من قوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ» إلى آخر الآية باعتبار ظهوره في التمليك الناشئ، من الوصية قسم من العهدية، كما عساه يشعر به ذكرهم في إيجابها أعطوا و افعلوا و نحوهما، و قد عرفت عدم الإشكال في جواز الفارسية و نحوها في العهدية فتأمل جيدا.

ثانيهما: أنه قد يظهر من اعتبار العجز عن النطق في كفاية الإشارة الدالة على المراد في كلام جماعة من الأصحاب، بل هو معقد نفي الخلاف في محكي التنقيح بل لا كلام فيه كما عن إيضاح النافع، بل في الروضة القطع به، بل في الرياض الإجماع عليه، بل لعله محصل أنه لا تجزى الإشارة مع التمكن من النطق، و هو مناف لما ذكرناه من كفاية الفعل في إجراء حكم الوصية، و إن لم يتحقق بذلك عقدها، و أنه كالمعاطاة في البيع.

لكن يمكن أن يكون ذلك منهم لإرادة ما ادعوه من الإجماع و نفي الخلاف و نحو ذلك، لا لإرادة اشتراط القاضي بعدم الجواز مع انتفاع ذلك، أو لإرادة اشتراط القاضي بعدم الجواز مع انتفاع ذلك، أو لإرادة تحقق العقد حينئذ و أنه ليس من المعاطاة في حال العجز، بل تقوم الإشارة حينئذ مقام اللفظ من القادر، لما دل عليه في الأخرس أو لغير ذلك، و إلا فلا دليل لهم يدل على ذلك، بل لعل الأدلة بخلافه، بعد صدق اسم الوصية عليه عرفا، فتجري جميع أحكامها.

ج 28، ص: 248

و

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله «ذكر أن أباه حدثه عن أبيه أن أمانة بنت أبي العاص بن الربيع، و أمها زينب بنت رسول الله (عليهما السلام) كانت تحت علي (عليه السلام) بعد فاطمة (عليها السلام) فخلف بعده و تزوجها بعد علي (عليه السلام) المغيرة بن نوفل، ذكر أنها توجعت وجعا شديدا حتى اعتقل لسانها فجائها الحسن و الحسين أبناء علي (عليهم السلام) لا تستطيع الكلام، فجعلا يقولان لها و المغيرة كاره لما يقولان: أعتقت فلانا و أهله فتشير برأسها نعم و كذا و كذا فجعلت تشير برأسها نعم، فلا تفصح بالكلام فأجاز ذلك لها».

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الإسناد «سألته عن رجل اعتقل لسانه عند الموت أو امرأة فجعل أهاليها يسائله أعتقت فلانا، و فلانا، فيومئ برأسه أو تومئ برأسها في بعض نعم و في بعض لا، و في الصدقة مثل ذلك أ يجوز ذلك قال: نعم، هو جائز».

مع أنه لا صراحة فيهما بالوصية التمليكية، لا دلالة فيهما على الاشتراط بل يمكن أن يكون الإكتفاء بذلك لجوازه في نفسه، لا للعجز عن النطق، و لعله لذلك كان ظاهر عبارة النافع الإكتفاء بالإشارة مع إمكان النطق، و إن قال بعض مشايخنا أنه لا موافق له، و لا دليل عليه.

و لكن فيه ما لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما عرفت، و كذا الكلام في الكتابة، فإنه لا شك كما عن جامع المقاصد الاعتراف به في الإكتفاء بها مع العجز عن النطق و القرينة الدلالة على إرادة الوصية منها بل عن التنقيح أنه لا خلاف فيه، بل عن الإيضاح الإجماع على ذلك.

و

في خبر سدير(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: دخلت على محمد بن علي الحنفية و قد اعتقل لسانه، فأمرته بالوصية فلم يجب، فأمرت بطشت بجعل فيه الرمل، فوضع فقلت له:

خط بيدك فخط وصيته بيده في الرمل، و نسخته أنا في صحيفة»

و ربما ظهر من تقييد الإكتفاء بالعجز عدم الإكتفاء بها مع الاختيار، بل هو صريح المحكي عن الفاضل و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني و القطيفي، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصية الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصية الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب أحكام الوصية- الحديث- 2.

ج 28، ص: 249

نعم عن التذكرة احتمال الإكتفاء بها مع الاختيار في أول كلامه، بل لعله الظاهر من النافع و في الرياض أنه لا يخلو عن قوة، مع قطعية دلالة القرينة، لكن يمكن أن يكون ذلك كله منهم في تحقيق العقد، لا أن المراد عدم إجراء حكم الوصية على ذلك مطلقا لما عرفت في الإشارة، من صدقها عرفا على ذلك و نحوه، فيشمله إطلاق أدلتها مضافا إلى التأييد بكثير من النصوص الناهية عن أن يبيت الإنسان إلا وصيته تحت رأسه، و معقد نفي الخلاف في محكي السرائر غير ما نحن فيه، قال: و لو أوصى بوصية و أدرج الكتاب و قال قد أوصيت بما أوصيت في هذا الكتاب، و ليس اختار أن يقف أحد على حالي و تركتي و قد أشهدتكما علي بما فيه، لم يصح بلا خلاف، و لعل مراده عدم صحة الشهادة عليه بذلك للإجماع، و إن كان قد يقوي في النظر خلافه أيضا، ضرورة تناول أدلة الإقرار لمثله، فيصح الشهادة عليه به و إن اعتبر فيها العلم، و لا إجمال بعد العموم في اللفظ بل ينبغي القطع بالاكتفاء بها أي الكتابة في الإقرار، أو ما في حكمه نحو الإشارة بالرأس و اليد مما يفيد معنى نعم، و لا، مثلا، بل لا يبعد ذلك لو أفادته على وجه الظهور فضلا عن الصراحة.

و الحاصل أنه يمكن حمل كلامهم السابق على ما عرفت، أو يكون المراد عدم الإكتفاء بالكتابة في ثبوت الوصية، بمعنى أنه لا يجب العمل بما يوجد مكتوبا ما لم يثبت بالبينة، أو تقم القرائن على إرادته كالوصية بذلك، و عمل الورثة ببعض ما يجدونه مكتوبا لأمور دلتهم على صحته، لا يلزمهم العمل بالجميع.

خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية فألزمهم لرواية قاصرة سندا و دلالة، و لو كتب وصية و قال اشهدوا علي بما في هذه الورقة، أو قال: هذه وصيتي فاشهدوا على بها ففي القواعد و المحكي عن غيرها لم يجز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه، فيقر به بل عن غير موضع من السرائر الإجماع عليه، و في المحكي عن الجامع إشهاد الشخص على نفسه في الأملاك و الوصايا على كتاب يدرج لا يصح إجماعا.

لكن الإنصاف أنه إن لم يتم الإجماع المزبور كان للنظر فيه مجال، لما عرفت، و لأن المعروف القبول فيما لو قرأه الشاهد مع نفسه، فقال له الموصى: قد عرفت ما فيه فاشهد عليه به، و هما.

ج 28، ص: 250

عند التأمل متقاربان، بل لا يبعد في النظر الإكتفاء بالكتابة في الإقرار و الوصية مع ظهور إرادة ذلك منها، فضلا عن صورة العلم، ضرورة حجية ظواهر الأفعال كالأقوال في الجملة، سيما ما كان منها نحو شاهد الحال بل الكتابة أخت الألفاظ، و في المرتبة الثانية في الوضع لا للدلالة على ما في النفس، فتكون أولى من باقي الأفعال بل لا يجري على مدلول النقوش منها من الألفاظ ما يجري على اللفظ نفسه من الصراحة و الظهور و الإطلاق و نحو ذلك.

و دعوى عدم كفايتها- و غيرها من الأفعال في الوصية و نحوها من العقود الجائزة عقدا أو معاطاة- واضحة الفساد، ضرورة الإكتفاء بها في البيع و نحوه مما هو أولى منها للصدق العرفي المشترك بين الجميع، و عدم صدق اسم العقد بعد التسليم لا ينافي صدق اسم البيع و الهبة و الوصية و نحوها، و هو المدار في إجراء الأحكام، لا اسم العقد فتأمل جيدا.

و

في خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (1)قال «كتبت إليه رجل كتب كتابا فيه ما أراد أن يوصي به هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه، و لم يأمرهم بذلك فكتب إليه إن كان له ولد، ينفذون كل شي ء يجدون في كتاب أبيهم في وجوه البر و غيره».

و فيه إشارة في الجملة إلى ما ذكرناه، بل لو قلنا بعدم صدق اسم البيع و نحوه على المعاطاة كما هو الأصح عندنا الآن، أمكن الفرق بين المقام و بين ذلك ضرورة كون الوصية بمعنى العهد، بل يمكن تكلف اندراج العقدية منها فيه، و لا ريب في صدقها بمعناه على الحاصل بالفعل، سيما الإشارة و الكناية

و نحوها، و إن لم يكن من الوصية العقدية و عنوان أكثر الأحكام على الوصية بمعنى العهد، لا العقد فلا ينبغي التوقف في جريان الأحكام على ذلك، فإنه داخل تحت النهي عن التبديل، بخلاف البيع و الصلح و نحوه مما هو معنى واحد، فلا يصدق على المعاطاة و الله أعلم.

و كيف كان ف ينتقل الموصى به بها أي الوصية إلى ملك الموصى له بموت الموصى، و قبول الموصى له، و لا ينتقل بالموت


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام الوصية الحديث- 2- باختلاف.

ج 28، ص: 251

منفردا عن القبول و لو متزلزلا كالعكس على الأظهر الأشهر بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك على الظاهر، و إن حكى الخلاف عن ظاهر أبي علي بل قيل: إنه خيرة الخلاف و التذكرة و موضع من المبسوط، بل لا ترجيح في جملة من كتب الأصحاب، و هو يقتضي بقوته، لكن في محكي السرائر أنه ليس لأصحابنا فتوى بذلك و لا وردت به أخبار عن الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم، و في جامع المقاصد أنه ترك العلاقة في القواعد حكايته لضعفه.

قلت: و لعله لأنه مخالف للأصل بل الأصول، و للمعهود من عدم الملك القهري في التمليكات، و لسائر العقود، و لغير ذلك، لكن الإنصاف أنه لو لا دعوى الإجماع على خلافه لكان لا يخلو من قوة، ضرورة ظهور أدلة الوصية في ملك الموصى به بمجرد الموت كما اعترف به القائل بالكشف، من غير اعتبار القبول خصوصا ما دل على الانتقال إلى الوارث منها إذا مات الموصى له، و لعله لذا كان خيرة بعض متأخري المتأخرين عدم الحاجة إلى القبول في اللزوم أيضا، فضلا عن الملك، إلا أنه يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، فضلا عن حكايته، و استبعاد حصول الملك قهرا في التمليك بعد ظهور الدليل فيه لا وجه له، خصوصا بعد أن لا يكون لازما عليه، و له إزالته عنه برد الوصية كما هو مقتضى كلام القائل، لأن القبول عنده شرط في اللزوم، و الإجماع على اعتبار القبول المسلم منه كون الوصية عقدا يعتبر فيها الإيجاب و القبول، و لم يعلم مدخلية الثاني فيها في الملك، أو في لزومه، و مخالفته لباقي العقود على التقدير الثاني لا بأس بها بعد قضاء الدليل مع أنه بعينه وارد على المشهور، من أن القبول كاشف.

نعم قد يقال: بظهور كلامهم في اعتباره في أصل الملك، بل هو كصريح معقد المحكي من إجماع الغنية على اعتبارهما في صحة الوصية الذي مقتضاه فساد الوصية بدون القبول، لا عدم اللزوم، مع أنه يمكن أن يكون نظرهم في ذلك إلى رد الوصية، لا مطلق عدم القبول الصادق على حال التجريد منه و من القبول، و لو لعدم العلم بالوصية، فلا ينافي ذلك على القائل بالملك اللازم من دون قبول، و هو مجهول القائل المعتد به.

و المناقشة في أصل دليل هذا القول بمنع ظهور إطلاق أدلة الوصية في الملك بمجردها

ج 28، ص: 252

خصوصا بعد أن لم تكن إطلاقات معتدا بها، و لا هي مساقة لبيان ذلك، بل لعلها منزلة على ما هو الغالب من تحقق القبول في مثلها، لندرة رد ما يتبرع بإعطائه.

تبطل ما هو المشهور عندهم من أن القبول كاشف، ضرورة كون ذلك عمدة أدلته التي خرجوا بها عن أصالة مساواة هذا العقد لباقي العقود، دون ما ذكروه له من الوجوه الاعتبارية التي منها أن الظاهر قوله تعالى (1)«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» عدم انتقال التركة معها إلى الوارث، و الميت غير قابل للملك، و الإجماع على عدم ملك الأجنبي فليس حينئذ إلا ملك الموصى له، و إلا بقي المال بلا مالك، و لما قام الإجماع و غيره من الأدلة على اشتراط القبول التجأنا إلى أنه كاشف، جميعا بين الأدلة.

و هو كما ترى فيه نظر من وجوه، منها: أن مقتضاه ملك الديان أيضا ما قابل بقاء ملكه على ثلثه الذي أوصى بصرفه عليه في عبادة و نحوها.

و منها: أن البحث في اشتراط القبول في الملك، فكيف يكون ما هو محل النزاع من مقدمات الاستدلال، و من هنا يقوى القبول بكون القبول جزءا ناقلا كغيرها من العقود كما هو خيره جماعة و ظاهر آخرين.

لكن و مع ذلك فالقول بالكشف هو الأقوى، لأن الموصى بإنشاء وصيته قصد التمليك بالموت، و القبول إنما يتعلق بما أوجبه الموجب على الكيفية التي أوجبها فمع فرض تأخره- لعدم

اعتبار اتصاله بالإيجاب و لا بالموت- يراد منه قبول المراد بالإيجاب الذي هو الملك بالموت، كما عرفت، و هو معنى الكشف، فيكون دليله جميع ما دل على مشروعية هذا الفرد من الوصية التي لا وجه لقبولها إذا تأخر إلا الكشف، و بذلك افترقت عن باقي العقود التي يراد بإيجابها معناه عند القبول حتى العقد الذي لم يعتبر فيه اتصال القبول بالإيجاب كالوكالة فضلا عما اعتبر فيه ذلك كالبيع و نحوه.

و قد ظهر بذلك أن الأقوال في المسألة ثلاثة، أحدها: أن القبول تمام السبب الناقل كباقي العقود.


1- 1 سورة النساء الآية- 11.

ج 28، ص: 253

و الثاني: كونه شرطا في الملك كاشفا.

و الثالث: كونه شرطا في اللزوم، و قد يحتمل عدم مدخليته أصلا في ملك و لا لزوم، و إنما الرد مانع، بل قد يحتمل عدم مانعية الرد أيضا، إلا أن كلام الأصحاب كأنه متفق على خلاف الأخيرين، بل قد سمعت ضعف الثالث عندهم، و أن المعتد به القولان الأولان، كما أن المشهور منهما الثاني الذي قد عرفت كونه أقواهما.

و منه يعلم عدم كون الوصية من العقود المتعارفة، بل قد سمعت ما يصلح دليلا لكل من الأقوال، و إن أطنب في ذلك بعض المتأخرين، لكن على وجه غير مهذب و لا منقح، بل و مشتمل على حشو كثير، و ما لا فائدة يعتد به، كالإطناب في الفروع المتفرقة على القول بالنقل و الكشف، حتى عقد لذلك في التذكرة بحثا مستقلا، ضرورة عدم خفائها على المتنبه الذي قد أحاط بما تقدم لنا في الفضولي الذي قد سمعت البحث فيه عن الإجازة بالنسبة إلى النقل و الكشف، و الفروع المتفرقة على، ذلك، بل و قد عرفت هناك المراد من الكشف على وجه لا ينافي شرطية الرضا في الملك، لا أنه شرط للعلم بحصول الملك، و كذا الكلام هنا و إن كان هو ظاهر الكركي بل صريحه لكنه ضعيف مناف لما دل من الإجماع و غيره على اعتبار القبول في الملك، كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله هو العالم.

و على كل حال ف لو قبل الموصى له قبل الوفاة أي وفاة الموصى جاز وفاقا للمشهور لصدق اسم الوصية و العقد معه، فيندرج تحت أدلتهما، و به يستدل على نفي احتمال اشتراط الوفاة في صحته، كما أنه بذلك يخرج عن أصالة عدم النقل، و أصل بقاء المال و غيرهما من الأصول و كون متعلق الإيجاب الملك بعد الموت لا ينافي قبوله على هذا الوجه، ضرورة كون القبول كالإيجاب في صحة التعلق حال الحياة، فهما حينئذ متطابقان.

نعم هو بعد الوفاة آكد، و إن تأخر القبول عن الوفاة ما لم يرد بعدها خلافا لجماعة، منهم الفاضل و الكركي (لا يجوز) بل قيل: إنه المشهور، و إن كنا لم نتحققه، لعدم المحل له بعد أن كان القصد الملك بعد الموت، فالقبول قبله كالقبول قبل الوصية، و كما لو باعه

ج 28، ص: 254

ما سيملكه، و لأن القبول كاشف أو ناقل، و هما معا منتفيان هنا، لمعلومية اشتراط الملك بالموت، و لأن ما قبل الوفاة إن كان قابلا للقبول، فليكن قابلا للرد أيضا، كما بعد الوفاة، و المشهور أنه لا حكم للرد قبل الوفاة، كما ستعرف، فالقبول كذلك أيضا، و لأن القبول لو كان مقبولا حال الحياة لم يعتبر قبول الوارث و لا رده، لو مات الموصى له قبل موت الموصى و قد قبل، و هو باطل لأن إطلاق الأخبار يقتضي عدم الفرق بين تقدم قبول الموصى له و عدمه، فيكون قبول الوارث و رده معتبرا و لما ستعرفه في شرح قوله «فإن رد إلى آخره».

و الجميع كما ترى، ضرورة منع عدم المحل له بعد أن كان المقصود بالقبول الرضا بالمراد من الإيجاب كيفما كان، فلا يتصور اختصاص الإيجاب في زمان دون القبول.

و دعوى- كونه كالقبول قبل الوصية الذي لم يتحقق فيها إيجاب أصلا، و كما لو باعه ما سيملكه الذي يكون الإيجاب فيه باطلا- واضحة الفساد، كوضوح فساد الثاني لأن الكشف و النقل إنما هو في القبول بعد الوفاة، لانحصار مقتضى الملك حينئذ فيه، بخلاف حال الحياة التي لا إشكال كما لا خلاف في توقف الملك معه على الوفاة التي قصد الموصى التمليك بعدها، و عدم الحكم للرد بعد تسليمه، لأصالة بقاء حكم الإيجاب و صلاحية الزمان للقبول، لا تستلزم صلاحيته للرد، و قبوله بعد الموت ليس لقبول القبول فيه، بل للإجماع و نحوه مما هو مفقود في الفرض، بل هو مظنة العكس، و قبول الوارث إنما يكون معتبرا إذا مات الموصى له قبل القبول، كما أن رده معتبر إذا كان للموصى له الرد.

أما لو فرض عدم الرد له لم يكن للوارث ذلك أيضا، كما لو مات بعد القبول و الوفاة و ليس في النصوص ما يدل على اعتبار قبول الوارث، كي يتمسك بإطلاقه، الشامل لقبول الموصى له و عدمه، كما لا يخفى على من لاحظها هذا.

و قد أشار المصنف بقوله و إن تأخر إلى آخره، إلى عدم اعتبار اتصال القبول بالوفاة لو وقع بعدها، سواء قلنا باشتراط صحته بذلك أولا لإطلاق الأدلة الشامل لذلك قطعا، ضرورة ندرة اتفاق حصول ذلك، بل تعذره فيما لو كان الموصى له غائبا مثلا فلا ريب و لا خلاف يعتد به في عدم اعتبار اتصال قبولها بالوفاة، فضلا عن عدم اعتبار اتصاله بالإيجاب الذي هو معتبر

ج 28، ص: 255

في غيرها من العقود، بل الظاهر عدم تسلط الحاكم على جبره على القبول و عدمه، ما لم يستلزم ذلك ضررا و خصومة و تلفا للمال، باعتبار احتياجه إلى النفقة، و غيرها، و إلا كان له إلزامه في وجه قوي بل لو تعذر إجباره أمكن تولي الحاكم ذلك فتأمل هذا.

ثم إن الظاهر جريان البحث المزبور في إجارة التنجيز بناء على اعتبار اجارة الوارث في الزائد على الثلث فتأمل، و لما كان قول المصنف «لما لم يرد» موهما لخلاف الواقع فصله بقوله فإن رد في حياة الموصى، جاز أن يقبل بعد وفاته، إذ لا حكم لذلك الرد وفاقا للمشهور.

بل وجهه واضح، بناء على أن القبول معتبر بعد الوفاة خاصة، ضرورة كون الوجه فيه أن ذلك الوقت محل القبول، و الرد باعتبار التعليق في الإيجاب عليه إذ هو يقتضي عدم حصول المقصود منه قبل حصول المعلق عليه، كتعليق الحج على الاستطاعة، و نحو قول السيد اضرب زيدا إن جاء عمرو، و صل الظهر إذا زالت الشمس، و نحو ذلك مما لا أمر فيه قبل تحقق المعلق حال الحياة للإعلام بإرادة ذلك عند المعلق عليه، و للاكتفاء بها عن تجديد الأمر و الإنشاء عنده، و لعله لذا اعتبر في القبول كونه بعد الوفاة، كالرد، ضرورة عدم حصول متعلقهما قبلها.

و إن كان منع ذلك كله واضحا، لمعلومية تحقق الإنشاء بصدور الإيجاب، و التعليق إنما هو لحصول الأثر لا للإنشاء المقتضي لذلك، و الأوامر المعلقة يتحقق معنى الأمر فيها، بصدورها، و لذا يتحقق وصف المطيع و العاصي بالعزم على امتثالها و عدمه، قيل حصول المعلق عليه، بل لعل التأمل يشرف الفقيه على القطع بعدم إرادة تعليق معنى الأمرية فيها، على معنى أن يكون مأمورا عند حصول المعلق عليه، مع أنه لم يتجدد أمر غير ذلك، فيرجع إلى صيرورته مأمورا بلا أمر، و هو معلوم الفساد.

و من هنا اتجه صحة القبول قبل حصول المعلق عليه، لتحقق المعنى الإنشائي القابل للقبول، و لا يستلزم ذلك قبول الرد لعدم الدليل على بطلان حكم الإنشاء بقوله لم أقبله مثلا في مثل المقام، بل و في غيره حتى العقود اللازمة، إذا كان قد وقع على وجه لم يقدح باتصال قبولها

ج 28، ص: 256

به اللهم، إلا أن يكون إجماعا، فيقتصر عليه كالاقتصار هنا له أيضا على تأثيره، بعد الموت دون الحياة.

و من ذلك بان الوجه في عدم اعتباره على التقديرين، لكن و مع ذلك فالإنصاف يقتضي عدم الفرق بينه و بين القبول بالنسبة إلى تحقق المعنى المقابل، لتعلقهما به، و لعل شهرة الأصحاب هنا غير معتد بها، بعد أن علم أن المدرك فيها عدم حصول ما يقبل الرد لتعليق الأثر على الموت الذي قد فرض عدم تحققه، فيكون كالطلاق قبل النكاح الذي صححه أبو حنيفة، لما عرفت من بطلانه بتحقق المعنى القابل للقبول و الرد هنا، و يمكن أن لا يكون مدركهم ذلك، و إن ذكره بعض المتأخرين لهم، و لذا، كان خيرة المصنف جواز القبول حال الحياة، و عدم الحكم للرد فيها، و لعله لما أشرنا إليه من عدم دليل يصلح لقطع استصحاب صحة الإيجاب بذلك، لا لما ذكروه.

بقي شي ء في المقام، و هو أنه ربما استفيد من إطلاق المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين سبقه بالقبول و عدمه، و لكن يشكل ذلك بما ظاهرهم الإجماع عليه من كون الوصية عقدا جائزا من الطرفين، و مقتضاه تسلط الموصى له على فسحة حينئذ، و لا ريب في اقتضائه بطلان العقد، إذ هو معنى الفسخ، كما أن معنى الرد و الفسخ واحد، و احتمال التزام عدم الحكم بهذا الفسخ يقتضي مخالفتها للعقود الجائزة بالنسبة إلى ذلك، و يمكن حمل كلامهم على رد الإيجاب خاصة الذي لا يدخل تحت حكم فسخ العقد الجائز.

و دعوى أنه إذا كان له الفسخ بعد تمام العقد، فللإيجاب خاصة أولى يمكن منعها بعد بطلان القياس عندنا، و كذا دعوى تنزيل جواز الفسخ الذي له بعد تمام العقد على إبطال القبول خاصة، فيحتاج إلى تجديد القبول خاصة، بل قد عرفت أن ذلك مخالف للفسخ في العقود فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم.

و تحريرها ما ذكرناه غير مرة من أن الوصية ليست من العقود، و إن كانت هي جائزة بمعنى أن للموصى الرجوع، و للموصى له عدم القبول، أما إذا قبل فلا رد له حتى في حال الحياة، فضلا عما بعد الوفاة.

ج 28، ص: 257

نعم لو لم يقبل بل لو رد كان له القبول بعد ذلك حال الحياة، بخلافه بعد الموت، و لعل الفرق بينهما أن ما بعد الموت هو محل القبول و الرد، باعتبار أن التمليك في الوصية حينه، بخلافه حال الحياة، على أنه لو لم يقبل الرد بعد الموت ترتب الضرر لعدم أمد له ينتظر، مضافا إلى ما عرفت من كون القبول بعد الموت كاشفا، فالرد و القبول فيه نحو إجازة الفضولي بخلافه حال الحياة و الله العالم.

و كيف كان ف إن رد بعد الموت و قبل القبول بطلت على وجه، لا ينفعه تجديد القبول بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة في انقطاع الأصل المزبور.

إنما الكلام فيما ذكره المصنف و غيره بقوله و كذا تبطل الوصية لو رد بعد القبض و قبل القبول مع أنك قد عرفت سابقا تحقق القبول بالفعل و القول فالقبض،- بعنوان أنه موصى له- قبول، فلا يؤثر الرد حينئذ بعده، بل لا وجه لفرضه قبل القبول، ضرورة تحققه بذلك، اللهم إلا أن يحمل كلامهم على القبض الذي لا يكون قبولا و لو لغفلة عن الوصية أو جهل بها أن غير ذلك، و إن كان هو مناف لإطلاقهم، و لما تسمعه مما ذكروه متصلا بذلك من أحكام القبض نحو قول المصنف.

و لو رد بعد الموت و القبول و قبل القبض قيل: و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و ابن سعيد في المحكي عن جامعه تبطل استصحابا لجوازها قبله، و لكونها أضعف من الهبة و الوقف اللذين يعتبر فيهما ذلك- و قيل لا تبطل، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده و أشهر بين الطائفة، بل هو المشهور، بل كاد أن يكون إجماعا، كما أن النصوص (1)كادت تكون متواترة في عدم اعتباره، و لذا تضمنت انتقاله إلى وارثه إذا كان قد مات الموصى له قبله، مضافا إلى إطلاق أدلة الوصية و بذلك كله ينقطع استصحاب الجواز بعد تسليم جريانه- و الثاني- مع وضوح فساده بعد بطلان القياس مقتضاه كون القبض شرطا في الصحة و هو خلاف ما حكي عن المبسوط من كونه شرطا في اللزوم كما أومى المصنف بقوله


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 258

أما لو قبل و قبض ثم رد لم تبطل إجماعا لتحقق الملك و استقراره.

نعم ربما احتمل بعضهم ذلك، لكن الأمر في ذلك سهل، إذ على كل حال لا يخفى عليك ما فيه بعد ما عرفت و لورد الموصى له بعضا مما أوصى له و قبل بعضا صح فيما قبله خاصة، و كذا لو رجع الموصى ببعض دون بعض، لإطلاق أدلة الوصية و إنفاذها الشامل للفرض، لا لعدم اعتبار المطابقة بين إيجابها و قبولها باعتبار كونها من التبرعات المحضة، بخلاف عقود المعاوضة و لذا لم يجز للقابل فيها الاقتصار على بعض ما ذكره الموجب، و لو بما يخصه من الثمر، بل لما عرفت و تعرف، ضرورة اعتبارها في جميع العقود من غير فرق بين الجميع، لاتحاد المدرك فيها، إلا أنه في المقام لم يصدر من الموجب غير تعلق قصد الإيصاء بكل منهما، من غير مدخلية لاجتماعهما و انفرادهما، بخلافه في عقد المعاوضة الظاهر بسبب الجمع بالعوض في أن القصد قد حصل عليهما من حيث الاجتماع، و إن لم يكن ذلك على جهة الشرطية و من هنا لو فرض تشخيص الثمن لكل منهما كما لو قال: بعتك العبد بمائة، و الجارية بخمسين، فقبل أحدهما بثمنه لم يبعد الصحة، بحصول المطابقة بالنسبة إلى ما قبله و عدم قبول الثاني ليس من المخالفة بين الإيجاب و القبول الممتنعة، و إن كان الإنصاف عدم خلوه من الإشكال، بل قد يقوي عدم حصول المطابقة إلا مع تعدد إنشاء للإيجاب.

نعم يقوي في الوصية عدم كونها من العقود المعتبر فيها المطابقة لتحقق معنى اسم العقد الذي هو الإيجاب، و قبول ذلك الإيجاب بها.

و من ذلك يظهر الإشكال هنا في صحة جزء معين من الموصى به باسم كله، كما لو قال الموصى: بساطي مثلا لزيد، فقال الموصى له: قبلت هذا الجزء المعين منه، فإنه لا مطابقة بين الإيجاب و القبول حينئذ، بل لا إيجاب بهذا الجزء إلا ضمنا و في الإكتفاء به ظهر، و إن قلنا إنها ليست من العقود، بل في الاجتزاء بها في الإذن و نحوه منع.

أما لو قبل جزءا مشاعا منه مقدرا بالثلث أو الربع منه مثلا، فهو أقرب إلى الصحة منه، كما يشهد له صحة الوصية بالثلث بأزيد منه، فقبل الموصى له، و لم يجز الوارث الزائد، و إن كان قد يفرق بأن الموصى له قد طابق قبوله الإيجاب، لكن لم يسلم له باعتبار عدم اجازة الوارث،

ج 28، ص: 259

نحو ما لو باع ماله و مال غيره فقبل المشتري، و لم يجز الغير، فإنه يصح في الأول دون الثاني.

إنما الكلام فيما لو جعل متعلق القبول أولا و بالذات، و كلام الأصحاب هنا و إن كان مطلقا، لكن يمكن حمله على إرادة البعض المستقل كما لو قال: عبدي و داري لزيد، فقال الموصى له: قبلت العبد فتأمل جيدا فإن المسألة محتاجة إليه.

ضرورة عدم المطابقة فيه لو قلنا بكون الوصية من العقود، فإن القبول المزبور، لم يكن له إيجاب لأن الإيجاب الذي صدر من الموجب متحد و إن تعدد متعلقة، لا أنه إيجابان و إنشاء ان و العطف لا يصيره كذلك، فلو وقع في مثل الهبة و نحوها من العقود و لو التبرعية لم يكف، إذ لم تحصل المطابقة، نعم قد عرفت غير مرة، أن الوصية ليست من العقود المعتبر فيها ذلك.

و كيف كان ف لو مات الموصى له قبل القبول، قام وارثه مقامه في قبول الوصية و ردها سواء كان في حياة الموصى أو بعد وفاته على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عن كشف الرموز أنه هو الذي انعقد عليه العمل، بل لا خلاف محقق أجده فيه في الثاني و إن حكى، بل و في الأول و إن حكى عن أبي على البطلان فيه أو مطلقا، و ربما مال إليه بعض المتأخرين لكنه في غير محله، لأصالة بقائها للموصى له، فتكون حقا من حقوقه فينتقل إلى وارثه كحق الخيار و الشفعة و غيرهما خصوصا بعد أن كان اعتبار القبول فيها ليس على حسب اعتباره في غيرها كما عرفته سابقا، بل هي مع قبول الوارث تندرج في إطلاق أدلة الوصية، و ما دل على إنفاذها، و عدم جواز تبديلها و تغييرها.

و ل

ما رواه المحمدون الثلاثة بطريق صحيح و حسن كالصحيح عن محمد بن قيس (1)الثقة على الظاهر بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، و كونه الراوي لقضايا أمير المؤمنين (عليه السلام)

عن أبي جعفر (عليه السلام) التي هذه منها «قال: قضي أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصى لآخر و الموصى له غائب، فتوفي الموصى له قبل الموصى قال: الوصية لوارث الذي أوصى له، قال: و من أوصى لأحد شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصى فالوصية لوارثه الذي أوصى له،


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 260

إلا أن يرجع في وصيته قبل موته»

على أنه معتضد ب

خبر الساباطي (1)«قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أوصى إلى و أمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا، فمات العم فكتب أعط ورثته».

و بالصحيح عن المثنى (2)«قال: سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها، و لم يترك عقبا قال، أطلب له وارثا أو مولى فادفعها إليه، قلت: فإن لم أعلم له وليا قال: اجهد على أن تقدر له على ولي، فإن لم تجده و علم الله فيك الجهد فتصدق بها.»

و بما عرفت و هو و إن كان في الأول، لكن قد عرفت أنه محل الخلاف كما يقضي به التتبع، و إن حكى عن بعضهم البطلان مطلقا، لكنه غير محقق، كما أن القول بالتفصيل أي البطلان في الأول دون الثاني واضح الفساد، بعد النص و

الجامع لشرائط العمل الذي منه يعلم أيضا أنه لا وجه للتفصيل بين من يعلم كون غرضه خصوص الموصى له، فتبطل حينئذ مطلقا، و بين من لم يعلم غرضه فتصح و تنتقل إلى الوارث، بل ربما ظهر من بعضهم خروج القسم الأول عن الخلاف، لكن فيه أنه إن لم يكن ذلك على جهة الشرطية أو ما في معناها لا وجه للبطلان أيضا كالتفصيل بين علم الموصى و ظهور أمارات البقاء فكالمشهور، و بين عدم علمه، أو ظهور كون المقصود-، خصوص الموصى له، فالبطلان و إن تجرد عن جميع القران فالتوقف، إذ كل ذلك اجتهاد في مقابلة النص، أو تهجس بلا داع، سوى الأصل- المقطوع بما عرفت.

و الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل أوصى له أحد، فمات الموصى له قبل الموصى قال: ليس بشي ء»

الذي مثله موثق منصور بن حازم عنه أيضا القاصرين عن معارضة ما عرفت من وجوه.

منها الاعتضاد بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع المخالفة للمشهور بين العامة، و منه ينقدح حملها على التقية دون العكس الذي لم ينقل إلا عن الحسن البصري و التقية فيه مع بعدهما لا تتأتى فيما روى عن الصادقين (عليهما السلام) و من بعدهما، لتأخر زمانهم عنه، بل قد يشهد لذلك العدول في الجواب إلى ما هو غير واضح الدلالة، إذ من المحتمل كون المراد عدم كون


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الوصايات الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الوصايات الحديث- 2.

ج 28، ص: 261

الموت شيئا ينقض الوصية، بل قيل: إنه أنسب بأسلوب الكلام، و تذكير الضمير المستتر في الفعل، و لعدم التنافي بين الروايات و تنزيلها أيضا على ما إذا نقض الموصى الوصية بعد موت الموصى له، و كون المراد الوصاية لا الوصية التمليكية، و غير ذلك مما يظهر منه أن المقام مقام ترجيح و طرح، لا مقام جمع لانتفاء التعادل الذي هو شرط فيه، على أنه لو سلم فهو يقتضي التأويل في المحتمل دون النص الذي لا يقبل التأويل، كما هو واضح.

و سوى أن وارث الموصى له إنما يرث ما كان له، و المال قبل قبوله للموصى الذي لم يصدر إلا عطية للموصى له، فيكف يرث وارثه مال شخص آخر، و كيف يقبله له، مع أن الإيجاب وقع لغيره، و هو الذي قد أشرنا إلى أنه اجتهاد في مقابلة النص، مع أنه يمكن دفعه فيما لو مات الموصى له بعد الموصى و قبله الوارث لمورثه الذي هو الموصى له، و قلنا: إن القبول كاشف، فإنه ينكشف حينئذ بالقبول من الوارث القائم مقام مورثه دخوله في ملك الموصى له حين موت الموصى، فيرثه الوارث حينئذ، لكن الحق خلاف ذلك كله، و أن الوارث ينتقل إليه المال من الموصى، و إن قلنا بالكشف في قبول الموصى له بعض ما عرفت مما هو مفقود في المقام، ضرورة ظهور الدليل في ملكية الوارث له بموت الموصى، و إن قيدناه بالإجماع بحصول القبول منه لذلك، و لا وجه للكشف بالنسبة إليه لأن الفرض كون الموصى له قد مات بعد الموصى، فكيف يكون قبول الوارث كاشفا عن ملكه للمال حين موت الموصى، و الموصى له موجود؟

و دعوى أن القبول منه للميت الذي يموته خرج عن قابلية إدخال شي ء في ملكه، ابتداء لا شاهد عليها، كما لا وجه لدعوى الكشف حين موت الموصى له، مع أن السبب الملك ذكر للموصى له حين موت الموصى، فليس حينئذ إلا القول بأن قبول الوارث مملك حين حصوله.

و من هنا قال المصنف و غيره:

[فرع لو أوصى بجارية و حملها لزوجها و هي حامل منه فمات قبل القبول كان القبول للوارث ]

فرع لو أوصى بجارية و حملها لزوجها أو غيره و هي حامل منه فمات الزوج قبل القبول كان القبول للوارث لما عرفت فإذا قبل ملك الوارث الولد، إن كان ممكن يصح له تملكه و لا ينعتق على الموصى له، لأنه لا يملك بعد الوفاة، و لا

ج 28، ص: 262

يرث أباه، لأنه رق مملوك للوارث إلا أن يكون ممن ينعتق على الورثة و يكونوا جماعة فيشاركهم فيرث حينئذ لعتقه قبل القسمة لكن غير أمه التي لم تدخل في ملك أبيه، بل انتقلت إلى الوارث من الموصى، فليست هي حينئذ من تركته حتى يشارك الوارث فيها نعم هو شريكه في مال الموصى له.

و ما عن الشيخ- من أنه لا يرث مطلقا، و إلا لاحتيج إلى قبوله، و لا يكون وارثا إلا بالقبول، فيلزم الدور- فواضح الضعف ضرورة صيرورته وارثا بقبول غيره ممن هو الوارث حال موت الموصى له لأنه هو المعتبر قبوله، لا من تجدد إرثه، كما هو واضح نعم لو كان الوارث واحدا فلا إرث له، و إن انعتق على الوارث لو قبل، لعدم موضوع الاحتياج إلى القسمة الذي هو شرط إرثه، كما هو محرز في محله، هذا كله بناء على ما ذكرناه من أن قبول الوارث ناقل من حينه، و لو قلنا بكشفه عن دخول الموصى به في ملك الموصى له حين موت الموصى، اتجه حينئذ انعتاقه على أبيه، وارثه لأمه و انعتاقها عليه كما هو واضح.

هذا كله إذا كان للموصى له وارث خاص، فإنه كما عرفت يقوم مقامه، أما إذا لم يكن ففي محكي التنقيح أن الأكثر رجوع المال حينئذ إلى ورثة الموصى، و في الدروس نسبته إلى المعظم، و في المصابيح إلى الشيخين و الفاضلين، و لعله للاقتصاد فيما خالف الأصل على المتيقن، و هو الوارث الخاص، لكن فيه أن

في الصحيح، أو الحسن (1)«فإن لم تجد فتصدق به»

و عن السرائر أنه لإمام المسلمين، و هو متجه لو لا الشذوذ الذي اعترف به في الدروس.

اللهم إلا أن يمنع عليه باعتبار الأكثر الوارث الشامل له (عليه السلام) و الأمر بالتصدق به في الصحيح المزبور الذي افتى به الصدوق و ابن سعيد على ما قيل لا ينافيه، بل يأكده باعتبار أن المال له، و قد أذن بالصدقة به، بل في مصابيح الطباطبائي أن بذلك يحصل التوافق بين قول ابن إدريس و قول

الصدوق و ابن سعيد، ثم قال: و هو الأقوى، هذا.

و من الغريب ما حكاه فيها عن بعض شراح الحديث أنه قد استفاد من نصوص المقام أن


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 263

الوصية للأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) تصرف إلى أولادهم و ذريتهم، لأنها دلت على انتقال حق القبول إلى الوارث إذ لا يخفى ما فيه، من أن مورد الأخبار وجود الموصى له حال الوصية، فلا يتعدى إلى غيره.

و لا تصح الوصية بصرف مال مثلا في معصية بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به غير واحد، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أنه يمكن منع اندراجه في أدلة المقام فيبقى على أصالة المنع مضافا إلى عدم إمكان تنفيذها، فهي كالوصية بغير المقدور، لأن الممتنع شرعا كالممتنع عقلا، و إلى ما كان منها مندرجا في المعاونة على الإثم المنهي عنها في الكتاب العزيز(1)كمساعدة الظالم على ظلمه- و نحوها بل قد يقال: إن الوصية بصرف المال في المعصية معصية، ضرورة كونها كبذل المال فيها و إن تولى الصرف غير الباذل، و إلى

الخبر(2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قول الله تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ» الآية فقال:

نسختها التي بعدها «فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً» قال: يعني الموصى إليه إن خاف جنفا من الموصى فيما أوصى به إليه مما لا يرضى الله تعالى من خلاف الحق فلا إثم عليه أي على الموصى إليه أن يبدله إلى الحق، و إلى ما يرضي الله تعالى به من سبيل الحق».

و نحوه

المرسل (3)المضمر عنه (عليه السلام) «أنه تعالى أطلق للموصى إليه أن يغير الوصية إذا لم تكن بالمعروف و كان فيها جنفا و يردها إلى المعروف، لقوله تعالى «فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»»

و إلى غيره مما يستفاده منه عدم صحة الوصية بغير الحق، و الظاهر إرادة التخصيص من النسخ في الخبر الأول، كما أن الظاهر إرادة ما لا ينافي البطلان من التبديل إلى الحق، لا أن المراد تبديل الوصية بتعمير الكنيسة مثلا إلى تعمير المسجد، و الوصية بإعانة الظالم على ظلمه إلى إعانة المطيع من حيث هو كذلك، ضرورة عدم الدليل على ذلك، بل ظاهر الأدلة خلافه، و إن كان قد يتوهم من ظاهر الخبرين، إلا أنه بمعونة الاتفاق ظاهرا على خلاف-، ذلك يمكن حمله على إرادة الوصية بالثلث أولا مثلا ثم الوصية بخلاف الحق،


1- 1 سورة المائدة الآية- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 264

فإنه حينئذ يتجه التبديل إلى الحق، أما في غير ذلك فليس إلا البطلان الذي يمكن أن يكون أيضا من التبديل إلى الحق، لأن المراد منه

إرجاعها إلى ما يقتضيه الشرع، و هو مختلف كما عرف فتدبر.

ثم لا فرق في استفادة الحكم المزبور و غيره من آية «كُتِبَ عَلَيْكُمْ (1)» إلى قوله «غَفُورٌ رَحِيمٌ» بين القول بكونها منسوخة بآية المواريث(2)و القول بكونها غير منسوخة لعدم التنافي بين الإرث و الوصية للوارث، فإن حكم الوصية و عدم جواز التبديل إلا مع الجنف مستفاد على كل حال، كما أن الظاهر عدم اعتبار المال الكثير في رجحان الوصية لإطلاق لفظ الخبر المراد به المال، و لم يثبت تقييده بذلك، بل و لا خصوص الوالدين و الأقربين، و إن كانوا أولى من غيرهم، بل المراد مطلق الوصية بالمعروف.

و أما الحصر في الآية فيحتمل إرادة إثم التبديل منه، على معنى أن الإثم للتبديل على المبدل، دون الموصى، لأنه (3)«لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى »* و يحتمل إرادة حصر إثم الموصى له في المبدل، دون الميت الذي ارتفع الإثم عنه بوصيته فيه و ربما يشهد له

النبوي (4)«من حضره الموت فوصى وصية على كتاب الله كان كفارة لما منع من زكاته في حياته»

بل و غير ذلك من الوجوه الاعتبارية، و لتمام الكلام في الآية محل آخر و الله العالم.

و كيف كان فلو أوصى بمال للكنائس التي هي معابد النصارى و محال سبهم للحق و أهله و

العبادات الفاسدة البيع التي هي لليهود كذلك أو كتابة ما يسمى الآن توراة و إنجيلا و ليس كذلك، لأنه قد حرف جمله منهما و به كانا من كتب الضلال أو في مساعدة ظالم على ظلمه بل فاسق على فسقه بطلت الوصية لما عرفت، و إن قلنا بجواز الوصية لليهود مثلا.

و الضابط أن كلما جاز له فعله حال الحياة جاز له الوصية به، و كلما لم يجز له ذلك لم يجز له


1- 1 سورة البقرة الآية 180- 183.
2- 2 سورة النساء الآية- 12.
3- 3 سورة الأنعام الآية- 164.
4- 4 صحيح ابن ماجة ج 2 ص 902 الحديث 2705.

ج 28، ص: 265

الوصية به، و بذلك يفرق بين المعابد و غيرها، كالقنطرة و الخان، و نحوهما و بين كتابة التوراة مثلا للنقض و غيره، و قد تقدم في الوقف في نظير المسألة ما له نفع في المقام، بناء على اعتبار القرية فيه، فلاحظ و لا فرق في ذلك كله بين المسلم و الكافر المشتركين في الفروع عندنا.

نعم قد أمرنا بإقرار أهل الذمة منهم على ما عندهم من الأحكام، و ليس ذلك حكما بالصحة، و به يجمع بين من أطلق البطلان كالماتن و نحوه، و بين من خص ذلك بما إذا كان الموصى مسلما، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد عرفت فيما تقدم أن الوصية عقد جائز من طرف الموصى فله الرجوع بها حينئذ ما دام حيا، سواء كانت بمال أو ولاية بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص فيه مستفيضة أو متواترة.

لكن إطلاق العقد عليها بناء على اعتبار الموت في صحة قبولها نوع مسامحة، إذ هي ما دام حيا ليست إلا إيجابا، أما بناء على صحته منه في الحياة و وقع منه فصدق العقد عليها حينئذ حقيقة، و لعل ذلك هو المراد للمصنف، و يستفاد حكم الإيجاب وحده حينئذ بطريق أولى، و إن كان قد عرفت فيما تقدم الإشكال في كونها من العقود المتعارفة من غير هذه الجهة، فلا حظ و تأمل.

و خص الموصى مع أن حكم الجواز مشترك بينهما في الجملة، لبيان أنها بالنسبة إليه لا تكون إلا جائزة، سواء حصل لها قبول أولا، بخلافها بالنسبة إلى الموصى له، فإنها قد تكون جائزة كما في حال الحياة حصول منه قبول أو لا، و بعد الوفاة قبل القبول أو بعده قبل القبض، بناء على اعتباره في الملك، و لا زمه بعد الوفاة و القبول و القبض، أو الأولين فقط بناء على عدم اعتبار القبض في الصحة و اللزوم، كما هو الأصح على ما عرفته سابقا و الله هو العالم.

و يتحقق الرجوع من الموصى بالتصريح به لفظا بلا خلاف نحو رجعت أو نقضت، أو فسخت، أو لا تعطوه ما أوصيت به له، أو بما يفيده ظاهرا أيضا نحو:

هذا لوارثي، أو ميراث عني أو حرام على الموصى له، أو نحو ذلك مما يستلزم بطلان الأولى، خلافا لبعض الشافعية، فلم يبطلها بالمثال الأول، قياسا على عدم البطلان فيما لو أوصى

ج 28، ص: 266

بعين لزيد ثم بها لعمرو، بل يشتركان فيها.

و فيه: مع بطلان القيام منعه الحكم في المقيس عليه، ضرورة التضاد بينهما لامتناع حصول الملك لكل منهما، و الطارية رافعة لحكم الأولى عرفا بل شرعا، لأن العمل بالوصية واجب و لا يمكن إلا بالرجوع عن الأولى المشروع في نفسه بخلاف الثانية.

نعم لو نص على التشريك أو دلت عليه قرينة عمل به، بل في جامع المقاصد «و كذا لو دلت قرينة على صدور الوصية الثانية لنسيان الأولى، و أنه لم يرجع عنها فان العمل بالأولى حينئذ و إن كان لا يخلو من نظر كما ستعرف.

نعم لو قال: من تركتي لم يكن رجوعا على الأقوى، لأن الموصى به من جملتها، و دعوى اختصاصها بما كان حقا للوارث بالإرث ممنوعة.

و لو أوصى له بألف، ثم أوصى له بألف ففي القواعد هي واحدة، و كذا بألف معينة ثم بألف مطلقة و بالعكس، و لو أوصى بألف ثم بألفين، فهي ألفين، و وافقته عليه في جامع المقاصد و لكن لا يخلو من تأمل مع فرض عدم القرينة، لأصالة التعدد في الاستثناء الذي لا يتصور في تكراره التأكيد. نعم هو كذلك في الإقرار فتأمل جيدا.

و على كل حال فالرجوع يتحقق بذلك أو بفعل ما ينافي الوصية، فلو باع ما أوصى به أو أعتقه أو أوصى بيعه، أو وهبه و أقبضه أو رهنه كذلك أو كاتبه كان رجوعا لاقتضاء البيع و الهبة مع القبض و العتق نقل الملك و إزالته المنافي كل منهما لبقاء الوصية، و الرهن منع الراهن من التصرف و تسلط المرتهن على استيفاء حقه من القيمة المنافي لمقتضى الوصية الذي هو الملك تاما بالموت و القبول، و ليس هو كالوصية بالمرهون المنزلة على إرادة العهدية على تقدير الفك، و إفضاء الكتابة إلى انقطاع السلطنة عليه، التي من جملتها الوصية به و ما عن بعض العامة- من أن البيع ليس رجوعا، لأنه يتضمن أخذ البدل- واضح الضعف.

إنما الكلام في اقتضاء هذه الأمور الرجوع- للتنافي، بل هو في الحقيقة ليس رجوعا، بل بطلان للوصية بانتفاء محلها انتقاله عن ملك الموصى، و من هنا يتجه البطلان حتى لو صدر

ج 28، ص: 267

ذلك منه نسيانا للوصية، أو الدلالة على قصد الرجوع، نحو ما ستسمعه من التعريض لما هو مناف للوصية و تظهر الثمرة حينئذ في البطلان بما أوقعه من البيع، و إن ظهر فساده، لكن ستعرف المناقشة في دلالة ذلك و نحوه على إرادة إنشاء الرجوع.

و أما الوصية ببيعه فالظاهر الرجوع بها لمنافاتها لمقتضى الوصية الأولى الذي هو الملك بالموت فهو كالوصية به لزيد، ثم الوصية به لعمرو، الذي قد عرفت الكلام فيه.

لكن في المسالك إنها من فعل ما يدل على إرادة الرجوع- نحو مقدمات الأمور التي لو تحققت لنا قضت الوصية كالتعريض للبيع و نحوه مما هو ناقل للملك أو مزيل له نعم لو دلت قرينة- على عدم إرادة الرجوع بذلك و أنه لغرض آخر عمل عليها و إلا- حمل على الرجوع عملا بظاهر حال العاقل، و قد جعل منه الهبة قبل القبض، و كذا الرهن بناء على اعتباره فيه.

و فيه أن أقصى ذلك كون الموصى قد قصد شيئا لو تحقق لأبطل الوصية قهرا، و لا دلالة في ذلك على إرادته إنشاء الرجوع، بعد احتماله وجوها متعددة، و دعوى ظهور حاله في ذلك ممنوعة، و لو سلم فلا دليل على صحته في مثل المقام.

نعم قد يقال: إن الهبة قبل القبض و الرهن كذلك من المنافي فإنهما و إن لم يحصل بهما الملك و الرهن، إلا أن الأعداد لذلك مناف أيضا فإن الموصى به ينافيه تعلق عقد الهبة به مثلا، فيكون حينئذ من القسم الأول، مع أنه لا يخلو من نظر أو منع أيضا خصوصا مع ملاحظة استصحاب الوصية.

و كذا النظر فيما ذكره غير واحد أنه به يتحقق الرجوع و هو لو تصرف في الموصى ب ه تصرفا أخرجه عن مسماه، كما إذا أوصى بطعام فطحنه أو بدقيق فعجنه أو خبزه لأنه كتلف محل الوصية المقتضى لبطلانها من غير حاجة إلى قصد، بل لو وقع ذلك نسيانا منه أبطلها، بل الظاهر كونه كذلك أيضا إذا وقع لا بفعله، فإنه و إن كان جيدا لكن ينبغي تقييده بما إذا علم أن الموصى به من حيث كونه مسمى باسم خاص، بخلاف ما إذا علم كون الوصية به من حيث الذات التي لا تبطل الوصية بها حينئذ مع تغير حقيقتها، فضلا عن تغيير أحوالها التي تتغير به أسماؤها أما إذا لم يعلم الحال كما لو اقتصر على حنطتي مثلا لزيد بعد

ج 28، ص: 268

و فاتي، فهو و إن كان قاعدة دوران الحكم مدار الاسم تقتضي بطلان الوصية بانتفائه، نحو قول السيد لعبده آتني بحنطة، فإنه لا يمتثل بإتيان الدقيق، لكن قد يقال: أن ظاهر التمليك عرفا يقتضي تعلقه بمسمى الاسم، لا من حيث التسمية به، و حينئذ يكون المتجه عدم بطلانها بانتفاء الاسم، من غير فرق بين أن يكون ذلك بفعله أولا بفعله.

و دعوى ظهور الأولى في الرجوع لا من حيث انتفاء الاسم، بل من حيث أنه لو كان باقيا على وصيته لم يغيره عن الحال الأول واضحة المنع.

و من ذلك يظهر لك ما في كلام ثاني الشهيدين، في المسالك و غيره الذي لا يكاد يلتئم أطرافه، فإنه قد علل البطلان بانتفاء الاسم أولا، ثم اعترف بعد ذلك بعدم البطلان لو فعل الموصى ذلك لمصلحة العين لدفع الدور عنها و نحوه، و بعدمه أيضا لو كان قد فعله من غير إذنه، مع أنه إذا كان المدار انتفاء الاسم يتجه البطلان مطلقا.

نعم يتجه الفرق بذلك لو كان منشأ البطلان دعوى دلالة الفعل المزبور على الرجوع، و قد عرفت منعها، كما أنه بذلك يظهر لك أولوية عدم البطلان فيما لو علق الموصى وصيته باسم الإشارة و نحوه، مما لم يذكر فيه الاسم، فقال: هذه لزيد بعد وفاتي، أو ما في البيت لزيد بعد وفاتي، فإنه لا اسم حينئذ قد علق عليه الوصية، كي تنتفي بانتفائه بل لو جمع الاسم و الإشارة أمكن الترجيح للثانية، بالاستصحاب و غيره، و إلى نحو ذلك أشار في التذكرة و إن توهم في جامع المقاصد و المسالك عليه أنه في التذكرة يفرق بين الوصية بالمعين و المطلق، فتصح الوصية بالأول و إن تغير الاسم، بخلاف الثاني فإن الوصية بالمعين و المطلق، فتصح الوصية بالأول و إن تغير الاسم، بخلاف الثاني فإن الوصية تبطل بمجرد تغير ما عنده من أفراده لو كان، و هو شي ء لا ينبغي أن ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن العلامة خصوصا البطلان في المطلق الذي لا وجه له، ضرورة وجوب تنفيذ الوصية على كل حال، سواء كان في التركة له فرد و قد تغير، أو لم يكن كما هو واضح هذا.

مع أنه في التذكرة ما صدر منه إلا نحو ما في الكتاب مما هو ظاهر في المعين، و لو باعتبار عود الضمائر كما اعترف به في المسالك بالنسبة إلى المتن و ليس في كلامه التعرض للمطلق أصلا.

ج 28، ص: 269

نعم ذكر بعد ذلك ما قلناه من تعلق الوصية باسم الإشارة و نحوه، ثم قوى عدم بطلان الوصية فيه، معللا له بأنه لا اسم كي تنتفي بانتفائه، فلا حظ فتأمل.

و كذا الكلام فيما لو أوصى بزيت مثلا فخلطه بما هو أجود منه، أو بطعام فمزجه بغيره كذلك حتى لا يتميز فإنه أيضا قد ذكر غير واحد كونه رجوعا، بل في المسالك ظاهرهم القطع بذلك لتجدد وصف لم يحصل الرضا ببذله، مع عدم إمكان الفصل، و لكونه كالتلف، و لدلالة هذا الفعل عرفا على الرجوع.

لكن في الأول منع اقتضائه البطلان، ضرورة بقاء عين الموصى بها في نفس الأمر، و عدم تمييزها لا يقتضي بطلانها عرفا و لا شرعا، و لا ينافي قبول تمليكها فإذا ملكها الموصى له شاركه بنسبة القيمة، فلم يحصل وصف للموصى له و لم يوص به، و دعوى كونه كالتلف كدعوى الدلالة واضحة المنع و لذلك اعترف غير واحد بعدم البطلان، بالخلط بالمساوي و الأردى، معللا له في المسالك في المزج بالأردى بكون القدر الناقص بمنزلة إتلاف الموصى له، فيبقى الباقي على الإيصاء الأول، و بعدمه أيضا لو خلطه غيره بغير إذنه، أو اختلط بهيلان لنفسه و نحوه، و لو كان ذلك تلفا لم يفرق بين الجميع كما أنه لو كان فيه دلالة على الرجوع لم يفرق بين الأجود و غيره، و المتجه عدم اقتضاء شي ء من ذلك الرجوع ما لم تقم قرينة تدل عليه، و يشارك الموصى له بنسبة القيمة في الأجود و الأردى، من غير فرق في ذلك بين كون الموصى به زيتا معينا أو طعاما كذلك أو صاعا من صبرة معينة فمزجها بغيرها.

و بذلك يظهر ما في كتاب من كتب الأصحاب حتى الفاضل في القواعد الظاهر منه الفرق بين المعين، و الصاع من الصبرة، و الخلط في الأول مطلقا رجوع بخلاف الثاني ففيه التفصيل المزبور و هو غريب.

و كذا يظهر لك الوجه فيما في غير كتاب أيضا من قول أما لو أوصى بخبز فدية فتيتا لم يكن ذلك رجوعا بناء على ما ذكرناه. نعم قد يشكل ذلك بناء على ما سمعته منهم، ضرورة تغير الاسم بذلك، اللهم إلا أن يفرض عدم تغيره، بأن يقال له خبز مدقوق، أو يدعي أن مثل هذا الفعل لا يقتضي الرجوع، بخلاف الأفعال السابقة.

لكن الأخير كما ترى، فإن الدق كالطحن و العجن و نحوهما مما يقتضي إرادة الانتفاع به.

ج 28، ص: 270

للأكل و نحوه مما ينافي الاستمرار إرادة الوصية فإن كان مثل ذلك يقتضي الرجوع فهو في الجميع، و إلا فلا، و إن كان قد يمنع دلالة ذلك على إرادة الأكل و نحوه، و بعد التسليم قد يمنع اقتضاء ذلك إنشاء الرجوع و الفسخ للوصية، فإنه يمكن اجتماع الاستدامة عليها مع هذه الإرادة، إلا إذا كان المقصود إبطالها بالأكل أو لم يخطر له ذلك بباله.

و بالجملة الفسخ كالعقد لا بدل له من إنشاء إرادة له سواء كان بفعل أو قول، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و منه ينقدح لك النظر في كثير من كلماتهم في المقام بل من التأمل فيما ذكرناه هنا تعرف ما في كثير مما أطنبوا به من الأمثلة و غيرها، و لو رجع عن المصرف بأن أوصى لزيد بعين ثم لعمرو بأخرى و قصر الثلث، ثم أوصى بالأولى لبكر، فالأقرب تقديم وصية عمرو على الوصية لبكر لتقدمها عليها فيدخل النقض على المتأخرة، و إن كان لو لا رجوعه عن الأولى لكان النقض عليها لأنها المتأخرة و الله هو العالم.

[الفصل الثاني في الموصي ]

الفصل الثاني في الموصي: و يعتبر فيه كمال العقل الجاري مجرى غالب العقلاء و الحرية فلا تصح وصية المجنون- مطبقا كان أو أدوارا، إذا كان قد أوصى حاله، بلا خلاف و لا إشكال لسلب عبارته.

نعم لا تنفسخ بعروضه كالإغماء و نحوه مما لا عقل معه، و إن استمر إلى الموت للأصل و كونها عقدا جائزا لا يقتضي مساواتها له في كل شي ء، و لذا كان الموت محققا لها من طرف الموصى لا فاسخا بخلاف باقي العقود الجائزة، و تصريح الأصحاب بصحة وصية ذوي الأدوار كالنص على الصحة، و إن تعقب الجنون، على أن الأصحاب إنما اشترطوا العقل لا استمراره، بل صرح بعضهم كثاني الشهيدين و المحققين بعدم اشتراطه، بل عن الأول منهما أن في صحيح أبي ولاد تنبيها على ذلك، مريدا به ما

روى عن الصادق (عليه السلام)(1)في وصية القاتل لنفسه، «إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا»

إلى آخر ما سمعته إن شاء الله، باعتبار ظهوره في صحة الوصية مع تعقبها بالفعل المانع من التصرف، فكذلك غيره من الموانع، و لا بأس به، و إن كان العمدة ما عرفت معتضدا بالإجماع في مصابيح العلامة الطباطبائي على عدم البطلان بعروض الجنون و الإغماء، سواء استمر إلى الموت أو انقطع.


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام الحديث- 2.

ج 28، ص: 271

و كذا لا تصح وصية الصبي ما لم يبلغ عشرا لعدم كمال العقل فيه قبل ذلك غالبا فإن بلغها فوصيته جائزة في وجوه المعروف لأقاربه و غيرهم على الأشهر، إذا كان بصيرا عاقلا بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع، بل في ظاهر محكي الغنية أو صريحه دعواه، عليه لإطلاق أدلة الوصية و عمومها.

و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن و خبره (1)«إذا بلغ الغلام عشر سنين جازت وصيته».

وفي صحيح أبي بصير(2)«إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته»

الحديث.

و

في موثق منصور بن حازم (3)جواب سؤاليه عن وصية الغلام «إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته».

و قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(4)الذي رواه المشايخ الثلاثة «إذا أتى على الغلام عشر سنين فإنه يجوز فيما له ما أعتق أو تصدق على حد معروف و حق فهو جائز»

و غير ذلك، و هي و إن كانت مطلقة بالنسبة إلى العقد، لكن الإجماع على اعتباره كاف في تقييدها به، مع أنه يمكن ترك ذلك فيها لغلبة حصول العقل له في المدة المزبورة، مضافا إلى إشعار قوله في حد معروف و حق به.

و إلى

موثق أبي أيوب و أبي بصير(5)عن الصادق (عليه السلام) «في الغلام ابن عشر سنين يوصى قال: إذا أصاب موضع الوصية جازت».

و قول

أحدهما (عليهم السلام) في موثق (6)ابن كثير «يجوز طلاق الغلام إذا كان قد عقد و صدقته و وصيته، و إن لم يحتلم»

، و إطلاقه بالنسبة إلى العشر لا ينافي التقييد بالعقل فيه، كما لا ينافي بالعشر التي تضمنته النصوص السابقة المعتضدة بما عرفت، الذي لا يقدح في صحتها بالنسبة إلى المطلوب اشتمال بعضها على ما لا نقول به، فيقيد بها الموثق المزبور، و بالجميع يخص ما دل على سلب عبارته، و لا حاجة إلى تكلف دعوى عدم شمول تلك الأدلة لما بعد الوفاة التي من


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الطلاق الحديث الإستبصار ج 3 ص 302.

ج 28، ص: 272

الواضح منعها، كمنع دعوى جواز وصيته باعتبار كونها عبادة، و هو غير محجوز عليه بالنسبة إليها، بناء على شرعيتها.

إذ فيها أولا: منع الشرعية، و ثانيا: منع شرعيتها إذا كانت بمال، فليس له أن يؤدي زكاته المستحبة و لا الصدقة و لا الوقف و لا العتق لسلب عبارته.

و من الغريب رد ابن إدريس هذه الأخبار، مع أنه يدعي غالبا قطعية ما هو أقل منها عددا و عملا، و أغرب منه موافقة جماعة من المتأخرين له، ممن لم يوافقه على عدم العمل بأخبار الآحاد على ذلك، و ما في المسالك «من أنها مختلفة بحيث لا يمكن الجمع بينها، و إثبات الحكم المخالف للأصل بها مشكل».

لا يخفى ما فيه على الناظر فيها، بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و قيل و القائل ابن الجنيد تصح وصيته و إن بلغ ثمان يا من السنين و هو و إن كان لا يخلو من وجه لكن الرواية به التي استند إليها شاذة.

و هي

خبر الحسن بن راشد(1)عن العسكري (عليه السلام) «إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود، و إذا تم للجارية سبع سنين فكذلك»

على أن ظاهرها حصول البلوغ لهما من غير فرق بين الوصية و غيرها، و قد قيل إنه مخالف لإجماع المسلمين و أخبارهم.

نعم لو كان مدركه أنه مع فرض بلوغ الصبي العقل المتعارف لغالب الأولاد لم تكن للعشر خصوصية و إن قيد بها في تلك النصوص، إلا أنه

جار مجرى الغالب، فلا تصلح للتقييد، و لذا جعل المدار في غيرها على العقل و على إصابة موضوع الوصية و حينئذ فتجتمع جميع النصوص على ذلك، إلا أن المتجه حينئذ عدم التقييد بالثمان أيضا، كما عساه يشهد له

قول الصادق (عليه السلام)(2)«إذا بلغ الغلام عشر سنين فأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 273

و إذا كان ابن سبع سنين فأوصى في ماله بشي ء في حق جازت وصيته»

و عن الفقيه ابدال الشي ء باليسير، و لعل المراد به الأقل من الثلث، على أنه مخالف للإجماع بحسب الظاهر، و لذلك أمكن إرادة التقييد به، و إن سلم كون الغالب، و إلا أنه لعل الشارع لاحظ الغالب في التحديد و التقييد، إلحاقا للنادر بغيره في الحكم، كما هو المعروف في قواعد الشرع و قوانينه.

و على كل حال فلا ريب أن الأقوى المشهور، و أما القول بالتفضيل بين الأقارب و غيرهم الذي قد يتوهم أنه أشار إليه المصنف بالتنصيص على عدم الفرق، فلم يتحقق القائل به، و إن رواه

ابن مسلم في الصحيح (1)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الغلام إذا حضره

الموت فأوصى و لم يدرك جازت وصيته، لأولي الأرحام و لم يجز للغرباء».

و لعل الإشارة بالتنصيص إليه، لكن لقصوره عن تقييد ما عرفت من وجوه، يمكن حمله على إرادة بيان عقله و تمييزه بذلك، بل لعله تقييد وصيته بالمعروف مشعر بذلك بناء على إرادة الراجح شرعا منه، كبناء القناطر و المساجد وصلة الأرحام و نحو ذلك، و يمكن إرادة الوصية الجائزة الجارية مجرى وصايا العقلاء، كما أومى إليه ب

قوله (صلى الله عليه و آله) «إذا أصاب موضع الوصية»

بل و بقوله «حق» المراد منه ما قابل الباطل الذي هو مظنة الصبا، و الله العالم.

و كذا لا تصح وصية المملوك بما في يده من الأعيان و مطلقا بناء على أنه لا يملك أصلا حتى مع إجازة السيد لخروجها عن موضوع الوصية ضرورة كونها كقول مال زيد لعمر و بعد وفاتي، بل و لا من الفضولي الذي هو الوصية عن زيد بعد وفاته، لا وفاة غيره، بل و على غيره للحجر عليه الشامل لهذا التصرف قطعا، و لو بملاحظة ما دل من النصوص على جواز وصية المكاتب بمقدار ما أعتق منه.

نعم لو أجاز له مولاه صح بناء على ملكه، بل و كذا لو زال الرق و فرض بقاء ماله الموصى به على ملكه حتى مات، قد يحتمل البطلان كبيع المرهون ثم فك، بناء على عدم الصحة فيه، لكن قد عرفت البحث فيه في محله.


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 274

أما لو ارتفع الرق عنه بعد الإيصاء منه و قد ملك بعد عتقه مثلا ما تنفذ فيه وصيته.

فوجهان- من إطلاق تنفيذ الوصية و كونه غير مسلوب العبارة فهو كالمعسر حال الوصية الموسر حال الموت، و إطلاق ما دل على نفوذ وصية المكاتب بقدر ما تحرر منه، و عدم ثبوت اشتراط صحة الوصية بعدم المانع من نفوذها غير الموت- و من وقوع الإيجاب عنه و هو رق، و إطلاق قوله لا وصية لمملوك و التعليق في المعنى في الوصية، بغير الموت- أقواهما الأول لما عرفت مع عدم ثبوت اعتبار الحرية حين إيجاده عبارة الوصية بل لعل الثابت خلافه، كما سمعته في إطلاق روايات المكاتب كما أن المعتبر في الوصية الملك حين الوفاة، لا حين الإيقاع، و الخبر المزبور مع عدم جمعه لشرائط الحجية ظاهر في غير الفرض، و عدم قدح معنى التعليق الذي هو كقوله إن كانت زوجتي فهي طالق، بل في القواعد و غيرها لو قال العبد: متى اعتقدت ثم مت فالأقرب الجواز، و لعله لأن قوله هذا الزيد بعد وفاتي إن مت حرا، بمنزلة قوله إن مت في سفري أو مرضي، بل لا يبعد صحة التعليق على الملك في المشخص أو المطلق و إن كان لا يخلو من نظر، سيما الأول، كالنظر في صحة الوصية بعين للغير ثم ملكها بعد ذلك هذا كله في الوصية التمليكية للمشخص أو المطلق.

أما العهدية كالوصية بالدفن في مكان مخصوص و نحوه مما لا يحتاج إلى صرف مال فوجهان أيضا كالوجهين في وصية السفيه بالمعروف أو مطلقا، بل القولين إلا أن الأقوى فيه عدم جوازها، لعموم أدلة الحجر عليه، و دعوى اختصاصها في حال الحياة واضحة المنع، لكن في جامع المقاصد «أن المشهور الجواز» بل عن ظاهر الغنية الإجماع على ذلك، فإن ثم فهو، و إلا كان الأقوى ما عرفت.

و أما المفلس فالأقوى جواز وصيته، لعدم معارضتها لحق الغرماء، لأنها من الثلث الذي لا يكون إلا بعد وفاة الدين كما هو واضح.

و لو جرح مثلا الموصى نفسه عمدا بما فيه هلاكها أى أحدث ذلك بها ليموت ثم أوصى بشي ء من ماله لم تقبل وصيته بلا خلاف معتد به أجده، بل عن الإيضاح نسبته غير مرة إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه.

ج 28، ص: 275

لصحيح أبي ولاد(1)المروي في الكتب الثلاثة عن الصادق (عليه السلام) من قتل نفسه متعمدا فهو في نار جهنم خالدا فيها، قلت: أ رأيت إن كان أوصى بوصية ثم قتل نفسه من ساعته تنفذ وصيته فقال: إن كان أوصى قبل أن يحدث حدثا في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت أجيزت وصيته في الثلث، و إن كان أوصى بوصية بعد ما أحدث في نفسه من جراحة أو فعل لعله يموت لم تجز وصيته».

فما عن ابن إدريس من صحة وصيته واضح الضعف على أصولنا، و إن نفى عنه البأس في محكي المختلف و استحسنه في محكي الروضة و إيضاح النافع، و كذا المسالك إلا أنه كما ترى اجتهاد في مقابلة النص، المعمول به الجامع لشرائط الحجية و العمل بل و كذا ما في

القواعد، و لو قيل بالقبول مع تيقن رشده بعد الجرح كان وجهان و أغرب من ذلك قوله فيها أيضا: و تحمل الرواية على عدم استقرار الحياة على اشكال، إذ هو كما ترى.

نعم لو أوصى، ثم قتل نفسه قبلت وصيته على حسب وصية غيره، بل لا اشكال كما لا خلاف أجده فيه، للصحيح السابق مضافا إلى الأصول و العمومات، و لا يقاس الأول عليه، لحرمته عندنا، مع إمكان إبداء الفرق بأن الأول بفعله ذلك بنفسه كان كمن زال عقله، لا تقبل وصيته المتأخرة بخلاف الثاني الذي هو كن زال عقله بعد ايصائه، بل ربما جعل وجه النص ذلك، أو أن عدم القبول في الأول لكونه غير مستقر الحياة، أو لأن الثلث بالنسبة إليه كالإرث بالنسبة إلى غيره ممن يحرم من الإرث بقتله الموروث عمدا، فكذلك هذا، يحرم من الثلث عقوبة، و الجميع علل بعد السماع، و إن كان خيرها آخرها.

نعم ينبغي الاقتصار فيما خلاف الأصل على المتقين، و هو الوصية في الثلث، أما غيره الذي لم يستلزم وصيته في الثلث كمكان الدفن و الولاية على الأطفال و نحو ذلك فلا، و من فعل ذلك عمدا- دون الخطأ- و رجاء لأن يموت دون غيره، من غير فرق في ذلك بين الجرح و غيره، للصحيح المزبور، فيندرج فيه من يقتل نفسه بالسم مثلا.


