جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد27

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج27، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

اشارة

ج27، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين

[كتاب المزارعة و المساقاة]

اشارة

كتاب المزارعة و المساقاة

[أما المزارعة]

اشارة

أما المزارعة

[تعريف المزارعة]

فهي لغة: مفاعلة من الزرع و شرعا معاملة على الأرض بحصة من حاصلها و لعل تحقق المعنى اللغوي فيه باعتبار مباشرة أحدهما و أمر الآخر به نحو ما سمعته في المضاربة و هل هي المخابرة؟ فيه خلاف لا فائدة مهمة في تحقيقه لكن في المسالك «قد يعبر عن المزارعة بالمخابرة إما من الخبر و هو الأكار أو من الخبارة و هي الأرض الرخوة أو مأخوذ من معاملة النبي صلى الله عليه و آله و سلم لأهل خيبر.

و على كل حال فالمعاملة في تعريفها بمنزلة الجنس الشامل للإجارة و المساقاة و غيرهما، و بالأخير يخرج الأول، لعدم صحتها بحصة من النماء كما أنه بالأول يخرج الثاني، لأنها معاملة على الأصول بحصة منها و ان كانت الأرض تابعة و قد عرفت غير مرة أن المراد بنحو هذا التعريف في كلامهم التصوير و التمييز في الذهن في الجملة فلا يناسب الإطناب في بيان فقده لوازم التعريف من الطرد و العكس و غيرهما كما هو واضح.

و لا ريب في مشروعية هذا العقد عندنا، و عند أكثر علماء الإسلام، بل نصوصا فيها و في المساقاة مستفيضة أو متواترة.

منها

خبر أبي الربيع الشامي (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن الرجل


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 10.

ج 27، ص: 3

يزرع أرض رجل، فيشترط عليه ثلثا للبذر و ثلثا للبقر فقال: لا ينبغي أن يسمى بذرا و لا بقرا و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع أرضك و لك منها كذا و كذا نصف أو ثلث، أو ما كان من شرط، و لا يسمي بذرا و لا بقرا إنما يحرم الكلام».

و نحوه

خبر النضر بن سويد(1)عن عبد الله بن سنان «أنه قال: في الرجل يزارع فيزرع أرض غيره، فيقول: ثلث للبقر و ثلث للبذر، و ثلث للأرض

قال: لا يسمى شيئا من الحب و البقر، و لكن يقول: أزرع فيها كذا و كذا إن شئت نصفا، و إن شئت ثلثا».

و منها

صحيح يعقوب (2)عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه و فيها رمان أو نخل أو فاكهة، و يقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما أخرج؟ قال: لا بأس»

خلافا للشافعي و أبي حنيفة و بعض العامة فمنعوا منه إلا في مواضع مخصوصة.

و كيف كان ف عبارة عقد ها أن يقول: الموجب و هو من بيده الأرض زارعتك أو ازرع هذه الأرض أو سلمتها إليك، و ما جرى مجراه مدة معلومة، بحصة معينة من حاصلها فيقول القابل، قبلت، و جريان المعاطاة فيها على ما حققناه في محله بل حققنا الحال في اعتبار مادة لفظ مخصوص و هيئته في العقد اللازم و عدمه، و قد ذكرنا قوة الثاني و أنه يكفي في تأديته جميع ما يفيده من الألفاظ و لو على طريق المجاز إلا ما لا يتعارف أيضا في تأدية مثله من الخطاب و لو لاستهجان المجاز فيه.

و لعله على هذا توسع المصنف هنا، فذكر سلمتها و ما جرى مجراه، و صيغة الأمر، بل في جامع المقاصد و المسالك الاستدلال على جواز الأخير الذي نسبه في الروضة هنا إلى المشهور بخبري أبي الربيع و النضر بن سويد المتقدمين، و إن ناقشا


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2- باختلاف يسير.

ج 27، ص: 4

فيه بعدم الدلالة فيهما، على أن هذا هو العقد، خصوصا مع عدم التصريح بالقبول، فيمكن أن يكون هذا من جملة القول الذي يكون بين المتعاقدين قبل العقد، لتقرير الأجر بينهما، و اختارا عدم الصحة، و كذا في الرياض إلا أنه استدل عليه بخبر يعقوب السابق و ضعفه أولا: بأن غايته نفي البأس، و هو لا يدل على اللزوم المطلوب إثباته بالصيغة، و ثانيا: بعدم تضمنه القبول و لو فعلا، و هو كاشف عن أن المراد من ذكر ذلك بيان ما يصح مساقاته، لا صيغتها حتى يستدل به على ذلك.

لكن لا يخفى عليك ما في الجميع بعد الإحاطة بما أسلفناه في كتاب البيع، و خبرا أبي الربيع و النضر، إنما هما بصيغة المضارع، لا الأمر، و ظاهر

قوله في أحدهما «إنما يحرم الكلام»

إرادة العقد بذلك، و نفي البأس في خبر يعقوب بعد ظهور القول فيه في الصيغة دال على صحتها المترتب عليه أحكامها فإذا الأقوى جواز ذلك كله لأن التحقيق عدم الإجمال في العقد كي يقتصر فيه على المتيقن في المادة و الهيئة.

نعم الظاهر اعتبار القول أيضا في قبولها، كغيرها من العقود اللازمة، و ترك المصنف له هنا في بيان عبارتها، لعدم اعتبار لفظ مخصوص فيه، بل هو جميع ما دل على الرضا بالإيجاب، فما في المسالك من احتمال كون ذلك منه لبيان الاكتفاء فيه بالفعل كما اختاره العلامة في القواعد في غير محله، هذا و في المسالك «و اعلم أنه قد استفيد من حقيقة المزارعة و من صيغتها أن المعقود عليه هو الأرض المملوكة المنتفع بها- إلى أن قال- و إنه لا تشرع المزارعة بين المتعاملين إذا لم يكن الأرض ملكا لأحدهما كما في الأرض الخراجية، و إن بقي من لوازمها ما يمكن اشتراكهما فيه، لما قد عرفت أن متعلقها و المعقود عليه هو الأرض فلو اتفق اثنان على المعاملة في مثل ذلك في الأرض الخراجية، فطريق الصحة الاشتراك في البذر» إلى تمام ما ذكره من الحيل الشرعية المفيدة للاشتراك في الحاصل، على حسب ما يتفقان عليه بغير طريق المزارعة.

و قد يناقش فيه بأن صيغة المزارعة التي هي زارعتك و سلمتك و نحوهما و حقيقتها- التي هي المعاملة على الأرض بالحصة من حاصلها- لا تقتضي اعتبار ملكية

ج 27، ص: 5

الأرض، لا عينا و لا منفعة، بل يكفي فيها الأولوية الحاصلة في أرض الخراج بالإحياء أو بالتفويض، ممن هي في يده من حاكم الجور أو الشرع أو غير ذلك.

و من هنا جزم في الكفاية بعدم اعتبار ذلك في المزارعة، و ذكر جملة من النصوص الدالة على جواز مزارعة أرض الخراج، ك

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث «سئل عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع قال: نعم لا بأس به، قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف»

و

في خبر الفيض بن المختار(2)«قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

جعلت فداك ما تقول في أرض أتقبلها من السلطان ثم أو أجراها أكرتي على أن ما أخرج الله تعالى منها من شي ء كان لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان قال: لا بأس به كذلك أعامل أكرتي.»

و

في خبر يعقوب بن شعيب (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها و ما كان من فضل فهو بينهما، قال: لا بأس- إلى أن قال:- و سألته عن المزارعة فقال: النفقة منك، و الأرض لصاحبها، فما أخرج الله من شي ء قسم على الشطر، و كذالك أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله يهود خيبر حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها و لهم النصف مما أخرجت»

إلى غير ذلك.

قلت: قد يقال: إن مراد الشهيد ما لا ينافي شيئا مما سمعت، و ذلك لأنه لا يكاد ينكر ظهور ما ذكروه من تعريف المزارعة المزبورة و من صيغتها المذكورة في كون الأرض مملوكة العين أو المنفعة أو الانتفاع، و الا لم يكن وجه للمعاملة عليها بالحصة من حاصلها التي مقتضاها تسليط العامل عليها بعوض هو الحصة من الحاصل، فهي حينئذ كالإجارة بالنسبة إلى ذلك، و إن اختلفت معها في


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- 10- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث 2.

ج 27، ص: 6

الأجرة بل هو معنى زارعتك على هذه الأرض، أو سلمتك إياها أو سلطتك عليها بالحصة من حاصلها، إذ لا معنى له بدونه، فان المعاوضات التمليكية لا يتصور فيها عدم ملكية العوضين، أو أحدهما بأحد الوجوه التي ذكرناها، بل قد سمعت ما في خبر يعقوب المسؤول فيه عن المزارعة، فقال: «النفقة منك و الأرض لصاحبها فما أخرج الله تعالى من شي ء قسم على الشطر» كغيره من النصوص الظاهرة في كون الأرض في المزارعة مملوكة عينا أو منفعة أو انتفاعا، بمعنى اعتبار السلطان على الأرض للمزارع، و أرض الخراج و إن كانت غير مملوكة العين ذاتا لكنها قد تملك منفعتها بالاستيجار من السلطان، الذي قد أجرى الشارع ذلك منه مجرى سلطان العدل أو بالتقبيل أو غير ذلك مما يفيد تمليك المنفعة أو الانتفاع، و كذا من سبق إليها فأحياها و قلنا: إنه بذلك يكون أحق من غيره في الانتفاع بها، فإنه في الحقيقة مالك الانتفاع بها، و لذا يصح له جعل مثل هذه الأحقية ثمنا لمبيع و أجرة في الإجارة إذ هو كالتحجير و نحوه من الحقوق المالية.

و على هذا و نحوه خرجت نصوص مزارعة أرض الخراج، لا ما إذا لم يكن لأحدهما تسلط على منفعتها، أو الانتفاع بها، فإنه لا خصوصية لأحدهما على الآخر على وجه يكون أحدهما مزارعا و الآخر عاملا بل لا بد حينئذ في إرادة الاشتراك في نمائها على التساوي، أو التفاضل، من الاشتراك في البذر كذلك، أو غير ذلك من الوجوه و الحيل التي ذكرها في المسالك مما هو منطبق على قواعد الإجارة و الصلح أو غيرهما، لا المزارعة لفقد تسلط أحدهما على الأرض الذي هو ركن في المزارعة، كي يدفعها إلى الآخر بالحصة من حاصلها الذي قد عرفت أنه في المعنى إجارة.

و بذلك كله ظهر أنه لا وجه لمناقشته بما عرفت، و بمخالفته للنصوص السابقة و دعوى ظهور كلامه في اعتبار ملكية العين في المزارعة مقطوع بفسادها، فان القواعد و النصوص و الفتاوى صريحة في خلافها، و يبعد خفاء مثل ذلك على مثل الشهيد.

ج 27، ص: 7

نعم يبقى شي ء، و هو أن قضية ما ذكرنا عدم صحة المزارعة على الأرض المستعارة و لو للزراعة على وجه يملك المستعير الحصة على المزارع، لعدم الملك عينا و منفعة و انتفاعا، فإذا وقعت المزارعة منه حينئذ فهي في الحقيقة للمالك، و إن قصد بها نفسه فأرض الخراج التي يفوض أمرها الجائر مثلا إلى شخص مثلا على أنها له إذا زارع عليها، لا يملك الحصة، ضرورة عدم ملك العين أو المنفعة أو الانتفاع بذلك، بل تكون الحصة حينئذ للمسلمين، على فرض صحة المزارعة.

نعم إذا استمر الجائر على الإباحة إلى قبض الحاصل، كان الملك حينئذ بذلك، لا بالمزارعة، فتأمل جيدا.

و على كل حال ف هو أي عقد المزارعة عقد لازم بلا خلاف بل لعل الإجماع بقسميه عليه، لقاعدة اللزوم المستفادة من آية «أَوْفُوا» و غيرها ف لا ينفسخ حينئذ اختيارا إلا بالتقايل المطلقة أدلته، أو باشتراط الخيار و نحوه. نعم قد تنفسخ قهرا بخروج الأرض عن الانتفاع و نحوه، و لا يبطل بموت أحد المتعاقدين كغيره من العقود اللازمة، فإذا مات رب الأرض انتقل حكم العقد إلى وارثه، و إذا مات العامل قام وارثه مقامه، أو استؤجر من ماله- و لو الحصة المزبورة- على إتمام العمل.

و لكن في المسالك و غيرها أنه ربما استثني من ذلك ما إذا شرط المالك على العامل العمل بنفسه، فإنها حينئذ تبطل بموته، قال: «و يشكل لو كان موته بعد خروج الثمرة، لأنه حينئذ قد تملك الحصة و إن وجب عليه بقية العمل، فخروجها عن ملكه بعد ذلك بعيد، نعم لو كان قبله اتجه».

قلت: قد يقال بأن الملك حينئذ و إن حصل، لكنه متزلزل إلى حصول تمام العمل، نحو ملك العامل في المضاربة في بعض الأحوال، بل الظاهر حينئذ البطلان و الرجوع إلى أجرة المثل على فرض القول باحترام عمله في هذا الحال، و لا يقسط على الحصة، و إن قلنا به في الإجارة على العمل المشروط فيه المباشرة، لعدم ظهور

ج 27، ص: 8

مقابلة أجزاء العمل بأجزاء الحصة هنا، لا شرعا و لا قصدا بخلافه في الإجارة، و إلا لاتجه حينئذ ملك بعض الحصة ببعض العمل قبل ظهور شي ء من الزرع، و هو معلوم البطلان كما هو واضح.

و كيف كان ف الكلام إما في شروطه أي هذا العقد و إما في أحكامه.

[أما الشروط]
اشارة

أما الشروط: فثلاثة

[الشرط الأول أن يكون النماء مشاعا بينهما]

الأول: أن يكون النماء مشاعا بينهما، تساويا فيه أو تفاضلا بلا خلاف على ما في الرياض، بل في الغنية الإجماع عليه، و إنه الحجة مضافا إلى قاعدة الاقتصار على المتيقن من النص و الفتاوى في عقد المزارعة و المساقاة، المخالف لأصالة عدم الغرر، بل

في الصحيح (1)«لا تقبل الأرض بحنطة مسماة، و لكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لا بأس به»

و في المسالك في تفسير الشرط المزبور «أي يكون مجموع النماء بينهما مشاعا، فيخرج بذلك ما لو شرط أحدهما شيئا معينا، و

الباقي للآخر أولهما، و ما لو شرط أحدهما خاصة و غير ذلك، و الوجه في بطلان الجميع منافاته لوضع المزارعة».

قلت: لا خلاف و لا إشكال في بطلان المزارعة مع عدم الإشاعة في شي ء منها فلو شرطه أي النماء أحدهما لم يصح و كذا لو اختص كل واحد منهما بنوع من الزرع دون صاحبه كأن يشترط أحدهما الهرف أي المتقدم من الزرع و الأخر الأفل أي المتأخر منه أو ما يزرع على الجداول بمعنى الأنهار الصغار أو ما يجمع حولها من التراب من قطع الأرض و الأخر ما يزرع في غيرها أو نحو ذلك مما لا إشاعة في شي ء منه بينهما.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 3.

ج 27، ص: 9

و أما إذا كانت الإشاعة في الجملة محققة و لكن بعد استثناء شي ء معين كما لو شرط أحدهما قدرا من الحاصل و ما زاد عليه بينهما فإنه لم يصح أيضا عند المصنف و جماعة، بل ربما قيل: إنه المشهور، سواء كان مقدار البذر أو غيره لا لجواز أن لا تحصل الزيادة فيبقي الأخر بلا شي ء، إذ يمكن فرضه فيما يكون الغالب عادة حصولها، بل لمنافاته الثابت من شرع المزارعة الذي هو كون النماء جميعه مشاعا بينهما، خلافا لما عن الشيخ و جماعة من جواز اشتراط مقدار البذر بل عن الفاضل جواز استثناء شي ء مطلقا، و رجحه في الكفاية، و لعله للعمومات و الإطلاقات بعد منع ظهور ما دل على شرعية المزارعة في إشاعة جميع الحاصل بينهما بل ربما كان الظاهر منه خلاف ذلك، خصوصا إذا كان الاستثناء لأجنبي عنهما، و لعل منه استثناء قدر معين لخراج السلطان، كما أن من الأول استثناء مقدار ما يصرف على عمارتها أو لا ثم قسمة الحاصل بينهما.

بل لعل

خبر إبراهيم الكرخي (1)كالصريح في أن المدار على الشرط، قال:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر، و يكون على العلج القيام و السقي و الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا، و تكون القسمة فيأخذ السلطان حقه، و يبقى ما بقي، على أن للعلج منه الثلث، ولي الباقي قال: لا بأس بذلك، قلت: فلي عليه أن يرد على مما أخرجت الأرض البذر، و يقسم ما بقي، قال: إنما شاركته على أن البذر من عندك، و عليه السقي و القيام».

كظهور

خبر يعقوب بن شعيب (2)في استثناء غير ذلك «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها، و يؤدي خراجها، و ما كان من فضل فهو بينهما، قال: لا بأس»

إلى غير ذلك من النصوص على اختلافها في الظهور و الاشعار بجواز ذلك الذي هو في

الحقيقة لا ينافي الإشاعة، خصوصا إذا كان لأجنبي، و إن نافى كونه بينهما.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة، الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث- 2-.

ج 27، ص: 10

و من الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض حيث أنه بعد أن حكى عن الكفاية ترجيح ذلك استنادا إلى قوله تعالى (1)«إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» قال: «و هو كما ترى، إذ ليس المستفاد منه إلا الجواز مع الرضا، و هو لا يستلزم اللزوم مع فقده و لو بعدها، كما هو المدعى، مع أنه مخصص بما مضى، مضافا إلى ما دل (2)على النهي عن التجارة المتضمنة للغرر، و الجهالة، و منها مفروض المسألة كما مر إليه الإشارة، و به صرح في الغنية، فقال، بعد الاستناد إلى الإجماع: و لعله لا يسلم إلا ما قد عينه، فيبقي رب الأرض و النخل بلا شي ء و قد يعطب إلا غلة ما عينه، فيبقى العامل بلا شي ء.

إذ لا يخفى عليك ما فيه من عدم انحصار الدليل في الآية التي يكفي في المطلوب دلالتها على الجواز و المشروعية، و اللزوم يستفاد حينئذ من آية(3)«أَوْفُوا» و غيرها و ليس فيما مضى ما يصلح مخصصا، إذ ليس إلا دعوى شرعيتها على خلاف ذلك، و قد عرفت منعها على مدعيها، و أن الإطلاقات و العمومات تكفي في إثبات شرعيتها على الوجه المزبور، و لا

نهي عن مطلق الغرر على وجه يشمل هذه المعاملة التي هي مبنية عليه.

و ما في الغنية ظاهر في استثناء قطعة من الأرض يختص بها العامل أو رب الأرض، و هو غير ما نحن فيه من اشتراط مقدار معين كلي من الحاصل، لأحدهما الذي قد عرفت عدم منافاته للإشاعة، حتى لو كان لأحدهما، بناء على أنه كاستثناء الأرطال المعلومة في بيع الثمار، مع أنه قد يمنع عدم جواز ذلك أيضا، إذا كان بطريق الشرط خارجا عن أرض المزارعة، لعموم الأدلة و إطلاقها، و لعل منه ما في أيدي الناس الان من اشتراط الشكارة المختصة بالسر كار أو الفلاح أو غيرهما، و من ذلك كله يظهر الوجه فيما ذكره المصنف بقوله.


1- 1 سورة النساء الآية- 29.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3-.
3- 3 سورة المائدة الآية- 1-.

ج 27، ص: 11

أما لو شرط أحدهما على الأخر شيئا يضمنه له من غير الحاصل مضافا إلى الحصة من ذهب أو فضة أو غيرهما قيل: و القائل المشهور يصح بل لعل عليه عامة من تأخر بل قد يشعر ما في المسالك و محكي غيرها بعدم الخلاف فيه، حيث لم يعلما القائل بالاخر و ان قال المصنف قيل: يبطل و على كل حال لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل في المفاتيح في بعض الأخبار عليه دلالة، قيل: و لعله ما أشار إليه في الكفاية من بعض

المعتبرة(1)«عن الرجل يزرع له الحراث الزعفران و يضمن له أن يعطيه في كل جريب

أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما، فربما نقص و غرم، و ربما استفضل و زاد، قال:

لا بأس إذا تراضيا»

هذا.

و لكن في المسالك «إن قراره حينئذ مشروط بالسلامة كاستثناء أرطال معلومة من الثمرة في البيع، و لو تلف البعض منه سقط منه بحسابه، لأنه كالشريك و إن كان حصته معينة».

قلت: قد يشكل ذلك بمنافاته لعموم ما دل على لزوم الشرط بعد فرض كونه في الذمة، و بذلك يفرق بينه و بين استثناء الأرطال التي هي بعض المبيع، و لا مناص عن كونه حينئذ كالشريك.

نعم قد يتم ذلك في المسألة الأولى التي هي اشتراط قدر معين من الحاصل، و لعله المراد لثاني الشهيدين، و إن توهم بعض من تأخر عنه أن مراده الأخير و تبعه عليه، إلا أنه كما ترى لا وجه له، بل لعل في الحكم بالسقوط منه بحسابه في المفروض اشكالا، عملا بالشرط الموافق لتعليل المنع في المتن و غيره، و إن كان هو الأقوى ما لم يعلم إرادة خلافه من الشرط.

و تكره إجارة الأرض المزارعة حنطة بالحنطة أو شعيرا ب الشعير مع ضمان ذلك في الذمة، و أما إذا كان مما يخرج منها و يحصل فيها مشخصا للثمن بذلك ف المنع أشبه (11) بأصول المذهب و قواعده، ضرورة اعتبار ملكية


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 1-.

ج 27، ص: 12

الأجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة، و لا شي ء منهما في الفرض.

و من ذلك يعلم عدم الفرق بين تشخيص كونه منها، أو من أرض أخرى، و لا بين استيجارها بجنس ما يريد زرعه فيها و غيره.

و إلى ما ذكرنا أشار

الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(1)لا تؤاجر الأرض بالحنطة و الشعير و لا بالتمر و لا بالأربعاء و لا بالنطاف، و لكن بالذهب و الفضة، لأن الذهب و الفضة مضمون، و هذا ليس بمضمون»

بناء على إرادة عدم إجارتها بذلك إذا كان منها حتى يصح التعليل فيه، بل منه يعلم كونه المراد من غيره من الأخبار المشتملة على النهي عن إجارتها بالحنطة و الشعير من دون تعليل، خصوصا مع ملاحظة العادة في ذلك.

مضافا إلى خصوص

خبر أبي بردة(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إجارة الأرض المحدودة بالدراهم فقال: لا بأس قال: و سألته عن إجارتها بالطعام فقال: إن كان من طعامها فلا خير فيه».

و خبر الفضيل بن يسار(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن إجارة الأرض بالطعام قال: إن كان من طعامها فلا خير فيه»

و المناقشة في السند أو الدلالة مدفوعة بالانجبار بالشهرة العظيمة، بل لم أجد

مخالفا صريحا، إلا ما يظهر من المصنف في النافع.

مؤيدا ذلك كله

بالحسن (4)«عن رجل اشترى من رجل أرضا جريانا معلومة بمأة كر على أن يعطيه من الأرض قال حرام»

بناء على عدم ظهور الفرق بين ثمن المبيع و الأجرة، هذا كله إذا شخص الثمن بذلك.

أما لو جعله في الذمة و لكن شرط الأداء منها أو من أرض معينة أخرى فلا يبعد الجواز، للعمومات، و يجري عليه حكم الشرط حينئذ، مع احتمال البطلان فيه، عملا بما سمعته من النصوص في خصوص هذا الشرط.

و أما إذا لم يذكر لا مشخصا و لا شرطا فلا ريب في أن الأصول و العمومات تقتضي


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام المزارعة الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام المزارعة الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 12- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.

ج 27، ص: 13

الجواز، مضافا إلى التعليل و المفهوم من الأخبار السابقة الحاكمين على إطلاق غيرها من النصوص الذي قد عرفت مع ذلك انسياقه إلى إرادة ما يخرج منها، من غير فرق في ذلك بين كون الأجرة من جنس ما يزرع فيها، و غيره.

خلافا لبعض فمنع منه مع كونها من جنس ما يزرع فيها ل

صحيح الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «لا تستأجر الأرض بالحنطة ثم تزرعها حنطة»

و فيه مع عدم وفائه بتمام المدعى- أنه يمكن حمله على إرادة ما إذا كان منها، بل لعله لا يخلو من إيماء إليه، أو يحمل النهي فيه على الكراهة.

لكن في المسالك. «فيه نظر لأن النهي فيه مطلق، و لا منافاة بينه و بين تحريم شرطه من طعامها حتى يجمع بينهما بحمله، و التحقيق أن المطلق و المقيد متى كانا منفيين لا يلزم الجمع بينهما، بل يحمل المطلق على إطلاقه، بخلاف المثبت و بملاحظة ذلك يخرج فساد كثير مما قررناه في مثل هذا الباب، و قد مضى مثله في النهي عن بيع الطعام قبل قبضه مع ورود نص آخر بتحريم بيع المكيل و الموزون كذلك، حيث جمع الأكثر فيهما بحمل المطلق على المقيد، و ليس بشي ء و تحقيق ذلك في الأصول، مع أنه يمكن حمل الخبر الأول على الإطلاق كالثاني، بأن يريد بكونه من طعامها أي من جنسه، و يؤيده ظهور الكراهة منه، و لو كان من نفسه لكان اللازم التصريح بالمنع، فان عدم الخير لا يبلغ حد المنع فان المباح و المكروه لا يوصف بالخير و لا يفيده، و بينه و بين الشر واسطة، و أما النهي فالأصل فيه التحريم، فحمله على الكراهة بغير دليل أمر غير حسن، و قول ابن البراج بالمنع مطلقا لا يخلو من قوة، نظرا إلى الرواية الصحيحة إلا أن المشهور خلاف قوله».

قلت: فيه ما لا يخفى عليك ضرورة كون التعارض بينهما بمفهوم الشرط الذي هو بحكم المنطوق، و قد تقدم الكلام في مسألة بيع الطعام قبل قبضه، و الجمع بما عرفت أولى مما ذكره من وجوه أحدها الاعتضاد بالشهرة العظيمة، و ما

قد تقدم من تعليل المنع، و بالحسن المزبور، و بغير ذلك مما عرفته على وجه كشف عن إرادة ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 3.

ج 27، ص: 14

من المطلقات أجمع، حتى الخبر المزبور، بشهادة ما في بعضها من التعليل الذي لا ينطبق إلا على إرادة ما إذا كان منها، فلا محيص للفقيه حينئذ عن ذلك.

و قد ظهر من جميع ما قررنا وجه الحكم بالحرمة فيما إذا كان منها، بل أو من غيرها المعين، و عدمها فيما إذا لم يكن من جنس ما تزرع فيه، كما لو استأجرها بشعير في الذمة و زرعها حنطة، بلا خلاف و لا إشكال، و أن الأصح عدمها أيضا فيه، و إن كان هو مكروها للصحيح السابق، بل لا يبعد القول بالكراهة في مطلق استيجارها بالطعام بناء على التسامح فيها فيكفي حينئذ احتمال ارادته من المطلقات و الله العالم.

و كذا يكره أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به، إلا أن يحدث فيها حدثا أو يؤجرها بجنس غيره عند جماعة، بل المشهور لكن قد أشبعنا الكلام في ذلك في كتاب الإجارة، فلاحظ و تأمل.

[الشرط الثاني تعيين المدة]

الشرط الثاني تعيين المدة بلا خلاف معتد به، بل لعل الإجماع عليه بناء على عموم النهي عن الغرر، و وروده على أدلة المقام و لو لرجحانه عليها، لكون المزارعة كالإجارة في المعنى، لا كالقراض الذي هو عقد جائز لا فائدة لضرب الأجل فيه بالنسبة إلى جواز الفسخ، و احتمال المزارعة الغرر بالنظر إلى الحصة لا يقتضي احتمالها إياه من غير هذه الجهة، و كون الزرع له أمد، لا يكتفي به في تعيين الأجل بعد فرض اعتباره، كما في غيرها من الإجارة و نحوها.

مضافا إلى

خبر أبي الربيع الشامي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن أرض يريد رجل أن يتقبلها فأي وجوه القبالة أحل قال: يتقبل الأرض من أربابها بشي ء معلوم إلى سنين مسماة فيعمر و يؤدى الخراج فان كان فيها علوج فلا يدخل العلوج في قبالة الأرض فإن ذلك لا يحل»

بناء على إرادة المزارعة من القبالة فيه أو ما يشملها.

و منه يعلم وجه دلالة

صحيح الحلبي (2)عنه أيضا «أن القبالة أن تأتي الأرض


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب أحكام المزارعة الحديث 4 باختلاف يسير.

ج 27، ص: 15

الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك أو أكثر فتعمرها و تؤدي ما خرج فلا بأس به»

بل صرح جماعة بوجوب كون المدة فيها مما يعلم فيها إدراك الزرع و لو من جهة العادة، لأن إدراك الزرع هو الملحوظ في المزارعة بل هو ركنها الأعظم حتى أنه ظن من جعل ذلك هو المدار من بعض النصوص عدم اعتبار المدة في المزارعة و أن إدراك الزرع هو الغاية فيها.

قال إبراهيم الكرخي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشارك العلج فيكون من عندي الأرض و البذر و البقر و يكون على العلج القيام و السقي و العمل و الزرع حتى يصير حنطة أو شعيرا و يكون القسم فيأخذ السلطان حقه و يبقى ما بقي على أن للعلج منه الثلث ولي الباقي قال: لا بأس»

و إن كان المراد منه أن ذلك يكون من العلج حتى يدرك الزرع الذي هو المراد من المزارعة، و لو مع ذكر المدة التي يبلغ فيها الزرع، و حينئذ فلا يجدي المدة القليلة التي يعلم قصورها عن الإدراك فيها، و احتمال التراضي- بعدها مع عدم لزومه عليهما غير مجد بل و معه كما لو اشترط في عقد لازم لكنه خلاف المعلوم المعهود من المزارعة المشروعة، بل لعل ما توهم منه الخلاف في ذلك كالمتن و نحوه مما أطلق فيه ذلك يمكن دعوى انسياقه إلى إرادة المدة التي يدرك فيها الزرع من المدة التي اعتبروها شرطا نعم ذلك متجه في الإجارة التي لم يكن مبناها و لا المقصود منها إدراك الزرع، لاحتمال إرادة قصيله و نحوه.

و كيف كان فبناء على ما ذكرنا إذا شرط مدة معينة بالأيام أو الأشهر و السنين و نحو ذلك

على وجه يدرك فيه الزرع صح لما عرفت و أما لو اقتصر على تعيين المزروع من غير ذكر المدة ف في الاكتفاء بذلك عنها وجهان:

أحدهما يصح لأن لكل زرع أمدا معتادا فيبني حينئذ على العادة كالقراض و يكتفى به عن ذكر المدة.

و الآخر يبطل، لأنه عقد لازم فهو كالإجارة فيشترط فيه تعيين المدة دفعا للغرر، لأن أمد الزرع غير مضبوط، و هو مع عدم خلاف محقق فيه أشبه


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 1.

ج 27، ص: 16

بأصول المذهب و قواعده بعد القول باعتبار المدة التي من المعلوم عدم الاكتفاء بمثل ذلك في جميع ما اعتبرت فيه من الإجارة و غيرها، و قد عرفت الفرق بينها و بين القراض، كما أنك قد عرفت الشبه بينها و بين الإجارة.

و على كل حال ف لو مضت المدة و الزرع باق، كان للمالك إزالته على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها قاعدة «تسلط الناس على أموالها» «و عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه» ضرورة عدم حق للزارع بعد المدة التي ذلك فائدة جعلها غاية.

سواء كان بسبب الزارع كالتفريط أو من قبل الله سبحانه كتأخير المياه أو تغير الأهوية و ملحوظية إدراك الزرع لهما و ضربهما المدة المذكورة لزعم إدراكه فيها لا يقتضي استحقاق بقاء الزرع بعد المدة فما عن بعض- من أنه ليس له الإزالة لأنه قد حصل في الأرض بحق، فلم يكن للمالك قلعه، و لأن للزرع أمدا معينا غير دائم الثبات، فإذا اتفق الخلل لا يسقط حق الزارع كما لو استأجر مدة للزرع فانقضت قبل إدراكه- واضح الضعف، إذ الحق كان إلى غاية، فلا حق له حينئذ بعدها، و إن كان للزرع أمد معين بل و إن كان قصيرا كوضوح المنع في المقيس عليه من الإجارة التي هي أولى بالحكم مما هنا.

اللهم إلا أن يقال: إن الغاية هنا للمزروع لا للمزارعة، و لذا يبقى حكمها من الحصة فيما بعد الغاية، و حينئذ فالمراد أن الزرع الذي غايته كذا عادة متعلق المزارعة، و ذلك كاف في رفع الجهالة، فإذا اتفق الخطاء بقيت المزارعة على حالها من اللزوم، فليس له الإزالة حينئذ.

نعم قد يقال: إن له الأجرة لما بقي من المدة على ما يخص الزارع، مع احتمال الأجرة للجميع، لاستحقاق المالك عليه عوض المنفعة الأولى في الأرض الحصة في الزرع فكل مقدمة يحتاج إليها حينئذ الزرع تراد من العامل، خصوصا إذا كان التأخير منه لتقصير، و فيه أنه خلاف ظاهر المدة المضروبة التي هي مساوية

ج 27، ص: 17

لمدة الإجارة من الإتيان بها لرفع الجهالة و الغرر في عقد المزارعة، هذا.

و لكن في القواعد «الأقرب أن للمالك الإزالة مع الأرض، أو التبقية مع الأجرة سواء كان بسبب الزارع كالتفريط بالتأخير أو من قبل الله تعالى كتغير الأهوية و تأخير المياه».

و فيه أولا أن المناسب لما ذكره في الإجارة- من عدم جواز القلع لو تأخر إدراك الزرع عن مدة الإجارة لا بتفريط الزارع- عدم جواز القلع مع عدم التفريط هنا، إذ المزارعة أولى لأن الأصح جواز استيجار الأرض مدة لزرع لا يدرك فيها، بخلافه هنا.

و ثانيا: أن المتجه على الجواز اختصاص هذا القسم بوجوب الأرش دون ما إذا كان التأخير بتفريطه.

و ثالثا: أنه لا بد من تقييد قوله «أو التبقية بالأجرة» بكون ذلك مع رضى العامل، لامتناع إلزامه بإثبات عوض في ذمته من دون رضاه، و حينئذ لا وجه لإدخاله في حيز الأقرب، ضرورة كونه قطعيا على فرض رضاه، ثم إن الواجب هو أرش زرع العامل، دون المالك، فان كان البذر منه و قلنا إنه ينمو على ملكهما كما هو الظاهر و من ثم قلنا بوجوب الزكاة على كل منهما إذا بلغ نصيبه نصابا فمقدار حصة المالك لا يجب أرشه و لو قلنا بأنه ينمو على ملك العامل فأرش الجميع، و منه يعلم حكم ما إذا كان البذر من المالك أو منهما، و متى قلع المالك فالمتجه وجوب أجرة المثل لتلك الأرض له على العامل إذا كان التأخير بتفريطه، و لا نفع للعامل، لتضييعه منفعة الأرض على المالك.

«قيل و لو أفضى تفريطه بالتأخير إلى نقص الحاصل نقصا فاحشا مخالفا للعادة، فليس ببعيد وجوب أكثر الأمرين للمالك من الحصة و أجرة المثل».

قلت: يشكل انطباقه على قاعدة شرعية يعول عليها، و الاعتبار بمجرده لا يصلح مدركا. نعم يتجه في الأول أجرة المثل التي هي الضابط في كل منفعة تفوت على مالكها، و الفرض عدم التمكن من معرفة الحصة التي كان يقتضيها عقد المزارعة،

ج 27، ص: 18

و في الثاني أرش الحاصل إن أمكن، هذا كله في المالك.

أما العامل فلا أجرة له على المالك و إن كان التأخير من الله سبحانه، قيل:

إلا إذا حكمنا بجواز القلع، فان المتجه وجوب أجرة المثل عليه، لتضييع منافعه مع احتمال الاكتفاء بوجوب الأرش عنها.

قلت مضافا إلى عدم ضمان منفعة الحر بمثل ذلك، و اعلم أن الأرش هو تفاوت ما بين قيمته باقيا بالأجرة، و قيمته مقلوعا، و يحتمل أن يلحظ في القيمة استحقاقه للقلع، إذا المراد بالأرض عوض نقصان ماليته باعتبار حالته التي هو عليها، و منها كونه مستحق القلع بالأرش، إذ ذلك من جملة أوصافه اللازمة له.

لكن في المسالك «انه لا يخلو من دور» و فيه أنه ليس المقام مقام دور، فمع فرض مدخلية ذلك في قيمته يتجه ملاحظته، و إلا كما هو الظاهر فلا، و الله العالم.

و كيف كان ف ان اتفقا على التبقية جاز بعوض و غيره بلا خلاف و لا إشكال لأن الحق لا يعدوهما لكن إن شرط رب الأرض عوضا معينا افتقر في لزومه بعقد الإجارة إلى تعيين المدة الزائدة و اما الصلح فيقوى جوازه، و إن لم يعين المدة كما أنه تلزمه أجرة المثل إن لم يعين العوض الذي قد اتفقا عليه كما هو واضح بل لعل الحكم كذلك حتى على القول بوجوب البقاء، فإن الأقوى استحقاقه الأجرة على ذلك فيتجه حينئذ ما عرفت و الله العالم.

و على كل حال ف لو شرط في العقد تأخيره إن بقي بعد المدة المشترطة، بطل العقد على القول باشتراط تقدير المدة فإنه لا تقدير حينئذ، إذ المدة هي مجموع المذكور منها، و المشترط المفروض عدم تقديره، بل الظاهر كفاية الجهل في المدة المشترطة خاصة في بطلان العقد.

لكن في المسالك «احتمال الصحة، لأن المدة مضبوطة، و ما تضمنه الشرط بمنزلة التابع ذكر احتياطا لاحتمال الحاجة، و جهالة التابع غير مضرة كما تقدم غير مرة» و فيه ما لا يخفى، بل قد يقال بالبطلان حتى مع تعيين المدة المشروطة، للتعليق، و للجهالة، و لو باعتبار الترديد بين المدتين.

ج 27، ص: 19

نعم يمكن الصحة باشتراط البقاء مدة معينة على كل حال، لإرادة الاستظهار من دون تعليق له على بقائه بعد المدة غير مدرك، كما أنه يمكن القول بالصحة بناء على أن المانع الجهالة، لا التعليق، بتنزيل إرادة أصل ثبوت استحقاق الإبقاء و لو بالأجرة بالشرط المزبور، إذ مرجعه إلى اشتراط عدم القلع عليه، أو ما يقرب من ذلك مما لا إشكال في صحته، و إن وجب التراضي حينئذ بعد ذلك على تقديرها مع إرادة الإجازة الصحيحة أو أجرة المثل أو غير ذلك فتأمل جيدا فإنه دقيق.

و لو ترك الزراعة حتى انقضت المدة لزمه أجرة المثل، و لو كان استأجرها لزمته الأجرة لوضوح الفرق بينهما، بتعذر معرفة المسمى في الأول و لذا وجب الرجوع إلى أجرة المثل، بخلافه في الأجرة، و الظاهر اختصاص المالك بها، لا أنها تكون هي الحاصل، فيجري عليه حكم ما اشترطاه في المزارعة من النصف أو الثلث، ضرورة أن ذلك في الحاصل من العمل و الأرض، و الفرض عدم العمل منه أصلا فلا وجه لاستحقاقه فيما يقابل منفعة الأرض.

و كيف كان فهذا مع تمكين المالك له منها، و تسليمه إياها، و إلا لم يستحق عليه شيئا لأن المنع من قبله، بل قد ينساق أن للعامل عليه أجرة المثل، حيث أنه فوت عليه المنفعة المستحقة له، و عدم العمل منه الذي هو المقابل لمنفعة الأرض إنما كان بتفريط المالك و تضييعه، فهو حينئذ كما لو استوجر على عمل في مدة فبذله الأجير و لم يستوفه منه المستأجر فتأمل.

و على كل حال فحيث يلزم ضمان الأجرة قال في المسالك «يلزمه أرشها لو نقصت بترك الزرع كما يتفق في بعض الأرضين لاستناد النقص إلى تفريطه كما قال فيها و هل يفرق فيها بين ما إذا ترك العامل الانتفاع اختيارا أو غيره ظاهرهم عدمه، و لا يبعد الفرق، لعدم التقصير في الثاني خصوصا في الأرش، و مقتضى العقد لزوم الحصة خاصة، و لم يحصل منه تقصير يوجب الانتقال إلى ما لا يقتضيه نعم يتوجه الحكم مطلقا في الإجارة، لأن حق المالك هو الأجرة عوضا عن منفعة العين تلك المدة، فإذا فاتت المنفعة فإنما ذهبت على مالكها، و هو المستأجر أما المؤجر

ج 27، ص: 20

فلا حق له فيها، إنما حقه في الأجرة و لم تفت».

قلت: لا إشكال في الفرق بين الإجارة و المزارعة بذلك، بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم وجوب أجرة المثل حتى في صورة التفريط، ضرورة عدم بطلان العقد بذلك، و هو إنما يقتضي الحصة المعدومة التي ليست بمضمونة في الذمة، كما سمعته في مسألة الإجارة بشي ء معين من حاصلها، و من الممكن عدم حصولها حتى لو زرع و لم يقصر فالرجوع منهما حينئذ إلى أجرة المثل مما لا يرجع إلى قاعدة، ضرورة عدم العدوان في يده، حتى يندرج في

عموم «على اليد»

و عدم صدق إتلاف مال الغير، لان عقد المزارعة جعله بحكم ماله، لا مال الغير.

نعم إنما يجب عليه الاستنماء و تسليم الحصة، و ذلك إنما يترتب عليه الإثم لا الضمان، و قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» لا يستفاد منها الضمان، و لكن ترفع اللزوم، فيتسلط على الخيار، و حينئذ تكون كالمضاربة التي يترك العامل فيها العمل بلا فسخ لها.

و كذلك الكلام فيما لو كان التقصير من صاحب الأرض بعدم تسليمها إلى المزارع، بل عدم الضمان فيه أولى، لعدم صيرورة منفعة الأرض ملكا له بعقد المزارعة حتى تكون يد المالك عليها عارية يترتب عليها الضمان، و الضرر عليه بفوات انتفاعه بنفسه مثلا لا يقتضي الضمان، لأن منافع الحر لا تضمن بذلك و من ذلك كله يظهر لك الحال حتى في الحكم بضمان النقص الذي يلحق الأرض بعدم زرعها فان ذلك من أحكام يد الضمان التي ليست هذه اليد منها فتأمل جيدا و الله العالم.

[الشرط الثالث أن تكون الأرض مما يمكن الانتفاع بها]
اشارة

الشرط الثالث: أن تكون الأرض التي تقع المزارعة عليها مما يمكن الانتفاع بها في ذلك بان يكون لها ماء و لو تقديرا إما من نهر أو بئر أو عين أو مصنع أو غير ذلك حتى الغيث فان لم يمكن الانتفاع بها في ذلك لعدم إمكان الماء لها لم تصح المزارعة عليها، للأصل بعد معلومية إرادة غيرها من العمومات و الإطلاقات بل هي من معاملات السفه في نظر العقلاء فحينئذ لو أوقعها على أرض هي كذلك حال العقد فاتفق تجدد قابليتها لم يجد ذلك العقد، و احتمال الاكتفاء بحالها في الواقع

ج 27، ص: 21

المستور عليها ممكن، إلا أن الأظهر خلافه.

نعم قد يقال بالصحة على الأرض التي هي حال العقد قابلة لذلك، إلا أنه لم يعلم المتعاقدان بها فانكشف حالها بعد ذلك، لكن لا يخفى عليك أن مقتضى ما سمعته من الدليل مانعية عدم قابليتها للانتفاع بذلك للصحة، لا اعتبار الإمكان، و تظهر الثمرة في المزارعة على الأرض التي لها ماء نادرا، و إن تردد في ذلك في التذكرة من عدم التمكن من إيقاع ما وقع عليه العقد غالبا، و من إمكان الوقوع و لو نادرا، إلا أن المتجه الصحة، بناء على ما ذكرنا للعمومات، و لعل هذا الشرط هنا كشرط القدرة على التسليم في البيع الذي قد أطنبنا فيه في محله، و كثير من مباحثه تأتي هنا بأدنى التفاوت فلاحظ و تأمل هذا.

و لكن في الإرشاد «و لو زارع على ما لا ماء له بطل إلا مع علمه» و مقتضاه الصحة مع العلم إلا أن الظاهر إرادته عدم الماء فعلا، و إن كان يمكن بحفر بئر مثلا لا أن المراد الصحة على ما لا يمكن الانتفاع بها للزرع الذي من الواضح عدم صحة المزارعة عليها، بل لا يطابق ما اعترف به هو و غيره من الشرط الثالث، إلا أن المتجه حينئذ على هذا التنزيل الخيار مع الجهل، كما تسمعه منه في القواعد و من المصنف فيما يأتي، لا البطلان، كأنه لم يفهم منه ذلك في الرياض، حيث أنه بعد أن ذكر الشرط المزبور قال: «لا خلاف في اشتراطه في الجملة و إن اختلفوا في متعلق الشرط هل هو الصحة مطلقا كما هو ظاهر العبارة. فيبطل العقد مع عدمه مطلقا، و لو مع العلم بفقده ابتداء، أو عدمه بعد وجوده، أو في صورة الجهل بعدمه حين العقد خاصة كما هو ظاهر الفاضل في الإرشاد حيث حكم بالبطلان بعدمه إلا مع العلم به، أو اللزوم في صورة الجهل خاصة، فللعامل الخيار فيها بعد العلم، و أما صورة العلم ابتداء بعدمه حين العقد فليس بشرط أصلا بل يلزم فيها كما هو صريح القواعد، و وجهه كالسابق غير واضح بعد ما قررناه، سيما هذا و حمل على محامل- مع بعدها- لا تنطبق على شي ء مما قدمناه من الأدلة.

قلت: سمعت عبارة الإرشاد، و ما يمكن تنزيله عليه، و كذا عبارة القواعد

ج 27، ص: 22

التي هي: «الثالث: إمكان الانتفاع بالأرض في الزرع بأن يكون لها ماء إما من عين أو بئر أو نهر أو مصنع، و كذا التي أجرها للزرع و لو زارعها أو أجرها له، و لا ماء لها تخير مع الجهالة، لا مع العلم، لكن في الأجرة يثبت المسمى» ضرورة استبعاد إرادته الصحة مع العلم بعدم إمكان الانتفاع بها في ذلك، بعد أن ذكر ذلك عقيب اعترافه بالشرط الثالث.

نعم إنما الكلام في قول المصنف و غيره و لو انقطع الماء في أثناء المدة فللمزارع الخيار، لعدم الانتفاع، هذا إذا زارع عليها أو استأجرها للزراعة، و عليه أجرة ما سلف، و يرجع ب أجرة ما قابل المدة المتخلفة من وجوه أحدها:

أن المتجه البطلان إذا خرجت بانقطاع الماء عن قابلية إمكان الانتفاع بها للزرع، لا الخيار، ضرورة اتحاد المدرك لشرطه ابتداء و استدامة، و حمله على إرادة انقطاع الماء المعد لها الذي قدم عليه المزارع، لا مطلق الماء حتى حفر بئر جديد لها مثلا جيد، ضرورة إيجاب مثله الخيار في باقي العقود اللازمة، لقاعدة

«لا ضرر و لا ضرار»

و غيرها، إلا أنه ينافيه ما ذكر أخيرا من وجوب الأجرة عليه لما سلف من المدة مع الفسخ، فان ذلك لا يتجه في المزارعة التي كان الفسخ فيها من عدم إمكان الإكمال، و ليس لها أجرة مسماة، بل الحصة من الحاصل الذي تعذر، اللهم إلا أن يجعل ذلك في الإجارة خاصة، بقرينة قوله «و يرجع» إلى آخره، فإنه لا يتصور في المزارعة.

نعم لا يتجه ذلك في مثل عبارة اللمعة التي هي لم يذكر فيها غير المزارعة، قال: «و لو انقطع في جميع المدة انفسخت، و في الأثناء يتخير العامل، فان فسخ فعليه بنسبة ما سلف» و كذا الإرشاد، و إن أمكن توجيهه بأنه مع فرض عدم خروجها عن قابلية الانتفاع، لإمكان استنباط ماء جديد لها يكون إتلاف منفعة الأرض باختياره الفسخ، خصوصا مع بذل المالك لما يأتي به الماء، فيضمنها كالإجارة و ان اختلفا في التقسيط باعتبار المسمى، و أجرة المثل، كما أنه يتجه ضمانه- في صورة تجدد عدم قابليتها للانتفاع بالزرع أصلا لأجرة المثل عما سلف من المدة، بناء على

ج 27، ص: 23

اقتضاء ذلك الانفساخ من الأصل، بمعنى ظهور بطلان المزارعة من أول الأمر، لكون المنفعة في يده مضمونة، و لو بالحصة التي مع بيان عدم إمكانها يقوم مقامها أجرة المثل، فان ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، و احتمال إرادة الفاضل و الشهيد ذلك ينافيه تصريحهم بالخيار المقتضي لوجود الصحة فعلا فتأمل. فإنه بما ذكرنا اتضح لك الحال في جميع صور المسألة في المزارعة و الإجارة للزراعة التي هي مثلها في الحكم إذا أخذت الزراعة موردا لها.

اما إذا كانت داعيا لكون الأرض معدة لذلك، و معظم ما يراد منها ذلك، فاتفق تعيبها في الأثناء، و خروجها عن القابلية لتعذر الماء مثلا، فالمتجه الخيار أيضا، لقاعدة الضرر، و إمكان الانتفاع بها في غير تلك المنفعة لا ينافيه، و إن قابلت نفع الزراعة إلا أنه قد حصل موجب الخيار بنقص الأرض عن الحال التي أقدم عليها به، و استأجرها له، و ربما تأتي لذلك تتمة إنشاء الله هذا.

و من الغريب ما في جامع المقاصد من قوله «اعلم أن قول المصنف «لا مع العلم» يريد به عدم بطلان المزارعة و الإجارة للزرع مع العلم بأن الأرض لا ماء لها، و هو صحيح على القول بجواز التخطي إلى غير المنفعة المشروطة مما يكون مساويا أو أقل ضررا، و حينئذ فلا شي ء للمالك في المزارعة، لعدم إمكان الانتفاع الذي حصول الحصة المشترطة متوقف عليه، أما في الإجارة فيجب عليه المسمى لصحة الإجارة، و على البطلان فلا يجب عليه شي ء» إذ لا يخفى عليك عدم احتمال ذلك في المزارعة التي وقع عقدها على الزرع، و كذا الإجارة التي فرض موردها الزرع، و أن المتجه وجوب اجرة المثل مع البطلان من رأس، كما عرفت حتى في المزارعة.

و كيف كان ف إذا أطلق المزارعة زرع العامل الذي هو المخاطب بالزرع و مراد منه العمل ما شاء من أفراد الزرع التي ينصرف إليها الإطلاق ضرورة كون هذا المطلق كغيره من المطلقات في الانصراف إلى المعهود المتعارف إن كان، و عدمه، فما وقع من بعض الناس هنا مما ينافي ذلك في غير محله.

ج 27، ص: 24

نعم في المسالك «إنما يتم ذلك، أي تخيير العامل إذا كان البذر من عنده أما لو كان من عند صاحب الأرض فالتخيير إليه بطريق أولى، لا إلى المزارع» و فيه: أنه لا منافاة بينهما بعد فرض ظهور الإطلاق في ذلك، و أنه المخاطب المأمور بالزرع.

و على كل حال فالتخيير مع الإطلاق لصلاحية كل فرد من الأفراد التي ينصرف إليها الإطلاق لوجوده في ضمنه، و أصرح من ذلك التعميم، لكن عن التذكرة أنه قوى وجوب التعيين مع الإطلاق، لتفاوت ضرر الأرض باختلاف جنس المزروعات، فيلزم من تركه الغرر بخلاف العموم الدال على الرضا بالأضر، و رده في المسالك بأن المالك معه راض بذلك أيضا من حيث دخوله تحت الإطلاق المفروض رضاه به.

قال: «و ربما فرق بينهما بأن الإطلاق إنما يقتضي تجويز القدر المشترك بين الافراد، و لا يلزم من الرضا بالقدر المشترك الرضى بالأشد ضررا من غيره، إذ ليس في اللفظ إشعار بذلك الوجه، و لا دلالة على الاذن فيه و الرضي بزيادة ضرره، إذ الرضا بالقدر المشترك إنما يستلزم الرضا بمقدار الضرر المشترك بين الكل، لا على الرضا بالزائد، فلا يتناول المتوسط و لا الأشد، بخلاف العام الدال على الرضا بكل فرد فرد».

و رده في المسالك أيضا بما حاصله أن القدر المشترك المعنى المصدري أو نفس الحقيقة، لا اللوازم اللاحقة لها، و هو مسألتنا الزرع الحاصل بكل فرد من أفراد المزروعات، لأنها مشتركة في هذا المعنى، و إن لم تشترك في الضرر و غيره، سواء قلنا إن المطلق هو الدال على الماهية بلا قيد، أو النكرة بلا صلاحية لكل فرد، و على الثاني ظاهرة و إن اختلفت في القوة و الضعف، بل و على الأول، و لهذا حكموا بأن الأمر بالضرب مثلا يتحقق امتثاله بكل جزئي من جزئياته، كالضرب بالعصى و السوط ضعيفا و قويا و متوسطا حتى قيل إن الأمر به أمر بكل جزئي أو اذن في كل جزئي.

قلت: لا ريب في عدم دلالة المطلق على إرادة الأفراد، بل قد يحضر في الذهن و يكون عنوانا و لا يحضر شي ء منها فيه، و الرضا به حينئذ ليس رضا بها على اختلافها

ج 27، ص: 25

فلا يجتزى به فيما يعتبر فيه المعلومية و عدم الغرر، بخلاف التكاليف التي يراد فيها نفس المطلق، و الفرد إنما هو مقدمة، و لا مدخلية للغرر و المعلومية في شي ء منها.

نعم قد يناقش في أصل اعتبار المعلومية التي لا يجتزى فيها نحو المطلق هنا، ثم إنه لا يخفى عليك أن ما ذكره الفارق لا يقتضي عدم جواز المطلق، بل أقصاه الاقتصار على الأفراد المتساوية في مقدار الضرر، دون المتوسطة و الشديدة، اللهم إلا أن يدعى مجهولية ذلك فيبطل حينئذ من هذه الجهة، و الله العالم.

و كيف كان ف إن عين رب الأرض الزرع على العامل شخصا أو نوعا لم يجز له التعدي إلى الآخر قطعا، لعموم الوفاء بالعقد و الشرط و حينئذ ف لو زرع ما هو أضر و الحال هذه كان لمالكها أجرة المثل إن شاء فسخ العقد بالخيار الحاصل له بعدم الوفاء بالشرط كالبيع و الإجارة أو المسمى إن شاء لزومه مع الأرش للنقص الحاصل في الأرض بسبب زرع الأضر فيها، كما صرح بذلك كله الفاضل.

لكن أشكله ثاني المحققين و الشهيدين و أتباعهما بأن الحصة المسماة إنما وقعت في مقابلة زرع المعين، و لم يحصل، و الذي زرع لم يتناوله العقد و لا الاذن، فلا وجه لاستحقاق المالك فيه الحصة، فوجوب أجرة المثل حينئذ أقوى.

قلت كان ذلك منهم بناء على تشخيص المزارعة بما وقع من التعيين و لو على جهة الاشتراط، و لا ريب في فساده على التقدير المزبور، بل قد يقال: بعدم تشخيصها بذلك مطلقا، و إن كل ما وقع فيها منه ليس إلا على جهة الشرطية، فإن حقيقة المزارعة ليست إلا زرع الأرض بحصة من حاصلها، كائنا ما كان الحاصل، و انما يذكر التعيين من الشرائط، لا أنه منوع للمزارعة، فليس هو حينئذ إلا كذكر المكان في المضاربة التي قد عرفت ضمانه للمال مع بقاء المالك على حصته لو تعدى و خرج إلى غير ذلك المكان.

إلا أن الشرط لما كان في عقد لازم، و قد عرفت في كتاب البيع اقتضاء عدم

ج 27، ص: 26

الوفاء به الخيار لمن له الشرط، اتجه حينئذ ما ذكره المصنف و الفاضل، فله الفسخ و المطالبة بأجرة المثل، و عدمه فله المسمى من الزرع المخصوص الداخل في كلي المزارعة، و له الأرش عوض النقصان الحاصل بسببه، لعدم الاذن فيه بالخصوص و من هنا يتجه عدم انفساخ المزارعة حينئذ بتعذر المعين، خصوصا إذا كان شخصا.

ا أنه مما ذكرنا قد يظهر الوجه أيضا في قوله و لو كان قد زرع ا لا قل ضررا جاز بتقريب أن المراد من التعيين مقدار الاذن في الانتفاع بالأرض فهو كالإجارة بالنسبة إلى ذلك.

لكنه أشكله ثاني المحققين و الشهيدين أيضا بأن غرض المالك ليس منحصرا فيما يتعلق بمصلحة الأرض، بل المقصد الذاتي له إنما هو الانتفاع بالزرع، و مصلحة الأرض تابعة لا مقصودة بالذات، و لا شك أن الأغراض تختلف في أنواع المزروع، فربما كان غرضه بالأشد ضررا من حيث نفعه، و الحاجة إليه و إن حصل للأرض

ضرر، و لا يتعلق غرضه بالأخف و إن انتفعت الأرض به، ألا ترى أن الأرض لو انتفعت بترك الزرع رأسا لم يكن ذلك كافيا في جواز ترك المزارع العمل، نظرا إلى مصلحة الأرض فالأقوى عدم التعدي لما عين مطلقا، نعم مثل هذا يجري في إجارة الأرض لزرع نوع معين، فان عدول المستأجر إلى زرع ما هو أخف ضررا منه متجه، لأن الغرض في الإجارة للمالك تحصيل الأجرة، و هي حاصلة على التقديرين و يبقى معه زيادة تخفيف الضرر عن أرضه، و أولى منه لو ترك الزرع طول المدة، فإنه لا اعتراض للمالك عليه حيث لا يتوجه ضرر على الأرض، لحصول مطلوبه، و هو الأجرة، بخلاف المزارعة، فإن مطلوبه الحصة من الزرع المعين فلا يدل على الرضا بغيره و لا يتناوله بوجه.

قلت: و لعله كان لذا خيرة الفاضل هنا بين الفسخ و أخذه أجرة المثل، و أخذه المسمى نحو ما سمعته في زرع الأضر إلا أنه لا أرش هنا لعدم النقص، لكن الجماعة أيضا أشكلوا بما عرفت، من عدم الوجه لأخذ المسمى من الزرع الذي لم يدخل في عقد المزارعة، و جوابه ما علمت، بل لعل ظاهر المصنف عدم الخيار أيضا.

ج 27، ص: 27

و التحقيق في المسألة أن يقال: إن كان المقصود من التعيين تقدير الاذن في الانتفاع بالأرض، فلا ريب في صحة ما ذكره المصنف، خصوصا في صورة تعذر الأضر الذي هو المعين، و إن كان المقصود منه إرادة المعين، فالأصح ما ذكره الفاضل خصوصا في صورة التعذر لما سمعته سابقا من ثبوت الخيار بنحو ذلك من الشرائط، و كذا مع اشتباه الحال، و لعل غرض المصنف الأول، ضرورة كونه في بيان الاذن في زرع ما يراد زرعه في صورة الإطلاق و التعيين فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة في كلامهم حتى مسألة الإجارة التي ذكرها المعترض، ضرورة إمكان القول بلزوم المنفعة المخصوصة، و عدم جواز الأخف منها، خصوصا على ما عساه الظاهر من كلامهم من كون ذلك مشخصا للإجارة و فرق واضح بين الانتفاع بالأخف الذي لم تحصل الاذن فيه، و بين عدم الانتفاع أصلا، فإن ذلك ليس تصرفا فيها بغير اذن المالك، بخلاف الأول الذي يتجه عليه أجرة المثل، بناء على ما ذكروه، كما أن المتجه بناء على ما ذكرناه مع فرض عدم ارادة التقدير بذلك الخيار، فله الفسخ و الرجوع بأجرة المثل و الإمضاء و الاقتصار على المسمى.

و لو زارع عليها أو آجرها للزراعة و لا ماء لها فعلا مع علم المزارع لم يتخير لإقدامه على ذلك و أما مع الجهالة ف له الفسخ لتضرره بانتظار الإتيان بالماء لها بحفر بئر أو غيره، مع احتمال عدم كفايته لها، و قد تقدم لك تحقيق المسألة في ذلك، و أنه قد جزم جماعة منهم الشهيد الثاني بالبطلان، لفقد الشرط الذي هو إمكان الانتفاع بها بالزرع، من غير فرق في ذلك بين العلم و الجهل، لا التخيير المزبور الذي هو فرع الصحة، بل لعل الحكم بالشرط المزبور لمنع التخيير المذكور من المتدافع.

لكن في المسالك هنا بعد أن ذكر ذلك قال: «ربما تكلف للجمع بين الحكمين بحمل هذا التخيير على ما لو كان للأرض ما يمكن الزرع و السقي به، لكنه غير معتاد من جهة المالك بل يحتاج معه إلى تكلف إجراء ساقية و نحوه، و المنع على ما لو لم يكن لها ماء مطلقا، و هو جيد لو ثبت أن مثل هذا القدر يوجب التخيير، و أن

ج 27، ص: 28

الإطلاق كون الماء معتادا بلا كلفة، إلا أن إطلاق كلامهم يأباه فإنهم اقتصروا في الحكم بالجواز على إمكان السقي بالماء من غير تفصيل، و بالتخيير على عدم الإمكان، و أيضا فإن إحداث النهر و الساقية و نحوهما لازم للمالك، سواء كان معتادا أو لا كما سيأتي التنبيه عليه و لا فرق حينئذ بين كون الماء معتادا و غيره في عدم الكلفة على الزارع، و الأقوى عدم الصحة هنا عملا بهذا الإطلاق و مثله ما لو استأجرها للزراعة».

قلت: لعل التأمل في كلام الفاضلين و اتفاقهما على القطع بالصحة في صورة العلم بلا تخيير، و انما اختلفا في صورة الجهل، ففي الإرشاد البطلان، و في المتن و القواعد التخيير، يقضي بما أشرنا إليه سابقا من أنه لا إشكال في الصحة و اللزوم مع الإمكان، بمعنى القابلية فعلا و لو باحداث ماء لها.

و أما الأرض المحتملة لتحقق القابلية بسبب احتمال إيجاد ماء صالح لزراعتها و عدمه، فلا ريب في أنه يصح عقد المزارعة عليها مع العلم بحالها مراعيا له، و أما مع الجهل فيحتمل التخيير- لما في الانتظار من الضرر كما في المتن و القواعد، و لأنه بمنزلة تخلف الوصف في البيع- و البطلان كما في الإرشاد لتعارف القابلية المحققة في الاقدام على أرض المزارعة، و لعل الأول لا يخلو من قوة.

أو يقال إن قول الأصحاب و لا ماء لها أعم من عدم إمكان زرعها، ضرورة إمكانه بنقل الماء أو تطبيبه أو نحو ذلك، بل الظاهر بقرينة ما ذكروه من الشرط إحراز إمكان زراعتها، إلا أنه على ذلك الوجه لا ريب في الصحة و اللزوم حينئذ مع العلم، و الخيار مع الجهل بكون زراعتها على هذا الوجه، أو البطلان كما سمعته عن الإرشاد، لما ذكرناه من كون المقصود غيرها للعادة، هذا كله في المزارعة و في الإجارة أيضا إذا كان مورد العقد فيها الزراعة.

أما لو استأجرها مطلقا و لم يشترط الزراعة لم يفسخ و إن لم يكن عالما بحالها لإمكان الانتفاع بها بغير الزرع الذي لا يشترط في صحة إجارة الأرض إمكانه ضرورة كونه نوعا من أنواع الانتفاع، و لا يشترط في استيجار شي ء أن يمكن الانتفاع به في جميع الوجوه، بل يكفي إمكان مطلق الانتفاع حيث تطلق، و هو هنا

ج 27، ص: 29

كذلك، لإمكان الانتفاع بالأرض المذكورة في وضع المتاع و جعلها مراحا و مستراحا و غير ذلك، و إن كان الغالب في الأرض الزراعة، إلا أن مطلق الغلبة لا يقيد الإطلاق إلا أن تكون على وجه يفهم إرادة ذلك من الإطلاق، و لو مع انضمام قرائن الأحوال و غيرها، و حينئذ يتجه البطلان، لا الخيار، اللهم إلا أن يكون الزرع معظم المقصود منها، و الداعي إلى استيجارها، فإنه لا يبعد الخيار حينئذ، للضرر.

و على كل حال فقد بان لك انه لا خيار مع إطلاق الإجارة الخالي عما يقتضي تقييده و كذا لو زارع أو اشترط الزارعة و جعلها موردا لعقد إجارة الأرض و لكن كانت في بلاد تسقيها الغيوث عادة لإطلاق الأدلة و عمومها التي لا فرق فيها بين كون الماء من غيث أو زيادة نهر أو إجراء ساقية أو غير ذلك كما هو واضح.

و لو استأجر للزراعة ما لا ينحسر عنه الماء و كان جاهلا بذلك لم يجز لعدم العلم بمحل الانتفاع من الأرض و لو علم الحال ف رضي بذلك أي المستأجر قيل جاز (11) لكونه حينئذ كاستيجار الأرض التي لا ماء لها للزراعة و (12) لكن لو قيل: (13) بالفرق بينهما فيحكم بالمنع (14) هنا لجهالة الأرض (15) بخلافه هناك كان حسنا.

(16) نعم لو فرض علم الأرض سابقا أو كان الماء صافيا يمكن معرفة الأرض معه، اتجه حينئذ تساوى المسألتين في الحكم، بعد فرض إمكان الزرع في المقام بزرع ما لا ينافي انحسار الماء، أو بعلاج حسر الماء أو غير ذلك، ضرورة عدم الفرق في عدم استعداد الأرض للزراعة بين كونه من عدم الماء لها، أو من عدم انحسار الماء عنها فتتجه الصحة بلا خيار مع العلم، و بخيار مع الجهل، نحو ما سمعته في المسألة السابقة، و احتمال عدم الصحة فيهما- باعتبار عدم استعداد الأرض للزراعة، فليست من أرض المزارع، بل ربما كان استئجارها للزراعة أو المزارعة عليها على هذا الحال غير جار على قياس أفعال العقلاء- يدفعه عموم الأدلة و إطلاقها، و أقصى ما في هذا الحال التسلط على الخيار مع الجهل، و كذا احتمال البطلان حال الجهل خاصة، الذي سمعته من الإرشاد في المسألة السابقة، فإنه لا يزيد تخلف المعتاد على خلاف

ج 27، ص: 30

الوصف المسلط على الخيار، و بذلك كله ظهر لك أن مراد الأصحاب في المسألتين بعد إحراز إمكان الزرع الذي صرحوا بشرطيته، إلا أنه على غير الوجه المعتاد في أرض المزارع، لا أن المراد بما ذكروه من عدم الماء أو عدم انحساره، الكناية عن عدم إمكان زرعها، فان ذلك لا يناسبه الخيار، و لا التعليل بالجهالة، كما هو واضح بأدنى تأمل مع حسن الظن بهؤلاء الفحول.

و على كل حال ف ان كان الماء الذي لا ينحسر قليلا يمكن معه بعض الزرع جاز و لكن يتسلط أيضا على الخيار مع فرض النقصان في الزرع، و الجهل بحالها و لو كان الماء ينحسر عنها تدريجا لم يصح، لجهالة وقت الانتفاع و إن رضي بذلك المستأجر، ضرورة عدم كفاية الرضا بفاقد شرط الصحة فيها.

لكن في القواعد قيد المنع بعدم رضا المستأجر فلو رضي صح، و في المسالك «هذا إنما يتم فيما يكون كالعيب المنجبر بالرضا و الخيار، لا في الجهالة، و على تقدير إلحاقه به، نظرا إلى إمكان الانتفاع في الجملة، إنما يوجب انقطاعه تدريجا نقصان المنفعة، فلا وجه للحكم بعدم الصحة، بل ينبغي تخيير المستأجر مع الجهل، و حينئذ فما أطلقه المصنف أوضح.

قلت: إن ثبت أن مثل هذا الجهل يقدح في الإجارة، خصوصا بعد معلومية انحساره عنها في وقت صلاحية الزرع في الجملة، و الفرض استيجارها مدة تشتمل على ذلك، و إن لم يتشخص أول وقت الانحسار أو وسط أو آخره، و لعل العلامة رحمه الله لحظ ذلك فحكم بالصحة مع الرضا، أما حكمه بالفساد مع الجهل فلما عرفته غير مرة، من احتمال انصراف العقد إلى الأرض المستعدة للزرع على الوجه المعتاد، و إن كان الذي يقوى ثبوت الخيار مع ذلك، لا الفساد، لكون المفروض وقوع العقد على الأرض المشخصة، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك جريان هذه الاحكام في المزارعة على الأرض المذكورة، فكان ذكرها في بابها أولى من استطراد حكم الأجنبي أو التعميم، و ربما قيل في هاتين المسألتين: بأن المنع مخصوص بالإجارة أما المزارعة عليها فجائزة، و الفرق ابتناء

ج 27، ص: 31

الإجارة على المعلومية في الأجرة فلا بد من العلم بمقدار مقابلها من المنفعة، بخلاف المزارعة التي كان العوض فيها الحصة المجهولة فيتسامح فيما يقابلها من المنفعة بما لا يتسامح بمثله في غيرها، إلا أن ظاهر الأصحاب خلافه، و أنه لا فرق بين المزارعة و الإجارة للزرع في ذلك، و اغتفار الجهل في الحصة في المزارعة التي شرعت على ذلك، لا يقتضي اغتفار الجهل من جهة أخرى و الله العالم.

و لو شرط الغرس و الزرع في استيجاره الأرض و لم يفهم من ذلك التنصيف افتقر إلى تعيين مقدار كل واحد منهما لتفاوت ضرريهما، و كذا لو استأجر لزرعين أو غرسين مختلفي الضرر للغرر الحاصل من الإطلاق الذي هو بالنسبة إلى ذلك كالمجمل، فيمكن الاقتصار معه في الأخف على مسماه.

لكن في المسالك هنا هذا كله إذا استأجر لهما مطلقا، أما لو استأجرها لينتفع بها منها صح أو تخير، لأن ذلك تعميم في الأفراد، و قدوم على الرضا بالأضر».

و فيه: أنه مناف لما ذكره سابقا- عند قول المصنف «و إذا أطلق المزارعة و زرع ما شاء»- «من أن المطلق كالعام بالنسبة إلى ذلك، فيصح جعله العنوان في المزارعة و الإجارة، و يكتفي بدلالته من حيث صلاحية كل فرد لتحققه على الاذن لكل فرد من الأفراد إن تفاوت في الضرر، إذ ذلك منه رضا بالأضر» و إن كان التحقيق خلافه و أنه لا دلالة في المطلق على ذلك، و ليس هو جهة تعيين يكتفى به في ذلك، بخلاف التعميم، فإنه جهة تعيين لها و لو بالعمومية، ضرورة كون العموم من عوارضها، بخلاف الإطلاق، فإنه شي ء خارج عن الافراد، و لا تحضر في الذهن بحضوره.

نعم بناء على جواز جعله عنوانا في المزارعة مثلا يجب الاقتصار في زرع الأفراد المتساوية في مقدار الضرر، و لا يجوز زرع الأضر، فإنه لا دلالة فيه على الاذن به، و إن كان هو فردا للمطلق أيضا، و لعله لذا اعتبر هنا التعيين عند ذكر الزرعين و الغرسين المختلفين في الضرر، و اكتفى بالإطلاق هناك، أو أنه فرق بين المزارعة و الإجارة، و لو فرض عدم تساوي أفراد الزرع أجمع و عدم معرفة الأقل ضررا منها، اتجه حينئذ عدم الاجتزاء في الإطلاق.

ج 27، ص: 32

و بالجملة فرق واضح بين المطلق و العام، كما أن من الواضح هنا البطلان في المقام إلا مع فرض انسياق التنصيف و الله العالم.

[تفريع لو استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا صح ]

تفريع لو استأجر أرضا مدة معينة ليغرس فيها ما يبقى بعد المدة غالبا صح ما لم يكن سفها، لإطلاق الأدلة و عمومها بل قيل: يجب على المالك إبقاؤه بالأجرة أو إزالته مع الأرش لأن المستأجر غير متعد بالزرع، إذ الفرض كونه مالكا للمنفعة تلك المدة، فله الزرع، و ذلك موجب على المالك ذلك، لمفهوم

قوله صلى الله عليه و آله (1)«ليس لعرق ظالم حق»

الذي حكي عن فخر المحققين إجماع الأصوليين عليه في هذا الحديث، و إن اختلفوا في دلالة

مفهوم الوصف في غيره، و حينئذ وجب الجمع بين الحقين، و هو إنما يكون بما عرفت من التخيير المزبور للمالك الذي يمكن دعوى ترجيح حقه على الآخر، فلذلك استأثر بالتخيير المزبور.

و قيل: له إزالته كما لو غرس بعد المدة فلا أرش له، لأنه دخل على أن لا حق له بعد المدة، إذ منفعة المدة هي المبذولة في مقابلة العوض، فلا يستحق بالإجارة شيئا، و هو الأقوى عند ثاني الشهيدين لا الأول الذي هو أشبه عند المصنف، قال: «و عدم تعدى المستأجر بزرعه في المدة لا يوجب له حقا بعدها، مع استناد التقصير إليه، و المفهوم ضعيف، و دعوى الإجماع هنا على العمل به لم تثبت، و على تقدير صحته نمنع من كونه بعد المدة غير ظالم، لانه واضح عرقه في أرض لا حق له فيها، و إلزام المالك بأخذ الأجرة أو الأرش على خلاف الأصل، فلا يصار إليه بمثل ذلك».

قلت: لكن قد يقال بعد عدم معلومية فساد دعوى الإجماع المزبور- بل هو


1- 1 المستدرك ج- 3- ص 149.

ج 27، ص: 33

قد عمل به فيما لو استأجر للزرع مدة يدرك فيها غالبا، لكن اتفق عدم إدراكه فيها لا لتقصيره، بل لكثرة الأمطار أو تغير الأهوية أو غيره، فأوجب الجمع بين الحقين بالإبقاء بالأجرة- إن الظاهر من الخبر ثبوت الحق لمن كان له أصل وضع عرقه بحق، و انتهاء الحق من حيث الإجارة لا ينافي ثبوته من الخبر المزبور، بل إن لم يكن إجماع لأمكن ظهوره في استحقاق الإبقاء على وجه يجب على المالك إجابته مع دفع الأجرة، و ليس له القلع حينئذ و إن بذل الأرش، إلا أن الظاهر كون التخيير المزبور بيد المالك و ربما زاد بعضهم في وجوه التخيير دفع قيمة الغرس ليملكه، إلا انه كما ترى، و ان كان في بعض الاخبار نوع شهادة له و الله العالم.

[أما أحكامه فتشتمل على مسائل ]
اشارة

و اما أحكامه فتشتمل على مسائل.

[المسألة الأولى إذا كان من أحدهما الأرض حسب و من الآخر البذر و العمل و العوامل صح بلفظ المزارعة]

الأولى: إذا كان من أحدهما الأرض حسب، و من الآخر البذر و العمل و العوامل صح بلفظ المزارعة، و كذا لو كان من أحدهما الأرض و البذر، و من الآخر العمل، أو كان من أحدهما الأرض و العمل، و من الأخر البذر و بالجملة جميع الصور المتصورة في هذه الأربعة كلا أو بعضا بين المزارع و المزارع جائزة نظرا الى العموم و الإطلاق أت بلا خلاف أجده في شي ء منها عندنا، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه.

نعم في القواعد «في صحة كون البذر من ثالث نظر، و كذا لو كان البذر من ثالث، و العوامل من رابع» و في المسالك و جامع المقاصد ينشأ من عموم الأمر بالوفاء بالعقود، و الكون مع الشرط، و من توقف المعاملة سيما التي هي على خلاف الأصل على التوقيف من الشارع، و لم يثبت منه مثل ذلك، و الأصح في المزارعة قصة خيبر(1)و مزارعة النبي صلى الله عليه و آله اليهود على أن يزرعوها، و لهم شطر ما يخرج منها، و له شطره الأخر و ليس فيها أن المعاملة مع أكثر من واحد، و كذلك باقي النصوص التي وردت من طرقنا، و لأن العقد يتم باثنين، موجب و هو صاحب الأرض، و قابل،


1- 1 الوسائل الباب- 8- و- 9- و- 10- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة و المستدرك ج 2 ص 502.

ج 27، ص: 34

فدخول ما زاد يخرج العقد عن وضعه، و يحتاج إثباته إلى دليل، بل في الأول منهما:

الأجود عدم الصحة.

و أنكر عليه في الحدائق حاكيا له عن الأردبيلي أيضا بمنافاة ذلك لإطلاق الأدلة، و لما يفهم من خبر قصة خيبر، و أن اليهود كانوا كثيرين، و قد زارعهم النبي صلى الله عليه و آله، و لما هو معلوم جوازه في باقي العقود من تعدد الموجبين و القابلين إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم تناول الإطلاق لما هو المفروض الذي هو تركب العقد من ثلاثة أو أربعة على وجه تكون أركانا له، و أن المزارعة حينئذ مركبة من مالك أرض، و من ذي عمل، و من ذي عوامل، و من ذي بذر، فإنه لم يعهد في شي ء من العقود كذلك، لا أن المراد عدم صحة وقوع المزارعة من أكثر من اثنين، بمعنى عدم جوازها من الشركاء في أرض مثلا أو عدم جوازها لجماعة على وجه الشركة في عمل الزراعة، فإن ذلك لا يتصور منعه ممن له أدنى

دربة، بل يمكن القطع به من ملاحظة نصوص (1)الأكرة و العلوج و غيرهما، و قصة خيبر إنما هو من ذلك لا من محل الفرض الذي لا دليل على جوازه.

بل قد يستفاد من

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي الربيع الشامي (2)و غيره المفروض فيه التسمية للبذر ثلثا و للبقر ثلثا «لا ينبغي أن يسمى بذرا و لا بقرا، و لكن يقول لصاحب الأرض: أزرع أرضك، و لك منها كذا و كذا نصفا أو ثلثا، أو ما كان من شرط و لا يسم بذرا و لا بقرا، فإنما يحرم الكلام»

عدم جواز ذلك و إلا كان ما في هذه النصوص ساقطا، إذ لم أر أحدا أفتى بمضمونها سوى ما يحكى عن ابن الجنيد قال: «و لا بأس باشتراك العمال بأموالهم و أبدانهم في مزارعة الأرض و إجارتها إذا كان على كل واحد قسط من المؤنة، و له جزء من الغلة، و لا يقول أحدهم ثلث للبذر، و ثلث للبقر، و ثلث للعمل، لأن صاحب البذر يرجع إليه بذره و ثلث الغلة من الجنس، و هذا ربا، فان جعل البذر دينا جاز ذلك».


1- 1 الوسائل الباب 14 و 12 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث- 10.

ج 27، ص: 35

و عن ابن البراج لا يجوز أن يجعل للبذر ثلثا، و للبقر ثلثا، و يمكن إرادتهما أيضا ما ذكرناه، لكن في المختلف بعد أن ذكر النصوص المشتملة على ذلك «و الوجه الكراهة

و لا ربا هنا، إذ الربا إنما يثبت في البيع خاصة».

قلت: ينافي الكراهة التعليل في النصوص بأنه

«إنما يحرم الكلام»

المراد منه بحسب الظاهر الحرمة و الفساد مع هذه التسمية و التوزيع، بخلاف ما لو جعل الحصة في مقابلة الزراعة، و إن كانت هي في الواقع ملحوظة في مقابلة ذلك كما هو واضح، و ليس المراد الربا حقيقة، بل المراد صورته أو في خصوص ما لو جعله قرضا مشترطا ذلك، و إلا فلا ربا قطعا في ثلث البقر مثلا كما هو واضح.

و من الغريب ما في حواشي المجلسي من أن قوله «للبذر ثلثا» إلى آخر يحتمل وجهين أحدهما: إن اللام للتمليك، فالنهي لكونهما غير قابلين للملك، و ثانيهما: أن يكون المعنى ثلث بإزاء البذر، و ثلث بإزاء البقر، فالنهي لشائبة الربا في البذر.

إذ هو كما ترى و لا ريب في أن الأولى حمل هذه النصوص على إرادة عدم جواز توزيع المزارعة، و إنما شرعيتها جعل الحصة على عمل الزرع، بل مقتضى ذلك عدم جواز بعض الصور التي قد سمعت أنها مجمع عليها، كتحقق المزارعة بدفع بقرة أو بعضها أو البذر أو بعضه، إلا أن الإجماع أخرجنا عن ذلك.

و أما ما في أيدي الناس الآن من اشتراك المالك و الفلاح و صاحب البذر أثلاثا فقد يقال إنها بعقدين لا عقد واحد، بمعنى أن المزارعة تكون بين صاحب الأرض و البذر، ثم صاحب البذر الذي هو المزارع يزارع الفلاح على النصف من حصته مثلا أو تكون بين صاحب الأرض و الفلاح، ثم هو يزارع صاحب البذر بالنصف من حصته مثلا، لما ستعرف من أن للمزارع أن يزارع، و إلا كانت محل اشكال، اللهم إلا أن يجعل مثلا ذلك سيرة كاشفة عن جواز مثل ذلك.

لكن لا ريب في أن الأحوط خلافه، بل لعل الأحوط عدم الاكتفاء في تحقق المزارعة، بدفع بعض العوامل، كما يستعمله أهل القرى من إعطاء الدابة بالسدس

ج 27، ص: 36

أو أقل أو أكثر.

و كيف كان ف لو كان العقد على النحو المزبور بين الاثنين بلفظ الإجارة لم يصح، لجهالة العوض الذي هو الثلث و الربع، و لا يجوز مثله في الإجارة كما ستعرف بخلاف المزارعة.

أما لو آجره بمال معلوم مضمون في الذمة أو معين موجود من غيرها أو منها جاز و لو كان المضمون من جنس ما يزرع فيها، كما عرفت الكلام في ذلك مفصلا، بل قد عرفت أن الأصح عندنا جواز ذلك مزارعة و إن كان بلفظ الإجارة بناء على جواز العقد بالمجاز الدال على المراد في العقود اللازمة و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا تنازعا في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه ]

المسألة الثانية: إذا تنازعا أي المزارع و رب الأرض في المدة فالقول قول منكر الزيادة مع يمينه سواء كان العامل أو المالك، لأصالة عدم استحقاقها لمدعيها و كذا لو اختلفا في قدر الحصة فادعى المالك قلتها، و ادعى العامل زيادتها فالقول قول صاحب البذر و إن كان هو مدعي الزيادة لأصالة تبعية النماء بلا خلاف أجده في شي ء من الحكمين، لما عرفت، و لأن مدعي الزيادة فيهما لو ترك المنازعة لترك، فيكون مدعيها بهذا المعنى أيضا.

لكن في جامع المقاصد «لولا الإجماع لأمكن أن يقال: إن اتفاقهما على عقد تضمن تعيين مدة و حصة نقل عن الأصل المذكور، و كل منهما مدع لشي ء، و منكر لما يدعيه، و ليس إذا ترك دعوى الزيادة مطلقا يترك، فإنه إذا ترك العمل طالبه به، نعم يجي ء هذا إذا وقع الاختلاف عند انتهاء الأمر، و يجب التحالف».

و أجاب عنه في المسالك «بأن العقد المتضمن لهما إنما أخرج عن حكم الأصل في أصل المدة، و الحصة أما في قدر معين منهما فلا، فيبقى إنكار الزيادة فيهما بحاله لم يخرجه عن حكم الأصل، و المراد «بمن يترك إذا ترك» في نفس ذلك المدعى و هو هنا المدة الزائدة، و الحصة الزائدة أما العمل، فهو أمر خارج عن الدعوى، فلا أثر للمطالبة به في هذه المنازعة».

ج 27، ص: 37

قلت: لا ريب في عدم التحالف في مسألة المدة لو كانت الدعوى في نفس استحقاق الزائد منها، من دون تعرض في الدعوى، لسببه، ضرورة كون إنكارها على مقتضى الأصل.

أما لو كانت الدعوى في سبب استحقاقها بعد اتفاقهما على كونه عقدا مشخصا و وقع النزاع في كيفية تشخيصه، فقال المالك مثلا: إنه بمدة قليلة، و قال العامل:

أنه بمدة كثيرة، فلا ريب في ان المتجه التحالف، لكون كل منهما مدعيا و منكرا و دعوى كل منهما مخالفة للأصل، و القلة و الكثرة بالنسبة إلى تشخيصهما العقد، على حد سواء، في مخالفة الأصل، إلا ان ظاهر الأصحاب هنا تقديم قول مدعى القلة حتى لو كانت الدعوى على الفرض المزبور.

و اما الحصة فالقول فيها قول صاحب البذر، و إن كانت الدعوى كذلك، لأصالة تبعية النماء، اللهم إلا ان يقال: إن التمليك هنا لعقد المزارعة المفيد تشريكا للعامل و المالك في نماء البذر و منفعة الأرض، و العمل و العوامل، سواء كان البذر من المالك أو العامل، فلا أثر حينئذ لتبعية النماء هنا، فإنه يفيد التمليك لو لم يكن ثم عقد مزارعة، أما معه فالتمليك مستند إليه لا إلى التبعية المزبورة، حتى بالنسبة إلى صاحبه، و حينئذ يتجه التحالف لولا ظهور اتفاق الأصحاب، على ان القول قول صاحبه، نعم لو فرض خروجه عنهما اتجه التحالف حينئذ لكنه كما ترى، ضرورة عدم تمليك عقد المزارعة ما هو ملك للإنسان نفسه، إذ النماء جزء من الأصل.

نعم قد يقال: إذا فرض كون الدعوى في تشخيص العقد المتفق على وقوعه بينهما فلا ريب في اقتضاء الأصل، نفي كل منهما، و موافقة مدعي القلة إذا كان البذر له لأصالة التبعية لا تقتضي ترجيحه على وجه يكون به منكرا، خصوصا مع إمكان معارضته بأصالة عدم استحقاق منفعة الأرض مثلا، بما ادعاه من الحصة لو كان البذر للعامل الذي يفرض دعواه القلة، بل لعل صاحب الأرض هو كصاحب اليد بالنسبة إلى ما يكون فيها.

ج 27، ص: 38

و أما ما ذكره في المسالك في الرد على المحقق الثاني في توجيه كونه مدعيا بأنه «يترك إذا ترك» فهو في محله، ضرورة أنه يترك مطالبته بالعمل بالنسبة إلى ما ادعاه من الزيادة، لا غيرها من المدة التي اعترف بثبوتها عليه، و لو في ضمن الزيادة التي ادعاها كما هو واضح. هذا كله مع قطع النظر عن كلام الأصحاب، و إلا فلا محيص عن موافقتهم عليه بعد ثبوت إجماعهم عليه، بل قد يتكلف موافقته للقواعد أيضا بعد التأمل.

و على كل حال فإن أقام كل منهما بينة على ما ادعاه، بني الحكم على تقديم بينة الداخل و الخارج، و الأقوى الثاني و هو فيما نحن فيه مدعي الزيادة في المدة و الحصة لو لم يكن له البذر و حينئذ متى قامت البينتان على مقدار الحصة قدمت بينة العامل مع فرض خروجه بكون صاحب البذر المالك.

و قيل: يرجعان إلى القرعة التي هي لكل أمر مشكل و لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها(1)

«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»

و بها حينئذ يرتفع الإشكال الذي هو وصف موضوع حكم القرعة إنما الكلام في إطلاق المصنف تقديم قول العامل، و كذا ما في المختلف قال:

«لو اختلفا في الحصة فالقول قول صاحب البذر مع يمينه، فإن أقام كل بينة قدمت بينة العامل، لأنه الخارج، و لأن القول قول المالك، فالبينة بينة العامل، و قيل: يرجعان إلى القرعة و ليس بجيد» و يمكن تنزيله على ما إذا كان المالك صاحب البذر، أو يقال بتقديم بينة العامل هنا و إن كان صاحب البذر، لأنه و إن كان داخلا بالنسبة إلى قبول قوله عند عدم البينة، لأصالة التبعية، لكنه خارج عند قيام البينة، لكون صاحب الأرض هو ذو اليد على ما فيها، و الأصل عدم خروج منفعتها إلا بقوله، فيكون العامل حينئذ خارجا فتأمل جيدا.

[المسألة الثالثة لو اختلفا فقال الزارع أعرتنيها و أنكر المالك حلف على نفي العارية]

المسألة الثالثة: لو اختلفا فقال الزارع: أعرتنيها، و أنكر المالك حلف على نفي العارية و إن ادعى مع ذلك الحصة أو الأجرة و لا بينة له


1- 1 المستدرك ج 3 ص 199.

ج 27، ص: 39

فإنه منكر بالنسبة إلى نفي العارية على كل حال، و حينئذ فالقول قوله أي صاحب الأرض بالنسبة إلى ذلك و لكن تثبت له أجرة المثل المساوية لما ادعاه أو الأقل منه لا الزائدة على ما ادعاه من الحصة و الأجرة المسماة إلا أنه مع يمين الزارع على نفيهما، حيث يحتاج إليه كما لو فرض زيادتهما عن أجرة المثل أما مع فرض قلتهما عن ذلك، فلا حاجة إليه، ضرورة وجوب ذلك عليه بيمين صاحب الأرض على نفي العارية فإنه يثبت له الأقل من أجرة المثل، و مما ادعاه، لأنه مع فرض زيادة أجرة المثل عنه قد اعترف المالك أنه لا يستحق أزيد مما ادعاه من الحصة و الأجرة، و حينئذ يتجه يمين الزارع على نفيهما مع فرض زيادتهما على ذلك، أما مع المساواة أو القلة فلا فائدة فيه، لوجوب تأديته ذلك على كل حال.

نعم لو فرض تعلق غرض مخصوص بكون الأجرة عينا مشخصة مثلا أو لإرادة عدم الإعطاء من خصوص الزارع، اتجه حينئذ يمينه على نفي دعوى المالك، و الرجوع إلى أجرة المثل.

و من الغريب ما في الحدائق «من كون المتجه في المسألة ثبوت أجرة المثل و إن زادت على دعوى المسمى، محتجا بأن التحالف يسقط الدعوى و يبطلها، و ينزلها منزلة العدم، فلا يؤخذ المالك باعترافه بالإجارة بالأقل، إذ هو غلط فاحش، ضرورة اقتضاء اليمين نفي ما يكون على الحالف، لا إسقاط مقتضى حكم الإقرار في حق من له اليمين كما هو واضح، و أفحش منه ما عن الأردبيلي في نظير المسألة من أن القول قول مدعى العارية لأصالة براءة الذمة، و لان اليمين على نفي الإجارة و المزارعة يوجب سقوط الأجرة و الحصة، و عوضهما الذي هو اجرة المثل لذهاب اليمين بما فيها».

و فيه أن أصل البراءة مقطوع بقاعدة الضمان، المستفادة من قوله (1)«من


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار.

ج 27، ص: 40

أتلف»(1)

و «على اليد»

و نحوهما، و إلا للزم عدم ضمان كل متلف، لكل مال شخص بدعوى الهبة، بل لا يحتاج إلى الدعوى بأصالة البراءة و التزامه واضح الفساد و الفرق بين المنفعة و العين أوضح فسادا، و ذهاب اليمين بما فيها إنما هو بالنسبة إلى خصوص ما نفته من الحصة و الأجرة المسماة، لا غيرها كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك ضعف ما قيل: في أصل المسألة من أنه تستعمل القرعة لكل أمر مشكل و لا إشكال بعد ما عرفت فلا ريب في أن القول الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل لم نعرف القائل بالقرعة هنا بالخصوص.

و كيف كان ف للزارع تبقية الزرع إلى أوان أخذه بلا خلاف و لا إشكال معتد به لأنه مأذون

فيه باتفاق منهما، فيكون له حق البقاء، بناء على العمل بمفهوم

قوله (2)«لا حق لعرق ظالم»

بل ليس للمالك المطالبة بالقلع، إلزاما له بدعواه الإجارة و المزارعة.

نعم ليس له منعه لو أراد الزارع أخذه قصيلا، لعدم ثبوت حق له فيه بعد فرض يمينه على نفي المزارعة، كما أنه ليس للعامل حق الإبقاء بناء على جواز الرجوع بالعارية و إن كانت للزرع، أخذا له بإقراره بدعوى العارية كما هو واضح، هذا كله مع كون الدعوى على الفرض المزبور.

أما لو قال: المالك في جوابه غصبتنيها حلف المالك على نفي العارية و كان له إزالته و المطالبة بأجرة المثل، و أرش الأرض إن عابت، و طم الحفر إن كان غرسا (11) لكونه حينئذ بحكم الغاصب الذي يترتب عليه ذلك. و لم يكن ثم إقرار من المالك يلزم به، و ليس هو من التداعي الأول الذي يتوجه فيه يمين على مدعى العارية، فما عن التذكرة- من أنه يحلف العامل على نفي الغصب- في غير محله خصوصا بعد اعترافه بترتب الأحكام المزبورة التي يكفي فيها عدم تحقق الاذن من


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.
2- 2 الوسائل الباب- 33 من أبواب الإجارة الحديث- 3 المستدرك ج 3 ص 149.

ج 27، ص: 41

المالك، الحاصل بيمينه على نفي العارية التي يدعيها الزارع كما هو واضح.

[المسألة الرابعة للمزارع بالفتح أن يشارك غيره في حصته ]

المسألة الرابعة: للمزارع بالفتح أن يشارك غيره في حصته و أن يزارع عليها غيره بحصته أو أقل منها و لا يتوقف ذلك على إذن المالك بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، لانتقال المنفعة إليه بعقد المزارعة(1)و

«الناس مسلطون على أموالهم».

نعم ليس له تسليم الأرض إلا بإذن المالك على الوجه الذي تسمعه في كتاب الإجارة، و

في موثق سماعة(2)دلالة على ذلك في الجملة «قال سألته عن المزارعة قلت:

الرجل يبذر في الأرض مأة جريب أو أقل أو أكثر طعاما أو غيره، فيأتيه رجل فيقول له: خذ مني نصف ثمن هذا البذر الذي زرعته في الأرض و نصف نفقتك علي، و أشركني فيه قال: لا بأس، قلت: و إن كان الذي بذر فيه لم يشتره بثمن، و إنما هو شي ء كان عنده، قال: فليقومه قيمة كما يباع يومئذ، ثم ليأخذ نصف الثمن، و نصف النفقة و يشاركه».

و لعله لذا اشترط بعضهم فيما حكي عنه في جواز المزارعة و المشاركة كون البذر منه، ليكون تمليك الحصة منوطا به، قال: و به يفرق بينه و بين عامل المساقاة، حيث لا يصح له أن يساقي غيره كما سيأتي، و لأن البذر إذا كان من صاحب الأرض، فالأصل أن لا يتسلط عليه إلا مالكه، أو من أذن له، و هو

المزارع، و استحسنه في المسالك في المزارعة، قال: «أما المشاركة فلا. لأن المراد بها أن يبيع بعض حصته في الزرع مشاعا بعوض معلوم، و هذا لا مانع منه، لملكه لها فيتسلط على بيعها كيف يشاء، بخلاف ابتداء المزارعة، إذ لا حق له حينئذ إلا العمل، و به يستحق الحصة مع احتمال الجواز مطلقا، لأن لزوم عقدها اقتصى تسلطه على العمل بنفسه و غيره و تملكه للمنفعة و التصرف في البذر بالزرع و إن لم يكن بنفسه، حيث لا يشترط عليه الاختصاص، فيجوز نقله إلى الغير كما يجوز الاستنابة، و يضعف بأن البذر


1- 1 البحار ج 2 ص 274- الطبعة الحديثة.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 1.

ج 27، ص: 42

حينئذ ليس ملكا له، و إنما هو مأذون في التصرف بالزرع فيه، و به يملك الحصة و قد يقال: إن هذا كاف في جواز مزارعة الغير، لأنها عبارة عن نقل حقه في ذلك إليه و تسليطه على العمل فيجوز له كما يجوز له التوكيل فيه و الاستنابة بغيرها من الوجوه- ثم قال: هذا كله إذا لم يشترط المالك عليه العمل بنفسه، و إلا لم يجز المشاركة و لا المزارعة بحيث يصير العمل كله أو بعضه متعلقا بغيره، و لا يرد أن ذلك يقتضي منع المالك من التصرف فيما له، فيكون منافيا للمشروع، لأن

«الناس مسلطون على أموالهم»

لأن ذلك حيث لا يعارضه حق غيره، و إلا لم تتم الكلية، ضرورة تخلفها في كثير كالراهن و المفلس».

قلت: قد تبع بذلك كله أو أكثره ما في جامع المقاصد، لكن لا يخفى عليك ما في تفسيرهما المشاركة المذكورة في المتن و غيره، خصوصا بعد قول المصنف و غيره لو شرط المالك الزرع بنفسه لزم، و لم تجز المشاركة إلا بإذنه ضرورة أنه لا معنى لمنعها، بناء على أنها عبارة عن شراء بعض حصة العامل بعد ظهورها، و ملكه إياها، لعدم منافاة ذلك لاشتراط الزرع بنفسه، حتى لو احتاجت بعد إلى العمل الذي يمكن شراء الحصة منه، مع المحافظة على البقاء علي العمل بنفسه الذي هو في الحقيقة لحصته و حصة رب الأرض، فليس هو مستحقا له أجمع، و الفرض كون الشركة في حصته.

و من هنا أنكر الأردبيلي فيما حكي عنه على التفسير المذكور، و قال: «إن ظاهر العبارات أعم من ذلك، بل غير ذلك و هو شركة غيره معه بالعمل المشروط له عليه ببعض الحصة المشروطة له، فكأنه يرجع إلى المزارعة في البعض، و هو جيد و لا ينافيه حينئذ ذكر المزارعة بعدها المحمول على إرادة عدم شركته معه في العمل، بل يكون المزارع الثاني هو المستقل، و يكون للاول من نفس منفعة الأرض مثلا.

أو يقال: إن المراد الشركة معه في العمل ببعض الحصة بطريق الصلح.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر أنه لا وجه للمنع من مزارعة الغير حتى مع اشتراط الاختصاص في العمل، إذ لا يعتبر في تحقق المزارعة العمل من المزارع كما

ج 27، ص: 43

عرفته سابقا، بل يكفي فيها دفع العوامل أو بعض البذر، بل يمكن مزارعة الغير على وجه يكون هو الأجير له في العمل.

و لعله لذا اقتصر المصنف على عدم جواز المشاركة مع اشتراط الزرع بنفسه بخلافه في القواعد حيث قال: «و للمزارع أن يشارك غيره، و أن يزارع عليها غيره و إن لم يأذن المالك».

نعم لو شرط الاختصاص لم تجز المشاركة و لا المزارعة، اللهم إلا أن يريد الاختصاص بالحصة أيضا، لكن في صحة هذا الشرط حينئذ بحث، لعموم تسلط الناس، و لما حكي من الإجماع في كتاب البيع على عدم صحة مثل هذا الشرط، و قياس ذلك على الراهن و المفلس في غير محله، و كان الذي أوقع ثاني المحققين، و الشهيدين في التزام ذلك تفسيرهم الشركة هنا بما سمعت، و فيه ما عرفت، كما أنه لا يخفى عليك ما في الوسوسة في عدم اعتبار كون البذر منه في جواز المزارعة أيضا، ضرورة كون ذلك مقتضى العمومات، و المنع في المساقاة- إن كان الإجماع أو غيره- لا يقتضي المنع هنا، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، بل لم نعرف القائل به بالخصوص، عدا ما في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد من نسبته إلى عميد الدين، و لا ريب في ضعفه لما عرفته من كفاية عقد المزارعة في تمليك الحصة من غير حاجة إلى ملك البذر، كالمزارع الأول و الخبر الأول لا دلالة فيه على ذلك بل لعله خارج عما نحن فيه، بكون المراد منه السؤال عن المزارعة بهذا الوجه، أي تملك الزرع بالطريق المذكور، لا أن المراد عقد المزارعة و لا أن العامل باعه ما ملكه بالمزارعة فتأمل جيدا.

[المسألة الخامسة خراج الأرض و مؤنتها على صاحبها]

المسألة الخامسة: خراج الأرض و مؤنتها كأجرتها و نحوها على صاحبها لأصالة براءة ذمة العامل الذي لم يوجب عليه عقد المزارعة ذلك و نحوه بل

في خبر سعيد الكندي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، قال: أعطهم فضل ما بينهما، قلت: أنا لم أظلمهم و لم أزد عليهم قال: إنهم إنما زادوا على أرضك».


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 10.

ج 27، ص: 44

و إن قال في الرياض: «فيه قصور من حيث السند، و مخالفة في المتن لقاعدة «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى » و لذا قال الراوي ما سمعت، ثم قال: و يستفاد من التعليل انسحاب الحكم في كل موضع يشابه مورده، كما يتفق كثيرا في بلادنا من الظلم على سكنة الدور بمال يكتب عليها، فمقتضى الأصل و القاعدة براءة ذمة أربابها و صرف الغرامة إلى السكنة: فان المظلوم من ظلم، و لكن الحال في السند كما

ترى، و لا أجد له جابرا، فيشكل الحكم به هنا أيضا».

قلت: لعل ما في الخبر المزبور من الخراج الذي هو على مالك الأرض، ضرورة عدم تقديره بقدر فقد يزيد السلطان فيه، و قد ينقص، لاختلاف الأزمنة و الرجوع به على المالك إنما هو باعتبار أخذ السلطان العوض عنه، فكأنه قد اشترى من السلطان ذلك إلا ان يشترطه على الزارع فيلزم حينئذ.

لكن في المسالك «لو شرط عليه الخراج فزاد السلطان فيه زيادة، فهي على صاحب الأرض، لأن الشرط لم يتناولها، و لم تكن معلومة، فلا يمكن اشتراطها و لو شرطا ذلك أو بعضه عليها، أو إخراجه من الأصل و الباقي بينهما فهو كما لو شرط المالك زيادة على العامل، لأنه بمعناه».

و أشكله بعض الناس بأنه مناف لما يفيده ظاهر جملة من النصوص من اغتفار مثل هذه الجهالة، ف

في صحيح داود بن سرحان (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل تكون له الأرض يكون عليها خراج معلوم، و ربما زاد و ربما نقص فدفعها الى الرجل على أن يكفيه خراجها، و يعطيه مأتي درهم في السنة، قال: لا بأس».

و في صحيح يعقوب بن شعيب (2)عنه أيضا «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى رجل على أن يعمرها و يصلحها و

يؤدي خراجها، و ما كان من فضل فهو بينهما. قال: لا بأس».

بل في الحدائق أنه ورد في النصوص ما هو أعظم من ذلك و هو إجارتها أو قبالتها


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 45

بما عليها من الخراج قل أو كثر،

قال إبراهيم بن ميمون (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قرية لأناس من أهل الذمة لا أدري أصلها لهم أم لا، غير أنها في أيديهم و عليهم خراج، فاعتدى عليهم السلطان فطلبوا إلى فأعطوني أرضهم و قريتهم على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض قال:

لا بأس بذلك، لك ما كان من فضل».

و في صحيح أبي بردة بن رجا(2)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن القوم يدفعون أرضهم إلى رجل فيقولون: كلها و أد خراجها قال: لا بأس إذا شاؤوا أن يأخذوها أخذوها».

و خبر أبي الربيع (3)«قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل يأتي على قرية و قد اعتدى عليهم السلطان فضعفوا عن القيام بخراجها و القرية في أيديهم، و لا يدري هي لهم أم لغيرهم فيدفعونها إليه على أن يؤدى خراجها فيأخذها منهم، و يؤدى خراجها و يفضل بعد

ذلك شي ء كثير قال: لا بأس بذلك إذا كان الشرط عليهم بذلك».

لكن في الرياض بعد أن ذكر صحيح ابن سرحان قال: «و نحوه غيره، و في الدلالة ضعف، فان غايته نفي البأس الغير الملازم للزوم الذي هو المطلوب، لأعميته منه، فقد يجامع جواز الرجوع، و يكون المطلوب من نفي البأس حينئذ بيان الجواز مع حصول التراضي، ألا ترى إلى الصحيح، أي صحيح أبي بردة(4)قد حكم فيه بنفي البأس عن نحو ذلك، مع تصريحه بجواز الرجوع، فظهر أن المراد من نفي البأس حيث يطلق. إنما هو بيان الجواز المطلق لا اللزوم، إلا أن يقال: بأن المقصود من التمسك بنفي البأس إنما هو إثبات الجواز، دفعا لما يتوهم من النهي عنه الناشي من الجهالة، و حيث ثبت الجواز ثبت اللزوم، حيث يذكر في العقد اللازم عملا بما دل على لزومه، و هذا هو السر في تمسك الأصحاب في القول بلزوم كثير من الشروط


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 4.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 3.

ج 27، ص: 46

في العقود اللازمة بالنصوص التي غايتها نفي البأس عنها، لا الحكم بلزومها، و لكن هذا يتم لو دلت النصوص على نفي البأس عنها و إن ذكرت في العقد اللازم، و إلا فالتمسك بها لذلك محل إشكال، إذ المناط في نفي البأس حيث يذكر في غير العقود اللازمة هو حصول المراضاة، و الغرر و الجهالة لعلهما مغتفران معها فيما عداها، لجواز الرجوع بعد

ظهور الغرر دونها، لعدم جوازه فيها للزومها، و لعله لذا نهى عنها، و نصوص المسألة لعلها من هذا القبيل. إذ لم يذكر فيها وقوع اشتراط ذلك في عقد لازم، فكيف يستدل بها على الجواز و لو ذكر فيه، إلا أن يتمسك بإطلاق نفي البأس الشامل لصورتي وقوع الشرط في ضمن العقد اللازم و غيره، إلا أن في الخروج بمثله عن عموم ما دل على النهي عن الغرر و الجهالة إشكالا.

قلت: لعل الوجه في إطلاق النص و الفتوى صحة هذا الشرط أنه من اشتراط كون حق الخراج عليه، نحو اشتراط حق الزكاة على مشتري الثمرة مع عدم العلم بمقدارها فلا يقدح جهالة ما يؤديه عن ذلك، إذ ليس هو اشتراط قدر، بل هو اشتراط حق، و ربما لا يؤدى عنه شيئا، و مرجعه إلى صيرورة الزارع كالمالك في تعلق هذا الحق به، الذي لا إشكال في صحة اشتراطه عليه، و لو مؤكدا و مثل ذلك ليس من الجهالة في شي ء كما هو واضح.

و لعله لذا أطلق المصنف و غيره صحة الشرط المزبور مع معلومية كون الخراج قد يزيد و ينقص، كما سمعت التصريح به في النص، و اعتبار المعلومية إنما وقع في كلام بعض المتأخرين، و أنكره عليه بعض من تأخر عنه، فمن الغريب ما سمعته من فاضل الرياض من التردد في ذلك.

ثم إن المراد بالمؤنة على ما استظهره في المسالك ما يتوقف عليه الزرع، و لا يتعلق بنفس عمله و تنميته كإصلاح النهر و الحائط و نصب الأبواب إن احتيج إليها، و إقامة الدولاب و ما لا يتكرر كل سنة، كما فصلوه في المساقاة، و المراد بالعمل الذي على الزارع ما فيه صلاح الزرع و بقاؤه مما يتكرر كل سنة كالحرث و السقي و آلاتهما و تنقية النهر من الحمأة و حفظ الزرع و حصاده و نحو ذلك، ثم قال: «فكلامهم في

ج 27، ص: 47

هذا المحل قاصر جدا، هذا كله إذا لم يشترط ذلك على الزارع، فان شرط عليه لزم إذا كان القدر معلوما، و كذا لو شرط بعضه معينا أو مشاعا مع ضبطه».

قلت: لا إشكال في كون المرجع فيما ذكره مع الإطلاق تعارف ما هو على المالك أو العامل، و إلا أشكل الحال.

و قد يقال: إن المراد بمؤنة الأرض- بقرينة ذكرهم لها مع الخراج- ما كان مثله من أجرة الأرض عوض قبالتها، و نحو ذلك مما هو سبب في الاستيلاء علي كون الأرض بيده، إجارة و زراعة و غيرهما، و لعل هذا أقرب عند التأمل و الله العالم.

[المسألة السادسة كل موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة تجب لصاحب الأرض أجرة المثل ]

المسألة السادسة: كل موضع يحكم فيه ببطلان المزارعة تجب لصاحب الأرض أجرة المثل إن كان البذر من العامل الذي يكون منه الحاصل حينئذ، كما أنه لصاحبها إن كان البذر منه، و لكن عليه أجرة مثل العامل و العوامل، و لو كان البذر منهما فالحاصل بينهما على النسبة، و لكل منهما على الآخر أجرة مثل ما يخصه على نسبة ما للآخر فيه من الحصة، فإذا كان البذر بينهما مثلا، رجع المالك بنصف أجرة أرضه، و العامل بنصف أجرة عمله و عوامله و آلاته.

و على هذا قياس باقي الأقسام، و لو كان البذر من ثالث فالحاصل له، و عليه أجرة مثل الزرع و باقي الأعمال و آلاتهما، بلا خلاف في شي ء من ذلك أجده، كما اعترف به في الرياض، و وجهه ما تقدم غير مرة، و خصوصا في قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» بل في الرياض هنا «إن إطلاق العبارة كغيرها يقتضي عدم الفرق في ثبوت الأجرة لمن ليس له البذر على الآخر في مقابلة أرضه أو عمله بين أن يكون هناك حاصل أم لا.» و هو كذلك مع فرض شغل الأرض بالبذر، و العمل من العامل، أما مع فرض عدم استعمال العامل الأرض، لاقدام منه على مخالفة عقد المزارعة الذي بان فساده، أو لعلمه بالبطلان أو غير ذلك فقد يشكل ضمانه الأجرة حينئذ، بأصالة براءة الذمة مع فرض عدم منع المالك منها، خصوصا مع علمه بالبطلان، اللهم إلا أن يفرض كونها في يده التي هي يد ضمان، ضرورة عدم الاذن في ذلك، لفرض انحصارها في العقد

ج 27، ص: 48

المفروض بطلانه، فتبقى الأرض حينئذ في يده بحكم الغصب.

لكن مع ذلك لا يخلو من نظر و تأمل، كما أنه لا يخلو إطلاقهم الأجرة الشامل لصورتي علمهما و جهلهما، و علم أحدهما خاصة- من تأمل، خصوصا بعد ما تسمعه منهم في المساقاة من التصريح بعدم الأجرة للعامل مع العلم ببطلانها، لكونه حينئذ متبرعا، و المسألة من واد واحد، و لولا ذلك لأمكن توجه الإطلاق هنا بأنه لا ملازمة بين العلم بالبطلان و المجانية، بعد فرض كون دفع الأرض و العمل بعنوان تلك المزارعة الباطلة، فتبقى حينئذ على قاعدة «احترام مال المسلم و عمله،» كما صرح به بعضهم في غير المقام، كالبيع الفاسد و الإجارة الفاسدة، و كذا لا يخلو الإطلاق المزبور من اشكال بعد تقييدهم له في المساقاة بما إذا لم يكن البطلان من اشتراط عدم الحصة، و إلا كان متبرعا، فان نظيره هنا أيضا آت، و إن كان يمكن أن يقال:

إن رضاه بعدمها إنما كان بعنوان العقد الذي قد فرض فساده، فلا إذن حينئذ فيبقى تحت القاعدة التي ذكرناها فلاحظ و تأمل.

[المسألة السابعة يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع ]

المسألة السابعة: يجوز لصاحب الأرض أن يخرص على الزارع، و الزارع بالخيار في القبول و الرد، فان قبل كان استقرار ذلك مشروطا بالسلامة، فلو تلف الزرع بآفة سماوية أو أرضية، لم يكن عليه شي ء كما أوضحنا ذلك كله مع باقي فروع المسألة في بيع الثمار، فلاحظ و تأمل هذا.

و لكن بقي هنا أمور لم يذكرها المصنف، منها: ان البذر مع إطلاق المزارعة من العامل أو الهالك، صرح الفاضل في القواعد بالأول، و عن بعض العامة الثاني، و ظاهر موضع من التذكرة وجوب التعيين.

قلت: لا كلام مع فرض انصراف للإطلاق، فإنه المتبع حينئذ من غير فرق بين البذر و غيره، و أما مع عدمه فيحتمل التعيين- و إلا بطل العقد للغرر،- و أن يكون على العامل، ل

قوله عليه السلام (1)في جواب السؤال عن المزارعة «النفقة منك، و الأرض لصاحبها»

فيكون حينئذ كالأصل الشرعي في ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة الحديث- 2.

ج 27، ص: 49

و منها أن الحب الثابت في الأرض في العام الأخر الذي هو غير عام المزارعة إن كان لأحدهما كان النماء له، و عليه أجرة الأرض إن كان لغير مالكها، و إن كان من مال المزارعة كان بينهما على حسب النسبة، و يخصه من الأجرة مقدار نصيبه، لكن مع فرض كون الحب من الذي هو معرض عنه على وجه يجوز للملتقط التقاطه فهل هو كذلك لأنه لا يزول عن الملك بالاعراض، بل به مع الاستيلاء، و الفرض عدمه إلى أن صار زرعا، و الفرض عدم الاعراض عنه في هذا الحال، أو أنه يكون لصاحب الأرض، لأنه من توابعها و نمائها، بل لعل كونه فيها نوع استيلاء من المالك عليه وجهان، إلا أنه جزم في التذكرة بأنه بينهما على كل حال، خلافا لبعض العامة.

و منها: أن ما جاء في النصوص هنا من قبالة الأرض بشي ء معلوم، سنين معلومة، و عليه خراجها و عمارتها أو قبالتها بخراجها و

عمارتها، أو بغير ذلك مما تضمنته اخبار المقام هل هو عقد برأسه، و إن أفاد فائدة المزارعة و الإجارة و الصلح في بعض الموارد، أو أن المراد من لفظ التقبيل هنا ما ينطبق على ذلك المورد من العقود المعهودة و لو الصلح وجهان، أو قولان، أقواهما الثاني كما أوضحناه في مسألة الخرص في بيع الثمار، لعدم إفراد الأصحاب بابا للقبالة على وجه يعرف به كونها من العقود المتعارفة في ذلك الزمان، و لم يتعرضوا لألفاظ هذا العقد، و لا لشرائطه و لا لأحكامه و لا لموارده، و ذلك كله قرينة على أنهم فهموا من لفظ التقبيل ما ذكرناه، فالتعبير به حينئذ كالتعبير بالأخذ و التناول و نحوهما مما يعلم عدم إرادة كونه عقد برأسه، و دعوى عدم صلاحية جميع العقود لبعض مواردها، فيدل على أنها عقد برأسه قد أوضحنا فسادها في مسألة الخرص من بيع الثمار، فلاحظ و تأمل.

و منها: أنه حيث يستحق المالك قلع الزرع فهل يضمن الزكاة لمستحقها لو فرض بلوغه حد تعلقها إذا قلعه؟ وجهان بل قولان، لأن ظاهر المحكي عن ابن الجنيد الأول، و ظاهر الفاضل في المختلف الثاني، و الله العالم هذا كله في المزارعة.

ج 27، ص: 50

[أما المساقاة]

اشارة

و أما المساقاة

[تعريف المساقاة]

فهي جائزة بالإجماع من علمائنا و أكثر العامة، خلافا لأبي حنيفة و زفر، فأنكراها للجهالة و الغرر، و لا ريب في ضعفه، للنصوص المروية من الطرفين في قصة خيبر(1)و غيرها، بل لعلها من طرقنا متواترة أو مقطوع بمضمونها.

نعم ليس في شي ء منها تصريح بلفظ المساقاة، إلا أنها دالة صريحا أو ظاهرا على مشروعية معاملة على سقي أصول ثابتة بالثاء المثلثة أو بالنون كالنخل و الشجر بحصة من حاصلها و لا نعني بالمساقاة إلا ذلك.

بل أطنب بعض الأفاضل في أن تسمية هذه المعاملة بالمساقاة اصطلاح جديد حدث بعد زمان الشارع، بل قال: إنه بعد زمان الصحابة و التابعين، فإن المساقاة في اللغة كما صرح به في القواعد و غيره مفاعلة من السقي، كما يقتضيه اشتقاق الصيغة و لم يذكر أحد من اللغويين ورود المساقاة في اللغة بالمعنى الذي ذكره الفقهاء، و لا وجدنا ذلك في استعمالات العرب، و لو كان ثابتا لذكره أهل اللغة، كما ذكروا المزارعة و غيرها من ألفاظ المعاملات الثابتة في اللغة، و نقلها إلى هذا المعنى في عرف الشارع أو الأئمة عليهم السلام غير ثابت، إذ لا ذكر للمساقاة في الكتاب و السنة، و لا في الأحاديث المروية عن أهل البيت عليهم السلام، و لذا لم يعقد أحد من أصحاب الحديث كالكليني و الصدوق بابا للمساقاة، و إنما أوردوا الأحاديث المتعلقة بها في باب المزارعة، و النقل إلى المعنى فرع الاستعمال فيه، فما لم يثبت الاستعمال لم يثبت النقل، و ثبوته عند

الفقهاء إنما يقتضي الحقيقة الشرعية على القول بثبوتها لو ثبت استعمال الشارع إياها في المعنى المعروف، لا مطلقا، إذ لا ريب في أن للفقهاء و المتكلمين و الأصوليين اصطلاحات كثيرة، ليست بحقائق شرعية فلا يلزم من كون المساقاة حقيقة في هذا المعنى في عرف


1- 1 الوسائل الباب- 8- 9- 10- من أبواب أحكام المزارعة.

ج 27، ص: 51

المتشرعة أن تكون حقيقة فيه عند الشارع، و ذلك ظاهر، و قولهم سميت بذلك لأن أكثر حاجة أهل الحجاز إلى السقي، لأنهم يسقون من الآبار لا إشعار فيه بتعيين زمان الوضع أصلا، لاحتمال تجدد الوضع بعد الشارع بهذه العلة، و نسبة القول بها إلى الصحابة و التابعين، و دعوى الإجماع عليها من السلف لا يقتضي تسميتها بالمساقاة عندهم، لجواز أن يكون المراد أنهم قالوا بصحة المعاملة المسماة عند الفقهاء بهذا الاسم، و أجمعوا عليها، و إن وقع التعبير عنها في زمانهم بلفظ آخر، و ما ذكره الفقهاء- من أن الإيجاب لا بد أن يكون بلفظ المساقاة و ما يؤدي معناها و أن أظهر الصيغ في هذا العقد ساقيتك، أو عقدت معك عقد المساقاة محمول على العقود الواقعة في زمانهم، أعني زمان النقل، و ليس المراد جواز العقد بلفظ المساقاة و لو في عصر الشارع، حتى يجب القول بوضعه فيه، حذرا من لزوم استعمال الألفاظ الغير الصريحة في العقود، (لا يقال) قول الأصحاب «المساقاة شرعا معاملة» إلى آخره يقتضي كون هذا المعنى هو معنى اللفظ في الشرع، و كفى بقولهم هذا دليلا على النقل (لأنا نقول):

قد ذكر الاشكال فيما ذكره الفقهاء من ألفاظ المعاملات من أنها لغة كذا، و شرعا كذا، و أن هذا القول بظاهره لا يستقيم في الأكثر، و إن بعض المتأخرين حمل التحديدات الشرعية في المعاملات على تحديدها بحسب عرف المتشرعة دون الشارع، فان صح ذلك، و إلا أمكن الحمل على إرادة المعنى الثابت شرعا، و إن كان الواضع فيه غير الشارع.

و على كل حال فلا ريب في إرادة أحد المعنيين هنا إن لم يتعين ذلك في غيره، لما عرفت من عدم ورود المساقاة في الكتاب و السنة و لا في أحاديث الأئمة عليهم السلام و الحقيقة لا تثبت بدون الاستعمال قطعا، و احتمال ثبوت الاستعمال في عصر الشارع أو الأئمة عليهم السلام مع عدم النقل إلينا خلاف الأصل و إن كان هذا كله منه قليل الجدوى بعد فرض عدم وجود لفظ المساقاة عنوانا لحكم في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، مضافا

ج 27، ص: 52

إلى ما فيه من إمكان المناقشة في جملة مما ذكره، و إلى ما في صحيح يعقوب بن شعيب (1)من تضمن الإيجاب بلفظ «اسق» لكن قال: إنه أمر من السقي، دون المساقاة، و المراد منه المعنى اللغوي دون العرفي، و فيه ما عرفت من أنه لا وجه لإنشائية الإيجاب بلفظ الأمر مرادا منه المعنى اللغوي، بل لا بد من ملاحظة

المعنى الشرعي فيه، كما تقدم نظيره في المضاربة، و إذا جاز العقد بلفظ الأمر في ذلك الزمان، جاز بلفظ «ساقيتك» بطريق أولى، بل هو مقتض لوضع مبدأ الاشتقاق بالمعنى المتشرعي، إذ لا وجه لإرادة معنى من المشتق دون المشتق منه.

و من ذلك و غيره يظهر عدم انحصار فائدة البحث عن معنى المساقاة في كلام الأصحاب و معاقد إجماعاتهم و نحو ذلك، دون استنباط أحكام المساقاة من الخطابات الشرعية كما ذكره الفاضل المزبور، هذا.

و ربما ظهر من كلام بعض أن المزارعة تطلق في الأخبار على ما يشمل المساقاة، فيمكن استفادة أحكام المساقاة منها، و فيه: منع كونه حقيقة، إذ غايته ثبوت الاستعمال الذي هو أعم، خصوصا بعد أن كان المفهوم عرفا من المزارعة المعاملة على الأرض بحصة من حاصلها، و قد صرح أهل اللغة بأن ذلك هو معنى المزارعة، و إن أريد الإطلاق و لو على سبيل المجاز فهو مسلم، لكن يتبع وجود القرينة الصارفة عن إرادة الخصوصية، و دعوى ثبوتها في جميع موارد استعمال المزارعة في الروايات غير مسلم، بل مقطوع بفساده.

نعم قد ذكر بعض الفقهاء أن المخابرة المتكررة في الأخبار- من المعاملة مع أهل خيبر قال ابن الأعرابي أهل المخابرة من خيبر، لأن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم كان أقرها في أيدي أهلها على النصف فقيل خابرهم أي عاملهم في خيبر، و هي بهذا المعنى- تعم المساقاة قطعا، لكن فيه إن تفسير المخابرة بذلك ليس بثابت أيضا، فإن أبا عبيدة نص على أن المخابرة من الخبير و هو الأكار، و في الصحاح الخبير


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 53

الأكار، و منه المخابرة، و هي المزارعة. و عن المصباح المنير خبرت الأرض شققتها للزراعة، فأنا خبير، و منه المخابرة، و هي المزارعة، و قيل، هي من الخبرة و هي النصيب، و قيل: من الخيار، و هي الأرض اللينة، و قيل: المخابرة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها، و البذر من العامل، و المزارعة هي هذه و البذر من المالك، و المشهور أنهما بمعنى واحد، و حينئذ فلا يصح الاستدلال بالمخابرة على المساقاة التي قد عرفت فساد دعوى دخولها في مفهوم المزارعة.

و كيف كان فهي معاملة كغيرها من عقود المعاوضات لكنها على أصول لا كالمزارعة التي هي معاملة على زرع بل ينبغي أن تكون أصولا ثابتة بالثاء المثلثة لا كالخضروات و لا كالودي غير المغروس، و نحو ذلك بل لا بد أن تكون أيضا بحصة مشاعة من ثمرها كالإجارة التي يعتبر فيها أن تكون بأجرة معلومة معينة أو مضمونة.

نعم يراد من الثمرة هنا مطلق نماء الشجر. فيدخل فيه ما يقصد ورده و ورقه، بناء على جواز المساقاة عليه، و إن كان ستسمع تردد المصنف فيه هذا.

و لكن ظاهر المصنف و غيره أن هذه المعاملة بهذه القيود لا تكون إلا مساقاة، و قد يناقش بإمكان دعوى جريان الصلح فيها و قيامه مقامها، بناء على قبوله لمثل هذا العوض، إلا أنه يسهل الخطب أن المراد من أمثال هذه التعريفات التصوير في الجملة كما ذكرناه غير مرة.

ثم إنه قد يتوهم من قول المصنف و غيره هنا «معاملة» عدم كونها بمعنى العقد المزبور، بل هي لما يشمله و المعاطاة كما عن التذكرة التصريح به، و لكنه ليس كذلك، لذكره نحو ذلك في المزارعة، و لقوله بعد ذلك متصلا به الأول في العقد.

نعم الكلام في صحة المعاطاة فيها على حسب ما سمعته في البيع بناء على إلحاقها به ضرورة عدم الفرق بينها و بينه و الإجارة و غيرهما، حتى بالنسبة إلى دعوى السيرة القطعية الدالة على مشروعية المعاطاة.

لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد استبعاد جريان المعاطاة في هذا العقد، لما فيه من الغرر و جهالة العوض، بخلاف البيع و الإجارة، فينبغي الاقتصار فيه على

ج 27، ص: 54

موضع اليقين، إلا أنه كما ترى، إذ الاشتمال على الغرر ليس قادحا في جواز المعاطاة بعد قيام الدليل، كما في المساقاة العقدية. نعم بناء على ما اخترناه من الإباحة في البيع ففي جريانها في المقام و نظائره نظر، و لعل الجواز لا يخلو من قوة مع فرض قيام السيرة الصالحة لإثبات مثل ذلك.

و على كل حال فتمام النظر فيه أي في هذا الكتاب يستدعي فصولا.

ج 27، ص: 55

[الفصل الأول في العقد]

الأول: في العقد و لا ريب بل و لا خلاف في صحة صيغة الإيجاب لهذا العقد ب أن يقول ساقيتك أو عاملتك أو سلمت إليك أو ما أشبهه في الصراحة في المعنى المزبور، و لو بضميمة القيود التي ليست قرائن مجاز، لعدم تعيين الشارع في المساقاة لفظا بخصوصه.

نعم ناقش بعض الناس في مساواة هذه الألفاظ للفظ المساقاة بأن المعاملة و العمل و التسليم أعم منها، لا مساوية لها.

و دفعه: بأن المراد مساواتها لها بعد ذكر المتعلقات و القيود، و ليس هذا من المجاز في شي ء إذ المفروض أن الألفاظ مستعملة في معانيها الحقيقية، و أن الخصوصية مرادة من القيود لا منها.

و إن كان قد يناقش أولا: بأن إطلاقهم العقد بهذه الألفاظ شامل للعقد بها على الوجهين.

و ثانيا: بأنها حال العقد بها لا بد من استعمالها في إنشاء معنى خصوص ذلك العقد منها، و القيود كلها قرينة على ذلك. و إلا لم يكن وجه لعقد ذلك العقد بها مع استعمالها في المعنى الأعم منها المراد منه الخصوص، كما هو واضح بأدنى تأمل. و منه يظهر النظر في دعوى الإجماع على عدم جواز استعمال المجاز، و إن كان صريحا في عقد العقد اللازم.

و على كل حال فقد يظهر من قول المصنف و غيره أو ما أشبهه اعتبار الماضوية في الصيغة هنا كما صرح به ثاني المحققين و الشهيدين، بل قال الأخير منهما لا وجه لإخراج هذا العقد اللازم من بين نظائره، و قد نوقش في الاكتفاء في المزارعة بلفظ الأمر مع الاستناد فيها إلى النص، و هو منتف هنا، و إن كان فيه ما لا يخفى، إذ قد عرفت فيما تقدم أن الموجود في النص في المزارعة لفظ المضارع، و أما لفظ الأمر فهو

ج 27، ص: 56

في المساقاة في صحيح يعقوب بن شعيب (1)و حمله على المقاولة السابقة على المعاملة تكلف من غير ضرورة، و لعله لذا جزم في التذكرة بتحقق عقد المساقاة بلفظ تعهد نخلي بكذا، أو أعمل فيه بكذا، دون المزارعة، لورود النص فيها دونها فإن الأخبار الواردة في المزارعة كما عرفت إنما دلت على الوقوع بصيغة المضارع، و هو خلاف المقصود، إلا أنه لما كان قوله أزرع هذه الأرض بكذا صريحا فيها أيضا مع معلومية اتحاد أحكام المزارعة و المساقاة أمكن القول به فيها أيضا، إلا أنه قطع به في المساقاة لما عرفت بل قواه الفاضل الطباطبائي في مصابيحه أيضا، قال: «لأن قول القائل اسق هذا النخل و لك نصف

الحاصل مثلا صريح في إنشاء المساقاة، و القصد إلى إيقاع المعاملة بنفس هذا اللفظ كقوله ساقيتك و عاملتك، بخلاف مثل قوله: بعني مثل هذا و صالحني أو آجرني، فإن المفهوم من ذلك طلب البيع و الصلح و الإجارة مثلا، دون إنشاء وقوعها، و مثل ذلك ما لو قال ساقني أو عاملني على هذا النخل، فإنه لا يقع العقد به، لأن مقتضاه طلب المساقاة دون وقوعها، و لا يلزم من وقوع العقد بصيغة الأمر في الجملة وقوعه بكل أمر، و لا من الجواز في المساقاة الجواز في كل عقد، إذ المدار على صراحة الصيغة في إنشاء المعاملة المقصودة، لا على خصوص صيغة معينة، لعدم الوضع الشرعي، و انتفاء ما يقتضي التعيين، فمتى تحققت الصراحة المطلوبة صح العقد و إن كان بغير الماضي، و إن انتفت كان العقد فاسدا و إن كان بصيغة الماضي، ألا ترى أن الفقهاء صرحوا في الرهن بجواز مثل «هذا وثيقة» أو رهن مع اشتراطهم الماضوية في العقود، و ليس إلا لصراحة الصيغة في عقد الرهن، و إن المطلوب في العقود صراحة الألفاظ، و إنما اعتبرت الماضوية فيها لقرب الماضي من الإنشاء، و بعده عن احتمال الوعد و الطلب، كما في المستقبل و الأمر على ما صرح به غير واحد منهم، فإذا فرض مساواتها للماضي في الصراحة صح فيها كما صح هو أيضا» و إن كان لا يخفى عليك ما في هذا الكلام إذا أحطت خبرا بما ذكرناه في غير موضع من هذا الكتاب من أنه إن لم يكن إجماع جاز عقد جميع العقود لازمها و غيره بجميع ما يدل على ذلك من حقيقة أو مجاز بصيغة الماضي


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 57

و غيرها، و تكفي الصراحة الحاصلة من قرائن المجاز، كالقرائن المشخصة للمشترك المعنوي، و الصراحة في الماضي الحاصلة بالقرينة المخرجة له عن احتمال الخبر، كالقرائن المخرجة لاحتمال الطلب، و الوعد في الأمر و المضارع، فان جميعها عند إرادة العقد بها تخرج عن إرادة الفعلية و الزمانية منها.

