جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد26

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج26، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[كتاب الحجر]

اشارة

ج26، ص: 2

ج26، ص: 3

كتاب الحجر

[تعريف الحجر]

الحجر مثلثا لغة هو المنع و التضييق و منه سمى الحرام حجرا لما فيه المنع قال الله تعالى (1)«وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً، أي حراما محرما و سمى العقل حجرا، لانه يمنع صاحبه من ارتكاب القبيح و ما تضر عاقبته، قال الله تعالى (2)«هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ».

و المحجور شرعا هو الممنوع عند الشرع من التصرف في ماله و لو البعض، إذ هو مفرد مضاف لا يدل على العموم، و كذا لفظ التصرف، و لكن يصلح له إن أريد به، فيشمل حينئذ المريض الممنوع من بعض ماله، و الصبي و المجنون، و العبد بناء على ملكه و الحجر عليه كما مال اليه المصنف سابقا.

و حينئذ فلا يرد ما قيل: من أنه أراد جميع المال خرج المريض، و إن أراد بعضه خرج الصبي و المجنون، و إن العبد لا يملك شيئا فلا يدخل في التعريف، فلا معنى لذكر الرق من

الأسباب، و ان أحدا لا يمنع من التصرف في ماله بالأكل و الشرب و نحو هما من الأمور الاضطرارية، إذ قد عرفت أنه ليس في التعريف ما يدل على التعميم و التخصيص، بل من صدق عليه المنع في ماله على أي وجه كان فهو محجور عليه، و دخول العبد مبني على ما ذهب اليه المصنف كما عرفت.

نعم في المسالك «ربما ينتقض في طرده بالممنوع من التصرف فيه لغصب و نحوه فإنه لا يسمى محجورا عليه شرعا فلو أضاف إليه ما يدل على المنع الشرعي كان حسنا»


1- 1 سورة الفرقان الآية- 23.
2- 2 سورة الفجر الآية- 5-.

ج 26، ص: 4

و فيه- بعد سهولة الأمر في نحو هذه التعريفات كما أوضحناه غير مرة، و لذا تجوز و عرف الفلس بهذا التعريف مع أنه أخص من الحجر- وضوح إرادة المنع الشرعي من الممنوع فيه، و الأمر سهل.

و كيف كان فتمام النظر في هذا الباب يستدعي فصلين:

[الفصل الأول في موجبات الحجر]

اشارة

الأول في موجباته و هي كثيرة متفرقة في تضاعيف الأبواب كالرهن، و البيع، و المكاتبة، و المرتد، و غير ذلك، لكن التي جرت عادة الفقهاء بالبحث عنها و عقد كتاب لها ستة: الصغر، و الجنون، و الرق، و المرض، و الفلس، و السفه و لعل مرجع الصور إلى قسمين:

من يحجر عليه لحق نفسه، و من يحجر عليه لحق غيره، فالأول الصبي و المجنون و السفيه، و الثاني الباقي.

ثم الحجر إما عام في سائر التصرفات، أو خاص ببعضها، و الأول إما أن يكون ذا غاية يزول سببه فيها أو لا و الأول الصغر، و الثاني الجنون، و الخاص إما أن يكون فيه مقصورا على مصلحة المحجور أو لا، و الأول السفه، و الثاني إما أن يكون موقوفا على حكم الحاكم أو لا، و الأول الفلس، و الثاني المرض، و باقي الأسباب تعرف بالمقايسة، و الأمر في هذا سهل. إنما الكلام في تفصيل البحث فيها و قد تقدم الكلام في الرق و الفلس.

[أما الصغير محجور عليه ما لم يحصل له وصفان ]
اشارة

أما الصغير فمحجور عليه، ما لم يحصل له وصفان: البلوغ و الرشد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل الكتاب و السنة دالان عليه أيضا، و المراد بالأول الذي هو في اللغة الإدراك بلوغ الحلم، و الوصول إلى حد النكاح بسبب تكون المني في البدن، و تحرك الشهوة و النزوع إلى الجماع، و إنزال الماء الدافق الذي هو مبدأ خلق الإنسان بمقتضى الحكمة الربانية فيه و في غيره من الحيوان لبقاء النوع، فهو حينئذ كمال طبيعي للإنسان يبقى به النسل، و يقوى معه العقل، و هو حال انتقال الأطفال إلى حد الكمال و البلوغ مبالغ النساء و الرجال.

و من هنا إذا اتفق الاحتلام في الوقت المحتمل حصل به البلوغ و لم يتوقف على بيان الشارع، فإن البلوغ من الأمور الطبيعية المعروفة في اللغة و العرف، و ليس من الموضوعات الشرعية التي لا تعلم إلا من جهة الشرع كألفاظ العبادات، بل قد ذكر أهل

ج 26، ص: 5

اللغة في ترتيب أحوال الإنسان و أن له بكل حال اسما مخصوصا في الرجال و النساء من أول الخلقة التي يسمى به جنينا إلى حال الشيخوخة في الرجال، و القلع و الطلطا في النساء.

و على كل حال فلا يخفى على من لاحظ كلماتهم ان من المعلوم لغة كالعرف كون الغلام متى احتلم بلغ و أدرك، و خرج عن حد الطفولية و دخل في حد الرجولية و كذا الجارية إذا أدركت و اعصرت فإنها تكون امرأة، كغيرها من النساء نعم يرجع إلى الشرع في مبدء السن الذي يحصل به البلوغ مثلا إذا حصل فيه الاشتباه، بخلاف الاحتلام و الحيض و الحمل و نحوها مما لا ريب في صدق البلوغ معها لغة و عرفا، و لو للتلازم بينها.

أما الأمور المقارنة له في العادة غالبا كقوة التمييز و غلظ الصوت و شق الغضروف و نتو الحنجرة و نهود الثدي و نحو ذلك، فأقصاها افادة الظن بحصوله، لعدم ثبوت التلازم المورث للقطع، و لا دليل على اعتباره في المصداق، بل الدليل على خلافه قائم، و دعوى أنها كإنبات الشعر الخشن على العانة- يدفعها أن الفارق بينهما الدليل.

[الوصف الأول البلوغ ]
اشارة

و كيف كان فلا ريب في أنه يعلم بلوغه أي الصغير بإنبات الشعر الخشن على العانة التي هي حول الذكر و القبل سواء كان مسلما أو مشركا خلافا للشافعي في أحد قوليه، ففي حق الكفار خاصة لكونه علامة مكتسبة تستعجل بالمعالجة، و إنما اعتبرت في الكفار لانتفاء التهمة بالاستعجال في حقهم، و لأنه لا طريق إلى معرفة بلوغهم سوى ذلك بخلاف المسلمين، لجواز الرجوع إليهم في معرفة البلوغ و الجميع كما ترى، إذ الاستعجال قائم في الفريقين، و كذا الحاجة إلى هذه العلامة، فإن الاحتلام و السن كثيرا ما يشتبه الأمر فيهما بخلافها، مضافا إلى ما ستعرفه من إطلاق الأدلة، و لذا اتفاق أصحابنا ظاهرا على خلافه.

نعم ربما نسب ذلك إلى الشيخ و لم نتحققه، بل قال في الخلاف: «الإنبات دليل على بلوغ المسلمين و المشركين بإجماع الفرقة» و في التذكرة «نبات هذا الشعر دليل على البلوغ في حق المسلمين و الكفار عند علمائنا، و به قال مالك و أحمد و الشافعي في

ج 26، ص: 6

أحد قوليه» و قال أبو حنيفة «إنه لا اعتداد بالإنبات مطلقا، لأنه كغيره من الشعر، الرأس و البدن».

و يدل عليه- مضافا إلى ما عرفت مؤيدا بالعادة- الأخبار المروية من الطرفين ف

من طريق الجمهور ما روي (1)«أن سعد بن معاذ لما حكم على قريظة كان يكشف عن عورات

المراهقين، و من أنبت منهم قتل، و من لم ينبت جعل في الذراري».

و ما

روى عن عطية القرضي (2)«قال»: عرضنا على رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم قريظة، و كان من أنبت قتل، و من لم ينبت خلى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلي».

و من طريق الأصحاب

خبر أبي البختري (3)«عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) عرضهم يومئذ على العانات، فمن وجده قتله، و من لم يجده أنبت، ألحقه بالذراري».

و ما

في خبر حمزة بن حمران (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من أن الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشر سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت»

و ما

في خبر يزيد الكناسي (5)«أن الغلام إذا زوجه أبوه و لم يدرك كان الخيار له إذا أدرك و بلغ خمس عشر سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته».

و في المحكي

عن تفسير علي بن إبراهيم (6)في قوله تعالى «وَ ابْتَلُوا» إلى آخره «قال: و من كان بيده مال بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح و يحتلم- إلى أن قال- و إن كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ فإنه يمتحن بريح إبطه أو


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 58.
2- 2 المستدرك ج- 1- ص- 7.
3- 3 الوسائل الباب- 65- من أبواب جهاد العدو الحديث- 2- و الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 8.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمات العبادات الحديث- 2.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث- 9.
6- 6 المستدرك ج- 2- ص 496.

ج 26، ص: 7

نبت عانته، فإن كان ذلك فقد بلغ»

بناء على أن الضمير في قوله- قال- راجع الى الصادق (عليه السلام) المذكور في الآية السابقة كما عن الصافي (1)روايته عنه مسندا إليه و لعله وجده كذلك فيما وصل اليه من النسخ، و إلا كان من كلامه على عادة القدماء، و هو و إن لم يكن حجة لكنه لا يخلو من تأييد، و على كل حال فلا ينبغي التوقف في أصل الحكم.

نعم قد يشكل عمومه للإناث بظهور النصوص في الذكور خاصة، بل قد يظهر من بعض الأصحاب اختصاصها بهم و ان لم يعرف نقل الخلاف في ذلك، لكن قد عرفت العموم في معقد إجماعي الخلاف و التذكرة، بل صرحا به و إن لم يكن

في العقد المزبور مؤيدا بتتبع أكثر العبارات و بأن الإنبات أمارة طبيعية اعتبرها الشارع لكشفه عن تحقق الإدراك فلا يختلف، و بقضاء العادة بتأخر إنبات هذا الشعر عن تسع سنين بكثير و لعل ذلك هو السبب في ترك التعرض له في النصوص، لندرة الاحتياج اليه فيهن كالاحتلام.

و انما اعتبر الأصحاب الخشونة مع عدم التقييد به في النصوص لمعلومة عدم اعتبار الزغب و الشعر الضعيف الذي قد يوجد في الصغر، و لأن الخشن هو المعهود في اختبار البلوغ فيحمل عليه الإطلاق لوجوب صرفه إلى المعهود.

و التقييد بالعانة لإخراج سائر الشعور فلا يكون دليلا على البلوغ، و في المسالك «لا عبرة بها عندنا، و ان كان الأغلب تأخرها عن البلوغ، إذ لم يثبت كون ذلك دليلا شرعا خلافا لبعض العامة» قلت: هو قواه في صوم الروضة فقال: «و في إلحاق اخضرار الشارب و نبات اللحية بالعانة قول قوي» و قال الشيخ في المبسوط في كتاب الحجر:

«لا خلاف أن نبات اللحية لا يحكم بمجرده بالبلوغ، و كذلك سائر الشعور، و في الناس من قال إنه علم على البلوغ و هو الأولى، لأنه لم تجر العادة بخروج اللحية من غير بلوغ» و في كتاب الصوم «و حده- أي البلوغ- الاحتلام في الرجل، و الحيض في النساء، و الإنبات و الإشعار» إلى آخره.


1- 1 تفسير الصافي ج 1 ص 332 طبع إسلامية 1393.

ج 26، ص: 8

و في النهاية «و حد بلوغ الصبي إما بأن يحتلم أو يكمل عقله أو يشعر» و عن ابن البراج في المهذب «و حد بلوغ الغلام احتلامه أو كمال عقله أو يشعر» و في التحرير «الأقرب أن إنبات اللحية دليل على البلوغ، أما باقي الشعور فلا» و حكى في التذكرة عن الشافعية وجهين في إلحاق اللحية و الشارب بالعانة، أحدهما الإلحاق ثم قال: «و لا بأس به عندي بناء على العادة القاضية بتأخر ذلك عن البلوغ، بل هو لا يخلو من قوة للعادة، و للخبرين السابقين الذين لا يقصر سندهما عن حجية اخبار الآحاد، فينقطع الأصل حينئذ بهما.

و أما ما قيل- من أنه لو كان علامة لاستغنى بها عن اختبار شعر العانة، بل لم يجز الكشف عنها- فضعفه ظاهر، ضرورة خروج العانة عن العورة أولا، و عدم الاستغناء عنها لتقدم نباتها على اللحية و الشارب، بل يقوى إلحاق العذار و العارض و العنفقة و نحوها بهما، لعموم المستند، إلا أن ظاهر باقي الأصحاب الاختصاص بالعانة، بل هو صريح بعضهم، و لذا اقتصروا عليها في العلامات، و يمكن أن يكون ذلك منهم لتأخر نباتهما عن البلوغ عادة بكثير، و مدارهم على ذلك العلامات النافعة عند الاشتباه، لا حال معلومية البلوغ الحاصلة غالبا نباتهما بحيث لا يحتاج إلى استناد العلامات، و خرق العادات لا ينافي الاطمئنان المعتبر في الأحكام الشرعية.

نعم لا عبرة بسائر الشعور عدا ما عرفت في ظاهر كلام الأصحاب، للأصل و عمومات الكتاب و السنة من غير معارض يعتد به، و في التذكرة «و لا اعتبار بشعر الإبط عندنا، و للشافعي فيه وجهان» و من ذلك يعلم شذوذ ما في بعض الاخبار من عد شعر الإبط من العلامات، و إلا فنصوص الاشعار خاصة يمكن حملها على الإنبات خاصة، أو مع غيره مما عرفت من اللحية و الشارب و نحوها.

و كيف كان فقد استفيد من المتن هنا و الصوم و النافع في المقام كونه بلوغا لا دليلا على سبقه كالحمل، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى صلاة التهذيب، و صوم المبسوط و حدوده، و وصايا النهاية و المهذب، و خمس الوسيلة، و صوم السرائر، و وصاياها، و كشف الرموز، و صوم الجامع، و حجره، و جهاد المنتهى، و التذكرة، و صوم التحرير

ج 26، ص: 9

و حجره و حجر الإرشاد و التبصرة، و صوم اللمعة و الروضة، و مجمع البيان و جامع الجوامع، و الغنية و كنز العرفان و الجعفرية، بل في الغنية و ظاهر حدود المبسوط و مجمع البيان و نوادر قضاء السرائر و كشف الرموز و كنز العرفان و صوم المسالك الإجماع عليه.

لكن لم أتحقق كثيرا من نسب إليهم ذلك، و انما في كثير منها ظهور بل اشعار لا يثق به الفقيه، لأنهم ليسوا بصدد بيان ذلك، على أن جملة منها كالمبسوط و التذكرة و التحرير و المسالك قد صرحت في مقام آخر بأنه دليل لا بلوغ، و منه يعلم عدم الوثوق بتلك الإشعارات، و أنها لم تسق لبيان ذلك، بل عنون بعضهم البحث بمثل هذه العبارات التي ادعي ظهورها في البلوغ، ثم صرح بعد ذلك بأنه دليل لا بلوغ، فعلم عدم إرادتهم من أمثال تلك العبارات ذلك.

و يؤيده أن العلامة الطباطبائي على شدة تتبعه في المسألة حتى أنه حكى عبارات القوم بالفاظها على طولها و نقر في كل واحدة منها قد اعترف بأنه لم يجد بهذا القول مصرحا من الأصحاب، قال: و إنما حكاه العلامة في التذكرة عن الشافعي في أحد وجهيه، لكنه ظاهر ابن حمزة و ابن إدريس و المحقق بل يؤيد أيضا أنه في المسالك نسب القول بكونه دليلا إلى المشهور، و لو صحت النسبة المزبورة كان الأمر بالعكس، لانه نسب القول الثاني أي أنه دليل لا بلوغ في الكتاب المزبور إلى حجر المبسوط، و الخلاف، و حجر التذكرة، و كشف الحق، و جامع المقاصد، و المسالك، و ظاهر الإيضاح، و لا ريب في أن الشهرة حينئذ بالعكس، و من الغريب دعواه أن الشيخ في الخلاف ادعى الإجماع عليه، و من لاحظ عبارة الخلاف قطع بأنه ليس في صدد ذلك، و إنما بحثه مع الشافعي.

و كيف كان فلا ريب أن الأقوى كونه دليلا لا بلوغا قيل: «لتعليق الأحكام في الكتاب و السنة على الاحتلام و لأن البلوغ غير مكتسب، و الإنبات قد يكتسب بالمعالجة» و فيهما نظر واضح، و الأولى الاستدلال بأنه تدريجي الحصول، و البلوغ لا يكون كذلك، و عدم معلومية أول آنات تحقق الشعر الخشن، و قضاء العادة بتأخره عنه،

ج 26، ص: 10

و كذلك الكلام فيما الحق به من الشعر، و تظهر فائدة الخلاف في قضاء ما يجب قضاؤه من العبادات، و في نفاذ إقراره و تصرفاته المتقدمة على الاختبار بزمان يعلم عدم تأخر بلوغه عنه و الله اعلم.

و كذا يعلم البلوغ ب خروج المني الذي يكون منه الولد من الموضع المعتاد كيف كان بلا خلاف من المسلمين، فضلا عن المؤمنين، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الكتاب و السنة المستفيضة قال الله تعالى (1)«وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا»(2)«وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ»(3)«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن سالم (4)«انقطاع يتم اليتيم الاحتلام، و هو أشده»

و قال في موثق ابن سنان (5)«سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ قال: الاحتلام».

و في النبوي (6)الذي رواه المخالف و المؤالف بل عن ابن إدريس أنه مجمع على روايته «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى ينتبه»

و في المحكي

عن الخصال (7)انه روى بإسناده عن ابن ظبيان «قال أتي عمر بمجنونة قد زنت فأمر برجمها، فقال علي (عليه السلام): أما علمت أن القلم يرفع عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم، و عن المجنون حتى يفيق، و عن النائم حتى يستيقظ».

و على كل حال فهو حديث مشهور رواه الفريقان و ذكره أصحابنا في كتب الفروع و الإمامة في مطاعن الثلاثة و

في الفقيه عن حماد بن عمر و انس بن محمد عن أبيه جميعا


1- 1 سورة النور الآية- 59.
2- 2 سورة النساء الآية- 6.
3- 3 سورة الإسراء الآية- 36.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب الحجر الحديث- 1.
5- 5 الخصال ج 1 ص 8 الوسائل الباب- 44 من أبواب الوصايا الحديث- 8.
6- 6 مستطرفات السرائر سنن البيهقي ج 6 ص 57.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 11.

ج 26، ص: 11

عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (1)«يا علي لا يتم بعد احتلام»

و في المصابيح رواه الشيخ في المبسوط و غيره، و هو أيضا من الأحاديث المشهورة المتلقاة بالقبول و

المرسل فيه (2)أيضا «على الصبي إذا احتلم الصيام، و على المرأة إذا حاضت الصيام»

و

خبر طلحة بن يزيد(3)عن الصادق عليه السلام «إن أولاد المسلمين الموسومون عند الله بشافع و

مشفع فإذا بلغوا اثنى عشر كتبت لهم الحسنات، فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات»

، و

خبر(4)علي بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الاسناد «سألته عن اليتيم متى ينقطع يتمه قال: إذا احتلم و عرف الأخذ و الإعطاء»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يقدح تعبيرها بالاحتلام كبعض الأصحاب، للقطع بعدم إرادة خصوصية بل قيل المراد منه هنا خروج المني مطلقا، سواء كان في النوم أو اليقظة، و ليس المراد منه معناه اللغوي الذي هو الرؤية في المنام، فإنه قد يتحقق بدون خروج المني كما أن خروج المني ربما يتحقق بدونه، و العبرة حينئذ في البلوغ بالخروج دون الرؤية.

و لعله لذا جعل الحمل دليلا على سبقه في الأنثى، لكونه مسبوقا بالإنزال، و قد سمعت قول الله تعالى (5)«حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» فإنه لو كان الاعتبار بالاحتلام لزم أن لا يتحقق البلوغ في الرجال ما لم يتحقق الاحتلام، و إن نكحوا و أولدوا و هو واضح البطلان، بل قد يقوى كون العلامة الاستعداد لخروج المني بالقوة القريبة من الفعل، و ذلك بتحريك الطبيعة و الإحساس بالشهوة سواء انفصل المني معه عن الموضع المعتاد أو لم ينفصل، لكن بحيث لو أراد ذلك بالوطي أو الاستمناء تيسر له ذلك.

و كونه شرطا في الغسل لا يقضى بكونه كذلك في البلوغ ضرورة دوران الأمر في الأول على الحديثة المتوقف صدقها و لو شرعا على الخروج، بخلاف الثاني الذي


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 6.
5- 5 سورة النساء الآية- 6-.

ج 26، ص: 12

هو أمر طبيعي لا يختلف بظهور الانفصال و عدمه، خصوصا مع تهيؤ النطفة للانعقاد، بل تكون الولد في الأنثى لا يكاد يتحقق معه الخروج إلى خارج، بل عن المفسرين أن المراد بقوله تعالى (1)«بَلَغُوا النِّكاحَ» شهوة النكاح و الوطء و القدرة على الإنزال، بل قد عرفت سابقا أن البلوغ من موضوعات الأحكام الشرعية التي مرجعها العرف و العادة، و مثل هذا لا شك في كونه بالغا فيهما، و إنما يتعين الرجوع إلى الشرع في تحديد الموضوعات مع الشك، دون اليقين الذي قد عرفت حصوله في المقام، و قد أومأنا سابقا إلى أن البلوغ حال في الإنسان بل مطلق الحيوان يخرج بها من حد الطفولية إلى غيرها، و انها ينبعث عنها خروج المني و نحوه، و إن لم يجعل خروج المني علامة على سبقه، لاحتمال مقارنة خروجه لتلك الحالة، فالمدار عليها لا عليه، فمتى علم حصولها تحقق البلوغ و ان لم يحصل الخروج الحسي.

لكن في عبارات الأصحاب اشتباه على غير المحصل، إذ المصنف و الفاضل و غير هما قيدوا خروج المني بكونه من الموضع المعتاد،

و قال ثاني الشهيدين: «انما اعتبر ذلك مع إطلاق الأدلة لوجوب حمل كلام الشارع على ما هو المعهود المتعارف، خصوصا و في بعضها بلوغ النكاح، و إنما يكون من المعتاد، فلو خرج من جرح و نحوه لم يعتد به، و الجميع موهم اعتبار ذلك فيه كالغسل» لكن قد عرفت التحقيق فلاحظ و تأمل كما أنه قد يتوهم من المتن و نحوه اعتبار تكون الولد منه، فلا عبرة بالذي لا يتكون منه.

بل في المسالك نسبة هذا الفهم من العبارة إلى جماعة قال: «و في حاشية الشهيد على القواعد نقلا عن بعض العلماء يعلم المني الذي منه الولد مما ليس منه بأن يوضع في الماء فإن طفي فليس، و إن رسب فمنه الولد،» و لا يخفى عليك فساد هذا التوهم ضرورة كون المعتبرة مطلق خروج المني، للإطلاق فتكون الصفة في عبارة المتن و غيره كاشفة باعتبار إرادة المنشأية، فلا يقدح تخلف التكون من بعض الافراد، بل لعل المراد التخلف من صنفه فلا يقدح عدمه في بعض الأشخاص كما هو واضح لا يحتاج


1- 1 سورة النساء الآية- 6-.

ج 26، ص: 13

الى إطناب.

نعم يشترط في خروج المني كونه في الوقت المحتمل للبلوغ، فلا عبرة بما ينفصل بصفته قبل ذلك، كما صرح به بعض الأساطين، بل في التذكرة «البلوغ منوط بخروج المني مع إمكانه باستكمال تسع سنين مطلقا عند الشافعي، و عندنا في المرأة خاصة، و أما في جانب الذكر فما وقفت له على حد لأصحابنا- إلى أن قال- لأن في النساء حدة في الطبيعة و تسارعا إلى الإدراك» و في المسالك «و حد الإمكان عندنا في جانب القلة في الأنثى تسع سنين، و أما في الذكر فما وقفت له على حد يعتد به- الى أن قال- و لا يبعد أن يكون ما بعد العاشرة محتملا» و مقتضى كلامه الامتناع فيما دون العشر، و هو كذلك تمسكا بمقتضى العادة، و أما ما تجاوز العشر فالظاهر فيه الإمكان، فيحكم بالبلوغ مع تحقق الاحتلام فيه، عملا بعموم الأدلة فيما لم يثبت امتناعه، بل فيما دل على تحديد السن في الذكور بعشر سنين تنبيه عليه، و كذا ما دل على التفريق بينهم في المضاجع بعشر.

نحو

خبر القداح (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يفرق بين الغلمان و النساء في المضاجع إذا بلغوا عشر سنين»

و خبره (2)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «الصبي و الصبية يفرق بينهم في المضاجع بعشر سنين»

و يؤيد ذلك ما عن الآبي في شرح النافع «كل رواية دلت على البلوغ فيما بين الخمسة عشر و العشر محمولة على ما إذا كان الغلام قد احتلم أو أنبت شعر العانة، توفيقا بين الروايات، و لأن الاحتلام في تلك السنين قد يقع كثيرا، و لقد شاهدنا من احتلم في ثلاث عشر سنته و اثنتي عشر سنته».

و قال بعض الأفاضل «ينبغي القطع بالإمكان في الثلاثة عشر فما فوقها لقضاء العادة بالاحتلام في ذلك غالبا و لما رواه

المشايخ عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ ثلاث عشرة سنة و دخل في الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين، احتلم أو لم يحتلم»(3)


1- 1 الوسائل الباب- 74- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 74- من أبواب أحكام الأولاد الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 3.

ج 26، ص: 14

و

عن عيسى بن زيد(1)عنه أيضا «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يثغر الصبي لسبع سنين، و يؤمر بالصلاة لتسع، و يفرق بينهم في المضاجع لعشر، و يحتلم لأربع عشرة»

قلت على كل حال: لم يظهر له فائدة في الأنثى بناء على عدم الحكم به الا بعد التسع و مع فرض العلم بها لم يحتج اليه نعم قد يقال: إن الفائدة تظهر في مجهوله السن، فإنه إذا خرج المني منها حكم ببلوغها، و إن لم يعلم قدر سنها، و كذا في الغلام، و نظير ذلك قدمناه في باب الحيض، فلاحظ لكن عليه يكون خروج المني من الأنثى دليلا على البلوغ كالحيض، لا بلوغا في نفسه، و هو خلاف كلمات الأصحاب فتأمل.

ثم لا يخفى عليك عدم العبرة بأوصاف المني بعد العلم به، أما إذا اشتبه فالوجه الرجوع إليها، لإناطة الحكم بالجنابة و وجوب الغسل بها مع انتفاء العلم، و السبب فيها منحصر في الوطء و إنزال المني اتفاقا، فإذا انتفى الأول تعين الثاني، و يحتمل العدم لان اعتبارها فيهما لا يستلزم اعتبارها في البلوغ، لجواز تقدم الأسباب عليه، و لا يثبت بها، لكنه مبني على إمكان خروج المني قبل البلوغ، و فيه بحث بل منع، لأن الظاهر عدم تكونه إلا حال وصول الطفل إلى حد البلوغ، كما يومئ إليه إطلاق ما دل على أن خروجه علامة البلوغ من النصوص السابقة و غيرها، و من ذلك يعرف ما في الكلام السابق- من اعتبار الإمكان في خروج المني احترازا من خروجه في غير زمن الإمكان، كما إذا كان السن خمسا أو أربعا- من النظر و التأمل اللهم إلا أن يراد الحكم بكونه غير مني، و ان جمع صفاته نحو الدم الخارج من الجارية قبل التسع، فإنه ليس بحيض و إن جمع وصفه، لا أن المراد عدم العبرة به و إن كان منيا ظاهرا و واقعا، حتى يستلزم إمكان خروجه من غير البالغ فتأمل و الله اعلم.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه يشترك في هذين العلامتين الذكور و الإناث و قد عرفت الحال في الأولى، و أما الثانية فقد نص على التسوية المزبورة غير واحد بل في التذكرة «الاحتلام خروج المني، و هو الماء الدافق الذي يخلق منه


1- 1 الوسائل الباب- 74- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 5- لكن عن أبي عبد الله عليه السلام بلا نسبة الى أمير المؤمنين ع.

ج 26، ص: 15

الولد، بلوغ في الرجل و المرأة عند علمائنا أجمع، و لا نعلم فيه خلافا في الذكور، و هو في النساء كذلك، و للشافعي قول- بأن خروج المني من النساء لا يوجب بلوغهن لأنه نادر فيهن- ساقط العبرة قال: و إطباق أكثر العلماء على خلاف هذا» و في المسالك في شرح المتن «هذا عندنا و عند الأكثر موضع وفاق،» و إنما نبه به على خلاف الشافعي- إلى أن قال- و فساده واضح».

قلت: قد يلوح- من الفقيه، و وصايا النهاية، و صوم المبسوط، و باب الأوصياء من المهذب، و نكاح الوسيلة، و خمسها، و نوادر القضاء من السرائر، موافقة الشافعي، أو يظهر، خصوصا في بعضها لكن ما ذكره من الندرة فيهن و انه لا يحصل إلا بعد العلم ببلوغ التسع جعل للاقتصار عليه في الرجال وجها وجيها، بل و لبعض النصوص المقتصر فيه على كونه علامة للرجال، بل الفقيه الماهر يقطع بكون النص و الفتوى مبنيين على ذلك، خصوصا بعد معروفية ذكر الحمل في كلامهم علامة على سبق البلوغ بالإنزال، و خصوصا بعد تصريح الشيخ و ابني حمزة و إدريس في مقام آخر بالاشتراك.

فإجماع التذكرة مما يشهد التتبع مع التأمل بصحته، فهو الحجة مضافا إلى عموم (1)«وَ ابْتَلُوا» إلى آخره، و

«لا يتم بعد احتلام»(2)

و أصالة الاشتراك في الاحكام ما لم يثبت خلافه، و ما عرفت من أن البلوغ حال طبيعي

ينبعث عنها ذلك من غير فرق بين الرجال و النساء، كما هو المشاهد في العرف، و إلى ما عن الشيخ و الفاضل من أنهما استدلا عليه بما

روي(3)، من أن أم سلمة «سألته عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، فقال: إذا رأت ذلك فلتغتسل،»

و لكنه مبني على استفادة الفورية المقتضية لثبوت التكليف المشروط بالبلوغ، و الا فسببية الاحتلام للغسل بناء على حصوله من الصغير لا ينافي عدم البلوغ حال وجود السبب، كما في الحدث الأصغر و الأمر سهل


1- 1 سورة النساء الآية- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 9.
3- 3 سنن البيهقي ج- 1- ص- 127.

ج 26، ص: 16

بعد قطعية الحكم، و الله أعلم.

و كذا يعلم البلوغ شرعا ان لم يكن عرفا بالسن: و هو بلوغ خمس عشرة سنة للذكر على المشهور بين الأصحاب في المقام شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، كما اعترف بذلك في المسالك، بل نقلها مستفيض أو متواتر كالإجماع صريحا و ظاهرا على ما في مفتاح الكرامة حيث قال: «كادت تبلغ إجماعات المسألة: اثنى عشر إجماعا من صريح و ظاهر و مشعر به، بل هو معلوم».

و ربما يشهد له التتبع، بل ربما يزيد على ذلك مع إطلاق الإشعار لأنه كما حكاه العلامة الطباطبائي عن صريح الغنية، و الظاهر كالنص عن الخلاف و التذكرة، و ظاهر مجمع البيان، و كنز العرفان، و كنز الفوائد، و المسالك، و

المسالك الجوادية، و تلويح المنتهى، و كشف الرموز، و تلخيص الخلاف، و نقد الشرائع، و قضية انحصار المخالف في ابن الجنيد على ما يظهر من المختلف و المهذب البارع و شرح الشرائع و غوالي اللئالي، و هو مع أنه معلوم النسب لا يقدح في الإجماع، خصوصا مع ضعف مأخذه و شدة وهنه و شذوذه، على أنه لو تطرق المنع إلى الإجماع من خلافه و خلاف بعض متأخري المتأخرين فلا ارتياب في تحققه فيما بينهما حيث ارتفع الخلاف من زمن ابن زهرة إلى زمن ثاني الشهيدين، كما تشهد به تصانيفهم المضبوطة، بل قطع بعضهم بالحكم و لم يعتد بخلافه فحكى الإجماع بل نفى الخلاف.

فلا ينبغي للفقيه التردد بعد ذلك في فساد قوله، بل و ما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة خصوصا بعد ملاحظة غير ذلك من الأدلة من الاستصحاب، فإن الأصل عدم البلوغ و التكليف، و بقاء الحجر و الولاية ما لم يعلم الناقل عنه، و لا يعلم إلا بإكمال الخمسة عشر فيكون بلوغا دون ما قبله، و لا وجه للمناقشة في الاستصحاب هنا، بعد كون المطلوب منه إثبات الحكم، إذ المشتبه حكم السن المعلوم، لا أصل السن المعلوم الحكم، ضرورة اقتضاء الاستصحاب فيه نفي الأكثر، فالموضوع و الحكم هنا متعاكسان في الاستصحاب، فلو علم سن البلوغ و لم يعلم بلوغ ذلك السن فمقتضى الاستصحاب نفي الأكثر، بخلاف ما لو بلغ سنا، و لم يعلم أنه بلوغ فإن الأصل عدم البلوغ، كما

ج 26، ص: 17

عرفت، و مقتضاه نفي الأقل.

اللهم إلا أن يقال كما أومأنا إليه سابقا أن البلوغ شرعا هو بلوغ الحلم، فيكون حالة طبيعية مخصوصة في الإنسان، بل مطلق الحيوان و جميع ما ذكر علامة له، فهو كاشف عن الوصول إليها حتى السن، فيكون المشتبه حينئذ الموضوع، و المنفي بالاستصحاب الأقل، إذ الأصل عدم بلوغ الحد الكاشف: لكنه خلاف ما عليه الأصحاب من أن السن بلوغ في الشرع، و إن كانت العلة فيه كشفه عن غيره، و متى كان كذلك فالمشتبه الحكم دون الموضوع، و موضوعية البلوغ لبعض الاحكام لا ينافي كونه حكما، لأن الحكم قد يكون موضوعا لحكم آخر، و لا استحالة في ذلك، مع اختلاف الجهة، و مثله كثير.

فالاستصحاب بجميع وجوهه المذكورة حينئذ حجة في المسألة، و إن كان ألصقها بالمدعى، و أغناها عن الضمائم استصحاب عدم البلوغ، فإنه نفي صريح، و المطلوب منه عين المستصحب دون لازمه، و التمسك به لا يتوقف على ضميمة عدم القول بالفصل و نحوه، على أنه من الأمور القارة الثابتة كغيره، و إضافته إلى ما يرجع إلى الزمان لا يخرجه عن القرار، فمعنى أصل عدم البلوغ أن الأصل عدم حضور زمان البلوغ، لإبقاء زمان عدم البلوغ، و استصحاب غير القار إنما يلزم لو أريد الثاني، دون الأول.

و قد يتمسك بأصل البراءة من التكليف على المطلوب، لا لكونه حادثا منفيا بأصل العدم لرجوعه إلى الاستصحاب، و لا للأصل الشرعي المستفاد من نحو

قولهم (1)«كل شي ء مطلق حتى يرد فيه نهي»(2)

و «الناس في سعة ما لم يعلموا»

و غيرهما، فإن المفهوم من ذلك سقوط التكليف كما يظهر بالتدبر، بل لأن التكليف فرع البيان و هو مفقود في محل النزاع، و دعوى- وجود البيان و هو الخطاب العام الصالح لكل مميز- يدفعها أنه مشروط بالبلوغ، و لم يثبت قبل إكمال الخمسة عشر اللهم إلا أن


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب صفات القاضي الحديث- 60.
2- 2 لم نقف على هذا النص بعد الفحص عنه في مظانه و الذي وقفنا عليه مما يوافقه في المعنى و ان يحتمل اختصاصه بمورده و هي رواية السفرة المروية في الوسائل في الباب 23 من أبواب اللقطة الحديث 1.

ج 26، ص: 18

يمنع الشرطية على وجه ينافي الاستدلال بالعمومات في المجهول، و فيه بحث ذكرناه في غير المقام.

و الأمر سهل بعد الغنية عن ذلك بما سمعته أولا، و مضافا إلى ظاهر الكتاب كقوله تعالى (1)«وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» ضرورة دلالته بمفهومه على انتفاء الحكم بالدفع المشروط بإيناس الرشد بانتفاء بلوغ النكاح، فهو متناول لاسنان التمييز و حدود الابتلاء التي هي في الغالب من العشر إلى الخمسة عشر، و أحقها بالدخول سن الاحتلام، و توقع بلوغ النكاح و هي من الثانية عشر إلى السادسة عشر، إلا أن الإجماع على خروجها، فيتعين كون الخمسة عشر هي البلوغ بحسب السن.

و ربما نوقش: بأن «إذا» قد تخرج عن الظرفية فلا تكون شرطا، و منه المقام فإن المراد و ابتلوا اليتامى إلى وقت بلوغ النكاح، و حينئذ فلا دلالة فيها على الاشتراط المزبور، و يدفعه: بعد تسليم خروجها عن الظرفية أنه نادر جدا لا يحمل عليه التنزيل بل يقتضي انقطاع الابتلاء بالبلوغ، و ليس كذلك كما ستعرف، لاستمراره إلى ظهور الرشد أو اليأس منه، بل ذلك مع ظهور كون المراد إيناس الرشد المسبب عن الابتلاء المأمور به السابق على البلوغ.

و مقتضى ذلك الحجر على البالغ الرشيد إذا لم يونس منه رشد قبل البلوغ، و ارتفاعه عمن لم يبلغ إذا أونس منه الرشد، لانتفاء الشرط في الأول و وجوده في الثاني، إذ المراد بالأمر بالابتلاء إلى بلوغ النكاح حصوله قبله، لا استمراره إليه، لأن الابتلاء متى وجد و تبين به الحال لم يتكرر، فالمرة تكفي في هذا الأمر، و لو بنى الكلام في الشرط على خلاف الظاهر، فإما أن يراد به إيناس الرشد مطلقا، أو إيناسه بعد البلوغ، و يلزم على الأول جواز دفع المال إلى غير البالغ إذا ابتلي و أونس منه الرشد، و إهماله بدونه إلى أن يظهر الرشد بنفسه و إن طال الزمان و سهل الاختبار و أما الثاني فمع حصول المطلوب يلزمه جواز الإهمال، كما في الأول.


1- 1 سورة النساء الآية- 6.

ج 26، ص: 19

فبان من ذلك كله أن «إذا» في الآية ظرف على الأصل فيه، و أن الكلام لا ينظم إلا به، و المعنى لا يستقيم بدونه فسقط احتمال خروجها عن الظرفية.

نعم على الظرفية يحتمل الخروج عن الشرطية بتقدير العامل، وَ ابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ نظرتم، أو ابتلوهم حتى تنظروا في وقت بلوغهم النكاح، فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ .

و هذا و إن صح، و صح الاستدلال به، غير أنه يستدعي تقديرا في الكلام، و خروجا عن الظاهر في «إذا» من تضمنها معنى الشرط في الغالب.

و من هنا قال الفاضل الطباطبائي: «الأصوب أن تكون إذا للشرط كما هو الأصل فيها، و جوابها مجموع الشرط و الجزاء، و هو قوله «فَإِنْ آنَسْتُمْ» و حتى حرف ابتداء و غايتها مضمون الجملة التي بعدها، و هو دفع المال عقيب إيناس الرشد الواقع عقيب بلوغ النكاح، و إنما كان كذلك، لأن دفع المال في الآية مشروط بايناس الرشد، فيكون مؤخرا عنه، و هذا الدفع المشروط بالايناس مشروط بالبلوغ فيكون المشروط بشرطه المتقدم عليه متأخرا عن البلوغ الذي هو شرط فيه، و ترتب الشروط بحسب الوقوع، ترتيبها في الذكر، فإنها في الآية قد وقعت على التوالي، و لو تعاكست كان الشرط المتقدم في الذكر مؤخرا في الوجود، و المؤخر في الذكر مقدما في الوجود، فلو أردت نقل المضمون إليه قلت: «ادفعوا إليهم أموالهم أن رشدوا إن بلغوا» و لا يصح إن بلغوا إن رشدوا، لأنه يقتضي أن يكون الرشد شرطا في البلوغ و الأمر بالعكس، و من ثم لو قال قائل لله علي نذر إن شربت إن أكلت، فأكل ثم شرب التزم، بخلاف ما لو شرب ثم أكل، و لو عكس انعكس».

قلت: هو جيد لكن قد يقال: المنساق من الآية أنهما معا شرطان مستقلان في الدفع، لا أن أحدهما شرط في الأخر كالمثال الذي ضربه فتأمل جيدا.

و على كل حال فالمناقشة المزبورة واضحة الدفع، كالمناقشة في أصل حجية مفهوم الشرط، و في عمومه، و في خصوص «إذا» من أدواته بل و غيرها مما هو ليس بعريق في الشرطية، بخلاف «إن» و بأنه لو سلم ذلك كله، فإنما يقتضي المفهوم عدم وجوب

ج 26، ص: 20

الدفع، لا حرمته، ضرورة اندفاع الأولى، بل و الثانية بما حررناه في الأصول، و العرف أعدل شاهد به.

و الثالثة: بأنه لا فرق بين إن، و غيرها من أدوات الشرط، لابتناء العموم، على أن الاختصاص بمورد الشرط يقتضي الانتفاء في غيره فيعم، و ليس الحكم في المنطوق بعموم الإثبات، ليكون المفهوم سلب العموم، بل بنفس الإثبات في محل النطق، و مفهومه السلب عما عداه، و يلزمه عموم السلب، و هذا المعنى لا يتفاوت في الأدوات كأصل المفهوم، و كلمات الأصحاب في الأصول و الفروع شاهدة بذلك، و أنه لا فرق بينها جميعها في ذلك كله.

و اما الرابعة: فواضحة بناء على أن المفهوم في الشرط النهي كما يقتضيه كلام بعضهم، و مال إليه العلامة الطباطبائي، و ربما يشهد له العرف بل و إن لم نقل بذلك و كان المراد من الأمر هنا رفع الحجر المفهوم من قوله (1)«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» إلى آخره بل و إن لم يكن المراد منه ذلك، لكن المقام منحصر بين الوجوب و الحرمة إذ الخطاب للأولياء، و الدفع إما أن يجب عليهم أو يحرم، و لا ثالث لهما، فتكون الحرمة حينئذ من لوازم عدم الوجوب هنا و الله أعلم.

و كذا المناقشة: بأن الاستدلال في الآية انما يتم لو أريد ببلوغ النكاح حصول الإنزال، أو صلاحية خصوص الشخص لأن ينزل بالوطي و نحوه، و هو غير متعين، لاحتمال كون المراد بلوغ وقت الصلاحية للنكاح صلاحية نوعية و إن تخلفت عن خصوص الشخص، و هذا المعنى حاصل فيمن كان سنه أربعة عشر و ثلاثة عشر فلا دلالة في الآية على نفي البلوغ بهما.

إذ يدفعها أولا: أن بلوغ النكاح عرفا هو أن يبلغ الصبي و يدرك، و هو غير بلوغ زمان النكاح، لصحة سلب الأول عمن ثبت له الثاني، و أقل ما يصدق معه ذلك صلاحية الشخص لأن ينكح، و أما مجرد القابلية النوعية فلا يتحقق معه الصدق عرفا.

و ثانيا: أنه لو أريد الزمان فالظاهر إرادة الوقت الذي يغلب فيه ذلك و يكثر


1- 1 سورة النساء الآية- 5.

ج 26، ص: 21

و الغلبة منتفية فيما دون الخمسة عشر، فلا يتحقق به بلوغ النكاح، و إرادة التحقق في

الجملة و لو على سبيل الندرة يقتضي صدق بلوغ النكاح بالاثني عشر، بل بما دونه أيضا، بناء على أن ما فوق العشرة من زمان إمكان الاحتلام كما ستعرف، و دعوى إرادة ما تجاوز حد الوقوع و لم يبلغ الغلبة لا دليل عليها، بل هي تحكم محض كما هو واضح.

و قد ظهر من ذلك كله أنه لا إشكال في دلالة الآية على المطلوب، بل منه ظهر دلالة قوله تعالى (1)أيضا «وَ إِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ» بالتقريب السابق، فإن بلوغ الحلم كبلوغ النكاح يعتبر في صدقه القابلية بحسب الشخص، بل فعلية الإنزال إما مطلقا أو مع التقييد بالمنام كالاحتلام، أما القابلية النوعية ببلوغ السن الذي يتفق فيه ذلك فلا يصدق معها بلوغ الحلم إلا بتأويل أو تقدير، لتبادر الغير و صحة السلب، و نص أهل اللغة.

فعن القاموس «الحلم بالضم و الاحتلام: الجماع في النوم» و المصباح «حلم الصبي و احتلم: أدرك و بلغ مبالغ الرجال: فهو حالم و محتلم» بل عنه أيضا «أدرك الغلام: بلغ الحلم، و بلغ الصبي احتلم و أدرك» و الغريبين

«أنه أمر معاذا أن يأخذ من كل حالم دينارا

، قال، أبو الهيثم أراد بالحالم كل من بلغ الحلم، حلم أو لم يحلم، و منه

الحديث «الغسل يوم الجمعة واجب على كل حالم»

و المغرب «حلم الغلام احتلم حلما من باب طلب، و الحالم المحتلم في الأصل، ثم عم فقيل لمن بلغ مبالغ الرجال حالم، و هو المراد في الحديث».

و النهاية(2)«أراد بالحالم في الحديث: من بلغ الحلم، و جرى عليه حكم الرجال، سواء احتلم أو لم يحتلم، و منه الحديث الغسل إلى آخره، و في رواية- على محتلم- أي بالغ مدرك» و الظاهر إرادته من قوله و جرى عليه حكم الرجال:

معنى بلغ مبلغ الرجال الذي عبر به غيره، بل لو كان المراد كل من جرى عليه الحكم


1- 1 سورة النور الآية- 59.
2- 2 النهاية ج- 1- ص 289 طبع مصر.

ج 26، ص: 22

شرعا فالمقصود بيان المعنى المراد، دون حقيقة اللفظ، فإن الحقيقة اللغوية لا تثبت بالحكم الشرعي.

أما ما عن الفائق في معنى الحديث قيل: المراد كل من بلغ وقت الحلم، حلم أو لم يحلم، فالظاهر أنه أراد بالقول ما تقدم، و هو ما حكاه الهروي عن أبي الهيثم، و المراد به وقت الإدراك و البلوغ بالاحتلام و شبهه دون السن، فلا ينافي ما قلنا.

و أما وجوب الاستئذان فإنه و إن قل من تعرض له في كتب الفروع، و من ثم لم يشتهر الحكم به بين الناس حتى صار كالشريعة المنسوخة، لكن عن التبيان، و مجمع البيان، و روض

الجنان، و كنز العرفان، و آيات الأحكام، و المسالك الجوادية و قلائد الدرر، النص عليه.

و يدل عليه مضافا إلى أمر الكتاب- الذي هو أحق الأوامر بالإيجاب، و إطلاق النهي في قوله تعالى (1)«لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ» الى آخره، و ما في التهجم على المساكن المختصة من الأذية و الخروج عن الآداب العقلية و الشرعية-

صحيح ابن قيس (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ» الى آخره و من بلغ الحلم منكم فلا يلج على أمه و لا على أخته و ابنته، و لا على من سوى ذلك إلا بإذن»

و نحوه خبر جراح المدايني (3)عن الصادق (عليه السلام).

و

صحيح أبي أيوب (4)عنه أيضا «و يستأذن الرجل إذا دخل على أبيه، و لا يستأذن على الابن قال: و يستأذن الرجل على ابنته و أخته إذا كانتا متزوجتين»

و خبر الحلبي(5)


1- 1 سورة النور الآية- 27.
2- 2 الوسائل الباب- 121- من أبواب مقدمات النكاح الحديث- 1.
3- 3 الوسائل ذكر صدره في الباب- 119- و ذيله في الباب 120 من أبواب مقدمات النكاح الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 120- من أبواب مقدمات النكاح الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 119- من أبواب مقدمات النكاح.

ج 26، ص: 23

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يستأذن على أبيه؟ فقال: نعم قد كنت أستاذن على أبي و ليست أمي عنده، و إنما هي امرأة أبي، توفت أمي و أنا غلام، و قد يكون من خلوتهما ما لا أحب أن أفجأهما عليه، و لا يحبان ذلك مني، و السلم أحسن و أصوب»

بناء على ما هو الظاهر من كون السؤال عن الوجوب لا الجواز، فإنه لا يسأل عنه، و التعليل لا ينافيه، بل يؤكده.

و

خبر جابر(1)«عن أبي جعفر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله) يريد فاطمة عليها السلام و أنه معه، فلما انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فرفعه، ثم قال: السلام عليكم، فقالت فاطمة: عليك السلام يا رسول الله قال: أدخل قالت: ادخل يا رسول الله قال: أدخل أنا و من معي، قالت: يا رسول الله ليس علي قناع، قال: يا فاطمة خذي ملحفتك فقنعي بها رأسك ففعلت، ثم قال: السلام عليكم فقالت فاطمة عليها السلام: عليك السلام يا رسول الله قال جابر: فدخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) و دخلت فإذا وجه فاطمة أصفر كأنه بطن جرادة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما لي أرى وجهك أصفر قالت يا رسول الله: الجوع فقال رسول الله: اللهم مشبع الجوعة دافع الصفرة أشبع فاطمة بنت محمد قال جابر: فو الله نظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك».

و عن مجمع البيان (2)«روي أن رجلا قال للنبي (صلى الله عليه و آله) أستأذن على أمي فقال:

نعم، قال إنها ليس لها خادم غيري أ فأستأذن عليها كلما دخلت، قال: تحب أن تراها عريانة، قال الرجل لا، قال فاستأذن عليها»

و عن الكشاف «و كان أهل الجاهلية يقول الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته حييتم صباحا، و حييتم مساء، ثم يدخل فربما أصاب الرجل مع امرأته في لحاف واحد، فصد الله عن ذلك، و علم الأحسن و الأجمل، و كم من باب من أبواب الدين هو عند الناس كالشريعة المنسوخة، قد تركوا العمل به، و باب الاستيذان من ذلك بينما أنت في بيتك إذ رفع عليك الباب واحد


1- 1 الوسائل الباب 120 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 3.
2- 2 المستدرك ج- 2- ص 557 باختلاف يسير.

ج 26، ص: 24

من غير استيذان و لا تحية من تحايا إسلام و لا جاهلية، و هو ممن سمع ما أنزل الله فيه و ما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله)، «و لكن أين الأذن الواعية».

و عنه أيضا في تفسير قوله «وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ» ما حاصله أن حكم الأطفال ذلك، فإن خرجوا عن حد الطفولية بالاحتلام أو بلوغ السن وجب أن يفطموا عن تلك العادة، و يحملوا على أن يستأذنوا في جميع الأوقات كالرجال الكبار الذين لم يعتاد الدخول عليكم إلا بإذن، و هذا مما الناس في غفلة عنه، و هو عندهم كالشريعة المنسوخة، إلى

آخره إلى غير ذلك من النصوص المروية عند الفريقين، هذا كله حكم من بلغ الحلم.

أما من لم يبلغه فلا يجب عليهم الاستيذان مطلقا، أما في غير العورات الثلاث فظاهر، للأصل و نص الكتاب و السنة، و أما فيها فلأن إيجاب الاستيذان تكليف و لا- تكليف على غير البالغ، و لاشتراط الإيجاب بالبلوغ، فينتفي بانتفائه مطلقا، عملا بعموم المفهوم، و عن التبيان أنه حكي عن الجبائي القول بوجوب الاستيذان على المميزين في الأوقات الثلاثة أخذا بظاهر الأمر، قال قوم: في ذلك دلالة على أنه يجوز أن يؤمر الصبي، لأنه أمره بالاستيذان، و الجميع كما ترى.

و يدل على المطلوب أيضا بالتقريب السابق عموم الأحاديث الدالة على

«رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم»(1)

وأن

«انقطاع يتم اليتيم الاحتلام»(2)

كل ذلك مضافا إلى النصوص الدالة عليه بالخصوص فمنها

النبوي المرسل في محكي الخلاف و التذكرة، «إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ما له، و ما عليه، و أخذ منه الحدود».

و الآخر(3)«أن عبد الله بن عمر عرض عليه عام بدر و هو ابن ثلاث عشرة سنة فرده، و عرض عليه عام أحد و هو ابن أربع عشرة سنة فرده،

و لم يره بالغا، و عرض عام الخندق و هو ابن خمس عشرة سنة فأجازه في المقاتلة»

بل قيل: إن الثاني منهما


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 9.
3- 3 سنن البيهقي ج- 6- ص 55.

ج 26، ص: 25

مشهور، رواه جماعة من أرباب المغازي و السير ممن يوثق بنقلهم.

و عن عيون الأثر «أن عمر بن عبد العزيز لما حدث به دعى كاتبه فقال: اعجل على كاتبا للأمصار كلها، فإن رجالا يقدمون إلى يستفرضون لأبنائهم و إخوانهم فانظروا من فرضت له فاسئلوهم عن أسنانهم، فمن كان منهم ابن خمس عشرة سنة فافرضوا له، و اقضوا لهم في المقاتلة، و من كان دون ذلك فافرضوا لهم في الذرية»(1).

و

فيه «أنه (صلى الله عليه و آله) عرض عليه يوم أحد أسامة بن زيد و زيد بن ثابت و استأذن ظهير فردهم، ثم اجازهم يوم الخندق، و هم أبناء خمس عشرة سنة، و ان من جملة من رد في ذلك اليوم البراء بن عازب و أبو سعيد الخدري و زيد بن أرقم.

و منها

صحيح ابن محبوب (2)عن عبد العزيز العبدي عن حمزة بن حمران «قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة و يقام عليه و يؤخذ بها فقال: إذا خرج عن اليتم و أدرك، قلت: فلذلك حد يعرف؟ فقال:

إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة و أخذ بها، و أخذت له، قلت: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة و تؤخذ بها و تؤخذ لها قال: إن الجارية ليست مثل الغلام، إن الجارية إذا تزوجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم، و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أقيمت عليها الحدود التامة، و أخذ لها و بها، قال: و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع، و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة، أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».

و هو مع صراحته في المطلوب و انجباره بالشهرة العظيمة و محكي الإجماع أو محصله لا قدح في سنده، إذ حمزة مع كونه من آل أعين المعلوم جلالتهم و عظم منزلتهم في الشيعة سديد الحديث كثير الرواية، قد روى عنه الأجلاء كعبد الله بن مسكان، و ابن بكير، و ابن أبي عمير، و الحسن بن محبوب، بل في بعض طرق كتابه صفوان بن يحيى و هم من أصحاب الإجماع.


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 2.

ج 26، ص: 26

و ما عن ظاهر النجاشي- و رسالة أبي غالب الزراري من أنه من أصحاب الصادق (عليه السلام) خاصة و ربما يؤيده أن الخبر في الوسائل و الوافي عن حمزة بن حمران عن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام)- يدفعه تصريح غيره بأنه من أصحابهما معا، و إن كان روايته عن الصادق (عليه السلام) أكثر و أشهر، فلا إرسال حينئذ في الخبر المزبور.

و في مصابيح العلامة الطباطبائي إن الذي وجدته في بعض النسخ المصححة من الكافي و التهذيب رواية حمزة بن حمران عنه (عليه السلام) و قد رواه في المستطرفات كذلك، و كأنه الأصح، على أن حمران بن أعين أبو حمزة أجل من أن يتعرض لبيان حاله، فالرواية لا قدح فيها من هذه الجهة.

نعم عبد العزيز لم ينص عليه بمدح و لا ذم، لكن رواية الحسن بن محبوب و خصوصا في كتاب المشيخة المعروف بالاعتماد قد يحصل منه الظن بعدالته، كل ذلك مضافا إلى الاعتضاد بما عرفت.

و منها

حسن يزيد الكناسي أو صحيحه (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم و زوجت و أقيمت عليها الحدود التامة و لها، قال:

قلت: الغلام إذا زوجه أبوه و دخل بأهله و هو غير مدرك أ يقام عليه الحدود و هو على تلك الحال؟ قال: فقال: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها على مبلغ سنه فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة، فلا تبطل حدود الله في خلقه و لا تبطل حقوق المسلمين بينهم».

و حسنه الآخر أو صحيحه (2)في حديث «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) أ فيقام عليها الحدود و تؤخذ بها و هي في تلك الحال إنما لها تسع سنين و لم تدرك مدرك النساء في الحيض؟ قال: نعم إذا دخلت على زوجها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها، و أقيمت الحدود التامة عليها و لها، قلت: فالغلام يجري في ذلك مجرى


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب مقدمات الحدود الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب عقد النكاح الحديث- 9.

ج 26، ص: 27

الجارية؟ فقال: يا أبا خالد إن الغلام إذا زوجه أبوه و لم يدرك كان الخيار له إذا أدرك، و بلغ خمس عشرة سنة أو يشعر في وجهه أو ينبت في عانته قبل ذلك، قلت:

فإن زوجه أبوه و دخل بها و هو غير مدرك أ يقام عليه الحدود و هو في تلك الحال قال: أما الحدود الكاملة التي يؤخذ بها الرجال فلا، و لكن يجلد في الحدود كلها على قدر مبلغ سنه فيؤخذ بذلك ما بينه و بين خمس عشرة سنة»

، الحديث.

و منها

صحيح ابن وهب (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟

قال: فيما بينه و بين خمس عشرة سنة، و أربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه»

بناء على ارادة معنى «أو» من الواو فيها، بل عن النهاية روايته بها، بل لا بد من كون المراد ذلك لاستحالة الجمع هنا كما هو ظاهر، و حينئذ فمقتضى السياق و الترديد كون ما تقدم عليهما وقتا للتمرين و الأخذ على سبيل التأديب، فيكون البلوغ حينئذ بأحدهما و يمتنع أن يكون الأقل و إلا لم يكن الزمان المتوسط بينه و بين الأكثر تمرينيا، فيتعين كونه الأكثر، و لعل النكتة في الترديد التنبيه على الفرق بين المتوسط بينهما و المتقدم عليهما في التضييق و عدمه بالنسبة إلى التمرين فإن الصبي يضيق عليه فيما بين الأربعة عشر و الخمسة عشر، بخلاف ما تقدم من الزمان فإنه لا يضيق عليه لبعده عن البلوغ.

و منها

صحيحه الآخر(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام في كم يؤخذ الصبي بالصلاة؟

فقال: فيما بين سبع سنين و ست سنين، قلت: و في كم يؤخذ بالصيام؟ قال: فيما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة فإن هو صام قبل ذلك فدعه، و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته.»

بالتقريب السابق.

و منها

المروي في المحكي عن الخصال (3)بإسناده عن العباس بن عامر عمن


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أعداد الفرائض الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث- 13.

ج 26، ص: 28

ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: يؤدب الصبي على الصوم ما بين خمس عشرة سنة إلى ستة عشرة سنة».

و منها

مرسل المقنع (1)روى أن الغلام يؤخذ بالصيام ما بين أربعة عشر إلى ستة عشر سنة، إلا أن يقوى قبل ذلك،»

و إرسالهما غير قادح بعد الانجبار بما عرفت و هما صريحان في المطلوب إذ المراد من الخمسة عشر نصا و فتوى ما هو المنساق منهما من إكمال العدد لا الدخول فيه، و به صرح غير واحد بل نسبه جماعة إلى المشهور بل عن مجمع البيان، و ظاهر التذكرة، و المسالك الجوادية، نسبته إلى أصحابنا بل عنهما و كنز الفوائد «أنه لا يكفي في البلوغ الطعن في الخامسة عشر عملا بالاستصحاب و فتوى الأصحاب» و زاد في الأولين «أن الاكتفاء به وجه للشافعية منشؤه توهم صدق اسم العدد بالدخول فيه».

و على كل حال فلا ريب في أن المفهوم من كلام الأصحاب اعتبار الإكمال و انه لا يكفي الدخول، و بذلك يتضح دلالة المرسلين المتقدمين، كما انه اتضح لك قوة القول المشهور، و أنه يدل عليه الكتاب، و السنة، و العقل، و قد يقال:

و الإجماع، إذ المسألة و إن كان قد يتوهم أنها سداسية الأقوال، الخمس عشر دخولا و كمالا، و كذا الأربع عشر، و كمال الثلاث عشر، و العشر، لكن التحقيق أنه ليس فيها إلا قولان، أحدهما المشهور و هو كمال الخمس عشر، و الثاني قول ابن الجنيد و هو كمال الأربع عشر اما القول بالدخول في الخمس عشر فلم نعرف القائل به.

نعم عن الأردبيلي أنه حكاه عن بعض أصحابنا و اختاره، و عن الكفاية موافقته في الحكاية دون الاختيار، لكن الظاهر أنه وهم، خصوصا بعد ما سمعت من التصريح بعدم الاكتفاء بالطعن فيها و أنه لا بد من إكمالها، اللهم إلا أن يكون النظر في هذا القول إلى قول ابن الجنيد بالأربع عشر، بناء على أن العلم بإكمالها لا يحصل إلا بالدخول فيما بعدها، لكن عليه يتحد هذا القول مع قول ابن الجنيد، ضرورة كون اعتبار الدخول في الخمس عشر للعلم بحصول الحد، لا لاعتباره في أصل التحديد، و كان العدول


1- 1 المصدر نفسه الحديث 14.

ج 26، ص: 29

في التعبير حينئذ للتنبيه على تأويل نصوص الخمس عشر بذلك.

و فيه حينئذ ما عرفت من عدم قابلية بعضها لذلك، و ظهور الإجماع على خلافه، و أما الدخول في الأربع عشر فإنه و إن كان قد يفهم من السيوري، و ابن فهد و ابن أبي جمهور، أنه مذهب ابن الجنيد، حيث استدلوا له ب خبر ابن سنان (1)الذي هو نص في ذلك، لكن التحقيق خلافه، إذا الأصل في حكاية قول ابن الجنيد الفاضل في المختلف، و الظاهر مما نقله ارادة الإكمال الذي هو المفهوم من العدد لغة و عرفا، و خصوصا مع اقترانه بالقول المشهور الذي قد عرفت كون المراد منه ذلك.

و في المصابيح و كان منشأ التوهم احتجاج الفاضل له ب رواية الثمالي (2)المتضمنة لجريان الأحكام على الصبيان في ثلاث عشر و أربع عشر، ففهم السيوري منها تحديد البلوغ بالأخذ في الأربع عشر، و ربما ساعده قول المصنف «و في رواية من ثلاث عشر إلى أربع عشر مشيرا الى هذه الرواية» كما هو الظاهر و انضم إليها رواية ابن سنان (3)المصرحة بهذا المعنى، و احتج بهما لابن الجنيد، بناء على أن الاحتجاج برواية الثمالي واقع في كلامه، كما توهمه عبارة المختلف، و تبعه على ذلك ابن فهد، غير أنه أورد الحديث بلفظ المتن، ظنا منه أنه منقول باللفظ و اقتفى اثر هما ابن أبي جمهور.

و لا يخفى ما في ذلك كله من التساهل و التسامح، فإن استناد ابن الجنيد إلى رواية الثمالي غير معلوم، و إن أوردها العلامة في المختلف حجة له، فإن من عادته فيه الاحتجاج للمذاهب بما يناسبها و إن لم يستند إليه القائل، و على تقدير الاستناد فالمعنى الذي أشار إليه المحقق غير متعين في الحجة، لجواز أن يكون الوجه فيها الأخذ بأكثر العددين، نظرا إلى احتمال توهم الراوي، و يؤيده العطف «بأو» في بعض النسخ، و على

التعيين فلا ينافي ذلك إرادة الإكمال، لاحتمال أن يكون المراد انتهاء الاحتمال بانتهاء الأكثر، دون الطعن فيه، و على تقدير المنافاة فلا يتعين فيها


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 12- 11.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 3.

ج 26، ص: 30

الحمل على ما يطابق رواية ابن سنان، فإنها محتملة لإرادة البلوغ بإكمال الثلاث عشر و هو خلاف البلوغ بالدخول في الرابعة عشر.

و بالجملة فرواية الثمالي مضطربة اللفظ، محتملة المعنى، فلا يصح الحكم بمطابقتها لرواية ابن سنان، و لا يصلح الاستناد إليها في تعيين مذهب ابن الجنيد و إن علم استناده إليها في القول المذكور، بل المتعين الرجوع في ذلك الى ما يقتضيه الخلاف المحكي عنه في المسألة و قد عرفت أنه ظاهر في الإكمال بل صريح فيه هذا.

و لكن في المدارك حكاية هذا القول من دون تعيين القائل، بل عن المجمع، و قلائد الدرر، نسبته إلى ظاهر الصدوق، بل زاد الأول نسبته إلى الشيخ في الاستبصار، و مال إليه سيد المدارك بل عن بعض متأخري المتأخرين اختياره، كما عن القاساني تقويته، و الأردبيلي احتماله تارة، و تقويته أخرى.

و فيه أنه لم يتحقق نسبته إلى الصدوق و الشيخ، بل لعل المتحقق منهما خلافه، فينحصر القائل حينئذ في بعض متأخري المتأخرين، و هو مسبوق بالإجماع.

و أما القول بالثلاث عشر و إن حكاه في المسالك قولا من دون تعيين، بل عن المجمع، و الكفاية، نسبته إلى ظاهر الشيخ في كتابي الأخبار، بل عن الأول الظاهر أن غير الشيخ ذهب إلى ذلك أيضا، و عن الثاني بعد إيراد ما تضمن الثلاث عشر من النصوص، و هذه أخبار معتبرة، فالعمل بمقتضاها متجه، و ظاهره القول به.

لكن لا يخفى عليك أن مرجع هذا القول و سابقه إلى شي ء واحد، لتوافقهما في الثمرة و اتحادهما في الدليل، بل لا يبعد أن يكون المراد بالأول أن حد البلوغ إكمال الثلاث عشر، و اعتبار الدخول في الأربع عشر، مقدمة للعلم نحو ما سمعته في الخمس عشر، و الأمر في ذلك هين.

و إنما الكلام في إثبات هذا القول من أصله، فإنا لم نجد به قائلا معينا، و كلام متأخري الأصحاب في حكاية هذا القول و تعيين المحكي عنه لا يخلو من تلجلج و اضطراب.

و المجتمع مما قالوه بعد رد بعضه إلى بعض نسبة القول به إلى ابن الجنيد،

ج 26، ص: 31

و ظاهر الشيخ و الصدوق، و قد عرفت أن مذهب ابن الجنيد كمال الأربع عشر، و الشيخ موافق للمشهور، لنصه عليه في مواضع من كتبه، و نقله في الخلاف إجماع الفرقة عليه، و إيراده نصوص الثلاث عشر في كتابي الأخبار مع كونه معارضا بمثله لا يقتضي أن يكون ذلك مذهبا له، و كذا إيراده حديث الثمالي في النهاية مضافا إلى ما فيه من الإجمال المانع من تعيين المذهب، و ما يوهمه الإستبصار من الأخذ بحديث عمار مأول بالضرورة، لمخالفته الإجماع بل الضرورة.

و أما الصدوق فقد أورد في الخصال و الفقيه على ما قيل ما يناسب هذا القول، و ما ينافيه، و ظاهر كلامه في صوم الفقيه موافقة المشهور، بل كلامه في المقنع يؤيد ذلك، مضافا إلى خلو الكتب المعدة لنقل الخلاف حتى النادر عن نسبة ذلك إليهما، بل ظاهر بعضها أو صريحه قصر الخلاف على ابن الجنيد.

و اما القول بالعشر فإنه حكاه الخراساني من غير تعيين القائل، لكن لم نتحققه بل لم يحكه أحد من أصحابنا غيره، بل ظاهر الكتب المعدة لذكر الخلاف الإجماع على عدمه، و لعل منشأ الوهم قول بعضهم بصحة بيعه و مضي تصرفه في الوصية، و العتق، و جواز مؤاخذته على الجناية و السرقة و الارتداد، و لكنك خبير بأن شيئا من ذلك لا يقتضي البلوغ، و غايته ثبوت حكم البالغ لذي العشر في مواضع مخصوصة ورد بها النص.

نعم جعل المصنف في النافع خبر العشر رواية في البلوغ، لكنه لم يعمل به، و العامل به لم يجعله بلوغا، بل نص على خلافه، فلم يثبت للأصحاب قول بالعشر، كما أنه ظهر لك عدم قول في المسألة غير قول ابن الجنيد، و أن ما عداه بين ما لا أصل له، و بين ما استقر الإجماع على خلافه، بل يمكن دعوى ذلك في قول ابن الجنيد، إذ هو و إن كان معروف الحكاية عنه إلا أنه قد استقر الإجماع بعده على خلافه.

مضافا إلى ضعف ما ذكر دليلا له من

خبر أبي حمزة(1)عن أبي جعفر عليه السلام «قلت له: جعلت فداك في كم تجري الأحكام على الصبيان قال: في ثلاث عشرة و أربع عشرة، قلت: فإنه لم يحتلم فيها قال: و ان كان لم يحتلم فإن الأحكام تجري عليه»


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 26، ص: 32

و عموم أدلة التكليف و صحة توجه الخطاب إلى المميزين عقلا، لوجود شرطية العلم و القدرة خرج الأقل بالنص و الإجماع، فيبقى ذو الأربع عشر، و لأن نصوص الخمس عشر(1)محتملة للأخذ فيها، و للإكمال، و البناء على الأول هو الموافق للاحتياط في العبادة، و إن كان مخالفا له بالنسبة إلى ما يتعلق بالولي، و لأن أحوال البدن في الإنسان مرتبة على الأسابيع، فيجب أن يكون بلوغه كذلك، و ليس في الأسبوع الأول و لا الثالث قطعا فيكون الثاني و هو المطلوب.

أما الأول فبالعقل و النقل، (اما الأول) فلما ذكره الأطباء من أن استكمال الإنسان و تراجعه في السنين يشبه أحوال القمر في استكماله و تراجعه في دوره، فإن القمر يبدو هلالا ضعيفا ثم لا يزال يزداد إلى الليلة السابعة، فيقوى و يشتد نوره و لا يزال في الاشتداد حتى يصير في الليلة الرابعة عشر بدرا كاملا، ثم يرجع فينقص شيئا فشيئا حتى يكون في الواحد و

العشرين من الشهر كهيأته في السابع منه، ثم يزداد نقصه و خفاؤه الى أن ينتهي إلى العدم و المحاق في الثمانية و العشرين، و هكذا الصبي إذا ولد كان ضعيف الخلقة نحيف التركيب إلى أن يتم له سبع سنين، فإذا تم له ذلك استبان فيه آثار القوة في العقل و البدن، ثم لا يزال يترقى إلى أن يتم له أربع عشرة سنة، فإذا دخل في السنة الخامسة عشر دخل في الأسبوع الثالث، فهناك يكمل له العقل و تشتد قوته، و تتحرك فيه الشهوة، ثم لا يزال يترقى على هذه الحالة إلى السنة الحادية و العشرين، ثم يدخل في الأسبوع الرابع و هو آخر أسابيع النشو و النماء، فإذا تم له ذلك بإتمام السنة الثمانية و العشرين انتقل إلى سن الوقوف، و هو الزمان الذي يبلغ فيه أشده، و هو الأسبوع الخامس، و يمتد إلى ست و ثلاثين سنة، ثم يبدو له الرجوع بعد ذلك و يكون عوده كبدئه.

(و اما الثاني) فلما رواه

الصدوق في الفقيه (2)عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 2- و الباب- 14- من أبواب عقد البيع الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 83- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 5.

ج 26، ص: 33

«يربى الصبي سبعا و يؤدب سبعا و يستخدم سبعا و منتهى طوله في ثلاث و عشرين سنة، و عقله في خمس و ثلاثين، و ما كان بعد ذلك فبالتجارب».

و عن الصادق (عليه السلام)(1)«دع ابنك يلعب سبع سنين، و يؤدب سبع سنين، و ألزمه نفسك سبع سنين، فإن، أفلح و إلا فإنه مما لا خير فيه».

و خبر عيسى بن يزيد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام):

ينتظر الصبي لسبع سنين، و يؤمر بالصلاة لتسع، و يفرق بينهم في المضاجع لعشر، و يحتلم لأربع عشرة و ينتهى طوله لإحدى و عشرين سنة، و ينتهى عقله لثمان و عشرين إلا التجارب».

و في الجميع ما لا يخفى، إذ في الأول: مضافا إلى الطعن في سنده- بجهالة السندي بن ربيع، و يحيى بن المبارك، و وقف عبد الله بن جبلة- يمكن منع دلالته على المطلوب، لاشتماله على الترديد المنافي للتعيين. و حمله على التقسيم أو الترديد من الراوي- لعلو مرتبة الإمام عنه، فيجب البناء على الأكثر، للأصل، و يثبت المطلوب- ليس بأولى من إبقاء العطف على ظاهره، و حمله على التمرين القابل من حيث استحبابه للدرجات، بخلاف الإيجاب بل هو أولى بملاحظة ما سمعته من أدلة الخمس عشر كما هو واضح.

و في الثاني: أن البلوغ شرط ثالث مغاير للعلم و القدرة، و حصوله بالأربع عشر مشكوك فيه، فيشك حينئذ في التكليف المشروط به، على أن الأصل عدم الشرط مع الشك فيه كما هو المفروض، و بانتفائه ينتفى المشروط.

و الثالث: ما عرفت من عدم الإجمال في نصوص الخمس عشر، لأنها بين ما هو نص في الإكمال، و بين ما هو ظاهر فيه، و وجوب الاحتياط موقوف على التكليف، فلو توقف التكليف عليه دار، على أن الاحتياط في نفسه لا يقتضي الوجوب، مع عدم اشتغال الذمة بما يتوقف عليه كما نحن فيه، إذ ذمة الصبي خالية عن الشواغل.


1- 1 المصدر نفسه الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 10- فيه يتغير بدل ينتظر.

ج 26، ص: 34

و الرابع: إنا نمنع اطراد الأسابيع في كل شي ء حتى البلوغ بالمعنى الذي يترتب عليه الأحكام الشرعية، و الوجه العقلي مع كونه ظنيا لا يقتضيه، و النقلي مسوق لشي ء آخر، فلا يقاس عليه البلوغ، و

قوله (عليه السلام)(1)«يحتلم لأربع عشر»

لا عموم له، و إنما المراد به الغلبة أو الإمكان في ذلك الزمان دون ما قبله، فإن الاحتلام قد يتأخر عن المدة المذكورة.

فظهر من ذلك كله أنه لا ينبغي للفقيه التوقف في المسئلة، و القول بالثلاثة عشر مضافا إلى ما سمعته سابقا فيه، انما يشهد له

موثق عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة، قال: إذا أتى عليه ثلاث عشرة سنة، فإن احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة و جرى عليه القلم، و الجارية مثل ذلك إن أتى لها ثلاث عشرة سنة،

أو حاضت قبل ذلك فقد وجب عليها الصلاة، و جرى عليها القلم».

و عبد الله بن سنان (3)عنه أيضا «سأله أبي و أنا حاضر عن قول الله تعالى حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ قال: الاحتلام، قال: فقال: يحتلم في ست عشرة و سبع عشرة سنة و نحوها، فقال إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة. كتبت له الحسنات و كتبت عليه السيئات و جاز أمره إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا».

و موثقه الآخر(4)عنه أيضا «إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة، و كتبت عليه السيئة و عوقب و إذا بلغت الجارية تسع سنين كلفت، و ذلك أنها تحيض لتسع سنين».

و صحيحه الآخر(5)عنه أيضا «إذا بلغ الغلام أشده ثلاث عشرة سنة و دخل في


1- 1 الوسائل الباب- 74- من أبواب أحكام الأولاد الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 12.
5- 5 هكذا في الوسائل، و لكن في التهذيب ج- 9- باب- 8- وصية الصبي و المحجور الحديث- 6- من بعد قوله: فقال إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة توجد هذه الجملة و نحوها فقال: لا إذا أتت عليه ثلاث عشرة سنة. إلخ.

ج 26، ص: 35

الأربع عشرة وجب عليه ما وجب على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم، و كتبت عليه السيئات و كتب له الحسنات، و جاز له كل شي ء إلا أن يكون ضعيفا أو سفيها».

و الأول مع كونه من قسم الموثق و مشتمل على ما أجمع الإمامية على خلافه من عدم زيادة بلوغ الجارية على العشر غير صالح لمعارضة

ما تقدم من وجوه، و كذا ما بعده من النصوص التي هي في قوة خبر واحد باعتبار كون الأصل فيها عبد الله بن سنان، و أن التعدد إنما هو في الطريق اليه، مع أنها عدا الأخير منها من قسم الموثق المعلوم حاله.

و الأخير مشتمل على الحسن بن على بن زياد الوشاء، و عن ظاهر الأكثر عد حديثه من الحسن لا الصحيح، بل في المحكي عن المسالك التصريح بذلك، قال و وصفه بالصحة في كلام بعض الأصحاب يراد به الصحة الإضافية، دون الحقيقية مضافا إلى اختلاف ألفاظ الحديث و اضطراب متنه لأنه على ما رواه الوشاء يقتضي توقف البلوغ على الدخول في الأربع عشر و هو خلاف المدعى و خلاف ما رواه غيره من البلوغ بالثلاثة عشر الذي هو غير البلوغ بالدخول في الأربع عشر، و لذا كان بلوغ الأنثى بالتسع لا الدخول في العشر و الصبي الخمس عشر لا الدخول في الستة عشر، هذا و ان أمكن دفعه بما سمعته سابقا من أن اعتبار الدخول للعلم، لا للبلوغ، إلا أن عدم معروفيته عن ذلك بمثله في نظائره و اختلاف ألفاظ الرواية مما يحصل به الارتياب في سلامة اللفظ المسموع من الإمام (عليه السلام).

و على كل حال فلا ريب في قصورها عن معارضة ما تقدم من وجوه، و احتمال ترجيحها عليها بالمخالفة لجميع مذاهب العامة- بخلاف نصوص الخمس عشر الموافقة لمذهب الأوزاعي، و الشافعي، و أبي يوسف، و محمد بن الحسن، و أحمد بن حنبل- يدفعه استبعاد خفاء مثل ذلك على الأساطين، سيما مع معروفية ما يقع منهم (عليهم السلام) تقية بين خواصهم، حتى كان بعضهم يقول لبعض قد أعطاه من جراب النورة.

بل يمكن دعوى القطع من الفقيه الممارس لكلماتهم العارف بلسانهم و ما يلحنونه في أقوالهم بعدم صدور نصوص الخمس عشر مصدر التقية، على أن أكثرها عن الباقر

ج 26، ص: 36

و الصادق عليهما السلام، و زمان الباقر عليه السلام متقدم على زمان القائل بالخمس عشر من أهل الخلاف، بل و كذا الصادق عليه السلام عدا الأوزاعي.

لكن قيل الذي يظهر من تتبع الأخبار أن التقية منه و من الباقر عليهما السلام من فقهاء الحجاز و العراق، دون الشام التي الأوزاعي منها، بل لم يكن بحيث يتقى منه، على أن في جملة من تلك النصوص تحديد بلوغ الأنثى بالتسع، المخالف لما أجمع عليه العامة، و هو أقوى شاهد على عدم خروجها مخرج التقية التي لو بنى فيها الأمر على الاحتمال كما اختاره بعض المحدثين، كان حمل خبر ابن سنان عليها أولى، باعتبار معروفيته عند العامة و اتصاله بالمنصور، و المهدي، و الهادي، و الرشيد من خلفاء بنى عباس، و كثرة وقوع التقية من الصادق عليه السلام، بخلاف الباقر عليه السلام.

فلا ريب في قصورها عن المعارضة لتلك النصوص المتعددة التي فيها الصحيح و غيره، الموافقة للأصل و العمومات، و ظاهر الكتاب و السنة، و محكي الإجماع و الشهرة العظيمة، بل صحيح ابن وهب منها صريح في نفي الثلاثة عشر لأن أقصى ما يحتمل فيه و إن كان خلاف الظاهر تحقق البلوغ بالدخول في الخمس عشر، بناء على أن المراد من العددين فيه الأخذ فيهما، لا كمالهما، و هو غير مكافئ له سندا كما هو واضح بل و دلالة لاحتمال خبر الثلاث عشر تأكد الاستحباب، أو تحقق البلوغ بغير السن من الأسباب، أو غير ذلك.

و إن أبيت فصناعة الفقه تقتضي طرحه في مقابلته، كطرح ما تضمن التحديد بخمسة أشبار

في خبر السكوني (1)عن الصادق عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا بلغ الغلام خمسة أشبار اقتص منه، و إن لم يكن بلغ خمسة أشبار قضى بالدية»

أو تأويله بما يرجع إلى المشهور، و التحديد بثمان سنين

في خبر سليمان بن حفص المروزي (2)«قال إذا تم للغلام ثمان سنين فجائز أمره، و وجب عليه الفرائض و الحدود


1- 1 الوسائل الباب- 36- من أبواب قصاص النفس الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 28- من أبواب حد السرقة الحديث- 13.

ج 26، ص: 37

و إذا تم للجارية تسع سنين فكذلك».

و الموثق عن الحسن بن راشد(1)عن العسكري عليه السلام «إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجائز أمره في ماله، و قد وجب عليه الفرائض و الحدود و إذا تم للجارية تسع فكذلك»

المخالفين للإجماع كما عن الآبي الاعتراف به.

و التحديد بالعشر

في خبر أبي أيوب الخزاز(2)«سألت إسماعيل بن جعفر متى تجوز شهادة الغلام؟ فقال: إذا بلغ عشر سنين، قال: قلت: و يجوز أمره قال:

فقال: إن رسول الله دخل بعائشة و هي ابنة عشر سنين، و ليس يدخل بالجارية حتى تكون امرأة، فإذا كان للغلام عشر سنين جاز أمره و جازت شهادته»

المقطوع سنده، بل في طريقه العبيدي عن يونس، و فيه كلام و قد ورد بالعشر نصوص كثيرة في الوصية و العتق و الوقف و غيرها.

و لعل منها ما أشار إليه المصنف بقوله و في أخرى إذا بلغ عشرا و كان بصيرا، أو بلغ خمسة أشبار جازت وصيته، و اقتص منه، و أقيمت عليه الحدود الكاملة و ان كنا لم نعثر على اجتماع ذلك في رواية كما اعترف به في المسالك، قال: «أما رواية العشر في جواز الوصية فهي صحيحة، و في معناها روايات، إلا أنها لا تقتضي البلوغ، لجواز اختصاصه بهذا الحكم، و من ثم لم يعمم، و أما بلوغ خمسة أشبار فهو في رواية أخرى، و إن كان المفهوم من العبارة أنهما في واحدة، و معنى قولنا أقيمت عليه الحدود أنه لا ينقص منها شي ء، لأن الصبي إذا فعل ما يوجب الحد على غيره يؤدب بما لا يبلغ الحد، و لنا

رواية(3)أخرى «أن الأحكام تجري على الصبيان من ثلاث عشرة سنة و أربع عشرة سنة و ان لم يحتلم»

و ليس فيها تصريح بالبلوغ مع عدم صحة سندها، و هذه الرواية قدمها المصنف في النافع ثم عقبها بقوله و في أخرى، و هنا عبر بالأخرى من غير سبق رواية و ليس بجيد.


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب الشهادات الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3.

ج 26، ص: 38

قلت: الأمر في ذلك كله سهل بعد أن لم يكن في شي ء من نصوص العشر المتفرقة في الأبواب ما يدل على كون العشر بلوغا، و غايتها ارتفاع الحجر بها عن الصبي في تلك الأمور المخصوصة، و بعضها كالصريح في ذلك و الأصحاب بين عامل بمضمونها في تلك الموارد، و بين راد لها في الجميع، و بين مفصل فأجاز و صيته، لصحة الأخبار الواردة فيها، و منع فيما عدا ذلك.

و أما حصول البلوغ الذي هو مناط التكليف بالعشر فلم نعرف قائلا به نعم أرسله في الكفاية كما سمعت، و لم نتحققه، بل مقتضى اسناد بعض الأصحاب له إلى الرواية، عدمه، و على تقديره فلا ريب في ضعفه لقصورها عن المعارضة من وجوه، بل النص مستفيضة في عدم حصوله بالعشر.

ف

في صحيح أبي بصير(1)عن الصادق عليه السلام «في غلام صغير لم يدرك ابن عشر سنين زنى

بامرأة يجلد الغلام دون الحد، و تجلد المرأة الحد كاملا، قيل له و إن كانت محصنة قال: لا ترجم لأن الذي نكحها ليس بمدرك».

و الحلبي (2)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «الغلام له عشر سنين فيزوجه أبوه في صغره أ يجوز طلاقه و هو ابن عشر سنين؟ فقال: أما التزويج فصحيح، و أما طلاقه فينبغي أن تحبس عليه امرأته حتى يدرك، فيعلم أنه كان طلق امرأته».

و صحيح صفوان (3)عن إسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن ابن عشر سنين أ يحج؟ قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت»

و نحوه غيره إلى غير ذلك من النصوص، فلا إشكال في المسألة بحمد الله من هذه الجهة، بل و لا من غيرها كما بان لك ذلك مفصلا هذا كله في الذكر.

و أما الأنثى فبلوغها كمال تسع على المشهور بين الأصحاب، بل هو الذي استقر عليه المذهب، خلافا للشيخ في صوم المبسوط، و ابن حمزة في خمس الوسيلة فبالعشر إلا أن الشيخ قد رجع عنه في كتاب الحجر، فوافق المشهور و كذا الثاني في


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب حد الزنا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب ميراث الأزواج الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب وجوب الحج و شرائطه.

ج 26، ص: 39

كتاب النكاح منها بل قد يرشد ذلك منهما إلى إرادة توقف العلم بكمال التسع على الدخول في العشر.

و على كل حال فيمكن بعد رجوع المخالف دعوى تحصيل الإجماع كما وقع من بعضهم بل في السرائر بعد أن حكى عن صوم المبسوط ما سمعت، و عن نهايته التسع قال: «و هو الصحيح الظاهر من المذهب، لأنه لا خلاف بينهم أن حد بلوغ المرأة تسع سنين، فإذا بلغتها و كانت رشيدة سلم الوصي إليها و هو بلوغها الوقت الذي يصح أن تعقد على نفسها عقدة النكاح، و يحل للبعل الدخول بها بغير خلاف بين الشيعة الاثني عشرية».

و يدل عليه مضافا إلى ذلك و إلى ما تقدم من خبري ابن حمران (1)و يزيد الكناسي (2)و موثقي عبد الله بن سنان (3)و الحسن بن راشد(4)، و

مرسل الفقيه (5)قال «أبو عبد الله عليه السلام إذا بلغت الجارية تسع سنين دفع إليها مالها، و جاز أمرها في مالها، و أقيمت الحدود التامة لها و عليها»

و النصوص (6)الدالة على جواز الدخول بالجارية إذا بلغت تسعا، و أنها تحيض لتسع (7)و هي كثيرة.

و أما البلوغ بالعشر فقد رواه الشيخ مرسلا و لم أجد به رواية مسندة نعم ربما يستدل له ب

رواية غياث بن إبراهيم (8)عن الصادق عليه السلام «أن أمير المؤمنين عليه السلام قال:


1- 1 الوسائل الباب 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 2- و الباب- 2- من أبواب الحجر الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات- 4.
5- 5 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
6- 6 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات النكاح.
7- 7 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12- و الباب 2 و- 3- من أبواب العدد الحديث 4 و 5.
8- 8 الوسائل الباب- 45- من أبواب مقدمات النكاح الحديث- 7.

ج 26، ص: 40

لا توطى ء جارية لأقل من عشر سنين، قال: فإن فعل فعيبت ضمن»

لكنها كما ترى مع أنها ضعيفة السند- بينة الشذوذ معارضة بالروايات المستفيضة الدالة على جواز الدخول بالجارية لتسع، بل

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)«أنه دخل بعائشة قبل تجاوز التسع»

غير صريحة في تحديد البلوغ بالعشرة لجواز استناد المنبع فيها إلى أمر آخر، غير عدم البلوغ، فليس للفقيه محيص عن المشهور، كما هو واضح،.

و على كل حال فالمراد بالسنة فيها- و في الذكر هنا بل و في غيره من التحديدات القمرية، لأنه المعهود من الشرع و المعروف عند العرب، و قد قال الله تعالى (2)«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ» و قال (3)«هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ» و قال (4)«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَ الْحَجِّ».

و على هذا فيعتبر في الذكر مضي أربع عشرة سنة و أحد عشر شهرا هلاليا في السنة الأولى،

و يكمل الشهر الأول منها من السادسة عشر ثلاثين يوما إن كان تاما و إلا ففي تكملته ثلاثين كالأول، أو بقدر ما فات منه تم أو نقص احتمالان: أظهرهما عند بعض الأساطين الأول، و كذا الكلام في الأنثى، و ربما قيل بانكسار الشهور و السنين كلها بانكسار الشهر الأول فيبطل اعتبار الأهلة و يرجع الى العدد في الجميع و هو ضعيف.

و الظاهر انتفاء القول هنا و إن قيل بمثله في غيره و قد تقدم لنا شطر صالح من الكلام في ذلك فلاحظ و تأمل هذا.

و لا يخفى ان تحديد البلوغ بالسن كغيره من التحديدات أمر واحد، غير مختلف بالقياس إلى أنواع التكاليف، لما عرفت من أن البلوغ مرتبة خاصة في جميع أفراد الحيوان فضلا عن الإنسان- لإجماع العلماء و للنصوص الكثيرة الواردة في التحديد على اختلافها


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث.
2- 2 سورة التوبة الآية 36.
3- 3 سورة يونس الآية- 5.
4- 4 سورة البقرة الآية 189.

ج 26، ص: 41

فيه، إلا أنها متفقة في عدم الاختلاف المزبور.

بل خبر عبد الله بن سنان (1)منها- الذي قواه المتأخرون، و مال إلى الأخذ به الفاضل المذكور- ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، و كذا حديث الثمالي (2)و خبر حمزة بن حمران (3)بل النبوي صريح في ذلك.

و في

المروي عن قرب الإسناد عن علي بن المفضل (4)«أنه كتب الى أبي الحسن عليه السلام ما حد البلوغ؟ قال: ما أوجب على المؤمنين الحدود»

و به يظهر العموم في خبر يزيد الكناسي (5)حيث دل على أن الحدود لا تثبت للغلام قبل بلوغ الخمس عشر، فما تفرد به الفاضل الكاشاني- من أن التحديد بالسن مختلف في التكليفات، و أن الحد في كل شي ء هو التحديد الوارد فيه، ظنا منه أن التوفيق بين النصوص الواردة في السن إنما يحصل بذلك- واضح الفساد، لمخالفته إجماع الإمامية بل المسلمين كافة، فإن العلماء مع اختلافهم في حد البلوغ بالسن مجمعون على أن البلوغ الرافع للحجر هو الذي يثبت به التكليف، و أن الذي يثبت به التكليف في العبادات هو الذي يثبت به التكليف في غيرها، و أنه لا فرق بين الصلاة و غيرها من العبادات، فيه.

بل هو أمر ظاهر في الشريعة، معلوم من طريقة فقهاء الفريقين، و عمل المسلمين في الأعصار و الأمصار من غير نكير، و لم يسمع من أحد منهم تقسيم الصبيان بحسب اختلاف مراتب السن، بأن يكون بعضهم بالغا في الصلاة مثلا غير بالغ في الزكاة، أو بالغا في العبادات دون المعاملات، أو بالغا فيها غير بالغ في الحدود، و ما ذاك إلا لكون البلوغ بالسن أمرا متحدا غير قابل للتجزية و التنويع، على أن في جملة من نصوص المقام خبري المروزي (6)و ابن راشد(7)المصرحين بوجوب الفرائض و الحدود على


1- 1 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12-.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 3-.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 3.
6- 6 المستدرك ج- 1- ص 7.
7- 7 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث- 4-.

ج 26، ص: 42

الغلام بإكمال الثمان، و التوفيق بينهما و بين التحديدات غير ممكن.

و كذا ما ورد في الوجوب على ذي ست، و عدم الوجوب على من لم يبلغ ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشر، و ما دل على وجوب الصوم على الجارية بالتسع، و ما دل على عدمه عليها إلا بالثلاث عشر.

و بالجملة فالنصوص مختلفة اختلافا لا يرجى جمعه بنحو ذلك، و إنما الواجب النظر في اخبار المسألة بالنسبة إلى المكافاة و عدمها، ثم الأخذ بالراجح، و ترك المرجوح أو تأويل ما يمكن فيه منه بالحمل على التمرين و التأديب، أو غير ذلك، كما فعله الأصحاب، و قد بان لك بحمد الله الراجح منها و المرجوح، و الله أعلم بحقيقة الحال، هذا كله في السن و الإنبات و الإنزال.

أما الحمل و الحيض فليسا بلوغا في حق النساء بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل نفاه عنه غير واحد من دون استثناء، ففي المسالك «لا خلاف في كون الحيض و الحمل دليلين على البلوغ، كما لا خلاف في كونهما بلوغا بأنفسهما» بل هو ظاهر العلامة في التذكرة و التحرير حيث نفي الخلاف في كون الحيض دليلا على البلوغ و الدليل في كلامهم هنا خلاف السبب، لكن في المبسوط أن البلوغ يحصل بثلاثة الاحتلام، و الحيض، و السن، ثم قال: و الحمل دلالة على البلوغ، و كذا الإنبات على، خلاف فيه، و ظاهره كون الحيض بلوغا دليلا على سبقه، و مثله ما في الوسيلة لكن يمكن أن يريدا بذلك عدم دلالته على السبق بزمان يسع التكليف، لجواز اتصاله بالسن، و وقوعه بعد كمال التسع بلا فصل، فيكون كالسبب في البلوغ، لا بمعنى جواز التقدم عليه فإن امتناعه مقطوع به في كلام الأصحاب، كما أنه يمكن إرادة ثاني الشهيدين من العبارة السابقة أنه لا خلاف في كون الحمل و الحيض دليلين على سبق البلوغ كما لا خلاف في كون هذين الأمرين المذكورين في المتن المفهومين ضمنا من دلالة الحمل و الحيض على السبق بلوغا في أنفسهما، و يمكن إرجاع الضمير إلى الحمل و الحيض على معنى ارادة تعليق أحكام البلوغ عليهما في الشرع، و إن كانا كاشفين عنه حقيقة.

ج 26، ص: 43

ف

في خبر عبد الرحمن بن الحجاج (1)عن الصادق (عليه السلام «ثلاث يتزوجن على كل حال، و عد منها التي لم تحض و مثلها لا تحيض، قلت: و ما حدها قال: إذا أتي لها أقل من تسع سنين».

و روايته الأخرى (2)عنه أيضا «ثلاث يتزوجن على كل حال و ذكر من جملتها التي لم تحض و مثلها لا تحيض، قال: قلت: و متى يكون كذلك قال ما لم تبلغ تسع سنين، فإنها لا تحيض و مثلها لا تحيض».

و رواية عبد الله بن عمر(3)«قلت لأحدهما: الجارية يشتريها الرجل و هي لم تدرك أو قد يئست من المحيض؟ قال: لا بأس بأن لا يستبرءها».

و موثق عبد الله بن سنان (4)«إذا بلغ الغلام ثلاث عشرة سنة كتبت له الحسنة و كتبت عليه السيئة و عوقب، و إذا بلغت الجارية تسع سنين فكذلك، و ذلك أنها تحيض لتسع سنين.»

و خبر يونس بن يعقوب (5)«أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يصلي في ثوب واحد؟ قال: نعم، قلت: فالمرأة قال: لا يصلح للحرة إذا حاضت إلا الخمار، إلا أن لا تجده»

و غيرها من النصوص المعلقة لأحكام البلوغ على الحيض.

أما الحمل فقد يدل عليه

الحسن كالصحيح (6)«عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:

في رجل ابتاع جارية و لم تطمث قال: إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحبل فليس عليها عدة، و ليطأها إن شاء، و إن كانت قد بلغت و لم تطمث فإن عليها العدة».


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
5- 5 الوسائل الباب- 28- من أبواب لباس المصلى الحديث- 4-.
6- 6 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1-.

ج 26، ص: 44

و

مرسل جميل (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يطلق الصبية التي لم تبلغ و لا يحمل مثلها و قد كان دخل بها، و المرأة التي قد يئست من المحيض و ارتفع حيضها و لا يلد مثلها؟ قال: ليس عليهما عدة و إن دخل بهما».

و موثق محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال: التي تحبل مثلها لا عدة عليها».

و خبر منصور بن حازم (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجارية لا يخاف عليها الحبل قال: ليس عليها عدة».

و خبر ابن أبي يعفور(4)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «في الجارية التي لم تطمث و لم تبلغ الحبل إذا اشتراها الرجل قال: ليس عليها عدة يقع عليها».

بل قد يشهد لذلك أيضا فحوى الأخبار المستفيضة(5)المتضمنة لنفي العدة عن الصغيرة و التي لم تبلغ المحيض، فإن الوجه في انتفاء العدة في مثلها على ما يستفاد من النصوص عدم الاسترابة بالحمل في مثلها، و مقتضى ذلك خروجها عن حد الصغر بإمكان الحمل، فخروجها عنه بتحققه أولى.

و على كل حال فقد بان لك مما ذكرنا عدم كونهما بلوغا بأنفسهما بل قد يكونان دليلين على سبق البلوغ في مثل المجهول حالها، بأن يكون الحيض منها كاشفا عن حصول العدد لها،

فلا يرد أن الدم الذي تراه قبل التسع ليس بحيض، و بعدها يكون بلوغها بالسن، فلا أثر للحيض في الدلالة، إذ الجواب ما أومأنا إليه من ظهور القاعدة في مجهوله السن، فإن بلوغها يعرف بالحيض، لدلالته على السن الدال عليه، لا بالسن، لفرض جهالته.

نعم يعتبر فيه معلومية كونه حيضا من الصفة أو غيرها، و لا يكفى هنا ما اشتهر بين الفقهاء من قاعدة الإمكان، إذ هو مشروط ببلوغ التسع كما صرحوا به، و الفرض


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب العدد الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب العدد.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 26، ص: 45

في المقام الاشتباه.

و من هنا قال في التذكرة: «لو اشتبه الخارج أنه حيض أم لا لم يحكم بالبلوغ، و لا يحكم إلا مع اليقين عملا بالاستصحاب» و هو كذلك و معه يسقط اعتبار الصفة، فإنها إنما تعتبر في صورة الشك.

و أما دلالة الحمل على السبق فباعتبار قضاء العادة بتقدم الحيض، و باعتبار كونه مسبوقا بالإنزال الذي قد عرفت سببيته للبلوغ، لأن تكون الولد إنما يكون من اختلاط مجموع المائين، و هو المراد من الأمشاج في الآية الكريمة(1)على ما هو المهور بين المفسرين كإرادة صلب الرجل و ترائب المرأة من قوله تعالى (2)«يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ» لا صلب الرجل و ترائبه، و لا أن المراد بالامشاج الاختلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من

الحرارة و البرودة و الرطوبة و اليبوسة، و لا الأطوار و الشؤن، و لا الاختلاط من مني الرجل و حيض المرأة، مع أنه على الأخير يتم المطلوب أيضا.

و ما ذكرناه في الآيتين هو المروي عن ابن عباس بل هو موافق للنصوص الكثيرة عن النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة عليهم السلام على أن خلق الولد من المائين و أن ماء الرجل أبيض غليظ، و ماء المرأة أصفر رفيق، و أن العظم و العصب و العروق من نطفة الرجل و الشعر و الجلد و اللحم من نطفة المرأة، و أن الذكورة و الأنوثة و الشبه بالأعمام و الأخوال من تسابق المائين، و علو أحد هما على سابقه روى ذلك الصدوق، و الراوندي، و الطبرسي، في المحكي عن العلل، و القصص، و المجمع و الاحتجاج.

و ما عن الحكماء و الأطباء من الاختلاف في منى المرأة فعن أرسطو و أتباعه أنه لا مني لها و انما ينفصل عنها رطوبة شبيهة بالمني إذا امتزج بها مني الرجل تولد منها مادة الجنين، و ذلك لوجود القوة العاقدة في مني الرجل و المنعقدة في رطوبة المرأة.


1- 1 سورة الدهر الآية- 2.
2- 2 سورة الطارق الآية- 6.

ج 26، ص: 46

و عن جالينوس و أكثر الأطباء أن للمرأة منيا كالرجل، و في كل منهما قوة عاقدة و منعقدة، لكن مني الذكر أشد و أقوى في الفعل و التأثير من مني الأنثى، و عن الحكماء أن مبدء التصوير في مني الرجل، و مبدء التأثير و التصور في مني المرأة، و إنما المني إنما يقال عليهما بمحض اشتراك الاسم، و الا فمني الرجل حار نضيج ثخين، و مني المرأة جنس من دم الطمث، و إنما حصل به استحالة يسيرة، لا يبعد به عن الدم بعد منى الرجل منه، و لذا يسمونه طمثا لا منيا.

و عن بعض المحققين ان المني عند الحكماء و هو الماء الجامع لبياض اللون و رائحة الطلع، و الدفق و اللذة و القوة العاقدة غير قادح في شي ء مما ذكرنا، ضرورة كون النزاع بين الفريقين لفظيا، و أن الاتفاق منهما واقع على أن تكون الولد من مجموع المائين، و العبرة في التسمية بالعرف و اللغة و رطوبة المرأة تسمى منيا فيهما، و خروجها عنه باصطلاح الحكماء لا يقدح في ثبوت الحكم الشرعي المنوط بغيره، كما هو واضح.

و على كل حال ففي التذكرة و القواعد و المسالك «أن دلالة الحمل على البلوغ منوطة بالوضع، لعدم العلم بتحققه بدونه، فبعد الوضع يحكم بالبلوغ قبله».

قلت الأجود إناطة الحكم بالعلم في أصل الحمل، و ابتدائه فلو علم به قبل الوضع حكم بالبلوغ، و كذلك لو علم بكونه لأكثر من ستة أشهر حكم به، لما يحتمل النقص عنه، و لا فرق في دلالة الحمل على البلوغ بين أن يكون الولد تاما أو غير تام، إذا علم أنه مبدء نشو آدمي، كما في العلقة و المضغة، و يسقط اعتبار الستة أشهر هنا. و للرجوع إلى الأربعين- كما دلت عليه الروايات في مراتب النشو- وجه وجيه.

ثم لا يخفى عليك أن الحاجة إلى هذه العلامة فيما إذا تحقق الحمل للمرأة من غير إحساس بالإنزال، فلو أحست به حصل لها العلم بالبلوغ بذلك، و جرى عليها القلم، و إن توقف الحكم به ظاهرا على ظهور الحمل، أو تحقق الوضع و الله هو العالم بحقيقة الحال.

[تفريع الخنثى المشكل لو خرج منيه من الفرجين حكم ببلوغه ]

تفريع: الخنثى المشكل بناء على الانحصار في الرجل و المرأة، و أنه

ج 26، ص: 47

لا قسم ثالث إن نبت شعره الخشن حول الفرجين أو بلغ سنه الخمس عشر لو خرج منيه من الفرجين أو أمنى من فرج الذكر بعد مضي تسع، و إمكان الامناء من الذكر حكم ببلوغه بلا خلاف أجده بيننا و لا إشكال ضرورة حصول سبب البلوغ في الفرضين، إن كان رجلا أو امرأة.

نعم لو خرج منيه من أحدهما يحكم به بناء على اعتبار اعتياد المخرج في الدلالة على البلوغ، لجواز كون ذلك الفرج زائدا، فلا يكون معتادا أما لو صار ذلك معتادا أو قلنا بدلالة خروج المني مطلقا على البلوغ، اتجه الدلالة هذا.

و في المسالك بعد أن حكم بعدم الدلالة قال: «و مثله ما لو حاض من فرج النساء خاصة هذا هو الذي اختاره أكثر العلماء و لبعض العامة قول بأن ذلك كاف في البلوغ لان خروج المني من فرج الذكر يحكم بكونه ذكرا، كما يحكم به لو خرج البول منه خاصة، و كذا القول في الحيض و المني من فرج الأنثى، و لان خروج مني الرجل من المرأة و الحيض من الرجل مستحيل، و كان دليلا على التعيين، و متى ثبت التعيين كان دليلا على البلوغ، و لأن خروجهما معا دليل البلوغ، فخروج أحدهما أولى، لأن خروجهما يفضى إلى تعارضهما، و إسقاط دلالتهما، إذ لا يتصور حيض صحيح و مني رجل، و نفى في التذكرة البأس عن هذا القول، و هو في محله نعم لو صار ذلك معتادا قويت الدلالة».

قلت لا ينبغي التأمل في دلالة الحيض، بعد فرض العلم بكونه حيضا، لا أنه بصفاته و ان احتمل كونه غير حيض على التعيين، و على البلوغ، كما أنه لا ينبغي التأمل في دلالة المني الخارج من الفرج بعد العلم بكونه منيا عليهما أيضا، إذا كان خروجه في زمان عدم إمكان خروجه من الذكر، لاستحالة ذلك من غير الأنثى كما هو واضح.

أما لو كانا بالصفة مع احتمالهما غيرهما، فالمتجه ما هو المشهور من عدم الدلالة على أحدهما، لما عرفت، و قياسه على البول مع أنه منصوص هو مع الفارق، ضرورة كون المفروض أنهما بالصفات، و إن لم يقطع بكونهما حيضا أو منيا، و دعوى أن

ج 26، ص: 48

الصفات مما تورث العلم ظاهرة الفساد، و إلا لم يمكن فرض التعارض فيهما في المسألة التي ذكرها المصنف و غيره بقوله.

و لو حاض من فرج الإناث و أمنى من فرج الذكور حكم ببلوغه على المشهور بين الأصحاب، نقلا إن لم يكن محصلا، بل في المسالك «أن دلالة ذلك عليه واضحة، لأنه إما ذكر فقد أمنى، و إما أنثى فقد حاضت» و للعامة قول بعدم ثبوت البلوغ بذلك، لتعارض الخارجين و إسقاط كل واحد منهما الآخر، و لهذا لا يحكم و الحال هذه بالذكورة و لا بالأنوثة، فيبطل دلالتهما كالبينتين إذا تعارضتا، بل في المسالك «هو وجه في المسألة».

قلت: هو مع أنه مناف للوضوح الذي ادعاه سابقا اللهم إلا أن يريد بالوجه مطلق الاحتمال و ان كان واضح الضعف تعارضهما بالنسبة إلى الدلالة على الذكورة أو الأنوثة لا يقضي به بالنسبة إلى البلوغ، ضرورة عدم التلازم بينهما كما هو واضح و الله أعلم.

[الوصف الثاني الرشد]

الوصف الثاني الذي يتوقف عليه رفع الحجر الرشد في المال بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل الكتاب و السنة دالة عليه أيضا، و المرجع فيه العرف كما في غيره من الألفاظ التي لا حقيقة شرعية لها، و لا لغوية مخالفة للعرف، و ما عن الكشاف- من أن الرشد الهداية، و القاموس الاهتداء، و النهاية و الصحاح خلاف الغي، المفسر فيهما بالضلال- لا ينافي ما ذكره الأصحاب في المقام، إذ هو بالنسبة إلى خصوص المال، و لو سلم فالعرف مقدم على اللغة عندنا، كما حررناه في محله.

و على كل حال ف هو أن يكون مصلحا لماله و قد قيل: إنه طفحت به عباراتهم، بل عن التنقيح «أنه لا شك فيه عند العرف» و مجمع البرهان «هو الظاهر المتبادر منه عرفا، و أنه هو الذي ذكره الأصحاب» و عن مجمع البيان «أنه العقل و إصلاح المال و هو

المروي عن الباقر (عليه السلام)(1)و عن مجمع البحرين عن الصادق- (عليه السلام)(2)في تفسير الآية «أنه حفظ المال».

و لعل مرجع الجميع إلى شي ء واحد، و هو ما صدق عليه عرفا انه رشد


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 6.

ج 26، ص: 49

بالنسبة إلى المال، إلا أن قاعدتهم في مثل هذه الألفاظ الراجعة إلى العرف عدم التحديد التام، اتكالا عليه، بل ربما لا ينافي في بعض المقامات تحديده على الوجه التام، و من هنا قد عرفت تفسيره بما سمعت، و في القواعد و عن غيرها أنه كيفية نفسانية تمنع من إفساد المال، و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء، و كثير منهم ممن فسره بالإصلاح قد أخذ الملكة فيه في مقام آخر، و جميع ذلك عند التأمل فضول لوفاء العرف في مصداقه، فليس من وظائف الفقيه البحث فيه، فضلا عن الاطناب.

نعم جرت عادتهم بذكر تفسير له على جهة الإجمال، و لذا تختلف في القيود، و من هنا يعرف ما في المسالك في شرح عبارة المتن معترضا بها عليه، بل و على غيره قال:

«ليس مطلق الإصلاح موجبا للرشد، بل الحق أن الرشد ملكة نفسانية تقتضي إصلاح المال، و تمنع من إفساده، و صرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.

و احترزنا بالملكة عن مطلق الكيفية، فإنها ليست كافية، بل لا بد من أن تصير ملكة يعسر زوالها، و باقتضائها إصلاح المال عما لو كان غير مفسد له، و لكن لا رغبة له في إصلاحه على الوجه المعتبر عند العقلاء، فإن ذلك غير كاف في تحقق الرشد، و من ثم يختبر بالاعمال اللائقة بحاله، كما سيأتي، و يمنعه من إفساده عما لو كان له ملكة الإصلاح و العمل، و جمع المال، و لكن ينفقه بعد ذلك في غير الوجه اللائق بحاله، فإنه لا يكون رشيدا».

و فيه أولا: أنه من المعلوم إرادة الصفة اللازمة ضرورة عدم صدق الرشيد عرفا على من حصل منه ذلك على وجه الاتفاق، و مرجع الملكة إلى ذلك فهي مرادة للجميع بهذا المعنى قطعا، و المراد بإصلاح المال حفظه و الاعتناء بحاله، و عدم تبذيره و المبالاة و نحو ذلك مما ينافيه العرف بالاعمال التي لا تليق بحاله.

أما تنميته و التكسب به فقد يمنع اعتباره في الرشد عرفا، من غير فرق بين أولاد الرؤساء و غيرهم، و ستعرف عدم وجوب الاختبار بالاعمال اللائقة بحاله، و انما هو طريق من طرق معرفة الرشد، كالغزل و الاستغزال، و النسج و الاستنتاج في الأنثى و الجمع بينهما في الخنثى، ضرورة عدم توقف تحقق الرشد عرفا على ذلك، بل قد

ج 26، ص: 50

يتحقق عرفا بدونه، كما هو واضح بأدنى تأمل. و بالجملة إطالة الكلام في تحقق مصداق الرشد في المال مع وفاء العرف به تضييع للعمر فيما لا ينبغي.

و أولى من ذلك البحث في أنه هل يعتبر فيه العدالة أولا حتى قال المصنف فيه تردد بل و خلاف فعن الشيخ، و الراوندي، و أبي المكارم، و فخر الإسلام، اعتبارها، بل عن الغنية الإجماع عليه، و المشهور نقلا و تحصيلا- بل في المسالك و محكي التذكرة نسبته إلى أكثر أهل العلم- العدم، إذ لا ريب في صدق العرف بدونها، و لو كانت معتبرة في الابتداء لاعتبرت في الاستدامة، و هو معلوم الفساد بالسيرة القطعية في معاملة المخالفين، و أهل الذمة و الفسقة و غير هم.

و من هنا حكي عن التذكرة الإجماع على عدم التحجير بطرو الفسق الذي لم يستلزم تبذيرا، و على عدم مدخلية ترك المروة ككشف الرأس و مد الرجل و أشباه ذلك في العدالة على تقدير اعتبارها في دفع المال.

قلت: بل يمكن دعوى كونه ضروريا يشك في إسلام منكره، و قد صرح الأصحاب بجواز بيع الخشب لمن يعمل الأصنام، و التمر و الزبيب لمن يصنع الخمر.

فمن الغريب النقل عن الشيخ في الخلاف، و المبسوط، و ابن زهره التزام ذلك بل هو في المبسوط لم يجعل ذلك احتياطا، كالمحكي عن الخلاف، و الغنية المستظهر من الاحتياط فيهما الوجوب دون الندب، مع أن الإنكار عليهما في الاحتياط لو أريد منه الاستحباب واضح، فضلا عما لو لم يكن احتياطا.

و أغرب من ذلك استدلالهما عليه بقوله (1)«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» بضميمة ما

روي عنهم (2)«من أن شارب الخمر سفيه»

و بأن الفاسق موصوف بالغي الذي هو ضد الرشد المعتبر في المال و لان المتيقن العدل دون غيره، و نحو ذلك مما لا يليق بالفقيه جعل شي ء منها مدركا للحكم الشرعي كما هو واضح.

و أطرف من ذلك كله القول بأنه لا يرد عليهما على تقدير قولهما بذلك شي ء


1- 1 سورة النساء الآية- 5-.
2- 2 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 8.

ج 26، ص: 51

مما ذكر، لأن العدالة عندهما ظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق، أو حسن الظاهر، و هما معا متحققان في غالب الناس إذ هو كما ترى.

نعم لهما الفرق بين الابتداء و الاستدامة مع أنه ليس لهما أيضا، للقطع بتحقق الرشد عرفا بدونها، فلا يجوز منع مال الناس بأمثال هذه المزخرفات، و بعض أفراد الفسق الذي يرتفع معها وصف الرشد و يثبت بها وصف السفه لا يقضي باعتبار العدالة في ماهية الرشد قطعا، كما هو واضح و بالجملة الإطناب في ذلك كما وقع لبعضهم أيضا من تضييع العمر، فيما لا ينبغي كالمسألة السابقة و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا لم يجتمع الوصفان اى البلوغ و الرشد كان الحجر باقيا بلا خلاف و لا إشكال و كذا لو لم يحصل الرشد و لو طعن في السن لإطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فأوجب دفع المال إليه إذا بلغ خمسة و عشرين سنة.

و على كل حال و أماما يعلم به رشده فهو أيضا بطرق لا تنحصر عرفا و منها معرفته باختباره بما يلائمه من التصرفات ليعلم قوته على المكايسة في المبايعات، و تحفظه من الانخداع، و كذا تختبر الصبية و حينئذ فيعرف رشدها بأن تحفظ من التبذير، و أن تعتني بالاستغزال مثلا، و بالاستنتاج، إن كانت من أهل ذلك أو بما يضاهيه من الحركات المناسبة لها و يأتي تمام الكلام في آخر المبحث إنشاء الله تعالى.

و كيف كان ف يثبت الرشد بشهادة الرجال في الرجال (11) إجماعا و بشهادة الرجال (12) منفردين و النساء (13) كذلك في النساء (14) أو مع التلفيق بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: عليه الإجماع في كثير من العبارات، و إن كنا لم نتحققه دفعا لمشقة الاقتصار (15) على الرجال فيهن و غيره فيندرج فيما دل على نفيهما من الآية و الرواية.

بل قد يندرج فيما دل على قبول شهادتهن فيما يعسر اطلاع الرجال عليه من النصوص، و إن كان لا يخلو من بحث لو لا الاعتضاد باتفاق الأصحاب، ظاهرا عليه، فظهر حينئذ عدم الإشكال في الحكم بجميع أفراده و الخناثى كالنساء على الظاهر.

إنما الكلام في اعتبار قيام بينة الرشد عند الحاكم و حكمه بها في الثبوت، أو يكفي قيامها بعد معلومية جمعها للشرائط من العدالة و نحوها عند من في يده المال،

ج 26، ص: 52

ربما احتمل الأول، لمعلومية اعتبار الحاكم في الشهادة، و الغرض أن المقام من موضوعها، و إلا لاكتفى بخبر الواحد، و قد يقوى الثاني خصوصا مع تعذر الحاكم أو تعسر الوصول إليه لعموم قبول البينة و منع اشتراطها بالحاكم في المقام، و أمثاله الذي قيل أنه يكتفى فيه بالظاهر، للسيرة القطعية في معاملة مجهول الحال، و البينة لا تقصر عنه، كما إنه قيل بتحقق وصف الرشد بقيامها و لو عند غيره، فيحصل حينئذ شرط الدفع، و إن كان لا يخلو من نظر، و تمام الكلام في المسألة في مقام آخر، ضرورة كثرة أفرادها و الله أعلم هذا كله في الرشد.

[أما السفيه ]

و أما السفيه بالنسبة إلى المال فهو المقابل له فيكون عبارة عن الذي يصرف أمواله في غير الأغراض الصحيحة عند العقلاء و لو أبناء الدنيا، لما عرفت من أن الرشد إصلاح المال، و تحققه لا يحصل إلا بعدم الصرف في غير الأغراض الصحيحة، و تمام الكلام فيه يعرف مما قدمناه في الرشد، و أن مرجعه إلى العرف الذي لا شك في عدم تحققه بمجرد الصرف في مطلق المعاصي، إما لأنه ليس تبذيرا، أو لأنه لا يتحقق السفه عرفا.

لكن في المحكي عن التحرير إن استلزم فسقه التبذير- كشراء الخمر و آلات اللهو و النفقة على الفاسق- لا يسلم إليه شي ء لتبذيره، و في المحكي عن التذكرة: الفاسق إذا كان ينفق أمواله في المعاصي و يتوصل بها إلى الفساد فهو غير رشيد، و لا تدفع إليه أمواله إجماعا، بل قيل: الظاهر أنه إجماع الأمة.

و فيه: أن مثله قد لا يعد عرفا سفيها، خصوصا الإنفاق على الفاسق، و إلا لاتجه ما عن الأردبيلي من الإشكال بأنه قل ما يخلو عن ذلك الإنسان، فإنهم يشترون ما لا يجوز و يستعملون الربا، و يعطون الأموال للمغني و اللاعب بالمحرم، و إلى من يأخذ من الناس الأموال قهرا، خصوصا الحكام و الظلمة، فيلزم أن يكونوا سفهاء لا تجوز معاملتهم و مناكحتهم و أخذ عطاياهم، و زكواتهم و خمسهم، فإنهم سفهاء، بإجماع الأمة كما فهمناه من التذكرة مع أنهم صرحوا و أطلقوا معاملاتهم، و مناكحتهم، و قبول جوائزهم، و قالوا بكراهتها.

ج 26، ص: 53

بل يمكن أن يقال: إن صرفه في العنب بأن يعمل خمرا، و في الخشب بأن يعمل صنما و نحو ذلك صرف في المحرم، فيكون فاعله سفيها لا تجوز معاملته و مناكحته، مع أنهم جوزوا ذلك و قالوا بكراهتها، و لا شك أن صرفه و لو كان قليلا من الإطعام للرياء و السمعة و غير ذلك من الأغراض الغير الصحيحة شرعا حرام، فيكون موجبا للسفه، و من الذي يخلو عنه من أرباب الأموال فيلزم عدم جواز أخذ العطية بل الزكاة و الخمس منهم فتأمل.

و بالجملة فالتنزه عنه متعسر جدا، فإنه لو لم يعامل السفيه، فإنه يعامل من يعامله، و يصعب ذلك أيضا أنهم قالوا أن الرشد شرط، فلا بد من تحققه، ليعمل بالمشروط، فمن جاء إلى سوق كيف يعرف ذلك، بل كيف يعرف حصول الرشد الابتدائي الذي هو شرط بالإجماع، فالظاهر أنهم يبنون على الظاهر، و يتركون الأصل، فإن حال الإنسان أنه لم يفعل حراما، و لا يصرف ماله فيه.

و لعل هذا المقدار كاف للعلم بالرشد المطلوب في جواز المعاملة و المناكحة، و لهذا ما نقل الامتناع و التفحص عنهم عليهم السلام، و لا عن أحد من العلماء المتدينين، و يكون الاختبار الابتدائي لتسليم المال للنص و الإجماع.

و فيه أن ذلك لا يجدي في المعلوم حالهم، كالحكام و غيرهم و من هنا التجأ بعضهم إلى الجواب بأن السفيه لا تجوز تصرفاته بعد الحجر عليه لا قبله، و ليس السفه بنفسه موجبا للمنع، و هو أيضا مناف لإطلاق النص و الفتوى، بل و قوله (1)«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» و غيره فالتحقيق ما عرفته من أن المناط في تحققه و صدقه العرف، و لا ريب في عدمه عرفا في جميع ما ذكره، ضرورة اختلاف أصناف الناس، فقد يليق بالسلطان ما لا يليق بغيره، و لا يعد به سفيها، و إن كان صرفه في محرم كما هو واضح.

و قد عرفت أن السيرة القطعية على معاملة مجهول الحال، عملا بظاهر الحال، و أصل الصحة و غير ذلك، و حيث عرفت أن المدار في السفه و الرشد على العرف، فقد


1- 1 سورة النساء الآية- 5.

ج 26، ص: 54

يقال بتحقق الأول منهما فيه بصرف جميع المال في وجوه البر، خصوصا بالنسبة إلى بعض الأشخاص، و الأزمنة، و الأمكنة، و الأحوال، كما أومأ إليه رب العزة بقوله (1)«وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ»(2)«وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ».

و هو كما

عن الصادق (عليه السلام)(3)«الوسط من غير إسراف و لا إقتار»

و الباقر(4)(عليه السلام) «ما فضل عن قوة السنة»

و ابن عباس «ما فضل عن الأهل و العيال، أو الفضل عن الغنى».

و عن النبي (صلى الله عليه و آله)(5)«انه قال: لمن أتاه ببيضة من ذهب أصابها في بعض الغزوات يجي ء أحدكم بماله كله يتصدق به، و يجلس فيكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى».

و المرسل (6)عن الصادق (عليه السلام) «لو ان رجلا أنفق ما في يده في سبيل الله ما كان أحسن، و لا وفق للخير، أ ليس الله تبارك و تعالى يقول «وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ».

و عن الصادق (عليه السلام)(7)أيضا «قوله وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً» فبسط كفه و فرق أصابعه، و حناها شيئا و قوله «وَ لا تَبْسُطْها» فبسط راحته، و قال: هكذا و قال: القوام ما يخرج من بين الأصابع و يبقى في الراحة منه شي ء».

و عنه (8)أيضا «أنه تلا هذه الآية فأخذ قبضة من حصى و قبضها بيده، فقال: هذا الإقتار الذي ذكره الله تعالى في كتابه، ثم قبض قبضة أخرى فأرخى كفه كلها ثم قال:


1- 1 سورة الإسراء الآية- 29.
2- 2 سورة البقرة الآية- 219.
3- 3 الوسائل الباب- 25- من أبواب النفقات الحديث 15.
4- 4 الوسائل الباب- 25- من أبواب النفقات الحديث 16.
5- 5 المستدرك ج- 1 ص 544.
6- 6 الوسائل الباب- 25- من أبواب النفقات الحديث 7.
7- 7 الوسائل الباب- 25- من أبواب النفقات الحديث- 7.
8- 8 الوسائل الباب- 29- من أبواب النفقات الحديث- 6.

ج 26، ص: 55

هذا الإسراف، ثم قبض أخرى فأرخى بعضها و أمسك بعضها، و قال: هذا القوام».

و في صحيح الوليد بن صبيح (1)عنه أيضا «أن رجلا كان ماله ثلاثين أو أربعين ألف درهما ثم شاء أن لا يبقى منها إلا وضعها في حق فيبقى لا مال له فيكون من الثلاثة الذين يرد دعاؤهم قلت: من هم قال: أحدهم رجل كان له مال

فأنفقه في وجهه، ثم قال: يا رب ارزقني فيقال له: أ لم أرزقك».

بل

في صحيح ابن أبى نصر(2)عن أبى الحسن (عليه السلام) «سألته عن قول الله عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ» إلى آخره كان أبى يقول من الإسراف في الحصاد، و الجذاذ، أن يتصدق بكفيه جميعا، و كان أبي (عليه السلام) إذا حضر شيئا من هذا فرأى أحدا من غلمانه أنه يتصدق بكفيه صاح أعط بيد واحدة، القبضة بعد القبضة، و الضغث بعد الضغث من السنبل».

و في خبر ابن المثنى (3)«سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله «وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» فقال: كان فلان بن فلان الأنصاري سماه و كان له حرث و كان إذا جذه يتصدق به و يبقى هو و عياله بغير شي ء، فجعل الله ذلك سرفا».

