جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد25

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج25، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[تتمة كتاب التجارة]

[تتمة الفصل العاشر في السلف ]

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[المقصد الخامس في القرض ]
اشارة

المقصد الخامس في القرض بكسر القاف و فتحها و هو معروف أثبته الشارع متاعا للمحتاجين مع رد عوضه في غير المجلس غالبا و إن كان من النقدين رخصة، و قد تظافرت النصوص، بل تواترت بتأكيده في المؤمن، حتى

قال رسول الله صلى الله عليه و آله (1)«من أقرض مؤمنا قرضا ينظر به ميسوره كان ماله في زكاة و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه» (2)

و «من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء حسنات و إن رفق به في طلبه تعدى على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب، و من شكا إليه أخوه المسلم فلم يقرضه حرم الله عز و جل عليه الجنة يوم يجزى المحسنين»

و

الصادق عليه السلام(3)«لأن أقرض قرضا أحب إلى من أن أتصدق بمثله، و من أقرض قرضا و ضرب له أجلا و لم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من

الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل بمثل صدقة دينار واحد في كل يوم»(4)

و «القرض الواحد بثمانية عشر و إن مات حسبتها من الزكاة»(5)

و «ما من مسلم أقرض مسلما قرضا حسنا يريد به وجه الله إلا حسب له أجره كأجر الصدقة حتى يرجع إليه.»

و كيف كان فتمام النظر فيه يستدعي النظر في أمور ثلاثة

[الأول في حقيقته ]

الأول في حقيقته و هو عقد بلا خلاف أجده فيه، نعم في المسالك لا شبهة في اشتراط الإيجاب و القبول


1- 1 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 4.
5- 5 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 2.

ج 25، ص: 2

فيه بالنسبة إلى تحقق الملك إن قلنا أنه يملك بهما و بالقبض، فلو قلنا بتوقف الملك على التصرف و كان قبله بمنزلة الإباحة فينبغي أن لا يتوقف على العقد.

قلت: الظاهر من القائل بذلك كون التصرف كاشفا عن الملك، فلا بد من حصول السبب له قبله و إن كان مشروطا تأثيره على جهة الكشف و ليس إلا العقد و القبض، كما أن الظاهر كونه من تمام السبب عنده بناء على عدم الكشف، فالملك حينئذ حاصل منه و من العقد و القبض فهو حينئذ غير الإباحة، بل من الواضح تغايرهما في عرف المتشرعة موضوعا و أحكاما.

و كيف كان فالظاهر دخول المعاطاة فيه بناء على دخولها في غيره، بل هو أولى من البيع و غيره بذلك، و السيرة فيه أتم. و الفرق بينها و بين العقد بناء على عدم جواز رجوع المقرض بالعين بعد القبض و اضح، إذ من المعلوم عدم ذلك في المعاطاة و إن قلنا بحصول الملك معا، إلا أنه متزلزل كما في البيع فلكل منهما الرجوع حينئذ إذا كان القرض بها، و أما إذا قلنا بعدم الملك بالقبض بل لا بد من التصرف، فلعل الفرق بين العقد و المعاطاة حينئذ التزام كون التصرف في الأول كاشفا أو متمما، بخلافه في المعاطاة التي يمكن كونه فيها حينئذ كالإباحة بالعوض.

نعم قد يشكل الفرق بين معاطاته و عقده بناء على جواز فسخه الموجب لرجوع العين، و على أن المعاطاة تفيد الملك المتزلزل، و لعله لا بأس بالتزام عدم الفرق بينهما حينئذ، فإنه لا دليل يقتضي لزوم الفرق بين المعاطاة و العقد هذا كله بناء على أن المعاطاة تقتضي الملك المتزلزل، و إلا فالفرق بينهما حينئذ واضح، بناء على حصول الملك بالقبض، بل و على القول بالتصرف، لما عرفت من الفرق بين التصرف المسبوق بالعقد و القبض، و بين التصرف المسبوق بالمعاطاة، و لو سلم تساويهما كما في بعض الاحتمالات أمكن الالتزام بما عرفت من عدم الفرق بينهما حينئذ، لعدم ما يقتضي وجوبه، و الأمر سهل خصوصا بعد ما ستسمع من ضعف القول بكون القرض من العقود الجائزة الموجب فسخها لرد العين، و القول بتوقف الملك فيه على التصرف، و الله أعلم.

ج 25، ص: 3

و حيث قد عرفت أنه عقد فهو يشتمل على إيجاب كقوله أقرضتك أو ما يؤدي معناه وضعا و أما مثل تصرف فيه أو انتفع به، و عليك رد عوضه و نحوهما مما يفيد معناه بالقرينة فالبحث فيه كما في غيره من العقود اللازمة، بناء على كونه منها على الأصح، لكن في المسالك تبعا للدروس أن من المؤدى معناه: خذ هذا أو اصرفه أو تملكه أو ملكتك أو استلفتك و نحوه، و عليك رد عوضه أو مثله أو نحو ذلك، و الحاصل أن صيغته لا تنحصر في لفظ كالعقود الجائزة، بل كل لفظ دل عليه كفى، إلا أن لفظ أقرضتك صريح في معناه، فلا يحتاج إلى ضميمة: و عليك رد عوضه و نحوه و غيره يحتاج.

و فيه أولا أنك ستعرف كونه من العقود اللازمة عنده، حتى أنه أول قولهم بالجواز إلى ما ستسمع، و ثانيا أنه قد يمنع دلالة ذلك على القرض بعد فرض مشروعية الإباحة بالعوض أو الهبة به، فالواجب حينئذ و الأحوط الاقتصار علي المتيقن في لفظه.

ثم إنه بناء على ما ذكره لو ترك الضميمة المزبورة فلم يقصد إلا مع معنى المنضم إليه، فإن كان بلفظ التمليك أفاد الهبة، لأنه صريح فيها، و إن كان بلفظ السلم و نحوه كان فاسدا لا يترتب عليه حكم عقد، لأنه حقيقة في السلم و لم يجمع شرائطه، و إن كان بغيره من تلك الألفاظ الدالة على الإباحة فهو هبة مع قصد الموجب لها لا بدونه كما سيأتي إنشاء الله.

فلو اختلفا في القصد فالقول قوله لأنه أبصر به، أما لو اختلفا في قصد الهبة مع تلفظه بالتمليك فقد قطع في التذكرة بتقديم قول صاحب المال، لأنه أعرف بلفظه و لأصالة عصمة المال و عدم التبرع به، و وجوب الرد على الآخذ لعموم

«على اليد»(1)

و فيه أن ظاهر اللفظ الدال على القصد يقطع ذلك كله كما في سائر العقود، إذ الأصل إرادة الحقيقة، و المجاز لا يصار إليه إلا بقرينة، فلا يسمع دعواه مع عدمها في مقابلة الغير كما هو واضح.

و يشتمل أيضا على القبول و البحث فيه كالإيجاب لكن قال المصنف إنه هو


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 25، ص: 4

اللفظ الدال على الرضا بالإيجاب و لا ينحصر في عبارة بل في الدروس و الأقرب الاكتفاء بالقبض، لأن مرجعه إلى الإذن في التصرف، بل حكاه في المسالك عن قطع جماعة لكن قال: إنه كذالك بالنسبة إلى إباحة التصرف و في الاكتفاء به في تمام الملك نظر.

قلت: إنما الكلام في تتمة العقد به، و أنه يكون كالقبول القولي، و لا ريب في أن الأحوط عدم الاكتفاء بذلك، بل هو الأقوى بناء على كون القرض من العقود اللازمة، بل عليه لا ينبغي الاكتفاء بكل لفظ و لو مجازا بعيدا، و لتحقيق ذلك مقام آخر، و كان تسامحهم في عقد القرض بناء على أنه من العقود الجائزة إلا أنك ستعرف ما فيه كما أنك عرفت عدم البأس

بذلك كله في معاطاة القرض فتأمل جيدا و الله أعلم.

و كيف كان ف في القرض أجر عظيم ينشأ من معونة المحتاج تطوعا و كشف كربة المسلم حتى

روي (1)«أن درهم الصدقة بعشر، و القرض بثمانية عشر»

، و

قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم (2)«ألف درهم أقرضها مرتين أحب الي من أن أتصدق بها مرة»

، لا دلالة فيه على رجحان الصدقة عليه، حتى يحتاج إلى الجمع بحمل ما دل على رجحان الصدقة على الصدقة الخاصة كالصدقة على الأرحام و العلماء و نحوهم، و ما دل على رجحان القرض على غيرها من الصدقة العامة، بل المراد بذلك الإشارة إلى ما استفيد من غيره من النصوص من كون وجه رجحان القرض على الصدقة، أن القرض يعود فيقرض، بخلاف الصدقة كما هو واضح، إذ من المعلوم الترجيح بين طبيعتيهما، و إلا فكل منهما قد يقترن بما يتضاعف ثوابه إلى ما لا يحصيه إلا الله، و دعوى أن القرض على كل حال لا يزيد على الثمانية عشر واضحة البطلان.

و الحاصل أن المراد من الخبر المزبور بيان كون قرض الشي ء أفضل من الصدقة به، ك

ما رواه القماط(3)و غيره «قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لأن أقرض قرضا أحب إلى من أن أتصدق بمثله»

، و لعله إلى ذلك أشار الشيخ و غيره ب

ما رووه مرسلا


1- 1 المستدرك ج 2 ص 490.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب الدين و القرض الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 6- من أبواب الدين و القرض الحديث- 1.

ج 25، ص: 5

«القرض أفضل من الصدقة بمثله في الثواب،

و إلا فلم نجد هذا اللفظ في شي ء من نصوصنا، لكن ظاهر الشهيدين و جودها بهذا اللفظ، و لذا احتملا فيها احتمالين: أحدهما ما يراد من الخبر المزبور فلا يكون فيه دلالة على مقدار الثواب، و ثانيهما تعليق بمثله بأفضل لا بالصدقة فيكون المعنى ان القدر المقترض أفضل من المتصدق به، بمقدار مثله في الثواب، و الصدقة لما كان المعروف من ثوابها و المشترك بين جميع أفرادها عشرة، فدرهم القرض حينئذ بعشرين، إلا أنه لما كان يعود بخلاف درهم الصدقة حصل له ثمانية عشر، إذ الصدقة إنما صار درهمها بعشرة باعتبار عدم عوده، فالذي استفاده حقيقة تسعة، فهي مع مثلها ثمانية عشر، تحصل لدرهم القرض الذي عاد لصاحبه، و هذا و إن كان ألطف من الأول و أوفق بمناسبة خبر الثمانية عشر، و مشتمل على سر لطيف، و بلاغة في الكلام، مناسبة للمعروف من كلامهم عليهم السلام، إلا أن الذي ذكرناه أولا أظهر خصوصا مع معلومية عدم كون عادتهم مراعاة نحو ذلك في كلامهم

الصادر لبيان الأحكام التي يتساوى فيها الخاص و العام.

و أما قوله في الثواب، فهو على الوجهين متعلق بأفضل، لبيان الواقع كقوله يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ ، و يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ ، أو لغير ذلك كما أنه قد يحتمل تعلقه بغير أفضل على الأول، و الأمر في ذلك كله سهل، ثم إن الظاهر من قول المصنف «تطوعا» الإشارة إلى اعتبار النية في حصول الثواب كغيره من الأعمال و هو كذلك إذ احتمال حصوله مطلقا ضعيف و على كل حال فشرط القرض الاقتصار على ذكر رد العوض ف قط على معنى أنه لو شرط النفع حرم الشرط بلا خلاف فيه، بل الإجماع منا بقسميه عليه، بل ربما قيل: إنه إجماع المسلمين، لأنه ربا

قال على بن جعفر في المروي عن قرب الإسناد(1)«سألت أخي موسى عليه السلام عن رجل اعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر فقال: هذا الربا المحض»

و

قال خالد بن الحجاج (2): «سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عددا


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين و القرض الحديث- 18.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث- 1.

ج 25، ص: 6

فقضاها مائة وزنا قال: لا بأس ما لم يشترط قال: و قال: جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط»

و منه يعلم أن المراد بالبأس في مفهوم غيره المنع، ك

موثق إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا، فيطول مكثه عند الرجل لا يدخل على صاحبه منه منفعة، فينيله الرجل كراهة أن يأخذ ماله، حيث لا يصيب منه منفعة، يحل ذلك له؟ قال: لا بأس إذا لم يكونا شرطاه»

و

حسن الحلبي (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض الدراهم البيض عددا ثم يعطي سودا و زنا، و قد عرف أنها أثقل مما أخذ، و تطيب نفسه أن يجعل له فضلها، فقال: لا بأس إذا لم يكن فيه شرط، و لو وهبها كملا كان أصلح»

و

صحيحه الآخر(3)عنه أيضا «إذا أقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلا بأس إذا لم يكن بينكما شرط»

بل منه يعلم فساد القرض بهذا الشرط لا الشرط خاصة، فيكون الشرط في صحة القرص عدم هذا الشرط كما هو ظاهر

صحيح محمد بن قيس (4)عن أبى جعفر عليه السلام «من أقرض رجلا و رقا فلا يشترط إلا مثلها فإن جوزي بأجود منها فليقبل، و لا يأخذ أحد منكم

ركوب دابة أو عارية متاع يشترطه من أجل قرض ورقه»

ضرورة ظهور النهي فيه في الشرطية كما في نظائره، مضافا إلى

النبوي (5)«كل قرض يجر منفعة فهو حرام»

المراد منه بقرينة غيره صورة الشرط المنجبر بكلام الأصحاب، بل قيل: إنه إجماع بل في المختلف الإجماع على أنه إذا أقرضه و شرط عليه أن يرد خيرا مما اقترض كان حراما، و بطل القرض، فحرمة القرض منه حينئذ ظاهرة في فساده و انه لم يفد الملك فيحرم على المستقرض التصرف فيه و هو مضمون عليه لكونه مقبوضا على ذلك و لأن ما يضمن


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب الدين و القرض الحديث 13.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب الصرف الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب الدين و القرض الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب 19- من أبواب الدين و القرض الحديث 11.
5- 5 المستدرك ج 2 ص 492 جامع الصغير ج 2 ص 94 طبع احمد حنفي لكن فيهما« فهو ربا».

ج 25، ص: 7

بصحيحه يضمن بفاسده» فما عن أبي حمزة من أنه أمانة ضعيف، و أضعف منه توقف المحدث البحراني في ذلك مدعيا أنه ليس في شي ء من نصوصنا ما يدل على فساد العقد بذلك، بل أقصاها النهي عن اشتراط الزيادة، و الخبر النبوي (1)ليس من طرقنا. نعم يبنى فساد العقد على المسألة السابقة و هي اقتضاء فساد الشرط فساد العقد، و قد عرفت الخلاف، و إن كان ظاهرهم هنا عدم كون البطلان هنا مبنيا على ذلك، و لذا ادعى شيخنا في المسالك الإجماع عليه و مما قدمنا يظهر لك

ما فيه، كما أنه يظهر الوجه فيما دل من النصوص على أن خير القرض ما جر نفعا ك

خبر محمد بن مسلم (2)و غيره «قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا و يعطيه الرهن إما خادما و إما آنية و إما ثيابا فيحتاج إلى شي ء من منفعة فيستأذنه فيه فيأذن له فقال: إذا طابت نفسه فلا بأس، فقلت:

إن من عندنا يرون: كل قرض يجر منفعة فهو فاسد، قال: أ و ليس خير القرض ما- جر منفعة؟»

و

مرسل مسلم (3)عن أبى جعفر عليه السلام «خير القرض ما جر منفعة»

و

خبر على بن محمد(4)«قال: كتبت إليه القرض يجر المنفعة، هل يجوز أم لا فكتب عليه السلام يجوز ذلك عن تراض منهما إنشاء الله»

إذ من الواضح إرادة صورة عدم الشرط التي صرح المصنف و غيره بها بقوله نعم لو تبرع المقترض بزيادة في العين أو الصفة جاز بل لا أجد فيها خلافا بيننا للنصوص المتقدمة، مضافا إلى

خبر إسحاق بن عمار(5)عن أبى الحسن عليه السلام «سألته عن الرجل يكون له مع الرجل

مال قرضا فيعطيه الشي ء من ربحه مخافة أن يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير أن يكون شرط عليه؟ قال: لا بأس»

و

خبر الربيع (6)«قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل أقرض رجلا دراهم فرد عليه أجود منها بطيب نفسه، و قد علم المستقرض و القارض أنه إنما أقرضه ليعطيه أجود منها، قال: لا بأس إذا طابت نفس المستقرض»

و

قول النبي صلى الله عليه و آله (7)لما اقترض بكر أفرد بازلا رباعيا «إن خير الناس أحسنهم قضاء»

و

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (8)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستقرض


1- 1 المستدرك ج 2 ص 492 عن الدعائم، جامع الصغير ج 2 ص 94 طبع احمد حنفي.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين و القرض الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين و القرض الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين و القرض الحديث 16.
5- 5 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين و القرض الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف ح- 4.
7- 7 سنن البيهقي ج 5 ص 351 و ج 6 ص 21.
8- 8 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف ح- 7.

ج 25، ص: 8

من الرجل الدراهم فيرد عليه المثقال أو يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم. فقال:

إذا لم يكن شرط فلا بأس، و ذلك هو الفضل كان أبى عليه السلام يستقرض الدراهم المفسولة فيدخل عليه الدراهم الجلال فيقول يا بنى ردها على الذي استقرضتها منه فأقول: إن

دراهمه كانت مفسولة و هذه خير منها فيقول يا بنى هذا هو الفضل فأعطه إياها»

و كأنه عليه السلام أشار إلى قوله تعالى (1)«وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ» فتكون هي حينئذ دليلا آخر على المطلوب، بل و

موثق أبي بصير(2)عن أبى جعفر عليه السلام «قلت له: الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها بالأجر فيقولون له: أقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك، و لكنا نخصك بأحمالنا من أجل أنك تقرضنا قال لا بأس به إنما يأخذ دنانير مثل دنانيره، و ليس بثوب إن لبس كسر ثمنه، و لا دابة إن ركبها كسرها و انما هو معروف يصنعه إليهم،»

و

مرسل جميل (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله إنا نخالط نفرا من أهل السواد فنقرضهم القرض و يصرفون إلينا غلاتهم فنبيعها لهم بأجر، و لنا في ذلك منفعة قال لا بأس، و لا أعلم إلا قال: و لولا ما يصرفون إلينا من غلاتهم لم نقرضهم، فقال: لا بأس»

و إن كان قد يقال: إن مثله جائز حتى مع الشرط، كما أومأ إليه التعليل المزبور، لعدم كونه منفعة محضة، بل هو في مقابلة عمل كشرط البيع بالقيمة في القرض و مثله يقوى جوازه للأصل و إطلاق بعض النصوص مع الشك في شمول أدلة المنع له.