و بذلك يظهر لك ما في دعوى الصراحة في اسق و ازرع، فان غايتها الصراحة في المعنى اللغوي، و هو غير معنى العقدية المساوي لحال ساقيت عند إرادته، كما هو واضح بأدنى تأمل، و من الغريب غفلته رحمه الله عن ذلك.

و أغرب منه ما وقع للمحقق الثاني هنا- من أن صيغ العقود اللازمة حيث كانت محتاجة إلى التوقيف من الشارع، و قد وضع لها الشارع صيغة الماضي لكونها أصرح صيغ الإنشاء، وجب الاقتصار عليها في هذه المعاملة المشتملة على الغرر و الجهالة، عملا باليقين، إذ هو كما ترى مجرد دعوى، خالية عن الدليل، فإنه ليس في الأدلة الشرعية ما يقتضي الوضع، بل فيها ما يقضى بخلافه في كثير من المواضع التي منها ما سمعته في المزارعة و الرهن و غير ذلك، و كذا دعوى ثاني الشهيدين من عدم صراحة الأمر في الإنشاء. و عدم النص.

و بالجملة كلام الجميع في المقام غير تام، كما لا يخفى على من تفضل الله عليه في أحكامه بنوع من الإلهام، بل مما ذكرنا يظهر لك النظر في مواضع أخر لم يذكرها في مصابيح العلامة الطباطبائي و غيرها هذا.

و في القواعد «لو قال: استأجرتك لتعمل لي في هذا الحائط مدة كذا بنصف حاصله لم يصح، على إشكال ينشأ من اشتراط العلم بالأجرة إذا قصدت، أما إذا تجوز بلفظها عن غيرها فلا» و الظاهر أن مراده الإشكال في عدم صحة هذا القول حال عدم العلم بحال قائله، من جهة احتمال إرادته المساقاة بلفظ آجرتك، و حينئذ يكون صحيحا لعدم اعتبار العلم بالعوض فيها، و ظاهره حينئذ جواز عقد المساقاة بالمجاز مع قرينة، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا.

نعم الأقوى فيه الفساد حملا للفظ على حقيقته، و الصحة لا تكون قرينة على إرادة

ج 27، ص: 58

غيره، و حينئذ يكون إجارة فاسدة لا مساقاة صحيحة، و بذلك يظهر ما في كلام الكركي حيث قال: «إنه لا دلالة لعدم اشتراط العلم مع التجوز بلفظ الإجارة في المساقاة على صحة المساقاة بلفظ الإجارة» ثم احتمل في العبارة معنى آخر، و هو أن يكون قوله، و لو قال: استأجرتك مرادا به الإجارة، و قوله أما إذا قصدت شرطا للحكم في ذلك بعدم الصحة على إشكال، و قوله ينشأ من اشتراط العلم بالأجرة، بيانا لأحد وجهي الإشكال مع ترك الأخر لظهوره، و معنى قوله إذا تجوز بلفظها عن غيرها فلا أن الاشكال في عدم الصحة إذا قصد بالإجارة معناها، فإذا قصد بها التجوز في غيرها و هو المساقاة فلا إشكال في عدم الصحة، لامتناع المجازات في العقود اللازمة، فإنه كما ترى.

و على كل حال ف هي لازمة كالإجارة بلا خلاف أجده فيه عندنا، بل إجماع علمائنا، و أكثر العامة على ذلك، للأصل و عموم قوله تعالى (1)«أَوْفُوا» خلافا للمحكي عن أحمد في إحدى الروايتين من القول بالجواز، قياسا على المضاربة، و لما

روي (2)«أن اليهود لما سألوا رسول الله صلى الله عليه و آله أن يقرهم بخيبر على أن يعمروها و يكون لرسول الله، صلى الله عليه و آله و سلم شطر ما يخرج منها، قال لهم: «نقركم على ذلك ما شئنا»،

و لو كان لازما لوجوب تحديد المدة، و لم يجز التقدير بالمشيئة و القياس باطل عندنا، مع أنه ليس بأولى من قياسها على الإجارة كما أومى إليه المصنف، و الرواية غير ثابتة، و لو صحت فليس فيها ما يدل على التقدير في المشيئة في متن العقد، فيحمل على المراضاة قبله كما عن التذكرة التصريح به، أو على اشتراط الخيار في مدتها متى شاء، و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف نصا و فتوى في أن المساقاة تصح قبل ظهور الثمرة بل

الإجماع بقسميه عليه، كما أنها لا تصح كذلك بعد ظهورها


1- 1 سورة المائدة الآية 1.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 114.

ج 27، ص: 59

و كمالها بحيث لم تحتج بعد إلى عمل تزيد به كما أو كيفا و إن احتاجت إلى عمل كالجذاذ و النقل و الحفظ من السارق و نحو ذلك، لعدم موضوع شرع المساقاة حينئذ و هل تصح بعد ظهورها مع بقاء عمل كسقي أو حرث و غيرهما مما تزيد به الثمرة كما أو كيفا فيه تردد من أصالة الفساد. بعد الشك في تحقق موضوع شرع المساقاة، لعدم إطلاق أو عموم بالخصوص فيها يتمسك به في تنقيح موردها، بل قد يشك في تناول (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2)«و إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ » لذلك، على وجه يقضي بشرعية الفرد المشكوك فيه من العقد المخصوص الذي قد فرض عدم ما يصلح شارعا فيه بالخصوص لجميع أفراده من عموم أو إطلاق، ضرورة احتمال إرادة بيان اللزوم خاصة من الآية الأولى في العقود المتعارفة، كاحتمال إرادة بيان شرعية التجارة المعروفة في الخروج عن أكل المال بالباطل، لا أن المراد بيان شرعية كل عقد و كل تجارة على وجه يشمل المقام، و الإجماع إنما هو على شرعية المساقاة في الجملة، لا كل ما يصدق عليه ذلك، و صحيح ابن شعيب (3)و قصة خيبر(4)ظاهران فيما قبل

الخروج و من أن المفروض أولى بالمشروعية من غير الخارج، لكونه أبعد عن الغرر بالوثوق بالثمرة، و لحصول حكمة مشروعية المساقاة و فائدتها في المفروض.

و لعله لذا و نحوه كان الأظهر عند المصنف و غيره الجواز بشرط أن يبقى للعامل عمل و إن قل مما تستزاد به الثمرة و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، فالأولى و الأحوط مع إرادة ذلك الرجوع إلى الصلح أو الإجارة خصوصا فيما لو كان العمل بحيث لولاه لاختل حال الثمرة إلا أنه لا تحصل به زيادة.


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 سورة النساء الآية- 29.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 8- 9- 10- من أبواب أحكام المزارعة.

ج 27، ص: 60

و إن قال في جامع المقاصد: «إن أمكن تحقق هذا الفرض ينبغي القول بالصحة لأنه لم يتحقق تناهي بلوغ الثمرة، فتحققت الزيادة، لأن كمال البلوغ و نهاية الإدراك زيادة فيها.

لكن في المسالك بعد أن فرضه في مثل حفظها من فساد الوحش و نحوه قال:

«مقتضى القاعدة عدم الجواز» و هو كذلك بعد الإحاطة بما عرفت مما يشكل معه تحقق المساقاة بعد ظهور الثمرة، و إن حصل بعمله نفسه نمو لها في الكم أو الكيف، فضلا عن مثل هذا الفرض و الله العالم.

و على كل حال ف لا تبطل المساقاة بموت المساقى و لا بموت العامل على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها استصحاب صحة العقد و لزومه كغيره من العقود اللازمة التي قد عرفت ذلك في المزارعة منها، كما أنك قد عرفت الحكم هناك فيما لو كان اشترط عليه العمل بنفسه مع ظهور الثمرة و بعده، فلاحظ، فان المسألتين من واد واحد، مع أنه سيأتي بعض ذلك أيضا في مسألة ما لو هرب العامل، خلافا للمحكي عن الشيخ من البطلان بالموت كالإجارة، و فيه بعد تسليم ذلك في المقيس عليه أنه غير جائز عندنا.

[الفصل الثاني في ما يساقى عليه ]

الفصل الثاني: في ما يساقى عليه و هو كل أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقائه لا نحو البطيخ و الباذنجان و قصب السكر و القطن و نحوهما مما هو ملحق بالزرع، فان هذه و ما شابهها ليست كذلك و إن تعددت اللقطات، بل و إن بقي القطن أزيد من سنة، لكن أصول هذه لا بقاء لها غالبا، و اضمحلالها معلوم عادة، و لا دليل على جواز عقد المساقاة عليها، إذ ليس هو إلا ما وقع من النبي صلى الله عليه و آله و سلم في خيبر(1)و صحيح يعقوب بن شعيب (2)و لا عموم


1- 1 الوسائل الباب- 9- و 10- من أبواب أحكام المزارعة.
2- 2 الوسائل الباب- 9- و 10- من أبواب أحكام المزارعة.

ج 27، ص: 61

فيها، سيما بالنسبة إلى ذلك و(1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2)و «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» لا يثبت بهما شرعية الأفراد المشكوكة من المعاملة المعهودة التي لها أفراد متعارفة، و إنما المراد من الأول بيان اللزوم، و من

الثاني عدم أكل المال بالباطل إذا كان بالتجارة المتعارفة، لا أن المراد شرعية كل عقد و كل تجارة يقع الاتفاق عليها من المتعاقدين، كما هو واضح بأدنى تأمل، فما عن الشيخ من جواز المساقاة على ما يجز مرة بعد أخرى واضح الضعف.

و على كل حال ف قد بان لك أنه تصح المساقاة على النخل و الكرم و باقي شجر الفواكه بل ذلك هو الثابت مما وصل إلينا من نصوص مشروعيتها التي ليست في شي ء منها إطلاق يقتضي شرعية كل فرد منها، و قياسها على المزارعة أ و استنباط حكمها منه لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد الإحاطة بما ذكرنا.

نعم فيما لا ثمرة له من الأشجار إذا كان له ورق ينتفع به كالتوت بالتاء المثناة و الحناء على تردد من كونها من الأشجار، و غلبة الظن بوجوده في خيبر، بل في جامع المقاصد كاد يكون معلوما، و مساواة الورق لغيره في كونه ثمرة، و

في بعض الاخبار(3)«أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من النخل و الشجر»

و ما من أدوات العموم- و مما عرفت من أن هذه المعاملة على خلاف الأصل، و فيها من الغرر ما ليس في غيرها، فالمتجه الاقتصار فيها على المتيقن، خصوصا بعد ما عرفت من عدم الإطلاق.

و لو قيل بالتفصيل بين المساقاة على هذه تبعا لغيرها من أشجار الفواكه فيجوز و مستقلة فلا يجوز، لكان وجها، كالتفصيل في التوت بين كونه في بلاد يكون ورقه ثمرة، و غيرها، فيجوز في الأول دون الثاني كما في بلادنا الان، و المراد منه الذكر لا


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 سورة النساء الآية- 29.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 502.

ج 27، ص: 62

الأنثى الذي له ثمر معلوم و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لو ساقى على ودي أي غير المغروس من فسيل النخل أو الصغار أو على شجر غير ثابت لم يصح بلا خلاف أجده فيه بيننا اقتصارا في المعاملة المخالفة للأصول على موضع الوفاق و على الثابت من النصوص التي قد عرفت أما لو ساقاه على ودى مغروس إلى مدة يحمل مثله فيها غالبا صح و إن لم يحمل فيها قيل: لأن مبنى المساقاة على تجويز ظهور الثمرة، و ظنه بحسب العادة، فإذا حصل المقتضي صح، و إن تخلف كما لو ساقاه على الشجر الكثير و اتفق عدم ثمرة، بل لا أجرة له على عمله، لأنه أقدم على ذلك، بل في المسالك «انه يجب عليه إتمام العمل في باقي المدة، و إن علم بالانقطاع قبلها، و مثله ما لو تلفت الثمار كلها أو أكلها الجراد أو غصبها غاصب، فإنه في جميع ذلك يجب على العامل إكمال العمل، و لا أجرة له و إن تضرر، كما يجب على عامل القراض إنضاض المال و إن ظهر الخسران، بل هنا أقوى، للزوم العقد و وجوب العمل، و احتمل في التذكرة انفساخ العقد لو تلف الثمار بأسرها، و استشكل الحكم في القراض، فارقا بينهما بأن المباشر للبيع و الشراء في القراض العامل، فكان عليه إنضاض المال، بخلاف عامل المساقاة، و يندفع بأن المساقاة عقد لازم فلا يؤثر فيه تلف العوض، بخلاف القراض فإذا وجب على عامل القراض مع جوازه، و كون تغييره للمال باذن المالك، فهنا أولى.

و يمكن أن يقال: إن تلف الثمرة هنا يكون كتلف العوض المعين قبل القبض المقتضي للبطلان في البيع و نحوه و فيه نظر.

قلت: لا ريب في أن الموافق للضوابط الشرعية الانفساخ بعدم خروج الثمرة، لاعتبار العوض في هذه المعاملة، و قد انكشف عدمه، و جواز الاقدام ظاهرا اعتمادا على المعتاد لا يقتضي الصحة، فضلا عن اللزوم بعد الانكشاف، و ليس العوض فيها الثمرة من حيث كونها مظنونة، بل العوض فيها الحصة من الثمرة واقعا، و عدم بطلان البيع في بعض الصور الخاصة بعدم خروج الثمرة مع القول به بدليل خاص، كالتعليل في بعض

ج 27، ص: 63

النصوص (1)بأنه إن لم يخرج في هذه السنة يخرج في السنة الأخرى و غيره، بل قد يقال:

بالبطلان بالتلف السماوي لها بعد الظهور قبل الإدراك، بناء على أن العوض الثمرة مدركة، و بالجملة لا ينكر أصالة ذلك في عقود المعاوضة التي من المعلوم عدم كون القراض منها، و إن كان هو شبه المعاوضة في المعنى مع حصول الربح، لا أنه عقد معاوضة قد لوحظ فيه معنى

التعاوض و المقابلة، و لعله لذا احتمل في التذكرة ما سمعت، بل في جامع المقاصد- في فرع ذكره في أثناء مسألة ما لو ظهر استحقاق الأصول- «الجزم بعدم وجوب إكمال تمام العمل عليه تمام المدة مع عدم خروج الثمرة» إنما الكلام في أنه انفساخ من حينه أو انكشاف وجهان: و لعل أولهما هو الظاهر من الحكم بالصحة في المتن و غيره من كتب الأصحاب، مع احتمال ارادة الحكم بها ظاهرا.

و على كل حال فالظاهر عدم استحقاقه الأجرة، لا قدامه على نحو ذلك اقدام عامل القراض، مع احتمال الأجرة على الثاني هذا كله فيما يحمل مثله عادة.

و أما إن قصرت المدة المشترطة عن ذلك غالبا عادة أو كان الاحتمال على السواء لم يصح لأصالة الفساد، بعد ما عرفت من عدم إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في نحو الفرض، حتى لو اتفق حصول الثمرة فيها في تلك المدة على خلاف العادة مع فقد الوثوق بالحصول.

نعم لا إشكال في الصحة فيما لو ساقاه مثلا عشر سنين، و كانت الثمرة لا تتوقع في العادة إلا في العاشرة، لصيرورة الثمرة حينئذ فيها مقابلة للعمل في جميع المدة، و لا يقدح خلو غيرها من السنين، فان المعتبر حصول الثمرة في مجموع المدة، لا في جميعها كما هو مقتضى السيرة و غيرها و الله العالم.

[الفصل الثالث في المدة]

الفصل الثالث في المدة و لا خلاف معتد به أجده باعتبارها فيها و يعتبر فيها أي المدة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار، الحديث 1- 8.

ج 27، ص: 64

شرطان أحدهما أن تكون مقدرة بزمان لا يحتمل الزيادة و النقصان كقدوم الحاج و إدراك الغلة و إن كانت هي الغلة المعامل عليها على المشهور، كما في المسالك، وقوفا- فيما خالف الأصل، و احتمال الغرر و الجهالة- على موضع اليقين، و اكتفى ابن الجنيد بتقديرها بالثمرة المساقى عليها، نظرا إلى أنه بالنسبة إلى ثبوته عادة كالمعلوم، و لأن المقصود منها هو العمل إلى إكمالها، و لأن العقد مبني على الغرر و الجهالة، فلا يقدحان فيه، و الأجود الأول، و إن كان كلامه لا يخلو من وجه، و اعلم أن الاتفاق على تقديرها في الجملة كما قررناه، و أما تركها رأسا فيبطل العقد قولا واحدا، و لأن عقد المساقاة لازم كما تقدم، و لا معنى لوجوب الوفاء به (1)[دائما و لا] إلى مدة غير معلومة، و لا إلى سنة واحدة، لاستحالة الترجيح بلا مرجح.

نعم من قال من العامة بأنها عقد جائز لا يعتبر عنده تعيين المدة، لانتفاء المحذور الذي ذكرنا.

قلت: مضافا إلى ما في قصة خيبر من ظهور ذكر المدة باعتبار كون المحكي منها أن الواقع قد كان مزارعة و مساقاة بعقد واحد، و على كيفية واحدة، و قد عرفت هناك النصوص الدالة على اعتبار المدة في المزارعة، فيكون الواقع منه عليه السلام مذكورا فيه المدة، و

الأصل عدم مشروعية غيره، مع ما فيه و في غيره من إيماء كونهما على كيفية واحدة بالنسبة إلى ذلك و غيره، إلا أن تلك بحصة من الزرع، و هذه من الشجر و النخل، بل و ظهور كونهما بمعنى الإجارة المعلوم فيها اعتبار ذلك.

و الانصاف أن العمدة الإجماع الذي سمعته، و إلا فلزومها لا ينافي عدم اعتبار ذكر المدة فيها، فيكون المساقى له استحقاق في الثمرة أبدا، و يستحق عليه الأعمال المشروطة أو المتعارفة خصوصا و

صحيح يعقوب بن شعيب (2)الذي هو دليل مشروعية المساقاة مع قصة خيبر خال عن ذكر المدة قال فيه: «سألته- أي الصادق عليه السلام- عن الرجل يعطي الرجل أرضه فيها الرمان و النخل و الفاكهة فيقول: اسق هذا من الماء


1- 1 هكذا في النسخ و الظاهر زيادة« دائما و لا».
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 65

و اعمره و لك نصف ما خرج، قال: لا بأس»

بل لعل ذلك هو الظاهر من الإسكافي لا ما حكاه هو و غيره عنه، فإن الذي عثرنا عليه من كلامه في المختلف أنه قال: «و لا بأس بمساقاة النخل و ما شاكله سنة و أكثر من ذلك إذا حصرت المدة أو لم تحصر»، فان مراده نفي البأس في المساقاة عن السنة و الأكثر مع ذكر المدة، و عنها مع عدم ذكر مدة أصلا، و لا تعرض فيه لبلوغ ثمرة و غيرها، فيمكن قوله

بلزومها و الاستحقاق دائما و أبدا مع عدم حصر المدة، إلا أن يكون هناك تعارف ينزله على سنة العقد خاصة.

نعم لا اشكال بل و لا خلاف معتد به باعتبار تقديرها مع التعرض لها بما لا يحتمل الزيادة و النقصان، كما في كل عقد جي ء بها فيه، من غير فرق بين ما كانت معتبرة في صحته كالإجارة، و بين غيره كمهر النكاح و ثمن البيع و نحوهما فتأمل جيدا.

و على كل حال فالشرط الثاني أن تكون المدة المذكورة في المساقاة مما تحصل فيه الثمرة غالبا و إن قلت كما إذا ساقاه في آخر العمل بحيث يبقى منه يسير مما فيه مستزاد للثمرة يكفي فيه الشهر مثلا، و على هذا المدار في جانب القلة، و قد تقدم في المزارعة البحث فيما دون ذلك، مع إمكان دعوى الفرق بين المقام و بينها و بين الإجارة للزرع، بالقول أن الثابت من شرعيتها ذلك دون غيره، مع عدم إطلاق أو عموم يقتضيه بخلافه فيهما، أما الكثرة فلأحد لها عندنا، خلافا للشافعي حيث شرط أن لا تزيد على ثلاثين سنة، و هو تحكم.

و قد تقدم الكلام أيضا في المزارعة فيما لو فرض اتفاق قصور المدة عن الإدراك على غير الأسباب العادية فلاحظ و تأمل، بل منه يعلم الحال أيضا فيما لو اتفق عدم خروج الثمرة أصلا في المدة الذي قد صرح بعضهم فيه هنا بأنه لا شي ء له، لا أجرة مثل و لا غيرها، حتى لو خرجت الثمرة بعد المدة على غير المتعارف و الله العالم.

ج 27، ص: 66

[الفصل الرابع العمل ]

الفصل الرابع العمل الذي لا يعتبر فيه أن يكون سقيا و إن كان قد يتوهم من لفظ المساقاة المراد منها الأعم من ذلك و من غيره، فيجوز عقدها حينئذ على ما لا حاجة إلى السقي كما قد صرح به غير واحد نعم قد ذكر غير واحد من العامة و الخاصة أن إطلاق المساقاة يقتضي قيام العامل بكل ما يتكرر كل سنة بما فيه زيادة النماء في الكم أو الكيف من الرفق بحرث الأرض و حفرها المحتاج إليه، و ما يتوقف عليه من الآلات و العوامل من البقرة و خشبة الحرث و السكة و المساحي و نحو ذلك، بل في جامع المقاصد: لا نعلم في وجوب ذلك خلافا هنا و في المزارعة، و إصلاح الأجاجين أي الحفر التي يقف الماء فيها في أصول الشجر و إزالة الحشيش المضر بالأصول و تهذيب الجرائد بقطع ما يحتاج إلى القطع منها، و كذا زياد الكرم و تهذيب الشجر من غير فرق في ذلك بين الجزء اليابس و غيره و السقي و مقدماته المتكررة في سنة كالدلو و الرشا و إصلاح طريق الماء و تنقيتها من الحمأة و نحوها، و استقاء الماء و فتح رأس الساقية و سدها عند الفراغ على ما تقتضيه الحاجة و التلقيح و العمل بالناضح و تعديل الثمرة بإزالة ما يضر بها من الأغصان و الورق ليصل إليها الهواء و ما تحتاج إليه من الشمس، و ليتيسر قطعها عند الإدراك، و وضع الحشيش و نحوه فوق العناقيد صونا لها عن الشمس المضرة بها و رفعها عن الأرض كذلك، و اللقاط للثمرة بحسب نوعها و وقتها مما يؤخذ للزبيب، يقطعه عند حلاوته في الوقت الصالح له، و ما يعمل دبسا فكذلك، و ما يؤخذ يابسا فعند يبسه و إصلاح موضع التشميس (11) المحتاج اليه و نقل الثمرة اليه (12) و تقليبها فيه و حفظها (13) على أصولها و (14) في بيدرها، و طريق إيصالها إلى المالك إن لم يكن هو المتولي إلى غير ذلك مما ذكروه بالنسبة إلى العامل، كما أنهم قد ذكروا أيضا أن إطلاقها أيضا يقتضي قيام صاحب الأصل

ج 27، ص: 67

ببناء الجدار و عمل ما يستقى به من دولاب أو دالية و إنشاء النهر و البئر و نحو ذلك مما لا يتكرر في كل سنة فإنه الضابط فيه أيضا و إن عرض له التكرر في بعض الأحوال.

نعم في القواعد «في البقر التي تدير الدولاب تردد» و لعله من أنها مال لا عمل، و لا يتكرر كل سنة، و من أنها تراد للعمل، فأشبه بقر الحرث، و لأن الإدارة واجبة على العامل، فتجب مقدمته، و عن الشيخ و الفاضل في المختلف الأول، و عن ابن إدريس الثاني، و توقف فيه في جامع المقاصد.

و كذا الكلام في الكش للتلقيح و نحوه فإنه قيل كما عن ابن إدريس : يلزم ذلك العامل و هو حسن عند المصنف لأن به يتم التلقيح و قيل: على المالك كما عن الأكثر لأنه ليس من العمل، و إنما هو من الأعيان التي تصرف إلى مصلحة الثمرة، و كذا ترددوا في بناء ثلم الجدران و وضع الشوك عليه في أنه على المالك، أو على العامل، إلى غير ذلك من كلماتهم التي قد يشكل الفرق فيها بين عوامل الحرث و عوامل الاستقاء، بل بينها و بين الكش أيضا، فإن الجميع مال من العامل بل قد يشكل الحكم بوجوب مالا مدخلية له في زيادة الثمرة و لا في إصلاحها كالحفظ و النقل و نحوهما.

و أما ما ذكروه من الضابطين فلا أثر له في شي ء من الأدلة، فالمتجه حينئذ الرجوع في مثل ذلك إلى المتعارف في إطلاق عقد المساقاة مما يجب على العامل و المالك.

و أما غيره فيتبع الشرط، و إلا كان عليهما إذا أراداه، لأن المال مشترك بينهما، أو أن الأصل فيه وجوبه على العامل، لنحو ما سمعته في المزارعة من

صحيح يعقوب بن شعيب (1)عن أبى عبد الله عليه السلام الذي فيه «سألته عن المزارعة فقال: النفقة منك، و الأرض لصاحبها فما أخرج الله من شي ء قسم على الشطر، و كذلك أعطى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خيبر حين أتوه، فأعطاهم إياها على أن يعمروها، و لهم النصف


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام المزارعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 68

مما أخرجت»

فإن ظاهر تشبيهه عليه السلام يقتضي كون وضع المساقاة على الوجه المزبور، فليس على المالك حينئذ إلا دفع الأصول، كما أنه ليس على المزارع إلا دفع الأرض، اللهم إلا أن يكون هناك تعارف أو شرط.

و على كل حال ف لو شرط المالك شيئا من ذلك مما عليه مع الإطلاق أو جميعه على العامل صح بعد أن يكون معلوما على وجه يرتفع معه الغرر المنافي للعقد، لعموم (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

. و أما لو شرط العامل على رب الأصول جميع عمل العامل له بطلت المساقاة، لأن الفائدة لا تستحق إلا بالعمل و لعدم ما يدل على صحتها على هذا الوجه، بل الظاهر من الثابت منها اعتبار ماله مدخلية في زيادة الثمرة أو صلاحها من العمل في استحقاق الحصة.

و من هنا لو أبقي العامل عليه شيئا من عمله الذي له المدخلية المزبورة في مقابلة الحصة من الفائدة و شرط الباقي على رب الأصول جاز (11) للعموم المذكور، خلافا للمحكي عن المبسوط من عدم الجواز معللا له بأنه خلاف وضع المساقاة، و هو ممنوع مع أنه منقوض لما اعترف بجوازه فيما سيأتي، من اشتراط عمل غلام المالك معه الذي هو بمنزلة عمله.

نعم لو أبقى العامل ما لا تحصل به مستزاد الثمرة كالحفظ لم يصح، لمنافاته وضع المساقاة الثابت من الشرع، كما لو ساقاه و قد بقي من العمل ذلك، لكن لو أرادا ذلك و جعلاه معقد الإجارة مثلا جاز.

فتحصل مما ذكرناه أنه مع الشرط يعمل عليه إلا إذا كان منافيا لمقتضى العقد، إلا أن هذا كله في اشتراط المخالف لمقتضى الإطلاق، أما إذا شرط ما اقتضاه كان تأكيدا، و لو شرط بعضه كان تأكيدا له، بل ربما كان له ثمرة

من حيث الاشتراط، و وجب الإتيان بالباقي الذي تقتضيه الإطلاق، اللهم إلا أن يفهم من نفس الاشتراط


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 69

أو من قرينة أخرى إرادة عدم الالتزام بغير المشروط هذا.

و في جامع المقاصد «أنه متى أخل العامل بالعمل المشروط عليه تخير المالك بين فسخ العقد، و التزامه بأجرة مثل العمل، نص عليه في التحرير، فان فسخ قبل عمل شي ء فلا شي ء له، و إن كان بعده قبل الظهور فالأجرة له، و إن كان بعد ظهور الثمرة، فكذلك قضية للاشتراط، و لو أخل بالأعمال الواجبة مع الإطلاق أو ببعضها فعلى ما سبق في الإجارة يتجه أن للمالك الفسخ في الجميع، و هل يضمن له أجرة مثل ما عمل، يحتمل ذلك، و يحتمل العدم، و في البعض إن أتى بشي ء و له الإلزام بالأجرة، و لم أظفر بتصريح في ذلك يعتد به، و نحوه في المسالك مع زيادة أنه لو حصل على الأرض نقص بسبب التقصير لزمه الأرش، و الظاهر أن الثمرة كذلك.

قلت: لا يخفي عليك ما في إلزام العامل بأجرة مثل العمل المشروط مع فرض فوات محله، و كذا في صورة الإطلاق، و في صورة اشتراط العامل على المالك، و صورة الإطلاق بالنسبة إليه، فإن جميع ذلك مبنى على تمليك الشرط العمل المشروط لمن له على وجه يكون من أمواله، و هو ممنوع، فإن أقصاه التزام من عليه الشرط بالعمل، و إجباره عليه و التسلط على الخيار بعدم الوفاء به، لا كونه مالا له، خصوصا مع اشتراكهما في فائدة الشرط كما هنا.

بل لا يخفى عليك أيضا محل النظر في غير ذلك من الكلام المزبور، حتى ما في المسالك من ضمان النقص الحاصل في الثمرة و في الأرض بعدم فعل الشرط، و ما اقتضاه الإطلاق مع دفع أجرة المثل القائمة مقام العمل، و حينئذ فالمتجه عدم اختصاص المالك بها، ضرورة كونها عوض العمل الذي يعود نفعه إليهما، فلا بد من ملاحظة ما يخصه منه، إما بمراعاة نسبة حصة العامل إلى حصته أو بغير ذلك، كما أن أرش نقصان الثمرة لا يختص به، لكونها مشتركة بينهما، بل يقتصر على أرش حصته، نحو ما سمعته في المزارعة، فيتجه حينئذ الاستغناء بذلك عن أجرة مثل العمل، فتأمل جيدا. فإن المسألة محتاجة إلى تنقيح.

و كيف كان فقد بان لك مما ذكرناه أنه لو شرط العامل أن يعمل

ج 27، ص: 70

غلام المالك معه جاز لأنه أولى من عمل المالك معه، و لأنه في الحقيقة ضم مال إلى مال نحو اشتراط عامل القراض على المالك دفع راحلته مثلا لحمل مال القراض، نعم لو شرط عليه قيام غلامه بجميع العمل كانت المساقاة باطلة.

أما لو شرط أن يعمل الغلام لخاص العامل بمعنى عمله في الملك المختص بالعامل لم يجز عند الشافعي لصيرورة عمل الغلام حينئذ مقابلة لعمله، فتصير الفائدة له بلا عمل و لكن فيه تردد من ذلك و من عدم منافاة ذلك للمساقاة إذ هو شرط خارج عنها و من هنا كان الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و عن فخر المحققين أن المراد بما في العبارة اشتراط كون عمل الغلام للعامل يختص به، و رده في جامع المقاصد بأنه حينئذ لم يحتج إلى قوله «لخاص العامل»، بل كان يكفي عنه قوله «للعامل»، على أنه لا محصل له فان عمل غلام المالك في بستان المالك كيف يشترط كونه للعامل، و كيف يشترط مال شخص لآخر، و أي فائدة لهذا الشرط.

قلت: قد يريد الفخر أن عمل الغلام للعامل بمعنى كونه قائما مقامه في العمل عنه، على وجه لو لم يعمل العامل و عمل الغلام وحده كان جائزا، و حينئذ يكون وجه البطلان واضحا، و لعل قول المصنف أن الجواز حينئذ أشبه، لأن الفرض كون عمل الغلام معه، فلا يقدح كون عمل الغلام له، على معنى أنه لو كان له حصة كان للعامل، لا للمالك، إذ هو لا يزيد على عمل المالك معه، فتأمل جيدا و الله العالم.

و كذا في كون الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده لو شرط (11) العامل على المالك (12) مثلا أجرة الأجراء (13) الذين يعينونه على العمل مع فرض كونها معينة أو شرط خروج أجرتهم صح منهما (14) معا إذا كان مع ذلك للعامل عمل مقابل الحصة من الفائدة، خلافا للمحكي عن الشيخ من البطلان، لمنافاته موضوع المساقاة الذي هو ليس إلا دفع الأصول من المالك، و فيه منع واضح، ضرورة عدم ما يدل على اعتبار ذلك حتى بالشرط و نحوه.

و أما تفسير العبارة و ما شابهها بأن المراد اشتراط العامل على المالك الأجرة

ج 27، ص: 71

على جميع العمل، على وجه لا يبقى للعامل إلا الاستعمال و السمسرة، ففيه: إن المتجه في مثله الفساد، لا الجواز، ضرورة عدم ما يدل على الصحة بعد أن كان مثل ذلك خارجا عن عمل المساقاة المعتاد، و دعوى كونه عملا تدعو الحاجة إليه، فإن المالك قد لا يهتدى إلى الدهقنة و استعمال الاجراء، و لا يجد من يباشر الأعمال أولا يأتمنه، فيحتاج إلى مساقاة من يعرف ذلك، لينوب عنه في الاستعمال كما ترى.

نعم لا بأس باشتراط العامل ذلك على أن تكون الأجرة منه بمعنى اشتراط عدم مباشرة العامل، فان ذلك لا يمنع صحة المساقاة حتى مع اشتراط عمل المالك بأجرة منه عنه، فضلا عن غيره، ضرورة عدم اشتراط المباشرة في المساقاة. و الله العالم.

[الفصل الخامس في الفائدة]

الفصل الخامس في الفائدة أي الثمرة و لا خلاف في أنه لا بد أن يكون للعامل جزء منها مشاعا بينه و بين المالك مساو أو مفاضل على نحو ما سمعته في المزارعة، لأن ذلك هو الثابت من مشروعيتها دون غيره، فلو أضرب عن ذكر الحصة بطلت المساقاة حينئذ قطعا و كذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة مطلقا أو سنة لم تصح المساقاة التي هي خلاف الأصل المقتصر فيما ينافيه على المتيقن، و ليس ذلك منه، بلا خلاف و لا إشكال، بل قضية ما سمعته سابقا في المزارعة من جماعة أنه كذلك تبطل المساقاة لو شرط لنفسه شيئا معينا و ما زاد بينهما.

بل و كذا لو قدر لنفسه أرطالا معلومة و للعامل ما فضل، أو عكس بل و كذا لو جعل حصة ثمرة نخلات بعينها (11) له و للآخر ما عداها (12) الى غير ذلك مما ينافي الإشاعة في مجموع الفائدة الحاصلة من الأصول التي وقع عقد المساقاة عليها، الذي صرح في المسالك باعتباره هناك. و إلا لأمكن خلو أحدهما عنها مع عدم حصول غير المعين، لكن قد عرفت البحث فيه سابقا على وجه لا يخفى

ج 27، ص: 72

عليك جريانه في المقام، بناء على اتحاد المزارعة و المساقاة بالنسبة إلى ذلك.

نعم يمكن الفرق بينهما بأن في النصوص السابقة هناك ما ينافي اعتباره بالمعنى المذكور بخلافه هنا، فإنه ليس في أدلة مشروعيتها إلا الإشاعة في الجميع عدا قوله تعالى (1)«أَوْفُوا»(2)و «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» و قد عرفت سابقا الإشكال في إثبات شرعية الفرد المشكوك فيه من المعاملة المتعارفة المعلوم شرعية غيره من أفرادها، اللهم إلا أن يؤخذ على طريق الشرطية كي يستدل حينئذ على مشروعيته بأدلة الشرائط، لا على وجه الجزئية في عقد المساقاة كما أومأنا إليه في المزارعة فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز أن يفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من النوع الأخر كالنصف من ثمرة النخل، و الربع من الكرم مثلا لعدم منافاته للإشاعة في مجموع الفائدة، لكن إذا كان العامل عالما بمقدار كل نوع من النوعين حذرا من الغرر و الجهالة، فإن المشروط فيه أقل الأمرين قد يكون أكثر الجنسين.

لكن لا يخفى عليك تحقق الجهالة أيضا مع عدم إفراد كل نوع بحصة، بل كانت في الجميع متحدة، فما عساه يظهر من العبارة من اختصاص اشتراط ذلك في صورة الإفراد خاصة لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يدعى باستفادة اغتفار الجهالة في الثاني، دون الأول من الأدلة، إلا أنه كما ترى، أو يقال، إن الجهل الناشي من الافراد غير الجهل، بأصل الحديقة، فقد يعلم بها من حيث المساقاة عليها بالنصف من حاصلها أجمع، و إن لم يعلم مقدار كل نوع منها، بخلاف ما لو أفرد كل نوع بحصة مخالفة للحصة من الآخر فتأمل فإنه لا يخلو من دقة و الله العالم.

و لو شرط مع الحصة من النماء ملك حصة من الأصل الثابت لم يصح لأن الثابت من مقتضى المساقاة جعل الحصة من الفائدة خاصة دون غيرها


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 سورة النساء الآية- 29-.

ج 27، ص: 73

الباقي على أصالة عدم المشروعية، مضافا إلى أن الحصة من الأصول تدخل في ملكه حينئذ فلا يكون العمل المبذول في مقابلة الحصة واقعا في ملك المالك، و لا واجبا بالعقد، إذ لا يعقل أن يشترط عليه العمل في ملك نفسه، و هو المحكي عن الأكثر كالطوسي و الحلي و غيرهما، بل في الرياض «لم أقف على مخالف صريحا و لا ظاهرا».

قلت و لكن الانصاف مع ذلك أن فيه ترددا مما عرفت، و من عموم (1)«أَوْفُوا» و

(2)«المؤمنون عند شروطهم»

و نحو ذلك الذي جزموا بصحة اشتراط الذهب و الفضة و غيرهما كما ستعرفه، و احتمال الفرق بينهما- بأنه في الفرض قد جعل الحصة من النماء في مقابل العمل بجميع المال المعقود عليه، و مع فرض صيرورة جزء من المال له بالشرط، لم يكن العمل بجميع المال المملوك للمالك فلم يستحق مجموع الحصة المشترطة له، لإخلاله بالشرط و هو العمل بالجميع، فيبطل العقد- يدفعه أن الاشتراط المزبور كالاستثناء من العمل بجميع المال، بل هو بيان لاستحقاق الحصة بالعمل فيما يخص المالك، و الباقي بتبعية النماء للملك.

و التحقيق البطلان مع أخذ الحصة من الأصول عوضا على حسب الحصة من الفائدة، لعدم ثبوت شرعية المساقاة على هذا الوجه، و لا صلاحيتها لتمليك عوض غير الحصة من الفائدة من غير فرق بين الحصة من الأصول، و الذهب و الفضة و غيرهما.

أما لو أخذ على جهة الشرطية التي هي سبب أيضا في التمليك، فالظاهر الصحة لعموم الأدلة الذي لا فرق فيه بين ذلك و بين اشتراط

الذهب و الفضة، و لعله بذلك يلتئم الكلام أجمع و الله العالم.

و لو ساقاه بالنصف مثلا إن سقى بالناضح، و بالثلث إن سقى بالسائح بطلت المساقاة، لأن الحصة لم تتعين مع الترديد و التعليق و لكن فيه تردد من ذلك، و من أنها معينة على كل من تقديرين، فهي كالإجارة على خياطة الثوب بدرهم إن كان روميا، و بدرهمين إن كان فارسيا، بل المساقاة في الحقيقة


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 74

قسم من الإجارة.

و لكن لا يخفى عليك أن الأشبه بأصول المذهب و قواعده الأول لعدم كون ذلك تعيينا رافعا للجهالة، بل و لا جزما، و جوازه في الإجارة لو قلنا به لدليل خاص لا يقتضي الجواز هنا، بعد حرمة القياس، و معلومية استقلال عقد المساقاة عن عقد الإجارة كما هو واضح و الله العالم.

و يكره أن يشترط رب الأرض على العامل مع الحصة شيئا من ذهب أو فضة بلا خلاف أجده كما اعترف به غير واحد، و لعل مثل ذلك كاف في ثبوتها المتسامح فيه.

لكن لا إشكال في أصل الجواز عندنا، فلا ينبغي التوقف فيه لعموم(1)

«المؤمنون»

مع عدم كونه منافيا لمقتضى العقد و لا للشرع، فيجوز حينئذ و يجب الوفاء بالشرط هذا.

و قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه لو تلفت الثمرة أجمع بآفة سماوية أو ارضية لم يلزم الوفاء به و كذا إذا لم تخرج و إلا كان أكل مال بالباطل، لامتناع استحقاق أحد العوضين أو بعضه بدون ما يقابله من العوض الآخر، فان الشرط جزء من العوض.

لكن في جامع المقاصد «إن الحكم في الصورة المفروضة واضح، أما العكس و هو الشرط من العامل على المالك فظاهر إطلاق عبارة التذكرة و التحرير أنه كذلك، و فيه نظر، لأن العوض من قبل العامل و هو العمل قد حصل، و الشرط قد وجب بالعمل، فكيف يسقط بغير مسقط، فان تلف أحد العوضين لا يوجب سقوط البعض الأخر مع سلامة العوض الأخر، و تبعه في المسالك.

قلت: قد يقال: إن المدرك لذلك هو بطلان المساقاة الذي يتبعه بطلان الشرط باعتبار فوات الفائدة التي هي ركن في المساقاة، و عدم بطلان البيع في بعض الصور الخاصة بعدم خروج الثمرة لدليل مخصوص، لا يقتضي الجواز هنا، كما أن الاقدام


1- 1 الوسائل الباب- 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 27، ص: 75

عليه معدوما للعادة، لا يقتضي الصحة مع تخلفها، و ربما شهد لذلك في الجملة ما اعترف به في جامع المقاصد في فرع ذكره في مسألة هرب العامل «أنه لا يجب عليه إكمال العمل تمام المدة مع عدم خروج الثمرة أو تلفها» كما عن التذكرة احتماله أيضا إذ لا وجه له إلا انفساخها بذلك، و إلا لوجب الإكمال كما هو خيرة المسالك ظاهرا مشبها له بعامل القراض الذي لم يربح مع وجوب الإنضاض عليه إلا أنه احتمل أخيرا كونه كتلف العوض المعين في البيع قبل قبضه الموجب للانفساخ، ثم قال:

«و فيه نظر.» قلت: بل النظر في غيره، ضرورة قصد المعاوضة في المساقاة بخلافه في المضاربة التي يراد منها الحصة من الربح الذي قد يحصل و قد لا يحصل، بخلاف المقام المعتبر فيه الطمأنينة بحصول الثمرة، و لا يكفى الاحتمال عندهم، و حينئذ فلا إشكال في الحكم المزبور، إنما الكلام في تلف البعض، فقد يظهر من المصنف عدم سقوط شي ء من الشرط به، لظهور كلامه في اعتبار تلف الجميع في السقوط.

لكن في القواعد «و في تلف البعض أو قصور الخروج إشكال» و في جامع المقاصد «ينشأ من أن الشرط محسوب من أحد العوضين، و لا ريب في أن مجموع أحد العوضين مقابل بمجموع الأخر فيقابل الأجزاء بالأجزاء فإذا تلف بعض أحد العوضين وجب أن يسقط مقابله من العوض الأخر، و من ثم لو لم تخرج الثمرة أصلا أو تلف جميعها سقط المشروط كله، و من أن مقابلة الأجزاء بالاجزاء في عوض المساقاة منتفية، لأن الفائت و التالف عند حصول التلف أو نقصان الخروج غير معلوم، فلو تحققت المقابلة لم يكن الساقط في مقابله معلوما، و لذلك لو تلف بعض الثمرة أو نقص الخروج عن العادة لم يسقط شي ء من العمل أصلا، و لأن العامل يملك حصته من الثمرة بالظهور، فإذا تلف بعضها تلف في ملكه بعد استحقاقه إياه بالمعاوضة، فلا يسقط بتلفه بشي ء من العوض الأخر.

لا يقال: فعلى هذا إذا تلف الجميع يجب أن لا يسقط الشرط لعين ما ذكر.

ج 27، ص: 76

لأنا نقول: ذلك ضرر فينفى بالحديث (1)و اعلم أن الاشكال في قصور الخروج لا وجه له أصلا لأن العوض هو ما يخرج قليلا كان أو كثير الا ما يتوقع خروجه بحسب العادة، فكيف يعقل سقوط شي ء من المشروط بتخلف العادة، أما تلف البعض فإن الإشكال فيه و إن كان لا يخلو من وجه إلا أن عدم سقوط شي ء أقوى، لما قررناه، و يؤيده عموم (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3)و

«المؤمنون عند شروطهم»

و تبعه على ذلك كله في المسالك.

قلت: لعله أيضا مبنى على ما عرفت من بطلان المساقاة في خصوص الفائت.

فيكون من تبعض الصفقة في المساقاة، و بالجملة إن فائت الفائدة لو كان معلوم الحال وقت العقد لم تكن المساقاة عليه صحيحة، و الجهل بحاله من أول لا يصير سببا للصحة في الواقع.

نعم هذا كله في عدم الخروج مثلا أما التلف بعده فقد يقال: إن مبناه اعتبار الإدراك في الفائدة التي هي ركن في المساقاة، لعدم النفع بها دونه و عدمه، فعلى الأول يتجه البطلان بخلاف الثاني.

و على كل حال فليس للعامل في مقابلة عمله إلا ما حصل من الفائدة كما أنه ليس له شي ء مع فرض عدمها أصلا لإقدامه على ذلك فتأمل جيدا و الله العالم.

[الفصل السادس في أحكامها و هي مسائل ]
اشارة

الفصل السادس: في أحكامها أي المساقاة و هي مسائل:

[المسألة الأولى كل موضع تفسد فيه المساقاة فللعامل أجرة المثل ]

الأولى كل موضع تفسد فيه المساقاة أي يعلم فساد أصل انعقادها فللعامل أجرة المثل لأصالة احترام عمل المسلم الواقع بالاذن


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الخيار الحديث- 3 و 4 و 5.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 27، ص: 77

ممن استوفاه، و الثمرة لصاحب الأصل المملوك له فيتبعه نماؤه مع فرض عدم الناقل له شرعا عنه، من غير فرق في ذلك بين العلم بالفساد و الجهل به، و بين كون الفساد من اشتراط كون الثمرة للمالك و غيره كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره، بل في المسالك «نسبته إلى الأكثر» و وجهه ما عرفت من أصالة احترام عمل المسلم، بعد العلم بعدم كون ذلك من المتبرع المسقط للأجرة له، أو الشك فيه، و الرضا بالعقد الفاسد أو بالعقد المتضمن لعدم الأجرة، ليس رضا بالعمل بلا أجرة، فإن الحيثية ملاحظة، بمعنى كون المتشخص منه في الخارج الرضا بالعقد الذي لا يترتب عليه ذلك، و العمل الصادر منه إنما هو من حيث انه مقتضى العقد الفاسد، لا أنه رضي منه بالعمل في حد ذاته و في نفسه بلا عوض، فمع فساد العقد الذي قد وقع العمل على مقتضاه معاملا معاملة الصحيح، يبقى احترام العمل بنفسه.

فما في المسالك- تبعا لجامع المقاصد من تقييد إطلاق المصنف و غيره بما إذا لم يكن العامل عالما بالفساد، و بما إذا لم يكن الفساد باشتراط كون الثمرة أجمع للمالك لكونه في الصورتين متبرعا لا يستحق على عمله شيئا كما ترى، لا يخلو من نظر، و أولى منه في ذلك ما عن الشهيد من أن الواجب له حيث يجب له أقل الأمرين من الحصة و أجرة المثل، لا قدامه على التبرع بما زاد عليها مع نقصانها عن أجرة المثل، إذ لا يخفى أن إقدامه على العقد المقتضي لذلك بعد فرض فساده لا يقتضي إلزامه و ترتيب حكمه عليه، فيبقي احترام عمله في نفسه على ما تقتضيه الضوابط الشرعية، من ضمانه بأجرة المثل كما هو واضح بأدنى تأمل و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها فإن كان قبل ظهورها لم يجز]

المسألة الثانية: إذا استأجر أجيرا للعمل بحصة منها أي الثمرة فإن كان قبل ظهورها لم يجز قولا واحدا، لكونها معدومة، و جواز جعلها عوضا في المساقاة للدليل لا يقتضي الجواز هنا بعد حرمة القياس و إن كان بعد بدو الصلاح جاز بلا خلاف و لا إشكال، لعموم الأدلة و إطلاقها السالمين عن معارضة ما يقتضي المنع، و إن كان بعد ظهورها و نمو لها مقطوعة و قبل بدو الصلاح بشرط القطع، صح إن استأجره بالثمرة أجمع قيل بناء على اعتبار ذلك في البيع الذي

ج 27، ص: 78

قد عرفت قوة جواز ذلك فيه، بدون الشرط المزبور الذي يمكن إرادة الكناية به عن ملاحظتها نفسها حال العقد، لا حال بدو صلاحها الآتي مثلا، و إلا فاشتراط القطع من حيث كونه اشتراطا، لا مدخلية له في ماليته على وجه يصلح كونه مبيعا و أجرة، فلا بأس حينئذ مع شرط القطع أو شرط البقاء مدة معلومة، و لا يكون بذلك مبيعا أو أجرة حال إدراكه الذي هو معدوم الان، و إنما يكون حالا طارئا على ملكه.

و بذلك يظهر أن مدرك الجواز، الأصول و القواعد، لا القياس على البيع الممنوع عندنا، و لعله لذا لم يذكر المصنف الجواز مع الضميمة، أو العامين كما ذكره في البيع، فإنه مع فرض المنع بدون اشتراط القطع إلا مع الضميمة أو العامين يختص البيع بالجواز، لدليله، و لا يقاس عليه ما هنا مع احتماله، بل جزم به في المسالك قال «و تركه المصنف اتكالا على ما ظهر من ذكر الجواز بشرط القطع من اتحاد الحكم في المقامين.

و لو استأجره ببعضها قيل: لا يصح لتعذر التسليم لإمكان عدم إذن الشريك، فيتعذر القطع المعتبر اشتراطه في الصحة و الوجه الجواز كما في المسالك قال: «لإمكان القطع و التسليم بالأذن، كما في كل مشترك، و لو فرض امتناع الشريك تمكن باذن الحاكم».

قلت: مع فرض كون الشريك المستأجر يتجه حينئذ الصحة، للتمكن من اشتراط القطع عليه برضاه، و التزامه به، أما إذا كان غيره و قلنا بعدم جواز القسمة بالخرص و التخمين، و عدم جواز الإجبار على القطع قبل الإدراك، لما فيه من الضرر، يشكل الجواز حينئذ، بعدم إحراز الشرط المعتبر في الصحة، بناء على اعتباره، و إن كان قد عرفت قوة عدمه إلا إذا أريد به الكناية عما ذكرنا.

و قد تقدم لنا في بيع الثمار ما ينفع ملاحظته في المقام، خصوصا في الفرق بين النخل و غيره من الأشجار، مع أن المصنف لم يشر إلى شي ء من ذلك، و كان غرضه المعظم الفرق بين المساقاة و الإجارة، من جواز الأولى بحصة منها قبل الظهور،

ج 27، ص: 79

لكونها مشروعة على ذلك، بخلاف الثانية التي هي باقية على مقتضى القواعد، من اعتبار المعلومية في الأجرة، و لذا اقتصر على اشتراط القطع دون الضميمة و العامين، المحتمل كون جوازهما في البيع، للدليل الخاص من الإجماع أو غيره و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا قال ساقيتك على هذا البستان بكذا على أن أساقيك على الآخر بكذا قيل يبطل ]

المسألة الثالثة: إذا قال: ساقيتك على هذا البستان بكذا، على أن أساقيك على الآخر بكذا قيل: و القائل الشيخ فيما حكي عنه يبطل لأنه كالبيعين في بيع، و لعدم لزوم هذا الشرط الذي هو بمنزلة الوعد، و الفرض أنه سبب في زيادة العوض أو نقصانه، و لم يعرف مقدار ذلك فيتجهل و يبطل، و كذا الكلام في بعتك هذا العبد بكذا، على أن تبيعني عبدك بكذا. نعم لو ساقاه على الحديقتين صفقة صح، و إن اختلفت الحصة.

و لكن لا يخفى أن الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة عدم كونه من ذلك المفسر بالبيع بثمنين إلى أجلين مثلا، أو على تقديرين، و تناول «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» التي منها المشتملة على الشرائط للمفروض، مضافا إلى عموم (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

فيجب الوفاء حينئذ به، و إن سلم كونه وعدا لم يقدح، و إن صار داعيا لزيادة العوض أو نقصانه كما هو واضح.

و أضعف منه ما عن ابن الجنيد حيث قال: «لا اختار إيقاع المساقاة صفقة واحدة على قطع متفرقة بعضها أشق عملا من بعض، إلا أن يعقد

ذلك و يشترط في العقد، العقد على الأخرى» إذ هو كما ترى أيضا لا دليل عليه، فالتحقيق الجواز في الصورتين و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو كانت الأصول لاثنين فقالا لواحد ساقيناك على النصف صح ]

المسألة الرابعة: لو كانت الأصول لاثنين مثلا فقالا لواحد مثلا ساقيناك على أن لك النصف مثلا صح، و إن لم يعلم نصيب كل واحد منهما، لعدم مدخلية ذلك في العلم بحصته، و ليس إلا تعدد المالك، و هو غير مانع كباقي الصور المتصورة في المقام بالنسبة إلى اتحاد المالك و العامل، و تعددهما.


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 80

نعم لو قالا له على أن لك من حصة فلان النصف، و من حصة الآخر الثلث صح أيضا و لكن بشرط أن يكون عالما بقدر نصيب كل واحد منهما و حينئذ لو كان جاهلا بطلت المساقاة لتجهيل الحصة كما هو واضح هذا.

و قد ذكر في المسالك بعض الصور لبيان كيفية القسمة بينهم، للتدريب لا فائدة في ذكرها. و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا هرب العامل لم تبطل المساقاة]

المسألة الخامسة: إذا هرب العامل غير المعين في أثناء العمل لم تبطل المساقاة قطعا لأصالة صحتها، بل ظاهر الأصحاب هنا بقاؤها على اللزوم ف ليس للمالك الفسخ بمجرد ذلك، خصوصا إن بذل العمل عنه باذل و إنما يرفع أمره إلى الحاكم فيطلبه و يجره على العمل، فان تعذر ذلك استأجر من ماله من يعمل عنه، أو بأجرة مؤجلة إلى وقت الثمرة، و مع فرض ظهورها و بدو صلاحها استأجر بحصته أجمع أو بعضها، أو بالاقتراض عليه.

أو دفع إليه الحاكم من بيت المال ما يستأجر عنه و لو على جهة القرض عليه أو بغير ذلك من الصور التي يحصل بها الحق ممن عليه إلى من هو له، لأنه ولي كل ممتنع، لقوله تعالى (1)«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا» و حينئذ متى حصل أحدهما فلا خيار للمالك لعدم الضرر عليه مع أصالة اللزوم.

و لكن قد يقال: إنه مناف لما يستفاد منهم في غير المقام، كالخيار بعدم الوفاء بالشرط، و كالخيار بتأخير الثمن، و بالامتناع عن العمل و تسليم العين المستأجرة، و نحو ذلك من ثبوت الخيار بمجرد حصول شي ء من ذلك، من غير مراجعة إلى الحاكم، بل ظاهرهم أنه متى حصل من أحد المتعاقدين بعقد لازم ما ينافي استحقاق الآخر عليه من حيث اللزوم، شرع له الشارع الفسخ، و كان العقد في حقه جائزا دفعا لضرره بذلك، لقاعدة(2)

«لا ضرر و لا ضرار».


1- 1 سورة المائدة الآية 55.
2- 2 الوسائل الباب- 17- ص أبواب الخيار الحديث- 3- 4- 5.

ج 27، ص: 81

نعم لو لم يختر الفسخ رفع أمره إلى الحاكم في تحصيل حقه، كما أنه قد يمنع وجوب فعل الصور المزبورة على الحاكم، و إن ظهر ذلك من عباراتهم، ضرورة كون قيام الحاكم في هذه الأمور من باب الحسبة و الإحسان الذي لا يجب عليه مراعاته و على كل حال فقد ذكروا هنا أنه إن تعذر فعل شي ء من ذلك الذي قدمنا ذكره، بل و لو لعدم إمكان إثبات الحق عند الحاكم على ما في المسالك أو لعدم إمكان الوصول اليه، كان له الفسخ لتعذر العمل حينئذ عليه، فينحصر دفع ضرره بذلك.

و لو لم يفسخ و تعذر الوصول إلى الحاكم و لو على الوجه المزبور كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه و حينئذ له أن يرجع عليه لكونه كالحاكم في الولاية عنه بالنسبة إلى ذلك (1)إذ «الْمُؤْمِنُونَ (وَ الْمُؤْمِناتُ) بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» لكن على تردد مما عرفت، و من الشك في ثبوت الولاية له على الوجه المزبور في هذا الحال.

و على كل حال لو لم يشهد لم يرجع إذا أنكره العامل، للأصل و الفرض عدم البينة على الاستيجار عنه، بل لعل ظاهر العبارة عدم الرجوع حتى لو صدقه العامل، بل و حتى لو كان الاشهاد متعذرا لكونه أي الاشهاد حينئذ بمنزلة الحاكم، بل في المسالك أنه أحد الأقوال في المسألة، و الثاني: لا يرجع مع التمكن منه، و الثالث: الرجوع مطلقا، و أشكله تبعا للكركي بأنه لا مدخلية للإشهاد في

ثبوت الحق في نفسه، و لو لإرادة المقاصة، و إنما أقصاه توقف الإثبات عليه، لا الثبوت.

و من هنا كان الأقوى الثالث، بل احتمل قبول قوله بيمينه، لأن الأصل عدم تبرع الإنسان بعمل يحصل فيه غرامة عن الغير، و إن كان هو كما ترى، ضرورة عدم كون ذلك أصلا أصيلا.

نعم قد يقال بذلك، بناء على ثبوت ولايته عنه في ذلك في هذا الحال، لما عرفت كما أنه قد يقال: إن مراد المصنف بالإشهاد الذي جزم بعدم الرجوع مع عدم


1- 1 سورة التوبة الآية- 71.

ج 27، ص: 82

إحضار عدول المؤمنين على ذلك، لأن الولاية لهم مع عدم الحاكم، بل قد ذكرنا في غير المقام، إمكان ثبوت أمثال هذه الولايات التي هي من الحسب و الإحسان لفساق المؤمنين مع تعذر العدول، فلاحظ و تأمل، هذا كله في العامل غير المعين.

أما هو فالمتجه ثبوت الخيار بمجرد تعذر مباشرته و إن وجد المتبرع، بل لو تبرع عنه متبرع لم يقع العمل له، و لم يستحق بذلك الحصة و إن قصد إتمام العمل عنه، بخلاف غير المعين، فان الظاهر كونه على حصته مع إتمام المتبرع و إن لم يقصد العمل عنه، لأن عقد المساقاة ملكه الحصة مع حصول العمل منه أو من غيره، كما لو استغنى بماء المطر عن السقي، كما صرح بذلك في جامع المقاصد.

لكن قد يناقش في الثاني بعدم استحقاقه الحصة التي هي عوض العمل منه أو عنه، فأما إذا لم يكن منه و لا عنه لم يستحقها، نحو من استأجر على عمل فاتفق حصوله من غيره لا بقصد النيابة عنه.

و تدفع بأن عقد المساقاة اقتضى كون العمل في ذمته، فمتى وقع كان عنه و له، لعدم تصور كونه عمن ليس في ذمته، على أن المساقاة لا ريب في بقائها على الصحة التي معناها ترتب الأثر الذي هو ملك الحصة، و تكليف العامل بأجرة المثل للمالك مع حصول العمل له تاما لا وجه له، فلس حينئذ إلا ما ذكرنا.

لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الحكم عن اشكال، باعتبار عدم ظهور الفرق بينه و بين من استوجر على عمل فاتفق حصوله من غيره، كقلع الغرس فانقلع لنفسه، و كالاستيجار على إزالة قمامة فاتفق إطارة الريح لها، و نحو ذلك، و احتمال الالتزام بالأجرة فيها صعب.

اللهم إلا أن يقال: إن وضع المساقاة و المزارعة و مشروعيتهما على ذلك، فان المراد حصول الزرع و الثمرة الصالحة كما و كيفا، فمع احتياج ذلك إلى العمل فعله العامل، و إن استغنى عنه بفعل الله أو بفعل الغير سقط عنه، و استحق حصته بخلاف الإجارة، فإن المراد منها مقابلة العوض بالعمل منه أو عنه و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا ادعى المالك أن العامل خان أو سرق أو أتلف أو فرط فتلف و أنكر العامل فالقول قوله مع يمينه ]

المسألة السادسة: إذا ادعى المالك أن العامل خان أو سرق، أو أتلف

ج 27، ص: 83

أو فرط فتلف أو نحو ذلك و أنكر العامل ف لا ريب في أن القول قوله أي العامل مع يمينه لأنه منكر بموافقته للأصل سواء كان أمينا له أم لا.

نعم ضمانه بالتفريط يتوقف على أمانته، فلا تتوجه الدعوى به إلا في صورة كونه أمينا له، و على كل حال فالقول قوله أيضا في عدمه، للأصل، و كان ظاهر المتن و غيره سماع الدعوى بذلك مع الجهل بالمقدار، لعموم قوله عليه السلام(1)

«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر».

لكن في التذكرة «لم تسمع دعواه حتى يحررها ببيان المقدار» مع أن المحكي عنه في باب القضاء سماع الدعوى المجهولة، و يأتي إنشاء الله التحقيق في ذلك.

و كيف كان ف بتقدير ثبوت الخيانة بالبينة أو بغيرها هل ترفع يده أو يستأجر من يكون معه من أصل الثمرة؟ ظاهر المصنف احتمال الأول و لعله لأن إثبات يده على حصته، يستدعي إثباتها على حصة المالك التي له دفع يده عنها.

و فيه: منع توقفه على ذلك، لإمكان وضع المالك أمينا لحفظ ما يرجع إليه معه، إلا أنى لم أجده قولا لأحد من أصحابنا، بل و لا غيرهم.

نعم عن المزني يستأجر عليه من يعمل معه، و في موضع آخر يضم إليه أمين يشرف عليه و هو المحكي عن مالك، و في الإسعاد شرح الإرشاد للشافعية يلزمه الحاكم بأجرة مشرف يراقبه و لا تزال يده، لأنه مستحق للعمل و يمكن استيفاؤه منه بهذا الطريق، فتعين جمعا بين الحقين.

و الوجه المطابق لأصولنا أن يده لا ترفع عن حصته من الربح أي الثمرة لعموم (2)«تسلط الناس على أموالها» و (11) لكن للمالك رفع يده عما


1- 1 الوسائل الباب- 25 ص أبواب أحكام الدعوى المستدرك ج 3 ص 199.
2- 2 البحار ج 2 ص 272.

ج 27، ص: 84

عداه بل له أيضا ذلك مع عدم الخيانة و حينئذ ف لو ضم أي المالك إليه أمينا لحفظ ما يرجع اليه كانت أجرته على المالك خاصة كما في القواعد و التذكرة و جامع المقاصد و المسالك، لرجوع مصلحته اليه.

لكن قد يشكل مع فرض كون الحفظ على العامل، بأنه من الأعمال الواجبة عليه الذي يتجه الاستيجار عليه، مع فرض عدم قيامه به، و قد يدفع لمنع كون ذلك من عمل المساقاة، و إن وجب الحفظ عليه إذا كان أمانة في يده، و إن سلم فالمراد به الحفظ من الغير، و أما الحفظ منه فهو من تحريم الخيانة و السرقة، لا من حيث المساقاة، على أنه بثبوت الخيانة

منه في الجملة لا دليل على عدم قبول الحفظ منه مع بذله له.

و على كل حال فلو لم يمكن الحفظ منه و لو مع الحافظ ففي القواعد «الأقرب رفع يده من الثمرة، و إلزامه بأجرة عامل» و اختاره في المسالك، و لعل الأول، لأن للمالك أن يحفظ ماله قطعا و لا يتم إلا برفع يد العامل، لأنه الفرض، و الثاني أن العمل واجب عليه و قد تعذر فعله بنفسه، فيكون كما لو هرب، مضافا إلى قاعدة الضرر، و حينئذ يتجه الفسخ مع التعيين، و مع غيره إذا لم يمكن الاستيجار عنه على حسب ما سمعته في الهارب، كما صرح به الشهيد في حواشي القواعد، و هو الذي صرح به في الإسعاد و الإرشاد من كتب الشافعية.

لكن قد يناقش بما في جامع المقاصد من أن الحق الثابت لشخص إذا كان لا يتم إلا بإسقاط حق شخص آخر و ازالة يده عن ملكه، فلا دليل على سقوط ذلك و ازالة يده، و بعدم تعذر العمل منه لأن مجرد الخيانة غير كاف في ذلك، بل لو جوزنا رفع يده عن الجميع بسببها أمكن أن يقال: إن التعذر حينئذ بسبب المالك، فلا يجب على العامل شي ء، و لذا قال في جامع المقاصد: للتوقف في الموضعين مجال، و هو في محله و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا ساقاه على أصول فبانت مستحقة بطلت المساقاة]

المسألة السابعة: إذا ساقاه على أصول جاهلا بحالها فبانت بأحد الطرق الشرعية أنها مستحقة بطلت المساقاة مع عدم إجازة المالك، و

ج 27، ص: 85

لا ريب في أن الثمرة للمستحق لأنها نماء ملكه، و لم يحصل ما يقتضي نقلها عنه، و للعامل الأجرة على المساقي الذي هو غار له، بدفع عوض لم يسلم له عن عمله لا على المستحق.

نعم لو كان عالما بالحال لم يرجع بناء على عدم غروره مع علمه، بل هو إقدام منه على ذلك، و الفرق- بين ظهور استحقاق الثمرة و بين عدم خروجها أو هلاكها حيث تثبت أجرة للعامل في الأول، دون الثاني أن الاستحقاق يوجب فساد العقد.

حيث لم يخبر المالك، و أصالة احترام عمل المسلم بعد فساد العقد تقتضي الرجوع إلى الأجرة على حسب ما عرفته سابقا، بخلاف هلاك الثمرة و عدم خروجها و ما شاكلهما، فان العقد معهما صحيح، فلا يستحق العامل سوى الحصة و إن فاتت، لأن ذلك مقتضى عقد المساقاة على تقدير صحته، و لا ينافي ذلك ما ذكرناه سابقا من الانفساخ بذلك، فإنه انفساخ من حينه، للاكتفاء في الصحة بالاستعداد المزبور حتى يتبين الحال، بل لو قلنا بالانفساخ من أصل العقد أمكن الفرق بين ما بناء المساقاة عليه من أمثال هذه الأمور، و بين الاستحقاق، و نحوه من الأمور المقتضية لفساده فتأمل و الله العالم.

و على كل حال فمع وجود الثمرة و بقاؤها عنده دفعت إلى مستحقها و لو اقتسماها مثلا أي الثمرة و تلفت كان للمالك الرجوع على الغاصب بدرك الجميع بناء على أن غصبه العين يقتضي ثبوت يده على ثمرتها، و إن كان قد نقلها عنه، لكن ذلك من يده عليها.

و لكن يرجع الغاصب على العامل بما حصل له من الحصة التي بان عدم استحقاقه إياها، فهو ضامن لها لمستحقها، لعموم (1)«من أتلف» و الفرض أن يده عليها كانت يد ضمان، لأنها عوض العمل و لذا كان للعامل على الغاصب أجرة عمله كما عرفت لا أنها يد مجان بغرور من الغاصب فهو في الحقيقة الضامن


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.

ج 27، ص: 86

لها، لأن التلف قد كان في يده، و إن جاز للمالك مطالبة الغاصب بالأداء عنه بسبب غصبه، و ليس هو في ذمته، إذ لا وجه بشغل ذمتين بمال واحد و لو على البدل فمع فرض دفع العوض عنها له صارت له، لعدم ملك المالك العوض و المعوض، و عدم استحقاق لها و ليس هو من التبرع بوفاء الدين، كي تبرء ذمة العامل، و لا يستحق الغاصب الرجوع عليه، بل هو من التكليف الشرعي للغاصب بالأداء عن العامل مع مطالبة المالك، و ذلك يقوم مقام الاذن ممن عليه الحق بالأداء.

و بالجملة هو من المعاوضات الشرعية المستقلة بنفسها التي لا تدخل في صلح عقدي أو حوالة أو نحوهما، و لعل دليل ذلك الإجماع منهم، كما يظهر من إرسالهم إرسال المسلمات، و لولاه لأشكل رجوع الغاصب عليه بعد براءة

ذمته من مال المالك بالدفع عنه من الغاصب، و لو للخطاب الشرعي إذ انتقال المال الذي قد كان في ذمته للمالك للغاصب يحتاج إلى ناقل من النواقل المعهودة، و الفرض عدمه، فليس حينئذ إلا المعاوضة الشرعية.

و كيف كان فلا يخفى أن ذلك كله مقيد بما إذا لم يبق الغاصب ظاهرا مقرا على دعوى الملكية، و إلا لم يكن له الرجوع على العامل، مؤاخذة له بإقراره و اعترافه بكونه مظلوما بأخذ المالك منه ذلك، و المظلوم لا يظلم غيره كما أن رجوع العامل بالأجرة مقيد بنحو ذلك، و الا لم يصح له الرجوع بعد اعترافه بخطإ البينة، و أن الغاصب ظاهرا هو المالك، فهو حينئذ مالك للحصة و إن ظلم و أخذت منه، لكن لا يظلم غيره لما عرفت، و لو اختلفا في ذلك جرى على كل منهما حكم إقراره و أخذ به، و لا يلتزم به الأخر كما هو معلوم من القواعد الشرعية.

و على كل حال فقد بان لك الوجه في أن للمالك الرجوع على الغاصب أو يرجع على كل واحد منهما بما حصل له من الثمرة التي قد تلفت في يده لحصول سبب الضمان من كل منهما، و لا رجوع لأحدهما على الأخر في ذلك إلا للعامل بالأجرة مع جهله، و قيل: له أيضا الرجوع على العامل بالجميع إن شاء

ج 27، ص: 87

لأن يده عادية(1)و

«على اليد ما أخذت حتى تؤدى»

و لكن يرجع هو حينئذ على الغاصب بما حصل له على نحو ما تقدم.

و الأول أي الاقتصار على الرجوع على الغاصب أو على كل منهما بحصته أشبه بأصول المذهب و قواعده عند المصنف إلا بتقدير أن يكون العامل عالما به و لكن لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم مدخلية الجهل و العلم في صدق ثبوت اليد و عدمه، إذ العامل من حيث كونه عاملا إن لم يكن له يد على الثمرة و إنما هو مراع لها و نائب عن المساقى، فهو كذلك مع علمه أيضا، و إلا كان ذا يد في الحالين.

و الظاهر الثاني، خصوصا مع كون بعض أعماله كالتلقيح و التركيس و نحوهما متعلقا بها، و لكن هذه اليد لا ترفع يد المساقي الغاصب أيضا، و لذا كان له الرجوع على كل منهما بالجميع و بما حصل له، كما هو واضح بأدنى تأمل، فالثاني هو الأشبه، لا الأول، من غير فرق بين تلفها بالاقتسام أو بآفة أو بغيرهما لأن المسألة من توارد اليد على العين المغصوبة. و الله العالم.

[المسألة الثامنة ليس للعامل أن يساقى غيره ]

المسألة الثامنة: ليس للعامل غير المعين فضلا عنه أن يساقى غيره بخلاف المزارعة و الإجارة، لا لما أطنب فيه في المسالك تبعا للمحقق الثاني مما لا حاصل له، أو مخالف للضوابط الشرعية، بل لأن المساقاة على خلاف القواعد. باعتبار الغرر و الجهالة، و الثابت من الأدلة أنها إنما تصح على أصل مملوك عينا أو وكالة أو ولاية للمساقي دون ما عداه، إذ ليس في شي ء من نصوصها إطلاق يرجع إليه، و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2)و «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ (3)» لا يصلح لإثبات مشروعية مثل ذلك، و لا فرق فيما ذكرنا بين حالي ظهور الثمرة و عدمه.

نعم له الإجارة على القيام بعمله المراد منه، أو الصلح بشي ء من الثمرة أو غيره


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.
3- 3 سورة النساء الآية- 29.

ج 27، ص: 88

و بذلك و نحوه يظهر لك فساد ما أطنب به في المسالك من الفرق بين المزارعة و المساقاة و غيره، إذ كون المساقاة معاملة على الأصول. لا تقتضي عدم جوازها من المساقي بعد معلومية إرادة سقيها، و نحو ذلك من المعاملة عليها، فهي حينئذ كالأرض في المزارعة و الحصة قد استحقها بالعقد، فلا ريب حينئذ في أنه لا مانع من ذلك بحسب القواعد الشرعية لو كان هناك مقتض للصحة من إطلاق و نحوه، و على تقديره فلا محيص عنه كما يحكى عن بعض أفاضل متأخري المتأخرين.

بل لعله ظاهر المحكي عن الإسكافي أيضا في الجملة، قال: «لو شارك المساقي غيره جاز إذا لم يكن شرط عليه أن يتولى العمل بنفسه، و كان شريكا للمساقي بجزء من حصته لا بجزء من الأصل إذا عملا جميعا، فان تفرد المساقي الثاني بالعمل كله، و لم يكن رب المال جعل إلى المساقي أن يساقي غيره و لا فوض ذلك إليه، لم يكن للمساقي الأول أن يأخذ جزء من

الغلة و كان له أجر مثله، فان عمل فيها جاز».

لكن فيه أنه لا أجر له مع فرض عدم العمل منه، بل عليه أجرة المثل للمساقي الثاني لغروره إياه، اللهم إلا أن يكون بذلك يستحق الأجرة على المالك، لصيرورة العمل له بأداء الأجرة عنه، إلا أن المتجه استحقاقه الحصة لحصول العمل و لو من أجيره، لا الأجرة، و لذا قال ابن البراج فيما حكي عنه «إذا دفع إنسان إلى غيره نخلا معاملة هذه السنة بالنصف، و قال له: اعمل فيه رأيك، أو لم يقل ذلك و دفعه العامل إلى آخر فعامله بعشرين وسقا مما يخرج من الثمرة، فعمل على هذا، كان الخارج بين الأول و مالك النخل نصفين، و للآخر على الأول أجر عمله، و لو كان الشرط في المعاملة الأولى عشرين وسقا لأحدهما بعينه، و في الثانية النصف، كان الخارج لمالك النخل، و للآخر على الأول أجر عمله، و للاول على صاحب النخل اجرة ما عمل الأخر، و لا ضمان عليه في ذلك، و كان الوجه بطلان المساقاة، فالنماء كله للمالك، إلا أنه على الأول أجرة عمل الثاني، فيستحقها حينئذ الأول على صاحب النخل».

ج 27، ص: 89

و لكن في المختلف بعد أن حكى ما سمعت عن ابني الجنيد و البراج قال:

«و التحقيق أن المالك إن أذن للأول في مساقاة الثاني صحت، و كان الأول كالوكيل لا حصة له في النماء، و إن لم يأذن فالثمرة للمالك، و عليه أجرة المثل للثاني، و لا شي ء للاول».

و فيه أنه لا وجه لوجوبها عليه له، مع فرض عدم الاذن منه في عمله، و عدم شي ء للأول اللهم إلا أن يريد لا شي ء له في مستقر الأمر، بمعنى رجوع الثاني على الأول، و الأول على صاحب النخل، ففي الحقيقة الأجرة للثاني، و لا شي ء للأول فتأمل.

و على كل حال فكلامه في خصوص ما سمعته من ابن البراج، لا في أصل المسألة، ضرورة أنه لا وجه للاذن مع فرض عدم مشروعية المساقاة من المساقى الأول و كونه كالوكيل بالنسبة إلى ذلك لا معنى له مع فرض كون مساقاته للمساقي الثاني في مساقاته المستحقة عليه.

لكن في جامع المقاصد بعد أن ذكر الوجه في عدم جواز المساقاة للمساقي و الفرق بينها و بين المزارعة قال: «و هذا إذا لم يأذن المالك، فإذا أذن للعامل في المساقاة صح و كان الثاني هو العامل، و الأول وكيل عن المالك» و فيه ما لا يخفى بعد لزوم عقد المساقاة للأول الذي لا يصلح مع ذلك للنيابة عنه فيما أوجبه عليه نفسه عقد المساقاة.

كما أن من ذلك يعلم أن عدم جواز المساقاة للعامل، لعدم حصول الشرط شرعا أو لعدم مقتضى الصحة، لا لعدم حصول الاذن من المالك، في تصرف غير العامل الأول كما عساه يظهر من جامع المقاصد و المسالك، ليتوهم الصحة بفرض الاذن.

نعم لو أن المانع من المساقاة عدم جواز التصرف لغير الأول أمكن حينئذ ارتفاع ذلك بالإذن حينئذ، و لا يكون وكيلا، بل هو مساق حقيقة و تجري عليه أحكام المساقاة كما هو واضح.

[المسألة التاسعة خراج الأرض على المالك ]

المسألة التاسعة: خراج الأرض مغروسة و غير مغروسة على المالك

ج 27، ص: 90

للغرس الكائن فيها بسبب انتفاعه بها في ذلك، و حق المسلمين فيها، و إن ضرب على الشجر الذي فيها، فإنما هو بواسطتها، و العامل إنما يستحق الحصة بواسطة عمله، فلا إشكال حينئذ في أن الخراج على المالك.

إلا أن يشترط على العامل أو بينهما فيجب حينئذ على حسب الشرط، لعموم (1)

«المؤمنون»

و لكن يجري عليه حكم الشرائط، بل قد سمعت في المزارعة اعتبار معلومية مقداره في صحة اشتراطه، و قد سلف منا هناك ماله نفع في المقام فلاحظ و تأمل، كما أنه تقدم آنفا حكم الشرائط مع عدم خروج الثمرة أو تلفها، و الفرق أيضا بين المذكور شرطا و جزء للعقد مع الحصة و الله العالم.

[المسألة العاشرة الفائدة تملك بالظهور]

المسألة العاشرة: الفائدة تملك بين العامل و رب الأصول بالظهور بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في المسالك الإجماع على عدم تأخر ملك العامل إلى بلوغ الثمرة و إدراكها.

قلت: فليس حينئذ إلا الملك بينهما بالظهور، مضافا إلى أن ذلك هو مقتضى تبعية النماء في الملك، و المشروع من عقد المساقاة المقتضي لملك العامل الحصة، و ملك رب الأصول العمل عليه، فما عن بعض العامة- من عدم ملك العامل إلا بالقسمة، قياسا على عامل القراض- واضح الفساد حتى في المقيس عليه عندنا، كما تقدم في محله، مع وضوح الفرق بينهما، بأن الربح هناك وقاية لرأس المال، فلا ربح حينئذ إلا بعد وصول رأس المال الى المالك بخلاف الثمرة هنا.

و حينئذ ف تجب الزكاة فيها على كل واحد منهما إذا بلغ نصيبه نصابا كما هو المشهور، لتحقق سبب الوجوب و هو النماء على ملكهما مع فرض بلوغ النصاب، خلافا لابن زهرة هنا، و في المزارعة فأوجبها على مالك البذر و الأصول خاصة، لأنه نماء ملكه، و ما يأخذه الزارع و المساقي كالأجرة عن عمله، قال:

«و لا خلاف في أن الأجرة لا تجب فيها الزكاة و كذا إن كان البذر للمزارع، لأن ما يأخذه مالك الأرض كالأجرة عن أرضه، فإن كان البذر منهما فالزكاة على كل


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 91

واحد منهما إذا بلغ مقدار سهمه النصاب».

و بالغ ابن إدريس في التشنيع عليه، و قال: «إنى راجعته في هذا الحكم و كاتبته إلى حلب و نبهته على فساده، فلم يقبل و تعذر بأعذار واضحة، و أبان بها أنه ثقل عليه الرد، و لعمري إن الحق ثقيل كله و مات رحمه الله و هو على ما قاله، و وافقه على ذلك جميع من تأخر عنه».

نعم في المختلف بعد أن استجود قول ابن إدريس قال: «قول ابن زهرة ليس بذلك البعيد من الصواب» لكن في الحدائق «الظاهر أن الحامل له على ذلك كثرة تشنيع ابن إدريس عليه، و إلا فهو في غاية البعد من الصواب» و نحوه في المسالك بعد أن قال: «ضعفه ظاهر، لأن الحصة قد ملكت هنا بعقد المعاوضة في وقت يصلح لتعلق الزكاة بها لا بطريق الأجرة.

ثم لو سلم كونها كالأجرة، فمطلق الأجرة لا تمنع من وجوب الزكاة، بل إذا تعلق الملك بها بعد الوجوب، إذ لو استأجره بزرع قبل بدو صلاحه، أو آجر المالك الأرض بالزرع كذلك، لوجبت الزكاة على مالك الأجرة، كما لو اشترى الزرع كذلك. نعم لو كان يذهب إلى أن الحصة لا يملكها من لا بذر له بالظهور، بل بعد بدو صلاح الثمرة و نحوه، أمكن ترتب الحكم، لكنه خلاف إجماع الأصحاب و مع ذلك لا يتم تعليله بالأجرة، بل بتأخر ملكه عن الوجوب».

و في جامع المقاصد بعد أن حكى ما سمعته من المختلف قال: «و هو أعلم بما قال، و الظاهر عندنا أنه لا وجه له أصلا إلا على القول بأن استحقاقه و تملكه إنما يكون بعد بدو الصلاح و تعلق الزكاة، و هذا خلاف ما نقله المصنف عن علمائنا، فكيف يكون خلافه قريبا من الصواب» و لعله يريد أن ذلك محتمل و غير مقطوع ببطلانه، فلا يأتي على ناقله كل ما ذكره ابن إدريس من التشنيع.

قلت: لعل ابن زهرة لحظ عدم الوجوب في الأجرة عن العمل باعتبار عدم استحقاق تسلمها إلا بعد تمام العمل و الزكاة يعتبر فيها التمكن من التصرف في المال المملوك، أو أنه لحظ وجوبها بعد المؤنة، و الفرض كون العمل في مقابلها، فهو

ج 27، ص: 92

حينئذ مؤنته، و لذا أو للأول نفى الخلاف عن عدم وجوبها على الأجرة.

و منه يعلم ما في المسالك من وجوبها فيما لو آجر أرضا بزرع إذا أراد عدم احتساب مقدار أجرة المثل من المؤنة، و كذلك أجرة مثل العمل، و بذلك يظهر الفرق بين المقام، و بين عمل المالك لثمرته مع أنه ربما قيل أيضا باحتساب أجر فعله مؤنة، و كذا ما يتلفه من ثياب و نحوها في ذلك، و إن كنا لم نوافق عليه، لكن المقام في العمل المقابل بعوض، و هو الزرع، و دعوى الفرق- بين العوض في المساقاة و المزارعة، و بين الأجرة- واضح الفساد.

و لعله إلى ذلك و نحوه أومأ الفاضل في المختلف بنفي البعد عن الصواب، لا ما سمعته من جامع المقاصد و المسالك و الحدائق، و يقال: مما لا يناسب حمل مثله عليه، و حينئذ فالمتجه سقوط زكاتها عنهما معا، لخروجها بالظهور عن ملك رب الأرض و الأصول، و عدم تمامية الملك للعامل، أو كونها بمقابلة العمل صارت من جملة المؤن، و الزكاة إنما هي على العفو أي الزائد، لقول الله تعالى (1)«وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ» و غيره مما تقدم في محله، بل لو أن السيد يرى ملك العامل بعد بدو الصلاح أو بالقسمة، فالمتجه أيضا عدم الوجوب على المالك، فضلا عن العامل لأنه من جملة المؤن، و ان لم ينثلم النصاب بها.

نعم لو لم نقل باستثناء المؤن اتجه وجوب الزكاة عليه، كما في المسالك قال:

«لان انتقالها عن ملكه حصل بعد تعلق الوجوب، كما تجب الزكاة على البائع لو باع الثمرة بعد بدو الصلاح، لكن قد يشكل بالفرق بينهما بالخروج عن ملكه قهرا مجانا في الأول، بخلاف الثاني، على أن تمامية الملك معتبرة في الزكاة و هي هنا منتفية بتعلق حق العامل المانع له عن التصرف، و إن لم نقل بملكه:


1- 1 سورة البقرة الآية- 219.

ج 27، ص: 93

[تتمة إذا دفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أن الغرس بينهما كانت المغارسة باطلة]

تتمة إذا دفع أرضا إلى رجل ليغرسها على أن الغرس بينهما كانت المغارسة باطلة عندنا، لأن الأصل الفساد، و ما عساه يظهر من بعض النصوص، محمول على وقوع ذلك بعقد صلح أو إجارة جامعة للشرائط، لا على مشروعية هذا العقد على نحو عقد المزارعة، فإن الإجماع بقسميه على بطلانه.

و حينئذ ف الغرس لصاحبه لعدم حصول ما اقتضى نقله عنه و لصاحب الأرض إزالته بعد بطلان المعاملة

«فإن الناس مسلطون على أموالهم»(1)

و له الأجرة عوضا عما مضى من منفعة الأرض لفوات ما حصل له الاذن بسببه من الشركة في الغرس باعتبار فساد المعاملة، و الفرض عدم دفعه الأرض مجانا و لكن عليه أرش النقصان الحاصل على الغرس ب سبب القلع (11) و إن استحق له فان استحقاقه لا يرفع ضمانه لما يحصل بفعله، بعد أن لم يكن الغارس ظالما، كي لا يكون لعرقه حق، و إنما أقصاه فساد المعاملة التي وقع التراضي منهما بها.

و لكن الكلام في كيفية تأريشه، ففي المسالك «إن المراد به هنا تفاوت ما بين قيمته في حالتيه، على الوضع الذي هو عليه، و هو كونه حال غرسه باقيا بأجرة و مستحقا للقلع بالأرش، و كونه مقلوعا لان ذلك هو المعقول من أرش النقصان، لا تفاوت ما بين قيمته قائما مطلقا، و مقلوعا، إذ لا حق له في القيام كذلك، ليقوم بتلك الحالة، و لا تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة، و مقلوعا لما ذكرنا من أن استحقاقه للقلع بالأرش من جملة أوصافه، و لا تفاوت ما بين كونه مستحقا للقلع، و مقلوعا لتخلف بعض أوصافه أيضا، كما بيناه، و لا بين كونه قائما مستحقا للقلع بالأرش و مقلوعا لتخلف وصف القيام بالأجرة، و هذه الوجوه المنفية ذهب إلى كل منها


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.

ج 27، ص: 94

بعض، إلى أن قال: و الأول مع سلامته مما فيها لا يخلو من دور، لأن معرفة الأرش فيه متوقفة على معرفته، حيث أخذ في تحديده، و الظاهر أن القيمة لا تختلف باعتباره، و أن تقديره كذلك كتقديره معلوما و قائما بأجرة فلا يضر مثل هذا الدور و لهذا الأرش نظائر كثيرة، تقدم بعضها.

قلت: قد يقال: إنها أو أكثرها مبنية على ملاحظة بقائه إلى منتهى عمره في قيمته و لذا لاحظ البقاء بالأجرة، مع أنه لا يخفى عليك عدم استحقاق بقائه أصلا، لا مجانا و لا بالأجرة و إنما ذلك يتبع التراضي بينهما، فقد يرضى معه المالك بالأجرة أو بالمجانية، فليس هو من أوصاف قيمته.

نعم لو قلعه غير المالك المستحق لقلعه، أمكن حينئذ تقويمه عليه بنحو ذلك، أما هو فقلعه له باستحقاقه، و لكن يضمن أرش نقصانه الحاصل بالقلع، بمعنى أنه إذا الحقه من حيث القلع نفسه نقصان، ضمنه له، و حيث لا يلحقه لم يضمن له شيئا، و هو المراد للمصنف و للشهيد في اللمعة، «و لو نقص بالقلع ضمن أرشه» لا أن المراد تقويمه من حيث بقائه الذي هو غير مستحق له أصلا، و من الغريب ملاحظة كونه مستحقا للقلع بالأرش في أرشه، مع أنه لا يكاد يحصل له معنى محصل بالنسبة إلى قلع المالك له.

و بالجملة فالمراد ضمانه النقص الحاصل من حيث القلع إن حصل، من غير ملاحظة للبقاء، بمعنى أن هذه الشجرة لما قلعت نقصت بسبب القلع عن حال قيامها لا من حيث بقائها، و من ذلك يظهر لك ما في جملة من كتب الأساطين فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فكما يجب على المالك أرش النقصان الحاصل بالقلع، كذلك يجب على العامل أرش نقصان الأرض. و طم الحفر و قلع العروق المتخلفة من المقلوع. ثم إنه لم يفرق الأصحاب كما في المسالك و غيرها في جميع ما سمعت بين العلم بالبطلان و الجهل به، بل تعليلهم كالصريح في ذلك، و هو مؤيد لما قلناه سابقا في المساقاة الباطلة مع العلم بالفساد، و كان ثاني الشهيدين رجع عما ذكره هناك، حيث أنه بعد أن اعترف

ج 27، ص: 95

بما سمعت قال هنا: «و لا يبعد الفرق بينهما، فلا أجرة لصاحب الأرض مع علمه، و لا أرش لصاحب الغرس مع علمه، أما الأول فللإذن في التصرف فيها بالحصة مع علمه بعدم استحقاقها، و أما الثاني فلظلمه بالغرس مع علمه بعدم استحقاقه، ثم قال:

و يمكن دفعه بأن الأمر لما كان منحصرا في الحصة أو الأجرة، لم يكن الاذن من المالك تبرعا فله الأجرة لفساد المعاملة، و الغرس لما كان باذن المالك، و إن لم يكن بحصة معروفة فعرقه ليس بظالم، فيكون مستحقا للأرش».

قلت: و هو قريب لما ذكرنا سابقا من انهما بنيا المعاملة على الضمان، و إن علما بفسادها، و عدم ترتب ما تضمنته، لكن مثل ذلك لا يقضي بالتبرع كما هو واضح.

و لو كان الغرس من مالك الأرض فله الأجرة عليه بعد فساد المعاملة، و لو ركب الغارس فيه نوعا آخر، كما في شجر التوت و نحوه، فان كان المركب للغارس نفسه فنماؤه له مدة بقائه، و عليه أجرة تركيبه على الأصل الذي لصاحب الأرض، و له إزالته مع الأرش علي حسب ما مر، ضرورة عدم الفرق في الغرس بين كونه في أرضه أو في شجرته و الله العالم.

و على كل حال ف لو دفع مالك الأرض القيمة للغارس ليكون الغرس له، لم يجبر الغارس للأصل، و عموم (1)«تسلط الناس على أموالها» و كذا لو دفع الغارس الأجرة لم يجبر صاحب الأرض على التبقية لما عرفت أيضا و قاعدة

«لا ضرر و لا ضرار»

لا تقتضي الجبر في الافراد التي فيها هدم القواعد الشرعية و الله العالم.


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.

ج 27، ص: 96

[كتاب الوديعة]

اشارة

كتاب الوديعة واحدة الودائع قال الكسائي على ما في الصحاح: يقال: أودعته مالا أي دفعته إليه يكون وديعة عنده، و أودعته أيضا: إذا دفع إليك ما لا يكون وديعة عندك، فقبلتها، و هو من الأضداد.

و كيف كان ف النظر في هذا الكتاب يقع في أمور ثلاثة:

[الأمر الأول في العقد]

الأول: في العقد و هو لفظ يقتضي استنابة في الحفظ و الظاهر كون لفظ الوديعة كلفظ البيع و الصلح و الإجارة و نحوها، فيأتي البحث حينئذ في أنها أسماء للعقود أو لآثارها و غاياتها المترتبة عليها، أو للمعنى الصادر من الموجب، و هو النقل في البيع و الاستنابة في الحفظ هنا، و قد تقدم لك التحقيق في محله و أن الأصح الأخير، أو أن مرجع الجميع الى معنى واحد.

نعم قد ذكرنا هناك أن بعضهم ادعى حصول هذه الأسماء بواسطة العقد و غيره، فالبيع مثلا يحصل بالعقد و بغيره، و هو المسمى في عرفهم بالمعاطاة، و الظاهر أن الأمر هنا عنده كذلك، لاشتراكها في دعوى السيرة القطعية على وقوعها بغير العقد، على أنها وديعة، و إن كان قد يقال: بل يقوى أن ما يقع بغير ما ذكروه من عقدها المتوسع فيه و في غيره من العقود الجائزة أمانة، لا وديعة، بحيث يجري عليه حكمها المختص بها، كقبول دعوى الرد فيها و نحوه، و إن كان يطلق عليه اسم الوديعة تسامحا، أو لعدم تمييز بين العنوانات الشرعية، نحو إطلاقهم اسم البيع على إباحة العين من كل وجه بعوض عنها كذلك.

ثم إن الظاهر من تعريفهم العقد اختصاص مسماه بالألفاظ، دون الافعال و المركب منها و من الأقوال، لكن قد يظهر من المصنف و جماعة بل هو صريح بعضهم تحقق العقد الجائز بالإيجاب اللفظي و القبول الفعلي، و لم نجد له شاهدا فان

ج 27، ص: 97

المتعارف من لفظ العقد تركيبه من الإيجاب القولي و القبول القولي، و ألفاظهما هي المسماة بصيغ العقود نعم لا ينكر تحقق اسم الامانة مثلا بالمفروض و بغيره من الفعلين، و ذلك لا يقتضي تحقق اسم العقد، بل و لا اسم الوديعة.

و على كل حال فلا خلاف ممن يعتد به و لا إشكال في اعتبار إنشائية الربط بين الإيجاب و القبول في الوديعة مثلا، سواء كانت بالأقوال أو الأفعال، بناء على تحققها بها، نحو البيع و الصلح و الإجارة و غيرها من العقود لا أنها من الاذن و الإباحة التي لم يلحظ فيها الربط بين القصدين، و الرضا من الطرفين، نحو إباحة الطعام.

و تظهر الثمرة في أمور، منها: انفساخ الوديعة بفسخ كل منهما، فليس له الرجوع إليها بدون تجديد، بخلاف الاذن، فإن له الرجوع إليها ما لم تظهر تقييدها، و إن رفع يدا عنها أولا، إذ لا فسخ بالنسبة إليها، و لم يحصل ما يقتضي رفع الأثر الحاصل منها كما هو واضح.

ثم إن تعريف المصنف العقد بما سمعت، فيه ما لا يخفى.

نعم يمكن أن يكون تعريفا للوديعة كما في النافع لا عقدها، اللهم إلا أن يريد لفظا يقتضي استنابة في الحفظ كما سمعته منا في تعريفه، و لا يرد عليه أنه ينبغي ضم القبول معه حينئذ، و ذلك لمعلومية توقف تحقق الاستنابة على النيابة، نحو تعريفهم البيع بالنقل، كما أنه لا يرد عليه الوكالة على بيع شي ء في يد الوكيل مثلا، لكون المراد هنا الاستنابة بالذات، بخلاف الوكالة التي يقصد فيها شي ء آخر، و يتبعه الحفظ لكونه أمانة.

و على كل حال فلا إشكال في أنه يفتقر إلى إيجاب و قبول كما في كل عقد، بل قد عرفت ان ما هو كالمعاطاة فيها بناء على مشروعيته محتاج إلى معنى الإيجابية و القبولية المقصود فيهما الإنشاء من الطرفين، مع ربط رضا كل منهما و قصده بالآخر، فضلا عن العقد.

و لكن ينبغي أن يعلم أن عقدها هنا يقع بكل عبارة دلت على معناه

ج 27، ص: 98

حقيقة أو مجازا سواء ذلك في الإيجاب و القبول، و ذلك للتوسع فيها عندهم، بل قد تقدم لنا بيان قوة الاكتفاء بذلك في العقود اللازمة، فضلا عن الجائزة، بل ذكر المصنف و غيره هنا أنه يكفي الفعل الدال على القبول و ظاهرهم الاكتفاء به في تحقق العقدية، قالوا لكونه أصرح من اللفظ، و يجب به الحفظ و الضمان مع سببه، بخلاف القول، لكن قد عرفت ما فيه.

و أغرب من ذلك ما عن بعضهم من الاكتفاء بنحو ذلك في طرف الإيجاب قياسا على الوكالة التي لم يثبت فيها ذلك، و ربما يحتمل ذلك في قول المصنف بعد ذلك «و لو طرح» إلى آخره كما تسمعه في شرحه.

نعم يمكن دعوى تحقق الوديعة بالفعلين من الجانبين، فضلا عن أحدهما، بناء على تحقق البيع و غيره بذلك، فضلا عنها، لا تحقق العقد الذي هو اصطلاحا المركب من الإيجاب و القبول اللفظيين، و إن كان قد عرفت ما فيه أيضا من تحقق الإباحة و الأمانة بذلك، لا البيع و الوديعة، كما أنه يمكن إرادة المصنف في المقامين ذلك، لا عقدها، و إن كان خلاف ظاهره في القبول، فيكون حاصله تحقق الوديعة بالعقد الذي يكفي في إيجابه و قبوله كل عبارة، و تقع بالأفعال من الجانبين، و بالمركب منهما، و إن لم يسم ذلك عقدا اصطلاحا، و هذا و إن كان أهون من الأول إلا أن فيه ما تقدم.

و كيف كان فقال و لو طرح ال عين التي يريد جعلها وديعة عند من قصد استيداعها من ه لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها قولا و لا فعلا، لعدم تحقق الوديعة التي لا إشكال في اعتبار القبول أو ما في معناه فيها، سواء كانت بعقد أو بغيره مما في حكم المعاطاة بناء على مشروعيتها فيها، فلو تركها حينئذ و ذهب لم يكن عليه ضمان، للأصل.

لكن في المسالك «يأثم إن كان ذهابه بعد ما غاب المالك، لوجوب الحفظ من باب المعاونة على البر و إعانة المحتاج، فيكون واجبا على الكفاية» و فيه ما لا يخفى، أما إذا قبلها كذلك جرى عليها حكم الوديعة، من وجوب الحفظ و غيره، بل قد

ج 27، ص: 99

يحتمل من المسالك ضمانها لو تركها حينئذ و المالك حاضر، فإنه بعد أن حكى عن التذكرة أن ذلك رد للوديعة، قال: «و يشكل تحقق الرد بمجرد الذهاب عنها مع حضور المالك، لأصالة بقاء العقد، و كون الذهاب أعم منه ما لم ينضم إليه قرائن تدل عليه، و إن كان قد يناقش حينئذ بأنه و إن كان الذهاب أعم من ذلك إلا أن الظاهر عدم ضمانه بالذهاب المزبور، لعدم صدق التفريط، و الأصل براءة الذمة» و لعله لا يريد الضمان، و إنما يريد عدم انفساخ العقد بذلك.

ثم لا يخفى ظهور العبارة المحكي مثلها عن التذكرة و الإرشاد و التحرير و اللمعة و الروضة في تحقق الوديعة بالطرح المزبور مع القبول فعلا أو قولا. نعم لا دلالة فيها على تحقق العقد بذلك، فما في المسالك من إنكار ذلك، باعتبار أن وجوب الحفظ المترتب على القبول أعم من كونه بسبب الوديعة، لأنه قد يكون بسبب التصرف في مال الغير- في غير محله ضرورة ظهور العبارة في تحقق الوديعة بالقبول، و يتبعه وجوب الحفظ.

نعم لا دلالة فيها على كون ذلك عقدا و هو متجه، بناء على تحققها بدونه، على قياس معاطاة البيع و الصلح و الإجارة و غيرها التي هي منها، هذا كله في الطرح بعنوان الاستيداع.

أما إذا كان مجردا عن ذلك فلا تتحقق الوديعة مع القبول قولا أو فعلا. لعدم تحقق إيجابها المتوقف عليه تأثير القبول، و إن وجب عليه الحفظ في الثاني إذا كان قد قبضه، لعموم(1)

«على اليد»

بل الظاهر وجوب ضمانه عليه، لعدم تحقق الاذن له في قبضه.

و مما ذكرناه يظهر لك الحكم في جميع صور المقام و إن أطنب فيها في المسالك لكن مع تشويش في كلامه في الجملة، و ربما ظهر منه اعتبار التلفظ بما يدل على إرادة الإيداع مع الطرح في تحقق الوديعة، و لا ريب في فساده بناء على صدقها مع دلالة غيره من الإشارة المفهمة و الكتابة و غيرهما و إن لم يتحقق بذلك عقدها،


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 27، ص: 100

لكن يتحقق معاطاتها كما سمعته سابقا فلاحظ و تأمل هذا.

و قد يحتمل في عبارة المتن إرادة بيان عدم وجوب الحفظ على المستودع و إن حصل عقد الوديعة إذا لم يقبل قبضها، لمعلومية عدم لزوم العقد، كي يترتب عليه بعد حصوله ذلك، و ربما يومئ إطلاق لفظ الوديعة المقتضى تحقق الوصف فيها بإجراء عقدها فيما بينهما، و من ذلك ينقدح حينئذ اعتبار القبض في ترتب أحكام الوديعة من الحفظ و غيره، بل الظاهر عدم وجوب القبض عليه و لو شرطيا، مع احتمال

كون الشرط القبض و الفسخ، كما تسمعه إنشاء الله في نظيره، بل قد يتوقف في جواز القبض بدون الاذن من المالك و إن حصل العقد بينهما، مع احتماله لحصول الأذن منه بالعقد.

و لكن قد يشكل بناء على اشتراطه في الصحة بعدم اقتضاء ذلك، إذ هو حينئذ كالقبض في الهبة. نعم لو قلنا بعدم كونه شرطا في ذلك اتجه عدم الاذن فيه، و لم أجد تحريرا في كلام أحد لذلك، و ربما يأتي له تتمة عند قوله «و إذا استودع» الى آخره.

و كذا لو أكره المودع أو غيره المستودع على قبضها وديعة لم تصر وديعة بذلك لمعلومية اعتبار الاختيار في قبولها، و حينئذ ف لا يضمنها لو أهمل حفظها. نعم لو رضي بذلك بعد الإكراه على وجه الإجازة للاول صارت وديعة، بناء على تأثير إجازة المكره، لا أن رضاءه و وضع يده المتجددين يكون قبولا جديدا باعتبار عدم اعتبار مقارنة هذا القبول للإيجاب كما في المسالك، و إن كان هو ممكنا أيضا، لكن مع قصده، لا مع حصول الرضا بما وقع سابقا على نحو بيع المكره و نكاحه، و تظهر الثمرة في الضمان بالتفريط السابق و غيره، بل قد يقال:

بعدم صحته حتى مع القصد المزبور، و ذلك لأن العقد الأول بعد حصول الارتباط فيه بين الإيجاب و القبول إما أن يجاز فيصح، أو لا فيبطل هو و إيجابه، و لا يجدى القبول المتجدد.

و على كل حال فمما ذكر يظهر لك الحال فيما في المسالك، حيث قال:

«يجب تقييد ما في المتن بما إذا لم يضع يده عليها بعد زوال الإكراه مختارا، فإنه حينئذ يجب عليه الحفظ باليد الجديدة، و إن لم يجب بالإكراه، و هل تصير بذلك

ج 27، ص: 101

وديعة أم أمانة شرعية، يحتمل الأول، لأن المالك كان قد أذن له، و استنابه في الحفظ، غايته أنه لم يتحقق معه الوديعة، لعدم القبول الاختياري، و قد حصل الآن و المقارنة بين الإيجاب و القبول غير لازمة، و من إلغاء الشارع ما وقع سابقا، فلا يترتب عليه أثره و يشكل بأن إلغاءه بالنظر إلى القابض، لا بالنظر إلى المالك، و يمكن الفرق بين وضع اليد عليها اختيارا بنية الاستيداع و عدمه، فيضمن على الثاني، دون الأول، إعطاء الكل واحد حكمه الأصلي.

مضافا إلى ما في ذيل كلامه مما يظهر منه كون المفروض أولا مجرد وضع يد جديدة بعد زوال الإكراه، و من المعلوم عدم تحقق الوديعة بذلك، لما علمت من اعتبار القبول فيها، و هو غير متحقق بذلك قطعا.

بل و منه أيضا يعلم ما في الرياض الذي قد تبع فيه المسالك، بل ظاهره الحكم بالضمان باليد الجديدة حتى لو قلنا بكونه وديعة، قال فيه: «و كذا لو أكره على القبض لم يضمن مطلقا إلا مع الإتلاف، أو وضع يده على بعد ذلك مختارا فيضمن حينئذ جدا، لعموم الخبر المتقدم، و هل تصير بذلك حينئذ وديعة لا يجب ردها إلا مع طلب المالك، أو من يقوم مقامه أو أمانة شرعية يجب إيصالها إلى المستحق فورا، و بدونه يضمن مطلقا، وجهان» ثم ذكر ما سمعته من المسالك من الاحتمال إلى أن قال: «و الأول لا يخلو من وجه، و إن كان الثاني أوجه».

كأنه مناف لما سمعته سابقا من الضمان حتى على تقدير كونه وديعة، فلاحظ و تأمل بل مما ذكرنا يظهر لك الحكم أيضا فيما لو كان المودع و المستودع مكرهين و إن وجب على المستودع حينئذ الحفظ باعتبار استيلاء اليد، لا لكونها وديعة كما هو واضح. بل قد يقال: بوجوب الحفظ عليه من هذه الحيثية، حتى في صورة إكراه المستودع أو المودع، خصوصا مع كون المكره أجنبيا و خصوصا مع كون وجوب حفظ مال الغير من المعاونة على البر فتأمل جيدا. و الله العالم.

و إذا استودع و قبل ذلك وجب عليه الحفظ بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى ما في عدمه من الخيانة المحرمة كتابا، و

ج 27، ص: 102

عقلا، و سنة متواترة، و إجماعا بقسميه، و إلى كونه مقدمة لوجوب أداء الأمانة و ردها

إلى مالكها، و لا ينافي ذلك جواز الوديعة، فإن المراد ما دام مستودعا، أو التخيير بينه، و بين الرد إلى المالك.

إنما الكلام فيما في المسالك «من أن قبول الوديعة الذي يتفرع عليه حكم الحفظ قد يكون واجبا، كما إذا كان المودع مضطرا إلى الاستيداع، فإنه يجب على كل قادر عليها واثق بالحفظ قبولها منه كفاية، و لو لم يوجد غير واحد تعين عليه الوجوب، و في هذين الفردين وجوب الحفظ واضح، و قد يكون مستحبا مع قدرته و ثقته من نفسه بالأمانة، و كون المودع غير مضطر، لما فيه من المعاونة على البر الذي أقل مراتب الأمر به الاستحباب، و قضاء حوائج الاخوان و قد يكون محرما كما إذا كان عاجزا عن الحفظ، أو غير واثق من نفسه بالأمانة، لما فيه من التعرض للتفريط في مال الغير، و هو محرم، و مثله ما لو تضمن القبول ضررا على المستودع في نفسه أو ماله أو بعض المؤمنين و نحو ذلك، و بهذا التقسيم يظهر وجوب الحفظ و عدمه».

و فيه: أن الحفظ إلى أن يرده على المالك على كل حال واجب حتى في الصورة المحرمة التي لا تقتضي فساد عقد الوديعة باعتبار كونها لأمر خارج، مع أنه قد يناقش في أصل الوجوب فيما فرضه، لأصالة براءة الذمة من وجوب حفظ مال الغير كما أنه قد يناقش في الحرمة في صورة عدم الوثوق بنفسه، ضرورة تكليفه بعدم الخيانة، كما هو واضح و الله العالم.

و كيف كان ف لا يلزمه أى المستودع دركها لو تلفت من غير تعد فيها و لا تفريط أو أخذت منه قهرا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل، و قاعدة الايتمان المعلوم من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل عدم استتباعها الضمان.

نعم لو كان هو الساعي في أخذها قهرا منه، توجه الضمان حينئذ لصدق الخيانة و التفريط معه، بل ربما ظهر من ثاني المحققين الضمان بمجرد إخباره بها و إن لم

ج 27، ص: 103

يكن على وجه السعاية، و من آخر ذلك أيضا بأخبار اللص، و إن لم يعين له مكانها، إلا إذا صادفها اللص مصادفة، خلافا لمحكي التذكرة، فلم يضمنه مع عدم تعيين المكان، بخلاف ما إذا عينه.

و التحقيق الحكم ببراءة ذمة الأمين، و خصوصا الودعي مع الشك في تحقق سبب الضمان، و لو للشك في الاندراج تحت ما جعلوه عنوانا له من التعدي و التفريط، لأن عموم على اليد و نحوه مخصص بقاعدة الايتمان، و بذلك حينئذ ظهر لك المعيار الذي يرجع إليه في جميع هذه الافراد، و هو المراد من الفقيه تحريره، لا خصوص الجزئيات التي لا انضباط لمشخصاتها الحالية و غيرها.

ثم لا فرق في الأخذ قهرا بين أن يتولى أخذها من يده، و بين أن يأمره بدفعها إليه بنفسه، فيدفعها له كرها، لصدق الإكراه و عدم التفريط فيهما، و لا ضمان عليه فيهما، و إنما ضمان المال على الظالم، فليس للمالك حينئذ مطالبته بوجه، وفاقا للأشهر، بل المشهور، و خلافا للمحكي عن أبى الصلاح، و أبي المكارم، و الفاضل في التذكرة، و محكي التحرير من جواز رجوع المالك عليه مع مباشرته الدفع بنفسه إلى من أمره الظالم، لأنه باشر تسليم مال الغير بيده، فيشمله عموم(1)

«على اليد»

و إن كان قرار الضمان على الظالم.

إلا أنه كما ترى مناف لإطلاق ما دل على عدم ضمانه مما عرفت، بل و القاعدة الإحسان و غيرها التي قد عرفت تحكيمها على قاعدة اليد.

نعم لا إشكال في رجوعه لو أمره بمباشرة إتلافه بنفسه، و لو على جهة الانتفاع به، لقاعدة الإتلاف التي لم يثبت تخصيصها بقاعدة الايتمان لكن من جهة قوة السبب هنا على المباشر، كان قرار الضمان عليه، لا أصل جواز الرجوع، و ما عساه يقال:

بأنه مناف لقاعدة عدم ضمان الأمين بغير التعدي و التفريط، و خصوصا الوديعة

قال زرارة في الصحيح (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن وديعة الذهب و الفضة قال: فقال:


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.
2- 2 الوسائل الباب- 4 من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 4.

ج 27، ص: 104

كل ما كان من وديعة و لم تكن مضمونة لا تلزم»

بناء على إرادة غير المشروط ضمانها من قوله «مضمونه» أو الأعم منه و من التعدي و التفريط- يدفعه أن ذلك كله منزل على التلف في غير الفرض.

و من ذلك يظهر حينئذ قوة قول الفاضل بناء على أن تسليمها إلى الظالم من أقسام الإتلاف أيضا فتأمل.

و على كل حال فقد ظهر لك الوجه في عدم الضمان بالأخذ منه قهرا نعم لو تمكن من الدفع اللائق به وجب بلا خلاف أجده فيه لأنه مقدمة للحفظ المأمور به على جهة الإطلاق، و حينئذ لو لم يفعل ذلك مع قدرته عليه ضمن لأنه تفريط حينئذ و كذا لو أمكن الدفع ببعضها فلم يفعل، لكن الظاهر ضمانه ما يزيد على ما يندفع به منها، لا الجميع، و إن احتمل للتفريط، إلا أنه واضح الضعف، لأن بعض المدفوع واجب على التقديرين.

و ما في الرياض من الفرق بينهما- بكونه بأمر الشارع على الأول، و بدونه على الثاني و هو فرق واضح و إن هي إلا كما لو فرط فيها فتلف بغيره، و قالوا فيها بضمانها، مع أنها ذاهبة على التقديرين فتأمل- يدفعه أنها عند الشارع كالوديعتين التي أراد الظالم أخذهما، و كان يمكن دفعه بإعطاء أحدهما فلم يفعل، فإنه لا ريب في ضمانه الثانية، فإن الأولى ذاهبة على كل حال منضمة إلى الأخرى، أو مستقلة، فالتفريط حينئذ في الثانية لا فيهما معا، كما هو واضح.

و لو توقف الدفع على بذل شي ء من ماله، فلا إشكال في جوازه، بل في جامع المقاصد «أنه لا يبعد القول بوجوب مصانعة الظالم بشي ء يرجع به على المالك، و ربما مال إليه في الرياض لوجوب الحفظ، فيجب ما لا يتم الا به، و الضرر يندفع بنية الرجوع على المالك مع فرض عدم التمكن من استيذانه أو وليه».

قلت: لم أقف في النصوص على ما يدل على وجوب الحفظ على جهة الإطلاق و إن صرح به في المسالك، اللهم إلا ان يكون إجماعا و لم نتحققه و الأمر بأداء الأمانة يراد منه عدم الخيانة، كما لا يخفى على من لاحظ نصوصه، فهو حينئذ

ج 27، ص: 105

بالنسبة إلى المال واجب مشروط، للأصل، و لو سلم فالمتجه وجوب بذل مالا يضر بحاله من المال، كغيره من تكاليفه المطلقة، و لا يرجع به على المالك، لأن دفعه حينئذ مقدمة لامتثال تكليفه، نحو غيره من الأفعال التي يفعلها مقدمة للحفظ، و لا يرجع بأجرة المثل في شي ء منها.

نعم لو فرض الضرر الكثير لم يجب عليه، لسقوط باب المقدمة حينئذ لقاعدة نفي الضرر، مع إمكان القول حينئذ باندفاعها، بالدفع بنية الرجوع مع عدم التمكن من استيذان المالك، لكونه وليا حينئذ بالنسبة إلى ذلك، و هل التمكن من الحاكم يقوم مقام التمكن منه، وجهان أحوطهما الأول.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في انه لا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع، كالجرح و أخذ المال الجزيل الذي لا يرجع به على المالك، و غيرهما مما يختلف باختلاف الأشخاص شرفا و ضعة و غيرهما، إلا أن ما عساه يظهر من المصنف من كون مطلق أخذ المال و إن قل ضررا كثيرا واضح المنع، و إلا لسقط في غير هذه المقدمة، و هو معلوم العدم.

نعم قد عرفت سابقا إمكان القول بأنه لم يثبت وجوب الحفظ على الإطلاق، بحيث يشمل بذل المال، و الأمر بأداء الأمانة الذي هو بمعنى عدم خيانتها لا يقتضي ذلك، اللهم إلا أن يكون مستنده الإجماع الذي قد عرفته سابقا و لكن يتجه حينئذ تقييد المال بكونه مضرا بالحال، بل لو قلنا باندفاع ضرره بالرجوع على المالك وجب حينئذ دفع الكثير منه هذا.

و في المسالك: «ثم إن كان المطلوب الذي لا يندفع عنها بدونه بقدرها لم يجب بذله قطعا لانتفاء الفائدة، لكن لو بذله بنية الرجوع به هل يرجع؟ يحتمله، لأن الوديعة لولاه ذاهبة فيكون بذله قدرها كبذلها، و عدمه، لأن القدر المأذون فيه شرعا ما يترتب عليه مصلحة المالك و هو هيهنا منتف، فلا يكون شرعيا، و على هذا فيمكن عدم الرجوع بجميعه لما ذكر، و بجزء منه ليقصر عنها و تترتب الفائدة، إذ الفرض عدم إمكان ما قصر عنه، و يبعد كونه يرجع بمقدار ما ينقص عن قدرها بدرهم مثلا.

ج 27، ص: 106

و لا يرجع بشي ء أصلا مما يساويها، فان غير المأذون في المساوي إنما هو القدر الذي تنتفي الفائدة معه، لا جميع المبذول، و لم أقف في هذا الحكم على شي ء فينبغي تحريره.

قلت: قد يقال: إن الوديعة إن كانت عينا كفرس و كتاب و نحوهما يمكن تعلق غرض المودع بها عينا، فلا ريب في أن المتجه جواز الرجوع، و إن بذل تمام القيمة. أما إذا لم تكن كذلك فلعل المدار على عدم المفسدة على المودع، لا اعتبار المصلحة، فيرجع حينئذ على التقديرين بتمام ما بذل و إن كان مستوعبا، و لو توقف حفظهما على الكذب جاز بل وجب، و إلا كان ضامنا.

نعم لو تمكن من التورية المخرجة له عن الكذب عند المخاطب وجب أيضا، لتمكنه من امتثال التكليفين، و إلا ورى بما يخرج به عنه في نفسه، بأن يقصد نفي الوديعة مثلا يوم كذا أ و في مكان كذا، بل لو أنكرها فطولب باليمين ظلما جاز الحلف و لو بالبراءة أو يمين الصادق المعروفة، بل وجب، فان لم يفعل ضمن.

و لكن يحلف موريا بما يخرج به عن الكذب على الوجه الذي عرفته مع الإمكان، لعدم حرمته حينئذ، فلا إشكال فيه من أصله، ضرورة اقتضاء باب المقدمة وجوبه، لا أنه في هذا المقام محرم جاز للمقدمة، و كان ذلك هو الوجه في اقتصارهم على الكذب دون غيره من المحرمات، و إلا فمن المعلوم سقوط مقدمة كل واجب مع فرض توقفها على المحرم، و خصوصا إذا كان محرما أصليها، و المعارض له واجب مقدمي كما هو واضح.

و من هنا لم يذكروا إباحة غيره من المحرمات مع توقف حفظ الوديعة عليها، من غير فرق بين كونها متعلقة بالخالق أو المخلوق.

و كيف كان هي أي الوديعة عقد جائز من طرفيه بلا إشكال و لا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة في تخصيص الآية و غيرها من أدلة اللزوم، و حينئذ ف يبطل بموت كل واحد منهما و بجنونه و إغمائه، و نحو ذلك مما يخرج به ماله عن ملكه، أو ولايته عنه كما هو الشأن في نحوه من العقود الجائزة للإجماع، أو لأنه بالموت ينتقل المال عن المودع، كما أنه لا عقد مع وارث

ج 27، ص: 107

الودعي، فلا يجوز بقاؤه على حكم الوديعة، و بالجنون مثلا و نحوه تنتقل ولاية تصرفه إلى غيره، و لا عقد مع غير الودعي فلعله لذلك كانت الأهلية معتبرة فيهما في الابتداء و الاستدامة.

و على كل حال مع البطلان تكون العين حينئذ في يد الودعي أو في يد من وضع يده عليها حسبة أمانة شرعية، لعدم إذن المالك الصوري، و حصول الاذن من المالك الحقيقي في الاستيلاء عليها للرد حسبة، و حينئذ يلحقها حكم غيرها من الأمانات الشرعية من نحو وجوب ردها إلى مالكها، أو ولى أمره، أو إعلامه على القولين فورا على وجه لو لم يبادر لا لعذر شرعي ضمن، و لم يبق لها شي ء من أحكام الوديعة حتى قبول صاحبها في ردها، فإنه لا يقبل لما عرفت من انفساخ عقد الوديعة.

نعم لو كان تأخيرها مثلا في صورة موت المودع، لعدم العلم بانحصار الوارث المعلوم كونه وارثا، أو للشك في كونه وارثا، و لم يكن حاكم يرجع إليه، ففي المسالك «الأقوى عدم الضمان، خصوصا مع الشك في كون الموجود وارثا، لأصالة عدمه، و أما مع العلم بكونه وارثا فالأصل أيضا عدم استحقاقه جميع المال، و العلم بكونه مستحقا في الجملة لا يقتضي انحصار الحق فيه، و أصالة عدم وارث آخر معارض بالأصل المزبور، فيبقى الحكم في القابض، و وجوب البحث عن المستحق كنظائره من الحقوق، و مثله يأتي فيما لو أقر بمال المورث زيد، فإنه لا يؤمر بتسليم جميع المقربة اليه إلا بعد البحث، حتى لو ادعي انحصار حق الإرث في الموجود مع الجهل، ففي جواز تمكينه من دفعه إليه وجهان، من اعترافه بانحصار الحق فيه، فيلزم بالدفع إليه، و من أنه إقرار في حق الغير حيث يمكن مشاركة غيره له فيه إلى ان قال:- و لو أخر تسليم الوديعة إلى الوارث ليبحث عن وصية الميت أو إقراره بدين و نحوه، فالأقرب الضمان، لأصالة عدمه، بخلاف الوارث.» لكنه كما ترى خصوصا ما ذكره في الإقرار الذي لا ريب في حجيته على المقر الذي هو مخاطب بإيصال المال، و البحث فيه و في سابقه مع عدم حصول العلم به لا يجعل

ج 27، ص: 108

به الأصل حينئذ حجة، و الامتناع بعده يقتضي تعطيل المال عن مستحقه.

نعم له التروي و البحث دفعا لضرر الغرامة عن نفسه، لا لمعارضة أصالة عدم وارث آخر بأصالة عدم استحقاقه الجميع، ضرورة وروده عليه و انقطاعه به، على أنه لم يتضح لنا الفرق بين احتمال الوارث، و احتمال الوصية الذي ذكره أخيرا، فالمدار و المدرك حينئذ ما عرفت، و لا عبرة بالاحتمالات الخارجة عن مذاق العقلاء كما هو واضح. و الله العالم.

و تحفظ الوديعة، بما جرت العادة بحفظها به كالثوب و الكتب في الصندوق و الدابة في الإصطبل، و الشاة في المراح، أو ما يجري مجرى ذلك في الحرز لمثلها في العادة، كما هو الضابط في كل ما لا حد له في الشرع الذي منه ما نحن فيه، ضرورة كون الوديعة استنابة في الحفظ، و ليس له في الشرع حد مخصوص، فلا مناص عن الرجوع فيه إلى العادة في حفظ مثل هذه الوديعة على وجه لا يعد الوديع مضيعا و مفرطا و خائنا و مهملا و متعديا، و لا فرق فيما ذكرنا بين علم المودع بوجود حرز مثلها عند الوديع أولا، فإن العلم بالعدم لا يقتضي الإذن له في الوضع بغير حرزها، بل عليه تحصيل الحرز لها مقدمة للحفظ الواجب عليه.

نعم الظاهر اختلافه باختلاف الأزمنة و الأمكنة، كاستيداع الدابة في البادية عند أهلها و نحو ذلك، كما أن من المعلوم إرادة الحفظ لها في الأماكن المخصوصة، إذا فرض كونها حرزا لها في العادة، فلا يكفي الصندوق المشترك بينه و بين غيره من دون قفل و نحوه، بل هو أيضا لا يكفي إذا كان في بيت كذلك، مع فرض عدم كونه حرزا في نفسه لمثلها.

و يلزمه سقي الدابة و كل حيوان محترم خصوصا الآدمي و علفها بلا خلاف و لا إشكال، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه بمعنى عرض ذلك عليها على حسب العادة، لأنه من مقدمات الحفظ المأمور به، أمره المالك بذلك أو لم يأمره كغيره من المقدمات المتعلقة بالوديعة من حيث كونها وديعة، فلو قصر حينئذ في شي ء من ذلك ضمن، للتفريط، بل هو كذلك و إن عاد إلى القيام به، كما تسمعه

ج 27، ص: 109

فيما يأتي.

و أما وجوب بذل عين النفقة من الماء المحتاج إلى قيمة و العلف كذلك، فظاهر الأصحاب المفروغية من وجوب بذلها عليه، كما في المسالك و غيرها، بل حكى بعضهم الإجماع عليه تارة، و نفى الخلاف عنه اخرى، و لعله كذلك.

لكن على هذا الترتيب و هو التوصل إلى ذلك باستيذان المالك أو وكيله فيه، فان تعذر رفع أمره إلى الحاكم، ليأمره به إن شاء أو يستدين عليه، أو يبيع بعضه للنفقة، أو ينصب أمينا عليه، فان تعذر الحاكم أنفق هو، و أشهد عليه، و يرجع مع نيته، و لو تعذر الاشهاد اقتصر على نية الرجوع، و القول قوله في مقدار النفقة، كما أن القول قول المالك في مقدار زمانها، و الكلام في اعتبار الاشهاد في وجوب الرجوع و عدمه تقدم في باب المزارعة هذا.

و في المسالك «و في حكم الحيوان، الشجر الذي يفتقر إلى السقي و غيره من الخدمة، و في حكم النفقة على الحيوان ما يفتقر إليه من الدواء لمرض» و ظاهره بل صريحه كغيره الوجوب من حيث الوديعة، فيضمن حينئذ مع التقصير فيه، إلا أنه إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة فيه، بعدم اقتضاء إطلاق الوديعة الحفظ بنحو ذلك، و كونه حيوانا محرما لا يسوغ إتلافه بغير الوجه المأذون فيه، لا يقتضي ترتب الضمان المتوقف على التعدي و التفريط في الوديعة من حيث كونها وديعة بمعنى التقصير فيما اقتضاه إطلاق عقدها، لا التقصير في الحكم الشرعي الثابت عليه و إن لم يكن ودعيا.

على أنه لا يتم فيما سمعته من المسالك من إلحاق الشجر الذي هو ليس بذي نفس محترمة، و لو قلنا بوجوب حفظ كل مال في نفسه على المالك و غيره، إلا أن ذلك لا يقتضي الضمان مع التقصير فيه، ضرورة كون الحفظ من جهته من مقتضى إطلاق عقدها، اللهم إلا أن يعده التقصير فيه باعتبار كون المال في يده خيانة، و أنه هو المتلف للمال، لكنه كما ترى.

و على كل حال ف يجوز أن يسقيها بنفسه و بغلامه، اتباعا للعادة

ج 27، ص: 110

القائمة مقام إذن المالك فيه، مع عدم صدق التعدي و التفريط، و ليس هو من إيداع الوديعة غيره عرفا، كما هو واضح، لكن في المسالك «إن مقتضى العادة جواز تولى الغلام سواء كان المستودع حاضرا عنده أم غائبا، و سواء كان الغلام أمينا أم لا، و ليس كل ذلك جائزا هنا، بل إنما يجوز تولى الغلام لذلك مع حضور المستودع عنده، فيطلع على قيامه بما يجب، أو مع كونه أمينا، و إلا لم يجز، و لا فرق في ذلك بين وقوع الفعل في المنزل و خارجه، فلو توقف سقيها على نقلها و لم يكن أمينا فلا بد من مصاحبته في الطريق، و إنما تظهر الفائدة في نفس مباشرة الغلام لذلك، و كذا لا فرق في ذلك كله بين الغلام و غيره ممن يستنيبه المستودع، و عبارة المصنف لا تنافي ما قيدنا، لانه لم يجوز إلا تولى السقي، و هو أعم من كونها مع ذلك في يد المستودع و عدمه، و العام لا يدل على الخاص، فيمكن تخصيصه إذا دل عليه الدليل، و هو هنا موجود بما أطبقوا عليه، من عدم جواز إيداع الودعي مع الإمكان و هذا في معناه، و ربما قيل: بأن ذلك فيمن يمكن مباشرته لذلك الفعل عادة، أما ما لا يكون كذلك، فيجوز له التولية كيف كان، و هو ضعيف».

و فيه أن ذلك لا يعد إيداعا، بل هو قيام بالعمل الذي يراد من الوديع الذي لا يجب عليه مباشرته فيما دلت القرائن مباشرة غيره له، لرفعة شأنه، أو عجزه، أو نحو ذلك، و خصوصا فيما قضت به العادة مما هو ليس بتعد و لا تفريط.

و منه يعلم ما في قول المصنف أيضا و لا يجوز إخراجها من منزله لذلك، إلا مع الضرورة، كعدم التمكن من سقيها أو علفها في منزله، أو شبه ذلك من الأعذار ضرورة عدم الفرق بين ذلك و بين ما تقدم، مع فرض قضاء العادة به، و لم يكن ثم ما يقتضي التفريط بها.

و من الغريب أنه في المسالك وافق هنا على ذلك، مع أنه قد سمعت منه ما مضى فإنه بعد أن ذكر هنا عدم الفرق في المنع من إخراجها لذلك بين كون الطريق أمنا و عدمه، لان النقل تصرف فيها و هو غير جائز مع إمكان تركه، و عدم الفرق بين كون العادة مطردة بالإخراج لذلك و عدمه، لما ذكر، و عدمه أيضا بين كونه متوليا لذلك

ج 27، ص: 111

بنفسه، و غلامه مع صحبته له و عدمه، لاتحاد العلة في الجميع، قال: «و استقرب في التذكرة عدم الضمان لو أخرجها، مع أمن الطريق و إن أمكن سقيها في موضعها، محتجا باطراد العادة بذلك، و هو حسن مع اطرادها بذلك لا مطلقا.

ثم إنه لا يخفى عليك ما في إطلاق الجواز للضرورة و إن كان الطريق مخوفا، الذي وجهه كون ذلك من ضروريات الحيوان، فالضرر اللاحق بتركه أقوى من خطر الطريق فإنه قد يشكل في بعض الصور بما إذا كان التأخير إلى وقت آخر أقل ضررا أو خطرا من إخراجها حين الحاجة، و نحو ذلك، فينبغي مع اشتراكهما في الضرر مراعاة أقل الضررين، اللهم إلا أن يقال: بعدم إرادة هذه الصورة من الإطلاق المزبور و الأمر سهل بعد ظهور الحال في أصل المسألة و هو أن المدار في حفظها و في حرزها على المعتاد، الذي لا يعد عرفا مع مراعاته مفرطا و متعديا، بل قد سمعت قيام العادة مقام الاذن من المالك في ذلك. و الله العالم.

و لو قال المالك لا تعلفها أو لا تسقها لم يجز القبول لكونه ذا كبد حرى و نفس محترمة، و واجب النفقة على المالك، بل يجب عليه سقيها و علفها مراعاة لحق الله تعالى شأنه، و إن أسقط الآدمي حقه، بل مع امتناع المالك و رفع الأمر إلى الحاكم و أمره بالنفقة من ماله، يتجه الرجوع له عليه، و كذا لو كان بأمر عدول المؤمنين أو به مع الإشهاد أو بدونه مع نية الرجوع على حسب ما تقدم سابقا.