و عنه (4)أيضا «أنه لما دخل الصوفية عليه أنكر عليهم ما يأمرون به الناس من خروج الإنسان من ماله بالصدقة على الفقراء و المساكين»

و في بعض الاخبار(5)«أن السرف ان تجعل ثوب صونك ثوب بذلتك»

و في بعضها(6)«أن السرف أمر يبغضه الله عز و جل حتى طرحك النواة، فإنها تصلح لشي ء، و حتى فضل شرابك.

و في خبر إسحاق (7)«ليس فيما أصلح البدن إسراف، و فيها إنما الإسراف فيما


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب الصدقة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب زكاة الغلاة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 42- من أبواب الصدقة الحديث- 3- مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب- 28- من أبواب الصدقة الحديث- 8.
5- 5 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الملابس الحديث- 2.
6- 6 الوسائل الباب- 25- من أبواب النفقات الحديث- 2.
7- 7 الوسائل الباب- 26- من أبواب النفقات الحديث- 1-.

ج 26، ص: 56

أفسد المال و أضر بالبدن، قيل و ما الإقتار قال: أكل الخبز و الملح، و أنت تقدر على غيره، قيل: فما القصد قال: الخبز و اللحم و اللبن و الخل، و السمن، مرة هذا، و مرة هذا»

و نحوه غيره لكن في القواعد ان صرف المال في وجوه الخير ليس تبذيرا، كما عن ظاهر مجمع البرهان، بل و عن مجمع البيان، بل في المسالك إن المشهور ذلك لأنه لا سرف في الخير، كما لا خير في السرف، و لم يثبت كونه خيرا» و

عن النبي (صلى الله عليه و آله) «انه قال: لعلي (عليه السلام) و أما الصدقة فجهدك»

و بالنصوص الدالة على الترغيب في ذلك، بل في المسالك «و من المستفيض خروج جماعة من أكابر الصحابة و بعض الأئمة كالحسن (عليه السلام) صلات من أموالهم في الخير، و قصة صدقة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالإقراض مشهورة، و في الأول أنه لا دلالة على القرض كالنصوص، و المستفيض عنهم لعله لانه يليق بهم ما لا يليق بغيرهم و على كل حال فالمحكم العرف كما عرفت و الله أعلم.

و كيف كان فلو باع و الحال هذه أى غير رشيد لم يمض بيعه و لا شراؤه و لا غير ذلك من عقوده و معاملاته إذا حجر عليه الحاكم، أو مطلقا على الخلاف، و كذا لو وهب أو أقر بمال و الضابط: المنع من التصرفات المالية بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل عن مجمع البرهان دعواه و هو الحجة بعد الاعتضاد بما دل عليه من كتاب و سنة، من غير فرق في ذلك بين ما ناسب أفعال العقلاء منها أو لا، و لا بين العين و الذمة، و لا بين الذكر و الأنثى، بل هي أولى منه، لنقصان عقلها، و يسر انخداعها.

و من هنا حكي عن بعض العامة بقاء الحجر عليها و إن بلغت رشيدة، و الظاهر دخول تزويجها نفسها في التصرفات المالية من جهة مقابلة البضع بالمال، فلا يجوز بدون إذن الولي، أما الذكر فظاهر، لان الصداق منه.

و ما عن نكاح القواعد من أن السفيه إذا كان به ضرورة إلى النكاح، و تعذر الحاكم و الولي فإنه يجوز ان يتزوج واحدة لا أزيد بمهر المثل- خارج عما نحن فيه، كالمحكي من نكاح التذكرة أيضا من أنه لو نكح السفيه بغير إذن الولي مع حاجته اليه و طلبه

ج 26، ص: 57

من الولي فلم يزوجه «قال الشيخ رحمه الله» الأقوى الصحة، لأن الحق تعين له، فإذا تعذر عليه ان يستوفيه بغيره جاز أن يستوفيه بنفسه، كمن له حق عند غيره، فمنعه و تعذر عليه أن يصل إليه كان له أن يستوفيه بنفسه بغير رضى المديون.

و حكي عن أحد وجهي بعض الشافعية أن النكاح يبطل و لا حد و لا مهر، و عن بعض أن لها مهر المثل، و عن بعض أن لها أقل ما يتمول رعاية لحق السفيه، و وفاء لحق العقد، إذ به يتميز عن السفاح، و لتحقيق ذلك مقام آخر، إنما الكلام في أنه ممنوع من التصرفات المالية بدون إذن الولي، و حال تعذر الولي أو مخالفته شي ء آخر كما هو واضح.

نعم يصح طلاقه، و ظاهره، و خلعه، و إقراره بالنسب، و بما يوجب القصاص و نحو ذلك مما ليس هو تصرفا ماليا للأصل السالم عن المعارض إذ المقتضي للحجر صيانة المال عن الإتلاف فيختص منعه بما يقتضيه دون ذلك مما ليس ماليا، و لا يشكل الخلع إذا كان بدون المثل، لأنه إذا كان له الطلاق بدون عوض أصلا فمعه بطريق أولى، اللهم إلا أن يفرق بين الخلع مطلقا و غيره بصدق المالية حينئذ فيراعى إذن الولي بمقداره و جنسه و نحو ذلك.

و كذا قد يشكل الإقرار بالنسب إذا تضمن الإنفاق و نحوه، مما يرجع إلى المال، و يدفع بأن المال فيه تبعي لا أصلي، و قد يقال: بقبوله في النسب خاصة دون الإنفاق، و يؤيده أنه ربما يجعل ذلك وسيلة لإتلاف المال لو قلنا بقبوله، بل جزم به في المسالك، بل ظاهره أن هذا هو المعروف قال: «و إن كان أحدهما لا ينفك عن الآخر إلا أن تلازمهما غير معلوم، بل هو كالإقرار بالسرقة مرة واحدة من الحرز، فإنه يثبت به المال دون القطع، و بالعكس لو أقر بها السفيه فإنه يقبل في القطع دون المال، و حينئذ فالنفقة من بيت المال المعد لمصالح المسلمين، و للشهيد قول بأنه ينفق عليه من ماله، لأنه فرع ثبوت النسب، و لأن الإنفاق من بيت المال إضرار بالمسلمين، فكما يمنع من الإضرار بماله، يمنع من الإضرار بغيره، و رده بأن إقراره إنما ينفذ فيما لا يتعلق بالمال، و بيت المال معد لمصالح المسلمين، فكيف يقال: إن مثل ذلك يضر

ج 26، ص: 58

بهم، إذ ذلك آت في كل من يأخذ منه جزاء».

قلت: للشهيد أن يقول: إن عموم الإقرار يشمله، بعد أن لم يكن تصرفا ماليا، و المال من التوابع، فيبقى على مقتضى الضوابط فتأمل جيدا و على كل حال فمما سمعت قد ينقدح الإشكال في الإقرار بما يوجب القصاص، و قد تقدم لنا البحث في نظير ذلك إذا أراد فداء نفسه بالمال، لكن الأقوى كما في المسالك وجوب الفداء أما إذا لم يكن كذلك فلا إشكال في القبول و الله اعلم.

و لا يجوز تسليم عوض الخلع إليه إذا كان مالا، و إن كان هو الذي يوقع الخلع.

و لو وكله أجنبي في بيع أو هبة مثلا جاز لأن السفه لم يسلبه حكم عبارته و لا أهلية مطلق التصرف بل في ماله خاصة فيبقى غيره مندرجا فيما دل على الصحة، كما هو واضح، خلافا لبعض العامة و لو أذن له الولي في النكاح الذي فيه مصلحته التي سوغت للولي الإذن فيه جاز إن عين له المهر و الزوجة و نحو ذلك، بحيث يؤمن معه من إتلاف المال بلا خلاف و لا اشكال، بل و إن عين الزوجة و أطلق المهر، لأنه ينصرف حينئذ إلى مهر المثل، و كذا غيره من العقود على الأقوى، و احتمال الفرق بين النكاح و البيع- مثلا بأن المقصود من الثاني المال دون الأول، و بأن السوق يختلف ساعة فساعة فناسب أن يكون الولي هو العاقد احتياطا للمال، بخلاف النكاح و لذا حكي عن الشيخ و القاضي المخالفة، بل و عن غير هما- كما ترى مجرد اعتبار لا يصلح أن يكون مدركا، و قد ظهر من ذلك و غيره أنه ليس مسلوب العبارة.

و حينئذ ف لو باع فأجاز الولي فالوجه الجواز للأمن من الانخداع حينئذ و لأنه أولى من الفضولي بذلك خلافا لما سمعته من الشيخ و القاضي، ضرورة أولوية المنع هنا مما سمعته سابقا من تقدم الاذن بل حكاه في المسالك عنهم و هنا و قد يفرق بين المقامين و الله أعلم.

[أما المملوك ]

و الخامس المملوك (11) و هو ممنوع من التصرفات إلا بإذن المولى

ج 26، ص: 59

كما تقدم البحث فيه مفصلا في باب القرض.

[أما المريض ]

و السادس المريض و هو ممنوع من الوصية بما زاد عن الثلث كالصحيح إجماعا محصلا و محكيا مستفيضا أو متواترا، كالنصوص (1)المشتمل جملة منها على أنه الحيف و التعدي، و أنه يرد إلى الثلث الذي هو المعروف و الغاية في الوصية، و خلاف علي بن بابويه غير قادح، أو غير ثابت، لأنه قال كما في المختلف:

«فإن أوصى بالثلث فهو الغاية في الوصية، و إن أوصى بماله كله فهو أعلم بما فعله، و يلزم الوصي إنفاذ وصيته على ما أوصى» و هو عين المحكي عن فقه الرضا، و لعله بعد قوله هو الغاية غير صريح في الخلاف، و يكون قوله يلزم إلى آخره كلاما مستأنفا.

كما أن قوله- و إن أوصى بماله- إلى آخره محمول على إرادة إلغاء وصيته أو على إرادة حمل ذلك لو وقع منه على الوصية بما يخرج من أصل المال من دين أو نذر أو كفارة أو نحو ذلك، حملا لتصرفه على الوجه الصحيح، إذ الكتاب و السنة قد توافقا على وجوب إنفاذ الوصية، و عدم جواز تبديلها إلا مع الحيف، و هو لا يثبت بالاحتمال، و هذا و إن كنا لم نقل به، إلا انه به يخرج عن الخلاف عما نحن فيه، ضرورة رجوعه إلى حمل إطلاق الوصية بجميع المال على الوجه الصحيح، و هو غير الوصية بالزائد على الثلث فيما لم يعلم عدم خروجه عن أصل المال من وجوه البر أو العطية أو نحو ذلك.

لكن فيه حينئذ أنه أيضا مخالف للنصوص،(2)المتضمنة لإبطال هذه الوصية، و إرجاعها إلى الثلث، فأصالة الصحة إنما هي في التصرف بماله لا بما يخرج عنه بالموت بل الأصل الفساد، و إطلاق ما دل على نفوذ الوصية و

أنها مقدمة على الإرث محمول بقرينة النص و الفتوى على الثلث فما دون، فلا وجه للاستناد إليه في ذلك، و لا في الأول على تقدير خلافه.

و كيف كان فلا ريب في عدم صراحة كلامه في الخلاف فيما نحن فيه خصوصا بعد عدم نقل ولده عنه ذلك، و تصريحه بعدم جواز الوصية بالزائد على الثلث من غير إشارة


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 26، ص: 60

إلى خلاف والده.

بل عنه

في المقنع أنه روي عن الصادق (1)(عليه السلام) «أنه سئل عن رجل أوصى بماله في سبيل الله عز و جل فقال: اجعله إلى من أوصى له به، و إن كان يهوديا أو نصرانيا فإن الله عز و جل يقول «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» ثم قال: عقيب ذلك ماله هو الثلث، لأنه لا مال للميت أكثر من الثلث»

مضافا إلى اقتضاء القواعد- بعد الإغضاء عن أدلة الإرث، و كونها مطلقة- بطلان أصل الوصية، فيقتصر على المتيقن في الخارج عن ذلك، و هو الثلث.

و

خبر ابن عبدوس(2)- «أوصى رجل بتركته متاع و غير ذلك لأبي محمد عليه السلام فكتبت إليه

رجل أوصى الي بجميع ما خلف لك. و خلف ابنتي أخت له، فرأيك في ذلك؟ فكتب إلى: بع ما خلف و ابعث به الي، فبعث و بعثت به اليه فكتب إلى قد وصل»

محتمل لإجازة الوارث، أو لكونه مخالفا بحيث يحرم، و لطلب الامام ليأخذ ثلثه و يرد الباقي، أو يحفظه لهما لصغرهما، أو لجواز ذلك بالنسبة إلى الامام خاصة، و للتنجيز في حال الصحة أو غير ذلك مما لا بأس به، بعد قصوره عن معارضة غيره من وجوه، و خصوصا ما تضمن منه نحو هذه الواقعة، كما لا يخفى على من لاحظ هذه النصوص.

و كذا

خبر عمار(3)«الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز»

- الواجب حمله بعد معارضته بالمتواتر من النصوص على إرادة الثلث من ماله، أو على إرادة الجواز الموقوف على إجازة الورثة أو على إرادة التنجيز من قوله «أوصى»، فيكون من أدلة القائلين بكون المنجزات من الأصل، أو على غير ذلك.

لكن عن الشيخ و الصدوق حمله على من لا وارث له، و مقتضاه نفوذ الوصية بجميع المال مع

عدم الوارث غير الامام، و هو مخالف أيضا لإطلاق النصوص (4)و معاقد


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 16.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 19.
4- 4 الوسائل الباب- 11.

ج 26، ص: 61

الإجماعات و غيرهما.

و

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «أنه سئل عن الرجل يموت و لا وارث له و لا عصبة؟ فقال: يوصى بماله حيث شاء في المسلمين و المساكين و ابن السبيل»

مع قصوره عن المقاومة و احتماله الثلث من ماله- يمكن أن يكون ذلك إذنا منه عليه السلام لأن الإرث إليه.

و أما

خبر محمد بن أحمد بن عيسى (2)«قال: كتب إليه محمد بن إسحاق المتطبب و بعد أطال الله بقاك نعلمك يا سيدنا أنا في شبهة من هذه الوصية التي أوصى بها محمد بن يحيى بن رئاب و ذلك أن موالي سيدنا و عبيده الصالحين ذكروا أنه ليس للميت أن يوصى إذا كان له ولد بأكثر من ثلث ماله، و قد أوصى محمد بن يحيى بأكثر من النصف مما خلف من تركته، فإن رأى سيدنا و مولانا أطال الله بقاه أن يفتح غياهب هذه الظلمة التي شكونا و يفسر ذلك لنا نعمل عليه إنشاء الله. فأجاب (عليه السلام) إن كان

أوصى بها من قبل أن يكون له ولد فجائز وصيته، و ذلك أن ولده ولد من بعده»

فهو غير موافق لهما أيضا، فلا بد من طرحه أو تأويله، لكن في الوسائل أنه قد عمل به الشيخ و الصدوق بظاهره و لا ريب في ضعفه.

نعم لا تنفذ الوصية بالزائد ما لم يجز الورثة فإن أجازوا بعد الموت نفذت بلا خلاف و لا اشكال نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه، عليه، فلا جهة للإشكال فيه بأنه كالإجازة للفضولي من تجدد له الملك بعده، مع وضوح الفرق بينهما، بأن التصرف هنا فيما بعد الموت الذي هو وقت الانتقال إلى المجيز، بخلافه في الفرض الذي يتوجه فيه الإشكال في الإجازة على تقدير الكشف بأنه لا وجه له من حين العقد، لكون المفروض تجدد الملك للمجيز، فلا يملك المعقود له قبل ملك المجيز، و لا من حين تجدد الملك للزوم إلغاء السبب فيما قبله.

و كيف كان فلا إشكال فيما نحن فيه بعد ما عرفت. إنما البحث في الإجازة قبل الموت، و المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا خصوصا بين المتأخرين أنها كالإجازة بعد


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

ج 26، ص: 62

الموت في عدم جواز الرجوع بها، بل نسب إلى عامتهم، بل عن الطوسي الإجماع عليه للنصوص المستفيضة التي منها

صحيحا ابني مسلم (1)و حازم (2)«في رجل أوصى بوصية و ورثته شهود فأجازوا ذلك، فلما مات الرجل نقضوا الوصية، هل لهم أن يردوا ما أقروا به؟ قال: ليس لهم ذلك، و الوصية جائزة»

و إطلاقهما كغيرهما من معقد الإجماع و غيره عدم الفرق بين الصحيح و المريض في ذلك، خلافا للمحكي عن المفيد و الديلمي و الحلي فجوزوا الرجوع بها، بل ظاهر تعليلهم أنه لا أثر لها أصلا، فضلا عن جواز الرجوع بها، لعدم حق للورثة حال الحياة حتى يكون إسقاطه مجديا، فهو كإسقاط المرأة صداقها قبل التزويج و الشفيع قبل البيع، و لأنه لو جازت إجازتهم لجاز رد هم بحيث لا يلزمون لو أجازوا بعد الموت، و التالي باطل، فالمقدم مثله، و فيهما- بعد التسليم- أنه اجتهاد في مقابلة النص، و قياس لا نقول به، بل مع الفارق كما هو واضح.

و لو أجاز البعض نفذ في حصته و يعتبر في المجيز جواز التصرف، فلا عبرة بإجازة الصبي و المجنون، أما المفلس فقد يتجه نفوذ إجازته حال الحياة، إذ لا ملك له حينئذ و إنما إجازته تنفيذ لتصرف الموصى، و أما بعد الموت ففي صحتها وجهان مبنيان على أن التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت، و بالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت، فعلى الأول لا تنفذ، لتعلق حق الغرماء بالتركة قبل الإجازة، و على الثاني احتمل الأمران، و لعل الأقوى منهما النفوذ، خصوصا على ما هو الظاهر من الفتاوى، من كون ذلك

تنفيذا من الوارث لتصرف الموصى، لا أنه يكون هو المتصرف على معنى أنه هو الواهب و المعتق و الواقف مثلا، و إن احتمله بعضهم، لكن لا ريب في ضعفه، سيما في حال الحياة بل و الموت ضرورة اقتضاء الإجازة منه لفعل الموصى، عدم الدخول في ملكه بالموت، كما هو مقتضى الوصية التي هي سبب لذلك مع الإجازة، و كذا الكلام في المنجزات إذا زادت عن الثلث، بناء على أنها كالوصية في الخروج منه، و هذا حديث إجمالي ذكرناه تبعا لذكر المصنف حكم الوصية للمريض توطئة لذكر منجزاته، إذ لا فرق بين المريض


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.

ج 26، ص: 63

و الصحيح في حكم الوصية، و إنما الفرق بينهما في المنجزات عند جماعة، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و في منعه من التبرعات المنجزة الزائدة عن الثلث خلاف بيننا فخيرة الكليني، و الصدوق، و الشيخين، و السيدين، و القاضي، و ابني إدريس و البراج، و سعيد، و الآبي، و الأردبيلي، و الخراساني، و الحر العاملي، و الطباطبائي و صاحب الرياض، على ما حكي عن بعضهم عدم المنع، و أنها من الأصل كالصحيح، بل عن كشف الرموز نسبته إلى الأكثر، و في الرياض أنه المشهور بين القدماء ظاهرا بل لعله لا شبهة فيه، بل في هبة الانتصار، و الغنية الإجماع عليه، للأصل بمعنييه، و قاعدة التسلط و

حسن- أبى شعيب (1)المحاملي- بإبراهيم- عن أبى عبد الله (عليه السلام) «الإنسان أحق بماله ما دامت الروح في بدنه»

و موثق الساباطي (2)عنه أيضا «الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به، فإن قال: بعدي فليس له إلا الثلث»

و موثقه الآخر «الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إذا أوصى به كله فهو جائز»

و خبره الثالث (3): عنه أيضا «صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شي ء من الروح يضعه حيث شاء»

و موثقه الرابع (4)عنه أيضا «قال له: الميت أحق بماله ما دام فيه الروح يبين به؟ قال:

نعم، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث»

و موثقه الخامس (5)عنه أيضا في الرجل يجعل ماله لرجل في مرضه فقال: «إذا أبانه جاز»

و خبر سماعة(6)قال له أيضا «الرجل له الولد يسعه أن يجعل ماله لقريبه؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء إلى أن يأتيه الموت»

و نحوه

خبر أبى بصير(7)و زاد «أن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء ما دام حيا ان شاء وهبه و إن شاء تصدق به، و إن شاء تركه إلى أن

يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث، إلا أن الفضل في أن لا يضيع من يعوله، و لا يضر بورثته.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 8.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 12.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 10.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

ج 26، ص: 64

و

مرسل مرازم (1)عنه أيضا «في الرجل يعطي الشي ء من ماله في مرضه قال: إن أبان به فهو جائز، و إن أوصى به فهو من الثلث».

و مرسل الكليني (2)«عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه عاب رجلا من الأنصار أعتق مماليكه لم يكن له غيرهم، فقال ترك صبية صغارا يتكففون الناس»

بل رواه

الصدوق مسندا(3)، إلى جعفر بن محمد عليهما السلام و فيه «فأعتقهم عند موته»

و الضعف فيه سندا أو دلالة منجبر بما عرفت، مضافا إلى كونها مخالفة للمحكي عن جميع العامة التي جعل الله الرشد في خلافها، و إلى تأييدها بالسيرة المستمرة على عدم امتناع المريض أيام مرضه عن تبرعاته مع زيادتها عن الثلث، و على عدم ضبطها بطومار و نحوه، و على المنع الغير له، و لا الضبط عليه.

لكن و مع ذلك كله ف الوجه المنع من التبرع بالزائد فلا ينفذ على الورثة إلا مع إجازتهم، وفاقا للفاضل و الشهيدين و الكركي و المحكي

عن الصدوق و أبي علي و الشيخ في المبسوط، و غيرهم، بل نسبة غير واحد إلى عامة المتأخرين بل في المسالك نسبته إلى الأكثر و سائر المتأخرين بل ربما حكى عن الشيخ في باب العتق ما يقتضي أنه المعروف بيننا.

و في المفاتيح أن الاخبار به أكثر و أشهر، و في جامع المقاصد قد دلت عليه صحاح الاخبار، و في موضع آخر منه أن النصوص به متواترة، و هو كالإجماع المنقول في الحجية، خصوصا بعد شهادة التتبع له.

إذ

في خبر أبي حمزة(4)«عن أحدهما عليهما السلام أن الله تبارك و تعالى يقول يا بن آدم تطولت عليك بثلاث سترت عليك ما لو يعلم به أهلك ما واروك، و أوسعت عليك فاستقرضت منك عليك فلم تقدم خيرا، و جعلت لك نظرة عند موتك في ثلثك فلم تقدم خيرا.»

و صحيح (5)يعقوب بن شعيب «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) الرجل يموت ما له من ماله؟


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 9 و ذيله.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الوصايا الحديث.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- في ذيل الحديث 2.

ج 26، ص: 65

فقال: له ثلث ماله».

و نحوه خبر أبي بصير(1)

و خبر عبد الله بن سنان (2)«عن الصادق (عليه السلام) للرجل عند موته ثلث ماله، و إن لم يوص فليس على الورثة إمضاؤه».

و صحيح على بن يقطين (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) ما للرجل من ماله عند موته قال: الثلث و الثلث كثير».

و ذيل

خبر العلاء(4)عن الصادق (عليه السلام) الذي تسمعه في مسألة الإقرار الوارد في الامرأة التي أودعت عند رجل مالا قال فيه: «إنما لها من مالها ثلثه»

بل في غيره نحو ذلك أيضا.

و

خبر على بن عقبة(5)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره، فأبى الورثة أن يجيزوا ذلك كيف القضاء منه قال: ما يعتق منه إلا ثلثه، و سائر ذلك الورثة أحق بذلك، و لهم ما بقي»

و نحوه خبر عقبة بن خالد(6).

و

خبر أبي بصير(7)عن الصادق (عليه السلام) «إن أعتق رجل عند موته خادما له، ثم أوصى بوصية أخرى ألغيت الوصية، و أعتقت الجارية من ثلثه، إلا أن يفضل من ثلثه ما يبلغ الوصية».

و خبر أبي ولاد(8)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لامرأته عليه الدين فتبرءه منه في مرضها؟ قال: بل تهبه له فتجوز هبتها له و يحسب ذلك من ثلثها إن كانت تركت شيئا».

و نحوه خبر سماعة(9)و

خبر جراح المدائني (10)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
5- 5 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 13.
7- 7 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 6.
8- 8 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 11.
9- 9 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 16.
10- 10 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 14.

ج 26، ص: 66

الوالد لولده ببينة؟ قال: إذا أعطاه في صحته جاز».

و خبر سماعة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده؟ فقال أما إذا كان صحيحا فهو ماله يصنع به ما شاء، فأما في مرضه فلا يصلح».

و صحيح الحلبي (2)«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون لامرأته عليه الصداق أو بعضه فتبرؤه منه في مرضها؟ فقال: لا».

و خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «أن رجلا أعتق عبد الله عند موته لم يكن له مال غيره؟ قال: سمعت رسول الله (صلى

الله عليه و آله) يقول يستسعى في ثلثي قيمته للورثة».

بل و

خبره الآخر(4)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أيضا «أنه كان يرد النحلة في الوصية و ما أقر به عند موته، بلا ثبت و لا بينة رده»

بناء على أن المراد منه رد العطية إلى الوصية في الخروج من الثلث، بل لعل الظاهر منه و المرسل في جامع المقاصد و غيره المريض محجور عليه إلا في ثلثة، و الخبر العامي (5)المروي في المسالك عن صحاح الجمهور بل قال: إنه أجود ما في الباب متنا و سندا، و من ادعى خلاف ذلك فالسيرة ترد دعواه، و عليها اقتصر

ابن الجنيد في كتابه الأحمدي «و هو أن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد له في مرضه، و لا مال له غيرهم، فاستدعاهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) و جزاهم ثلاثة أجزاء و أقرع بينهم، فأعتق اثنين، و أرق أربعة».

و خبر إسماعيل بن همام (6)عن أبى الحسن (عليه السلام) «في رجل أوصى عند موته بمال لذوي قرابته، و أعتق مملوكا، و كان جميع ما أوصى به يزيد على الثلث كيف يصنع به في وصيته؟ قال: يبدأ بالعتق فينفذه»

ضرورة ظهور قوله «يبدء» في إرادة الإنفاذ من الثلث، و منه يعلم ارادة ما يشمل المنجز من الوصية، و إلا فلا وجه لتقديم العتق لو


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 المصدر نفسه.
3- 3 الوسائل الباب- 64- من أبواب العتق الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 16 من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
5- 5 المستدرك ج- 2- ص 521 عن عوالي اللئالى سنن النسائي باب الجنائز ج- 4- ص 52. طبع مصطفى البابى الحلبي و أولاده بمصر.
6- 6 الوسائل الباب- 67- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2- 3.

ج 26، ص: 67

فرض كونه وصية، بل ينبغي تقديم المتقدم منهما.

بل منه يظهر حينئذ أن إطلاق «أخرى» في خبر أبى بصير(1)المتقدم سابقا باعتبار سبق التنجيز الذي يطلق عليه الوصية بشهادة الخبر المزبور الموافق له في المضمون، و صحيح ابن الحجاج (2)الاتي، لا أن المراد من أعتق فيه أوصى فلا يكون دالا على المطلوب.

كما أن منه يظهر الاستدلال ب

صحيح محمد بن مسلم (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حضره الموت فأعتق غلامه و أوصى بوصية و كان أكثر من الثلث؟ قال: يمضي عتق الغلام و يكون النقصان في ما بقي»

إذ الظاهر إرادة كون مجموع التنجيز و الوصية أكثر من الثلث، فأجابه (عليه السلام) بمضي العتق، و أن النقصان الذي في الثلث يكون في الوصية، كما هو واضح.

بل منه يعلم الاستدلال ب

حسنه (4)عنه أيضا «في رجل أوصى بأكثر من ثلثه، و أعتق مملوكه في مرضه فقال: إن كان

أكثر من الثلث، يرد إلى الثلث، و جاز العتق»

إذ الظاهر ارادة جوازه منه لا من الأصل، إذ حمل الواو فيه على الاستيناف خلاف الأصل فيها، فيكون المجموع حينئذ هو جواب الشرط كما هو الظاهر خصوصا بعد ملاحظة أن كلامهم عليهم السلام جميعا بمنزلة كلام واحد، يفسر بعضه بعضا، و خصوصا مع تقارب السؤال و الجواب في هذه النصوص، و اتحاد الراوي في الخبرين، فمن الغريب استدلال بعضهم بهما على الأول، حتى ادعى صراحة الثاني منهما، و أنه غير قابل للتأويل، مع أنه لو أغضينا النظر عما ذكرنا، لم يكن فيه دلالة على الجواز من الأصل كما هو واضح.

و

موثق الحسن بن الجهم (5)«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول في رجل أعتق مملوكا


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 67- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 67- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب- 39- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 4- 5 مع اختلاف.

ج 26، ص: 68

و قد حضره الموت و اشهد له بذلك و قيمته ستمأة و عليه دين ثلاثمائة درهم، و لم يترك شيئا غيره قال: يعتق منه سدسه، لأنه إنما له منه ثلاثمائة درهم و يقضى عنه ثلاثمائة درهم، و له من الثلاثمأة درهم ثلثها، و له السدس من الجميع»

الذي يشهد بصحته.

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)بل هو فيه دلالة على المطلوب أيضا و غيره فلا بأس بنقله على طوله «قال: سألني أبو عبد الله عليه السلام يختلف ابن أبى ليلي و ابن شبرمة؟ فقلت: بلغني أنه مات مولى لعيسى بن موسى فترك عليه دينا كثيرا و ترك مماليك يحيط دينه بأثمانهم، فأعتقهم عند الموت فسألهما عيسى بن موسى عن ذلك، فقال ابن شبرمة أرى أن تستسعيهم في قيمتهم، فتدفعها إلى الغرماء فإنه قد أعتقهم عند موته، و قال ابن أبي ليلى: أرى أن أبيعهم و أدفع أثمانهم إلى الغرماء، فإنه ليس له أن يعتقهم عند موته، و عليه دين يحيط بهم، و هذا أهل الحجاز اليوم يعتق الرجل عبده و عليه دين كثير فلا يجيزون عتقه إذا كان عليه دين كثير، فرفع ابن شبرمة يده إلى السماء و قال: سبحان الله يا ابن ابى ليلى متى قلت بهذا القول؟ و الله ما قلته إلا طلب خلافي.

فقال أبو عبد الله عليه السلام: فعن رأي أيهما صدر؟ قال: قلت بلغني أنه أخذ برأي ابن أبى ليلي و كان له في ذلك هوى، فباعهم و قضى دينه، فقال: فمع أيهما من قبلكم؟ فقلت: مع ابن شبرمة، و رجع ابن أبى ليلي إلى رأي ابن شبرمة بعد ذلك.

فقال: أما و الله إن الحق لفي الذي قال ابن أبى ليلي، و إن كان قد رجع عنه، فقلت له:

هذا ينكسر عندهم في القياس، فقال: هات قايسني قلت: أنا أقايسك فقال: لتقولن بأشد ما تدخل فيه من القياس، فقلت له: رجل ترك عبدا لم يترك مالا غيره، و قيمة العبد ستمأة

درهم، و دينه خمسمائة درهم، فأعتقه عند الموت كيف يصنع؟ قال: يباع العبد فيأخذ الغرماء خمس مأة درهم و يأخذ الورثة مأة درهم، فقلت: أ ليس قد بقي من قيمة العبد مأة درهم عن دينه؟ فقال: بلى قلت: أ ليس للرجل ثلثه يصنع به ما شاء قال:

بلى، قلت: أ ليس قد أوصى للعبد بالثلث من المأة حين أعتقه؟ قال: إن العبد لا وصية له، إنما ماله لمواليه، فقلت له: فإن كان قيمة العبد ستمأة درهم، و دينه أربع مأة


1- 1 المصدر نفسه.

ج 26، ص: 69

درهم فقال: كذلك يباع العبد، فيأخذ الغرماء أربعمائة درهم و يأخذ الورثة مأتين و لا يكون للعبد شي ء.

قلت: فإن قيمة العبد ستمأة درهم و دينه ثلاثمائة درهم، فضحك عليه السلام فقال: من هنا أتى أصحابك جعلوا الأشياء شيئا واحدا، و لم يعلموا السنة إذا استوى مال الغرماء و مال الورثة، أو كان مال الورثة أكثر من مال الغرماء، لم يتهم الرجل على وصيته، و أجيزت وصيته على وجهها، فالآن يوقف هذا فيكون نصفه للغرماء، و يكون ثلثه للورثة و يكون له السدس».

إذ ذيله صريح في نفوذ العتق المنجز في الثلث، لا الأصل، و إلا كان نصفه حرا، و احتمال أنه في الوصية، لا المنجز المقطوع بفساده، أو كالمقطوع كما اعترف به في الرياض، خصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب في حكم مضمونه فإنه صريح في إرادة التنجيز منه أو الأعم منه و من الوصية، بل جزم الشهيد الثاني بالأول، و إن خالفه فيه في الرياض، و مال منه إلى تعدية الحكم المزبور إلى الوصية وفاقا للمحكي عن الشيخ، و هو لا يخلو من وجه، و أولى منه التعدية إلى غير العتق من المنجزات كالهبة و الوقف و نحوهما.

و على كل حال فهو ظاهر الدلالة على المطلوب، بل صدر المقايسة فيه واضح الدلالة على معلومية أن ليس له في التنجيز، إلا الثلث، كوضوح إرادته عليه السلام من قوله أخيرا «وصيته» التنجيز بشهادة المحكي من عمل كثير من الأصحاب به فيه، حتى بعض القائلين بأن المنجزات من الأصل، كالمفيد، و القاضي، و الشيخ، و ما في المسالك من أن أكثر المتأخرين ردوه لمخالفته القواعد المقررة- حسن لو قصرت الرواية عن الصحة، أو لم يجز تخصيص العمومات القطعية بالآحاد، لكنه خلاف التحقيق، خصوصا بعد تعدد الصحاح و صراحتها، و ترجيح الأصول بالشهرة فرع ثبوتها، ففي الرياض لم أتحققها، و لا وقفت على متصد لنقلها عداه، و إنما حكي الخلاف عن العلامة خاصة، و لم أقف على من تبعه غيره، و بعض ممن سبقه.

نعم رده ابن إدريس و أنفذ العتق من الأصل، و أسقط الدين من رأس، و لا ريب

ج 26، ص: 70

في ضعفه، بل هو اجتهاد في مقابل النص، و أصحابه الموافقون له في كون المنجزات من الأصل لا يوافقونه فيما إذا زاحم التنجيز الدين، بل يخصونه بالنسبة إلى الورثة، و إلا كانوا محجوجين بهذا الصحيح و غيره، بل لعل مقابلته بالقول بالخروج من الثلث المعلوم كون المراد منه بعد خروج الدين تشهد بعدم المزاحمة المزبورة.

و على كل حال فلا ريب في دلالة الصحيح المزبور على المطلوب، بل منه ينقدح الاستدلال ب

صحيح جميل (1)أيضا المروي في الكافي عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجل أعتق مملوكه عند موته، و عليه دين فقال: إن كان قيمته مثل الذي عليه و مثله جاز عتقه، و إلا لم يجز»

، و يحتمل تثنية مثل الثانية كما عن نسخة من الفقيه، و حينئذ يكون الواو فيه بمعنى أو فيوافق الصحيح المزبور، و عن الكليني أنه رواه عن جميل عن زرارة فيمكن أن يكون خبرا آخر.

و على كل حال فهو دال على المطلوب بعد ارادة الجواز فيه على النحو المذكور في خبري ابني الجهم و الحجاج كما هو واضح.

و

في دعائم الإسلام (2)«و قد جاء عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال في العطية للوارث و الهبة في المرض الذي يموت فيه المعطي و الواهب: إنها غير جائزة»

و في محكي الهداية «و سئل أي الصادق عليه السلام عن رجل حضره الموت فأعتق مملوكا له ليس له غيره فأبى الورثة أن يجيزوا لك قال: ما يعتق منه إلا ثلثه».

و قد ظهر ذلك من ذلك كله أنه لا غرابة في دعوى تواتر النصوص به خصوصا إذا أريد منها القطع به منها، لا التواتر المصطلح، فإنه غير عزيز، بل لعل الغرابة من عدمه، كما لا يخفى على من لاحظها و غيرها مما دل على عدم الإضرار بالوارث الذي هو الحكمة أو العلة في حجر الوصية عليه بالزائد، و لاحظ نصوص الإقرار(3)الآتية التي بعضها


1- 1 الوسائل الباب- 39 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 6.
2- 2 دعائم الإسلام ج 2 ص 359.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 26، ص: 71

يظهر منه معلومية انحصار الأمر على المريض لو أراد حرمان الوارث، و أنه لا طريق له إلا الإقرار الذي ستعرف علاج الشارع له بالتهمة و عدمها، و غيرها من النصوص (1)التي في بعضها ما يظهر منها مرجوحية ذلك في حال الصحة.

بل في سؤال هذا البعض دلالة واضحة على معلومية الفرق بين حالي الصحة و المرض بالنسبة إلى النفوذ من الأصل و عدمه، و غير ذلك خصوصا اختلال حكمة حصر الوصية في الثلث، ضرورة التجاء كل من يريد حرمان الورثة حينئذ أو بعضهم عند حضور موته إلى التنجيز.

و أغرب شي ء حمل هذه النصوص الكثيرة على التقية التي مع عدم قابلية البعض لها يمكن

القطع بعدمها في مثل هذه النصوص التي رواتها من البطانة، بل لا يخفى على من مارس أخبارهم عليهم السلام أن عادتهم الإشارة في نصوص التقية إليها، بذكر لفظ الناس و نحوه، بل قد يقطع بعدمه في خصوص المقام، إذ لو كان الحكم مخالفا للعامة عندنا لكان في جملة من النصوص إشارة إلى الإنكار عليهم، و إلى بيان بطلان ما هم عليه، و مخالفتهم الكتاب أو السنة، كما هي عادتهم، بل لكان ذلك معروفا بين أصحابهم نحو غيرها من المسائل العظيمة العامة، إلى غير ذلك مما يعلم به عدم خروج النصوص مخرج التقية.

و أغرب من ذلك، ما في المسالك- فإنه بعد ما أورد منها صحيحي ابن يقطين، و شعيب، و أخبار ابن عقبة، و أبى أولاد، و الحسن بن الجهم، و الخبر العامي دليلا للثلث، ناقش فيها بأنه لا دلالة في الصحيحين اللذين هما العمدة على المطلوب الذي هو قبل الموت، بل صحيح يعقوب منهما صريح فيما بعد الموت، كما أن الخبر الثاني باعتبار كون «عند» من ظروف المكان المقتضية للمصاحبة دلالته على الوصية، أقوى، بل يمكن ذلك في خبر ابن عقبة، إذ حضور الموت مانع من مباشرة العتق فيراد منه حينئذ الوصية و تكون النسبة إليه باعتبار أنه السبب الأقوى في الوصية، على أنه في العتق خاصة، و كذا الكلام في خبر ابن الجهم، أما خبر أبي ولاد فاشتماله على


1- 1 الوسائل الباب- 42- من أبواب الصدقة و الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 26، ص: 72

ما يخالف المجمع عليه من صحة الإبراء دون الهبة يمنع من الاستدلال به، مضافا إلى اشتراك الجميع في ضعف السند عدا الصحيحين».

إذ هي كما ترى، ضرورة كون المراد من الصحيحين: بقرينة غير هما مما ذكرنا و ما لم نذكره الاشراف على الموت، و دعوى صراحة صحيح يعقوب فيما بعد الموت واضحة الفساد، إذ ليس للميت بعد الموت شي ء إذا لم يوص به، بل لا ريب في كون المراد منه خصوصا بعد كونه كمذاق غيره مما لا يقبل ذلك مجاز المشارفة الذي كشف عنه باقي النصوص بلفظ عند، و حضر، و أتاه الموت و نحوه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و منه يعلم فساد المناقشة في خبري ابن الجهم و علي بن عقبة، و أما خبر ابن أبي ولاد المعتضد بغيره مما عرفت فلا يقدح في الاستدلال به على المطلوب اشتماله على غيره مما لا نقول به، خصوصا بعد منع بطلان هبة ما في الذمة التي مرجعها إلى الإبراء، بل قد يقال: بكون المراد منه الترقي إلى جواز الهبة، على معنى أنه لو وهبته شيئا جاز و يحسب من الثلث، فضلا عن الإبراء الذي هو أولى بالجواز.

و بالجملة من أحاط خبرا بما ذكرناه من النصوص و تدبرها و تدبر اعتضاد بعضها ببعض، يقطع بفساد هذه المناقشة، كما أنه يقطع بفسادها من حيث السند، إذ لا تبين أعظم من هذا الاعتضاد، و عمل من عرفت بها، على أن فيها الصحيح، و الموثق، و الحسن، بل قد عرفت استغنائها عن النظر في أسانيدها ببلوغها درجة القطع، كما لا يخفى على من أعطاه الله قوة حدس في كلماتهم عليهم السلام.

و أخرف شي ء قوله «إن أجود ما في هذا الباب الخبر العامي سندا و دلالة، و من ادعى خلاف ذلك فالسيرة ترده» إذ قد عرفت مما ذكرنا أن غيره من النصوص أوضح، كما هو ظاهر كل ذلك، مضافا إلى ما في نصوص الأصل من قلة العدد و قصور السند و اتحاد الراوي في كثير منها، و كونها مطلقة قابلة للتقييد بغيرها، إذ ليس في حسن المحاملي و ما كان نحوه (1)صراحة في شمول الأحقية للتنجيز، فيمكن حملها على غيره، بل محتمل لإرادة الثلث خصوصا إذا قرء بفتح اللام و لوحظ ما دل


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 8- 3- 7- و غيره.

ج 26، ص: 73

من النصوص على أن الذي له عند الموت- الثلث- بل قد يعين ذلك

قوله في موثق عمار(1)«إذا أوصى به كله فهو جائز»

إذ لم يقل أحد بنفوذ الوصية من الأصل عدا ما سمعته من علي بن بابويه، و احتمال إرادة خصوص التنجيز منها- لا الوصية شرعا، و لا الأعم منها و من التنجيز- لا شاهد له، و ليس بأولى من الاحتمال الذي ذكرنا، بل منه يعلم المراد من باقي نصوص عمار المتقاربة في المذاق مع اتحاد الراوي فيها، و الموجود في نسخة الأصل في الوسائل و الوافي، عن الكافي «فإن تعدى فليس له إلا الثلث» و معناه أنه

إن تجاوز و تعدى في الوصية بالزائد أو التنجيز فلا يمضى منه الا الثلث.

و ظني و الله أعلم أن الرواية كذلك، إلا أنه لما صعب فهم ذلك على بعض الناس صحفها بلفظ بعد بالباء الموحدة ثم أضاف إليها لفظ قال، على أن اختلاف النسخ يسقط الخبر عن الحجية إذ لم يعلم الخبر منهما، و رواية الشيخ له «فإن أوصى» عن الكافي، بعد ذلك الاختلاف في النسخ- غير مجد.

و مع الإغضاء عن ذلك كله فهو مطلق مقيد بالنصوص السابقة كغيره من نصوص عمار حتى الرابع منها، فإن الإبانة أعم من التبرع، بل و الخامس الذي لم يعلم المرض فيه أنه مما يخرج به التنجيز من الثلث أو الأصل، لما ستعرف من أنه ليس كل مرض يقضى بالتنجيز من الثلث مع إجمال لفظ الإبانة فيه و في غيره، و إن قيل إن المراد منها انفصاله عنه و تسليمه له، إلا أنه كما ترى خصوصا بعد معلومية عدم اشتراط ذلك، فإن الهبة مشاعا مع الإقباض لا بأس بها أيضا، بل يمكن كون المراد من الإبانة الإظهار على وجه يحصل العلم بعدم رد الورثة بإجازتهم، و رضا هم فتأمل.

و أما خبر سماعة فيمكن أن يكون المراد من إتيان الموت فيه ما تضمنه نصوص الثلث،(2)من حضور الموت و إتيانه و عند موته و نحوها، فلا يكون حينئذ منافيا.


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 26، ص: 74

على أنه عام يخص بالنصوص السابقة و كذا

خبر أبي بصير،(1)و قوله فيه «فان أوصى»

- الى آخره- غير مناف، لإمكان إرادة بيان أن الوصية على كل حال تخرج من الثلث، بخلاف غيرها، فإنه يخرج من الأصل قبل إتيان الموت.

و مرسل مرازم (2)محتمل لبعض ما ذكرنا، مع أن كشف الحال فيه و في غيره أن نقول إن المستفاد من نصوص الثلث- بعد ملاحظة الجمع بين مطلقها و مقيدها خصوصا مفهوم خبر أبي بصير القاضي بعدم خروج العتق من الثلث إذا لم يكن عند الموت، و ملاحظة أصالة خروج التصرف من الأصل- عدم العبرة بمطلق المرض الذي منه ما يستمر السنون المتعددة المقطوع بالسيرة القطعية عدم خروج منجزاته فيه من الثلث قبل بلوغه ما يتحقق به صدق حضور الموت و إتيانه و نحوهما، و كذا المرض الذي هو كعدم المرض عرفا، و إن اتفق مقارنة الموت له بحيث لا يظهر كونه به.

و إنما المدار على المرض الذي يصدق عليه عرفا أنه حضره الموت و أتاه و نحو- ذلك، و إن بقي أياما بل و أكثر من ذلك، فإنه ليس له حد جامع لافراده إلا أن العرف واف بتنقيح كثير من مصاديقه كغيره من الأمور التي ترجع اليه، و مع الشك فالأصل الخروج من الأصل، كما أنه هو الأصل في غير المرض، و إن خيف به الموت أو ظن أو علم كالغرق و المراماة و نحوها، بل قيل: و الطلق.

و كيف كان فما في القواعد- و غيرها من أنه مطلق المرض الذي يتفق الموت معه، سواء كان مخوفا أو لا- لا تساعد عليه الأدلة، خصوصا ما يظهر من إطلاقه من اتفاق الموت معه، و لو بغيره كقتل و نحوه، اللهم إلا أن يقطع بعدم ارادته ما يشمل ذلك.

بل و كذا ما يحكى عن الشيخ من أن المدار فيه على المرض المخوف، و اختاره في جامع المقاصد، حتى أنهم احتاجوا إلى معرفة كونه مخوفا، و ذكروا فيه أنه لا بد من شهادة عدلين من الأطباء الذين هم أهل الخبرة في ذلك، بل في جامع المقاصد «أنه لو حصل الظن القوي بصدق قول من لم يكن عدلا منهم أو كان واحدا ففي


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 6.

ج 26، ص: 75

الحكم إشكال» ثم حكى عن التذكرة الجزم بعدم قبول رجل و امرأتين أو شاهد و يمين و احتمال قبول النساء إذا كان المتبرع امرأة و لم يطلع عليها غير النساء، إلى غير ذلك مما فرعوه على ذلك، و أطنبوا فيه في باب الوصاية، و تعرضوا لكثير من الأمراض و أحوالها، إذ لا يخفى عليك أنه ليس في شي ء من النصوص تعليق الحكم على المخوف كي يتجه له هذا البحث عنه، بل من الواضح ظهور النصوص في دوران الحكم على حال لا يحتاج تحققها عرفا إلى أمثال ذلك، لكونها من الواضحات كما هو ظاهر عند كل من تدبرها، فلا ريب في أن الأقوى ما ذكرناه.

و منه يعلم أن مرسل مرازم و غيره غير مناف لنصوص الثلث، ضرورة كونه مطلقا بالنسبة إلى ذلك فيقيد بها، كما أنه و غيره أيضا مطلق بالنسبة إلى العطية، فيقيد أيضا إذ التحقيق أن محل البحث التبرع بالمال، و لو المنفعة و الدين على وجه يضر بالوارث، بل و حق التحجير و حريم الملك، كما صرح به في جامع المقاصد من دون قصد عوض دنيوي، و لو حفظ عرضه، أو حفظ ماله، أو نفسه أو من يعول به، أو نحو ذلك.

بل لعل الصدقة المندوبة المراد منها السلامة منه، ضرورة عدم التعليق على مطلق التنجيز في شي ء من نصوص الثلث، بل لا أثر لهذا اللفظ في مطلق النصوص، و إنما الموجود منها عتق و إبراء و عطية و نحو ذلك، مما لا شمول له، و ليس المراد من نصوص- أن ليس له إلا ثلثه- سوى بيان أن الثلث هو الذي له التصرف فيه بكل حال، بوصية و تنجيز و غيرهما، بخلاف غيره، فإنه ليس بهذا الحال، و كذا مرسل جامع المقاصد الذي لم نعثر عليه في كتب الاخبار.

فمن الغريب ما في المسالك من الركون إليه هنا حتى احتاجوا إلى تنقيح دلالته بدعوى أن المعرف للعموم مطلقا أو في خصوص نحو المقام، مع أن في المسالك لم يذكره في أدلة الثلث و على كل حال فهو مقيد أيضا بما عرفت من المفهوم المؤيد بإشعار غيره، و حينئذ فكل ما لم يحصل إجماع على عدم الفرق بينه و بين ما تضمنته النصوص السابقة نحو ما يبذله على نفسه و عياله و لو لزيادة الرفاهية من أكل و تزويج و غيرهما

ج 26، ص: 76

و ان لم يكن من عادته بعد أن يكون بثمن المثل، و على حفظ عرضه أو مصانعة ظالم أو إكرام ضيف أو غير ذلك، يبقى على أصل الخروج من الأصل المؤيد هنا بالسيرة المستمرة، و الحرج و غيرهما.

و به يعرف ما في الذي ذكره أخيرا القائلون بالأصل كما أن منه يعرف ما في تحديد الفاضل في القواعد للتبرع المبحوث عنه من أنه إزالة الملك عن عين مملوكة يجرى الإرث فيها من غير لزوم و لا أخذ عوض يماثلها، إذ بعد وجوب تنزيل المثل فيه على المكافي- ليخرج التزويج بثمن المثل بل يمكن أن يريد به ما قلناه، فيسلم من بعض ما ذكرنا.

فيه أولا الاقتصار على العين، مع أن في جامع المقاصد عد العارية من التبرعات و إن كان لا يخلو من اشكال أو منع، كايراده عليه بأنه صادق على الإزالة بالإتلاف، مع انها ليست من التبرعات.

و ثانيا أنه لا يتصور فائدة لقوله يجرى فيها الإرث، بعد ظهور المقام في إرادة الملك للمزيل، إذ لا يتصور ازالة الملك عن عين مملوكة لا يجرى فيها الإرث، و يعد تبرعا كما اعترف به في جامع المقاصد، قال: «إذ ما لا يجرى فيه الإرث من الأموال الوقف، فإزالة الملك فيه انما تكون بالإتلاف، و ليس مما نحن فيه».

و ثالثا يرد على قوله من غير لزوم ازالة الملك اللازمة بالنذر، فإن فيه من الثلث على ما جزم به المحقق الثاني، و لو قيل الإزالة هنا بالنذر و ليس إيقاعه لازما قلنا بل الإزالة في مثل ما لو نذر عينا مخصوصة تكون بالدفع، على أن النذر بالكلي لا إزالة ملك عين فيه، فيرد على التعريف حينئذ من وجه آخر، و احتمال أنه من الأصل حينئذ كما لو أتلف مال غيره مثلا عمدا يدفعه- مضافا إلى أنه خلاف الفرض وضوح الفرق بينه و بين الإتلاف المنتحل إلى المعاوضة بعد إيجاد سببه، فليس من التبرع في شي ء قطعا.

و كيف كان فالضابط فيه ما ذكرنا، و لعل يرجع إليه ما في المسالك «من أنها ما استلزمت تفويت المال على الوارث بغير عوض، بناء على إرادة ما يشمل ما قدمناه

ج 26، ص: 77

من العوض و المال.

و على كل حال لا يدخل فيه تزويج المرأة نفسها و لو بأقل من مهر المثل، و لا انعتاق الأب قهرا إذا قبل اتهابه في المرض، و لا إجارة نفسه بأقل من ثمن المثل، و إن قلنا بكون المحاباة في غيره من التبرعات، إلى غير ذلك مما هو غير داخل في الأدلة، و لا إجماع على الحاقه فيبقى على الأصل، و هذا حديث إجمالي قضت الحاجة بإتيانه هنا لبيان عدم صراحة هذه النصوص، و انها مطلقة قابلة للتقييد، و إن اشتملت على العطية و نحوها.

و أما خبر الأنصاري (1)الذي عابه رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقد عرفت أنه ليس فيما رواه في الكافي «عند موته» فهو مطلق حينئذ، و إنما رواه كذلك في الفقيه، و يمكن أن تكون الاعابة على الثلث أيضا، لمعلومية استحباب الوصية بالأقل من الربع و الخمس، حتى ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام (2)ما يقتضي مساواة الإضرار في الورثة بذلك للسرقة، خصوصا مع كون المفروض في الخبر أنه ليس له غيرهم، و أنه ترك صبية صغارا يتكففون الناس و من هنا

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «لو حضرته ما تركتكم تدفنونه في مقبرة المسلمين».

فقد بان لك بحمد الله و فضله أنه لا مجال للقول بالأصل، و أنه لا ينبغي للفقيه أن يعدو القول بالثلث، و استبعاده بأنه لو برء المريض من ذلك المرض صح من الأصل إجماعا يدفعه أنه لا مانع من التزام الكشف به، حينئذ كالفضولي، و أظرف شي ء ما وقع لفاضل الرياض في المقام، حيث ذكر أنه في زمنه السابق قد صنف رسالة في المسألة قد اختار فيها الخروج من الثلث، ثم اعتذر من ذلك بأنه قد كان في غفلة من إجماعي المرتضى و ابن زهرة، فرجع عنه، و لم يعلم أنهما بعد إعراض المتأخرين عنهما-،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 9- فروع الكافي ج 2 ص 236.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 26، ص: 78

بل لم يثبت كون شهرة المتقدمين عليهما، إذ بعض من نسب إليه ذلك كابن حمزة قد تحققنا

خلافه في وسيلته، و بعضهم له قولان في المسألة، و آخر لا صراحة في كلامه كالكليني، فإنه إنما عنون الباب بلفظ نصوص عمار التي قد عرفت عدم صراحتها في المطلوب، بل قد سمعت أن الشيخ ربما حكي عنه ما يقضى بأن المعروف بين الأصحاب في ذلك الزمان القول بالثلث- لا يقاومان ما سمعته من الأدلة، خصوصا بعد احتمال أو ظن أو قطع كون المراد منهما الإجماع على قاعدة التسلط على المال، لا خصوص ما نحن فيه، كما أشار إليه ابن إدريس في استدلاله على الأصل، بأنه لا خلاف في أن للإنسان التصرف في ماله كيف شاء، و حينئذ فمرجعه إلى العام المخصوص، أو المطلق المقيد بما عرفت مما قدمناه كله.

مضافا إلى نصوص الإقرار المتضمنة لنفوذه من الثلث مع التهمة، و بدونها من الأصل، و لو لا تعلق حق الوارث في الجملة بحيث لا يمضي الإقرار عليه، لم يكن وجه للنفوذ من الثلث، و لا ينافيه النفوذ من الأصل مع عدم التهمة، إذ لعله تعلق لا يمنع من الإقرار مع عدم التهمة، فإن تعلق الحقوق بالنسبة إلى ذلك مختلف، إذ قد عرفت عدم منع تعلق حق الغرماء من الإقرار بالدين السابق في المفلس عند المصنف و غيره.

و على كل حال فلا ينكر ظهور هذه النصوص في تعلق حق للورثة في الجملة بالتركة حال المرض، و هو لا يتم إلا على ما ذكرنا. نعم هي مختلفة جدا، و الجمع بينها بالتفصيل المزبور المنسوب إلى الأكثر.

ف

في خبر منصور بن حازم (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أوصى لبعض ورثته أن له عليه دينا، فقال: إن كان الميت مرضيا فأعطه الذي أوصى له»

و نحوه خبر أبي أيوب (2)عنه أيضا.

و

في خبر العلاء بياع السابري (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة استودعت رجلا مالا، فلما حضرتها الموت، قالت له: إن المال الذي دفعته إليك لفلانة و ماتت


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

ج 26، ص: 79

المرأة فأتى أولياؤها الرجل فقالوا له: إنه كان لصاحبتنا مال، و لا نراه إلا عندك فاحلف لنا ما لها قبلك شي ء أ فيحلف لهم؟ فقال: إن كانت مأمونة عنده فليحلف لهم، و إن كانت متهمة فلا يحلف و يضع الأمر على ما كان، فإنما لها من مالها ثلثه»

و في خبر أبي بصير(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل معه مال مضاربة فمات و عليه دين و أوصى أن هذا الذي ترك لأهل المضاربة، أ يجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كان مصدقا»

إلى غير ذلك، و الظاهر ارادة معنى واحد من المرضي و المأمون و المصدق، بل إليه يرجع الملي

في صحيح الحلبي (2)قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) «الرجل يقر لوارث بدين؟

فقال: يجوز إذا كان مليا»

و خبره الآخر(3)«أنه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أقر لوارث بدين في مرضه أ يجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كان مليا»

بناء على ما في الصحاح من أنه ملؤ الرجل صار مليا أي ثقة، أو على أن الملاءة طريق لرفع التهمة، خصوصا، إذا رجع الضمير في «كان» إلى الوارث، و لعل الأول أولى ليوافق النصوص السابقة.

و التي يرجع إليها أيضا.

مكاتبة محمد بن عبد الجبار(4)إلى العسكري (عليه السلام) «عن امرأة أوصت إلى رجل و أقرت له بدين ثمانية آلاف درهم، و كذلك ما كان لها من متاع البيت من صوف و شعر و شبه و صفر و نحاس، و كل مالها أقرت به للموصى له، و أشهدت على وصيتها، و أوصت أن يحج عنها من هذه التركة حجتان، و تعطى مولاة لها أربع مأة درهم، و ماتت المرأة و تركت زوجا، فلم ندر كيف الخروج من هذا، و اشتبه علينا الأمر، و ذكر الكاتب أن المرأة استشارته فسألته أن يكتب لها ما يصح لهذا الوصي، فقال لها:

لا تصح تركتك لهذا الوصي إلا بإقرارك له بدين يحيط بتركتك بشهادة الشهود، و تأمريه بعد أن ينفذ ما توصيه به، فكتبت له بالوصية على هذا، و أقرت للوصي بهذا الدين، فرأيك أدام الله عزك في مسألة الفقهاء قبلك عن هذا، و تعرفنا ذلك لنعمل به إنشاء الله، فكتب (عليه السلام) بخطه إن كان الدين صحيحا معروفا مفهوما فيخرج الدين


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 14.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 10.

ج 26، ص: 80

من رأس المال إنشاء الله، و إن لم يكن الدين حقا أنفذ لها ما أوصت به من ثلثها، كفى أو لم يكف»

فان الظاهر رجوع ذلك إلى الاتهام باخبار الكاتب و غيره، و من هنا علق الأمر (عليه السلام) على معروفية الدين و مفهوميته، و كونه حقا.

كما أن مرجع غير ذلك من النصوص المطلقة إلى التقييد المزبور، ك

خبر إسماعيل بن جابر(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أقر لوارث له و هو مريض بدين له عليه؟ قال: يجوز إذا أقر به دون الثلث»

و خبر سماعة(2)«سألته عمن أقر لوارث له بدين عليه و هو مريض؟ قال: يجوز عليه ما أقر به إذا كان قليلا».

و خبر أبى ولاد(3)«سألت أبا عبد الله عن رجل مريض أقر عند الموت لوارث بدين له عليه؟ قال: يجوز ذلك، قلت: فإن أوصى لوارث بشي ء؟ قال: جائز».

و خبر القاسم بن سليمان (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اعترف لوارث له بدين في مرضه؟ فقال: لا تجوز وصية لوارث و لا اعتراف له بدين»،

و خبر السكوني (5)المتقدم سابقا و

خبره الآخر(6)قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «في رجل أقر عند موته لفلان و فلان لأحدهما عندي ألف درهم ثم مات على تلك الحال، أيهما أقام البينة فله المال، فإن لم يقم واحد منهما البينة فالمال بينهما نصفان».

و خبر سعد بن سعد(7)عن الرضا (عليه السلام) «قال سألته عن رجل مسافر حضره الموت فدفع مالا إلى رجل من التجار فقال له: إن هذا المال لفلان بن فلان ليس لي فيه قليل و لا كثير، فادفعه إليه يصرفه حيث شاء، فمات و لم يأمر فيه صاحبه الذي


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 12.
6- 6 الوسائل الباب- 25- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
7- 7 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6.

ج 26، ص: 81

جعله له بالأمر، و لا يدري صاحبه ما الذي حمله على ذلك كيف يصنع؟ قال: يضعه حيث شاء».

إلى غير ذلك مما يجب حمله على التقييد المزبور في النصوص السابقة، و منه يعلم ضعف جميع الأقوال في المسألة المستلزم كل منها أو أكثرها طرح أكثر النصوص أو بعضها.

فمنها: القول بأنه من الأصل مطلقا كما هو المشهور بين القائلين بأن المنجزات منه، لا من الثلث، لعموم

«إقرار العقلاء»

، لاقتضاء الحكمة قبول إقراره، و الا بقيت ذمته مشغولة في بعض الأحوال، و صاحب المال ممنوعا عن حقه.

و منها أنه إن كان عدلا مضى من الأصل، و إلا فمن الثلث، و كان مستنده إرجاع تلك الأوصاف في النصوص المزبورة إلى العدالة و فيه أنه لا شاهد عليه، و لا تنافي بين العدالة و التهمة المفروضة في كلام كثير من الأصحاب من القرائن الحالية أو المقالية كما لا تنافي بين الفسق و عدمها كما هو واضح.

و منها: التفصيل بين الأجنبي و الوارث، فالإقرار للأول من الأصل مطلقا، و الثاني كذلك مع عدم التهمة، و معها من الثلث، و هو المحكي عن أبي حمزة، و فيه طرح للنصوص المقيدة بالأجنبي أو المطلقة.

و منها: ما في النافع من أن الإقرار للوارث من الثلث مطلقا و للأجنبي مع التهمة، و بدونها من الأصل، و فيه طرح للنصوص المقيدة في الوارث.

و منها: ما عن المفيد من أنه إن كان بدين مضى من الأصل، و إن كان بعين و كان عليه دين يحيط بجميع التركة قبل إقراره إن كان عدلا مأمونا، و إن كان متهما لم يقبل إقراره، و فيه طرح لبعض النصوص السابقة.

و منها: ما عن التقي من عدم الفرق بين الصحيح و المريض في مضي الإقرار إن كان مأمونا، و عدمه إن كان غير مأمون و هو غريب، إذ لا خلاف في مضي إقرار الصحيح من الأصل مطلقا.

ج 26، ص: 82

و منها: ما عن النهاية و القاضي من اشتراط العدالة و انتفاء التهمة في المضي من الأصل، و اشتراط انتفائهما معا في المضي من الثلث، قال: الأول: «إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبي و الوارث إذا كان مرضيا موثوقا بعدالته، فإن كان غير موثوق به، و كان متهما فإن لم يكن مع المقر له بينة أعطى من الثلث» و يمكن إرجاعه إلى المشهور، إن لم يكن الظاهر، فتكون الأقوال ستة، لا سبعة، و ربما عدت عشرة و الأمر سهل بعد أن عرفت أن الأصح منها الأول الذي يجتمع عليه جميع النصوص.

لكن أشكله بعضهم بأنه ليس في شي ء منها الدلالة على النفوذ من الثلث مع التهمة، و إنما تدل على عدم النفوذ مطلقا بالمفهوم.

و فيه أن خبر العلاء و خبر إسماعيل بن جابر ظاهران في ذلك، بل لعله هو مقتضى المفهوم بعد الإجماع على عدم جريانه، لئلا يلزم اتحاده مع المنطوق حينئذ.

نعم قد يشكل بأن المتجه إخراج ثلث ما أقر به من الدين من ثلثه، و الإمضاء في ثلث العين المقر بها من دون غرامة قيمة الباقي من ثلثه، لأن الدين بعد الموت يتعلق بمجموع التركة، و لذا لو أقر الوارث نفذ في حصته بالبينة، و لأن تعلق حق الورثة يمنع من نفوذ الإقرار في الزائد على الثلث، فلا تقصير منه يوجب الضمان للمالك كما أنه لا مقتضى لغرامته للوارث من ثلثه لو أخذها المقر له بالإقرار.

و يدفع أيضا في الدين بظهور الفتاوى و بعض النصوص كخبر إسماعيل بن جابر، بل لعله المنساق من جميعها في خروج ما أقر به منه من الثلث، و لعله للفرق بينه و بين إقرار الوارث الذي حصل له سبب ملك حصته، و هو الموت، و الدين إنما يمنع عنها بالنسبة، بخلاف إقرار الميت المقتضى لشغل ذمته و التأدية من ماله الذي لم يعارضه فيه غيره بتعلق حق و نحوه.

و في العين بأن مقتضى عموم الإقرار و كون المال في يده دفعها إلى المقر له، لأنه المخاطب بذلك، و لا إثم عليه في الواقع، و لكن في الظاهر منعه الشارع عما يقتضي إضرار الورثة من التصرفات التي لم تكن مستحقة عليه التي منها ما نحن فيه، إذ

ج 26، ص: 83

إقراره لم يثبت به سبق الاستحقاق على وجه ينفذ على غيره.

فالجمع حينئذ بين الحقوق جميعها يكون بتدارك ضرر الورثة بدفع قيمة ما فات عليهم من ثلثه، فلو لم يكن له ثلث كان للورثة منع المقر له من أخذها، و كذا الكلام في المنجزات، بل لعل الإقرار بعد عدم ثبوت السبق به منها، و إن لم يكن إنشاء، إذ هو سبب في الحكم بإزالة الملك في العين، و شغل الذمة بالنسبة إلى الدين، كالنذر في أيام المرض، بناء على أنه من الثلث.

و منه ينقدح حينئذ احتمال التفصيل بالتهمة و عدمها في سائر المنجزات، على معنى أنه إن كان قد اتهم بقصد الإضرار بالورثة بالتنجيز، و الفرار من الإرث كان ذلك من ثلثه، و إلا فمن الأصل، و به حينئذ يجمع بين النصوص السابقة، و ربما كان في ذيل صحيح عبد الرحمن الطويل إيماء في الجملة إليه، لكن ظاهر الأصحاب خلاف ذلك، بل يمكن دعوى الإجماع على عدم وجود اعتبار التهمة و عدمها في المنجزات، و لعله لعدم اشعار النصوص السابقة على كثرتها بذلك.

بل قد يقال بمنع كون الإقرار من المنجزات التي قد تقدم الخلاف فيها، ضرورة تضمن تلك النصوص للعتق و الهبة و نحوهما، مما لا يشمل الإقرار، و لا منقح، فالذي تقتضيه الضوابط كونه من الأصل مطلقا، لكن أخرجت عنها صورة التهمة، لا أن مقتضاها الخروج من الثلث باعتبار تعلق حق الورثة، و خرجنا عنها في صورة المأمونية بالنصوص، إذ الظاهر من النص و الفتوى عدم تعلق حق للوارث في العين حال الحياة.

و من ذلك يظهر لك الحال في حكم الواسطة أي الذي لم يعلم كونه مأمونا و عدمه، و فيما لو ادعاها الوارث على المقر له، فإن القول قول المقر له مع يمينه على عدم العلم بالتهمة، لا على العلم بعدمها، لأنه يمين على نفى فعل الغير، و يكفي حينئذ في الحكم للمقر له بالحق مجرد الإقرار مع عدم ظهور المانع من صحته، و إن لم يعلم صحة السبب، كما جزم به في المسالك، بل و يظهر أيضا فيما لو أقر بمنجز و لم يسنده إلى ما قبل المرض، لكن في جامع المقاصد أنه لا يبعد جعله من الثلث،

ج 26، ص: 84

و إن لم يكن تهمة، لأن الإقرار إنما يقتضي اللزوم قبيل زمان الإقرار بمقدار ما يمكن إنشاؤه، و مقتضاه حينئذ سقوط حق المقر له مع عدم وفاء الثلث، و فيه نظر.

و على كل حال فإقراره يلزم به في الظاهر لو برء، سواء كان متهما أو غير متهم، للعموم، و احتمال أنه كالوصية في عدم اللزوم إذا كان متهما و قلنا بالخروج من الثلث كما ترى، و تمام الكلام في هذه المسائل كلها في محلها إنشاء الله و انما اقتضت الضرورة لذكره هذه النبذة منها على الاجمال.

كما أنها اقتضت البحث في حال تركة الميت مع الدين، إذ هي من المال المحجور على مالكه التصرف فيه، بناء على انتقالها إلى الوارث، و أن الدين متعلق بها تعلق الرهانة، و لكن تحقيق الحال فيها أن الإجماع بقسميه على تعلق الديون بها في الجملة، و على عدم انتقالها إلى الديان، كما أن الإجماع بقسميه أيضا على انتقالها إلى الوارث مع عدم الدين و الوصية، بل حكاه بعضهم أيضا على انتقال الفاضل عن الدين مع عدم الوصية، و على انتقال الزائد عن الثلث إليهم معها و إن أوصى به.

إنما الكلام في انتقالها أجمع إلى الوارث مع الاستيعاب، و في انتقال المقابل للدين منها مع عدمه، فخيرة الحلي، و المصنف، و الفاضل- في الإرشاد، و الشهيد، و محكي المقنع، و النهاية، و المبسوط، في أحد النقلين و الخلاف و النهاية، و فقه الراوندي، قيل و مال إليه الفخر و والده في وصايا المختلف، أو قالا به- الثاني، و أنه باق على حكم مال الميت، بل في المسالك و المفاتيح نسبته إلى الأكثر.

بل في وصايا السرائر «إذا كان على الميت دين يحيط بالتركة، فإنها بلا خلاف بيننا لا تدخل في ملك الغرماء، و لا ملك الورثة، و الميت قد انقطع ملكه و زال، فينبغي أن تكون موقوفة على انقضاء الدين.

و في دينها «ان أصول مذهبنا تقتضي أن الورثة لا يستحقون شيئا من التركة دون قضاء جميع الديون، و لا يسوغ و لا يحل لهم التصرف في التركة دون القضاء إذا كانت بقدر الدين، لقوله تعالى «(1)مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ » فشرط صحة


1- 1 سورة النساء الآية- 12.

ج 26، ص: 85

الميراث و انتقاله أن يكون ما يفضل عن الدين، فلا يملك الوارث الا بعد قضاء الدين» الى آخره للآية الظاهرة في أن ملك السهام بعد الدين، لظهور اللام في الملك لا استقراره.

و ل

صحيح عباد بن صهيب أو موثقته (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته، فلما حضره الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة، ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له قال: جائز يخرج ذلك من جميع المال، إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه، ليس للورثة شي ء حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة»

و صحيح سليمان بن خالد(2)عنه (عليه السلام) أيضا «قضى أمير المؤمنين في دية المقتول أنه يرثها الورثة على كتاب الله، و سهامهم إذا لم يكن على المقتول دين».

و السيرة المستمرة على تبعية النماء للتركة في وفاء الدين و هو مستلزم لبقائها على حكم مال الميت لا الورثة خلافا لقواعد الفاضل و

جامع المقاصد و المبسوط في النقل الأخر و التحرير، و التذكرة، و قضاء المختلف، و حجر الإيضاح، و وصاياه، و حواشي الشهيد، و قضاء المسالك و مواريثه، و مواريث كشف اللثام، فاختاروا الأول، بل ربما استظهر من بعضهم أنه المشهور، و من التذكرة الإجماع عليه، حيث قال: الحق عندنا أن التركة تنتقل إلى الوارث، لمعلومية عدم بقاء المال بلا مالك، كمعلومية عدم كونه في المقام للغرماء للإجماع بقسميه و غيره، بل و الميت ضرورة كون الملك صفة وجودية لا تقوم بالمعدوم، كالمملوكية و لذا لم يدخل في ملكه جديدا إذ لا فرق بين الابتداء و الاستدامة و قضاء الدين من ديته، و مما يقع في شبكته بعد موته أعم من ملكيته لذلك، فتعين كونه للوارث، و لأنها لو لم تنتقل إليهم لما شارك ابن الابن مثلا عمه لو مات أبوه بعد جده، و حصل الإبراء من الدين، و التالي باطل إجماعا، و لان الحالف مع الشاهد إنما هو الوارث المخاصم في مال الميت، فلو لا الانتقال لساوى الغريم في عدم إثبات مال الغير


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب موانع الإرث الحديث- 1.

ج 26، ص: 86

بيمينه، و تعلق الحق لو سلم لا يسوغ ذلك، و لأنه لا خلاف في أن الورثة أحق بأعيان التركة من غيرهم، بل الإجماع بقسميه عليه، و من هنا حكي عن بعضهم أن النزاع في القيمة لا في نفس الأعيان» و في كل من الدليلين نظر، أما الآية فالمراد منها بعد الإجماع على ملك الوارث للثلثين مع الوصية بالثلث و الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع على ملكه الزائد على مقابل الدين بيان كون تقدير السهام بعد الوصية و الدين دفعا لتخيل كون الثلث مثلا من أصل المال، فلا تعرض فيها حينئذ لمالك ما يقابل الوصية و الدين أنه الميت أو الوارث، ضرورة عدم منافاة المعنى المزبور لكل منهما، إذ مرجعه إلى نحو النصوص (1)الواردة في بيان الحال في تركة الميت، من إخراج الكفن أولا، و الدين ثانيا، و الوصية ثالثا و السهام رابعا، و إن لم يكن فيها بيان تمام ذلك، فالتقدير حينئذ هذه السهام من بعد الوصية و الدين، لا أن المراد منها تعليق الملك بعد الوصية و الدين، لمنافاته حينئذ الإجماع المزبور، سواء أريد بعد إيصال الوصية و الدين إلى أهلها، أو بعد عزلهما و تعيينهما.

و احتمال كون المراد منها تعليق جواز التصرف في الملك، أو استقراره مع بعده غير نافع للخصم، بل هو ضار له، كتقدير سعة المال بمعنى أن هذه السهام من أصل المال لأهلها مع سعة المال للوصية و الدين، و إن وجب عليهم حينئذ التأدية منها، فتبقى السهام حينئذ على ما هو المنساق منها، من كونها من أصل المال، خصوصا مع قوله تعالى (2)«مِمَّا تَرَكْتُمْ» و يكون مورد الآية حينئذ و المقصود منها بيان حكم التركة الزائدة، و كذا تقدير العزل و الأداء.

و على كل حال ما ذكرناه أولى من الجميع، بل هو المقطوع به بعد التأمل الجيد، و ربما

يرجع إليه بعض ما سمعت، و منه يظهر لك ما في الذي أطنب فيه الأردبيلي و تبعه عليه غيره، بل منه يظهر لك ما في كلام كثير من الأصحاب فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل الباب- 28- من أبواب أحكام الوصايا.
2- 2 سورة النساء الآية- 12.

ج 26، ص: 87

و أما احتمال كون المراد «من بعد» فيها الكناية عن ملك الزائد على الوصية و الدين، فهو- مع انه لا يساعد عليه اللفظ كمال المساعدة- غير مجد للخصم، ضرورة كون أقصاه بيان حكم الزائد لا غيره، و اشعار التقييد حينئذ بعدم ملكه لغيره يدفعه احتمال كون ثمرة التقييد حينئذ بيان أنه الملك المجدي للوارث النافع له، بخلاف غيره الذي يزول عنه بأدائه للوصية و الدين، بل لعل ذلك أولى من الأول الذي لا قرينة على تعيينه.

و مما ذكرنا يظهر لك النظر في الاستدلال بصحيح عباد(1)المعلوم عدم سوقه لبيان ذلك، و أنه لا معنى لإرادة نفى الملك منه بعد الإجماع المزبور، و تخصيصه بمقابل الوصية و الدين مناف لظاهرة، إذ لا يرجع لفظ حتى فيه إلى معنى محصل، ضرورة أنه يكون معناه ليس لهم ذلك حتى يؤدوه و حمله على خصوص التأدية من غير التركة كما ترى فلا بد من حمله حينئذ على جواز التصرف أو استقرار الملك أو غير ذلك، و كذا صحيح سليمان(2).

و أما السيرة فقد يمنع تحققها على وجه يجدى، و لو سلم فهي أعم من الكون على حكم

ملك الميت، إذ يمكن كونه ملك الوارث، و مع ذلك يجب دفعه في الدين لها كالأصل، كما هو واضح.

و أما أدلة القول الثاني ففي أولها أنه لا مانع عقلا و لا شرعا في بقاء المال على حكم ملك الميت، بل لا بد من التزامه في مثل الوصية بالثلث للعبادة و نحوها، و التزامه فيمن لم يكن له وارث إلا مملوك يشترى فيعتق حتى يرث، و التزام كونه للورثة في الأول- و يجب عليهم تأديته في تلك المصارف كما في جامع المقاصد- لا داعي له، و لا دليل عليه، مع أنه لا يتم في مثل الثاني، و دعوى الإجماع على عدم بقاء المال بلا مالك بحيث لا يكفى هذا الحكم من الملك واضحة المنع.

و ما أبعد ما بين ذلك و بين القول بأنه يملك جديدا حقيقة كما عن ثاني الشهيدين


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب موانع الإرث الحديث- 1.

ج 26، ص: 88

و الفخر، ناسبا له إلى بعض، بل قيل: إنه ربما أراد به المصنف في باب القصاص، فيما إذ شهد به الوارث على جرح الموروث قبل الاندمال، محتجا بوفاء الدين من ديته الحاصلة بعد موته، و مما يقع في شبكته.

و فيه أنه أعم من صفة الملك حقيقة، و لعله لا يريدها بل يريد ما يرجع إلى حكم الملك، ضرورة معلومية زوال الملك بالموت، و قد سمعت نفي الخلاف فيه، من الحلي و الأمر سهل في ذلك حيث لا ثمرة معتدة بها فيه.

و شركة ابن الابن عمه أعم من الدعوى، إذ لعله لإرثه الاستحقاق الذي كان لأبيه، فإنه لا إشكال في استحقاق الوارث المال المقابل للدين لو اتفق ارتفاعه بإبراء و نحوه، و إن قلنا بكونه على حكم مال الميت حاله، و لذا كانت الخصومة في أموال الميت له، بل قد عرفت أنه الذي يحلف مع الشاهد، و لعله لهذا الاستحقاق الذي كان الدين مانعا عنه جاز يمينه عليه، و إن لم يكن ملكا له بالفعل، ضرورة كونه ليس كغيره من الحقوق التي لم تجز اليمين لإثبات المال معها، كحق الرهانة و غرماء المفلس و نحوهم، و المسلم من أحقية الوارث عدم مزاحمة الغير له لو أراد العين بثمنها، و هذا أعم من الملكية.

و منه يعلم أن دعوى النزاع في القيمة لا العين لذلك في غير محلها، بل كلمات الأصحاب صريحة في خلافه، كما لا يخفى على الملاحظ لها فتأمل جيدا. فإنه قد بان لك من ذلك كله النظر في الحجتين.

لكن لا ريب في ان الأقوى القول الثاني لا لما ذكروه، بل لأنه بعد ما عرفت من عدم دلالة الآية و الرواية على البقاء على حكم مال الميت، لم يكن معارضا لما دل على أن جميع تركة الميت لوارثه بموته من العمومات و غيرها، ك

قوله (عليه السلام)(1)تركه الميت لورثته»

و غيره و وجوب الوفاء غير قادح.

نعم في الوصية بالثلث بما يرجع إلى الميت لا يبعد البقاء على حكم ماله، للنصوص الدالة

على أن له مع الوصية من ماله ثلثه، و تعذر الملك حقيقة يعين إرادة بقاء حكم


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 3- و غيرها.

ج 26، ص: 89

الملك، فهي في الحقيقة مخصصة لتلك النصوص، إذ هو أقرب من احتمال الجمع بينها بإرادة حصول النفع للميت، فلا ينافي ملك الورثة لها كما هو مقتضى العموم الأول و إن وجب عليهم صرفها فيما أوصى به، كما لا يخفى على من لاحظها فإنها ظاهرة كمال الظهور في عدم ملك الوارث لها.

و بذلك افترقت الوصية عن الدين، فإنه ليس فيما عثرنا عليه من الأدلة ما يدل على نحو ذلك، الا ما عرفت النظر فيه، مضافا إلى اقتضاء القول ببقاء مقابل الدين على حكم مال الميت و ملك الوارث الزائد تجشما و تكلفا، إذ هو إن رجع إلى الإشاعة على معنى أنه لو فرض مقابلة النصف وقت الوفاة كان المال بين الميت و الورثة نصفين، و اتجه التوزيع لو أنفق نقصان السعر أو التلف، لا اختصاص الوارث و عود المال إلى ملك الميت كما هو المعروف بين الأصحاب، و إن لم يرجع إلى الإشاعة اقتضى ملكا للكلي في غير الذمة، و قد عرفت أن التحقيق احتياجه إلى الدليل في باب بيع الصاع من الصبرة و لا دافع لذلك إلا التزامه للدليل، كما سمعته في خبر الأطنان (1)أو التزام الأول و التخلص مما سمعته بدعوى المراعاة في الملك لا العود من الوارث، و الكل تجشم.

و لعله مثله لازم في الوصية لو كان قد أوصى بكلي من ثلثه كألف و نحوه، فإنه لا ينقص ما دام في الثلث سعة، و لا يرجع إلى حصة معينة منه بحيث لو نقص أصل المال بسعر أو تلف دخلها النقص على تلك النسبة. لكن الجميع كما ترى لا يخلو من اشكال.

أما الدين فلا يرد فيه شي ء من ذلك، بناء على المختار من كون الجميع ملك الورثة، و ربما نلتزم مثله في نحو هذه الوصية و إن اخترنا كونها على حكم مال الميت لو أوصى بالحصة المشاعة على الوجه الذي عرفت، فتأمل جيدا فإنه قل من تعرض للوصية و الذي تعرض لها جعل حكمها حكم الدين اغترارا بظاهر الآية، و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.

ج 26، ص: 90

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا حكم ما لو لم يكن الدين مستغرقا إذ على ما قلناه لا فرق بينهما في الانتقال إلى الوارث، أما على القول الأول فقد صرح بعضهم بأن حكم المقابل حكم المستوعب في البقاء على ملك الميت، و أما الفاضل فهو ملك الورثة و قد سمعت حكاية بعضهم الإجماع عليه، و من الغريب ما عن الفاضل في إرث القواعد من أن التركة مع الاستيعاب للورثة، و أما إذا لم يكن مستوعبا فما قابل الدين على حكم مال الميت، و لم يحضرنا الآن ما يشهد له من آية أو رواية أو اعتبار.

و الأمر سهل بعد وضوح الحال لديك، كوضوح الثمرات المترتبة على هذا الخلاف التي منها: أنه لا إشكال في تعلق الدين بالنماء بناء على بقائها على حكم مال الميت، أما على الانتقال إلى الوارث، فالمتجه عدمه، للأصل، و دعوى تبعية النماء للمال في التعلق أيضا ممنوعة، و قد سمعت في باب الرهن منعها، على أنك ستعرف أن التعلق هنا ليس كتعلق الرهن.

فنقول: إن تعلق الدين بالتركة هل هو تعلق رهن حتى لا يجوز للورثة التصرف كما هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا، أو أرش جناية فيجوز كما عن السيد الرضي، بل هو ظاهر قواعد الفاضل في باب الرهن، أو تعلقا مستقلا؟ كما هو خيرة جامع المقاصد، و المحكي عن الفخر، و الظاهر أن هذا البحث يأتي على القولين، إلا أن ثمرته في المستوعب على الأول نادرة، ضرورة عدم جواز تصرف الوارث بعد أن لم يكن مالكا على كل حال.

نعم قد تظهر ثمرته في الوصي باعتبار تصرفه في التركة لقضاء الدين، فإنه لا يجوز على الأول من دون إذنهم كالرهن، و على الثاني يجوز كالثالث في احتمال، و لو قيل:

بأن الكل متفقون على جواز التصرف للدين من دون إذن الغرماء، و إنما مراد القائل بتعلق الرهانة بالنسبة إلى نفوذ تصرف الوارث، سقطت الثمرة من هذه الجهة.

و كيف كان فالتحقيق أنه تعلق مستقل لا يدخل في أحد التعلقين، ضرورة خروجه عن موضوعهما، فلا يشمله دليلهما، و الشبه بكل منهما من جهة يقتضي خروجه عنهما، و كثرة وجه الشبه بأحدهما لا تقتضي لحوق أحكامه، و لعل مراد الأصحاب في

ج 26، ص: 91

هذا الخلاف أن الدليل و لو الأصل يقتضي كون التعلق تعلق الرهانة في الاحكام و الأرش و إلا فمعلوم خروجه عن موضوعها، و ان الشبه في الجملة لا يثبت جميع الاحكام.

و على كل حال فقد جزم المحقق الثاني، و الفخر، و الشهيد في المحكي عنهما، بخروجه عنهما نعم قال الأول: يحتمل المنع من التصرف بالعتق بالبيع و نحوهما، لمنافاته حكمة التعلق لاقتضاء نفوذ التصرف ضياع الدين، و لصيرورة العين به كالمال المشترك، و يحتمل العدم، للأصل، بل الأصول، و لا منافاة بعد ثبوت التسلط الذي الحق على الفسخ إن لم يدفع له، ففي الصحة حينئذ جمع بين الحقين، و تحتم الأداء على الوارث حكمة التعلق. كما أن سلطنة الغريم على الفسخ تنفي الضياع، و من هنا قال: «التحقيق أن القول بالنفوذ أقوى» قلت: هو كذلك، لكن لا ثمرة ظاهرة غالبا حينئذ بينه و بين القول بتعلقه تعلق الأرش.

و على كل حال فهل يشترط في تعلق الدين بمجموعة التركة استغراق الدين إياها أو أزيد فلو كان أنقص لم يتعلق إلا بقدره، لأن الحجر إنما وقع لأجل الدين فيختص بقدره أم لا يشترط لأنه لا أولوية لبعض على بعض في اختصاص التعلق به- لأن الأداء لا يقطع بكونه بذلك البعض، لجواز التلف، و لظاهر الآية(1)بناء على أنها لتعلق الملك، أو جواز التصرف، و صحيح عباد المتقدم (2)بل و صحيح سليمان (3)و لأن الميت لما خرج بالموت عن صلاحية استقرار الدين في ذمته، وجب أن يتعلق بكل ما يمكن اداؤه من أمواله لأن حدوث تعلقه ببعض آخر عند تلف بعض معلوم انتفاؤه- اشكال «أقربه الأول» في القواعد و المحكي عن حواشي الشهيد و جامع الشرائع، المسالك، و الكفاية، «و الأصح الثاني» في جامع المقاصد، و هو المحكي عن ميراث لقواعد و حجر الإيضاح و رهنه و إرث الدروس و إيضاح النافع، و ظاهر المبسوط و قد يؤيد الأول- مضافا إلى السيرة و إلى استبعاد الحجر على مال كثير بدين يسير، بل لا يخلو من


1- 1 سورة النساء الآية- 12-.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1-.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب موانع الإرث الحديث- 1-.

ج 26، ص: 92

ضرر و حرج-

الحسن أو الصحيح (1)«أنه سئل عن رجل يموت و يترك عيالا و عليه دين أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إن استيقن أن الذي عليه يحيط بجميع المال، فلا ينفق عليهم، و إن لم يستيقن فلينفق عليهم من وسط المال،

و نحوه خبر عبد الرحمن بن الحجاج (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) إذ هما و إن كانا في التصرف الاتلافي الذي يمكن أن يمنعه أيضا القائل بتعلق الأرش أو التعلق المستقل، و إن

جوز غيره مما ليس فيه إتلاف للعين، لكن دال على غيره بطريق أولى، من إمكان المناقشة في أدلة الثاني بأنه لا أولوية بعد أن كان التعلق بالمقابل الكلي، و الآية قد عرفت المراد منها، و الصحيح كما أنه محتمل لتعليق جواز التصرف، محتمل لاستقرار الملك، و أولى منه بذلك صحيح سليمان، و لا حدوث للتعلق بعد تلف المعزول له، بل هو انكشاف لكون التعلق بالذي تصرف فيه الوارث.

و منه يظهر الوجه في تسلط الغريم على الفسخ لو فرض تصرف الوارث و لم يؤد الدين و ضمانه لو كان قد أتلفه، و احتمال عدم جواز الفسخ للإذن في التصرف الذي وقع حال عدم تعلق الدين في غاية الضعف، كتعليله، فبان لك حينئذ من ذلك كله قوة القول بالتفصيل بين المستوعب و غيره، الذي تظهر ثمرته على تقدير كون التعلق تعلق رهانة، أو مستقلا يمنع من التصرف، أما إذا قلنا بعدم منعه حتى في المقابل فلا ثمرة له ظاهرة غالبا، كما أنه بان لك مما ذكرناه عدم الفرق في جواز التصرف عند القائل بأنه تعلق أرش أو مستقل بين الاستيعاب و غيره، كما هو مقتضى ما سمعته من الأدلة.

لكن عن قضاء الإيضاح و المسالك، و ظاهر قضاء دين الميت من السرائر، الإجماع على عدم جواز التصرف مع الاستيعاب، و أن الاشكال في غير المستوعب، قال في الأول:

«أجمع الكل على أنه إذا مات من عليه دين يحيط بجميع التركة، لا يجوز للوارث التصرف فيها إلا بعد قضاء الدين، أو إذن الغرماء» و نحوه عن الثاني أيضا، بل في مفتاح الكرامة «أنه كذلك، يشهد له التتبع».


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 2.

ج 26، ص: 93

قلت: بل التتبع شاهد بخلافه كما لا يخفى على من لاحظ القواعد، و جامع المقاصد في باب الحجر، مضافا إلى عدم اقتضاء الأدلة الفرق بين المستوعب و المقابل للدين من غيره، نعم في الزائد ما سمعته من البحث السابق فلاحظ و تأمل، و لو كان على الميت عهدة كما لو كان قد حفر بئرا في طريق المسلمين عدوانا فتردى فيه بعد موته، أو كان قد سرت جنايته كذلك، و لم نقل بالكشف بها عن شغل ذمته قبل الموت، أورد مبيعه بالعيب بعد أن أتلف هو الثمن مثلا، فإن لم يكن قد تصرف الوارث بالتركة وجب الأداء منها، بلا خلاف أجده فيه، كما أنه لا أجده أيضا في انتقال التركة هنا إلى ملك الوارث قبل حدوث الضمان، و إن كان السبب متقدما، ضرورة عدم اقتضاء تقدمه بقاء التركة على حكم ماله، لعدم تحقق الدين حينئذ.

اللهم إلا أن يدعى الكشف و لا دليل عليه، إذ وجوب الأداء منها أعم من ذلك بل ينبغي الجزم به بناء على المختار من انتقالها إلى الوارث مع الدين المحقق فعلا فضلا عما نحن فيه، و إن كان قد تصرف فيها الوارث ببيع و نحوه ففي القواعد «احتمل فساد التصرف لتقدم سبب الدين، فأشبه الدين المقارن، و عدمه، فإن ادعى الوارث الدين و إلا فسخ التصرف»، و كأنه بنى الأول على كون التعلق تعلق رهانة و قد عرفت ما فيه سابقا.

مع أنه لو سلم في الدين المقارن أمكن منعه هنا، للأصل، و تقدم السبب لا يقتضي تقدم المسبب، و أقصى العهدة تعلق الدين الحادث بالتركة، لا منع الوارث من التصرف، و دعوى حدوث البطلان بحدوثه محتاجة إلى دليل، فلا ريب أن الأصح الاحتمال الثاني على هذا التقدير، فضلا عن المختار، بل إن لم يقم إجماع على تسلطه على الفسخ إن لم يؤد الدين الوارث أمكن منعه، للأصل و لكن يقوى حينئذ تعلق الدين بالعوض، لكونه بدل المال ذي العهدة.

اللهم الا أن يقال: إنها كالدين في التسلط على الخيار الذي منشؤه فيهما تضرر الغريم، و أن له حقا في الجملة، و منه حينئذ يتوجه ضمان الوارث لو فرض أن تصرفه كان بإتلاف للمال من غير معاوضة، كأن يكون طعاما فأكله، أو ثوبا فلبسه، أو وهبه مجانا أو نحو ذلك فتأمل جيدا و الله أعلم.

ج 26، ص: 94

[الفصل الثاني في أحكام الحجر و فيه مسائل ]

اشارة

الفصل الثاني في أحكام الحجر.

و فيه مسائل:

[المسألة الأولى لا يثبت حجر المفلس إلا بحكم الحاكم ]

الأولى قد تقدم سابقا انه لا خلاف معتد به في أنه لا يثبت حجر المفلس إلا بحكم الحاكم و إنما الخلاف في توقف دفعه على حكم الحاكم على ما عرفت.

و هل يثبت الحجر في السفيه بظهور سفهه فيه تردد و خلاف و الوجه عند المصنف أنه لا يثبت، و كذا لا يزول إلا بحكمه وفاقا للفاضل و محكي المبسوط و شرح الإرشاد للفخر و ظاهر الغنية، قيل: و كأنه مال إليه في غاية المراد، بل عن تعليق الإرشاد للكركي المشهور توقف الحجر على حكم الحاكم، فيقوى حينئذ توقف إزالته عليه، و إن كان هو كما ترى، للأصل بمعانيه الثلاثة في توقف الثبوت عليه، و بمعنى الاستصحاب في الزوال مؤيدة بأن موضوع السفه اجتهادي لوقوع الاختلاف في بعض ما يعد فعله سفها، و بالعسر و الحرج، إذ أكثر الناس سفهاء سيما مع اعتبار العدالة و إصلاح المال و الاكتساب و تحصيل المعدوم في الرشد.

لكن فيه أن الأصل يقطعه ظاهر قوله تعالى (1)«وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» بناء على أن المراد عدم تمكين السفهاء من أموالهم كما عن أكثر المفسرين بقرينة «وَ ارْزُقُوهُمْ» إلى آخره للإجماع على عدم وجوب الإنفاق على السفيه من غير ماله، و الحمل على من وجبت نفقته منهم و لا مال له كما ترى.

بل يشعر بذلك أيضا قوله «وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً» بناء على أن المراد الكلام الجميل و الوعد بما لهم إذا رشدوا، و تعليم حفظ المال و صيانته و نحو ذلك، بل و ما بعد الآية، بل قيل: و ما قبلها.

و لا ينافي ذلك الإضافة إلى ضمير المخاطب، باعتبار رجوعها إلى الأولياء


1- 1 سورة النساء الآية- 5-.

ج 26، ص: 95

بالإرث، أو باعتبار كونهم قوامين و متصرفين بها كالملاك أو باعتبار الإشارة إلى حفظها كحفظ أموالكم، أو باعتبار أنها من جنس أموالهم التي بها قوام الكل، كما في قوله تعالى (1)«وَ لا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»(2)و «فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ» فإن المراد عدم قتل البعض بعضا و جنس ما ملكت و جنس الفتيات، لا نفس المخاطب و ما ملكت يمينه و فتياته، أو غير ذلك مما يكفي في الإضافة التي كثر استعمالها لأدنى ملابسة.

و ما

في الصافي و العياشي (3)عن الصادق (عليه السلام) «هم اليتامى لا تعطوهم أموالهم حتى تعرفوا منهم الرشد، قيل: فكيف يكون أموالهم أموالنا فقال: إذا كنت أنت الوارث لهم»

يمكن عدم ارادة الحصر منه، خصوصا بعد استفادة حكم خصوص اليتامى من الآية التي بعدها، بل

روى عنه (عليه السلام)(4)في هذه الآية أنه قال: «من لا تثق به»

و في رواية(5)«كل من يشرب الخمر فهو سفيه».

و عن الباقر (عليه السلام)(6)«أنه سئل عن هذه الآية فقال: لا تؤتوها شراب الخمر و لا النساء، ثم قال: و أي سفيه أسفه من شارب الخمر»،

و لفظ الإيتاء و ان كان ظاهرا في سبق الاستيلاء على المال الا أنه يمكن ارادة عدم التمكين منه، على أنه بعد التسليم يمكن دلالتها على المطلوب، بناء على ما تسمعه في مفهوم آية الابتلاء(7)نعم

في الصافي أيضا عن القمي عنه (عليه السلام)(8)أيضا أنه قال: «السفهاء النساء و الولد إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة و ولده سفيه مفسد لا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله الذي جعله الله له قياما يقوم به، و معاشا قال وَ ارْزُقُوهُمْ فِيها وَ اكْسُوهُمْ وَ قُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً».


1- 1 سورة النساء الآية- 29-.
2- 2 سورة النساء الآية- 25-.
3- 3 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 9.
5- 5 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 53- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2.
7- 7 سورة النساء- الآية- 6.
8- 8 المستدرك ج- 2- ص- 496-.

ج 26، ص: 96

و لكنك خبير أنه لا يجوز الخروج عن ظاهر الآية بمثل هذا المرسل الذي يمكن عدم منافاته للمعنى المراد من الآية أيضا، فلا ريب حينئذ في استفادة المطلوب من ظاهر الآية، ضرورة إطلاق النهي فيها من دون تعرض للحاكم، بل قد يستفاد من مفهوم قوله تعالى (1)، أيضا «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً

فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» كاستفادة عدم توقف زواله على حكم الحاكم.

و دعوى خروجها عن محل النزاع- للإجماع على عدم اعتبار الحاكم في الإثبات و الإزالة بالنسبة إلى السفه المتصل بعد البلوغ، و خصوصا الزوال، إذ لو توقف عليه لطلب الناس عند بلوغهم فك الحجر عليه من الحاكم، و لكان عندهم من أهم الأشياء فالسيرة القطعية شاهدة على ذلك، و عن المبسوط «و أما حجر الصبي فإنه يزول ببلوغه و لا يحتاج إلى حكم حاكم، و في الناس من قال: لا بد فيه من حكم الحاكم، و هو خلاف الإجماع»- يدفعها أولا: ما عن نكاح التذكرة من ظهور عموم النزاع مؤيدا بإطلاق كثير منهم هنا، و ثانيا: القطع بعدم الفرق، ضرورة عدم مدخلية الاتصال بالصغر المنقطع بالبلوغ، إذ هو سبب جديد غير الأول، فإن كان لا يمنع من التصرف بالمال إلا بحكم الحاكم، وجب اعتباره في منع المالك منه، و كذا الزوال، و الاتصال غير مجد، بل و كذا يستفاد المطلوب من قوله تعالى(2)«فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً» الى آخره حيث أثبت الولاية بمجرد السفه.

إلى ما ذكرنا يرجع الاستدلال بأن العلة السفه كما يشعر به تعليق الحكم عليه، فوجوده يستلزم وجود المعلوم، و عدمها يستلزم عدمه، و بأنه إن جاز التصرف مع عدم حكم الحاكم لم يكن الرشد شرطا، و هو باطل بالآية و بأن اشتراط جواز التصرف بالرشد يقضي بأن زوال الشرط يستلزم زوال المشروط، كما أن منه يظهر الاستدلال أيضا بالإجماع السابق، بل و بإطلاق النصوص التي هي نحو آية الابتلاء.


1- 1 سورة النساء- الآية- 6.
2- 2 سورة البقرة- الآية 281.

ج 26، ص: 97

و التأييد الأول واضح الدفع، ضرورة كون الكلام في الحجر بعد ثبوت السفه لا في موضوع السفه، و أما التأييد الثاني فيدفعه منع كون أكثر الناس سفها، على أنه مشترك الإلزام، ضرورة وجوب التحجير حينئذ على الحاكم من باب الحسبة، و خصوصا إذا كان هو الولي و قد تقدم في موضوع السفه ما يفيدك حقيقة الحال، فلاحظ و تأمل.

و من ذلك كله يظهر قوة القول بعدم توقفه ثبوتا و زوالا على حكم الحاكم، وفاقا لجامع المقاصد، و الروضة، و المسالك، و الكفاية، و المفاتيح، و الرياض، على ما حكي عن بعضها، بل هو خيرة اللمعة أيضا بالنسبة إلى الثبوت دون الزوال، فأوقفه على حكم الحاكم للأصل المقطوع بما عرفت، و لاحتياج معرفته إلى الاجتهاد الذي قد سمعت ما فيه، مضافا إلى انتقاضه في الثبوت.

و منه يظهر ضعف القول الرابع الذي هو عكس ذلك، و قد اعترف جماعة بعدم معرفة قائله و ربما استظهر من غاية المراد للشهيد، نعم عن التحرير أنه جزم باحتياجه إلى حكم الحاكم في الثبوت، و توقف في الزوال عكس ما عن الإرشاد.

و على كل حال ففيه ما لا يخفى، مع أن ما قيل في وجهه من أن حكم الحاكم كان مشروطا بوجوده فلما عدم السفه امتنع ثبوت الحجر، إذ يمتنع بقاؤه من دون الشرط، خصوصا على القول بأن البقاء يحتاج إلى علة، و أن علة البقاء علة الحدوث موافق للمختار، إنما الكلام في توقف ثبوته على حكم الحاكم، و ليس إلا ما عرفت سابقا مما هو واضح الضعف و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا حجر عليه فبايعه انسان كان البيع باطلا]

المسألة الثانية إذا حجر عليه الحاكم فبايعه انسان، كان البيع باطلا مع عدم اجازة الولي لا معها، لما عرفت سابقا سواء كان بعين ماله أو ما في الذمة، رضي البائع بالانتظار إلى احتمال فك الحجر أولا، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الأردبيلي أنه يمكن تحريم أصل المعاملة معه، و مجرد إيقاع صورة البيع و الشراء معه، و إن كان فيه منع واضح، و حينئذ فإن كان المبيع موجودا استعاده البائع عالما كان أو جاهلا بالحكم أو الموضوع، أذن بالقبض أو لا، بلا خلاف أجده و لا إشكال، ضرورة بقاء المال حينئذ على ملكه، فله انتزاعه، و احتمال

ج 26، ص: 98

صيرورته هبة في بعض أفراد المسألة كما ترى.

و إن تلف و قد قبضه بإذن صاحبه العالم بموضوعه و حكمه كان تالفا من مال مالكه و إن فك حجره بعد التلف لأصالة البراءة بعد أن كان هو المسلط له على ذلك، و هو المسقط لحرمة ماله، فلا يشمله شي ء من أدلة الضمان.

لكن الإنصاف أنه إن لم يثبت الإجماع عليه كما هو الظاهر من بعضهم حيث أرسلوه إرسال المسلمات، و ادعوا ظهوره و وضوحه بحيث لا يحتاج إلى بيان لا يخلو من اشكال، يظهر مما ذكروه في قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، مع العلم بالفساد من أنه لا يقتضي سقوط الضمان بعد أن كان الاذن حاصلا فمن ضمن البيع فهي في الحقيقة مشروط بصحة البيع المفروض انتفاؤها، فتنتفي حينئذ الاذن، و يكون كفاقد الإذن في شمول أدلة الضمان له، و هو بعينه جار في المقام و قياس السفيه على المجنون الذي لا يعقل معه الخطاب المشروط- واضح الفساد، ضرورة كون السفيه مكلفا قابلا للخطاب، و إن حجر عليه في التصرف في المال.

و أغرب من ذلك ما عساه يظهر من إطلاق المصنف و غيره، من عدم الضمان مع الجهل أيضا، بل صريح القواعد و محكي المبسوط، و التحرير، و التذكرة، و جامع المقاصد، و الكفاية، و لعله ظاهر المسالك أيضا قال: «و وجهه أن البائع قصر في معاملته قبل اختبار حاله و علمه بأن العوض المبذول منه ثابت أم لا؟ فهو مضيع لماله».

و فيه منع كون ذلك مسقطا لحرمة المال، مع عموم أدلة الضمان، و قد يفرض عدم التقصير المزبور أيضا، و لعله من هنا حكى في التذكرة عن بعض الشافعية أن السفيه إذا أتلف المال بنفسه ضمن بعد رفع الحجر، ثم قال: «و لا بأس به» بل خص في اللمعة الضياع و عدم الضمان بالمعامل العالم، بل نص في الروضة لو كان جاهلا بحاله كان له الرجوع مطلقا، لعدم تقصيره، بل عن الأردبيلي أنه تأمل في صورة العلم أيضا لأنه صار سفيها أيضا، إلا أنه استظهر عدم الضمان، ثم قال: «الذي يختلج في صدري ضمانه مع علمه، أي السفيه بعدم صحة هذا العقد و عدم صحة التسلط إلا أن يكون المسلم إليه عالما و قبضه إياه» فتأمل هذا كله إذا قبضه بالإذن.

ج 26، ص: 99

و أما إذا كان قد قبضه بغير إذن، فالمتجه فيه الضمان، لعموم أدلته، و عدم صدور غير العقد الفاسد من المالك، و هو لا يقتضي الإذن فهو حينئذ كما لو أتلف ما لم يؤذن له فيه، و هو الظاهر من المصنف، بل هو صريح غيره، بل لا أجد فيه خلافا بيننا و بين غيرنا، سوى ما عن الأردبيلي من أن الظاهر عدم الضمان، لأن المالك قد ضيعه على نفسه بإجراء العقد المسلط عرفا على القبض، و فيه ما لا يخفى، خصوصا بعد أولوية السفيه في الضمان من الصبي و المجنون اللذين قيل بلزوم الضمان عليهما لو فرضنا كذلك.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما لو اقترض السفيه و أتلف المال، و إن صرح في القواعد أيضا بعدم الضمان فيه على كل حال، لكن فيه ما تقدم، مضافا إلى ما ذكروه في اقتراض المملوك و إتلافه له على نفسه من دون إذن سيده من ضمانه، و أنه يتبع به العتق، إذ السفيه أما أولى منه أو مساو له، و لو لا تصريح البعض هنا بعدم الضمان و لو فك الحجر، لأمكن تنزيل كلامهم على عدم الضمان فعلا، بحيث يؤدي من ماله.

و على كل حال فالذي ينبغي مراعاة الضوابط بعد فرض عدم الإجماع في المقام إذ دون ثبوته على الوجه المثمر خرط القتاد، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و مما ذكرنا يعلم الحال فيما لو أودعه إنسان مثلا وديعة مع العلم بحجره فأتلفها و لو مباشرة لكن قال المصنف ففيه أي في ضمانه تردد و خلاف و الوجه انه لا يضمن كما عن إرشاد الفاضل، للأصل و لتفريطه بالإيداع بعد نهى الله تعالى عن إيتاء السفيه المال، فهو حينئذ سبب أقوى من المباشر.

و لأن

«إسماعيل بن الصادق (عليه السلام)(1)أراد أن يستبضع رجلا فنهاه أبو عبد الله (عليه السلام) عن ذلك، لأن ذلك الرجل كان يشرب الخمر، فخالف و استبضعه، فاستهلك ماله، فحج أبو عبد الله (عليه السلام)، و حج معه ابنه إسماعيل فجعل يطوف بالبيت و يقول «اللهم أجرني و اخلف على» فلحقه أبو عبد الله (عليه السلام)، فهمزه بيده من خلفه، فقال له: مه يا بني فلا


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الوديعة الحديث- 1.

ج 26، ص: 100

و الله مالك على الله حجة، و لا لك أن يأجرك و لا يخلف عليك و قد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته (الى ان قال): فإن الله عز و جل في كتابه يقول «وَ لا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ» فأي سفيه أسفه من شارب الخمر، إن شارب الخمر لا يزوج و لا يؤتمن على أمانة، فمن

ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله عز و جل أن يأجره».

و فيه أن الأصل مقطوع بأدلة الضمان كعموم من أتلف و نحوه، و الإيداع من مكلف بعد أن لم يكن فيه إذنا بالإتلاف ليس تفريطا ليسقط معه حرمة المال، و يخرج به عن عمومات الضمان، و دعوى قوة السبب على المباشرة واضحة المنع، كوضوح عدم دلالة الخبر المزبور الذي لا جابر له.

مضافا إلى اشتماله على مخالفة إسماعيل لوالده، و المعلوم من ورعه خلافه، و إلى نهيه عن الدعاء الذي لا إشكال في جوازه له، فظهر حينئذ قوة القول بالضمان وفاقا للتذكرة، و جامع المقاصد، و المسالك، و الروضة، و مجمع البرهان على ما حكي عن بعضها، إذ هو حينئذ كالغصب الذي لم أجد خلافا في ضمانه، بل هو منه ضرورة كون السفيه بالغا عاقلا، بل لعله أفحش منه.

نعم لو كانت الوديعة مثلا من مجنون أو طفل غير مميز اتجه حينئذ عدم الضمان بالإتلاف مباشرة، فضلا عنه بالتفريط، كما عن التذكرة و التحرير، للأصل بعد الشك في تناول عمومات الضمان له، باعتبار قوة السبب على المباشر الذي هو كالحيوان، فما عن بعضهم من الضمان مطلقا ضعيف.

بل و ما في المسالك من الفرق بين المباشرة و التفريط، لأن الضمان بالثاني فرع وجوب الحفظ المعلوم انتفاؤه عنها، بخلاف الأول المبني على سببية الإتلاف للضمان، و هي لا فرق فيها بين التكليف و عدمه، و لذا ضمنا لو أتلفه بلا إذن من المالك في أصل الاستيلاء بلا خلاف و لا إشكال، لما قد عرفت من قوة السبب على مثل هذا المباشر، و أنه كما لو أهمل ماله حتى أتلفته دابة الغير.

أما إذا كان الصبي مميزا فقد يقوى ضمانه بالمباشرة، بل و بالتفريط بناء على أنه لا يقصر عنها، لمنع قوة السبب هنا على المباشرة بعد استمرار السيرة على الاعتماد

ج 26، ص: 101

عليهم في الحفظ، و عدم التكليف لا ينافي الضمان حتى بالإهمال، و دعوى- توقف صدق التفريط عليه- يمكن منعها، و لذا يضمن الساهي و الغافل و الناسي و نحوها فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو فك حجره ثم عاد مبذرا حجر عليه ]

المسألة الثالثة لا خلاف في أنه لو فك حجره بحصول الرشد ثم عاد مبذرا و قلنا بتحقق السفه به حجر عليه، و لو زال فك حجره و لو عاد عاد الحجر عليه و هكذا دائما ضرورة اقتضاء وجود العلة وجود المعلول كنفيها من غير فرق بين القول بتوقف حجره على حكم الحاكم و عدمه.

[المسألة الرابعة الولاية في مال الطفل و المجنون للأب و الجد للأب ]

المسألة الرابعة قد أطلق الشيخ فيما حكى عنه هنا و كثير ممن تأخر عنه أن الولاية في مال الطفل و المجنون للأب و الجد للأب بل هو معقد ما في المسالك و محكي الكفاية من نفي الخلاف فيه، بل هو معقد إجماع التذكرة و لا ريب فيه في الجملة، بل عن مجمع البرهان كان عليه إجماع الأمة.

مضافا إلى النصوص المستفيضة، في الأول بل ربما ادعى تواترها الواردة في النكاح (1)المدعى دلالتها على ما هنا بالأولوية، و إلى خصوص النصوص (2)الواردة في بحث أموال اليتامى و الوصية و غيرهما من المباحث الكثيرة، كما عن الرياض.

نعم قد يتوقف في خصوص من تجدد جنونه بعد بلوغه و رشده الذي هو أحد أفراد ذلك الإطلاق، لانقطاع ولايتهما حينئذ عنه، فيندرج تحت عموم ولاية الحاكم الذي هو نائب الأصل، بل جزم به في المحكي من جامع المقاصد و مجمع البرهان بل عن ظاهر الأخير و نكاح المسالك أنه لا خلاف فيه، بل ربما استظهر من بعض مواضع نكاح التذكرة الإجماع عليه، و إن كان المحكي عنها فيه أيضا عكس ذلك، كما أن المحكي عن إيضاح النافع أن المشهور في باب النكاح عدم الفرق، و عن غيره العكس أيضا.

و على كل حال فلا ريب في قوة رجوع أمره إلى الحاكم إذا لم يكن في النصوص إطلاق يعتمد عليه، فإنها لم تحضرنا جميعا الآن، و الأحوط توافقهما معا، و قد يتوقف


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد.
2- 2 الوسائل الباب 15- من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 26، ص: 102

أيضا في ولايتهما مع فسقهما أيضا خصوصا إذا كان يظن معه أو يقطع بالإضرار، و إن كان مقتضى الإطلاق ذلك، بل عن نكاح التذكرة الإجماع على الولاية مع الفسق.

نعم عن الفاضل أنه تردد في ذلك في وصايا القواعد بل عن الوسيلة اشتراط العدالة، و الإيضاح «الأصح أنه لا ولاية للأب و الجد ما دام فاسقا، لأنها ولاية على من يدفع عن نفسه، و لا يعرب عن حاله، و يستحيل من حكمة الصانع أن يجعل الفاسق أمينا تقبل إقراراته و إخباراته على غيره مع نص القرآن على خلافه».

و لعل التحقيق عدم اشتراط العدالة، للأصل و الإطلاق، و لكن متى ظهر للحاكم و لو بقرائن الأحوال الضرر منهما عليهما عزلهما، و منعهما من التصرف حسبة، و إن علم عدمه أقر هما، و إن لم يعلم حالهما فربما قيل بالاجتهاد في حالهما، فيتبع سلوكهما و شواهد أحوالهما، و يمكن عدم اعتبار ذلك عملا بالإطلاق، بل لعله الأقوى.

و أما ما يظهر من المصنف و غيره من اشتراكهما في الولاية على معنى نفوذ تصرف السابق على كل حال فلا أجد فيه خلافا، بل عن ظاهر نكاح المسالك الإجماع عليه، لأنه مقتضى ثبوت الولاية لكل منهما، بل مقتضاه أيضا البطلان لو اقترنا، لعدم الترجيح كما هو ثالث الأقوال في المسألة، و قد قيل: بترجيح الجد لثبوت ولايته على الأب في بعض الأحوال، و للنصوص المستفيضة في باب النكاح (1)و الإجماعات المحكية، فيثبت في المقام بالأولوية و لعله لذا قال الكركي في المحكي

من تعليقه على الإرشاد بعد ان اعترف بعدم تصريح للأصحاب هنا بذلك: كلامهم في باب الأنكحة يقتضيه، مشيرا إلى الأولوية المزبورة و قيل بتقديم ولاية الأب لشدة اتصاله، و كون ولاية الجد بواسطته، و الجميع كما ترى حتى الأولوية المزبورة، بناء على عدم حجية كل ظن للمجتهد، و دعوى حصول القطع أو دليل معتبر عليها من إجماع و نحوه يمكن منعها، بل إطلاق كلامهم، في المقام يقتضي ما ذكرنا، فتأمل جيدا.

و كيف كان ففي تعدى الحكم إلى أب الجد و جد الجد و إن على مع الأب نظر و لعل إطلاق القائل يقتضيه نعم قد يتوقف في تقديمه على من هو أدنى منه، لعدم


1- 1 الوسائل الباب 6- من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد.

ج 26، ص: 103

انسياقه من الأب فتأمل جيدا.

و على كل حال فإن لم يكونا فللوصي فإن لم يكن فللحاكم أي الثقة المأمون الجامع للشرائط بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال، فإن لم يكن الحاكم فظاهر جملة من العبارات المعددة للأولياء، عدم الولاية حينئذ لأحد، بل هو صريح المحكي عن ابن إدريس، و هو كذلك بالنسبة إلى الأم و غيرها من الاخوة و الأعمام و الأخوال و غيرها، بل خلاف أجده، بل عن التذكرة الإجماع عليه في الأم، بل عن مجمع البرهان أنه إجماع الأمة.

نعم قد يقال: إن قاعدة الإحسان ولاية المؤمنين بعضهم على بعض و لزوم التعطيل بل و الضرر في كثير من الموارد قيل: بل و حكاية فعل الخضر يقتضي ثبوتها لعدول المؤمنين، بل ربما يرشد إلى ذلك.

صحيح ابن بزيع (1)«قال: إن رجلا من أصحابنا مات و لم يوص فرفع أمره إلى قاضي الكوفة فصير عبد الحميد ابن سالم القيم بماله، و كان الرجل خلف ورثة صغارا و متاعا و جواري فباع عبد الحميد المتاع فلما أراد بيع الجواري ضعف قلبه في بيعهن إذ لم يكن الميت صير إليه، و كان قيامه بأمر القاضي، لأنه فروج، فذكرت ذلك لأبي جعفر (عليه السلام) فقلت جعلت فداك يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد و خلف جواري فيقيم القاضي رجلا منا لبيعهن أو قال: يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج فما ترى في ذلك؟ فقال: إذا كان القيم مثلك و مثل عبد الحميد بن سالم فلا بأس.»

و خبر سماعة(2)و رفاعة «سألته عن رجل مات و له بنون صغار و كبار من غير وصية و عقار كيف يصنعون الورثة بقسمة ذلك الميراث؟ فقال: إن قام رجل ثقة فقاسمهم ذلك فلا بأس»

قيل: و مثله صحيح ابن رئاب (3)و المناقشة فيه باحتمال كون ذلك إذنا


1- 1 الوسائل الباب- 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 88- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 2- لكن فيه عن زرعة عن سماعة.
3- 3 الوسائل الباب- 88- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1.

ج 26، ص: 104

خاصا من إمام الوقت كما ترى، فالقول به حينئذ لا يخلو من قوة، وفاقا لصريح بعض

الأصحاب، بل نسب إلى مشهورهم، بل ربما نسب ذلك إليهم، و الله أعلم.

و أما السفيه و المفلس فالولاية في مالهما للحاكم لا غير بلا خلاف أجده في الثاني، و قد تقدم الكلام فيه سابقا، بل و الأول إذا كان متجددا بعد البلوغ، عدا ما عن الكفاية، و الرياض من إرسال قول فيه بعود ولاية الأب و الجد عليه، و لم نتحققه لا حد، كما لم نعرف له دليلا صالحا لقطع الأصل فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه، التفاتا إلى كونه في التزويج كذلك، و إلى ما عن التذكرة من الإجماع، و فيه بعد تسليم الملازمة أو الأولوية منع كونه في التزويج كذلك.

و ما عن التذكرة من الإجماع في المقام بل المحكي عنها مع أنه إطلاقات و لم تتحقق، و في التزويج أيضا، بل و في المجنون مضطرب لا يصلح للفقيه التعويل على أمثاله، بل ربما حكي عنها معقد إجماع على خلاف ذلك، و كيف يسوغ لها أو لغيرها دعوى الإجماع في المقام، بحيث يشهد عليها، مع ظهور كلمات الأصحاب في خلافه، بل عكسه مظنة الإجماع، بل لا بأس على من يدعيه في المقام.

و بالجملة فلا ريب في أن الولاية في ماله للحاكم الذي هو ولي من لا ولى له، بعد أن لم يثبت بدليل شرعي ولايتهما عليه، بل الدليل و هو الأصل على خلافه، إنما الكلام فيمن اتصل سفهه ببلوغه، فإن ظاهر المصنف و غيره من أطلق كإطلاقه أن ولايته للحاكم أيضا، بل عن بعضهم التصريح بهذا الإطلاق، بل ربما نسب إلى الأشهر بل قيل: إن وجهه ظاهر، بناء على توقف الحجر عليه، و رفعه عنه عليه، إذ يكون الأمر حينئذ في ماله اليه، بل ربما جعل ذلك دليلا للمدعى.

إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة اقتضاء الاستصحاب ثبوت ولايتهما التي هي المنساقة من آية الإيناس (1)المحكي تفسيرها عن الباقر (عليه السلام)(2)بالعقل و إصلاح المال


1- 1 سورة النساء الآية- 5.
2- 2 تفسير البرهان- ج 1 ص 345.

ج 26، ص: 105

و

عن الصادق (عليه السلام)(1)بحفظ المال،

و من

خبر هشام بن سالم عن الصادق (عليه السلام)(2)«و إن احتلم و لم يونس منه رشدا و كان سفيها فليمسك عنه ماله وليه»

إذ لا ريب في ظهورهما في إرادة الولي قبل البلوغ، سواء كان الأب أو الجد أو الحاكم أو غيره، فإنه المخاطب بإمساك المال و حفظه حتى يرشد، و التكلفات لا تنافي المنساق، و توقف الحجر على السفيه و رفعه على الحاكم مع أنه يمكن منعه في المتصل سفهه، بل عن التذكرة التصريح بعدم توقف رفعه عليه، لا يقتضي ثبوت الولاية للحاكم في المال، و لعله لذلك و غيره صرح جماعة من المحققين بثبوت الولاية لهما في الفرض، و عن التذكرة أنه نفى عنه البأس في آخر كلامه، و عن الشهيد أنه حكاه عن ابن المتوج، بل عن مجمع

البرهان أنه مما لا خلاف فيه و لا نزاع، و عن نكاح المفاتيح لا خلاف في ثبوت الولاية لهما على السفيه و المجنون مع اتصال السفه و الجنون بالصغر، و الظاهر عدم إرادته خصوص النكاح، مع ما عن بعضهم من أنه لا فرق في هذا النزاع بين النكاح و المال، بل قد عرفت دعوى أولوية المال منه.

لكن الانصاف تحقق الخلاف في المال كما عرفت، و منه يظهر ما عن نكاح الرياض و تثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله بسفه و جنون إجماعا، حتى لو أراد خصوص النكاح، إذ الظاهر تحقق الخلاف فيه أيضا.

و على كل حال فالتحقيق ما عرفت، و إن كان كلمات الأصحاب في المقام و النكاح لا تخلو من اضطراب، و حينئذ فوصيهما أولى من الحاكم، كما أن الجد أولى من وصى الأب بلا خلاف و لا اشكال، و الله أعلم بحقيقة الحال.

[المسألة الخامسة فإذا أحرم بحجة واجبة لم يمنع مما يحتاج إليه في الإتيان بالفرض ]

المسألة الخامسة لا خلاف في أن السفيه كالرشيد بالنسبة إلى العبادات ف إذا أحرم بحجة و عمرة واجبة و لو بالنذر قبل الحجر أو سببه لم يمنع مما يحتاج إليه في الإتيان بالفرض و إن زاد على نفقة الحضر، لكن لا يمكن هو من الإنفاق، بل ينفق عليه وليه أو وكيله و إن أحرم تطوعا فان استوت نفقته


1- 1 الوسائل الباب- 45- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 6- و- 13.
2- 2 الوسائل الباب- 44- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 9.

ج 26، ص: 106

سفرا و حضرا لم يمنع منه أيضا، بلا خلاف أجده فيه، لعدم الضرر، و إلا منع خلافا للمحكي عن الأردبيلي فلم يمنعه و إن زاد، و هو مع أنه لم نجد له موافقا- مناف لحكمة الحجر، و لذا يمنع من النذر بالصدقة بعين ماله، و بناء المساجد و القناطر و نحو ذلك، و احتمال اختصاص منع السفيه بالتصرف المنافي خاصة لا الأعم منه و الموافق لتصرفات العقلاء مناف لكلمات الأصحاب، و عموم أحكام الشرع بل و لحكمة الحجر فلا ينبغي التوقف فيما نحن فيه.

نعم إذا لم يتفاوت بين السفر و الحضر لم يمنع لعدم الضرر قيل و كذا إن أمكنه تكسب ما يحتاج اليه بل نفى الخلاف عنه بعض مشايخنا، لكن قد يشكل بأن ما يكتسبه مال فيتعلق الحجر به أيضا. و أجيب بأنه قبل الاكتساب لم يكن مالا و بعده صار محتاجا إلى زيادة النفقة على أن الاكتساب غير واجب على السفيه، و ليس للولي قهره عليه، فلا يلزم من صرف ما يحصل به إتلاف لشي ء من المال الذي تعلق الحجر به.

و فيه إنما يتم لو لم يمكنه العود أو أمكنه بنفقة مساوية لنفقة الإكمال، و إلا لم ينفعه احتياجه إلى النفقة و الاكتساب، و إن كان غير واجب عليه، و لا يقهر عليه إلا أنه إذا اكتسب باختياره تحقق المال، و لزم الحجر فيه فعاد المحذور نعم لو كان ذلك الكسب الواقع في السفر لا يحصل في الحضر و كان بعد التلبس بالحج مثلا أو قبله، و لم يمكن العود إلا بصرفه زال الاشكال، و يمكن حمل عبارات الأصحاب على ذلك أو نحوه.

و كيف كان ف لو لم يكن كذلك بل احتاج في السفر إلى ما يزيد على نفقته في الحضر من ماله المحجور عليه حلله الولي من الإحرام محافظة على ماله، بل في القواعد و محكي المبسوط، و التحرير، أحله بالصوم، و ظاهرهما تعيينه به، دون الهدي، مراعاة لحفظ المال، لكن عن الشهيد أني لم أقف على كون التحليل بالصوم إلا من طرق العامة.