و على كل حال فالنفع و ان كان محضا جائز أخذه مع عدم الشرط. نعم قد يقال:

بأولوية تركه للمقروض إذا كان من نيته ذلك، ل

موثق إسحاق بن عمار(4)«سألت العبد الصالح عن الرجل يرهن الثوب أو العبد أو الحلي أو المتاع من متاع البيت قال:

فيقول: صاحب الرهن للمرتهن: أنت في حل من لبس هذا الثوب، فالبس الثوب، و انتفع بالمتاع، و استخدم الخادم، قال: هو له حلال إذا أحله، و ما أحب له أن يفعل»

و صحيح يعقوب بن شعيب (5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا، قال: لا يصلح


1- 1 سورة البقرة الآية 237.
2- 2 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 10.
3- 3 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 12.
4- 4 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 15.
5- 5 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 9.

ج 25، ص: 9

إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح، و سألته عن الرجل يأتي حريفه و خليطه فيستقرضه الدنانير فيقرضه، و لو لا أن يخالطه و يحارفه و يصيب عليه لم يقرضه، فقال: ان كان معروفا بينهما فلا بأس، و ان كان انما يقرضه من أجل أنه يصيب عليه فلا يصلح»

بناء على إرادة الكراهة منه لعدم الشرط كما أنه يمكن خروج صدر الخبر عما نحن فيه، بناء على عدم قدح مثله و لو بصورة الشرط، لرجوعه

الى القرض بشرط السلم، و هو مع عدم المحاباة فيه، يمكن منع حرمته.

بل الظاهر عدم الكراهة فيما نحن فيه، إذا لم يكن للقرض مدخلية في النفع بل كان من مقارناته كما يشير اليه

خبر هذيل (1)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام اني دفعت الى أخي جعفر مالا فهو يعطيني ما أنفقه و أحج به و أتصدق، و قد سألت من عندنا فذكروا أن ذلك فاسد، و أنا أحب أن انتهى الى قولك، فقال: أ كان يصلك قبل أن تدفع اليه مالك، قلت: نعم قال: خذ ما يعطيك فكل منه و اشرب و حج و تصدق فإذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمد أفتاني بهذا»

بل قد يقال: بعدم الكراهة أصلا، إذا لم يكن من نيتهما ذلك، بل إذا لم يكن من نية المقرض خاصة.

و من هنا خصها في الدروس بما إذا كان ذلك من نيتهما، و لم يذكراه لفظا، فحينئذ لا تنافي بين هذه النصوص، و بين النصوص السابقة الدالة على أن خير القرض ما جر نفعا، الظاهرة في عدم الكراهة بعد حملها على ما إذا لم يكن من نيتهما كما أنه لا تنافي بين ما دل على رجحان دفع الزيادة تحصيلا لحسن القضاء، و بين ما دل على كراهة قبول المقرض لها، إذا كان من نيته ذلك، و أنه انما أقرضه له، و نفي البأس في خبر أبي الربيع (2)غير مناف لها بعد ارادة الجواز منه.

بل قد يقال باستحباب احتساب الهدية من الدين، و ان لم يكن من نية المقرض، ل

خبر غياث بن إبراهيم (3)«عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا أتى عليا عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 19 من أبواب الدين الحديث- 1.

ج 25، ص: 10

فقال له: ان لي على رجل دينا فاهدى الي هدية، قال: احسبه من دينك عليه»

هذا! و الذي دعانا الى ذلك كله ظهور بعض النصوص بعدم الكراهة فيه، كالأخبار الدالة على أن خير القرض ما جر نفعا، و غيرها، و ظهور آخر في تحققها فيه، و من هنا احتملنا التنزيل المزبور، و قد يحتمل تفاوتها شدة و ضعفا، و على كل حال فالأمر في ذلك كله سهل بعد معلومية التسامح في السنن، و بعد ما عرفت من أن الممنوع اشتراط المنفعة صريحا، أو إضمارا قد بنى العقد عليه، من غير فرق بين كون المنفعة عينا أو وصفا.

و منه يعلم الحكم فيما لو شرط الدراهم الصحاح كالطازجية عوض المكسرة كالغلة لكن قيل: و القائل الشيخ و أبو الصلاح و ابنا البراج و حمزة يجوز فيه

لصحيح يعقوب بن شعيب (1)سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة و يأخذ منه الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه، قال لا بأس و ذكر ذلك عن علي عليه السلام»

الذي لا ظهور فيه بصورة الشرط، بل قيل: انه ظاهر في عدمها و لو سلم فبينه و بين غيره مما أطلق فيه المنع تعارض العموم من وجه، و من الواضح رجحانه عليه من وجوه.

كل ذلك مضافا الى خصوص بعض النصوص السابقة كصحيح محمد بن قيس (2)و غيره فلا ريب حينئذ في أن الوجه بل الأصح المنع فيه، و في المحكي عن أبي الصلاح خاصة من جواز قرض المصوغ من الذهب مع الإعطاء عينا، و من الفضة درة و النقد المخصوص من خالص الذهب و الفضة بشرط إعطاء العتيق من نقد غيره، إذا كان مراده الجواز مع فرض كون المشروط نفعا للمقرض، إذ لا دليل عليه معتد به، فضلا عن أن يصلح معارضا.

و خبر عبد الملك بن عقبة(3)عن عبد صالح «قلت له: الرجل يأتيني يستقرض


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 11.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث 9.

ج 25، ص: 11

مني الدراهم فأوطن نفسي على أن أؤخره بها شهر الذي يتجاوز به عني، فإنه يأخذ مني فضة تبر على أن يعطيني مضروبة و زنا بوزن سواء، هل يستقيم هذا إلا أني لا أسمي له تأخيرا إنما أشهد لها عليه فرضي قال: لا أحبه»

لا دلالة فيه على ذلك بل لعله لم يشترط عليه المضروبة.

و كيف كان فالتحقيق ما عرفت، و منه يعلم غرابة ما عن الأردبيلي من الميل الى عدم البأس في اشتراط الزيادة الحكمية مطلقا حاكيا له عن الجماعة المزبورة، للأصل و إطلاق الأدلة، خصوصا نصوص (1)خير القرض ما جر نفعا، بعد عدم الإجماع و عدم ظهور تناول دليل الربا له، بل دلالة أكثر أخبار المنع انما هي بمفهوم البأس الذي هو أعم من الحرمة.

و فيه ما عرفت من ظهور الأدلة منطوقا ك صحيح محمد بن قيس (2)و غيره، و مفهوما و لو بقرينة غيره في المنع من اشتراط النفع عينا أو منفعة أو صفة كما هو واضح. نعم قد يستثنى من ذلك اشتراط التسليم في بلد آخر، و ان كان فيه نفع ل

خبر الكناني (3)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يبعث بمال إلى أرض فقال للذي يريد أن يبعث له: أقرضنيه و أنا أوفيك إذا قدمت الأرض؟ قال: لا بأس بهذا».

و أوضح منه

خبر يعقوب بن شعيب (4)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام يسلف الرجل الرجل الورق على أن ينقده إياه بأرض أخرى، و يشترط عليه ذلك؟ قال: لا بأس»

و إسماعيل بن جابر(5)«قلت: لأبي جعفر أدفع الى الرجل الدراهم فاشترط عليه ان يدفعها بأرض أخرى سودا بوزنها و اشترط ذلك عليه قال لا بأس»

إلى غير ذلك من النصوص.

و لذلك صرح به في القواعد و غيرها بعد التصريح بانصراف الإطلاق إلى بلد القرض، بل قال فيها: سواء كان في حمله مؤنة أولا، لكن في جامع المقاصد احتمال الفساد مع كون المصلحة للمقرض، لجر النفع ناسبا له إلى تصريح الشهيد به في بعض فوائده، ثم رده بأن الممنوع منه الزيادة في مال القرض عينا أو صفة، و ليس هذا و أحدا منهما،


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب الدين الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 19 من أبواب الدين الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب- 14- من أبواب الصرف الحديث- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 14- من أبواب الصرف الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 14- من أبواب الصرف الحديث- 5.

ج 25، ص: 12

و مثله الحلي في السرائر.

قلت: يمكن أن يكون مبنى الجواز النصوص المزبورة التي إن لم يسلم ظهورها في خصوص الفرض، فلا ريب في شمولها له، فالتعارض حينئذ بينهما و إن كان من وجه إلا أنه لا إشكال في رجحانها عليه، من حيث الدلالة و غيرها، خصوصا بعد اعتضادها بفتوى من تعرض له من الأصحاب، نعم قال في القواعد: «لو طالبه المقرض من غير شرط في غير البلد أو فيه مع شرط غيره، و جب الدفع مع مصلحة المقترض، و لو دفع في غير بلد الإطلاق أو الشرط وجب القبول مع مصلحة المقرض».

و فيه- بعد إرادة الضرر من عدم المصلحة الذي لا يوجب على المقترض الدفع، و لا على المقرض القبول- أنه مناف لعموم ما دل على أن

المؤمنين عند شروطهم (1)

و مع فرض عدم لزوم هذا الشرط و أنه كالوعد بناء على أنه شرط في عقد القرض الذي هو عندهم من العقود الجائزة لا ينبغي مراعاة المصلحة أيضا، و من هنا قال في الدروس:

و لو دفع إليه في غير مكانه مع الإطلاق أو في غير المكان المشترط لم يجب القبول و إن كان الصلاح للقابض، و لو طالبه في غيرهما لم يجب الدفع و إن كان الصلاح للدافع.

نعم لو تراضيا جاز، و لتمام تحقيق ذلك مقام آخر، و قد سبق منا بعض الكلام فيه، و تسمع في اشتراط الأجل بعضه أيضا، و على كل حال فليس من جر النفع اشتراط المقرض رهنا على ما أقرضه، أو كفيلا أو إشهادا و نحو ذلك مما لا يندرج في إطلاق المنع السابق، فيبقى ما دل على الجواز من عموم أدلة الشرط و غيره بلا معارض، بل في القواعد و جامع المقاصد: أن الأقرب جواز اشتراط ذلك على دين آخر، محتجا عليه في الأخير بأن ذلك ليس زيادة في مال القرض، و إنما هو شرط خارج عنه، و إن كان زيادة بحسب الواقع، فإن المنهي عنه هو الزيادة في مال القرض.

و إن كان قد يناقش فيه بأن المستفاد من النصوص السابقة فضلا عن

الخبر العامي الذي تلقاه الأصحاب هنا بالقبول (2)«و هو كل قرض جر نفعا فهو حرام»

المنع عن كل


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث- 4.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 492 سنن البيهقي ج 5 ص 353.

ج 25، ص: 13

نفع للمقرض، كركوب دابة أو عارية متاع أو انتفاع برهن أو نحو ذلك، ك صحيح محمد بن قيس (1)و غيره، و إن لم يكن بزيادة في نفس المال المقترض، و من هنا استجود المنع في الدروس.

و منه يظهر وجه المنع في القرض بشرط البيع مثلا محاباة، لوضوح جر النفع، خلافا لهما فلم يفرقا بينه و بين البيع بثمن المثل، و هو كما ترى، ضرورة عدم صدق جر النفع في الثاني دون الأول، و إن اتفق احتياجه إليه كوضوح الفرق بين القرض و بين البيع محاباة بشرط القرض، إذ لا يصدق على القرض أنه اشترط فيه ما يجر منفعة، و إن كانت المنفعة هي السبب في وقوعه، إلا أنه لا يخلو من كراهة، ل صحيح يعقوب بن شعيب (2)المتقدم آنفا في قرض صاحب السلم، مع أنه لا دلالة فيه على اشتراط ذلك في عقد السلم و لا على التحابي فيه فلاحظ و تأمل.

و لو كان الشرط نفعا للمستقرض دون المقرض كما إذا اشترط إعطاء الغلة عوض الضحاح، أو اشترط عليه أن يقرضه شيئا آخر و نحو ذلك جاز بلا خلاف و لا إشكال، نعم احتمل في الدروس المنع في الثاني مع فرض النفع له، كما إذا كان الزمان زمان نهب أو غرق، و فيه أن مثله غير قادح لا أقل من الشك في اندراج مثله تحت أدلة المنع و الله أعلم، هذا.

و ليعلم أنه إن كانت الزيادة التي ردها المقترض من غير شرط حكمية كالجيد بدل الردي و الكبير بدل الصغير كما صنعه النبي صلى الله

عليه و آله ملكه المقرض ملكا مستقرا بقبضه، و كان بأجمعه استيفاء، و إن كانت عينية كما لو دفع اثنى عشر، من عليه عشرة، ففي كون المجموع وفاء كالحكمي بناء على أنه معاوضة عما في الذمة، غايته كونه متفاضلا و هو جائز بالشرط و هو عدم الشرط، أو يكون الزائد بمنزلة الهبة- فيلزم حكمها من جواز الرجوع فيه، على بعض الوجوه الآتية، التفاتا إلى أن الثابت في الذمة إنما هو مقدار الحق، فالزائد تبرع خالص، و إحسان محض، و عطية منفردة- احتمالان، قد


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 11.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 9.

ج 25، ص: 14

اعترف في المسالك بأنه لم يقف فيه على شي ء، لكن قال: لعل الثاني أوجه خصوصا مع حصول الشك في انتقال الملك، قلت: لكن يشكل مع عدم تعيين الوفاء منها، كما أنه يشكل جعله من المعاوضة عما في الذمة، بناء على عموم الربا، فلا ريب في أن الأحوط في الربوي تعيين الوفاء، ثم هبة الزائد و الأمر سهل.

إنما الكلام في وجوب القبول على المقترض، صرح في التذكرة بذلك مع كون الزيادة حكمية، و تبعه الأردبيلي فيما حكي عنه، لأصالة براءة ذمة المقترض، و لانه يندرج تحت مثل المال و إن تضمن زيادة و لظهور النصوص في كون ذلك وفاء و إن كان هو أحسن أفراده.

و قد يناقش بأنه ليس في النصوص إلا عدم البأس بالأخذ، و هو أعم من الوجوب الذي هو حكم شرعي يحتاج إلى دليل واضح، على أنه قد عرفت كراهة أخذ المقرض الزيادة و إن كانت وصفية، فكيف يجامع الوجوب.

و منه يعلم وضوح عدم وجوب القبول في الزيادة العينية التي لا تخلو من المنة التي من المعلوم عدم وجوب قبولها، بل ربما تتحقق في الزيادة الوصفية، لكن الإنصاف عدم خلو القول بالوجوب في الزيادة الوصفية التي لا تخرج المدفوع عن الجنس من قوة، نحو ما سمعته في السلم، و لظهور النصوص (1)في أن ذلك أحسن أنواع الوفاء، إما العينية فالمتجه عدم وجوب قبولها و الله أعلم.

[الثاني ما يصح إقراضه و هو كل ما يضبط وصفه ]

الثاني مما يقع النظر فيه ما يصح إقراضه و هو عند المصنف كل ما- يضبط وصفه الذي تختلف القيمة باختلافه و قدره إن كان من شأنه التقدير، و لو لتوقف الضبط عليه، و لا ريب في طرده، بمعنى صحة قرض مضبوط الوصف و القدر بل لا خلاف فيه لإطلاق الأدلة، إنما الكلام في عكسه و هو أن كلما لا يضبط وصفه و لا قدره لا يجوز قرضه، إذ يمكن منعه للإطلاق المزبور خصوصا على المختار من أن الثابت في قرض القيمي قيمته التي لا مدخلية في ثبوتها في الذمة، لضبط الوصف الذي يراد منه دفع المثل وفاء.


1- 1 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف.

ج 25، ص: 15

كما أنه قد يمنع وجوب اعتبار ضبط الوصف سابقا على القرض في صحته، على وجه لا يجدي

اعتباره بعد القرض و القبض، لعدم الدليل الصالح لتقييد الإطلاق المعتضد بإطلاق جملة من الأصحاب الذين لم يذكروا هذا الشرط كبني زهرة و حمزة و إدريس و غيرهم، و التعليل بأن ذلك مقدمة للوفاء لا يقضي بالاشتراط المزبور، بل قد يقال:

بعدم فساد القرض بالإخلال به أصلا، إذ أقصاه ثبوت مثله أو قيمته في الذمة، فإن علما ببينة و نحوها وجب تأديتهما، و إلا رجع إلى الصلح.

و كذلك الكلام في القدر، خصوصا مع إرادة المعتاد منه، كما صرح به بعضهم و يقتضيه ظاهر الإطلاق، فلا يجدي المكيال المجهول و الصنجة المجهولة، و خصوصا مع إرادة اعتبار ذلك حتى فيما يكفي في بيعه المشاهدة، كالتبن و الحطب و نحوهما، لتوقف إثبات عوضه في الذمة على الاعتبار المزبور، فهو كالسلم فيه.

و لذا قال في المسالك: الضابط في قرض المثلي اعتبار ما يعتبر في السلم من الكيل و الوزن و العدد، إلى أن قال: و حينئذ فلو أقرض المقدر غير معتبر لم يفد الملك، و لم يجز التصرف فيه، و إن اعتبره بعد ذلك، و لو تصرف فيه قبل الاعتبار ضمنه، و تخلص منه بالصلح كما هو وارد في كل ما يجهل قدره و قال في التذكرة «تارة يجب في المال أن يكون معلوم القدر ليتمكن من قضائه، و أخرى قد بينا أنه لا يجوز إقراض المجهول، لتعذر الرد، فلو أقرضه دراهم أو دنانير غير معلومة الوزن أو قبة من طعام غير معلومة الكيل و لا الوزن، أو قدرها بمكيال معين أو صنجة معينة غير معروفين عند الناس لم يصح، و قال في التحرير «لا يجوز اقتراض المكيل و الموزون جزافا، و كذا لو قدره بمكيال بعينه أو صنجة معينة غير معروفين عند العامة، و لو كانت الدراهم مما يتعامل بها عددا اشترط تعيين العدد، و يرد عددا و إن استقرض وزنا رد وزنا، و كذا كل معدود يجب معرفة عدده وقت الإقراض» و قال في الإرشاد «و كل مضبوط بما يرفع الجهالة من الأوصاف يصح إقراضه، فإن كان مثليا ثبت في الذمة مثله، و إلا القيمة وقت التسليم» و في الدروس «إنما يصح القرض مع الملك أو إجازة المالك، و علم العين بالمشاهدة فيما يكفي فيه، و بالاعتبار كيلا و وزنا أو عددا فيما شأنه ذلك، و يجوز إقراض الخبز

ج 25، ص: 16

وزنا و عددا، إلا أن يعلم التفاوت، فيعتبر الوزن، و يجوز إقراض المثلي إجماعا، و كذا القيمي الذي يمكن السلف فيه. و فيما لا يضبطه الوصف كالجوهر و اللحم و الجلد قولان، مع اتفاقهم على جواز إقراض الخبز عملا بالعرف العام، و لا يجوز السلم فيه، و المنع للمبسوط، و الجواز للسرائر» قلت: الموجود في السرائر قال الشيخ في مبسوطه «لا يجوز إقراض ما لا يضبط بالصفة، و الصحيح أن ذلك يجوز، لأنه لا خلاف بين أصحابنا في جواز إقراض الخبز، و إن كان لا يضبط بالصفة، لأنهم أجمعوا أن السلم لا يجوز في الخبز، لأن السلف لا يجوز فيما لا يمكن ضبطه بالصفة، و الخبز لا يضبط بالصفة.