نعم لو أخل بذلك و الحال هذه أثم و لم يضمن لأن المالك أسقط الضمان بنهيه، كما لو أمره بإلقاء ماله في البحر خلافا لبعض فأجرى حكم الوديعة مع النهي، فضلا عن غيره حتى في غير الحيوان، إلا أنه كما ترى، للأصل بعد انصراف دليل الضمان إلى غيره، و خصوصا فيما لو كانت الوديعة غير حيوان، كشجر و بناء و نحوهما، بل في المسالك «الأقوى عدم وجوب حفظه، فضلا عن عدم الضمان، لأن حفظ المال إنما يجب على مالكه، لا على غيره، و إنما وجب الإنفاق في الحيوان لكونه ذا روح، فيأثم بالتقصير في حقه، فيجب دفع ألمه».

نعم يبقى إشكال في أصل صحة الوديعة على هذا الوجه المقتضي سفاهة المالك،

ج 27، ص: 112

فيصير المال حينئذ في يده أمانة شرعية يجب ردها إلى المالك أو وليه اللهم إلا أن يفرض في وجه لا سفه فيه، أو يقال: إن السفه لا يؤثر فسادا بدون تحجير الحاكم.

نعم قد يقال: إن الاشكال في صحة الوديعة المأذون فيها بالتفريط مطلقا، أو في شي ء خاص كما أنه قد يقال بوجوب الحفظ على من في يده المال، و إن أذن المالك بإتلافه، كما قد أشرنا إليه سابقا و الله العالم.

و لو عين له موضع الاحتفاظ اقتصر عليه لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه و حينئذ ف لو نقلها عنه ضمن لأنه عاد إلا إذا كان النقل إلى أحرز بل أو مثله على قول قوي إذا فهم إرادة المثال مما عينه، و لو بقرينة ظهور كون الغرض له الاحتفاظ كتعيين الزرع و الراكب و نحوهما في المزارعة و الإجارة.

أما إذا لم يفهم ذلك فالأقوى الضمان حتى في النقل إلى الأحرز، فضلا عن المساوي، سواء فهم إرادة الخصوصية منه، أو أطلق و لم يكن قرينة على الإرادة المزبورة، لتحقق المخالفة حينئذ، اللهم إلا أن يقال: إن الإيداع كان يقتضي التخيير في أفراد الحرز، و تعيين موضع الاحتفاظ إنما يقتضي عدم الاذن في الأدون، أما غيره فيبقى على مقتضى الإطلاق الذي لم يتقيد بالتعيين المذكور، بعد فرض عدم ظهوره في إرادة التقييد.

نعم لو فرض أن حصول الإيداع قد كان بتعيين موضع الاحتفاظ، اتجه حينئذ الاقتصار عليه ما لم يظهر إرادة المثال، و دعوى حصول مفهوم الموافقة في الأحرز واضحة المنع، مع أنه قد يمنع ذلك أيضا، بدعوى ظهور التقييد بتعيين موضع الاحتفاظ، كما في غيره من أفراد المطلق و المقيد.

و لعله لذا جزم في المسالك بعدم جواز التخطي في الفرض حتى إلى الأحرز، بل حكاه جماعة منهم الشهيد في حواشيه على القواعد، بل احتمل في النسبة إلى القول التي في المتن و القواعد- المشعرة بالتوقف، و أن القول الأخر بخلافه- رجوعها

ج 27، ص: 113

إليهما معا، لا خصوص الأخير، بل في المفتاح نسبته إلى ظاهر النهاية و التبصرة، و موضع من السرائر و الغنية، و صريح النافع و الكركي و الأردبيلي، و ميل التحرير و إيضاح النافع. و بذلك يظهر لك ما في دعوى الإجماع على الجواز في الأحرز، و أن الخلاف إنما هو في المساوي دون الأحرز.

و على كل حال فلا ريب في أنه متجه. بناء على أن ذلك من موضوع الإطلاق و التقييد، كما يشهد له قول المصنف و غيره ف لا يجوز نقله إلى ما دونه، و لو كان حرزا إلا مع الخوف من إبقائها فيه بل في المسالك «الإجماع على عدم جواز نقلها إلى ما دونه» و ما ذاك الا لفهم التقييد من التعيين المزبور، و لا ريب في عدم الفرق حينئذ بين ما دونه و ما فوقه، مع فرض عدم قرينة تدل على ذلك، كما أنه لا إشكال في ظهور ذلك حال كونه حرزا لمثلها، أما مع فرض عروض الخوف عليها فيه فلا تقييد للإطلاق، و حينئذ يجوز نقلها إلى غيره، و إن كان أدون مع فرض كونه حرزا بل مقتضى إطلاق العبارة و غيرها جواز النقل إليه و إن تمكن من المساوي و الأحرز و لعل وجهه حينئذ بقاء الإطلاق على حاله في الفرض، و هو يقتضي التخيير المزبور خلافا لثاني الشهيدين فأوجب المساوي فما فوق مع التمكن، و إلا فالأدنى، مع أن مذهبه عدم ظهور المثال في التعيين المزبور.

و كيف كان فالمتجه عدم الضمان، حيث يجوز له النقل، سواء تلف بانهدامه أو بغيره، لما عرفت من أن مبنى الجواز حصول الاذن من المودع، و هو يقتضي عدم الضمان، فما عن بعض- من الحكم بالضمان مع جواز النقل إلى الأحرز و المساوي و عن آخر من الفرق بين التلف بالنقل كالانهدام مثلا و غيره فيضمن في الأول دون الثاني- لا يخلو من نظر، و لعل وجه الأول أن جواز النقل إليهما إنما هو من الفحوى التقديرية التي يجوز بها الاقدام، و لكن لا ترفع الضمان الحاصل من المخالفة، و الثاني بأن انتفاء الضمان معه و إن جاز النقل إليه، مراعى بعدم ظهور الخطأ في كونه مساويا أو أحرز، فمع فرض ظهور عدمه بالانهدام يتحقق الضمان، أما التلف بغيره فلم يتبين له ظهور الخطأ، إلا أن الجميع كما ترى.

ج 27، ص: 114

و على كل حال فقد بان لك مما ذكرنا أنه لو قال: لا تنقلها من هذا الحرز ضمن بالنقل كيف كان إلى مساو أو أحرز، لتحقق التعدي فيها حينئذ بالمخالفة، لنهيه المقتضي عدم جواز ذلك له إجماعا، إلا أن يخاف تلفها فيه فيجوز له حينئذ النقل حسبة إلى المساوي و الأحرز، و إلا فالأدون كما في المسالك أو إلى حرز مثلها مطلقا كما هو الأقوى على ما عرفته سابقا في نظيره.

و على كل حال يجوز ذلك له و لو كان قد قال : لا تنقلها عن هذا المكان و إن تلفت فيه، لعدم ثبوت هذه السلطنة له من السلطان الحقيقي، بل حرم عليه إضاعة المال و إتلافه في غير وجهه، و من ذلك «النهي عن التبذير»،(1)و «عن تمكين السفهاء من الأموال التي جعلها لنا قواما»(2).

و لكن لا يخفى عليك عدم بقائها حينئذ في يده وديعة، بل هي أمانة شرعية، لعدم الاستنابة من المالك في ذلك، فيضمنها حينئذ بعدم الرد إلى المالك أو وليه فورا أو الاعلام، كما أنه لا يخفى عدم وجوب ذلك عليه، و إنما هو جائز له.

فما في المسالك- من وجوب النقل، لأن الحفظ واجب عليه، و لا يتم إلا بالنقل، و للنهي عن إضاعة المال فلا يسقط هذا الحكم بنهي المالك و إن صرح بقوله و إن تلفت، لكن هنا لو ترك نقلها أثم، و لا ضمان لإسقاط المالك له عنه كما مر لا يخفى ما فيه، بناء على أنه بناه على بقاء حكم الوديعة، و لذا وجب الحفظ، ضرورة أصالة براءة الذمة منه، مع قطع النظر عنها، إذ هو إن سلم فعلى المالك لا غيره،

ضرورة عدم الإذن من المالك في ذلك، بل الفرض نهيه.

و ربما قيل: إن وجهه دعوى كون المراد للمالك بالنهي المزبور للاستظهار في حفظه، بزعم كون المكان المزبور أنه أحرز، إلا انه بان خطاؤه أو تجدد ما نافى ظنه الذي هو في الحقيقة مقيد ببقاء ذلك المكان حرزا له.

و فيه: إن المتجه على هذا التقدير ضمانها بعدم النقل، مع الخوف للتفريط


1- 1 سورة الإسراء الآية 26.
2- 2 سورة النساء الآية- 5.

ج 27، ص: 115

كما عن الشيخ في المبسوط، مع أنك قد عرفت تصريحه بعدمه و إن أثم.

نعم قد يقال: إن عدم ضمانه بذلك، للأصل المقتصر في خلافه على التفريط الذي لم يأمر المالك به، و أما الإثم بعدم النقل، فباعتبار وجوب حفظ ما في يده من مال غيره عليه و حرمة إضاعته عليه، و إن قلنا بعدم وجوب حفظ مال الغير- الذي لم يكن في يده- عليه، و هذا الوجوب و الحرمة لا يستعقب ضمانا، و إنما هي حرمة شرعية، نحو الحرمة على المالك.

هذا كله بناء على سقوط حرمة نهي المالك في الفرض، و ربما يناقش فيها بعموم (1)«تسلط الناس على أموالهم» و ليس هو من السفه و التبذير مع فرض احتمال غرض معتد به في ذلك وقت نهيه، و خصوصا مع حضوره في البلد، و إمكان مراجعته أو مراجعة الحاكم، أو عدول

المؤمنين، و بعد التسليم ففي تصديقه بحصول ما يقتضي جواز مخالفة النهي أو وجوبه وجهان: لا يخلو ثانيهما من قوة،

لعموم (2)«البينة على المدعى»

بعد الشك إن لم يكن الظن في اندراجه تحت الأمين المصدق في ذلك فلا يبعد حينئذ الحكم بضمانه حتى تقوم البينة على حصوله بل قد يحتمل الضمان مع قيامها أيضا في كل مال مقبوض بلا إذن من المالك، فضلا عن النهي و إن كان خلاف المشهور بين من تعرض له، لعموم على اليد، و الحسبة و الإحسان يجوزان الاقدام و لا يرفعان الضمان الحاصل من خطاب الوضع، و نفى السبيل على المحسن إنما هو بالنسبة إلى ما فعله من الإحسان، فليس له الاعتراض عليه في ذلك.

و لعله عليه يبني ما عن التذكرة من أنه لو نقلها إلى غير المعين و توقف النقل إليه على أجرة لا يرجع بها، لأنه متبرع بها، و استحسنه في المسالك، لكنه احتمل أيضا مع ذلك الرجوع مع نيته لإذن الشارع له في ذلك، فتقدم على إذن المالك، و لأن فيه جمعا بين الحقين، مع مراعاة حق الله تعالى في امتثال أمره بحفظ المال، و


1- 1 بحار الأنوار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
2- 2 الوسائل الباب 30- من أبواب الحكم و الدعوى.

ج 27، ص: 116

لعله لا يخلو من وجه لو كان باذن الحاكم أو عدول المؤمنين و الله العالم.

و لا تصح وديعة الطفل و لا المجنون لاعتبار الكمال في طرفي عقدها كغيرها من العقود بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين ماليهما و غيرهما و دعوى الاذن و عدمها، بل لا يصح حتى لو علم الاذن لهما، لقصور عبارتهما عن مباشرة العقد كما هو واضح.

نعم لو علم الاذن اكتفى في الوديعة حينئذ بفعل المرسل لهما في أيديهما، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك فيها، لعدم اعتبار مقارنة القبول فيها للإيجاب، و إلا فإنشاء عقد الوديعة منهما سواء كان عنهما أو عن غيرهما باطل.

و لا يجوز وضع اليد عليها بل يضمن القابض لذلك منهما

لعموم (1)«على اليد ما أخذت»

و غيره و لا يبرأ بردها إليهما للحجر عليهما، و إنما يبرأ بالرد إلى وليهما الخاص، أو العام مع تعذره، بل مقتضى إطلاق العبارة و غيرها ذلك، و إن كان قد فعل ذلك حسبة للخوف من التلف و نحوه، و هو مؤيد لما ذكرناه سابقا من أن الإحسان لا يرفع الضمان.

لكن في المسالك و عن غيره الأقوى أنه لو قبضها منهما مع خوف هلاكها بنية الحسبة في الحفظ لم يضمن، لانه محسن، و ما على المحسنين من سبيل، لكن يجب عليه مراجعة الولي في ذلك، فان تعذر قبضها، و ترتب الحكم. و فيه ما عرفت.

و كذا لا يصح أن يستودعا، و إن كان لو أودعا لم يضمنا بالإهمال وفاقا للمشهور لأن المودع لهما في الحقيقة هو ال متلف ماله بإيداعه مثلهما الذي لم يجب عليه الحفظ و أداء الأمانة، فنسبيته في الإتلاف أقوى من تفريطهما فيه، و لا دليل على ضمانهما بذلك، بعد ظهور

قوله عليه السلام (2)«على اليد ما أخذت حتى تؤدى»

في غير الفرض، بسبب تفريط المالك، لا ما في المسالك «من


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.
2- 2 المستدرك ج 17 ص 88.

ج 27، ص: 117

أن «على» ظاهرة في وجوب الدفع و التكليف بالرد، فيكون مختصا بالمكلف» لما ستعرفه.

نعم لو أتلفا المال مباشرة بأكل و نحوه، أو تسبيبا بإحراق و نحوه، اتجه ضمانها مع تمييزهما، و أطلق في المسالك و غيرها قال: لعموم (1)«من أتلف» الشامل للمكلف و غيره، فيؤدي حينئذ من مالهما إن كان و إلا تخلصا منه بعد التكليف، و فيه ما لا يخفى من أن السبب هنا أقوى من المباشر الذي هو كالحيوان بالجنون و عدم التمييز، و لذا يحكى عن بعضهم عدم الضمان مطلقا، كما لا يخفى ما في الذي ذكره سابقا في اليد، ضرورة أن

قوله «على اليد»

أيضا من خطاب الوضع الشامل للمكلف و غيره من حيث تسبيب الضمان، و إن وجب الأداء بعد البلوغ، و لفظ «على» إنما يراد منها الإثبات في الذمة، لا تقييد موضوع ذلك بما إذا كان مكلفا.

نعم ربما فرق بين المميز و غيره، فحكم بضمان الأول، دون الثاني الملحق، بالمجنون، لعدم قصد غيره إلى الإتلاف، فكان كالدابة. لكن نظر فيه في المسالك «بأن المقتضى و هو الإتلاف موجود، و المانع غير صالح للمانعية، أما القصد فلا مدخل له في الضمان و عدمه. كما يعلم من نظائره، و أما تسليط المالك فإنه انما وقع على الحفظ، لا على الإتلاف، غاية ما في الباب أنه عرض ماله له، بسبب عدم صلاحيتهما للحفظ، و هو غير كاف في سقوط الضمان عنهما لو باشراه، بخلاف ما لو تركا الحفظ، و الأقوى الضمان مطلقا.

قلت: لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و التحقيق أن يقال: إن اليد بغير إذن شرعية، من أسباب الضمان قطعا، من غير فرق بين المكلف و غيره، فلو أودع صبي صبيا أو مجنونا أو مجنون صبيا أو مجنونا فتلف هي في يدهما كانا ضامنين لذلك، و الفرق بينهما و بين الدابة، أن لهما ذمة و ملكا، و غيرهما بخلافها، و اي فرق في أسباب الوضع بين ذلك، و بين الجناية و الحدث و غيرهما.


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار فمن أراد الاطلاع على مدركها فليراجع« القواعد الفقهية» للسيد البجنوردى.

ج 27، ص: 118

نعم في الفرض قد يتوقف في ضمانهما بالإهمال، لا لعدم ضمانهما باليد، بل من حيث حصول التلف للمال بسببين، أحدهما من المالك، و هو أقوى من الواقع من أحدهما، خصوصا مع عدم التمييز، فيقوم ذلك مقام الإتلاف منه في أيديهما، كما أومأ إليه المصنف، بخلاف ما لو باشرا التلف مع تمييزهما، فإنه لا إشكال في أن ما وقع منهما في إيجاد التلف في الخارج أقوى مما وقع منه، الذي هو إيداعهما، لا تسليطهما على تلفه و حينئذ فالميزان ذلك، و هو الحكم بضمانهما باليد إلا أن يحصل من المالك مباشرة تلف أو تسبيب أقوى من تفريطهما، و لعله يختلف باختلاف التمييز و نحوه مما له مدخلية في علة التلف و إيجاده لا ما ذكره ثاني الشهيدين من عدم ضمانهما باليد، لعدم الدليل الذي قد عرفت إمكان دعوى القطع بفساده، خصوصا فيما يأخذانه بأنفسهما من دون علم من المالك بسرقة و نحوهما، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بفقه أهل البيت عليهم السلام و الله الموفق و العالم.

و أما العبد إذا استودع فأتلف فالأقرب أنه يتبع به بعد العتق، و إن كان الاستيداع باذن مولاه، إذ هي لا تقتضي التزام المولى بذلك حتى في كسب العبد، للأصل و غيره.

و إن كان بالإهمال مع فرض عدم كون القبول باذن المولى، فعن بعضهم لا شي ء للمالك، لعدم جواز قبولها و عدم وجوب الحفظ عليه، فالتضييع للمال من المالك.

و فيه ما عرفت من اقتضاء اليد الضمان، فيتجه حينئذ اتباعه به بعد العتق، كما عن التذكرة و التحرير التصريح به، كما لو كان القبول باذن المولى، و لا رجوع بوجه على المولى حتى بالنسبة إلى كسب العبد، إذ هو أولى من صورة الإتلاف التي قد عرفت أن الحكم فيها ذلك نعم لو كان تفريط العبد من المولى، و لو بمنعه من الحفظ فالضمان عليه، كما عن بعضهم التصريح به و الله العالم.

و إذا ظهر للمودع أمارة الموت وجب الاشهاد بها كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، نعم في القواعد إبدال ذلك بالوصية بها، و لعله يريد ذلك ضرورة انحصار وجه وجوب ذلك في لزوم الحفظ، و حرمة التفريط بها،

ج 27، ص: 119

و ترك ذلك يقتضي ذلك، فان الوارث بدونه يستحق بإرثه جميع ما كان يده عليه، و كذا الديان، و الوصية بها مع عدم الاشهاد لا يرفع ذلك، فلا محيص حينئذ عن إرادة معنى الاشهاد عليها من الوصية بها كالعكس، بل هما بمعنى عند التأمل بعد معلومية انتفاء المعنى المعلوم من الوصية الراجعة إلى الثلث و نحوه، و من هنا يتجه القول بوجوب ما يرفع ذلك و نحوه عنها، من غير تخصيص بالإشهاد و نحوه.

نعم هو قد يجب في الجملة و ذلك حيث يتوقف رفع ذلك عليه، و إلا كان مخيرا بينه و بين غيره، و من ذلك يعرف ما في بعض كتب الأصحاب خصوصا ما في المسالك و على كل حال فمتى أخل بما وجب مما يتوقف عليه الحفظ من ذلك ضمن، لكن في التذكرة و المسالك لا يستقر الضمان إلى أن يموت، فيعلم التفريط في أول زمان ظهر فيه أمارة الموت، سواء كان ذلك في ابتداء المرض، أم في أثنائه.

و فيه أنه يقتضي سقوط الضمان بالإشهاد في آخر الأزمنة و إن فرط في أولها، و هو مناف لما تسمعه إنشاء الله من ضمان المفرط بتفريطه، و إن عاد بعد ذلك الى ما يراد منه من الحفظ، و دعوى عدم تحقق التفريط إلا بترك الاشهاد في جميع الزمان إلى حصول الموت، يقتضي عدم الضمان حينئذ في أول الأزمنة، بل بالأخير منها الذي تحقق به التفريط، و هو خلاف ما ذكره، فالمتجه حينئذ تحقق الضمان بأول أزمنة التفريط، و إن أشهد بعد ذلك.

هذا كله بناء على جواز بقائها وديعة عنده مع ظن الوفاة، و إلا فقد يقوى وجوب الرد على المالك مع الإمكان و إلا فالحاكم، و إلا فعدول المؤمنين، و مع فرض التعذر يشهد عليها حينئذ و يوصي بردها، و ذلك لإطلاق وجوب رد الأمانة إلى أهلها، و الخطابات المطلقة فتضيق بظن الوفاة، لعدم الوثوق حينئذ بزمان غيره لامتثالها، و التضيق بالمطالبة لا ينافي التضيق بذلك؟

و دعوى اشتراط أصل الوجوب بالمطالبة، يدفعها إطلاق أدلة التأدية و الرد و نحوهما، مؤيدا بمعلومية انفساخ أمانته بموته، و صيرورة المال في يد غيره، و لم يأذن المالك إلا بوضعه في يديه، و مباشرة حفظه بنفسه، و الاشهاد و الوصية لا ترفع

ج 27، ص: 120

ذلك، بل قد يؤيده أيضا إيجاب الرد عند السفر، و لا ريب في أولوية المقام منه.

و لعله لذا و غيره حكي عن التذكرة و أكثر الشافعية ذلك، أو ما يقرب منه لكن قيل: إنه رجع عنه بعد ذلك إلى الاكتفاء بالوصية، و ظني أنه ليس رجوعا، بل كان ذلك منه لبيان الاكتفاء في الجملة و لو في بعض الأحوال، و منه يعلم عدم منافاة ما ذكرنا لإطلاق الأصحاب وجوب الاشهاد المحمول على إرادة بيان القضية المهملة للقطع بعدم إرادة تعيين ذلك على كل حال، فإنك قد عرفت عدم انحصار الطريق فيه، و لعدم الدليل على وجوبه تعبدا كما هو واضح بأدنى تأمل.

و منه يعلم ما في المسالك و غيرها من كتب الأصحاب، بل لعل ما فيها لا يخلو من تناف فلاحظ و تأمل.

و لو لم تظهر له أمارة الموت بل مات فجأة مثلا لم يكن عليه ضمان قطعا، لعدم التفريط، خلافا للمحكي عن إيضاح الفخر من الحكم به أيضا، لأن الوصية و الاشهاد سبب في منع الوارث من جحودها، و في وجوب أدائها ظاهرا إن علم بها، و في نفس الأمر إن لم يعلم، و ذلك كله سبب للحفظ، فتركه ترك سبب الحفظ، و لا معنى للتفريط إلا ذلك.

و فيه منع كونه مع ذلك سببا عقلا أو شرعا أو عرفا و إلا لوجب الاشهاد على الوديعة من أول قبضها كي لا يكون مفرطا ضامنا، و هو معلوم البطلان، و الاحتمال إذا لم يكن جاريا مجرى العقلاء لا يلتفت إليه كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم حيث يخشى عليهما التلف على وجه جار مجرى العقلاء كما إذا ظهرت أمارة الموت اتجه حينئذ وجوب الاشهاد و الإيصاء الذي يكون به حفظ الوديعة، من غير فرق بين الوارث و الأجنبي، و لا عبرة بغيره كالإيصاء إلى فاسق، أو بلا إشهاد أو نحو ذلك، كما لا عبرة بالإيصاء بها بلا تعيين لها و لا لمكانها كقول (عندي وديعة)، أو لفلان، أو ذكر الجنس و أبهم الوصف، كما لو قال عندي ثوب لفلان، ضرورة عدم حفظها بشي ء من ذلك، فيتجه حينئذ ضمانه لها مع فرض معلوميتها عنده إلى الموت

ج 27، ص: 121

و أن كيفية إشهاده بها كانت كذلك، إذ هو حينئذ كما إذا لم يشهد، من غير فرق مع ذكره الجنس، بين أن لا يوجد في تركته ذلك الجنس، أو يوجد متعددا أو متحدا، لحصول التقصير بترك البيان على كل حال، و الوجود في التركة لا يقتضي كونه الوديعة، و أصالة بقائها لا تقتضي كونها المشخصة، كي يكون شريكا مع التعذر و مختصا به مع الاتحاد.

و بذلك يظهر لك ما في المسالك من أنه على تقدير التعدد فهو بمنزلة خلطها بماله حيث لا يتميز، فيكون تفريطا يوجب الضمان ثم قال: و لا يكون الموصى له شريكا في الثياب الموجودة، لأصالة عدم استحقاقه شيئا في تركة الودعي، و إن كان ضامنا لحقه، فيرجع إلى المثل أو القيمة، و يحتمل كونه شريكا لأصالة البقاء و إن حكم بالضمان، كما لو مزجه بماله و لو وجد ثوب واحد ففي الحكم به للمالك وجهان، مأخذهما أصالة بقاء حقه الثابت بالإقرار، فيستصحب إلى أن يعلم التلف حملا لإطلاقه على الموجود، لأصالة عدم غيره، و أن الموجود محكوم به تركة ظاهرا و تقصيره في التمييز اقتضى ضمانها، أما كونها الموجود فلا، و لاحتمال أن يكون هو الوديعة- فلا يحكم بها مع قيام الاحتمال، و ترك العمل بظاهر اليد، و على تقدير عدم الحكم له به، هل يحكم بضمان وديعته، قيل: لا، لجواز تلفها بغير تفريط قبل الموت، و الإقرار به لا ينافيه، و قيل: نعم، لأصالة البقاء» إذ لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم صلاحية الأصول للتشخيص، على أن الاحتمال في الصورة الأخيرة آت في الصورتين الأولتين اللتين جزم بالضمان فيهما، بل جعله في أولهما ظاهرا، بل قد يقتضي التأمل في أطراف كلامه أنه غير محرر لموضوع المسألة، و أنه الوديعة المعلومة عنده إلى حال الموت، لكنه ترك الاشهاد بها أصلا، أو ترك المثمر منه، لا الوديعة في الجملة، فإن ذلك لا يقتضي الضمان بأصالة بقائها، و أصالة عدم الاشهاد بها، فيكفي حينئذ في ضمان كل وديعة ادعى بها على ميت و أقيمت البينة على أصل استيداعه، و إن احتمل الرد و التلف بغير تعد و لا تفريط، و نحو ذلك، بدعوى أن ذلك هو مقتضى أصالة بقائها، و أصالة عدم ردها، و أصالة عدم

ج 27، ص: 122

الاشهاد فيتنقح حينئذ كونه مفرطا ضامنا، و هو كما ترى لا ينبغي صدوره ممن له أدنى مسكة، ضرورة توقف إثبات هذه الأصول ذلك على وسائط تقتضي الأصول عدمها، على أن التفريط من الأمور الوجودية التي لا يمكن إثباته بالأصول، و إن تقوم بعض أفراده بالعدم، و لكنه ليس هو إلا تعريض المال للتلف، و لو بعدم فعل ما يقتضي حفظه كما هو واضح.

فالتحقيق حينئذ الحكم بالضمان مع العلم بترك الاشهاد في الوديعة التي هي عنده حال الموت الذي هو التعريض لتلفها، و بعدمه مع قيام احتمال التلف بغير تفريط و لو بعد الإقرار بها عند قيام أمارة الموت، بناء على أن الضمان إنما يكون بترك الإشهاد إلى حال الموت، و يمكن أن يكون عدمه لحصول التلف بغير تفريط، لأن الأصل البراءة.

و بذلك بان لك الوجه في قول المصنف ف لو لم يشهد و أنكر الورثة، كان القول قولهم، و لا يمين عليهم إلا أن يدعى عليهم العلم كما هو الضابط في الحلف على نفى فعل الغير، سواء كان المراد إنكار أصل الوديعة، أو التفريط بترك الاشهاد، لاحتمال تلفها بغير تفريط، كما اعترف به في المسالك هنا، قال:

«لو أقر الورثة بالوديعة و لكن لم توجد في التركة، و ادعى المستودع أنه قصر في الاشهاد، و قال الورثة: لعلها تلفت قبل أن ينسب إلى التقصير، فالقول قولهم، عملا بظاهر براءة الذمة»، و قال أيضا: «يمكن أن يكون المراد إنكار الورثة وجودها في التركة حيث لم يشهد عليها، و لعلها تلفت قبل حصول ما يوجب الاشهاد» فادعى المالك بقاءها و تقصيره في الاشهاد، و الحكم في المسألتين واحد.

و هو صريح فيما ذكرنا، من أن عدم الاشهاد مع العلم بوجود أصل الوديعة لا يقتضي الضمان، لاحتمال كونه للتلف بغير تفريط.

و كيف كان ف تجب إعادة الوديعة على المودع أو وليه أو وكيله مع المطالبة في أول أوقات الإمكان، بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما دل من الكتاب و السنة على الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها، و إلى عدم

ج 27، ص: 123

جواز وضع اليد على مال الغير بغير إذنه، و الفرض عدمها هنا، لانقطاع الاولى بالمطالبة.

نعم لا ريب في اعتبار الإمكان عقلا بل و شرعا ضرورة عدم التكليف أصلا في الأول، بل و الثاني، لأن المانع شرعا كالمانع عقلا إذا فرض رجحان مراعاته على وجوب رد الوديعة، بل في المسالك «و المراد بالإمكان ما يعم الشرعي و العقلي و العادي، فلو كان في صلاة واجبة أتمها أو بينها و بينه حائل من مطر مانع و نحوه صبر حتى يزول، أو في قضاء حاجة فإلى أن ينقضي الضروري منها، الى أن قال: «و هل يعد إكمال الطعام و الحمام و صلاة النافلة و انقطاع المطر غير المانع عذرا، وجهان: و استقرب في التذكرة العدم، مع حكمه في باب الوكالة بأنها أعذار في رد العين، و ينبغي أن يكون هنا أولى، و هل التأخير ليشهد عليه عذر؟ قيل: نعم، ليدفع عن نفسه النزاع و اليمين لو أنكر الرد، و قيل: لا، لأن قوله في الرد مقبول فلا حاجة إلى البينة، و لأن الوديعة مبنية على الإخفاء غالبا، و فصل آخرون تفصيلا جيدا فقالوا: إن كان المالك وقت الدفع قد أشهد عليه بالإيداع فله مثله، ليدفع عن نفسه التهمة، و إن لم يكن أشهد عليه عنده لم يكن له ذلك».

قلت: لم أجد في شي ء من النصوص اعتبار الإمكان كي يرجع في صدقه إلى العرف و لا العذر حتى يكون الأمر فيه أيضا كذلك، و قد عرفت عدم جواز وضع اليد على مال الغير بغير إذنه.

نعم قد يتعارض وجوب الرد مع الواجبات فيفزع إلى ترجيح، و ربما يرجح رد الوديعة فيما لو كان قد نذر الاعتكاف مثلا سنة في مكان مخصوص، للضرر على المودع بحبس ماله عليه.

اللهم إلا أن يقال بترجيح كل ما سبق تعلقه عليه، و فيه منع، لان السبق لا يقتضي تأخير امتثال الخطاب الأخر الذي هو مطلق. و لا تخصيصه بذلك: فتأمل.

كما أنه قد يقال: إن إطلاق الأمر بالتأدية يرجع فيه إلى المتعارف في رد الودائع، فلا يجب عليه شدة الإسراع بركض و نحوه، و إن اقترحه عليه المالك، و كذا قطع الأكل و الحمام و النافلة و نحوها، و لعله لذا و نحوه يراد الفورية العرفية

ج 27، ص: 124

لا العقلية في نفس التأدية.

و بذلك يظهر لك أن الميزان ما ذكرناه، لا الرجوع إلى صدق الإمكان و العذر بعد ان لم يوجدا عنوانا في شي ء من الأدلة، و تظهر الثمرة في الضمان و عدمه مع التأخير الجائز له و غير الجائز.

و كيف كان يجب الرد و لو كان المودع كافرا لإطلاق الأدلة، و خصوص خبر الصيقل و غيره من النصوص المستفيضة(1)و المتواترة المأمور فيها برد الأمانة على صاحبها، و إن كان قاتل على أو الحسنين عليهم السلام أو أولاد الأنبياء أو مجوسيا أو شاميا أو حروريا، المعمول بها بين الأصحاب، عدا ما يحكى عن أبى الصلاح من أنه إذا كان المودع حربيا وجب على الودعي أن يحمل ما أودعه إلى سلطان الإسلام، و رماه بعضهم بالشذوذ.

لكن ينبغي النظر في مثل الفرض المزبور- بعد معلومية جواز تملك مال الحربي، و أنه في ء للمسلمين، و أنه كالأموال المباحة، و أن له التوصل إليه بكل طريق من الربا و السرقة و غيرهما أنه لا يجوز للودعي تملكه في هذا الحال، فيكون ذلك خارجا من الرخصة في تملكه، أو انه و إن جاز له ذلك إلا أنه يجب عليه رده له و إن ملكه، عملا بالدليلين معا، إلا أنه لا يخفى صعوبة الالتزام بكل منها بل قد يتأمل في دلالة أدلة المقام على مثل ذلك و انما هي مساقة لبيان وجوب رد الوديعة على البر و الفاجر و المسلم و الكافر الذي يمكن تنزيله على محترم المال نحو النصوص في المقام أيضا الدالة على احترام أموال المخالفين معللة بانا معهم في دار هدنة الى ان يظهر صاحب الأمر عليه السلام فالمراد حينئذ وجوب رد الوديعة حينئذ على كل محترم المال في الدنيا للهدنة فيها و ان كان كافرا لا ان المراد وجوب ردها حتى على غير

محترم المال من الكافر الحربي و نحوه مما جاز تملك ماله أو ممن كان للودعي عنده مال غاصب له و أراد المقاصة من وديعته أو نحو ذلك مما تطابقت عليه الأدلة على جوازه، و لا أقل من التعارض في الأدلة من وجه، و لا ريب في


1- 1 الوسائل الباب- 2- و 3 من أبواب أحكام الوديعة.

ج 27، ص: 125

رجحان أدلة المقاصة و أدلة حلية مال الكافر الحربي مثلا، خصوصا بعد ظهور التعليل في بعض أدلة المقام «بانا معهم في دار هدنة» في محترمى المال و بعد إمكان حمل ما هنا على الكراهة من حيث الائتمان بخلاف تلك الأدلة.

بل قد يشكل رد المال على الحربي بكونه محكوما بأنه في ء للمسلمين، و ملك لهم، و لعله لذا سمعت الرجوع فيه إلى سلطان العدل من أبى الصلاح، و بالجملة قد ظهر لك من ذلك كله أنه إن لم يكن إجماع على وجوب الرد حتى على الحربي و حتى على من عليه حق المقاصة و غيرهم، أمكن المناقشة فيه بما عرفت. فتأمل جيدا و الله العالم.

نعم لا إشكال في وجوب الرد على من لم يكن كذلك إلا أن يكون المودع غاصبا لها ف انه لا يجب بل لا يجوز ردها عليه، لعدم الوديعة شرعا بل يمنع منها، و لو مات فطلبها وارثه وجب الإنكار مع توقف الحفظ.

و يجب إعادتها على المغصوب منه إن عرف، و إن جهل عرفت سنة، ثم جاز التصدق بها عن المالك، و يضمن المتصدق إن كره صاحبها ل

خبر حفص بن غياث (1)المنجبر ضعفه بعمل الأكثر «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل من المسلمين أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا، و اللص مسلم فهل يرد عليه قال: لا يرده، فإن أمكنه أن يرده على صاحبه فعل، و إلا كان في يده بمنزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها عليه، و إلا تصدق بها، و إن جاء بعد ذلك خيره بين الأجر و الغرم فان اختار الأجر فله و إن اختار الغرم غرم له، فكان الأجر له.»

خلافا للحلبي و الحلي- فأوجبا ردها إلى إمام المسلمين، و مع التعذر يبقى أمانة ثم يوصي بها إلى عدل إلى حين التمكن من المستحق، و عن الفاضل في المختلف أنه قواه، لأنه أحوط، و لضعف الخبر الذي قد عرفت انجباره،- و للمفيد و الديلمي


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب اللقطة الحديث- 1.

ج 27، ص: 126

فأوجبا إخراج الخمس قبل التصدق، و لم يذكرا التعريف، و للفاضل في الإرشاد، و تبعه الشهيد الثاني فخير بين الصدقة بها- بعد الياس و التعريف- مع الضمان، و إبقائها أمانة، بل لعله ظاهر المصنف.

إلا أن الجميع كما ترى خصوصا بعد ما سمعت من الخبر المعمول به بين الأصحاب الموافق للمعلوم من حكم مجهول المالك الذي ما نحن فيه فرد منه، و لا ينافيه التعريف سنة الذي هو حكم اللقطة، لا مجهول المالك الذي حد التعريف به اليأس لا السنة، لإمكان حمل الخبر

المزبور على إرادة حصول اليأس بذلك غالبا، أو على إرادة بيان أن الفرض مثل اللقطة التي عرفت حولا في أصل التصدق بها و الضمان بقرينة قوله «و إلا» المراد منه عدم إمكان رده على صاحبه، حتى بالتعريف لحصول اليأس منه.

و لعل ذلك على سبيل الوجوب، للأمر به، و كونه طريقا من طرق الإيصال اللهم إلا أن يكون المراد بالأمر الرخصة في ذلك، لأنه في مقام توهم الحظر، و لأن الأمر به على حسب الأمر به في اللقطة، المخير فيها بينه و بين إبقائها أمانة. و لأن في الوجوب ضررا عليه، باحتمال الغرم.

و لعله لذا كان خيرة الفاضل و ثاني الشهيدين ما عرفت، و لعل الأولى من ذلك دفعه إلى إمام المسلمين أو نائبه الذي هو ولى من لا ولى له، ليسلم به من الضمان، و هو الذي لمحه الحلبي و الحلي، و لا مانع منه على إرادة الجواز أما الوجوب فهو مناف لظاهر أمر من في يده بالصدقة به.

ثم إن الضمان على تقديره هل هو بمعنى رده على صاحبه لو جاء و لم يجز أو بمعنى كونه كسائر الديون، فيجب الإيصاء به، و يجب على الورثة، وجهان: أو لهما أنسب بأصل البراءة، و ثانيهما أنسب بقاعدة «على اليد» و «من أتلف» و «عدم إجازة الفضولي».

و على كل حال ف لو كان الغاصب مزجها بماله، ثم أودع الجميع فإن أمكن المستودع تمييز المالين، رد عليه ماله و منع الآخر بلا خلاف و لا إشكال،

ج 27، ص: 127

و ان لم يمكن تمييزهما و لو بالقسمة الإجبارية وجب إعادتهما على الغاصب عند الأصحاب على ما نسبه إليهم غير واحد، بل عن الغنية و السرائر الإجماع عليه، تقديما لاحترام المال المعلوم مالكه، على غيره الذي لا يمكن معرفته ليرد على صاحبه.

لكن في المسالك و تبعه عليه غيره «إن الأوفق بالقواعد رده على الحاكم مع إمكانه، ليقسمه و يرد على الغاصب ماله، و مع تعذره يحتمل قويا جواز تولي الودعي القسمة إن كان مثليا، و قدر حق الغاصب معلوما، جمعا بين الحقين، و القسمة هنا إجبارية، للضرورة، تنزيلا للودعي منزلة المالك، حيث قد تعلق بضمانه، و للحسبة، و لو امتزج على وجه لا يعلم القدر أصلا ففيه إشكال، و يتوجه حينئذ ما أطلقه الأصحاب إن لم يمكن مدافعة الغاصب على وجه يمكن معه الاطلاع على الحق، و يحتمل عدم جواز الرد مطلقا مع إمكانه، إلى أن يعترف الغاصب بقدر معين، أو يقاسم لاستحالة ترجيح حقه على حق المغصوب منه، مع تعلق الودعي بالحقين».

قلت: لعل المتجه أولا قيام عدول المؤمنين مقام الحاكم مع تعذره و وكيله، فان تعذروا فالودعي أو غيره ممن يقوم مقامهم في الحسب، كما أن المتجه الرجوع إلى الحاكم في صورة عدم العلم بالقدر، بل لعلها أولى من الأولى التي يمكن دعوى خروجها عن موضوع كلام الأصحاب، المفروض فيه عدم إمكان التمييز حتى بالقسمة بعدم العلم بالقدر، و ربما يكون المتجه حينئذ ضمان الغاصب له بالمثل أو القيمة أو الرجوع إلى الصلح معه من الحاكم أو من يقوم مقامه مع تعذر المالك، و حينئذ يكون هو الوجه في الأمر برد الجميع على المالك، مضافا إلى الإجماع المزبور.

ج 27، ص: 128

[الأمر الثاني في موجبات الضمان ]

اشارة

الأمر الثاني: في موجبات الضمان و ينظمها قسمان: التفريط و التعدي بل قسم واحد، و هو التقصير و إن حصرها بعضهم في ستة: الانتفاع بها، و الإيداع، و التقصير في دفع المهلكات، و المخالفة في كيفية الحفظ، و التضييع بأن يلقيها في مضيعة، و الجحود، و الأمر سهل بعد معلومية عدم ضمانها بدونهما إجماعا بقسميه و نصوصا، و الضمان مع كل منهما كذلك، لصدق الخيانة المقابلة للايتمان المجعول في النصوص سببا أو عنوانا لعدم الضمان، و لصدق الإتلاف و التضييع في الأول منهما، و النصوص المتقدمة(1)في باب الرهن و المضاربة المشتملة على الضمان بالتعدي و الاستهلاك، بعد معلومية اشتراك الجميع في الحكم المزبور، باعتبار كونها أمانة.

و ما في بعض النصوص (2)من عدم ضمان الثوب المرهون إذا تلف بترك نشره، معرض عنه، و إن أفتى به بعضهم، لكنه شاذ مع إمكان حمله على ما إذا لم يكن تفريطا، أو بنهي المالك عنه، أو غير ذلك مما لا بد منه، للجمع بين النصوص

التي لا خلاف معتد به في الفتوى بها بالنسبة إلى ضمان كل أمانة بهما.

مضافا إلى

مكاتبة محمد بن الحسن (3)أبا محمد عليه السلام «رجل دفع إلى رجل وديعة فوضعها في منزل جاره، فضاعت هل يجب عليه إذا خالف أمره و أخرجها عن ملكه فوقع عليه السلام هو ضامن لها إنشاء الله».

و كيف كان فقد فرق بينهما في المسالك بأن التعدي فعل ما لا يجوز فعله كلبس الثوب و نحوه و

[القسم الأول في التفريط]

أما التفريط فأمر عدمي، و هو ترك ما يجب فعله من الحفظ


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن و الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الوديعة الحديث 1.

ج 27، ص: 129

و نحوه، قلت: قد عبر عنه في نصوص الرهن بالاستهلاك و التضييع و نحو ذلك مما هو أمر وجودي أيضا، و إن تقوم بعض أفراده بالعدم، فلا يكفي حينئذ في إثباته بالأصل كما أشرنا إليه سابقا و لذا جعل المصنف و غيره من أمثلته أن يطرحها فيما ليس بحرز و يذهب عنها، و لم يبق مراعيا لها بعينه التي هي حرز أيضا، و لا ريب في أنه وجودي.

نعم قوله أو يترك سقي الدابة أو علفها، أو يترك نشر الثوب مثلا الذي يفتقر إلى النشر

قد يتوهم منه ذلك، لكن المراد استهلاكه و تضييعه بترك ذلك، لا أن مجرد عدم ذلك و لو لإكراه و نحوه تفريط منه، فيكون حينئذ وجوديا، و لعل الأمر في ذلك كله سهل بعد الاتفاق على عدم قبول دعوى المودع عليه بذلك من دون بينة، و لو لأنه أمين يصدق في دعوى عدم التفريط، أو لأن قوله موافق لأصالة البراءة من الضمان الذي هو غير محتاج إلى واسطة، بخلاف عدم نشر الثوب الذي هو واسطة في إثبات الضمان.

و كيف كان فهو سبب من أسباب الضمان بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، فلا تفاوت حينئذ بين التلف به أو بغيره كيد العدوان التي هي سبب فيه و إن تلف بآفة سماوية، و ليس ذلك لانفساخ الوديعة، بل هي باقية، للأصل، و عدم المنافاة بذلك في الأثناء لها، نحو ما سمعته في مال المضاربة الذي قد تعدى فيه العامل، فإنه يقتضي الضمان و إن بقي العامل على مضاربته، و تسبيبه الضمان على هذا الوجه، إما للإجماع، أو للخيانة، أو للمكاتبة المزبورة أو لنصوص الرهن و المضاربة المشتملة على الضمان به و بالتعدي، من غير تقييد بالتلف في خصوص ما صدر منه من التفريط و التعدي، و اختصاص المورد في بعض النصوص لا يقتضي تخصيص الوارد، إنما الكلام في اقتضاء ذلك الضمان منه، حتى لو كان الجهل باحتياج الوديعة لذلك أو نسيان أو اكراه أو نحو ذلك مما يكون الودعي معذورا فيه شرعا، وجهان و في القواعد «و لو ضيع بالنسيان فالأقرب الضمان» كما عن التحرير و الإيضاح

ج 27، ص: 130

و جامع المقاصد، و هو متجه لو ثبت تسبيبه على وجه يشمل الغافل و الناسي و نحوهما ممن هو غير مكلف، و بذلك يفرق بين الإتلاف و بينه، بناء على ثبوت من أتلف أو نحوه مما يشمل هؤلاء أجمع.

و دعوى اقتضاء إطلاق (1)

«على اليد»

ذلك، إنما خرج الوديع الذي لم يقع منه ذلك و لو نسيانا.

يدفعها أنه ليس بأولى من القول بأن إطلاق ما دل على عدم ضمان الأمين يقتضي العموم، و أقصى ما خرج منه العامد الآثم، دون غيره، و لعل هذا أولى، و لا أقل من الشك، و الأصل البراءة.

لكن الإنصاف إمكان ما يقضي بتسبيب مباشرة الإتلاف و نحوه، مما يصح النسبة معه حتى مع الغفلة و النسيان، و لعل هذا هو المدار في التفريط و التعدي فما كان من أفرادهما كذلك ضمن حتى مع النسيان، و إلا فلا و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال في الضمان في الجملة بما سمعت من أمثلة التفريط أو يودعها من غير ضرورة و لا إذن فإنه كذلك، للخبر السابق (2)و للتعدي فيها، من غير فرق بين الزوجة و العبد، و الخادم و نحوهم، مع فرض

عدم قرائن حالية أو مقالية تقتضي الإذن بذلك و لا بين الثقة و غيره، و لا بين أن يجعل ذلك الغير مستقلا بها و شريكا في الحفظ، بحيث يغيب عن نظره.

و في المسالك «هو موضع وفاق، و لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه لأن المالك لم يرض بيد غيره و أمانته- بل قال-: و في حكم مشاركة غيره في الوديعة وضعها في محل مشترك في التصرف، بحيث لا يلاحظها في سائر الأوقات، سواء كان خارجا عن داره أم غير خارج، نعم لو كان عند مفارقته لضروراته يستحفظ من يثق به، و يلاحظ المحرز في عوراته، رجح في التذكرة اغتفاره لقضاء العادة به، و لأنه إيداع عند الحاجة».


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب اللقطة الحديث 1.

ج 27، ص: 131

قلت: لعله كذلك فيه و في كل ما جرت العادة به في الودائع التي يمكن دعوى بناء العقد على ذلك، و على فهمها من الإطلاق، و الأمر سهل.

إنما الكلام في الضرورة التي ذكرها المصنف قال في المسالك: «لو حصل ضرورة الإيداع بأن خاف عليها من سرق أو حرق أو نهب أو أراد سفرا و تعذر ردها إلى المالك أو وكيله، دفعها إلى الحاكم، و لا يسمى ذلك إيداعا، فان تعذر أودعها العدل، و هذا هو الخارج بالقيد، فلا يجوز إيداعها للضرورة ابتداء، بل على الوجه الذي فصلناه، و سيأتي في كلامه التنبيه عليه» إلى غير ذلك من كلامهم الظاهر في جعل الضرورة عنوانا لجواز الإيداع لكن ليس في شي ء من النصوص ذلك كي يرجع في مصداقها إلى العرف، و أن السفر للدنيا أو للآخرة أو للنزاهة و نحوها منها أولا.

ثم إنه مع تعذر الحاكم ينبغي الرجوع الى عدول المؤمنين القائمين مقامه في الحسب ليكون علم الرد للمالك لا إيداعا للضرورة كما سمعته من المسالك، و احتمال إرادته ذلك من إيداع العدل يدفعه قوله: إن هذا هو الخارج بالقيد إلى آخره، على أنه مع تسليمه قد يناقش بعدم كونه إبداعا عرفا أيضا مع فرض عدم إذن المالك له، و رخصة الشارع له فيه لا تصيره وديعة عرفا، و دعوى حصول الإذن من المالك له في هذا الحال واضحة المنع، فليس حينئذ إلا القول بأنه مخاطب بحفظها من جهتين، إحداهما من حيث كونه وديعة، و الأخرى من حيث أنها مال محترم، فمع فرض الضرورة يتعين عليه ملاحظة الجهة الثانية، فيودعها لذلك، و ليس هذا وديعة اصطلاحا، إذ هي استنابة من المالك في الحفظ، و إنما هو وضع منه لحفظها، في يد غيره لأن له ولاية عليها بالنسبة إلى حفظها و إن لم يكن له ولاية على مالكها.

فاستثناء الضرورة حينئذ من عدم جواز الإيداع بهذا المعنى، لا أن المراد جواز الإيداع من حيث كونه وديعة، لكن حال الضرورة على معنى صيرورة الإيداع حالها من أفراد الحفظ الذي قد استفيد الإذن فيها من عقد الوديعة، فتأمل جيدا فإنه يترتب على ذلك ثمرات.

ج 27، ص: 132

و به يظهر الفرق بين حالي الضرورة، و الإذن الذي مرجعه إلى الرخصة من المالك في حفظ الوديعة بهذا الفرد الذي لم يفهم من الإطلاق، و هل يكون الوديع الثاني حينئذ وديعا للمالك فلا ينفسخ بموت الوديع الأول مثلا أو أنه وديع له لا المالك.

ثم إنه هل يحكم بالضمان مثلا بمجرد الإيداع، حتى يعلم الضرورة أو الاذن، أو يحكم بالبراءة حتى يعلم عدم الضرورة و الإذن، وجهان: و في تصديق الأمين في دعوى الضرورة و الأذن وجه، و إن كان يقوى خلافه في الأخير، كما أنه قد يقوى الحكم بالضمان بمجرد الإيداع مثلا أو السفر بها مع عدم ثبوت الضرورة و الإذن و لو بدعواه ذلك، بناء على تصديقه لموت و نحوه فتأمل.

و على كل حال فقد ظهر لك أن من التفريط أو التعدي أن يودعها على الوجه المزبور.

أو يسافر بها كذلك بلا ضرورة و لا إذن مع خوف الطريق و أمنه بلا خلاف أجده فيه، لعدم تناول إطلاق العقد السفر الذي هو نوع تغرير بها إلا مع القرينة، كما لو أودعه في حال السفر أو نحو ذلك، و البحث في الضرورة و الإذن على نحو ما سمعته في الإيداع، حتى بالنسبة إلى الرد على المالك أو وكيله أو الحاكم، بل في التذكرة «لو سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو الأمين ضمن عند علمائنا أجمع، سواء كان السفر مخوفا أو غير مخوف» بعد أن صرح بعدم لزوم المقام عليه، لحفظ الوديعة، لأنه متبرع بإمساكها، و إنما يلزمه حينئذ الرد إلى المالك أو الوكيل أو الحاكم أو الأمين كما أنه في محكي المبسوط نفى الخلاف عن عدم الضمان بالرد إلى الحاكم أو العدل، إذا أراد السفر، قال: «لأن السفر مباح، فلو قلنا: ليس له ردها لمنعناه من المباح الذي هو السفر».

نعم في المسالك هنا «فان تعذر أودعها العدل، فان فقد فلا يخلو إما أن يخاف عليها مع إبقائها في البلد أو لا فان خاف جاز السفر بها كما سيأتي، و هو الموافق لمفهوم العبارة هنا، و إن لم يخف عليها فمفهوم قوله كذلك أي كالسابق، و هو عدم

ج 27، ص: 133

الضرورة و الإذن أنه لا يجوز السفر بها حينئذ، و هو كذلك، لأن الإذن مع الإطلاق إنما يتناول الحفظ في الحضر عملا بالعادة، و لان السفر لا يخلو من خطر في الجملة، و للخبر إلى آخره» و الخبر هو

قوله عليه السلام (1)«إن المسافر و ماله لعلي تلف إلا ما وقى الله»

لكن هل يجب عليه الإقامة حينئذ مع عدم كون السفر ضروريا له، أو يجوز له السفر بها ضامنا لها و المحكي عن التذكرة بل و التحرير التخيير بين الأمرين الإقامة، أو السفر بها ضامنا لها.

قلت: قد يقال: إن المتجه الأول للمقدمة، و إليه يرجع ما في المسالك حيث أنه بعد أن حكى عن التذكرة ما سمعت، قال: «و الأجود

المنع» لكن الإنصاف أنه ينبغي التقييد بما إذا لم يتمكن من حفظها في محلها و إن سافر عنها، على وجه لا يعد كونه مفرطا فيها و مضيعا لها، و إلا جاز له السفر مع ذلك، بل قد يقال: بأن له مصاحبتها في سفره حافظا لها مع فرض عدم إمكان حفظها مع السفر عنها، و لا تجب الإقامة معها، و لا ضمان عليه إذا لسفر أن لم يكن ضروريا له، حال ضرورة تجوز له مصاحبتها، كما جوزت له إيداعها من الثقة الذي قد عرفت عدم جوازه إلا مع الإذن أو الضرورة التي منها ارادة السفر و ان لم يكن ضروريا، فتأمل.

و من ذلك يعلم أنه لو فرض كون السفر ضروريا له أو ضروريا لها سافر بها حينئذ، و لا ضمان عليه قال في التذكرة: «لو اضطر الى السفر بالوديعة بأن يضطر الى السفر و ليس في البلد حاكم و لا ثقة، و لم يجد المالك و لا وكيله، أو اتفق جلاء لأهل البلد، أو وقع حريق أو غارة أو نهب، و لم يجد المالك و لا وكيله و لا الحاكم و لا العدل، سافر بها و لا ضمان إجماعا، لأن حفظها حينئذ في السفر بها، و الحفظ واجب، فإذا لا يتم الا بالسفر بها كان السفر واجبا، و لا نعلم فيه خلافا».

و في محكي المبسوط إذا كان البلد مخوفا بفزع من النهب و الحريق فله أن يسافر بها، و لا ضمان عليه بلا خلاف.


1- 1 أورده العجلونى في كشف الخفاء بالرقم 2104 و فيه« على قلت» و القلت الهلاك.

ج 27، ص: 134

و لعل المحصل من كلامهم مسائل، منها: ان له السفر و ان لم يكن ضروريا له، و لا يحرم عليه السفر من جهتها كما سمعته من المبسوط و التذكرة، إلا أنه يجب عليه الرد المزبور، و قد يناقش فيه أن لم يكن إجماعا بأنه مخالف للسيرة المستمرة في جميع الأعصار و الأمصار على السفر من الوديعين بدون ذلك، و الإكتفاء ببقائها في حرزها اللائق بها في داره التي بيد زوجته و أولاده و عياله، و ليس ذلك ايداعا لها عندهم، بل هو نحو اللبث أياما عديدة لما دون المسافة للاعتكاف و غيره، و الوديعة في حرزها بيد الناظر لها و لداره من عياله و غيرهم، و مع التسليم يتجه وجوب القيام عليه مقدمة للحفظ الواجب عليه.

و احتمال أن له فسخها في كل وقت، باعتبار كونها عقدا جائزا فيردها حينئذ إلى المالك أو وكيله أو الحاكم، أو يودعها إلى الأمين.

يدفعه ما تسمعه من المصنف و غيره من عدم جواز دفعها الى الحاكم مع عدم العذر، و أنه يضمن بذلك، و ما تقدم سابقا من عدم جواز إيداعها إلى الثقة إلا لضرورة، و الفرض عدمها مع عدم كون السفر ضروريا له.

و منها وجوب السفر بها مع الخوف عليها مقدمة للحفظ الواجب عليه، و قد يناقش بعدم ثبوته على الإطلاق، كي يكون ذلك واجبا عليه للمقدمة، و لعله لذا جزم فخر الإسلام فيما حكي عنه بعدمه، قال «لا يجب السفر عليه لأجلها و إن خاف تلفها بدونه، بل إن اختار السفر وجب عليه استصحابها فلا يكون السفر واجبا، و إنما يجب مصاحبتها لو اختاره» بل لعله ظاهر كل من عبر بجواز السفر، كالمصنف فيما يأتي و غيره، و دعوى إرادة الأعم من الوجوب ممنوعة فتأمل جيدا و ربما يأتي لذلك تتمة إنشاء الله.

و منها التخيير بين السفر بها ضامنا لها أو لا و الإقامة مع تعذر النفقة و قد عرفت الحال فيه.

و من التفريط أو التعدي أيضا طرح الأقمشة أو الكتب و نحوهما في المواضع التي تعفنها أو تفسدها مدة تكون به كذلك عادة، بل في المسالك «يمكن

ج 27، ص: 135

اعتبار كونه ضررا لها مطلقا، فلا يجوز وضع الثوب في موضع يعفنه و إن عزم على نقله قبل الفساد، نظرا إلى أنه ليس بحرز له عادة» و إن كان هو كما ترى، ضرورة ملاحظة طول المكث و قصره في الحرز عادة كما هو واضح.

و كذا يضمن لو ترك سقي الدابة و علفها مدة لا تصبر عليها مثلها في العادة فماتت به لتحقق التفريط، بخلاف موتها قبل ذلك فإنه لم يتحقق التفريط، و الأصل البراءة من الضمان.

نعم لو اتفق بقاؤها و عدم فوتها بذلك كانت داخلة في ضمانه، كما أنه لو نقصت بالترك المزبور ضمن النقص.

قال في التذكرة لو امتنع المستودع من ذلك، و عن السقي و العلف حتى مضت مدة تموت مثل تلك الدابة في مثل تلك المدة نظر، إن ماتت ضمنها، و إن لم تمت دخلت في ضمانه، و ان نقصت ضمن النقصان، فان ماتت قبل مضي تلك المدة لم يضمنها» و مرجعه إلى ما ذكرناه من عدم تحقق التفريط قبل مضيها كما أن مرجع ما ذكره المصنف إلى ذلك، لا إلى إرادة اختصاص الضمان بالموت به، كي يكون منافيا للمعلوم المقطوع به عندنا، من ضمان ما تحقق به التفريط إن تلفت بأي سبب يكون.

و بذلك يعرف ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر ذلك قال: «فتعليق المصنف الحكم على موتها بسبب ترك ذلك مدة لا تصبر عليه عادة، إن أريد به هذا المعنى، فلا إشكال من هذه الحيثية، لكن يشكل اختصاص حكم الضمان بموتها، مع أنها قد صارت مضمونة بالتفريط، و من شأن المضمون أن لا يفترق الحال بين تلفه و نقصه بذلك السبب و غيره و سيأتي له نظائر كثيرة في كلامه، و إن أراد به معنى آخر أخص مما ذكرناه كما هو الظاهر، أشكل الحكم مما سبق، و من توقف الضمان على ترك هذه المدة، مع أن الواجب القيام بالمعتاد منه و بتركه يتحقق التفريط.

إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، من أن مراد المصنف العلم بتحقق التفريط بذلك، إذ ترك المعتاد مع فرض عدم التعريض به لتلف مثل هذه الدابة لا يعد تفريطا قطعا، و إن قلنا بوجوبه عليه للعادة، ثم قال: «و في عبارة

ج 27، ص: 136

العلامة ما هو أبلغ مما هنا، فإنه قال في التذكرة و حكى ما حكيناه ثم قال: هذه عبارته، و قد علق الضمان فيها كما ترى على ترك ذلك مدة يموت فيها عادة، لا تأخيره زيادة على المعتاد، و لا زيادة على ما تصبر عليه عادة، مع أنك قد عرفت معنى عبارة المصنف، و أن مرجعها إلى ما ذكرناه من عدم تحقق التفريط بدونه، و عدم الضمان بالموت قبله.

[القسم الثاني في التعدي ]

القسم الثاني في التعدي الذي قد عرفت تسبيبه الضمان و هو مثل أن يلبس الثوب مثلا للانتفاع به أو بلا قصد لا أن يلبسه لحفظه أو يركب الدابة كذلك أو يخرجها من حرزها لينتفع بها نعم لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية للأصل و عدم صدق الخيانة بالعزم على الانتفاع بها فيما يأتي من الزمان، و لكن لم يفعل، و لم يغير نيته في قبضه عن المالك.

أما لو نوى الغصب في استدامة القبض صار ضامنا و غاصبا لكونه كما لو قبضها من أول الأمر على وجه الخيانة، لا الأمانة على ما اعترف به في المسالك، إلا أنه قال بعد ذلك: و في تأثير النية في استدامة الأخذ كما يؤثر في ابتدائه وجهان: من ثبوت اليد في الموضعين مقترنا بالنية الموجب للضمان، و من أنه لم يحدث فعلا مع قصد الخيانة، و الشك في تأثير مجرد القصد في الضمان، و تردد في التذكرة، و يتحقق ذلك في صور منها: أن ينوي الأخذ و لم يأخذ أو الاستعمال و لم يستعمل أو أن لا يرد الوديعة بعد طلب المالك و لم يتلفظ بالجحود، و غير ذلك فقد جزم المصنف فيما سبق بأنه لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية».

قلت: لا يخفى عليك انفساخ الوديعة بتجديد النية في استدامة القبض أنه له لا للمالك، فان قبول الوديعة كايجابها محتاج إلى استدامة النية السابقة، و لذلك قال الفاضل في القواعد في كتاب الغصب: «ان المودع إذا جحد أو عزم على المنع فهو

ج 27، ص: 137

من وقت الجحود و العزم غاصب» و وافقه عليه غيره، مع أنك ستسمع في الضمان بالجحود ما يؤكد ذلك.

كما أنه مما ذكرنا ظهر لك الفرق بين نية الانتفاع بمعنى العزم عليها فيما يأتي من غير تغيير في استدامة القبض عن المالك، و بينها مع التغيير المزبور، و به يجمع بين كلام الفاضل في الغصب الذي سمعته، و كلامه هنا، و هو «لو نوى الأخذ للانتفاع و لم يأخذ به لم يضمن، بخلاف الملتقط الضامن بمجرد النية، لأن سبب أمانته مجرد النية، و كذا أي يضمن لو جدد الإمساك لنفسه، أو نوى بالأخذ من المالك الانتفاع».

و لعله أولى مما ذكره الشهيد في المحكي عن حواشيه من الجمع بينهما إن لم يرد ما قلناه، فلاحظ و تأمل فيه، بل و في ما ذكره الفاضل من الفرق بين اللقطة و الوديعة، و الأمر سهل بعد معرفة التحقيق في أصل المسألة.

و على كل حال ف لو طلبت منه فامتنع من الرد في أول أوقات الإمكان الذي هو بمعنى التمكين منها مع القدرة عقلا و شرعا و عرفا على الوجه الذي تقدم سابقا ضمن لانقطاع الإذن بالاستنابة في حفظها، و تغيير يد الايتمان حينئذ بيد العدوان كما عرفته فيما مضى مفصلا.

و كذا يضمنها لو جحدها بعد طلبه منها ثم قامت عليه بينة أو اعترف بها لما عرفت من انقطاع الإذن ببقائها بالطلب، فهي حينئذ في يده مضمونة عليه، مضافا إلى خيانته بجحوده، و لو جحدها ابتداء أو عند سؤال غيره ففي المسالك «لم يضمن لأن الوديعة مبنية على الإخفاء فإنكاره لها بغير طلب يوجب الرد أقرب إلى الحفظ و هو كذلك مع العلم بأن جحوده لها لذلك.

أما إذا علم كونه لإرادة غصبها فالمتجه الضمان، لانقطاع قبولها وديعة حينئذ بل قد يقال بذلك بجحوده الذي لا يعلم حاله، أخذا بظاهره، إلا أن أصالة البراءة و استصحاب الامانة و غيرهما يقتضي العدم، و لعله الأقوى.

و لو لم يطلبها المالك، لكن سأله عنها أو قال: لي عندك وديعة، فأنكر، ففي

ج 27، ص: 138

الضمان قولان:

أحدهما: العدم كما عن التذكرة، لأنه لم يمسكها لنفسه، و لم يقر يده عليها بغير رضا المالك، حيث لم يطلبها و مجرد السؤال لا يبطل الوديعة، و لا يرفع الأمانة بخلاف الطلب.

و الثاني ثبوته لأن جحوده يقتضي كون يده ليست عن المالك، لأن نفى الملزوم يقتضي نفي لازمه من حيث هو لازمه، فلا يكون أمينا عنه، فيضمن كما عن الفخر و الكركي، و قد عرفت فيما مضى قوته، و أنه لذلك يكون غاصبا، و لو أظهر بجحوده عذرا بنسيان و نحوه لم يضمن إن صدقه المالك، و إلا ضمن عملا بظاهر الحال، و أصالة عدم النسيان، و ستسمع في المسألة السابعة في اللواحق ما يؤكد ذلك.

نعم لو كان الجحود لمصلحة الوديعة بأن يقصد به دفع ظالم أو متغلب و نحو ذلك لم يضمن، ضرورة بقاء يده على الأمانة. و زيادة الإحسان في الفرض و الله العالم.

و يضمن لو خلطها بماله بحيث لا يتميز بلا خلاف أجده، للتعدي بالتصرف الذي لا إذن فيه، سواء كان بأجود أو مساو أو أردى، بل لو خلطها بمال للمودع كذلك ضمن أيضا، سواء كان وديعة أيضا عنده أو أمانة أو غصبا، و منه يعلم أن سبب الضمان العدوان، لا الشركة.

نعم في المسالك و غيرها عدم الضمان مع تمييز المالين إن لم يستلزم المزج تصرفا آخر غير المزج منهيا عنه (1)، كما لو كان المال في كيس مختوم و نحو ذلك، فالضمان المنفي على تقدير الامتياز من حيث المزج، و إن أوجبنا الضمان من حيثية أخرى و لعله كذلك، للأصل، ان لم نقل بتحقيق العدوان في نفس الخلط و المزج، باعتبار كونه تصرفا في الوديعة غير ما هو نائب فيه، و لا من مقدماته، و إلا ففيه إشكال.

و كذا يضمن لو أودعه مالا في كيس مختوم أو في صندوق مقفل أو مدفونا ففتح ختمه و قفله و نبشه و إن لم يكن بقصد أخذ شي ء منه، و كذا ما أشبه الختم في الدلالة على قصد المالك الإخفاء كالخياطة و نحوها.


1- 1 هكذا في النسخ و الظاهر« غير المزج المنهي عنه».

ج 27، ص: 139

نعم في المسالك و محكي التذكرة عدم الضمان في حل ما يقصد به المنع من الانتشار و إن كان للأخذ و لم يأخذ، مع إمكان المناقشة فيه، بأنهما معا تصرف غير مأذون فيه، فهو تعد عما هو نائب فيه، فيضمن أيضا كما اعترف به في جامع المقاصد اللهم إلا أن يقال بكون العدوان الذي يتبعه الضمان خصوص ما يصدق عليه الخيانة عرفا من التصرف، لا مطلقا و إن أثم به، باعتبار عدم الإذن فيه.

و لعله لذا جزم الأردبيلي فيما حكي عنه «بأنه لا ضمان في شي ء من ذلك، حتى في فتح الختم، للأصل، و عدم التصرف و التقصير في الحفظ، و لم يثبت كون هتك الحرز موجبا للضمان، و لا بد له من دليل»، و هو جيد إن لم يكن دليله الإجماع على الضمان بالتعدي الذي هو التجاوز عما يقتضيه إطلاق عقد الوديعة، و إن لم يصدق به الخيانة أو أنها تتحقق به، مضافا إلى ما يمكن دعوى استفادته من نصوص الرهن و المضاربة من الضمان بالتعدي مطلقا، هذا كله في الختم من المالك.

أما إذا كان من الوديع ففتحه لم يضمن على ما صرح به غير واحد، إلا إذا كان بأمر المالك بعد الاستيداع أو قبله، فإنه كختم المالك، و من ذلك يعلم الحال فيما قيل: من أن المراد بالضمان في المتن و غيره ضمان المظروف، كما صرح به جماعة، و أما الظرف ففي ضمانه وجهان، و استقرب في التذكرة العدم، لانه لم يقصد الخيانة في الظرف، مع انه حكي عنها التوقف في الضمان بعد الدراهم الغير المختومة أو وزنها أو ذرع الثوب من انه تصرف في الوديعة، و من أنه لم يقصد الخيانة و رد بأن المعتبر في الضمان التعدي بالتصرف في الوديعة بما لا يقتضيه إطلاق عقدها، لا قصد الخيانة، و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا وجه الكلام في المسألة.

و منه يعلم ما عن المبسوط و التذكرة و التحرير، و في المسالك من أنه «لو خرق الكيس، فان كان الخرق تحت موضع الختم فهو كفض الختم، و إن كان فوقه لم يضمن إلا نقصان الخرق».

و كذا يعلم منه الحال أيضا فيما لو أودعه كيسين فمزجهما بآخر حتى مع اتحاد المالك، بل في المسالك «يمكن إرادة تعميم الحكم بالضمان بمطلق المزج،

ج 27، ص: 140

لاستلزامه التصرف في المالين بغير اذن المالك، حيث اقتضى إخراج أحدهما من كيسه و صبة على الآخر، و الظاهر أنه يضمن المخرج مطلقا، و أما الأخير فإن كان مختوما ضمنه، و إلا فلا مع بقاء التمييز لأنه لم يحدث فيه تصرفا ممنوعا منه مع احتمال الضمان و هو قول لبعض الأصحاب.

قلت: قد عرفت الوجه في جميع ذلك، و ربما كان في كلامه هنا منافاة لما ذكره سابقا في الخلط، هذا كله إذا كان الكيسان للمودع أما إذا كانا للوديع فلا ضمان مع بقاء التمييز، لان له نقل الوديعة من محل إلى غيره، و له تفريغ ملكه، و لا يتعين عليه الحفظ فيما وضع فيه أولا.

و لو أتلف بعض الوديعة المتصل ضمن الباقي، كما لو قطع يد العبد و بعض الثوب و لو كان منفصلا أو الإتلاف خطأ ففي القواعد «ضمنه خاصة كما لو أخرج بعض الدراهم و قد يشكل مع صدق الاتحاد عرفا بتحقق الخيانة، بل قد يدعى أن المدار في الاتحاد إيداع الجميع بعقد واحد، إلا أنه لا يخلو من بحث و الله العالم.

و كذا يضمن الأمين على الدابة مثلا لو أمره بإجارتها لحمل أخف، فآخرها لأثقل أو لأسهل فآجرها لأشق كالقطن و الحديد بلا خلاف و لا إشكال، لصدق التعدي و الخيانة، بل في المسالك «احتمال تحققه بمجرد العقد لتسليطه على الانتفاع العدواني فيخرج عن كونه أمينا كما يضمن بجحوده بل بمجرد نيته على قول مع عدم فعل ما يوجب الضمان» و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا.

كما أنه لا يخفى عليك ما ذكره أيضا فيها من أن المضمون على تقدير المخالفة هو الجميع على التقديرين، لتحقق العدوان في ذلك الانتفاع، مع احتمال التقسيط خصوصا في حمل الأثقل، لأن القدر المأذون فيه ليس بمضمون، و إنما التعدي بالزائد فيقسط الزائد عليهما، و على هذا فيعتبر في الآخر ما يساوي المأذون من الضرر، مع احتمال ضمان الجميع هنا و إن قلنا به ثم، لان مجموع الحمل مغاير للمأذون،

ج 27، ص: 141

بخلاف الأثقل إذا كان الثقل مستندا إلى زيادة المقدار مع اتحاد الجنس، كما لو أذن له في حمل قفيز فآجرها لقفيزين، ضرورة كون مراد المصنف ضمان نفس العين التي لا ينبغي التوقف في ضمانها أجمع بالتعدي المزبور، و أما المنفعة فللبحث فيها مقام آخر و الله العالم.

و لو جعلها المالك في حرز مقفل، ثم أودعها ففتح المودع الحرز و أخذ بعضها ضمن الجميع لصدق التعدي و الخيانة بذلك، بل قد عرفت تحققهما بالفتح و إن لم يكن للأخذ، بل ربما قيل بذلك بنية الأخذ و لو لم تكن مودعة في حرز، أو كانت مودعة في حرز للمودع بفتح الدال فأخذ بعضها ضمن ما أخذ خاصة بأخذه و إن لم يصرفه، لصدق التعدي و الخيانة فيه دون غيره، و الفتح إنما هو في ملكه، و لا أقل من الشك، و الأصل بمعانيه عدم الضمان.

لكن قد تقدم ما يعلم منه البحث في ذلك، كما أنه قد تقدم ما يعلم منه حكم الشد بأمر المالك بعد الاستيداع و قبله و حكم نية الأخذ من الوديعة في الأثناء و الابتداء.

لكن في المسالك هنا «أنه لو نوى التصرف في الوديعة عند أخذها بحيث أخذها على هذا القصد كانت مضمونة عليه مطلقا، لأنه لم يقبضها على وجه الأمانة، بل على سبيل الخيانة، و في تأثير النية في استدامة الأخذ كما تؤثر في ابتدائه وجهان: من ثبوت اليد في الموضعين مقرونا بالنية الموجب للضمان، و من أنه لم يحدث فعلا مع قصد الخيانة، و الشك في تأثير مجرد القصد في الضمان، و تردد في التذكرة، و يتحقق ذلك في صور، منها: أن ينوي الأخذ و لم يأخذ أو الاستعمال و لم يستعمل، أو أن لا يرد الوديعة إذا طلب المالك، و لم يتلفظ بالجحود و غير ذلك، و قد جزم المصنف فيما سبق بأنه لو نوى الانتفاع لم يضمن بمجرد النية».

قلت: لكن قد عرفت الفرق بين العزم على الانتفاع مع بقاء القبض عن المالك و بينه مع نية كون القبض له، ضرورة تحقق الغصب في الثاني كما اعترف به في القواعد

ج 27، ص: 142

و جامع المقاصد و غيرهما، بخلاف الأول.

و على كل حال لو أعاد بدله لم يبرأ إلا مع إجازة المالك. لعدم صيرورته بدلا بدون قبض المالك، و حينئذ ف لو أعاده و مزجه بالباقي ضمن ما أخذه خاصة مع التمييز، بل الجميع في وجه تقدم سابقا.

و أما لو أعاد بدله و مزجه ببقية الوديعة مزجا لا يتميز ضمن الجميع قطعا لما سمعته من تحقق التعدي بذلك، و لو أعاد عين المأخوذ لم يزل الضمان عنه، كما لم يزل بالرجوع عن كل تفريط و تعد و لا يتعدى إلى الباقي و إن مزجه بحيث لا يتميز، لأن الجميع مال المالك، غايته أن بعضه مضمون، و بعضه غير مضمون و لأن هذا الاختلاط كان حاصلا قبل الأخذ، و على هذا لو كان الجميع عشرة دراهم و أخذ منها درهما ثم رده إليها و تلف بغير تفريط لم يلزمه إلا درهم، و لو تلف منها خمسة لزمه نصف درهم، و هكذا.

قلت: قد يتوقف في تنقيح قاعدة تقتضي ذلك، اللهم إلا أن تكون هي قاعدة الاشتراك في الملك بالمزج القهري، و في العين بقيام الاحتمال منهما مع عدم الترجيح و إلا فقاعدة «على اليد» تقتضي ضمان المأخوذ حتى يعلم أداؤه إلى مالكه، فيلزمه حينئذ ضمان الدرهم مع تلف الخمسة أيضا، لعدم العلم بالأداء مع دفع الباقي إلى المالك هذا.

و الظاهر أنه لا فرق في جميع ما ذكرنا بين الأخذ بقصد العدوان، و بينه بقصد القرض، بعد فرض عدم جوازه له، لعدم الإذن و لو فحوى، لكن

في خبر الخثعمي (1)عن الصادق عليه السلام «قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه بغير إذن صاحبه فقال: لا يأخذ إلا أن يكون له إذن، قال: قلت: أ رأيت إن وجد من يضمنه، و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟ قال: نعم».

و في خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى عليه السلام المروي عن قرب الإسناد و


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 2.

ج 27، ص: 143

مستطرفات السرائر «سألته عن رجل كانت عنده وديعة لرجل فاحتاج إليها هل يصلح له أن يأخذ منها، و هو مجمع أن يردها بغير إذن صاحبها؟ قال: إذا كان عنده وفاء فلا بأس أن يأخذه و يرده».

إلا أنه لم أجد عاملا بشي ء منهما، لمنافاتهما أصول المذهب، ضرورة عدم اقتضاء عقد الوديعة الوكالة في القرض و الاستيفاء، فلا محيص عن طرحهما أو حملهما على الفحوى أو نحو ذلك و الله العالم.

[الأمر الثالث في اللواحق و فيه مسائل ]

اشارة

الأمر الثالث:

في اللواحق: و فيه مسائل.

[المسألة الأولى يجوز السفر بالوديعة إذا خاف تلفها مع الإقامة]

الأولى: يجوز السفر بالوديعة، إذا خاف تلفها مع الإقامة و قد تعذر الرد إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو الإيداع إلى الأمين، أو لا يرتفع الخوف عليها به، بل قيل: إنه يجب عليه السفر بها حينئذ، و قد عرفت البحث فيه سابقا.

ثم إنه على كل حال لا يضمن لعدم كونه متعديا و مفرطا في هذا الحال و لكن لا يجوز السفر بها حينئذ مع ظهور أمارة الخوف ضرورة عدم كونه حفظا لها، إذ السفر في نفسه مخاطرة، كما

قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)«المسافر و ماله على تلف إلا أن يشاء الله».

و حينئذ ف لو سافر و الحال هذه ضمن للتعدي و التفريط، نعم لو فرض كونه في هذا الحال أحرز لها من البقاء، ارتفع الضمان حينئذ.

[المسألة الثانية لا يبرء المودع إلا بردها إلى المالك ]

المسألة الثانية: لا يبرء المودع إلا بردها إلى المالك أو وكيله العام أو الخاص فان فقدهما فالى الحاكم الذي هو ولي الغائب في حفظ ماله لكن مع العذر (11) للوديع كالعجز عن حفظها، أو عرض له خوف يفتقر معه إلى السير المنافي لرعايتها، أو خاف عليها من السرق أو الحرق أو النهب أو نحو ذلك من


1- 1 راجع كشف الخفاء للعجلونى الرقم 2014.

ج 27، ص: 144

الضروريات.

و مع عدم العذر لم يجز له دفعها، فلو دفعها حينئذ يضمن لان المالك لم يرض بيد غيره، و الفرض عدم الضرورة لإخراجها من يده، فيجب عليه حينئذ حفظها إلى أن يجد المالك، أو يتجدد له عذر، و في المسالك «هكذا ذكره الأصحاب و لا نعلم فيه خلافا بينهم، و واقفهم جماعة من العامة، و لكن قد يقال: إن لم يكن إجماعا بعد جواز فسخ الوديعة له في كل وقت، و حينئذ تكون أمانة شرعية في يده يجب ردها على المالك أو وكيله أو وليه و هو الحاكم و إن لم يكن ضرورة، بل قد عرفت سابقا من إطلاق

كلامهم، بل هو صريح بعضهم جواز السفر عنها و إن لم يكن لضرورة، إلا أنه يدفعها إلى المالك أو وكيله أو الحاكم أو العدل، بل قد عرفت أيضا غير ذلك مما يظهر بعد التأمل في ملاحظة ما في كلام الأصحاب من التشويش في جملة من الأمور، فلا حظ و تأمل.

و على كل حال فحيث يجوز دفعها إلى الحاكم هل يجب عليه القبول لأنه ولي الغائب و منصوب للمصالح، أولا، للأصل، و لعل الأول أقوى، و كذا لو حمل اليه المديون الدين مع غيبة المدين و المغصوب و نحو ذلك.

و لو فقد الحاكم و خشي تلفها مثلا جاز إيداعها من ثقة و لو تلفت لم يضمن لعدم صدق التعدي و التفريط في الفرض الذي هو أحد أفراد الحفظ المأمور به في هذا الحال، لكن قد عرفت فيما مضى أن ذلك فسخ للوديعة، و الدفع إلى العدل باعتبار قيامه مقام الحاكم في الحسب، أو أنها باقية على الوديعة عنده و لكن جاز له ان وجب عليه حفظها بهذا الطريق في هذا الحال و ان لم يجز اختيارا و كذا الكلام في

[المسألة الثالثة لو قدر على الحاكم، فدفعها إلى الثقة ضمن ]

المسألة الثالثة التي هي لو قدر على الحاكم، فدفعها إلى الثقة ضمن ضرورة مرجع الجميع إلى وجوب هذا الترتيب، و قد قدمنا سابقا ما يستفاد منه التوقف في وجوب ردها مع السفر على الوجه المزبور و أن السيرة و الطريقة على خلاف ذلك بل قد يقال حتى لو كان المالك حاضرا و لم يطلبها،- و ما يستفاد منه أيضا عدم اعتبار كون السفر ضروريا، و أن الرد إلى العدل مع فرض عدم كونه لقيامه مقام الحاكم،

ج 27، ص: 145

كما هو صريح ما سمعته سابقا من المسالك بل و غيرها،- لا دليل على وجوب تعينه، ضرورة كونه حينئذ أحد أفراد الحفظ، المخير فيها في هذا الحال بعد فرض جواز السفر له، بل ربما يتفق الأحرز منه و بهذا يظهر لك النظر في.

[المسألة الرابعة إذا أراد السفر فدفنها ضمن ]

المسألة الرابعة و هي إذا أراد السفر فدفنها في حرز أو غيره أعلم بها العدل أو لا ضمن إلا أن يخشى المعاجلة كما في القواعد و الإرشاد، ضرورة ابتناء ذلك على ما سمعته من وجوب الرد على الترتيب المزبور، و الدفن مناف له، و الإعلام ليس ردا و لا ايداعا، و فيه ما عرفت من عدم الدليل على إيداع العدل بخصوصه، بل هو أحد أفراد الحفظ، كما أنه لو خشي المعاجلة، أي خاف عليها من معاجلة السارق و الظالم لم يضمن حينئذ بالدفن المراعي مقدار ما يتمكن منه من الحرزية و الإعلام و نحوهما، لانحصار طريق حفظها حينئذ بذلك، و كذا لو كان السفر ضروريا له و خاف معاجلة الرفقة، فدفنها مراعيا ما سمعت بعد تعذر ما وجب عليه من الرد على الوجه المزبور، و لكن قد تقدم لك ما يعرف منه وجه النظر في ذلك و الله العالم.

[المسألة الخامسة: لو أعاد الوديعة بعد التفريط إلى الحرز لم يبرأ]

المسألة الخامسة: لو أعاد الوديعة بعد التفريط أو التعدي بأن لبس الثوب ثم نزعه إلى الحرز لم يبرأ من الضمان للأصل و غيره و لو جدد المالك له الاستيمان بأن فسخ العقد السابق و رجع المال إلى يده ثم أودعه جديدا أو قلنا بكفاية تجديد العقد و إن لم يرجع المال إلى يده على حسب ما سمعته في رهن المغصوب برء من الضمان أيضا بلا إشكال.

و أما لو قال أذنت لك في حفظها أو أودعتكها أو استأمنتك عليها أو نحو ذلك مع عدم فسخ العقد الأول فالأقوى عدم البراءة من الضمان، للأصل و عدم صيرورته وديعة جديدة بذلك، إذ هو بالتفريط السابق لم ينفسخ عقد أمانته، و لم يرتفع الإذن له في حفظها و إنما صارت به وديعة مضمونة، فما في المسالك- من توجيه عدم الضمان بأنه إنما كان لحق المالك و قد رضي بسقوطه بإحداثه ما يقتضي الأمانة- لا يخفى

ج 27، ص: 146

ما فيه، كما أن قوله فيها أيضا «و يمكن بناء ما نحن فيه على مسألة أن الغاصب إذا استودع هل يزول الضمان عنه أم لا» كذلك أيضا، لما عرفت من عدم انفساخ العقد الأول المقتضي لبقائها وديعة مضمونة بالسبب الذي اقتضى الضمان، لا الفسخ، بل و كذا ما ذكره فيها أخيرا من أن الأقوى هنا زوال الضمان، لأن المستودع نائب عن المالك، بخلاف الرهن، ضرورة اتحاد الرهن و الوديعة من حيث النيابة عن المالك في الحفظ، فالمتجه حينئذ ما عرفت، إلا أن يراد بذلك البراءة من الضمان، و حينئذ يكون ذلك من القسم الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و كذا لو أبرأه من الضمان و لكن فيه إشكال بعدم دليل صالح لقطع أصالة الضمان، ضرورة عدم ثبوت مال في الذمة يكون موردا للإبراء فإن المراد من الضمان اشتغال ذمته لو تلفت بالمثل أو القيمة، فهو كما لو قال للغاصب أبرأتك من ضمان المال المغصوب في يدك، و نحوه مما هو إبراء عما لم يجب بعد.

و دعوى- كون المراد من الإبراء إسقاط الحق الذي هو تأهل الذمة للاشتغال على تقدير التلف- يدفعها منع سقوطه بذلك، للأصل، و لظاهر ما دل على سببية الضمان، الشامل لصورة الإسقاط السالم عن معارضة ما يقتضي صحة هذا الإسقاط على وجه يترتب عليه السقوط لمثل ما نحن فيه، المحتمل كونه كحق التحجير و نحوه و الله العالم.

و كيف كان ف لو اكره على دفعها إلى غير المالك، دفعها و لا ضمان وفاقا للمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، لضعف المباشرة و قوة السبب، و لأصالة البراءة، و للضرر بترك التسليم، فيباح له شرعا، و يكون مندرجا في نبوي (1)الرفع، المقتضي رفع الحكم وضعا و تكليفا إلا ما خرج، خلافا للمحكي عن أبى الصلاح، فأوجب الضمان لكونه متلفا، إذ الفرض أنه باشر الدفع بنفسه، لا أن


1- 1 الوسائل الباب- 56- من أبواب جهاد النفس الحديث 1- 3.

ج 27، ص: 147

المكره باشر الأخذ فيشمله عموم من أتلف، و نحوه، و ان كان له الرجوع على المكره باعتبار قوته، فقرار الضمان عليه.

لكن قد يشك في تناول الأدلة لمثل الفرض الذي هو فيه من المحسنين الذين لم يجعل الله عليهم سبيلا، فضلا عن الضرر البين حال عدم التسلط على المكره، و قد تقدم سابقا الكلام في المسألة في الجملة و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا أنكر الوديعة أو اعترف و ادعى التلف أو ادعى الرد و لا بينة فالقول قوله ]

المسألة السادسة إذا أنكر الوديعة أو اعترف و ادعى التلف أو ادعى الرد، و لا بينة، فالقول قوله بلا خلاف و لا إشكال في الأول،

لعموم (1)«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و على المشهور في الثاني شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، سواء أسنده إلى سبب أولا، و سواء كان ظاهرا كالغرق و الحرق، أو خفيا كالسرقة و نحوها، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل لم يحك الخلاف فيه إلا من الشيخ في المبسوط، فلم يقبل قوله إلا بالبينة في التلف بأمر ظاهر، لعموم البينة، لكن رماه بعضهم بالشذوذ، و العموم المزبور يجب

تخصيصه بالإجماع الظاهر، أو المحقق المحكي أو المحصل.

و

المرسل (2)في المقنع عن الصادق عليه السلام «عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال: نعم و لا يمين عليه»

و لأنه أمين محسن، قابض لمصلحة المالك فهو أولى من المضارب الذي قد يظهر من جملة من النصوص المفروغية من تصديقه في ذلك، و لذا احتيل للاستيثاق بجعل المال بعضه قرضا.

مضافا إلى

قول أبي جعفر عليه السلام (3)«لم يخنك الأمين، و لكن ائتمنت الخائن»

بناء على أن المراد من هذا و شبهه الحكم شرعا بعدم خيانة كل أمين لك، و أنه متى ائتمنت كان غير خائن لك شرعا، و لكن إذا خونته فاللوم عليك حيث إنك ائتمنت


1- 1 المستدرك ج 3 ص 199 الوسائل الباب 25 من أبواب أحكام الدعوى الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة- الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة- الحديث- 8.

ج 27، ص: 148

الخائن بزعمك.

و إلى

قول الصادق عليه السلام في خبر مسعدة بن صدقة(1)«ليس لك أن تأتمن من خانك، و لا تتهم من ائتمنت»

و خبر مسعدة بن زياد(2)عنه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: «ليس لك أن تتهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جربته»

فتأمل.

بل عن أبي على و أبي الصلاح أنه لا يمين عليه إلا مع التهمة

للمرسل (3)«لا يمين عليه إذا كان ثقة غير مرتاب»

بل عن الصدوق و الشيخ في النهاية و ابن حمزة أنه لا يمين عليه مطلقا، بل في الفقيه قضى مشايخنا رضى الله عنهم على أن قول المودع مقبول، فإنه مؤتمن و لا يمين عليه، و لكن الأقوى الأول، لقاعدة انحصار ثبوت الدعوى بالبينة و اليمين.

و كذا يصدق لو ادعى الرد إلى المالك أو وكيله على المشهور، بل عن جماعة الإجماع عليه، بل أرسلوه في غير المقام إرسال المسلمات، و هو الحجة، مضافا إلى كونه أمينا و إلى غير ذلك مما سمعته في دعوى التلف مما يمكن إجراؤه هنا، فما في القواعد و غيرها من النظر في ذلك في غير محله. نعم لا يقبل قوله في ذلك في الرد على الوارث، لأنه لم يأتمنه.

و على كل حال ف للمالك حينئذ إحلافه على الأشبه بأصول المذهب و قواعده أما لو دفعها إلى غير المالك و ادعى الأذن من المالك في

ذلك فأنكر المالك فلا ريب ف ي أن القول قول المالك مع يمينه لعموم

قوله (4)«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

الذي هو المالك هنا، لأنه هو الموافق للأصل.

ثم المدفوع إليه إن كذبه فالقول قوله أيضا، لأن الأصل عدم الدفع، و إن صدقه ردت العين إن كانت باقية، و إن كانت تالفة، كان المالك بالخيار بين الرجوع


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 9.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 10.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 7.
4- 4 المستدرك ج 3 ص 199.

ج 27، ص: 149

على من شاء منهما.

و لو صدقة أي المالك على الإذن و أنكر التسليم فكدعوى الرد الذي عرفت الحال فيه، ضرورة كونه حينئذ وكيلا، و دعوى الرد عليه كدعوى الرد علي الموكل.

و أما لو صدقه على التسليم أيضا لمن أذن له لم يضمن الوديع بإنكار المأذون و إن ترك الإشهاد على الأشبه بأصول المذهب و قواعده، حتى لو قلنا به بالنسبة إلى وفاء الدين، لأن مبنى الوديعة على الإخفاء، و في المسالك عن بعضهم الضمان في الدين و الوديعة، كما عن آخر نفيه فيهما، و لعله لا يخلو من قوة لعدم تحقق التفريط و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الإنكار فصدقها ثم ادعى التلف قبل الإنكار لم تسمع دعواه ]

المسألة السابعة: إذا أقام المالك البينة على الوديعة بعد الإنكار لأصل الإيداع فصدقها ثم ادعى التلف قبل الإنكار لم تسمع دعواه المنافية لإنكاره الأول الذي هو بمنزلة الإقرار بالنسبة إلى ذلك في حقه، فيتناقض حينئذ كلاماه و لا يتوجه له يمين و لا إقامة بينة بعد أن كذبها بإنكاره الأول، و لا نه قد حصل منه بإنكاره سبب اشتغال ذمته بالضمان فلا تسمع دعواه، لكونه كالإقرار منه بالضمان ثم الرجوع عنه.

و لكن في المتن و لو قيل تسمع دعواه و تقبل بينته كان حسنا لعموم

قوله (1)«البينة على المدعي»

و لجواز استناده إلى النسيان، بل عن الفاضل في التذكرة اختياره، كما عنه في المختلف أنه لا تسمع يمينه، و لا تقبل بينته، لكن له إحلاف الغريم، و هو نوع من سماع دعواه، فيكون في المسألة أقوال ثلاثة، الا أنه لا يخفى عليك ما في الأخيرين المنافيين لأصالة عدم النسيان.

و في المسالك «إن فيها قولا رابعا، و هو أنه إن أظهر لإنكاره تأويلا، كقوله ليس لك عندي وديعة يلزمني ردها أو ضمانها و نحو ذلك، قبلت دعواه، و سمعت


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 5.

ج 27، ص: 150

بينته، و ان لم يظهر له تأويلا لم يقبل» و عن الشهيد الأول اختياره.

و لكن فيه أنه خروج عن مفروض المسألة بناء على إرادة إبراز دعواه بالعبارة المزبورة، و إن كان المراد إظهار التأويل بعد أن ذكر العبارة التي ظاهرها إنكار أصل الإيداع لم يسمع ذلك منه، عملا بظاهر كلامه.

و من هنا قال في المسالك بعد أن ذكر الأقوال أجمع «هذا كله إذا كان الجحود بإنكار أصل الإيداع، أما لو كانت صورته لا يلزمني شي ء أو لا يلزمني تسليم شي ء إليك، أو مالك عندي وديعة، أو ليس لك عندي شي ء، فقامت البينة بها، فادعى التلف أو الرد سمعت دعواه و بينته، لعدم التناقض بين كلاميه» و نحوه ما في القواعد قال:

«و إن أقيمت عليه البينة فادعى الرد أو التلف من قبل، فان كان صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة، و لا معها على الأقوى، لتناقض كلاميه، و إن كان صيغة الجحود لا يلزمني شي ء، قبل قوله في الرد و التلف مع البينة، و بدونها في الأخير، و في الأول على رأي، و لو أقر بها له بتلفها قبل الجحود من الحرز فلا ضمان، و في سماع بينته بذلك إشكال، نعم تقبل لو شهدت بالإقرار و الظاهر أن قوله «و في سماع» تكرار لما ذكره أو لا.

و قال في الإرشاد في باب الوكالة: «و لو ادعى على الوكيل قبض الثمن، فجحد فأقام بينة على القبض فادعى تلفا أوردا قبل الجحود لم يقبل قوله، لخيانته، و لا بينته لعدم سماع دعواه، و لو ادعى بعد الجحود ردا سمعت دعواه، و لا يصدق لخيانته و تسمع بينته، و لو ادعى التلف صدق للبراءة من العين، و لكنه خائن فيلزمه الضمان» و هو جيد جدا إلا في الأخير المبنى على تصديق الغاصب في تلف العين، و قد ذكرنا البحث فيه سابقا.

و على كل حال فمن التأمل فيما ذكرناه يظهر لك ما في المسالك فإنه قال:

«و حيث قلنا بقبول بينته إن شهدت بتلفها قبل الجحود بري ء من الضمان. و إن شهدت بتلفها بعده ضمن لخيانته بالجحود، و منع المالك عنها» إذ ظاهره أن دعواه التلف بعد الجحود من المسألة السابقة بالنسبة إلى قبول بينته و عدمها، و لا يخفى

ج 27، ص: 151

عليك خروجها عن ذلك، إذ لا إشكال في قبولها بالرد و التلف كما سمعته من الإرشاد بل هو واضح و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا أودع و لم يعين له حرزا بعيدا عنه وجبت المبادرة إليه بما جرت العادة]

المسألة الثامنة إذا أودع و لم يعين له حرزا مخصوصا وجبت المبادرة إلى حرزها المعتاد المتعارف و إذا عين له حرزا بعيدا عنه وجبت المبادرة إليه بما جرت العادة في المسارعة للوصول اليه، مع فرض عدم القرينة الدالة على خلاف ذلك، لعدم الاذن في وضعها في غيره زائدا على ذلك، و حينئذ فإن أخر عن ذلك مع التمكن عقلا و شرعا بل و عادة على معنى مراعاة المبادرة إليه عادة نحو ما سمعته في فورية أدائها عند طلب المالك لها ضمن بلا خلاف و لا إشكال بالتعدي بالوضع في غير ما عينه له المالك، بل الأقوى بقاؤه على الضمان و إن وضعه بعد ذلك بالحرز مع احتمال عدمه حينئذ، بل عن بعضهم القول به، إلا أن استصحاب الضمان بالسبب الأول شاهد للأول، كما أنه قد يقوى الضمان في كل فرد شك في تحقق المبادرة به، لعدم معلومية الأذن معه، مع احتمال عدمه للأصل، و لو سلمها إلى زوجته على وجه الاستقلال بها أو الشركة أو ولده أو خادمه أو غيرهم لتحرزها و لو في ذلك المكان إلا أن تكون كالآلة المشاهدة منه و نحوها ضمن لعدم الإذن له في ذلك، اللهم الا أن يكون هناك قرائن حالية أو مقالية تدل على ذلك، و التوكيل عنه في ذلك مع عدم الإذن من المالك في وضع يد الغير عليها لا وجه له.

[المسألة التاسعة إذا اعترف بالوديعة ثم مات و جهلت عينها قيل تخرج من أصل التركة]

المسألة التاسعة: إذا اعترف بالوديعة ثم مات و لكن قد جهلت عينها بالخصوص لتعدد أفرادها قيل: تخرج (11) الوديعة قيمة أو مثلا من أصل التركة (12) على نحو غيرها من الديون لتحقق ضمانها بعدم تعينها المصير لها بمنزلة التالفة و (13) حينئذ ف لو كان له غرماء و ضاقت التركة حاصهم المستودع.

(14) و لكن لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا عند قوله و (15) إذا ظهر للمودع أمارة الموت ما فيه (16) من تردد (17) و بحث و نظر إذا كان المراد من المتن و ما شابهه الحكم بالضمان بمجرد الاعتراف بها، من احتمال الرد

ج 27، ص: 152

إلى المالك و التلف بلا تعد و لا تفريط و غير ذلك، لأصالة البقاء و عدم التلف و غير ذلك من المحتملات، فيتحقق بقاؤها بل ضمانها بعدم الإشهاد على شخصها، كما حكي عن الأكثر أو المشهور بين الأصحاب، و إن كنا لم نتحققه.

بل لعل الظاهر خلافه عند من تأمل كلامهم، خصوصا الفاضل في القواعد و غيره، فإنك قد عرفت عدم صلاحية ما ذكروه، لإثبات الضمان الذي مقتضى أصل البراءة بلا واسطة عدمه، و على اليد مخصوص بالأمانة المستصحب حكم عدم الضمان فيها، بل هو مقتضى إطلاق الدليل، و خبر السكوني مع أنه في مال المضاربة قد عرفت الحال فيه سابقا، و أنه ظاهر في المعلوم بقاؤه في التركة، و لم يثبت تقصيره بعدم الإشهاد خصوصا مع ملاحظة حال المسلم المحمول على الوجه الصحيح فعلا و تركا، و مع التسليم فالمتجه الشركة أو القرعة أو الصلح القهري في وجه، أو نحو ذلك مما يتقدم به على الغريم الذي حقه متعلق بتركة وديعة، لا مال الغير المشتبه بمال الوديع، و بالتأمل فيما ذكرنا هنا و هناك بل و في باب المضاربة يظهر لك التشويش في كلام جملة من الأعلام، و عدم تنقيح موضوع ما حكموا به من الضمان على إشكال، و عدمه كذلك في أصله أو في كيفيته فلاحظ و تدبر.

[المسألة العاشرة إذا كان في يده وديعة فادعاها اثنان، فان صدق أحدهما قبل ]

المسألة العاشرة: إذا كان في يده وديعة فادعاها اثنان، فان صدق أحدهما قبل و أحلف للآخر على البت، كما أنه يحلف المقر له أيضا، فيستقر حينئذ ملكه على العين، و إن نكل الودعي عن اليمين أحلف المدعي إن لم يقض بالنكول و أغرم له المثل أو القيمة وقت الإقرار أو وقت الحلف على الأقوى، بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار أو أصل برأسه، بل في المسالك الحكم بذلك و إن قلنا بكونها كالبينة، إذ هي في حق المتداعيين الذي اقتضى تغريم المثل أو القيمة بسبب حيلولته بالإقرار الأول، لا في حق الثالث.

و فيه بحث يظهر من تفريعهم مسألة رد الوكيل على البيع اليمين على مدعى الفسخ مثلا بالنسبة إلى الرجوع بالثمن على الموكل أو الوكيل على كونه كالإقرار أو البينة، و الموكل ثالث عنهما، و لو أقر بها لهما على سبيل الاشتراك فقد كذب

ج 27، ص: 153

كل واحد منهما في دعوى الجميع و صدقه في البعض فيقسم بينهما، و يكون حكم التصديق و التكذيب في النصف كما في الجميع بالنسبة إلى الودعي و بالنسبة إليهما، و يبقى النزاع بينهما في النصف، فان حلفا أو نكلا قسم بينهما، و إن حلف أحدهما خاصة قضي له به، و لا خصومة للناكل مع الودعي و ان أكذبهما معا فكذلك في انتفاء دعواهما، لأن اليد له، و لكل منهما إحلافه على البت أيضا، فإن نكل عن اليمين ردت عليهما، و صارا في الدعوى سواء، لأن يدهما خارجة، فان حلفا أو نكلا قسمت بينهما، و إن حلف أحدهما خاصة اختص بها، و إن قال: هي لأحدهما و لا أدري من هو على التعيين، فان صدقاه في نفي العلم فلا خصومة لهما معه، و تبقى الخصومة بينهما و الحكم كالسابق.

لكن هنا يحتمل جعلهما بمنزلة ذي اليد، لا الخارج، بخلاف الأول، و الفرق عدم اليد لأحدهما في الأول حتى بالنسبة إلى اعتراف الودعي، فهما خارجان عنها على التقديرين، بخلافه هنا، فان ذا اليد يعترف بأن اليد لأحدهما، و ليس أحدهما أولى من الآخر على تقدير الاشتباه، و يحتمل مساواته للاول، لعدم ثبوت اليد لأحدهما، بل لعله الأقوى، و تظهر فائدة اليد و عدمها عند تعارض البينات على ما سيأتي إنشاء الله.

و إن كذباه في عدم العلم فادعى كل واحد منهما علمه بالمالك فالقول قوله مع يمينه، لكن الحلف هنا على عدم العلم، و يكفى يمين واحدة في وجه، لان المدعى شي ء واحد، و هو علمه بكون المال لمعين، بخلاف السابق فإنه ينفي استحقاق كل واحد فيحلف له، و قيل: يحلف لكل منهما يمينا فان كلا منهما مدع، فيدخل في عموم الحديث السابق، و لعله الأقوى، خلافا للمسالك في الأول.

و على كل حال فإذا حلف لهما بقيت المنازعة بينهما، و اختلف هنا: فقيل:

يقرع بينهما فمن خرج اسمه و حلف سلمت إليه، و قيل: يوقف حتى يصطلحا، و القولان محكيان عن الشيخ، إلا أنه قد يتوقف في اليمين على من خرج اسمه، بل لعل الأقوى أنهما يحلفان، و يقسم بينهما، لتكافؤ الدعويين و تساويهما في الحجة

ج 27، ص: 154

و هو يقتضي القسمة كذلك، و لا يكون الأمر مشكلا، و الإيقاف حتى يصطلحا ضرر و الاصطلاح غير لازم.

و لو نكل عن اليمين و حلفا على علمه أغرم القيمة مع العين، لان يمينيهما اقتضتا أن يكون عالما بالعين لكل واحد بخصوصه، و بإنكاره حصلت الحيلولة بين المستحق و حقه، فوجب أن يغرم القيمة، و لما كان سواء في اليمين لم يكن لأحدهما رجحان على الآخر، فيجعل العين و القيمة معا في أيديهما، و هل يقسم بينهما بحلفهما كذلك أو توقف حتى يصطلحا، القولان.

و في المسالك «يمكن أن يقال هنا: بأن القسمة بينهما يتوقف على حلفهما ثانيا بالاستحقاق، لان اليمين الاولى لم تتناوله، و إنما أثرت غرمه القيمة لهما، و لو كان حلفهما ابتداء على الاستحقاق قسمت العين بينهما فقط».

و إن قال: لا أدري أ هي لكما، أم لأحدكما، أم لغيركما، و ادعيا عليه العلم، فالقول قوله في نفيه كما مر، فإذا حلف أقرت في يده حتى يثبت لها مالك و ليس لأحدهما تحليف الآخر، لأنهما لم يثبت لهما، و لا لواحد منهما عليها يد، و لا استحقاق، بخلاف الصورة السابقة.

و إن ادعيا أو أحدهما علمه بصحة الدعوى كان عليه اليمين و لو نكل عن اليمين ففي تسليمها إليهما- مع حلفهما على الاستحقاق و غرامته لهما القيمة لو حلفا على علمه- احتمال، لانحصار الحق فيهما ظاهرا، و لا منازع لهما الآن، و يحتمل العدم، لعدم حصر ذي الحق فيهما.

ثم إن ما في المتن من الإقرار في يده قيل: إنه شامل للقسمين المشتملين على عدم علمه بخصوص المالك، و هو جيد في الأخير، لأن يده يد أمانة، و لم يتعين لها مالك يجب الدفع إليه، و الحق ليس منحصرا فيهما، حتى يتوهم سقوط أمانته بمطالبتهما، و أما إقرار يده في القسم الأول فعن الشيخ أنه كذلك أيضا، لعدم تعين المالك، لكن قد يشكل بانحصار الحق فيهما، و مطالبتهما معا إياه، و لذا حكي عن الشيخ أيضا القول بانتزاعها منه، و لكن ضعفه في المسالك بأن المطالبة المقتضية

ج 27، ص: 155

للعزل هي التي يجامعها التسليم، و هنا ليس كذلك، فلا يترتب عليه دفع الامانة، و فيه منع واضح. نعم يتجه ما عن المختلف من رد الأمر إلى الحاكم و استحسنه في المسالك. و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر إذا فرط و اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه ]

المسألة الحادية عشر: إذا فرط أو تعدى و تلف المال و اختلفا في القيمة فالقول قول المالك مع يمينه لخروجه عن الأمانة المقتضية لسماع قوله و للمرسل (1)و قيل: القول قول الغارم مع يمينه، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأصالة البراءة و الخروج عن الامانة لا يخرجه عن حكم المنكر، و لذا كان الحكم كذلك في الغاصب أيضا، و لم يثبت خبر صالح لمعارضته لقاعدة المدعي و المنكر كما هو واضح. و الله العالم.

[المسألة الثانية عشر إذا مات المودع سلمت الوديعة إلى الوارث فان كانوا جماعة سلمت إلى الكل ]

المسألة الثانية عشر: إذا مات المودع، سلمت الوديعة إلى الوارث، فان كانوا جماعة سلمت إلى الكل، أو إلى من يقوم مقامهم بوكالة أو ولاية و لو سلمها إلى البعض، من غير إذن ضمن حصص الباقين بلا خلاف و لا إشكال و الله العالم.

و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 7.

ج 27، ص: 156

[كتاب العارية]

اشارة

كتاب العارية بتشديد الياء و قد تخفف نسبته إلى العار، أي العيب، أو العارة مصدر ثان لأعرته، و عن بعض مأخوذة من عار يعير إذا جاء و ذهب، و منه قيل للبطال عيار، لتردده في بطالته، سميت عارية لتحولها من يد إلى يد، و عن آخر أنها مأخوذة من التعاور و الاعتوار، و هو أن يتداول القوم الشي ء بينهم.

و على كل حال ف هي عقد يعتبر فيه إنشاء الربط بين الإيجاب و القبول، لا إيقاع يكفي فيه الإذن في الانتفاع من المالك، إذ هو حينئذ من الإباحة التي منها الانتفاع بظروف الهدايا بالأكل و نحوه، مما جرت السيرة به، و انتفاع الضيف في الدار و الفرض و الأواني و نحوها، لا العارية المزبورة، اللهم إلا أن يقصد ذلك لضيف مخصوص، و يقبله فعلا أو قولا بهذا العنوان.

نعم هي على حسب ما سمعته في العقود اللازمة تقع بالإيجاب و القبول اللفظيين و هما العقد بالمعنى الأخص، و ربما قيل: منه أيضا ما إذا كان القبول فعليا، و أما إذا كانا فعليين أو كان الإيجاب فعليا فهو من المعاطاة، بناء على مشروعيتها فيها بدعوى السيرة المستمرة بعنوان العارية، و إن كان الأقوى أنها إباحة لا بعوض، كما سمعته مرارا.

و أما احتمال أنها من العقد فلا ينبغي أن يصغى إليه، فمن الغريب دعوى بعضهم أن الانتفاع بظروف الهدايا من العارية، لأنه انتفاع بملك الغير باذنه و إن لم يكن لفظ، بل بشاهد الحال، ضرورة عدم الاكتفاء بذلك في تحقق العارية من دون إنشاء قصدها من الطرفين، و جواز الانتفاع بالإذن أعم منها كما هو واضح. و خصوصا ما لو كان بطريق الفحوى القطعية أو بشاهد الحال.

ج 27، ص: 157

و من ذلك يظهر لك ما في التذكرة و الروضة و الرياض و غيرها خصوصا الأخير منها، و الاذن في الانتفاع بأعيان الصديق المفهوم من فحوى الاذن شرعا بالأكل من بيته مع التسليم ليس من العارية قطعا، و إنما هو من الإباحة الشرعية على حسب الحال في غيره من البيوت التي قد تضمنتها الآية(1)نعم قد يستفاد من ذلك التسامح في عقد العارية التي ثمرته إباحة المنفعة التي اكتفى فيها بشاهد الحال و نحوه كما أو ما إليه الفاضل في التذكرة فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فقد ذكر المصنف في تعريفها أنها عقد ثمرته التبرع بالمنفعة و يقرب منه ما وقع لغيره، و لكن قد ذكرنا غير مرة أن أكثر التعاريف للأصحاب في أكثر المعاملات يشبه التعاريف اللغوية التي يراد منها التمييز في الجملة لإتمام الإطراد و الانعكاس.

فمن الغريب نقض طرد تعريف المصنف هنا بالسكنى و العمرى و الحبس و الوصية بالمنفعة و أغرب منه التزام الجواب عن ذلك بأنها في معنى العارية، و إن كانت لازمة و غايته انقسام العارية إلى جائزة و لازمة كالاعارة للرهن، ضرورة كون هذه العقود في الاصطلاح متباينة مختلفة اللوازم و الصيغ، فإدخال بعضها في بعض بمجرد المشاركة في بعض الخواص اصطلاح مردود، هذا.

لكن في المسالك بعد أن ذكر ذلك قال: «و لو أضيف إلى ذلك قيد الجواز فقيل: ثمرته التبرع بالمنفعة مع بقاء الجواز و نحوه خرجت هذه العقود، و بقيت السكنى المطلقة، فإنه يجوز الرجوع فيها متى شاء السكنى كما سيأتي إنشاء الله، و قد يلتزم فيها بأنها

عارية لتحقق المعنى فيها مطلقا، و لا يقدح الصيغة، لأن العارية لا تختص بلفظ، بل كل ما دل على تسويغ الانتفاع بالعين تبرعا و السكنى المطلقة تقتضي ذلك، و لكن تبقى العارية اللازمة خارجة، فيحتاج إدخالها إلى قيد آخر أو التزام جواز الرجوع فيها بالنسبة إلى المستعير و إن لم يؤثر بالنسبة إلى المرتهن، و تظهر الفائدة في وجوب السعي على الراهن و تحصيلها بما أمكن، و وجوب المبادرة


1- 1 سورة النور الآية 61.

ج 27، ص: 158

إلى ردها عند الفك على الفور بالمطالبة السابقة، و لو قلنا أنه لا أثر لها، و أنها لازمة من طرفه مطلقا، انتفت هذه اللوازم، و الأول ليس ببعيد من الصواب» و هو كما ترى من غرائب الكلام، خصوصا بعد اعترافه بالمباينة بين هذه العقود مفهوما، و الجواز و اللزوم إنما هما أمران خارجان، و من المعلوم أن مفهوم الرقبى و السكنى و العمرى واحد، و أن الاختلاف إنما هو في التقييد و الإطلاق، فلا فرق في المباينة بين السكنى و غيرها، خصوصا على القول باقتضاء الملك للمنفعة كما عن الشيخ التصريح به، على أن التحقيق في الفرق بين كثير من أفراد مفاهيم المعاملات بالقصد الذي هو المشخص في اندراج الفرد في مفهومه، نحو تشخيصه الفعل المشترك، إذ ليس فرق في العقد بين الصلح عن العين الجامعة لشرائط البيع مثلا، و بين بيعها بالنسبة إلى إنشاء قصد النقل بعوض معلوم في كل منهما إلا بقصد الصلحية أو البيعية المدلول عليها بذكر الصيغة أو غيره من القرائن، و كذا بالنسبة إلى الفرق بين الصلح على المنفعة التي تتعلق بها الإجارة، و بين عقد الإجارة، و كذا ما نحن فيه، فان قصد السكنى و العارية كاف في تشخيص كل منهما بعد تباينهما ذاتا، كتباين الصلح و البيع فالتزام كون السكنى عارية لمشاركتها لها في الجواز لا ينبغي صدوره من مثله، كما لا ينبغي صدور الجواب عما أورده على نفسه من العارية اللازمة الذي لا يتم في نحو عارية الدين، و انما التحقيق فيه أن بناءها على الجواز الذي لا ينافيه عروض اللزوم من جهة أخرى، كتعلق حق الغير و نحوه، كما لا ينافي لزوم البيع عروض الجواز له بسبب من أسباب الخيار.

و بذلك و غيره مما ذكرناه هنا و في غير المقام تعرف ما في جملة من كلام الاعلام حتى ما أورده بعضهم هنا على التعريف بأنه ينتقض بأعرتك حماري مثلا لتعيرني فرسك، لعدم التبرع فيه، إذ هو كما ترى، ضرورة أنه إذا فرض إرادة العوضية فيه على وجه ينافي التبرع لم يكن عارية صحيحة، و إلا فلا ينافي التبرع و ستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله في آخر كتاب العارية كما أن منه أيضا ظهر لك أن عقدها يقع لكل لفظ يشتمل على الأذن في الانتفاع بعنوان العارية من طرف الموجب، و يدل

ج 27، ص: 159

على قبول ذلك من طرف القابل، و أما معاطاتها فبغير ذلك، إلا في صورة فعلية القبول و لفظية الإيجاب، فقد عرفت احتمال كونها من العقد أيضا، و تقدم في الوديعة ما يزيدك تحقيقا في المقام.

و كيف كان فهذا العقد ليس بلازم لأحد المتعاقدين بلا خلاف معتد به أجده، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، من غير فرق بين الموقت و غيره، خلافا للمحكي عن ابن الجنيد من الحكم باللزوم من طرف المعير في إعارة الأرض القراح مدة للغرس أو البناء، و لا ريب في ضعفه.

نعم قد استثنى من ذلك مواضع، منها: العارية للرهن التي قد تقدم بعض الكلام فيها آنفا و في كتاب الرهن، و منها: عارية الأرض لدفن الميت المسلم و من في حكمه التي سيذكرها المصنف، و منها: ما يترتب على الرجوع بها ضرر لا يستدرك كعارية اللوح للسفينة في لجة البحر المستلزم رجوعه للغرق للأنفس و الأموال، و منها: عارية الحائط لوضع طرف الخشبة عليه المثبت طرفها الآخر في ملك المستعير مثلا، و منها عارية الأرض للزرع، و منها: عاريتها للبناء و الغرس مدة معلومة.

إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء امتناع فسخ الارتهان الواقع باذن المالك، و حرمة النبش و الإضرار بالغير برجوع العين لزوم العقد، ضرورة إمكان بقاء العقد على الجواز، و تحقق الانفساخ و ان منع مانع خارجي من رد العين إلى مالكها، كما لو فرض في بعض أمثلة الإجارة التي فسخت بتقايل أو خيار أو نحو ذلك فإنه لا إشكال في تحقق الفسخ حينئذ، و ان منع من رد العين مانع آخر و ربما ترتب له الإجارة في بعض الافراد، و بالجملة إن دعوى لزوم عقد العارية في الأمثلة المزبورة- على وجه تكون به كغيره من العقود اللازمة لهذه التعليلات المذكورة في كلامهم من عدم فسخ عقد الرهن و حرمة النبش و الإضرار و نحو ذلك مما لا مدخلية له، بعد التسليم في البعض، إلا في عدم رد العين- واضحة الفساد، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره جواز هذا العقد من غير استثناء لهذه الافراد حتى من معقد الإجماع مع ذكر المصنف حكم هذه الافراد فيما يأتي، لكن لا بعنوان دعوى لزوم عقد العارية فيها فلاحظ

ج 27، ص: 160

و تأمل إذ يمكن إرادة مدعى اللزوم فيها أو في بعضها عدم السلطنة على استرداد العين و تفريغها مما فيه، لوجود المانع منه، لا إرادة لزوم نفس العقد، و بهذا الاعتبار استثناه، بل لعل ذلك مقطوع به، إذ احتمال أن لهم دليلا على اللزوم لم يصل إلينا في غاية البعد، خصوصا بعد تصريحهم بالاستدلال على اللزوم بما عرفت مما لا يقتضي لزوم العقد و الله العالم.

و كيف كان ف الكلام في فصول أربعة.

[الفصل الأول في المعير]

الأول: في المعير و لا بد أن يكون مكلفا جائز التصرف فلا يصح اعارة الصبي و لا المجنون لما لهما لسلب عبارتهما و فعلهما في المعاملات، و كذا لا يصح إعارة المحجور عليه لفلس أو سفه، بناء على عدم جواز مثل هذا التصرف لهما، و كان الاولى الاستغناء بجواز التصرف عن التكليف الذي اقتصر المصنف في التفريع عليه، و الأمر سهل.

إنما الكلام في قول المصنف و لو أذن الولي جاز للصبي مع مراعاة المصلحة كالمحكي عن الإرشاد، و إنما تصح من جائز التصرف، و لو أذن الولي للطفل صح أن يعير مع المصلحة، و في التحرير و اللمعة و غيرهما «يجوز للصبي أن يعير إذا أذن له الولي» و عن التحرير تقييده بالمميز فإن الإذن لا يجعل المسلوب غير مسلوب كما هو مفروغ منه في غير المقام، و كون العارية من العقود الجائزة لا يقتضي ذلك، و إلا لجازت مضاربته و وكالته بإذن الولي.

و دعوى كون الإذن من المالك بمنزلة الإيجاب منه لأن المدار في العارية على رضا المالك و هو الولي هنا- يدفعها عدم الفرق حينئذ بين المميز و غيره، بل و بينه و بين المجنون، بل بين هذا العقد و غيره من العقود الجائزة، بل و بينه و بين المعاطاة في البيع و غيره، ضرورة رجوع ذلك إلى كون الصبي حينئذ آلة و الإيجاب و الإنشاء بفعل الولي الذي هو الإذن، و إرسال الصبي و نحو ذلك.

نعم ينبغي اعتبار قصد الولي إنشاء الإيجاب بذلك، و هو خلاف ظاهر العبارات السابقة المبني على اختصاص العارية بهذا الحكم، و لو بجعل إذن الولي و أمره فعل

ج 27، ص: 161

الصبي فعلا للولي، كما جعل أمره له بأفعال الحج موجبا للصحة في الجملة، إلا أن ذلك متوقف على دليل اختصاص العارية بذلك، و لعله للسيرة المعتضدة بهذه الكلمات من الأصحاب، و إرسالهم إرسال المسلمات و لكن ينبغي حينئذ اختصاص ذلك بإذن الولي في عارية ماله مثلا أما توليتها عن غيره فلا يجوز، و لعله لذا أطلق المصنف متصلا بما سمعته من الكلام السابق و كما لا يليها أي العارية عن نفسه كذا لا يصح ولايته عن غيره لما عرفت من سلب قوله و فعله في ذلك، حتى مع إذن الغير الذي هو المالك، بل و مع الإذن من الولي أيضا، بناء على اختصاص السيرة بعارية ماله بإذن الولي دون مال غيره، اللهم إلا أن ينزل ذلك من المصنف بقرينة ما تقدم له على حال عدم الإذن من الولي، أما معها فلا فرق، و حينئذ يتجه تعميم الحكم، لكن الإنصاف عدم خلو المسألة من إشكال حتى في الأول.

[الفصل الثاني في المستعير]

الفصل (الثاني في المستعير) و لا بد أن يكون مكلفا فلا يصح استعارة الصبي و المجنون، لما عرفت من سلب عبارتهما و فعلهما، فلو استعارا ففي ضمانهما ما تقدم في الوديعة، بل لا بد أن يكون معينا أيضا، فلو قال: أعرت أحد هذين لم يصح، للأصل بعد قصور تناول الأدلة لمثل ذلك.

نعم لو أريدا من ذلك و قبلا معا، أمكن الصحة، كما لو قال: أعرت كتابي هذا لهؤلاء العشرة و قبلوا جميعا، فإنه يصح بالنسبة إلى كل منهم، بمعنى أن له الانتفاع مستقلا، إذ لا مانع من إجراء حكم المستعير على كل منهم، فإن العارية قسم من الإباحة الصالحة لذلك، فيحمل عليه، إلا أن يصرح بإرادة الاجتماع، و هكذا في غيره من العقود التي تقبل ذلك.

نعم في مثل البيع و الإجارة و نحوهما مما لا يقبل ثمرته الانتقال لكل منهما، لعدم معقولية ملك كل منهما لتمام المبيع و تمام المنفعة، ينزل على الشركة، بخلاف

ج 27، ص: 162

ما نحن فيه.

و على كل حال فلا إشكال في صحة العارية في الفرض، لعموم الأدلة، بل في التذكرة «تصح العارية لغير المحصور من العدد، نحو كل الناس، و أي أحد من الأشخاص، و من دخل الدار، لأن الكلي معين، و إن لم يكن عاما كأي رجل و أي داخل، بخلاف أحد الشخصين أو الأشخاص، فإنه مجهول».

و إن كان قد يناقش بمنع تحقق العقدية أو ما في حكمها من المعاطاة بمثل ذلك، ضرورة عدم قصد الربط بين الإيجاب و القبول من الجانبين، و ليست العارية حينئذ إلا إباحة، على أنه قد صرح في موضع منها بالفرق بين من بسط بساطا مخصوصا لضيف مخصوص، و بين من كان له بساط معد لمن يأتيه من الضيوف، فجعل الأول عارية، و الثاني إباحة، لعدم قصد انتفاع شخص بعينه، و عدم اعتبار المقارنة بين الإيجاب و القبول في العارية لا يقتضي جوار ذلك في الوكالة و الوديعة و غيرهما على جهة تحقق عقدها بذلك.

و كيف كان ف له أى المستعير الانتفاع بما جرت العادة به في الانتفاع بالمعار فإنها المرجع في نوعه و قدره و صفته، فلو اعاره بساطا اقتضت فرشه، أو لحافا التغطية به، أو حيوانا للحمل، اقتضت تحميله القدر المعتاد بالنسبة إلى ذلك الحيوان و ذلك المحمول، و ذلك الزمان، و ذلك المكان، و لو تعددت منفعة العين و لم يكن ثم انصراف إلى بعضها فان عين نوعا منها تعين، و إن عمم جاز الانتفاع بجميع الوجوه، بل لعله كذلك مع الإطلاق أيضا على الأقوى، وفاقا للمسالك ما لم تكن قرينة على خروج البعض.

و لو نقص من العين شي ء أو تلفت بالاستعمال من غير تعد لم يضمن و إن كان هو مباشر التلف أو كان سببا فيه إلا أن يشترط ذلك في العارية بناء على اعتبار مثل هذا الشرط، للنص و الإجماع على ما يشبهه كما تعرفه إنشاء الله، و لعل الوجه في ذلك واضح، لانه استعمال مأذون فيه، و بناء العارية على النقص بالاستعمال.

ج 27، ص: 163

و

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (1)المسؤول فيه عن العارية «لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا»

و لعله لذا قطع به المصنف من دون نقل قول، هذا.

و لكن في المسالك «ما قطع به المصنف هو أصح القولين، و فيه وجه آخر، و هو ضمان المتلف في آخر حالات التقويم، لان الظاهر عدم تناول الإذن للاستعمال المتلف، و إن كان داخلا في الإطلاق. نعم لو كان قد شرط الضمان في العارية ضمن، و سيأتي الكلام فيه.

و نحو ذلك وقع له في الروضة عند شرح قول الشهيد في اللمعة «و لو نقصت بالاستعمال لم يضمن» قال: «و تقييده بالنقص قد يفهم منها أنها لو تلفت به ضمنها و هو أحد القولين في المسألة، لعدم تناول الإذن للاستعمال المتلف عرفا، و إن دخل في الإطلاق، فيضمنها آخر حالات التقويم، و قيل لا يضمن أيضا كالنقص، لما ذكر من الوجه، و هو الوجه».

و الظاهر أن الذي أوقعه في ذلك المحقق الثاني، فإن الفاضل في القواعد قال «و يجب رد العين مع الطلب و المكنة، فإن أهمل ضمن، و لو تلف بالاستعمال كثوب انمحق باللبس فإشكال ينشأ من استناد التلف إلى مأذون فيه، و من انصراف الاذن غالبا إلى استعمال غير متلف، فإن أوجبنا، ضمن بالقيمة آخر حالات التقويم، و كذا لو اشترط الضمان، فنقصت بالاستعمال ثم تلفت، أو استعملها ثم فرط، فإنه يضمن القيمة يوم التلف، فان النقص غير مضمون على اشكال، و للمستعير

الانتفاع بما جرت العادة، فلو نقص من العين شي ء أو تلفت بالاستعمال فلا ضمان إلا أن يشترط ذلك في العارية».

فقال في شرحه: «لا يخفى أن هذا مناف لما سبق في كلامه من الإشكال في كل من المسألتين، و لو حملت العبارة السابقة على استعمال غير مأذون فيه، و هذه على


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العارية الحديث 3.

ج 27، ص: 164

مأذون فيه لم يتجه الاشكال، بل يتعين الضمان قطعا و لو حملت هذه العبارة على أن الباء التي في قوله بالاستعمال بمعنى مع، فيكون التلف لا بسبب الاستعمال لاندفع التنافي، إلا أنه بعيد عن الظاهر».

و قال في شرح العبارة السابقة «الذي يقتضيه النظر أن الاستعمال المتلف متى كان بحيث يتناوله عقد العارية لا يستعقب ضمانا» و اختاره في التحرير و فيه قوة.

نعم لو شك في تناول اللفظ إياه فالضمان قوى، و لا استبعد أن يكون من صور الثاني ما لو أذن له بلبس الثوب و لم يزد، بخلاف ما لو أذن في كل لبس، أو في لبسه دائما، لأن إذنه في لبسه في الجملة لا تقتضي الاذن في كل لبس».

قلت: لعل التأمل الجيد تقتضي أن هنا مقامين.

أحدهما: النقص و التلف الواقعان بسبب الاستعمال المعتاد، و لو من جهة الاتفاق في مثل تلك العين، كما لو استعار دابة للركوب أو الحمل، و لم يزد على المعتاد، و اتفق تلفها بنفس ذلك الاستعمال، لعثرة أو نحوها، و هذا هو المناسب للقطع بعدم الضمان فيه، للنص و الفتوى.

الثاني: التلف بالاستعمال بسبب استدامته و استمراره المقتضي لاستيفاء عمره بالنسبة إلى ذلك العين، و هذا هو المناسب للإشكال في الضمان به، باعتبار اقتضاء إطلاق عقد العارية تناوله، و عدمه إلا مع التصريح، و لعل الضمان به حينئذ وجيه كما أوضحه المحقق الثاني، و بذلك ظهر لك الفرق بين المقامين، و وجه الجزم من المصنف و الفاضل و غيرهما بعدم الضمان في الأول منهما، بخلاف الثاني الذي قد ذكر مثاله الفاضل بقوله كثوب انمحق باللبس فتأمل جيدا، فان التحقيق في المسألة ذلك، و إن أبيت عن قبول تنزيل بعض العبارات عليه، و الله العالم.

و كيف كان فيعتبر في المستعير إثبات سلطنته على العين المستعارة ف لا يجوز للمحرم أن يستعير من محل صيدا، لانه ليس له إمساكه بل يجب عليه إرساله و حينئذ ف لو أثم و أمسكه ثم أرسله ضمنه و إن لم يشترط عليه ذلك في العارية، و وجوب ذلك عليه لا ينافي ضمانه لمالكه، و إن

ج 27، ص: 165

أقدم على إعارته لمن يكون تكليفه إتلافه بالإرسال، فإن ذلك لا يقتضي ذهاب حرمة ماله، كما لا يقتضي إبطال سببية الضمان الحاصلة من عموم قوله (1)«من أتلف مال غيره فهو له ضامن» و عدم الضمان بالعارية الفاسدة لقاعدة عدمه في الصحيح منها مع تسليمها في صورة العلم إنما تتم في التلف بغير تفريط لا الإتلاف، و دعوى- عدمه في المقام أيضا باعتبار كون تكليفه ذلك- يمكن منعها أولا: لإمكان دعوى وجوب تسليمه إلى صاحبه، ترجيحا لحق المخلوق على حق الخالق، و ثانيا: بعد تسليمها بمنع ما دل على عدم ضمان العارية في الفرض، لا أقل من الشك، فيبقى عموم من أتلف، و أصالة احترام المال بحاله.

و على كل حال فمن ذلك ظهر لك أنه لا وجه للإشكال في الجزم بالضمان من المصنف و الفاضل و غيرهما بعدم الدليل عليه «لقاعدة مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» ضرورة كون المراد الضمان في الفرض المزبور، لا ما إذا تلفت في يده من غير تفريط فيه، كي يتوجه عليه الإشكال المزبور، و إن كان إطلاقهم يوهم ذلك، لكن من المعلوم إرادتهم الفرد الذي ذكرناه، فإنه الموافق لذكر مسألة المحرم بخصوصه.

و لو كان الصيد في يد محرم فاستعاره المحل أي أخذه بصورة العارية جاز أخذه للمحل للأصل و لأن ملك المحرم زال عنه بالإحرام فأخذه حينئذ منه كما يأخذ من الصيد ما ليس بملك فيملكه حينئذ بالاستيلاء أو مع نية الملك على الوجهين في تملك المباح، و حرمة الدفع إلى المحل على المحرم لتعين الإرسال عليه لا ينافي جواز الأخذ للمحل، و ليس هو من الإعانة

على المحرم قطعا، و إن وجب الفداء على المحرم مع التلف في يد المحل، و بذلك يرتفع دعوى التساهل في عبارة المصنف، مع أن الأمر سهل بعد وضوح المقصود، و هو إرادة الفرق بين صورة العارية من المحل للمحرم، و بالعكس كما هو واضح و الله العالم.


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.

ج 27، ص: 166

و لو استعار مستعير من الغاصب و هو لا يعلم بغصبه كان قرار الضمان للمنفعة الفائتة على الغاصب لغروره و إن كان للمالك أيضا إلزام المستعير بما استوفاه من المنفعة أو فاتت في يده لعموم «من أتلف(1)»

و «على اليد»(2)

كما هو المشهور بين الأصحاب في المقام، و في الغصب عند ذكر حكم الأيادي المترتبة على يد الغاصب.