ج 26، ص: 107

نعم،

روى معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام)(1)، «في الحصر، ان لم يجد هديا قال: يصوم»

و في كتاب المشيخة لابن محبوب روى صالح بن عامر عن أبى عبد الله (عليه السلام) «في رجل خرج معتمرا و اعتل في بعض الطريق و هو محرم قال: ينحر بدنة و يحلق رأسه، و يرجع إلى أهله فلا يقرب النساء، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما».

قلت: الظاهر إرادة من أطلق التحليل بالصوم ما صرح به بعضهم من كونه عشرة أيام من دون اعتبار التوالي و الزمان، و أنه في الحج، كما أن الظاهر بناء ذلك على ان لدم الإحصار بدلا، و عن بعضهم أنه استقرب عدمه، و استشكل الفاضل فيه في القواعد و حينئذ فينبغي بقاؤه محرما إلى زمان الفك كما صرح به بعضهم، و قد يقال:

إنه يتعين حينئذ على الولي تحليله بالهدي إذا فرض نقصانه عن زيادة النفقة، لأنه صار و لو بالعارض مثلها، بل لو لا ظهور اتفاق من تعرض للحكم هنا على ذلك أمكن المناقشة في أصل تحليل الولي له، لأنه بالإحرام صار الزائد كالنفقة، و ربما يؤيده في الجملة ما تسمعه من المصنف من تردده في كفارة اليمين مثلا بالمال، فتأمل جيدا.

و على كل حال فظاهر من تعرض للحكم هنا صحة إحرامه و إلا لم يحتج إلى تحليل الولي، و هو كذلك، إذ النهي عن أمر خارج عن ذات العبادة، بل و عن شرطها، لأن المندوب لا يشترط فيه المال فينعقد، و إن كان للولي التحليل تداركا للزائد.

و الله أعلم.

[المسألة السادسة إذا حلف انعقدت يمينه ]

المسألة السادسة لا خلاف بل و لا إشكال في أن السفيه إذا حلف مثلا على فعل شي ء أو تركه مما لا يتعلق بماله المحجور عليه انعقدت يمينه لأنه بالغ عاقل مكلف و انما هو ممنوع في خصوص التصرف المالي و هذا ليس منه.

نعم لو حنث كفر بالصوم كما صرح به الفاضل و ثاني الشهيدين، و الشيخ فيما حكى عن مبسوطة من غير تردد و لا نقل خلاف، لأنه بمنعه من التصرف المالى كان كالعبد و الفقير و نحوهما و لكن قال المصنف فيه تردد و لعله لوجوب الكفارة عليه حينئذ و الفرض أنه مالك، فتخرج من ماله كغيرها من الواجبات من


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الإحصار و الصد الحديث- 2.

ج 26، ص: 108

الزكاة و الخمس و مؤنة الحج و الكفارة السابق سببها.

و فيه أن هذه الواجبات تثبت عليه بغير اختياره، فلا تصرف له في المال، و إنما الحاكم به الله تعالى، بخلاف ما نحن فيه مما كان سببه مستندا إلى اختياره، بل لو أخرج ذلك من ماله أمكن أن يجعله وسيلة إلى إذهابه، لأن مقتضى السفه توجه صرفه على ما لا ينبغي، و من ذلك تعرف الحال في كفارة نذره و عهده و عوده في ظهاره، و إفطاره في شهر رمضان، بل قيل: و قتل الخطأ، بل في المسالك أنه يقرب من هذا البحث الكلام في الإنفاق على من استلحقه من الأنساب بإقراره و الله أعلم.

[المسألة السابعة لو وجب له القصاص جاز أن يعفو و لو وجب له دية لم يجز]

المسألة السابعة لا خلاف أيضا و لا إشكال في أنه لو وجب له القصاص جاز أن يعفو على غير مال فضلا عنه، بناء على انه الواجب في العمد لا أحد الأمرين كما هو المعروف عندنا، بل ظاهر المسالك الإجماع عليه، لأنه ليس تصرفا ماليا، و في المسالك «أنه نبه بذلك على خلاف بعض العامة حيث جعل الواجب في العمد أحد الأمرين، القصاص أو المال، فلا يصح عفوه عنه» قلت: يمكن القول بجواز عفوه عليه أيضا، بعد فرض التخيير و عدم عد ذلك تصرفا ماليا، و قد تقدم نظير ذلك في المفلس هذا.

و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لو وجب له دية أو أرش لم يجز له العفو، بلا خلاف و لا إشكال، لأنه من التصرف المالى الممنوع عنه.

[المسألة الثامنة يختبر الصبي لمعرفة رشده قبل بلوغه ]

المسألة الثامنة: يختبر الصبي لمعرفة رشده قبل بلوغه كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا. بل في المسالك هذا مما لا خلاف فيه عندنا، إنما خالف فيه بعض العامة، و نحوه المحكي عن المفاتيح، بل عن ظاهر التذكرة و غاية المراد الإجماع عليه، و لعله ظاهر كل من قصر الخلاف على بعض العامة، فتأمل الأردبيلي فيما حكى عنه في غير محله.

نعم قد يقع الاختبار بعد البلوغ إذا اتفق عدمه قبله لعارض، أو أن الواقع منه قبله لم يفد الرشد، أو نحو ذلك، فما عن كنز الفوائد- لعميد الدين- و الفخر في الإيضاح، و الشهيد، و ابن المتوج من حمل ما في القواعد من الإشكال في صحة البيع

ج 26، ص: 109

الاختباري و عدمه على ما بعد البلوغ لو اتفق ظهور السفه، أو لم يظهر الرشد- ليس خلافا في المسألة عند التأمل.

نعم قيل: قد ينافيه

المرسل عن أبى جعفر (عليه السلام)(1)«قال في قوله تعالى «وَ ابْتَلُوا» من كان في يده مال

بعض اليتامى فلا يجوز له أن يعطيه حتى يبلغ النكاح، و يحتلم، فإذا احتلم و وجب عليه الحدود، و إقامة الفرائض، و لا يكون مضيعا، و لا شارب خمر، و لا زانيا، فإذا آنس منه الرشد دفع إليه المال، و أشهد عليه، فإذا كانوا لا يعلمون أنه قد بلغ، فليمتحن بريح إبطه أو نبت عانته. و إذا كان ذلك فقد بلغ، فيدفع إليه ماله إذا كان رشيدا»

الحديث.

و فيه أنه يمكن منع ظهوره في مخالفة الأصحاب، لاحتمال إرادة أنه إذا كان قد آنس منه الرشد بالاختبار السابق دفع اليه المال، و الامتحان بريح الإبط لا يقضي بإرادة ذلك من الابتلاء في الآية، و بعد التسليم فليس جامعا لشرائط الحجية، و قد أعرض عنه الأصحاب، فهو حينئذ من الشواذ خصوصا مع مخالفته لظاهر الآية، ضرورة ظهورها في كون غاية الاختبار البلوغ، قيل: لان حتى ابتدائية، إذ ما بعدها جملة شرطية، و الجزاء جملة أخرى شرطية، و هي «فَإِنْ آنَسْتُمْ»، فالفاء الاولى جواب الشرط الأول، و الثانية جواب الثاني.

فما عن الأردبيلي- من أن ظاهر قوله «فَإِنْ آنَسْتُمْ» إلى آخرها يدل على دفع المال بعد إيناس الرشد بلا فصل، فلو كان الابتلاء قبل البلوغ لزم وجوب الإعطاء بعد الرشد و قبل البلوغ، و هو منفي بالإجماع، على أن المعلوم عدم انتهاء الابتلاء بالبلوغ فكأنه مقيد بعدم الرشد، و عدم صدق اليتيم على البالغ، يدفعه أنه لا يبعد صدق اليتيم على قريب العهد باليتم.

لا يخفى عليك ما فيه، و ظهور الآية في تسليم المال بعد إيناس الرشد مسلم، لو لا الشرط الأخر و هو قوله «إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» فإن المراد اختبروهم قبل البلوغ إليه، فإن


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 496.

ج 26، ص: 110

كان قد بلغوا و قد آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً بالاختبار السابق فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ ، و معلومية عدم انتهاء الابتلاء بالبلوغ لا يقضى بكونه بعده، بل المراد أن هذا محله الذي يتعقبه تسليم المال بعد البلوغ بلا فصل إذا فرض حصول الرشد منه، و صدق اليتيم على قريب العهد مجاز لا داعي إليه، بل قد عرفت وجود الداعي إلى خلافه، من اتفاق الأصحاب ظاهرا كما أنك عرفت تمام الكلام في الآية في البحث عن علامات البلوغ فلاحظ.

مضافا إلى ما في تأخير الاختبار بعد البلوغ إلى حصول الضرر بالحجر على مال البالغ، خصوصا إذا طال الزمان، و لا ملازمة بين ابتلائه قبل بلوغه، و بين صحة معاملاته المعلوم اشتراطها بالبلوغ، إذ الاختبار أعم من ذلك قطعا لاحتمال حصوله بالمساومة و المماكسة خاصة، و بالتواطي من الولي و البائع فيما هو مال الطفل، و نحو ذلك بل يحصل الابتلاء بغير العقود، و القول بشرعية أفعال الصبي لا مدخلية له في الصحة، إذ ذاك في العبادات، و إذن الولي- مع أنه غير محقق لما عرفت من أعمية الاختبار من العقد- لا تجدي في غير البالغ، سواء كانت سابقه أو لاحقة كما هو واضح.

و على كل حال فمما سمعت يعلم أن ما عن المبسوط و الجماعة من ذكر كيفية الابتلاء لا يريدون به الخصوصية قطعا، قال في الأول: الأيتام على قسمين ذكور و إناث، فالذكور على ضربين ضرب يبذلون في الأسوق و يخالطون الناس بالبيع و الشراء و ضرب يصانون عن الأسواق فالذين يخالطون الناس فإنه يعرف اختبارهم بأن يأمره الولي أن يذهب إلى السوق و يساوم في السلع و يقاول فيها و لا يعقد العقد، فإن رآه يحسن ذلك و لا يغبن فيه علم أنه رشيد، و إلا لم يفك عنه الحجر، و قيل:

انه يشترى له بغير أمره و يواطئ البائع على بيعها من اليتيم و ينقذه الولي ليشتريها منه، و قيل: إنه يدفع إليه شي ء من المال يشترى به سلعة، و يصح شراؤه للضرورة، فيجيز.

و إن كان اليتيم ممن يصان عن الأسواق مثل أولاد الرؤساء فإن اختبارهم أصعب، فيدفع الولي إليهم نفقة شهر يختبرهم فينظر، فإن دفعوا إلى أكرتهم و غلمانهم و عمالهم و معامليهم حقوقهم من غير تبذير، و أقسطوا في النفقة على أنفسهم في مطاعمهم

ج 26، ص: 111

و مكاسبهم سلم إليهم المال.

و أما الإناث فإنه يصعب اختبارهن فيدفع إليهن شيئا من المال و يجعل عليهن نساء ثقات يشرفن عليهن، فإن غزلن و استغزلن و نسجن و استنسجن و لم يبذرن سلم المال إليهن، فإن كن بخلاف ذلك لم يسلم إليهن» و زاد بعضهم أنه لا بد من تكرار ذلك مرارا يحصل بها غلبة الظن، ليعلم الاتصاف بالملكة، و لعله مراد المبسوط أيضا، إذ من المعلوم عدم إرادة الخصوصية، بل لعل غير الفقيه أعرف منه في طرق الاختبار المفيد ذلك، و من هنا لا ينبغي مناقشة في ذلك، و لا في ذكر الغزل و الاستغزال للإناث، مع أن ذلك غير واجب في الرشد، و بنات الرؤساء ليس ذلك طريق اختبارهن.

و بالجملة البحث في ذلك ليس وظيفة الفقيه، و لذا خلت عنه النصوص و بعض الأصحاب إنما ذكره على طريق التنبيه كما هو واضح، قال في القواعد: «و يعلم باختباره بما يناسبه من التصرفات، فإن عرف منه جودة المعاملة و عدم المغابنة إن كان تاجرا أو المحافظة على ما يتكسب به، و الملازمة إن كان صانعا و أشباه ذلك في الذكر و الاستغزال و الاستنساج في الأنثى إن كانت و أشباهه حكم بالرشد،» إلى غير ذلك من عباراتهم التي ربما يوهم بعض ما فيها ذلك، لكن التأمل الصادق قاض بإرادة ما ذكرنا، و قد سمعت فيها تقدم عبارة المصنف فتأمل جيدا، و أما ما حكاه من القول بصحة بيعه للضرورة و الأمر بالابتلاء، فمع انك قد عرفت ما فيه و لم نتحققه لأحد من أصحابنا عدا ما يحكى عن التحرير من الحكم بها.

نعم قد يظهر من قول المصنف و هل يصح بيعه؟ الأشبه أنه لا يصح بيعه نوع تأمل فيه. بل قيل: إن الحكم بها هنا أولى منها في مطلق بيع المميز الذي أفتى به بعضهم، و تردد فيه الفاضل في القواعد، و من هنا حمل ما فيها في المقام من قوله بعد العبارة السابقة التي حكيناها عنه «و في صحة العقد حينئذ إشكال» على ذلك، فيكون وجه الإشكال حينئذ معلومية اشتراط البلوغ في الصحة، و الضرورة مع الأمر بالابتلاء، و كونه أولى من المميز، لكن جماعة قد استبعدوا الإشكال في ذلك، على وجه لم يرجح، فحملوا العبارة على ما بعد البلوغ، فظن بعض الناس أن

ج 26، ص: 112

ذلك حينئذ خلاف من العلامة، و منهم في محل الاختبار، و أنه عندهم بعد البلوغ، و قد عرفت عدم ذلك عندنا، و إنما هو لبعض العامة.

و التحقيق ما ذكرناه سابقا من أنه لو حملت على ما بعد البلوغ يمكن أن لا يكون خلافا، بل يكون وجهه حينئذ فيما لو اتفق وقوع الاختبار بعد البلوغ لعارض من العوارض التي قدمناها سابقا، و يكون الإشكال حينئذ فيما لو صادف التصرف ظهور سفهه أو عدم ظهور رشده، فقد يقال بالصحة حينئذ لأصالتها، و إطلاق الأدلة، و الأمر بالابتلاء، و الاضطرار إلى الاختبار، و لأن الفرض وقوع الاختبار بإذن الولي، فتكون عقوده حينئذ مصاحبة للاذن، و لغير ذلك، و قد يقال: بالفساد، لمعلومية اشتراط الرشد في البيع و العلم بانتفائه بل الشك فيه كاشف عن تزلزل العقد السابق، و إن كان قد وقع مع الجهل بالحال.

نعم لو صادف الرشد واقعا اتجه الصحة، و لإطلاق ما دل على بطلان معاملة السفيه المنصرف إلى الواقع، بل عن الشهيد أن الأقوال في الفرض ثلاثة: الصحة مطلقا لأمر الشارع بذلك، و البطلان مطلقا، لاعتبار الرشد، و الثالث إن ظهر الرشد ظهرت الصحة، و إن ظهر السفه ظهر البطلان.

قلت: قد عرفت وجه الثالث بل و الأول الذي هو قوي بناء على حصول الإذن من الولي في ذلك، و إن كان للاختبار، أما الثاني فهو واضح الفساد، و كيف كان فحمل العبارة على ذلك ممكن و إن كان بعيدا، بل ربما نوقش فيما سمعته من وجوه الاشكال، و أنه يتعين الصحة حينئذ للإذن من الولي، و الأمر سهل بعد ان اتضح لك تحقيق الحال، و الله هو العالم.

ج 26، ص: 113

[كتاب الضمان ]

اشارة

كتاب الضمان

[تعريف الضمان ]

الضمان الذي هو عندنا على ما اعترف به غير واحد منا مشتق من الضمن لأنه ينقل ما كان في ذمته من المال، و يجعله في ضمن ذمة أخرى، أو لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، فالنون فيه أصلية.

خلافا لما عن أكثر العامة من أنه غير ناقل، و إنما يفيد اشتراك الذمتين، فاشتقاقه من الضم، و النون فيه زائدة، لأنه حينئذ ضم ذمة إلى ذمة، فيتخير المضمون له في المطالبة.

و فيه ما لا يخفى من منافاة وجود النون في جميع تصاريفه، الا بدعوى اشتقاق ما فيه النون من الخالي عنها، و هو كما ترى.

و من صعوبة تحققه في نحو ضمان النفس، و ظهور

قوله (عليه السلام)(1)«الزعيم غارم»

في اختصاص الغرم به، و لغير ذلك مما هو في مذهب الخصم، بعد الغض عن عدم تصور شغل ذمتين فصاعدا بمال واحد، و قد بينا أن المشغول به في تعاقب الأيدي على المغصوب ذمة واحدة، و هو من تلف في يده المال مثلا، و إن جاز له الرجوع على كل واحد، و إلا فهو مناف للمقطوع به من مذهبنا.

و أما الثمرات على القولين فهي واضحة: منها صحة الدور فيه على مذهبنا- كأن يضمن الأصيل ضامنه أو ضامن ضامنه، دون مذهبهم- و التسلسل كأن يضمن أجنبي الضامن و هكذا لتحقق الشرائط عندنا، فيرجع حينئذ كل ضامن مع الإذن بما أداه على الذي ضمن عنه، لا على الأصيل، و في الأول يسقط الضمان، و يرجع الحق كما كان.

نعم يترتب عليه أحكامه كظهور إعسار الأصيل الذي صار ضامنا الموجب لخيار المضمون له في فسخه، و الرجوع إلى المضمون عنه الذي صار ضامنا، و لا خلاف في شي ء من ذلك بيننا، إلا ما يحكى عن المبسوط من منع الأول لاستلزامه صيرورة الفرع


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 489.

ج 26، ص: 114

أصلا، و بالعكس، و لعدم الفائدة، و رد بأن الأول غير صالح للمانعية، و الثاني بذلك و بما سمعته من الفائدة.

و على كل حال ف هو بالمعنى الأعم الشامل له بالمعنى الأخص و الحوالة و الكفالة و لو على جهة المجاز عقد شرع للتعهد بمال أو نفس أو أثر العقد أو غيرهما على حسب ما عرفت البحث فيه في كتاب البيع و التعهد بالمال قد يكون ممن عليه للمضمون عنه مال، و قد لا يكون: فهنا ثلاثة أقسام.

التعهد بالنفس، و هو الكفالة، و التعهد بالمال ممن ليس عليه، و هو الضمان بالمعنى الأخص الذي يدخل فيه ضمان الأعيان بناء عليه، و ممن عليه له مال، و هو الحوالة، و لكن سيأتي صحة الحوالة على البري ء، إلا أن هذا التقسيم جار على محل الوفاق، أو باعتبار هذا القسم من الحوالة، و كون القسم المشترك ذا جهتين بحيث يصح تسميته ضمانا خاصا و حوالة، يسهل معه الخطب.

و على كل حال ف

[القسم الأول في ضمان المال ]

اشارة

القسم الأول: في ضمان المال ممن ليس عليه للمضمون عنه مال، و هو المسمى بالضمان بقول مطلق الذي هو المعنى الحقيقي المتبادر عند الإطلاق، و ما تقدم سابقا من تقسيم الضمان إلى الثلاثة لا ينافي ذلك، إذ يمكن أن يكون بحسب المعنى المجازي بالعارض، و إن كان هو في الأصل المعنى الحقيقي، إلا أنه قد يهجر أو أنه على جهة الاشتراك اللفظي بين المعنى العام و الخاص، و الاشتهار أحد قرائن تعيين الثاني عند الإطلاق، أو أنه باق على الاشتراك المعنوي، إلا أن الاشتهار قرينة على إرادة تعيين الأخص عند الإطلاق.

لكن في المسالك «أن الحوالة و الكفالة فردان حقيقة بالنسبة إلى مطلق الضمان و إن كانا مجازين بالنسبة إليه بالمعنى الأخص، نحو ما قيل في تقسيم مطلق الماء إلى المضاف و المطلق، و إن كان الأول مجازا بالنسبة إلى الماء المطلق».

و فيه ما لا يخفى إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من منافاته للاصطلاح، و كونه فردا حقيقيا للمعنى المجازي لا يقتضي إطلاقه عليه حقيقة كما هو واضح، و مطلق الضمان إنما هو مفهوم لا لفظ خاص، إذ الكلام في لفظ الضمان عند الإطلاق، و لعله لذا قال

ج 26، ص: 115

بعد ذكر ما سمعت «و فيه بحث».

و على كل حال فيه بحوث ثلاثة إذ البحث في الصيغة و في اعتبار لفظ خاص فيها و عدمه قد تقدم في الكتب السابقة، و يأتي إنشاء الله تعالى بعض الكلام فيه.

[البحث الأول في الضامن ]

الأول: في الضامن و لا بد أن يكون: مكلفا لما مر غير مرة من سلب عبارة غيره في أمثال المقام، بل لا بد أن يكون مع ذلك جائز التصرف الشامل للمقام و حينئذ ف لا إشكال في أنه لا يصح ضمان الصبي و لا المجنون و لو مع إذن الولي.

و لو ضمن المملوك لم يصح إلا بإذن مولاه وفاقا لجماعة. منهم الشيخ، و الفاضل في بعض كتبه، و الشهيد، و الكركي على ما حكي عن بعضهم لا لما ذكر في جملة من الكتب مما لا حاصل له بل لما في الآية(1)من «عدم قدرته على شي ء» المستدل بها على ما قيل في كثير من النصوص على منعه من تصرف غير المال، فضلا عنه، فيعلم منها- مضافا إلى ظهور اللفظ في نفسه- عدم اختصاص النفي بالمال، بل يكون ذلك هو الأصل فيه إلا ما خرج. و ما ثبت في ذمته قهرا من عوض الإتلاف و نحوه لا ينافي ذلك، ضرورة عدم كون ذلك من قدرته، و إنما هو من جعل الشارع، و لا أقل من الشك لذلك في تناول العمومات لمثله، فيبقى أصل بقاء الحق على حاله.

خلافا للمحكي عن التذكرة، و المختلف، فيصح للعمومات السالمة عن معارضة الملكية المقتضية للمنع من التصرف المنافي لحق المولى، ضرورة أنه على الصحة يتبع به بعد العتق، و هو غير مناف لشي ء من حقوق السيد.

و فيه: أن نفي القدرة على شي ء أعم من ذلك نعم إذا أذن له مولاه صح عندنا في محكي المبسوط، بل قولا واحدا في محكي التذكرة، للعمومات بعد معلومية وجود الذمة له القابلة لذلك، بدليل ثبوت عوض ما أتلفه من المال فيها، إنما الكلام


1- 1 سورة النحل الآية- 75.

ج 26، ص: 116

في تعلق ذلك مع الإطلاق بكسبه، كما عن أحد قولي الشافعية، بل أرسل القول به في جملة

من كتب أصحابنا، و إن كنا لم نتحققه، أو في ذمته و يتبع به بعد العتق كما هو مقتضى قول المصنف.

و يثبت ما ضمنه في ذمته، لا في كسبه إلا أن يشترطه في الضمان باذن مولاه بل هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه، و الشهيد في اللمعة، أو يكون على المولى كما لو أذن له في استدانة لمصالح نفسه، إذ الضمان قسم منها، كما عن أبي علي، بل مال إليه في جامع المقاصد و المسالك، بل زاد الأول منهم أنه إذا كان السيد معلنا، بيع العبد و أدى ثمنه في كفالته عن المعسر، مع أن العبد لا يباع في الدين، أو يتعلق برقبته ذمته كأرش الجناية كما عن بعض الشافعية، بل في المحكي عن نسختين من التحرير ذلك إلا ان الظاهر إرادة ذمته منها، لعدم الدليل على ذلك، بعد حرمة القياس عندنا، و معلومية كون الضمان نقل الدين من ذمة إلى ذمة كما أنه لا يخفى عليك ما في سابقه، ضرورة كون البحث في الإذن من السيد بالضمان، على أن يكون الدين في ذمة العبد، لا أنه وكيل عنه في ذلك أو كالوكيل، على أنه فرق واضح بين إطلاق الإذن في المقام، و بينه في الاستدانة المقتضية ملك العين المستدانة، على أن يملك صاحبها مثلها أو قيمتها في ذمة المستدين، و العبد لا قابلية له لذلك، لما حررناه من عدم ملكه لشي ء، فلا وجه لإطلاق الاستدانة، إلا على السيد بخلاف المقام الذي لا ملك فيه، فما في المختلف و غيره- من بناء الحكم هنا على الحكم هناك الذي لم يخالف في كونه على المولى إلا النادر- في غير محله قطعا، فليس الشك حينئذ إلا في القولين الأولين، و الأول منهما و إن كان لم نعرف القائل به من الأصحاب إلا أنه لا يخلو من قوة، إن كان المراد به عدم جواز منع السيد له إذا أراد وفاء ذلك من كسبه، باعتبار حصول الإذن منه في إثبات ذلك في ذمته، فيتعلق به حينئذ خطاب وفاء الدين، كما أنه يتعلق به خطاب مطالبة الديان.

إما لاستفادة الإذن عرفا في ذلك من الإذن في الضمان، أو لترجيح أدلة وفاء الدين و المطالبة به على ما دل على تسلط السيد على عبده باعتبار حصول الإذن منه

ج 26، ص: 117

المقتضية زوال الحجر عنه، و صيرورته بها كالحر المعسر مثلا الذي يجب عليه التكسب في وفاء دينه، أو لا يمنع من ذلك لو أراده.

و من ذلك يظهر لك ما في جملة من الكلمات المذكورة في المسالك و غيرها، حتى ما ذكر دليلا للمصنف من أن الإذن في الضمان أعم من الإذن في الوفاء من كسبه الذي هو أحد أموال السيد، بل أقصاها صيرورة ذمة العبد قابلة لثبوت ذلك فيها، إذ هو جيد مع تصريح المولى بذلك، أما مع الإطلاق فالمفهوم عرفا تبعية خطاب الوفاء و المطالبة لها على الوجه الذي سمعته، بل قد يستأنس له في الجملة بثبوت الكفارة عليه بالاذن له في الإحرام، و حرمة قطع الصلاة عليه بالإذن له بالدخول فيها، و نحو ذلك مما يتبعه الحكم الشرعي بعد الاذن من السيد في موضوعه و عنوانه، هذا كله مع الإطلاق، أما مع الاشتراط فلا إشكال بين من تعرض لذلك في صحته حينئذ و تعلقه و يكون كما لو شرط الضمان من مال بعينه الذي أشار إليه المصنف بقوله.

و كذا لو شرط أن يكون الضمان من مال معين و إن كان لا يخفى عليك الفرق بين الموضوعين، ضرورة كون الثاني اشتراط كون الضمان في مال معين من أموال الضامن، و ستسمع تحقيق الحال، بخلاف المقام، فان الكسب ليس من أموال العبد، و الفرض أن الضمان في ذمته فهو حينئذ نحو الضمان في مال الغير باذن الغير و قد يستشكل في صحته، اللهم الا أن يجعل كإرهان مال الغير باذنه، على أن الكسب ليس مالا موجودا في الخارج، و انما هو متجدد آنا فآنا، و يمكن عدم حصوله أصلا، فالأوجه حينئذ جعل هذا الشرط على إرادة الاذن من السيد في وفاء ما ضمنه من كسبه، و رفع الحجر عنه في ذلك، و حينئذ فلو أعتق العبد قبل إمكان تجدد شي ء من الكسب لم يكن إشكال في بقاء الحق عليه، فيجب عليه أداؤه من كسبه، أو من غيره من المال الذي يحصل له، لكن في المسالك «هل يبقى التعلق به بعد العتق أم يبطل الضمان لفوات المحل المعين لأداء المال، لانصراف الإطلاق إلى الكسب الذي هو ملك المولى، و قد فات، الظاهر من كلامهم الأول، فإن ذلك هو معنى: فإذا أعتق صار كسبه و ما في يده سواء، و مع ذلك لا يسمى في اصطلاح الشرع كسبا، و إن أطلق

ج 26، ص: 118

عليه لغة، لكن يشكل على هذا صحة اشتراطه في كسبه حال عبوديته، لأن السيد لا حق له فيه، فلا مدخل لإذنه فيه، و العبد لم يكن حين الضمان يقدر على شي ء، اللهم إلا أن يقال: بصحة ضمانه بغير اذن سيده كما مر، فهنا أولى».

قلت: ما استظهره من كلامهم كذلك، و هو دليل على إرادة ما ذكرناه من الشرط المزبور، لا أنه من قبيل الضمان في مال بعينه و إلا لاتجه فيه ما تسمعه من الكلام في ذلك.

ثم قال: «و يتفرع على ذلك ما لو مات العبد قبل إمكان الأداء، فهل يلزم المولى الأداء لما بقي يحتمله، لأن إذنه له في الضمان في كسبه كإذنه في الضمان في مال بعينه من أمواله، فإذا تلف المال يعود الضمان إلى ذمة صاحب المال على الخلاف، و لو قلنا بعدم عوده اليه فلا اشكال، و يحتمل عدم لزومه للمولى، و إن قلنا به ثمة، لأن الكسب ليس كمحض مال السيد، بل حق له، و لهذا قيل: لو أعتق بقي متعلقا بكسب المعتق فدل على أنه لم يتعلق بالمولى محضا، و ليس في كلام الأصحاب هنا ما يدل على شي ء و إن كان الأوجه ابتناؤه على مسألة تعيين الأداء من مال بعينه».

و هو من غرائب الكلام، إذ المفروض أن العبد هو الضامن، لا المولى، فأي وجه لاحتمال عود الضمان إلى المولى بموت العبد، نعم يتوجه ضياع المال على صاحبه إلا إذا أراد به استيفاءه من الحقوق نحو الضامن المعسر كما هو واضح، و لو فرض المقام على وجه يكون كاشتراط الضمان من مال بعينه، لم يكن بد من اجراء ما تسمعه فيه، و لا معنى حينئذ لدعوى ظهور كلامهم في بقاء التعلق مع العتق.

و أما الكلام في اشتراط الضمان في مال بعينه فلا أجد خلافا في صحته، لعموم (1)

«المؤمنون»

و غيره و يتعلق حق الدين المضمون به.

لكن في المسالك و غيرها: هل هو تعلق الدين بالرهن؟ أو تعلق الأرش بالجاني؟

وجهان مأخذهما أن الضمان ناقل للدين إلى ذمة الضامن، لأن موضعه إنما هو الذمة و تخصيص هذا المال أفاد انحصار المطالبة الآن فيه، لأن مقتضى الضمان ابتداء التعلق بها، و أن الضامن لم يشغل ذمته على الإطلاق، و إنما حصر الاستحقاق في المال المعين،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 26، ص: 119

و جعله متعلق حق المضمون له، فينحصر حقه فيه ابتداء، من غير تعلق بالذمة.

و يظهر الفائدة في أمور منها: التلف بغير تفريط، فعلى الأول: ينتقل إلى ذمة الضامن، لأن تلف الرهن لا يسقط الحق، و على الثاني: إلى ذمة المضمون عنه، لأن فوات العبد الجاني إنما يسقط الحق عن مالكه، و مالك المال هنا هو الضامن، فيسقط عنه.

و اما المضمون عنه فانتقال المال عن ذمته ليس انتقالا تاما، لأنه لم يتعلق بذمته، و إنما تعلق بمال تعلقا ضعيفا، فإذا مات عاد إلى ما كان، مع احتمال السقوط عنهما في الموضعين على التقديرين، أما عن الضامن فلأنه لم يقدم على الضمان إلا في ذلك المال، و لم يلتزم الأداء من غيره، عملا بالشرط و قد فات فيبطل الضمان و يعود إلى ذمة المضمون عنه، و أما احتمال سقوطه عن المضمون عنه على تقدير تعلقه كالجاني، فلأن الضمان لما كان ناقلا برءت ذمة المضمون عنه بالضمان كيف كان، فلم يبق للمضمون له عليه حق، و لا الضامن إلا بما أدى، و لم يحصل.

لكن لا يخفى عليك ما في أصل الاحتمال الثاني، ضرورة عدم صلاحية الضمان لإثبات مثل هذا التعلق بعد أن كان هو نقل الدين من ذمة إلى أخرى، و كذلك الشرط الذي هو بمعنى الإلزام، و على تقديره فلا وجه لاحتمال عوده إلى ذمة المضمون عنه، بعد انتقاله عنها إلى المال المخصوص، و إنما المتجه أن يقال: إن هذا الشرط إما أن يكون من المضمون له، أو الضامن، أو منهما، فان كان الأول تخير مع تلفه في فسخ الضمان، و العود إلى المضمون عنه و عدمه، و إلزام الضامن الأداء من غيره، و إن كان الثاني تخير الضامن، و إن كان الثالث تخير كل منهما على قاعدة فوات الشرط في غير هذا العقد من العقود اللازمة، إذ هو بناء على ما ذكرناه من عدم مشروعيته بالمعنى المزبور لا معنى له لاشتراط الأداء من المال المخصوص، و يمكن رجوع ما عن التذكرة من الرجوع على الضامن مع التلف مطلقا إلى ما قلناه بناء على عدم اختياره الفسخ، كما أن ما عن الشهيد في بعض فتاواه من اختيار بطلان الضمان كذلك، على معنى اختياره الفسخ، بل هو أولى مما في المسالك- من أنه «يمكن دفع المنافاة بين

ج 26، ص: 120

تعلق الذمة و المال المعين مع الحكم بالبطلان على تقدير تلفه. بأن يجعل التعلق بالذمة مشروطا بالأداء من المال عملا بمقتضى الشرط أو يجعل هذا تعلقا برأسه خارجا عن التعلقين، إذ لا دليل على الانحصار فيهما، و إنما هو من مناسبات الشافعية و حينئذ فيجعل التعلق مخصوصا بالعين وفاء بالشرط، فإن التزام المال من غير المعين لم يتعلق به قصد الضامن، و لا دل عليه لفظ» إذ هو كما ترى، بعد ما ذكرنا، مضافا إلى معلومية أن تعذر الشرط في العقود اللازمة إنما يقتضي انتفاء اللزوم لا الصحة، و إلا كان تعليقا كما هو محرر في محله، فالتحقيق ما ذكرناه، و لا ينافيه دعوى عدم قابلية عقد الضمان للخيار كالنكاح و الوقف، و نحوهما، إذ هي مجرد دعوى لا سند لها، بل مقتضى العمومات خلافها.

و بذلك كله ظهر لك وجه النظر فيما ذكرناه من كلامه و من تبعه، بل و فيما لم نذكره فلاحظ و تأمل و حينئذ فلا ريب في إكمال الضامن مع نقصان المال الذي تعلق الضمان به، كما أنه لا ريب في كونه المطالب بتحويله إلى جنس الحق، لما عرفت من كون المال في ذمته، و هو المخاطب بأدائه من هذا المال.

و من الغريب احتمال عدم ضمانه النقصان، كاحتمال براءة ذمة الضامن و المضمون عنه بتعذر المال المشترط فيه الضمان المتقدم سابقا، إذ هما منافيان للأصول و الضوابط ثم لا يخفى عليك أن اقتصار المصنف على المملوك في التفريع على ما ذكره من جواز التصرف مشعر بجواز الضمان من المفلس بل و السفيه، و أنهما ليسا ممنوعين منه، بل هما جائز التصرف بالنسبة اليه، و هو كذلك في المفلس، و إن كان لا يشارك المضمون له الغرماء.

أما السفيه فقد أطلق غير واحد عدم جواز ضمانه، لانه تصرف مالي كالاقتراض و الهبة، و هو كذلك لكن ربما احتمل الجواز برضى المضمون له على ان يتبعه به بعد فك الحجر، لكنه كما ترى، ضرورة أنه مع الحجر عليه لا تقبل ذمته ذلك على وجه يكون من ديونه، بحيث يتعلق بتركته بعد موته مثلا، و إلا لجاز بيعه كذلك كما هو واضح.

ج 26، ص: 121

و كيف كان ف لا يشترط علمه أى الضامن ب اسم المضمون له و نسبه و لا المضمون عنه كذلك كما في الخلاف و الغنية، و التحرير، و الإرشاد، و المختلف، و جامع المقاصد، و المسالك، و الروضة، و الكفاية، و المفاتيح، و الرياض على ما حكي عن بعضها، بل نسبه بعضهم إلى الأكثر، بل في محكي التذكرة لو ضمن الضامن عمن لا يعرفه صح ضمانه عند علمائنا.

و قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و تبعه المقداد في المحكي عن تنقيحه يشترط علمه بذلك، لحصول المعاملة بين الضامن و بينه، فافتقر الى معرفته للحاجة، و للغرر و الضرر بدون ذلك، و لينظر هل يستحق ذلك عليه أو لا، و لأنه إحسان و لا بد من معرفة محله، و إلا لجاز وضعه في غير أهله فلا يستفيد إلا محمدة اللئام.

و لا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها العمومات السالمة عن معارضة ما يقتضي ذلك، ضرورة عدم اقتضاء المعاملة بينهما المعرفة المزبورة، كالبيع، و الإجارة، و غيرهما، و لا نهي عن الغرر المزبور الذي قد أقدم عليه الضامن، و النظر في استحقاق ذلك لو سلمنا اعتباره، لا يقتضي اعتبار المعرفة المزبورة على أنه يمكن معلوميته بدونها، و الأخير لا يستأهل جوابا، كل ذلك مضافا إلى

المنقول من «ضمان أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)الدرهمين عن ميت امتنع رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الصلاة عليه»،

و ضمان قتادة(2)الدينارين عن آخر كذلك.

لكن لا بد أن يمتاز المضمون عنه عند الضامن بما يصح معه القصد إلى الضمان عنه بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم العبرة بالقصد إلى ضمان المبهم المتردد في الواقع، لعدم الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، بل لعله من المقطوع به إلا أنه أشكله في المسالك بمنع توقف القصد على ذلك، فإن المعتبر القصد الى

الضمان و هو التزام المال الذي يذكره المضمون له مثلا في الذمة، و ذلك غير متوقف على معرفة من عليه الدين، فالدليل إنما دل على اعتبار القصد في العقد، لا فيمن كان عليه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث 3.

ج 26، ص: 122

الدين، فلو قال لشخص مثلا إني أستحق في ذمة شخص مأة درهم فقال له آخر:

ضمنتها لك كان قاصدا إلى عقد الضمان، عن أى من كان عليه الدين، و لا دليل على اعتبار ما زاد عن ذلك.

و فيه: انك قد عرفت بكون المراد الامتياز عند الضامن على وجه لا يكون مبهما بحيث لا يصح معه القصد إلى الضمان، كما لو قال: ضمنت لك أحد دينيك مثلا، فلا يرد المثال الذي ذكره، لأنه من الممتاز على وجه يصح للضامن قصده، و إن لم يكن معلوما له بعينه.

نعم لو أراد الضامن الضمان عمن هو متشخص عنده لم يكتف بذلك قطعا، و إلى ما ذكرنا يرجع ما عن التذكرة حيث قال: «و هل يشترط معرفة ما يميزه عن غيره، الأقرب العدم، بل لو قال: ضمنت لك الدين الذي لك على من كان من الناس جاز، نعم لا بد من معرفة المضمون عنه بوصف يميزه عند الضامن بما يمكن معه القصد إلى الضمان عنه، لو لم يقصد الضمان عن أي من كان».

فمن الغريب ما في المسالك من دعوى موافقة هذا الكلام من التذكرة لما اختاره لا لما ذكره المصنف و هو عند التأمل الصادق عين ما في المتن.

و أغرب من ذلك ما وقع من بعضهم من أنه بناء على اعتبار القبول لفظا- كما عليه الأكثر و إن لم يصرحوا به، لمكان تصريحهم بأنه عقد لازم- اقتضى ذلك تمييزه لا أزيد من ذلك، و إن لم نعتبره كما يدل عليه واقعة الميت المديون (1)الذي امتنع النبي (صلى الله عليه و آله) من الصلاة عليه حتى ضمنه علي (عليه السلام) لم يعتبر علمه بوجه، و هذا هو الظاهر من عبارة المصنف حيث اعتبر رضاه و لم يعتبر فيه عقدا و لا قبولا مخصوصا، و لا امتيازه هنا مع اعتباره امتياز المضمون عنه، إذ لا يخفى عليك أنه لا إشكال في اعتبار القبول فيه، لأنه لا إشكال في كونه من العقود، و لكن ذلك لا يقتضي المعرفة المزبورة فيصح حينئذ ضمانه له و إن لم يشخصه، و إن حصل القبول منه.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 2.

ج 26، ص: 123

نعم لا بد من الامتياز الذي ذكرناه المقابل بالإبهام، و لعل اقتصار المصنف على ذكره في المضمون عنه للاكتفاء عنه في المضمون له بذكره سابقا أنه من العقود، و لا ريب في اقتضائها ذلك قطعا في أركانها التي منها المضمون له، و بما يذكره الآن من اعتبار رضاه المحتمل، أو المظنون، أو المقطوع إرادة القبول منه المتوقف على التمييز المزبور قطعا.

بل لا بد فيه من نظم العقد حينئذ بالاتصال و العربية بل و الماضوية و الصراحة الوضعية، بناء على اعتبارهما و غير ذلك مما يعتبر في العقد اللازم، و إن كان الذي قدمناه سابقا التوسعة عندنا لفظا إيجابه و قبوله، و أنه يكفى كل ما دل على ذلك على حسب غيره من الخطابات، من غير فرق بين الحقيقة و المجاز و الماضوية و غيرها و قد أشبعنا الكلام فيه و المقام أحد أفراده و بذلك كله بان الكلام في جميع أطراف المسألة و إن ذكر في الرياض أن فيها أقوالا أربعة:

و في اعتبار العلم بالمضمون عنه و المضمون له بالوصف و النسب، كما عن المبسوط أو بما يتميزان به عن الغير خاصة كما في اللمعة أو العدم مطلقا كما عن الخلاف، و في الغنية و هو ظاهر العبارة، و صريح الشرائع و الفاضل فيما عدا المختلف و المسالك و الروضة، أو يعتبر معرفة الأول بما يتميز خاصة دون الثاني كما في المختلف- أقوال أربعة أجودها ثالثها.

لكن لا يخفى عليك ما فيه، بل و ما في مختاره بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما أنه لا يخفى ما في حكايته عن المختلف بعد ملاحظة آخر كلامه، بل و لا ما في تحريره الخلاف المزبور على الوجه المذكور، بل لو لا شهرة حكاية الخلاف عن المبسوط لأمكن حمله بقرينة تعليله على إرادة معلومية الحق، و هو غير ما نحن فيه.

و كيف كان فلا إشكال بناء على ما عرفت في أنه يشترط رضا المضمون له في صحة الضمان، بل لا خلاف معتد به أجده فيه، بل في محكي التحرير و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد الأصول المقتصر في الخروج عنهما على الضمان

ج 26، ص: 124

برضا المضمون له، و

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء؟ فقال: إذا رضى به الغرماء فقد برءت ذمة الميت»

و في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا (عليه السلام)(2)«و إن كان لك على رجل مال و ضمنه رجل عند موته، و قبلت ضمانه فالميت قد برأ، و قد لزم الضامن رده»

مضافا إلى ما في انتقال الدين من ذمة المديون إلى أخرى بدون رضى الديان من الفساد، و ضياع حقوق الناس المعلوم ضرورة من الشريعة خلافه، و إلى ما يشعر به ما تسمعه من خبر عبد الله بن الحسن (3)و غير ذلك، فما عساه يظهر مما عن الخلاف- من أن اعتبار رضاه أولى من الخلاف في ذلك- واضح الفساد.

و أغرب من ذلك الاحتجاج له بضمان أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)و أبي قتادة(5)الدين عن الميت، و لم يسأل النبي (صلى الله عليه و آله) عن رضى المضمون له- الذي هو بعد الغض عن سند روايته- لا دلالة فيه على ذلك، بل لعله دال على خلافه، ضرورة اشتماله

على وقوع الضمان الذي هو عبارة عن الإيجاب و القبول من المضمون له، و الإيجاب وحده ليس بضمان، فلا حاجة حينئذ إلى الجواب بأنها واقعة لا عموم فيها، و بأن ذلك إنما يدل على عدم البطلان قبل علمه و رده، و نحن نقول بموجبه، لأنه صحيح، و لكن لا يلزم إلا برضى المضمون له، و بأن النبي (صلى الله عليه و آله) قد قبل، لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، و بحصول إذن الفحوى من المضمون له، و بغير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد معلومية امتناع النبي (صلى الله عليه و آله) عن الصلاة عليه من جهة شغل ذمته، و أنها برءت بالضمان، فصلى و الضمان الفضولي لا يفيده براءة فعلية، و أن ولاية النبي (صلى الله عليه و آله) في غير قبول العقود، و الفحوى لا تكفي في تحقق البراءة فعلا فالتحقيق حينئذ في الجواب ما عرفت.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الدين و القرض الحديث- 1.
2- 2 المستدرك ج- 2- ص 491.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث 3.

ج 26، ص: 125

و أغرب من ذلك الاستدلال له ب

موثق «إسحاق بن عمار(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يكون عليه دين فحضره الموت فيقول وليه: علي دينك؟ قال: يبرؤه ذلك و إن لم يوفه وليه من بعده، و قال: أرجو أن لا يأثم و إنما إثمه على الذي يحبسه»

الذي هو مطلق محمول على المقيد، و ب

موثق الحسن بن الجهم (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و له علي دين و

خلف ولدا رجالا و نساء و صبيانا فجاء رجل منهم فقال:

أنت في حل مما لإخوتي و أخواتي و أنا ضامن لرضاهم عنك، قال تكون في سعة من ذلك و حل، قلت: و إن لم يعطهم قال: ذلك كان في عنقه، قلت: فإن رجع الورثة علي فقالوا: أعطنا حقنا فقال: لهم ذلك في الحكم الظاهر، فأما بينك و بين الله فأنت في حل منها إذا كان الرجل أحلك يضمن رضاهم، قلت: فما تقول في الصبي، لأمه أن تحلل؟ قال: نعم إذا كان لها ما ترضيه و تعطيه، قلت: فإن لم يكن لها مال قال:

فلا، قلت: فقد سمعتك تقول أنه يجوز تحليلها، فقال: إنما أعني بذلك إذا كان لها مال».

و صحيح حبيب الخثعمي (3)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «قلت له: الرجل يكون عنده المال وديعة يأخذ منه بغير إذن صاحبه؟ قال: لا يأخذ إلا أن يكون له وفاء قال:

قلت: أ رأيت إن وجد من يضمنه و لم يكن له وفاء و أشهد على نفسه الذي يضمنه يأخذ منه؟ قال: نعم».

الذي لا يخفى عليك مخالفة ظاهر الأول للإجماع، باعتبار اشتماله على الإبراء من دون إذنهم، و إنما ضمن رضاهم، و هو ليس من الضمان المصطلح، و تأويله بالضمان من دون رضاهم ليس بأولى من ضمانه برضاهم، و لكن لا بينة له على ذلك، فكان في الحكم الظاهر لهم مطالبته مع إنكارهم لذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام الدين و القرض الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1- باختلاف يسير.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام الوديعة- الحديث 1.

ج 26، ص: 126

و أما الثاني فليس دالا إلا على جواز الأخذ من الوديعة إذا لم يكن له مال، و كان قد تعهد له شخص بوفاء ذلك عنه، و لا ريب أنه خارج عما نحن فيه، و محمول على إذن المودع بذلك.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور لذلك، مما هو غير صالح لمعارضة بعض ما عرفت، خصوصا بعد كون المسألة من قطعيات الفقه و ضرورياته، بل لعل الوسوسة فيها جهل بمذاق الفن و مذاق الشرع، بل قد عرفت أنه لا بد من رضى المضمون له بعنوان القبول الذي يتم به العقد، لما عرفت من المفروغية عن كون الضمان عقدا محتاجا إلى الإيجاب و القبول، بل لا بد فيهما من جميع ما هو معتبر في العقود اللازمة من الاتصال و العربية و غيرهما.

نعم يقوى عندنا فيه و في غيره من العقود اللازمة عدم اعتبار لفظ مخصوص و لا هيئة مخصوصة، بل كلما أفاد إنشاء ذلك و لو بالجملة الاسمية، أو بالمجاز أو نحو ذلك، كما أوضحناه في البيع و غيره.

و منه يعلم حينئذ تحقق عقد الضمان بنحو «على دين زيد» أو عندي أو نحوهما مما يقصد به إنشاء التعهد بذلك، و قرنه القبول من المضمون له، فما عن الإيضاح و المقدس الأردبيلي- من اعتبار الرضا دون القبول العقدي، لأنه التزام أو إعانة للمضمون عنه، و توثيق للمضمون له، و ليس هو على قواعد المعاملات- واضح الضعف كقول العلامة في القواعد «و في اشتراط قبوله احتمال» إذ الجميع كما ترى، ضرورة عدم منافاة التوثيق و نحوه للعقدية، إذ هو حينئذ كالرهن، بل أولى لما فيه من انتقال المال من ذمة إلى ذمة أخرى، على أن الأصل عدم ترتب شي ء عليه، إذا لم يكن بصورة العقد.

نعم لا عبرة برضا المضمون عنه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه لأن الضمان كالقضاء للدين المعلوم عدم اعتبار الرضا فيه، و لإطلاق الأدلة و عمومها، و لما سمعته من واقعة ضمان أمير المؤمنين (عليه السلام) و غيره عن الميت، بل لو أنكر و أبى بعد الضمان لم يبطل، على الأصح للأصل و غيره من الأدلة

ج 26، ص: 127

التي سمعتها، خلافا لما في النهاية قال: «و متى تبرع الضامن من غير مسألة المضمون عنه، و قبل المضمون له فقد برأ المضمون عنه، إلا أن ينكر ذلك و يأباه، فيبطل ضمان المتبرع، و يكون الحق على أصله لم ينتقل عنه بالضمان».

و ربما تبعه عليه غيره، لكن لم نجد له دليلا، بل ظاهر الأدلة خلافه، و أنه لا عبرة برضاه، و لا رده و إباؤه مانع، سواء كان ذلك قبل الضمان أو بعده، و مما سمعته من النهاية يعلم إرادة ما فسرناه من الإنكار في عبارة المتن، لا جحود ضمان الضامن الذي قد يفرض اعترافه بالضمان، على أنه لا وجه لاحتمال بطلان الضمان بذلك.

و كيف كان ف مع تحقق الضمان الجامع لشرائط الصحة ينتقل المال إلى ذمة الضامن و يبرأ المضمون عنه و حينئذ تسقط المطالبة من المضمون له عنه لعدم الحق له في ذمته، بلا خلاف في شي ء من ذلك عندنا و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله من ضروريات الفقه.

نعم قد عرفت مخالفة الجمهور- في ذلك، باعتبار أن الضمان عندهم ضم ذمة إلى ذمة أخرى و بطلانه، و حينئذ ف لو أبرأ المضمون له المضمون عنه لم يبرأ الضامن من هذه الحيثية على قول مشهور لنا بل مجمع عليه بيننا، ضرورة عدم المحل للبراءة المزبورة بعد ما عرفت من براءة ذمته بالضمان عندنا، و إنما محلها حينئذ ذمة الضامن، فإذا أبرأه برءا معا، و إن كان الضمان بالإذن، لعدم استحقاق الرجوع عليه إلا بالأداء الذي قد انتفى محله بالإبراء، فينتفي الحق عنه للضامن الذي قد فرضنا براءة ذمته من المضمون له.

نعم قد يقال باستفادة براءة ذمة الضامن من براءة ذمة المضمون عنه، و إن لم يكن لها محل، باعتبار ظهور ذلك في إرادة رفع اليد عمن هو عليه، و إن كان متعلقها المضمون عنه، إلا أن ذلك لو سلم فهو خروج عما نحن فيه، ضرورة كون المراد من الحيثية المزبورة، لا من حيث دعوى دلالة العرف على إرادة البراءة للضامن أيضا، مع أنها واضحة المنع على مدعيها مع عدم القرائن، و كل ذلك تفريع على مذهبنا.

أما على مذهب الجمهور فلا إشكال في صحة البراءة المزبورة، لأن الحق باق

ج 26، ص: 128

عندهم. بل المحكي عنهم ان براءة ذمة الضامن لا يقتضي براءة ذمة المضمون عنه، بخلاف العكس، لأنها من قبيل الوثيقة عند الديان، فتلفها لا يقتضي سقوط الحق بخلاف براءة ذمة المضمون عنه فإنها تقتضي براءة ذمة الضامن التي هي وثيقة على ذمة المضمون عنه، المفروض براءتها، فتفك حينئذ الوثيقة، و هي كما ترى قياس و استحسان و تحدس لا يوافق أصول الشريعة و قواعدها، و لعل قول المصنف على قول مشهور لنا إشارة إلى ما ذكرناه من الاحتمال، لا لوجود خلاف في المسألة، إذ قد عرفت أنها من قطعيات فقه الشيعة أو ضرورياته.

و كيف كان فلا خلاف عندنا في أنه يشترط فيه أي في لزوم الضمان الملاءة أو العلم من المضمون له بالإعسار و الرضا به، بل عن ظاهر الغنية الإجماع، و السرائر نسبته إلى أصحابنا و جامع المقاصد ظاهرهم أن هذا الحكم موضع وفاق، و لعل ذلك- مضافا إلى قاعدة الضرر، و بناء الضمان على الارتفاق، و إرادة الأداء و ما عساه يشعر به ذيل خبر ابن الجهم (1)المتقدم، و ما تسمعه من النصوص (2)في الحوالة الدالة على ذلك، و هي أخت الضمان- دليل الحكم المزبور، و حينئذ فإذا كان الضامن مليا أو معلوم الإعسار عند المضمون له لزم بالضمان بلا خلاف و لا إشكال.

أما لو ضمن ثم بان إعساره، كان للمضمون له فسخ الضمان، و العود على المضمون عنه قيل: و ليس هو كالبيع إلى أجل مثلا فبان إعساره، للفرق الواضح بينهما بالنسبة إلى الأداء، لكن ذلك إذا كان معسرا حال الضمان، أما إذ تجدد فلا خيار لأصالة اللزوم، بل قد يقوى عدم الخيار أيضا لو كان معسرا حال الضمان و لم يعلم به حتى تجدد يساره، للأصل أيضا، و لا ينافي الخيار المزبور سبق رضى المضمون له لضمانه حال عدم العلم بإعساره، كما أنه لا فرق في ثبوته بين إعسار المضمون عنه، و عدمه، لإطلاق الفتوى المقتضي أيضا عدم الخيار مع الملاءة و إن لم يكن وفيا بل ظاهرهم عدم ثبوته بغير ذلك من وجوه الضرر، أو تعسر الاستيفاء، و لكنه لا يخلو من


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الضمان.

ج 26، ص: 129

نظر، بل ظاهرهم أن الإعسار كاف في ثبوت الخيار المزبور و إن كان الضمان مؤجلا و أن اليسار حين الضمان كاف في لزومه و إن أعسر عند الأجل.

كل ذلك مع عدم العلم به كما عرفت، و إلا فمع العلم به أو الرضا به على كل حال فلا إشكال،(1)

«و قد احتضر عبد الله بن الحسن فاجتمع عليه غرماؤه و طالبوه بدين لهم، فقال لهم: لا مال عندي فأعطيكم، و لكن ارضوا بمن شئتم من ابني عمى، علي بن الحسين عليهما السلام أو عبد الله بن جعفر، فقال الغرماء: عبد الله بن

جعفر ملي مطول، و علي بن الحسين عليهما السلام رجل لا مال له صدوق و هو أحبهما إلينا، فأرسل إليه فأخبره الخبر، فقال أضمن لكم المال إلى غلة و لم تكن له غلة فقال القوم: قد رضينا و ضمنه فلما أتت الغلة أتاح الله له المال فأداه»

ثم إن هذا الخيار على الفور أو التراخي؟

وجهان ذكرناهما في نظائره، و قلنا: إن الأصل يقتضي الثاني منهما كما اعترف به غير واحد.

و كيف كان ف الضمان المؤجل للدين الحال جائز بلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم بل إجماعا كما في المسالك و محكي التنقيح و إيضاح النافع، و غيرها، للعمومات السالمة عن المعارض، إذ هو تأجيل للدين، لا تعليق للضمان إلى الأجل، و احتمال كون الضمان نقل الدين على ما هو عليه بحيث لا يختلف في حلول و تأجيل لا قائل به، و لا شاهد عليه، بل مقتضى العمومات خلافه.

نعم هل يكون هذا الأجل للدين، أو هو أجل للضمان؟ و تظهر الثمرة فيما لو أدى الضامن من قبل الأجل، فإنه لا يستحق الرجوع على الأول، بخلاف الثاني الذي لا يخلو من قوة، بل هو صريح المسالك و غيرها في المسائل الآتية، و أما ضمانه للدين المؤجل بأزيد من أجله أو مساويه أو أنقص فلا أجد فيه خلافا محققا كذلك، بل ظاهر المتن أنه من معقد الإجماع عليه، بل يمكن دعوى الإجماع عليه، بل عن فخر الإسلام أن ضمان المؤجل بمثل أجله يصح إجماعا و عن الشيخ و إيضاح النافع أن ضمان المؤجل بأزيد من أجله يصح إجماعا مضافا إلى انه مقتضى العمومات أيضا.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.

ج 26، ص: 130

نعم ربما ظهر من تعليل المنع في المسألة الآتية المنع في المساوي، باعتبار عدم الإرفاق فيه، كما أنه يستفاد المنع فيما لو كان الأجل أنقص مما تسمعه من تعليل فخر الإسلام و الكركي المنع في بعض الصور الآتية، بأنه ضمان ما لم يجب، إلا أن الجميع ستعرف ضعفه، على أنه لا معنى لإثبات الخلاف من أمثال هذه التعليلات بالتي نذكر دليلا للمخالف من غيره، و منه يعلم الجواز حينئذ في جميع صور المقام من غير فرق بين الضمان بالإذن و التبرع.

و في الضمان الحال، تردد و خلاف، ففي محكي المقنعة و النهاية لا يصح ضمان نفس أو مال إلا بأجل، و في محكي الوسيلة إنما يصح الضمان بتعيين أجل المال و عد في محكي الغنية من شروط صحته أن يكون إلى أجل معلوم، ثم عد شرطين آخرين، و ادعى الإجماع.

و ظاهر هذه العبارات اعتبار الأجل في الضمان على نحو اعتباره في السلم، و هو الذي أشار إليه في المتن بقوله تردد، و لكن أظهره الجواز وفاقا لغير من عرفت من الأصحاب، حتى من الشيخ في المحكي عن المبسوط، للعمومات السالمة عن معارضة ما يقتضي اعتبار الأجل فيه كالسلم، و إجماع الغنية- بناء على شموله للفرض مع عدم الشاهد له، و مصير من عرفت من الأصحاب إلى خلافه- يضعف الظن به.

بل في محكي السرائر «و قد يوجد في بعض الكتب لأصحابنا، و لا يصح ضمان مال و لا نفس إلا بأجل، و المراد بذلك إذا اتفقا على التأخير و الأجل فلا بد من ذلك و لا يصح إلا بأجل محروس فأما إذا اتفقا على التعجيل فيصح الضمان من دون أجل، و كذا إذا أطلقا العقد، و إلى هذا القول ذهب شيخنا في مبسوطة، و هو حق اليقين، لأنه لا يمنع منه مانع، و من ادعى خلافه يحتاج إلى دليل و لم نجده.

و مقتضى ذلك خروج المسألة عن الخلاف، إذ هو منحصر فيما سمعت من العبارات المحتمل فيها ذلك، مؤيدا بعدم العثور على دليل يدل على اعتبار الأجل فيه، نحو اعتباره في التسليم، و حينئذ يكون وجه الخلاف في المسألة اعتبار الأجل في الضمان و عدمه، و هذا هو الظاهر من العبارة من غير مدخلية لحلول الدين و أجله،

ج 26، ص: 131

فالمؤجل حينئذ جائز إجماعا- من هذه الجهة، سواء كان الدين حالا أو مؤجلا، و سواء اتفاقا في الأجل أو اختلفا، و الحال فيه خلاف، سواء كان الدين، حالا أو مؤجلا.

فمن الغريب ما في المسالك حيث أنه بعد أن ذكر الصور الاثنا عشر المتصورة في المقام التي هي الضمان حالا و مؤجلا، عن حال و مؤجل متساويين في الأجل أو متفاوتين، فهذه ستة، و هي إما أن تكون عن تبرع أو سؤال المضمون عنه، فيكون اثنا عشر، قال: و كلها جائز على الأقوى، إلا أن موضع الخلاف فيها غير محرر، إذ قد عرفت تحريره على الوجه المزبور، و أن التعليل للمنع بالإرفاق في المختلف و غيره لا ينبغي أن يتصيد منه خلاف في المسألة.

نعم في ضمان المؤجل حالا أو أنقص من أجله خلاف من بعض المتأخرين كالفخر، و الكركي، بل تستمع التردد فيه من المصنف في المسألة الثامنة، لأنه ضمان ما لم يجب، و لأن الفرع لا يرجع على الأصل، و لأن مشروعية الضمان على نقل الدين على ما هو عليه.

و فيه أن المضمون المال و الأجل إنما هو من التوابع و الحقوق، فمع الرضا بإسقاطه من الطرفين يسقط، و يلزم سقوطه إذا كان بعقد لازم، و هو واجب، غايته أنه موسع و ذلك لا يخرجه عن أصل الوجوب، خصوصا بعد التراضي بإسقاط حق الأجل الذي هو كما يثبت للحال بعقد يسقط أيضا عن المؤجل به، و قاعدة عدم رجحان الفرع على أصله لا دليل عليها على وجه تجدي في المقام، كدعوى أن مشروعية الضمان على نقل الحق بوضعه إلى ذمة الضامن، و الحلول صفة مغيرة له، فلا يشرع فيه الضمان، و فرق بين ضمان الحال مؤجلا و بالعكس، لعدم تشخيص المال بالحلول الذي هو عدم الأجل بخلاف العكس، إذ هي كما ترى لا حاصل لها، و مرجعهما معا إلى شرط في عقد الضمان مندرج تحت

«المؤمنون»(1)

و «أَوْفُوا»(2) و غيرهما من غير


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4-.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1-.

ج 26، ص: 132

فرق بين اقتضائه تأجيل الحال و بالعكس، و بذلك كله ظهر لك التحقيق في المسألة و تحرير موضع الخلاف فيها.

و أما احتمال المنع في ضمان الحال حالا و المؤجل بمثل أجله أو أنقص الناشي من تعليل المنع للضمان الحال في المختلف بالإرفاق، فليس خلافا في المسألة، و على تقديره فهو واضح الضعف، ضرورة عدم ثبوت اعتبار الإرفاق فيه على وجه يقتضي ذلك، خصوصا بعد عدم انحصار الفائدة فيه بذلك، كما هو واضح.

بقي الكلام في أنه لو ضمن المؤجل حالا أو أنقص بإذن المضمون عنه كذلك، أو مطلقا فهل يكون الدين على المضمون عنه كذلك أو فرق بين الإطلاق و التصريح فيحل ما عليه بالثاني، لا الأول، أو لا رجوع للضامن عليه و إن أدى إلا بعد انقضاء الأجل الأصلي للدين وجوه بل أقوال فثاني الشهيدين و الفاضل في المحكي عن مختلفه، و ظاهر تحريره بل قيل إنه الذي استقر عليه رأيه في التذكرة على الأخير منها، لعدم المقتضي لسقوطه، إذ الإذن للضامن بالضمان حالا فضلا عن الإطلاق أعم من ذلك، بل أقصاه الحلول بالنسبة إلى ذمة الضامن، دون ما في ذمته للضامن.

و في محكي التنقيح الأول، لأن الضامن في حكم الأداء و متى أذن المديون لغيره في قضاء دينه معجلا فقضاه استحق مطالبته، و لأن الضمان بالسؤال موجب لاستحقاق الرجوع على وفق الإذن، و أما مع الإطلاق فلتناوله التعجيل الذي قد عرفت اقتضاءه ذلك.

و عن ظاهر بعض المتأخرين الثاني، و لعله الأقوى، ضرورة عدم اقتضاء الاذن في الإطلاق التعجيل، فلا دلالة فيه عليه، فيكون كالتبرع به حينئذ و لعله لذا جزم بعضهم بعدم الرجوع في الإطلاق، و جعل الإشكال في التصريح، بل هو المحكي عن التذكرة.

نعم لو فرض إرادة ذلك منه و لو بالقرائن اتجه حينئذ الرجوع به عليه، لأنه كالتصريح بالنسبة إلى ذلك، و لعله لذا جزم به في محكي الإيضاح بالرجوع مع التصريح، و جعل الإشكال في الإطلاق، من احتمال اقتضائه الاذن في التعجيل، و عدمه

ج 26، ص: 133

و قد عرفت عدم اقتضائه ذلك، كما أنك قد عرفت عدم الإشكال في الرجوع مع التصريح خصوصا إذا ضم إليه مع ذلك الرجوع عليه فعلا.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا مكررا أنه لو كان المال حالا، فضمنه مؤجلا، جاز و سقطت مطالبة المضمون عنه، و لم يطالب الضامن إلا بعد الأجل بلا خلاف فيه عندنا و لا إشكال.

نعم قد عرفت أن هذا الأجل للضمان، لا للدين ف لو مات الضامن، حل و أخذ من تركته و رجع الورثة على المضمون عنه، و كذا لو دفع الضامن معجلا باختياره، لإسقاط حقه، بخلاف ما لو كان الدين مؤجلا عن المضمون عنه فضمنه الضامن كذلك، فإنه بحلوله بموته مثلا لا يحل على المضمون عنه لأن الحلول عليه لا يستدعي الحلول على الأخر.

و لو كان الدين مؤجلا إلى أجل، فضمنه إلى أزيد من ذلك الأجل، جاز بلا خلاف و لا إشكال، لكن إن أدى قبل حلول أجل الأصل، لم يكن له مطالبة المضمون عنه إلا بعده، و إن أدى بعد حلوله عليه و قبل حلول أجل نفسه، فله المطالبة، لأنه قد صار الأصل حالا، و الفرض أداء الضامن و إسقاط حق نفسه من الأجل الزائد، و كذا القول لو مات و أدى وارثه، نعم لو قلنا بأن الأجل للضمان أجل للدين، اتجه حينئذ مراعاته للمضمون عنه و إن حل على الضامن، أو أسقطه كما هو واضح.

و يرجع الضامن على المضمون عنه، بما أداه إن ضمن باذنه، و لو أدى بغير اذنه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و

في الخبر(1)«سألته عن قول الناس الزعيم غارم؟ فقال: ليس على الضامن غرم، الغرم على من أكل المال»

و في آخر(2)«عن رجل ضمن ضمانا ثم صالح عليه؟ قال: ليس له إلا الذي صالح


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1- المستدرك ج 2 ص 497 و فيه قول الناس الضامن غارم.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1-.

ج 26، ص: 134

عليه»

كل ذلك مضافا إلى أصالة احترام مال المسلم، و ضمانه إلا إذا بذله على جهة التبرع به، و التأدية، و إن كانت بغير إذنه، إلا أن الضمان الذي هو سبب في وجوبها قد كان بإذنه، بل في الحقيقة الإذن فيه إذن فيها.

و لا يرجع إذا ضمن بغير اذنه و لو أدى بإذنه بلا خلاف فيه أيضا بل الإجماع بقسميه كذلك عليه، و الخبران منزلان على ما إذا أذن نعم قد يقال بالرجوع لو أدى بإذنه المصرح فيها بالرجوع عليه، لقاعدة الاحترام المزبورة، و لا ينافيها وقوع الضمان بغير إذنه، فإنه لا ينافي تبرع المضمون عنه بالوفاء، فقوله حينئذ أد عني و ارجع به علي كقوله لأجنبي أد عن الضامن المتبرع و ارجع به على، فمع فرض تأدية الضامن بعنوان امتثال أمر المضمون عنه، و بقصد الرجوع عليه، يتجه حينئذ رجوعه، و إن كان أداء عن نفسه، لكن من المتبرع به عنه، فما عن بعض الناس من الإشكال- في الرجوع أيضا في الصورة المزبورة التي مرجعها إلى الوعد، لعدم دليل على الرجوع عليه بالقول المزبور- لا يخلو من نظر أو منع، بعد ما عرفت و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف أجده في أنه ينعقد الضمان بكتابة الضامن أو المضمون عنه مع عجزهما عن النطق منضمة إلى القرينة الدالة على قصد إنشاء ذلك لا مجردة عن ذلك لاحتمالها حينئذ العبثية و غيرها بل ظاهرهم ذلك و إن تمكن من التوكيل، بل الظاهر عدم الفرق بينها و بين غيرها من الإشارات المفهمة، لعدم ما يدل على اختصاصها بذلك، بل العمدة في الاكتفاء بها- بعد عدم الخلاف فيه- فحوى الاكتفاء بإشارة الأخرس التي لا فرق فيها بين الكتابة و غيرها، و قد تقدم في البيع ما يستفاد منه الاكتفاء بالكتابة مثلا مع الإكراه على السكوت ظلما و غير ذلك فلاحظ و تأمل.

ج 26، ص: 135

[البحث الثاني في الحق المضمون ]

البحث الثاني في الحق المضمون و هو كل مال ثابت في الذمة و مرجعه الى ما في القواعد من أن شرطه المالية و الثبوت في الذمة و إن كان متزلزلا كالثمن في مدة الخيار، و المهر قبل الدخول، بل قيل: ان على الأول الإجماع، معلوم و محكي في ظاهر الغنية و غيرها، بل فيها و غيرها أيضا الإجماع صريحا على الثاني و في محكي التذكرة لو قال لغيره: مهما أعطيت فلانا فهو علي لم يصح إجماعا، هذا و لكن لم أجد تصريحا في اندراج العمل في الذمة في المال و عدمه.

نعم في اللمعة أن ضابطه ما جاز عقد الرهن عليه، و ربما يستظهر منه اندراجه فيه، لكن عن التذكرة أن يكون مما يصح تملكه و بيعه، و هو كالصريح في عدمه، و لا ريب أن العمومات تشهد للأول، بل هو من المال قطعا لو كان منفعة دابة، كلية مثلا أو عبد كذلك، بل لعل جميعه من المال، بدليل جواز جعله عوضا في البيع و النكاح و الخلع و غيرها مما يعتبر فيها المال، كما أني لم أجد من تعرض للجمع بين ذكر الشرط المزبور و التصريح بضمان الأعيان و العهدة و الصنجة و غير ذلك مما تسمعه إنشاء الله، بل في المتن و غيره هنا ما ينافي ذلك، فإنه قال بعد ما سمعت:

سواء كان أي المال في الذمة مستقرا كالبيع بعد القبض و انقضاء الخيار أو معرضا للبطلان كالثمن في مدة الخيار بعد قبض الثمن و لو كان قبله، لم يصح ضمانه عن البائع عينا و لا عهدة، لعدم دخوله تحت يده، أما بعده فيصح ضمانه عن البائع عهدة لو ظهر المبيع مستحقا مثلا.

و هو كما ترى لا يجامع الضابط المزبور، ضرورة عدم كون المضمون في هذا الحال مالا في الذمة، بل هو من ضمان الأعيان.

نعم لو ضمن الثمن عن المشتري للبائع، كان ضمانا لمال في الذمة، بل و كذا لو ضمن عنه عهدته لو خرج مستحقا للغير إذا كان الثمن غير معين، و إلا بطل البيع فلا ضمان حينئذ،

ج 26، ص: 136

بخلاف ما إذا لم يكن معينا، فإن الضمان حينئذ صحيح، لأنه في الحقيقة لمال في الذمة، و هو الثمن الكلي، و كذا لو كان معينا مثلا و كان المضمون عن المشتري أرشه الذي هو أيضا مال كلي في الذمة، و بذلك يظهر لك أن ضمان العهدة هو من ضمان العين أو من ضمان المال في الذمة و ليس هو شي ء مستقل لكن في المسالك «ان الفرق بين ضمان العهدة و المال نفسه يظهر في اللفظ و المعنى، أما اللفظ فالعبارة عن ضمان الثمن «ضمنت لك الثمن الذي في ذمة زيد» مثلا و نحوه، و ضمان العهدة «ضمنت لك عهدته أو دركه» أو نحو ذلك، و اما المعنى فظاهر، إذ ضمانه نفسه يفيد انتقاله إلى ذمة الضامن، و براءة المضمون عنه منه، و ضمان العهدة ليس كذلك، بل إنما يفيد ضمان دركه على بعض التقديرات، و لا يخفى عليك ما فيه بعد عدم دليل مخصوص على اعتبار اللفظ المزبور، بل ظاهر الأدلة، خلافه.

و على كل حال ضمانه يقتضي انتقال الثمن لو كان في ذمة المشتري إلى ذمة الضامن، إلا أنه لما كان في الظاهر فراغها بالدفع المزبور لم يحكم به، فإذا تبين فساد الدفع بكونه مستحقا للغير مثلا حكم بمصادفة الضمان المزبور لمحله، فيترتب عليه حكمه من الانتقال إلى ذمة الضامن، و فراغ ذمة المضمون عنه، و هذا معنى ضمان دركه، و إلا فلا دليل على مشروعيته مستقلا على وجه يكون غير الضمان بالمعنى المزبور كما هو واضح.

و بذلك كله يظهر لك ما في المتن و المسالك، و لعل عبارة الفاضل في القواعد السابقة أحسن من عبارة المتن، لاقتصارها على بيان صحة الضمان للمال الثابت في الذمة مستقرا أو متزلزلا، كالثمن في مدة الخيار، و المهر قبل الدخول.

و لا ريب في ظهور إرادة ضمانه عن المشتري للبائع، و هو الذي ذكره الشيخ في المحكي عن مبسوطة حيث نفى الخلاف فيه، و ظاهره بين المسلمين عن صحة ضمان الثمن في البيع بعد تسليم المبيع، و المهر بعد الدخول، و الأجرة بعد دخول المدة، و عن صحة ضمان الثمن قبل التسليم، و الأجرة قبل انقضاء الإجارة، و المهر قبل الدخول، قال: فهذه الحقوق لازمة غير مستقرة، فيصح ضمانها أيضا بلا خلاف، و أما ضمان

ج 26، ص: 137

العهدة فهي مسألة مستقلة، سيذكرها المصنف في اللواحق، لا مدخل لها فيما نحن فيه فلاحظ و تدبر.

و كذا يصح ضمان ما ليس بلازم و لكن يؤول إلى اللزوم، كمال الجعالة قبل فعل ما شرط عليه من العمل و كمال السبق و الرماية وفاقا للمحكي عن المبسوط، و التحرير، و المختلف، و مجمع البرهان، و التذكرة، إلا أنه قال: إذا شرع في العمل، بل لعله المراد مما عن الخلاف و الغنية «يصح ضمان مال الجعالة إذا فعل ما شرط الجعالة به» بناء على إرادة الكشف من الشرط المزبور، بقرينة استدلالهم عليه بقوله تعالى (1)«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» و

قوله (عليه السلام)(2)«الزعيم غارم»

و مرجع الثاني إلى العمومات التي هي العمدة، مضافا إلى ما عن المختلف من الاستدلال عليه بمسيس الحاجة إليه، فجاز ضمانه و كقوله الق متاعك و على ضمانه، و الى ما عن التذكرة من وجود سبب الوجود و انتهاء الأمر فيه إلى اللزوم كالثمن في مدة الخيار.

و لكن مع ذلك كله قال المصنف على تردد ينشأ من احتمال عدم سببية عقد الجعالة لثبوت المال في الذمة، و انما هو جزء السبب الذي هو مع العمل، فتكون الضمان حينئذ قبل تمامه ضمان ما لم يجب، و الآية الشريفة محمولة على ارادة التعهد العرفي لا العقدي، ضرورة عدم قبول مضمون له يثبت له حق في ذمة الجاعل، أو على ارادة بيان كون الجعل منه على ذلك، لا على الملك أو على غير ذلك.

و العمومات بعد فرض ما عرفت من كون الضمان نقل ما في ذمة إلى أخرى عندنا لا يشمل المفروض الذي لم يثبت بعد في الذمة، و لا حاجة ماسة إلى ذلك على وجه يستدل بها على مشروعيته، كما لا سبب للوجوب قبل إتمام العمل، و انتهاء الأمر إلى اللزوم بعد عدم الثبوت فعلا لا يجدى.

نعم قلنا ان عقد الجعالة سبب تام في الثبوت في الذمة، و إن عرض له البطلان


1- 1 سورة يوسف الآية- 72.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 489.

ج 26، ص: 138

بعدم إتمام العمل، أو بالفسخ أو نحو ذلك، اتجه حينئذ ضمانه للثبوت في الذمة حينئذ فعلا و إن كان معرضا للبطلان، لأنه لا ينافي صحة الضمان.

و كذا يصح لو قلنا بأن العمل من الشرائط الكاشفة، لكن بتمام العمل ينكشف صحة الضمان، و بعدمه ينكشف بطلانه، و لعل ذلك لا يخلو من قوة، و قد سمعت إمكان إرادته من الشيخ و ابن زهرة، و مما ذكرنا ظهر لك أن التردد في الحكم من المصنف للتردد في أصل ثبوت مال الجعالة في الذمة لا للتردد في صحة الضمان، و ان لم نقل بثبوته فيها كما عساه يوهمه ما سمعته من المختلف و التذكرة، و التحقيق ما عرفت في مال الجعالة، و مثله يجري في مال السبق و الرماية، و يأتي إنشاء الله في بابيهما تمام الكلام في ذلك، هذا كله قبل العمل.

أما بعده فلا إشكال و لا خلاف في صحة الضمان و هل يصح ضمان مال الكتابة قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة لا يصح لأنه ليس بلازم، و لا يؤول إلى اللزوم أما الأول فلانه لا يلزم العبد في الحال، لأن للمكاتب إسقاطه بفسخ الكتابة، للعجز فلا يلزم العبد في الحال، و أما الثاني فلأنه إذا أداه عتق، و إذا عتق خرج عن ان يكون مكاتبا، فلا يتصور أن يلزم في ذمته مال الكتابة بحيث لا يكون له الامتناع من أدائه ثم قال: فهذا المال لا يصح ضمانه، لأن الضمان إثبات مال في الذمة، و التزام لأدائه، و هو فرع للمضمون عنه، فلا يجوز أن يكون ذلك المال في الأصل غير لازم، و يكون في الفرع لازما، فلهذا منعنا عن صحة ضمانه، و هذا لا خلاف فيه.

و لكن لا يخفى عليك أنه لو قيل بالجواز كان حسنا وفاقا للفاضل و ثاني الشهيدين و الكركي و غيرهم، لتحققه في ذمة العبد بعقد الكتابة و لو المشروطة، فيصح حينئذ ضمانه كما لو ضمن عنه مالا غير مال الكتابة و جواز تعجيز نفسه فيعود رقا، لا ينافي الثبوت في الذمة، بل أقصاه عدم الاستقرار كالثمن في مدة الخيار بل أولى منه، ضرورة أنه هنا مع الضمان عنه لينعتق، لأنه بحكم الأداء بخلاف الثمن في مدة الخيار، فإن ضمانه لا يرفع أصل الخيار.

ج 26، ص: 139

و من هنا أشكل جواز الضمان في الفرض على تقدير الجواز، لأنه يؤدى إلى اللزوم قهرا على المكاتب، لعدم اشتراط رضي المضمون عنه في صحة الضمان، فينافي الفرض، من بناء الكتابة على الجواز من طرف المكاتب، و إن كان هو كما ترى إشكال هين، و إلا لم يجز التبرع بالأداء عنه لذلك أيضا، هذا.

و لا يخفى عليك أن ظاهر المتن و ما سمعته من عبارة المبسوط بل قيل و التحرير، و التذكرة، و المختلف أن محل النزاع الأعم من المشروطة و المطلقة، لكن في المسالك أن محله الأولى، إذ لا خلاف في لزوم المطلقة و الأمر سهل بعد ما عرفت و تعرف إنشاء الله في باب الكتابة على ذلك.

و يصح ضمان النفقة الماضية للزوجة بلا خلاف و لا إشكال، لأنها من الديون في ذمة الزوج كما حررناه في محله، بل صريح الشيخ أيضا و الفاضلين و الكركي و ثاني الشهيدين و الحلي على ما حكى عن بعضهم صحة ضمان الحاضرة لها أيضا أي الزوجة لاستقرارها و ثبوتها في ذمة الزوج بصبيحة ذلك اليوم الذي أظهرت التمكين فيه دون المستقبلة التي لم يحصل سبب وجوبها الذي منه التمكين الفعلي، و هو غير معقول في الزمان المتأخر بخلاف الحاضرة التي يظهر من أدلة النفقة الاكتفاء في وجوبها بالتمكين فعلا في صبيحة ذلك اليوم، و إن قلنا بسقوطها بالنشوز في أثنائه، إلا أنه لا ينافي أصل الثبوت في الذمة و هو كاف في صحة الضمان، خصوصا بعد عدم استرداد نفقة النهار بالموت و الطلاق، و إنما الخلاف في نفقة الليل كما حررنا ذلك كله في كتاب النكاح هذا.

و في محكي المبسوط: إنما يصح ضمان نفقة المعسر، لأنها ثابتة على كل حال، و أما الزيادة عليها إلى تمام نفقة الموسر فهي غير ثابتة، لأنها تسقط بإعساره، و تبعه على ذلك القاضي فيما حكى عنه، و فيه أن الاعتبار حينئذ بالزوج المضمون عنه فان كان موسرا ضمن عنه نفقة الموسر، و إلا فنفقة المعسر، و لا يسقط الزائد على نفقة المعسر بإعسار المؤسر بعد وجوبه.

و ربما كان ذلك من الشيخ و القاضي تفريعا على قول أهل الخلاف من صحة

ج 26، ص: 140

ضمان المستقبلة، لأن المحكي عنه اشتراط تقدير المدة، و أن يكون المضمون نفقة المعسرين، و إن كان المضمون عنه موسرا أو متوسطا، لانه ربما يعسر، فالزائد على نفقة المعسرين غير ثابت، لأنه يسقط بالعسر، ثم إن تقييد المصنف بالزوجة ظاهر في عدم صحة ضمانها للقريب، و هو كذلك في الماضية، لعدم ثبوتها في ذمته و إن قصر في دفعها، لأنها من خطاب المواساة الذي لا يقتضي إثباتا في الذمة.

اما الحاضرة ففي القواعد و المسالك و محكي التذكرة و غيرها صحة ضمانها، بل لا أجد خلافا فيه بين من تعرض لذلك، معللين له بوجوبها بطلوع الفجر، و لكن فيه ان هذا الوجوب لا يقتضي ثبوتها في الذمة، و إلا لوجب أيضا بعد فوات الوقت، لعدم الدليل حينئذ على سقوطه منها بعد ثبوته فيها، و إنما هو خطاب مواساة و بر وصلة، و لا شي ء منها يقتضي الثبوت في الذمة من غير فرق بين الماضية و الحاضرة، و لعل تقييد المصنف بالزوجة لإخراج أصل الضمان لنفقة القريب، من غير فرق بين الماضية و الحاضرة و المستقبلة، و قد حررنا في كتاب النكاح تحقيق الحال في ذلك فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف في صحة ضمان الأعيان المضمونة بمعنى وجوب ردها أو قيمتها أو مثلها عليه مع من في يده كالغصب و المقبوض بالبيع الفاسد و نحوهما تردد و خلاف و الأشبه عند المصنف و الفاضل في المحكي عن تحريره، و إرشاده، و محكي المبسوط الجواز للعمومات، و لأنه ضمان مال مضمون على المضمون عنه، و فيه أنه لا عموم يقتضي شرعية الضمان على الوجه المزبور، حتى

قوله (1)«الزعيم غارم»

الذي هو ليس من أخبارنا بل هو من قول الناس الذين هم مخالفونا كما سمعته في الخبر السابق الظاهر في الإنكار عليهم.

و عموم (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» انما يقتضي وجوب الوفاء بكل عقد على حسب مقتضاه، و قد عرفت أن الضمان عندنا من النواقل، و ان شرطه ثبوت المال في الذمة، و الأعيان المضمونة إنما يجب ردها، و هو ليس بمال في الذمة، و الغاصب مثلا مخاطب


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 497.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 141

به إجماعا، فيكون الضمان هنا ضم ذمة إلى ذمة أخرى، و هو ليس من أصولنا.

و من الغريب ما عن التذكرة من أن ضمان المال ناقل عندنا، و في ضمان الأعيان و العهدة اشكال، أقربه عندي جواز مطالبة كل من الضامن و المضمون عنه، إذ هو كما ترى كالمتناقض، هذا كله في ضمانها بالنسبة إلى ردها.

و أما ضمان قيمتها أو مثلها فهو بعد تلفها فضمانها قيل حصول السبب ضمان ما لم يجب و من هنا كان خيرة ثاني الشهيدين و المحققين و فخر الإسلام على ما حكي عنهما عدم الجواز، و دعوى صدق كونها ما لا قد اشتغلت ذمة من في يده بها، واضحة الفساد، ضرورة معلومية إرادة شغل الذمة بالرد ما دامت موجودة، و القيمة و المثل مع التلف من هذا الإطلاق، و مثله غير كاف في الضمان الذي هو نقل المال من ذمة إلى أخرى، كما عرفت من تعريفه، و من دعوى الإجماع على اشتراط أن يكون مالا في الذمة في الحق المضمون، لا أقل من الشك، و الأصل عدم ترتب الأثر في مثل هذا الضمان.

و على كل حال فلا اشكال و لا خلاف في أنه لو ضمن ما هو أمانة، كالمضاربة و الوديعة، لم يصح، لأنها ليست مضمونة في الأصل أي وقت الضمان لا ردا و لا عوضا على تقدير تلفها. نعم لو طرأ لها الضمان بتعد أو تفريط مثلا ففي صحة ضمانها حينئذ و عدمها البحث السابق، و هو واضح.

كما أنه لا خلاف و لا إشكال في جواز التسلسل في الضمان بناء على مذهبنا ف لو ضمن ضامن ثم ضمن عنه آخر و هكذا إلى عدة ضمناء، كان جائزا لتحقق شرط الضمان الذي هو ثبوت المال في الذمة، و يرجع كل واحد منهم على من ضمن عنه، إذا كان بإذنه، على الأصل الذي يرجع اليه الضامن الأول إذا كان باذنه، بل و لا إشكال في جواز الدور أيضا.

خلافا للمحكي عن الشيخ في المبسوط، فمنعه لصيرورة الفرع فيه أصلا و بالعكس، و لعدم الفائدة فيه، إذ به يرجع الحق على ما كان، و فيه: أن ذلك لا يصلح للمانعية، على أن الفائدة بالإعسار، و باختلاف الضمان بالحلول و التأجيل متحققة كما تقدم

ج 26، ص: 142

ذلك سابقا و لا يشترط العلم بكمية المال حال الضمان (فلو ضمن ما في ذمته صح على الأشبه) بأصول المذهب من العمومات و غيرها، و الأشهر بل المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه، بل عن كشف الرموز أنه روى الأصحاب جواز ذلك، فلو عملنا بهذا نكون عملنا ب

قول الصادق (عليه السلام)(1)«خذ ما اشتهر بين أصحابك»

و لعله أراد الروايات المطلقة في الضمان، خصوصا ضمان علي بن الحسين عليهما السلام (2)لدين عبد الله بن الحسن، و ضمانه (3)لدين محمد بن أسامة، بل قيل إنهما ظاهران بل صريحان في عدم معلومية الدين، و قدره وقت الضمان.

بل ربما استفيد أيضا من

خبر عطا(4)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: جعلت فداك إن علي دينا إذا ذكرته فسد على ما أنا فيه، فقال: سبحان الله أو ما بلغك أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يقول في خطبته: من ترك ضياعا فعلى ضياعه، و من ترك دينا فعلي دينه، و من ترك مالا فهو لوارثه، و كفالة رسول الله (صلى الله عليه و آله) ميتا ككفالته حيا و كفالته حيا ككفالته ميتا، فقال الرجل نفست عني جعلني الله فداك»

بل و لقوله تعالى (5)«وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ» مضافا إلى

قوله (6)«الزعيم غارم».

و لكن قد يناقش بعدم ثبوت الأخير من طرقنا، بل لعل الثابت منها تكذيبه، و بأن الآية ليست مما نحن فيه، كما أن الخبر ليس من الضمان المصطلح، إلا أنه فيما قدمنا كفاية لإثبات المطلوب، خصوصا مع عدم المعارض إلا دعوى(7)

«نهي النبي (صلى الله عليه و آله) عن الغرر»

و الثابت منه البيع أو مطلق المعاوضة و(8)«الضرر» لاحتمال كون المضمون


1- 1 المستدرك ج 3 ص 185 عن الباقر عليه السلام.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب الدين الحديث- 5.
5- 5 سورة يوسف الآية- 72.
6- 6 المستدرك ج 2 ص 489.
7- 7 الوسائل الباب- 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
8- 8 الوسائل الباب- 17- من أبواب الخيار الحديث 3 و 4.

ج 26، ص: 143

مما لا يحتمله، و هو قد أدخله على نفسه، على أنه يمكن فرضه خاليا عن ذلك، و حينئذ فما

عن الشيخ في مبسوطة و خلافه و القاضي في مهذبه، و ابن إدريس في سرائره من عدم الجواز واضح الضعف، هذا.

و لكن في المسالك و محكي التذكرة و غيرها «أن الصحة فيما إذا كان يمكن العلم به بعد ذلك، كقوله أنا ضامن للدين الذي لك عليه، أما ما لا يمكن فيه العلم كضمنت لك شيئا مما في ذمته فلا يصح قولا واحدا، لصدق الشي ء على القليل و الكثير، و احتمال لزوم أقل ما يتناوله الشي ء كالإقرار يندفع بأنه ليس هو المضمون و إن كان بعض أفراده» و هو جيد إن كان المراد عدم إمكان العلم في الواقع، للإبهام و نحوه كما عساه يومي اليه قوله «يندفع» إلى آخره؟ و إلا كان محلا للنظر، ضرورة أن مقتضى الأدلة التي ذكرناها عدم الفرق بين الجميع، فيصح ضمان ما في الذمة عن ميت أوحي و ان كان لا يمكن العلم به في الظاهر، إلا أنه في الواقع متشخص كما هو واضح.

و على كل حال ف يلزمه مع وقوع الضمان على الوجه المزبور ما تقوم به البينة، أنه كان ثابتا في ذمته وقت الضمان لا ما يتجدد و لا ما يوجد في كتاب مما هو ليس طريقا مثبتا لما في الذمة و لا ما يقر به المضمون عنه بعد الضمان الذي يكون إقرارا في حق الغير، خلافا للمحكي عن أبى الصلاح و أبى المكارم و لعلهما يريدان ما أقر به سابقا قبل الضمان و لا ما يحلف عليه المضمون له برد اليمين الذي هو كالإقرار، أو كالبينة في حق المتخاصمين لا مطلقا، أو أصل برأسه كذلك أيضا، خلافا للمحكي عن المقنعة، فالزمه به، و يمكن أن يريد ما عن النهاية و القاضي من أنه إذا كان الرد برضى الضامن، «قال: فإن حلف أى المضمون له على ما يدعيه و اختار هو ذلك وجب عليه الخروج منه، لصيرورة الخصومة حينئذ معه أيضا، فيكون اليمين حجة في حقه».

و في المسالك «بناء على كون اليمين المردودة كالبينة، يتجه وجوب الأداء عليه، لعدم الفرق فيها بين كون الخصم الضامن، أو المضمون عنه، لأن الحق يثبت بها مطلقا، بخلاف الإقرار» و فيه: أن حكم البينة كذلك، إلا أن الكلام في كونه

ج 26، ص: 144

مثلها في ذلك كما هو واضح، هذا كله إذا ضمن ما في ذمته.

أما لو ضمن ما يشهد به عليه لم يصح، لانه لا يعلم ثبوته في الذمة كما في القواعد و محكي التحرير و الإرشاد و المختلف حكما و تعليلا، و كذا المبسوط و السرائر، بل هو المحكي عن المفيد و التقي، و فسر في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأنه لما علم اشتراط صحة الضمان بثبوت الدين في الذمة حاله، فضمانه حينئذ بالصيغة المزبورة شامل لما إذا كان كذلك، و لما يتجدد فلا يصح، إذ لا يدل على ضمان المتقدم، لان العالم لا يدل على الخاص.

قال: «فعلى هذا لو صرح بقوله ما يشهد عليه أنه كان ثابتا في ذمته وقت الضمان فلا مانع من الصحة، كما لو ضمن ما في ذمته و لزمه ما تقوم به البينة أنه كان ثابتا، و حينئذ فتعليل المصنف لا يخلو من قصور، لاقتضائه أنه لو ضمن بهذه الصورة و ثبت كون المشهود به كان في الذمة وقت الضمان صح، و الحال أن مثل ذلك لا يصح، لعدم وقوع حقيقة الضمان موقعها كما قد عرفت، فلا بد من تنزيل التعليل على عدم العلم بإرادة الثابت من الصيغة».

و فيه: أن المتجه- مع فرض إرادة العموم من الصيغة لاقتضاء لفظ «ما» ذلك- الصحة في الثابت بها وقت الضمان و البطلان في المتجدد لا الفساد في الجميع، مضافا إلى إباء ظاهر جميع العبارات المشتملة على التعليل المزبور ما ذكراه من التفسير المزبور الذي قد اعترفاهما أيضا بذلك، و ان ما ذكراه فيه تنزيل و تخريج.

و لعل الأولى تفسير ذلك بإرادة بيان عدم صحة ضمان ما يثبت بالبينة من حيث كونه كذلك، لأنه حينئذ من ضمان ما لم يجب، ضرورة عدم جعل عنوان الضمان، ما في ذمته و البينة طريق لمعرفته، بل كان العنوان ما يثبت بها، و الفرض وقوعه قبل ثبوته بها.

و من هنا أردف التعليل المزبور في المختلف بقوله: فلا يصح، لأنه ضمان ما لم يجب، و لا ريب في أن مراده أن الثبوت بها قبل حصوله ليس ثبوتا حال الضمان، و إن كان مضمون الشهادة الاشتغال حال الضمان، لكن ثبوت ذلك الذي هو عنوان

ج 26، ص: 145

الضمان إنما هو حال الشهادة المفروض سبق الضمان لها.

و كذا لو جعل عنوان الضمان ما يقر به المضمون عنه، أو ما يحكم به الحاكم أو نحو ذلك مما هو بعد لم يحصل، و حينئذ يتجه هذه العبارات و لا يحتاج إلى التخريج المزبور الذي قد عرفت فساده في نفسه.

و كان السبب الداعي للمصنف و غيره في ذكر الحكم المزبور أولا: هو الفرق بين جعل العنوان للضمان ما في الذمة ثم يتعرف بالبينة، و بين جعله ما يثبت بها، و ثانيا:

التعريض بخلاف الشيخ في المحكي من نهايته حيث قال: «و لو قال: أنا أضمن ما يثبت لك عليه إن لم آت به في وقت كذا، ثم لم يحضره وجب عليه ما قامت به البينة للمضمون عنه، و هو الذي حكاه في محكي المبسوط عن قوم من أصحابنا، و قال: إنى لم أعرف به نصا.

و اعترضه في السرائر بأنه إذا لم يعرف به نصا كيف أورده في نهايته، ثم إنه أساء الأدب، و لكن انتصر الله تعالى له على لسان الفاضل في المختلف، فرد ذلك عليه ثم قال: لا شك في عدم تحصيل هذا الرجل.

و على كل حال فمراد المصنف و غيره، التعريض بما سمعته من النهاية، و لكن المحكي عنها أن ذلك موجود في بعض نسخها، و الا فالأصل «ما ثبت لك عليه» بالفعل و لا شك حينئذ في صحته، ضرورة كونه ضمانا للثابت بها، لا بما يثبت بها، بل يمكن أن يريد الشيخ من نسخة يثبت ضمان ما في الذمة الذي طريق معرفته الثبوت بها، و ان كان خلاف ظاهر العبارة، و قد ظهر لك مما ذكرنا الكلام في جميع أطراف المسألة و الحمد لله رب العالمين.

ج 26، ص: 146

[البحث الثالث في اللواحق و فيه مسائل ]
اشارة

البحث الثالث في اللواحق و فيه مسائل

[المسألة الأولى إذا ضمن عهدة الثمن لزمه دركه ]

الأولى: إذا ضمن ضامن للمشترى بالمعنى الأخص عهدة الثمن التي هي ضمان بالمعنى الأعم، أي الثمن الذي هو في عهدة البائع له لزمه دركه في كل موضع يثبت فيه بطلان البيع من رأس بظهور استحقاق المبيع مع عدم إجازة البيع، أو قبض الثمن أي مع عدم اجازة قبض الثمن و إن أجاز البيع فيه، أو فقد شرط من شروط الصحة أو نحو ذلك، بلا خلاف أجده فيه في الأول، بل في محكي التذكرة و كذا مجمع البرهان نسبته إلى إطباق الناس عليه في جميع الأعصار، و في المسالك «ظاهرهم الإطباق عليه».

كما أن صريح غير واحد عدم الفرق بين الأول و الثاني، بل هو من معقد ما سمعته من المسالك، و عن جامع المقاصد إطباق الناس على ضمان العهدة، و حينئذ إن تم ذلك يكون هذا الفرد بقسميه خارجا عن بحث ضمان الأعيان، و إن كان هو منها.

أما لو تجدد الفسخ بالتقايل أو الخيار أو تلف المبيع قبل القبض، لم يلزم الضامن و رجع المشتري على البائع لما عرفت من اعتبار ثبوت الحق وقت الضمان في صحته، من غير فرق بين ضمان العهدة و غيره، و لا ريب في حصوله مع قبض البائع له في الأول، بخلاف الثاني الذي هو فسخ متجدد، فضمانه به حينئذ من ضمان ما لم يجب، بل ظاهر المسالك ذلك حتى لو قلنا أن التلف قبل القبض موجب للفسخ من الأصل لا من حينه، فإنه بعد أن حكى عن العلامة بناء ما نحن فيه على كون التلف فاسخا من الحين أو الأصل، فيندرج في ضمان العهدة على الثاني دون الأول.

قال: «و فيه نظر، لانه حكم لاحق للضمان، فإن المبيع حالته كان ملكا للمشترى ظاهرا، و في نفس الأمر، فلا يتناول الضمان الثمن، لانه لم يكن لازما للبائع مطلقا، و إنما التلف الطاري كان سببا في حكم الله بعود الملك الى صاحبه من أصله» و إن كان

ج 26، ص: 147

هو كما ترى مرجعه إلى التناقض، ضرورة اقتضائه كون المال في آن واحد ملكا لشخص و ليس ملكا له، بل ملك لآخر، و نظير هذا و إن احتملناه في إجازة الفضولي، إلا أنه قلنا بكونه ملكا لشخص، و بحكم الملك لآخر، فإنه لا يمتنع الوضع من الشارع و التسبب كذلك، و يمكن تنزيل كلام الشهيد على هذا.

و لكن يبقى المطالبة بدليله أولا، و مناف لفرضه ثانيا، إذ من أحكام الملك ضمانه على من في يده، فيتجه كلام العلامة حينئذ، و من ذلك يعلم إرادة المصنف و غيره من ترك التقييد بالقبض ما صرح به الأكثر من التقييد به، ضرورة عدم دخوله في عهدة البائع الذي هو المضمون عنه إلا بقبضه.

اللهم إلا أن يقال بكفاية السبب الذي هو العقد حينه و إن تعقب القبض الضمان نحو ما تسمعه من احتمال الضمان بالفسخ بعيب سابق، و ضمان درك ما يحدث من بناء و غرس لكن ضعف الاحتمال المزبور يبعد حمل الإطلاق المذكور على ذلك، خصوصا من المصنف المصرح بخلاف الاحتمال المزبور في المسألتين و الله العالم.

و كذا لا يدخل في ضمان العهدة لو فسخ المشتري بعيب لا حق للضمان كما لو وقع قبل القبض، أو في الثلاثة قولا واحدا كما في المسالك و غيرها، بل و سابق وفاقا للمشهور، لأن الفسخ به إنما أبطل العقد من حينه لا من أصله، فلم يكن حالة الضمان مضمونا، بل لو صرح بضمانه كان فاسدا، لأنه ضمان ما لم يجب، فما في القواعد و محكي التذكرة من الاشكال فيه- مما عرفت، و من وجود سبب الفسخ حال البيع، بل عن فخر المحققين الجزم بالدخول فيه للحاجة- واضح الضعف، و لعله لذا استقر عدم اندراجه بعد أسطر من الاشكال، بل جزم به بعد ذلك.

أما لو طالب بالأرش رجع على الضامن كما في القواعد و غيرها لان استحقاقه ثابت عند العقد فيتحقق شرط الضمان، بل هو أولى من غيره، لان الأرش جزء من الثمن باق في ذمة المشتري و لكن مع ذلك فيه تردد بل عن التحرير الجزم بالعدم لان الاستحقاق له إنما حصل له بعد العلم بالعيب، و اختيار أخذ الأرش و العيب

ج 26، ص: 148

الموجود حالة العقد لم يقتض تعيين الأرش، بل التخيير بينه و بين الرد، فلم يتعين الأرش إلا باختياره.

و لو قيل- إنه أحد الفردين الثابتين على وجه التخيير، فيكون كأفراد الواجب المخير، حيث يوصف بالوجوب قبل اختياره، فيوصف هذا بالثبوت قبل اختياره- ففي المسالك «لزم مثله في الثمن، لأنه قسيمه في ذلك» و فيه: أن الرد غير الثمن، و إن ترتب عليه استحقاق الثمن الذي لم يجب الا بالفسخ، بخلاف الأرش الثابت بالأصل، لكونه عوض جزء فائت، و إن كان للمشتري ارتفاق آخر، و هو الفسخ و الرجوع الى الثمن، و دعوى- عدم ثبوته إلا مع العلم و المطالبة به حتى أنه لو لم يعلم أو لم يطالب لم تشتغل ذمة البائع بشي ء- مخالفة لظاهر الأدلة، و قد تقدم الكلام في ذلك في محله فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثانية إذا خرج المبيع مستحقا رجع المشتري على الضامن ]

المسألة الثانية قد عرفت انه إذا خرج المبيع جميعه مستحقا رجع المشتري على الضامن، أما لو خرج بعضه مستحقا رجع على الضامن بما قابل المستحق بلا خلاف و لا إشكال و كان في الباقي بالخيار لتبعض الصفقة فإن فسخ رجع بما قابله على البائع خاصة وفاقا للمشهور لعدم اندراجه في ضمان الضامن بل لا يصح ضمانه له لو صرح به، لانه من ضمان ما لم يجب، خلافا للمحكي عن الشيخ فجوز الرجوع على الضامن بالجميع، لوجود سبب الاستحقاق حال العقد كالعيب، و فيه: أن ذلك لا يقتضي دخوله في عهدة البائع له حتى يصح ضمانه عنه كما عرفت الحال في المشبه به فضلا عن المشبه و هو واضح.

[المسألة الثالثة إذا ضمن ضامن للمشترى درك ما يحدثه من بناء أو غرس لم يصح ]

المسألة الثالثة: إذا ضمن ضامن للمشترى درك ما يحدثه من بناء أو غرس مثلا في الأرض المشتراة لو خرجت مستحقة و قلع المالك بناءه و غرسه، أي تفاوت ما بين قيمته ثابتا و مقلوعا لم يصح لانه ضمان ما لم يجب حال الضمان ضرورة عدم استحقاقه ذلك على البائع قبل البناء و الغرس، بل و لا بعده، و إنما يستحقه عليه بعد القلع، نعم سبب ذلك و هو استحقاق الأرض موجود حال الضمان لكن قد عرفت

ج 26، ص: 149

أن الأصح عدم الاكتفاء بذلك، خلافا للشهيد في اللمعة فجوزه لذلك و للحاجة إليه و كأنه مال اليه أو قال به في الروضة.

بل قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و الفاضل و ولده و ثاني المحققين و الشهيدين و كذا لا يجوز لو ضمنه البائع له فضلا عن الأجنبي لأن ثبوت ذلك عليه بحكم الشرع لو وقع، لا يقتضي صحة عقد الضمان المشروط بتحقق الحق حال الضمان، لكن في القواعد إشكال، و عن التذكرة أنه قرب الصحة، و قال: «نمنع كون المضمون عنه غير واجب».

و في المتن الوجه الجواز لانه لازم بنفس العقد إلا أنه نظر فيه في المسالك بأنه لا يلزم من ضمانه لكونه بائعا مسلطا له على الانتفاع مجانا، ضمانه بعقد الضمان مع عدم اجتماع شرائطه التي من جملتها كونه ثابتا حال الضمان، فعدم الصحة أقوى، و قد تبع بذلك المحقق الثاني، حيث أنه أنكر على اشكال الفاضل في القواعد، بأنه إن كان في ثبوت ذلك على البائع، فلا وجه له، لان ذلك واجب، و إن كان في اقتضاء هذا الضمان ثبوته أيضا ليكون مؤكدا فلا وجه له، أيضا لأنه ضمان ما لم يجب بعد.

و إلى هذا أشار في المسالك بقوله «فالخلاف ليس في ثبوت ذلك على البائع أم لا، فإنه ثابت بغير اشكال، بل في ثبوته بسبب الضمان، و تظهر الفائدة فيما لو أسقط المشتري عنه حق الرجوع بسبب البيع، يبقى له الرجوع عليه بسبب الضمان لو قلنا بصحته، كما لو كان له خياران فأسقط أحدهما، فإنه يفسخ بالخيار الآخر إن شاء، و فيما لو كان قد شرط على البائع ضمانا بوجه صحيح، فإن صححنا هذا كفى في الوفاء بالشرط، و ان لم يحصل للمشترى نفع جديد، فقد ظهر ان هذا الضمان قد يفيد فائدة أخرى غير التأكيد لو قلنا بصحته، و به يظهر ضعف تعليل جوازه بكونه ثابتا، ضمن أم لم يضمن، لان هذه الفوائد الأخر لم تكن ثابتة لو لم يضمن».

قلت: يمكن ارادة المصنف بما ذكره من أن الوجه الجواز، اشتراط ضمان

ج 26، ص: 150

ذلك على البائع في عقد البيع، تعريضا بما وقع في محكي المبسوط الذي أشار إليه المصنف بلفظ القليل، من أنه إن شرطا ذلك في نفس البيع بطل البيع، بل قد عثرنا على نسختين من الشرائع «و قيل و كذا لو ضمنه البائع، و لو شرطه في نفس العقد» و الوجه حينئذ فيما ذكره المصنف واضح، لان المشروط لازم للبائع بنفس العقد، فلا مانع من اشتراطه ليترتب عليه ما ذكره في المسالك من الفائدة الاولى، و لا تقدح جهالته بعد ان كان لازما له، نحو ما قيل في اشتراط خيار المجلس، و إن كان لا يخلو من بحث عندنا.

و على كل حال فالمراد ذلك، لا الضمان المصطلح، إذ هو غير معقول، ضرورة أنه لا وجه لان يضمن الإنسان عن نفسه، فمن الغريب اشتباه هؤلاء الأفاضل في ذلك، و كيف كان فهذا كله في ضمان عهدة الثمن للمشترى عن البائع.

و أما العكس و هو ضمان عهدة الثمن للبائع عن المشتري فلا إشكال فيه، إذا كان دينا، بمعنى نقل ما في ذمة المشتري اليه، و كذا ضمانه لو خرج مستحقا، فيما إذا كان الثمن كليا في ذمة المشتري الذي مرجعه إلى الأول أيضا أو إلى أرشه إن كان معيبا كما إذا كان شخصيا فإن ضمان عهدته عن المشتري حينئذ ذلك، و ليس هو من ضمان الأعيان كما أشرنا إليه سابقا، بل هو ضمان ما في الذمة فتأمل جيدا و كذا ضمان نقصان الصنجة التي يزن بها الثمن أو المثمن للبائع أو المشتري كما صرح به غير واحد، لكنه لا يندرج في إطلاق ضمان العهدة، و مثله ضمان رداءة الجنس فيهما أيضا.

[المسألة الرابعة إذا كان له على رجلين مثلا مال فضمن كل واحد منهما ما على صاحبه تحول ما كان على كل واحد منهما إلى صاحبه ]

المسألة الرابعة إذا كان له على رجلين مثلا مال فضمن كل واحد منهما ما على صاحبه باذنه دفعة واحدة، و رضي المضمون له بذلك، و تساوى المالان من جميع الوجوه تحول ما كان على كل واحد منهما إلى صاحبه بلا خلاف و لا إشكال، لاجتماع شرائط صحة الضمان في كل منهما، و كان فائدة هذا الضمان صيرورة كل واحد منهما بضمانه فرعا، و بمضمونيته أصلا، فيتعاكسان، و افتكاك الرهن إن كان عليهما، أو على أحدهما لأن الضمان أداء، و غير ذلك، كما أن فائدته مع اختلاف

ج 26، ص: 151

الذين قلة و كثرة، و حلولا و تأجيلا، و الضمان كذلك واضحة، بل في الفرض لو شرط أحدهما الضمان في مال بعينه، و قلنا بصحته و حجر عليه لفلس قبل الأداء أخذ المضمون له حقه من المال مقدما على الغرماء، لسبق تعلق حقه، إلا أن المفلس قد استحق على المضمون عنه، مع فرض كون الضمان باذنه، و يتعلق به حينئذ حق الغرماء، فإذا كان قد أدى الأخر عنه قبل الحجر عليه، ضرب مع الغرماء و لا يتساقط معه، لتعلق حق الغير بما عليه، بل يكون له حصته و يبقى الباقي في ذمة المفلس كما هو واضح.

و لو قبل المضمون له ضمان أحدهما دون الأخر كان الجميع عليه، فإن دفع النصف مثلا انصرف إلى ما قصد، و يقبل قوله مع اليمين، فإن أطلق قسط في وجه قوي، تقدم نظيره في الرهن، و يحتمل صرفه إلى من شاء بعد ذلك، أو القرعة.

نعم لو أبرء تعين ما قصده، فإن أطلق فالتقسيط مع احتمال القرعة أيضا بناء على أنها للأعم من المشتبه موضوعا في الواقع، و لو ادعى الأصيل قصده في الإبراء ففي القواعد في توجه اليمين عليه أى المضمون له أو على الضامن اشكال، من عدم توجه اليمين لحق الغير، و خفاء القصد.

و عن المحقق الثاني أنه استوجه القرعة، و لعل الظاهر أن الدعوى بين الضامن و المضمون عنه، دون المضمون له، و حينئذ فإن صدقه المضمون له، كان القول قوله، كما أن القول قول الضامن إن صدقه، و إن لم يمكن الرجوع اليه لموت و نحوه فقد يقوى القرعة حينئذ، بعد اتفاقهما على أنه قد قصد مخصوصا، و قلنا بعدم شغل ذمة المضمون عنه إلا بالأداء، لعدم أصل يرجع إليه حينئذ، أما مع عدم العلم فالحمل على الإطلاق متجه، و لو ادعى أحدهما على الأخر العلم كان له اليمين على نفيه و الله العالم.

و لو قضى أحدهما ما ضمنه عن صاحبه برء من ضمانه و بقي على الأخر ما ضمنه عنه و كذا لو أبرأ الغريم أحدهما برء هو مما ضمنه

ج 26، ص: 152

دون ما ضمنه شريكه بل قد يقال: بعدم الرجوع له عليه، و إن أدى سابقا، بل و ان لم يؤد الآخر، بأن أبرأه الغريم مما عليه مثلا، لحصول التهاتر بينهما قهرا بمجرد ضمان كل منهما باذن الأخر، لكنه كما ترى بعيد عن مذاق الفقه، و يمكن أن يقال: انه و إن قلنا باشتغال ذمة المضمون عنه للضامن إذا كان قد أذن له في ضمان و إن لم يجز له الرجوع عليه حتى يؤدى، إلا أن الظاهر كون ذلك على جهة المراعاة فإن لم يؤد لإبراء و نحوه ينكشف عدم اشتغالها، و إن أدى تبين اشتغالها، فلا تهاتر حينئذ في الفرض، و كذا لو قلنا بكون السبب لاشتغالها العقد المأذون فيه مع الأداء فتأمل جيدا. فإن المسألة غير محررة في كلامهم، و سيأتي عن قريب بعض الكلام فيها إنشاء الله، هذا كله في ضمان كل منهما على الأخر.

أما لو ضمن اثنان عن واحد، فإن كان على التعاقب فالضامن من رضي المضمون له بضمانه بل لو أطلق الرضا بهما كان الضامن هو السابق، و إن كان ضمانهما دفعة، فالضامن من رضي به منهما، و إن رضى بهما كذلك، ففي الصحة- مع التقسيط بالنصف في الفرض و الثلث إن كانوا ثلاثة و هكذا، أو الصحة مع التخيير و مطالبة من شاء منهما، و مطالبتهما معا كما عن ابن حمزة في الوسيلة و سماه بضمان الانفراد، و عكسه و هو ضمان الواحد عن جماعة ضمان الاشتراك، بل قيل: إنهم جزموا به في باب الديات فيما إذا قال: الق متاعك، و على كل واحد منا ضمانه، بل عن الفاضل في درسه توجيهه بوقوع مثله في العبادات كالواجب على الكفاية، و في الأموال كالايدى المتعاقبة على المغصوب، أو بطلان الضمان من أصله كما عن المختلف و جامع المقاصد- أقوال.

و من هنا قال في القواعد: إشكال، و لكن لا يخفى على من أحاط خبرا بنظائر المسألة قوة الأخير منها، و ما ذكره الفاضل من وجود النظير لو سلم أنه مثله لا يصلح دليلا للمسألة، مع أنه قد تقدم منا في المباحث السابقة ما يستفاد منه وضوح الفرق بين ذلك و بين الأيدي المتعاقبة و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا رضي المضمون له من الضامن ببعض المال أو أبرأه من بعضه لم يرجع على المضمون عنه ]

المسألة الخامسة: إذا رضي المضمون له من الضامن ببعض المال، أو أبرأه من بعضه

ج 26، ص: 153

لم يرجع على المضمون عنه المفروض إذنه بالضمان إلا بما أداه لما عرفت سابقا من أنه ليس له إلا ذلك نصا و فتوى، بل هو مشروط بما إذا لم يزد عن الحق، و إلا رجع بالحق خاصة، فالضابط حينئذ الرجوع بأقل الأمرين مما أداه و من الحق في كل موضع له الرجوع، و كأن المصنف أشار بما ذكره إلى خلاف بعض العامة الذي جوز الرجوع مع الإبراء عن الكل أو البعض، لأنه هبة له خاصة من رب الدين، و هو باطل عندنا، لما عرفت نعم لو قبض منه الجميع ثم وهبه بعضه أو جميعه جاز له الرجوع لصدق الأداء، بل لعله كذلك إذا احتسبه من حق زكاة عليه مثلا و لو دفع عوضا عن مال الضمان رجع بأقل الأمرين من القيمة و الدين، من غير فرق بين أن يكون قد رضي المضمون له به عنه بغير عقد، و بين ما لو صالحه عنه بالدين.

نعم لو صالحه عليه بما يتساوى الدين في ذمته و قاصه به اتجه رجوعه به، لثبوتها له في ذمته و أدائها عن الدين مع احتمال الرجوع بالقيمة خاصة، لأن وضع الضمان على الارتفاق، و لعله لذا توقف فيه الفاضل في المحكي من التذكرة و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا ضمن عنه دينارا باذنه فدفعه إلى الضامن فقد قضى ما عليه ]

المسألة السادسة: إذا ضمن عنه دينارا مثلا باذنه فدفعه المضمون عنه الى الضامن فقد قضى ما عليه بناء على اشتغال ذمته له بضمانه عنه المأذون حصوله باذنه، فيقتضي شغل ذمة المضمون عنه فيصح حينئذ الدفع له، وفاء كما يصح للضامن إبراء ذمة المضمون عنه، قبل الأداء و هذا كله لا ينافي عدم استحقاق المطالبة له إلا بالأداء، للدليل.

نعم قد يقال: إن الدفع وفاء مثلا و كذا الإبراء مراعى بحصول الأداء منه، فإن حصل استقر ذلك و إلا انفسخ، و رجع المال إلى المضمون عنه، أو يقال إن ذلك على الكشف بمعنى أنه بحصول الأداء ينكشف وقوعه في محله، و إلا انكشف عدم شغل ذمته من الأصل.

ج 26، ص: 154

لكن ذلك و نحوه لا نرى أحدا مصرحا به من الأصحاب، بل في المسالك و المحكي من غيرها ما يقتضي خلافه، و أنه لا تشتغل ذمة المضمون عنه، إلا حين أداء الضامن و لعله للأصل مع عدم ثبوت كون الضمان أداء بالنسبة إلى ذلك، و إن كان هو كالأداء بالنسبة إلى براءة ذمة المضمون عنه، فلا سبب حينئذ لشغل ذمة المضمون عنه إلا الأداء المأذون فيه بالاذن بالضمان، لقاعدة احترام مال المسلم، و حينئذ فالنصوص (1)الدالة على عدم الرجوع الا به، و إلا بمقدار ما أدى كاشفة عن ذلك، لا أنها مخصصة لقاعدة تسلط من له الدين على من عليه، و لا أنها مفيدة لاحكام آخر يصعب التزامها، و لعل هذا هو الأقوى، و حينئذ لا يكون ما يدفعه المضمون عنه قضاء بل هو مدفوع ليكون وفاء له إذا أدى.

بل في المسالك «لا يبعد كونه مضمونا عليه، لقاعدة على اليد، و كونه كالمقبوض بالسوم»، و استشكل فيه في التذكرة بعد أن حكم به. نعم لو قال المضمون عنه للضامن:

اقض به ما ضمنت عني، فهو وكيل و المال في يده أمانة، و الفرق بينه و بين ما سبق واضح، لأنه دفعه- في السابق- إليه إما مطلقا، أو أنه الحق المضمون، و على التقديرين ليس مستحقا عليه للضامن، بخلاف

قوله اقض به ما ضمنت، فإنه وكالة في قبضه و دفعه.

قلت: قد يقال: إن مرجع الأول إلى الأمانة أيضا، ضرورة عدم كونه وفاء فعلا قبل الاشتغال، فليس هو إلا على ملك المضمون عنه، بل لا بد من التزام التوكيل للضامن في قبضه وفاء بعد الأداء، فلا ضمان حينئذ، و القياس على المقبوض بالسوم ليس من مذهبنا، و قاعدة على اليد مخصصة بالأمانة، و لعله استشكل فيه في التذكرة، و هو في محله، نعم لو دفعه له بعنوان القرض له مقدمة لحصول التهاتر بعد الأداء أمكن، لكنه غير المفروض.

و كيف كان ف لو قال أي الضامن على ما في المسالك للمضمون عنه ادفعه أنت إلى المضمون له، فدفعه فقد برئا أما الضامن فلوفاء دينه، و أما المضمون عنه فلأن الضامن لم يغرم، فلا يرجع عليه، و يمكن اعتبار التقاص القهري


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الضمان.

ج 26، ص: 155

لثبوت ما دفعه المديون في ذمة الضامن، لانه المديون و قد أذن في وفائه، و ثبوت مثله في ذمة المضمون عنه لأدائه، فيتقاصان.

و فيه: أن أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون عنه باذن الضامن لا يقتضي اشتغال ذمة الضامن بمثله، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضا عليه مع عدم قصده، و عدم توقف وفاء الدين على كونه مملوكا للمديون كما أنه لا يستحق رجوعا على المضمون عنه، لعدم حصول الأداء منه فلا تقاص حينئذ، لعدم ثبوت المالين في ذمة كل منهما فتأمل، و لو فسرت العبارة بإرجاع ضمير قال إلى المضمون عنه، أي قال للضامن ادفعه إلى المضمون له، فقد برئا معا كان ممكنا، و الوجه فيه حينئذ واضح لما عرفت.

و يكون هذا كما لو دفع المضمون عنه إلى المضمون له بغير اذن الضامن فإنه لا إشكال و لا خلاف في أنه إذا كان كذلك برء الضامن و المضمون عنه بلا رجوع من الضامن على المضمون عنه لعدم الأداء منه عنه، كما هو واضح، و لو تبرع متبرع بالضمان، ثم سأل آخر الضمان عنه فضمن و أدى رجع عليه دون الأصل، و لو أنكر المضمون عنه الإذن في الضمان، أو أنكر الدين كان القول قوله، و لو أنكر الضامن الضمان فاستوفى الحق منه بالبينة، لم يرجع على المضمون عنه، إذا كان قد أنكر أصل الدين، أو أصل الإذن بالأداء عنه في ضمن الضمان و غيره، ضرورة علمه بفراغ ذمة المضمون عنه، و عدم استحقاق الرجوع عليه، و أنه قد أخذ منه ظلما بالبينة لمخطئة.

نعم لو لم ينكر أصل الدين و لا أصل الإذن بالأداء عنه، و لا المضمون عنه أصل لإذن له أو ثبت ذلك بحجة شرعية كان له الرجوع على المضمون عنه مقاصة ظاهرا عدم منافاة إنكار الضمان لذلك، ضرورة كونه أخص من استحقاق الرجوع الذي يمكن أن يكون بالإذن بالأداء من دون ضمان، فله المطالبة حينئذ، بأن يقول إني أديت عنك دينك على وجه أستحق به الرجوع عليك، و يقيم البينة على الإذن إن كانت، و إن كان وجه الاستحقاق هو الضمان بالإذن، لأن التوصل إلى الحق بطريق

ج 26، ص: 156

لا يكون مشتملا على محذور جائز.

و الظاهر أنه يسوغ للبينة الشهادة بالإذن من دون تعيين الضمان الذي أنكره حتى لو طلب المضمون عنه التقييد بواحد منهما لم يلزم، و على كل حال فله الرجوع ظاهرا، نعم له المقاصة باطنا إذا كان كاذبا في إنكاره الضمان بالإذن، إلا أن يعترف له المضمون عنه بذلك، و لو أذن له بأداء دينه من دون ضمان فادعاه المأذون، و أنكره الأذن كان القول قول المأذون، لأنه وكيله و أمينه، من غير فرق بين تصديق المستحق و عدمه.

نعم لو قيد الاذن إذنه بالإشهاد فتركه المأذون لم يكن له الرجوع عليه، و لو أن صدقه المستحق، إذ يمكن أن يكون تصديقه معاطاة، و ليس الغرض سقوط المطالبة الحاصل بذلك، بل براءة الذمة في الواقع، و لم يحصل ما يدل عليها، اللهم إلا أن يجعل إقراره بذلك طريقا لها أيضا، على أن الفرض التقييد بالإشهاد و لم يحصل.

نعم لو لم يقيد بذلك و أطلق الإذن أمكن الاكتفاء بإقراره، و إن قلنا بتقصيره بترك الاشهاد على وجه لا يستحق الرجوع معه، إلا أن من المعلوم كون ذلك لإرادة سقوط المطالبة و البراءة، و الفرض حصولهما بالإقرار، و كذا لو كان الدفع بحضور الأصيل.

و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك مواقع النظر فيما ذكره الفاضل في القواعد، بل قد يظهر من بعض كلماته فرض المسألة في الضمان، و من المعلوم عدم جريان جملة من الفروع فيه، و لذا فرضناها في المأذون بالأداء بدونه، و قد عرفت الكلام سابقا في الضمان فلاحظ و تأمل، و قد تقدم لنا سابقا و يأتي في باب الوكالة و غيرها ما يستفاد منه أيضا وجه النظر في جملة من ذلك فلاحظ و تأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا ضمن باذن المضمون عنه ثم دفع ما ضمن و أنكر المضمون له القبض كان القول قوله مع يمينه ]

المسألة السابعة: إذا ضمن باذن المضمون عنه، ثم دفع ما ضمن، و أنكر المضمون له القبض، كان القول قوله مع يمينه لأصالة عدم القبض، و في المسالك «و حينئذ فلا يرجع الضامن على المضمون عنه بشي ء، لعدم تحقق غرمه المشروط

ج 26، ص: 157

به استحقاق الرجوع» قلت: و هو كذلك و ان توجهت المخاصمة بينهما و يتوجه له اليمين عليه، و لو رد المضمون له اليمين على الضامن في الأول، فحلف ففي استحقاق الرجوع على المضمون عنه بذلك و عدمه وجهان، أقواهما العدم، بل و كذا في استحقاقه بتصادق الضامن و المضمون له.