و قال شيخنا في مبسوطه «يجوز استقراض الخبز إنشاء وزنا و إنشاء عددا، لأن أحدا من المسلمين لم ينكره، و من أنكره من الفقهاء خالف الإجماع، و ظاهره خروج ذلك عما ذكره من الضابط، كما أن ظاهر السرائر جواز قرض كل ما لا يضبطه الوصف، لا خصوص الخبز.

و على كل حال فالشرط المزبور على الوجه المذكور إن كان مستنده إجماعا مؤيدا بالتعليل السابق الذي مرجعه إلى أن الشارع لم يشرع معاملة موقوفة على التراضي مؤدية إلى التنازع، ضرورة أن الأصل في مشروعية العقود قطع النزاع، و إلا كان محلا للنظر و التأمل، سيما بعد أن كان القرض قسما من الضمانات، و إن توقف على التراضي، و هي لا فرق فيها بين المجهول و المعلوم.

و من هنا صح قرض القيمي بقيمته و إن لم تعرف القيمة حال القرض على الأقوى بل في المسالك نسبته إلى إطلاق كلام الأصحاب قال: «و هل يعتبر في صحة القرض العلم بقيمته عنده لينضبط حالة العقد، فإن ذلك بمنزلة تقدير ما يقدر بالكيل و الوزن أم يكفي في جواز إقراضه مشاهدته على حد ما يعتبر في جواز بيعه، و يبقى اعتبار القيمة بعد ذلك امرا وراء الصحة، يجب على المقترض مراعاته لبراءة ذمته، حتى لو اختلفا في القيمة فالقول قوله- وجهان، و إطلاق كلام الأصحاب يدل على الثاني، و للاول وجه و ربما كان به قائل.

اللهم إلا أن يقال: إن القرض و ان كان له شبه في الضمانات إلا أنه من المعاوضات

ج 25، ص: 17

أيضا، إذ هو كما عرفت دفع الشي ء بقصد ثبوت عوضه في الذمة، فوجب الضبط لمعرفة العوض، فبناء على ضمانه بالمثل مطلقا حتى أن ما لا مثل له لا يصح قرضه- وجب ضبط أوصاف المال المقرض حتى يكون الثابت في الذمة عوضه، و يتمكن المقترض من وفائه و بناء على ضمان القيمي منه بالقيمة مطلقا، أو في خصوص ما لا يضبطه الوصف منه كالجواهر، وجب ضبط أوصافه لمعرفة القيمة الثابتة في الذمة- عوضا عنه، و الله أعلم.

و كيف كان فيجوز اقتراض الذهب و الفضة و غيرهما مما يضبطه الوزن وزنا بعد ضبط الصفات و الحنطة و الشعير و نحوهما مما يضبطه الكيل نظرا إلى المتعارف كيلا و وزنا و أما الخبز فيجوز وزنا بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه لكن بعد ضبط الوصف و كذا يجوز عددا عندنا نظرا إلى المتعارف بل الظاهر إمكان تحصيل الإجماع عليه فضلا عن المحكي.

مضافا إلى

خبر الصباح بن سيابة(1)«قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن عبد الله بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال: إنا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر منه؟ فقال عليه

السلام: نحن نستقرض الجوز الستين و السبعين عددا فيه الصغير و الكبير لا بأس»

و

خبر إسحاق بن عمار(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

استقرض الرغيف من الجيران و نأخذ الكبير و نعطي صغيرا أو نأخذ صغيرا و نعطي كبيرا؟ قال: لا بأس»

و

خبر غياث (3)«عن جعفر عن أبيه عليهما السلام لا بأس باستقراض الخبز»

بل الخبران الأولان صريحان في الجواز مع التفاوت، فوجب حمل التفاوت في عبارة الدروس السابقة على غير اليسير الذي يتسامح فيه، كما أنه يجب حمل ذلك على التفاوت من حيث الصغر و الكبر، أما الأوصاف فيجب المحافظة عليها ما لم يعلم التسامح فيها.


1- 1 الوسائل الباب- 21- من أبواب الدين- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 21- من أبواب الدين- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 21- من أبواب الدين- 3.

ج 25، ص: 18

و على كل حال فما عن أبي حنيفة من عدم جواز قرض الخبز، و اضح الضعف كضعف ما عن أبي يوسف من وجوب الرد و زنا لا عددا و أحد قولي الشافعي من وجوب رد القيمة إلا إذا شرط المثل في وجه.

و على كل حال ف كل مثلي و هو عند المصنف و جماعة ما تتساوى أجزاؤه في القيمة و المنفعة و تتقارب صفاته، بمعنى أن قيمة نصفه تساوى قيمة النصف الآخر و يقوم مقامها في المنفعة و تقاربها في الوصف، و هكذا كل جزء بالنسبة إلى نظيره لا مطلقا يجوز قرضه بلا خلاف بل النصوص و الإجماع بقسميه عليه و على أنه يثبت في الذمة مثله و ذلك كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضة و نحوها.

نعم هو كذلك مع وجوده، و مع التعذر ينتقل إلى القيمة، و في اعتبار يوم القرض أو التعذر، أو المطالبة، أو الدفع، أوجه، أقواها الأخيران اللذان اختار ثانيهما في المختلف بعد أن حكى أولهما عن السرائر إذ سبق علم الله تعالى بتعذر المثل وقت الأداء لا يوجب الانتقال إلى القيمة، إذ لا منافاة بين ضمان المثل وقت القرض، طردا للقاعدة الإجماعية، و الانتقال إلى القيمة عند المطالبة، أو الدفع، كما أن التعذر بمجرده لا يوجب الانتقال إلى القيمة، لعدم وجوب الدفع حينئذ، فتشخص ضمان المثلي الذي هو حكم وضعي لا ينافيه التعذر إلى أن يجب دفعه بالمطالبة، فحيث لم يوجد الآن ينتقل إلى قيمته، و منه يعلم قوة أول الأخيرين.

لكن قد يقال: إن المطالبة لا تشخص القيمة في ذلك الوقت على كل حال، بل أقصاها وجوب دفع القيمة، و إن اتفق كونها وقتها مقدارا مخصوصا ثم تغير إلى زيادة أو نقصان، فالبدل عن المثل حينئذ لا يتشخص إلا بالدفع، إذ هو كالمعاملة عليه بها.

و من هنا يمكن دعوى عدم وجوب قبولها مع عدم الطلب، لأن المضمون إنما هو المثل كما يومي إليه ما تقدم في السلف، فينتظر حينئذ حتى يحصل، و منه ينقدح احتمال عدم وجوب الدفع مع المطالبة أيضا، لأنه غير الحق و ظهور ضعفه يوجب قوة احتمال وجوب القبول مع الدفع، لانقلاب الدين إلى القيمة بالتعذر، سيما مع

ج 25، ص: 19

شدة حاجة الناس إلى براءة الذمة.

لكن قد يدعى ظهور كلمات الأصحاب في وجوب الدفع مع المطالبة، و عدم وجوب القبول مع عدمها و إن دفع، و هو لا يخلو من وجه، بل قوة و إن لم يكن ذلك محرزا في كلامهم، كما أنه لم يحرز فيه جواز قرض المثلي مشترطا عوضه القيمة، كما سمعته عن الشافعي في الخبز، و كذا قرض القيمي مشترطا مثله الصوري بناء على ضمانه بالقيمة مع الإطلاق، و على العكس العكس، و لعل إطلاق أدلة القرض و عموم (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

يقضي بجوازه ما لم يندرج تحت جر النفع، كما إذا اشترط الزيادة في قيمته.

و على كل حال ف ما ليس كذلك بل كانت أجزاؤه مختلفة في القيمة و المنفعة، يجوز قرضه عندنا، إذا كان مما يضبطه الوصف، بل لا خلاف أجده فيه لإطلاق الأدلة، و لخصوص فعل النبي صلى الله عليه و آله (2)المتمم بعدم القول بالفصل، و المشهور نقلا و تحصيلا أنه يثبت في

الذمة قيمته وقت التسليم الذي هو أول أوقات ملك المقترض، و هو المراد من تعبير بعضهم وقت القرض، لغلبة اتصاله به، بل الغالب وقوع القبول به أو مقارنا له، و لا اعتبار هنا بوقت المطالبة أو الأداء قطعا كما هو واضح.

و الوجه في ثبوت القيمة أن القرض قسم من الضمانات و إن توقف على التراضي و لا ريب في أن ضمان القيمي بالتلف و غيره بالقيمة لا المثل، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه هناك و إن كان يظهر من الشهيد في الدروس أن ميل المصنف هنا إلى أن الضمان بالمثل جار فيها أيضا، لكن هو و غيره صرح في باب الغصب بأن ضمان القيمي بالقيمة فلاحظ و تدبر، و لعلها لأنها البدل عن العين عرفا في الغرامات، باعتبار عدم تساوي جزئيات العين المضمونة، و اختلاف صفاتها، فالقيمة حينئذ أعدل خصوصا في مثل الحيوان الذي لم يعرف الباطن منه، و لا كثير من صفاته.


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 351.

ج 25، ص: 20

لكن قال المصنف هنا و لو قيل يثبت مثله في الذمة أيضا كالمثلي كان حسنا لأنه أقرب إلى الحقيقة من القيمة، و ل

ما روي عن النبي (1)صلى الله عليه و آله «أنه أخذ قصعة امرأة كسرت قصعة أخرى»(2)

و

«حكم بضمان عائشة إناء حفصة و طعامها بمثلهما»(3)

و أنه استقرض بكرا ورد بازلا تارة، و أخرى استقرض بكرا فأمر برد مثله.

و في الدروس و المسالك نسبة المصنف إلى الميل إليه، بل في الثاني أنه لعله أفتى به إلا أنه لا يعلم به قائل من أصحابنا، كما يشعر به قوله، و لو قيل، كما أنه في الأول و تظهر الفائدة فيما إذا وجد مثله من كل الوجوه التي لها مدخل في القيمة و دفعه الغريم، فعلى الثاني يجب القبول، و على المشهور لا يجب، و فيما إذا تغيرت أسعار القيمي فعلى المشهور المعتبر قيمته يوم القبض، و على الأخر يوم دفع العوض، و هو ظاهر الخلاف.

قلت: و منه يعلم موافقته للمصنف، كما أن ظاهر التذكرة ذلك أيضا و إن كان لم يطلق كإطلاق المصنف، قال: «مال القرض إن كان مثليا وجب رد مثله إجماعا و إن لم يكن مثليا فإن كان مما ينضبط بالوصف و هو ما يصح السلف فيه كالحيوان أو الثياب فالأقرب أنه يضمن بمثله من حيث الصورة، لأن النبي صلى الله عليه و آله استقرض بكرا إلى آخر ما سمعت، و هو قول أكثر الشافعية، و قال بعضهم إنه يعتبر في القرض بقيمته، لأنه لا مثل له فإذا استقرضه ضمنه بقيمته كالإتلاف. إلى أن قال بعد أن فرق بين القرض و الإتلاف: و أما ما لا يضبط بالوصف كالجواهر و القسي و ما لا يجوز السلف فيه تثبت قيمته، و هو أحد قولي الشافعية.

نعم قد يظهر من المصنف فيما يأتي عدم جواز قرض مثل ذلك، و به يحصل الفرق بينهما، و على كل حال فقد يناقش فيه بأنه إن كان المنشأ في ضمان المثل قصد المتعاقدين فمع أنه ممنوع يمكن خروج ذلك عن النزاع، إذ قد عرفت احتمال جوازه


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 21 و 96.
2- 2 سنن البيهقي ج 6 ص 21 و 96.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 21 و 96.

ج 25، ص: 21

مع الشرط كاشتراط القيمة في المثل، و البحث مع عدم قصد المتعاقدين سوى كونه مضمونا، و من المعلوم ضمان القيمة في مثله شرعا في غير القرض من أنواع الغرامات، كما اعترف به الفاضل المزبور في الإتلاف.

و دعوى الأقربية إلى العين المضمونة- بعد عدم معرفة كثير من الصفات و لذا أطلق عليه الفاضل مثل الصوري- في حيز المنع، و فرض وجود مثل له من كل وجه تتفاوت القيمة به لا تبنى على مثله الأحكام الشرعية، مع أنه قد يقال على تقدير وجوده بعدم وجوبه، لأن المعاوضة قد وقعت بالقيمة، و ليس هو مخاطبا برد العين حتى يتحرى الأقرب إليها، كما في تلف المغصوب، مع أنك قد عرفت تسليم الخصم فيه الضمان بالقيمة فتأمل.

و الخبر ان الأولان- مع أنهما عاميان، و واردان في الضمان الذي لا يقول به الخصم، و معارضان بما ورد من تضمين معتق الشقص للقيمة، و أنهما حكاية فعل لا عموم فيه، يمكن التزام مثلية ما تضمناه، و أما الأخيران فيجري فيهما أكثر ما سمعت و أنه يمكن كون رد البازل، بل و المثل منه عليه السلام لرضا المقرض به، باعتبار زيادته خيرا كل ذلك.

لكن الإنصاف عدم خلو القول به من قوة، باعتبار معهودية كون قرض الشي ء بمثله، بل مبنى القرض على ذلك، بل قد يدعى انصراف إطلاق القرض إليه، و ربما يؤيده نصوص الخبز الذي يقوى كونه قيميا، و لذا تجب قيمته في إتلافه بأكل و نحوه، فالاحتياط فيه لا ينبغي تركه.

و كيف كان ف يجوز إقراض الجواري بلا خلاف فيه بيننا كما في المسالك. و ما عن المبسوط و الخلاف لا نص لنا و لا فتيا في إقراض الجواري و قضية الأصل الجواز ليس خلافا، ضرورة إرادة النص بالخصوص، بل ظاهره أو صريحه الجواز كما هو كذلك، لإطلاق الأدلة و صحة السلف فيها كالعبيد، فتضمن حينئذ بالمثل أو القيمة، على اختلاف القولين خلافا لبعض العامة، فمنع من قرض الجواري التي يحل للمقترض وطؤها بعد الإطباق منهم على قرض العبيد و الجوار التي لا يحل

ج 25، ص: 22

للمقترض وطؤها، معللا ذلك بما هو أوضح من الدعوى فسادا، فتدخل في ملك المقترض بالقبض بناء عليه، و له حينئذ الانتفاع فيها بالوطي و غيره.

أما على القول بالتصرف فليس له الوطي كما في المسالك، إلا أنه احتمل فيما يأتي جوازه أيضا كالأمة المشتراة بالمعاطاة.

و فيه أنه ممنوع فيها بناء على عدم الملك، إذ لا مستند له إلا الإباحة من المالك التي لا تجدي في جواز الوطي المتوقف على عقد، و الكشف به عن الملك لو قلنا به لا يؤثر في جواز الأقدام، كالملك الضمني المقدر في نحو أعتق عبدك عني، فهو من جملة ما يرد على اعتبار التصرف في الملك كما ستعرف.

و يجب قبولها لو أرجعها بعد الوطي إذا لم تتعيب به أو تحمل، بناء على ضمان القيمي بمثله، ضرورة كون رد نفس العين وفاء عما في ذمته، لأنها أحد أفراد الكلي الذي فيها، بل قد يقال بوجوب قبولها على الضمان بالقيمة التي وضعت بدلا عن العين، فإذا أمكنت ببذل المقترض كانت أقرب إلى الحق من القيمة، أو لأن القرض من العقود الجائزة و لو من جهة المقترض، فله الفسخ حينئذ، و رجوع كل من العوضين إلى ملك صاحبه، أو لدعوى ظهور القرض في قصد المتعاقدين قبول العين لو ردها، لأنه إحسان محض، أو لغير ذلك مما ستعرفه، و إن كان لا يخلو من اشكال و الله أعلم.

و على كل ف هل يجوز اقتراض اللآلي و نحوها مما لا يضبطها الوصف قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه لا يجوز و في المسالك أنه يتم على القول بوجوب رد المثل في مثل ذلك، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و على القول بضمان القيمة فيه أو مطلقا ينبغي الجواز ضرورة ظهوره في أنه لا ينبغي الجواز بناء على غيره، لكن قد يقال: بصحة قرضه لإطلاق الأدلة و الرجوع في الوفاء إلى الصلح، كما أنه قد يقال بصحة قرض ما لا يصح السلم فيه لعزة وجوده و إن ضبطه الوصف، فيكلف بالمثل حينئذ مع الوجوب عليه. و إلا انتقل إلى القيمة فتأمل جيدا و الله أعلم.

ج 25، ص: 23

[الثالث في أحكامه و هي مسائل ]
اشاره

(الثالث) من الأمور التي يقع فيها النظر في أحكامه و هي مسائل

[المسألة الأولى القرض يملك بالقبض لا بالتصرف ]

الأولى: القرض أي المال المقترض يملك بالقبض عندنا كما في التذكرة، و بلا خلاف فيه بيننا في السرائر، بل قيل: إن جملة من العبادات تشعر بالإجماع عليه، بل عن بعضهم دعواه صريحا عليه لا قبله بعقد القرض إجماعا بقسميه و لا بالتصرف بعده، لأصالة عدم شرط آخر في حصول الملك بالعقد الذي لولا الإجماع السابق لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض، على حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الأدلة في اقتضائها التمليك، ضرورة صدق مسماها بها.

اللهم إلا أن يمنع خصوص عقد القرض منها، بدعوى ظهور الأدلة في توقف مسماه على حصول القبض، و عليه فالمتجه حصول الملك به حينئذ من غير حاجة إلى أمر آخر من التصرف و غيره.

و دعوى أنه هو الشرط، لا أنه شرط آخر بعد القبض، يدفعها معلومية عدمها عند الخصم، و مقتضاها جواز التصرف به من البيع و نحوه قبل القبض، و هو معلوم العدم، بل لا بد من القبض بإذن المالك في جواز التصرف، و حينئذ فعدم البأس بسائر أنواع التصرفات فيه التي منها المعلوم توقفه على الملك كالوطي، أقوى شاهد على حصول الملك قبله.

كما أشار إليه المصنف بقوله و لانه فرع الملك فلا يكون مشروطا به و أومأ إليه ابن زهرة في الغنية حيث قال: «و هو مملوك بالقبض، لأنه لا خلاف في جواز التصرف بعد قبضه، و لو لم يكن مملوكا لما جاز ذلك» كالفاضل في التذكرة حيث استدل عليه بأنه قبض لا يجب أن يتعلق به جواز التصرف فوجب أن يتعلق به الملك كالقبض في الهبة، و لأنه إذا قبضه ملك التصرف فيه من جميع الوجوه، و لو لم يملكه لما ملك التصرف، و لانه يحصل بالقبض في الهبة ففي القرض أولى لأن للعوض مدخلا

ج 25، ص: 24

فيه إلى آخره.