و لكن يرجع المستعير على الغاصب لأنه أذن (11) له في استيفائها بغير عوض (12) و على ذلك أقدم، فهو غار حينئذ له، فيرجع حينئذ عليه لقاعدة «المغرور يرجع على من غره» و الوجه (13) عند المصنف و الفاضل تعلق الضمان بالغاصب حسب (14) فليس له حينئذ رجوع على المستعير، لأنه أقوى في الإتلاف، و إن حصل في يد غيره، إلا أنه لما كان جاهلا مغرورا، و الغاصب عالما غارا، صار هو أولى في نسبة الإتلاف، و كذا لو تلف العين في يد المستعير (15) و لم تكن مضمونة عليه، بل

قيل إن الرجوع ظلم محض، لأنه جاهل، إلا أن ذلك كما ترى لا يقتضي عدم الرجوع على المستعير، لقاعدة اليد، و الإتلاف، و قول علي في المرسل(3)

و خبر إسحاق بن عمار(4)عن أبي عبد الله عليه السلام، و أبي إبراهيم عليه السلام «إذا استعيرت عارية بغير اذن صاحبها فهلكت فالمستعير ضامن»

و إنما يتوجه له الرجوع بقاعدة الغرور، و هو لا ينافي أصل ضمانه، اللهم إلا أن يقال: إن قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» تقتضي ذلك، و لعلها المدرك للمصنف و غيره في الحكم بعدم الضمان، لا ما في المسالك من الأول.

و من الغريب ما فيها من موافقته على جريانها في المقام حتى استدل بجزء الإثبات منها على ضمان الجاهل في العارية المضمونة مع إنكاره على المصنف الحكم


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 504.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب كتاب العارية الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب كتاب العارية الحديث 1.

ج 27، ص: 167

بعدم الضمان.

نعم يمكن الرد على المصنف بإنكار الدليل عليها في المقام، إذ من المعلوم أن المسلم من هذه القاعدة ما وافق الأدلة منها، ضرورة عدم دليل بالخصوص عليها و ليس الفاسد من حيث كونه فاسدا يترتب عليه ما يترتب على الصحيح، بل مقتضى فساده عدم ترتب أثر الصحيح عليه، كما هو واضح. و ليس في الأدلة

ما يوافق مضمونها بل قد عرفت أن قاعدة اليد و عموم من أتلف و المرسل و الخبر الضمان، و إن اقتضت قاعدة الغرور، الرجوع على الغاصب، و دعوى الإجماع عليها معلومة الفساد في المقام، إذ المشهور بين الأصحاب الضمان هنا مع الجهل، و إن رجع بقاعدة الغرور كدعوى عموم ما دل على عدم الضمان بالعارية للمقام، لأنها اسم للأعم من الصحيح و الفاسد، ضرورة تخصيص العموم بالخبر و المرسل السابقين المعتضدين بالشهرة بين الأصحاب التي هي المرجحة أيضا لعموم من أتلف و على اليد عليه، بل قد يدعى انسياق الصحيح من أكثر هذه الاحكام فلا تعارض حينئذ، و من ذلك و غيره يعلم عدم كون المقام فردا من القاعدة المزبورة، أو خارجا عنها، كحال العلم للمستعير الذي أشار إليه بقوله.

أما لو كان عالما كان ضامنا، و لم يرجع على الغاصب بشي ء لعدم غروره و لانه غاصب، بل لو أغرم المالك الغاصب المعير حيث أن له الرجوع عليه رجع هو على المستعير الذي استقر الضمان عليه بحصول التلف عنده مع عدم غروره، بل الظاهر أنه يرجع عليه أيضا بقيمة العين لو رجع عليه المالك و إن كان جاهلا، إذ كان قد أقدم على العارية مضمونة باشتراط الضمان أو كانت ذهبا أو فضة، لعدم غروره حينئذ، بل هو كذلك لو صدر منه ما يقتضي الضمان من تعد أو تفريط.

نعم لا يرجع عليه المالك بعوض المنافع التي استوفاها المستعير بعنوان العارية لو رجع عليه المالك، لإقدامه عليها مجانا، بل هو يرجع على المعير الغاصب لو رجع المالك عليه بها لقاعدة الغرور.

ج 27، ص: 168

لكن قد يناقش بما عرفت من ظهور أدلة ضمان العارية المشترط فيها الضمان و إذا كانت ذهبا أو فضة في الصحيح منها، أما الفاسدة فلا يترتب على الشرط فيها و لا على كونها ذهبا و فضة ضمان من هذه الجهة، و إنما يترتب الضمان بقاعدة اليد، و الخبرين السابقين، و حينئذ رجوع المعير عليه بقيمة العين باعتبار صيرورتها عوضا شرعا عما أداه عنها برجوع المالك عليه، و الفرض عدم الغرور منه.

لا يقال:- إن ذلك يقتضي رجوع المستعير على المعير أيضا لو رجع عليه المالك في العارية المضمونة و إن لم يكن ثم غرور، لكنه بأدائه قيمة العين المضمونة عليه للمالك، نحو ما سمعته في رجوعه عليه- للفرق الواضح بينهما، بحصول التلف في يده الذي هو سبب في شغل ذمته بالقيمة للمالك، بخلاف الأول المخاطب في الحقيقة برد العين أو قيمتها ممن هي في يده، إذ لا وجه لخطابهما بقيمتين، و البدلية المتشخصة بالخيار لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، فليس حينئذ إلا ما ذكرنا من كون القيمة في ذمة من حصل التلف في يده، و الأخر مخاطب بإرجاع ذلك منه و إلا فبالغرامة عنه، فإذا أدى صار ما في ذمته له عوضا شرعيا، إذ لا وجه لملك الغاصب، فقام الإذن الشرعي بالأداء عنه مقام الاذن منه بذلك، بخلاف ما لو أدى هو فإنما يؤدي عن نفسه، و بذلك اتضح وجه الرجوع على من حصل التلف في يده من ذي الأيدي المتعاقبة دونه، إلا إذا كان مغرورا، فإنه يستحق الرجوع بما يغرمه بقاعدة «المغرور يرجع على من غره».

و بذلك اتضح لك هنا رجوع المعير على المستعير العالم لو رجع عليه، دونه و كذا الجاهل بالقيمة إذا كانت العين مضمونة عليه إذ المسألة فرد من أفراد مسألة تعاقب الأيدي فتأمل جيدا، فإنك لا تجد تحقيق ذلك في غير هذا الكتاب، بل هو التحقيق في أطراف المسألة.

و منه يعلم التشويش في جملة من كلماتهم، خصوصا ما يحكى عن تذكرة الفاضل في تذنيب ذكره من أنه «لو استعار من غير المالك عالما أو جاهلا ضمن، و استقر الضمان عليه، لان التلف حصل في يده، و لا يرجع على المعير، و لو رجع المالك على المعير

ج 27، ص: 169

كان للمعير الرجوع على المستعير» إذ هو كما ترى مناف لقاعدة الغرور في الجاهل.

و كذا ما حكاه في المسالك عنها و عن القواعد في مسألة المستعير من المستعير، من إطلاق الإشكال في رجوع المستعير على المعير لو رجع المالك عليه مطلقا، و في رجوع المعير على المستعير الجاهل، مع حكمه في المستعير من الغاصب بخلاف ذلك، فإنه لا يخفى عليك ما في ذلك، و لا ما في الذي ذكره في المسالك و غيرها هنا من الدليل، بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي هو من فصل الخطاب المودع عند أئمة أولى الألباب، و الله الهادي إلى الصواب.

[الفصل الثالث في العين المستعارة]

الفصل (الثالث، في العين المستعارة) و ضابطها المستفاد من الفتوى و معقد الإجماع و نفي الخلاف و الاقتصار على المتيقن من إطلاق النص، عدا ما خرج من المنحة بدليله هي كل ما يصح الانتفاع به شرعا مع بقاء عينه منفعة معتدا بها عند العقلاء، و لو غير معتادة من تلك العين كالثوب و الدابة و الدار و الدراهم للتزين بها، أو لارهانها و نحوها، لا مثل الأطعمة و الأشربة و نحوهما لإرادة الانتفاع بها بالأكل و الشرب و نحوهما، مما يكون منفعة بإتلاف عينه، و لا مثل أواني الذهب و الفضة، للأكل و الشرب، و كلب الصيد للهو و الطرب، و الجواري للاستمتاع بهن، بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك.

نعم في الرياض «إلا في المقصود بقولهم لا يجوز إعارة ما لا يمكن الانتفاع به إلا بإتلافه فإنه غير واضح إن ظهر من المعير الرضا بإتلاف العين بقوله أعرتكه مع القرينة، فإن المعيار في جوازه هو رضاه به، و قد حصل في محل الفرض، و إن هو إلا كالهبة و الإباحة، و إن عبر عنهما بلفظ العارية، و لا مدخل للفظ الفاسد معناه في اللغة و العرف.

نعم حيث لا يعلم الرضا بالإتلاف إلا به، اتجه ما ذكروه، لاشتراط استفادته

ج 27، ص: 170

منه بدلالته عليه، و لو بالالتزام، و دلالة لفظ العارية بمجرده على الإتلاف فاسدة، لعدم استنادها إلى عرف أو لغة، لأن وضع العارية فيها بحكم الوضع و التبادر إنما هو لما لا يتم الانتفاع به إلا مع بقاء عينه، و لعل هذا هو مراد الأصحاب.

قلت يمكن أن يكون مرادهم ترتب الضمان على الإتلاف المزبور، و إن كان بالإذن، إلا أنها بعنوان العارية، زعما منه عموم موضوعها أو تشريعا، و دعوى- كونه هبة أو اباحة و ان كان الدفع بهذا العنوان- واضحة البطلان، إلا أن ينصب قرينة على إرادتهما من اللفظ المزبور، و قد ذكرنا سابقا أن كثيرا من أفراد العقود يميزها القصد، فمتى وقع منه بهذا العنوان، و الفرض عدم كونه فردا منه لم يجر عليه شي ء من حكمه، بل يجري عليه ما تقتضيه القواعد في مثله.

نعم قد يتوقف في ضمانه من غير تعد. و لا تفريط من قاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و من خروجه عن أصل موضوع العارية حتى الفاسد، و لعل الأخير هو الأقوى في النظر.

و كيف كان فلا إشكال في أنه تصح استعارة الأرض للزراعة و الغرس و البناء و لكن يقتصر المستعير على القدر المأذون فيه كما هو صريح المسالك و الروضة و غيرهما، و ظاهر الدروس و اللمعة، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير بغير اذنه فلا يجوز التعدي إلى الأدنى فضلا عن المساوي.

و قيل كما عن المبسوط و الغنية و السرائر يجوز أن يستبيح ما دونه في الضرر لا ما فوقه كأن يستعير أرضا للغرس فيزرع فيها لا العكس، بل عن الأول نفي الخلاف فيه بل في القواعد و عن التذكرة و التحرير التصريح بجواز المساوي أيضا، بل عن جامع المقاصد ظاهر كلامهم أن الحكم بذلك إجماعي.

و لكن لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، المقتضية عدم جواز التعدي عن غير المأذون، و إن كان أدون أو مساويا، بعد فرض عدم حضوره في الذهن عند الاذن، و دعوى الانتقال إليه من الاذن في المعين للمساواة أو الأولوية واضحة المنع، فإن المساواة في الانتفاع بالنسبة إلى الأرض أو الدون لاقتضى المساواة

ج 27، ص: 171

في الاذن كما هو واضح.

نعم لو أريد من التعيين التقدير في الاذن في المنفعة و لو بالقرينة اتجه حينئذ التخطي، و الا فلا، من غير فرق بين المساوي و الأدنى، فما في الرياض- من الفرق بينهما بالأولوية في الثاني دون الأول- واضح المنع.

نعم قد يعلم من الفحوى الاذن في بعض المنافع، لكن ذلك لا يدخلها في العارية إلا إذا كانت و لو بالقرينة من حيث الإعارة للمنفعة المعينة في العقد على إشكال، بخلاف الفحوى من غير ذلك، إذ هو حينئذ كغيره من الأعيان المتناولة بالفحوى، و كان هذا هو السر في اشتباه بعض الاعلام في المقام. و الله الحافظ من زلل الاقدام و الأقلام هذا كله مع الإطلاق، و إلا فلا إشكال في عدم الجواز مع النهي.

و على كل حال فلو تعدى و فعل الأضر فعليه الأجرة للمالك تامة على الأقوى بمعنى أنه لا يسقط منها ما قابل قدر المأذون فيه من المنفعة، للأصل السالم عن المعارض من غير فرق في ذلك بين المخالفة للنهي، أو للإطلاق المفروض عدم تناوله.

لكن في القواعد «و لو أذن في زرع الحنطة تخطى إلى المساوي و الأدون، لا الأضر، و لو نهاه حرم، و عليه الأجرة لو فعله، و الأقرب عدم إسقاط التفاوت مع النهي، لا الإطلاق» و فيه أن التخطي في الحالين غير مأذون فيه، أقصاه أنه في إحداهما نص على المنع و في الأخرى جاء المنع من أصل الشرع، فهو كمن استوفى منفعة ملك غيره بغير إذنه، أو مع نهيه بالنسبة إلى استحقاق الأجرة.

اللهم إلا أن يقال: إنه مع النهي يحصل تقييد المنفعة المأذون بغير المنهي عنها، أما مع الإطلاق فله استيفاؤها في ضمن أي فرد، و لو ما لا يدخل في المطلق، إلا أنه يضمن حينئذ الزائد عليها، لكنه كما ترى.

نعم لو أذن له في تحميل دابة قدرا معينا فزاد عليه ضمن أجرة الزائد قطعا. و تسقط أجرة قدر المأذون، كما صرح به غير واحد، بل قطع به بعضهم، و مثله لو زرع المأذون و غيره، و ما لو ركبها و أردف غيره، مع أن السقوط لا يخلو أيضا

ج 27، ص: 172

من نظر، ضرورة ظهور تقييد الاذن في الأقل بعدم دخوله في ضمن الأكثر، فيستحق حينئذ أجرة الجميع، و الاولى جعل المدار على ما يفهم من العبارة، و لعله مختلف و الأصل اختصاص الغرامة بالزائد، و هو مراد الجماعة و الله العالم.

و كذا يجوز استعارة كل حيوان له منفعة كفحل الضراب و ان استلزم إتلاف عين مائه، إلا أنه من التوابع للنزو و إدخال الفرج و نحوهما التي لا تقدح، أو علم بالسيرة جوازها، و الكلب و السنور و غيرها من الحيوانات المملوكة و إن لم يكن لها منفعة يصح التكسب بها، ضرورة وضوح الفرق بين سفه التكسب و الإباحة بلا عوض و العبد للخدمة، و المملوكة و لو كان المستعير أجنبيا منها و كانت شابة جميلة، بلا خلاف أجده فيه عندنا، خلافا لبعض العامة، فمنع عارية الشابة الجميلة لمن لا يوثق به، لبعض الوجوه الاستحسانية التي ليست من مدارك الأحكام الشرعية عندنا.

نعم قيل: يكره إعارتها للأجنبي، و تتأكد إذا كانت حسناء خوف الفتنة، بل عن التذكرة و غيرها تأكدها في الشابة لمن لا يوثق به، كما صرح غير واحد كراهة استعارة الأبوين للخدمة، و بالاستحباب للرفاهية، و الأمر سهل.

و لا خلاف ظاهرا كما اعترف به بعضهم في أنه يجوز استعارة الشاة للحلب و هي المسماة ب المنحة بل عن بعض متأخري المتأخرين الإجماع عليه و هو إن تم كان الحجة في مخالفة الضابط السابق، لا الأصل المقطوع بما سمعت، و لا تسلط الناس على أموالها الذي لا يقتضي مشروعية العارية، و لا كونه كالوكالة في الانتفاع، و لا الحاجة إليها كي يناسب شرعها سهولة الملة و سماحتها، و لا غير ذلك مما ذكر في كلام بعض متأخري المتأخرين مما لا يصح لإثبات مشروعيتها عارية المنافي للضابط السابق، بناء على أن المنفعة إذا كانت عينا لا تدخل، و إن سميت منفعة و صح تسبيلها في الوقف، إلا أن مورد الإجارة و العارية ما ليس بعين من المنافع إلا ما خرج بالدليل، للإجماع بحسب الظاهر على ذلك، و لانه المتيقن من النص و الفتوى

ج 27، ص: 173

و حينئذ فلا بد لعارية المنحة من دليل، و ليس إلا الإجماع إن تم، إذ لم نجد في شي ء من نصوصنا الدالة عليها.

نعم في التذكرة الاستدلال عليها ب

ما عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«العارية مؤداة، و المنحة مردودة، و الدين يقضى، و الغريم غارم»

و هو مع أنه من طرق العامة لا دلالة فيه الا على مشروعية المنحة التي يمكن استفادتها من السيرة المستقيمة أيضا، و هو لا يقتضي كونها عارية، بل لعله ضرب من الإباحة، بل لعل الخبر المزبور ظاهر في كونها ليست من العارية، و أغرب من ذلك الاستدلال عليه ب

حسن الحلبي عن الصادق عليه السلام (2)«في الرجل يكون له الغنم يعطيها بضريبة سنة شيئا معلوما أو دراهم معلومة من كل شاة كذا

و كذا قال: لا بأس بالدراهم و لست أحب أن يكون بالسمن»

و صحيح ابن سنان (3)«سأله أيضا عن رجل دفع الى رجل غنمه بسمن و دراهم معلومة، لكل شاة كذا و كذا في كل شهر، قال: لا بأس بالدراهم و أما السمن فما أحب ذلك الا أن تكون حوالب فلا بأس بذلك»

بتقريب أنه إذا جاز مع العوض فبدونه أولى، إذ هو كما ترى لا يقتضي الجوار عارية، كما أن جوازه مع العوض إما لكونه قسما من الصلح، أو أن ذلك بخصوصه مشروع.

و على كل حال فلا دليل سوى الإجماع المدعي إن تم، و ظني أنه مأخوذ من معلومية مشروعية المنحة من الفتاوى و السيرة المستمرة لكنه كما عرفت لا يقتضي الجواز عارية، و لعله قسم من الإباحة، و حينئذ يتجه التعدي إلى غير الشاة، كما هو المتعارف في هذا الزمان في البقر، و إلى غير اللبن كالصوف و الشعر و الوبر، أما على العارية فلا وجه للتعدي المزبور مع مخالفته للضابط السابق، كما لا يتعدى من جوازه عارية إلى جوازه إجارة، بعد اتحادها مع العارية في الضابط السابق، و ربما تختص الإجارة بالجواز للرضاع في الإنسان بخلاف العارية، فلا يجوز استعارة الأمة له حينئذ، و إن جاز استيجارها، و أغرب من ذلك ما عن الغنية في باب الهبة «و من


1- 1 المستدرك ج 2 ص 489 و فيه و الدين مقضي.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 4.

ج 27، ص: 174

منح غيره بقرة أو ناقة أو شاة لينتفع بلبنها مدة لزمه الوفاء بذلك، إذا قصد بها وجه الله تعالى شأنه» إذ هو كما ترى لا يدخل في الهبة قربة إلى الله تعالى لتجده الحلب آنا فآنا، كما لا دليل على لزومها منحة أو عارية ما لم يكن ملزم خارجي من عهد أو نذر أو يمين أو اشتراط في عقد لازم كما هو واضح. هذا.

و في بعض نسخ الكتاب و لا يستباح وطى الأمة بالعارية، و في استباحتها بلفظ الإباحة تردد، و الأشبه الجواز و تعرف الكلام فيه إنشاء الله تعالى في كتاب النكاح عند تعرض المصنف له و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنها تصح الإعارة مطلقة و مدة معينة لإطلاق الأدلة، لكن المراد بصحتها مدة، عدم الاذن فيما بعدها، لا لزومها إليها نحو ما سمعته في عقد القراض، و حينئذ ف للمالك في الحالين الرجوع بها لما عرفت من كونها عقدا جائزا.

و من ذلك ما لو أذن له في البناء أو الغرس مطلقا أو إلى مدة، ثم أمره بالإزالة وجبت الإجابة خلافا للمحكي عن أبي على فلم يوجبها قبل انقضائها في خصوص عارية الأرض القراح للغرس و البناء، بل في محكي المبسوط إذا أذن له أي في الغرس إلى سنة و رجع قبلها لم يلزمه القلع بلا خلاف، إلا أنه مع عدم كونه خلافا في جواز العارية، لما عرفته سابقا من أعمية عدم وجوب القلع لذلك ضرورة تحقق انفساخها بالفسخ و إن لم يلزمه الإجابة، لكن تتعين عليه الأجرة مثلا.

و كذا الكلام ف (11) ي عارية الأرض للزرع (12) فان له الرجوع و لو قبل إدراكه على الأشبه (13) بأصول المذهب و قواعده التي منها معلومية جواز عقد العارية الذي منه محل البحث، خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن إدريس من وجوب الوفاء على المعير في الزرع إلى حين إدراكه، لأن له وقتا ينتهى إليه، و ظني أن مرجع كلامهما إلى عدم وجوب الإزالة، لا إلى عدم جواز العارية، و بينهما فرق واضح.

ج 27، ص: 175

و الذي يقتضيه النظر في المسألة أنه لا ينبغي التأمل في جواز عقد العارية هنا لعموم ما دل عليه، و

عموم (1)«تسلط الناس على أموالها»

و أنها قسم من الإباحة و البر و الإحسان و غير ذلك، إنما الكلام في حكم الغرس و البناء و الزرع بعد فسخها ضرورة رجوع الأمر حينئذ إلى تزاحم الحقوق، إذ المستعير ليس ظالما في عرقه و قاعدة لا ضرر و لا ضرار جارية في المقام بالنسبة إليهما معا.

و من هنا قال المصنف و غيره و على الآذن الأرش فاحتمال تسلط المعير على الإزالة مطلقا بلا أرش للأصل، و لأن المستعير هو الذي أدخل الضرر على نفسه بإقدامه على العارية التي يجوز فسخها في كل وقت، لا يخفى عليك ما فيه، لانقطاع الأصل بما عرفت من القاعدة، و الاقدام على العارية أعم من الاقدام على الضرر

المبنى على اقتضاء التسلط بفسخها على ذلك، و هل هو الا مصادرة؟

و من هنا نفى الخلاف بعضهم عن وجوب الأرض في المقام و إن استشكل فيه بعضهم إلا أن الاشكال ليس خلافا، كما أنه يمكن نفيه أيضا عن تقديمه على المستعير و إن بذل الأجرة، و لعل ذلك كاف في ترجيحه على الأخر عند المزاحمة لو أراد بذل الأجرة للبقاء، أو القيمة للأرض، و لذا كان المتجه فيهما التراضي لدفع صاحب الأرض قيمة الغرس.

أما موثق

محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام- «في رجل اكترى دارا و فيها بستان فزرع في البستان و غرس نخلا و أشجارا و فواكه و غير ذلك، و لم يستأمر صاحب الدار في ذلك، فقال: عليه الكرى و يقوم صاحب الدار الزرع و الغرس قيمة عدل، فيعطيه الغارس إن كان استأمره في ذلك، و إن لم يكن استأمره في ذلك فعليه الكراء و له الغرس و الزرع و يقلعه و يذهب به حيث شاء»

- فلم أجد عاملا به، عدا ما عن المبسوط من إجبار الغارس على القبول مع دفع القيمة، مع أنه مضطرب، لأنه على ما في الكافي بعد قوله فيعطيه الغارس، «و إن كان استأمره فعليه الكرى و له الغرس


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
2- 2 الوسائل الباب- 33 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 176

و الزرع يقلعه و يذهب به حيث شاء» و حينئذ يكون دالا على أن لصاحب الأرض المغصوبة تملك ما زرعه الغاصب فيها و غرسه، كما عن أبي على رحمه الله.

و لا ريب في منافاته حينئذ لأصول المذهب و قواعده، و يأتي إنشاء الله تمام الكلام في ذلك في كتاب الغصب. و لكن لا كلام هنا في ترجيح جانب المعير على حسب ما عرفت و الله العالم.

إنما الكلام في أمرين أحدهما: عدم التسلط على الإزالة إلا بعد دفع الأرش و لعله الظاهر من قول المصنف و ليس له المطالبة بالإزالة من دون الأرش بل جزم به في المسالك و ظاهره الإجماع عليه، قال: «لا تجب اجابته الى القلع قبل دفعه و ان بذله لاحتمال تعذر الرجوع عليه بإفلاس أو غيبة و نحوهما، فيضيع حق المستعير و يلزم الضرر، بخلاف ما لو دفع أولا، فإن غايته أن يهرب المستعير أو يتعذر مباشرته للقلع، فيباشره المعير باذن الحاكم مع إمكانه، أولا معه مع تعذره، و تعذر اذن المالك، فلا يحصل الضرر، ثم قال: لكن هذا الدفع نوع من المعاوضة، و من شأنها أنهما مع الاختلاف يجبران على التقابض معا من غير أن يسبق أحدهما الآخر، و انما حكم هنا بسبق دفع الأرش، لأن المعية غير ممكنة، و في بسط الدفع على الأجزاء حرج و عسر، و الضرر عن الدافع مندفع، بخلاف العكس، فلذلك حكموا بتقدمه».

قلت يمكن ارادة المصنف عدم السلطنة له على المطالبة بإزالته مجانا، و ليس هو بصدد سبق الدفع و تأخره و مقارنته، ضرورة كون ذلك من الأحكام لا المعاوضات، بمعنى تسلط المعير على طلب الإزالة من المستعير، و عليه الأرش، فلكل منهما حق على الآخر لا مدخلية له فيه، و عصيان أحدهما فيه لا يقتضي الجواز للآخر، و كلام المصنف و ما شابهه انما هو في عدم استحقاق الإزالة بدون استحقاق الأرش، لا بدون سبق دفع الأرش الذي لم يقم عليه دليل معتبر، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه، و الأمور الاعتبارية مع انها غير تامة لا تصلح لان تكون مدركا شرعيا و الله العالم.

ثانيهما: أن المراد بالأرش على ما في المسالك هو تفاوت ما بين كونه منزوعا من

ج 27، ص: 177

الأرض و ثابتا قال: «و هل يعتبر فيه مجانا أو بأجرة؟ كلام الشيخ صريح في الأول و هو الظاهر من كلام المصنف و الجماعة، مع احتمال اعتبار الثاني، بل اختاره بعد ذلك، و حكاه عن التذكرة قال: لان جواز الرجوع في العارية لا معنى له، الا أن تكون منفعة الأرض ملكا لصاحبها لا حق لغيره فيها، و حينئذ فلا يستحق الإبقاء فيها الا برضاه بالأجرة، و حق المستعير يجبر بالأرش، كما أن حق المعير يجبر بالتسلط على القلع، و يأخذ الأجرة لو اتفقا على إبقائها».

قلت: قد أطنبنا سابقا في نظير المسألة و قلنا إنه لا وجه لاعتبار البقاء مجانا أو بالأجرة في التقويم بعد فرض عدم استحقاق شي ء منهما لذي الغرس أو البناء، بل هو في بعض الأفراد كمال الضرر على المعير، خصوصا مع ملاحظة البقاء مجانا في التقويم.

فالمتجه حينئذ أن المراد بالأرش هو تفاوت حالي الشجرة بالقلع و عدمه إن كان، و نقص آلات البناء بسبب الهدم، بمعنى ضمان نقصها الحاصل بالقلع و الهدم من حيث كونه قلعا و هدما، من غير ملاحظة البقاء مغروسا و مبنيا، الذي هو غير مستحق للمستعير لا مجانا و لا بأجرة.

و لعله المراد فيما حكى عن المبسوط و غيره من أنه التفاوت بين كونها مقلوعة و قائمة من غير مراعاة للبقاء، بل يكون المعير حينئذ مع استحقاقه القلع كالغاصب في الغرامة، بل ربما استغرقت القيمة بملاحظة ذلك، خصوصا مع المجانية أضعاف قيمة الأرض كما هو واضح بأدنى تأمل هذا.

و قد يتوهم من إطلاق المصنف عدم الفرق فيما ذكره من الأرش بين انقضاء الوقت في الموقتة و بين الرجوع قبله، و وجهه في الثاني واضح، ضرورة كون الرجوع قبل الوقت كالرجوع في المطلقة، أما ثبوته في الموقتة بعد انقضاء الوقت فقد يشكل، بأن فائدة التوقيت ذلك.

و من هنا جزم في القواعد و محكي التحرير و جامع المقاصد بأن له الإلزام

ج 27، ص: 178

بالقلع مجانا.

لكن عن التذكرة أن فائدة التوقيت تجديد الغرس للمستعير في كل يوم إلى انقضاء المدة، إلى أن قال: «ثم للمالك الرجوع في العارية قبل انقضاء المدة بالأرش و بعدها مجانا إن شرط المعير القلع، أو نقص البناء بعد المدة، أو شرط عليه القلع متى طالبه به عملا بالشرط، فإن فائدته سقوط الغرم، فلا يجب على صاحب الأرض ضمان ما نص الغرس بالقلع- و إن لم يكن شرط القلع و اختاره المستعير كان له ذلك، و إن لم يختر القلع و أراده المعير فلا بد من الأرش».

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من منافاته لا صالة براءة الذمة السالمة عن المعارض ضرورة عدم حق له بعد انتهاء المدة، و لا مدخلية لاشتراط القطع و عدمه، كما لو استأجر منه أرضا لذلك مدة فانتهت، و أراد المالك تفريغ أرضه.

نعم قد يتوقف فيما لو أعاره للزرع مدة معينة، فانقضت و لما يدرك، لا لتقصير منه بل لهبوب الرياح و قصور الماء و نحوهما مما هو ليس من تقصير المستعير، بل عن التذكرة الجزم باستحقاق الأرش كالعارية المطلقة، و لعله باعتبار أن له مدة تنتظر فلا يعتد بالتأقيت القاصر عنها.

لكن لا ريب في أن المتجه أيضا

عموم «تسلط الناس على أموالهم(1)»

و «أن المؤمنين عند شروطهم (2)»

و لم يصدر الإباحة من المالك إلا إلى الأمد المخصوص الذي قد دخل المستعير على القلع

عند انقضائه، كما عن المحقق الثاني اختياره.

بل قال: ضعف الأول ظاهر لا يخفى، كما أنه قال: إن موضع الإشكال إذا لم يكن عدم الإدراك مستندا إلى تقصير المستعير، فإن أخر باختياره حتى ضاق الوقت وجب القلع مجانا قطعا و الله العالم.

و لو أعاره أرضا للدفن لميت محترم فدفنه فيها لم يكن له إجباره


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 179

على قلع الميت و نبشه و إخراجه إلى أن يطمئن باندراسه بالنسبة إلى تلك الأرض على وجه لا ينافي احترامه، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه.

و لعل ذلك هو المراد ممن حكاه على لزومها، لا ان المراد عدم جواز فسخها، فان له ذلك باعتبار كونها عقدا جائزا، و تظهر الثمرة فيما لو اتفق نبشه من نابش فان إعادته حينئذ تحتاج إلى إذن جديدة، و الأجرة، بناء على استحقاقها في مثله و في غير ذلك.

لكن من المعلوم أن ذلك بعد تحقق الدفن الذي يحرم معه النبش أما الرجوع قبل الحفر أو بعده قبل وضع الميت فلا كلام في ترتب حرمة الدفن حينئذ عليه، بل صرح غير واحد من الأصحاب بأنه كذلك بعد الوضع قبل المواراة، لعدم صدق النبش حينئذ.

اللهم إلا أن يقال: إنه و إن كان كذلك إلا أنه يمكن دعوى مساواته له، لما في الإخراج من هتك الحرمة، و لذا أمروا بقرض نجاسة الكفن فيه إذا لم يمكن غسلها، بل قيل: لم يجوزوا نقله إلى قبر آخر.

لكن الإنصاف عدم الاكتفاء بذلك دليلا لمثل ذلك، بل لولا الإجماع هنا على حرمة النبش لأمكن القول بجوازه، لعموم «تسلط الناس» و لأولويته من جملة من الأمور التي جوزوا النبش لها، مع أنه لا إطلاق و لا عموم على حرمته، كي يتمسك بهما إلا الإجماع الذي لولا اعتضاده بما هنا، لأمكن المناقشة في تناول معقده لما هنا.

هذا كله إذا لم يكن للمستعير جهة جواز للنبش، و إلا لاتجه إلزامه به، و لو للنقل إلى المشاهد المشرفة بناء على جوازه لها و للمستعير أن يدخل إلى الأرض التي استعارها للغرس و البناء و الزرع للتنزه و لغيره. و لأن يستظل بشجرها في نوم و يقظة لأن ذلك كله و نحوه من توابع مثل هذه العارية في العادة، و قد سمعت سابقا أن له الانتفاع بما جرت العادة به.

فما عن المبسوط و غيره من عدم الجواز في غير محله، و إن وافقه عليه في الجملة في التذكرة و القواعد، و جامع المقاصد، و المسالك، و الروضة، فلم يجوزوا دخوله

ج 27، ص: 180

للتفرج، لأن الاستعارة وقعت لمنفعة معينة، فلا يتعداها. و إنما يجوز الدخول له لسقي الشجر و مرمة الجدر و نحوهما مما فيه مصلحة المال و صونه عن التلف.

إلا أنه كما ترى، بل لا يبعد أن يكون ذكر المصنف لذلك تعريضا بما سمعته عن المبسوط.

و منه يعلم ما في المسالك فإنه قد أطنب في بيان انفراد المصنف في ذكر هذا الحكم للمستعير على ما وجده في النسخ. قال: «و حقه أن يقول: للمعير. على ما وجدته في سائر كتب الفقه التي تعرضوا فيها لهذه المسألة من كتبنا و كتب غيرنا».

و النكتة بالنسبة إلى المعير واضحة، كما ذكرناه، و أما المستعير فعلى تقدير جواز استظلاله لا نكتة في تخصيصه من بين الوجوه التي ينتفع بها، ثم ساق جملة مما وجده من عبارات الأصحاب، إلى أن قال: نعم ذكر الشهيد في اللمعة جواز استظلال كل منهما بالشجر، هو أجود من الاقتصار على المستعير إلا أن يجعل نكتة الاقتصار عليه بيان الفرد الأخفى».

قلت: قد عرفت أن غرض المصنف و الشهيد التعريض بمن لم يجوز ذلك للمستعير، و اختصاصه بالمعير، باعتبار كونه مالكا للأرض، فله الدخول إليها و الاستظلال بما فيها، لعدم كونه تصرفا بغير أرضه، كالاستظلال بحائط الغير، و إنما يمنع من التصرف بالبناء أو الغرس، بخلاف المستعير الذي ليس له التصرف إلا في المنفعة التي أباحها المالك له، و هي الغرس و البناء و الزرع و توابعها مما يصلحها و يحرسها عن التلف.

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه وجه النظر في ذلك بل و في انتفاع المعير في البناء و الغرس من دون إذن المالك، بناء على أن مثله تصرف، كما جزم به بعض مشايخنا فأبطل الصلاة تحت السقف المغصوب، كما ذكرناه في كتاب الصلاة، و لكن قد منعنا كونه تصرفا صلاتيا، ثم هو انتفاع به حال الصلاة.

و لعل كلام الأصحاب هنا مؤيد لما قلناه، بل ظاهرهم عدم حرمة ذلك مطلقا على المعير، إذ ليس هو إلا تصرفا في أرضه، و إن قارن ذلك انتفاع له على نحو

ج 27، ص: 181

الاستضاءة بنار الغير، و هو جالس في ملكه.

إلا أن الانصاف عدم خلو ذلك من اشكال، مع فرض قصد استيفاء منفعة الاستظلال بالسقف دفعا للمطر و الحر و نحوهما، إذ هو إن لم يكن تصرفا فيه فلا ريب في كونه انتفاعا به على وجه يضمن أجرته للمالك، هذا.

و ربما ظهر من بعضهم أن موضوع الحكم هنا ما إذا رجع المعير في العارية، و أن المراد بيان أن له قبل دفع الأرش و حصول القلع الدخول إلى أرضه و التصرف فيها و ان استلزم الاستظلال و نحوه بغرس الغير و بنائه، و ليس للمستعير الدخول إلا لمصلحة ماله و حفظه من سقى و مرمة بناء و نحوهما، بل ربما ظهر من بعضهم التوقف في ذلك من دون استيذان أو لا.

و لكن لا يخفى عليك أنه مخالف لظاهر أكثر عبارات الأصحاب، و إن كان الحكم في حد ذاته ممكنا، و الأمر سهل بعد فرض معلومية الحكم على كل حال.

و كيف كان فقد تقدم في كتاب الصلح من المصنف أنه لو أعار جداره لطرح خشبة و وضعها و طالبه بعد ذلك بإزالتها لم يكن له ذلك، لان المراد به التأييد، ثم استحسن الجواز، و قد ذكرنا هناك ما عندنا.

لكن قال هنا كان له ذلك، إلا أن تكون أطرافها الأخر مثبتة في بناء المستعير ف ليس له إلزامه بالإزالة، و إن بذل الأرش، لانه يؤدى إلى خرابه، و إلى إجباره على إزالة جذوعه عن ملكه أي المستعير، و هو المحكي عن مبسوط الشيخ و السرائر و الدروس.

و لكن فيه تردد من ذلك، و من معلومية جواز عقد العارية المقتضي لوجوب تفريغ ملك المعير، و إن توقف على تخريب ملكه، بل قيل: انه الذي أقدم على ذلك بإقدامه على العارية، فهو في الحقيقة الذي أدخل الضرر على نفسه.

نعم لما لم يكن ظالما في وضعه، جبره الشارع بالأرش، و دعوى لزوم هذه العارية باعتبار بنائها على التأييد و الدوام لا ترجع إلى محصل، يجوز الاعتماد عليه شرعا، بل لو بذل الأجرة لم يلزم صاحب الجدار اجابته، ترجيحا لحق صاحب الجدار عليه

ج 27، ص: 182

لفحوى ما سمعته في الغرس و البناء الذي قد وافق الخصم عليه هناك، هذا و قد تقدم في كتاب الصلح ماله نفع في المقام فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و لو أذن له في غرس شجرة مثلا فغرسها، و بقيت مدة ف اتفق أنها ماتت أو انقلعت لهواء خارق و نحوه، جاز عند بعض أن يغرس غيرها استصحابا للإذن الأول التي لم يتعقبها رجوع.

و قيل: يفتقر إلى إذن مستأنف، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده المقتضية حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، إذ الأولى قد انتهت بحصول مقتضاها، و غرس الشجرة الأخرى شي ء جديد، بل إن لم يكن ثم قرينة يشكل إعادة غرسها، إذ الظاهر أن الإذن في الغرس كالأمر به تحقق بالمرة.

نعم في التذكرة: «لو انقلع القصيل المأذون له في زرعه في غير زمنه المعتاد، أو سقط الجذع كذلك و قصر الزمان جدا فالأولى أن يعيده بغير تجديد الإذن، و لعله لأنه من الإذن الاولى، لعدم تحقق مقتضاها المأذون فيه. كما هو واضح.

بل هذه المسائل و نحوها مما لاحظ للفقيه فيها، لاختلافها باختلاف القرائن الحالية، فضلا عن غيرها.

و لا إشكال كما لا خلاف عندنا في أنه لا يجوز إعارة العين المستعارة، إلا بإذن المالك ضرورة اقتضاء عقد العارية الإباحة لخصوص المستعير لا تمليكه إياها.

و كذا لا يجوز له إجارتها (11) بل هو أولى منه، خلافا لما عن بعض العامة من جوازه، قياسا على الإجارة، و هو مع بطلانه في نفسه مع الفارق، فلا ريب في عدم جوازه و لا غيره من النواقل أو المبيحة ل (12) ما عرفت من أن المنافع ليست مملوكة للمستعير، و إن كان له استيفاؤها (13) بنفسه أو وكيله على وجه يعود الانتفاع له، مع كون العين في يده أو في يد الوكيل باذن المالك، و ليس هو من الإعارة.

ج 27، ص: 183

ثم إن الظاهر كون الإعارة الثانية مع فرض إذن المالك إنما هي من الأول مع فرض كون الإذن على هذا الوجه، فإنه يصير حينئذ وكيلا و نائبا، فلا يقدح حينئذ جنونه و نحوه في بقائها.

نعم إذا أذن له في الإعارة لنفسه اتجه حينئذ كون الإعارة منه، و احتمال عدم مشروعية هذا القسم باعتبار اشتراط كون المعير مالكا يدفعه إطلاق الأدلة، و المسلم منه مع عدم إذن المالك، فيكون بالشرط حينئذ مالكا أو مأذونا.

و قد سمعت التسامح في العارية التي ذكر فيها المصنف صحة العارية من الصبي بإذن وليه و ستسمع إنشاء الله في الوكالة بإذن الموكل أنها تقع على وجهين، الوكالة عن الموكل، و الوكالة عن الوكيل نفسه، نحو ما سمعته في العارية هنا، و لعل مثله يأتي في الوديعة، و قد تقدم منا سابقا بحث فيه.

إنما الكلام فيما يستفاد من إطلاق الإذن، و لعل العارية من المستعير نفسه أظهر الفردين منه، و لعل منه عارية الدار مثلا على أن يدخل فيها من شاء من عياله و غيرهم، فإن الإعارة لهم منه، لا من المعير، أو يقال: إن من انتفاعه انتفاعهم على نحو انتفاع دوابه، و الأمر سهل.

و كيف كان فلو خالف و أعار الغير فلا ريب في فساد العارية، و لكن الكلام- في رجوع المالك على من شاء منهما بالعين و المنفعة، مع ضمان العين و عدمها- ما سمعته في العارية من الغاصب، و ما عن الفاضل من الفرق بينهما في الجملة لا يخلو من إشكال كما أوضحنا ذلك كله هناك فتأمل و الله العالم.

[الفصل الرابع في الأحكام المتعلقة بها و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل الرابع: في الأحكام المتعلقة بها و فيه مسائل

[المسألة الأولى العارية أمانة]

الأولى لا خلاف و لا إشكال في أن العارية أمانة كما

قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (1)«صاحب العارية و الوديعة مؤتمن»

و نحوه غيره، و حينئذ فهي كغيرها من الأمانات لا تضمن إلا بالتفريط في الحفظ أو

التعدي أو باشتراط الضمان زيادة على الوديعة للإجماع بقسميه، و النصوص (2).


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العارية.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العارية.

ج 27، ص: 184

و لا ينافي ذلك بناؤها على التبرع حينئذ، كما لا ينافي كونه شرطا في عقد جائز إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

و كذا تزيد على الوديعة بأنها تضمن إذا كانت ذهبا أو فضة و إن لم يشترط الضمان، بلا خلاف أجده فيه في الدراهم و الدنانير منهما، بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص.

إنما الكلام في غيرهما من المصوغ و غيره الذي هو كذلك أيضا في صريح اللمعة و المهذب و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و مجمع البرهان على ما حكى عن بعضها، و في ظاهر المتن و النافع و غيرهما ممن عبر كعبارته، كما عن المقنع و النهاية و المبسوط و فقه الراوندي، و التحرير و الإرشاد و المختلف و قواعد الشهيد.

بل لعله ظاهر الوسيلة و التبصرة المعبر فيهما بالثمن المراد منه مطلق الذهب و الفضة، كما في تعريف الصرف، أو الورق و العين المعبر بهما في محكي المقنعة و المراسم و الكافي و الغنية و السرائر، بناء على إرادة الفضة من أولهما، كما عن القاموس و النهاية و كتب التفسير، أو هي مع الدراهم المضروبة، كما عن مجمع البحرين و الدينار و الذهب من ثانيهما كما عن القاموس أيضا.

نعم عن الصحاح تفسير العين بما ضرب من الدينار، و الورق بما ضرب من الدراهم، و لعله لذا نسب الحكم في المختلف إلى الشهرة بين الأصحاب، و إلا فلم أجد خلافا صريحا قبله، و إنما هو من الفخر و القطيفي و الكفاية و الرياض على ما حكي عن بعضها.

و على كل حال فهو الأقوى ل

صحيح زرارة(1)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام العارية مضمونة، فقال: جميع ما استعرته فتوى فلا يلزمك تواه، إلا الذهب و الفضة، فإنهما يلزمان إلا أن تشترط أنه متى توى لم يلزمك تواه، و كذلك جميع ما استعرت فاشترط عليك لزمك، و الذهب و الفضة لازم لك و إن لم يشترط عليك».

و إسحاق بن عمار عنه (2)أيضا أو عن أبي إبراهيم عليه السلام «العارية ليس على


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث 4.

ج 27، ص: 185

مستعيرها ضمان، إلا ما كان من ذهب أو فضة، فإنهما مضمونان اشترطا أو لم يشترطا».

و لا ينافي ذلك

صحيح ابن سنان (1)عنه أيضا «لا تضمن العارية إلا أن يكون قد اشترط فيها ضمان، إلا الدنانير فإنها مضمونة و إن لم يشترط فيها ضمانا»

الذي مثله خبر ابن مسكان (2)و لا

خبر عبد الملك بن عمرو(3)عنه أيضا «ليس على صاحب العارية ضمان، إلا أن يشترط صاحبها، إلا الدراهم فإنها مضمونة اشتراط صاحبها أو لم يشترط».

بعد ظهور اتحاد المستثنى منه في جميعها في كون المراد تعدد الإخراج من العام، فهي مخصصات متعددة من عام متحد لا يقدح أخصية بعضها من بعض إذ جميع المخصصات متحدة في الحكم الإيجابي الذي هو الضمان، فلا يحمل بعضها على بعض بعد عدم التنافي بينها.

بل و لا في إخراجها من العام، ضرورة أن الخاص إذا اخرج من العام لا يزيد دلالته على ما بقي من الأفراد على دلالته الأصلية، فليس حينئذ إلا خروج الخاص من العام.

و بذلك ظهر لك المراد من النصوص التي ما بين دال على عدم ضمان العارية أصلا، و ما بين مستثنى الذهب و الفضة، و ما بين مستثنى الدراهم، و ما بين مستثنى الدنانير.

خصوصا بعد اتفاقهم على عدم التنافي بين خبري الدراهم و الدنانير، إذ ليس هو إلا باعتبار ظهورهما في إرادة تعدد الإخراج من العام الذي هو بملاحظة كل واحد منهما لا يقتضي عدم قابلية العام لإخراج غيره، بل أقصاه بقاء ما عداه على دلالة العام الأول، فإذا جاء ما يقتضي إخراج فرد آخر ضم إلى الفرد الآخر، و هكذا.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث 1- و ذيله- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث 1 ذيله.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث 3.

ج 27، ص: 186

فهو بمنزلة أن يقول أكرم الرجال، ثم يقول: لا تكرم زيدا منهم، و أخرى لا تكرم عمروا و ثالثة لا تكرم الجهال، و في الواقع كان زيد و عمرو من أفراد الجهال فإنه لا يشك من له أدنى فهم بالخطابات العرفية إرادة إخراج الجهال من الحكم الأول، و لكن نص على زيد و عمرو للتأكيد، و نحوه.

و بذلك ظهر لك ما في كلام فخر المحققين من حمل الذهب و الفضة على الدرهم و الدينار باعتبار أنهما عامان بالنسبة إليهما أو مطلقين، إذ قد عرفت أنه لا تنافي بين حكم الجميع الذي هو الضمان.

فلا مقتضى للحمل المزبور، كما أنه لا تنافي أيضا بين المستثنى منه في الجميع إذ هو ليس إلا عدم ضمان العارية الذي هو مضمون القسم الأول من النصوص، و هذا واضح و إن أطنب في رده في جامع المقاصد، و زاد في الأطناب ثاني الشهيدين في المسالك.

نعم في الكافية و تبعه في الرياض «أن تحقيق المقام حصول التعارض في النصوص المزبورة بين المستثنى منه في خبر الدراهم و الدنانير، و حاصله لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير، و بين المستثنى في خبر الذهب و الفضة، و النسبة بين الموضوعين عموم من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر.

فان خص الأول بالثاني كان الحاصل لا ضمان في غير الدراهم و الدنانير إلا أن يكون ذهبا أو فضة، و إن خص الثاني بالأول كان الحاصل كل من الذهب و الفضة مضمون إلا أن يكون غير الدراهم و الدنانير.

فالأمر المشترك بين الحكمين ثابت، و هو حصول الضمان في الدراهم و الدنانير فلا بد من استثناء هذا الحكم من عموم الأخبار الدالة على عدم الضمان، و تبقى تلك الأخبار في غير ذلك سالمة عن المعارض، فان المتجه الحكم بعدم الضمان في غير الدراهم و الدنانير من الذهب و الفضة».

لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة عدم كون المستثنى منه في خبري عبد الملك و ابن سنان غير الدراهم و الدنانير، بل لا يصلح لأن يكون

ج 27، ص: 187

ذلك مستثنى منه لهما، و إن أراد الحاصل من المستثنى منه فيهما مع المستثنى، فليس هو إلا ضمان الدراهم و الدنانير لا غيرهما.

و ليس بين مجموع ذلك و بين الذهب و الفضة تعارض العموم من وجه، إذ لا اختصاص في خبري الذهب و الفضة بالدلالة على عدم ضمانهما حتى يكون ذلك وجه افتراق لهما عن خبري عبد الملك و ابن سنان.

على أن ذلك كله منا مماشاة لكشف فساد المغالطة المزبورة، و إلا فالواجب ملاحظة التعارض بين نفس الأدلة من غير تقدير شي ء ناشئ من الاجتهاد فيها، و لا ريب في عدم التفاوت بين مضمون الجميع إلا باقتضاء الضمان في الحلبي و نحوها من خبر الذهب و الفضة، و عدمه في خبر الدراهم و الدنانير، و لكن من حيث حصر الضمان فيهما فلا ينافي حينئذ إخراج غيرهما بدليل آخر.

فليس حينئذ التعارض إلا بالعموم و الخصوص المطلق، على هذا التقدير، إذ ليس دليل سلب الضمان عما عداهما إلا هو مضمون القسم الأول من النصوص، و هو عدم الضمان في العارية مطلقا الذي لا ينافي الإخراج بخبري الذهب و الفضة كما هو واضح بأدنى تأمل.

و أما تقدير غير الدرهم و الدينار و ملاحظته مهملا عن إخراجهما مع موضوع الذهب و الفضة الشاملين لهما و جعل التعارض بينهما من وجه إلى آخر ما سمعته فهو شي ء خارج عن النصوص، صاغه الوهم، فصار مغالطة على الأفهام الردية التي لا تفرق بين مفاهيم الألفاظ و مصاديقها، إذا كان فيها نوع خفاء.

و حينئذ لا يحتاج إلى رده بالترجيح بالشهرة العظيمة بين الأصحاب، و لا بأن أهل العرف لا يفهمون من ذلك إلا تخصيص الأول بالثاني، و لا

بعموم (1)«على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

و لا باستلزام العكس إخراج لفظ الذهب و الفضة عن الحقيقة بخلاف الأول الذي فيه تكثير أفراد إخراج المخصص بعد العلم بالتخصيص في الجملة، و لا إلى غير ذلك مما عرفت الاستغناء عنه.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 27، ص: 188

و حينئذ فلا محيص عما عليه الأصحاب من ضمان مطلق الذهب و الفضة، بل الظاهر كونهما كذلك سواء كان معهما غيرهما، أو لا، مزجا أو غيره، إلا أن يشترط سقوط الضمان فيسقط حينئذ للأصل، و الاقتصار في الخروج عن عموم عدم الضمان على المتيقن الذي لم يشترط فيه ذلك، و

عموم (1)«المؤمنون»

و خصوص صحيح زرارة(2)المتقدم القاطع للشك في ذلك.

نعم قد يشك في اعتبار الشرط المزبور في الضمان بالتعدي و التفريط في ابتداء عقد العارية باعتبار أنه إسقاط للواجب قبل وجوبه، و منافاته لإطلاق ما دل على تسبيبهما ذلك، مع أنه لا يخلو من قوة، لأنه في قوة الإذن في الإتلاف، و للشك في السببية معه، و الأصل براءة الذمة.

أما ما قيل- من عدم اعتباره أيضا في عارية مال الغير، و في عارية المحل للصيد للمحرم،- ففيه ما عرفت، من عدم كونهما عاريتين صحيحتين، على أن الثانية منهما إن أريد بعدم اعتبار الشرط فيها بالنسبة إلى الفداء، فهو حق، لعدم كون ضمانه بالعارية، بل هو شبه الحكم الشرعي، و إن أريد به بالنسبة إلى الغرامة للمالك، فالظاهر إتيان البحث السابق فيه.

و مما ذكرنا يعلم أنه لا وجه لذكر هذين القسمين في العارية المضمونة، ضرورة معلومية إرادة القسم الصحيح منها، و من هنا تركهما المصنف، و اقتصر على ما عرفت. كما أنه لا وجه لعد العارية من المحرم للمحل من قسم العارية التي لا تضمن، حتى إذا اشترط فيها الضمان، إذ قد عرفت أنها ليست عارية، و أن المستعير يملكه، لعدم ملك المحرم له.

نعم لم يذكر المصنف عارية الرهن، و لعله للاكتفاء بما ذكره في الرهن، أو أنه ليس من العارية عنده، كما أشبعنا الكلام فيه في كتاب الرهن، و بذلك ظهر لك


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام العارية الحديث- 2.

ج 27، ص: 189

عدم الحاصل فيما ذكره في المسالك من هذه الأقسام، و حسن اقتصار المصنف في الضمان للعارية على ما ذكره من الأسباب.

و أما ما يحكى عن ابن الجنيد من ضمان عارية الدابة أيضا، فلم نجد له دليلا صالحا للخروج عن الأصل، فضلا عن عموم عدم ضمان العارية المؤيد بعموم عدم ضمان الأمانة. و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا رد العارية إلى المالك أو وكيله برء]

المسألة (الثانية) لا خلاف و لا إشكال في أن المستعير إذا رد العارية إلى المالك أو من يقوم مقامه من وكيله أو وليه العام أو الخاص برء على حسب غيرها من الأمانات و نحوها، كما أنه لا إشكال و لا خلاف عندنا في أنه لو ردها إلى الحرز الذي كانت فيه بلا يد للمالك و لا إذن منه لم يبرأ بل هو ضامن لها مع التفريط بها.

و كأنه عرض بذلك للرد على المحكي عن أبي حنيفة من أن رد العارية إلى ملك المالك كردها إليه. لأن رد العواري في العادة بذلك، و هو كما ترى.

و لو استعار الدابة إلى مسافة معينة مثلا فجاوزها ضمنها عينا و منفعة للتعدي و لو أعادها إلى المسافة الأولى (11) المأذون فيها لم يبرأ (12) من ضمان العين الذي قد حصل بالتعدي، للأصل و غيره، أما المنفعة فلا ضمان فيها لعدم انفساخ العارية بذلك، إذ الفرض عدم تصريح أو ظهور في عقد العارية يقتضي تقييده بعدم التعدي أو التفريط، فالمنفعة التي اقتضى عقد العارية إباحتها غير مضمونة.

نعم بالتعدي المزبور تدخل العين في ضمانه بالتعدي الأول، و لو تلفت منه حال استعماله المأذون فيه بلا تعد متجدد أو تفريط كما هو واضح.

و إن أشكل الحال على المحدث البحراني بالنسبة إلى الفرق بين الحكم بضمان العين بالمسافة المأذون فيها دون المنفعة، و ذلك لان العارية إن انفسخت

ج 27، ص: 190

بالتعدي المزبور اتجه ضمان العين و المنفعة مطلقا، و إلا لم يتجه ضمان العين بعد العود إلى المأذون فيه.

و فيه ما لا يخفى من حصول سبب الضمان، و هو التعدي المزبور الذي ليس في الأدلة ما يقتضي انفساخ العارية به و بالتفريط، فهو حينئذ على مقتضى تسبيبه الضمان حتى في المأذون فيه، إذ لا تنافي بين العارية و الضمان بسببه. أما المنفعة فهي على إذن العارية و الله العالم.

[المسألة الثالثة يجوز للمستعير بيع غروسه و أبنيته في الأرض المستعارة للمعير]

المسألة (الثالثة) لا خلاف أيضا و لا إشكال في أنه يجوز للمستعير بيع غروسه و أبنيته في الأرض المستعارة للمعير و بالعكس، و للأجنبي بل يجوز بيع المستعير لغيره أي المعير مع الإذن و بدونها بل مع النهي على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي لا ينافيها احتمال قلع المعير له و هدمه إياه، فإنه لا يخرجه عن المالية المسوغة لبيعه.

بل هو أولى مما جوزوا بيعه من الحيوان المشرف على التلف، و العبد المستحق للقتل قصاصا، فما عن أحد وجهي الشافعية من المنع لذلك واضح الفساد.

نعم عن مبسوط الشيخ أن الأقوى عدم الجواز، لانه لا يمكن تسليمه، بل عنه فيما سلف عدم جواز دخول المستعير لغير السقي و نحوه، و من هنا بنى في التحرير جواز البيع و عدمه على جواز الدخول و عدمه، لكن فيه أولا: أن التسليم في مثله التخلية، و الانتفاع ممكن باستيذان المعير، أو الاستيجار منه و نحو ذلك.

و حرمة الدخول على المشتري- و الانتفاع به باعتبار اقتضاء عقد العارية الإذن للاول- لا ينافي جواز الشراء، و إن وجب عليه حينئذ الاستئذان في البقاء من حينه، فإن لم يحصل كانت الأصول و الآلات في مقابلة ثمنه.

و على كل حال فهو أمر خارجي لا مدخلية له في صحة البيع للمال المملوك

ج 27، ص: 191

الذي يمكن تسلمه باقيا و مقلوعا، بل الظاهر صحة البيع حتى مع جهل المشتري بالحال، و إن تسلط على الخيار حينئذ، لظهور البيع في استحقاق البقاء، فيتسلط على الخيار لقاعدة الضرر.

و لو باع المستعير و المعير الأرض و ما فيها بثمن واحد، صح و يوزع الثمن على قيمة مال كل منهما، فيقوم الغرس و البناء في أرض مستعارة، و الأرض مشغولة عارية بذلك. نعم يلحظ النسبة بينهما، و يوزع الثمن عليها كما هو واضح و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا حملت الأهوية أو السيول حبا مثلا إلى ملك إنسان فنبت كان لصاحب الأرض إزالته ]

المسألة (الرابعة إذا حملت الأهوية أو السيول حبا مثلا إلى ملك إنسان فنبت كان لصاحب الأرض إزالته بعد فرض امتناع المالك عنها، من غير مراجعة للحاكم و لا يضمن له الأرش بل ربما استحق عليه الأجرة على ما تسمع كما في مسألة أغصان الشجرة البارزة إلى ملكه التي تقدم تفصيل الكلام فيها في كتاب الصلح، فإن ظاهر المصنف اتحاد الحكم في المسألتين.

و لكن كشف الحال في المقام هو أن هذا الحب لا يخلو إما أن يكون معرضا عنه، أو لا، و على التقديرين إما أن يعلم المالك أو يجهل في منحصر أو غيره.

و على كل حال فإما أن يكون متمولا، أو قليلا غير متمول، فمع فرض الإعراض فلمالك الأرض و غيره تملكه، و له طرحه من أرضه كغيره من المال المعرض عنه و إن كان كثيرا.

لكن في المسالك «أنه يجوز للمالك الرجوع ما دامت العين باقية، لأن ذلك بمنزلة الإباحة» و في غيرها التصريح بأن له ذلك. و إن تملكه أحد، إلا أنه قد يشكل بأصالة اللزوم بعد حرمة القياس على الهبة، و منع كونه أولى، بل ينبغي الجزم بذلك، بناء على صيرورته كالمباحات بالإعراض.

و على كل حال فالظاهر ممن تعرض لذلك عدم تسلط صاحب الأرض على جبره على القلع، بعد تحقق الإعراض عنه.

و لكن قد يشكل إذا فرض حصول الإعراض بعد اشتغال الأرض به، بل و قبله

ج 27، ص: 192

بناء على عدم خروجه عن الملك بذلك، إذ هو حينئذ نحو ما قيل فيما لو ترك الحب صاحبه لصاحب الأرض و لم يقبله، ففي المسالك في وجوب الإزالة وجهان.

نعم حكى فيها عن التذكرة القطع بسقوط مؤنة نقله، و أجرته عنه، لأنه حصل بغير تفريطه و لا عدوانه، و كان الخيار لصاحب الأرض المشغولة إن شاء أخذه لنفسه، و إن شاء قلعه.

إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، بناء على وجوب تخليص ملك الغير منه، ضرورة أن الإعراض عنه بعد عدم الخروج عن ملكه به أو البذل لصاحب الأرض مع عدم القبول لا يرفع الوجوب المزبور عنه الذي قد صرح به غير واحد في الصورة الأخرى، و هي: ما لو علم المالك بعينه و لم يكن منه إعراض و لا بذل، معللين له بأن ملكه قد شغل أرض غيره بغير حق، فيجب تخليصه منه و التسوية و طم الحفر.

بل صرح بعضهم بوجوب الأجرة عليه للمدة، بعد امتناعه، لأنه كالغاصب حينئذ، بل عن ظاهر السرائر وجوبها عليه للمدة السابقة التي استظهر بعضهم عدمها، لعدم تقصيره في القلع، و عدم تفريطه في أصل اشتغال الأرض به، فأصل البراءة بحاله.

اللهم إلا أن يقال: إنه و إن لم يكن مقصرا لكن لا تبرع أيضا من صاحب الأرض، و الأصل احترام مال الغير الذي منه المنفعة المزبورة.

لكنه كما ترى، بل قد يناقش في الأجرة مطلقا، للشك في وجوب التخليص عليه، بعد أن لم يكن الشغل منه، للأصل، و كونه مالكا لا يقتضي ذلك نعم لصاحب الأرض بعد امتناع المالك، إزالته عن ملكه، كما عبر به المصنف.

و لو كان المالك مشتبها في منحصرين ففي المسالك «وجب عليهم أجمع التخلص بالصلح، أو التمليك و نحوه، و يجب على صاحب الأرض مراجعتهم فيما يراجع فيه المالك المعين».

و فيه: ان هذا الوجوب لا وجه له، لتمسك كل منهم بأصل البراءة السالم عن معارضة باب المقدمة في الفرض المعلوم عدمها فيه، فالمتجه حينئذ إزالته نفسه

ج 27، ص: 193

عن ملكه بعد مراجعة الحاكم، أو بدونه، و لكن يسلم المال للحاكم.

و لو لم يكن محصورا ففي المسالك أيضا «كان بمنزلة اللقطة» و فيه: أنه إلى مجهول المالك أقرب منه إليها، لعدم تحقق كونه مالا ضائعا، و لو بقرينة، بل هو كالثوب الذي أطارته الريح.

و لو كان قليلا لا يتمول كنواة واحدة و حبة كذلك و المالك معلوم، احتمل بعضهم عدم وجوب رده، و أن له تملكه، لانتفاء حقيقة المالية فيه، و التقويم إنما حصل في أرضه، و فيه: أنه مناف لأصول المذهب و قواعده المقتضية وجوب رده إلى صاحبه على حسب ما تقدم، و بذلك كله بان لك الحال في جميع أطراف المسألة.

نعم بقي شي ء و هو أنه لم أجد أحدا احتمل هنا وجوب الانتظار في الزرع الذي له أمد، و لا دفع الأرش فيه أو في الشجر كما ذكروه في العارية و نحوها، بل صريح بعضهم عدمه، مع أنك قد سمعت أن بناء ذلك في العارية على تزاحم الحقوق و عدم كونه ظالما في عرقه، و إلا فالإذن له يجوز له الرجوع فيها، لأنها حصلت في ضمن عقد جائز.

و إجراء قاعدة تزاحم الحقوق، و مراعاة الأكثر ضررا، و القرعة و نحوها في المقام إن لم يكن أولى من ذلك المقام، فهو مساو له مثل دابة وضعت رأسها في قدر شخص أو دخلت دار الغير فاحتاج إخراجها إلى خراب الباب مثلا و نحو ذلك.

فلا بد من ملاحظة الفرق بين المقامين، و لعله قاعدة أخرى و هي وجوب تخليص ملك الغير عما اشتغل فيه من ملك آخر و الله العالم.

[المسألة الخامسة لو نقصت بالاستعمال ثم تلفت و قد شرط ضمانها ضمن قيمتها يوم تلفها]

المسألة (الخامسة لو نقصت العين المستعارة ب سبب الاستعمال المأذون فيه ثم تلفت و قد شرط ضمانها ضمن قيمتها يوم تلفها كما عن المبسوط و التذكرة و المختلف و الحواشي لأن النقصان المذكور غير مضمون في نفسه و لا مندرج في إطلاق

ج 27، ص: 194

الضمان المشترط.

نعم لو نص عليه في الشرطية اتجه ضمانه، و لا ينافي تبرع العارية، ضرورة عدم كونه ضمانا للمنفعة، بل هو شي ء و هي شي ء آخر، و المنافي للعارية اشتراط ضمانها لا ضمانه، بل لعله كذلك و إن كان من لوازم الاستعمال.

لكن لو فرض اتحاد الانتفاع بالعين مع النقص الحاصل منه بمعنى كون المنفعة المأذون فيها هي نفس النقص المزبور، اتجه حينئذ عدم صحة اشتراط ضمانه، إلا أنه كما ترى مجرد تصور وهمي.

و على كل حال فالتردد في ضمانه في صورة إطلاق من بعضهم- بل في جامع المقاصد «لا أستبعد ضمانه، لأنه ليس من لوازم أصل الاستعمال، النقص، و لأنه لا منافاة بين كون الاستعمال مأذونا فيه، و النقص مضمونا، و هذا قوى جدا» و نحوه في المسالك.

بل عن فخر المحققين أنه الأصح بعد أن حكاه عن أبي علي، و أبي الصلاح- في غير محله.

و

خبر وهب (1)الذي ذكره بعضهم دليلا لذلك عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «ان عليا عليه السلام قال: من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن، و من استعار حرا صغيرا فهو ضامن»

المحمول على المضمون بالشرط، أو التعدي أو التفريط.

مع أنه مؤل ظاهر في غير محل الفرض الذي هو النقصان الناشئ من نفس الاستعمال، كانمحاق الثوب و نحوه، لا اتفاق تلف بعض أجزائه بحرق و نحوه، فإنه لا شك في اندراجه في إطلاق

الضمان المشترط الذي هو الجملة و الاجزاء كما هو واضح.

و حينئذ لا فرق في عدم ضمانه بين تلف العين و بين ردها ناقصة.

و من الغريب ما يظهر من بعض الكلمات من الفرق، فإنه لا وجه له، كما أنه لا وجه للفرق بين المقام، و بين الضمان بالتعدي و التفريط ثم تلفت بعد نقصها


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العارية الحديث 11.

ج 27، ص: 195

بالاستعمال بعد ذلك، فإنه لا يضمن إلا القيمة يوم التلف، لعدم انفساخ العارية بذلك، فهو حينئذ مأذون فيتبعه النقص الحاصل منه، فما عن بعضهم من الفرق في غير محله.

نعم يضمن النقص الحاصل من التعدي نفسه الذي لم يأذن فيه، و كذا التفريط و أما الحاصل بعد العود إلى استعمال العارية المأذون فيها فلا، و إن كانت العين مضمونة في يده لكن قيمتها. هذا.

و لا يخفى عليك أنه حيث يضمن النقص الحاصل من الاستعمال فلا بد من ملاحظته من حين القبض إلى حين التلف، لمكان ذهاب الاجزاء على التدريج كالثوب يلبس و ينمحق شيئا فشيئا كما هو واضح و قد وقع في بعض الكتب المتأخرة هنا ما لا ينبغي أن يسطر فلا تغفل و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا قال الراكب مثلا أعرتنيها و قال المالك آجرتكها فالقول قول الراكب ]

المسألة (السادسة إذا قال الراكب مثلا أعرتنيها و قال المالك: آجرتكها فالقول قول الراكب مع يمينه، عند الشيخ و ابن زهرة و أول الشهيدين و الأردبيلي و الخراساني على ما حكي عن بعضهم لان المالك مدع للأجرة و الراكب ينفيها، فهو مع أصل البراءة السالم عن معارضة الإقرار بالاستيفاء مثلا، بعد أن اتفقا على كونه بالاذن التي تقع على وجوه، فهي أعم من الاستحقاق، فليس المالك حينئذ إلا مدعيا صرفا.

و قيل كما عن ابن إدريس و اجارة المهذب، بل لعله المشهور لما ستعرف من رجوع غيره إليه، القول قول المالك في عدم العارية التي ادعاها الراكب فإذا حلف حينئذ سقطت دعوى الراكب و تثبت عليه أجرة المثل لا المسمى الذي نفاه الراكب أيضا بيمينه، إذ هو منكر بالنسبة إليه.

و لا ينافي ذلك ثبوت أجرة المثل التي هي قيمة المنفعة التي قد اعترف باستيفائها و هي كالعين بالنسبة إلى المالية، و الأصل احترام مال المسلم كدمه و عرضه، بمعنى

ج 27، ص: 196

الحكم بضمانه على من هو عنده، حتى يثبت ما يقتضي عدمه من عارية و إباحة مجانية، ضرورة أن طيب نفسه شرط في حل ماله، و الشك فيه شك في الشرط، و هو الموافق

لعموم (1)«من أتلف»(2)

و «على اليد»

و غيرهما، و عليه بني تقديم قول مدعي القرض على مدعي الوديعة في صحيح إسحاق بن عمار(3)و مدعي الغصب على مدعي العارية أيضا.

نعم تكون على الراكب أجرة المثل إذا صارت مساوية للمسمى أو أقل منه، لا إذا كانت أزيد، لاعترافه حينئذ بدعواه المسمى بعدم استحقاقها، و إن انتفت دعواه بيمين الراكب، لكن انتفاؤها بالنسبة إلى إلزامه بها، لا ما يعود منها إلى المدعي الذي هو مقتضى التزامه بإقراره.

و لا ينافي ذلك إطلاق المصنف أجرة المثل المنزل على مساواتها للمسمى غالبا أو على إرادة بيان أصل ثبوت الأجرة أو نحو ذلك.

و بذلك ظهر انقطاع أصالة البراءة بالقاعدة المزبورة، كما أنه ظهر الجواب عن اشكال استحقاق الأجرة بعد انتفاء دعواه الإجارة بيمين الراكب، باعتبار حصر استحقاقه باعترافه بالإجارة المفروض انتفاؤها بيمين الراكب، إذ هو معارض أيضا بانتفاء المجانية التي ادعاها الراكب باعتبار حصر سببها باعترافه بالعارية المفروض انتفاؤها بيمين المالك، فلما انتفيا معا رجع الحاكم إلى أصل آخر يقتضي غرامة الراكب، و هو أصالة ضمان مال الغير، فحكم بأجرة المثل غرامة، عوض منفعة مال الغير التي اعترف باستيفائها.

و لا حرمة على المالك في قبضها، لعدم تضمن دعواه ما يقتضي حرمتها عليه، حتى إذا ادعى كون المسمى عينا مخصوصة فإن له أخذها حينئذ مقاصة، على الوجه الذي ذكرناه.


1- 1 قاعدة مستفادة من مضامين الاخبار.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 504.
3- 3 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 1.

ج 27، ص: 197

و به بان أن القول الأخر الذي ذكروه قولا ثالثا- و هو أن القول قول المالك أيضا، و لكن يرجع بأقل الأمرين من المسمى و أجرة المثل لا أجرة المثل مطلقا، كما في المتن- هو قول المصنف بعد تنزيل إطلاقه على ما عرفت.

كما أن المذكور قولا رابعا و هو التحالف، إذ قد يكون المسمى الذي يدعيه المالك أزيد من أجرة المثل، فلا بد في نفيه من يمين الراكب، لا ينبغي أن يكون قولا ليس كذلك، ضرورة أن ذلك راجع إلى المالك، إن أراده طالبه باليمين المحتمل نكوله عنها، لا أن الحكم له بأجرة المثل موقوف على ذلك، فإن له عدم الدعوى، و إسقاط حق اليمين الذي له، و المطالبة بأجرة المثل التي هي مقتضى حلفه على نفي العارية، و يكفى ذلك في إلزام الراكب بها.

فليس حينئذ في المسألة إلا قولان، منشؤهما ثبوت الأصل المزبور و عدمه، و الظاهر أنه مفروغ منه في غير المقام، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بأفراد المسألة في الأبواب المتفرقة.

نعم يحكى عن الشيخ قول ثالث، و هو استعمال القرعة في تعيين المنكر منهما فيكون القول قوله بيمينه، لكنه كما ترى، خصوصا إذا أراد ذلك حتى بالنسبة إلى إثبات المسمى الذي ادعاه المالك، على أن مورد القرعة المشكل، و لا اشكال بعد القاعدة المزبورة.

و أغرب منه ما يحكى عن غيره من الحكم بأجرة المثل بلا يمين من المالك على نفى العارية، و لا من الراكب على نفي الإجارة، لكن ظني أنه اشتباه من الحاكي ضرورة انحصار سقوط الدعوى بالبينة و اليمين.

و على كل حال فلا ريب في أن القول الثاني هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي قد عرفت أن منها أصالة عدم خروج مال المسلم من يده إلا بقوله، و لا فرق في التنازع بينهما بين أن يكون بعد مضى مدة الإجارة المدعاة، أو في أثناءها، و إن وجب في الثاني، أقل الأمرين من قسط المسمى و أجرة المثل، كما أنه لا فرق فيه بين بقاء العين و تلفها، لأنها إن كانت باقية ردها على المالك

ج 27، ص: 198

مع الأجرة المزبورة.

لكن في المسالك «ان في انتزاع العين بناء على الاكتفاء بحلف المالك على نفي الإعارة، و كون النزاع في الأثناء نظر، من إنكار المستعير الإجارة، و إذن المالك على وجه التبرع قد انتفى بإنكاره، فيرتجع، و من اعتراف المالك بعدم استحقاقه ارتجاعها إلى أن تنقضي المدة التي يدعيها.

قال: و هذا مما يؤيد القول بالتحالف، لأن هذا نزاع آخر لم يتحرر من يمين المالك، كالنزاع في الزائد من المسمى».

و فيه أنه على تقدير التحالف و عدمه ليس له انتزاع العين إلا من باب المقاصة التي ينبغي مراعاة نسبة أجرة المثل فيها مع المسمى الذي يدعيه على الراكب، ضرورة عدم اقتضاء التحالف الانفساخ واقعا، فله حينئذ انتزاعه عنه بعد انتفاء دعوى الراكب على كل تقدير، و أما الزائد من المسمى فقد عرفت انحصار الحق فيه به فله الدعوى، و له تركها كما هو واضح.

و إن كانت العين تالفة، فحكم الأجرة ما ذكر، و أما العين فإن كانت أمانة كما لو كانت الإعارة التي يدعيها الراكب غير مضمونة، فلا شي ء على الراكب، لاتفاقهما على كونها في يده أمانة إما بالإجارة أو بالإعارة.

و إن كانت مضمونة ففي المسالك «أن مدعي الإعارة يعترف بثبوت القيمة في ذمته، و المالك ينكره، لعدم اقتضاء الإجارة الضمان، فيتوقف إلى أن يتفقا عليه».

قلت: الظاهر أن له المقاصة بما أخذ منه من أجرة المثل، و الزائد يجب عليه التوصل إلى إيصاله إليه بأحد الطرق الممكنة، هذا كله فيما لو كان الاختلاف بعد مضي المدة أجمع، أو البعض الذي يكون له أجرة مثل.

و أما لو كان الاختلاف عقيب العقد من غير انتفاع فلا خلاف و لا إشكال في أنه كان القول قول الراكب في عدم الإجارة لأن المالك يدعي عقدا و هذا ينكره و الفرض عدم دعوى من المالك في استيفاء منفعة، فليس حينئذ

ج 27، ص: 199

إلا دعواه أن له أجرة عليه، و الراكب ينكره، و الأصل براءة ذمته، فيكون القول قوله، كما هو واضح.

و لو انعكست الدعوى بأن ادعى المالك الإعارة المضمونة، و الراكب ادعى الإجارة، و الفرض تلف العين، فإن اتفقت الأجرة و القيمة أخذها المالك بغير يمين و إن زادت القيمة أخذها باليمين، بناء على ما عرفته من الأصل المزبور.

و هذا غير دعوى الضمان في العارية بعد اتفاقهما عليها، لأن الأصل عدم الاشتراط هناك فيتحقق حينئذ من المالك ما لا يترتب عليه ضمان، بخلافه في الفرض الذي بعد التحالف يبقى أصالة احترام مال المسلم.

كذا لو كان الاختلاف بينهما في المضمون عارية بالذات كالذهب فادعاها المالك و ادعى الآخر أنه إجارة، بل هو أوضح، و لو فرض عدم تلف العين انتزعها المالك باليمين، و ليس له عوض المنفعة شي ء لاعترافه بالعارية، و إن وجب على الآخر إيصال الأجرة أو القسط إليه بأحد الطرق كما هو ظاهر و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا استعار لينتفع به في شي ء فانتفع به في غيره ضمن ]

المسألة (السابعة:

إذا استعار لينتفع به في شي ء فانتفع به في غيره مما لا تدل عليه إذن المعير ضمن العين لتعديه المقتضي لذلك، فإن كان له أجرة لزمته أجرة مثله التي هي القيمة للمنفعة المفروض استيفاؤها بدون إذن المالك، بل في المسالك «من غير فرق بين كون المنفعة التي استوفاها أشق من المأذون فيها و مساوية و أدنى إذا كانت مخالفة لها في الجنس، و لو اتفقا في الجنس كأنواع الزرع و فيه ما مر من الاشكال».

قلت: قد عرفت فيما تقدم من المصنف في الفصل الثالث التصريح بعدم جواز الزرع في الأرض المستعارة للغرس و إن كان أقل ضررا، مضافا إلى إطلاقه في المقام و في المزارعة التصريح بجواز زرع الأقل ضررا، و لعله في الإجارة كذلك، بل أولى.

ج 27، ص: 200

و كان وجه الفرق بين العارية و الإجارة مثلا أن مقتضى الثانية ملك المنفعة، و هو إنما يتشخص بما يقتضي تنويعه، كالركوب و التحميل و نحوهما إلا مع الشرط فيجب حينئذ من حيث الاشتراط لا من حيث ملك خصوص تلك المنفعة.

فلو استأجر دارا مثلا لربط دابة مخصوصة فماتت تلك الدابة لم تبطل الإجارة بل له ربط غيرها فيه مما هي أقل ضررا أو مساويا، و كذا ركوب الدابة و سكنى الدار و نحو ذلك، ضرورة اقتضاء الملك ما ذكرناه مما لا خصوصية فيه إلا مع الشرط فإنه يكون حينئذ نحو اشتراط المباشرة في الأجير المقتضية انفساخ العقد بفواتها.

أما العارية فهي ليست إلا إباحة لا فرق فيها بالنسبة إلى ذلك، فمع فرض الاقتصار فيها على شي ء مخصوص بحيث لا ينقل منه إلى غيره لم يجز له التعدي و لو إلى الأقل من الجنس، فضلا عن غيره، و لعله لذا أطلق المصنف هنا فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا جحد العارية بطل استيمانه ]

المسألة الثامنة:

إذا جحد العارية بعد طلب المالك لها بطل استيمانه، و لزمه الضمان مع ثبوت الإعارة بل و بدون طلبه كما عرفت الكلام فيه مفصلا في الوديعة، فإن المسألة من واد واحد و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه ]

المسألة التاسعة:

إذا ادعى التلف فالقول قوله مع يمينه لأن ذلك مقتضى ائتمانه كما عرفته مفصلا في الوديعة، و كذا في عدم التفريط و التعدي و أما لو ادعى الرد فالقول قول المالك مع يمينه لقاعدة «البينة على المدعى و اليمين على من أنكر» و الايتمان لا يقتضي تصديقه في الرد، و قبوله في الوديعة للنص، لا لذلك، و لا لأنه قبض لمصلحة المالك بخلافه هنا، و إلا لاقتضى في الوكيل بدون جعل ذلك، فالعمدة حينئذ ما ذكرناه كما أوضحناه في الوديعة و الله العالم.

ج 27، ص: 201

[المسألة العاشرة لو فرط في العارية كان عليه قيمتها عند التلف ]

المسألة العاشرة:

لو فرط في العارية أو تعدى و تلفت كان عليه قيمتها عند التلف إذا لم يكن لها مثل و إلا كان عليه مثلها، و قيل أعلى القيم السوقية من حين التفريط إلى وقت التلف أخذا له بأشق الأحوال كالغاصب الذي فيه مع ذلك أقوال أخر أيضا.

و لكن لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأنه وقت اشتغال الذمة بالعوض الذي هو بدل العين، و رده قائم مقام ردها. نعم لو كان التفاوت في القيمة لنقص في العين اتجه الضمان حينئذ كما هو واضح.

و لو اختلفا في القيمة كان القول قول المستعير مع يمينه في نفي الزائد الموافق لأصالة البراءة، و قيل القول قول المالك أخذا له أيضا بأشق الأحوال و تحصيلا للبراءة اليقينية، و لكن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده فإنه لا دليل على أخذه بأشق الأحوال على وجه يشمل المقام، و الشغل بغير ما اعترف به المستعير لم يثبت كما هو واضح. و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر إذا قال أعرتك حماري مثلا لتعيرني فرسك الأقرب الجواز]

المسألة الحادية عشر:

إذا قال: أعرتك حماري مثلا لتعيرني فرسك (11) ففي القواعد و التذكرة و الإيضاح و جامع المقاصد كما عن بعضها أن الأقرب الجواز (12) لكونه شرطا يقبله عقدها، لا عوضا، فلا ينافي التبرع المعتبر فيها، إنما المنافي له أعرتك هذا بهذا.

و فيه منع، إذ ليس في الأدلة ما يقتضي اختصاص المنافاة بمثل العوض لا الشرط بل المفهوم منها أنها نوع من البر و المعاونة و الإحسان و نحو ذلك مما ينافيه ذكر العوض و لو على طريق الشرط، نحو أعرتك كتابي لتهبني عشرة دراهم مثلا، بل لا فرق فيه بين اشتراط استحقاقه بعقد آخر كهبة و عارية و نحوهما، و بين استحقاقه في عقدها، ضرورة منافاته للتبرع المزبور، كما هو واضح.

و على كل حال فعلى الصحة لا يجب على المستعير عارية ما اشترطه المعير،

ج 27، ص: 202

لانه شرط في عقد جائز، كما لا يجب على أحدهما أجرة.

نعم في الكتب الأربعة أنه لو لم يعر الثاني فالأقرب أن له الأجرة.

و في الثاني منها تعليله بأن الاذن في الانتفاع لم يقع مطلقا، بل مع سلامة النفع فإذا لم يسلم كان له المطالبة بالعوض.

و في الثالث منها بأن كل شرط صح في عقد يثبت الفسخ بفواته، فإذا فسخت العارية انتفى مبيح العين بغير عوض، فوجبت الأجرة.

و فيه أن ذلك إن تم فإنما يؤثر فيما سيأتي، أما ما سبق من الانتفاع قبل الفسخ فلا.

و قد أطال في الرابع منها في ذلك حتى جعل التحقيق في ذلك ما حاصله، أن عقد العارية في غاية الضعف، و لذا يعول فيه على قرائن الأحوال كظروف الهدايا، و ثمرته في غاية الضعف، و هي الإباحة فتنتفي ثمرته بأدنى سبب، و هو انتفاء الشرط، لا أن انتفاءه يسلط على الفسخ، كما في العقد اللازم القوي الذي ثمرته التمليك مثلا و اللزوم، فان انتفاء الشرط فيه يسلط على فسخ اللزوم، بخلاف عقد العارية المطلوب فيه مجرد الإباحة، فليس الشرط فيه إلا شرطا للإباحة، فإذا انتفى انتفت.

و هو كما ترى مرجعه إلى تعليق الاذن في المنفعة الخاصة على الشرط المزبور فحيث يحصل تحصل، و إن انتفى انتفت، فهو تعليق محض لا يجامع صحة العقد، و خصوصا إذا كان المعلق عليه العارية في الزمان المتأخر مثلا، فان استيفاء المنفعة الآن قبل مجي ء المعلق عليه بالإذن التي هي مقتضى صحة العقد، فلا تتعقبه أجرة، و إلا لم يصح الانتفاع، و دعوى البقاء مراعى كما ترى.

و بذلك بان لك أنه ليس بشي ء، فضلا عن أن يكون تحقيقا، فالمتجه حينئذ على الصحة عدم استحقاق الأجرة و إن لم يعر الثاني، لعدم كونه مستحقا عليه بعقد لازم كما هو واضح.

نعم لو قال أعرتك الدابة بعلفها، أو أعرتك الدابة بعشرة دراهم كان عارية فاسدة، و استحق حينئذ أجرة المثل، لان المالك لم يبذل المنفعة مجانا، و لا ينافي

ج 27، ص: 203

ذلك كون العارية من العقود التي لا يضمن بصحيحها، لما عرفت سابقا من أن هذه القاعدة تتبع الأدلة في كل مقام، على أن الظاهر إرادة غير هذه الجهة من الفساد، نحو ما قيل في الفساد بعقد المعاوضة إذا كان باشتراط عدم العوض، مثل بعتك بلا ثمن، و آجرتك بلا أجرة.

بل قد يقال: إن المراد منها ما لا ينافي المقام من إرادة خصوص الافراد، و لا ريب في الفرض أن العارية لو كانت صحيحة فيه لترتب العوض فليكن كذلك على الفساد، فيكون ما نحن فيه مما يضمن على تقدير صحته و شرعيته، فيضمن على تقدير فساده و عدم شرعيته، و إن كان ذلك كما ترى.

و على كل حال فما في القواعد من أن ذلك إجارة فاسدة، لا عارية فاسدة خروج عن حقيقة اللفظ بلا قرينة، فالمتجه ما قلناه، و الله العالم و الموفق و المؤيد و المسدد و الحمد لله رب العالمين أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

ج 27، ص: 204

[كتاب الإجارة]

اشارة

كتاب الإجارة التي هي على نحو ما سمعته في لفظ البيع من أن الأصح كونها نقل المنفعة، لا العقد، و لا الانتقال كما عرفته، و أحسن تعريف لها «أنها ما شرعت لنقل المنفعة بعوض من آخر و لو حكما» فإنه مع خلوه عن ذكر الشرائط و نحوها- فيه مما لم ينتف المحدود بانتفائها، و عن ذكر لفظ الإجارة و نحوه مما يستلزم الدور- شامل للمعاطاة فيها، بناء على كونها إجارة، و للصحيح منها و الفاسد، فإنها للأعم منهما كغيرها من ألفاظ العقود، كما أنه لا حقيقة للشارع فيها، و إنما اعتبر في صحتها أمورا، و إلا فهي باقية على معانيها الأصلية.

نعم قد يقال: في خصوص لفظ الإجارة بناء على عدم كونه مصدرا، بل بمعنى الأجرة على ما صرح به بعضهم، بل لعله يظهر من مجمل ابن فارس.

بل قد يظهر- من اقتصاره في الصحاح على ذكر الأجر مصدرا لأجر، و الإيجار مصدرا لآجر ذلك أيضا- أنه منقول منه إلى النقل المزبور مع احتمال كونه مصدرا سماعيا لأجر نحو كتب يكتب كتبا و كتابة، فيتحد حينئذ مع لفظ البيع و غيره من أسماء العقود في استعمالها في معانيها الأصلية كما عرفت.

و على كل حال ف فيه فصول أربعة:

[الفصل الأول العقد]

الأول: العقد أي عقد الإجارة و هو اللفظ الإنشائي الدال عليها و ثمرته التي شرع لها تمليك المنفعة المعلومة ب مقابلة تمليك عوض معلوم على وجه اللزوم و يفتقر في تحقق مسماه إلى إيجاب و قبول و العبارة الصريحة عن الإيجاب باعتبار وضعها للدلالة عليه آجرتك و أكريتك هذه الدار مثلا و لا يكفي (11) فيه ملكتك (12) بل هو مناف له ضرورة اقتضائه تمليك المنفعة، بخلاف ملكتك هذه الدار المفيد

ج 27، ص: 205

تمليك نفس العين التي هي ليست موردا للإجارة.

أما لو قال: ملكتك سكنى هذه الدار سنة مثلا صح بناء على الاكتفاء به في عقد البيع كما عرفت الكلام فيه و في نظائره مفصلا، بل لا تبعد الصحة في الأول أيضا مع قصد المنفعة المدلول عليه بقرائن حالية أو مقالية، بناء على الاكتفاء في العقد بالمجازات غير المستنكرة فيه، كما لا يخلو من قوة عرفتها في باب البيع، و تعرفها في النكاح فلاحظ و تأمل.

و كذا الكلام في أعرتك هذه الدار سنة بكذا مريدا بها معنى الإجارة لتحقق القصد حينئذ إلى نقل المنفعة إذ لم يثبت اعتبار لفظ خاص في العقد.

بل ظاهر ما وصل إلينا من الأدلة في المقام و غيره كالبيع و النكاح و نحوهما التوسعة فيما يعقد به العقد، و الاكتفاء بكل لفظ يدل على إنشاء المراد به حقيقة، أو مجازا غير مستنكر في أمثاله، و كفى بذلك قاطعا لأصالة عدم النقل و غيرها.

و لعل شهرة عدم عقد العقود اللازمة بالمجازات محمولة على المجازات المستنكرة في مثل ذلك كاستعمال النكاح في البيع و بالعكس، لا مطلقا، كما لا يخفى على من تصفح كلماتهم، و لعل من ذلك ما في المتن و غيره، بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا ما لو قال: بعتك هذه الدار و نوى الإجارة لم تصح و كذا لو قال: بعتك سكناها سنة لاختصاص لفظ البيع بنقل الأعيان على وجه يستهجن استعماله في نقل المنافع مجازا.

و لكن مع هذا فعن التحرير احتمال الانعقاد به بل في المتن فيه تردد مما عرفت، و من أن البيع يفيد نقلها تبعا للأعيان، بل لعل قيامه مقامها أنسب من لفظ العارية الذي هو حقيقة في إباحة المنفعة مجانا، إلا أن الأصح العدم، لاستهجان العقد بذلك في عرف المتشرعة كالعكس، أي عقد البيع بلفظ الإجارة.

و (11) كيف كان ف الإجارة عقد لازم (12) بلا خلاف و لا إشكال، لأصالته

ج 27، ص: 206

المستفادة من الآية(1)و غيرها ف لا تبطل حينئذ إلا بالتقايل المشروع فيها و في غيرها كما عرفته في محله، أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ التي ستسمع تفصيلها إنشاء الله.

و لا تبطل بالبيع للعين المستأجرة، لعدم المنافاة بعد اختلاف متعلقهما.

نعم يتخير المشتري مع جهله بين الصبر إلى انتهاء مدة الإجارة، و بين الفسخ باعتبار اقتضاء إطلاق العقد تعجيل التسليم للانتفاع كما هو الغالب، بخلاف العالم بذلك فإنه لا خيار له، و لو اتفق فسخ المستأجر بأحد أسبابه عادت المنفعة إلى البائع دون المشتري الذي قد استحق العين مسلوبة المنفعة إلى المدة.

و على كل حال فقد عرفت عدم بطلانها بالبيع لما سمعت، بل الظاهر ذلك حتى لو كان المشتري هو المستأجر، فيجتمع حينئذ عليه الثمن و الأجرة، و ملك العين إنما يستتبع ملك المنافع إذا لم يستوف ملكها بسبب آخر كما هو واضح.

و كذا لا تبطل بالعذر المانع من تمام الانتفاع المعدة له العين مهما كان الانتفاع المقصود في الجملة ممكنا و إن تخير المستأجر مع نقصان الانتفاع بين الفسخ و الإمساك بتمام الأجرة، كما أنها تبطل بتعذر أصل الانتفاع، بل الظاهر بطلانها بتلف المنفعة المرادة منها كما لو استأجر أرضا للزراعة فغرقت و أمكن الانتفاع بها بغيرها، ضرورة كون ذلك كتلف العين، و ستسمع فيما يأتي إنشاء الله تمام الكلام فيه.

و هل تبطل بالموت المشهور بين قدماء الأصحاب نعم (11) إذ هو خيرة الشيخين في المقنعة و النهاية و الخلاف و سلار و بني زهرة و حمزة و البراج و سعيد، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه بل زاد في الأول نسبته إلى أخبار الفرقة.

و قيل (12) و القائل الأكثر من أصحابنا على ما في مهذب القاضي لا تبطل بموت الموجر و تبطل بموت المستأجر (13) و في محكي المبسوط أنه الأظهر عند أصحابنا بعد أن حكى عنهم الانفساخ بموت كل منهما، و هو كالمتدافع.


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 27، ص: 207

و قال آخرون: لا تبطل بموت أحدهما و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده و أشهر بين المتأخرين بل هو المشهور بينهم، بل في المسالك نسبته إليهم أجمع و لعله كذلك إلا ما سمعته من ابن سعيد، و ما يظهر من تذكرة الفاضل من الميل إلى الأول مع أن خيرته في باقي كتبه الأخير كابن إدريس، و المصنف و الفخر و الشهيدين و الآبي و السيوري، و الصيمري و الكركي و الأردبيلي و الخراساني على ما حكي عن بعضهم، بل نسب إلى جماعة من القدماء كالاسكافي و أبي الصلاح بل في السرائر نسبته إلى الأكثرين المحصلين، و في المختلف أن أكثر الأصحاب لم يفتوا بالبطلان هذا.

و ظاهر المتن و غيره كصريح آخر انحصار الأقوال في الثلاثة، لكن في التذكرة عن بعض علمائنا البطلان بموت المؤجر خاصة، إلا أنا لم نتحققه، و اقتصار المرتضى و ابن الجنيد على ما حكي عنهما على ذكر عدم البطلان بموت المستأجر لا يقتضي ذلك، بل لعله يقتضي العدم مطلقا بضميمة عدم القول بالفصل، و لعله لذا نسب غير واحد إليهما التسوية في عدم الانفساخ.

كما أنا لم نتحقق القول الثاني لأحد، و إن نسبه ابن البراج إلى الأكثر كما عرفت، و نسبه غيره إلى الشيخ، لكن في نهايته و خلافه ما سمعت، بل في الأخير منهما أنه قول شاذ لا يعول عليه، و يقرب منه ما في الغنية.

و أما مبسوطة ففيه الموت يفسخ الإجارة سواء كان الميت المؤجر أو المستأجر عند أصحابنا، و الأظهر عندهم أن موت المستأجر يبطلها، و موت الموجر لا يبطلها و فيه خلاف و هو كما ترى.

نعم عن كشف الرموز أنه قول ابن طاوس، و يمكن إرادته كالمحكي عن الأكثر على فرض صحة الأجير الخاص، و قد ظهر بما ذكرنا انحصار الخلاف المعتد به في القولين، الأول و الأخير، و لا ريب في قوة الثاني لعموم «أَوْفُوا» و الاستصحاب و كون الإجارة من العقود اللازمة التي شأنها عدم البطلان بالموت، و إطلاق ما دل على لزوم

ج 27، ص: 208

الكري فيها ك صحيح ابن يقطين (1)و غيره.

و قيل خصوص

خبر أحمد بن إسحاق الرازي (2)«قال كتب رجل إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام، رجل استأجر ضيعة من رجل فباع المؤاجر تلك الضيعة التي آجرها بحضرة المستأجر و لم ينكر المستأجر البيع و كان حاضرا له شاهدا

عليه فمات المشتري و له ورثة هل يرجع ذلك في الميراث أم يبقى في يد المستأجر إلى أن تنقضي إجارته فكتب عليه السلام إلى أن تنقضي إجارته».

و فيه إن ذلك غير ما نحن فيه، ضرورة كون الميت المشتري و هو غير موجر و لا مستأجر، و دعوى قيامه مقامه بالنسبة إلى ذلك مخالف لظاهر كلام القائل، و لا استبعاد في التزامه الفسخ بموت أحدهما، و إن خرجت المنفعة أو العين من أيديهما بعقد لازم، إلا أنه بالنسبة إليهما خاصة لا يتعدى منه إلى العقد الذي قد صدر منهما و كذا احتمال أن الوجه في ذلك إطلاق الجواب الذي هو مساق لغير ذلك.

نعم قد استدل عليه ب

خبر إبراهيم بن محمد الهمداني بل صحيحه (3)قال «كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام و سألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الأجرة في كل سنة عند انقضائها لا يقدم لها شي ء من الأجرة ما لم يمض الوقت، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها، هل يحب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منقضية بموت المرأة؟ فكتب عليه السلام: إن كان لها وقت مسمى لم تبلغه فماتت فلورثتها تلك الإجارة، و إن لم تبلغ ذلك الوقت و بلغت ثلثه أو نصفه أو شيئا منه فيعطى ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إنشاء الله».

و فيه- مع كونه بعد التسليم ليس دالا إلا على بطلان القول بالانفساخ مطلقا و القول به بموت الموجر دون القول به في المستأجر خاصة، ضرورة كون المفروض


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 24- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 5 و فيه كتبت الى أبى الحسن عليه السلام.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 209

فيه موت الموجر.

اللهم إلا أن يتمم بوضوح ضعف القول المزبور- أنه مبني على إرادة مدة الإجارة من قوله «وقت مسمى» بقرينة السؤال، و أن قوله «و إن لم تبلغ ذلك» إلى آخره بيان للشرطية الاولى لا مقابل لها، و أن المراد من قوله «فيعطى ورثتها بقدر» إلى آخره أنها تعطي بنسبة ما بلغت، فإن المعطي حينئذ بقدر ما لم تبلغ لا بقدر ما بلغت، و الجميع كما ترى.

و من هنا احتمل في الرواية معنى آخر، و هو أن يكون المراد بالوقت النجم المضروب لدفع أبعاض الأجرة، و هو انقضاء السنة، و يؤيده أن وقت الإجارة مفروض في السؤال، فلا يقبل التشكيك و الاحتمال حتى يشترط ذلك، و كذا عدم بلوغها ذلك الوقت، بل قيل: إنه على هذا التقدير لا يلزم تفكيك في الوقت، فان المراد بالمتكرر منه معنى واحد، بخلاف الأول فإن الوقت في قول السائل أولا «ما لم يمض الوقت» هو وقت دفع الأجرة لا وقت الإجارة.

و كذا قوله عليه السلام «إن كان لها وقت مسمى» فإن مدة الإجارة ليس لها، و إنما عليها إمضاؤها، بخلاف وقت أخذ الإجارة، و كذا حسن المقابلة بين الشرطين فان المراد من الأولى حينئذ موتها عند انتهاء النجم قبل أخذ الأجرة، و المراد من قوله «لم تبلغه» أنها لم تبلغها أجرته، و من الثانية موتها في أثنائه في الثلث أو النصف أو غيرهما، و يكون

قوله عليه السلام «فيعطي ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت»

على ظاهره و هو أن الورثة يعطون مقدار الأجرة الماضية دون الباقية، و على هذا فيكون مدلول الرواية ضد المطلوب.

لكن في مصابيح العلامة الطباطبائي أن الظاهر هو المعنى الأول، و

قوله عليه السلام «إن كان لها وقت مسمى لم تبلغه»

كالصريح في عدم بلوغ الوقت، و الحمل على عدم بلوغ الأجرة في غاية البعد، و في بعض النسخ مكان لم تبلغه «لم تبلغ» و الدلالة فيه أظهر و أوضح، و حمل قوله «بقدر ما بلغت» على إرادة النسبة كما سمعت، ليس بهذه المثابة من البعد.

ج 27، ص: 210

ثم قال: و يحتمل عود الضمير في قوله «بلغت» إلى الورثة دون الامرأة فيكون المراد بقية المدة التي صارت للورثة و في قول السائل «هل يجب» إلى آخره دلالة واضحة على إرادة المدة دون الأجل المضروب كدفع الأجرة، و الأمر في باقي القرائن هين».

قلت: قد يقال: إنه ظاهر بالفسخ على تقدير الأول أيضا و ذلك بأن يكون المراد إن كان للإجارة وقت مسمى و لم تبلغه المرأة أي لم تبلغ شيئا منه بقرينة الشرطية الثانية، على معنى أنها آجرت إلى مدة معلومة، فماتت حال الإجارة قبل أن تبلغ شيئا من المدة، فالحكم فيه حينئذ أن لورثتها تلك الإجارة، على معنى أن لهم إمضاؤها أو فسخها، بناء على أن المراد من القول بالفسخ بالموت عدم لزوم الإجارة، على الورثة نحو ما اعترف به القائل بالصحة فيما استثناه من هذه المسئلة و هو إجارة البطن الأول من الموقوف عليهم، و انتقل الوقف إلى البطن الثاني بموت الأولين في أثناء الإجارة، فإن لهم الخيار في إنفاذ الإجارة الأولى و فسخها، و إن أبيت عن ذلك باعتبار ظهور كلام القائل هنا في انفساخ عقد الإجارة و بطلانه بالموت على وجه لا تنفعه إجازة الوارث، فيمكن أن يكون المراد أن الورثة إن شاؤا آجروا، و إن شاؤا لم يؤجروا.

و على كل حال فالمراد من الشرطية الثانية أنها إن لم تبلغ المرأة الوقت المسمى و لكن بلغت ثلثه أو نصفه مثلا، فللورثة حينئذ من الأجرة مقدار ما بلغت الامرأة من الوقت إن ثلثا فثلث، و إن نصفا فنصف، ضرورة أنه مقتضى انفساخ عقد الإجارة، حتى لو اشترط على الامرأة تأخير الأجرة إلى تمام السنة مثلا كما هو مفروض السؤال، لعدم تأثير الشرط بعد انفساخ العقد الذي ذكر فيه، و حينئذ تتضح دلالتها على الانفساخ على هذا التقدير، بل هي كذلك أيضا على نسخة «لم تبلغ».

بل لعل ما ذكرناه أولى مما سمعته، بل يمكن القطع بعدم إرادة ما ذكره في تفسير يعطي ورثتها بقدر ما بلغت، على تقدير الدلالة على الصحة كما أنه يمكن

ج 27، ص: 211

القطع بفساد تفسير لم تبلغه على التقدير الثاني، بأنها لم تبلغها أجرته، و اشتمال السؤال على ذكره مدة الإجارة، لا ينافي عدم ملاحظته في الجواب الذي أريد منه تفصيل الحكم بحسب الأفراد، على أن ذلك وارد على تقدير إرادة الأجرة لا عقد الإجارة.

و أظرف شي ء استبعاد إرادة الإجارة من الجواب، بأنه ليس لها أي المرأة مدة الإجارة و إنما عليها إمضاؤها، ضرورة كون المراد من ضمير لها الإجارة، لا المرأة، حتى يرد ذلك، على أن مدة الأجرة ليس لها أيضا بل عليها.

و على كل حال فلا ريب في ظهور الخبر المزبور في البطلان كما اعترف به المجلسي فيما وجدته في حواشيه على هامش ما حضرني من نسخة الكافي، و فاضل الرياض، و بذلك يقوى القول المزبور، خصوصا بعد الاعتضاد بما سمعته من الغنية و الخلاف، بل في التذكرة بعد حكاية ما في الخلاف قال: «و لا شك في عدالته و قبول روايته مسندة، فتقبل مرسلة» قلت: مضافا إلى أن نقل العدل ما هو حجة من خبر معتبر أو إجماع أو نحو ذلك حجة فتأمل.

على أنه لا معارض لذلك، سوى عموم أو إطلاق أو استصحاب أو نحو ذلك مما يخرج عنه بأقل من ذلك، كقاعدة تسلط الملاك الذين منهم مالك المنفعة على ملكهم، فلهم نقله مدة طويلة و قصيرة و نحو ذلك، و كان المتأخرين لم يقفوا على الخبر المزبور، أو لم ينقحوا دلالته، و لذا لم يتعرضوا له.

و من هنا يضعف الاعتماد على شهرتهم على أنها- مع خروج ابن سعيد منهم و الفاضل في التذكرة- معارضة بما عرفت، من كون البطلان مذهبا لمن سمعت.

و لا ينافي ذلك ما سمعته من المبسوط، فإنك قد عرفت تدافعه، على أنا لم نتحقق ما حكاه عنهم من كون الأظهر عندهم التفصيل المزبور.

و من الغريب ما في الرياض من دعوى معارضة الإجماعين المزبورين بما في المبسوط من الإجماع على التفصيل، مشيرا به إلى ما سمعته من عبارته التي هي مع تدافعها و عدم الإشارة فيها إلى الإجماع لم نتحقق ما حكاه فيها من أظهرية التفصيل

ج 27، ص: 212

عندهم كما أنا لم نتحقق نسبة ابن البراج له إلى الأكثر، فإنه لم نعرفه قولا لأحد معلوم.

و كذا ما حكاه ابن إدريس عن الأكثرين المحصلين من القول بالصحة مطلقا، فإنه لم يعرف لأحد ممن تقدمه، سوى ما يحكى عن ابن الجنيد و المرتضى و أبي الصلاح، مع أنه لا صراحة في كلام الأولين منهم، لاقتصاره على عدم الانفساخ بموت المستأجر.

اللهم إلا أن يتمم بعدم القول المعتد به في الصحة بذلك، لكنه قد يمنع الإتمام بذلك على وجه يحصل منه الإجماع المركب، خصوصا في أمثال القدماء الذين هم مبدء الأقوال، و مع التسليم فهم محجوجون بما عرفت.

نعم لا دلالة في خصوص الخبر على الفسخ بموت كل منهما، بل أقصاه الفسخ بموت المؤجر، إلا أنه يمكن تتميمه بعدم القول المعتد به في الفصل بينهما في ذلك كما عرفت.

لكن و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، كما أنه لا ينبغي تركه فيما لو آجر الولي، و لو الشرعي، أو استأجر للمولى عليه، فمات هو، فإن الفسخ بموته حينئذ و إن قلنا به في غيره لا يخلو من إشكال بل منع بل قد يحتمل عدم الفسخ أيضا بموت المولى عليه أيضا، اقتصارا فيما خالف الأصل على محل النص الذي هو المنساق من معقد الإجماعين و الفتاوى.

و كيف كان فقد استثنى القائل بعدم الانفساخ موت الأجير الخاص، و الموقوف عليهم، و من اشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، و المراد بالأجير الخاص من آجر نفسه على أن يعمل بنفسه عملا مخصوصا، و لا ريب في انفساخ الإجارة بموته إذا فرض تعلقها بعمله المخصوص، لا عمل كلي في ذمته و اشترط عليه أداؤه بنفسه، فان المتجه حينئذ ثبوت الخيار للموجر بتعذر الشرط، لا الانفساخ، و منه يعلم المناقشة في الثالث.

أما الثاني فالظاهر أن للبطن الثاني إنفاذ إجارة البطن الأول و عدمه، فهو

ج 27، ص: 213

شبه الفضولي بالنسبة إليهم، لا الانفساخ و البطلان كما سيأتي الكلام فيه إنشاء الله.

نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الموجر ناظر الوقف لمصلحة الوقف و لو الشرعي، فإن الظاهر مضيه على البطون المتأخرة، باعتبار ولايته على ذلك، فهو بمنزلة إجارتهم، و إن احتمل فيه الانفساخ أيضا.

لكنه ضعيف كضعف احتمال مضي إجارة البطن الأول على البطون المتأخرة، باعتبار كون المنفعة ملكا لهم، فهو كالعين المملوكة التي يؤجرها مالكها، زائدا على أيام حياته.

و فيه مالا يخفى من وضوح الفرق بين الأمرين، فإن الموقوف عليهم يتلقون الملك من الواقف، و ليس للبطن الأول منه إلا أيام حياتهم، بخلاف العين المملوكة غير الوقف، فان مالكها يملك منفعتها إلى آخر الأبد على حسب ملكية العين، و إن زالت بموت و نحوه، فينتقل منه حينئذ إلى ورثته، فله إخراج المنفعة عن ملكه زائدا على أيام حياته، لأنها من أملاكه، و الناس مسلطون على أموالهم، فتنتقل إلى الوارث مسلوبة المنفعة، أما الموقوف عليهم فملكهم الذي جاء إليهم من قبل الواقف مقيد.

فمن الغريب اشتباه بعض علماء العصر في ذلك، مع أني لم أجد من وافقه عليه نعم ذكره بعض الأصحاب احتمالا، و ليته لم يذكره، و كذا تنفسخ لو كان الموجر موصى له في المنفعة مدة حياته فمات في أثنائها لانتهاء استحقاقه و الله العالم.

و على كل حال فضابط مورد الإجارة أن كلما صح إعارته من حيث كونه عينا ينتفع به مع بقائه صح إجارته بلا خلاف أجده فيه نقلا و تحصيلا بل إجماعا كذلك، لما تقدم في العارية من أن العين المستعارة هي كلما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه، كالثوب و الدابة و نحوهما، و ذلك بعينه مورد الإجارة عرفا، و لغة التي هي المستعملة في نقل المنافع في مقابل نقل البيع الأعيان، فينصرف الأمر بالوفاء بالعقود و غيره من إطلاق كل منهما إلى ذلك، فلا دليل حينئذ على

ج 27، ص: 214

صلاحية نقل البيع للمنفعة، و الإجارة للعين، كي يخرج به عن مقتضى أصالة عدم الانتقال و نحوها.

و لا يقدح في هذا الضابط جواز عارية المنحة للحلب دون الإجارة له، عكس المرأة للرضاع بعد أن كان ذلك بالدليل، مع إمكان منع كون الأول عارية حقيقة، بل هو إباحة كغيرها من إباحات إتلاف الأعيان، و جواز المنحة أعم من كونه عارية و إمكان منع نقل عين اللبن بها في الثاني، و إن استلزم الإرضاع الذي هو عمل محض إتلاف اللبن.

كما لا يقدح لذلك أيضا جواز نحو استيجار الحر، دون عاريته، في العكس المستفاد من الكلية المزبورة، و لو بقرينة إرادة ضبط مورد الإجارة منها، و لا يتم إلا بكلية العكس، على أن المراد بالضابط المزبور من حيث كونه عينا ينتفع بها مع بقائها، فلا يقدح وجود مانع آخر للعارية أو الإجارة كما هو واضح.

نعم لا شي ء مما لا تصح إعارته لعدم كونه عينا ينتفع بها تصح إجارته، بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أصالة عدم الانتقال بعد معلومية كون موردها غير ذلك عرفا و لغة على وجه تنصرف الأدلة إليه، فلا شمول في شي ء منها حينئذ كي يعارض الأصل المزبور.

و أما إجارة المشاع فهي جائزة عندنا كالمقسوم كما في المسالك و الروضة، لعموم (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و خصوص إطلاقات الإجارة، و استيفاء المنفعة ممكن بموافقة الشريك.

نعم لا يسلم العين إلا باذنه، و لو أبى رفع أمره إلى الحاكم، كما إذا تنازع الشريكان، و الإشاعة لا تنافي معلومية المشاع بحسب حاله، و لذا جاز وقوع البيع عليه و غيره من العقود، و لا فرق في صحة إجارته بين العلم بإشاعته و الأقدام عليها، و بين الجهل بذلك، كما إذا أقدم على استيجار الكل مثلا، فبان عدم استحقاق المؤجر أزيد من النصف، و لم يجز المالك، و ان كان للمستأجر حينئذ خيار تبعيض الصفقة،


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 27، ص: 215

و التعيب بالشركة كما هو واضح و الله العالم.

و العين المستأجرة أمانة لغة و عرفا ضرورة كون الاستيلاء عليها بإذن من المالك أو من يقوم مقامه، بناء على تحقق صدق الأمانة بذلك ف لا يضمنها حينئذ المستأجر إلا بتعد أو تفريط كما في كل أمانة، للأصل المستفاد من

السنة في عدة مقامات، و الإجماع بقسميه، و به يخرج عن

عموم (1)«على اليد»

و لو كان شاملا للأمانة.

نعم لا ريب في الضمان و لا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه أيضا معهما، مضافا إلى عموم النصوص نحو «من أتلف»

و «على اليد»

و نحوهما.

و خصوص

صحيح على بن جعفر(2)عن أخيه عليهما السلام «سألته عن الرجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت فما عليه، قال: إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسم فليس عليه شي ء».

و في آخر(3)في المتعدي في البغل «أرايت لو عطب البغل أ ليس كان يلزمني، قال: نعم قيمة البغل يوم خالفته، قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر فقال:

عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه».

و في صحيح الحلبي (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم فنفقت الدابة، قال: ان كان جاز الشرط فهو

ضامن، و إن دخل واديا و لم يوثقها فهو ضامن، و إن سقطت في بئر فهو ضامن، لانه لم يستوثق منها»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

بل و على الحكم الأول بمقتضى المفهوم، كبعض النصوص (5)المشتملة على تعليل عدم ضمان العارية بالأمانة، و الواردة في عدم ضمان الأجير(6)ما يتلف


1- 1 المستدرك. ج 2 ص 504.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام العارية.
6- 6 الوسائل الباب- 32- من أبواب أحكام الإجارة.

ج 27، ص: 216

في يده إذا كان أمينا، و نحو ذلك مما يستفاد منه الأصل المزبور في الأمانة الذي مقتضاه هنا عدم الفرق بين التلف في المدة و بعدها، إذا لم يحصل منه منع للمؤجر عن عينه إذا طلبها، بل خلى بينه و بينها، ضرورة كونها أمانة أيضا في هذا الحال، فيجري عليها الحكم السابق، للاستصحاب و إطلاق أدلة الأمانة.

و دعوى- كونها أمانة شرعية حينئذ فيضمنها مع الإخلال بالرد فورا- يدفعها بعد التسليم منع وجوب الرد عليه على وجه تكون المؤنة عليه، بل أقصاه وجوب التمكين و التخلية بينها و بين المالك، فما عن الإسكافي و الطوسي من إطلاق الضمان بعد المدة واضح الضعف، خصوصا بعد أخصية الدليل المزبور عن الدعوى كما هو ظاهر.

اللهم إلا أن يقال: إن الأصل ضمان مال الغير إلا ما خرج بعنوان شرعي، كاللقطة و الوديعة و نحوهما، و ليس للأمانة مصداق عرفي زائد على الوديعة، و ما ورد من التعليل بالأمانة في غيرها- يراد به كالأمانة في الحكم و الإذن الشرعي بل و المالكي- إذا لم تندرج في عنوان نفى عنه الضمان- لا يقتضي عدمه، كما لا يخفى على من لاحظ استقراء الموارد من المقبوض بالسوم و الطبيب و البيطار، و غير ذلك.

و العين المستأجرة في المدة غير مضمونة إلا بالتعدي أو التفريط، أما ما بعدها فيبقى على قاعدة الضمان، اللهم إلا أن يدعى أنه شامل لهذا الحال، و لو للزومه له في العادة. و لكنه لا يخلو من تأمل و الله العالم.

و كيف كان ف في اشتراط ضمانها من غير ذلك أي التعدي و التفريط تردد ينشأ من قاعدة «المؤمنون» و إطلاق أدلة العقود، و الإجارة، و من منافاته لمقتضى العقد أو الأمانة أظهره المنع بل هو الأشهر، بل المشهور بل في جامع المقاصد باطل قطعا، بل لم أجد فيه خلافا الا ما يحكى عن الأردبيلي و الخراساني من الميل إلى الصحة، و تبعهما في الرياض تمسكا بالعموم المزبور مع ضعف المعارض، لمنع منافاته على إطلاقه، بل هو حيث لم يكن هناك شرط.

ج 27، ص: 217

و

الخبر(1)رجل استأجر سفينة من ملاح فحملها طعاما فاشترط عليه إن نقص الطعام فعليه، فقال: جائز، قلت: إنه ربما زاد الطعام قال: فقال: أ يدعى الملاح أنه زاد فيه شيئا؟ قلت لا، قال: لصاحب الطعام الزيادة، و عليه النقصان إذا كان قد اشترط عليه ذلك»

و غيره مما دل على نحو ذلك.

و فيه: أنه و إن لم يكن منافيا لمقتضى العقد، إلا أنه مناف لمقتضى ما دل على عدم ضمان الأمانة، الشامل بعمومه لحال الشرط، فيكون التعارض بينه و بين المؤمنون من وجه.

و لا ريب في أن الترجيح للأول بالشهرة و الأصل و غيرهما، بل قد يمنع شمول الثاني لذلك، باعتبار ظهوره في كونه ملزما كالنذر و العهد، لا شارعا جديدا نحو الصلح، فإثبات الضمان به- حينئذ مع أن أسبابه انما تستفاد من الشرع- لا يخلو من منع.

و حصوله في العارية بدليل خاص لا تقتضي ثبوته في المقام بعد حرمة القياس، و إلا لاقتضى جواز اشتراط ضمان الوديعة و نحوها من الأمانات التي يمكن دعوى معلومية خلافه من مذاق الشرع، و احتمال كون المراد من الضمان الإلزام بأداء مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف مثلا و لو من غير تعد و لا تفريط مخالف للفرض، ضرورة كون المراد الضمان به على حسب الضمان بالتعدي و التفريط و نحوهما من الأسباب الشرعية له، و البحث في صلاحية عموم المؤمنون لمثل ذلك.

و أما الخبر و نحوه فهو في ضمان من أخذ الأجرة، لا من دفعها، و ستعرف البحث فيه من دون شرط، فضلا عن الاشتراط، كما أن لتمام تحقيق الحال في عموم «المؤمنون» و صلاحيته لتناول أمثال ذلك و لنتائج العقود محلا آخر و الله هو العالم.

و ليس في الإجارة خيار المجلس إجماعا بقسميه بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، مضافا إلى قاعدة اللزوم السالمة عن المعارض هنا، بعد حرمة القياس عندنا،


1- 1 الوسائل الباب- 27- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1 مع اختلاف يسير.

ج 27، ص: 218

بل لا يجوز اشتراطه هنا و إن جوزناه في البيع، من غير اشتراط مدة لثبوته فيه كذلك، أما معها فالظاهر الجواز، لكن يكون خيار شرط، لا مجلس، كما هو واضح.

نعم لا إشكال و لا خلاف في ثبوت خيار الشرط فيها، بل ربما استظهر من التذكرة الإجماع عليه لعموم دليله، و حينئذ ف لو شرط الخيار لأحدهما أو لهما أو لأجنبي جاز سواء كانت الإجارة على عين معينة كأن يستأجر هذا العبد أو هذه الدار أو في الذمة كأن يستأجره ليبني له حائطا خلافا لبعض العامة، فلم يجوزه في المعينة و لا ريب في بطلانه، ضرورة كون الإجارة كالبيع بالنسبة إلى ذلك، و لذا كان حكم الخيار الثابت فيها من الموت و نحوه كحكم الخيار فيه.

و قد تقدم في بحث الخيار من البيع تمام الكلام في أحكامه و أقسامه التي منها خيار الشرط الذي من أفراده خيار المؤامرة، و خيار رد الثمن و غير ذلك مما هو مذكور في محله، فلاحظ ما هناك كي تعرف ما يجرى من ذلك هنا بل الظاهر جريان خيار الرؤية و العيب و الغبن و الاشتراط و تبعض الصفقة، و تعذر التسليم و الفلس و التدليس، بل و الشركة و لو في الأجرة، على معنى أنه إذا آجر داره مثلا بأجرة معينة، و قبل القبض قد امتزجت بغيرها على وجه لا تتعين للاشتراك في الدليل، بل و كذا خيار ما يفسد ليومه، أما خيار الحيوان فلا يجري فيها، و كذا خيار التأخير ثلاثة أيام، مع احتمال جريان الأخير.

و بالجملة كل خيار في البيع كان دليله أو من أدلته خبر الضرار و نحوه، يتجه جريانه، بخلاف ما اختص بدليل خاص لا يجوز التعدي عنه إلا بالقياس المحرم عندنا.

نعم ربما يمر عليك في أثناء المباحث خيار لا يندرج في الخيارات المزبورة، و لا بأس به بعد فرض قيام الدليل عليه لعدم الحصر العقلي و لا الشرعي فيها كما هو واضح.

ج 27، ص: 219

[الفصل الثاني في شرائطها]

اشارة

الفصل (الثاني:

في شرائطها: و هي ستة)

[الشرط الأول أن يكون المتعاقدان مالكين كاملين جائزي التصرف ]

الأول: أن يكون المتعاقدان مالكين كاملين بالبلوغ و العقل و الاختيار جائزي التصرف لعدم الفلس و السفه و نحوهما من أسباب الحجر، فلو آجر المجنون لم تنعقد إجارته و لو أجاز وليه بعد ذلك، و كذا الصبي الغير المميز بل و كذا المميز.

لكن في المتن هنا إلا بإذن وليه و هو مخالف لما تقدم له في البيع، بل لم نعرف به قائلا قبله، و إن قال هنا أيضا. و فيه تردد فإنه غير خفي عليك عدم خصوص دليل في المقام يصلح فارقا بينه و بين البيع، كما أنه لا وجه معتد به للتردد في أصل ذلك في المقام و في البيع، من غير فرق بين بلوغ الذكر عشرا عاقلا و عدمه، لما تقدم هناك فلاحظ كي تعرف ما هنا.

بل و تعرف المراد من شرطية مثل ذلك، فإنه بالنسبة إلى بعض، شرط صحة فيفسد العقد بفقده، و بالنسبة إلى آخر شرط نفوذ العقد، فلا يفسد العقد حينئذ بفقده آنا ما، بل تبقى قابلة للتأثير إلى آن حصوله، كما تقدم في عقد المكره و الفضولي و السفيه و المفلس و نحوهم كما تقدم تفصيل ذلك كله في البيع الذي لم نعثر على ما يصلح للفرق بينه و بين الإجارة في ذلك كله فلاحظ و تأمل.

[الشرط الثاني أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل أو العد]
اشارة

الشرط الثاني: أن تكون الأجرة معلومة بالوزن أو الكيل أو العد فيما يكال أو يوزن أو يعد ليتحقق انتفاء الغرر (11) و الجهالة المبطلة بالإجماع كما في المختلف نحو ما سمعته في البيع الذي هو نحو الإجارة في ذلك و شبهه، و إن اختلفا في نقل الأعيان و المنافع، و هو الحجة على اعتبار العلم المزبور، مضافا إلى ما في المسالك عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه نهى عن الغرر مطلقا و إن كنا لم نتحققه، إلا انه منجبر هنا بالعمل من الأصحاب.

و قيل (12) و القائل جماعة كما في المسالك منهم الشيخ و المرتضى تكفي

ج 27، ص: 220

المشاهدة في ارتفاع الجهالة و الغرر، و هو حسن فيما ترتفع الجهالة و الغرر بها عرفا مما تكفي المشاهدة فيه لا مطلقا. ضرورة عدم كفايتها في مثل الموزون و المكيل و المعدود، و إلا لكفت في البيع المعلوم اعتبار عدمهما فيه، على وجه يرتفع معه النزاع و الخطر، و يتحقق به صدق بيع المعلوم عرفا غير المجهول، إذ لا يكون ذلك إلا بملاحظة ما أعد عرفا لرفع الجهالة، و تحقق العلم من الوزن و الكيل و العد فيما تعارف اعتبارها فيه.

و دعوى الفرق بين الإجارة و البيع بالنسبة إلى ذلك واضحة الفساد، بعد ما سمعت من الإجماع و غيره، كدعوى كفاية المشاهدة فيهما، و التمسك بآية «أَوْفُوا» و نحوها من العموم يقضى بعدم اعتبار المشاهدة أيضا في الصحة الذي لا يقول به الخصم، فإنه على الظاهر يبطل الإجارة مع الجهالة، لكن يدعى ارتفاعها بالمشاهدة، و دعوى اعتبار ما يرتفع بالمشاهدة من الجهالة دون غيرها مجرد تهجس و تحكم هو واضح.

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في أنه تملك الأجرة بنفس العقد الذي مقتضاه تبديل ملك بملك، فمع فرض جامعيته شرائط الصحة تترتب عليه آثاره التي منها الملك في العوضين، لكن لا يجب تسليمها قبل المعوض الذي هو العين المؤجرة أو العمل المستأجر عليه، على حسب الثمن و المثمن في البيع الذي قد عرفت تمام الكلام فيه في محله.

فلو كان المستأجر وصيا لم يجز له التسليم قبله إلا مع الإذن صريحا من الموصى، أو شاهد الحال، و إلا كان ضامنا حتى لو توقف الفعل على الأجرة، كالحج و امتنع المستأجر من التسليم، و لم يتمكن من إجباره على ذلك كان له الفسخ، بل في المسالك كان للأجير الفسخ أيضا، و لا يخلو من اشكال بعد فرض إقدامه على الإجارة التي مقتضاها ذلك، فتأمل جيدا.

و على كل حال فالمراد مما في المتن و غيره من انه يجب تعجيلها أي الأجرة مع الإطلاق و مع اشتراط التعجيل الذي هو كالشرط المؤكد دفعها في أول أوقات الوجوب، و هو وقت تمام العمل، و تسليم العين المؤجرة على حسب

ج 27، ص: 221

غيرها من عقود المعاوضة، من غير فرق بين الاشتراط و عدمه، و إن كان ربما يفيد فائدة، و هي التسلط على الفسخ مع عدم الوفاء به من المؤجر، أو المستأجر.

نعم لو كان هناك تعارف بعقد ثم يسلم الأجرة قبل المعوض على وجه ينزل العقد عليه، اتجه وجوبه حينئذ على المستأجر، نحو المشاهدة في العكس و هو واضح.

كما أنه لو شرط المستأجر مثلا التأجيل في الأجرة صح لعموم «المؤمنون» بشرط أن يكون الأجل معلوما مضبوطا بما لا يحتمل الزيادة و النقصان كغيره من الآجال.

و كذا لو شرطها في نجوم على وجه التقسيط فيجعل لكل أجل قسطا معلوما منها، للإطلاق، من غير فرق في ذلك بين الإجارة الواردة على معين شخصي و المطلقة الواردة على كلي في الذمة، خلافا لما عن بعض العامة فمنع في الثانية قياسا على السلم الذي يجب فيه قبض العوض في المجلس، و هو كما ترى.

و إذا وقف الموجر على عيب في الأجرة سابق على القبض و إن كان متأخرا عن العقد كان له الفسخ المقتضي لزوال ملكه عما قبضه، فتعود المنفعة إلى ملكه إذا استلزم ذلك فسخ الإجارة لتعذر الإبدال أو تكون له المطالبة بالعوض (11) إذا لم يتعذر كل ذلك إن كانت الأجرة مضمونة (12) في الذمة.

و المناقشة- في فسخ الإجارة في الأول بأن الأجرة كلية في الذمة، فلا يستلزم زوال ملكيته عن الفرد المقبوض بفسخه لها فسخ أصل العقد، و إن تعذر البدل، بل ينتظر حتى يتمكن منه أو يغرم قيمته- واضحة الفساد، ضرورة منافاة التزامه بذلك الضرر المنفي، مضافا إلى الاتفاق ظاهرا على أن له الفسخ في هذا الحال، و إلى ثبوت الخيار في نظائره بذلك.

بل الظاهر أن له الإمساك بالأرش فيه كما في فوائد الشرائع و المسالك و لعله لصيرورته بتعذر البدل كالعين المعينة، فيثبت له حكمها من الفسخ أو الأرش.

ج 27، ص: 222

نعم المتجه عدم فسخ العقد، و عدم الأرش إذا لم يتعذر البدل، بل يختص خياره بين الإمساك مجانا، و المطالبة بالبدل مع فسخه، للملكية الحاصل من القبض الذي لا يستلزم فسخه فسخ العقد من أصله في هذا الحال، و إن كان هو ظاهر جماعة في باب الصرف، إلا أن التحقيق خلافه، كما أوضحنا ذلك في الباب المزبور و في باب السلم و نبهنا على اختلاف كلماتهم في البابين فلاحظ، فإن منه يتضح لك الحال فيما هنا هذا كله في المضمونة.

و إن كانت معينة كان له الرد أو الأرش على حسب العيب في ثمن المبيع بلا خلاف أجده و لا إشكال، بناء على عدم اختصاص حكم العيب بالبيع.

نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بما إذا لم يكن الأجرة منفعة، و إلا جرى فيه ما تسمعه إنشاء الله من حكم العيب في العين المستأجرة عند تعرض المصنف له.

و لو أفلس المستأجر بالأجرة فسخ الموجر إن شاء و إلا شارك الغرماء كما تقدم الكلام في ذلك و في فروعه و في فلس الموجر مفصلا في باب الفلس فلاحظ و تأمل.

و لا يجوز أن يؤجر المسكن و لا الخان و لا الأجير بأكثر مما استأجره، إلا أن يؤجر بغير جنس الأجرة، أو يحدث فيه ما يقابل التفاوت كما عن ظاهر الشيخ، بل لعله ظاهر المقنعة، أيضا، و إن اقتصر فيها على الحانوت و الدار، و على استثناء الأحداث.

إلا أنه كالمصنف في باب المزارعة صرح بكراهة إجارة الأرض بالأكثر قال فيها: و تكره إجارة الأرض بأكثر مما استأجرها الإنسان به، إلا أن يكون قد أحدث فيها عملا أصلحها به، ككري نهر أو حفر ساقية أو إصلاح دالية أو كراب أرض و أشباه ذلك.

و لا بأس أن يوجرها بأكثر قيمة مما استأجرها به إذا اختلف النوعان، فكان مال الإجارة عينا و ورقا و إجارتها حنطة أو شعيرا و إن لم يحدث فيها شيئا، و إنما يكره

ج 27، ص: 223

ذلك فيما يتفق نوعه، أو يكون عينا و ورقا دون غيرهما من العروض.

و هذا التفصيل بين الأرض و الثلاثة أحد الأقوال في المسألة، و ربما أضيف إليها الحانوت و الرحى، بل قد عرفت أن المفيد اقتصر على أولهما مع الدار.

و على كل حال فيدل عليه من النصوص

خبر أبي الربيع الشامي (1)عن أبي- عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يتقبل الأرض من

الدهاقين فيؤاجرها بأكثر مما يتقبلها، و يقوم فيها بحظ السلطان قال: لا بأس به إن الأرض ليست مثل الأجير، و لا مثل البيت إن فضل الأجير و البيت حرام».

و خبر أبي المغراء(2)«عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يستأجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها فقال: لا بأس إن هذا ليس كالحانوت و لا الأجير، إن فضل الأجير و الحانوت حرام».

و خبر إبراهيم بن ميمون (3)«إن إبراهيم بن المثنى سأل أبا عبد الله عليه السلام و هو- يسمع- عن الأرض يستأجرها الرجل ثم يؤاجرها بأكثر من ذلك قال: ليس به بأس، إن الأرض ليست بمنزلة البيت و الأجير، إن فضل البيت حرام، و فضل الأجير حرام».

و أما الجواز مع الإحداث فللأصل و الإجماع بقسميه، و

صحيح الحلبي (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها قال: لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئا».