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 276

لكن هل يلحق به من القى نفسه إلى التهلكة إشكال، أقواه عدم اللحوق للأصل، كما لا يلحق به من فعل ذلك بنفسه عمدا ليموت، لكن لم يكن عاصيا لكون ذلك جهادا في سبيل الله، أو لأنه غير مكلف، ثم ارتفع المانع.

و محل البحث ما لو مات بذلك، أما لو عوفي منه فأوصى فلا اشكال، بل لا يبعد صحة وصيته الأولى، إذا كان قد بقي مستمرا عليها، بناء على أن ذلك كالوصية المستأنفة و إن كان لا يخلو من نظر مع فرض عدم تجرد إنشاء تمليك، و لذا لو نساها و لم يجددها لم تنفذ، على الأقوى لظهور الصحيح المزبور في عدم جواز وصيته في الحال المفروضة و إن عوفي لكن على معنى عدم أثر للإيجاب المفروض، دون المتجدد بعد أن عوفي.

و دعوى صحة الإيجاب في نفسه و إن كان لو مات في ذلك الجرح لم يترتب عليه أثر، أما إذا عوفي منه ثم مات أثر أثره، إذ هو بحكم المراعي- يدفعها ظهور إطلاق عدم الجواز الصحيح بخلافها.

نعم قد يقال: إن ظاهر الصحيح عدم الجواز من حيث كونه وصية للمجروح على حسب الأول من البرء منه أما لو أجاز الوارث فقد يقال بالصحة، لعموم الأدلة، اللهم إلا أن يقال:

إن إجازة الوارث تنفيذ، كما ستعرفه في محله إن شاء الله، و هو يتوقف على صحة الوصية حتى يتجه التنفيذ.

و فيه: منع الدليل على عموم عدم الصحة على وجه لا تقبل التنفيذ، بل لعل إطلاق ما دل على الصحة مع إجازة الوارث يقضي بخلافه فلا حظ و تأمل هذا.

و الظاهر عدم إلحاق التنجيز بالوصية، و إن اتفق التعبير بها عنه في بعض الأحوال على ضرب من المجاز، اللهم إلا أن يقال: إن منع الشارع له من الوصية لعدم الثلث له فيمتنع التنجيز أيضا، لذلك، بناء على أنه منه، لكن لا يخلو من نظر فتأمل جيدا و الله العالم.

و لا تصح الوصية بالولاية على الأطفال، إلا من الأب أو من الجد للأب خاصة الثابتة و لا يتهما عليهم زمن الحياة على وجه لهما الوصية بها نصا و فتوى، بل

ج 28، ص: 277

إجماعا بقسميه، و لا ينافي ذلك انقطاعها حال عدم الوصية بها، ضرورة كونها حينئذ كالثلث الذي له الوصية به، و إن لم يفعل لم يكن له شي ء، بخلاف الحاكم الخاص الذي ثبتت ولايته عليهم من حيث الحكومة منهم (عليهم السلام) المقيدة زمن الحياة، فهو شبه الوكيل عن الإمام (عليه السلام) بالنسبة إلى ذلك، فينعزل بالموت خصوصا بعد أن كان النصب للصنف الذي ثبت في حق الشخص باعتبار اندراجه فيه فإذا انعدم فرد، قام مقامه فردا آخر مما حل فيه طبيعة الصنف الذي قد نصبه إمام الأصل و لنحو ذلك لم يصح الوصية من الأب و الجد له بالولاية مع وجود الآخر و لو على ثلث ماله باعتبار ثبوت الولاية للأب الصادق على كل منهما فمع فرض وجود مصداقه انقطع ولاية الآخر بموته.

نعم لو كان الولاية منحصرة في أحدهما صح حينئذ الوصية بالولاية منه، و ليس هكذا الحاكم، لأن إمام الأصل موجود في كل زمان، و يتولى الأمر عنه حينئذ حسبة عدول المؤمنين فتأمل.

و ليس لوصي أحدهما عليهم الوصية بالولاية أيضا، إذا لم يكن قد نص الموصى الأول عليه بذلك، لأنه كالوكيل عنه، ينعزل بموته لا أقل من الشك في كون ولايته الحاصلة له بنصب الأب أو الجد قابلة للايصاء بها، و الأصل العدم، و الاستصحاب لا محل له في الفرض فترجع الولاية حينئذ إلى الحاكم.

و لا ولاية للأم بلا خلاف معتد به للأصل فلا تصح الوصية منها حينئذ عليهم خلافا للإسكافي فجعل الولاية لها مع رشدها بعد الأب، و ضعفه واضح، لعدم الدليل على ولايتها، بل ظاهر الأدلة خلافه و كون الولاية ثابتة لها على ثلثها، فلها إخراجه عنهم، لا يقتضي بثبوت الولاية لها عليهم، بحيث لو أوصت بالثلث لهم على وجه يكون ملكا لهم، أن تجعل أمره إلى غير وليهم الشرعي لعدم القدرة لها على ذلك، ضرورة رجوع ذلك إلى الشرع لا إليها، و الثابت منه ما عرفت.

و كذا الكلام في وصية الأب مع وجود الجد و بالعكس و حينئذ ف لو أوصت لهم بمال، و نصبت لهم وصيا عليه و على ثلثها و قضاء

ج 28، ص: 278

ديونها صح تصرفه في ثلث تركتها مما لم يرجع إلى الأطفال و كذا تصرفه في إخراج ما عليها من الحقوق، و لم تمض على الأولاد لما عرفته من عدم الولاية لها عليهم و لا فرق في ذلك بين أن يقع الإيصاء منها بعبارة واحدة، أو بعبارات متعددة ضرورة كون الوصية أوسع من البيع الذي إذا تعلق بما يصح بيعه و ما لا يصح، فإنه ينفذ في الأول دون الثاني، و إن كان بصيغة واحدة كما هو واضح.

و لو أوصت بثلثها لأطفالها على أن يبقى بيد الوصي ثم يملكه لأطفالها بعد البلوغ أو أوصت به على أن يصرف عليهم ففي تسلط الوصي دون الأب حينئذ إشكال من عدم ملكيتهم للمال، فلا تسلط لوليهم عليه، و من كونه حقا لهم، و الولي مسلط عليه كالمال، و قد يفرق بين الأول و الثاني، و لعل الأقوى الأول لأنه ولاية على التصرف لا الطفل، فهو كالوقف منها عليهم مثلا على أن يكون المتولي له غير الولي لا الوصية بذلك، فالوقف على البالغ الرشيد و المتولي غيره، و ستسمع أن الوصية أوسع من غيرها فإن الوقف و إن كان هو على حسب ما يقفه أهله، لكن الوصية تتعلق بالمعدوم و نحوه و قد استدل الإمام (عليه السلام) بقوله «فَمَنْ بَدَّلَهُ» بالوصية للمجوس و غيرهم على وجه يظهر منه عموم مورد الوصية، و أنه لا يجوز تبديله ما لم يعلم بطلانه فلا حظ و تأمل كي تعلم شمولها للفرض و غيره و التمليك على وجه مخصوص في الكبير الذي لا ولاية لأحد عليه و غيره و الله العالم.

[الفصل الثالث في الموصى به ]

اشارة

فصل الثالث: في الموصى به، و فيه أطراف

[الطرف الأول في متعلق الوصية]
اشارة

الأول: في متعلق الوصية، و هو إما عين موجودة أو متوقعة، كحمل الدابة و الجارية و نحوهما بل و إن لم يكن معتاد الوقوع إذا كان ممكنا، و أما منفعة كذلك و لو حقا قابلا للنقل و الانتقال كحق التحجير.

و على كل حال يعتبر فيهما الملك للموصى على معنى قابليته لذلك و إن لم يكن مملوكا فعلا كما يومئ إليه التفريع و نحوه فلا تصح ب ما لا يدخل في ملك أحد أصلا ك الخمر الغير المحترمة، بخلاف المحترمة كالمتخذة للتخليل و لا (11) ب الخنزير و لا (12) ب كلب الهراش (13) بخلاف الكلاب

ج 28، ص: 279

الأربعة، و الجرو القابل للتعليم التي هي مملوكة و لها منفعة مباحة و دية، كما مر البحث فيها سابقا و لا ما لا نفع معتد به فيه و لا بآلات اللهو، و نحو ذلك من حيث كونها كذلك ملاحظا اسمها لما عرفت من أن الوصية التمليكية قسم من العقود أو الأسباب المملكة، فلا تتعلق بما لا يقبل الملك، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الرياض، بل حكى فيه عن التذكرة الإجماع عليه و على جواز الوصية بالكلاب الأربعة معللا ذلك بان فيها نفعا مباحا، و تقر اليد عليه و الوصية تبرع تصح في المال و غير المال من الحقوق، و أنه تصح هبته فتصح الوصية به كالمال، قيل: و يستفاد منه جواز الوصية بكل ما فيه نفع محلل مقصود، و إن لم يجز بيعه كالفيل و نحوه على القول بالمنع عن بيعه، و به صرح في التذكرة في المثال و غيره.

قلت: لعل ذلك كله لعموم أدلة الوصية و لذا جاز تعلقها بالمعدوم الذي هو غير قابل لتعلق صفة الملك به، لو لا الدليل حتى ما كان فيه غير معتاد الوجود، و بالحقوق و نحوها و يمكن إرادة ما يشمل ذلك من الملك في المتن و غيره، فتصبح الوصية حينئذ بالعين التي لا تدخل في الملك، لكن للمستولى عليها حق اختصاص بها، على معنى الوصية بذلك الحق الذي للموصى، و كذا حق التحجير.

نعم هي لا تتعلق بما لا يقبل النقل من الحقوق لغير الوارث كحق القذف و نحوه، مما يراد به التشفي الذي هو للوارث دون الموصى له، و يخرج باعتبار الملك أيضا ما كان ملكا للغير و إن أجاز بناء على عدم كون ذلك شبه الفضولي، ضرورة كون ذلك وصية عن الغير بماله، كما لو قال قائل: مال زيد لعمرو بعد وفاته، ثم أجاز زيد لا أنه يقول مال زيد لعمرو بعد وفاتي، ثم يجيز زيد، فإنه لا دليل على مشروعية ذلك، كما هو واضح.

و الوصية بالأزيد من الثلث مع أن الحق كون الإجازة من الورثة تنفيذا كما ستعرف، بمعنى أنه لا يدخل في ملك الوارث، مع أجازته، خارج بالدليل، و لا يقاس عليه غيره، فما عن الدروس من احتمال الصحة واضح الضعف، و إن قواه بعض مشايخنا.

نعم عن التذكرة احتمال صحة الوصية بملك الغير إذا قيده بتملكه و في القواعد و لو قال:

ج 28، ص: 280

إن ملكت مال فلان فقد أوصيت به الفقراء احتمل الصحة لأنه أولى من الوصية بالمعدوم مع أنه لا يخلو من نظر أو منع يعرف مما قدمناه سابقا، و هو بطلان التعليق على غير الموت للوصية.

نعم قد يقال: بصحته لو قال إن مت مالكا لذلك فثلثه للفقراء مثلا نحو ما سمعته في مثل إن مت حرا و في سفري هذا قيل: و كذا يخرج باعتباره ما لا يقصد ملكه عادة لحقارته كفضلة الإنسان أو لقلته كحبة الحنطة و لعل ذلك و نحوه الذي أشار إليه بقوله «و لا ما لا نفع» لكن قد يقال: إن ما لا نفع معتد به فيه غالبا إذا اتفق حصول النفع به يختص به من استولى عليه، بل لعل حق الاختصاص به ثابت له مطلقا لصدق الظلم على من انتزعه منه قهرا فتصح الوصية بهذا الحق، بل مثل حبة الحنطة مملوكة قطعا، و إن كان لا يصح المعاوضة عليها للسفه المفقود في الوصية لعدم العوض فيها، مع أنه قد يحصل النفع بها للفخ و نحوه، و بالجملة عمومات الوصية شاملة لذلك كله، و لكل حق قابل للنقل و لو بصلح أو شرط سواء حرم التكسب به أولا. بل بظهر من كلام بعضهم شدة التوسعة في الوصية حتى أنه ربما صححوا النقل بها لما لا يجوز نقله إلا بها كبعض المعدومات، بل لعل الضابط فيها تعلقها بكل شي ء إلا ما علم خلافه، كما شهد استدلاله (عليه السلام) بصحة الوصية للمجوس و غيرهم بقوله تعالى «فَمَنْ بَدَّلَهُ» إلى آخره و لذا صحت بالمعدوم و المجهول حتى مثل أحد العيدين و غير المقدور على تسليمه، كالآبق و نحوه، بل و ما ليس ما لا مما فيه نفع معتد به، كالزبل للتسميد المصرح به في قواعد الفاضل و غيرها، و نحو ذلك مما يدل على التوسعة في متعلق الوصية ما لم يعلم العدم، و إن كان بعضه لا يخلو من نظر، بل صرح في الدروس بالمنع من الوصية بالسرجين النجس، و الحشرات التي تقدم في المكاسب بعض الكلام في ثبوت حق أو ملك بالاستيلاء عليها مطلقا أو حال الاحتياج إليها، و كالوصية بحق الخيار مجردا عما فيه الخيار، فإنه و إن كان يورث، لكن انتقاله بالوصية أو غيرها من النواقل مشكل.

نعم يصح الصلح عنه إسقاطا، بل لو أوصى بالعين التي له الخيار فيها يشكل انتقال الخيار للموصى له، لأنه من توابع العقد دون العين، و ربما حكى عن بعض المحققين ممن قارب عصرنا جواز نقل حق الخيار بالصلح مثلا، فيكون الثمن و المثمن لمن انتقال إليه الخيار، و هو

ج 28، ص: 281

مشكل من وجوده، و كذا النظر في اعتبار بعض ما أوصى به مما ليس بمتقوم، لعدم كونه مالا بالنسبة إلى الثلث، فهل يفرض القيمة لها نحو فرض الحر عبدا أو يجعل قيمة منفعته قيمته، أو يرجع إلى العدد و قد يحتمل عدم اعتبار الثلث في مثل الفرض، حملا لما دل على ذلك على غير الفرض، و إبقاء لعموم الوصية على حالها، فلو فرض عدم مال له إلا ذلك نفذ الوصية من دون شي ء للوارث، بل و لا لذي الدين، لأن الفرض عدم كونه ما لا يتعلق به الدين، على وجه يكون وفاء عنه هذا، و قد وقع للفاضل في القواعد في الفرض و نظائره ما هو محل للنظر أو المنع، بل منه غير المنطبق على أصولنا فلا حظ و تأمل.

ثم إن إطلاق المصنف و غيره عدم جواز الوصية بالخمر و الخنزير يقتضي عدم الفرق بين كون الموصى و الموصى له مسلمين أو كافرين، أو أحدهما مسلما و الآخر كافرا و لعله كذلك، لتكليف الكافر بالفروع كالمسلم، و إن كنا مأمورين بإقرارهم و إلزامهم بما الزموا به أنفسهم، و معاملتهم على ما عندهم، لكن ذلك كله لا يقتضي الصحة و لعله بذلك يجمع بين العبارات و الله العالم.

و كيف كان ف يتقدر كل واحد منهما أى العين و المنفعة بقدر ثلث التركة فما دون و حينئذ ف لو أوصى بما زاد بطلت في الزائد خاصة، إلا أن يجيز الوارث بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص مستفيضة فيه أو متواترة.

فما عن علي بن بابويه- من عدم تقديرها بذلك، بل لو أوصى بماله كله نفذ، تمسكا

بالرضوى (1)«فإن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله، و يلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى به»

والخبر «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز»

وفي آخر(2)«رجل أوصى بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمد (عليه السلام) فكتب إليه جعلت فداك رجل أوصى إلي


1- 1 المستدرك ج 23 ص 523 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 16.

ج 28، ص: 282

بجميع ما خلف لك، و خلف ابنتي أخت له، فرأيك في ذلك فكتب إلي بع ما خلف و ابعث به، فبعت و بعثت به اليه فكتب إلي قد وصل»

و نحوه غيره مؤيدا كله ذلك بالإطلاقات.

واضح الضعف لقصور ذلك كله عن مقاومة ما عرفت، من وجوه عديدة، بل احتمل كون المراد من عبارة المخالف و مستنده أنه يجب صرف المال الموصى به بجميعه على حسب ما أوصى، من حيث وجوب العمل بالوصية و حرمة تبديلها، بنص الكتاب و السنة حتى يعلم فسادها و بطلانها، و لو بالجور فيها على الوارث، و ارادة حرمانه عن التركة، و مجرد احتمال ذلك غير كاف، فإذا وقع من الموصى الوصية بأزيد من الثلث و لم يعلم الوجه في ذلك، و لعله كان لحق له عليه أو غيره وجب إنفاذها، و حرم تبديلها حملا لها على الوصية النافذة، و

عملا بتلك الإطلاقات، و لأنه أعلم بما فعل، هذا غير جواز الوصية بالزيادة على الثلث تبرعا، الذي هو محل البحث، فيكون الحاصل وجوب إنفاذ الوصية، و إن زادت حتى يعلم أنها وقعت تبرعا، فتتوقف حينئذ على الإجازة، و في الرياض أن هذا التوجيه و إن لم يكن ظاهرا من عبارته فلا أقل من مساواة احتماله، لما فهموه منهما، فنسبتهم الخلاف إليه ليس في محله، و عليه لبه في التذكرة فلا خلاف من أحد حينئذ في المسألة.

قلت: لكن قد يقال أولا بمنع المحمول عليه، لعدم مشروعية صورة تصح فيها الوصية التي هي بمعنى التمليك بعد الموت بأزيد من الثلث، من دون اجازة الوارث حتى في صورة النذر و أخويه، لظهور الأدلة في اشتراط صحة الوصية بعدم الزيادة على الثلث إلا مع إمكان إجازة الوارث، فلا ينعقد النذر على غير المشروع، و احتمال اشتغال ذمة الموصى بمال للموصى له، لا يجدي في صحة الوصية بالمعنى المزبور، ضرورة عدم كون ذلك وفاء له، بعد فرض كون المراد تمليكه إياه بالوصية دون الوفاء، كما أن احتمال فرض غير ذلك يقتضي خروج المسألة عن الفرض الذي هو تمليك الزائد على الثلث بالوصية من دون إجازة، و من ذلك يظهر لك أنه لا وجه لتقسم الوصية إلى التبرعية و غيرها، فتعتبر إجازة الوارث في الأولى، دون الثانية، و بعد التسليم- لظهور النصوص كما لا يخفى على من لاحظها في الحكم بالوقوف على إجازة الورثة، بمجرد اشتمال الوصية على الأزيد من الثلث، فيكون الأمر على العكس فيما ذكره الموجه،

ج 28، ص: 283

ضرورة كون مدار الحكم بذلك، حتى يعلم أن صدورها منه لسبب من الأسباب التي توجب الإخراج من الأصل عملا بظاهر ما دل على تعلق حق الوارث بالزائد عن الثلث، حتى يعلم خلافه، و أصالة النفوذ في الوصية بعد تسليمهما إنما هي حيث لا تعارض حق الغير، و من هنا قد اشتملت جملة من النصوص قولا و فعلا على رد الوصية الزائدة عن الثلث إليه بمجرد صدورها من الموصى كذلك، ما لم يعلم سبب من أسباب التعلق بالأصل، و لو من إقراره، و لعل ذلك هو الأقوى ترجيحا لهذه الأدلة على تلك الأدلة، و إن سلم كون التعارض بينهما من وجه، كما لا يخفى على من لاحظ نصوص المقام متدبرا فيها، و الله العالم.

كما أنه منها يعلم أيضا عدم اعتبار قصد الموصى الثلث في تنزيل وصيته عليه، فلو أوصى بشي ء ينطبق عليه أو يقصر عنه صح، و نفذ منه و إن لم يكن قد قصد ذلك، بل و إن قصد من الأصل.

نعم لو أوصى بشي ء بعد أن أوصى بالثلث مثلا مصرحا بإرادة إخراجه من الأصل كان ذلك موقوفا على الإجازة من الوارث، و إن وسعه الثلث، لأنه قد قصد إخراجه من الأصل على وجه لا يعارض ما أوصى به أولا، إلا ما يخصه من التقسيط الذي هو في الحقيقة رجوع به عن الوصية الأولى، كما لو صرح بإخراجه من الوارث، و سلامة ثلثه منه، فحمل التعلق بالثلث في الفرض الوصية المقصود خروجها منه، أو المجردة عن قصدها ذلك و قصد خلافه.

و الوجه في الأول واضح، بل الثاني أيضا ضرورة التمكن من إنفاذ الوصية فيه، و لصدور السبب من الموصى و له محل قابل للتعلق به، فيعمل عمله، إذ الأصل في الأسباب ترتب مسبباتها عليها ما لم يحصل لها معارض، و احتمال البطلان في الوصية في الفرض مناف لإطلاق أدلتها المقتضي لصحتها، كما هو واضح و ربما تسمع له زيادة تحقيق إن شاء الله، و لا فرق فيما ذكرنا بين الوصية بالحصة المشاعة كالربع و النصف و بين الوصية بشي ء معين كالفرس و العبد و نحوهما.

و كيف كان ف لو كانوا أي الورثة جماعة فأجاز بعضهم، نفذت الإجازة في قدر حصته من الزائد لحصول المقتضى بالنسبة إليه، و ارتفاع المانع،

ج 28، ص: 284

و لا يقدح هنا التبعيض، كما لا يقدح في غيرها من العقود، مثل بيع مال الغير إذا كان للمتعددين فأجاز بعضهم، و امتنع الآخرون، و كذا لو أجاز الجميع البعض، أو البعض البعض، لاتحاد الجميع في المدرك، كما هو واضح.

فلو فرض كون الوارث أبناء و بنتا و أوصى بنصف ماله، فإن أجاز معا فالمسألة من ستة، لأن لهما نصف التركة أثلاثا، و إن رد معا فالمسألة من تسعة، لأن لهما ثلثي التركة أثلاثا، فأصلها ثلثه، ثم تنكسر عليها في مخرج الثلث و لا وفق، و إن أجاز أحدهما ضربت وفق إحدى المسألتين، و هو الثلث في الأخرى، تبلغ ثمانية عشر للموصى له الثلث، بغير إجازة ستة، و لهما الثلثان اثنى عشر أثلاثا، فمن أجاز منهما دفع من نصيبه ما وصل إليه من السدس الزائد، و هو سهم من البنت و سهمان عن الابن، إذ لو أجاز الابن لكان له ستة من الثمانية عشر، و معه من الأنثى عشر ثمانية، فيدفع إلى الموصى له سهمين، و لو أجازت البنت لكان لها ثلاثة من الثمانية عشر، و معهما أربعة فيندفع سهما فيكمل للموصى له على تقدير إجازتهما تسعة هي النصف، و على تقدير إجازته خاصة ثمانية، و على تقدير إجازتها خاصة سبعة، و قس عليه ما يرد عليك من نظائره.

و على كل حال ف إجازة الوارث تعتبر بعد الوفاة إجماعا بقسميه، و نصوصا و هل تصح قبل الوفاة فيها قولان: أشهرهما انها تلزم الوارث بل هو المشهور، بل عن الشيخ الإجماع عليه

للصحيحين (1)«رجل أوصى بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال: ليس لهم ذلك، الوصية جائزة عليهم»

و نحوهما غيرهما، كما هو مؤيد بعموم الأدلة الدالة على وجوب إمضاء الوصية، و كون الإرث بعدها، خروج منها ما إذا لم يجز الوارث مطلقا فيبقى الباقي، و بأن المنع من نفوذ الزائد عن الثلث إنما هو لحق الورثة، و هو متحقق في حال الحياة، فإذا أجازوا فقد

أسقطوا حقهم، و بأن المال الموصى به لا يخرج عن ملك الموصى و الورثة لأنه ان


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 285

بري ء كان المال له، و إن مات كان للورثة، فإن كان للموصى فقد أوصى به، و إن كان للورثة فقد أجازوه، و لأن التعليق الذي في الوصية ليس للإنشاء فيها، كيلا يقبل القبول و الإجازة، بل هو لحصول الأثر فيها، و إلا فالإنشاء حصل الآن فعلا، نحو الأوامر المعلقة و النذور كذلك، فإن المعنى الإنشائي فيها حاصل عند حصولها، و لذا لم يحتج المأمور بأمر معلق على شي ء إلى أمر جديد عند حصول المعلق عليه، و لم يجز إتلاف المنذور قبل حصول المعلق عليه، و كذلك ما نحن فيه، فإن المراد من قولنا «هذا لزيد بعد وفاتي» إنشاء هذا التمليك المعلق فيقبل القبول و الإجازة و غيرهما، لا أن المراد تعليقه على وجه لا يقبل القبول و الإجازة إلا بعد الموت.

و دعوى- تسليم ذلك و أن الامتناع في إجازة الوارث باعتبار عدم حق له الآن، فلا تؤثر أثرا، لا من حيث تعليق الوصية- يدفعها أنه لا إشكال في استحقاق الوارث من حيث الإرث بل ينبغي القطع به حال المرض نحو استحقاق صاحب الدين في مال المفلس و نحوه، كما أنه لا إشكال في كون الوصية تصرفا يظهر أثره مقارنا لاستحقاقه، و لذا لاحظه الشارع بالنسبة إلى الثلث و الثلثين، و مرجع أجازته رضاؤه بكونه غير وارث بالنسبة إلى ما تعلق به الوصية، و هذا شي ء قبال للوقوع منه حال حياة الموصى، و ستعرف أن إجازة الوارث تنفيذ، لا ابتداء هبة و المراد به ما عرفت و حينئذ فيتضح وجه ما سمعته من النص و الفتوى من تحقق الإجازة حال الحياة، و ترتب أثرها عليه.

نعم مقتضى ما ذكرناه قابلية الوصية للرد من الموصى له كالقبول، لاشتراكهما في المعنى المزبور، إلا إنه للدليل لم يكن أثر للرد في الحياة، و أن القبول بعده و بعد الموت مجد كما عرفته في محله، و أما هنا فقد صرح غير واحد أيضا بأن عدم الإجازة من الوارث حال الحياة لا ينافي ترتب أثرها عليها بعد الوفاة بعد الرد المزبور، لاندراجها في إطلاق الوصية، و لأن حاصل الرد المزبور أنه لم يرض بخروجه عن الإرث بالنسبة إلى ما أوصى به الموصى، فإذا رضي بعد ذلك لم يكن منافيا للسابق في ذلك الزمان الذي في الحقيقة حاله كحال الزمان الذي لم يعلم الوارث بالوصية به، أو علم و لم يتعرض للإجازة و ردها، و ليس هو كإجازة الفضولي في عقد البيع الذي مرجعها إلى قبول العقد و عدمه، فإذا رده لم يجد قبوله بعد ذلك، كما أنه إذا قبله لم يجد رده بعد ذلك، لتحقق الانفساخ فيه، بخلاف الإجازة في المقام التي مبناها رضا الوارث بعدم

ج 28، ص: 286

كونه وارثا، أو رضاه بكونه وارثا، و أما قبول العقد و رده فهو للموصى له لا له، مضافا إلى ما سمعته سابقا من عدم كون الوصية عقدا حقيقة، و إنما هي كالعقد في بعض الأحكام.

و من ذلك كله يظهر لك إن ما عن المقنعة و المراسم و السرائر و الوسيلة و الجامع و الإيضاح و شرح الإرشاد من عدم نفوذها حال الحياة، فلو أجازوا حالها كان لهم الرجوع بعد موت الموصى- ضعيف، إذ لو سلم أن ذلك مقتضى القواعد لكنه لا يعارض ما عرفت من الأدلة المعتبرة المعمول بها بين الأصحاب.

نعم ربما خص بعضهم نفوذ الإجازة حال مرض الموصى، لا حال صحته، مع أنه مناف لما عرفته من إطلاق النص و الفتوى أيضا، و كذا ما عن بعضهم من الجميع بين القولين بالتفصيل بين غناء الوارث و فقره، فإن كان الوارث غنيا و قد أجاز بلا استدعاء من الموصى لم يكن له الرجوع، و إن كان فقيرا أو غنيا و دعاه الموصى إلى الإجازة فأجاز حياء كان له الرجوع، فإنه كما ترى واضح الفساد، بل لا يوافق أصول الإمامية و قواعدهم، فضلا عن إطلاق النص و الفتوى- هنا، الذين مقتضى الثاني منهما، بل و بعض الأول أنه ليس للوارث الرجوع عن أجازته حال حياة الموصى، فضلا عن الرجوع بعد وفاته، و في محكي الإيضاح الاعتراف بأن ظاهر الفتوى ذلك، و أنه قد يفهم من الرواية ما يدل عليه، ثم إن الظاهر عدم الفرق بين الإجازة بعد الوصية، و بين الإذن فيها سابقا كما لا فرق في ذلك أيضا بين الوصية التمليكية و العهدية كالوصية بالوقف و العتق و نحوهما، و الله هو العالم.

و كيف كان ف إذا وقعت الإجازة بعد الوفاة كان ذلك إجازة لفعل الموصى و تنفيذا له، بلا خلاف أجده بيننا، بل ربما ظهر عن بعضهم الإجماع عليه، بل هو من المقطوع به لو وقعت حال الحياة بناء على اعتبارها، بل و كذا الحال في إجازة المنجز، بناء على كونه كالوصية في خروج الزائد من الثلث بالإجازة و ليس ذلك بابتداء هبة من الوارث كما عن بعض العامة و حينئذ فلا تفتقر صحتها إلى قبض و لا يجرى عليها أحكام الهبة التي أطنبوا هنا في ذكرها تفريعا على القولين، ضرورة كون مفادها الرضا بما فعله الموصى، من كون ما أوصى به

ج 28، ص: 287

لمن أوصى له، و أنه خارج عن إرث ورثته، كما لا يخفى على من له أدنى نظر.

و أولى من ذلك العتق و نحوه، فإن الوصية بالمعنى الأعم التي هي موضوع البحث هنا، لا تختص بالتمليكية، كما يظهر ذلك مما ذكروه من الفروع في المقام، كما أنه يظهر منهم عدم الفرق بينها، و بين المنجز، بناء على توقف الزائد على الثلث فيه على الإجازة، و من المعلوم عدم كونها صيغة عتق مثلا.

نعم لو كان التردد بين ذلك، و بين احتمال كون الإجازة من الوارث بعد ملكه للموصى به بموت الموصى، و أنها من إجازة مالك، نحو إجازة الفضولي و غيرها كما هو مقتضى ما دل على ملك الوارث بموت مورث ما تركه له، و يلتزم حينئذ للجمع بين الأدلة، بترتب ملك الموصى له على ملك الوارث ترتبا ذاتيا لا زمانيا، فلا ينافي ذلك حينئذ إرادة الموصى ملك الموصى له بالموت، نحو ملك الولد الوالد الذي ينعتق عليه، لكان له وجه في الجملة، و إن الأقوى خلافه أيضا، لظهور أدلة بعض أفراد الوصية فيما يراد منها من خروج الوارث عن ارث ما أوصى به، فهي حينئذ كالمقيدة لأدلة الإرث خصوصا بعد ظهور الأدلة أيضا في كون الموصى له يتلقى من الموصى، لا الوارث.

نعم هو كذلك في البعض الأخير منها، و ما لا ينافي ملكية الوارث و إن كان بقدر الثلث، كما في الوصية العهدية أو التمليكية التي يجب على الوارث تنفيذها، و كان مالكا كما يجب عليه وفاء الدين كذلك، إذا كانت بقدر الثلث أو أزيد مع الإجازة، و لا ريب في كون الإجازة حينئذ نحو إجازة الفضولي، و ليست تنفيذا بالمعنى الذي ذكره الأصحاب الذي فرعوا عليه إجازة المفلس و السفيه و نحوهما، كما أنه لا ريب في عدم كون المراد من القول المقابل للتنفيذ أن الإجازة نفسها هبة أو عتق أو نحو ذلك، ضرورة أن الرضا بما فعله الموصى من الإيصاء الشامل للعهد و غيره، ليس عقد هبة أو عقد بيع مثلا، و إيقاع عتق، و لذا لم يذكر أحد مثل ذلك في الفضولي، لا على القول بالكشف، و لا على القول بالنقل، فلا بد من حمله على ما ذكرناه، و إلا كان واضح البطلان، كما أنه لا بد من تنقيح المسألة على الوجه الذي قلنا، و به يظهر لك ما في كثير من الكلمات فلاحظ و تأمل، حتى ما ذكروه في التنجيز، و أنه في الزائد على الثلث

ج 28، ص: 288

كالوصية في البحث المزبور، و الله اعلم.

ثم لا يخفى عليك أن الإجازة لا تصح من المجنون و الصبي، و تصح من المفلس حال حياة الموصى، و في الروضة في صحتها بعد موته وجهان: مبناهما على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث؟ و بالإجازة تنقل عنه إلى الموصى له، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت، و على الأول لا تنفيذ لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة، و على الثاني يحتمل الأمرين، و إن كان النفوذ أوجه.

لكنه خبير بأن المعروف بين الأصحاب كون الإجازة تنفيذا و المراد به الرضا بالخروج عن كونه وارثا بالنسبة إلى الموصى به، و أن مقابله ما يحكى عن العامة من كونه ابتداء هبة و من هنا بنى المسألة في محكي التذكرة عليهما فقال: إن قلنا: إنها هبة لم تصح، لأنه ليس له هبة ماله، و أما السفيه ففي القواعد و محكي غيرها إطلاق المنع من أجازته، لكن قد يقال: إنه كالمفلس بالنسبة إلى ذلك، لعدم كونه مالكا في حال الحياة بل لم يتصرف في المال بعد الوفاة، و إنما رضي بعدم كونه وارثا و هو ليس تصرفا ماليا حتى يمنع منه، اللهم إلا أن يقال: إنه ممنوع مما يشمل مثل هذا التصرف لكن يأتي احتمال مثله في المفلس، و لعل ذلك هو الوجه في الأمرين اللذين في الروضة.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجب على الوصي أو الوارث أو الحاكم أو عدول المؤمنين أو كافة الناس لكن على الكفاية العمل بما رسمه الموصى مما أوصى به إذا لم يكن منافيا للشرع و إن كان إنما يعتبر ذلك إذا كان بقدر الثلث أو أزيد إذا أجاز الوارث.

و يعتبر الثلث وقت الوفاة أي لا وقت الوصاية الذي هو ليس زمان الملك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع محكي عن الخلاف و إن لم يكن محصلا عليه فلو أوصى بشي ء و كان موسرا في حال الوصية، ثم افتقر عند الوفاة، لم يكن بإيساره اعتبار، و كذلك لو كان في حال الوصية فقيرا ثم أيسر وقت الوفاة، كان الاعتبار بحال يساره و المخالف في ذلك بعض الشافعية.

ج 28، ص: 289

نعم قال ثاني المحققين و الشهيدين: هذا إنما يتم بغير اشكال لو كانت الوصية بمقدار معين كمائة دينار، أو بشي ء معين أو شقص منها، أو كانت بجزء مشاع كالثلث و كانت التركة حين الوصية أزيد منها حال الوفاة، أما لو انعكس أشكل اعتبارها عند الوفاة، مع عدم العلم بإرادة الموصى للزيادة المتجددة، لأصالة عدم التعلق و شهادة الحال بأن الموصى لا يريد ثلث المتجدد حيث لا يكون تجدده، متوقعا غالبا، خصوصا مع زيادته كثيرا، و زاد أولهما- أنه قد تقدم الاشكال فيما لو أوصى لأقرب الناس إليه، و له ابن و ابن ابن، فمات الابن، فان استحقاق ابن الابن لا يخلو من تردد، بل قال: إنه قد يتوقف في دية العمد، من حيث تجدد ثبوتها بعد الموت.

كما أنه أورد أيضا على العبارة و ما شابهها بأنه ربما تلف بعض التركة بعد الموت و قبل قبض الوارث إياها، فلا يحسب ذلك على الوارث، و يصير الثلث أقل، و ربما تجدد بعد الموت دية نفس أو طرف بصلح و نحوه، فيصير أكثر، فلا يستقيم التقييد بقوله عند الموت، بل يقيد بوقت قبض الوارث التركة، و أخذ دية النفس و الطرف، و قبول الوصية لمورثه إذا كان بعد موت الموصى الأول، بناء على أن القبول كاشف.

قلت: قد يدفع الأخير بالتنزيل على الغالب، حتى ما وقع في الدروس «و المعتبر الثلث حين الوفاة لا حين الوصية، و لا ما بينهما و لا بعد الوفاة، لأنه الوقت الذي تنتقل فيه التركة إلى الوارث» أو بما سمعت من أن المقصود من التقييد في نحو المتن الرد على بعض الشافعية القائل بكون العبرة وقت الوصية، ضرورة تنزيل الموصى له مع الوارث منزلة الشريك، في أن ما يبقى لهما، و ما يتلف عليهما، كما هو واضح فيما لو كان الموصى به الثلث، أو حصة مشاعة منه، بل لو كان الموصى به شيئا معينا كان مرجعه الوصية بمقدار ما يساوي قيمتها من الثلث، فهو أيضا كالشريك، و كذا لو أوصى بمقدار كلى كالمائة دينار، و كانت بعض الثلث.

إنما الإشكال في أن هذا و نحوه هل يرجع إلى الوصية بحصة مشاعة من الثلث حتى أن التالف منه ينقض من الموصى به على حسب النسبة، لأنه كالوصية بربع الثلث مثلا، أو أنه لا يرجع إلى ذلك، بل هو كلى مضمون في الثلث، حتى لو لم يبق منه إلا مقدار ما يساوى ذلك نفذت

ج 28، ص: 290

الوصية، وجهان: منشؤهما أن الكلى يملك في الخارج لا على جهة الإشاعة على وجه تشمله عمومات الوصية مثلا، أو أنه لا يملك إلا على جهة الإشاعة إلا ما خرج بالدليل، كبيع الصاع من الصبرة، بناء عليه لخبر الأطنان و ربما يؤيد الثاني تنزيلهم الأرطال المستثناة في بيع الثمار على الإشاعة، و كذا الشاة مثلا في الزكاة.

لكن الأمر في الوصية واسع فلا يبعد قابليتها للتمليك على هذا الوجه، و قد تقدم تحرير هذه المسألة في باب الزكاة و البيع، فلا حظ، على أن دعوى عدم ملكية الكلي في الخارج إلا على جهة الإشاعة خالية عن الدليل، بل ملك أحد السيوف في الحياة مثلا و الوصية و نحوهما قاض بخلاف، و التحقيق في المسألة ما أشرنا إلى من أن الإشاعة تارة تكون من نفس الوصية، بأن يوصى به على وجه الإشاعة، و أخرى تكون من حكم الشارع بأن للميت الثلث و لا ريب في اقتضاء الأولى قواعد الشركة، كما أنه لا ريب في اقتضاء الثانية النقصان بنقصان الثلث، و إلا وجب الأداء ما دام ممكنا و إن نقص من أصل التركة ما نقص، و لا يتدارك الموصى به بكسر من الكسور، على وجه ينقص منه بالنسبة، ضرورة عدم دليل عليه، و منافاته لما دل على وجوب العمل بالوصية.

و دعوى- أن المراد قدر الثلث حتى لو أوصى بالثلث، و لذا تكون التركة للوارث بالموت- لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها.

نعم قد يكون كذلك، لا أن كل وصية كذلك بل لعل لفظ الوصية بالثلث مثلا خلافه، كما تقدم نظير ذلك في تعلق الخمس و الزكاة بالعين، لا أن المراد مقدار ذلك في الذمة كما توهمه بعض فتأمل جيدا و الله العالم.

و أما ذكراه من الزيادة المتجددة، فيدفعه أن المفهوم عرفا من الوصية بالثلث مثلا ارادة مصداقه عن الموت الذي هو محل الانتقال و اتفاق مصداقه قبله لا يقتضي تقييد ذلك به، و فرض قيام القرائن على ذلك خروج عن محل البحث، كما لو صرح بذلك.

بل قد يشهد لما قلناه ما تطابق عليه النص و الفتوى من أنه لو أوصى ثم قتله قاتل أو جرحه جارح كانت وصيته ماضية، من ثلث تركته و ديته و أرش

ج 28، ص: 291

جراحته إذ كان ذلك خطأ، بل الإجماع محكي ان لم يكن محصلا عليه.

و

في خبر محمد بن قيس (1)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): رجل أوصى لرجل بوصية من ماله ثلث أو ربع فقتل الرجل خطأ، يعني الموصى فقال: تجاز لهذه الوصية من ماله و ديته».

و في المرسل (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل أوصى بثلث ماله، ثم قتل خطأ فقال: ثلث ديته داخل في وصيته».

وفي خبر محمد بن قيس (3)عن أبى جعفر (عليه السلام) «أيضا أنه قال: قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل أوصى لرجل بوصية مقطوعة غير مسماة من ماله ثلثا أو ربعا، أو أقل من ذلك أو أكثر، ثم قتل بعد ذلك الموصى فودى فقضى في وصيته أنها تنفذ ماله و ديته كما أوصى».

و في خبر السكوني (4)عن أبى عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) من أوصى بثلثه ثم قتل خطأ فإن ثلث ديته داخل في وصيته».

ضرورة تجدد استحقاق الدية من بعد الوصية التي قد صرحت النصوص بإخراجها من ثلثها أيضا بل ربما أشكل بذلك ما سمعته من إطلاق الأصحاب كون العبرة بالثلث عند الوفاة باعتبار تأخر استحقاقها عن الموت.

لكن قد عرفت أن إطلاقهم ذلك إنما هو بالنسبة إلى وقت الوصية بمعنى عدم العبرة بالثلث حاله، على أنه لما كان استحقاق الدية المزبورة مقارنا للموت صدق عليه أنه من الثلث وقت الوفاة.

نعم ذلك كله في دية الخطأ التي قد صرح فيما نصا و فتوى بل قد شهد لها الاعتبار مضافا إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 169.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3- 2.

ج 28، ص: 292

ذلك، ضرورة كونها عوضا عن نفسه، كالقيمة للتالف، فتعلقه بها أشد من تعلق وارثه، و

لذا أدخلها الشارع في أمواله و علق بها ديونه و وصاياه، بل ربما كان ذلك هو الوجه في دية العمد أيضا، و إن قلنا ان الواجب به أولا القصاص الذي هو غير قابل لتعلق الدين و الوصية به.

لكن لما لم يستوفه الوارث و أراد الصلح بالدية تعلقت بها الوصايا و الديون، لأنها في الحقيقة أيضا عوض عن نفس المجني عليه، و قيمة له فتتعلق بها الوصايا و الديون.

مضافا إلى ترك الاستفصال

في خبر عبد الحميد(1)«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل قتل و عليه دين، و أخذ أهله الدية من قاتله، أ عليهم أن يقضوا الدين؟ قال: نعم، قلت: و هو لم يترك شيئا قال: أما إذا أخذوا الدية فعليهم أن يقضوا الدين».

وفي خبر يحيى الأزرق (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل قتل و عليه دين و لم يترك مالا و أخذا أهله الدية من قاتله أ عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: نعم. قلت: هو لم يترك شيئا قال إنما أخذوا الدين فعليهم أن يقضوا دينه».

بل هو صريح

خبر أبي بصير(3)عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: قلت:

فان هو قتل عمدا، و صالح أولياؤه قاتله على الدية، فعلى من الدين على أوليائه من الدية أو على إمام المسلمين؟ فقال: بل يؤدوا دينه من ديته التي صالح عليها أولياؤه فإنه أحق بديته من غيره،»

و هو مع صراحته بوفاء الدين من ديته في العمد، فيه رمز إلى ما ذكرناه من الوجه في ذلك.

و من هنا لم يفرق المشهور بين الديتين بالنسبة إلى تعلق الديون و الوصايا بل قيل: إنه قد حكى إجماعات على ذلك، و إنه لم يخالف فيه إلا ما يوهمه كلام ابن إدريس في باب قضاء الدين عن الميت، و هو اجتهاد في مقابلة النص نحو ما وقع من بعضهم في المقام من الإشكال


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الديون الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الديون الحديث- 2.
3- 3 الفقيه ج 4 ص 83 الرقم 264 و الخبر عن علي بن أبي حمزة.

ج 28، ص: 293

في ذلك، بناء على ما هو المشهور من أن الواجب في العمد القصاص، لا أحد الأمرين ذلك، أو الدية، كما عن أبي علي و الشافعي.

ضرورة أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص الذي قد عرفت اتفاق الأصحاب إلا النادر على- العمل به، بل تسمع إن شاء الله في باب الديات أن ما يجني على الميت بعد موته- كما إذا قطع رأسه و هو ميت، فإنه فيه مائة دينار- في حكم ماله، و أنه و إن كان عليه دين فهو أولى به.

و من ذلك كله يعلم أن جميع ما يؤخذ عوضا عن نفس الميت أو بدنه في حكم ماله و كذا ما يقع في شبكته بعد موته، لمكان وجود سببه قبل الوفاة، و قد ظهر بذلك كله الحال في المناقشات المزبورة، التي مرجعها المؤاخذة على إطلاق مساق لبيان أمر آخر و نحوه، خصوصا المناقشة بالنسبة إلى النقيصة المتجددة بعد الموت قبل قبض الوارث، فان من المعلوم دخول النقص المزبور على الموصى له و الوارث بذلك من غير فرق حينئذ بين كون الموصى به عينا أو جزءا مشاعا، إذا فرض نقصان الثلث بالتلف المزبور عن خروج العين الموصى بها، و ليس المراد من وقت الوفاة في المتن و نحوه الإشارة إلى ذلك، بل هو مبنى على ما هو الغالب من اتحاد وقت الوفاة و القسمة، و بقاء تركة الميت على حالها.

و أما ما ذكره من الوصية لأقرب الناس، فقد قيل: أن النظر فيه في غير محله، و أنه يدفع المال إلى ابن الابن، و ان كان الموجود وقت الوصية لابن بل قيل: إنه لم يتوقف فيه أحد غيره، بل هو نفسه قد اعترف بعد ذلك بأن استحقاق ابن الابن لا يخلو من قوة فلا حظ و تأمل و الله العالم.

و لو أوصى إلى انسان بالمضاربة بتركته أو ببعضها على أن الربح بينه و بين الورثة نصفان صح و ربما يشترط كونه قدر الثلث أو أقل و الأول مروي

عن الصادق في الموثق (1)أو الخبر أنه «سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم، و أذن له عند الوصية أن يعمل


1- 1 الوسائل- الباب- 92- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2- 1.

ج 28، ص: 294

بالمال، و أن يكون الربح بينه و بينهم؟ فقال: لا بأس به، من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك، و هو حي».

و في خبر خالد بن بكر الطويل (1)قال: «دعاني أبي حين حضرته الوفاة، فقال: يا بني اقبض مال إخوتك الصغار و اعمل به، و خذ نصف الربح و أعطهم النصف، و ليس عليك ضمان، فقدمتني أم ولد أبي إلى ابن أبي ليلى، فقال: ان هذا يأكل أموال ولدي، قال: فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي، فقال لي ابن أبي ليلى: ان كان أبوك أمرك بالباطل لم أجزه، ثم أشهد علي بن أبي ليلى ان أنا حركته فأنا له ضامن، فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقصصت عليه قصتي، ثم قلت له: ما ترى؟ فقال: أما قول ابن أبي ليلى فلا أستطيع رده، و أما فيما بينك و بين الله عز و جل فليس عليك ضمان».

و المناقشة في الأولى- بأنها بعد التسليم من قسم الموثق الذي لا يجوز العمل به، و في الثانية بالجهالة كما أن جبر الضعف بالشهرة مشهور لا أصل له- مفروغ من فسادها في الأصول، على أنه في سند الثاني ابن أبي عمير و السند إليه صحيح، و هو ممن أجمع على تصحيح ما يصح عنه، فلا يضر جهالة من بعده، في وجه.

و كيف كان فصريح الثاني- لظاهر الوصية بالولد، في الأول- كون الورثة صغار و الموصى ولي لهم، و من هنا قال في الدروس مشيرا إلى

الأول: «روى محمد بن مسلم جواز تفويض المضاربة إلى الوصي على نصف الربح مع صغر الأولاد و بها قال الجماعة، و نحوه ما عن المهذب البارع، قال هذه المسألة يوردها المصنفون في المضاربة و الوصية و موضوعها في كتب الفقه و النص هو أن ينصب الإنسان على أطفاله وصيا، و يأذن له في الاتجار بمالهم إلى آخره، ثم قال إن ألفاظ الفقهاء تختلف في التعبير عنها، و حكى بعض عباراتهم في المضاربة و بعضها في الباب و في النافع تصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الصغار.

لكن في المسالك «أن المصنف و أكثر الجماعة أطلقوا الصحة في الورثة الشامل للمكلفين، و شمل إطلاقهم و إطلاق الروايتين ما إذا كان الربح بقدر أجرة المثل، و ما كان زائدا عليها بقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 92- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2- 1.

ج 28، ص: 295

الثلث أو أكثر، و في محكي الكفاية إن المشهور لم يعتبروا كون الأولاد صغارا، و لعل وجهه إطلاق ما دل على تنفيذ الوصية المقيد بالثلث إذا كانت الوصية مفوتة للمال على الوارث، أو بالأعم من ذلك و مما فيه ضرر عليه، أما إذا لم يكن كذلك بل كانت الوصية تصرفا في المال على وجه لا تفويت فيه للمال على الوارث و لا ضرر فيه عليه، فليس في الأدلة ما يدل على تخصيص العمومات المزبورة المعتضدة بظاهر قوله «فَمَنْ بَدَّلَهُ» و عموم «تسلط الناس» و معلومية كون الوصية بعد الموت كالتنجيز في حال المرض بالنسبة إلى الممنوع منها و الجائز، بل الدليل فيهما متحد كما اعترف به في جامع المقاصد.

و لا ريب في صحة المضاربة بأزيد من الثلث في حال المرض، و لو بحصة قليلة من الربح، كما أنه لا ريب في صحة بيع التركة كلها بثمن المثل حال المرض، فينبغي أن يجوز الوصية به لاتحاد الدليل فيهما كما مال إليه في جامع المقاصد، بل حكى فيه عن الفاضل في التذكرة أنه قواه، و في القواعد الاشكال فيه، و إلى نحو ذلك أشار في جامع المقاصد، و المسالك حيث وجهه بأن المقيد بالثلث هو تفويت بعض التركة و ليس حاصلا هنا، لأن الربح مما تجدد بفعل العامل و سعيه، و ليس ما يتجدد منه كالمتجدد من حمل الدابة و الشجرة و نحوهما، حيث كان معتبرا من الثلث، لظهور الفرق، بأن ذلك نماء الملك و وجوده متوقع، بخلاف الربح فإنه أثر سعي العامل مع أنه إنما يحدث على ملك العامل فيما يملكه العامل ليس للوارث و لا للموصى منه حق، و لا يقدح في ذلك شراؤه، بمال الوارث، فيكون محسوبا منه، و يكون نماؤه تابعا، لأنه إنما يدخل في ملك الوارث على تقدير صحة المضاربة، و إلا لم يكن الشراء نافذا، و متى صحت المضاربة كانت الحصة من الربح ملكا للعامل، فلو لا صحة المضاربة لأدى فسادها إلى عدم الفساد، لأنه على تقدير الفساد إنما يكون لتفويت ما زاد على الثلث من التركة تبرعا، و ذلك إنما يكون على تقدير زيادة الحصة من أجرة المثل، و زيادتها عن الثلث، و كونه من نماء التركة، و إنما يكون كذلك مع صحة المضاربة، ليكون الشراء نافذا، فلو فسدت المضاربة لم ينفذ الشراء، فلم يتحقق الربح فانتفي التصرف في الزائد على الثلث، فانتفي المقتضى للفساد، فوجب الحكم بالصحة، لأنه قد أدى فرض الفساد إلى عدمه.

ج 28، ص: 296

لكن في المسالك بعد ذلك كله قال: «فيه نظر، لأن المضاربة و إن لم تقتض تفويت شي ء من التركة على تقدير تسليمه، مشتملة على وضع اليد على مال الغير بغير إذنه، خصوصا إذا كان مكلفا، و تعريضه بالضرب في الأرض إلى التلف المؤدي إلى عدم الضمان مع عدم التفريط، مضافا إلى ما لو وقعت بحصة قليلة للمالك في مدة طويلة، كخمسين سنة، و ذلك في حكم منع الوارث من التركة أصلا و هو بطل، و أما القول بأن النماء إنما يملكه العامل على تقدير صحة المعاملة، و حينئذ فلا تفويت في مال الوارث، و إن لم يصح لا يصح البيع، ففيه إمكان جبره بإجازة المالك الشراء لنفسه، ليكون جميع الربح له، فيحصل التفويت على تقدير صحة البيع، و حصول الربح للعامل و من ثم ذهب ابن إدريس إلى أن الصحة مشروطة بكون المال قدر الثلث فيما دون اطراحا للأخبار وردا إلى الأصول المعلومة في هذا الباب، و بعض المتأخرين إلى أن المحاباة في الحصة من الربح بالنسبة إلى أجرة المثل محسوبة من الثلث أيضا، و لكل منهما وجه.

قلت: أما ابن إدريس فالمحكي من عبارته ما نصه «قد روى أنه إذا أمر الموصى الوصي أن يتصرف في تركته لورثته، و يتجر لهم بها، و يأخذ نصف الربح كان ذلك جائزا و حلالا له نصف الربح، أورد ذلك شيخنا في نهاية، إلا أن الوصية لا تنفذ إلا في ثلث ما كان يملكه الميت قبل موته، و الربح متجدد بعد موته، فكيف تنفذ وصيته و قوله فيه، و في الرواية نظر» و ظاهره بطلان هذه الوصية من رأسها كابن أبي ليلى، باعتبار كون متعلقها الربح الذي ليس من أمواله، و وصيته إنما تنفذ في الثلث، و هذا ليس منه، لا أنها صحيحة في الفرض بمقدار الثلث، و كيف مع أنه لم يوص بالثلث، بل هو فيه كالثلثين للوارث.

نعم لو كان قد أوصى به و أخرجه عن الوارث، ثم أوصى بالمضاربة به فلعل لازم كلام ابن إدريس الفساد، و إن كان لم يتعرض لذلك، و لا ريب في صحته، لعموم أدلة الوصية، فيصح تعلقها بمثل ذلك، لكونه من التوابع، فتأمل جيدا.

و من ذلك ينقدح الوجه في تعرض الأصحاب لهذه المسألة، و كون الغرض منها الرد على ابن إدريس و ابن أبي ليلى، حيث أنهما أبطلا هذه الوصية، و جعلاها من قسم الوصية بالباطل،

ج 28، ص: 297

و التحقيق صحتها مطلقا سواء كان الوارث صغيرا مولى عليه أو كبيرا، و إن توقفت في الثاني على الإجازة سواء كان متعلق الوصية مقدار الثلث أو لا، و سواء كانت الحصة من الربح زائدة على أجرة المثل أو لا، و سواء كانت بمقدار الثلث أو لا، و سواء كانت متعلقة بالثلث الذي أخرجه عن ملك الوارث أولا، كل ذلك لعموم أدلة الوصية و للخبرين السابقين، بل يمكن جوازها في مال الأطفال مع عدم المفسدة، و إن لم يكن لهم مصلحة، بناء على جواز ذلك للولي الإجباري و الفرض أنه قد أذن للوصي في ذلك، و به يفرق بين ما إذا لم يوص بذلك، بل اقتصر على جعل وصى عليهم، فإنه يجوز له المضاربة بما لهم أو لغيره، لكن مع المصلحة، بخلاف ما إذا نص الولي على ذلك، فإنه يكفي فيه حينئذ عدم المفسدة، فلا بأس بكثرة الحصة أو قلتها، و إطلاق الأصحاب في المقام و المضاربة إنما هو لبيان صحة الوصية على الوجه الذي عرفت، ردا على ابن أبي ليل و ابن إدريس، القائلين ببطلانها، سواء كان الوارث صغيرا أو كبيرا، أجاز أو لم يجز، كما يومئ إلى ذلك اختلاف تعبيرهم عن ذلك، كما اعترف به ابن فهد في مهذبه على حسبما عرفته و المقصود ما عرفت، فما توهمه بعض الناس- من هذه العبارات المختلفة أشد اختلاف حتى أثبت منها حكما جديدا مخالفا للأصول و الضوابط و صحح المضاربة من الموصى بالتركة، و إن لم يجز الوارث، و جعلها لازمة عليه- في غير محله، كما أنه لا دليل عليه، إذ ليس إلا الخبران السابقان و مضمونهما ما عرفت مما هو غير مخالف لشي ء من الأصول، ضرورة جواز مضاربة الوصي بمال الطفل مع المصلحة و إن لم يوص إليه بذلك، فكيف إذا أوصى له.

نعم قد تزيد صورة الوصية باعتبار عدم المفسدة، لا المصلحة، و هو شي ء خارج عما نحن فيه فتأمل جيدا، فإنه به يظهر لك ما في كلام جماعة، كما أنه يظهر لك عدم تحرير هذه المسألة في شي ء من كلماتهم، بل و لا مسألة الوصية بما لا يقتضي نقص القيمة في التركة.

ففي القواعد و لو أوصى ببيع تركته بثمن المثل ففي اشتراط الإجازة إشكال، و فيها أيضا- قبل ذلك- «و لو خصص كل واحد بعين هي قدر نصيبه فالأقرب الافتقار إلى الإجازة،

ج 28، ص: 298

لظهور الغرض في أعيان الأموال، و كذا لو أوصى أن يباع غير ماله من انسان بنقد ثمن المثل، و لو باع عين ماله من وارثه بثمن المثل نفذ» و ظاهره الاشكال بعد الجزم و للمسألة فروع كثيرة و منشأ الاشكال فيها من عموم أدلة الوصية المقتضي لوجوب العمل بما يرسمه الموصى ما لم يكن منافيا للشرع، كما سمعته من المصنف أو غيره، بل قد يشير به في الجملة

خبر عباس بن معروف (1)المشتملة على «وصية ميمون ببيع جميع تركته و إيصالها إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) ففعل الوصي فأخذ أبو جعفر (عليه السلام) الثلث منها و أمر برد الباقي إلى الوصي ليرده على الورثة»

الظاهر في الإقرار على البيع.

و غير ذلك ما يدل على وجوب النفاذ الوصية، و من كون ذلك نوع ضرر على الوارث لتعلق الغرض في الأعيان، و لعل الأول لا يخول من

قوة، ما لم يكن إضرارا بالوارث لإطلاق النهي عنه.

بقي شي ء: و هو أن الظاهر كون المضاربة واقعة من الوصي بإذن من الموصى لا أن إيجابها قد وقع من الموصى، ضرورة عدم ثبوت الوصية العقدية في غير التمليك على حسبما عرفته في تعريفها، فما عساه يتوهم- أن اللفظ الموجود في الخبر نفسه مضاربة- في غير محله، خصوصا و لم يكن للطفل في ذلك الحال، ضرورة أن المراد المال الذي يكون لهم بالإرث منه، و من هنا

قال (عليه السلام) «من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك و هو حي»

و هو كالصريح في عدم كون ما وقع منه مضاربة، و إنما هو أذن فيها، و دعوى مشروعية الوصية بها على نحو الوصية التمليكية واضحة الفساد، لعدم الدليل عليها، و ربما يشهد لما قلناه قول المصنف و غيره «و لو أوصى بالمضاربة» الظاهر في إرادة العهد بها، لا إنشاؤها على الوجه السابق كما هو واضح و الله العالم.

و لو أوصى بواجب مالي و غيره أخرج الأول من الأصل، لأنه كالدين نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، و على أن من ذلك الحج الواجب، للنصوص (2)الدالة عليه بالخصوص، و أما الثاني فيخرج من الثلث، حتى لو كان واجبا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

ج 28، ص: 299

بدنيا، على ما صرح به في جامع المقاصد و المسالك، و محكي الكفاية، بل في الروضة أنه لا خلاف فيه مرسلين له إرسال المسلمات، لعدم كونه من الدين الذي يخرج من الأصل، و عدم دليل على تنزيله منزلته، فيبقى على الأصل.

نعم إذا أوصى به شمله أدلة الوصية التي تخرج من الثلث.

لكن في الذكرى و الدروس و في جامع المقاصد عن بعضهم أن الواجب البدني يخرج من الأصل أيضا، كالمالي، و إن لم يوص به، بل لعله ظاهر المصنف هنا و النافع و الغنيمة و السرائر و غيرها- مما أطلق فيها الواجب- الخارج من الأصل، و هي عشرة كتب أو أكثر على ما قيل، بل نفي عنه البأس في الدروس، بل قد يؤيد إطلاق الدين على الصلاة في غير واحد من الأخبار، منضما إلى

ما ورد في الحج (1)«أن دين الله أحق أن يقضى»

، و شمول الدين للنقد و غيره مما هو عمل، ضرورة اندراج من كان مشغول الذمة بصلاة أو غيرها من الأعمال بإجارة و نحوها فيه، و احتمال- اختصاصه بما إذا كان شغل الذمة بمثل ذلك لغير الله، و أما له فلا- واضح الضعف خصوصا بعد ما سمعت من أن دين الله أحق أن يقضى، و معلومية وجوب المال لو توقف عليه حصول الواجب المطلق، فالمتجه إن لم ينعقد إجماع على خلافه، إلحاق الواجب البدني بالمالي في الإخراج من صلب المال إذا لم يكن له ولي يخاطب بما يفوت المولى عليه. من صوم أو صلاة، و إلا خوطب هو به، ما لم يوص الميت

بإخراجه من ثلثه، من غير فرق في ذلك كله بين ما فاته بتقصير و عدمه، و بين ما تمكن من قضائه و عدمه، بعد فرض حصول شغل الذمة به، على وجه لو تبرع به متبرع و استؤجر أحد عنه برأت ذمته، و لا مدخلية للحكم التكليفي في الوضعي، فقد ينتفي الأول و يثبت الثاني.

نعم لو كان على وجه لا تشتغل ذمته به أصلا، لم يصح تأدية الولي و لا المتبرع له عنه، فضلا عن الإخراج من صلب المال أو ثلثه.

كل ذلك بناء على عدم اشتراط المباشرة في الواجب البدني و أنه يصح وقوعه في الجملة منه


1- 1 المستدرك ج 2 ص 6.

ج 28، ص: 300

أو من الولي و المتبرع فضلا عن الأجير، أما بناء على اشتراطها و أنه لا يصح إلا من المولى عليه و الولي، اتجه حينئذ عدم الإخراج من المال، ضرورة حصول الفرق حينئذ بذلك بينه، و بين الأعمال التي اشتغلت الذمة بها بإجارة و نحوها كما هو واضح.

و الظاهر تصديق الولي فيما فات منه كما صرح به في جامع المقاصد، و لعله لأنه لا يعلم منه إلا من قبله، بل هو المنساق منه و من نظائره، مضافا إلى كونه من الإقرار.

و على كل حال فبناء على عدم خروجه من صلب المال يجب على المولى عليه الوصية بما فاته من صوم أو صلاة، أو إعلام الولي بذلك إن كان، أو لا يجب عليه شي ء من ذلك؟ وجهان:

أقواهما الأول، ضرورة تمكنه من تأدية الحق و إبراء ذمته، و دفع الضرر الأخروي عنه و ربما استدل ب

قوله (1)عليه السلام «الوصية حق على كل مسلم»

و لكن لا يخفى ما فيه من التجشم المعلوم عدم ارادته و لو بملاحظة ما سبق الخبر له.

و كيف كان فقول المصنف و غيره جوابا للشرط السابق في المتن فإن وسع الثلث عمل بالجميع، و إن قصروا لم تجز الورثة بدء بالواجب من الأصل، و كان الباقي من الثلث غير مناف لما ذكرناه، ضرورة إرادته ما لو أوصى بالواجب و غيره من غير تعرض للإخراج من الثلث و عدمه، فان وسع الثلث عمل بالجميع، ضرورة عدم الفرق حينئذ بين الواجب و غيره في الإخراج بعد فرض سعته، لأنه مع عدم الوصية بالإخراج منه يكون كأصل المال بالنسبة إلى الواجب و غيره، و أما إذا قصر عنها فلا ريب في اختصاصه حينئذ بالتبرعات التي لا تمضي إلا منه.

كما لا ريب في خروج الواجب من الأصل، لأن الفرض عدم ايصائه بإخراج الجميع من الثلث كي يزاحم الواجب غيره فيه كما هو واضح، بل منه يعلم الحكم فيما لو أوصى في الفرض بإخراج الجميع من الثلث و كان قاصرا، فإن الذي صرح به غير واحد إخراج الواجب أولا منه و إن كان هو متأخرا في الوصية ثم يخرج غير من بعده الأول إن كان.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 301

بل صرح غير واحد بمساواة الواجب البدني له في ذلك أيضا بمعنى أنه لو أوصى بالواجب البدني و غيره من الثلث أخرج أولا الواجب، و إن متأخرا ثم غيره الأول فالأول إن كان، بل ربما ظهر من بعضهم نفى الخلاف فيه فضلا عن الأول، لكن في جامع المقاصد أنه لا فرق بينه و بين سائر الوصايا التي ليست بواجبة في أنه يبدأ بالأول فالأول، إن كان قد أوصى بها مرتبة إلى آخره.

قلت: يمكن أن يكون دليلهم على ذلك مضافا إلى أهمية الواجب من غيره

صحيح معاوية ابن عمار(1)قال: «إن امرأة من أهلي ماتت و أوصت إلى بثلث مالها، و أمرت أن يعتق عنها و يتصدق و يحج عنها فنظرت فيه فلم يبلغ فقال: ابدأ بالحج فإنه فريضة من فرائض الله سبحانه و تجعل ما بقي طائفة في العتق و طائفة في الصدقة»

فإنه و إن كان مورده الحج، إلا أن التعليل فيه قاض بتقديم البدني و حينئذ يكون الصحيح المزبور دليلا على القسمين.

و الانصاف أنه إن تم الإجماع عليه كان هو الحجة، و إلا أشكل بما سمعته فيما يأتي من الاستدلال على ما تطابق عليه النص و الفتوى من تقديم الأول فالأول، بما يقتضي عدم الفرق في ذلك بين الواجب و غيره فيبطل المتأخر لعدم متعلق له، فإن كان واجبا ماليا خرج من أصل المال، و إن كان بدنيا بطل، بناء على عدم خروجه إلا من الثلث إذا كان قد أوصى

بإخراجه منه، و احتمال أن ذلك حكم شرعي و إن كان قصد الموصى على خلافه للصحيح على خلافه المزبور المحتمل لكون الوصايا غير مرتبة، و إن المراد منه الترجيح بذلك، بل لعل ظاهر التقسيط فيه الذي هو حكم غير المرتب يقتضي عدم الترتيب فيه في غاية الصعوبة، ضرورة اقتضائه عدم قاعدة «تبعية الاعمال للنيات» و «العقود للقصود» و غيرها من القواعد المحكمة في سائر المقامات.

و على كل حال يخرج غير الواجب من الثلث و يبدأ بالأول فالأول و كذا لو كان الكل غير واجب، بدأ بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث و تبطل


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 302

المتأخرة مع فرض عدم إجازة، لأن الوصية الصادرة أولا نافذة لوقوعها من أهلها في محلها و هكذا ما بعدها إلى أن تبقى المتأخرة بلا موضوع تتعلق به، فتختص بالبطلان.

و ل

خبر حمران (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل أوصى عند موته و قال: أعتقوا فلانا و فلانا حتى ذكر خمسة، فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم، قال: ينظر الذين سماهم و بدأ بعتقهم فيقومون، و ينظر إلى ثلثه فيعتق منه أول شي ء ذكر ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع

ثم الخامس، و ان عجز الثلث كان ذلك في الذي سمي أخيرا، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك فلا يجوز له ذلك».

معتضدا و منجبرا بعدم الخلاف المعتد به بين الأصحاب فيه كما أن اشتماله على التعليل يدفع احتمال اختصاصه بما فيه، بل منه يعلم عدم الفرق بين الوصية العهدية و التمليكية، ضرورة كون الموضوع فيه الأولى، و لعله كذلك سيما بناء على ما تقدم منا سابقا من عدم كون الوصية من العقود، و إن اعتبر رضا الموصى له في حصول الملك، لأن كلام منهما سبب في حصول أثر الإيصاء فكل متقدم يترتب عليه أثره فيختص البطلان بالأخير الذي لم يصادق موضوعا، كما صرح به في الصحيح المزبور، و منه يعلم كون المدار على ذلك من غير خلية لقصد الموصى، بل قد يعلم خلوه عن قصد الترتيب.

نعم لو صرح ارادة الترتيب اتبع، و إن رتب في اللفظ بأدائه من الفائدة و ثم و نحوهما و ربما ذكرنا ظهر وجه الفرق بين الوصية، و إن كانت عهدية و بين أمر السيد عبده مثلا بإعطاء زيد درهما من مال مخصوص و عمروا كذلك و خالدا أيضا الذي لم يرد منه إلا الامتثال، فلا فرق بين الأول و الأخير في صدقة، فيقع القول على الجميع، كما في صورة عدم الترتيب في المسألة بخلاف الفرض الذي فيه ترتب آثار للسبب و إن لم يتم، إلا بالموت و القبول، بل يستفاد من التعليل كون الحكم كذلك في الوصية بالزائد عن الثلث مع الإجازة و قصور المال.

فإنه يبدأ بالأول فالأول، ضرورة كون الأخير هي التي لم تصادف محلا فتختص بالبطلان


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 303

و على كل حال فالحكم حينئذ لا اشكال فيه من غير فرق بين العتق و غيره، و لا بين وقوع الترتيب في زمان واحد عرفي، و زمانين متباعدين كغدوة و عشية.

خلافا للشيخ و الإسكافي- حيث قدما العتق و إن تأخر

للموثق (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصية، و كان أكثر من الثلث قال: يمضى عتق الغلام، و يكون النقصان فيما بقي»

و غيره مما هو ظاهر في التنجيز المقدم على الوصية بلا خلاف و لا اشكال، لا الوصية التي هي محل البحث- و لابن حمزة حيث جعل الوصية المتأخرة المتباعد زمانها عن الأولى ناسخة لها، و مقتضية للرجوع عنها.

للضعيف (2)«إن ابن أخي أوصى بثلاث وصايا، فبأيهن آخذ؟ فقال: خذ بأخريهن قلت: فإنها أقل قال: و إن قلت»

و هو مع خلوه عن تفصيله ضعيف فاقد لشرائط الحجية فضلا عن أن يصلح معارضا لما عرفت فلا بأس حينئذ بحمله على ارادة الوصايا التي بالتضاد و نحوه يعلم عدم قصد الموصى ارادتها جميعها، بل يعلم كون المراد واحدة منها و لا ريب حينئذ في أن الحكم للمتأخرة كما هو واضح.

[إذا أوصى لأشخاص على الترتيب ]

و على كل حال فمن ذلك ما لو أوصى لشخص بثلث أولا و لآخر بربع ثانيا و لم تجز الورثة اعطى الأول لمصادفة الوصية ثلث الموصى فهي ممكنة النفوذ و بطلت الوصية لمن عداه بعدم اجازة الوارث المتوقفة صحة الوصية في الفرض عليها إذ ليس للموصى إلا الثلث الذي قد تعلقت به الوصية الأولى التي لم يعلم رجوعه عنها فيستصحب حكمها و ما وقع من الوصية بالربع و السدس بعدها أعم من ذلك قطعا، و كذا لو أوصى بنصف و لآخر بخمس و لثالث بربع، أو للأول بجميع المال و لآخر بثلث و لثالث بسدس، فإن الأول، يعطى في الجميع الثلث و يبطل الزائد مع عدم الإجازة لما عرفت من البدء في مثل ذلك بالأول فالأول، لكن فيما حضرني من المسالك في نسختين ابدال السدس في المثال الثاني بالنصف، و بذلك يقتضي بقاء سدس للأول لا ثلث.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7 و فيه أن أبي إلى آخره.

ج 28، ص: 304

و على كل حال فما عن بعضهم- من أن الوصية بالربع و السدس في نحو مفروض المتن رجوع عن الأول- واضح الضعف بعد الإحاطة بما قدمناه بل قيل: أنه غير معروف القائل بل عن التحرير و غيره نسبة أصل الحكم إلى علمائنا.

نعم لو أوصى بثلثه الراجع إليه لواحد، و بثلثه كذلك لآخر كان ذلك رجوعا عن الأول إلى الثاني للتضاد في متعلق الوصية الذي قد فرض اتحاده و اختلاف الموصى له فليس إلا الرجوع نحو الوصية بعين مخصوصة لزيد، ثم الوصية بها نفسها لعمرو و نحوه ما كان بمعناه مما يحصل به التضاد صريحا أو ظاهرا، أما لو قال: ثلث مالي لزيد، ثم قال: ثلث مالي لعمرو لم يكن رجوعا لعدم العلم و الظن بالاتحاد اللهم إلا أن يكون عرف أو قرينة تدل على ارادة الثلث الراجع إليه من ذلك، فإنه يكون رجوعا أيضا، كما أنه لو كان عرف أو قرينة تقضى بأن المراد من «ثلثي» لو فرض الاقتصار عليه في الوصية ثلث المال، لا الراجع إليه خاصة، لم يكن رجوعا لعدم التضاد حينئذ بل يعطى الأول ثلثه الراجع إليه الذي صادفته الوصية الأولى، و يتوقف في الثانية على الإجازة.

لكن المعروف بين الأصحاب أنه بإضافة الثلث إلى نفسه يكون رجوعا، بل عن خلاف الشيخ أن إجماع الفرقة و أخبارهم على الرجوع في ثلث ماله الذي لا ريب في أولوية المفروض منه كما عن التحرير نسبته إلى علمائنا، بل اعترف به أيضا في جامع المقاصد.