بل لعله إليه يرجع ما في المتن و الدروس و غيرهما من التعليل لنفي اشتراطه بأنه فرع الملك، فلا يكون مشروطا به، و إلا لزم كون الشي ء الواحد سابقا و غير سابق كرجوع الوجه الآخر إليه و هو أن التصرف فيه لا يجوز حتى يصير ملكا لقبح التصرف في مال الغير، و لا يصير ملكا له حتى يتصرف فيه، فيلزم توقف التصرف على الملك، و الملك على التصرف.

و ناقش فيه في المسالك بمنع تبعية التصرف للملك مطلقا، و توقفه عليه، بل يكفي في جواز التصرف إذن المالك فيه كما في غيره من المأذونات، و لا شك أن الإذن للمقترض حاصل من المالك بالإيجاب المقترن بالقبول، فيكون ذلك سببا تاما في جواز التصرف، و ناقصا في إفادة الملك، و بالتصرف يحصل تمام سبب الملك ثم إن كان التصرف غير ناقل للملك، و اكتفينا به فالأمر واضح، و إن كان ناقلا أفاد الملك الضمني قبل التصرف بلحظة يسيرة كما في العبد المأمور بعتقه عن الآمر غير المالك.

بل نقل في الدروس أن هذا القائل يجعل التصرف كاشفا عن سبق الملك قطعا و على هذا فلا اشكال من هذا الوجه، و يؤيد هذا القول أصالة بقاء الملك إلى أن يثبت المزيل، و أن هذا العقد ليس تبرعا محضا إذ يجب فيه البدل، و ليس على طريق المعاوضات، فيكون كالإباحة بشرط العوض لا يتحقق الملك معه إلا مع استقرار بدله و كالمعاطاة.

و كأنه أخذ ذلك مما في الدروس قال: «و قيل: يملك بالتصرف بمعنى الكشف عن سبق الملك، لأنه ليس عقدا محققا، و لهذا اغتفر فيه ما في الصرف، بل هو راجع إلى الإذن في الإتلاف المضمون، و الإتلاف يحصل بإزالة الملك أو العين، فهو كالمعاطاة.

و على كل حال يدفعها أولا أن التصرف و إن كان كثير من أفراده في حد ذاته غير موقوف على الملك، إلا أنه في المقام كذلك لعدم إذن من المالك، غير الإذن التي

ج 25، ص: 25

في ضمن العقد المعلوم اشتراطها بحصول مضمون العقد، و هو هنا التمليك بعوض فالتصرفات مع فرض عدم حصول الملك لا إذن فيها.

و من هنا قالوا إن المعاوضات على تقدير بطلانها لا يجوز التصرف بالإذن الحاصل في العقد، ضرورة عدم بقاء المطلق بدون المقيد، و لا يرد نحو ذلك على شرطية القبض، إذ لا بد عندنا من الإذن فيه بعد العقد، فإذا وقع بعنوان عقد القرض حصل الملك، فيقع التصرف حينئذ في ملك على حسب ما استفيد من العقد، و ثانيا أن جملة من التصرفات لا تجدي معها الاذن المزبورة كالوطي المتوقف على الملك أو العقد، و كالبيع الذي لا يجوز لغير مالكه إلا بالوكالة أو فضولا و معلوم انتفاؤهما.

و ثالثا أنه من الواضح الفرق بين القرض و الإباحة بعوض، على فرض تسليم مشروعيتها مستقلة، إذ هو عقد قد قصد منه التمليك بالعوض، بخلافها، و مضمون على القابض و لو بالتلف السماوي، بخلافها، و لو كان القرض راجعا إليها لم يكن لعقده ثمرة أصلا، على أنه كيف يمكن رجوعه إليها و لم تكن من قصد أحد المتعاقدين بل مقصودهما معا خلافها، و هو التمليك بعوض في الذمة.

و أيضا مرجع الإباحة بعوض في الإتلاف بغير نقل إلى الضمان، و إن كان التلف لملك المبيح، و أما في التصرف الناقل كالبيع و نحوه إلى إرادة إثبات عوضه في الذمة ثم التصرف فيه، فمع فرض وقوع ذلك منه كان في إثبات عوضه في ذمته موجبا قابلا فيكون ملكا له قبل الانتقال إلى المشتري مثلا بآن ما، بل ربما كان التقدم الذاتي كافيا.

لكن ذلك كله موقوف على دليل صحة هذا القسم من الإباحة، حتى يتجه التزام نحوه مراعاة للجمع بينه و بين ما دل على اشتراط الملك في البيع، و ليس، فضلا عن رجوع القرض إليها، بل قد يدعى- بعد الدليل- صحة البيع من دون ملك في نحو ذلك، بل ربما ادعي نحوه في أعتق عبدك عني.

و على كل حال فالتزام كون القرض من ذلك كما ترى، و معلومية الصحة فيه شاهدة على حصول الملك بالقبض، لا أنها مبنية على هذه الخرافات، و أوضح من ذلك

ج 25، ص: 26

فسادا دعوى حصول الكشف بالتصرف عن الملك من حين القبض، ضرورة توقف صحتها على ما يدل على اشتراط تأثير العقد و القبض بالتصرف حتى يكون كالرضا في عقد الفضولي و نحوه من الشرائط المتأخرة عن الأسباب المقتضية للملك التي يرجع اشتراطها إلى توقف تأثير السبب مقتضاه على حصولها، فمعه يحصل الأثر من حين وقوع السبب، و هذا معنى الكشف، فالمؤثر للملك حينئذ غيره كما صرح به في التذكرة في المقام، فإنه بعد أن حكى القول بالملك بالتصرف مصرحا بأنه على معنى إذا تصرف تبين ثبوت الملك قال: «و هذا يدل على أن الملك لم يحصل بالتصرف، بل بسبب آخر قبله، و إن كان قد يدفع بصدق حصول الملك به على المعنى الذي ذكرناه، إذ الفرض أنه شرط للسبب كما هو واضح.

كل ذلك مضافا إلى ظهور النصوص المتضمنة لكون الزكاة على المقترض في المختار خصوصا

صحيح زرارة(1)منها «قلت: لأبي جعفر عليه السلام: رجل دفع إلى رجل مالا قرضا على من زكوته على المقرض أو المقترض؟ قال: بل زكاته إن كانت موضوعة عنده حولا على المقترض، قال: قلت: فليس على المقرض زكاته؟ قال: لا يزكى المال من وجهين في عام واحد و ليس على الدافع شي ء، لأنه ليس في يده شي ء إنما المال في يد الآخذ، فمن كان المال في يده كانت الزكاة عليه، قال قلت: أ فيزكي مال غيره من ماله؟ قال: إنه ماله ما دام في يده، و ليس ذلك المال لأحد غيره، ثم قال:

يا زرارة أ رأيت وضيعة ذلك المال أو ربحه لمن هو و على من هو؟ قلت: للمقترض، قال:

فله الفضل و عليه النقصان، و له أن ينكح و يلبس منه، و يأكل منه، و لا ينبغي له أن يزكيه، فإنه عليه جميعا».

بل هو دال على المطلوب من وجوه، و

الموثق (2)«رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، و قال الآخر: إنما كانت عليك قرضا، قال: المال لازم له، إلا أن يقيم البينة أنها كانت وديعة»

اللهم إلا أن يقال


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب من يجب عليه الزكاة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أحكام الوديعة- الحديث- 1.

ج 25، ص: 27

بتوقف الملك على التصرف، لا الضمان، و فيه بحث، و بعد التسليم ففيما تقدم كفاية.

فمن الغريب ميل ثاني الشهيدين إليه و ان قال بعد ذلك: إن العمل على المشهور، خصوصا بعد عدم معروفية الخلاف فيه بيننا، و إن نسبه في التنقيح إلى المبسوط و الخلاف، إلا أنه لم نتحققه، بل في الدروس نسبة المشهور إلى الشيخ، بل المحكي عنه في مسئلة ارتجاع المقرض العين ما هو كالصريح في حصول الملك بالقبض، لكنه كالهبة يجوز فسخه، و ستعرف تحقيق الحال في ذلك، و خصوصا بعد إجمال المراد من التصرف، إذ من المحتمل مطلق التصرف كما عن الشهيد في بعض تحقيقاته، و عليه يعود النزاع لفظيا كما في الرياض، فإن القبض نوع منه أو التصرف الناقل للملك لزوما، أو المتلف للعين، و هو الذي استظهره في التذكرة، بل في المسالك أنه الظاهر من كلماتهم، و في الناقل عن الملك جوازا وجهان وجيهان.

لكن يشكل حينئذ انعتاق الوالد الذي استقرضه ولده بناء على الكشف بالتصرف، ضرورة اقتضائه حينئذ فساد التصرف بالانعتاق، فلا يكون التصرف كاشفا لبطلانه، فيلزم حينئذ من وجوده عدمه، فلا يؤثر، أو التصرف المتوقف على الملك كالبيع و الهبة و نحوهما، لا الرهن و نحوه مما لا يتوقف على الملكية، ضرورة جواز الاستعارة للرهن بخلاف البيع مثلا، على أنه له و لا دليل على شي ء منها، و لا على ما عن بعضهم من أن الضابط فيه ما يقطع به رجوع الواهب و البائع عند إفلاس المشتري، و أما ثمرة الخلاف فقد قيل: إنها تظهر في الرجوع بالعين قبله، و عدمه.

و فيه ما ستعرف من إمكان بناء الخلاف في ذلك على جواز عقد القرض و لزومه، فعلى القول بأنه يملك بالقبض يمكن القول بالرجوع في العين، لجواز العقد فهو كالهبة، نعم تظهر في النماء إذا حصل الملك بنفس التصرف، أو كان الملك فيه ضمنيا، و أما على الكشف من حين القبض فلا، و كذا النفقة و غيرها بل الثمرة كثيرة

ج 25، ص: 28

إلا أنه لا ينبغي تطويل الكلام بعد معلومية فساد الأصل و الله أعلم.

و كيف كان ف هل للمقرض ارتجاعه أى المال المقترض بعد القبض و إن قلنا يملك به قيل: و القائل الشيخ نعم و لو كره المقترض لأنه لا يزيد على الهبة، و للإجماع على كونه من العقود الجائزة التي من المعلوم كون المراد بجوازها فسخها و رجوع ما انتقل بها إلى مالكه، و لأن المثل و القيمة إنما وجبت بدلا عن العين، لغلبة خروجها عن يد المقترض، و لأنه إذا استحق المطالبة بالمثل أو القيمة فبالعين بطريق أولى.

و قيل: لا و هو الأشبه و الأشهر بل المشهور بل لعله إجماع بين المتأخرين لأن فائدة الملك التسلط على المملوك فالأصل فيه عدم خروجه عنه إلا برضاه كما أن استصحاب ملك المقترض للعين و المقرض للمثل أو القيمة قاض بذلك أيضا، و خروج الهبة بالدليل لا يقضى به هنا، خصوصا بعد الفرق بينهما بالمعاوضة في المقام دونها، و الإجماع على الجواز بالمعنى المعروف ممنوع بعد ما عرفت من شهرة عدم رجوع المقرض بالعين، و احتمال تنزيل ذلك على ما إذا لم يفسخ- فيرجع النزاع حينئذ إلى جواز الرجوع و عدمه من دون فسخ للقرض- كما ترى، إذ هو مع خلوه عن الفائدة و مخالفته لظاهر كلماتهم و صريح البعض محل للنظر، بإمكان كون الرجوع بالعين نفسه فسخا و إن لم يصرح به بلفظه.

فظهر أن مراد المشهور عدم رجوع المقرض بالعين على كل حال، و أنه ليس له الفسخ القاضي بذلك، و منه يعلم كون المراد بالجواز الذي ادعي الإجماع عليه أن لكل منهما فسخ المقصد المهم من القرض، و هو الأنظار الذي هو مبنى القرض عرفا غالبا، و من هنا قال مالك: «إنه لا يجوز للمقرض مطالبة المقترض قبل قضاء وطره من العين، أو مضي مدة يمكن فيه ذلك» فذكر الأصحاب الجواز بالمعنى المزبور بقصد الرد عليه، ضرورة أنه و إن كان مبنى القرض ذلك، إلا أنه ليس على وجه يلتزم به شرعا، و العوض قد ثبت في الذمة حالا، فله المطالبة في المجلس و غيره، كما أن للمقترض دفع ذلك متى شاء، فالمراد حينئذ من الجواز ذلك، لا المعنى الموجب لرد العين

ج 25، ص: 29

لعدم الدليل الصالح لمعارضة ما سمعت، بل مقتضاه الفسخ و إن حصل التصرف المغير للعين الموجب نقصها، لعدم الدليل على لزومه بذلك على تقدير جوازه، فيرد العين جابرا لها بالأرش، و هو معلوم البطلان، فتعين إرادتهم ما ذكرنا من الجواز.

و لعله إليه يرجع ما في المسالك و إن لم ينقحه كما ذكرنا، قال ما حاصله:

إن الأصل و الاستصحاب يدل على المشهور، و لا معارض لهما إلا كون العقد جائزا يوجب فسخه ذلك، و فيه منع ثبوت جوازه بالمعنى المزبور، إذ لا دليل عليه، و ما أطلقوه من كونه جائزا لا يعنون به ذلك، لأنه قد عبر به من ينكر هذا المعنى، و هو الأكثر، و إنما يريدون بجوازه تسلط المقرض على أخذ البدل إذا طالب به متى شاء و إذا أرادوا بالجواز هذا المعنى فلا مشاحة في الاصطلاح، و إن كان مغايرا لغيره من العقود الجائزة من هذا الوجه، و حينئذ فلا اتفاق على جوازه بمعنى يثبت به المدعى، و لا دليل صالح على ثبوت الجواز له بذلك المعنى المشهور، فيبقى الملك و ما في الذمة على حكمهما إلى أن يثبت خلافه، و هذا هو الوجه، و إلا كان ما ذكرناه أولى، و كون الحكمة في وجوب المثل أو القيمة ذلك، لا يقضي بجواز الرجوع بالعين بعد أن ثبت ملك المقترض للعين، و ثبت في ذمته المثل أو القيمة و هو واضح، كوضوح منع الأولوية المزبورة، فظهر حينئذ أنه لا مناص عن المشهور.

نعم يتجه القول بوجوب قبول المقرض للعين لو دفعها المقترض في المثلي إذا فرض عدم تغيرها، سواء نقص السعر أولا، ضرورة كونها أحد أفراد الكلي الذي في ذمته، بل هي أولى من غيرها، و كذا القيمي بناء على ضمانه بالمثل، إذ هو كالمثلي في الحكم.

أما على القول بالقيمة فالمتجه عدم وجوب القبول لأنها غير الحق الثابت في الذمة، فلا يجب قبوله، و ليس الواجب أولا دفع العين فإذا تعذر انتقل إلى القيمة إذ قد عرفت أن الثابت ابتداء القيمة بالعقد و القبض، لكن احتمل بعضهم كالفاضل و غيره وجوب القبول، بل في الدروس أنه الأصح، و نقل فيه الشيخ الإجماع، بدعوى كون مبنى القرض المشروع للإرفاق على ذلك، و لأولوية العين- من القيمة و المثل

ج 25، ص: 30

اللذين كان القصد من إثباتهما في الذمة بدل العين- لغلبة خروجها من يد المقترض و لأن ثبوت القيمة في القيمي لتعذر مثله، فمع فرض رد العين نفسها يتعين القبول إلا أن الجميع كما ترى.

و أضعف منه ما احتمله في الدروس من وجوب القبول في المثلي و القيمي إن تساوت القيمة أو زادت وقت الرد، و إن نقصت فلا، لعدم الدليل له سوى اعتبار لا يصلح لتأسيس حكم شرعي، فتأمل، كما أنه قد يتوقف فيما ذكره أيضا من أنه لو ظهر في العين المقترضة عيب فله ردها و لا أرش، فإن أمسكها فعليه مثلها أو قيمتها معيبة، و هل يجب عليه إعلام المقترض الجاهل بالعيب؟ عندي نظر من اختلاف الأغراض، و حسم مادة النزاع، و من قضية الأصل. نعم لو اختلفا في العيب حلف المقترض مع عدم البينة، و لو تجدد عنده عيب آخر منع من الرد، إلا أن يرضى به المقرض مجانا أو بالأرش.

فإنه و إن كان جيدا إلا أن الحكم الأول لم أعثر على ما يدل عليه، اللهم إلا أن يدعى أن بناء المعاوضة على أصل الصحة، فالخيار هنا كالخيار في الرد بالعيب في البيع، و إن زاد عليه هناك بالأرش للنصوص، و الأمر سهل. و الله أعلم.

[المسألة الثانية لو شرط التأجيل للقرض لم يلزم ]

المسألة الثانية لو شرط التأجيل للقرض في عقد القرض لم يلزم على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل لا خلاف أجده فيه قبل الكاشاني، نعم احتمله في المسالك بناء على ما ذكره سابقا من لزوم هذا العقد، و عدم كونه من العقود الجائزة بدليل عدم وجوب رد العين إذا أراده المقرض، فيشمله حينئذ

قوله عليه السلام (1)«المؤمنون عند شروطهم»

و غيره مما دل على لزوم ما شرط في العقد اللازم، و دعوى أن هذا العقد ليس على حد الجائزة ليقطع فيه بعدم لزوم الشرط، و لا على حد اللازمة ليلحقه حكمها، يدفعها أن المتجه بعد التسليم الرجوع حينئذ إلى عموم الأدلة الدالة على الالتزام بالشرط و الوفاء بالعقد.

و بذلك اغتر جماعة من متأخرين المتأخرين الذين لا يبالون باتفاق الأصحاب، فضلا


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 25، ص: 31

عن شهرتهم حتى جزموا باللزوم، و شددوا النكير على دعوى كونه من العقود الجائزة، و

قد عرفت البحث في ذلك سابقا، و أن مرادهم من الجواز عدم الالتزام بما يفهم من القرض من التأجيل في مقابلة المحكي عن مالك، و جوازه بهذا المعنى مسلم لا يكاد ينكره أحد من الشيعة، و النصوص واضحة الدلالة عليه، ضرورة ظهورها في رجحان التأخير و الإمهال و الإنظار، و الترغيب في ذلك على وجه صريح أو ظاهر في الندب.

خصوصا مثل

قوله صلى الله عليه و آله (1)«من أقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم وزن جبل أحد من جبال رضوى و طور سيناء من حسنات، و إن أرفق به في طلبه تعدى به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لا عذاب»

و

قوله صلى الله عليه و آله (2)«من أقرض مؤمنا قرضا حسنا ينظر ميسوره كان ماله في زكاة، و كان هو في صلاة من الملائكة حتى يؤديه»

و غيرهما مما هو كالصريح في جواز رجوعه و مطالبته أي وقت شاء، و أنه محسن لا سبيل عليه.