و صحيحه الآخر(5)عنه أيضا «لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إلا أن يحدث فيها شيئا»

بناء على إرادة الحرمة من نفي الصلاح في السابق و لو بقرينة النصوص السابقة التي لا ريب في أولوية حمله عليها من العكس، لأصرحيتها


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 4.
5- 5 الوسائل الباب- 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.

ج 27، ص: 224

منه، بل قد يقال: بأنه للقدر المشترك في العرف السابق.

و أما الجواز مع تغاير الجنس فإنه و إن لم يذكر فيما وصل إلينا من النصوص لكن يدل عليه- مضافا إلى الإجماع المحكي عليه إن لم يكن المحصل و ظهور أن سبب المنع الربا المعلوم انتفاؤه في الفرض أصالة الجواز، بناء على عدم شمول أدلة المنع له ضرورة لفظ الأكثرية مما استأجرها به في اتحاد الجنس، لعدم صدق الأكثرية حقيقة في المختلف، و من هنا قيد في المقنعة و الانتصار الأكثرية فيه بالقيمة.

نعم إلحاق الرحا بها كما هو ظاهر الحر في الوسائل لا يخلو من منع، إذ لم نعثر له على نص صالح للإخراج به عما يقتضي الجواز، سوى

خبر أبي بصير(1)قال أبو عبد الله عليه السلام: «إني لأكره أن استأجر رحا وحدها ثم أو أجرها بأكثر مما استأجرتها به، إلا أن تحدث فيها حدثا أو تغرم فيها غرامة»

و هو لضعف سنده و قصور دلالته غير صالح للخروج به عما يقتضي الجواز.

و كذا إلحاق السفينة للخبر(2)القاصر سندا و دلالة أيضا

«لا بأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به إذا أصلح شيئا»

ضرورة أعمية ثبوت البأس من الحرمة.

و بذلك كله ظهر لك قوة القول بالتفصيل المزبور، و هو الحرمة في البيت و الدار و الحانوت و الأجير لتصريح النصوص السابقة بالفرق بين الأرض و بينها.

و لعل مراد المصنف بالخان، الحانوت، فإنه أحد معانيه كما صرح به في القاموس. فيكون حينئذ موافقا لما ذكرنا من المنع في المذكورات، خلافا لجماعة من القدماء منهم المرتضى و الحلبي في ظاهر الانتصار و الغنية، و الشيخان و ابن الجنيد و الصدوق و ابن البراج و سلار فيما حكاه في المختلف عنهم.

و إن كان فيه ما فيه، كما لا يخفى على المتتبع، فلم يفرقوا في المنع بين


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.

ج 27، ص: 225

المذكورات و غيرها من الأعيان المستأجرة، و لجماعة من المتأخرين بل نسب إلى أكثر علمائنا، فلم يفرقوا في الجواز بين الجميع، لكن على كراهية و اختاره العلامة في المختلف حاكيا له عن والده، و الديلمي في رسالته، و

المفيد و إن كنا لم نتحققه، إذ الموجود في المقنعة ما عرفت، و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهم إلا مع الاستثنائين.

نعم عن ابن الجنيد تقييد ذلك بما إذا كان مال الإجارة ربويا، و لعله مراد غيره أيضا، كما أنه حكى فيه عن ابن البراج قولا آخر في الكامل، قال: «و من استأجر الأرض بعين أو ورق و أراد أن يوجرها بأكثر من ذلك فعلى قسمين: إما أن يكون قد أحدث فيها شيئا جاز، و إن لم يكن أحدث لم يجز، لأن الذهب و الفضة مضمونان.

و إن كان استأجرها بغير العين و الورق من حنطة أو شعير أو غير ذلك جاز أن يؤاجرها بأكثر من ذلك إذا اختلف النوع، و هو ظاهر، في عدم الجواز مع اختلاف النوع في الورق، نحو ما سمعته من المفيد في الكراهة.

و من الغريب بعد ذلك ما في المسالك في شرح عبارة المصنف هنا، فإنه بعد أن ذكرها قال: «هذا قول أكثر الأصحاب استنادا إلى روايات حملها على الكراهة طريق جمع بينها و بين غيرها، و في بعضها تصريح بها، و الأقوى الجواز في الجميع إذ قد عرفت أن التفصيل ليس قول أكثر الأصحاب كما أنك قد عرفت عدم المعارض لنصوص الحرمة في المذكورات أصلا، فضلا عن الصريح في الكراهة، و خبر الرحى مع اختصاصه فيها قد عرفت الحال فيه كحسن الحلبي في الدار.

نعم ما ذكره لا يخلو من وجه كذلك بالنسبة إلى الأرض، فإن النصوص قد تعارضت فيها، فيرجح ما دل على الجواز فيها سندا و دلالة، و يحمل المعارض على الكراهة، خصوصا مع عدم كمال ظهور بعضه في الحرمة، فضلا عن الصراحة.

و دعوى- اقتضاء ثبوت ذلك فيها الثبوت في غيرها لعدم القول بالفصل، و لإرادة

ج 27، ص: 226

المثال فيها- واضحة الفساد بوجود المفصل، كما عرفت، و بعدم إمكان إرادة المثال بعد التصريح في النصوص بالفرق بينها، و بين المذكورات كما سمعت، فلا ريب في ضعف التعميم المزبور.

بل قيل: إنه كذلك بالنسبة إلى المنع أيضا، لعدم ما يصلح للخروج به عما يقتضي الجواز من الإطلاقات، و العمومات عدا إجماع الانتصار و الغنية، و هو- مع عدم صراحة الأول منهما في ذلك بل و لا ظهوره كما لا يخفى على من لاحظه- موهون بمصير من عرفت: من القائل بالجواز مطلقا، أو في الجملة إلى خلافه، و معارض بنصوص الأرض و الرحى، و نحوها مما هو أقوى منه من وجوه.

منها: الاعتضاد بالإطلاقات و العمومات، و عدا دعوى المثالية في نصوص المنع في المذكورات، و هي أوضح من الاولى فسادا، بعد تصريح النصوص بالفرق بينها و بين الأرض، و هو مناف لذلك إلا إذا أريد حينئذ شدة الكراهة و نحوها، مما هو خروج عن ظاهر الدليل بلا مقتض، و عدا دعوى أنه ربا، فيشمله ما دل على حرمته من الكتاب و السنة.

و فيها أنه لا ريب في عدم كونه من الربا المعروف الذي هو القرض الذي يجر نفعا، أو البيع أو مطلق المعاوضة على المكيل و الموزون المتحد الجنس بأزيد منه، ضرورة كون المقام ليس منه، و لا دليل معتد به كما عرفت على حرمة الزيادة مطلقا حتى يكون قسما ثالثا، بناء على أن الربا كل زيادة محرمة.

نعم يتجه بناء على ذلك كونه ربا في خصوص المذكورات، لما سمعته من الدليل على حرمة الزيادة فيها، فتزداد حينئذ أدلة الحرمة فيها، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك حينئذ بين ربوية رأس مال الإجارة و عدمها، لإطلاق الأدلة، فما عن ابن الجنيد من اعتبار ذلك في الحرمة لا دليل عليه، هذا.

و لكن قد يستدل للتعميم المزبور ب

خبر الحلبي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام أتقبل الأرض بالثلث و الربع فأقبلها بالنصف قال: لا بأس به، قلت: فأتقبلها بألف


1- 1 الوسائل الباب- 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1- 2- 6.

ج 27، ص: 227

درهم فأقبلها بألفين، قال: لا يجوز، قلت: لم؟ قال: لأن هذا مضمون و ذلك غير مضمون».

و خبر إسحاق بن عمار(1)عن أبى عبد الله عليه السلام «إذا تقبلت أرضا بذهب أو فضة فلا تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، و إن تقبلتها

بالنصف و الثلث فلك أن تقبلها بأكثر مما تقبلتها به، لأن الذهب و الفضة مضمونان».

و نحوه خبر أبي بصير(2)المروي في الفقيه لكن فيه مصمتان بالصاد المهملة بدل مضمونان، و لعل المراد واحد، بعد ظهور التعليل في الأعم إذ أحسن شي ء يقال فيها:

أن المراد الفرق بين المزارعة و الإجارة، و كنى عن الثانية بالضمان، باعتبار وجوب الأجرة فيها على كل حال، بخلاف المزارعة، فإن أجرتها غير مضمونة، و من هنا جاز فيها الأكثر، سواء كانت مأخوذة بالإجارة أو المزارعة، بخلاف الإجارة، فلا يكون حينئذ للذهب و الفضة خصوصية.

و منه يعلم أنه لا وجه للاستدلال بها على ما سمعته من المفيد، و كامل ابن البراج نعم هي على هذا التقدير تكون دالة على المنع في الأرض، إلا أنها لمعارضتها بما عرفت تحمل على الكراهة.

و لا ينافي ذلك ثبوت الكراهة في المزارعة أيضا لو قلنا بها، ل

خبر الهاشمي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل استأجر من السلطان من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى، ثم آجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر، و له في الأرض بعد ذلك فضل أ يصلح له ذلك، قال: نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك.

قال: و سألته عن الرجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام معلوم فيؤاجرها قطعة قطعة أو جريبا بشي ء معلوم فيكون له فضل فيما استأجر من السلطان، و لا ينفق شيئا أو يؤاجر تلك الأرض قطعا على أن يعطيهم البذر و النفقة


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 6.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.

ج 27، ص: 228

فيكون له في ذلك فضل في إجارته، و له تربة الأرض أو ليست له؟ فقال: إذا استأجرت أرضا فأنفقت فيها شيئا أو رممت فيها فلا بأس بما ذكرت».

إذ يمكن الجمع حينئذ بالحمل على شدة الكراهة في الإجارة دون المزارعة و لعله أولى من الجمع بحمل الإجارة في نصوص الجواز على المزارعة، فيبقى ما دل على المنع من هذه الروايات و غيرها بلا معارض.

و لا ينافي ذلك التصريح بالفرق بينها و بين البيت و الأجير، ضرورة كون وجهه حينئذ واضحا باعتبار عدم المزارعة فيهما دونها، و إن كان يؤيده ما عرفت سابقا من الإجماع المحكي المعتضد بالمحكي من فتوى الأكثر، و كثرة السؤال و الجواب في النصوص عن ذلك، فيما لو آجر بعض العين بأكثر من الأجرة و بالمساوي و نحو ذلك مما يستشعر من المذاق فيها حكم ما نحن فيه، و غير ذلك.

إلا أنها لعدم ظهورها في إرادة الإجارة من الضمان، فضلا عن المصمت، بل أقصاه أنه احتمال أقرب من احتمال إرادة بيان الفساد من الضمان، باعتبار كونه إجارة بالأكثر، أو باعتبار إرادة المزارعة بالدراهم لا بالحصة المشاعة، أو نحو ذلك لا ينبغي أن يجسر بها على مخالفة الأصل بل الأصول، و على تعيين إرادة المزارعة من الإجارة في نصوص الجواز، و من هنا كان الحمل على الكراهة أولى.

و أما احتمال تقييد نصوص الجواز بنصوص الأحداث أو بنصوص إجارة البعض بأكثر الإجارة، كما في المختلف فواضح الفساد، خصوصا الثاني منهما بل الأول، ضرورة منافاة النص على الفرق بينها و بين البيت لذلك، كما هو ظاهر.

و من ذلك كله ظهر لك تمام الأقوال في المسألة، و مستند كل واحد منها و بطلانه هذا كله فيما لو آجر تمام العين بأزيد من الأجرة.

و كذا لو سكن بعض الملك، لم يجز له أن يؤجر الباقي بزيادة على الأجرة و الجنس واحد إذ هو مع أنه مشمول لأدلة المنع يستفاد حكمه من خبر أبي الربيع الآتي، و من الأول بالأولى و هو واضح.

نعم لا إشكال كما لا خلاف نصا و فتوى في أنه يجوز إجارة

ج 27، ص: 229

البعض المزبور و إن قل بأكثرها أي الأجرة مع اتحاد الجنس، فضلا عن اختلافه.

إنما الكلام في المساوي، و الأقوى الجواز للأصل بل الأصول، و

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي الربيع (1)المروي في الفقيه «و لو أن رجلا استأجر دارا بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس و لكن لا يؤاجرها بأكثر مما استأجرها»

خلافا للمحكي عن الشيخ من المنع، لكونه ربا.

و لمضمر سماعة(2)المشتمل على بيع المرعي بأزيد مما اشتراه أو بالمساوي، بناء على إرادة الإجارة من البيع فيه، و لما يشعر به خبر علي بن جعفر(3)و غيره مما اشتمل على السؤال عن ذكر الإجارة بالأنقص، و لو قليلا مما يظهر أنه منتهى الجواز و ربما كان ذلك هو الظاهر من عبارة المتن و ما شابهها.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحية معارضة مثله للنص المزبور المعتضد بما عرفت، كسابقه الذي من المأول الذي لا يكون حجة مع عدم القرينة الصارفة و المعينة، و أما الربا فقد عرفت أنه غير الربا المتعارف، فيقتصر فيه على محل النص، و لا ريب في عدم شموله للفرض، ضرورة عدم صدق إجارة الأرض بالأزيد، الظاهر في كون الأجرة الثانية أزيد من الأولى، و ليس ما بقي في يده منها قطعا كما هو واضح هذا.

و ظاهر الأصحاب اختصاص الحكم المزبور في الإجارة في الأصل و في الآخر أما لو كان في الصلح أو الشرط مثلا فيهما أو في أحدهما،

لإطلاق الأدلة و هو جيد إن كان إجماعا، و إلا كان مشكلا بإطلاق حرمة الفضل في البيت و الحانوت و الأجير مما ذكر في وجه الفرق بين الأرض و غيرها، فلاحظ و تأمل و الله العالم.

و لو استأجره ليحمل له متاعا إلى موضع معين بأجرة معينة و اشترط عليه وصوله في وقت معين، فإن قصر عنه نقص عن أجرته شيئا معينا جاز وفاقا للأكثر نقلا و تحصيلا، بل المشهور كذلك للأصل، و قاعدة «المؤمنون


1- 1 الوسائل الباب- 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3- لكن عن الحلبي.
2- 2 الوسائل الباب- 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 6.
3- 3 الوسائل الباب- 22 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 8.

ج 27، ص: 230

عند شروطهم».

و

الصحيح أو الموثق أو الخبر المنجبر بما عرفت عن محمد الحلبي (1)قال: «كنت قاعدا عند قاض من القضاة و عنده أبو جعفر عليه السلام جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما:

اني تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعا إلى بعض المعادن و اشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا و كذا لأنها سوق أتخوف أن يفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكرى لكل يوم احتسبته كذا و كذا، و إنه حبسني عن ذلك الوقت كذا و كذا يوما، فقال القاضي: هذا شرط فاسد وفه كراه فلما قام الرجل أقبل إلى أبو جعفر عليه السلام فقال: شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه».

قيل: و ل

صحيح ابن مسلم (2)قال: «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إني كنت عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: إني اكتريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا و كذا، و إنه لم يفعل، قال: فقال ليس له كرا. قال: فدعوته و قلت: يا عبد الله ليس لك أن تذهب بحقه، و قلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كل الذي عليه اصطلحا فترادا بينكما».

و فيه أنه غير محل الفرض الذي قد عرفت اشتراط النقصان فيه إن لم يوصله فيه، و ليس فيه تعرض لما عدا اليوم المعين بالأجرة و لا لغيرها، بل ليس في كلام الإمام أن اللازم في غيره أجرة المثل و لا غيرها.

بل في حواشي ثاني الشهيدين على روضته أن ما تضمنه الخبر من الحكم مخالف للقواعد الشرعية، لأن اللازم من تعيينه اليوم المعين و السكوت عن غيره أنه لا يستحق في غيره الأجرة، كما قال ذلك القاضي إلا بفرض اطلاعه عليه السلام على ما يوجب بطلان الإجارة فحكم عليهما بالاصطلاح، لأن الثابت أجرة المثل، و هي خارجة عن المعين كما أشار إليه في كلامه.

و إن كان قد يدفع بمنع اقتضاء ذلك عدم الأجرة مطلقا حتى على نقله له في


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.

ج 27، ص: 231

بعض مدة التعيين الذي بمقتضى عقد الإجارة، و الفرق بينه و بين الجعالة يستحق التقسيط، كما أنه يمكن منعه أيضا فيما لو أخذ التعيين شرطا لا مشخصا على وجه يكون المراد

نقل اليوم المخصوص، نحو الاستيجار مثلا على صوم أول يوم من رجب، فصام ثانيه، بل المتجه فيه مع فسخ العقد- لعدم الوفاء بالشرط- الرجوع إلى أجرة المثل، و إلا فالمسمى.

لكن الظاهر حمل الخبر المزبور على التقسيط، و

رواه في الفقيه (1)صريحا في غير الفرض، «قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إني كنت عند قاض من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما: اني اكتريت من هذا دابة ليبلغني عليها موضع كذا و كذا فلم يبلغني الموضع فقال القاضي لصاحب الدابة: بلغته إلى الموضع؟

قال: لا، قد أعيت دابتي فلم يبلغ، فقال القاضي ليس لك كرى إن لم تبلغه إلى الموضع الذي اكترى دابتك إليه، قال: فدعوتهما إلى و قلت للذي اكترى: ليس لك يا عبد الله أن تذهب بكرى دابة الرجل كله، و قلت للآخر: ليس لك أن تأخذ كرى دابتك كله، و لكن انظر قدر ما بقي من الموضع و قدر ما ركبته، فاصطلحا عليه، ففعلا»

و هو صريح في غير ما نحن فيه.

نعم ربما أيد ب

صحيح أبي حمزة(2)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «سألته عن الرجل يكتري الدابة فيقول: اكتريتها منك إلى مكان كذا و كذا فإن

جاوزته فلك كذا و كذا زيادة و يسمى ذلك قال: لا باس به كله»

بناء على كون المراد منه انه اشترط عليه في متن العقد ذلك، لا أنه إجارة معلقة، فيكون حينئذ كاشتراط النقصان في الخبر المزبور، إلا أنه كما ترى، و كيف كان فالعمدة الموثق المذكور معتضدا بما عرفت.

لكن قد أشكل ذلك بالتعليق و الجهالة و الإبهام، و أنه كالبيع بثمنين نقدا و نسيئة مثلا، و من هنا كان خيرة المحقق الثاني و غيره من المتأخرين البطلان في


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.

ج 27، ص: 232

ذلك، و طرخ الخبر أو حمله على الجعالة أو نحو ذلك.

و هو- مع أنه كالاجتهاد في مقابلة النص الذي لا يقبل الحمل على الجهالة و لو لفهم المعظم منه الإجارة- مدفوع بمنع التعليق في العقد، إذ ليس المراد منه الإجارة بالمقدار الناقص لو نقص، كي يكون معلقا، بل أقصاه التعليق في الشرط و هو النقص من الأجرة، و لا دليل على بطلانه فيه، إذا لم يرجع إلى التعليق في نفس العقد.

بل قد يظهر من كلامهم في تعليق اشتراط الخيار على رد الثمن أن الصحة فيه على مقتضى عموم

«المؤمنون عند شروطهم»

كما أن مقتضاه أيضا عدم قدح مثل هذه الجهالة في الشرائط التي يغتفر فيها من ذلك مالا يغتفر في غيرها، و ليست راجعة إلى أحد العوضين.

و من ذلك يعلم أنه ليس كالبيع بثمنين، ضرورة أن المشابه له الإجارة على تقديرين، نحو إن خطته روميا فلك درهم، و فارسيا نصفه، و ليس ذلك كذلك، كما صرح به في المختلف، و لذا صرح بالصحة في الفرض من لم يقل بها في نحو المثال المزبور، ضرورة كون المستأجر عليه فيما نحن فيه معينا، و إنما اشترط عليه ذلك على تقدير المخالفة مثلا، فيصح حينئذ حتى لو نقص ما اشترط عما يقتضيه التقسيط لو لم يشترط، لعموم «المؤمنون» و إطلاق الموثق المعتضد بفتوى المعظم.

و لا ينافيه ما

في الدعائم (1)عن الصادق عليه السلام «أنه سئل عن الرجل يكتري الدابة أو السفينة على أن يوصله إلى مكان كذا يوم كذا، فإن لم يوصله يوم ذلك كان الكرى دون ما عقده، قال: الكرى على هذا فاسد، و على المكتري أجر مثل حمله»

بعد ظهوره في جهالة المسمى على تقدير عدم الإيصال فيتجه البطلان الموجب لأجرة المثل، هذا كله إن اشترط النقصان.

و أما لو شرط سقوط الأجرة إن لم يوصله فيه لم يجز وفاقا


1- 1 المستدرك ج 2 ص 509.

ج 27، ص: 233

للمشهور نقلا و تحصيلا، لكونه شرطا منافيا لمقتضى الإجارة، إذ مرجعه إلى استحقاق ذلك العمل عليه بعقد الإجارة بلا أجرة، فيكون نحو قولك آجرتك بلا أجرة، و بفساده يفسد العقد، كما هو الأصح، و إليه أشار

أبو جعفر عليه السلام في خبر الحلبي المتقدم بقوله «شرط هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه»

و كان له حينئذ أجرة المثل لقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

لكن في اللمعة فيه نظر لأن قضية كل إجارة المنع من نقيضها، فيكون قد شرط قضية العقد، فلم تبطل الإجارة، غاية ما في الباب أنه إذا أخل بالمشروط و هو نقله في اليوم المعين يكون البطلان منسوبا إلى الأجير، حيث فوت الزمان المعين، و لم يفعل فيه ما شرط عليه، فلا يستحق شيئا، لأنه لم يفعل ما استوجر عليه، و لا يكون البطلان حاصلا من جهة العقد.

فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير، و إثبات أجرة المثل، بل اللازم عدم ثبوت شي ء و ان نقل المتاع الى المكان المعين في غير الزمان، لأنه فعل ما لم يؤمر به، و لا استوجر عليه، فالشرط المزبور حينئذ مؤكد لمقتضى العقد، لا مناف له.

و في الروضة «و هذا النظر مما لم يتعرض له أحد من الأصحاب، و لا ذكره المصنف في غير هذا الكتاب، و هو متوجه، الا أنه لا يتم إلا إذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمان المعين، و ما خرج عنه خارج عنها، و ظاهر الرواية و كلام الأصحاب أن مورد الإجارة كلا القسمين، و من ثم حكموا بصحتها مع إثبات الأجرة على كلا التقديرين، نظرا إلى حصول المقتضي و هو الإجارة المعينة المشتملة على الأجرة المعينة، و إن تعددت و اختلفت لانحصارها و تعينها كما تقدم، و بطلانها على التقدير الآخر.

و لو فرض كون مورد الإجارة هو القسم الأول خاصة و هو النقل في الزمن المعين لكان الحكم بالبطلان- على تقدير فرض أجرة مع نقله في غيره- أولى لأنه خلاف قضية الإجارة، و خلاف ما تعلقت به، فكان أولى بثبوت أجرة المثل و جعل

ج 27، ص: 234

القسمين متعلقها- على تقدير ذكر الأجرة، و الأول خاصة على تقدير عدمه في الثاني مع كونه خلاف الظاهر- موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.

و يمكن الفرق بكون تعين الأجرة على التقديرين قرينة جعلهما مورد الإجارة حيث أتى بلازمها، و هو الأجرة فيهما، و إسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعلها موردا من حيث نفي اللازم الدال على نفى الملزوم، و حينئذ تنزيله على شرط قضية العقد أولى من جعله أجنبيا مفسدا للعقد، بتخلله بين الإيجاب و القبول».

قلت: قد عرفت أن ظاهر الرواية و كلام الأصحاب عدم التعدد في مورد الإجارة، و أن ذلك إنما ذكر على جهة الشرطية التي لا يقتضي التعدد، و إلا لما صح لهم الحكم بالصحة مستندين فيها إلى عموم (1)

«المؤمنون»

و نحوه.

نعم قد يدفع النظر المزبور بمنع اقتضاء تعيين زمان الإيصال في الفرض المزبور على جهة الشرطية، عدم الأجرة على مطلق النقل لو لم يوصله فيه، و لذا خالف أبو جعفر عليه السلام ما ذكره القاضي بقوله «ليس له كرى» في صحيح ابن مسلم على ما رواه عنه في الكافي، و إنما يسلم ذلك فيما لو كان الزمان مشخصا للعمل المستأجر عليه على وجه يكون كصوم أول يوم رجب مثلا.

أما في الفرض الذي قد استوجر فيه على النقل إلى ذلك المكان، إلا أنه اشترط عليه الوصول في زمان معين فلا، و إنما المتجه فيه اجراء حكم غيره من الشرائط إذا لم يف بها من اشترط عليه، من التسلط على الفسخ، و الرجوع إلى أجرة المثل، أو الالتزام بالمسمى كما أن المتجه التقسيط فيما لو استأجره على النقل إلى مكان معين فحمله إلى نصف الطريق و لم يوصله، كما هو واضح و الله هو العالم.

و إذا قال: آجرتك كل شهر بكذا، صح في شهر، و له في الزائد أجرة المثل إن سكن كما في المقنعة و النهاية مصرحا في أولهما بما إذا لم يعين ابتداء المدة و لا آخرها، فضلا عما يعين فيه ذلك، و لعله مقتضى إطلاق المتن و غيره،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث 4.

ج 27، ص: 235

اللهم إلا أن ينزل على إرادة الإطلاق المنزل على الاتصال بزمان العقد.

و قيل: و القائل جماعة بل لعله المشهور بين المتأخرين تبطل مطلقا حتى لو صرح بالاتصال فضلا عن الإطلاق، لتجهل الأجرة بتجهل المنفعة المستحقة، فيبطل العقد بالنسبة إلى جميع مورده من غير فرق بين الشهر و غيره.

و الأول أشبه عند المصنف و أصول المذهب و قواعده التي منها «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)و إطلاقات الإجارة و صدق المعلومية عرفا بالنسبة إلى الشهر، و فحوى صحيح أبي حمزة و غير ذلك، و لكن مع ذلك فالثاني هو الأقوى، و لو مع فرض اتصال الشهر، للجهالة المزبورة التي ينقطع بها الإطلاق المزبور و نحوه.

و دعوى- كون المراد من ذلك عرفا هذا الشهر بدرهم، و كل شهر تسكنه كذلك، فلا جهالة فيه حينئذ بالنسبة إلى الشهر يدفعها- بعد التسليم تنزيل مثل هذا الإطلاق على الاتصال المقتضي لذلك- أن أدلة الجهالة تقضى بفساد العقد بمجرد الجهالة في مورده، و لو في الجملة، و ليست هي كضم غير المملوك إلى المملوك يصح في أحدهما و يبطل في الآخر، كما أوضحناه في محله، و صحيح أبي حمزة- مع أنه في الشرط الذي يمكن دعوى الاغتفار فيه ما لا يغتفر في العقد- محتمل لإرادة اشتراط مقدار الغرامة لو تعدى و تجاوز، لما هو متعارف في

التأكيد على عدم التجاوز عن المكان المعين، لا أنه إجارة على هذا التقدير.

و أوضح من ذلك فسادا ما في الغنية من دعوى صحة العقد في غير الشهر أيضا، نحو ما عن الشيخ و ابن الجنيد، لكن قال فيها «يستحق الأجرة للزمان المذكور، بالدخول فيه، و يجوز الفسخ بخروجه ما لم يدخل في الثاني، إذ هو مع ما فيه مشتمل على الإبهام باعتبار عدم علم منتهى المدة، و شبه التعليق باعتبار عدم علم السكنى و غير ذلك.

هذا كله فيما ذكره من فرض الإجارة، أما لو فرض بوجه يكون كالجعالة بأن يقول الساكن مثلا «جعلت لك على كل شهر أسكنه درهما» لم يبعد الصحة،


1- 1 سورة المائدة الآية 1.

ج 27، ص: 236

لعدم اعتبار العلم فيها أزيد من ذلك، كما أنه لم يبعد الصحة لو جعل من قبيل الإباحات بأعواض معلومة، تلزم بالتلف كما في نظائر ذلك من الأعيان و المنافع و الله اعلم.

[تفريعان ]
اشارة

تفريعان

[الفرع الأول لو قال ان خطته فارسيا فلك درهم و إن خطته روميا فلك درهمان صح ]

الأول: لو قال: ان خطته فارسيا أي بدرز فلك درهم، و ان خطته روميا أى بدرزين فلك درهمان صح جعالة لإطلاق أدلتها المقتضي لاغتفار مثل هذه الجهالة و الإبهام فيها، خلافا للفاضل في المختلف، فأبطلها لتطرق الجهالة في الجعل، فيجب أجرة المثل و فيه منع، كما تعرفه في محله إنشاء الله.

نعم الظاهر البطلان اجارة كما اختاره جماعة منهم ابن إدريس على ما حكي عنه، للإبهام المنافي للملكية في المعاوضات، و خبر الحلبي قد عرفت أنه لا يدل على مثل ذلك، لكن في اللمعة و محكي المبسوط و غيرها الصحة في ذلك و في

[الفرع الثاني لو قال ان عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان و في غد درهم فيه تردد و الأظهر الجواز]

الفرع:

الثاني أيضا، و هو ما لو قال: ان عملت هذا العمل في اليوم فلك درهمان، و في غد درهم و ان قال المصنف هنا فيه تردد و لكن أظهره عنده و عندهم الجواز لصدق المعلومية و لآية(1)موسى عليه السلام و خبر الحلبي (2)و صحيح أبي حمزة(3)المتقدمين سابقا، و فيه منع صدقها على وجه ترتفع الإبهام المنافي لملكية المعاوضة، و آية موسى عليه السلام ظاهرة في كون الثاني إحسانا لا اجارة، كما يقضي به «فمن عندك» و لا ينافيه قوله «أيما الأجلين» و لو بقرينة ذكره ذلك في الإجارة، بعد إرادة الأجل الإجاري و الوعدي، و خبر الحلبي و الصحيح المتقدم قد عرفت عدم دلالتهما على جواز مثل هذا الإبهام.

و ما عساه يظهر من المصنف هنا- كالمحكي عن المبسوط و التحرير و الكفاية


1- 1 سورة القصص الآية 28.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.

ج 27، ص: 237

من الفرق في الجملة بين المثالين- في غير محله، ضرورة اشتراكهما معا في الإبهام المزبور، و دعوى أقربية الثاني إلى المنصوص من الأول كما ترى، كما أنه لا فرق على الظاهر بين قول «آجرتك كل شهر بدرهم» و قول آجرتك شهرا بدرهم فإن زاد فبحسابه.

خلافا للفاضل في القواعد فحكم بالبطلان في الأول، و الرجوع الى أجرة المثل، و الصحة في الشهر في الأخير، و البطلان في الزائد.

و فيه: أنه مناف لقاعدة اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد، كما أوضحناه في كتاب البيع، فمعلومية الشهر و الدرهم لا تجدي في الصحة حينئذ، فضلا عما لو لم يكن الشهر معلوما، لعدم ارادة المتصل منه كما هو واضح، و كأن الوجه- للقول بالصحة في نحو هذه الأمثلة مع معلومية منافاة ما فيها من التعليق و الجهالة- الإلحاق بما في موثق الحلبي و صحيح أبي حمزة و غيرهما، سواء كان موافقا للضوابط أو لا.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه من عدم الانطباق أولا، و عدم جواز القياس عندنا ثانيا، بناء على كونه مخالفا للقواعد التي تجب الاقتصار على ما يخالفها بالخصوص كما هو واضح.

و كيف كان ف يستحق الأجير الأجرة بنفس العمل سواء كان في ملكه كالثوب يخيطه في بيته أم ملك المستأجر، و منهم من فرق بين الحالين و هو الشيخ في المبسوط قال فيما حكي عنه في أثناء كلام له في مسألة التلف: «ان كان العمل في ملك الصانع لا يستحق الأجرة حتى يسلم، و ان كان في ملك المستأجر استحق الأجرة بنفس العمل» و لعله لأنه في الثاني يسلم بخلاف الأول، قيل:

و فيه منع صدق التسليم عليه قبل أن يصير في يد المستأجر و ستعرف ما فيه.

و على كل حال فالظاهر ارادته الفرق بذلك من حيث التسليم، لا الملك الذي لا خلاف ظاهرا بحصوله بالعقد، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه، بل يمكن تحصيله، مضافا الى أنه مقتضى العقد، و الأصل عدم اشتراطه بأمر آخر من التسليم و غيره،

ج 27، ص: 238

انما الكلام في استحقاق التسليم على أحدهما أولا و عدمه، و قد تقدم في كتاب البيع تحقيق الحال في ذلك. و أنه يجب على كل منهما التسليم للأمر بالوفاء و غيره، فإذا تعاسرا أجبرا معا على التقابض.

أما لو بذل أحدهما و امتنع الآخر و لم يمكن جبره كان للباذل الحبس حتى يدفع اليه العوض، قضاء لحق المعاوضة التي بني العقد عليها، كما أشبعنا الكلام فيه سابقا، و لا فرق بينه و بين المقام الذي هو أحد المعاوضات.

نعم قد يشكل الحال في خصوص الإجارة على الأعمال منه، باعتبار عدم تصور التقابض فيه، لكون العمل تدريجيا، و الظاهر الإجماع على عدم استحقاق الأجير تسلم الأجرة قبل العمل ما لم يشترط، أو تكون عادة على وجه تقوم مقام الاشتراط، بل عن بعضهم دعواه عليه، فضلا عن نفي الخلاف من آخر، لما فيه من منافاة مقتضى المعاوضة، و الضرر على المستأجر، و غير ذلك مما يعلم منه انتفاء احتمال وجوب ذلك، تمسكا بمقتضى الملكية التي فرض حصولها بالعقد.

و بأنه مقتضى الأمر بالوفاء، الظاهر في أن كل شي ء بحسب حاله بالنسبة الى ذلك، ضرورة أنك قد عرفت تحكيم مقتضى المعاوضة، و بناؤها على مقتضى الملكية المزبورة، و الأمر بالوفاء إنما هو بكل عقد على حسب مقتضاه، و قد فرض اقتضاؤه ما عرفت.

و لعله للإجماع المزبور، و نحوه يفرق بين المقام و بين البيع لو كان الثمن عملا، الذي قد سلف منا هناك وجوب تسلم المبيع على البائع قبل العمل على تأمل فيه، فلاحظ و تدبر.

كما أنه لا خلاف و لا إشكال في استحقاق تسلمها بعد العمل الذي يحصل تسلمه بإكماله، كالصوم و الصلاة و الحج و الزيارة و نحوها، بل الإجماع بقسميه عليه، فضلا عن النصوص و التي منها

الصحيح (1)«لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته»

بل


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1- 2.

ج 27، ص: 239

الظاهر أن منه الأعمال التي تكون في ملك المستأجر، أي فيما في يده كإصلاح جداره في داره و نحوه مما هو في يد المستأجر، و تحت سلطانه، و ان استأجر أجيرا على العمل فيه، و لعل هذا هو مراد الشيخ فيما سمعت منه سابقا، كما يشهد له التقييد بحضور المالك فيما حكاه عنه في التنقيح. و محكي التحرير.

بل و كذا لا اشكال و لا خلاف في استحقاق تسلمها بعد تسليم ما فيه أثر العمل من الثوب الذي استوجر على خياطته، و نحوه، مما هو تحت يد الأجير و سلطنته، انما البحث في وجوب تسليمها في نحو الأجير، بمجرد إكمال العمل، و الفراغ منه و عدمه، ظاهر المصنف بل صريحه الأول، خصوصا مع قوله بعد ما سمعت.

و لا يتوقف تسليم أحدهما على الأخر بل لعله ظاهر غيره أيضا ممن أطلق استحقاق الأجير أجرته بإكمال العمل، ضرورة صدقه في الفرض، لإطلاق الأمر بالوفاء، و قاعدة التسلط، و إطلاق «لا يجف عرقه» و بناء المعاوضة على ذلك.

لأن المراد من الإجارة فعل الخياطة الذي يتسبب منه حصول صفة المخيطة في الثوب، و قد

حصلا معا، و ليس في يد الأجير إلا الثوب الذي هو للمستأجر مع صفته، و لا شي ء منهما مورد عقد الإجارة حتى يجري عليه حكم المعاوضة إذ موردها انما هو العمل الذي تولد منه الصفة المزبورة، و ذاك تسليمه إيقاعه، لأن تسليم كل شي ء بحسب حاله.

و دعوى- أن مورد الإجارة الصفة المزبورة، و الفعل إنما هو مقدمة لها، فهي حينئذ العوض، فلا يجب تسليم الأجرة حينئذ إلا بتسليمها، كما هو الشأن في البيع و غيره من المعاوضات- يدفعها معلومية كون مورد الإجارة الأعمال، و إنما العقد الموضوع لملك ذلك، و الصفة إنما يملكها صاحب الثوب تبعا للموصوف، لا أنه يملكها بعقد الإجارة، و على هذا فالمتجه فيما لو أتلف الصانع العين بعد تمام العمل تضمينه إياه معمولا مع دفع الأجرة، لا التخيير بين ذلك، و بين تضمينه إياه غير معمول مع عدم دفع الأجرة، كما جزم به في القواعد، و محكي التذكرة و التحرير و جامع المقاصد، و جعل السر فيه في الأخير أن أجر العمل لا يستقر إلا بعد تسليمه

ج 27، ص: 240

و الفرض أنه لم يتسلمه، فلا تستقر عليه أجرة، و لأنه ملكه على تلك الصفة، فملك المطالبة بعوضه كذلك، فوجبت عليه أجرة العمل، و هو المسمى، و لا خصوص تضمينه إياه غير معمول كما عن المبسوط، لكون الصفة التي هي عمل الأجير بمنزلة المبيع و قد تلفت قبل قبضها، فتذهب من ماله كالمبيع، فيضمن الثوب غير معمول، و لا تضمينه إياه معمولا بدون دفع أجرة، لأنه ملكه على تلك الصفة، و سقوط حق الأجير منها باعتبار عدم تسليمها لا يقتضي سقوط حق المالك، إذ ذلك كله مبني على ما عرفت فساده، بل المتجه عليه عدم سقوط الأجرة، أيضا فيما لو تلفت العين بعد إكمال العمل من غير تفريط، و إن كان في ملك الأجير لما عرفت.

لكن في القواعد لم يستحق الأجرة على إشكال، بل المتجه أيضا ضمانه للعين لو حبسها على تسليم الأجرة، لعدم جواز الحبس له، إذ المعاوضة قد تمت بإتمام العمل، فهو غاصب حينئذ، و بذلك جزم في القواعد، و لكنه مناف لما سمعته منها و غيره.

قال فيها: «و لا يبرء الأجير من العمل حتى يسلم العين كالخياط إن كان العمل في ملكه، و لا يستحق الأجرة حتى يسلمه مفروغا، فلو تلفت العين من غير تفريط بعد العمل، لم يستحق أجرة على إشكال، و لو كان في ملك المستأجر برء بالعمل و استحق الأجرة، و لو حبس الصانع العين حتى يستوفى الأجرة ضمنها»، و لقوله في المقام و إن وقعت على عمل، ملك العامل الأجرة بالعقد، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل.

و هل يشترط تسليمه الأقرب ذلك و قد تجشم المحقق الثاني في جمع هذه الكلمات بما لا يرجع إلى أمر يعتمد عليه، إذ هو كله مبني على ذلك الأصل الذي قد عرفت الحال فيه، و احتمال بناء الضمان بالحبس المزبور على عدم جوازه عنده أيضا، مناف لما ذكره هو و غيره من بناء اشتراط استحقاق الأجرة على التسليم، على أنه كباقي المعاوضات التي من أحكامها جواز الحبس بالحبس.

كما ان احتمال- بنائه على أن الثوب نفسه ليس من مورد المعاوضة، و إنما

ج 27، ص: 241

يحبس مقدمة لحبس الصفة، فينبغي ضمانه جمعا بين الحقين، و لا منافاة حينئذ بين الجواز و الضمان.

- يدفعه أولا: أنه ينبغي تخصيص الضمان بالثوب و هو غير معمول، ضرورة كون حبس الصفة بحق حينئذ، فلا تضمن لو تلفت.

و ثانيا: منع الضمان أيضا للمحبوس مقدمة للحق، فإن حبسه حينئذ بحق أيضا، باعتبار توقف حبس الحق عليه، بل الحق فيه، بل الحبس المفهوم من مقضي المعاوضة لا فرق فيه بين الأمرين كما هو واضح بأدنى تأمل.

و من هنا قال الشهيد في المحكي عن حواشيه على القواعد في المقام «إن قول المصنف «الأقرب ذلك» مبني على أن الصفة تلحق بالأعيان، و قد تقدم ذكره في الفلس، بناء على أن المنافع تعد أموالا، و لهذا يصح جعلها عوضا و معوضا، كما أن المبيع يحبس حتى يتقابضا، و يسقط الثمن بتلفه قبل قبضه، فكذلك المنفعة.

و تظهر الثمرة في جواز حبس الثوب في سقوط الأجرة بتلفه فعلى ما قربه المصنف له حبسه، و إن أباه ظاهر كلامه، و لو تلف سقطت الأجرة على قوله» و هو صريح فيما قلناه.

و كأنه استفاد من قوله «الأقرب تسليمه» وجوب التسليم على العامل أولا، و لذا قال: إنه يأباه ظاهر كلامه.

لكن فيه أن المراد توقف استحقاقه المطالبة بالأجرة على وجه يجب على المستأجر بذلها على تسليم العمل، و هذا لا ينافي أن له الحبس لو لم يبذل المستأجر الأجرة، و مثله في البيع و باقي المعاوضات، و من هنا اعترضه في جامع المقاصد بأنه لا حاجة إلى البناء الذي ذكره، لأن المعاوضة على المنافع أمر متفق عليه، و لا بد في العوضين من التقابض كالبيع.

و أما عد المنافع أموالا فالذي يقتضي عدمه فيها، هو أنه لا وجود لها، و إنما هو أمر موجود بالشأن و الصلاحية، ثم قوله إن ظاهر كلام المصنف يأبى

ج 27، ص: 242

ذلك غير جيد، لأن قوله «الأقرب تسليمه» صريح في ذلك، و ليس مقابل الأقرب بمناف له، لأن غرضه الرد على الشيخ، فمقابل الأقرب قول الشيخ، فما ذكره غير واضح.

قلت: الظاهر أن مبنى الصراحة التي ادعاها هو ما ذكرنا، لكن قد يرد عليه أنه لا بد من البناء المزبور، إذ الاتفاق على المعاوضة على المنافع غير كاف، ضرورة عدم تصور التسليم فيها بغير الإكمال، بناء على أنها نفس الاعمال، و إنما يتصور التسليم في الصفات التي تتولد من الأفعال في الأعيان، بتسليم العين الموصوفة.

نعم يرد على ذلك ما سمعته سابقا من كون التحقيق أن المملوك بالإجارة و الذي قوبل بالمال الأعمال التي يتولد منها الصفات، لا الصفات و الأعمال مقدمة من العامل إلى تحصيلها، حتى تكون هي العوض و المعوض، فيجري عليها حكم التقابض و الحبس.

و من الغريب أن المحقق الثاني أنكر البناء المزبور عليه، و قرره هو في تلف العين من العامل بعد العمل من غير تفريط بالنسبة إلى استحقاق الأجرة و عدمها، فإنه قال أولا في وجه إشكال الفاضل في ذلك أنه ينشأ من أن الإجارة معاوضة، و حق المعاوضة حصول العوضين معا للمتعاوضين، لتحقق كون كل منهما في مقابلة الأخر و قد انتفى ذلك في أحدهما فانتفت المقابلة، فوجب الانفساخ لتعذر مقتضى العقد، و من أن المستأجر عليه و هو العمل قد حصل، فوجبت الأجرة بفعله، فإذا تلف بتلف العين بغير تفريط كان تلفه من المالك.

و يضعف بأن المستأجر عليه و إن كان العمل، لكنه قوبل بالأجرة على طريق المعاوضة، فما دام لا يتحقق بتسليمه لم يتحقق معنى المعاوضة.

ثم قال ثانيا: «و ربما بنى ذلك على أن القصارة عين أو أثر، فإن قلنا أنها عين سقطت أجرته، كما يسقط الثمن بتلف المبيع قبل القبض، و إن قلنا هي أثر لم تسقط الأجرة، و تنقيحه أن القصارة إن كانت كالأموال في أنها تعد مالا فالحكم

ج 27، ص: 243

الأول، و إن كانت لا تعد مالا و إنما هي صفة فالحكم الثاني، و قد سبق في الفلس أن المنافع تعد أموالا، و يشهد له أنها تقابل بالمال، و يعتبر في صحة المعاملة و جريان المعاوضة عليها كونها متقومة في نفسها، و لا معنى لماليتها إلا هذا.

قلت: هو بعينه ما ذكره الشهيد هنا، لكن قد يقال: انه لا مدخلية لذلك فيما نحن فيه، إذ الكلام في أن المقابل بالأجرة و المملوك بعقد الإجارة العمل الذي ينعدم شيئا فشيئا، أو الصفة التي تتولد منه، فإن كان الأول فليس تسليمه إلا إيقاعه، و إن كان الثاني فتسليمه كتسليم المبيع، و يجري عليه حكمه من الحبس و غيره مما يجري في سائر المعاوضات.

كما أنه قد يناقش فيما ذكره أولا بأنه لا ريب في أن انفساخ العقد بالتلف من غير تفريط مناف لقاعدة اللزوم و غيرها، و إنما ثبت ذلك ب

قوله (1)«كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه»

لا أنه استفيد من قاعدة المعاوضة، و إلا نتعدى ذلك للصلح و نحوه، و لمطلق التلف و لو من أجنبي، و غير ذلك مما هو معلوم عدمه.

و التقابض في المعاوضة إنما هو مع إمكانه بوجود العين، أما مع تلفها فلا، و الفرض

أنها أمانة في يده، على أنه لو سلم اقتضاؤها ذلك حتى في صورة التلف كان المتجه ضمانه عليه، إلى أن يسلمه، فيغرم المثل أو القيمة حينئذ مع التلف، و لو بغير تفريط، لا انفساخ العقد، فلا ريب في أن منشأ ذلك الدليل الخاص الذي هو غير شامل للمقام قطعا، و لا إجماع على المساواة، فالقاعدة تقتضي حينئذ عدم سقوط الأجرة، للأصل و غيره كما هو واضح.

هذا كله بعد العمل أما قبل العمل فقد عرفت الإجماع على عدم استحقاق العامل الأجرة على وجه يجب على المستأجر بذلها له، و تسليمه إياها مع عدم الشرط و العادة، مضافا إلى الضرر عليه بتعجيل الأجرة على العمل الذي لم يعلم حصوله.


1- 1 قاعدة مستفادة من الروايات الوسائل الباب 10- من أبواب الخيار و الباب 19 من عقد البيع و غيرها.

ج 27، ص: 244

لكن هل يجب على العامل العمل حينئذ ثم يطالب بالأجرة بعده، أو أن له الامتناع أيضا، لاحتمال الضرر عليه بحصول العمل منه، و عدم تسلم الأجرة، الظاهر الثاني، و لكن لما لم يمكن التقابض هنا لم يتجه جبر الحاكم لهما عليه جمعا بين الحقين كما في العينين فيتعين جمعه بينهما بتسلم الأجرة من صاحبها و وضعها في يده أو في يد ثالث حتى يعمل العامل.

و ربما كان

في خبر الغنوي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام إشارة إليه في الجملة «قال سألته عن رجل استأجر أجيرا و لم يأمن أحدهما صاحبه، و دفع الأجر على يدي رجل و هلك ذلك الرجل و لم يدع وفاء و استهلك ذلك الأجر؟ فقال عليه السلام: المستأجر ضامن لأجر الأجير حتى يقضي، إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك، فرضي به، فإن فعل فحقه حيث وضعه و رضى به»

باعتبار عدم تعرضه عليه السلام لعدم جواز امتناع الأجير عن العمل، إذا لم يبذل المستأجر الأجرة، و لو على يد ثالث.

على أن ذلك مقتضى المعاوضة، إذ كما أن احتمال الضرر على المستأجر بتعجيل الأجرة لاحتمال عدم حصول العمل، فكذلك يحتمل أيضا بتعجيل العامل العمل قبل قبض الأجرة، لاحتمال عدم حصولها.

و دعوى أن بناء المعاوضة على العمل على ذلك- يدفعها وضوح منعها، بل ليس ذلك أولى من العكس، ضرورة أن الأجرة قد استحقت بالعقد، و ملكها الأجير به، و يمكن تسليمها له دفعة، و العمل تدريجي لا يمكن حصوله إلا بعد زمان، كما أن دعوى الإجماع على خروج ذلك عن حكم المعاوضات- فيجب على العامل أن يعمل، ثم بعد ذلك يطالب بالأجرة، و هو معنى قولهم أن الأجير يستحق الأجرة بعد العمل- واضحة المنع، إذ ليس في كلام الأصحاب ما يقتضي إخراج الفرض عن حكم المعاوضة بالنسبة إلى ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 6 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 245

بل في جامع المقاصد و التنقيح و المسالك و الرياض و غيرها ما ينافيه، و أن حكمه حكم باقي المعاوضات، و عليه فرعوا جواز الحبس و غيره، و ليس ذكرهم للعبارة المزبورة إلا كذلك بالنسبة للعين، فإنهم قالوا أيضا لا يستحق مؤجرها الأجرة إلا بتسليمها للمستأجر، و غرضهم من ذلك عدم استحقاق الأجرة قبل العمل الذي لا يتصور فيه التقابض على نحو العينين، و بيان الاستحقاق بالتسليم كما في كل معاوضة، فإنه يجب بذل العوض بعد تسلم المقابل بلا خلاف و لا إشكال.

و من هنا لم يفرقوا بين العمل و العين بالنسبة إلى ذلك، كما في الرياض ناسبا له إليهم، و لا ريب في بقاء حكم المعاوضة بالنسبة إلى الأول، فكذلك بالنسبة إلى الثاني و لم يشر أحد إلى خروج الأعمال عن قاعدة المعاوضات بوجوب تسليم العامل عمله أولا، ثم يطالب بالأجرة، و من تأمل كلامهم و لم يكتف بالمنساق في بادي النظر، علم صحة ما قلناه، خصوصا مع عدم الدليل عليه أيضا.

و قوله عليه السلام «لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته»

إنما يدل على المبادرة في تسليم الأجرة للعامل، إذا عمل أولا، لا على وجوب ذلك عليه مطلقا، ثم لا فرق في جميع ما ذكرناه بين الحج و غيره من الأعمال، إلا إذا كانت هناك عادة أو شرط يقتضي تقديم العمل أو الأجرة، فما عن بعضهم من الانفساخ أو أن له الفسخ في خصوص الحج إذا لم يعجل المستأجر الأجرة في غير محله.

نعم في الروضة أنه لو فرض توقف الفعل على الأجرة كالحج و امتنع المستأجر من التسليم تسلط الأجير على الفسخ، و هو غير خاص بالحج، و مرجعه إلى عدم القدرة على تسليم العمل حينئذ، و تعرف إنشاء الله فيما يأتي الحال فيه.

بقي الكلام في استحقاق بعض الأجرة ببعض العمل لم يحضرني الآن كلام محرر في ذلك نعم قد سلف منا في البيع عدم وجوب التقابض على النسبة، لأنه خلاف مقتضى العقد، و لعله غير ما نحن فيه من وقوع العمل من العامل على وجه لا ربط له بما بقي، كصلاة بعض الفرائض و نحوها مما يستحق العامل به التقسيط، لو اتفق عدم

ج 27، ص: 246

حصول التمام.

و لا ينافي ذلك قولهم لا يستحق الأجرة إلا بعد العمل، المراد به تمامها لا بعضها الذي هو قسط ما وقع من العامل، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك مقتضى المعاوضة، و فيه تأمل بل منع، لأن الأصل عدم جواز حبس المال على صاحبه المقتصر في خلافه على غير محل الفرض.

كما انه بقي الكلام أيضا في كيفية الجمع بين الحقين لو كان الأجرة على العمل عملا أيضا، و لم يأمن أحدهما الآخر، و المتجه فيه أنه مع إمكانه بالكفيل و نحوه يجب، و إلا فالقرعة للترجيح، كما في غيره مما تزاحم فيه الحق.

و كذا بقي الكلام في وجوب دفع الأجرة لو كان العمل المستأجر عليه مؤجلا مع عدم التعرض لتعجيلها، فإنه قد يقال بالوجوب حينئذ، كما في البيع، و لعدم الحلول الذي يوجب المطالبة للمستأجر، و لكن فيه أنه مناف لما دل على عدم وجوب تعجيل الأجرة قبل العمل، و الأجل إنما أفاد زيادة التأخير فيه، فلا يغير الحكم الثابت في حال عدم الاشتراط، و بذلك يفرق بينه و بين البيع.

نعم لو كانت الأجرة مؤجلة بأجل انقضى قبل تمام العمل أو قبل حصوله، أمكن القول بوجوب دفعها بناء على ظهور الأجل المزبور في رفع اليد عما تقتضيه المعاوضة فتأمل جيدا و الله هو العالم.

و كل موضع يبطل فيه عقد الإجارة يجب فيه أجرة المثل مع استيفاء المنفعة أو بعضها سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه بلا خلاف أجده فيه في شي ء من ذلك بل قد يظهر من ارسالهم ذلك إرسال المسلمات أنه من القطعيات.

مضافا إلى مثل ذلك بالنسبة إلى قاعدة «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» الشاملة للمقام، و إلى قاعدة «احترام مال المسلم و عمله» و قاعدة

«من أتلف»

و(1)


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 27، ص: 247

«على اليد»

و(1)«لا ضرر»

و(2)«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» و نحو ذلك مما يقضي بذلك ضرورة أنه مع بطلان العقد يبقى كل من العوضين على ملك صاحبه، فيجب على كل منهما رده بعينه إذا كان موجودا، و إن كان تالفا بقيمته أو مثله، لفساد الالتزام بالمسمى بفساد العقد الذي قد وقع فيه، و منه أجرة المثل في المقام، فإنها هي قيمة المنفعة المستوفاة.

و من ذلك كله ظهر لك الوجه في الحكم المزبور. نعم قيده الشهيد في المحكي من حواشيه بما إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة في العقد، أو عدم ذكرها فيه.

لدخول العامل على ذلك، و استحسنه في المسالك، و كان وجهه أنه متبرع بالمال و العمل مجانا، قادم على ذلك، فهو أشبه شي ء حينئذ بالعقود الفاسدة المجانية، كالهبة و العارية و نحوهما(3)«مما لا يضمن بفاسدهما، فلا يضمن بصحيحهما».

بل قد يقال بشمول هذه القاعدة للفرض، بناء على إرادة أشخاص العقود منها لا أصنافها، و لا ريب في عدم الضمان في المقام لو فرض صحة العقد المزبور، فكذا لا يضمن به على الفساد، للقاعدة المزبورة التي عرفت أن الوجه فيها إقدامهما على عدم الضمان في التقديرين، كما أنك قد عرفت تقريره حينئذ هنا.

لكن مع ذلك كله في جامع المقاصد بعد أن حكاه أنه صحيح في العمل «أما مثل سكنى الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه فإن اشتراط عدم العوض إنما كان في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمنه من التراضي، فحقه وجوب أجرة المثل، و مثله ما لو باعه على أن لا ثمن له، و أما لو كان مورد الإجارة منفعة الأجير، فيعمل بنفسه مع فسادها فوجه عدم استحقاقه شيئا ظاهر، لانه متبرع بالعمل، و هو المباشر لإتلاف المنفعة».


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 4- 5.
2- 2 سورة النساء الآية 29.
3- 3 هكذا في النسخ و الظاهر« مما لا يضمن بصحيحهما فلا يضمن بفسادهما.

ج 27، ص: 248

و دفعه في المسالك بما حاصله من أنه يرجع في مثل سكنى الدار إلى العارية، و إن عبر عنها بلفظ الإجارة، لأن التصريح بعدم الأجرة أقوى من الظهور المستفاد من لفظ الإجارة، و النص مقدم على الظاهر، فيحكم بأنه عارية، إذ هي لا تنحصر في لفظ، بل يكفى فيها كل ما دل على التبرع بالمنفعة، مضافا إلى اعتضاد ذلك بأصل البراءة.

بل فيها الاعتراض على ما ذكره أخيرا بأنه قد لا يكون متبرعا، كما لو أمره المستأجر، فإن مقتضى الفساد عدم تأثير ما وقع من اللفظ، و حينئذ فلا يتحقق التبرع إلا مع عمل الأجير من غير سؤال، و إلا فينبغي مع عدم ذكر الأجرة ثبوت أجرة المثل كما هو شأن الآمر لغيره بعمل من غير عقد، ثم قال: فإن قلت: أي فائدة في تسمية هذا عقدا فاسدا مع ثبوت هذه الأحكام، و إقامته مقام العارية، قلت: فساده بالنسبة إلى الإجارة بمعنى عدم ترتب أحكامها اللازمة لصحيح عقدها، كوجوب العمل على الأجير و نحوه، لا مطلق الأثر.

قلت: هذا كما يرد عليه يرد على الشهيد أيضا الذي قد استحسن كلامه أولا فإن مدركه ذلك، بل هو أولى به منه، لظهور كلام الكركي في اشتراط عدم الأجرة فوجود الأمر حينئذ و عدمه على حد سواء، لا فيما إذا لم يذكر أجرة، بخلاف كلام الشهيد، مع أنه يمكن دفعه عنه أيضا أولا بأن محل كلامه العمل من حيث العقد، ففرض الأمر خروج عن البحث، و ثانيا بأن الأمر بالعمل من حيث العقد لا يجدى، إذ هو حينئذ من توابع العقد الفاسد الذي فرض عدم الأجرة لو أوقع الفعل بعنوان أنه مقتضاه.

بل قد يناقش في دفعه الأول- مع أنه لا يتم فيما إذا لم يذكر الأجرة- بأن محل البحث ما علم قصد الإجارة منه، و لو للجهل بأن العوض من مقوماتها، أو للإيداع أو لغير ذلك لا ما إذا ذكر ذلك و لم يعلم قصده، مع أن تنزيله على العارية على هذا الفرض ليس بأولى من حمله على التجوز، في استعمال لفظ الإجارة الموضوع لتمليك

ج 27، ص: 249

المنفعة بعوض في تمليكها بغير عوض، و يكون عقدا فاسدا، أو غير ذلك مما هو محتمل.

و أصل الصحة و إن نفى احتمال إرادة الفاسد، لكن الصحيح غير منحصر في العارية، و مع فرضه و قلنا بالحمل عليها للأصل المزبور لا يحمل عليه كلام الشهيد، ضرورة إرادته الاستثناء من كلية الأصحاب المزبورة، و لا يتم إلا بجعله عقد إجارة فاسد، لا عارية، كما هو واضح.

نعم ربما نوقش الشهيد و الكركي بأنه لا وجه لمساواة عدم ذكر الأجرة ذكر الأجرة في الحكم المزبور، ضرورة عدم دلالة ذلك على التبرع بالمنفعة، إذ قد يكون لنسيان أو لجهل أو اعتقاد أنه مقرر، أو أنه معلوم أنه مع الإطلاق ينصرف إلى العرف.

و من هنا استجود في الرياض كلام الشهيد في الشق الأول مطلقا، دون الثاني كذلك، و هو جيد لو كان المراد بعدم الأجرة ذلك، أو ما يشمله، لا أن المراد به هو المراد من ذكر عدم الأجرة، إلا أن الفرق بينهما بالتصريح بذلك و عدمه، إذ لا ريب في ظهور آجرتك في إرادة العوض و إن لم يذكره بالخصوص، فلا وجه لسقوطه لاقدام كل منهما حينئذ عليه، و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في صحة أصل ما ذكره الشهيد، مع أن إطلاق كلام الأصحاب يقتضي خلافه في المقام، و في البيع و غيرهما، ضرورة اتحاد البحث هنا، مع قول بعتك بلا ثمن أيضا أو بعتك بلا ذكر ثمن، بل كلامهم صريح في ثبوت أجرة المثل في المسألة السابقة المشترط فيها عدم الأجرة، إذا لم يصل في الزمن المعين.

و لعل الوجه فيه- بعد ذكر فرض شمول كلام الأصحاب لمثله لا أنه خارج عنه باعتبار دخول العوض في مفهوم البيع و الإجارة، و مع انتفائه لا يكون بيعا و لا إجارة كي يندرج في كلية المقام و نحوها المبنية على صدق الإجارة، إلا أنها باطلة، إذ قد يقال- بعد تسليم عدم صدق اسم الإجارة:- إن المدار في كلامهم على العقد الفاسد المراد به إجارة مثلا، و لو من حيث تمليك المنفعة خاصة، إما للجهل بموضوع الإجارة، أو تشريعا أو ايداعا أو نحو ذلك، أن كل مدفوع بعنوان مقتضى العقد

ج 27، ص: 250

الفاسد و أنه من آثاره و مما يترتب عليه على حسب الدفع بالعقد الصحيح لم يترتب عليه أثر.

و لا يعد من العمل التبرعي و دفع المال المجاني، بل الظاهر أن أخذ المال بالعنوان المزبور من أكل المال بالباطل، بل هو من أوضح أفراده، و مناف لقاعدة «الضرار، و احترام مال المسلم، ضرورة كون الدفع مع فرض أنه بالعنوان المزبور كالمقيد بصحة العقد، و أنه من المؤثرات و المسببات لذلك، مضافا إلى نهي الشارع من تناول مثل المال المزبور، لأنه من الباطل، فيكون اليد عادية عليه، نحو المدفوع عوضا من المحرمات.

و حينئذ فقاعدة الضمان بحالها، مؤيدة بما عرفت من قاعدة الضرار، و الاحترام، و على اليد، و من اعتدى، و الحرمات قصاص، و غير ذلك، على أن المجمع عليه من عدم ضمان المتبرع به هو ما كان من جهته خاصة، لا بعنوان معاملة فاسدة مشتملة على إيجاب و قبول.

و إقدام القابل و الموجب على المجانية لا ينافي ضمان المال، كما لا ينافي إقدامهما على المسمى القليل، ضمانه بالقيمة التي قد تكون أضعاف ذلك، بعد فساد العقد الذي قد تضمنه، بل لعل قيد بلا أجرة في الفرض كالمسمى في غيره لا عبرة بهما، بعد فساد العقد الذي قد وقعا فيه.

و من الغريب بعد ذلك كله دعوى صيرورة الفرض و نحوه كالهبة و العارية و كالمتبرع و نحو ذلك مما هو مناف لقواعد الشرع، من أكل المال بالباطل و غيره، و أغرب من ذلك دعوى كون المراد بالفساد إنما هو بالنسبة إلى الالتزام بالمسمى و نحوه، لا مطلق ترتب الأثر الذي منه ما سمعت، من العارية و الهبة و أجرة المثل في مقام الالتزام بها و نحو ذلك، ضرورة منافاة ذلك لما دل من الكتاب و السنة و الإجماع على حرمة أكل المال بالباطل، المقتضي عدم ترتب شي ء من ذلك.

و دعوى- فرض كون الدافع قصد الهبة و العارية و التبرع بقصد مستقل غير ملاحظ فيه العقد المزبور- خروج عن محل البحث، إذ الكلام في المدفوع بالعنوان

ج 27، ص: 251

المذكور معاملة للفاسد، معاملة الصحيح، و لا وجه للهبة و العارية و نحوهما في ذلك.

و منه يعلم الحال في التقييد الثاني للقاعدة المزبورة، كما عن الأردبيلي و تبعه عليه غيره، بما إذا كانا جاهلين بالفساد، أما إذا كانا عالمين به أو أحدهما جاهلا و الأخر عالما فلا يتأتى فيه قاعدة أجرة المثل، و ضمان الأجرة بل يكون المدفوع مع علم الدافع هبة إن كان عينا، فيرجع بها مع بقاء عينها و لم يكن الموهوب ذا رحم، و عارية لو كان المدفوع منفعة عين، و تبرعا إن كان عملا، نعم لا شي ء منها مع الجهل، و من هنا يتجه الضمان له.

إذ لا يخفى عليك بعد ما سمعت أنه لا فرق بين الجهل و العلم في عدم الهبة و غيرها، بعد فرض كون الدفع بالعنوان المزبور، و عليه يدل من النصوص ما تضمن «أن ثمن الكلب حرام و سحت» و كذا الخمر و الميتة و أجر المغنية و الزانية و نحوها مما هو مدفوع مع العلم بالفساد، إلا أنه كان بعنوان المعاوضة الفاسدة الغير المشروعة، كما هو واضح بأدنى تأمل و الله العالم.

هذا كله في المنفعة و الأجرة أما العين المستأجرة فعن مجمع البرهان أنه يفهم من كلامهم الضمان مع الجهل به، بل في الرياض و العين مضمونة في يد المستأجر مطلقا، كما نسب إلى المفهوم من كلمات الأصحاب، و لعله لعموم

الخبر(1)بضمان «ما أخذته اليد».

و ربما يستشكل فيه في صورة جهله بالفساد لإناطة التكليف بالعلم، و ارتفاعه مع الجهل، و هو كما ترى، فإن التلف في اليد من جملة الأسباب لا تختلف فيه صورتا العلم و الجهل حين وجود السبب، و التكليف برد البدل ليس حين الجهل، بل بعد العلم بالسبب.

نعم ربما يشكل الحكم في هذه الصورة بل مطلقا لو كان الموجر عالما بالفساد، لكون

ترتب اليد على العين حينئذ بإذن المالك، فلا ينصرف الى هذه الصورة إطلاق


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 27، ص: 252

الخبر المتقدم، مضافا إلى ما عرفت من رجوع الإجارة في هذه الصورة إلى العارية، و الحكم فيها عدم ضمان المستعير كما تقدم، و كذلك لو كان جاهلا به لضمان المستأجر فيه، و لو حصل الدفع فيه بالإذن أيضا، فإنه كعدمه لابتنائه على توهم الصحة، فيكون كالإذن المشروط بها، فإذا ظهر الفساد لم يكن ثمة اذن بالمرة، و لعل مراد الأصحاب غير هذه الصورة.

قلت: لا يخفى عليك أن الذي عثرنا عليه من كلام الأصحاب في المقام صريح في عدم ضمان العين المستأجرة في العقد الفاسد، كما صرح به في القواعد و جامع المقاصد، و محكي التذكرة، بل في مفتاح الكرامة عن الرياض و المجمع التصريح بذلك أيضا في مقام آخر من الإجارة.

و لعله لقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» كما استدل به في التذكرة و الجامع، بل لم أجد من صرح هنا بالضمان، و إن كان قد يوجه على تقدير صحة النسبة إلى الأصحاب بما سمعت من

عموم «على اليد»

المعارض للقاعدة المزبورة من وجه، و يرجح عليها بالنسبة المزبورة، و دعوى العكس باعتضادها بقاعدة الأمانة، يدفعها ما سمعته من الرياض أخيرا من أنه إذا كان الدفع بعنوان الصحة تكون الإذن كالمقيدة بذلك، فمع الفساد ينكشف أن لا إذن، فلا تكون أمانة.

و من ذلك يعلم أنه لا وجه لفرقه بين العلم و الجهل حينئذ، إذا الزعم لا مدخلية له في ذلك، ضرورة قيام الدفع بالعنوان المزبور مقام الزعم المذكور، على أنه قد يقال بعدم اندراج العين في قاعدة «مالا يضمن» فلا تعارض على اليد حينئذ.

و ذلك لأن المراد من الإيجاب و السلب فيها ما كان مضمونا بسبب العقد، و ما لم يكن مضمونا كذلك على معنى أن الضمان و عدمه فيه مورد العقد كالمنفعة في الإجارة و العين في الهبة، و لا ريب أن عدم الضمان في العين المستأجرة لا مدخلية للعقد فيه، و إنما هو باعتبار كونها أمانة، فيدور الضمان في الفاسدة حينئذ عليها، لا من القاعدة المزبورة.

ج 27، ص: 253

و كذلك العين في العارية، فمع فرض عدم الأمانة لما سمعته من تقييد الإذن بالصحة المفروض انتفاؤها يتجه ما نسباه إلى الأصحاب من الضمان حينئذ، خصوصا مع علم المستأجر بالفساد و خصوصا إذا كان الفساد من جهة الغصب و نحوه، لكن و مع ذلك فالإنصاف أنه لا يخلو دعوى عدم الأمانة مطلقا حتى في صورة الجهل منهما من بحث و نظر، كما هو واضح و الله العالم.

و يكره أن يستعمل الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة بلا خلاف أجده على الظاهر في الجواز المستفاد منه. نعم عبر في النافع و اللمعة و غيرهما بالاستحباب نحو ما عن النهاية و السرائر من أنه ينبغي للإنسان أن لا يستعمل أحدا إلا بعد أن يقاطعه على أجرته، فإن لم يفعل ترك الاحتياط المبني على الظاهر على استحباب ترك المكروه، و هو كذلك بناء على إرادة الرجحان منه، إذ لا ريب في رجحان امتثال خطاب الكراهة.

و الأمر سهل بعد انحصار الدليل

في خبر مسعدة بن صدقه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يستعمل أجيرا حتى يعلمه ما أجره».

و صحيح سليمان بن جعفر الجعفري (2)«أن مولانا الرضا عليه السلام ضرب غلمانه و غضب غضبا شديدا حيث استعانوا برجل في عمل و ما عينوا له أجرته فقال له سليمان:

جعلت فداك لم تدخل على نفسك فقال: اني قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرة، و اعلم أنه ما من أحد يعمل لك شيئا من غير مقاطعة ثم زدته لذلك الشي ء ثلاثة أضعاف على أجرته إلا ظن أنك قد نقصته أجرته، و إذا قاطعته ثم أعطيته أجرته، حمدك على الوفاء، فإن زدته حبة عرف ذلك لك، و رأى أنك قد زدته»

المحمولين على الكراهة.

و منهما حينئذ مع السيرة و إطلاق الفتوى يستفاد جواز ذلك و إن لم يكن له أجرة معينة

في العادة، يجوز اتكالا على أجرة المثل، إلا أن ذلك قد ينافيه اشتراط المعلومية في الأجرة، اللهم إلا أن ينزل على اختصاص ذلك بالعقد و المعاطاة بناء


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 254

على أنها يعتبر فيها ما يعتبر فيه إلا الصيغة، لكونها إجارة أيضا فيكون ذلك قسما مستقلا جائزا برأسه نحو إباحات الأعيان و المنافع بالاعواض.

و لا بأس به، للسيرة المستمرة، و احتمال اختصاص النص و الفتوى بذي الأجرة المعلومة، كالحلاق و القصار و نحوهما، فتكون الكراهة حينئذ بسبب عدم الذكر بالخصوص كما ترى، بل لا يبعد عدم الكراهة في مثله لكونه كالمذكور حينئذ فلا يشمله التعليل في كلام الرضا عليه السلام هذا.

و ربما استفيد من الصحيح المزبور جواز ضرب الغلام لعدم اجتناب المكروه، و فيه أنه يمكن أن يكون للمخالفة للنهى الصادر منه لهم عن مثل ذلك غير مرة، و لا ينافي كراهيته حرمته للنهي المزبور من حيث وجوب طاعة العبد للسيد في ترك المباح، بل المستحب فضلا عن المكروه، و الأمر سهل.

و كذا يكره أن يضمن الأجير إلا مع التهمة أي يغرم عوض ما يتلف في يده مما يضمنه و لو بغير تفريط إلا مع التهمة له في اخباره عن ذلك.

و في الروضة «أي يغرمه عوض ما تلف بيده بناء على ضمان الصانع ما يتلف بيده، أو مع قيام البينة على تفريطه، أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجه عليه إن قضينا بالنكول إلا مع التهمة له بتقصيره على وجه يوجب الضمان».

و في جامع المقاصد في شرح قوله في القواعد «و أن يضمن مع انتفاء التهمة، أولت أي العبارة بأمرين: (الأول) أن يشهد شاهدان بتفريطه، فإنه يكره تضمينه إذا لم يكن متهما (الثاني): لو نكل عن اليمين و قضينا بالنكول كره تضمينه مع عدم التهمة، كذا قيل:» و الظاهر أنه أشار به الى الشهيد في المحكي عن حواشيه ثم قال: «و ينبغي أن يقال: إذا لم يقض بالنكول يكره له تضمينه باليمين المردودة و هذا إذا قلنا بعدم التضمين إلا مع التفريط، أما على ما ميزه كثير من الأصحاب من تضمينهم إلا مع ثبوت ما يقتضي العدم فظاهر، لأن الأجير إذا لم يكن متهما يكره تضمينه إذا لم تقم البينة بما يسقط الضمان، و ربما فسر ذلك بكراهة اشتراط الضمان، و ليس شي ء

ج 27، ص: 255

للفساد حينئذ.

و في المسالك «فيه تفسيرات، (الأول) أن يشهد شاهدان على تفريطه، فإنه يكره تضمينه العين إذا لم يكن متهما، (الثاني) لو لم تقم عليه بينة و توجه عليه اليمين يكره تحليفه ليضمنه كذلك (الثالث): لو نكل عن اليمين المذكور و قضينا بالنكول كره تضمينه كذلك. (الرابع): على تقدير ضمانه و إن لم يفرط كما إذا كان صانعا على ما سيأتي يكره تضمينه حينئذ مع عدم تهمته بالتقصير (الخامس):

أنه يكره أن يشترط عليه الضمان بدون التفريط على القول بجواز الشرط (السادس) لو أقام المستأجر شاهدا عليه بالتفريط كره له أن يحلف معه ليضمنه مع التهمة، (السابع) لو لم يقض بالنكول يكره له أن يحلفه ليضمنه كذلك».

و الأربعة الأول سديدة، و الخامس مبنى على صحة الشرط و قد بينا فساده و فساد العقد، و الأخيران فيهما أن المستأجر لا يمكنه الحلف إلا مع العلم بالسبب الذي يوجب الضمان، و مع فرضه لا يكره تضمينه، لاختصاص الكراهة بعدم تهمته، فكيف مع تيقن ضمانه.

و كيف كان فالنصوص التي يظن استفادة الحكم المزبور منها

خبر خالد بن الحجاج (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الملاح أحمله الطعام ثم أقبضه منه فينقص، فقال: إن كان مأمونا فلا تضمنه».

و خبر حفص بن عثمان (2)«قال: حمل أبي متاعا إلى الشام مع جمال فذكر أن حملا منه ضاع فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام قال: أ تتهمه؟ قلت: لا، قال: لا تضمنه».

و خبر أبي بصير(3)«عن أبي عبد الله عليه السلام في الجمال يكسر الذي يحمل أو يهريقه، فقال:

إن كان مأمونا فليس عليه شي ء و إن كان غير مأمون فهو ضامن».


1- 1 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 6 عن جعفر بن عثمان.
3- 3 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 7.

ج 27، ص: 256

و

خبر الحلبي (1)«قال أبو عبد الله عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يضمن القصار و الصائغ احتياطا للناس و كان أبي عليه السلام يتطول عليه إذا كان مأمونا»

و نحوه خبر أبي بصير(2).

و

في خبره الآخر(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يضمن الصائغ و لا القصار و لا الحائك إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة و يستحلف لعله يستخرج منه شيئا و في رجل استأجر حمالا فكسر الذي يحمل أو يهريقه فقال على نحو من العامل إن كان مأمونا فليس عليه شي ء، و إن كان غير مأمون فهو ضامن».

و صحيح الصفار(4)«كتبت إلى الفقيه عليه السلام في رجل دفع ثوبا إلى القصار ليقصره، فيدفعه إلى قصار غير ليقصره فضاع الثوب، هل يجب على القصار أن يرده إذا دفعه إلى غيره و إن كان القصار مأمونا؟ فوقع عليه السلام هو ضامن له إلا أن يكون ثقة مأمونا».

و خبر حذيفة بن منصور(5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يحمل المتاع بالأجر فيضيع المتاع فيطيب نفسه ان يغرمه لأهله، أ يأخذونه؟ قال: فقال: أمين هو؟

قلت: نعم قال: فلا يأخذون منه شيئا.»

و خبره الآخر(6)قال له أيضا: إن معاذ بن كثير و قيسا أمراني أن أسألك عن جمال حمل لهم متاعا بأجر و أنه ضاع منه حمل قيمته ستمائة درهم و هو طيب النفس لغرمه لأنها صناعته قال: يتهمونه؟ قلت: لا قال: لا يغرمونه»

بناء على الإجماع على عدم التفصيل فيها، فوجب حمله في البعض على ارادة عدم تحليفه للضمان، و في الآخر على ضمان ما يتلف في يده بفعله أو على نحو ذلك مما قد عرفته.

نعم لا يخفى عليك عدم وفائها بجميع ما تقدم اللهم الا أن يفهم ذلك من فحاويها، و يمكن دعوى كون المراد من مجموعها كراهة تغريم الأجير مع أمانته و عدم تهمته في كل مقام يثبت ضمانه لتلف بفعله أو بغيره كما هو واضح، بل لعل حمل كلام الأصحاب على ذلك اولى خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 29 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 11.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 18.
5- 5 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 12.
6- 6 التهذيب ج 7 ص 129 الحديث- 36 طبعة النجف.

ج 27، ص: 257

[الشرط الثالث أن تكون المنفعة مملوكة]

الشرط (الثالث: أن تكون المنفعة مملوكة) للموجر أو لمن هو فضول عنه كما ستعرف أو نائب عنه لوكالة أو ولاية بلا خلاف أجده فيه، بل هو من الواضحات، ضرورة عدم تحقق المعاوضة في غير المملوكة التي يكون الموجر و المستأجر فيها على حد سواء كمنافع الأعيان المباحة.

نعم لا فرق في المنافع المملوكة إما أن تكون تبعا لملك العين أو منفردة كالعين الموصى بمنفعتها و العين الموقوفة عاما بناء على كون العين فيه ملكا لله، و لا يقدح عموم الوقف جواز اجارة الحاكم و لو لبعض من هو مصرف الوقف لبعض المصالح التي ترجع إليهم أيضا كمصلحة نفس الموقوف و نحوها، كما لا يقدح جواز بيعه بعض مال الزكاة ممن هو مصرف لها كذلك أيضا.

و على كل حال ف للمستأجر أن يؤجر من الموجر فضلا عن غيره و إن كان مالكا للمنفعة دون العين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى عموم الوفاء بالعقود، و عمومات الإجارة، و قاعدة التسلط، و النصوص المستفيضة بل المتواترة الواردة في الأرض و الدابة و السفينة و غيرها التي تقدم شطر منها في مسألة الإجارة بالأكثر.

نعم يعتبر اجارة الأخف أو المساوي لا الأثقل إذا كانت المنفعة المملوكة له بعقد الإجارة ركوبه لا على وجه المباشرة، بل على ملاحظته عنوانا لمن يركب، أما لو كان مطلق منفعة الدابة مثلا مملوكة له لتعينها بالزمان مثلا لم يكن بأس بركوب من شاء ما لم يكن على وجه يعد تعديا بالدابة و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام في أن له تسليم العين من دون إذن المالك كما هو خيرة المختلف و غاية المراد و الحواشي و المسالك و مجمع البرهان و المفاتيح و الرياض على ما حكي عن البعض، أولا كما هو خيرة النهاية و السرائر و القواعد و جامع المقاصد على ما حكي عن البعض أيضا، و الأول إذا سلمها إلى أمين، و الثاني إذا لم يكن أمينا

ج 27، ص: 258

كما عن ابن الجنيد أقوال، أوسطها أوسطها، لأنها أمانة في يده و لم يكن قد أذن له المالك بتسليمها من غيره كما هو المفروض، فتبقى قاعدة احترام مال الغير بحالها.

و جواز الإجارة له أعم من جواز التسليم له، ضرورة عدم توقفه عليه، إذ يمكن استيفاء المنفعة، و هي في يد الأمين كما أن عقد الإجارة للأول لا يقتضي وجوب التسليم على المالك على وجه يرفع يده عنها و يجعلها أمانة عنده إذ ليس له بالعقد المزبور سوى التسلط على استيفاء المنفعة الذي لا ينافي بقاؤها في يد المالك، كما لو ركب الدابة و أراد مالكها استصحابها لحفظها أو جعلها أمانة عند غير المستأجر، فإذا آجرها المستأجر لغيره لم يتسلط بعقده على أزيد مما يتسلط عليه الأول.

نعم مباشرة العين التي من مقومات استيفاء المنفعة من العين كركوب الدابة و سكنى الدار مثلا لا تحتاج إلى استيذان من المالك و إن استلزم أمانة في الجملة أيضا لكونها من المنفعة التي ملكها بالعقد.

و من ذلك يعرف الحال في الاستدلال للأول بأن التسليم من مقتضيات عقد الإجارة، فإذا جازت له جاز له لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه، فان التسليم الذي هو مقتضاها ما كان من مقومات المنفعة المستحقة له بالعقد، لا كون العين أمانة عنده، و في يده خاصة الذي محل البحث. و لعل المانع أراد الثاني، و المجوز أراد الأول فيكون النزاع لفظيا.

كما أن منه يعرف الجواب عن الإشكال، بأنه لو توقف التسليم على إذن المالك لم يجز الإجارة للمستأجر، لعدم القدرة على التسليم من غير حاجة إلى الجواب عنه بأنه يكفي في حصولها الإذن المتوقعة، فيكون حينئذ كالفضولي، ضرورة حصول القدرة على تسليم المنفعة من غير إذن مع بقاء العين في يده، و هو المعتبر في صحة العقد، لا التسليم على وجه تكون أمانة عند المستأجر الثاني، و هو الذي نقول بتوقفه على الإذن لمعلومية عدم جواز ايتمان الأمين غيره إلا بالإذن من المالك.

ج 27، ص: 259

و أما الاستدلال عليه بصحيح الصفار المتقدم سابقا في القصار الذي دفع الثوب إلى قصار آخر فهو مع أنه مبني على مساواة العين المستأجرة للعمل فيها للعين المستأجرة في الحكم المزبور أولى بالدلالة على المطلوب بعد الإجماع على عدم التفصيل فيه، فيحمل حينئذ على كراهة الضمان مع الوثاقة، و إن كان هو ضامنا على كل حال، و ذلك منطبق على المختار.

نعم قد يدل عليه

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه أبي الحسن عليه السلام «قال سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت فما عليه؟ قال: إن كان اشترط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسم فليس عليه شي ء».

و فيه: أن ملاحظة الجواب بالاشتراط المزبور و عدمه تقضي بأن المراد بيانه الضمان من حيث ركوب الغير و عدمه لا من حيث التسليم و عدمه الذي ليس في الصحيح المزبور تعرض له، و الدفع فيه أعم من كون العين أمانة عنده إذ يمكن ركوب الغير لها و هي في يد الأول.

و كذا ما عساه تشعر به النصوص الكثيرة في جواز إجارة الأرض و نحوها بالأقل و المساوي دون الأكثر، و النصوص (2)الواردة فيمن تقبل عملا في عين، و قبله من غيره، باعتبار عدم تعرض شي ء منها لعدم جواز التسليم مع أنه المتعارف الغالب الوقوع.

بل في النصوص المزبورة ما هو كالصريح في تسليم العين من الغير، إذ لا يخفى على من لاحظها أنها مساقة لبيان حكم الأقل و الأكثر لا ذلك، و ليس فيها ما يقضي بالتسليم على وجه ترتفع يد الأول عنه خصوصا، و المسؤول فيها الأرض و نحوها التي لا استبعاد في بقاء يد الامانة عليها و إن آجرها أو زارع عليها، لعدم حاجة أمانتها إلى تكلف أمور كثيرة.


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة.

ج 27، ص: 260

بل في نصوص العمل ما هو ظاهر في إعطاء الثوب للغلمان الذين هم تلامذته، و يعملون بحضرته، كما يستعمله الخياطون في زماننا، و قد ظهر من ذلك كله أنه لا يجوز التسليم الأماني من دون إذن، كما أنه يجوز التسليم المنفي بدونها، و الله هو العالم.

و على كل حال فلا إشكال في جواز الإجارة إلا أن يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه، فإنه لا يجوز حينئذ عملا بقاعدة «المؤمنون» التي يتعذر الجمع بينها و بين الإجارة المفروضة، فيتعين بطلانها لسبق الخطاب بالأولى.

نعم لو شرط بنفسه خاصة لا بأس بالإجارة من الغير مشترطا عليه الاستيفاء له بنفسه كحمل متاع و نحوه مما يصح استيفاؤه له ضرورة عدم المنافاة حينئذ، أما إذا لم يشترط فالظاهر الفساد، و إن استوفى هو بنفسه أيضا للتنافي حينئذ بين صحة الاجارتين.

و على كل حال ف لو شرط عليه ذلك فسلم العين المستأجرة إلى غيره ضمنها و لو بتسليم انتفاع لا أمانة ضرورة كونه متعديا، و للصحيح المتقدم و الإجماع المحكي عن الغنية.

نعم لو أخذ عوضا عن هذه المنفعة، و لو أجرة مثل، لم يبعد ملكيته لها لأنها عوض منفعته المستحقة له، و إن كان قد اشترط عليه استيفاءها بنفسه، و كذا لو غصبها غاصب منه، و الله أعلم.

و لو آجر غير المالك تبرعا، قيل: بطلت و قيل: وقفت على اجازة المالك، و هو حسن بل هو الأصح كما أشبعنا الكلام فيه في البيع بما لم يوجد في كتاب، إذ التحقيق اتحاد البحث في الفضولي في جميع العقود فلاحظ و تأمل.

[الشرط الرابع أن تكون المنفعة معلومة]
اشارة

الشرط (الرابع: أن تكون المنفعة معلومة) بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، للغرر و غيره، بل قيل: إن العامة الذين اكتفوا بالمشاهدة في البيع وافقوا هنا على وجوب العلم بقدر المنفعة فلا يجوز

ج 27، ص: 261

حينئذ على المجهولة فضلا عن المبهمة و لو بإبهام العين المستأجرة بل لا بد من التزام العين في الذمة كما يلتزمها بالسلم و تشخيص العين.

نعم لا بأس بها على سائر المنافع بعد العلم بها جميعها حتى مع حال عدم إمكان استيفاء إلا على جهة البدل، فإنه حينئذ يكون المستأجر مخيرا في استيفاء أي منفعة شاء منها و إن كان مالكا للجميع بالعقد، و لو لم يكن للعين إلا منفعة واحدة معلومة كفى الإطلاق في حمل الإجارة عليها، و لو كان لها منافع متعددة وجب بيان المراد منها و لو الجميع.

و هل يكفي في إرادة الأخير الإطلاق، يقوى ذلك كما عن التذكرة، فيخير حينئذ المستأجر أيضا على حسب ما عرفته فيما لو صرح.

و على كل حال علم المنفعة إما بتقدير العمل كخياطة الثوب المعلوم طوله و عرضه و غلظه و رقته فارسية أو رومية من غير تعرض للزمان، و إما بتقدير المدة كسكنى الدار شهرا أو العمل على الدابة مثلا مدة معينة و الخياطة المعلومة يوما من غير تعرض لمقدار العمل، فإن كلا منهما ترتفع بها الجهالة عرفا التي هي المدار في المنع و عدمه فيندرج حينئذ فاقدها في عموم الأدلة و خصوصها.

و قد يتعين الثاني فيما لا يمكن ضبطه إلا به، و إن كان عملا كالإرضاع، كما أنه قيل: قد يتعين الأول فيما هو كذلك نحو استيجار الفحل للضراب، فإنه يقدر بالمرة و المرتين دون الزمان.

و لو قدر المدة و العمل فيما يصلح كل منهما ضابطا له مثل أن يستأجره ليخيط هذا الثوب في هذا اليوم فلا ريب في الصحة مع العلم بسعة المدة لذلك، كما لا ريب في الفساد مع العلم بالقصور للعجز عن العمل المفروض.

أما إذا كان محتملا ف قيل تبطل الإجارة لأن استيفاء العمل في المدة قد لا يتفق فلا يكون معلوم القدرة عليه و فيه تردد ينشأ من ذلك، و من أن المسلم خروجه من عموم الأدلة معلوم العجز، و لعله الأقوى، خصوصا فيما كان

ج 27، ص: 262

كالفرض من قبيل الشرط، فتصح حينئذ، فإن عمله فيه استحق الأجرة، و إن زاد الزمان، و الا تخير المستأجر في الفسخ لفوات الشرط.

و ليس للأجير ذلك لعدم كون الشرط له، و لأن الإخلال جاء من قبله، و لأنه كما لو تعذر المسلم فيه في وقته، فان فسخ المستأجر قسط، و قيل: بأجرة المثل، و قيل: بأقلهما، و الأول أقوى، و الا طالب بالعمل بعدها، كما لو تعذر المسلم فيه في وقته، فإن المسلم إذا لم يفسخ و اختار الصبر كان له المطالبة به عند وجوده، و كذلك فيما لو أريد التطبيق في نحو المثال المفروض على معنى الابتداء بابتدائه و الانتهاء بانتهائه، فيصح مع العلم بحصوله، و يبطل مع العلم بالعدم.

و فيه تردد مع الاحتمال، و لعل إطلاق البطلان في اللمعة و جامع المقاصد و الروضة و محكي التذكرة و شرح الإرشاد و التنقيح في فرض التطبيق في المثال المفروض مبني على معلومية غلبة عدم حصوله، قيل: و هو معنى ما في المبسوط و المهذب و فقه القرآن و السرائر من توجيه البطلان في المثال بأنه ربما يخيط الثوب قبل مضي النهار، فيبقى بعض المدة بلا عمل، و ربما لا يفرغ منه بيوم، و يحتاج إلى مدة أخرى، و تحصيل العمل بلا مدة.

و ربما حمل عبارة المتن عليه، و هو و إن كان قد يشهد له ظهور كون الإشارة بلفظ القيل في كلامه إلى من عرفت، و أنه المراد من التقدير و المفروض باعتبار ظهوره في إرادة الجمع بين التقديرين، لا إرادة الظرفية من الزمان.

لكنه ينافيه التردد المزبور على هذا الفرض، بل عن التحرير و حواشي الشهيد أيضا نحو ذلك، بل عن المختلف الحكم بالصحة، ضرورة وضوح البطلان حينئذ.

اللهم إلا أن يقال: إن تردده في التطبيق المأخوذ شرطا، فإن الصحة حينئذ يكفي فيها احتمال إمكانه، لا أنها تبطل، لأنه قد لا يتفق، كما حكاه من تعليل القائل إذ أقصاه تخلف الشرط، فيتسلط المستأجر على الخيار حينئذ.

و يمكن أن يكون التردد في حمل الإطلاق على التطبيق دون الظرفية، و لعله

ج 27، ص: 263

إليه أومى في محكي المختلف في توجيه ما اختاره من الصحة بأن الغرض إنما يتعلق بفعله تلك المدة و ذكر الانطباق للمبالغة، إذ لا ثمرة مهمة في تطبيقه على الزمان، و الفراغ أمر ممكن لا غرر فيه.

فعلى هذا إن فرغ قبل آخر الزمان ملك الأجرة لحصول الغرض و هو التعجيل، و لا يجب شي ء آخر، و إن انقضى الزمان قبله فللمستأجر الفسخ، فإن فسخ قبل حصول شي ء من العمل فلا شي ء له، و إن فسخ بعد شي ء فأجرة مثل ما عمل، و إن اختار الإمضاء ألزمه بالعمل خارج المدة، و ليس للأجير الفسخ، و إن كنا لم نجد ذلك له في المختلف، نعم حكى عنه في السرائر و لعله أبدل به سهوا.

و على كل حال فلا يتوجه الطعن عليه ممن تأخر عنه بأن ذلك خروج عن محل النزاع، باعتبار أن مفروض المسألة التطبيق لا الظرفية، لما عرفت من أن المقصود تنقيح حال إطلاق المتعاقدين لو صدر منهما التقدير بالمدة و العمل، كما هو مقتضى فرض المسألة في كلامهم على حسب ما في المتن، و إنما التقييد بالتطبيق أول ما صدر من الفاضل في محكي التذكرة و الأمر سهل بعد أن علمت الحكم في المسألة على جميع التقادير.

أما احتمال أن المراد في مفروض المتن و غيره البطلان حتى مع إرادة الظرفية المعلوم سعتها، فلا وجه له قطعا، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافا الى العمومات و الخبر المتقدم سابقا في الإجارة على الحمل إلى مكان معلوم في زمان معين و الله هو العالم.

و الأجير الخاص الذي رسم في جملة من العبارات بالمنفرد هو الذي يستأجر مدة معينة شخصية على وجه الاستغراق، و التقييد للعمل لا الشرطية، فإن المتجه فيها حينئذ الخيار لفوات الشرط لا الأحكام المزبورة، بخلاف ما إذا استأجره المدة المزبورة للعمل بنفسه كذلك، فإنه يجري فيه الاحكام التي تسمعها، سواء كان العمل مخصوصا أو لا، و سواء كان حرا أو عبدا.

ج 27، ص: 264

قيل: و منه أيضا من يستأجر لعمل معين أول زمانه اليوم المعين بحيث لا يتوانى فيه بعده، ضرورة كونه بمنزلة تعيين المدة حينئذ.

و على كل حال لا يجوز له العمل المملوك عليه بعقد الإجارة لغير المستأجر في المدة المعينة إلا بإذنه بل و لا غيره من الأعمال إذا كان على وجه ينافي العمل المستأجر عليه، أما ما لا ينافيه فلا بأس به قطعا كما لا بأس بعمله في غير مدة الإجارة كالليل حيث لا يكون داخلا، فيجوز للخياط مثلا إذا كان أجيرا خاصا على الخياطة، التعليم و التعلم و العقد و نحو ذلك مما لا ينافيها حالها، كما يجوز للأجير على البناء فعله في الليل الآخر إذا لم يؤد إلى ضعف في الأول.

فما في المسالك- من احتمال المنع، و الروضة فيه وجهان من التصرف في حق الغير و شهادة الحال- في غير محله، اللهم إلا أن يريد خصوص الذي تملك سائر منافعه من أفراده، لكن المتجه فيه حينئذ المنع، لكون المنفعة حينئذ مملوكة للمستأجر، و إن كان الأجير متشاغلا بغيرها له إلا مع الفحوى.

نعم قد يتوقف في شمول بعض المنافع لو وقع العقد بلفظ مطلق مثلا، و المتجه فيه أيضا الجواز مع فرض الشك في الإرادة كما هو محرر في نظائره.

و على كل حال فلا خلاف في عدم الجواز في المنافي المعلوم الاندراج نقلا و تحصيلا، بل لعله مجمع عليه كذلك، مضافا إلى

خبر إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يستأجر الرجل بأجر

معلوم فيبعثه في ضيعته فيعطيه رجل آخر دراهم و يقول: اشتر بها كذا و كذا، و ما ربحت بيني و بينك؟ فقال: إذا أذن له الذي استأجره فليس به بأس»

بناء على إرادة ما يقتضي المنع من البأس في المفهوم و الخاص من الأجير فيه، و لو بمعونة ما عرفت.

فلو آجر نفسه على العمل المستأجر عليه مثلا فإن كان بإذن وقع العقد للمستأجر و لو أذن له فيه، لأنه كالإذن ببيع ماله لآخر على أنه له، فإن البيع


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 265

لا يكون إلا لصاحب المال، فيملك هو الثمن ما لم يكن الاذن على جهة القرض و نحوه مما هو خارج عن الفرض.

نعم لو كان أجيرا خاصا على عمل خاص، و قد أذن له في عمل غيره مما ينافيه كان العقد له دون المستأجر، لعدم كونه له، و يحتمل كونه له مطلقا، للفرق هنا بأن الأجير الخاص لم يتشخص عمله، كي يكون مملوكا للمستأجر و إنما هو معامل معاملته في غير الفرض.

و يحتمل العدم مطلقا إلا أن يرفع يده عن الإجارة و إن كان من دون إذن، و قيل: إن يعمل للمستأجر الأول شيئا و لم يسلمه نفسه كان كالفضولي، باعتبار أنه كالعقد على ما هو لغيره، فإن أجاز أخذ المسمى من المستأجر الثاني ما لم يكن قد قبضه الأجير، و قد أجاز ذلك أيضا فيأخذه حينئذ منه حتى لو فرض كون الأجرة عينا مشخصة.

نعم لو لم يجز له قبض العين المزبورة كان مخيرا بين مطالبتها معا بها كما هو واضح، و إن أطلق في الروضة مطالبة من هي في يده، كوضوح مطالبته المستأجر خاصة بالأجرة، إذا لم يجز القبض في المطلقة، ثم هو يرجع على الأجير بما قبض مع جهله أو علمه و بقاء العين، فما في القواعد- من إطلاق التخيير له في المطالبة لكل منهما كأجرة المثل حينئذ إذا لم يجز- في غير محله، و إن وجه بأن الأجرة لا تزيل عدوان الموجر، إلا أنه كما ترى، و إن لم يجز العقد بطل، لما عرفت.

و لأن الحكم بصحة الأولى يقتضي البطلان في الثانية، ضرورة عدم إمكان الحكم بصحتهما معا، و لا وجه لبطلانهما كذلك، و لا لبطلان الأولى فيتعين الأخيرة فلو فرض عمله للثاني مع ذلك و قبله ثم تعقبه عدم الإجازة كان المستأجر الأول مخيرا بين فسخ عقد نفسه للتبعيض عليه، فيرجع إلى أجرته حينئذ ففي صحة الإجارة الثانية حينئذ و عدمها وجهان، تقدما في بحث الفضولي فيمن باع ملك غيره ثم ملكه، و بين عدمه فيطالب بأجرة المثل، و كذا لو كان عمله بجعالة مثلا.

ج 27، ص: 266

و احتمال الانفساخ باعتبار أنه كتلف المبيع قبل القبض- كما عن الشيخين و سلار و أبي الصلاح و المصنف في النافع- يدفعه منع كونه منه، بل هو كغصب بعض المبيع قبل قبضه، الموجب للخيار لا الانفساخ، بل لعله كذلك أيضا في إتلاف البائع له في وجه الذي هو نحو ما نحن فيه.

و على كل حال فلا يشكل شيئا من ذلك أن الحر و إن صار أجيرا خاصا إنما يكون المملوك له العمل عليه في الذمة، فلا يتشخص من دون نيته، بخلاف العبد و الدابة و نحوهما مما تكون المنفعة فيه مملوكة تبعا لملك العين، و من هنا لا يضمن منافعه بالفوات.

لأنا نقول: و لا يمكن صيرورته كالعبد حينئذ بالإجازة بالنسبة إلى ملك منفعته الخاصة. و ثانيا: انه و إن كان كليا في ذمته إلا انه باعتبار حصره عليه بالمباشرة و المدة صار كالشخصي و جرى عليه حكم الفضولية و غيرها كما هو واضح.

و لو كان عمله للغير تبرعا و كان العمل مما له أجرة في العادة ففي الروضة «تخير مع عدم فسخ عقده- بين مطالبة من شاء منهما بأجرة المثل، و إلا فلا شي ء و في معناه عمله لنفسه» و فيه- بعد تخصيص محل الفرض بالأجير الخاص الذي تملك سائر منافعه- ان المتجه الرجوع عليه خاصة إذا فرض كون عمله للغير من غير علم أو من غير استدعاء، فإنه لا يزيد على عبد الغير الذي يعمل في مال الغير بلا علم منه، أو من غير استدعاء.

بل ينبغي القطع به، كما في الأجير الخاص الذي قد ملكت منه منفعة خاصة فعمل غيرها مما ينافيها للغير من غير استدعاء منه، بل لو كان ذلك باستدعاء منه أو بعقد إجارة و إن كان فاسدا رجع على الأجير خاصة بأجرة مثل عمله الذي فوته عليه، و استحق الأجرة على من عمل له بأمره أو بالإجارة الفاسدة، أجرة المثل للعمل الذي عمله له، لأنها عوض عمله، و لا يملكها المستأجر الأول، لأنها ليست عوض عمله الذي فات عليه.

ج 27، ص: 267

و قال في الروضة: أيضا «و لو حاز شيئا من المباحات بنية التملك ملكه، و كان حكم الزمان المصروف في ذلك ما ذكرنا أى الرجوع الى أجرة المثل إن لم يفسخ العقد» و فيه أنه يمكن دعوى ملكية المباح للمستأجر إذا كان أجيرا خاصا مملوكة سائر منافعه على وجه يندرج فيه حيازة المباحات أو كان أجيرا خاصا بالنسبة إليها لأنه حينئذ بناء على صحة الإجارة على هذا الوجه يكون العمل البارز منه مملوكا للمستأجر، و تكون يده بسبب الإجارة يد المستأجر، فيملكه حينئذ و إن نوى خلافه، لأنه بمنزلة من نوى التملك فيما حازه غيره، و بمنزلة حيازة العبد.

و ربما يومي إلى ذلك في الجملة إجراء حكم الفضولية على عمل الأجير الخاص، كما عرفت.

هذا كله قبل عمل الأجير للمستأجر شيئا و قبل أن يسلمه نفسه، أما إذا عمل له أو سلمه نفسه ثم آجر نفسه، ففي بعض كتب بعض مشايخنا «ليس للمستأجر الأول إلا أجرة المثل فيما بقي، و ليس له فسخ عقد نفسه، سواء كان المستأجر الثاني استوفى المدة أو لم يستوفها مستشهدا على ذلك بما ذكره غير واحد من الأصحاب، بل جميعهم من أن غصب المؤجر و الأجنبي بعد القبض لا يسلط المستأجر على الفسخ.

ثم قال- فما وقع للشهيد الأول في الحواشي من أن له فسخ عقد نفسه، فإن كان ذلك قبل أن يعمل الأجير له شيئا فلا شي ء عليه، و إن كان بعده تبعضت الإجازة و لزمه من المسمى بالنسبة» و تبعه عليه ثاني الشهيدين و فاضل الرياض، خلاف ما تقدم لهما و لكافة الأصحاب.

و فيه أن مرادهم بالأجير الخاص الذي ذكروا فيه الحكم المزبور الحر، لأنه المنساق منه، و تسليم العمل المستأجر عليه ليس إلا بابرازه، أو بتسليم نفسه حتى تمضي المدة، و لا يقوم تسليم نفسه في بعض المدة مقام تسليم المنفعة بالنسبة إلى عدم الخيار، و كذا فعل بعض العمل، و حينئذ فيتجه الفرق بين ما هنا و بين ما ذكروه في غصب العين المستأجرة بعد تسليمها، و إن كان من المؤجر الذي هو كغصب المبيع

ج 27، ص: 268

من المشتري كما هو واضح، و يأتي إنشاء الله له مزيد تحقيق.

نعم يتم ما ذكره في العبد الذي هو أجير خاص، إلا أنه غير مراد لهم بالنسبة إلى الحكم المزبور، و حينئذ فإن عمل للغير بعض المدة بأجرة تخير المستأجر الأول بين فسخ عقد نفسه للتبعيض، و بين عدمه، فيتخير في إجازة العقد الآخر على حسب ما عرفته، و هل له فسخ عقد نفسه في خصوص المدة التي عمل فيها للغير، احتمل ذلك، إلا أن الأقوى العدم، كما في التبعيض في البيع و الله أعلم.

و لو كان الأجير مشتركا جاز عمله في الجملة من غير إذن لنفسه و لغيره بإجارة أو تبرعا و هو كما عن المبسوط و الوسيلة و التحرير و السرائر الذي يستأجر لعمل مجرد عن المدة تشخيصها أو عن استغراقها أو عن المباشرة أو عن جميع القيود أو بعضها، فيكون حينئذ له أفراد متعددة، و إن اقتصر في جامع المقاصد و المسالك على ثلاثة و هي المجردة عن المدة أو عن المباشرة أو عنهما، كما أنه في

خبر عمر بن خالد(1)عن زيد عن آبائه عليهم السلام الاقتصار في تفسير المشترك بعد السؤال عنه «بأنه الذي يعمل لي و لك».

و لكن يمكن إرادة الجميع مالا ينافي ما ذكرنا، بل يمكن استفادة أكثرها من نحو المتن بحمل المدة في كلامه على المدة المعتبرة في الأجير الخاص، و هي الشخصية المستغرقة للعمل، و إن كان لا يشمل المجرد عن المباشرة دونها.

و الأمر سهل بعد ما عرفت القيود المعتبرة في الأجير الخاص، فإن المشترك حينئذ هو فاقدها، أو بعضها كسهولة الوجه فيما سمعته، من أن حكمه الجواز، للأصل و العمومات السالمة عما يعارضها، حتى المنافاة بين الاجارتين، ضرورة عدمها، لأن العمل المستأجر عليه فيه، ليس هو إلا كدين في ذمته، و لذا عرفه في محكي الانتصار و الغنية و التذكرة و المختلف بأنه الذي يستأجر على عمل في الذمة، بل عن ظاهر

الأولين الإجماع عليه، و يقرب فيه ما عن التنقيح من أنه الذي يستأجر


1- 1 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 13.

ج 27، ص: 269

لعمل مطلق معين، أو لزمان مطلق مضبوط مجرد عن المباشرة.

و ما عن مجمع البرهان من أنه الذي يعمل عملا معلوما في زمن معين كلي، إما مع تعيين المباشرة أو مطلقا، فلا ينافيه حينئذ دين آخر عليه، بل لا ينافيه صيرورته أجيرا خاصا لآخر.

نعم قد يكون على وجه تحصل المنافاة بينهما، كأن يوجر نفسه مدة حياته مع تعيين المباشرة، فلا يجوز حينئذ كما في الرياض، للمنافاة بينه و بين عمل ما استوجر عليه للأول، و هو في معنى الخاص بالإضافة إلى قدر المدة للعمل الأول، و إن كان قد يناقش في أصل صحة المثال بالغرر، و في جريان ما سمعته من أحكام الأجير الخاص عليه أيضا، كالفضولية و نحوها، بل أقصاه عدم مضي الإجارة الثانية المنافية بل بناء على عدم النهي عن الضد احتمل بعضهم الصحة كما ستسمعه.

و منه يعرف ما في المحكي عن الشهيد من القول بأن الإطلاق في كل الإجارات يقتضي التعجيل، و أنه تجب المبادرة إلى ذلك الفعل، فإن كان مجردا عن المدة خاصة فبنفسه، و إلا تخير بينه و بين غيره، و حينئذ فيقع التنافي بينه و بين عمل آخر في صورة المباشرة، و فرع عليه عدم صحة الإجارة الثانية في صورة التجرد عن المدة مع تعيين المباشرة، كما منع، في الأجير الخاص.

و يرشد إليه ما تقدم في الحج من عدم صحة الإجارة الثانية مع اتحاد زمان الإيقاع نصا أو حكما كما لو أطلق فيهما، أو عين في إحداهما بالسنة الأولى، و أطلق في الأخرى، إلا أنه في الروضة بعد أن حكاه عنه قال: «و ما ذكره أحوط، لكن لا دليل عليه إن لم نقل باقتضاء مطلق الأمر الفور» و مقتضاه أن دليله واضح إن قلنا باقتضائه، مع أن في المسالك قال: «لو سلمنا حينئذ ذلك فالأمر بالشي ء انما يقتضي النهي عن ضده العام، و هو الأمر الكلي لا الأفراد الخاصة- سلمنا لكن النهي في غير العبادة لا يدل على الفساد، و ما ذكره في الحج ليس بحجة بمجرده و يتفرع على ذلك وجوب مبادرة أجير الصلاة إلى القضاء بحسب

ج 27، ص: 270

الإمكان، و عدم جواز إجارته نفسه قبل الإتمام، و أما تخصيص الوجوب بصلوات مخصوصة و أيام معين فهو من الهذيانات الباردة و التحكمات الفاسدة».

قلت التحقيق عدم اقتضاء الإطلاق التعجيل، لعدم فهمه من العقد، و عدم الدليل عليه من الشرع، و الحج بعد تسليمه إنما هو لدليل خاص، و لا ينافي ذلك اقتضاء العقد الحلول المقابل للتأجيل، لأنه أعم من التعجيل المزبور.

بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بعدم وجوبه، حتى مع المطالبة المقتضية وجوب الدفع على حسب ما اقتضاه العقد من الفعل في أزمنة الإمكان علي المتعارف المستفاد من إطلاق الأمر بالوفاء، و ليس هو كالدين الذي يجب تعجيله بالمطالبة مع الإمكان، لعدم الدليل بل ظاهر إطلاق الأمر بالوفاء يقتضي خلافه، مضافا إلى السيرة في عدم التعجيل المزبور في سائر الأعمال المستأجر عليها على وجه الإطلاق.

و لو سلم فالإنصاف اقتضاؤه الفساد في الإجارة الثانية، مع اعتبار المباشرة فيهما، و عدم رضا الأول بالعمل لغيره بناء على النهي عن الضد، ضرورة كون العمل المستأجر عليه ثانيا محرما عليه حينئذ، فلا تصح الإجارة، فما سمعته من المسالك لا يخفى ما فيه.

بل قد يقال بالفساد، و إن لم نقل بالنهي عن الضد، باعتبار اقتضاء الفورية المفروضة عدم التمكن شرعا من غيره.

و لعله إلى ذلك أو ما في الروضة بما سمعته منه، مع احتمال الصحة و تسلط المستأجر الثاني على الخيار إذا كان جاهلا بالحال، بل قد يحتمل ذلك أيضا بناء على النهي عن الضد، أيضا، ضرورة اقتضاء ذلك الحرمة مع المنافاة دون غيرها، كما لو آجره بعد ذلك، فيتسلط المستأجر على الخيار حينئذ مع جهله بذلك.

كما أنه قيل في حكم ما نحن فيه من الأجير المشترك إذا كان فاقد المباشرة خاصة دون المدة أن له إجارة نفسه من الغير إجارة مطلقة، و في المدة مع تعيين المباشرة و بدونها، فإذا طالبه المستأجر الأول بما استأجره عليه أداه له بنفسه أو

ج 27، ص: 271

بغيره، فلو عصى و لم يفعل كان له فسخ عقد نفسه، فلو لم يفسخ طالبه بأجرة المثل عنه في ذلك المدة، و ليس له فسخ عقد غيره و لا مطالبته بأجرة المثل، و إذا كان فاقد المدة دون المباشرة فيجوز له إيقاع إجارة مطلقة.

و أما الخاصة فقد يحتمل المنع، و الأقوى الجواز إذا لم تكن على وجه تحصل المنافاة فيه، لإمكان الجمع حينئذ بفعل الأولى بعد مضي زمان الإجارة الثانية.

نعم لو طلبه منه فلم يفعل فله فسخ عقد نفسه، و الرضى بالعمل متى ما عمله، و ليس له المطالبة بأجرة المثل لكل من الموجر و المستأجر، و لا فسخ العقد، و إذا كان فاقدهما جاز له الإجارة المطلقة و الخاصة، و له فسخ عقد نفسه أيضا بالتأخير الكثير إذا طلبه منه، فلم يفعل و هو جيد.

و إن كان يمكن المناقشة في أجرة المثل في الأول الذي تذكر المدة فيه على جهة الشرطية، و في الخيار فيه، بل في الثلاثة بعدم الفعل مع المطالبة، و لو مع التأخير الكثير الذي ينبغي التقييد به في الثاني أيضا، بأن المتجه في الأول التسلط على الخيار، لفوات الشرط، لا أجرة المثل، و في الثاني إلزام الحاكم له بالتسليم في أول أزمنة الإمكان، لا الخيار.

إلا أنه قد تدفع الأولى بأن الفرض التشخيص في المدة، لكن يتجه فيه الانفساخ حينئذ لا الخيار، و بأن الخيار هو الجابر لما يفوت من حيث المعاوضة، كما لا يخفى على من لاحظ موارده فتأمل و الله هو العالم.

و تملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الأجرة به بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى أن ذلك مقتضى العقد، و المراد من إنشائه، بل هو مقتضى ما دل على إفادة العقد الملك، و تسبيبه له من «أَوْفُوا» و غيره، لأصالة عدم اعتبار أمر آخر عليه، كما أنه مقتضى ما دل على حصوله بالاستيجار المتحقق بالعقد، نحو الشراء و البيع، بل لم يقل أحد بالفصل بينهما.

و لا ينافي ذلك توقفه في بعض أفراد العقد على أمر آخر، كالقبض في الصرف و

ج 27، ص: 272

نحوه للدليل، خلافا لبعض العامة، فزعم عدم ملك المنفعة بالعقد، لأنها معدومة، و إنما يملكها على التدريج بعد وجودها و حدوثها على ملك الموجر، و ملك الأجرة تابع لملك المنفعة، فلا يملكها المؤجر إلا تدريجا، و هو كما ترى.

و هل يشترط هنا اتصال مدة الإجارة لو كانت مقدرة بالعقد فلو كانت منفصلة لم يصح قيل : و القائل الشيخ نعم، و لو أطلق بطلت قال في المحكي من مبسوطة: لو آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل حين العقد، فإنه لا يجوز، و قال في المحكي من خلافه: إذا قال: آجرتك الدار شهرا و لم يقل من هذا الوقت و أطلق فإنه لا يجوز.

و كذا لو آجره الدار في شهر مستقبل بعد ما دخل، فإنه لا يجوز، لأن عقد الإجارة حكم شرعي، و لا يثبت إلا بدلالة شرعية، و ليس على ثبوت ذلك دليل.

و قيل و القائل الأكثر الإطلاق يقتضي الاتصال، و هو أشبه بمراعاة أصالة إرادة المسلم الوجه الصحيح، و لفهم أهل العرف ذلك حتى صار كأنه وضع عرفي، كما يشهد له النصوص الدالة على الصحة في المتعة مع الإطلاق، و كان غرض المصنف بهذه العبارة خصوصا بعد ذكر مسألة الانفصال التعرض لتنزيل الإطلاق على الاتصال و عدمه.

لكن فيه أن مثل ذلك لا يؤدى بمثل هذه العبارة كما هو واضح، بل ليس وظيفة الفقيه التعرض لمثله، ضرورة كون المدار على الفهم العرفي.

بل يمكن أن يكون مراد الشيخ من الإطلاق الذي حكم ببطلانه الكلي الذي هو حقيقة اللفظ مفرعا له على اعتبار الاتصال في الصحة، و الكلية أعم منه، فيبطل، فالمناسب البحث معه في ذلك، و أنه بناء على عدم اعتبار الاتصال كما هو التحقيق تجوز الكلية، أو لا بد من التعيين و لو في زمان متأخر عن العقد، يحتمل الأول لإطلاق الأدلة و عمومها.

و ربما يشهد له جملة من كلمات الأصحاب في مسألة آجرتك كل شهر

ج 27، ص: 273

بدرهم، و أمثلتهم، و في مسألة الأجير المشترك، و المختص، و أمثلتهم في مسألة تقدير المنفعة بالعمل و المدة، بل كاد يكون صريحا في جامع المقاصد في المقام، و الأخير و ظاهر بعضهم، و صريح آخر الثاني للجهالة و الغرر.

و قد يقوى التفصيل بين الأعيان و الأعمال فيعتبر التعيين في المدة في الأولى، دون الثانية التي مرجع المدة فيها إلى تقدير نفس العمل، بل في محكي التذكرة نفى الخلاف من اعتبار التعيين في الأولى و إذا أمكن تنزيل عبارة المتن على البحث عن ذلك كان أولى.

و كيف كان فلو عين شهرا معينا متأخرا عن العقد قيل و القائل الشيخ كما سمعت و أبو الصلاح تبطل لما عرفت و لعدم القدرة على التسليم و الوجه الجواز وفاقا للمشهور، بل في محكي التذكرة الإجماع عليه، بل عن السرائر بعد حكاية ما سمعته من المبسوط ما نصه لم يذكر يعني في المبسوط أن ذلك قولنا، أو قول غيرنا، و لا يظن ظان أن ذلك قول لأصحابنا إلى آخره لعموم الأدلة.

و لأن شرط الاتصال يقتضي عدمه، لأن كل واحد من الأزمنة التي تشتمل عليها مدة الإجارة معقود عليه، و ليس غير الجزء الأول متصلا بالعقد، و متى كان اتصال باقي الأجزاء غير شرط، فكذا اتصال الجميع، و القدرة على تسليم المعقود عليه متحققة كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت أن المستأجر يملك المنفعة بالعقد، كما أن الموجر يملك الأجرة به إلا أنه ملك غير مستقر، و إنما يستقر بالاستيفاء بلا خلاف و لا إشكال أو بما هو في حكمه كما إذا سلم العين المستأجرة للمستأجر و قبضها و مضت مدة الإجارة لو كانت مقدرة بها أو مدة يمكن فيها استيفاء المنفعة لو كانت مقدرة بالعمل، سواء استوفى أم لا، لعذر أم لا، كما عن التذكرة التصريح به، فإنه إذا كان كذلك لزمته الأجرة بلا خلاف معتد به، حتى لو كانت الإجارة فاسدة، و إن كان اللازم فيها أجرة المثل.

ج 27، ص: 274

فما عن التذكرة و التحرير- من احتمال عدم شي ء له فيها- في غير محله، بل لا فرق في ذلك كله بين العين الشخصية و الكلية، و التقدير بالمدة و العمل، لعموم الأمر بالوفاء، و استصحاب الملك، و عدم المانع من قبل الموجر، و كون العين مضمونة المنافع في يده.

و

الخبر(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل استأجر من رجل أرضا فقال:

أجرنيها بكذا إن زرعتها، أو لم أزرعها أعطيتك ذلك، فلم يزرعها الرجل قال: له أن يأخذ، إن شاء ترك و إن شاء لم يترك».

و خبر ابن يقطين (2)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكتري السفينة سنة أو أقل

أو أكثر قال: الكرى لازم إلى الوقت الذي اكتراه إليه و الخيار في أخذ الكرى إلى ربها، إن شاء أخذ و إن شاء ترك».

و نحوه خبر على ابنه (3)و خبر سهل (4)و خبر ابى بصير(5)بل الظاهر أن المراد من الحكم فيها بلزوم تمام الكرى إلى الوقت دفع و هم احتمال نقص الكرى بقدر التعطيل، لو تعطلت في بعض المدة، و إجماع الغنية على ما إذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان بعينه، فسلمها إليه فأمسكها مدة يمكنه المسير فيها و لم يفعل، و غير ذلك.

و حينئذ فقول المصنف و فيه تفصيل في غير محله، و إن حكي عن نسخة قرئت على المصنف أنه وجد مكتوبا عليها أن المراد إن سلم العين و كانت مقيدة بمدة معينة لزمت الأجرة انتفع أم لا، و إن كانت على عمل كالدابة تحمل المتاع لزمت في المدة أجرة المثل، و الإجارة على العمل باقية، و هو أحد الوجوه المحتملة فيه في المسالك، فإنه احتمل أن يكون المراد منه الفرق بين المعينة فتستقر دون المطلقة، أو بين المعينة بوقت، دون المتعلقة بالذمة مجردة عن الزمان، فتستقر في


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1 و ذيله.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1 و ذيله.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1 و ذيله.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1 و ذيله.

ج 27، ص: 275

الأولى دون الثانية، لأن جميع الأزمنة صالحة لها، أو بين الحر و غيره فتستقر في الثاني دون الأول.

لكن الأولين كما ترى، و إن حكي أولهما عن الشيخ، و ثانيهما عن المهذب البارع و إيضاح النافع، و أما الثالث فليس مشمولا للعبارة، ضرورة إرادة العين المملوكة على أنه سيصرح بخلافه في الاستيجار على قلع الضرس الشامل للحر و غيره، بل قوله.

و كذا لو استأجر دارا و تسلمها و مضت المدة و لم يسكن ظاهر في كون المراد من الأول غير المعينة بوقت فلا معنى لحمل التفصيل عليه، فيتعين حينئذ حمله على الأول.

لكن فيه أيضا أنه إن كان المراد بالمطلقة غير المعين من الدابة، كما لو استأجر منة دابة كلية موصوفة فدفع إليه الموجر المطابقة و مضت مدة يمكن فيها الاستيفاء و لم يستوف فالمتجه حينئذ كونها كالشخصية بالقبض، لأنه مشخص للكلي و إن أراد بالمطلقة الإجارة المطلقة بمعنى استيجاره مثلا على حمل شي ء إلى مكان معلوم من غير تعيين للحامل دابة أو غيرها، فدفع دابة لذلك و لم يستوف، فهو و إن كان يمكن منع استقرار الأجرة، بمضي المدة في مثله، إلا أنه مناف لما فرض المسألة فيه، و هو تسليم العين المستأجرة، ضرورة عدمها في الفرض.

اللهم إلا أن يراد بها ما يشمل ذلك، و الأمر سهل في المراد من العبارة بعد معلومية الحكم على كل تقدير.

و مثل التسليم في ذلك كله بذل الموجر العين للمستأجر حتى مضت المدة المزبورة، فلم يأخذها المستأجر بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، للأدلة السابقة.

نعم ليس هنا أجرة المثل مع فرض فساد الإجارة، لعدم القبض، و لكن قد يشكل ذلك في غير العين المشخصة المقيدة بزمان، بأن الحال فيه كدفع المديون الدين، فامتنع الديان من قبضه، و قد ذكر هناك غير واحد قيام الحاكم مقام المالك في

ج 27، ص: 276

القبض، بل قيل: فإن لم يكن فعدول المؤمنين، و إن كان قد يناقش في قيامهم مقامه هنا بما ذكرناه في محله، فينحصر الأمر حينئذ في الحاكم، فإن لم يكن كان تلفه من الديان.

و على كل حال يتجه الحكم هنا بذلك، اللهم إلا أن يستند إلى الأدلة السابقة، مؤيدا بأن القبض الذي تدور عليه هذه الأحكام عبارة عن التخلية التي قد فرض حصولها، فلا يحتاج إلى الحاكم حينئذ، لصدق القبض حينئذ فتأمل جيدا.

و لو دفع المستأجر على عمل عينا إلى الأجير ليعمل فيها العمل، و كانت الإجارة مقدرة بالزمان حقيقة أو حكما، كما لو ذكر ابتداء العمل في وقت معين، ثم لا يتوانى فيه حتى يتم فمضت المدة التي يمكن فيها العمل، فلم يفعل، و طلب المالك العين فلم يدفعها له، صار غاصبا، بل و إن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة، و إن لم يطلبه المالك.

نعم لو لم تكن مقدرة بالمدة فالظاهر استحقاق الأجرة و ان طلبه المالك منه، بل و كذا لو كانت المدة مذكورة شرطا و إن تسلط على الخيار بفوات الشرط لكنه يستحق حينئذ أجرة المثل أو استأجر الحر أو عبده لقلع ضرسه، فمضت المدة التي يمكن إيقاع ذلك فيها و كان الموجر باذلا نفسه له فلم يقلعه المستأجر، استقرت الأجرة أما في العبد الذي قد تسلمه فواضح، لأنه من العين المستأجرة التي قد عرفت الكلام فيها، و أما الحر فهو و إن كان قضية إطلاق المتن و محكي المبسوط و السرائر و التحرير و الإرشاد ذلك فيه أيضا، بل عن التذكرة أنه الأقرب، بل في المسالك الجزم به، لبعض الأدلة السابقة.

لكن قد يشكل بما في جامع المقاصد و محكي مجمع البرهان من أن منافع الحر لا تدخل تحت اليد استقلالا و لا تبعا، لعدم ملكية العين، و لذا لا تضمن إلا بالاستيفاء.

بل قيل: إنه خيرة غصب الشرائع و التحرير و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد

ج 27، ص: 277

و المسالك و الروضة و الرياض، و قد يدفع بأن منافع الحر بعد العقد عليها و استحقاقها صارت مالا، فمتى بذلها لمستحقها فلم يقبلها كان تلفها منه، نحو غيرها من الأموال.

نعم يأتي الكلام السابق فيما إذا لم تكن مقيدة بزمان حقيقة أو حكما من اعتبار تعذر الحاكم و عدمه، هذا كله مع بقاء الألم الذي يقلع الضرس له عادة.

أما لو زال الألم عقيب العقد سقطت الأجرة لتعذر متعلقها شرعا باعتبار عدم جواز القلع، و إدخال الألم على النفس بغير ضرورة، فلا يصح الاستيجار عليه، إذ هو حينئذ كالاستيجار على قطع اليد و نحوه من غير سبب يوجبه، أما لو فرض وجود سبب كالأكلة و نحوها مما يقطع بها عند العقلاء جاز بلا إشكال و لا خلاف كما هو واضح و الله العالم.

و لو استأجر شيئا معينا فتلف قبل قبضه بطلت الإجارة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي التذكرة لفحوى ما دل عليه في البيع من النبوي (1)و خبر عقبة(2)و غيرهما، بل ظاهر الأصحاب في المقام اتحاد الحكم في المقامين، و أن المنفعة هنا بمنزلة المبيع، و الأجرة هنا بمنزلة الثمن.

و من هنا يتجه جريان جميع ما تقدم هناك في المقام، كالبحث عن تلف الثمن، المعين، و عن التلف بغير الآفة السماوية كتلف الأجنبي، و البائع و المشتري، و عن تقيد الحكم بما إذا لم يكن عدم القبض من امتناع المستحق، أو بسؤاله البقاء في يد البائع، و غير ذلك مما تقدم هناك فلاحظ و تأمل.

لكن قد يقال هنا إن الوجه في التعدية المزبورة مع اختصاص الدليل في البيع هو بناء أمثال هذه العقود على المعاوضة الشرعية و العرفية التي هي بمعنى تبديل سلطنة بسلطنة، بل لعل ذلك من مقوماتها، فتعذره حينئذ يقتضي انتفاؤها.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 473.
2- 2 الوسائل الباب- 10 من أبواب الخيار الحديث- 1.

ج 27، ص: 278

لكن لا يخفى عليك منافاة ذلك لكثير مما تقدم في ذلك المبحث، ضرورة ابتنائه على أن الأصل اللزوم، و أن العقد قد تم مقتضاه الذي هو حصول الملك لكل من العوضين، فتلف كل منهما حينئذ من مال مالكه إن لم يكن بجناية جان، و إلا فعلى المتلف، إلا أنه خرج التلف قبل القبض عن هذا الأصل بالدليل المزبور، فينبغي الاقتصار على مؤداه و يبقى ما عداه على الأصل.

اللهم إلا أن يقال: إن التعدية عن مفاد الدليل المزبور هناك و هنا دليل على فهم أن مبناه ذلك، و إثبات الخيار في إتلاف الأجنبي و البائع لإمكان المعارضة في الجملة بقاعدة من أتلف، المفقودة مع التلف بآفة سماوية كما أن اللزوم بإتلاف المشتري باعتبار كونه كوصول العوض إليه، لضمانه له لو انفسخ العقد، و لذا لم يثبت خيار هنا، بخلافه في سابقه المناسب لوضع الخيار، باعتبار فوات حقيقة المعاوضة و ثبوت مجازها بقاعدة من أتلف، أما الآفة السماوية فقد انتفيا معا، و لذلك انفسخ العقد.

و كأن العلامة نظر إلى ذلك فجعل التلف كاشفا للفسخ من الأصل، باعتبار أن حصول المعاوضة العرفية شرط في حصول المعاوضة الشرعية، و إن كان قد يدفع بمنع ما يدل على ذلك.

بل أقصى ما يسلم أن إمكانها شرط في صحتها، و استدامة الإمكان إلى حصول القبض شرط في الاستدامة، و لذا كان مذهب الأكثر الانفساخ من حينه، لا من الأصل و الله اعلم.

و كذا الكلام لو تلفت عقيب قبضه بلا فاصلة، بعد ما عرفت أن المنفعة هي التي بمنزلة المبيع، و لا ريب في تحقق تلفها قبل قبضها، و إن كان بعد قبض العين التي تستوفى منها، و ليس في الأدلة ما يقضي بأن قبض العين للمنفعة بالنسبة إلى ذلك، و إن كان هو كذلك بالنسبة إلى استحقاق تسليم الأجرة و نحوه.

أما لو انقضى بعض المدة ثم تلف، أو تجدد فسخ الإجارة بسبب من أسبابه صح فيما مضى، و بطل في الباقي كتلف بعض المبيع و حينئذ ف يرجع

ج 27، ص: 279

من الأجرة بما قابل المتخلف من المدة مثلا إن ثلثا فثلث، و إن نصفا فنصف مع تساوى الاجزاء، و إلا كما لو كان أجرة الشتاء غير الصيف قوم أجرة مثل جميع المدة ثم تقوم الأجزاء السابقة على التلف، و تنسب إلى المجموع، و يؤخذ من المسمى بتلك النسبة، و كذا الكلام في المنفعة المقدرة بالعمل.

هذا كله إذا وقع عقد الإجارة على عين مشخصة، أما إذا كانت كلية و قد دفع الموجر فردا، فتلف عند المستأجر، فالظاهر عدم انفساخ الإجارة، بل ينفسخ الوفاء المزبور، و يستحق عليه فردا آخر، و دعوى تشخيص الحق فيه ممنوعة، كما عرفته سابقا في نظائره.

و كيف كان ف لا بد من تعيين ما يحمل على الدابة إما بالمشاهدة كما صرح به جماعة، بل عن التذكرة أنها من أعلى طرق العلم. نعم فيها أيضا «أنه لو كان في ظرف وجب أن يمتحنه باليد تخمينا لوزنه» و لعل مراده أن المحمول إذا كان في ظرف، و لم يعلم أنه من أي جنس، و الفرض اختلاف الأجناس في الثقل و الخفة، وجب امتحانه باليد و نحوه، أما إذا كان مشاهدا على وجه يعرف جنسه، فالظاهر الإكتفاء بها على الامتحان باليد و نحوها.

و كأنه إلى ذلك أشار في المسالك بقوله «لما كان الضابط التوصل إلى ما يرفع الجهالة، لم يكف مطلق المشاهدة، بل لا بد معها من امتحانه باليد تخمينا لوزنه إن كان في ظرف، لما في الأعيان من الاختلاف في الثقل و الخفة مع التفاوت و لا فرق في الإكتفاء بالمشاهدة بين المكيل و الموزون، و بين غيرهما، و عدم الإكتفاء بها في البيع، لكون المراد هنا القدر الذي لا تكفي هي فيه، بخلاف المقام الذي يراد فيه الحمل الموقوف على معرفة الثقل و الخفة، الذين لا مدخلية لمعرفة المقدار فيهما، ضرورة محسوسيتهما بالمشاهدة، و الامتحان باليد و نحو ذلك كما هو واضح.

و إما بتقديره بالكيل أو الوزن أو غيرهما مما يرفع الجهالة التي هي المانع في المقام، و لذا لم يكتف بهما أي- الكيل و الوزن- في غير المقدار، ضرورة

ج 27، ص: 280

اختلاف الجنس أيضا في ذلك أيضا، فلا بد من معرفته معهما، إذ القطن يضر من جهة انتفاخه و دخول الريح فيه، فيزداد ثقله في الهواء، كما أن الحديد يجتمع على موضع من الحيوان، فربما عقره، بل تحميل بعض الأجناس أصعب من بعض، و يحتاج في الحفظ إلى أزيد من الآخر.