فما عن المهذب و المختلف و الإيضاح- من أنه ليس رجوعا لعدم الصراحة في إرادة ثلثه الراجع إليه، إذ هو ما دام حيا جميع المال في قبضته و منسوب إليه، و لعله لذا توقف فيه في القواعد، بل و محكي التحرير، و ان نسبه الى علمائنا- ضعيف، ضرورة كفاية الظهور في الرجوع كالتصريح، لصلاحية كل منهما لقطع الاستصحاب و دعوى عدم الظهور أيضا كما ترى ضعيفة، و مع تسليمها فالأمر سهل، ضرورة رجوع النزاع إلى مفهوم عرفي يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة.

و قد ظهر لك من ذلك أن موضوع المسألة الأولى التي قلنا يبدأ بالأول فالأول فيها، تعدد الوصايا مع عدم التضاد بينها، و إن امتنع العمل بها جميعها، لقصور الثلث أو المال، بخلاف

ج 28، ص: 305

الثانية التي قلنا أن الثانية تكون رجوعا عن الأولى، فإن موضوعها المتضادان اللذان لا يمكن جمعهما في الخارج في حد ذاتهما، لا للقصور كما هو واضح.

من غير فرق بين كون الوصية بمقدار أو عين أو كسر، فإن المدار على ما ذكرنا من الحكم بالرجوع مع التضاد صريحا أو ظاهرا و عدمه مع عدمه.

و لعله هذا أولى مما في السرائر من تنقيح ذلك فإنه بعد أن ذكر أن للموصى الرجوع في وصيته ما دام حيا عاقلا قال متصلا بذلك- و إذا أوصى الإنسان بثلث ماله لشخص ثم بعد ذلك أوصى بثلث ماله لغير ذلك الشخص كان الثلث لمن أوصى له أخيرا، و كانت الوصية الأخيرة ناسخة للأولى و رافعة لحكمها، لأن الإنسان لا يستحق من ماله بعد وفاته إلا ثلث ماله، فإذا أوصى به لإنسان ثم أوصى به بعد ذلك لإنسان آخر فقد نقل الثلث الذي يستحقه من الأول إلى الثاني، لأنه يعلم أنه لا يستحق إلا الثلث، فإذا أوصى به بعده فقد رجع عن الوصية الأولى، و للإنسان أن يرجع عن وصيته و يبدلها و يغير أحكامها ما دام حيا ثابت العقل فليلحظ ذلك، فهذا قول أصحابنا، و ما يوجد في الكتب أنه إذا أوصى للإنسان بوصية ثم أوصى بأخرى فإن أمكن العمل بهما جميعا وجب العمل بهما، و إلا كان العمل على الأخيرة، دون الأولى، و أما إذا أوصى بشي ء و لم يذكر الثلث، ثم أوصى بشي ء آخر و لم يذكر الثلث، فإن مذهب أصحابنا أن يبدأ بالأول فالأول، و يكون النقصان إن لم يف الثلث داخلا على من ذكر أخيرا، لأنه لما أوصى للأول ما قال: أوصيت له بثلثي، و كذلك الثاني و الثالث فظن أن ثلثه- يبلغ مقدار جميع ما ذكره و لم ينقل عن الأول ما أوصى له به و كذلك الثاني، فلو علم أنه قد استوفي ثلث ماله لمن أوصى له به، لم يوص بعده بشي ء آخر، فإذا استوفاه يكون النقصان على من ذكره أخيرا، فهذا الفرق بين المسألتين فلا يظن ظان أن المسألتين واحدة، و أن بينهما تناقضا، و أن مذهب أصحابنا أن الوصية الثانية ناسخة للأولى في جميع المواضع، و لا أن الواجب بالأولى في الجميع، إلى أن قال: و يدل على ما قلناه قول الشيخ في المبسوط، و نقل ما تسمعه عن من العبارة المشتملة على ما تعرف من الغرائب على ما حكاها في المختلف، و أغرب من ذلك ما حكاها هو عنه، و لعل نسخ المبسوط مختلفة، فلا حظ و تأمل.

ج 28، ص: 306

لكن لا يخفى عليك أن ما ذكرناه أجود منه، ضرورة إمكان وصيته بثلث آخر اعتمادا على إجازة الوارث، فلا يكون علمه بأنه ليس إلا ثلث قرينة على اتحاد الموصى به، لكن من الشخصين بثلث ماله، بل ما ذكره أيضا- من أن الموصى لم يرد إلى الوصية، بمقدار ثلثه، و إن اشتبه في سعته- واضح المنع، كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.

و على كل حال فلا يتوهم هنا إعمال قاعدة الإطلاق و التعميم، و التخصيص في المقام، حتى يتوجه أنه لو أوصى بثلث المال ثم بجميعه أو بالعكس- تخصيص الجميع بما عد الثلث، فيعطى ذو الجميع مع الإجازة الثلثان لو كان متأخرا، أما لو كان هو المتقدم نفذ له الثلث، و توقف الثلث الثاني و الثلث الموصى به للمتأخر على الإجازة، و لو قال: ثلثي لزيد، ثم قال: جميع المال لعمرو، توقف الوصية الثانية على الإجارة، و كذا لو عكس، و لا يكون رجوعا عن مقدار الثلث، لأنه بما عرفت يكون المراد من جميع المال ما عدا ثلثه، إلى غير ذلك مما يتفرع على هذا التقدير.

لكن الذي يظهر عدم مراعاته، و لعله لأن المفهوم عرفا في أمثال المقام عدم التقييد و التخصيص، و أنه كالخاص أو المقيد بعد حضور وقت العمل بالعام و المطلق، أو كالاخبارات التي لا يجوز نحو ذلك فيها بعد الفراغ من التشاغل بها، لأن وقت حاجتها حال وقوعها، أو لأن المراد بها إنشاء تمليك، و مثله لا يجري فيه الإطلاق و التقييد، أو لغير ذلك، و أما احتمال التزام الأصحاب ذلك كله فيما سمعت و غيره، فإنه يأباه ملاحظة كلماتهم.

و من الغريب بعد ذلك كله ما وقع للكركي في المثالم من أن الأصل في الوصية أن تكون نافذة، فيجب حملها على ما يقتضي النفوذ بحسب الإمكان، و إنما تكون الثانية نافذة إذا كان متعلقها الثلث الذي يجوز للمريض الوصية به، فيجب حملها عليه، كما يجب حمل إطلاق بيع الشريك النصف على استحقاقه، حملا للبيع على معناه الحقيقي و حينئذ فيتحقق التضاد في مثل ما لو قال: أوصيت بثلث لزيد، و بثلث لعمرو، فيكون الثاني ناسخا للأول، فيقدم و أولى منه ما لو قال: ثلث مالي، ثم فرع عليه: أنه لو أوصى لزيد بثلث، و لعمرو بربع، و لخالد بسدس و انتفت القرائن، أن يكون الوصية الأخيرة رافعة للأول، مع اعترافه لمخالف لما

ج 28، ص: 307

صرح به جميع الأصحاب، و الحامل له على ذلك ما فهمه من أن إطلاق الوصية محمول على النافذة.

و أنت قد عرفت مما حققناه سابقا أن الإطلاق في الوصية و غيرها من العقود إنما يقتضي إرادة معنى ما تعلق به العقد لكن إذا صادف ذلك ما يمكن نفوذه فيه نفذ، لوجود المقتضى و ارتفاع المانع، و إن لم يصادق ذلك كان عقدا موصوفا بالصحة القابلة للنفوذ و عدمه بسبب رفع المانع، أو تحقق الشرط الشرعي و عدمهما، ففي البيع إذا علقه على النصف من غير تعرض لكون المستحق له، أو المشاع بينه و بين شريكه اقتضى نقل النصف في نفسه، و له محل ينفذ فيه، باعتبار استحقاق العاقد المخاطب بالوفاء بعقده نصفا، فينفذ و ينزل عليه تنزيلا شرعيا لا قصديا، بمعنى كون العاقد قد قصد ذلك و كذا ما نحن فيه، فإن الموصى إذا أوصى لزيد بثلث لم يقصد إلا تمليك الثلث في نفسه، إلا أنه لما كان يمكن تنفيذه باعتبار استحقاق الموصى ثلثا، نفذت الوصية به، فإذا أوصى بعد ذلك بثلث أيضا لم يصادف ذلك محللا ينفذ فيه، لسبق السبب الأول، و إنما صادف محلا ينفذ فيه مع الإجازة، فيتعلق حينئذ كذلك، على حسب ما صادف كما هو واضح، و لا يسمى مثله باطلا، بل هو صحيح خصوصا بعد بناء الأصحاب في المقام من كون الإجازة تنفيذا، لا ابتداء عطية، كما عرفت، فتصرف الموصى حينئذ يقع في ماله، إلا أنه كان متوقفا على إجازة الوارث، و بها يتم تصرفه في ماله، لا أنه يكون التصرف من الوارث، فلا دلالة في الوصية الثانية على الرجوع عن الأولى لعدم التضاد بينهما بخلاف ما لو علقها بما علق الأولى، فإنه يحصل التضاد فليس إلا الفسخ و الرجوع و يكون الثاني كالوارد على الأول فينسخه، ضرورة كونه حينئذ كالدليل الوارد على الأصل، إذ لا معارض للثانية إلا استصحاب صحة الأولى المعارض بما وقع من نفس الوصية الثانية، و من هنا حكمنا بنسخ الأولى للثانية، دون العكس، و كذا لو قال ثلث لزيد ثم قال ثلثي لعمرو، فإنه رجوع بخلاف العكس.

و بما ذكرنا يظهر لك الحال فيما ذكره جملة من الأصحاب في المقام، فإنه كما في المسالك قد اختلاف اختلافا كثيرا حتى من الرجل الواحد في الكتب المتعددة بل الكتاب الواحد، بل فيها

ج 28، ص: 308

أنه اتفق لشيخ الطائفة غرائب في المسألة حيث قال في الخلاف: «إذا أوصى بثلث ماله لإنسان، ثم أوصى بثلث ماله لغيره و لم يجز الورثة كانت الوصية الثانية رافعة للأولى، و ناسخة لها، ثم استدل عليه بإجماع الفرقة و أخبارهم، و بأنه لو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان، قد أوصيت به لفلان، فإنه يكون رجوعا عن الأولى، فكذا إذا أطلق، و ادعى عدم الفرق بين المقيد و المطلق، ثم قال فيه أيضا لو أوصى لشخص بماله، و لآخر بثلثه، و أجازوا بطل الأخير، و لو بدئ بالثلث و أجازوا أعطي الأول الثلث و الأخير الثلثين» و هذا ظاهر المنافاة للسابق الذي ادعى عليه الإجماع، لأن الثلث في المسألة الثانية مضاف إليه، فهو أقوى في إرادة ثلثه الخاص به، من ثلث ماله في السابق الذي جعله رجوعا، و كون السابق في الثانية جميع ماله، لا يؤثر في دفع المنافاة، لأن جميع ماله متضمن للثلث الذي أوصى به ثانيا، و ما احتج من الأخبار لم نقف عليه أصلا، إلا من حيث عموم ما دل منها على جواز الرجوع عن الوصية، و ذلك لا يفيده، لمنع تناوله للمتنازع، و أما عدم فرقة بين المطلق و المقيد فغني عن الجواب.

قلت: و مضافا إلى ذلك أنه إذا حمل المطلق على إرادة ثلثه، لم يتجه اشتراط عدم اجازة الوارث في الفسخ و الرجوع، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيه و المتجه فيما ذكره من المثال الثاني بناء على المختار الرجوع في مقدار ثلثه، للتضاد فيه، فمع الإجازة يعطى ذو الوصية بجميع المال الثلثين، و يختص الآخر بثلث الميت، من غير حاجة إلى إجازة، و مع عدمها يختص البطلان بالوصية الأولى التي قد رجع عن الوصية بثلثه فيها، و أما صورة العكس فالمتجه فيها مع الإجازة اختصاص الثاني بالمال كله، لأنها مضادة للأولى في ثلث الميت، فتكون رجوعا، فتتوقف في الباقي على الإجازة، و مع عدمها يختص بالثلث، و تبطل في الثلثين.

و على كل حال تبطل الأولى، و كأنه رحمه الله قد استعمل هنا قاعدة الإطلاق و التقييد التي قد عرفت الحال فيها، فقال في المحكي من مبسوطة، بعد أن ذكر ما سمعته من الخلاف:

رجل أوصى بثلث ماله لأجنبي و بثلث ماله للوارث، قد بينا مذهبنا فيه، و هو أن يمضي الأول، فإن اشتبه استعمل القرعة فجزم في هذه بتقديم الأولى ناسبا له إلى مذهبنا، ثم قال بعد ذلك: إذا أوصى رجل لرجل بثلث ماله، ثم أوصى لآخر بثلث ماله فهاتان وصيتان بثلثي

ج 28، ص: 309

ماله، و كذا إذا أوصى بعبد بعينه لرجل، ثم أوصى لرجل آخر بذلك العبد بعينه، فهما وصيتان و تكون الثانية رجوعا عن الأولى، و منهم قال: لا يكون رجوعا فمن قال: أنه ليس برجوع لها إن أجاز الورثة يكون لكل واحد منهما ثلث ماله، و كذا يقول من قال هو رجوع، و لو رد أحدهما فعلى ما قلناه من أن الثاني رجوع عن الأولى ينظر فإن رجع الأول فلا تأثير لرجوعه، لأن الوصية له قد بطلت بالوصية للثاني، فإن رجع الثاني و لم يقبلها رجع المال للورثة، لأن الوصية للأول كان قد بطلت بالوصية للثاني، و هذا ظاهر التنافي، إذ لا فرق بينهما إلا بالوارث و الأجنبي اللذين لا مدخلية لهما في ذلك عندنا، خلافا للعامة، مضافا إلى ما سمعته من الخلاف من الإجماع على النسخ في نحو الفرض الذي قد جزم فيه بتقديم الأولى، و إلى ما في قوله فهاتان وصيتان بثلثي ماله من الإشكال، ضرورة كونه على تقدير الرجوع ليس إلا وصية بثلث واحد، كالعبد الذي فرضه مثالا، بل و إلى ما في قوله بعد ذلك «و كذا يقول من قال هو رجوع» من الإشكال أيضا، ضرورة أن القائل بالرجوع يقول ليس إلا الثلث للثاني، كما هو واضح.

و قد حكاها فيما حضرنا من السرائر عن المبسوط بطريق آخر أشكل من ذلك، و لعله نسخ المبسوط مختلفة فلا حظ و تأمل، و الضابط في المسألة ما عرفت، و بمراعاته تعرف كثيرا من نحو ذلك في كلامهم، و الظاهر عدم الفرق في تحقق الرجوع بالتضاد بين كون متعلق الوصية ثلث الميت، و كون متعلقها ثلثي الوارث و فائدة الرجوع فيهما عدم الصحة المنسوخة حتى لو أجاز الوارث، لبطلانها بالرجوع، فلا تنفع الإجازة.

و لا يتوهم أن تعدد الوصايا فيهما لتعدد العقد من الفضولي الذي يخير المالك في إجارة ما شاء من العقدين، أو العقود، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين بما عرفت من أن الإجازة هنا تنفيذ لا هبة بمعنى رضى الوارث أن لا يكون وارثا، فيكون التصرف من الموصى، بخلاف الفضولي في البيع مثلا كما هو واضح بأدنى تأمل.

و على كل حال ف لو اشتبه الأول الذي يستحق الوصية، أو رجع عنه استخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل، باعتبار عدم اندراجه في قاعدة من قواعد الشرع، فيكتب حينئذ اسم أحدهما و أنه السابق، أو المتأخر في رقعة، و في أخرى

ج 28، ص: 310

كذلك ثم يخفيان ثم يخرج أحدهما، و يعمل عليها، و هكذا مع التعدد كما أنه يرجع إليها أيضا لو اشتبه الحال في وجود الأول و عدمه، ثم على تقديره ففي تعيينه، و إن كان كيفيتها حينئذ باستخراج وجود أول و عدمه أولا، فإن خرج أن فيها أول، استعملت في إخراجه حينئذ بالكيفية السابقة.

و لو أوصى بوصايا تزيد على الثلث، فلم يجز الوارث شيئا معينا منها، و لكن لم يعلم أنها على الترتيب على الوجه يكون المعين الذي لم يجزه الوارث هو الزائد على الثلث أو كانت الوصايا دفعة، أقرع أولا لبيان أنها دفعة أو مرتبة، فإن كان الأول، أقرع أيضا لإخراج ما يختص بعدم الإجازة منها، فإن الظاهر عدم الخيار للوارث في ذلك لأن أقضى ماله عدم إجازة الزائد، و أما تعيينه بعد فرض تعلق حق الوصية في الجميع فبالقرعة، و إن كان الثاني، جعل جميع المحتملات سهاما متعددة، و استخرج أحدها و عمل عليه، و بالتأمل في نحو ذلك يظهر لك الحال في فروع متعددة، و الله العالم.

و لو أوصى بعتق مماليكه، دخل في ذلك من يملكه منفردا، و من يملك بعضه بناء على صدق اسم المملوك على الكل و البعض، و إن كان لا يخلو من شي ء في عرف هذا العصر، و عمومية الجمع المضاف، إنما هي فيما يصدق عليه مفردة، لكن ليس محل البحث هنا من هذه الجهة، إذ يمكن بحيث يتناول ذلك و لو بالقرينة.

إنما الكلام في أنه إذا فعل ذلك أعتق نصيبه حسب كما هو المعروف بين الأصحاب بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، لأصالة عدم السراية، و لأن العتق إنما حصل بعد الموت، و لا مال بعده للموصى كي يقوم عليه، أ و كما قيل: و القائل الشيخ في نهايته و تبعه الفاضل في المحكي من مختلفه يقوم عليه حصة شريكه، ان احتمل. ثلثه ذلك، و إلا أعتق منهم ما يحتمله الثلث خاصة و به رواية فيها ضعف كما في المسالك، لكن في الفقيه روايته عن البزنطي عن أحمد ابن زياد المزبور، و هو من أصحاب الإجماع، بل قيل: أنه لا يروي إلا عن ثقة(1).


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2 الفقيه ج 4 ص 158 و فيه فكتب عليه السلام بدل فقال.

ج 28، ص: 311

قال: «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل تحضره الوفاة، و له مماليك لخاصة نفسه و له مماليك في شركة آخر فيوصي في وصيته مماليكي أحرار، ما حال مماليكه الذين في الشركة؟

فقال يقومون إن كان ماله يحتمل ثم هو أحرار»

إلا أنه- مع عدم جمعه شرائط الحجية ما خلا مماليكي الذين في الشركة، و حينئذ يخرج عما نحن فيه، و يراد بالتقويم منه بالنسبة إلى الثلث- محتمل أو ظاهر في التنجيز الذي يطلق على نحوه أنه وصية، إذا كان في مرض الموت و حينئذ سراية العتق مع احتمال الثلث متجهة، لحصول الشرط، أو يحمل على الوصية، لكن يفرض أن الميت له مال بقطع رأسه بعد موته، فإن لديه له دون الوارث، أو أنه قد أوصى بثلثه على وجه يكون له، فإنه يصح، و يصرف في مصالحه فإنه قد يقال بالسراية حينئذ، باعتبار كون الميت له مال فيحصل الشرط، بخلاف ما إذا لم يوص، فإنه لا ثلث له حينئذ، فلا يكون له مال، فلم يوجد سبب السراية.

و دعوى كون الوصية التي هي سبب السبب قد وقعت في حال الحياة و له مال يدفعها أن السبب العتق لا الوصية، و الفرض وقوعه في حال لا مال له فيه فلا يترتب عليه مسببه الذي هو السراية، ضرورة تخلف المسبب عن السبب إذا لم يحصل الشرط كما هو واضح.

و لو أوصى بشي ء واحد لاثنين على وجه لا ترتيب بينهما، بأن كان بلفظ واحد مثلا، كما لو قال: لزيد و عمرو مائة، أو قال: لزيد و عمرو الدار الفلانية، لكل واحد نصفها، بل و كذا لو قال: لهما الدار لزيد البيت الفلاني منها، و الباقي لعمرو، لأن تفصيله وقع بيانا لما أجمله أولا، و قد أوصى به دفعة.

نعم لو اقتصر على التفصيل كان وصيتين.

و على كل حال فإذا أوصى لهما بوصية واحدة على التخصيص أو الإشاعة و هو أي الموصى به يزيد عن الثلث و لم يجز الورثة كان لهما ما يحتمله الثلث و يبطل الباقي، لأنها وصية واحدة و أما لو جعل لكل واحد منهما شيئا مرتبا في وصيته لكل واحد منهما بوصية مستقلة، كما لو قال: لزيد مائة، و لعمرو خمسون بدو بعطية الأول و كان النقص على الثاني منهما بلا إشكال في شي ء من ذلك، و لا خلاف، ضرورة

ج 28، ص: 312

كونها في الثاني وصيتين متعاقبتين، و قد عرفت سابقا حكم الوصايا المتعددة المتعاقبة و لو أوصى بنصف ماله مثلا، فأجاز الورثة، ثم قالوا: ظننا أنه قليل، قضى عليهم بما ظنوه، و أحلفوا على الزائد فلو قالوا ظننا أنه ألف درهم فظهر ألف دينار قضى عليهم بصحة الإجازة في خمسمائة درهم، و أحلفوا على نفى ظن الزيادة، أو عدم إجازتها، لموافقة دعواهم لأصل عدم الإجازة، و لأصل عدم العلم بالزائد، المستند إلى أصل عدم الزيادة مضافا إلى أن المال مما يخفى، و إلى أن دعويهم يمكن أن تكون صادقة، و لا يمكن الاطلاع عليها إلا من قبلهم، لأن الظن من الأمور النفسانية، فلو لم يكتف باليمين لزم الضرر، لتعذر إقامة البينة على دعواهم.

و هذا الحكم و إن ذكره غير واحد من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا صريحا، و إن قال المصنف هنا فيه تردد لكنه محتاج إلى تفصيل، ضرورة كون الظن المزبور تارة يكون، من المقارنات، بحيث لا يكون مقيدا للإجازة، و أخرى يكون كذلك بأن يرجع إلى إجازة ما ظنوه أنه نصف ماله.

أما الأول فلا ريب في تأثير الإجازة فيما تعلقت به، سواء كان المجيز ظانا لمصداق خاص أو قاطعا به، أو مجردا عن ذلك، ضرورة عدم مدخلية الحال المزبور في ذلك.

و أما الثانية فلا ريب في تقييد الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع، إنما الكلام في قبول دعوى ذلك منهم بعد فرض تعلق ما صدر منهم من الإجازة باللفظ الذي له معنى في الواقع، و يجب الأخذ به في الإقرارات، و النذور، و الوصايا، و العقود، و غيرها، و الأصل عدم ظنه قلة المال، و عدم ظن كثرته، و لو سلم فالأصل عدم تقييد الإجازة بذلك، و مجرد وجود الظن أعم من ذلك كما عرفت، فقبول الدعوى في أصل الظن و في تقييد الإجازة بالمظنون مع ظهور ما أفادها في خلافه للضوابط الشرعية، كما هو واضح.

و لعل تردد المصنف فيه من ذلك، و إليه أو بعضه يرجع ما وجهه به في المسالك فإنه جعله مما سمعته أولا، و من تناول اللفظ للقليل و الكثير، و الاقدام على ذلك مع كون المال مما يخفى، فالرجوع إلى قولهم رجوع عن لفظ متيقن الدلالة على معنى يعم الجميع، إلى دعوى ظن يجوز كذبه و لكن مع ذلك قال «الأقوى القبول».

ج 28، ص: 313

و كيف كان فحيث تنزل الإجازة على المظنون و لو للقرائن يدفع للموصى له نصف ما ظنوه و ثلث باقي التركة، لنفوذ الوصية في ثلثه، و عدم الإجازة إنما أبطل الوصية في الزائد عليه، بالنسبة إليه خاصة بخلاف ما ظنوه، فإن الوصية نفذت في ثلثه، و الزائد عليه للإجازة كما هو واضح.

هذا كله إذا أوصى بجزء مشاع أما لو أوصى بعبد أو دار فأجازوا الوصية ثم ادعوا أنهم ظنوا أن ذلك بقدر الثلث، أو أزيد بيسير، لم يلتفت إلى دعواهم لأن الإجازة هنا تضمنت معلوما لا مجهولا كالنصف و الثلث فلا تسمع دعواهم التي هي مخالفة للبناء على أصل قلة المال، و عدم كثرته، فهي كأنها مخالفة للأصل، و بذلك فرقوا بين المسألتين.

لكن مال في الدروس إلى التسوية بينهما في القبول و جعله في محكي التحرير وجها و في القواعد احتمالا، و وجهه أن الإجازة و إن وقعت على معلوم، إلا أن كونه بمقدار الثلث أو ما قاربه مما يتسامح فيه، إنما يعلم بعد العلم بمقدار التركة، و الأصل عدم علمهم بمقدارها، و بناؤهم على الظن فكما احتمل ظنهم قلة النصف في نفسه يحتمل ظنهم قلة المعين بالإضافة إلى المجموع، و إن لم يكن قليلا في نفسه، و مخالفة الأصل هنا، بظنهم كثرة المال مع أن الأصل عدمه، لا يؤثر في دفع الظن عنه، و اعتقاد كثرته، بل يمكن عدم ظهور خلاف ما اعتقدوه من الكثرة، و لكن ظهر عليه دين قدم على الوصية، فقل المال الفاضل عنهما، و هذا موافق للأصل كالأول، و أيضا عمدة المقتضى للقبول في الأول، إمكان صدقهم في الدعوى، و تعذر إقامة البينة بما يعتقدونه، و هو متحقق هنا، لأن الأصل عدم العلم بمقدار التركة، و ذلك يقتضي جهالة القدر المعين من التركة كالمشاع، و من ذلك قال في المسالك «لعل القبول أوجه» لكنك خبير بعد الإحاطة بما ذكرناه في السابقة أن عدم القبول هنا أوجه و أولى، بل لو سلم لهم ظن ذلك لم تتقيد به الإجازة، و هو واضح، و الله العالم.

و إذا أوصى بثلث ماله مشاعا كان للموصى له من كل شي ء ثلثه على حسب ما أوصى به الموصى، فيكون شريكا للوارث بالمقدار المعلوم و إن أوصى بشي ء معين و كان بقدر الثلث فقد ملكه الموصى له بالموت و القبول لما عرفته سابقا من أن له حصر ثلثه في عين

ج 28، ص: 314

معينة، لعموم أدلة الوصية السالم عن المعارض و حينئذ ف لا اعتراض فيه للورثة و لا حاجة إلى إجازتهم ذلك.

نعم لو كان له مال غائب أخذ له من تلك العين ما يحتمله الثلث من المال الحاضر إن كانت قابلة للقسمة، و إلا ملك المقدار المزبور من غير اعتراض لوارث عليه.

و على كل حال يقف الباقي حتى يحصل من المال الغائب ما يحتمله لأن الغائب معرض للتلف فلو دفع جميع العين للموصى له، ثم تلف المال دخل الضرر على الوارث، بخلاف ما قابل المال الحاضر، فإنه لا ضرر عليه أصلا، و من هنا يتجه جواز التصرف للموصى له فيما أخذه من العين في مقابلة ثلث المال الحاضر، لعموم (1)«تسلط الناس على أموالهم» و لا ضرر على الوارث، و إن اختلف تصرفه في ذلك بالنسبة إلى ما انتقال إليه من العين من حيث الإشاعة و عدمها، فإنه يتصرف على حسب المال المنتقل إليه.

و احتمال أن تسلطه على ذلك مشروط بتسلط الوارث على ما قابل الباقي من المال الغائب لا دليل عليه، فما وقع من الإشكال فيه من بعضهم في غير محله، و لقد أجاد في المسالك في رده «بأن مجرد الاحتمال لا يقوم دليلا على منع المالك المستقر ملكه على الثلث، مع كون الباقي غير خارج عن ملكه، بل استقر ملكه له موقوف على حصول الغائب و إلا فأصل الملك حاصل بالوصية و القبول، و الخروج عن الثلث في الجملة، و من ثم لو حفر الغائب كما نماء العين أجمع للموصى له، و مراعاة حق الوارث باحتمال تلف المال تحصل بإيقاف ما زاد على الثلث إلى أن يظهر الحال» قلت: بل إن لم يقم إجماع أمكن أن يقال: للموصى له التصرف في تمام العين الموصى بها مجرد سعة ثلث المال لها، و إن كان غائبا، لإطلاق أدلة الوصية، و إن كان للوارث الرجوع عليه لو تلف المال قبل قبضه فإنه ينكشف حينئذ عدم ملك الموصى له تمامها، أو ينفسخ ملكه به، و لعله المتجه بناء على ما سمعته من المسالك ذلك، لأن عدم الاستقرار لا ينافي تصرف المالك في ملكه للعمومات.


1- 1 البحار ج 2 ص 272.

ج 28، ص: 315

لكن لما كان مرجع ذلك إلى الحكم بملكية الموصى له إلى أن يحصل التلف، لإطلاق أدلة الوصية، فيكون هو كالمانع عن بقاء الملك ليحصل الفسخ به، المعارض باحتمال أن المال على ملك الوارث إلى أن يحصل ما يقابل الموصى به، لعدم ملك الموصى غير الثلث المشاع مع الوارث، فلا يملك الموصى له العين إلا مع حصول ضعفه من ثلثه للوارث، و لعله لعدم ظهور الأدلة في شي ء من ذلك حكم المصنف و غيره بالإيقاف في يد مؤتمن إلى أن يظهر الحال، كما يوقف نصيب الحمل و المال الذي باعه مالكه لآخر فضولا إلى حصول الولادة و الإجازة، و لأن أصالة عدم التلف معارض بأصالة عدم القبض و الله العالم.

[فرع لو أوصى بثلث عبده فخرج ثلثاه مستحقا انصرف الوصية إلى الثلث الباقي ]

فرع لو أوصى بثلث عبده المملوك له في ظاهر الحال فخرج ثلثاه مستحقا، انصرف الوصية إلى الثلث الباقي، تحصيلا لإمكان العمل بالوصية الذي يجب مراعاته ما دام ممكنا، و لا ينزل ذلك على الإشاعة حتى يصح ففي ثلث الثلث خاصة كالإقرار كما عن بعض العامة لما عرفته سابقا من أن الوصية متى صادفت محلا قابلا للنفوذ نفذت و هو في الفرض متحقق، و كذا البيع على الأصح و جواز الفضولي فيه أو فيها، أيضا لا ينافي ذلك، فما هي المسالك من بناء هذه المسألة على ذلك في غير محله فحينئذ إن وسع المال أعطي الموصى له تمام الثلث، و إن لم يكن له سواه نفذت الوصية في ثلث الثلث أو وقف في الباقي على الإجازة كما هو واضح.

و لو أوصى بما يقع اسمه على المحلل و المحرم للاشتراك لفظا أو معنى انصرف إلى المحلل، تحصينا لقصد المسلم عن المحرم و لكلامه عن اللغو أو المنهي عنه شرعا، و لوجوب تنفيذ الوصية فلذلك وجب صرفه إلى المحلل، و ذلك كما أوصى بطبل من طبوله كان منها المحلل و المحرك بل أو بعود من عيدانه بناء على عدم انصرافه إلى اللهو، و إلا بطلت الوصية فيه، كما في كل لفظ ظاهر في المحرم، و لو للقرينة، لأن أصالة الصحة لا تعارض ظاهر اللفظ، و إنما أقصاها تعيين ما لا يظهر فيه من الألفاظ بخلافها، و إلا كان مقدما عليها، لعموم ما دل على العمل بظاهره، و ترتيب الأحكام عليه، كما هو مبين في

ج 28، ص: 316

محله.

و لو لم يكن له عود إلا عود اللهو و أمكن تحويله إلى الصفة المحللة مع بقاء اسم العود عليه قيل: تبطل الوصية، لأنها بغير المشروع و قيل تصح و يزال عنه الصفة المحرمة و هو الأقوى، لإطلاق أدلة الوصية، و كونه على صفة محرمة لا يخرجه عن الملكية، و الفرض عدم الوصية به مقيدا ببقائه على تلك الصفة، كي يكون الوصية به من غير المشروع.

نعم لو توقف زوالها على كسره المخرج له عن اسم العود، اتجه البطلان حينئذ، لعدم التمكن من إنفاذها على وجهها، إذ شراء عود له ذي صفة محللة خروج عنها، و الفرض عدم غيره عنده، و أن إزالة الصفة المحرمة متوقعة على إخراج اسمه القاضي ببطلان الوصية به.

و دعوى أنه إذا انتقل إلى الموصى له، فله أن يفعل به ما شاء، و من جملته كسره بل هو واجب حيث يتوقف زوال الصفة المحرمة عليه، فلا يقدح ذلك في جواز الوصية يدفعها أن صحتها موقوفة على كسره فيدور، و لو قيل: إنه يمكن كسره من غير الموصى له قبل دفعه إليه ليندفع الدور، جاء فيه ما تقدم من زوال اسم العود الذي هو متعلق الوصية، فلا يكون كسره موصى به، فلا يحصل بدفعه إلى الموصى له الامتثال.

و إلى ما ذكرنا يرجع قول المصنف أم لو لم يكن فيه منفعة إلا المنفعة المحرمة بطلت الوصية و إن قال في المسالك: إطلاق العبارة يقتضي أن زوال الصفة المحرمة مع بقاء المنفعة لو تحقق بكسره الانتفاع بخشبه في بعض المنافع المحللة كفى في الصحة على هذا القول، ثم أشكله بما عرفت.

لكن قد يقال: إن مراد القائل الإزالة التي لا تخرجه عن اسم الموصى به، و الأمر سهل و الله العالم.

و تصح الوصية بالكلاب المملوكة ككلب الصيد، و الماشية، و الحائط، و الزرع و بالجرو القابل للتعليم، لما عرفته مفصلا في كتاب البيع، بل لعل الأقوى جواز

ج 28، ص: 317

الوصية بها، و إن لم ينقل بملكها، و جواز بيعها لثبوت الاختصاص الكافي في صحة الوصية بها.

نعم لا تصح الوصية بالكلب الذي لا يجوز اقتناؤه، لعدم ثبوت يد اختصاص عليه، بخلاف ما تثبت يد الاختصاص فيه، بل يقوى جواز الوصية به و إن لم يكن في التركة لوجوب تنزيلها على تحصيله بمعاوضة الصلح مع التركة و نحوه، و تعذر البيع خاصة لا يبطلها، فما في المسالك من أن الأقوى البطلان واضح الضعف و الله العالم.

[الطرف الثاني في الوصية المبهمة]
اشارة

الطرف الثاني: في الوصية المبهمة لغة و عرفا من أوصى بجزء من ماله ففيه روايتان أشهرهما رواية العشر و فتوى السبع و في رواية ثالثة لم نجد العامل بها سبع الثلث و لعل الأقوى الأول.

ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في حسن أبان بن تغلب (1)«الجزء واحد من عشرة، لأن الجبال عشرة و الطيور أربعة».

و صحيح عبد الله بن سنان (2)على ما في الإستبصار و المختلف و الدروس «أن امرأة أوصت إلي و قالت: ثلثي تقضي منه ديني، و جزء منه لفلانة فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى؟ فقال: ما أرى لها شيئا ما أدري ما الجزء فسألت عنه أبا عبد الله (عليه السلام) بعد ذلك، و خبرته كيف قالت المرأة و ما قال ابن أبي ليلى، فقال: كذب ابن أبي ليلى، لها عشر الثلث، إن الله عز و جل أمر إبراهيم (عليه السلام) فقال «اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً» و كانت الجبال يومئذ عشرة، فالجزء هو العشر من الشي ء».

و رواه في التهذيب عن عبد الله سنان عن عبد الرحمن بن سيابة، و حينئذ لا تكون الرواية صحيحة كما أطنب به في المسالك، لأن ابن سيابة مجهول، و فيه منع اتحاد الرواية، إذ يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2 و 3 و 8 و 9.

ج 28، ص: 318

رواية ابن سنان تارة بواسطة، و أخرى بدونها، على أن ابن سيابة يمكن استفادة عدالته من توكيل الصادق (عليه السلام) إياه قسمة الألف دينار عيال من قتل مع عمه زيد و غير ذلك.

و

خبر معاوية بن عمار(1)«و سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى بجزء من ماله؟ قال: جزء من عشرة، قال الله عز و جل» ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً»

إلى آخره.

و

خبر عبد الصمد بن بشير(2)المروي عن تفسير العياشي عن جعفر بن محمد (عليه السلام) في حديث أنه سئل عن رجل أوصى بجزء ماله؟ فقال: هذا في كتاب الله، إن الله يقول اجعل»

إلى آخره.

و مرسل أبى جعفر بن سليمان (3)المروي فيه أيضا في حديث «إن رجلا مات و أوصى إليه بمائة ألف درهم أمره أن يعطي أبا حنيفة منها جزء فسأل عنها جعفر بن محمد (عليه السلام) و أبو حنيفة حاضر فقال له جعفر بن محمد (عليه السلام) ما تقول فيها يا أبا حنيفة؟ فقال: الربع، فقال:

لابن أبي ليلى فقال: الربع، فقال، جعفر بن محمد (عليه السلام) من أين قلتم: الربع فقالوا:

لقول الله تعالى فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ إلى آخره فقال أبو عبد الله (عليه السلام) من هذا قد علمت الطير أربعة، فكم كانت الجبال إنما الأجزاء للجبال ليس للطير. قالوا ظننا أنها أربعة، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا و لكن الجبال عشرة»

إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربعة و غيرها المشتملة على ما هو كالمعجز عن الاستدلال الذي مرجعه أنه لما أوصى بالجزء و قد علم عدم إرادة الموصى العمل بمطلق مسماه الذي يرجع إلى السفه في الوصية به، كما أنه لأحد معلوم في العرف لأقل ما يصدق به في امتثال الوصية فكشفه (عليه السلام) كما كشف أقل مسمى الركوع، و أقل المسافة و غير ذلك، أو أنه حدده بذلك حكما منه عليه السلام كما هو الأقوى، ضرورة صدق الجزء على الأقل من ذلك عرفا، بخلاف الركوع و نحوه، فليس حينئذ إلا التحديد منه، و لو بقطع النزاع.

و لعل اخباره لذلك دون غيره باعتبار إطلاق لفظ الجزء على العشر في كتاب الله، و ليس


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.
3- 3 المصدر نفسه الحديث- 8.

ج 28، ص: 319

فيه و لا في السنة استعمال مطلقه في أقل من ذلك، فلا ينافيه حينئذ استعماله في الأكثر، ضرورة كون المراد التحديد بأقل مصداق استعمل فيه مطلقة، فيجزي فيه حينئذ كما يجزى الأكثر منه، و حينئذ فاستعماله في السبع في قوله تعالى (1)«لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ» لا يقتضي التحديد به، لكون العشر أقل منه، و من ذلك ترجح هذه النصوص التي تضمنت التحديد به.

ل

صحيح البزنطي (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى بجزء من ماله فقال الجزء من سبعة، إن الله يقول: لها سبعة أبواب»

إلى آخره.

و

خبر إسماعيل بن همام الكندي (3)عن الرضا (عليه السلام) «في رجل أوصى بجزء من ماله فقال الجزء من سبعة، إن الله يقول: لها»

إلى آخره.

و

المرسل في المحكي عن إرشاد المفيد(4)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «في رجل أوصى

بجزء من ماله و لم يعينه، فاختلف الوارث بعده في ذلك، فقضى عليهم بإخراج السبع من ماله، و تلي قوله: لها»

إلى آخره مضافا إلى قصورها عنها عددا، بل و دلالة.

فمن هنا حملها الشيخ على استحباب إعطاء السبع للوارث، و لا بأس به بعد رجحان الأولى عليها، لما عرفت، و باتفاقها جميعا على عشر المال بخلاف روايات السبع فإن ما سمعته منها يدل على سبع الأصل.

و

خبر الحسين بن خالد(5)يدل على سبع الثلث قال «سألته عن رجل أوصى بجزء من ماله قال: سبع ثلثه»

و يمكن حمله على معلومية إرادة السائل ثلثه من ماله، لا جميع المال.

و على كل حال فالقول بالعشر هو الأقوى، و قد عرفت أنه تحديد شرعي لما لم يقصد الموصى خلافه، أما لو علم قصده، اتبع لو علم منه إرادة المطلق الشامل للعشر و غيره، الذي هو بمنزلة


1- 1 سورة الحجر الآية 44.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 13.

ج 28، ص: 320

التصريح بذلك، بل التحديد لمن أوصى بالجزء و علم منه عدم إرادة مطلق مسماه، و عدم ما ينافي التحديد بالعشر، و الظاهر اختصاص هذا

التحديد بالوصية، و لا يسرى منها إلى غيرها، و إن كان قد يتوهم من النصوص السابقة المشتملة على الاستدلال التقريبي لا التحقيقي، بل لو أوصى بجزء الجزء احتمل عدم التعدية، و الرجوع إلى مطلق المسمى، و مع فرض العلم بعدم إرادة يقتصر على ما علم إرادته، و تمثيل بغيره، أو ينحصر الامتثال بمظنون الإرادته، و يحتمل التعدي، فيحمل حينئذ على عشر العشر عندنا، أو على سبع السبع على القول الآخر.

و كيف كان فمن الغريب ما عن الصدوق من الجمع بين النصوص بأنه قد جرت العادة في السابق لأصحاب الأموال بتجزية المال تارة عشرة، و أخرى سبعة فينصرف الجزء حينئذ على حسما وقع من التجزية، و قال أيضا: إن حمل الجزء على العشر و السبع إنما يصح إذا كانت الوصية من العارف باللغة دون غيره من جمهور الناس، فإنه لا تصح الوصية منه بذلك، حتى يبينه.

و هو كما ترى فيه نظر من وجوه تظهر بأدنى، تأمل مما قدمناه، و ما ذكره من العادة لم نعرف أحدا غيره حكاه، كما أن من الواضح كون محل البحث حال عدم القرينة لا معها، و لا وجه للبطلان مع عدمها و قطع النظر عن النصوص بل يرجع إلى مسماه أو إلى أقل ما يصدق عليه مما يتمول، بعد العلم بانتفاء إرادة مطلق المسمى كغيره من الألفاظ و الله العالم.

و لو كان أوصى بسهم كان ثمنا عند الأكثر، بل المشهور، بل ظاهر إيضاح النافع الإجماع عليه، كما عن السرائر أنه المعمول عليه.

ل

صحيح البزنطي (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل أوصى بسهم من ماله فقال:

السهم واحد من ثمانية، ثم قرأ: انما الصدقات»

و كذا حسن صفوان (2)عن الرضا (عليه السلام) و موثق السكوني (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام)

و عن إرشاد المفيد نسبة ذلك إلى قضاء أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)«في رجل أوصى عند موته بسهم، و لم يبينه فاختلف الورثة في معناه،


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.

ج 28، ص: 321

فقضى عليهم بذلك و تلي الآية»

و حينئذ فما

في خبر طلحة بن يزيد(1)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليه السلام) قال: «من أوصى بسهم من ماله فهو سهم من عشرة»

من الشواذ التي لا تعارض ما سمعت، و ربما حمل على وهم الراوي أو ظنه أن الجزء و السهم واحد، فرواه فيه و كذا

ما أرسله الصدوق (2)من أن السهم واحد من ستة، ثم قال: «متى أوصى بسهم من سهام المواريث 24820 كان واحدا من ستة، و متى أوصى بسهم من سهام الزكاة كان واحدا من ثمانية، و تمضي الوصية على ما يظهر من مراد الموصى.»

و فيه أن محل البحث إذا لم يظهر، و حمله على السدس حينئذ- كما عن الصدوقين و الشيخ و ابن زهرة، للمرسل المزبور، و

ما عن ابن مسعود(3)من «أن رجلا أوصى لرجل بسهم من المال، فأعطاه النبي (صلى الله عليه و آله) السدس،»

و ما قيل أن السهم في لغة العرب السدس، و إجماعي الخلاف و الغنية- كما ترى خصوصا دعوى الإجماع التي هي مظنة العكس كما هو واضح.

(1) نعم لو كان قد أوصى بشي ء كان سدسا بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الظاهر أنه اتفاقي، كما في المسالك، بل ظاهر التذكرة و إيضاح النافع الإجماع عليه، بل عن خلاف و الغنية دعواه صريحا ل

خبر أبان (4)عن علي بن الحسين (عليه السلام) «أنه سئل عن رجل أوصى بشي ء من ماله فقال: الشي ء في كتاب على (عليه السلام) واحد من ستة»

و ما عن المقنع من «أنه واحد من عشرة نادر. هذا و لا يخفى عليك أن محل البحث في السهم و الشي ء كما عرفته في الجزء، و لو أوصى بسهم

من الجزء أو شي ء منه أو السهم ففي جريان الحكم وجهان.

و لو أوصى بوجوه فنسي الوصي وجها منها جعله في وجوه البر وفاقا للأكثر بل المشهور نقلا و تحصيلا، بل في محكي التنقيح أن عليه الفتوى، بل عن غيره نفى الخلاف فيه، إلا من الحلي تبعا للشيخ في بعض فتاواه ل

خبر محمد بن الريان (5)قال: «كتبت


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
3- 3 المغني لابن قدامه ج 6 ص 446.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 322

إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن إنسان أوصى بوصية فلم يحفظ الوصي إلا بابا واحدا منها كيف يصنع بالباقي؟ فوقع (عليه السلام) الأبواب الباقية اجعلها في البر»

المعتضد بما عرفت المؤيد ب

ما ورد في المنذور للكعبة و الوصية لها «أنه يصرف (1)الى زوارها»

و فيمن أوصى أن يحج عنه بمال لا يفي به، «أنه يصرف في البر و يتصدق به(2)

و كذا في الوقف، إذا جهل الموقوف عليه و بأنه شبه المال المجهول المالك، بسبب اشتباه مصرفه و مستحقه، فلا طريق إلا صرفه في وجوه القرب، بناء على عدم اختصاص مصرفه بالصدقة به، أو يقال: إن كله من الصدقة به،

لرجوع الجهات العامة إلى المسلمين أيضا، و منه ينقدح جواز صرف مجهول المالك في ذلك، و ربما يؤيد شمول الرواية المزبورة له في الجملة، إذ من أفراده الوصية به لشخص مخصوص قد قبله ثم نساه، و قد سمعت الأمر فيها بالصرف في وجوه البر من غير فرق بين الأفراد جميعها.

و بأن هذا المال بتعذر وجهه الذي قد أوصى به، و إخراجه عن الوارث بالوصية صار في حكم مال الميت، و لا إيصال إليه الا في صرفه في وجوه البر.

و بأنه إذا فرض الوصية به في جهات القربة إلا أنه نسب خصوصها يناسب الانتقال إلى نوع القربة، و بغير ذلك.

و حينئذ فما قيل: و القائل ابن إدريس و الشيخ في المحكي من حائرياته و الآبي في المحكي عن كشفه من أنه يرجع ميراثا لبطلان الوصية لتعذر القيام بها واضح الضعف، ضرورة منافاته لاستصحاب الصحة، فضلا عن الخبر المزبور المعتضد بما عرفت، السالم عن معارضة ما يعتد به، إذ ليس كل تعذر و لو كان كالفرض مبطلا للوصية و معيدا للمال إلى الإرث الذي قد فرض الخروج منه بالوصية فعوده يحتاج إلى دليل.

نعم الظاهر اختصاص الحكم بما إذا كان النسيان مطلقا، أى لا على وجه الانحصار في فردين مثلا أو ثلاثة، و إلا اتجهت القرعة، أو التوزيع، أو الصلح، لو كان بين الشخصين


1- 1 التهذيب ج 9 ص 223.
2- 2 التهذيب ج 9 ص 228.

ج 28، ص: 323

مثلا، كما أن المتجه التروي و التربص في الصرف في وجوه البر حتى ييأس من معرفة الوجه الذي قد أوصى به، بمراجعة دفتر أو شاهد و نحوه ذلك، فإذا أيس من ذلك صرفه في وجوه البر، و لا عبرة باحتمال التذكر فيما يأتي من الزمان، لصدق النسيان، الذي قد علق عليه الحكم في النص و الفتوى.

ثم إن الظاهر من المتن و غيره إرادة المثال من نسيان الوجه، و إلا فلا فرق بين نسيان الوجه و الوجوه، لاتحاد المدرك، بل ظاهر الخبر ذلك، بل لا يبعدون كون الحكم كذلك في غير صورة النسيان، كما إذا لم يعثر على ما رسمه الموصى في وصيته، و إن علم انه قد رسم وجوها مثلا، أو نحو ذلك، و احتمال إيقاف المال في ذلك و نحوه اقتصارا فيما خالف وجوب حفظ مال الغير على المتيقن ضعيف جدا، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو أوصى بسيف معين و هو في جفن بفتح الجيم دخل الجفن و الحلية في الوصية وفاقا للمشهور، بل في ظاهر المحكي عن السرائر و المقتصر و إيضاح النافع الإجماع عليه، بل عن كشف الموز ما رأيت أحد أقدم على منع الرواية الواردة في السيف و عن المهذب البارع كل الأصحاب مطبقون على العمل بها، أي

رواية أبي جميلة المفضل بن صالح (1)«كتبت الى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن رجل أوصى لرجل بسيف فقال الورثة:

إنما لك الحديد، و ليس لك الحلية. فكتب إلى: السيف له و حليته».

و خبره الآخر «سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل أوصى لرجل بسيف و كان في جفن و عليه حلية، فقال الورثة: إنما لك النصل و ليس لك المال فقال: لا بل السيف بما فيه له قال:

فقلت: رجل أوصى بصندوق و كان فيه مال، فقال الورثة إنما لك الصندوق و ليس لك المال، فقال الصندوق بما فيه له»

فهما مضافا إلى ما عرفت، و إلى العرف الشاهد على ذلك الحجة في المقام، و لا يقدح فيه عدم دخول شي ء منهما في مسماه لغة، ضرورة كفاية العرف و تقدمه على اللغة، على أنه قد يقال: إن ذلك من توابع الوصية بالسيف لا للدخول في المسمى كثياب العبد و رحل الدابة و مفتاح الدار، و نحو ذلك من التوابع التي يشهد العرف


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2- 1.

ج 28، ص: 324

بتبعيتها في الإيصاء تبعا لتبعيتها في الاستعمال.

نعم لو لم يكن له جفن و لا حلية لم تكن الوصية به، وصية بهما، فلا يخرجان من التركة.

فما عن المختلف و ولده و أبي العباس- من عدم دخول شي ء منهما في الوصية- واضح الضعف، بل لا يبعد الوصية بالجفن لو كان قد أوصى به مطلقا، و إن كان ظاهر العبارة و غيرها مما قيد بالمعين خلافه، إلا أنه يمكن تنزيله على عدم الوصية بالحلية التي لم يقيد بتعينها بالنسبة إليه فإنه لا عرف و لا غيره يشهد على الوصية بها بالوصية به، مع فرض كونه مطلقا بخلاف الغمد، فإن العرف قد يشهد على الوصية به أيضا و إن كان هو ليس كالظهور في المعين خصوصا إذا كان قد اشترى سيفا لا غمد له.

و على كل حال فالظاهر عدم اعتبار وصف خاص في الجفن، بل يكفى فيه كونه جفنا لذلك السيف كائنا ما كان، فإن الظاهر تبعية نحو ذلك، كثياب العبد و رسن الدابة، فإن التابع منهما ما كان تابعا لهما في الاستعمال كما هو واضح بأدنى تأمل.

و منه يعلم عدم الفرق بين السيف و الخنجر و السكين ذات القراب و غير ذلك مما لها توابع في الاستعمال فإن العرف يقضى بتبعيتها في الوصية و نحوها.

و كذا لو أوصى بصندوق و فيه ثياب، أو سفينة و فيها متاع أو جراب و فيه قماش، فإن الوعاء و ما فيه داخل في الوصية وفاقا للمشهور بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، كما عن التبصرة (المقتصر- نسخة) أن عمل الأصحاب على رواية أبي جميلة، و نحوه عن التنقيح، و قد عرفت اشتمالها على الصندوق ك

خبر عقبة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى لرجل بصندوق و كان في الصندوق مال، فقال الورثة: إنما لك الصندوق، و ليس لك ما فيه فقال: الصدوق بما فيه له»

وخبره الآخر(2)عنه أيضا قال: «سألته عن


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب أحكام الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 325

رجل قال: هذه السفينة لفلان، و لم يسم ما فيها، و فيها طعام، أ يعطيها الرجل و ما فيها؟

قال: هي للذي أوصى له بها، إلا أن يكون صاحبها متهما، و ليس للورثة شي ء».

لكن ربما نوقش في الأخير، بأن غايتها الدلالة على أنها للموصى له و مرجع الضمير السفينة، دون ما فيها، و الرواية المنجبرة إنما تكون حجة حيث تكون دلالتها واضحة، لا مطلقا.

نعم لها دلالة ضعيفة بحسب الفحوى لوقوع

قوله (عليه السلام) «هي له»

جوابا عن جواز إعطاء ما فيها أم لا، فلو لم يجعل المرجع السفينة بمن فيها لم يكن الجواب للسؤال مطابقا، مع احتمال أن يكون المراد بالجواب الظاهر في رجوع الضمير إلى السفينة خاصة التنبيه على انحصار الموصى به فيها، دون ما فيها، و به تحصل المطابقة، فالأصح عدم الدخول للأصل إلا مع وجود قرينة من عرف أو عادة، و تحتمل الرواية على تقدير الدلالة الحمل على ذلك.

و قد يدفع أولا: بأن المحكي

عن نسخ الفقيه روايته «إلا أن يكون صاحبها استثنى مما فيها»

و حينئذ تكون صريحة في ذلك.

و ثانيا: بأن الشهرة كما تجبر السند تجبر الدلالة، على أنه لا ينكر ظهورها كما اعترف به الخصم، و مثله لا ريب في حجته، بعد فرض اعتبار السند، ضرورة كونه حينئذ كالصحيح حجة في مطلق ما يظهر منه منطوقا أو مفهوما.

نعم قد يناقش بعدم صراحة سؤال الخبر في الوصية، بل يحتمل الإقرار، بل هو الظاهر أيضا بقرينة التفصيل بين المتهم و غيره، و لا ينافيه إطلاق الوصية في جواب الإمام (عليه السلام) لمعروفية إطلاقه على الإقرار الواقع في مرض الموت، و كأنه أومأ إليه في الدروس، فإنه بعد أن حكى عن القاضي أنه قال: لو أوصى له بسلة زعفران دخل، و يدخل الشرب بالوصية بالضيعة و ما شابهه إذا كان عدلا، فإن كان متهما لم تنفذ الوصية في أكثر من ثلثه، و عن الشيخ في النهاية أنه قيد بهذا القيد «قال: و كأنهما يريانه إقرارا».

قلت: لكن المعروف نقل ذلك عن الشيخ قولا في المسألة، بل لعله إليه أشار المصنف بقوله و فيه قول آخر بعيد بل هو واضح الفساد، ضرورة مدخلية التهمة و عدمها فيما

ج 28، ص: 326

نحن فيه من الوصية.

و لكن الأمر في ذلك سهل بعد كون الظاهر أن بناء هذا الخبر على تقدير دلالته و غيره من أخبار المقام على كشف العرف، و أن الحكم بذلك لأنه في العرف كذلك، لا أنه يحكم به و إن لم يفهم منه في العرف، كما توهمه في الرياض حيث حكم في الصندوق بما عرفت للرواية المجبورة بما سمعت، ثم قال: إلا أن العرف لا يساعده، فيشكل من هذه الجهة، و لكن لا مندوحة عن العمل بها، إلا أن توجه قرينة على عدم الدخول فتتبع، و مقتضاه الحكم بدخول ما فيه و إن لم يفهم من العرف ذلك، و هو شي ء عجيب باعتبار اقتضائه إخراج المال عن صاحبه من دون قصد، و بلا سبب ناقل منه، و مثله كيف يندرج في الوصية، و يلحقه أحكامها، فلا مناص حينئذ عن تنزيل هذه الاخبار على ما يقتضيه العرف، و هو في السيف واضح، بل و الصندوق إذا كان معدا للظرفية، و المقصود منه ما فيه، نحو ما يستعمله التجار في صناديق النيل و القماش، و الكافور و نحوها، فإنه لا يشك أحد في وصية أحدهم بصندوق خاص منها في إرادة ما فيها، بل و السفينة و المركب إذا كانت أيضا كذلك، بخلاف الصندوق الذي يستعمله كثير من الناس للوضع عليه غالبا، و للوضع فيه اتفاقا و السفينة التي هي كذلك.

بحيث يكون المقصود منها الظرف لا المظروف، و مع الشك فلا ريب في وجوب الاقتصار على ما علمت الوصية به، و لو من ظهور لفظ، و لعله بذلك تتفق كلمة القائل بالدخول في جميع ما عرفت و هو المشهور و القائل بالعدم مطلقا كالفاضل و ولده، و المقتصر و الروضة و التنقيح، و في السفينة خاصة كالدروس، و جامع المقاصد و الكفاية و ظاهر النافع و تنقيحه و إيضاحه، بل لعل إليه يومئ اعتبار المفيد و أبي الصلاح فيما حكى عنهما القفل للصندوق، و الشد للجراب، و الختم للوعاء و الكيس في الدخول، بدعوى أن ذلك و نحوه قرينة عرفية على إرادة ما فيه معه من الوصية به.

و إن أبيت فتحقيق الحال ما عرفت من غير فرق بين كون الوصي عدلا مأمونا و بين كونه متهما على الورثة في ذلك، و ما عن الشيخ و القاضي من اعتبار ذلك في الدخول من الأصل و الثلث قد عرفت تنزيله على الإقرار، و إلا كان واضح الفساد، ضرورة عدم مدخلية ذلك في الوصية التي لا إشكال في خروجها من الثلث على كل حال كما عرفت.

ج 28، ص: 327

بل فيما حضرني من نسخة النهاية كالصريح في إرادة الإقرار قال: «إذ أوصى الإنسان لغيره بسيف و كان في جفن و عليه حلية، كان السيف له بما عليه و فيه، و إذا أوصى بصندوق لغيره و كان فيه مال، كان الصندوق بما فيه للذي أوصى به له، و كذا لو أوصى له بسفينة و كان فيها متاع كانت السفينة بما فيها للموصى له، و كذلك إن أوصى له بجراب و كان فيه متاع كان الجراب و ما فيه للموصي، إلا أن يستثنى ما فيه، هذا إذا كان الموصى عدلا مأمونا، فان لم يكن عدلا و كان متهما لم تنفذ الوصية بأكثر من الثلث في الصندوق و السفينة و السيف و الجراب و ما فيها و الله العالم.

و لو أوصى بإخراج بعض ولده من تركته لم يصح وفاقا للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في ظاهر محكي المقتصر، لأنها مخالفة للكتاب و السنة، و لأنه من الحيف في الوصية الذي

ورد فيه «إنه من الكبائر»(1)،

و لقوله (عليه السلام)(2)«ما أبالي أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال»

وقوله (3)(عليه السلام) «من عدل في وصيته كان بمنزلة من تصدق بها في حياته، و من جار في وصيته لقي الله يوم القيامة و هو عنه معرض»

والصحيح (4)«عن رجل كان له ولد يدعيه، ثم أخرجه عن الميراث و أن وصيه فكيف أصنع؟ فقال (عليه السلام): لزوم الولد الإقرار بالمشهد، و لا يدفعه الوصي عن شي ء قد علمه».

و إنما الكلام في أنه هل بلغوا للفظ على وجه يكون كعدمه فيه تردد بل و خلاف ف بين قائل ب البطلان لذلك، و هو الأكثر كما في الرياض و بين قائل ب إجرائه مجرى من أوصى بجميع ماله، لمن عدا الولد، فيمضي في الثلث خاصة إن لم يجز الولد، و يكون للمخرج نصيبه من الباقي بموجب الفريضة و هو خيرة الفاضل في المختلف، و عن الخراساني أنه استظهره.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الوصايا- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 90- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 328

و الوجه عند المصنف و ثاني المحققين و الشهيدين و فخر المحققين و غيرهم الأول لأن إخراجه من الإرث أعم من الوصية بالمال لباقي الورثة، و إن لزم رجوع الحصة إليهم، إلا أن ذلك ليس بالوصية، بل لاستحقاقهم التركة حيث لا توارث و ربما لم يكن حال الوصية عالما

بالوارث، كما لو لم يكن له إلا ذلك الولد و لا يعلم من يرثه، و لم يخطر على باله، فلا دلالة في اللفظ مطابقة و لا تضمنا، بل و لا التزاما، لانتفاء شرطها بانتفاء الانتقال إلى اللازم بتصور الملزوم خاصة أو مع الوسط.

لكن قد يقال له أن الوصية بالإخراج و إن لم تكن وصية بالباقي للباقي لكنها نفسها وصية، ضرورة عدم الفرق فيها بين الأمر و النهي و الإعطاء و عدمه، في نفوذ جميع ما أوصى به من الثلث، فهو كما لو صرح بإخراجه من الثلث، فإنه لا إشكال في اختصاص غيره من الورثة به، لا الوصية به لهم، بل لإخراج الولد مثلا منه، فيبقى إرثا لغيره، و لا يعتبر في الوصية قصد الوصية، كما لا يعتبر فيها سوى العهد بما أراده، و الشارع لم يقطع سلطنته عن الثلث، بل أبقاها، فهو مسلط عليه دفعا و منعا، فإذا أخرج بعض الورثة عن المال كله نفذ في مقدار الثلث الذي له تسلط عليه، و لم ينفذ في غيره، كما لو أعطى المال كله لبعضهم، فإنه ينفذ بمقدار الثلث دون غيره كما هو واضح.

و من هنا يقوى ما سمعته من الفاضل، و إن لم يكن لما ذكره من الحكم بالوصية بالباقي للباقي كي يرد عليه ما عرفت، بل لأن الإخراج نفسه وصية يمكن امتثالها، فيستحق غير المخرج الثلث بالإرث.

هذا كله بناء على البطلان في أصل الإخراج لما تقدم، و لكن فيه رواية بوجه آخر مهجورة العمل و هي

رواية علي بن السري (1)قال: «قلت: لأبي الحسن موسى (عليه السلام) إن علي بن السري توفي فأوصى إلى و أن ابنه جعفرا وقع على أم ولد له فأمرني بأن أخرجه عن الميراث، قال: أخرجه، و إن كنت صادقا فيصيبه خبل، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 90- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.

ج 28، ص: 329

فرجعت فقدمني إلى أبي يوسف القاضي، فقال له أصلحك الله أنا جعفر بن علي بن السري و هذا وصي أبي فمره فليدفع إلى ميراثي من أبي، فقال أبو يوسف القاضي لي ما تقول: فقلت: نعم هذا جعفر بن علي السري، و أنا وصي علي بن السري قال: فادفع إليه ماله، فقلت: أريد أن أكلمك، فأذن لي فدنوت حيث لا يسمع أحد كلامي، فقلت هذا وقع على أم ولد لأبيه، فأمرني أبوه و أوصى إلى أن أخرجه من الميراث، و لا أورثه شيئا، فأتيت موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمدينة فأخبرته و سألته، فأمرني أن أخرجه من الميراث و لا أورثه شيئا، فقال: الله ان أبا الحسن أمرك قلت: نعم فاستحلفني ثلاثا، ثم قال لي أنفذ ما أمرك أبو الحسن (عليه السلام) به، فالقول قوله»

بل عن الصدوقين و الشيخ العمل بها في موردها، و ان كنا لم نتحقق ذلك عن الأخير منهم، لأنه جعلها قضية في واقعة.

نعم ظاهر الأولين ذلك، لكن في الولد الذي قد أحدث الحدث المزبور، دون غيره، و حينئذ يكون عدم النفوذ فيما عداه مجمعا عليه، بل لعله كذلك فيه أيضا، لعدم قدح خلاف مثلهما فيه و لو أوصى بلفظ مجمل أى مطلق لم يفسره الشرع بشي ء خاص رجع في تفسيره إلى الوارث بلا خلاف أجده بين من تعرض له، كقوله: أعطوه حظا من مالي، أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا أو نحو ذلك من الألفاظ التي كون مرجعها ما يعينه الوارث من مصاديقها المندرجة فيما أراده الموصى بحسب ظاهر اللفظ.

نعم في المسالك و غيرها «لو تعذر الرجوع إلى الوارث لغيبة أو امتناع أو صغر أعطي أقل ما يصدق عليه الاسم، لأنه المتيقن».

قلت: لم لا يكون التخيير للحكام أو عدول المسلمين في المصاديق كالوارث اللهم إلا أن يقال: إن المخاطب بالتنفيذ أولا و بالذات الوارث، فالخطاب في الحقيقة له، و لكن ناب غيره، للتعذر، فيقتصر على المتيقن مما يعينه المنوب عنه، لو كان قد باشر التعيين.

نعم قد يقال: ان ذلك هو المتجه فيما لو أوصى إلى غير الوارث بتنفيذ وصيته المزبورة، فإنه يكون حينئذ هو المخاطب، فله التعيين بأي مصداق ما لم يتجاوز الثلث و إن كنت لم أجد

ج 28، ص: 330

مصرحا به.

ثم إن الظاهر اعتبار التمول في المصداق، و إن سلم صدق المطلق على غيره، إلا أنه قد يقطع بعدم إرادة الموصى إياه، بل قد يقال: باعتبار الأزيد من التمول في الجليل و الجزيل و العظيم و نحو ذلك من الألفاظ، لشهادة العرف الذي هو المرجع فيها، خصوصا لو جمعها فقال: أعطوا زيدا مالا جزيلا، أو قسطا عظيما، و عمروا مالا يسيرا أو قسطا يسيرا أو قال:

عظيما جدا، أو قليلا كذلك، فلا بد حينئذ من التمييز بين الشخصين بذلك.

و ما في المسالك هنا- من احتمال إرادة الأقل نظرا إلى أن جميع المال متصف بذلك في نظر الشرع، و من ثم حكم بكفر مستحل قليله و كثيره، كما نبهوا عليه في الإقرار بمثل ذلك متفقين على الحكم في الموضوعين، و لا ينافيه مع ذلك وصفه بالقلة و نحوها لاختلاف الحيثية بقلته من حيث المقدار، و جلالته من حيث الاعتبار.

و على هذا فلو قال: أعطوا زيدا قسطا عظيما، و عمروا قسطا يسيرا، لم يشترط تمييز الوارث بينهما بزيادة الأولى عن الثاني، كما ذكرناه- كما ترى، مجرد دعوى، يشهد العرف الذي قد أمرنا باتباعه على خلافها.

و لو قال: أعطوه كثيرا قيل: و القائل الشيخ و الصدوق و جماعة على ما قيل يعطى ثمانين درهما كما في النذر للرواية التي وردت فيه (1)مستدلا بها على ذلك بقوله تعالى «لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ» و قد كانت ثمانين، بل عن الشيخ تعديتها إلى الإقرار أيضا نظرا

إلى أن ذلك تقدير شرعي لكثير من غير فرق بين الموارد جميعها.

قيل: و القائل المشهور يختص هذا التفسير بالنذر كما اختص تفسير بعض الألفاظ مثل الجزء و السهم و الشي ء في الوصية، بما عرفت اقتصارا فيما خالف الأصل و العرف و اللغة على موضع النقل مضافا إلى أن رواية الكثير مرسلة لا جابر لها


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النذر الحديث- 1 و 2 و 3 و 4.

ج 28، ص: 331

في المقام، بل الموهن لها متحقق، و مشتملة على الاستدلال المعلوم ارادة القريب منه، ضرورة أن استعماله في ذلك لا يقتضي الانحصار فيه، مع أنه قد ورد كثيرا في القرآن في أمكنة متعددة غير مراد منه ذلك، فلا ريب أن الأقوى مساواته لغيره من الألفاظ السابقة كلفظ العظيم.

و الله العالم.

و الوصية بما دون الثلث أفضل من الثلث، و بالخمس أفضل من الربع و هكذا للمروي في محكي الحواشي للشهيد

عن سعد(1)«مرضت مرضا شديدا فعادني رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال لي أوصيت؟ قلت: نعم أوصيت بمالي كله للفقراء و في سبيل الله فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم): أوصى بالعشر فقلت: يا رسول الله إن مالي كثير و ذريتي أغنياء فلم يزل رسول الله (صلى الله عليه

و آله) يناقصني و أناقصه حتى قال: أوصى بالثلث، و الثلث كثير».

و ل 24566

قول الباقر (عليه السلام)(2)«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لئن أوصي بخمس مالي أحب إلى من أن أوصى بالربع، و إن أوصى بالربع أحب إلى من أن أوصى بالثلث، و من أوصى بالثلث فلم يترك، و قد بالغ»

وفي خبر آخر(3)«من أوصى بالثلث فقد أضر بالورثة»

و في القوى (4)«إن الثلث حيف»

، و

في القوى أيضا(5)«ما أبالي أ ضررت بولدي أو سرقتهم ذلك المال»

إلى غير ذلك من الروايات التي يستفاد منها أفضلية الوصية بالربع و الخمس من الثلث.

بل عن المقنعة أنه كذلك عند آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين، كما أنه يستفاد منها أيضا استحباب مطلق الأقلية منه الذي قد أفتى به جماعة، و إن أنكر في جامع المقاصد دلالة النصوص عليه، لكن لا يخفى على من لاحظها وضوح دلالتها على ذلك، بل يستفاد منها كراهية الوصية بالثلث.

نعم قد يشكل ذلك بما دل على الأمر بالوصية به، و بالمحكى من

فعل الصادق (عليه السلام) «من الوصية به»

و من ذلك قال في المحكي عن المبسوط: إنه كان الورثة أغنياء استحب له أن


1- 1 المستدرك ج 2 ص 519.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 332

يوصى بالثلث، و إن كانوا فقراء فالأفضل أن تكون وصيته فيما هو أقل من الثلث، و في محكي الوسيلة إن كانوا أغنياء أوصى بالثلث، و إن كانوا فقراء فبالخمس و إن كانوا متوسطين فبالربع، و في محكي التذكرة لا يبعد عندي التقدير، بأنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لا يستحب الوصية، لأن النبي (صلى الله عليه و آله) علل المنع بقوله لان تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة، و لأن إعطاء القريب المحتاج خير من إعطاء الأجنبي، إلى أن قال: فحينئذ يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم، و قلتهم، و غناهم و حاجتهم، فلا يقدر بقدر من المال.

قلت: لعل ذلك كله منهم جميعا بين النصوص، لكن قد عرفت خبر سعد، و لذلك صرح بعضهم، و أطلق الباقون استحباب التقليل، و إن كان الورثة أغنياء، و لعل الاولى له الوصية بالثلث و قسمته على الورثة على مقدار سهامهم مع فقرهم و الأمر سهل.

[تفريع إذا عين الموصى له شيئا مطلقا و ادعى قصده من هذه الألفاظ و أنكر الوارث كان القول قول الوارث مع يمينه ]

تفريع على المسألة السابقة، و هو أنه إذا عين الموصى له شيئا من مصاديق اللفظ المطلق و ادعى أن الموصى قصده من هذه الألفاظ، و أنكر الوارث، كان القول قول الوارث مع يمينه بلا خلاف و لا اشكال، بل ظاهر المتن و غيره أن اليمين تتوجه عليه إن ادعى الموصى له عليه أي الورثة العلم بما ادعاه على الموصى و إلا فلا يمين و فيه بحث، إذ الظاهر بمقتضى إطلاق الأدلة استحقاق اليمين بمجرد الدعوى على الموصى، و إن كان يمينه التي يكلف بها على نفى العلم فلا يعتبر حينئذ في استحقاق ذلك دعوى العلم عليه إذ لعله لا يدعيه عليه، لعدم علمه بعلمه، فإذا كلف باليمين نكل لكونه عالما بالواقع، و لم يعلم به الموصى له، كما هو واضح. و الله العالم.

[الطرف الثالث في أحكام الوصية]
اشارة

الطرف الثالث: في أحكام الوصية التي قد تقدم منها ما إذا أوصى بوصية، ثم أوصى بأخرى مضادة للأولى كما إذا أوصى بعين لزيد، ثم أوصى بها لعمرو، أو أوصى بربع ماله لشخص، ثم أوصى به لآخر، عمل بالأخيرة (11) بلا خلاف و لا اشكال، لكونه ناسخة للأولى،

ج 28، ص: 333

و رجوعا عنها عرفا، بل الظاهر ذلك حتى لو كان ناسيا للأولى و ذاهلا كما عرفته فيما تقدم، بخلاف ما إذا لم تكن مضادة، فإنه يعمل بهما أيضا فيما لو أوصى بثلث ماله مثلا لزيد، ثم أوصى بثلث ماله لعمرو، أنه من المتضادين أولا، فلاحظ و تأمل.

و لو أوصى بحمل دابة مثلا فجاءت به لأقل من ستة أشهر الذي هو أقل الحمل شرعا صحت الوصية به لظهور وجوده حال الوصية، و إن لم يكن ذلك معتبرا فيه، لصحة الوصية بما تحمله الأمة، لكن المفروض في الوصية المزبورة إرادة الحمل الموجود فعلا و قد انكشف بولادته لدون الستة أنه كذلك، فتصح بخلاف ما لو كان قد جائت به لعشرة أشهر من حين الوصية أي بعدها، بناء على أنها هي أقصى الحمل، فإنه يعلم بذلك عدم وجوده حال الوصية التي قد عرفت فرض بطلانها بذلك، ف لم تصح و أما إن جاءت به لمدة بين الستة و العشرة و كانت خالية من مولى و زوج بأن فارقها من يباح له وطؤها حكم به للموصى له لمعلومية سبق وجوده على الوصية، إذا احتمال تجدده منتف بفرض المفارقة و أصالة عدم وطئ غير الوطء السابق، و ظهور حال المسلمة في عدم الزنا و غيره.