و حينئذ مقتضى إطلاق هذه الأدلة جواز ذلك حتى مع اشتراط الأجل الذي هو في الحقيقة التصريح بما بنى عليه القرض و المتعارف منه، و الذي ندب إليه و حث عليه، بل قيل: إنه إذا لم يجب الوفاء بالأجل المدلول عليه بنفس العقد ضمنا مع أن الأصل لزوم الوفاء به، فعدم

الوجوب إذا كان مدلولا عليه بالشرط أولى، على أن التعارض بين ما دل على لزوم الشرط، و بين ما دل على استحباب القرض، و أن لكل منهما الرجوع متى شاءا، و إن لم يكن بمعنى فسخ ملك العين المقترضة من وجه، و لا ريب في أن الترجيح للثاني، و لو للشهرة العظيمة، بل الإجماع المحكي الذي يشهد له التتبع.

و المناقشة- بمنع تعلق الاستحباب بخصوص المدلول، بل بسببه الذي هو إجراء الصيغة، و إن كان الوجه في تعلقه به هو رجحان العمل بمسببه، فيرجع حاصل


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الدين- الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب الدين- الحديث- 3.

ج 25، ص: 32

الأدلة إلى استحباب الإقدام على القرض، و إيجاد سببه، و لا ينافيه وجوب المسبب بعده، و إن هو إلا كالتجارة، فقد تظافرت الأدلة باستحبابها مع وجوب العمل بمقتضيات أسبابها كدفع المبيوع و نحوها، و ككثير من العبادات المستحبة الواجبة بالشروع فيها، و بالجملة استحباب الشي ء ابتداء غير وجوبه استدامة، فاستحباب الاقتراض ابتداء لا ينافي وجوب العمل بمقتضى عقده بعد إيجاده- يدفعها ظهور النصوص التي منها ما ذكرناه في استحبابه استدامة، و في أن للمقترض الوفاء متى شاء كما لا يخفى على من تأملها أدنى تأمل.

نعم لو ادعي تقييدها بما إذا لم يشترط الأجل، كان الجواب عنه ما عرفت من أنه ليس بأولى من تقييد أدلة الشرط بما إذا لم يكن مقتضيا لتأخير القرض، بل هو أولى من وجوه، بل مقتضاه عدم لزوم هذا الشرط و لو كان في عقد لازم غير القرض إلا أن شهرة الأصحاب فيه على اللزوم، فترجح أدلة الشرط حينئذ عليه، خصوصا بعد معروفية عدم الخلاف فيه.

نعم في الدروس و لو شرط تأجيله في عقد لازم، قال الفاضل: يلزم تبعا للازم و يشكل بأن الشرط في اللازم يجعله جائزا فكيف ينعكس، و عن الحواشي أن في ذلك إشكالا، لأنه إن أريد بلزومه توقف العقد المشروط عليه فممنوع، لكنه خلاف المتبادر من كونه لازما، و لا يقتضيه أيضا كما هو ظاهر، إذا العقود المشروط فيها شروط لا يقتضي لزومها، بل فائدتها تسلط من يتعلق غرضه بها على الفسخ بالإخلال بها، و إن أريد لزوم ذلك الشرط في نفسه: بمعنى أنه لا سبيل إلى الإخلال به لم يطرد، إلا أن يفرق بين اشتراط ما سيقع و ما هو واقع، و يجعل التأجيل من قبيل الواقع فيتم بهذا.

و فيه أن المراد بكون الشرط لازما وجوب الوفاء به، كما وجب الوفاء بالعقد اللازم، لأنه من جملة مقتضياته، و تسلط من تعلق به غرضه على الفسخ بدونه لا ينافي هذا المقدار من اللزوم من طرف العاقد الآخر، فيكون الشرط و العقد لازما من طرف المشترط له عليه، و من طرف من تعلق به غرضه يكون العقد لازما مع الإتيان

ج 25، ص: 33

بالشرط لا بدونه، و هذا معنى واضح صحيح مستقيم.

كما أن ما ذكروه من أن الأجل من الشرط الواقع لا بأس به أيضا، فإن اشتراط تأجيل الحال من قبيل العوض الواقع في ذلك العقد، فيلزم بهذا الاشتراط، و هذا هو المفهوم من إطلاق الأصحاب تأجيل الحال في عقد لازم، و ليس هو كاشتراط أن يفعل الفعل الفلاني، بل هو كاشتراط سكنى الدار سنة في البيع فإن ذلك يصير حقا له كاستحقاق العوض، كل ذلك مضافا إلى ما تسمع من النصوص (1)بالخصوص في تأجيل الحال و إلى ما عرفته سابقا في بحث الشروط.

و كيف كان فقد بان لك أنه لا محيص عما عليه الأصحاب من اللزوم في الشرط بعقد لازم، و عدم اللزوم في عقد القرض و إن قلنا بكونه من العقود اللازمة لما عرفت و لا يعارض الأخير قوله تعالى (2)«إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» بعد عدم ظهوره في القرض المشترط فيه الأجل، و أنه يجب الوفاء به إذا كان بعقد القرض بل ظاهره عدم إرادة بيان ذلك كما هو واضح، و لا

المروي عن ثواب الأعمال (3)«من أقرض قرضا و ضرب له أجلا و لم يؤت به عند ذلك الأجل كان له من الثواب في كل يوم يتأخر عن ذلك الأجل مثل صدقة دينار كل يوم»

و نحوه الرضوي (4)إذ أقصاهما الدلالة على صحة التأجيل و لا كلام فيه، و ثمرتها إنما هو جواز تأخير الدفع إلى الأجل و وجوبه بعده، و هو غير لزومه الذي هو عبارة عن وجوب التأخير إليه، و إنما الكلام فيه مضافا إلى

قصور الخبرين و لا جابر، بل قد عرفت تحقق الموهن الذي لأجله أطرح

مضمر الحسين بن سعيد(5)«عن رجل أقرض رجلا دراهم إلى أجل مسمى ثم مات المستقرض أ يحل مال القارض بعد موت المستقرض منه، أم لورثته من الأجل ما للمستقرض في حياته؟ فقال: إذا مات فقد حل مال القارض»


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام العقود.
2- 2 سورة البقرة الآية 282.
3- 3 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين- الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب 6- من أبواب الدين- الحديث- 5.
5- 5 الوسائل الباب- 2 من أبواب الدين الحديث- 2.

ج 25، ص: 34

بناء على إشعاره بلزوم التأجيل في القرض، كالدين من حيث التقدير و المفهوم، و ليس هو كالخبرين السابقين خصوصا بعد لفظ يحل فيه، الظاهر في عدم استحقاق المطالبة قبل انقضاء المدة المضروبة حال حيوة المستقرض.

نعم قد يقال: إن سؤاله لم يكن عن لزوم الأجل في عقد القرض، بل إنما هو عن الحلول بالموت و عدمه، فأجابه عليه السلام على طبق سؤاله، فيمكن أن يريد من القرض الدين، أو القرض المشترط أجله بعقد لازم، أو غير ذلك فلا يكون منافيا للمطلوب الذي هو عدم لزوم شرط الأجل في عقد القرض.

و كذا لو أجله بعد العقد أو أجل غيره من الدين الحال بأن يقول مثلا أجلتك إلى شهر لم يتأجل للأصل و غيره بل هو أولى في عدم اللزوم من الأجل في عقد القرض، و لكن يستحب الوفاء به، لأنه وعد و كيف كان فقد بان لك أنه لا دليل معتد به على اللزوم بل ليس فيه إلا إشعار رواية الحسين بن سعيد المتقدمة و

هي رواية مضمرة مهجورة تحمل على الاستحباب خصوصا بعد ما عرفت من ضعف إشعارها من الوجه الذي ذكرناه.

و على كل حال ف لا فرق عندنا في عدم لزوم تأجيل الحال بالتأجيل المزبور بين أن يكون مهرا أو ثمن مبيع أو غير ذلك (11) لاشتراك الجميع في أصالة عدم اللزوم و غيرها مما يدل على ذلك، خلافا لبعض العامة فذهب إلى لزومه في ثمن المبيع و الأجرة و الصداق أو عوض الخلع دون القرض، و بدل المتلف و أخر فالزمه في الجميع و هما معا كما ترى، ضرورة أن المراد من

قوله عليه السلام (1)«المؤمنون عند شروطهم»

و نحوه العقود المشتملة على الشرائط لا الشرائط و إن لم تكن في عقود التي يمكن منع تسميتها شروطا كما هو واضح.

و (12) كذا لو أخره (13) أي الدين الحال بزيادة فيه لم تثبت الزيادة و لا الأجل (14) بل هو الربا المحرم بلا خلاف و لا إشكال. نعم قد يحتال لذلك بجعل الزيادة في ثمن مبيع مثلا و إن لم يساوه قد اشترط في عقده تأجيل الحال خاصة أو هو مع ثمن المبيع


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 25، ص: 35

كما نطقت به النصوص ففي

موثق ابن عمار(1)«قلت للرضا عليه السلام الرجل يكون له المال فدخل على صاحبه يبيعه

لؤلؤة تساوي ماءة درهم بألف درهم و يؤخر عليه المال إلى وقت قال: لا بأس قد أمرني أبي ففعلت ذلك، و زعم أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عنها فقال له مثل ذلك».

و

في موثقه الآخر(2)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: يكون لي على الرجل دراهم فيقول أخرني و أنا أربحك فأبيعه جبة تقوم علي بألف درهم بعشرة آلاف درهم أو قال بعشرين و أؤخره بالمال، قال: لا بأس»

و

في مضمر عبد الملك ابن عتبة(3)«سألته عن الرجل يريد أن أعينه المال أو يكون لي عليه مال قبل ذلك فيطلب مني مالا أزيده على مالي الذي لي عليه أ يستقيم أن أزيده مالا و أبيعه لؤلؤة تساوي ماءة درهم بألف درهم فأقول أبيعك هذه اللؤلؤة بألف درهم على أن أؤخر ثمنها و مالي عليك كذا و كذا شهرا؟ قال: لا بأس به»

إلى غير ذلك من النصوص المفتي بها بين الأصحاب و إن كان حيلة و فرارا، لكن نعم الفرار من الباطل إلى الحق و منه ينتقل إلى غير ذلك من الحيل الشرعية المنطبقة على أصول المذهب و قواعده.

و لا يعارضه

خبر الشيباني (4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يبيع المبيع و البائع يعلم أنه لا

يسوى و المشتري يعلم أنه لا يسوى إلا أنه يعلم سيرجع فيه و يشتريه منه فقال: يا يونس إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال لجابر بن عبد الله: كيف أنت إذا ظهر الجور و أورثتم الذل قال: فقال له جابر: لا بقيت إلى ذلك الزمان. و متى يكون ذلك بأبي أنت و أمي قال: إذا ظهر الربا يا يونس، و هذا الربا فإن لم تشتره منه رده عليك؟ قال: فقلت: نعم قال فقال: لا تقربنه و لا تقربنه»

بعد قصوره عن المقاومة من وجوه خصوصا بعد قوة احتمال إرادة حال عدم قصد البيع منه و أنهما لم يوجباه كاحتمال التقية لما حكى عن العامة من تشديد المنع في هذه الصورة، و ربما حمل على الكراهة أو غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام العقود الحديث- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام العقود الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام العقود الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام العقود الحديث- 5.

ج 25، ص: 36

و على كل حال فقد ظهر من هذا كله أن تأجيله بزيادة من دون حيلة شرعية غير جائز. نعم يصح تعجيله لو كان مؤجلا بإسقاط بعضه مع التراضي بلا خلاف و لا إشكال، كما تقدم في بحث النقد و النسيئة، للنصوص المستفيضة، بل ربما استظهر منها الإكتفاء بالتراضي من غير حاجة إلى الإبراء أو الصلح، ف

في مرسل أبان (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يكون له على الرجل الدين فيقول له قبل أن يحل الأجل عجل النصف من حقي على أن أضع عنك النصف أ يحل ذلك لواحد منهما؟ قال: نعم».

و

صحيح ابن أبي عمير(2)عن الصادق عليه السلام أيضا «أنه سأل عن الرجل يكون له دين إلى أجل مسمى فيأتيه غريمه فيقول له: انقدني كذا و كذا و أضع عنك بقيمته أو يقول: انقدني بعضه و أمد لك في الأجل فيما بقي عليك؟ قال: لا أرى بأسا، إنه لم يزد على رأس ماله قال الله عز و جل شأنه (3)«فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ»

و اللام في السؤال بمعنى على، كما رواه

محمد بن مسلم (4)في الصحيح مغيرا للسؤال «الرجل يكون عليه الدين إلى أجل مسمى»

إلى آخره.

لكن قد يقال: إن بناء هذه النصوص على الإكتفاء بمعاطاة الصلح، أو على إرادة بيان أصل الصحة، و إن كان عند الوقوع لا بد من صيغة، إذ المتعارف في النصوص عدم التعرض للصيغ لمعلوميتها أو لغير ذلك، فلا ريب أن الأولى الإتيان بصيغة الصلح أو التصريح بالبراءة أو الإسقاط و العفو، و إن كان الأقوى الاكتفاء بمعاطاة الصلح.

و كيف كان فيدل على المطلوب مضافا إلى النصوص السابقة و

خبر زرارة(5)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم باعها فربح فيها فأتاه صاحبها يتقاضاه و لم

ينقد ماله، فقال صاحب الجارية للذين باعهم: اكفوني غريمي هذا و الذي ربحت عليكم فهو لكم؟ قال: لا بأس»

الذي هو ك صحيح الحلبي (6)بناء


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الصلح الحديث- 1.
3- 3 سورة البقرة الآية 279.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أحكام الصلح الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام العقود الحديث- 1.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام العقود الحديث- 2.

ج 25، ص: 37

على أنه قد باعهم مؤجلا و إن كان لا مانع أيضا من بيعهم حالا، و الصلح معهم بإسقاط البعض، إذ هو صلح الحطيطة الذي يقوم مقام الإبراء، و لا ربا فيه و إن قلنا بعمومه للمعاوضات.

و من هنا أطلق الأصحاب جوازه بتعجيل البعض بإسقاط الباقي من غير فرق بين المجانس و المخالف، بل ظاهر الجميع كونه بالمجانس، على أنه يمكن أن لا يكون إبراء محضا، لأن الوضع في مقابلة الأجل، بل يمكن خروجه بذلك عن المجانس، و إن كان ذلك كله لا يخلو من نظر.

و الأولى الاستناد للنص المعتضد بفتوى الأصحاب، بل لم أجد أحدا منهم أومأ إلى احتمال الربا فيه سوى الفاضل في القواعد و غيرها، بل ظاهره في صلح الأولى البطلان على تقدير عموم الربا للمعاوضات، قال: و لو صالح على عين بأخرى في الربويات ففي إلحاقه بالبيع نظر، و كذا في الدين بمثله، فإن ألحقناه فسد، كما لو صالح في ألف بخمسمائة حال، و لو صالح من ألف حال بخمسمائة مؤجل فهو إبراء على إشكال و يلزم التأجيل.

و سوى الشهيد في الدروس حيث قال: «و لو صالح على المؤجل بإسقاط بعضه حالا صح إذا كان بغير جنسه، و أطلق الأصحاب الجواز، إما لأن الصلح هنا ليس معاوضة له، أو لأن الربا يختص البيع، أو لأن النقيصة في مقابلة الحلول، فلو ظهر استحقاق العوض أو تعيبه فرده فالأقرب أن الأجل بحاله» و قال ابن الجنيد سقط.

قلت: أقواها الأول إذ الثاني منظور فيه بأن الأصح عموم الربا، و قد صدر ذلك ممن يقول بعمومه، و أما الثالث ففيه أولا أنه لا يكفي في سقوط الربا، و ثانيا قد عرفت أن الأقوى الصحة في الحالين أيضا فله أن يصالح عن الزائد الحال بالناقص كذلك، لقيامه مقام الإبراء بخلاف البيع، فإنه لا يقوم مقامه، قال في الدروس أيضا و لو صالح عن غير الربوي بنقيصة صح و لو كان ربويا و صالح بجنسه روعي أحكام الربا، لأنها عامة في المعاوضات على الأقوى، إلا أن نقول الصلح هنا ليس معاوضة،

ج 25، ص: 38

بل هو في معنى الإبراء و هو الأصح، لأن

النبي صلى الله عليه و آله (1)قال لكعب بن مالك:

«أترك الشطر و اتبعه ببقيته»

و روي ذلك عن الصادق عليه السلام (2)و ينبغي أن يكون صورته صالحتك على ألف بخمسمائة

، فلو قال بهذه الخمسمائة ظهرت المعاوضة، و الأقوى جوازه أيضا لاشتراكهما في الغاية.

قلت: قد يشكل الأخير بأنه لو صح لصح في المعنيين مع التفاوت، على أن يكون الصلح بمعنى هبة الزائد، و لا ريب في عدم جوازه لكونه معاوضة حينئذ، اللهم إلا أن يفرق بينهما و هو غير بعيد كما ستعرف، و لو صالح عن ألف حال بخمسمائة مؤجلة ففي التحرير أن الوجه الجواز، و لعله لأنه كالعكس، لكن فيه أنه يمكن الفرق بينهما فتأمل، و يأتي في الصلح تمام الكلام إن شاء الله.

هذا و في المسالك أنه كما يعتبر التراضي في إسقاط البعض، يعتبر في تعجيله بغير إسقاط، لأن الأجل أيضا حق لهما، لتعلق غرض كل منهما به، فإن التعجيل قد لا يرضى به صاحب الحق، لحصول ضرر لخوف و نحوه، و بالنسبة إلى الآخر واضح لكن إسقاط الأجل يكفي فيه مجرد الرضا، أما إسقاط بعض الحق فيحتمل كونه كذلك، كما يقتضيه ظاهر إطلاقهم، و يكون الرضا بالبعض قائما مقام الإبراء، فإنه كما يظهر من تضاعيف كلامهم أنه لا يختص بلفظ، و في كتاب الجنايات يقع بلفظ العفو و نحوه فيكون هذا منه، و يحتمل قويا توقف البراءة على لفظ يدل عليه صريحا كالبراءة و الإسقاط و العفو و الصلح، لا مطلق الرضا لأصالة بقاء الملك إلى أن يتحقق المزيل شرعا.

و فيه أن مثله يأتي في إسقاط الأجل، نعم يسقط به مع قبض المال من المستحق و حينئذ فالمتجه إسقاط بعض الحق معه، إذا وقع بعنوان المعاوضة عن الجميع، ضرورة كونه حينئذ من معاطاة الصلح، لكن يأتي فيه حينئذ إشكال الربا، إذ هو كالصلح عن الزائد بالأقل المعين، و قد عرفت قوة احتمال المعاوضة، خلافا للدروس فألحقه بالأقل غير المعين الذي لا يكون إلا إبراء اللهم إلا أن يقال بصحة ذلك في المقام من


1- 1 المستدرك ج 2 ص 499 الوسائل الباب 6- من أبواب الصلح الحديث 1.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 499 الوسائل الباب 6- من أبواب الصلح الحديث 1.