فإطلاق المصنف كالمحكي عن غيره محمول على إرادة الإكتفاء بهما من حيث المقدار، لا بالنسبة إلى مثل ذلك، على أن المصنف سيصرح بوجوب ذكر الجنس و الصفة و القدر في غير المشاهدة.

و على كل حال ف لا يكفي ذكر المحمل مجردا عن الصفة و لا راكب غير معين لتحقق الاختلاف في الخفة و الثقل بل و لا بد من مشاهدتهما مع ذكر المحمل من ذكر طوله و عرضه و علوه، و هل هو مكشوف أو مغطى، و ذكر جنس غطائه بل و الوطاء و جنسه و عدمه، و في الاكتفاء بوصف الراكب بالضخامة و النحافة ليعرف الوزن تخمينا نظر.

بل و خلاف: فعن المبسوط و فقه الراوندي أنه لا يمكن العلم بالراكب إلا بالمشاهدة، بل لعله ظاهر الوسيلة و التحرير و الإرشاد و غيرهما، لأن الرجل قد يكون طويلا خفيفا و قصيرا ثقيلا، مضافا الى اختلاف الرجال في الحركات و السكنات، و الوصف لا يضبط ذلك كله، و لا يفيده، فيكون غررا.

بل ربما قيل: إن المشاهدة وحدها لا تفيد ذلك كله، بل لا بد معهما من ذكر الحركات و السكنات قلة و كثرة، و في جامع المقاصد و المسالك و عن التذكرة و الإيضاح الإكتفاء بذلك إذا كان تاما مشتملا على ذكر الوزن و الطول، و القصر و الضخامة و النحافة، و الحركات و السكنات و نحو ذلك.

بل لعله لا حاجة الى ذكر الأخيرة، لأنها اختيارية، بل إن لم يحصل إجماع أمكن القول بما عن مالك من عدم الحاجة إلى تعيين الراكب بشي ء من ذلك، لتقارب الأجسام في الغالب، و للتسامح في مثل هذا التفاوت و للسيرة.

ج 27، ص: 281

نعم لو كان خارق المعتاد في الثقل احتج إلى المشاهدة أو الوصف القائم مقامها فتأمل جيدا.

و كذا لك الكلام فيما لو استأجر دابة للحمل فإنه لا بد من تعيينه أي المحمول بالمشاهدة أو ذكر جنسه و وصفه و قدره لتوقف رفع الجهالة و الغرر على ذلك، و لعل ما تقدم كان في الدابة التي قدرت منفعتها بالمدة التي مثل بها المصنف سابقا لذلك، بخلاف هذا فإنه في الدابة المقدرة بالعمل.

لكن فيه أولا أنه ينبغي ذكر الجنس و الوصف هناك أيضا كما هنا، و ثانيا أنه قد يقال: مع التقدير بالزمان لا حاجة الى التعيين بالمشاهدة، و لا إلى غيرها، فإنه يجوز إجارة الدابة للحمل مدة معينة من غير تعيين للمحمول، لكن لا يتجاوز المستأجر المعتاد كما يجوز الاستيجار للخياطة يوما من غير تعيين أنها فارسية أو رومية، لعدم الغزر.

بل هو أولي بالجواز من الاستيجار للخدمة مثلا، أو لمطلق الانتفاع به، على معنى أنه يملكه بعقد الإجارة سائر منافعه مدة معينة، فينتفع به المستأجر ما شاء.

نعم يعتبر التعيين مع إرادة الخصوصية، و يمكن أن يحمل على ذلك كلام المصنف و غيره و جامع المقاصد فيما لو قدر البناء بالزمان، قال: ظاهر كلامهم أنه لا يشترط ذكر شي ء من الأمور الثلاثة التي لا بد منها لو قدر بالعمل، و هي الطول و العرض و السمك، بل فيه أيضا ذكر تعيين المحل و الآلة من لبن أو طين مثلا احتمالا.

و كذا صرح بعضهم بل غير واحد أيضا بعدم الحاجة فيما لو استأجره لعمل اللبن إذا قدر بالزمان إلى معرفة الغالب و نحوه، و فيما لو استأجره لحفر بئر أو نهر إلى معرفة الطول و العرض و العمق و نحوه مع التقدير بالمدة فلاحظ و تأمل.

و كذا لا بد من اشتراط المعاليق أي الآلات كالقربة و الإداوة و السفرة و

ج 27، ص: 282

نحوها، إذا لم تكن هناك عادة تقضي بها بل لا يكفي حينئذ ذكر ها أي الآلات المحمولة ما لم يعين قدرها و جنسها للغرر.

نعم لو شاهدها أو قدرها و عرف جنسها ارتفع الغرر، كما أنه لو كانت هناك عادة تقتضي ذلك لم يحتج إلى شي ء من ذلك كما هو واضح.

و كذا الكلام في الزاد فلا بد حينئذ من اشتراطه مع عدم العادة بل (لا يكفي اشتراط حمل الزاد ما لم يعينه) أو يشاهده علي حسب ما عرفت، أما إذا كانت هناك عادة في حمله و في مقداره، فلا حاجة إلى الاشتراط، و إن اختلفت بالنسبة إلى طول السفر و قصره، و كثرة اتباع الشخص و قلتهم و نحو ذلك. فإنه غير قادح كما لا يقدح التفاوت اليسير في أفراد المعتاد الذي يتسامح في مثله.

و على كل حال ف إذا فنى كله أو بعضه بالأكل المعتاد ليس له حمل بدله من زاد فضلا عن غيره ما لم يشترطه لابتنائه في العادة على عدم البقاء، و على عدم الابدال، فما عن المبسوط- من أنه إن أكله أو أكل بعضه كان له ابداله و إكماله على الأقوى، بل عن التحرير أنه ليس بردي- في غير محله.

لكن في محكي التذكرة محل النزاع ما إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر المنزل الذي هو فيه، أما إذا لم يجده أو وجده بثمن أغلى فله الإبدال لا محالة، بل عن المبسوط و التحرير مثل ذلك، قلت: محل البحث أنه إذا استحق حمل الزاد للعادة يستحق حمل عوضه لو فني بالأكل كغيره مما استحق نقله، أو أن العادة تقضي به على هذا الحال، فلا يستحق حينئذ الابدال.

نعم لو اشترط الإبدال صح كما أنه لو ذهب بسرقة أو سقوط أو نحوهما كان كذلك بلا خلاف في محكي المبسوط، حتى لو أطلق اشتراط عدم الإبدال مع الأكل، ضرورة تنزيله على المعتاد.

فإذا استأجر دابة معينة اقتصر على مشاهدتها فإن لم لكن مشاهدة (11) بل غائبة أو كانت كلية فلا بد من ذكر جنسها (12) كالإبل و وصفها (13) على وجه يرتفع

ج 27، ص: 283

معه الغرر في الإجارة بذكر النوع من العرابي و البخاتي و كذا الذكورة و الأنوثة إذا كانت للركوب ضرورة اختلاف الدواب بالنسبة إليه، بل في محكي التذكرة و التحرير انه إذا كان في النوع ما يختلف مشيه جودة و رداءة وجب ذكره، و إن كانت مشاهدة كالخيل التي فيها القطوف و غيره.

اللهم إلا أن يقال: ان احتمال ذلك غير مؤد إلى الجهالة عرفا في الإجارة خصوصا مع غلبة الكيفية الخاصة من المشي في النوع الخاص على وجه يكون مخالفا للأصل بمعنى الغالب، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره الاكتفاء بالمشاهدة أو الوصف الذين لا يفيدان ذلك.

بل ربما استفيد من اقتصار الإرشاد و الروض و مجمع البرهان عليهما عدم اعتبار الذكورة و الأنوثة كما احتمله في جامع المقاصد و المسالك و محكي التذكرة، لأن التفاوت بينهما يسير لا يمكن ضبطه، فلا يكون معتبرا في نظر الشارع بخلاف الجنس و النوع، و لو وجدها بخلاف الوصف تخير مع التعيين كما في المبيع و طالب بالبدل إذا كانت كلية، و له الرضا بها عوضا عن حقه.

هذا كله إذا كانت للركوب و لذا قال المصنف و يسقط اعتبار ذلك إذا كانت للحمل كما صرح به في المسالك و محكي التذكرة، بل قيل: انه قضية غيرها الا ان يكون المحمول مما تضره كثرة الحركة كالزجاج و الفاكهة فلا بد من معرفة حال الدابة، كما عن التذكرة التصريح به.

لكن قد يناقش بأنه لا مدخلية لذكر الغرض المخصوص في رفع الجهالة المعتبر في الإجارة، و لا يتوقف عليه، كالعكس، و من هنا يتجه اعتبار المشاهدة أو الوصف في المعينة، و إن كانت للحمل، كما نص عليه بعضهم.

بل لعله كذلك أيضا في الدابة الكلية، ضرورة صدق الجهالة مع عدمه، و إن لم يتضرر المستأجر، نعم لو كانت الإجارة للحمل في ذمة المؤجر لم يحتج إلى ذكر الدابة، فضلا عن وصفها.

ج 27، ص: 284

و كيف كان ففي محكي المبسوط و غيره انه يلزم مؤجر الدابة كل ما يحتاج إليه المستأجر في إمكان الركوب على الوجه المعتاد في الدابة من الرحل و الفتب و آلته و الحزام و الزمام و اللجام و السرج و الأكاف و الزاملة و الخداجة و غير ذلك مما يعتاد فعله للراكب بالنسبة الى كل دابة في رفع المحمل و شده تردد، أظهره اللزوم وفاقا للفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما للعادة، بل في القواعد و غيرها زيادة حطه و رفع الأحمال و شدها و حطها و القائد و السابق.

نعم قيد ذلك فيها و في المحكي عن تحريره بما إذا شرط المستأجر مصاحبة المؤجر، و أما إذا آجر الدابة ليذهب بها المستأجر فجميع الأفعال على الراكب، و عن التذكرة أنه أطلق القول بوجوب هذه الأشياء ان كانت في الذمة، و عدمه ان كانت معينة، و إنما يجب عليه التخلية بينها و بين المستأجر، و لا يجب أن يعينه في الركوب و الحمل.

و عن ثاني الشهيدين أن هذه الأشياء تجب مع اشتراط المصاحبة، أو قضاء العادة بها، أو كانت الإجارة في الذمة، أما لو كانت مخصوصة بدابة معينة ليذهب بها كيف شاء، و لم تقض العادة بذلك، فجميع ذلك على الراكب.

و التحقيق اتباع العادة في جميع ذلك و غيره، كالدلالة على الطريق، و الإركاب مع العجز، و إيقاف الدابة للصلاة و الحاجة و نحو ذلك، و هي مختلفة باختلاف الأزمنة و الأمكنة، لا يمكن للفقيه ضبطها، بل هو ليس وظيفة الفقيه، و إنما عليه ذكر الحكم كليا، و كل شي ء لا تقضي به العادة أو شك فيه لا يجب بعد فرض عدم دلالة لفظ العقد عليه بإحدى الدلالات الثلاث، و لا دليل شرعي يقتضيه، و قد تقدم في باب البيع فيما يندرج في المبيع ماله نفع تام في المقام، بل هما من واد واحد.

نعم قد يحتاج إلى النظر، تحرير كون لزوم هذه الأشياء على الاشتراط، فيتسلط المستأجر على الخيار بعدم الوفاء بها، أو بعضها، و أنها أيضا بعض المنفعة

ج 27، ص: 285

التي وقع عليها العقد على وجه تتقسط الأجرة عليها، و يثبت خيار التبعيض بها، أو أنها مما وجبت بالعقد و يستحقها المستأجر، بل و يملكها، لكن على جهة التبعية، فلا يقابل حينئذ بشي ء من العوض.

و لعل الأخير لا يخلو من قوة، و مثل ذلك يجري في بعض توابع المبيع، و إثبات الخيار مع ذلك أيضا لا يخلو من وجه، خصوصا في بعض الأشياء و المسألة غير محررة في كلام الأصحاب فلاحظ ما تقدم لنا في كتاب البيع، فإن له نفعا في ذلك و غيره و الله العالم.

و لو أجرها للدوران بالدولاب، افتقر إلى مشاهدته لاختلاف حالته في الثقل و الخفة و لو أمكن الوصف الرافع للجهالة كفى، و كذا يشترط معرفة عمق البئر بالمشاهدة أو الوصف إن أمكن الضبط به، و تقدير العمل بالزمان كاليوم أو بملاء بركة معينة بالمشاهدة أو المساحة. لا سقي البستان، و إن شوهد للاختلاف بقرب عهده بالماء و عدمه، و حرارة الماء و الهواء و برودته.

و لو أجرها للزراعة فإن كان لحرث جريب معلوم، فلا بد من مشاهدة الأرض أو وصفها لاختلافها بالصلابة و الرخاوة، و كثرة الحجارة و قلتها و نحو ذلك فبدون أحدهما يحصل الغرر، بل عن التذكرة أنها لا تعرف بالوصف، لأنها تختلف فبعضها صلب يصعب حرثه على البقر و مستعملها، و بعضها رخو يسهل، و بعضها فيه حجارة تتعلق بها السكة، و مثل هذا الاختلاف إنما يوقف عليه بالمشاهدة، دون الوصف، لأن الصلابة تختلف بالشدة و الضعف، و الحجارة تختلف بتكثر العدد و قلته، و إن كان قد يناقش بأن الوصف أقرب إلى الكشف من المشاهدة لظاهر الأرض، الذي لا يعرف به حال ما يصل إليه العمل.

و دعوى أن المراد بالمشاهدة حين حصول حرثها قبل ذلك واضحة المخالفة لظاهر كلماتهم، و التحقيق اندفاع الغرر بكل من المشاهدة و الوصف التام.

و كيف كان فلا يحتاج في مفروض المتن إلى أزيد من ذلك، بعد فرض كون

ج 27، ص: 286

الذي يريد حرثه جريب معلوم، و قد شوهد أو وصف، و الإكتفاء بالعادة في معرفة السكة و مقدار نزولها في الأرض، كما عن التذكرة التصريح به، بل قيل: إنه لا يحتاج إلى تعيين الثور و نحوه، إلا أن تكون الإجارة واردة على عين.

قلت: قد يقال: انها و ان كانت واردة على عين الا أنه لا مدخلية لمعرفتها بالمشاهدة أو الوصف في ذلك، نعم قد يعتبر فيها عدم الإبهام كأحد هذين و نحو ذلك، و لعل هذا هو الذي يريده القائل المزبور، هذا كله في التقدير بالعمل.

و أما إن كان قد استوجرت الدابة لعمل مدة، كفى تقدير المدة عن مشاهدة الأرض و وصفها نعم الظاهر وجوب معرفة الدابة كما صرح به في القواعد و غيرها، لاختلافها في القوة و الضعف على وجه يحصل الغرر باعتبار قلة الحرث و كثرته، من غير فرق في ذلك بين وقوع الإجارة على عين الدابة، أو في الذمة.

و من هنا قال في محكي التذكرة و جامع المقاصد: إن كل موضع وقع العقد فيه على مدة فلا بد من تعيين الظهر الذي يعمل عليه، لأن الغرض يختلف باختلاف الدابة في القوة و الضعف، و إن وقع على عمل معين لم يحتج إلى معرفتها لأنه لا يختلف حينئذ.

بل ظاهر الفاضل في القواعد وجوب تعيين الأرض مع ذلك بأحد الأمرين أيضا، قال: «و لو استأجرت للحرث وجب تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف، و تقدير العمل بتعينها أو بالمدة، و تعيين البقر، إن قدر العمل بالمدة، و كان وجهه اختلاف الحرث باختلافها، فلا يرفع الغرر التعيين بالمدة.

و فيه: أن العرف شاهد على ارتفاع الغرر بالضبط بالمدة و إن لم تشاهد الأرض و لم توصف، و لذا جعلوا الضبط بها مقابلا للضبط بالعمل، و الأصل في ذلك ما في محكي المبسوط، فأما إن كان للحرث فلا بد من مشاهدة الثور، أو يذكر ثورا قويا من حاله و قصته، و أن يذكر الأرض لأنها تكون صلبة و رخوة، و لا بد من ذكر المدة، و فيه ما لا يخفى من عدم الاحتياج إلى المدة مع تقدير العمل بتعيين الأرض، كما لا حاجة إلى تعيينها مع التقدير بالمدة على الأصح.

ج 27، ص: 287

و كذا الكلام في إجارة الدابة للسفر مسافة معينة ف إنه لا بد من تعيين وقت السير ليلا أو نهارا كما عن الإرشاد و الروض و مجمع البرهان، إلا أن يكون هناك عادة فيستغني بها عن ذلك لانصراف إطلاق العقد حينئذ إليها، فإذا اختلفا رجعا إليها، بخلاف ما إذا لم تكن، فان عدم التعيين مؤد إلى الغرر.

بل في القواعد و جامع المقاصد و محكي التذكرة لا بد أيضا من تعيين قدر السير، إلا أن تكون المنازل معروفة معتادة، فلا يحتاج حينئذ إلى التعيين المزبور، و يرجع عند الاختلاف إلى المعتاد أيضا، بل في محكي التحرير أنه لو لم يكن للطريق منازل معروفة فالأولى صحة العقد، و الرجوع إلى العادة في غير ذلك الطريق، كما أنه في القواعد و جامع المقاصد و محكي التذكرة تقييد تعيين الأولين بما إذا كان السفر إليهما، أما إذا لم يكن إليهما بل كانا تبعا للقافلة كسفر الحج و نحوه فلا حاجة إلى تعيينها، بل لا وجه له كتعيين أول المدة.

و فيه: أن المتجه حينئذ البطلان، لتحقق الغرر، كما هو قضية المتن و غيره ممن أطلق مثله، و احتمال عدمه في خصوص الفرض أو عدم قدحه كما ترى.

نعم يمكن أن يقال: إن معلومية صحة مثل ذلك بالسيرة القطعية تكشف عن عدم وجوب ذكر ذلك مطلقا، و أنه يكفي تقدير العمل بقطع المسافة المعينة من غير تعرض للوقت و لا للمقدار، مثل الاستيجار على الخياطة و الحياكة و نحوهما من الأعمال التي لا غرر عرفا بعدم التعرض فيها لذلك، على وجه يكون قادحا في صحة الإجارة، و لو لأنها تحمل مالا يحمله البيع، و يكون الحكم فيها حينئذ وجوب الإجابة على كل منهما بالطلب و البذل، ما لم يكن هناك مانع أو اعتبار.

و لعله لذلك قد خلا كلام القدماء عن ذكر مثل ذلك كما قيل، بل ظاهر المحكي عن الوسيلة و الكافي عدم اعتباره، قال فيه: «إذا استأجرت للركوب عين أربعة أشياء، الراكب، و الطريق، و المنزل، و الركوب بالمحمل أو الزاملة أو القتب بعد رؤية ذلك و معالقها، و نحوه عن الكافي و ظاهرهما الحصر و هو قوي جدا.

ج 27، ص: 288

و يجوز أن يستأجر اثنان فصاعدا جملا أو غيره للعقبة بمعنى أنهما يملكان منفعته مشاعة، إلا أنهما يستوفيانها على التعاقب، بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة و يرجع في التناوب حينئذ زمانا أو فرسخا إلى العادة إن كانت و يقتسمان بالسوية مع تساويهما، و إلا فعلى ما وقع بينهما من التفاوت، و يرجع في تعيين المبتدأ إذا لم يتفقا إلى القرعة التي هي لمثل ذلك.

و ليس هذا من الجهالة في عقد الإجارة الذي ليس مقتضاه إلا ملك المنفعة لمن تنتقل إليه و قد حصل، فما عن التذكرة- من احتمال عدم الصحة مع عدم تعينه للجهالة و التنازع- في غير محله، و كذا ما في جامع المقاصد و المسالك من أن القول بالقرعة بعيد، لأن محلها الأمر المشكل، و الاشكال في عقد المعاوضة موجب للجهالة، و مفض إلى التنازع، ضرورة أن الإشكال المزبور خارج عن مقتضى عقد المعاوضة، و إنما اقتضاه اختلاف الشركاء.

نعم يجب التعيين إذا كان الاستيجار لاثنين نوبا معينة بالمدة، أو بالفراسخ لا على سبيل الإشاعة، و إلا كان مجهولا لا إشكال في بطلان العقد معه، كما لا إشكال في صحته مع التعيين، و لا يحتاج إلى قسمة فيه، لعدم الشركة، لكون المفروض ضبط نوبة كل منهما، و من ذلك كله يظهر لك ما في مناقشة الكركي للفاضل في القواعد فلاحظ و تأمل و الله هو العالم.

و إذا اكترى دابة مثلا فسار عليها زيادة عن العادة أو ضربها كذلك أو كبحها باللجام من غير ضرورة أو نحو ذلك مما هو غير جائز له ضمن بلا خلاف كما اعترف به في محكي التذكرة، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل و لا إشكال لأنه متعد بفعله، و إنما له ضربها بما جرت العادة به، و كذا تكبيحها باللجام و حثها على السير، للأصل و السيرة و توقف استيفاء المنفعة عليه في الجملة و لأن

النبي صلى الله عليه و آله و سلم «نخس بعير جابر و ضربه»

و لأن ذلك من مقتضى عقد الإجارة.

بل في القواعد و المسالك و محكي المبسوط و الخلاف و التحرير و موضع من التذكرة التصريح بعدم الضمان لو تلفت بذلك، و في جامع المقاصد أنه لا يخلو من قوة

ج 27، ص: 289

للأصل و لاقتضاء العقد جواز الأفعال المزبورة، فهي كالمأذون بها صريحا، فلا يترتب عليها ضمان بل لا يشمله عموم من أتلف، بعد فرض الإذن، و كون التلف بها كالتلف باستيفاء المنفعة المعقود عليها، و من ذلك يعلم ما عن موضع آخر عن التذكرة من ضمانة الضرب، و إن كان على المعتاد، لأن الإذن منوط بالسلامة، و فيه ما لا يخفى، و الرائض للدابة يضمنها أيضا إذا خرج برياضته عن المعتاد بين الرواض، لمثل هذا المروض، أما إذا لم يخرج فعن المبسوط و التذكرة لا يضمن أيضا و كذا الراعي لا يضمن ما يرعاه بضربه المعتاد، كما عن ظاهر القواعد و عن صريح غيرها، كل ذلك لبعض ما عرفت أو جميعه.

لكن صرح غير واحد بضمان المعلم إذا ضرب الصبي للتأديب، بل عن حدود المسالك نسبة ضمان الأب و الجد له لو أدباه إلى الأصحاب، فضلا عن المعلم، بل قال:

إن ظاهرهم الوفاق على ذلك، بل عنه في موضع التصريح بالإجماع، و يمكن حمل كلامهم على ما إذا تجاوز المعتاد في التأديب خطأ فلا ينافي ما هنا حينئذ أو يقال: إنه أجير و الأجير يضمن بجنايته، و إن لم يقصر كالطبيب، و فيه ان الرائض حينئذ كذلك، أو يجعل الإجماع فارقا و الله هو العالم.

و لا تصح إجارة العقار للسكنى أو للزرع أو للغرس أو للبناء أو للجميع إلا مع التعيين بالمشاهدة، أو بالإشارة إلى موضع معين موصوف بما يرفع الجهالة في الإجارة و لا تصح إجارته في الذمة، لما يتضمن من الغرر الناشي من عزة الوجود باعتبار تعسر تحصيل الموصوف بالصفات الرافعة للجهالة في غير المعين، و لذا لم يجز السلم فيه.

و من ذلك تعرف ما في المسالك من النظر فيما في المتن بأن الوصف الرافع للجهالة كيف يجامع الغرر، و الفرق بينه و بين المعين الموصوف غير واضح، و فيه ما عرفت، و لعل إطلاق القواعد و غيرها الاكتفاء بالوصف منزل على إرادة الوصف المعين، لا الكلي، لما عرفته من الغرر فيه، اللهم إلا أن يفرض ارتفاعه.

بخلاف استيجار الخياط للخياطة، و النساج للنساجة و نحوهما فإنه

ج 27، ص: 290

تجوز الإجارة في الذمة فيها، للأصل و لعدم الغرر المزبور فيها.

نعم إذا استأجره أي الخياط مدة فلا بد من تعيين الصانع دفعا للغرر الناشي من تفاوتهم في الصنعة بطأ و سرعة، و منه يحصل الغرر بدون التعيين، نحو ما سمعته في الإجارة على الحرث مدة، أما إذا كان التعيين بالعمل لم يحتج الى ذلك، لعدم الغرر فيه حينئذ مثل الإجارة على حرث جريب معلوم، فإنه لا يحتاج فيه الى تعيين الدابة كما عرفت.

و لو استأجر لحفر البئر أو نهر أو عين فلا اشكال كما لا خلاف في الصحة لكن لم يكن له بد من تعيين الأرض بالمشاهدة أو الوصف بالإشارة إلى موضع معين، على وجه يرتفع غرر الإجارة، و دعوى انحصار ذلك بالمشاهدة واضحة الفساد بل ربما كان الوصف أشد من المشاهدة في ذلك.

و هل يعتبر في التعيين المزبور تشخيص الأرض التي يراد حفرها بئرا، فلا تكفي مشاهدة قطعة واسعة من الأرض، أو وصفها بما يرفع الغرر، ثم الاستيجار على حفر بئر مثلا في موضع منها غير معين، و الخيار بيد المستأجر؟ لم أجد فيه تصريحا من أحد، لكن لم تبعد الصحة.

بل لا يبعد استيجار قطعة منها كذلك للزرع، و نحوه على جهة الإشاعة، أما بدونها بناء على صحة تعلق مثل الإجارة في الكلي في الخارج لا على جهة الإشاعة فيمكن الصحة أيضا و في تنزيل الإطلاق على أيهما ما تقدم في بيع الصاع من الصبرة، إذا لمسألة على الفرض المزبور من واد واحد.

نعم قد تتحمل الإجارة من الغرر مالا يتحمله البيع، و لا ينافي ذلك ما تقدم من عدم صحة إجارة العقار في الذمة، إذ ذلك إنما هو على طريق الكلي في السلم، لا مثل الإشاعة، بل و لا مثل الكلي المزبور في وجه، فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا بد أيضا من قدر نزولها وسعتها لتوقف رفع الغرر على ذلك و لو حفرها فانهارت جميعها أو بعضها لم يلزم الأجير إزالته

ج 27، ص: 291

للأصل و غيره، و كان ذلك إلى المالك كما لو وقع فيها دابة أو حجر أو نحو ذلك إذا لأجير قد امتثل ما وجب عليه، و لم يتضمن عقد الإجارة إخراجه، فلو فرض بقاء شي ء منها غير محفور و امتنع المالك من إخراجه كان التقصير من قبله، كما لو لم يفتح باب الدار لبناء جدار فيها.

نعم لو وقع فيها من تراب الحفر لعدم ابعاد الأجير له على حسب العادة، وجب إزالته عليه، دون المستأجر، لوجوب الابعاد كذلك عليه، فهو حينئذ من فعله، بل لم يأت بالحفر المراد منه، بعد فرض انصراف العرف إلى المزبور كما هو واضح.

و لو حفر بعض ما قوطع عليه ثم تعذر حفر الباقي أو تعسر إما لصعوبة الأرض أو مرض الأجير المشروط عليه المباشرة على وجه يتحقق معه العجز أو غير ذلك من الموانع التي ينفسخ العقد معها أو يسلط على الخيار، و اختار الفسخ قوم حفرها و ما حفر منها ثم نسب الثاني إلى الأول و رجع الأجير عليه بنسبته المزبورة من الأجرة المسماة بالعقد، إن نصفا فنصف، و إن ثلثا فثلث، من غير فرق بين متفاوت الأجزاء و مختلفها، بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال.

فلو فرض تساوي أجرة الأجزاء فله من الأجرة على مقدار ما عمل، كما إذا استأجره على حفر بئر عمقه و طوله و عرضه عشرة عشرة فحفر بئرا عمقه و عرضه و طوله خمس خمس فله ثمن الأجرة المسماة، لأنه قد عمل ثمن العمل، و ذلك لأن مضروب العشرة في العشرة ماءة، و هي في العشرة الثالثة ألف و مضروب الخمسة في الخمسة خمس و عشرون و هي في الخمسة الثالثة مأة و خمس و عشرون، و هو ثمن الألف فالأجير حينئذ لم يحفر من النصف الأسفل شيئا و هو خمسمائة، و لا من نصف النصف الأعلى و هو مائتان و خمسون، و لا من نصف نصفه، و هو ماءة و خمسة و عشرون، فهذه سبعة أثمان، لم يحفر منها شيئا، و إنما حفر الثمن و هو مائة و خمس و عشرون هذا.

و لكن قال المصنف في المسألة قول آخر مستند إلى رواية مهجورة

ج 27، ص: 292

إلا أنا لم نتحققه لأحد ممن تقدمه، إذا لشيخ بعد أن ذكر ما قدمناه قال: و روى- مشيرا بها إلى ما رواه هو

في التهذيب (1)في باب الزيادات في القضايا و الأحكام- «عن سهل بن زياد عن معاوية بن حكيم عن أبي شعيب المحاملي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل قبل رجلا ان يحفر له بئرا عشر قامات، بعشرة دراهم، فحفر له قامة، ثم عجز قال: تقسم عشرة على خمسة و خمسين جزء، فما أصاب واحدا فهو للقامة الأولى، و الاثنين للثانية، و الثلاثة للثالثة، و على هذا الحساب إلى العشرة».

و هي مع عدم معرفة طريق الشيخ إلى سهل و جهالة الرفاعي- غير أنه من أصحاب الصادق عليه السلام- لم يعمل بها أحد من الأصحاب، إلا ما يحكى عن ابن سعيد في الجامع، و مخالفته للضوابط من وجوه، فوجب طرحها، على أنه قد ردها بعضهم بأنها واقعة خاصة، و حكم في عين، فلا عموم لها، و إن كان هو كما ترى، ضرورة أنها من ترك الاستفصال، لا من الأفعال التي لا عموم لها، نحو قضى أمير المؤمنين عليه السلام و سجن و نحوهما.

نعم يمكن حملها و إن بعد على ما إذا تناسبت القامات على وجه يكون نسبة القامة الأولى إلى الثانية أنها بقدر نصفها في المشقة، و الأجرة، و هكذا و ذلك يقتضي جمع الأعداد الواقعة في العشرة فما بلغت قسطت عليه الأجرة، و لا ريب أن الأعداد في العشرة كواحد و اثنين و ثلاثة إليها إذا جمعت بلغت ذلك.

فإن ضابطه أن تضرب عدد القامات في نفسه فما بلغت زادت عليه عشرة المسمى بجذرها فنصفته ففي المسألة مضروب العشرة في نفسها ماءة، و جذر ذلك عشرة إذا نصفتها، كان خمسة و خمسين، و ذلك مجموع الأعداد التي تضمنتها العشرة.

و على كل حال فلو عمل به احتمل تعديه، فتقسم الخمسة إلى خمسة عشر، لأن ضربها في نفسه خمسة و عشرون فإذا زادت عليها جذر و هو الخمسة كان نصفها خمسة عشر، و لو استأجره لحفر أربع قسطت على عشر، لأن مضروبها ستة عشر،


1- 1 الوسائل الباب- 35- من أبواب أحكام الإجارة الحديث 2.

ج 27، ص: 293

و بزيادة الجذر تكون عشرين، فنصفها عشرة، و هكذا إلا أنك قد عرفت الحال في الأصل، فضلا عن التعدية، نعم لا بأس بها بناء على الحمل المزبور و الله هو العالم.

و يجوز استيجار المرأة للرضاع مدة معينة بإذن الزوج بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي الخلاف، و السرائر، بل في محكي التذكرة إجماع أهل العلم على جواز استيجار الظئر تارة، و أخرى الإجماع على جواز استيجارها للرضاع و الحضانة، معا، و للحضانة دون الرضاع.

مضافا إلى قوله تعالى (1)«فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» حيث أطلق الأجر على ما يقابل الرضاع الذي هو سقي اللبن على الوجه المعروف، و إلى ما أرسله غير واحد من فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة ذلك، و إلى ما في القواعد و محكي التذكرة و الإيضاح من الاستدلال عليه أيضا بالحاجة، و إن كان قد يناقش بأنها لا تجوز ما لا يجوز.

نعم يناسب أن تكون سرا لشرعية الحكم، كما أنها ربما تصلح سببا للشرعية إذا انحصر الأمر في ذلك على وجه يكون التكليف بتركه عسرا و حرجا لا يحتمل عادة، كصحة البراءة للطبيب من الضمان، بخلاف المقام الذي يمكن أن يكون بالصلح أو بالشرط أو بغير ذلك من الطرق الشرعية التي لا تعارض قاعدة الإجارة مثلا، فالأولى حينئذ الاستناد إلى ما عرفت من الإجماع و الآية، و مقتضاهما الجواز من دون ضم الحضانة كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين.

فما عن بعضهم من اعتبار ضمها في الصحة في وجه لا وجه له، و المراد بها حفظ الولد و تربيته و دهنه و كحله، و غسل خرقه و تنظيفه و جعله في سريره و ربطه و سائر ما يحتاج إليه، ضرورة تطابق النص و الفتوى و معقد الإجماع على جوازها للرضاع و هي غيره بل و لا من لوازمه كما هو واضح

و لقد أجاد في جامع المقاصد حيث أنه بعد أن ذكر احتمال المنع لتناول الإجارة


1- 1 سورة الطلاق الآية- 6.

ج 27، ص: 294

الأعيان و مع ذلك فهي مجهولة و ليست موجودة قال: «و لا وجه له بعد ثبوت النص» لكن قال فيه في موضع آخر: «و لو قيل أن المستأجر عليه هو الفعل الذي لا ينفك عن إتلاف اللبن، و هو إيصاله إلى معدة الصبي و تلويث الثوب في الصبغ، فتكون العين تابعة، و لا تخرج الإجارة عن مقتضاها أمكن» كما أنه قال في المحكي عن التذكرة في موضعين «الأقرب أن الذي يتناوله عقد الإجارة بالأصالة فعل المرأة، و اللبن مستحق بالتبعية كالبئر تستأجر ليستقى منها الماء، و الدار تستأجر و فيها بئر، فإنه يجوز الاستقاء منها، بل عن فخر المحققين أن ذلك هو الذي حققه والده، و قال: إنه هو الذي تدل عليه الآية، لأنها دالة على الفعل و اللبن».

قلت: ذلك كله لا يقتضي بقاء الإجارة على مقتضاها، ضرورة عدم الفرق في خروجه عنه بين دخول اللبن و الصبغ مع الفعل، و بين استقلاله و تبعيته، مع أنه المقصود الأعظم لا تقتضي ذلك.

على أن من المعلوم صحة الاستيجار على الصبغ، و إن كان الملوث للثوب فيه المالك دون الصابغ كما قد يقوى الاستيجار للرضاع من دون فعل من المرأة، حتى وضع الثدي في الفم بأن يضعه المستأجر فيه دونها، و الامتصاص من الطفل، فلم يكن عمل منها أصلا تستحق عوضا عليه، فضلا عن مقابلته بتمام الأجرة، كما أنه لو رضع الصبي منها و هي نائمة، استحقت الأجرة و إن لم يكن منها فعل.

و من هنا استدل الفاضل في المحكي من تحريره و قواعده على أن المعقود عليه نفس اللبن باستحقاق الأجر عليه، بانفراده دون الأفعال بانفرادها، و إن اعترضه في جامع المقاصد أيضا بأنا لا نسلم استحقاق الأجرة باللبن بانفراده، ما لم تصيره المرضعة في معدة الصبي، و لا يلزم من عدم استحقاق الأجرة بالأمور الباقية، بانفرادها استحقاقها في مقابل اللبن وحده، لم لا يجوز أن يكون في مقابلة الجميع.

بل في المسالك الأجود أن المقصود مجموع ما ذكر من المنافع مع عين اللبن

ج 27، ص: 295

و جوازه حينئذ مع أن بعض متعلقها عين ذاهبة، للنص و هو الآية(1)و فعل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة عليهم السلام.

ثم قال: و يمكن أن يقال: على تقدير كون المراد المجموع أن اللبن يكون تابعا لكثرة قيمة غيره، و قلة قيمة اللبن و ان كان اللبن مقصودا من وجه آخر، و يثبت للتابع من الحكم المخالف ما لا يثبت للمتبوع، و مثله القول في الصبغ، لكن لا يخفى عليك ما في الجميع، خصوصا دعوى التبعية المزبورة التي هي مع أنها خلاف الواقع إن أريد بها بالنسبة إلى القصد و الفرض، خصوصا بالنسبة إلى الصبغ لا داعي إلى ارتكابها بعد الدليل، و

لو أن الإجارة بمثل ذلك تكون على مقتضاها، لاتجه التعدية إلى غير المقام مما هو معلوم عدمه، و الآية و إن كانت بلفظ الإرضاع، لا الرضاع، إلا أنه هو المراد به، و لكن عبر به لغلبة الرضاع بالإرضاع.

و من هنا يتجه جواز استيجار الشاة لرضاع الصبي، أو سخلة كما نص عليه في القواعد، و محكي غيرها، بناء على القطع بعدم خصوصية للمرأة، كالقطع بعدم الفرق بين الحرة و الأمة و الصبي و غيره، و إن كان ظاهر الآية الأولى، بل ربما قطع بعضهم بعدم خصوصية الرضاع، فجوز استئجار الشاة للحلب، و ربما يؤيده ما ورد في النصوص و حكي عليه الإجماع من جواز إعارتها لذلك، و ما تصح إعارته تصح إجارته، كما عرفته فيما سبق.

نعم لا يتعدى من ذلك إلى جواز استيجار البئر للاستقاء منها، و لذا منعه في جامع المقاصد و محكي الحواشي، و موضع من التذكرة، و لا الشمع للإشعال و الطعام للأكل، كما صرح به في القواعد، بل ظاهر السرائر الإجماع على ذلك.

نعم قد يجوز الاستقاء من البئر عند إطلاق إجارة البئر، للإذن فيه عادة على وجه يكون كالشرط، و كذا لا يتعدى إلى جواز إجارة الشجرة لثمرتها، و الدابة لنتاجها، و لا إلى شي ء من الظروف للامتصاص مما فيها، و لا إلى غير ذلك مما فيه إتلاف


1- 1 سورة الطلاق الآية- 6.

ج 27، ص: 296

عين إلا ما قام عليه الدليل مما عرفت، و من الصبغ و من استيجار الفحل للضراب الذي يمكن تحصيل الإجماع على جوازه، مضافا إلى السيرة، و من استيجار الحمام و إن استلزم إتلاف الماء، كما عن الإيضاح و حواشي الشهيد التصريح به، بل ربما يكون هو المقصود.

على أنه يمكن أن يقال: إن ذلك و الحمام من اشتراط البذل للعادة، لكن في القواعد و المحكي من جامع الشرائع «و إجارة الحمام للبث فيه و استعمال الماء تابع» و يمكن أن يريدا ما ذكرنا، و إن كان يأباه لفظ التبيعة.

اللهم إلا أن يراد منها التبيعة في عقد الإجارة، لا في القصد.

و في محكي التذكرة تارة أن بعض الأعيان قد يتناولها عقد الإجارة للحاجة و الضرورة، كاستئجار الحمام المشتمل على استعمال الماء و إتلافه، و أخرى هل المدفوع إلى الحمامي ثمن الماء و يتطوع بحفظ الثياب و إعارة السطل، أو المدفوع أجرة الحمامي و السطل و أما الماء فإنه غير مضبوط حتى يقابل بالعوض.

و كان مراده أن ما في أيدي الناس من دفع العوض بالدخول إلى الحمام هو نقل عين، و المنافع تابعة، أو بالعكس، و لعل الأقوى الثاني، و أنه جاز للسيرة، أو أنه من اشتراط البذل للعادة أو لنحو ذلك، و لا يحتاج إلى تكلف كون الجميع منافع حتى استعمال الماء، و إن استلزم ذلك إتلاف بعض أجزاء الماء، ضرورة كونه كإتلاف بعض أجزاء الثوب مثلا بالاستعمال، فإن المراد الانتفاع به بعقد الإجارة مجموع أجزاء ماء الحمام، لا خصوص التالف منها، و ذلك باق، و لم يقتض عقد الإجارة إتلافه، حتى ينافي مقتضاها، و لا يقدح في ذلك عدم ضبط المدة، و لا الإجارة لأشخاص متعددين، من غير فرق بين أول داخل و غيره.

على أن ذلك لازم على تقدير كون الإجارة للحمام أيضا لكن لا يخفى عليك ان التزام ما ذكرناه أولى من ذلك كله، و لولا ظهور كلام من تعرض لذلك، في أن الحمام من الإجارات لأمكن القول بأنه من الإباحات للأعيان و المنافع بعضو،

ج 27، ص: 297

و هي قسم مستقل برأسها، لا تدخل تحت عقود المعاوضة، و لها أفراد كثيرة كما حررناه في غير المقام.

و كيف كان فهذا كله إذا أذن الزوج فإن لم يأذن ففيه تردد بل عن المبسوط و الخلاف و السرائر عدم الجواز، لا لأنه مالك منافعها، بل لمنافاته لحق الاستمتاع بها الذي لا بد لها من التهيؤ له، في كل وقت محتمل، إذ لم يعلم متى يريده منها، و لذا لم يجز لها الصوم من دون إذنه.

و لكن الجواز أشبه إذا لم يمنع الرضاع حقه وفاقا للكركي و الفاضل، و ثاني الشهيدين، للأصل السالم عن معارضة ما سمعت، بعد فرض وقوع الإجارة حال عدم معارضة حق الزوجة لغيبته، أو لمرضه أو لغير ذلك من موانع الاستمتاع، على وجه يوثق به عادة، ضرورة اعتبار عدم استغراق الأوقات في الاستمتاع الذي ليس للزوج غيره من باقي منافعها، فهي مسلطة عليها، و منع الصوم بدون إذنه بعد تسليم عدم تقييده بما عرفت أيضا للدليل، و لو فرض اتفاق إرادة الاستمتاع في الزمان المزبور كان له ذلك، لوجوب تقديم حقه على حق المستأجر فتنفسخ الإجارة حينئذ في الزمان المزبور، و يتسلط المستأجر على فسخ الباقي.

و كذا الكلام في غير الرضاع من الاعمال خصوصا غير المقيد منها بزمان، و لو فرض تقدم الإجارة على النكاح، فلا اعتراض للزوج قطعا كما صرح به غير واحد لسبق الحق، و لكن له الاستمتاع بها فيما فضل عن وقت الإرضاع، و ليس لولي الطفل منعه من الوطي مع عدم تضرر الولد به، أما إذا تضرر فله ذلك، لسبق حقه، و لو كان المستأجر للإرضاع الزوج جاز، و لو لولده منها، و كذا غيره من الاعمال.

خلافا للمحكي عن أبي حنيفة في الثاني، فلم يجوز للطبخ و ما أشبهه، لأنه مستحق عليها في العادة، و لا ريب في بطلانه.

و للمحكي عن الشيخ و أصحاب الرأي و الشافعي في الأول، فلم يجوزوا استئجارها لإرضاع ولده منها، لأنها أخذت منه عوضا في مقابلة الاستمتاع، و آخر

ج 27، ص: 298

في مقابلة التمكين و الحبس فلا يلزمه عوض آخر.

و فيه: مع شمول الدليل الولد من غيرها، و الانتقاض باستئجارها لغيره من الأعمال أن التمكين و الاستمتاع غير الحضانة و الإرضاع و استحقاق منفعة لا يمنع استحقاق منفعة سواها بعوض آخر، و دعوى كون اللبن للزوج واضحة المنع، لعدم الدليل، و نشر الحرمة منه أعم من ذلك، و على كل حال ف لا بد من مشاهدة الصبي الذي استؤجرت لإرضاعه، بلا خلاف أجده فيه، لاختلاف الصبيان فيه باختلافهم في الصغر و الكبر، و النهمة و القناعة، و غير ذلك مما تختلف الأجرة باختلافه على وجه تتحقق الجهالة مع عدمه.

بل لو فرض عدم معرفة ذلك بالمشاهدة النظرية وجب اختباره لمعرفة ذلك، بل هو كذلك في كل ما قلنا باعتبار المشاهدة فيه، بل ربما أومأ اقتصار المصنف و غيره عليها، إلى عدم الاكتفاء بالوصف، لكن عن الأردبيلي الاجتزاء به كالراكب، و لا بأس به مع فرض ارتفاع الجهالة، بل قيل ظاهر جماعة عدم اشتراط هذا الشرط من أصله، لاقتصارهم على ذكر المدة، و إن كان كما ترى، ضرورة إرادتهم ذلك في مقابلة الضبط بالعمل، لا ما نحن فيه، فيمكن ترك تعرضهم لوضوحه، كترك الأكثر التعرض للصبية التي من الواضح مساواة حكمها لحكمه.

نعم لو استأجرت على وجه تستحق منافعها أجمع التي منها الرضاع أمكن حينئذ عدم اعتبار مشاهدة الصبي.

و أما تعيين المرضعة فظاهر جماعة اشتراطه، و منهم المصنف كما ستعرفه عند قوله، فان مات إلى آخره كما أنك قد عرفت الحال في مخالفة الرضاع قواعد الإجارة و أنه ينبغي الاقتصار فيه على المتيقن أو كالمتيقن دون المشكوك فيه و الله هو العالم.

و هل يشترط ذكر الموضع الذي ترضعه فيه قيل: و القائل الفاضل في قواعده و المحكي من تذكرته و ثاني المحققين و الشهيدين و محكي المبسوط و الوسيلة نعم لاختلاف المحال في السهولة و الصعوبة، و الوثاقة في الحفظ و عدمه، و غير ذلك

ج 27، ص: 299

و لكن مع هذا فيه تردد مما عرفت، و من تفاوت الأغراض لا مما يتوقف عليه ارتفاع الجهالة في الإجارة، و لذا لا يعتبر التعرض له في باقي الأعمال المتفاوتة بالنسبة إلى ذلك، بل لعل هذا هو الأقوى، و حينئذ فلها فراغ ذمتها في أي مكان.

و على كل حال ف ان مات الصبي أو المرضعة المعينة بطل العقد بلا خلاف و لا إشكال، لتعذر المستأجر عليه حينئذ، بل ربما ظهر من إطلاق المتن كالمحكي من المبسوط و التذكرة البطلان بموت المرضعة وجوب تعيينها كالصبي، للغرر الذي لا يمكن ارتفاعه بوصف الكلي و للاقتصار فيما خالف ضابط الإجارة على المتيقن.

و دعوى القطع بعدم الفرق ممنوعة، لكن في القواعد و جامع المقاصد و المسالك و محكي السرائر و الحواشي تقييد ذلك بما إذا كانت معينة و مقتضاه حينئذ ما صرح به في الثلاثة الأول منها الصحة مع عدم تعينها، و لعله الأقوى و حينئذ فلا تنفسخ بالموت كغيره من الأعمال المستأجر عليها في الذمة، فيخرج حينئذ أجرة المثل من تركتها، كما في القواعد و غيرها.

قيل: و تدفع إلى ولي الصبي، و فيه أن المتجه بناء على ذلك الاستيجار بها عنها، لعدم انفساخ الإجارة بعدم تعذر العمل المستأجر عليه. بعد فرض كونه في الذمة.

نعم لو تراضيا على دفع ذلك اليه عوضا عن العمل المستحق، أو كان أصل الاستيجار ممتنعا لتعذره بالمرة، جاز حينئذ دفعه إلى الولي مع احتمال انفساخ الإجارة في الأخير بسبب التعذر المزبور، لصيرورته كالمعين الذي قد تعذر، و لو أطلق العقد فهل ينزل على المباشرة أو على المضمون؟ وجهان، و لعل الأول لا يخلو من قوة للتبادر.

و من هنا قال في القواعد: «إنه لو دفعت المرضعة الصبي خادمتها فالأقرب عدم استحقاق الأجرة، لعدم العمل المستأجر عليه، و التبرع بإرضاع الجارية إذ هو حينئذ

ج 27، ص: 300

كما لو سقته لبن الغنم، و لو اختلف المستأجر و المرضعة في إرضاعها نفسها، و إرضاع غيرها أو عدم الرضاع، فالظاهر تقديم قولها لو ادعته، لأنها أمينة، و لأنه فعلها و تعسر الاشهاد عليه ليلا و نهارا و الله هو العالم.

و لا فرق في جميع الأحكام المزبورة بين الأمة و الحرة، فإن السيد يجوز له إجارة أمته للإرضاع و جبرها عليه، لأنها ملكه من غير فرق بين القنة و المدبرة و أم الولد. نعم الظاهر عدم ذلك في المكاتبة و لو مشروطة، و المبعضة إلا باذنهن، لكن عن المبسوط و موضع من التحرير أن له أن يجبر المشروطة، و هو كما ترى.

نعم في القواعد و محكي التذكرة و التحرير و جامع المقاصد أنه إن كان لاحديهن ولد لم يجز له أن يوجرها، الا ان يفضل عن ولدها و إن كان مملوكا له، لأن السيد إنما يملك فاضل حاجة مملوكه.

قلت: لا فرق بين المملوكة و الحرة إذا تعين عليها إرضاع ولدها، نعم لو أقام مرضعة غيرها ترضعه كان له إجارتها، و لو كانت الأمة مزوجة، جرى عليها ما عرفته من حكم الحرة بالنسبة إلى الاستيذان و عدمه.

و كيف كان ف لو مات أبوه أي المرتضع هل تبطل يبنى على القولين في موت المستأجر إذا كانت الإجارة أصالة، و قد عرفت الحال فيهما سابقا، لكن عن السرائر البطلان هنا مع قوله بالعدم هناك، و لا نرى له وجها، أما إذا كانت الإجارة للطفل، و إن باشر ذلك الولي فلا بطلان بموت الولي، و في المسالك «و لو كان الولد معسرا و استأجر الأب عليه بمال في ذمته أو ذمة الأب و لم يخلف تركة توجه جواز فسخها، لا أنها تبطل بذلك» و هو كذلك مع عدم العلم بالحال و لكن قوله أو في ذمة الأب لا يخلو من إجمال فتأمل. و الله هو العالم.

و لو استأجر شيئا مدة معينة لم يجب ذكر تقسيط الأجرة في متن العقد على أجزائها عندنا لإطلاق الأدلة سواء كانت المدة قصيرة أو متطاولة خلافا لبعض العامة فأوجبه إن كانت سنتين فصاعدا، حذرا من الاحتياج

ج 27، ص: 301

إلى تقسيط الأجرة على المدة على تقدير لحوق الانفساخ بتلف و غيره، و ذلك مما يشق و يتعذر.

و فيه:- مع انتقاضه بالناقص عن السنتين المجمع على ذكر التقسيط فيه، و بإجراء المدة التي جعل لها قسطا لو تلف في أثنائها- أنه مجرد اعتبار لا يصلح معارضا للأدلة الشرعية.

نعم لا بأس بذكر ذلك مع التفاوت و بدونه لكونه حينئذ من الشرط الذي لا خلاف في جوازه، فلو تلفت العين في أثناء المدة كانت أجرة ما مضى بحسب ما شرط، و لو كان التلف في أثنائها قسط المسمى لها على أجزائها كما لو لم يذكر تقسيطا في العقد، و كيفية التقسيط ما سمعته سابقا و الله أعلم.

و يجوز استيجار الأرض لتعمل مسجدا و غيره من الأفعال الراجحة بلا خلاف أجده فيه، بل عن كشف الحق نسبته إلى الإمامية، لأن ذلك غرض مقصود محلل متقوم، فيشمله إطلاق الإجارة خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من عدم الجواز، لأن فعل الصلاة لا يجوز استحقاقه بعقد الإجارة بحال، فلا تجوز الإجارة لذلك، و هو كما ترى غلط واضح، ضرورة الفرق بين الاستيجار على الصلاة و بين استيجار المكان أو اللباس للصلاة فيه.

نعم في جامع المقاصد و المسالك «لا يثبت لها حرمة المسجد، لأنه اسم للعين الموقوفة» مؤيدا لذلك، و إطلاقه على الفرض مجاز باعتبار إعدادها لما أعد له المسجد، كإطلاقه على ما يقتطعه الإنسان من داره مسجدا له و لعياله، لكن عن الأردبيلي منع كون المسجد اسما لذلك، بل هو للأعم منه و من المقام، خصوصا في المدة الطويلة كالمائة سنة و نحوها، و ربما يؤيد بإطلاق المعظم هنا اسم المسجد عليه، و الأصل فيه الحقيقة.

و فيه إن من المعلوم كون غرض الأصحاب في المقام الرد على أبي حنيفة المانع من استيجار المكان للصلاة فيه، فمرادهم من المسجد هنا كونه محلا للسجود،

ج 27، ص: 302

نحو إطلاقهم في مكان المصلي أنه يستحب اتخاذ مسجد في الدار، و مرادهم إعداد مكان مخصوص للصلاة كما تقدم تحقيق ذلك في محله و الله العالم.

و يجوز استيجار الدراهم و الدنانير إن تحققت لهما منفعة حكمية مع بقاء عينهما و إن كانت نادرة و لم يعد إلها غالبا كالزينة، و دفع المرء مظنة الفقر عن نفسه، و الضرب على سكتها و الوزن بها و نحو ذلك، وفاقا للمحكي عن الشيخ و الفاضل و الشهيدين و غيرهم.

بل عن مجمع البرهان أنه لا شك فيه لو حصل نفع مقصود محلل لإطلاق أدلة الإجارة، و عدم السفه في ذلك بعد فرض تحقق المنفعة المزبورة.

و ليس قول المصنف «إن تحققت» إلى آخره ترددا منه في إجارتهما، بل للتردد في تحقق منفعة لهما كذلك، بل المقصود جواز إجارتهما لهذه المنفعة عند تحققها، و إلا كانت المعاملة سفهية نحو ما سمعته سابقا في بيع مالا منفعة له غالبا، لقلته أو لغيرها، من أنه يجوز إذا تحققت و إن كانت نادرة، فحبة الحنطة يجوز بيعها مع الحاجة إليها لفخ و نحوه، و كذا غيرها، لكن عن الضابط المزبور الذي به تخرج المعاملة عن كونها سفهية، و هو المدار هنا و هناك على الأصح.

و احتمال عدم الجواز حتى مع تحقق المنفعة للشك في تناول مثل ذلك في غير محله، كاحتمال عدم جواز إجارتهما لعدم صحة وقفهما، و عدم ضمان منفعتهما لو غصبا.

و فيه أولا: منع الملازمة، فإن الحر و أم الولد يجوز إجارتهما، و لا يجوز وقفهما.

و ثانيا: منع عدم جواز وقفهما للمنافع المزبورة، و كذا يمنع عدم ضمان الغاصب بعد إجارتهما و مقابلتهما بالمال، كمنافع الحر المستأجر أجيرا خاصا، أما مع عدم مقابلتهما بمال فلعله لا ضمان لعدم تحقق المنفعة حينئذ التي تعد مالا عرفا، كمنفعة الحر التي هي كذلك، و لا يقدح ذلك في جواز الإجارة بعد

ج 27، ص: 303

التحقق.

و من ذلك كله يعرف جواز استيجار التفاح و غيره للشم و غيره، كالطعام لتزيين المجلس، و الشجرة لنشر الثياب عليها، و ربط الدابة بها و الاستظلال بظلها و نحو ذلك، و إن لم تكن معدة لذلك، و لا تستأجر غالبا له، كما أن منه يعرف ما في كلام جماعة من أصحابنا و الله هو العالم.

[تفريع لو استأجره لحمل عشرة أقفزة من صبرة فاعتبرها ثم حملها فكانت أكثر فإن كان المعتبر هو المستأجر لزمه أجرة المثل عن الزيادة]

تفريع لو استأجره لحمل عشرة أقفزة من صبرة مثلا فاعتبرها معتبر ثم حملها فكانت أكثر كثرة معتدا بها لا يسيرة نحو ما يتفاوت به الموازين فإن كان المعتبر و المحمل عامدا هو المستأجر من غير علم من الموجر لزمه أجرة المثل عن الزيادة، و ضمن الدابة إن تلفت لتحقق العدوان الموجب لذلك كما صرح بذلك كله الفاضل و الكركي و الشيخ في المحكي عن مبسوطة، بل قال الثاني منهم «أنه لا بحث فيه» و لعله كذلك.

نعم في إرشاد الأول منهم «أنه يضمن نصف الدابة، و كأنه لاستناد التلف إلى فعلين، أحدهما مأذون فيه و هو غير مضمون، و الآخر غيره، و لا ينظر إلى التفاوت بعد نسبة التلف إلى المجموع، كمن جرح نفسه جراحات، و جرحه آخر جراحة واحدة فسرى الجميع، فإنه يضمن نصف الدابة».

و فيه: أنه مخالف لظاهر الفتاوى و معقد المحكي من إجماع الخلاف و الغنية و التحرير و التذكرة، بل في الأول نسبته إلى الأخبار أيضا.

و لعله أشار إلى خبر أبي ولاد(1)و خبر الصيقل (2)و خبر الحلبي (3)و خبر


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 21.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 4.

ج 27، ص: 304

عمرو بن خالد(1)المشتملة على ضمان الدابة بتجاوز المكان المشترط، بناء على عدم الفرق بين أسباب التعدي، و على ظهور ضمان الدابة في مجموعها، بل في خبر أبي ولاد منها التصريح بلزوم قيمة البغل.

و منه يظهر ما في المسالك «من احتمال التوزيع على الأصل و الزيادة، فيضمن قسط الزيادة، لأن التلف مستند إلى الجملة فلا ترجيح، و لاستلزام التنصيف مساواة الزائد للناقص، و هو محال، و التوزيع على المحمول ممكن بخلاف الجراحات» ضرورة مخالفته لما عرفت أيضا على أن التلف قد استند إلى الجمع الذي هو غير مأذون فيه أصلا.

و من هنا استوجبه الأردبيلي فيما حكي عنه ضمان أجرة المثل للمجموع لا- للزيادة خاصة، لأن المسمى إنما كان على العشرة مثلا على أن يكون معها غيرها، فإذا كان صارت غير المستأجر عليها فيستحق أجرة المثل على المجموع، قال: «و إنها ربما تكون أجرة الماءة رطل مجتمعة أضعاف أجرة الخمسين وحدها، و استوضح ذلك في أجرة الحبة وحدها و الجفنة كذلك، فإنه لا أجرة لكل حبة حبة في

التغار، و لجميع الحبوب أجرة كثيرة، ثم حمل خبر أبي ولاد و كلام الأصحاب على الغالب الأكثر».

و إن كان قد يناقش (أولا) بمخالفته لظاهر بعض النصوص المزبورة، (و ثانيا) بأن مفروض البحث الاستيجار على العشرة لا بشرط، فلا تخرج عن استحقاق حملها بضم غيرها بعد صحة العقد الذي لا يترك مقتضاه حينئذ و التفاوت الذي ذكره يتدارك بملاحظة أجرة المثل للزيادة مجتمعة.

و أغرب من ذلك كله ما عن المقنعة و الغنية في نحو المقام من أن عليه أجرة الزائد بحساب ما استأجرها، بل عن ثانيهما الإجماع عليه، إذ هو مع مخالفته لقاعدة ضمان الغاصب لا دليل عليه، و يمكن حمل كلامهما على غلبة موافقة المسمى لأجرة المثل.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 21- 3- 4.

ج 27، ص: 305

و على كل حال فقد ظهر لك قوة ما في المتن مع التقييد الذي ذكرناه، بل الظاهر ذلك كله لو وقع منه خطا، لعدم الفرق في أسباب الضمان بين العمد و الخطاء.

بل هو كذلك أيضا فيما لو أمر بالتحميل أجنبيا جاهلا بالحال، بل المؤجر نفسه على غروره، بل يقوى ذلك أيضا فيما لو هيأه للموجر مدلسا له عليه، بل و إن لم يقصد التدليس لعدم علمه بالحال إذا فرض وقوع ذلك منه خطأ، لتحقق الغرور بالفعل، نحو تقديم طعام الغير للأكل.

نعم لو لم يكن منه أمر و لا تدليس و لا تهيئة فحمله المؤجر ظنا منه أنه هو المستأجر عليه لم يكن عليه شي ء، للأصل السالم عن المعارض.

هذا كله مع جهل الموجر بالحال، أما مع علمه فقد أطلق الفاضل و الكركي عدم ضمان الدابة بتفريط الموجر بحمل الزيادة مع علمه بها بل عن التحرير و التذكرة التردد في لزوم الأجرة للزيادة لذلك و إن كان في محله مع فرض كون المحمل المستأجر أو الأمر، بل لعل إخباره بالكيل كذبا و تهيئته للتحميل كذلك أيضا و إن علم الموجر بكذبه و حمله هو، لأن ذلك بمنزلة الاذن في حمله، بل هو شبه المعاطاة فلا يكون الموجر متبرعا، و السكوت مع العلم ليس برضى في جميع ذلك كما هو واضح.

فما في المسالك «فيما لو كان الموجر عالما بالزيادة إن لم يقل المستأجر شيئا و باشر الموجر التحميل فلا شي ء على المستأجر، و لا فرق بين أن يضعه المستأجر على الأرض فيحمله الموجر على الدابة و بين أن يضعه على ظهرها فيسدها الموجر، و إن أثم المستأجر في الثاني مع احتمال الفرق»- لا يخلو من نظر.

و كذا ما في جامع المقاصد من عدم الأجرة له لتبرعه بحملها فيتجه أن يجب عليه ردها، و إن قال: مع احتمال لزوم الأجرة لأنه كالمعاطاة في الإجارة، و لو أجبره بالزيادة، و قال احملها فأجابه الموجر لزمه الأجرة ما لم يظهر إرادة المجانية من الأمر.

و إن كان قد اعتبرها الموجر و حملها هو أو أمر غير المستأجر بالتحميل

ج 27، ص: 306

لم يضمن المستأجر أجرة و لا قيمة للأصل السالم عن المعارض من غير فرق، بين الخطاء و العمد، و بين علم المستأجر و جهله، بل لو أمره نفسه فحملها جاهلا لم يكن عليه شي ء، بل لعله كذلك لو كان قد هيأه للتحميل المغرور بفعل الموجر كما عن التذكرة أنه قواه، لكنه تردد فيه في المسالك.

نعم لو كان عالما فحملها من دون أمر لزمته الأجرة قطعا، كما في جامع المقاصد، و إن كان الموجر عالما، بل لعله كذلك أيضا إذا كان جاهلا و لم يصدر من الموجر ما يقتضي الغرور، أما لو أمره المؤجر بالحمل مع علمه أي المستأجر بالزيادة ففي لزوم الأجرة نظر، كما في جامع المقاصد.

و كيف كان فيجب رد الزيادة حيث لا يكون إذن من صاحبها إليه، بل إلى بلد الأجرة بل في المسالك لو لم يعلم المستأجر حتى أعادها الموجر إلى البلد المنقول منه، فله أن يطالبه بردها إلى المنقول إليه، و فيه أنه لا دليل على وجوب ذلك، بل لعل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه، بل لعله كذلك بالنسبة إلى بلد الأجرة، فلا يجب حينئذ عليه إلا الرد للمالك في أي مكان أو أي زمان، و كذا كل حق هو كذلك فتأمل جيدا.

و لو كان المعتبر و المحمل أجنبيا من غير علمهما و من غير إذنهما، فهو متعد عليهما، يضمن الدابة لصاحبها، و الطعام لمالكه و لزمته أجرة الزيادة للموجر و في ردها ما عرفت، من غير فرق في ذلك بين عمده و خطأه، و لو تولى الحمل بعد كيل الأجنبي أحد المتعاقدين، فإن كان عالما فهو كما لو كان بنفسه، و إن كان جاهلا و قد أخبره الأجنبي كاذبا، فهو كما لو تولاه الأجنبي، و إلا فإن عددنا الكيل و الأعداد للحمل غرورا ضمن، و إلا فلا.

و في المحكي عن مجمع البرهان و لو كان بإذنهما من دون علمهما بالمقدار فهناك احتمالان (أحدهما) أن الحكم كذلك، (الثاني) أن الضمان على الآذن فإن كان منهما فثلاثة احتمالات، أحدها: أن الحال في ذلك كما إذا كانا

ج 27، ص: 307

معا هما المعتبرين، الثاني: أنه كاعتبار صاحب الدابة، للأصل، الثالث: أنه كاعتبار صاحب الحمل.

قلت: لا مدخلية للإذن في الضمان، ضرورة كونها بالمقدار الخاص، فالزيادة لا إذن فيها، فإذا حملها بنفسه أو بغروره توجه عليه الضمان.

نعم لو حمله العالم منهما لم يكن عليه شي ء، لعدم مباشرته و عدم غروره كما هو واضح، و لو اعتبرا معا و حملا كذلك جاهلين بالزيادة ففي ضمان الدابة و أجرة المثل نظر، و لو كانا عالمين فلا ضمان للدابة، و في ضمان أجرة الزيادة وجه و لو كان المحمل أحدهما فإن كان المستأجر فالظاهر مساواة حكمه لما إذا كان هو المعتبر مع ذلك، و إن كان صاحب الدابة لم يكن له شي ء.

و من ذلك كله ظهر لك الحال في جميع الصور التي تتصور في المقام، و إن ذكرنا المهم منها كظهور كون البحث في ضمان الدابة أو نصفها أو التوزيع الذي قد تقدم سابقا إذا كان التلف بالتحميل، لا ما إذا كان بغيره، و كانت أمانة في يد المستأجر، فإنه لا إشكال في ضمانه الجميع من حيث التعدي في الأمانة، كما أن الأقوى ذلك أيضا في الأول، لما عرفت من استناد التلف إلى الضم الذي هو فعل المستأجر عدوانا، و الله هو العالم.

[الشرط الخامس أن تكون المنفعة مباحة]

الشرط الخامس أن تكون المنفعة مباحة فلو آجره مسكنا ليحرز فيه خمرا أو دكانا ليبيع فيه آلة محرمة أو أجيرا ليحمل له مسكرا أو جارية للغناء أو كاتبا ليكتب له كفرا و نحوه لم تنعقد الإجارة، و ربما قيل بالتحريم و انعقاد الإجارة، لإمكان الانتفاع في غير المحرم، و الأول أشبه، لأن ذلك لم يتناوله العقد كما تقدم الكلام في ذلك كله في باب

ج 27، ص: 308

المكاسب، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف هل يجوز استيجار الحائط المزوق للتنزه قيل: و القائل ابن إدريس نعم و اختاره في التنقيح و استحسنه في المسالك و فيه تردد كما في القواعد بل منعه في محكي الخلاف و المبسوط للسفه، و لأنها منفعة ليس للمالك منعها، كالاستظلال بالحائط و الحق الجواز مع عدم السفه، و كان كإجارة الكتاب الذي فيه خط جيد للتعلم منه.

[الشرط السادس أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها]

الشرط السادس أن تكون المنفعة مقدورا على تسليمها فلو آجر عبدا آبقا لم تصح للسفه و لو ضم إليه شي ء لحرمة القياس على البيع عندنا و لكن فيه تردد من ذلك، و من أولوية الإجارة من البيع، لاحتمالها من الغرر مالا يحتمله البيع، و قد أشبعنا الكلام في البيع على وجه يستفاد منه تفصيل المسألة هنا، فلاحظ و تأمل.

و لو استأجر شيئا ف منعه الموجر من تسلم ه (11) أصلا و استيفاء منفعته أجمع، و لم يتمكن من جبره على أخذ العين منه، أو تمكن و لم يفعل سقطت الأجرة (12) عند الشيخ، و فيما حكي عن التذكرة لانفساخ العقد قهرا، تنزيلا لذلك منزلة التلف قبل القبض، المقتضى للانفساخ في البيع، و في المقام، لتعذر تحقق المعاوضة حينئذ.

و فيه أن الأصل عدم الانفساخ، و إنما خرجنا عنه في التلف السماوي بالنص، فيبقى غيره على الأصل.

و من هنا قال في المسالك تبعا لجامع المقاصد الظاهر أن سقوطها مشروط بالفسخ، لتعذر حصول العين المطلوبة، فإذا فسخ سقط المسمى إن لم يكن دفعه، و إلا استرجعه»

ج 27، ص: 309

و بهذا صرح في القواعد.

و إليه أشار المصنف بقوله و هل له أن يلتزم و يطالب المؤجر بالتفاوت فيه تردد مما عرفت، و الأظهر نعم.

بل إن لم يكن إجماعا أمكن القول بلزوم ذلك عليه، لأصالة اللزوم و ليس له إلا المنفعة التي قد فوتها عليه المالك الغاصب، فله قيمتها، كما أن للموجر المسمى، إلا أنه لما كانت الإجارة من عقود المعاوضة التي تقتضي عوضية ملك بملك، و قبضا بقبض، إلا أن الثاني منهما لما كان غير معتبر في الصحة يجبر الشارع من فاته منهما بالخيار ما لم تكن تلفا سماويا كما لا يخفى على من اعتبر ذلك في جميع عقود المعاوضة.

و لعل منه ما لو أتلف المالك المبيع على المشتري قبل قبضه، فإن المشتري حينئذ بالخيار بين الفسخ و بين الإمضاء، و المطالبة بالمثل أو القيمة، و ذلك لأنه اجتمع فيه أمران أحدهما تعذر تسليم العوض، و الآخر مباشرة إتلاف مال الغير، فيتخير في الفسخ نظرا إلى الأمر الأول، و المطالبة بالقيمة أعني أجرة المثل نظرا إلى الأمر الثاني، و لو منعه بعد استيفاء بعض المنفعة، فعن التذكرة الخيار أيضا لكن لا يخلو من نظر، لأصالة اللزوم، و الفرض حصول قبض المعاوضة.

اللهم إلا أن يقال: إنه لما كان استيفاء المنفعة تدريجيا كان قبضها كذلك لأن حصوله باستيفائها، فمنعه في الأثناء حينئذ مفوت لقبض المعاوضة في البعض المراد منه و المخاطب به، فيتسلط حينئذ على الخيار، لما عرفت، و بذلك يظهر الفرق بين هذه و بين المسألة الآتية، و هي منع الظالم في الأثناء.

و كيف كان ف لو منعه ظالم عن الانتفاع بالعين، بأن غصبها منه قبل القبض كان بالخيار بين الفسخ و المطالبة بالمسمى إن كان قد دفعه، و بين الالتزام و الرجوع على الظالم بأجرة المثل عوض ما استوفاه من المنفعة التي هي من أمواله، لما عرفت من فوات القبض الذي هو مقتضى المعاوضة.

و ظاهر المصنف و غيره اختصاص رجوعه بعد الالتزام بالظالم دون الموجر، و هو

ج 27، ص: 310

كذلك، لأصالة البراءة، و إن احتمله بعضهم لكون العين في يده مضمونة عليه، حتى يتحقق القبض.

لكن فيه أن المسلم من ضمانه وجوب المسمى عليه بالانفساخ أو الفسخ، لا ضمان قيمة العين بتلف العين، و هو واضح، كما أن الظاهر أيضا عدم سقوط الخيار المزبور بعود العين للمستأجر في أثناء المدة، للأصل و التضرر بالتبعيض.

نعم ليس له الفسخ فيما مضى من المدة خاصة، و الرجوع بقسطه من المسمى على الموجر، و استيفاء الباقي من المنفعة. لعدم جواز التبعيض في العقد كما هو واضح و إن تردد فيه في القواعد، و احتمله في المسالك، إلا أنه بمكانة من الضعف.

و لو كان بعد القبض في ابتداء المدة أو في أثنائها لم تبطل الإجارة قطعا، بل ليس له الفسخ لأصالة اللزوم، و الفرض أنه كان تمام القبض من المالك و إنما له الرجوع على الظالم بأجرة المثل، بل في المسالك تبعا لجامع المقاصد أن الظالم لو كان هو الموجر فالحكم كذلك أيضا، لكن قد سمعت ما حكيناه عن التذكرة و توجيهه و الله العالم.

و إذا انهدم المسكن مثلا و فات أصل الانتفاع و لم يمكن إعادته انفسخت الإجارة، لتعذر المستأجر عليه، فله من المسمى حينئذ بنسبة ما فات من المنفعة، و إن لم يفت أصل الانتفاع و أمكن إزالته كان للمستأجر فسخ الإجارة مع فوات بعض المنفعة للتعيب بالتبعيض، إلا أن يعيده صاحبه و يمكنه منه بسرعة على وجه لم يفت الانتفاع، بل كان موصولا بعضه ببعض، لعدم التضرر حينئذ، فيبقى أصل اللزوم بحاله.

و لكن مع هذا فيه تردد ينشأ من ذلك، و من ثبوت الخيار بالانهدام فيستصحب، بل اختاره في جامع المقاصد، و قواه في المسالك، و إن كان قد يناقش فيه بمنع ما يدل على ثبوته بالانهدام من حيث كونه انهداما، و إن لم يفت

به شي ء من المنفعة على وجه تنقطع به أصالة اللزوم، اللهم إلا أن يستبعد الفرض، و (11) هو

ج 27، ص: 311

خروج عن محل البحث.

نعم لو تمادى المؤجر في إعادته على وجه قد فات بعض المنفعة، فالخيار باق، و إن أعاده كما سمعت، ف ان فسخ المستأجر حينئذ رجع بنسبة ما تخلف من الأجرة إن كان سلم إليه الأجرة و إلا دفع إليه منها ما قابل ما استوفاه منها، بلا خلاف و لا إشكال في ذلك، و الله العالم.

و كيف كان فلا يخرج بالشرط المزبور الاستيجار للسنة القابلة، و خصوصا إذا كانت متصلة بالسنة التي هي للمستأجر، خلافا للمحكي عن الشيخ و أبي الصلاح فلا يصح لعدم الدليل، و تعذر التسليم، و فيه: أن الدليل عموم (1)«أَوْفُوا» و غيره، و التسليم واجب زمان الإجارة.

نعم لا فرق في تعذر التسليم المانع من صحة الإجارة بين العقلي و الشرعي، فلو استأجر لقلع ضرس صحيح أو قطع يد صحيحة، أو جنبا أو حائضا بخصوصهما لكنس المسجد في زمان حدثهما لم تصح.

أما لو كانت السن وجعة أو اليد متأكلة على وجه يستحسنه العقلاء صحت، فان زال الألم قبل القلع انفسخت الإجارة و كذا لا يخرج به اجارة

الزوجة نفسها من دون إذن الزوج باعتبار استحقاقه منافعها، ضرورة أنه ليس له إلا استحقاق الاستمتاع، فتصح إجارتها فيما لا يعارضه، و أما فيه فهو موقوف على إذنه.

بل في جامع المقاصد انفساخها لو فرض إجارتها بدون إذنه في زمان مخصوص مطمئن فيه بعدم الاستمتاع فاتفق إرادة الزوج فيها ذلك على خلاف العادة، تقديما لحقه على حق المستأجر، و لو كانت الإجارة على عمل في الذمة كخياطة ثوب أو حمل متاع فغصب العبد الخياط و الدابة الحاملة من الموجر قبل قبض المستأجر فله مطالبة المالك، لعدم ما يقتضي تعيين حقه بذلك.

نعم إن تعذر البدل ففي القواعد «تخير بين الفسخ، و الإمضاء و الصبر إلى


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 27، ص: 312

التمكن» و تبعه في جامع المقاصد و لا يخلو من بحث، و كذا ما فيهما أيضا من أنه لو كان الغصب بعد القبض طالب المستأجر بأجرة المثل خاصة، و إن كان في ابتداء المدة فلا خيار له، لأن الغصب بعد قبض العين، و استقرار العقد، و براءة المؤجر، و لو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء و الموجر من التغرير بماله، تخيرا، بل احتمل بعضهم الانفساخ.

و لو اختص الخوف بالمستأجر تخير أيضا أو انفسخ العقد إذا كان المراد استيفاؤه بنفسه، و إلا فلا خيار لإمكانه إجارتها، و لعله المراد للفاضل في محكي تحريره، و لا ينفسخ بالعذر، فلو اكترى جملا للحج ثم بدا له أو مرض و لم يخرج لم يكن له فسخ الإجارة.

و لذا حكي عن الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه عليه تقييده بالمرض الذي يتمكن من الخروج معه، قال: «أما لو لم يمكنه الخروج أصلا، و لم يجز له إجارته لغيره كان يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه، فإنه يقوى الفسخ».

لكن في جامع المقاصد «عندي فيه شي ء لأن تعذر الاستيفاء إذا اختص بالمستأجر و لم يكن من قبل الموجر مانع ففي إسقاطه حق الموجر و تسليطه المستأجر على الفسخ أو الحكم بالانفساخ إضرار بالمؤجر لمصلحة المستأجر».

و فيه: أنه مثل الأجير على قلع ضرس فسكن ألمه ضرورة اشتراكهما في منع المستأجر من الفعل و إن بذل الموجر له باعتبار كونه معاونة على الإثم و العدوان فتأمل جيدا و الله العالم.

و لو استأجر دارا للسكنى مثلا فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد تخير في الأقوى، و في القواعد نظر، و لعله فرق بين هذه المسألة و السابقة أن الخوف في تلك على المستأجر و الدابة بخلافه هنا، فإنه على المستأجر دون الدار و لذا نظر في هذه، و قرب الخيار في الأولى، إلا أن الظاهر ثبوت الخيار في المقامين لقاعدة لا ضرر بعد عموم العذر شرعا عن الاستيفاء، بل ربما احتمل الانفساخ قهرا.

ج 27، ص: 313

نعم لو اختص الخوف بالمستأجر لم يكن له خيار إلا مع اشتراط الاستيفاء بنفسه فإنه يأتي فيه أيضا الخيار أو الانفساخ، و لو استأجره لصيد شي ء بعينه ففي القواعد لم يصح، لعدم الثقة بحصوله أي فلا تكون المنفعة مقدورا على تسليمها بحسب الغالب، و قد تقدم لنا في كتاب البيع عند البحث على اشتراط القدرة على التسليم فيه ما يستفاد منه حكم ذلك و غيره فلاحظ و تأمل و الله العالم.

[الفصل الثالث في أحكامها و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل الثالث في أحكامها و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيبا كان له الفسخ ]

الأولى: إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة بالخصوص عيبا سابقا لم يعلمه كان له الفسخ كما عن المبسوط و غيره بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه و عن التذكرة لا نعلم فيه خلافا إذا كان سابقا يوجب نقصا تتفاوت به الأجرة و حكى فيها عن ابن المنذر نفي الخلاف فيه أيضا، بل أكثر من الأمثلة لذلك و ظاهر بعضها تجدد العيب فضلا عن سابقه، لكن تقييدهما بالمنقص مناف لإطلاق جماعة و صريح آخرين كما أنه صرح غير واحد بل لا أجد فيه خلافا بينهم.

بل لعله معقد نفي خلاف التذكرة و ابن المنذر بقرينة ما ذكراه من الأمثلة عدم الفرق في ثبوت الخيار المزبور بين استيفاء بعض المنفعة و عدمه، و يكون حينئذ كخيار الغبن في عدم السقوط بالتصرف، و بذلك يفترق عن خيار العيب في البيع الذي يتعين الأرش به، بل صريح قول المصنف كغيره أو الرضا بالأجرة من غير نقصان عدم الأرش هنا أصلا.

نعم في اللمعة «و في الأرش نظر» و في جامع المقاصد تارة ينبغي أن يكون هذا حيث لا يكون العيب منقصا للمنفعة، فإنه مع ذهاب بعض العين يجب التقسيط قطعا مع الخيار، و أخرى الأصح وجوب الأرش و ثالثة لا أستبعد ثبوت الأرش كثيرا،

ج 27، ص: 314

و استوجهه في المسالك، و استحسنه في الروضة.

و كأن الوجه في ما ذكره الأصحاب أن العقد إنما جرى على هذا المجموع و هو باق، فإما أن يفسخ أو يرضى بالجميع، و ثبوت الأرش في البيع للنص فلا تقاس عليه الإجارة، و الضرر مندفع بالخيار الذي هو المعتاد في جبر الضرر الناشي من لزوم العقد، و بذلك ظهر أن الثابت الخيار خاصة في الفرض.

و لو كان العيب مما يفوت به بعض المنفعة بمعنى إذا لم يفت به شي ء أو فات به البعض كما في المسالك قال: «لا ما إذا كان يفوت به الجميع، لأن ذلك يبطل العقد».

قلت: يمكن أن يريد المصنف بفوات البعض فوات كمالها كالدابة العرجاء أو المجموح أو نحو ذلك مما يكون فيه أصل الانتفاع موجودا، الا أنه ليس على الوجه المراد للمستأجر، لا أن المراد فوات بعض المنفعة أصلا كدار وجد بعض بيوتها خرابا فإن المتجه في ذلك التقسيط لو اختار اللزوم لأنه من قبيل تبعض الصفقة، و ليس مما نحن فيه من وجدان العيب في العين المستأجرة المنصرف إلى ما ذكرنا دون ذلك، و إن أطلق عليه اسم العيب توسعا.

و لعل هذا هو الذي قطع به المحقق الثاني فيما عرفت، كما أن الفرد الآخر محل للنظر في ثبوت الأرش من جهته، و قد عرفت أن مقتضى أصول المذهب و قواعده ثبوت الخيار له من دون أرش بعد حرمة القياس عندنا، و كون ذلك عند التأمل من فوات الوصف الذي لا يوزع الثمن عليه في البيع، و إن تفاوت قلة و كثرة بالنسبة إليه.

نعم يبقى الإشكال في ثبوت الخيار بالعيب في العين، و إن لم يكن مفوتا لشي ء من كمال المنفعة، و لا فيه نقص على المستأجر باستيفاء المنفعة، كالدابة البتراء أو الجدعاء أو نحو ذلك.

و دعوى أن الصبر على مطلق العيب في العين المستأجرة ضرر لا دليل عليها،

ج 27، ص: 315

كدعوى أن مورد العقد العين لاستيفاء المنفعة، فتنصرف إلى الصحيحة كالبيع، و لعله إلى هذا أومأ الفاضل في التذكرة في التقييد المزبور، كما أن غيره من الأصحاب نظر إلى ما ذكرنا من العيب الذي لا يكون به تفويت لكمال المنفعة، إلا أن فيه نقصا على المستأجر باستيفاء المنفعة منه، أما إذا لم يكن كذلك، فلعله غير مراد للجميع، و يبقى على أصالة اللزوم.

اللهم إلا أن يدعى انصراف عقد الإجارة إلى العين الصحيحة كالبيع، و فيه منع، و حينئذ يتجه فيه الخيار خاصة من دون أرش، ضرورة عدم النقص في منفعته و هو انما يتوجه فيما إذا تفاوتت اجارة العين سليمة و معيبة، فإن نسبة ذلك التفاوت من المسمى هو الأرش.

و من التأمل فيما ذكرنا بان لك الوجه في جميع أطراف المسألة حتى ثبوت الخيار مع استيفاء بعض المنفعة، لما عرفت من عدم الأرش له أصلا، فإلزامه بالعين المفروض عيبها ضرر، على أن المنفعة حصولها تدريجي، فما بقي منها لم يتصرف فيه بشي ء، و منه ينقدح الوجه فيما حكي عن التذكرة من ثبوت الخيار أيضا في العيب المتجدد بعد العقد أيضا، لكونه حينئذ عيبا سابقا على القبض، و ليس قبضه للعين قبضا لها بالنسبة إلى ذلك كما هو واضح.

فإذا فسخ بعد استيفاء البعض ثبت عليه من المسمى بالنسبة، لأن الفسخ في الحقيقة لما بقي و لذا لم يكن له فسخ لو فرض استيفاء الجميع و احتمال أن له الفسخ فيما مضى فيثبت حينئذ للموجر أجرة المثل واضح الضعف.

و على كل حال فلو فسخ بالعيب و قد كان الموجر قد باع العين فالمنفعة للبائع لعدم استحقاق المشتري إياها بعد أن شراها مسلوبة المنفعة المخصوصة و بذلك انقطعت تبعيتها للعين فيستصحب و الله العالم.

هذا كله إذا كانت العين المستأجرة مشخصة، أما إذا كانت مطلقة لم ينفسخ العقد

ج 27، ص: 316

و كان على المؤجر الإبدال.

نعم لو تعذر أو امتنع و لم يمكن إجباره تخير لقاعدة الضرر، و قد تقدم في كتاب السلم ما له نفع في المقام فلاحظ و تأمل و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا تعدى في العين المستأجرة و إن كانت أمانة في يده ضمن قيمتها وقت العدوان ]

المسألة الثانية: إذا تعدى في العين المستأجرة و إن كانت أمانة في يده ضمن قيمتها وقت العدوان و إن تلفت بغيره، كما في كل أمانة تعدى فيها بلا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، لكن على معنى دخولها في ضمانه من ذلك الوقت إلى حين التلف في يده، فيضمن قيمتها وقته على الأقوى، و قيل: أعلى القيم، و قيل غير ذلك، لأن المراد ضمان قيمتها حينه، و إن تلفت بعد ذلك، و اختلفت قيمتها زيادة أو نقصا كما هو ظاهر المصنف و القواعد و محكي التحرير و الإيضاح و جامع الشرائع.

و لعله لما

في صحيح أبي ولاد(1)«فقلت: أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أو ليس كان يلزمني؟ قال: نعم قيمة البغل يوم خالفته» لكن فيه بعد ذلك

«قلت: فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ قال: عليك قيمة ما بين الصحيح و المعيب يوم ترده».

و التحقيق ما عرفت بل لم أجد ذلك قولا لأحد في غير المقام، و ربما كان فيه ضرر على المالك إذا فرض علو قيمتها يوم التلف عن يوم العدوان، و قد تقدم تحقيق المسألة و يأتي إنشاء الله تعالى.

و على كل حال فظاهر قوله قيمتها تمامها و إن كان التعدي بزيادة تحميلها على المشروط، خلافا لما عن الشافعي من أنه إن كان المالك معها ضمن النصف و إلا ضمن الكل أو التوزيع على مجموع الفراسخ، بان كان التعدي بتجاوز المسافة و يعطى العدوان بالقسط.

بل في القواعد و لو استأجر الدابة لحمل قفيز فزاد فهو غاصب ضامن للجميع و لو سلم إلى المؤجر، و قال: إنه قفيز و كذب فتلفت بالحمل ضمن النصف، و يحتمل


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 317

بالنسبة، إلا أنه كما ترى مناف لإطلاق الضمان في النص و الفتوى، فلا يقاس على ما ذكر في القصاص و الديات من أنه لو جرحه زيد و عضه الأسد مثلا فسريا ضمن الجارح النصف، و كما لو جرحه واحد عمدا و آخر باستيفاء قصاص مثلا فسريا على أن يكون الجامع بينهما، إذا التلف في مسألة التحميل مثلا قد استند أيضا إلى ما هو بحق، و هو القدر المشروط، و إلى غيره و هو الزائد.

الا أنه اجتهاد في مقابلة النص و الإجماع، بل و القواعد عند التأمل، خصوصا بعد إمكان دعوى عدم الاذن في القدر المشروط حال انضمامه إلى ما صار به التلف من الزائد، و إن كان فيه ما عرفته سابقا.

نعم يكفي في الضمان كون الضم من فعل المستأجر فهو في الحقيقة كمن حمل دابة الغير زيادة على ما حملها مالكها قهرا فتلفت بمجموع ما كانت من المالك و الظالم، فتأمل جيدا. فإنه قد مر في المباحث السابقة ما يعلم منه الحال هنا في ذلك و في غيره، بل و في أصل المسألة التي يأتي الكلام فيها أيضا في كتاب الغصب، و الله العالم.

و كيف كان ف لو اختلفا في القيمة كان القول قول المالك، إن كانت العين المستأجرة دابة و قيل: القول قول المستأجر على كل حال من غير فرق بين الدابة و غيرها و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها أصل البراءة و غيره، و بها يكون المستأجر المنكر، بل لم يحضرني القائل بالأول، و إن حكي عن الشيخ لكن لم أتحققه.

نعم عن الشيخ في النهاية بل و غيره أن القول قول المالك في مطلق المغصوب من غير فرق بين الدابة و غيرها، و وضوح ضعفه على كل تقدير يغني عن البحث عن قائله. و الله العالم.

[المسألة الثالثة من تقبل عملا لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة]

المسألة الثالثة: من تقبل عملا في ذمته من غير اشتراط المباشرة لم يجز أن يقبله غيره بنقيصة كما عن النهاية و السرائر و الإرشاد و التحرير بل في

ج 27، ص: 318

المتن على الأشهر بل في المسالك المشهور إلا أن يحدث فيه ما يستبيح به الفضل.

ف

في صحيح أبي حمزة(1)«عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه قال: لا».

و في صحيح محمد بن مسلم (2)«عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه، و يدفعه إلى آخر فيربح فيه قال: لا إلا أن يكون قد عمل فيه شيئا».

و في خبره الآخر(3)عنه أيضا «عن الرجل الخياط يتقبل العمل فيقطعه و يعطيه من يخيطه و يستفضل قال: لا بأس قد عمل»

و نحوه خبر أبي حمزة عن الباقر عليه السلام المروي عن المختلف و غاية المراد.

و

في خبر أبي محمد الخياط(4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أتقبل الثياب أخيطها ثم أعطيها

الغلمان بالثلثين قال: أ ليس تعمل فيها، فقلت: أقطعها و أشترى الخيوط، قال: لا بأس»

مؤيدا ذلك كله بما مر سابقا من النصوص (5)المتضمنة لحرمة فضل الأجير.

و لا ينافي ذلك ما

في خبر علي الصائغ (6)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام أتقبل العمل، ثم أقبله من غلمان يعملون معي بالثلثين، فقال: لا يصلح ذلك إلا أن تعالج معهم فيه، قال: قلت: فإني أذيبه لهم، قال: فقال: ذاك عمل فلا بأس»

لعدم صراحة لا يصلح في الكراهة، بل و لا ظهورها.

كما لا ينافيه

خبر الحكم الخياط(7)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني أتقبل الثوب بدراهم و أسلمه بأقل من ذلك لا أزيد على أن أشقه؟ قال: لا بأس به، ثم


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 6.
5- 5 الوسائل الباب- 20 من أبواب أحكام الإجارة.
6- 6 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 7.
7- 7 الوسائل الباب- 23- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.

ج 27، ص: 319

قال: لا بأس فيما تقبلته من عمل قد استفضلت فيه»

بعد كونه مطلقا منزلا على المقيد الذي هو مفروض سؤاله.

و حينئذ فما وقع من ثاني الشهيدين من الجمع بين هذه النصوص بالكراهة لا يخلو من نظر، و إن وافقه على الجواز الفاضل في القواعد و التذكرة و أول الشهيدين و ثاني المحققين و الخراساني، إلا أن العمدة للفاضل في الجواز أنه روى صحيح أبي حمزة لا بأس، كما عن السرائر روايته كذلك، و إنما الموجود فيما حضرنا من نسخة الوسائل و الوافي ما حكيناه، و في مفتاح الكرامة ليس له في التهذيب عين و لا أثر، و الظاهر أنه سهو و غفلة، ثم حكى عن التهذيب و مجمع البرهان و الوافي روايته كما ذكرنا.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى الإكتفاء بمسمى الحدث و العمل فيه، و حينئذ فلا إشكال في الجواز. و في اللمعة لا بحث كما في الروضة الإجماع عليه، و لم يذكر أحد هنا الجواز باختلاف الجنس.

نعم عن التذكرة أنه حكى عن الشيخ عدم الجواز مع اتحاد الجنس إلا أن يعمل فيه شيئا و لم نتحققه لكن قد سلف لنا في مسألة الأجير و البيت ما يمكن أن يكون وجها لذلك فلاحظ و تأمل. هذا.

و قد ينساق من النص و الفتوى أن محل البحث في العمل بالعين كخياطة الثوب و صياغة الخاتم و نحوهما، أما العمل الصرف كالصوم و الصلاة و الحج و نحوها فيبقى على أصل الجواز.

اللهم إلا أن يقال: إن ذكر بعض لوازم العمل في العين لا يقتضي تقييد ذلك به و حينئذ يعتبر في جواز تقبيله بالأقل عمل شي ء منه.

و كيف كان فحيث يكون العمل في العين لا يجوز تسليمه إلى غيره إلا بإذن المالك لأنه أمانة في يده و حينئذ ف لو سلمها من غير إذن فتلفت ضمن للتعدي كما هو واضح.

ج 27، ص: 320

لكن في المسالك بعد أن فرض المسألة على تقدير القول بجواز التقبيل قال:

«و الوجه حينئذ أنه مال الغير و لا يصح تسليمه إلى غير من استأمنه عليه، و جواز إجارته لا تنافي، بل يستأذن المالك، فإن امتنع أي المالك رفع الأجير أمره إلى الحاكم، فإن تعذر احتمل جواز التسليم حينئذ لتعارض حق العامل الثاني و حق المالك، فيقدم العامل، وفاء بالعقد و يحتمل تسلطه على الفسخ لا غير، لأن المالك مسلط على ماله يعطيه من شاء، و يمنعه من شاء، و الحال أنه لم يرض بأمانته.

و لو قيل بجواز التسليم مطلقا حيث يجوز التقبيل كان حسنا ل صحيحة على بن جعفر(1)عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام في عدم ضمان الدابة المستأجرة بالتسليم إلى الغير إذا لم يشترط عليه ركوبها بنفسه.

و إذا كان الضمان ساقطا مع تسليمها لاستيفاء المنفعة لغير المالك، فسقوطه مع كون المنفعة للمالك أولى، و إليه مال في المختلف، و ابن الجنيد جوز التسليم من غير ضمان مع كون المتسلم مأمونا، و لكن ينبغي

تقييده بكون المدفوع إليه ثقة و إلا فالمنع أوجه».

قلت: قد سلف لنا في جواز تسليم العين ما يستفاد منه المنع هنا أيضا، و أن جواز التقبيل أعم من ذلك، ضرورة إمكان عمل الغير فيه، و هو في يده و ليس له على المالك الإذن، حتى يرفع أمره إلى الحاكم، كما أنه ليس له الفسخ من هذه الجهة.

و

صحيح على بن جعفر- عن أخيه عليه السلام (2)الذي هو «سألته عن رجل استأجر دابة، فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال: إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها، و إن لم يسم فليس عليه شي ء»

- لا صراحة فيه بل و لا ظهور في خروج العين عن يد المستأجر الأول، و إنما المراد، السؤال عن تلفها حال ركوب الغير لها، و إن كانت هي في يد الأول، و لا ريب في أن الحكم فيها ما ذكره عليه السلام كما أوضحنا


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 321

ذلك سابقا. و على كل حال فلا ينبغي الخروج عن قواعد الشريعة بنحو ما ذكره الذي عند التأمل من غرائب الكلام.

[المسألة الرابعة يجب على المستأجر سقي الدابة و علفها و لو أهمل ضمن ]

المسألة الرابعة: يجب على المستأجر سقي الدابة و علفها و حينئذ لو أهمل ضمن كما في الإرشاد، و عن الروض و ظاهر النهاية و السرائر، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه إن كان المراد وجوب ذلك عليه من ماله، على وجه لا يرجع به على المؤجر، ضرورة أنه إن كان المقتضي لذلك عقد الإجارة باعتبار اقتضاء العادة، ففيه منع واضح كوضوحه إذا كان باعتبار وجوب نفقة الدابة على من ملك منفعتها.

نعم إن كان وجوب ذلك باعتبار كونها وديعة و أمانة في يده، و يجب عليه ذلك مقدمة لحفظها مع فرض عدم كون صاحبها معها، ففيه ما تقدم سابقا من أنه على فرض ذلك، و انحصار الأمر بالنفقة من ماله يرجع به على الموجر إن كان بأمر الحاكم، أو مع الإشهاد أو بدونه كما عرفت البحث فيه مفصلا، و إن كان قد أخذوا ذلك مما تسمعه في الأجير المنفذ في حوائج المستأجر.

ففيه أن القياس محرم عندنا بعد تسليم الحكم في المقيس عليه، و ستسمع البحث فيه إنشاء الله تعالى، و لعله لذلك و غيره جزم بوجوبها على المالك في التذكرة و التحرير و المختلف و اللمعة و الحواشي و التنقيح و إيضاح النافع و جامع المقاصد و المسالك و الروضة و مجمع البرهان و الكفاية على ما حكي عن بعضها.

بل هو المحكي عن ظاهر أبي علي، و الفخر أيضا لأنها تابعة للملك، و الأصل عدم وجوبها على غيره، بل يمكن حمل عبارة المتن على إرادة السقي و العلف البدني، لا المالي الذي هو واجب على المالك.

نعم لو لم يكن مالك، و كانت العين أمانة في يده كان حكمها حكم الوديعة الذي قد سمعت تصريح غير واحد من الأصحاب به فيجب الإنفاق عليه مع غيبة المالك بإذن الحاكم، و يرجع به، و لو تعذر أشهد، فإن تعذر اقتصر على نية الرجوع، و

ج 27، ص: 322

كان القول قوله في قدرها كما تقدم في الوديعة.

لكن لا يخفى ما فيه من الاشكال إن لم يكن إجماع، إذ ليس ذلك من مقتضى عقد الوديعة، و إلا لم يحتج إلى الرجوع إلى الحاكم، كما في غيره من أنواع حفظ الوديعة، على أنه ليس في الأدلة فضلا عن إطلاق عقد الوديعة ما يقتضي وجوب حفظ الوديعة على وجه يجب بذل المال و لو بنية الرجوع مقدمة له، و إنما الثابت وجود الحفظ بغير ذلك، و وجوب حفظ النفس أو مال الغير ليس من أحكام الأمانة.

اللهم إلا أن يدعى صدق الخيانة مع عدم ذلك منه، و فيه منع واضح هذا، و قد سبق في الوديعة ما يستفاد منه البحث فيه هنا، خصوصا مع اشتراطها على الموجر، على أن يكون معها، فقصر و لم يفعل. فلاحظ و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا أفسد الصانع ضمن ]

المسألة الخامسة: إذا أفسد الصانع ضمن و لو كان حاذقا، كالقصار يحرق الثوب أو يخرق، أو الحجام يجني في حجامته، أو الختان يختن فيسبق موساه إلى الحشفة أو يتجاوز حد الختان، و كذا الكحال و البيطار، مثل أن يحيف على الحافر، أو يفصد فيقتل، أو يجني ما يضر الدابة، و لو احتاط و اجتهد من غير فرق عندنا في جميع هؤلاء بين المشترك و الأجير الخاص منهم، و بين كون العمل في ملكه أو ملك المستأجر، و بين حضور رب المال أو غيبته بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بين المتقدمين و المتأخرين منا.

بل في محكي الانتصار الإجماع على ضمان الصانع، كالخياط و القصار و ما أشبههما لما جنته أيديهم على المتاع بتعد و غير تعد، و في جامع المقاصد و المسالك و التنقيح الإجماع على ضمان الصانع ما يتلف بيده حاذقا كان أو غير حاذق مفرطا أو غير مفرط، و في محكي السرائر نفى الخلاف بين أصحابنا عن ضمان الملاحين و المكاريين ما تجنيه أيديهم على السلع، و في التنقيح نفى الخلاف عن ضمان الصانع، و في الكفاية أنه لا يعرف فيه خلافا، و في محكي الخلاف و الغنية الإجماع على ضمان الختان و الحجام و البيطار.

ج 27، ص: 323

كل ذلك مضافا إلى سببية الإتلاف للضمان و إلى

صحيح الحلبي (1)و حسنه عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يعطى الثوب ليصبغه فيفسده، فقال: كل عامل أعطيته أجرا على أن يصلح فأفسد فهو ضامن».

و كذا خبر السكوني (2)و الكناني (3)و إلى

المرسل (4)عن أمير المؤمنين عليه السلام «من تطبب أو تبيطر، فليأخذ البراءة من وليه، و إلا فهو ضامن»

و أنه

(5)«ضمن ختانا قطع حشفة غلام»

الذي عن المقتصران عليه عمل الأصحاب و عن تعليق النافع أن عليه العمل و ديات النافع أنه مناسب للمذهب، بل عن السرائر أنه صحيح.

و من ذلك يعلم الحال في ضمان الحجام و الختان، و إن لم يتجاوز لمحل القطع إذا اتفق حصول التلف بفعله، لكن في محكي السرائر لو لم يتجاوز محل القطع مع حذقتهم في الصنعة، فاتفق التلف، فإنهم لا يضمنون، و عن الكفاية أنه غير بعيد.

و فيه أنه مناف لقاعدة الإتلاف و غيرها، و من هنا قال في جامع المقاصد:

بعد أن حكاه عنه هذا صحيح إن لم يكن التلف مستندا إلى فعلهم، و لكن قد يناقش بعدم صدق الجناية على ذلك، و نحوه مما بين مستأجر عليه و مأذون فيه، بل لعل ذلك هو التحقيق في المسألة، و بين ضمان الصناع لما يجنيه أيديهم و إن كان من غير تقصير منهم، بل و كذا الطبيب و البيطار إذا حصل التلف بالطبابة و البيطرة، و لعل ذلك مقتضى

القاعدة فضلا عن النصوص التي سمعت جملة منها.

و

في خبر بكر بن حبيب (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه، و إن اتهمته أحلفته»

و حينئذ لا ضمان مع عدم الفساد من حيث الصنعة و العمل،


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 19.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 10.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 13.
4- 4 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 24- من أبواب موجبات الضمان الحديث- 2.
6- 6 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 17.

ج 27، ص: 324

و إن اتفق نقصان قيمة الثوب مثلا بحصول العمل منه، و كذا المأمور بالختن و الحجامة و نحوهما، و لم يكن منه فساد و خيانة من حيث العمل المأمور به، و إن اتفق التلف به.

نعم لو كان ذلك بعنوان الطبابة و البيطرة ترتب الضمان لحصول الفساد بما كان يراد منه الصلاح و إن لم يكن عن تقصير و الله العالم.

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين البيطار و الطبيب في كثير من الأدلة السابقة و حينئذ ينبغي اتحاد حكم الطبيب معه، بل هو أحد الصناع، بل داخل في إطلاق صحيح الحلبي و غيره من النصوص، مع أخذه الأجرة على ذلك، من غير فرق بين القاصر الذي حكي الإجماع على ضمانه، و العارف المقصر الذي نفى الخلاف عنه، بل عن ظاهر ديات التنقيح الإجماع على ضمان العارف إذا عالج صبيا أو مجنونا أو

مملوكا بدون إذن الولي و المالك، و هو كذلك.

بل يقوى الضمان أيضا في العارف الماهر علما و عملا المأذون بأجرة و غيرها فأتلف، للمرسل المزبور، و قاعدة الإتلاف و القتل خطأ و انه لا يطل دم امرئ مسلم و غير ذلك، و الاذن في العلاج لا في الإتلاف لا تنافي الضمان به، كما في الصانع و غيره، و لم أجد خلافا صريحا في ذلك إلا من المحكي عن ابن إدريس و التحرير، فلم يضمناه للأصل المقطوع بما عرفت و دعوى سقوط الضمان بالإذن المقتضية تسويغ الفعل فلا يستعقب ضمانا الممنوعة على مدعيها.

و من هنا اتفق من عداهما من الأصحاب على الضمان و إن خلت جملة من العبارات عن التقييد بالإذن، لكن حملها على خصوص حال عدم الإذن لا دليل عليه، و لا داعي إليه إنما الكلام في صدق إتلافه و لا ريب في تحققه بمباشرته العلاج بنفسه، بل و بأمره بناء على قوة السبب على المباشر في مثله، بل و بوصفه له أن دواءك كذا و كذا، كما عن التذكرة التصريح به.

بل عن بعضهم التأمل في ضمانه لو قال: الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني، الا أنه كما ترى مناف لأصول المذهب و قواعده، بل الظاهر عدمه لو قال مثلا: لو

ج 27، ص: 325

كنت مريضا بمثل هذا المرض لشربت هذا الدواء كما أن المشهور على ما قيل البراءة بأخذها من المريض أو الولي للمرسل المزبور و غيره مما تسمعه إنشاء الله في كتاب الديات الذي هو محل المسألة و توابعها.

و كيف كان فما ذكرناه في أصل المسألة إنما هو التلف و ما شابهه بيده أما لو تلف في يد الصانع لا بسببه، من غير تفريط و لا تعد لم يضمن على الأصح للأصل و كونه أمينا، لكن في المسالك «قيل: أنه كذلك في الضمان، بل ادعى عليه المرتضى الإجماع، و ما اختاره المصنف أقوى، لأصالة البراءة، و لأنهم أمناء، فلا يضمنون بدون التفريط، و في كثير من الأخبار دلالة، و الإجماع ممنوع».

قلت: خلاف المرتضى و إجماعه إنما هو في تصديق دعواه التلف، و هو غير ما نحن فيه من معلوم التلف في يده بغير تعد و لا تفريط، و ستسمع تحقيق ذلك في المسألة الثانية من الفصل الرابع، و حينئذ لم أعرف الإشارة بالأصح في المتن إلى خلاف معلوم لأصحابنا.

و كذا الملاح يضمن ما يتلف بيده و حذقه، أو ما يعالج به السفينة من الاحبال و الأخشاب، بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد نسبته للنص و الإجماع، و قد سمعت معقد إجماع الانتصار و نفي الخلاف في السرائر و النصوص و غير ذلك مما يندرج فيه من غير فرق بين تعديه و تفريطه و عدمهما، و بين حضور المالك و غيبته، كما عن السرائر التصريح به.

و كذا يضمن ما يتلفه المكاري آدميا و غيره بقوده و سوقه، و انقطاع الحبل الذي شد به حبله مثلا كما نص عليه غير واحد، بل في جامع المقاصد نسبته إلى النص و الإجماع، و لعله أراد النصوص السابقة، و قد سمعت نفي الخلاف في السرائر و معقد إجماع الانتصار.

بل يمكن دعوى تناول الفتاوى له، و ان وقع لفظ الصانع في بعضها، إلا أنه يمكن ارادة مطلق الأجير منه. كما سمعته في النصوص و لعله لذلك ادعى في

ج 27، ص: 326

الجامع الإجماع بقرينة احتمال كون تعثر الدابة جناية من الأجير في حال كونه معها، و إن كان يقوى القول بأنه حال عدم اعتياد قود الدابة لمكان استواء الأرض، كانكسار السفينة الذي هو ليس من فعل الملاح، و

في خبر السكوني (1)عن أمير المؤمنين عليه السلام «أنه كان لا يضمن من الغرق و الحرق».

و على كل حال لا إشكال في أصل ضمانهما بما عرفت، بعد وضوح الدليل عليه، كوضوحه على أنهما لا يضمنان مع عدم التلف منهما، إلا ما يتلف بتعد أو عن تفريط منهما على نحو غيرهما من الأمناء على الأشبه بل لم يحضرني خلاف فيه، لما ستعرف من أن خلاف المرتضى و غيره في قبول قولهما، لا في عدم ضمانهما مع معلومية التلف كذلك و الله العالم.

و أما الحمال فيضمن ما يسقط عن رأسه مثلا بعثرته و نحوها مما يستند به التلف إليه، للأدلة التي سمعتها، مضافا إلى

الصحيح (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل حمل متاعا على رأسه فأصاب إنسانا فمات أو انكسر منه شي ء قال: هو ضامن»

بناء على عود الضمير المجرور إلى المتاع، و كون الحامل أجيرا مثلا، المعتضد ب

خبر زيد ابن على (3)عن آبائه عليهم السلام «أنه أتي بحمال كانت عليه قارورة عظيمة كان فيها دهن، فكسرها فضمنها إياه، و كان يقول كل عامل مشترك إذا أفسد فهو ضامن»

الحديث و لغيره من النصوص.

و بما في جامع المقاصد من نسبته إلى النص و الإجماع الذي لم نجد ما ينافيه، إلا ما يحكى عن كشف اللثام من أن الموافق للأصول عدم ضمانه إلا مع التفريط، أو كونه عارية مضمونة، قيل: و نحوه عن المسالك، و فيه أن عدم ضمان الأمين إلا بذلك فيما يتلف في يده، لا بفعله، أما هو مما كان نحو الصانع، من الأجير و نحوه فعلى قاعدة الضمان بالإتلاف، و مندرج في النصوص السابقة و غيرها.


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 30- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 11.
3- 3 الوسائل الباب- 30- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 13.

ج 27، ص: 327

و لو قال المالك للخياط مثلا: ان كان يكفيني قميصا فاقطعه فقطعه، فلم يكف ضمن، و لو قال هل يكفي قميصا؟ فقال: نعم، فقال: اقطعه فلم يكفه لم يضمن، كما في القواعد و غيرها لعدم الإذن في الأول بخلافه في الثاني، و إن كان

صدوره منه اعتمادا على قول الخياط، لكنه من الدواعي.

و عن أبي ثور الضمان بذلك، لقاعدة الغرور، و في جريانها هنا نظر واضح، بل يتوقف في الضمان في الصورة الأولى التي يمكن القول فيها بأن مدار الإذن على الاجتهاد في ذلك، و الفرض أنه قد غلب على ظنه ذلك، فهو في الحقيقة مأذون، و الأصل براءة الذمة، فتأمل جيدا و الله العالم.

و لو أتلف الصانع الثوب بعد عمله تخير المالك في تضمينه إياه، غير معمول و لا أجر عليه، و في تضمينه إياه معمولا و يدفع اليه أجره معاملة للعمل معاملة المبيع قبل قبضه إذا أتلفه البائع، فلا يتوجه دعوى الانفساخ قهرا و تضمينه الثوب غير معمول، لأنه إنما يتم بالتلف بآفة سماوية، لا في الإتلاف.

كل ذلك بناء على اعتبار تسلم العمل بتسلم العين في المعاوضة، أما على القول بالاكتفاء بإيجابه في عين المالك، و إن لم يتسلمه المالك، اتجه حينئذ ضمانه معمولا في الفرض، ضرورة كونه من صفات مال المالك، كما أنه يتجه حينئذ المطالبة بالأجرة مع فرض التلف بآفة سماوية، فتأمل.

و لو فرض نقصان قيمة الثوب عن الغزل كان له قيمة الثوب، للإذن في النقص، و لا أجرة للعمل، لعدم تسليمه.

و ما عساه يقال: من أنه مع فرض ثبوت الخيار له في ذلك الذي هو المراد في المسألة السابقة، يمكن حينئذ دعوى أن له الفسخ لعدم حصول المعاوضة، و المطالبة بقيمة الغزل التي ليس له غيرها مع فرض التلف بآفة سماوية، يدفعه أنه حيث لا يكون لعمل الأجير أثر في زيادة القيمة، و الفرض أنه أتلفه قبل القبض، فليس له المطالبة بالأجرة، و ليس للمالك مطالبة الأجير بشي ء عنه و إن أورث نقصا، لأنه بإذنه،

ج 27، ص: 328

بخلاف ما لو كان له أثر في الزيادة، فإن له المطالبة به منسوجا مع دفع الأجرة، و غير منسوج بدونها هذا.

و في قواعد الفاضل لو وجب ضمان المتاع المحمول تخير صاحبه بين تضمينه إياه بقيمته في الموضع الذي سلمه و لا أجر له، و تضمينه في الموضع الذي أفسده، و يعطيه الأجر إلى ذلك المكان كذلك.

و فيه أن مقتضى القواعد استحقاق الأجير أجرته إلى ذلك الموضع و ضمانه القيمة حال التلف لا التخيير المزبور، و ليس هو كالمسألة السابقة الذي يكون العمل فيها في عين المالك، الممكن دعوى اعتبار تسليمه بتسليمها، إذ ليس العمل هنا إلا الحمل و النقل، و أما وجوب تسليم العين فهو من حيث كونها أمانة في يده كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كذا ما فيها أيضا من أنه لو استأجره لحياكة عشر في عرض ذراع فنسجه زائدا في الطول، فلا أجرة له على الزيادة للتبرع و له المسمى، لا يخلو من نظر أيضا ضرورة عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه ضرورة مخالفته في آخر الطاقة الأولى من الغزل، لأنه كان عليه أن يعطفها عند بلوغ العشر حتى يعود إلى الموضع الذي بدء منه فهو مخالف فيه و فيما بعده، فلا يستحق أجرا أصلا، و كذا إن زاد فيه و في العرض، أو في العرض خاصة، و إن احتمل في القواعد هنا ذلك و المسمى أيضا كما لو نقص فيهما قال: لكن هنا إن أوجبناه أسقط منه بنسبة الناقص، و فيه ما عرفت و أن المتجه في الجميع عدم الأجر، بل يضمن الأرش لو فرض نقص الغزل بذلك. و الله العالم.

[المسألة السادسة من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه كانت نفقته على المستأجر]

المسألة السادسة: من استأجر أجيرا لينفذه في حوائجه مثلا كانت نفقته على المستأجر إلا أن يشترط على الأجير كما في النهاية و القواعد و الإرشاد و الروض على ما في بعضها، بل في اللمعة أنه المشهور و إن كنا لم نتحققه لغير من عرفت ممن تقدمه بل لعل المتحقق خلافه، إذ العكس خيرة السرائر و التذكرة و المختلف و التحرير و الإيضاح و جامع المقاصد، و المسالك، و الروضة، و مجمع البرهان و التنقيح

ج 27، ص: 329

و الكفاية على ما حكي عن بعضها، بل في التذكرة عن ابن المنذر لا أعلم في ذلك خلافا ساكتا عليه.

بل لعل ذلك هو الأقوى في النظر، ضرورة عدم اقتضاء عقد الإجارة من حيث هو كذلك إلا وجوب العوضين، و عدم الدليل الشرعي الدال على وجوبه تقييدا.

و

الصحيح (1)المروي في الكافي و التهذيب عن سليمان بن سالم «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل استأجر رجلا بنفقة و دراهم مسماة على أن يبعثه إلى أرض. فلما أن قدم أقبل رجل من أصحابه يدعوه إلى منزله الشهر و الشهرين، فيصيب عنده ما يغنيه عن نفقة المستأجر، فنظر الأجير إلى ما كان ينفق عليه في الشهر إذا هو لم يدعه، فكافي به الذي يدعوه، فمن مال من، تلك المكافاة؟ أمن مال الأجير، أم من مال المستأجر؟ قال: إن كان في مصلحة المستأجر فهو من ماله، و إلا فهو على الأجير، و عن رجل استأجر رجلا بنفقة مسماة و لم يفسر شيئا على أن يبعثه إلى أرض أخرى فما كان من مؤنة الأجير من غسل الثياب و الحمام فعلى من؟ قال: على المستأجر»

مع جهل راويه فإنه على ما قيل لم يذكره علماء الرجال، و عدم الجابر لما عرفت، بل قد سمعت الاعراض عنه ممن ذكرنا- ظاهر صدرا و عجزا في ذكر النفقة في العقد، و هو خارج عما نحن فيه.

و حينئذ يكون الوجه في السؤال الأول أن الأجير المشترط نفقته إذا اتفق بذلها من صديق و نحوه يبقى على استحقاقه لها مع فرض كون ذلك البقاء لمصلحة المستأجر حتى يكون مستحقا للنفقة، و في الثاني أن النفقة المعتبرة أجرة من غير تعرض لتفصيلها يدخل

فيها مثل غسل الثياب و دخول الحمام بخلاف الدواء و نحوه.

نعم هو ظاهر في جواز اشتراط النفقة من غير تعرض لمقدارها، بل اتكالا على تقديرها الشرعي أو العرفي، بل ظاهر في جواز جعلها أجرة أو جزؤها، و هو و إن كان منافيا لما ذكره بعضهم ممن لم ير وجوبها إلا بالشرط من وجوب التعرض لتفصيلها


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 330

تحرزا من الجهالة المفسدة لعقد الإجارة- إلا أنه يمكن القول به هنا للعموم، و الخبر المزبور المعمول به في الجملة الظاهر في الاكتفاء بمثل ذلك في دفع مثل هذا الغرر في الإجارة و إن وقعت النفقة جزأ من الأجرة فضلا عن أن تكون شرطا الذي قد صرح في محكي التذكرة هنا بعدم ضرر جهالته، لأنه من التوابع حينئذ كأس الجدار، كما أن ظاهر الأصحاب المفروغية من جواز الاستيجار للإنفاذ في حوائجه على الاجمال اتكالا على المعتاد المقدور له و اللائق بحاله من ذلك.

و حينئذ مع التشاح يجب على المستأجر بذل أقل مطعوم مثله و ملبوسه من الجنس المعتاد على حسب ما هو محرر في تقدير النفقات الواجبة في الشرع و لو استغنى الأجير لمرض أو بطعام نفسه لم يسقط حقه الذي قد حصل في العقد جزأ أو شرطا، و لو أحب الأجير أن يستفضل بعض طعامه جاز و إن كان مرضعة ما لم يكن في ذلك نقص في منفعة المستأجر كما هو واضح.

[المسألة السابعة إذا آجر مملوكا له صانعا مثلا فأفسد كان ذلك لازما لمولاه في سعيه ]

المسألة السابعة: إذا آجر مملوكا له صانعا مثلا فأفسد كان ذلك لازما لمولاه في سعيه فإن قصر ففي ذمته، يتبع به بعد العتق و كذا لو آجر نفسه باذن مولاه ل

لصحيح (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل استأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيرا؟ فقال: ليس على مولاه شي ء، و ليس لهم أن يبيعوه، و لكنه يستسعي و إن عجز فليس على مولاه شي ء، و لا على العبد شي ء»

المحمول عليه

الحسن (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل كان له غلام استأجر منه صانع أو غيره، قال: إن كان ضيع شيئا أو أبق منه فمواليه ضامنون».

و حينئذ فما في النهاية و محكي الكافي- من إطلاق كون الضمان على المولى و محكي السرائر من إطلاق عدم ضمانه و تبعه في جامع المقاصد. نعم قال: «إن كانت جنايته على نفس أو طرف كما لو كان طبيبا تعلق برقبة العبد و للمولى فداؤه


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.

ج 27، ص: 331

بأقل الأمرين من القيمة أو الأرش» لكن هذا لا يتقيد بإذن المولى- و ما في المسالك من التعلق بالكسب إن كان في العمل الذي يعمل فيه من غير تفريط، و إن كان بتفريط تعلق في ذمته يتبع به إذا أعتق، لأن الإذن في العمل لا يقتضي الإذن في الإفساد- في غير محله، و كالاجتهاد في مقابلة النص الذي مع فرض الاعراض عنه يتجه ما سمعته من الحلي و جامع المقاصد ضرورة عدم اقتضاء الإذن من المولى في الإجارة الضمان في كسبه مع الإفساد و لو بغير تفريط.

[المسألة الثامنة صاحب الحمام لا يضمن إلا ما أودع و فرط في حفظه أو تعدى فيه ]

المسألة الثامنة: صاحب الحمام لا يضمن إلا ما أودع و قبل الإيداع و فرط في حفظه أو تعدى فيه بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا اشكال، بعد حمل إطلاق عدم الضمان في محكي المقنعة على ذلك.

ف

في المرسل (1)«عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه اتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمنه، و قال إنما هو أمين».

و في خبر السكوني (2)«عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول لا ضمان على صاحب الحمام فيما ذهب من

الثياب، فإنه إنما أخذ الجعل على الحمام، و لم يأخذ على الثياب»

و نحوه خبر إسحاق بن عمار(3)عنهم عليهم السلام أيضا بدون التعليل.

و

في خبر أبي البختري (4)«عن جعفر أيضا عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان لا يضمن صاحب الحمام، و قال: إنما يأخذ أجرا على الدخول إلى الحمام»

و لكن قد يفهم من الأخير و خبر السكوني الضمان باستئجاره للحفظ و إن لم يكن بتفريط، و هو مناف لقاعدة الامانة، ضرورة عدم الزيادة على ذلك بالاستيجار.

و ل

لصحيح (5)«عن رجل استأجر أجيرا فأقعده على متاعه فسرق، قال: هو


1- 1 الوسائل الباب- 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3- ذيله عن ابن مسكان.
4- 4 الوسائل الباب- 28 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.

ج 27، ص: 332

مؤتمن».

نعم قد يقال: لا أجر له لعدم حصول العمل المستأجر عليه. و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا أسقط الأجرة بعد تحققها في الذمة صح ]

المسألة التاسعة: إذا أسقط الأجرة بعد تحققها في الذمة و إن لم يستحق تسلمها صح بلا خلاف و لا إشكال بعد معلومية مشروعية الإبراء بلفظه أو ما دل عليه من الإسقاط و نحوه نعم لو أسقط المنفعة في العين المعينة لم تسقط بلا خلاف أيضا و لا إشكال لأن الإبراء لا يتناول إلا ما هو في الذمم من أجرة أو عمل فيها أو منفعة كلية، و شبه ذلك مما هي محله، كما هو واضح و الله العالم.

[المسألة العاشرة إذا آجر عبده ثم أعتقه لم تبطل الإجارة]

المسألة العاشرة إذا آجر عبده ثم أعتقه صح العتق قولا واحدا لعموم أدلته و لم تبطل الإجارة أيضا كذلك للعموم أيضا، و إن حكي عن إيضاح النافع أنه قال: و ربما قيل: ببطلانها فيضمنها السيد للمستأجر، إلا أن الظاهر كونه لبعض الشافعية لا لأحد من أصحابنا الذين أطبقوا على عدم بطلانها بالبيع إلا أن يكون قد باعه على المستأجر، فإن بعضهم استشكل فيه أو خالف و حينئذ تستوفى المنفعة التي تناولها العقد من العبد الذي يجب الوفاء بها إن كان مكلفا.

و لا يرجع العبد (11) على مولاه بأجرة مثل عمله و منفعته بعد العتق التي قد أعتق مسلوبا عنها، و كانت ملكا لمولاه و قد ملكها غيره بالإجارة.

فما عن الشافعي- في القديم من رجوعه بذلك بل احتمله جماعة من أصحابنا بل عن الشيخ و ابن إدريس حكايته قولا، و ظاهرهما أنه لأصحابنا و إن كنا لم نتحققه- واضح الضعف.

و أضعف منه ما ذكر في توجيهه من أن إزالة الرق تقتضي ملك العبد للمنافع، فإذا سبق نقل المولى لها فاتت عليه فيرجع على المولى بأجرة مثل عمله بعد العتق (12) بعوضها، و هو أجرة المثل فكان كما لو أكرهه على عمل، إذ هو كما ترى، ضرورة أن المكره متعد، و العبد لم يكن مالكا للمنافع التي قد استقر ملك المستأجر عليها، و الرق إنما زال عنه مسلوب المنافع تلك المدة فلا رجوع له على أحد.

ج 27، ص: 333

و أما نفقته مدة الإجارة فهي على المستأجر قطعا إن شرطت عليه، و إلا مع فرض عجزه عنها لعدم مال، فعلى المعتق عند الفاضل في القواعد، لأنه كالباقي على ملكه، حيث ملك بعض نفعه، و ضعفه واضح، ضرورة أن المقتضي لها الملك، و قد زال، أو في بيت المال كما عنه أيضا في التذكرة، و في الحواشي و جامع المقاصد و إيضاح النافع و المسالك فإن لم يكن وجب على الناس كفاية، أو على العبد نفسه يكتسبها في غير مدة المستأجر، و مع فرض التعذر يسعى كل يوم بقدر النفقة، و يصرف باقي اليوم للمستأجر و يحتسب ما سعى به على المستأجر من مدته.

و فيه أن نفقته حينئذ على المستأجر الذي قد عرفت عدم وجوبها عليه، و لو قيل باحتساب مقدار أجرة المثل أو قيمة ما اكتسبه في ذمة العبد للمستأجر لكان حسنا، بل لا بد من القول به مع فرض الانحصار في ذلك، لعدم بيت المال، ضرورة تقدم النفقة على كل واجب في الذمة و لو للغير و الله العالم.

و لو آجر الوصي مثلا صبيا مدة مثلا يعلم بلوغه و رشده فيها لو كان رشيدا بطلت في المتيقن لعدم كونه وليا فيها فتصرفه حينئذ فضولي ان لم يعتبر في صحة المجيز في الحال و عليه يحمل البطلان في المتن، و إلا كان العقد باطلا حقيقة و صحت في الزمان المحتمل بلا خلاف كما عن الخلاف بمعنى الحكم بصحته ظاهرا لتحقق الولاية المقتضية لصحة ذلك.

و لو اتفق البلوغ فيه، فهل للصبي الفسخ، بعد بلوغه بمعنى عدم اجازة العقد الفضولي المفروض صحته التي هي القابلية لترتب الأثر قيل: نعم و اختاره في المبسوط و القواعد و الإرشاد و التذكرة و السرائر و قواعد الشهيد و المختلف و جامع المقاصد و المسالك لعدم الولاية له في هذا الحال فيكون التصرف فيه فضولا.

و لكن فيه (11) عند المصنف تردد (12) بل عن الخلاف الجزم بلزومها، لوقوع الإجارة من أهلها في محلها في وقت لم يعلم لها مناف، فتستصحب، و فيه ما عرفت من أنه بالنسبة إلى الحال المفروض ليس من أهلها و لا في محلها، و الجهل لا مدخلية له في تغير حكم الموضوع واقعا.

ج 27، ص: 334

نعم لو فرض اجارة الولي المدة الزائدة على سن البلوغ في مصلحة الطفل قبل بلوغه كان المتجه لزومها و كذا الكلام في ماله و ليس مفروض المسألة هنا كذلك و إنما هو إجارتها في مصلحة له مستمرة باستمرار الزمان عليه و لا ريب في أن المتجه في هذا صحتها و لزومها إلى حال البلوغ و التوقف على الإجازة في غيره ضرورة عدم الولاية لأحد بعد البلوغ و الرشد عليه و لو في مصالحه.

و بذلك ظهر لك الحال في موضوع المسألة فلا يشكل بان فرض موضوع الإجارة زائد على مدة البلوغ إن كان في مصلحة الصبي صحت و لزمت عليه و الا لم تصح من مثل الوصي حتى فيما قبل البلوغ إذ قد عرفت الفرق بين المصلحة للصبي حال صباه و بينها مستمرة إلى ما بعد بلوغه فالأولى هي التي ينفذ معها التصرف و لو كان الإجارة فيما بعد البلوغ بسنين بخلاف الثانية فإنها تلزم حال عدم البلوغ و يبقى الباقي على الإجارة و لا يشكل صحتها حينئذ بالجهل بالمدة ضرورة الاكتفاء بالعلم في الجملة في دفع الغرر.

فما في الإرشاد من الحكم بالبطلان بالبلوغ في الفرض محمول على إرادة الفضولي لا البطلان من رأس، للجهالة، و ان احتمله بعضهم مؤيدا له بما في القواعد من الحكم ببطلان استيجار العبد مدة يعلم موته قبل انقضائها للجهالة، إلا أنه كما ترى.

و على كل حال ففي المفروض لو مات الولي أو انتقلت الولاية إلى غيره لم يبطل الإجارة الأولى الجامعة لشرائط الصحة و اللزوم التي هي أولى من الوكالة و لا يشكل ذلك بأن مقتضاه عدم اجارة ناظر الوقف حينئذ، فإن التزامه غير معلوم البطلان.

نعم يتجه انفساخها مع عدم الإجازة لو مات للبطن الثاني التي لم تكن الإجارة الراجع إلى مصلحتهم، و انما هو كمفروض المسألة أنه آجر الوقف على حسب المصلحة المستمرة الحاصلة لأهل البطن الأول، و البطن الثاني الذي هو غير ولي عليهم في مصالحهم المقارنة لوجودهم الذي أمرها إليهم نحو ما قلناه فيما نحن فيه فتأمل فإنه

ج 27، ص: 335

دقيق نافع.

[المسألة الحادية عشرة إذا تسلم أجيرا ليعمل له صنعة فهلك لم يضمنه ]

المسألة الحادية عشرة: إذا تسلم أجيرا بعقد صحيح ليعمل له عملا أو صنعة فهلك بعمله أو غير عمله لم يضمنه صغيرا كان أو كبيرا حرا كان أو عبدا مع فرض عدم التفريط منه و عدم التسبيب الذي يقوى على المباشرة بلا اشكال و لا خلاف بل في المسالك هو موضع وفاق منا و من العامة، و في التنقيح إجماع المسلمين.

لكن عن المبسوط أنه حكى عن الشافعي في العبد قولين و عن الخلاف عن قوم الضمان في أصل المسألة و الأمر سهل بعد معلومية الحال، و هو عدم الضمان من حيث كونه أجيرا، للأصل بعد فرض أن إثبات يده بحق، و هو استيفاء المنفعة التي ملكها بل لا فرق بين هلاكه في مدة الإجارة و بعدها، إذ لا يجب على المستأجر رد العين على مالكها على تقدير كونها مملوكة، و إنما الواجب عليه التخلية بينه و بينها فإذا كان حرا أولى.

نعم لو حبسه مع الطلب بعد انقضاء المدة صار بمنزلة المغصوب إذا كان مملوكا أما الحر فستعرف الحال في البالغ و غير البالغ و الله العالم.

[المسألة الثانية عشرة إذا دفع سلعة مثلا إلى غيره ليعمل له فيها عملا فان كان ممن عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسال و القصار فله أجرة مثل عمله ]

المسألة الثانية عشرة: إذا دفع سلعة مثلا إلى غيره، ليعمل له فيها عملا فان كان ممن عادته أن يستأجر لذلك العمل كالغسال و القصار فله أجرة مثل عمله لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يظهر من فاعله التبرع إذ هو كعين ماله فضلا عن أن يكون ظاهره الأجرة كما في الفرض بل الظاهر عدم اعتبار دفع السلعة في ذلك، و من هنا جعل العنوان في الإرشاد الأمر بالعمل الذي له أجرة في العادة بل الظاهر عدم اعتبار الأمر في ذلك أيضا بل يكفي الإذن فيه و لو بالفعل نحو ما جلس بين يدي حلاق ليحلق رأسه أو دلاك كذلك كما نص عليه في جامع المقاصد.

بل يمكن دعوى عدم الكراهة في عدم تعيين مقدار الأجرة في مثل هذا باعتبار

ج 27، ص: 336

معلومية أجرة مثله، فلا يندرج حينئذ فيما دل على النهي عن ذلك مع احتماله.

ثم لا يخفى عليك أن ظاهر المصنف و غيره بل و مقتضى القواعد كون الثابت في الفرض أجرة المثل التي هي قيمة العمل في مقابلة العين لا ما ضربه العامل لنفسه، و ان زاد عنها و لا ما قصده الدافع و إن قل عنها ضرورة كون المقام من الضمانات لا المعاملات، و الضمان للشي ء إنما هو بقيمته، أما المعاملة فلا بد من الموافقة على المسمى منهما كما هو واضح.

و على كل حال فلا اشكال و لا خلاف في الأجرة في أصل المسألة بل و إن لم تكن له أي العامل عادة و كان العمل مما له اجرة فيها فله أي العامل المطالبة لأنه أبصر بنيته التي هي إرادة الأجرة عوض عمله، أو عدم قصد التبرع فإن ذلك كاف في تحقق الأجرة للأصل المزبور، و إن أراد الدافع التبرع، و لعله المراد مما في المتن.