و على كل حال ف في مفروض المتن ان شهد المضمون عنه للضامن، قبلت شهادته و إن كان الضمان بالإذن، لأنه حينئذ شهادة على نفسه باستحقاق الرجوع، و شهادة على غيره. نعم هي مقبولة كغيرها من الشهادات مع انتفاء التهمة، و اليه يرجع ما عن الفخر من أن شهادة المضمون عنه للضمان ترد إجماعا، و نوقش بالاكتفاء في ذلك باعتراف الضامن بالأداء إن أثرت في البراءة، فكالضمان على التأمل عندهم، و فرضت التهمة فيما إذا كان أداء الضامن بالصلح أو بأقل من الحق بالضمان، و بإعسار الضامن مع عدم علم المضمون له، و بتجدد الحجر عليه لفلس، و كان للمضمون عنه عليه دين و بغير ذلك، مما يمكن فرضه، إذ الفرض أنها شهادة مقبولة في نفسها، إلا إذا اقترنت بما يمنعها من جر نفع، أو خصومة أو غير ذلك، لا أنها مردودة في نفسها لكونها مما يجر نفعا باعتبار كون الدين دينه، لأنه بالضمان قد برء عندنا، و صار كالأجنبي بالنسبة إلى ذلك، هذا كله على مذهبنا من القول ب اقتضاء الضمان انتقال المال.

اما على مذهب مخالفينا من كونه ضم ذمة إلى أخرى فلا إشكال في عدم قبول شهادته كما هو واضح و لو لم يكن المضمون مقبولا لجر نفع أو فسق أو خصومة أو غير ذلك فحلف المضمون له كان له مطالبة الضامن مرة ثانية على زعم الضامن.

و لكن يرجع الضامن على المضمون عنه بما أداه أولا (11) على الوجه الذي عرفته سابقا لا الأخير الذي هو ظالم بزعمهما فيه و لو لم يشهد المضمون عنه (12) اى لم يصدق الضامن بدعواه رجع الضامن (13) عليه بما أداه أخيرا (14) لعدم

ج 26، ص: 158

ثبوت أداء سواه.

نعم الظاهر توجه الخصومة بينهما كما أشرنا إليه سابقا، كما أن الظاهر تقييد ذلك بما إذا لم يزد المدفوع أخيرا على الأول و لا على الحق، و إلا رجع بالأقل من الثلاثة، لأنه إن كان هو ما غرمه أولا فلاعترافه بعدم استحقاق ما سواه، و إن كان ما دفعه أخيرا فلما عرفت من عدم ثبوت غيره، و ان كان هو الحق فلما عرفت من ان الرجوع انما هو في الأقل منه و المدفوع، و لذا قال في بعض نسخ المتن و لو قيل يرجع بأقل الأمرين مما أداه أولا و أخيرا كان حسنا و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا ضمن المريض تبرعا في مرضه و مات فيه خرج ما ضمنه من ثلث تركته على الأصح ]

المسألة الثامنة: إذا ضمن المريض تبرعا في مرضه و مات فيه خرج ما ضمنه من ثلث تركته على الأصح من كون المنجزات منه لا من الأصل، إذ لا إشكال في كون الفرض منها. نعم لو ضمن بسؤال ففي المسالك «هو كما لو باع بثمن المثل نسيئة، فالوجه حينئذ أنه متى أمكن الرجوع على المضمون عنه فهو من الأصل و إن لم يمكن لإعساره و نحوه فهو من الثلث، و لو أمكن الرجوع بالبعض فهو كبيع المحاباة يتوقف ما يفوت منه على الثلث» و لكن لا يخلو من نظر ضرورة كونه كالقرض و نحوه لعدم التبرع فيه بشي ء.

[المسألة التاسعة إذا كان الدين مؤجلا فضمنه حالا لم يصح ]

المسألة التاسعة: إذا كان الدين مؤجلا فضمنه حالا باذن المضمون عنه في ذلك و عدمه ففي المحكي عن المبسوط لم يصح، و كذا لو كان إلى شهرين فضمنه إلى شهر لان الفرع لا يرجح على الأصل و وافقه على ذلك فخر الإسلام و الكركي، بل عن المختلف أنه استحسنه، بل قد عرفت أن الاولى مقتضى ظاهر من اعتبر الأجل في الضمان، و إن كان ذلك حيثية أخرى غير ما نحن فيها، و لذا منع منها هنا من لم يعتبر الأجل فيه.

و لكن مع ذلك كله فيه تردد بل منع لما سمعته سابقا من عدم الدليل على اشتراط الأجل فيه، بل ظاهر الأدلة خلافه، كما أنه لم يثبت مانعية زيادة الفرع على الأصل، و دعوى اعتبار مشروعية الضمان على المساواة ممنوعة، كدعوى

ج 26، ص: 159

أن ذلك من ضمان ما لم يجب، باعتبار أن الحلول زيادة في الحق، و كذا نقصان الأجل و لذا تختلف الأثمان باختلافه، ضرورة أن المضمون المال، و الأجل إنما هو من التوابع و من الحقوق للمديون التي يجوز له التبرع بإسقاطها، و في وجه إن كان مع اذنه في الضمان دون الحلول، لم يستحق الرجوع عليه، إلا للأجل، كما عرفته سابقا و كذا دعوى اعتبار الإرفاق في الضمان، إذ لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، على أنه مع التبرع لا ينافي الإرفاق، كما أنه لا يختص الإرفاق بهذه الجهة، و قد أشرنا إلى ذلك سابقا و الله العالم.

ج 26، ص: 160

[القسم الثاني في الحوالة]

اشارة

القسم الثاني في الحوالة بفتح الحاء كسحابة، و هي مشروعة بالنص و إجماع الأمة، كما عن المبسوط و ليست بيعا، و لا محمولة عليه عند علمائنا أجمع في محكي التذكرة.

و الكلام فيها يكون في العقد، و في شروطه و أحكامه

[أما الأول في العقد]

أما الأول: فالحوالة المتفق على صحتها عقد شرع لتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله و لو باعتبار انتقال مثله إلى المحال عليه، كما ستعرف تحقيق الحال في ذلك، فلا ينتقض بالحوالة على البري ء، و إن كان الأصح عند المصنف على ما ستسمع صحتها إلا أن فيها خلافا، و قد حاول الفاضل إدخالها بحذف قيد الشغل، لكنه ينتقض بالضمان.

و الأمر في ذلك كله سهل بعد أن ذكرنا غير مرة أن المراد بها التمييز في الجملة، فهي أشبه شي ء بالتعاريف اللغوية كسهولة الأمر في أنها عقد، أو الأثر الحاصل منه، بعد ما عرفت تحقيق الحال في ذلك في البيع، و في أن ألفاظ العقد مخصوصة، أو يحصل بكل ما دل عليه منها، إذا كان على طريق العرف و اللغة بعد أن تقدم منا تمام الكلام أيضا في ذلك، بل و في حكم المعاطاة التي قد تقدم أيضا منا تمام الكلام فيها.

[أما الثاني في شروطه ]

و كيف كان ف يشترط فيها رضى المحيل و المحال عليه و المحتال بلا خلاف أجده في الأول و الأخير، بل الإجماع بقسميه عليها، بل المحكي منهما مستفيض، أو متواتر، و هو الحجة، مضافا إلى أصول المذهب و قواعده، لكن في المسالك و محكي التذكرة و غيرها أنه يستثنى من اعتبار رضى المحيل ما لو تبرع المحال عليه بالوفاء فإنه لا يعتبر رضى المحيل قطعا، لانه كوفاء دينه و ضمانه بغير اذنه، و العبارة عنه حينئذ أن يقول المحال عليه للمحتال: أحلت بالدين الذي لك على فلان على نفسي، فيقبل.

و زاد في المسالك «فيشترط هنا رضى المحتال و المحال عليه، و يقومان بركن العقد، بخلاف رضى المحال عليه فيما تقدم لقيام العقد بغيره» و فيه: إمكان منع صحة

ج 26، ص: 161

هذه الحوالة، لعدم إطلاق في نصوص المقام يتناولها، و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(1)» انما يراد منه العقود المتعارفة، أي البيع و الصلح و الحوالة و نحوها، فلا شمول فيه للمشكوك فيه من أفرادها بعد فرض عدم إطلاق فيها يتناولها، بل محكي الإجماع مستفيضا على اعتبار رضى المحيل يشهد بخلاف ذلك، كما أن

اتفاقهم- على أن المحيل و المحتال من أركان عقد الحوالة، و أن بالإيجاب من الأول، و القبول من الثاني يتم العقد- يشهد بخلافه أيضا، ضرورة عدم اختلاف أركانها، و دعوى قيام المحال عليه مقام ذلك مصادرة محضة، مخالفة لما عرفت، فالأولى عدم الاستثناء المزبور، هذا كله في الأول و الأخير.

و أما اعتبار الرضا في الثاني فهو المشهور بل عن الأردبيلي أنه لم يظهر فيه خلاف، بل في محكي التذكرة نسبته إلى أصحابنا، و المختلف إلى علمائنا، بل عن الشيخ دعوى الإجماع، و ان كنا لم نتحققه، و إنما المحكي عن المبسوط و الخلاف ما عن الغنية و السرائر من الإجماع على صحة الحوالة مع رضاه، بخلاف حال عدمه، و هو كما ترى ليس إجماعا في المقام، بل مشعر بوجود الخلاف، إلا أن الظاهر ارادته، و لو من العامة.

نعم هو محكي عن التقي، بل لعله ظاهر المحكي عن المقنعة و النهاية، بل عن الفاضل في المختلف الميل اليه، بل هو خيرة المقتصر و التنقيح، و إيضاح النافع، و المسالك و الروضة على ما حكي عن بعضها، بل في الثاني إن اعتبرنا شغل الذمة و الحوالة بمثل ما عليه، فلا يشترط رضاه قطعا، و إن لم يشترط الشغل أو كانت الحوالة بالمخالف فلا بد من رضاه قطعا، و إن كان قد يمنع القطع فيما ذكره أخيرا نعم هو كذلك في سابقه أي الحوالة على البري ء بناء على صحتها كما اعترف به غير واحد من الأفاضل فالبحث حينئذ في مشغول الذمة و لو بغير المثل كما ستعرف.

و على كل حال فليس للمشهور بعد الإجماع المحكي الذي لم نتحققه، بل المضمون توهمه مما عرفت، سوى أصالة بقاء الحق في ذمة المحيل المقطوعة بعموم «أَوْفُوا» و بإطلاقات الحوالة، إذ لا ريب في عدم اعتبار رضاه في مفهومه المتحقق بالإيجاب من


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 162

المحيل، و القبول من المحتال.

و من هنا قيل مع فرض اعتباره لا فرق بين مقارنته، و لحوقه، بل و سبقه، إذ ليس هو من أركان العقد المعتبر فيه اتصال قبوله بإيجابه، و كونه باللفظ العربي و نحو ذلك، بل لا يبعد كونه كاشفا مع فرض تأخره على نحو الرضا في عقد الفضولي، إلا أنه لم أجد مصرحا به، كما أني لم أجد القول باحتمال اعتباره على وجه القبول، بان يكون هذا العقد مركبا من إيجاب، و قبولين، و إن كان هو مقتضى ما تسمعه من دليلهم أيضا، و سوى اختلاف الناس في سهولة القضاء و الاقتضاء المعلوم عدم رجوعه الى حاصل، ضرورة «تسلط الناس على أموالها» و لذا جازت الوكالة على استيفائه، و نقله إلى الغير ببيع و صلح و نحوهما، و سوى دعوى اقتضاء الحوالة النقل، كما هو مقتضى ما سمعت من تعريفها بل في محكي التذكرة الحوالة تقتضي نقل الحق من ذمة المحيل إلى المحال عليه عند علمائنا أجمع، و كذا عن الخلاف و المبسوط و الغنية و السرائر، و أنه لذلك سميت حوالة، و لا ريب في توقف الانتقال إلى ذمة الغير على رضاه التي يمكن منعها بالمعنى المزبور، و أنها إنما تقتضي الوفاء بما له في ذمة الغير عما في ذمته، خصوصا بعد كون المتعارف في القصد بالتحويل ذلك، لا انتقال ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه عوضا عما له في ذمته، و لا وجه لاقتضائها ذلك، مع فرض عدم قصده.

نعم هو كذلك في الحوالة على البري ء التي هي كالضمان بخلاف الفرض الذي هو كالوفاء، بل يمكن ارادة كونها ناقلة بمعنى اقتضائها نقل ما في ذمة المحال عليه إلى ملك المحتال عوضا عما له في ذمة المحيل.

و من هنا تخيل بعض العامة أنها بيع أو معاوضة، بل يمكن إرادتهم في التعريف المزبور و غيره ذلك أيضا، على معنى اقتضائها انتقال مساوي حق المحتال في ذمة شخص آخر غير المحيل اليه، بل قد يقال توسعا: اقتضت نقل المال من ذمة إلى ذمة أخرى بالاعتبار المزبور.

و بالجملة فالمسلم و المتعارف في قصد المتعاقدين ذلك، و هو لا يتوقف على الرضا، إذ هو حينئذ كنقله بغير التحويل من البيع و نحوه، و أما غيره فلا دليل عليه بعد ان لم

ج 26، ص: 163

يكن من مقصود المتعاقدين، بل لا يبعد البطلان مع فرض قصده، و حينئذ فالقول بعدم اعتبار رضاه لا يخلو من قوة، و إن كان الأحوط خلافه، خصوصا بعد ما عرفت من الشهرة العظيمة.

و كيف كان ف مع تحققها جامعة للشرائط يتحول المال إلى ذمة المحال عليه و لو باعتبار انتقال عوضه الذي هو في ذمة المحال عليه اليه، بل لعل المراد أنه يتحول المال اي يتبدل بما في ذمة المحال عليه خصوصا بعد العلم بأن استفاضة هذه العبارة حتى حكى عليها الإجماع غير واحد، بل صدرت ممن قد صرح بعدم اقتضاء الحوالة النقل بالمعنى السابق، كالمحقق الثاني و الشهيد الثاني انما هو في مقابلة المحكي عن زفر من العامة، حيث قال بعدم تحول الحق عن ذمة المحيل، و جعلها كالضمان عندهم.

و على كل حال يبرء المحيل و ان لم يبرأه المحتال على الأظهر الأشهر بل المشهور، لظهور عدم الرجوع

في خبر أبي أيوب (1)«سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحيل الرجل بالمال، أ يرجع عليه قال: لا يرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك»

- في البراءة المزبورة ك

خبر منصور بن حازم (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يحيل على الرجل بالدراهم أ يرجع عليه؟ قال: لا يرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك»

و خبر عقبة(3)عن أبى الحسن (عليه السلام) «سألته عن الرجل يحيل الرجل بالمال على الصيرفي، ثم يتغير حال الصيرفي، أ يرجع على صاحبه إذا احتال و رضي؟ قال: لا»

بل ذلك مقتضى الحوالة التي هي بمعنى النقل و لو بالوجه الذي ذكرناه الذي هو نقل المال

الذي في ذمة المحال عليه إلى المحتال، لكن من المعلوم كون ذلك بدلا و عوضا عما للمحتال في ذمة المحيل. لأنها من قبيل الوفاء فيقتضي حينئذ براءة ذمة المحيل.

خلافا للمحكي عن أبي على و الشيخ في النهاية و أبى الصلاح و القاضي، و ظاهر


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الضمان الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الضمان الحديث 4.

ج 26، ص: 164

المقنعة، بل عن المقداد في التنقيح اختياره، فاعتبروا براءة المحتال، و إلا لم يبرء.

ل

خبر زرارة(1)«عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يحيل الرجل بما كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال برأت مما لي عليك؟ فقال: إذا ابرءه فليس له أن يرجع عليه، و إن لم يبرأه فله أن يرجع على الذي أحاله»

لكنه خبر واحد موافق للمحكي عن الحسن البصري، و محتمل لإرادة الرجوع عليه و لو في حال الإعسار مع الجهل به، و للكناية عن القبول و الرضا بالحوالة، فلا يصلح معارضا لتلك الأخبار، و لو على جهة التقييد، و لا لما دل على اللزوم في عقد الحوالة المستفاد من الآية و الإجماع و غير هما، بل رد هذا القول- مضافا إلى ما ذكرنا- بالإجماع بقسميه، على اقتضاء الحوالة نقل المال من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، و لكن قد يناقش بمنع الإجماع المزبور، إذ لا يتصور معه

الخلاف المذكور الذي قد سمعته من غير واحد، بل المخالف إنما عبر بلفظ الأظهر و نحوه، و لو أن هذا الإجماع محقق لم يتصور محل للإبراء معها، كما لا تصح هي إذا وقع قبلها.

و من الغريب ما في المسالك في المقام حيث قال: «حكمان أحدهما: أن الحوالة تفيد نقل المال و تحوله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، و هو موضع وفاق منا و من العامة إلا من شذ منهم، فإنه جعلها كالضمان بمعنى الضم، و فساده ظاهر- الى أن قال:- و ثانيهما: أن المحيل يبرأ من حق المحتال» إلى آخر ما ذكره مع أنه في السابق عند البحث على اعتبار رضى المحال عليه، بعد أن ذكر دليل الخصم أنها تقتضي الانتقال قال: «انا نمنع من اقتضاء الحوالة النقل، بل هي إيفاء لما في ذمة الغير، فلا يقصر عن بيعه و لا يشترط فيه رضاه» إذ مع فرض تحقق الإجماع المزبور لا يتصور النزاع المذكور.

نعم ما يمكن تسليمه من الإجماع اقتضاء الحوالة النقل بمعنى انتقال ما في ذمة المحال عليه الى المحتال، و أما اقتضاؤها مع ذلك براءة ذمة المحيل على وجه ليس له الرجوع عليه و ان لم يقبض من المحال عليه، فلا، عند من عرفت، جمعا بين النصوص


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 2.

ج 26، ص: 165

المزبورة بالإطلاق و التقييد، مضافا إلى أصالة بقاء ذمة المحيل، و إن كان الأقوى خلافه لقصور الخبر المزبور عن ذلك، و لأن الحوالة و ان كان الأصح انها قسم برأسه، لكنها بحكم الاستيفاء أو الاعتياض.

و على كل حال تقتضي براءة ذمة المحيل، و لأن المراد و المقصود من المتعاقدين بها ذلك، فيعلم أن شرعيتها على الوجه المزبور بحيث لو قصد خلافه مصرحين لم تشرع الحوالة كما هو واضح و الله العالم.

و يصح أن يحيل على من ليس له عليه دين وفاقا للمشهور بل عن السرائر الإجماع عليه و هو الحجة بعد إطلاق النصوص السابقة، و عموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و السيرة على فعلها بحيث يعلم شرعيتها، خلافا للمحكي عن الشيخ في آخر الباب، و ربما حكي عن القاضي و ابن حمزة، و إن كنا لم نتحققه، فانحصر الخلاف فيه، بل المحكي عنه في أول الباب الموافقة.

و بنى الخلاف بعضهم على ان الحوالة اعتياض أو استيفاء، فعلى الأول لا تجوز، و على الثاني تجوز، و فيه: أن الأصح كونها أصلا برأسه، و إن لحقها حكم الوفاء في بعض الأحوال، و الاعتياض في بعض آخر، و إلا فمن المعلوم أنها ليست وفاء حقيقة و لذا لا يجب قبولها، و إن كانت على ملي، و لا بيعا كذلك، و لذا لم يثبت لها حكم التقابض في المجلس لو كانت في النقد.

و على كل حال فلا دليل للخصم سوى الأصل المقطوع بما عرفت، و دعوى استبعاد اختلاف مقتضاها، و المراد منها، إذ هي على مشغول الذمة انتقال، و على البري ء معنى الضمان.

و من هنا قال المصنف لكن ذلك بالضمان أشبه بل عن الكاشاني الأظهر أنها ضمان، و إن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم حصول إنشاء ذلك من المحال عليه حتى تكون ضمانا، بل أقصاه الرضا بما أنشأ المحيل من معنى الحوالة التي هي

ج 26، ص: 166

حينئذ بمعنى الوفاء بإثبات مثل ذلك في ذمة البري ء، أو الاعتياض عنه بذلك، و هو معنى غير معنى الضمان، بل هو قريب من الحوالة على المشغول، و مثل ذلك لا يقدح في العقد، فإن أفراد البيع مثلا أشد من ذلك تفاوتا، فما عن الكركي من التأمل في الجواز في غير محله و الله العالم.

و إذا أحاله على الملي الوفي لم يجب القبول بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل قد عرفت المحكي منه على رضى المحتال مستفيضا، مضافا إلى الأصل السالم عن معارضة ما دل على وجوب قبول الوفاء من باذله، بعد معلومية عدم كونها وفاء حقيقة، على وجه تندرج في إطلاق تلك الأدلة، بل هي ناقلة كما عرفت.

فما عن داود الظاهري من الوجوب لذلك-

و للنبوي (صلى الله عليه و آله) المرسل «إذا أحيل أحدكم على الملي فليحتل»

الذي لم نجده في طرقنا و لا جابر له و لا شاهد و ينبغي حمله على الندب- واضح البطلان.

لكن لو قبل الحوالة عليه لزم و ليس له الرجوع و لو افتقر كما لو كان فقيرا من أول و قد علم به و رضي، بلا خلاف و لا اشكال، بعد معلومية كون الحوالة من العقود اللازمة، مضافا إلى النصوص السابقة خصوصا خبر عقبة منها بل عن الخلاف أنه المروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فما عن أبي حنيفة- من أن له الرجوع إذا جحده المحال عليه، أو مات مفلسا، و عن عمرو أبي يوسف و محمد بن الحسن إذا أفلس و حجر عليه الحاكم- واضح الفساد من غير فرق في ذلك بين أخذ المحتال شيئا من المال و عدمه، لإطلاق النص و معقد الإجماع و غيرهما من أصالة اللزوم و نحوها، بل عن المختلف الإجماع على ذلك صريحا، خلافا للمحكي عن سلار فجوز الرجوع مع عدم الأخذ لعدم تتمة القبول بدونه، و هو شاذ نادر واضح الضعف نعم هذا كله في المحال عليه الملي ثم افتقر.

أما لو قبل الحوالة جاهلا بحاله، ثم بان فقره وقت الحوالة كان له الفسخ

ج 26، ص: 167

و العود على المحيل بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية الاعتراف به، بل في محكي التذكرة نسبته إلى علمائنا، و السرائر إلى أصحابنا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد النصوص السابقة، و قاعدة الضرر و غيرها، بل ظاهر إطلاق النص و الفتوى ما صرح به جماعة من ثبوت الخيار أيضا، حتى لو تجدد اليسار و العلم بسبق الفقر، لتحقق المقتضي له فيستصحب، و ليس العلة الإعسار ما دام، ليزول بزواله، و دعوى كون المنشأ في ذلك الضرر بحيث يزول بزواله لا شاهد لها، بل الشاهد على خلافها متحقق، و يمكن أن يكون ذلك حكمة لا علة.

و عن الفخر أنه بنى ذلك على كون علل الشرع معرفات، أو علل حقيقية، و على الثاني هل الباقي مستغن عن المؤثر أو محتاج، فعلى الأولين يثبت الخيار، و على الثاني من الثاني يزول، و لا بأس به بعد معرفة كون علل الشرع معرفات، و عدم احتياج الباقي في بقائه إلى غير الأول كما هو محرر في محله، و هل هو على الفور أو التراخي؟ وجهان: أقواهما الثاني، للإطلاق و غيره، كما ذكرنا في نظائره، ثم إن الظاهر إرادة الإعسار من الفقر في كلام المصنف اقتصارا على المتيقن فيما خالف قاعدة اللزوم، كما أنه المراد من الإفلاس في النص، لا تحجير الحاكم بالإفلاس.

نعم الظاهر ثبوت الخيار له و إن بذل المال بقرض و نحوه، بل و لو تبرع متبرع عنه، للإطلاق، و منه يعلم أن ليس المدار على قاعدة الضرر، على وجه يدور الحكم معه، و قد تقدم في الضمان ما لا يخفى عليك جريانه في المقام، كغيره من أحكام الأجل و اشتراط الخيار و غير ذلك مما لا فرق فيه بين الضمان و الحوالة، خصوصا إذا كانت على البري ء.

و إذا أحال بما عليه على مشغول له بذلك، أو بري ء بناء على الصحة ثم أحال المحال عليه المحال بذلك الدين كذلك صح بلا خلاف و لا إشكال لاجتماع شرائط صحتها فتندرج في إطلاقها المندرج في آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ(1)» و كذا لو

ترامت الحوالة بتعدد المحال عليهم، و اتحاد المحال، كما لو أحال


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 168

المديون زيدا على عمرو، ثم أحال عمرو، زيدا على بكر، ثم أحال بكر، زيدا على عمرو و هكذا، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و بتعدد المحتال أو المحيل و اتحال المحال عليه، كما لو أحال المحتال من له عليه دين على المحال عليه، و هكذا بل كما يصح تراميها يصح دورها، كالضمان بأن يعود إلى المحيل الأول إذا فرض شغل ذمته للمحال عليه، أو قلنا بصحتها على البري ء، بل لم نجد خلافا هنا و إن سمعته في الضمان كما هو واضح.

و إذا قضى المحيل الدين بعد الحوالة ف هو كما لو قضاه أجنبي المعلوم حكمه بأنه إن كان بمسألة المحال عليه، رجع عليه، و إن تبرع، لم يرجع و يبرأ المحال عليه ضرورة كونه بالحوالة قد برئت ذمته فيكون حينئذ اداؤه كأداء الأجنبي الذي قد علمت حكمه.

و يشترط في المال المحال به أن يكون معلوما في المشهور على ما اعترف به غير واحد، بل عن مجمع البرهان لعله لا خلاف فيه، بل في المحكي عن التحرير يجب ان يكون معلوما، فلا يصح بالمجهول إجماعا بل في مفتاح الكرامة «لم نجد المخالف» و إنما ذكرت الصحة مع الجهل احتمالا في التذكرة و المسالك و مجمع البرهان، نعم لم يذكر هذا الشرط في عداد الشرائط في الوسيلة و الغنية و غيرهما، و لعله و إن أمكن أن يكون ذلك لمعلوميته، إلا أن الإنصاف عدم خلوه عن الإشكال إن لم يتم الإجماع المزبور، خصوصا على ما يظهر من قواعد الفاضل، من اعتبار علم الثلاثة، ضرورة عدم الدليل عليه إلا دعوى الغرر الذي لم يثبت مانعيته على الإطلاق، حتى لو قلنا بأن الحوالة اعتياض، فإنه أيضا لم يثبت مانعيته في مطلق المعاوضة.

و أما على القول بأنها استيفاء فقد قيل: إنه لا يمكن استيفاء المجهول، و منعه واضح، خصوصا بعد ما عرفت من صحة ضمان المجهول، و يلزم مما تقوم به البينة، و الأولى إحالة ذلك على ما سمعته في الضمان، خصوصا في الحوالة على البري ء التي هي شبيهة به، و خصوصا مع فرض إمكان اندفاع الجهالة بعد ذلك بالرجوع إلى دفتر و نحوه، أو كانت الجهالة في خصوص المقدار مع العلم بعدم زيادته عن مأة مثلا، و عدم

ج 26، ص: 169

نقصانه عن عشرة، على أن الحوالة به على جهالته تقتضي ثبوته في ذمة المحال عليه، نحو ما كان في ذمة المحيل، فيرجع معه إلى الصلح و نحوه نعم يتم ذلك في الجهالة بسبب الإبهام كالحوالة بأحد الدينين على حسب ما عرفته في الضمان فلاحظ و تأمل و الله العالم.

و كذا يعتبر فيه أن يكون ثابتا في الذمة أي ذمة المحيل، و لو متزلزلا فلا حوالة في غير الثابت فيها، و إن وجد سببه كمال الجعالة مثلا قبل العمل، بناء على عدم ثبوته في الذمة قبله، فضلا عما لم يوجد سببه كالحوالة بما سيستقرضه، نحو ما سمعته في الضمان، بل في بطلان الحوالة في المتزلزل حينها بالفسخ بعد ذلك نظر، و إن وجب عليه دفع الثمن مثلا من غير ذلك.

نعم تصح الحوالة بالثابت في الذمة سواء كان له مثل كالطعام، أو لا مثل له كالعبد و الثوب لإطلاق الأدلة و عمومها، من غير فرق بين الحوالة به على مشغول الذمة بمثله وصفا و جنسا أو على بري ء خلافا للمحكي عن الشيخ في أحد قوليه و ابن حمزة فمنعا من الحوالة بالقيمي، للجهالة، و ضعفه واضح، بعد معلومية صحة السلم و غيره فيه، باعتبار انضباطه بالوصف فمع فرض اشتغال ذمته بعبد موصوف مثلا بماله في ذمة آخر، أو كان بريئا و أراد إثباته في ذمته على نحو ما كان عليه بطريق الحوالة أو الضمان لم يكن وجه للإشكال في صحته.

كما لا وجه للإشكال في صحة ذلك لو فرض كون الثابت في الذمة قيمة القيمي بإتلاف و نحوه، ضرورة كون الحوالة حينئذ بالقيمة التي هي مثلية، فليس حينئذ للجهالة التي ذكرها محل حتى مع فرض تعذره الموجب للرجوع إلى القيمة كالمثلي، بل لا يبعد إن لم يكن إجماعا جواز الحوالة بالاعمال على البري ء أو على مشغول الذمة للمحيل بمثلها، بناء على أنها بحكم المال، بدليل صحة وقوعها ثمنا للمبيع و عوضا للخلع و مهرا في النكاح من غير فرق بين كون المراد منها الثواب أو غيره، و حينئذ فيصح إحالة مشغول الذمة بقراءة القرآن و زيارة، أو صلاة، أو حج أو غير ذلك على بري ء أو على مشغول الذمة له بمثل ذلك، و كذا يصح ضمانه، لكن لم أجد مصرحا به، كما أنه لم أجد في نصوص الحوالة ما هو صريح فيه أو ظاهر، بل هو غير متعارف.

ج 26، ص: 170

و كيف كان فعن الشيخ في أول الباب من المبسوط، و ابني زهرة و حمزة و القاضي أنه يشترط في صحة الحوالة تساوي المالين أي المحال به و المحال عليه جنسا و نوعا و وصفا بل لعله ظاهر النافع و غيره مما عرف فيه الحوالة بتحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة بمثله، بل عن التذكرة من مشاهير الفقهاء وجوب التساوي في الدينين، للأصل بعد عدم إطلاق في نصوص الباب يوثق به في تناول المفروض، و لا سيرة كاشفة و لا غيرهما مما يطمئن به.

و «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» قد ذكرنا غير مرة أن المراد منه بيان لزوم العقود المتعارفة المذكورة في كتب الفقهاء، فلا دلالة فيها على صحة المشكوك فيه من أفراد نوع منها، بعد ان لم يكن في أدلته بالخصوص إطلاق صالح لشموله، على أن في الحكم بالبطلان تفصيا من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به إذ لا يجب عليه أن يدفع إلا مثل ما عليه و جواز دفع شخص من جنس غيره بالتراضي معاوضة مستقلة أو وفاء للأدلة الخاصة التي لا تشتمل الحوالة قطعا، و إن كان لها حكم الوفاء في بعض الأحوال دون بعض، كما عرفته سابقا و لعله إلى ذلك يرجع الاستدلال على المطلوب من بعضهم، بأن حقيقة الحوالة تحويل ما في ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فإذا كان على المحيل دراهم، و له على المحال عليه دنانير، كيف يصير حق المحتال عليه دراهم، و لم يقع عقد يوجب ذلك، فإن الحوالة إن كانت استيفاء كان بمنزلة من استوفى دينه، و أقرضه المحال عليه، فحقه الدراهم، لا الدنانير، و إن كانت معاوضة فليست على حقيقة المعاوضات التي يقصدها تحصيل ما ليس بحاصل، من جنس مال، أو زيادة قدر أو وصف، و إنما هي معاوضة إرفاق و مسامحة للحاجة، فاشترط فيها التجانس و التساوي لئلا يتسلط على المحال عليه بما ليس في ذمته، بتقريب كون المراد أن الثابت من مشروعية الحوالة النقل المزبور و التبديل المذكور، لا غيره، و حينئذ لا تقتضي غيره و إن تراضيا، لان تراضيهما على ما لم يجعله الشارع مقتضى عقد، لا يكون مقتضيا لترتب ذلك عليه و إن قصداه و تراضيا به.

و لكن مع ذلك كله قال المصنف فيه تردد بل عن المبسوط في

ج 26، ص: 171

موضع منه و التذكرة، و التحرير، و الحواشي، و اللمعة، و التنقيح، و إيضاح النافع، و جامع المقاصد، و المسالك، و الروضة، و مجمع البرهان، و المفاتيح، اختيار الجواز.

بل في المسالك «أنه إن اشترطنا رضى المحال عليه و جوزنا الحوالة على البري ء فلا وجه للمنع أصلا، لأنه لو لم يكن على المحال عليه ذلك الجنس لتصح، فإذا كان و رضي تعين الجواز، بل يتعين القول به متى اعتبرنا رضاه خاصة، لأن الحوالة إن كانت استيفاء كما هو الظاهر، فالاستيفاء جائز بالجنس و غيره مع التراضي، و إن كانت اعتياضا فكذلك، لجواز المعاوضة على المختلفين، و ليست معاوضة بيع حتى يعتبر فيها التقابض حيث يعتبر فيه. نعم قد نقول هنا مع جواز الحوالة على البري ء أن الحق لم يتحول إلى الدنانير، و إنما لزم المحال عليه للمحتال دنانير، و بقيت الدراهم في ذمته للمحيل، فيعتبر في التقاص تراض جديد، و هذا أحسن، إلا أن الأول أجود، لحصول التراضي سابقا على تحول الحق إلى ما في ذمة المحيل، و حينئذ فالتسلط الذي هربوا منه انتفى منعه بالتراضي ثم قال : و قد تحرر من ذلك أن القائل بعدم صحة ذلك لا يتم له مطلقا، إلا أن يقول بعدم جواز الحوالة على البري ء و إلا صحت الحوالة هنا، إلا انها تكون كالحوالة على من لا دين له عليه، لا أنها تقع باطلة مطلقا، إذ لا تقصر عن تلك، و أن القائل بعدم اعتبار رضى المحال عليه، لا يتجه له القول هنا بالحصة، سواء تحول الحق إلى جنس المحال به، أم بقي كل واحد بحاله، لتوقف كل واحد من القسمين على التراضي، فإن الأول استيفاء من غير الجنس له، أو معاوضة عليه، و الثاني حوالة على البري ء، و كلاهما مشروط بالرضا، نعم لو قصد بالحوالة تحول حق المحتال إلى ما في ذمة المحال عليه اتجه القول بالجواز، من دون رضى المحال عليه، و سقط معه محذور التسلط الذي جعلوه مانعا» انتهى كلامه و نقلناه بطوله. لأنه أقصى ما قيل في المسألة.

و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من عدم إفادة التراضي بعد فرض عدم اقتضاء مشروعية الحوالة ذلك، لعدم الدليل، و ما ذكرناه أيضا

ج 26، ص: 172

من أنها عقد مستقل برأسه، و إن ثبت له بعض أحكام الأداء، و بعض أحكام المعاوضة، إلا أن ذلك لا يقتضي ترتب جميع أحكامها كما هو واضح.

و أما ما ذكره من بناء المسألة على جواز الحوالة على البري ء، فهو خارج عن المقام قطعا، ضرورة كون المراد الحوالة على نفس الحق المخالف، لا الحوالة على من عليه الحق، مع قطع النظر عن ذلك، و دعوى صيرورتها حوالة على بري ء مع فرض قصد الجميع الحوالة على نفس الحق كما ترى.

و بذلك يظهر أن هذه المتعبة التي ذكرها لا طائل تحتها، و إنما وجه المسألة هو إثبات صلاحية الحوالة لهذا التغيير و التبديل، و عدمه، فبين جازم في الأول، و جازم في الثاني، و متردد، و لا ريب في أن مقتضى الأصول العدم، و لو للشك في ذلك لعدم الإطلاق الذي يوثق به، فضلا عن غيره كما عرفته مفصلا، و الاحتياط في ذلك غير خفي، و لو بأن يقلب حق المحتال إلى جنس ما عليه الحق بعقد من العقود القابلة لذلك، ثم يحيله عليه أو بغير ذلك.

و لو أحال على محال عليه فقبل و أدى ثم طالب بما اداه، فادعى المحيل أنه كان له عليه مال، و أنكر المحال عليه، فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل البراءة و حينئذ يرجع على المحيل بما أداه، و رضاه بعقد الحوالة، أعم من اشتغال ذمته، لما عرفت من صحتها على البري ء بل في المسالك، و محكي جامع المقاصد و مجمع البرهان أنه كذلك حتى لو اشترطنا في الحوالة اشتغال ذمة المحال عليه.

قال في الأول منها: «تساقط أصلي البراءة و صحة العقد بالتعارض، فيبقى مع المحال عليه أداء دين المحيل باذنه، فيرجع عليه، و لا يمنع وقوع الإذن في ضمن الحوالة الباطلة المقتضي بطلانها لبطلان تابعها، لاتفاقهما على الأذن، و انما اختلفا في أمر آخر، فإذا لم يثبت ما اختلفا فيه، يبقى ما اتفقا عليه من الأذن في الوفاء المقتضى للرجوع، على أن في زوال الإذن الضمني بزوال ما يثبت في ضمنه هنا يأتي تحقيقها إنشاء الله في الوكالة المعلقة على شرط».

و فيه: أن المتجه تقديم قول المحيل، مع فرض اعتراف المحال عليه بالحوالة

ج 26، ص: 173

المحمولة على الصحيح، القاطع لأصل البراءة، و لاقتضاء الرجوع بالإذن، ضرورة كون الاعتراف بها اعترافا بشغل الذمة أما مع عدم اعترافه بكون الواقع الحوالة و لكن أحال عليه باذنه لاحقا أو سابقا فعن التذكرة ذلك أيضا، لو ورد أصل الصحة على أصل البراءة، و انقطاعه به.

لكن قد يناقش بعدم اقتضاء أصل الصحة شغل ذمة الغير الذي رضاه ليس من أركانها، فهي حينئذ صحيحة في حق المحيل و المحال، فلو ادعى أحدهما بطلانها كان القول قول مدعي الصحة منهما، أما المحال عليه فهو خارج عن أركان عقدها، إذ القبول الذي قام به العقد من المحتال لا منه، فلا يقتضي صحتها فيما بينهما اشتغال ذمة الخارج و إن قلنا باعتبار رضاه، و حينئذ فأصل البراءة سالم عن معارضة أصل الصحة الذي هو في حق المتعاقدين، فيبقى قاعدة احترام مال المسلم الذي لم يتبرع بأدائه بحالها، و لو للإذن في ضمن الحوالة التي هي صحيحة في حق المحيل، باطلة في حق المحال عليه، و ليس ذلك من بقاء الإذن الضمني بعد زوال ما ثبت في ضمنه المفروغ من بطلانه حتى في الوكالة المعلقة على شرط، كما أوضحناه فيها.

و مما ذكرنا يظهر لك وجه النظر فيما ذكروه دليلا للمسألة، و الأولى تقريره بما قلناه، و لعله إليه أومأ في جامع المقاصد- في الرد على دعوى تعارض أصلي البراءة و الصحة،- بقوله «سيأتي عن قريب بيان عدم الاعتداد بهذا الأصل». و على كل حال فقد يشعر قول المصنف و غيره «فقبل و أدى» كون الحوالة على البري ء كالضمان في عدم استحقاق الرجوع إلا بالأداء، لما عرفته في الضمان الذي يشبهه المفروض فلاحظ و الله العالم.

و تصح الحوالة بمال الكتابة و لو المشروطة بعد حلول النجم لثبوته في ذمة المكاتب و هل تصح قبله؟ قيل: و القائل الشيخ على ما في المسالك لا يصح لجواز تعجيز نفسه، فتنفسخ الكتابة، و قد منعوا ذلك عليه كما تسمعه في باب الكتابة، إنشاء الله، و مع تسليمه فأقصاه كون المال في ذمة العبد متزلزلا كالثمن في مدة الخيار، و ذلك لا يمنع الحوالة، كما لا يمنع ضمانه.

ج 26، ص: 174

نعم لو قلنا بعدم اقتضاء الكتابة ثبوت مال في ذمة العبد-، لعدم ذمة اختيارية له، و إن وجب عليه أداء مال الكتابة إلا أنه من التكليف لا الدين- اتجه حينئذ عدم صحة الحوالة به، من غير فرق بين حلول النجم و سابقه، بل المحكي عن الشيخ عدم الفرق بينهما أيضا نحو ما سمعته في الضمان.

ثم إنه في المسالك بعد أن اختار جواز الحوالة به مطلقا قال: «فعلى هذا فلا يعتق العبد بالحوالة لأنها ليست في حكم الأداء بل في حكم التوكيل عليه بقبضها، و ان افترقا بكون الحوالة لازمة، و حينئذ فلو أعتق السيد المكاتب بطلت الكتابة، و لم يسقط عن المكاتب مال الحوالة، لأن المال صار لازما للمحتال، و البطلان طار، و لا يضمن السيد ما يغرمه من مال الحوالة».

و لا يخفى عليك ما فيه من التفريع أولا. و إنكار كون التحويل بحكم الأداء ثانيا، مع أنه اعترف به فيما يأتي بأنها تفيد ملك المال للمحتال، مضافا إلى اعترافه سابقا باقتضائها براءة ذمة المحيل مما عليه، و براءة ذمة المحال عليه مما كان للمحيل عليه، لأنها استيفاء أو اعتياض.

و على كل حال فهي بحكم الأداء هنا و في غيره، بل لعلها كالضمان الذي اعترف بكونه أداء سابقا أو أولى، بل اعترف أيضا بكونها كالأداء فيما لو أحال العبد سيده، كما ستسمع، و عدم بطلان الحوالة على مال الكتابة بعد فرض بطلان الكتابة ثالثا، و حينئذ فالمتجه تحريره بذلك، و بطلان عتق السيد.

و لو باعه السيد سلعة فأحاله بثمنها جاز لأن حكم المكاتب بالنسبة الى ذلك حكم الأحرار، من غير فرق بين سيده و بين غيره، خلافا للمحكي عن الشيخ فمنع جواز شرائه من سيده، لجواز فسخ الكتابة الموجب على فرض صحة البيع استحقاق السيد على عبده شيئا، بخلاف الأجنبي، بل في المسالك نسبته الى الشيخ و جماعة و إن كنا لم نتحققه، بل في قواعد الفاضل أنه الأقرب و هو كما ترى.

و لو كان له أي المكاتب على أجنبي دين فأحال سيده عليه ب جميع ماله من مال الكتابة الذي في ذمته صح لوجود المقتضى

ج 26، ص: 175

و ارتفاع المانع و لانه يجب عليه أى المديون تسليم ما علي ه من الدين لصاحبه، أو لمن يحيله عليه به، و كان ذلك أداء منه موجبا لتحريره كما اعترف به في المسالك و غيرها، سواء أدى المحتال عليه المال للسيد أو لا، بل لو أفلس لم يتغير الحكم. نعم لو كان ما أحاله به دين متزلزل، ففي نفوذ التحرير أو مراعاته بعدم الفسخ إشكال.

[و أما الثالث في أحكامها و هي مسائل ]
اشارة

و أما أحكامها: فمسائل

[المسألة الأولى إذا قال لمن له عليه دين أحلتك عليه فقبض فقال المحيل قصدت الوكالة و قال المحتال إنما أحلتني بما عليك فالقول قول المحيل ]

الأولى: إذا قال لمن له عليه دين: أحلتك بالدين الذي لك على على مالي عليه من دين و نحو ذلك مما هو صريح في الحوالة فلا إشكال في تقديم قول مدعيها، اما لو قال أحلتك عليه و نحوه مما هو ليس صريحا فيها فقبض فقال المحيل: قصدت الوكالة، و قال المحتال: إنما أحلتني بما عليك ف عن المبسوط ان القول قول المحيل.

بل في المسالك نسبته الى الشيخ و جماعة، و ان كنا لم نتحققه نعم في قواعد الفاضل انه أقرب لأنه أعرف بما قصد بلفظه إذ لا يعلم إلا من قبله، مضافا إلى أصالة بقاء المال ملكا للمحيل، و بقاء حق المحتال في ذمته، و تعارف عقد الوكالة بنحو ذلك، كتعارف اسم التحويل على الوكيل الذي لا دين له، خصوصا إذا كان المراد الاذن في القبض له لا للموكل.

و (11) لكن مع ذلك فيه تردد (12) من ذلك، و من أن الأصل إرادة الحقيقة التي هي الحوالة بالمعنى المتعارف، بخلاف الوكالة، و إن صح عقدها بلفظ التحويل بالقرينة، بل في جامع المقاصد و محكي التحرير ترجيح قول المحتال، لأنه الموافق للأصل المزبور الذي يجب حمل اللفظ عليه حال التجرد عن القرينة، و الا لزم الإغراء بالجهل، بل لو قدح احتمال التجوز لقدح في جميع الأبواب من بيع، أو صلح و إقرار و نكاح و غيرها، فيكون حينئذ قول المحيل مخالفا للأصل يكلف بالبينة و أما الأصلان

ج 26، ص: 176

المزبوران فيقطعهما ظاهر لفظ الحوالة المحمول على ذلك، بل لو سلم تعارض الأصول كان مقتضى اليد كافيا في ذلك، لأن الفرض أنه قبض.

و في المسالك «هذا التوجيه حسن لو سلمنا كون الحوالة مجازا في الوكالة، لكنه محل نظر، لأن الوكالة لما كانت تتحقق في ضمن كل لفظ يدل على الأذن بطريق الحقيقة، و كان معنى الحوالة مؤديا لذلك، لأن معنى أحلتك كما يحتمل ارادة تحويل المال من ذمة إلى ذمة، يحتمل ارادة تحويل المطالبة من المحيل إلى المحتال، ففائدتها تسليطه على المحال عليه، أو نقول إن دلالتها على الإذن للمحتال حاصلة على التقديرين، و انما الكلام في معنى الزائد على الأذن، و هو تحويل الحق ثم قال : و كون المراد منها الحوالة بالمعنى المتعارف أظهر، لا شبهة فيه لكنه لا يدل على مجازية الأخر، لجواز كونه من باب المشترك الذي يراد به أحد معانيه بقرينة، و إلا فمرجع الأمر إلى أنه هل هو من باب الحقيقة، أو المجاز، أو من باب المشترك الذي دلت القرائن على إرادة أحد معنييه، و تظهر الفائدة في كون الآخر حقيقة، أو مجازا و بواسطة ذلك يختلف الحكم».

ثم استشعر بأن التبادر علامة الحقيقة، و عدمه علامة المجاز، و لا ريب في تبادر المعنى المتعارف من لفظ الحوالة، بخلاف الوكالة المحتاجة إلى القرائن، و أجاب بأن هذه العلامة لا تتم في المشترك الذي يتبادر إلى الذهن أحد معنييه مع القرينة، مع أنه حقيقة في الفرد الآخر أيضا.

ثم استشعر بأن الحوالة في الفرد المتعارف حقيقة شرعية، و في الوكالة حقيقة لغوية، و عند التعارض تقدم الاولى، خصوصا مع اعتضادها بالعرف المقدم على اللغة أيضا، ثم أجاب بأنها في الوكالة أيضا حقيقة شرعية، و إن وافقتها اللغة، و ترجيح الشرع و العرف للمعنى المتعارف من الحوالة يقتضي ترجيح أحد معنيي المشترك، و هو لا يخرج الفرد الآخر عن الحقيقة.

ثم استشعر بأن من المعلوم أولوية المجاز من الاشتراك عند التعارض، و أجاب بمنع ذلك أو لا، بل قد قال جمع من المحققين بأولوية الاشتراك و بتسليمه ثانيا و

ج 26، ص: 177

و لكن إذا لم يثبت، و قد أثبتناه، ثم قال ما حاصله: أنه و إن كان الظاهر من معنيي المشترك في المقام المعنى المتعارف، إلا أنه يرجع الأمر إلى تعارض الأصل- الذي هو بقاء حق المحيل و المحتال- و الظاهر، فإن قدمنا الأول كما هو الراجح في استعمالهم، فالقول قول المحيل، كما اختاره المصنف و جماعة، و إن قدمنا الظاهر، فالقول قول المحتال إلى غير ذلك مما أطنب فيه.

و هو كما ترى، بل ما كنا لنؤثر وقوع ذلك منه، ضرورة أنه لم يذكر دليلا صالحا للاشتراك، فإن وقوع الوكالة بكل لفظ يدل على الإذن حقيقة و منه الحوالة لا يقتضي ذلك، كما أن دلالتها على الإذن للمحتال بطريق الحوالة كذلك أيضا، للقطع بكونها اسما للعقد المخصوص، و من هنا لا يحتاج إنشاؤه بها إلى قرينة تدل على ذلك.

و أغرب من ذلك إنكار كون التبادر علامة للحقيقة، محتجا عليه بما عرفت، مع أن من المعلوم ارادة التبادر من حيث إطلاق اللفظ، لا مع القرائن، و لا ريب في أن المشترك مع عدم القرينة يتبادر جميع معانيه، و هو علامة كونه حقيقة فيها، و تبادر بعضها خاصة بالقرينة لا ينافي ذلك.

و أغرب منه جميع ما ذكره من الحقيقة الشرعية و اللغوية و العرفية، و أغرب منه قوله تعارض الأصل، و الظاهر، مع أن المقام ظاهر لفظ لا يعارضه الأصل، و بالجملة هو رحمه الله و إن أطنب في ذلك لكن بما لا ينبغي صدوره منه، و التحقيق ما عرفت هذا كله مع القبض.

أما لو لم يقبض و اختلفا فقال: وكلتك فقال: بل أحلتني ف في المتن أن القول قول المحيل قطعا كما في القواعد لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة أن عقد الحوالة من العقود اللازمة المقتضية تملك المحتال المال المحال به، و انعزال المحيل عنه على وجه لو أراد إبداله لم يكن له، لصيرورته ملك المحتال على وجه اللزوم، و حينئذ فلا يتفاوت الحال بين القبض و عدمه، لانه استيفاء يترتب عليه الملك و إن لم يحصل القبض، إلا أنه لا ينكر ظهور قطع المصنف هنا، و تردده

ج 26، ص: 178

في الصورة السابقة في ان منشأ ذلك القبض و عدمه، و كان الوجه فيه ما أومأنا إليه من تحقق ضابط المنكر في صورة القبض، و هو ما لو ترك، لترك، و كونه صاحب يد، فمن ذلك مع موافقة قول المحيل للأصول السابقة حصل التردد، بخلاف صورة عدم القبض، فإنه لا يد له، و لا الضابط المزبور، فانحصر ضابط الإنكار حينئذ في المحيل، و هو جيد إن لم يكن ثم ظهور فيما جرى بينهما من لفظ أحلتك في الحوالة، و لو لتعارف إطلاق نحو ذلك في إنشاء عقد الوكالة، كما أن من المتعارف إطلاق التحويل على وكالة من لم يكن له دين على من عليه، و خصوصا إذا كان المراد تحصيل ذلك له لا للموكل.

و من هنا قد يتوقف في الحكم على المحيل بشغل الذمة للمحتال لو فرض كون النزاع بينهما في ذلك مع اتفاقهما على صدور اللفظ المزبور بينهما، و إن كان الأرجح مع فرض عدم ظهور اللفظ تقديم قول المحيل الموافق للأصول و اليد، و ضابط المنكر إنما تجدي مع عدم استناده إلى التحويل المخالف للأصل، كما هو المفروض.

نعم لو كان إبراز الدعوى بأن يقول المحيل وكلتك، و الآخر يقول في جوابه لا حق لك عندي، اتجه حينئذ تقديم قوله عليه كما هو واضح.

و من هنا يظهر لك أن القول قول المحيل على كل حال، بعد فرض كون جواب المحتال أنك أحلتني، و فرض عدم ظهور ما اتفقا عليه من جريان لفظ أحلتك بينهما في الحوالة، و إلا كان القول قول المحتال، تقديما لظاهر اللفظ القاطع للأصول بذلك.

و لو انعكس الفرض بأن قال المحتال: وكلتني و قال المحيل: حولتك، بعد اتفاقهما على جريان لفظ الحوالة بينهما فالقول قول المحتال عند المصنف، سواء كان قابضا أو لا، لموافقته للأصول، لكن قد عرفت أن الأرجح كون القول قول المحيل، ترجيحا للموافقة لظاهر اللفظ، القاطع للأصول الذي هو أصل مقدم على ذلك.

نعم لو لم يكن ثم لفظ قد جرى بينهما، و ادعى أحدهما الوكالة، و الآخر الحوالة كان القول قول من نفي الحوالة، ثم لا يخفى عليك أنه إن قدمنا قول المحتال

ج 26، ص: 179

في المسألة الأولى، فإن كان قد قبض برأت ذمة المحيل منه مقدار ذلك، لأخذه بزعمه منه قهرا فيقاصه قهرا، و كذا برأت ذمة المحال عليه إن كانت مشغولة، لثبوت الحوالة ظاهرا، و إن كان لم يقبض فله المطالبة.

و لكن هذا كله إذا حلف، و إن نكل حلف المديون، و بطلت الحوالة، و إن قدمنا قول المحيل و لم يكن قد قبض المحتال، بطلت وكالته بإنكاره، بناء على اقتضاء ذلك بطلانها و حوالته بحلف المديون. و هل له أن يطالب المديون حينئذ بحقه؟

لبقائه بزعم المديون حينئذ في ذمته، أو لا لزعمه أن لا حق له على المديون بالحوالة و أن حقه على المحال عليه وجهان، و إن كان قد قبض و كان المقبوض باقيا فعليه تسليمه للمحيل، و لكن الظاهر أن له مطالبة المحيل هنا، لأنه إن كان وكيلا فحقه باق على المديون، و إن كان محتالا فقد استرجع المحيل ماله منه ظلما، فله الرجوع عليه، و بذلك افترقت هذه الصورة عن صورة ما لم يقبض.

و لو كان المقبوض تالفا، فإن كان تلفه بتفريط أو تعد ضمنه للمحيل، و لكن يرجع عليه لما عرفت، و إن كان بغير تفريط ففي ضمانه له وجهان، ينشئان من أنه و إن كان وكيلا ظاهرا إلا أنه قبض المال لنفسه باعترافه، و هو جناية يضمن بها و من أنه إما وكيل بزعم المحيل، فلا يضمن المال إذا لم يفرط، أو محتال فهو ماله، و حينئذ فليس له مطالبة المحيل بحقه ظاهرا، و ان كان بزعمه بقاؤه لاعترافه باستيفاء حقه كما هو واضح.

و أما إن قدمنا قول المحتال في المسألة الثانية، و حلف، فإن لم يكن قد قبض المال فليس له قبضه، بناء على انعزاله عن الوكالة بذلك، و له مطالبة المحيل بحقه، و هل للمحيل الرجوع على المحال عليه بعد أدائه للمحتال؟ وجهان، من اعترافه بتحول ما كان عليه إلى المحتال، و من أن المحتال إن كان وكيلا فإذا لم يقبض بقي حق المحيل، و إن كان محتالا فقد ظلم المحيل بأخذ المال منه، و ما على المحال عليه حقه فللمحيل أن يأخذه عوضا عما ظلم به، و إن كان قد قبض المال فقد برأت ذمة المحال عليه إن كانت مشغولة على كل حال.

ج 26، ص: 180

ثم إن كان المقبوض باقيا رده عليه، و طالب بحقه، و كان للمحيل أخذه مقاصة و في المسالك «ففي جواز تملكه له أو وجوب رده على المحيل وجهان، مأخذهما أنه حبس حقه و صاحبه يزعم أنه ملكه، و اعترافه بأنه ملك المحيل، و أنه المخير في جهة الأداء، و الأول أجود، و فيه: أن المتجه له بالحكم الظاهر ما ذكرناه كما هو واضح.

و إن كان تالفا بتفريط، أو تعد فله المطالبة أيضا بحقه، و إن ضمنه للمحيل باعترافه، بل له أخذه منه مقاصة بعد دفع حقه اليه، و إن لم يكن بتفريط لم يضمنه له، و كان له المطالبة بحقه، لكن في المسالك «في ضمانه وجهان، مأخذهما ثبوت كونه وكيلا ظاهرا، فيده يد أمانة، و أنه لا يلزم من تصديقه في نفي الحوالة تصديقه في إثبات الوكالة، ليسقط عنه الضمان، لان يمينه على نفي ما يدعيه المحيل، لا على إثبات ما يدعيه» و فيه: أن عدم ضمانه لاتفاقهما على عدم كون يده يد عدوان، و الأصل البراءة، و إن قدمنا قول مدعى الحوالة حلف و بري ء من دين المحتال، و في المسالك «و كان للمحتال مطالبة المحال عليه، إما بالحوالة أو بالوكالة، و يملك ما يأخذه إما قصاصا على زعمه، أو لأنه عين حقه كما اقتضاه الظاهر» و فيه:

أنه لا يجديه الظاهر بعد اعترافه بكونه غير حقه. نعم بناء على استحقاقه له باعتبار أخذ المحيل ما في ذمته عوضا عن ذلك توجه له المطالبة به، كما تقدم نظيره في المسألة السابقة، بل يأتي أيضا الكلام في المباحث الاتية و إلا فلا و الفرض انعزاله عن الوكالة بانكارها.

[المسألة الثانية إذا كان له دين على اثنين و كل منهما كفيل لصاحبه و عليه لآخر مثل ذلك فأحاله عليهما صح ]

المسألة الثانية قال الشيخ في المبسوط: «إذا كان له على اثنين ألف درهم، و كل منهما كفيل ضامن عن صاحبه، فطالب أحدهما بالألف فأحاله بها على آخر بري ء المحيل و صاحبه من الألف، لأن الحوالة بمنزلة البيع المقبوض، و إذا قضى دينه بري ء ضامنه، و إذا قضى ما ضمنه بري ء من عليه الدين، و هو المضمون عنه، فيجب أن يبرأ صاحبه من خمسمائة التي عليه، لأنه قضاها، و من خمسمائة الضمان، لأنه قضاها عن المضمون عنه و يرجع عليه بخمسمأة الضمان ان ضمن بإذنه، و الا فلا، و لو كان له

ج 26، ص: 181

على رجلين ألف و لرجل عليه ألف، فأحاله بها على الرجلين و قبل الحوالة كان جائزا، فإن كان كل واحد منهما ضامنا عن صاحبه فأحاله عليهما لم تصح الحوالة، لأنه يستفيد بها مطالبة الاثنين كل واحد منهما بالألف، و هذا زيادة في حق المطالبة بالحوالة، و ذلك لا يجوز ثم قال- و قيل: يجوز له أن يطالب كل واحد منهما بالألف، فإذا أخذه بري ء الآخر و هذا قريب» و أورد عليه في المختلف بأن الضمان عندنا ناقل، فإذا ضمن كل واحد منهما نصف الألف عن صاحبه فلا يخلو المضمون له، إما إن يرضى بضمانهما معا أو بضمان أحدهما خاصة، أو لا يرضى بشي ء منهما، فإن رضي بهما معا أو لم يرض بشي ء منهما، لم يكن له مطالبة كل واحد منهما بأكثر من النصف، أما على تقدير عدم الرضا فظاهر، و أما على تقديره فلانتقال ما في ذمة كل منهما إلى الآخر، فيبقى كما لو لم يكن ضمان، و ليس له على تقدير الرضا مطالبة كل واحد منهما بالألف، لأن الضمان عندنا ناقل، و إنما يتأتى المطالبة على قول المخالفين، لأن الضمان عندهم غير ناقل، و أما إذا رضي بضمان أحدهما خاصة، فإنه يطالبه بالألف خاصة، و ليس له على الآخر سبيل».

قلت: يمكن حمل كلام الشيخ على إرادة الكفالة من الضمان و لعله إلى ذلك أشار المصنف بقوله إذا كان له دين على اثنين، و كل منهما كفيل لصاحبه، و عليه لآخر مثل ذلك، فأحاله عليهما صح، و إن حصل الرفق في المطالبة على معنى انتقال حق الكفالة بالحوالة، و لا يقدح اقتضاؤها حينئذ حقا لم يكن في الدين الذي على المحيل، لإطلاق أدلتها، و حينئذ للمحتال المطالبة بحق الكفالة الذي قد يؤول بتعذر المكفول مثلا إلى المطالبة بالدين، كما ستعرف إنشاء الله.

و من الغريب ما في المسالك، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته من المختلف مقدمة للمسألة: قال «الشيخ ذكر هذه المسألة في المبسوط، و حكم فيها بعدم الصحة، معللا بزيادة الارتفاق، و هذا لا يتم إلا على القول إن الضمان بمعنى الضم، كما قد بيناه، إذ على تقدير النقل لم يستفد زيادة ارتفاق، بل يبقى الحكم كما كان، و مع ذلك فهو موضع نظر، لأن هذا الارتفاق لا يصلح للمانعية، و المعروف من مذهبنا هو

ج 26، ص: 182

النقل، فالبحث كله ساقط، و المصنف وافق الشيخ على تصوير المسألة التي لا تتم إلا على القول بالضم، و هو لا يقول به، و خالفه في الحكم، و حكم بالصحة فيها منبها على أن الرفق المذكور غير مانع، بقوله و إن حصل الرفق في المطالبة».

و الظاهر أن المصنف لم يذكر المسألة إلا على وجه التفريع، و التنبيه على أن ما حكم به الشيخ لا يتم و إن بنى على ذلك الأصل، نظرا إلى أن زيادة الرفق لا تمنع كما لو أحال على من هو أكثر ملاءة، و أما ما ذكر الشيخ لها، فيشعر بذهابه إلى كونه الضم، إذ لا يتم إلا عليه، و المصنف قد لوح في المسألة الخلاف في موضعين، أحدهما قوله «على قول مشهور لنا» و الآخر «على القول بانتقال المال» كما نبهنا عليه في الموضعين إذ هو كما ترى لا ينبغي صدوره منه، فإن حمل كلام المصنف على ما ذكر مع عدم إشعار في شي ء من كلامه بذلك، أشبه شي ء بالمعمى بل أعظم، كما أن حمل كلام الشيخ على كون ذلك مذهبا له- و أن المصنف أشار الى ذلك بما سمعت- من الذي ينبغي الاستغفار منه، على أن المذكور في كلام المصنف لفظ الكفالة التي لا داعي إلى إرادة الضمان.

منها، خصوصا بعد ما أومأ إلى وجه المنع، بأن الحوالة لم يثبت من الشرع مقتضى لها إلا نقل المال إلى المحتال لا غير، فترتب تعدد المطالبة لانتقال حق الكفالة بها مع أنه لم تنقل الا الدين الخالي عن ذلك- مما يمكن الشك فيه، بل منعه، ضرورة مساواته للمنع من تغيير جنس الدين و وصفه بها، كما سمعته سابقا في اشتراط المساواة بل لعل المقام أولى باعتبار أن الكفالة قد كانت من حيث كون الأول صاحب الدين، و الغرض حصول الوفاء بالحوالة، فترتفع الكفالة لا أنها تنتقل إلى آخر و كذا لو كان عليه رهن.

و لعله لذا جزم في القواعد و محكي التذكرة و الحواشي و جامع المقاصد بعدم انتقال حق الكفالة لو انتقل الحق عن المستحق ببيع أو إحالة و غيرها، بخلاف الإرث و إن كان هو لا يخلو من نظر، خصوصا مع التصريح بذلك، و فرض رضى الكفيل و لعل ذلك كاف في تصوير مسألة المتن، و إن كان الأصح خلافه، لأن ذلك من موانع الدين الذي نقل بالحوالة، لا من آثارها و مقتضياتها، بل لعل الرهانة أيضا

ج 26، ص: 183

كذلك للأصل و غيره و الله العالم.

[المسألة الثالثة إذا أحال المشتري البائع مثلا بالثمن ثم رد المبيع بالعيب السابق بطلت الحوالة]

المسألة الثالثة: إذا أحال المشتري البائع مثلا بالثمن كله أو ببعضه ثم رد المبيع بالعيب السابق أو اللاحق في الثلاثة مثلا أو بالإقالة أو غير ذلك مما يقتضي الفسخ من حينه بطلت الحوالة عند الشيخ في المحكي عن المبسوط قيل: و إليه يرجع ما في الإيضاح، و جامع المقاصد، و عن مجمع البرهان أنه أقوى لأنها تتبع البيع في ذلك.

و في القواعد بطلت إن قلنا أنها استيفاء، فإذا بطل الأصل بطلت هيئة الإرفاق كما لو اشترى بدراهم مكسرة فأعطاه صحاحا ثم فسخ- فإنه يرجع بالصحاح، و إن قلنا أنها اعتياض لم تبطل، كما لو استبدل عن الثمن ثوبا ثم رد بالعيب، فإنه يرجع بالثمن لا الثوب.

و لعله للتردد في ذلك قال المصنف و فيه تردد كما عن الإرشاد، بل قيل:

و كذا التحرير و التذكرة و غاية المراد و غيرها، حيث لا ترجيح فيها لكن قد يقال:

إن أصالة اللزوم و عقدها و استصحابه يقتضي عدم البطلان، و هي من توابع البيع، بمعنى أنها اقتضت الحوالة بالثمن الذي هو أحد أركانه، لا من توابعه في البطلان، إذ هي عقد مستقل برأسه، و إن قلنا أنها استيفاء لكنه بعقد لازم، فلا ينفسخ بانفساخ العقد، بخلاف ما لو كان بدفع و نحوه، من حيث إنه ليس عقدا مبنيا على اللزوم، بل هو من توابع التملك بالبيع المفروض انفساخه، فيتبعه، بخلاف المفروض الذي قد حصل الملك به للدين بسبب آخر غير البيع، و هو الحوالة فلا وجه لانفساخها بانفساخه بل دعوى كونها من التوابع بالمعنى المزبور من المصادرة حينئذ، بل لا فرق في ذلك بين قبض المحتال ما أحيل به و عدمه، و إن جعل النظر و الاشكال في محكي التحرير فيما إذا رد قبل القبض، و حينئذ فللمشتري الرجوع على البائع خاصة، بل لو كان قابضا لا يتعين له المقبوض، بل الظاهر أن للمشترى الرجوع على البائع، و إن لم يقبض، لأنها بحكم الوفاء بالنسبة إلى ذلك.

و إن استشكل فيه الفاضل في القواعد من أن الحوالة كالقبض، و لهذا لا يحبس

ج 26، ص: 184

البائع بعدها السلعة، و من أن التغريم للمقبوض، و لم تحصل حقيقة، بل قال فيها أيضا: فإن منعنا الرجوع فجعل له مطالبته بتحصيل الحوالة؟ إشكال من توقف مطالبته بحقه على ذلك، و من أن المال مال غيره، و الناس مسلطون على أموالهم، و هذا حاصل ما أطنبوا في وجهه.

و لكن مقتضى أحد طرفي الإشكال الأول و الثاني تعطيل حق المشتري إذا فرض توقف رجوعه على القبض الذي للبائع تأخيره و عدم المطالبة به لتسلط الناس على حقوقها و من ذلك يعلم ان المتجه ثبوت الرجوع له و إن لم يقبض، لأنها أي الحوالة بحكم الأداء بالنسبة إلى ذلك، و ليس له مطالبة المحال عليه، لعدم الحق له، هذا كله على تقدير الصحة.

و أما على تقدير البطلان فان لم يكن أي البائع قبض المال فهو باق في ذمته أي المحال عليه للمشتري لأن الفرض انفساخ البيع و انفساخها، و ليس للبائع بعد ذلك قبضه، فلو فعل لم يقع عن المشتري، لبطلان الاذن له في ذلك، لبطلان الحوالة، و إن احتمل بقاء الإذن الضمني و ان بطلت كالوكالة و الشركة، و لكن مع كون الحكم في المقيس عليه ممنوعا كما تعرف في محله- قياس مع الفارق.

و إن كان البائع قد قبضه فقد برء المحال عليه للدفع بالاذن، و يستعيده المشتري حينئذ من البائع فليس له رده على المحال عليه، بلا خلاف أجده بين من تعرض له، لكن قد يناقش بأن مقتضى بطلان الحوالة عود المال إلى صاحبه، فلا يتوجه للمشتري حينئذ المطالبة به للبائع، هذا كله في احالة المشتري للبائع بالثمن.

أما لو أحال البائع أجنبيا له عليه دين بالثمن، على المشتري، ثم فسخ المشتري بالعيب السابق أو بأمر حادث يقتضي الفسخ من حينه، لم تبطل الحوالة (11) بلا خلاف بل عن شرح الإرشاد للفخر، الإجماع عليه لأنها تعلقت بغير المتبايعين (12) و الأصل فيها اللزوم فهو حينئذ كما لو اشترى بالثمن ثوبا فان فسخ البيع لا يقتضي استحقاق الثوب و لا فسخ عقد شرائه، بل له مثل ثمنه أو قيمته.

ج 26، ص: 185

و لو ثبت بطلان البيع من أصله لا من حينه بطلت الحوالة في الموضعين لظهور عدم اشتغال ذمة المحال عليه و إن قلنا بجواز الحوالة على البري ء، فإن الفرض ارادة الحوالة عليه من حيث ثبوت الثمن في ذمته فهي حوالة على ما في ذمته لا عليه، كما هو واضح، فالمال المقبوض حينئذ، باق على ملك المشتري و له الرجوع به مع تلفه على المحتال و على البائع، و الله العالم.

[القسم الثالث في الكفالة]

اشارة

القسم الثالث في الكفالة بالفتح، و لا ريب في أنها من العقود الصحيحة، بل في محكي التذكرة أنها كذلك عند عامة أهل العلم، و لكنها مكروهة، بها هلكت القرون الأولى و هي خسارة، و غرامة و ندامة، و المعروف في تعريفها أنها عقد شرع للتعهد بالنفس، و البحث في أنها نفس العقد، أو أثره، و في خصوص الألفاظ و المعاطاة فيها على نحو ما تقدم في البيع و غيره، و كذا اعتبار المقارنة بين إيجابها و قبولها، و العربية و نحوها مما يعتبر في العقود اللازمة.

لكن في محكي التحرير زيادة غالبا، و لعله لصحة كفالة الأعيان المضمونة عنده، أو الأعيان التي يراد الشهادة على عينها كذلك، كما صرح به بعضهم، فجوز كفالة الدابة و الكتاب و غيرهما، للشهادة على أعيانها، بل ربما احتمل ذلك في عبارة القواعد الآتية، و لكن لا يخلو من نظر أو منع، ضرورة الشك في تناول الأدلة لمثله، و الأصل عدم ترتب الآثار بل الظاهر اختصاص النفس بالآدمي لا الدابة و نحوها و في محكي التذكرة الضابط في ذلك أن نقول حاصل كفالة البدن التزام إحضار المكفول ببدنه، فكل من يلزمه حضور مجلس الحكم عند الاستعداء يستحق إحضاره بحق الكفالة ببدنه، و نحوه عن المبسوط، و ظاهرهما اختصاص موردها بما ذكرناه.

و لكن في القواعد «تصح حالة و مؤجلة على كل من يجب عليه الحضور، مجلس الحكم من زوجة يدعي الغريم زوجيتها، أو كفيل يدعى عليه الكفالة، أو صبي أو مجنون، إذ قد يجب إحضارهما للشهادة عليهما بالإتلاف، و بدن المحبوس لا مكان

ج 26، ص: 186

تسلمه بأمر من حبسه، ثم يعيده إلى الحبس، أو عبد آبق أو من عليه حق الآدمي من مال أو عقوبة قصاص- الى أن قال- و لا يصح على حد الله تعالى، و الأقرب صحة كفالة المكاتب و من في يده مال مضمون، كالغصب و المستام و ضمان الأعيان المغصوبة فإن رد برء، و إن تلف ففي إلزامه بالقيمة وجهان، الأقرب العدم، كموت المكفول، دون الوديعة، و الأمانة، و تصح كفالة من ادعى عليه، و إن لم يقم البينة بالدين، و إن جحد، لاستحقاق الحضور، و الكفالة ببدن الميت، إذ قد يستحق إحضاره للشهادة على صورته» و لكن لا يخفى عليك النظر في جملة من ذلك.

و عن فخر الإسلام «الكفالة من مذهبنا إنما تصح بشرط أن يكون على المكفول للمكفول له حق شرعي، و الحق أعم من أن يكون دينا أو عينا، و قيل: كل من يستحق إحضاره إلى مجلس الشرع فإنه تصح كفالته».

قلت: فعلى الأخير و هو الصحيح تصح الكفالة بمجرد الدعوى، دون الأول.

و على كل حال فالمتيقن من مورد الكفالة التعهد بإحضار النفس المستحق عليها بذلك بسبب حق و لو دعوى المكفول له عليها نعم لا تصح في الحدود للإجماع المحكي عن التذكرة على ذلك، و ل

قوله (صلى الله عليه و آله) في المروي من طرق الخاصة و العامة(1)«لا كفالة في حد»

و ربما تسمع لبعض المسائل المزبورة في المباحث الآتية تتمة إنشاء الله.

و يتم عقدها بالإيجاب من الكفيل و القبول من المكفول له، و من هنا لم يكن اشكال بل و لا خلاف في أنه يعتبر رضا هما أي الكفيل و المكفول له بل الإجماع بقسميه مضافا إلى معلومية عدم الالتزام بحق من دون رضى الطرفين دون المكفول الذي هو بمنزلة المضمون عنه بالنسبة إلى ذلك عند المشهور.

بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، لعموم «أَوْفُوا» بعد تناول إطلاق الكفالة لذلك، و لأن غاية الكفالة هي إحضار المكفول حيث يطلب، و من المعلوم أنه يجب الحضور عليه متى طلبه المكفول له بنفسه، أو وكيله، و الكفيل بمنزلة الوكيل الذي لا يشترط في وكالته رضى الموكل عليه.


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الضمان الحديث 1- 2.

ج 26، ص: 187

و قد يناقش بمنع تناول إطلاق الكفالة المحتمل اعتبار رضى المكفول عنه في تحقق مسماها، كرضى المكفول له، و ما في المسالك و غيرها- من أنه على تقدير اعتبار رضاه ليس على حد رضى الآخرين، بل يكفى كيف اتفق نحو ما سمعته في المحال عليه- مجرد دعوى لا دليل عليها و لا استبعاد في دعوى تركيب عقدها من قبول الاثنين مع الإيجاب من الكفيل، لا أقل من الشك في تناول الإطلاق، فلا تندرج في «أَوْفُوا» و الأصل عدم ترتب أثر الكفالة، و لعله لذا كان المحكي عن الشيخ و القاضي و ابني حمزة و إدريس اعتبار رضاه.

بل عن الفاضل في التحرير أنه قواه، لا ما قيل- من الاستدلال له بأنه إذا لم يرض بها لم يلزمه الحضور مع الكفيل، فلم يتمكن من إحضاره فلا تصح كفالته لأنها كفالة بغير المقدور، و هذا بخلاف الضمان، لإمكان وفاء دينه من مال غيره بغير اذنه و لا يمكن أن ينوب عنه في الحضور- إذ هو كما ترى مصادرة محضة، مع أنه رده في المسالك و غيرها بأن مداره على عدم وجوب الحضور معه بدون رضاه، و هو ممنوع لأن المستحق متى طلبه وجب عليه الحضور، و إن لم يكن مكفولا إجماعا، و فائدة الكفالة راجعة إلى التزام الكفيل بالإحضار حيث يطلبه المكفول له، فإن طلبه منه لا يقصر عن توكيله، و إن لم يطلبه لا يجب عليه الحضور معه و إن كان برضاه.

و إن كان قد يناقش بمعلومية زيادة حق في الكفالة على الوكالة التي هي غير لازمة للكفالة، إذ الظاهر أنه متى تعلق حق الكفالة كان له إحضاره، لإرادة البراءة من عهدته من دون طلب المكفول له، كما عن التذكرة، و التحرير، و جامع المقاصد، و ابن المتوج الجزم به، بل عن الكركي أنه قطعي، و كأن الذي أوقعه في ذلك ما في القواعد «يجب على المكفول الحضور مع الكفيل إن طلبه المكفول له منه، و إلا فلا إن كان متبرعا و إلا فكالأول، مع أن المراد منها على الظاهر وجوب الحضور مع الكفيل و إن لم يطلبه المكفول له منه إذا كانت الكفالة بالإذن، نعم لو كانت تبرعا لم يجب عليه الحضور، إلا مع طلبه منه» فهو موافق لما قلناه في القسم الأول.

و أما الثاني، فقد يناقش بأنه متى صحت الكفالة تبرعا لحقه حكمها و هو

ج 26، ص: 188

وجوب الحضور مع الكفيل لو طلبه، و لعله لان تكفيله يقتضي تسليطه عليه بالإحضار، أو أن ذلك من أحكامها شرعا، و لو لأن التكليف بالإحضار يقتضي تكليف الآخر، بالحضور، بل ربما يدعى ظهور أدلة الكفالة في ذلك فلاحظ و تأمل.

إذا تقرر هذا انحصر وجه المسألة حينئذ في أن رضى المكفول شرط ينفى مع الشك فيه بالإطلاق، أو أنه من أركان العقد على وجه لا يتحقق الكفالة بدونه، و لا أقل من الشك، و الأصل عدم ترتب الأثر، و لعل الثاني لا يخلو من قوة.

و لا ينافيه عدم اعتبار رضى المحال عليه لو قلنا به، و لا عدم اعتبار رضى المضمون عنه، لإمكان الفرق بتعارف الحوالة على مشغول الذمة بدون رضاه، على وجه لا شك في صدق اسم الحوالة عليها عرفا، و بمعلومية جواز التبرع بالوفاء عن المديون، و ليس المقام من الثاني قطعا كما لا تعارف في كفالة الغائب على وجه تندرج في الكفالة بحيث تدخل في إطلاقها فتأمل جيدا.

و كيف كان ف تصح حالة و مؤجلة على الأظهر بل لا خلاف في الثاني، بل في الروضة أنه موضع وفاق على معنى الكفالة إلى شهر، فيلزمه إحضاره بعد الشهر نحو الأجل في الدين و غيره أما لو قال: كفلته شهرا بمعنى التعهد به في ضمن الشهر، فعن التحرير صحتها، و سماها الموقتة، و لعله لإطلاق الأدلة، و على المشهور في الأول بل عن السرائر أنه حق اليقين خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخين في المقنعة و النهاية و ابن حمزة و سلار و عن القاضي في أحد قوليه، بل عن الآبي في كشف الرموز الجزم به.

لكن لم نعرف لهم دليلا نخرج به عن إطلاق الأدلة المقتضي عدم الاشتراط، كما قدمنا نظيره في الضمان، بل قد تقدم عن ابن إدريس رحمه الله تأويل كلامهم على وجه يرتفع الخلاف به، و ما ذلك إلا لضعف القول به، و دعوى- أن الكفالة لا بد لها من فائدة، فلو شرعت حالة لكانت خالية عن فائدة، إذ للمكفول له أن يطلب المكفول من الكافل وقت وقوع الكفالة من غير تربص، و ذلك يكون عبثا لا حاصل لها.

و حينئذ مع الإطلاق تكون صحيحة معجلة و إذا اشترط الأجل فلا بد أن يكون معلوما على وجه لا يختلف زيادة و نقصا، بلا خلاف نجده فيه

ج 26، ص: 189

بيننا، بل لعل الإجماع بقسميه عليه في المقام، و في غيره من العقود اللازمة حتى القائل فيها للغرر كالصلح و نحوه، و هو الحجة مضافا إلى قاعدة الغرر، بناء على عمومها، لمثل المقام، و إلا كان الأول هو الحجة، فما عن بعض العامة من جواز الجهالة في الأجل هنا قياسا على العارية واضح الفساد، بعد بطلان القياس، على أنه مع الفارق بالجواز فيها و اللزوم هنا.

و كيف كان فلا اشكال و لا خلاف في أن للمكفول له، مطالبة الكفيل بالمكفول عنه عاجلا إن كانت الكفالة مطلقة أو معجلة، و بعد الأجل إن كانت مؤجلة، فإن سلمه تسليما تاما بحيث، يتمكن المستحق منه فقد برء مما عليه من حق الكفالة، و إن لم يتسلمه منه سواء تمكن من الحاكم أو لا على الأصح بل الظاهر عدم اعتبار الاشهاد في ذلك، إلا لإرادة الإثبات لو أنكر، و إن كان قد يتوهم ذلك من المسالك و غيرها، لكن لا دليل عليه.

و إن امتنع الكفيل عن ذلك كان له حبسه عن الحكم بل و عقوبته عليه حتى يحضره أو يؤدي ما عليه كما عن النهاية، و السرائر، و النافع، و التحرير، و الإرشاد، و المصنف و الروضة،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمار(1)«أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل قد تكفل بنفس رجل و قال اطلب صاحبك»

و في خبر الأصبغ ابن نباتة(2)«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل تكفل بنفس رجل أن يحبس، و قال له: أطلب صاحبك».

و في خبر إسحاق بن عمار(3)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «أن عليا (عليه السلام) أتي برجل كفل برجل بعينه فأخذ بالمكفول فقال احبسوه حتى يأتي بصاحبه».

و في خبر عامر بن مروان (4)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «أنه اتي برجل قد كفل بنفس رجل فحبسه، فقال: أطلب صاحبك»

إلا أنها كما ترى ليس في شي ء منها التخيير بين الإحضار و الأداء كما هو ظاهر الجماعة المقتضى وجوب القبول على


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الضمان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الضمان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الضمان الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الضمان الحديث 4.

ج 26، ص: 190

المستحق مع بذله، بل الأول خاصة، و من هنا كان المحكي عن التذكرة و غيرها عدم وجوب القبول على المكفول له إذا بذل الكفيل له الحق، لعدم انحصار الغرض فيه، إذ قد يكون له غرض لا يتعلق بالأداء، أو بالأداء من الغريم لا من غيره، فله حينئذ إلزامه بالإحضار، خصوصا مما لا بدل له، كحق الدعوى، أو في ذي البدل الاضطراري كالدية عوض القتل،

و مهر المثل عوض الزوجة، و اختاره في المسالك و الرياض.

و لكن قد يناقش أولا بأن مبنى الكفالة عرفا على ذلك، بل هو المقصود بين المتعاقدين بها.

و ثانيا: بظهور

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل الصدوق (1)«الكفالة، خسارة غرامة ندامة»

كقوله

في خبر داود البرقي (2)مكتوب في التوراة «كفالة غرامة ندامة»

في اقتضائها ذلك، بل قد يشعر بذلك في الجملة حكم من أطلق غريما، أو القاتل عمدا لكن ينافي ذلك كله ما تسمعه من تفسير خبري البقباق الآتيين.

و ثالثا: بأن الظاهر اندراج التبرع بمساوئ الحق في الوفاء الذي يجب قبوله على المستحق، و إن كان من غير من عليه الحق، و دعوى اعتبار تشخيص المديون ذلك وفاء تقتضي عدم احتسابه وفاء حتى مع الرضا من المديون، و هو مخالف للمقطوع به كدعوى اختصاص ذلك في حال التراضي، التي لا مدرك لها بالخصوص، بل ليست إلا لصدق وفاء الحق، و وجوب قبول ذلك من بازله من غير فرق بين المديون و غيره و حينئذ فله التبرع بالوفاء المقتضي سقوط الحق الذي تسقط الكفالة بسقوطه، و إن لم نقل إن ذلك من مقتضياتها.

نعم إنما يتم ذلك في الدين و نحوه أما فيما لا بدل له، أو له بدل اضطراري فلا يجب عليه القبول، اللهم إلا أن يقال في مقام حصول الضرر بالتخليد بالحبس و نحوه، ينقله الحاكم إليه أو الى ما يقتضي ارتفاع مثل هذا الضرر به، كما عساه يومي إليه فحوى ما تسمعه في إطلاق القاتل.

و على كل حال فما ذكره المصنف و الجماعة، لا يخلو من قوة، ثم إن الكفيل


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام الضمان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام الضمان الحديث 5.

ج 26، ص: 191

يرجع على المكفول بما أداه إن كان الأداء عنه باذنه و إن كانت الكفالة بغير إذنه بناء على مشروعيتها، و الفرق بينها و بين الضمان بغير إذنه مع كون الأداء بإذنه أن الكفالة لم يتعلق بالمال بالذات، فيكون حكم الكفيل بالنسبة إليه حكم الأجنبي فإذا أداه بإذن من عليه فله الرجوع، بخلاف الضمان المقتضى انتقال المال إلى ذمة الضامن فلا ينفعه بعد ذلك الإذن في الأداء، لأنه كإذن الأجنبي للمديون في أداء دينه، إلا أن يراد منها الوكالة في الأداء عنه، و إن كان الدين على المؤدي المأذون و لا يرجع عليه مع عدم الإذن في الأداء، و إن كان كفل بإذنه، إذا أمكن مراجعته و إحضاره للمكفول له، ضرورة كونه متبرعا بالوفاء حينئذ، لعدم اقتضاء الكفالة الإذن في ذلك على الحال المفروض.

نعم إذا أدى مع فرض تعذر الإحضار، ففي المسالك «له الرجوع و إن لم يأذن له في الأداء، لأن ذلك من لوازم الكفالة، فالإذن فيها إذن في لوازمها» و فيه:

أنه مناف لما سمعته منه و غيره سابقا من انها لا تقتضي إلا الإحضار، و لذا لا يجب على المكفول له القبول إذا بذل الكفيل، و مع فرض أن ذلك من لوازمها يجب عليه القبول، ضرورة كونه حينئذ كالوكيل عن المديون في ذلك.

نعم قد يكون له الرجوع مما ذكرناه من قاعدة لا ضرر و لا ضرار من حيث لزوم التخليد في الحبس و نحوه المفروض كون المكفول سببا له بالإذن في الكفالة بل لعل قاعدة احترام مال المسلم تقتضي به أيضا لعدم صدق التبرع عليه بذلك، أو بغير ذلك مما لا يقتضي كونه من لوازم الكفالة، إن لم نقل أن من مقتضياتها دفع المال عن المكفول و لو في حال تعذر الإحضار، و إلا اتجه له الرجوع حينئذ كما ذكره، فتأمل جيدا و الله العالم.

و لو قال: إن لم أحضره كان على كذا لم يلزمه إلا إحضاره دون المال و لو قال علي كذا إلى كذا إن لم أحضره وجب عليه ما شرط من المال كما في القواعد و محكي الإرشاد لكن يمكن أن يكون المراد إن لم يحضره كما في النافع، و محكي النهاية و السرائر، و التحرير، و التذكرة، و حواشي القواعد، و اللمعة، و المهذب البارع،

ج 26، ص: 192

و كشف الرموز، و التنقيح، بل هو المحكي عن القاضي و ابن حمزة بل في الأخيرين و المحكي عن إيضاح النافع نسبة ذلك إلى الأصحاب، بل في المهذب في شرح عبارة النافع أن المسألة إجماعية، و في جامع المقاصد في شرح عبارة القواعد هذا مروي من طرق الأصحاب، و قد أطبقوا على العمل به، و فيه أيضا و محكي الحواشي و غاية المرام أن الفارق بين المسألتين الإجماع و النص.

و لكن مع ذلك كله نظر فيه في المسالك بعد ان حكاه عن ابن فهد، و الكركي قال: لمنع الإجماع في موضع النزاع فإن أحدا من الأصحاب لم يدعه، و الموجود كلامهم في المسألة، جماعة يسيرة، و الباقون لا يعرف حكمهم فيها، و مع ذلك فقد ذكر العلامة في المختلف كلام الشيخ و من تبعه، ثم قال: و عندي في هذه المسألة نظر ثم نقل فيها عن ابن الجنيد حكما مخالفا لما ذكره الشيخ و الجماعة، و قال: إن كلام ابن الجنيد أنسب، و قد عرفت أن للمصنف و حده فيها قولين هنا و في النافع، و للعلامة وحده فيها أربعة مذاهب فدعوى الإجماع بمثل ذلك عجيب».

و فيه ما لا يخفى عليك من عدم منافاة ذلك لحكاية الإجماع، و إن كان هو كما ذكر محلا للنظر، لكن ليس لذلك، بل لما ستعرفه إنشاء الله على أن ترك القيد من المصنف و الفاضل في بعض كتبهما مع احتمال إرادتهما له بقرينة ذكرهما له في البعض الأخر، لا ينافي الإجماع على أصل المسألة، و قول الفاضل أن قول ابن الجنيد أنسب ليس قولا في المسألة، و كذا الاحتمال المذكور عنه في الجمع، بجعل المال في أحد الشقين على المال المكفول، و في الآخر على مال غير ذلك التزم به الكفيل ان لم يحضره.

و كذا مناقشته في سند الخبرين اللذين هما الأصل في هذه المسألة.

أحدهما:

خبر البقباق (1)عن أبى عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل تكفل بنفس الرجل إلى أجل فإن لم يأت به فعليه كذا و كذا درهما، قال: إن جاء به إلى الأجل فليس عليه مال، و هو كفيل بنفسه أبدا إلا أن يبدأ بالدراهم فإن بدأ بالدراهم


1- 1 الوسائل الباب- 10 من أبواب أحكام الضمان الحديث- 2.

ج 26، ص: 193

فهو له ضامن، إن لم يأت به إلى الأجل الذي أجله»

و هو إما صحيح أو موثق.

و الثاني:

خبره الآخر(1)أيضا «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل تكفل لرجل بنفس رجل و قال: إن جئت به و إلا فعلي خمسمائة درهم (كما في التهذيب) و في الكافي (إن جئت به و إلا فعليك خمسمائة درهم)، و فيهما معا قال: عليه نفسه، و لا شي ء عليه من الدراهم، فإن

قال: علي خمسمائة درهم إن لم أدفعه اليه قال: يلزمه الدراهم إن لم يدفعه إليه»

و هو موثق أيضا بل في سنده أبان الذي هو من أصحاب الإجماع و بذلك اكتفى جماعة من الأصحاب على الفرق بين المسألتين قائلين أن كثيرا من المسائل حكم فيها بما يخالف القواعد بأقل من ذلك.

إلا أن الانصاف استبعاد التعبد في أمثال هذه المسائل، خصوصا لما في المقام الذي ليس فيه إلا تأخير الشرط و تقديمه، مع أنه إن أخر لفظا فهو مقدم معنى، بعد الإغضاء عن اقتضاء التعليق البطلان، و عن عدم صلاحية مثل اللفظ المزبور في المتن و غيره، لحصول عقد الكفالة أو الضمان به.

و لو لا ما سمعته من الإجماع المزبور لأمكن القول بأن المراد من الروايتين بيان الفرق في عقد الكفالة من الاقتصار عليه فقط، و بين اشتراط أداء المال فيه، مع عدم الإحضار، ففي الأول لا يكلف إلا النفس أبدا و في الثاني يغرم المال إن لم يحضر فيراد من قوله «إلا أن يبدأ» إظهار اشتراط الدراهم من، بدا الأمر بدوا، أى ظهر كما في الصحاح أو من، بادى فلان بالعداوة، أي جاهر بها كما فيه أيضا، أي الكفيل إنما يكلف بإحضار النفس أبدا إلا أن يظهر أو يجهر باشتراط الدراهم إن لم يأت به فحينئذ يكلف بها إن لم يحضره.

و التصرف في كتابة يبدأ بما يقتضي الأولية إنما هو من النساخ مع أنه يمكن عليها أيضا إرادة هذا المعنى لا التقدم و التأخر، و قوله فإن لم يأت به في الخبر الأول على جهة الاستفهام من السائل فأجابه بذلك، و الخبر الثاني على ما في الكافي، و بعض نسخ التهذيب منطبق أيضا على ذلك ضرورة أن اشتراط الخمسمائة فيه الأول إنما كان


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1.

ج 26، ص: 194

من المكفول له لا من الكفيل، و من المعلوم عدم التزامه بذلك إذا لم يكن ذلك من الكفيل نفسه في عقد الكفالة، و لذا قال في جوابه إنه إن قال هو علي خمسمائة درهم إن لم آت به لزم ذلك.

نعم إنما جاء الاشتباه في رواية بعض نسخ التهذيب، و الظاهر أنه اشتباه من النساخ، فإن ما في الكافي. أضبط، خصوصا مع اعتضاده ببعض نسخ التهذيب، و شهادة الرواية الأولى له، و هذا معنى جيد في الخبرين، و يشهد له ما تقدم من النصوص، الظاهرة في عدم تكليف الكفيل إلا بالإحضار، و أنه يحبس على ذلك، و هو معنى قوله هنا «و هو كفيل بنفسه أبدا».

كما أن الخبرين ظاهران أو صريحان في وجود عقد الكفالة بغير هذا اللفظ، و إنما ذكره على سبيل الاشتراط الذي يشمله عموم

«المؤمنون عند شروطهم»(1)

و ليس هو بمعنى التعليق المقتضي لبطلان العقد، و بذلك يصح بالشرط المزبور الالتزام بالمال المذكور، و إن لم يكن هو على المكفول، و إن كان المنساق إلى الذهن ارادة اشتراط ما على المكفول.

و لعل هذا أولى من المحكي عن الكركي من بيان الفرق بين المسألتين بأنه إذا قدم براءة الذمة المضمون عنه. بقوله علي كذا امتنعت الكفالة حينئذ، لعدم حق له حينئذ عليه، فلا يلزم إلا بالمال، بخلاف ما إذا قدم الكفالة، فإنه يكون الضمان- المتعقب لها لكونه معلقا على شرط- باطلا، و لمنافاة الضمان صحة الكفالة.

إذ هو كما ترى مناف لما عرفته، من النص و الإجماع المحكي و غيره من تقييد لزوم المال في صورة تقديم الضمان بعدم الإحضار، و أنه مراد المصنف هنا و ان ترك ذكره، و مناف أيضا للتعليق المقتضي لبطلان الضمان، بل و لعدم براءة المضمون عنه التي ذكرها، و بنى عليها بطلان الكفالة.

بل و مناف لما هو ظاهر الخبرين أو صريحهما من حصول عقد الكفالة أولا بغير اللفظ المزبور، بل لا يتم أيضا بناء على أن المسألة أعم من كون المكفول على مال،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4-.

ج 26، ص: 195

و غيره من قتل و زوجية و غيرهما مما لا يقبل الضمان، و على تقديره فما جعله الضامن عليه من كذا في الأولى. و خمسمائة في الثانية و مطلقا في كلام الجماعة أعم من كونه مساويا للحق الذي على المكفول و زائدا و ناقصا و مماثلا له في الحبس و مخالفا، و الضمان المدعى لا يتم إلا في قليل من هذه المسائل، بل فيه أيضا أنه ليس في العبارة المذكورة في المتن و غيره من كتب الجماعة لفظ يدل على كفالة صحيحة شرعا، و إنما الموجود فيها ضمان معلق على شرط تقدم أو تأخر، و أما الكفالة فهي مجعولة شرطا و مجرد ذلك لا يكفي في عقد الكفالة، و لو قيل أنه أتى قبل ذلك بلفظ يدل عليها، فتقدير مثل ذلك مبطل، للفرق الذي ادعاه بين المسألتين إلى غير ذلك مما لا يخفى.

و أولى أيضا مما حكاه فخر الدين عن والده من حمل الرواية على أنه التزم في الصورة الأولى بما ليس عليه كما لو كان عليه دينار فقال: إن لم أحضره فعلي عشرة دنانير، فإنه لا يلزمه المال إجماعا، لأنه التزام بما ليس عليه، أما الثانية، فإنه التزام بما عليه و هو الدينار مثلا، فكأنه قال: علي الدينار الذي عليه إن لم أحضره.

إذ لا يخفى عليك ما فيه من المنافاة لإطلاق المال في الصورتين المتقاربتين، بل مقتضى تعريف الدراهم في قوله «إلا أن» إلى آخره كون المراد الدراهم الأولى، لانسباق العهد منه كما في نظائره، على أن الرواية الثانية قد اتحد فيها لفظ الخمسمائة في الصورتين.

و أولى أيضا مما ذكره المقداد مستحسنا له قائلا أنه لم يذكره أحد من الأصحاب و هو أن المراد من الأولى الإتيان بصيغة الكفالة و تعقيبها بالتزامه بالمال ان لم يأت به، و ذلك يقتضي صحة الكفالة لتصريحه بها، و ما بعدها من المال أمر لازم للكفالة، لما تقدم من أن مقتضاها لزوم المال للكفيل إن لم يأت به و أما الثانية فإنها تشتمل على ضمان معلق على شرط و الشرط متأخر. فهي إما مبنية على جواز الضمان المعلق على شرط، أو أن الضمان تم بقوله على كذا، و الشرط بعد مناف له. فلا يلتفت إليه.

لأنه كتعقيب الإقرار بالمنافي.

إذ لا يخفى عليك ما فيه أيضا، فإنه مع ابتنائه على إرادة خصوص ما على المكفول

ج 26، ص: 196

من المال، لا وجه للحكم بصحة الضمان المعلق عندنا، كما أنه لا وجه لقياس ذلك على تعقيب الإقرار بالمنافي.

و أولى أيضا مما في المسالك فإنه بعد أن أطنب في ذكر وجوه الفرق و إفسادها.

قال: «إذا تقرر ذلك فنقول: الذي يقتضيه ظاهر الرواية أن الكفالة وقعت بصيغة تامة في الموضعين، و تعقبها ما ذكر في اشتراط، بدليل قوله «رجل تكفل بنفس رجل» ثم قسمها إلى القسمين، فإن التكفل إذا أطلق يحمل على معناه الشرعي، و إنما يتم بذكر لفظ يوجبه، و قوله بعد «فإن لم» إلى آخره إما أن يحمل على كون المكنى عنه هو الحق المكفول لأجله، عملا بقرينة مقتضيات الكفالة و حينئذ فلا إشكال في الأولى، لأنه يصير كفيلا، و ما ذكر بعد الكفالة غير مناف، ثم إن عملنا بمفهوم الشرط فهو ضامن للمال أيضا إن لم يأت به إلى الأجل، و حينئذ فلا فرق بين الصيغتين، لاتحاد الحكم فيهما، و يكون الاستثناء منقطعا إذ لم يحصل به إخراج، فكأنه بين أن الحكم كذا، إن قدم الدراهم أو أخرها، و بقي قوله في الرواية الثانية «عليه نفسه و لا شي ء عليه من الدراهم» ناظرا إلى نفس حكم الكفالة، لا إلى ما يترتب عليها عند الإخلال بالإحضار، و إن لم نعمل بمفهوم الشرط أشكل الفرق بين المقامين بما تقدم و إما أن يحمل المال الملتزم على ما هو أعم من الحق، فيكون على سبيل الجعالة فيلزمه ما التزمه إن لم يأت به في الموضعين، بإعمال مفهوم الشرط في الأولى، و للتصريح في الثانية، و يناسب هذا الحمل كون الكفالة قد لا يكون غايتها المال كالقصاص و الزوجية ثم على تقدير كون المال مجانسا، للمكفول لأجله، ينبغي الحكم باحتسابه، نظرا إلى اقتضاء الكفالة ذلك، و لو كان مخالفا احتمل رده إليه بالقيمة أيضا، و إن لم تكن الكفالة لأجل مال، فهو التزام و تبرع محض، و إطلاق الرواية يقتضي صحته و على ما قررناه فمخالفة الرواية للأصول ليست كثيرة عند إطلاقها، و لو خصصناها بالمال المقصود حصل المقصود، و إن بقي في عبارة الرواية قصور في البلاغة حيث اتحد الحكم في المسألتين مع كونه قد ردد بينهما، إلا أنه أسهل من مخالفة الأصول بغير موجب، و مع هذا فإثبات الاحكام الخارجة على تقدير العمل بإطلاقها لا يخلو من بعد، لقصور الرواية

ج 26، ص: 197

عن إثبات مثل هذه الاحكام، و لقد كنا في سعة من هذا الاختلاف لو أطرحنا أمثال هذه الروايات التي من شواذ الآحاد» انتهى.

إلا أنه كما ترى من غرائب الكلام، بل لا يستأهل ردا و لعل الذي أوقعه في ذلك إسائته الأدب في هذه المسألة مع الشيخ الذي به حفظ الحلال و الحرام، و ما كنا لنؤثر أن يقع هذا منه أو ذلك من مثله، و الله الموفق و المؤيد و المسدد.

و قد ظهر لك في جميع ما ذكرنا أن نظر الجميع في هذا الحكم إلى الخبرين المزبورين اللذين يغلب الظن بإرادة ما ذكرناه منهما، و يتبعه حينئذ الظن بضعف الفتوى بخلافه المعلوم كون منشؤها الفهم من البدأة المذكورة في الخبر، بيان الفرق بالتقدم و التأخر و الاختلال في الخبر المروي في التهذيب، و من ذلك يضعف الظن بصواب الإجماع المحكي المحتمل، لإرادة اتفاق المتعرضين لهذا الحكم من الأصحاب الذين يجوز الوهم عليهم في الخبرين المزبورين، فصار منشأ الحكم المزبور المستبعد بناؤه على التعبد المحض فلاحظ و تأمل هذا.

و في المختلف بعد أن حكى عن الشيخ و الجماعة ما سمعت قال: «و عندي في هذه المسألة نظر» ثم حكي عن ابن الجنيد أنه إذا قال الكفيل لطالب الحق: مالك على فلان فهو علي دونه إلى يوم كذا و أنا كفيل لك بنفسه، صح الضمان على الكفيل بالنفس و المال إن لم يؤده المطلوب إلى الطالب إلى ذلك الأجل، و سواء قال له عند الضمان: إن لم يأتك به، أو لم يقل له ذلك، فإن قدم الكفالة بالنفس، و قال: أنا كفيل لك بنفس فلان إلى يوم كذا، فإن جائك بما لك عليه، و هو ألف درهم و إلا فانا ضامن للألف صحت الكفالة بالنفس، و بطل الضمان للمال. لأن ذلك كالقمار و المخاطرة، و هو كقول القائل إن طلعت الشمس فمالك على فلان غريمك و هو ألف درهم علي الذي قد أجمع على أن الضمان لذلك باطل، ثم قال: و قول ابن الجنيد انسب، و لكن لا يخفى عليك انه قريب أيضا من قول الجماعة عند التأمل.

و من أطلق غريما من يد صاحب الحق أو وكيله قهرا، ضمن إحضاره أو أداء ما عليه كما صرح به غير واحد بل في الرياض نفى الخلاف فيه على الظاهر،

ج 26، ص: 198

بل عن الصيمري الإجماع عليه، لقاعدة

«لا ضرر و لا ضرار»

و فحوى ما تسمعه في القاتل و لما في المسالك و محكي التذكرة و غيرها من أنه غصب اليد المستولية المستحقة من صاحبها فكان عليه إعادتها أو أداء الحق الذي بسببه ثبتت اليد عليه و إن كان هو كما ترى، إن لم يرجع إلى ما ذكرنا أو إلى وجهه أو إلى دعوى شمول

«على اليد ما أخذت حتى تؤدى»(1)

لمثل ذلك.

و لكن لا يخفى عليك أن مدرك الحكم إن كان ذلك و نحوه، ينبغي عدم الفرق فيه بين الصبي و المجنون و غيرهما، و لعل ذلك هو مقتضى ما في المتن و غيره من التعبير بمن أطلق الشامل لذلك نحو غيره من خطاب الأسباب.

إلا أن الانصاف عدم تنقيح في كلامهم لمثل ذلك، كعدمه بالنسبة إلى غير ذلك من تفويت

استيفاء الحق بتخويف و نحوه، و ينبغي الاقتصار على محل اليقين، أو ما كان في حكمه و لو بظاهر الدليل المعتبر فيما خالف أصل البراءة و غيرها.

ثم لا يخفى عليك أن الحكم المزبور لما كان ذلك لازم الكفالة أطلق عليه اسمها و إلا فهو ليس من الكفالة المصطلحة قطعا، ضرورة عدم العقد فيه، و الظاهر كون التخيير المزبور على نحو ما سمعته في الكفالة، بمعنى أن له التبرع بالأداء فداء عن الإلزام بالإحضار، و يلزم المستحق بالقبول، و ليس له اقتراح الإحضار، فإن الضرر ينجبر بذلك، أو مع التراضي.

لكن في المسالك «ينبغي أن يكون الحكم هنا كما سلف في الكفيل الممتنع من تسليم المكفول، يطالب بالتسليم مع الإمكان لا أن يفوض التخيير اليه».

و فيه: أنه لا دليل على ذلك، بل أصل البراءة يقتضي خلافه، و خبر القاتل إنما هو في العمد الذي كان الحق فيه القصاص، و قاعدة الضرر لا تقتضي أزيد من التخيير المزبور، و من هنا لم أجد غيره ممن تقدم عليه ذكر ذلك هنا، حتى ممن عين الإحضار في الكفالة نعم ليس له الرجوع عليه بما أدى إذا لم يكن الأداء بإذنه، كما صرح به غير واحد، للأصل و غيره.


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 503.

ج 26، ص: 199

لكن قد يقال بالرجوع إذا كان الإطلاق بالإذن، لقاعدة لا ضرر، و احترام مال المسلم و الإحسان، و كون الإذن في الملزوم إذنا في اللازم، و نحو ذلك، بل في محكي التذكرة و لو تعذر عليه استيفاء الحق من قصاص أو مال و أخذ المال من الكفيل كان للكفيل الرجوع على الغريم الذي خلصه قصاصا، و يمكن ارادته ما ذكرنا، و لو أطلقه من يد الكفيل الذي كان له الرجوع عليه بأدائه عنه ضمن أيضا إحضاره أو أداء ما عليه على الوجه المزبور، بل لو أطلقه منه قبل أدائه عنه فكذلك أيضا.

و لو كان المطلق بالفتح قهرا قاتلا عمدا لزمه إحضاره أو دفع الدية مع التعذر و لو بموت بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل عن الصيمري الإجماع عليه

للصحيح أو الحسن (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل قتل رجلا عمدا فرفع إلى الوالي فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه، فوثب عليهم قوم فخلصوا القاتل من أيدي الأولياء فقال: أرى أن يحبس الذين خلصوا القاتل من أيدي الأولياء حتى يأتوا بالقاتل، قيل: فإن مات القاتل و هم في السجن قال: فإن مات فعليهم الدية يؤدونها جميعا إلى أولياء المقتول»

و منه يعلم إرادة ذلك من التخيير المزبور في المتن و غيره نعم لو كان القتل موجبا للدية على المطلق، اتجه التخيير المزبور على الوجه الذي تقدم.

لو هرب القاتل عمدا و استمر فأخذت الدية من المطلق، ثم تمكن الولي منه ردها إلى صاحبها و إن لم تقتص منه، لأن وجوبها قد كان للحيلولة المفروض زوالها، و عدم القتل مستند إلى اختيار المستحق، لكن في محكي التحرير «إذا حضر القاتل هل يقتل و يستعيد الدافع من الأولياء فيه إشكال، و هل له إلزامه بما أدى على تقدير انتفاء جواز قتله فيه نظر».

و فيه ما لا يخفى بعد فرض كون الدفع الأول للحيلولة، لا لإسقاط الحق، و إلا لم يكن لهم قتله. بل و لا رجوع عليه بما أدى إلا مع الاذن في الإطلاق، فإن فيه حينئذ ما عرفت، و إلى ذلك يرجع ما في القواعد «و لو كان قاتلا لزمه الإحضار أو الدية فإن


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب أحكام الضمان الحديث- 1-.

ج 26، ص: 200

دفعها ثم حضر الغريم تسلط الوارث على قتله فيدفع ما أخذه وجوبا و إن لم يقتل» و لا يتسلط الكفيل- لو رضى هو و الوارث بالمدفوع- على المكفول بدية و لا قصاص و الله العالم.

و لا بد من كون المكفول معينا كما صرح به الفاضل و غيره فلو قال:

كفلت أحد هذين لم يصح و كذا لو قال: كفلت بزيد أو عمرو لم يصح أيضا و كذا لو قال: كفلت بزيد فإن لم آت به فبعمرو بل في الثالث التعليق و هو مانع من صحة الكفالة لما عرفته غير مرة من منافاته للتسبيب الظاهر من الأدلة، فإشكال الفاضل فيه في القواعد في غير محله، و فيه أيضا اشتراط ما يعود على الكفالة بالنقض فلا إشكال في بطلانه كما لا إشكال في البطلان في السابقين مع إرادة الإبهام المانع من تعلق العقد لعدم المورد له أما الإبهام التخييري فظاهر المصنف و غيره منعه أيضا.

لكن قد يناقش بأن مقتضى الإطلاقات جوازه، بعد عدم ما يقتضي عدم قابلية حق الكفالة لذلك فيصح حينئذ و يبرأ بتسليم أحدهما. و يحبس إلى أن يحضر أحدهما أو يؤدي عنه، و لعله في هذا القسم توقف الأردبيلي في المحكي عنه، و هو في محله إلا ان يثبت ما يقتضي عدم قابلية حق الكفالة لذلك، و أنه كالملك الذي لا يقبل مثل هذا.

[و يلحق بهذا الباب مسائل ]
اشارة

و يلحق بهذا الباب مسائل

[المسألة الأولى إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب تسلمه إذا كان لا ضرر عليه ]

الأولى: قال في محكي المبسوط إذا أحضر الغريم قبل الأجل وجب على المكفول له تسلمه إذا كان لا ضرر عليه و كذا غير المكان المشترط، و نحوه عن القاضي و لكن لو قيل: لا يجب كان أشبه بأصول المذهب و قواعده المقتضية عدم وجوب غير الحق، بل لعل مصلحة الأجل و المكان مشتركة بينهما، و اختاره الفاضل و غيره، و هو جيد حيث يكون اشتراط الأجل و المكان حقا لهما، أما إذا كان حقا للكفيل و أراد إسقاطه كان الأجود الأول، كما تقدم نظيره في الدين المؤجل، و لعله إلى ذلك نظر الشيخ و لو سلمه و كان ممنوعا من تسلمه بيد قاهرة مثلا لم يبرأ الكفيل لعدم التسليم التام الواجب عليه، بانصراف

ج 26، ص: 201

إطلاق الأدلة إليه و لو كان المكفول محبوسا في حبس الحاكم العادل وجب تسلمه لأنه متمكن من استيفاء حقه منه ضرورة أنه برفع أمره إليه يخرجه من الحبس أو يطالبه و هو فيه و ينهى أمره معه و لو بان يحبسه على الحقين معا.

و ليس كذلك لو كان في حبس ظالم لغلبة عدم التمكن من استيفاء الحق معه، و لو فرض إمكانه، وجب تسلمه، كما أنه لو فرض عدم إمكانه في الأول لم يجب تسلمه و إن كان في حبس عادل كما هو واضح.

[المسألة الثانية إذا كان المكفول عنه غائبا و كانت الكفالة حالة انظر بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه و العود به ]

المسألة الثانية: إذا كان المكفول عنه غائبا في مكان معلوم و متجاوز مسافة القصر و كانت الكفالة حالة و طلبه منه المكفول له انظر بمقدار ما يمكنه الذهاب إليه و العود به، و كذا لو كانت مؤجله و طلبه منه أخر بعد حلولها و طلبه منه بمقدار ذلك بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن التذكرة عليه عامة أهل العلم، ضرورة اقتضاء وجوب الإحضار الذي هو مقتضى الكفالة ذلك، و إلا كان تكليفا بغير المقدور.

نعم في المسالك و محكي التذكرة و مجمع البرهان إنما يجب عليه الإحضار عند إمكانه، أما إذا لم يمكن كما إذا غاب غيبة منقطعة لا يعرف له موضع و لا خبر، لم يكلف إحضاره لعدم الإمكان و لا شي ء عليه، لأنه لم يكلف المال، بل قيل: إنه ظاهر الباقين أيضا لكن في القواعد لو هرب المكفول أو غاب غيبة منقطعة فالأقرب التزام الكفيل بالمال أو إحضاره، مع احتمال براءته، و يحتمل الصبر.

و عن جامع المقاصد أن الأول أصح، لأن مقتضى الكفالة إحضار الغريم أو أداء ما عليه من المال، و الأصل بقاء ذلك إلى أن يحصل المبرئ، و هو المسقط للحق أو موت المكفول، و أن الكفيل وثيقة على الحق كالرهن، فإذا تعذر استيفاء الحق من جهة من عليه، استوفى من الوثيقة، و هذا و إن كان مبنيا على اقتضائها التخيير مطلقا الذي قد عرفت البحث فيه أو أداء المال عند تعذر الإحضار الذي قد ذكروه في رجوع الكفيل على المكفول إذا أدى. لكن قد يقال: على القول بانحصار مقتضاها في الإحضار، بعدم اعتبار إمكانه له، بعد أن كان في حد ذاته من الممكنات، لأنه هو

ج 26، ص: 202

الذي أوقع نفسه في ذلك فيكلف به و يحبس عليه، و لو لأن يفدى نفسه بأداء ما عليه، ليتخلص من ذلك كما هو مقتضى النصوص في حبسه، و من ذلك يظهر الحال فيما لو فرط الكفيل في إحضاره بعد مطالبة المكفول له، و كان متمكنا منه فهرب أو غاب غيبة منقطعة على وجه تعذر إحضاره، أو هربه هو، ضرورة أولوية لزومه المال.

و إن حكي عن التذكرة وجوب المال إن أوجبناه بها، و إلا فإشكال، و نحوه في جامع المقاصد، و لو كان غائبا حين كفل، فالحكم في إحضاره كما لو غاب بعد الكفالة.

و عن جامع المقاصد لو وقع في بلاد الكفر بحيث لا يقدر عليه، أو في حبس ظالم لا يمكن تخليصه، وجب الصبر إلى زمان إمكان إحضاره، و لو رجى تخليصه بوجه وجب عليه السعي فيه، و لو احتاج إلى بذلك مال فإشكال، و كأنه مناف لما سمعته منه سابقا، و التحقيق في ذلك كله ما عرفت.

[المسألة الثالثة إذا تكفل بتسليمه مطلقا انصرف إلى بلد العقد]

المسألة الثالثة: ذكر غير واحد من الأصحاب بل لا أجد فيه خلافا انه إذا تكفل بتسليمه مطلقا، انصرف إلى بلد العقد و هو إن سلم، ففيما إذا كان العقد في بلد المكفول له أو بلد قراره، أما إذا كان في برية أو بلد غربة قصدهما مفارقته سريعا بحيث تدل القرائن على عدم إرادته، ففي المسالك أشكل انصراف الإطلاق إليه، و قد تقدم الكلام على نظيره في السلم، إلا أنهم لم يذكروا هنا خلافا، و فيه: أن ذلك ليس محل شك، و لا يحتمل إرادتهم، إذ الفرض حضور القرائن الدالة على عدم ارادته.

نعم قد يشك فيما إذا لم تكن قرينة، حتى إذا كان بلد العاقد و قد تقدم الكلام سابقا على نحو ذلك في كتاب السلم و غيره و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أنه إن عين موضعا لزمه لقاعدة المؤمنون و غيرها و حينئذ ف- لو دفعه في غيره لم يبرء إذا لم يتسلمه المكفول له برضى منه، لعدم كونه تسليما تاما و قيل و القائل الشيخ و القاضي كما عرفت إذا لم يكن في نقله كلفة و لا في تسلمه ضرر، وجب تسلمه و فيه تردد بل منع إلا على ما سمعته في الأجل فيما إذا فرض كون مصلحة الشرط للكفيل، و قد أسقطها.

ج 26، ص: 203

[المسألة الرابعة لو اتفقا على الكفالة و قال الكفيل لا حق لك عليه كان القول قول المكفول له ]

المسألة الرابعة: لو اتفقا أي الكفيل و المكفول له على وقوع الكفالة و لكن قال الكفيل: لا حق لك الآن عليه لأداء أو إبراء أو غيرهما، كان القول قول المكفول له بيمينه، لأصالة بقاء الحق، و كذا لو قال له:

لا حق لك حال الكفالة كان القول أيضا قول المكفول له بلا خلاف أجده فيه لأن الاعتراف من الكفيل بوقوع الكفالة تستدعي ثبوت حق فيكون هو مدعى الفساد، و المكفول له مدعى الصحة، و لا ريب في أن القول قول مدعى الصحة لأصالتها بل عن مجمع البرهان أن القول قوله بلا يمين، و إن كان هو خلاف ما صرح به غيره من دون خلاف، بل خلاف

قوله (1)«البينة على المدعي، و اليمين على من أنكر»

و على هذا فإذا حلف المكفول له و تعذر على الكفيل إحضار الغريم فهل يجب عليه أداء المال من غير بينة؟ احتمله في المسالك و محكي التذكرة، و لكنه واضح الفساد، ضرورة أعمية ثبوت صحة الكفالة من ثبوت الحق على المكفول.

نعم لو أقام المدعي البينة بالحق كان له إغرام الكفيل على الوجه الذي تقدم سابقا، لكن لا يرجع به هنا على المكفول، لاعترافه بعدم كونه كفيلا شرعا عنه، و أنه مظلوم، و لكن إذا لم يعلم فساد دعوى المكفول له أمكن الرجوع بما أغرمه على ما في ذمة المكفول مقاصة، لأنه قد صار عوضا عما أداه، أما لو علم فسادها فلا رجوع له عليه قطعا، كما هو واضح.

[المسألة الخامسة إذا تكفل رجلان برجل فسلمه أحدهما لم يبرء الآخر]

المسألة الخامسة: إذا تكفل رجلان مثلا دفعة أو مرتبا برجل فسلمه أحدهما لم يبرء الآخر (11) عند الشيخ، و ابن حمزة، و القاضي فيما حكي عنهم، فإذا هرب منه حينئذ كان له الرجوع على الثاني، للأصل، و كون الكفيلين كالرهنين اللذين إذا فك أحدهما لم يفك الآخر و (12) لكن لو قيل: بالبراءة لكان حسنا (13) بل في القواعد و غيرها من كتب الجماعة أنه الأقرب، لأن المقصود تسلمه و قد حصل، حتى

لو سلم نفسه أو سلمه أجنبي برأ، لحصول الغرض، و الظاهر أن محل البحث


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم و القضاء الحديث- 1- 5- لكن فيه و اليمين على من ادعى عليه.

ج 26، ص: 204

في التسليم عن نفسه، أما لو قصد التسليم عن صاحبه فلا إشكال في براءة صاحبه، و إن بقي هو عند الشيخ.

و على كل حال فما ذكره المصنف و الجماعة جيد، إن كان المراد من كفالتهما الإحضار الواحد و لو على وجه يكونان معا كفيلا، فإنه لا إشكال في براءة كل منهما بأدائهما معا دفعة، و بأداء كل واحد منهما، أما إذا كان المراد من كفالة كل واحد منهما الاستقلال على وجه لو أسقط المكفول له حق الكفالة من أحدهما بإقالة و نحوها لم يسقط عن الآخر. فلا يخلو كلام الشيخ من قوة حينئذ، إلا إذا قصد تسليمه عن صاحبه، فإنه يبرأ صاحبه، و لكن هو لا يبرأ كما عرفته سابقا، و الظاهر تعدد الحق بتعدد الكفيل إذا لم تكن قرينة على إرادة الأول، و دعوى اتحاد حق الإحضار لا يقتضي عدم تعدد استحقاقه من وجوه عديدة و لو تكفل لرجلين برجل ثم سلمه إلى أحدها لم يبرأ من الآخر بلا خلاف و لا إشكال، بل قيل: إنه كذلك عند العامة فضلا عن الخاصة.

[المسألة السادسة إذا مات المكفول برأ الكفيل ]
اشارة

المسألة السادسة: إذا مات المكفول برأ الكفيل على المشهور كما عن التنقيح بل في الرياض نفي الخلاف فيه، بل في محكي التذكرة بطلت الكفالة، و لم يلزم الكفيل شي ء عند علمائنا، بل عن الغنية الإجماع عليه، قيل: لأنه تكفل ببدنه على أن يحضره، و قد فات بالموت، و لأنه قد سقط الحضور عن المكفول فيبرأ الكفيل و فيهما ما لا يخفى.

نعم قد يقال: ان المتبادر إنما هو الإحضار حال الحياة و إن ذلك هو المتعارف بين الناس، فيحمل الإطلاق عليه، أو لمعلومية كون المراد من الكفالة الإحضار مقدمة لتحصيل الحق المعلوم انتفاؤه بالموت، بل قد يدعى بناء شرعيتها في مثل ذلك على ذلك، بحيث لو صرح بخلافه لم تصح، و من ذلك يحتمل إلحاق غير الموت به، إذا كان بحيث يخرج عن قابلية تحصيل الحق منه بجنون و نحوه هذا.

و لكن في المسالك «يمكن الفرق بين أن يكون قد قال: في عقد الكفالة كفلت لكن حضور بدنه، أو حضور نفسه أو حضوره فيجب في الأول إحضاره ميتا إن طلبه

ج 26، ص: 205

منه، و إلا فلا، و يبنى الثاني على أن الإنسان ما هو فإن كان الهيكل المحسوس فكذلك، و إلا فلا» و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت من بناء شرعية الكفالة في تحصيل الحق على ذلك، فلا مدخلية للعبارة حينئذ.

نعم لو كان المراد منها الشهادة على عينه و صورته، اتجه حينئذ صحتها و الإلزام بإحضاره ميتا، بناء على صحة الكفالة في ذلك كما سمعته سابقا من الفاضل في القواعد، و لعله لذا قيد الحكم المزبور هنا في القواعد بغير الشهادة على عينه، بل في المسالك تبعا للمحقق الثاني عدم الفرق في ذلك بين كونه قد دفن أو لا، لأن ذلك مستثنى من حرمة نبشه، سواء قلنا بجوازه للمال و عدمه، و لو فرض تغيره على وجه لا يمكن الشهادة عنه لم يجز إحضاره لانتفاء الغرض حينئذ.

و بذلك يظهر لك النظر فيما في القواعد من خروج الكفيل على إحضاره للشهادة على عينه عن العهدة، بالدفن إن حرمنا النبش لأخذ المال، ضرورة عدم تفريع ذلك عليه، فان الشهادة على عينه من مستثنيات النبش، سواء قلنا بجوازه لأخذ المال و عدمه، و قد تقدم في كتاب الجنائز البحث عن هذه المسائل، و لو أنه بناه على جواز نبشه للشهادة على عينه كان أولى، كما أنه لا يخفى عليك النظر في أصل صحة الكفالة في ذلك، للشك في تناول أدلتها لمثله، و لو كان موته بعد مماطلة الكفيل بإحضاره، فقد يظهر من إطلاقهم اتحاده في الحكم، لكن لا يخلو من نظر، بل لولا الإجماع المزبور لم يخل أصل الحكم من نظر، بناء على اقتضاء الكفالة التخيير بين الإحضار و المال، فإنه إذا تعذر الأول يبقى الآخر فتأمل جيدا، هذا كله في موت المكفول.

أما موت الكفيل فلا إشكال في بطلان الكفالة حينئذ بخلاف موت المكفول له.

فإن الحق ينتقل إلى وارثه، لعموم أدلة الإرث، بعد أصالة بقاء الحق، بل قد ذكرنا سابقا في الحوالة احتمال انتقال حق الكفالة بانتقال الدين ببيع أو حوالة و نحوهما، و إن صرح الفاضل في القواعد و بعض شراح كلامه بعدم انتقاله كما ذكرنا ذلك سابقا.

و كذا يبرء الكفيل لو جاء المكفول و سلم نفسه للمكفول له عن

ج 26، ص: 206

الكفيل تسليما تاما أو سلمه أجنبي عنه كذلك، و قبل المكفول له لذلك، لحصول الغرض، و عدم الدليل على اعتبار كون ذلك من الكفيل، إذ ليس هذا الحق أعظم من الدين، بل لا يبعد وجوب القبول لنحو ما سمعته منا في دفع الدين مع المتبرع كما عن الأردبيلي التصريح به هنا.

بل لعله ظاهر المتن و غيره عدا الفاضل في محكي التذكرة، و بعض من تبعه فإنه صرح بعدم وجوب القبول عليه، إلا أن يكون عن إذن الكفيل، لعدم وجوب قبض الحق إلا ممن عليه، و فيه نظر و لو سلم نفسه أو الأجنبي لا عن الكفيل ففي موضع من محكي التذكرة عدم البراءة، و عن موضع آخر منها إطلاق البراءة، و استجوده في المسالك و لكن لا يخلو من إشكال كما عرفته سابقا في كفالة الاثنين.

[فرع لو قال الكفيل أبرأت المكفول فأنكر المكفول له كان القول قوله ]

فرع: لو قال الكفيل: أبرأت المكفول، فأنكر المكفول له كان القول قوله مع يمينه لأصالة بقاء الحق بعد اعترافه بثبوته سابقا، كما هو مقتضى دعوى الإبراء فلو رد اليمين على الكفيل، فحلف برء من حق الكفالة لكن لم يبرأ المكفول من المال بيمين غيره، فالدعوى بينه و بين المكفول مستقلة، فله اليمين على المكفول له لو ادعى عليه الإبراء، و لا يكتفى باليمين التي حلفها للكفيل، كما أن له رد اليمين على المكفول، فإذا حلف برء حينئذ.

نعم لو فرض سبق دعوى الإبراء من المكفول فحلف اليمين المردودة برء هو و كفيله، و إن كان قد حلف المستحق أولا للكفيل على عدم الإبراء لسقوط الحق بيمين المكفول فتسقط الكفالة، كما لو أدى الحق و عدم بناء أحد منهم الحكم في شي ء من ذلك هنا، على كون اليمين المردودة كالبينة أو الإقرار يقتضي كونها أصلا برأسه.