ج 25، ص: 39

جهة إطلاق النصوص.

و منه يظهر لك قوة ما سمعته من الدروس، و الاحتياط لا ينبغي تركه، و لقد طال بنا الكلام، و كان أصل المقصد بيان عدم لزوم الأجل المشترط في عقد القرض، و قد ظهر لك الوجه فيه، بل منه يعلم عدم لزوم كل شرط اقتضى تأخير القرض من غير فرق بين الزمان و المكان و غيرهما.

لكن قد سمعت فيما تقدم أن الشهيد في الدروس صرح بلزومه بالنسبة إلى المكان، خلافا للفاضل فجعله دائرا مدار المصلحة، اللهم إلا أن يقال باللزوم فيه هناك للنصوص التي يدعي دلالتها على ذلك، أما الشرط الذي لا يقتضي تأخير القرض فالمتجه بحسب الضوابط لزومه، و وجوب الوفاء به،

لعموم (1)«المؤمنون»

و غيره مما يدل على وجوب الوفاء بالعقود اللازمة التي لا ريب في أن عقد القرض منها، بعد ما عرفت من أنه ليس لأحدهما فسخه بحيث يرد العين إلى مالكها، فالأصل لزوم الشرائط فيه.

و لعل منه شرطية الصحاح بدل المكسرة عند من جوزه، بل الظاهر لزوم الشرط في عقد القرض و إن كان تأخير قرض آخر، و إن كان لم يفرق في المسالك بينه و بين أجل القرض المشترط في عقده في عدم لزوم الجميع، إلا أنك قد عرفت أن الأصل يقتضي اللزوم، خرج عنه في خصوص الثاني، لما عرفت من الدليل، فيبقى غيره على الأصل، و لا ينافي لزوم الشرط في عقد القرض جواز مطالبة المقرض في كل وقت، وفاء المقترض كذلك، إذ ليس ذلك فسخا لعقد القرض الذي يجب الوفاء به و بما تضمنه من الشرائط التي لا تقتضي وجوب إبقائه، بل هو مطالبة بالمثل أو بالقيمة اللذين جبا بعقد القرض، فالاستناد في دعوى عدم لزوم الشرط في عقد القرض بأنه من العقود الجائزة بالمعنى المزبور واضح الفساد، ضرورة أن المثمر في عدم لزوم الشرط الجواز بمعنى فسخ العقد، لا هو بالمعنى المزبور هذا.

و في جامع المقاصد «و ههنا فائدة: و هي أن الشروط الواقعة في عقد القرض


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 25، ص: 40

أقسام الأول- ما يفسده، و هو اشتراط الزيادة للمقرض في نفس مال القرض لمحض الإحسان، الثاني- ما يكون لغوا أو وعدا: و هو الزيادة للمقترض من غير أن يكون للمقرض زيادة. الثالث- ما يكون مؤكدا كاشتراط رهن به، و هو صحيح قطعا.

الرابع- ما يكون زيادة للمقرض لكن في غير مال القرض و في صحته تردد، و الأصح الصحة. الخامس- ما يكون وعدا محضا كما لو أقرضه و شرط له أن يفرضه شيئا آخر.

إذا عرفت هذا فلا بد من الفرق بين هذه الشروط في الأحكام، ففي الأول معلوم بقاء مال القرض في ملك المقرض، و في الثاني إن كان الشرط لغوا فلا بحث، و إن كان وعدا فمعناه إن و في به كان حسنا و إلا لم يأثم، و وجهه أن القرض إحسان إلى المقترض بالقرض، و شرط في ذلك الإحسان إحسان آخر لنفعه فقط، فلا يجب عليه، لانتفاء المقابلة المقتضية للوجوب.

و في الثالث و الرابع يجب عليه الوفاء، لأن المقرض لم يرض بالقرض إلا على ذلك التقدير المشترط، و قد رضي المقترض على ذلك الوجه، فيجب الوفاء، فان لم يفعل أثم، و لم يكن له إجباره قطعا، لأن القرض عقد جائز من الطرفين، لكل منهما فسخه، فإن لم يفسخه حالا فهل يتوقف وجوب الدفع على المطالبة بمال القرض، أم يجب دفعه بمجرد المطالبة بالشرط مع عدم الوفاء، وجهان، و في الأول قوة.

و هو كما ترى لا يرجع إلى ضابطة، بل هو عند التأمل مخالف للضوابط الشرعية التي قد عرفت اقتضائها اللزوم في كل شرط في عقد القرض، إلا ما جر نفعا للمقرض و ما اقتضى عدم جواز المطالبة من المقرض و الوفاء من المقترض إلا في اشتراط المكان، للنصوص السابقة فيه من غير فرق بين ما يرجع إلى القرض من الشرائط، كالرهن و الإشهاد و الكتابة و نحوها، و ما لا يرجع إليه من الأمور الملتزمة في عقده، بل الظاهر أن فائدة الشرط في عقد القرض كفائدته في غيره من العقود اللازمة، يجب إجبار من عليه الشرط، فإن تعذر تسلط من له الشرط على فسخ العقد نفسه، فيرجع المال

ج 25، ص: 41

حينئذ ملكا إلى مالكه، و هذا غير مطالبة المقترض بعوض المال في كل وقت، حتى يقال إنه كان حاصلا بدون الشرط.

و من ذلك يظهر لك النظر فيما في الدروس من أن اشتراط الخيار في عقد القرض لغو، ضرورة أن اشتراطه يفيد التسلط على فسخ العقد نفسه، بحيث يرجع عين المال إلى مالكه، و هو أمر غير مطالبة المقرض بالقيمة أو المثل فتأمل جيدا.

فإن المسألة قد وقع فيها اشتباه عظيم و خلط و خبط نشأ من تخيل كون القرض من العقود الجائزة باعتبار أن المقرض له المطالبة متى شاء، و المقترض له الوفاء كذلك و أن الشرائط في العقود الجائزة غير لازمة، لتسلط كل منهما على فسخ أصل العقد فلا يلزم الشرط فيه، و هذا كله و هم في و هم. بل قد يومئ ما دل على بطلان ما جر نفعا من الشرائط في عقد القرض إلى لزوم الشرائط فيه، و إلا كان الشرط فيه وعدا لا يجب الوفاء به، فلا يتحقق به الربا، لما عرفت فتأمل.

كما أن ذكرهم الصحة في كثير من الشرائط التي لا تجر نفعا للمقرض ظاهر في اللزوم، لا أن المراد منها عدم البطلان و إن كان لا يلزم المشروط عليه، إذ صحة كل شي ء بحسب حاله فصحة الشرط لزومه، بل قد يشكل صحة القرض مع اشتراط الأجل الذي قلنا بعدم لزومه إذا كان المقترض قد علق رضاه على تخيل لزوم الأجل و لو جهلا منه، ضرورة كونه حينئذ كالشرائط الفاسدة التي يبطل العقد معها، باعتبار تعلق الرضا عليها في قول، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبة منقطعة يجب أن ينوي قضاءه ]

المسألة الثالثة: من كان عليه دين و غاب صاحبه غيبة منقطعة الخبر يجب على المديون البقاء على أن ينوي قضاءه إجماعا محكيا إن لم يكن محصلا، للأصل و للمنساق من

صحيح زرارة(1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون عليه الدين لا يقدر على صاحبه، و لا على ولي له، و لا يدرى بأي أرض هو؟

قال: لا جناح عليه بعد أن يعلم الله منه أن نيته الأداء»

و للنصوص (2)الدالة على أن


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب الدين- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب الدين الحديث- 1.

ج 25، ص: 42

«من استدان دينا فلم ينو قضاءه كان بمنزلة السارق»

الشاملة للغائب و غيره، و لحالي الابتداء و الاستدامة.

بل قد يتم الوجوب من الترغيب في

الخبر(1)على نية القضاء قال فيه: «من كان عليه دين ينوى قضاءه كان معه من الله عز و جل حافظان يعينانه على الأداء، فإن قصرت نيته عن الأداء قصر عنه المعونة بقدر ما قصر من نيته»

و لا ينافي الوجوب ما في

الخبر الآخر(2)«أحب الرجل يكون عليه دين ينوي قضاءه»

، فإن محبته عليه السلام للرجل إذا كان ناويا قضاءه لا تقضي بجواز عدم النية، بل قد يقال:- بناء على إشعاره ببغض غير الناوي أو بعدم محبته، بأنه دال على الوجوب.

هذا كله إن لم نقل بوجوب العزم بدلا عن التعجيل في الواجب الموسع، لأنه من أحكام الإيمان، بمعنى توقف صدق التبعية عرفا على العزم على امتثال أوامر المتبوع و نواهيه، و إلا كان ذلك كافيا في الوجوب هنا.

نعم يستفاد من نصوص السرقة أن عدم نية القضاء حال القرض مفسدة لعقده، فيحرم على المقترض التصرف بالمال حينئذ، خصوصا

خبر أبي خديجة(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «أيما رجل أتى رجلا و استقرض منه مالا و في نيته أن لا يؤديه فذلك اللص العادي»

لكن لم أجده محررا في كلامهم، بل ربما كان فيه ما ينافيه، كعدم ذكرهم له في الشرائط و جعلهم وجوب العزم هنا كالواجب الموسع و غير ذلك، و عليه فينبغي الاقتصار فيه على خصوص

القرض، أما الابتياع مع عدم نية الوفاء فلا يقضي بفساد البيع.

و كيف كان ففي المتن و غيره أنه يجب أيضا أن يعزل ذلك عند وفاته بل قد تشعر عبارة المختلف بعدم الخلاف فيه، كما اعترف به في المسالك فقال: «و اما العزل عند الوفاة فظاهر كلامهم، خصوصا على ما يظهر من المختلف أنه لا خلاف فيه و إلا لأمكن تطرق القول بعدم الوجوب، لأصالة البراءة مع عدم النص» و ظاهره


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الدين الحديث 1- 2- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الدين الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب الدين الحديث 5.

ج 25، ص: 43

تحصيل الإجماع عليه. و في جامع المقاصد ظاهرهم أن وجوب العزل عند الوفاة إجماعي و وجهه ظاهر، فإنه أبعد عن تصرف الورثة فيه و أنفى، للتعليل في أدائه.

قلت: و ربما يشعر به

خبر هشام بن سالم (1)«قال سأل خطاب الأعور أبا إبراهيم عليه السلام و أنا جالس، فقال: إنه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجر، ففقدناه و بقي له من أجره شي ء و لا نعرف له وارثا؟ قال: فاطلبه قال: قد طلبناه و لم نجده، فقال مساكين و حرك يديه، قال: فأعاد عليه قال: اطلب و اجهد فإن قدرت عليه و إلا فكسبيل مالك حتى يجي ء له طالب، فإن حدث بك حدث فأوص به إن جاء له طالب أن يدفع إليه»

بناء على أن المراد بقاء شي ء من أجره في الذمة، ضرورة اقتضاء الوصية به حينئذ بل و

جعله كسبيل المال عزله، و كذا خبراه الآخران (2)(3)المرويان في الفقيه و التهذيب.

لكن و مع ذلك كله في الرياض بعد أن حكى عن المسالك و جامع المقاصد ما سمعت قال: و هو كما ترى، مع أن في السرائر ادعى إجماع المسلمين على العدم و هو أقوى للأصل و إن كان الأول أحوط و أولى، و أحوط منه العزل مطلقا، فقد حكى في المسالك قولا، و لكنه لا يلزم منه انتقال الضمان بالعزل، بل عليه الضمان مع التلف على الإطلاق لعدم الدليل على الانتقال.

و فيه أولا أن الموجود في السرائر نفي الخلاف بين المسلمين عن عدم العزل قبل الوفاة الذي يظهر من نهاية الشيخ، فإنه بعد أن حكى عن الشيخ فيها من وجب عليه دين و غاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب أن ينوي قضاءه و يعزل ماله عن ملكه، قال: هذا غير واجب، أعني عزل المال بغير خلاف بين المسلمين، فضلا عن طائفتنا، و من هنا نزل في المختلف ما في النهاية على حال الوفاة.

و ثانيا أن المحكي في المسالك القول بالعزل مع اليأس لا مطلقا و ثالثا أنك قد عرفت الدليل على العزل الظاهر في تشخص كونه مالا للمديون، و مقتضاه حينئذ عدم


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب الدين الحديث 3.

ج 25، ص: 44

الضمان لو تلف بغير تفريط، اللهم إلا أن يدعى أنه و إن انعزل بالعزل إلا أنه مضمون

على المديون حتى يصل إلى المالك، لكنه كما ترى محتاج إلى الدليل. نعم ينبغي الاقتصار فيما خالف الأصل من العزل على المتيقن من النص و الفتوى، و هو في حال الوفاة و الله أعلم.

و كيف كان فقد أطلق المصنف و غيره أنه يجب على المديون أن يوصى به ليوصل إلى ربه أو إلى وارثه إن ثبت موته بل عن الصيمري نفى الخلاف فيه، بل في النهاية أوصى به إلى من يثق به، بل في الروضة يجب الوصاية به إلى ثقة، لأنه تسليط على مال الغير، و إن قلنا بجواز الوصاية إلى غيره في الجملة لكن في الدروس أبدل الوصية بالإشهاد.

و النصوص التي قد سمعت بعضها و تسمع الأخر قد تضمنت الأول، اللهم إلا أن يحمل على المثال، إذ الظاهر أنه بعد العزل يصير كباقي الأمانات، فالواجب إظهارها بحيث لا يخشى عليها التلف، و لو بدعوى الورثة الملكية، تمسكا بظاهر يد الميت، خصوصا في مثل القرض الذي لم يعلم غير المتوفى بحاله، فمع ترك الوصية ربما ذهب المال، بل في جملة من الأخبار الآتية إن شاء الله في باب الوصية وجوب الوصية بماله و ما عليه.

و كيف كان ف لو لم يعرفه أي الوارث اجتهد في طلبه و مع اليأس يتصدق به عنه على قول للشيخ في النهاية و من تبعه، قال فيها: «و من وجب عليه دين و غاب عنه صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي قضاءه و يعزل ماله من ملكه، فإن حضرته الوفاة أوصى به إلى من يثق به، فإن مات من له الدين سلمه إلى ورثته، فإن لم يعرف له وارثا اجتهد في طلبه، فإن لم يطفر به تصدق به عنه، و ليس عليه شي ء».

و هو صريح في كون الصدقة بعد موت المالك و عدم معرفة وارثه بعد الاجتهاد في الطلب، و وجه الصدقة حينئذ واضح، لكونه مالا مجهول المالك و حكمه ذلك نصا و فتوى، و احتمال تعين كونه للإمام لأصالة عدم الوارث يدفعه، مع أنه لا يجري

ج 25، ص: 45

بالنسبة إلى بعض الورثة، و يمكن فرضه فيمن علم أن له وارثا إلا أنه لم يعرف أن الشرط في كونه للإمام العلم بعدم الوارث غيره، لا عدم العلم، و من ذلك كله يظهر لك ما في السرائر قال: «و من وجب عليه دين و غاب صاحبه غيبة لم يقدر عليه معها وجب عليه أن ينوي على حسب ما قدمنا، فإن حضرته الوفاة سلمه إلى من يثق بديانته، و جعله وصيه في تسليمه إلى صاحبه، فان مات من له الدين سلمه إلى ورثته، فان لم يعلم وارثا اجتهد في طلبه، فان لم يجد سلمه إلى الحاكم، فإن قطع أن لا وارث له كان لإمام المسلمين، و

قد روي «أنه إذا لم يظفر له بوارث تصدق به عنه، و ليس عليه شي ء»

أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته من طريق الخبر إيرادا لا اعتقادا، لأن الصدقة لا دليل عليها في كتاب، و لا سنة مقطوع بها، و لا إجماع، بل الإجماع و الأصول مقررة لمذهبنا، تشهد بأن الإمام مستحق ميراث من لا وارث له.

إذ فيه أن الشيخ لا ينكر انتقاله إلى الإمام عليه السلام بعد العلم بعدم الوارث له، و إنما أمر بالصدقة مع الجهل، لأنه من مجهول المالك الذي من المعلوم حكمه ذلك، فضلا عما أرسله من الخبر، و إن كنا لم نجده في خصوص المقام. نعم في الفقيه بعد أن

روى في صحيح معاوية(1)عن أبي عبد الله- «في رجل كان له على رجل حق ففقده، و لا يدرى أين يطلبه، و لا يدرى أ حي هو أم ميت، و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا، قال: اطلب قال: إن ذلك قد طال، فأتصدق به؟ قال: اطلب»

- قال: و قد

روي في هذا خبر آخر(2)«إن لم تجد له وارثا و علم الله منك الجهد فتصدق به»

و ليس فيه العلم بموت ذي الحق، و ليس في اشتراط عدم الوارث دلالة عليه، إذ يمكن اشتراط الصدقة بذلك، و إلا وجب إبقاؤه حتى يعلم موته، و لو بمضي مدة لا يعيش فيها مثله، ثم يسلم إلى الوارث بعد ذلك، و أما

خبر هشام بن سالم (3)«سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام، و أنا عنده جالس، فقال له: «كان لأبي أجير كان يقوم


1- 1 الفقيه ج 4 ص 241 الحديث- 769.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 241 الحديث- 770.
3- 3 الوسائل الباب- 22 من أبواب الدين الحديث- 3 و فيه اختلاف يسير.

ج 25، ص: 46

في رحاه و له عنده دراهم، و ليس له وارث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: تدفع إلى المساكين ثم قال: رأيك فيها ثم أعاد المسألة فقال له: مثل ذلك فأعاد عليه المسألة فقال أبو- عبد الله عليه السلام تطلب له وارثا فإن وجدت له وارثا و إلا فهو كسبيل مالك، ثم قال:

ما عسى أن تصنع بها، ثم قال توصي بها فإن جاء طالبها و إلا فهي كسبيل مالك»

و

خبر نصر بن حبيب صاحب الخان (1)«قال كتبت إلى العبد الصالح قد وقعت عندي مأتا درهم و أربعة دراهم، و أنا صاحب فندق فمات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في إعلامي حالها، و ما اصنع بها فقد ضقت بها ذرعا. فكتب اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتى يخرج»

فليس في أولهما تصريح بالموت، و لا في ثانيهما الدين مع اشتماله على العمل بها و الصدقة قليلا قليلا و لم أجد من أفتى بهما.

و على كل حال فالمتجه بحسب الضوابط أنه إن لم يعلم موته وجب الإبقاء إلى المدة التي يعيش فيها مثله، فتسلم حينئذ إلى الوارث إن علم و مع اليأس فالصدقة، و مثله ما لو علم موته و جهل وارثه، و يمكن جواز الإبقاء أمانة ل

خبر هشام بن سالم المروي في الفقيه (2)«سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام و أنا حاضر فقال: كان لأبي أجير و كان له عنده شي ء، فهلك الأجير و لم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك فكيف أصنع، فقال: رأيك المساكين رأيك المساكين، فقلت: جعلت فداك! أنى ضقت بذلك فكيف أصنع فقال: هو كسبيل مالك فإن جاء طالب أعطيته».