نعم إن لم يكن مما له اجرة بالعادة، لم يلتفت إلى مدعيها بل و إن نوى العامل الأجرة بذلك لم يكن له، للأصل و عدم تقومه المانع من ضمانه، بناء على أن ذلك هو المراد من قولهم لا اجرة له في العادة.

و حينئذ فلو كان متقوما عرفا لزمته الأجرة بمجرد الأمر بفعله، و إن جرت العادة بعدم أخذ الأجرة عليه كاستيداع المتاع الذي احتمل منه الإجارة، إلا أنه استبعده في جامع المقاصد، و استحسن إرادة الأعم من ذلك و هو ما لا اجرة له في العادة سواء كان متقوما بحيث يجوز مقابلته بالعوض أم لا، و قال: «إن ظاهر العبارة لا يأبى العموم».

قلت: قد عرفت أن ضمان الأجرة بالإذن إنما هو لأصالة احترام العمل، و عدم اعتياد أخذ الأجرة عليه لا ينافي احترامه في الواقع على وجه يجعله كالمقصود به التبرع.

و دعوى- أن عدم الأجرة له في العادة تقضي بقصد التبرع- يدفعها أن مفروض

ج 27، ص: 337

البحث هنا بيان حكم الموضوع واقعا لا حكم التداعي ظاهرا مع أنه يمكن دعوى كون القول قول العامل أيضا لأنه أبصر بنيته، و كون العادة كذلك لا يقتضي قصد التبرع، كما أن عدم العادة للعامل في الصورة السابقة التي حكم فيها بالأجرة بلا خلاف في ذلك.

و من هنا بان لك النظر فيما ذكره الشهيدان و غيرهما من الفرق بين ما في المتن و محكي التذكرة و التحرير و بين ما في قواعد الفاضل حيث اكتفى في ثبوت الأجرة بكون العمل ذا أجرة في العادة، كما لو دفع للحداد مثلا سكينا فقال:

افتحها، و لم يكن فتحها من العمل الذي يستأجر عليه عادة لكونه ميسورا بخلاف ما في القواعد.

أما غير هذه الصورة فمقتضاهما نفيا و إثباتا متحد إذ قد عرفت أن عدم الضمان فيما لا اجرة له في العادة، لعدم اجرة المثل له فلا يتصور ثبوت عوض له في الذمة، و إن صح مقابلته بالعوض بالتراضي و كون الحداد ناصبا نفسه لأخذ الأجرة لا يقتضي ثبوت أجرة مثل للعمل المدفوعة إليه، و إن لم يكن له مثل في الخارج، و كذا الخياط و غيرهما من الصناع فيكون المقصود للمصنف في ذكر الأمرين بيان المفروغية من الصورة الأولى.

و أما الصورة الثانية فهي كذلك أيضا إلا أن فيها احتمال العدم باعتبار عدم كون العامل ممن نصب نفسه لذلك، حتى يكون قرينة على إرادتها بل لم يصرح أحد منها بها.

بل قد عرفت إمكان فرضها بما إذا خليا في الواقع عن قصدهما، و الأصل البراءة، إلا أنك قد عرفت ثبوتها لا لأنها من المعاطاة، فإن الشرائط فيها مفقودة، بل من باب الضمان لاحترام عمل المسلم و مساواة منافعه مع الاستيفاء لأعيان ماله فيضمن حينئذ بذلك مع الإذن فضلا عن الأمر بأجرة المثل.

و الأصل في ذلك أن الموجود في الخلاف و المبسوط الاقتصار على خصوص الصانع

ج 27، ص: 338

على ما حكي قال في الأول: «إذا سلم الثوب إلى غسال، و قال له: اغسله و لم يشترط الأجرة و لا عرض له بها، فغسله لزمته الأجرة» و بمعناه قوله في المبسوط «إذا أمره بغسله كان عليه الأجرة» بل عن الخلاف زيادة أنه إن لم يأمره بغسله لم يكن له أجرة فأراد المصنف بيان عدم اعتبار اعتياد العامل في الأجرة و لا الأمر فصرح بها في الصورتين.

و بالتأمل فيما ذكرنا بان لك التحقيق في جميع أطراف المسألة على وجه لا- يخفى عليك ما في كلمات بعض الأصحاب بعد الإحاطة بذلك.

[المسألة الثالثة عشرة كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر]

المسألة الثالثة عشرة: كل ما يتوقف عليه توفية المنفعة الواجبة على الأجير فعلى المؤجر كالخيوط في الخياطة و المداد في الكتابة و الأقلام فيها و الكش في التلقيح و الصبغ في الصباغة و إن لم يكن عادة تقضي بوجوبه على المستأجر، لدليل المقدمة.

لكن في المسالك و الروضة و عن موضع من التذكرة أنه مع انتفاء العرف أو اضطرابه فعلى المستأجر، لأن المقصود من الإجارة العمل، أما الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجه يجب أداؤها لأجلها إلا في شواذ تثبت على خلاف الأصل كالرضاع و الاستحمام.

و فيه ما عرفت من أن وجوبها ليس للدخول في مفهوم الإجارة، بل لمقدمة الواجب الذي الأصل فيه أن يكون مطلقا لا مشروطا، خصوصا مع ملاحظة(1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ».

نعم في الحواشي و عن مجمع البرهان وجوب التعيين مع عدم العادة أو اختلافها، و إلا بطلت الإجارة، و فيه أنها من التوابع، و ليست من مورد الإجارة الذي يعتبر فيه المعلومية.

فالتحقيق حينئذ ما ذكره المصنف من الأقوال الثلاثة في مفروض المسألة، و


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 27، ص: 339

أما ما وقع من الاختلاف في خصوص بعض الأشياء فإنما هو في تنقيح أصل العادة فيها، و ليس هو من وظائف الفقيه.

و حينئذ ف يدخل المفتاح للغلق المثبت التابع لإجارة الدار لا مثل القفل و مفتاحه في إجارة الدار لأن الانتفاع لا يتم الا بها و قد عرفت وجوب تسليمه على صاحب الدار فتجب مقدماته مضافا إلى تبعيته للغلق التابع للباب التابعة للدار في الإجارة بل في محكي التذكرة و التحرير وجوب غيره على الموجر لو اتفق ضياعه من المستأجر لتوقف إيصال المنفعة عليه كما في العمارة، بل عن الأول و جامع المقاصد ثبوت الخيار مع عصيانه و امتناعه.

لكن في القواعد و جامع المقاصد و عن الإرشاد و شروحه ليس له المطالبة ببدله مع ضياعه من المستأجر، و إن لم يكن ضامنا له، بل هو أمانة لعدم جبر الإنسان على إصلاح ملكه و عمارته، و حينئذ فيصنعه المستأجر لحاجته إن شاء، كما أنه إن شاء الموجر من غير لزوم لأحدهما.

و فيه أن ذلك ليس لوجوب إصلاح الملك، بل لوجوب تسليم المنفعة إلى مستحقها، و لذلك وجب عليه تسليم الدار فارغة الظاهر، و كذا البالوعة و الحش و مستنقع الحمام، بل للمستأجر الخيار إذا كانت مملوءة و لم يبادر على وجه لم يفت نفع معتد به على المستأجر، بل ربما قيل بثبوته بمجرد الامتلاء.

نعم يمنع وجوب ذلك بعد تسليم المفتاح إليه، و منه يعلم حينئذ قوة ما في جامع المقاصد من عدم وجوب التفريغ عليه في أثناء الإجارة للحش و البالوعة و مستنقع الحمام، و إن احتمله في القواعد، بل عن التحرير أنه قربه، و قال ليس كل ما يتوقف عليه الانتفاع بعد تسليم العين و تمكين المستأجر منها التمكين التام يجب على المؤجر، فإن رفع يد الغاصب كذلك، مع أنه لا يجب، و الأصل البراءة مع تسليم العين فارغة.

و إن كان قد يناقش بالفرق في موانع الانتفاع بين قصور العين في نفسها لاتفاق خراب و نحوه، و بين الأمر الأجنبي المانع للمستأجر و إن بقيت هي على قابليتها

ج 27، ص: 340

ضرورة وجوب توفية المنفعة الراجعة للعين نفسها في تمام المدة.

و على كل حال فلا يجب على المستأجر إصلاح ما فسد من العين باستيفاء المنفعة الذي هو حقه و حينئذ فليس عليه التنقية للحش و البالوعة مثلا عند انتهاء المدة، و ان حكي عن ظاهر المبسوط ذلك.

نعم قد يقال: بوجوب التنقية من الكناسة كما في القواعد بل فيها أن رماد الأتون كالكناسة مع أنه استشكل فيه في محكي التحرير قال: «لو خرجت المدة و في الدار زبل أو قمامة وجب على المستأجر تفريغه على إشكال» و في جامع المقاصد للنظر فيه مجال، و لعله لأنه من ضرورات انتفاعه بها، فكانت كالخلاء و البالوعة، بل ينبغي الجزم بعدم وجوب كناسة ما يكون من الدار نفسها أو ما تأتي بها لرياح.

و أما كنس الثلج عن السطح فالظاهر أنه من وظيفة المالك كالعمارة، بل لا يبعد ذلك في ثلج العرصة إذا كثف و منع من الانتفاع لما عرفت. نعم لا بأس به مع عدم كثافته المانعة من الانتفاع إذ هو حينئذ كالكناسة في أثناء الإجارة المعلوم عدم وجوبها على الموجر و الله العالم.

ج 27، ص: 341

[الفصل الرابع في التنازع و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل الرابع: في التنازع: و فيه مسائل

[المسألة الأولى إذا تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول المالك ]

الأولى: إذا تنازعا في أصل الإجارة فالقول قول منكرها الموافق للأصل سواء كان المالك أو غيره مع يمينه بلا خلاف و لا إشكال، ثم إن كان النزاع قبل استيفاء شي ء من المنافع رجع كل مال إلى صاحبة و إن كان بعده أو بعد استيفاء الجميع الذي يزعم مدعي الإجارة أنه مورد العقد، فلا يخلو إما أن يكون المدعي المالك أو المتصرف.

فإن كان المالك و حلف المنكر انتفت و وجب اجرة المثل، فان كانت أزيد من المسمى بزعم المالك لم يكن له المطالبة إن كان دفعه لاعترافه باستحقاق المالك، بل يجب عليه إيصاله إليه إن لم يكن دفعه.

و إن كان ليس للمالك قبضه بعد اعترافه بعدم استحقاقه إلا أن يكذب نفسه في دعواه الأولى على قول، منشؤه انحصار الحق فيهما، و إن زاد المسمى على أجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه و يسقط عنه إن لم يكن، و العين ليست مضمونة عليه في هذه الصورة لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

و إن كان المدعي المتصرف فحلف المالك استحق أجرة المثل، فله المطالبة إن لم يكن قبض قدرها و إن زادت عن المسمى بزعم المتصرف، و إن كان المسمى أكثر فليس له المطالبة في الزائد إلا أن يكذب نفسه بالقول السابق، و إن وجب على المتصرف إيصاله إليه بطريق من الطرق الشرعية، و لو كان المتصرف قد أقبض المسمى و كان أزيد من أجرة المثل فليس له المطالبة بالزائد المعترف بعدم استحقاقه إلا أن يكذب نفسه كما عرفت و إن وجب على المالك إيصاله إليه كذلك، و لكن العين هنا مضمونة إذا كان المالك منكرا لأصل الإذن و إلا فلا ضمان.

و كذا لو اختلفا في قدر المستأجر بفتح الجيم، فإن القول قول المالك الذي هو المنكر غالبا في مثل ذلك لأصالة عدم وقوعها على أزيد مما اعترف به، و احتمال التحالف- أو القول به لأن كلا منهما مدع و منكر- ضعيف مع فرض

ج 27، ص: 342

كون الدعوى في أصل وقوع الإجارة كما أوضحناه في نظائر المسألة، و قلنا ان ضابط التحالف عدم اتفاقهما على شي ء من مورد العقد، بل أحدهما يقول آجرتك البيت، و الآخر يقول الدابة مثلا نحو ما سمعته في البيع الذي لا فرق عند التأمل بينهما بالنسبة إلى ذلك.

و كذا لو اختلفا في رد العين المستأجرة فإن القول قول المالك للأصل، و حرمة القياس على الوديعة عندنا.

أما لو اختلفا في قدر الأجرة، فالقول قول المستأجر الموافق لأصل عدم الزيادة على ما اتفقا عليه من قدرها و موردها و مدتها، و منه يعلم ضعف التحالف هنا كما عرفته هناك.

[المسألة الثانية إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع و أنكر المالك كلفوا البينة]

المسألة الثانية: إذا ادعى الصانع أو الملاح أو المكاري هلاك المتاع من غير تعد و لا تفريط و أنكر المالك، كلفوا البينة على ذلك و مع فقدها يلزمهم الضمان على المشهور كما في المسالك بل عن المرتضى دعوى أنه إجماعنا و من متفرداتنا، الا أن معقده الصناع كالقصار و الخياط و ما أشبههما إلا أنا لم نجده إلا ليونس بن عبد الرحمن على ما حكي عنه و المفيد و الشيخ في موضعين من النهاية، مع أنا لم نتحققه للأول منهم، بل لعل ظاهر المحكي عنه يقتضي ضمانهم ما جنته أيديهم، فليس حينئذ إلا المفيد و المرتضى.

و قيل: القول قولهم مع اليمين، لأنهم أمناء و هو أشهر الروايتين عملا إن لم يكن رواية أيضا إذ هو خيرة النهاية في أول كلامه، و الخلاف، و المبسوط، و المراسم، و الكافي، و المهذب، و الوسيلة، و السرائر، و جامع الشرائع، و التذكرة، و التحرير، و القواعد، و الإرشاد، و المختلف، و التنقيح، و إيضاح النافع، و جامع المقاصد، و الرياض، و المسالك على ما حكي عن بعضها، بل عن السرائر نسبتها إلى الأكثرين المحصلين، و أنه الأظهر في المذهب و عليه العمل، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه بل عن الخلاف عليه إجماع الفرقة و أخبارهم.

ج 27، ص: 343

و يدل عليه مضافا إلى ذلك و إلى قاعدة الأمانة

صحيح معاوية بن عمار(1)«عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الصباغ و القصار فقال: ليس يضمنان».

و خبر بكر بن حبيب (2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أعطيت جبة إلى القصار فذهبت بزعمه، قال: إن اتهمته فاستحلفه، و إن لم تتهمه فليس عليه شي ء».

و خبره الآخر(3)عنه أيضا «لا يضمن القصار إلا ما جنت يداه و إن اتهمته أحلفته».

و خبر أبي بصير المرادي (4)عنه أيضا «لا يضمن الصائغ و لا القصار و لا الحائك إلا أن يكونوا متهمين، فيخوف بالبينة و يستحلف لعله يستخرج منه شيئا».

و هي و إن كان في مقابلها أخبار أخر ك

حسن الحلبي (5)عنه عليه السلام أيضا «في الغسال و الصباغ ما سرق منهما من شي ء فلم يخرج منه على أمر بين أنه قد سرق، و كل قليل له أو كثير فهو ضامن، فإن فعل فليس عليه شي ء، و إن لم يقم البينة و زعم أنه قد ذهب الذي ادعي عليه فقد ضمنه إن لم يكن له بينة على قوله».

و خبر أبي بصير(6)عنه عليه السلام أيضا «قال: سألته عن قصار دفعت إليه ثوبا فزعم أنه سرق من بين متاعه؟ قال: فعليه أن يقيم البينة أنه سرق من بين متاعه و ليس عليه شي ء فإن سرق متاعه كله فليس عليه شي ء».

و حسن الحلبي (7)عنه عليه السلام أيضا «أنه سئل عن رجل جمال استكرى منه إبلا و بعث معه بزيت إلى أرض فزعم أن بعض زقاق الزيت انخرق فأهراق ما فيه؟


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة- الحديث- 14.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة- الحديث- 16.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة- الحديث- 17.
4- 4 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة- الحديث- 11.
5- 5 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 2- 3.
6- 6 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 5.
7- 7 الوسائل الباب- 30- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.

ج 27، ص: 344

فقال: إن شاء أخذ الزيت و قال: انه انخرق، و لكن لا يصدق إلا ببينة عادلة»

و نحوه خبر زيد(1)الشحام.

و في جملة من النصوص (2)إطلاق ضمان القصار و الصائغ معللا في بعضها بالاحتياط في أموال الناس، و في أخرى تقييد ذلك بما إذا لم يكونا مأمونين.

و في

الأخرى (3)«أن على بن الحسين و الباقر عليهما السلام كانا يتفضلان عليهم إذا كانوا مأمونين بعدم التغريم»

و يمكن حملها أجمع على ما إذا أفسدوا بأيديهم، بل في بعضها إيماء إلى ذلك، و قد عرفت أن الضمان متجه لعموم من أتلف و نحوه إلا أن يحب التفضل عليهم إذا كانوا مأمونين بعدم التغريم.

و حينئذ تكون خارجة عما نحن فيه كخروج نصوص الأجير المشترط عليه الضمان عن ذلك و النصوص المقتضية للضمان و إن أقاموا البينة، بل لم أجد عاملا بها من أصحابنا، إلا أن النظر في مجموع هذه النصوص و ما فيها من لفظ الأجير المشترك و نحوه و شدة اختلافها، و ما حكي عن العامة مثل ابن أبي ليلا و الثوري و أبي يوسف و الشيباني و ابن حي و الشعبي و الليث و الأوزاعي و مالك و الشافعي في أحد قوليه و أحمد في إحدى الروايتين على اختلاف أقوالهم يقتضي خروجها مخرج التقية بل ربما يحصل الجزم بذلك خصوصا مع ملاحظة اختلافها و اختلافهم و اتحاد بعض ألفاظها و ألفاظهم، و من هنا أعرض الأصحاب عنها إلا من عرفت، و

عملوا بالنصوص الموافقة لقاعدة الأمانة و أصل البراءة و غيرها و هو الأقوى.

و كذا لو ادعى المالك عليهم التفريط بعد التصديق في أصل التلف فأنكروا لم يكن عليهم إلا اليمين مع التهمة خلافا لمن عرفت ممن حكم بضمانهم إلا أن يقيموا البينة على التلف بلا تعد و لا تفريط و قد عرفت الحال فيه.

[المسألة الثالثة لو قطع الخياط ثوبا قباء مثلا مدعيا الإذن من المالك و قال المالك أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول المالك ]

المسألة الثالثة: لو قطع الخياط ثوبا قباء مثلا مدعيا الاذن من المالك


1- 1 الوسائل الباب- 30 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 4- 6- 12- 23.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 20.

ج 27، ص: 345

بذلك و قال المالك لم آمرك بذلك و إنما أمرتك بقطعه قميصا فالقول قول المالك في عدم الإذن مع يمينه لأنه المنكر باعتبار أصالة عدم الإذن على الوجه المزبور إذ إنكار صفة الإذن كإنكار أصلها.

و قيل كما عن وكالة المبسوط و الخلاف القول قول الخياط لأصالة براءة ذمته من الأرش و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده بل هو المشهور بل لم يعرف الخلاف إلا من الشيخ في الباب المزبور، و إلا فالمحكي عنه هنا الموافقة، و أصالة براءة الذمة من الأرش بعد الاعتراف بحصول سببه منه الذي هو القطع، إلا أنه يدعى إسقاط ترتبه على ذلك بدعوى الإذن فيه، و أنه مستحق للأجرة- لا وجه للتمسك بها، بخلاف المالك الذي لم يحصل منه إلا إنكار ذلك.

و أما قوله إني أذنت في قطعه قميصا فلا يقتضي إيجاب شي ء على الخياط، إذ لو لم يحدث فيه حدثا لم يكن عليه بسبب الإذن المزبور ضمان، غاية ما في الباب أنه لا يستحق أجرة، و من هنا بان أنه لا وجه للتحالف و إن حكي عن الشافعي و بعض أصحابنا لعدم تحقق دعويين في الفرض المزبور بل الدعوى مختصة بالخياط كما هو واضح.

و من الغريب ما عن الأردبيلي من أنه بعد أن استظهر التحالف استظهر أنه لا عليه أجرة الخياط، و أنه يلزمه أرش النقص، ضرورة أن ذلك يترتب على مجرد حلف المالك، فلا فائدة في يمين الخياط حينئذ.

نعم لو كان نزاعهما في تعيين العمل المستأجر عليه قبل قطع الثوب اتجه التحالف و انفساخ الإجارة نحو ما سمعته في التنازع في تعيين المبيع، و فرق واضح بين المقامين.

و كيف كان ف لو أراد الخياط فتقه لم يكن له ذلك إذا كانت الخيوط من الثوب أو من المالك بلا خلاف أجده بين من تعرض له، بل و لا إشكال، لحرمة التصرف في مال الغير، و ليس له إلا العمل، و هو ليس عينا حقيقة يمكن انتزاعها من مال الغير، فهو حينئذ كما لو نقل ملك غيره من موضع إلى آخر

ج 27، ص: 346

عدوانا، فإنه ليس له رده، إلا بمطالبة المالك إذ الفرض ثبوت انتفاء الاذن فيه بحلف المالك.

و لذا كان لا أجرة له، بل عليه الأرش و هو تفاوت ما بين قيمته مقطوعا قميصا و غير مقطوع، لا تفاوت ما بين قيمته مقطوعا قميصا و قيمته مقطوعا قباء، لأن قطعه قباء عدوان، لأنه عمل لم يأذن فيه المالك.

نعم لو لم يتفاوت القميص و القباء في بعض القطع أمكن أن لا يجب أرشه لكونه من جملة المأذون بل لا يبعد استحقاقه الأجرة على ذلك إن كانت، و كذا الكلام فيما لو قال اقطعه قميص رجل، و قطعه قميص امرأة.

و لو كانت الخيوط للخياط كان له أخذها لقاعدة «الناس مسلطون على أموالهم» و عدوانيته بظاهر الشرع لا تسقط حرمة ماله، و اعترافه أنها ملك للمالك تبعا للعمل الذي قد ادعي أنه قد استأجره عليه لا ينافي استحقاق أخذها و لو على جهة المقاصة أو لانفساخ العقد بتعذر دفع الأجرة.

نعم لو حصل نقص في الثوب باستخراجها اتجه وجوب الأرش عليه بل الظاهر عدم جبره على القبول لو دفع المالك قيمة الخيوط و ان احتمل، كما أنه لا يجبر المالك على القبول لو بذل الخياط قيمة الثوب، و لو أراد المالك شد خيط في كل خيط حتى إذا سله عاد خيط المالك في مكانه لم يجب الإجابة قطعا لاستلزامه التصرف في مال الغير المتوقف على طيب النفس و الله العالم.

ج 27، ص: 347

[كتاب الوكالة]

كتاب الوكالة بفتح الواو و كسرها و هي التفويض، و شرعا الاستنابة المخصوصة، و لا ريب في مشروعيتها بل لعله من ضرورة الدين، فلا حاجة الى الاستدلال عليه بقوله تعالى (1)«فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ»(2)«و اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا» كي يناقش بعدم كون الثاني من الوكالة، بل و الأول المحتمل أنه من الإذن لا منها كما ستعرف تفصيل ذلك.

و على كل حال فتمام الكلام فيه يستدعي بيان فصول:

[الفصل الأول في العقد]

الأول: في العقد و هو ما قصد فيه الدلالة على ال استنابة في التصرف و لو بالقول كاجراء الصيغة و نحوها، فلا يدخل فيه الوديعة و المضاربة و نحوهما مما لم يكن المقصود منه ذلك، و أما الوصاية فهي إحداث ولاية لا استنابة، كما أنه لا يشكل بخروج الوكالة في القول عنه.

علي أنك قد عرفت غير مرة أن المراد من أمثال هذه التعريفات الكشف في الجملة شبه التعريفات اللفظية فلا جهة للإطناب في ذلك طردا و نقضا كما أنه ذكرنا غير مرة أيضا كون المراد في نحو المقام بيان كون الوكالة من قسم العقود بالمعنى الأعم الشامل

للمعاطات بناء علي مشروعيتها فيها، بمعنى أنها ليست من الإيقاع.

و أما عقدها بالمعنى الأخص فمعلوم أنه المركب من القولين إيجابا و قبولا، و أما المركب من القول في الإيجاب و الفعل في القبول فربما ظهر من جماعة كونه


1- 1 سورة الكهف الآية- 19.
2- 2 سورة يوسف الآية- 93.

ج 27، ص: 348

منه في العقود الجائزة لكن إن لم يكن إجماع فيه بحث.

نعم لا يعتبر فيه لفظ مخصوص، بل قد عرفت سابقا قوة ذلك في العقد اللازم فضلا عن الجائز و حينئذ فما عدا ذلك من المعاطاة في ذلك العقد التي لا ريب في مشروعيتها بالسيرة المستمرة عند القائل بها، و إن كان التحقيق أنها إذن لا وكالة، و بذلك يظهر لك التشويش و الاجمال في كلام جملة من الأصحاب حتى قول المصنف.

و لا بد في تحققه من إيجاب دال على القصد كقوله: وكلتك أو استنبتك أو ما شاكل ذلك. و لو قال: وكلتني على الاستفهام التقريري أو التحقيقي فقال:

نعم و قال: قبلت بعد قوله نعم أو أشار بما يدل على الإجابة كفى في الإيجاب.

و أما القبول: فيقع باللفظ كقوله: قبلت أو رضيت أو ما شابهه، و قد يكون بالفعل، كما إذا قال: وكلتك في البيع فباع فإنه إن كان المراد منه بيان العقد بالمعنى الأخص أشكل الاكتفاء بالإشارة التي هي من الافعال خصوصا بعد ظهور ما سبق منه في غير المقام من اعتبار اللفظ في إيجاب العقد الجائز.

و في الحواشي المنسوبة للشهيد عن التحرير اعتبار النطق مع القدرة، و الاكتفاء بالإشارة مع العجز قال: و هو الأقوى، بل قد يشكل الاكتفاء فيه بما ذكره أيضا من الجواب بنعم على الأول و لو مقصودا بها الإنشاء، فإن تحقق العقد بذلك محل منع، بناء على اعتبار تأخر القبول فيه عن الإيجاب، إذ لم نعثر على ما يدل على خصوصية لعقد الوكالة من بين العقود الجائزة، و دعوى الاكتفاء بذلك في جميعها لا دليل عليها، كما أنه لا خصوصية لمفهوم العقد في العقد الجائز، و إنما الفرق بينه و بين اللازم اعتبار اللفظ المخصوص فيه دونه، مع انك قد عرفت البحث في اعتباره فيه.

و حينئذ فيتحد المراد به في الجميع، كما أنه يتحد الحكم بالمعاطاة في غيره مع فرض اتحاد الإنشاء و القصد، و أنه لم يفقد إلا الصيغة و هذا كله واضح خصوصا بعد الإحاطة بما سلف لنا في الكتب السابقة.

إنما الإشكال فيما عساه يظهر من التذكرة و بعض الشافعية من الاكتفاء في

ج 27، ص: 349

قبول عقد الوكالة بالرضا النفساني و الرغبة النفسانية من غير حاجة إلى دال عليه من لفظ و نحوه كما ترى.

و كأن الذي دعاه إلى ذلك ما ظاهرهم الاتفاق عليه من تحقق الوكالة بما ذكره المصنف من القبول الفعلي الذي هو أثر من آثار الوكالة، بل جوازه و صحته موقوف على تحققها، فلا يصلح أن يكون قبولا لها مصطلحا، ضرورة اقتضائه عدم تحقق الوكالة قبل تمامه، فيقع الفعل حينئذ قبل اتصافه بالوكالة.

و دعوى الاكتفاء بالمقارنة واضحة المنع، ضرورة منافاتها لأصالة بقاء المال مثلا، و ليس هو كقبول المعاطاة مثلا في البيع بالفعل لعدم منافاته لتمامية البيع بتمامه و كذا الوديعة و العارية و المضاربة و غيرها بخلاف المقام الذي تتوقف صحة الفعل المفروض جعله قبولا على تحقق الوكالة المتوقفة عليه، و من هنا احتاج العلامة إلى دعوى الاكتفاء بالقبول المزبور.

و لكن فيه أولا: أنه مناف لما ظاهرهم الإجماع عليه من كون الوكالة من العقود التي لا يكفي في قبولها مثل هذا القبول الذي هو كامتثال الأوامر و قضاء الحوائج و إجابة الالتماس و نحو ذلك مما هو معلوم أنه ليس قبول عقد.

و ثانيا: أن المسلم من المتفق عليه وقوع قبولها عقدا أو معاطاة بالفعل، و لا يستلزم ذلك كونه الفعل الذي هو أثر من آثار الوكالة و متعلق من متعلقاتها، بل يكون بفعل أجنبي من إشارة و فعل مقدمات الوكالة، و نحو ذلك من الأفعال التي يقصد بها قبول الوكالة و دالة عليه.

و أما الأول فلا إجماع عليه، و إنما المسلم منه الصحة، و هي لا تستلزم الوكالة لما هو معلوم من مشروعية الإذن و امتثال الأمر، و يترتب عليه ما يترتب على الوكالة من صحة البيع و نحوه، و إن لم يكن وكيلا، و قد صرح في التذكرة بأن قول القائل بع كتابي هذا و نحوه لا يكاد يسمى إيجاب وكالة، بل هو أمر و إذن و إعلام، بل قال فيها: إن قوله أذنت لك في كذا ليس صريحا في إيجاب الوكالة و هو كذلك، و لو

ج 27، ص: 350

سلم فقد يحمل على من و كل على أفعال متعددة، ففعل الأول منها بالإذن فيه قاصدا به إنشاء قبول الوكالة فيكون صحته مستندة إلى الإذن لا الوكالة، و ما بعده من الأفعال إلى الوكالة.

و من الغريب ما في المسالك من تأييد قوله بحكم الأصحاب بانعزال الوكيل بعزله نفسه الذي لا إشكال في ابتنائه على العقدية، و إلا فالإذن المجردة عنه لا ينعزل المأذون بها بعزله نفسه، بل لو أراد العود إلى فعله جاز له الفعل نحو إباحة الطعام مع جهل الإذن، بل و مع علمه الذي لا ينافي بقاؤها في ثاني حال المأذون.

إذ هو كما ترى، ضرورة أن الأصحاب لم يذكروا إلا انعزال الوكيل بعزله نفسه، و الوكالة غير منحصرة في هذا الفرد الذي اكتفى العلامة في القبول، لما عرفت و تأييده حينئذ بتصريح المصنف و غيره من الأصحاب بكونه وكالة أولى من تأييده بالحكم المزبور الذي له مورد غير هذا على وجه لا ينافي الوكالة فيه، و اجراء حكم الاذن عليه كما هو واضح بأدنى تأمل.

و قد تلخص بما ذكرناه في المقام و في الوديعة و العارية أن الوكالة من العقود بالمعنى الأعم الشامل للمعاطات التي يقصد فيها ما يقصد بالعقد و لم تفقد سوى صيغته بناء على شرعيتها فيها وكالة، فإن السيرة فيها أقوى من السيرة فيها في البيع و نحوه من العقود اللازمة و حينئذ فما كان منها على كيفية غيرها من العقود من ألفاظ إيجاب و ألفاظ قبول كانت وكالة عقدية، و إلا كانت وكالة معاطاتية.

نعم فيما كان إيجاب لفظي و قبول فعلي منها البحث السابق في أنه من العقد أو المعاطاة، و قد ذكرنا سابقا أنه إن قام إجماع على أنه من العقد و إلا فهو معاطاة الاذن ضرورة معلومية كون العقد اسما للألفاظ من غير فرق بين الجائز و اللازم.

نعم ربما فرقوا بينهما باعتبار الصيغ المخصوصة في الأول دون الثاني، و قد تقدم لنا المناقشة في ذلك غير مرة إن لم يكن إجماعا، و قلنا يكفي فيهما كل عبارة صالحة لإنشاء الدلالة على ذلك، إذا كانت جارية مجرى الخطاب الصحيح.

ج 27، ص: 351

و حينئذ يكون العقد الجائز و اللازم بالنسبة إلى ذلك على حد سواء كما أن الوكالة حينئذ إما عقد أو معاطاة عقد إن قلنا بشرعيتها فيها وكالة، و ما وقع من بعض متأخري المتأخرين- ممن لا يبالي بما هو كالضروري عند الأصحاب من إنكار كون الوكالة من سنخ العقود أصلا- لا ينبغي الإصغاء إليه، بل تسويد الورق في رده من السرف و التبذير.

نعم لا إشكال بل و لا خلاف في مشروعية الاذن و الأمر اللذين يترتب عليهما صحة الأفعال الواقعة عنهما و ليسا من الوكالة في شي ء لعدم العقد لفظا فيهما و عدم قصد معناه الذي هو الربط بين الإيجابية و القبولية، بل هما مجرد رخصة و أمر و إذن و إعلام في الفعل و يترتب عليه صحة الفعل المأمور به نحو الفعل الموكل فيه، و بذلك يظهر لك التشويش في جملة من كلمات الأصحاب الذين لم يحرروا ذلك بهذا التحرير.

و لعل منه ما ذكروه في باب الوكالة من أنه لو تأخر القبول عن الإيجاب فيها لم يقدح في الصحة و لو إلى سنة فصاعدا مستدلين عليه بمعلومية الصحة نصا و فتوى ف ي ان الغائب يوكل و لا ريب في أن القبول يتأخر و بالنصوص المتضمنة للأمر لأشخاص في بلاد نائية بإنفاذ طلاق و تزويج و بيع و شراء و نحو ذلك.

و لكن فيه: إنا لم نجد في شي ء منها ما يقتضي كونه وكالة، بل يمكن أن يكون جميعه من باب الأمر و الاعلام و الإذن و نحو ذلك، فلا ينبغي أن يستفاد منه صحة تأخير القبول في الوكالة حتى في الحاضر الذي يقول لآخر وكلتك أو أنت وكيلي فيسكت ثم يقول بعد سنة مثلا قبلت مما هو غير جار مجرى الخطاب العربي فلا ينبغي التأمل في فساد الاستدلال المزبور.

نعم إن تم إجماعهم و لا أظنه بل ظني عدمه خصوصا بعد عدم تحريرهم البحث كما ذكرناه- كان هو الحجة و إلا كان مقطوعا بفساده، و ما يقع من الغائبين حينئذ بعضهم مع بعض كله من الإذن و الأمر، و الله العالم بحقيقة الحال.

ج 27، ص: 352

و كيف كان ف من شرطها أن تقع منجزة كغيرها من العقود بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لمنافاته مقارنة ترتب السبب على المسبب المستفاد مما دل على تسبيب العقود فلو علقت على شرط متوقع كمجي ء زيد أو وقت متجدد لم تصح بل قيل: إنه كذلك في التعليق على أمر محقق نحو إذا كانت الشمس طالعة فأنت وكيلي، لا لفوات المقارنة المزبورة، بل للشك في تناول الإطلاقات لمثل ذلك، فيبقى حينئذ أصل عدم ترتب الأثر بحاله.

نعم لو تجز الوكالة و شرط تأخير التصرف جاز بلا خلاف أيضا فيه بل في التذكرة و المسالك الإجماع عليه مضافا إلى إطلاق الكتاب و السنة، و عموم (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

السائغة التي لم تخالف سنة و لا كتابا، ضرورة عدم كون الفرض من التعليق في شي ء، فإن المراد به اشتراط تأخير وقوع الأثر لا استحقاق وقوعه الحاصل بعقد الوكالة، إلا أنه لما لم يظهر أثر ثبوت هذا الاستحقاق ذكر غير واحد أنه في معنى التعليق. لكن لا دليل على البطلان به.

و فيه أن الاستنابة حصلت بتمام العقد و إن اشترط عليه عدم وقوع ما هو نائب فيه بعد شهر مثلا نحو الوكيل الثابتة وكالته الذي أمره الموكل بعدم التصرف، فإنه لا تنافي

وكالته التي تظهر له ثمرتها بغير ذلك كدعوى التلف و غيرها و كان هذا هو السبب في فرق الأصحاب بينهما على وجه يقتضي أنه ليس من التعليق في شي ء و هو كذلك.

و على كل حال ففي جواز التصرف في الوكالة المعلقة عند حصول ما علقت عليه وجهان: بل قولان: منشؤهما أعمية بطلان الوكالة من الإذن، فيصح التصرف بها و إن بطلت الوكالة للتعليق المنافي لها نحو ما قالوه في القراض الباطل الذي حكموا فيه بأجرة المثل، و من أن الإذن لم تحصل إلا في ضمن الوكالة المفروض بطلانها،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 27، ص: 353

و الجنس لا يبقى فصله، و الحكم بالقراض كذلك أيضا إن لم يكن إجماعا.

قلت: قد يقال: إنه يفهم من ذلك عرفا بقاء الإذن، و إن بطلت الوكالة، و لعله لخفاء الفرق بينهما بعد اشتراكهما في النيابة شرعا عن المالك، و إن فقدت الاذن المرادة بقصد الاستنابة التوكيلية، بل لعله لا فرق بينهما في المعنى، و لكن ان أديت بصورة العقد كانت وكالة و اختصت بأحكام، و الا كانت إذنا لا وكالة فمع فرض بطلان ما اقتضى كونها وكالة بالتعليق و نحوه بقيت الإذن.

و حاصل ذلك يرجع إلى أن العقد بالمعنى الأخص أو الأعم هنا من مشخصات الفرد التي مع انتفائها لا ترتفع الحقيقة ضرورة أن مشخصات زيد مثلا لو ارتفعت لم ترتفع الإنسانية عنه.

و بذلك كله ظهر لك فساد بناء المسألة على مسألة بقاء الجنس و عدمه المفروغ منها عندهم، كما أنه يظهر لك فساد المناقشة في دعوى بقاء الاذن مع بطلان الوكالة بأنه من المعلوم أن الفاسد هو الذي لا يترتب عليه أثر فلا يجامع صحة الآثار بطلان الوكالة ضرورة اختصاص البطلان حينئذ بالآثار المترتبة على الوكالة المفروض فسادها لا كل أثر، و إن كان مشتركا بينها و بين الإذن كما هو واضح.

و دعوى الشك في ترتب الاحكام في مثل العقود الناقلة على مثل هذا الاذن، خصوصا مع المخالفة لقاعدة حرمة التصرف في مال الغير، و أصالة بقاء المال على ملك مالكه لا محصل لها بعد فرض تحقق الإذن.

و كذا يظهر أيضا ما في التذكرة من التشويش في المسألة فإنه بعد أن ذكر بطلان الوكالة بالتعليق مدعيا عليه الإجماع على الظاهر، قال ما حاصله إن البطلان به إنما يتحقق فيما لو كانت بجعل، فيرجع إلى أجرة المثل كما في المضاربة، بل ربما ظهر من بعض كلماته أنه كبطلان المهر في النكاح و الجميع كما ترى، و نحوه في الرياض فلاحظ و تأمل.

و من شرطها أيضا عدم التوغل في الإبهام على وجه يشك في مشروعية الوكالة

ج 27، ص: 354

فيه نحو وكلتك من غير تعيين، أو على أمر من الأمور، أو على شي ء ما يتعلق بي و نحو ذلك، و لعله المراد مما في الرياض لا تصح على المبهم و المجهول بلا خلاف فيما أعلم إلى آخره، بل عن المبسوط و بعض الشافعية لو وكله في شراء عبد افتقر إلى وصفه في الجملة لينتفي معظم الغرر و حينئذ لا يجب الاستقصاء في الوصف إجماعا بقسميه، بل و لا على نحو التسلم و شبهه مما اعتبر فيه العلم.

نعم لو أطلق أي وكله مطلقا من دون أن يذكر وصفا لم يصح للغرر و إليه أشار المصنف بقوله على قول و لكن الوجه عندنا الجواز (11) كما هو صريح التذكرة و المختلف و غيرهما، بل لا أجد فيه خلافا بيننا من غيره، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص أمر النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)عروة البارقي بشراء شاة، بناء على أنه من التوكيل الذي هو قسم من الإذن و الأمر اللذين لا خلاف و لا إشكال في جواز تعلقهما بنحو ذلك، على أنه ربما يتعلق غرض بمطلق العبد و الشاة الموافقين لمصلحة الموكل.

و بذلك ظهر لك بطلان ما أطنب فيه في المسالك مما هو ناش من عدم اصابة المراد في العبارة حيث جعل قوله «و لو أطلق» مسألة مستقلة، لا أنها تمام الأولى، و أن قوله «على قول» راجع إلى الجميع، فأشكل عليه الحال، و كأنه تبع بذلك المحقق الثاني في عبارة القواعد، لكن هي ليست مثل عبارة المتن.

قال: «الثالث أن يكون معلوما نوعا من العلم لينتفي أعظم الغرر، فلو وكله في شراء عبد افتقر إلى وصفه لينتفي الغرور، و يكفى لو قال عبدا تركيا و إن لم يستقص في الوصف، و لو أطلق فالأقرب الجواز» و إن أمكن أيضا تنزيلها على ما ذكرنا، و مرجعها حينئذ إلى عدم اقتضاء الشرط المزبور عدم جواز ذلك، فإن كونه عبدا نوع من العلم، نحو

قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم لعروة «اشتر لنا شاة»

و يكون ما ذكره أولا على طريق تقرير كلام القائل، و الأصل في هذا الشرط الشافعية، و قد عرفت صحته


1- 1 المستدرك ج 2 ص 462.

ج 27، ص: 355

في الجملة، ببعض الأمثلة التي ذكرناها، و إنما الكلام معهم في بعض الأمثلة، كالوكالة في شراء العبد، و قد وافقهم عليه الشيخ في محكي المبسوط خاصة.

و ربما حكي عن الشهيد أيضا موافقة بعضهم على التفصيل بين عبد القنية، و عبد التجارة، فيعتبر الوصف في الأول دون الثاني، و عن بعض منهم: التفصيل بين ذكر الثمن و عدمه، فيعتبر الوصف في الثاني دون الأول، و الجميع كما ترى مناف لإطلاق الأدلة و عمومها، و عدم الضابط لما ذكروه من الوصف.

نعم في القواعد موافقتهم على عدم صحة الوكالة لو قال: وكلتك على كل قليل و كثير، لتطرق الغرر و عدم الأمن من الضرر، قال: «و لو قال: بما إلى من كل قليل و كثير، فإشكال» و فرق في التذكرة بين الإضافة إلى نفسه و عدمه، فحكم بالبطلان في الثاني دون الأول.

قال: «و لو ذكر الإضافة إلى نفسه فقال: وكلتك في كل أمر هو إلى أو في كل أموري، أو في كل ما يتعلق بي، أو في جميع حقوقي أو في كل قليل و كثير من أموري، أو فوضت إليك جميع الأشياء التي تتعلق بي، أو أنت وكيلي مطلقا فتصرف في مالي كيف شئت، أو فصل الأمور المتعلقة به التي تجري فيها النيابة، فقال:

وكلتك على بيع أملاكي و تطليق زوجاتي و بيع عبيدي، أو لم يفصل على ما تقدم.

فالوجه عندي الصحة في الجميع».

قلت: و هو كذلك للعموم الذي هو أحد الطرق في رفع الإبهام، ضرورة قيامه مقام الاستقصاء في التفصيل الذي لا إشكال في الصحة معه، فليس في شي ء من المفروض غرر الوكالة حينئذ، و لا يحتاج إلى رفعه بدعوى التقييد بالمصلحة التي هي في غاية الخفاء في الأمور المنتشرة، فلا تصلح رافعة للغرر.

نعم يشكل عليه الفرق المزبور باتحاد المراد من العبارتين مع الإضافة إلى نفسه و عدمها، و لو بقرينة التوكيل إذ لا يعقل توكيل شخص آخر فيما لا يملكه الموكل كما أنه يشكل ما في القواعد أيضا «من أن التوكيل بالإبراء يستدعي علم الموكل بالمبلغ المبرء عنه، و لو قال: ابرءه من كل قليل و كثير جاز، و لا يشترط

ج 27، ص: 356

علم الوكيل و لا علم من عليه الحق» بأنه لا دليل على اعتبار علم الموكل في الوكالة على الإبراء، بل قد يظهر من المحكي عنه في التذكرة الإجماع على ذلك.

قال: «لو وكله في أن يبرأه من الدين الذي عليه صح، و إن لم يعلم الموكل قدره و لا الوكيل عندنا» و نزل كلامه في جامع المقاصد على إرادة التوكيل على قدر مخصوص من الدين، لا جميع ماله عليه، فإنه يشترط حينئذ علم الموكل بقدر الذي يريد إبراءه منه، و هو كما ترى و الأمر سهل بعد ما عرفت التحقيق في المسألة و الله العالم.

و كيف كان ف هي عقد جائز من طرفيه بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما يستفاد من نصوص المقام، خصوصا بالنسبة إلى الموكل، و حينئذ فللوكيل أن يعزل نفسه مع حضور الموكل و مع غيبته فينعزل حينئذ و إن لم يعلم بذلك، إذ احتمال توقف انعزاله على علم الموكل مناف لأصول المذهب و قواعده، بعد اختصاص النصوص في صورة عزل الموكل على وجه لا تقبل اندراج مثل هذه الصورة فيها، كما تسمع بعضها بل لم أجد من احتمله ممن يعتد بقوله إلا ما عساه يظهر من المسالك، و يتوهم منها فإنه لا يخلو من تشويش، و ما في شرح الإرشاد للتوني من الميل إلى ذلك.

نعم يحتمل بقاء جواز التصرف له على نحو ما سمعته في الوكالة المعلقة، بل في المسالك «إن المقام لا يخلو من رجحان على ذلك، من حيث أن الإذن هنا صحيحة جامعة للشرائط، بخلاف السابق، فإنه معلق» و في صحته ما قد عرفت.

و من ثم جزم في القواعد ببقاء الصحة هنا، و جعل الصحة هناك احتمالا، و في التذكرة عكس، و استقرب هناك بقاء الإذن الضمني، و جعل بقاءه هنا احتمالا، و في التحرير و الإرشاد أطلق القول بالبطلان فيهما كما هنا، فقد صار للعلامة (ره) في المسئلتين ثلاثة أقوال، و ان كان فيه إن التعليق إنما هو في الوكالة لا الإذن التي لا يقدح فيها، فهي مع فرض بقائها جامعة لشرائط الصحة أيضا، و قد تقدم

ج 27، ص: 357

الوجه في دعوى بقائها، و أنه ليس مسئلة بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل المعلوم عدمها عندهم في غير الوكالة من العقود، بل هو دعوى الفهم عرفا، أو دعوى عدم الفرق بين الإذن و الوكالة إلا بالعقدية، أو ما في معناها مما هو من المشخصات الخارجية.

فيكون الحاصل حينئذ أن الإذن إن أديت بصورة العقد أو معاطاته كانت وكالة، و إلا فهي إذن، فإذا اتفق عروض ما يفسد العقد من تعليق أو لحن أو عزل أو نحو ذلك تبقى، لعدم كونه مشخصا ذاتيا لها، و إنما هو مقارن لها سميت بسببها وكالة، و لحقها أحكام رتبها الشارع عليها، و بذلك ظهر لك الوجه في جميع ما وقع من العلامة و غيره من دعوى تحقق الفهم عرفا في بعض دون آخر.

نعم قد يشك في بقاء الإذن بعد علم الموكل ما لم تقم قرينة حالية أو مقالية ببقائها على جميع الأحوال، و إلا انقطعت متى قارنها الرد، فلا يجوز التصرف حينئذ بعده إلا بإذن جديد، و لعل ذلك مختلف باختلاف الأحوال، و إن أبيت عن ذلك كله كان التحقيق بطلان عقد الوكالة بالتعليق، و فسخ الوكيل بعد فرض عدم صدور غير ارادة عقد الوكالة من العاقد.

نعم لا بأس بذلك و نحوه في الإذن التي هي ليست من العقود التي تبطل بذلك، لكن لما لم ينقحوا الفرق بين الإذن و عقد الوكالة ظنوا أن ذلك جائز في عقد الوكالة، و لا ريب في أنه اشتباه.

نعم لو أراد بما ذكره من العبارة المؤدية للنيابة ذلك، لم يكن إشكال في البقاء، بل لو شك في كون المراد له الإذن أو الوكالة في المعلق مثلا، حمل على الأول، لأصل الصحة، بل لو زعم أن مثل ذلك وكالة لم يقدح في ترتب الحكم المزبور.

و لعل هذا هو السر فيما وقع من بعض لعدم تنقيح الأمر بين الإذن و الوكالة التي هي اسم للعقد المخصوص الذي لا إشكال في جريان أحكام العقود عليه، ضرورة

ج 27، ص: 358

عدم مخرج له عنها و الله العالم.

هذا كله في العزل من طرف الوكيل، و أما الأخر فلا خلاف أيضا و لا إشكال في أن للموكل أن يعزله لكن بشرط أن يعلمه العزل و حينئذ ف لو لم يعلمه لم ينعزل بالعزل و قيل: كما عن النهاية و القاضي و الحلبي و ابني حمزة و زهرة إن تعذر إعلامه فأشهد عليه انعزل بالعزل و الاشهاد بل عن الأخير الإجماع عليه.

و قيل: كما في قواعد الفاضل أنه ينعزل بالعزل أيضا و إن لم يعلمه على رأي، و قد حكاه غير واحد عنه.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول أظهر لا لما ذكر من بعض الاعتبارات التي هي غير تامة بل للنصوص المعتبرة ك

صحيح ابني وهب و يزيد(1)عن الصادق عليه السلام «من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها».

و صحيح ابن سالم (2)عنه عليه السلام أيضا «في رجل وكل آخر على وكالة في أمر من الأمور و أشهد له بذلك شاهدين، فقام الوكيل فخرج لإمضاء الأمر، فقال:

اشهدوا أني قد عزلت فلانا عن الوكالة، فقال: إن كان الوكيل أمضى الأمر الذي وكل فيه قبل العزل، فإن الأمر واقع ماض على ما أمضاه الوكيل، كره الموكل أم رضي، قلت: فان الوكيل قد أمضى الأمر الذي قد وكل فيه قبل أن يعلم بالعزل أو يبلغه أنه قد عزل عن الوكالة فالأمر على ما أمضاه؟ قال: نعم قلت: فان بلغه العزل قبل أن يمضي الأمر ثم ذهب حتى أمضاه لم يكن ذلك بشي ء؟ قال: نعم إن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل عن الوكالة بثقة يبلغه أو يشافهه بالعزل عن الوكالة».


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1.

ج 27، ص: 359

و صحيح العلاء بن سيابة(1)عن الصادق عليه السلام المتضمن للإنكار على من فرق في هذا الحكم بين النكاح و غيره، فينعزل في الأول بالإشهاد بخلاف الثاني، فلا ينعزل إلا بالعلم، و الاستدلال عليهم ب

قضاء أمير المؤمنين عليه السلام في الامرأة التي استعدته و قد وكلت أخاها «فقال: يا أمير المؤمنين إنها وكلتني و لم تعلمني أنها عزلتني عن الوكالة حتى زوجتها كما أمرتني.

فقال لها: ما تقولين؟ قالت: قد أعلمته يا أمير المؤمنين فقال: لها أ لك بينة بذلك؟ فقالت: هؤلاء شهودي يشهدون فقال لهم ما تقولون؟ قالوا نشهد أنها قالت اشهدوا أني قد عزلت أخي فلانا عن الوكالة بتزويجي فلانا، و إني مالكة لأمري قبل أن يزوجني، فقال: أشهدتكم على ذلك بعلم منه و محضره فقالوا: لا فقال: تشهدون أنها أعلمته العزل كما أعلمته الوكالة، قالوا: لا قال: أرى الوكالة ثابتة، و النكاح واقعا. أين الزوج فجاء فقال: خذ بيدها بارك الله لك فيها، فقالت: يا أمير المؤمنين أحلفه أني لم أعلمه العزل و أنه لم يعلم بعزلي إياه قبل النكاح، قال: و تحلف؟ قال نعم: يا أمير المؤمنين فحلف و أثبت وكالته و أجاز النكاح».

و ترك الاستفصال فيه مع إطلاق غيره حجة على المفصل، كما أن الجميع حجة أيضا على الفاضل الذي لم أعرف موافقا له على ذلك قبله، و لا دليلا معارضا للنصوص المزبورة سوى الأصل

المقطوع بها و سوى دعوى وجود رواية بذلك لم نتحققها.

فمن الغريب إعراضه عن هذه النصوص التي عمل بها في الجملة من لم يعمل بأخبار الآحاد، و ما هو إلا لكونها متواترة عنده أو قطعية، و من هنا يمكن تنزيل كلام الفاضل على إرادة بطلان الوكالة بالعزل الذي يتبعه بطلان الجعل فيها لو كان، و إن نفد تصرفه قبل العلم بهذه النصوص، إذ لا منافاة بين بطلانها بالعزل المزبور الذي هو مقتضى الضوابط و بين نفوذ التصرف فيما بينه و بين العلم بذلك، للنصوص، لكن


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 2.

ج 27، ص: 360

يدفعه ظهور النصوص المزبورة في بقاء نفس الوكالة.

اللهم إلا أن يحمل على إرادة هذا المعنى، و هو مع منافاته لظاهر الفتوى لا مقتضي له، و مجرد احتماله لا ينافي العمل بالظاهر.

و حينئذ ف لو تصرف الوكيل قبل الإعلام، مضى تصرفه على الموكل فلو وكله على استيفاء القصاص ثم عزله، فاقتص قبل العلم بالعزل وقع القصاص موقعه فضلا عن غيره مما هو أسهل منه، و المراد بالعلم في المتن و غيره ما يشمل شهادة الشاهدين، بل و خبر العدل كما سمعته في صحيح هشام، لكن ستعرف الكلام فيه في الفصل الخامس عند البحث عن ثبوت الوكالة.

و هل المأذون بلا عقد وكالته كذلك بالنسبة إلى الحكم المزبور؟ وجهان: من كون الحكم مخالفا للقاعدة، فيقتصر على ما تضمنته النصوص من الوكيل، فيبقى غيره على مقتضاها، و من كونه وكيلا في المعنى و احتمال إرادة التفويض من الوكالة في النصوص السابقة، و لعله لا يخلو من قوة و الله العالم.

و تبطل الوكالة ب عروض الموت للوكيل قطعا، ضرورة اقتضائها نيابة لا تنتقل إلى الوارث، كما أنها تبطل بموت الموكل أيضا، لما قيل: من أنه بموته ينتقل جميع ماله لوارثه، فينتفي موضوعها، و فيه: أنه يمكن بقاء مال من تركته على حكم ملكه، كثلثه، و إنما العمدة الإجماع. و لعله لاعتبار استدامة الإذن في صحة الوكالة، و بالموت يخرج عن الأهلية لذلك.

و على كل حال فلا خلاف فيما أجده في بطلان تصرف الوكيل حينئذ بعد الموت و إن لم يعلم موته، كما في غيره من الفواسخ، و لا يقاس شي ء منها على مسألة العزل، لحرمة القياس عندنا.

على أنه

في المرسل (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل أرسل يخطب له امرأة و هو


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث- 2.

ج 27، ص: 361

غائب، فأنكحوا الغائب و فرضوا الصداق ثم جاء خبره أنه توفي بعد ما سيق الصداق فقال: إن كان أملك بعد ما توفي فليس لها صداق و لا ميراث، و إن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق، و هي وارثة و عليها العدة».

نعم في المسالك و غيرها لا تبطل الأمانة لبطلان الوكالة هنا، فلو تلف العين الموكل فيها في يده بغير تفريط لم يضمن، و كذا لو كان وكيلا في قبض حق فقبضه بعد موت الموكل قبل العلم به، و تلف في يده بغير تفريط، لكن يجب عليه المبادرة إلى إيصال العين إلى الوارث، فإن أخر ضمن كالوديعة.

قلت: و هو كذلك لصيرورة المال حينئذ في يده أمانة شرعية، و حكمها كذلك إلا أنه لا بد من التأمل في قوله: «و كذا» ضرورة أنه مع فرض إرادته ما يشمل الدين و نحوه قد يشكل، بأن المال المقبوض هو ملك الدافع، لانكشاف عدم وكالة القابض.

و حينئذ عدم ضمانه لصاحبه- مع أنه قد دفع على وجه خاص و هو كونه وفاء- مشكل، و إلا لاقتضى عدم ضمان المقبوض بعنوان الشراء مثلا للموكل الذي قد تبين موته قبل الشراء، و غير ذلك من الأمثلة التي يصعب على الفقيه التزامها.

و لعله من هنا غير العبارة في الكفاية فقال: «و كذا لو وكله على قبض عين» إلى آخره فإن عدم الضمان- حينئذ مع فرض كونها للموكل- لكونها حينئذ من الأمانات الشرعية التي لم تقبض على جهة الضمان، بخلاف المقبوض وفاء أو شراء أو نحوهما.

نعم قد يقال: إن مرجع ضمان الوكيل على الموكل، و إن بان بطلان وكالته و لتحقيق ذلك محل آخر، و إن كان الذي يقوى الآن عدمه، للأصل السالم عما يقتضي الضمان من التسبيب و غيره، لكن قد يقال: إن القبض لا على جهة الضمان لا ينافي ثبوته عليه بعد حصول مسببه الذي هو «على اليد».

و دعوى- أنه أمانة شرعية- على وجه لا يترتب عليه ضمان بعد أن كان القبض

ج 27، ص: 362

باختياره- واضحة المنع، و إن كان زعم أنه وكيل، إذ ذلك لا ينافي الضمان الذي هو حكم وضعي يترتب على المعذور- لجهل أو استصحاب أو غيرهما، فلا يبعد الضمان حينئذ أيضا في العين المزبورة.

نعم لا يبعد عدم الضمان فيما كان في يده مما كان ابتداء قبضه بغير ضمان، فإن الاستدامة لا تندرج في

قوله عليه السلام «على اليد»

فيبقى أصل براءة الذمة بحاله، و كذا لو فسخ المودع الوديعة مثلا، مع عدم علم الودعي بذلك، فإنه لا ضمان عليه لو تلف بعد ذلك، و إن انفسخ عقد الوديعة، ضرورة أن ذلك و نحوه من الأمانة الشرعية، مثل الثوب الذي أطارته الريح حتى صار في يد الإنسان قهرا، و هذا القدر المسلم من الأمانة الشرعية التي لا ضمان فيها، باعتبار عدم حصول سبب فيها يقتضي الضمان على وجه يقطع أصل البراءة و لعل هذا هو التحقيق في المسألة و نظائرها كالمضاربة و غيرها، و إن كان قد تقدم لنا بعض الكلام في كتاب الإجارة.

و كيف كان فلم أعثر على من وافقه على العبارة المزبورة إلا الفاضل في الرياض و يمكن أن يريد منهما معنى آخر. و الله العالم.

و كذا تبطل ب الجنون، و الإغماء من كل واحد منهما بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك هو موضع وفاق، و لعله العمدة في ذلك، و إلا فدعوى كون ذلك من أحكام العقد الجائز، يدفعها عدم القول به في مثل الهبة و الرهن من طرف المرتهن، بل لولا الإجماع المزبور أمكن دعوى قيام إذن الولي للموكل مقام إذنه في بقاء عقد الوكالة، و إن أقصى ما يقتضيه عروضهما للوكيل عدم تصرفه حالهما، لا انفساخ عقد وكالتهما.

إلا أن ذلك بعد الإجماع المزبور لا فائدة فيه، و لا فرق عندنا بين طول زمان الإغماء و قصره، و لا بين إطباق الجنون و أدواره و لا بين علم الوكيل بعروض المبطل و عدمه.

نعم ربما احتمل بقاء جواز التصرف للوكيل بعد زوال المانع بالاذن العام،

ج 27، ص: 363

و إن بطلت وكالته، بناء على مثل ذلك فيما تقدم من المسائل، و قد يفرق بين المقام و بينها بأن المبطل هنا راجع إلى الإذن نفسها، لا إلى خصوص عقد الوكالة، و إنما حاصله خروج المأذون عن قابلية إذن النيابة فتأمل جيدا. و الله العالم.

و كذا تبطل وكالة الوكيل بالحجر على الموكل فيما يمنع الحجر من التصرف فيه لكون الوكيل فرع الموكل، فمع فرض امتناع المباشرة له فلو كيله بطريق أولى، إلا أن الإنصاف- إن لم يكن إجماع- عدم اقتضاء ذلك بطلان الوكالة، بل أقصاه عدم نفوذ التصرف منه، فلو فرض اتفاق زوال الحجر لم يحتج إلى إعادة الوكالة حينئذ، فتأمل جيدا.

و على كل حال ففي حكم الحجر طرو الرق على الموكل، بأن كان كافرا فاسترق، و لو كان هو الوكيل صار بمنزلة توكيل عبد الغير، و سيأتي الكلام فيه و الله العالم.

و لا تبطل الوكالة بالنوم و إن تطاول ما لم يصل إلى حد الإغماء، أو يخرج عن المتعارف، و لو بأن لا يستيقظ إذا أوقظ لعارض من العوارض، لأصالة الصحة و معلومية عدم معاملة الشارع النوم معاملة الجنون و نحوه في المقام و غيره.

بل في التذكرة و غيرها عدم بطلانها بالسكر أيضا لذلك، إلا إذا اقتضى فسقا و كان الوكيل مما يعتبر فيه العدالة ابتداء أو استدامة، كوكيل ولي اليتيم و نحوه، و بطلانها حينئذ من حيث الفسق، لا لخصوصه.

لكن قد يمنع اعتبار العدالة في ذلك و نحوه مما ذكروه من الأمثلة، مع فرض اقتضاء المصلحة وكالة الفاسق، و لو سلم فقد يمنع اعتبارها في صحة عقد الوكالة على وجه لم تعد بعودها، بل لا بد من استيناف وكالة جديدة، إذ من المحتمل كون العدالة على نحو ما احتملوه في عدالة الوصي من عدم انفساخ الوصاية بفسقه، و لكن يمنع من التصرف فمتى عادت ثبتت وصايته، و السبب في ذلك أنه لا دليل يعارض العمومات على وجه يكون شرطا في صحة عقد الوكالة، و إن قلنا بعدم نفوذ تصرفاته حال فسقه،

ج 27، ص: 364

فتأمل جيدا.

و على كل حال ف تبطل الوكالة أيضا بتلف ما تعلقت الوكالة به كموت العبد الموكل في بيعه، و موت المرأة الموكل بطلاقها و تلف الدينار الموكل بالشراء به، بل في المسالك لا فرق بين أن ينص على الشراء بعينه، أو يطلق بأن يقول اشتر به، لاقتضائه دفعه ثمنا، فلا يتناول بدله لو كان تلفه موجبا لضمانه.

قلت: هو كذلك مع فرض ظهور اللفظ في الشراء بعينه، فيكون الفرق بينه و بين الأول بالنص و الظهور، لكن في التذكرة «و لو وكله في الشراء مطلقا و نقد الدينار على الثمنية، بطلت أيضا إذا تلف ذلك الدينار، لأنه إنما وكل في الشراء، و معناه أن ينقد ثمن ذلك المبيع قبل الشراء أو بعده، و قد تعذر ذلك بتلفه».

و يمكن حمل ما في المسالك على ذلك، بدعوى اقتضاء إطلاق الشراء به الأعم من جعله ثمنا في العقد أو بعده، فيكون الإطلاق حينئذ في مقابل النص على الشراء بعينه، بمعنى جعله نفسه ثمنا.

و على كل حال فقد صرح من تعرض لذلك ببطلان الوكالة بالتلف، و إن كان موجبا للضمان، فإنها لم تتناول الشراء ببدله، حتى لو كان وكيلا على استيفائه، لكن الإنصاف تناول الوكالة في صورة الإطلاق للشراء بذلك، و إن لم يكن وكيلا على الاستيفاء، و لكن اشترى به ممن أتلفه مثلا، و الأمر في ذلك سهل بعد كون المدار على المفهوم عرفا من عبارة الموكل، و لو بقرينة الحال.

و كذا تبطل الوكالة لو فعل الموكل ما تعلقت الوكالة به كما لو وكله في بيع عبد ثم باعه، أو فعل ما ينافيه، كما لو وكله على بيع عبد فأعتقه، أو بالعكس و ليس من ذلك وطي الزوجة التي قد وكل على طلاقها، فضلا عن غيره من المقدمات التي لا تصح لغير الزوج، و لا وطي السرية التي وكل على بيعها، ضرورة عدم منافاة شي ء من ذلك، لتعلق الوكالة، إذ ليس ما ذكرناه مبطلا لها، باعتبار ظهوره في العزل و لذا لم تبطل الوكالة لو ظهر فساد البيع أو العتق، بل لانتفاء متعلقها حينئذ.

ج 27، ص: 365

اللهم إلا أن تقوم قرينة على إرادة إنشاء العزل بذلك، و هو خروج عما نحن فيه حينئذ، كما هو واضح.

بقي شي ء: و هو أنه قد يفهم من التعبير بالبطلان و ذكر ذلك في سياق الجنون و الموت و الإغماء و نحوها أن تلف ما تعلقت به الوكالة و فعل الموكل ما وكل فيه أو ما ينافيه كذلك أيضا.

لكن قد يقال: إن الظاهر خلافه، و إلا لاقتضى انفساخ العقد بتلف بعض ما وكل فيه مثلا، ضرورة عدم تبعض العقد، و إنما المراد من البطلان انتفاء موضوع الوكالة، لا انفساخ عقدها، فلا ينافي حينئذ بقاؤها فيما بقي من موضوعها.

و فيه: أنه لا مانع من التزامه على معنى البطلان في بعض متعلقة، لتلف بعض المبيع، و المسلم من عدم تبعض العقد أنه لا يكون بعض العقد سببا، بعد أن كان مجموعه سببا، لا في نحو المقام، و قد تقدم سابقا التحقيق في صحة تبعض الصفقة في ملكه و ملك الغير، بل و في بيع الشاة و الخنزير، كما أنه تقدم صحة الإقالة في بعض المبيع دون بعض.

نعم لا يجوز ذلك في الخيار لا للتبعض، بل لعدم ظهور دليله في مشروعية ذلك، بل لعل ظاهره العدم، بخلاف نحو المقام الذي يمكن القول بجواز فسخ الوكالة في بعض ما وكل فيه، دون بعض، و الله العالم.

ثم إنه ينبغي أن يعلم أن اقتضاء هذا القسم انعزال الوكيل لا يتوقف على العلم به، بل هو يؤثر أثره لإطلاق أدلته، فينتفي موضوع الوكالة و إن لم يعلم الوكيل، فلو تصرف ينكشف بطلان تصرفه، و تسمع إنشاء الله تعالى مزيد تحقيق لذلك.

و على كل حال ف العبارة حينئذ عن العزل أن يقول: عزلتك أو أزلت نيابتك، أو فسخت، أو أبطلت، أو نقضت، أو ما جرى مجرى ذلك من كل لفظ صالح لقصد إنشاء الدلالة على ذلك، بل وكل فعل. نعم لا عبرة بالفسخ النفساني، للأصل و غيره.

ج 27، ص: 366

و كيف كان فلا ريب في وجوب اقتصار الوكيل على ما يستفاد من الموكل، و لو بالقرائن الحالية و المقالية، و من هنا ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا أن إطلاق الوكالة في البيع أو الشراء مثلا يقتضي البيع و الابتياع بثمن المثل، بنقد البلد حالا، و أن يبتاع الصحيح دون المعيب و حينئذ لو خالف في شي ء من ذلك لم يصح و لم يلزم و لكن صح و وقف على إجازة المالك.

نعم لا بأس بما يتسامح به من الزيادة و النقصان في مثل ذلك المبيع، بل لعل ذلك أجمع من ثمن المثل، لعدم انضباطه بالنسبة إلى ذلك، كما أنه ينبغي تقييد ذلك أيضا بما إذا لم يوجد الباذل للأزيد و الأنقص، و إلا وجب مراعاته، للشك في الإذن له بغيره معه.

بل قد يحتمل وجوب ذلك عليه، فيما لو اتفق الباذل بعد البيع أو الشراء في مدة الخيار، فينفسخ مقدمة لذلك، للزوم مراعاة المصلحة للمالك، بل قد يقال:

ذلك فيما لو عين له البيع بمقدار، و الشراء كذلك، فاتفق حصول الباذل للأزيد و الأنقص، حملا للتعيين على ما هو المتعارف من عدم وجود الباذل اللهم إلا أن يحتمل الغرض له به، و لعله على ذلك ينزل خبر عروة البارقي (1)لا على الفضولية.

و على كل حال فكل تصرف من الوكيل يقع على خلاف مصلحة الموكل كالبيع بدون ثمن المثل أو به مع وجود الباذل أو شراء المعيب يكون فضوليا حينئذ.

و دعوى الفرق- بين المعيب و البيع بدون ثمن المثل مثلا، فيحكم بالأول للمالك، و بالثاني بالفضولية، لأن العيب قد يخفى بخلاف البيع بدون ثمن المثل- واضحة المنع، ضرورة إمكان الخفاء في كل منهما، في كثير من أفرادهما، كما أنه لا خفاء في بعض أفرادهما على أحد.


1- 1 المستدرك ج 2 ص.

ج 27، ص: 367

فالمتجه جعل المدار في ذلك على كون العيب و الغبن في خصوص ذلك المبيع مما يخفى على أهل النظر بعد البحث و النظر- و عدمه، فإن كان، وقع للمالك و يثبت الخيار، و إلا كان فضوليا، فما في قواعد الفاضل- من الفرق بين المعيب و الغبن فحكم بالفضولية في الثاني مع العلم و الجهل، بخلاف الأول- في غير محله، خصوصا بعد تصريحهم على ما قيل في مسألة تلقي الركبان التي أخبارها هي الأصل في خيار الغبن بعدم الفرق بين الوكيل و الأصيل.

و

في دعائم (1)الإسلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام «أنه قال: من وكل وكيلا على بيع فباعه له بوكس من الثمن جاز البيع عليه، إلا أن يثبت أنه تعمد الخيانة، أو حابى المشتري بوكس.

و كذلك إن وكله على الشراء فتغالى فيه إن لم يعلم أنه تعمد الزيادة أو خان أو حابى فشراؤه جائز عليه، و إن علم أنه تعمد شيئا من الضرر رد بيعه و شراؤه، و لو وكله على بيع شي ء فباع بعضه و كان ذلك على وجه النظر فالبيع جائز».

بل هو في محكي التذكرة في كتاب المضاربة قد صرح بأنه لا يمكن معرفة قيم المتقومات في الواقع، و من المعلوم وقوع الغبن من العاملين فيها، و لم يقل أحد بفساد البيع، و عدم تناول وكالة المضاربة لذلك، كما هو واضح.

إنما الكلام في مخالفة المصلحة منه في مثل الخيار و نحوه، فترك الفسخ مثلا فيما كان مصلحة المالك به، أو اختاره في صورة العكس، و لعل حكم الثاني عدم مضيه على المالك، لعدم ثبوت الإذن له فيه، أما الأول فلا ريب في تحقق الإثم عليه لكن ليس عليه إلا ذلك، فتكون المصلحة التي يجب على الوكيل مراعاتها على قسمين:

أحدهما: ما يرجع إلى تقييد الإذن في الوكالة على وجه يكون خلافها غير الموكل فيه، كالبيع بثمن المثل مع وجود الباذل.

و ثانيهما: تكليف شرعي لا مدخلية له في إذن الوكالة، و حينئذ فلو ترك الفسخ


1- 1 المستدرك ج 2 ص 510 الدعائم ج 2 ص 57 الطبعة الثانية بمصر.

ج 27، ص: 368

في مدته مع وجود الباذل، بناء على وجوبه عليه لم يترتب عليه إلا الإثم، و احتمال- وجوب جبر كل ضرر يترتب على الموكل بذلك، كاحتمال كون المبيع حينئذ فضوليا، باعتبار عدم الإذن في بيع يكون له فيه خيار، و يوجد باذل في أثنائه فلم يفسخ- لم أجدهما لأحد بل لم يحضرني تنقيح لهما على وجه يكون موافقا للقواعد الشرعية.

هذا كله بالنسبة إلى ثمن المثل، و أما النقد و الحلول فلا أجد خلافا في اقتضاء الإطلاق إياهما، بل الظاهر عدم الإذن له في خلافهما، حتى مع المصلحة كالبيع بدون ثمن المثل، فإنه لا يفهم من الإطلاق إلا إرادتهما، لا جميع ما تقتضيه المصلحة و لو في غيرهما.

نعم هي معتبرة في الأفراد المأذون فيها، كاختيار الأنفع من أفراد النقد حيث لا يكون هناك غلبة في بعضها على وجه ينصرف الإطلاق إليها، فإن انتفيا معا تخير بين أفراد النقد، و لعل منه بيع بعض المبيع للمصلحة كما سمعته في ذيل خبر الدعائم فتأمل جيدا. و الله العالم.

و لو باع الوكيل بثمن فأنكر المالك الإذن في ذلك القدر كان القول قوله مع يمينه سواء كان بقدر ثمن المثل أو أزيد أو أنقص، و سواء كان مستند دعواه الإذن بالخصوص أو الإطلاق المنصرف إلى ثمن المثل فما فوق، لأنه اختلاف في صفة الوكالة التي يقبل قوله في أصلها فكذا صفتها لأنها فعله، و هو أعرف به، و لأن الأصل عدم صدور التوكيل على الوجه الذي يدعيه الوكيل.

و القول بأن مرجع دعوى الموكل إلى خيانة الوكيل الذي هو أمينه، و الأصل عدم خيانته، إنما يتم فيما لو كان تصرفه في الوكالة و ادعى عليه الخيانة في بعض متعلقاتها، كما لو ادعى الموكل عليه- بعد تلف الثمن الذي باع به بمقتضى الوكالة- تأخر قبضه عن تقبيض المبيع، أو التعدي فيه بوجه، لا في نحو المقام الذي قد عرفت أن مرجع الاختلاف فيه إلى الاختلاف في أصلها الذي من المعلوم تقديم قول المالك

ج 27، ص: 369

فيه، كما أنه ليس من مسألة التداعي في شي ء، و ان كان جواب الموكل بل وكلتك بكذا، ضرورة عدم كون ذلك دعوى منه عليه، لعدم استحقاقه عليه بذلك شيئا، و إنما المعتبر منه ما تضمن إنكار دعوى الوكيل.

و من هنا كان الحكم كذلك في صورة اختلافهما في عين الموكل فيه، كالعبد و الفرس، و في جنس الثمن الموكل على البيع به، أو زمانه أو مكانه، فان القول في الجميع قول الموكل، لأنه منكر، و ليس من التداعي في شي ء، و إن حكى عن بعض الناس توهمه.

ثم بعد حلف المالك تستعاد العين من المشتري بعد فرض اعترافه بالوكالة أو حلف المالك له اليمين المردودة منه إذا ادعى عليه العلم إن كانت باقية و مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة، و قيل: و القائل الشيخ في محكي من نهايته يلزم الدلال أي الوكيل إتمام ما حلف عليه المالك و هو بعيد مخالف لأصول المذهب و قواعده، و من هنا حمل على تعذر استعادة العين و مساواة القيمة لما ادعاه المالك.

وا ذا كا ن قد تصادق الوكيل و المشتري على الثمن الذي قد ادعى الوكيل الإذن فيه، و كان قد دفع الوكيل إلى المشتري السلعة فتلفت في يده كان للموكل الرجوع على أيهما شاء بقيمته يوم التلف إن كانت قيمية لثبوت عدوانهما معا بظاهر الشرع لكن إن رجع على المشتري لا يرجع المشتري على الوكيل (11) إذا لم يكن قد دفع إليه الثمن لتصديقه له في الإذن (12) و في أن الموكل ظالم له برجوعه عليه.

نعم إن كان قد دفع الثمن إليه توجه رجوعه عليه كما في المسالك، لمعلومية عدم استحقاقه له، و الفرض أن الموكل لا يدعيه، لعدم تعينه ثمنا له، و قد أغرم المشتري عوض المال، فيرجع على الوكيل بما دفع إليه، لكن إن كان بقدر القيمة أو أقل فالرجوع به ظاهر، و إلا رجع بقدر ما غرم، و يبقى الباقي في يد الوكيل

ج 27، ص: 370

مجهول المالك.

قلت: هو للموكل في الواقع بزعم الوكيل، فيجب عليه أن يتوصل إلى إيصاله إليه، بل قد يناقش في استحقاق رجوعه على الوكيل بعد فرض اعترافه بأنه للموكل في الواقع، و استحقاقه المقاصة في ماله، لا يوجب استحقاقا له على من في يده مال من ظلمه.

اللهم ألا أن يدعى في المقام ان ما أخذه المالك منه صار عوضا عنه و لو شرعا أو يقال: بوجوب التمكين منه على الوكيل، لعدم الضرر عليه من المالك الظالم بعد اعترافه بأنه ليس له.

و من هنا كان الظاهر اختصاص الحكم بالثمن المزبور المفروض كونه عوضا للسلعة في الواقع، و لو لم يكن المشتري مصدقا للوكيل في دعوى الوكالة، ففي المسالك أيضا «رجع على الوكيل بما غرمه اجمع، لغروره، و لو كان الثمن أزيد و قد دفعه إلى الوكيل رجع به لفساد البيع ظاهرا».

قلت: قد وقع له نحو هذه العبارة بل أصرح منها في كتاب البيع، و لا ريب في فساد ظاهرها، كما تقدم في محله، و أن المتجه له الرجوع بجميع ما غرمه عوض المنافع، و نحوها مما هو ليس من قيمة العين، و لم يحصل له نفع في مقابلها بل و إن حصل، و أما هي ففي رجوعه بما زاد منها على الثمن و عدمه قولان: بخلاف ما قابل الثمن منها، فإنه لا يرجع به قطعا، لعدم الغرور به، و أما ما دفعه من الثمن فلا ريب في رجوعه به على الوكيل، سواء كان مساويا لما غرمه أو أزيد أو أنقص، لظهور فساد البيع كما هو واضح. و محرر في محله، و يمكن حمل عبارته على ذلك.

و كيف كان ف إن رجع المالك على الوكيل بقيمة ماله رجع الوكيل على المشتري بأقل الأمرين من ثمنه و ما اغترمه لأن الثمن إن كان أقل فهو يزعم أن الموكل لا يستحق سواه، و أنه ظالم بأخذ الزائد من القيمة،

ج 27، ص: 371

فلا يرجع به على المشتري، و إن كانت القيمة أقل لم يغرم سواها، لكن يبقى الزائد مجهول المالك ظاهرا، لأن الموكل لا يستحقه بزعمه، و موافقة الظاهر له، و الوكيل قد خرج عن الوكالة بإنكار الموكل، فليس له قبضه فينزعه الحاكم، و يتوصل إلى تحصيل مالكه، كذا في المسالك.

و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا بل الظاهر عدم تسلط الحاكم على انتزاعه منه، بعد علم مالكه بزعمه، فيجب عليه التوصل إلى إيصاله إليه هذا، ثم قال فيها: «و اعلم أن مقتضى السياق كون الوكيل لم يقبض الثمن بعد، و حينئذ فيتجه ما ذكره المصنف من رجوع الوكيل على المشتري دون العكس بأقل الأمرين مع تصادقهما، و يبقى الزائد على ما ذكرناه.

كما أنك عرفت الحال أيضا لو فرض كون الوكيل قابضا للثمن و لو لم يصدقه المشتري، بأن قال: لا أعلم و قد رجع المالك على الوكيل بقيمة العين لم يكن للوكيل مطالبة المشتري بها مع فرض زيادتها على الثمن، لاعترافه بأنه وكيل، و أن المالك ظالم بأخذ الزائد، فليس له حينئذ إلا أقل الأمرين، كما في صورة التصديق.

لكن لا ريب في اشتغال ذمة المشتري في الظاهر بقيمة العين، و إن لم يكن للوكيل المطالبة بها، بل ليس له قبضها في الظاهر، لعدم كونها للمالك الذي غرمه بزعمه، فقد يقال: إنها من مجهول المالك، و لكن فيه أنها محكوم بها للموكل في الظاهر، و إن كان لا يجوز دفعها بعد أن غرم الوكيل، إذ لا يجمع له قيمتان لماله.

و من هنا قد يقال: إنها تدس في مال الوكيل عوض ما غرمه جبر الظلام لكن لم أجد تحريرا لذلك في كلمات الأصحاب و الله العالم.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد خلافا فيه بين من تعرض له، أن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي الاذن في تسليم المبيع، لأنه من واجباته باعتبار اقتضائه إزالة ملك البائع عن المبيع. و إدخاله في ملك

ج 27، ص: 372

المشتري و يجب على مدخل الملك التسليم، لأنه من حقوقه، و لكن لا يسلمه حتى يقبض الثمن من له قبضه من المالك أو مأذونه، رعاية لمصلحة المالك، فلو سلم المبيع حينئذ قبله فتعذر أخذه من المشتري ضمن لتضييعه إياه بالتسليم.

كذا في المسالك بل و جامع المقاصد و فيه أن المتجه تعليل ذلك بدعوى الفهم عرفا من الإطلاق، و إلا فلا ريب في عدم دخول التسليم في مفهوم البيع المفروض إذنه فيه، و لذا صرح في التذكرة بصحة تصريح المالك بالنهي عن التسليم مع الاذن في البيع.

قال: و كون التسليم مستحقا للمشتري لا يقتضي كون المستحق هو تسليم الوكيل على البيع، فالممنوع منه غير المستحق، و إن ناقشه في جامع المقاصد بأنه إذا سلم المشتري الثمن إلى الموكل انقطعت سلطنة الموكل عن المبيع، و وجب على من كان بيده تسليمه إلى مالكه، و كذا القول في الثمن في جانب الشراء فليتأمل ذلك.

لكن فيه إن ذلك خروج عن محل البحث الذي هو تسليم الوكيل من حيث الوكالة التي يكون فيها الوكيل قائما مقام الموكل، و من حيث التقابض الذي اقتضاه العقد، و إلا فهو قد صرح في التذكرة بعد ذلك بلا فصل بما ذكره.

قال: «إذا دفع المشتري الثمن إلى الموكل أو الى الوكيل المأذون له، أو إلى المطلق إذا جوزنا له قبض الثمن، فالوكيل يسلم المبيع، سواء أذن له الموكل أولا أو منعه، لأن المشتري إذا دفع الثمن صار قبض المبيع مستحقا، و للمشتري الانفراد بأخذه، فإن أخذه المشتري فذلك، و إن سلمه المشتري فالأمر محمول على أخذ المشتري، و لا حكم للتسليم.

و هو صريح فيما قلناه من أنه لا مدخلية لذلك فيما نحن فيه من اقتضاء الإطلاق الإذن، لا مثل هذا التسليم الذي هو واجب على كل من كان بيده المال، من غير فرق بينه و بين غيره.

و حينئذ فمحل البحث في التسليم الذي هو مقتضى التقابض في العقد، و هذا لا ريب في صحة نهي وكيل البيع عنه، و دعوى وجوبه على مدخل الملك من حيث

ج 27، ص: 373

كونه مدخلا، و إن كان نائبا عن الغير فيه- واضحة المنع، فليس حينئذ إلا دعوى الفهم عرفا و قد يمنع ذلك خصوصا فيما إذا كان المبيع الذي وكل عليه في يد الموكل.

ثم إن المراد من الضمان- لو سلم الوكيل المبيع قبل قبض الثمن فتلف، على الموكل- ضمان قيمة العين إن كانت هي و الثمن متساويين، و لو كان الثمن أكثر ففي التذكرة «لم يكن عليه الا القيمة، لأنه لم يقبض الثمن فلا يكون مضمونا عليه، و انما يضمن ما فرط فيه، و هو العين حيث سلمها قبل الإيفاء.

و لو كانت القيمة أكثر، فإن باعه بعين يحتمل تغابن الناس بمثله فالأقوى أنه يغرم جميع القيمة حيث فرط فيها كما لو لم يبع بل أتلفها، و هو أصح وجهي الشافعية، و الثاني أنه يغرم القيمة و يحط عنه قدر الغبن لصحة البيع بذلك الثمن، و لو باع بغبن فاحش باذن الموكل احتمل الوجهان: أما الأول فظاهر، و أما الثاني: فقياسه أن لا يغرم إلا قدر الثمن لصحة البيع به بالإذن، فإن قبض الوكيل الثمن بعد ما غرم دفعه للموكل و استرد ما غرمه».

قلت: قد يناقش في أصل الضمان أولا و إنما هو مجرد إثم، و لو سلم بدعوى استفادته من قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» و من فحوى ما ورد من ضمان الدين لتمكين الهرب للمديون من يد الديان، و من تعلق حق الرهانة بقيمة الرهن لو أتلفه متلف، و صدق الخيانة و التفريط فيما هو أمين فيه من المعاوضة على الوجه المزبور، و غير ذلك.

فالمتجه ضمان القيمة و إن كانت أكثر من الثمن إذا كان فيها احتمال رجوع للمالك بفسخ و نحوه، و إلا فله مقدار ما قابل ثمنه إذا كانت أكثر، و أما ضمان نفس الثمن فيدفعه أنه ليس وكيلا عليه حتى يكون مفرطا فيه، و إنما ضيع على المالك حق حبس العين الذي يمكن استيفاؤه منه بوضع قيمة العين قائمة مقامها ملاحظا جبر ضرر المالك بالطريق الذي ذكرناه، و به يفرق بين ما نحن فيه و بين

ج 27، ص: 374

ما يأتي من ضمان الثمن في الوكيل على التقابض باعتبار صدق التفريط عليه في مال الموكل الذي هو الثمن فتأمل جيدا.

و لعله مما ذكرناه أخيرا دليلا للمطلوب ينقدح اختصاص الضمان- على الوجه الذي ذكرنا- بالوكيل دون الأجنبي.

نعم يتجه ذلك لو كان مدرك المسألة تضييع حق الحبس من غير فرق بين الوكيل و غيره و الله العالم.

و كذا ذكروا ان إطلاق الوكالة في الشراء يقتضي الاذن في تسليم الثمن و الكلام فيه على نحو ما سمعته في تسليم المبيع لكن ظاهرهم الاتفاق على انه لا يقتضي إطلاق الإذن في البيع الاذن في قبض الثمن، لأنه قد لا يؤمن على القبض و كذا إطلاق الإذن في الشراء لا يقتضي الإذن في قبض المبيع، لأنه قد لا يؤمن عليه أيضا.

نعم إذا قامت قرائن حالية أو مقالية على ذلك اتبع مقتضاها حينئذ، بل هو ضامن للثمن و المبيع إذا لم يقبضهما فتلفا على البائع و المشتري، لتفريطه، و ظاهرهم هنا ضمان نفس المبيع و الثمن، لا قيمة المدفوع، و لعله لما عرفت من صدق كونه مفرطا و مضيعا و خائنا فيما هو موكل فيه و الله العالم.

و للوكيل في الابتياع مثلا أن يرد بالعيب مثلا المفروض صحة العقد عليه باعتبار خفائه لأنه من مصلحة العقد الموكل عليه، و قد عرفت أن للوكيل مراعاة المصلحة فيما هو وكيل فيه، مضافا إلى تناول إطلاق أدلته له في وجه، فله حينئذ ذلك مع حضور الموكل و غيبته و لكن لو منعه الموكل لم يكن له مخالفته (11) ضرورة كون الحق له، و إنما كان ثبوته له بإطلاق الوكالة في الابتياع مثلا.

و لعل المصنف أراد التنبيه بذلك على عدم ثبوته له من حيث كونه عاقدا على وجه لا مدخلية لنهى المالك عنه، نحو ما احتمل في خيار المجلس للوكيل، أو على

ج 27، ص: 375

الفرق بينه و بين عامل المضاربة، بناء على عدم تسلط المالك في إسقاط خيار العيب الثابت له، لعدم انحصار الحق فيه.

على كل حال فما في المسالك- تبعا لجامع المقاصد من إشكال أصل ثبوت الرد بأنه إنما أقامه مقام نفسه بوكالته له في العقد، لا في

اللوازم التي من جملتها القبض و الإقالة و غيرهما، و ليس له مباشرتها إجماعا- لا محصل له، بعد فرض الفهم عرفا، و تناول دليل الرد له شرعا بل الظاهر ثبوت ذلك أيضا في الوكالة على شراء عين بخصوصها، ما لم يظهر من المالك إرادته على كل حال، و إن استشكل فيه في القواعد.

بل عن التذكرة الجزم بعدم الرد في الأول فضلا عن الثاني مشعرا بدعوى الإجماع عليه في وجه و وافقه على ذلك ثاني المحققين و الشهيدين، و لعل الفهم عرفا و تناول الدليل شرعا حجة عليهم.

و حينئذ فلو استمهله البائع حتى يحضر الموكل لم يلزم إجابته، مع فرض عدم مصلحة في ذلك، فإن ادعى البائع رضي الموكل، و أنه يعلم الوكيل بذلك، استحلفه على نفي العلم، و لو رده فحضره الموكل و ادعى الرضا على وجه يقتضي سقوط خيار الرد و صدقه البائع انكشف حينئذ بطلان رد الوكيل.

لكن في التذكرة، و القواعد، و جامع المقاصد بطل الرد ان قلنا بالعزل، و ان يعلم الوكيل، بل في الأخير زيادة، أما على القول بأنه لا ينعزل ما لم يعلم العزل، و هو الأصح، فإن الرد ماض و لا أثر لرضا الموكل.

و فيه أنه لا وجه لبناء ذلك على المسألة المزبورة، بل الظاهر انكشاف بطلان الرد على كل حال، ضرورة انتفاء متعلق الوكالة مع فرض سبق إسقاط المالك الخيار قبل رد الوكيل به، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و دعوى عموم أدلة تلك المسألة- ك صحيحي ابن وهب و سالم (1)المتقدمين و


1- 1 الوسائل الباب- 1 و 2 من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1.

ج 27، ص: 376

غيرهما للأعم من العزل بالقول و الفعل الشامل لما نحن فيه، فيكون ذلك منهما اختيارا في المسألة لا اشتباها- يدفعها استبعاد التزام مقتضاها من مراعاة كل تصرف للموكل بتصرف الوكيل، فإن كان قد وقع منه و لو بعد تصرف الموكل ما ينافيه قدم عليه، و صار سببا لانفساخ تصرف الموكل الجامع لجميع شرائط الصحة و اللزوم، و إلا مضى.

فالوكيل حينئذ بالنسبة إلى المالك أعظم من الوليين اللذين يمضي تصرف السابق منهما، لما عرفت من مضي تصرف الوكيل و إن كان متأخرا دون الموكل، و لا ريب في منافاته لعموم (1)

«تسلط الناس على أموالهم»(2)

«و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و غيرها بل لا يلتزمه من له أدنى دربة في الفقه.

و دعوى أن التعارض بين هذه العمومات من وجه، يدفعها أولا: ظهور أدلة الوكالة في بقاء الموضوع الموكل فيه، فلا تعارض حينئذ، بل يستفاد من مجموع

قوله عليه السلام «الناس مسلطون»

الى آخره و نحوه و من

قوله (3)«من وكل بأمر»

إلى آخره سوى ثبوت الولاية لكل منهما على ذلك، فأيهما سبق تصرفه نفذ و إن اقترنا بطل.

بل هو مقتضى قيام الوكيل مقام المالك، و كونه نائبا منابه، و فرعا من فروعه، و ليس في شي ء منها ما يقتضي فسخ تصرف الموكل بوقوع تصرف الوكيل بعده، بل دعوى ذلك من غرائب الفقه، ضرورة كون العكس مظنة ذلك.

و منه ينقدح أنه لو سلم التعارض من وجه- و إن كان هو كما ترى- فلا ريب في كون الترجيح لتلك، باعتبار معلومية خروج مسألة الوكالة عن القواعد التي يجب الاقتصار فيها على ما هو المتيقن، و هو العزل قولا، أو فعلا مع بقاء العين


1- 1 البحار جلد 2 ص 272 الطبعة الحديثة.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام الوكالة.

ج 27، ص: 377

الموكل عليها قابلة لتعلق فعل الوكيل فيها كما هو واضح.

و بذلك بان لك أن ما في القواعد و جامع المقاصد واضح الضعف على كل حال، كما أن ما فيها أيضا من أنه لو رضى الوكيل بالعيب فحضر الموكل و أراد الرد له ذلك، لا يخلو من نظر أيضا ضرورة أن فعله الموافق للمصلحة ماض على الموكل.

نعم لو قلنا بأن الالتزام و الرد للوكيل ليس من حيث الوكالة، بل للأدلة الشرعية أمكن حينئذ اشتراك حق الخيار بينهما، فلا يمضى التزام الوكيل حينئذ على الموكل، لكن فيه أنه ينبغي أيضا عدم مضي التزام الموكل على الوكيل، و قد عرفت تصريحه سابقا بخلافه، اللهم الا أن يفرق بين الموكل و الوكيل في ذلك.

[الفصل الثاني في متعلق الوكالة]

اشارة

الفصل الثاني في متعلق الوكالة و قد اعتبر الفاضل فيه أمورا ثلاثة أحدها: أن يكون قابلا للنيابة، ضرورة أنها روح الوكالة، فلا بد حينئذ من معرفة ما لا تصح فيه النيابة، و ما تصح فيه و المهم في ذلك تحرير أصل يرجع إليه في محال الشك.

و قد يستفاد من التأمل في كلام الأصحاب أن الأصل جواز الوكالة في كل شي ء، كما يومي إلى ذلك ذكر الدليل فيما لا تصح فيه من النص على اعتبار المباشرة و نحوها، مما يمنع من الوكالة دون ما صحت فيه، و لعل مرجع ذلك إلى دعوى اشتراط المباشرة و نحوها مما يمنع الوكالة، و الأصل عدمها.

و لا يكفي في امتناعها ثبوت مشروعيته حال المباشرة، فإن ذلك لا ينافي عموم ما دل على جواز الوكالة، إنما ينافيه اعتبارها شرطا، و أصالة عدم الوكالة قد انقطع بثبوت مشروعيتها، كغيره من العقود، بل الظاهر الاكتفاء في إثبات عمومها بنحو

ج 27، ص: 378

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سالم (1)«أن الوكيل إذا وكل ثم قام عن المجلس فأمره ماض أبدا، و الوكالة ثابتة حتى يبلغه العزل».

و قوله في الصحيحين (2)أيضا «من وكل رجلا على إمضاء أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا، حتى يعلمه بالخروج منها، كما أعلمه بالدخول فيها»

و نحو ذلك مما لا ينافي دلالته على كون الوكالة جائزة، مسوقة لبيان توقف العزل على الإعلام، ضرورة أنه دل على ذلك و على المشروعية.

بل هو كاف في إثبات المطلوب، ضرورة تناوله لكل مورد من الموارد التي تعلقت به الوكالة من محال الشك، فإنه يصدق عليه حينئذ أنه وكل على إمضاء أمر، فلا ينعزل حتى يبلغه العزل.

و بالجملة من أعطى التأمل حقه في هذه النصوص و ما شابهها يكاد يقطع بما ذكرنا خصوصا مع ملاحظة التمسك من الأصحاب في كل عقد بالعمومات جائزها و لازمها، و ليس في شي ء منها سوى ما دل على مشروعية طبيعتها، المقتضي للمشروعية في كل فرد من أفرادها التي حلت فيه الطبيعة، حتى يعلم فساده.

فالحكم الشرعي في خصوص الفرد الذي هو محل الشك مستفاد من الجواز الثابت للطبيعة حينئذ، بعد فرض تحقق الإطلاق العرفي الذي لا

مدخلية للصحة الشرعية فيه، فإنها اسم للأعم من الصحيح و الفاسد.

و بذلك ظهر لك مشروعية الوكالة في كل شي ء إلا ما علم خروجه، و قد نبه عليه المصنف بقوله

[أما ما لا تدخله النيابة]

أما ما لا تدخله النيابة فضابطه ما تعلق قصد الشارع بإيقاعه من المكلف مباشرة بنص أو إجماع أو نحوهما فإن الوكالة حينئذ منافية لحقيقته أو لما يعتبر فيه كالطهارة من الحدث مع القدرة ترابية كانت أو مائية و إن جازت النيابة في غسل الأعضاء عند الضرورة أو مسحها بالتراب إلا أن المتولي


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1-.

ج 27، ص: 379

للنية هو لا النائب، و إلا لم يصح بل في المسالك «هذه الاستنابة ليست توكيلا حقيقيا، و من ثم تقع ممن لا يصح توكيله كالمجنون» و فيه أنه لا يقتضي عدم صدق الوكالة في تولي البالغ العاقل.

نعم قد يقال إنه فرد ثان للغسل المأمور به مباشرة حال القدرة اكتفى به الشارع، باعتبار تهيئة أعضائه و قبول الصب و نحو ذلك حال العجز، أما الطهارة من النجاسة فقد قيل إنه يجوز له الاستنابة فيه، لأن الغرض منه هجران النجاسة و زوالها كيف اتفق، و من هنا لم يعتبر في صحته النية و إن ترتب الثواب معها و الصلاة الواجبة ما دام حيا بالأصل إلا في مثل ركعتي الطواف في النيابة في الحج عن الحي العاجز، بناء على شرعيته تبعا للمنوب فيه فضلا عن ركعتي الطواف المندوب، و ركعتي الزيادة.

و أما غيرهما من النوافل و مطلق الصوم المندوب ففي المسالك «في جواز التوكيل فيه نظر، و إطلاق جماعة من الأصحاب المنع من الاستنابة في العبادات يشملهما، و إن تقيد الإطلاق في غيرهما.

قلت: قد يستفاد من النصوص مشروعية إهداء الثواب في جميع المندوبات للحي و الميت، بل قد يستفاد منها فعلها عنه على وجه يترتب الثواب له كما أشرنا إليه سابقا في العبادات. نعم لا دليل على شرعية النيابة فيه على وجه يسقط خطاب الندب عن المكلف، بل هو باق على ندبيته له، و إن ترتب ثواب له على فعل الغير بنية النيابة عنه فلاحظ و تأمل.

و من ذلك يعلم الحال في إطلاق عدم جواز النيابة في العبادات حتى جعله في المسالك أصلا و إن خرج منه ما خرج بالأدلة الخاصة، و فيه: أنه ليس في العبادة إلا الفعل بقصد القربة، و إن الشارع جعل ذلك سببا لترتب الثواب عليه، و هو غير مناف للنيابة فيه، فيندرج في عمومها الذي مقتضاه مشروعية جعل فعل الغير فعل الإنسان نفسه بالإذن و التوكيل من الطرفين.

ج 27، ص: 380

و هذا أمر شامل للعبادة و غيرها فتأمل، فإنه دقيق نافع، و إنه من ثمرات الأصل الذي ذكرناه و خصوصا بعد التأمل فيما جاز من النيابة فيها حال الحياة و بعد الموت، و خصوصا المالية منها فتأمل جيدا و الله العالم.

و كذا الكلام في الصوم الواجب و المندوب، و إن قال في جامع المقاصد: «إن ظاهرهم عدم جواز النيابة فيه مطلقا، واجبا كان أو مندوبا ما دام حيا» بل و مثله الاعتكاف المعتبر فيه الصوم و الحج الواجب مع القدرة أما مع العجر فقد عرفت البحث فيه في كتاب الحج و الايمان حتى الإيلاء و النذور و الغصب و سائر المعاصي المعلوم ترتب الإثم على فاعلها كالزنا و اللواط و القسم بين الزوجات، لأنه يتضمن استمتاعا و الظهار الذي صيغته مختصة بالمظاهر و منكر من القول و زور و بمعنى اليمين و اللعان الذي حقيقته الدعاء على نفسه إن كان مفتريا، أو شهادة أو يمين و قضاء العدة التي هي لاستبراء الرحم و الجناية (11) و نحو ذلك مما علم في بعضه عدم قبول النيابة.

و أما البعض الأخر فإن ثبت فيه إجماع و نحوه من الأدلة المعتبرة على منع النيابة فيه كان هو الحجة، و إلا كان محلا للنظر و التأمل و مثل الظهار الذي هو كالطلاق و الصيغة موردها المباشر إذ كان هو نحو غيرها من النذر و العهد و اليمين و نحوها مما هي من الأسباب لترتب أحكام و لا مانع من النيابة فيه، و الحرمة على المظاهر لا تقتضي الحرمة على وكيله في إجراء الصيغة إذا كان جاهلا مثلا، على أن الإعانة لا تقتضي عدم ترتب أحكام السبب، كما أن ذلك لا ينافي عمومات الوكالة و الله العالم.

و (12) أما الالتقاط (13) المملك و الاحتطاب و الاحتشاش (14) ففي القواعد فيه نظر، و في التذكرة الجزم بعدم الصحة في الالتقاط، و يمكن أن يريد به غير الذي هو بحكم المباح اما هو ففيه البحث في حيازة المباحات، و قد ذكرنا في المضاربة تحقيق الحال فيها و قبولها للنيابة باستئجار و غيره، لعدم ما يدل على الدخول في

ج 27، ص: 381

ملك المحيز قهرا حتي لو قصد عدمه، بل لعل ظاهر الدليل خلافه، خصوصا مع عدم قصد الدخول في حوزته بالاستيلاء عليه.

نعم ظاهر

قوله عليه السلام (1)«من أحيى، أو حاز»

أو نحوهما اعتبار قصد الفعل بعنوان الاستيلاء عليه، و الإدخال تحت سلطانه الذي هو الملك عرفا في ترتب الملك شرعا، فهو حينئذ من الأسباب الشرعية في حصول الملك، و لا مانع من جريان النيابة فيه، كغيره من الأسباب لعموم الوكالة كما هو واضح بأدنى تأمل.

و أما الالتقاط بمعنى ترتب حكم التعريف و نحوه عليه فقد يظهر من بعضهم عدم الجواز فيه، و لعله لظهور أدلته في اعتبار المباشرة فيه، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، إن لم يكن إجماعا، و قلنا بالعموم المزبور على الوجه المذكور.

نعم لا تجوز الوكالة في إقامة الشهادة إلا على وجه الشهادة على الشهادة بل هي ليس من الوكالة بل النيابة في شي ء، و إنما هي شهادة على الشهادة، و لكن لها شبه في النيابة، و من هنا صح الاستثناء، و لو بجعلها من الافراد المجازية لها.

و أما القضاء و الحكم بين الناس و قسمة الفي ء و الغنيمة ففي جامع المقاصد «أنه يصح التوكيل فيه» و مراده و لو بقرينة ما تقدم له سابقا ما في المسالك من جواز تولية الإمام غيره في القضاء، و كذا تولية منصوبه الخاص لغيره مع الإذن في ذلك، و تسمية هذا النوع وكالة مجاز، و استثناؤه من هذا الباب لكونه عبادة، بل من أكمل العبادات، إلى أن قال: «و إنما قيدنا تولية القضاء بالإمام أو نائبه الخاص لعدم إمكان تولية منصوبه العام و هو الفقيه في زمان الغيبة لغيره، لأن غيره إن كان جامعا لشرائط الفتوى كان مساويا للأول في كونه نائبا للإمام فيه أيضا، و إلا لم يتصور كونه قاضيا، لما اتفق عليه الأصحاب من اشتراط جميع شرائط الفتوى في القاضي، نعم يمكن الاستنابة في الحلف بعد توجه اليمين.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب إحياء الموات الحديث- 5- 6.

ج 27، ص: 382

لكن فيه مواضع للنظر كدعوى أنه من العبادات التي من شرط صحتها النية، و كدعوى عدم تصوره في زمن الغيبة لما ذكره مما يعتبر في القاضي لا نائبه في القضاء، بمعنى جواز توليته قول حكمت الذي فيها الفصل بين المتخاصمين، فهي كغيرها من الأسباب التي يصح فيها التوكيل، فالأولى الاستناد فيه إلى الإجماع على عدم قبوله للنيابة ان كان، و تسمع إنشاء الله زيادة تحقيق للمسألة في كتاب القضاء.

و في جامع المقاصد متصلا بالعبارة السابقة «و كذا لا يجوز للحاكم أن يوكل من ينوب عنه في الحجر و يوكل الغرماء من يطلبه منه، أما المحجور عليه فلا يصح له أن يستنيب من يحكم عليه بالحجر عنه» و مراده أن يكون النائب نفسه محجورا عليه.

و أما رد السلام فقد جزم في جامع المقاصد بعدم صحة التوكيل فيه، و أنه متعلق بمن سلم عليه، معللا له بأن وجوبه فوري و التوكيل مؤد إلى فواته، و فيه أن مجرد ذلك لا يصلح للمانعية، لإمكان تصورها مع عدم فواتها، و كذا الكلام في كل فوري خيار و غيره، و أما التوكيل في الإقرار ففيه بحث تعرفه إنشاء الله تعالى فيما يأتي، هذا كله فيما لا يدخله النيابة لمعلومية اعتبار الشارع فيه ما ينافيها.

[أما ما تدخله النيابة]

و أما ما تدخله النيابة، فضابطه: ما جعل ذريعة إلى غرض لا يختص بالمباشرة و يكفي في ذلك عدم العلم باعتبارها، لعموم مشروعية الوكالة و النيابة كما عرفت، كأ نواع البيع و توابعه من قبض الثمن و دفع المثمن، و الإقالة، و إثبات الخيار و الفسخ به، و نحو ذلك.

و كذا الرهن و الصلح و الحوالة و الكفالة و الضمان و الشركة و الوكالة و العارية و في الأخذ بالشفعة و الإبراء و الوديعة و الوصية و قسم الصدقات و قبضها و دفعها و عقد النكاح و توابعه من فرض الصداق و الفسخ بالعيب و الخلع (11) و المبارأة و الطلاق (12) و غيرها و استيفاء القصاص

ج 27، ص: 383

و إن شرع للتشفي و قبض الديات، و في الجهاد على وجه لأن المقصود به حماية الدين، و حراسة المسلمين، فلا يتعلق الغرض فيه بمعين.

نعم لو فرض تعينه بتعيين الإمام إياه لجودة رأيه في الحرب أو بتوقف الدفع عليه، لم يجز التوكيل فيه، و في جامع المقاصد هذا هو المراد بقوله على وجه، و في استيفاء الحدود مطلقا مع حضور المستحق و غيبته، و سواء كان الحد لآدمي أو لله تعالى.

و كذا يجوز التوكيل في إثبات حدود الآدميين التي هي أحد حقوقهم، أما حدود الله سبحانه و تعالى فلا يجوز عند المصنف و الفاضل في القواعد، بل تحريره المنع منه مطلقا، إلا في حد القذف.

لكن في التذكرة صرح بجوازه في إثبات حد الله فضلا عن الآدمي، محتجا بأن

النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)وكل أنيسا في إثبات الحد و استيفائه جميعا حيث قال له «فان اعترفت فارجمها»

و بدخول ذلك في نيابة النواب الذين كانوا يرسلونهم إلى الأطراف، و لعله الأقوى في النظر، فيجوز للإمام و نائبه العام ذلك، و لا ينافيه درء الحد بالشبهة. نعم ليس لأحد توكيل غيره في ذلك، لاستواء المكلفين في الحسبة، و يمكن حمل عبارة المصنف و غيره على ذلك.

و كذا يجوز التوكيل في عقد السبق و الرماية كغيره من العقود و العتق و التدبير و الكتابة، و في الدعوى، و في إثبات الحجج و الحقوق و غيرها مما لا حاجة إلى تعدادها بعد ما عرفت من الأصل الذي ذكرناه، مع أن هذا التعداد لا يفي بحصرها، كما أن الضابط المزبور لا يجدي في أفراد الشك.

اللهم إلا أن يريدوا به ما أشرنا إليه من الاكتفاء بعدم العلم فيه، و لعله المقصود لهم، كما يومي إليه تعرضهم للدليل في ممنوع التوكيل، بخلاف غيره مما اكتفوا في جواز التوكيل فيه، بعدم ما يقتضي المنع، و بذلك يتم أيضا ما ذكرناه


1- 1 سنن البيهقي ج 8 ص 225.

ج 27، ص: 384

من الأصل المزبور و الله العالم.

و الثاني من الأمور المعتبرة في الموكل فيه أن يكون معلوما بنوع من العلم، كما عرفت تفصيل البحث فيه سابقا على هذا الفصل، و كذا عرفت الحال فيما لو وكل على كل قليل و كثير و أنه قيل لا يصح لما يتطرق من احتمال الضرر يعتق جميع عبيده، و تطليق جميع نسائه، و هبة جميع أملاكه و نحو ذلك، مما لا يوجه و قيل يجوز، و يندفع الاحتمال باعتبار المصلحة و لكن قال المصنف هو بعيد عن موضع الفرض الذي هو العموم المزبور.

نعم لو وكله على كل ما يملك صح لأنه يناط بالمصلحة بعد اندفاع معظم الغرر عنه بتخصيص المتعلق في الجملة.

و فيه أولا: أن العموم أولى باعتبار المصلحة المعتبرة في الفرد الخاص، فضلا عنه.

و ثانيا: أنه لا فرق في ضبط المصلحة بين العمومين، فان انتشار العام لا يمنع من ذلك، فان مرجع المصلحة إلى نظر الوكيل فما علم فيه المصلحة فعله، و ما اشتبه امتنع، و لأنه لو فصل ذلك العام المنتشر صح، و يقيد برعاية المصلحة على ما اعترفوا به، و ذلك مشترك بينهما و يمكن حمل كلام المصنف على إرادة البحث في صحة الوكالة ملاحظا فيه عدم التقييد بالمصلحة، و أنه يفعل كلما يشاء، و حينئذ يبقى البحث معه في ذلك، مع فرضها على وجه يصح وقوعها من الموكل و أنها لا تؤثر سفها أو نحوه مما يمنعه من الوكالة فإنه يكون خارجا عما نحن فيه اما مع عدمه فالوجه الصحة لعموم الوكالة فتأمل جيدا.

الثالث: أن يكون مملوكا للموكل اتفاقا منا كما في جامع المقاصد «فلو وكله على طلاق امرأة سينكحها أو عتق عبد سيملكه أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح نعم لو وكله على شراء عبد و عتقه أو ثوب و بيعه جاز، و منه كما في جامع المقاصد ما لو قال: طلق زوجتي ثلاثا فإنه يكون وكيلا في الرجعتين بينهما، قال: و لكن

ج 27، ص: 385

يرد عليه أن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل، فإن الرجعة انما يملكها بعد الطلاق فحقه أن لا يصح.

ثم أجاب بأنه ليس ببعيد أن يقال: إن التوكيل في مثل هذا جائز لأنه وقع تابعا لغيره، و نحوه ما لو وكله في شراء شاتين، و بيع إحداهما أما لو وكله فيما لا يملكه استقلالا كما لو وكل في طلاق زوجة سينكحها لم يصح، و الفرق بين وقوع الشي ء أصلا و تبعا كثير، لأن التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة، و استكمال أركانها، و قد وقع الإيماء إلى ذلك في التذكرة.

قلت: و قد تبعه عليه كل من تأخر عنه، و نظروه في الوقف على المعدوم أصالة و تبعا.

لكن الإنصاف أنه ليس بشي ء عند التأمل، فإن النظائر لا تصلح لأن تكون دليلا، و دعوى تناول العموم له دون الأول مجرد اقتراح، و إنكار جوازه مطلقا مكابرة، بل مشروعية المضاربة حجة عليه، فإنها من الوكالة أيضا فلا بد أن يقال ما- يرجع منها الى معنى التعليق باطل، باعتبار اقتضاء تأخير متعلقها تأخرها أما مالا يرجع إلى ذلك بان جعله وكيلا عنه و نائبا منا به فيما هو أهل له، و لو بإيجاد سببه المتأخر، عن حال العقد صح، و إن لم نجعله تابعا في وكالة شخص خاص، بل وكل شخصا على الشراء و آخر على بيع ما يشتريه ذلك، لكن على الوجه المزبور و بالجملة لا يبعد القول بمشروعية الوكالة لما ذكرناه من عمومها في جعل الشخص نائبا منابه و قائما مقامه في كل ما هو أهل له، من غير فرق بين الموجود و المتجدد له من ملك و غيره.

و حينئذ له أن يبيع ما يدخله في ملكه بإرث و هبة و غيرهما، و لعل من ذلك وكلاء الأئمة و نوابهم سيما وكلاء الناحية و وكلاء المجتهدين في زمن الغيبة على ما يتجدد من حق الخمس و الزكاة و غير ذلك مما هو راجع إلى الإمام عليه السلام فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع لم أجد من أحاط به.

ج 27، ص: 386

نعم احتمله الشهيد في حواشيه، و حكاه عن التذكرة هذا، و لعله بالتأمل فيما ذكرناه يظهر لك أن العنوان المزبور في الشرط المذكور في غير محله، و إن انساق إلى الذهن بعض الأفراد التي تنطبق عليه، و الأمر سهل بعد معلومية الحال في كثير من الافراد التي هي ممنوعة مباشرة و توكيلا، بل لا يجوز له في بعضها مباشرتها للغير أيضا فلا يصح وكالته فيها و لا توكيله، و منها ما يحرم عليه مباشرتها و إن جاز التوكيل فيها ككنس الحائض و الجنب المسجد.

و على كل حال فلو قال الموكل اشتر لي من مالك كر طعام لم يصح، إذا كان المراد جعل الثمن في العقد من مال الوكيل لما هو معلوم من عدم جواز شراء الإنسان بماله ما يملكه غيره، فيكون وكالته فيه باطلة.

نعم لو قال: اشتر لي في الذمة و اقض الثمن عني من مالك صح، لجريان الوكالة في وفاء الدين، و لو قال اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح، و برء بالتسليم إلى البائع الذي قد أقامه الموكل مقام نفسه، كما تسمعه من المصنف، و لا يكفي تشخيص المديون قبل قبضه بعد أن لم يكن وكيلا على ذلك.

و حينئذ فلو شخص المديون الدين بنقد خاص و اشترى به للموكل لم يكن صحيحا و احتمل بعض الأفاضل صحته، و إن كان لم يبرء تماما إلا بالتسليم إلى البائع و حاصله أنه بذلك التشخيص يكون الملك للموكل متزلزلا و يكفي في صحة البيع و لكن تمامه متوقف على تسليم البائع.

إلا أنه كما ترى لا يمكن انطباقه على القواعد الشرعية، بعد فرض عدم وكالته على التشخيص المزبور، و دعوى استفادة ذلك كله من عبارة الموكل ممنوعة، و ستسمع زيادة لذلك عند تعرض المصنف له في آخر الفصل الرابع و الله هو العالم بحقيقة الحال.

ج 27، ص: 387

[الفصل الثالث في الموكل ]

الفصل الثالث: في الموكل و يعتبر فيه البلوغ و العقل و أن يكون جائز التصرف فيما وكل فيه مما تصح فيه النيابة، فلا تصح وكالة الصبي لسلب عبارته و فعله فضلا عن عدم جواز تصرفه مميزا كان أو لم يكن أذن فيه وليه أو لم يأذن، كما عرفته غير مرة.

نعم و لو بلغ عشرا جاز أن يوكل فيما له التصرف فيه، كالوصية و الصدقة و العتق و الطلاق على رواية بل في جامع المقاصد نسبة القول بها في الثلاثة الأول إلى الشيخ و جماعة، بل فيه «إن القول به و إن كان مشهورا إلا أن مستنده غير واضح».

قلت: ستعرف في كتاب الوصية أن الأقوى جوازها فيه، إذا كانت بالمعروف لأرحامه و غيرهم، وفاقا للمشهور، أما غيرها فمحل بحث و منع، و حينئذ لا بأس بتوكيله فيها، ضرورة ترتب صحتها على جواز ذلك له، لأن احتمال اعتبار المباشرة في الجواز له كما ترى، بل الظاهر بعد جوازه له، جواز توليه لغيره ممن يجوز منه صبيا أيضا و غيره، كما أومى إليه المصنف بقوله و كذا يجوز أن يتوكل فيه، لأن احتمال اختصاص اعتبار لفظه فيه نفسه بعيد عن مذاق الفقه.

و كذا لا تصح وكالة المجنون مطبقا أو أدوارا، بلا خلاف و لا اشكال، بل قد عرفت اتفاقهم ظاهرا فيما تقدم على انه لو عرض ذلك بعد التوكيل أبطل الوكالة بل و الإذن، و إن تأمل فيه المحدث البحراني بل مال إليه، لكنه في غير محله، كما أوضحناه سابقا.

و لعل الشرط الثالث كان مغنيا عن ذكر الأولين، ضرورة عدم جواز التصرف للصبي و المجنون، فلا تصح منهما الوكالة، و من هنا عبر الفاضل عن هذا الشرط باعتبار ملك الموكل مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، ثم فرع عليه عدم الجواز للصبي و المجنون و غيرهما، و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

ج 27، ص: 388

و أما المملوك فلا خلاف و لا إشكال في أن للمكاتب منه المشروط و المطلق أن يوكل في البيع و الشراء و نحوها لأنه يملك التصرف في الاكتساب فجاز له الوكالة فيه، نعم قد يتوقف في وكالته عن الغير في ذلك ما لم يكن اكتسابا، و مقتضى الأصل المنع، كتوكيله في غير التكسب، و ليس الاذن المستفاد من عقد المكاتبة في التكسب يقتضي الإذن في غيره. لكن ستسمع إنشاء الله تحقيق الحال فيه في محله.

و ليس للعبد القن أن يوكل إلا بإذن مولاه و إن قلنا بملكه، لكونه محجورا عليه فيه، نعم يجوز له التوكيل فيما يملك مباشرته بدون إذنه كالطلاق كما سيأتي و لو وكله إنسان بإذن مولاه بناء على اعتبار ذلك في صحة وكالته في شراء نفسه من مولاه صح للعمومات و مغايرة المشتري للمبيع يكفى فيها الاعتبار، مع أنها هنا حقيقية لأن المشتري حقيقة هو الموكل كما هو واضح.

و ليس للوكيل أن يوكل عن الموكل إلا بإذن منه بصريح اللفظ أو ظاهره، أو قرينة حال أو مقال، بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، ضرورة أن مجرد وكالته على البيع مثلا لا يقتضي وكالته، بل و لا الإذن في إيقاع عقد الوكالة عنه للغير، أو الإذن له في ذلك كما هو واضح، و ليس هو كالوصي الذي وصايته ولاية، لا استنابة، فيجوز له الوكالة عن نفسه إلا مع نص الموصى على المنع، لعموم (1)«فَمَنْ بَدَّلَهُ» خلافا لابن حنبل في إحدى الروايتين عنه، و ابن أبي ليلى إذا مرض أو غاب، فجوزا توكيله الغير عن الموكل، و هو كما ترى، و أما وكالته عن نفسه فظاهرهم أيضا أنها كالوكالة عن الموكل متوقفة على الإذن من الموكل.

لكن قد يشكل ذلك بعدم ثبوت حق للوكيل على وجه يصح توكيله، خصوصا بعد ما اعتبروا في الموكل أن يملك مباشرة ذلك التصرف بملك أو ولاية، فلا تجدي


1- 1 سورة البقرة الآية 181.

ج 27، ص: 389

الإذن من الموكل في الوكالة عنه نفسه في كون الأمر مستحقا كي يصح توكيله عن نفسه، و الا لاقتضت مجرد وكالته هذا الاستحقاق له، على وجه لا يحتاج إلى إذن الموكل في توكيله، و صارت الوكالة حينئذ كالولاية.

و يمكن أن يكون وجهه أن له حق النيابة فيما له فعله، و هو المراد بملك الموكل له إلا أن توقفه على إذن الموكل باعتبار توقف صيرورة فعل شخص لآخر على الإذن منه فيه، و الفرض أن الوكيل الثاني يفعل الفعل عن موكله للموكل الأول، فلا يكون له إلا مع اذنه فيه، إذ مع عدمها إنما أذن في لفظ الوكيل الأول مثلا أن يكون لفظا له، لا وكيله. كما هو واضح و نافع، و يأتي مزيد تحقيق لذلك إنشاء الله عند تعرض المصنف له.

و لو كان المملوك مأذونا له في التجارة عن نفسه أو مولاه جاز له أن يوكل فيما جرت العادة بالتوكيل فيه لغيره من المأذونين كذلك، لأنه حينئذ بسبب العادة المزبورة كالمأذون فيه صريحا بلا خلاف و لا اشكال، نعم لا يجوز له أن يوكل في غير ذلك لأنه يتوقف على صريح الأذن عن مولاه أو كالصريح في جواز التعويل عليه من ظاهر لفظ أو غيره، و له أن يوكل فيما يجوز أن يتصرف فيه، من غير إذن مولاه مما تصح فيه النيابة كالطلاق و نحوه مما فيه المقتضي للجواز بلا مانع، إذ الرقية في حد ذاتها لا تمنع من التوكيل و إنما هي كالحجر لسفه أو فلس.

فيجوز للمحجور عليه أن يوكل فيما له التصرف فيه، من طلاق و خلع و ما شابهه (11) مما هو غير داخل في الحجر أما ما حجر عليه فيه، فلا تجوز وكالته فيه، لعدم كونه جائز التصرف حالها، و هي استنابة.

لكن الإنصاف إن لم يكن إجماعا إمكان القول بصحتها، و إن توقف تصرف الوكيل على فك الحجر عن الموكل نحو الوكالة على طلاق امرأة و هي في طهر المواقعة أو حال الحيض الذي لا خلاف نصا و فتوى في جوازه، و ليس ذا من التعليق في شي ء بل

ج 27، ص: 390

و لا من الوكالة في طلاق امرأة سينكحها، فما في التذكرة «من أنه من جوز التوكيل في طلاق امرأة سينكحها، و بيع عبد سيملكه، فقياسه تجويز توكيل المحجور عليه بما سيأذن له فيه الولي و كل هذا عندنا باطل» لا يخلو من نظر.

و كيف كان ف لا يجوز ان يوكل المحرم في عقد النكاح و لا ابتياع الصيد بل ظاهرهم الاتفاق عليه، لعدم جواز أصل الفعل للموكل، فلا تجوز وكالته فيه، بل لا تجوز وكالته عن الغير في ذلك كما ستعرف، لحرمة أصل الفعل عليه.

نعم هذا كله في الوكالة لإرادة الوقوع حال الإحرام، أما لو حصلت الوكالة حالته لإرادة الوقوع حال الإحلال ففي المسالك «ظاهر العبارة منعه، و الأولى الجواز» و هو مؤيد لما قلناه سابقا، لكن في جامع المقاصد «ظاهرهم عدم الجواز، فلا يعتمد على هذا التوكيل لعدم كونه مالكا لمباشرة هذا التصرف الان. و هو شرط عندنا، فكان كما لو وكل في طلاق امرأة سينكحها» ثم حكى عبارة التذكرة السابقة، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

مضافا إلى خصوص

خبر الرازي (1)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام: رجل وكل رجلا بطلاق امرأته إذا حاضت و طهرت، و خرج الرجل فبدا له فأشهد أنه قد أبطل ما كان أمره به. و أنه قد بدا له في ذلك، قال: فليعلم أهله و ليعلم الوكيل».

هذا و تمام الكلام في حكم المحرم في محله و كذا المعتكف بناء على مساواته له في حرمة الشراء و نحوه، فلاحظ و تأمل، و على كل حال فقد ظهر بما ذكرنا أنه لا إشكال في صحة الوكالة مع اجتماع ما عرفت في الموكل.

و حينئذ فلا إشكال في أنه يجوز للأب و الجد أن يوكلا عن الولد الصغير في كل مالهما الولاية فيه كغيرهما من الأولياء، و كذا تصح الوكالة في الطلاق للغائب إجماعا أو ضرورة لوجود المقتضي و عدم المانع، فما عن


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1.

ج 27، ص: 391

ابن سماعة من الخلاف في ذلك لا ينبغي الالتفات اليه، بل و للحاضر على الأظهر الأشهر بل المشهور، بل عن ابن إدريس نفي الخلاف فيه بين المسلمين، لعموم الوكالة و خصوص ترك الاستفصال في صحيح الأعرج (1)و غيره.

خلافا للمحكي عن الشيخ و القاضي و التقي فمنعوها في الثاني ل

قوله عليه السلام (2)«الطلاق بيد من أخذ بالساق»

المراد منه بقرينة معلومية جواز الوكالة في الغائب أن أمره إليه مباشرة أو وكالة، و إطلاق

خبر زرارة(3)عنه عليه السلام «لا تجوز الوكالة في الطلاق»

المقتصر في تقييده على الغائب عن البلد، جمعا بينه و بين النصوص المزبورة.

إلا أنه كما ترى- مع قصور سنده و منافاة إطلاقه الإجماع و إن حكي عن ابن سماعة- لا يقاوم ما سمعت من الأدلة من وجوه، خصوصا مع عدم التعرض في شي ء من النصوص لغيبة و لا حضور، و إن صرح بعضها بالجواز في الأول، إلا أن إثباته لا ينفى ما عداه كما هو واضح، و الله العالم.

و لو قال الموكل اصنع ما شئت كان دالا على الإذن في التوكيل عن الموكل و عن نفسه لانه تسليط على ما تتعلق به المشيئة الذي يندرج فيه الفرض فإن لفظ- ما- للعموم الذي لا فرق بينه و بين الخصوص في الاعتبار، و إن تفاوتا في القوة و الضعف فما في التذكرة من الخلاف في ذلك محتجا بأن التعميم فيما يفعله بنفسه، فلا يتناول التوكيل- في غير محله.

و يستحب استحبابا إرشاديا أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما و كل فيه عارفا باللغة التي يتحاور بها في الموكل فيه، بحيث يكون مليا بتحقيق مراد الموكل، بل عن ابن البراج و ظاهر أبي الصلاح وجوبه، و لكنه ضعيف و الوجه الندب.


1- 1 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث- 1.
2- 2 الجامع الصغير ج 2 ص 57 طبع احمد حنفي.
3- 3 الوسائل الباب- 39- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث- 5.

ج 27، ص: 392

كما انه ينبغي للحاكم أن يوكل عن السفهاء من يتولى الحكومة و الخصومة عنه، إذا لم يباشر هو، و كذا يوكل من يباشر عنه جميع ما يقتضيه الحال من التصرف الممنوعين منه و كذا غير السفهاء ممن للحاكم ولاية عليه، و كذا الحكم في الوصي و غيره من الأولياء، إلا أن ينص الموصى على عدم التوكيل عنهم و لكن يكره لذوي المروات من أهل الشرف و المناصب الجليلة الذين لا يليق بهم الامتهان أن يتولوا المنازعة بأنفسهم لهم فضلا عنها لغيرهم.

بل قد يستفاد مما

روى عن على عليه السلام «أن للخصومة قحما، و أن الشيطان ليحضرها، و إنى لأكره أن أحضرها»

عموم الكراهة المتسامح فيها، و إن تأكدت فيهم خصوصا، إذا كانت مع ذوي الألسنة البذية.

و لا ينافي ذلك مخاصمة النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)مع صاحب الناقة إلى رجل من قريش، ثم إلى علي عليه السلام، و

مخاصمة علي عليه السلام (2)، مع رجل رأى عنده درع طلحة، «فقال له: إنها درع طلحة أخذت غلولا يوم البصرة، فأنكره و دعاه إلى شريح القاضي فمضى عليه السلام معه إليه،»

و هي مشهورة، و مخاصمة على بن الحسين عليهما السلام مع زوجته الشيبانية لما طلقها و ادعت عليه المهر، فإن الدواعي و الضرورات الرافعة للكراهة في حقهم عليهم السلام قائمة و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب 18- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 6.

ج 27، ص: 393

[الفصل الرابع في الوكيل ]

اشارة

الفصل الرابع في الوكيل و يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل بلا خلاف و لا إشكال، فلا تصح وكالة الصبي إلا فيما عرفت، و المجنون بعد سلب عبارتهما، و ما عن ابن البراج من استثناء الإذن في دخول دار الغير و إيصال الهدية من سلب عبارة الصبي خارج عما نحن فيه من الوكالة، مع أن ذلك مسلم بالقرائن

الدالة على صدقه عمن له ذلك، لا أنه إنشاء منه، و حينئذ فتجوز وكالة البالغ العاقل، و لو كان فاسقا أو كافرا أو مرتدا للعموم، و الامتناع في بعض الأفراد لأمر آخر لا ينافي صحتها في الجملة.

و حينئذ ف لو ارتد المسلم لم تبطل الوكالة ل ما عرفت من أن الارتداد لا يمنع الوكالة ابتداء، فكذا استدامة بل هي أولى للأصل، نعم قد تبطل وكالة الكافر من حيث كونها على مسلم، كما ستعرف، و هو شي ء غير ما نحن فيه من صحة أصل وكالته، و ظاهرهم كما اعترف به في جامع المقاصد و المسالك عدم الفرق بين المرتد الفطري و الملي في ذلك، و دعوى خروج الأول عن القابلية ممنوعة، و المسلم منها بالنسبة إلى نفسه.

لكن في حواشي الكتاب للمحقق الثاني على قوله، «لأن الارتداد» الى آخره «إلا أن تكون الردة عن فطرة و يكون رجلا، أو تكون الوكالة على مسلم، فإن كانت غير فطرة و الوكالة على غير مسلم روعي في بقاء الوكالة و عدمه عوده إلى الإسلام و عدمه، فإن عاد فوكالته باقية، و كذا سائر تصرفاته».

و هو كما ترى حتى بالنسبة إلى المراعاة التي ذكرها، لما عرفت من عدم المانع من كونه وكيلا و هو مرتد، و في حواشي الشهيد المراعاة في المرتد عن ملة إذا كان الموكل عليه مسلما، و فيه أن المتجه حينئذ البطلان، بناء على بطلان وكالته ابتداء، فكذا استدامة، لا المراعاة.

ج 27، ص: 394

و كيف كان فالضابط في الوكيل هو أن كل ماله أن يليه بنفسه بمعنى جواز أصل الفعل له، و لو لعدم دليل الحرمة و تصح النيابة فيه، صح أن يكون وكيلا فيه ف تخرج العبادات و ما شابهها و إن جاز أن يليها بنفسه إلا أنه لا تصح النيابة فيها و تصح وكالة المحجور عليه لتبذير أو فلس لا لأنهما كما في المسالك- يجوز أن يليا لأنفسهما بعض الأفعال، فتصح وكالتهما فيها بل في غيرها- إذ هو كما ترى، خصوصا اضرابه، بل لأن لهما مباشرة ذلك بأنفسهما، ضرورة معلومية عدم حرمة ذلك عليهما، و إنما هما ممنوعان من التصرف في مالهما، لا أن من أحكامهما حرمة ذلك عليهما، كالمحرم الذي صح تنزيله على الضابط المزبور فقال:

و لا تصح نيابة المحرم فيما ليس للمحرم أن يفعله، كابتياع الصيد و إمساكه و عقد النكاح لما عرفت في الضابط من «كل ماله أن يليه بنفسه» إذ هو ضابط للوكيل نفيا و إثباتا، و لذا ذكر تفريعا عليه ما دخل و ما خرج، و لا يشكل ذلك في المرتد الفطري بعدم جواز فعله ما يوقعه لغيره لنفسه، إذ قد عرفت أن المدار على حرمة المباشرة التي لا دليل عليها في المرتد من حيث ارتداده، و إنما لم يجز ذلك لعدم الملك و الذمة له شرعا، و فرق واضح بين جواز فعل الشي ء بنفسه، و بينه لنفسه، كما هو واضح.