[المسألة السابعة لو كفل الكفيل آخر و ترامت الكفلاء جاز الكفالات و صح ]

المسألة السابعة: لو كفل الكفيل آخر و ترامت الكفلاء، جاز الكفالات و صح بلا خلاف و لا إشكال، لوجود مقتضي الكفالة، و لو أقال المستحق الكفيل الأول برؤا أجمع، و كذا لو أحضر الأول منهم المكفول لأنهم فروعه، و لو أقال أحدهم برء هو و من بعده دون من قبله، كما أنه لو مات يبرء من كان فرعا له، و لو مات الأول برؤا أجمع، و ليس للمكفول له مطالبة ورثة الكفيل الأول، و إن احتمل، لكنه في غير

ج 26، ص: 207

محله، و لو مات المكفول برؤا أجمع أيضا و لا يتوهم من صحة تراميها صحة دورها كما في الضمان و الحوالة، لأن حضور المكفول الأول يوجب براءة من كفله، و إن تعذر فلا معنى لمطالبته بإحضار من كفله كما هو واضح.

[المسألة الثامنة لا تصح كفالة المكاتب ]

المسألة الثامنة: لا تصح كفالة المكاتب المشروط عند الشيخ بناء على أصله المتكرر من عدم لزوم مال الكتابة عليه، لجواز تعجيزه نفسه، و فيه ما عرفت من منع ذلك أولا. و من عدم اقتضائه الفساد ثانيا، و لذا قال المصنف على تردد بل في المسالك «و نزيد هنا أنه إما عبد أو مديون و كلاهما مجوز للكفالة، و موجب للإحضار» و هو مبني على ما سمعته سابقا من الفاضل من جواز كفالة العبد. إلا أنك قد عرفت تقييده له بالآبق، بل ظاهر المحكي عن غيره اعتبار اعتياد الإباق و قد عرفت النظر في أصل صحة الكفالة في ذلك، و إن كان لا يخلو من وجه باعتبار كونه مكلفا مستحقا عليه الحضور، بخلاف الدابة و نحوها من الأموال.

[المسألة التاسعة لو كفل برأسه أو بدنه أو بوجهه صح ]

المسألة التاسعة: لو كفل برأسه أو بدنه أو بوجهه أو نحو ذلك صح لأنه قد يعبر بذلك عن الجملة عرفا بلا خلاف أجده إلا من ثاني الشهيدين تبعا لمحتمل المحقق الثاني، قال: «لأن العضوين المذكورين و إن كانا قد يطلقان على الجملة، إلا أن إطلاقهما على أنفسهما خاصة شائع متعارف إن لم يكن أشهر، و حمل اللفظ المحتمل لمعنيين على الوجه المصحح مع الشك في حصول الشرط، و أصالة البراءة من لوازم العقد غير واضح، نعم لو صرح بإرادة الجملة من الجزئين اتجهت الصحة كما أنه لو قصد الجزء بعينه لم يكن الحكم كالجملة قطعا، بل كالجزء الذي لا يمكن الحياة بدونه، و بالجملة فالكلام عند الإطلاق و عدم قرينة تدل على أحدهما فعند ذلك لا يصح التعليل بأنه قد يعبر بذلك عن الجملة».

و فيه أن المراد من التعليل المزبور بيان صحة الإطلاق المزبور المراد منه ذلك قطعا في عقد الكفالة، و لو باعتبار تعارف التعبير به مريدا به الجملة فيها، أو بيان الاكتفاء في الحمل على الوجه الصحيح، لأصالة الصحة و غيرها بقابلية اللفظ لذلك بخلاف ما إذا لم يكن قابلا، و على هذا أو الأول يحمل كلام الأصحاب.

ج 26، ص: 208

نعم الحق بهما الفاضل في محكي التحرير و التذكرة الكبد و القلب و نحوهما من الأعضاء التي لا يمكن الحياة بدونها و الجزء المشاع كالثلث و الربع و غيرهما، و نظر فيه في القواعد من عدم السريان كالبيع، و من عدم إمكان إحضار الجزء إلا بالجملة فيسري، و في جامع المقاصد «لقائل أن يقول: إن إحضاره و إن كان غير ممكن بدون إحضار الجميع لا يقتضي الصحة، لأن الإحضار فرع الكفالة، و المطلوب إنما هو صحة الكفالة، و إحضار ذلك العضو، و حيث أن صحتها إنما تكون بكفالة المجموع لم تصح هنا، إذا المتكفل به ليس هو المجموع، و لا ما يستلزمه، و إن كان حكم الكفالة و هو إحضار ذلك العضو غير ممكن إلا بإحضار المجموع، و العقود أسباب متلقاة من الشارع فلا بد في صحتها من النص، مع أن التعبير بذلك عن الجملة غير متعارف» و تبعه على ذلك في المسالك، بل قال: «و حينئذ فعدم الصحة أوضح».

و فيه أن المراد بالاكتفاء في موضوع الكفالة الذي هو المجموع ملاحظته و لو بعنوان المقدمة لما هو المذكور في عقدها، و لا يبعد الاكتفاء به، لإطلاق الأدلة بل لو كان المقصود من ذلك إرادة الجملة صح، و إن لم يتعارف التعبير به عنها، لعدم اشتراط نحو ذلك في متعلق العقد، بل يكفي فيه إرادته من اللفظ بالعربية، و إن لم يجر على قانون اللغة، و لكن مقتضى ذلك أنه لا يتم قول المصنف و لو تكفل بيده أو رجله و اقتصر، لم يصح، إذ لا يمكن إحضار ما شرط مجردا و لا يسرى إلى الجملة بل هو المحكي عن المبسوط و من تأخر عن المصنف.

نعم في القواعد وجهان و في المسالك لا يبعد القول بالصحة ممن يقول بها فيما سبق، اللهم إلا أن يقال: إن الوجه في ذلك عدم معلومية ملاحظة الجملة، و لو بعنوان المقدمة ضرورة إمكان انفصالهما مع بقاء الحياة، فلا يتيقن إرادة موضوع الكفالة، لعدم القرينة بخلاف الأول الذي لا يمكن التعيش بدونه، إذ احتمال الإتيان بهما بعد موته مناف لأصل موضوع الكفالة المفروض ملاحظتهما إياه، فلو فرض حصول قرينة في محل البحث على ملاحظة الإتيان بالجملة مقدمة لذلك، أمكن الإكتفاء فيها بذلك لنحو ما عرفت، أو يقال: إن الوجه في فرق الأصحاب بينه و بين الأول هو صحة التعبير

ج 26، ص: 209

بالأول عن الجملة، فيكفي أصل الصحة حينئذ في الحكم بإرادتها منه، بعد فرض عدم صحة التعبير لها عن الجملة بل لا بد من التصريح بذلك، أو بقرينة اخرى، فيكفي حينئذ، و إن كان غلطا لما عرفت و الله العالم و المؤيد و الموفق و المسدد. و قد تم و الحمد لله رب العالمين أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

ج 26، ص: 210

[كتاب الصلح ]

اشارة

كتاب الصلح الذي قد دل على شرعيته بالخصوص، الكتاب و السنة و الإجماع من المسلمين قال الله تعالى (1)«وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ» و قوله (2)«فَاتَّقُوا اللَّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ» و قوله (3)«إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما» و قوله (4)«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ» و قوله (5)«فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ» و قوله (6)«أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ» و إن كان في دلالة ما عدا الأول على الصلح العقدي الذي عند الأصحاب تأمل، بل قيل:

و الأول، و

في النبوي المروي في طرق العامة و مرسلا في الفقيه (7)«الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا».

و في خبر حفص بن البختري (8)عن أبي عبد الله عليه السلام «الصلح جائز بين المسلمين».

و في آخر عنه (9)عليه السلام أيضا «في الرجل يكون عليه الشي ء فيصالح فقال: إذا كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس».


1- 1 سورة النساء الآية- 128-.
2- 2 سورة الأنفال الآية- 8-.
3- 3 سورة النساء الآية- 35-.
4- 4 سورة الحجرات الآية- 49-.
5- 5 سورة الحجرات الآية- 49-.
6- 6 سورة النساء الآية- 14-.
7- 7 الوسائل الباب 3- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 2-.
8- 8 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1-.
9- 9 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 3-.

ج 26، ص: 211

و في ثالث(1)

عنه عليه السلام أيضا «سألناه عن الرجل يكون عنده مال لأيتام فلا يعطيهم حتى يهلكوا، فيأتيه وارثهم و وكيلهم فيصالحه على أن يأخذ بعضا و يدع بعضا و يبرأه مما كان عليه أ يبرأ منه؟ قال: نعم»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على كونه عقدا مستقلا بنفسه، لا يتوقف على سبق خصومة، مثل البيع و غيره من العقود.

و إن كان هو في الأصل عقد شرع لقطع التجاذب و التنازع بين المتخاصمين إلا أن ذلك فيه من الحكم التي لا يجب اطرادها مثل المشقة في حكمة القصر، و نقصان القيمة في الرد بالعيب، و استبراء الرحم للعدة، و غيرها من الحكم التي لا تقتضي تخصيصا أو تقييدا لعموم الدليل أو إطلاقه المقتضى ثبوت الحكم في غير

محلها، فضلا عن خصوص الأدلة من السنة المستفيضة أو المتواترة و الإجماع بقسميه، كما هو واضح.

و إن أطنب فيه في المسالك و غيرها، حتى أن بعضهم التجأ إلى دعوى أنه و إن كان شرع في قطع الخصومة، إلا أنه لا دليل على اشتراطها فيه، بل الأصل عدم ذلك. و آخر إلى غير ذلك مما لا حاجة إليه بعد ما عرفت و لا إلى ما قيل:- من أنه ربما يشعر لفظ الصلح بتحقق منازعة، لكن لا يتعين كونها سابقه، بل يصح إطلاقه بالإضافة إلى دفع منازعة متوقعة محتملة، و إن لم تكن سابقه، كما يفصح عنه آية النشوز(2)فاشتراط السبق في مفهومه غفلة واضحة.

نعم لا تساعد الأخبار المتقدمة على الدلالة على المشروعية حيث لا منازعة سابقه و لا متوقعة و لكن يمكن الذب عنه بعدم القائل بالفرق بين الأمة فكل من قال:

بالمشروعية لدفع منازعة و إن لم تكن سابقه كما دل عليها إطلاق الاخبار المذكورة قال بها في الصورة المزبورة التي لم تكن فيها منازعة سابقه و لا متوقعة،- إذ فيه أن المراد بلفظ الصلح الواقع في إيجاب العقد إنشاء الرضا بما توافقا و اصطلحا و تسالما عليه فيما بينهما، لا أن المراد به خصوص الصلح المتعقب للخصومة مثلا كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1-.
2- 2 سورة النساء الآية 128.

ج 26، ص: 212

و على كل حال ف ليس هو عندنا فرعا على غيره من العقود و ان أفاد فائدته بل في التذكرة و عن السرائر الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى ظهور الأدلة السابقة أو صريحها في عدم فرعيته بل بعض موارده المصرح بها في بعض النصوص لا يصلح لأن يكون موضوعا لغيره، على أن إفادة عقد مفاد آخر لا يقتضي الاتحاد معه على وجه تلحقه أحكامه، و إلا لاقتضى اتحاد الهبة مثلا بعوض معلوم مع البيع، و هو واضح البطلان، فإن الأحكام الشرعية تتبع عناوينها، فكل حكم ثبت لموضوع خاص منها لا يثبت لغيره من تلك الحيثية.

نعم لا بأس بثبوته من دليل آخر، فما عن الشيخ- تارة أنه بيع مطلق، و أخرى ما عن الشافعي، من أنه فرع له إذا أفاد نقل العين بعوض معلوم، و للإجارة إذا وقع على منفعة معلومة بعوض معلوم، و للعارية إذا تضمن التسلط على منفعة بغير عوض، و للهبة إذا تضمن ملك العين بغير عوض، و للإبراء إذا تضمن إسقاط دين- لا وجه له ضرورة فرض عدم القصد به شيئا منها، و إلا كان باطلا لعدم وقوع البيع و الهبة مثلا بلفظ الصلح، و لا دليل على ثبوت أحكامها له إذا أفاد فائدتهما، على أنه لا يتم فيما ثبت بالنصوص من موضوع الصلح الذي لا يندرج في شي ء من المذكورات كما لا يخفى على من لاحظها، بل الاتفاق فتوى و رواية هنا على عدم اشتراط المعلومية في المصالح عليه في الجملة، بخلاف البيع.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في أنه يصح مع الإقرار و الإنكار بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى العمومات. نعم المراد من الصحة- مع الإنكار- الظاهرية بمعنى أنه يجرى عليه حكم الصحة ظاهرا لا في نفس الأمر، فإن المدعي- دينا أو عينا أو منفعة مثلا و أنكره المدعى عليه- إن كان محقا لم يصح للمنكر ما بقي له من مال المدعي،- سواء كان من الجنس أو لا، و سواء عرف المالك قدر الحق أولا، و سواء ابتدأ هو بطلب الصلح عن حقه أم لا، لأنه ربما كان توصلا إلى أخذ بعض حقه، بل لو فرض أنه صالحه عن العين مثلا بمال فهي بأجمعها حرام، و لا يستثنى له منها مقدار ما دفع إليه من العوض، لفساد المعاوضة في نفس الأمر، إلا أن يفرض

ج 26، ص: 213

رضا المدعي باطنا بالصلح عن جميع ماله في الواقع بذلك- و إن كان مبطلا لم يحل له ما دفعه إليه المنكر، رفعا لدعواه الكاذبة و للضرر عن نفسه و نحو ذلك مما لا يتحقق معه التراضي المبيح لأكل مال الغير إلا مع فرض الرضا المزبور، و إنما الحكم بالصحة بحسب ظاهر الشرع، لاشتباه المحق من المبطل،

قال على بن أبي حمزة(1)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: رجل يهودي أو نصراني كان له عندي أربعة آلاف درهم، فهلك، أ يجوز لي أن أصالح ورثته و لا أعلمهم كم كان؟ فقال: لا يجوز حتى تخبرهم»

و في صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا كان للرجل على الرجل دين فمطله حتى مات، ثم صالح ورثته على شي ء، فالذي أخذه الورثة لهم، و ما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الآخرة، فإن لم يصالحهم على شي ء حتى مات و لم يقض عنه فهو كله للميت يأخذه به».

نعم في المسالك «لو كانت الدعوى مستندة إلى قرينة تجوزها، كما لو وجد المدعي بخط مورثه أن له حقا على أحد أو يشهد له من لا يثبت بشهادته الحق، و لم يكن المدعي عالما بالحال، و توجهت له اليمين على المنكر فصالحه على إسقاطها بمال أو على قطع المنازعة فالمتجه صحة الصلح في نفس الأمر، لأن اليمين حق يصح الصلح على إسقاطها، و مثله ما لو توجهت الدعوى بالتهمة، حيث يتوجه اليمين على المنكر و لا يمكن ردها».

لكن في جامع المقاصد في مفروض المسألة «ليس بعيدا من الصواب صحته ظاهرا و ما في نفس الأمر تابع لصحة الدعوى و عدمها، و يحتمل الصحة مطلقا، لأن اليمين حق فيصح الصلح لاسقاطها».

قلت: قد يناقش في الصحة ظاهرا في الأول بأنها غير متصورة بعد القطع بكون أحدهما مبطلا سواء كان المدعى أو المنكر، و الفرض كفايته في الفساد في نفس الأمر فكيف يجامع الحكم بالصحة في ظاهر الشرع، اللهم الا أن يدعى أن مبنى شرعية


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث 2- 4 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 2- 4- مع اختلاف يسير.

ج 26، ص: 214

الصلح على ذلك، فيحكم حينئذ بالصحة عليه ظاهرا ما دام الواقع مشتبها، و لم يعلم المبطل منهما بعينه، فيجب على المصالح دفع ما وقع عليه الصلح من العوض، كما أنه لا يجوز للمصالح بالكسر الدعوى بما وقع الصلح عنه، و إن كان هذا الصلح لا يبيح للمبطل منهما الشي ء في نفس الأمر، و لذا لو انكشف الحال بعد الصلح بإقرار عمل عليه، حكم بفساد الصلح في الظاهر أيضا، و هل البينة كالإقرار في ذلك وجهان هذا و قد تقدم في التحالف في كتاب البيع ما يستفاد منه ان القطع بالواقع في الجملة لا ينافي إجراء الحكم في الظاهر تبعا لمؤثريته، و كذا قد يناقش في الصحة في نفس الأمر في الثاني بأن المتجه عليه حلية ذلك له، حتى لو انكشف الحال بعد ذلك، و لا أظن القائل يلتزمه، و لعله لذا جعل الصحة في الواقع في جامع المقاصد تابعة لصحة الدعوى في نفس الأمر و عدمها، و كون اليمين حقا يصح الصلح على إسقاطه، لا ينافي اعتبار المراعاة فيه بما إذا لم ينكشف الواقع، و إلا جرى الحكم على ما في الواقع.

نعم ما دام الواقع مشتبها في نفسه يحكم بملكيته العوض مثلا و يحل التصرف فيه و نحو ذلك، و يمكن تنزيل مراد القائل بالصحة في نفس الأمر على ذلك، لا أن المراد الصحة فيه مطلقا حتى لو بان الأمر بعد ذلك.

اللهم إلا أن يدعى ان ظهور الأمر بعد ذلك لا ينافي ثبوت الحق وقت الصلح الذي قد وقع على إسقاطه، و هو كاف في الصحة في نفس الأمر و ان انكشف الحال بعد ذلك.

و لكنه كما ترى، على أنه لا يتم فيما لو فرض انكشاف الحال بصحة دعوى المدعي، فإن المال حينئذ في يد المنكر باق على ملك المدعي الذي قد صولح على إسقاط ماله من حق اليمين، و لم يحصل منه ما يقتضي انتقال المال إلى المنكر، لأن الفرض عدم حصول الرضا منه بالمعاوضة عليه، و بالجملة يمكن أن يقال: إن الصلح في قطع الدعوى كاليمين من المنكر الذي قد يدعى أنها من أقسام المعاوضة شرعا أيضا و قد ذكروا أيضا فيه أنه ليس له المقاصة باطنا، و إن كان هو لا يبيح المال في الواقع.

نعم لو أقر بعد ذلك أخذ بإقراره خاصة، و في البينة خلاف، لصحة عدم

ج 26، ص: 215

الالتفات إليها، فيمكن جعل الصلح القاطع للنزاع مثله في ذلك كله، ضرورة كون المنشأ في ذلك كله إسقاط الدعوى و استيفاء المدعي عوضها اليمين، و نحو ذلك مما يأتي مثله في الصلح فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من نظر، كما أنه لا يخلو حلية المال بمجرد كتابة المورث مثلا منه أيضا.

نعم قد يقال: بحلية ما دفع المتخلص من يمين التهمة باعتبار إيماء مشروعية اليمين لها بذلك، و لو قلنا بمثله في كتابة المورث أمكن حليته لذلك.

و كيف كان فقد ظهر لك أن الصلح بين المسلمين جائز مع الإقرار و الإنكار إلا ما أي صلحا أحل حراما كاسترقاق الحر و استباحة بضع المحرمات و شرب الخمر، و اللواط أو حرم حراما بأن لا يطأ حليلته، أو لا ينتفع بماله، أو نحو ذلك مما علم عدم جواز الصلح على اجتنابه، و حينئذ فالاستثناء متصل، ضرورة كون الصلح على مثل ذلك باطلا ظاهرا و باطنا، و ربما فسر أيضا بصلح المنكر على بعض المدعى به أو منفعته أو بدله مع كون أحدهما عالما ببطلان الدعوى كما سبق تحريره، لكن الاستثناء حينئذ منقطع، لما عرفت من الحكم بصحته ظاهرا، و إنما هو فاسد في نفس الأمر، و الحكم بالصحة و البطلان إنما يطلق على ما هو الظاهر.

نعم بناء على ما عن الشافعي من عدم الصحة مع الإنكار يكون الاستثناء متصلا و ربما كان ذلك هو الدليل له، فإنه حينئذ محلل للحرام بالنسبة إلى الكاذب، و محرم للحلال بالنسبة إلى المحق، الا أن فيه ما عرفت، مضافا إلى عدم ظهور الخبر المزبور فيه، بل يمكن أن يكون مراد الشافعي البطلان في نفس الأمر أيضا خاصة لا مطلقا و حينئذ يرتفع النزاع بيننا و بينه كما أنه يمكن دعوى الاتصال على ذلك أيضا، بناء على ارادة البطلان في نفس الأمر من عدم الجواز في الخبر المزبور، كما أنه يمكن إرادة جعل الصلح شارعا من الاستثناء، بمعنى أن الصلح الباطل هو الذي يكون مضمونه تحليل ما حرم الله و بالعكس، على وجه يكون به الحل و الحرام، إلى غير ذلك من الوجوه المحتملة فيه، و الله العالم.

و كذا يصح الصلح مع علم المصطلحين بما وقعت المنازعة فيه، و مع

ج 26، ص: 216

جهالتهما به بلا خلاف فيه في الجملة، بل في المسالك و غيرها الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة و خصوص

الصحيح (1)عن الباقر و الصادق عليهما السلام «أنهما قالا في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه، لا يدرى كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك، و لي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا و طابت به أنفسهما»

، و نحوهما الموثق (2)و المناقشة- باحتمال كون مضمونها الإبراء، لا الصلح- يدفعها فهم الأصحاب ذلك منها، و ظهور إرادة المعاوضة فيها، و ليست حينئذ إلا الصلح، فلا إشكال حينئذ في الدلالة على المطلوب، على أن الحاجة ماسة إلى تحصيل البراءة مع الجهل، و لا وجه إلا الصلح.

نعم لو كان أحدهما عالما به دون الآخر لم يصح الصلح في نفس الأمر بل لا بد من الإعلام بالقدر إن كان الجاهل المستحق، كما سمعته في خبر أبي حمزة،(3)أو كان المصالح به قدر

حقه مع فرض عدم تعينه، و مع ذلك فالعبرة بوصول الحق لا بالصلح.

نعم لو فرض الرضا الباطني على كل حال صح كما عرفته فيما تقدم، و إن كان العالم، المستحق، لم يصح الصلح بزيادة عن الحق بل بقدره فما دون عكس الأول إلا مع فرض الرضا المزبور الذي يمكن استفادة حكمه- مضافا إلى(4)

عموم «تسلط الناس على أموالهم-»

من

الصحيح (5)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يكون عليه الشي ء فيصالح؟ فقال: إذا كان بطيبة نفس من صاحبه فلا بأس»

و غيره بناء على إرادة الصلح بالأنقص كما هو الغالب، مع عدم اعلامه بالحال، و الحكم في ذلك كله واضح، بل الظاهر عدم اعتبار المنازعة في ذلك، إذ الحكم المزبور يأتي في مطلق التصالح و إن لم تكن منازعة مع علمهما و جهلهما كوارث تعذر علمه بمقدار حصته، و شريك امتزج ماله بمال الآخر بحيث لا يتميز و لا يعلمان قدر ما لكل منهما و نحو ذلك، بل في المسالك


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث 2.
4- 4 البحار ج 2 ص 272 من الطبعة الحديثة.
5- 5 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 3.

ج 26، ص: 217

«و لو كان جهلهما بالقدر لتعذر المكيال و الميزان و مست الحاجة إلى نقل الملك فالأقرب الجواز و هو خيرة الدروس».

قلت: بل في التذكرة: لا يشترط العلم بما يقع الصلح عنه لا قدرا و لا جنسا بل يصح الصلح سواء علما قدر ما تنازعا عليه و جنسه أو جهلاه دينا كان أو عينا و سواء كان إرثا أو غيره عند علمائنا أجمع» إطلاقه- كما في المتن و غيره، بل و النصوص كما اعترف به في الرياض- يقتضي عدم الفرق في الصحة بين كون المصالح عنه مما يتعذر معرفتهما له مطلقا أو لا، أمكن معرفته في الحال أم لا، لعدم مكيال أو ميزان و نحوهما من أسباب المعرفة بل لا خلاف في الأولى على ما قيل، لاتفاق الأدلة نصا و فتوى عليها، مضافا إلى أن إبراء الذمة أمر مطلوب، و الحاجة إليه ماسة، و لا طريق إليه إلا الصلح، فلا إشكال فيها، و كذا في الثالثة عند جماعة كالشهيدين و الفاضل المقداد لتعذر العلم به في الحال مع اقتضاء الضرورة و مساس الحاجة لوقوعه، و الضرر بتأخيره و انحصار الطريق في نقله فيه مع تناول الأدلة السابقة له، و من هذا القبيل أيضا الصلح على نصيب من ميراث أو عين يتعذر العلم بقدره في الحال، مع إمكان الرجوع في وقت آخر إلى عالم به، مع مسيس الحاجة إلى نقله في الحال.

نعم و الرياض يشكل في الثانية من عموم الأدلة بالجواز المعتضدة بإطلاقات عبائر كثير من الأصحاب، و من حصول الجهل و الغرر فيها الموجبين للضرر بالزيادة و النقيصة مع إمكان التحرز عنهما، و لذا قيد في المسالك و غيرها الصحة بما إذا تعذر تحصيل العلم بالحق و المعرفة بالكلية، ثم قال: و هو حسن، إما لترجيح عموم أدلة النهي عن الغرر أو لتعارضهما مع عموم جواز أدلة الصلح مع عدم مرجح للثانية، فلا بد من المصير حينئذ إلى حكم الأصل، و هو الفساد و عدم الصحة، مضافا إلى إمكان ترجيح أدلة النهي عن الغرر باعتضادها بالاعتبار، و رجحانها عند الأصحاب على أدلة الصحة في كثير من المعاملات المختلفة كالبيع و الإجارة و نحوهما من المعاملات المختلفة.

و فيه أولا: منع العموم في المعتبر من أدلة النهي عن الغرر، فضلا عن ترجيحه أو معارضته لعموم الصلح و الرجوع إلى أصالة الفساد إذ لم نعثر في المعتبر منها إلا

ج 26، ص: 218

على النهي عن الغرر(1)في البيع الملحق به الإجارة بالإجماع.

على أن إطلاق النصوص السابقة- و معقد إجماع التذكرة المعتضد بإطلاق المتن و غيره من عبارات الأصحاب كما اعترف هو بذلك كله- كاف في تخصيص أدلة الغرر، بل

قوله (2)في الصحيحين «إذا تراضيا بذلك و طابت أنفسهما»

ظاهر إن لم يكن صريحا في أن المدار في الصحة على ذلك، و لو مع الجهل الذي يمكن زواله، كظهور الحكم بالصحة في الصورتين الأوليين في ذلك أيضا عند التأمل، خصوصا الثانية منهما، ضرورة عدم صلاحية التعذر في الحال مع مسيس الحاجة إلى النقل الممكن بالهبة المعوضة و نحوها لارتفاع حكم الشرطية أو المانعية بعد فرض عدم الدليل بالخصوص، و

الا لاقتضى ذلك في البيع، و هو واضح الفساد، على أن ترجيح أدلة الغرر بما سمعت يقتضي كون مدخليته هنا نحو ما في البيع و الإجارة الذي لا فرق في مانعيته فيهما بين التعذر مطلقا و في الحال و عدمه، و مسيس الحاجة مع عدم رجوعه إلى نفي الحرج في الدين لا يؤثر أثرا، و دعوى إرادة ذلك منه ممنوعة، و لو سلمت لم تقتض اختصاص الصلح بذلك، بعد الإغضاء عن أصل جريان نفي الحرج في المقام، فالأقوى حينئذ الصحة مطلقا، إلا الجهالة التي لا تؤل إلى علم، للإبهام، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين المصالح به، و المصالح عنه، كما هو مقتضى الصحيحين السابقين و غيرهما من الأدلة السابقة، فما عن الشافعي- من عدم جواز الصلح على المجهول مطلقا بل ظاهره المفروغية من اعتبار العلم بالمصالح به، و لذا احتج به على اعتباره في المصالح عنه أيضا بالقياس عليه- واضح الفساد، و كذا ما في الدروس «من أن الأصح اشتراط العلم في العوضين إذا أمكن، إلى أن قال: و لو تعذر العلم بما صولح عليه جاز كما في وارث يتعذر علمه بحصته، و كما إذا امتزج مالاهما بحيث لا يتميز و لا تضر الجهالة، و رواية منصور بن حازم (3)تدل عليه، و لو كان تعذر العلم لعدم المكيال


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1- و ذيله.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح في ذيل الحديث- 1.

ج 26، ص: 219

و الميزان في الحال و مساس الحاجة إلى الانتقال فالأقرب الجواز» فإنه لا يخفي عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما أنه لا يخفي عليك اقتضاء ما ذكرناه عدم الفرق في

الصحة بين العلم في الجملة بالوصف أو المشاهدة و عدمه أصلا، فما عن الأردبيلي من الموافقة على عدم اعتبار ما يعتبر في البيع من المعلومية، و لكن يعتبر فيه العلم في الجملة، إما بالوصف أو المشاهدة- محل للنظر أيضا بل المنع، نعم قد يقال:

بالمنع مع الجهل الذي لا يؤول إلى علم، لإبهامه كما ستعرف إنشاء الله، لعدم صلاحيته للنقل و الانتقال.

و كيف كان ف هو أي عقد الصلح بناء على ما قلناه من كونه أصلا برأسه لازم من الطرفين مع استكمال شرائطه بلا خلاف، لعموم «أَوْفُوا»(1)و غيره من أدلة اللزوم التي سمعتها في غيره من العقود نعم يجي ء ملحق به على قول الشيخ الجواز في بعض موارده، كما إذا كان فرع العارية أو الهبة على بعض الوجوه، بناء على أن مراده لحوقه حكم ما أفاد فائدته، أما على المختار فليس إلا على اللزوم، إلا أن يتفقا على فسخه بالإقالة الشامل دليلها له و لغيره، كما عرفته هناك و الله العالم.

و إذا اصطلح الشريكان عند انتهاء الشركة، و إرادة فسخها أو مطلقا، على ما ستعرف على أن يكون الربح و الخسران على أحدهما، و للآخر رأس ماله صح بلا خلاف في الجملة فيه، للمعلومات، و خصوص المعتبرة منها

الصحيح (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحا و كان من المال دين و عليهما دين فقال أحدهما

لصاحبه أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى، فقال: لا بأس إذا اشترطا، فإذا كان شرطا يخالف كتاب الله عز و جل فهو رد إلى كتاب الله عز و جل»

و نحوه

الآخر(3)عنه أيضا إلا أنه قال: «كان من المال دين و عين»

و لم يقل و عليهما دين.

و كذا

الثالث (4)إلا أنه قال: «و كان المال دينا»

و لم يذكر العين و لا «عليهما دين» و

الرابع (5)إلا أنه قال: «كان المال دينا و عينا».


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1- و ذيله.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1- و ذيله.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1- و ذيله.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1- و ذيله.

ج 26، ص: 220

قيل: و ليس في شي ء منها كالعبارة و ما ضاهاها من عبائر الجماعة عموم الحكم بالصحة لصورة اشتراط ذلك في عقد الشركة أو بعده، و إن لم يرد القسمة لظهور سياق الرواية فيما قيدنا به العبارة من تعقب القول بأن الربح و الخسران لأحدهما و رأس المال للآخر للشركة و حصوله بعدها، و بعد إرادة القسمة ل

قوله «فربحا فيه ربحا»

و «أعطني رأس المال»

و ليس

في قوله «إذا اشترطا»

منافاة لذلك، لاحتمال أن يكون المراد منه إذا تراضيا رضا يتعقب اللزوم بوقوعه في عقد لازم، كعقد صلح و نحوه، و ليس المراد إذا اشترطا في عقد الشركة كما توهم، لاختصاصه حينئذ بنفي البأس في صورة وقوع الشرط فيه، بل دلالته بمفهوم الشرط على ثبوته مع وقوعه في غيره ظاهرة، و لا قائل بهما فتعين كون المراد ما ذكرنا، و وجه اشتراطه «عليه السلام» ذلك خلو السؤال عن بيان رضا الآخر، و إنما غايته الدلالة على صدور القول من أحدهما، و نحوها العبارة في عدم العموم للصورة المذكورة، لأن اشتراط ذلك فيها لا يسمى صلحا، بل اشتراطا.

قلت: أول من تنبه لذلك الشهيد في الدروس فقال: «لو اصطلح الشريكان عند إرادة الفسخ على أن يأخذ أحدهما رأس ماله، و الأخر الباقي، ربح أو توى جاز، للرواية الصحيحة، و لو جعل ذلك في ابتداء الشركة فالأقرب المنع، لمنافاته موضوعها و الرواية لم تدل عليه» ثم تبعه ثاني المحققين و ثاني الشهيدين، إلا أن الأخير منهما صرح بأن إطلاق العبارة يقتضي التعميم، كما أن المحدث البحراني صرح بظهور النصوص في وقوع ذلك في أثناء الشركة و إن بقيت مستمرة، بل جعل ذلك ظاهر إطلاق العبارات.

و التحقيق في المسألة أن يقال: إنه إن كان المراد مما في النص و الفتوى كون هذا الصلح جاريا على مقتضى عموم ما دل على مشروعيته، و غير محتاج إلى دليل بالخصوص، و إنما النصوص المخصوصة مؤكدة لذلك- كما يومي اليه استدلال الفاضل في التذكرة عليه أولا بالعموم، ضرورة صحة الصلح من أحد الشريكين عما يستحقه في الأعيان المشتركة بالمقدار المساوي لرأس ماله في ذمة الشريك الأخر، و حينئذ

ج 26، ص: 221

يخرج المال عن الشركة و يختص بالمصالح، و إنما يكون العوض في ذمته- فلا ريب في صحة ذلك في ابتداء الشركة، أي بعد مزج المالين قبل العمل بهما، و في الأثناء و عند إرادة الفسخ، بل لا فرق في صحته بهذا المعنى بين الشركة و المضاربة.

و ان كان المراد منهما صحة الصلح على أن يكون استحقاق أحدهما في المال رأس ماله تاما و للآخر الباقي، ربح أو خسر و المال باق على الشركة من غير أن يكون ذلك في ذمة المصالح بالفتح، فلو لم يحصل من المال حينئذ إلا دون رأس ماله، لم يكن له رجوع عليه، فإن قلنا إن ذلك أيضا مقتضى العمومات، كان المتجه أيضا الصحة في الصور الثلاثة و إن قلنا إن جواز مثل هذا الصلح محتاج إلى الدليل الخاص و لا تكفي فيه العمومات بل لولاه لكان من الصلح المحلل للحرام، و بالعكس، فالمتجه المنع في غير مورد النصوص المزبورة، إلا أنه يمكن منع ظهورها في خصوص صورة انتهاء الشركة، و إرادة الفسخ، بل لا بأس بإيقاع الصلح المزبور المفروض إفادته الاستحقاق المزبور مع بقاء المال على الشركة يعمل به، بل لعل عموم (1)

«تسلط الناس على أموالهم»

يقتضيه، و منه ينقدح الجواز في ابتداء الشركة أي بعد مزج المالين، ثم إيقاع صيغة الصلح على النحو المزبور، فيعمل بالمال على هذا الوجه الذي مرجعه إلى الكلي المضمون في المال، و أنه لا يستحق سواه، سواء بقي المال و زادت قيم أعيانه أو لا، و سواء عمل به باذن من الأخر أو لا.

و دعوى- أن الثابت صحته من النصوص الصلح عما سبق من الربح و الخسران لا ما يتجدد- يدفعها منع ذلك أو لا و وضوح عدم الفرق ثانيا، ضرورة أنه بالصلح صارت شركة على هذا الوجه، سواء بقي المال على هذا الحال أو لا، ضرورة أنه لو أراد دفع رأس المال له فنفد أعيان مال الشركة و اتفق حصول الربح بذلك لم يكن له إلا رأس المال الذي وقع عليه الصلح قطعا، و ليس ذلك تعد من محل النص الذي هو عند التأمل مطلق، فإن المراد من قوله «أعطني» الكناية عن استحقاق رأس المال نعم لا يجوز التعدي إلى غير الشركة كالمضاربة و لا إلى غير هذه الصورة في الشركة كالصلح


1- 1 البحار ج- 2- ص 272 من الطبعة الحديثة.

ج 26، ص: 222

على اختصاص الربح بأحدهما دون الخسران و نحوه.

و من ذلك كله ظهر لك أن المتجه على كل حال الجواز مطلقا، كما هو مقتضى إطلاق المتن و غيره من عبارات الأصحاب، بل و النص. نعم الأقوى عدم جواز ذلك بطريق الشرطية، لا في الابتداء و لا في الأثناء و لا عند الانتهاء، ضرورة عدم المقتضي للزوم و إنما هو وعد، بل قيل: إنه مناف لمقتضى العقد الذي هو تبعية الربح و الخسارة للمال فهو مخالف للكتاب و السنة، بل عائد عليه بالنقص، و ليس هو كاشتراط الخيار في عقد البيع و نحوه المنافي للزوم الذي هو مقتضى الإطلاق لا العقد نفسه الذي لا يقتضي إلا الانتقال خاصة، و اللزوم من صفاته و كيفياته الخارجية، بخلاف عقد الشركة الذي ليس مقتضاه إلا ما عرفت، فمع اشتراطه لم يبق للشركة معنى بالكلية، و يكون بمنزلة العقد للشي ء بشرط عدمه، و البيع المشترط فيه عدم الانتقال، و إن كان قد يناقش فيه بأن ذلك لو كان منافيا لمقتضاها لم يجز حتى بالصلح الذي قد عرفت جوازه للأدلة المزبورة المراد بالشرط فيها ما فهمه الأصحاب من وقوع ذلك بعقد الصلح، فإنه ربما يطلق اسم الشروط على العقود.

و من الغريب جعل بعضهم محل النزاع هنا الاشتراط حتى قال: «إنه ليس في عبائر الجماعة إطلاق يشمل صورة الاشتراط في ابتداء الشركة الذي يسمى اشتراطا و لا يسمى صلحا» و قد عبروا به إذ قد عرفت أن محل البحث الصلح لا الشرطية، و لكن هل صحته مختصة في صورة وقوعه عند ارادة فسخ الشركة أو عامة له و لوقوعه في أثنائها أو عند ابتدائها، أي بعد مزج المالين لمشروعية الاشتراك على هذا الوجه بالصلح من غير فرق بين الجميع، و لا ريب في اقتضاء إطلاق المتن و غيره ذلك، بل لعله مقتضى التأمل الصادق في النصوص أيضا.

و أما مسألة الشرطية في عقد الشركة فهي مسألة أخرى مذكورة في باب الشركة لا مدخلية لها فيما نحن فيه، فمن الخبط جعل كلامهم هناك مقيدا لإطلاقهم هنا كما هو واضح و به يظهر لك ما في جملة من كتب المصنفين خصوصا الرياض فلاحظ و تأمل و الله العالم.

ج 26، ص: 223

و لو كان معهما درهمان، و ادعاهما أحدهما و ادعى الآخر أحدهما، كان لمدعيهما درهم و نصف، و للآخر ما بقي ب

صحيح عبد الله بن المغيرة(1)عن غير واحد من أصحابنا «عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال أحدهما:

الدرهمان لي و قال الآخر: هما بينى و بينك قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الذي قال: هما بينى و بينك فقد أقر بأن أحد الدرهمين ليس له فيه شي ء و أنه لصاحبه، و يقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين».

و مثله مرسل محمد بن أبي حمزة(2)المنجبر إرسالها بالشهرة، مع أن في سنديهما ابني أبي عمير و المغيرة من أصحاب الإجماع، و إرسال أحدهما عن غير واحد الملحق بالصحيح عند بعض، و المراد بكون الدرهمين معهما في الخبرين و المتن أنهما في أيديهما ليتساويا

في الدعوى، إذ لو كانا في يد أحدهما لقدم قوله بيمينه.

نعم ظاهر الخبرين و المتن و غيره أن الحكم كذلك من غير يمين، و أنه لا فرق بين كون الدعوى فيهما بالنصف من كل منهما على الإشاعة أو بواحد منهما على التعيين بل لعلهما في الأول أظهر منهما في غيره لكن في التذكرة بعد أن فرض موضوع المسألة دعوى أحدهما الدرهمين و الأخر واحدا منهما قال: «الأقرب أنه لا بد من اليمين، فيحلف كل واحد منهما على استحقاق نصف الآخر الذي تصادمت دعواهما فيه، فمن نكل منهما قضي به للآخر، و لو نكلا معا أو حلفا معا قسم بينهما نصفان» و استحسنه في المسالك، لعموم(3)

«و اليمين على من أنكر»

و في الدروس «لو كان معهما درهمان فادعاهما أحدهما و ادعى الآخر اشتراكهما، ففي الرواية المشهورة للثاني نصف درهم، و للأول الباقي، و يشكل إذا ادعى الثاني النصف مشاعا فإنه يقوى القسمة نصفين، و يحلف الثاني للأول، و كذا كل مشاع».

و ربما أشكل ما في التذكرة بعدم تمامية إحلاف كل منهما في صورة الدعوى على الإشاعة، لاختصاص الحلف حينئذ بالثاني و البينة بالأول، و مع ذلك يستحق


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1.
3- 3 المستدرك ج- 3- ص 199.

ج 26، ص: 224

بعد الحلف تمام الدرهم لا النصف، و ما فيها و الدروس أيضا بوجوب الخروج عن مقتضى القاعدة، و تخصيصها بالخبرين المعتضدين بالفتوى، بل ذلك كله كالاجتهاد في مقابلة النص و الفتوى الظاهرين في عدم اليمين أصلا، و الصريحين أو كالصريحين خصوصا الخبرين منهما في فرض موضوع المسألة في الإشاعة، بل ظاهرهما أن ذلك على وفق الضوابط العامة، لا أنه تعبد صرف.

و من هنا أمكن أن يقال: بأن الوجه في عدم اليمين من أحدهما أنه بعد تساويهما في اليد المقتضية لملك كل منهما الكل، المنافي لقاعدة عدم ملك المال المتحد للمالكين، التي لا يختص الخروج عن التعارض فيها بالنصف الذي هو خلاف مقتضاها، لإمكان الحكم بكونه لواحد منهما، و يستخرج بالقرعة أو بغير ذلك، فاليد حينئذ بعد ان كانت كذلك لا تصير أحدهما منكرا عليه اليمين، بل هما بعد أن تساويا من هذه الجهة صارا بحكم من لا يد لأحدهما، و المتجه فيه قسمة المال بينهما نصفين قطعا للدعوى، فهو كالصلح القهري بينهما بذلك، لا أن النصف مقتضى يد أحدهما حتى يكون منكرا بالنسبة إلى دعوى الآخر عليه، و كذا العكس فيكونان كالمدعي من وجه و المنكر من آخر، فيتحالفان. ضرورة ثبوت الحكم المزبور في غير ذوي الأيدي كما تسمعه في الوديعة، و في التداعي في المال المطروح و نحوهما، و اليد إنما قضت بالجميع.

و معارضتها بالأخرى لا تقتضي تنزيلها على النصف الذي هو خلاف مقتضاها، و حينئذ فليس النصف المحكوم به في النص و الفتوى إلا لقطع الخصومة بينهما بذلك بالعدل و الإنصاف، لعدم تحقق الدعوى من أحدهما و الإنكار من آخر، لكون المفروض تساويهما من كل وجه، ففي الحقيقة ليس إلا دعوى واحدة، و هي ملكية الدرهم، إلا أن أحدهما يدعى أنها له، و الآخر كذلك، و لا ترجيح لأحدهما، بعد معارضة يد كل منهما للأخرى، الموجب للتساقط نحو البينتين المتعارضتين من كل وجه، فيقسم المال بينهما- على احتماله فيهما بحسب دعواهما، فإن كانا اثنين فالنصف، و إن كانوا ثلاثة فالثلث، و هكذا قطعا للخصومة بينهما- بالعدل و الإنصاف، فهو

ج 26، ص: 225

كالصلح القهري، و لعله لذا ذكر الأصحاب هذه المسألة و ما شابهها في هذا الكتاب.

و منه يعلم الوجه حتى في الدعوى بالإشاعة، ضرورة أنها لا تنافي الإقرار بالدرهم الكلي المشاع المنطبق على نصفي الدرهم و الثلثين من درهم، و الثلث من آخر، و هكذا، فيبقى النزاع بينهما في الدرهم الآخر على إشاعته، فيدعيه المقر له بالدرهم الأول مضافا إلى ذلك الدرهم، و الآخر، يدعيه له فيقسم بينهما نصفين على الإشاعة للقاعدة التي ذكرناها، التي قد أومى إليها في الخبرين السابقين المعتضدين بالفتوى المجردة عن ملاحظة اقتضاء اليد، الموجبة للتوهم أن مدعى الدرهم الآخر المنضم إلى ما اقتضته يده، من النصف الذي هو درهم أيضا مشاع ملفق، مدع صرف، و الآخر منكر، باعتبار أنه قد ادعى عليه ما اقتضته يده، فيحلف و يستحق النصف المشاع، و هو الدرهم الملفق، إذ قد عرفت إلقاء اليد في المقام، و أن الحكم بالنصف نصا و فتوى لقطع الخصومة بينهما بعد تساويهما من كل وجه، فتأمل جيدا فإنه دقيق جدا.

و به يظهر الوجه فيما في النص و الفتوى الصريحين في الإشاعة، و أنه ليس ذلك من باب التعبد كما لا يخفى على من تأمل الخبرين و الفتاوى.

و منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف و غيره بل المشهور من قوله و كذا الحكم فيما لو أودعه إنسان درهمين و آخر درهما و امتزج الجميع ثم تلف درهم فإن لذي الدرهمين درهما منهما لا احتمال فيه، و أما الأخر فهو محتمل لكل منهما و لا مرجح، فالعدل بينهما قسمته نصفين بينهما للقاعدة التي عرفتها و أكدها هنا

خبر السكوني (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل استودعه رجل دينارين و استودعه آخر دينارا فضاع دينار منهما؟ فقال: يعطى صاحب الدينارين دينارا و يقسمان الدينار الباقي بينهما نصفين»

بل ظاهره عدم اعتبار الامتزاج في هذا الحكم، بل يكفى الاشتباه، كما أن ظاهره ذلك و إن لم تتصادم دعواهما في الدينار، و أنه لا يمين على أحد منهما خصوصا مع عدم علم كل واحد منهما بعين حقه.

لكن في المسالك استشكله في ضعف المستند بأن التالف لا يحتمل كونه منهما


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1.

ج 26، ص: 226

بل من أحدهما خاصة، لامتناع الإشاعة هنا و الموافق للقواعد الشرعية هنا القول بالقرعة، و مال إليه في الدروس إلا أنه تحاشي عن مخالفة الأصحاب.

قلت: قال في الدروس: «و لو أودعه واحد دينارين و آخر دينارا فضاع دينار و اشتبه ففي رواية السكوني لصاحب الدينار نصف دينار و للآخر الباقي، و العمل بها مشهور، و هنا الإشاعة ممتنعة، و لو كان في اجزاء ممتزجة كان الباقي أثلاثا، و لم يذكر الأصحاب في هاتين المسألتين يمينا، و ذكروهما في باب الصلح، فجائز أن يكون ذلك الصلح قهريا، و جائز أن يكون اختياريا، فإن امتنعا فاليمين، و الفاضل في أحد أقواله يحكم في مسألة الوديعة بأن الدينارين الباقيين بينهما أثلاثا، كمختلط الأجزاء و فيه بعد، و لو قيل: بالقرعة أمكن».

و فيه: أنها عند الاشكال، و لا إشكال بعد النص و الفتوى، و القاعدة التي أشرنا إليها في قسمة المال بين مدعيه، قلوا أو كثروا بالسوية بعد فرض استوائهم في قطع الدعوى بذلك المنزل منزلة الصلح القهري فيما بينهم.

و منه يعلم ما في احتمال كونه اختياريا، ضرورة إمكان القطع بعدمه من النص و الفتوى، كالقطع بعدم اليمين في جميع الصور حتى المسألة الأولى التي حصل الاشتباه في مالك المال من تعاقب يديهما المقتضية ملك كل واحد منهما، بعد معلومية عدم ملكية المال المتحد لمالكين، و إبطال اقتضاء كل من اليدين في النصف، ليس بأولى من القول بحصول الاشتباه في مالك الكل الذي هو مقتضى يد كل منهما، فيكون مالا مشتبها دائرا بينهما، تأتى فيه القاعدة السابقة.

و أما ما حكاه عن الفاضل، فهو كما ذكر في غاية البعد مع فرض الاشتباه بدون امتزاج، ضرورة عدم حصول الشركة بينهما بذلك، أما مع فرضه فقد يقال: بأنه كالممتزج من الحبوب حينئذ، اللهم إلا أن يدعى حصول الشركة بها قهرا شرعا بخلاف غيره من الدراهم و نحوها، لكنه كما ترى، فالأولى فرض مسألة المتن بدون امتزاج كما في النص.

أما معه و قلنا بحصول الشركة به مطلقا فالمتجه فيه حينئذ حكم الأقفزة في

ج 26، ص: 227

كون التالف على النسبة، و احتمال الفرق بالقطع في الحبوب بكون التالف منهما بخلافه في مسألة الدرهم- يدفعه أولا: أنه لا قطع بكونه على النسبة في الحبوب، إذ يمكن التفاوت، و ثانيا: عدم المدخلية لذلك بعد فرض الدليل شرعا على حصول الشركة بالامتزاج في المثليات على وجه يرفع التمييز.

و قد ظهر لك من ذلك كله أن الحكم المزبور- في هذه المسائل التي قد عرفت اتفاق النص و الاعتبار و المعظم من الفتوى عليه- قائم مقام الصلح فيها بالنسبة إلى قطع المخاصمة، و لهذه المناسبة ذكرها الأصحاب في كتابه.

و من ذلك المسألة الثالثة و هي ما لو كان لواحد ثوب بعشرين درهما، و لآخر ثوب بثلاثين درهما، ثم اشتبها، فإن خير أحدهما صاحبه فقد أنصفه، و إن تعاسرا بيعا و قسم ثمنهما بينهما، فأعطى صاحب العشرين سهمين من خمسة و للآخر ثلاثة التي قد افتى المشهور فيها بذلك ل

خبر إسحاق بن عمار(1)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما في ثوب، و آخر عشرين درهما في ثوب فبعث الثوبين فلم يعرف هذا ثوبه و لا هذا ثوبه قال: يباع الثوبان فيعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، و الآخر خمسي الثمن، قلت: فإن صاحب العشرين قال لصاحب الثلاثين،: اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه»

المنجبر بالشهرة مع احتمال صحة سندها في طريق الصدوق، بل و الشيخ.

فما عن ابن إدريس من القرعة و مال إليه في المسالك في غير محله، ضرورة عدم الإشكال بعد ما عرفت، معتضدا بالاعتبار الذي يقتضي بكون مثل هذا الاشتباه كالاشتراك، بل لو لم يشتبها و بيعا معا كان الثمن موزعا على حسب قيمتهما، إلا أن الظاهر من النص و الفتوى عدم اعتبار المعية في بيعهما في الحكم المزبور، بل ظاهرهما صيرورة مالكيهما كالشريكين باعتبار احتمال تملك كل منهما لكل منهما، فهما بمثابة الشريكين فيهما على نسبة قيمتهما.

فما في التذكرة- «من أنه إن بيعا منفردين و تساويا في الثمن فلكل واحد


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1-.

ج 26، ص: 228

ثم ثوب و لا إشكال، و إن اختلفا فالأكثر لصاحب الأكثر قيمة، و كذا الأقل بناء على الغالب، و إن بيعا مجتمعين صارا كالمال المشترك شركة إجبارية كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال-» كالاجتهاد في مقابلة النص المعتضد بفتوى المعظم، المقتضي صيرورتهما بمثابة الشريكين على كل حال.

و لذا قال في الدروس بعد حكاية ذلك عنه: «و يلزم على هذا ترجيح أحد الأمرين من بيعهما معا أو منفردين إذ الحكم مختلف» و يظهر أنه متى أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع، و الرواية مطلقة في البيع، و يؤيدها أن الاشتباه مظنة تساوى القيمتين فاحتمال تملك كل منهما لكل منهما قائم، فهما بمثابة الشريكين.

نعم ما فيها أي الدروس «من أنه إن عملنا بالرواية ففي تعديها إلى الثياب و الأمتعة و الأثمان المختلفة، نظر، من تساوي الطريق في الجميع و عدمه، و الأقرب القرعة هنا» مخالف ل

قولهم عليهم السلام (1)علينا ان نلقي إليكم الأصول، و عليكم أن تفرعوا

و(2)«لا يكون الفقيه فقيها حتى نلحن له في القول فيعرف ما نلحن له»

و لظهور إرادة التعليم منها مؤيدا ذلك كله بموافقة ما فيها للاعتبار، و مناسبته لما سمعته سابقا مما شرع لقطع التنازع و التخاصم، فالأقوى حينئذ التعدية. هذا و ربما ظهر من الحكم في هذه المسألة أنه من بيان موضوعات الاحكام، لا من باب المرافعات، ضرورة عدم ميزان للحكم فيها من البينة و اليمين، و لعل الأمر في المسائل السابقة كذلك أيضا، فلا يتوجه ما سمعته سابقا من بعضهم من اليمين فلاحظ و تأمل و الله العالم.

و إذا بان أحد العوضين المعينين في العقد مستحقا للغير أو غير قابل للعوضية كالخمر و الخنزير بطل الصلح بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة أنهما من أركان هذا الصلح الذي قد وقعا فيه، و إن لم نقل أنه يعتبر في الصلح العوض، لقيامه مقام الهبة و العارية إلا أن الحكم بصحته منهما هنا غير ما قصدا فيه، فالمقصود حينئذ لم يصح بالفرض، و الذي فرض صحته غير مقصود.


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب صفات القاضي الحديث- 51-.
2- 2 المستدرك ج- 3- ص 194 مع اختلاف يسير.

ج 26، ص: 229

و لا يقاس ما هنا على المهر في النكاح- الذي فساده فيه لا يقتضي فساد العقد، باعتبار كونه ليس من الأركان فيه، بل يرجع إلى مهر المثل لحرمة القياس أولا، و لعدم عوض مقرر شرعا هنا،- كمهر المثل الذي يرجع إليه عند فرض عدم المهر- ثانيا، و لكون المهر في عقد

النكاح بعد أن دل الدليل على عدم فساد العقد بفساده، صار كالملتزم المستقل عند العقد بالنسبة إلى حكم المزبور، بخلاف المقام الذي لا دليل فيه كذلك، و إن ثبت وقوع الصلح بلا عوض كما هو واضح.

و لا فرق عندنا بين القصاص و غيره في الحكم بالبطلان مع علم المصالح بفساد العوض خلافا لبعض العامة فأسقط القصاص به، و هو كما ترى مقتض لترتيب الأثر على الفاسد.

نعم المنساق من العوض في المتن و غيره ما قيدنا به العبارة من كونه معينا، أما إذا كان مطلقا فظهر استحقاق المدفوع عنه مثلا رجع ببدله، كالبيع، و لا فساد في العقد كما أنه لو ظهر في المعين عيب مثلا تخير في الفسخ، و لا بطلان، لكون الصحة منها باعتبار الانسياق إليها كالمذكورة وصفها فيها، فمع فرض عدمها يثبت الخيار، لقاعدة نفي الضرر و غيرها.

نعم في تخييره بين الفسخ و بين الأرش كما في البيع إشكال، أقواه العدم، لحرمة القياس بعد اختصاص الدليل بالبيع الذي لا يدخل فيه الصلح على الأصح، و دعوى- أن ثبوته أيضا من قاعدة نفي الضرر كالخيار- واضحة المنع، ضرورة أنها لا تقتضي إلا عدم اللزوم المترتب عليه الضرر.

و من ذلك يعلم ثبوت كل خيار في البيع في الصلح إذا كان دليله قاعدة نفي الضرر أو غيرها مما يصلح لتناول الصلح كخيار الغبن الذي قد صرح بثبوته هنا غير واحد، و تخلف الوصف، و عدم الوفاء بالشرط، و اشتراط الخيار، و نحو ذلك بخلاف ما اختص دليله بالبيع كخيار المجلس و الحيوان و نحوهما، بناء على عدم فرعية الصلح للبيع و الله العالم.

و على كل حال فلا إشكال في أنه يصح الصلح على عين بعين أو منفعة،

ج 26، ص: 230

و على منفعة بعين أو منفعة للعمومات المقتضية لذلك، و لغيره من الصلح عن الحق إسقاطا أو نقلا كحق الخيار، و حق التحجير، و حق الشفعة بحق مثله، أو عين أو منفعة أو غير ذلك من صور الاختلاط، بل الظاهر أنها تقتضي صحة الصلح عن كل حق حتى يعلم عدم جواز إسقاطه أو نقله شرعا و لذلك أفراد كثيرة، كحق السبق الى الوقف، و حق القذف و الغيبة، و حق الرجوع في الطلاق في البذل و غير ذلك مما تسمعه في تضاعيف هذا الكتاب و غيره.

نعم الظاهر في كثير من الحقوق صحة الصلح لإسقاطها لا نقلها، بل لو شك فيه أمكن القول بعدم مشروعيته بعمومات الصلح فتأمل جيدا.

و لو صالحه على دراهم بدنانير أو بدراهم صح و ان لم يكن ثم قبض في المجلس، لما عرفت من عدم كون الصلح فرعا للبيع عندنا، و أنه لا يعتبر فيه ما يعتبر في بيع الصرف على الأشبه بأصول المذهب و قواعده و كذا لو قام مقام بيع السلم لا يعتبر فيه قبض العوض في المجلس، الى غير ذلك من الأحكام المختصة بالبيع حتى الربا، بناء على أنه منها.

نعم لو قلنا بشموله لجميع المعاوضات، اتجه حينئذ جريانه في الصلح، و قد تقدم تحقيق ذلك في كتاب البيع الا أنه على كل حال لو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم مثلا فصالحه عنه على درهمين أو أقل من الدرهم صح، على الأشبه (11) بأصول المذهب و قواعده و الأشهر بل في الدروس المشهور لان الصلح وقع عن الثوب (12) أو عن قيمته الكلية التي لا تختص بالدرهم لا عن الدرهم (13) الذي لم يثبت في الذمة.

لكن في المسالك في شرح هذه العبارة تبعا لجامع المقاصد بل و الدروس «هذا إنما يتم على القول بضمان القيمي بمثله، ليكون الثابت في الذمة ثوبا، و يكون هو متعلق الصلح، أما على القول الأصح من ضمانه بقيمته فاللازم لذمة المتلف إنما هو الدرهم فيستلزم الصلح عليه بدرهمين، الربا فيبطل، و هو الأقوى، بل في الدروس، أنه لذلك أبطله في الخلاف و المبسوط».

ج 26، ص: 231

و فيه: أن المعلوم من مذهب المصنف، ضمان القيمي بقيمته لا بمثله الذي هو مذهب نادر، و ليس ما في كلام المصنف و الفاضل بل المشهور كما سمعت مبنيا على ذلك بل هو إما لأن الثابت في القيمي في الذمة نفسه كما هو مقتضى

قوله عليه السلام (1)«على اليد ما أخذت»

بل و قوله (2)«من أتلف» إلى آخره، و إن كان الواجب دفع القيمة عنه عوضا شرعيا، لعدم إمكان أداء نفسه، و عدم معرفة مثل له، حتى يكون أقرب من القيمة، فالصلح حينئذ إذا وقع يقع عنه لا عن قيمته، و ليس هذا قولا بكون القيمي يضمن بمثله الذي هو معنى وجوب تأدية المثل التسامحي عرفا، أو لأنه و إن قلنا بكون الثابت في الذمة قيمته إلا أنها غير متعينة في خصوص الدراهم، و إن كان لو أديت منها كانت قيمته درهما و من الدينار كذا و منهما كذا، و هذا لا يقضى بكون الثابت في الذمة الدرهم بخصوصه، كي يستلزم الصلح عليه بدرهمين الربا، لكون الصلح فرع البيع، أو لأن الربا يعم المعاوضات أجمع، فيكون المراد من الثوب في المتن قيمته حينئذ، و لعل غرض المصنف و الفاضل و غيرهما ممن تعرض لهذه المسألة التعريض بما سمعته من الخلاف و المبسوط.

نعم قد يقال بعدم الصحة على هذا الوجه لو فرض أن النقد الغالب من جنس ما صالح به بناء على كونه حينئذ هو الثابت، بخلاف ما إذا تعدد الجنس و استويا بأن كان دراهم و دنانير و الله العالم.

و لو ادعى دارا فأنكر من هي في يده ثم صالحه المنكر عن إسقاط دعواه على سكنى سنة مثلا صح بلا خلاف و لا اشكال عندنا و لم يكن لأحدهما الرجوع عن ذلك لما عرفت من كون الصلح من العقود المستقلة اللازمة و كذا لو

أقر له المدعي بالدار ثم صالح المنكر المدعي المقر على سكنى سنة، أو أن المراد أقر من هي في يده ثم صالحه المقر له على سكنى المقر سنة.


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 504 و سنن البيهقي ج 6 ص 90.
2- 2 قاعدة متصيدة من بعض الاخبار راجع للاطلاع على مدركها الجزء الثاني من القواعد الفقهية للسيد البجنوردى.

ج 26، ص: 232

و على كل حال فهو صحيح، بناء على عدم اعتبار العوض في صحته، بل و لازم بناء على ما سمعت من كونه عقدا مستقلا برأسه، مندرج تحت (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و غيره من أدلة اللزوم.

و لكن قيل و القائل الشافعي من العامة و الشيخ من الخاصة له الرجوع، لأنه هنا فرع العارية إذ هو إباحة منفعة بلا عوض و قد عرفت سابقا أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، و أن افادة عقد مفاد آخر لا تقتضي لحوق أحكامه، على أن الصلح هنا يقتضي ملك المنفعة لا إباحتها، و لقد أفصح عن ذلك كله في الدروس بقوله: «و لو ادعى دارا فأقر له بها فصالحه على سكنى المقر سنة صح و لا رجوع ان جعلناه أصلا و جوزناه بغير عوض، و لو أنكر فصالحه المدعى عليه على سكنى للمدعي سنة فهو أولى بعدم الرجوع، لأنه عوض عن دعواه، و كذا لو كان الساكن المنكر، لأنه عوض عن جحوده هذا.

و لكن في المسالك «و انما قيد المصنف بإنكار من هي في يده مع جواز الصلح مع الإقرار و الإنكار ليتصور كون الصلح المذكور عارية عند الشيخ، لأنه جعل اباحة منفعة بغير

عوض. أما لو أقر له بها فإن الصلح و ان جاز الا أن المنفعة يقابلها عوض و هو العين، فلا يتحقق العارية، مع أن الشافعي لما شرط في صحة الصلح الإقرار، و جعله فرعا على العقود الخمسة، مثل للعارية بما ذكر هنا، مع كون المدعى عليه مقرا، و وجهه أن العوضين من واحد، فكان الحكم راجعا إلى العارية».

و لا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر، بل لا يكاد يتصور له وجه صحة، حتى ما حكاه عن الشافعي فإن المنقول عنه في التذكرة مثالا لذلك هو أن يكون في يده دار فيقر له بها، فيصالحه على سكناها شهرا، فإنه- سواء أراد سكنى من في يده المقر بها للغير، أو سكنى المدعي الذي فرض إقراره بها لمن هي في يده- غير ما سمعته عنه عند التأمل و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحال.

انما الكلام في صحة هذا الصلح بسبب عدم اشتماله على العوض، و كذا الصلح


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 233

القائم مقام الهبة كما لو قال: صالحتك عن هذه الدار، فيقول: الآخر قبلت نحو قوله في القائم مقام العارية: صالحتك عن منفعة هذه الدار سنة مثلا، فيقول الآخر: قبلت، فيصح صلحا لازما و هكذا، فإن ما سمعته من الدروس صريح في التردد فيه، بل صرح الفاضل في غير واحد من كتبه بأن من أركانه المصالح منه، و المصالح به، بل في موضع من التذكرة أنه معاوضة إجماعا، بل أرسله الكركي و غيره إرسال المسلمات، فان قيل: عليه، إن الصلح إذا وقع موقع الإبراء- كما لو صالحه من الحق على بعضه- فإنه صحيح، لعموم شرعية الصلح، و ليس فيه عوضا. قلنا: يكفي في المغايرة الجزئية و الكلية بل ربما كان في قوله تعالى (1)«لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» اشعار به، بناء على إرادة المعاوضة من التجارة، و ان كان فيه ما فيه، كما أن في الإكتفاء بالجزئية و الكلية في تحقق المعاوضة ما لا يخفى. و الا لكفت في غير الصلح من عقودها، على أنه لا يتم في القائم مقام العارية كما في نحو المقام.

بل منه يعلم ما في دعوى كونه من عقود المعاوضة، مضافا إلى خلو نصوص المقام عن اعتبار ذلك فيه، بل ربما ظهر منها خلافه، كما لا يخفى على من لاحظها، بل قد يدعى كون المستفاد منها أن كلما يتفقان عليه و يصطلحان عليه مما لم يكن فيه تحليل حرام، أو بالعكس كان من الصلح الجائز، و جرت عليه أحكام عقد الصلح من اللزوم و غيره، و ان كان مقتضى ذلك عدم اختصاص ما يقوم الصلح مقامه بخمسة، البيع و الإجارة و الهبة، و العارية، و الإبراء. كما هو ظاهر جماعة، بل صريح الكركي في حاشية الكتاب.

ضرورة كون المتجه حينئذ قيام الصلح مقام المضاربة و غيرها، و فائدته اللزوم و غيره من أحكام الصلح، الا أني لم أر مصرحا به كما أني لم أر تحريرا لهذه المسألة في كلامهم، بل و لا أن المراد بالمعاوضة فيه الصورية لا

الحقيقية، بمعنى أنه عند تأليف عقده لا بد فيه من صورة مصالح عنه و مصالح به، و على تقديره فليس في الأدلة ما يقوم بذلك، و المتجه ما عرفت من عدم اعتبارها فيه صورة و حقيقة ان لم يكن إجماع على


1- 1 سورة النساء الآية- 29.

ج 26، ص: 234

خلافه، و لعل ما ذكره غير واحد من صحة الصلح عما في الذمة بالأنقص في غير الربوي بل و فيه حتى على القول بعمومه له، باعتبار كون هذا الصلح ليس معاوضة، بل هو في معنى الإبراء كما اعترف به في الدروس، مستدلا عليه ب

قول النبي صلى الله عليه و آله (1)لكعب بن مالك لما تخاصم مع آخر «اترك الشطر و اتبعه ببقيته»

و بأنه روي عن الصادق عليه السلام (2)ما يشهد لذلك في الجملة، بل الظاهر عدم الفرق بين أن يكون صورته صالحتك على ألف بخمسمأة، أو بهذه الخمسمائة، و ان ظهرت فيها صورة المعاوضة لكن الأقوى جوازها أيضا، لاشتراكهما في الغاية.

نعم الأقرب كما في الدروس الافتقار الى قبول الغريم هنا و إن لم يشترط في الإبراء القبول، لأجل إتمام عقد الصلح، و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك أولوية الجواز فيما لو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا، و إن كان بجنسه كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب، لما عرفت

من عدم كونه معاوضة، فلا يجري فيه الربا، لكن في الدروس بعد اعترافه بإطلاق الأصحاب الجواز قال: «و هو إما لأن الصلح هنا ليس معاوضة، أو لأن الربا يختص البيع، أو لأن النقيصة في مقابل الحلول» و في الثاني منهما أنه لا يتم لفتوى جماعة أو المشهور بعموم الربا، بل و الثالث بأن ذلك يقتضي جوازه في البيع، و لا يقولون به، فليس إلا الأول الذي هو قد أفتى به في الصلح عن الحال ببعضه، فضلا عن المؤجل.

و على كل حال فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده فالأقرب أن الأجل بحاله، و لو ادعى على الميت و لا بينة فصالح الوصي تبع المصلحة، و ما عن ابن الجنيد من إطلاق المنع في غير محله و الله العالم.

و كيف كان ف لو ادعى اثنان مثلا دارا في يد ثالث مثلا متفقين على التصريح بأن ملكهما لها بسبب موجب للشركة بينهما كالميراث فصدق المدعى عليه أحدهما بمقدار حقه دون الأخر، كان ذلك مشتركا بينهما، و لا يختص به المقر. له، لما عرفت من اتفاقهما على اتحاد السبب بالنسبة إليهما على وجه يمتنع


1- 1 المستدرك ج- 2- ص 499.
2- 2 المستدرك ج- 2- ص 499.

ج 26، ص: 235

استحقاق أحدهما دون الآخر، ضرورة عدم الفرق بين الكل و البعض في الشركة، بعد فرض اتحاد السبب الذي لا فرق في اقتضائه الشركة بينهما، فمع فرض إقرار المتشبث بأن نصف الدار ليس له، كان حينئذ من مخلفات الميت باتفاقهما، و لا معارض لهما فيه فيشتركان فيه، و تخصيص ذي اليد له بأحدهما غير مجد بعد اتفاقهما فيما بينهما على مقتضى الشركة في المقر به، و إنما نفع إقراره رفع يده عنه.

و حينئذ فإذا صالحه على ذلك النصف الذي أقر له به بعوض فإن كان بإذن صاحبه و لو لاحقا صح الصلح في النصف أجمع، و كان العوض مشتركا بينهما، و إن كان بغير إذنه صح في حقه و هو الربع خاصة و بطل في حصة الشريك و هو الربع الآخر هذا كله مع التصريح منهما بالسبب المقتضي للشريك.

أما لو ادعى كل واحد منهما النصف من غير سبب موجب للشركة كما لو قال أحدهما: لي النصف بالإرث و الآخر بالشراء لم يشتركا فيما يقر به لأحدهما لعدم المقتضي لها بعد فرض أن سبب ملك كل منهما غير الآخر، و إنما الاشتراك قد جاء من جهة الإشاعة.

نعم لو قالا: اشتريناها معا أو اتهبناها و قبضناها معا ففي التذكرة «الأقرب أنه كالإرث، لاشتراك السبب، و هو أحد قولي الشافعية، و الثاني أنهما لا يشتركان فيما أقر به، لأن البيع بين اثنين بمنزلة الصفقتين، فان تعدد المشتري يقتضي تعدد العقد و كان بمنزلة ما لو ملكا بعقدين».

هذا خلاصة ما يقال في توضيح ما ذكره المصنف و جماعة في القسمين. و لكن في المسالك «فيه بحث، لأنه لا يتم الا على القول بتنزيل البيع و الصلح على الإشاعة، كالإقرار و هم لا يقولون به، بل يحملون إطلاقه على ملك البائع و المصالح، حتى لو باع ابتداء مالك النصف نصف العين مطلقا، انصرف إلى نصفه خاصة، لا النصف المشاع بينه و بين شريكه، بخلاف الإقرار، فإنه إخبار عن ملك لشي ء فليستوى فيه ما هو ملكه و ملك غيره، و حينئذ فاللازم هنا أن ينصرف الصلح إلى نصيب المقر له خاصة فيصح في جميع الحصة بجميع العوض و يبقى المنازعة بين الآخر و المتشبث».

ج 26، ص: 236

هذا إذا وقع الصلح على النصف مطلقا، أو النصف الذي هو ملك للمقر له، أما لو وقع على النصف الذي أقر به المتشبث توجه قول الجماعة، لأن الإقرار منزل على الإشاعة، و الصلح وقع على المقر به فيكون تابعا له فيها، و على هذا ينبغي حمل كلامهم لئلا ينافي ما ذكروه من القاعدة التي ذكرناها، و هذا توجيه حسن لم ينبهوا عليه».

قلت: لا يخفى عليك ما فيه من أن ما ذكروه من قاعدة الانصراف المزبور فيما إذا كان متعلق البيع مقدار حق الشريك البائع لا في نحو المقام المفروض فيه عدم ثبوت غير الربع للبائع، و الفرض أن مورده النصف، على أن عبارة المتن و غيرها كالصريحة في كون المراد النصف الذي قد أقر به له، بل لم يقصد المشتري إلا ذلك، و إلا لاتجه حينئذ دفع العوض جميعا له، و بقاء الربع من النصف المقر به للشريك، ضرورة عدم انتقاله بالصلح المفروض مورده النصف المدعى به الذي لا وجه للصلح عنه الا على إرادة إسقاط الدعوى به، ضرورة عدم ثبوت شي ء له الا الربع الحاصل من النصف المقر به فإذا فرض تنزيل الصلح على المختص به، و لو بدعواه الذي لا يلحقه شريكه فيه، و هو الربع من النصف المقر به، و الربع من النصف في يد المتشبث يختص حينئذ بالعوض، و يكون الشريك على ربعه في النصف المقر به حينئذ، و هو غير ما قصده المشتري قطعا، بل غير مفروض البحث.

اللهم الا أن يفرض أن المقر به بالنسبة إلى المقر ليس هو الا النصف الذي لا يلحقه شريكه به فمع فرض كون المقصود بالصلح النصف الذي هو كذلك يتجه حينئذ اختصاصه بالعوض، و يبقى النزاع بين الشريك و المتشبث فتأمل جيدا و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام فيما ذكره في جامع المقاصد فإنه بعد أن قرر ما في القواعد بنحو ما سمعته منافي تقرير ما في المتن قال: «و لقائل أن يقول: لا فرق بين تغاير السبب و كونه مقتضيا للتشريك في عدم الشركة، لأن الصلح إنما هو على استحقاق المقر له و هو أمر كلي يمكن نقله عن مالكه إلى آخر، و لهذا لو باع أحد الورثة حصته من الإرث صح، و لم يتوقف على رضا الباقين، فإن أجيب- بأن الإنكار لاستحقاق

ج 26، ص: 237

الآخر صير النصف كالتالف، فيجب أن يكون منهما لامتناع تلف حصة أحدهما دون الأخر- قلنا: فإذا تغاير السبب يجب أن يكون كذلك، مع اعتراف المقر له بالشركة،- إلى أن قال-: و نبه شيخنا الشهيد على ذلك في حواشيه على الكتاب- ثم قال:- و الذي يقتضيه النظر أن الحكم في مسألة الإرث قبل قبض الوارثين صحيح، لأن الحاصل من التركة قبل القبض هو المحسوب تركة بالنسبة إلى الورثة و التالف لا يحسب عليهم، و كأنه لم يكن، و امتناع الوصول اليه كتلفه في هذا الحكم و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك أما بعد القبض و استقرار الملك لهم، و انقطاع كل من الورثة عن حق الآخر فلا دليل على إلحاق تعذر الوصول إلى حق بعضهم بالإنكار مع عدم البينة و نحوه بتلف البعض في هذا الحكم، و الأصل عدمه فينبغي التوقف فيه، فليلحظ الحكم المذكور في المبيع، و لو كان المشترك دينا فأقر لبعض و أنكر بعضا ففي التركة قبل القبض لا بحث، و بعد القبض و غير التركة من أقسام الشركة فيه الخلاف المشهور من أن الحاصل لهما، و التالف عليهما و عدمه».

و كأنه أخذ ذلك مما حكاه في التذكرة عن أحد قولي الشافعية، قال فيها بعد أن ذكر أصل المسألة بنحو ما قررناه: «هذا إذا لم يتعرضا لقبض الدار، أما لو قالا:

ورثناها و قبضنا ثم غصبها منا، فالأقرب أنه كذلك أيضا، يشتركان فيما يقبضه المقر له منه، لأن إيجاب الإرث الشيوع و هو لا يختلف، و هو أحد قولي الشافعي و محكي عن أبي حنيفة، و مالك، و القول الأخر له: إنه لا يشاركه، لأن التركة إذا حصلت في يد الورثة صار كل منهما قابضا لحقه، و انقطع عما في يد الأخر، و لهذا يجوز أن يطرء الغصب على نصيب أحدهما خاصة، بأن تزال يده، فإن المغصوب لا يكون مشتركا بينهما.

لكن في المسالك بعد أن حكى عن الشهيد و المحقق الثاني ما سمعت من انصراف الصلح إلى حصة المقر له من غير مشاركة الأخر مطلقا، و عن الأخير منهما الفرق بين الصلح قبل قبض التركة و بعده قال: «و هذا الفرق انما يتم فيما لو قبض أحد الوارثين شيئا من أعيان التركة أو باعه، أما الصلح فيبني على ما لو صالح أحد الشريكين في

ج 26، ص: 238

الدين على حقه فيه هل يختص بالعوض أم لا؟ و الظاهر الاختصاص، لأن الذاهب لا يخرج عن كونه حقا له، و الصلح لم يقع على عين خاصة، حتى يشتركا في عوضها، و انما وقع على حقه، و هو ممكن نقله بعوض فالبحث السابق مثله آت في مسألة الإرث قبل القبض و بعده».

و مما ذكرناه يعلم حكم المدعى المذكور الذي قد صولح على بعضه، لو كان دينا فإن قبض عوض الصلح فيه يكون كقبض أحد الشريكين في الدين حصته بالصلح، و قد تقدم الكلام فيه في باب القرض، و يأتي فيه في كتاب الشركة مزيد بحث.

و التحقيق أن يقال: ان محل كلام الأصحاب في المدعيين المتفقين على اتحاد جهة ملكهما، و أنه ليس لأحدهما احتمال اختصاص عن الأخر بوجه، و حينئذ فإقرار المتشبث بالنصف لأحدهما لم يفد في حق المقر له فائدة تخصه، بعد سبق إقراره لشريكه، و انما أقصاه صيرورة هذا النصف لا يد لأحد عليه، فيبقى على الإرث بينهما بمقتضى إقرارهما، فهو حينئذ كما لو قال من في يده الدار: ان نصفها ليس لي، و لا ريب في اشتراكهما فيه، و لحقوق النقص لكل منهما بسبب النصف الأخر الذي يد المتشبث عليه.

و أما على فرض احتمال اختصاص أحدهما بالمقر به، دون الأخر الذي يحتمل في حقه أنه قد باع حقه من المتشبث، أو وهبه إياه، أو نحو ذلك لم يشارك المقر له، بل و كذا لو ادعى كل منهما في نصفه، فحلف أحدهما اليمين المردودة دون الأخر.

و حينئذ فما وقع من أول الشهيدين- و تبعه الكركي من احتمال اختصاص المقر له بعوض النصف الذي قد صالح عنه المقر له، قياسا على بيع الشريك حصته المشاعة التي لا يتصور الاشتراك فيها- في غير محله، ضرورة صراحة كلامهم في فرض المسألة في الصلح عن النصف المتفقين على اتحاد جهة اشتراكهما فيه، و عدم احتمال اختصاص أحدهما به، فلا يتصور اختصاصه بعوض النصف المعلوم عدم كونه له، و أن نصفه ربع منه بيد المتشبث على نحو شريكه و لو فرض وقوع الصلح على وجه ينطبق على نصفه المستحق له في الواقع الذي لا يشاركه فيه الشريك كان كذلك، لكنه يكون خروجا عن موضوع مسألة الأصحاب التي فرقوا فيها بين اتفاقهما على سبب الاشتراك

ج 26، ص: 239

و بين اختلافهما فيه، و سكوتهما عن ذلك، فحكموا بالاختصاص في الأخيرين، دون الأول.

و منه يظهر الوجه في عدم الفرق في المسألة بين قبض الوارث و عدمه، و بين كون السبب الإرث و غيره، فما وقع من الكركي أخيرا أيضا- من التفصيل بذلك الذي قد عرفته لبعض الشافعية- في غير محله فتأمل جيدا ليستبين لك الحال في أطراف المسألة التي منها معلومية القاعدة في أن المال المشترك ما يذهب منه عليهما، و ما يبقى لهما.

و منها أن الحصة المشاعة التي هي للشريك لا شركة لأحد فيها، فإذا أراد الصلح عنها مثلا لم يلحقه الشريك بعوضها.

و منها أنهم قد ذكروا في أنه لو أقر بأن نصف الدار لزيد، و الآخر لي و لشريكي و أنكر الشريك كان النصف الباقي بأيديهما بينهما على حسب نسبة الربع إلى النصف و ما أنكر عليهما، و إن كان المختص بالإنكار المقر له، بخلاف ما ذكروه فيما لو أقر أحد الأخوين بثالث، فأنكره الثالث، فإنه يختص النقصان بالمقر له. و أما المقر فيأخذ نصيبه تاما.

و لعل السبب في ذلك استناد الأول إلى اليد، و نحوها التي تمضي على الشريكين بخلاف الأخير الذي تختص الخصومة فيه بين المقر له، و بين المنكر، كما أوضحناه في غير المقام.

أو أن العمدة في الأخير النص و الإجماع، بل قد يقال: إن ذلك مقتضى تنزيل الإقرار على ما في يده، و يد شريكه، و إن كان لا ينفذ في حق الشريك، لكونه إقرارا في حق الغير، و ينفذ في نصيبه قبل الإقرار، فيدفع حينئذ الزائد عليه بعد الإقرار، بل لعل ذلك هو المتجه أيضا في المثال الأول، فيكون النصف حينئذ بينهما، لكل منهما ربع، لا ثلثان و ثلث.

و دعوى اقتضاء قاعدة الشركة ذلك، أي ما يبقى لهما على حسب النسبة، و ما يتلف عليهما، يمكن منعها في الإنكار، ضرورة عدم كونه تلفا حقيقة، و لا دليل على جريان

ج 26، ص: 240

حكمه عليه، فتأمل جيدا و الله العالم بحقائق الاحكام.

و لو ادعى عليه بشي ء مثلا فأنكر أو أقر أو لم تمكن دعوى أصلا فصالحه المدعى عليه مثلا عما ادعى به على سقى زرعه أو شجره بمائه أي ما يسقى به زرعه أو شجره من ماء المدعى عليه قيل: و القائل الشيخ فيما حكى عنه لا يجوز لأن العوض هو الماء و هو مجهول فلا يصح الصلح بناء على فرعيته على البيع و فيه وجه آخر بالجواز مأخذه جواز بيع ماء الشرب أى النهر بتقدير المدة بعد المشاهدة بل قد عرفت فيما تقدم المنع من فرعية الصلح للبيع أولا، و عدم قدح مثل هذه الجهالة في الصلح ثانيا لكونها تؤل الى العلم.

نعم قد يمتنع الصلح على المجهول الذي لا يؤل إلى العلم كالمبهم و من الغريب منع الشيخ من ذلك، مع أن المحكي عنه في الدروس جواز بيع ماء البئر و العين، و بيع جزء مشاع منه، و جعله عوضا للصلح، و من هنا قال في المسالك: «يمكن أن يكون منعه من الصلح على السقي المذكور مطلقا، كما يدل عليه الإطلاق و الماء فيه مجهول لا يدخل في أحد الأقسام، لأنه لم يستحق جميع الماء و لا بعضا منه معينا و إنما استحق سقيا لا يعرف قدره و لا مدة انتهائه، و من ثم شرطنا في الجواز ضبط المدة، و هو لم يصرح بالمنع حينئذ، و لو تعلق الصلح بسقيه دائما لم تبعد الصحة، لأن جهالة مثل ذلك يتسامح فيها في باب الصلح».

قلت: قد يقال بالتسامح في الأول أيضا إذا كان لتحقق مسمى السقي قدر في العرف، و إن اختلف أفراده اختلافا لا يقدح في مثل الصلح، و حينئذ فلا يعتبر اشتراط المدة و لو الدوام في الصلح، على أنه لا ترفع جهالة مقدار الماء الذي هو العوض أو المعوض، إذ ليس الغرض منه الإجارة، بل نقل الأعيان المقدرة بمثل ذلك، المندرج تحت عمومات الصلح كما عرفته فيما تقدم.

و أما لو صالحه عما ادعى به مثلا على إجراء الماء من سطح المدعى إلى سطحه أو ساحته (11) أي المدعى عليه، أو على إجرائه في ساقيته المحفورة له مثلا صح (12) للعمومات بعد العلم بالموضع الذي يجري الماء منه (13) لاختلافه

ج 26، ص: 241

صغرا و كبرا باعتبار قلة الماء و كثرته، لكن في المسالك «المراد بعلم الموضع الذي يجري الماء منه أن يقدر مجراه طولا و عرضا لترتفع الجهالة عن المحل المصالح عليه، و لا يعتبر تعيين العمق، لأن من ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض» و فيه أن ما ذكره في الصلح عما ادعى به على مجرى الماء، لا على استحقاق إجرائه الذي هو المفروض في المتن، و لذا قال في الدروس: «و لو جعل عوض الصلح عن الدعوى مجرى الماء في أرضه، قدر المجرى طولا و عرضا، لا عمقا، لأن من ملك شيئا ملك قراره إلى تخوم الأرض، و لو جعله اجراء الماء في ساقية محفورة مشاهدة، جاز إذا قدرت المدة، قال الشيخ: يكون فرع الإجارة، و في المجرى، فرع البيع، قال الشيخ: و لو كانت الساقية: غير محفورة لم يجز الصلح على الإجراء، لأنه من استيجار المعدوم، و يشكل بإمكان تعيين مكان الاجراء طولا و عرضا، و اشتراط حفره على مالك الأرض، أو على المجرى ماؤه.

نعم لو كانت الأرض موقوفة أو مستأجرة لم يجز، و لو صالحه على المدعى به على إجراء الماء من سطحه على سطح المدعى عليه اشتراط العلم بسطح المدعى، و هو كالصريح فيما ذكرناه، و من ذلك يعلم ما في قوله أى المسالك أيضا «قد أطلق المصنف و غيره حكم الماء من غير أن يشترطوا مشاهدته، ليرتفع الغرر، و لا بأس باعتباره، لاختلاف الأغراض بقلته و كثرته، و لو كان ماء مطر اختلف بكبر محله و صغره، فمعرفته تكون بمعرفة محله، ضرورة أنك قد عرفت فرض مراد المصنف الذي ترتفع الجهالة عنه بالعلم بالموضع الذي يجري الماء منه، فإنه كاف في رفع الغرر.

نعم قد يناقش في أصل اعتبار ذلك لعمومات الصلح، و قبوله من الجهالة و الغرر ما لا يقبله غيره، و على كل حال فإذا وقع السطح أو احتاجت الساقية إلى إصلاح، وجب ذلك على المالك، لتوقف الحق عليه، و ليس على المصالح الذي له حق الاجراء مساعدته، و الله العالم.

و إذا قال المدعى عليه صالحني عليه لم يكن إقرارا، لأنه قد يصح مع الإنكار كما عرفته، فيما تقدم، خلافا لبعض العامة، فجعله إقرارا، بناء على عدم صحته

ج 26، ص: 242

إلا معه، و هو كما ترى، أما لو قال: بعني أو ملكني كان إقرارا في عدم كونه ملكا له، لاستحالة طلب تحصيل الحاصل.

نعم هو ليس إقرارا بكونه ملكا للمخاطب الذي طلب منه ذلك المحتمل وكالته أو ولايته أو غيرهما، فيبقى حينئذ على أصالة عدم ملكه، و حينئذ فلو أقر به حينئذ لغيره لم يكن رجوعا مقتضيا للضمان. اللهم إلا أن يدعى دلالة العرف على كونه ملكا له، فيترتب عليه حينئذ الحكم المزبور، ضرورة كونه المتبع في نحو ذلك، و لولاه لأمكن المناقشة في أصل الإقرار بطلب البيع، لاحتمال ارادته ذلك منه على تقدير كونه ليس له احتياطا، فإنه يؤثر ملكا له في الواقع و ان كان محكوما بكونه له في ظاهر الشرع.

و لو صالح أجنبي المدعي عن المنكر صح عينا كان أو دينا. أذن أولا. لأنه في معنى قضاء الدين، لكن عن المبسوط انه يرجع عليه ان دفع المال بإذنه، سواء صالح بإذنه أو لا، و الا فلا رجوع، لأنه تبرع، و قد يشكل الرجوع بما أداه و لو بإذنه مع كون الصلح بغير اذنه، باقتضاء عقد الصلح لزوم المال للأجنبي، فلا عبرة بالإذن إذا كان قد صالح ليؤدي هو، بل و كذا لو صالح مطلقا.

نعم لو صالح ليؤدي المدعى عليه كان الصلح فضوليا، و لو صالحه لنفسه لا عن المنكر صح، و انتقلت الخصومة إليه، لكن في الدروس «ان تعذر عليه انتزاع المصالح عليه فله الفسخ، لعدم سلامة العوض» و فيه تأمل.

نعم لا فرق في صحة ما ذكرناه من الصلح بين اعتراف المدعى عليه بالحق قبل الصلح أو لا على الأقوى، و لو ادعى الأجنبي أنه وكيل المدعي عليه في الصلح، فصالحه المدعي صح فإن أنكر المدعى عليه وكالته حلف، و لكن له اجازة العقد بعد حلفه و قبله و الله العالم.

[و يلحق بذلك أحكام النزاع في الأملاك و هي مسائل ]

اشارة

و كيف كان ف يلحق بذلك أحكام النزاع في الأملاك لنوع من الاعتبار الذي هو ما عرفت من كون الصلح لقطع النزاع، على أنه ربما يذكر الصلح في بعض أفراده، و لم يلحظ ذلك في الدروس فجعله كتابا مستقلا سماه بكتاب تزاحم

ج 26، ص: 243

الحقوق، و الأمر في ذلك سهل.

و على كل حال ف هي مسائل:

[المسألة الأولى يجوز إخراج الرواشن و الأجنحة الى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة]

الأولى لا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز إخراج الرواشن و الأجنحة و نحوهما الى الطرق النافذة إذا كانت عالية لا تضر بالمارة و لم يعارض فيها مسلم، للسيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار من زمن النبي صلى الله عليه و آله الى يومنا هذا، و قد وضع هو صلى الله عليه و آله ميزابا لدار عمه العباس، بل هي كذلك من غير حاجة الى الإذن من حاكم و لا من غيره، سواء قلنا بكون الهواء ملكا للمسلمين أو باقيا على الإباحة الأصلية، فما عن أحمد من اعتبار اذن الإمام في وضع الجناح، في غير محله، بل هو كذلك.

و لو عارض فيها مسلم، على الأصح لعدم ثبوت حق له في المعارضة، لما عرفت من استمرار السيرة المعتضدة بالفتوى على فعل ذلك، و عدم الالتفات الى المعارض خلافا للمحكي عن الخلاف و المبسوط من أنه لكل مسلم منعه، لأنه حق لجميع المسلمين، و لأنه لو سقط شي ء منه ضمن، و هو يدل على عدم جوازه الا بشرط الضمان و لأنه لا يملك القرار، فلا يملك الهواء، و فيه ما لا يخفى، بعد ما عرفت، فهو حينئذ بمنعه معاند لا حق له، و الضمان بعد تسليمه لا ينافي الجواز كما هو في صورة عدم المعارضة التي قد وافق فيها، و جواز الفعل لا يتوقف على كونه مالكا كما هو واضح.

نعم يعتبر فيه عدم الضرر على المارة، بل في المسالك و غيرها أن المعتبر ما يليق بتلك الطريق عادة، فإن كانت مما يمر عليها الفرسان، اعتبر ارتفاع ذلك بقدر لا يصدم الرمح مائلا عادة، و اعتبر في التذكرة مروره ناصبا رمحه، لأنه قد تزدحم الفرسان، فيحتاج الى نصب الرماح، و نفاه في الدروس لندوره، و لإمكان اجتماعهم مع إمالته على وجه لا يبلغهم و هو أقوى، و ان كانت مما يمر فيها الإبل اعتبر فيها مروره محملا و مركوبا و على ظهره محمل إن أمكن مرور مثل ذلك عادة، و هكذا يعتبر ما تجري العادة بمروره على تلك الطريق.

قلت: قد يقال: ان المعتبر عدم الضرر حتى في الصورة النادرة، لأنه المتيقن من الجواز فيما هو حق المسلمين كافة، و اليه أومأ فيما سمعته من التذكرة، فيعتبر

ج 26، ص: 244

حينئذ في الطريق كونه على الوجه المزبور و ان لم يعتد ازدحام الفرسان و الإبل و الكنائس، الا أنه ربما اتفق ذلك، خصوصا بناء على أن الأصل المنع لتعلق حق المسلمين بإحيائهم، و المعلوم جوازه من السيرة ذلك لا غيره، نعم لو قلنا: ان الأصل الجواز، لكونه من مباح الأصل، فيقتصر على المتيقن في المنع، اتجه حينئذ ما ذكروه، الا أن الأول لا يخلو من قوة.

هذا كله في تضرر المارة أما تضرر غيرهم كالجار بالإشراف عليه و نحوه ففي المسالك و غيره لا عبرة به، كما لو وضعه في ملكه و استلزم الإشراف عليه فإن المحرم التطلع عليه لا البناء المشرف عليه.

خلافا للتذكرة حيث الحق الأول بتضرر المارة، و فرق بينه و بين وضعه في ملكه، بأن الروشن في الطريق مشروط بعدم التضرر، لأن الهواء ليس ملكه، بخلاف الموضوع في ملكه، لأن للإنسان التصرف في ملكه كيف شاء، و ان استلزم الاشراف على الجار، أو الظلمة عليه، و انما يمنع من الإشراف لا من التعلية المفضية الى ذلك، إلى أن قال: و لست أعرف في هذه المسألة بالخصوص نصا من الخاصة و لا من العامة، و انما صرت الى ما قلت عن اجتهاد.

و رده بعضهم بأن المعتبر عدم الإضرار بأهل الطريق من حيث الاستطراق الموضوع له الطريق، أما غير ذلك فلا دليل على المنع منه، بل قد عرفت أنه لا عبرة بضرر غير المعتاد سلوكه فضلا عن غير المار، فهو حينئذ كمن أحدث بناء في مباح استلزم الإشراف عليه، و تقييد العلامة و غيره الضرر بالمارة دليل على ذلك، و انما عمم هو الضرر في هذا الفرع خاصة.

قلت: يمكن أن يكون بناء العلامة ما ذكرناه من أن المسلمين باحيائهم الطريق صار هو و قراره و هواؤه ملكا لهم أجمع، أو كالملك فلا يجوز لأحد منهم التصرف فيه بغير إذنهم، أو اذن وليهم، الا أن السيرة جرت على فعل ذلك، و المتيقن منها الخالي عن ضررهم من جهة الاستطراق و غيره، أما الخالي عن ضرر الاستطراق خاصة دون غيره فلا سيرة عليه، فيبقى على أصل المنع، اللهم الا أن يدعى كونها

ج 26، ص: 245

كذلك أيضا، لكنه كما ترى، أو يدعى أن الأصل بالعكس كما أشرنا إليه سابقا، و لو لفقد نحو

«الناس مسلطون على أموالهم»

في المقام، الباقي على اشتراك الناس فيه الذي يختص السابق به منهم مع عدم تضرر الآخر، لقاعدة

«لا ضرر و لا ضرار».

لكن

في دعائم الإسلام (1)«و عنه صلوات الله و سلامه عليه أنه سئل عن الرجل يطيل بناءه فمنع جاره الشمس قال: ذلك له. و ليس هذا من الضرر الذي يمنع منه و يرفع جداره ما أحب إذا لم يكن نظر منه إليهم»

و فيها(2)أيضا «و عنه صلى الله عليه و آله أنه قال: ليس لأحد أن يفتح كوة في جداره ينظر منها إلى شي ء من داخل دار جاره فإن فتح للضياء في موضع يرى منه لم يمنع ذلك».

و أما عمل السرداب في الطريق النافذ إذا أحكم أزجه و لم يحفر الطريق من وجهها بحيث يضر المارة فقد صرح غير واحد بجوازه، للسيرة أيضا. نعم لا يجوز ذلك في المرفوع إلا بإذنهم. و ان أحكم، و مثله الساقية من الماء و ان لم يكن لها رسم قديم، لكن الفاضل منع من عملها في النافذ و ان أحكم الأزج عليها، أما لو عملها بغير أزج فإنه يمنع منها إجماعا، كما في الدروس، و لكل أحد إزالتها و لو تضرر الجار بالسرداب و الساقية فالظاهر جريان البحث السابق فيها، و لا يجوز إحداث دكة فيه و نحوها على باب داره و غيرها لأهل الدرب و غيرهم.

نعم ربما ظهر من بعضهم جوازها في الزائد على المقدر شرعا عنه و فيه: أن الزائد بعد احياء المسلمين له بالاستطراق يكون حاله كحال الطريق بالنسبة الى ذلك، و لعله لذا قال في الدروس: «اتسع الطريق أو ضاق، لأن احياء الطريق غير جائز، إذ هو مشترك بين مارة المسلمين، فليس له الاختصاص المانع من الاشتراك» بل فيها أيضا «و كذا لا يجوز الغرس فيه، و ان كان هناك مندوحة، لأن الزقاق قد يصدم ليلا و تزدحم فيها البهائم، و لأنه مع تطاول الأزمنة ينقطع أثر الاستطراق في ذلك، و يحتمل جوازه ما لم يتضرر به المارة من ذلك، كالروشن و الساباط» و يضعف بأنهما في الهواء، بخلاف الدكة و الشجرة.


1- 1 الدعائم ج 2 ص 505 الطبعة الثانية بمصر.
2- 2 الدعائم ج 2 ص 505 الطبعة الثانية بمصر.

ج 26، ص: 246

و على كل حال ف لو كانت الرواشن و الأجنحة و ما شاكلها مضرة، وجب إزالتها على الواضع الغاصب و على كل قادر على رفع المنكر و لو بإلزام الغاصب الواضع بذلك إذ لا يجب على غيره الإزالة، لأنه «لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ».

و لو كان ضررها بأن أظلم بها الطريق على وجه ذهب الضياء منه أصلا فإنه لا خلاف و لا إشكال حينئذ في أنه يجب إزالتها، بل في المسالك «الإجماع عليه» بل و كذا إذا ذهب على وجه يضر المارة و لو ضعيف البصر منهم، و لو ليلا، لما عرفت من اعتبار عدم الضرر في الجواز، فما عن الشيخ من إطلاق عدم تأثير الظلمة في المنع في غير محله، و لعله الى ذلك أشار المصنف بقوله قيل: لا يجب إزالتها اللهم الا أن يريد ما لا ضرر فيها على المارة، فإن وجود ظلمة ما بسببها من اللوازم.

و قد عرفت السيرة مع ذلك على فعلها كما لا خلاف في أنه يجوز فتح الأبواب المستجدة فيها أي الطرق النافذة سواء كانت لها باب أخرى إليها أو الى طريق مرفوع أم لا، لما عرفت من أن المسلمين في ذلك شرع سواء، و لا يقدح في ذلك صيرورة المرفوعة نافذة بسبب الباب المفتوح في بعض الصور، لأن ذلك انما يوجب نفوذ داره لا نفوذ الطريق، إذ ليس لأحد دخول داره إلا بإذنه، فلا يتحقق نفوذ الطريق، بل لو فرض تحققه لا بأس به أيضا، للأصل و غيره.

و

في دعائم الإسلام (1)و عنه عليه السلام أنه قال: «من أراد أن يحول باب داره عن موضعه، أو يفتح معها بابا غيره في شارع مسلوك نافذ فذلك له، الا ان يتبين أن في ذلك ضررا يقينا، فإن كان في رافعة غير نافذة لم يفتح فيها بابا، و لم ينقله عن مكانه الا برضا أهل الرائغة»

، هذا كله في الطرق النافذة.

أما الطرق المرفوعة و هي التي لا تنتهي إلى طريق آخر و لا مباح، بل الى ملك الغير فهي ملك حقيقة لأربابها الذين لهم أبواب نافذة إليها، دون من يلاصق داره و يكون حائطه إليها من غير نفوذ، فلهم سدها عن السكة و الارتفاق بها


1- 1 دعائم الإسلام ج 2 ص 505.

ج 26، ص: 247

كغيرها من أملاكهم، و لهم قسمتها فيما بينهم، و إدخال كل منهم حصته الى داره، خلافا لبعض الشافعية فمنع من سدها، لأن أهل الشارع يفزعون إليها، إذا عرض لهم سبب من زحمة و شبهها، و ضعفه واضح.

كما أنه لا يجوز لأحد من غير أربابها احداث ساباط و لا باب فيها و لا جناح و لا غيره الا بإذن أربابه، سواء كان مضرا أو لم يكن، لأنه مختص بهم و كذا ليس لبعضهم أيضا ذلك إلا بإذن شركائه، لكن على بحث في بعض أفراد التصرف ستسمع الحال فيه إنشاء الله، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل كأنه إجماع.

خلافا لأحد قولي الشافعية من أنه لا يجوز لغير أهل السكة ذلك مطلقا، و أما هم فيجوز لكل واحد منهم انتزاع الجناح و الروشن و غيرهما إذا لم يضر بالمارة لأن لكل واحد منهم الارتفاق بقرارها، فكذا هوائها كالشوارع.

و فيه بعد حرمة القياس عندنا إمكان الفرق بحصر أهل الطرق المرفوعة دون الشوارع، فاعتبر اذن الأولين، و عومل معاملة الدار و نحوها من الأملاك بالنسبة الى ذلك، و ان لم يتضرر بخلاف الشوارع التي لا حصر لأهلها، و جرت السيرة على التصرف فيها بما لا ضرر فيه على استطراقهم، فملكهم لها حينئذ على هذا الوجه، و لو لهذه السيرة و نحوها.

فما عن المقدس الأردبيلي من التأمل في ملك الطرق المرفوعة لأهلها في غير محله، لا لما في الحدائق «من أن التصرف دليل الملك و لكن في الشوارع لما لم يكن المتصرف متعينا لم يترتب عليه الملك، بخلاف المرفوعة» إذ هو كما ترى، بل لما عرفت من أن الطريق المرفوع ان كان بعض ملكهم أخرجوه لهم فيما بينهم لهذه المنفعة الخاصة فلا اشكال، بل هو خارج عن محل البحث، و ان كان من المباحات فقد أحيوه و حازوه على هذا الوجه الخاص بهم، ضرورة كون احياء كل شي ء بحسب حاله، و هذا و ان اقتضى كون الشارع ملكا للمسلمين، باعتبار أن هذه الحيازة- التي ليست من معين بل المعين سلكه أيضا على جهة العموم- تقتضي ذلك أيضا، الا أنه

ج 26، ص: 248

للسيرة المستمرة في العمل في الأعصار و الأمصار جعل ذلك على الوجه المزبور، من غير رجوع إلى إذن حاكم الشرع، بل ليس له و لا لغيره من المسلمين المنع مع فرض عدم تضرر المارة، أو يقال: بعدم تحقق الحيازة التي هي الاختصاص عن الغير باستيلاء و نحوه، فلا يتحقق حينئذ الملك في النافذ دون المرفوع و لذا قالوا انه ملك لأربابه بخلاف النافذ و لعل ذلك هو المراد مما سمعته من الحدائق، لكن قد يمنع اعتبار الحيازة بالمعنى المزبور في الملك، فيكفي فيه الاستيلاء و كذا الكلام في باقي المرافق العامة و الخاصة.

نعم قد يقال: باقتضاء السيرة و الطريقة جواز الدخول فيها، و الجلوس مع فرض عدم تضرر أهلها، و عدم اعتبار المساواة في استطراق أربابها قلة و كثرة منه، أو من أتباعه و المترددين اليه، بل قد يقال بحصول الإذن شرعا و ان كان فيهم مولى عليه من طفل أو غيره، بل يمكن القول بذلك حتى مع منع بعضهم.

لكن في الدروس «يجوز للأجنبي دخول السكة المرفوعة بغير إذن أهلها عملا بشاهد الحال، و الجلوس غير المضر بهم، و لو نهاه أحدهم حرم ذلك».

و في المسالك «و مما يدخل في المنع من التصرف في المرفوعة بغير إذن أهلها المرور فيها و الوجه فيه ما تقدم من الملك، و الأقوى الإكتفاء فيه بشاهد الحال، فلو منع أحدهم حرم، أما الجلوس فيها و إدخال الدواب إليها و نحو ذلك فلا، الا مع اذن الجميع، لأصالة حرمة مال الغير بغير اذنه، و انتفاء شاهد الحال فيه غالبا، نعم لو كان الجلوس خفيفا غير مضر تناوله بشاهد الحال» و كذا الفاضل في التذكرة، و يمكن أن يريدوا بشاهد الحال تلك الإذن الشرعية، و ظاهرهم الحرمة بمنع أحد منهم، و ان أذن له من أراد دخوله اليه، بل و ان كان أضيافه و أتباعه، بل مقتضى ذلك أن لبعضهم منع الآخر أيضا الى غير ذلك من الأحكام المترتبة على الشركة الحقيقية المعلومة بالسيرة خلافها، و الله العالم.

و كذا لا يجوز لغير أهلها بل و أهلها أيضا لكن على التفصيل الآتي لو أراد فتح باب لا يستطرق فيه بلا خلاف أجده فيه دفعا للشبهة الحاصلة منه على ممر

ج 26، ص: 249

الأزمان، فإنه امارة على استحقاق الاستطراق، و بذلك فرق بينه و بين رفع الجدار الجائز له قطعا الذي لا امارة فيه. لكن قد يقال: ان ذلك كذلك، الا أنه لا دليل على جواز منعه بذلك، لإمكان التحرز عن ضرر هذه الشبهة بالطرق المعدة لمثل ذلك، و ليس كل ضرر يكون على الغير بالتصرف في الملك يجب تركه.

و من هنا لا خلاف في أنه يجوز فتح الروزان و الشبابيك إليها، بل الى دار الجار للاستضاءة بها أو لغيره مما لا يحرم عليه مع عدم الإذن، بل مع النهي، لعموم (1)

«تسلط الناس على أموالها»

نعم للجار، وضع شي ء في ملكه يمنع الاشراف عليه و ان منع الضوء.

و كيف كان ف مع إذنهم في كل ما عرفت منعه فلا إشكال في الجواز و لا اعتراض لغيرهم الخارج عنهم، فإنه لا حق له، و لكن الظاهر كون ذلك كالعارية يجوز لكل الرجوع عن ذلك، بل تبطل بالموت و الخروج عن التكليف بالجنون و الإغماء و نحوهما.

نعم في التذكرة «له الأرش للسببية في إتلاف المال على اشكال» و لعله لإمكان منع التسبيب بعد فرض كونها عارية من حكمها جواز الرجوع بها، اللهم الا أن يقال:

انه لم يعلم جواز الرجوع بها مجانا، لقاعدة الضرر.

و لو صالح من له حق من هم على احداث روشن مثلا قيل: و القائل الشيخ لا يجوز لانه لا يصح افراد الهواء بالبيع و الصلح فرعه و فيه تردد بل منع إذ المقدمتان ممنوعتان، للعمومات خصوصا عمومات الصلح المقتضية جوازه، و ان قلنا بعدم أفراده في البيع.

لكن في الدروس «أما لو صالحوا على ذلك بعوض فإنه لازم مع تعيين المدة و ان كان بغير عوض بني على أصالة الصلح أو فرعيته للعارية» و في التذكرة «لو صالح واضع الروشن أو الجناح أو الساباط أرباب الدرب و أصحاب السكة على وضعه جاز على الأظهر عندنا، لكن الأولى اشتراط زمان معين» و فيه: منع اعتبار المدة في


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبعة الحديثة.

ج 26، ص: 250

الصلح عنه المراد به نقله نفسه اليه، نعم لا إشكال في اعتبارها لو أريد منه القائم مقام الإجارة مثلا، و لو فرض الاذن منهم على إنشاء التمليك له مجانا أو بعوض ملكه و لكل حكمه ضرورة كون الفضاء ملكا كسائر الأملاك فيجري عليه جميع أحكامها. و الله العالم.

و لو كان للإنسان داران مثلا باب كل واحدة منهما الى زقاق غير نافذ، جاز أن يفتح بينهما بابا فضلا عن النافذين، بل يجوز فتح باب ذات الشارع الى ذات السكة، فضلا عن العكس، كل ذلك للأصل و قاعدة التسلط و أولويته من رفع الجدار الحائل بينهما و جعلهما واحدة الجائز له إجماعا في جامع المقاصد و قولا واحدا في التذكرة.

فما عن بعض العامة- من عدم الجواز لأنه يثبت له حق الاستطراق في درب مملوك لدار لا حق لها فيه، و لأنه ربما ادى الى إثبات الشفعة لو بيعت بعض دور احدى الطريقين بسبب الاشتراك في الطريق لكل واحد من الدارين في زقاق الأخرى على تقدير القول بثبوتها بذلك و مع الكثرة- فيه: أن فتح الباب لا يوجب حقا للدار في الطريق الأخر، و انما أباح الانتقال من داره الى داره الأخرى، و متى صار فيها استحق المرور في طريقها تبعا للكون الثاني و الدار التي هو فيها لا للأولى، و حينئذ فكل دار على ما كانت عليه من استحقاق الشفعة بالشركة في الطريق، و لا يتعدى الى الأخرى، و ان جاز الاستطراق.

لكن قد يقال: ان الفتح المزبور و ان لم يفد الحق المذكور، الا أنه يورث شبهة في الاستحقاق نحو الباب المفتوح لغير الاستطراق الذي قد سمعت تصريحهم بالمنع منه، اللهم الا ان يمنع دلالتها على ذلك، بخلاف فتح الباب في الطريق، و على كل حال فما في الدروس عن ظاهر الشيخ من اشتراك أهل الزقاقين في الدرب من الجانبين، فتبطل حينئذ شفعة كل منهما بالكثرة، أو تثبت بناء على ثبوتها معها لا وجه له، مع فرض كون المراد من أهل الزقاقين- أى ذيهما- ما يشمل من فتح بابا لداريه المتلاصقين اللتين لكل منهما زقاق، لما عرفت من عدم اقتضاء فتح الباب ذلك.

ج 26، ص: 251

نعم لو كانت دار واحدة لها طريقان للزقاقين، اتجه حينئذ ما ذكره، و تثبت الشفعة له و لهم- مع فرض تحققها مع الكثرة و الشركة في الطريق، فقد يكون لكل من أهل الزقاقين الشفعة في الدار ذاتها إذا بيعت مع الطريقين.

و لعله الى ذلك أشار في القواعد بقوله «و لذي الدارين المتلاصقين، في دربين مرفوعين فتح باب بينهما، و في استحقاق الشفعة حينئذ نظر، و ان أكثر في جامع المقاصد في الاحتمالات فيها» و الله العالم.

و لو أحدث الأجنبي أو بعض أهلها في الطريق المرفوع حدثا على غير الوجه الشرعي جاز ازالته لكل من له عليه استطراق من غير فرق بين المضر و غيره، و بين كونه في الهواء كالروشن أو في الأرض كالدكة، و لا بين وقوعه باذن بعضهم و عدمه، بل لو بقي واحد بغير اذن كان له الإزالة، بل و للآذن ذلك أيضا، لقاعدة التسلط. و اذن بعض الشركاء لا تجدي في المال المشترك.

و لو كان في زقاق بابان مثلا أحدهما أدخل من الأخر، فصاحب الأول يشارك الأخر في مجازه، و ينفرد الأدخل بما بين البابين على المشهور بين الأصحاب كما في المسالك، لأن المقتضي لاستحقاق كل واحد هو الاستطراق و نهايته بابه فلا يشارك الداخل، بخلافه، و قيل: يشترك الجميع في الجميع حتى في الفضلة الداخلة في صدرها: أي أسفلها، لاحتياجه الى ذلك عند ازدحام الأحمال و وضع الأثقال، و لأن اقتصار تصرف الخارج على نفس ما يخرج عن بابه أمر بعيد، بل متعسر و المتعارف الاحتياج إلى أزيد من ذلك، و لظهور اتحاد جميع أهل الدربية في اليد عليها أجمع حتى الفضلة التي تكون فيها، فالقول بالاقتصار على ما حاذى الباب غير جيد.

و لعله لذا قوى في الدروس الاشتراك في الجميع، كما ستسمعه إنشاء الله و عليه يتضح الوجه في الحكم باشتراك الفضلة بينهما فيما لو كان في الزقاق فاضل الى صدرها أى أسفلها و تداعياه أو لم يتداعياه فهما إذن فيه سواء لما عرفت من كونه جزء من الطريق الذي يدهم جميعا عليه بالاستطراق، و غيره من

ج 26، ص: 252

وجوه الارتفاق على وجه لا أولوية لأحد منهما على الآخر.

و احتياج الداخل الى استطراق ما بين البابين للدخول الى داره لا يقتضي اختصاصه بذلك، بعد ما عرفت من مشاركة غيره في الارتفاق به، و ان لم يحتج إليه في الاستطراق الى داره.

و حينئذ فلا وجه لإشكال ذلك- بتوقف الانتفاع بالفضلة على استحقاق السلوك إليها، فإذا لم يكن للخارج حق السلوك لا يترتب على تصرفه الفاسد ثبوت يد على الداخل-، و لا الى دفعه بأن ثبوت ملك شي ء لا يتوقف على مسلك له، و مع ذلك فيمكن دخول الخارج إليها، بشاهد الحال، كسلوك غيره ممن لا حق له في تلك الطريق، فمع فرض اشتراكهم في اليد عليها حكم باشتراكها فيما بينهم، و لا يرد مثله في المسلك بين البابين- حيث لا يجوز للخارج دخوله بذلك، لأن الداخل له عليه يد بالسلوك المستمر عليه الذي لا يتم الانتفاع بداره الا به، بخلاف الفضلة فإن يدهم فيها سواء، إذ لا تصرف لهم فيها الا بالارتفاق و هو مشترك- إذ هو كما ترى، بعد ما عرفت من أن يد الداخل على ما بين البابين لا تنافي يد غيره أيضا عليه بالسلوك فيه للفضلة أو لغيرها من مقامات الارتفاق.

فالتحقيق حينئذ بناء ذلك على اشتراك الجميع في الجميع الذي قواه في الدروس، و يؤيده ظهور اتحاد كيفية احياء الطريق المرفوع و الطريق العام، فكما أن اتخاذ جملة من المسلمين طريقا على جهة العموم يفيد الحق للمسلمين كافة، حتى لمن لم يستطرقه منهم، لأنه وقع ممن وقع بعنوان الجميع، كذلك الطريق الخاص الذي اتخذ طريقا الى دورهم على جهة الاشتراك بينهم في سائر وجوه الارتفاق التي منها الاستطراق الى الدار، فكل منهم قد اتخذه لجميعهم على هذا الوجه، و لذا كان بينهم أجمع على الشركة.

و من ذلك يعلم النظر فيما ذكره المصنف و غيره من متأخري الأصحاب من أنه يجوز للداخل أن يقدم بابه الى الخارج و كذا الخارج يجوز أن يقدم بابه و لكن لا يجوز ل ه أي ل لخارج أن يدخل بابه الى

ج 26، ص: 253

أسفل و كذا الداخل بالنسبة إلى الأدخل الذي هو خارج في القياس إليه، فإن ذلك كله مبني على اختصاص كل داخل عن الخارج بما دخل عنه، و مشاركته فيما خرج، فيجوز للداخل إخراج بابه لثبوت حق الاستطراق له في جميع الطريق الى بابه، فكل ما خرج عنه له فيه حق.

و له حق التصرف في جداره برفعه أجمع، فبعضه أولى، بل مقتضى إطلاق المتن و غيره عدم الفرق بين سد الباب الأول و عدمه، بل و صرح به بعضهم، و ان توقف فيه آخر، باعتبار اقتضاء ذلك تعدد حق الاستطراق الى الدار، لكنه في غير محله، بخلاف الخارج، فإنه لا حق له في الاستطراق إلى أزيد من بابه، فليس حينئذ أن يدخلها، و ان كان ربما أشكل ذلك بأنه قد كان له في السابق فتح بابه من أي جهة شاء من جداره، بل له رفع الجدار أجمع، فلا وجه لعدم جواز إدخال بابه، لكن قد يدفع بأنه و ان كان له ذلك قبل ذلك الا أنه تشخص حقه بالباب التي استطرقها، فله حينئذ الاستطراق من أي جهة شاء من جداره، منتهيا الى تلك الباب دون الأدخل منها، و رفع الجدار كله لا يقتضي ثبوت حق الاستطراق له من أي جهة منه بل بناء على انتهاء اختصاصه الى بابه، يكون كذلك بعد رفع الجدار أيضا.

نعم ذلك كله مبني على الاختصاص و الاشتراك المزبورين، أما بناء على ما ذكرناه من اشتراك الجميع في الجميع فالمتجه حينئذ تساوى الإخراج و الإدخال من كل منهم في الجواز و عدمه، لتساوي الجميع في الاستحقاق.

و قد يقوى الجواز بالنسبة إلى الاستطراق الذي بناء الشركة على عدم معارضة أحدهم الأخر فيه، فيختر في فتح بابه من أي جهة شاء من جداره، خارجا عن بابه الأول أو داخلا، بل مع سد الأولى و عدمه، لأن له حق الاستطراق متحدا أو متعددا من أي جهة شاء.

نعم ليس لأحدهم إخراج روشن أو جناح أو ساباط بدون إذن جميعهم، لخروجه عن الاستطراق الذي وضع الاشتراك فيه، على ما عرفت، نعم لو قلنا باختصاص الداخل بما بين البابين، اتجه حينئذ عدم اعتبار اذنه في الجناح و الروشن و الساباط و نحوها

ج 26، ص: 254

لعدم الحق له حينئذ، و انما يتوقف على اذن غيره ممن هو أدخل بابا ان كان، و الا لم يحتج إلى إذن أصلا.

قال في الدروس: «و لو كان في أسفل الدرب فضلة فهم مستوون فيها لارتفاقهم بها، و قال متأخرو الأصحاب ان ذا الباب الخارج انما يشارك الى موضع بابه، ثم لا مشاركة حتى ان الداخل ينفرد بما بقي، و يحتمل التشارك في الجميع كالفضلة لاحتياجهم الى ذلك عند ازدحام الأحمال، و وضع الأثقال، فعلى الأول ليس للخارج حق في المنع من الروشن و شبهه فيما هو أدخل منه، و يكفي اذن من له فيه حق، و على الثاني لا بد من اذن الباقين، و هو عندي قوى» و هو كما ذكرنا. و كذا ما فيها أيضا درس في الجدار.

اما الخاص فلمالكه التصرف فيه بما شاء من فتح كوة للاستضاءة و وضع الجذوع و غير ذلك حتى رفعه من البين، و يتخرج من هذا جواز إدخال الباب من غير اذن الجار في المرفوعة نعم ما ذكره سابقا يخالفه في الجملة، و إن كان قد يشهد له في الجملة خبر الدعائم(1).

قال: «و أما السكة المرفوعة أي المنسدة الأسفل، فلا يجوز احداث روشن و لا جناح فيها إلا بإذن جميع أهلها، سواء كان في أسفلها أو أعلاها، و لا فتح باب أدخل من بابه، سد بابه أو لا، و يجوز له إخراج بابه و ان لم يسد الأولى على قول، و لو أذن أهل الأسفل في إدخال الباب فهل لأهل الأعلى المنع، فيه اشكال، من عدم استطراقهم، و من الاحتياج اليه عند ازدحام الدواب و الناس، و هو أقوى».

إذ قد عرفت أنه بناء على الاشتراك يتجه له الجواز في الباب، بناء على ما سمعت من عدم حق لأحدهم في المعارضة فيه، لبناء مثل هذه الشركة على ذلك، و انما هو كذلك بالنسبة إلى الروشن و الجناح و غيرهما، أما الفضلة، فيمكن أن تكون كذلك أيضا، فلكل منهم إخراج بابه منها من غير حاجة الى إذن الأخر، بل مع منعه لكونها جزء من الطريق الذي قد عرفت أصل وضعه لذلك، و يمكن عدم


1- 1 الدعائم ج 2 ص 505 الطبعة الثانية بمصر.

ج 26، ص: 255

الجواز إلا بإذن الجميع، لعدم اعدادها للاستطراق و ان انتفعوا بها في غيره اما الروشن و الجناح إليها فلا إشكال في الحاجة إلى اذن الجميع.

و بذلك كله بان أن إطلاق الأصحاب سابقا- ان الطريق المرفوع ملك لأربابه، و أنه لا يجوز لأحد منهم أو من غيرهم إخراج روشن أو جناح أو ساباط أو فتح باب و لو للاستضاءة- غير مراد منه ظاهره على جهة العموم، بل هو على الإهمال و إلا لنافاه ما سمعته من كثير منهم ممن صرحوا بكيفية اشتراكه، و بالفرق بين الداخل و الخارج بالنسبة إلى فتح الباب و غيره، و ان كان هو على مختارنا أليق منه على غيره، فما وقع لبعضهم من الإشكال في ذلك حتى ظن التدافع بين كلماتهم في غير محله، هذا.

و قد بان لك أيضا مما تقدم سابقا أنه لو أخرج بعض أهل الدرب النافذ روشنا مثلا غير مضر بالمارة لم يكن لمقابله و لا لغيره معارضته و لو استوعب عرض الدرب ما لم يضع منه شيئا على جداره، للأصل و السيرة المستمرة على معاملته معاملة المباح من غير اختصاص لأهل الدور في شي ء منه، من غير فرق بين ما قابله منهم و عدمه.

بل صرح غير واحد منهم الفاضل و الشهيدان بأنه لو سقط ذلك الروشن فسبق جاره الى عمل روشن لم يكن للأول منعه، لأنهما فيه شرع، كالسبق الى القعود في المسجد فقام منه و لم يملك الأول الموضع بوضع الروشن فيه، و انما اكتسب أولوية سبقه اليه، فإذا زال أثره زالت كالقعود في المسجد و السوق، بل لو فرض أن الثاني أخرب روشن الأول لم يكن له ازالة ما وضعه الثاني و ان كان قد ضمن الأرش و اكتسب الإثم في الإزالة، و كذا الكلام في المسجد و شبهه.

لكن قد يناقش أولا: بصدق الغصب و استصحاب بقاء حقه، بل قد يناقش في نحو المقام بأنه قد ملكه بالحيازة بناء على كونه مباح الأصل على ما صرح به في الدروس، فيستمر حينئذ على ملكه، و ان زال أثره، و قد احتمل في الدروس الملك في نحو المقام على بعد، قال: «فرع» لو جعل المقابل روشنا تحت روشن مقابله

ج 26، ص: 256

أو فوقه فهل للسابق منعه؟ لم أقف فيه على كلام، و قضية الأصل عدم المنع، الا أن يقال لما ملك الروشن ملك قراره و هواءه، و هو بعيد، لأنه مأذون في الانتفاع، و ليس ملزوما للملك».

قلت: ينبغي بناء المسئلة على أن الطريق المحيي بالاستطراق يكون ملكا لمن أحياه هو مع هواه، فأرض الطريق حينئذ و ما تحتها و هواها ملك للمسلمين، الا أنه جرت السيرة و الطريقة على تصرفهم فيه بما لا ضرر فيه على مارتهم، و حينئذ فلا يملك ذو الروشن مثلا شيئا من الهواء، بل هو على ملك المسلمين، و إنما له حق اختصاص، فإذا زال أثره زال حقه، أو أن المسلمين إنما لهم منه حق الاستطراق، فالفضاء و الأسفل باق على الإباحة الأصلية، يملكه من يجوزه، و يجرى عليه حينئذ حكم ذلك، لم أعثر على تحرير لهم في ذلك، و الذي ذكرناه سابقا الأول. و قلنا: إن حاله كحال الطريق الخاص في الكيفية، بل هو الموافق لقاعدة «من ملك أرضا ملك هواها و قرارها إلى عنان السماء و تخوم الأرض» و لا ريب في ملك المسلمين نفس أرض الطريق بالاستطراق فيتبعها ذلك، و حينئذ فالمتجه أن للسابق حق اختصاص سبقه فمتى زال أثره زال حقه و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا التمس وضع جذوعه مثلا على حائط جاره لم يجب على الجار إجابته ]

المسألة الثانية: إذا التمس وضع جذوعه مثلا على حائط جاره، لم يجب على الجار اجابته، و لو كان خشبة واحدة عندنا للأصل، بل الأصول كما لا يجوز له الوضع بدونها، ل

قوله صلى الله عليه و آله (1)«لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه»

و لقاعدة عدم التصرف في مال الغير بغير اذنه، فما عن أحمد، و مالك، بل و الشافعي في القديم و ان كان مع شروط ثلاثة- عدم احتياج مالك الجدار الى وضع الجذع عليه و أن لا يزيد الجار في رفع الجدار، و لا يبني عليه أزجا و لا يضع عليه ما لا يحمله و يضر به و انحصار الحاجة في الرابع. لأنه مالك للجوانب الثلاث، أما إذا كان الكل للغير لم يضع الجذوع عليها قولا واحدا من أن له الوضع بدونها بل يجبر مع الامتناع، ل

خبر


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلى الحديث 1- 3.

ج 26، ص: 257

أبي هريرة(1)عنه صلى الله عليه و آله «لا يمنع أحدكم جاره أن يضع خشبة على جداره»

واضح الفساد ضرورة وجوب طرح مثل هذا الخبر المعارض لأصول المذهب و قواعده.