و (11) من هنا لو كان لها زوج أو مولى، لم يحكم به للموصى له، لاحتمال توهم الحمل في حال الوصية و تجدده بعدها (12) فلم يعلم حينئذ بوجوده قبلها، و الشك في ذلك شك في صحتها، فتبقى أصالة بقاء المال بحالها، هذا.

و لكن قد يناقش هنا بأن الأصل عدم وطئ آخر تجدد منه الحمل، و وجود الفراش أعم من ذلك، مضافا إلى أن الظاهر بملاحظة الغلبة العادية التولد من الوطء الأول فيما بين الأقصى و الأقل، بل هي المرجع في الحيوان غير الإنسان الذي لم يقدر الشارع لأقل الحمل منه، و أقصاه مدة معلومة، و إن اختلف باختلاف أجناسه، فان للغنم مقدارا معلوما عادة، و للبقر مقدارا زائدا، و هكذا، و لا فرق بين الإنسان و الحيوان في ذلك قال في المسالك هنا: «إن المسألة من باب تعارض الأصل و الظاهر، فلو رجح مرجح الظاهر عليه، في بعض مواردها كما يتفق في نظائره، لم يكن بعيدا إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، و كيف كان فلا خروج عما

ج 28، ص: 334

عليه الجماعة».

و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم صلاحية معارضة الظاهر الأصل، إذا لم يقم دليل على اعتباره شرعا، و لا كان بوجه يندرج في العلم عادة، باعتبار أنه الطمأنينة الحاصلة فيها، و الفرق بين الخالية و غيرها مع اشتراكهما في الأصل المزبور لا يخلو من نظر، و احتمال أنه لظهور حال المسئلة في عدم الزنا يدفعه فرض المسألة في الأعم من المسلمة، مع أن سبب التجدد غير منحصر في الزنا، إذ قد يكون من شبهة أو من رائحة أو غير ذلك من الأسباب التي لا يمكن حصرها، و لا ظهور لحال المسلمة في نفيها، فلو فرض الإيصاء بحمل جارية لا زوج لها و لا مولى يطؤها كما لو كانت مملوكة لامرأة فاتفق أنه جاءت به لدون الستة صحت الوصية، و بعد العشر لم تصح، و فيما بينهما البحث المفروض و لا فرق بين الخالية و غيرها في ذلك، إذ خلوها من الزوج و المولى لاقتضى عدم حملها، كما أنه لا يعتبر في موضوع المسألة كونها ذات زوج، أو مولى قد وطأها، بل المراد الوصية بحمل الأمة أو الدابة، على تقدير وجوده من أين ما كان، و لعل ذكر المولى في كلام المصنف لبيان احتمال تجدد الحمل، لا لبيان أنه مملوك أيضا حتى يشكل ذلك بعدم تصور حمل مملوك يوصى به من المولى، بناء على عدم ملك العبد كما هو واضح.

و كيف كان فالتحقيق في المسألة ملاحظة الأصول في جميع شقوقها، و العمل على الحاصل منها بالنسبة إلى السبق على الوصية و عدمه حتى ملاحظة جهل التاريخ و عدمه من غير فرق بين الإنسان و غيره، و الخالية و غيرها، و معلومة الوصي قبل الوصية و غيرها و مع فرض الشك و عدم تنقيح شي ء منها بشي ء منها يحكم ببطلان الوصية، ما لم يكن هناك عادة يحصل منها الاطمئنان المزبور على وجه يكون الاحتمال معه موهوما.

و لم أجد من استند إلى أصل الصحة في شي ء من أفراد المسألة حتى في صورة الوصية به بعد الاطمئنان بحصوله للإمارات العادية، ثم حصل الشك بعد ذلك فيه و قد كان بين الأقل و الأقصى، مع وجود الزوج و عدمه مع احتمال، و إن كان الشك المفروض في أصل وجود الموضوع فتأمل جيدا فيه، و في نظائره مما يقع على حسب مجرى العقلاء، و المعتاد.

ج 28، ص: 335

و لو قال: إن كان في بطن هذه ذكر فله درهمان، و إن كان أنثى فلها درهم فإن خرج أحدهما فلا إشكال و إن خرج ذكر أو أنثى فكان لهما ثلاثة دراهم أيضا للصدق أما لو قال: إن كان الذي في بطنها ذكر ف له كذا و إن كان أنثى فكذا، فخرج ذكر و أنثى، لم يكن لهما شي ء لعدم الاندراج في عبارة الموصى التي قد فرض فيها الانحصار بمعنى كون المراد أن جميع ما في بطنها، و كذا لو قال ما في بطنها أو حملها أو نحو ذلك ما هو ظاهر في كون الموصى له مجموع ما في البطن الذكر أو الأنثى، فالفرض لم يذكره الموصى، و لم يتعرض له، بخلاف العبارة السابقة التي قد عرفت الحال فيها من أنه يعطي كل منهما نصيبه، إلا إذا قامت قرينة على كون المراد منها ما يراد بالثانية، فلا يعطيان حينئذ شيئا كما أنه لو قامت قرينة على كون المراد بالثانية ما يراد بالأولى أعطى كل منهما نصيبه، و لو خرج في الصورة الأولى ذكران أو أنثيان أو هما معا، ففي تخيير الوارث إعطاء نصيب الذكر أو الأنثى لأيهما شاء، أو اشتراك الذكرين في الدرهمين، و الأنثيين في الدرهم، أو الإيقاف حتى يصطلحا وجوه، و في المسالك الأول أجودهما، لأن المستحق للوصية هو ذكر في بطنها أو أنثى في بطنها و هو صادق عليهما فيكون تعيينه للوارث، كما في كل لفظ متواط، و لا يتوجه هنا احتمال استحقاق كل واحد من الذكرين مثلا ما عين له، لأن الموصى له مفرد نكرة فلا يتناول ما زاد على واحد بل كان بالنسبة إليهما متواط كما لو أوصى لأحد الشخصين أو الفقير أو نحو ذلك.

قلت: المفرد النكرة الذي لا يتناول ما زاد على الواحد على وجه ينافيه التعدد على حسب «لا رجل في الدار، بل رجلان» يتجه عدم إعطاء شي ء لعدم اندراج الواقع فيما صدر من الموصى، كما هو كذلك في الصورة الثانية، لو جاءت بذكرين أو أنثيين إن كان المراد ما شمل ذلك باعتباره إرادة الجنس بقرينة المقابلة بالأنثى، فيكون المتجه الاشتراك حينئذ في الموصى به، و إن كان قد يحتمل غيره، إلا أن ذلك هو الظاهر، كما أن الظاهر ما ذكره من التخيير مع إرادة الواحد الذي لا ينافيه التعدد، فإنه ينحل في الفرض إلى أن الوصية لأحدهما الذي لو فرض التصريح به في الوصية اتجه التخيير حينئذ فتأمل.

و لو ولدت خنثى مشكلا في الفرض أعطيت الأقل، بناء على أنه ليس طبيعة ثالثة لأنه

ج 28، ص: 336

المتيقن هنا، و أما احتمال عدم استحقاق شي ء لأنه ليس أحد الأمرين، فواضح الضعف.

نعم لعله كذلك إذا لم يكن في الموصى به متيقن، مع أن المتجه فيه الصلح أو القرعة لعدم تعيين المملوك له، بل قد يحتمل ذلك أيضا فيما إذا كان في الموصى به متيقن، ثم لا يخفى عليك أن الوصية بالحمل المعين كالوصية له فيجري فيه البحث السابق.

نعم لو سقط الأول بجناية جان ضمنه للموصى له، بخلافه في الثاني، الذي تبطل الوصية له بسقوطه ميتا و إن كان بجناية جان، ضرورة مراعاة ملكه بخروجه حيا و لو سقط ميتا لنفسه تبطل فيهما كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه لا إشكال و لا خلاف في أنه تصح الوصية بالحمل المتحقق حال الوصية، بل و لا إشكال أيضا و لا خلاف في الصحة بما تحمله المملوكة دابة أو أمة و الشجرة لإطلاق أدلة الوصية، فلا يقدح كونه معدوما حالها، لأنه يكفي فيها احتمال الوجود فيما يأتي، و إن لم يكن عن شأنه الوجود كالوصية بما يشتريه أو يتهبه في مستقل الأزمنة، كما صرح به في جامع المقاصد بل هو مقتضى ما في القواعد من أن المراد بالوجود المعتبر في الوصية إمكان وجوده احترازا عما يمتنع وجوده، و مرجعه في الحقيقة إلى عدم اشتراط الوجود.

و من هنا ترك اشتراطه فيها بعضهم، بل صرح آخر بعدم اشتراطه حال الوصية و الأمر سهل بعد وضوح المراد بل ظاهرهم عدم الفرق في الوصية المزبورة بين العهدية و التمليكية، و إن كان قد يشكل الثاني بعدم قابلية المعدوم الذي لم ينزله الشارع منزلة الوجود للتمليك، و قد يدفع بأن الشارع قد نزله فيها أيضا منزلة الموجود، مضافا إلى بناء الوصية على تعليق الملك، و تأخره عن حال وقوعها إلى ما بعد الموت، فلا يقدح تعليقها بما يوجد قبل الموت إن وجد، بل و بعد الموت، لعدم اعتبار مقارنة التمليك لوقوعها، و العمدة في ذلك إطلاق الأدلة الذي مقتضاه أنه تصح الوصية بذلك.

كما تصح الوصية بسكنى الدار مثلا مدة مستقبلة مثلا، إذ لا فرق في المنفعة المتجددة بين أن تكون عينا كحمل الشجرة و الدابة و غيرها كركوب الدابة، كما لا

ج 28، ص: 337

فرق بين المضبوط بمدة كالمتجدد في هذه السنة أو عشر سنين، و بين المطلق و بين العام المتناول الجميع ما يتجدد منها ما دامت موجودة، و لا في المضبوط بمدة بين المتصل بالموت و المتأخر، كالسنة الفلانية من المتجددة، و المراد بالعام المتناول لجميع المتجدد ما استفيد من الفظ يدل عليه، كقوله كل حمل تجدد، أو كل ثمرة يتجدد أو نحو ذلك، و لو كانت بما في المتن.

ففي المسالك بني على أن «ما» الموصولة للعموم أم لا؟ و مع الشك فالواحد معلوم، و الأصل عدم الوصية في غيره، و فيها أيضا أنه يبقى بحث آخر، و هو أن الحمل المتجدد يدخل في هذه العبارة قطعا لأنها بصيغة المضارع، و هل يدخل الموجود حال الوصية يبني على أن المضارع هل هو مشترك بين الحال و الاستقبال أم يختص بأحدهما حقيقة و هو في الآخر مجاز؟ فيه خلاف بين الأصوليين و النحويين، و عليه يتفرع الحكم و الأقوى دعم دخول الموجود للشك في تناوله للحال و رجحان الاشتراك الموجب لعدم حمله على المعنيين على المختار عند الأصوليين، و بالجملة فالمسألة مشكلة المأخذ جدا.

قلت: قد يقال على الأول أنه يمكن إرادة العموم، و إن لم نقل بأن «ما» الموصولة له، باعتبار اقتضاء تمليك الطبيعة، لا بشرط جميع أفرادها على ما هو مقرر في نحوه «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» و الكلب نجس، و غير ذلك من الأحكام المقتضية ذلك، بخلاف مثل الأمر المقتضي تحقق الامتثال به بفرد واحد.

و من هنا احتمل في جامع المقاصد إرادة العموم بالوصية المطلقة، و إن استضعفه و اكتفى بالفرد الواحد، لكنه لا يخلو من قوة، و على الثاني بأن مقتضى الاشتراك في المضارع التوقف، أو الرجوع إلى القرعة، لا التخصيص بالمتجدد.

نعم قد يقال: إنه المنساق عرفا في مثل الفرض و الله العالم.

و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك أنه لو أوصى بخدمة عبد، أو ثمرة بستان، أو سكنى دار، أو غير ذلك من المنافع سواء كانت أعيانا أو غير أعيان على التأبيد، أو مدة معينة صح من غير خلاف فيه عندنا، و لا إشكال، و لا

ج 28، ص: 338

يشكل ذلك بأنها و نحوها ليست من تركة الميت، و لا من أملاكه، بل هي نماء التركة التي يملكها الوارث بالموت، و لذا لم تقض ديونه منها، لأنه يدفعه بأنها تكون للوارث، إذا لم يوص بها الميت، و إلا خرجت، ضرورة أنه للمالك الموصى التسليط عليها، باعتبار ملكه العين و قد استفاضت النصوص (1)أنه أحق بماله ما دامت الروح فيه، فيصنع به ما شاء و لذلك كان له إجارة الأعيان، و بيع نمائها مدة تزيد على عمره، على أنه لو سلم عدم

كونها من أعيان التركة، و لا من توابعها، إلا أن لها كمال المدخلية في قيمتها، بل هي في الحقيقة عبارة عنها، فإذا فرض أنه أوصى بالمنافع المتجددة، فقد نقص الأعيان على الوارث فيضمنه في ثلثه، لأن كل نقص يدخل على الوارث بسبب وصية الموصى يدخل على الثلث.

إنما الكلام في طريق معرفة ذلك، و هو في المدة المنقطعة واضح، ضرورة تقويم العين مسلوبة المنفعة تلك المدة و غير مسلوبتها، و ينظر التفاوت، و يخرج من الثلث.

أما المؤبدة فللأصحاب طرق ثلاثة في ذلك، أحدها تقويم العين بتمامها على الموصى له، و احتساب ذلك من الثلث، لعدم قيمة لها مسلوبة المنفعة، و لتعذر معرفة المؤبدة بغير ذلك، و لدوام الحيلولة بين الوارث و العين، و هو بمنزلة الإتلاف، و لذا ضمن به الغاصب جميع القيمة، فليس إلا الطريق المزبور، و إن كانت العين على ملك الوارث، و يضعف بأن ذلك لا يخرج العين عن التقويم أصلا، فإنه لا بد أن تبقى لها منفعة تعود إلى الوارث كالعتق في العبد، و أكل اللحم في الشاة لو أشرفت على الموت فذبحت نحو ذلك، و فرق واضح بين الموصى له الذي هو كالمستأجر، و الغاصب الآخذ باليد العادية مع إمكان الالتزام به أيضا مدة معينة.

نعم لو فرض أن لا نفع في العين أصلا على وجه لا قيمة لها مسلوبة المنافع اتجه ذلك، لكنه فرض نادر، بل ليس مفروض البحث، و من ذلك يظهر أن المتجه القول الثاني الذي هو تقويم العين مسلوبة المنافع الموصى بها، و إن قلت القيمة و تقويمها غير مسلوبة، و ينظر التفاوت، و يخرج من الثلث، لكون العين للوارث و له بعض المنافع فيها من حيث الملك، و بذلك تكون


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 339

ذات قيمة، فلا معنى، لاحتسابها من الثلث و الفرض أنها لم تفت على الوارث، كما أنه لا معنى لعدم احتسابها على واحد منهما، و هو القول الثالث، و إن وجه بعدم كونها للموصى له كي تحتسب عليه، و عدم قيمة لها كي تحتسب على الوارث، لكن لا يخفى عليك ما فيه، بعد ما عرفت، كما أنه لا يخفى عليك ما يتفرع على ذلك من الوصية لرجل بالرقبة، و لآخر بالمنفعة مؤبدا، و من الوصية بالعين، و إبقاء المنفعة للورثة و غير ذلك في الاحتساب و عدمه و الله العالم.

و كيف كان فما في المتن من أنه لو أوصى بخدمة عبد إلى آخر ما سمعت قومت المنفعة فإن خرجت من الثلث، و إلا كان للموصى له ما يحتمله الثلث لا بد من تنزيله على إرادة تقويم المنفعة بأحد الطرق السابقة لا أن المراد تقويم نفس المنفعة من دون ملاحظة العين مسلوبة و غير مسلوبة، لما عرفت من أن المضمون عليه في الثلث النقص الذي ادخله على العين بسبب الوصية بالمنفعة لا المنفعة نفسها، فإنها ليست من التركة، فلا يعد الوصية بها إتلافا لبعض التركة، كي يحتسب عليه من الثلث.

و من هنا قد كانت الوجوه السابقة على ما سمعت، بل لا فرق في ذلك بين الوصية لتمام المنفعة أو بشي ء منها و بين المؤبدة و غير المؤبدة، فما عساه يظهر من قواعد الفاضل من الفرق حيث جعل التقويم في الوصية باللبن له دون العين في غير محله و إن علله في جامع المقاصد بأن اللبن نفسه عين، و إن عد منفعة عرفا.

لكن قد عرفت أن المدار التجدد لا ذلك، و لذا لم يفرق المصنف بين خدمة العبد و ثمرة البستان و غيرها في ذلك، كما هو واضح، و لو لم يكن له غير العبد الذي أوصى بخدمته مؤبدا مضت وصيته في ثلثه خاصة، لكن هل يعطى من المنفعة مدة تقابل مقدار الثلث، ثم يرد إلى الورثة، أو يكون له منها ما يقابل الثلث مؤبدا و لو عشر المنفعة أو أقل؟ وجهان: أقواهما الثاني: و الله العالم.

و على كل حال ف إذا أوصى بخدمة عبده أو دابته مدة معينة فنفقته على الورثة بلا خلاف و لا إشكال لأنها في النص و الفتوى

ج 28، ص: 340

تابعة للملك المفروض كونه للوارث، بل الظاهر كونها كذلك في المؤبدة، و إن توقف فيه الفاضل في القواعد مما عرفت، و من كون الموصى له قد ملك المنفعة فكان كالزوج بل هي المقابلة للمنفعة، إذ من كان النفع له، كان الغرم عليه، و إلا لاقتضى الإضرار بالوارث كل ذلك مضافا إلى أصالة البراءة المقتصر في الخروج منها على المتيقن، و هو المملوك ملكا تاما، بل لعل الفرض لا يندرج في المنساق من المملوك.

و من هنا قيل بكون النفقة على الموصى له، لكن فيه أن بعض ما ذكره وارد في الموقتة أيضا مشترك الإلزام، ضرورة عدم اندراج الموصى له في المنساق أيضا، مع أن الأصل براءة ذمته، و فرق بينه و بين الزوج الواجب عليه النفقة مع الدليل عوض التمكين من الاستمتاع خاصة، بل هو أشبه شي ء بالعين المستأجرة.

و من هنا احتمل أو قيل بكون النفقة من بيت المال مطلقا أو إذا عجز كسبه عنه إلا أن الجميع كما ترى اجتهاد في مقابلة إطلاق ما دل على وجوب الإنفاق على المالك الذي هو الوارث قطعا، و لا ينافيه عدم التسلط على المنفعة، و ليس ذلك من الضرر المنفي في الشريعة، بل هو كنفقة الحيوان الذي بطل الانتفاع به، مع أنه متمكن من إزالته بالعتق مثلا، و القياس على الزوج ليس من مذهبنا، مع أنه مع الفارق، و بيت المال معد لغير ذلك، و الحكم بأخذ النفقة منه متوقف على الحكم بعدم كونها على أحد، و هو محل البحث.

نعم قد يتجه أخذها منه لو أعتق، و فرض عدم حدوث مال له باتهاب و نحوه فإنه حينئذ عاجز لمملوكية منافعه، و عدم المالك له، و أما لو كان له مال أنفق عليه منه لأن الحر القادر نفقته عليه، إلا في الزوجة، هذا.

و في القواعد لو أسقط الموصى له الخدمة أي الموصى بها مطلقة أو موقتة فللوارث.

قلت: لعل وجهه إن ذلك من الحقوق التي تسقط بالإسقاط، و لما في جامع المقاصد من أن مناط المنافع المذكورة الذمة، و إن تعلقت بالرقبة كما لو استأجره على وجه خاص، ثم أبرأ ذمته أو أسلفه في حنطة و شرط كونها من حنطة بلد، ثم أبرأ ذمته حينئذ، فيكون حقا للوارث، لأن ما يوهب للعبد فهو لسيده.

ج 28، ص: 341

لكن فيه إمكان منع ذلك، بل هو تمليك لمنفعة العبد بالوصية نحو تمليك منفعة الدابة بها و بالإجارة مثلا، فليس موردها الذمة، و العبد لا ذمة له يتحقق فيه مثلا ذلك نحو الحر، مع أنه يمكن فرض المقام في عبد لا ذمة لصغر، أو جنون أو غيرهما، و العبد غير قابل للهبة كالدابة، و المنافع و إنما أثر في الرقبة، و بقيت المنافع مستثناة مملوكة، فإذا أسقط حقه منها رجعت إلى الوارث، لكونها متلقاة عن مورثه للموصى له، فإذا أبطل حقه منها عادت إلى الوارث، لقيامه مقامه».

و فيه أن المتجه على ما ذكره أولا كونها للعبد، لأنه إذا جعل محلها الذمة- و لذا أسقطها بالإسقاط- اتجه حينئذ عدم ملك أحد غيره لمنافعه، بل على ما ذكره أخيرا أيضا فإنه هنا حر قابل للتمليك، هذا كله في العبد أو الدابة الموصى بمنفعتها أما لو كان الموصى بمنفعته نخلا مثلا أو دارا فاحتاجا إلى السقي و التعمير لم يجبر أحدهما لو امتنع، لأن المالك لا يجبر على المصلحة، و لا على مصلحة غيره.

نعم لو أراده أحدهما على وجه لا يضر بالأخر، لم يكن له المنع على الظاهر، فما في المسالك من احتمال طرد الخلاف في نفقة الحيوان بناء على وجوب ذلك على المالك حفظا للمال، لا يخلو من نظر، إذا لمسلم حرمة إتلافه سرفا و تبذيرا، لا وجوب حفظه بالمعنى المفروض، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين المنفعة المؤبدة و غيرها كما هو واضح و الله العالم.

و كيف كان ف للموصى له التصرف في المنفعة على وجه لا ضرر في العين، بل على حسب التصرفات في المنافع و للورثة التصرف في الرقبة ببيع و عتق و غيره مما هو غير مناف للمنفعة و لا يبطل حق الموصى له بذلك بلا خلاف معتد به، و لا إشكال أجده في شي ء من ذلك لتسلط كل مالك على ملكه، و ليسا كالشريكين اللذين لا يجوز لأحدهما التصرف في العين المشتركة إلا بإذن الآخر لعدم التميز بخلافه هنا، فإن ملك كل منهما مميز عن الآخر على وجه يمكن التصرف فيه من دون منافاة، و لا ضرر على الآخر، و أما تسليم الموصى له العين من غيره فالبحث فيه ما سمعته في الإجارة، و لا فرق في استيفاء منفعته منه بين السفر و الحضر بعد فرض شمول اللفظ لذلك، و لو بالتعميم و الإطلاق

ج 28، ص: 342

الذي بمنزلته.

نعم في قواعد الفاضل «لا يملك الوارث بيعه أى الموصى بمنفعته إن كانت المدة مؤبدة، أو مجهولة لجهالة وقت الانتفاع المقتضى لتجهل المبيع في المجهولة و لسلب المنافع في المؤبدة، فتكون كالحشرات».

و فيه أن المشتري بالبيع يكون كالبائع، و جهل المدة التي ينتفع بها الموصى له إذا فرض الوصية له بمنفعة سنة مثلا و الخيار بيده لا تجهل المبيع، كما أن الوصية بالمنافع كلا في مثل العبد لا يصيره كالحشرات، ضرورة بقاء الانتفاع بعتقه مثلا، و لو فرض عين سلب عنها المنافع جميعا بالوصية على وجه يكون شراؤها و نحوه من معاوضات الأموال سفها، اتجه المنع حينئذ، و لعل ذلك هو المدار من غير فرق بين بيعه على الموصى له و غيره، فما في القواعد «من أنه لا يملك الوارث بيعه، أى العبد الوصي بمنفعته، مؤبدة، إلى أن قال: و هل يجوز بيعه من الموصى له، فيه نظر» لا يخلو من بحث، بل لا يخلو ما فيها من الإشكال في الاجتزاء بعتقه عن الكفارة، و في صحة مكاتبته من البحث أيضا، ضرورة إطلاق أدلة الكفارة و الكتابة، و امتناع الاكتساب عليه لا ينافي الثانية لا مكان أخذ مالها من الصدقات مثلا.

و على كل حال فالوصية بذلك تمليك عندنا لا عارية، فلو مات الموصى له ورث عنه و تصح إجارته، و إعارته، و لا يضمن العبد إذا تلف في يده بغير تفريط، و يدخل اكتساب العبد من الاصطياد و الاحتطاب في منافعه، فيملكه الموصى له حينئذ، بل الظاهر ذلك حتى لو أعتق و أن استشكل فيه في القواعد.

نعم الظاهر عدم ملكه ولد الجارية بذلك، لأنه لا يعد من منافعها بخلاف عقرها و إن دخل في نماء الوقف على وجه يملكه الموقوف عليه باعتبار ملكه ذي النماء و هو المراد بتسبيل المنفعة لا أنه يندرج في إطلاق المنفعة الذي هو موضوع المسألة و لذا قلنا بخروج الولد دون العقر، و كذا في الإجارة فتأمل.

لكن في القواعد «و في تمليك ولد الجارية و عقرها إشكال ينشأ من بطلان الوصية بمنفعة البضع، و كون الولد جزء من الأم يتبعها في الأحكام، و من كون ذلك كله من المنافع».

ج 28، ص: 343

و فيه منع بطلان الوصية بمنفعة البضع، و إن كان لا يجوز له الوطء بذلك إذ لا تلازم بينهما بعد توقف الأخير على أسباب خاصة، و لا يملك الموصى له الوطء لأن له أسبابا خاصة ليست الوصية منها، بل في القواعد و يمنع الوارث أيضا منه، و إن كان لا يخلو من بحث، لأنه من الاستمتاع الذي يتبع ملك العين كالتقبيل و التلذذ بالنظر و اللمس فإذا فرض وقوعه على وجه لا ينافي ملكية المنفعة اتجه الجواز، و احتمال الحبل المنقص للمنفعة يدفعه- مع أن الأصل عدمه- إمكان فرضه في جارية آيسة منه.

نعم قد يتجه المنع بناء على ما قلناه من اندراج منفعة البضع في ملك المنفعة للموصى له، و الأولى بناء المسألة على ذلك، و يفرق بينه و بين النظر و اللمس، بعدم عوض لهما شرعا بخلافه، و حينئذ يتجه وجوب العقر عليه للموصى له. مضافا إلى الإثم، و الله العالم.

و على كل حال فإن وطء أحدهما فهو شبهة لأحد عليه، مع احتماله في الموصى له، بل قوته مع فرض علمه بعدم جواز الوطء له، ضرورة كونه وطأ أجنبية كوطئ المستأجر و تصير أم ولد لو حملت من الوارث، لا منه، و لو وطأت للشبهة، فعلى الواطئ العقر للموصى له، و في القواعد على اشكال، و إذا أتت بولد فهو حر و على الواطئ قيمته للوارث على ما قلناه، و في القواعد فإن قلنا الموصى له يملك الولد فالقيمة له، و إلا فللوارث و لو ولدت من الموصى له فهو حر بناء على أن وطيه شبهة، و عليه القيمة للوارث على ما قلناه.

و للموصى له المسافرة بالعبد الموصى بخدمته، و ليس للعبد التزويج إلا برضا الوارث، و في اعتبار رضى الموصى له مع ذلك اشكال، و في القواعد اعتباره أيضا، بل هو الأقوى بناء على اندراج منفعة البضع في المنفعة الموصى بها.

و إذا قتل الموصى بخدمته أبدا و وجب القصاص، بطلت الوصية، و كان المطالب به الوارث، و لو كان القتل موجبا للقيمة صرفت إلى الوارث على الأقوى، لانتهاء الوصية بانتهاء العمر، كالإجارة، و يحتمل شراء عبد حكمه ذلك، و تقسيطها بينهما، بأن تقوم المنفعة المؤبدة، و العين السلوبة المنفعة، و يسقط عليهما.

و لو قطع طرفه اختص الوارث بأرشه على الأقوى، و يحتمل التقسيط أيضا، و لو لم تنقص.

ج 28، ص: 344

به المنفعة كالأنملة فهو للوارث قطعا، و لو جنى العبد قدم حق المجني عليه على الموصى له، فإن بيع بطل حقه، و إن فداه الوارث استمر حقه، و كذا ان فداه الموصى له، و هل يجبر المجني عليه على قول قبول فداء الموصى له؟ اشكال من تعلق حقه بالعين و من كونه أجنبيا عن الرقبة التي هي متعلق الجناية، و كذا الكلام في المرتهن.

و من ذلك كله ظهر لك أن للمالك نفعا في العين الموصى بمنفعتها بحيث يجوز له بيعها، لا أنها صارت بالنسبة إليه كالحشرات، و الله العالم.

و لو أوصى له بقوس انصرف إلى قوس النشاب و هي الفارسية التي يرمى بها و قوس النبل و هي العربية التي يرمى بها السهام العربية و قوس الحسبان و هي التي لها مجرى ينفذ فيها السهام الصغار، فيتخير حينئذ في دفع أحدها بناء على القاعدة التي ستعرفها إن شاء الله تعالى، دون القوس المسمى بالجلاهق، و هي التي يرمى بها البندق، و دون قوس الندف، خلافا لابن إدريس، فخير بين الخمسة و لعله لا نزاع، ضرورة كون المدار على العرف الذي تحمل عليه الوصية، و ربما تكون الخمسة بالنسبة إليه سواء.

و ربما يختص بواحد، كما اعترف به ثاني الشهيدين، حيث قال: «لا ريب في أن المتبادر في زماننا هو القوس العربية خاصة، بل قوس الحسبان لا يكاد يعرفه أكثر الناس و لا ينصرف اليه فهم أحد من أهل العرف».

فالتحقيق جعل المدار على العرف الذي تحمل عليه الوصية، دون غيره و لو كان لغة إلا مع قرينة تدل على إرادة غيرها أى القوس المتعارفة، فإنها المتبعة حينئذ كما هو واضح.

و الظاهر عدم دخول الوتر فيه لتحقيق اسمه بدونه، و إن توقف نفعه عليه، فإنه المدار لا الثاني.

نعم لو كان هناك عرف يقتضي أو قرينة أتبعا، و إلا فلا و كذا كل لفظ

ج 28، ص: 345

وقع معناه على أشياء وقوعا متساويا لكونه متواطئا فللورثة اختيار في تعيين ما شاء و امنها لصدق تنفيذ الوصية بذلك، و الأصل عدم وجوب غيره كما أن الأصل عدم ثبوت حق الخيار لغير الوارث مع فرض عدم إيصاء الموصى به لغيره كما سمعته فيما تقدم هذا.

و لكن في المسالك إدراج المشترك لفظا في كلية المتن، و لعله لأعمية وقوع اللفظ من المشترك و المتواطئ، بل لعل الظاهر منه الأول، قال: و هو أعم فائدة، و في عبارة العلامة تصريح بإرادته إلى أن قال: «و ربما قيل في المشترك بالقرعة، و هو بعيد».

قلت: بل هو قريب كما عن التذكرة و غيرها ما لم يقم دليل معتبر على خلافه، لكن ظاهر إرسال غير واحد من الأصحاب لذلك هنا إرسال المسلمات- مع معلومية إرادة المتكلم بالمشترك واحدا معينا عند المتكلم، بل هو معنى المشترك- ان العرف في الوصية يقتضي إرادة المسمى بهذا الاسم، و هو المسمى بعموم الاشتراك، و لعله كذلك عند التأمل و الله العالم.

و في القواعد «و الضابط ان كل لفظ يقع على الأشياء وقوعا متساويا، أما لكونه مشتركا أو لكونه متواطئا، فإن للورثة الخيار في تعيين ما شاءوا، و يحتمل في المشترك القرعة، و يحتمل الحمل على الظاهر بالحقيقة دون المجاز».

قلت: قد يقال: أن الأخير مناف لما ذكره من الضابط، ضرورة كون الحقيقة في المشترك إرادة المعين، لا عموم الاشتراك الذي صرح به سابقا، بل يمكن دعوى ظهور عبارة المتن فيه أيضا كما سمعته سابقا.

هذا كله إذا أوصى بالقوس و نحوه من دون قرينة.

أما لو قال: أعطوه قوس، و لا قوس له إلا واحدة، انصرفت الوصية إليها من أي الأجناس كانت بلا خلاف و لا اشكال، و لو فرض ان له قسيا متعددة و لا واحدة تنصرف إليه الإضافة، و تخير بينها كالسابق.

و في المسالك «لكن نزيد هنا أن الحكم يختص بما لو كان له من كل نوع، فلو كان له من نوعين خاصة، أو ثلاثة، فإن كان أحدهما خاصة من الغالب حمل عليه، و ان اشترك الغلبة

ج 28، ص: 346

تخير الوارث، و إن تعدد الغالب مع وجود غيره كما لو كان قوس، ندف، و قوس نبل و قوس حسبان تخير في الأخيرين، و لو لم يكن له إلا قوس ندف و جلاهق خاصة ففي التخيير بينهما أو الانصراف إلى الجلاهق لأنه أغلب، وجهان: و على ما اخترناه من مراعاة العرف يرجع إليه هنا فتأمل.

و على كل حال ف لو أوصى برأس من مماليكه، كان الخيار في التعيين إلى الورثة لما سمعته من الضابط الذي هذا أحد أفراده و حينئذ ف يجوز أن يعطوا صغيرا أو كبيرا، صحيحا أو معيبا ذكرا أو أنثى أو خنثى لصدق اللفظ و عدم الانصراف إلى الصحيح هنا، بخلاف التوكيل في الابتياع و نحوه، لكونها من التبرعات المحضة بخلاف عقود المعاوضة المبنية على حفظ المال، و المماكسة، و المغابنة.

و إنما يتخير الوارث مع وجود المتعدد في التركة، و إلا تعين الموجود، و لو لم يكن له مملوك بطلت، و هل المعتبر الموجود عند الوصية أو الموت أجودهما الثاني لأنه وقت الحكم بالانتقال و عدمه، كما اعتبر المال حينئذ، و وجه الأول اضافة المماليك إليه المقتضية لوجود المضاف.

و لو هلك مماليكه بالموت بعد وفاته أى الموصى أو قبلها الا واحدا تعين للعطية كما في كل مخير انحصر في فرد فإن ماتوا أجمع كذلك بطلت الوصية بمعنى انتفاء موضوعها فإن قتلوا على وجه يوجب القيمة لم تبطل (11) الوصية و كان للورثة أن يعينوا له من شاءوا و يدفعوا قيمته إن صارت إليهم، و إلا أخذها من الجاني (12) لانتقال حق الوصية إلى البدل القائم مقام المبدل عنه في ذلك و في التخيير، من غير فرق بين الكل و البعض، و لو قتلوا في حياة الموصى ففي المسالك بعد أن حكى الخلاف في ذلك قال: ان الأصح عدم بطلان الوصية و انتقال حكمها إلى البدل.

قلت: لكن الانصاف عدم خلو الأول عن قوة، كالعين الموهوبة قبل القبض و الله العالم.

[الإشهاد على الوصية]

و تثبت الوصية: (13) بمال أو ولاية بشاهدين مسلمين عدلين (14) بلا خلاف و (15) لا اشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم ما دل على حجيتها كما لا خلاف

ج 28، ص: 347

في أنه مع الضرورة و عدم عدول المسلمين، تقبل شهادة أهل الذمة خاصة في الأولى منها، بل عن فخر الدين و ظاهر الغنية و صريح الصيمري الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الكتاب (1)و المعتبر المستفيضة التي من كثير منها يعلم اشتراط قبول شهادتهم بالضرورة، و اختصاص هذا الحكم بأهل الذمة خاصة فيقيد به حينئذ، و بالإجماع إطلاق الكتاب و ما شابهه من السنة.

نعم في

خبر يحيى بن محمد(2)عن الصادق (عليه السلام) «فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) سن فيهم سنة أهل الكتاب في الجزية»

و نحوه

المضمر(3)قال: «اللذان منكم مسلمان، و اللذان من غيركم من أهل الكتاب، فإن لم تجدوا من أهل الكتاب فمن المجوس، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب، و ذلك إذا مات الرجل بأرض غربة فلم يجد مسلمين يشهدهما، فرجلان من أهل الكتاب»

إلا أنى لم أجد عاملا به من الأصحاب، فلا يصلح للخروج عما دل على اعتبار العدالة بالمعنى الأخص في الشاهد.

اللهم إلا أن يدعى اندراجهم في إطلاق الأصحاب، أهل الذمة و أهل الكتاب، بناء على أنهم منهم، لكن الظاهر المنساق خلافه، فالمتجه عدم قبول شهادتهم، كما أن المتجه قصر الحكم في خصوص المقام، اقتصارا فيما خالف المعلوم من قوانين الشرع و قواعده على المتيقن، فما عساه يظهر من تعليل قبول شهادتهم في غير واحد من نصوص المقام (4)بأنه لا يصلح ذهاب حق أحد من التعميم لا محيص من الخروج عنه، لما عرفت، بل قد يقال: بعدم قبول شهادة أهل الذمة حال عدم العلم بتحقيق الضرورة التي هي شرط ذلك، لظاهر جملة من النصوص و الفتاوى و اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل، و الشك في الشرط شك في المشروط.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد مما في النص و الفتوى بيان المانعية، و إن برز بصورة الشرط،


1- 1 سورة المائدة الآية- 106.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6- و ذيله.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6- و ذيله.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 348

و إلا بطلت فائدة مشروعية هذا الحكم غالبا المستفادة من النصوص أيضا ضرورة ندرة معرفة الاضطرار للموصي على وجه يعلم به ذلك شرعا فيتجه حينئذ القول بقبول شهادتهم ما لم يعلم التمكن من غيرهم، بل لعله هو مقتضى إطلاق الآية(1)و بعض النصوص أيضا، و هو قوى متين.

و على كل حال، فالظاهر أن التمكن من المسلمين الفاسقين و لو بغير الجناية- و الكذب كعدمه، لعدم قبول شهادتهم، و لو في حال الاضطرار، و القياس على ما ثبت من قبول أهل الذمة محرم، لعدم إحاطة العقل بمصالح ذلك و مفاسده، بل و لا المجهولين أيضا بل و لا العدل الواحد و إن أمكن التوصى به إلى إثبات الحق مع اليمين من الموصى له إلا أنه لم يعلم إمكانها منه، لاحتمال عدم علمه، بل و مع علمه، لإمكان تحاشيه بل و إن لم يتحاش.

لكن ظاهر النصوص تحقق الضرورة بفقد العدلين، بل الظاهر تحققها و ان تمكن من النساء الثلاثة التي يثبت بها ثلاثة أرباع الموصى به، فضلا على الاثنين و الواحدة لظهور النصوص في أن المدار في قبولها على عدم التمكن مما يثبت به تمام المطلوب من المسلمين، و هو متحقق في الفرض فلا يقال: أنه مضطر في مقدار الربع خاصة، كما أنه لا يقال: أنه متمكن بالمرأة الواحدة.

باعتبار تمكنه من اشهادها على ما يزيد على مطلوبه بثلاثة أرباع، و هكذا في الاثنتين، فإن مثله لا يعد تمكنا كما لا يخفى على من تأمل النصوص و الظاهر أنه لا يجوز للمرأة العالمة بقدر الموصى به، و أنه لا شريك لها في الشهادة تضعيف المشهور به على وجه يصلح للموصى له، مقدار ما أوصى به له، للكذب المحرم الذي مثل ذلك لا يعد مصلحة لتسويغه، لعدم الظلم بمنع ما لم يثبت شرعا كونه له، و إن كان في الواقع أنه له.

ثم إن الظاهر اعتبار العدالة في أهل الذمة في دينهم، وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، اقتصارا على المتيقن و للتصريح به

في خبر حمزة بن حمران (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «سألته عن قول الله عز و جل «ذَوا عَدْلٍ» الى آخر الآية قال: اللذان منكم مسلمان،


1- 1 سورة المائدة الآية- 106.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.

ج 28، ص: 349

و اللذان من غيركم من أهل الكتاب، فقال: إنما ذلك إذا مات الرجل المسلم بأرض غربة و طلب رجلين مسلمين ليشهدهما على وصيته فلم يجد مسلمين، فليشهد على وصيته رجلين ذميين من أهل الكتاب مرضيين عند أصحابهما»

بل هو ظاهر غيره أيضا بل لعله الظاهر من قوله تعالى «أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» بعد تقدم اعتبارها في الشاهدين منا، فيكون المراد

ثبوتها بالعدلين منا أو من غيرنا، و أما اعتبار حلفهما مطلقا، أو بعد صلاة العصر بالكيفية الموجودة في الآية مطلقا، أو مع الريبة فيهم كما في الآية أيضا فهو محتمل، بل حكى عن العلامة بل ظاهر الكركي و غيره القول به، في صورة الريبة للآية و بعض النصوص المفسرة لها الظاهر في كون الحكم ما فيها،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر يحيى بن محمد(1)متصلا بما سمعته سابقا من صدره، و ذلك «إذا مات الرجل في أرض غربة فلم يجد مسلمين أشهد رجلين من أهل الكتاب يحبسان بعد العصر فيقسمان بالله تعالى «لا نَشْتَرِي» إلى آخر الآية قال: و ذلك إن ارتاب ولى الميت في شهادتهما، فإن عثر على أنهما شهدا بالباطل، فليس له أن ينقض شهادتهما حتى يجي ء شاهدان يقومان مقام الشاهدين الأولين، فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما، وَ مَا اعْتَدَيْنا إِنَّا إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ فإذا فعل ذلك نقض شهادة الأولين و جازت شهادة الآخرين يقول الله تعالى (2)«ذلِكَ أَدْنى »»

إلى آخر الآية، لكن قد يقوى في النظر خلافه لإطلاق جملة من النصوص معتضدا بخلو فتوى المعظم عن ذلك على وجه يعلم منه عدم اعتباره، فلا بد من ارتكاب النسخ الذي لا وجه

للقول بعدم صلاحية مثل ذلك له، ضرورة كونه كالتخصيص أو الندب احتياطا في الأمر و استظهارا، و إن كان لم يذكره المعظم أيضا، و منه يعلم قوة احتمال الأول.

و لكن الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، بل ينبغي أن يكون حلفهما بما في الآية، و بعد صلاة العصر الذي هو محل اجتماع الناس، كما فعله رسول الله (صلى الله عليه و آله) على ما في الخبر(3)و يقوى أيضا عدم اعتبار السفر في قبولها أيضا، وفاقا للأكثر، بل في ظاهر المتن في باب


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.
2- 2 سورة المائدة الآية 107.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 350

الشهادة الإجماع عليه، بل في الرياض لم أجد فيه مخالفا إلا نادرا، و إن تضمنته الآية، إلا أنه خارج مخرج الغالب، فلا يصلح لتقييد ما دل على قبولها في السفر الحضر من النصوص حينئذ كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك عن ذلك كله قبول شهادة أهل الذمة في الجملة لكن قوله تعالى (1)«فَإِنْ عُثِرَ» إلى آخر الآية قد تضمن حكما لم يتعرض له أكثر الأصحاب و لا تصدوا له، و لم ينصوا على النسخ، و لا على عدمه، مع أن النص قد تعرضت له أيضا فإن في

خبر يحيى بن محمد(2)عن الصادق (عليه السلام) بعد أن ذكر شهادة الذميين و حلفهما قال (عليه السلام): «فان عثر على أنهما شهدا

بالباطل فليس له أن ينقض شهادتهما حتى يجي ء شاهدان يقومان مقام الشاهدين فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُ إلى آخر الآية فإذا فعلى ذلك نقض شهادة الأولين و جازت شهادة الآخرين يقول الله عز و جل «ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ» إلى آخره.

و في مرسل علي بن إبراهيم (3)«قال: خرج تميم الداري و ابن بندي و ابن أبي مارية في سفر و كان تميم الداري مسلما و ابن بندي و ابن أبي مارية نصرانيين، و كان مع تميم الداري خرج له فيه متاع و آنية منقوشة بالذهب و قلادة و أخرجها إلى بعض أسواق العرب للبيع فاعتل تميم الداري علة شديدة فلما حضره الموت دفع ما كان معه إلى ابن بندي و ابن أبي مارية أن يوصلاه إلى ورثته فقد ما إلى المدينة و قد أخذا من المتاع الآنية و القلادة و أوصلا سائر ذلك إلى الورثة فافتقد القوم الآنية و القلادة فقالوا لهما هل مرض صاحبنا مرضا طويلا أنفق فيه نفقة كثيرة؟ قالا:

لا، ما مرض إلا أياما قلائل، قالوا: فهل سرق منه في سفره هذا؟ قالا: لا قالوا: فهل اتجر تجارة خسر فيها؟ قالا: لا، قالوا: فقدنا أفضل شي ء كان معه: آنية منقوشة بالذهب مكللة بالجوهر، و قلادة. فقالا: ما دفع إلينا فقد أديناه إليكم فقدموهما إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأوجب عليهما اليمين، فحلفا فخلا عنهما، ثم ظهرت تلك الآنية و القلادة عليهما، فجاء أولياء


1- 1 سورة المائدة الآية- 108.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 351

تميم إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالوا: قد ظهر على ابن بندي و ابن أبي مارية ما ادعيناه فانتظر رسول الله (صلى الله عليه و آله) الحكم من الله في ذلك، فأنزل الله تبارك و تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلى آخر الآية، فهذه الشهادة الأولى التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) «فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْماً» أي أنهما حلفا على كذب «فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما»، يعنى من أولياء المدعى من الذين استحق عليهم، و فيقسمان بالله، أي يحلفان بالله أنهما أحق بهذه الدعوى منهما فإنهما قد كذبا فيما حلفا بِاللَّهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُ إلى آخره فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أولياء تميم الداري أن يحلفوا بالله على أمرهم، فحلفوا فأخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله) القلادة و الآنية من ابن بندي و ابن أبي مارية و ردهما على أولياء تميم الداري،»

و هو و إن كان مضمونه غير الأول، ضرورة صراحته في حلف أولياء تميم بمجرد دعواهم، إلا أنه على كل حال مخالف للضوابط و القواعد.

نعم في غير هذا الخبر أن النصرانيين قد ادعى شراءه عن تميم، و أنكرهما الورثة، و لعل هذا الوجه في تحليف الوليين، و يمكن أن يكون الإرث منحصرا فيهما و لذلك حلفا إلا أن ذلك كله أجنبي عن ظاهر الآية، كما ان هذا الخبر الذي هو السبب في نزول الآية أجنبي عما عند الأصحاب من قبول شهادة أهل الذمة في الوصية لعدم تضمنه شيئا من ذلك.

و على كل حال فالعمل على ظاهر الآية ما لم يثبت نسخها، و قد أطنب في مجمع البيان في تفسيرها و إعرابها و قراءتها حتى حكى عن الزجاج من ثم «فَإِنْ عُثِرَ» إلى آخر الآية أصعب آية في القرآن إعرابا خصوصا على قراءة فاستحق بالبناء للفاعل، و ليس المقام مقام تحرير ذلك فراجع و تأمل، و ان كان الأظهر جعل الأوليان خبر مبتدأ محذوف أى هما الأوليان، بمعنى هما اللذان بقومان و يحلفان من بين الذين استحق عليهم أي الورثة أو استحق الموصى له عليهم على قراءة البناء للفاعل.

و لو شهد عدل و ذمي فالأقرب وجوب اليمين حينئذ كما في القواعد و لعله لعدم تمام الحجة بهما. و إن كان العدل أولى من الذمي، لكنه خارج من مفروض المشروعية و لا عبرة بمثل الأولوية المزبورة بل هي في الحقيقة قسم من الاستحسان، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في أنه تقبل في الوصية بالمال شهادة العدل

ج 28، ص: 352

ال واحد مع اليمين بل و لا إشكال لإطلاق دليله، بل يمكن تحصيل الإجماع من الخاصة عليه فما في نافع المصنف من التردد في ذلك في غير محله أو شاهد عدل ذكروا مرأتين ثقتين، بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق ما دل على ذلك الشامل لما نحن فيه بل هو أخف و لذلك اختص بأنه تقبل فيه شهادة الامرأة الواحدة العادلة لكن في ربع ما شهدت به، و شهادة اثنتين في النصف و شهادة الثلاث في ثلاثة الأرباع و أما شهادة الأربع في الجميع فهو مشترك بين المقام و غيره، من الأموال من غير خلاف في شي ء من ذلك أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلا عن محكيه و الأصل فيه المعتبرة المستفيضة منها

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ربعي (1)«في شهادة امرأة حضرت رجلا يوصي ليس معها رجل فقال: يجاز ربع ما أوصى بحسب شهادتها»

و منها

قول أبي جعفر (عليه السلام)(2)«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصية لم يشهدها إلا امرأة أن تجوز شهادتها في ربع الوصية إذا كانت مسلمة غير مريبة في دينها»

و لا يعارضها

خبر عبد الرحمن (3)سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة يحضرها الموت و ليس عندها إلا امرأة تجوز شهادتها قال تجوز شهادة النساء في العذرة و المنفوس، و قال: تجوز شهادة النساء في الحدود مع الرجل»

و مضمر عبد الله (4)«سألته عن امرأة حضرها الموت و ليس عندها إلا امرأة أ تجوز

شهادتها؟ فقال: لا تجوز شهادتها إلا في المنفوس و العذرة»

ومكاتبة أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (عليه السلام) «امرأة شهدت على وصية رجل لم يشهدها غيرها و في الورثة من يصدقها، و منهم من يتهمها فكتب: لا، إلا أن يكون رجل و امرأتان، و ليس بواجب أن تنفذ شهادتها»

لقصورها عن المقاومة من وجوه، فلا بأس بطرحها، أو حملها على إرادة عدم نفوذها في الجميع، و الأول منها على إرادة قبولها فيما هو أعظم من الوصية، و الثاني على الاستفهام الإنكاري و نحو ذلك.

نعم الظاهر قصر الحكم على مورد النص فلا يتعدى منه إلى غيره، كقبول شهادة الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 7.

ج 28، ص: 353

الواحد في النصف باعتبار كونه بمنزلة شهادة امرأتين و إن احتمل، لكنه في غير محله، بل قد يقال: بعدم ثبوت الربع به فضلا عن النصف، و إن اختاره الفاضل و اثنى الشهيدين و غيرهما، لابتناء الحكم على مصالح يقصر العقل عن إدراكها.

و من ذلك يعلم أن الخنثى المشكل لا يثبت بشهادتها وحدها شي ء لعدم العلم بكونها امرأة، و أما الخنثيان فيثبت الربع فقط، و الثلاثة ثلاثة أرباع، و الأربعة تمام المشهود عليه كما هو واضح بأدنى تأمل.

ثم ان مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم توقف قبول شهادتهن فيما عرفت على اليمين خلافا للمحكي عن التذكرة فقال: بتوقفه عليه كذلك، كما في شهادة الرجل الواحد، و فيه أنه لا دليل هنا على اعتبار اليمين، بل ظاهر الأدلة خلافه، كما عرفت على أن اليمين مع شهادة الواحد توجب ثبوت الجميع، فلا يلزم مثله في البعض، و التزامه فيما إذا انضم إلى شهادة الاثنين أو الثلاثة باعتبار قيامهما مقام الرجل بخلاف الواحدة، يدفعه أن مقتضى النصوص النصف في الأول، و ثلاثة الأرباع في الثاني، بمجرد الشهادة، و وجود اليمن مع عدم اعتبار الشارع لها بمنزلة العدم و قيام الاثنين مقام الرجل في بعض الموارد، لا يستلزم قياس ما نحن فيه عليه، حتى أنه يخرج عن مقتضى ظواهر النصوص بذلك، و كذا لا يشترط في قبول شهادتهن هنا فقد الرجال للإطلاق خلافا للمحكي عن الإسكافي و الطوسي فاشترطاه، و لا ريب في ضعفه.

نعم لا يعتبر في شهادتهن غير العدالة، فلا تجزى شهادة الفاسقة و لا الذمية، و لو في مقام تقبل فيه شهادة ذكورهم، إذا فرض عدمهم، اقتصارا فيما خالف الضوابط على المتيقن، و هو ذكور أهل الذمة دون نسائهم، و لو مع فقد ذكورهم، و ذكور المسلمين و نسائهم كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان ف لا تثبت الوصية بالولاية إلا بشاهدين مسلمين عادلين للأصل السالم عما يقتضي قطعه بغير ذلك لعدم ثبوت حجيته، و حينئذ ف لا تقبل شهادة النساء في ذلك منفردا بل في المسالك و محكي غيرها نفى الخلاف فيه، لأنها ليس وصية بمال، بل هي تسلط على تصرف فيه و ليس مما يخفى على

ج 28، ص: 354

الرجال غالبا، و ذلك ضابط محل قبول شهادتهن منفردات نصا و فتوى.

قلت: كما أن ضابط قبولهن منضمات كون المشهود عليه مالا لا ولاية.

لكن قد يناقش بأنها قد تتضمن المال، كما إذا أراد الوصي أخذ الأجرة و الأكل بالمعروف بشرط، و بأن الولاية و إن لم تكن مالا لكنها متعلقة به، كبيعه و إجارته و إعارته، و نحو ذلك، و من ذلك يتجه القول بالقبول، لعموم ما دل على قبول خبر العدل الشامل للذكر و الأنثى، و لو بقاعدة الاشتراك.

اللهم إلا أن يقوم إجماع هنا بالخصوص على عدم ثبوت ذلك بشهادتهن منفردات و منضمات، كما هي عساه يشعر به في الجملة نفى الخلاف المزبور مؤبدا بعدم العثور على ما ينافيه، و بتقرير من تأخر عنه عليه على وجه يظهر منه الاعتراف به.

و على كل حال ف هل تقبل فيها شهادة العدل الواحد مع اليمين؟ فيه تردد (أظهره المنع) عند المصنف خاصة في الكتاب خاصة ينشأ مما عرفت لكن في المسالك قد قطع الأصحاب بالمنع من غير نقل خلاف في المسألة، و لا تردد، و لذا وافقهم المصنف في مختصر الكتاب على القطع، بل في الرياض أن النصوص كالاتفاق المحكي في المسالك و غيرها متفقة الدلالة على انحصار قبولهما في الحقوق المالية.

قلت: بل لعل الأصل أيضا يقتضي عدم ثبوتها بعد قيام الأدلة على اعتبار التعدد في الشهادة، و قيام اليمين مقام الواحد غير ثابت في المقام فتأمل جيدا.

فإنه قد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب القضاء و الشهادات، و منه يعلم قوة القول بالاكتفاء به بل و المرأتين و اليمين فضلا عنهما مع الرجل فلاحظ و تأمل.

و أما شهادة أهل الذمة فقد يقال: ان مقتضى إطلاق الآية و الرواية قبولها فيها أيضا بالشرط المزبور، و لعله لذا و لأصالة عدم القبول نظر الفاضل فيها في القواعد لكن قال: أقربه العدم، و لعله كذلك اقتصارا فيما خالف الضوابط الشرعية على المتيقن، و لا إطلاق في الأدلة بحيث

ج 28، ص: 355

تطمئن به النفس على قبولها في ذلك بعد اقتصار المعظم على المال فلاحظ و تأمل. و الله العالم.

و لو أشهد إنسان عبدين له، على حمل أمته أنه منه، ثم مات فأعتقا و شهدا بذلك بعد العتق قبلت شهادتهما و إن لم نقل بقبول شهادة العبد.

ل

لصحيح (1)«في رجل مات و ترك جارية و مملوكين فورثهما أخ له فأعتق العبدين، ولدت الجارية غلاما فشهدا بعد العتق أن مولاهما كان أشهد هما أنه كان يقع على الجارية، و أن الحبل منه، قال: تجوز شهادتهما و يردان عبدين كما كانا».

والموثق (2)«عن رجل كان في سفر و معه جارية له، و غلامان مملوكان فقال لهما: أنتما حران لوجه الله، و أشهد أن ما في بطن جاريتي هذه منى، فولدت غلاما، فلما قدموا على الورثة أنكروا ذلك، و استرقوهم، ثم أن الغلامين أعتقا بعد ذلك، فشهدا بعد ما أعتقا أن مولاهما الأول أشهد هما على أن ما في بطن جاريته منه قال: يجوز شهادتهما للغلام، و لا يسترقهما الغلام الذي شهدا له لأنهما أثبتا نسبه».

مضافا إلى نفى الخلاف فيه، و في الرياض مع الإيصاء بالشهادة، بل في المسالك أن عليه أصحابنا، بل و مع عدم الإيصاء خلافا للطوسي فخصها بالأول، و لا وجه له سوى دعوى أن أمر الوصية أخف من غيره، و لذا قبلت فيه شهادة أهل الذمة، و هو كما ترى، و إلى ما تعرفه في محله من قبول شهادة العبد مطلقا.

و على كل حال اتفاقهم ظاهرا على الحكم هنا، و خلافهم في قبول شهادة العبد على أقوال متعددة، إما أن يكون للخبرين المزبورين المعتضدين بما عرفت، أو لأنهما حران في ظاهر الشرع، و في حق الورثة الذين شهدوا عليهم، و إن استلزم ذلك رقيتهما لغيرهم أخذا بإقرارهما، أو لعدم بينة على دعويهما العتق

من سيد هما الأصلي، و لا تنافي بين الأمرين، بعد أن كانا من الأحكام الظاهرية التي يمكن العمل بكل منهما نحو الصيد الواقع في الماء، فإنه يحكم بميتته و طهارة الماء، عملا بكلا الأصلين و ليس ما نحن فيه مما يستلزم من وجوده


1- 1 الوسائل- الباب- 71- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 356

عدمه، لأن ذلك إنما هو في الأحكام الواقعية دون الظاهرية، فإن الأصحاب في غير مقام يجرون كلا من الأصلين على مقتضى سببه الظاهر و إن تنافيا في الواقع من غير فرق بين اتحاد الموضوع و تعدده.

و من ذلك يظهر لك ما في المسالك حيث أنه بعد أن ذكر الصحيح المزبور قال: و هو مبنى إما على قبول شهادة العبد مطلقا أو على مولاه، لأنهما بشهادتهما للولد صارا رقا له، لتبين ان معتقهما لم يكن وارثا أو على أن المعتبر حريتهما حال الشهادة و إن ظهر خلافها بعد ذلك أو على أن الشهادة للمولى لا عليه، فتقبل كما هو أحد الأقوال في المسألة.

و كيف كان فقد قيل: أنه لا يسترقهما المولود بمعنى أنه يحرم عليه ذلك عملا بظاهر النهي في الموثق و قيل: يكره، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده المؤبدة بظاهر الصحيح الأول، و إن كان يمكن أن يقال: أنه لا تعارض بينهما باعتبار ظهور الأول في رجوعها مملوكين، و الثاني في أنه يحرم عليه استرقاقهما و هما غير متنافيين.

لكن الإنصاف أن الأول ظاهر في جواز بقائهما فينا في الحرمة في الثاني و من هنا حمل النهي على الكراهة، خصوصا بعد التعليل المزبور المشعر بها بل الظاهر فلا ريب أن القول بها هو الأقوى، و الله هو العالم.

و لا تقبل شهادة الوصي فيما هو وصى فيه، و لا ما يجربه نفعا، أو يستفيد منه ولاية على المشهور بين الأصحاب بل الظاهر عدم الخلاف كما اعترف به غير واحد إلا من الإسكافي فجوز شهادة الوصي لليتيم في حجره، و إن كان هو المخاصم للطفل، و لم يكن بينه و بين المشهود عليه ما يفسد شهادته من عداوة و نحوها، و مال اليه المقداد، بل و كذا ثاني الشهيدين، لكن قال: ان العمل على المشهور، بل في الرياض بعد أن نقل ذلك قال: و هو حسن، أن بلغ الشهرة الإجماع كما هو الظاهر منه و الا فمختار الإسكافي لعله أجود، لبعد التهمة من العدل، حيث أنه ليس بما لك، و لم يكن أجرة على عمله في كثير من الموارد.

و مضافا إلى

المكاتبة الصحيحة الصريحة المروية في الفقيه (1)في باب شهادة الوصي


1- 1 الفقيه ج 3 ص 43 الرقم 147.

ج 28، ص: 357

للميت، و عليه دين، و فيها «و كتب إليه أ يجوز للوصي أن يشهد لوارث الميت صغيرا أو

كبيرا بحق له على الميت، أو على غيره و هو القابض للوارث الصغير، و ليس للكبير بقابض؟

فوقع (عليه السلام): نعم، و ينبغي للوصي أن شهد بالحق، و لا يكتم شهادته»

و ظاهر الصدوق العمل بها.

و فيه: أن المانع فيه و في نظائره أنه يرجع إلى كونه مدعيا باعتبار ثبوت حق له فيما شهد به، فهو كشهادة المرتهن على المال المرهون أنه ملك للراهن مثلا، و كشهادة الشريك لشريكه و غرماء المفلس بمال له، بل لعل منه غرماء الميت أيضا مع قصور التركة بل و مع عدمه في وجه، و نحو ذلك مما يرجع إلى تعلق حق للمدعى، فعدم قبول شهادته حينئذ لذلك، و حينئذ مدخلية لبعده عن التهمة بالعدالة، كما أن ما ذكرناه حاصل، و إن لم يكن له أجرة، و أما المكاتبة فمع اعراض المعظم عنها، و إمكان حملها على شهادته على ما لا حق له فيه من مال الكبير و نحوه، قاصرة عن معارضة ما يقتضي خلافها، على أنها مشتملة على كتابته إليه أيضا أنه هل تقبل شهادة الوصي للميت بدين له على رجل آخر مع شاهد آخر عدل

فوقع (عليه السلام) «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدعى يمين»

إذ لا يخفى أن يمين المدعى مع العدل الواحد كاف في مثله، فلا يحتاج حينئذ إلى شهادته، فاعتبار اليمين معها كناية عن عدم قبولها.

نعم لا خلاف كما اعترف به غير واحد، بل و لا إشكال في قبول شهادة الوصي فيما لم يكن وصيا فيه، لعموم ما دل على قبول شهادة العدل، و من ذلك شهادته على الميت بدين، و لا ينافي ذلك ما في المكاتبة المزبورة، من أنه كتب إليه أيضا أو تقبل شهادة الوصي على الميت بدين مع شاهد آخر عدل؟ فوقع (عليه السلام): «نعم من بعد يمين» فان اعتبار اليمين هنا لا ينافي قبول شهادته، لكون الدعوى على الميت، فاعتبارها للاستظهار، كما لو كان الشاهد غيره، و هو واضح، و قد ظهر لك من ذلك كله أن الشهادة متى ما جرت نفعا لم تقبل، لكن على معنى رجوع الشاهد إلى كونه مدعيا، و لو باعتبار تعلق حق له فيما شهد عليه، فإن هذا القدر هو المسلم من هذه الكلية، و إن كان في كلمات الأصحاب أمثلة لها تقتضي الزيادة على ذلك، إلا أن إقامة الدليل بحيث يصلح للخروج عما دل على قبول شهادة العدل صعب، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم في هذا المقام، و إن كان ربما ذكر لذلك بعض التعليلات الاعتبارية التي لا

ج 28، ص: 358

تصلح مدركا للأحكام الشرعية، و الرجاء من الله تعالى ان يأتي زيادة تحقيق لذلك في محله فإنه قد أشبعنا الكلام فيها في كتاب الشهادات فلا حظ و تأمل فإنه ربما كان بعض الاختلاف بين المقامين.

و على كل حال فمقتضى ما ذكرناه أنه لو كان وصيا في إخراج مال معين فشهد للميت بما يخرج به ذلك المال من الثلث لم تقبل لما فيها من إثبات حق له، اللهم إلا أن يفرض على وجه لا يكون له حق أصلا، فإنه يتجه القبول حينئذ، و قد يقال: ان مجرد وصايته على إخراج المال المعين لغيره ليس حقا يمنع من قبول شهادته.

نعم لو كان المال عائدا له، اتجه عدم القبول حينئذ لما ذكرناه فتأمل جيدا.

[مسائل أربع ]
اشارة

مسائل أربع

[المسألة الأولى إذا أوصى بعتق عبيده و ليس له سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة]

الأولى: إذا أعتق في مرض الموت أو أوصى بعتق عبيده و ليس له سواهم و لم يجز الورثة أعتق ثلثهم بناء على الأصح، من كون المنجزات من الثلث بالقرعة بتعديلهم أثلاثا بالقيمة و عتق ما أخرجته القرعة بلا خلاف أجده

للمرسل (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «في ستة عبيد اعتقهم مولاهم عند موته و لم يكن غيرهم فجزاهم أثلاثا ثم أقرع بينهم»

و الصحيح (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم، فقال: كان علي (عليه السلام) يسهم بينهم»

و الخبر الذي رواه المشايخ الثلاثة(3)عم موسى بن جعفر (عليه السلام) «قال: إن أبي ترك ستين مملوكا و عتق ثلثهم فأقرعت بينهم و أخرجت عشرين فأعتقتهم»

و لو استلزم التعديل التجزئة في العبد أعتق ذلك الجزء و السعي في الباقي، و إنما لا يعتق ثلث كل واحد منهم مع أن كل واحد منهم بمنزلة الموصى له، و قد عرفت أيضا فيما تقدم أن الوصايا إذا وقعت دفعة قسط عليها الثلث بالنسبة، لما سمعته من فعل النبي (صلى الله عليه و آله) ذلك، و غيره، و إن كان هو في المنجز إلا أن الإجماع بحسب الظاهر على عدم الفرق بينه و بين الوصية هنا، مضافا إلى الصحيح عن علي (عليه السلام). بل يمكن أن يكون منها


1- 1 المستدرك ج 2 ص 521.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب العتق الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من أبواب العتق الحديث- 2.

ج 28، ص: 359

خبر موسى بن جعفر (عليه السلام)، سيما بعد قوله فأعتقهم، و لاستلزام عتق الكل الإضرار بالورثة، و لو رتبهم في الإعتاق أو الوصية به أعتق الأولى حتى يستوفى الثلث، و تبطل الوصية أو التنجيز فيمن بقي إذا لم يجز الوارث بلا خلاف أجده، كما اعترف به في الرياض للأصل المتقدم، و خصوص

النص (1)«في رجل أوصى عند موته أعتق فلانا و فلانا و فلانا و فلانا و فلانا فنظرت في ثلثه فلم يبلغ أثمان قيمة المماليك الخمسة الذين أمر بعتقهم قال: ينظر إلى الذين سماهم و بدء بعتقهم، فيقومون، و ينظرون إلى ثلثه فيعتق معه أول شي ء ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم الخامس، فإن عجز الثلث كان في الذي سمي أخيرا، لأنه أعتق بعد مبلغ الثلث ما لا يملك، فلا يجوز له ذلك.»

و لو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده، استخرج ذلك العدد بالقرعة لأنها العدل بين العبيد الذين قد تعلق لكل منهم حق بالوصية، و لا طريق لتمييزه إلا القرعة و قيل: يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد، و القرعة على الاستحباب حينئذ و هو حسن بل في المسالك أنه أقوى لأنها لكل أمر مشكل، و لا إشكال بعد فرض كون الموصى به من المتواطئ الذي قد عرفت الخيار فيه للوارث.

[المسألة الثانية لو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا و ليس له سواه قيل عتق كله ]

الثانية: لو أعتق مملوكه عند الوفاة منجزا و ليس له سواه و لم يجز الوارث قيل: عتق كله بناء على أن المنجز من الأصل و قيل: ينعتق ثلثه و حينئذ ف يسعى للورثة في ال باقي (11) من قيمته و هو أشهر (12) و أقوى كما عرفته في الحجر و تعرفه هنا في محله إن شاء الله تعالى و لو أعتق ثلثه (13) عند الوفاة يسعى في باقيه (14) فيدفع جميع ما يكتسبه فاضلا عن مؤنته بعد ذلك في فك باقيه، لا بنصيب الحرية خاصة، لكونه حينئذ كالمكاتب الذي تحرر بعضه و لو كان له (15) أي المعتق مال غيره (16) أي العبد أعتق الباقي من ثلث تركته (17) للسراية التي هو سببها، و بذلك كان المنجز، الذي قد عرفت أن الأصح خروجه من الثلث، مع احتمال كون ذلك من الأصل، و إن قلنا: بكون المنجز منه، لا من الأصل باعتبار أن العتق بالسراية


1- 1 الوسائل- الباب- عع- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 360

قهري، فيكون من الأصل إذ ليس هو من التبرعات و إن كان الأول أقوى.

[المسألة الثالثة لو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب ]

الثالثة: لو أوصى بعتق رقبة و أطلق و لم يكن، ثمة قرينة أجزء الصغير.

و الكبير، و الذكر و الأنثى و الخنثى للإطلاق، و

في خبر الحضرمي (1)قلت له أي لأبي عبد الله (عليه السلام) «إن علقمة بن محمد وصاني أن أعتق عنه رقبة، فأعتقت عنه امرأة فيجزيه، أم أعتق عنه من مالي؟ قال: قال: تجزيه، ثم قال لي: ان فاطمة أم ابني أوصت أن أعتق عنها رقبة فأعتقت عنها امرأة».

و لو قال مؤمنة وجب امتثال ما أوصى به بلا خلاف و لا إشكال، للنهى عن تبديلها الذي يكون ترك امتثال ما أوصى به، أو أولى بالنهي، و المراد بالإيمان عرفا الاعتقاد بإمامة الاثني عشر، و قد يطلق على غير ذلك، إلا أن المنساق عرفا الآن ذلك خصوصا إذا كانت الوصية من أحدهم.

نعم الظاهر إلحاق مستضعف هذه الفرقة بهم في الأحكام، فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنصب كما عن الشيخ بل في الرياض عن ظاهر التنقيح و صريح غيره عدم الخلاف فيه، ل

خبر علي بن أبي حمزة(2)المنجز ضعفه بالشهرة المحكية في الروضة، و عن غيرها قال: «سألت

أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل أوصى بثلاثين دينارا يعتق بها رجل من أصحابنا، فلم يوجد بذلك قال: يشترى من الناس فيعتق»

و هو و إن كان خاليا من التقييد بعدم النصب إلا أنه معلوم من الخارج كفر الناصب، و عدم جواز عتقه.

و منه يعلم عدم الفرق بين النصب و غيره مما يوجب الكفر في فرق المسلمين، و لعل التقييد به لكثرته في المخالفين، و التصريح به

في خبره الآخر(3)«سألت عبدا صالحا عن رجل هلك، فأوصى بعتق نسمة مسلمة بثلاثين دينارا فلم يوجد الذي سمى قال: ما أرى لهم أن يزيدوا على الذي سمى، قلت: فإن لم يجدوا قال: فليشتروا من عرض الناس ما لم يكن ناصبا»

و هما و إن كانا فيمن لم يجد بما أوصى به الموصى، و هو غير مفروض المتن إلا أن الظاهر عدم الفرق، بل ما


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 361

في المتن أولى بهذا الحكم من ذلك و المناقشة بضعف السند بعد التسليم مدفوعة بما عرفت من الانجبار بما سمعت.

فما عن ابن إدريس- من عدم الاجتزاء بذلك، و عن ابن البراج- أنه احتاط به، بل اختاره ثاني المحققين و الشهيدين لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ» و نحوه فيتوقع المكنة حينئذ، فمع اليأس

يكون حكمه حكم ما لو تعذر صرف الموصى به فيما أوصى به.

واضح الضعف بل هو من الاجتهاد في مقابلة النص، و قد عرفت المراد بالناصب في كتاب الطهارة.

و كيف كان ف لو ظنها مؤمنة لأخبارها، أو لاخبار من يعتد به، أو لإظهارها الإيمان أو نحو ذلك من الطرق الشرعية فأعتقها ثم بانت بخلاف ذلك أجزأت عن الموصى بلا خلاف أجده كما في الرياض لقاعدة الأجزاء في نحوه، مما كان المرء متعبدا فيه بظنه.

و

للصحيح (1)«عن رجل أوصى بنسمة مؤمنة عارفة، فلما أعتقناها بان أنها بغير رشدة فقال: قد أجزأت عنه، إنما مثل ذلك مثل رجل اشترى أضحية على أنها سمينة فوجدها مهزولة».

[المسألة الرابعة لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجد به لم يجب شراؤها]

الرابعة: لو أوصى بعتق رقبة بثمن معين فلم يجد به، لم يجب شراؤها بالزائد، لعدم المقتضى، حتى لو بذل له الوارث أو غيره، بل لو تمكن منه من ثلث الميت لم يجب أيضا، بل قد يشكل جواز ذلك له فضلا عن وجوبه، بعد كونه الموصى به.

نعم لو بذل صاحب الرقبة بأن رضى بالقدر المزبور عوضا لها، أمكن الوجوب حينئذ و هو خارج عن المفروض الذي قد عرفت أن حكمه ترك الشراء و توقع وجودها بما عين له فإن آيس

منه صرفه في وجوه البر التي هي طريق إيصال مال الميت إليه، إذ لا معنى لإرجاعه إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 95- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 362

الوارث بعد خروجه عنه بالوصية، و تعذر إنفاذها بعد فرض كونها ممكنة في حد ذاتها حال الوصية لا يبطلها بحيث يرجع المال إلى الوارث و لعل الأولى اختيار شراء شقص له و عتقه عنه من وجوه البر، لكونه أقرب إلى الموصى به، و إن كان الأقوى عدم وجوب مراعاة مثل ذلك، و لو توقع فلم يجدها بذلك و لكن وجدها بأقل من الثمن الذي أوصى به اشتراها و أعتقها بلا خلاف أجده فيه، لقاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور، و لا مكان دعوى كونه مرادا للموصى في هذا الحال، و للخبر الآتي.