و لعل ذلك في خصوص هذا القسم من مجهول المالك باعتبار عدم الجهل به من كل وجه، لكون الفرض أن صاحب الدين معروف، و إن كان قد مات، أو يقال بجواز ذلك في جميع أفراد المجهول، و اما التسليم إلى الحاكم فلا ينبغي التأمل في جوازه بعد اليأس، و أما وجوبه فمحل منع للأصل و ظاهر النصوص هذا.

و لكن الذي يظهر من بعض الأصحاب أنه يكفى في الصدقة به اليأس من صاحب الدين، و هو مع وجوب تقييده بعدم معرفة الوارث، و إن كان لا يسلمه إليه


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب ميراث الخنثى الحديث 3.
2- 2 الفقيه ج 4 ص 241 الحديث 767.

ج 25، ص: 47

إلا بعد معرفة موت مالكه- لا يخلو من بحث، لأصالة البقاء، اللهم إلا أن يقال إن بقاءه مع الياس من رجوعه غير مجد، بل هو كمجهول المالك المأيوس من معرفته، لاشتراكهما معا في عدم التمكن من الوصول إلى المالك، و الصدقة مع الضمان إحسان محض، بل فيها إخراج المال عن التعطيل، بل ربما كان المديون محتاجا إلى فراغ ذمته، و لا سبيل غير

الصدقة، و لعل الأولى من ذلك تسليمه إلى الحاكم، لأنه ولي الغالب، بل الأولى مراعاة ذلك في تشخيصه من الذمة.

و قد ظهر بذلك كله الخلل في جملة من عبارات الأصحاب في النقل و غيره، ففي النافع «و لو غاب صاحب الدين غيبة منقطعة نوى المستدين قضاءه و عزله عند وفاته موصيا به، و لو لم يعرفه اجتهد في طلبه، و مع اليأس قيل يتصدق به عنه» و في اللمعة «و يجب نية القضاء و عزله عند وفاته و الإيصاء به لو كان صاحبه غالبا و لو يئس منه تصدق به عنه» و في الرياض نسبة هذا القول إلى الشيخ و القاضي و جماعة و قد سمعت عبارة النهاية.

و في القواعد «و لو غاب المدين وجب على المديون نية القضاء و العزل عند وفاته و الوصية به ليوصل إلى مالكه أو وارثه، و لو جهله اجتهد في طلبه فإن أيس منه قيل يتصدق به عنه و في اللمعة و يجب نية القضاء و عزله عند وفاته و الإيصاء به لو كان صاحبه غائبا و لو يئس منه قيل يتصدق به عنه» و في الدروس «و لو غاب المدين وجب نية القضاء و العزل عند أمارة الموت.

و أطلق الشيخ وجوب العزل، و ابن إدريس عدم وجوبه و الأشهاد و لو يئس منه تصدق به عنه و قال ابن إدريس: «يدفعه إلى الحاكم، و إن قطع على موته و انتفاء الوارث كان للإمام، و الحكم الثاني لا شك فيه، أما الأول فالحق التخيير بينه و بين إبقائه في يده، و الصدقة مع الضمان، إلى غير ذلك من كلماتهم التي يعرف ما فيها من التأمل فيما ذكرنا.

و أحسنها ما في التنقيح، فإنه بعد أن حكي ما في السرائر من كونه للإمام قال: و هو الحق، لكن على تقدير العلم بموته و عدم وارثه أما إذا انتفى العلم بذلك

ج 25، ص: 48

فحفظه أولى، حتى يظهر خبره أو خبر وارثه و أما النصوص فقد عرفت تشويشها خصوصا متن خبر هشام بن سالم (1)منها، و أجودها صحيح معاوية(2)الذي أمر فيه بالطلب، بعد طلب السائل الصدقة لطول الطلب فتأمل جيدا و الله أعلم بحقيقة الحال.

[المسئلة الرابعة الدين لا يتعين ملكا لصاحبه إلا بقبضه ]

المسئلة الرابعة الأصل في الدين أن لا يتعين ملكا لصاحبه إلا بقبضه أو قبض من يقوم مقامه شرعا، بعد دفع المديون، أو من يقوم مقامه، بل الظاهر اعتبار نية كونه عن الدين في الدفع، فلا يجزى الدفع المطلق فضلا عن المقصود به غير الدين، بل قد يقال: باعتبارها في القبض أيضا في أحد الوجهين، كل ذلك لأصلي عدم حصوله بدون ذلك، و عدم توقفه على غيره بعد الإجماع و السيرة القطعية، و ما يستفاد من تدبر النصوص مضافا إلى صدق تشخص الحق بذلك عرفا، و إن كان هو مشتركا بين المديون و الديان، و لذا اعتبر الدفع و القبض منهما، و لتفصيل هذه الجملة محل آخر.

و إنما المراد هنا أنه لو جعل مضاربة قبل قبضه لم يصح بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر المختلف و صريح السرائر و عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، لا لعدم ملكه و الا لم يجز بيعه مثلا بل لعدم تعيينه المعتبر فيها، كما تعرفه إن شاء الله في بابها، و ل

ما رواه الباقر عليه السلام (3)«عن أمير المؤمنين عليه السلام في الرجل يكون له مال على رجل يتقاضاه، فلا يكون عنده ما يقضيه، فيقول له هو عندك مضاربة فقال: لا يصلح حتى يقبضه منه»

المنجبر سندا و دلالة بما عرفت، المتمم بالنسبة للمضاربة به إلى غير المديون بالاتفاق على عدم الفرق بينهما في البطلان.

نعم قد يفرق بينهما بكون الربح جميعه للمديون إن ميزه و اتجر به، لأن المال لم يتعين للمالك بتعيينه، إذ لم يجعله وكيلا في التعيين، و إنما جعله مضاربة


1- 1 الوسائل الباب 22- من أبواب الدين الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 22- من أبواب الدين الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب أحكام المضاربة الحديث 1 لكن عن أبى عبد الله عن أمير المؤمنين عليهما السلام.

ج 25، ص: 49

فاسدة، بخلاف ما لو كانت المضاربة به لغيره، فإن الربح جميعه للمالك، إذا أجاز لأنه و

كيل عنه في قبض الدين، فيتعين بتعيين المديون، و قبض الوكيل.

و لا يرد أن فساد المضاربة يستلزم فساد القبض، لأنه تابع لها لمنع الملازمة، فإن فساد المضاربة إنما يقتضي فساد لوازمها، و قبض المال من المديون أمر آخر وراء المضاربة و أحكامها، فيكون بمنزلة الوكيل بالنسبة إلى قبض المال، و المضاربة بالنسبة إلى العمل، فيبطل متعلق المضاربة خاصة، كما لو جمع في عقد واحد بين شيئين و يفسد أحدهما، فإنه لا يقتضي فساد الآخر، فيكون للعامل أجرة المثل، كما هو مقتضى المضاربة الفاسدة مع جهله، و الربح للمالك مع إجازته الشراء بالعين، و لو كان الشراء في الذمة فالربح للعامل، إن نوى الشراء لنفسه، و إلا فلا، كما صرح بذلك كله في جامع المقاصد.

نعم ظاهره أن العامل يستحق الأجرة إذا حصل الربح للمالك، و إلا فلا، و لعله لعدم ضمان عمله على تقدير صحة المضاربة، و مالا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، لكنه لا يخلو من إشكال، و يأتي تحقيقه إن شاء الله في باب المضاربة، كما أن ظاهر إرادة الشهيد في الدروس من إطلاق كون الربح للعامل مع الشراء في الذمة، ما إذا نوى الشراء لنفسه لا المالك، و إلا كان فضوليا في الواقع، و إن لزم بالثمن ظاهرا إذا لم يصرح بالغير، ضرورة كون الفرق بين العين و الذمة ذلك، فالشراء بالأولى يقع لمالكها على الأصح و إن نوى به غيره، بخلاف الذمة كما هو محرر في محله.

فلا بد من تنزيل إطلاق الدروس على ذلك، قال فيها: و لا تصح المضاربة بالدين لا للمديون و لا لغيره لعدم تعينه، فلو ضارب و ربح فالربح لصاحب المال، اما المديون إن كان هو العامل، أو المديون إن كان غير العامل، إلا أن يشترى في الذمة فيكون الربح له و عليه الإثم و الضمان.

و كيف كان فالفرق بينهما بما عرفت، لم أجد فيه خلافا بين من تعرض له من الفاضل و غيره، في القواعد «لا تصح المضاربة بالدين قبل قبضه، فإن فعل فالربح بأجمعه للمديون إن كان هو العامل، و إلا فللمالك و عليه الأجرة و إن كان محتاجا إلى التقييد

ج 25، ص: 50

بالنسبة إلى بعض ما عرفت.

نعم توقف فيه في المسالك فقال: «إن المضاربة الفاسدة إن اقتضت وكالة في القبض خارجة عن حقيقتها فليكن في المديون كذلك، فإن الصيغة إنما اقتضت المعاملة على الدين الذي في الذمة، و كما لا يمكن للأجنبي العمل به ما دام في الذمة، لأنه حينئذ أمر كلي لا وجود له في الخارج، فاقتضى ذلك الإذن له في قبضه الذي زعموا كونه وكالة كذلك، نقول في المديون فإنه لا يمكنه العمل بنفس دين المالك الذي في ذمته، بل لا بد من إفرازه و الشراء به، كما سيأتي من أن العامل لا يصح له أن يشترى له إلا بالعين، و حينئذ فالمضاربة الفاسدة إن كانت مجامعة للوكالة في تعيين المال، فهي واقعة في الموضعين، و إلا فلا.

و قد يدفع بظهور الفرق بينهما عرفا في استفادة الإذن من المالك في التمييز إذا كان المضارب غير المديون، لأن المتعارف فيه العمل بعين المضارب فيه، أما إذا كان المديون فلا ظهور فيه بالإذن في التمييز، لكونه في الحقيقة مقبوضا له، فربما يعامل به و هو في ذمته، بل لعل ذلك هو المتعارف فلا يستفاد منه الإذن في التمييز.

نعم قد يتوقف في ذلك من جهة أخرى و هي منع كون ذلك خارجا عن مقتضيات المضاربة، بل هو بعض لوازمها و توابعها، فينبغي أن يتبعها في الفساد، إذ الظاهر تقييد الأذن بالقبض، بصحة المضاربة لا مطلقا، فمع فرض فسادها سيما إذا كان العامل عالما بذلك لا اذن، اللهم إلا أن يدعى أن ذلك من الدواعي لا الشرائط، لأن الاذن في القبض خارج عن حقيقة المضاربة، إذ يمكن قبض المالك أو غيره ثم يسلم العامل فالإذن على تقدير استفادتها من عبارة المضاربة غير مقيدة بصحتها فتأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الخامسة الذمي إذا باع مالا يصح للمسلم تملكه كالخمر و الخنزير]

المسألة الخامسة لا خلاف في أن الذمي إذا باع من مثله مالا يصح للمسلم تملكه كالخمر و الخنزير مع مراعاة شرائط الذمة كالتستر و نحوه جاز دفع الثمن لهذه المحرمات إلى المسلم عوضا عن حق له في ذمة الذمي بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه لإقرار شريعتنا له خاصة على ما عنده.

و من هنا لو كان البائع لها مسلما أو حربيا أو ذميا متظاهرا لم

ج 25، ص: 51

يجز قبض أثمانها لفساد البيع، فيبقى المال على ملك صاحبه، فلا يجوز تناوله عن الحق و غيره بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، بل و لا إشكال فيه بعد معلومية ذلك من الشريعة، مضافا إلى 22409

الصحيحين (1)عن أبي جعفر و أبى عبد الله عليهما السلام «في رجل كان له على رجل دراهم فباع خمرا أو خنازير و هو ينظر إليهم فقضاه؟ فقال: لا بأس به أما للمقتضي فحلال و أما للبائع فحرام».

و

صحيح زرارة(2)عن أبى عبد الله عليه السلام «في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا أو خنزيرا ثم يقضيني منها فقال: لا بأس، أو قال: خذها»

و

خبر الخثعمي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لنا عليه الدين، فيبيع الخمر و الخنازير فيقضيانه؟ فقال: لا بأس به ليس عليك من ذلك شي ء»

و

خبر أبى بصير(4)عن أبى عبد الله عليه السلام «عن الرجل يكون له على الرجل مال فيبيع بين

يديه خمرا أو خنازير يأخذ ثمنه، قال: لا بأس».

و من المعلوم إرادة الذمي من إطلاق هذه الأخبار، لمعلومية البطلان بالنسبة إلى غيره، و أن أثمانها سحت (5)و لأنه المتبادر المعهود بيع ذلك في بلاد الإسلام، و لذا صرح به في السؤال

منصور بن حازم (6)«فقال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر و الخنزير و أنا حاضر فيحل لي أخذها؟ فقال: إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك»

و من التعليل يظهر عدم إرادة الفرض من إطلاق

ما دل على المنع (7)«من أكل ثمن الخمر و لعنه و حرمته».

و من الغريب ما عن صاحب الكفاية من أن التقييد بما إذا لم يكن البائع مسلما مناف لإطلاق أخبار كثيرة، فالحكم به مشكل، إلا أن يكون المقصود المنع بالنسبة إلى البائع، و أيده في الحدائق ب

قوله عليه السلام «أما للمقتضي فحلال. و أما للبائع فحرام».


1- 1 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب- 55- من أبواب ما يكتسب به.
7- 7 الوسائل الباب- 55- من أبواب ما يكتسب به ح- 6- 5- 1- 2.

ج 25، ص: 52

و فيه أن المراد من البائع الذمي الذي أقره الشارع على ما عنده بالنسبة إلى الأحكام

الظاهرية و إن كان معاقبا باعتبار تكليفه بالفروع، و ب

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا، فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال: لا يصلح ثمنه، ثم قال: إن رجلا من ثقيف أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله راويتين من خمر بعد ما حرمت، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه و آله فأهريقتا، و قال: إن الذي حرم شربها حرم ثمنها، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إن أفضل خصال هذه التي باعها الغلام أن يتصدق بثمنها»

و مثله في الصدقة خبر أبي أيوب (2).

و فيه أن المتجه حمل الخبرين على عدم معرفة المشتري فيكون الثمن مجهول المالك، فيتصدق به، لا أن الثمن ملك للبائع لأنه قد أعطاه المشتري إياه باختياره، و إن فعلا حراما، كما عن بعض المحدثين الذين لا يبالون بما وقع منهم، و إلا فلا ينبغي التأمل في ذلك بعد استقامة الطريقة خصوصا بعد

مرسلة ابن أبي نجران (3)الصحيحة إليه عن الرضا عليه السلام «عن نصراني أسلم و عنده خمر و خنازير و عليه دين هل يبيع خمره و خنازيره و يقضى دينه؟ قال: لا»

الدال على حكم المسلم الأصلي بطريق أولى، و منه يعلم الحال فيما لو أسلم الذمي قبل بيعه ما لا يملكه حال إسلامه، فإنه يخرج بذلك عن ملكه، كما صرح به المشهور.

خلافا للمحكي عن النهاية فقال يتولى بيعها له غيره،

للخبر(4)«و ان أسلم رجل و له خمر و خنازير ثم مات و هي في ملكه و عليه دين؟ قال: يبيع ديانه أو ولي له غير مسلم خنازيره فيقضى دينه، و ليس له أن يبيعه و هو حي و لا يمسكه»

و هو- مع كونه مقطوعا و في سنده جهالة يمكن حمله على أن له ورثة كفارا يبيعون ذلك و يقضون ديونه، فلا يخرج به عما دل على أن المسلم لا يملك ذلك، و لا يجوز بيعه مباشرة و لا تسبيبا كما هو واضح.


1- 1 الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 57 من أبواب ما يكتسب به الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 57- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 2.

ج 25، ص: 53

و كذا لا ينبغي التوقف أيضا في التقييد بالاستتار الذي هو شرط الإقرار، و لا ينافيه ما في هذه النصوص من اطلاع المسلم عليه إذ يمكن فرضه على وجه لا ينافي الشرط المذكور، فتوقف المحدث البحراني فيه بل قال: الأقرب عدم اشتراطه في غير محله، كما عرفته في شرائط الذمة، و إطلاق الشيخ حل تناول ثمن الخمر مثلا من الذمي محمول على ذلك، كما اعترف به في الدروس.

على أنه قد يقال: ان إطلاق الأدلة أو عمومها قاض بحرمة تناول أثمان هذه المحرمات، و عدم ملكها مطلقا، فينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، و هو الأخذ من الذمي المستتر دون المتجاهر، و منه يعلم الوجه في

عدم إلحاق الحربي به خصوصا بعد عدم عموم في النصوص السابقة يشمله، بل قد يدعى انسياق خلافه منها باعتبار عدم معهودية بيعه في بلاد الإسلام فتأمل جيدا.

بل قد يقال انه ينبغي الاقتصار في الذمي أيضا على ما إذا باع من مثله، أما إذا باع الخمر من مسلم أو حربي فيحرم تناول الثمن منه و من هنا قيده بذلك في التذكرة و لعله مراد من أطلق كالمصنف و غيره، للأصل المتقدم، اللهم إلا أن يقال: إن إقراره على مذهبه يقتضي جواز تناوله منه أيضا بعد أن كان مذهبه الجواز، و الحرمة على المسلم و الحربي، بل الفساد بالنسبة إليهما لا ينافي ذلك، إذ هو حكم آخر ضرورة تحقق الفساد واقعا، حتى في بيعه من مثله، لإطلاق

ما دل على «أن ثمن الخمر سحت»

الشامل للجميع.

و جواز التناول منه لا ينافي كونه كذلك بالنسبة إليه، كما أومأ إليه الخبر السابق ب

قوله عليه السلام (1)«انه للمقتضي حلال و عليه حرام»

و هو جيد جدا، بل له مؤيدات كثيرة تظهر بأدنى تأمل، و ان كان انطباق كلمات الأصحاب عليه لا يخلو من اشكال فتأمل جيدا فإن من ذلك يعلم الحكم في الجملة فيما لو اقترض ذمي من ذمي خمرا و أسلم أحدهما، فإن الظاهر سقوط القرض كما جزم به الفاضل و المحقق

الثاني، لكن في الدروس الأقرب لزوم القيمة بإسلام الغريم.


1- 1 الوسائل الباب- 60- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 2.