لكن يستحب اجابته، لما ورد من الحث على قضاء الحوائج، و التوصية بالجار، بل يمكن الحكم بكراهية المنع، للخبر المزبور و لغيره، و حينئذ ف لو أذن جاز الرجوع قبل الوضع إجماعا بقسميه، للأصل و غيره، بل ظاهرهم ذلك، و ان استلزم ضررا عليه، بفعل المقدمات من بناء و غيره.

و بعد الوضع المستلزم نقضه للضرر لا يجوز الرجوع عند الشيخ و من تبعه لأن المراد به للمستعير و المعير التأبيد فهو حينئذ كالعارية للدفن و للضرر الحاصل بالنقض حيث يفضي الى خراب ملك المأذون.

و لكن مع ذلك فالقول ب الجواز حسن مع الضمان بل هو خيرة الفاضل و الكركي، و ثاني الشهيدين، لأنه عارية، و من لوازمها جواز الرجوع الذي هو مقتضى الاستصحاب و قاعدة تسلط الناس و غير ذلك. و الإلحاق بالدفن قياس مع الفارق لتحريم النبش، و كذا العارية للرهن، المقتضي لتعلق حق الغير به على وجه يقتضي اللزوم من طرف الراهن، بخلاف ما هنا، فإنه لا حرمة على المالك في خراب ملكه، الا أنه نسبه في الدروس إلى القيل، مشعرا بتمريضه، و احتمل المنع من النقض، بل كأنه مال اليه، قال: «و لو أسعفه فوضع قيل: جاز له الرجوع، لأنه اعارة، و يحتمل المنع من النقض، للضرر الحاصل به، فإنه يؤدى الى خراب ملك المستعير نعم يكون له الأجرة فيها بعد الرجوع».

و في المبسوط «لا رجوع حتى يخرب، لأن البناء للتأبيد و للضرر، و لو قلنا بالرجوع ففي غرمه الأرش وجهان، من استناد التفريط الى المستعير، و من لحوق ضرره بفعل غيره».

قلت: الأصل في هذه المسألة ما حكاه في التذكرة عن الشافعية، و محصله خمسة وجوه:


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 68.

ج 26، ص: 258

أحدها أن له الرجوع و يتخير بين البقاء بالأجرة و القلع بالأرش، قال فيها:

و هو أظهر قوليها.

و الثاني: أن له الرجوع و القلع بالأرش، و أما البقاء بالأجرة فمتوقف على رضاهما بذلك، و هو خيرة ثاني الشهيدين و المحققين، و استحسنه في المتن.

الثالث: أن له الرجوع و لا يجوز له النقض، و انما له الأجرة خاصة، و مال اليه الشهيد في الدروس.

الرابع: أن له الرجوع و القلع مجانا.

الخامس: أن ليس له الرجوع، بمعنى أنه لا يستفيد به جواز قلع و لا اجرة، و هو الذي اختاره الشيخ و من تبعه، بل هو ظاهر المصنف.

و لا ريب في قوة الرابع بناء على أن له الرجوع، ضرورة كون المنشأ في ذلك على تقدير القول به أن حكم هذه العارية حكم غيرها من العواري التي يعتبر في بقائها استدامة الإذن، فمع فرض انقطاعها يبطل حكمها، فيبقى وضع بلا اذن، و الضرر اللاحق بالقلع انما يجي ء من خطاب الشارع له بتخليص ملك الغير و رفعه عنه، و بذلك لا يعد كون المعير متلفا لا مباشرة و لا تسبيبا كي يتجه ضمانه الأرش، خصوصا بعد اقدام المستعير على الوضع بالاذن المفروض جواز الرجوع فيها، فلا غرور منه، بل وجوب الأرش إنما يتجه مع فرض ثبوت حق للمستعير في البقاء الذي قد فرض عدمه، باعتبار ارتفاع استمرار الإذن الذي هو السبب فيه.

و منه يعلم ما في القول بأن له الرجوع، و لكن لا يجوز له النقض، و انما له الأجرة، فإنه لا حق له بعد فرض انقطاع الاذن المفروض أن دوامها هو السبب في البقاء، فلا حق له حينئذ فيه، كي يجب على المستعير مراعاته، و قاعدة الضرر قد عرفت ما فيها، على أن الضرر الحاصل على الغير بسبب تفريغ الملك المخاطب به شرعا لا دليل على الضمان به بل الأصل يقتضي عدمه، و الا لاتجه الضمان بالرجوع قبل الوضع مع فرض حصول الضرر بفعل المقدمات من بناء و نحوه، فلا محيص عن المجانبة حينئذ مع فرض أن له الرجوع.

ج 26، ص: 259

نعم قد يتجه ما ذكره الشيخ من عدم جواز الرجوع باعتبار أن العارية المبنية على الدوام سببها ابتداء و استدامة انما هو الإذن الأولى التي لا يتصور فيها رجوع بعد صدورها، بل يكون حينئذ الرجوع فيها كالرجوع بالإذن فيما مضى من العارية.

و هذا معنى قول الشيخ «لأن المراد الدوام و التأبيد» و محصله أن عارية الدوام عرفا هكذا، و قد شرعها الشارع بشرعه للعارية على هذا الوجه، و هو معنا لا ينافي كون العارية من العقود الجائزة المعلوم ارادة ما كان استمرار الإذن فيها المقتضي للبقاء، لا ما كان فيها علة الدوام و الابتداء واحدة، و هي الإذن الأولى التي لا يتصور فيها رجوع.

و لعل من ذلك العارية للدفن، لا لأن النبش محرم فإن حرمة النبش لا تنافي جواز الرجوع المقتضي لتعين الأجرة حينئذ، و كذا اعارة المكان للصلاة التي يحرم الابطال على الداخل بها. كما أن من ذلك يتجه حينئذ عدم انفساخها بالإغماء أو الجنون للمعير، أو المستعير، بل و الموت و انتقال الدار الى وارث، أو مشتر آخر و نحو ذلك الذي لا يخفى ما في دعوى التزام الانفساخ بذلك كله، و خصوصا مع دعوى وجوب الأرش أو الأجرة حينئذ، أو الإذن الجديدة من المعير، فإن دعوى وجوب الأرش على المعير بانفساخ العارية بجنون المستعير مثلا ان لم يأذن جديدا مما لا يلتزمها من له أدنى رائحة في الفقه.

بل قد يقال: ان قاعدة الضرر و حرمة تضييع المال و نحو ذلك يقتضي لزوم العارية على المعير، باعتبار أنه بإذنه في ذلك يترتب الخطاب الشرعي، و هو حرمة الإضرار و حرمة تضييع المال و نحو ذلك، مثل العارية للرهن الذي تعلق به حق الغير، و اندرج تحت ما دل على لزوم الرهن الذي لا يعارضه جواز الرجوع بالعارية من حيث نفسها إلا إذا قارنها أمر آخر خارج عنها، و كالإذن بالدخول في الصلاة الذي يترتب عليه حرمة الإبطال فتأمل جيدا فإنه تحقيق و تدقيق.

ثم ان الأرش على تقدير وجوبه فهل هو نقص آلات الوضع بالهدم؟ أو تفاوت ما بين العامر و الخراب؟ وجهان: ينشئان من كونه بهيئته حقا لبانيه، فجبره بتفاوت

ج 26، ص: 260

ما بين كونه عامرا و خرابا، لأن ذلك هو نقص المالية، و من أن نقص هذه المالية مستند الى ملك صاحب الجدار، فلا يضمنه، انما يضمن مال الغير الذي كان سبب إتلافه و فواته.

و لكن لا يخفى عليك قوة الأول، لأن جميعه مال للواضع، غايته كونه موضوعا على ملك الغير، و ذلك الملك انما أثر جواز النقض، لا المشاركة في المالية، بل قد يقال:

ان المتجه ضمانه أيضا كل ضرر يحدث في ملك المالك، بسبب النقض المزبور فتأمل و الله العالم.

هذا كله في الرجوع قبل انتهاء أمده، أما لو انتهى ف انهدم، لم يعد الطرح إلا بإذن مستأنف لانقطاع حكم الإذن الأولى بانقطاع زمان المأذون فيه الذي قد اقتضاه الاذن فيه، و لكن فيه قول آخر محكي عن الشيخ في المبسوط، و هو أنه ان أعاده بالهيئة الأولى لم يكن له منعه، من رد الخشب و السقف عليه، و ان أعاده بغيرها كان له منعه و فيه ما لا يخفى من انقضاء مقتضى الإذن الأولى فليس له العود بدون الجديدة، فضلا عما لو منع.

و دعوى- أن الإذن الأولى قد اقتضت الدوام على الوجه المزبور، بمعنى كونها في صنف الوضع و ان تعددت أشخاصه- واضحة المنع، بل مع فرض التصريح بها لا يثبت ذلك، و ان قلنا بأن عارية الدوام لازمة، لكن بمعنى أنها بالنسبة الى ذلك الشخص، لا الصنف، و كذا العارية للغرس و البناء و نحوهما.

نعم لو فرض انهدامه بهدم هادم لا بانتهاء عمره، أمكن تخريجه على مذهب الشيخ، كما انه يمكن ان يكون كلامه في غير ما نحن فيه، من انه واضع الجذوع الذي لا يعلم كيفيته يحكم باستحقاقه ذلك، حتى يعلم كونه عارية، ضرورة ظهور تصرفه في استحقاقه ذلك، فيتجه حينئذ وجوب بناء الجدار على المالك لو فرض انهدامه مقدمة لحصول حق الوضع، هذا.

و لكن في المسالك بعد ان ذكر خلاف الشيخ قال: «و كثير من الأصحاب لم يذكروا هنا خلافا» و يمكن ان يكون سببه ان الشيخ ذكر أولا في الكتاب انه لو

ج 26، ص: 261

انهدم الحائط أو هدمه المستعير لم يكن له الإعادة إلا بإذن مستأنف، و لم يتردد في ذلك فأطرحوا قوله الآخر، و هو قول لبعض الشافعية، كما ان القول الآخر لهم، فجمع الشيخ بين الحكمين المختلفين عن قرب و الله العالم.

و لو صالحه على الوضع ابتداء جاز بعد ان يذكر عدد الخشب و وزنها و طولها أو يشاهدها، و لو لكون الصلح في أثناء الوضع للاختلاف في ذلك، بل ذكر غير واحد أنه لا بد مع ذلك من ذكر المدة المضبوطة، لكونه حينئذ هنا كالإجارة و فيه: منع اعتبارها، لعموم الصلح، فيصح حينئذ بقصد الدوام، بل يمكن ان يريد من اعتبرها ما يشمل قيد الدوام، خصوصا بعد تصريحه بذلك في الصلح على السقي، بل قد يقال:

بعدم الحاجة الى معرفة طول الخشب و وزنه و عدده، لما عرفت من عدم ثبوت مانعية ما عدا الإبهام من الجهالة فيه، و المرجع حينئذ في ذلك الى ما يحتمله مثل الحائط المزبور كما ان ذلك هو المرجع في الأجر و اللبن، بل و كذا لو كان الصلح على بناء زيادة على حائطه، فلا يفتقر الى ذكر الطول و سمك اللبن، خلافا لبعضهم فأوجبه، لاختلاف الضرر باختلافهما، و فيه أنه لا دليل على مانعية مثل ذلك هذا كله في الموضع على حائط مملوك.

أما لو كان موقوفا بحيث لا يكون له مالك مخصوص كالمسجد و شبهه، لم يجز لأحد البناء عليه، و لا الوضع بغير إذن الحاكم قطعا، و ليس له الاذن بغير عوض قطعا أيضا، أما معه و فرض المصلحة ففيه وجهان: أجودهما في المسالك العدم، و قواه في الدروس، لأنه تصرف في الوقف بغير ما وضع له، و لأنه يثمر شبهة.

و لكن الانصاف عدم خلو الأول عن قوة، و لو كان الوقف خاصة جاز للناظر أو الحاكم مع ملاحظة مصلحة البطون، فيمضي حينئذ عليهم، و ليس لأهل البطن الأول ذلك، لما فيه من الضرر على البطون المتأخرة الذي لا يندفع بعدم إجازتهم فيما بعد كما هو واضح.

[المسألة الثالثة لو تداعيا جدارا و لا بينة فمن حلف عليه مع نكول صاحبه قضي له ]

المسألة الثالثة لو تداعيا جدارا بين ملكيهما مطلقا ليس لأحدهما

ج 26، ص: 262

يد اختصاص عليه و لا بينة حلف كل واحد منهما لصاحبه على ما تقتضيه يده من النصف، فإن نكل أحدهما كان الجميع للآخر ان قلنا يقضى بالنكول، و الا حلف، و صار الجميع له، و ان نكل هو أيضا ففي التذكرة هو أي النصف لهما، و في أحد وجهي الشافعي أنه يحلف كل واحد منهما على الجميع، لأنه الذي ادعاه.

قال في التذكرة: «و عليه فإذا حلف الحاكم أحدهما عليه لم يمنع ذلك حلف الآخر عليه أيضا فإذا حلف قسم الجدار بينهما، لعدم الأولوية، فإن نكل الآخر بعد حلف الأول على الجميع حكم للمخالف به من غير يمين أخرى، و لو حلف الثاني على النصف بعد أمر الحاكم له على الحلف بالجميع، ففي الاعتداد بهذا اليمين و عدمه وجهان: و على الأول يكون النصف بينهما، مع احتمال أنه للثاني خاصة و إن قال في جواب الحاكم قبل الحلف انى لا أحلف إلا على النصف كان في الحقيقة مدعيا للنصف فقول المصنف فمن حلف عليه مع نكول صاحبه، قضي له ظاهر في موافقة الشافعي، اللهم الا أن يريد أنه مع النكول يحلف يمينا واحدة على الجميع، قائمة مقام اليمين المردودة و يمين الإنكار. لكنه كما ترى أيضا.

و على كل حال ف ان حلفا أو نكلا قضي به بينهما لعدم الترجيح و أس الجدار يتبع من يكون الجدار له، اختصاصا أو اشتراكا فلو تنازعا فيهما حينئذ و أقام أحدهما بينة بالجدار فهو ذو يد في الأس و كذا الشجرة مع المغرس، و ذلك لأن كون الجدار حائلا بين الملكين امارة على اشتراك اليد، و لا دلالة على اشتراكهما في الأس و المغرس، فإذا ثبت الجدار لأحدهما اختصت به.

و كيف كان فهذا كله إذا لم يكن لأحدهما يد اختصاص أما لو فرضت بأن كان متصلا ببناء أحدهما اتصال ترصيف بتداخل الأحجار و اللبن فيه، و في حائطه المختص به، كما يظهر ذلك في الزوايا على وجه دال على أنه جدار واحد، أو كان لأحدهما عليه قبة أو سترة على وجه يكونان من الجدار نفسه كما صرح به في التذكرة أو نحو ذلك دون الآخر كان القول قوله بيمينه مع فقد البينة، لصيرورته بذلك صاحب يد.

ج 26، ص: 263

نعم لو اتصل بهما معا كذلك، أو كان البناء لهما أو اختص أحدهما بصفة و الأخر بالأخرى فاليد لهما، حتى لو كان لأحدهما واحدة و الباقي مع الأخر، إذ لا أثر لزيادة اليد في الترجيح، فيحلفان و يقسم بينهما، كما يقسم لو نكلا الى تمام ما عرفته سابقا، و لو بنى الجدار على جذع داخل طرفه في بناء أحدهما ففي التذكرة «كان بذلك صاحب يد» و نظر فيه في الدروس من أنه كالأس أو كالجزء قال:

«و لو اتفقا على ملكية الجذع لصاحب الجدار المولج فيه فاحتمال اختصاصه أقوى» و ظاهره قوة الاختصاص في الأول، و لعله كذلك، ضرورة ظهور الفرق بينه و بين الأس بكون الخشبة شيئا واحدا بخلاف الأس، فإنه أجزاء متعددة باعتبار تعدد آلاته و الله العالم.

و لو كان لأحدهما عليه جذع أو جذوع، قيل: و القائل الشيخ لا يقضى بها لجريان العادة بالتسامح للجار في ذلك، بل قد سمعت أن مالكا و أحمد لا يجوزا منعه، للخبر المزبور(1)و لدلالة كونه بين ملكيهما على ثبوت اليد لهما، فوضع الجذوع من أحدهما مزيد انتفاع، كاختصاص أحد الشريكين الساكنين بزيادة الأمتعة، بل قد سمعت أن زيادة التصرف لا يقتضي الترجيح، بعد الاشتراك بما يقتضي كون اليد لهما.

و قيل: يقضى بها لذيها مع اليمين و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لأنه تصرف دال على الاختصاص بالملكية على وجه لا يعارضه التسامح المزبور ما لم يعلم، و لمنع دلالة كونه بين ملكيهما على اليد إذا لم ينضم اليه تصرف بوجه من الوجوه السابقة كما في المسالك.

قال: «و حينئذ فوضع الجذع يفيد اليد للواضع، و يبقى الأخر، خاليا، و يكون حكمه حكم ما سلف من المرجحات، و لو جامعها اعتبر ما فصلناه» و فيه:

أنه لا إشكال في كونه يدا لهما، كما اعترف به هو سابقا، و لذا لو ادعاهما به أجنبي كان القول قولهما بيمينهما.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 68.

ج 26، ص: 264

نعم هي يد لا تعارض ما يدل عليه الوضع عادة من الاختصاص إذا كان الوضع على وجه ظاهر في كونه في أصل بناء الجدار فلا يد اشتراك معه كغيره من المرجحات السابقة التي هي علامة على اختصاص الجدار في نفسه لا من حيث كونه تصرفا، و ما قدمناه سابقا من عدم الفرق بين الاتحاد و التعدد انما هو في يد الاختصاص، لا مثل هذه اليد التي يعتبر في الحكم بها لهما عدم ما يقتضي الاختصاص عادة، و يمكن ارادته ذلك.

نعم لا يرجح دعوى أحدهما بالخوارج التي في الحيطان كالكتابة و التزيين، و الوجه الصحيح من اللبن لو بناه بانصاف اللبن، و لا الروازن و الطين لا لإمكان احداثه له من جهة من غير شعور صاحب الجدار- كما في المسالك، بل و فيها «و مثلها الدواخل فيه كالطاقات غير النافذة و الروازن النافذة لما ذكر»- إذ هو مناف لأصالة الصحة في تصرف المسلم، بل لعدم دلالتها عادة على الاختصاص، بحيث تقطع يد الاشتراك، إذ الروزنة و نحوها انما تصنع غالبا لبيان الاستحقاق في الجدار لا استحقاقه، و حينئذ لا فرق في ذلك بين احتمال حدوثها و عدمه في عدم قطع يد الاشتراك المتوقف على وجود ما يرجح عليه مما يدل على الاختصاص، و لو بأمارة ظنية عرفية كالترصيف بين الجدارين الظاهر في أنه جدار واحد و كذا القبة و السترة الكائنتان في الجدار نفسه.

و الحاصل أن إمارة الاختصاص تكون على وجهين، أحدهما: في الجدار نفسه، و ثانيهما: في التصرف و لو كان طارئا، إذا كان على وجه يقتضي الاختصاص بالمتصرف، و ان كان التصرف حادثا فتأمل.

و لو اختلفا في خص بالضم ما يعمل من القصب شبه الجدار حاجزا بين الملكين، قضي لمن اليه منهما معاقد القمط بالضم أيضا جمع قماط: و هي شداد الخص من ليف أو خوص أو غيرهما عملا بالرواية و هي

صحيحة منصور ابن حازم (1)المروية في الكافي و التهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن خص بين


1- 1 الوسائل الباب- 14- من كتاب الصلح الحديث- 1.

ج 26، ص: 265

دارين فذكر أن عليا عليه السلام قضى به لصاحب الدار الذي من قبله القمط»

و رواها أيضا

في الكافي بسند آخر صحيح أو حسن عنه الا أنه قال: «عن حظيرة»

و كذا

الصدوق، إلا أنه قال: «فزعم»

عوض «فذكر» المعتضدة ب

خبر عمر بن شمر(1)عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام «أنه قضي في رجلين اختصما إليه في خص فقال: إن الخص للذي إليه القماط»

و بالعامي (2)«أن قوما اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله في خص، فبعث حذيفة بن اليمان ليحكم بينهم فحكم به لمن اليه معاقد القمط، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه و آله فأخبره، فقال: أصبت و أحسنت»

و بفتوى المعظم من الأصحاب بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا.

فما عن قول للشافعي من الحكم بعكس ذلك في غير محله، و كذا ما عن أبي حنيفة من عدم الترجيح بذلك، بل و ما عن المصنف في النافع من نحو ذلك قائلا أنها قضية في واقعة، فلا يتعدى الحكم، و حينئذ فحكم الخص حكم الجدار بين الملكين سيما بعد قول الباقر عليه السلام في خبر عمر فتأمل.

نعم قد يقال: إنه لا يتعدى منها إلى سائر وجوه التراجيح، بل يقتصر عليها في كل خص، و أما غيرها فلا بد من الترجيح بالأمارة العادية في رفع يد الاشتراك و الله العالم.

[المسألة الرابعة لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة إلا بإذن شريكه ]

المسألة الرابعة لا يجوز للشريك في الحائط التصرف فيه ببناء و لا تسقيف و لا إدخال خشبة و لا غير ذلك من التصرف إلا بإذن شريكه بلا

خلاف و لا إشكال لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا، و شرعا، من غير فرق بين المضر و غيره، بل في التذكرة «لا يجوز أخذ أقل ما يكون من ترابه لتتريب الكتاب» نعم استثنى له و لغير الاستناد إليه، و اسناد المتاع و نحوه مع فرض عدم الضرر، و كذا الجدار المختص عملا بشاهد الحال كما في الدروس، و لأنه بمنزلة الاستضاءة بسراج الغير، و الاستظلال بجداره، مع أنه صرح في المسالك تبعا للتذكرة بحرمة ذلك أيضا مع منع المالك و الشريك، لأنه نوع تصرف بإيجاد الاعتماد عليه.


1- 1 الوسائل الباب 14 من كتاب الصلح الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 67.

ج 26، ص: 266

لكن في الدروس هل لصاحب الجدار منع المستند و المستظل إذا كان المجلس مباحا؟

الأقرب عدم المنع مع عدم الضرر، و منه يعلم حينئذ أن الجواز للإذن الشرعية، لا المالكية المدلول عليها بشاهد الحال، فلا فرق حينئذ بين ملكه لمولى عليه و غيره، للسيرة المستمرة، إلا أن الانصاف كون المتيقن منها حال عدم التصريح بالمنع، لا مطلقا، لأن الناس مسلطون على أموالهم و فرق واضح بين الاستناد و نحوه و بين الاستظلال و نحوه بالتصرف في مال الغير في الأول بخلاف الثاني.

اللهم إلا أن يقال إن في المنع عن ذلك و نحوه في الجدران المشتركة بين الاملاك و في الطريق النافذة و غيرها عسرا و حرجا على أن الانتفاع بالفضاء المملوك مثلا لا يتم إلا بالمماسة للجدار و الامتناع عن بعضه مقدمة ليس بأولى من سقوط حرمة مثل ذلك مقدمة، جمعا بين الحقين، و لقاعدة

«لا ضرر و لا ضرار».

نعم إنما يقتضي ذلك جواز المماسة لا الاستناد، و لعله يمكن الفرق بينهما إن لم يكن سيرة تقتضي بجوازه حتى مع المنع، هذا و في المسالك و موضع الخلاف ما إذا كان المجلس للمستند، و إلا لم يجز إجماعا، و كان مراده ما سمعته من الدروس من اعتبار إباحته، لا كونه ملكا له.

كما أن ذلك ربما يكون شاهدا لما ذكرناه، و إلا فلا تلازم بين حرمة المجلس و حرمة الاستناد أو اللمس، و كذا ما فيها أيضا من أنه لو بنى الشريك في ملكه جدارا متصلا بالجدار المشترك أو المختص بحيث لا يقع ثقله عليه جاز، و لم يكن للآخر الاعتراض عليه، و لو ألقى ثقله عليه لم يجز بدون إذنه، فإنه أيضا مبني على ما ذكرنا.

نعم ليس له حك شي ء من آلاته حجرا كانت أو آجرا أو لبنا، و لا الكتابة عليه و لا غير ذلك، و إن سلم من مظنة الضرر، لقاعدة «حرمة التصرف في مال الغير» السالمة عن معارضته السيرة و العسر و الحرج، و ما في الدروس- من تعليل حرمة ذلك بأنه تصرف في ملك الغير بما هو مظنة الضرر، موهما اعتبار ذلك في الحرمة- في غير محله و الأمر سهل.

و لو انهدم الجدار أو استرم لم يجبر شريكه على المشاركة في عمارته

ج 26، ص: 267

بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و قاعدة التسلط، بل الأقوى توقف عمارته من الشريك خاصة على إذن الآخر لذلك أيضا خلافا لبعضهم، فجوزه لانه نفع و إحسان، و حكاه في الدروس عن الشيخ، و لعله الظاهر من قواعد الفاضل، و فيه منع اقتضاء ذلك الجواز، و آخر ففرق بين إعادته بالآلة المشتركة فلا يشترط رضاه و بين إعادته بآلة من عنده، فيشترط لبقائه شريكا على الأول بخلاف الثاني، و فيه ما عرفت أيضا، و في الدروس «و لو بناه أحدهما بالآلة المشتركة كان بينهما و في توقفه على إذن الآخر مع اشتراك الأساس احتمال قوي، و لو أعاده بآلة من عنده فالحائط ملكه، و التوقف على اذنه هنا أقوى» و منع الشيخ من التوقف على إذن الآخر، و له منع الآخر من الوضع عليه في الثانية دون الأولى نعم للشريك المطالبة بهدمه، قال الشيخ: «أو يعطيه نصف قيمة الحائط، و يضع عليه، و الخيار بين الهدم و أخذ القيمة للثاني» و فيه:

أنه، يكفي في قوة الاحتمال الأول اشتراك الآلات، و إن لم يكن الأساس مشتركا، كما أن له المنع من الوضع أيضا مع فرض اشتراك الآلات، فما في المسالك- تبعا لما سمعته عنها من أن له منع الشريك من وضع الخشبة مع اختصاصه بالآلات دون ما لو بناه بالمشتركة- في غير محله أيضا اللهم إلا أن يكون الوضع مستحقا له سابقا مثلا، فيتجه حينئذ ما ذكره.

و على كل حال فقد ظهر لك عدم جواز عمارة الشريك بدون الإذن مطلقا، نعم في المسالك «على القول باعتبار إذن الشريك لو خالف و عمره فهل للشريك نقضه احتمال، من حيث تصرفه في ملك غيره، و تغيير هيئته، و وضعه الذي كان عليه فصارت الكيفية الثانية كأنها مغصوبة فله إزالتها، و الأقوى العدم إن كان بناه بالالة المشتركة لأن هدمه أيضا تصرف في مال الغير و هو الشريك الذي بنى فلا يصح كالأول، و إنما تظهر الفائدة في الإثم، و الجواز إن كان بناه بغير آلته لأنه عدوان محض، و تصرف في أرض الغير، فيجوز تغييره».

قلت: قد تبع بذلك الفاضل في التذكرة بل صرح فيها بعدم جواز نقض من بناه أيضا، لكنه لم يصرح في بناء الفرع تقدير اعتبار الإذن و المتجه أن له ذلك أيضا،

ج 26، ص: 268

فإن له الامتناع من بناء الآلات المشتركة، كما اعترف به في جامع المقاصد، و من التصرف في أرضه مع فرض الشركة في الأساس، فلم يكن الوضع حينئذ بحق فهو ظالم لا حق لعرقه، فله الإزالة بلا أرش.

نعم لو قلنا بحرمة ذلك عليه اتجه حينئذ إلزامه به، كما لو هدمه ابتداء هذا و في المسالك أيضا «أنه حيث يتوقف البناء على إذن الشريك و يمتنع يرجع أمره إلى الحاكم ليجبره على المساعدة أو الإذن، فإن امتنع أذن الحاكم، و هل له الإذن فيه بأجرة يرجع بها على الشريك أو مجانا الأقوى الثاني، لأن الشريك إذا لم يجبر على العمارة لا يجبر على الإنفاق، فإذا اختار الشريك بناءه مجانا، فعل، و إلا تركه».

قلت بل قد يشكل جبره على الإذن على وجه تقوم إذن الحاكم مقامه. بأن له الامتناع منها، لقاعدة «التسلط» و «عدم حل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه» و غيرها و من هنا أنكر عليه ذلك في الحدائق، خصوصا بناء على مختاره سابقا من اعتبار الإذن في الجواز للشريك، حتى لو أراد بناءه من غير رجوع عليه، و إنه يأثم لو بناه من غير إذن. إلى غير ذلك من عباراته التي هي كعبارة غيره من الأصحاب، خصوصا مثل إطلاق المصنف و غيره، و خصوصا مثل عبارات التذكرة في الظهور أو الصراحة في عدم وجوب الإذن عليه، بناء على اعتبار اذنه.

نعم في جامع المقاصد «فرع: لو أراد أحد الشريكين الإضرار بصاحبه في الجدار و القناة و الدواب و نحوها، فامتنع من العمارة و غيرها من الوجوه التي يمتنع الانتفاع بدون جميعها، فليس ببعيد أن يرفع أمره إلى الحاكم ليخير الشريك بين عدة أمور: من بيع و إجارة و موافقة على العمارة و غير ذلك من الأمور الممكنة في ذلك عملا ب

قوله (1)«لا ضرر و لا ضرار»

و لأن في ترك جميع هذه الأمور إضاعة للمال، و قد نهي عنها، و لم أظفر بتصريح فينبغي أن يلمح».

قلت: قد يشهد له في الجملة ما

في دعائم الإسلام (2)قال: «روينا عن جعفر بن


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الخيار الحديث 4- 5.
2- 2 الدعائم ج 2 ص 504 الطبعة الثانية بمصر.

ج 26، ص: 269

محمد صلوات الله عليه أنه سئل عن جدار الرجل و هو سترة فيما بينه و بين جاره سقط، و امتنع من بنيانه قال: ليس يجبر على ذلك إلا أن يكون وجب ذلك، لصاحب الدار الأخرى، أو شرط في أصل الملك، و لكن يقال لصاحب المنزل: استر على نفسك في حقك إن شئت. قيل له فإن كان الجدار لم يسقط، و لكنه هدمه أو أراد هدمه إضرارا بجاره لغير حاجة منه إلى هدمه، قال: لا يترك ان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: «لا ضرر و لا ضرار» و ان هدمه كلف أن يبنيه.»

و على كل حال فما في جامع المقاصد هو كالصريح في عدم الجبر في غير الصورة المفروضة، و منه ما سمعته من المسالك الذي لم يعلقه على الضرر و نحوه، بل جعله من أحكام الشركة في الجدار التي قد اعترف سابقا باعتبار الإذن من الشريك، لو أراد التبرع ببنائه، و لاحقا في مسألة السفل و العلو، و حينئذ يكون كاقتراح وضع جدار مشترك بينه و بينه في أرض مشتركة، و آلات كذلك، و لا ريب في عدم وجوب الإذن بذلك عليه، و ان تضرر الآخر بذلك، و انه لا وجه لرفع أمره الى الحاكم، و لا لجبره على ما هو غير واجب عليه.

نعم لو قلنا ان سبق وجود الجدار بينهما يوجب الحق لهما في وضعه على وجه لا يجوز له الامتناع مع طلب الأخر، اتجه حينئذ ذلك، لكن ينبغي عليه عدم اعتبار اذنه، بل نهيه أيضا كما في باقي صور امتناعه عما هو حق عليه، و كأنه هو الذي لحظه الفاضل فيما ذكره في القواعد من عدم جواز منعه إياه لو أراد الانفراد بالعمارة الا أنه كما ترى، ضرورة عدم ثبوت حق يكون الجدار بينهما على وجه يوجب ذلك و هو واضح، و لو سلم فهو غير ما سمعته من المسالك الذي لم أعثر على موافق له فيه، و لا من احتمله، بل صريح كلماتهم عدمه، بل هو في نفسه بناء على اعتبار الإذن في غير محله، بل منه يعلم ما في تفصيل المحدث البحراني من أنه لا يحتاج الى الإذن من الشريك في العمارة مع فرض التضرر به، و لا بد منها مع عدمه، إذ هو مع أنه خروج عن محل البحث الذي هو الجدار المشترك من حيث كونه كذلك: أي مع قطع النظر عن الأمور الخارجية، قد يناقش فيه بأن فرض ضرر أحدهما بعدم العمارة قد يعارض

ج 26، ص: 270

بفرض ضرر الأخر بها، و الضرر لا يدفع بالضرر، كما اعترف به الفاضل و غيره في الرد على الشافعي في القديم من المساعدة في العمارة، بل و مع فرض عدمه أيضا بعدم وجوب دفع الضرر عن الغير ببذل مال آخر، و ان لم يتضرر به، و الا لوجب ذلك في الجدار الجديد و غيره.

نعم قد يقال بوجوب القسمة و نحوها أو برفع الأمر إلى الحاكم، ليرى وجها يحكم به لقطع النزاع بينهما، مراعيا للجمع بين الحقين و دفع الضرر عنهما من باب السياسات المعد هو لها، و لعله على ذلك يحمل ما

في دعائم الإسلام (1)«و عنه صلوات الله عليه عن الجدار بين الرجلين ينهدم، و يدعوا أحدهما صاحبه إلى بنائه، و يأبى الآخر قال: ان كان مما يقسم قسم ما بينهما، و بنى كل واحد منهما حقه ان شاء، أو ترك ان لم يكن ذل يضر صاحبه، و ان كان ذلك مما لا يقسم قيل له: ابن أو بع أو سلم لصاحبك ان يرضى أن يبنيه، و يكون له ذلك، و ان اتفقا على أن يبنيه الطالب و ينتفع به، فإن أراد الأخر الانتفاع به معه دفع اليه نصف القيمة»

فتأمل جيدا و الله العالم.

و مما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره المصنف و غيره بقوله و كذا لو كانت الشركة في دولاب أو بئر أو نهر أو قناة أو ناعورة أو نحو ذلك، أي لا يجبر الشريك على المشاركة في عمارتها من غير فرق بين كون المشترك ذا غلة تفي بعمارته، و غيره عند الأصحاب على ما في المسالك، و بين القابل للقسمة و عدمها، و انما نبه بذلك على خلاف أبي حنيفة الذي حكم بإجبار الشريك على المساعدة على العمارة في هذه المذكورات دون الحائط، فارقا بينهما، بأن الشريك لا يتمكن من المقاسمة فيها، فيتضرر به بخلاف الجدار، فإنه يتمكن من قسمته، و رد بإمكان كون القسمة فيه أكثر ضررا عليه، فكانا حينئذ سواء.

نعم لو أنفق أحدهما على البئر أو النهر لم يكن له منع الأخر من نصيبه من الماء الذي ينبع في ملكهما المشترك بينهما الذي أثر فيه نقل الطين عنه، و ليس له


1- 1 الدعائم ج 2 ص 505 الطبعة الثانية بمصر.

ج 26، ص: 271

فيه عين ملك، بخلاف الحائط إذا بناه بآلات منه كما هو واضح.

و كذا ظهر لك مما ذكرناه أيضا أنه لا يجبر عندنا صاحب السفل و لا العلو في الساباط و غيره على بناء الجدار الذي يحمل العلو و لا على جدار البيت، لأصالة براءة الذمة من وجوب عمارة ملك الإنسان لنفسه، فضلا عن الغير إلا أن يكون ذلك لازما بعقد، فيجب حينئذ كعمارة الساقية المستحق إجراء الماء فيها، خلافا للشافعي فيجبر صاحب السفل على الإعادة، و لا ريب في ضعفه، و لو طلب صاحب العلو مثلا بناء جدران السفل تبرعا فهل له منعه؟ ففي المسالك «فيه الوجهان السابقان» و أطلق في التحرير «ليس له منعه».

قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك سابقا، و أما ما حكاه عن التحرير فيمكن تنزيله على ما في القواعد من أنه لو طلب صاحب العلو عمارة السفل بنقض صاحبه كان له منعه، و إن أعاده بآلة من عنده فله ذلك، و إن كان يجب تقييده أيضا كما في جامع المقاصد بما إذا لم يكن الأساس للآخر، و لا مشتركا بينهما، و الا لم يجبر بدون الإذن، لما عرفته سابقا، لكن فيما حضرني من نسخة للتذكرة سقيمة «و إن أراد بناؤه بآلة من عنده فله ذلك، و جاز أن يبني على عرصة مشتركة بينه و بين غيره بغير إذنه ليصل الى حقه من الحمل عليه» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا.

و على كل حال فلو بناه في أرضه من نفسه كان له منع صاحبه من الانتفاع بالمعاد بفتح كوة و غرز وتد و نحو ذلك، أما الاستكان فالظاهر أنه ليس له المنع منه و إن انتفع به، هذا كله إذا انهدم بنفسه، أو هدماه معا من غير شرط، أما إذا استهدم فهدمه صاحب السفل بشرط أن يعيده، ففي التذكرة أجبر عليه قولا واحدا، أي إذا كان ذلك منه بملزم شرعي.

و لو هدمه أي الجدار المشترك مثلا بغير اذن شريكه الذي لم يجب هدمه عليه لاستهدامه وجب عليه إعادته لأنه ضمان مثله عادة، لكن في الدروس «ان أمكنت المماثلة كما في جدران بعض البساتين و المزارع، و الا فالأرش، و الشيخ أطلق الإعادة، و الفاضل أطلق الأرش، و في المسالك بعد أن حكي تفصيل

ج 26، ص: 272

الدروس، و تبعا للكركي «و فيه مناسبة الا أنه خارج عن القواعد الشرعية لانتفاء المثلية في الفائت، فإنه محض صفة إذا الأعيان باقية، و المماثلة في الصفة بعيدة، فالقول بالأرش مطلقا أوضح».

قلت: قد يقوى ما ذكره الشيخ لصدق المثلية عرفا، بل تصح الإجارة على صنعة جدار مثل هذا الجدار. نعم لو فرض تعذر ذلك كما في بعض البناء انتقل إلى القيمة كما في كل مثلي تعذر مثله، و كذا الكلام في كسر الخاتم و نحوه، و فتق الثوب و نحوه.

و لو هدمه بإذن شريكه و شرط اعادته، وجب ذلك إذا كان الشرط في عقد لازم، بل قد سمعت ما في التذكرة في نظيره من أنه- كذلك قولا واحدا، لكن ربما ظهر من بعضهم كونه من المسألة السابقة التي يجب فيها الأرش، و لعله لعدم إمكان الشرط لما عرفت من عدم إمكان ضبط الصفة، الا أنه كما ترى، فإن عود الشي ء على ما كان بحيث يتحقق فيه الصدق عرفا ممكن و واقع، بل من ذلك يعلم قوة ما ذكرناه أولا.

بل قد يؤيده أيضا أن الأرش المذكور هنا ان أريد به ما يخص الشريك من مقابل الهيئة الفائتة، فهو لا يجدي في عمارة الجدار المزبور الذي تحقق فيه الضرر عليه بهدمه، و لو لفوات حصة الشريك، فلم يكن في ذلك جبر لضرره، و ان أريد به ما يقابل تمام الهيئة، ففيه أنها مشتركة بين الهادم و الشريك، و الإنسان لا يضمن لنفسه مضافا الى ما عن الأردبيلي من استبعاد الأرش فيما حكي عنه قال: «فإنه لا يسوى بعد الهدم إلا شيئا قليلا جدا، و الجدار الصحيح تكون له قيمة كثيرة، بل المناسب على القول بالأرش أن يراد به ما يحتاج في تعمير مثل ذلك، و فيه أيضا تأمل، إذ قد يتفاوت العمل و الأجرة كثيرا فتأمل، و بالجملة القول بوجوب الإعادة بحيث يصدق عليه عرفا أنه اعادة قوي جدا في صورة عدم الشرط فضلا عما لو شرطه و الله العالم.

و لو اصطلح الشريكان على أن يبنياه و يكون لأحدهما أكثر مما كان له، فعن الشيخ بطلان الصلح، لأن فيه اتهاب ما لم يوجد، و فيه أنه يكفي مشاهدة الآلات أو وصفها و مشاهدة الأرض، و دعوى- أن الجدار جزء صوري من التأليف لا يمكن ضبطه- يدفعها، أن الصورة صفة تابعة للموهوب و ضبطها ممكن، و الا لما جاز الاستيجار على

ج 26، ص: 273

البناء المقدر بالعمل، كدعوى عدم العوض بعد تساويهما في العمل و غيره التي يمكن دفعها بما عرفته سابقا من عدم اعتبار العوض في الصلح، على أنه يمكن القول هنا بأن الشارط على نفسه متبرع بما يخص شريكه من عمله، و الشارط لنفسه غير متبرع، فيشترط له قدرا من الملك.

و كذا دعوى اقتضاء تعليق الملك في عين- و هو ممتنع لامتناع الأجل في الملك و من هنا احتمل بعضهم جواز اشتراط تملك الأكثر من الآلات لا من الجدار بعد البناء و حينئذ فلو انفرد أحدهما بالعمل و شرط لنفسه الأكثر من الآلة صح قطعا-، إذ قد تدفع أيضا بأن هذا الصلح يجرى مجرى الاستيجار على الطحن بجرو من الدقيق، و على الارتضاع بجزء من العبد، فإنه يملكه في الحال، و يقع العمل فيما هو مشترك بينه و بين غيره، و على هذا يملك الأكثر مبنيا.

كل ذلك مضافا الى ما سمعته غير مرة من كون الصلح عقدا مستقلا برأسه، لا يعتبر فيه جريان غيره من العقود على مورده، فربما كان مورده لا يجرى عليه عقد من العقود، و إنما فسر أنه كلما يفرض إمكان قطع الخصومة به لو كانت مما لا يكون فيه تحليل حرام و لا تحريم حلال، و لا ريب في جواز رفع أحد الشريكين يده عما يملكه من آلات الجدار جميعه، فضلا عن الأكثر، ببنائه من الشريك الآخر خاصة، أو مع كونه معه، فيصح الصلح حينئذ عليه و ان لم يكن عوض للمتبرع من ماله و عمله سوى كون الجدار مبنيا ليكون ساترا مثلا بينهما كما هو واضح. و الله العالم.

ثم انه لا خلاف و لا إشكال في جواز قسمة الجدار المشترك طولا و عرضا، و طوله امتداده من زاوية البيت مثلا إلى الزاوية الأخرى، لا ارتفاعه عن الأرض الذي هو عمقه و العرض هو السطح الذي يوضع عليه الجذوع، فلو كان طوله عشرا و عرضه ذراعين فاقتسما في كل الطول و نصف العرض، فيصير لكل واحد منهما طول عشرة أذرع في عرض ذراع جاز، و كذا لو اقتسماه في كل العرض و نصف الطول بأن يصير لكل واحد منهما طول خمسة أذرع في عرض ذراعين.

ثم القسمة بعلامة توضع جائزة في الأمرين، و بالنشر جائز في الثاني دون الأول

ج 26، ص: 274

إلا مع تراضيهما، كما لو نقضاه و اقتسما الآلة، و القرعة ممتنعة في الأول لإمكان وقوعها على ما لا ينتفع به مع عدم إمكان التبديل، بل يختص كل وجه بصاحبه، و لعله لذا قال في القواعد: «و لا يجبر أحدهما لو امتنع عن القسمة في كل الطول و نصف العرض لأن القرعة معيار القسمة (لكن قال أيضا) و كذا في نصف الطول و كل العرض و تصح القرعة في الثانية دون الأولى، بل يختص كل وجه بصاحبه» و ظاهره عدم الإجبار في الصورتين، لكن في محكي التذكرة أنه إن انتفى الضرر عنهما أو عن الممتنع اجبر عليهما في الصورة الثانية، و إن تضرر الممتنع لم يجبر، و في الدروس «و متى تطرق ضرر عليهما أو على أحدهما و طلبه الآخر فهي قسمة تراض، و إلا فهي قسمة إجبار، و لو طلبها المتضرر أجبر الآخر، و كذا يجوز قسمة عرضه قبل البناء».

قلت: هذا خلاصة ما في القواعد و جامع المقاصد و الدروس، لكن قد يتوقف في جعل معيار القسمة القرعة، بمعنى عدم الإجبار عليها مع عدم إمكانها، كما أنه قد يتوقف في اعتبار إمكان وقوعها على ما ينتفع به، إذ يمكن حينئذ الرجوع إليها و الأخذ في المقام و إن وقعت في الوجه الخارج عنه، إلا أنه يمكن التبديل بالمعاوضة و الإجارة و نحوها، و لتحقيق ذلك- و تحقيق وجوب الإجابة إلى القسمة مطلقا على وجه يجبر الممتنع منها- محل آخر يأتي إنشاء الله.

و لو ملكا دارين متلاصقين مثلا، فليس لأحدهما مطالبة الآخر، برفع جذوعه عنه، و لا منعه من التحديد لو انهدم السقف إذا لم يعلما على أي وجه وضع، لجواز كونه بعوض، و عن الخلاف نفي الخلاف فيه، كما نص على ذلك كله في الدروس ثم قال: «نعم لو ادعى أحدهما الاستحقاق و نفاه الآخر جزما احتمل حلف المنكر، و عليه الفاضل، و ظاهر الشيخ أن على مدعي العارية البينة، و اليمين على الآخر».

قلت: لكن في القواعد «لو وجد بناءه أو خشبته أو مجرى ماءه في ملك غيره، و لم يعلم سببه فالأقرب تقديم قول صاحب الأرض و الجدار في عدم الاستحقاق» و وافقه عليه في جامع المقاصد، لأصالة عدم الاستحقاق في ملك الغير، و لأن اليد تقتضي الاختصاص بالانتفاع، و الوضع أعم من الاستحقاق، و غايته أن يكون بحق،

ج 26، ص: 275

و هو أعم من العارية التي يجوز فيها الرجوع.

و فيه أن الأصل في تصرف المسلم و يده أن يكون بملك و استحقاق حتى يعلم عدمه، فالمتجه حينئذ فيما فرضه في الدروس وجوب الإبقاء، أما لو فرض غير ذلك بأن تنازع أحدهما مع الآخر في الاستحقاق و عدمه، و لم يكن ثم استناد الى يد و نحوه، فالمتجه كون اليمين على منكر الاستحقاق و ما عن الشيخ من كون البينة على مدعي العارية و اليمين على الآخر يمكن تنزيله على ذي اليد و نحوه، كما أن ما في القواعد و جامع المقاصد إن كان المراد به ما فرضه أولا في الدروس ففيه ما عرفت، و إن كان المراد به ما ذكره بقوله «نعم» فهو متجه، و ان كان هو غير ظاهر من أول العبارة، و لكن الأمر سهل بعد وضوح الحال و الله العالم.

[المسألة الخامسة إذا تنازع صاحب السفل و العلو في جدران البيت فالقول قول صاحب البيت مع يمينه ]

المسألة الخامسة: إذا تنازع صاحب السفل و العلو في جدران البيت الحاملة للعلو ف المشهور كما في المسالك ان القول قول صاحب البيت مع يمينه و لو كان في جدران الغرفة، فالقول قول صاحبها مع يمينه قيل: و يعضده أن جدران البيت جزؤه و جدران الغرفة جزؤها، فيحكم بهما لصاحب الجملة بل في جامع المقاصد جعل ذلك دليل المسألة، و فيه: أنه بعد فرض التنازع في ذلك يكون المراد من الاعتراف بكون البيت و الغرفة له مع فرضه ما عدا محل النزاع منها و الا لم يكن ثم وجه للمخاصمة، كي تتوجه البينة على أحدهما، و اليمين على الأخر، فلا دليل حينئذ للحكم المزبور الا دعوى استقلال اليد من كل منهما على ما ادعاه فيكون القول قوله مع يمينه.

نعم قد يناقش بمنع استقلال يد صاحب السفل على جدار بيته، مع فرض تصرف صاحب العلو به و بالبناء عليه، و بمنع استقلال صاحب العلو مع فرض تصرف صاحب السفل به باتصاله بالعالي بملكه، على وجه هو كالجزء منه، و بالاستكنان تحت السقف المعلق عليه، و التصرف في الجدار انما هو بالتصرف في بعض أجزائه، لأنه شي ء واحد عرفا، و بذلك يظهر لك ما في المحكي عن ابن الجنيد من أن جدار البيت بينهما، لأن حاجتهما إليه واحدة، بخلاف جدران الغرفة، إذ لا تعلق لصاحب البيت

ج 26، ص: 276

به، إلا كونه موضوعا على ملكه، و إن ارتضاه في المختلف، بل في المسالك هو قول جيد، إلا أنك عرفت قوة اشتراك الجميع في اليد من كل

منهما، اللهم إلا أن يدعى استقلال اليد عرفا منهما على كل منهما، خصوصا في جدار الغرفة المتفق على اختصاص يد صاحبها حتى من ابن الجنيد كالسقف الأعلى، و أن ما ذكرناه ليس من الأمارة على اشتراك اليد في العادة فيتجه حينئذ قول المشهور، و لو تنازعا في السقف قيل: و القائل الشيخ فيما حكي عنه إن حلفا قضي به لهما و كذا إن نكلا و إلا اختص بالحالف منهما على نحو ما سمعته في التنازع في الجدار و شبهه الذي يدهما معا عليه و قواه في الدروس قال: «و في المبسوط يقسم بعد التحالف، و القرعة أحوط»، و تردد في الخلاف بين القرعة و التحالف، و قيل و القائل ابنا الجنيد و إدريس لصاحب العلو و مال إليه في المسالك بل اختاره في جامع المقاصد، بل عن الفاضل ترجيحه في كثير من كتبه، لأن الغرفة انما تتحقق بالسقف الحامل، لأنه أرضها و البيت قد يكون بغير سقف، و هما متصادقان على أن هنا غرفة فلا بد من تحققها، و لأن تصرفه فيه أغلب من تصرف صاحب السفل، و إن كان هما معا كما ترى.

نعم قد يقال: ان اليد مختصة به، دون الأسفل، لأن سكونه تحته ليس يدا عليه، و ان كان هو محلا للنظر أيضا باعتبار صدق التصرف به بالتصرف في البيت الذي هو من أجزائه، بل فيما تسمعه من القواعد احتمال اختصاصه به، باعتبار أن الغرفة على البيت، فلا يتحقق الا بعده، و البيت لا يتم الا بالسقف، و ان كان هو واضح الضعف أيضا، فالأقوى الاشتراك بينهما على الوجه الذي تقدم.

و قيل: و القائل الشيخ كما في المسالك يقرع بينهما و هو حسن عند المصنف،(1)

«لأنها لكل أمر مشتبه»

و فيه: أنه لا اشتباه بعد اقتضاء اليد الاشتراك بينهما، و في المسالك «و ربما منع الاشتباه هنا، لأن رجحان أحد الطرفين في نظر الفقيه يزيل الاشتباه بالنسبة إلى الحكم» هذا و في القواعد «أما السقف فإن لم يكن


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 11 لكن فيه كل مجهول ففيه القرعة الى آخره.

ج 26، ص: 277

احداثه بعد بناء العلو كالأزج الذي لا يمكن عقده على وسط الجدار بعد امتداده في العلو، فهو لصاحب السفل، لاتصاله ببنائه، و ان كان بحيث يمكن احداثه كجذع يثقب له في وسط الجدار و يجعل البيت بيتين فهما مشتركان فيه، فيحتمل- التسوية لأنه أرض لصاحب العلو و سماء لصاحب السفل،- و اختصاص الأول- و الثاني».

و تبعه على ذلك في الدروس قال: «و لو لم يمكن إحداث السقف بأن كان أزجا ترصيفا حلف صاحب البيت لاتصاله به» و كذا في جامع المقاصد و المسالك قال في الأخير منهما: «و موضع الخلاف السقف الذي يمكن احداثه بعد بناء البيت، أما ما لا يمكن كالأزج الذي لا يعقل احداثه بعد بناء الجدار الأسفل لاحتياجه إلى إخراج بعض الأجزاء عن سمت وجه الجدار قبل انتهائه، ليكون حاملا للعقد، فيحصل به

الترصيف بين السقف و الجدار، و هو دخول آلات البناء من كل منهما في الآخر، فإن ذلك دليل على أنه لصاحب السفل فيقدم قوله بيمينه».

قلت: قد يناقش بأن ذلك لا ينافي وجود يد من صاحب العلو بالتصرف فيه أيضا الممكن أن يكون ذلك بالشراء من صاحب البيت أو غيره، و حينئذ يكون يد كل منهما عليه، فيتجه فيه التحالف على النحو المذكور.

[المسألة السادسة إذا خرجت أغصان شجرة أو عروقها إلى ملك الجار وجب عطفها إن أمكن و إلا قطعت من حد ملكه ]

المسألة السادسة: إذا خرجت أغصان شجرة أو عروقها إلى ملك الجار، وجب و ثبت له استحقاق عطفها مثلا على مالكها إن أمكن و الا قطعت من حد ملكه، و إن امتنع صاحبها من ذلك عطفها أو قطعها الجار و لا يتوقف على إذن الحاكم في تفريغ ملكه عما لا يستحق بقاؤه عليه، فضلا عما يكون بقاؤه عدوانا، و قاعدة «قبح التصرف في مال الغير لا تأتي في دفع الظلم أو الضرر عنه، خصوصا مع كون هتك الحرمة من المالك نفسه بالظلم و غيره، و لذا صرح في محكي التحرير بالوجوب و الإجبار مع الامتناع، و جعله المختار في جامع المقاصد.

بل قد يظهر من إطلاق المحكي عن التحرير أن للمالك الإزالة من دون استيذان المالك، كما لو دخلت بهيمة إلى داره أو زرعه، بل صرح به في جامع المقاصد، لأن إزالة العدوان عليه أمر ثابت له، و توقفه على اذن الغير ضرر، و لانه

ج 26، ص: 278

لو توقف على اذن المالك لتوقف على اذن الحاكم مع الامتناع، لعدم جواز التصرف في مال الغير بغير إذنه، و غير اذن من يقوم مقامه مع التمكن، و حينئذ فما يظهر من المتن و الدروس و محكي التذكرة من اعتبار اذنه لا يخلو من نظر، و ربما يقوى التفصيل بين ما كان فيه ضرر بمراعاة اعتبار الإذن منه أو من الحاكم و عدمه، فلا يحتاج إلى الاذن في الأول دون الثاني مراعاة للجمع بين القواعد جميعا.

و على كل حال فما عن التذكرة- من ان مالك الشجرة لا يجب عليه إزالتها، و ان جاز لمالك الأرض، لأنه من غير فعله، و يلزمه عدم الإجبار عليه- مخالف للقواعد الشرعية.

نعم مع إمكان العطف لا يجوز له القطع، فلو فعله كان ضامنا، لكن هل يضمن جميع ما يقطع أم تفاوت ما بينه و بين المعطوف وجهان كما في المسالك من التعدي فيضمن و من ان العطف حق له، و ما يفوت به في حكم التالف شرعا، و لعل الأقوى الأول، كما أنه يقوى وجوب الأجرة له مع امتناع المالك، و إن لم يستأذن الحاكم، إذا لم ينو التبرع، و لو مضت مدة طويلة عليها كذلك مع تفريطه، ضمن أجرة الأرض و الهواء كما صرح به غير واحد، بل لعله كذلك مع صدق استبقاء المنفعة و إن لم يكن ثم تفريط و لذا صرح غير واحد أيضا بأنه ليس لمالك الأرض إيقاد النار تحت الأغصان لتحرق حيث يجوز القطع لأنه أشد ضررا فلو فعل ضمن ما يتلف بسببه زيادة على حقه و هو كذلك.

نعم قد يقال إن له إيقاد النار لمصالحه، كالتنور و نحوه و إن ادى ذلك إلى تلف الأغصان مع تفريط المالك بعدم العطف مثلا، أو القطع لعموم «تسلط الناس» و لأن إهماله و تفريطه أقوى من انتفاع المالك بماله المؤدي إلى تلف مال الغير فتأمل و في حكم الشجرة الجدار المائل إلى ملك الغير.

و كيف كان ف لو صالحه على إبقائه أي الغصن مثلا في الهواء لم يصح على تردد ينشأ من عدم جواز افراد الهواء بالصلح تبعا للبيع، و من كونه عقدا مستقلا مع عدم كون ذلك صلحا عن الهواء، بل هو صلح عن منفعة، قائم مقام

ج 26، ص: 279

الإجارة، لكن لا ريب في أن الأقوى الثاني كما عرفته في نظائره، خلافا للمحكي عن الشيخ.

أما لو صالحه على طرحه على الحائط، جاز بلا خلاف مع تقدير المدة و الزيادة أو انتهائها بل قد عرفت جوازه في نظير المسألة، مع التصريح بالتأبيد، بل قد عرفت جوازه مع عدم تقدير بالزيادة و لا انتهائها لتحمل الصلح من الجهالة ما لا يتحمله غيره، خلافا لجماعة، فاعتبروا في جوازه الأمرين جميعا، بل في الدروس و غيرها التصريح بعدم جواز التأبيد و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى و لآخر بيوته العليا و تداعيا الدرجة قضى بها لصاحب العلو مع يمينه ]
اشارة

المسألة السابعة إذا كان لإنسان بيوت الخان السفلى، و لآخر بيوته العليا، و تداعيا الدرجة قضى بها لصاحب العلو مع يمينه من حيث كونه صاحب سفل و علو لاستقلال يد اختصاصه بالتصرف فيها بالسلوك، و إن كانت موضوعة في الأرض المحكوم بها أيضا لصاحب السفل باعتبار اقتضاء اليد عليها، اليد على محلها، و يد اختصاص الأسفل على غيرها من الأرض لا يوجب اليد له عليها، كما هو واضح.

نعم في المسالك هذا مع اختلافها في الخزانة تحتها، أما لو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الأسفل كانت الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى و الأسفل، فيجري فيها الخلاف السابق، و في الدروس «و لو تنازعا في المرقى و محله فهو للأعلى، و في الخزانة تحته بينهما، و لو اتفقا على أن الخزانة لصاحب الأسفل فالدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى و الأسفل، فيقضي بها بينهما، و لا عبرة بوضع الأسفل آلاته و كيزانه تحتها، ثم إذا ثبت الدرجة للأعلى فهو ذو يد في الأس».

قلت: قد يرجح صاحب السفل بأنها من بيوته الظاهرة في العرف استقلال يد اختصاصه بها لتبعية الهواء للدار كاستقلال يد اختصاص صاحب العلو عرفا بالأعلى- و من ذلك يظهر لك ما في قول المصنف و لو كان تحت الدرجة خزانة كانا في دعواها سواء و الفاضل في القواعد «و يقضى بالدرجة لصاحب العلو و يتساويان في الخزانة تحتها، إلى آخره- فيقضى بها بينهما بعد التحالف و النكول، لان لكل واحد منهما شاهدا بملكها، باعتبار أن يد الاختصاص لصاحب العلو يقضي بأن مكانها كذلك إذ الهواء كالقرار، كما أن يد الاختصاص للأسفل تقضى بأن الهواء له أيضا لأنه تابع للقرار،

ج 26، ص: 280

لما عرفت من ظهور يد الاختصاص عرفا بها لذي السفل المفروض كون البيوت له التي هي من جملتها في الحقيقة، بل لعل كلامهم فيما تقدم- في تقديم صاحب السفل لو كان النزاع في الجدار الأسفل- شاهد على ذلك، و كأنه مال إليه في الحدائق، و في محكي التذكرة احتماله، و احتمال الاختصاص بذي العلو، و لا ريب في ضعفه.

نعم قد يؤيد الأول بظهور التفاوت بين خزانة الدرج و غيرها من البيوت، باعتبار كونها كالتابع له، و صاحب اليد عليه ذو يد عليها أيضا، و من ذلك مع تصرف صاحب الأسفل حكم المصنف و غيره بالتسوية بينهما، بخلاف بيوت الأسفل، بل هي غير التداعي بين صاحب الغرفة و بين من تحتها. فتأمل جيدا. فإنه لا يخلو من مصادرة اللهم إلا أن يفرض اختلاف الهيئات في ذلك عرفا هذا.

و قد يشكل كون الدرجة للعالي و كونهما سواء في دعوى الخزانة و الفرض ان الدرجة من اجزائها، و احتمال كون المراد تسويتهما فيما عداها- بقرينة ذكرهم الدرجة للعالي أولا- يدفعها احتمال كون المراد بالأول حيث لا تكون خزانة.

ثم إن المتجه للمصنف استحسان القرعة لو تنازعا في سقفها كما ذكره في سقف البيت و لعله لذا في اللمعة اختار القرعة في الاختلاف في الخزانة، كما اختارها في الاختلاف في سقف البيت، و بالجملة كلامهم لا يخلو من تشويش، و قد يحتمل كون الدرجة للأعلى و إن كانت سقفا، و الباقي للأسفل، و لكن يقوى كونها كالسقف حيث يكون خزانة، و قد عرفت أن يدهما معا عليه بخلاف الأرض و الجدران.

و في الروضة «ما في اللمعة في القرعة في الخزانة لما ذكروه في السقف،- ثم قال-: و يشكل أيضا الحكم في الدرجة مع اختلافهما في الخزانة، لأنه إذا قضى بالخزانة لهما، أو حكم بهما للأسفل بوجه تكون الدرجة كالسقف المتوسط بين الأعلى و الأسفل، لعين ما ذكر خصوصا مع الحكم بها للأسفل وحده، فينبغي أن يجري فيها الخلاف، و مرجحة» إلى آخره و ربما كان فيه منافاة في الجملة لما سمعته في المسالك فلاحظ و تأمل و الله العالم.

و لو تداعيا الصحن الذي وضعت المرقاة في صدره أى نهايته في السعة،

ج 26، ص: 281

و هو آخر خطته في الجهة المقابلة للباب قضي منه بما يسلك فيه إلى العلو بينهما مع التحالف و النكول و ما يخرج عنه لصاحب السفل لظهور يد صاحب العلو باعتبار افتقاره إلى السلوك في ملك مقدار الممر، و يشاركه فيه للتصرف أيضا صاحب السفل، و يختص بغيره، لكن في الدروس «و ربما أمكن الاشتراك في العرصة لأن صاحب الأعلى لا يكلف المرور على خط مستو، و لا يمنع من وضع شي ء فيها، و لا من الجلوس قليلا» و فيه: أن مثل هذا التسامح المعتاد لا يقتضي اليد على تمام العرصة كما هو واضح- ثم قال-: و لو كان مرقاة في دهليزة فالأقرب أن لا مشاركة للأسفل للعرصة، إلا أن نقول في السكة المرفوعة باشتراك الفضلة بين الجميع، و يؤيده أن العرصة يحيط بها الأعلى كما يحيط بها الأسفل، و لو كان المرقاة في ظهره فاختصاص صاحب السفل بالعرصة أظهر» و فيه أيضا: أن اشتراك الفضلة بعد أن لم يكن لأحد بالخصوص يد عليها- و لا ترجيح، بل قد يرتفق الجميع بها- لا يقتضي الحكم بالاشتراك في الفرض بعد أن لم يكن لذي العلو تصرف في العرصة، و الإحاطة بمجردها ليست تصرفا، و الحكم بها للأسفل للتصرف، و ظهور كونها دارا لبيوته، لا للاحاطة، و لذا جزم في الروضة في الفرض بكون العرصة للأسفل كما أنه جزم في الأخير بأنها مع الدهليز للأخير و الله العالم.

[تتمة إذا تنازع راكب الدابة و قابض لجامها قضي للراكب مع يمينه ]

تتمة إذا تنازع راكب الدابة و قابض لجامها، قضي للراكب مع يمينه وفاقا للمحكي عن المبسوط لظهور يد الاختصاص له عرفا و قيل و القائل الشيخ أيضا في محكي الخلاف و ابن إدريس في محكي السرائر هما سواء في الدعوى لثبوت يد كل منهما عليهما و زيادة تصرف الراكب لم يثبت شرعا كونه مرجحا، و تعريف المدعي و المنكر منطبق عليهما بتفسيراته و لذا كان ذلك خيرة ثاني المحققين و الشهيدين، و لكن قد يقال: إن الأول أقوى لما ذكرنا من ظهور العرف في كون يد الاختصاص له خصوصا مع ملاحظة نظائره باعتراف الخصم كتنازع لابس

ج 26، ص: 282

الثوب و ممسكه و من له حمل على الدابة مع من في يده زمامها، و غير ذلك أما لو تنازعا ثوبا و في يد أحدهما أكثره فهما سواء لعدم اقتضاء الأكثرية عرفا الاختصاص و ما وقع من بعضهم- من أنه كمسألة الراكب و القابض، باعتبار أن كلا منهما زيادة تصرف لم يثبت كونها مرجحا- كما ترى.

و كذا لو تنازعا عبدا و لأحدهما عليه ثياب مع فرض ثبوت يدهما عليه لأنه لا مدخلية لزيادة الملك، فإنه قد يلبسها بغير إذن مالكها أو بالعارية، فهي حينئذ ليست يدا عرفا، و من هنا يعلم أنه لو فرض أن لأحدهما خاصة عليه يد، و الآخر له ثياب عليه، فالقول حينئذ قول صاحب اليد، كما أنه لو لم يكن لأحدهما خاصة عليه يد إلا الثياب لأحدهما، يكون بينهما أيضا، لما عرفت من عدم كون الثياب يدا لصاحبها.

أما لو تداعيا جملا و لأحدهما عليه حمل و ليس للآخر عليه يد كان الترجيح لدعواه قطعا ضرورة ظهور وجود الحمل عليه في يد الاستقلال به، بل قد يقال بكونه كذلك لو فرض أن للآخر يدا عليه، بقبض الزمام باعتبار ظهور يد الاختصاص في الحمل كالراكب و القابض فضلا عما لو كانا معا قابضين، و لأحدهما خاصة الحمل، و عن الدروس أنه جعل حكم الراكب و لابس الثوب و ذي الحمل سواء و في المسالك «هو كذلك»، أي في اتحاد الحكم فيها أجمع، و إن كان هو عنده الاشتراك، و عند غيره الاختصاص، و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك.

و لو تداعيا غرفة على بيت أحدهما، و بابها إلى غرفة الآخر، كان الرجحان لدعوى صاحب البيت قطعا لكونها في ملكه الذي هو هواء بيته التابع لقراره، و مجرد فتح الباب إلى الغير لا يفيد يدا عرفا.

نعم لو فرض كونه مع ذلك متصرفا فيها بسكنى و غيره، أمكن تقديمه حينئذ على صاحب البيت، باعتبار أن يده حينئذ فعلية و يد صاحب البيت تبعية، و الفعلية أقوى و أولى، مع أنه في المسالك احتمل التساوي أيضا قال: «لثبوت اليد

ج 26، ص: 283

من الجانبين في الجملة، و عدم تأثير قوة اليد كما سلف» و في قواعد الفاضل و مع التصرف اشكال، و إن كان لا يخفى عليك ما فيه.

نعم قد يشكل ذلك بمنافاته للحكم بشركة الخزانة تحت الدرج، مع أن يد صاحبه عليها تبعية، و يد المتصرف بها فعلية، فلتقدم حينئذ عليها كما ذكرناه سابقا إذ لا فرق في التبعية بين أن يكون منشؤها لحوق السفل بالعلو، أو بالعكس فإن من ملك قرارا ملك هواه، و من ملك شيئا و لو هواء ملك قراره، و الدرج كذلك و الله العالم.

ج 26، ص: 284

[كتاب الشركة]

اشارة

كتاب الشركة بكسر الشين مع إسكان الراء و بفتحها مع كسرها، بل و إسكانها و النظر فيه يقع في فصول.

[الفصل الأول في أقسامها]

الأول: في أقسامها و لكن ينبغي أن يعلم أولا أن ماهية الشركة لغة على ما قيل: الاختلاط و الامتزاج شيوعا أو مجاورة، و شرعا اجتماع حقوق الملاك، في الشي ء الواحد على سبيل الشياع فالأول بمنزلة الجنس الشامل للاجتماع مع التمييز في مكان واحد، و الثاني بمنزلة الفصل، فإن المنساق منه الواحد بالشخص لا الواحد بالجنس و لا النوع و لا الصنف. و حينئذ فلا شركة مع تعدد الشخص نعم المراد بالواحد، فيما هو متعلق الشركة، و إن تعدد، لصدق الاجتماع بالمعنى المذكور في كل فرد من أفراد المتعدد.

و في جامع المقاصد و المسالك أن قيد الشياع لإخراج اجتماع حقوق الملاك في الشي ء الواحد المركب من اجزاء متعددة كالبيت مثلا إذا كان خشبه لواحد، و حائطه لآخر، و أرضه لثالث، فإنه لا شركة لعدم الشياع، و ان صدق اجتماع حقوقهم في الشي ء الواحد و فيه: عدم صدق كونه واحدا بالشخص، إذ هو مجموع أشخاص.

و عن الشهيد في المحكي عن حواشيه أنه لإخراج اجتماعها في الشي ء الواحد بالشخص على البدل، كمستحق الزكاة و الخمس، و المجتمعين على مسجد أو على معدن أو مباح يتعذر فيه الاجتماع، فإن ذلك اجتماع لا على سبيل الشياع، قال: «فإن قيل: يخرج هذه بقوله «الملاك» قلنا: الملك المراد به الاستحقاق، حذرا من المجاز و الاشتراك».

و أشكله في جامع المقاصد بأن الملك أخص من الاستحقاق مطلقا، فلو حمل على

ج 26، ص: 285

معناه الخاص المتعارف، لخرجت هذه الاقسام بالقيد المذكور، و خرج بقيد الشياع ما تقدم سابقا- الى أن قال- و في التعريف نظر لانتقاضه بالشركة في القصاص و حد القذف و الخيار و الرهن و الشفعة و نحو ذلك، فإنه ليس هناك ملك حقيقي، فلا مالك حقيقة، و قد صرحوا بأن هذا أحد أقسام الشركة الثلاثة».

و كأنه تصدى الى دفع جميع ذلك في المسالك فقال: «و يمكن أن يكون إنما حاول بحمل الملك على الاستحقاق الذي هو أعم منه إدخال الشركة في الخيار و نحوه مما لا ملك فيه، فإنه محض استحقاق، فلو حمل الملك على معناه الخاص، لانتقض التعريف في عكسه إن أريد به المعنى الخاص، و لو جعل مشتركا بينه و بين الاستحقاق أو مجازا في الاستحقاق، لزم الاشتراك و المجاز فحمله على معنى الاستحقاق العام يدخل الاقسام، و يسلم من محذور المجاز و الاشتراك كما ذكر.

لكن فيه: أن إطلاق الخاص و إرادة العام مجاز غير شائع، يجب صون التعريف عن مثله، و قد يجاب عنه بأن إطلاق الملك على الاستحقاق ليس بمجاز، بل معناه يتبادر من قولك فلان يملك الشفعة على فلان و يملك الحد و نحوه، أو أنه مجاز شائع و إن كان مطلق إطلاق الخاص على العام ليس شائعا، و العبرة في رخصة التعريف إنما هو بالفرد المحتاج إلى استعماله، لا بنوع ذلك الفرد، و هذا هو الظاهر هنا.

و ينبه عليه أن المصنف بلا فصل ذكر حكم الاشتراك في الحق المذكور فليس بغافل عن دخوله في التعريف و حينئذ فالمستعمل هنا إما المجاز المنصوب على إرادته قرينة، أو المشترك اشتراكا معنويا إن جعل ذلك الاستحقاق من أفراد الملك حقيقة، و الاشتراك المعنوي لا يضر دخوله في التعريف، و لو أبدل الملك في التعريف بالاستحقاق لسلم من ذلك كله.

قلت: و لعله لذا عرفها في الإسعاد شرح الإرشاد من كتب العامة بأنها ثبوت الحق في الشي ء الواحد لمتعدد، و لكن قد يقال: بعد الإغضاء عما في قوله ينبغي إلى آخره، أن الشركة في الحقوق و إن دخلت في التعريف و لو على إرادة الاستحقاق من الملك، لكن قد ينافي ذلك قيد الشياع فيه، فإنه لا شياع في استحقاق كل منهما

ج 26، ص: 286

الثابت له، فلا محيص حينئذ عن اختصاص التعريف بشركة المال، أو ارتكاب التجوز في الإشاعة على وجه يشمل ذلك.

ثم إنه لا ريب في ملك الفقراء للزكاة و السادة الخمس، و المسلمين الأرض المفتوحة عنوة، إلا أنه ملك جنس لا تعدد فيه، كي يصدق معه اجتماع حقوق الملاك، و الافراد من حيث الشخص لا ملك لأحد منها، كما أن الأشياء المباحة من معدن و نحوه هي بين الناس على حد سواء، بمعنى أن لكل واحد حيازتها، و السابق منهم أحق من غيره و مع تعدد السابق يقرع، و كذا المسجد و الوقف العام، و إن كان ربما يفرق بينهما، إلا أنه على كل حال لا شركة فيها من حيث الملك، و لا من حيث الحق على سبيل الشركة في الأموال و الحقوق، و الأمر في هذا كله سهل.

إنما الكلام في ملك الكلي في الصبرة مثلا كالصاع منها، و كملك مأة في الثلث بالوصية و نحو ذلك، بناء على عدم تنزيله على الإشاعة مما لا إشكال في صدق الشركة معه، و لا إشاعة، اللهم الا أن يراد منها عدم التعيين، لا خصوص الثلث و الربع و نحوهما.

و كيف كان ففي المسالك تبعا لجامع المقاصد «أن للشركة معنيين، بل في أولهما شرعيين، أحدهما ما ذكره المصنف، و لكنه معنا من المعاني دخوله في باب الأحكام أولى، ضرورة حصول الاجتماع المزبور بعقد و غيره، بل بغيره أكثر، حتى لو تعدى أحدهما و مزج ماله بمال الآخر قهرا بحيث لا يتميزان تحققت الشركة بالمعنى المزبور به، و ثانيهما عقد ثمرته جواز تصرف الملاك للشي ء الواحد على سبيل الشياع فيه، و لا يدخل فيه المستحقون للإرث و نحوه، و هذا هو المعنى الذي به تندرج الشركة في جملة العقود، و يلحقها الحكم بالصحة و البطلان، و اليه يشير المصنف فيما بعد بقوله قيل: تبطل الشركة، أعني الشرط و التصرف، و قيل: يصح، و لقد كان على المصنف أن يقدم تعريفها على ما ذكره، لأنها المقصود بالذات هنا، أو ينبه عليهما معا على وجه يزيل الالتباس عن حقيقتهما و أحكامهما، و في القواعد و غيرها كفاية اشتركنا في العقد المزبور.

لكن في الحدائق «لا يخفى على من تأمل الأخبار عدم معنى للشركة إلا الأول

ج 26، ص: 287

الذي ذكره المصنف، و الفاضل، و الشهيد في اللمعة، و أما المعنى الثاني فلا يشم له رائحة منها»- إلى أن قال- بعد أن حكى عن بعضهم أنها عقد جائز: «لا عقد هنا بالكلية، و لا عاقد، و إنما الشركة اجتماع الأموال على الوجه المذكور، فلا معنى لوصفه بالجواز نعم البقاء على حكمها أمر جائز، بمعنى أنه لا يجب عليه الصبر على الشركة بل يجوز رفعها و أخذ حصته، و بعد هذا الاجتماع لا يصح لأحد الشركاء التصرف فيها إلا بإذن الباقين، المدلول عليها باللفظ الصريح، أو الظاهر أو غيره من القرائن كغير المقام مما يعتبر فيه الاذن».

قلت: قد يؤيد ذلك أيضا ظاهر كلام المصنف و اللمعة و غيرهما مما لم يتعرض فيها لكونها عقدا، بل في جامع المقاصد عن فخر المحققين و أول الشهيدين تنزيل قول الفاضل- «و قيل: تبطل إلا أن يشترط الزيادة للعامل»- على إرادة بطلان الاذن، لا عقد الشركة، و رد ذلك كله في الرياض تبعا لجامع المقاصد و غيره بالإجماع، و بأن الأصل حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، فيقتصر فيها على القدر المتيقن، و هو ما دل عليها صريحا من الجانبين كما نبه عليه في التذكرة، و عليه يصح إطلاق العقد عليه و أما الإكتفاء فيها بمجرد القرائن الدالة عليها و الألفاظ الغير الصريحة فيها فلا دليل عليه، و على فرض وجوده كما يدعى من ظاهر النصوص مع عدم دلالته عليه أصلا فلا ريب في مغايرة هذا المعنى للأول أيضا، لحصول الأول بامتزاج المالين قهرا من دون رضا المتشاركين و هو غير الامتزاج مع الرضا به، و بالتصرف في المالين مطلقا أو مقيدا على حسب ما يشترطانه، فإنكاره رأسا فاسد جدا، و لا ينافي التغاير دخول الثاني في الأول دخول الخاص في العام، فإنه من أفراده، لمغايرتهما في الجملة قطعا، و هو كاف في إفراد الخاص عن العام في الإطلاق إلى غير ذلك من الكلمات، خصوصا التذكرة و خصوصا ما في بعض كتب العامة إلا أنها جميعها من غرائب الكلام.

أما ما في الحدائق من إنكار عقد الشركة رأسا فهو واضح الفساد، بل يمكن دعوى إجماع الخاصة و العامة على خلافه، كما أن دعوى كون عقدها ما دل على جواز التصرف من كل منهما، أو من أحدهما واضح الفساد أيضا، ضرورة عدم مدخلية

ج 26، ص: 288

ذلك في الشركة بوجه من الوجوه، بل هو داخل في قسم الوكالة، و قد اعترف به في التذكرة، قال فيها «الشركة قد تقع بالاختيار، و قد تقع بالإجبار، و كلامنا في الأولى و هي قد تحصل بمزج المالين بالاختيار من غير لفظ، فلو امتزج المالان برضاهما حصل الشركة الاختيارية، و إن لم يكن هنا لفظ، و أما التصرف فالإذن فيه و المنع منه فذاك حكم زائد على مفهوم الشركة».

و من ذلك و غيره يعلم التشويش في كلامه و كلام غيره أيضا، فكان السبب الذي أوقعهم في الوهم هو دعوى حصول الشركة بالمزج القهري، فمع فرض اعتبار الامتزاج في شركة العنان لم يكن معنى لعقدها حينئذ، ضرورة حصولها بالمزج المزبور، المفيد لذلك مع القهر، و عدم القصد به إليها، فضلا عما لو قصدت به اختيارا، فلم يكن حينئذ معنى لعقدها إلا جواز التصرف، خصوصا مع ملاحظة الشركة الاكتسابية التي هي من أقسام التجارة المبنية على العمل، من الشريكين، أو من أحدهما التي قد وردت النصوص بها، و فيمن ينبغي أن يشارك و أن لا يشارك، و غير ذلك من أحكامها، و لعله لذا اكتفوا في صيغتها بقول اشتركنا، باعتبار امتناع أن يراد بإنشائه حصولها بدون مزج، و لا المزج الذي لا يحصل باللفظ، فتعين أن يكون معناه جواز التصرف، و إلا لم يكن له معنى أصلا كما صرح بذلك في جامع المقاصد، إلا أنه لا يخفى عليك ما في ذلك، إذ لا دلالة في قول اشتركنا على الاذن بوجه من الوجوه، كما أنه لا حاجة في حصول الإذن منهما أو من أحدهما إلى عقد و ليس من مقومات الشركة حصولها، إذ يمكن اشتراكهما في المال مع الإذن في العمل لثالث، بل يمكن إرادة الشركة من دون عمل أصلا، لغرض من الأغراض.

فالتحقيق أن يقال حينئذ بعد الإجماع على كونها عقدا: أن قول اشتركنا لإنشاء تحقيقها و صيرورة كل من المالين بينهما على الإشاعة، إلا أنه يشترط في صحة ذلك تحقق المزج بعده إن لم يكن، فهو حينئذ شرط كاشف أو ناقل، نحو القبض في الوقف، أو أنه جزء السبب، و متى حصل مزج بقصد إنشاء الشركة من دون قول تحققت، و كانت كالمعاطاة، بناء على جريانها فيها، و إن كان التحقيق خلافه، سيما مع

ج 26، ص: 289

عدم فرق حينئذ بينها و بين العقد إلا على احتمال الكشف، أما المزج القهري و المجرد عن قصد إرادة إنشاء الشركة فلا يترتب عليه ملك كل منهما الحصة المشاعة في نفس الأمر و إنما يفيد الاشتباه في كل من أجزاء المال، إلا أن الشارع حكم ظاهرا بكونه بينهما من الصلح القهري الذي قد تقدم نظائره، فالفرق حينئذ بين المزج القهري و المزج الإنشائي هو ما ذكرناه، فله حينئذ إيقاع عقد الشركة بعد وقوعه، كي يتبدل الملك ظاهرا بالملك واقعا، بل لو سلم افادة المزج القهري الملك في الواقع على نحو المزج الاختياري كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أمكن أن يقال حينئذ أنه لا مانع من صيرورته جزء سبب مثلا، إذا جي ء به لإتمام عقد الشركة مثلا، بل و من صيرورته سببا تاما في ذلك إذا قصد الإنشاء به في المعاطاة، و من اتفاق حصول الشركة به قهرا فإنه لا تنافي حينئذ بينهما، و يكفي في العقد تحققه به، لا أنه لا تقع الشركة بغيره، لكن الإنصاف عدم خلو ذلك من نظر بل منع.

و على كل حال بذلك يظهر لك ما في جميع كلماتهم من التشويش و الاضطراب خصوصا التذكرة و جامع المقاصد، و المسالك، و الرياض، و غيرها التي لا يخفى عليك حالها بعد الإحاطة بما ذكرناه، فضلا عما يظهر من المحكي عن ابن الجنيد في المختلف من تحقق الشركة بالقول مع الافتراق من دون مزج، قال: «لو تلف مال أحد الشركاء قبل انعقاد الشركة باختلاط المالين أو بافتراق كان ما تلف من مال صاحبه، و إن كان التلف بعد العقد و الافتراق كان من مالهما جميعا» و هو كما ترى، و من هنا قال في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه: «و الأجود أن لا شركة إلا بالامتزاج، و التلف قبله من صاحبه» و مراده في محل القرض فتأمل، و ربما يجي ء لذلك أيضا زيادة تحقيق في مطاوي البحث.

ثم المال المشترك قد يكون عينا كما هو ظاهر و قد يكون منفعة بالإجارة و الجنس و السكنى قيل: و الوقف، و فيه أنه إن كان على محصورين فالاشتراك بالعين و الا فلا اشتراك بل هو حينئذ نحو ما عرفته في حق الزكاة و الخمس، و الطرق العامة، و الطرق النافذة، و قد يكون حقا كالخيار و الشفعة الموروثين مثلا و القصاص و غيرها.

ج 26، ص: 290

و أما سبب الشركة في الثلاثة ف قد يكون إرثا كما إذا ورثا مالا أو منفعة أو حقا و قد يكون عقدا في الثلاثة أيضا كما لو اشتريا دارا أو استأجراها أو صالحا عن حق تحجير مثلا، و قد يكون مزجا في العين كما هو واضح، بل و المنفعة فيما لو فرض استيجارهما دراهم للتزين مثلا، بناء على جوازه لكل دراهم مخصوصة، ثم مزجاهما بإرادة الاشتراك في المنفعة فيتحقق حينئذ اشتراكهما في المنفعة و قد يشكل ذلك بأصالة عدمها، و إنما هو من الاشتباه لا المزج المعتبر في تحقق الشركة فتأمل.

و قد يكون حيازة بناء على تحققها بشركة الأبدان كما عن الإسكافي أو على فرض نية كل منهما، بأن ما يحوزه له و لشريكه الموكل له على ذلك، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك، و لكن الأشبه عند المصنف بأصول المذهب و قواعده في الحيازة، اختصاص كل واحد بما حازه لأصالة عدم دخوله في ملك الغير حتى مع النية، لعدم ثبوت قبول مثله النيابة، فضلا عما إذا لم ينو، فإنه لا وجه له الا على جواز شركة الأبدان المعلوم بطلانها عندنا.

و من ذلك يعلم ما في المسالك «من أنه ينبغي أن يستثنى من ذلك ما لو كان عمل كل بنية الوكالة لصاحبه في تملك نصف ما يحوزه، فإنه حينئذ يتوجه الاشتراك لأن ذلك مما يقبل النيابة» إذ قد عرفت الملك بذلك أيضا عند المصنف.

نعم لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء دفعة بآنية واحدة أو اشتركا في نصب حبالة الصيد المشترك و رمي السهم المثبت له تحققت الشركة (11) حينئذ في الجملة قطعا، و في المسالك «لكن يكون لكل واحد من المجاز بنسبة عمله، و يختلف ذلك بالقوة و الضعف، و لو اشتبه مقدار كل واحد فطريق التخلص بالصلح، أو تمليك كل واحد ما بقي له عند الأخر، بناء على جواز هبة المجهول».

قلت: أو يحكم بالنصف لأصالة عدم زيادة أحدهما على الأخر، بل قد يحتمل كونه كذلك مع اختلافهما في القوة و الضعف لصدق اتحاد فعلهما في السببية، و

ج 26، ص: 291

اندراجهما في

قوله (1)«من حاز ملك»

و لعدم الدليل على اقتضاء ذلك التفاوت في المجاز، و إن كان هو منافيا للاعتبار العقلي الذي لا يرجع الى دليل معتبر شرعا فتأمل جيدا و الله العالم.

و كل مالين مزج أحدهما بالاخر بحيث لا يتميزان، تحققت فيهما الشركة اختيارا كان المزج أو اتفاقا مقصودا به الشركة أو لا، بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه.

و

في دعائم الإسلام (2)«روينا عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله

صلى الله عليه و آله أجاز الشركة في الرباع و الأرضين و أشرك رسول الله صلى الله عليه و آله عليا عليه السلام في هديه، و إذا أراد رجلان أن يشتركا في الأموال، فأخرج كل منهما مالا مثل مال صاحبه دنانير أو دراهم ثم خلطا ذلك حتى يصير مالا واحدا لا يتميز بعضها عن بعض على أن يبيعا و يشتريا ما رأياه من أنواع التجارات فما كان في ذلك من فضل كان بينهما، و ما كان من وضيعة كان عليهما بالسواء. فهذه شركة صحيحة لا اختلاف علمناه فيها و ليس لأحدهما أن يبيع و يشتري إلا مع صاحبه، الا أن يجعل له ذلك»

و إن كان يحتمل بل هو الظاهر أن قوله «و إذا» الى آخره من مصنفها، لا فيما رواه عن جعفر بن محمد عليه السلام، إلا أنه على كل حال فيه شهادة على المزج في الجملة.

لكن قد عرفت سابقا الفرق بين المزج الاختياري المقصود فيه الشركة و غيره بالملك مشاعا في نفس الأمر في الأول، بخلاف الثاني و إن عومل معاملته في الاحكام إلا أنه لو فرض اتفاق العلم ببعضه لأحدهما لم يكن للآخر شركة فيه، بل لو فرض بقاء ما ليس هو إلا لأحدهما أمكن حينئذ إتيان القرعة عند القائل بها في مثله، و قسمته بينهما من الصلح القهري عند غيره، على نحو ما سمعته في نظائره في كتاب الصلح و الله العالم.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يثبت ذلك في المالين المتماثلين في


1- 1 لم نعثر بهذا اللفظ في أحاديث الخاصة و لا العامة.
2- 2 الدعائم ج 2 ص 85 فصل الشركة.

ج 26، ص: 292

الجنس و الصفة أي بالمزج الرافع للامتياز بينهما الذي قد عرفت سببيته للشركة فلو تخلف أحدهما تحقق الامتياز المنافي للشركة، فلا يكفي حينئذ مزج الحنطة بالشعير و لا الدخن (1)بالسمسم، و إن عسر التخلص، و الدراهم بالدنانير، بل و لا الحنطة الحمراء بالبيضاء، و الصغيرة الحب بالكبيرة و الدراهم الصحيحة بغيرها، و نحو ذلك مما لم يرتفع التمييز فيها بالمزج الذي هو سبب الشركة إذا كان على الوجه المزبور.

سواء كانا أي المالان أثمانا أي ذهبا و فضة أو عروضا كالأدهان و غيرها من المائعات بل و الحنطة و الشعير و الذرة و السمسم و نحوها خلافا للمحكي عن الشيخ في المبسوط فمنع من الشركة في العروض إلا في المكيل و الموزون و ما عن الإسكافي من إطلاق عدم صحة الشركة إذا كان لكل واحد منهما مبتاع، إلا أن يتعاوضا بمتاعيهما فيبيع هذا نصف متاعه بنصف متاع هذا، و ان كان يمكن تنزيل كلام الأخير منهما على ما لا يحصل معه الامتزاج الرافع للامتياز.

ثم المراد من عدم التمييز كونه في الظاهر كذلك لا في نفس الأمر، فإن الأجسام لا تتداخل في المائعات، فضلا عن غيرها لكن في الرياض بعد ان اعترف بأنه المستفاد من كلمات الأصحاب سيما معقد إجماع التذكرة قال: «و هو مناف لما ذكروه في التعريف من أنها اجتماع حقوق على الإشاعة، فإن الظاهر منها حيث تطلق

أن لا يفرض جزء إلا و فيه حق لهما و به صرح الفاضل المقداد في شرح الكتاب، بل صرح فيه بعدم حصول الشركة بمزج الحنطة و الذرة و الدخن و السمسم و نحوها بمثلها، بل حصرها في مثل الأدقة و الأدهان بمثلها و لكن الظاهر عدم استقامة ما ذكره على طريقة الأصحاب، لاتفاقهم في الظاهر على عدم اشتراط عدم التمييز النفس الأمري مع أن اشتراطه في نحو الأثمان مخالف لطريقة المسلمين في الأعصار و الأمصار، لأنهم لا يزالون يتشاركون فيها من زمن النبي صلى الله عليه و آله إلى زماننا هذا من غير نكير


1- 1 الدخن كقفل: حب صغير أملس جدا. أقرب الموارد.

ج 26، ص: 293

في صقع من الأصقاع، و عصر من الأعصار، فكان إجماعا، و قد نبه عليه في التذكرة بقي الكلام في التوفيق بين التعريف و ما هنا، و الخطب سهل بعد الإجماع على ما هنا، لعدم الدليل على ما في التعريف من اعتبار الإشاعة بالمعنى المتقدم، مع احتمال إرادتهم منها هناك عدم التمييز المطلق».

قلت: و فيه أولا: أن عدم التمييز في نفس الأمر لا يتم في الأدهان، و لا في غيرها كما سمعت.

و ثانيا: أن التعريف للشركة الشرعية الموجبة للملك على الإشاعة التي قد ذكروا أسبابها بعد تعريفها، و لا ريب في أن المراد منها المعنى الأول، لا عدم التمييز كما هو واضح لا يشتبه على من له أدنى تحصيل، و ما حكاه في التنقيح لم أجده فيما حضرني من نسخته قال: و الفائدة الثانية الشركة أمر حادث و كل حادث لا بد له من سبب و السبب هنا قد يكون إرثا، و قد يكون حيازة كما لو اقتلعا شجرة أو اغترفا ماء بآنية و قد يكون مزجا كما إذا مزجت الأجزاء المتساوية المصغرة بحيث لا يمتاز جزء عن جزء كالأدقة و الادهان، لا كالحنطة و الذرة و الدخن و السمسم، و الدراهم الجدد و العتق، ثم قال: الفائدة الثالثة: إنما قيد الاجتماع على وجه الشياع، احترازا عن اجتماع لا يحصل فيه ذلك و المراد فيه بالشياع أن لا يفرض جزء الا و فيه حق لهما.

و هو كما ترى أجنبي عما حكاه عنه، ضرورة كون مراده عدم تحققها مع التمييز، كمزج الحنطة بالذرة، و الدخن بالسمسم، و الدراهم الجديدة بالعتيقة، و لذا أفردها و جمع الأدهان و الأدقة، لا بأمثالها التي من ضرورة المذهب تحقق الشركة فيها بالامتزاج و أما ما ذكره من تفسير الشياع فهو في محله، لا أنه يريد تماميته في مثل الدقيق دون غيره كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا مع ملاحظة كونه أجل من أن يقع في هذا الوهم الذي لا ينبغي جوازه على أصاغر الطلبة.

إنما الكلام في اعتبار المثلية إذا كانت بالمزج فيها كما هو ظاهر المصنف بل قيل: هو صريح قوله أما ما لا مثل له، كالثوب و الخشب و العبد فلا تتحقق فيه

ج 26، ص: 294

بالمزج، بل قد تحصل بالإرث أو أحد العقود الناقلة كالابتياع و الاستيهاب و لعله لأصالة بقاء كل على ملك مالكه، المقتصر في الخروج عنها على المتيقن الذي هو المزج في المثليات دون غيرها، لكن في الرياض بعد أن حكى ذلك عن المصنف هنا قال:

«وفاقا للمبسوط و الإسكافي، إلا أنه أطلق، و لكن معلوم النسب لا يقدح خروجه بالإجماع، و مع ذلك يضعف بتحقق المزج على الوجه المتقدم في كثير منها، كالثياب المتعددة المتقاربة الأوصاف، و الخشب كذلك، و نحوهما، فيتحقق الشركة، فإن ضابطها حصول المزج مع عدم الامتياز، و لا خصوصية للقيمي و المثلي في ذلك و قد حصل».

و لا يخفى عليك ما في الثاني من المصادرة الواضحة.

نعم لو كان في الأدلة ما يقتضي إطلاق تحققها بالمزج الرافع للامتياز، اتجه حينئذ الاستدلال بإطلاقه، و لكن لم نعثر على ذلك، اللهم إلا أن يستدل بإطلاق «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)المقتضى لتحققها في جميع افراد الشك، أو بإطلاق معقد دعوى الإجماع على ذلك إلا أنا لم نتحققه.

نعم في التذكرة و أما العروض فعندنا تجوز الشركة فيها مع الشرط المذكور، أي المزج الرافع للامتياز، سواء كانت من ذوات الأمثال، أو من ذوات القيمة، و هو ليس إجماعا صريحا، مع أنك قد سمعت ما حكاه عن الشيخ و الإسكافي، و إن كان قد سمعت كلامهما سابقا، و لو سلم الإجماع على ذلك فليس في كلام المصنف صراحة فيما ينافيه، خصوصا بعد قوله سابقا «و كل مالين مزج أحدهما بالآخر» إلى آخره

الشامل للقيمي و المثلي، بل قوله أيضا «و تثبت في المالين المتماثلين في الجنس و الصفة كذلك» أيضا ضرورة صدق ذلك على القيميات، لكن قوله «أما ما لا مثل له» إلى آخره قد يظهر منه ذلك، إلا انه من المحتمل إرادته عدم تحققها بالثوب و الخشب و العبد، باعتبار عدم المزج فيها الرافع للامتياز، فهو حينئذ لبيان ما احترز به من اعتبار المزج الرافع للامتياز، على أن مثل هذه لا يتحقق فيها الشركة بمزجها باعتبار عدم


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 295

ارتفاع الامتياز بمزجها كما هو واضح. و ربما يومي اليه افراد الثوب و العبد إذ لو كان المراد الثوب في الثياب و العبد في العبيد و الخشب في الأخشاب لناسب التعبير بالجمع.

نعم قد يقال: إن المتيقن من الفتاوى و معاقد الإجماعات في سبب الشركة المزجية هو ما يتحقق فيها صدق المزج الرافع للامتياز بسببه، فمتى لم يحصل صدق المزج، كالدور و البساتين و العبد في العبد و الجمل في الجمل و الفرس في الفرس و نحو ذلك، لم تتحقق الشركة المزجية، إذ هو من الاشتباه- لا الامتزاج- الشبيه بالتداخل عرفا كما في المائعات و ذوات الأجزاء الصغيرة من الحبوب و نحوها مع فرض الكثرة من الجانبين، و بالجملة المدار في حصولها على ذلك من غير فرق بين المثلي و القيمي، كالمصوغات الصغيرة مثل حب الذهب و نحوه، ضرورة صدق امتزاجها على وجه يرتفع الامتياز بينها، بل إن لم يقم إجماع أمكن القول بتحقق الشركة بامتزاج الشخصين المتحدين في الأوصاف الخارجية، و ان كانا من جنسين كالقرمز مع بعض الأصباغ المساوية له في اللون، و العسل و بعض افراد الدبس و نحو ذلك.

و اعتبار بعض اتحاد الجنس و الوصف انما هو للاحتراز عما لا يرتفع بالامتزاج امتيازه من مختلفهما، بخلاف محل الفرض، اللهم إلا أن يقال: إن ذلك من متعسر التخلص بالامتزاج، كالدهن مع الدبس مثلا، لا مما رفع امتزاجه امتيازه، و صيره كالمال المتحد باعتبار اتحاده معه في الجنس و الصفة، مع أنه أيضا كما ترى للنظر فيه مجال، بل قد يقال بتحققها في متعذر التخلص أيضا كل على نسبة قيمة ماله كما في المثليات و القيميات الممتزجة المفروض اختلاف قيمتها على معنى صيرورة ذلك المال مشتركا بينهما على نسبة قيمة مالهما، لا أن المشترك بينهما قيمتهما الوهمية دونهما.

و بالجملة كلامهم في ذلك غير منقح، و قد عرفت ما تقتضيه الأصول و القواعد في محال الشك.

كما أنه غير خفي عليك فيما لو أراد الشركة فيما لا مثل له و غيره مما لا تتحقق فيه بالامتزاج لعدم ارتفاع امتيازه به، باع كل واحد منهما حصته مما في يده، بحصته مما في يد الآخر أو وهب كل منهما كذلك، أو باعها بثمن اشترى

ج 26، ص: 296

الأخرى به منه، أو غير ذلك، بل قد يستفاد من النصوص تحققها في مال اشترى بثمن معين مثلا بقول «شركتك فيه» على معنى ارادة نقل نصفه مثلا اليه بنصف الثمن، و بقول «الربح بينى و بينك» فيه، و نحو ذلك.

قال محمد بن مسلم في الموثق (1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها، فاتى رجلا من أصحابه، فقال: يا فلان انقد عني ثمن هذه الدابة و الربح بينى و بينك، فنقد عنه فنفقت الدابة، قال: ثمنها عليهما، لأنه لو كان ربحا لكان بينهما»

و نحوه غيره، و الله العالم.

و لا تصح الشركة بالأعمال كالخياطة و النساجة بلا خلاف معتد به أجد فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر من غير فرق بين اتحاد عملهما و اختلافه، و لا بين كون العمل في مال مملوك، أو تحصيل مباح من حطب و حشيش و نحوهما، للأصل السالم عن معارضته (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، بعد ما عرفت، و التراضي بما لم يثبت شرعيته غير مجد، و المراد بالتجارة عنه ما ثبتت التكسب به شرعا.

و ما

يحكى (3)«من شركة سعد بن ابى وقاص، و عبد الله بن مسعود، و عمار بن ياسر فيما يغنمونه،

فأتى سعد بأسيرين و لم يأتيا بشي ء فأقرهم النبي صلى الله عليه و آله و شركهم جميعا»

غير ثابت، مع إمكان أن يكون ذلك يوم بدر الذي غنائمه على ما صرح في التذكرة- للنبي صلى الله عليه و آله، فيمكن أن يكون ذلك منه هبة لهم، بل يمكن غير ذلك أيضا.

و من هنا اتفق أهل الحق على عدم الشركة بذلك عدا ما يحكى عن ابن جنيد منهم مع أن المحكي عنه في المختلف انه قال: «لو اشترك رجلان بغير رأس مال على أن يشتريا و يبيعا بوجوهما جاز ذلك، و لو اشترك رجلان فكان من عند أحدهما بذر


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 2.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 79.

ج 26، ص: 297

و بقر، و على الأخر العمل و الخراج كانت الشركة جائزة بينهما و لو اشترك رجلان على أن يعملا عملا لكل واحد منهما فيه عمل منفردا، و أن تكون أيديهما جميعا في العمل و تقسم الأجرة بينهما لم أجز ذلك، لأن الأجرة عوض عن عمل فإذا لم يتميز مقدار عمل كل واحد منهما لم آمن أن يلحق أحدهما غبن أو أن يأخذ ما لا يستحقه، و إن تشاركا الفضل و تحالا، أو تضمن أحدهما بالعمل ثم قسمه على الأخر من غير شركة جاز ذلك».

و هو كما ترى صريح في عدم الجواز، لكن في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال: «و الوجه البطلان، لنا إجماع الفرقة و خلاف ابن الجنيد غير معتد به لانقراضه بحصول الاتفاق بعده، و لأن الأصل عدم الشركة و بقاء حق كل واحد عليه، و لانه غرر عظيم، و لأن الشركة عقد شرعي، فيقف على الاذن فيه، و يمكن أن يريد ما ذكره أولا من شركة الوجوه، و لكن قد يقال: إنه يمكن صحة ما ذكره بالتوكيل من كل منهما على الابتياع و البيع، كما أن ما ذكره ثانيا يمكن كونه من باب المزارعة، و حينئذ فلا يكون خلاف منه، بل تتفق كلمة أهل الحق على البطلان، و إن اشتهر نقل ذلك عنه، بل المعروف في الحكاية عن الشافعي موافقته على ذلك، و إنما المخالف أبو حنيفة، و مالك، و ابن حنبل على اختلاف فيما بينهم أيضا في تعيين الجائز من ذلك، و حيث كان الجميع عندنا باطلا، لم تكن ثم فائدة يعتد بها في التعرض الى ذلك، و حينئذ فيختص كل منهما بما اكتسبه، و لا يشاركه الآخر فيه نعم، لو عملا معا لواحد مثلا بأجرة، و دفع إليهما شيئا واحدا عوضا عن أجرتهما التي وقعت في عقد استيجارهما على العمل دفعة تحققت الشركة حينئذ في ذلك الشي ء إلا انها ليست من شركة الاعمال، بل هي من شركة الأموال نحو ما لو آجر كل منهما نفسه منفردا، ثم أدى المستأجر إليهما مالا مشتركا، فإن الشركة في المال خاصة قطعا، و حينئذ فلا إشكال في جوازها من غير فرق بين اختلاف عملهما و اتفاقه، و لا بين علمهما بنسبة أحد العملين إلى الأخر و عدمه، لأن الاعتبار في الصفقة بالعلم بعوض المجموع لا الأجزاء، و اجرة المجموع هنا

ج 26، ص: 298

معلومة، فيقسم عليهما على نسبة العمل، بأن ينسب أجرة مثل عمل أحدهما إلى أجرة مثل العملين و يؤخذ من المسمى بتلك النسبة، و مع الجهل بالنسبة يحتمل التساوي و الصلح كالمالين الممتزجين المجهول قدر كل منهما و الله العالم.

و لا تصح أيضا الشركة بالوجوه المفسرة في الأشهر باشتراك وجهين، لا مال لهما بعقد لفظي، على أن ما يبتاعه كل واحد منهما يكون بينهما، فيبتاعان و يبيعان، و يؤديان الأثمان، و ما فضل فهو لهما، و قيل: أن يبتاع وجيه في الذمة، و يفوض بيعه إلى خامل و يشترطا أن يكون الربح بينهما، و قيل: أن يشترك وجيه لا مال له، و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه، و المال من الخامل، و يكون المال في يده لا يسلمه إلى الوجيه، و الربح بينهما، و قيل: أن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون بعض الربح له.

و لا شركة عندنا في المفاوضة التي هي اشتراك شخصين فيما يغنمان به من ربح، و إرث، و لقطة، و ركاز، و غير ذلك، و يغرمان من أرش جناية و ضمان غصب، و قيمة متلف، و غير ذلك مطلقا، فهما كما عن بعض أو باستثناء قوت اليوم، و ثياب البدن و الخادم و بذل الخلع و الصداق و الجناية على الحر، لعدم الدليل عليها عندنا، بل الإجماع بقسميه على فسادها، كالشركة بالمعنيين الأولين.

و إنما تصح عندنا بالأموال بلا خلاف فيه، بلا الإجماع بقسميه أيضا على الصحة فيها، و هي المسماة بشركة العنان، من عنان الدابة، أو من «عن» إذا ظهر، أو من «المعانة» بمعنى المعاوضة، لإمكان تقرير وجه المناسبة في الجميع، و الأمر فيه سهل و إن أطنبوا فيه، لكن لا ثمرة معتد بها فيه.

إنما الكلام فيما في المسالك. فإنه بعد أن ذكر تفسيرات شركة الوجوه قال:

«و الكل عندنا باطل، خلافا لابن الجنيد، فإنه جوزها بالمعنى الأول و لأبي حنيفة مطلقا و حينئذ فإذا أذن أحدهما للآخر في الشراء فاشترى لهما وقع الشراء لهما، فكانا شريكين، لأنه بمنزلة التوكيل، و قد اشترى بأذنه فيشترط شروط الوكالة، و إذا كان المال لأحدهما و باع الأخر سواء كان خاملا أو لا، صح البيع بوكالة المالك،

ج 26، ص: 299

و للمباشرة أجرة المثل لعمله، و لا شي ء له في الربح.

و كأنه أخذ ذلك مما في جامع المقاصد قال: «و أما شركة الوجوه فإن أحدهما إذا اشترى من دون توكيل الأخر له أو مع قصد اختصاصه به، فلا حق للآخر في الربح، و إن وكله فاشترى لهما فقد تحققت شركة العنان» كما أنه قبل ذلك بعد أن ذكر الإجماع على بطلان ما عدا شركة العنان من الأقسام الثلاثة، قال:

«و المراد ببطلانها عدم ترتب آثارها عليها، أما شركة الأبدان فلأنهما إن عملا كان لكل منهما أجرة عمله إن تميزا، قليلة كانت أو كثيرة، و مع الاشتباه فسيأتي أن الأصح الصلح، و إن كان مع ذلك فيه معنى شركة العنان لامتزاج المالين، و إن عمل أحدهما فلا شي ء للآخر في أجرة عمله، و أما شركة المفاوضة فلأن كل ما انفرد به أحد الشريكين من تجدد مال أو ثبوت غرم، فهو مختص به، و لو كان في مال أحدهما المجدد من جنسه مال للآخر فسدت شركة المفاوضة، و انقلبت إلى شركة العنان».

قلت: محل البحث بين الأصحاب و من أجاز ذلك من العامة مشروعية عقد شركة على أحد الوجوه الثلاثة على حسب شركة العنان و عدمه، و اتفاق مصداق من مصاديقها مع مصداق الوكالة لا يقضى بجوازها مع فرض عدم قصد الوكالة، و عدم ارادتها، و إنما المراد عقد شركة على هذا الوجه الذي يصح أن يكون موردا للوكالة لو قصدت به.

و من ذلك يظهر لك ما في المحكي عن الأردبيلي، فإنه بعد أن حكي عن التذكرة بطلان شركة الأبدان عندنا، سواء اتفق عملهما أو اختلف، و سواء كانت الصنعة البدنية في مال مملوك، أو في تحصيل مباح كالاصطياد و الاحتشاش قال:

«و لا يظهر دليل على عدم الجواز سوى الإجماع، فإن كان فهو، و الا فلا مانع، فإنه يرجع إلى الوكالة في بعض الأمور و تمليك مال في البعض الآخر، و بذل نفس و عمل في مقابلة عوض، و لا مانع منه في العقل و الشرع، و لهذا جوز بعض أقسامها بعض العامة»- ثم نقل عنه أيضا- «أن شركة المفاوضة عندنا باطلة، و ليس لها أصل

ج 26، ص: 300

و به قال الشافعي و مالك «ثم نقل عنه أيضا في شركة الوجوه انها عندنا باطلة و به قال الشافعي و مالك ثم قال: «و البحث فيها مثل ما تقدم فتأمل».

و فيه ما لا يخفى عليك من الخروج عن محل النزاع إذا فرض كون المقصود لهما المعنى الصحيح و إن سموه باسم الفاسد، و من البطلان إذا أراد تأثير عقد الشركة الذي أوقعاه ذلك، و إن اتفق في بعض الأحوال اتحاد مصداقه مع مصداق مفهوم الصحيح الذي لم يكن مقصودا لهما، بل به يظهر فساد ما وقع من جوازها من العامة معللا برجوعها إلى الوكالة، أو نحوها مما هو صحيح، إذ قد عرفت حقيقة الحال و الله العالم.

و يتساوى الشريكان في الربح و الخسران مع تساويه أي المشترك بينهما بأن كان لكل منهما نصفه، و لو كان لأحدهما زيادة، كان له من الربح بقدر رأس ماله، و كذا عليه من الخسارة بلا خلاف في شي ء من ذلك، مع اتفاقهما في العمل، أو اختلافهما فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و السنة مستفيضة أو متواترة فيه، مضافا الى اقتضاء أصول المذهب و قواعده في المشاع ذلك، بل هو مقتضى الأصول العقلية أيضا.

و ما عن بعض العامة من منع الشركة مع عدم استواء المالين في القدر، و فرض اتفاقهما في العمل، قياسا على ما لو اختلفا في الربح و اتفقا في المال- مدفوع بأن المعتبر في الربح المال، و العمل تابع، فلا يضر اختلافه، كما يجوز مع استوائهما في المال عند الكل و إن عمل أحدهما أكثر.

إنما الكلام فيما لو شرط لأحدهما في عقد الشركة زيادة في الربح مع تساوى المالين أو التساوي في الربح و الخسران مع تفاوت المالين مع عدم مقابلة ذلك بعمل و قيل و القائل الشيخ، و ابنا إدريس، و زهرة، و القاضي، و جماعة، بل عن السيد منهم الإجماع عليه كما عن ابن إدريس نسبته إلى الأكثر تبطل الشركة أعني الشرط و التصرف الموقوف عليه، و يأخذ كل واحد منهما ربح ماله، و لكل منهما أجرة مثل عمله، بعد وضع ما قابل عمله في ماله، و قيل: و القائل المرتضى و الفاضل، و والده و ولده تصح الشركة و الشرط بل عن الأول منهم دعوى الإجماع

ج 26، ص: 301

عليه، و قيل: و القائل أبو الصلاح في المحكي عنه تصح الشركة دون الشرط الذي هو إنما يفيد الإباحة لها لا ملكها، فيجوز الرجوع فيها ما دامت عينها باقية.

و الأول أظهر عند المصنف و جماعة ممن تأخر عنه، لأنه أكل مال بالباطل، باعتبار عدم مقابلة الزيادة لعوض، لكون الفرض انها ليست في مقابل عمل، و لا وقع اشتراطها في عقد معاوضة، لتضم احد العوضين و لا اقتضى تملكها عقد هبة، و الأسباب المثمرة للملك معدودة، و ليس هذا أحدها، و لا هو إباحة للزيادة إذ المشروط تملكها بحيث يستحقها المشروط له، فيكون اشتراطها اشتراطا لتملك شخص مال غيره بغير سبب ناقل للملك، كما لو دفع إليه دابة ليحمل عليها و الحاصل لهما فيكون باطلا، فيبطل العقد المتضمن له، إذ لم يقع التراضي بالشركة و الإذن في التصرف إلا على ذلك التقدير، فلا يندرج في قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»، و لا في

قوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم»

خصوصا مع الجواز في عقد الشركة المنافي للزوم المستفاد من الآية و الرواية و أما عدم اندراجه في قوله تعالى «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» فظاهر إذ الشركة ليست من التجارة في شي ء إذ هي مقابلة مال بمال، و هذا الشرط ليس تجارة أيضا، لعدم تضمنه معاوضة و مجرد التراضي غير كاف في اللزوم، بل غايته الإباحة، و لا كلام في الجواز بها، و لكنه غير مفروض المسألة لعدم استناده إلى عقد الشركة، و مع ذلك الإباحة في صورة جهلهما بفساد الشرط محل مناقشة بل منع.

نعم لو شرط ذلك للعامل تحققت التجارة حينئذ، لأن العمل مال، فهو في معنى القراض كما نبه عليه المصنف بقوله هذا إذا عملا في المال، أما لو كان العامل أحدهما، و شرطت الزيادة للعامل صح، و كان بالقراض أشبه بل لا خلاف فيه بينهم على ما اعترف به جماعة، بل و لا في جوازه مع العمل منهما أيضا و شرطت الزيادة لمن زاد عمله على الآخر،- و إن كان ظاهر العبارة يوهم خلافه.

و بذلك كله ظهر لك دليل القولين الأخيرين و فساده، حتى الإجماع المحكي للثاني منهما المعارض بإجماع ابن زهرة المعتضد بالنسبة إلى الأكثر و بما سمعت، و لكن مع ذلك للنظر في جميع ما عرفت مجال، و ذلك لأن الاتفاق على الجواز

ج 26، ص: 302

في الصورتين المزبورين ليس هو الاشتراط المزبور إذ ليس ذلك قراضا قطعا لعدم قصده أولا و عدم تماميته في الصورة الثانية منهما ثانيا و عدم اعتبار ما يعتبر في القراض من كونه نقدا في الصحة هنا ثالثا فليس حينئذ إلا الشرط المزبور و هو كما أنه قابل للتمليك في مقابلة العمل أو زيادته قابل للتمليك مجانا، المتحقق شرعا بالهبة و غيرها، فلا يكون الأكل به حينئذ أكلا بالباطل بل هو بالسبب الصحيح الشرعي الذي هو الشرط و أحد الأسباب المملكة.

و دعوى- كونه في مثل هذا العقد الذي مفاده الإذن خاصة لا يفيد ملكا، إذ هو كعقد العارية- يدفعها أنه كذلك مع اشتراطها للعامل خاصة كما أن دعوى كون عقد الشركة من الجائز، فلا تشمله الآية و لا الرواية مشترك الإلزام مبنى أيضا على أن المراد من عقدها المشترط فيه ذلك إنما هو العقد المشتمل على الإذن في التصرف لا عقد إنشاء الشركة الذي قدمناه سابقا، فإنه لازم لا ينافيه بطلان الشركة بالقسمة كما لا ينافي لزوم البيع الإقالة، و أما منع كونه تجارة عن تراض بمعنى تكسب و لو لأحدهما بالطريق المزبور فواضح المنع، هذا.

مع أنه قد يقال في صورة تساويهما في العمل و شرطت الزيادة لأحدهما، و اختلافهما و شرطت لأدناهما، بالصحة، بناء على ما ذكروه، لمقابلتها حينئذ بالعمل ممن اشترطت له، و أما الأخر فهو متبرع بعمله لم يرد في مقابلته شي ء، إذ لا امتناع في أن يعملا أحدهما بعوض و الأخر بلا عوض.

هذا كله مماشاة مع الخصم، و إلا فالمتجه الصحة مطلقا، حتى إذا لم يعملا، بل نمى المال في نفسه، فما في القواعد من اشتراط الصحة بذلك قال «و لو شرط التفاوت مع تساوي المالين أو التساوي مع تفاوته فالأقرب جوازه إن عملا أو أحدهما سواء شرطت الزيادة له أو للأخير» في غير محله، ضرورة انحصار السبب في استحقاق الزيادة فيما فرضه بالشرط المتحقق في الصورتين كما هو واضح، و بذلك كله ظهر لك ما في كلام جملة من الأصحاب كالكركي و ثاني الشهيدين و أتباعهما فلاحظ و تأمل.

ج 26، ص: 303

مضافا إلى ما عساه يستفاد من بعض النصوص (1)المتقدمة في كتاب الصلح الدالة على جواز اشتراط رأس المال لأحد الشريكين، و للآخر الربح و عليه الخسران التي قد سمعت تفضيل الكلام فيها، و إلى بعض النصوص (2)المتضمنة للمشاركة في الجارية، على أن يكون بعض الشريك شريكا في الربح دون الخسران، و إن حملها بعض الناس على معنى آخر.

بقي الكلام فيما ذكره المصنف و غيره من قسمة الربح على المالين، بناء على البطلان، إذ هو غير تام بناء على اقتضاء بطلان عقد الشركة بمعنى الاذن، لصيرورة التصرف حينئذ فضوليا

فلا ربح، نعم هو كذلك مع فرض الإجارة، اللهم إلا أن يراد ربح ما حصل من التصرف من كل منهما في ماله، و أما الأجرة لكل منهما عوض عمله في المال بنقل و نحوه، فالوجه فيها احترام عمل المسلم، و اقدام المتبرع منهما بزعم صحة العقد فمع فرض بطلانها لم يكن منه تبرع، لكن قد يقال بمنع الأجرة مع ذلك لأصالة البراءة.

نعم هو كذلك بالنسبة إلى من شرطت الزيادة له باعتبار صيرورته كالقراض الفاسد، فإن العامل يستحق الأجرة فيه، لأن «ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده» فكذا هنا، أما من لم يشترط لعمله شي ء فهو في حكم المتبرع على تقديري الصحة و الفساد، اللهم إلا أن يقال ان الشريك كذلك مع فرض صحة عقد الشركة المقتضي لذلك لا مع فساده، إذ هو حينئذ عمل وقع من المسلم لا عوض له بزعم صحة الشركة فمع بيان فسادها يبقى مضمونا على من وصل إليه.

و كشف الحال في أصل المسألة أن ظاهرهم عدم رجوع أحد منهم على الأخر بأجرة عمله مع حصول عقد الشركة منهما، بناء منهم على أن مقتضى عقد الشركة ذلك، بل لعل ظاهرهم ذلك في صورة وقوع العمل من أحدهما أيضا.


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الصلح.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 8-.

ج 26، ص: 304

و إن كان قد يناقش في أصل اقتضاء عقد الشركة ذلك، بناء على ثبوته بالمعنى المزبور، أما على تقدير عدمه فالمتجه حينئذ ثبوتها، لقاعدة احترام عمل المسلم الواقع باذن من عمل له، كما أن المتجه ذلك أيضا لو وقع العمل بزعم صحة عقد الشركة المقتضى لمجانية العمل، فمع بيان فساده يتجه الأجرة، للقاعدة المزبورة أيضا، اللهم إلا أن تكون معارضة بقاعدة «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» مع إمكان منع ذلك هنا بأن يقال: إن عدم الأجرة إنما هو لظهور التبرع منهما، لا أنه من مقتضيات عقد الشركة كي يتجه إتيان القاعدة.

نعم قد عرفت النظر في أصل ثبوت هذا العقد عندنا، فضلا عن دعوى اقتضائه التبرع بذاته، و ربما يؤيده قول المصنف هنا أعنى الشرط و التصرف، كالمحكي عن أول الشهيدين، و فخر المحققين من أن المراد من البطلان هنا بطلان الإذن، لأن الشركة العنانية الحاصلة بالمزج مع العقد لا توصف بالصحة و البطلان، لعدم إمكان وقوعها على وجهين، و إن نظر فيه في المسالك تبعا لجامع المقاصد بأن الشركة العنانية بالمعنى الذي ذكرناه أي كونه عقدا ثمرته الإذن في التصرف و توصف بالصحة و البطلان، بل ليس الغرض من الشركة في الأموال إلا الشرط المدلول عليه بالصيغة و ما يلزمه اللهم إلا أن يمنع من كون الشركة بمعنى العقد المزبور هي العنانية كما يظهر من التذكرة أنها مركبة من مزج المالين و العقد، لكن يشكل بأنها إذا لم تكن شركة فهي أحد الأقسام الأخر لاتفاق الفقهاء على انحصار الشركة الصحيحة في شركة العنان و انحصار مطلق الشركة في المذكورات، و غاية ما ينزل أنها تطلق على المعنيين معا لكنها في الثاني أظهر.

قلت: لكن قد عرفت فيما تقدم فساده، إن لم يكن إجماعا بما لا مزيد عليه كما أنك قد عرفت هنا وصف الشركة العنانية بالمعنى الذي ذكرناه بالصحة و الفساد، و أن صحيحها مقتض للملك على الإشاعة في نفس الأمر بخلاف فاسدها فإنها إشاعة في الظاهر لا الواقع فتأمل جيدا.

و إذا اشترك المال بأحد أسبابه السابقة عدا ما كان بالعقد منها بناء على

ج 26، ص: 305

اقتضائه الإذن لم يجز لأحد الشركاء التصرف فيه إلا مع إذن الباقين لحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه، و مجرد اشتراك المال لا يدل عليها و إن كان بالمزج الاختياري المراد به حصول الشركة فإن حصل الإذن لأحدهم تصرف هو دون الباقين لحصولها بالنسبة إليه دونهم.

و لكن يقتصر من التصرف على ما أذن له فيه فإن أطلق له الاذن في التصرف جاز، لأن الإطلاق في ذلك غير مناف لعدم الضرر فيه و تصرف كيف شاء من وجوه التجارة و الاسترباح الغالبة المنزل عليها الإطلاق، لكن في جامع المقاصد و المسالك تقييد ذلك بالمصلحة كالوكيل المطلق، فيتصرف حينئذ معها ببيع و شراع مرابحة و مساوية، و تولية، و مواضعة، و قبض و اقباض، و حوالة و احتيال، و رد بالعيب و نحو ذلك.

نعم يقوى عدم جواز السفر له بالمال، لما فيه من الخطر المانع من الحكم بتناول الاذن له فيه، بل في جامع المقاصد «و كذا لا يجوز مكاتبة عبد الشركة و لا إعتاقه على مال، و لا تزويجه و لا المحاباة بمال الشركة و لا إقراضه، و لا المضاربة و نحوه، لأن ذلك كله ليس من توابع التجارة الغالبة، أي المنزل عليها الإطلاق، نعم لو اقتضت المصلحة شيئا من ذلك و لم يتيسر استيذان الشريك جاز فعله».

قلت: لاحظ للفقيه في حصر أنواع التصرف المستفاد من الإطلاق جواز فعلها للمأذون، ضرورة الاختلاف في ذلك زمانا و مكانا و حالا، إنما الكلام في اعتبار المصلحة في الجواز أو يكفي فيه عدم المفسدة، وجهان لا يخلو ثانيهما من قوة و فيما ذكره من جواز فعل ما لم يتناوله الإطلاق مع اقتضاء المصلحة، و عدم تيسر اذن الشريك ضرورة عدم كفايتها مع فرض عدم تناول الإطلاق، و دعوى شموله لها معها منافية لاعتبار عدم تيسر إذن الشريك ضرورة الجواز حينئذ بدونها و إن تيسرت، فالمتجه حينئذ الحكم بفضولية كل ما لم يشمله الإطلاق، سواء كان فيه مصلحة أو لا، إلا ما يرجع منه إلى حكم الأمين من حيث كونه أمينا و الله العالم.

و لو عين له السفر في جهة، لم يجز له الأخذ في غيرها. أو نوعا من التجارة

ج 26، ص: 306

لم يتعد إلى سواها سواء نهاه عن غيرها أم لا لأن عدم الاذن كاف في عدم الجواز لكن لو خالف في جهة السفر ضمن و صحت التجارة، لعدم بطلان الإذن بذلك، اللهم إلا أن يفرض تقييدها به، فيكون فضوليا حينئذ كما أنه لو خالف في نوع التجارة كان كذلك أيضا و يضمن أيضا لو عين غاية للجهة التي قد أذن بالسفر إليها، فتجاوزها في تلك الجهة، الا أن الظاهر كون الضمان فيها و فيما شابه ذلك إنما هو لو تلف بما لم يأذن له فيه، أو بغيره مما تضمن به الأمانة مع التعدي فيها، و لا ينافي ذلك بقاء الإذن في التصرف، أما لو خسر مثلا فيما هو مأذون فيه فلا ضمان على الظاهر، للأصل.

و على كل حال فقد ظهر لك أنه لو أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه، جاز لهما التصرف و ان انفردا لإطلاق الاذن و عدم ما يدل على تقييدها بذلك نعم لو شرطا الاجتماع لم يجز الانفراد الذي لم يؤذن فيه و لو تعدى المتصرف ما حد له ضمن لقاعدة اليد و غيرها. من غير فرق في التعدي بين أن يكون لعدم تناول إطلاق الإذن أو لمخالفة خصوص ما نص عليه و في المحدود بين أن يكون نوع التجارة و زمانها و مكانها و غير ذلك.

و لكل من الشركاء الرجوع في الاذن الذي هو كالتوكيل و المطالبة بالقسمة لأنها غير لازمة على وجه يجب الاستدامة عليها، إذ

«الناس مسلطون على أموالهم»

بأنواع التسلط الذي منه إفرازه عن غيره، و في المسالك جعل ذلك من المصنف إشارة إلى معنى الشركة: فإلى الثانية التي هي العقد بقوله أولا، و لكل» إلى آخره و إلى الأولى التي هي من الاحكام بقوله «و المطالبة» إلى آخره، و هي غير لازمة بمعنييها، ثم قال: «و الأنسب في قوله «غير لازمة» أن يكون إشارة إلى الثانية لأن الموصوف بالجواز و اللزوم هو العقد».

قلت: لا يخفى على كل ناظر لكلام المصنف و غيره ممن ذكر نحو ذلك أنه لا شركة عنده بالمعنى الذي أثبتها هو، ضرورة صراحة كلامهم في أن ذلك كله من أحكام الأذن التي هي ليست من العقود قطعا، نحو الإذن في دخول الدار، و أكل الطعام، بل لو جعلت عقدا فليست إلا وكالة لا شركة، نعم بناء على ما ذكرنا من العقدية

ج 26، ص: 307

يراد بجوازها عدم وجوب الاستدامة عليها و ابطال كونها شركة بالقسمة كما هو واضح.