و إنما الكلام في قول المصنف و غيره بل قيل: إنه لا خلاف فيه دفع إليها ما بقي الظاهر في وجوب ذلك عليه، و أنه لا يجوز صرفه في غيره من وجوه البر و لعله لأنه أقرب إلى الموصى به و ل

موثق سماعة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أوصى أن يعتق عنه نسمة من ثلثه بخمسمائة درهم، فاشترى الوصي بأقل من خمسمائة درهم و فضلت فضلة فما ترى في الفضلة؟ قال تدفع إلى النسمة من قبل أن تعتق، ثم تعتق عن الميت،»

المحمول على صورة تعذر الموصى به، و لو بقرينة حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، فلا يكون ترك الاستفصال فيه دليلا على العموم، و مع التسليم يخص بظاهر اتفاق الأصحاب على عدم الجواز إلا مع التعذر ترجيحا لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ» عليه، و سماعة و إن كان واقفيا إلا أنه ثقة، فيكون الخبر من الموثق الذي قد فرغنا من إثبات حجيته في الأصول، على أنه منجبر بالشهرة، أو عدم الخلاف، و لعل في قوله (عليه السلام) «قبل أن تعتق» إشارة إلى ما ذكرناه من قرب ذلك إلى الموصى به، باعتبار صيرورة دفع بقية المال إليها بمنزلة شرائها بالثمن المعين. فتأمل جيدا.

[الفصل الرابع في الموصى له ]

الفصل الرابع: في الموصى له و يشترط فيه الوجود حال الوصية فلو كان معدوما لم تصح الوصية له كما لو أوصى لميت، أو لمن ظن وجوده، فبأن ميتا عند الوصية، و كذا لو أوصى لما تحمله المرأة في الزمان المستقبل أو لمن يوجد من أولاد فلان بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 77- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 363

بل عن نهج الحق و التذكرة الإجماع عليه، للأصل المقتصر في تقييده بالمنساق من إطلاقات الوصية في الكتاب و السنة على الوصية للموجود على أن المراد هنا الوصية التي قد عرفت كونها تمليك عين أو منفعة، و المعدوم ليس له أهلية التملك و لا قابليته ضرورة كون الملك من الصفات الوجودية التي لا تقوم بالمعدوم، بل لا يتصور قيامها فيه، بل مرجع ملك المعدوم إلى الملك بلا مالك، و ما ثبت في الوقف من صحته على المعدوم تبعا للموجود، إنما هو بمعنى جعل الشارع عقد الوقف سببا لملك المعدوم بعد وجوده، فالوجود حينئذ كالقبض أحد أجزاء العلة التامة في ثبوت الملك له، لا أنه مالك حال عدمه، و إلا كان وجوده كاشفا عن تحقق شركته مع الموجود من أول الأمر، و هو معلوم البطلان، و هذا شي ء لا مانع عقلا و لا نقلا من شرع الشارع كله، كما أنه شرعه لإثبات المل ء للموجود ما دام موجودا على وجه ينتقل عنه الملك بموته، و يتلقاه الآخر من الواقف، لا من الموقوف عليه، على خلاف قياس باقي أسباب الملك، و لو أن الشارع شرع الوصية التمليكية على هذا الوجه لم يكن بأس في تمليك المعدوم لها على الوجه المزبور، إلا أنه لم يثبت من الشارع ذلك فيها، بل الثابت خلافه، و أنها على قياس باقي أسباب الملك نحو الهبة و البيع و الصلح و نحوها كما لا يخفى من أدلتها، و لو سلم قابلية تحميل إطلاقاتها، ذلك، إلا أن الإجماع بقسميه على كون المراد منها الموجود، فما في جامع المقاصد- من إشكال ما سمعته من الأصحاب بما مر في الوقف من صلاحية المعدوم للملك تبعا للموجود مع أن الوصية أخف منه كما هو واضح لمن لا حظ أحكامهما- في غير محله، لما سمعته من وضوح الفرق بين المقامين، و لا حاجة إلى تكلفه ثاني الشهيدين في الفرق بينهما، و أطنب به مما لا يرجع إلى محصل فلا حظ و تأمل و التحقيق ما عرفت.

و لا يرد عليه أن المعدوم و لو كان غير قابل للتمليك، و الملك لم يكن قابلا للتملك مع أن الإجماع بقسميه على صحة الوصية بالمعدوم عينا و منفعة و على جواز بيع الثمار و نحو ذلك مما هو من تملك المعدوم.

لأنها نقول- بعد الفرق بينهما بالإجماع و نحوه- أنه يمكن منع تحقق الملك في ذلك كله حقيقة، بل أقصاه التأهل للملك، و الاستعداد له على حسب ملك النماء لمالك الأصل، و ملك المنفعة لمالك العين، فهو من ملك أن يملك، لا أنه ملك حقيقة، بل بالأسباب المزبورة

ج 28، ص: 364

استحق أن يملك المعدوم بعد وجوده، لا أنه مالك للمعدوم حقيقة، و لو أنه ثبت في الوصية صلاحيتها لنحو ذلك في الموصى له، كما ثبت صلاحيتها له في الموصى به، لكنه لم يثبت، بل الثابت خلافه، كما عرفت بل الظاهر ذلك و ان اتفق وجوده حال موت الموصى، و لذا قيدنا الوجود في المتن بحال الوصية.

نعم هذا كله في الوصية التمليكية، أنما الوصية العهدية التي لم يقصد الموصى إنشاء تمليك فيها، فلا أجد مانعا من صحتها للمعدوم، بمعنى أن يعهد الميت في إعطاء شي ء أو وقفه أو نحو ذلك لمن يتولد من زيد مثلا، و إطلاق اشتراط الأصحاب الموجود في الموصى له منزل بقرينة تعليلهم و غيره على التمليكية التي هي أحد العقود، كما سمعته سابقا و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف بيننا في أنه تصح الوصية للأجنبي و الوارث بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، مضافا إلى إطلاق الوصية في الكتاب و السنة و خصوصا آية «كُتِبَ (1)» إلى آخره و المعتبر المستفيضة على جواز الوصية للوارث.

منها

قول أبي جعفر (عليه السلام) في الصحيح (2)«الوصية للوارث لا بأس بها».

و في آخر(3)«سأله محمد بن مسلم عن الوصية للوارث فقال: يجوز».

وفي ثالث (4)«فقال: يجوز، ثم تلا هذه «إِنْ تَرَكَ خَيْراً» إلى آخره»

إلى غير ذلك.

فما عن العامة- من منع جوازها للوارث مطلقا، أو إذا لم يجز غيره من الورثة- واضح الفساد، كوضوح حمل ما ورد في أخبارنا مما يوافق ذلك على التقية منهم.

نحو ما

عن تفسير العياشي من خبر أبي بصير(5)«عن أحدهما (عليه السلام) في قوله تعالى «كُتِبَ»

إلى آخره قال: هي منسوخة، نسختها آية الفرائض التي هي المواريث»

أو على إرادة نسخ الوجوب دون الاستحباب أو الجواز.


1- 1 سورة البقرة الآية 180.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 15.

ج 28، ص: 365

و

خبر القاسم بن سليمان (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اعترف لوارث بدين في مرضه؟ فقال: لا تجوز وصيته لوارث، و لا اعتراف له بدين»

المحتمل أيضا إرادة نفي الوصية بالزائد على الثلث.

كما

في النبوي (2)المروي عن تحف العقول أنه قال (صلى الله عليه و آله)؟ في خطبة الوداع: «أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث، و لا تجوز وصية لوارث، بأكثر من الثلث».

و من الغريب ما

في دعائم الإسلام (3)، عن علي و أبي جعفر و أبي عبد الله صلوات الله عليهم «أنهم قالوا لا وصية لوارث»

و هذا إجماع فيما علمناه، و لو جازت الوصية للوارث لكان يعطى من الميراث أكثر مما سماه الله عز و جل له، و من أوصى لوارث فإنما استقل حق الله الذي جعل له، و خالف كتابه و من خالف كتابه عز و جل لم يجز فعله، و قد جائت رواية عن جعفر بن محمد (عليه السلام) دخلت من أجلها الشبهة على بعض من انتحل قوله، و هي أنه سئل عن رجل أوصى لقرابته، فقال: يجوز ذلك لقول الله عز و جل «إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ» و الذي ذكرناه عنه و عن آبائه الطاهرين هو أثبت و هو إجماع المسلمين» إلى آخره.

و لكن لا غرو فإن الرجل المزبور جديد التشيع على ما ذكر في ترجمته و الله العالم.

و كذا تصح الوصية للذمي، و لو كان أجنبيا، و قيل: لا يجوز مطلقا و لكن لم نعرف القائل و منهم من خص الجواز بذوي الأرحام و الأول أشبه بإطلاق الأدلة و عمومها بل عن الخلاف نفي الخلاف فيه و في الوصية للحربي تردد و خلاف أظهره المنع فكان حاصل مختاره التفصيل بين الذمي و الحربي فالأول تجوز له الوصية مطلقا و الثاني لا تجوز مطلقا و هو قول الشيخ في الخلاف و ابن إدريس في السرائر و هو أحد الأقوال في المسألة و يدل عليه في الأول- مضافا إلى نفى الخلاف المزبور- قوله تعالى (4)«لا يَنْهاكُمُ إلى قوله أَنْ تَبَرُّوهُمْ » بناء على أنها من البر، أو أولى بالجواز منه، و عموم الوصية و إطلاقها، و ما دل على وجوب إنفاذها و حرمة تبديلها، و أنها على حسب ما أوصى به


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4 و 5 و 2 و 15 و 12 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4 و 5 و 2 و 15 و 12 و 14.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 521.
4- 4 سورة الممتحنة الآية 8.

ج 28، ص: 366

الموصى، و النصوص المستفيضة(1)المشتملة على إنفاذ الوصية و لو كان الموصى له يهوديا أو نصرانيا، و غير ذلك- و في الثاني: أنها مودة، و قد نهى الله عنها بقوله (2)«لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ» و منها يعلم عدم الفرق بين الأرحام و غيرهم إذا كانوا حربيين، و قوله تعالى (3)«إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ إلى قوله أَنْ تَوَلَّوْهُمْ » مضافا إلى مفهوم الآية السابقة، و ما عساه يشعر به الوصل في تلك النصوص، باعتبار ظهوره في أن أقصى أفراد الجواز اليهودي و النصراني، و لو كان الحربي جائزا لكان أولى بالذكر، و لأن الحربي غير قابل للملك، لأنه و ما معه ملك للمسلم، و لأنه لو صحت لوجب تنفيذها و هو مناف لما دل على أخذ المال من الحربي.

لكن قد يناقش بمنع كون الوصية التي هي عطية بعد الموت مقابلة للهبة التي هي عطية حال الحياة مودة و تولية و برا لأن الأغراض الداعية إلى ذلك كثيرة، فإنه يمكن أن يكون مكافأة و تأليفا لهم، و غير ذلك مما لا يندرج سببه في الآيتين اللتين يمكن دعوى كون المنساق منهما المنع من ذلك، من حيث المحادة لله، و القتال للمسلمين، و عدم

الرغبة في الدين، لا من غير هذه الحيثية، و إلا لمنعت الهبة لهم، و لغيرهم، كل ذلك مع أنه يمكن منع اقتضاء ذلك عدم الفساد للعقد، و إن أثم بالمودة التي تترتب عليها الوصية و الهبة و ليس ذلك من الوصية بالمحرم حتى لو قلنا بحرمة الإيصاء عليه و الوصل مثلا و الوصل المزبور إنما تضمن اليهود و النصراني، و هو أهم من الذمي و الحربي، و دعوى انسياق الأول منهما- و لذا يقابل بالحربي- محل منع، فإن غالب أهل الحرب سابقا و لا حقا النصارى و المقابلة إنما هي بين الذمي و الحربي لا بين النصراني مثلا و الحربي، بل لا يبعد دعوى ظهور العبارة في إرادة بيان عدم فرد آخر أشر من ذلك، نحو

قوله (4)فيمن ترك الحج «إن شاء يموت يهوديا أو نصرانيا»

فهو حينئذ دل على التعميم لا على خلافه، مؤيدا ذلك بما دل على صحة وصية المجوسي للفقراء، و أنها تنصرف إلى فقراء نحلته.


1- 1 الوسائل- الباب- 32 و 35 من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 سورة المجادلة الآية- 22.
3- 3 سورة الممتحنة الآية- 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث- 1.

ج 28، ص: 367

مع أنه مكلف بالفروع، و دعوى عدم قابلية الحربي للملك واضحة المنع، و إن ورد أنهم و مالهم في ء للمسلمين، بمعنى إباحة ذلك للمسلمين، لا أنهم تجري أحكام المماليك حقيقة عليهم.

و المراد بتنفيذ الوصية الحكم بكونها للموصى له فلا ينافي في ثبوت استحقاق على

الموصى له بمقاصة و نحوها، و منه ما نحن فيه، إذا لا منافاة بين صيرورة المال له بحسب الوصية و بين جواز خذ المسلم له بعد ذلك.

و

خبر إبراهيم بن محمد(1)«قال: كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن (عليه السلام) يسأله عن يهودي مات، و أوصى لديانه بشي ء فكتب (عليه السلام) أوصله إلي و عرفني لأنفذه فيما ينبغي إن شاء الله»

ك

خبر محمد بن عيسى (2)قال: «كتب علي بن بلال إلى أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) يهودي مات و أوصى لديانه بشي ء أقدر على أخذه هل يجوز أن آخذه فأدفعه إلى مواليك؟ أو أنفذه فيما أوصى اليهودي فكتب (عليه السلام) أوصله إلى و عرفنيه لأنفذه فيما ينبغي إن شاء الله».

لا صراحة فيهما بالبطلان، بل و لا ظهور على أن المراد من الديان أهل دينه و ملته، و عن الشيخ حملها على إنفاذه في الدين، لأنه أعلم بكيفية القسمة بينهم و وضعه مواضعه، و حينئذ يكون خارجا عما نحن فيه.

و مما عرفت يظهر لك قوة القول بالجواز مطلقا من غير فرق بين الحربي و غيره و القريب و غيره، و إن دل على الجواز في الأول زيادة على ما عرفت عموم ما دل على صلة الأرحام، و برهم و إعطائهم، و الوصية لهم من

الكتاب و السنة، حتى قوله تعالى (3)«كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ» إلى آخر الآية لكن ذلك لا يقتضي اختصاصهم بالجواز كما هو واضح.

و من الغريب اعتماد بعض الأساطين على المنع في الحربي على ما حكم عن الشيخ في بعض كتبه من

قوله «لا تجوز للحربي عندنا»

باعتبار إشعاره بالإجماع و فيه من أن الشيخ هو الذي حكى


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب أحكام الوصايا.
3- 3 سورة البقرة الآية 180.

ج 28، ص: 368

الخلاف و منه يعلم عدم ظهور عندنا في ذلك، ان إثبات الأحكام الشرعية بأمثال ذلك من مفاسد الفقه، و مضافا إلى ما عن مجمع البيان من الإجماع على جواز ان يبر الرجل من يشاء من أهل الحرب قرابة كان، أو غير قرابة، و قال: و إنما الخلاف في إعطائهم مال الزكاة و الفطرة و الكفارات، فلم يجوزه أصحابنا و فيه خلاف بين الفقهاء. و الله العالم.

و لا تصح الوصية لمملوك الأجنبي أي غير الموصى و لا المطلق و لا المدبرة الأجنبي و لا لأم ولده، و لا لمكاتبه المشروط أو الذي لم يؤد شيئا من مكاتبته، و لو أجاز مولاه إجماعا محكيا عن ظاهر المهذب و صريح التذكرة بل و التنقيح، لكن خصه بالقن و أم

الولد، و حكى الخلاف في المدبر و المكاتب عن المفيد و الديلمي، حيث جواز الوصية له، خلافا للمبسوط و ابني حمزة و إدريس، حيث منعوا فيهما و جعله في الأول أشبه كما هو المشهور بين المتأخرين و قوي الجواز في الثاني، وفاقا للشهيدين و في الرياض لم أقف في شي ء من كتب الأصحاب على من نقل الخلاف عنهما في ذلك.

نعم عن المختلف و المهذب حكاية الخلاف عن المبسوط و ابن حمزة في الوصية لعبد الوارث، حيث جوازه، و هذا الخلاف كسابقه لو صح النقل شاذ، بل على فساد الأول ادعى الإجماع في التذكرة.

قلت: لا ينبغي التأمل في بطلان القول بصحة الوصية للمدبر و عبد الوارث، بناء على عدم ملك العبد مطلقا، كما عرفت تحقيقه في كتاب البيع، أو غير ما يملكه مولاه أو فاضل الضريبة أو أرش الجناية، ضرورة عدم كون ما نحن فيه من ذلك، بل هو كذلك في المدبر فضلا عن القن، و ان تحرر عند استحقاق الوصية بعد أن كان مملوكا حالها، كما في القواعد ضرورة كونه حينئذ كالوصية للمعدوم حالها إذا وجد حال الاستحقاق، فإن المنساق من أدلة مشروعية الوصية خلاف ذلك، و إنه بالموت يتحقق ملك الموصى له، و من غير توقف على شي ء آخر، فالمتجه حينئذ البطلان في الفرض حتى لو صرح باشتراط حريته عند استحقاق الوصية.

إنما الإشكال إن كان ففي المكاتب، لانقطاع سلطنة المولى عنه، و لذا يصح بيعه

ج 28، ص: 369

و اكتسابه، بل الوصية له نوع من الإكتساب، و من هنا مال من عرفت و غيره كالكركي إلى صحة الوصية له، لكن فيه أولا ما سمعت من دعوى الإجماع على عدم صحة الوصية له، مضافا إلى ما تقدم في محله من عدم قابلية المملوك للملك، و أنه كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ، كالبهائم، من غير فرق في ذلك بين جميع أفراده، و الكتابة لا تقتضي قابليته للملك، و إن شرعت على وجه تتعقبها الحرية، إذا حصل الوفاء بما ضرب عليه و إن كان هو مال السيد.

لا يقال: إن المراد من صحة الوصية له معاملة الموصى به معاملة ما يستفيده بكسبه.

لأنا نقول أنه لم يثبت اقتضاء عقد الكتابة ذلك في غير كسبه، و دعوى أن قبول الوصية و الهبة له من كسبه يمكن منعها، و لو سلم اقتضاء إطلاقها ذلك، لكن يجب الخروج عنه هنا بالإجماع المزبور.

و

صحيح محمد بن قيس (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية، فقال أهل الميراث لا تجوز وصيتها، انه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه، و يجوز له من الوصية بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب أوصى له بوصية و قد قضى نصف ما عليه فأجاز نصف الوصية، و قضى في مكاتب قضى ربع ما عليه فأوصى له بوصية فأجاز له

ربع الوصية و قال في رجل أوصى لمكاتبه و قد قضت سدس ما كان عليها فأجاز لها بحساب ما أعتق منها»

و رواه

في الفقيه (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) لكن فيه قال: «قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في مكاتب» إلى آخره، و كذا رواه في التهذيب (3)لكن بدون حديث النصف و زاد في آخره «و قضى في وصية مكاتب قد قضى بعض ما كوتب عليه أن يجاز من وصيته بحساب ما أعتق منه،»

و الظاهر ارادته وصية نفسه، كما هو مضمون غير واحد من النصوص، لا الوصية له الذي هو مفروض المسألة.

و المناقشة في السند باشتراك محمد بن قيس بين الثقة و غيره يدفعها منع الاشتراك في الراوي


1- 1 الوسائل- الباب- 80- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الفقيه ج 2 ص 160 الرقم 558.
3- 3 التهذيب ج 8 ص 275 الحديث- 33 و إيضاح 9 ص 223 و فيه حديث النصف.

ج 28، ص: 370

للقضايا، مع أن الراوي عنه هنا عاصم بن حميد، و هو قرينة واضحة على كونه البجلي الثقة، و أما إبراهيم بن هاشم فهو أجل من أن يوصف بالوثاقة.

و كذا المناقشة في جامع المقاصد في الدلالة بأنها واقعة عين، لا عموم فيها بأنها واضحة الفساد. لظهور دلالتها في المطلوب، بل صراحتها خصوصا مع ملاحظة تقرير الورثة على

دعويهم، بل هي من النصوص المشتملة على سؤال و جواب قد ترك الاستفصال عنه كما هو محرر في محله، كل ذلك مع تأيدها بما

في خبر ابن الحجاج (1)عن أحدهما (عليه السلام) «لا وصية لمملوك»

الذي يظهر كون المراد منه ما نحن فيه بملاحظة الخبر الآتي في المسألة الثانية باعتبار وقوع نحو ذلك فيه، و مفروض السؤال أنه قد أوصى له بوصية فلا مجال حينئذ عن القول ببطلان الوصية له.

نعم لو كان قد تحرر بعضه صحت الوصية له بالنسبة.

و لو أوصى للجزء المحرر، منه كان فيه إشكال، أقواه عدم الصحة، لأن المالك من تحر بعضه، لا البعض المحرر، و بذلك وردت الأخبار و جرى عليه كلام الفقهاء الأخيار مع أنه قد يقال: أن المالكية من الأعراض النفسانية، و المملوكية من الأعراض الجسمانية و حصول الأولى للنفس الإنسانية كاملا مشروط بانتقال الثانية عن البدن فإذا انتفت عن بعضه ثبت الملك بالنسبة، و زوال الملك بالموت إنما هو لمدخلية اتصالها بالبدن فيه.

ثم أن الظاهر من قول المصنف «و لو أجاز مولاه» راجع إلى الجميع، و يحتمل الأخير، و يستفاد حكم غيره بطريق أولى، و الغرض منه الرد على بعض العامة القائلين بذلك إذا استمر رقه.

و فيه: أن ملك المولى له مع عدم قصد الناقل و عدم معارضته بعين مملوكة له كي يدخل معوضها في ملكه قهرا، و إن قصد الناقل خلافه- مخالف للضوابط الشرعية التي منها أن العقود تابعة للقصود، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف في الظاهر كما اعترف به غير واحد في أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 78- الحديث- 2.

ج 28، ص: 371

تصح الوصية لعبد الموصى، و لمدبره، و مكاتبه، و أم ولده في الجملة بل في جامع المقاصد و عن المهذب الإجماع عليه في الجميع، و عن فخر الدين و الصيمري الإجماع في الأول و التذكرة في الأخيرة، و هو الحجة بعد النصوص التي منها كما قيل

الصحيحان:

في أحدهما(1): «رجل أوصى بثلث ماله لمواليه و لمولياته الذكر و الأنثى فيه سواء أو للذكر مثل حظ الأنثيين من الوصية فوقع (عليه السلام) جائز للميت ما أوصى به على ما أوصى به إن شاء الله.

و في الثاني (2)«رجل أوصى لمواليه و موالي أبيه بثلث ماله، فلم يبلغ ذلك، قال: المال لمواليه و سقط موالي أبيه».

و إن ناقش في الاستدلال بهما في الرياض باشتراك لفظ المولى بين العبد و غيره،

فلعله المراد دون الأول، و لا قرينة ترجح إرادته، بل لعله القرينة على خلافه واضحة لظهورها و في إعطاء الثلث للموصى له، بأن يسلم إليه دون أن يعتق منه بحسابه و قد تدفع بظهور المولى في العبد و خصوصا في المقام، و لذا أسقط الوصية في الثاني «موالي أبيه».

و أما الإعطاء له فهو و إن كان ظاهر الخبرين ذلك، الا أنه فسره غيرهما بالعتق منه بحسابه، كما ستعرف، فلا بأس حينئذ بحمل ما فيهما عليه، و الأمر في ذلك سهل بعد عدم انحصار الدليل فيهما.

و المراد بصحة الوصية له أنه يعتبر ما أوصى به لمملوكه بعد خروجه من الثلث، فإن كان بقدر قيمته أعتق، و كان الموصى به للورثة، و إن كانت قيمته أقل أعطى الفاضل، و إن كانت أكثر سعى للورثية فيما بقي لكن قيده المفيد و الشيخ في النهاية بل و القاضي و الديلمي على ما حكى عنهما ب ما لم تبلغ قيمته ضعف ما أوصى له به، فإن بلغت ذلك كما لو كانت قيمته مائتين و الموصى بها له مائة بطلت الوصية أما لو


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 69- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 372

كانت قيمته مائتين مثلا، و الموصى به مائة و خمسين، و لكن الثلث ليس إلا مائة، سعى عندهم في قيمة نصفه، و هو مائة كما صرح به في المسالك نافيا عنه الخلاف، لعدم كون قيمته ضعف ما أوصى به، و إن لم يصل ذلك إليه لقصور الثلث.

لكنه قد يناقش بأن المفروض في المقنعة و النهاية الوصية للعبد بالثلث، و بل في السرائر نسبة عبارة النهاية إلى الرواية بل لعل وجه اعتبار زيادة الحرية على النصف بالوصية و لو يسيرا، كي يرجح ما فيه من الحرية على الآخر، فيستسعى بخلاف ما إذا كانت قيمته ضعف ما أوصى له فيما زاد، فإنه لا يقتضي الوصية حينئذ إلا النصف فما دون، فلا ترجيح، فيبقى على أصالة عدم صحة الوصية للعبد، و الأصل فيه الرواية التي سمعتها عن السرائر، بل لعل ذلك ظاهر المقنعة أيضا، لأنه ذكر المسألة و غيرها، ثم قال: بهذا جاء الأثر عن آل محمد (عليهم السلام).

و قيل: و القائل والد الصدوق و الشيخ في الخلاف و الحلبي و الحلي تصح الوصية مطلقا و يسعى في الباقي كيف كان ففي الفرض يسعى في قيمة نصفه أي مائة و يتحرى و هو حسن بل الأقوى وفاقا لمن عرفت، بل المشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه.

مضافا إلى إطلاق ما

عن فقه الرضا(1)(عليه السلام) بناء على حجيته «فإن أوصى لمملوكه بثلث ماله، قوم المملوك قيمة عادلة، فإن كانت قيمته أكثر من الثلث استسعى في الفضيلة».

و خبر الحسن بن صالح (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أوصى لمملوك له بثلث ماله قال: فقال: يقوم المملوك بقيمة عادلة، ثم ينظر ما ثلث الميت، فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة، استسعى العبد

في ربع القيمة، و إن كان الثلث أكثر من قيمة العبد أعتق العبد، و دفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة»

بناء على أن المراد بقوله «بقدر» إلى آخره المثال لغيره، لا خصوصة فما دون للإجماع على مساواة الثلث و نحوه ما لم يبلغ النصف في هذا الحكم.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 520.
2- 2 الوسائل- الباب- 79- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 373

و من ذلك يظهر وجه الاستدلال بالخبر المزبور لكل من القولين، فان المفيد و أصحابه يجعلونه مثالا لما لم يبلغ النصف من الأقل مما تزيد فيه الحرية على النصف لأصالة بطلان الوصية للعبد.

و المشهور يجعلونه مثالا لجميع أفراد الأقل، و يشهد له الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة، و إطلاق الرضوي و غير ذلك، كما يشهد للأول ما سمعته من المرسلة في السرائر، و ظاهر المقنعة.

و من الغريب تقرير الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما الاستدلال للمفيد بالخبر المزبور بدلالة المفهوم، على معنى أنه لو لم يكن أقل بقدر الربع، لا يستسعى، و إنما يتحقق عدم الاستسعاء من البطلان، ثم اعترضوا عليه بأن المفهوم ان لم يكن الثلث أقل من قيمة العبد بقدر الربع، لا يستسعى في ربع القيمة، لا أنه يستسعى مطلقا، و هذا مفهوم صحيح لا يفيد مطلوبهم، فلا ينافي القول بأنه يستسعى بحسبه فإن كان أقل بقدر الثلث، يستسعى في الثلث، أو بقدر النصف يستسعى في النصف و هكذا، و أيضا لو كان المفهوم الذي ذكروه صحيحا لزوم منه أنه متى لم يكن الثلث أقل من قيمته بقدر الربع لا يستسعى، بل تبطل الوصية، و هذا شامل لما لو كانت القيمة قدر الضعف، أو أقل من ذلك إلى أن يبلغ النقصان قدر الربع، فمن اين خصوا البطلان بما لو كانت القسمة قدر الضعيف، بل قال في المسالك: «ما هذا الأعجب عن مثل هذين الشيخين الجليلين».

و لا يخفى عليك أن مبنى استدلال المفيد إن كان، هو ما عرفت من أن الأصل بطلان الوصية للعبد، و المتيقن مما في الرواية كونه مثالا للأقل من النصف و لو بقرينة ما عرفت، لا المفهوم المزبور الذي لا يكاد يخفى فساده على أصاغر الطلبة، و أما المناقشة في سند الخبر، فيدفعها اتفاق الجميع على العمل به.

بقي الكلام في شي ء و هو أن الفاضل في المختلف وافق المشهور فيما إذا كانت الوصية بجزء مشاع من التركة كالثلث و الربع و الخمس و نحو ذلك، فإن العبد حينئذ يكون من جملته، فكأنه قد أوصى بعتق جزء منه، فيعتق و يسرى في الباقي، و يدفع عنه من الوصية، لأنه في القوة الوصية بعتقه، بخلاف ما لو كانت بجزء معين، كدار أو بستان، أو جزء مشاع منه

ج 28، ص: 374

كنصفهما، فإنه تبطل الوصية، لعموم

(1)«لا وصية لمملوك»

و لعدم ما سمعته في المشاع، و لأن تنفيذ الوصية بالمعين محال، لامتناع ملك العبد، و التخطي إلى رقبته يقتضي تبديل الوصية.

و فيه- مع منافاته لإطلاق الأصحاب كما اعترف به في محكي التذكرة، بل فيها أن كلمة الأصحاب متفقة على عدم الفرق و كذا عن المهذب بل و إطلاق الخبر المزبور فإن الثلث فيه أعم من المشاع و المعين، بل لو سلم إرادة الأول كان أعم أيضا مما يشمل ثلث العبد و غيره، بل قد يدعى أن المنساق من مثله الثاني- أنه ليس ذلك مبنى الصحة حتى يختص بالمشاع، ضرورة عدم صحة الوصية أيضا للعبد بثلثة، فإنه غير قابل لأن يملك غيره، فضلا عن أن يملك نفسه، و تنزيله على إرادة عتقه و فكه للسراية بما أوصى له غير ظاهر من الوصية، و لو كان عدم قابلية العبد للملك سببا لتنزيل الوصية على ذلك، لاتجه ذلك في عبد الغير أيضا، فضلا عن الوصية لعبده المعين.

و من هنا كان الظاهر أن الحكم المزبور مستفاد من الشارع، لا أنه مستفاد من الموصى، بل لا يبعد تنزيله على ذلك حتى لو علم قصد الموصى غيره، بل لعله هو الظاهر، ضرورة ظهور عبارته في إرادة تمليكه ما أوصى له به، لا فكه به و عتقه منه، و من ذلك قلنا أن الموافق للضوابط بطلان الوصية لو لا الأدلة الشرعية التي عرفتها و قد سمعت أن مقتضاها عدم الفرق بين الجزء المشاع و المعين، و من الغريب، قول بعضهم أنه ما أمتن تحقيق المختلف، و أغرب منه عدم عضه في المسالك على ذلك بضرس قاطع، بل هو ظاهر في التردد و الوسوسة، و إن كان قد عدد ذلك تحقيقا فلا حظ و تأمل.

و على كل حال فهل يحتاج إلى صيغة عتق في صورة زيادة الثلث على القيمة كما عساه يشعر به قوله «أعتق»، أولا، كما عساه يشعر به قوله في صورة القصور «استسعى العبد في ربع القيمة» بناء على عدم الفرق بينهما بالنسبة إلى ذلك فيكون المراد حينئذ من قوله «أعتق» الانعتاق شرعا، وجهان: أحوطهما الأول و الله هو العالم.

ثم ان ظاهر عبارة المصنف و غيرها عدم الفرق فيما ذكره من التقويم بين القن و غيره، اللهم


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 375

إلا أن يكون ما ذكره بقوله «و يعتبر ما أوصى به لمملوكه» إلى آخره راجعا إلى الأول، و لعل ذلك متعين، ضرورة أنه لا وجه لإجراء ما ذكره على المدبر و المكاتب و أم الولد، خصوصا بعد ذكره الأخير مستقلا، و المدبر غير محتاج إلى إعتاق، بل و لا إلى ملاحظة مساواة الموصى به لقيمته، و زيادته و قلته بحيث يبلغ قيمته الضعف على القول به، بل هو بمجرد موت السيد يتحرر، فإن كان له مال أخذ ما يقابل بل الثلثين عن ثلثه، و إلا سعى في ذلك.

و من هنا يظهر أنه غير مندرج في الخبر المزبور الذي هو العمدة في إثبات صحة الوصية للعبد بعد الإجماع كما اعترف به في المسالك.

نعم قد يقال: إنه أولى من القن الذي هو موضوع خبر الحسن بن صالح (1)على الظاهر، مضافا إلى ما سمعته من الإجماع المحكي، فتصح الوصية حينئذ له، و تصرف في فكه أو تعطى له مع فكه من غيرها كما سمعته في القن، بل لعل ذلك أولى ضرورة كونهما وصيتين له، فيعتق حينئذ من الثلث، و تدفع الوصية له كما في صورة زيادة الموصى به على قيمته، فإنه لا إشكال و لا خلاف في دفع الزيادة له.

و لا ينافي ذلك أن المراد بصحة الوصية له صرفها في فكه من الرق، لإمكان كون ذلك حيث لا يكون سبب غيرها لحريته كالتدبير الذي هو مع الوصية له بمنزلة الوصية بعتقه، و دفع الموصى به له من غير فرق بين تقدمها على التدبير و تأخرها عنه، و بين كون الوصية بالجزء المشاع و المعين، و احتمال بطلان التدبير فيما لو فرض تأخر الوصية عنه و كانت بالجزء المشاع باعتبار أنها بمنزلة الوصية بعتقه الظاهرة في العدول عن التدبير، و كذا احتمال بطلان الوصية له لو فرض تأخر التدبير عنها لنحو ذلك أيضا- واضح الضعف بل الفساد، ضرورة عدم انحلال ذلك إلى ما سمعت بل لا يبعد تأكد الوصية بتدبيره بالوصية له بالجزء المشاع.

و لذا قال في القواعد: «لو أوصى لعبده برقبته احتمل ضعيفا البطلان، لعدم قابلية العبد ملك غيره، فضلا عن نفسه، و التدبير

حملا للوصية على ذلك بتعذر الحمل على الحقيقة،


1- 1 الوسائل الباب 79- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 376

و في جامع المقاصد ان عليه، أي الثاني الفتوى، و إن قد يناقش في إرادة التدبير الذي هو إنشاء عتق معلق على الموت من ذلك، اللهم إلا أن يكون حكم التدبير على معنى حصول الحرية بالموت بعد فرض قيام الثلث بقيمته كما في المدبر و الله العالم.

و أما مكاتب السيد فلا ريب في عدم شمول الخبر المزبور له و لعله، و لما عساه يشعر من النصوص السابقة من اعتبار صحة الوصية للمكاتب بتحرير بعضه، حتى في مكاتب الإنسان نفسه، قد يحتمل بطلان الوصية له، كمكاتب الغير، لكن لا ريب في ضعفه، خصوصا بعد ما سمعته من الإجماع المحكي، إذ لو سلم عدم شمول الخبر له، فلا ريب في أولويته من القن بذلك، بل قد عرفت أن جماعة جوزوا الوصية له إذا كان للغير، و إن كان قد عرفت ما فيه.

إنما الكلام في أن إعتاقه كالقن باعتبار قيمته، و قيمة ما أوصى له به، من غير ملاحظة لما وقعت الكتابة عليه، زاد ذلك أو نقص، أو باعتبار ما وقعت الكتابة عليه من غير ملاحظة لقيمته، و يعطى حينئذ الوصية، و يؤدى منه ما عليه من مال الكتابة على ما حسب ما لو اكتسب، أو باعتبار أقل الأمرين منهما وجوه ثلاثة، قد اختار الأخير منها الفاضل في قواعده و المحقق الثاني عملا بكل من الدليلين، فلا يلزم إلا بالأقل للإجماع على عدم وجوبهما معا، كالإجماع على عدم التوزيع، و لكن يقوى في النظر الثاني منها لما عرفت من عدم شمول خبر المقام له، و إنما صححنا الوصية له بالأولوية و الكتابة من العقود اللازمة التي لا تنفسخ بالموت، و حينئذ ما لها كالدين في ذمته يجب عليه أداؤها، و لا يقوم مقامها أداء قيمته مما أوصى له بعد فرض عدم شمول الدليل له على أن احتمال الإلزام بالأكثر مراعاة الحق الورثة، مقابل لاحتمال الأقل كما هو واضح و الله العالم.

بل قد يقال: إن فحوى ما سمعته في القن يقتضي صرف ما أوصى له في فك رقبته لو كان مشروطا و لو بعضها، كما أنه يقتضي صرف ما قابل الجزء المملوك من المطلق، الذي تحرر بعضه في فكه أيضا، و إن اعطى ما قابل الجزء الحر من الوصية، ضرورة اندراجه في المملوك الشامل للكل و البعض و حينئذ فمع فرض تحرره بذلك يخرج عن موضوع الكتابة كما لو أعتقه فتأمل جيدا و الله العالم.

ج 28، ص: 377

و إذا أوصى بعتق مملوكه و لم يكن عنده سواه، و كان عليه.

دين يحيط بقيمته بطلت وصيته، و بيع المملوك في الدين، و إن لم يكن محيطا به ف عند جماعة أنه إن كانت قيمة العبد بقدر الدين مرتين أعتق المملوك لنفوذ وصيته في ثلثه و هو هنا سدس العبد فإن نصفه للدين، و ثلثا من النصف الثاني للوارث فيبقى السدس ثلث الموصى، فإذا انعتق السدس سرى في الجميع و يسعى العبد حينئذ في خمسة أسداس قيمته ثلثه منها للدين، و سدسان منها للورثة، و كذلك لو كان أزيد من المرتين، و إن نقص مقدار ما سعى به، و إن كانت قيمته أقل من الدين مرتين أحاط بها أولا بطلت الوصية بعتقه عند الشيخين و ابن البراج و غيرهم لما تسمعه من النصوص الواردة في التنجيز الذي هو كالوصية في الحكم، و غير ذلك، و لكن مع هذا و الوجه عند المصنف و جماعة أن الدين يقدم على الوصية فيبدأ به (11) إن كان له تركة غير العبد و إلا كان في مقابلة بعض العبد و يعتق منه الثلث مما تفضل عن الدين (12) و إن قل ثم يسعى للدين و الورثة.

قال الحلبي (1)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قال: إن مت فعبدي حر، و على الرجل دين، فقال: إن توفي و عليه دين قد أحاط بثمن الغلام بيع العبد، و إن لم يكن قد أحاط بثمن العبد استسعى في قضاء دين مولاه و هو حر إذا أوفى»

و عدم ذكر الورثة فيه للوضوح، و إلا فالمراد سعيه في قضاء دين مولاه أولا، ثم في حق الورثة، و ما يقال: من أن الصحيح المزبور في التدبير، و هو كالعتق المنجز فلا يستفاد منه حكم الوصية، و يدفعه ما دل على أن التدبير كالوصية بالعتق، و لا يتوهم من عبارة المتن أنه لا ينعتق من العبد ما قابل الدين، بل الذي يعتق منه الثلث مما فضل عن الدين لا غير، ضرورة منافاته لما دل على سراية العتق، و من هنا صرح به في القواعد و غيرها، بل لا أجد فيه، خلافا بين القائلين بذلك، قال فيها: «و لو أوصى بعتق مملوكه و عليه دين قدم الدين، فان فضل من التركة ما

يسعه ثلث قيمة العبد عتق، و إلا عتق ما يحتمله، و يسعى في الباقي، و لو لم يبق شي ء بطلت، و قيل: إن كانت قيمته


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 378

ضعف الدين عتق، و سعى في خمسة أسداس قيمته، ثلثه للديان، و سهمان للورثة و إن كانت أقل بطلت» و حينئذ فالخلاف في الصورة الثانية لا الأولى. هذا كله في الوصية.

أما لو نجز عتقه عند موته كان الأمر كما ذكرناه أولا من السعي في الخمسة أسداس، لو كانت القيمة بقدر الدين مرتين، و البطلان إذا كانت أقل من ذلك عملا برواية عبد الرحمن بن الحجاج (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام)

«قال: سألني أبو عبد الله (عليه السلام) هل يختلف ابن أبي ليلى و ابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى و ترك عليه دينا كثيرا، و ترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم فأعتقهم عند الموت، فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة: أرى أن تستسعيهم في قيمتهم فتدفعها إلى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته، و قال ابن أبي ليلى: أرى أن أبيعهم و ادفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته، و عليه دين يحيط بهم، و هذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده و عليه دين كثير، و فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء فقال: سبحان الله يا ابن أبي ليلى متى قلت هذا القول؟ و

الله ما قلت إلا طلب خلافي، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): و عن رأي أيهما صدر؟ قال: قلت: بلغني أنه أخذ برأي ابن أبي ليلى، و كان له في ذلك هوى، فباعهم و قضى دينه، قال: فمع أيهما من قبلكم؟ قلت له: مع ابن شبرمة، و قد رجع ابن أبي ليلى إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك، فقال: أما و الله أن الحق لفي الذي قال ابن أبي ليلى، و إن كان قد رجع عنه، فقلت له: هذا منكسر عندهم في القياس، فقال: هات قايسني، فقلت: أنا أقايسك؟ فقال: لتقولن بأشد ما يدخل فيه من القياس، فقلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره، و قيمة العبد ستمائة درهم، و دينه خمسمائة درهم، فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمسمائة درهم، و يأخذ الورثة مائة درهم، فقلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مائة درهم من دينه، فقال: بلى، قلت: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء؟ قال: بلى، أ ليس قد أوصى للعبد بالثلث من المائة حين أعتقه؟ فقال: ان العبد لا وصية له، إنما أمواله لمواليه، فقلت له: فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 5.

ج 28، ص: 379

كان قيمة العبد ستمائة درهم، و دينه أربعمائة فقال: كذلك يباع العبد فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم، و يأخذ الورثة مائتين و لا يكون للعبد شي ء، قلت له: كان قيمة العبد ستمائة درهم و دينه ثلاثمائة درهم، فضحك؟ و قال: من ههنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا، و لم يعلموا السنة، إذا استوى مال الغرماء و مال الورثة، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء و لم يتهم الرجل على وصيته، و أجيزت وصيته على وجهها، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء، و يكون ثلثه للورثة، و يكون له السدس».

و صحيح زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «في رجل أعتق مملوكه عند موته و عليه دين فقال:

إن كان قيمته مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه، و إلا لم يجز»

وفي صحيح آخر(2)«إذا ملك المملوك سدسه استسعى»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا محيص عن العمل بها، بعد جمعها لشرائط الحجية من حيث السند و الدلالة و العمل، فلا بأس حينئذ بتخصيص العمومات بها، و لو كانت قطعية، و دعوى أعراض المشهور عنها ممنوعة على مدعيها، فما وقع من الفاضل- و غيره من طرحها و الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد العامة من نفوذ العتق في ثلث الزائد عن الدين مطلقا- واضح الضعف و أضعف منه ما عن الحلبي من نفوذ العتق من الأصل، و سقوط الدين من رأس، و لعله مبنى على كون المنجز من الأصل الذي قد عرفت ضعفه في كتاب الحجر، إنما الكلام هنا في إلحاق الوصية بالعتق المنجز في الحكم المزبور، و قد عرفت، من جماعة إلحاقه، بل حكى عن جميع العاملين

بالنصوص المزبورة في العتق عدا المصنف، و لعله لإطلاق الصحيح الأخير، و معلومية اتحاد المنجز مع الوصية، بناء على خروجهما من الثلث- في أكثر الأحكام، بل ربما احتمل عموم «أعتقهم» لهما معا، أو اختصاصها بالوصية خصوصا بعد قوله في الذيل «لم يتهم الرجل على وصيته و أجيزت وصيته على وجهها» و مع الإغضاء عن ذلك، فلا ريب في ظهور سياقها فيه، مضافا إلى أولويتها من المنجز بالحكم المزبور، ضرورة كونه أقوى منها، حتى قيل: إنه من الأصل بخلافها، و مع ذلك بطل إذا انقص عن مقابلة الدين مرتين، فهو أولى منه قطعا و من ذلك و غيره يتجه


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 380

تخصيص العمومات، و صحيح التدبير السابق بذلك، على أنه قد احتمل حمله على التقية، لأنه مذهب العامة في تلك الأزمنة، كما يستفاد من سياق تلك الصحيحة و الله العالم.

و لو أوصى لمكاتب غيره المطلق و كان قد أدى بعض مكاتبه كان له من الوصية بمقدار ما أداه لأنها تصح له على قدر ما تحرر منه، إن نصفها فنصف، و إن ثلثا فثلث، كما عرفت الكلام فيه سابقا، و فيما لو أوصى للجزء الحر منه أيضا فلا حظ و تأمل.

لكن لو قلنا بصحة الوصية للجزء الحر فهل تكون أيضا على نسبته أو يملك الكل به؟

وجهان، أقواهما الثاني، و الله العالم.

و لو أوصى الإنسان لأم ولده، صحت الوصية من الثلث بلا خلاف، كما اعترف به غير واحد، و لا إشكال و إنما الكلام في أنها هل تعتق من الوصية إذا وفت بقيمتها أو من نصيب ولدها أو على التخيير بينهما، أو من ثلث الميت غير ما أوصى به.

قيل: و القائل جماعة منهم الكركي في جامعه تعتق من نصيب ولدها و تكون لها الوصية، و قيل: و القائل أيضا جماعة المصنف في باب الاستيلاد بل تعتق من الوصية بل عن المهذب نسبته للشهرة لأنه لا ميراث إلا بعد الوصية و في الرياض أنه و سابقه قولان مشهوران، و في غيره متكافئان، و قيل: و القائل الصدوق فيما حكى عنه، تعتق من ثلث الميت و تعطى ما أوصى لها به، و قيل: و القائل الإسكافي تحير عتقها بينهما، عملا بكل من الدليلين، و بعد الإجماع على عدم التوزيع بينهما، و الأقوى في النظر منها الثاني، لعموم ما دل عليه من النص و غيره، مضافا إلى قاعدة انعتاق الأبوين بحصول سبب ملك الولد لهما، و لا ريب في تحققه هنا باعتبار ملك الوارث للتركة بموت الموروث، و هي من التركة قطعا، حتى لو قلنا بكون الثلث الموصى به على حكم مال الميت، و لا يدخل في ملك الوارث إلا الثلثان، و ضرورة كونها منهما دونه، و مجرد الوصية لها لا يخرجها عن ذلك.

و احتمال تنزيلها منزلة ما أوصى بعتقها فتكون منه دونهما.

يدفعه منع ذلك أولا.

ج 28، ص: 381

و ثانيا: أنه لا يجدي فيما لو فرض زيادة قيمتها على ما اوصى به لها، فإنه لا إشكال حينئذ في كون الزائد تركة للورثة، فيدخل جزء منها في ملك الوالد، و ينعتق عليه، و يسرى في الغير، و يتم ذلك بعدم القول بالفصل، مضافا إلى إطلاق النصوص جعلها في نصيب ولدها.

و احتمال دفع قيمتها مما أوصى به لها و إن انعتقت على الولد بملك جزء منها و جعل الباقي في نصيبه.

يدفعه أيضا معلومية اقتضاء جعلها في نصيب ولدها الانعتاق على الولد، و أن الغرامة عليه.

و بذلك كله يظهر لك ضعف الأقوال جميعها، و ان شهد للثالث منها

المرسل عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)(1)«في أم الولد إذا مات عنها مولاها، و قد أوصى لها، قال: تعتق من الثلث و لها الوصية».

و صحيح أبي عبيدة(2)المروي في الكافي و غيره قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كانت له أم ولد و له منها غلام فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر، للورثة أن يسترقوها؟ قال: فقال: لا، بل تعتق من ثلث الميت و تعطى من ثلثه ما أوصى لها به، و في كتاب العباس تعتق من نصيب ابنها، و تعطى من ثلثه ما أوصى لها به».

و كأن المراد أنه قد روى الخبر المزبور في كتاب العباس على هذا النحو، و حينئذ يكون نصا في المختار، و بخلافه على النحو الأول، فإنه يكون مهجورا معرضا عنه بين الأصحاب، بل لم أجد عاملا به عدا ما يحكى عن الصدوق، بل عن التنقيح الإجماع على عدم العمل به؟

مع أنه محتمل لأم الولد التي قد مات ولدها، كما

في خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال: نسخت من كتاب بخط أبي الحسن (عليه السلام): فلان مولاك توفي ابن أخ له، و ترك أم ولد له ليس لها ولد، فأوصى لها بألف درهم هل تجوز الوصية؟ و هل يقع عليها عتق، و ما حالها؟ رأيك فدتك نفسي، فكتب (صلى الله عليه و آله) تعتق من الثلث، و لها


1- 1 الوسائل- الباب- 82- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 82- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 82- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 382

الوصية»

و إن كان هو على هذا التقدير محتاجا إلى التأويل، لما عرفته من حكم الوصية للمملوك الذي منه أم الولد، مع فرض موت ولدها، في حياة سيدها قطعا، فلا بد من تأويله بإرادة العتق من الوصية بالعتق من الثلث، و تعطى ما فضل منها على تقدير الزيادة، أو بإرادة عتقها في مرض الموت، ثم أوصى لها، أو بغير ذلك هذا.

و في الرياض بعد أن ذكر الرواية مستدلا بها للقول الثالث ثم حكى الإجماع على الاعراض عنها، و أنه لا بد من تأويلها بأحد الأمرين، قال: لكن يرجح حملها على الأول، دلالة مقابلتها برواية العباس التي هي في آخرها مذكورة، على كون موردهما واحدا، و لا ريب في أنه في الثانية هو أم الولد التي لم تعتق بالكلية، فلتكن مورد الأولى أيضا تلك الجارية، مضافا إلى شيوع إطلاق الثلث على الوصية، مع احتمال أن يكون المراد منه تأكيد الحكم الأولى من انعتاقها من الثلث، و هذا ان لن نقل بكونه ظاهرا من الرواية ليس ببعيد، كبعد الحمل الآخر بلا شبهة، فيمكن بملاحظة الإجماع و قرينة المقابلة أخذها للقول بالانعتاق من الوصية حجة، كما هو ظاهر التنقيح و صريح الكفاية، فإذا هو في غاية القوة».

قلت: قد عرفت أنه في غاية الضعف، و الخبر بعد تسليم ما ذكره فيه من المأول الذي لا يكون حجة، و المقابلة التي ذكرها هي ليست في الخبر، حتى تصلح لأن تكون قرينة، بل هي من الكافي، لا أنها كذلك في الخبر نفسه، كما هو واضح.

نعم ما في كتاب العباس على ما عرفت دليل تام على المطلوب، و أما التخيير ففيه أنه لا وجه له فيما كان من القهريات، فإن الانعتاق القهري الذي يكون على الولد لا وجه لتخيير فيه، بل و كذا على تقدير الانعتاق من الوصية، بناء على أنه مثل الانعتاق من الولد، بمعنى ينعتق منها ما قابل الموصى به بموت الموصى من غير حاجة إلى صيغة، و إن كان هو مشكلا لعدم دليل يصلح لذلك و الله العالم.

و إطلاق الوصية لجماعة محصورة يقتضي التسوية ما بينهم من غير فرق بين الغريب و البعيد، و الذكر و الأنثى، و الفاضل في الإرث و غيره، بلا خلاف و لا إشكال للتساوي في سبب الملك، فهم كالمشتركين في الحيازة مثلا، بل الظاهر عدم اعتبار قصد الموصى في ذلك.

ج 28، ص: 383

نعم يعتبر فيه عدم قصد الخلاف فالتسوية المزبورة حينئذ شرعية، و احتمال بطلان الوصية- لعدم قصد الموصى تشخيص الملك للموصى له، يدفعه أنه خلاف مقتضى عموم الكتاب و السنة، و مقعد الإجماع مضافا الى خصوص الفتوى به هنا على وجه لم يظهر فيه خلاف.

نعم لو لم تكن الجماعة محصورة كان المراد من الوصية الصرف فيهم، كما في كل موصى له غير محصور، بل لو كان بلفظ الجمع لم يجب ملاحظة أقل مصداقه في الامتثال، و إن كان هو الأحوط.

و كيف كان فإذا أوصى لأولاده و هم ذكور و إناث، فهم فيه سواء، و كذا لأخواله و خالاته، أو لأعمامه و عماته، و كذا لو أوصى لأخواله و أعمامه، كانوا سواء على الأصح لما عرفت، خلافا للمحكي عن الشيخ و جماعة، و إن لم أتحقق ذلك فكالارث، و لا ريب في ضعفه، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع على خلافه، و إن كان فيه رواية صحيحة لكنها مهجورة و هي

صحيحة زرارة(1)عن الباقر (عليه السلام) «في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه و أخواله فقال: لأعمامه الثلثان، و لأخواله الثلث»

و قد حملت أيضا على ما لو أوصى بذلك على كتاب الله، و كذا الخبر الآخر(2)الضعيف «المقتضى لقسمة الوصية للأولاد بين الذكور و الإناث على كتاب الله» و في المسالك لم يعمل به أحد، هذا كله إذا أطلق في الوصية.

أما إذا نص على التفضيل اتبع لعموم من بدله، و ما دل على إنفاذ الوصية على حسب ما أوصى به الموصى و إذا أوصى لذوي قرابته كان للمعروفين بنسبه مصيرا إلى العرف كما هو الضابط في كل لفظ:

قال محمد بن أبي نصر(3). «نسخت من كتاب بخط أبي الحسن (عليه السلام) رجل أوصى لقرابته بألف درهم، و له قرابة من قبل أبيه و أمه، ما حد القرابة يعطى من كان بينه و بينه قرابة،


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 68- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 384

أولها حد ينتهى إليه؟ فرأيك فدتك نفسي، فكتب (عليه السلام) إن لم يسم أعطاها قرابته»

و كذا

عن الحميري إلا أنه قال: «اعطى أهل بيت قرابته»

من غير فرق بين الوارث و غيره، و المسلم و الكافر، و الذكر و الأنثى، و الفقير و الغنى، كما أنه لا فرق في انصراف الوصية إلى الموجود منهم، سواء اتحد أو تعدد، و سواء ذكرهم في الوصية بصيغة الجمع أو الأفراد.

و قيل: و القائل الشيخ على ما حكى عنه كان أى الموصى به لمن يتقرب إليه إلى آخر أب و أم له في الإسلام بمعنى الارتقاء بالقرابة من الأدنى إليه إلى ما قبله، و هكذا إلى أبعد جد في الإسلام و فروعه، و يحكم للجميع بالقرابة، و لا يرتقي إلى آباء الشرك، و ان عرفوا بقرابة عرفا، و هو عجيب.

و أعجب منه الاستدلال له ب

قوله (عليه السلام)(1)«قطع الإسلام أرحام الجاهلية»

و قوله تعالى (2)لنوح عن ابنه «إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ».

و هما كما ترى لا يدلان على تمام المطلوب، بل و لا على شي ء منه، ضرورة كون المدار هنا على صدق اللفظ، و لا ريب فيه لغة و عرفا على المعروفين بنسبه، و إن كانوا كفارا، إلا أن تكون هناك قرينة على ارادة المسلم نحو ما ذكروه في الفقراء، كما أنه لا ريب في عدم صدقه على البعيد، بحيث لا يعرف بنسبه و إن

كان مسلما و من هنا قال المصنف و هو غير مستند إلى شاهد.

و أما ما يحكى عن الإسكافي من أنى لا اختار ان يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع، لأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يتجاوزه في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس.

فقد يدفعه العرف أيضا و فعل النبي (صلى الله عليه و آله) لا يدل على نفى القرابة مطلقا عما عداه، فإن ذلك معنى آخر للقرابة، و أضعف منه القول باختصاص القرابة بالوارث، دون غيره، و القول باختصاصها بالمحرم من ذوي الأرحام دون غيرهم، كبني الأعمام و الأخوال، مع أنهما


1- 1 ما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص في مظانها من كتب الخاصة و العامة.
2- 2 سورة هود الآية- 46.

ج 28، ص: 385

مجهولا القائلين و الله العالم.

و لو أوصى لقومه قيل: و القائل الشيخان و أكثر الأصحاب في المسالك و المشهور في غيرها هو ل لذكور من أهل لغة أو مطلقا ذكورا و إناثا، و هو كما ترى يشهد العرف بخلاف، و لعله لذلك نسبه المصنف إلى القيل، بل عن ابن إدريس أنهم الرجال من قبيلته ممن ينطق العرف بأنهم أهله و عشيرته دون من سواهم، و عليه قول الشاعر:

قومي هم قتلوا أميم أخي فإذا رميت يصيبني سهمي

و لا بأس به و إن سلمنا كونه في اللغة كما ذكروه، و الله العالم.

و لو قال: لأهل بيته، دخل فيهم الآباء و الأولاد و إن نزلوا و الأجداد و إن علوا قطعا، بل الظاهر دخول الأعمام و أولادهم، بل عن تذكرة الفاضل تفسيره بالقرابة التي يدخل فيها الأخوال و فروعهم، و حكى عن ثعلب أنه قال: أهل البيت عند العرب آباء الرجال و أولادهم، كالأجداد و الأعمام و أولادهم و يستوي فيه الذكور و الإناث، و في المسالك «ما اختاره العلامة من مساواة أهل البيت للقرابة هو الظاهر في الاستعمال، يقال: الفلانيون أهل البيت في النسب معروفون، و عليه جرى

قوله (1)(عليه السلام) «إنا أهل البيت لا تحل لنا الصدقة»

، قلت: هو جيد، لكن قد يمنع شموله للأخوال و الخالات و فروعهم، و نعم ما سمعته من ثعلب، كما أنه لا إشكال في عدم كونه ما في المتن خاصة، و إلا لخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) عن أهل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) و هو باطل إجماعا، كما في المسالك.

و على كل حال فالأقوى الرجوع إلى عرف بلد الموصى، و مع انتفائه يدخل كل قريب، و أما أهل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) فإنهم أخص من ذلك، بالرواية(2)الواردة عنه في حصرهم في أهل الكساء، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث- 6.
2- 2 تفسير برهان ج 3. ص 319.

ج 28، ص: 386

و لو قال لعشيرته، كان لأقرب الناس إليه في نسبه عند جماعة من الأصحاب ففي محكي القاموس: عشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون، و عن الفاضل ان العشيرة هي القرابة مطلقا و في المسالك «الأجود الرجوع إلى العرف، و مع انتقاله فالعموم حسن» قلت: لكن الظاهر تحقق العرف في القبيلة، لا خصوص الأقرب، و لا مطلق القرابة، و الله العالم.

و لو قال لجيرانه كان للقريبين منه، و في المتن قيل: كان لمن بلى داره إلى أربعين ذراعا من كل جانب، و فيه قول آخر مستبعد و هو يلي داره إلى أربعين دارا، و إن كان فيه روايات من الطريقين (1)إلا أنه مخالف للعرف، كما أن التحديد بالأربعين ذراعا لم نقف له على شاهد، فالأولى جعل المدار على العرف و المشكوك فيه خارج، و تمام البحث في ذلك مر في باب الوقف.

و تصح الوصية للحمل الموجود حال الوصية، و إن لم يكن قد حلته الحياة بلا خلاف أجده فيه، لعموم ما دل على جوازها و لكن لا تستقر إلا بانفصاله حيا كالإرث و حينئذ ف لو وضعته ميتا بطلت الوصية بمعنى ظهور بطلانها، و إن كان قد حلته الحياة في بطن أمه، كظهور الصحة لو انفصل حيا، فالنماء المتخلل يتبع العين في ذلك.

و لو وقع حيا ثم مات استقرت و كانت الوصية لورثته (11) لكن في المسالك يعتبر هنا قبول الوارث، لإمكانه في حقه، و انما أسقطنا اعتباره عن الحمل لتعذره، كما سقط اعتباره

للحمل مطلقا، فيقبله وليه ابتداء، و وارثه هنا، و تظهر الفائدة، فيما لو ردها الوارث قبل قبوله، فإن اعتبرناه بطلت، و إلا فلا أثر للرد».

و الذي قوى في النظر عدم الاحتياج إلى القبول في الوصية للحمل، بل الظاهر عدم الولي له و هو حمل، بحيث يقبل عنه الهبة و البيع و غيرهما، خصوصا قبل ولوج الروح، و احتمال كون المراد قبول وليه بعد الولادة، يدفعه أنه خلاف ظاهر الفتاوى المتضمنة استقرار الوصية


1- 1 الوسائل- الباب- 90- من أبواب أحكام العشرة، المغني لا بن قدامة ج 6 ص 556.

ج 28، ص: 387

بانفصاله حيا، و حينئذ فلا يحتاج وارثه إلى قبول، ضرورة كون ملكه بالإرث للحمل لا بالوصية و الله العالم.

و لو أوصى المسلم للفقراء مثلا كان لفقراء ملته عرفا في الوصية و نحوها و إن كان اللفظ للأعم من ذلك لغة و عرفا في غيرها و لو كان الموصى كافرا انصرفت إلى فقراء نحلته لذلك أيضا.

قال أبو طالب عبد الله بن الصلت (1): «كتب الخليل بن هاشم إلى ذي الرئاستين و هو وإلي نيسابور أن رجلا من المجوس مات، و أوصى للفقراء بشي ء من ماله، فأخذه قاضي نيسابور فجعله في فقراء المسلمين، فكتب الخليل إلى ذي الرئاستين بذلك فسأل المأمون عن ذلك فقال: ليس عندي في هذا شي ء فسأل أبا الحسن (عليه السلام) فقال أبو الحسن (عليه السلام):

ان المجوسي لم يوص لفقراء المسلمين، و لكن ينبغي أن يؤخذ مقدار ذلك المال من مال الصدقة، فيرد على فقراء المجوس»

و نحوه غيره، بل لا يبعد تنزيل اللفظ على خصوص المذهب، فالإمامي من المسلمين لفقراء الإمامية، و هكذا.

بقي شي ء ينبغي التنبيه عليه، و هو أنه قد عرفت عدم صحة الوصية للمعدوم، و المنساق منه معدوم الذات، و هل مثله معدوم الوصف؟ بمعنى عدم تلبسه بالوصف حال الوصف، ثم تجدد له ذلك في حياة الموصى أو بعده، يحتمل ذلك، فلا يعطى الفقير بعد الوصية و لا الجار كذلك و لا غيرهم؟ وجهان: أقواهما الصحة، مع إرادة العنوان لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ (2)» و غيره، و الله العالم.

و لو أوصى لإنسان، فمات قبل الموصى، قيل بطلت الوصية، و قيل: ان رجع الموصى بطلت الوصية، سواء رجع قبل موت الموصى له أو بعده، و إن لم يرجع كانت الوصية لورثة الموصى له، و هو أشهر الروايتين بل هو المختار كما عرفته سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 388

نعم في المسالك «و الفرق بين هذه و بين السابقة، أن السابقة تضمنت كون وارث الموصى له يرث القبول، لو مات الموصى له قبله، و ليس فيها تعرض للملك الموصى به، و عدمه و الغرض من هذه بيان أن الموصى له ينتقل بموت

الموصى له إلى وارثه، و ان لم يرجع الموصى عن الوصية، على خلاف فيه، سواء كان مورثه قد قبل الوصية قبل موت الموصى أم لا؟ فلو فرض أنه قبل الوصية في حياة الموصى، ثم مات في حياته و اكتفينا بالقبول الواقع في حياة الموصى، لم يفتقر وارثه إلى القبول، و لكن يبقى الخلاف في بطلان الوصية و عدمه، و هو المقصود بالبحث هنا، و إن لم يكن قد قبل، انتقل إلى الوارث حق القبول، و هو المستفاد من السابقة، و معه يملك الموصى به على الخلاف، و هو المذكور هنا» لكن قد عرفت هناك ما يعرف منه التحقيق فيما هنا أيضا فلا حظ و تأمل.

و لو لم يخلف الموصى له أحد رجعت الوصية إلى ورثة الموصى عند جماعة من الأصحاب، كما تقدم أيضا تحقيق ذلك كله، حتى في قيام الوارث العام كالوارث الخاص و عدمه، سيما إذا مات الموصى له بعد القبول قبل الموصى، و قلنا باعتبار قبوله حال الحياة، فإن المتجه انتقال الموصى به إليه، فلاحظ و تأمل.

و لو قال: أعطوا فلانا كذا و لم يبين الوجه، وجب صرفه إليه يصنع به ما شاء لأن الوصية تقتضي تسليط الموصى له على المال تسليط غيره من المالك على أملاكهم كما أنه لو عين الصرف في جهة خاصة، فقال: أعطوه كذا لبناء مسجد مثلا، تعين عليه صرفه فيها، للنهى عن تبديل الوصية، فلو صرفه في غيرها ضمن، و لزمه إعطاء عوضه و صرفه في الوجه المعين.

و لو أوصى في سبيل الله، صرف إلى ما فيه أجر، و قيل: يختص بالغزاة، و الأول أشبه و ان كان الثاني أحوط بين ذلك في باب الزكاة، و لو أوصى بثلثه و لم يبين الوجه صرف في وجوه البر.

و تستحب الوصية لذوي القرابة وارثا كان أو غيره بلا خلاف فيه عندنا نصا

ج 28، ص: 389

و فتوى بل

في خبر السكوني (1)عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) «من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممن لا يرثه فقد ختم عمله بمعصية»

وقالت: سالمة مولاة أبي عبد الله (عليه السلام)(2)«كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) حين حضرته الوفاة فأغمي عليه، فلما أفاق قال أعطوا الحسن بن علي بن الحسين و هو الأفطس سبعين دينارا، و أعطوا فلانا كذا و كذا، و فلانا كذا و كذا، فقلت: أ تعطى رجلا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك، فقال:

تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عز و جل «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» الآية، نعم يا سالمة أن الله تبارك و تعالى خلق الجنة، و طيبها و طيب ريحها، و ان ريحها ليوجد من مسيرة ألفي عام، و لا يجد ريحها عاق و لا قاطع رحم»

إلى غير ذلك من النصوص.

و إذا أوصى للأقرب نزل على مراتب الإرث بالنسب بمعنى تقديم المرتبة الأولى على الثانية، و تقديمها على الثالثة و حينئذ ف لا يعطى الأبعد مع وجود الأقرب لا أن المراد التنزيل في كيفية الاستحقاق، لما عرفت من أن الوصية يتساوى فيها الذكر و الأنثى، و المتقرب بالأبوين و المتقرب بالأم، و الظاهر أن من الأبعد هنا ابن العم و لو للأب و الأم فلا يعطى مع وجود العم و لو لأب، و إن قدم عليه في الإرث لدليل خاص، أما إلخ من الأب ففي المسالك ان الأقوى تقديم الأخ من الأبوين عليه كما في الإرث.

قلت: قد يحتمل تساويهما، و خروج الإرث بالدليل، و لو كان التقرب بالسببين محققا للأقربية عرفا لاقتضاها بالنسبة إلى المتقرب بالأم خاصة.

[الفصل الخامس في الأوصياء]

اشاره

الفصل الخامس: في الأوصياء جمع وصي من الوصاية بكسر الواو و فتحها، و هي الولاية على إخراج حق أو استيفائه أو على طفل أو مجنون، يملك الوصي الولاية عليه بالأصالة كالأب و الجد، أو بالعرض كالوصي المأذون له في الإيصاء، و هو معنى ما في القواعد من أن الوصية بالولاية استنابة بعد الموت في التصرف فيما كان له التصرف فيه من قضاء ديونه و استيفائها، ورد الودائع و استرجاعها،


1- 1 الوسائل- الباب- 83- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 83- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 390

و الولاية على أولاده الذين له الولاية عليهم من الصبيان و المجانين، و النظر في أموالهم، و التصرف فيها بما لهم الحظ فيه، و تفريق الحقوق الواجبة، و المتبرع بها، بل لعل تعريفها بالولاية أولى من الاستنابة باعتبار كونها كذلك بعد الموت، لا أنها نيابة عن الميت الذي بموته تنقطع ولايته، و ان كان هو قد نصبه وليا.

و على كل حال ففي القواعد و جامع المقاصد و المسالك و غيرها- بل في الحدائق الظاهر اتفاقهم عليه- أنها عقد، و فيه: أن العقد كما عرفته في محله ما اعتبر فيه الإيجاب و القبول، و المشهور كما تعرفه أن المعتبر في لزوم الوصية، عدم الرد الذي يبلغ الموصى، و هو أعم من القبول، بل يتحقق بالرد و عدم القبول إذا لم يبلغ الموصى، و هو مناف لدعوى العقدية المزبورة.

نعم قد تكون بصورة العقد، كما لو أوصى الموصى، فقال الوصي قبلت: و ليس ذلك كافيا في العقد، ضرورة كونه اسما لما اعتبر فيه القبول على جهة الجزئية، و لقد أجاد في الدروس حيث أنه بعد أن ذكر جواز تأخر قبولها عن إيجابها كفاية الفعل فيه، قال: و على ما قلناه من اللزوم بالموت و عدم الرد، فلا عبرة بقبول الوصي و عدمه بل العبرة بعدم الرد الذي يبلغ الموصى، فإن حصل و إلا التزم، و بذلك ظهر لك الفرق بين الوصية و الوصاية، فإن الاولى، و إن لم تحتج إلى قبول في بعض أفرادها كالوصية للجهات العامة بناء على عدم احتياج القبول فيها، لكن حيث يحتاج إلى القبول فيها كالوصية للمخصوص يكون معتبرا فيها بحيث إذا لم يحصل يقع باطلا، بخلاف الوصاية، فإن عدم القبول لا يبطلها، إلا إذا كان برد لها على وجه يبلغ الموصى، كما هو واضح.

ثم ان صيغة الوصاية أوصيت إليك، أو فوضت أو جعلتك وصيا، أو أقمتك مقامي في أمر أولادي، أو حفظ ما لهم و التصرف فيه، أو كذا أو كذا، أو وليتك كذا بعد موتي، أو جعلتك وليا بعد الموت، أو نحو ذلك من الألفاظ التي تفيد توليته على ما يريدها عليه عموما أو خصوصا.

أما لو قال أنت وصيي مثلا و اقتصر، وقع لغوا لعدم ظهور المتعلق منه، و عمومه

ج 28، ص: 391

كخصوصه بالنسبة إلى التقدير، و مطلق الوصايا لا تجدي من دون ذكر المتعلق بخلاف الأوامر، بل و بخلاف نحو «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» و نحوه ضرورة كون المقام كالاخبار و كما قال: وكلتك، و عن التذكرة التصريح به، بل عن فخر المحققين عدم الخلاف في ذلك.

و التحقيق ما في الدروس من أنه إن كان هناك قرينة حال حمل عليه، و إلا أمكن البطلان، و يحتمل التصرف فيما لا بد منه كحفظ المال، و مؤنة اليتيم» قلت،: لا بأس بالاحتمال المزبور مع فرض تيقن إرادته من اللفظ المزبور أو ظهوره مع الشك في غيره، و إلا فاللابدية أعم من الوصاية به، و لو قال: أوصيت إليك أو أقمتك مقامي في أمر أولادي، و لم يذكر التصرف، فالظاهر تنزيله على التصرف، لأنه المفهوم عرفا خصوصا عند من يرى أن المفرد المضاف يفيد العموم، لكن عن التذكرة أن فيه احتمالين، هذا أحدهما، و الثاني عدم التصرف إلا في الحفظ، لأنه المتيقن دون غيره، و هو كما ترى، ضرورة إرادة التصرف منه عرفا.

و كيف كان ف يعتبر في الوصي العقل و الإسلام فلا يصح الإيصاء إلى مجنون مطبقا أو أدوارا، لعدم صحة تصرفاته و عدم صلوحه للوكالة، فضلا عن الوصاية التي هي أعظم منها، لأنها إحداث ولاية و منصب يقصر المجنون عنها قطعا، لكونه مولى عليه، بل لو طرأ الجنون على الوصي بطلت وصيته في وجه، و إن كان تسمع في المسائل إن شاء الله تعالى أن الأقوى خلافه، و

في دعائم الإسلام (1)عن علي (عليه السلام) «لا يزيل الوصي عن الوصية ذهاب عقل أو ارتداد أو تبذير أو خيانة أو ترك سنة، و السلطان وصى من لا وصى له و الناظر لمن لا ناظر له»

بل الظاهر عدم عودها لو عاد العقل، أن كان على وجه الفسخ كما في العقد الجائز- وفاقا للفاضل للأصل، و عدم مقتض لعودها، و أن تردد فيه في الدروس، و تسمع إن شاء الله تعالى تحقيق الحال في ذلك، في المسائل.

نعم لو صرح الموصى بذلك أمكن القول بالصحة لعموم أدلة الوصية و وجوب إنفاذها على حسب ما أوصى، و من هنا قال في الدروس: الأقرب صحة الإيصاء لمن يعتوره الجنون


1- 1 الدعائم ج 2 ص 363.