و أيضا فالمنع من تولى الشي ء يتبع دليله، فإن كان مفاده المنع من مباشرته بمعنى حرمة أصل الفعل عليه، بحيث لم يجز فعله له و لغيره وكالة، و ولاية، و فضولا، كما في بعض محرمات الإحرام اتبع، و إلا اقتصر عليه، فليس مجرد الامتناع لنفسه يقتضي الامتناع عن الوكالة فيه عن الغير، بل لعل الاستقراء في كثير من الموارد و عمومات الوكالة كذلك يشهد بخلافه.

و بذلك بان أن المدار في الضابط المزبور أمران: أحدهما: كون الفعل مما يجوز وقوعه من النائب و ليس هو من المحرمات عليه، و الثاني: كون الشي ء مما

ج 27، ص: 395

تصح النيابة فيه فتأمل و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز أن تتوكل المرأة في طلاق غيرها لزوجها و لغيره، بلا خلاف فيه بيننا، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، و لعمومات الوكالة، و هل تصح في طلاق نفسها قيل و القائل الشيخ لا يجوز لاشتراط المغايرة بين الوكيل و المطلقة و فيه تردد بل منع ضرورة اقتضاء عمومات الطلاق الاكتفاء بمثل هذه المغايرة الاعتبارية نحو ما سمعته في غير المقام من نظائره و كذا تصح وكالتها عندنا في عقد النكاح إيجابا و قبولا لأن عبارتها معتبرة فيه عندنا للعمومات خلافا للشافعي المانع من توكلها فيه إيجابا و قبولا، كالمحرم و ليس بشي ء كما ذكرناه في محله، و حينئذ فهي مندرجة في الضابط المزبور الذي هو مفاد العمومات، ضرورة عدم حرمة شي ء من ذلك عليها، و قابليته للنيابة.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أنه يجوز وكالة العبد إذا أذن (11) له مولاه (12) للعمومات، فهو مندرج في الضابط المزبور، أما مع عدم الإذن فظاهر المتن و غيره عدم الجواز، لحرمة التصرف في مال الغير، و الانتفاع به بدون إذن مالكه، من غير فرق في ذلك بين اقتضائهما منع شي ء من حقوق السيد و عدمه.

لكن في المسالك و التذكرة جواز توكيله بغير إذنه في الأشياء القليلة إذا لم يمنع شيئا من حقوقه.

و فيه: أن المانع إن كان ملكية المولى للمنافع كما هو الظاهر، فلا فرق بين المنافية لحق المولى و غيرها في التوقف على الإذن، و إن كان المانع المنافاة لحق المولى لزمه الجواز في غير ما ينافيها، سواء كانت قليلة أو كثيرة، و السيرة في مكالمته و محادثته إن تمت فلا يتعدى منها إلى غيرها.

و قد أطنب في المسالك في الجواب عن ذلك بما لا يرجع إلى محصل، إذ هو

ج 27، ص: 396

إما دعوى دلالة القرائن على إذن السيد في ذلك، و هو خروج عن وظيفة الفقيه، أو دعوى الإذن شرعا فيه حتى تعلم الكراهة، للسيرة المستمرة، بل و إن علمت، لانه كالاستظلال بحائط الغير، و فيهما معا منع واضح.

نعم قد يقال بترتب الصحة على عقده و إن بطلت وكالته، مع فرض استمرار إذن المالك به بعد عدم سلب عبارته، بل لعله كذلك حتى مع نهي السيد، فإن أقصى ذلك ترتب الإثم لا الفساد.

و كيف كان فالمراد في صحة وكالته بالإذن أن قبوله لا يؤثر إلا معها، بل الظاهر أن للسيد أن يقبل عنه فيكون وكيلا و إن لم يرض هو، سواء كان بجعل أو غيره، كما له تزويج أمته قهرا، بل ليس له عزل نفسه عن الوكالة مع نهي السيد، بل و لا مع عدم إذنه كما هو واضح.

و على كل حال ف يجوز أن يوكله مولاه في إعتاق نفسه كما جاز وكالته في بيعها و شرائها، و ليس في الأدلة ما يقتضي أزيد من المغايرة الاعتبارية بين المعتق و البائع و المشتري و محل الصيغة كما عرفته سابقا و الله العالم.

و لا يشترط عدالة الولي و لا الوكيل في عقد النكاح بلا خلاف فيه بيننا، بل و لا إشكال، فيجوز للأب و الجد ذلك و إن كانا فاسقين، كما يجوز الوكالة للفاسق فيه إيجابا و قبولا، للعمومات، خلافا للمحكي عن بعض الشافعية من اشتراط العدالة فيهما، و لا ريب في ضعفه.

نعم في اعتبار عدالتهما في ولاية المال خلاف على ما في المسالك، بل حكى فيها عن التذكرة القطع بأن الفاسق لا ولاية له، حتى لو كان عدلا ففسق انتزع المال منه، و أنه استشكل في ذلك في القواعد في كتاب الوصايا، و على كل حال هو بحث آخر غير ما نحن فيه كما هو واضح.

و لا يتوكل الذمي على تحصيل حق من المسلم للذمي، و لا للمسلم على القول المشهور بل في التذكرة و التنقيح و عن ظاهر المهذب و المسالك و

ج 27، ص: 397

غيرهما الإجماع عليه، و هو إن تم، الحجة، لا الآية(1)التي لا يخفى عليك ما في دلالتها على ذلك، خصوصا بعد ورود تفسيرها بأن المراد من السبيل الحجة، على أن ذلك هو سبيل صاحب الحق الذي فرعه الوكيل.

و لا إشكال في جواز مضاربة الذمي، و إن باع من مسلم و طالب بالثمن، و هي متضمنة للوكالة، أي بعد أن كان الدليل الإجماع، لا الآية، و حينئذ فلا معنى للتعدي عن مورد الإجماع اللهم إلا أن يدعى الأولوية الممنوعة. و إن جزم بها في الرياض تبعا للشهيد في المسالك بل قد يقال بجواز الاذن له في ذلك، و إن لم يكن وكالة فإنها هي مورد الإجماع المزبور.

بل قد يقال: بجواز وكالة المسلم له على استيفاء ماله في ذمة المسلم، بما للمسلم في يده من المال، لعدم اندراجه في الإجماع الظاهر في غير الفرض، كما أنه ظاهر في الاختصاص بما إذا تضمن الوكالة نوع قهر و سلطنة للتعبير بلفظ على، و الاستدلال بالآية.

أما غيره كالوكالة في العقد معه أو إعطاؤه دينارا مثلا فالمتجه الجواز، وفاقا لجماعة

من متأخري المتأخرين، لعموم أدلته، خلافا للمحكي عن ابن زهرة من المنع عن توكله على تزويج المسلمة من المسلم، و عن توكيل المسلم على تزويج المشركة من الكافر، مدعيا عليه إجماع الإمامية، معللا ذلك بأنهما لا يملكان لأنفسهما ذلك، و فيه منع واضح، بل قد عرفت أن الضابط في الوكيل جواز مباشرته بنفسه، لا جوازه لنفسه و الله العالم.

و هل يتوكل المسلم للذمي على المسلم فيه تردد و خلاف، فعن ظاهر المفيد و الشيخ في النهاية و الديلمي و أبي الصلاح و ابن زهرة المنع، بل عن الأخير منهم الإجماع عليه، و الوجه كما عن عامة المتأخرين الجواز على كراهية


1- 1 سورة النساء الآية 141.

ج 27، ص: 398

للعموم السالم عن معارضة ما يقتضي المنع حتى الآية، فإنه ليس إثبات سبيل للكافر، بناء على كون المراد منه سبيل الوكالة، لا سبيل التوكيل، و إلا لجاز للمسلم أن يوكل الذمي على المسلم، و قد عرفت أنها إحدى الصورتين المسوغتين.

بل لعل مراد الجميع الكراهة، كما عساه يومي إليه ما عن التذكرة من الإجماع على الجواز لكن على كراهة، فإنه لا يتم إلا بحمل عبارات القدماء التي هي بمرأى منه على ذلك.

و ربما يرشد إليه أيضا ما في محكي المختلف «و يكره أن يتوكل مسلم لكافر على مسلم، و لم يكره ذلك أحد من الفقهاء، دليلنا إجماع الفرقة، و لأنه لا دليل على جوازه» فإنه و إن أشعرت عبارته الأخيرة بإرادة الحرمة من الكراهة في أولها، لكن يمكن العكس، بل لعله أولى، فيراد الجواز الخالي منها، خصوصا بعد ملاحظة ما عن مبسوطه «يكره أن يتوكل مسلم لكافر علي مسلم، و ليس بمفسد للوكالة» و بعد معلومية دليل أصل الجواز من العمومات و غيرها، و دعوى أنه من السبيل المنفي أيضا واضحة المنع.

و على كل حال فما عرفت، حكم الصور الثلاثة، أما باقي الصور الثمانية المتصورة في المقام لأن الموكل إما مسلم أو ذمي، و الوكيل كذلك، و الموكل عليه كذلك، فلا إشكال في جوازها بلا كراهة، و إلى بعضها أشار المصنف بقوله و يجوز أن يتوكل الذمي على الذمي و الله العالم.

و يقتصر الوكيل في التصرف على ما استفاد من عقد الوكالة انه أذن له فيه صريحا أو ظاهرا و لو بمعونة القرائن الحالية أو المقالية أ و ما تشهد العادة ب إرادة الاذن فيه من حيث تعلق الوكالة علي وجه يكون وكيلا فيه، أما لو شهدت بأنه لو علم ذلك لرضي و إلا فهو حال عقد الوكالة خال عن تصور ذلك، فهو من التصرف بالفحوى، و إن كان سببها مورد الوكالة. لا الوكالة المعتبر فيها قصد الإنشاء، و بذلك افترقت عن الاحكام التي لم يعتبر فيها تعلق قصد الإنشاء العقدية

ج 27، ص: 399

كما هو واضح.

اللهم إلا ان يكون قصد تعلق إنشائها بما يدل عليه متعلقها بأي دلالة تكون، و فرض الدلالة، فيتحقق الوكالة حينئذ، و لا بد من ملاحظة ذلك في الأمثلة الآتية.

فلو أمره ببيع السلعة بدينار مثلا نسيئة فباعها بدينارين نقدا صح، و كذا لو باعها بدينار نقدا إلا أن يكون هناك غرض صحيح يتعلق بالتأجيل كالخوف على الثمن مع الحلول و نحوه، فإنه حينئذ لا يجوز التعدي و إذا وقع كان فضولا، بل لعل المتجه ما في المسالك و غيرها من عدم جواز التعدي مع احتمال الغرض الصحيح احتمالا معتدا به.

و كذا الكلام في الشراء نسيئة، بمثل ما أمره به نقدا، فلا يجوز التعدي حينئذ إلا مع تحقق عدم الغرض، و أما الثمن المعين فيمكن كون الاقتصار عليه إرفاقا بالمشتري إن كان معينا فلا يجوز بيعه بأزيد، و لو لم يكن معينا ففي المسالك جاز البيع بالأكثر مع عدم العلم بالغرض، و عدم التصريح بالنهي عن الزائد، لندور الغرض في الفرض المذكور، و أغلبية إرادة الأزيد، مع إمكان أن يريد الإرفاق المطلق، أو عدم الاشظاظ في البيع، أو سهولة المعاملة، فإنه مندوب إليه شرعا، أو عدم زيادة الربح عن مقدار معين لغرض شرعي، أو غير ذلك، لأن هذه الأمور نادرة في المطلق، فلا يلتفت إليها مع الاشتباه.

قلت: لا ريب في عدم جواز التعدي مع فرض الاشتباه كما جزم به في جامع المقاصد، و بأنه لا مدخلية لكون الغرض أكثريا في أحدهما دون الآخر.

نعم لا بأس به مع فرض عدم الاعتداد بالاحتمال على وجه لا ينافي الطمأنينة عادة بإرادة المثالية كما هو واضح.

أما لو امره ببيعه حالا فباعه مؤجلا لم يصح و لم يمض و لو كان بأكثر مما عين، لأن الأغراض تتعلق بالتعجيل إلا ان يفهم عدم تحلل الحلول، و لو امره ببيعه في سوق مخصوص فباع في غيره بالثمن الذي عين له، أو مع الإطلاق بثمن

ج 27، ص: 400

المثل صح، إذا لغرض تحصيل الثمن فيكون ذكر السوق المخصوص حينئذ مثالا لغيره، و لو فرض احتمال الغرض له في ذلك احتمالا معتدا به لم يجز التعدي عن عن مفاد اللفظ، و من هنا حكي عن التذكرة اعتبار العلم بعدم الغرض في جواز التعدي.

بل قد يحتمل عدم جوازه و إن علم عدم الغرض إلا انه لم يحضر في بال الموكل إلا خصوصية السوق المزبور، بمعنى انه لم يفهم منه إرادة المثالية، إذ عدم الغرض أعم من ذلك، و من ذلك يعرف ما في المسالك هنا من الاكتفاء بعدم العلم بالغرض، خصوصا بعد اعتبار العلم بعدم الغرض في السابق مع عدم الفرق بين المقامين.

و كذا ما فيها أيضا من انه لو علم عدم الغرض صح البيع قطعا لكن لا يجوز نقل المبيع اليه، فلو فعله كان ضامنا، و انما الفائدة صحة المعاملة لا غير، ضرورة ان الحكم فيه مثل البيع مع فرض القطع بعدم الغرض في كونه في السوق المخصوص و بإرادة المثالية من ذكره فأي فرق بين البيع و بين نقل المبيع كما هو واضح.

فما في الرياض- من ان التجاوز بالثمن للأولوية لا تقتضي الاذن في نقل العين الى مكان آخر، فيده حينئذ عادية، مثل البيع الزائد على المسمى الذي هو أولى- في غير محله، بل هو غير مفروض المسألة الذي هو ما علم بإرادة المثالية من السوق فيه فتأمل، هذا كله فيما عرفت.

أما لو قال: بعه من فلان فباعه من غيره لم يصح و لو تضاعف الثمن، لأن الأغراض في الغرماء تتفاوت بتفاوت الأشخاص، فلا يجوز التخطي حينئذ مع الإطلاق قطعا سواء علم الغرض أو جهل الحال، بل في المسالك أم علم انتفاء الغرض على ما يظهر من إطلاقهم وقوفا مع الاذن، لكن فيه انه مناف لكلامهم و للواقع، مع فرض القطع بإرادة المثالية إذ لا تفاوت في ذلك بين تعيين الثمن و الزمان و المكان و المشتري في كونه المدار.

نعم هو مؤيد لما ذكرناه سابقا من ان العلم بعدم الغرض لا يقتضي إرادة المثالية،

ج 27، ص: 401

بل يمكن أن يكون لعدم خطور غير تلك الخصوصية في ذهن الموكل حال إنشاء عقد الوكالة، و حينئذ يتجه الاقتصار على ذلك لعدم اقتضاء عقد الوكالة غيره، إلا أن هذا لا يخص المقام كما هو واضح.

و كذا لا يجوز التخطي فيما لو أمره بأن يشتري بعين المال بعبارة صريحة أو ظاهرة، كاشتر بهذا المال لاقتضاء الباء المقابلة إن لم يكن عرف يصرف عن ذلك فاشترى في الذمة أو أمره بالشراء في الذمة على الوجه المزبور فاشترى بالعين بل يكون فضولا لأنه تصرف لم يؤذن فيه، و هو مما تتفاوت فيه المقاصد باعتبار خلوص المال من الشبهة، و عدم ارادة بذل غيره لو تلف و بالعكس في الشراء بالذمة.

لكن لا يخفى عليك جريان كثير مما ذكرنا فيه أيضا، ضرورة عدم الفرق في هذه الأمثلة، بل و لا في غيرها في ذلك، و لذا لا ينبغي الإطناب في الإكثار منها و الله العالم.

و إذا ابتاع الوكيل، وقع الشراء عن الموكل الذي قصد نائبه الشراء له و لا يدخل في ملك الوكيل عندنا خصوصا إذا كان الشراء بعين مال الموكل لعدم القصد و لعدم ملكه العوض و لأنه لو دخل في ملكه لزم أن ينعتق عليه أبوه و ولده لو اشتراهما، كما ينعتق أبو الموكل و ولده.

و دعوى أنه في الزمن الثاني يدخل في ملك الموكل يدفعها عدم أولوية ذلك من العتق المبني على التغليب خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الانتقال إلى الوكيل أولا ثم إلى الموكل لأن حقوق العقد تتعلق به في الشراء بأكثر من ثمن المثل، و لم يذكر الموكل لفظا و نحوه، و لأن الخطاب إنما جرى معه، و فيه منع تعلق الاحكام به في نفس الأمر، و إنما تعلقت في المثال ظاهرا، لعدم العلم بقصده، و الخطاب إنما وقع على سبيل النيابة مع أنه كشراء الأب و الوصي الذي وافق فيه على الانتقال منه إلى المولى عليه، و غير ذلك مما هو واضح.

ج 27، ص: 402

و لو وكل مسلم ذميا مثلا في ابتياع خمر لم يصح لعدم جواز شراء الخمر في نفسه للموكل، فلا تقع النيابة فيه كالمحرم الذي لا يجوز له توكيل المحل في نكاحه، ضرورة أنه كما يعتبر في الوكيل جواز إيقاعه الفعل الموكل فيه في صحة كونه وكيلا، كذا يعتبر جوازه للموكل فيه أما إذا كان أصل الفعل و طبيعته محرمة عليه فلا يصح التوكيل فيه أيضا كما هو واضح.

وكل موضع يبطل فيه الشراء للموكل للمخالفة أو لغيرها فإن كان سماه عند العقد لفظا و نية لم يقع عن أحدهما أما عن الوكيل فلأن المفروض قصد غيره، و أما عن الموكل فلفرض مخالفته، فلم يكن وكيلا عنه.

نعم يكون العقد حينئذ فضولا و إن لم يكن سماه قضى به على الوكيل في الظاهر المقتضى مباشرة الشراء له باعتبار كون الخطاب معه، و أما في نفس الأمر فمع عدم إجازة الموكل تخلص بتجديد العقد مع البائع، فإن لم يتمكن أخذ المبيع مقاصة، فلو فرض زيادته توصل لإيصال الزائد للبائع.

و كذا لو كان الشراء بعين مال الموكل الذي لم يذكر في اللفظ و لا بينة على ذلك، و حلف البائع على نفي العلم، فإنه يثبت به البيع ظاهرا و يغرم الوكيل للموكل مع تعذر رد العين، و لو ببذل أضعاف قيمتها لمخالفته و تفريطه في دفع عينه، ثم يأخذ هو المبيع مقاصة، أو يدفعه للموكل من أول الأمر في وجه قوي، و يغرم له ما زاد عليه إن كان، و إن فرض زيادته توصل إلى إيصاله إليه، و لو ذكر الموكل لفظا و قصد نفسه وقف على اجازة الموكل ظاهرا، لكن يكون الشراء في الباطن للوكيل إن لم يكن الشراء بعين مال الموكل، و إلا كانت نيته لغوا و بنى الحكم على الظاهر.

بل في المسالك الحكم بذلك في الأول أيضا إذا كان للبائع غرض في تخصيص الموكل، و فيه تأمل بناء على عدم اعتبار تعيين المشتري في البيع الذي لم يرد من البائع فيه إلا قصد النقل عنه، و أما القابل فان قصد غيره كان له، أو فضولا و إلا وقع البيع

ج 27، ص: 403

له إذا لم يقع العقد بالعين التي هي لغير القابل.

و حينئذ فلا عبرة بقصد البائع كون المشتري شخصا خاصا، و بذلك افترق النكاح عن البيع و نحوه، باعتبار تعيين من له النكاح فيه في العقد، بخلاف البيع، و به أيضا حكم بصحة البيع حال جهل البائع بكون المشتري قصد الشراء لغيره فباعه بزعم أن المبيع له، ثم بان أنه قصده لموكله، أو لمن هو ولي عنه.

اللهم إلا أن يقال: ان القصد و ان لم يكن معتبرا في الصحة، لكن مع فرض تشخصه من البائع بالعقد يجب مطابقة قصد المشتري معه، و الا وقع العقد باطلا للاختلاف، و الحكم بالصحة فيما تقدم ممنوع مع فرض التشخص المزبور.

نعم لا بأس بتخيله ذلك مقارنا للعقد من دون تشخيص القصد به، و مع الشك يحكم بعدم التشخيص أيضا، لأصالة الصحة، و حينئذ يتم ما ذكره، الا أنه ينبغي جعل المدار ما ذكرنا، لا خصوص تعلق الغرض بالموكل، ضرورة عدم توقف التشخيص المزبور على الغرض، بل يمكن اتفاقه و ان لم يكن له غرض بذلك كما هو واضح بأدنى تأمل.

و كذا الكلام فيما لو أنكر الموكل الوكالة و حلف على ذلك أي يبطل كون الشراء له، لكن ان كان الوكيل مبطلا و لم يذكر الموكل لفظا و لا نية و كان الشراء بالذمة فالملك له أي الوكيل ظاهرا أو باطنا و ان كان محقا و نواه كان الشراء للموكل باطنا و للوكيل ظاهرا، و تفصيل الحال أنه ان كان الشراء بالعين التي هي للموكل مصرحا بذلك عند العقد، أو كان بينة تشهد علي أن العين له، أو كان البائع معترفا بذلك كان العقد فضولا ظاهرا، و للموكل باطنا مع فرض صدقه كذلك.

و حينئذ فإن رجع المالك في العين و أخذها من البائع رجع إليه مبيعه مقاصة، مع فرض تصديقه بكونه وكيلا، و ان رجع بقيمة العين أو مثلها على الوكيل، لتعذر أخذها من البائع أخذ الوكيل المبيع قصاصا، و توصل الى رد ما فضل منه

ج 27، ص: 404

عن حقه ان كان هناك فضل، و ان تلفت تخير في الرجوع، فان رجع على البائع، رجع على الوكيل بالمبيع مع فرض وجوده أو تلفه بتفريط.

اما لو كان قد تلف منه بلا تفريط فلا رجوع له، ضرورة ظلم الموكل له بزعمه كما انه لو رجع على الوكيل لم يرجع على البائع بشي ء، و لو لم يعلم البائع بالحال و لا بينه، و لم يذكر في العقد لم يجب عليه الدفع، بل يحلف على نفي العلم ان ادعى عليه، ثم يغرم الوكيل، و يأخذ العين، اي المبيع قصاصا على الوجه المزبور.

و إن كان الوكيل كاذبا في نفس الأمر بطل الشراء، سواء نوى المالك أو نفسه، أو لم ينو و جاء فيه التفصيل السابق بين علم البائع بذلك و عدمه.

و في المسالك «إن كانت العين قد تلفت عند البائع وجب على الوكيل رد العين اليه، و إن كانت باقية عنده فخلاص الوكيل أن يصالح الموكل عليها بما دفعه من المثل أو القيمة ثم يصالح البائع على العين إن أمكن».

و فيه أن مقتضاه عدم ضمان الثمن على البائع مطلقا و إلا كان المتجه الخلاص المزبور على التقديرين، و لو على قيمة الثمن أو مثله، و ليس ما نحن فيه كالثمن المدفوع عن المغصوب من العالم بغصبه الذي حكي الإجماع على عدم الرجوع به مع التلف بخلاف البقاء، و لولاه لكان الضمان فيه متجها، لفساد المعاملة و كون اليد يد ضمان، و التسليط انما كان بعنوانها لا مجانا كما هو واضح.

هذا كله في الشراء بالعين و أما إذا كان في الذمة و ذكر الموكل لفظا و نية وقع له باطنا إن كان محقا و بطل ظاهرا فيأخذ المبيع عنه حينئذ قصاصا أو على الوجه الاتي، و ان لم يذكره لفظا و لا نية فالشراء للوكيل ظاهرا و باطنا، و إن كان مبطلا و ذكر الموكل لفظا و نية بطل البيع مطلقا، و إن ذكره لفظا و نوى نفسه صح له باطنا و بطل ظاهرا، و ان نواه خاصة فالسلعة للبائع باطنا مطلقا. و في المسالك «فيشتريها منه بالثمن ان كان باقيا و إلا دفعها اليه، و لا شي ء عليه» و فيه النظر السابق.

ج 27، ص: 405

و كيف كان فلو أراد الحل واقعا في صورة صدق دعواه في الوكالة التي اشترى بها في الذمة ف طريق التخلص أن يقول الموكل إن كان لي فقد بعته من الوكيل بمقدار الثمن فيصح البيع، و لا يكون هذا تعليقا للبيع على الشرط ضرورة أنه معلق عليه في الواقع، و لم يثبت اعتبار عدم هذه الصورة في التسبيب المزبور بل مقتضى إطلاق الأدلة خلافه.

و حينئذ يصح البيع، و لا يكون إقرارا منه بالوكالة و يتقاصان حينئذ قهرا ضرورة أنه يكون للموكل بسبب البيع المزبور في ذمة الوكيل مقدار ماله في ذمة الموكل، و هو الثمن الذي أداه للبائع عنه بالوكالة المفروض صحتها واقعا، و ان لم يكن قد أدى عنه أذن له في التأدية، و كذا لو كان المبيع في نفس الأمر للبائع فطريق تخلصه أن يقول له بعتكها إن كان هو لي بالثمن المزبور.

و على كل حال ف ان امتنع الموكل من البيع المزبور لم يجبر عليه لعدم وجوبه عليه كما لم يجب على الوكيل شراؤه من الحاكم، و إن صح ذلك بأن يقول له إن كان للموكل فقد بعتك إياه بمقدار ما اداه من الثمن إذا فرض أنه قيمته، و الا باعه بعضه و بقي البعض الأخر يدسه الوكيل في مال الموكل كما انه لو فرض نقصانه اشتراه منه بقيمته و يترقب مالا آخر للموكل يقاصه بما بقي له ضرورة أنه كان الأمر كما ذكره الوكيل فالحاكم ولي الممتنع و الا كان العقد لغوا لكن لا يجب على الوكيل مراعاة ذلك، و إن كان هو أولى بل و لا مراعاة الطريق الأول من التخلص.

بل جاز له أن يستوفي عوض ما أداه إلى البائع عن موكله من هذه السلعة، و يرد ما يفضل عليه و لو بالدس في ماله أو يرجع بما يفضل له فيترقب له مالا يتمكن من المقاصة منه به بمجرد إنكار الوكالة لإطلاق أدلة المقاصة من قوله تعالى (1)«فَمَنِ اعْتَدى » و قوله تعالى (2)«وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ» و غير ذلك و الله العالم.


1- 1 سورة البقرة الآية 194.
2- 2 سورة البقرة الآية 194.

ج 27، ص: 406

و لو وكل اثنين مثلا فإن شرط الاجتماع من كل منهما لم يجز لأحدهما أن ينفرد بشي ء من التصرف و ان كان في الخصومة، و إن شرطه لأحدهما لم يجز له خاصة الانفراد بلا خلاف و لا

اشكال لا في الموضوع و لا في الحكم سواء جعل الوكيل هما أو ذكر ذلك قيدا في وكالة كل منهما ضرورة عدم اعتبار الاتحاد في الوكالة كضرورة عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه.

بل و كذا لو أطلق الوكالة لهما بأن قال وكلتكما أو أنتما وكيلاي أو نحو ذلك مما هو ظاهر في إرادة وكالتهما من حيث الاجتماع، بل لا يبعد الاكتفاء في ذلك بعدم ظهور ارادة الانفراد، لوجوب الاقتصار على المتيقن بعد ان لم يكن ظهور في الانفراد.

و

في دعائم الإسلام (1)عن أبى جعفر محمد بن علي عليهما السلام متصلا بما سمعته عنه في مسألة إطلاق الوكالة: «و ان أمر رجلين أن يبيعا له عبدا فباعه أحدهما لم يجز بيعه إلا أن يجعل البيع لكل واحد منهما على الانفراد أولهما معا إذا اجتمعا».

نعم لو وكل أحدهما ثم وكل الآخر فالظاهر استقلال كل منهما، و ليس وكالة الثاني عزلا للأول، كما أن وكالتهما لا يعتبر فيها الاجتماع، و إن ذكر بعض ذلك في الوصيين على الوجه المزبور إلا أن الأقوى خلافه إلا بالقرينة، و حينئذ ف لو مات أحدهما بطلت الوكالة مع اشتراط الاجتماع، لانتفاء المركب بانتفاء أحد جزأيه، و الا بطلت وكالة الضميمة بموت الآخر دون العكس لما عرفت أيضا.

و على كل حال ف ليس للحاكم أن يضم إليه أمينا لعدم ولايته على الموكل الذي قد انتفى موضوع وكالته بالموت و في المسالك «نبه المصنف بذلك على الفرق بين الوصي و الوكيل، حيث أن موت أحد الوصيين على الاجتماع يجوز للحاكم الضم، و الفرق أنه لا ولاية للحاكم هنا على الموكل بخلاف الوصي، لأن النظر في حق الميت و اليتيم إليه، و إذا تعذر أحد الوصيين صار الآخر بالنسبة إلى


1- 1 المستدرك ج 2 ص 510.

ج 27، ص: 407

التصرف بمنزلة عدم الوصي، إذ لم يرض برأيه منفردا فتداركه الحاكم بنصب شريك».

قلت: ما ذكره و إن كان مختار جماعة، لكن قد يقال: إن المتجه بناء على ما ذكره انتفاء الوصي حينئذ، لما عرفت من قاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد جزأيه فينتقل الأمر إلى الحاكم، كما لو ماتا معا، لا أنه يضم مع الموجود شخص آخر لبقاء حق الوصاية له، و احتمال ارادة تقييد ذلك بما إذا كان حيا يقتضي استقلال الباقي بالوصاية، كما عن الأكثر، و لا مدخلية للحاكم لعدم الولاية له على من كان له وصي. كما أوضحنا ذلك في كتاب الوصية.

اللهم إلا أن يقال إن الحاكم يقوم مقام الميت الذي هو شريك لعجزه بالموت عن أداء ما تكلف به إلا أنه كما ترى، ضرورة اقتضاء الموت بطلان هذه الولايات لا أنه باقية معه حتى يقوم الحاكم، لعدم الدليل على ثبوتها بعده، بل ظاهر أدلتها اختصاصها في حال الحياة فالتمسك بالاستصحاب حينئذ في غير محله، بعد فرض ظهور الدليل في اعتبار الحياة، و إن أمكن منعه لولا ظهور اتفاق الأصحاب على ذلك، هذا. و المراد باجتماعهما على العقد صدوره عن رأيهما و أمرهما معا لا إيقاع كل منهما الصيغة.

و في المسالك «و إن كان ذلك جائزا أيضا قال: فلو وكل أحدهما في إيقاع الصيغة أو وكلا ثالثا صح إن اقتضت وكالتهما جواز التوكيل، و إلا تعين عليهما إيقاع الصيغة مباشرة، فيوقعها كل واحد مرة، و يمكن أن يكون هذا من مواضع جواز توكيل الوكيل و لو أحدهما للآخر، لدلالة القرائن على أنه لا يريد مباشرة الصيغة مرتين غالبا».

و فيه أنه لا داعي إلى التوكيل بعد تفسير الاجتماع بما عرفت، ضرورة صدور التصرف منهما بإيقاع الواحد باطلاع الآخر و إذنه في ذلك كما هو واضح، و لو فرض اشتراط الاجتماع في نفس الصيغة كان المتجه صدور الإيجاب منهما دفعة أو القبول

ج 27، ص: 408

و أما قراءة الصيغة تامة من كل واحد منهما مرة مستقلة فقد يشكل بالشك في تناول الأدلة لمثل هذا البيع خصوصا بعد الفصل بينهما بمدة بل قد ينافيه ظاهر الأدلة على نحو ما سمعته في امتناع التعليق المنافي لظاهر دليل السببية و يمكن حمل كلامه على الأول هذا كله في الوكالة بقيد الاجتماع.

أما لو شرط الانفراد، جاز لكل منهما أن يتصرف غير مستصحب رأي صاحبه بلا خلاف و لا إشكال، بل وجب عليه مع إرادة العزيمة من الشرط، لا الرخصة، كما ذكروا نظيره في الوصية و كذا الحال فيما لو كان ظاهر التوكيل ذلك، و إن لم يصرح باشتراط الانفراد و الله العالم.

و يجوز وكالة الواحد عن اثنين أيضا، و لو في الخصومة بينهما مع عدم التضاد في القيام بمصلحة كل منهما، كما يجوز عن المتعاقدين و عن أحدهما مع نفسه، حتى في استيفاء القصاص من نفسه و الحد و الدين، لإطلاق الأدلة و عمومها.

و لو وكل زوجته أو عبده أو عبد غيره، ثم طلق الزوجة، و أعتق العبد لم تبطل الوكالة للأصل بل في جامع المقاصد و محكي التذكرة و ظاهر المسالك عدم بطلانها بالبيع أيضا، و إن توقف فعله حينئذ على إذن المشتري إن كان غيره، كما لو وكله ابتداء، و عدم جواز التصرف بدون الإذن لا يقتضي بطلان التوكيل.

و لكن قد يناقش بعدم ما يدل على صحة مثل هذا العقد الذي لا إشكال في توقفه على الإذن المعتبر في الاستدامة، كالابتداء ضرورة اتحاد مدرك اعتبارها، و فرق واضح بين وقوع العقد على عبد الغير ابتداء فإنه من الفضولي حينئذ و بين محل الفرض الذي قد وقع فيه العقد صحيحا للمالك فلا يتصور انقلابه فضولا.

و ليس هو كإجارة الموقوف عليه إذا مات في أثنائها و انتقل الوقف إلى الطبقة الثانية التي تكفي في بقاء صحة العقد إجازتهم، باعتبار كونهم متلقين من الواقف، و العقد من أوله في الواقع على الفضولية، بخلاف ما نحن فيه و حينئذ فما قيل- من أنه لو لم يستأذن المشتري نفذ تصرفه و إن ترك واجبا- لا يخلو من اشكال، لعدم ثبوت

ج 27، ص: 409

النيابة الشرعية.

نعم يقع العقد منه فضولا أو صحيحا بالاذن مع فرض استمرارها، و لا فرق فيما ذكرنا بين أن يوكل عبده ثم يبيعه أو عبد غيره ثم يبيعه بل أو يشتريه هو، و منه يعلم ما في القواعد من النظر فلاحظ. هذا كله في الوكالة التي هي عقد على حسب ما عرفت.

أما لو أذن لعبده في التصرف بماله على وجه الاستخدام به ثم أعتقه بطل الإذن لأنه على الوجه المزبور ليس على حد الوكالة، بل هو إذن تابع ل لاستخدام با لملك بخلاف عقد الوكالة الظاهر في الاستقلال إلا مع القرينة، و كذا في الزوجة المأذونة على حسب استخدام الرجال بأزواجهم فطلقها.

نعم لو فرض حصول الإذن لهما المساوقة للوكالة، أمكن حينئذ القول ببقائها، كالوكالة ما لم تكن قرينة على التقييد، فإنها تتبع حتى في الوكالة أيضا، و قد أطنب في جامع المقاصد في وجه الفرق بين الإذن و الوكالة في الفرض.

لكن ناقشه في المسالك «بأن الوكالة لا تنحصر في لفظ، بل تصح بكل ما دل على الإذن في التصرف، و حينئذ فيشكل الفرق بينهما ببطلان الإذن دونها، اللهم إلا أن يستفاد ذلك من القرائن الخارجة الدالة على أن مراده من الإذن ما دام في رقه، و مراده في الوكالة أنه مأذون مطلقا و حينئذ فلا فرق بين كون الإذن بصيغة الوكالة و غيرها مع احتماله فتزول مع الإذن المجرد لا مع التوكيل بلفظها، حملا لكل معنى على لفظه، و يضعف بما مر من أن الوكالة ليست أمرا مغايرا للإذن، بل تتأدى بكل ما دل عليه، و لا فرق بين الصيغتين».

قلت: فرق واضح بين الإذن و الوكالة، ضرورة اعتبار إنشاء معنى العقدية الذي هو الربط بين الإيجاب و القبول في الثاني دون الأول، و لذا لم تبطل الوكالة بعد تحققها إلا بالعزل، و نحوه مما تقدم سابقا باعتبار تحقق أثر العقد المستصحب بقاؤه، بخلاف الإذن التي يكفي في عدم ترتب أثرها الشك في حصولها، و لو بسبب

ج 27، ص: 410

طرو حال مغاير لحال ابتدائها، بل قد يقال: بكفاية احتمال تغير الداعي في ذلك، بخلاف الوكالة و الله العالم.

و إذا وكل إنسانا في الحكومة لم يكن ذلك منه إذنا في قبض الحق ما لم تكن ثم قرائن إذ قد يوكل من لا يستأمن على المال فلا يجوز له حينئذ ذلك، و لا يبرء من عليه الحق بتسليمه.

و كذا لو وكله في قبض المال، فأنكر الغريم، لم يكن ذلك إذنا في محاكمته، لأنه قد لا يرتضي للخصومة لقصوره عنها، بل و إن كان أهلا لها لأنه تعد عن الموكل فيه، كما أنه لو كان أهلا للاستئمان في الأول لم يكن القبض له لانه تعد كما هو واضح و كأنه عرض بذلك إلى اختلاف الشافعية بينهم و الله العالم.

[فرع لو قال وكلتك في قبض حقي من فلان فمات لم يكن له مطالبة الورثة]

فرع لو قال: وكلتك في قبض حقي من فلان فمات، لم يكن له مطالبة الورثة لعدم اندراجه في عبارة الوكالة أما لو قال: وكلتك في قبض حقي الذي على فلان كان له ذلك لعدم تعيين المقبوض منه فيدخل الوارث بل المتبرع بخلاف الأول الذي قد ذكر فيه المقبوض منه بلفظ «من» المقتضية لحصول ابتداء القبض منه.

بل قد يشك في وكيله، فإنه و إن كان يده يده شرعا و جزم به في المسالك و غيرها إلا أن ذلك لا يقتضي دخوله في عبارة الموكل، و حملها على ارادة ما هو الأعم منهما ليس بأولى من حملها على إرادة الأعم من ذلك و من المتبرع و الوارث، و خصوصا إذا كان هو الوصي على وفاء الدين، فإنه قبض منه شرعا حينئذ باعتبار قيامهم مقامه في ذلك، و لكن لا يخفى عليك أن المدار الفهم العرفي فتأمل جيدا.

و لو وكله في بيع فاسد مثلا للتأجيل بأجل غير معلوم و نحوه أو ابتياع كذلك لم يملك الوكالة في الصحيح سواء كانا عالمين أو جاهلين أو

ج 27، ص: 411

متفرقين، لعدم اندراجه فيه إلا مع القرينة عرفا علي إرادة الوكالة على أجل معين منطبق على ذلك تقريبا.

و على كل حال فهو غير وكيل، لا على الفاسد الممنوع شرعا، و لا على الصحيح المفروض عدم اندراجه في عبارة الموكل، فلو باع بها أو اشترى و دفع المبيع أو الثمن فهو فضولي، و يضمن ما دفعه مع عدم الإجازة، و قاعدة «ما لا يضمن» قد عرفت عدم الدليل عليها بحيث يشمل المقام، و نحوه من الوكالة على مغصوب و شبهه، أو أن ما نحن فيه ليس من مقتضاها، ضرورة استناد الضمان فيها إلى دفعه الذي هو بلا إذن، و المسلم منها عدم ضمان نفس العين إذا كانت بفساد الوكالة أمانة شرعية في يده لا مطلقا، بناء على عدم الضمان فيها إذا كانت أمانة من المالك باذن خارجة عن اذن العقد المقتضى لكونها أمانة، أو غير ذلك، لا لكونه مضمونة منه كما هو واضح بأدنى تأمل و الله العالم.

و كذا لو وكله في ابتياع معيب لا يجوز له التخطي إلى شراء الصحيح لتفاوت الأغراض إلا مع قرينة حال أو مقال تقتضي التعدي.

و كذا لو كان لإنسان على غيره دين فوكله أن يبتاع له به متاعا جاز بلا خلاف و لا إشكال و لكن لا يبرأ إلا بالتسليم إلى البائع ضرورة عدم تشخص الدين إلا بقبض من هو له، أو من يقوم مقامه، و الفرض عدم وكالة من عليه في تشخيصه، إذ لم يأمره إلا بالشراء به المقتضي للتسليم إلى البائع.

فحينئذ إذا فرض وقوع الشراء بمثل ما في ذمته قدرا و جنسا مثلا و أراد دفع ذلك إلى البائع وفاء عما في ذمته لم يبرء مما للمالك في ذمته إلا بتسليم البائع، فإن ما عينه وفاء قبل قبضه لم يتعين به مال المالك، بل هو باق على ملكه، و لو كان الابتياع وقع بماله في ذمته على وجه صار ثمنا فلا ريب في ملكية البائع حينئذ، و ما يعينه قبل قبضه له لا يكون تعيينا، إلا أن المراد بالبراءة حينئذ الخلاص من عهدة تسليم الثمن إلى بائعه.

ج 27، ص: 412

و أما لو عين مقداره و أوقع الشراء به فمقتضى الضوابط الشرعية انتقال المبيع إلى من عليه الدين، ضرورة كون ما عينه باقيا على ملكه، فينبغي أن يكون المبيع له، لا لمن له الدين.

إلا أنه احتمل- في جامع المقاصد كما تقدم سابقا و تبعه في المسالك هنا- الاكتفاء بمثل هذا الإقرار في صحة البيع لمن له الدين، و إن لم يحصل تمام الوفاء إلا بتسليم البائع، للاكتفاء في الأول بنحو هذا المقدار من الملكية، بخلاف الثاني و حاصله أنه بالإقرار المزبور يملكه من له الدين ملكا متزلزلا، و يتبعه التزلزل في براءة الذمة إلى أن يتسلم البائع ذلك منه، فتستقر البراءة حينئذ من هذه الجهة.

الا أن ذلك مناف للضوابط الشرعية، ضرورة عدم حصول الملك و لو متزلزلا لمن له الدين بعد أن لم يكن وكيلا فيه، و دعوى استفادة ذلك من عبارة الوكالة المزبورة ممنوعة، و لو سلم فالمتجه حصول تمام البراءة بإقراره و تشخيصه، لأن الفرض كونه وكيلا في ذلك، و التسليم الى البائع أمر آخر، قد وكل فيه أيضا، فلا يقتضي عدم حصول الوفاء تماما الا بالتسليم، كما هو واضح بأدنى تأمل و الله العالم.

[الفصل الخامس فيما به تثبت الوكالة]

اشارة

الفصل الخامس فيما به تثبت الوكالة على وجه تجري عليه جميع أحكامها و لا خلاف كما لا إشكال في أنه لا يحكم ب ثبوت الوكالة بدعوى الوكيل و ان جاز الأخذ مما في يده مع عدم المعارض و لا بموافقة الغريم و ان الزم بإقراره، الا أنه ليس إثباتا شرعيا يمضى على الموكل لو أنكر ما لم يقم بذلك بينة، و هي شاهدان جامعان للشرائط، و كذا بالاستفاضة التي لا تفيد العلم، بل في الكفاية الإشكال فيها معه، و ان كان في غير محله، ضرورة أنه ما وراء العلم من شي ء.

و ما أبعد ما بين ذلك و بين احتمال الثبوت بها، و ان لم تفد العلم، لدعوى عدم

ج 27، ص: 413

الفرق بينها، و بين ما صرحوا بثبوته بها، كالهلال و نحوه، و ان كان هو أيضا كما ترى بعد حرمة القياس، و بعد فرض ثبوت المقيس عليه بها و ان لم تفد العلم.

و على كل حال ف لا تثبت أيضا بشهادة النساء، و لا بشاهد واحد و امرأتين، و لا بشاهد و يمين، على قول مشهور في الجميع، بل في المسالك «لا أعلم به مخالفا» بل في جامع المقاصد و التنقيح نفيه، بل في التذكرة و مجمع البرهان الإجماع عليه، لكن في مفتاح الكرامة عن كشف اللثام عن الشيخ في المبسوط في كتاب الشهادات أنه قوى قبول شاهد و امرأتين في الطلاق و الخلع و الوكالة و الوصية و النسب و رؤية الأهلة.

بل حكي عن الصدوق و المفيد و الشيخ في النهاية و سلار و ابني حمزة و زهرة ما هو ظاهر في قبول شهادة النساء فيها، و إن كان الذي تقتضيه قواعد المذهب الأول لما عرفته من الإجماعات المعتضدة بنفي الخلاف، و بقاعدة أصالة عدم ثبوت الحق و غيرها، فلا ريب حينئذ في ذلك، لعدم كونها مالا، و إن تعلقت به، باعتبار كونها ولاية عليه، إلا أن ذلك لا يقتضي صحة إثباتها بالمزبورات التي ستعرف إنشاء الله في محله اشتراط قبولها بما لا يكفى فيه مثل هذا التعليق، و إن كان في صحيح ابن مسلم (1)الاكتفاء بالشاهد و اليمين في حقوق الناس، إلا أن الظاهر إرادة ما لا يشمل ذلك منه في مقابلة العامة المنكرين حجية ذلك بالمرة إلا أن الإنصاف ما تسمعه إنشاء الله في كتاب القضاء.

نعم لو ادعى جعلا على وكالة قد فعل مقتضاها أمكن ثبوت الجعل نفسه بها، لأنه مال دونها، و لا يستلزم ذلك تبعض مقتضى الشهادة، بل هو بمنزلة دعويين ثبتت إحداهما دون الأخرى، نحو ما ذكروه في السرقة من إثبات نفس المال بذلك، دون القطع، و إن تأمل فيه في مجمع البرهان على ما قيل.

بل عن بعض متأخري المتأخرين أن ثبوت الجعل و المال دون الوكالة و السرقة لا ينطبق على القواعد و الأصول، بل هو مما تنكره بديهة العقول إلا أنه كما ترى،


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 12.

ج 27، ص: 414

ضرورة صدق اشتمال الفرض على المال، فيشمله ما دل على حجية ذلك فيه، و غيره مما اعتبر الشارع في إثباته شيئا مخصوصا و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال في ثبوتها بتصديق الموكل، و بالشاهدين الجامعين للشرائط المجتمعين على مشهود عليه متحد في الزمان و المكان و غيرهما من عقد خاص أو إقرار كذلك، بل الظاهر عدم الحاجة الى حكم الحاكم بهما، لعموم دليل الحجية و للسيرة، و لغير ذلك مما ذكرناه في نظائر المسألة.

أما لو شهد أحدهما بالوكالة في تاريخ و الآخر في تاريخ آخر قبلت شهادتهما نظرا إلى العادة في الإشهاد، إذ جمع الشهود لذلك في الموضع الواحد قد يعسر و لأن المشهود عليه في الحقيقة متحد، إذ هو كونه وكيلا، و الاختلاف في تاريخ الشهادة عليه أو في مكانه لا يقتضي اختلافا فيه، بعد أن لم يذكرا سببه من إقرار أو إنشاء، على أن ذا التاريخ السابق شاهد بكونه وكيلا في اللاحق، و كذا بالنسبة إلى المكان، فلا ريب في اتحاد المشهود عليه و ان اختلف تاريخ شهادتهما أو مكانها.

و كذا لو شهد أحدهما باستفادة أنه وكله بالعجمية من الموكل و الآخر بالعربية، لأن ذلك يكون إشارة إلى المعنى الواحد و هو الاتصاف بكونه وكيلا و ان اختلفا في طريق استفادتهما له.

لو اختلفا في لفظ العقد بأن يشهد أحدهما أن الموكل قال في عقده:

وكلتك و يشهد الآخر أنه قال: استنبتك لم تقبل في المشهود لأنها شهادة على عقدين، إذ صيغة كل واحد منهما مخالفة للأخرى و الفرض عدم ثبوت كل منهما و لكن مع ذلك فيه تردد (11) عند المصنف إذ مرجعه إلى أنهما شهدا في وقتين (12) على تحقق وصف الوكالة بتعدد إنشاء أو تعدد إقرار أو إنشاء و إقرار.

أما لو عدلا عن حكاية لفظ الموكل و اقتصرا على إيراد المعنى (13) الذي هو كونه وكيلا جاز و إن اختلفت عبارتهما (14) بلا خلاف و لا إشكال، و بذلك ظهر

ج 27، ص: 415

لك أن الاطناب من المسالك أو غيرها في الإيراد على عبارة المصنف الاولى- و أنها منافية للمشهور من عدم قبول الشهادة مع الاختلاف في التاريخ إلا في الإقرار الذي له نسبة في الخارج و قد حصل المقتضى و هو اتفاقهما على الإقرار بها و الأصل عدم تعدد نسبته بخلاف الإنشاء- في غير محله.

بل قال في ذيل كلامه بعد الإطناب في بيان الفرق بين الإقرار و غيره «هذا غاية ما يمكن توجيه ما ادعوه من الفرق، و مع ذلك لا يخلو من نظر. فكيف بما أطلق المصنف» إذ قد عرفت ان عبارة المصنف الأولى صريحة أو كالصريحة في إطلاق الشهادة بالوكالة، من دون تعرض للإقرار و الإنشاء، كما أن المراد من الثانية الاختلاف في استفادة الوكالة من الموكل بالعربية و غيرها خصوصا بعد ملاحظة تعليله و قوله بعد ذلك «و لو اختلفا في لفظ العقد» الذي قد أفتى به على وفق المشهور، ثم تردد فيه.

إنما الكلام فيما تردد فيه فنقول إن مبنى قبول الإقرار في وقتين الاتفاق على حصول المقتضي مع عدم العلم بحصول الاختلاف، لا حصول الاتحاد فيهما، ضرورة عدم العلم، لاحتمال كون الإقرار الثاني بوكالة جديدة متعقبة لفسخ الاولى مثلا، و أصالة عدم الاختلاف لا يقتضي العلم بحصول الاتحاد فليس المبنى حينئذ إلا ما عرفت، و هو بعينه يمكن تقريره في الصيغتين في وقتين المقتضى لعدم تكاذبهما فيما شهدا به، إذ ليس هو كشهادتهما باختلافهما في الوقت الواحد المقتضي للتناقض المانع من قبول ذلك منهما.

و حينئذ مع فرض شهادة كل منهما بصيغة في وقت، أو بصيغة واحدة في وقتين يقال أيضا: أن مقتضى التوكيل قد حصل، و قد اتفقا على حصول مقتضاهما الذي هو الوكالة، و الأصل عدم اختلاف مقتضى الثانية مع الأولى، إذ يمكن تكريرها للاحتياط، أو إرادة الإشهاد على الإنشاء، بل قد يقال بعدم المانع في الوكالة و نحوها من تجديد صيغتها.

ج 27، ص: 416

و دعوى أن الثانية بعد الاولى لغو، لا وجه لها، على أن الحكم بذلك متوقف على العلم بحصول الأولى، و حينئذ يتم المشهود عليه، و بالجملة التأمل الصادق يقتضي عدم الفرق بين الشهادة على الإقرار في وقتين أو الإنشاء في وقت و الإقرار في آخر، الذي صرح في المسالك بأنه مقتضى التعليل في المتن و بين ما نحن فيه.

بل لعله أولى بالقبول من الأخير الذي لم يحصل شاهدان على إنشائه و لا على إقراره، إلا أنهما متفقان على حصول وصف الوكالة و هو كاف، و لعله لذلك و نحوه حكي عن الأردبيلي الجزم بموافقة المصنف على مقتضى تردده.

نعم بناء على كون الاتحاد شرطا و يعتبر العلم به يتجه عدم القبول فيه، و في الإقرار أيضا و لو حمل عبارة المصنف على إرادة الشهادة على لفظ العقد في وقت و لفظه في وقت آخر على معنى أن الشاهد الثاني يشهد على صدوره من الموكل مكررا له و لو بإقرار منه حينئذ يكون الوجه في قبوله أوضح، إذ ليس فيه إلا اختلاف الوقت فتأمل جيدا و قد يأتي في كتاب القضاء و الشهادات ما ينفع في المقام إنشاء الله.

و لو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده، و الآخر أنه وكله و زيدا، أو انه قال: لا تبعه حتى تستأمر زيدا فلا ريب في عدم ثبوت أحدهما كما جزم به في القواعد و غيرها.

لكن قد يقال: يمكن الحكم بالصحة حينئذ لو باع هو و زيد أو مستأمرا لزيد على وجه يمضي على الموكل لو أنكر، ضرورة عدم نفي الأول للثاني، و حينئذ يدخل فيه و يتم اتفاقهما على هذا الفرد.

اللهم إلا أن يقال: إن ذلك منهما يقتضي الاختلاف في العقد، و يأتي فيه الكلام السابق، و كذا لو شهد أحدهما أنه وكله في بيع عبده و الآخر في بيع عبده و جاريته صفقة، فإنه و إن لم يثبت الوكالة في أحدهما بالخصوص، لكن لو باع صفقة يمكن القول بحصول الاتفاق منهما على مضي بيع العبد في حق الموكل، دون الجارية بعد فرض عدم أخذ الانفراد في بيع العبد، أما إذا لم يقل صفقة فلا ريب في ثبوت الوكالة في العبد،

ج 27، ص: 417

دون الجارية، كما لو شهد أحدهما في بيعه لزيد، و الآخر في بيعه له و إن شاء لعمرو، و لو شهدا بوكالته ثم قال أحدهما: عزله، لم تثبت الوكالة، و لو كان الشاهد بالعزل ثالثا ثبتت الوكالة دونه، بناء على اعتبار التعدد فيه.

بل في جامع المقاصد و محكي التذكرة الإجماع على عدم ثبوته بخبر العدل، بل قال في الأول: إن المراد مما في النص و الفتوى من الاكتفاء بخبر العدل الانعزال به بعد ثبوت العزل، و فائدة الاخبار حينئذ كون العزل الواقع غير نافذ لولاه لجهل الوكيل به لا ثبوت العزل به.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه من منافاته لظاهر صحيح هشام بن سالم (1)المتقدم سابقا من ثبوت العزل به، و أنه كالمشافهة فلا يبعد القول بأن الصحيح المزبور من باب الاخبار، لا الشهادة، بل لعله ظاهر بعضهم أو صريحه، و الإجماع المزبور لم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه كما أوضحنا بعض ذلك فيما تقدم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه إذا علم الحاكم بالوكالة حكم فيها بعلمه، كغيرها من حقوق الناس و حقوق الله تعالى، بل عن الانتصار و الخلاف و الغنية و السرائر الإجماع عليه، فما عن أبي علي من الخلاف في ذلك، في غير محله، بل قيل: إنه مناف لضروري المذهب حيث أطبق الإمامية على الإنكار على أبي بكر في طلب البينة من سيدة النساء التي أذهب الله عنها الرجس و طهرها تطهيرا. و الله العالم.

[تفريع لو ادعى الوكالة عن غائب مثلا في قبض ماله من غريم فإن أنكر الغريم فلا يمين عليه ]

تفريع لو ادعى الوكالة عن غائب مثلا في قبض ماله من غريم، فإن أنكر الغريم فلا يمين عليه بناء على عدم إلزامه بالتسليم لو صدقه في العين و الدين


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كتاب الإقرار الحديث- 2-.

ج 27، ص: 418

الذي ستعرف الكلام فيه، و منه تعرف ما في كلامنا في اليمين هنا حتى في الدين مع فتواه بالإلزام لو صدق.

و على كل حال ف ان صدقه فإن كانت عينا لم يؤمر بالتسليم من الحاكم عند الترافع إليه لتعلق إقراره في حق الغير الذي لم تثبت الوكالة في حقه، لتصديقه المحتمل لكذبه، و لغيره، و لكن لا يمنعه لو دفع باعتبار عدم المعارض، و من هنا لم أجد خلافا في شي ء من ذلك إلا ما عن مجمع البرهان من التأمل في عدم وجوب التسليم مع التصديق، و إنه إن تم لم يجز له الدفع.

و فيه أن وجوب التسليم إن قلنا به فهو في حقه باعتبار إقراره الذي لا كلام لنا فيه، بل قد يقال بترتب الضمان عليه من هذه الجهة، لو بان أنه وكيل إلا أنه لا يقتضي إلزام الحاكم له به على وجه الحكومة القاطعة للنزاع بحيث يترتب عليها مباشرته للدفع مع فرض الامتناع منه، و هو المراد من قول المصنف و غيره «لم يؤمر» بل لعل ذلك هو الداعي للتعبير به دون عدم الوجوب.

و ليس المقام كمن في يده مال و ادعى الوكالة في بيعه مثلا، فإنه يؤمر بالتسليم لو باعه، و ان كانت دعواه غير نافذة أيضا على المالك، إلا أنه لما كان يده على المال و هو يصدق فيه كان معاملا في الظاهر معاملة الثابت، بخلاف ما نحن فيه فتأمل فإنه لا يخلو من دقة.

و كيف ف لو دفع إليه كان للمالك الذي لم يثبت في حقه الوكالة و لو بيمينه استعادتها من كل منهما للعدوان المتحقق فيهما بظاهر الشرع فان تلفت بغير تفريط كان له إلزام أيهما شاء بالكل أو البعض لذلك مع فرض إنكاره الوكالة، و لا يرجع أحدهما على الآخر لو رجع عليه، لكونه ظالما عندهما في رجوعه، أما مع التفريط فيتجه رجوع الدافع لو رجع عليه المالك على الوكيل بعد غرامته أو قبلها بالمطالبة في وجه.

ج 27، ص: 419

و كذا الكلام بالنسبة إلى الأمر بالتسليم لو صدقه فيما لو كان الحق الذي ادعى الوكالة عليه دينا و لكن فيه تردد و خلاف، بل لعل الأقوى هنا أنه يؤمر بالتسليم وفاقا للمحقق الثاني و الشهيد الثاني و الخراساني و عن الحلي، لاختصاص الإقرار في حقه، ضرورة أنه يدفع الدين من خالص ماله، و إذا أنكر من له ذلك فهو على حجته، خلافا للمحكي عن الشيخ و يحيى بن سعيد، و الفاضل في الإرشاد و والده و الكاشاني، من مساواته للعين، لأن تسليمه إنما يكون عن الموكل و لا ينفذ إقرار الغريم عليه باستحقاق غيره لقبض حقه، و لانه لا يؤمر به إلا إذا كان مبرء للذمة على وجه يطالب به بعد ذلك، و من ثم يجوز لمن عليه الحق الامتناع من التسليم للمالك للإشهاد عليه، و هنا ليس كذلك كما عرفت، و لأن الدافع على جهة كونه مال الغائب لم يثبت ما يقتضيه، و الدفع على غير هذا الوجه غير واجب.

و الجميع كما ترى، ضرورة عدم توقف الأمر بتسليمه على نفوذ إقراره في حق الغريم، بل يكفى فيه تعلقه في حقه من غير معارضة لحق الغير، فهو كما لو أقر بالحوالة عليه من الغريم لشخص خاص، فإنه لا إشكال في أمره بالدفع إليه.

و ان لم ينفذ ذلك في حق الغريم، بل هو على حجته بلا خلاف أجده بين من تعرض لذلك.

نعم قد احتمل بعضهم عدم وجوب الدفع فيه أيضا، لكنه في غير محله، بل اعترف بعضهم بأنه في غاية الضعف، بعد أن نسب إلى الشافعي، ضرورة عدم انقطاع الاحتمال حتى مع الاشهاد على المالك لإمكان موتهما و فسقهما و غيبتهما و غير ذلك، و حينئذ فاحتمال الضرر مع إمكان دفعه بطريق من الطرق لا يصلح مانعا لدفع الحق إلى وكيل مالكه باعتراف الغريم، مع أنه يمكن فرض المسألة في حال القطع بعدم الضرر للغريم.

بل من المعلوم أن جهة البحث هنا غير ذلك، و الدفع على أنه مال الغائب يكفي في ثبوت مقتضية بالنسبة إلى ذلك الإقرار المزبور الذي لا يتوقف إلزامه بمقتضاه

ج 27، ص: 420

عملا

«بإقرار العقلاء»

و بوجوب دفع الحق إلى صاحبه المطالب به على نفوذه في حق الغير، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و لكن ينبغي أن يعلم أنه على كل حال في هذا لو دفع ه الغريم للوكيل و لم يكن للمالك بعد إنكاره الوكالة و عدم إجازته القبض مطالبة الوكيل، لأنه لم ينتزع عين ماله، إذ لا يتعين إلا بقبض وكيله و هو ينفي كل واحد من القسمين و بذلك افترق عن العين التي عرفت مطالبة كل و احد منهما بها.

نعم للغريم أن يعود بعد غرامته أو قبلها في وجه على الوكيل إن كانت العين باقية أو تلفت بتفريط منه و لا درك عليه لو تلفت بغير تفريط لتصديقه بوكالته المقتضية عدم ضمانه.

و قد ظهر لك بما ذكرنا أنه على المختار يجب على الغريم اليمين لو ادعى الوكيل عليه العلم بوكالته في الدين دون العين، للقاعدة المشهورة المعلومة و هي كل موضع يلزم الغريم التسليم فيه لو أقر به يلزمه اليمين إذا أنكر و قد عرفت أنه يؤمر الغريم بالدفع مع التصديق، فيتوجه عليه اليمين مع إنكاره.

و من ذلك يعلم أنه لا وجه لإطلاق نفي اليمين ممن قال بأنه يؤمر بالتسليم، و كذا يجب اليمين لو ادعى عليه العلم بأنه الوارث لصاحب الحق الذي في ذمته، للقاعدة المزبورة، أما إذا ادعى عليه العلم بأنه وارث في الجملة فقد قيل بعدم وجوب اليمين عليه، لأنه لا يؤمر بالتسليم لو صدقه، لعدم إمكان القسمة، و في إطلاق ذلك نظر واضح.

ج 27، ص: 421

[الفصل السادس في اللواحق و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل السادس: في اللواحق و فيه مسائل

[المسألة الأولى الوكيل أمين ]

الأولى: لا خلاف بين المسلمين و لا إشكال في أن الوكيل سواء كان بجعل أو غيره كما هو صريح بعض و ظاهر الباقين أمين بالنسبة إلى أنه لا يضمن ما تلف في يده الا مع التفريط أو التعدي كغيره من الأمناء الذين قد عرفت الدليل على عدم ضمانهم من النص و الإجماع فيما مضى من الكتب السابقة و كذا بالنسبة إلى تصديقه بدعوى التلف، الا ما يحكى عن بعض العامة، فيما إذا ادعاه بأمر ظاهر، و أما بالنسبة إلى قبوله في الرد، و في الإقرار على الموكل و غير ذلك، فسيأتي البحث فيها.

[المسألة الثانية إذا كان أذن لوكيله أن يوكل فإن وكل عن موكله كانا وكيلين له ]

المسألة الثانية: قد عرفت فيما مضى أنه لا اشكال و لا خلاف عندنا في أنه ليس للوكيل أن يوكل غيره، و لو عن نفسه إلا بإذن الموكل التي بها يكون قول الوكيل الثاني، حيث يكون وكيلا عن الوكيل نفسه قولا للموكل، فهو حينئذ له تعلق بهما معا.

و حينئذ ف إذا كان أذن لوكيله أن يوكل عنه أو عن نفسه فلا اشكال و ان أطلق، فظاهر القواعد و محكي السرائر و التذكرة و صريح جامع المقاصد و محكي مجمع البرهان أنه يوكل عن الموكل، و احتمل غير واحد أنه يوكل عن نفسه لأن المراد التسهيل عليه، و لكن ظاهر المتن التخيير بينهما.

و على كل حال فإن وكل عن موكله كانا وكيلين له بلا خلاف و لا اشكال ف تبطل وكالتهما معا بموته و جنونه، و لا تبطل بموت أحدهما و لا بعزل أحدهما، صاحبه (11) لعدم ارتباط وكالة أحدهما بوكالة الآخر، و (12) انما كان الأول واسطة عن الموكل في وكالته.

نعم ان وكله عن نفسه (13) حيث يكون له ذلك بالإذن من الموكل فيه

ج 27، ص: 422

أو بالإطلاق بناء على اقتضائه ذلك كان له عزله و تبطل وكالته بموته و جنونه، و بعزل الموكل له، بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة أنه فرعه، خلافا للمحكي عن الشافعي في أحد قوليه، فلا ينعزل بعزل الوكيل، لأن التوكيل فيما يتعلق بالموكل و باذنه يقتضي كون الحق له.

و فيه ما سلف من أن الإذن من الموكل انما هي في صيرورة فعل وكيل الوكيل فعلا له بالواسطة، فالتوسط حينئذ ملحوظ، و وكالته مركبة منهما، فإن مات الموكل أو جن أو أغمي عليه أو عزل الأول بطلت وكالتهما معا و كذا ان مات وكيل الأول أو جن تبطل وكالة الثاني و هذا كله لا إشكال في شي ء منه، إلا في دعوى تعيين المراد من الإطلاق الذي هو إن كان منشؤه الانسياق منه عرفا أمكن منعه، و أنه إلى الإجمال أقرب من ذلك، حتى التغيير الذي لم نجد به قائلا إلا دعوى ظهور عبارة المصنف، و استقربه في المسالك إن كان قولا.

قال: «فإن العبارة على تقدير انحصار الأمر في الوجهين الأولين يمكن حملها على ما يوافقهما، بأن يجعل قوله «فإن وكل عن موكله» بأن كان مضمون توكيل الموكل له ذلك، و كذا القسم الآخر إلا أنه لا ضرورة إلى ذلك، فإن المسألة محتملة، و الوجه ليس أبعد منهما».

قلت: ما ذكره في حمل العبارة لا يصلح لتنزيل الإطلاق عليه، بل يكون مبنيا على تصريح الموكل له بذلك، و هو ليس محلا للبحث، كما ان دعوى عدم بعده لا يقتضي رجحانه على غيره مع ان كلا منهما مفهوم مغاير للآخر، و إرادتهما معا خصوصية كخصوصية أحدهما، و لذا حكموا ببطلان التوكيل بعدم ذكر الموكل فيه، و لم ينزلوا ذلك على الإطلاق الذي هو أحد الأفراد، و لذا كان مجملا.

و ما نحن فيه و إن لم يكن كذلك باعتبار ذكر المتعلق، و هو توكيل الغير، إلا أنه قريب منه باعتبار عدم ذكر الموكل عنه أنه الموكل أو الوكيل، أو كل منهما، و لم يستعمل لإرادة الإطلاق، بل و لا يفهم منه إلا بالقرينة الدالة على ذلك،

ج 27، ص: 423

و لو قطع النظر عن مفاد العبارة فليس في الأدلة ما يقتضي تعيين فرد من الأفراد الثلاثة.

و التأمل في كلامهم يعطي كمال التشويش في مبنى ما ذكروه من التعيين و يزيده ما في المسالك من أنه لو كان مستند الإذن في التوكيل القرائن الحالية يحتمل الأوجه الثلاثة، و توقف في التذكرة، و قطع في السرائر أن الثاني يكون وكيلا للوكيل، و هو متجه، ضرورة أن الحكم في القرائن اتباع خصوص ما دلت عليه، و مع فرض عدم دلالتها على خصوص فرد من الثلاثة فالمتجه الاجمال، لا ما ذكره عن التحرير، نعم ما ذكره من أنه «لو كان المستند في الإذن القرينة المقالية يكون كما لو أطلق» قد يكون له وجه، في بادي النظر، مع أن التأمل الصادق يقتضي خلافه، مع فرض كونها قرينة، لا أنها إطلاق لفظ، و حينئذ فالمتجه اتباع ما أفادته من أحد الأفراد، و إلا فالإجمال إلا أن يثبت أصل من الشرع يقتضي الوكالة عن الموكل، أو عن الوكيل أو عنهما بمجرد الإذن في التوكيل، هذا و قد ذكر الفاضل و غيره اعتبار الأمانة في وكالة الوكيل، بل قيدها بعضهم بالعدالة إلا أن يعين الموكل غيره، بل في القواعد و غيرها أنه لو تجددت الخيانة وجب العزل.

و لكن لا يخفى عليك عدم الدليل الشرعي على اعتبار ذلك في خصوص الفرض بل هو ليس إلا من مراعاة المصلحة التي هي مناط تصرف الوكيل و من المعلوم عدم اختصاصها بذلك، خصوصا فيما إذا أراد توكيله على إيقاع الصيغة و نحوها، مما لم تكن له يد على مال، كما هو واضح. و يمكن تنزيل كلامهم على ذلك فلاحظ و تأمل و الله العالم.

[المسألة الثالثة يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل ]

المسألة الثالثة لا خلاف و لا إشكال في أنه يجب على الوكيل تسليم ما في يده إلى الموكل أو وكيله مع المطالبة و عدم العذر فإن امتنع حينئذ على وجه نافى خطاب الرد عرفا من غير عذر ضمن قطعا بل و إجماعا للعدوان في استمرار يده بعد انقطاع الاذن في ذلك بالمطالبة.

نعم لو كان له هناك عذر لم يضمن بلا خلاف أجده فيه، كما عن

ج 27، ص: 424

التذكرة الاعتراف به، إلا أنك قد عرفت سابقا في الوديعة أنه ليس في شي ء من النصوص تعليق الحكم وجودا و عدما على العذر كي يكون المدار عليه، و يتجه القول بأنه عذر عقلي و شرعي و عرفي و ان من الأخير التشاغل بإتمام الحمام، و الطعام، و النافلة، و انتظار انقطاع المطر و نحو ذلك أولا حتى اضطرب كلام بعضهم فيها، فحكم هنا به بأنها أعذار دون الوديعة التي تناسب السهولة فيها.

بل هي أولى بعد مثل ذلك فيها عذرا باعتبار اختصاص المصلحة فيها للمالك، بخلاف الوكيل الذي يمكن ان يكون له جعل، و ظاهرهم المفروغية من عذرية الواجب الشرعي و إن استلزم ذلك طول التأخير، كالحج الواجب، و الاعتكاف المنذور و نحوها، إلا أنه لا يخفى عليك ما في الجميع بعد ما عرفت من خلو الأدلة عن العنوان المزبور.

فالمتجه حينئذ المحافظة على صدق الفورية العرفية في الأداء التي لا ينافيها إتمام بعض الأعمال، و لا عدم الإسراع في المشي مثلا، و على الترجيح عند التعارض مع الواجبات المنافية لذلك، كما أوضحنا ذلك في كتاب الوديعة.

بل إن لم يكن ثم إجماع اتجه القول بالضمان مع التأخير المنافي للفور عرفا، لعذر شرعي لأصالة الضمان في مال المسلم المحترم كدمه، أو لقاعدة على اليد التي لا ينافيها عدم الإثم في الامتناع، و إن انفسخت الوكالة و الوديعة.

و ليس في الأدلة ما يقتضي عدم الضمان في كل ما أذن شرعا ببقائه في يده على وجه يشمل القرض، و قد أشرنا سابقا إلى احتمال الضمان مع تصديق الوكيل، و إن جاز له التأخير لعدم البينة كما أنه محتمل أيضا في التأخير لإرادة الاشهاد فتأمل جيدا فإنه يمكن القول بأن المفروض من الأمانة الشرعية التي لا تندرج في العموم المزبور، باعتبار عدم صدق الأخذ على الاستدامة، نحو وقوع الثوب في اليد بإطارة الريح و نحوه فيبقى أصل البراءة سالما كما أشرنا إليه سابقا في نظائر المقام، بعد منع أصالة الضمان الذي حصروا أسبابه في أسباب مخصوصة و الله العالم.

ج 27، ص: 425

و كيف كان ف لو زال العذر فأخر التسليم ضمن بلا خلاف و لا إشكال، لأنه من المغصوب باعتبار كون الاستيلاء عليه بغرض، فتندرج

في قوله عليه السلام (1)«كل مغصوب مردود»

، أي و لو بالمثل أو القيمة كما هو واضح.

و لو امتنع مثلا من الرد بعد المطالبة به مع الاعتراف به ثم ادعى بعد ذلك أن تلف المال قد كان قبل الامتناع، أو ادعى الرد قبل المطالبة، قيل لا تقبل دعواه، و إن أقام بينة لتكذيبه لها بالإقرار المفروض سابقا و

اختاره جماعة و الوجه عند المصنف أنها تقبل لعموم البينة على المدعي، خصوصا إذا أظهر لإقراره الأول وجها ممكنا، كنسيان أو اعتماد على كتابة و نحوها، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا في الوديعة من أن المتيقن من الخبر المزبور ما إذا لم يكذبه.

على أنه معارض بما دل على حجية الإقرار، بل هو كذلك لو أنكر أصل المال، فإنه و إن كان إنكارا إلا أنه إقرار في حقه، على وجه ينافي سماع بينته.

نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد معترفا بوجود المال، و لا منكرا لأصل قبضه، و لكن كان ذلك مماطلة، اتجه حينئذ سماع بينته.

نعم إذا لم يكن حال امتناعه من الرد للخبر، و لعدم صدور ما ينافيها منه كما أنه يتجه ذلك لو ادعى الرد بعد الامتناع منه، بل و التلف بالنسبة إلى عدم الإلزام بالعين، فتسمع حينئذ البينة منه، كما هو واضح.

بل قد يقال في الأول بسماع قوله في التلف فضلا عن بينته، لأن ذلك المطل الذي قد كان منه لا يقتضي عدم قبول قوله في التلف أو الرد بناء على القول به لعموم ما دل عليه أو إطلاقه و المطل المزبور يمكن أن يكون حياء من المالك أو لغير ذلك من الوجوه الصحيحة، لكن في القواعد و محكي التذكرة و السرائر التصريح بعدم قبول غير البينة منه في الفرض المزبور و الله العالم.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب الغصب الحديث- 3- و فيه « لان الغصب كله مردود».

ج 27، ص: 426

[المسألة الرابعة كل من في يده مال لغيره أو في ذمته فله أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بالقبض ]

المسألة الرابعة: كل من في يده مال لغيره ممن تتوجه له الدعوى به و لو غصبا لا مثل الزكاة و الخمس أو في ذمته كذلك فله أن يمتنع من التسليم حتى يشهد صاحب الحق بالقبض حال وقوعه و يستوي في ذلك ما يقبل قوله في رده و مالا يقبل إلا ببينة، هربا من الجحود المفضي إلى الدرك أو اليمين.

و فصل آخرون بين ما يقبل قوله في رده كالوديعة و ما لا يقبل كالعارية فأوجبوا التسليم في الأول و إن لم يشهد و أجازوا الامتناع في الثاني إلا مع الاشهاد بل عن آخرين أيضا التفصيل في الثاني بين أن يكون بينة على أصله و عدمه، فيجب التسليم في الثاني لتمكنه حينئذ من الإنكار بنحو «لا تستحق عندي شيئا» و شبهه، دون الأول.

و على كل حال ف الأول أشبه عند المصنف و من تأخر عنه، بل عن بعض متأخري المتأخرين نفى القائل منا بالتفاصيل المزبورة و إنما هي للشافعية، و إن كان فيه ما فيه، لأن الأول محكي عن المبسوط و الثاني عن يحيى بن سعيد.

بل في محكي السرائر تقييد الحكم بما إذا لم يؤد الإشهاد إلى تأخير الحق، فإن أدى إلى ذلك فالوجه وجوب الدفع فيما يقبل فيه قوله باليمين، بل عن الأردبيلي التوقف في أصل الحكم و لعله كذلك للعقل و النقل كتابا و سنة في وجوب دفع الحق إلى صاحبه مع مطالبته، و خصوصا مع الضرر العظيم في تأخيره عنه، و تعذر الاشهاد المعتبر أو تعسره في كثير من المقامات، فلا يخالف ذلك الاحتمال ترتب ضرر عليه بالإنكار، مع أن الأصل عدمه، و ربما يطمئن الدافع في كثير من المقامات بعدم وقوعه منه.

على أن الإشهاد المزبور لا يرفع الاحتمال المذكور، لإمكان موت الشهود و غيبتهم و خروجهم عن تأهل الشهادة، بل يمكن أن يدعى عليه العلم بخطاء الشهود و نحو ذلك، فيتوجه عليه اليمين الذي يمكن إنكار كونها ضررا على الحالف بحيث يجوز له منع الحق عن مستحقه، إلى غير ذلك مما لا يخفى وروده على إطلاق الحكم

ج 27، ص: 427

المزبور، و لذا سمعت من الفاضل في التحرير التقييد المزبور، و إن كان هو غير مجد في رفع الإشكال من أصله، كما أن التفاصيل المزبورة كذلك أيضا.

نعم قد يقال: إن من في يده مال الغير مثلا لما كان مأمورا بدفعه و إيصاله الى من له الحق، فهو مخير في طرق الإيصال التي لا تنافي الفورية العرفية، و ليس فيه ضرر على المالك، فمع فرض التشاح فيها منهما بأن أراد من عليه الحق الإيصال المشتمل على الشهادة بالوصول اليه، و أراد المالك خلافه، كان الدافع هو المقدم، لأنه المخير و الفرض عدم الضرر على المالك، مع احتمال الضرر على الدافع في غيره.

أما حال تعذر الشهود أو تعسرهم أو نحو ذلك مما كان فيه الضرر، بتأخير الحق عن صاحبه المطالب به فلا ريب في تقديم جانب المستحق كما سمعته من الفاضل في التحرير، فإن أمكن حينئذ حمل كلام المصنف و غيره من الأصحاب على ذلك، أو أما يقرب منه كان له وجه، لا ما عساه يظهر منه من جواز الامتناع حتى يشهد، و إن استلزم ذلك التأخير سنة أو أزيد، لتعذر الشهود أو تعسرهم و غير ذلك مما لا ينطبق على القواعد الشرعية من دون نص معتبر، أو إجماع كذلك، بخلاف ما قلناه المبني على ترجيح المستحق عليه على المستحق، في اختيار بعض طرق الإيصال التي لا ضرر فيها على المالك على الوجه المزبور.

و لعل ذلك مبنى القول بالتفصيل، و ان لم ينقحوه على القواعد، و لم يلحظوا قاعدة تزاحم الحقين، و ميزانه الموافق للضوابط فلاحظ و تأمل فإن المقام منه، بعد تسليم كون حق الإشهاد لمن عليه الحق معلوما من الكتاب و السنة و على كل حال فلا يلزمه دفع الوثيقة إذا كانت ملكا له، و قد أشهد على نفسه بالقبض، للأصل مع اندفاع الضرر.

[المسألة الخامسة الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن ]

المسألة الخامسة: الوكيل في الإيداع إذا لم يشهد على الودعي لم يضمن إذا أنكر الودعي بلا خلاف محقق أجده فيه، و إن حكى في المسالك القول بوجوب الإشهاد، إلا أنا لم نجده لأحد من أصحابنا.

نعم عن التذكرة الإشكال فيه، و هو في غير محله، ضرورة عدم كون ذلك

ج 27، ص: 428

تفريطا عرفا، خصوصا في الوديعة المبنية على الإخفاء، و لذا لم يكن تركه كتركه في ردها الى وكيل المالك، تفريطا بها، بلا خلاف أجده فيه أيضا، و لو أنكر المالك الدفع إلى الودعي، فالقول قول الوكيل الذي هو أمين على ذلك، هذا كله في وكيل الإيداع.

و أما لو كان وكيلا في قضاء الدين فلم يشهد بالقبض ضمن لو أنكره كما عن الشيخ و الفاضل في جملة من كتبه، و ولده و الشهيدين و المحقق الثاني للتفريط و لكن في المتن فيه تردد و كذا القواعد، بل كأنه قال به في محكي المختلف، بل عن الأردبيلي الجزم بذلك و لعله لعدم صدق التفريط عرفا، لا أقل من الشك، و الأصل عدم الضمان، مضافا إلى السيرة و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا تعدى الوكيل في مال الموكل ضمنه ]

المسألة السادسة: إذا تعدى الوكيل في مال الموكل بلبس و نحوه ضمنه قطعا و لكن لا تبطل وكالته على بيعه مثلا بلا خلاف أجده بين من تعرض له، إلا ما يحكى عن أبي علي و أحد وجهي الشافعية لعدم التنافي بين الضمان بسببه الشرعي، و بقاء الوكالة المستصحب المحتاج رفعه إلى فاسخ شرعي أو إنشاء عزل المالك، كما تقدم الكلام في نظائره من الرهن، و مال القراض، و العارية بل و الوديعة، و إن ظهر من بعض العبارات انفساخها بذلك، لكنه في غير محله، بل الظاهر بقاء أحكام الأمانة غير الضمان.

نعم لو فرض اعتبار عدالته في وكالته، أمكن انعزاله حينئذ بالفسق بالتعدي كما هو واضح، و حينئذ ف لو باع الوكيل ما تعدى فيه و سلمه إلى المشتري بري ء من ضمانه (11) بلا خلاف أجده فيه، كما اعترف به في المسالك، بل في محكي التذكرة الإجماع عليه لانه تسليم مأذون فيه فجرى مجرى قبض المالك (12) المعلوم انقطاع الضمان به، و لا يكون الثمن مضمونا لعدم التعدي فيه.

نعم رجح ثاني المحققين و الشهيدين عدم زوال ضمانه بالبيع قبل القبض، لانه ربما بطل العقد بتلفه قبل قبض المشتري، فيكون التلف من ملك الموكل، و فيه أن

ج 27، ص: 429

ذلك يقتضي الانفساخ من حينه على الأصح، فيكون قد تلف و هو ملك المشتري و إن اقتضى ذلك انفساخ البيع، كما لو رده المشتري على الوكيل بعيب، حيث يكون وكيلا عليه أيضا بعد الرد و لو بالوكالة الأولى، فإنه قد صرح في المسالك بعدم الضمان فيه و الفرق بينهما غير واضح.

اللهم إلا أن يكون قد بنى الأول على الانفساخ من الأصل به كما لعله- الظاهر من آخر كلامه، و بما ذكرنا يظهر لك النظر أيضا فيما عن التحرير من التوقف في الضمان في الأول، و الجزم به في الثاني، كما عن التذكرة، كما أنه يظهر منه أيضا انقطاع الضمان عنه ببيعه بالخيار إلى مدة يفسخ فيها، فضلا عن أن يكون الفسخ من المشتري، لانقطاع أثر سبب الضمان للاول بالخروج عن ملكه و لو متزلزلا، و احتمال تبعية وصف الضمان لتزلزله لا دليل عليه، بعد معلومية انقطاعه بالانتقال المزبور، فليس العود حينئذ إلا كعوده من المالك، بعد وصوله إليه فهو كالاستيمان الجديد فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز]

المسألة السابعة إذا أذن الموكل لوكيله في بيع ماله من نفسه فباع جاز بناء على جواز اتحاد الموجب و القابل، كما هو المشهور بل المجمع عليه بين المتأخرين بل عن التذكرة الإجماع عليه في ثلاثة مواضع، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص ما ورد منه في الجد و الأب و الوصي و بعض النصوص الاتية.

و لكن مع ذلك فيه تردد مما عرفت، و من أن المنساق من الأدلة التغاير، لا أقل من الشك، و الأصل عدم ترتب الأثر، و لذا حكي الخلاف فيه عن جماعة، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير من أصحابنا إلا أنه قد ذكرنا في البيع و كذا في النكاح أن الأصح الأول، و أنه لا شك في تناول الأدلة، إنما الكلام فيما إذا أطلق الموكل البيع أو الشراء مثلا.

فهل يدخل الوكيل- فيجوز له البيع و الشراء من نفسه من دون اعلام الموكل لصدق البيع و الشراء، فيندرج- في الموكل فيه-

ج 27، ص: 430

و ل

خبر إسحاق بن عمار(1)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام يجي ء الرجل بدينار يريد مني دراهم فأعطيه أرخص مما أبيع، قال: أعطه أرخص ما تجد له»

أولا؟

لانسياق غيره من الإطلاق، و لو لسبق التهمة إلى الذهن، أو الشك في تناوله له.

و للنصوص، ك

خبر ابن الحكم (2)عن الصادق عليه السلام «إذا قال لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك، و ان كان الذي عندك خيرا منه.»

و خبر إسحاق (3)«سألته عليه السلام أيضا عن الرجل يبعث الى الرجل، فيقول له:

ابتع لي ثوبا، فيطلب له في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له بالسوق فيعطيه من عنده قال: لا تقربن هذا و لا يدنس نفسه ان الله عز و جل يقول «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ» الى آخره و ان كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده».

و خبر القلانسي (4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل- يجيئني بالثوب فأعرضه، فإذا

أعطيت به الشي ء زدت فيه و أخذته قال: لا تزده.»

و خبر ابن أبي حمزة(5)«سمعت الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك اني رجل أبيع الزيت يأتيني من الشام فآخذ لنفسي مما أبيع قال: ما أحب لك ذلك، قال اني لست أنقص لنفسي شيئا مما أبيع، قال: بعه من غيرك و لا تأخذ منه شيئا، أ رأيت لو أن الرجل قال لك: لا أنقصك رطلا من دينار كيف كنت تصنع لا تقربه»

- خلاف:

فعن الفاضل في التذكرة و المختلف و النهاية و التلخيص و لو أحق رهن القواعد و ولده في الإيضاح و الشهيد في الحواشي و صريح أبي الصلاح أو ظاهره الأول، و عن المبسوط و الخلاف و الإرشاد و وكالة القواعد الثاني بل عن التذكرة أنه المشهور و لعل الأقوى الأول للصدق عرفا و إمكان حمل النصوص المزبورة بعد الغض


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب آداب التجارة الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب آداب التجارة الحديث- 2.

ج 27، ص: 431

عما في السند و الاجمال في الجملة في خبر القلانسي منها كما يظهر من حواشي التهذيب على ضرب من الكراهة للتهمة و نحوها، خصوصا مع اشعار قوله فيها لا يدنس و نحوه بذلك.

مضافا إلى

خبر ميسر(1)«قلت له يجيئني الرجل فيقول تشتري لي و يكون ما عندي خيرا من متاع السوق قال: إن أمنت أن لا يتهمك فأعطه من عندك، و ان خفت أن يتهمك فاشتر له من السوق»

مؤيدا ذلك كله بما ورد(2)من جواز أن يأخذ لنفسه من وكل على تقسيم مال للمحاويج، و كان بصفتهم، و جواز حج الوصي بنفسه عمن هو وصي عنه و الله العالم.

[الفصل السابع في التنازع و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل السابع في التنازع و فيه مسائل

[المسألة الأولى إذا اختلفا في الوكالة فالقول قول المنكر]

الأولى: إذا اختلفا في الوكالة، فالقول قول المنكر لأنه ا لموافق ل لأصل المقتضي لاندراجه في

قوله عليه السلام (3)«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

سواء كان المنكر الموكل، أو الوكيل الذي قد يدعى غيره وكالته لغرض من الأغراض كما لو كان قد اشترى شيئا ادعى الموكل أنه اشترى له بالوكالة عنه، فأنكر المشتري أصل الوكالة، أو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع للتوقيت أو لتلف العين التي اشترط الوكالة عليها، فادعى البائع مثلا أنه قد وكله لإرادة لزوم

العقد، و أنكر هو ذلك لإفادة التسلط على الفسخ.

و لو اختلفا في التلف و عدمه فالقول قول الوكيل و إن كان مخالفا للأصل لأنه أمين بالنسبة إلى ذلك، بمعنى كونه مقبول القول فيه، بلا خلاف أجده، بل لعله كذلك بين المسلمين، فضلا عن صريح الإجماع في المبسوط و السرائر


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب آداب التجارة الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 84- من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 3.

ج 27، ص: 432

و جامع المقاصد و المسالك على ما حكي عن بعضها، بل ظاهر الأكثر و معقد الإجماع و نفي الخلاف ما هو صريح بعض من عدم الفرق بين كونها بجعل و بدونه، ضرورة كونه أمينا على كل حال، بل و بين كون التلف المدعى بسبب ظاهر، كالغرق و الحرق، أو خفي كالسرقة و نحوها، و إن حكي عن الشيخ في الوديعة الخلاف في ذلك إلا أن المحكي عنه هنا التصريح بذلك، و لعله لذا كان ظاهر المسالك الإجماع على ذلك هنا.

و قد عرفت فيما مضى من الكتب السابقة ما يدل من النصوص و غيرها على قبول دعوى الأمين في ذلك مطلقا، حتى في الصناع و إن سمعت الخلاف فيه في كتاب الإجارة، على أنه قد يتعذر إقامة البينة بالتلف غالبا فاقتنع بقوله دفعا لالتزام الأمين المحسن و غيره ب ما تعذر غالبا لقاعدة العسر و الحرج و الإحسان و الأمانة.

بل قد يستفاد من التعليل في بعض النصوص الواردة في قبول قول الامرأة في الحيض و الطهارة منه (1)و نحو ذلك، إقعاد هذه القاعدة أيضا و هي «أن كل أمر يتعذر إقامة البينة عليه غالبا أو يتعسر، يقبل قول مدعيه بيمينه» و لعله إليه أومى المصنف بما ذكره و لو اختلفا في التفريط و لو بالتعدي فيه فالقول قول منكره، ل

قوله عليه السلام (2)«البينة على المدعى، و اليمين على من أنكر

كما هو واضح و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا اختلفا في دفع المال إلى الموكل فإن كانت بجعل كلف البينة لأنه مدع ]

المسألة الثانية إذا اختلفا في دفع المال الذي هو في يد الوكيل من حيث وكالته إلى الموكل فإن كانت الوكالة بجعل كلف البينة، لأنه مدع و قابض لمصلحة نفسه، فلا يساوي الوديعة و إن كانت بغير جعل، قيل: القول قوله كالوديعة في الإحسان و هو قول مشهور كما عن الصيمري و الكفاية، بل عن غاية المراد أنه مذهب الشيخ و الاتباع، بل عن ظاهر المهذب البارع أو صريحه


1- 1 الوسائل الباب- 47- من أبواب الحيض.
2- 2 الوسائل الباب- 25- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 3.

ج 27، ص: 433

الإجماع عليه.

و قيل كما عن ابن إدريس و جماعة من المتأخرين القول قول المالك و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها

«البينة على المدعى و اليمين على من أنكر»

و منها أصالة عدم الرد و غيرها، و لا ينافي ذلك قبول قوله في الوديعة للنص و الإجماع، بعد حرمة القياس، و إن حصل الجامع الذي هو الامانة، و الإحسان، و القبض لمصلحة المالك و تأدية عدم القبول إلى انسداد باب قبول الأمانة إلا أن الجميع كما ترى، لا يطابق المذهب بعد عدم معلومية كون ذلك هو العلة شرعا، و الأمانة أعم من قبول القول في الرد، كما أن النهي عن الاتهام لا يقتضي ذلك، بل ظاهره خلاف ذلك.

بل و كذا قاعدة الإحسان الظاهرة في نفي السبيل على المحسنين في إحسانه، لا في قبول دعواه، على أنه لو سلم أن من مقتضاها ما نحن فيه لاتجه القبول بلا يمين لأنه نوع سبيل، كما أوضحنا ذلك في الوديعة و العارية.

أما الوصي فالقول قوله في الإنفاق على الطفل أو على دوابه أو على عقاره فضلا عن دعوى التلف من غير تعد و لا تفريط بلا خلاف أجده فيه، لأنه أمين بالنسبة إلى ذلك و لتعذر البينة فيه بل و البيع للمصلحة و القرض لها و نحو ذلك مما ادعاه حال أمانته دون دعوى تسليم المال إلى الموصى له بعد بلوغه و رشده الذي هو كدعوى الرد في المسألة السابقة.

بل في المسالك أن ظاهرهم عدم الخلاف في تقديم قول الموصى له، و اليتيم في عدم القبض هنا، و لعله كذلك للفرق بينه و بين ما تقدم بأن دعوى الرد هنا على من لم يأتمنه، بخلافه هناك، و في محكي المبسوط قد جعل ذلك ضابطا في كل أمانة حتى في الوديعة لو ادعى ردها على الوارث، و إن كان قد عرفت عدم الفرق عندنا بين الجميع في أن القول قول منكر الرد إلا في الوديعة المدعى ردها على المالك أو وكيله للنص و الإجماع لما عرفت.

ج 27، ص: 434

و كذا القول في الأب و الجد و من حصل في يده ضالة أو لقطة لاتحاد المدرك في الجميع و هو عموم

قوله «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

بعد عدم اقتضاء الامانة و قاعدة الإحسان القبول في ذلك و بعد حرمة القياس على الوديعة كما عرفت الكلام فيه و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا ادعى الوكيل وقوع التصرف و أنكر الموكل مثل أن يقول بعت أو قبضت ]

المسألة الثالثة: إذا ادعى الوكيل وقوع التصرف الذي و كل عليه و أنكر ذلك الموكل مثل أن يقول: بعت المتاع و تلف الثمن منى مثلا أو قال قبضت المبيع لك مثلا و تلف مني و أنكر ذلك الموكل ليترتب على الأول غرامة الوكيل المبيع عينا أو قيمة و في الثاني عدم غرامة الثمن من الموكل لكون المبيع قد تلف قبل قبضه فلا ثمن عليه.

قيل و القائل غير واحد ان القول قول الوكيل، لأنه أقر بماله أن يفعله فيندرج تحت الأصل المعروف الذي هو «من ملك شيئا ملك الإقرار به» و عليه بنوا نفوذ إقرار الصبي فيما له أن يفعله كالوصية و العتق و التصدق، و كذا قبول قول العبد المأذون في التجارة فيما يتعلق بها، و الولي في تصرفه بمال المولى عليه.

و لو قيل: القول قول الموكل لأصالة العدم أمكن (11) بل في جامع المقاصد هو أمتن دليلا، و عن مجمع البرهان كأنه أظهر و عن موضع من التذكرة أن القول قوله خصوصا إذا كان النزاع بعد العزل و إن كنت لم أتحققه.

و لكن (12) مع ذلك كله الأول أشبه (13) بأصول المذهب و قواعده التي منها ما سمعت، و منها أنه أمين قد نهى عن تخوينه الذي منه تكذيبه. و أنه محسن، و إن كان في عدم تصديقه العسر و الحرج المنفيين بالاية(1)و الرواية و اختلال نظام المعاملات بانصراف رغبة الناس عن معاملات الأولياء و الوكلاء و المأذونين خصوصا في المضاربات، و لأنه بتوكيله أقدم على قبول قوله فيما يفعله، فيجب أن يصدقه كما


1- 1 سورة الحج الآية- 78.

ج 27، ص: 435

الزم بتصديقه في دعوى التلف التي هي عند القائل ليس إلا لأنه أمين و صاحب يد على ما اؤتمن عليه.

و بذلك كله ظهر لك أن تقديم قول الوكيل في هذه المسألة ليس لأن إقراره إقرار من الموكل، ضرورة عدم ما يقتضي ذلك في شي ء من الأدلة بل فيها ما يقتضي خلافه، و لذا كلف باليمين بل إنما هو للنهي عن تهمة الأمين المراد منه تقديم قوله على قول المالك عند التنازع، و منه المقام الذي لم أجد خلافا صريحا فيه بل في مصابيح الفاضل الطباطبائي نسبته إلى تصريح الأصحاب الا من شذ بل فيها عن الصيمري اتفاق الفتوى على ذلك، بل قد تشعر عبارة المتن بذلك أيضا حيث نسبه الى الإمكان على تقدير القول به و ستسمع الكلام في المسألة العاشرة.

[المسألة الرابعة إذا اشترى إنسان سلعة، و ادعى بعد ذلك أنه وكيل لإنسان فأنكر كان القول قوله مع يمينه ]

المسألة الرابعة: إذا اشترى إنسان سلعة، و ادعى بعد ذلك أنه وكيل لإنسان فأنكر الإنسان وكالته كان القول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الوكالة و يقضى على المشتري بالثمن لظهور مباشرة العقد في كون الشراء له سواء اشترى بعين أو في الذمة، إلا أن يكون ذكر انه يبتاع له في حالة العقد أو قامت البينة على ان عين الثمن للموكل أو نحو ذلك، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

مع أنه و اضح كوضوح الحكم فيما لو قال الوكيل: ابتعت بقصد أنه لك فأنكر الموكل أو قال ابتعت بقصد أنه لنفسي فقال الموكل: بل لي فالقول قول الوكيل بيمينه لأنه أبصر بنيته المتعلقة بفعله بلا خلاف و لا اشكال، مع فرض كون الاختلاف في النية التي لا تعلم الا من قبله.

بل ربما استظهر من عبارة المتن قبول قوله بلا يمين لعدم تصور الدعوى عليه إلا على القول بسماعها مع التهمة أو أن اليمين حق له على كل حال أما لو فرض إمكان الاطلاع على قصده و لو بإقراره فقد توقف بعض متأخري المتأخرين في قبول قول الوكيل للأصل، لكن فيه ما عرفت من لزوم تقديم قوله مع فرض التداعي معه

ج 27، ص: 436

لأنه أمين و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا زوجه امرأة فأنكر الوكالة و لا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه ]

المسألة الخامسة: إذا زوجه امرأة بعنوان التوكيل كما فرضه جماعة، أو مطلقا كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره، بل و الدليل خصوصا صحيح الحذاء(1)الذي تسمعه فأنكر الوكالة و لا بينة كان القول قول الموكل مع يمينه لأنه منكر بلا خلاف و لا اشكال.

و يلزم الوكيل مهرها الذي أوقع العقد عليه كما عن النهاية و الوسيلة و النافع و كشف الرموز و التحرير و الإرشاد و القواعد و القاضي و الكيدري لا لأن المهر يجب بالعقد

كملا و لا ينتصف الا بالطلاق المفقود في المقام و قد فوته الوكيل عليها بتقصيره في الاشهاد، و لا لأنه أقر بأنه أخرج بضعها عن ملكها بعوض لم يسلم إليها فكان عليه الضمان، فإن كل من أقر بإخراج ملك عن غيره لعوض لم يسلم ضمنه له، لتفريطه- إذ هما كما ترى.

بل ل

خبر محمد بن مسلم (2)عن الباقر عليه السلام «في رجل زوجته أمه و لم يقبل فقال: إن المهر لازم»

لأنه بناء على تنزيله على دعوى الوكالة، بل عن الشيخ و اتباعه العمل به على ظاهره، و لكن يمكن حمله على ما روي من لزوم نصف مهرها كما تسمعه في صحيح الحذاء فتتفق النصوص جميعا حينئذ على النصف الذي عمل به الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل في التذكرة و الفخر و غيرهم على ما حكي به في المسالك و غيرها أنه المشهور.

ل

خبر عمر بن حنظلة(3)«عن ابى عبد الله عليه السلام في رجل قال لآخر اخطب لي فلانة فما فعلت من شي ء مما قاولت من صداق، أو ضمنت من شي ء أو شرطت فذلك رضائي و هو لازم لي، و لم يشهد على ذلك، فذهب و خطب له و بذل عنه الصداق و


1- 1 الوسائل الباب- 26- من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوكالة الحديث- 1.

ج 27، ص: 437

غير ذلك مما طلبوه و سألوه. فلما رجع إليه، أنكر ذلك كله، قال يغرم لها نصف الصداق عنه، و ذلك أنه هو الذي ضيع حقها، فلما لم يشهد لها عليه بذلك الذي قال له، حل لها أن تتزوج، و لا يحل للأول فيما بينه و بين الله عز و جل إلا أن يطلقها، لأن الله تعالى يقول «فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ» فإن لم يفعل فإنه مأثوم فيما بينه و بين الله عز و جل. و كان الحكم الظاهر حكم الإسلام و قد أباح الله عز و جل لها ان تتزوج».

و صحيح أبى عبيده (1)عنه عليه السلام أيضا «في رجل أمر رجلا ان يزوجه امرأة من أهل البصرة من بنى تميم فزوجه امرأة من أهل الكوفة من بني تميم، قال:

خالف أمره، و على المأمور نصف الصداق لأهل المرأة و لا عدة عليها و لا ميراث بينهما فقال بعض من حضر فإن أمره أن يزوجه امرأة و لم يسم أرضا و لا قبيلة ثم جحد الآمر أن يكون أمره بذلك بعد ما زوجه، فقال: إن كان للمأمور بينة أنه كان أمره أن يزوجه كان الصداق على الآمر و إن لم يكن له بينة كان الصداق على المأمور لأهل المرأة و لا ميراث بينهما و لا عدة عليها، و لها نصف الصداق إن كان فرض لها صداقا و إن لم يكن سمى لها فلا شي ء لها».

و من ذيله يعلم أن المراد بالصداق أولا النصف، كما يعلم إرادة المرأة من «الأهل» فيه و إلا كان دالا على وجوب مهر و نصف و لم يقل به أحد و لا وجه له و لعله لعدم تنقيح المراد من هذا الصحيح و اشتمال الأول على التعليل الذي لا يوافق الضوابط و استبعاد الالتزام بمقتضاها الشامل للوكالة التي أخبرها بها، و للفضولية و نحو ذلك مما لا غرور فيه و احتمالها ضمان الوكيل المهر بعد العقد و الاعتراف بالوكالة، و التنصيف حينئذ تنزيلا لانتفاء النكاح ظاهرا منزلة الفسخ بالطلاق.

قيل: و إن لم نعرف القائل به غير واحد قبل المصنف يحكم ببطلان العقد في الظاهر لعدم ثبوت الوكالة و عدم غرامة شي ء على أحد منهما.


1- 1 الوسائل الباب- 26 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث- 1.

ج 27، ص: 438

نعم يجب على الموكل أن يطلقها فيما بينه و بين الله تعالى بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد لا ريب فيه و قد نطق به الكتاب و السنة من قوله تعالى (1)«فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ» و قاعدة الضرر و الضرار و حفظ الأنساب و نحو ذلك إن كان يعلم صدق الوكيل، و أن يسوق إليها نصف المهر و لا ريب في أن هذا القول قوي بحسب القواعد، بل مال إليه جماعة منهم الفاضل و ولده و ثاني الشهيدين، بل جزم ثاني المحققين بأنه أصح.

لكنه مخالف للشهرة البسيطة، أو المركبة، أو الإجماع كذلك، الجابرة للنصوص المزبورة التي لا أقل من الفتوى بالمتيقن منها و هو النصف فيما لو غرها بدعوى الوكالة صريحا و عدم علمها بصدقه، دون باقي الصور، و إن دل عليه الخبران أو أحدهما.

و على كل حال فلا إشكال في صحة طلاق الموكل لها و إن لم يعترف بالزوجية.

بل صرح غير واحد بصحته منه و إن أوقعه معلقا، كقول إن كانت زوجتي فهي طالق، لعدم كونه تعليقا مانعا، ضرورة عدم اقتضائه تأخير الأثر، على أنه عالم بالحال و علقه على أمر معلق عليه في الواقع، و إليه يرجع ما في الروضة «لأنه أمر يعلم حاله، و كذا في نظائره كقول من يعلم أن اليوم جمعة: إن كان اليوم الجمعة، فقد بعتك كذا أو غيره».

لكن في الرياض «إنه كذلك إذا لم يكن الإنكار مستندا إلى نسيان التوكيل، و إلا فلا يصح» و فيه أن الظاهر الصحة حتى مع ذلك، و لعدم دليل يقتضي بطلانه كذلك بل مقتضى الإطلاقات الصحة، و من هنا أطلق من عرفت. و منه يعلم ما في تعليل الروضة السابق.

و أما المرأة فلا إشكال و لا خلاف في أن لها التزويج و إن لم يطلق الموكل إذا لم تكن عالمة بالوكالة، لأنها خلية في ظاهر الشرع كما أفصح به الخبر المزبور.


1- 1 سورة البقرة الآية- 229.

ج 27، ص: 439

نعم لو كانت عالمة بصحة الوكالة لم يكن لها ذلك، و ليس للحاكم إجبار الزوج عليه. نعم قد يقال: بأن له الطلاق عنه مع امتناعه من وقوعه، فيؤثر أثره حينئذ مع فرض الزوجية في الواقع للامتناع عن القيام بها و الطلاق، و إلا لم يحتج إلى طلاق.

و ربما احتمل أن لها الفسخ أو للحاكم، أو البقاء على الزوجية حتى يفرج الله عنها بموت و نحوه، و لعل ما ذكرناه أولى بعد عموم ولاية الحاكم لمثل ذلك، لقاعدة الضرر و غيرها، و للاية(1)و نحوها و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا وكله في ابتياع عبد فاشتراه بمأة فقال الموكل اشتريته بثمانين فالقول قول الوكيل ]

المسألة السادسة: إذا وكله في ابتياع عبد ف ادعى أنه اشتراه له بمأة، فقال الموكل: اشتريته بثمانين، فالقول قول الوكيل كما اختاره جماعة منهم الشيخ في المحكي من مبسوطة لأنه مؤتمن و الفعل فعله من غير فرق بين كون الثمن من غير مال الموكل. أو في ذمته، و لكن لو قيل:

القول قول الموكل. كان أشبه بأصالة البراءة من الزائد و نحوها لأنه غارم بالأخذ من ماله المعين المجهول ثمنا أو الأداء عن ذمته، بل عن الإرشاد و مجمع البرهان اختياره، بل لعله مقتضى ما تقدم للتذكرة، إلا أنه مناف لما سمعته من المصنف في المسألة الثالثة. و لما يأتي له في العاشرة.

و التحقيق ما عرفت و تعرف من أن التداعي إن كان بين الموكل و الوكيل كان القول قول الوكيل لما سمعت، و إن كان بين الموكل و البائع فالقول قول الموكل و ان صدق الوكيل البائع لما ستعرفه من اقتضاء الأدلة تقديم قوله في التداعي معه خاصة، لا أن إقراره إقراره مطلقا كما تسمع تفصيل الحال فيه في المسألة العاشرة.

و على كل حال فما عن أبي حنفية من التفصيل بين الشراء بالعين فالقول قول الوكيل، لانه الغارم لما زاد على الثمانين، و الموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه الغارم واضح الضعف، ضرورة أخذ الثمن من مال الموكل على كل حال، كما ان ما في المسالك و غيرها من فرض موضوع المسألة بما إذا كان المبيع يساوى ماءة، و إلا لم يكن الشراء صحيحا لا يخلو من نظر، ضرورة إمكان الغبن في حق الوكيل، و لا


1- 1 سورة البقرة الآية- 229.

ج 27، ص: 440

يقتضي خروجه بذلك عن الوكالة، و انما أقصاه الخيار كما أوضحناه في محله.

[المسألة السابعة إذا اشترى الوكيل لموكله كان البائع بالخيار]

المسألة السابعة قال في محكي المبسوط إذا اشترى الوكيل لموكله مصرحا بذلك في العقد كان البائع بالخيار إن شاء طالب الوكيل، و إن شاء طالب الموكل و يكون دخول الوكيل في هذا التصرف بمنزلة دخول الضامن في الضمان، فإن أعطاه كان له الرجوع بما وزن، لأنه توكل بإذنه في الشراء، و ذلك يتضمن تسليم الثمن، و كان الاذن في الشراء إذنا فيه و فيما يتضمنه.

و ربما أشكل بأنه لا وجه لرجوعه على الوكيل مع فرض العلم بالوكالة، ضرورة كون الثمن فيما فرضه في ذمة الموكل، لأن الشراء له، و لا ضمان من الوكيل.

نعم مع الجهل بالوكالة يتجه مطالبة الوكيل لظهور مباشرة الشراء في كونه له، و لكن يتوجه حينئذ اختصاص المطالبة به مع فرض استمرار الجهل بذلك.

و من هنا قال المصنف و تبعه بعض الناس ان الوجه اختصاص المطالبة بالموكل مع العلم بالوكالة، و اختصاص مطالبة الوكيل مع الجهل بذلك إلى حين القبض أو مطلقا، كما احتمله في المسالك للاكتفاء بالجهل حال العقد في استحقاق المطالبة، و ان علم بعد ذلك استصحابا لما كان، و لإمكان عدم رضاه بمطالبة الموكل لو علم ابتداء.

و على كل حال فلا يكفي في ثبوت الوكالة المقتضية لسقوط حق المطالبة عن الوكيل اعتراف الموكل بها، إذ يمكن أن يكون تواطيا منهما لإسقاط حق المطالبة خصوصا إذا كان قويا.

هذا كله إذا كان الثمن في الذمة و لم يكن قد دفعه الموكل إلى الوكيل، أما إذا كان عينا قد وقع العقد عليها، فقد صرح في جامع المقاصد و المسالك و مجمع البرهان و التنقيح على ما قيل بمطالبته لمن هي في يده من غير فرق بين الوكيل و الموكل، و إن كان في الذمة، و لكن كان قد دفع الموكل اليه ما يجعله ثمنا، ففي القواعد و محكي الكتب السابقة و التذكرة تخير في مطالبة الوكيل لأن الثمن في يده، و الموكل لأن

ج 27، ص: 441

الشراء له و ما دفعه له لم يتشخص ثمنا هذا خلاصة ما حصلناه من كلماتهم.

لكن قد يقال إن من مقتضيات العقد استحقاق تسليم الثمن و المثمن من مباشرة سواء كان مالكا أو وليا شرعيا و لو وكيلا عليه، و على ما يقتضيه من القبض و الإقباض لا أنه وكيل على مجرد الصيغة، و يكون الإذن حينئذ مقدمة لتحقق العقد مقتضاه لأن المباشر له بها يكون متأهلا للمطالبة بالتسليم.

و من هنا يتسلط البائع أو المشتري على الخيار بامتناع الوكيل، عن التسلم و التسليم إذا كان وكيلا على ذلك و لا يسقط خيار البائع أو المشتري بامتناع الوكيل لأن الشراء انما هو للموكل، إذ هو و إن كان كذلك إلا أن ما ذكرناه من أحكام ولي العقد و توابعه.

و لا يتوهم أن لا يقتضي اختصاص المطالبة به ضرورة ثبوتها أيضا لمن كان الشراء له باعتبار ثبوت الحق عليه أيضا و لو لمباشرة و كيله، و من هنا يتجه التخيير الذي ذكره الشيخ في المحكي من مبسوطة.

بل قد يقال به أيضا فيما إذا كان الثمن عينا أيضا ضرورة عدم منافاة ذلك للمطالبة بتسلمها للوكيل الذي باشر العقد إذا لم تكن في يده أو للموكل كما هو واضح بأدنى تأمل، فلا تختص بمن كانت هي في يده ضرورة اقتضاء العقد التسليم كما عرفت بل مما ذكرنا يظهر لك ما في إطلاق جملة من عبارات الأصحاب، و أنها محتاجة إلى التقييد ببعض القيود التي لا تخفى على من أحاط بقواعد الفقه و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا طالب الوكيل فقال الذي عليه الحق لا تستحق المطالبة لم يلتفت إلى قوله ]

المسألة الثامنة إذا طالب الوكيل الثابتة وكالته بما وكل عليه فقال الذي عليه الحق: لا تستحق المطالبة لي و لم يذكر أزيد من ذلك لم يلتفت إلى قوله كما عن المبسوط و غيره لأنه مكذب لبينة الوكالة.

لكن في القواعد «على اشكال» و لعله مما عرفت، و من أعمية ذلك من التكذيب ضرورة إمكان كونه لإبراء أو لطرو عزل أو أداء إلى الموكل أو نحو ذلك، و قد يدفع بما في جامع المقاصد و المسالك بما حاصله أنه يكفى في سماعها عدم تحريرها بعد أن كانت مشتركة بين المسموعة و غير المسموعة فلا تعد دعوى شرعية تستحق الجواب.

ج 27، ص: 442

اللهم إلا يقال إن أن حجية قول المسلم و أصالة صحة دعواه و عموم البينة على المدعي و نحوه تقضي بالقبول حتى يعلم فسادها بتكذيب للبينة و نحوه و إلا فهي مقبولة يترتب عليها توجه اليمين و اقامة البينة و نحو ذلك و الله العالم.

و لو قال: عزلك الموكل سمعت بالبينة مثلا لأنها دعوى شرعية لكن لم يتوجه على الوكيل اليمين الا ان يدعى عليه العلم ضرورة أن العزل فعل الغير و اليمين عليه انما هو على نفي العلم به و كذا لو ادعى أن الموكل أبرأه من الحق أو أداه اليه كما هو واضح.

[المسألة التاسعة تقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له فيه ]

المسألة التاسعة لا خلاف بيننا بل و بين كافة المسلمين و لا إشكال في أنه تقبل شهادة الوكيل لموكله فيما لا ولاية له فيه كما تقبل عليه لعموم ما دل على قبول خبر العدل بخلاف ما هو وكيل فيه، فإنها لا تقبل فيه للتهمة كما عن الشيخ و الحلي و الفاضل و غيرهم التصريح به بل هو المشهور بل لم أجد فيه خلافا لها و كذا صرحوا أيضا بعدم قبول شهادته في جرح شهود المدعي على الموكل.

نعم لو عزل قبلت عندنا في الجميع و لو فيما له ولاية عليه لعدم التهمة حينئذ و عدم الخصومة فهو كما لو شهد قبل التوكيل في شمول أدلة القبول له و ما عن بعض العامة من عدم القبول بمجرد التوكيل واضح الضعف فلا إشكال حينئذ في القبول ما لم يكن أقام بها وردت للتهمة كما عن التحرير و غيره أو شرع في المنازعة التي هو وكيل فيها فلا تقبل حينئذ للتهمة بإرادة إظهار ما ادعي به و لتحقق الخصومة لكن قيده بعض الناس بما إذا جرى الأمر على التواصل.

و أما إذا طال الفصل فربما استظهر من كلام الفاضل في القواعد القبول، و في جامع المقاصد أنه محتمل و هو كذلك اللهم الا ان يدعى خروجه بذلك عن تأهل الشهادة و قبولها، و ان زالت التهمة و ارتفعت الخصومة، و بذلك يفرق بينه و بين الفاسق إذا عاد للعدالة، و الصبي إذا بلغ و الكافر إذا أسلم، فلا تقبل حينئذ شهادة الشريك لشريكه بعد ان ردت بذلك و لو صالح شريكه بعد ذلك على وجه صار الحق كله للشريك الآخر فتأمل جيدا، هذا.

ج 27، ص: 443

و لكن عن أبي علي قبول شهادة الوصي بمال اليتيم، بل عن كشف اللثام الميل إليه مؤيدا له بمكاتبة الصفار، و لعل الوكيل أولى فما عن الأخير من الجزم بعدم القبول فيه وصيلة إلى القبول في الوصي في غير محله، اللهم إلا أن يكون الوجه الجمود على مكاتبة الصفار.

و لعله لذا حكى عن الأردبيلي منع كون مطلق الوكالة و الولاية نفعا يمنع من شهادة العدل المقبول، و تبعه على ذلك صاحب الحدائق، لكنه كما ترى كالاجتهاد في مقابلة الإجماع، بل قد يشك في تناول الشهادة لمثله، ضرورة كونه شهادة له في الحقيقة و لو من حيث الوكالة و الولاية نحو شهادة المرتهن و شبهه، و تسمع الكلام فيه في محله إنشاء الله.

[المسألة العاشرة لو وكله بقبض دينه مثلا من غريم له فأقر الوكيل بالقبض و صدقه الغريم و أنكر الموكل فالقول قول الموكل ]

المسألة العاشرة: لو وكله بقبض دينه مثلا من غريم له فأقر الوكيل بالقبض و صدقه الغريم و أنه تلف من يده و أنكر الموكل القبض منه فالقول قول الموكل وفاقا للمبسوط و التذكرة و القواعد و غيرها، بل في شرح الصيمري نسبته الى فتوى الأصحاب إلا الفخر، لأن الدعوى انما هي بين المالك و الغريم، و لا نزاع بينه و بين الوكيل، و ليس في الأدلة ما يقتضي إلزام الموكل بإقرار الوكيل فيما وكل فيه مع عدم الخصومة معه، و ما تقدم في المسألة الثالثة من تقديم قول الوكيل انما هو مع كون التداعي معه.

و لكن مع ذلك قال في المتن فيه تردد و في القواعد على اشكال مما سمعت، و من نفوذ قول الوكيل على الموكل باعتبار كونه أمينه، و الفعل فعله، إلا أنه كما ترى لا دليل عليه إذا كانت الدعوى مع غيره، و تقديم قوله حيث تكون الدعوى معه لا يقتضي سقوط دعواه على الغير إذ لا يزيد تقديم قوله في ذلك على تقديم قوله في التلف بغرق أو حرق، مع أنه لا يسقط الدعوى من المالك على أجنبي بماله كما هو واضح، خصوصا إذا أعرض المالك من أول الأمر عن الدعوى مع الأمين، و خص الدعوى بالأجنبي، و خصوصا في مثل المقام الذي لا دعوى أصلا بين المالك و الوكيل، لعدم القبض منه بزعم المالك، و انما هي مختصة بينه و بين الغريم.

ج 27، ص: 444

و دعوى أن اعتراف الوكيل بذلك و ان لم تكن الخصومة معه مسقط لدعوى المالك المقتضية تكذيبه فيما ذكره، و قد نهى عن تهمته على وجه يراد منه عدم سماع التهمة في حقه و إن كانت تكذيبا خاصة بلا تغريم- ممنوعة على مدعيها كل المنع، بل لا ينبغي ان تصدر من فقيه ماهر، ضرورة عدم ما يقتضي أن إقرار الوكيل إقرار الموكل، بل في الأدلة ما يقتضي عدمه، خصوصا قاعدة الإقرار في حق الغير.

و تقديم قوله حال كون الخصومة معه، انما هو لكونه مؤتمنا، و صاحب يد على فعله، كتقديم قوله في التلف في الخصومة معه، لا لأن إقراره إقرار الوكيل، و الا لم تحتج الى اليمين كما هو واضح بأدنى تأمل، و النهي عن تهمته انما يراد منه تقديم قوله في التداعي معه، و لو بما يقتضي تكذيبه، فضلا عن اتهامه، لا أن المراد منه عدم تكذيبه و لو بالدعوى على الغير المقتضية لذلك.

و حينئذ فإذا حلف المالك على بقاء حقه في ذمة الغريم أخذه، و لا رجوع للغريم على الوكيل مع تلف المال في يده بغير تفريط، لكونه ظالما بزعمه في أخذه منه، و لا رجوع له بالظلم. هذا كله في مفروض المسألة.

أما لو أمره ببيع سلعة مثلا و تسليمها و قبض ثمنها فتلف الثمن من غير تفريط على دعوى الوكيل فأقر الوكيل بالقبض، و صدقه المشتري، و أنكر الموكل فالقول قول الوكيل هنا بلا خلاف أجده فيه.

بل في شرح الصيمري اتفاق الفتاوى عليه لأن الدعوى هنا على الوكيل من حيث أنه سلم المبيع و لم يتسلم الثمن فكأنه يدعي الموكل ما يوجب الضمان على الوكيل باعتبار تفريطه بذلك، و الأصل براءة ذمته مع أنه أمين بالنسبة إليه، و قوله مقبول فيما اؤتمن عليه و هناك أي في المسألة الأولى الدعوى على الغريم دون الوكيل.

و لكن مع ذلك قال المصنف و تبعه غيره و في الفرق نظر لان الاختلاف في المقامين في فعل الوكيل فمع فرض كون قوله مقبولا فيه ينبغي عدم سماع دعوى المالك في المقامين

ج 27، ص: 445

و إلا قبلت فيهما، و قد عرفت أن الأشبه عند المصنف في المسألة الثالثة الأول، بل قد عرفت أنه تردد في قبول قول الموكل و حينئذ يكون نظره رجوع الاولى إلى الثانية في الحكم كما عن فخر المحققين لا العكس إلا أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا في المسألة الثالثة و هنا تحقيق الحال.

و نزيده وضوحا بأن الدعوى متى كانت من الموكل على الوكيل لإرادة تغريمه مثلا فالقول قول الوكيل لأنه أمينه و الفعل فعله، و متى كانت على أجنبي لم يكن إقرار الوكيل مؤثرا في عدم سماعها بل تبقى على حكم سائر الدعاوي ففي مثل المقام للمالك توجيه الدعوى على كل منهما، فإذا أعرض عن الوكيل، و وجه الدعوى على المشتري و طالبه بالثمن كان له ذلك بعد يمينه أنه باق في ذمة المشتري، و لا يكون إقرار الوكيل بالقبض مسقطا للدعوى، بعد ان لم تكن الخصومة معه.

و لو طالب الوكيل من حيث دعوى ضمانه للثمن بتسليم المبيع قبل تسليم الثمن المفروض عدم إذنه فيه كان القول قول الوكيل هنا للأدلة التي سمعتها في المسألة الثالثة و في المقام.

بل الأقوى في النظر عدم سقوط الدعوى عن المشتري مع ذلك، خلافا للتذكرة و المسالك و غيرهما إذ لم يفد تقديم قوله على قول المالك بيمينه الا عدم ضمان الوكيل و سقوط الدعوى بالنسبة إليه خاصة لا أنه وصول للثمن واقعا على وجه يسقط الدعوى عن المشتري ضرورة مساواة تقديم قوله هنا لتقديم قوله في التلف المعلوم عدم اقتضائه سقوط الدعوى لو أرادها بعد ذلك على أجنبي كما قدمناه سابقا هذا كله في الدعوى عليهما و بدء بالوكيل.

أما إذا كانت الدعوى مختصة من الأصل بغير الوكيل كما في قبض الدين من الغريم و نحوه أو كانت مشتركة و لكن أعرض عن الوكيل، و وجه الدعوى على الغير فلا وجه لسقوط الدعوى باعتراف الوكيل الذي لم تكن خصومة بين الموكل و بينه.

ج 27، ص: 446

و بذلك كله ظهر لك ما في كلام المصنف و من تأخر عنه كالفاضل و ولده و المحقق الثاني و الشهيد الثاني و الصيمري و العلامة الطباطبائي و إن أطنب رحمه الله في مصابيحه بذكر كلام جميع من تعرض للمسألة، اللهم إلا أن يتكلف رجوع بعض كلماتهم إلى ما ذكرنا، و الأصل في هذه المسألة ما في محكي المبسوط، و هو مع التأمل كالصريح فيما قلناه في تحقيق المسألة.

قال: «إذا وكل رجل رجلا في قبض دين له على غيره، فادعى الوكيل أنه قبضه منه و سلمه إليه، أو قال: تلف في يدي، و صدقه من عليه الدين، و قال الموكل لم يقبضه منه، قال قوم: إن القول قول الموكل مع يمينه و لا يقبل قول الوكيل و لا المدين إلا ببينة، لأن الموكل يدعى المال على المدين دون الوكيل لأنه يقول أنا لا أستحق عليك شيئا، لأنك لم تقبض المال، و إنما مالي باق على المدين، و لهذا إذا حلف طالب الذي عليه الدين و لا يثبت بيمينه على الوكيل شيئا فإذا كان كذلك كان بمنزلة أن يدعي من عليه الحق دفع المال إليه، و هو ينكر، فالقول قوله، و كذلك هيهنا و هذا أقوى.

و إذا وكله بالبيع و التسليم و قبض الثمن فباعه، و سلم المبيع فادعى قبض الثمن و تلفه في يده أو ادعى دفعه إليه، فأنكر الموكل أن يكون قبضه من المشتري كان القول قول الوكيل مع يمينه لأن الأصل أنه أمين، و أنه لا ضمان عليه.

و يخالف المسألة الأولى، لأن المدعى عليه فيها هو الذي عليه الدين، و هو الخصم فيه، و إذا جعلنا القول قول الموكل في المسألة الأولى لم توجب على الوكيل غرامة، و في المسألة الثانية توجب غرامة، فجعلنا القول قول الوكيل في الثانية» و تبعه غيره في ذلك.

و هو بعد تهذيبه يرجع إلى ما ذكرنا فلاحظ و تأمل جيدا لتعرف الحكم في جميع موارد المسألة التي منها ما لو وكله على طلاق زوجة مثلا فقال الوكيل طلقت و ادعى الموكل على الزوجة عدم ذلك، كان القول قوله، لأن الدعوى بينه و بين

ج 27، ص: 447

الزوجة، و الوكيل لا دعوى عليه، و كذا الوكالة في العتق.

أما لو كان وكيلا على القرض فقال: استقرضت لك ألفا مثلا و تلفت، أو أنفقتها فيما وكلتني فيه أيضا، و لم يكن هناك ثالث تكون الدعوى بين الموكل و بينه كان القول قول الوكيل و لو بعد عزله عن الوكالة، لأنه أمينه و هكذا.

نعم بقي شي ء هل للموكل الدعوى على الأجنبي مع اخبار الوكيل بالقبض منه أو الطلاق أو العتق بأصالة العدم و نحوها و ان احتمل صدقه، أو لا بد في ذلك من العلم بتكذيب الوكيل، قد يظهر من المحكي من بعض كلمات الأردبيلي الثاني، و يحتمل الأول لعدم ما يدل على وجوب قبول خبره فيما اؤتمن عليه في غير مقام التداعي معه، و إن كان له التناول باخباره و التصرف فيما يأتيه له بعنوان الوكالة و لكن لا ريب في أن الأحوط الثاني و الله العالم.

و كيف كان ف لو ظهر في المبيع عيب رده على الوكيل دون الموكل لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه و إن سقط مطالبته به للوكيل بدعواه أنه قبضه و تلف منه مع يمينه، بل و المشتري بناء على أن ذلك يقتضي سقوط الحق عنه لاتحاده إلا أن هذا السقوط لا يقتضي الوصول إليه، و لو بقبض الوكيل، الا أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة أن المال مال الموكل، لأن الفرض علم المشتري بذلك، و وصول الثمن اليه و عدمه لا مدخل له في ذلك، بل قد لا يجوز له رده على الوكيل إذا لم يكن وكيلا على قبضه على تقدير رده بالعيب.

و حينئذ فقول المصنف- و لو قيل: برد المعيب على الموكل كان أشبه و الفاضل في القواعد أقرب و الفخر في محكي الإيضاح أصح، و ثاني الشهيدين في المسالك أقوى- في غير محله، لعدم وجه لاحتمال المنع، بل المحكي من عبارة المبسوط خال عن ذلك.

قال: «إذا وكل رجلا في بيع ماله و قبض ثمنه فادعى أنه قبض الثمن و تلف في يده أو دفعه اليه، و صدقه المشتري على ذلك، و قال الموكل ما قبضه الوكيل كان

ج 27، ص: 448

القول قول الوكيل على أصح الوجهين، فإذا حلف برء، فإذا وجد المشتري بالمبيع عيبا كان له رده بالعيب، فإن أقام البينة على

أنه دفع ثمنه إلى الموكل أو الوكيل كان له رد المبيع على أيهما شاء و مطالبته بالثمن، و إن لم تكن بينة لم يكن له مطالبة الموكل بالثمن ورد المبيع عليه، لانه ما أقر بقبض الثمن منه، و ليس للوكيل مطالبة الموكل و يكون القول قول الموكل مع يمينه أنه لا يعلم أنه قبض الثمن من المشتري فإذا حلف لم يكن له مطالبته إلا أن يقيم بينة على ما يدعيه من قبض الثمن من المشتري و تلفه في يده أو دفعه إليه».

و هو كما ترى ظاهر أو صريح في الرد من دون مطالبة بالثمن، و أما ما ذكره من التخيير في المطالبة بالثمن مع البينة، فلعله لاقتضاء الفسخ عنده تسليم الثمن على نحو اقتضاء العقد، بخلاف ما إذا لم تكن بينة، فإنه ليس له إلا الرد على الموكل و إن سقطت المطالبة بالثمن على الوكيل و المشتري، أما المشتري فلما عرفت، و أما الوكيل فلاعترافه بوكالته و تلف الثمن في يده.

نعم له أخذ العين باطنا- أي إذا لم يعلم منه الفسخ- مقاصة عن ثمنه مع دفع الزائد إن كان للمالك و التوصل اليه من مال الموكل و غير ذلك مع فرض النقصان هذا.

و لكن في التذكرة «فإذا حلف الوكيل أنه قبض و تلف الثمن في يده و قلنا ببراءة المشتري، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا، فان رد على الموكل و غرمه الثمن لم يكن له الرجوع على الوكيل لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا و إن رد على الوكيل و غرمه لم يرجع على الموكل، و القول قوله مع يمينه في أنه لم يأخذ منه شيئا، و لو خرج المبيع مستحقا رجع المشتري بالثمن على الوكيل، لأنه دفعه إليه و لا رجوع له على الموكل».

و فيه مالا يخفى من عدم جواز رجوعه على الوكيل في الأول بعد اعترافه بوكالته و تلف المال في يده، و أما رجوعه على الموكل فهو مبني على وصول ذلك إليه

ج 27، ص: 449

بإقرار الوكيل بناء على أنه كالبينة بالنسبة إلى ذلك.

لكن على هذا ينبغي أن يكون له الرجوع عليه في الثاني، أو يختص به بناء على أن قبض الوكيل في الظاهر قبض للموكل، كما في القواعد الجزم به، فإنه بعد ان ذكر فيها أنه لو تلف المبيع في يد الوكيل بعد أن خرج مستحقا طالب المستحق البائع أو الوكيل أو الموكل الجاهلين و يستقر الضمان على البائع، و هل للوكيل الرجوع على الموكل؟ اشكال قال: «و لو قبض وكيل البيع الثمن و تلف في يده فخرج المبيع مستحقا رجع المشتري على الوكيل مع جهله، أي بالوكالة و يستقر الضمان على الموكل، و إلا فعليه» و إن كان كلامه فيها أيضا لا يخلو من نظر، ضرورة منافاة الإشكال لما ذكره أولا من الرجوع على الثلاثة الذي لا وجه له في الموكل إلا دعوى سببية القبض من الوكيل الضمان عليه باعتبار أنه قبض له لانه وكيل عنه على قبض المبيع في الظاهر.

بل قد يتوهم من ذلك اختصاصه بالموكل بعد العلم بكون القبض وكالة، كما هو مقتضى كلامه الأخير، و إن كان التحقيق خلافه إذ الظاهر سببية القبض لضمانهما معا بعد فرض كونه وكيلا عنه في قبض ما هو مبيع ظاهرا لانه و إن كان قبضه قبض الموكل، إلا أنه لا ينافي الرجوع عليه

بعموم (1)«على اليد»

و إن كان هو يرجع على الموكل.

و بذلك يظهر أنه لا وجه لاختصاص الضمان بالموكل في الأخير مع العلم بالوكالة إذ هو كرجوع مستحق المبيع على الثلاثة و إن علم بأن الوكيل قد قبض على جهة الوكالة فتأمل جيدا فإن المسألة لا تخلو من دقة و الله العالم بحقائق أحكامه و الحمد لله أولا و آخرا.


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 27، ص: 450

هذا آخر كتاب الوكالة من جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام و نسأل الله بمحمد و آله الإعانة على إكماله و إتمامه و الحمد لله و صلى الله على خير خلقه محمد و آله الطاهرين.

إلى هنا تم الجزء السابع و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه.

و يتلوه الجزء الثامن و العشرون في أحكام الوقوف و الصدقات إنشاء الله تعالى.

على الآخوندى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.