هذا، و لكن ينبغي أن يعلم أنه بناء على ثبوت عقد الشركة للإذن في التصرف يتجه انفساخه بقول أحدهما: فسخت الشركة، لأنه عقد جائز فيرتفع العقد حينئذ من أصله بذلك، بخلاف ما لو قال أحدهما للآخر: عزلتك، فإنها لا تنفسخ بذلك، و إن انعزل المعزول بذلك، إلا أن العازل يبقى على الاذن له في التصرف، لاشتمال الشركة على ما هو كالوكالتين، و وقوع العزل عن أحدهما لا يقتضي العزل من الأخرى.

و لعله إلى ذلك أشار في التذكرة بالفرق بين قول أحدهما فسخت العقد، و قوله عزلتك، فما وقع عن بعضهم من التأمل زاعما عدم الفرق بينهما في غير محله، و ذلك لوضوح الفرق باعتبار اقتضاء الفسخ رفع العقد من أصله، بخلاف العزل و نحوه الذي هو كالمانع من اقتضاء العقد أثره، و كذا لو وقع المنع عن التصرف لم يحتج إلى عقد جديد للشركة، بخلاف ما لو فسخه فتأمل جيدا و الله العالم.

و ليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال، بل يقتسمان العين الموجودة ما لم يتفقا على البيع لعدم تسلط أحدهما على الآخر بالإقامة المزبورة بوجه من الوجوه كما هو واضح و لو شرط التأجيل في الشركة لم يصح على وجه يترتب عليه أثره بحيث يكون لازما و ليس لأحدهما فسخها قبله، بل لكل منهما أن يرجع متى شاء لأنها عقد جائز، فلا يلزم مثل هذا الشرط فيه.

نعم في المسالك «يترتب على الشرط المزبور عدم جواز تصرفهما بعده إلا بإذن مستأنف، لعدم تناول الإذن له، فلشرط الأجل أثر في الجملة».

قلت: كأنه أخذ ذلك مما في المختلف قال: قال الشيخان: الشركة بالتأجيل باطلة و الظاهر أن مرادهما ليس البطلان من رأس، بل عدم اللزوم، و لهذا قال المفيد عقيب ذلك: و لكل واحد من الشريكين فراق صاحبه أي وقت شاء و قال أبو الصلاح: و لا تأثير للتأجيل في عقد الشركة و لكل شريك مفارقة شريكه أى وقت شاء، و إن كانت مؤجلة، و العبارتان رديتان، و التحقيق أن للتأجيل أثرا و هو منع

ج 26، ص: 308

كل منهما عن التصرف بعده إلا بإذن مستأنف، و إن لم يكن له مدخل في الامتناع من الشركة إذ لكل منهما الفسخ قبل الأجل» انتهى.

و لا يخفى عليك أن الأمر كما ذكراه في اشتراط الأجل في عقد الشركة الذي هو بمعنى الاذن في التصرف الراجع إلى الوكالة، أما إذا كان اشتراطه في عقد الشركة على المعنى الذي ذكرناه فلا ريب في بطلانه، بمعنى عدم الأثر له أصلا إن أريد به الغاية للملك الحاصل بالعقد المزبور، و لا يجب الوفاء به إن أريد به الالتزام ببقائها إليه، لما عرفت من الإجماع على كونها عقدا جائزا بالنسبة إلى فسخها بالقسمة، فلا يلزم الشرط المزبور فيها، و لعل حمل كلام الشيخين و أبي الصلاح بل و المصنف على ذلك أولى، و لو قيل أن بطلانه على المعنى الأول يقتضي بطلان الشركة أيضا قلنا: هو كذلك، و لكن لما كان الامتزاج على أي وجه وقع يؤثر الشركة و لو في الظاهر، لم يكن للحكم ببطلانها وجه إلا ما سمعته فتأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه لا يضمن الشريك ما تلف من مال الشركة الذي في يده باذن الشريك من غير تعد و لا تفريط لأنه أمانة و من المعلوم نصا و فتوى أنها لا تضمن إلا مع التعدي أو التفريط في الاحتفاظ و انه يقبل قوله مع يمينه في دعوى التلف، سواء ادعى سببا ظاهرا كالغرق و الحرق أو خفيا كالسرقة لإطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فأوجب البينة في الأول.

و كذا من المعلوم أيضا بلا خلاف و لا إشكال أن القول قوله مع يمينه لو ادعى عليه الخيانة أو التفريط لكونه منكرا و البينة على المدعى و اليمين على من أنكر و يبطل الأذن بالجنون و الموت و الإغماء و غيرهما مما تبطل به العقود الجائزة كالحجر لسفه أو فلس و غير ذلك بخلاف أصل الشركة، فإنها لا تبطل بشي ء من ذلك، نعم ينتقل أمر القسمة إلى الوارث أو الولي أو غيرهما كما هو واضح.

ج 26، ص: 309

[الفصل الثاني في القسمة]

الفصل الثاني: في القسمة و هي تمييز الحق لكل شريك من غيره و لا ريب في أنها أمر برأسه ليست بيعا و لا صلحا و لا غيرهما سواء كان فيها رد أو لم يكن كما لا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، ضرورة عدم اعتبار قصد شي ء زائد على مفهومها في صحتها كضرورة اختلافها مع البيع و الصلح و غيرهما في اللوازم و الأحكام المقتضية لاختلاف الملزومات، و حينئذ فلا شفعة فيها و لا خيار مجلس، و لا بطلان بالتفرق قبل القبض فيما يعتبر فيه في البيع و لا غير ذلك، خلافا لبعض العامة نعم هي لا تصح في غير قسمة الإجبار إلا باتفاق الشركاء بلا خلاف أيضا و لا إشكال للأصل بل الأصول.

ثم هي بالنسبة إلى الإجبار عليها مع طلب أحد الشركاء و عدمه تنقسم قسمين فكل ما لا ضرر في قسمته على أحد الشركاء و لو من جهة الاحتياج إلى رد يجبر الممتنع مع التماس الشريك (11) أو وليه القسمة (12) بلا خلاف أجده فيه أيضا بل الظاهر الاتفاق عليه، و لعله العمدة بعد قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه مع عدم الضرر و الضرار، و يكون (13) الاقتسام بتعديل السهام (14) بالأجزاء إن كانت في متساويها كيلا أو وزنا أو زرعا أو عدا بعدد الأنصباء، أو بالقيمة إن اختلفت كالأرض و الحيوان و القرعة (15) بأن يكتب أسماء الشركاء أو السهام كل في رقعة و تصان و يؤمر من لم يطلع على الحال بإخراج إحداها على اسم أحد المتقاسمين أو أحد السهام، هذا إن اتفقت السهام قدرا، و لو اختلفت قسم على أقل السهام، و جعل لها أول يعينه المتقاسمون، و إلا الحاكم و تكتب أسماؤهم، لا أسماء السهام حذرا من التفريق، فمن خرج اسمه أولا أخذ من الأول، و أكمل نصيبه منها على الترتيب، ثم يخرج الثاني إن كانوا أكثر من اثنين، و هكذا و بذلك تتم القسمة من غير حاجة إلى شي ء آخر من رضى بعده و غيره في قسمة الإجبار و غيرها، بل و لا في قسمة الرد إذا

ج 26، ص: 310

كان القاسم في الجميع منصوبا، أما إذا كانت من غيره و لو منصوبا منهما، فالمشهور على ما قيل الاحتياج إلى رضى بعد القرعة، خصوصا في قسمة الرد لاشتمالها على المعاوضة المتوقفة على ما يدل على الرضا بذلك.

و قد يشكل أولا: بالاكتفاء بالرضا بالقرعة، و ثانيا: بفحوى الإكتفاء بها في قسمة الإجبار، و فيما إذا كان القاسم منصوبا من الإمام، مع أنها في الجميع كالمعاوضة التي يدعيها الخصم، و ثالثا بما دل من نصوص القرعة(1)على كونها مميزة للحق، و مشخصة له، و ملزمة به، بل لعل ذلك هو حكمة مشروعيتها، و بذلك يخرج عن أصالة بقاء المال على الإشاعة.

إنما الكلام في اعتبارها في القسمة كما عن ظاهر كثير أو الجميع. نعم عن الأردبيلي الاكتفاء بالرضا من الشركاء بأخذ سهم (2)لعموم تسلط الناس على أموالهم و لأنه من التجارة عن تراض، و أكل مال الغير بطيب نفسه، و فحوى

قوله عليه السلام (3)«في رجلين لم يدر كل منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما: لك ما عندك ولي ما عندي، لا بأس إذا تراضيا و طابت أنفسهما»

، ثم قال: و إن لم يكن ملكا فلا كلام في جواز التصرف فيه، تصرف الملاك مثل ما قيل في المعاطاة و العطايا و الهدايا و التحف و احتمال كونه حراما لكونه بعقد باطل، عمل المسلمين على خلافه، بل على الملك و تبعه المحدث البحراني و أنكر العثور على القرعة في شي ء من أخبار القسمة التي ذكروها هنا، و في كتاب القضاء، بل قال: «ليس المقام في شي ء من موارد نصوص القرعة و إنما غاية ما يدل عليه بعض أخبارها ك

قوله عليه السلام (4)«ما تنازع قوم ففوضوا أمرهم إلى الله عز و جل إلا خرج منهم المحق»

الرجوع إليها عند التنازع، و أما


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 11- و- 18-.
2- 2 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1-.
4- 4 الوسائل الباب- 13 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 13-.

ج 26، ص: 311

مع التراضي فلا أثر في الأخبار لاعتبارها، و كان الشيخ و من تبعه تبع العامة فيها، و

فيما ذكروه من أحكام القسمة، بل ظاهر جملة من النصوص الاكتفاء بالرضا من دون قرعة ك

خبر غياث (1)«عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام في رجلين بينهما مال: منه بأيديهما و منه غائب عنهما، فاقتسما ما في أيديهما، و أحال كل واحد منهما نصيبه، فما اقتضى أحدهما فهو بينهما، و ما يذهب منهما»

و مثله خبر الثمالي (2)عن أبي جعفر عليه السلام و خبر محمد بن مسلم (3)عن أحدهما و صحيحا(4)معاوية بن عمار و عبد الله بن سنان و خبر سليمان بن خالد(5)فان ظاهر الاقتسام لما في أيديهما ذلك.

قلت: قد يقال: بمنع صدق الاقتسام شرعا بعد فرض اعتبارها فيه، بناء على ما حكاه عن الأصحاب على المجرد عنها، فلا دلالة حينئذ بما في النصوص المزبورة على ما ذكره خصوصا بعد تعارف القرعة قديما و حديثا بين المتشرعة في قسمة الأموال المشتركة.

بل قد يقال: إن تعريف القسمة بأنها تمييز الحقوق بعضها عن بعض يقتضي أن حصة الشريك كلي دائر بين مصاديق متعددة فمع فرض تراضي الشريكين مثلا على قسمة المال نصفين، على أن يكون نصف كل واحد منهما في النصف المقسوم، احتيج إلى القرعة في تشخيص كل من النصفين

لكل منهما، فهي حينئذ لإخراج المشتبه و المتردد، و هو محل القرعة لإشكاله، لا أن القرعة ناقل أو جزء ناقل، لاستحقاق كل من المالين إلى الآخر.

بل إن لم يكن إجماع أمكن القول بأن المراد من إشاعة الشركة، دوران حق الشريك بين مصاديقه، لا أن المراد منها ثبوت استحقاق الشريكين في كل جزء يفرض و إلا لأشكل تحققها في الجزء الذي لا يتجزى من المال المشترك، و بذلك يتجه اعتبار القرعة في القسمة بعد تعديل السهام، و رضى الشريكين مثلا في تعيين كلي مصداق استحقاقهما بالشخص الخارج، ضرورة كونه حينئذ من مواردها بل لا يتحقق الاقتسام بدونها، لعدم كون المدار فيه رضاهما بأن ماله من الحق فيما في يد شريكه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1- و ذيله و 2 باختلاف يسير.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1- و ذيله و 2 باختلاف يسير.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1- و ذيله و 2 باختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1- و ذيله و 2 باختلاف يسير.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1- و ذيله و 2 باختلاف يسير.

ج 26، ص: 312

هو عوض ما في يده، كي تكون من قبيل المعاوضات، و إلا لم يعتبر فيها تعديل السهام «لتسلط الناس على أموالها» مع أن فاقده ليس من القسمة شرعا قطعا، و لأشكل أيضا قسمة الوقف من الطلق، و إلا لكانت بعض اجزاء الوقف طلقا، و الطلق وقفا، على أن هذا الرضا بعد فرض عدم اندراجه في عقد من العقود المملكة، كيف يكون سببا لنقل المال إلى الأخر، فضلا عن لزومه، و ليس في القسمة عموم أو إطلاق يقتضي ذلك كي يكون حينئذ أمرا مستقلا برأسها، بخلافه على ما ذكرنا، فإنه غير محتاج إلى شي ء من ذلك ضرورة الإكتفاء برضاهما في تشخيص المصداق، و القرعة لاستخراج خصوص ما لكل منهما من المصداق المتردد واقعا، فتكشف حينئذ عن كون حقه في الواقع ذلك، و لو لسبق علم الله تعالى بوقوعها عليه، و لا يحتاج بعد إلى عموم، أو عقد آخر يقتضي الملك أو اللزوم فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

أو يقال: إن القرعة مشروعة للتعيين، كما شرع قبض المستحق من المستحق عليه في الدين مثلا كذلك أو يقال: إن ملك الكلي في الشركة و غيرها يتحقق في مصداق من مصاديقه في علم الله تعالى شأنه لعدم تصور حصول صفة الملك بناء على أنها كالصفات الخارجة في الكلي الذي لا وجود له إلا بوجود أفراده، أو وجوده عين وجود أفراده، ضرورة عدم قيام العرض إلا بجوهر، كضرورة عدم تحقق الملك في فرد غير معين في علم الله تعالى، و ذلك لا ينافي إجراء حكم الشركة ظاهرا على الافراد كما لا ينافي شرعية القرعة لإخراجه، سواء انطبقت عليه أو لا، إذ هي ميزان من الموازين الشرعية في الظاهر.

نعم لو قلنا بأن الملك و الكلية و نحوهما من الأمور التي جعلت عنوانا في الشرع و ليس لها وجود حقيقة، و لا مشخصات كذلك، لم يتجه حينئذ ما ذكرناه، و يتعين ما قلناه سابقا من التعيين بالقرعة و الله العالم.

و مع الإغضاء عن ذلك كله يمكن الإكتفاء بظهور اتفاق الأصحاب على اعتبار القرعة في القسمة شرعا مؤيدا بتعارف ذلك بين عوام المتشرعة، فضلا عن خواصهم بل قد عرفت اعتبار الرضا بعد القرعة من بعضهم في الجملة، و لا أقل من أن تكون

ج 26، ص: 313

القرعة كالعقد في اللزوم، و فاقدها كالمعاطاة، نحو ما سمعته من الأردبيلي، و أما احتمال عدم اعتبارها أصلا و أن التراضي كاف في الانتقال و اللزوم، فلا ينبغي الإصغاء إليه بوجه من الوجوه، هذا كله بناء على ما حكاه عنهم، و إلا فقد يقال: إن مراد الأصحاب اعتبار القرعة حال عدم التراضي لأنها العدل بينهما؟

أما مع فرض التراضي منهما فلا بأس كما يومي إليه قول المصنف أما لو أراد أحد الشركاء التخيير، فالقسمة جائزة لكن لا يجبر الممتنع عنها ضرورة صراحة ذلك في مشروعية القسمة بدونها، و أن الفرق بينها و بين الاولى جبر الممتنع عنها دونها، و أصرح منه ما في اللمعة في القسمة في القضاء، «و إذا عدلت السهام و اتفقا على اختصاص كل واحد بسهم، لزم، و إلا أقرع» و في الروضة في شرحها «لزم من غير قرعة، لصدق القسمة مع التراضي الموجبة لتميز الحق، و لا فرق بين قسمة الرد و غيرها، و الا يتفقا على الاختصاص أقرع» و هو صريح في عدم اعتبارها في أصل القسمة إلا حال عدم التراضي، و المحدث البحراني قد صرح باعتبار القرعة حينئذ، و عدمها مع التراضي، و هو عين ما سمعته منهم، فما أدري أين محل إنكاره.

نعم قد يناقش في أصل الإكتفاء بالرضا في اللزوم بما ذكرناه أولا، و تسمع إنشاء الله تمام البحث في ذلك و غيره في كتاب القضاء.

بقي الكلام في الجبر على القسمة و عدمه، و حاصل البحث فيه أنك قد عرفت جبر الممتنع عنها في كل ما لا ضرر فيها على أحدهما لما سمعت و كل ما في قسمت ه ضرر عليهما كالجوهر و السيف و العضائد الضيقة قال في الصحاح:

اعضاد كل شي ء ما يشيد حواليه من البناء و غيره كاعضاد الحوض، و هي حجارة تنصب حول شفيره، و كذلك عضادتا الباب: و هما خشبتاه من جانبيه.

و على كل حال فما كان نحو ذلك لا يجوز قسمته بمعنى أنه لا يجبر الممتنع عنها، لقاعدة نفى الضرر و الضرار، و النهي عن السرف و التبذير، و تلف المال في غير الفرض الصحيح، لكن في المتن هنا لا يجوز و لو اتفق الشركاء على القسمة و مقتضاه عدم المشروعية أصلا و فيه: أنه مناف لقاعدة «تسلط الناس على أموالها» و

ج 26، ص: 314

السفه قد يرتفع بالغرض الصحيح، على أنه هو في كتاب القضاء فسر الضرر المانع من القسمة بنقص القيمة، لا خروج المال عن الانتفاع، و لا ريب في عدم منع المالك من التصرف فيه و إن استلزم نقصا فاحشا في المال و أيضا فالإثم بذلك لا ينافي صحة القسمة شرعا، كل ذلك مع أنه مناف لما قيل: من وجوب الإجابة فيما لو فرض ضرر القسمة على أحدهما خاصة، و كان الطالب لها المتضرر، قال في الدروس «و لو تضرر أحد الشريكين دون الأخر أجبر غير المتضرر بطلب الأخر دون العكس» لكن قال: «و في المبسوط لا يجبر أحدهما مما يتضرر الطالب، و هذا حسن إن فسر التضرر بعدم الانتفاع، و إن فسر بنقص القيمة فالأول أحسن» و كأنه لحظ إمكان فرض الغرض الواقع للسفه على تقدير التفسير بالنقص بخلافه على الأخر، ثم إن الظاهر ما صرح به في الدروس و اللمعة و الروضة و غيرها من عدم وجوب الإجابة إلى المهاياة أي قسمة المنفعة بالأجزاء، أو بالزمان، كأن يسكن أو يزرع هذا الجزء المعين بل في الأخير سواء كان مما يصح قسمته إجبارا أم لا، و أنه لا يلزم الوفاء بها لو أجاب إليها فيجوز لكل منهما فسخها، و حينئذ فلو استوفى أحدهما ففسخ الأخر أو هو، كان عليه أجرة حصة الشريك، و لو رجع بعد استيفاء كل منهما مدته فلا شي ء له، إلا مع التراضي كما في كشف اللثام، و ظاهر الجميع خروجها عن حكم المعاطاة، و صيرورتها كالمقاولة الوعدية، إلا أنه لا يخلو من نظر في الجملة هذا.

لكن قد يقال فيما إذا كانت قسمته ممتنعة: إنه ينتزعه الحاكم منهما مع التعاسر و يؤجره عليهما إن كان له أجرة، جمعا بين الحقين و صونا للمال عن التلف، و جبرا للضرر كما صرح به في الدروس، و لعل ذلك من السياسات، بناء على أن للحاكم ذلك و نحوه، و حينئذ لا ينحصر الأمر في ذلك، فله حينئذ بيعه عليهم، مع كونه مقتضاها، كما عن بعض العامة من كون ذلك وجها، أما مع قطع النظر عنها فالمتجة ما صرح به بعضهم من عدم وجوب بيع المشترك مع التنازع، و عدم إمكان القسمة و انتفاء المهاياة، لأصلي عدم الوجوب، و عدم صحة البيع عليهم.

و على كل حال فقد ذكروا في الضرر المانع من الإجبار على القسمة أقوالا

ج 26، ص: 315

ثلاثة: أولها: أنه عبارة عن نقصان العين أو القيمة، نقصانا لا يتسامح فيه عادة، لأن فوات المالية مناط الضرر في الأموال، فيندرج حينئذ في قاعدة «لا ضرر و لا ضرار» مؤيدة بأصالة عدم القسمة الشرعية السالمة عن معارضة إطلاق أو عموم تقتضيها، و بذلك و غيره ترجح على قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه الطالب له.

ثانيها: أنه عبارة عن عدم الانتفاع بالمال أصلا.

ثالثها: عدم الانتفاع به منفردا كما كان ينتفع به مع الشركة، مثل أن يكون بينهما دار صغيرة إذا قسمت أصاب كل واحد منهما موضعا ضيقا لا ينتفع به في السكنى، و إن أمكن الانتفاع به في غير ذلك.

و لا يخفى عليك ما في الثاني و الثالث ضرورة اقتضاء قاعدة نفي الضرر و الضرار الأعم من أولهما، و قاعدة وجوب إيصال الحق إلى مستحقه الطالب له ما ينافي ثانيهما، فتعين حينئذ تفسيره بالأول، و لو فرض الضرر على أحدهما بالقسمة، و الآخر بعدمها، فزع إلى الترجيح، و مع فرض التساوي إلى القرعة، هذا كله في الضرر الناشي من حيث كونها كذلك.

أما الضرر الخارج عنها المترتب على حصولها ففي مساواته للضرر منها و عدمه وجهان، و المتولي للجبر في مقامه الحاكم، أو أمينه، بل الظاهر قيام العدول هنا مقامه مع تعذره، و لو تعذر الجبر قسم الحاكم، بل لعل ذلك كذلك بمجرد امتناعه، كما ذكرناه في نظائره بل الظاهر قيام الحاكم مقامه مع غيبته و طلب الشريك القسمة، خصوصا مع تضرره بعدمها، بل ربما احتمل أو قيل: بقيام الشريك مقام شريكه بها مع فرض منع ظالم له، و إرادة قبض حقه فينوي الشريك حينئذ القسمة مع الغاصب، و تكون قسمة، لكنه كما ترى. و قد تقدم لنا سابقا البحث في ذلك.

و كيف كان ف لا يقسم الوقف و إن كان مشتركا بين أربابه، بلا خلاف أجده فيه، لأن الحق ليس بمنحصر في المتقاسمين و لا ولاية للمتولي على ذلك نعم لو كان الملك الواحد وقفا و طلقا صح قسمته، لأنه تمييز للوقف عن غيره

ج 26، ص: 316

و ظاهره عدم الفرق في ذلك بين تعدد الواقف و اتحاده، و تعدد المصرف و اتحاده، كما صرح به في الدروس قال: «و يجوز قسمة الوقف من الطلق لا الوقف، و إن تعدد الواقف و المصرف» بل في القواعد «و لا يصح قسمة الوقف لعدم انحصار المستحق في القاسم، و إن تغاير الواقف اى مع تغاير الموقوف عليه أو بدونه، كأن يقف أحد الشريكين في هذه البستان حصته على زيد و أولاده و الأخر حصته عليهم أو على عمرو و أولاده».

لكن في الحدائق الموافقة على ذلك مع اتحاد الموقوف عليه، سواء تعدد الواقف أو اتحد قال: «و أما لو تعدد الواقف و الموقوف عليه بأن كانت الدار مشتركة بين زيد و عمرو نصفين مثلا، فوقف زيد نصفه على ذريته، و عمرو نصفه على ذريته، فإنه يجوز للموقوف عليهم من الطرفين قسمة هذا الوقف. بأن يميز أحد النصفين عن الأخر، كما يميز الوقف عن الطلق» و قد سبقه إلى ذلك الفاضل في محكي التحرير قال: «و لو قيل:

بقسمة الوقف بعضه من بعض مطلقا، أمكن إذ القسمة ليست بيعا، و الأقرب عدم جوازها، إذ البطن الثاني يأخذ الوقف عن الواقف، و لا يلزمه ما فعل البطن الأول، و لو تعدد الواقف و الموقوف عليه فالأقرب جواز القسمة» انتهى.

و فيه: أن المانع أيضا متحقق، و هو عدم انحصار الحق في الحاضرين، و عدم ثبوت ولاية المتولي على المعدومين بالنسبة إلى ذلك، لكن الإنصاف أن ذلك يقتضي عدم جواز قسمة الوقف من الطلق، باعتبار عدم انحصار الحق في القاسمين مع ذي الطلق و احتمال أن القاسم معه الواقف- مع أن مثله يأتي في الفرض- يدفعه خروج المال عن ملكه بالوقف، فلا حق له حينئذ كما لو باعه.

فالتحقيق أن الوقف متى كانت قسمته منافية لما اقتضاه الوقف باعتبار اختلاف البطون قلة و كثرة و نحو ذلك لم يجز قسمته، أما إذا لم يكن كذلك كما في المثال، بل فيما لو اتحد الواقف و تعدد المصرف، مثل ما لو وقف نصف داره على زيد مثلا و ذريته و الآخر على عمرو و ذريته لم يكن بأس في قسمته، إلا أن المتولي لها الحاضرون من الموقوف عليهم، و ولي البطون و ليس ذلك مقتضيا لدخول بعض أجزاء كل نصف

ج 26، ص: 317

في الآخر و إلا لاقتضى ذلك في الطلق و الوقف و إنما هي تمييز أو أن نحو ذلك يغتفر فيها، و بذلك يظهر ما في الذي حكيناه عن الشهيد في الدروس، و أما إطلاق المصنف و نحوه فيمكن تنزيله على غير ما سمعته من الصورة بل قد يقال بجواز القسمة في مقام يجوز البيع، ضرورة أولويتها منه، قال في التحرير «و لو أشرف على الهلاك و اقتضت المصلحة قسمته فالوجه الجواز، كما أجزنا البيع حينئذ» ثم إن الظاهر مشروعية قسمة الوقف من الطلق، و إن استلزمت ردا من الموقوف عليه، لكن هل تكون الأجزاء المقابلة للرد وقفا أو ملكا وجهان: أقواهما الثاني.

نعم لو كان الرد عوض وصف كالجودة و الرداءة، اتجه كونه حينئذ وقفا، كما صرح به في القواعد و غيرها،: قال: «و لو كان بعض الملك طلقا صحت قسمته مع الوقف و إن اتحد المالك، و لو تضمنت ردا جاز من صاحب الوقف خاصة، فإن كان في مقابلة الوصف فالجميع وقف و الله العالم و يأتي إنشاء الله الكلام في غير ذلك من أحكام القسمة، فإن المصنف و غيره قد أطنبوا فيها في كتاب القضاء و الله المؤيد و المسدد.

[الفصل الثالث في لواحق هذا الباب و هي مسائل ]

اشارة

الفصل الثالث في لواحق هذا الباب.

و هي مسائل:

[المسألة لأولى لو دفع إنسان دابة مثلا و آخر راوية إلى سقاء على الاشتراك في الحاصل لم تنعقد الشركة]

الأولى لو دفع إنسان دابة مثلا و آخر راوية إلى سقاء على الاشتراك في الحاصل، لم تنعقد الشركة قطعا، لأنها مركبة من شركة الأبدان و الأموال مع عدم المزج، و الكل باطل و في محكي المبسوط و لا يمكن أن يكون إجارة، لأن الأجرة فيها غير معلومة ف كان ما يحصل حينئذ للسقاء عليه أجرة مثل الدابة و الراوية و قيل: إنهم يقتسمون أثلاثا، و يكون لكل واحد منهم على صاحبيه ثلثا أجرة ماله و نفسه، و يسقط الثلث لأن ثلث النفع حصل له، و في الناس من حمل الوجه الأول على أنه إذا كان السقاء يأخذ الماء من ملكه، و الثاني

ج 26، ص: 318

على أنه إذا أخذه من ماء مباح، و هذا ليس بشي ء لأنه إذا أخذه من موضع مباح فقد ملكه، و الوجهان قريبان، و يكون الأول على وجه الصلح، و الثاني مر فيه الحكم، بل في المختلف أن ما قر به الشيخ قريب».

قلت: و لعل مراد الشيخ أنه يمكن أن يكون الأول على وجه الصلح إذا أراده أما مع عدمها فمر الحكم فيه، الثاني (1)الذي هو الموافق للضوابط و على كل حال فتحقيق هذه المسألة و مسألة الاحتطاب الآتية و ما شابهها من المسائل مبني على التحقيق في أن الوكالة في حيازة المباحات جائزة أو لا؟ الظاهر الأول خلافا لما تسمعه من المصنف في كتاب الوكالة، و من أن التملك بالحيازة مفتقر إلى نية الملك بها أو الى عدم نية عدم الملك، أو كونه للغير كما تسمع البحث فيه إنشاء الله.

و حينئذ فصاحب الراوية و الدابة إن كانا قد وكلا السقاء في الحيازة لهما أو امرأة بذلك مثلا و قد حازه بنيتهما مع نفسه، اتجه حينئذ شركة الجميع بالماء، و كان لكل منهم ثلثا الأجرة على الآخرين، فإن تساوت لم يرجع أحدهم على الآخر بشي ء، و إلا رجع بالتفاوت، فلو فرض كون الماء مثلا بيع بأربعة و عشرين، و كان أجرة مثل السقاء خمسة عشر، و الدابة اثنى عشر، و القربة ثلاثة، كان للسقاء منها ثلاثة عشر، و لصاحب الدابة عشرة، و لصاحب القربة واحد، و ربما تكون أجرة المثل أزيد من الحاصل، و لذا احتمل بعض أن له أقل الأمرين من الحصة و أجرة المثل، إلا أنه كما ترى.

و إن لم يكن ثم توكيل و قد حازه بنية الجميع، و لم نقل بجريان الفضولية في نحوه، أو لم تحصل الإجازة، أشكل ملكه له أيضا بناء على اعتبار نية الملك في الحيازة، ضرورة كون الفرض نية الملك للغير معه، فضلا عن نية التملك، بل حينئذ هو باق على الإباحة الأصلية، يملكه إذا جدد النية.

نعم لو قلنا بالملك قهرا حتى مع نية الملك للغير التي فرضناها، اتجه حينئذ كونه ملكا له، و من ذلك يظهر لك ما في إطلاق المصنف الذي تبعه عليه الفاضل في القواعد


1- 1 هكذا في النسخ و لعل الصحيح« و الثاني هو الموافق للضوابط».

ج 26، ص: 319

خصوصا مع تردده الآتي، و لذا ناقشه الكركي بنحو ذلك.

و كيف كان فلو دفع إليه دابة مثلا ليحمل عليه مال غيره مثلا بالأجرة، و الحاصل لهما فالشركة باطلة قطعا لما عرفت.

لكن إن كان العامل قد آجر الدابة فالأجر لمالكها كما في القواعد و جامع المقاصد، و في الأخير و عليه أجرة مثل العامل، و إن كان الحاصل يفي بأجرة مثل الدابة و العامل فذاك، و إن قصر تحاصا كل على قدر أجرة مثله، سواء كان ذلك بسؤال العامل، أو سؤال المالك، أو سؤالهما، و في القواعد «تحاصا إن كان بسؤال العامل، و إلا فالجميع» و عن الشهيد احتمال وجوب أقل الأمرين من الحصة المشروطة، و الحاصلة بالتحاص، و وجوب الأقل إن كان بسؤال العامل و الأكثر إن كان بسؤال المالك.

لكن لا يخفى عليك قوة ما ذكرناه أولا، لأن الفرض حصول الرضا، منهما معا بذلك، سواء كان بسؤال المالك أو العامل أو بسؤالهما معا نعم قد يشكل الحكم بأن الأجرة لمالك الدابة، مع أنه لم يصدر منه إلا الأذن بتلك المعاملة الفاسدة، فينبغي حينئذ أن تكون إجارتها من الفضولي، اللهم إلا أن يقال بالاكتفاء بهذه الإذن كما تسمع نظيره في القراض، هذا كله إذا آجر عين الدابة.

أما إذا تقبل حمل شي ء في ذمته ثم استعمل الدابة فيه، فالأجرة المسماة حينئذ له، و عليه أجرة المثل للدابة بالغة ما بلغت كما في القواعد و جامع المقاصد، بل في الأخيرين و لو آجر نفسه للحمل على هذه الدابة بكذا، اتجه أن يكون الأجرة المسماة له، و لمالك الدابة أجرة المثل، فتأمل، فإنه قد يجرى بعض الكلام السابق أو جميعه هنا، كما أنه لا يخفى عليك الإشكال في أصل المسألة، ضرورة إمكان صحتها على الضوابط و إن زعما حصول الشركة العنانية بذلك فإنه زعم خارج.

و حينئذ يكون المسمى المقابل لمنفعة الدابة، و عمل العامل لهما معا يقسم فيما بينهما على حسب اجرة مثلهما، كما لو استوجرا مثلا على هذا الوجه، اما لو فرض وقوع ذلك على وجه الشركة الباطلة، فلا وجه لاختصاص المالك بأجرة

ج 26، ص: 320

الدابة المفروض كونها في مقابل الدابة و العمل، كما لا وجه للتحاص في الحاصل ضرورة ثبوت اجرة المثل في الذمة على المستوفي، لا في خصوص الحاصل المفروض حصوله بالمعاملة الفاسدة. فالتحقيق الرجوع في المسألة و نظائرها إلى ما تقتضيه القواعد العامة التي منها يعلم أيضا ما ذكره في الجامع أخيرا.

و لو كان من واحد دكان، و من الآخر رحى، و من ثالث بغل، و من رابع عمل على أن يكون الحاصل بينهم، فلا ريب في بطلان الشركة، ثم إن كان عقد اجرة طحن الطعام من واحد، و لم يذكر أصحابه حتى في النية ففي القواعد و جامع المقاصد «الأجرة المسمى له، و عليه اجرة المثل لأصحابه، و إن نواهم أو ذكرهم على وجه التزموا بطحنه أرباعا، فالأجر بينهم أرباعا، و يرجع كل واحد منهم على كل واحد من أصحابه بربع أجرة مثله إذ هو كما لو استأجر الجميع على طحن هذا الطعام بكذا، فان الأجر بينهم أرباعا لأن كل واحد منهم لزمه طحن ربعه بربع الأجرة، و يرجع كل واحد منهم على كل واحد بربع أجرة مثل العمل الصادر منه أو من دابة و منفعة دكانه.

نعم لو استأجر الدكان و البغل و الرحي و الرجل بكذا لطحن كذا فالأجر بينهم على قدر أجر مثلهم، لكل واحد من المسمى بقدر حصته، نحو ما لو باع المالين مثلا لرجلين بثمن واحد، لكن لا يخفى عليك جريان ما ذكرناه سابقا من الفضولية، بل و جريان بعض ما ذكروه من الكلام السابق من التحاص في المسمى، و نحوه إلا أن تفصيل الكلام في ذلك محتاج إلى إطناب تام لا يسعه المقام و إن كان هو لا يخفى على الضابط لقواعد الفقه العامة المحيط مما أسلفنا و ما يأتي لنا.

[المسألة الثانية و هي ما لو حاش صيدا أو احتطب أو احتش بنية أنه له و لغيره لم تؤثر تلك النية]

و كيف كان فمما ذكرناه سابقا يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف في المسألة الثانية و هي ما لو حاش صيدا أو احتطب أو احتش بنية أنه له و لغيره، لم تؤثر تلك النية و كان ما جمعه له خاصة ضرورة أنك قد عرفت اعتبار عدم التوكيل، بل و الإجارة في عدم تأثير النية و إلا كان تأثيرها الملك للغير، و يمكن أن يكون المصنف بنى ذلك على اختياره عدم قبول مثل ذلك الوكالة.

ج 26، ص: 321

نعم جزمه بأن ما جمعه له خاصة مبني على ما سمعت من أن المباح يملك بمجرد الحيازة، و لا عبرة بالنية و إن كانت للغير و لكن من الغريب ذلك منه مع قوله متصلا به و هل يفتقر المحيز في تملك المباح إلى نية التملك؟ قيل: لا و فيه تردد و نحوه وقع للفاضل في القواعد اللهم إلا أن يقال: المعتبر في الحيازة من النية على القول بها نية أصل الملك، بمعنى عدم كون الحيازة لغرض آخر غير أصل الملك، و لا ريب في أن نية أصل الملك متحققة فيما نحن فيه، و إنما فقد كونه له باعتبار فرض كون القصد له و لغيره فلا ينافي حينئذ الجزم بالملك، و التردد في اعتبار النية، ضرورة كون المحوز له على التقديرين، أما على القول بكونها من السبب القهري حتى مع النية للغير فواضح، و أما على الثاني فالنية لأصل الملك محققة، و إن لم يقع للغير، لعدم التوكيل و الإجارة، أو لعدم مشروعيتهما.

و كيف كان فقد قيل في وجه التردد: من أن اليد و السلطنة سبب في الملك، و لهذا تجوز الشهادة بمجرد اليد من دون توقف على أمر آخر، و لأن الحيازة سبب لحصول الملك للمباح في الجملة قطعا بالاتفاق، لأن أقصى ما يقول المشترط للنية أنها سبب ناقص، فحصول الملك بها في الجملة أمر محقق، و اشتراط النية لا دليل عليه، فينفي بالأصل، و معارضة ذلك- بأصالة عدم حصول الملك للمباح إلا بالنية- تقتضي تساقطهما فيبقى سببية اليد من غير معارض.

و من أنه قد تكرر في فتوى الأصحاب أن ما يوجد في جوف السمكة مما يكون في البحر يملكه المشتري، و لا يجب دفعه إلى البائع.

و أيد الأول في جامع المقاصد بأنه «لو اشترطت في حصول الملك لم يصح البيع قبلها، لانتفاء الملك، و الثاني معلوم البطلان، لإطباق الناس على فعله في كل عصر من غير توقف على العلم بحصول النية، حتى لو تنازعا في كون العقد الواقع بينهما، أ هو بيع أو استنقاذ لعدم نية الملك، لا يلتفت إلى قول من يدعي الاستنقاذ.

ثم حكي عن فخر المحققين أنه أورد ذلك على والده العلامة، فأجاب عنه بأن إرادة البيع تستلزم نية التملك، و اعترضه بأنه إنما يتم فيمن حاز و تولى هو

ج 26، ص: 322

البيع، أما إذا تولاه وارثه الذي لا يعلم بالحال أو وكيله المفوض إليه جميع أموره التي منها بيع ما حازه من المباحات لم يندفع السؤال، قال: «و يرد عليه أيضا أن حيازة الصبي و المجنون على ما ذكره يجب أن لا تثمر ملكا جزما، لعدم العلم بالنية و عدم الاعتداد بأخبارهما، خصوصا المجنون، و لو خلف ميت تركة فيها ما علم سبق كونه مباح الأصل، و لم يعلم نية التملك، لا يجب على الوارث تسليمها في الدين و الوصية، و إلا صح عدم اشتراطها».

قلت: لا يخفى عليك ما في جميع هذا الكلام، ضرورة أن الوجه الأول من التردد إن أريد به أن السلطنة و اليد فيما نحن فيه سبب في الملك كان مصادرة محضة و إن أريد به أن ذلك سبب في الحكم بالملك كما هو مقتضى ما ذكره من التعليل كان خروجا عما نحن فيه، و ذلك لأن الحكم بملكية ما في اليد لسبب من أسبابها لا يقتضي كونها هي نفسها سببا، و هو محل البحث، و تعارض الأصلين- بعد تسليم كون الأول منهما أصلا معتمدا به- و إن اقتضى تساقطهما، لكن دعوى بقاء سببية اليد بحالها لا معارض لها واضحة الفساد، لعدم دليل يقتضي ذلك على وجه يجدي فيما نحن فيه.

و أما الوجه الثاني، فيمكن المناقشة فيه أولا: بمنع أن ما في بطن السمكة مما لا يعد جزء لها و لا كالجزء، مثل غذائها يعد محوزا بحيازتها، و لو سلم فأقصى ما يلزم اشتراطه إما القصد إلى المحوز بالحيازة، أو الشعور به و لو تبعا، أما نية التملك فلا.

و أما التأييد ففيه أن اطباق الناس الذي ذكره إنما يفيد الحكم بملكية ما في اليد، لحصول سببه، لا أنه يقتضي كونها سببا في الملك و إن علمنا تجرده عن النية و منه يعلم ما في مناقشته بما لو خلف ميت تركة إلى آخره، بل و بما ذكره من الصبي و المجنون، باعتبار إمكان الحكم بملكية ما في أيديهما أيضا من غير حاجة إلى أخبارهما، و المراد بنية التملك عند القائل بها هي القصد بالحيازة، و دخول المحوز تحت اليد و السلطنة العرفية، فيتبعها الملك الشرعي، بل قد يقال إن المباحات هي

ج 26، ص: 323

ملك لكافة الناس، لقوله تعالى (1)«خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ» و الحائز بحيازته يسبق إلى الخصوصية نحو ملك شخص الفقير لشخص الزكاة المملوكة جنسا لجنس الفقراء و حينئذ فالمراد بفاقد النية غير المقصود بالحيازة للإدخال تحت الحوزة و السلطنة، كمن حول ترابا عن طريق أو حجرا و نحو ذلك مريدا التمكن من عبوره، أو قطع غصن شجرة مباحة عن مكان يريد السكنى فيه، و نحو ذلك مما لا يريد إدخاله تحت حوزته، فإنه بذلك لا يدخل في ملكه، و لا يمنع من أخذه، و لا يخرج عن أصل الإباحة، و كذا من حفر بئرا في المباح لمجرد الارتفاق، كما عن الشيخ المحكي عنه اعتبار النية، قال في باب إحياء الموات من المبسوط: «إذا نزل قوم موضعا من الموات فحفروا فيه بئرا يشربوا منها، و يسقوا غنمهم و مواشيهم منها مدة مقامهم، و لم يقصدوا الملك بالإحياء، فإنهم لا يملكونها بالاحياء، لأن المحيي إنما يملك بالإحياء إذا

قصد تملكه» و هو كالصريح فيما ذكرناه من نية التملك.

بل يمكن من ذلك أن يكون النزاع لفظيا، فإن القائل بعدم اعتبارها إنما يريد الإكتفاء بقصد الحيازة، و إدخال المحوز تحت الحوزة و السلطنة العرفية، لا أنه يقول بالملك قهرا كالإرث، و إن لم يقصد بالحيازة ذلك، ضرورة عدم كون ذلك حيازة عند التحقيق، و حينئذ يتجه حصول أثرها في المجنون و الصبي المميز مع فرض حصول قصدها منهما كما صرح به بعضهم بل ظاهر الفخر و غيره المفروغية منه بل هو مقتضى السيرة و الطريقة سيما في الصبي، و بذلك و نحوه يترجح ما يقتضي ترتب الملك بها على ما دل على عدمه من

قوله عليه السلام (2)«لا يجوز أمره»

و نحوه مما يقتضي سلب المجنون و الصبي عن التملك الاختياري، و لو بالافعال التي منها الحيازة و الالتقاط.

و بالتأمل فيما ذكرناه يظهر لك ما في كلام جملة من الأعيان منهم الكركي


1- 1 سورة البقرة الآية- 29.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 1.

ج 26، ص: 324

و غيره، بل لو قلنا بعدم لفظية النزاع كان وجه التردد في المتن و غيره دعوى ظهور

قوله عليه السلام (1)«من أحيا أرضا ميتة فهي له»

الذي هو كالقول بأن من حاز شيئا فهو له في الملكية قهرا، و أنه من باب الأسباب، فلا تعتبر النية، و من كون المراد بذلك القصد بالإحياء و الحيازة إلى دخول المحوز تحت الحوزة، و السلطنة، بل لا يعد غيره حيازة فاعتبرت النية بهذا المعنى، و لعل الأقوى ذلك، كما أن الأقوى عدم اعتبارها ان أريد بها إنشاء قصد التملك الذي يمكن دعوى السيرة بل الضرورة على خلافه، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق في محله إنشاء الله، فإن البحث عن ذلك انما ذكر استطرادا و الله العالم المؤيد.

[المسألة الثالثة لو كان بينهما مال بالسوية فأذن أحدهما خاصة لصاحبه في التصرف على أن يكون الربح بينهما نصفين لم يكن قراضا]

المسألة الثالثة: لو كان بينهما مال بالسوية فأذن أحدهما خاصة لصاحبه في التصرف بالمال المشترك على أن يكون الربح بينهما نصفين، لم يكن قراضا، لأنه لا شركة للعامل في مكسب مال الآمر و هو حقيقة القراض، إذ المفروض كون المال بينهما نصفين، فنصف الربح الذي يستحقه، انما هو لكونه شريكا في المال، و لا شي ء له من الربح زائدا على ذلك في مال الآمر كي يكون قراضا و لا شركة اصطلاحية و ان حصل الامتزاج في المال، لعدم كون العمل منهما بل لا يكون المال في يد العامل إلا بضاعة و ذلك لأن حصة الشريك مال مبعوث للتجارة في يد الوكيل قال في الصحاح: البضاعة طائفة من المال تبعثها للتجارة، تقول أبضعته و استبضعته: أي جعلته بضاعة، و في المثل كمستبضع تمرا الى هجر، و بنحو ذلك صرح في القواعد، لكن لا يخفى عليك بناؤه على اعتبار العمل منهما في الشركة، و قد عرفت البحث فيه سابقا كما أنك عرفت الحال فيما لو شرط التفاوت في الربح مع التساوي في المالين و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا اشترى أحد الشريكين متاعا فادعى الآخر أنه اشتراه لهما و أنكر فالقول قول المشتري ]

المسألة الرابعة: إذا اشترى أحد الشريكين متاعا، فادعى الآخر أنه اشتراه لهما و أنكر فلا إشكال و لا خلاف ف ى أن القول قول المشتري مع يمينه، لأنه أبصر بنيته و (11) كذا لو ادعى أنه اشترى لهما، فأنكر الشريك ف


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب إحياء الموات الحديث- 1.

ج 26، ص: 325

إن القول أيضا قوله بيمينه لمثل ما قلناه من كونه أبصر بنيته بعد فرض كونه أمينا، بل لو ادعى عليه التصريح في العقد بكون الشراء للشركة مثلا أمكن تقديم قوله لان الاختلاف في فعله، و لان ظاهر يده يقتضي الملك.

نعم لو قال كان مال الشركة و خلص لي بالقسمة، كان القول قول الآخر في إنكار القسمة بيمينه، كما هو واضح.

[المسألة الخامسة لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما و هو وكيل في القبض فادعى المشتري تسليم الثمن إلى البائع و صدقه الشريك برء المشتري من حقه ]

المسألة الخامسة: لو باع أحد الشريكين سلعة بينهما، و هو وكيل في البيع و القبض للثمن عن صاحبه فادعى المشتري تسليم الثمن أجمع إلى البائع الذي هو الوكيل و صدقه الشريك الموكل برء المشتري من حقه قطعا، لاعترافه بالوصول الى وكيله على القبض و هو الشريك البائع، بل لو وقعت الدعوى بين المشتري و البائع قبلت شهادته (11) أي الشريك المصدق إذا كان عدلا على القابض في النصف الآخر (12) الراجع اليه و هو حصة البائع لارتفاع التهمة عنه (13) بجر النفع إليه في ذلك القدر (14) لكن إذا كانت شهادته التي أداها بوصول حقه اليه، أما إذا كانت بوصول جميع الثمن اليه، و الفرض عدم قبولها بما يرجع اليه، لكونه مدعيا صرفا، و لجر النفع إليه في ذلك أمكن عدم قبولها أيضا في حق البائع، بناء على أن الشهادة متى ردت في البعض ردت في غيره، و ان كان لنا فيه نظر، بل ظاهر الفاضل في قواعده القبول، بل لعله ظاهر المتن هنا أيضا، لو لا قوله فيما يأتي: و المنع في المسألتين أشبه.

نعم لو تقدمت خصومة الشريك مع شريكه البائع على الخصومة بينه و بين المشتري، أمكن حينئذ ردها للخصومة حينئذ، بناء على قدحها في الشهادة، و بهذا يظهر لك ان هنا خصومتين إحداهما بين البائع و المشتري، و الثانية بين الشريكين، فان تقدمت الاولى فطالب البائع المشتري بنصيبه من الثمن، فادعى الأداء و اقام البينة- لو كان أحد أجزائها الشريك المقر على الوجه الذي عرفت- برء من الحقين بالإقرار و البينة، و ان لم تكن له بينة حلف البائع أنه لم يقبض، فيستحق أخذ نصيبه، و لا يشاركه فيه الآذن، لأن إقراره بقبض البائع أولا يقتضي ان يكون ما

ج 26، ص: 326

قبضه ثانيا بيمينه ظلما، فإن نكل عن اليمين ردت على المشتري، فإذا حلف أنه أقبضه الجميع انقطعت عنه المطالبة فإن نكل الزم بنصيب البائع فقط، لأصالة بقاء الثمن في ذمته، كما هو واضح.

ثم ان كان المشتري قد أقام البينة بإقباضه البائع جميع الثمن، كان للآذن المطالبة بحصته قطعا، اما إذا كان ذلك بشاهد و يمين، أو باليمين المردودة فلا، و ان قلنا انها كالبينة، لأنها كذلك في حق المتخاصمين فيما تخاصما فيه، لا مطلقا.

نعم للشريك حينئذ إحلاف البائع على عدم قبض حصته فان نكل حلف الآذن اليمين المردودة، و أخذ منه، و ليس للبائع الرجوع بذلك على المشتري، و لا مخاصمته لانه بزعمه ظالم.

و ربما نوقش بان ذلك لا يسقط حق الدعوى، بعد ان كان وكيلا عن الشريك في القبض، و قد اغرم للموكل حصته.

و يدفعها ان اعتراف الشريك بقبض البائع يقتضي انعزاله بفعل متعلق الوكالة بل يقتضي سقوط حق الدعوى له على المشتري.

و في جامع المقاصد «انه يمكن ان ينظر بوجه آخر، و هو ان البائع قد ادى عن المشتري بأمر الحاكم فله الرجوع، و يجاب بان ذلك انما هو مع تحقق الدين و هنا قد برء المشتري منه بإقرار الآذن، و يمكن ان يقال: ان إقراره انما ينفذ في حقه، لا في حق البائع، و نحن لا نلزم المشتري بالدين جزما، ليكون ذلك متوقفا على ثبوته، و انما تجوز له المخاصمة، و الطلب على تقدير الثبوت».

قلت: فيه ما لا يخفى من عدم الحق للبائع، بعد اعتراف صاحب الحق انه لا حق للبائع على المشتري، فكيف تتصور المطالبة بحق يعترف صاحبه بسقوطه.

نعم قد يقال: ان له المقاصة مع إمكانها، من غير فرق بين هذا الحق و غيره، فتأمل جيدا.

ثم اعلم ان نكول البائع في خصومة المشتري لا يمنع من حلفه في خصومة الشريك، لأنها خصومة اخرى، و بالعكس، و قد عرفت ان اليمين المردودة كالإقرار

ج 26، ص: 327

أو كالبينة في حق المتخاصمين لا مطلقا، هذا فيما إذا تقدمت خصومة البائع مع المشتري، اما إذا تقدمت خصومته مع الشريك فالحكم كما عرفت، غير ان شهادة الشريك حينئذ على البائع في الخصومة مع المشتري يشكل قبولها بما عرفت، و اما المشتري فعلى كل حال لا تقبل شهادته، لانه مدع و لعل المصنف انما يتعرض للصورتين نظرا الى عدم وجود كثير فرق، أو الى عدم قبولها على التقديرين لما عرفت، هذا كله فيما لو ادعى المشتري التسليم الى البائع.

اما لو ادعى تسليمه الى الشريك الاذن فصدقه البائع و كان قد اذن له في ذلك فالحكم كما عرفت. نعم إذا لم يكن مأذونا من البائع لم يبرء المشتري من شي ء من الثمن، لأن حصة البائع لم تسلم اليه و لا الى وكيله فيجب عليه دفعها له من غير يمين و الفرض ان الشريك ينكره فكان القول قوله مع يمينه، فإذا حلف أدى المشتري جميع الثمن و لكن قيل تقبل شهادة البائع هنا على الشريك في وصول حقه اليه، كما قبلت شهادة الشريك عليه في المسألة السابقة، لعدم التهمة، باعتبار بقاء حقه عند المشتري، و فيه أن التهمة هنا باعتبار إرادة استقلاله بما يأخذه من المشتري، إذ الشريك له مشاركته فيما يأخذه منه، لكون الثمن مشتركا بينهما.

و من هنا قال المصنف المنع في المسألتين أشبه (11) بأصول المذهب و قواعده و إن كنت قد عرفت تفصيل الحال في المسألة. نعم لو فرض اندفاعها هنا من هذه الجهة بإبراء البائع و نحوه، اتجه القبول، و مما ذكرنا لك سابقا يظهر لك الوجه هنا في الخصومتين، بل الظاهر توجه اليمين هنا على الشريك مرتين، إحداهما للمشتري بأنه لم يقبض منه شيئا، و الثانية إذا أراد الشركة مع البائع فيما أخذه من المشتري لأنه يدعي عليه وصول حقه اليه، و لا يسقط هذا اليمين عنه باليمين في خصومته مع المشتري التي هي خصومة أخرى، و لا يرجع البائع على المشتري بما أخذه منه الشريك لاعترافه بكونه ظالما له فيه، كما هو واضح.

[المسألة السادسة لو باع اثنان عبدين كل واحد منهما لواحد منهما بانفراده صفقة بثمن واحد مع تفاوت قيمتهما قيل يصح ]

المسألة السادسة: لو باع اثنان عبدين، كل واحد منهما لواحد منهما بانفراده

ج 26، ص: 328

صفقة بثمن واحد، مع تفاوت قيمتهما قيل: يصح البيع و يكون الثمن مشتركا بينهما على نسبة قيمة ماليهما، للأصل السالم عن معارضة الجهالة بالثمن، لعدم الدليل على اعتبار العلم أزيد من ذلك، و هو العلم بمجموع الثمن، و قد حصل، أما حال الأجزاء فيكفي حينئذ مقابلة جميع الثمن لجميع المبيع، و استواء نسبة الملاك إلى الأبعاض، و كذا لو آجرا أنفسهما صفقة بأجرة معينة و قيل: يبطل لأن الصفقة تجري مجرى عقدين، فيكون ثمن كل واحد منهما مجهولا لكن فيه ما عرفت كما أوضحنا ذلك في كتاب البيع.

أما لو كان العبدان لهما على الشركة أو كانا لواحد جاز بلا خلاف و لا إشكال بل و كذا لو كان لكل واحد قفيز من حنطة مثلا متساوية القيمة على انفراده فباعاهما صفقة، لانقسام الثمن عليهما بالسوية فلا جهالة حينئذ كما هو واضح.

[المسألة السابعة شركة الأبدان باطلة فإن تميزت أجرة عمل أحدهما عن صاحبه اختص بها]

المسألة السابعة: قد بينا أن شركة الأبدان باطلة فلو وقعت و آجرا أنفسهما مثلا بعنوان الشركة فإن تميزت أجرة عمل أحدهما عن صاحبه بالتسمية اختص بها و لا يشاركه الآخر فيها لما عرفت من بطلان عقد الشركة، و إن اشتبهت كأن لم يسم لأحدهما أجرة مخصوصة، قسم حاصلهما على قدر أجرة مثل عملهما، و أعطي كل واحد منهما ما قابل أجرة مثل عمله (11) نحو ما سمعته في بيع المالين المتفاوتين بالقيمة بثمن واحد، كما هو واضح.

لكن في المسالك «في المسألة وجهان آخران، ذكرهما العلامة، أحدهما:

تساويهما في الحاصل من غير نظر إلى العمل، لأصالة عدم زيادة أحدهما على الآخر، و أن الأصل مع الاشتراك التساوي، و لصدق العمل على كل واحد منهما، و الأصل عدم زيادة أحد العملين على الآخر، و الحاصل أنه تابع للعمل، و يضعف بمنع كون الأصل في المال و العمل التساوي، و الثاني: الرجوع إلى الصلح لان به يقين البراءة كما في كل مال مشتبه، و لا شبهة في أنه أولى مع اتفاقهما عليه، و إلا فما اختاره المصنف أعدل من التسوية».

قلت: لا يخفى عليك أن مفروض المسألة في المتن لا تأتي فيه الوجوه الثلاثة،

ج 26، ص: 329

بل ليس فيه إلا الوجه الذي ذكره المصنف، و ذلك لان صريح العبارة أو كصريحها كون العمل من كل منهما معلوما، إلا أنه لم يكن بأجرة مسماة، و إنما سميت الأجرة لمجموع العملين بعنوان شركة الأبدان من الأجيرين، و هذه ليس فيها بعد فرض صحة الإجارة إلا التوزيع على أجرة مثل عمليهما، نحو بيع المالين المنفردين لشخصين الذي تقدم الكلام فيه سابقا.

و قد ذكرها العلامة سابقا على هذه المسألة فقال: «و لو باعا بثمن واحد، أو عملا بأجرة واحدة تثبت الشركة، سواء تساوت القيمتان أو اختلفتا، و لكل منهما بقدر النسبة من القيمة» و مفروض العلامة في القواعد ليس فيه إلا وجهين التساوي بالأجرة و الأصح الصلح، و هو ما إذا لم يتميز عمل كل منهما، قال: «و إذا تميز عمل الصانع عن صاحبه اختص بأجرته، و مع الاشتباه يحتمل التساوي و الصلح»، و مراده أنه مع تمييز العمل يختص بالأجرة، و لو ما يخصه من التوزيع، أما مع اشتباه العمل ففيه الاحتمالان، و كان وجه الأول منهما اجتماع الأجرتين معا في ذلك الحاصل، لانه الفرض، و الأصل عدم زيادة أحدهما على الآخر و لأن الأصل مع الاشتراك التساوي.

و لكن فيه أن الأصل المذكور ممنوع هنا، فإن زيادة مال شخص على آخر و نقصانه أو مساواته له ليس أصلا، إذ لا رجحان لأحدهما على الآخر، لا بحسب العادة و لا في نفس الأمر و إنما يتحقق في مثل ما إذا اشتركا في السبب المملك، كما لو أقر لهما بملكية شي ء، أو أوصى لهما أو وقف عليهما، فإن السبب المملك لهما هو الإقرار و الوصية و الوقف، و الأصل عدمها، بخلاف ما نحن فيه، فإن العمل الصادر من أحدهما غير الصادر من الآخر، و استواءهما و تفاوتهما على حد سواء بالنسبة إلى النفي بالأصل، فليس حينئذ إلا الصلح، كما في كل مالين امتزجا، و جهل قدر كل منهما، بل لعل ذلك كذلك حتى لو تميز عمل أحدهما، و جهل الآخر، أو تميز بعض عمل كل منهما، و جهل الباقي، و بالجملة متى جهلت النسبة بين العملين، اللهم إلا أن يقال: إن التساوي هو الراجح منهما، فيكون كالأصل، لان فضله كالأمر العدمي، لكن لنا في ذلك نظر ذكرناه في محله، و على كل حال فهو غير موضوع

ج 26، ص: 330

ما ذكره المصنف المصنف من العمل المتميز و الله العالم.

[المسألة الثامنة إذا باع الشريكان مثلا سلعة بينهما صفقة ثم استوفى أحدهما منه شيئا شاركه الآخر فيه ]

المسألة الثامنة: إذا باع الشريكان مثلا سلعة بينهما صفقة ثم استوفى أحدهما منه شيئا و لو بنية أنه له شاركه الآخر فيه كما في كل دين مشترك بين اثنين فصاعدا، و ذلك لان كل جزء منه مشاع بينهما، فإن ما في الذمة إنما يخالف الشخصي الخارجي في الكلية و الجزئية، أما الإشاعة فهما على حد سواء فيها.

ف

في المرسل عن أبي حمزة(1)قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما، و منه غائب عنهما، فاقتسما الذي بأيديهما، و أحال كل منهما نصيبه من

الغائب، فاقتضى أحدهما، و لم يقتض الآخر، قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله».

و مثله

خبر غياث (2)«عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام، إلا أنه قال: «ما اقتضى أحدهما فهو بينهما، و ما يذهب بينهما»

و كذا خبر محمد بن مسلم (3)عن أحدهما عليه السلام، و معاوية بن عمار(4).

و

في خبر عبد الله بن سنان (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجلين بينهما مال، منه دين و منه عين، فاقتسما العين و الدين، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر أ يرده على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله».

لكن هذه النصوص بل و المتن و ما شابهه مشتملة على الجزم بالشركة، و ما ذاك إلا لحصول الإذن من الشريك بالقبض، و لو لزعم القسمة الفاسدة و نحوها، و حينئذ يتجه الجزم بشركة المقبوض، إنما الكلام فيما إذا أقبض أحد الشريكين حصته لنفسه من دون إذن شريكه، و قد ذكر غير واحد من الأصحاب، بل نسب إلى المشهور أن للشريك مشاركة الآخر فيما قبض، و له مطالبة الغريم بمقدار حصته، فيكون قدر الحصة في يد القابض، كقبض الفضول

إن أجازه ملكه، و تبعه النماء، و إن رده ملكه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1 و ذيله- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1 و ذيله- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1 و ذيله- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1 و ذيله- 2.
5- 5 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 1 و ذيله- 2.

ج 26، ص: 331

القابض، و يكون مضمونا عليه على التقديرين، و لو تلف قبل اختيار الشريك كما في المسالك، بل في التذكرة التصريح في تعين حقه به، و لا يضمنه للشريك، و قد أطنب في المسالك في تحقيق ذلك، و أنه من الفضولي، و أن ذلك هو المراد من قولهم تخير الشريك بين الرجوع على الغريم، و بين الشركة فيما قبضه شريكه.

و الجميع كما ترى لا ينطبق على القواعد الشرعية، و ذلك لانه و إن اتجهت الشركة مع إجازة القبض لهما، بناء على تأثير مثل هذه الإجازة في مثله، و إن كان فيه إشكال أو منع من وجوه، بل لم نجده في المقام لغير ثاني الشهيدين، لكن اختصاص القابض و ملكه مع عدمها لا وجه له، بل المتجه حينئذ بقاؤه على ملك الدافع، و ذلك لان القابض ليس له إلا نصف المال المشاع بينه و بين شريكه، و مع فرض عدم إجازة الشريك لم يكن المال المقبوض مال الشركة، و نية الدافع أنه مقدار حصة القابض لا تنفع في ذلك و إن وافقتها نية القابض، بل لو رضي الشريك بكون ذلك حصة للقابض، و ما في ذمة الغريم حصة له، لم يجد، لعدم صحة مثل هذه القسمة.

و دعوى- جوازها لكنها مراعاة بقبضه، فإن حصل تمت، و إلا رجع على القابض، و شاركه فيما قبضه- تهجس بلا دليل، بل هو مخالف للمعروف من عدم صحة قسمة الدين، و للمعلوم من أنه مع عدم إجازة القبض على وجه يكون به المقبوض مالا للشركة لا يكون كذلك، فكيف يعود إليه بعد عدم القبض، و حينئذ فإن لم يكن ثمة إجماع أشكل الحكم بملك القابض جميع ما قبضه، بعد عدم الإجازة، بل و لا بعضه اللهم إلا أن يقال: إنه برضا الشريك يكون المقبوض حصة للقابض بتمحض المقبوض مالا للشركة، بل هو في الحقيقة إجازة لذلك.

نعم جعله حصة له، لا يتم قسمة إلا بقبض الشريك مقابله، على وجه يقع الرضا منهما معا بأن لكل منهما ما في يده، فمع فرض عدمه يبقى ذلك المال المقبوض على الشركة، فله الرجوع عليه، و أخذ نصيبه منه، إذ لم يدخل في ملك القابض، و ذلك الرضا الذي وقع من الشريك أولا يكون ما قبضه حصة له، لا يفيده تمليكا مع احتماله، لكن على جهة التزلزل، إلا أن الأقوى خلافه، و إن كان ذلك كله

ج 26، ص: 332

كما ترى.

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك ضعف ما عن ابن إدريس من اختصاص كل من الشريكين بما يستوفيه من حقه، و لا يلحقه الآخر فيه، لان اشتراك الدين في الذمة لا يمنع من تعيين حق واحد في معين.

و لان لكل واحد أن يبرء الغريم من حقه، و يصالح منه على شي ء، بحيث إذا استوفى شريكه لم يلحقه فيه.

و لان متعلق الشركة بينهما هو العين، و قد ذهبت، و لم يبق لهما إلا دين في ذمته، فإذا أخذ أحدهما نصيبه لم يكن قد أخذ عينا من أعيان الشركة، فلا يشاركه الآخر فيما أخذ.

و لان ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض المالك أو وكيله، و المفروض ليس منه، و ذلك لان الشريك لم يقبض إلا لنفسه.

و لأنه إن وجب الأداء بالمطالبة بحقه وجب أن لا يكون للشريك فيه حق، لكن المقدم حق بالاتفاق، فالتالي مثله، و ذلك لان وجوب الأداء بالمطالبة بحصة الشريك فرع التمكن من تسليمها، لاستحالة التكليف بالممتنع، فإذا ثبت تمكنه من دفعها- على أنها للشريك- و دفعها كذلك امتنع أن يكون للشريك الآخر فيها حق.

و لانه لو كان للشريك في المدفوع حق، لزم وجه قبح، و هو تسلط الشخص على قبض مال غيره بغير اذن.

و لانه لو كان كذلك لوجب أن يبرء الغريم من مقدار حقه من المدفوع، لاستحالة بقاء الدين في الذمة، مع صحة قبض عوضه، لكن التالي باطل عندهم، لكونهم يحكمون بأنه مخير في الأخذ من أيهما شاء.

و لانه لو نهاه الشريك عن قبض حقه، فإن تمكن من المطالبة بحصته، وجب أن لا يكون للشريك فيها حق، و إلا امتنع أخذ حقه بمنع الشريك إياه من القبض.

و لان المقبوض إما أن يكون مالا مشتركا، أو لا، فإن كان مشتركا وجب على

ج 26، ص: 333

تقدير تلفه أن يتلف منهما، كسائر أموال الشركة، و تبرء ذمة الغريم منه، و إلا لم يكن للشريك فيه حق.

و قد مال إلى ذلك في جامع المقاصد، فقال: «و لا يخفى أن بعض هذه الوجوه في غاية القوة و المتانة، و الروايات لا تقاومها، مع أنها قابلة للتأويل فمختار ابن إدريس قوي متين، كما اعترف به المصنف في المختلف، و إن كان الوقوف مع المشهور أولى» و تبعه على ذلك ثاني الشهيدين.

إلا أن الجميع كما ترى، بعد التأمل الجيد فيما ذكرنا، مع قطع النظر عن النصوص إذ الأول مصادرة محضة، خصوصا بعد ما عرفت من تحقق الإشاعة في العين كلية كانت أو شخصية.

و إبراء أحدهما الغريم أو الصلح معه بشي ء يمحض الباقي للشريك الآخر، فإن الإبراء يتعلق بالمشاع على إشاعته، و كذا الصلح، فمع فرض حصولهما و عدم تصور ملك الشخص على نفسه ليتمحض الباقي للشريك الآخر، و قد ذكر طرق متعددة لاختصاص كل منهما بما يأخذه إذا أراد، إلا أنه خروج عن مفروض المسألة.

و الثالث: أيضا مصادرة محضة كما عرفت.

و الرابع: مبنى على ملك الشريك لما قبضه الآخر قهرا، و القائل لا يلتزمه بل يشترطه بالإجازة على الوجه الذي سمعت.

و الخامس: بعد تسليم ان له المطالبة منفردا، و وجوب الأداء له لا يقتضي ما ذكره الخصم، بل يمكن أن يكون و لو بالجمع مع شريكه، أو بتعين حقه بأحد الوجوه المعينة له عن صاحبه، بصلح و نحوه.

و السادس قد عرفت توقف الحق على الإجازة فلا جهة قبح فيه.

و السابع: مع الإجازة، لا إشكال في الإبراء و التخيير إنما هو في الإجازة و عدمها كما عرفت ذلك مفصلا، أو في القسمة على الوجه الذي ذكرناه، على ان التخيير المزبور لم أجده في الخلاف و النهاية و الوسيلة بل الموجود شارك مثل عبارة المتن و ما شابهها و ظاهرهم تعين الشركة، و ليس ذلك إلا للاذن للشريك في القبض،

ج 26، ص: 334

فإنه يكون حينئذ مالا للشركة و إن نوى لنفسه، بل لو أذن له الشريك في القبض لنفسه فقبض يكون أيضا مشتركا، لمعلومية كون القيد لغوا لعدم إمكانه، و النصوص المزبورة محمولة على الإذن، فلا يقدح عموم ما اقتضى أحدهما، لما عرفت، و في الوفاء بغير الجنس وجهان، و مثله المقاصة به لنفسه، أما المقاصة بالجنس فكالوفاء به.

و الثامن: قد عرفت الجواب عنه بما عن الخامس، كما أن التاسع يعرف ما فيه مما تقدم في السابع و غيره، فمن الغريب دعوى المتانة في هذه الوجوه التي هي واضحة الفساد، و التحقيق ما عرفت. نعم لكل منهما طرق في الاختصاص لو اراده، كالصلح و التأجيل المقتضي للافراز بعقد لازم مثلا، و الضمان و الحوالة، و الشراء بها شيئا و نحو ذلك مما لا ينافي التصرف بها على الإشاعة كما أوضحنا ذلك كله في محله و الله العالم.

[المسألة التاسعة إذا استأجر للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة معينة صحت الإجارة]

المسألة التاسعة: إذا استأجر للاحتطاب أو الاحتشاش أو الاصطياد مدة معينة صحت الإجارة لعموم أدلتها الشامل لذلك و يملك المستأجر ما يحصل من ذلك في تلك المدة لأنه نماء عمله المملوك له، فهو في الحقيقة كالعبد المملوك الذي يكون لسيده.

نعم قد يشكل ذلك بأنه لا يتم بناء على عدم قبول هذه الأشياء للنيابة الذي صرح به المصنف في كتاب الوكالة و أنه يملكها المحيز و إن نواها للغير كما سمعته منه هنا، مع التردد في اعتبار النية، و من هنا صرح في جامع المقاصد بأنه إذا جوزنا التوكيل في هذه جوزنا الإجارة عليه، و إن منعناه منعنا الإجارة، حاكيا له عن صريح التذكرة قال: «و ظاهر الشرائع في كتاب الشركة صحة الاستيجار مطلقا نظرا إلى أنه بالإجارة تصير منافع الأجير مملوكة للمستأجر، فيملك ما حازه، و يضعف بأنه على القول بعدم صحة التوكيل في الحيازة لا يتصور صحة الإجارة».

قلت: قد يمنع التلازم و يكون حينئذ ملك المباح في الفرض من توابع ملك العمل بالإجارة و هو غير التملك بالنيابة في الحيازة فتأمل جيدا و الأمر سهل عندنا بعد ما عرفت أن المختار عندنا صحة التوكيل، و اعتبار النية بالمعنى الذي أسلفناه

ج 26، ص: 335

هذا كله لو ضبط العمل بالمدة.

و أما لو استأجره لصيد شي ء بعينه لم يصح، لعدم الثقة بحصوله غالبا بناء على اشتراط ذلك فيها، كما عرفت نظيره في البيع و تعرف تمامه في كتاب الإجارة و الله الموفق و المعين.

ج 26، ص: 336

[كتاب المضاربة]

اشارة

كتاب المضاربة من الضرب في الأرض، لضرب العامل فيها للتجارة، و ابتغاء الربح بطلب صاحب المال، فكان الضرب مسبب عنهما، طردا لباب المفاعلة في طرفي الفاعل، أو من ضرب كل منهما في الربح بسهم، أو لما فيه من ضرب المال و تقليبه، كذا قيل و لعل الاولى من ذلك في تحقق المفاعلة ضرب كل منهما فيما هو للآخر من المال و العمل، و يقال: للعامل مضارب، بكسر الراء، لأنه الذي يضرب في الأرض.

و لم نعثر على اشتقاق أهل اللغة اسما لرب المال من المضاربة التي هي لغة أهل العراق، فأما أهل الحجاز فيسمونه قراضا، من القرض بمعنى القطع الذي منه المقراض، فكان صاحب المال اقتطع من ماله قطعة، و سلمها للعامل الذي أقطع له قطعة من الربح، أو من المقارضة بمعنى المساواة و الموازنة، يقال: «تقارض الشاعران» إذا وازن كل منهما الآخر بشعره، و منه «قارض الناس، ما قارضوك، فإن تركتهم لم يتركوك» بمعنى ساوهم فيما يقولون، و لما كان العمل من العامل و المال من المالك فقد تساويا و توازنا، أو لاشتراكهما في الربح و تساويهما في أصل استحقاقه، و إن اختلفا في كميته، و يقال للعامل هنا: مقارض بالفتح، و للمالك بالكسر، و الأمر في ذلك كله سهل، لعدم الثمرة المعتد بها على ذلك.

إنما الكلام فيما ذكره في المسالك، تبعا للتذكرة، قال: «و اعلم ان من دفع إلى غيره مالا ليتجر به فلا يخلو إما أن يشترطا كون الربح بينهما أو لأحدهما أو لا يشترطا شيئا: فإن شرطاه بينهما فهو قراض، و ان شرطاه للعامل، فهو قرض، و إن شرطاه للمالك فهو بضاعة، و ان لم يشترطا شيئا فكذلك إلا أن للعامل أجرة المثل».

ج 26، ص: 337

و فيه منع تحقق القرض مع فرض صدور ذلك بعنوان المضاربة إذ أقصاه كونها من القسم الفاسد، لا انها من القرض المحتاج إلى إنشاء تمليك المال بعوض في الذمة و قصد كون الربح للعامل أعم من ذلك، و إن كان هو من اللوازم الشرعية لملك المال و دعوى الاكتفاء بقصد ذلك في تحققه لفحوى

الصحيح (1)«عن أبي جعفر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام من ضمن تاجرا فليس له إلا رأس ماله و ليس له من الربح شي ء»

و الموثق (2)عن أبي جعفر عليه السلام «من ضمن مضاربة فليس له إلا رأس المال، و ليس له من الربح شي ء»

إذ كما أن التضمين من لوازم القرض، فكذا الاختصاص بالربح- يدفعها أن المتجه- بعد تسليم مضمونهما، و عدم رجحان معارضهما عليهما- الاقتصار على ذلك فيما خالف الضوابط الشرعية، و لو فرض عدم إرادة الفاضل، و الشهيد ذلك بل مرادهما أن الدفع المجرد عن عنوان خاص يقتضي الحكم عليه بذلك، كان فيه أيضا منع تحقق القرض شرعا و عرفا بذلك، لما عرفت، و أصالة الصحة لا تصلح قرينة على صرف الظاهر، مع أنه لا يتم في المعلوم خلوه عن هذا القصد نعم يمكن إرادتهما بيان حال كل من القراض، و القرض، و البضاعة في حد ذاته، الا أن المراد تحققه على الوجه المزبور، و حينئذ يخرج عما نحن فيه.

ثم إن ظاهر العبارة المزبورة الفرق بين فردي البضاعة، باستحقاق الأجر في الثاني دون الأول الذي نسب عدم الأجر فيه إلى ظاهر الأصحاب في الرياض، بل قال: «هو حسن، إن لم يكن هناك قرينة من عرف أو عادة بلزومه، و إلا فالمتجه لزومه».

قلت: لا يخفى عليك عدم وضوح الفرق بينهما، إذ التصريح في الأول منهما بكون الربح بأجمعه للمالك، أعم من التبرع بالعمل، و

عدم إرادة الأجر عليه، فالتحقيق حينئذ عدم الفرق بينهما، و أن العامل يستحق الأجر فيهما، و قيام احتمال التبرع- ما لم يعلم منه ارادة التبرع- لا يدفع أصالة احترام عمل المسلم المأذون فيه من المالك، فضلا عن الواقع بأمره و اعترافه، من غير فرق في ذلك بين الوقوع بصورة


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1- و ذيله.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1- و ذيله.

ج 26، ص: 338

المضاربة و غيرها ما لم يعلم منه ارادة التبرع، و لا بين كون العامل من المعدين لأخذ الأجرة، كالسمسار و نحوه و غيره، مع فرض كون العمل مما له أجرة في العادة، بل مقتضى الأصل المزبور استحقاق الأجرة على العمل المأذون فيه، و إن لم ينو العامل الرجوع بها، بل يكفي عدم قصده التبرع.

و لعله إلى ذلك أشار الفاضل المقداد في شرح النافع قال في البضاعة: «فإن قال أي المالك مع ذلك لا اجرة لك، فهو توكيل في الاسترباح من غير رجوع عليه بأجرة و إن قال: و لك أجرة كذا، فإن عين عملا مضبوطا بالمدة أو العمل فذاك إجارة، و إن لم يعين فجعالة، و إن سكت، فإن تبرع العامل بالعمل، فلا أجرة له، و إن لم يتبرع و كان ذلك الفعل له أجرة عرفا، فله أجرة مثله».

و من ذلك يعرف ما في كلام الرياض الذي حكيناه عنه، بل و فيما ذكره سابقا في دفع إشكال استحقاق الأجرة فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد علم مما ذكرنا أن المضاربة دفع الإنسان إلى غيره مالا ليعمل فيه بحصة من ربحه، و لكن يتبعها أحكام عقود كالوكالة و الوديعة و الشركة، و غيرها كالغصب و أجرة المثل و نحوها، و الظاهر أنه المراد مما في المسالك من أن عقد القراض مركب من عقود كثيرة، لأن العامل- مع صحة العقد و عدم ظهور ربح- و دعي أمين، و مع ظهوره شريك، و مع التعدي غاصب، و في تصرفه وكيل، و مع فساد العقد أجير، لا أن المراد إنشاء هذه العقود بإنشاء عقدها، و إلا كان محلا للنظر، مضافا إلى ما في ذكر الغصب و أجرة المثل، و الشركة في الربح في العقود.

و على كل حال ف هو أي تمام البحث في كتاب المضاربة يستدعي بيان أمور أربعة:

[الأمر الأول في العقد]

الأول: في العقد الذي جعله في التذكرة و القواعد من أركان هذه المعاملة، بل صرح في التذكرة بأنه لا بد فيها من لفظ يدل على الرضا، و ظاهرهما أو صريحهما كغيرهما عدم مشروعية ما يشبه المعاطاة في البيع منها، و هو و إن كان موافقا لأصالة عدم ملك العامل الحصة من الربح، إلا أنه مخالف لما دل على جوازها في البيع مما هو مشترك بينه و بين المقام و غيره من السيرة المستمرة، و صدق الاسم عرفا

ج 26، ص: 339

و تجارة عن تراض، و نحو ذلك مما هو كاف في المشروعية، و في تخصيص نحو

قوله عليه السلام (1)«إنما يحلل الكلام، و يحرم الكلام».

فالمتجه بناء على ذلك مشروعيتها كذلك، و إن لم يكن المركب من الإيجاب و القبول فعليين من عقدها، و عدم الثمرة المترتبة بين معاطاتها و عقدها لجواز الفسخ فيهما، لا ينافي الحكم بمشروعيتها على الوجه المزبور، و إن كان قد سلف منا في البيع خلاف ذلك كله، فلاحظ.

و على كل حال فلا خلاف في اعتبار اللفظ في إيجاب عقدها، و إن كان لا يتعين فيه لفظ مخصوص، بل يكفي فيه كل لفظ دال على إنشاء الرضا بها مستعمل في ذلك على النهج الصحيح، لانه المتعارف في كيفية عقدها، بل قد عرفت فيما مضى قوة الإكتفاء بذلك في العقود اللازمة، فضلا عن الجائزة.

أما القبول ففي التذكرة، و جامع المقاصد، و الروضة الاكتفاء فيه بالفعل في تحقق العقد، خلافا لظاهر الفاضل في القواعد و غيره، بل صرح به بعض العامة، بل في الرياض بعد أن حكى عن التذكرة ذلك، و أنه يظهر منها عدم الخلاف بيننا فيه، و في الإكتفاء في الإيجاب و القبول بكل لفظ، قال: «فإن تم و إلا فالأولى خلافه اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على أن الربح تابع للمال، و للعامل أجرة المثل، المنطبق مع المضاربة تارة، و المتخلف عنها أخرى على المتيقن، و لعله لذا اعتبر فيها التواصل بين الإيجاب و القبول، و التنجيز و عدم التعليق على شرط أو صفة، و هو حسن على ما حققناه.

و لكن على ما ذكره- من الاكتفاء بالفعل في طرف القبول، و بكل لفظ فيه و في طرف الإيجاب بناء على جواز العقد- مشكل، و سؤال الفرق بينه و بين اعتباره إياهما متجه، و كأنه أخذ ذلك أو بعضه من جامع المقاصد، فإنه بعد أن حكى عن التذكرة اعتبار التواصل، قال: و فيه نظر، لأن ذلك معتبر في العقود اللازمة خاصة، دون الجائزة من الطرفين، و سيأتي التصريح بذلك في الوكالة».


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 3.

ج 26، ص: 340

قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله، بناء على تحقق المضاربة في المركب من الفعلين إيجابا و قبولا، فضلا عن محل الفرض، و أقصاه أنه لا يكون عقد مضاربة، و إلا فهو مشروع يترتب عليه أحكام المضاربة، مع أنه يمكن القول بتحقق العقد أيضا بالقبول الفعلي، بناء على تعارف عقدها بذلك بين المشرعة، و مثله كاف في ذلك لكن لا ثمرة مهمة هنا بعد فرض المشروعية بين كون هذه الكيفية عقدا أو لا، لما سمعته من عدم الفرق بينهما في الجواز، و غيره من أحكامها.

نعم بناء على عدم مشروعية التعاطي فيها يتجه حينئذ البحث في القرض، و لعل المانع فيه مستظهر ما لم يثبت تعارف كيفية عقدها بذلك، لكن قد عرفت التحقيق إن لم يكن ثم إجماع بخلافه، و دونه خرط القتاد، و إن كان كثير من كلماتهم تفيد الناظر فيها تشويشا على نحو ما في بعض كتب العامة.

أما غير ذلك مما يعتبر في غيرها من العقود، كالتواصل و التنجيز فيبقى على مقتضى ما دل على اعتباره، الذي لا فرق فيه بين الجائز و اللازم، ضرورة كونه من كيفيات العقد، و التوسع في العقود الجائزة بالنسبة إلى الاكتفاء في إيجابها مثلا بكل لفظ، لا يقتضي التوسع فيها بالنسبة إلى ذلك، و ثبوته في الوكالة للدليل، لا يقتضي الثبوت في غيرها، بعد حرمة القياس، هذا كله في التواصل أما التنجيز فلا ريب في اعتباره، لاتحاد الطريق فيها و في العقد اللازم كما حققناه في محله. و الله العالم.

و كيف كان ف هو جائز من الطرفين، لكل واحد منهما فسخه، سواء نض المال بأن صار دراهم أو دنانير أو كان به عروض بلا خلاف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة في الخروج عن قاعدة اللزوم. لكن ذكر غير واحد أنه إن كان الفاسخ العامل و لم يظهر ربح فلا شي ء له، و إن كان المالك ضمن للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت، صونا للعمل المحترم من الخلو عن الأجر، مع احتمال العدم للأصل، و إقدام العامل عليه بمعرفته جواز العقد، و إمكان فسخه قبل ظهور الربح، بل و بعده مع تحقق الوضيعة المستغرقة له، لكونه وقاية لرأس المال.

قلت: قد يقال: إن قاعدة احترام عمل المسلم المأذون فيه التي قدمناها سابقا

ج 26، ص: 341

تقتضي استحقاق الأجرة في الأول، كما عن التذكرة، فضلا عن الثاني ما لم يكن إجماع، و الإقدام على جواز العقد أعم من الإقدام على التبرع.

و على كل حال ف لو اشترط فيه أي عقد المضاربة الأجل لم يلزم العقد مدته على أحد منهما، فيصح لكل منهما فسخه قبله، بلا خلاف أجده فيه، للأصل و غيره. نعم في المسالك و غيرها بعد تفسير العبارة و نحوها بما سمعت قال: «لكن العقد و الشرط صحيحان، أما الشرط ففائدته المنع من التصرف بعده، لأن التصرف تابع للاذن، و لا إذن بعده، و أما العقد فلأن الشرط المذكور لم يناف مقتضاه، إذ ليس مقتضاه الإطلاق».

قلت: قد يراد من العبارة عدم الصحة من نفي اللزوم، بقرينة قوله متصلا بها لكن لو قال: إن مرت بك سنة مثلا، فلا تشتر بعدها و بع صح عندنا لأن ذلك من مقتضى العقد الذي هو تسلط رب المال على فسخ القراض متى شاء، و على منع العامل عما يشاء من النوع و الزمان و المكان، ضرورة ظهور الاستدراك فيه في أن الأول ليس كذلك، بل هو من أفراد المسألة التي ذكرها بقوله أيضا.

و ليس كذلك لو قال: على أني لا أملك فيها أي السنة منعك فإنه شرط باطل لأن ذلك مناف لمقتضى العقد بل المشهور كما قيل: بطلان العقد معه، فالتحقيق حينئذ أن يقال: إن أريد باشتراط الأجل المعنى الأول صح، و إن أريد به المعنى الثاني بطل و أبطل، كما صرح به غير واحد، بل لم أجد خلافا هنا في بطلانه، و زاد في القواعد و جامع المقاصد اشتراط ضمان العامل المال، أو إلزامه بحصة من الخسارة.

إلا أنه قد يناقش في ذلك إن أريد بها الكناية عن اللزوم مثلا بالعارض، و لو بالشرط، لا أن المراد به ما ينافي حكمها شرعا، فإنه لا إشكال في البطلان حينئذ إنما المناقشة في الأول بمنع كونها من منافيات مقتضى العقد، المراد به ما يعود على العقد بالنقض، و لا ريب في عدم منافاة اللزوم لعقد المضاربة، إذ هو كالجواز في العقد اللازم الذي لا إشكال في صحة اشتراطه.

ج 26، ص: 342

و من هنا كان له شرطه: أي اللزوم في العقد الجائز بعقد لازم آخر، و لو أنه من المنافي لمقتضاه لم يصح ذلك، إذ هو كاشتراطه عدم الملك في البيع، و نظيره هنا عدم ملك العامل الحصة من الربح، لا اشتراط اللزوم في المضاربة، و كذا الكلام في الضمان الذي لا ينافي كون الشي ء أمانة، فإن كثيرا من الأمانات مضمونة كعارية الذهب و الفضة، و العارية المشترط فيها ذلك، و المقبوض بالسوم، و غير ذلك، بل ستسمع ضمان العامل في كثير من صور المضاربة، بل و كذا الكلام في اشتراط إلزام العامل حصة من الخسارة، فإن جميع هذه الأمور من الاحكام، أو مما هو مقتضى إطلاق العقد، لا أنها من منافيات مقتضاه التي تعود عليه بالنقض. فتأمل جيدا.

بقي شي ء و هو أنه قد صرح الفاضل في القواعد و تبعه في جامع المقاصد بصحة شرط المالك على العامل المضاربة في مال آخر، أو أخذ بضاعة منه، أو قرض أو خدمة في شي ء بعينه، معللا له الثاني منهما بعموم قوله تعالى (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و

قوله (2)«المؤمنون عند شروطهم»

لكن عن ابن البراج الجزم بفساد العقد و الشرط، و كذا عن المبسوط، إلا أنه قال: أخيرا «و لو قلنا القراض و الشرط جائز، لكن لا يلزم الوفاء به كان قويا» ثم إنه في جامع المقاصد «قد حكي عن التحرير عدم لزوم الوفاء به،- ثم قال:- «و هو حق، فإن العقد جائز من الطرفين، لكن لم يذكروا حكم ما إذا عمل العامل و لم يف بالشرط، فظهر ربح، و الذي يقتضيه النظر أن للمالك الفسخ بفوات ما جرى عليه التراضي، فيكون للعامل أجرة المثل، و للمالك الربح،- إلى أن قال- و لو شرط ذلك من طرف العامل على الملك، فالحكم كما هنا، بغير تفاوت إلا أن الفسخ هنا بعد العمل إذا لم يحصل الوفاء يكون للعامل، لأنه إنما رضي بالحصة القليلة مع هذا الشرط».

قلت: لا يخفى عليك ما في الذي جعله مقتضى النظر، فإن التزام تسلط المالك و العامل بعد العمل على الفسخ بفوات الشرط، و أخذ المالك تمام الربح، و العامل أجرة


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 26، ص: 343

المثل مما لا يمكن التزام فقيه له، فالتحقيق عدم مدخلية الشرط في ذلك، إنما الكلام في حكمه بالنسبة إلى وجوب الوفاء به، و عدمه،

فيحتمل الأول، لكن بمعنى الوجوب المشروط بالبقاء على العقد، و عدم إنشاء فسخه، لكونه حينئذ كنفس مقتضى العقد، إذ هو من توابعه، و بهذا المعنى يندرج في قوله تعالى (1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» بناء على كون المراد منه الأمر بالوفاء بمقتضى كل عقد لم يحصل له فاسخ جائز و لازم و في

قوله «المؤمنون عند شروطهم»

و يحتمل الثاني لا بمعنى تسلطه على فسخ العقد بل على معنى عدم وجوب الوفاء به و إن لم يفسخ العقد، للأصل السالم عن معارضة الآية المراد منها العقود اللازمة، لظهور الأمر فيها بالوجوب المطلق و كذا

قوله: «المؤمنون عند شروطهم»

المراد منه بيان صحة أصل الاشتراط، و أما اللزوم و عدمه فيتبع العقد الذي تضمن الشرط، فإن كان لازما وجب الوفاء بالشرط، لكونه حينئذ من توابع العقد، و الا لم يجب بل يكون حينئذ شبيه الوعد.

و لعل هذا مراد الشيخ و الفاضل في التحرير من المحكي عنهما، لا أن المراد عدم لزوم الوفاء بالعقد- باعتبار جواز العقد، و إلا فالوفاء به واجب حال عدم فسخ العقد- إذ هو كما ترى لا دليل عليه، بل المعلوم خلافه ضرورة عدم كون الشرط أولى من مقتضى العقد الذي لا يجب الوفاء به و ان لم يفسخ العقد، فإن من استودع أو وكل أو استعار أو ضارب: أي جاء بعقد من هذه العقود، لا يجب عليه

الوفاء بمقتضى ذلك، فيأخذ الوديعة مثلا، و يفعل ما وكل و يتناول العارية، و يأخذ عين مال القراض فالشرط أولى، و منه يعلم حينئذ أنه هو مراد الشيخ و الفاضل فيما ذكراه من عدم لزوم الوفاء به و هو لا يخلو من قوة، و الله العالم.

و على كل حال ف لو اشترط على العامل أن لا يشتري إلا من زيد، أو لا يبيع إلا على عمرو صح لأن الناس مسلطون على أموالهم و كذا لو قال: له على أن لا تشتري إلا الثوب الفلاني مثلا أو ثمرة البستان الفلاني


1- 1 سورة المائدة:- 1.

ج 26، ص: 344

سواء كان وجود ما أشار إليه عاما أو نادرا لما عرفت خلافا لبعض العامة فلم يجوز الأخير و هو واضح الضعف.

نعم لو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه كالشجر أو الغنم قيل: يفسد بل لم أجد من جزم بالصحة من أصحابنا و ذلك لأن مقتضاه أي القراض الاشتراك في الربح الحاصل من التصرف في رأس المال و إن تبعه النماء أيضا في بعض الأحوال لا حصره في الربح الحاصل من نماء المال مع بقاء عينه، لا أقل من الشك في تناول الإطلاقات له و الأصل الفساد و لكن مع ذلك فيه تردد مما سمعت، و من إمكان منع اعتبار ذلك في القراض الذي هو دفع المال من ربه، و العمل من العامل و الاشتراك فيما يحصل من ذلك، سواء كان نماء فعل أو مال، إذ هو أيضا مسبب من فعل العامل الذي هو شراء ذي النماء، لكن يقوى في النظر الأول.

نعم لو قال له: اشتره و ما يحصل من ارتفاع قيمته و من نمائه فهو بيننا، فالأقوى الصحة، لإطلاق الأدلة، كما لو أنه اتفق نماء أعيان المضاربة قبل بيعها، شارك في النماء قطعا، و دعوى- اعتبار شراء مع بيع و لو مرة في المضاربة- واضحة المنع، و بذلك ظهر لك أن لشركة العامل في النماء صورا ثلاثة إحداها معلومة الصحة، و الثانية مظنونة، و الثالثة يشك في شمول الإطلاق لها، و الأصل الفساد، كما أنه ظهر لك من ذلك ما في المسالك و غيرها فلاحظ و تأمل.

و إذا أذن له في التصرف بمعنى أنه عقد معه عقد المضاربة مثلا و أطلق تولى بإطلاق الإذن المستفادة من العقد ما يعتاد بالنسبة إلى مثل تلك التجارة، و مثل ذلك العامل في مثل ذلك المكان و الزمان ما يتولاه المالك و غيره من عرض القماش، و النشر و الطي، و إحرازه و قبض الثمن، و إيداعه الصندوق، و استيجار من جرت العادة باستئجاره، كالدلال و الوزان و الحمال (11) و غير ذلك مما لا يمكن تحديده بالتعداد عملا بالعرف (12) الذي هو الضابط لذلك و (13) حينئذ ف لو استأجر ل (14) مثل الأول (15) الذي جرت العادة بمباشرته ضمن الأجرة، (16) بل يمكن ضمانه العين لو فرض تلفها بذلك.

ج 26، ص: 345

و لو تولى الأخير الذي جرت العادة بالاستيجار له بنفسه قاصدا للتبرع لم يستحق أجرة أما مع قصد الرجوع فقد يقوى استحقاقها، بناء على تناول الوكالة لمثل نفسه، بل قد يقوى استحقاقه إياها مع الخلو عن القصد، لقاعدة احترام عمل المسلم المتقدمة و الله العالم.

و لا ينفق العامل في الحضر عندنا شيئا من مال القراض و إن قل، حتى فلس السقاء، لأصالة حرمة التصرف في مال الغير.

نعم له أن ينفق في حال السفر كمال نفقته من مأكل و مشرب و ملبس و مسكن، و نحو ذلك مما هو داخل في النفقة من أصل المال على الأظهر الأشهر بل المشهور في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في محكي الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

صحيح على بن جعفر(1)«عن أخيه أبي الحسن عليه السلام في المضارب ما أنفق في سفره، فهو من جميع المال، فإذا قدم بلده، فما أنفق فمن نصيبه»

و نحوه خبر السكوني (2)عن أمير المؤمنين عليه السلام خلافا للمحكي عن بعض، من كون جميع نفقته على نفسه، كالحضر، للأصل المقطوع بما عرفت، فالعمل عليه حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم عن آخر أن له تفاوت ما بين نفقة السفر و الحضر، و هو مخالف لظاهر النص أيضا، المعتضد بما سمعت، و المراد بالسفر هنا العرفي، لا الشرعي الذي هو في الحقيقة أحد أفراد السفر، قد علق الشارع عليه بعض الأحكام الخاصة، كقصر الصلاة و الإفطار و

نحوهما، كما أنه أجرى أحكام الحضر عليه مع الإقامة و التردد ثلاثين يوما، و إن بقي معهما صدق اسم السفر الذي يجرى عليه الحكم هنا، لكونه عنوانه يدور معه وجودا و عدما.

نعم في المسالك و غيرها يجب الاقتصار منه على ما يحتاج إليه للتجارة، فلو أقام زيادة عنه فنفقته عليه خاصة، قلت: هو كذلك ما لم يكن لخوف طريق مثلا، أو حبس ظالم أو نحو ذلك مما يتعلق بالتجارة، و لذا قال في التذكرة: «لو أقام في


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1- و ذيله.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1- و ذيله.

ج 26، ص: 346

طريقه فوق مدة المسافرين في بلد للحاجة لجباية المال أو لانتظار الرفقة أو لغير ذلك من المصالح لمال القراض، كانت النفقة على مال القراض أيضا، لأنه من مصلحة القراض أما لو أقام للراحة أو للتفرج أو لتحصيل مال له أو لغير مال القراض، فإنه لا يستحق عن تلك المدة شيئا من مال القراض للنفقة، أما لو أقام للتجارة أو لأمر آخر بحيث يكون كل منهما علة تامة في المكث ففي اختصاص النفقة في مال القراض- للإطلاق و عدمه للأصل و التوزيع- أوجه، أقواها الأول، كما أن أقواها الأخير لو تركب الداعي منهما، بحيث يكون كل منهما جزء العلة، و المراد بالنفقة ما يحتاج إليه فيه من مأكول و مشروب و ملبوس و مركوب، و آلات ذلك كالقربة و الجوالق، و أجرة المسكن و نحو ذلك مما هو داخل في اسم النفقة الآتي إنشاء الله تفصيلها في النفقات.

و حينئذ فليس المراد مؤنته المندرج فيها جوائزه و عطاياه و ضيافاته، و غير ذلك مما مر بيانها في كتاب الخمس، و بذلك يظهر لك أن معنى قوله عليه السلام «ما أنفق» ما يذهب منه نفقة له، لا أن جميع ما يتلفه، و هو الموافق للأصل.

نعم يراعى فيها كغيرها من النفقات ما يليق بحاله عادة على وجه الاقتصاد فلو أسرف حسب عليه، و إن اقتر لم يحسب له، لأنه لم ينفق ذلك، و على كل حال فإذا عاد من السفر فما بقي من أعيان النفقة و لو من الزاد يجب رده على التجارة، كل ذلك ما لم يشرط عليه عدمها، و الا لم يجز للعامل، و لو أذن له بعد ذلك فهو تبرع محض، و لو شرطها على المالك فهو تأكيد، و يقوى حينئذ وجوب تعيينها حذرا من الجهالة، بناء على اعتبار عدمها في مثل المقام، و لعله لا يخلو من نظر، بل ربما قيل بعدم وجوب ضبطها حتى على الأول، لكونها ثابتة بأصل الشرع فلا يزيد الاشتراط على الثابت بالأصل، و إن كان فيه ما لا يخفى، ضرورة عدم رجوع ذلك إلى شي ء من العقد مع عدم الاشتراط بخلافه معه.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى عدم اعتبار ثبوت ربح في النفقة، بل ينفق و لو من أصل المال إن لم يكن ربح، لكن لو ربح بعد ذلك أخذت من الربح مقدمة على حق العامل، ضرورة كون ذلك كالخسارة اللاحقة للمال التي يجب جبرها بما يتجدد من

ج 26، ص: 347

الربح، كما أومى إليه في التذكرة بقوله: «و القدر المأخوذ في النفقة يحسب من الربح، و إن لم يكن هناك ربح فهو خسران لحق المال» و كذا في المسالك قال: «و لا يعتبر في النفقة ثبوت ربح، بل ينفق و لو من أصل المال إن لم يكن ربح و إن قصر المال.

نعم لو كان ربح فهي منه مقدمة على حق العامل» لكن في الرياض «و لا يعتبر في ثبوتها حصول الربح، بل ينفق و لو من الأصل، لإطلاق الفتوى و النص، و مقتضاهما الإنفاق من الأصل و لو مع عدم حصول التبرع، و لكن ذكر جماعة أنها منه دون الأصل، و عليه فلتقدم على حصة العامل».

و هو من غرائب الكلام إن أراد بالأول إخراجها من الأصل، حتى لو تجدد بعد ذلك ربح، خصوصا بعد ما سمعته من الفاضل، و ثاني الشهيدين من أنها منه مقدمة على حق العامل، و إن قلنا بخروجها من الأصل، حال عدم الربح، فالتحقيق حينئذ ما عرفته، من أنه ينفق و لو من أصل المال، لكن متى تجدد ربح جبر المال بمقدار ما أنفق منه، ثم إن بقي ربح أخذ حصته، و إلا فلا، و هو الموافق للتأمل في النص و الفتاوى، لا ما سمعته منه، و لا أنه ينفق حال عدم الربح من أصل المال، و حال وجود الربح منه من غير جبر للأول.

نعم إن لم يكن ثم إجماع أمكن القول بأن النفقة إنما تكون للعامل، حيث يكون ربح في المال يحتملها، أو بعضها، فتخرج حينئذ منه على المالك و المضارب، و إلا فلا نفقة له، كما أن نفقته حال الحضر من نصيبه خاصة، و لعله أوفق بالأصل و النص، إلا انا لم نجده قولا لأحد، و إن أراد ذلك في الرياض بما حكاه عن جماعة كان مطالبا لتعيينهم كما لا يخفى على من لاحظ و تأمل.

و على كل حال فإنما يستحق العامل النفقة في السفر المأذون فيه، فلو سافر إلى غيره أى بتجاوز المأذون أو إلى غير جهته فلا نفقة، و إن كانت المضاربة باقية، هذا و في المسالك و غيرها أن مئونة المرض و الموت في السفر محسوبتان على العامل خاصة لأنهما لم يتعلقا بالتجارة، و هو كذلك بالنسبة إلى الموت، بل و المرض إذا كان على وجه لا عمل له في المال معه، أما إذا كان مرضا لا يمنعه من العمل بالمال، فلا ريب في

ج 26، ص: 348

استحقاقه النفقة في تلك الحال.

نعم قد يشكل دخول مثل الدواء و نحوه في النفقة، و قد حققنا ذلك في النفقات من كتاب النكاح، من أراده فليلحظه، فإن الظاهر اتحاد البحث في المقامين بالنسبة إلى ذلك.

و كيف كان ف لو كان لنفسه مال غير مال القراض فالوجه عند المصنف و جماعة التقسيط لان السفر لأجلهما، فنفقته عليهما، و هل هو على نسبة المالين أو العملين؟ وجهان: أجودهما في المسالك تبعا لجامع المقاصد الأول، لأن استحقاق النفقة في مال المضاربة منوط بالمال، و لا نظر إلى العمل، و من هنا اتجه تفريع المصنف ذلك على ما ذكره أولا، لكن أورد عليه في الأخير أنه يقتضي أن لا يستحق نفقة أصلا، لو أخذ مضاربة في حال السفر.

ثم إن الظاهر جريان التقسيط على القول الآخر الذي هو وجوب ما زاد على نفقة الحضر، ضرورة كونها حينئذ هي التي تقسط على المالين أو العملين، فما عن فخر المحققين- من عدم جريان ذلك على هذا القول، بل تكون النفقة على نفسه، لكونه كالحاضر باعتبار اشتغاله بمال نفسه، و إن استصحبه مال القراض- غير واضح، و التعليل المذكور يسقطها على القول الأخر أيضا، و من هنا حكي عن السيد العميد أنه جعل احتمالي سقوط النفقة و ثبوت التفاوت بين حالي الحضر و السفر خاصة في عبارة القواعد من توابع الفرض، و هو ما لو كان معه مال آخر لنفسه، و ربما يؤيد الاحتمال الأول، بظهور خبر النفقة في الذي ليس معه إلا مال المضاربة، فبقي محل الفرض مندرجا تحت الأصل.

نعم يندرج في النص المضارب الذي معه مضاربات متعددة، ضرورة صدق كونه مضاربا، و التوزيع حينئذ متجه فيه، إما لأن

قوله عليه السلام (1)«من جميع المال»

يشمل مال الجميع على جهة النسبة، أو لأن اختصاصه بمال دون آخر ترجيح بلا مرجح مع أن علة الاستحقاق صدق وصف المضاربة المتحققة في الجميع، فلا عدل حينئذ


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام المضاربة- الحديث- 1.

ج 26، ص: 349

إلا التوزيع بعد تعذر التكرار، و قيمة النفقة ليست نفقة، بل قد يدعى انسياقه من أمثال ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ نظائره في النفقات، كما أنه قد يدعى انسياق ذلك أيضا حتى لو كان مال لنفسه مع مال القراض، لا سقوط النفقة، ضرورة صدق كونه مضاربا معه، إلا أنه لما كان السفر ليس للقراض خاصة، اتجه التوزيع المزبور.

و على كل حال ففي كونه على قدر الأموال أو الأعمال البحث السابق هذا. و في المسالك بعد أن ذكر التوزيع في القراضين قال: «و لا فرق في ذلك بين أن يكون قد شرطها على كل واحد منهما أو أطلق، بل له نفقة واحدة عليهما على التقديرين، لأن ذلك منزل على اختصاص المشروط عليه بالعمل، هذا مع جهل كل واحد منهما بالآخر، أما لو علم صاحب القراض الأول، بالثاني، و شرط على ماله كمال النفقة جاز، و اختصت به، و لا شي ء على الثاني».

و قد تبع بذلك الكركي قال: «لو شرط في القراض النفقة فأخذ من آخر قسط لان ذلك منزل على اختصاصه بالعمل له، و كذا لو شرطا، و لو شرط أحدهما و أطلق الآخر فإن علم الأول بالقراض، فالنفقة من ماله خاصة، عملا بالشرط» و هو قد تبع بذلك الفاضل في التذكرة قال فيها: «فان شرط صاحب المال الأول النفقة من مال القراض، مع علمه بالقراض الثاني جاز، و كان نفقته على الأول، و إذا لم يعلم بالقراض الثاني بسطت النفقة و إن كان قد شرطها الأول لأنه إنما أطلق له النفقة بناء على اختصاص عمله به، لانه الظاهر».

قلت قد عرفت في السابق أن شرط النفقة إنما هو مؤكد لثبوتها بدونه، فصورة الشرط حينئذ كصورة الإطلاق بالنسبة إلى ذلك، و لا ريب في التوزيع مع الإطلاق فيهما و إن علم أحدهما بالاخر.

نعم لو أريد من الشرط الاختصاص بالنفقة على من عليه الشرط، اتجه ذلك، إلا أنه لا فرق معه بين صورتي الجهل و العلم حينئذ، و دعوى انسياق ذلك من الشرط حال العلم، دون الجهل لا شاهد لها، و الله العالم.

و لو أنفق صاحب المال مسافرا مثلا فانتزع المال منه بقصد فسخ

ج 26، ص: 350

المضاربة فنفقة عوده منه خاصة لارتفاع وصف المضاربة الذي هو سبب استحقاق النفقة، و لا غرر، بعد دخوله على العقد الجائز الذي هو معرض ذلك و نحوه، فما عن بعض العامة من ثبوتها واضح الضعف.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أن للعامل ابتياع المعيب و الرد بالعيب و أخذ الأرش نعم كل ذلك و نحوه مع الغبطة لأن الغرض الذاتي هنا الاسترباح الذي يحصل بالصحيح و المعيب، فلا يتقيد إطلاقها حينئذ بالأول، و إن كان هو كذلك في إطلاق الوكالة، المحتمل إرادة القنية التي لا يناسبها المعيب، و كذلك الكلام في الرد بالعيب، و أخذ الأرش.

و لكن مع هذا قد ذكر غير واحد من الأصحاب أنه يقتضي إطلاق الإذن هنا البيع نقدا بثمن المثل من نقد البلد لانه المتعارف في التجارة لتحصيل الربح، إذ في النسيئة من التغرير بالمال ما لا يخفى، كالتضييع بالبيع بدون ثمن المثل و احتمال الكساد في بيع العروض، لكن في المسالك و غيرها المناقشة في الأخير بأن «المضاربة تفارق الوكالة في بعض المطالب، لان الغرض الأقصى منها تحصيل الربح، و هو قد يكون بالعروض، فالأقوى جوازه بها مع الغبطة» إلى أن قال: «و لو أذن له في شي ء من ذلك عموما أو خصوصا «كتصرف كيف شئت» و بحسب رأيك و نظرك و نحو ذلك، فإنه يجوز له البيع بالعروض قطعا، أما النقد و ثمن المثل فلا يخالفهما إلا بالتصريح» و ما أبعد ما بينه و بين فاضل الرياض حيث جعل المدار على حصول المصلحة مع الإطلاق، و إن كان فرضها في نحو البيع بدون ثمن المثل نادرا، و ظني أنه لا موافق له على ذلك، و إن كان قد يتوهم من بعض العبارات.

و التحقيق أنه لا وجه للتوقف مع المصلحة، إذا كان الإذن على وجه العموم، فله البيع نسيئة و بدون ثمن المثل، أما مع الإطلاق فالمدار حصولها في الأفراد المتعارفة بين التجار في تحصيل الأرباح، و أما النادر و إن فرضت فيه المصلحة فلا يدخل في الإطلاق، إذ ليس العنوان الإذن في عمل كل ما فيه مصلحة، و إنما هو الإطلاق المنصرف إلى الافراد المتعارفة التي منها نقصان ما يتسامح به الناس، و الله العالم.

ج 26، ص: 351

و على كل حال فقد ذكر المصنف و غيره أنه لو خالف ما دل عليه اللفظ لم يمض إلا مع إجازة المالك لكونه تصرفا قد وقع بدون اذن المالك، و هو غير باطل عندنا، و إنما هو فضولي، فإن أجاز نفذ لكن في المسالك تبعا لجامع المقاصد «إنه مع الإجازة بأن قدر على تحصيل النسيئة، و إلا ضمن الثمن، لثبوته بالبيع الصحيح، لا القيمة، و مع عدمها يجب استرداد العين مع الإمكان، و إلا ضمن قيمة المبيع أو مثله، لا الثمن المؤجل و إن كان أزيد، و لا التفاوت في صورة النقيصة لأنه مع عدم الإجازة بيع باطل، فيضمن للمالك عين ماله الذي تعدى فيه و سلمه من غير إذن شرعي».

قلت: قد يناقش في ضمانه بأنه مع إجازة المالك و رضاه بالبيع نسيئة، صار الثمن الذي في ذمة المشتري له برضاه، و لم يحصل من العامل ما يقتضي ضمانه، بل لعل ذلك كذلك في الغاصب إذا باع المغصوب نسيئة، ثم ندم الغاصب فأجاز المالك ذلك و رضي بالثمن الذي في ذمة المشتري أن يكون له، خرج الغاصب من الضمان، و لا ينتقل ضمان العين الذي كان عليه إلى الثمن الذي لم تستولى يده عليه، و كأن ذلك كله لا إشكال فيه بمقتضى المعلوم من القواعد.

اللهم إلا أن يقال: إن ما نحن فيه مما تسمع تظافر النصوص و الفتاوى به، من ضمان العامل إذا خالف ما اشترط عليه المالك، و إن بقيت المضاربة صحيحة و الربح بينهما، إذ لا فرق في المخالفة بين الشرط الصريح، أو المفهوم من الإطلاق، فكما لو قال له: اشتر مثلا تمرا، فخالف و اشترى غيره كان ضامنا، و لكنه صحيح و الربح بينهما- كما ستعرف، فكذلك ما نحن فيه، المستفاد من انسياق الإطلاق بل هو أولى بذلك، و الله العالم.

و كذا يجب مع الإطلاق أن يشتري العامل بعين المال لأنه المفهوم أو المتيقن منه، خصوصا بعد ملاحظة احتمال عدم إرادة المالك التجارة بغير المال الذي دفعه، و الشراء بالذمة قد يؤدى إلى وجوب دفع غيره، كما في صورة تلف مال المضاربة قبل الوفاء.

ج 26، ص: 352

و حينئذ ف لو خالف و اشترى في الذمة للمالك لم يصح البيع إلا مع الاذن فيه، و لو لاحقا، لكن قد يشكل ذلك باقتضاء الإطلاق عرفا الشراء بالذمة على وجه الحلول، و إرادة الدفع من مال المضاربة، كما هو المتعارف بين الناس، من غير فرق بين الملاك و العمال و الوكلاء و غيرهم.

نعم ليس له الشراء في الذمة على إرادة الرجوع عليه بغير مال المضاربة، فإنه ليس في الإطلاق ما يشعر بالإذن بذلك، و يمكن إرادة الأصحاب المنع عن هذا بالخصوص لا ما يشمل الأول الذي قد يتسامح في العرف بجعله من الشراء بالعين، فإذا اتفق عروض ذلك من العامل، و فرض تلف مال المضاربة، أدى المالك من غيرها حينئذ، لما عرفته من تناول الإطلاق الإذن على الوجه المزبور، المفروض وقوعه.

و من ذلك يعلم ما في التعليل المذكور، كما أن منه يعلم أنه مع تأدية المالك في الفرض المزبور من غير مال المضاربة، يكون ذلك من مال القراض، لما عرفته من اقتضاء الإطلاق ذلك، كما عن الشيخ في المبسوط التصريح به، و إن حكي عنه أنه حكي فيه و في الخلاف أقوالا غير محصلة، لا فائدة في ذكرها، كما لا محصل معتد به لما أطنب به في الرياض من ذكر الإشكال المزبور، و الجواب عنه، و النظر في الجواب فلاحظ و تأمل.

و على كل حال ف لو اشترى العامل في الذمة بينة أنه للمالك لا معه أي الإذن منه، لا سابقا و لو من الإطلاق المزبور، و لا لاحقا و لكن لم يذكره أي المالك على وجه يفهم البائع أن البيع له تعلق الثمن بذمته ظاهرا (11) و ان كان هو فاسدا في نفس الأمر، و يجب عليه التخلص من البائع بمقاصة و نحوها.

نعم لو وقع الشراء منه بلا نية أنه للمالك، أو لنفسه تعلق الثمن بذمته ظاهرا و واقعا، و كان الربح له، كما لو نوى لنفسه، لظهور المعاملة في ذلك، حتى لو فرض كونه مأذونا في الشراء في الذمة للمالك، لكن لا ينصرف الشراء في نفس الأمر عمن وقعت المعاملة له الا بينة أنه له، كما هو واضح، فما في الرياض- من الوقوع للمالك

ج 26، ص: 353

في هذه الصورة- واضح الضعف، الا أن فيما حضرني من نسخته غير نقية من الغلط.

نعم لو كان قد نوى المالك ثم أجاز كان له، بل ربما ظهر من المقداد كونه مال قراض حينئذ، كما أنه يبطل مع ذكره له لفظا، و عدم اذنه سابقا و لاحقا، و بذلك كله بان لك صور المسألة و أحكامها، لكن الإنصاف عدم خلو جعله مال قراض مع الإجازة اللاحقة و أداء الثمن من غير مالها من اشكال، أو منع و الله العالم.

و لو أمره بالسفر إلى جهة فسافر الى غيرها أثم و ضمن المال، لتعديه، و ان نفذ بيعه، و كان الربح بينهما، إذ لا منافاة بين ذلك، و بين المنع من السفر، لكونه مأذونا في التجارة من حيث هي تجارة، و ان لم يجز له السفر، فإن المنع من أحد المتقارنين لا يقتضي بمجرده المنع من الآخر، بل هو كذلك حتى في صورة الإطلاق فإن الظاهر عدم استفادة الإذن منه في السفر، كما صرح به غير واحد، بل في جامع المقاصد نسبته إلى علمائنا، لما فيه من التغرير بالمال، خلافا لبعض العامة، من غير فرق بين خوف الطريق و أمانه، و على كل حال فلا اشكال و لا خلاف عندنا في الحكم المزبور.

و

في الصحيح (1)عن أحدهما «سألته عن رجل يعطي المال مضاربة و ينهى أن يخرج، قال: يضمن المال و الربح بينهما».

و في صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يعطي للرجل المال فيقول:

ائت أرض كذا و كذا و لا تجاوزها، و اشتر منها؟ قال: فإن جاوزها و هلك المال فهو ضامن، و ان اشترى متاعا فوضع فيه، فهو عليه، و ان ربح فهو بينهما».

و في خبر أبي بصير(3)عنه عليه السلام أيضا «في الرجل يعطى الرجل مالا مضاربة و ينهاه أن يخرج به الى أرض أخرى، فعصاه قال: هو ضامن، و الربح بينهما إذا خالف شرطه و عصاه».


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 10.

ج 26، ص: 354

و

خبر أبي الصباح (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المضاربة، يعطي الرجل المال يخرج به الى أرض، و ينهى أن يخرج به الى غيرها، فعصى فخرج به الى أرض أخرى فعطب المال؟ فقال: هو ضامن، و ان سلم فهو بينهما».

بل

في صحيح الحلبي (2)عنه أيضا أعم من ذلك قال: «في المال الذي يعمل به مضاربة، له من الربح، و ليس عليه من الوضعية شي ء الا أن يخالف أمر صاحب المال، فإن العباس كان كثير المال، و كان يعطي الرجال يعملون به مضاربة، و يشترط عليهم أن لا ينزلوا بطن واد، و لا يشتروا ذا كبد رطبة، فإن خالفت شيئا مما أمرتك به فأنت ضامن للمال»

و في صحيحه الآخر(3)عنه أيضا «في الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة، فيخالف ما شرط؟ قال: هو ضامن، و الربح بينهما».

و في خبر أبي الصباح (4)عنه أيضا «في الرجل يعمل بالمال مضاربة؟ قال: له الربح و ليس عليه من الوضيعة شي ء، الا أن يخالف عن شي ء مما أمره صاحب المال»

بل

في صحيح جميل (5)عنه أيضا «في رجل دفع الى رجل مالا يشترى به ضربا من المتاع مضاربة فذهب فاشترى غير الذي أمره قال هو ضامن و الربح بينهما على ما شرط».

و اليه أشار المصنف بقوله أو أمره بابتياع شي ء بعينه فابتاع غيره ضمن، و لو ربح و الحال هذه كان الربح بينهما بموجب الشرط الا أنه أشكله بمخالفته القواعد المعلومة، ضرورة عدم الدخول في الملك مع عدم الإذن لاحقا و سابقا، فكيف يتجه استحقاق الربح حينئذ، و من هنا جمد بعض الناس على ما في النصوص، و لعل اقتصار المصنف على هذين الصورتين لذلك، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته من النصوص الدالة على الأعم من ذلك، و هو كل شرط قد خولف، و هو الذي جزم به غير واحد، قائلا أنه لا بأس بتخصيص القواعد بهذه النصوص المعمول عليها بين الأصحاب إلا أنه كما ترى أيضا.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 9.

ج 26، ص: 355

و يمكن تنزيل هذه النصوص على إرادة بقاء الإذن في المضاربة، و إرادة الضمان من الاشتراط، كما يومي إليه ما في ذيل صحيح

الحلبي السابق، و خصوصا ذكره عليه السلام له بعنوان التعليل للحكم، بل لعل ذلك هو المعروف فيما بينهم سابقا من الشرط كما عساه يومي إليه

خبر رفاعة(1)عن ابى عبد الله عليه السلام «في مضارب يقول لصاحبه إن أنت أذهبته أو أكلته، فأنت له ضامن؟ قال: هو له ضامن إذا خالف شرطه»

هذا.

و في المسالك «يجب تقييد المخالفة في جهته بما إذا بيع المتاع في تلك الجهة بما يوافق قيمته في الجهة المعينة أو يزيد، فلو كان ناقصا لا يتغابن بمثله لم يصح، كما لو باع بدون ثمن المثل» و مثله في جامع المقاصد و زاد «أنه إذا أجاز المالك كان الثمن مضمونا».

قلت: قد يقال بالصحة من غير احتياج إلى الإجازة، لما سمعته من النصوص أن البيع صحيح مع المخالفة، و لكنه ضامن للوضيعة، و لا ريب أن محل الفرض من ذلك، و الله العالم.

و كيف كان فبموت كل منهما تبطل المضاربة، لأنها في المعنى وكالة التي هي كغيرها من العقود الجائزة، نحو العارية و الوديعة تنفسخ بالموت و الجنون و الإغماء، و نحو ذلك مما يقتضي بطلان الأذن من المالك التي هي بمنزلة الروح لهذا العقد و شبهه، بل ظاهر الأصحاب في المقام و غيره عدم تأثير إجازة الوارث أو ولي المالك في حال الجنون و

الإغماء، لتصريحهم بالانفساخ بعروض أحد هذه العوارض، و حينئذ فإذا أريد تجديدها مع وارث أحدهما اشترط في الثانية شروط الأولى من إنضاض المال دراهم و دنانير و غير ذلك كما هو واضح.

ثم إن كان الميت المالك، و كان المال ناضا لا ربح فيه أخذه الوارث، و إن حصل فيه ربح اقتسماه، و ليس لأحد من الغرماء مزاحمة العامل في حصته، لما ستعرف إنشاء الله من ملكه لها بالظهور، فكان شريكا للمالك، و إن كان المال عروضا، ففي المسالك «إن


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 8.

ج 26، ص: 356

للعامل بيعه إن رجي الربح، و إلا فلا، و للوارث إلزامه بالإنضاض إنشاء مطلقا» و فيه أنه ليس للعامل البيع من دون إذن الوارث الذي قد انتقل اليه و إن رجي الربح، كما أنه ليس للوارث إلزامه بالإنضاض مطلقا بعد انفساخ المضاربة، اللهم إلا أن يقال:

إنه حق للميت، فينتقل إلى وارثه.

و إن كان الميت العامل، فإن كان المال ناضا و لا ربح أخذه المالك، و إن كان فيه ربح دفع إلى الورثة حصصهم منه، و لو كان هناك متاع و احتيج إلى البيع و التنضيض فإن أذن المالك للوارث فيه جاز، و إلا نصب الحاكم أمينا يبيعه، فإن ظهر فيه ربح أوصل حصة الوارث، و إلا سلم الثمن للمالك و الله العالم.

[الأمر الثاني في مال القراض ]

اشارة

الأمر الثاني: في مال القراض و من شرطه أن يكون عينا فلا يجوز بالدين و أن يكون دراهم أو دنانير بلا خلاف أجده في شي ء منه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما قيل:

من أصالة الفساد هنا، السالمة عن معارضة(1)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(2)

«و المؤمنون عند شروطهم»

و نحو ذلك مما عرفت إرادة العقود اللازمة منه، و عن الإطلاقات التي لم تسق لبيان ما تجوز به المضاربة، و إنما هي في معرض أحكام أخر، و إن كان لا يخلو من تأمل، ضرورة الإكتفاء(3)«بتجارة عن تراض» و نحوه في ذلك بعد الإغضاء عن دعوى عدم إطلاق صالح، و لكن الأمر سهل بعد الإجماع المزبور.

و منه يعلم أنه لا وجه لقول المصنف و في القراض بالنقرة التي هي القطعة المذابة من الذهب و الفضة تردد ضرورة عدم كونها حينئذ منهما، و من هنا لم نعرف مخالفا في عدم الجواز بها، بل و لا مترددا غير المصنف.


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
3- 3 النساء: 29.

ج 26، ص: 357

نعم في المسالك «ربما أطلقت النقرة على الدراهم المضروبة من غير سكة، فإن صح هذا الاسم كان التردد من حيث أنها قد صارت دراهم و دنانير، و إنما تخلف السكة و هي وصف في النقدين ربما لا يقدح، خصوصا إذا تعومل بها على ذلك الوجه، مع أنه أيضا كما ترى، بعد

معلومية كون الدرهم و الدينار حقيقة في المسكوك للمعاملة و تخلف السكة قادح باعتبار اقتضائه انتفاء صدق اسم الدرهم و الدينار، و التعامل بغير المنقوش أو المنقوش لا للمعاملة، لا يحقق الاسم المزبور، و لو سلم تحقق الاسم بناء على أنه للأعم من المسكوك للمعاملة، فليس حينئذ إلا الصحة.

و على كل حال فلا وجه للتردد بعد الجزم بشرطية الدرهم و الدينار و الله العالم.

و كذا لا يصح بالفلوس لفقد الشرط المزبور بل و لا بالورق المغشوش الذي يجب كسره سواء كان فيه الغش أقل أو أكثر إذ المراد به المغشوش بالنسبة إلى تلك السكة في ذلك الزمان، المعبر عنه في زماننا بالقلب، لا أن المراد به ما يشمل المتعارف في زماننا من الشاميات و الشوشيات و غيرهما من النقد المعلوم امتزاجه بغير الفضة، ضرورة صحة المضاربة بها، و وجوب الزكاة، لعدم اعتبار الخلوص في الدرهم و الدينار، و انما هو القطعة المسكوكة للمعاملة، سواء كان خليطا أو لا، و ان اتفق خلوصه في ذلك الزمان، الا أنه أحد الأفراد، كهيئته السابقة، و حينئذ فلا حاجة الى ما في جامع المقاصد من تقييد نحو عبارة المصنف بما إذا لم يكن متعاملا به، أي المغشوش، فلو كان معلوم الصرف بين الناس جازت به المعاملة، و صح جعله مالا للقراض، سواء كان الغش أقل أو أكثر، إذ قد عرفت ارادة المصنف و غيره من المغشوش ما سمعت، لا نحو ذلك كما هو واضح.