ج 28، ص: 392

أدوار، و يحمل على أوقات الإفاقة، ثم قال: و الفرق بينه و بين الأول: أي من طرأ له الجنون، انصراف الوصية في ابتدائها: أي في الأدواري إلى أوقات إفاقته، و في غيرها إلى دوام عقله الذي لم يدم، و لو قلنا بعود ولاية الأول فلا اشكال».

قلت: قد يقال بصحة الإيصاء إلى المجنون حال جنونه، معلقا ذلك على حصول الإفاقة له ان حصلت، منضما إلى الوصاية إلى بالغ مستقل في التصرف، أو غير منضم، على اشكال ينشأ من عموم الأدلة، و من كون المتيقن منها الاذن في نصب غير ذلك، على أن تعليق تأثير السبب على غير الشرط الشرعي مخالف للضوابط الشرعية، و الظاهر ما دل على التسبيب، و سيأتي لذلك نظائر إن شاء الله تعالى كما أنه يأتي البحث على ما يتفرع على الشرط الثاني عند تعرض المصنف له.

و إنما الكلام هنا في أنه هل يعتبر العدالة في الوصي قيل: و القائل جماعة، بل هو المشهور نعم بل في الغنية الإجماع عليه لأن الفاسق لا أمانة له لوجوب التثبيت عند خبره (1)، و ظالم لا يركن إليه (2)، و لأولويتها من وكيل الوكيل المجبور بنظر الموكلين، الذي قد اعتبر فيه العدالة، و ولايتها قد تكون ولاية على طفل، أو على أداء حق واجب، أو نحو ذلك مما لا ينبغي فيه ائتمان غير العدل، و لأن الوصاية إثبات الولاية بعد الموت الذي به ترتفع ولاية الموصى و يصير التصرف متعلقا بحق غير المستنيب من طفل أو مجنون أو فقير و غيرهم، فيكون أولى باعتبار

العدالة من وكيل الوكيل، و وكيل الحاكم على مثل هذه المصالح، و من هنا كان رضى الموصى بالفاسق غير معتد به، كما أن منه يعلم الفرق بين الوصاية و الوكالة، و الاستيداع المتعلقين بحق الموكل و المودع المسلطين شرعا على إتلاف مالهما، فضلا عن تسليط غير العدل عليه، و الموصى إنما يسلط على حق الغير لخروجه عن ملكه بالموت مطلقا، مع أنا نمنع عدم اشتراط العدالة في الودعي و الوكيل إذا كانا على مثل ذلك.


1- 1 سورة الحجرات الآية- 6.
2- 2 سورة هود الآية- 113.

ج 28، ص: 393

كل ذلك مضافا إلى التأيد بظواهر كثير من النصوص (1)الواردة بالنسبة إلى من مات و له أموال، و ورثته صغار و لا وصى له، حيث اشترطت عدالة المتولي لذلك، و هي و إن كانت خارجة عما نحن فيه إلا أن فيها إشعارا بأن المتولي لأمر الوصاية كذلك بل لا فرق بينهما، إلا كون الأول منصوبا من قبل الشارع و الثاني من قبل الميت و إلا فهما بالنسبة إلى ما يتصرفان فيه واحد، فكما يراعى العدالة فيه من حيث أن الناصب له الشرع، يراعي كذلك فيه من حيث أن الناصب للوصي، فلا ينصب لذلك إلا عدلا.

و الفرق- بأن للموصى التسلط على ماله يدفعه إلى من شاء، و يسلط عليه من يختاره، لتسلط الناس على أموالهم، بخلاف الحاكم الشرعي المنوط تصرفه بالمصلحة، دون ما فيه مفسدة- يظهر ضعفه مما مر، فإن الموصى بعد الموت و

انتقال التركة إلى الورثة و فيهم الصغير، و فيها وصايا إلى الجهات العامة و نحو ذلك من التصرفات المحتاجة إلى الوثوق و الائتمان، لا تعلق له بذلك، فتصرفه فيما ذكر، إنما هو تصرف في مال الغير، لا مال نفسه.

و قيل: و القائل جماعة منهم الفاضل في المختلف و ابن إدريس فيما حكى عنه و غيرهما لا تعتبر العدالة في الوصي لأن المسلم محل للأمانة، كما في الوكالة و الاستيداع، و لأنها ولاية تابعة لاختيار الموصى فيتحقق بتعيينه.

و قيل كما في المسالك: المعتبر عدم ظهور الفسق، لا ظهور العدالة، قال: لأنه لا يلزم من عدم أهلية الفاسق للاستيمان و قبول الخبر، اشتراط العدالة هنا لوجود الواسطة بينهما، و هو المستور و المجهول الحال، فإنه لا يصح وصفه بالفسق بل يعزر واصفه به، فلا يدخل في المدلول.

و اشتراط عدالة وكيل الوكيل إن أرادوا به اشتراط ظهور عدالته، كما هو المشهور، فهو عين المتنازع فيه، و إن أرادوا به عدم ظهور الفسق، سلمناه، لكن لا يفيد الاشتراط، و بالجملة لا ريب في اشتراط عدم ظهور فسقه، أما اشتراط ظهور عدالته ففيه بحث، و الاستدلال عليه- بأن الفسق لما كان مانعا، فلا بد من العلم بانتفائه، و ذلك هو اشتراط


1- 1 الوسائل- الباب- 88- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 394

العدالة- واضح المنع، لأن المانع لا يشترط العلم بعدمه في التأثير، بل عدم العلم بوجوده كاف، كما في كل مانع.

و حينئذ فالأقوال في المسألة ثلاثة، و قد اتفقت جميعا على عدم الفرق بين متعلق الوصاية في ذلك من ولاية على قاصر، أو على أداء حق لازم، أو على صرف ثلث في وجوه بر أو نحو ذلك، و لعل خيرها أوسطها ما لم يكن فيه مفسدة على القاصر، لعموم الأدلة و إطلاقها، خصوصا ما ورد منها في وصاية الامرأة(1)التي من الغالب عدم عدالتها، و في وصاية ولده و فيهم الصغار و الكبار، و إن الصبي يكون وصايا بذلك عند بلوغه أو قبله، و التصرف عند البلوغ، و غير ذلك من النصوص التي لا ينكر ظهور سياقها في عدم اعتبار العدالة، سيما ما ورد من وصية الكاظم (عليه السلام) جميع ولده (2)، و منهم غير العدل، و جعل الولاية بيد علي (عليه السلام) منهم لا يجدى، بناء على عدم صلاحية الفاسق للوصاية، و لو مع انضمامه إلى غيره ممن له الولاية عليه.

و دعوى عدم صحة ائتمان الفاسق و الركون إليه واضحة المنع، فإن الفسق قد يكون بما لا مدخلية له في حفظ المال، و الوصاية ليست ركونا، و مع التسليم فالممنوع من الركون إلى الظالم من الفاسق، لا مطلقا و دعوى كونه ظالما لنفسه، كما ترى لا تستأهل جوابا.

و كذا ما ذكر من القياس على وكيل الوكيل الممنوع اعتبار العدالة فيه أيضا، فإن الأمر يتبع اذن الموكل أو مصلحة، و لا ريب في أن الوصاية فرع ولاية الموصى، و إن لم تكن هي استنابة بمعنى ثبوت الولاية له بعد الموت، و ان الوصي نائب عنه ضرورة انقطاعها بعد الموت، و لكن لولايته الثابتة حال الحياة قد جوز له الشارع جعل ولي بعد موته فيما له

الولاية عليه، و أدلة جواز ذلك عامة أو مطلقة.

نعم هي مخصصة، أو مقيدة في بعض أفرادها، كالولاية على القاصر و نحوها، بما إذا لم يكن في ذلك مفسدة، أو بما فيه مصلحة من غير فرق في ذلك بين العدل و الفاسق و كذا


1- 1 الوسائل- الباب- 50 و 53- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 5.

ج 28، ص: 395

الوكالة و الوديعة من الحي للطفل، و دعوى خروج المال منه كله بالموت، مدفوعة بأن الثلث باق على حكم ماله، فله الولاية عليه على أى نحو شاء، كما أن له الولاية، من غير فرق بين العدل و الفاسق، كحال الحياة و قبول خبرهما في ذلك باعتبار كونهما مسلمين مصدقين فيما يسندانه إليهما خصوصا مع تكليفهما بذلك، فلا فرق من هذه الجهة، و التأييد بالنصوص المزبورة- يدفعه أن موضوعها تولى عدول المسلمين الذين هم أحد الأولياء، مع فقد الحاكم لا من حيث الوكالة عنه و إلا فالحاكم قد يجوز له، أو يجب عليه توكيل الفاسق إذا اقتضته المصلحة.

نعم قد يفرق بين العدل و الفاسق فيما يلزم الموكل و الولي فيه مراعاة المصلحة أو عدم المفسدة عند اشتباه الحال لديه، فإنه حينئذ بتوكيل العدل و توليته معذور، بخلاف الفاسق الذي هو مظنة الفساد، لا أنه لا يجوز تولية الفاسق الذي يعلم الصلاح في توليته، لكون نفسه بما لا يضر المولى عليه كما هو واضح، بل لو وقع ذلك من الموكل و الموصى، و لم يعلم الحال لا بد لنا من حمل فعلهما على الوجه الصحيح و هو الذي يعلم الولي عدم مفسدته أو صلاحه، لا أنه يحمل على معلوم الفساد، كي يحكم ببطلان وصايته.

و من الغريب أن بعض من اشترط عدالة الوصي قال: و أعلم ان هذا الشرط انما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصي، و يقبل خبره كما يستفاد ذلك من دليله لا في الفعل في نفسه، فلو أوصى إلى من ظاهره العدالة، و هو فاسق في نفسه، ففعل مقتضى الوصية، فالظاهر نفوذ فعله و خروجه عن العهدة، و يمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه و بينه و فعل مقتضاها، بل لو فعله ظاهرا كذلك لم يبعد الصحة و ان حكم ظاهرا بعدم وقوعه، و ضمان ما ادعى فعله، و تظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصية باطلاع عدلين، أو باطلاع الحاكم، نبه على ذلك في التذكرة و الروضة، و هو حسن.

قلت: و قريب منه ما صرح في جامع المقاصد، و لا يخفى عليك منافاة ذلك لاشتراط العدالة في الوصي، في سياق اشتراط العقل، و نحوه مما يقضي بانعدام المشروط بعدمه، و أقصى ما يقال في دفعه أنه يمكن تنزيله على أن المراد أنها شرط في صحة الاستنابة، لا في

ج 28، ص: 396

صحة النيابة، و أنت إذا تأملت لم تجد لهذا الكلام حاصلا ينطبق عليه ظاهرا من ذكر ذلك شرطا على حسب اشتراط العقل و نحوه.

و أغرب من هذا ما عساه يظهر من بعضهم من الاستدلال على اشتراط العدالة بأن الفاسق لا يصلح للولاية على الطفل، و فيه أنه لا خلاف ظاهرا في ثبوت ولاية الأب و الجد على الطفل، و إن كانا فاسقين، بل في جامع المقاصد الاعتراف بأن ذلك مقتضى النص و الإجماع و أنه لا دليل على اشتراط العدالة.

نعم قال: فيدفع محذور الفسق بأن الحاكم متى ظهر عنده بقرائن الأحوال، اختلال حال الطفل إذا كان للأب عليه ولاية، عزله و منعه من التصرف في ماله، و إثبات اليد عليه، و إن ظهر خلافه فولايته ثابتة، و إن لم يعلم استعلم بالاجتهاد و تتبع سلوكه و شواهد أحواله، و فيه أنه لم يكون كذلك في الوصي، و مع وجوب الاستعلام بالاجتهاد و تتبع الأحوال لوجوب حسن الظن بالمسلم، فعله على الوجه الصحيح، و أنه لا يقصر فيما وجب عليه، كما هو مقرر في محله، هذا كله في الوصية إلى الفاسق ابتداء.

أما لو أوصى إلى العدل من حيث كونه عدلا ففسق بعد موت الموصى أمكن ببطلان وصيته بل ينبغي الجزم به، و إن لم نقل باشتراط العدالة في الوصي بلا خلاف أجده فيه، بل عن المهذب و شرح الصيمري الإجماع عليه إلا من الحلي، و في جامع المقاصد كأنه لا خلاف فيه لعدم مقتضيها، ضرورة كون فرض عبارة النصب له من حيث العدالة، فمع فسقه لم تشمله عبارة النصب، فلا يكون وصيا، و دعوى- أن العدالة من الأوصاف التي لا يتغير الموضوع بفقدها- يدفعها وضوح فسادها، إذ الموضوع إن كان الذات مع الوصف فلا ريب في تغير الموضوع بعدمها، كوضوح فساد دعوى الاكتفاء بالعدالة في ابتداء النصب دون استمراره، لأن الوثوق ربما كان باعتبار صلاحه، فلم يتحقق الوثوق عند زواله.

نعم لو أوصى إلى العدل لا من حيث العدالة، بل من حيث ذاته، ففسق فإن وصيته ثابتة، بناء على صحة وصاية الفاسق، بل لعله كذلك أيضا إذا كانت العدالة داعيا و باعثا

ج 28، ص: 397

للوصاية، لكن لم تتعلق الوصاية عليها، لما تقرر غير مرة من أن الدواعي لا تقيد أمثال هذه الأسباب، بل قد يقال: أنها كذلك إذا أوصى إلى العدل و لم يعلم منه ملاحظة الوصف على الوجه الأول أو غيره، فإن استصحابها كاف في الحكم ببقائها، بل لو علم ملاحظة الوصف لكن لا على جهة دورانها معه وجودا و عدما، بل لا حظه غير خاطر في باله العاري عنه، فإن الاستصحاب أيضا يمكن جريانه ضرورة عدم معلومية علية الوصف، و محال الاستصحاب غالبا تقرن معها الأوصاف التي لم يفهم عليتها، و منها المقام الذي كان الوصف فيه شبه مفهوم اللقب، و لا يقال: انه لا يجري باعتبار تغير الموضوع في الفرض، لما عرفت من أن الموضوع لا يتغير بتغير مثل هذا الوصف، بل التغير يحصل بتغير الذات أو الوصف الذي يجعل مدارا للحكم.

و قد ظهر لك مما ذكرنا أن الظهور في المقام خمسة و المتجه البطلان في الأولى التي نزلنا عليها عبارة المصنف و ان كان فيه صعوبة، فرارا مما عساه يظهر منها من مساواتها لغيرها التي قد عرفت كون المتجه منه الصحة.

و كيف كان فلا تعود الوصايا بعود الوصف إلا إذا صرح بذلك الموصى، أو ظهر من عبارته، فإن الأقوى جواز مثل هذا النصب لإطلاق الأدلة، و مثل هذه الصورة تأتي أيضا فيما لو فسق حال حياة الموصى أيضا، ضرورة عدم الفرق فيما ذكرناه من مدارك الصور بين حالي الموت و الحياة.

و على كل حال فالمتجه في الصورة الأولى انعزاله من غير حاجة إلى عزل الحاكم، ضرورة تقييد وصايته من الموصى بحال العدالة التي تنتفي بانتفائها، فقول المصنف و الفاضل في القواعد فحينئذ يعزله الحاكم و يستنيب مكانه في غير محله، اللهم إلا أن يكون المراد، بالعزل قطعه عن التصرفات بعد أن تحقق العزل الشرعي، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود، و الله العالم.

و لا تجوز الوصية إلى المملوك بلا خلاف فيه في الجملة، بل عليه مطلقا عن صريح محكي الغنية، و ظاهر التذكرة الإجماع، و هو الحجة مضافا إلى أدلة الحجر عليه،

ج 28، ص: 398

و استلزام ذلك التصرف فيه و الانتفاع به بغير إذن مولاه، لاحتياج تنفيذ الوصاية إلى أفعال و أقوال، و هو ممنوع منها، إلا أن يكون ذلك باذن مولاه فتصح الوصاية إليه حينئذ بلا خلاف كما اعترف به في الرياض، لزوال المانع و حينئذ فليس للمولى الرجوع في الأذن بعد موت الموصى، بل و لا قبله إذا كان بحيث لم يبلغه الرد، و بالجملة هو كالحر بالنسبة إلى ذلك، أو مكاتبا مبعضا للموصي أو غيره عند الشيخ و ابن حمزة و الحلي و المختلف، خلافا للمفيد و الديلمي فجوزوا الوصية إلى من عدا القن، أما مطلقا كما يظهر من المختلف و الدروس، أو إذا كان عبد نفسه كما يستفاده من التنقيح، و مال إليه الصدوق لحرية المدبر حال المباشرة، و لزوم الكتابة و تصرف المكاتب من غير حجر، و لا يخلو عن قوة، لعمومات الكتاب و السنة، الناهية عن تغيير الوصية، و سلامتها في المفروض عما مر من الأدلة المانعة لما ذكر.

قلت: قال في الدروس: «خامسها اذن المولى، لو أوصى إلى عبد الغير أو مكاتبه أو مدبره أو أم ولده، و لو أوصى إلى عبد نفسه أو مدبره أو مكاتبه أو أم ولده لم يصح عند الشيخ، و جوز المفيد و سلار الوصية إلى المدبر و المكاتب مطلقا، و لعله ليست كما حكى عنهما في الجملة، و الموجود في المقنعة، و لا يوصى إلى العبد، لأنه لا يملك مع سيده أمرا، و لا بأس بالوصية إلى المدبر و المكاتب، و في المراسم: و لا يوصى إلى العبد إلا من كان منهم مكاتبا أو مدبرا فتأمل.

و كيف كان فقد أطلق المصنف و غيره أيضا عدم جواز وصية المملوك الشامل لذلك كله و غيره، بل الظاهر عدم الفرق فيه بين مملوك نفسه و مملوك غيره، و قوله «الا بإذن مولاه» لا يقتضي باختصاص المستثنى منه في الثاني لغة و لا عرفا، و إن كان لا يتصور إخراجه منه باعتبار اقتضاء الوصية إليه الاذن في قبولها، لكن قد يقال: إن إذنه لا تجدي، لأن أثر الوصاية بعد الموت الذي ينقطع به ملكه، أو ينتقل إلى غيره.

و دعوى- أن ذلك من الوصية بمنافعه فليس للوارث الاعتراض- واضحة الفساد ضرورة عدم كون ذلك منها بعد عدم قصدها.

و من هنا كان مقتضى ما حكاه المفروغية من عدم جواز وصية القن و لو كان عبد نفسه، و أن الخلاف في غيره، و كأنه قدس سره مال إلى الجواز، بناء منه على أن مدرك المنع ما سمعت

ج 28، ص: 399

من الحجر عليه، و اقتضاء الوصاية التصرف فيه، و هما مفقودان في الفرض، فتبقى العمومات سالمة عن المعارض.

و فيه: أنه يمكن أن يكون الدليل الإجماع المحكي المعتضد بظاهره و بإطلاق الأكثر و بإطلاق

قوله (عليه السلام) «لا وصية لمملوك (1)»

في خبر ابن الحجاج الذي لا قرينة على اختصاصه بالوصية التمليكية، بل هو شامل لذلك و لجعل الولاية له، و بمعلومية قصور العبد عن هذا المنصب الذي من الواضح الفرق بينه و بين الوكالة، بل لو لا الإجماع على

الصحة بإذن السيد، لأمكن القول بالمنع معها أيضا، كما عن الشافعي و جمع من العامة، سيما الولاية على الطفل مثلا، لقصوره عنه كالملك الذي لا يجدى فيه إذن السيد، بل لعل الولاية أعظم منه من غير فرق بين مملوك السيد بأقسامه و غيره، و وجود القابلية له في المدبر مثلا بعد الموت لا يجدي مع فقدها حال الوصية كما أنه لا يجدى التبعيض أيضا، و ان أجدى في الملك، لعدم قابلية الولاية التوزيع كالملك، فتأمل.

نعم لو أوصى إليه معلقا ذلك على حريته، أمكن الجواز، بناء على قبول الوصاية مثل هذا التعليق كما عرفته فيما تقدم، و الله العالم.

و مما يعتبر في الوصي البلوغ بلا خلاف أجده فيه ف لا تصح الوصية إلى الصبي منفردا لقصوره بالصبا السالب لأقواله و أفعاله عن منصب الوكالة، فضلا عن الوصاية التي قد عرفت أنها أعظم منها باعتبار كونها ولاية بخلافها، بل لا يتعقل ثبوت السلطنة لغير المميز من الصبيان على المميز منهم.

و لكن قد ورد في خبرين معتبرين بفتوى الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف بينهم، أنه تصح وصايته منضما إلى البالغ الكامل و و لكن لا يتصرف الصبي إلا بعد بلوغه و إنما فائدة نصبه جواز تصرفه بعد البلوغ على وجه يكون شريكا للبالغ.


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 400

قال

علي بن يقطين(1): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل أوصى إلى امرأة و شرك في الوصية معها صبيا؟ فقال: يجوز ذلك، و تمضى المرأة الوصية، و لا تنتظر بلوغ الصبي، فإذا بلغ الصبي فليس له إلا الرضا و إلا ما كان من تبديل أو تغيير، فان له أن يرده إلى ما أوصى به الميت».

وقال الصفار(2)كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام): «رجل أوصى إلى ولده و فيهم كبار قد أدركوا، و فيهم صغار، أ يجوز للكبار أن ينفذوا وصيته، و يقضوا دينه ان صح على الميت شهود عدول قبل أن يدرك الأوصياء الصغار؟ فوقع (عليه السلام): نعم على الأكابر من الولد أن يقضوا دين أبيهم، و لا يحبسوه بذلك».

و منهما يعلم الحكم فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو أوصى إلى اثنين مثلا أحدهما صغير و الآخر كبير تصرف الكبير منفردا حتى يبلغ الصغير و لأنه وصي في الحال منفردا إذا الشريك معه بعد البلوغ، كما لو قال: أنت وصيي فإذا حضر فلان فهو شريكك، و من ثم لم يكن للحاكم أن يداخله و لا أن يضم إليه آخر، نائبا عن الصغير.

نعم عند بلوغه لا يجوز للبالغ التفرد لحصول الشريك له حينئذ، كما لو أوصى إلى اثنين كاملين ابتداء على ما ستعرف، هذا.

و في المسالك و غيرها أن صحة الوصية إلى الصبي منضما على خلاف الأصل، لأنه ليس من أهل الولاية، و لكن جاز ذلك للنص، فلا يلزم مثله

في الوصية إليه مستقلا و ان شرط في تصرفه البلوغ، و كان ذلك في معنى الضم، وقوفا فيما خلاف الأصل على مورده، و لأنه يغتفر في حال التبعية ما لا يغتفر استقلالا.

قلت: قد عرفت سابقا ما يقتضي أن الأصل جواز نصب الصبي وصيا إذا علق ذلك على بلوغه رشيدا، ضرورة كونه للعمومات و أن الوصاية كالأمارة لا يقدح فيها التعليق و نحوه، و لذا


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 401

جاز الوصية إلى المجنون الأدواري، و جاز الإيصاء إلى زيد فإن مات فإلى عمرو، و إلى ولده إن بلغ رشيدا، كما نص عليه في الدروس، و كذا في القواعد، و حينئذ فالمتجه كون المنضم على الوجه المزبور على وفق الأصل لا على خلافه، بل المتجه جواز الانضمام كذلك و الاستقلال إن لم يقم إجماع على خلافه، و دونه خرط القتاد.

و دعوى أن محل البحث الوصاية فعلا، لا المعلقة على البلوغ، و قد ثبت في المنضم للخبرين السابقين، دون المستقل الذي لا ريب في مخالفة وصايته الفعلية للأصل، لعدم قابليته للولاية، و بذلك صح للمصنف و غيره الفرق بين وصاية المنضم و المستقل.

واضحة الفساد، ضرورة عدم صحة الوصاية فعلا للمنضم أيضا، و لا صراحة في الخبرين بذلك بل و لا ظهور، بل لعل ظاهر هما خلافه، و إلا كان شريكا فعلا، و توقف التصرف في المال إلى بلوغه، أو يقوم وليه مقامه، أو يضم الحاكم نائبا عنه و الجميع مخالف لما عرفت من النص و الفتوى، بل قد يقال ببطلان وصاية الموصى ان صرح بوصاية الصبي فعلا، لعدم مشروعيتها، و هو معنى اشتراطهم البلوغ في الوصي الذي مقتضاه انعدام المشروط بانعدامه.

نعم لو صرح بعدم تصرف الكبير حتى يبلغ الصغير صح،

لعموم «المؤمنون عند شروطهم»

بل الظاهر الصحة أيضا مع التصريح بانعزال الكبير عند بلوغ الصغير لذلك، كما هو صريح القواعد و الدروس و جامع المقاصد، بل يصح غير ذلك من الشرائط التي لم تحلل حراما، و لا تحرم حلالا، و لا تخالف كتاب و لا سنة، كالترتيب في الوصية بأن يقول: أوصيت إلى زيد، فإن مات فإلى عمرو، و نحو ذلك، و

عن فاطمة (عليها السلام)(1)«أنها أوصت في وقفها إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فإن حدث به حدث فإلى ولديها»

و قد تقدم سابقا أن الوصاية قريبة من التأمير، كما اعترف به في جامع المقاصد.

و قد

روى أن النبي (صلى الله عليه و آله) قال (2)«الأمير زيد، فان قتل فجعفر، فإن قتل فعبد الله بن رواحة».


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 1.
2- 2 المغازي للواقدي ج 2 ص ع 75.

ج 28، ص: 402

و بذلك كله يعلم أن موضوع المسألة في المتن و غيره ما لو أطلق الوصاية إلى الصغير و الكبير، فإنه الذي حكمه تصرف الكبير حتى يبلغ الصغير، فيشاركه، و أنه ليس للصغير الاعتراض عليه فيما تصرف فيه الكبير سابقا على بلوغه كما عرفته و تعرفه فيما يأتي إن شاء الله تعالى فتأمل جيدا.

فإنه قد ظهر لك عدم الفرق بين المميز و غيره في المسألة، و لا بين البالغ خمس سنين و غيره، و إن كان ظاهر

زياد بن أبي الحلال (1)الثاني: قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) هل أوصى إلى الحسن و الحسين (عليهما السلام): مع أمير المؤمنين (عليه السلام)؟ قال:

نعم قلت: و هما في ذلك السن؟ قال: نعم و لا يكون لغيرهما في أقل من خمس سنين»

لكن لم أجد عاملا به، بل ظاهر غيره من النصوص و الفتاوى خلافه، و الله العالم.

و كيف كان ف لو مات الصغير، أو بلغ فاسد العقل، كان للعاقل الانفراد بالوصية، و لم يداخله الحاكم لأن للميت وصيا مستقلا، لعدم شريك له الكون الفرض موت الصبي قبل البلوغ الذي هو شرط صحة نصبه وصيا، و كذا الكمال فلم يشاركه أحد في وصايته، و لا وجد ما يزيلها فهي مستصحبة على الحال الأول، لكن و مع ذلك تردد فيه في الدروس من ذلك، و من دلالة لفظ الوصي على الضم في وقت إمكانه

عادة، بل في الرياض أنه الأظهر لقوة دليلة، قال: «و ينبغي القطع به فيما إذا بلغ الصبي رشيدا ثم مات بعده و لو بلحظة، لانقطاع الاستصحاب الأول حينئذ بلا خلاف، و تبدله باستصحاب عدم الاستقلال، فيتبع».

قلت: كيف ينبغي القطع به مع أن أقصاه صيرورته كالوصية إلى اثنين كاملين ثم مات أحدهما، و ستعرف أن المشهور بين الأصحاب استقلال الباقي، و أنه لا يضم إليه الحاكم.

و منه يعلم ضعف القول به في الفرض الذي هو مرجوح بالنسبة إلى ذلك قطعا ضرورة عدم حصول الشريك للوصي أصلا، بل يمكن القطع بكون مراد الموصى الشركة له إذا بقي و بلغ قابلا للشركة، و من هنا جزم المصنف و غيره باستقلال الكبير في الفرض و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 403

و قد ظهر لك من ذلك الحكم في جميع أطراف المسألة حتى ما ذكره المصنف و غيره و نص عليه في الخبرين السابقين، بل لا أجد فيه خلافا من أنه لو تصرف البالغ ثم بلغ الصبي لم يكن له نقض شي ء مما أبرمه في الزمن السابق الذي لا شركة له فيه؟

إذ لا ريب في ظهور عبارة الموصى في إرادة الوصاية للكبير و أنه إذا بلغ الصبي شاركه، فليس له نقض شي ء من ذلك إلا أن يكون مخالفا لمقتضى الوصية بل مثله منقوض لنفسه، لا يحتاج إلى نقض كما هو واضح.

و من الغريب ما في القواعد، فإنه بعد أن ذكر ما هنا بتمامه، قال: «و هل يقتصر البالغ من التصرف على ما لا بد منه؟ نظر» و هو مناف لإطلاق النص و الفتوى، بل و لما هو كالصريح من خبر علي بن يقطين (1)فلاحظ و تأمل.

بقي الكلام في شي ء لم أجد تصريحا به من أحد، و هو لو مات الكبير مثلا قبل بلوغ الصبي و المتجه على ما قلناه صحتها لو بلغ، و إن رجع الأمر إلى الحاكم قبل البلوغ فإذا بلغ استقل في وجه، و داخله الحاكم في آخر، و أما احتمال بطلان وصاية الصبي- و لو بعد البلوغ، باعتبار اشتراط صحتها ابتداء، و استدامة بالانضمام المفروض انعدامه قبل البلوغ- فهو واضح الضعف- لمنافاته الاستصحاب و غيره.

نعم قد يشكل تولى الحاكم الأمر قبل البلوغ- بناء على ما عساه يظهر من بعضهم من ثبوت الوصاية للصبي حال الانضمام و إن لم يجز له التصرف،- بأنه لا ولاية له مع وجود الوصي، فالمتجه له حينئذ الانتظار إلى البلوغ، إلا فيما لا بد منه، إلا أن ذلك كما ترى، ضرورة عدم تعقل ثبوت ولاية و سلطنة للطفل على غيره، سيما إذا كان مميزا و هو غير مميز، كما هو مقتضى إطلاق كلامهم هذا.

و قد عرفت سابقا أن من شرائط الوصي الإسلام ف لا تجوز حينئذ الوصية من المسلم إلى الكافر و لو كان رحما بلا خلاف كما في الرياض لقصوره عن منصب الولاية عن المسلم و عليه، إذا

(2)«الْمُؤْمِنُونَ (وَ الْمُؤْمِناتُ) بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
2- 2 سورة التوبة الآية- 71.

ج 28، ص: 404

قال الله تعالى (1)«لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ ءٍ» إلى آخر الآية و قال جل شأنه: أيضا(2)«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا» و من هنا أطلق المصنف- و غيره عدم وصايته عن المسلم من غير فرق بين تعلقها بالمسلمين و ما في حكمهم أو غيرهم.

نعم يجوز أن يوصى إليه أي الكافر مثله في الكفر كما صرح به غير واحد، بناء على عدم اشتراط العدالة، بل و على اشتراطها، بناء على ارادة الوقوف من اشتراطها، و يكفي حينئذ عدالته في دينه، إذ الغرض صيانة مال الطفل، و أداء الأمانة، و هو يحصل بالعدل منهم، فما في الروضة- «من أن الأقوى المنع، بالنظر إلى مذهبنا، و لو أريد صحتها عندهم و عدمه، فلا غرض لنا في ذلك، و لو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم و إلا فاللازم الحكم ببطلانها بناء على اشتراط العدالة في الوصي، إذ لا وثوق بعدالته في دينه، و لا ركون إلى أفعاله، لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام» لا يخلو من نظر، لحصول الوثوق وجدانا بل ربما يحصل الوثوق ببعض عدولهم أكثر مما يحصل عدول المسلمين سيما المخالفين منهم، و مخالفة أفعالهم لكثير من أحكام الإسلام تنافي عدالته في دينه.

و لعله لذا قال في المسالك: «و يحتمل قويا الحكم بصحتها مطلقا مع عدالته في دينه، لأن الغرض منها صيانة مال الطفل و حفظ ماله و أداء الأمانة، و إذا كان الكافر في دينه مجانبا للمحرمات، قائما بالأمانات حصل الغرض المطلوب منه، بخلاف فاسق المسلمين، و إن كان فيه أيضا أنه يمكن فرض الوثوق بفاسق المسلمين، كما عرفته سابقا هذا.

و قد يقال في أصل المسألة يمنع اشتراك الكفار مع المسلمين في هذا الحكم و إن قلنا به في غير المقام، لاختصاص الدليل بالنهي عن اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، دون الكافرين بعضهم مع بعض، بل مقتضى الآية الأخرى (3)كونهم كذلك، و حينئذ فحمل عبارة المصنف و غيره- «صحة وصية الكافر إلى الكافر»- على إرادة الإلزام بما في مذهبه و إن كان فاسدا عندنا- خلاف الظاهر.


1- 1 سورة آل عمران الآية 28.
2- 2 سورة النساء الآية 131.
3- 3 سورة الأنفال الآية 73.

ج 28، ص: 405

نعم ينبغي تقييد ذلك كما عن جماعة بما إذا لم يستلزم ذلك ولاية على مسلم لما عرفت، و لو أوصى الكافر إلى المسلم صح، و تصرف فيما يجوز للمسلم التصرف فيه من تركته دون غيره، كالخمر. و الله العالم.

و لا يعتبر في الوصي الذكورة، و لا البصر و لا كونه غير وارث بلا خلاف فيه بيننا ف تجوز الوصية حينئذ إلى المرأة إذا جمعت الشرائط و كذا الأعمى و الوارث، لإطلاق الأدلة و عمومها، و الإجماع بقسميه، و خصوص خبر علي

بن يقطين (1)السابق في الوصية إلى المرأة و الطفل، فما عن بعض العامة- من الخلاف في ذلك لبعض الوجوه الاعتبارية التي لا تصلح مدركا للأحكام الشرعية عندنا- واضح الفساد و عليه يحمل

مرسل السكوني (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «المرأة لا يوصى إليها، لأن الله تعالى يقول «وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ»»

أو على فقد شرط من الشرائط السابقة، أو غير ذلك و الله العالم.

و لو أوصى إلى اثنين فصاعدا جاز إجماعا بقسميه، و سنة عموما و خصوصا، فإن أطلق أو شرط اجتماعهما، لم يجز لأحدهما أن ينفرد عن صاحبه بشي ء من التصرف بلا خلاف أجده في الثاني سواء ذكر الاجتماع شرطا في التصرف، أو جعل الولاية لهما مجتمعين، فإن الظاهر جوازه أيضا، لإطلاق الأدلة السالم عما يقتضي الاتحاد في الوصي، بل لعل ذلك هو المراد من شرط الاجتماع في العبارة و غيرها، بل ستعرف فيما يأتي التصريح من ثاني الشهيدين و غيره بأن كلا منهما في صورة الاجتماع جزء ولي، و عليه يبنى ما قيل: من بطلان الوصية برد أحدهما، و إن قبل الآخر.

و على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في عدم جواز تفرد أحدهما في هذه الصورة، إنما الكلام فيما إذا أطلق، و لم يكن في اللفظ ما يدل على الاستقلال، و لا على الاجتماع، و المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة مساواتهما،

في الحكم لصورة الاجتماع، لكونه المتيقن، بناء على


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 406

دوران الأمر بينه و بين الانفراد الترخيصى لا العزيمي، و لتساويهما في استحقاق الولاية، فهي العين الموصى بها لاثنين مثلا، المحكوم باشتراكها بينهما، فكذا الولاية المجعولة لهما، ضرورة تصور الاشتراك فيها على وجه يكون مجموعهما الولي.

و لظاهر

الصحيح (1)«في رجل مات و أوصى الى رجلين، أ يجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة، و الآخر بالنصف؟ فوقع (عليه السلام) لا ينبغي لهما أن يخالفها الميت و يعملان على حسب ما أمرهما إن شاء الله».

المؤيد

بالرضوي بناء على كونه رواية(2)«و إذا أوصى رجل الى رجلين، فليس لهما أن ينفرد كل واحد منهما بنصف التركة، و عليهما إنفاذ الوصية على ما أوصى الميت».

بل و ب

خبر صفوان بن يحيى (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل كان لرجل عليه مال، فهلك و له وصيان فهل يجوز أن يدفع المال الى أحد

الوصيين؟ فقال: لا يستقيم إلا أن يكون السلطان قد قسم المال، فوضع على يد هذا النصف، و على يد هذا النصف أو يجتمعان بأمر السلطان»

بناء على أن المراد سلطان العدل.

و المناقشة في الأول- باشتماله على لفظ لا ينبغي، الذي هو غير صريح في الحرمة- يدفعها أنه لا بد من إرادة ذلك منه هنا، و أن قلنا بعدم صراحته في غير المقام، باعتبار جعل الانفراد فيه مخالفة للميت، و الاجتماع عملا بأمره، و من المعلوم حرمة المخالفة المزبورة، و وجوب العمل بأمره، و إلا كان تبديلا للوصية المعلوم عدم جوازه كتابا، و سنة، و إجماعا، على أن قوله «و يعملان» معطوف على جملة لا ينبغي لا على متعلقها، فيكون أمرا بالعمل بمقتضى امره المكنى به عن الاجتماع، و إلا لم يكن الجواب مطابقا للسؤال.

نعم فيما حضرني من نسخة الكافي «و أن يعملا» إلى آخره، و حينئذ يكون معطوفا على سابقه، إلا أن المقدر حينئذ من العامل فيه- لو سلم أنه- ينبغي، وجب إرادة الوجوب منه،


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 526.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 407

لما عرفت، كل ذلك مضافا الى الانجبار بفهم المعظم و الاعتضاد بما عرفت.

و لا ينافيه

الموثق (1)«أن رجلا مات و أوصى الى رجلين فقال أحدهما لصاحبه خذ نصف ما ترك، و أعطني نصف ما ترك، فأبى عليه الآخر، فسألوا أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك فقال ذلك له»

لإجماله و بناء المنافاة فيه على رجوع الإشارة إلى القسمة، و الضمير المجرور الى الطالب، مع أنه يحتمل رجوع الإشارة إلى الإباء، و الضمير الى المطلوب، بل لعل هذا أولى، كما عن المختلف و غيره، لقرب مرجع الإشارة، و موافقته لما عرفت.

و دعوى أولوية العكس- لوضع ذلك للإشارة إلى البعيد- يدفعها معلومية عدم ملاحظة ذلك في استعمالهما في أمثال هذه الخطابات التي يراد منها محض التفهيم، بل في الرياض أنه يدفعها توقف ذلك على وجود اللام، و هي في نسخة الكافي و الفقيه مفقودة.

نعم في نسخة الشيخ موجودة، لكنها مرجوحة بالنسبة إلى تلك النسخة سيما مع وحدتها و تعدد تلك، مع كون الأصل لها، و هي منها مأخوذة، و على تقدير تكافؤ النسختين يبقى الاجمال بحاله، لعدم المرجح لأحدهما في البين، و الأمر سهل بعد وضوح الحال لديك.

و منه يعلم ضعف المحكي عن ظاهر النهاية أتى ليست كتاب فتوى، و القاضي من جواز الانفراد في صورة الإطلاق، و لعلهما يريدان أن ما لو قال: «لكل منهما» بعبارة مستقلة أنت وصيي على كذا، فإنه ظاهر حينئذ في جواز الانفراد، كما في الوكالة، و إن كان هو خارجا عن محل

النزاع، بل قد يقال بعدم ظهوره في ذلك، كما هو مقتضى إطلاق العبارة و غيرها.

بل في القواعد و الدروس و غيرهما ما هو كالصريح في ذلك، في مسألة ما لو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو، قال في القواعد «و لو أوصى إلى زيد ثم إلى عمرو لم يكن رجوعا، و لو لم يقبل عمرو انفرد زيد، و لو قبلا لم ينفرد أحدهما بالتصرف إلا مع قرينة دالة على الرجوع أو التفرد» و قال في الدورس: «و لو أوصى الى زيد ثم الى عمرو اشتركا و لا انفراد، و لا يعزل


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3 الفقيه ج 4 ص 101 الكافي ج 2 ص 247 الطبعة الأولى.

ج 28، ص: 408

الأول بالوصية الى الثاني، و لو قبل أحدهما دون الآخر قيل: يتصرف وحده، بخلاف ما لو أوصى إليهما معا، فإنه ينعزل القابل برد صاحبه، و في الفرق نظر، لأن الضم قد حصل في الموضعين، فإن كان شرطا ثبت فيهما و إلا انتفا فيهما» و تبعه على ذلك المحقق الثاني، بعد أن حكى القيل المزبور عن التذكرة.

قلت: قد يفرق بينهما بظهور المعية في وصاية المجتمعين و كونهما معا الوصي بخلاف غيره، فإنه ظاهر في الاستقلال، حتى لو قبلا معا، فان تعدد الأولياء كما هو ظاهر العبارة غير عزيز، و كذا الكلام في الوكالة و لو سلم فالمراد شركته على تقدير قبوله، نحو ما لو قال لزيد أوصيت إليك، ثم قال ضممت إليك عمروا، فإنه كما في القواعد ان قبل عمرو شارك، و إلا استقل زيد، و لو قبل عمرو خاصة لم يكن له الانفراد لو جعله مضموما، و هل ينعزل أو يضم إليه الحاكم؟ فيه نظر، كما في الدروس، و جزم الفاضل بالثاني.

و على كل حال فالإنصاف اختلاف ذلك باختلاف الأزمنة و الأمكنة و الأحوال، التي ليس من وظائف الفقيه تنقيحها، و التحقيق ما عرفت، و منه يعلم أن الناظر المستعمل في زماننا ليس وصيا مستقلا، بل و لا شريكا في الوصاية لعدم ظهور عبارة الموصى فيه بل لعلها ظاهرة في إرادة الصرف باطلاعه، و قد تعرض له بعض الأصحاب كالمحقق الثاني حيث قال:

«و يجوز أن يوصى الى واحد، و يجعل آخر مشرفا عليه، و لا يكون للمشرف شي ء من التصرفات لكن يشترط صدورها عن اذنه، و لو امتنع، فهل يستقل الوصي؟ فيه وجهان أقربهما لا، بل يرفع الأمر إلى الحاكم».

قلت: التحقيق فيه كونه أيضا مختلفا باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و الأحوال، و من هنا لم يمكن ضبطه بحال، فإنه قد يراد اطلاعه فقط، لئلا يخون الوصي، و قد يراد نظره في الصرف و المصرف، و قد يراد غير ذلك، و الحكم يختلف باختلافه، حتى مدخلية الحاكم فيما لو مات أو جن مثلا، و عدمها، ثم المراد باجتماعها اتفاقهما على الرأي على وجه يحكمان بكونه مصلحة، و إيقاع العقد لو احتيج إليه عن رأيهما بمباشرة أحدهما، و إذن الآخر، أو غيرهما بإذنهما.

ج 28، ص: 409

و على كل حال ف لو تشاحا على وجه لا ينافي عدالتهما، بناء على اعتبارها، لتخيل كل منهما الصلاح في ضد ما يقوله الآخر لم يمض ما ينفرد به كل واحد منهما عن صاحبه، إلا ما لا بد منه، مثل كسوة اليتيم و مأكوله و الرقيق و الدواب و إصلاح العقار، و شراء كفن الميت، و نحو ذلك مما لا يمكن تأخيره إلى وقت الاتفاق، بل عن بعضهم زيادة قضاء ديونه، و إنفاذ الوصية المعينة، و قبول الهبة عن الصغير مع خوف فوات النفع، و الخصومة عن الميت، و له عن الطفل، و له الحاجة، و رد الوديعة المعينة و العين المغصوبة.

و في القواعد الفرق بين صورتي الإطلاق، و النهي عن الانفراد، فيجوز ذلك، في الأول، و لا يجوز في الثاني، و فيه أنه لا فرق بينهما بعد تنزيل الإطلاق على عدم جواز الانفراد إلا بالظهور و الصراحة، و ذلك لا يصلح فارقا، كما أنه قد يناقش فيما قبله بأن ذلك لا ضرورة تقتضي فعله قبل الرجوع الى الحاكم، أو عدول المؤمنين، بل الأول أيضا كذلك، فالمتجه ما عن المبسوط و الحلبي من عدم جواز الانفراد مطلقا حتى في كسوة اليتيم و مأكوله امتثالا لنهي الموصى عنه.

نعم قد يتجه ذلك فيما تشتد الضرورة إليه، على وجه لا يمكن الوصول الى الحاكم أو من يقوم مقامه، فيتولاه حينئذ أحدهما أو غيرهما من العدول من باب الحسبة لا من حيث الوصاية، و لعل الضابط ذلك، و هو خارج عما نحن فيه من انفراد أحدهما من حيث الوصاية.

و كيف كان فلا ريب في أن- للحاكم الشرعي المعد لحسم أمثال ذلك جبرهما على الاجتماع مع الإمكان من غير استبدال، لعدم ولاية له فيما فيه للميت وصي، و عن الحلبي أنه يرد الحاكم إلى أعلمهما و أقومهما، و يجعل الثاني تبعا له.

و أشكل بأن فيه تخصيصا لأحدهما بالنظر، و قد منعه الموصى، و قد يدفع بأن المراد الإجبار على الاجتماع الذي منه رد غير الأعلم إلى الأعلم، و نحو ذلك مما مرجعه الى رد المرجوح في نظر الحاكم الى الراجح، و لعله بذلك لا يكون منافاة بين القولين.

فان تعاسرا على وجه يتعذر جمعها جاز له الاستبدال بهما حذرا من الترجيح بلا مرجح، و صونا لوصايا الميت عن التعطيل، و حفظا للمال عن التلف، و لبقاء

ج 28، ص: 410

المال بلا ولي بعد فرض تعذر الاجتماع الذي هو شرط ولايتهما فينتفى المشروط بانتفائه، و يكون حينئذ وجودهما بمنزلة عدمهما.

و في الدروس «و له عزل أحدهما و الضم إليه، و ليس له جعله منفردا» و قال الحلبي «له جعله منفردا إذا كان أعلم و أقوى، فيتبعه الباقون من الأوصياء» هذا و لكن في الروضة «كذا أطلق الأصحاب، و هو يتم مع عدم اشتراط عدالة الوصي، أما معه فلا، لأنهما بتعاسرهما يفسقان، لوجوب المبادرة إلى إنفاذ الوصية مع الإمكان فيخرجان بالفسق عن الوصاية، و يستبدل بهما الحاكم، فلا يتصور إجبارهما على هذا التقدير، و كذا لو لم نشترطها، و كانا عدلين، لبطلانها بالفسق حينئذ على المشهور نعم لو لم نشترطها، و لا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاح».

و فيه أن تشاحهما إذا كان مستندا الى اعتقاد رجحان ما رأياه بحسب المصلحة لا التشهي و المعائدة لا يقتضي الفسق. لكن يرد حينئذ أن جواز جبر الحاكم لهما على الاجتماع محل نظر، فاشتراط العدالة لا يتم مع التعاسر الذي كان للحاكم معه إجبارهما، و قد يدفع كما في بعض حواشي الروضة- بأنه لا مانع من التزام جواز جبر الحاكم لهما بما هو الأصلح عنده في نظره، و مع التساوي يتخير، و هذا لا ينافي عدالتهما و فيه أن جبر الحاكم لا يكون إلا مع امتناع المخالف على ما يجب عليه، و مع فرض عدالتهما و كون تكليفهما الرجوع الى الأصلح في نظر الحاكم لا امتناع منهما، فلا جبر، فالأولى إبدال الجبر بأمر الحاكم لهما بما هو تكليفهما في التعاسر المفروض، كما أن الأولى التصريح بالتفصيل على القول باشتراط العدالة، بأن التشاح إن كان لاختلاف النظر لم يلزم فسقهما، و إن كان يوجب الاختلال بالواجب مع إمكان الاجتماع يلزم فسقهما إن إصرا على ذلك، إذا لم يثبت كونه من الكبائر، و لعله مراد من أطلق ممن اشتراطها من الأصحاب.

و على كل حال ف لو أراد قسمة المال بينهما حيث يجب عليهما الاجتماع لم يجز بلا خلاف و لا إشكال، لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع في التصرف و لو مرض أحدهما أو عجز على وجه لا يقوى على القيام بتمام ما أوصى

ج 28، ص: 411

إليه، و لو بالتوكيل و الاستيجار ضم إليه الحاكم من يقويه و يعينه على ما كلف به على حسب ما تسمعه في شرح قوله «و لو ظهر من الوصي عجز» الى آخره.

و في الدروس: إطلاق كون الضم الى الآخر بالعجز، لا إلى العاجز، بل عن الكفاية أن ذلك هو الأشهر، و تظهر الثمرة في وجوب قيام ثلاثة على التصرف في الوصية على الأول، و اثنين على الثاني، و في المسالك «إمكان حمل كلامه على العجز بالكلية لا في الجملة، و هو جيد، و إلا لأشكل بأن العجز في الجملة لا يخرج الوصي عن الوصاية، لجواز الوصية إلى العاجز كذلك ابتدأ.

بل عن التذكرة و جامع المقاصد الإجماع عليه، فكذا في الاستدامة بل أولى من الابتداء بذلك كما هو واضح.

أما لو مات أو فسخ مثلا على وجه ينعزل عن الوصاية لم يضم الحاكم الى الآخر، و جاز له الانفراد كما عن الأكثر على ما في محكي

الشرائع للصيمري و الكفاية لأنه لا ولاية للحاكم مع وجود وصي و شرطية الشركة- التي مقتضاها انتفاء المشروط بانتفائها، فتنتقل الولاية إلى الحاكم- مقيدة بحسب العرف و العادة ببقاء كل منهما على قابلية الوصاية، فكأنه قال: كل وصى على الاشتراك بشرط بقاء كل منهما عي قابلية الوصاية، و لكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت و من أن ظاهر الشرطية عدم رضى الموصى برأي أحدهما منفردا، و الوصي إنما هما معا، لا أحدهما منفردا، فلا بد أن ينضم إليه أمين، و من هنا كان ذلك خيرة الفاضل في قواعده و محكي إرشاده و تحريره و الشهيدين، و فاضل الرياض، بل هو المحكي عن فخر الدين و جماعة.

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، بعد ما عرفت من تقييد الاشتراط بذلك، و إلا كان مقتضى ما ذكروه انتفاء وصاية الآخر أيضا، ضرورة كونها مشروطة بشرط، و الفرض انتفاؤه فيستقل الحاكم بالوصاية، و بقاء أحدهما كعدمه حينئذ لعدم الاذن له في هذه الحال كما لو تشاحا.

ج 28، ص: 412

و من ذلك يعلم الحال فيما فرعه في الرياض على الثانى بعد ان اختاره «من أنه هل للحاكم أن يفوض جميع الولاية الى الثاني منهما بدلا عن الضميمة، تنزيلا له مقامها، وجهان: من أن النظر قد صار للحاكم، فيولي من اختاره، و من أن الموصى لم يرض برأي الآخر على الانفراد، فليس للحاكم تفويض جميع الأمر إليه، و إلا لزم التبديل المنهي عنه في الشريعة، و هذا أجود، بخلاف ما لو حصل لهما معا العجز أصلا، فإن للحاكم أن ينصب من قبل الموصى، و لم يرض برأيه منفردا كما مضى، و هنا قد انقطع نظره لعجزهما و صار النظر إليه، كملا، فله نصب من شاء و لو واحدا- إذ لا يخفى عليك أن الموصى لم يرض برأي أحدهما إلا مجتمعا مع خصوص الآخر، فإذا تعذر انتفت الوصاية من رأس، و استقل الحاكم، لا أنه يريد انضمامه إلى شخص آخر، أى شخص يكون، كي يقوم أمين الحاكم مقامه، و هو واضح بأدنى تأمل.

و منه يعلم قوة ما عن الأكثر على ما عرفت، من تقييد الشرطية بحال الإمكان، و إلا انفرد الآخر، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، ز و الله هو العالم.

و على كل حال ف لو شرط لهما الاجتماع و الانفراد بمعنى أنه قد أذن له في كل منهما كان تصرف كل واحد منهما ماضيا و لو انفرد للاذن و كذا يجوز أن يقتسما المال و يتصرف كل واحد منهما فيما يصيبه و فيما في يد صاحبه كما يجوز انفراده قبل القسمة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، لكون الفرض شمول الاذن، أما لو شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع حينئذ نظر، من مخالفة الشرط، فلا يصح، و من اقتضاء الاتفاق على الاجتماع صدوره عن رأي كل منهما، و شرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كل منهما، و هو حاصل إن لم يكن هنا آكد، فيكون شرط الانفراد رخصة لا تضييق.

و في الرياض «و هذا ظاهر العبارة» و الروضة «و هو حسن حيث تقوم قرينة على كون اشتراط الانفراد رخصة لا عزيمة، و مع هذا لو حصل لهما حال الاجتماع نظر مخالف له حاله الانفراد ينبغي القطع بالمنع، لجواز كون المصيب حالة الانفراد، و لم يرض الموصى إلا به».

ج 28، ص: 413

قلت: كما أنه ينبغي القطع بمراعاة الانفراد، و عدم التردد في الرأي مجتمعين مع اشتراط الانفراد الذي لم تقم قرينة على إرادة الرخصة منه، فان ذلك بمنزلة ما لو نهاهما عن الاجتماع، فإنه لا إشكال في أتباعه عملا بمقتضى الوصية المنهي عن تبديلها، و الله هو العالم.

و كيف كان ف للموصى إليه أن يرد الوصية و إن كان قد قبلها ما دام الموصى حيا، بشرط أن يبلغه الرد كم أن للموصى عزل الوصي بلا خلاف أجده في الثاني، للأصل و المعتبرة المستفيضة(1)في جواز الرجوع في الوصية، الشاملة إطلاقا في بعض و فحوى في آخر لمفروض المسألة.

بل و في الأول من غير الصدوق في خصوص ما إذا كان الموصى أبا، أو كان الأمر منحصرا فيه، أى الموصى إليه، فلم يجز الرد فيهما ل

مكاتبة علي بن الريان (2)إلى أبي الحسن (عليه السلام) «رجل دعاه والده إلى قبول وصيته، هل له أن يمتنع من قبول وصيته؟

فوقع (عليه السلام) ليس له أن يمتنع».

و مفهوم

صحيح ابن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يوصى اليه، فقال: إذا بعث بها إليه من بلد، فليس له ردها، و إن كان في مصر يوجد فيه غيره فذاك إليه (3)».

و نحوه غيره، و عن المختلف الميل إليه، مؤيدا للأول بأن امتناع الولد نوع عقوق و الثاني بأن من لا يوجد غيره يتعين عليه، لأنه فرض كفاية إلى أن قال: و بالجملة أصحابنا لم ينصوا على ذلك فلا بأس بقوله.

و في الرياض «و هو كذلك ان لم ينعقد الإجماع على خلافه، و لا يمكن دعواه بإطلاق عبائر الأصحاب بجواز الرد مطلقا، لعدم تبادر المقامين منه جدا، و منه يظهر الجواب عن إطلاقات النصوص بذلك أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 414

مضافا إلى وجوب حمل المطلق على المقيد، حيث تضمن شرائط الحجية كما هنا.

قلت: لكن يعتبر فيه المقاومة، و لا ريب في عدمها هنا لتعدد نصوص الإطلاق و اتحاد خبر التقييد، و اعتضاد الأول بإطلاق الفتاوى الذي لا وجه لدعوى عدم شموله لذلك، خصوصا بعد معلومية خلاف الصدوق عندهم، فيمكن حينئذ دعوى كون الإطلاق كالصريح فيما يخالفه و العقوق مبني على أمر الوالد بذلك على وجه

يؤذيه عدم القبول و على وجوب طاعة الولد في مثل ذلك، و ان كان هو الظاهر، لإطلاق ما دل على وجوبها من الكتاب و السنة، لكن محل البحث عدم قبول الوصية من حيث كونها كذلك لا ما إذا اشتملت مع ذلك على أمر بالقبول، و يمكن حمل المكاتبة المزبورة على ذلك، بل لعله الظاهر منها، فتخرج حينئذ عن محل البحث.

و دعوى أن مجرد إيجاب الوصية طلب للقبول على وجه الحتم ممنوعة، على أن مقتضى ذلك تعميم الحكم للآباء و إن علوا، و الأمهات و إن نزلن، و هو خلاف ظاهر القائل.

ثم إن الولد لو رد حيث يأمره الوالد بالقبول يأثم، و لا يكون وصيا؟ أو أن رده كلا رد وجهان: أقواهما الأول، و دعوى كون قبول الوصاية من فروض الكفاية كي يتعين مع الانحصار واضحة المنع، خصوصا بعد قيام الحاكم بأمثال هذه الأمور فالمتجه حينئذ جواز الرد مطلقا مع الشرط المزبور.

قال الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1)«إن أوصى رجل إلى رجل و هو غائب، فليس له أن يرد وصيته، و أن أوصى إليه و هو بالبلد، فهو بالخيار إن شاء قبل و ان شاء لم يقبل».

و في خبر منصور بن حازم (2)«إذا أوصى الرجل إلى أخيره و هو غائب، فليس له أن يرد عليه وصيته، لأنه لو كان شاهدا فأبى أن يقبلها طلب غيره»

إلى غير ذلك مما هو دال منطوقا أو مفهوما على جواز الرد.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 415

نعم الظاهر أن المراد بالغيبة و الحضور في النصوص: المزبورة الكناية عن بلوغ الرد إليه و هو حي، للإجماع على مدخلية ذلك، و للتعليل في خبر منصور مؤيدا ذلك كله بفتاوى الأصحاب.

و

بالرضوى (1)«إذا أوصى رجل إلى رجل و هو شاهد، فله أن يمتنع من قبول الوصية لازمة له».

نعم في المسالك، و كذا الرياض: هل يشترط مع بلوغ الموصى الرد، إمكان إقامته وصيا غيره، أم يكفي مطلقا بلوغه حيا؟ ظاهر الفتاوى الثاني، و مقتضى التعليل الأول، لأنه إذا لم يمكنه نصب وصى آخر يكون بمنزلة ما لو لم يعلم بالرد، و الأجود اعتبار الإمكان، كما يرشد إليه

قوله (عليه السلام)(2)«لو كان شاهدا»

الى آخره، فإن العلة المنصوصة تتعدى على الأقوى و لانتفاء الفائدة بدونه، فعلى هذا لو كان حيا و لا يمكنه نصب أحد و لو بالإشارة لم يصح الرد، و لو أمكن و لكن كان المنصوب غائبا بحيث يتوقف ثبوت وصايته على البينة،

و لم يحضر الموصى من يثبت به الوصاية، ففي تنزيله منزلة عدم التمكن من الوصاية وجهان: من حصول أصل القدرة و تحقق الشرط، و من انتفاء فائدته باعتبار عدم ثبوته.

قلت: لكن قد يناقش بكون المنساق من التعليل إرادة بيان واقع، فهو شبه الحكمة، لا أن المراد من التعليل قصد دوران الحكم مداره، ضرورة عدم لزوم طلب غيره، إذ قد لا يريد وصية غير هذا الذي ردها، فاستصحاب بقاء الرد بحالة حينئذ، من غير فرق بين المتمكن و غيره من حيث البينة و غيرها، و الله العالم.

و على كل حال ف لو مات الموصى قبل الرد أو بعده و لم يبلغه لم يكن للرد أثر، و كانت الوصية لازمة للموصى بلا خلاف أجده فيه فيما لو كان قد قبلها قبل الرد، بل في المسالك و محكي المبسوط و الخلاف و التذكرة الإجماع عليه بل و إن لم يكن قد قبلها على المشهور بين الأصحاب، بل عن صريح الغنية، و ظاهر الدروس الإجماع عليه لما سمعته من النصوص السابقة.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 523.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 28، ص: 416

و

خبر هشام بن سالم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يوصى إلى رجل بوصية، فيكره أن يقبلها، فقال أبو عبد الله: لا يخذله على هذا الحال».

وخبر الفضيل (2)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يوصى إليه قال: إذا بعث بها اليه من بلد فليس له ردها»

إلى غير ذلك من النصوص المحمولة على التفصيل المزبور لما عرفت، خلافا للفاضل في المختلف و التحرير فجوز الرد أيضا بعد أن اعترف بنسبة عدم الجواز إلى الأصحاب كافة، و مال إليه في المسالك، للأصل المانع من إثبات حق على الموصى إليه على وجه قهري، و تسليط الموصى على إثبات وصيته على من شاء، و لاستلزام ذلك الحرج العظيم، و الضرر الكثير في أكثر مواردها، و هما منفيان بالآية(3)و الرواية(4)، و لعدم صراحة النصوص في الدلالة على المطلوب، لاحتمال حملها على الاستصحاب: أو سبق القبول، أو نحو ذلك مما لا بأس بحملها عليه، بخلاف إثبات مثل هذا الحكم العظيم المخالف للأصول العقلية و الشرعية بمثل ذلك.

و فيه أن ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص، ضرورة الخروج عن الأصل المزبور بالدليل من النص و الإجماع و غيرهما، و الحرج و الضرر مع فرض عدم إمكان تحملهما يسقط التكليف معهما، كما عن التنقيح التصريح به، و هو غير ما نحن فيه، و إلا لم يكن بهما بأس بعد قيام الدليل، و عدم الصراحة لو سلم لا ينفى أصل الاستدلال، إذا أكثر الفقيه مبني على الظواهر، و المحملان لو سلم إمكان الجمع لهما، إنما يرتكبان بعد قوة المعارض و ليست، بل الأمر بالعكس كما عرفت.

و مما ذكرنا في الحرج و الضرر، يعلم ما في المسالك حيث أنه بعد أن مال إلى قول الفاضل قال: «و لو حصل للوصي ضرر ديني، أو دنيوي، أو مشقة لا يحتمل مثلها عادة، أو لزم من


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
3- 3 سورة الحج الآية- 78.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الخيار.

ج 28، ص: 417

تجملها ما لا يليق بحالة من شتم و نحوه، قوى جواز الرجوع» و ظاهره أنه كذلك على القولين، إلا أن المتجه بناء على عدم جواز الرجوع الاقتصار في الضرورة على قدرها، لا رد الوصية و فسخها كما ستعرفه في مسألة العجز و غيره من نظائر المسألة، بل

في خبر إسماعيل قال(1): «سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل حضره الموت فأوصى إلى ابنه و أخويه شهد الابن وصيته، و غاب الاخوان فلما كان بعد أيام أبيا أن يقبلا الوصية، مخالفة أن يتوثب عليهما ابنه، و لم يقدرا أن يعملا بما ينبغي، فضمن لهما ابن عم لهما، و هو مطاع فيهم أن يكفيهما ابنه فدخلا بهذا الشرط فلم يكفهما ابنه، و قد اشترطا عليه ابنه، فقالا نحن برآء من الوصية، و نحن في حل من ترك جميع الأشياء و الخروج منه، أ يستقيم أن يخليا عما في أيديهما و يخرجا منه؟ فقال: هو لازم لك، فارفق على أي الوجوه كان، فإنك مأجور»

و لعل ذلك يحل بابنه إيماء إليه، بناء على أن الخطاب فيه لأحد الوصيين.

ثم إن الظاهر اعتبار اللفظ أو ما يقوم مقامه في إفادة إنشاء الرد، فلا يكفي فيه مجرد عدم الرضا الباطني، نحو ما سمعته في إجازة الفضولي و نحوها مع احتماله، إلا أن الأول هو الأقوى.

للأصل المقتصر في انقطاعه على المتيقن.

و منه يعلم صحة الوصية لمن يعلم عدم رضاه بقبولها لو علم، مع إخفائها إلى أن مات الموصى، بل لو ردها على وجه يعلم منه استمراره على معنى الرد، ثم أوجب الموصى بعد الإيجاب المردود، ثم أخفاه إلى أن مات اتجه لزومها له، لعدم العبرة بما في نفسه، بل يمكن ذلك لو صدر منه ما يقتضي الرد مع عدم علمه بالإيجاب، لكن يقوى في النظر خلافه، و الله العالم. فتأمل جيدا، بأني لم أجد تحريرا لذلك في كلماتهم.

و لو ظهر من الوصي عجز عن الاستقلال بإنفاذ الوصية أو هرم أو غير ذلك من موانع الاستقلال، و لو على جهة التوكيل و الاستيجار ضم إليه مساعد، و لا ينعزل بذلك، بلا خلاف أجده فيه بل عن التذكرة و جامع المقاصد الإجماع عليه، بل الظاهر جواز


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.

ج 28، ص: 418

الوصاية للعاجز ابتداء كما عن التذكرة نسبته إلى أصحابنا، و في القواعد و إن ذكر كفاية الوصي و اهتدائه إلى ما فوض إليه في شرائطه، لكنه صرح بإرادة شرطية ذلك في الاستقلال دون أصل الوصية، و كذا شارحه الكركي.

نعم في الدروس سابعها: أي الشرائط كفاية الوصي، فلو أوصى إلى هرم يعجز عن التصرف أو إلى مريض مدنف أو إلى سفيه، ففي بطلانها من رأس، أو صحتها و يضم إليه الحاكم مقوما نظر، ينشأ من وجوب العمل بقوله ما أمكن، و من عدم الفائدة المقصودة بالوصية- لكن قال:- و لو عرض العجز في الأثناء ضم الحاكم إليه قطعا، و لا ينعزل».

و فيه أن عدم انعزاله بالتجدد، يقتضي مانعيته في الابتداء، و أنه يمكن أن يكون العاجز ذا رأي و تدبير، و لكنه عاجز عن الاستقلال، فيفوض إليه الموصى أمره لذلك، و يعتمد في تمام الفعل على نصب الحاكم له معينا لتحصل الفائدة المطلوبة من الوصية، و يسلم من تبديلها المنهي عنه، بل قد يفرض غير ذلك من الأغراض و الفوائد على وصايته- و ان كان عاجزا- نظرا و تدبيرا فضلا عن عجز المباشرة بنفسه أو بغيره، و بالجملة عمومات الوصاية و إطلاقاتها تقتضي جواز الوصاية لمثل ذلك، و الأغراض الباعثة عليه كثيرة، و لا يحتاج إلى تقسيم العجز إلى أقسام، و كثرة الكلام في تشقيقه على وجه لا فائدة فيه.

انما البحث في أن هذا الضم باعتبار قصور ولايته، فتكون الولاية التامة مشتركة بينه و بين الحاكم الذي تكون له الولاية خاصة، بعد فقد الوصي، أو أن الولاية بتمامها للوصي، و لكن بضم إليه مساعدا على ما كلف به، وجهان بل قد يقوى في النظر الثاني لعدم معهودية شركة الحاكم و غيره في الولاية، بل حال الوصي حال الأب العاجز مثلا، فان الظاهر عدم شركة الحاكم له، و ان ضم إليه مساعد أيضا، بل إن لم يقم إجماع على اعتبار الضم من الحاكم، أمكن القول بوجوبه كفاية على الناس، للأمر بالمعاونة على البر و التقوى و غيره مما دل على ذلك، و يكون ذلك هو النكتة في بناء الضم للمجهول في المتن لا ما في المسالك من أنه اتكالا على المعلوم من قيام الحاكم بهذه الوظائف، و لبيان أنه مع التمكن من الحاكم يقوم عدول المؤمنين مقامه في هذا الضم، كما يقومون مقامه في غيره من ولاياته.

ج 28، ص: 419

و مما ذكرنا يعلم أن الوجه مع زوال العجز يستقل الوصي، و ليس للمساعد مشاركته قهرا، و إن قال في جامع المقاصد: «ان في ذلك وجهين» كما أنه علم مما ذكرنا حال العجز ابتداء، و في الأثناء، بل لعل قول المصنف «و لو ظهر» ظاهر في الأول و يمكن شموله لهما معا، و كذا علم حال العجز عن النظر و التدبير، أو عن المباشرة و عن التوكيل و الاستيجار و عدمه، فتأمل جيدا، فان ذلك كله غير محرر في كلماتهم و الله العالم.

و كيف كان ف إن ظهر منه : أي الوصي خيانة في وصيته وجب على الحاكم عزله، و قيم مكانه أمينا بل في المسالك «إنما يتوقف على عزل الحاكم لو لم نشترط عدالته، فللحاكم حينئذ أن يعزل الخائن، مراعاة لحق الأطفال و أموال الصدقات و نحوهما، أما إذا اشترطنا عدالته، فإنه ينعزل بنفس الفسق، و إن لم يعزله الحاكم، و قد تقدم مثله، و لعلم المصنف يريد بعزل الحاكم منعه من التصرف، أو ما هو أعم منه، و من مباشرة عزله، فيجري على المذهبين إذ لم يتقدم منه ترجيح لأحد المذهبين» انتهى، و ظاهره أن الخيانة في الوصية غير باقي أسباب الفسق فإن الحاكم يعزله، و ان لم يشترط العدالة في الوصي و لعله وجهه ما سمعته سابقا في أول الشرائط من خبر الدعائم (1)، و أن ظاهر حال الموصى ملاحظة أمانته في تنفيذ وصاياه، فمع فرض خيانته في ذلك لا ولاية له من الموصى، فهو كما لو أوصى إلى عدل من حيث عدالته ففسق، فإنه لا وصاية له، و ان لم نقل باشتراط العدالة، لكن قد يشكل ذلك فيما إذا علم الموصى بحاله، و مع ذلك قد أوصاه فيما له الوصاية عليه و إن كان خائنا، و يشكل أيضا في اقتضاء ذلك انعزاله حتى فيما لم نحن فيه، فيضمن حينئذ كل وصية أنفذها على وجهها، بعد الخيانة، بل قد يشكل أصل عزله بذلك، بل أقصاه منع الحاكم له في استقلاله بالتصرف، بل يجعل عليه ناظرا منفذا للوصايا معه على وجهها، اللهم إلا أن يفهم من الموصى اشتراط وصايته بأمانته، و أنه متى خان لم يكن وصايا، و حينئذ يتجه منع الحاكم له، و لا يحتاج إلى عزل، و كذا الوكيل، و لعل التمسك بأصالة بقاء حكم الوصي عليه هو المتجه، فإنه كالوكيل في المعنى، بل هو أقوى ولاية، و لم يثبت ما يقتضي انعزال الوكيل بمجرد خيانته حتى لو جاء بباقي ما و كل فيه على وجهه، فضلا عن الوصي و خبر الدعائم(2)يمكن إرادة زوال الاستقرار بالتصرف فيه بالنسبة


1- 1 المستدرك ج 2 ص 528.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 538.

ج 28، ص: 420

إلى الخيانة فالمتجه حينئذ عدم بطلان وصايته، و أولى منه بذلك المجتهد الأب و الجد الذين ولايتهم من الشارع، فلا ترتفع بذلك و نحوه، و إن منعوا من التصرف مستقلين حتى يتوبوا، فإن تابوا رجعوا إلى حالهم الأول، و لعل الوصي كذلك أيضا.

نعم لو قلنا بانفساخ إيجاب الوصية بذلك، كما المتجه عدم عودها، لعدم المقتضي، إلا أن يفهم من الموصى ذلك، و هو خارج عما نحن فيه فتأمل جيدا، و الله العالم.

و كيف كان ف الوصي أمين بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد نفيه بين أهل الإسلام و لا إشكال، ضرورة كون استيلاء يده على ما أوصى عليه بإذن مالكية و شرعية، فلا يكون إلا أمينا و حينئذ ف لا يضمن ما يتلف في يده إلا ما كان عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط كما هو الحال في كل أمين، و إطلاق بعض النصوص بضمانه محمول على ذلك، و منه ما استفاضت النصوص بتبديله الوصية،

كالصحيح (1)«عن رجل أوصى إلى رجل و أمر أن يعتق عنه نسمة بستمائة درهم من ثلثه، فانطلق الوصي و أعطى الستمائة درهم رجلا يحج بها عنه؟ فقال (عليه السلام): أرى أن يغرم الوصي من ماله ستمائة درهم و يجعل الستمائة درهم فيما أوصى به الموصى»

و ربما كان فيه إيماء إلى عدم انعزال الوصي بالخيانة، اللهم إلا أن يكون ذلك ليس منها، بل هو شي ء قد فعله الوصي بجهله، بتخيل أنه أنفع للميت، و لكن حيث كان تبديلا للوصية لم يمض، و وجب عليه الضمان، و كأن المصنف أراد بمخالفة شرط الوصية ما يشمل التعدي كما اعترف به في المسالك قال: «فإنه إذا لبس الثوب مثلا فقد خالف شرط الوصية، لأن مقتضاها حفظ مال الطفل، أو بيعه و صرفه في الجهة المأمور بها و نحو ذلك، فاستعماله لا يدخل في شرط الوصية، و مثل ذلك ركب الدابة و غيره ذلك، هذا إذا لم يتعلق به غرض يعود على ماله من الولاية، بحيث لا يتم بدونه كما لو ركب الدابة لقضاء حوائج الطفل و استيفاء دينه حيث يتوقف على الركوب، أو دخل داره لإصلاح أمره، أو لبس الثوب ليدفع عنه الدود، و نحو ذلك» انتهى، و الظاهر أنه من التفريط، التكاسل في أمر الوصية و التهاون. و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 421

و لو كان للوصي على وفاء الديون أو على ما يشمله على وجه له التخيير في جهات القضاء دين على الميت الذي هو وصية على الوجه المزبور جاز أن يستوفى دينه مما في يده من غير إذن الحاكم، إذا لم يكن له حجة على إثبات حقه و دينه، بل الأقوى ما قيل: من أنه يجوز مطلقا أي سواء كان له حجة أولا، و عن الشهيدين اختياره، لأن فائدتها احتمال كذب المدعى، و المفروض عدمه، كما أن المفروض وصايته على وجه له التخيير في جهات القضاء، فلم يكن إشكال في استيفائه، ضرورة أولويته مما حكى الاتفاق عليه من جواز إيفائه ما يعلمه من دين الأجنبي كذلك، و لا يشكل ذلك بالأصل، و

موثقه يزيد بن معاوية(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام): «قلت له: إن رجلا أوصى إلي فسألته أن يشكر معي ذا قرابة له ففعل و ذكر الذي أوصى أن له قبل الذي أشركه في الوصية خمسين و مائة درهم و عنده رهن بها جام فضة، فلما هلك الرجل أنشأ الوصي يدعي أن له أكرار حنطة قال: إن أقام البينة، و إلا فلا شي ء له، قال: قلت له: أ يحل له أن يأخذ مما في يده شيئا؟ قال: لا يحل له، قلت: أ رأيت لو أن رجلا عدا عليه فأخذ ماله فقدر على أن يأخذ من ماله ما أخذ أ كان ذلك له؟ قال: «ان هذا ليس مثل هذا»

لانقطاع الأصل بما عرفت، و خروجه الموثق عن الفرض باعتبار الاشتراك في الوصية على وجه ليس لأحدهما الاستقلال بالتصرف من دون إذن الآخر، الذي ليس له إجازة هذا الأخذ من دون إثبات، مع أنه لم يعلم الوصاية فيه على وفاء الدين، و المقاصة مع عدم علم المقتص منه، و كون امتناعه على الشرع غير مشروعة، و أنها موضوعها نحو ما

في الخبر «الأخذ من مال من عدا عليك»، «و أخذ مالك»

المندرج في قوله تعالى (2)«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» و من هنا قال: إن هذا ليس مثل ذلك.

و من ذلك يعلم أيضا الفرق بين موضوع الفرض و بين الأجنبي الذي له دين ضرورة كون الفرض أن الديان الوصي الذي له الولاية على وفاء الدين، بأي فرد شاء من أفراد التركة،


1- 1 الوسائل- الباب- 93- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 سورة البقرة الآية 194.

ج 28، ص: 422

بخلاف الأجنبي، فإنه لا ولاية له على ذلك، و لذا جعل الأصحاب موضوع المسألة الوصي.

نعم قد استدل بعض الناس له بالمقاصة، و بأنه محسن في استيفاء الدين «و ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ (1)» و مقتضاهما عدم الفرق بين الأجنبي و الوصي في ذلك، و يتأتى البحث حينئذ في اشتراط المقاصة بإذا الحاكم و عدمه، مع اختلاف الجنس أو مطلقا، و بعدم التمكن من قيام البينة و إمكانه، و إن كان قد يقوى في النظر عدم اشتراط شي ء من ذلك في الممتنع، عملا بإطلاق أدلة المقاصة من غير فرق بين المديون نفسه و وارثه لإطلاق أدلة المقاصة ، و كذا من تعذر له الوصول إلى حقه، لعدم البينة المثبتة مثلا، و إن لم يكن امتناع فإنه يرجح حقه على غيره بقاعدة نفي الضرر و العسر و الحرج و نحوها أما غير الممتنع الذي يتمكن صاحب الحق من إثبات حقه عليه، فقد يشكل مقاصته من غير إذنه، باعتبار اقتضائها إسقاط حقه من تخيير(2)

الوفاء بأي جنس شاء، من غير فرق أيضا بين المديون و وارثه.

و لعله لذا فصل المصنف هنا و الحلي و الفاضل فيما حكى عنهما بين صورتي العجز عن الإثبات و عدمه، فيقتص في الأول، دون الثاني، و هو جيد، لكنك قد عرفت أن موضوع المسألة هنا الوصي الذي قد عرفت عدم جريان هذا التفصيل فيه باعتبار ولايته على استيفاء الدين على وجه له التخيير، اللهم إلا أن يكونوا جعلوا موضوعها الوصي المساوي للأجنبي، و هو الذي لم يجعل وصيا على وفاء الدين، فيتجه حينئذ لهم هذا التفصيل بل لعل منه أيضا الوصي على وفاء الدين الذي لم يجعل التخيير في الوفاء إليه، فإنه حينئذ كالأجنبي، بل لعل من أطلقت وصايته على وفاء الدين كذلك، فإن الإطلاق لا يقتضي تخييره في الأفراد من غير إذن الوارث، فيبقى حقه في التخيير.

و من ذلك كله يعلم لك الحال في جميع شقوق المسألة، كما أنه يعلم لك الحال فيما أطنب فيه في الرياض، مع أنه لم يأت بشي ء كما لا يخفى على من لاحظه. و الله العالم و الموفق.


1- 1 سورة التوبة الآية- 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 83- من أبواب أحكام ما يكتسب به.

ج 28، ص: 423

و كيف كان ف لنفسه من نفسه باعتبار ولايته على المال الذي يريد شراءه بالوصاية من غير فرق بين كونه مال طفل أو غيره تردد و خلاف، فالمشهور على الأول لوجود المقتضي الذي هو صدور العقد من أهله في محله، فتشمله العمومات و الإطلاقات، و انتفاء المانع، إذ لم يثبت اشتراط التغاير الحقيقي بين الموجب و القابل، بل مقتضى العمومات نفيه، و لذا جاز شراء الأب من ماله ولده، و جاز في النكاح الذي و أعظم من هذا المقام، مع أنه يمكن فرضه في التوكيل عن نفسه، أو عن من هو ولي عنه، اللهم إلا أن يلتزم الخصوم بجواز مثل ذلك، أو بمنع كونه تعددا حقيقيا، ضرورة كون لفظ الوكيل لفظ الموكل، فالعمدة في الدليل الأول، مضافا إلى

الخبر(1)المنجبر قصوره بعمل الأكثر، و فيه «هل للوصي أن يشترى من مال الميت، إذا بيع فيمن زاد يزيد، و يأخذ لنفسه، فقال:

يجوز إذا اشترى صحيحا».

و قيل كما عن الخلاف و الحلي لا يجوز، لوجوب التغاير بين الموجب و القابل، و هو مفقود، و قياسه على شراء الأب من مال ولده قياس، و لما

عن ابن مسعود(2)«من أن رجلا أوصى إلى رجل ببيع فرس له، فاشتراه الوصي لنفسه، و استفتى عبد الله بن مسعود فقال: ليس له ذلك»

و في محكي الخلاف بعد أن حكى ذلك عن ابن مسعود قال: و لا يعرف له مخالف، و للأخبار(3)المانعة عن شراء الوكيل لنفسه الذي هو بمنزلة الوصي.

و فيه منع اعتبار التغاير حقيقة كما هو مقتضى الإطلاقات و العمومات، فيكفي حينئذ

التغاير الاعتباري نحو ما في شراء الأب من مال ولده الصغير الثابت بالإجماع حتى من الخصم، و كذا النكاح بل عن الطوسي دعوى الإجماع على الاكتفاء به فيه، و الاستدلال بهما على المطلوب ليس من القياس، بل من اتحاد طريق المسألتين، بل لعل المقام أولى من النكاح في الجواز، و لا أقل من أن يكون ذلك عاضدا للإطلاقات و العمومات و كاشفا عن إرادة العموم منها على وجه يشمل ذلك، و خبر ابن مسعود بعد أن لم يكن مسندا إلى من يجب اتباعه لا حجة فيه،


1- 1 الوسائل- الباب- 89- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 المغني لابن قدامة ج 5 ص 238.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب التجارة.

ج 28، ص: 424

و عدم وجدان المخالف له لا يصيره إجماعا، و أخبار الوكيل بعد فرض القول بها فيه يمكن الفرق بينه و بين الوصي بثبوت الولاية للثاني بخلافه و قد ظهر من ذلك كله أن الأشبه بأصول ذلك المذهب و قواعده الجواز لكن إذا أخذ أي الوصي بالقيمة العدل و لم يكن ثمة من يزيد عليه لوجوب مراعاة المصلحة في ذلك خصوصا بعد قوله تعالى (1)«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* و قد تقدم تمام الكلام في باب البيع و الرهن و الحجر و غيرها في هذه المسائل و في جواز اقتراض الولي المال مع الملائة و الرهن و عدمهما فلا حظ و تأمل و الله هو العالم.

و إذا أذن الموصى للموصى أن يوصى على ما أوصاه به من أطفال أو حقوق أو غير ذلك جاز إجماعا بقسميه لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ» و غيره،

فيكون حينئذ وصايا عن الوصي لا عن الموصى، فيجوز له الرجوع عنه ما دام حيا، و هل يجوز نصب وصى عن الموصى مع التصريح من الموصى بذلك وجهان: لا يخلو أولهما من قوة.

و على كل حال لا إشكال في الجواز في الجملة مع الاذن، كما أنه لا يجوز له ذلك إذا نهاه لذلك أيضا و انما الخلاف فيما إذا لم يأذن له، و لكن لم يمنعه أيضا فهل له أن يوصى (11) على ما بقي من وصايا الميت أو جميعها إن لم يكن قد أنفذ منها شيئا فيه خلاف (12) بين الأصحاب أظهره المنع (13) وفاقا للأكثر، لعدم ثبوت ولاية له بعد الموت على ذلك، إذ الفرض عدم ظهور عبارة الموصى في ذلك، بل قيل إن المتبادر من استدامة مباشرة بنفسه أو بوكيله الذي هو بمنزلته و مجبور عمله بنظره و مندرج في وصايته، دون الإيصاء إلى الغير المشتمل على الولاية بعد موته، الذي يكفي في عدم جوازه عدم ثبوت الاذن من الموصى الأول فيه، فضلا عما يقتضي عدمها، خلافا للشيخ و ابني الجنيد و البراج فجوزوا الإيصاء له، لأن الاستنابة من جملة التصرفات التي يملكها حيا بالعموم كما يملكها بالخصوص، و لأن الموصى أقامه مقام نفسه، فيثبت له من الولاية ما يثبت له، و من ذلك الاستنابة بعد الموت.


1- 1 سورة الإسراء الآية- 34.

ج 28، ص: 425

و

مكاتبة الصفار(1)في الصحيح إلى أبي محمد الحسن (عليه السلام) «رجل كان وصي رجل فمات

و أوصى إلى رجل هل يلزم الوصي وصية الرجل الذي كان هذا وصيه، فكتب يلزمه بحقه إن كان له قبله حق إن شاء الله».

بناء على أن المراد حق الإيمان على معنى أنه يلزمه الوفاء بحقه إن كان مؤمنا، فإن لله قد عقد الأخوة بين المؤمنين، و هو مقتضى إعانة المؤمن و قضاء حوائجه فضلا عن إنفاذ وصيته التي هي أهم من ذلك، أو أن المراد يلزم الوصي الثاني أن ينفذ وصية الموصى الأول بسبب حقه الذي على الوصي الثاني، لأنه كان له، أي للأول عليه حق من حيث الوصية، فيجب على الثاني إنفاذ كل حق على الأول، فينبغي قرائتها أن بفتح الهمزة حتى يكون منصوبا بنزع الخافض على الوجه الذي ذكرناه.

و فيه أن الأول مصادرة بل و الثاني، و الصحيح محتمل لذلك، و لإرادة الوصية إليه بأن يوصي من حقه، على أن يكون ضمير حقه راجعا إلى الموصى الأول، فيكون الحاصل أن الوصية تلزم الوصي الثاني بحق الأول إن كان له، أي للأول قبله، أي الوصي، حق بأن يكون قد أوصى إليه بأن يوصى له إذا حضرته الوفاة، فإنه حينئذ يكون له حق الإيصاء عليه، فإذا أوصى بها لزمت الوصي الثاني، و مع تطرق الاحتمال يبطل الاستدلال.

بل في الرياض «أن الذي يظهر منها بعد تعمق النظر فيها كون المراد بالسؤال أن الوصي أوصى إلى الغير فيما يتعلق به و جعله وصيا لنفسه، فهل تدخل في هذه الوصية، وصية الموصى الأول، فيلزم الوصي الثاني العمل بها أيضا، أم لا؟ فكتب الجواب بما مضى، فلا وجه للاستدلال بها لكونها على هذا التقدير مجملة، و مقتضاها حينئذ أنه إن كان للموصى الأول قبله أي الموصى الثاني حق من جهة وصيته إليه بالإيصاء، لزمه الوفاء به، و إلا فلا، و يكون المراد بالحق حق التوصية إلى الوصي الثاني، بأن صرح بالوصية، فيرجع حاصل الجواب إلى أن وصية الأول لا تدخل في إطلاق وصية الموصى الثاني، إلا أن يصرح به، و هو كما ترى غير


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 426

مورد النزاع، و إطلاقها و إن شمله، إلا أنه لا عبرة به، بناء على ظهور وروده لبيان حكم غيره، فيكون الخبر بالنسبة إلى مورد النزاع من جواز وصية الوصي إلى الغير فيما أوصى به إليه الموصى و عدمه مجملا محتملا، لاختصاص الحكم فيه بالجواز مع الشرط بالموضوع المتيقن المجمع عليه، و هو صورة الإذن فيها لا مطلقا، و إن كان هو كما ترى، من صعوبة تطبيق الجواب حينئذ على سؤال.

و قد يحتمل قراءة قبل ظرفا على أن يكون الحاصل أن الوصي الثاني يلزمه القيام بحق الموصى الأول إن كان له قبل الإيصاء إلى الثاني حق على وصيته الأول، بأن أوصى إليه بالإيصاء إذا حضرته الوفاة، أما إذا لم يكن كذلك فإنه لا يلزمه، لعدم الحق له حينئذ على الوصي الأول، بل قد يحتمل غير ذلك مما لا يفيد الخصم، و لو سلم عدم رجحان شي ء مما ذكرناه من الاحتمال بالشهرة و نحوها، فلا أقل من المساواة المقتضية للإجمال، المسقط للخبر عن الحجية، فلا دليل يعتد به للخصم و احتمال الاستدلال له بأنه يكفي في الجواز عموم الوصية الذي يكفي في تناولها عدم النهي عن الموصى عن الإيصاء بعد أن أثبت له حق الوصية الذي لم يعلم ثبوته له على وجه يصح له الإيصاء به و عدمه، فإذا أوصى شملته العمومات كما في الشك في كل مورد من موارد العقود يدفعه عدم العموم الصالح لمشروعية نحو ذلك مما هو تصرف في مال الغير الموقوف على إذنه، فهو شبه توكيل الوكيل عن نفسه من غير نص من الموكل على ذلك، تمسكا بعمومات الوكالة الذي قد علم فساده في محله، باعتبار معلومية توقف مثل هذا التصرف على الاذن من المالك فلا يشمله العمومات و بعينه آت في المقام، كما أن به يفرق بينه و بين موارد العقود المشكوك في تناول العقد لها، و أنه لا يكفي عدم النهي في جواز الإيصاء، بل لا بد من الاذن، كما هو واضح بأدنى تأمل في الولي الذي ولايته بحسب توليه غيره إياها، و الفرض عدم خطاب منه يقتضي العموما، و إلا كان خروجا عن البحث، فدعوى اقتضاء عموم (1)«فَمَنْ بَدَّلَهُ» تناول ذلك كما ترى، على أن المنساق من الوصية عهد الإنسان فيما يتعلق به، لا ما يشمل الغير الذي لم يثبت ولايته عليه في هذا المجال، و بذلك يفرق بين وصاية الأب و الجد و بين


1- 1 سورة البقرة الآية- 181.

ج 28، ص: 427

وصاية الوصي، مضافا إلى ما دل على صحة الوصاية منهما على الطفل مثلا بخلافه.

بقي شي ء تقدمت الإشارة إليه في الجملة، و هو أنه هل يكفي في صحة وصية الوصي بما أوصى(1)

إليه وقوع ذلك منه، حملا لفعل المسلم على الوجه الصحيح الذي هو الاذن له في ذلك، أو لا بد من ثبوت الإيصاء بذلك بطريق شرعي، فلا يكفي دعواه، فضلا عن مجرد فعله، لأن الشك في الشرط شك في المشروط، و أصالة الصحة لا تجدي في إثبات شغل ذمة الغير، وجهان، بل مقتضى التفصيل في الصحيح المزبور بناء على ما قلناه في مقابلة بالجواز، الثاني و الله العالم.

و على كل حال فقد ظهر لك بطلان إيصاء الوصي من دون إذن، فإذا مات الوصي يكون النظر بعده إلى الحاكم الذي هو ولي من لاولي له، و نائبه الخاص أو العام.

و كذا لو مات إنسان و لا وصى له و لا ولي إجباري و له أطفال و وصايا و غير ذلك مما يحتاج إلى الوالي كان للحاكم النظر في تركته بالوجوه الشرعية، بل لعله المراد من الجواز في مثلا المقام و لو لم يكن هناك حاكم جاز أن يتولاه من المؤمنين من يوثق به على ما هو المشهور بين الأصحاب من ثبوت الولاية لهم على مثل ذلك، للمعتبرة المستفيضة (2)المؤيدة بما دل على الحسبة و حسن الإحسان ، و ولاية المؤمنين بعضهم على بعض(3)و غير ذلك.

و لكن مع ذلك قال المصنف و غيره و في هذا تردد بل عن ابن إدريس التصريح بعدم الولاية لهم على ذلك للأصل، و فيه أنه مقطوع بما عرفت، بل لا يبعد ثبوت ولاية الفاسق مع عدم العدل، و إن كان الظاهر تقييدها بما إذا

كان المقام مقام الحسبة لا مطلقا، بل ربما احتمل ذلك في العدل، و ظني أنه لا يخالف فيه ابن إدريس و ان نفى الولاية عنهم، لكن مراده نفيها على حسب ولاية الأب و الجد و الحاكم، لا مطلقا، و حينئذ يرتفع


1- 1 الوسائل الباب- 88- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1- 2.
2- 2 سورة التوبة الآية 91.
3- 3 سورة التوبة الآية 71.

ج 28، ص: 428

النزاع على هذا التقدير اللهم أن يمنع تقييد ولاية العدل بالحسبة، و هو قوي أيضا عملا بإطلاق النصوص الظاهرة في الولاية و النصب التي لا وجه لاحتمال كون ذلك فيها إذنا من الحاكم في بعض الخصوصيات، ضرورة أنه لا يخفى على من تأملها ظهورها في الاذن العام الذي هو من قبيل الأحكام الشرعية بل من قبيل نصب الفقيه الجامع للشرائط.

ف

في خبر إسماعيل بن سعد الأشعري (1)قال: «سألت الرضا (عليه السلام) عن رجل مات بغير وصية و ترك أولادا ذكرانا و غلمانا صغارا و ترك جواري و مماليك هل يستقيم أن تباع الجواري؟

قال: نعم، و عن الرجل يموت بغير وصية، و له ولد صغار و كبار أ يحل شراء شي ء من خدمه و متاعه من غير أن يتولى القاضي بيع ذلك؟ فإن تولاه قاض قد تراضوا به و لم يستعمله الخليفة أ يطيب الشراء منه أم لا؟ فقال: إذا كان الأكبر من ولده معه في البيع فلا بأس إذا رضى الورثة بالبيع، و قام عدل في ذلك».

و خبر محمد بن إسماعيل (2)«قال: مات رجل من أصحابنا و لم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع، فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه عن بيعهن، إذ لم يكن الميت صير إليه وصيته، و كان قيامه فيها بأمر القاضي لأنهن فروج، قال: فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام)، و قلت له: يموت الرجل من أصحابنا، و لا يوصى إلى أحد و يخلف جواري فيقيم القاضي رجلا منها فيبيعهن، أو قال: يقوم بذلك رجل فيضعف قلبه لأنهن فروج، فما ترى في ذلك؟ قال: فقال: إذا كان القيم به مثلك، أو مثل عبد الحميد فلا بأس».

وخبر زرعة(3)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات- و له بنون و بنات صغار و كبار- من غير وصية، و له خدم و مماليك و عقد كيف يصنع الورثة بقسمة ذلك الميراث؟

قال: إن قام رجل ثقة قاسمهم ذلك كله فلا بأس»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في الأذن لخصوص العدل في تولى ذلك، ضرورة الفرق بينه و بين غيره من الناس في الحسبة و المعاونة على


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب عقد البيع و شروطه.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب عقد البيع و شروطه.
3- 3 الوسائل- الباب- 88- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.

ج 28، ص: 429

البر و التقوى.

و على كل حال فمحل التردد أو المنع غير ما يضطر إليه الأطفال و الدواب و حفظ المال المشرف على التلف و نحو ذلك مما هو واجب على الناس كفاية و الله العالم.

و لو أوصى بالنظر في مال ولده إلى أجنبي و له أب، لم يصح و كانت الولاية إلى جد اليتيم الصالح للولاية دون الوصي بلا خلاف أجده فيه في الجملة، بل الظاهر الإجماع عليه، لما عرفت من ترتب ولاية الوصي على ولاية الأب الصادق على الجد و اشتراكهما في الولاية حال حياتهما- و لو مرتين كما في جامع المقاصد و المسالك و إن كان الأصح خلافه، سيما في النكاح- لا يقتضي جواز تولية أحدهما على وجه يشارك الآخر بعد موته، بل الأصل يقتضي عدم ذلك، مضافا إلى ما دل على ولاية الجد و الأب (1)مما هو ظاهر في انحصار أمر الطفل فيهما مع وجودهما أو أحدهما على وجه ينافيه ولاية أحدهما مع وصي الآخر، و إلى ظهور اتفاق كلمة الأصحاب عليه.

إنما الكلام في بطلان الوصية على الوجه المزبور من رأس كما هو أحد الأقوال في المسألة، أو بطلانها في زمان حياة- الجد، فإذا مات ثبتت وصاية الوصي لعدم المعارض لها حينئذ، أو بطلانها فيما عدا الثلث، كما أشار إليه المصنف بقوله و قيل: يصح ذلك في قدر الثلث ما تركه لأن له إخراجه عن الطفل، فله التولية عليه بالأولى، و في أداء الحقوق كوفاء الدين و نحوه مما لا مدخلية له في ولاية الطفل، و لا أقوى الأول لما سمعت من عدم ولاية للأب مع وجود الجد، و بالعكس فلو صرح أحدهما بوصاية الوصي بعد موت الآخر لم يكن

صحيحا لعدم الولاية له في هذا الحال، و لو بالنسبة إلى الزمان المتأخر، فضلا عن محل الفرض، و إن جوزنا التعليق في الوصية و التأخير في زمانها، لكن فيما للموصى الولاية عليه، و لا فرق بين الثلث و غيره بعد أن لم يخرجه عن ملك الطفل، ضرورة صيرورته كباقي أموال الطفل التي ولايتها بيد الولي الإجباري، و ولايته على إخراجه عنه لا تقتضي جواز التولية عليه- و هو للطفل- المنافي لما دل على أن ولاية ماله لجده.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب عقد النكاح و باب- 88- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 430

و هل تصح وصيته في أداء الحقوق التي عليه من ديون و نحوها كما جزم به في المسالك، بل حكى الإجماع عليه لعدم معارضته للجد في ذلك، و إن كان لو لم يوص تولى الجد ذلك كما عن التذكرة التصريح به، لكن ذلك لا يقتضي عدم صحة الوصية بذلك فان الحاكم تكون له الولاية إذا لم ينصب وصيا، و إن نصب لم يكن له الولاية و الورثة الكبار- إذا لم يجعل وصيا لوفاء ديونه- تولى الورثة ذلك، و إلا تولاه الوصي عليه هذا.

و لكن في الدروس في المقام «و لو أوصى بإخراج حقوق أو استيفائها كان جائزا و يشكل بأن الاستيفاء ولاية على مال الطفل فلا يملكها الأجنبي، نعم لو عين المستوفي لتلك الحقوق جاز» و فيه- بعد الإغضاء عن مراده في قوله «نعم» إلى آخره- ان الاستيفاء- و إن كان الظاهر إرادة المال المستوفي- ليس ولاية على مال الطفل، و إن كان الكلى له، ضرورة أنه لا يتشخص و لا يصير ما لا للطفل إلا بقبض المستحق أو وليه فتوليته على أن يشخص الكلى للطفل، و الظاهر أن له الولاية على ذلك مع وجود الجد، كما أن له ذلك في الورثة الكبار، فإن له أن ينصب وصيا على تشخيص ماله من الديون، ثم دفعه للوارث على وجه لا ضرر فيه عليهم، بل و معه إذا لم يرد على مقدار الثلث، و كذا تشخيص ما عليه من الحقوق بأن ينصب وصيا على دفع ذلك عنه، على أن ولاية التشخيص بيده على وجه لا ضرر فيه عليهم، ضرورة كونه أولى من تشخيص مال مخصوص لوفاء دينه، الذي اعترف هو بجوازه، مما يشمله عمومات الوصية، و تسلطه على ماله (1)و غير ذلك مما لا معارض له من النصوص المشتملة على منعه من التصرف في الزائد على الثلث فتأمل جيدا.

بقي شي ء و هو أن ظاهر المتن اندراج الوصية في أداء الحقوق تحت القيل و مقتضاه أن هذا تفصيل في موضوع المسألة، و قد عرفت أنه فرضه في الوصية بالنظر في مال ولده، و هو لا يشمل مثل ذلك، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك من النظر في مال الولد أيضا، بناء على انتقال التركة جميعا للوارث، و ان تعلق بها حق الدين فهو من النظر في مال الولد حينئذ و لكن المتجه بناء على ذلك صحة الوصاية على مثل ذلك، و ليس معارضا لولاية الجد التي لم يعلم شمولها لمثل


1- 1 الوسائل- الباب- 1 إلى 10- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 28، ص: 431

ذلك بحيث لا يجوز له أن يجعل وصايا له عليه، مع أن المطابق للحق من التركة، كالخارج عن

مال الطفل، و لعل هذا لا يخلو من قوة، و إن كان الأول لا يخلو عن وجه و الله العالم.

و على كل حال فقد ظهر لك من مطاوي البحث أن الوصاية كالوكالة، بل قد تزيد عليها بأشياء فحينئذ إذا أوصى بالنظر في شي ء معين، اختصت ولايته به و لا يجوز له أي الوصي التصرف في غيره، و جرى مجرى الوكيل في الاقتصار على ما يوكل فيه و كذا لو خصها بزمان دون زمان، أو حال دون حال، إذ هي كما عرفت شبيهة بنصب الأمراء، كل ذلك لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ (1)» و غيره كما هو واضح. و الله العالم.

[مسائل ثلاث ]
[المسألة الأولى الصفات المراعاة في الوصي تعتبر حالة الوصية]

الأولى: الصفات المراعاة في الوصي من التكليف و الإسلام و الحرية و نحوها تعتبر حالة الوصية، و قيل: حين الوفاة، فلو أوصى إلى صبي مثلا فبلغ ثم مات الموصى صحت الوصية، و كذا الكلام في الحرية و العقل و قيل: من حين الوصية إلى حين الوفاة، و قيل: إلى حين نفوذ الوصية و انتهائها، و قيل: من حين الوفاة إلى حين الانتهاء.

و الأول أشبه عند المصنف و الأكثر كما في المسالك قضاء للشرط المعتبر تقدمه على المشروط، أو مقارنته، فإذا كانت هذه شرائط لصحة الوصية، و لم تكن موجودة حال إنشائها وقت الوصية عن التفويض إلى من ليس بالصفات،

و النهي المتوجه إلى ركن المعاملة يقتضي فسادها كما هو مقرر في محله، و لأنه يجب في الوصي أن يكون بحيث لو مات الموصى كان نافذ التصرف، مشتملا على صفات الوصاية، و هو هنا منتف، لأن الموصى لو مات في هذه الحالة لم يكن الوصي أهلا له.

و الجميع كما ترى مشترك في كونه مصادرة على المطلوب، ضرورة أن كون هذه الشروط شروطا للنصب حال إنشائه أول البحث، و كذا كونه منهيا وقت ذلك عن النصب، بل و كذا الأخير، مع أنه نظر فيه في المسالك بأنه من يكتفي بوجودها حالة الموت يحصل على مذهبه


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 432

المطلوب، فإن الموصى إذا فرض موته بعد الوصاية بلا فصل قبل أن يتصف الوصي بالصفات لا يكون نافذ التصرف، من حيث أن الموصى قد مات و هو غير جامع لها، و ذلك كاف في البطلان و إن كان قد يدفع بأن مراد المستدل اعتبار كون الوصي جامعا لها حال الوصية بحيث لو مات الموصى حالها كان نافذ التصرف، فالشرط أهليته لذلك حال النصب.

و على كل حال فمن ذلك يظهر لك قوة القول الثاني الموافق لمقتضى عمومات الوصية المقتصر في تخصيصها على ما تيقن من شرطية هذه الأشياء في الوصي، بمعنى المتلبس بالولاية، و أول آنات تلبسه بذلك مع الإطلاق من حين الوفاة، فتعتبر الشرائط ذلك الوقت، إذ هو قبل ذلك ليس بوصي بمعنى تحقق الولاية، بل أقصاه وقوع العبارة التي تقتضي نصبه حين الوفاة إذا جمع غيرها من الشرائط ذلك الوقت، ففقدها قبل تلبسه بالولاية غير ضائر، بعد شمول عموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ (1)» و نحوه له، و ليس في أدلة الشرائط كما عرفته سابقا ما يقتضي اشتراطها حال إيجاد عبارة النصب، بل ربما كان فيها ما يقتضي خلاف ذلك، كنصب الصبي وصيا بعد بلوغه منضما أو مطلقا، على البحث السابق، بل هو ظاهر فيما ذكرناه، من كون المدار على وجود الصفات حال الوفاة، فإن الصبي مثلا قد يبلغ بعد الوفاة، و كذا المجنون لو أوصى إليه مريدا حال إفاقته كما سمعته سابقا.

لا يقال: إن العمومات تقتضي أيضا وصية الجامع لها حال الوصية، و إن فقدها قبل الوفاة، ثم تجددت بعدها، فيتجه حينئذ كون الشرط أحد الأمرين، حال الوصية، أو حال الموت، لأنها نقول- مع كون ذلك خرقا للإجماع على الظاهر- مناف لما دل على اعتبار الصفات في الوصي المقتضي لعدم قابلية المجنون و الكافر و المملوك، للولاية، فإن دليل شرطيتها يقتضي ذلك، فينافي العمومات المزبورة، بخلاف الفاقد لها حال النصب الجامع حال الوفاة، فإن دليل الشرطية لا ينافي شمول العمومات له لعدم كونه وليا حينئذ، و دعوى تحقق ولاية الوصي حال نصبه، و ان تأخر تصرفه إلى ما بعد الموت، فهو كالوكيل فعلا المشروط عليه تأخر التصرف و إلا لزم التعليق المبطل، و حينئذ فلو قال: أنت وصيي بعد موتى، على معنى كونك


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 433

وليا بعد الموت بطل- واضحة الفساد، ضرورة عدم شركة أحد الأبوين الكاملين حال حياتهما في الولاية، على أن معنى الوصاية نقل الولاية بعد الموت، و هو الذي أراده الموصى، بل لو صرح بإرادة غيره مما يقتضي تحققها قبل الموت، بطل على الظاهر، و التعليق فيها غير مناف، لأن بناءها عليه، و قد شرعت على الوجه المزبور، كما لا ينافيه في تعليق الوصية التمليكية، بل هما عند التأمل من وارد واحد، و ان اختلفا في بعض الأحكام لكنهما متحدان في أن الوصاية نقل الولاية، و الوصية نقل الملك مثلا، و التزام حصول الملك المتزلزل للموصى له حال الوصية، مما لا يجوز نسبته للمتفقه فضلا بعد الوفاة، عن الفقيه، خصوصا بعد أن كان المعلوم من حال كل موص أن قصده حصول الأثر سواء كان ملكا أو ولاية، و بذلك كله يظهر ضعف بقية الأقوال المشتركة في اعتبار الشرائط من حين الوصية، الذي قد عرفت عدم الدليل عليه.

نعم يبقى الكلام في اعتبار استمرار الشرائط من حين الوفاة إلى حين الانتهاء في استمرار الوصاية و عدمه، أما احتمال اشتراط الاستمرار في أصل الوصاية- على معنى انكشاف فسادها بالعروض في الأثناء، كما هو مقتضى إطلاق بعضهم شرطيته- فواضح الفساد، و إلا لاقتضى فساد تصرفاته جميعها قبل العروض، و من المعلوم ضرورة بطلانها، كما أن من المعلوم عدم كونه وليا متصرفا حال عروضها.

إنما البحث في انفساخ الوصية بعروض ذلك بعد الوفاة- فلا تعود حينئذ، و عدمه- و إن كان لا تصرف له حينئذ، بل أقصاه قيام الحاكم مثلا مقامه، فإذا زال العارض عادت ولايته، كالأب الذي اعتراه الجنون ثم زال، فإنه لا تنقطع بذلك ولايته على ولده الصغير- احتمالان: بل الثاني منهما لا يخلو من قوة، و إن ظهر من بعضهم المفروغية من بطلان الوصاية بذلك، حتى أنه حمل قول القائل باشتراطها حال الوفاة، و من حين الوصية إليها- على ذلك، تجنبا عن التزام عدم بطلانها بذلك، و الظاهر أنه اشتباه، فإن أقصى ما يمكن القطع به، عدم صحة تصرفاته مع عروض العارض، لعدم العقل و نحوه، لا بطلان الوصاية من رأس، بل يمكن دعوى عدم القطع ببطلانها كذلك بعروض العارض قبل الوفاة بعد الوصية و ان استمر إليها عند القائل باعتبار الصفات حال الوصية، و ان ادعاه القائل المزبور

ج 28، ص: 434

أيضا محتجا بمعلومية كون الوصاية لها حكم العقد الجائز إن لم تكن منه، و لا ريب بانفساخه بعروض الجنون و نحوه، مع أنه خلاف ظاهر من تعرض لذلك الأقوال، حيث أنهم يجعلونه، و القول باعتبارها حال الوفاة مقابلا للقول بالاستمرار حين الوصية إلى حين الوفاة، كما في الدروس و يمكن القول بعدم جريان حكم الجائز عليه بالنسبة إلى ذلك، كما لو اعترى الموصى الإغماء و الجنون، على أن الشرائط غير منحصرة في العقل و نحوه مما ينفسخ العقد بفقده، كما أنه يمكن القول بأن الانفساخ بعروض العارض لا يقتضي القول باشتراط الاستمرار في أصل الصحة، بل أقصاه اشتراط استمرار الصحة باستمرار ذلك، لأن أصل الصحة مشروطة بالاستمرار، بحيث لو زال انكشف الفساد، و لعله يلتزمه القائل باعتبار الصفات من حين الوصية إلى حين الوفاة، بل و لا الفسخ بحيث لو عاد لم يعد حكم السبب السابق الذي اقتضى ولايته حتى لو قلنا بانقطاعها، باعتبار عدم قابليته، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الفسخ، نحو العقد الجائز، و إلا لاقتضاه بالإغماء و نحوه، فالتحقيق رجوعه إلى ولايته نحو الأب و المجتهد، و إن ولايتهما من الشرع، إلا أن المفروض بعد مشروعيته صار النصب منه كالنصب من الشارع بل العبارة عنهما واحدة، و كون ولايته من حيث الأبوة المحققة بعد زوال العارض لا يصلح فارقا بينهما، ضرورة إمكان دعوى أن وصاية الوصي من حيث كونه زيدا أو ابنا مثلا و هو متحقق، و ان انقطعت ولايته بالعارض لكن قد عرفت أن ذلك لا يقتضي انفساخ سبب الوصاية الذي لا مانع من دعوى تأثيره على هذا الوجه و لا يقدح فيه حصول المانع، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع في المقام و غيره، و بذلك ظهر لك الحال في المقام، بل و ما في كلام غير واحد من الأصحاب حتى ثاني الشهيدين منهم في المسالك و إن كان لم يأل جهدا في تحقيق المسألة، و أرجع الأقوال الأربعة أيضا الشرائط، أحدهما: الاعتبار من حين الوصية إلى حين الانتهاء، و الثاني من حين الوفاة إلى حين الانتهاء، و اختار هو الأول منها، لكن من تأمل الانتهاء، و الثاني من حين الوفاة إلى حين الانتهاء، و اختار هو الأول منها، لكن من تأمل كلامه، يجده أيضا غير محرر و غير منقح باعتبار عدم اشتماله على الفرق بين اشتراط أصل الصحة بالاستمرار، و بين اشتراط الاستمرار بالاستمرار، و عدم الدليل على ما ادعاه من معلومية الانفساخ بمجرد عروض فقدها، و غير ذلك، مما لا يخفى على المتأمل، و التحقيق ما عرفت، و بناؤه على عدم تحقق الولاية قبل الوفاة، و على تنقيح ما تقتضيه أدلة الشرائط،

ج 28، ص: 435

و على مراعاة مقتضى العمومات، فإن ملاحظة جميع ذلك تقتضي ما ذكرناه.

و أما بناء بعض أفراد المسألة و لو بالنسبة إلى بعض الأقوال على مسألة ما لو أوصى إلى عدل ففسق، التي قد عرفت الاتفاق فيها على الانفساخ من القائلين باشتراط العدالة و عدمه ففيه أن ذلك مبني على تعرف حال الموصى و قصده، و إرادة تقييده الولاية و عدمها و محل البحث الآن في كيفية اشتراط الشرائط شرعا. و ذلك لا دخل له في قصد الموصى، و منه ينقدح خروج تصريح الموصى بالإيصاء إلى مجنون بعد عقله، و إلى صبي بعد بلوغه و نحو ذلك من محل النزاع في المقام بما عرفته، من أن الوصاية أشبه شي ء بنصب الامارة، فلا يقدح فيها تعليق و لا غيره لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ»(1)و غيره مضافا إلى ظهور الاتفاق عليه، و التصريح به من بعض على وجه المفروغية منه،

فمحله حينئذ ما لو أوصى مطلقا للوصية، فهل يكفي جمع الوصي الشرائط حال الإيصاء أو لا بد من الجميع حال الوفاة؟ أو من حين الإيصاء إلى حين الوفاة على حسب ما عرفت، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[المسألة الثانية تصح الوصية على كل من للموصى عليه ولاية شرعية]

المسألة الثانية قد عرفت فيما تقدم أنه تصح الوصية على كل من للموصى عليه ولاية شرعية بحيث يصح الإيصاء بها كالولد و ان نزلوا بشرط الصغر أو البلوغ مع عدم الكمال، و عدم ولي إجباري فلا يندرج في ذلك،- و لو بملاحظة ما تقدم سابقا- أحد الأبوين، مع وجود الآخر، و الوصي الغير المأذون و الحاكم، لما تقدم من عدم ولاية لهم على التولية بعد الوفاة.

و على كل حال فلو أوصى بالولاية على أولاده الكبار العقلاء، أو على أبيه أو على أقاربه لم تمض الوصية عليهم لعدم الولاية له على ذلك و لو أوصى بالنظر في المال الذي تركه لهم لم يصح له التصرف في شي ء منه، لأنه من الولاية عليهم أيضا بل و لا في ثلثه منه لأنه لا ولاية له عليه مع عدم الوصية به، و عدم إخراجه عن إرث الوارث، فلا تصح الولاية عليه مع كونه ملكا للوارث كما في نظائره.

نعم لو أوصى به و أخرجه عن إرث الوارث جاز له نصب ولي عليه، لكن


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 436

حينئذ يكون شريكا للوارث، فليس له الاستقلال بتمييزه إلا إذا نص الموصى على ذلك، فإن الظاهر الصحة، لأن له مثل هذه الولاية التي هي أولى من حصره ثلثه في عين معينة، فإنه مع عدم ضرر على الوارث ينقص في ماله لم يكن له معارضة، بل قد تقدم سابقا عند البحث في صحة الوصية بالمضاربة في التركة ما يقتضي جوازها بالنظر في المال مع عدم الضرر على الوارث في ذلك، مثل الوصية ببيع التركة مثلا بثمن المثل و غيره مما تقدم، و حينئذ يشكل ما سمعته من المصنف.

و على كل حال من ذلك و غيره يعلم أيضا أنه تصح الوصية في إخراج الحقوق عن الموصى كالديون و الصدقات الواجبة، و لو بأن يعين أشياء مخصوصة لذلك و يجعل لها وصيا، و ليس حينئذ للوارث معارضة الوصي، و إن قلنا بكونها ملكا له بالموت و يستحق نماؤها، إلا أنها انتقلت إليه على هذا الوجه الذي تقتضي عمومات أولويته بماله جواز هذه الوصية، لأنها ليس مما خرج عن الموصى بالدليل الشرعي، و هو النقص في الثلثين قهرا على الوارث، و أحقيته بأعيان التركة من الديان و غيره إنما هو إذا لم يوص الموصى، و إذا تبرع و وفى دين الديان بالرضا منه كانت الأعيان له، و ليس له إلزام الوصي بأخذها، و ان بذل مقدار الدين مع فرض وصاية الموصى بالوفاء كما هو واضح.

بل لو أوصى وصيا على وفاء دينه مصرحا بأن له ولاية التشخيص بما شاء من الأعيان لم يكن للوارث معارضته أيضا على الظاهر، لعموم «فَمَنْ بَدَّلَهُ (1)» و غيره مما لا معارض له في مثل ذلك.

نعم لو أوصى وصيا على قضاء دينه و أطلق لم يكن له معارضة الوارث لو أراد بذلك الدين من نفسه، أو من بعض أعيان التركة، لأحقيته بأعيانها من غيره، أما لو امتنع عن الوفاء أجبره الحاكم، أو يأذن للوصي في البيع عليه، و دعوى كون الإطلاق في الوصاية يقتضي الوصية بالتخيير له في الأعيان فلا يعارضه الوارث، و كذا الوصي على الثلث يمكن منعها ضرورة أعمية الإيصاء بذلك من ذلك- و الله العالم.


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 437

[المسألة الثالثة يجوز لمن يتولى أموال اليتيم أن يأخذ أجرة المثل من نظره في ماله ]

المسألة الثالثة: يجوز لمن يتولى أموال اليتيم بوصية و نحوها أن يأخذ أجرة المثل من نظره في ماله كما عن الإسكافي و الشيخ في آخر باب التصرف في أموال اليتامى، بل هو خيرة جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد و المحقق و غيره، بل عن مجمع البيان أنه الظاهر من روايات أصحابنا.

و قيل: و القائل الشيخ في المحكي عن نهايته و ابن إدريس يأخذ قدر كفايته، و قيل: و القائل الشيخ أيضا في المحكي من خلافه و تبيانه يأخذ أقل الأمرين إن كانت كفايته أقل من أجرة المثل، فله قدر الكفاية دون أجرة

المثل و إن كانت أجرة المثل أقل من الكفاية فله الأجرة دون الكفاية، و نحوه عن المبسوط لكن قيد ذلك بالفقر، فقال: «الولي إن كان فقيرا جاز له أن يأكل من مال اليتيم أقل الأمرين، كفايته أو أجرة مثله» و مع ملاحظة الإطلاق السابق، و تقييده يكون الأقوال أربعة بل خمسة مع زيادة القول بأخذ أجرة المثل إن كان فقيرا و إلا لم يجز له أخذ شي ء منه، كما هو خيرة ثاني الشهيدين في المسالك.

و على كل حال ف الأول أظهر من غير فرق بين الغنى و الفقير، و بين الوصي و الحاكم و أمينه و عدول المؤمنين و غيرهم ما لم يوجد المتبرع الجامع للشرائط فلا يجوز للحاكم مثلا أن يجعل النظر إلى غيره ممن يريد الأجرة، بلا مصلحة لليتيم و بين العمل الواجب على الأمين فعله من حيث الامانة، و بين غيره مما لم يجب عليه، كالتنمية، بناء على عدم وجوبها، لأصالة احترام فعل المسلم كما له، و وجوبه عليه- كوجوب بذل المال في المخمصة بالقيمة- لا ينافي أخذ العوض عليه، مع إمكان وجوب المباشرة بنفسه، فله حينئذ استيجار من يحفظه مثلا بشي ء منه و لو نفسه.

و لعله إلى ذلك أومى

صحيح هشام بن الحكم (1)الذي هو دليل آخر للمسألة أيضا قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عمن تولى مال اليتيم ماله أن يأكل منه فقال: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم، فيأكل بقدر ذلك».

بل لعله المراد بالمعروف في الآية الشريفة(2)بل و فيما جاء من تفسيرها

في موثق


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 5.
2- 2 سورة النساء الآية- 6.

ج 28، ص: 438

سماعة(1)عن أبي عبد الله فيها «من كان يلي شيئا لليتامى، و هو يحتاج له ما يقيمه، فهو يتقاضى أموالهم، و يقيم في ضيعتهم، فليأكل بقدر و لا يسرف، و إن كان ضيعتهم لا تشغله عما يعالج نفسه، فلا يرزأن من أموالهم شيئا».

و صحيح عبد الله بن سنان (2)عنه (عليه السلام) أيضا «أنه سئل و أنا حاضر عن القيم لليتامى و الشراء لهم و البيع فيما يصلحهم إله أن يأكل من أموالهم؟ فقال لا بأس أن يأكل من أموالهم بالمعروف كما قال عز و جل «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» و هو القوت»

و

صحيحه الآخر(3)عنه أيضا «المعروف هو القوت»

و أنما عنى الوصي و القيم في أموالهم ما يصلحهم.

و

خبر أبي الصباح (4)عنه (عليه السلام) أيضا فيها «فقال: ذلك لرجل يحبس نفسه عن المعيشة، فلا بأس أن يأكل بالمعروف إذا كان يصلح لهم أموالهم، فإن كان المال قليلا فلا يأكل منه شيئا».

و نحوه خبرا سماعة و أبي أسامة(5)المرويان عن تفسير العياشي عنه أيضا فيها و كذا

خبر أبي بصير(6)المروي في التفسير المزبور عنه أيضا فيها «قال: هذا رجل يحبس نفسه لليتيم على حرث أو ماشية، و يشغل فيها نفسه فليأكل منه بالمعروف و ليس له ذلك في الدنانير و الدراهم التي عنده موضوعة».

و خبر زرارة(7)المروي فيه أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) فيها «سألته عنها فقال ذلك إذا حبس نفسه في أموالهم فلا يحترف لنفسه، فليأكل بالمعروف من مالهم»

بناء على أن ذلك أجرة مثله لغلبة عدم زيادة احتراف الناس على ما يحتاجونه في أقواتهم.

بل لعله ذلك هو المراد أيضا من

مضمر محمد بن مسلم (8)المروي عن تفسير العياشي «سألته عن رجل بيده ماشية لابن أخ يتيم في حجره أ يخلط أمرها بأمر ماشيته؟ فقال: ان كان يليط حياضها و يقوم على مهنتها و يرد شاردها فليشرب من ألبانها غير مجهد و لا مضر بالولد ثم قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 8.
5- 5 المستدرك ج 2 ص 454.
6- 6 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 10.
8- 8 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 6.

ج 28، ص: 439

و ان كان غنيا»

إلى آخره.

و

موثق حنان (1)«قال أبو عبد الله (عليه السلام): سألني عيسى بن موسى عن القيم للأيتام في الإبل ما يحل له فيها؟ فقلت له: إذا لاط حوضها و طلب ضالتها، و هنأ جريانها، فله أن يصيب من لبنها من غير نهك لضرع، و لا فساد لنسل»

بناء على أن ذلك أجرة مثله عرفا أو أقل، فإنه من المعروف أيضا، ضرورة كون المراد أن الأكل من مال اليتيم لا يكون إلا في مقابلة عمله له فيما له، و إلا كان من الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما.

نعم أعلى أفراد الأكل بالمعروف شرعا و عرفا أجرة المثل، فان نقص عنها زاد في المعروف و قد أحسن إلى اليتيم، بل ان لم يأخذ شيئا، فقد زاد في الإحسان و لم يكن من الأكل بالمعروف الذي قد رخص فيه في مقابلة العمل للفقير، دون الغنى الذي أريد منه الاستعفاف عن ذلك، مع عمله لليتيم في ماله، فالمراد حينئذ أن الفقير إن أراد الأكل، فلا يأكل إلا بالمعروف، و هو أن يكون في مقابلة عمل له في مال اليتيم و أن لا يزيد على أجرة المثل، و كلما نقص عن ذلك فهو من المعروف.

بل لعل ذلك هو المراد من النصوص سيما

المرسل في كنز العرفان (2)قال: إن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه و آله): «إن في حجري يتيما أ فآكل من ماله؟ قال: بالمعروف لا مستأصل مالا و لا واق»

أى غير مستأصل للمال، و لا واق بماله مالك.

نعم لو لم يكن لفعله أجرة في العادة كوضع الدراهم و الدنانير عنده، أو كان المال قليلا غير محتاج إلى عمل له أجرة يعتد بها عرفا لم يأخذ شيئا، على ما أومأ إليه في بعض النصوص السابقة، كما أنه ينبغي له التعفف لو كان غنيا غير محتاج كي يمنعه اشتغاله بمال اليتيم عن قوته و قوت الواجبي النفقة، فإن الآية و ان اشتملت على الأمر الظاهر في الوجوب خصوصا في أوامر الكتاب، لكن المادة تشعر بالندب، فيضعف الظن بإرادته منه على وجه يعارض ما سمعته من القاعدة و الصحيح و غيرهما، سيما في الأعمال التي لا يجب عليه مباشرتها، كالتنمية


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 1.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 454.

ج 28، ص: 440

و نحوها، فدعوى أن له بذلك الأجرة للغير دون نفسه واضحة الفساد، بل هي كذلك في كل عمل كان له ذلك فيه، ضرورة عدم الفرق بينه و بين غيره في ذلك، بل لعله أولى باعتبار بقاء نظره على مال الطفل و احتياطه عليه.

و من ذلك يظهر لك ضعف التفصيل بين الفقير و الغنى الاستحقاق و عدمه كما أن منه يظهر لك

ضعف مستند الأقوال البقية التي وجهها الأخذ بالآية، و ما ورد في تفسيرها في خصوص الفقير، أو الجمع بينها و بين ما دل على وجوب الأجرة بأخذ الأقل منهما الذي هو الأحسن في مال الطفل المنهي عن القرب إلى ماله إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ*(1)، و لأن الكفاية ان كانت أقل من الأجرة فمع حصولها يكون غنيا يجب عليه الاستعفاف، و إن كانت الأجرة أقل فهو لا يستحق الأزيد في البالغ، فضلا عن اليتيم، و استجوده في المسالك لو تحقق للكفاية معنى مضبوط، قال: «لأنه إن أريد بالأكل بالمعروف المتعارف كما يظهر من الآية و الرواية و جعل مختصا بالولي لا يتعدى إلى عياله، فلا منافاة بين الفقر و حصول الكفاية منه بهذا الاعتبار حينئذ، لأن حصول القوت محتاج إلى مؤنة السنة من نفقة و كسوة و مسكن و غيرها حتى يتحقق ارتفاع الفقر، إذ لم يشترط حصول ذلك في بقية عياله الواجبي النفقة و حينئذ فقولهم في الاستدلال مع حصول الكفاية يكون غنيا غير صحيح، و إن أريد به مطلق السرف كما هو المراد من قوله تعالى (2)«وَ لا- تَأْكُلُوها إِسْرافاً» الى آخره و قوله تعالى (3)«وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» و قوله تعالى (4)«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً» الى آخر الآية و غير ذلك، فقيد المعروف في «غير ذلك» غير واضح المراد يعتبر معه أقل الأمرين، لأن التصرف على هذا الوجه مختلف باختلاف الأشخاص و الحاجة، و ربما أدى ذلك إلى الإضرار بمال اليتيم، و قوله في الرواية هو القوت تخصيص لمعنى الأكل إلا أنه ليس بصريح في اختصاصه بأكله بنفسه

لما عرفت من أن الأكل مستعمل لغة فيما هو أعم من ذلك».


1- 1 سورة الأنعام الآية- 152.
2- 2 سورة النساء الآية- 6.
3- 3 سورة البقرة الآية- 188.
4- 4 سورة النساء الآية- 10.

ج 28، ص: 441

و على كل معنى من الأكل لا يتم الحكم فيه على إطلاقه، لأن العمل ربما كان قليلا و القوت كثيرة فيؤدي إلى الإضرار باليتيم زيادة على المكلف و فيه أنه لا إجمال في الأكل بالمعروف عرفا خصوصا بعد توضيح النصوص له، و أنه القوت المراد به ما يحتاج إليه عرفا، بل يمكن إرادة الضرورة من الكسوة و غيره له و لمن يعول به، لكن بشرط اشتغاله بمال الطفل على وجه يمنع من تحصيل ذلك و أنه لو لا عمله به لأمكنه الاشتغال بمال الطفل على وجه يمنع من تحصيل ذلك و أنه لو لا عمله به لأمكنه الاشتغال بما يحصل ذلك له منه، و هو أمر مضبوط في العرف و لذا أطلق الأمر به في الكتاب و السنة في مقام البيان خصوصا مع ملاحظة ما سمعته في مرسل كنز العرفان مع ذلك.

نعم يقوى الظن بما سمعته من انطباق ذلك على أجرة المثل التي مقتضى القاعدة، و الصحيح و غيرهما، و لذا كان الأقوى ذلك، لا للإجمال في الآية و الرواية كما هو واضح.

هذا كله إذا لم يتبرع الولي، و إلا لم يستحق شيئا، أما لو لم يقصد الرجوع و لا عدمه فالظاهر الاستحقاق أيضا لقاعدة الاحترام التي لا ينافيها عدم الأمر من المالك الصوري بعد الاذن بالعمل من المالك الحقيقي، بل مقتضى إطلاق الآية التي عرفت تنزيلها على ما قلناه ذلك أيضا، هذا.

و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه فيه و في المسألة السابقة أيضا لشدة التأكيد كتابا و سنة في التجنب عن أموال اليتامى، و خصوصا بعد

خبر رفاعة(1)المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى «فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» قال: كان أبي يقول: إنها منسوخة»

بل

عن مجمع البيان (2)عن جماعة من العامة «تفسيرها بأخذ قدر الحاجة من مال اليتيم على جهة القرض»

، ثم يرد عليه ما أخذ إذا وجد، قال: و هو مروي عن الباقر (عليه السلام)، و إن كان الثابت عندنا خلافهما، و هو ما عرفته من النصوص المعتضدة بالفتاوي، و خصوصا في الأعمال الواجبة على الموصى كحفظ المال في حرزه و نحوه من الأعمال التي لا يتجدد لها مال للطفل.


1- 1 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 7.

ج 28، ص: 442

هذا كله إذا لم يوص إليه بجعل يكون اجرة لمثله عن عمله و إلا وجب بلا خلاف عن التنقيح، بل و لا إشكال، فإن زاد عليها توقف على سعة الثلث أو اجازة الوارث كما صرح به غير

واحد، ضرورة كونه حينئذ من الوصية التي قد عرفت أن حكمها ذلك، و الله العالم.

[الفصل السادس في اللواحق ]

اشاره

الفصل السادس: في اللواحق و فيه قسمان:

[القسم الأول و فيه مسائل ]
اشاره

القسم الأول و فيه مسائل،

[المسألة الأولى إذا أوصى لأجنبي بمثل نصيب ابنه و ليس له إلا واحد فقد شرك بينهما في تركته ]

الأولى: إذا أوصى لأجنبي بمثل نصيب ابنه، و ليس له إلا واحد، فقد شرك بينهما في تركته لأنه أضاف إلى الوارث واحدا آخر بالوصية و حينئذ فللموصى له النصف من التركة، إلا أنه لما كان أزيد من الثلث، فإن أجاز الولد قسم المال بينهما نصفين و ان لم يجز الوارث فله أى الموصى له الثلث و الباقي للولد و كذا لو كان له ابنان و قد أوصى لأجنبي بمثل نصيب أحدهما كانت الوصية بالثلث لأنه قد أضاف إليهما ثالثا و لو كان له ثلاثة كان له الربع و هكذا و الضابط أنه يضاف إلى الوارث، و يجعل كأحدهم ان كانوا متساوين و إن أتلفت سهامهم جعل مثل أضعفهم سهما لأنه المتيقن الا أن يقول مثل أعظمهم (11) سهما فيعمل (12) حينئذ بمقتضى وصيته (13) ان لم تزد على الثلث، و الا وقف على الإجازة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل قد يشعر نسبته في جامع المقاصد إلى علمائنا بالإجماع عليه.

نعم عن جمع من العامة أنه يعطى الموصى له مثل نصيب أحدهم إذا كانوا متساوين من أصل المال، و يقسم الباقي بين الورثة، لأن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال، و حينئذ فإذا أوصى له بمثل نصيب ابنه و ليس له إلا واحد فالوصية بجميع المال الذي هو نصيب الابن قبل الوصية، و إن كان له اثنان فالوصية بنصف المال الذي هو نصيب أحدهما قبل الوصية، و يبقى النصف الآخر لهما- و هكذا بل في محكي التحرير أنه قريب من الصواب، و فيه أن ظاهر عبارة الموصى أو صريحها في المثال الأول التشريك بينهما، لا حرمان الوارث، فيكون المراد حينئذ منها أن له نصيبا مثل نصيب ابني بعد الوصية، فإن التماثل يقتضي شيئين،

ج 28، ص: 443

كما أن الوارث لا يستحق شيئا إلا بعد الوصية النافذة، فالوارث الموصى بمثل نصيبه لا نصيب له إلا بعد الوصية، حينئذ فيكون ما للموصى له، مماثلا لنصيبه بعد الوصية و على ما ذكروه لا يكون للوارث نصيب الموصى له، فإنه في الأول لا نصيب له أصلا، و في الثاني لكل واحد من الولدين الربع، و في الثالث لكل واحد من الأولاد الثلاثة ثلث من الثلثين، و هو لا يماثل ثلث الأصل، كما أن الربع لا يماثل النصف، و هو حينئذ خلاف مدلول الوصية، و تبديل له «فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ»(1)و على كل حال، فهذه المسألة و اشتباهها من

المسائل الدورية، لأن معرفة نصيب الوارث متوقفة على إخراج الوصية، و معرفة نصيب الموصى له انما يكون إذا عرفت نصيب الوارث، إلا أنه لما كان الأمر فيها ظاهر- ضرورة انتقال الذهن إلى المراد بأدنى التفاوت- لم يذكروا في معرفتها طريق الجبر و المقابلة، بل اكتفوا بما عرفت من تصحيح الفريضة على الورثة، ثم زيادة واحدة يساوى أحدهم، أو الأقل منهم على حسب ما سمعت.

بل لا فرق في ذلك بين الوصية بنصيب واحد منهم غير معين، و بين الوصية بمثل نصيب واحد معين، فإنه له أيضا مثل نصيبه مزادا على الفريضة، فإن زاد على الثلث توقف على الإجازة، و إلا نفذت الوصية، بل لا فرق أيضا بين الوصية لأجنبي أو أحد الورثة بناء على ما عندنا من جواز الوصية للوارث، خلافا لبعض العامة، فإذا أوصى لوارث بمثل نصيب أحد وارثه، فكالوصية للأجنبي التي قد عرفت الحال في أمثلتها التي منها أيضا لو كان له ابن و بنت، و أوصى بمثل نصيب الابن فإن له سهمين من خمسة إن أجازا و لو قال: مثل نصيب البنت فله الربع و لو كان له ثلاثة بنين و ثلاث بنات، و أوصى له بمثل سهم بنت أو أحد وارثه فله العشر و لو قال: مثل نصيب ابنه فله سهمان من أحد عشر، و هكذا كما هو واضح بعد كما عرفت.

و لو قال: في وصيته له مثل نصيب بنتي فعندنا يكون له النصف إذا لم يكن له وارث سواها، لأن المال لها فرضا وردا، فهي كالولد حينئذ في ذلك و في أنه في أنه يرد إلى الثلث إذا لم تجز و كذا لو كان له بنتان كان له


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 28، ص: 444

الثلث، لأن المال عندنا للبنتين فرضا وردا دون العصبة، فيكون الموصى له كثالثة كالولدين و قد أوصى للثالث أن له مثل نصيب أحدهما الذي قد سمعت الكلام فيه.

نعم عند العامة الوصية في الأول بالثلث، لأن المسألة عندهم من اثنين واحد للبنت، و واحد للعصبة، فيزيد بالوصية على الاثنين سهما، فيعطى واحد من ثلاثة، و في الثاني بالربع، لأن المسألة عندهم من ثلاث، اثنان و هما الثلثان للبنتين، و واحد للعصبة فيزيد عليها للموصى له بالوصية سهما، فتكون أربعة له الربع منها.

و لو كان له ثلاث أخوات من أم و ثلاثة إخوة من أب، فأوصى بأجنبي بمثل نصيب أحد ورثته، كان كواحدة من الأخوات لما عرفت من تنزيل الوصية في مثله على الأقل الذي هو المتيقن فأصل الفريضة حينئذ ثلاثة، للأخوات من الأم الثلث، و للإخوة من الأب الثلثان، ثم تنكسر على الفريضة، و الفرض أن عددهما متماثل، فيضرب عدد أحدهما في أصل الفريضة تبلغ تسعة للأخوات الثلاث ثلاثة، لكن واحدة سهم و للإخوة ستة لكل واحد اثنان، فإذا أوصى بمثل نصيب أحدهم، و حمل على الأقل الذي هو نصيب إحدى الأخوات ازدادت الفريضة واحدا، لما عرفت من أن الضابطة تصحيح الفريضة بين الورثة زيادة نصيب الموصى له عليها، فالوصية حينئذ بعشر التركة فيكون له سهم من عشرة، و للأخوات من الأم ثلاثة و للإخوة ستة.

نعم ينبغي أن يعلم أن كون الموصى له كواحد من الأخوات، مبنى على فرض كون الإخوة للأب ثلاثة مثلا، و إلا فلو فرض كونهم سبعة مثلا لم يتم المثال، ضرورة كون الأقل حينئذ واحد منهم لا منهن، إلا أن الأمر سهل بعد معرفة الضابط، و ان أطلق المصنف الاخوة، مع احتمال إرادة أقل الجمع، و الله العالم.

و لو كان له زوجة و بنت، و قال: له مثل نصيب بنتي التي هي أعظم نصيبا و أجاز الورثة قال الشيخ كان له سبعة أسهم، و للبنت مثلها و للزوجة سهمان و فيه أن الوصية حينئذ من نصيب البنت خاصة لأن الاثنين ثمن الفريضة التي هي ستة عشر، فيكون سهم الزوجة تاما، و الواجب ان تكون الوصية مع الإجازة من أصل

ج 28، ص: 445

التركة، و يدخل النقص بها على جميع الورثة، كل على حسب استحقاقه.

و من هنا قال المصنف لو قيل: لها أي الزوجة سهم من خمسة عشر كان أولى بل لعله يتعين كما في القواعد و جامع المقاصد و المسالك، ضرورة أنه مقتضى الضابط السابق الذي هو تصحيح الفريضة أولا، و هي هنا ثمانية، للزوجة الثمن سهم، و للبنت الباقي، و هو سبعة أسهم، و يزاد عليها مثل نصيب البنت بالوصية: أي سبعة، فيكون مجموع التركة خمسة عشر، هذا كله مع الإجازة.

أما إذا لم يجز الوارث، فالمسألة من اثنى عشر له الثلث أربعة، و الثمانية بين الزوجة و البنت، على أصل الفريضة الشرعية، للزوجة الثمن سهم و للبنت الباقي فرضا وردا، و لو أجازت أحدهما خاصة، ففي المسالك ضربت احدى الفريضتين في وفق الأخرى تبلغ ستين، لأن بين الاثنى عشر، و الخمسة عشر توافقا بالثلث فضرب ثلث إحداهما في الأخرى، فمن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في وفق مسألة الرد، و من رد ضربت نصيبه من مسألة الرد في وفق مسألة الإجازة، ذلك نصيبه، و الباقي للموصى له.

و هذا ضابط في كل ما يرد عليك في إجازة البعض و رد الآخرين فلو فرض كون الفريضتين متباينتين ضربت إحداهما و نصيب من أجاز من مسألة الإجازة في مسألة الرد و نصيب من مسألة الرد في مسألة الإجازة، فلو كان المجيز البنت فنصيبها، من مسألة الإجازة عشر تضربها في أربعة وفق مسألة الرد: تبلغ ثمانية و عشرين، فهو نصيبها من الستين، و للزوجة واحد من اثنى عشر في مسألة الرد تضربه في وفق مسألة الإجازة، و هو خمسة من خمسة عشر، تبلغ خمسة، فهي نصيبها من الستين، و الباقي و هو سبعة و عشرون للموصى له، و لو كان المجيز هو الزوجة ضربت نصيبها من مسألة الإجازة، و هو واحد في أربعة وفق مسألة الرد، فلها أربعة، و نصيب البنت من مسألة الرد و هو سبعة من اثنى عشر في وفق مسألة الإجازة و هو خمسة تبلغ خمسة و ثلاثين، و الباقي هو أحد و عشرون للموصى له، فله مع إجازتها ثمانية و عشرون، و للبنت كذلك، و للزوجة أربعة، و مع ردهما عشرون و للبنت خمسة و ثلاثون، و للزوجة خمسة، و مع إجازة إحداهما يأخذ الموصى له التفاوت، و لو انعكس الفرض: بأن أوصى له بمثل نصيب الزوجة و أجاز فللموصى له التسع، لأنك تزيد نصيب

ج 28، ص: 446

الزوجة و هو واحد على الفريضة، و في جامع المقاصد و المسالك أنه و هم الشيخ هنا أيضا، فجعل للزوجة سهما من ثمانية، و للموصى له سهما، و للبنت ستة، فأخرج الوصية من نصيب البنت خاصة، و الصواب إدخال نصيبه عليهما، فيكون من تسعة.

و لو كان له أربع زوجات و بنت فأوصى بمثل نصيب إحداهن قال الشيخ:

كانت الفريضة من اثنين و ثلاثين، فيكون للزوجات الثمن أربعة بينهن بالسوية و له سهم كواحدة، و يبقى سبعة و عشرون للبنت و فيه ما عرفت من اختصاص النقص بالبنت أيضا و مقتضى الضابط المزبور أن يفرض له واحد كإحدى الزوجات و يزاد على الفريضة ليدخل النقص على الجميع، فأصل الفريضة ثمانية نصيب الزوجات الأربع منها واحد، و ينكسر عليهن، فيضرب عددهن في الفريضة تبلغ اثنين و ثلاثين، و يزاد عليها واحد بالوصية فتكون ثلاثة و ثلاثين.

و من هنا قال المصنف لو قيل: له واحد من ثلاثة و ثلاثين كان أشبه بل هو متعين، و لذا جزم غير واحد بأنه سهو من قلمه الشريف كالسابق و لو كانت الوصية في الفرض بمثل نصيب البنت ألحقت ثمانية و عشرين مقدار نصيبها بأصل الفريضة تبلغ ستين إن أجازوا الوصية، و أن ردوا ألحقت نصف الفريضة بها ليصير للموصى له ثلث المجموع، و يكون الثلثان قائمين بالفريضة، فيكون من ثمانية و أربعين: للموصى له ثلثها ستة عشر و للزوجات أربعة، و للبنت ثمانية و عشرون، و لو أجازت إحداهن ضربت وفق مسألة الإجازة و هو هنا جزء من اثنى عشر، و هو نصف السدس في مسألة الرد أو بالعكس، فتضرب خمسة في ثمانية و أربعين، أو أربعة في ستين تبلغ مائتين و أربعين، فمن أجاز أخذ نصيبه من مسألة الإجازة مضروبا في وفق مسألة الرد، و من رد أخذ نصيبه من مسألة الرد مضروبا في وفق مسألة الإجازة، فمع إجازة البنت يكون لها مائة و اثنى عشر هو الحاصل في ضرب ثمانية و عشرين في أربعة، و للزوجات عشرون هي الحاصلة من ضرب أربعة في خمسة، و الباقي و هو مائة و ثمانية للموصى له و لو أجاز بعض الزوجات، فله نصيبها من المجاز و هو سهم واحد يضاف إلى ما يصيبه ثلث التركة، و هو ثمانون، و هو خلاصة ما في الدروس المفروض فيها المسألة بالابن و أربع زوجات، الذي لا فرق بينه و بين البنت في ذلك، ثم قال: و ان شئت

ج 28، ص: 447

مع اجازة البعض أن تدفع الثلث إلى الموصى له، و يقسم الباقي بين الوارث فريضة على تقديري الإجازة و عدمها، فيأخذ الموصى له التفاوت، فتدفع هنا إلى الموصى له ثمانين، ثم تقسم الباقي، و هو مائة و ستون فريضة، للزوجات عشرون و للابن مائة و أربعون، هذا على تقدير الرد، و في تقدير الإجازة للابن مائة و اثنى عشر، و للزوجات الأربع ستة عشر، و يظهر من ذلك بأن الزائد على الثلث في مسألة الإجازة، و هي ستون ثمانية أسهم، و قد صارت مضروبة في أربعة فيكون اثنين و ثلاثين سهما، فيقسمها فريضة، فيكون للزوجات: أربعة و للابن ثمانية و عشرون، فالتفاوت بين نصيبي الابن ثمانية و عشرون و بين نصيب كل واحدة من الزوجات سهم، فبالإجازة من البعض تدفع ذلك التفاوت، و لك طريق ثالث، و هو أن تضرب ما زاد على الثلث في مسألة الإجازة فتقسم بين الورثة فريضة، فإن انقسم صحت المسألتان من مسألة الإجازة و إن انكسرت ضربت مسألة الإجازة في مخرج الكسر، و قد عرفت أن الزائد على الثلث هنا ثمانية فتقسمها على الورثة ينكسر في مخرج الربع، فتضرب أربعة في ستين تبلغ مائتين و أربعين و يبقى الزائد على الثلث اثنان و ثلاثون فتقسم بين الورثة كما مر، فلو أجاز الزوجات دون الابن صحت المسألة من ستين لابن الموصى له يأخذ نصيبهن من الزائد، و هو سهم، و تبقى للابن سبعة إلى غير ذلك مما هو واضح عند من له معرفة بالحساب، بل ربما كان غير الفقيه أعرف منه في ذلك، و الله العالم.

[المسألة الثانية لو أوصى لأجنبي بنصيب ولده قيل تبطل الوصية]

المسألة الثانية: لو أوصى لأجنبي بنصيب ولده قيل: و القائل الشيخ في المحكي من خلافه و مبسوطة و تبعه عليه الفاضل في المختلف تبطل الوصية لأنها وصية بمستحقه التي مرجعها إلى العزل عن الميراث أو إلى الوصية بمال الغير، و هي فيهما معا باطلة، و لأن صحتها موقوفة على بطلانها، فيستلزم وجودها عدمها، إذ لا تكون صحيحة، إلا أن يكون للابن نصيب، و لا يكون له نصيب حتى تبطل هذه الوصية، لأنه لا يملك الموصى به لقوله تعالى (1)«مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ» و لأن بطلانها لازم لكل من النقيضين، فإنه إن ثبت للابن نصيب، امتنعت صحتها، و إن لم يكن له نصيب انتفى


1- 1 سورة النساء الآية- 12.

ج 28، ص: 448

متعلقها.

و قيل و القائل بعض علمائنا كما في المختلف يصح، و يكون كما لو أوصى بمثل نصيبه و هو أشبه عند المصنف بقاعدة وجوب الحمل على المجاز عند تعذر الحقيقة التي لها صحت الوصية بمثل نصيب الابن، مع أنه لا نصيب له فعلا، و لكن فيه أن البطلان على تقدير الحقيقة، ليس من تعذر الحقيقة، ضرورة أنه لا بأس بالتزامه، و صحة الوصية بمثل نصيب الابن، للظهور في إرادة المعنى المزبور الممنوع دعواه هنا، و احتمال كون المراد الوصية بجميع المال- باعتبار أن الولد لما لم يكن له نصيب الآن، و إنما يكون نصيبه بعد الموت كان اضافة النصيب إليه مجازا في جميع التركة، فكأنه قال: جميع التركة لفلان التي نصيب ابني لو فرض كونه وارثا لها وحده من غير مزاحم له من وصية و لا غيرها، و هذا و ان كان مجازا، إلا أنه ليس هنا معنى حقيقي

يمكن حمله عليه، حتى يقال: تقدم الحقيقة على المجاز- يدفعه عدم القرينة الدالة عليه، بل حمله على إرادة حرمان الوارث، و وضع الموصى له موضعه أظهر من ذلك.

نعم قد يناقش في البطلان على هذا التقدير أيضا لعموم أدلة الوصية فالمتجه حينئذ نفوذها مع اجازة الوارث، و مع عدمها تبطل منها ما زاحم الوارث و تصح في غير ذلك، و هو الثلث، و تكون حينئذ كالوصية بجميع المال.

اللهم إلا أن يقال: إنها ظاهرة في إرادة الوصية بنصيب الوارث من حيث كونه نصيبا، و هو لا تصح الوصية به، ضرورة عدم اجتماع كونه نصيبا و كونه موصى به، و لعله لذا قال في الدروس: «و لو أوصى بنصيب وارث فان قصد عزله من الإرث فالأقرب البطلان، و إلا حمل على المثل، و فيه معلومية إرادة كونه نصيبا لو لا الوصية به لا كونه نصيبا لو لا الوصية به لا كونه نصيبا مع كونه موصى به، فالمتجه حينئذ الصحة مع الإجازة، و عدمها مع عدمها، و ليست هي كالوصية بمال الغير الذي لا تعلق للموصى فيه، و لا مما يستلزم وجودها عدمها و لا بطلانها لازم للنقيضين على التقدير الذي سمعت، بل منه يعلم ما في إطلاق الشيخ بطلانها، و إطلاق غيره الصحة، و الحمل على المثل أو على الجميع الذي أطب فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد، مدعيا أنه

ج 28، ص: 449

المتبادر عند الإطلاق، و أنه لا يفهم من اللفظ إلا ذلك، بل معظم القائلين بالصحة لا يريدون إلا ذلك، و إن ذكر بعضهم لفظ المثل، لكن مرادهم من الوصية بجميع المال، على معنى أنه مثل ابني لو لم تكن وصية و لا وارث، لا أن المراد له نصيب مثل نصيب ابني فيكون شريكا له في النصف إذا لم يكن سواهما على حسب ما سمعته في المسألة السابقة- قال- «نعم في عبارة الشيخ فخر الدين ما يؤذن بفهمه ارادة النصف من القائل بالصحة، لأنه قال في شرحه بعد تقرير القولين: فعلى الصحة، لا فرق بين زيادة لفظ المثل و حذفها، فقوله أوصيت بنصيبه مثل أوصيت بمثل نصيبه، و أنما فرق القائل بالبطلان و هي كالصريحة في المشاركة، كما لو كان المثل مذكورا و قد شدد النكير على المحقق الثاني في دعواه اختصاصه باحتمال الصحة على معنى إرادة الجميع، و إن المعروف بين الفقهاء قولان: أحدهما البطلان، و الثاني الصحة على ارادة المثل على وجه المشاركة ثم حكى عبارة أصحابنا أكثر مع وجود الآخر، و حمله على النصف في كلام العامة أكثر مع وجود الآخر».