و كذا لا يصح بالعروض التي هي غير النقدين من المتاع مطلقا و الأمتعة التي لا يدخلها كيل و لا وزن، و لا يكون حيوانا و لا عقارا، لانتفاء الشرط المزبور كما هو واضح. و كان المصنف ذكر الأول و لم يستغن عنها بالعروض، بناء على التفسير الأول دفعا لتوهم الجواز في النقرة باعتبار كونها مادة للدرهم و الدينار و في الفلوس و نحوها باعتبار كونها مثل النقدين في السكة و المعاملة، فأراد النص

ج 26، ص: 358

عليها بعدم الجواز.

و لو دفع إليه أي إلى العامل آلة الصيد كالشبكة بحصة ثلث مثلا فاصطاد لم يكن مضاربة قطعا، لانتفاء الشرط و لا شركة لعدم الامتزاج، و لا إجارة لعدم معلومية الأجرة، فليس هي إلا معاملة باطلة و حينئذ كان ما اصطاده للصائد الذي قد حازه و لكن عليه أجرة المثل للالة كما هو واضح. نعم في المسالك و غيرها الحكم بكون الصيد للصائد مبني على عدم تصور التوكيل في تملك المباح، و إلا كان الصيد لهما على حسب ما نواه الصائد، و قد سبق الكلام على نظيره، و يبعد بناؤه على أن العامل لم ينو بالتمليك إلا نفسه، لان ظاهر الحال دخوله على الشركة، و حيث يكون الصيد لهما فعلى كل منهما أجرة مثل الصائد و الشبكة بحسب ما أصابه.

قلت: قد تقدم سابقا إمكان اختصاصه بذلك و إن قلنا بصحة التوكيل، بناء على عدمه في المقام، لكون الاذن قد وقعت في العقد الفاسد، فلا اثر لها، و نية الشركة مع عدم الاذن لا تجدي، و دخوله في ملكه يكفي فيه قصده الحيازة، أي دخول الشي ء في حيازته، و الفرض أنه قد تحقق القصد فيه، فيكفي ذلك في دخول الشي ء في ملكه، و ان كان من قصده الشركة التي قد بان فسادها و الله العالم.

و يصح القراض بالمال المشاع بلا خلاف و لا إشكال عندنا، لأنه معين في نفسه، جامع لشرائط الصحة من غير فرق بين وقوع العقد مع الشريك و غيره.

نعم لا بد (11) في مال المضاربة أن يكون معلوم المقدار (12) بعد معرفة الجنس للنهي عن الغرر، و لعدم معرفة الربح من رأس المال، إلا أن ذلك كله في المجهول الذي لا يؤل إلى علم، أما ما يؤل إليه و لو بالعد بعد وقوع العقد و نحوه فقد يشكل بناء على تحقق عموم أو إطلاق في الباب يشمل الفرض، و لو قوله تعالى (1)«إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» لعدم ما يدل على اعتبار العلم هنا، أو البطلان مع


1- 1 النساء: 29.

ج 26، ص: 359

مثل هذه الجهالة، و النهي عن الغرر انما هو في البيع.

اللهم الا أن يقال بأن في بعض النصوص النهي عن الغرر، فيشمل المقام، بل لو سلم تحقق إطلاق في المضاربة يشمل محل الفرض كان التعارض من وجه و الترجيح للأول بفتوى المشهور بذلك، بل و بأنه لا تكفي المشاهدة فيه، و ان زال بها معظم الغرر، لأنها ليست طريقا للعلم فيما اعتبر فيه، و ان حكي عن المرتضى الاكتفاء بها في المقام و غيره، بل هو أحد قولي الشيخ هنا، و هو كذلك لو سلم وجود دليل على اعتبار العلم في المقام و من هنا قيل: يصح مع الجهالة، و يكون القول قول العامل مع التنازع في قدره بل في المسالك «انه في المختلف عن الشيخ القول بجواز المضاربة بالجزاف من غير تقييد بالمشاهدة، و قواه في المختلف محتجا بالأصل، و

قوله عليه السلام (1)«المؤمنون عند شروطهم»

و لا اثر لاقتضاء هذه الجهالة التنازع بعد ان كان القول قول العامل شرعا في قدر الواصل لأن الأصل عدم وصول الزائد اليه.

و التحقيق ان لم يكن ثم إجماع عدم قدح الجهالة التي تؤل الى علم، نحو أن يقع العقد على ما في الكيس مثلا، ثم يعد انه بعد ذلك، لإطلاق الأدلة أو عمومها.

نعم بناء على عدم عموم أو إطلاق مستند اليه مثل ذلك، فلا ريب في أن الأصل الفساد. أما الجهالة التي لا تؤل الى علم فالظاهر عدم جوازها، لعدم إمكان تحقق الربح معها، و هو روح هذه المعاملة فتأمل جيدا. و الله العالم.

و كيف كان فلو أحضر مالين، و قال قارضتك بأحدهما أو بأيهما شئت: لم ينعقد بذلك قراض للإبهام في الأول المانع من تعلق العقد، فإن المبهم لا وجود له في الخارج، و موقوفية العقد مع التخيير إلى حال وقوعه، و ليس في الأدلة حتى الإطلاقات ما يدل على مشروعية ذلك، بل لعل الأدلة قاضية بخلافه، ضرورة ظهورها في سببية العقود و عدم تأخر آثارها عنها، و جعل الخيار كاشفا عن مورد العقد من أول الأمر لا دليل عليه، لكونه مخالفا للأصل، و من هنا لم يحك خلاف


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 26، ص: 360

في البطلان حتى من القائلين بالجواز مع الجهالة و إذا أخذ من مال القراض ما يعجز عنه ضمن مع جهل المالك، كما في المسالك قال «لأنه حينئذ يكون واضعا يده على المال على الوجه الغير المأذون فيه، لأن تسليمه إليه إنما كان ليعمل فيه فكان ضامنا» و نحوه في جامع المقاصد، و في الأول منهما «هل يكون ضامنا للجميع أو للقدر الزائد على مقدوره قولان: من عدم التمييز، و النهي عن أخذه على هذا الوجه، و من أن التقصير بسبب الزائد، فيختص به، و الأول أقوى، و ربما قيل:

إنه إن أخذ الجميع دفعة فالحكم كالأول و إن أخذ مقدوره ثم أخذ الزائد و لم يمزجه به ضمن الزائد خاصة».

و يشكل بأنه بعد وضع يده على الجميع عاجز عن المجموع من حيث هو مجموع، و لا ترجيح الآن لأحد أجزائه، إذ لو ترك الأول و أخذ الزيادة لم يعجز، و قد صرح فيهما بأنه لو كان المالك عالما بعجزه لم يضمن، إما لقدومه على الخطر، أو لأن علمه بذلك يقتضي الإذن له و التوكيل.

ثم قال في المسالك: «و حيث يثبت الضمان لا يبطل العقد به، إذ لا منافاة بين الضمان و صحة العقد، و المراد العجز عن التصرف في المال و تقليبه في التجارة، و هذا يحصل حال العقد، فمن ثم فرق بين علم المالك و جهله، و لو كان قادرا فتجدد العجز وجب عليه رد الزائد عن مقدوره، لوجوب حفظه، و هو عاجز عنه، و إمكان التخلص منه بالفسخ، فلو لم يفسخ ضمن و بقي العقد».

قلت: لعل المتجه في مفروض المسألة الفساد من غير فرق بين حالي العلم و الجهل، و ذلك لمعلومية اعتبار قدرة العامل على العمل في الصحة، نحو ما ذكروه في الإجارة، ضرورة لغوية التعاقد مع العاجز عن العمل الذي هو روح هذه المعاملة، فضلا عن معلومية بطلان وكالة من هو عاجز عن العمل، على العمل العاجز عنه، إذ هو أولى بذلك من الوصي الذي حكموا ببطلان وصايته مع عجزه عن القيام فيما أوصى به، بل الظاهر أن الحكم كذلك بتجدد العجز، فضلا عما كان حال العقد، و من ذلك يظهر لك سقوط جملة من الكلمات السابقة، بل لعل عبارة المتن و القواعد

ج 26، ص: 361

كذلك، بناء على إرادة الضمان مع الصحة منها، بل يقوى البطلان حتى مع إذن المالك في التوكيل للغير، أو الاستيجار، فإن ذلك فرع صحة العقد الذي قد عرفت اعتبار قدرة العامل على العمل المعقود عليه بنفسه، و إن لم يشترط عليه المباشرة، على أنه لو اكتفى بذلك في الصحة لم يكن للضمان حينئذ وجه، ضرورة اقتضاء صحة العقد عدم الضمان إلا ما خرج، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو كان له في يد غاصب مثلا مال فقارضه عليه صح و لم يبطل الضمان السابق، للأصل السالم عن معارضة وقوع عقد القراض الذي لا يلزمه عدمه الضمان، بل يجامعه في كثير من المقامات، و لظهور

قوله عليه السلام (1)«حتى يؤدي»

في بقاء الضمان إلى حال التأدية التي ليس وقوع عقد القراض منها، و كون العين في عقد القراض أمانة، لا ينافي الضمان من جهة أخرى، و رفع اليد عن الغصب ليس وصولا إلى يد المالك، لكن قد تقدم في كتاب الرهن منا تحقيق ذلك على وجه يعلم منه قوة عدم الضمان، و لو من جهة اقتضاء العقد الإذن في دوام القبض.

و ما في المسالك «- من أن مجرد العقد لا يقتضي ذلك، و إنما يحصل الإذن بأمر آخر، و لو حصل زال الضمان- واضح الضعف، و إن حكي عن العلامة في التذكرة مستظهرا لذلك، أن كون المال في يد العامل ليس بشرط في صحة القراض، فلو قال المالك: أنا أبقى المال في يدي و ادفع الثمن كلما اشتريت متاعا صح، إلا أنه كما ترى ضرورة عدم منافاة ذلك على

تقدير تسليمه، لاقتضاء إطلاق العقد ذلك، كضرورة المكابرة في عدم دلالة إطلاق العقد على الإذن في البقاء و العمل به و تقليبه، فإنه إذا لم يكن كذلك لم يبرء حتى ف ي صورة ما إذا اشترى به و دفع المال إلى البائع التي حكم المصنف و غيره، بل في المسالك الإجماع عليه، بأنه متى فعل ذلك برء من الضمان لأنه قد قضى دينه أي المالك بإذنه ضرورة صراحة ذلك تحقق الاذن منه التي هو قد اعترف صريحا بعد ذلك في كلامه بزوال الضمان معها


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 26، ص: 362

حتى أنه حكي عن بعضهم القول بالعدم، و ضعفه بأنه حينئذ وكيل محض، و إن كان له في القبض مصلحة إذ هو كالوكيل بجعل، و بذلك ظهر لك انتقاض كلامه من جميع أطرافه.

و أما القول بعدم زوال الضمان معها أيضا، ففيه- مضافا إلى ما سمعته- أنه أداء إليه، ضرورة دخوله بذلك تحت سلطانه الذي هو معنى اليد، و إن أردت زيادة التحقيق في ذلك فلاحظ ما سلف لنا في كتاب الرهن، و الله العالم.

و لو كان له دين لم يجز أن يجعله مضاربة إلا بعد قبضه بلا خلاف و لا إشكال لما عرفت من اعتبار العينية في مال القراض المنافية للدينية و كذا لو أذن للعامل في قبضه من الغريم ما لم يجدد العقد بعد القبض، إذ هو لم يخرج بالإذن عن كونه دينا.

نعم لو وكله على القبض ثم العقد عليه قراضا فيكون موجبا قابلا عنه صح، بناء على جواز مثل ذلك.

و في المسالك ان في قول المصنف «ما لم. الى آخره» إشارة إلى صحة القبض و ان كان مترتبا على عقد فاسد، و فيه إنه يمكن أن يكون ذلك مبنيا على إجازة القبض عنه، بعد وقوعه، على أن ظاهر العبارة فرض التصريح بالإذن مستقلا، لا المستفادة من العقد الفاسد و الأمر سهل.

[تفريع لو قال بع هذه السلعة فإذا نض ثمنها، فهو قراض لم يصح ]

تفريع.

لو قال بع هذه السلعة فإذا نض ثمنها، فهو قراض لم يصح لأن المال أي الثمن ليس بمملوك عند العقد ضرورة عدم دخوله في الملك قبل وقوع البيع، على أنه مجهول، بل التعليق محقق، فلا إشكال في الفساد، خلافا للمحكي عن بعض العامة من الجواز، فلا ريب في فساده.

و لو مات رب المال و بالمال متاع فأقره الوارث لم يصح لأن العقد الأول بطل بالموت، و ليس هو فضوليا بالنسبة إلى الوارث الذي لم يكن له علقة بالمال حال العقد بوجه من الوجوه، و بذلك افترق عن إجارة البطن الأول العين الموقوفة

ج 26، ص: 363

مدة زادت على حياتهم، فإن الإجارة تصح بإجازة البطن الثاني، لتعلق حق لهم من الواقف، فالإجارة على المدة الزائدة في نفس الأمر لهم، و إن لم يعلم بها حال العقد، بخلاف المقام الذي هو ابتداء ملك للوارث بالموت، و حينئذ فالمدار في الفضولية كون المعقود عليه حال العقد للغير، و لكن الفضولي أجرى العقد عليه، بخلاف نحو المقام الذي هو للمالك، و لكن بالموت ينتقل عنه إلى وارثه، فليس هو في عقده على ماله فضولا عن الغير الذي لا مدخلية له حال العقد، و كذا إجارة الإنسان ماله مدة مات في أثنائها، بناء على انفساخ الإجارة، فإنه لا يجدي في صحة الاستمرار إجازة الوارث.

نعم تجدي إجازة الوارث في مثل الوصية التي هي تصرف بعد الموت الذي هو محل تعلق حق الوارث، و في مثل التنجيز في المرض الذي تعلق فيه حق الوارث، و صحة الإجازة في الأول قبل الموت إنما هو للدليل على أنه في التصرف بعده، و كذا الثاني الذي قد عرفت الحق فيه و هو واضح.

بل لا يصح ابتداء القراض في الفرض الذي قد عرفت امتزاج المال فيه بالعروض حتى في النقد منه خاصة، لعدم ذكر الحصة له، و إنما ذكرت للجميع الذي منه العروض.

نعم لو فرض كون المال ناضا و أراد التجديد عليه لم يكن به بأس، حتى إذا كان بلفظ التقرير، لما عرفت من عدم اعتبار لفظ خاص في مثل هذا العقد، و الله العالم.

و لو اختلفا في قدر رأس المال، فالقول قول العامل مع يمينه سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط أو غيره لأنه اختلاف في المقبوض و في الواصل إليه و الداخل تحت سلطانه بالتصرف فيه، و لا ريب في أن الأصل عدم ذلك بالنسبة إلى الزائد، بل هو في صورة التلف بتفريط، غارم محض، و الأصل براءة ذمته، فيكون هو المنكر، بل ظاهر المتن و غيره أن ذلك كذلك حتى لو فرض ظهور ربح لذلك أيضا.

لكن قد يشكل حينئذ بأن ذلك يؤل من العامل إلى دعوى زيادة استحقاقه في المال المشخص، بل ذلك في الحقيقة اختلاف في قدر استحقاق العامل في المال

ج 26، ص: 364

المخصوص، و لا ريب في أن القول قول المالك فيه، لأصالة عدم استحقاقه الزائد و أصالة عدم ربح للمال، و عدم زيادته، و لأن الأصل مع بقاء المال يقتضي كون جميعه للمالك، بل هو كذلك حتى في صورة التلف بتفريط، إذ المضمون قدر مال المالك، و إذا كان الأصل يقتضي كون الجميع له إلا ما أقر به للعامل، فهو ضامن له حينئذ، إذ الضمان تابع للاستحقاق.

و من هنا جزم في جامع المقاصد و المسالك بأن القول قول المالك في الفرض و استحسنه في الرياض، و لعله الأقوى، و منه يعلم ما عن فخر المحققين من أن القول قول المالك إلا مع التلف بتفريط، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه.

و لو خلط العامل مال القراض بماله بغير إذن المالك خلطا لا يتميز ضمن، لأنه تصرف غير مشروع له ضرورة كونه أمانة في يده، فلا يجوز خلطها كالوديعة، على أن الشركة عيب.

نعم لا يبطل العقد بذلك، فيبقى الربح حينئذ بينهما على حسب الشرط، و إن أثم بذلك العامل و ضمن، هذا كله مع إطلاق العقد، أما مع الإذن في ذلك خصوصا أو عموما فلا بأس به مع المصلحة في الأخير، كما هو واضح.

[الأمر الثالث في الربح ]

الأمر الثالث في الربح و يلزم الحصة منه بالشرط في هذه المعاملة إن نصفا فنصف، و إن ثلثا فثلث دون الأجرة على الأصح الموافق لما هو المشهور، بل المجمع عليه من مشروعيتها، المدلول عليها بقوله تعالى (1)«إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» و غيره و بالمتواتر من السنة المروية من الطرفين، فما عن المفيد و الشيخ في النهاية و سلار و ابن البراج و ظاهر أبي الصلاح من عدم مشروعيتها فليس للعامل حينئذ إلا أجرة المثل، و إن وقع من المالك اشتراط الحصة من الربح، الا أنه من الوعد الذي لا يجب الوفاء به- معلوم البطلان و واضح الفساد. نعم لا بد أن يكون


1- 1 سورة النساء الآية- 29.

ج 26، ص: 365

جميع الربح مشاعا على جهة الشركة بينهما ف لو كان لأحدهما شي ء معين منه و الباقي للآخر بطل إجماعا.

و كذا لو قال خذه قراضا و الربح لي فسد قراضا و ان كان يمكن هنا أن يجعل بضاعة

نظرا الى المعنى إذ قد عرفت أنها المال المدفوع ليعمل به، على أن الربح لمالكه بلا أجرة للعامل، فهي حينئذ توكيل في التجارة تبرعا، لا تختص بلفظ، فمنه اللفظ المزبور، و ان ذكر فيه لفظ القراض الا انه يمكن إرادة البضاعة منه و لو مجازا فإنه أولى من الغائه و لكن مع ذلك فيه تردد من ذلك، و من ظهور اللفظ في إرادة المعنى الحقيقي الذي هو أعم من الصحيح و الفاسد، و هو غير معنى البضاعة الذي هو الإقدام على التبرع في العمل، و ليس في الفرض ما يشعر بذلك بوجه، فدعوى اتحاد المعنى حينئذ واضحة الفساد، كدعوى كون اللفظ لغوا.

و كذا التردد لو قال خذه قراضا و الربح لك (11) بين صيرورته قرضا فالربح كله للعامل، و بين كونه قراضا فاسدا فالربح كله للمالك، و عليه الأجرة للعامل، إلا أنك قد عرفت ما يقوى منه كونه قراضا فاسدا كما هو المشهور، الا أن تقوم قرينة حالية أو مقالية على إرادة الإقدام على التبرع في الأول، و إنشاء التمليك للمال في الثاني، و كأنه لمح الى ذلك في المسالك بقوله هنا «و محل الإشكال إذا لم يقصد القرض و لا القراض، إما بأن لم يقصد شيئا، أو لم يعلم ما قصد، و الا لكان قرضا في الأول، و قراضا فاسدا في الثاني بغير اشكال.

لكن لا يخفى عليك أنه لا دلالة على القصد إلا بظاهر اللفظ الصادر من اللافظ و الفرض صدور الفظ القراض منه، و المنساق من اللفظ حقيقته، فليس حينئذ إلا الحكم عليه بإرادة القسم الفاسد منه.

نعم بناء على اعتبار الشركة في الربح في مفهوم القراض يتجه احتمال إرادة التجوز منه، بإرادة البضاعة و القرض، إلا أن الظاهر اعتبار ذلك في الصحة لا المفهوم، و مع الإغضاء عن ذلك كله فالأصل احترام عمل المسلم، و الأصل تبعية النماء للمال، و عدم

ج 26، ص: 366

إنشاء التمليك بعوض في الذمة، و بذلك يظهر لك ما في قول المصنف.

أما لو قال: خذه فاتجر به و الربح لي كان بضاعة: و لو قال: و الربح لك كان قرضا ضرورة عدم الفرق بين هذا و بين ما تقدم، إلا بعدم وجود لفظ القراض فيه، و لكن ذلك لا يعين إرادة القرض و البضاعة منه، إلا بدعوى انصراف الإطلاق إليهما، أو حمله عليهما و لو لأصالة الصحة كما هو ظاهر المسالك، إلا أنها يمكن منعها.

نعم لو قصد القرض و البضاعة منه لم يكن ثم إشكال، بل لا إشكال في جريان القراض الفاسد عليه إذا قصد به، فإن التصريح بالقراض و نحوه في العقد ليس بشرط، بعد صلاحية العقد له.

و لو اختلفا في العقد المبطل ففي المسالك احتمل تقديم المالك، لأنه أعرف به و العامل نظرا إلى ظاهر اللفظ، و ترجيحا للصحة، و لو اختلفا في ضميمة اللفظ قدم قول مدعي ما يصح معه العقد، لأصالة الصحة و عدم الضميمة.

قلت: لا يخفى عليك عدم إتيان الوجهين بعد تسليم كون ظاهر اللفظ ذلك، ضرورة عدم وجه لمن يدعي خلاف الظاهر بلا قرينة، و إلا لزم من ذلك فساد كثير، كما أنه لا يخفى عليك عدم كون الثاني من مقام مدعي الصحة و الفساد، ضرورة عدم اتفاقهما على حصول المعاملة المخصوصة بينهما، و اختلافهما في الصحة و الفساد، كي يقدم مدعيها على مدعيه، و إنما اختلافهما في أن الواقع بينهما قراض فاسد، أو بضاعة صحيحة، نحو الاختلاف في أن الواقع بينهما بيع فاسد أو إجارة صحيحة، و لعل الوجه في مثله التحالف، فلم يثبت العقد الصحيح حينئذ لمدعيه، و يبقى على الأصل الذي قد عرفت اتحاده في الحكم مع القراض الفاسد، لقاعدة احترام عمل المسلم، و تبعية النماء.

اللهم إلا أن يقال: إن أصالة الصحة أيضا تجري في نحو الفرض، باعتبار اتفاقهما على كون الواقع بينهما أحدهما، و الفاسد منهما ينفي بالأصل، فليس حينئذ إلا الصحيح، أو يقال: إن محل الفرض في عبارة المسالك الاختلاف في ضميمة اللفظ المقتضي للفساد و عدمها، و لا ريب في موافقة الثاني للأصل.

ج 26، ص: 367

نعم قد عرفت الإشكال في الصحة مع عدم اللفظ، اللهم إلا أن يدعى انسياق ذلك من نحو اللفظ عرفا، و هو كما ترى خصوصا بعد ما عرفت من اقتضاء الأصول مع الشك، نتيجة القراض الفاسد و الله العالم.

و لو شرط أحدهما شيئا معينا و الباقي بينهما فسد لا لعدم الوثوق بحصول الزيادة فلا تتحقق الشركة بل لعدم ثبوت ما يدل على الصحة في الفرض، ضرورة اقتصار النص و الفتوى على صحة المشتمل على اشتراك جميع الربح بينهما على جهة الإشاعة بنحو النصف و الثلث و الربع، و ما يؤدى مؤداها، و منهما ينقدح الشك في تناول الإطلاقات له، هذا مع قطع النظر عن ظهور النصوص في البطلان، و لو لظهورها في اعتبار الشركة الإشاعية في جميع الربح، فضلا عن صريح الفتاوى، فحينئذ يبطل القراض و إن وثق بالزيادة، لعدم اشتراك جميع الربح بينهما حينئذ، بعد اختصاص أحدهما بشي ء معين منه، كما هو واضح.

و لو قال خذه على النصف صح لتبادر كون المراد من مثل هذه العبارة أن الربح بينهما نصفين، لا لأن المالك لا يفتقر إلى تعيين حصة للتبعية، و إنما يفتقر إليها العامل الذي قد ذكر أن النصف له، فإنه المحتاج إلى الاشتراك، لما نظر فيه في المسالك بأنه كما يحتمل ذلك، يحتمل أن يكون النصف المذكور للمالك، و الآخر لم يذكره اتكالا على التبعية، فيبطل العقد، و حينئذ افتقاره إلى تعيين حصة العامل لا يقتضي كون اللفظ المشترك محمولا عليه، و ان كان ذلك لا يخلو من نظر، خصوصا بعد ما سلف منه من إمكان تشخيص أصالة الصحة نحو ذلك الا أنه يسهل الخطب ما عرفته من تبادر المعنى المزبور من غير اختصاص لأحدهما و كذا لو قال: خذه على أن الربح بيننا للتبادر المذكور، و من هنا لو اتفقا على ذكر ذلك و اختلفا بالتفاوت يقضى بالربح بينهما نصفين كما في كل مقام ذكر فيه لفظ الاشتراك أو ما يؤدي مؤداه في الإقرار و غيره، فإنه يفهم عرفا منه مع الإطلاق التساوي، فما عن بعض الشافعية- من الحكم بالبطلان لمنع التبادر المزبور فيتجهل العقد- واضح الفساد و الله العالم.

ج 26، ص: 368

و لو قال: خذه على أن لك النصف صح و أما لو قال: على أن لي النصف و اقتصر، لم يصح لأنه لم يعين للعامل حصة و قد قيل: في وجه الفرق إن الربح لما كان تابعا للمال، و الأصل كونه للمالك، لم يفتقر الى تعيين حصته، فإن عينها كان تأكيدا، و أما تعيين حصة العامل فلا بد منه، لعدم استحقاقها بدونه، فإذا قال: النصف لك كان تعيينا لحصة العامل، و بقي الباقي على حكم الأصل، بخلاف العكس فإنه لم يقتض ذلك كون النصف الآخر لغيره، بل هو باق على الأصل أيضا، فيبطل العقد.

قلت: قد يمنع ذلك بدعوى انسياق إرادة كون الربح بينهما نصفين من نحو هذه العبارة عرفا، من غير فرق بين ذكر النصف للمالك أو للعامل، فإن المراد النصف الآخر للآخر، كما هو واضح.

و لو شرط لغلامه أو غلام العامل حصة معهما صح، عمل الغلام أو لم يعمل بناء على أن العبد لا يملك شيئا، فاشتراطها حينئذ له اشتراط لسيده و الفرض أنه أحدهما، و يجوز تساويهما في الحصة و تفاوتهما.

نعم بناء على ملكه يتجه فيه ما سمعته من الاشتراط للأجنبي، لكن قد يناقش بعدم دلالة الاشتراط للعبد على إرادة الاشتراط للسيد، و عدم قابلية العبد للملك لا يصلح قرينة لذلك، على أنه يمكن فرض العلم بعدم إرادة ذلك، و المتجه حينئذ فيه البطلان، إلا أن الإنصاف إمكان دعوى انسياق إرادة المالك عرفا على نحو الاشتراط للدابة أو السفينة.

و أما لو شرط لأجنبي و لو كان خادما لأحدهما فالمشهور أنه إن كان عاملا صح الشرط لأنه حينئذ يكون بمنزلة العامل المتعدد و إن لم يكن عاملا فسد لأن الثابت من القراض ما كان تمام الربح فيه مشتركا بين المالك و العامل، هذا، و لكن في المسالك «لا بد من ضبط العمل بما يرفع الجهالة و كونه من أعمال التجارة لئلا يتجاوز مقتضاها، و إنما وصفه بالأجنبي مع كونه عاملا، لأن المراد بالعامل هنا من يكون إليه التصرف في جميع ما يقتضيه العقد،

ج 26، ص: 369

و هذا المشروط له، ليس كذلك، و إنما اشترط عليه عمل مخصوص بأن يحمل لهم المتاع إلى السوق، أو أن يدلل عليه، و نحوه من الأعمال الجزئية المضبوطة، فلو جعل عاملا في جميع الأعمال، كان العامل الذي هو أحد أركان العقد متعددا، و هو غير محل الفرض، و بهذا يندفع ما قيل من ان شرط العمل ينافي كونه أجنبيا».

قلت: قد يقال: إن ظاهر النصوص أو المتيقن منها كون الربح في القراض بين المقارض، و المقارض، و العامل المذكور إن فرض كونه مقارضا صار من تعدد العامل، و هو غير ما نحن فيه، و لذا اعتبر فيه تعيين العمل الذي لا يعتبر مع فرض كونه مقارضا، و إلا كان أجنبيا لا يجوز الشرط له و إن عمل بعض مقدمات التجارة، فإن ذلك لا يجعله عاملا، بمعنى كونه مضاربا، و إلا لجاز الشرط مع العمل لغير التجارة، بل و مع عدم العمل أصلا، ضرورة اشتراك الجميع في المصحح، بناء على أنه الاشتراط المزبور.

و من ذلك يعلم ما في قول المصنف و فيه وجه آخر بناء على أنه ما حكاه في المسالك من صحة الشرط له و إن لم يعمل، لعموم (1)

«المؤمنون»(2)

«و أَوْفُوا» أو أن المشروط يكون للمالك حيث لم يعمل، رجوعا إلى أصله، لئلا يخالف مقتضى العقد، و لإقدام العامل على أن له ما عين له خاصة، إذ قد عرفت أن ظاهر النصوص أو الثابت فيها ما سمعت على وجه لا يعارضه العموم المزبور، بناء على شموله لمثل المقام. و الله العالم.

و لو قال خذه قراضا و لك نصف ربحه صح بلا خلاف و لا إشكال و إنما ذكره مقدمة لقوله و كذا لو قال: لك ربح نصفه بناء على إرادة نصف ما يربح من المال قل أو كثر، إذ هو حينئذ كالأول في المراد، و إن تغيرت العبارة و ذلك لأن الفرض إشاعة النصف، فكل جزء من المال إذا ربح فنصف ربحه للعامل، و نصفه للمالك، و لو فرض كون الربح للنصف خاصة، كان ذلك هو رأس المال، و الذي


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.

ج 26، ص: 370

لم يربح لا اعتداد به، و كل جزء من النصف الذي ربح بين المالك و العامل، لما عرفت من الإشاعة المزبورة، و بذلك ظهر لك أن ما عن أحد قولي الشيخ من البطلان واضح الضعف، بناء على إرادته ما فرضناه، و ظني أنه لا يريده، خصوصا بعد تعليله البطلان بمنافاته لمقتضى القراض، من أن ربح كل جزء بينهما، و هنا قد شرط ربح النصف الواحد للمالك لا يشاركه فيه العامل، و الآخر بالعكس، و ربما ربح نصفه فيختص به أحدهما، أو ربح أكثر من النصف، فلا تكون الحصة معلومة، ضرورة ظهوره في فرض موضوع البطلان، أن حصة كل منهما في النصف من حيث النصفية و لا ريب في البطلان مع هذا القصد، و ربما كان ذلك هو المنساق في بادى النظر من مثل اللفظ المزبور، إلا أن التأمل الصادق يقضي بإرادة ما ذكرناه أولا فتأمل.

و الله العالم.

و لو قال لاثنين مثلا: ضاربتكما بهذا المال مثلا و لكما نصف الربح مثلا صح لإطلاق الأدلة و السيرة، و لفظ العامل في النصوص يراد منه الجنس الشامل لما زاد على الواحد، أو المثال، كالمالك فإنه لا يعتبر فيه الاتحاد أيضا، فيجوز مضاربة الاثنين لواحد مثلا، كما أنه يجوز في الصورتين تمييز كل من مالي العاملين، و عدمه، و بذلك ظهر لك الحكم في جميع الصور المتصورة في المقام، كما أنه ظهر لك مما تقدم سابقا أنه لو وقع عقد المضاربة مع العاملين على النحو الذي فرضناه صح و كانا فيه أى النصف سواء لما عرفته من اقتضاء الإطلاق ذلك و لو للتبادر.

نعم لو فضل أحدهما صح أيضا عندنا و إن كان عملهما فيه سواء و مختلفا، لأن غايته اشتراط حصة قليلة لصاحب العمل الكثير، و الحصة على الشرط مع ضبط مقدارها، و لأن عقد الواحد مع الاثنين، كعقدين، فيصح كما لو قارض أحدهما في نصف المال، بنصف الربح، و الآخر في نصفه الأخر بثلث الربح، فإنه جائز اتفاقا، كما في المسالك خلافا لبعض العامة، حيث اشترط التسوية بينهما في الربح مع استوائهما في العمل، قياسا على اقتضاء شركة الأبدان ذلك،

ج 26، ص: 371

و الأصل و الفرع عندنا باطلان، كبطلان ما يحكي عن الجويني منهم، من اعتبار الاستقلال لكل من العاملين في صحة مضاربتهما، فلا يجوز اشتراط مراجعة أحدهما الآخر، إذ هو كما ترى، لا مستند له، بل إطلاق الأدلة على خلافه.

إنما الكلام في جملة من الفروع المتعلقة بالمسألتين التي لم نعثر على محرر لها منها- ما لو اتفق فسخ المضاربة بفاسخ قهري أو اختياري، و كان أحدهما قد عمل و ربح و الآخر بعد لم يعمل، فهل يستحق حصته من الربح و إن لم يكن له مال و لا عمل.

و منها- فيما لو قارض الاثنان واحدا بعقد واحد، و حصة مشاعة منهما، إلا أن مال كل منهما متميز، فعمل بأحدهما و ربح، و لم يعمل بالآخر، أو عمل و لم يربح، و اتفق انفساخ المضاربة، فهل يستحق من لم يربح ماله بربح مال الآخر، و هل تجبر خسارة مال أحدهما بربح مال الآخر باعتبار اتحاد عقد المضاربة أو لا، بل هي بمنزلة مضاربتين يلحق كلا منهما حكمها بالنسبة إلى ذلك، من غير مدخلية للأخرى فيها، و إنما الاتحاد يؤثر بالنسبة إلى سراية الفسخ أو الانفساخ من أحدهما إلى الآخر، لكون العقد واحدا فلا يتبعض، و الذي يقوى في هذا، الثاني، كما أن الذي يقوى في سابقه الأول، لأنه مقتضى عقد المضاربة، إلى غير ذلك من الفروع في المقام التي تلحق الصور المتصورة فيه باعتبار تعدد المالك و العامل، و اتحاد المال و تعدده، و منشأ الاشكال في الجميع اتحاد صيغة المضاربة و الله العالم.

و لو اختلفا في نصيب العامل فالقول قول المالك مع يمينه عند علمائنا كما في التذكرة، لأنه منكر للزائد، و لأن الأصل تبعية النماء للمال، فلا يخرج عنه إلا ما أقر المالك بخروجه عنه، من غير فرق في ذلك بين ظهور الربح و عدمه، لكن في جامع المقاصد «هذا واضح إن كان الاختلاف قبل حصول الربح، لأن المالك متمكن من منع الربح كله بفسخ العقد، و أما بعد حصوله فإن كلا منهما مدع و مدعى عليه، فإن المالك يدعي استحقاق العمل الصادر بالحصة الدنيا، و العامل ينكر ذلك» و ضعفه في المسالك بأن نفس العمل لا تتناوله الدعوى، لأنه بعد

ج 26، ص: 372

انقضائه لا معنى لدعوى المالك استحقاقه، و كذا قبله، لأن العقد الجائز لا يستحق به العمل، و إنما المستحق المال الذي أصله للمالك، و حقيقة النزاع فيه، فيجي ء فيه ما تقدم من الأصول.

قلت: أولا: قد يتصور النزاع قبل ظهور الربح فيما لو اتفق لزوم المضاربة و لو بالاشتراط في عقد لازم، و حينئذ يتجه دعوى المالك.

و ثانيا: أنه لا ريب في أن كلا منهما مدع و منكر إذا كان نزاعهما في تشخيص ما وقع عليه عقد المضاربة، ضرورة اقتضاء الأصل عدم كل من الشخصين نعم بعد تعارض الأصول في ذلك يرجع إلى أصل آخر، و لا ريب في كونه مع المالك، لأن الأصل عدم استحقاق العامل الزائد، نحو ما ذكروه في الاختلاف في الأجرة في عقد الإجارة، و الثمن في البيع مع عين تلف المبيع، و غير ذلك من المقامات التي حكموا فيها بأن القول قول المالك، بل ظهر لك حينئذ أولوية ذلك في حال ظهور الربح. و أما حال عدمه و فرض لزوم العقد، فإنه و إن كان قد يقال: إن المالك حينئذ مدع استحقاق العمل، لكن قد يدفع بأنهما قد اتفقا على استحقاقه، و إنما النزاع في الحصة كالأجرة و لا ريب في أن مدعي زيادتها هو المدعي، بعد قطع النظر عن النزاع في تشخيص العقد المتضمن لها و الله العالم.

و لو دفع قراضا في مرض الموت، و شرط ربحا صح، و ملك العامل الحصة و إن كانت أزيد من أجرة المثل، و قلنا بأن التبرعات من الثلث، لكن من المعلوم أن ذلك فيما إذا فات سببها على الوارث، بخلاف المقام الذي لا فوات، فإن الربح أمر معدوم متوقع الحصول، و ليس مالا للمريض، بل هو على تقدير حصوله أمر جديد حصل بسعي العامل، و حدث على ملكه بعد العقد، فلم يكن للوارث فيه اعتراض، و بذلك افترق عن مثل نماء الدابة و الشجرة.

و لو قال العامل: ربحت كذا و رجع، لم يقبل رجوعه، و كذا لو ادعى الغلط لسبق إقراره الماضي عليه، لقاعدة «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» و قاعدة «عدم سماع الإنكار بعد الإقرار» السالمتين عن معارضة قاعدة «سماع الأمين في كل

ج 26، ص: 373

ما يدعيه» بعد عدم ثبوت هذا العموم فيها، و إنما الثابت المسلم منها ما لم يسبق بإقرار، و على فرض العموم المزبور يمكن ترجيح قاعدة «الإقرار» عليها، فتخص بها حينئذ، بل قد يقال: إن ما نحن فيه من تقديم أحد قولي الأمين على الآخر.

و على كل حال فلا ريب في تقديم إقراره السابق، من غير فرق في ذلك بين ذكره و جهالته محتملا، و عدمه، خلافا لبعض العامة، بل ظاهر قول المصنف و غيره لم يقبل عدم سماع بينته على ذلك، لكونه مكذبا لها بإقراره السابق، و عموم (1)

«البينة على المدعي»

إنما هو ظاهر في كون الدعوى مسموعة، لا ما إذا أسقطها الشارع بقاعدة «الإقرار» فيبقى حينئذ شهادة البينة نفسها، بلا دعوى، و لا

ريب في تقديم قوله المخالف لها عليها، لعدم ثبوت حجيتها في هذا الحال، خصوصا بعد أن كان المشهود به حقا له، فلا ريب في تقديم قوله فيه، فتأمل. هذا كله إذا كان ذلك منه رجوعا أو دعوى غلط أو نحو ذلك.

أما لو قال: ثم خسرت، أو قال: ثم تلف الربح، قبل لأنه أمين يصدق بالنسبة إلى ذلك. نعم قيده في التذكرة فيما إذا كان دعوى الخسران في موضع يحتمل، بأن عرض في السوق كساد، و إلا لم يقبل، و لا بأس به.

و العامل يملك حصته من الربح بظهوره ملكا متزلزلا و لا يتوقف ذلك على وجوده ناضا على المشهور بين الأصحاب، بل لا يكاد يتحقق مخالف فيه منا، كما في المسالك، بل لعله ظاهر التذكرة أيضا، لاتفاق اقتضاء العقد و النص و الفتوى على كون الربح بينهما، و لا ريب في تحققه بمجرد ظهوره لغة و عرفا.

و خصوص

الصحيح (2)«رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أباه و هو لا يعلم قال: يقوم فإن زاد درهما واحدا انعتق، و استسعى في مال الرجل»

إذ لو لم يكن مالكا لحصته بالظهور لم ينعتق، فلا وجه حينئذ لذلك إلا دخول الحصة في الملك، و يسرى العتق في الباقي كما هو القاعدة فيه.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1.

ج 26، ص: 374

و لأن الربح مع ظهوره مملوك، فلا بد له من مالك، و رب المال لا يملكه اتفاقا، و لا يثبت أحكام الملك في حقه، فيلزم أن يكون العامل، إذ لا مالك غيرهما اتفاقا.

و لأن العامل يملك المطالبة بالقسمة التي هي فرع الملك، إذ لا يكفي في استحقاقها مجرد العلقة، لأنها حينئذ ليست قسمة حقيقة، و إطلاقهم يقتضي أنها حقيقة.

لكن مع ذلك كله عن الفخر عن والده أن في المسألة أربعة أقوال، و إن كان لم يذكر القائل بها، أحدها: ما سمعت.

الثاني: الملك بالإنضاض، لأنه قبله غير موجود خارجا، بل مقدر موهوم، و المملوك لا بد أن يكون محقق الوجود، نعم الظهور موجب لاستحقاق الملك بعد التحقق، و لهذا يورث عنه، و يضمن حصته من أتلف المال و إن كان المالك.

الثالث: الملك بالقسمة، لأنه لو ملك قبلها لكان النقصان الحادث بعد ذلك شائعا في المال، كسائر الأموال المشتركة، و التالي باطل، لانحصاره في الربح، و لأنه لو ملك لاختص بربحه، و لأن القراض معاملة جائزة، و العمل فيها غير مضبوط، فلا يستحق العوض فيها إلا بتمامه كمال الجعالة.

الرابع: أن القسمة كاشفة عن ملك العامل، لأن القسمة ليست من الأسباب المملكة، و المقتضي للملك إنما هو العمل، و هي دالة على تمام العمل الموجب للملك لكن في المسالك «عن التذكرة أنه لم يذكر في المسألة عن سائر الفقهاء من العامة و الخاصة سوى القولين الأولين، و جعل الثاني للشافعي في أحد قوليه، و لأحمد في إحدى الروايتين، و وافقنا في الباقي على الأول، فلا يدري لمن ينتسب إليه هذه الأقوال، و هي مع ذلك ضعيفة المأخذ، فإنا لا نسلم أن الربح قبل الإنضاض غير موجود، لأن المال غير منحصر في النقد، فإذا ارتفعت قيمة العرض فرأس المال منه ما قابل قيمة رأس المال، و الزائد ربح متحقق الوجود، و لو سلم أنه غير متحقق الوجود لا يقدح في كونه ملكا، فإن الدين مملوك، و هو غير موجود في الخارج،

ج 26، ص: 375

بل هو في الذمة أمر كلي، هذا ما على الثاني.

و على الثالث أنه لا ملازمة بين الملك و ضمان الحادث على الشياع، إذ يجوز أن يكون مالكا، و يكون ما يملكه وقاية لرأس المال، فيكون الملك متزلزلا، و استقراره مشروط بالسلامة، و كذا لا منافاة بين ملك الحصة، و عدم ملك ربحها، بسبب تزلزل الملك، و لأنه لو اختص بربح نصيبه لاستحق من الربح أكثر مما شرط له، و لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، و لأن القسمة ليست من العمل في شي ء، فلا معنى لجعلها تمام السبب في الملك، فلا وجه للإلحاق بالجعالة، كما نبه عليه في الوجه الرابع، و من ضعف ما سبق يستفاد ضعف الرابع، لأنه مرتب عليها.

و قد تبع بذلك كله أو أكثره ما في التذكرة و جامع المقاصد، إلا أن الانصاف عدم خلو المسألة من إشكال إن لم يكن إجماعا، و ذلك لأن الربح حقيقة ما زاد على عين الأصل الذي هو رأس المال، و قيمة الشي ء أمر وهمي لا وجود له ذمة، و لا خارجا و إنما هو من فروض الذهن، و بذلك افترقت عن الدين الذي هو و إن كان كليا، إلا أنه مال- شرعا و عرفا- موجود في الذمة، بخلاف قيمة الشي ء، و عدم انحصار المال في النقد، بل هو و العرض مال، لا يقتضي تحقق الربح حقيقة، بعد ما عرفت أنه حقيقة الزائد على عين رأس المال المتوقف على تحقق رأس المال في الخارج، و لا يكفي فيه كون الشي ء يسوى مقدار رأس المال، ضرورة عدم صيرورته بذلك عين رأس المال.

نعم قد يطلق على مثل ذلك أنه ربح تسامحا بناء على أصل السلامة، و إمكان الإنضاض في سائر الأوقات، و نحو ذلك مما يخرجه من القوة إلى الفعل، و حيث كانت قريبة إليه أطلق عليه اسم الربح، و بذلك يظهر لك سقوط جملة من الأدلة السابقة المبنية على كون ذلك ربحا حقيقة، و طلب القسمة حقيقة انما يتم بعد الفسخ مع رضى المالك بالعروض عوضا عن رأس ماله، و هو خروج عما نحن فيه.

نعم لا بأس أن يقال: انه بالظهور ملك العامل أن يملك، بمعنى أن له الإنضاض و لو قدر رأس المال، فيتحقق الربح حينئذ و يتبعه تحقق الملك، و به يورث

ج 26، ص: 376

و يضمن التالف له، و غير ذلك، فإن أراد الأصحاب بالملك حال الظهور هذا المعنى الذي لا ينافيه قواعد الشركة، و لا قاعدة تبعية النماء، و لا غير ذلك، كان متجها و الا فقد عرفت ما فيه ان لم يكن إجماعا، بل لعل الوجه في خبر عتق الأب ذلك أيضا، بناء على الاكتفاء بمثل ذلك في العتق المبني على السراية، فإن ملك أن يملك جزء من الأب أيضا موجب كالملك نفسه، فتأمل جيدا. فإن المسألة محتاجة إلى تأمل و حسن انتقاد.

و كيف كان فقد صرح غير واحد من الأصحاب- القائلين بالملك بالظهور- أن المراد به ملك متزلزل، بل لعله إجماع بينهم، و حينئذ فالكلام فيما يستقر به و في المسالك «هو اما إنضاض جميع المال، أو إنضاض قدر رأس المال مع الفسخ أو القسمة أو لا معها، على قول قوي، و بدونه يجبر ما يقع في التجارة من تلف أو خسران، سواء كان الربح و الخسران في مرة واحدة أو مرتين، أو في صفقة أو اثنتين و في سفرة أم سفرات، لان معنى الربح هو الفاضل عن رأس المال في زمن ذلك العقد فإذا لم يفضل شي ء فلا ربح، و هو محل وفاق، و سيأتي بعض أحكام ذلك» و في القواعد «و انما يستقر بالقسمة أو الإنضاض و الفسخ قبل القسمة».

و تفصيل الحال أن في المسألة صورا، و ذلك لانه اما ينضم الى الظهور إنضاض جميع المال، أو قدر رأس المال مع الفسخ و القسمة، أو أحدهما، أو بدونهما، أو ينضم إليه القسمة دون الإنضاض، ثم القسمة إما للربح فقط، أو لجميع المال.

الأولى: أن ينضم إلى الظهور الإنضاض لجميع المال أو قدر رأس المال فقط مع الفسخ و القسمة، و لا ريب في الاستقرار حينئذ، ضرورة انتهاء العقد بجميع توابعه مع تراضيهما بذلك.

الثانية: الصورة بحالها لكن مع عدم القسمة، و فيه وجهان أصحهما في جامع المقاصد و مقربهما في التذكرة و مختارهما في ظاهر القواعد الاستقرار، لان العقد قد ارتفع، و رأس المال حاصل نض، فيخرج عن كونه وقاية، لارتفاع حكم القراض بارتفاع العقد، و لوجوب صرف الربح إلى ما شرطاه حيث ارتفع العقد.

ج 26، ص: 377

و الثاني العدم، للاستصحاب و لظاهر

قوله (1)«على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

و لعله لذلك تردد الفاضل في محكي التحرير، لكن قد يجاب عنهما بحصول التأمل عن الأول بارتفاع العقد المقتضي لخروج المال عن كونه مال قراض، فيبقى أمانة، لأن اليد في الأصل لم تكن يد ضمان، فينتفى حكم جبرانه من الربح، لأنه دائر مع كونه قراضا، و بأن وضع اليد على مال الغير و إن كان في العهدة إلى الأداء إلا أنه لا يلزمه خسران التالف بغير تقصير من الربح في صورة النزاع، و إلا لانتقض بما بعد القسمة قبل القبض.

و فيه منع ارتفاع صدق اسم مال القراض عليه و إن ارتفع بالفسخ صدق كون العامل مقارضا، و الأدلة مطلقة في أن الوضعية في مال المضاربة على الربح الذي هو بينهما مع عدمها، فالمتجه حينئذ بقاء حكم المضاربة

على مالها، خصوصا مع فرض عدم إنضاض بعض مالها، و قلنا بان للمالك مطالبة العامل بذلك، إذ هو ليس إلا لبقاء حكم العقد السابق و إن انفسخ، و ربما يرشد إلى ذلك ما تسمعه في الصورة الثالثة، بل قد يقال: إن تسليم رأس المال إلى المالك الذي أخذه منه من تتمة انتهاء عمل المضاربة، و الا لزم عدم كون الخسران من الربح فيما لو نض المال أجمع في بلد عمل العامل التي سافر إليها و فسخ هو عقد المضاربة، ثم تلف بعض المال قبل الوصول إلى المالك، و التزامه مناف لظاهر الأدلة، إلى غير ذلك مما لا يخفى بأدنى تأمل، كزيادة قيم عروض المضاربة قبل القسمة و قبل الوصول، فإن الظاهر استحقاق العامل فيها على شرطه في عقد المضاربة، و غير ذلك مما يعرف منه قوة الوجه الثاني.

الثالثة: أن يقع الفسخ، و المال عروض كله أو بعضه بحيث لم ينض رأس المال، فإن حصلت القسمة مع ذلك حصل الاستقرار، لانقطاع حكم القراض، و إلا بني على أن العامل هل يجبر على البيع و الإنضاض، فإن قلنا به فحكم القراض باق، لبقاء العمل، و إن قلنا بالعدم فوجهان كالوجهين السابقين في الصورة الثانية.

الرابعة أن تكون القسمة للربح خاصة، و لا ريب في عدم مدخليته في الاستقرار


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 26، ص: 378

بل إن حصل شي ء من الأمور المذكورة يقتضي الاستقرار، فثبوته به، و إلا فلا.

و بذلك كله ظهر لك ما في عبارة القواعد من الحكم بالاستقرار بالقسمة في مقابل الإنضاض المقتضى للاستقرار بها و إن كان المال عروضا كله أو بعضه، فإن فيه عدم إيجابها الاستقرار بمجردها من دون فسخ القراض، إذ لا معنى لها حينئذ إلا قسمة الربح، لأن رأس المال لا شركة فيه إلا باعتباره و قسمة الربح وحدها لا تخرجه عن كونه وقاية، إذ المدار فيه على ارتفاع القراض و انتهاء عمله، و كذا قوله أو الإنضاض و الفسخ يقتضي ظاهرا اعتبار إنضاض جميع المال، و قد عرفت أنه يكفي إنضاض قدر رأس المال، كما أنه يقتضي عدم الاستقرار إذا حصل الفسخ و المال عروض، لكنه صحيح على مختاره من وجوب الإنضاض على العامل.

و أما عبارة المسالك فلا ريب في فسادها على ما حضرني من نسختها من عطف القسمة بأو، لكنها غير نقية من الغلط، و المتجه كونها بالواو، و حينئذ يأتي فيما اختاره البحث السابق الذي ذكرناه في الصورة الثانية.

و أما الصورة الثالثة فليست مذكورة في كلامه، و ظاهره عدم الاستقرار فيها، و قد عرفت الحال، كما أنك عرفت الإشارة إلى صورة الفسخ مع القسمة قبل القبض و المتجه حصول القرار فيها، بل و يتجه القرار أيضا بإتلاف المالك مال المضاربة الذي ظهر فيه الربح، لتمحض حق العامل حينئذ في ذمة المالك، و انفساخ المضاربة حينئذ كما لو استرد المال منه، بخلاف ما لو أتلفه أجنبي، فإن الظاهر بقاء المضاربة فيما اشتغلت به ذمة الأجنبي، كما صرح به الفاضل في التذكرة و الله العالم.

[الأمر الرابع في اللواحق و فيه مسائل ]

اشارة

الأمر الرابع في اللواحق: و فيه مسائل

[المسألة الأولى العامل أمين ]

الأولى لا خلاف و لا إشكال في أن العامل أمين بل هو إجماعي:

ف لا يضمن حينئذ ما يتلف إلا عن تفريط أو خيانة و لو للتعدي فيه بأن فعل فيه ما لم يأذن له شرعا فيه، و لعل منه السفر بلا إذن من المالك، و شراء شي ء

ج 26، ص: 379

نهاه المالك عنه، و نحو ذلك مما عرفت ضمان العامل فيه، و إن بقيت المضاربة، بل ظاهر الأدلة كونه ضامنا للوضيعة التي تكون في ذلك، بل صريح بعضهم أو ظاهره ضمانه بالثمن الذي يكون للشي ء في البلد التي سافر عنها، بل قد يقال: أو يقوى ضمانه الوضيعة المتجددة بعد التعدي. و بالسفر مثلا، و إن تساوى السعر في البلدين على وجه لو بقي في البلد التي سافر عنها لحصلت تلك الوضيعة أيضا، لإطلاق كونها على العامل مع مخالفته. نعم لو فرض كون الوضعية سابقا على سفره فتعدي و سافر و باع بما فيه تلك الوضيعة أمكن حينئذ عدم الضمان، فتأمل.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في أن قوله أي العامل مقبول في التلف لأنه أمين و ذو يد على المال باذن المالك، من غير فرق عندنا بين دعواه التلف بأمر ظاهر يمكن إقامة البينة عليه أو خفي.

و هل يقبل في الرد؟ فيه تردد من كونه أمينا كالودعي، و لما في عدم قبول قوله من التكليف بما لا يطاق، لاحتمال صدقه، فتكليفه ثانيا بذلك من ذلك، أو التخليد بالسجن، و هو المحكي عن الشيخ، و من أصالة عدم الرد، فيكون المالك منكرا أظهره أنه لا يقبل بعموم

قوله عليه السلام (1)«البينة على المدعى»

و قبول قوله في التلف مثلا لا يقتضي القبول في ذلك، و ليس في الأدلة ما يقتضي قبول قول الأمين في جميع ما يدعيه على وجه يشمل ما نحن فيه، و القياس على الودعي غير جائز عندنا، خصوصا بعد الفرق بينهما بالقبض هناك لمصلحة المالك خاصة، بخلاف المقام الذي هو لمصلحتهما، و التكليف برد المثل أو القيمة يرفع التكليف بما لا يطاق، و التخليد بالسجن، إذ الكلام هنا في القبول و عدمه من حيث الغرامة و عدمها، لا من حيث خصوص العين و عدمها.

فمن الغريب ما في جامع المقاصد و المسالك من أنه إذا لم يقبل قوله في الرد لزمه تخليده في السجن لو أصر على إنكاره المحتمل الصدق، و هم قد تحرجوا من لك في الغاصب حيث يدعى التلف، فضلا عن المقام الذي هو أمين، إلا أن يحمل على


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.

ج 26، ص: 380

مؤاخذته و مطالبته به، و إن أدت إلى الحبس، للاستظهار به إلى أن يحصل اليأس من ظهور العين، ثم يؤخذ منه البدل للحيلولة، إلا أن

مثل هذا يأتي في دعوى التلف خصوصا من الغاصب، و ليس في كلامهم تنقيح لهذا فينبغي النظر فيه.

قلت: لا بأس بالتزامه في المقام، و الغاصب مع فرض ثبوت العين عنده، في ظاهر الشرع، إلا أن يرضى المالك بالبدل، و يكون ذلك من جملة التعزيرات الشرعية.

لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله خروج عما نحن فيه، و إن كان هو جيدا حيث تكون الدعوى في خصوص العين، فما أطنب فيه صاحب الحدائق- من الإنكار عليه قائلا أني لا أعرف له وجها، إذ الدعاوي كلها من هذا القبيل- في غير محله، ضرورة أنه ليس ذلك منهما في دعوى الغرامات و نحوها، و إنما هو في دعوى خصوص العين.

نعم فيه ما ذكرناه من أن المراد هنا من القبول و عدمه بالنسبة إلى الغرامة، و لو فرض إرادة المالك خصوص العين، لاتجه حينئذ ما ذكراه فتأمل جيدا و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا اشترى العامل من ينعتق على رب المال فإن كان بإذنه صح و ينعتق ]

المسألة الثانية: إذا اشترى العامل من ينعتق على رب المال، فإن كان بإذنه صح الشراء و ينعتق قهرا عليه لعدم ملك الولد العمودين فإن فضل شي ء من المال الذي دفعه للقراض عن ثمنه كان هو أي الباقي قراضا لعدم انفساخ عقده، و إلا بطل القراض، لأن مبنى عقد القراض على طلب الربح، فكل تصرف ينافيه يكون باطلا، و من جملته شراء من ينعتق على المالك، لأنه تخسير محض، فضلا عن عدم اشتماله على الغرض المقصود من العقد، فمع فرض اذن المالك فيه و شراء العامل له بعنوان هذه الإذن لم يكن ذلك من تصرف المضاربة، و انما هو من تصرف الوكالة الخارجة عنها، فتبطل حينئذ في ثمنها الذي هو بمنزلة استرداد المالك له، و يكون الباقي حينئذ رأس المال ان كان، و إلا بطلت المضاربة من أصلها، هذا كله إذا لم يكن في العبد ربح حين الشراء.

و أما لو كان فيه أى العبد المذكور فضل فالمحكي عن بعض أنه متى كان كذلك ضمن رب المال حصة العامل من الزيادة (11) لتحقق الملك بالظهور، و لا يقدح فيه العتق القهري الصادر بإذن المالك الذي مرجعه الى استرداد طائفة من

ج 26، ص: 381

المال بعد ظهور الربح و إتلافها، و ان سرى على العامل أيضا بناء على السراية في مثله، إلا أنه يغرم المالك له نصيبه مع يساره، و إلا استسعى العبد فيه.

و لكن مع ذلك كله الوجه عند المصنف و ثاني الشهيدين و غيرهما الأجرة لا الحصة، لما عرفت من عدم كون ذلك من عمل المضاربة المعتبر فيه إمكان تقليب المال للربح، و أما الأجرة فهي كما في المسالك على هذا العمل، و على ما تقدمه من الحركات و السفر و غيره من المقدمات من حين العقد الى حين وقوع الشراء الذي هو مع اذن المالك في قوة فسخه فيثبت للعامل عليه الأجرة، كما إذا فسخ المالك قبل أن يشتري العامل، و لكن بعد أن سعى و سافر و عمل نحو ذلك، و أما العمل المزبور فهو و ان لم يكن من مقتضيات العقد، لكنه عمل مأمور به من المالك من فاعل معد نفسه للعمل بالعوض، فيجب أن يثبت له أجرة مثله، بل على فرض انحصار العمل من حين العقد فيه، ففيه الأجرة ان كان مثله مما يحتمل الأجرة، و الا فلا و حكم المصنف رحمه الله و غيره بالأجرة لا يسع أزيد من ذلك، بل المراد ان كان العمل له أجرة، فإن الإحالة على أجرة المثل تقتضي أن للمثل أجرة قطعا،- الى أن قال- و بهذا يحصل الفرق بين عمل هذا العامل، و عمل الوكيل الذي مبني عمله على التبرع و الأجرة ليست من مقتضياته، بخلاف القراض فإنه مبني على طلب العوض على عمله، من حصة أو أجرة.

قلت: هذا خلاصة ما في المسالك، بل و جامع المقاصد، بل و غيرهما، لكن لا يخفى عليك أولا- ان لم يكن إجماع- أنه لا مانع من جعل مثل هذا التصرف من مقتضى المضاربة، مع التصريح من المالك على جهة ضمان حصته من الربح، أو يسعى العبد فيها، أو صيرورة العبد مشتركا بينه و بين المالك، بناء على عدم السراية، لإطلاق الأدلة بل لعل صحيح (1)شراء العامل أباه الموجب لسراية العتق أيضا على المالك مما يومي اليه أيضا، و قد عرفت سابقا عدم دليل على اعتبار إمكان التقليب في كل جزء من مال المضاربة نعم قد يقال: ان كل ذلك و نحوه لا يندرج في إطلاقها.


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1.

ج 26، ص: 382

و ثانيا: ان المتجه عدم الحصة و الأجرة معا، بناء على عدم كونه من تصرف المضاربة، ضرورة صيرورته بالإذن في ذلك وكيلا محضا على ذلك إذا كانت هي المراد منها، و ان أدى ثمنه من مال المضاربة الذي هو أحد أموال المالك، و ما ذكره من الأجرة على المقدمات خروج عما نحن فيه، ضرورة كون الكلام في الأجرة على نفس العمل، كما أن دعواه الفرق المزبور بين العامل و الوكيل كذلك أيضا، إذ هو في عمل العامل فيما عقد عليه من العمل، لا في عمل أجنبي خارج عن المضاربة على ما هو المفروض.

نعم يبقى احتمال الأجرة باعتبار كونه عملا مأذونا فيه، و لم يظهر من العامل له التبرع، لتصريح بوكالة أو غيرها، و كان العمل مما له أجرة من غير فرق في ذلك، بين عامل المضاربة أو غيره، كما أنه لا فرق في المقام بين ظهور الربح و عدمه بناء على ذلك فجعل الأجرة من المصنف و غيره فيما لو يظهر الربح في غير محله، بناء على ان ذلك ليس من عمل المضاربة كما هو واضح.

و ثالثا: أن ما ذكره من أن ذلك من المالك في قوة فسخ المضاربة في ثمن العبد، قد يناقش فيه، بأنه يقتضي انفساخ العقد أجمع، لعدم تبعض العقد بالنسبة إلى ذلك، لا أن المضاربة باقية فيما بقي، إذ ليس هو كتلف بعض رأس المال، إذ ليس ذلك فسخا للعقد، بل خروج عن قابلية جريان أثر العقد فيه، فالأولى حينئذ جعل المقام منه لا من فسخ المالك في بعض مال المضاربة باسترداد و نحوه، و الأمر سهل. و الله العالم.

هذا كله إذا كان الشراء من العامل باذن المالك و إن كان بغير إذنه و كان الشراء بعين المال بطل أى كان موقوفا على الإجازة فيصح الشراء حينئذ و يقع العتق، و إن لم يكن من المضاربة، بناء على عدم اندراج مثلها في تصرفها مع التصريح بالإذن، فضلا عن الإطلاق، و احتمال البطلان- و عدم تأثير الإجازة في مثل هذا التصرف للنهي عنه- كما ترى، ضرورة عدم نهي عنه لذاته أو لبعض أركانه كي يترتب عليه الفساد، و إنما هو لعدم ترتب حكم المضاربة عليه، و ذلك لا ينافي الفضولية، خصوصا إذا كان قد أوقعه بعنوانها كما هو واضح.

و على كل حال فظاهر المصنف عدم الفرق في ذلك، و فيما يأتي من الشراء بالذمة

ج 26، ص: 383

بين العلم بالنسب و حكم الشراء المذكور، و الجهل بهما، أو بأحدهما لما عرفت من عدم دخول هذا التصرف في المضاربة حتى مع التصريح بالإذن، و التباس الأمر ظاهرا لا يقتضي الإذن، لكن احتمل بعضهم الفرق أو مال إليه، فحكم مع الجهل بصحة البيع، و الانعتاق على المالك قهرا، و لا ضمان على العامل، لان العقد المذكور إنما يقتضي شراء ما ذكر بحسب الظاهر، لا في نفس الأمر لاستحالة توجه الخطاب إلى الغافل، لاستلزامه التكليف بما لا يطاق، كما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف بذلك العيب.

و الفرق بين المعيب و ما نحن فيه، بجواز شراء المعيب اختيارا دونه، لا يدخل فيما نحن فيه لأن الكلام في حالة لا ربح فيها بفرض إتيان العيب على النفس، و الحال أنه جاهل به، و افتراقه عنه في حالة أخرى لا دخل له في المطلوب، و بالجملة حكمهم بصحة العقود التي يظن فيها الربح و إن ظهرت على خلاف ذلك، بل على ضده يقتضي كون الحكم هنا كذلك.

و من هنا استشكل في المقام ثاني الشهيدين بل قال: «و يقوى الإشكال في جاهل أحدهما خصوصا جاهل الحكم لانه غير معذور، لقدرته على التحفظ، فإن العلم مقدور لنا، أما جاهل النسب فمعذور بما تقدم، كما أنه في جامع المقاصد مال إلى بطلان البيع في المقام، و في غيره من شراء المعيب و نحوه، قال: «فإن قيل: فلو كان شراء المعيب باعتبار العيب خاليا من الغبطة، و إنما ظنها العامل بظن السلامة و كذا كل موضع ظن الغبطة فظهر خلافها، قلت: لا أعلم الآن تصريحا في حكم ذلك، و المتجه عدم صحة البيع، فيأتي الأحكام السابقة».

قلت: قد يفرق بين المقام و المعيب و نحوه بأن مبنى المضاربة على الاجتهاد بالنسبة إلى العيب و عدمه، و الرغبة فيها و عدمها، و نحو ذلك مما يكون في مالية الشي ء، فالخطأ و الصواب فيه حينئذ كله من توابع المضاربة، ضرورة جريانها على المتعارف في أعمال التجار التي لا ريب في اتفاق ذلك فيها.، بخلاف المقام الذي لم يكن حاضرا في الذهن، و لا هو من متعارف التجارة، فمع فرض عدم كون شرائه

ج 26، ص: 384

من تصرف المضاربة، و لا إذن فيه صريحا لم يكن الجهل به أو بحكمه موجبا للاذن من المالك، ضرورة عدم كون عنوان الإذن في المضاربة المجهول حاله على وجه يشمل المقام، فلا يبعد كون العلم طريقا في المفروض، بخلاف المعيب و نحوه، فإنه من عنوان المأذون فيه.

و من الغريب ما سمعته من جامع المقاصد من دعوى فساد البيع فيه، نحو المقام الذي ربما ظهر من ثاني الشهيدين الإجماع على خلافه، حيث نسب الصحة فيه الى حكمهم، و ان كان قد عرفت أن اندراج ما نحن فيه فيه- على وجه يترتب عليه صحة البيع و الانعتاق و ان قلنا أنه ليس من تصرف المضاربة- محل منع، فالمتجه حينئذ الفرق بين المقامين، كما هو ظاهر المصنف و الفاضل حيث أطلقا الحكم بالبطلان من غير فرق بين حالي العلم و الجهل.

و كيف كان هذا كله إذا وقع الشراء بالعين و أما ان كان في الذمة التي قد عرفت عدم اندراجه في إطلاق المضاربة في غير المقام، فضلا عنه، فحينئذ متى كان كذلك وقع الشراء للعامل ظاهرا و باطنا إلا أن يذكر رب المال لفظا، فيكون فضولا أو نية فكذلك، و ان الزم به ظاهرا إلا أنه في الواقع موقوف على اجازة المالك، فمع فرض عدمها كان له بيعه و ان كان أباه مقاصة كما هو واضح.

و كذا الكلام فيما لو اشترى من نذر المالك عتقه، بمعنى صيرورته حرا بدخوله في ملكه، من غير فرق في جميع ما ذكرناه، و ان أطلق في القواعد هنا صحة الشراء و العتق على المالك، لكن التحقيق عدم الفرق في المسألتين و الله العالم.

[المسألة الثالثة لو كان المال لامرأة فاشترى العامل زوجها فإن كان بإذنها بطل النكاح ]

المسألة الثالثة: لو كان المال لامرأة فاشترى العامل زوجها فإن كان بإذنها بطل النكاح لعدم اجتماعه مع الملك كما حققناه في محله و ان كان بغير اذنها قيل: يصح الشراء و لم نعرف قائله، لكونه من موضوع العمل المأذون فيه إذ لا تلف فيه لرأس المال مع إمكان طلب الربح فيه، فهو حينئذ كشراء غير الزوج.

و قيل: يبطل الشراء، لأن عليها في ذلك ضررا بانفساخ النكاح المفوت للمهر في بعض الأحوال، و للنفقة و للاستمتاع و نحو ذلك، فيكون تقييدا لإطلاق

ج 26، ص: 385

الإذن و هو أشبه عند المصنف، بل و عند ثاني المحققين و الشهيدين أيضا، بناء على ارادة الوقوف على الإجازة، من البطلان، لا هو مطلقا حتى معها و ان كان هو محتملا، بل حكي قولا إلا أنه كما ترى، مع أنا لم نعرف قائله، و ان حكي عن ظاهر مبسوط الشيخ، لكن الحكم عليه واضح. كوضوحه بناء على الوقوف على الإجازة، و قد أبطلته، بل و ان أجازته ضرورة بطلان النكاح، و عدم ضمان ما فاتها من المهر و النفقة، لاستناده الى اختيارها.

أما على القول بالصحة ففي المسالك الجزم بضمان ما فات بسببه مع علمه بالزوجية لأن التفويت جاء من قبله، قال: «لكن ضمانه للمهر ظاهر، أما النفقة فمشكل، لأنها غير مقدرة بالنسبة إلى الزمان، و لا موثوق باجتماع شرائطها، بل ليست حاصلة، لأن من جملتها التمكين في الزمان المستقبل، و هو غير واقع الآن، الا أن يقال:

بأنه يضمنها على التدريج، و هو بعيد، و الظاهر اختصاص ضمانه بالمهر على هذا القول و هو الذي ذكره جماعة».

و نحوه في جامع المقاصد قال: «لا ضمان على العامل لو أجازت المالكة البيع لما يفوت من المهر و النفقة، لأن ذلك باختيارها، أما على الثالث أي الصحة فيضمن إذا كان عالما، لان التفويت جاء من قبله».

قلت: هو من الغرائب ان أراد ضمان النفقة، ضرورة عدم كونها مالا لها قد فوته عليها، كما هو واضح. و الا لضمنها القاتل للزوج، و أما المهر فهو و ان أرسل ضمانه في كلامهما إرسال المسلمات كالفاضل في القواعد، بل قد سمعت ما في المسالك من كون الحكم بضمانه ظاهرا، لكن قد يناقش أولا: بحصول الإذن منها على فرض الصحة، و لو في ضمن الإطلاق، و الا لم يكن للحكم بها وجه، و هي ترفع الضمان عن العامل، كما لو وقعت صريحة، ضرورة عدم الفرق بين استفادتهما من صريح اللفظ أو إطلاقه.

و ثانيا بمنع فوات المهر عليها مع فرض عدم الفسخ من قبلها، لكونه مستحقا لها بالعقد، و لعل مرادهما ضمانه المهر لسيد العبد الذي هو الزوج، و هل هو مهر

ج 26، ص: 386

المثل أو الذي دفعه؟ احتمالان، كما أنهما يأتيان بالنسبة إلى الجميع أو النصف مع فرض الحال فيما قبل الدخول.

و ثالثا: أنه بناء على أن ذلك من أسباب الضمان لم يكن للتقييد بالعلم وجه إذ لا تفاوت فيها بين العلم و الجهل.

و بالجملة هذا الكلام منهما لا يخفى ما فيه، خصوصا مع بناء الصحة على حصول الإذن منها الرافعة لضمان العامل، و قد ذكرنا تحقيق الحال في نظير المسألة و هو الفسخ بالرضاع في كتاب النكاح، من أراده فليلحظه.

كما أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا حكم ما لو كان المال لرجل فاشترى العامل زوجته، حتى ما حكاه في جامع المقاصد عن التذكرة، من أنه على الصحة لو كان الشراء قبل الدخول، فقد قال في التذكرة: إن في لزومه نصف المهر للزوج وجهين، فإن قلنا يلزم رجع به على العامل، لأنه سبب تقريره عليه، فيرجع به عليه، كما لو أفسدت امرأته النكاح بالرضاع، قال: و لم يذكر حكم ما بعد الدخول، و كأنه يرى عدم جواز الرجوع به، لأنه قد تقرر بالدخول.

قلت: قد عرفت الحال في ذلك كله خصوصا مع ملاحظة ما ذكرنا في كتاب النكاح و الله العالم.

[المسألة الرابعة إذا اشترى العامل أباه صح الشراء]

المسألة الرابعة: إذا اشترى العامل أباه أو غيره ممن ينعتق عليه و لا ربح صح الشراء، و كان من مال القراض، فإن كان قد ظهر فيه ربح حين الشراء أو بعده و قلنا بملك العامل بالظهور انعتق نصيبه من الربح و يسري في الباقي و لكن ليس عليه بل يسعى المعتق في باقي قيمته سواء كان العامل مؤسرا أو معسرا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن الغنية و السرائر الإجماع عليه و هو الحجة بعد

صحيح (1)ابن أبي عمير عن محمد ابن قيس «عن الصادق عليه السلام في رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة، فاشترى أباه و هو لا يعلم، قال: يقوم فإن زاد درهما واحدا أعتق و استسعى في مال الرجل»


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1.

ج 26، ص: 387

الذي قد ترك الاستفصال فيه عن اليسار و الإعسار، مع أن المسؤول عنه مطلق الرجل لا رجل مخصوص، كي يحتمل علم الإمام عليه السلام بحاله، بل أطلق فيه الحكم أيضا بالنسبة إلى ظهور الربح حال الشراء، و تجدده بعده.

لكن مع ذلك احتمل أو قيل بالسراية مع التقويم على العامل المؤسر، لاختياره السبب

الموجب لها، فيحمل الصحيح المزبور على الإعسار، جمعا بين الأدلة أو على تجدد الربح بعد الشراء، بناء على عدم التقويم عليه فيه كما سيأتي، بل في جامع المقاصد و المسالك احتمال بطلان البيع من أصله، لأنه مناف لمقصود القراض الذي هو السعي للتجارة، القابلة للتقليب للاسترباح المنافي لهذا الشراء المتعقب للعتق، فيكون حينئذ باطلا، أو موقوفا على الإجازة، إلا أن الجميع كما ترى اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى و الإجماع، بل من ذلك يعرف قوة القول بجواز شراء أب المالك مضاربة مع الإذن، كما أومأنا إليه سابقا، بل قد عرفت أن مقتضى الجميع عدم الفرق هنا بين الربح حال الشراء، و تجدده بعده، فإنه لا ريب في انعتاق نصيبه معه.

و لكن في جامع المقاصد و المسالك في سراية العتق حينئذ و عدمها وجهان:

أحدهما نعم، لاختياره السبب و هو الشراء، إذ لولاه لم يملك شيئا بارتفاع السوق و هو اختيار للمسبب. و ثانيهما لا، لأن الشراء ليس هو مجموع السبب، بل جزؤه و السبب القريب إنما هو ارتفاع السوق، و لا دخل لاختياره فيه، فلا يكون مختارا للسبب، لان جزءه غير مقدور، فهو حينئذ كالإرث الذي لا يوجب سراية.

و فيه ما عرفت من أنه أيضا اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى و معقد الإجماع التي لم يفرق فيها أجمع بين الأمرين.

نعم قد يقال بعدم اندراج مثل هذا الشراء في إطلاق المضاربة مع العلم بالنسب للضرر على المالك بانتظار سعي العبد الذي قد يعجز عن الأداء، و الصحيح مختص بحال الجهل، و الفتوى و معقد الإجماع لا وثوق بإرادة هذا الفرد من إطلاقهما، و حينئذ فالوقوف في مثله على الإجازة لا يخلو من قوة.

ج 26، ص: 388

بقي الكلام في شيئين أحدهما: هو أنه ربما ظهر من النص و الفتوى جعل مناط الحكم المزبور تقويمه، ثم النظر في زيادته على رأس المال و عدمها، و لا ريب في عدم اعتبار ذلك، ضرورة إمكان زيادة غيره من أعيان المضاربة على وجه يملك العامل حصته المشاعة المتحققة في الأب و إن لم تزد قيمته، فإنه حينئذ لا ريب في جريان الحكم المزبور عليه، و الصحيح منزل على ما إذا كان الأب هو جميع مال المضاربة، لا ما يشمل الفرض، كما أنه لا يشمل ما لو زادت قيمة الأب، إلا أنه نقصت باقي أعيان المضاربة على وجه تكون تلك الزيادة جابرة أو أقل، إذ لا ربح حينئذ، و المراد من الصحيح الزيادة التي تكون ربحا.

الثاني: إذا فرض كون الأب أحد أعيان المضاربة، و لم يظهر ربح، و أراد المالك و العامل الإنضاض، لكن قد يحتمل في أثناء ذلك وجود راغب أو تجدد زيادة لبعض أعيانها، فهل للعامل تأخير بيع الأب إذا أراد المالك تقديمه، وجهان:

أقواهما العدم، ضرورة كونه ملكا للمالك الذي هو متسلط عليه، و لم تظهر زيادة يتسلط بها العامل، فلا ريب في أن المالك حينئذ مقدم على العامل في ذلك، خصوصا مع احتمال الضرر عليه، بوجود الراغب لبعض الأعيان على وجه يوجب العتق، و انتظار المالك إلى السعي المحتمل عدم حصوله، و ليس هذا الفرض من ظهور الربح بعد خفائه الذي به ينكشف سبق ملك العامل، بل هو من تجدده باتفاق حصول راغب في بعض الأعيان، و إن لم يكن قيمة لها، و نحو ذلك مما لا يوجب سبق ملك للعامل كما هو واضح.

[المسألة الخامسة إذا فسخ المالك أو العامل أو هما صح ]

المسألة الخامسة: إذا فسخ المالك أو العامل أو هما صح بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفته من كون العقد جائزا و كان الربح بينهما مع وجوده على حسب شرطهما، فإن لم يكن ربح و كان المال ناضا أخذه المالك، و لا شي ء للعامل إلا أن يكون الفسخ من المالك فإن للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت عند المصنف و بعض، على ما حكي، لأن عمله محترم صدر بإذن المالك لا على وجه التبرع.

و يشكل بأنه لم يقدم إلا على الحصة على تقدير وجودها، و لم توجد و لا شي ء

ج 26، ص: 389

له، و المالك مسلط على الفسخ حيث شاء، و احتمال دفعه- بأنه إنما جعل له الحصة خاصة على تقدير استمراره إلى أن يحصل، و هو يقتضي عدم عزله قبل حصولها، فإذا خالف فقد فوتها عليه، فتجب عليه أجرته، كما إذا فسخ الجاعل بعد الشروع في العمل- كما ترى، لا ينبغي صدوره من فقيه، ضرورة اقتضائه ضمان المالك الأجرة لو فسخ، و إن قلبه العامل مرارا متعددة و لم يحصل ربح، بل و إن خسر، و هو مناف للمعلوم من شرع المضاربة المبنية على استحقاق العامل حصة من الربح إن حصل، و إلا فلا شي ء له و أغرب منه ما يحكى عن إطلاق التذكرة من أن له الأجرة في الفرض حتى لو كان الفسخ من العامل.

نعم قد يقال: بالأجرة فيما لو عمل العامل و فسخ المالك قبل إتمام عمله المحتمل حصول الربح به، باعتبار احترام عمله، و إقدامهما على الربح المترتب عليه، و الفرض احتماله، فبالفسخ تفوت الحصة، و لكن العمل على احترامه، و رضاهما بهذا العقد الجائز المسلط على الفسخ في جميع الأوقات لا ينافي ثبوت الأجرة له من جهة أخرى و يمكن حمل مثل عبارة المصنف على ذلك، كما أن منه يظهر لك ما في المسالك من عدم الفرق بين صورتي الفسخ قبل الإنضاض و بعده.

و كيف كان ف لو كان بالمال عروض بعد الفسخ قيل: كان له أن يبيعه من دون رضا المالك، و إن لم يكن قد ظهر فيه ربح، لتعلق حقه به، و احتمال وجود زبون يزيد في الثمن فيحصل الربح.

و فيه: أنه لا حق له مع فرض عدم الربح، و الاحتمال المعارض باحتمال نقصان المال لا يكفي في دعوى تعلق الحق كما هو واضح.

نعم في المسالك «لو كان الزبون المذكور موجودا بالفعل توجه الجواز، لأنه في قوة ظهور الربح».

مع إمكان المناقشة فيه أيضا أولا: بمنع كونه في قوة ظهور الربح المتوقف صدقه عرفا على زيادة قيمة المال في نفسه، أو فعلية الثمن من الراغب، لا وجوده و إن لم يكن قد وقع منه ذلك، و خصوصا إذا حصل الراغب بعد الفسخ.

ج 26، ص: 390

و ثانيا: بمنع تسلطه على ذلك في صورة ظهور الربح الذي لا يزيد به على كونه شريكا، و من المعلوم عدم سلطنة له على بيع مال الشركة بغير إذن الشريك.

و بذلك ظهر لك أن الوجه المنع من البيع مطلقا، لقاعدة منع التصرف في مال الغير بغير إذنه و غيرها و لو انعكس الحال بأن ألزمه المالك بالبيع قيل: يجب عليه أن ينض المال لأنه أخذه نقدا فيجب أن يرده كذلك لإطلاق

قوله عليه السلام (1)«على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

و لحدوث التغيير في المال بفعله، فيجب رده، و فيه منع دلالة الخبر المذكور على وجوب رد المال المأخوذ بالاذن المتغير بها كما أخذه أولا، و الأصل البراءة ف الوجه حينئذ أنه لا يجب عليه الإجابة هذا كله في صورة عدم ظهور الربح.

أما معه و كان المال عروضا و طلب المالك إنضاضه، فقد جزم في جامع المقاصد و المسالك بوجوب الإجابة على العامل، لأن استحقاقه

الربح و إن كان ثابتا بظهوره إلا أن استقراره مشروط بالإنضاض، فيحتمل عروض ما يقتضي سقوطه.

و قد تقدم سابقا ما يعلم به قرار هذا الملك على القول به، فبناء على أنه بالفسخ يحصل- لانتهاء المضاربة حينئذ، و يتحقق حينئذ الشركة بين المالك و العامل بمقدار حصته من الربح المفروض ظهوره عند الفسخ، و كل ما يتجدد حينئذ من تلف و خسارة فهو حينئذ عليهما، لا يختص به الربح- يتجه حينئذ عدم وجوب إجابة العامل للانضاض و إن ألزمه المالك به، لعدم ضمانه ما يعرض مع عدم وجوب الإرجاع نقدا كما عرفت.

و منه يعلم أيضا الحال فيما لو طلب العامل البيع خاصة، الذي ذكر في المسالك في وجوب إجابة المالك له وجهين، ضرورة كون المتجه بناء على ما ذكرناه عدم الوجوب بل لعله كذلك حتى على القول الآخر، لإمكان وصوله إلى حقه بقسمة العروض، و الإرجاع نقدا إنما هو حق المالك فله إسقاطه، و لأن حال العامل لا يزيد على حال الشريك الذي من المعلوم أنه لا يكلف إجابة شريكة إلى البيع، كل ذلك مع طلب


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 26، ص: 391

العامل البيع في الحال.

أما لو طلب تأخيره إلى وقت متأخر كموسم متوقع، فليس له ذلك قطعا للضرر، كالقطع بعدم ثبوت تسلط للعامل بناء على توقف ملكه على الإنضاض أو غيره. و مما ذكرنا يعلم الحال فيما لو كان الفسخ من العامل في هذه الصورة، إذ الحكم كذلك، بل ينبغي الجزم بعدم استحقاقه الأجرة لو كان ناضا لا ربح فيه، و بعدم وجوب إجابة المالك إلى بيعه، لأن المانع من قبله كما هو واضح.

و لو كان بعض المال ناضا فإن كان قدر رأس المال، اتجه عدم إجبار العامل على إنضاض الباقي، لرجوع المال إلى المالك- كما كان، و أولى منه لو كان أزيد.

أما لو كان ناقصا ففي المسالك «توجه جواز إجباره على إنضاض قدره، لو قلنا بإجباره على الإنضاض فيما سبق».

قلت: لكن قد عرفت الحال في ذلك و غيره على وجه تبين لك أن جميع ما في جامع المقاصد و المسالك هنا غير منقح. فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ففي المتن و غيره أنه إن كان المال سلفا، كان عليه أى العامل جبايته و إن فسخ المالك، و كذا غيره من الديون المأذون فيها لاقتضاء المضاربة رد رأس المال على صفته، و الديون لا يجري مجرى المال، و لأن الدين ملك ناقص، و الذي أخذه ملك تام،

و «على اليد ما أخذت»

و لكن فيه ما عرفت، من أن الأصل البراءة بعد عدم دلالة الخبر المزبور على ذلك، مع فرض وقوع الدين باذن المالك، و انفساخ المضاربة، فالمتجه حينئذ أيضا عدم الوجوب، و منه يعلم أيضا ما في قول المصنف و غيره و كذا لو مات رب المال و هو عروض، كان له أي العامل البيع، إلا أن يمنعه الوارث بل هو مناف لما ذكره سابقا، من أن الوجه المنع ضرورة عدم الفرق بين الفسخ الاختياري و القهري، فليس له التصرف إلا بإذن المالك من غير فرق بين ظهور الربح و عدمه، كما ذكرنا الكلام فيه مفصلا و إليه أشار المصنف و فيه قول: آخر و هو ما ذكرناه من عدم جواز البيع إلا بالإذن، لبطلان العقد و قد استوجهه في المسالك، و هو في محله. و الله العالم.

ج 26، ص: 392

[المسألة السادسة إذا قارض العامل غيره فإن كان بإذنه و شرط الربح بين العامل الثاني و المالك صح ]

المسألة السادسة: إذا قارض العامل غيره، فإن كان بإذنه أي المالك و شرط الربح بين العامل الثاني و المالك صح لانه يكون حينئذ بمنزلة الوكيل عن المالك في ذلك، و سبق عقد القراض معه لا ينافي ذلك، بل لا يقتضي فساده، لعدم ما يدل على اعتبار خلو المال عن وقوع عقد قراض عليه في صحة الثاني، و ان كان هو لا يستحق شيئا من الربح، بعدم العمل منه، أما لو فرض عمل كل منهما صح و أخذ كل منهما ربح ما عمل به من المال على حسب ما شرط له.

و على كل حال ف لو شرط لنفسه شيئا من الربح لم يصح لأنه لا عمل له و إيقاع عقد القراض، و لو بالأقل من الحصة التي جعلها المالك له، ليس من اعمال التجارة التي شرع جعل بعض الربح عوضا عنها، فلا يصح اشتراط شي ء من الربح له، حتى لو أذن المالك له في ذلك، فإن إذنه لا تفيد في شرعية غير المشروع اللهم الا أن يدعى دخول مثل ذلك في عمل المضاربة المشروعة، لأنه مما يترتب عليه ربح للمال، بل هو داخل في عمل التجارة و التكسب، خصوصا مع التصريح به في ضمن غيره، فتأمل هذا.

و في المسالك «اذن المالك للعامل في المضاربة قد يكون بمعنى جعل العامل هو الثاني، و العامل الأول إذا أراد ذلك بمنزلة وكيل المالك، و قد يكون بمعنى إدخال من شاء معه، و جعلهما عاملين، و قد يكون بالأعم- الى أن قال- بعد الاعتراف بأن مراد المصنف هنا الأول: و لو كان الإذن بالمعنى الثاني أو بالأعم و جعل الثاني شريكا له في العمل و الحصة بينهما صح، لانتفاء المانع في الأول، و هو عدم العمل».

قلت: لكن يكون ذلك فسخا للمضاربة السابقة، و إنشاء جديدا من العامل باذن المالك أو أن المضاربة الأولى بحالها، و لكن الحصة الاولى المشروطة للأول في المعنى مشروطة باستقلاله بالعمل، أما مع فرض وضع شريك معه فلا يكون حينئذ تشريك الثاني مع الأول بإذن المالك في حصته الأولى مضاربة على تلك المضاربة الأولى بلا فسخ لها، و لا مانع من ذلك- وجهان و ليس في كلامه تحرير لذلك، و

ج 26، ص: 393

إنما اقتصر على الصحة معللا لها بانتفاء المانع، و أنت خبير بأن انتفاء المانع في الأول لا يكون مقتضيا للصحة هنا.

و كيف كان ف لو كان بغير اذنه لم يصح القراض الثاني و

في خبر احمد بن محمد بن عيسى (1)المروي عن نوادره و عن أبيه «سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجل أخذ مالا مضاربة أ يحل له أن يعطيه غيره بأقل مما أخذ، قال: لا»

و لكنه فضولي إن أجاز ترتب عليه حكمه، و إلا بطل القراض فإن فرض حصول ربح حينئذ كان نصف الربح للمالك، و النصف الآخر للعامل الأول بناء على أن القراض كان كذلك و عليه أى العامل الأول أجرة العامل الثاني و بها صار عمله الذي قد عمله، للأول الذي كان قد وقع القراض معه، فيستحق حينئذ ما شرط له، إذ ليس في عقد القراض ما يقتضي مباشرة العمل بنفسه، ضرورة الإكتفاء بمتبرع عنه، و بأجرة و نحو ذلك.

و قيل: و القائل بعض الشافعية النصف الآخر للمالك أيضا لأنه نماء ملكه، و الفرض أ ن الأول لم يعمل (11) شيئا و الثاني غير مأذون عنه.

و قيل: (12) كما عن بعض آخر منهم أيضا أنه بين العاملين، و يرجع الثاني (13) منهما على الأول بنصف الأجرة (14) لأنه قد فاته بغرور منه نصف ما جعل له من الربح.

و لهم وجه رابع على ما حكي و هو أن جميع النصف للعامل الثاني عملا بالشرط، و لا شي ء للأول إذ لا ملك له و لا عمل.

و الأول حسن (15) لما عرفت، و لا ينافيه فرض عدم إجازة المالك إذ هي للقراض، أما ما وقع منه من الشراء و البيع فهو بإذن العامل الأول الذي لم يشترط عليه مباشرة ذلك بنفسه،

أقصى ما هنا لك أن العامل الثاني أوقعه بعنوان أنه مقارض، و قد بان فساده، فاستحق على من غره أجرة المثل، و فساد القراض يقتضي فساد الإذن


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1- مع اختلاف يسير.

ج 26، ص: 394

الحاصل من العامل، إذ الظاهر عدم كون ذلك قيدا لها هنا كما في نظائره.

و من ذلك يظهر لك ضعف الثاني، ضرورة عدم استحقاق المالك له مع عدم فساد القراض الأول، و صيرورة عمل العامل الثاني للاول و لو بغرم الأجرة له. و كذا الثالث، فإن كونه بين العاملين مع فساد القراض غير متصور، اللهم إلا أن يدعى أن العامل الأول له المضاربة بمعنى التشريك فيما له من الحصة، فإذا فرض أنه قد جعل له النصف من المجموع الموزع عليه و على المالك الذي لم يجز مضى فيما له، بطل فيما يرجع إلى المالك الا انه لغروره إياه يغرم له الأجرة، و منه ينقدح وجه الرابع المبني على تنزيل النصف على الراجع له، لا الموزع منه و من المالك، لكن الجميع كما ترى، ضرورة عدم صحة المضاربة له من دون إذن المالك، و لو بالتشريك في حصته، فوقوع ذلك منه حينئذ مقاولة غير مشروعة، هذا.

و لكن في المسالك «إن هذه الأقوال ليست لأصحابنا، و لا نقلها أحد عن أحد منهم، و إن كان ظاهر التعبير ب «قيل و قيل» ذلك، و إنما هي وجوه للشافعية، ذكرها المصنف و العلامة في كتبه، و نقل الشيخ في المبسوط قريبا منها بطريقة أخرى غير منقحة- إلى أن قال تبعا لجامع المقاصد-: و التحقيق في هذه المسألة المرتب على أصولنا أن المالك إن أجاز العقد فالربح بينه و بين الثاني على الشرط، و إن لم يجزه بطل، ثم الشراء إن كان بالعين وقف على إجازة المالك، فإن أجاز فالملك له خاصة، و لا شي ء لهما في الربح، أما الأول فلعدم العمل، و أما الثاني فلعدم الإذن له، و لكن له أجرة مثل عمله على الأول مع جهله، لا مع عمله، و إن كان الشراء في الذمة و نوى صاحب المال فكذلك، و إن نوى عن عامله وقع الشراء له، لانه وكيله، و إن لم ينو شيئا أو نوى نفسه فالعقد له، و ضمان المال عليه، لتعديه بمخالفة مقتضى المضاربة، و حيث لا يقع العقد للعامل الثاني فله الأجرة على الأول مع جهله إن لم يتعد مقتضى المضاربة».

ثم إنهما قبل ذلك قد أطنبا في ذكر حكم الضمان لو تلف المال في يد العامل الثاني و ذكرا جملة من أحكام الغصب، و لا يخفى عليك خروج جميع ذلك عما نحن

ج 26، ص: 395

فيه، ضرورة كون المراد بيان حكم القراض الثاني فيما إذا ربح المال، و هو لا يستلزم تسلم المال إذ يمكن قراضه و عمله و المال في يد العامل الأول، كما أنه لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه عدم الفضولية فيما أوقعه العامل الثاني بإذن الأول و إن لم يجز قراضه، بناء على أن للعامل الأول الإذن لغيره في العمل، و أن فساد قراضه لا ينافي ثبوت الإذن له في ذلك، كما في غير هذه الصورة مما فسد فيه القراض فإنه يثبت للعامل أجرة المثل، و المال و نماؤه للمالك، و ليس هو إلا لبقاء الإذن مع فساد القراض، و ما نحن فيه من ذلك.

و من الغريب دعوى خروج هذه الوجوه عن أصولنا مع تصريح المصنف بحسن الأول منها، بل مفروغيته من صحة البيع و ملك المالك النصف، و عدم ذكر الفضولية هنا في شي ء مما فعله العامل الثاني، و نحو ذلك مما هو كالصريح في أن موضوع المسألة عنده غير ما ذكراه، و ان اعترضاه هما بنحو ما سمعته منهما هنا، لكن الانصاف عدم وروده عليه، و عدم مدخلية لكثير مما ذكراه هنا في مفروض المسألة كما لا يخفى على من لاحظ المقام و تأمل. و الله العالم.

[المسألة السابعة إذا قال المالك دفعت إليه مالا قراضا فأنكر العامل ذلك فأقام المدعي بينة فادعى العامل التلف قضي عليه بالضمان ]

المسألة السابعة: إذا قال المالك: دفعت إليه مالا قراضا، فأنكر العامل ذلك فأقام المدعي بينة على أنه دفع إليه مالا قراضا فادعى العامل التلف قضي عليه بالضمان، و كذا لو ادعى عليه وديعة أو غيرها من الأمانات لثبوت كونه خائنا بإنكاره المال الذي قامت البينة عليه، و أقر هو أيضا به بعد ذلك بدعواه تلفه، و لا ريب في كونه خيانة، بل قد يقال: إنه لم تقبل دعواه حتى لو أقام بينة على تلفه منه بلا تعد و لا تفريط، لتكذيبه إياها بإنكاره الأول الذي هو أيضا إقرار في حقه، و من هنا عبر الفاضل في القواعد بعدم قبول دعواه.

لكن في المسالك «إن عبارة المتن أجود منها، لاستلزام عدم القبول حبسه إلى أن يدفع العين، و قد تكون تالفة، إلا أن يتكلف نحو ما تقدم من حبسه مدة يظهر فيها اليأس من وجود العين».

و فيه أن المقصود عدم قبول دعوى التلف التي كانت تقبل منه سابقا بيمينه في

ج 26، ص: 396

إسقاط الضمان عنه، و أما التكليف بالعين نفسها و عدمه فهو غير مقصود لهما، فليس تعبير المصنف بالضمان تحرزا عن ذلك، ضرورة عدم تصديق مجرد قوله بالنسبة إلى ذلك، من دون استظهار بيمين أو بينة، أو حبس أو نحو ذلك، و على كل حال فهو مقام آخر غير ما نحن فيه، يجري في الغاصب و نحوه، هذا كله فيما إذا كان جوابه في الدعوى الأول ما سمعت.

أما لو كان جوابه: لا يستحق عندي شيئا أو ما أشبهه لم يضمن و إن قامت البينة على دفع المال إليه قراضا، لكون ذلك أعم من ضمانه، بل لو ادعى التلف بعد ذلك سمع منه بيمينه، لعدم التنافي بينه و بين كلامه الأول كما هو واضح.

[المسألة الثامنة إذا تلف مال القراض أو بعضه بعد دورانه في التجارة احتسب التالف من الربح ]

المسألة الثامنة: إذا تلف مال القراض أو بعضه، بعد دورانه في التجارة، احتسب التالف من الربح الذي هو وقاية لرأس المال في شرع المعاملة و في عرفها، و كذا لو تلف قبل ذلك كما لو أذن له في الشراء في الذمة فاشترى ثم تلف المال و نقد الثمن عنه، فإن القراض يستمر و يمكن جبره حينئذ بالربح المتجدد و لكن في هذا تردد عند المصنف مما عرفت، و من أن التلف قبل الشروع في التجارة يخرج التالف عن كونه مال قراض، إلا أن الأقوى عدم الفرق، لأن المقتضي لكونه مال قراض هو العقد، لا دورانه في التجارة، فمتى تصور بقاء العقد و ثبوت الربح، جبر ما تلف مطلقا، بل لا يخفى على من أعطى التأمل حقه، عدم صدق الربح الذي وقع الشرط بين المالك و العامل عليه إلا على ما يبقى بعد جبر جميع ما يحدث على المال، من أول تسلمه إلى انتهاء المضاربة، من غير فرق في النقصان بين انخفاض السوق و الغرق و الحرق و أخذ الظالم و السارق و غير ذلك، مما هو بآفة سماوية و غيرها، فما عساه يقال أو قيل:- من اختصاص الحكم بما لا يتعلق فيه الضمان بذمة المتلف، لأنه حينئذ بمنزلة الموجود، فلا حاجة إلى جبره، و لانه نقصان لا يتعلق بتصرف العامل و تجارته، بخلاف النقصان الحاصل بانخفاض السوق و نحوه- لا ينبغي أن يصغى إليه لما عرفت، نعم لو فرض حصول العوض من التلف كان العوض من جملة المال. و الله العالم.

ج 26، ص: 397

[المسألة التاسعة إذا قارض اثنان واحدا و شرطا له النصف منهما و تفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال كان فاسدا لفساد الشرط]

المسألة التاسعة: إذا قارض اثنان مثلا واحدا مثلا و شرطا له النصف منهما و تفاضلا في النصف الآخر مع التساوي في المال أو تساويا فيه مع التفاوت في المال، كان فاسدا لفساد الشرط المقتضي زيادة لأحدهما على الأخر مع تساوي المالين، أو التساوي مع التفاوت في المالين بلا عمل من ذي الزيادة، ضرورة كون العامل غيرهما، و قد عرفت سابقا عدم جواز ذلك في الشريكين، فكذا هنا، إذ لا فرق بين امتزاج المالين و عدمه، و لكن قال المصنف هنا فيه تردد و لعله من ذلك، و من احتمال كون اشتراط الزيادة هنا من العامل بمعنى أن صاحبها قد شرط له في العمل بما له أقل مما شرط له الآخر، و لا ريب في جواز ذلك، ضرورة عدم المانع المزبور منه.

لا يقال:- إن محل المسألة مع الإطلاق الذي هو كما يحتمل ذلك يحتمل كونها من المالك الآخر، و لا ترجيح- لأنا نقول: إن أصل الصحة يرجح الأول بل لعله كذلك حتى مع فرض عدم خطور هذا التفصيل في قصدهم، حملا لفعل المسلم على الصحيح في نفس الأمر.

نعم لو صرح باستحقاق العامل من نصيب كل منهما نصفه، اتجه الفساد حينئذ، بناء على ما سمعته في الشركة، مع أنه قد يقال بالصحة هنا، بدعوى كون ذلك من عمل المضاربة، كما يومي إليه ما عساه يستفاد من إطلاق عبارة المتن و القواعد من عدم الفرق في الحكم المزبور بين امتزاج المالين و عدمه، كما اعترف به الكركي في شرحه.

و لا ريب في أن استحقاق كل منهما في ربح مال الآخر- المفروض تميزه مع أنه قد يختلف قلة و كثرة، بل قد يحصل بالخسران في أحدهما دون الآخر الذي يجبر منه شي ء- لا تقتضيه الضوابط، بل هو إن كان، فليس إلا من صدق كون المجموع مال مضاربة واحدة، و لذا جعل الربح بينهما مشاعا، و إذا كان ذلك و نحوه من مقتضى عقد المضاربة، فلتقتضى أيضا التفاوت في ربح النصف، و إن تساويا في المال، أو التساوي فيه مع التفاوت فيه، و يكون ذلك من أحكامها، نحو ما لو قارض الواحد مثلا اثنين

ج 26، ص: 398

مثلا على التفاوت فيما شرط لهما من الربح، فإنه يصح، و إن كان المشروط له الأكثر، الأقل عملا، لإطلاق الأدلة، خلافا لمالك فلم يجوز التفاوت بينهما و قد تقدم الكلام فيه سابقا.

[المسألة العاشرة إذا اشترى عبدا مثلا للقراض فتلف الثمن قبل القبض قيل يلزم صاحب المال ثمنه دائما]

المسألة العاشرة: إذا اشترى عبدا مثلا للقراض فتلف الثمن قبل القبض قيل: و القائل الشيخ في محكي المبسوط يلزم صاحب المال ثمنه دائما، و يكون الجميع رأس ماله بجبر التالف منه بالربح و قيل و القائل ابن إدريس فيما حكي عنه إن كان أذن له في الشراء في الذمة فكذلك، و إلا كان باطلا، و لا يلزم الثمن أحدهما و قد عرفت فيما مضى تفصيل الحال، من أنه إن كان الشراء في الذمة بإذن المالك لزم دفع الثمن ثانيا و ثالثا دائما، و إلا فإن صرح بكون الشراء له وقف على إجازته، فإن أجاز لزمه الثمن، و إلا بطل البيع، و إن لم يذكره لفظا وقع الشراء للعامل ظاهرا مع فرض كونه قد نوى المالك، و إلا فواقعا أيضا، و إن كان الشراء بالعين فهلكت قبل دفعها بطل العقد، و هذا كله واضح.

نعم في المسالك بعد أن ذكر جميع ذلك قال: «و حيث يلزم المالك الثمن ثانيا يكون الجميع رأس ماله بجبر جميعه بالربح، و هو جيد في غير صورة الفضولي، أما فيها فلا يخلو من إشكال، ضرورة عدم وقوع عقد المضاربة، فمع فرض إجازة المالك لذلك يلحق الثمن حكم المضاربة» و لكن الإنصاف عدم خلوه عن الإشكال أيضا.

[المسألة الحادية عشرة إذا نض قدر الربح فطلب أحدهما القسمة فإن اتفقا صح ]

المسألة الحادية عشرة: إذا نض قدر الربح فطلب أحدهما القسمة لقدر الربح فإن اتفقا صح لانحصار الحق فيهما و ان امتنع المالك لم يجبر لما فيه من الضرر عليه، لاحتمال خسارة مال القراض، فيحتاج الجبر به، أما العامل فقد يظهر من العبارة أنه ليس له الامتناع، لأنه متى احتاج إلى الجبر احتسب على المالك، لكن في القواعد «ان امتنع أحدهما لم يجبر على القسمة».

و في جامع المقاصد «أما المالك فظاهر، و أما العامل فلأنه لا يأمن أن يطرء الخسران، و ان أتلف ما وصل اليه فيحتاج الى غرم ما وصل إليه بالقسمة، و ذلك ضرر».

و فيه منع كون ذلك ضررا، ضرورة إمكان المحافظة عليه، بعدم التصرف، بل

ج 26، ص: 399

لو أغرمه لم يكن عليه ضرر، لأنه في مقابل ما تصرف فيه، و الله العالم.

و على كل حال فلو اقتسما و بقي رأس المال معه اى مقداره فخسر، رد العامل أقل الأمرين مما وصل اليه من الربح، و مما يصيبه من الخسران، لأن الأقل ان كان هو الخسران فلا يلزمه سوى جبر المال و الفاضل له، و ان كان الأقل هو الربح فلا يلزمه الجبر الا به و كذلك احتسب على المالك أقل الأمرين من رأس المال، هذا هو الظاهر من العبارة، بل جزم به ثاني الشهيدين لكن عن الشهيد «أن المردود أقل الأمرين التي هي مما أخذه العامل من رأس المال لا من الربح، فلو كان رأس المال مأة و الربح عشرين، فاقتسما عشرين، فالعشرون من الربح مشاعة في الجميع، نسبتها الى رأس المال نسبة السدس، فالعشرون المأخوذة سدس الجميع، فيكون خمسة أسداسها من رأس المال، و سدسها من الربح، فإذا اقتسماها استقر ملك العامل على نصيبه من الربح، و هو نصف سدس العشرين، و ذلك درهم و ثلثان، يبقى معه ثمانية و ثلث من رأس المال، فإذا خسر المال الباقي رد أقل الأمرين مما خسر و من ثمانية و ثلث، و الحامل له عليه، كما قيل: حكمهم بأن المالك إذا أخذ من المال شيئا و قد ظهر ربحه يحسب ما أخذه منهما على هذه النسبة» و أفسده في المسالك «بأن المأخوذ و ان كان مشاعا الا أن المالك و العامل انما أرادا به الربح، و حيث كان المال منحصرا فيهما فالتمييز منوط بهما، و لو كان يدخل في ذلك من رأس المال شي ء لم يصح للعامل التصرف فيه، لأن المالك لم يأذن إلا في التصرف في الربح، و لم تقع القسمة و الاتفاق الا عليه- الى أن قال- و أيضا فتوقف رد العامل رأس المال على ظهور الخسران لا وجه له لأنه لا يملك شيئا من رأس المال، و انما حقه في الربح، و أما حمله على أخذ المالك فليس بجيد، لأن المالك لا يأخذ على وجه القسمة، و انما يأخذ ما يعده ملكه، فلما كان فيه ربح و هو شائع دخل فيه جزء من الربح على نسبة المأخوذ، فيحسب رأس المال بعد ذلك على حساب ما يبقى بعد توزيع المأخوذ على الأصل و الربح، و أين هذا من أخذ العامل الذي لا يستحق إلا في الربح، و لا يقاسم المالك الا عليه خاصة».

ج 26، ص: 400

قلت: قد يكون منشأ كلام الشهيد عدم تشخص الربح عن رأس المال باتفاقهما على أنه ربح، لعدم دليل على ذلك، و الأصل بقاء إشاعته حتى تنفسخ المضاربة و يتسلم المالك رأس ماله، و حينئذ يتجه كلامه.

لكن يشكل بأنه لا دليل على استقرار ملكهما للحصة من الربح بذلك، ما دامت المضاربة غير منفسخة حتى لو رضى المالك بأن يكون الباقي رأس مال، فإنه لا يلتزم بذلك، بل له الرجوع عنه، لعدم استقرار كون ذلك ربحا، الى أن ينتهي عمر المضاربة، و الفسخ أو الانفساخ كما تقدم الإشارة الى ذلك فيما تقدم.

نعم لهما الاتفاق على التصرف في المقدار الذي تراضيا عليه سواء وجدا معه صورة القسمة أو لا برضى منهما و ما يتبعه من رأس المال يكون تصرف العامل فيه برضى المالك، كما إذا لم يكن ثم ربح.

اللهم الا أن يقال: ان ذلك من المالك فسخ للمضاربة فيما يخصه من رأس المال، لأنه برضاه قد أخرجه عن المضاربة، حتى الذي قبضه العامل، فيستقر حينئذ ملكهما على ما خص ذلك من الربح، لانفساخ المضاربة، كما تعرفه إنشاء الله تعالى في المسألة الرابعة عشر، و به حينئذ يتم كلام الشهيد، فتأمل جيدا، كما أنه ينبغي التأمل فيما سمعت من أن للمالك و العامل الاتفاق على تشخيص الربح من رأس المال، و إخراجه عن الإشاعة مع بقاء المضاربة على حالها، بحيث يكون الباقي رأس المال و ما شخصاه ربحا، فإنه محتاج إلى التأمل.

[المسألة الثانية عشرة لا يصح أن يشترى رب المال من العامل شيئا من مال القراض ]

المسألة الثانية عشرة لا يصح أن يشترى رب المال من العامل شيئا من مال القراض بلا خلاف و لا إشكال لأنه ماله و لا أن يأخذ منه بالشفعة لذلك أيضا بخلاف العكس، فان للعامل الشراء من المالك و له الأخذ بالشفعة منه، كما هو واضح.

لكن في القواعد «إن ظهر ربح بطل البيع في نصيبه منه» و لعل المراد إذا كان الربح ظاهرا وقت الشراء، لعدم جواز شراء ملكه، لا ما إذا تجدد، فإنه حينئذ له و الثمن صار من مال المضاربة كما هو واضح.

و كذا لو ظهر في المال ربح جاز للمالك شراء ما يخص العامل، بناء على ملكه

ج 26، ص: 401

بالظهور، و إن كان متزلزلا، فإن تزلزله لا يمنع من بيعه، بل يقوى في النظر وقوعه لازما و إن تجدد الخسران بعد ذلك و احتاج إلى الجبر، فيجبر حينئذ بقيمته كما لو أتلفه، و ربما احتمل انفساخ البيع، لكنه في غير محله، و أما الأخذ بالشفعة ففي المسالك «هو ممكن» أي بعد ظهور الربح على نحو ما سمعته في شرائه، لكن قد يناقش بمنع ذلك فيما لو كان الربح مقارنا للشراء، فضلا عما لو تجدد، لعدم ملك العامل حينئذ بعض الشقص بالشراء، بل هو بالشرط الحاصل في المضاربة، فلا شفعة حينئذ فيما ملكه بذلك، و إن صار شريكا مع المالك لم يقاسم إلا أنه ليس بالشراء الذي هو موجب الشفعة، و الله العالم.

و كذا لا يشترى من عبده القن لما عرفت في محله أنه لا يملك شيئا

و «لا بيع إلا في ملك»

من غير فرق بين المأذون و غيره، لكن حكي عن الشيخ قولا بأن المأذون إذا ركبته الديون جاز للسيد الشراء منه، و هو قول لبعض الشافعية، لأنه لا حق للسيد فيه، و إنما هو حق الغرماء و فساده ظاهر، كما في المسالك قال: «فإن استحقاق الغرماء ما في يده لا يقتضي خروج ذلك عن ملك السيد، كتعلق حقهم في مال المفلس نعم للسيد أخذ ذلك بقيمته، لأنه أحق بماله مع بذلك العوض، إلا أن ذلك لا يعد بيعا، كما يأخذ العبد الجاني خطأ و يبذل قيمته».

و على كل حال ف له الشراء من المكاتب المطلق و المشروط، لأن ما في يده ملك له، و سلطنة المولى قد انقطعت عنه، فساوى غيره من الملاك، و لهذا لو انعتق لم يكن للمولى ما في يده، و إن كان الملك في المشروط أضعف منه في المطلق من حيث إمكان رده في الرق أجمع، فيرجع ما في يده إلى ملك السيد، و ليس كذلك المطلق الذي يحسب ما في يده من مال الكتابة لو احتيج إليه و الله العالم.

[المسألة الثالثة عشرة إذا دفع مالا قراضا و شرط أن يأخذ له بضاعة قيل لا يصح ]

المسألة الثالثة عشرة: إذا دفع مالا قراضا و شرط أن يأخذ له بضاعة قيل: كما عن الشيخ في المبسوط لا يصح لأن العامل في القراض لا يعمل ما لا يستحق عليه أجرا فيفسد الشرط و يتبعه العقد، و لو لأن قسط العامل حينئذ يكون مجهولا لاقتضاء الشرط قسطا من الربح، و قد بطل فيبطل ما يقابله فتجهل الحصة.

ج 26، ص: 402

و قيل يصح القراض و يبطل الشرط خاصة، لأن البضاعة لا يلزم القيام بها، فلا يفسد اشتراطها، بل يكون لاغيا لمنافاته العقد.

و لو قيل بصحتهما معا كان حسنا لإطلاق الأدلة و عمومها التي منها(1)

«المؤمنون عند شروطهم»(2)

«و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ » و غيرهما، و القراض إنما يعتبر عدم خلو عمله نفسه عن جزء من الربح، لا مطلق العمل- و إن لم يكن من القراض، و لكنه قد اشترط في عقد القراض.

نعم يبقى الكلام في معنى صحة الشرط، في العقد الجائز الذي قد تقدم البحث فيه سابقا.

لكن قد يقال:- في خصوص المقام الذي هو شبه المعاوضة و أن المالك لم يجعل الحصة المزبورة للعامل إلا في مقابلة أخذ البضاعة- إنه لو ربح و لم يف بالشرط كان للمالك الفسخ، و يأخذ الربح كله، و للعامل أجرة المثل في وجه، و لا شي ء له في آخر.

إلا أنه كما ترى لا ينطبق على القواعد، و على ما اشتهر فيما بينهم من عدم لزوم الوفاء بالشروط في العقود الجائزة، و أن حالها كحال الوعد، و ليس فائدة الشرط فيها فائدته في العقد اللازم من التسلط على الفسخ، مع عدم الوفاء به الذي هو واجب على من اشترط عليه، لعموم الأمر بالوفاء في العقد، فتأمل جيدا، خصوصا ما في جامع المقاصد و المسالك

هنا، فإنه لا يخلو من شي ء، و قد تقدم منا سابقا ما له نفع في المقام.

[المسألةالرابعة عشرة إذا كان مال القراض مأة مثلا فخسر عشرة و أخذ المالك عشرة كان رأس المال تسعة و ثمانين إلا تسعا]

المسألة الرابعة عشرة: إذا كان مال القراض مأة مثلا فخسر عشرة مثلا و أخذ المالك منه بعد الخسارة عشرة مثلا ثم عمل ب ما بقي من ها الساعي فربح، كان رأس المال تسعة و ثمانين إلا تسعا، لأن المأخوذ محسوب من رأس المال، فهو كالموجود فإذا المال في تقدير تسعين، فإذا قسم الخسران، و هو


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
2- 2 سورة النساء الآية 29.

ج 26، ص: 403

عشرة على تسعين، كانت حصة العشرة المأخوذة دينارا و تسعا، فيوضع ذلك من رأس المال و يجبر الباقي، لأن الربح إنما يجبر خسران المال الذي ربح، أي مال المضاربة الباقي على المضاربة، لا مطلق الخسران، فإذا أخذ المالك شيئا بعد الخسران كان من جملة رأس المال، فلا بد أن يخصه من الخسران شي ء، فيسقط من أصل الخسران لأنه خسران غير المال الذي ربح أي مال المضاربة الباقي في يد العامل، ضرورة أن أخذ المالك العشرة منه استرداد من العامل، و إبطال للمضاربة فيها فلا بد أن يتبعها ما خصها من الخسارة السابقة على أخذها، و الضابط في معرفة ذلك نسبة المأخوذ إلى الباقي، و توزيع الخسران عليه أجمع، فيخصه على مقتضى نسبته، ففي المقام نسبته تسع، فيخصه تسع العشرة التي هي الخسارة، و هو واحد و تسع، فيبقى منه تسعة إلا تسع، تجبر من الربح المتجدد، و لو فرض أنه أخذ نصف التسعين الباقية بعد خسارة العشرة، بقي رأس المال خمسين، منها خمسة و أربعون موجودة، و يتبعها نصف الخسارة، و هو خمسة، و هي التي تؤخذ من الربح المتجدد لو فرض.

و كذا في طرف الربح، بمعنى أنه يحسب المأخوذ من رأس المال و الربح، فلو كان المال مأة و ربح عشرين، فأخذها المالك بقي رأس المال ثلاثة و ثمانين و ثلث، لأن المأخوذ سدس المال جميعه الأصل و الربح، و سدس أصل المال ستة عشر و ثلثان، و سدس الربح ثلاثة و ثلث، و هي حظه من الربح، إلا أنه يستقر ملك العامل على نصف المأخوذ من الربح، و هو درهم و ثلثان، و ذلك لبطلان المضاربة في أصله، و هو السدس الذي استرده المالك، و حينئذ فلو انخفض السوق و عاد ما في يده الى ثمانين لم يكن للمالك أن يأخذه من العامل إذا فسخ المضاربة، ليتم مع ما أخذه سابقا المأة، بل للعامل من الثمانين درهم و ثلثان، و هما نصف الربح الذي قد أخذه المالك في ضمن العشرين، و قد عرفت استقرار ملك العامل عليه بفسخ المالك المضاربة في العشرين، هذا.

و لكن الإنصاف عدم خلو المسألة الأولى عن إشكال، باعتبار عدم ثبوت ما يقتضي شيوع الخسارة على المال كله، على وجه لو أخذ المالك بعض المال يلحقه

ج 26، ص: 404

بعض الخسارة، و إنما المنساق احتساب ما يأخذه المالك من رأس المال، و أما الخسارة السابقة على ذلك فتجبر بما بقي من مال المضاربة، إذ المالك قد أخذ العشرة مثلا مستحقة للجبر، و دعوى- أن الذي يجبر هو المال الذي ربح- واضحة الفساد، ضرورة جبر المال الذي وقعت عليه المضاربة بربح أي جزء من مالها، من غير فرق بين ما ربح منه و ما لا يربح، بل قد يعمل العامل ببعض دون بعض، كما أنه قد يربح بعض دون آخر، و أخذ المالك لا يزيد على دفع العامل له بعنوان رد رأس المال له شيئا فشيئا، و ربما يشهد لبعض ما ذكرنا من السيرة على تناول المالك و العامل من مال المضاربة ثم الحساب بعد ذلك من دون أن يلحق ما عند المالك أو العامل من الخسارة أو غيرها، و لكن يحتسب ما عنده من رأس ماله عليه، ثم يقسم الباقي إن كان، فتأمل جيدا. و الله العالم.

[المسألة الخامسة عشرة لا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها و إن أذن له المالك ]

المسألة الخامسة عشرة: لا يجوز للمضارب أي العامل أن يشتري جارية يطأها، و إن أذن له المالك بذلك، إلا أن يستفاد منه التوكيل على التحليل أو العقد عليها بعد الشراء، بناء على صحة مثل هذا التوكيل، نحو الإذن في شراء عبد له و عتقه عنه، أو دار و وقفها، و غيرهما.

و لعل ذلك هو المراد مما قيل: و القائل الشيخ في المحكي عن نهايته أنه يجوز مع الإذن فلا يرد عليه حينئذ أن الإذن السابقة لا تثمر، لأن التحليل إما عقد أو تمليك، و كلاهما لا يقعان قبل الملك، بل يمكن حمل الخبر الذي ذكروه مستندا للشيخ على ما ذكرنا.

و هو

خبر الكاهلي (1)عن أبي الحسن عليه السلام «قال: قلت: رجل سألني أن أسألك إن رجلا أعطاه مالا مضاربة ليشتري له ما يرى من شي ء، و قال له: اشتر جارية تكون معك، و الجارية إنما هي لصاحب المال، إن كان فيها وضيعة فعليه و إن كان ربح فله، فللمضارب أن يطأها؟ قال: نعم»

فلا حاجة حينئذ إلى المناقشة في سنده- مع أنه من الموثق الذي هو حجة عندنا، بعد انصراف ابن زياد في سنده


1- 1 الوسائل الباب 11- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1-.

ج 26، ص: 405

إلى ابن أبي عمير، لغلبة التعبير به عنه، و لا في متنه بظهوره في كون الجارية من غير مال المضاربة، و لذا كان ربحها للمالك و وضيعتها عليه، و عدم الإذن فيه بالوطي-

لإمكان دفعها بأنه يدل على تأثير الإذن السابق على الشراء، و لا فرق بين مال المضاربة و غيره، و ظهور معك في ذلك.

نعم حمله على ما ذكرنا أولى من الجرءة به على مخالفة القواعد و الضوابط، و خصوصا بعد تفرد الشيخ بالعمل به على الوجه المنسوب إليه، هذا كله في الاذن السابقة.

أما لو أحلها له بعد شرائها و لم يكن ثم ربح فيها صح قطعا مع القطع بعدم ربح فيها فعلا، لإطلاق الأدلة، و لو كان فيها ربح بني على جواز تحليل أحد الشريكين للآخر، و قد ذكرناه في كتاب النكاح، بل في الرياض هنا «يشكل التحليل مع عدم القطع بعدم الربح إن قلنا بالمنع في صورته، لاحتمال الشركة الموجبة للمنع في نفس الأمر، فيجب الترك من باب المقدمة- قال-:

و يحتمل الجواز مطلقا كما قالوه لأصالة عدم حصول الظهور، و لا ريب أن الأحوط تركه» قلت: و إن كان الأقوى الجواز لأصالة عدم الشركة.

[المسألة السادسة عشرة: إذا مات و في يده أموال مضاربة فإن علم مال أحدهم بعينه كان أحق به ]

المسألة السادسة عشرة: إذا مات و في يده أموال مضاربة لمتعددين فإن علم مال أحدهم بعينه كان أحق به بلا خلاف و لا إشكال، و إن جهل مال كل واحد منهم بخصوصه كانوا فيه سواء بمعنى أنه يقسم بينهم على نسبة أموالهم، كما في اقتسام غيرهم من الشركاء، كما سمعته في نظائره في كتاب الصلح هذا، إذا كانت مجتمعة على حدة، أما إذا كانت مع ماله ففي المسالك «إن الغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك، إن وسعت أموالهم أخذوها، و إلا تحاصوا».

قلت: الأصل في ذلك

خبر السكوني (1)«عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام أنه كان يقول: من يموت و عنده مال مضاربة قال: إن سماه بعينه قبل موته فقال: هذا لفلان فهو له، و إن مات و لم يذكر فهو أسوة الغرماء»

و فيما حضرني


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب أحكام المضاربة الحديث- 1-.

ج 26، ص: 406

من نسخة الرياض شارحا لمتن النافع «و لو كان في يده أموال مضاربة لمتعددين فمات و علم بقاؤها في تركته فلو كان عينها لواحد منهم، أو علمت منفردة بالقرائن المفيدة للعمل، فلا بحث، و إلا تحاص فيه أى في المجتمع من أموال المضاربة الغرماء و أرباب الأموال على نسبة أموالهم للخبر، إلى آخره.

قلت: ليس في الخبر سوى أنه إذا لم يذكر الميت مال المضاربة المعلوم كونه في يده فرب المال كباقي الغرماء، و هذا غير ما ذكره من تحاص الغرماء و أرباب الأموال في المال المعلوم كونه مال مضاربة لمتعددين، بل أقصاه يكون مشتركا بينهم ثم قال متصلا بما سمعت: «هذا إذا كانت أموالهم مجتمعة في يده على حدة، و أما إذا كانت ممتزجة مع

جملة ماله مع العلم بكونه موجودا فالغرماء بالنسبة إلى جميع التركة كالشريك، إن وسعت التركة أموالهم أخذوها، و إن قصرت تحاصوا، كذا قيل، و الوجه في حرمان الورثة- مع قصور التركة عن مالهم أو مساواتها له مع فرض وجود مال للمورث- غير واضح، إلا مع ثبوت موجب ضمان التلف من أموالهم من تعد أو تفريط، لثبوت أما نيته و عدم ضمانه للتلف إلا مع أحد الأمرين، كما مر، و الإكتفاء في الضمان باحتمال أحدهما مدفوع بالأصل، و عموم (1)

«على اليد»

مخصص بما دل على أمانته، فالوجه ضرب الورثة- مع الغرماء في التحاص، و أخذهم جميع ما لمورثهم مع العلم بعدم تلف شي ء منه، و مع احتماله يتحاصون معهم بنسبة مالهم و يمكن حمل كلام القائل عليه بتعميم الغرماء في كلامه للورثة بضرب من التغليب.

و لكن يشكل بتوقف ذلك على معرفة مقدار مال الميت، و معلومية نسبته بالإضافة إلى أموالهم، و لو جهل أشكل الحكم في ضربهم معهم في التحاص.

قلت: يمكن أن يكون المستند في الأول ما سمعته من النص المؤيد بالفتوى الذي قد تضمن الحكم بكون رب المال غريما مع العلم بكون مال المضاربة في التركة و عدم ذكر الميت له بعينه.

و على كل حال فهذا كله مع العلم بكون المال ف ى التركة و أما مع


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

ج 26، ص: 407

عدمه ب أن جهل كونه أي ما في يد الميت مضاربة لاحتمال التلف أو غيره قضي به ميراثا عند المصنف و ثاني الشهيدين و سيد الرياض، قضاء لحكم اليد بل لا ضمان عليه للمضاربة، لأصالة البراءة و كونه أمانة لا يضمنها إلا مع التعدي أو التفريط، و لم يثبت، و أصالة بقاء المال لا يقتضي ثبوته في ذمته مع كونه امانة، بل و لا في تركته، و عدم الوصية به أعم من اقتضاء الضمان، إذ لعله تلف من غير تفريط.

لكن قد تقدم في كتاب الرهن ما يستفاد منه وجه الضمان، أو الحكم بالبقاء في التركة و إن كان لا يخلو من صعوبة، بل منع، أما الأول فقد يقال: إن الأصل الضمان، لعموم (1)

«اليد»

و إنما خرج الأمين الذي يدعي التلف بغير تعد و لا تفريط أما مع عدم دعواه فتبقى قاعدة الضمان بحالها، لا أقل من الشك في شمول أدلة الأمين لمثل هذا الفرد، و الأصل الضمان و الله العالم.

إلى هنا تم الجزء السادس و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه. و يتلوه الجزء

السابع و العشرون في أحكام المزارعة و المساقاة إنشاء الله تعالى على الآخوندى


1- 1 المستدرك ج 2 ص 504.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.