قلت: و لكن قد عرفت أن المفهوم من العبارة غير ذلك كله، و هو ما عرفته إلا مع قرينة خارجة تدل على ما يقتضي البطلان، أو الجميع، أو المشاركة، و حينئذ يكون خارجا عن محل النزاع الذي من المعلوم كون هذا اللفظ مجردا عن القرائن الخارجية فتأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان ف لو كان له ابن قاتل أو كافر أو عبد، فأوصى بنصيبه حمل على مثله كما في الدروس لدلالته على إرادة ذلك.

نعم لو أوصى بمثل نصيبه قيل: صحته الوصية على معنى نصيبه لو لم يكن قاتلا صونا للكلام عن الهذرية، و في المختلف صحة ان كان الموصى جاهلا بأن الابن قاتل، أو بأن القاتل لا يرث، و تبطل ان كان عارفا بهما، و استحسنه في المسالك و قيل و القائل الشيخ في مبسوطة لا تصح، لأنه لا نصيب له و هو أشبه عند المصنف بل عن المبسوط القطع بذلك و لم يذكره غيره إلا الأقوى في النظر الصحة مطلقا لظهور كون المفهوم منه عرفا أن له نصيبا مثل نصيبه لو لم يكن مانع الإرث، و لو كان جاهلا، إذ جهله لا ينافي صحة الوصية المعلوم عدم اشتراطها بفعلية نصيبه، كمعلومية عدم توقف المعنى على ذلك كما هو واضح.

ج 28، ص: 450

[المسألة الثالثة إذا أوصى بضعف نصيب ولده كان له مثلاه ]

المسألة الثالثة: إذا أوصى بضعف نصيب ولده مثلا كان له مثلاه لأن ضعف الشي ء مثلاه كما هو الأشهر بين الفقهاء على ما في المسالك، بل عن الخلاف حكايته عن عامة الفقهاء و العلماء و إن كان فيه أنه خلاف ما في الصحاح، و عن الجمهرة و أبي عبيد القاسم بن سلام من أن الضعف المثل.

نعم عن الأزهري الضعف المثل فما فوقه، و ليس بمقصور على مثليه فأقل الضعف محصور في الواحد، و أكثره غير محصور، و عن الخليل الضعف أن يزاد على أصل الشي ء فيجعل مثلين أو أكثر، و عن نهاية ابن الأثير الضعف مثلان، و يمكن أن يريد الأزهري و الخليل بيان الضعف بالمعنى المصدري الذي لا ينحصر في المثل أي المضاعفة، فلا ينافي حينئذ معناه الذي هو المثل في غيره، بل لعل عرفنا اليوم شاهد على ذلك، و حينئذ فالمتجه في محل البحث أن يكون له مثله، اللهم إلا أن يكون المراد مثله مضاعفا، و حينئذ يكون له مثلاه، كما ذكره المصنف و غيره بل قيل: انه المشهور، و أنه يشهد له قوله تعالى (1)«إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَ ضِعْفَ الْمَماتِ» أى عذاب الدنيا و عذاب الآخرة مضاعفا و قوله (2)«فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ» و قوله (3)«فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ».

و لكن المتجه على ذلك أنه لو قال: ضعفاه كان له أربعة أمثالها كما عن المبسوط و مع ذلك قيل: ثلاثة أمثاله، بل في المتن و غيره هو أشبه أخذا بالمتيقن و فيه أن المتيقن المثلان لما عرفت من تفسير الضعف بالمثل ممن سمعت، كما أن المتيقن هو الوصية بالضعف التي حكم فيها بالمثلين، و ما في المسالك من أنه لم يعتد بالقولين لضعفهما و شذوذهما بخلاف القول بالثلاثة المحكي عن بعض أهل اللغة التصريح بأن ضعفي الشي ء هو و مثلاه، فيكون ثلاثة أمثاله،- يدفعه ما عرفت من تصريح من سمعت به لأنها عبارة، و التصريح الذي ذكره هو المحكي عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال:

ضعف الشي ء هو و مثله و ضعفاه هو و مثلاه.


1- 1 سورة الإسراء الآية- 75.
2- 2 سورة سبأ الآية- 37.
3- 3 سورة الروم الآية- 39.

ج 28، ص: 451

قلت و عليه تكون الوصية بضعف النصيب، وصية بالنصيب و مثله، و بضعفيه به و مثليه و ليس هو المراد قطعا، و يمكن أن يكون المراد مقدار النصيب، و مثله الضعف فيكون مثلين، و مقدار النصيب، و مثلاه الضعفان، فيكون ثلاثة أمثاله.

و في الدروس و لو أوصى له بضعف نصيب ولده أعطي مثليه، و بضعفيه ثلاثة أمثاله- و في المبسوط أربعة أمثاله- و بثلاثة أضعافه أربعة أمثاله، و الأصل فيه أن ضعف الشي ء هو و مثله، و ضعفاه هو و مثلاه، و هكذا، و على قول المبسوط كل ضعف مثلان.

و على كل حال، فلا ريب في أن المتجه ما في المبسوط، بناء على أن المراد من الضعف المثلان، و الأخذ بالمتيقن لا يعارض ظاهر اللفظ، و منه يعلم أن ما في قوله أيضا و كذا لو قال: ضعف ضعف نصيبه أى كالضعفين في القولين، و أن الأشبه ثلاثة أمثاله، و ذلك لأن من قال إن الضعف المثلان فتضعيفه قدره مرتين، و هو أربعة أمثال، فيكون الموصى به ضعف ضعف النصيب، و من قال: بأنه ضم مثل الشي ء إليه فيضعف هذا الضم زيادته مرة أخرى، فيكون ثلاثة و ضعفه، و قد اعترف في المسالك هنا بضعفه، فقال: انه مخالف للتفسيرين السابقين للضعف لأن من جعله المثل فالتضعيف مثلان، و من جعله مثلين لزم أن يكون تضعيفه أربعة، و أما اعتبار المنضم خاصة، ففيه أن الضعف عند هذا القائل هو المجموع من المماثل و الزائد لا نفس الزائد، و إلا لكان هو القول بالمثل، و بالجملة، فالقول بأن ضعف الضعف ثلاثة أمثاله ضعيف جدا، و قد وافقه عليه العلامة في التذكرة و الإرشاد.

و في المسألة وجه ثالث، أن ضعف الضعف ستة أمثال، بأن يكون الضعف و مثله معا هو الموصى به، و يضعف بأن الوصية بالمضاف خاصة.

و رابع أنه مثل واحد، بناء على أن الضعف هو المثل، فضعف الضعف مثل المثل، و المثل واحد، فمثله كذلك، و قد عرفت ضعف المبنى عليه، و قد ظهر أن أرجح الأقوال كون ضعف أربعة أمثال.

قلت: لكنه ينافي ظاهرا موافقته للمصنف في المسألة السابقة من الأخذ بالمتيقن نعم هو متجه على ما قلناه، فتأمل جيدا، فان ما في المسالك هنا لا يخلو من المناقشة من وجوه أخر.

ج 28، ص: 452

و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا أوصى بثلثه للفقراء و له أموال متفرقة جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه ]

المسألة الرابعة: إذا أوصى بثلثه للفقراء، و له أموال متفرقة، جاز صرف كل ما في بلد إلى فقرائه قطعا للصدق الذي لا ينافيه احتمال إرادة فقراء بلده بعد عدم الدليل عليه، فالأخذ بظاهر اللفظ حينئذ الشامل لهذا الفرد متجه.

و كذا لو صرف الجميع في فقراء بلد الموصى جاز أيضا لذلك.

نعم في المسالك ان لم يستلزم تعزيرا بالمال بسبب نقله، و لا تأخيرا لإخراج الوصية مع إمكان التعجيل، و إلا أشكل الجواز لذلك، و فيه أنه لا إشكال أيضا و إن أثم أو ضمن، إذ الكلام في أصل جواز صرفه فيهم، على أنه يمكن فرض غرض صحيح لجواز النقل كأولوية المستحق، و وجود الحاكم و غير ذلك مما سمعته في الزكاة، أما لو فرض عدم المستحق في بلد المال، و عدم الخطر في نقله فلا إشكال أصلا، كما أنه لا إشكال في جواز إخراج قدر الثلث من المال الذي في بلد الموصى، و ترك الأموال المتفرقة للورثة، مع رضاهم بذلك، لأن المعتبر إخراج ثلث المال بالقيمة، لا الإخراج من كل شي ء ثلثه، و أن كان إطلاق الثلث يقتضي الإشاعة إلا أن يتعلق غرض للموصى بشي ء من الأعيان أو الجميع فيتبع مراده حينئذ».

و كيف كان ف يدفع إلى الموجودين في البلد، و لا يجب عليه تتبع من غاب لأن الفقراء غير منحصرين، فلا يجب الاستيعاب، و لا تتبع من ليس في البلد لذلك.

و في المسالك، و يفهم منه وجوب استيعاب من في البلد منهم، و وجهه أن الموصى لهن مستحقون على جهة الاشتراك، لا على جهة بيان المصرف كالزكاة، و بهذا يظهر أن عدم وجوب التتبع رخصة، و أنه لو صرفه إلى غير الموجودين أو إليهم مع غيرهم جاز».

قلت فيه أولا: منع عدم إرادة المصرف من مثل اللفظ الذي لا فرق بين تعلق خطاب الزكاة و غيره في فهم أهل العرف منه ذلك، و لو بقرينة عدم حصر الفقراء و نحوه و ثانيا: أن استحقاق الموصى لهم على جهة الاشتراك لا على المصرف لا يقتضي ما ذكره

ج 28، ص: 453

من الرخصة، و من جواز الصرف إلى غير الموجودين أو إليهم و إلى غيرهم كما هو واضح، خصوصا بعد أن ذكر ذلك وجها لوجوب استيعاب من في البلد المنافي لذلك و الله العالم.

و على كل حال ف هل يجب أن يعطى ثلاثة فصاعدا؟ قيل: نعم، و هو الأشبه عند المصنف عملا بمقتضى اللفظ الذي هو جمع، و أقله ثلاثة على المختار، و حينئذ لا يجوز أن يقصر عن ثلاثة، فان لم يوجد في البلد وجب الإكمال من غيره مراعاة للفظ الجمع، و أن الحكم ليس لبيان المصرف عنده، و إلا لاكتفى بالواحد و أشكله في المسالك «بأنه إن كان للاشتراك وجب تتبع الممكن، و إن كان لبيان المصرف لزمه الاكتفاء بواحد، فالجمع بين وجوب استيعاب من في البلد و عدم وجوب صرفه إلى غيرهم، مع وجوب الدفع إلى ثلاثة لا يخلو من اشكال» ثم قال: و لعل الوجه فيه أن مراعاة الجمع يوجب الثلاثة فصاعدا، و استيعاب من حضر لاشتراكهم في الاستحقاق و عدم وجوب الدفع إلى من سواهم رخصة و تخفيف.

قلت: لم لا يكون هذا منه قرينة على عدم إرادته استيعاب من في البلد، من قوله «و لا يجب تتبع من غاب» فيكون حاصله عدم وجوب تتبع من غاب، و عدم وجوب استيعاب من في البلد، و لكن يجب إعطاء الثلاثة فصاعد مراعاة للفظ الجمع المراد من تعريفه الجنس لا الاستغراق، فهو للمصرف عنده، إلا أنه يراعى في المصرف أقل الجمع فصاعدا.

بل قوله و كذا لو قال: أعتقوا رقابا، وجب أن يعتق ثلاثة فما زاد، الا أن يقصر ثلث مال الموصى شاهد لذلك، ضرورة كون المراد منه عدم الفرق بين الجمع المنكر و المعرف الذي لا يراد الاستغراق بتعريفه، و أنما المراد منه العهد الذهني على حسب الإرادة في المفرد، في نحو أدخل السوق و اشتر اللحم و نحو ذلك.

نعم قد يشكل بظهور إرادة الجنس الذي يلغى فيه مراعاة أقل الجمع، كما يلغى مراعاته مع إرادة الاستغراق من مثل هذا اللفظ الذي علم عدم إرادة الاستغراق منه، و لذا لم يراع في مصرف الزكاة و الخمس أقل الجمع فصاعدا، و لكن لا ريب في أن الأحوط ما ذكره، كما أنه لا ريب في عتق الممكن من الأقل مع عدم سعة الثلث، لعدم سقوط الميسور بالمعسور و لأن

ج 28، ص: 454

دلالة الجمع على إفادة كدلالة اسم كل واحد منها عليه، فلا يسقط التكليف بالممكن منها بتعذر الآخر، فلا يرد أن الموصى به مسمى الجمع فينبغي بطلان الوصية أو توقع تنفيذها مع رجائه.

إنما الكلام فيما لو قصر حتى عن لواحد، فهل يجب إعتاق شقص مع الإمكان قولان: مع أنه في المسالك استقرب الوجوب، لثبوت عتق الجزء كالكل، و لعموم «لا يسقط(1)»

و «ما استطعتم»

و نحوهما، لكن قد يناقش فيه بأن لفظ الرقبة لا يدل على البعض إلا تضمنا، و الدلالة التضمنية تابعة للمطابقية، فإذا فات المتبوع انتفى التابع و دعوى- أن عتق الرقبة لما لم يتحقق إلا بعتق جميع أجزائها، فكل جزء مقصود عتقه، و مأمور به بالذات لا بالتبعية، فيجب حيث يمكن- واضحة المنع، ضرورة أن المقدمة وجوبها تبعي لا ذاتي كما حقق في محله.

نعم قد يقال: إن صرفه في ذلك أولى لأنه أقرب إلى مراد الموصى، و لأنه بعض أنواع البر الذي هو مصرف الوصية المتعذرة على الأصح كما تقدم، من غير فرق بين ما تجدد تعذرها و بين المتعذرة ابتداء فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا أوصى الإنسان بعبد و لآخر بتمام الثلث صحت الوصيتان ]

المسألة الخامسة: إذا أوصى الإنسان بعبد، و لآخر بتمام الثلث باعتبار قيمة العبد صحت الوصيتان لوجود المقتضى و انتفاء المانع، فيقوم العبد يوم موت الموصى الذي هو حال نفوذ الوصية، و ينظر إلى بقية التركة، فإن

خرج العبد من الثلث صحت وصيته، و ينظر بعد ذلك فإن بقي من الثلث بقية فهي للموصى له الثاني و إلا بطلت الوصية لفوات متعلقها و هذا واضح.

إنما الكلام فيما لو تغيرت قيمة العبد أو بقية التركة، و قد عرفت فيما تقدم أن المعتبر في قيمة التركة حال الوفاة بالنسبة إلى الزيادة و النقصان، و حينئذ فإذا فرض حدوث نقص في التركة قبل قبض الوارث، فالنقص على الموصى له الثاني لأن الوصية بتكملة الثلث بعد الوصي الأولى، فلا بد من اعتبار خروج الأولى أولا ثم الثانية إن بقي لها من الثلث شي ء.

و لو حدث في العبد عيب قبل تسليمه إلى الموصى له، كان للموصى له الآخر تكملة الثلث بعد وضع قيمة العبد صحيحا لأنه قصد عطية التكملة و العبد


1- 1 عن غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.

ج 28، ص: 455

صحيح فلا بد من ملاحظة قيمته صحيحا في الإخراج من الثلث، فلو فرض أن قيمة العبد صحيحا مائة، و الباقي من التركة خمسمائة، فأصل الثلث مائتان، و الوصية الثاني بمائة، فإذا تجدد نقص العبد خمسون مثلا رجعت التركة إلى خمسمائة و خمسين و ثلثها مائة و- و ثلاثة و ثمانون و ثلثا، فإذا وضع منه قيمة العبد صحيحا بقي ثلاثة و ثمانون و ثلث للموصى له.

لكن في المسالك «و يشكل بأن مقتضى الوصية أن يكون بيد الورثة ضعف ما بيد الموصى له الثاني بعد إسقاط الأولى، و هنا ليس كذلك، لأن الباقي من المال بعد قيمة العبد خمسمائة، فيجب أن يكون نقص العبد محسوبا من التركة بالنسبة إلى الأول، فهو كالباقي، فالمتجه أن يكون للثاني مائة، و الواصل إلى الورثة الثلثان و زيادة».

و فيه أنه مناف لغرض قصد الموصى الوصية للثاني بما زاد عن قيمة العبد صحيحا و لو باعتبار ظهور الوصية كذلك، ثم الوصية بالتتمة للثاني، و اعتبار كون ما بيد الورثة ضعف ما بيد الموصى له مسلم مع عدم صدور النقص بالعين الموصى بها، الذي هو كتلف بعض العين الموصى بها، ضرورة اقتضائه زيادة الورثة حينئذ، و احتساب نفس النقص من التركة مناف للواقع، و مضر للوارث كما هو واضح.

و على كل حال فالزيادة للوارث، ضرورة عدم استحقاق الموصى له بالعبد إياها لأنها ليست مما أوصى بها له، و لا الثاني لأنها ليست من التتمة، ففي الفرض يأخذ الموصى له الثاني ما زاد عن قيمة العبد صحيحا، من المائة و الثلاثة و ثمانين و هو ما عدا المائة، فتكون الخمسون للورثة، و على ما ذكره هو يكون للوارث ثلاثة و ثلاثون و ثلث، هذا كله في النقص للعيب.

أما لو كان باعتبار السوق و كان خمسين مثلا اعتبر قيمة التركة عند الوفاة، و لا ينقص بسببه شي ء على الثاني، بل يعطى تمام الثلث حينئذ، و هو مائة و ثلاثون و ثلث، و الفرق أن العين هنا قائمة بحالها، و الثلث انما يعتبر عند انتقال التركة عن الموصى و هو حال الوفاة، بخلاف نقص المعيب، فإنه نقص محسوس له حصة من الثمن، و لهذا ضمنه الغاصب و يثبت أرشه للمشتري، دون رخص السوق، مع احتمال أن يقال أيضا أن الموصى قصد التتمة مع مساواة العبد القيمة العليا فتأمل.

ج 28، ص: 456

و كذا لو مات العبد قبل موت الموصى بطلت الوصية به بفوات متعلقها و أعطى الآخر ما زاد عن قيمة العبد الصحيح لأن له تكملة الثلث، فلا يسقط بموته شي ء، فيعتبر قيمته عند وفاة الموصى لو كان حيا، و يحط قيمته من الثلث، و يدفع الباقي إلى الموصى له الثاني.

نعم لو فرض نقص المال غير العبد كأن ينقص مائة مثلا فالنقص على الثاني فيكون له ستة و ستون و ثلثان، و لا يجرى مجرى موت العبد، لأن الفائت هنا على الورثة و هناك على الموصى له الأول، و جانب الورثة موفر، كما أنه لو كان تلف المال بعد قبض الوارث الواقع بعد الوفاة كان محسوبا عليهم، فيكون للثاني تمام المائة هذا.

و لكن في الدروس، و لو أوصى له بعبد، و لآخر بتمام الثلث صح، فان مات العبد قبل الموصى بطلت الوصية به و يعطى الآخر التتمة، فلو كان قيمته مائة و باقي المال خمسمائة، أعطى الثاني مائة و يشكل بأن الثلث الآن أنقص من الأول، و كذا لو عاب أو رخص، و مقتضاه حينئذ إعطاء تتمة الثلث الآن لا غير بعد إسقاط قيمة العبد صحيحا، لأن الموصى قصد ذلك، و فيه أن الموصى قصد ذلك بعد ملاحظة العبد من التركة لا أنه يخرج من ثلث ما عداه، فلا فرق حينئذ بين موته قبل الموصى و بعده، كما أنه لا فرق في أصل المسألة بين تسليم العبد إلى الموصى له و عدمه، بعد فرض كون التعيب في حياة الموصى، كما عساه يومي إليه الحكم ببطلان الوصية بموته ضرورة أن تسليمه قبل موت الموصى كعدم تسلمه فالتقييد حينئذ في المتن و غيره بذلك غير واضح، و دعوى- إمكان إرادته الأعم من حياة الموصى و موته- يدفعها عدم تمامية الحكم حينئذ فيما بعد الموت، بناء على أن القبول كاشف عن الملك حين الموت، فالنقص بالعيب حينئذ داخل في ملك الموصى له الأول، فلا يحتسب على غيره.

و بذلك كله و ما تقدم في المباحث السابقة ظهر لك الحال في أقسام المسألة و أن كثرها في المسالك فقال: انما الكلام فيما لو تغيرت قيمة العبد أو بقية التركة بزيادة أو نقصان قبل موت الموصى، أو بعده، و قبل تسلم الموصى له العبد أو بعده، و قبل وصول الثلثين إلى الورثة أو بعده، لكن عند التأمل لا محصل لها فتأمل جيدا هذا.

ج 28، ص: 457

و قد ظهر مما قدمناه سابقا أنه لو كانت قيمة العبد بقدر الثلث بطلت الوصية للآخر لانتفاء موضوعها.

[المسألة السادسة إذا أوصى له بأبيه فقبل الوصية و هو مريض عتق عليه من أصل المال ]

المسألة السادسة: إذا أوصى له بأبيه فقبل الوصية، و هو مريض، عتق عليه من أصل المال إجماعا منا سواء قلنا: بأن المنجزات منه أو من الثلث لأنه على الثاني انما يعتبر من الثلث ما يخرجه عن ملكه مما فيه ضرر بالوارث و هنا مع أنه لم يخرجه عن ملكه حتى يكون من التنجيز، بل بالقبول ملكه و لكن انعتق عليه قهرا تبعا لملكه لمن يكن فيه ضرر على الوارث.

و ما عن بعض العامة- أن خروجه من الثلث كالعتق اختيارا، بل عن العلامة أنه قواه في التحرير، لأن اختيار السبب كاختيار المسبب، فمتى كان الأول مقدورا فالثاني كذلك، و قهرية العتق لا يقتضي الخروج من الأصل، مع استنادها إلى اختيار المريض في التملك- واضح الضعف بعد ما عرفت، و مثل لو وهب فقبل الهبة و هو مريض، و كذا لو كان قد ملكه بغير اختيار كالإرث، بل هو أولى بالحكم من الأول.

نعم لو ملكه مختارا بعوض موروث كما لو اشتراه مثلا بثمن المثل اتجه القول بخروجه من الثلث، لأن تملكه له باختياره سبب عتقه، فجرى مجرى المباشرة المفوتة للمال على الوارث، و لو باعتبار بذل الثمن في مقابلة ما يعلم فواته، و زوال ماليته، مع أن المحكي عن أحد قولي الفاضل في القواعد نفوذه من الأصل أيضا، لأنها انما يحجر عليه في التبرعات، و الشراء ليس بتبرع فلا يكون محجورا عليه، و العتق حصل بغير اختياره، فلا يعتبر فيه الثلث، و أن كان فيه ما لا يخفى بعد ما ذكرناه.

أما لو اشتراه بما يزيد عن ثمن المثل، فلا ريب في كون الزائد محاباة يخرج من الثلث، بناء على القول بكون التبرعات منه كما أن الظاهر خروجه من الأصل على القولين لو ملكه بعوض موروث، و لكنه بغير اختياره، بمعنى استناده إلى أمر الشارع له به، مثل ما لو نذر في حال المرض- ان جوزنا كونه من الأصل- أنه إذا وجد قريبه يباع بعوض هو قادر عليه اشتراه، فوجده و هو مريض فاشتراه، و قد يحتمل ضعيفا كونه من الثلث لحصول السبب المقتضى

ج 28، ص: 458

للتصرف في المرض.

و فيه أنه بعد أو كان ذلك سبب إيجاد الشارع صار بمنزلة الدين، و كذا لو ملكه بعوض غير موروث باختياره، كما لو آجر نفسه للخدمة به، فيعتق من الأصل على القولين، لعدم تفويته شيئا على الورثة، و أولى أن يملكه كذلك بغير اختياره، بل بإلزام الشارع، كما لو كان قد نذر تملك بالإجارة كذلك.

و لو اشترى أباه بدون ثمن المثل بأن حاباه البائع بالنصف مثلا، فباعه إياه بخمسمائة، و هو يسوى ألفا صح حينئذ في سبعة أعشاره عند الشيخ و من وافقه، لأن نصفه بمنزلة الهبة الذي تخرج من الأصل، و عشران منه ينفذ فيهما البيع، بناء على أن التركة ستمائة فثلثها منها مئتان، فينفذ فيهما البيع، و يبطل في الباقي، و يرد من الثمن ثلاثمائة، فهي مع المائة الباقية أربعة ثلثان للورثة.

و فيه: أن بطلان البيع في جزء من أحد العوضين يقتضي بطلانه في مقابله من العوض الآخر لأن المجموع في مقابل المجموع، و ليست المحاباة هبة حقيقة، و انما هي في معنى الهبة فتمتنع الصحة في مجموع أحد العوضين، و البطلان في البعض الآخر، فالمتجه حينئذ بطلان البيع في ثلاثة أخماس العبد، في مقابلة ما زاد على ثلث التركة، أعني ثلاثة أخماس الثمن، و هو ثلاثمائة، و يصح في خمسيه بمائتين فينعتق فيه الخمسان، و يكون التصرف في ثلث التركة أعني المائتين- و الله العالم.

[المسألة السابعة لو أوصى له بدار مثلا فانهدمت و صارت براحا ثم مات الموصى بطلت الوصية]

المسألة السابعة: لو أوصى له بدار مثلا فانهدمت لا بفعل الموصى و صارت براحا، ثم مات الموصى، بطلت الوصية، لأنها خرجت عن اسم الدار الذي هو المركب الفائت بفوات أحد أجزائه، و خصوصا ما تفوت به حقيقته.

و لكن مع ذلك فيه تردد ينشأ مما سمعت، و من بقاء بعض متعلق الوصية الذي لا يفوت بفوات البعض الآخر، بعد أن كانت الوصية بكل جزء جزء، و إن أداها بالوصية باسم المجموع، لكنه كما ترى، ضرورة ظهور اللفظ في الوصية بالبعض من حيث كونه جزء من المركب، لا أنه وصية به لنفسه مستقلا، كما أوضحنا ذلك في باب البيع عند

ج 28، ص: 459

البحث على مسألة جواز بيع الوقف عند خرابه، و ربما فصل بعضهم بأنه إن كان الموصى به دارا معينة، فانهدمت فالوصية باقية، لانتفاء الدليل الصالح للبطلان، و تغير الاسم لم يثبت كونه قادحا، و الباقي منها بعض ما أوصى به، و إن كان قد أوصى له بدار من دوره، فانهدمت جميع دوره قبل موته بطلت، لانتفاء المسمى و استحسنه في المسالك.

و فيه ما لا يخفى بعد ما سمعت، ضرورة الاكتفاء في البطلان بانتفاء الموصى به، باعتبار جعل عنوانا لوصية الاسم المخصوص المفروض انتفاء مسماه بالانهدام و كفى بذلك مبطلا من غير فرق بين كونها معينة أو لا، هذا.

و في المسالك «و موضع الخلاف ما إذا كان الانهدام لا بفعل الموصى، و إلا كان رجوعا» قلت: هو ليس الا لما ذكرناه مما لا فرق فيه بين فعل الموصى و غيره فتأمل جيدا كي تعرف الحكم في نظائره المسألة، بل و في غير الوصية.

[المسألة الثامنة إذا قال أعطوا زيدا و الفقراء كذا كان لزيد النصف من الوصية]

المسألة الثامنة: إذا قال: أعطوا زيدا و الفقراء كذا، كان لزيد النصف من الوصية كما لو أوصى لقبيلتين مختلفي العدد و قيل: الربع لأن أقل الفقراء ثلاثة، و قد شرك بينهم، و بين زيد بالعطف، فيكون كأحدهم، و فيه أن التشريك بين زيد و الفقراء لا بينه و بين آحاد الجمع، فهو حينئذ فريق و الجمع فريق آخر، و إلا لم يكن الربع، ضرورة عدم انحصار آحاد الجمع في الثلاثة، و كونها أقل لا يوجب المصير إليها مع وجود اللفظ الشامل له و لغيره.

و من هنا يحكى عن بعض العامة وجه ثالث في المسألة: و هو أن يكون زيد كأحد الفقراء.

فإن قسم المال على أربعة من الفقراء أعطي زيد الخمس، و هكذا.

و رابع: أنه يعطى زيد أقل ما يتمول و لا يجوز حرمانه، و إن كان غنيا.

و خامس: أنه إن كان فقيرا فهو كأحدهم، و تخصيصه للاهتمام به، و إن كان غنيا فله النصف.

و سادس: إن كان غنيا فله الربع، و إلا فالثلث، لدخوله فيهم.

ج 28، ص: 460

و سابع: أن الوصية في حق زيد باطلة لجهالة من أضيف إليه، و إن كان الجميع كما ترى، و لذا انحصر أقوال أصحابنا في الأولين و قد عرفت أن- الأول منهما أشبه بل لعله كذلك وصف زيدا بوصف الجمع، فقال: لزيد الفقير و الفقراء، و أولى منه لو وصفه بغير وصفهم، كما لو قال: لزيد الكاتب و الفقراء.

و على كل حال فلا بد من الصرف إلى ثلاثة من الفقراء مراعاة لصيغة الجمع إذا لم يفهم منه إرادة الجنس على جهة مصرف الزكاة كما عرفته سابقا و الله العالم.

[القسم الثاني في تصرفات المريض ]
اشاره

القسم الثاني: في تصرفات المريض و هي نوعان مؤجلة بما بعد الموت و منجزة أى حاضرة معجلة لم تؤجل بالموت

[أما المؤجلة]

و المؤجلة وصية كتمليك عين أو منفعة مثلا و غير وصية كالتدبير و النذر المؤجل بالموت.

و على كل حال ف حكمها حكم الوصية في الخروج من الثلث إجماعا و قد سلفت و كذا لك تصرفات الصحيح إذا قرنت بما بعد الموت بناء على أنه ليس من الوصية بل هو عتق، و قد تبعه على هذا التعبير الفاضل في القواعد و الانصاف عدم خلوه عن سماجة.

و لعل الأولى منه جعل تصرفاته قسمين: وصية أي معلقة بما بعد الموت، و منجزة، و الأولى من الثلث و الثانية، ففيها البحث المعروف، و لا يرد التدبير و النذر المقيد بالموت بناء على أنهما من الوصية بل و على تقدير أنهما ليسا منها فحكمهما في محلهما، و لم يثبت صحة تصرف مؤجل بما بعد الموت غير وصية غيرهما، على أن إلحاق النذر المزبور بالوصية في الحكم المذكور أحد القولين في المسألة، و الآخر أنه من الأصل، فلا يناسب دعوى الإجماع عليه بل في دعوى الإجماع على خروجه الوصية من الثلث فضلا عنه مناقشة، لمعروفية خلاف الصدوق في ذلك اللهم الا أن لا يعتد بخلافه، و أيضا فمحل البحث هنا تصرفات المريض التي معظمها الوصية و لم يفده إلا بالتشبيه، مع أن الحكم المزبور غير خاص بالمريض كما اعترف هو به.

ج 28، ص: 461

و ما في المسالك- من أنه بناء على ما استفيد من تعريف المصنف الوصية بأنها تمليك عين أو منفعة إلى آخره يتحقق أفراد كثيرة يطلق عليها اسم التصرف المؤجل دون الوصية، كالوصية بالعتق و الوقف على جهة عامة، و الوصية بإبراء المديون، و غير ذلك،- فيه ما لا يخفى، ضرورة أنه لا وجه لإنكار إطلاق اسم الوصية العهدية على ذلك، و إن انتفى عنها اسم الوصية التمليكية، كما كشفنا عن ذلك في أول الكتاب، و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح المراد.

[أما منجزات المريض ]
اشاره

أما منجزات المريض إذا كانت تبرعا محضا كالمحاباة في المعاوضات و الهبة، و العتق و الوقف، فقد قيل: إنها من أصل المال، و قيل: من الثلث، و اتفق القائلان: على أنه لو برء المريض لزمت من جهته وجهة الوارث أيضا أي من حيث كونها تبرع مريض و الخلاف فيما لو مات في ذلك المرض.

و قد أشبعنا الكلام في جميع أطراف المسألة في كتاب الحجر حتى فيما ذكره المصنف هنا أيضا من قوله و لا بد من الإشارة إلى ذلك المرض الذي معه يتحقق وقوف التصرف على الثلث بناء عليه فنقول: إن المحكي عن الشيخ و من تعبه أن عنوان الحكم في ذلك المرض المخوف.

و حينئذ ف كل مرض لا يؤمن من معه من الموت غالبا فهو مخوف، كحمى الدق و السل، و قذف الدم، و الأورام السودائية و الدموية و الإسهال المنتن، و الذي يمازجه دهنية، أو بارز أسود يغلي على الأرض، و ما شاكله مما يرجع فيه إلى أهل الخبرة و التجربة من الأطباء، فإن الأمراض يحصل بها تفاوت، و له طرفان و واسطة، أما أحد الطرفين فهو الذي يقارن الموت، كحال من قطع حلقومه و مرية، و شق جوفه و أخرج حشوه، بل قيل أن في اعتبار نطق مثل هذا إشكال، ينشأ من عدم استقرار حياته، فلا يجب بقتله دية كاملة، و لا قصاص في النفس بل حكمه حكم الميت، و لذا لا يصح إسلام الكافر في هذا الحاكم، و لا توبة الفاسق، فلا يعد حينئذ بيعه بيعا، و لا إقراره إقرارا، و من صدق كونه عاقلا رشيدا، فالعمومات متناولة و لا يلزم من إلحاقه بالأموات في بعض الأحوال لدليل خاص، إلحاقه بهم في جميعها، و إن كان الأقوى الأخير.

و أما الثاني و هي الأمراض التي لا يقارنها الموت عادة

ج 28، ص: 462

بل الغالب فيها السلامة ف ان هذه حكمها حكم الصحة، كحمى يوم و كالصداع عن مادة أو غير مادة، و الرمد و الرمل و السلاق الذي هو غلظ الأجفان عن مادة ردية غليظة، و يحمر لها الجفنان، و ينتشر الهدب بل ربما أدى إلى قلع الجفن، و فساد العين، و نحو ذلك من الأمراض التي ليست بمخوفة، بل قيل: منها الفالج، و السل المستمر لتطاول أزمانهما، و ذلك لأن الفالج استرخاء لأحد شقي البدن لانصباب خلط بلغمى يفسد منه مسالك الروح، و السل داء يصيب الرية، و يأخذ البدن منه في النقصان و الاصفرار، فليسا بمخوفين، لا في الأول و لا في الثاني، إذ الثاني منهما و ان كان لم يسلم منه صاحبه غالبا، لكن لا يخشى من الموت عاجلا فهو بمنزلة الشيخوخة و الهرم، و قيل: إن انتهاءه مخوف، و ابتدائه غير مخوف، لأن مدته تتطاول، فلا يخاف من الموت عاجلا، فإذا انتهى خيف منه و ربما قيل إن ابتدائه مخوف، فإذا استمر لم يكن مخوفا.

و لكنك خبير أنه لا وجه لهذا الخلاف بين الفقهاء، فإن لا مدخل له في ذلك، و إنما المرجع فيه قوانين الطب، و التجربة خصوصا مع عدم معرفة زمان الانتهاء فإنه غير مضبوط كالابتداء.

و أما الواسطة فهي ما أشار إليها المصنف بقوله و كذا ما يحتمل الأمرين كحكمى العفن المتعلقة بالاخلاط الأربعة مع تعفنها، و في المسالك أن الحمى العفية أنواع منها الورد، و هي التي، تأتي كل يوم، و الغب يوما تترك يوما و الثلث تأتى يومين و تترك يوما و تعود في الرابع، و الأخوين و هي التي تأتي يومين و تترك يومين و قد أطلق المنصف أنها ليست مخوفة، بل محتملة لأمرين، و ذكر جماعة منهم العلامة أن ما عدا الغب و الربع مخوف».

قلت: لكن في القواعد تمثيل المحتمل بحمى المطبقة قال: لا كحمى الربع و الغب إلا أن ينضم إليها برسام أو عارف دائم أو ذات جنب أو وجع صدر أو رئة أو قولنج، و الأمر في ذلك سهل بعد أن المرجع في ذلك أهل الطب و التجربة.

و كذا الكلام في الزحير الذي هو حركة منكرة تدعو إلى البراز بسبب ورم أو خلط لاذع أو برد نال الموضع أو غيره و الأورام البلغمية و الطاعون و غيرها و ان ذكروا في الأول منهما يكون مخوفا مع اقترانه بإسهال و نحوه، بل قيل: إن الإسهال

ج 28، ص: 463

إذا تواتر و لم يمكن منعه فهو مخوف، لأن من لحقه ذلك أسرع في موته لتجفيفه رطوبات البدن.

نعم ان لم يكن متواترا، فان كان يوما أو يومين و لم يدم فليس بمخوف لأنه قد يكون من فعل الطعام، الا أن يقترن به زحير، و هو أن يخرج بشدة أو بوجع أو تقطيع بمعنى خروجه مقطعا، و قد يتوهم انفصال شي ء كثير، فإذا نظر كان قليلا، فإنه حينئذ يكون مخوفا لاضعافه القوة، و كذا لو كان معه دم، لأنه يسقط القوة و كذا الإسهال المنتن إذ الذي يمازجه دهنية أو براز أسود يغلي على الأرض، و في الأخير انه يكون من هيجان الدم على جميع البدن فينتفخ به البدن مع الحمى أو على بعض البدن فينتفخ به ذلك العضو إلى غير ذلك من كلماتهم المتكثرة في هذا المقام.

و المهم بيان أصل الحكم فإنه لم نعثر فيما وصل إلينا من النصوص على جعل المخوف عنوانا للحكم كي يتجه المباحث المزبورة و غيرها، و إنما الموجود فيها «حضرته الوفاة، أو عند وفاته، و المريض، و غير الصحيح» و نحو ذلك. و دعوى كون المتيقن فيها المرض المخوف، فيبقى غيره على الأصول و العمومات كما ترى، أو عدم صدق المريض على غير المخوف عرفا، بل هو خاص بالمخوف و الحقيقة العرفية مقدمة على غيرها، و كذا دعوى كون المراد من قوله «عند موته» ظهور أماراته لا نزول الموت قطعا، على أنه أقرب منه و المراد ظهور أماراته بالمرض لإشعار قوله

«المريض محجور عليه إلا في ثلث ماله»

، بذلك، و للإجماع على عدم الحجر بغير المرض.

و من هنا قال المصنف و لو قيل: بتعلق الحكم بالمرض الذي يتفق به الموت سواء كان مخوفا في العادة أو لم يكن لكان حسنا لإطلاق الأدلة، بل في القواعد أنه الأقرب، و حينئذ يراد بحضور الوفاة و عند الموت المرض الذي يموت به، لكن قد يناقش بمنع صدق اسم المرض بوجع السن و نحوه، و أن اتفق الموت بل لا يكاد يتفق العلم بحصول الموت به عادة، و احتمال الاكتفاء له- بمقارنة الموت له إن لم يعلم كون الموت به- مخالف لظاهر العبارة.

نعم ربما كان ذلك ظاهر ما في القواعد «الأقرب عندي أن كل تصرف وقع في مرض اتفق الموت معه سواء كان مخوفا أم لا، فإنه يخرج من الثلث» بل في جامع المقاصد «و إن كان

ج 28، ص: 464

الإنصاف معلومية عدم إرادته ذلك، كما أن الانصاف عدم ظهور الأدلة فيما يشمل ذلك، و إن لم يعلم استناد الموت إليه، و قد ذكرنا تمام الكلام في كتاب الحجر.

لكن قد يقال: هنا أن مقتضى الأدلة الخروج عن الثلث بأحد أمرين.

أحدهما: المرض الذي يموت به سواء كان مخوفا أم لا.

و ثانيهما: حال حضور الوفاة، و إن لم يكن بمرض سابق بل كان تنجيزه في حال نزعه، و تشاغله بخروج روحه، إن لم يكن إجماع على خروج ذلك من الأصل، كما عساه يظهر مما سمعته سابقا من جامع المقاصد، و إلا كان المتجه تقييد إطلاقات المريض، به، فيختص الخروج من الثلث بما إذا كان عند حضور الوفاة عرفا، و لعله شمل ما عدا الأمراض المزمنة التي تستمر سنين، فان الخروج من الثلث فيهما مختص بما إذا قرب موته بها عرفا، خصوصا من الأصل لا الثلث، و منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف بقوله أما وقت المراماة في الحرب و امتزاج الطائفتين للقتال، مع تساويهما أو تقاربهما في التكافؤ، بل الظاهر عدم اعتبار الامتزاج كما هو ظاهر المتن خصوصا في المراماة بالرصاص و نحوه.

نعم في المسالك لو كانت إحداهما قاهرة لكثرتها أو قوتها، و الأخرى منهزمة مع أنه قد يقال:

يتحقق الخوف أيضا في بعض أفراد ما فرض سيما مع الثبات.

و الطلق للمرأة، و تزاحم الأمواج في البحر، فلا أرى الحكم يتعلق بها لتجردها عن إطلاق اسم المرض وفاقا للمشهور بين أصحابنا، بل في المسالك لم ينقل المصنف و لا غيره خلاف فيه، بل في جامع المقاصد ما سمعته من الإجماع المزبور، لكن عن ابن الجنيد إلحاقها بالمرض المخوف، بل عنه أنه زاد ما إذا قدم لاستيفاء قود أو ليقتل رجما في الزنا، أو قطع الطريق، أو كان أسيرا في يد عدو من عادته قتل الأسير، و غير ذلك مما كان في حالة الأغلب فيها التلف، و هو كما ترى لا دليل عليه بعد كون المراد من قوله «حضرته الوفاة، و عند وفاته» حالة مرض، و لو فرض نزع روحه بقرينة غيرها من النصوص التي تكشف بعضها عن بعض، خصوصا ما صرح فيها بأن تصرف الصحيح الصادق على مثل الفرض قطعا من الأصل كما هو واضح.

ج 28، ص: 465

فلا إشكال في المسألة حينئذ بناء على عدم حجية العلة المستنبطة التي هي رأي المخالفين، و ربما كان ذلك هو الداعي إلى ابن الجنيد في اختيار ذلك قبل رجوعه عن القول بالقياس، و أما ما يحكى عن الشيخ من أن للحامل ثلاثة أحوال قبل الطلق، و معه، و بعده، فما قبله ليس مخوفا، و ما معه مخوف، و ما بعده إن لم يكن معه دم و ألم فليس مخوفا و الا فهو مخوف، بل لاح من الفاضل في القواعد موافقته، بل في جامع المقاصد أنه لا يخلو من وجه، فليس خلافا في المسألة في الحقيقة و إنما هو في خصوص ذلك، بل لعل القول به في بعض الأحوال غير بعيد و الله العالم.

[هاهنا مسائل ]
اشاره

و هاهنا مسائل كثيرة في المقام كما لا يخفى على من لاحظ الكتب المطولة إلا أن المصنف اقتصر على ستة:

[المسألة الأولى وهب و حابى فان وسعهما الثلث فلا كلام ]

الأولى: إذا تبرع بتنجيز أمور متعددة في مرض موته كما لو وهب و باع و حابى أى باع بدون ثمن المثل فان وسعهما الثلث فلا كلام في نفوذهما معا منه و إن قصر بدء بالأول فالأول حتى يستوفى الثلث و كان النقص على الأخير بلا خلاف في شي ء، من ذلك عندنا و لا إشكال، لأن الأول قد وقع عن حال نفوذ تصرفه في ثلثه من غير حاجة إلى إذن الوارث، فإذا استوفى الثلث وقع التصرف حينئذ في حق الوارث المحتاج إلى الإجازة، من غير فرق في ذلك بين العتق و غيره، خلاف لبعض العامة، فقدمه مطلقا و آخر منهم فساوى بينه و بين المحاباة على تقدير تأخيرها عنه، و لا ريب في ضعف الجميع.

و كذا الكلام على الأصح فيما لو أوصى بوصايا متعددة ما لم تقم قرينة على إرادة العدول، من غير فرق بين أن يكون في اللفظ ما يقتضي الترتيب و عدمه لأن السابق قد حكم بصحته، فلا يبطل إلا بدليل، و ل

خبر حمران (1)عن الباقر (عليه السلام) المتضمن لعتق من ابتدأ بالوصية بعتقه ثم من بعده»

و هكذا، و قد تقدم البحث في ذلك و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا جمع بين عطية منجزة و عطية مؤخرة قدمت المنجزة]

المسألة الثانية: إذا جمع بين عطية منجزة و عطية مؤخرة بعد


1- 1 الوسائل الباب- 66- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 28، ص: 466

الموت قدمت المنجزة و ان كانت متأخرة لاقتضائها الملك فعلا فان اتسع الثلث للباقي نفذ أيضا و إلا صح فيما يحتمله الثلث و بطل فيما قصر عنه إلا إذا أجاز الوراث بلا خلاف و لا اشكال.

و من ذلك كله ظهر لك أن المنجزات تشارك الوصية في توقف نفوذها على سعة الثلث أو إجازة الوارث، و في البدأة بالأول فالأول، من غير فرق بين العتق و غيره، و في أنها تصح عندنا للوارث و غيره، خلافا للعامة، و في أن المدار على الثلث فيهما حال الموت لا قبله و لا بعده، أو قبله.

قيل: و في أنه يزاحم بها الوصايا في الثلث، فيدخل النقص على الوصايا بسببها كما يدخل النقص على وصيته بسبب أخرى، و فيه نظر.

و في أن فضيلتها ناقصة عن فضيلة الصدقة في الصحة، و فيه نظر، لأن

النبي (صلى الله عليه و آله)(1)«سئل عن أفضل الصدقة فقال: أن تتصدق و أنت صحيح شحيح تأمل الغنى و تخشى الفقر- و لا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا، و لفلان كذا، و قد كان لفلان، و قد كان لفلان».

و تفارقها في أن قبول المنجزة على الفور بخلاف الوصية التي يقع قبولها بعد الموت، و في أنها مشروط بالشروط المعتبرة إذا صدرت في حال الصحة، كالعلم النافي للغرر في المحاباة، و التنجيز المعتبرة في البيع و غيره من العقود، بخلاف الوصية فإنها معلقة بالموت و عدم الغرر غير شرط في صحتها.

و في أنها لازمة في حق المعطي، ليس له الرجوع فيها و إن كثرت، لأن المنع من الزيادة على الثلث انما كان لحق الورثة، فلم يملك إجازتها و لا ردها، و إنما كان له الرجوع في الوصية، لأن التبرع بها مشروط بالموت، و قبولها المعتبرة انما هو بعده فقبل حصوله لم يوجد التبرع، فكان للموصى الرجوع، بخلاف العطية المفروض حصول الإيجاب و القبول، و القبض على الوجه


1- 1 المستدرك ج 1 ص 535 لكن الرواية عن الصادق عليه السلام و عن النبي صلى الله عليه و آله مع تفاوت.

ج 28، ص: 467

المثمر للزوم، للاقتران بنية القربة و نحوه ضرورة كونها حينئذ كالوصية إذا قبلت بعد الموت قيل:

و في أنها مقدمة على الوصية بالتنفيذ و إن تأخرت من غير فرق بين العتق و غيره على ما عرفت، و فيه نظر و في أنها لازمة في حق المعطى و الوارث معا على تقدير البرء فإنه ليس لواحد منهما حينئذ إبطالها بخلاف الوصية، و في أن اللزوم في حق المتبرع عليه حيث يكون التصرف لازما من طرفه بخلاف الوصية، و الأمر في ذلك كله سهل، و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا باع كرا من طعام قيمته ستة دنانير و ليس له سواه بكر ردي ء قيمته ثلاثة دنانير فالمحاباة هنا بنصف تركته ]

المسألة الثالثة: إذا باع كرا من طعام أو غيره مما هو ربوي قيمته ستة دنانير مثلا و ليس له سواه بكر ردي ء مجانس له قيمته ثلاثة دنانير مثلا فالمحاباة هنا بنصف تركته و لم يجز الوارث، فلا إشكال في البطلان في الزائد على الثلث كما لا اشكال ف ى أنه يمضى في قدر الثلث و حينئذ فالذي بطل فيه المحاباة في الفرض السدس، ضرورة أن له من الستة ثلثها، و هو اثنان و الفرض انه قد حابى بنصف التركة، و هو ثلاثة ف يزيد على الثلث واحد، هو سدس التركة.

لكن لو رددنا السدس على الورثة لكان رباء لمعلومية اقتضاء البطلان في المبيع و لو جزء منه البطلان فيما قابله من الثمن، كمعلومية عدم اقتضاء ذلك بطلان البيع من أصله هنا، لأنه عقد صدر من أصله في محله فيندرج تحت إطلاق الأدلة و عموماتها و من هنا لم أجد خلافا في ذلك هنا، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه.

نعم الوجه في تصحيحه (11) بحيث يسلم من الربا و من مخالفته قاعدة مقابلة الثمن للمثمن أن يريد على الورثة ثلث كرهم، و يرد على المشتري ثلث كره (12) و حينئذ فيبقى مع الورثة ثلثا كر قيمتها ديناران، و مع المشتري ثلث كر (13) من الجيد قيمتهما أربعة (14) دنانير مضافا إلى ثلث الكر المردود إليه الذي قيمته دينار، فيكون المجتمع عنده خمسة دنانير، كما أن المجتمع عند الورثة أربعة دنانير لكن منها دينار قيمته ثلث كره الذي يرجع إليه، و أما الباقي عنده الورثة أربعة دنانير لكن منها دينار قيمته ثلث كره الذي يرجع إليه، و أما الباقي عنده من كرهم أربعة دنانير اثنان منها قد استحقهما في مقابلة ثلثي كره الردى فيفضل معه (15) أي المشتري المحاباة، و بذلك يحصل الجمع بين حقي

ج 28، ص: 468

الوارث و المشتري، و مراعاة القاعدة التي سمعتها و حينئذ يبطل البيع في ثلث الكر و ما قابله من الثمن، و يصح في ثلثيه، و ما قابلهما من الثمن.

و الضابط أنه يجب أن يبقى مع الورثة ضعف ما صحت فيه المحاباة من غير لزوم الربا، و طريقه أن يسقط قيمة كر المشتريين من قيمة كر الورثة، و ينسب ثلث المبيع إلى الباقي، فيصح البيع في تلك النسبة، ففي الفرض مثلا إذا سقط ثلاثة دنانير من ستة بقي ثلاثة، فإذا نسب إليها ديناران كانا ثلثيهما، فيصح البيع في ثلثي كر بثلثي الآخر، و يتردان الثلث، و لو فرض أن قيمة كر المريض تسعة، و كر المشتري بحاله كانت المحاباة بثلثي التركة، و تصحيحه إنما يكون بتراد النصف من كل منه، فيكون المجتمع عند الورثة ستة دنانير، أربعة و نصب قيمة كرهم الذي رجع إليهم، و دينار و نصف قيمة الكر الذي هو الثمن، و عند المشتري أيضا ستة، لكن منها دينار و نصف قيمة كره الذي رجع إليه، و أما الباقي عنده من كرهم نصف قيمته، أربعة دنانير و نصف منها دينار و نصف في مقابلة نصف كره الذي عند الورثة، و ثلاث دنانير بالمحاباة النافذة فيها، لأنها قدر الثلث الذي فرض أنه في يد الورثة ضعفاه، أى ستة.

و طريقه على ما سبق أن تسقط ثلاثة قيمة كره الردى من التسعة قيمة الكر الجيد، يبقى حينئذ ستة، فإذا نسب الثلث إليها كان نصفا منها، فيعلم حينئذ صحة البيع في نصف أحدهما بنصف الآخر.

و هكذا القياس في جميع ما يرد عليك من الأمثلة في هذه المسألة الدورية، لتوقف معرفة قدر المبيع فيها على معرفة قدر التركة، لاشتمالها على المحاباة التي لا تخرج إلا من الثلث التي تجب معرفة قدره، و معرفته متوقفة على معرفة قدر مجموع التركة، و معرفة قدر مجموع التركة متوقفة على معرفة قدر الثمن، لأنه من جملتها، و معرفة قدر الثمن متوقفة على معرفة قدر المبيع، فيدور، و لكنه دور معية، و هو الذي يتوقف كل منهما على مصاحبة الآخر كالمتضافين، لا الدور المحال، و هو الذي يتوقف وجود كل منهما على وجود صاحبه، بمعنى أنه لا يوجد إلا بعد وجوده.

و للعلماء في التخلص من هذا الدور و بيان المطلوب طرائق منها طريق الجبر و المقابلة، و منها

ج 28، ص: 469

طريق الخطائين كما أطنب بهما في المسالك و إن كان في غير محله ضرورة عدم كونه وظيفة الفقيه، و ستسمع كيفية الأول منهما- إن شاء الله تعالى- في المسألة الآتية التي يقاس عليها غيرها من المسائل الدورية التي أطنب فيها في القواعد و الأمر سهل.

[المسألة الرابعة لو باع عبدا قيمته مائتان بمائة و برء لزم العقد]

المسألة الرابعة: لو باع عبدا قيمته مائتان. بمائة و برء من المرض و لم يكن له سواه لزم العقد كما في غيره مما ينجزه، بلا خلاف و لا إشكال لإطلاق الأدلة و كذا لو مات و أجاز الوارث.

نعم ان مات و لم تجز الورثة صح البيع في الجملة بلا خلاف للإطلاق كما لا خلاف على القول بأن المنجزات من الثلث في عدم النفوذ في الجميع.

إنما الكلام في تعين قدر المبيع، و حيث أن المقام لا ربا فيه، فالمنصف و المحكي عن الشيخ و من تبعه بل نسبه بعضهم إلى المشهور على أنه النصف في مقابلة ما دفع من الثمن المفروض مساواته للنصف و هي ثلاثة أسهم من ستة، و في السدسين بالمحابة، و هي سهمان هما الثلث من ستة الذي نفذت فيه المحاباة، فيكون ذلك خمسة أسداس العبد، و بطل أي المحاباة في الزائد عن الثلث و هو سدس العبد فيرجع على الورثة و (11) لكن المشتري (12) مع جهله بالحال بالخيار إن شاء فسخ، لتبعض الصفقة، و إن شاء أجاز (13) و كانت الخمسة أسداس في مقابلة مجموع الثمن و (14) رجع السدس على الورثة من غير رد شي ء من الثمن بل لو بذل العوض عن السدس كان الورثة بالخيار بين الامتناع و الإجابة لأن حقهم منحصر في العين (15) فلا يلزمون بالعوض قهرا، كل ذلك لأصالة لزوم العقد من الجانبين إلا في قدر الضرورة، و لأن هذا العقد في قوة بيع و هبة صحت فيما له، و بطلت فيما ليس له و لا ربا في المقام.

و لكن فيه أنه مناف لقاعدة اقتضاء بطلان البيع في المبيع، البطلان أيضا فيما قابله من الثمن، كما في غيره من أفراد البيع الذي يصح في بعض، و يبطل في آخر، و من هنا قال الفاضل في القواعد بل قيل: في أكثر كتبه: «الحق عندي هنا مقابلة أجزاء الثمن باجزاء المبيع، كما في الربوي، و لأن فسخ البيع في البعض يقتضي فسخه في قدره من الثمن، و كما لا يصح

ج 28، ص: 470

فسخ البيع في الجميع مع بقاء بعض الثمن كذا لا يصح في البعض مع بقاء جميع الثمن».

و تبعه على ذلك الكركي محتجا بما أومى إليه من أن البيع يقتضي مقابلة جميع اجزاء المبيع، بجميع أجزاء الثمن، لأن ذلك معنى المعاوضة، فإذا بطل البيع في شي ء من المبيع، وجب أن يبطل في مقابلته، من الثمن، و الا لبقي ذلك البعض من غير مقابل، فينتفى فيه معنى المعاوضة، و بذلك يبطل استدلالهم بالأصل المزبور، و العقد المذكور لم يشمل على بيع و هبة بالاستقلال، و أنما هو بيع يلزمه ما هو كالهبة و ليس للهبة فيه ذكر، إذ ليس هنا لك إلا الإيجاب و القبول، اللذان هما عقد البيع و لا يلزم من لزوم ما هو كالهبة أن يتخلف عن البيع مقتضاه، و هو المقابلة المزبورة و لا أقل من أن يكون هذا التحابي مثل من حابا بماله و مال غيره فلم يجز، فإنه يبطل من الثمن بمقدار ما قابله، و مثله المحاباة.

قلت: قد يفرق بين المقام و غيره من المقامات باعتبار كون المال أجمعه ملكا للمريض، ليس لأحد فيه شي ء حال بيعه، و ليس بطلان البيع فيه انكشاف بطلان، بل حدوث ملك للوارث بموت المورث، مكان البيع حال وقوعه وقع على المحاباة بما زاد على ما قابل الثمن من المبيع، إلا أن في الزائد على الثلث منه تعلق حق للوارث و ان انتقل إليه قبل الموت انتقالا متزلزلا، فان لم يجز الوارث تبطل المحاباة فيه فمع فرض تناول ما دل على خروج التبرعات من الثلث للمحاباة، لا شك في إرادة ما يقوله المشهور من خروجها، ضرورة أن لمعنى وقوع المحاباة في الثلث خاصة، و في غيره على الإجازة، و كون الثمن مقابل ما يساويه من المبيع، إلا أنه لما منع الربا من اجراء ذلك في الربوي احتيج إلى ما عرفت، بخلاف المقام الذي لا ربا فيه و ظاهر دليله المذكور اختصاص مقابلة الثمن بما يساويه، و أن التحابي وقع في الثلث و غيره، و لا أقل من أن يكون ذلك مخصصا لتلك القاعدة بعد تسليم شمولها للمقام و من ذلك يظهر قوة قول المشهور.

و على كل حال، فقد بان لك الحال في القسمين الربوي و غيره، ففي المقام لو باع عبدا- لا يملك سواه و قيمته ثلاثون- بعشرة فقد حابا بثلثي ماله فعلى المشهور يأخذ ثلثي العبد بجميع الثمن لاستحقاق أحدهما بالمحاباة، و الآخر بالثمن، و على قول الفاضل يأخذ نصف المبيع بنصف

ج 28، ص: 471

الثمن، و ينفسخ البيع في الباقي، لأن فيه مقابلة بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر جميعه، كما سمعته في الربوي الذي يشبه نظر الفرض فيه، كما لو اشترى قفيزا يساوي تسعة، بقفيز يساوي ثلاثة، و لو باع العبد بخمسة عشر كانت محاباته بالنصف، فعلى المشهور صح البيع في خمسة أسداسه بجميع الثمن، و ذلك لأن الضابط فيه نسبة الثمن و ثلث التركة إلى قيمته، فيصح البيع في مقدار تلك النسبة، و في الفرض خمسة أسداس.

و على قول الفاضل صح في ثلثيه بثلثي الثمن نحو ما سمعته في الفقير الذي قيمته ستة مثلا، ثم بيع بثلثيه الذي قد عرفت الضابط فيه إسقاط الثمن من قيمته المبيع و نسبة الثلث إلى الباقي، فيصح البيع من قدر تلك النسبة، و ينسب الثلث إلى المحاباة فيصح البيع في قدر تلك النسبة، و على التقدير في الفرض يصح البيع في ثلثي العبد بثلثي الثمن، و يبطل في الزائد ثمنا و مثمنا و قيمة كما في الربوي.

و لو فرض أنه خلف عشرة أخرى مع العبد المذكور، فعلى قول الفاضل يصح البيع في ثمانية أتساع العبد، و هي ستة و عشرون و ثلثان، بثمانية أتساع الثمن، و هي ثلاثة عشر و ثلث، و ذلك لأنه قد حابا في الفرض بثلث تركته و ثمن ثلثها فإذا أسقطنا الخمسة عشر من ثلثين، و نسبنا الثلث، و هو ثلاثة عشر و ثلث إلى الباقي من القيمة، و هو خمسة عشر يكون ثمانية أتساعها، أو نسبنا الثلث المزبور إلى المحاباة، و هو ثلث التركة و ثمن ثلثها، أي خمسة عشر يكون ثمانية أتساعه أيضا و يبقى من العبد ستة، و هو ثلاثة و ثلث، فإذا ضمت إلى العشرة، و ضم المجموع إلى الثمن، كان مقدار المحاباة مرتين، و هو الميزان في المقام.

و على المشهور يصح في نصف العبد و أربعة أتساعه بجميع الثمن، لأنك إذا نسبت الثمن و ثلث التركة إلى قيمة العبد يكون المجموع نصفها و أربعة أتساعها فيصح حينئذ في ذلك، و يبطل في نصف تسعه فيكون نصفه في مقابل الثمن، و أربعة أتساعه بالمحاباة، و ذلك ثلث التركة، و يبقى في يد الورثة خمسة عشر هي الثمن، و نصف تسعه، واحد و ثلثان مع عشرة و ذلك ضعف المحاباة.

و يمكن على قول الفاضل استخراج ذلك بطريق الجبر و المقابلة في المسائل الثلاث بأن

ج 28، ص: 472

ينسب الثمن إلى المثمن، و يستخرج قدر المحاباة، فللورثة ضعفها من العبد و الثمن، فيقال: في الأولى صح البيع في شي ء من العبد، بثلث شي ء من الثمن، فالمحاباة بثلثي شي ء، فللورثة شي ء و ثلث شي ء و الشي ء من العبد، فيبطل من الثمن ثلث شي ء، فالثمن في تقدير ثلثي شي ء، و العبد في تقدير شيئين، فالشي ء خمسة عشر فللمشتري خمسة عشر هي نصفه، و يرجع إليه من الثمن خمسة و كذا للورثة.

و في الثانية يصح البيع بنصف شي ء من الثمن، فالمحاباة بنصف شي ء، فللورثة شي ء، و قد حصل لهم من الثمن نصف شي ء، يبقى لهم نصف شي ء من العبد، فيبطل البيع في مقابله، و هو ربع شي ء من الثمن، فالعبد في تقدير شي ء و نصف، و الثمن في تقدير نصف شي ء و ربع فالشي ء إذا عشرون.

و في الثالثة يصح البيع في شي ء من العبد بنصف شي ء من الثمن، فللورثة مقابل المحاباة شي ء من التركة و الثمن، و قد حصل لهم نصف شي ء من الثمن، فالعبد و العشرة الزائدة في تقدير شي ء و نصف، فالشي ء إذا ستة و عشرون و ثلثان، الى غير ذلك مما ليس هو وظيفة الفقيه، و إن أطنب فيه جماعة من العلماء، خصوصا ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه ذكر استخراج ذلك بهذا الطريق، و طريق الخطائين أيضا في الربوي، و الأمر سهل على المعارف بطريقة الحساب، و الأسهل لغير ما ذكرناه بالطريق الأول و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا أعتق أمة في مرض الموت و تزوج بها جاعلا مهرها عتقها و دخل بها صح العتق ]

المسألة الخامسة: إذا أعتق أمة في مرض الموت و تزوج بها جاعلا مهرها عتقها و دخل بها صح العتق و ورثته بالزوجية إن أخرجت من الثلث خلافا للمحكي عن الشافعي، فإنه قال: لا ترث و إن لم تخرج فعلى ما مر من الخلاف في المنجزات في الخروج من الأصل و الثلث، فعلى الأولى أيضا بطلان العتق أيضا، لأنه لم يعتقها إلا على تقدير التزويج بها، و لا ريب في ضعفه.

نعم لا ترث لبطلان النكاح بتبعض البضع، و هل لها عوض البضع شي ء وجهان: كما عن شرح الإرشاد للشهيد، من أنه لم يجعل لها عوضا سوى عتق رقبتها، و قد بطل في الزائد على الثلث، و صار حقا للوارث، فلم يستحق غيره، و كأنه ظاهر الفاضل في القواعد، و من

ج 28، ص: 473

إلحاقها بمن أمهرها قدر قيمتها، فإن المسمى يبطل، و يستحق من مهر المثل بالنسبة، و يدخلها الدور حينئذ كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

و فيه لقاعدة عدم خلو الوطء، المحترم عن عوض، فلو كان مهر مثلها بقدر قيمتها في الفرض المذكور، و لم يخلف سواها عتق نصفها، و تستحق من مهر المثل مثله و لا يحسب من الثلث لأنه كعوض الجناية، فيكون للورثة شيئان، مقابلة ما عتق منها و حينئذ فيكون في تقدير أربعة أشياء، و ربع منها بالعتق و ربع بالوطي، فيكون نصفا، و يبقى للوارث نصف، هذا، و لم يصرح المصنف يجعل مهرها صداقها لكن في قوله «ان خرجت» تنبيه على ذلك، إذ لو كان قد سمى لها مهرا، لوجب اعتباره من الثلث أيضا، و كانت كالمسألة الآتية التي فيها الدور، و لو كانت مفوضة البضع أو المهر لوجوب بالدخول بها مهر المثل أو ما يفرضه المفوض إليه، و فيعتبر خروجه من الثلث أيضا، فلا يتم إطلاق أنها مع خروجها من الثلث يصح العقد و العتق، و أما التقييد بالدخول فلمعلومية اشتراط نكاح المريض به، و إلا بطل العقد، و ترتب عليه عدم الإرث و المهر.

و لو أعتق أمة و تزوجها بمهر و دخل صح الجميع، إن خرجت هي و ما زاد عن مهر مثلها من الثلث، و ورثت، و أن لم تخرج هي من الثلث بطل العتق في الزائد، و ما قابله من المهر، أن خرجت هي من الثلث دون مهرها المسمى، بطل المسمى خاصة، و صح العتق و النكاح، و وجب لها مهر المثل بالدخول و ان زاد على المسمى لأنه كالأرش.

و حينئذ فالمسألة دورية أيضا، لأن معرفة ما انعتق منها إنما يكون إذا عرف مقدار ما يبقى من التركة بعد ما تستحقه من المهر، و بالعكس فنقول: عتق منها شي ء، و لها من مهر المثل شي ء، و للورثة شيئان ضعف ما عتق منها، فيكون ذلك بتقدير أربعة أشياء مع فرض بقاء ذلك من التركة، بأن يكون قد خلف مثلها معها فالشي ء حينئذ نصفها.

و من ذلك يعرف الوجه في

[المسألة السادسة لو أعتق أمة و قيمتها ثلث تركته ثم أصدقها الثلث الآخر و دخل ثم مات فالنكاح صحيح ]

المسألة السادسة: و هي لو أعتق أمة و قيمتها ثلث تركته، ثم أصدقها الثلث الآخر مثلا و دخل ثم مات ف انه لا إشكال في أن النكاح صحيح و في أنه ي بطل المسمى مع عدم اجازة الوارث

ج 28، ص: 474

على المختار لأنه زائد على الثلث، و لأنه لو صح لزم الدور لتوقف صحته على ثبوت النكاح المتوقف على العتق، المتوقف على بطلان المهر، لقصور الثلث عن قيمتها مع صحته، و هذا هو الدور المحال، لا الدور الجائز في نظائر المسألة، ضرورة أنه على ما عرفت مما يستلزم ثبوته نفيه، و هو محال، و من هنا لم يعرف مخالف في المسألة، و إن حكى عن التذكرة أنه حكى قولا لم يعين قائله أن المعتقة تتخير، فان عفت عن مهرها عتقت و صح النكاح، و إن لم تعف كان لها من مهر المثل بقدر ما عتق منها، و في جامع المقاصد أنه لا بعد فيه، لكن لا ريب أن الأقوى ما سمعت و كيف كان فهي ترثه بل و في ثبوت مهر المثل لها تردد من استلزام ثبوته الدور المزبور، و من جريانه مجرى أرش الجناية التي هي من الأصل، و مع منع اقتضائه الدور باعتبار عدم ترتبه على صحة النكاح، بل على مجرد الوطء، و الطريق حينئذ إلى تحصيل مقدار العتق و نصيبها من مهر المثل أن يقال: إنه إما أن يساوي قيمتها أو ينقص عنها أو يزيد: ففي الأول يقال: عتق منها بشي ء، و لها من مهر المثل شي ء، و للورثة شيئان في مقابلة ما عتق منها لا في مقابلة المهر الذي هو من الأصل، فالتركة إذا في تقدير أربعة أشياء، فلو فرض قيمتها مائة و مهر المثل مائة، و بقي من التركة- غير رقبتها- مائتان، فالشي ء خمسة و سبعون فيعتق منها ثلاثة أرباعها، و لها ثلاثة أرباع مهر المثل، و للورثة مائة و خمسون ضعف ما عتق منها، و لو فرض زيادة قيمتها عن مهر المثل، بأن كان بقدر نصف قيمتها و هي مستوعبة للتركة فالدور أيضا لازم بسبب الدخول بها، لاستحقاقها به من مهر المثل قدر ما أعتق منها، و نفوذ العتق في ثلث الباقي منها و بنقصانه يزيد فيقال: عتق منها شي ء و لها من مهر المثل نصف شي ء، و للورثة شيئان في مقابلة ما عتق منها مرتين، فالتركة في تقدير ثلاثة أشياء و نصف فإذا بسطت من جنس الكسر تكون سبعة، لها منها ثلاثة، اثنان من نفسها بالعتق، و واحد بالمهر، و للورثة أربعة فينعتق مقدار سبعي التركة من الجارية، و لها من مهر المثل سبع آخر و للورثة في مقابلة ما انعتق منها أربعة أسباع، فيحرر ثلاثة أسباعها، لأن ما استحقته من نفسها مهرا يجب انعتاقه أيضا.

بل في القواعد أنه لو أراد الورثة أن يدفعوا حصتها من مهرها و هو سبعها، و ينعتق منها سبعاها، و يسترقوا خمسة أسباعها فليس لهم ذلك، و ان كان هو خلاف

ج 28، ص: 475

المحكي عنه في التحرير من أن لهم ذلك و في محكي التذكرة ثم السبع المصروف ان رضيت به بدلا عما لها من المهر، فذلك و يعتق عليها حين ملكته، لا بالإعتاق الأول، و ان امتنعت بيع سبعها في مهرها.

و لعل المحصل من ذلك أن في المسألة قولين: أحدهما أن الورثة يجيزون في دفع دينها الذي استحقته مهرا لما عتق منها، فان دفعوه من عينها و رضيت به عتق بملكها إياه، و ان أراد و ادفعه من محل آخر و يبقى سبع الجارية ملكا لهم كان لهم ذلك، لأنهم مخيرون في جهات الأداء.

الثاني أنه لا خيار للورثة، لأن السعي في باقي القيمة لتعتق ثابت، فإذا ثبت لها في التركة دين كان انعتاقها منه بطريق أولى، و لا يكون للورثة خيار، و هو واضح بناء على السعي، من غير فرق في هذه المسألة و نظائرها، و هل لها أن تمتنع من قبول بعضها مهرا عوض المهر صريح كلام التذكرة توقف الأمر على رضاها و هو متجه بناء على أن السعي و عدمه منوط، و في جامع المقاصد هو محتمل، و لتمام الكلام في ذلك محل آخر، و لو فرض زيادة مهر المثل عن قيمتها و فرض كونه بقدرها مرتين، قلنا: عتق منها شي ء، و لها مهر المثل شيئان، و للورثة شيئان في مقابله أعتق منها مرتين، فالتركة حينئذ في تقدير خمسة أشياء و مقتضى ذلك انعتاقها حينئذ أجمع، لعدم مزاحمة حق الورثة لمهر المثل الذي هو من المديون.

نعم يأتي فيه البحث السابق، من أن للورثة الدفع من غير عينها.

و لقد ظهر لك من ذلك كله أن إطلاق المصنف صحة النكاح مبنى على عدم وجوب المثل، ليتم العتق حينئذ في جميعها، اما إذا حكمنا فيه بشي ء بطل العتق بسببه فيبطل النكاح للتبعيض، كالمسئلة السابقة، و يمكن أن يريد المصنف بصحة النكاح ثبوته فعلا على وجه يترتب عليه استباحة وطئها بذلك العقد، لأنه محكوم

ج 28، ص: 476

بصحته إلى الموت، و وجه الصحة وجود المقتضى، و صدور العقد من أهله في محله و انتفاء المانع إذ لا حق لغيره الاتى في رقبتها، و انما ينكشف ذلك عند الموت كما عن التحرير التصريح به، هذا كله على المختار من الوقوف على الثلث.

و على القول الأخر اى النفوذ من الأصل يصح الجميع كما هو واضح.

و هذا آخر الكلام في هذه المسائل، و ان أطنب الفاضل في القواعد فيها و في نظائرها، لكن من أحاط بما ذكرنا على الحال فيها أجمع، و يتلوه الكلام في كتاب النكاح، و الله الموفق و المؤيد و المسدد. و المحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.