ج 25، ص: 54

و فيه أنه مناف للأصل و غيره مما عرفت، و ان كان قد يشهد له ما احتملوه فيما لو أسلم ذمي إلى ذمي في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض من لزوم القيمة عند مستحليه، إلا أنه غير مختص بإسلام الغريم، مع أن الذي اختاره الفاضل و المحقق الثاني هو بطلان السلم، و أن للمشتري أخذ دراهمه، و احتملا أيضا السقوط لا الى بدل و لا ريب في أن الأقوى البطلان، و ان للمشترى أخذ دراهمه أما الأول فلعدم ملك المسلم الخمر و عدم مملوكيته عليه، و أما الثاني فواضح.

و في القواعد في باب الكفالة «إذا كان لذمي خمر على ذمي، و كفله آخر مثله، و أسلم أحد الغريمين برأ الكفيل و المكفول له على إشكال فيهما لكن في جامع المقاصد «إن أسلم صاحب الحق بطلت الكفالة و حصلت البراءة، و إن أسلم من عليه الحق بقيت الكفالة، و لعله يخالف ما سمعته منه سابقا، و الأقوى البراءة لما عرفت، هذا كله إذا اقترض خمرا، أما إذا اقترض خنزيرا فالقيمة لازمة مطلقا، إلا إذا قلنا بأنه يضمن بمثله، فيأتي فيه حينئذ ما تقدم في الخمر و الله أعلم.

[المسئلة السادسة إذا كان لاثنين مال في ذمم ثم تقاسما بما في الذمم فكل ما يحصل لهما معا]

المسئلة السادسة: إذا كان لاثنين فصاعدا مال في ذمة أو ذمم ثم تقاسما بما في الذمة أو الذمم بأن تراضيا على أن ما في ذمة زيد لأحدهما، و ما في ذمة عمرو لآخر لم يصح عند المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الشيخ و ابن حمزة الإجماع عليه، و حينئذ فكل ما يحصل من أحدهما لهما معا و ما يتوى بالتاء المثناة من فوق منهما للأصل السالم عن معارضة إطلاق القسمة بعد انصرافه إلى غيره، و لو للشهرة و الإجماع السابق، مضافا إلى

صحيح سليمان بن خالد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين كان لهما مال بأيديهما، و منه متفرق عنهما، فاقتسما بالسوية ما كان بأيديهما و ما كان غائبا عنهما، فهلك نصيب أحدهما مما كان غائبا، و استوفى الآخر، عليه أن يرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله».

و

موثق ابن سنان (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام أيضا عن رجلين بينهما مال


1- 1 الوسائل الباب 29- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الشركة الحديث 2.

ج 25، ص: 55

منه دين، و منه عين، فاقتسما العين و الدين، فتوى الذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه، و خرج الذي للآخر، يرد على صاحبه؟ قال: نعم ما يذهب بماله»

و

مرسل أبي حمزة(1)قال: «سئل أبو جعفر عليه السلام عن رجلين بينهما مال، منه بأيديهما و منه غائب، فاقتسما الذي بأيديهما و أحال كل واحد منهما بنصيبه من الغائب، فاقتضى أحدهما، و لم يقتض الأخر، قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما ما يذهب بماله»

و مثله الموثق عن محمد بن مسلم (2)بل و

خبر غياث (3)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام مع زيادة و «ما يذهب بينهما»

في الأخير.

فمن الغريب ما عن الأردبيلي من اقتصاره على خبر غياث دليلا للمشهور، ثم قال: و الشهرة ليست بحجة، و ابن إدريس مخالف، و نقل عنه أن لكل واحد ما اقتضى كما هو مقتضى القسمة، و المستند غير معتبر لوجود غياث، كأنه ابن إبراهيم العنبري، و أدلة لزوم الشرط تقتضيه، و كذا التسلط على مال نفسه، و جواز الأكل مع التراضي و التعيين التام ليس بمعتبر في القسمة، بل يكفي في الجملة كما في المعاوضات، فإنه يجوز البيع و نحوه، و لأن الدين المشترك بمنزلة دينين لشخصين و للمالك أن يخص أحدهما دون الأخر، فلو كان بتخصيص كل واحد قبل القسمة لأمكن ذلك أيضا فإن الثابت في الذمة أمر كلي قابل للقسمة، و إنما يتعين بتعيين المالك، فله أن يعين، و لكن الظاهر أنه لا قائل به قبل القسمة».

قلت: قد يظهر من ابن إدريس ذلك، فإنه بعد أن حكى عن خلاف الشيخ و نهايته أنه إذا كان بين اثنين شي ء فباعاه بثمن معلوم كان لكل واحد منهما أن يطالب المشتري بحقه فإذا سلمه حقه شاركه فيه صاحبه على ما قدمناه، لأن المال الذي في ذمة المشتري غير مميز، فكل ما يحصل من جهته فهو شركة بينهما.

قال: «الذي يقتضيه أصول مذهبنا أن لكل واحد من الشريكين على المديون قدرا مخصوصا، و حقا غير حق شريكه، و له هبة الغريم و إبراؤه منه فمتى أبرأه أحدهما


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الشركة.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الشركة.
3- 3 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الشركة.

ج 25، ص: 56

من حقه برء منه فقط، و بقي حق الأخر لم يبرء منه بلا خلاف، و إذا استوفاه و تقاضاه منه لم يشارك شريكه الذي وهب أو أبرأ أو صالح منه على شي ء بلا خلاف، فلو كان شريكه بعد في المال الذي في ذمة الغريم، لكان في هذه الصور كلها يشارك من لم يهب و لم يبرأ فيما يستوفيه منه و يقبضه، ثم عين المال الذي كان شركة بينهما ذهبت و لم يستحقا في ذمة الغريم الذي هو المدين عينا لهما معينة، بل دينا في ذمته، لكل واحد منهما مطالبته بنصيبه، و إبراؤه منه و هبته، و إذا أخذه منه و تقاضاه، فما أخذ عينا من أعيان الشركة حتى يقاسمه شريكه فيهما.

و لم يذهب إلى ذلك سوى شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته، و و من قلده و تابعه بل شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان لم يذكر ذلك في كتاب له، و لا تصنيف، و كذلك السيد المرتضى و لا تعرضا للمسألة، و لا وضعها أحد من القميين، و انما ذكر ذلك شيخنا في نهايته من طريق أخبار الآحاد، ورد بذلك ثلاثة أخبار أحدها مرسل، و عند من يعمل بأخبار الآحاد لا يعمل عليه.

و لو سلم الخبران تسليم جدل لكان لهما وجه صحيح مستمر على أصول المذهب و الاعتبار، و هو أن المال الذي هو الدين كان على رجلين، فأخذ أحد الشريكين و تقاضى جميع ما على أحد الغريمين، فالواجب عليه هيهنا أن يقاسم شريكه على نصف ما أخذه منه، لأنه أخذ ما يستحقه عليه و ما يستحقه شريكه أيضا عليه، لأن جميع ما على أحد المدينين لا يستحقه أحد الشريكين بانفراده دون شريكه الآخر، فهذا وجه صحيح، فيحمل الخبران على ذلك إذا أحسنا الظن براويهما. فليتأمل ذلك و ينظر بعين الفكر الصافي ففيه غموض».

و هو كما ترى صريح في استقلال الشريك بأخذ حقه من غير حاجة إلى إذن الشريك الآخر، و أنه لا يشاركه فيما أخذه، لأن كلا منهما ديان مستقل، كما إذا باعا صفقتين، بل قد يقال: لا دلالة في كلامه على صحة قسمة الدين و لزومها، بحيث لو قبض أحد الشريكين جميع ما على المديون اختص به للقسمة، بل لعل كلامه الأخير الذي حمل عليه الخبرين صريح في خلافه، و من هنا لم يشر المصنف و غيره إلى خلافه

ج 25، ص: 57

في المقام، و إنما ذكروا كلامه في باب الشركة.

نعم قد وقع ذلك من بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و المحدث البحراني و فاضل الرياض، و إن كان التحقيق خلافه أيضا في ذلك المقام، لما سمعته من النصوص التي لم تفرق في اشتراك الغريمين بما قبضه أحدهما بين كونه زائدا على حقه، و مساويا بترك الاستفصال فيها، و لفظ ما الواقع في جوابها.

بل في المختلف «أن الاعتبار يقضي بذلك، لأنه بعد أن حكى القولين قال:

و قول الشيخ ليس بعيدا من الصواب، و قياس ابن إدريس القبض على الهبة و الإبراء غلط، لأن ذلك إسقاط للحق بالكلية، فينتفى حق الشريك ضرورة، أما في صورة القبض فليس كذلك، إذ المال مشترك، فإذا دفع إلى أحدهما فإنما دفع عما في ذمته، و الدفع إنما هو للمال المشترك، فلا يختص به القابض، قلت: بل قد يقال إن المتجه بعد أن وقع البيع صفقة، اشتراك الثمن المعين بينهما على حسب اشتراك العين الخارجية و كليته لا ينافي ذلك، فكل منهما له نصف منه، لا يمكن إفرازه بالقسمة و هو في الذمة، بل لا يتعين الثمن ملكا لهما إلا بقبضهما معا، فهما معا حينئذ بمنزلة الديان الواحد، فقبض كل منهما نصف قبض، لا أنه قبض للنصف، لعدم إمكان تعيين النصف من الدافع و المدفوع إليه إذا كان أحدهما.

فالأصل حينئذ يقتضي بقاء المدفوع على ملك الدافع حتى يقبضه الآخر، أو يجيز قبض الأول فيكون حينئذ مشتركا بينهما لا أنه بقبض أحدهما يملك نصفه، و يبقى النصف الآخر موقوفا على إجازة الشريك، فله اختياره فيكون شريكا مع شريكه، و له مطالبة المديون بنصفه، ضرورة كون ذلك مناف لكون الثمن مشتركا، و كيف يتعين للقابض نصف مع عدم تعين كون المدفوع ثمنا لعدم القبض منهما، إلا أن النصوص السابقة صريحة أو كالصريحة في ملك القابض نصفه، و أنه يشاركه الآخر، و لعل حكم المشهور بذلك من جهتها، لا للقاعدة، و هي و إن كان موردها القسمة و كلام الأصحاب أعم، لكن لما كانت القسمة باطلة فهي كعدمها، فيبقى حينئذ قبض أحد الشريكين من غير إذن صاحبه، و قد حكم فيها بالشركة فيما اقتضاه أحدهما.

ج 25، ص: 58

نعم قد يشكل ذلك بأن الموجود فيها الحكم بالاشتراك، لا أنه موقوف، و ليس حينئذ إلا للاذن الحاصل من القسمة التي بطلانها لا ينافي وجود الإذن بالقبض، فيكون الحكم بكونه ملكا بينهما متجها، بل قد يقال: إن هذه القسمة غير باطلة، و إنما هي غير لازمة فالإذن الحاصل منها غير باطل.

و من هنا حملوا

خبر على بن جعفر عليه السلام (1)عن أخيه عليه السلام المروي عن قرب الإسناد «سألته عن رجلين اشتركا في سلم أ يصلح لهما أن يقتسما قبل أن يقبضا؟

قال: لا بأس»

على إرادة بيان الجواز، بل قد يقال: إن الإذن بالقبض الحاصل من القسمة ليس من

لوازمها و توابعها حتى يبطل ببطلانها، بل هو كالإذن الحاصل بالمضاربة بالدين كما عرفته سابقا أو يقال: إن ما في النصوص مبنى على الغالب من حصول رضا الشريك بقبض شريكه، بعد فرض هلاك الباقي و عدم إمكان تحصيله من المديون أو يقال غير ذلك.

لكن على بعض هذه الوجوه في النصوص، يشكل حينئذ الدليل على ما عند الأصحاب من أن أحد الشريكين إذا قبض مقدار حقه مضى في النصف مثلا و يبقى الباقي موقوفا على رضى الشريك، فإن أجازه كان له، و إلا كان الجميع من حق القابض، إذ المتجه بعد فرض عدم النصوص ما عرفت من توقف دخوله في ملكهما على رضاهما معا، و إلا بقي على ملك الدافع، و ان كان هو مضمونا على القابض مع فرض جهل الدافع، باعتبار كون يده يد ضمان، و لا ينافي إجازة الشريك نية الدافع و القابض أنه لخصوص المدفوع إليه بعد أن كانت لغوا، فيكفي حينئذ في صحة الإجازة نية الدفع عن الدين و القبض كذلك.

و بالجملة افراز حصة الشريك من العين المشتركة بالقبض لا يكون إلا بالقسمة من الشريكين و الرضا منهما، و من هنا ينقدح الإشكال في صحة ضمان حصة أحدهما دون الآخر ضرورة اقتضائه افرازها عن حصة الآخر، و لذا قال في جامع المقاصد مؤيدا لكلام ابن إدريس: «إن صحة الضمان من الدلائل على التمكن من أخذ الحصة


1- 1 الوسائل الباب 29- من أبواب الدين الحديث- 2.

ج 25، ص: 59

منفردة عن الأخرى، و كذا جواز تأجيل أحدهما حصته بعقد لازم، بل أطال رحمه الله في تأييده حتى مال إليه، كما أن الفاضل في المختلف في آخر كلامه قد اعترف بقوته عكس ثاني الشهيدين في المسالك، فإنه لم يأل جهدا في تصحيح كلام المشهور و تقريبه للضوابط، إلا أنه لم يأت بشي ء بعد التأمل.

فالتحقيق مع قطع النظر عن النصوص عدم تعين ما قبضه أحدهما لأحدهما بل هو على ملك الدافع لأن المشترك بينهما كلى لا يتعين إلا بقبضهما معا ضرورة تلازم ملك كل منهما بالقبض على ملك الأخر، فليس لكل منهما نصف مستقل عن الأخر و إلا لاتجه كلام ابن إدريس.

نعم لو تشاحا في توكيل أحدهما عن الأخر في القبض، و لا أمكن قبضهما معا أقام الحاكم مقامهما شخصا آخر، أو كفى التخلية لهما أو غير ذلك، و لتحقيق المسئلة مقام آخر، و إنما هذا كلام جاء في البين منشؤه نسبة جواز قسمة الدين إلى ابن إدريس و قد عرفت فساده، و أن بحثه في مقام آخر مذكور في باب الشركة، بل المشهور الذين ذهبوا إلى تعيين حصة القابض بما قبضه إن لم يشاركه الأخر، و إلا فبنسبة شركته أقرب منه إلى القول بقسمة الدين فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد للاحتيال في قسمة الدين الحوالة، و ذلك بأن يحيل كل منهما صاحبه بنصيبه الذي في ذمة أحد المديونين و فيه أن ذلك وكالة لا حوالة لأنها من البري، بل لم أجد فيها خلافا سوى ما حكاه الشهيد في الحواشي المنسوبة إليه من توقف الفاضل في التذكرة في ذلك، و لا ريب في ضعفه.

نعم لو أحال كل منهما بنصيبه لدين سابق عليه صح، كما أنه يصح الصلح منهما بجعل أحدهما نصيبه في ذمة أحد المديونين في مقابلة نصيب شريكه في ذمة الآخر.

و في الدروس الأقرب الصحة و في جامع المقاصد أنه محتمل قلت: لم أجد وجها للعدم سوى دعوى شمول نصوص عدم قسمة الدين لذلك، إذ لو صح الصلح لكان المتجه حمل ما يقع منهما من دون عقده على معاطاته، مع أن النصوص قد أطلقت عدم تأثيرها مع أن في أسألة بعضها ما يقضى بحمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، على أن القسمة من أصلها

ج 25، ص: 60

هي قريبة من الصلح إن لم تكن نوعا منه، فمع ظهور النصوص في عدم قسمة الدين قد يستفاد منه عدمها أيضا و لو بالصلح، إلا أن ذلك كله كما ترى.

و لو قلنا بصحة ضمان حصة كل منهما أمكن القسمة أيضا بأن يضمن كل منهما حصة صاحبه التي في ذمة أحد المديونين بإذنه، فيتهاترا، و يبقى كل من الدينين لكل منهما بلا شركة، و لو كان الدين المشترك في ذمة واحدة و أراد أحدهما الاختصاص بحصته من غير إشكال صالح المديون عنها، بما يدفعه إليه من مقدارها، أو وهبها له بعوضها، أو أحال بها لدين عليه أو نحو ذلك و الله أعلم

[المسئلة السابعة إذا باع الدين بأقل منه لم يلزم المدين أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله ]

المسئلة السابعة قال الشيخ و من تبعه إذا باع الدين بأقل منه لم يلزم المدين أن يدفع إلى المشتري أكثر مما بذله اعتمادا على رواية

محمد بن الفضيل (1)«قلت للرضا عليه السلام: رجل اشترى دينا على رجل، ثم ذهب إلى صاحب الدين فقال له: ادفع إلى ما لفلان عليك، فقد اشتريته منه، فقال: يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين، و برء الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه»

و

رواية أبي حمزة(2)عن الباقر عليه السلام «سئل عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشترى منه بعرض ثم انطلق إلى الذي عليه الدين، فقال: أعطني ما لفلان عليك، فانى قد اشتريته فكيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: يرد الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين».

و ظاهر الدروس العمل بهما، إلا أنهما كما ترى ضعيفتان و لا جابر لهما، بل شهرة الأصحاب بقسميها على خلافهما مخالفتان لأصول المذهب و قواعده، و ليس في ثانيهما أن الثمن أقل، فيمكن حمله على المساوي، و إلا فإطلاقه مما لا يقول به أحد كإطلاق سؤال الأول، فالواجب حينئذ طرحهما أو حملهما، و كلام الشيخ كما

قيل على الضمان و إن كان فيه عدم معهودية استعمال لفظ الشراء فيه و لو مجازا و أنهما ظاهران في عدم علم المديون بذلك فلا رجوع عليه، و ليس في الثاني تصريح بأنه أدى إلى صاحب


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الدين الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب الدين الحديث- 2.

ج 25، ص: 61

الدين كي يستحق الرجوع على المديون، بل فيه أنه اشترى بعرض، فكيف يجامع الضمان، بل دفع القيمة في الأول ظاهر في العرض اللهم إلا أن يراد منها المقدار.

أو يقال بكون المراد على هذا التقدير تأدية الضمان عروضا ضمنه، فكان له المطابقة بالقبضة، لكن على كل حال لا ريب بعد الحمل المزبور، و أبعد منه حملهما على الشراء الفاسد، و أن صاحب الدين قد أذن للمشتري أن يقبض من المديون مقدار ما أدى، و يبقى الباقي لصاحب الدين، فيكون المراد من البراءة في الأول بالنسبة إلى المشتري، إذ هو كما ترى.

و لعل الأقرب منهما حملهما على الشراء للمديون نفسه، و لو بصيغة الصلح باذن من المديون أو بإجازة لاحقة، فيكون من صلح الحطيطة إذا فرض كون العوض من الجنس.

هذا و قد أساء الأدب في السرائر في المقام مع الشيخ حتى قال: إن كلامه تضحك منه الثكلى، حيث أنه فهم من إطلاق كلامه جواز البيع بالأقل و إن كان ربويا و عدم التقابض في المجلس و إن كان الثمن و المثمن من النقدين.

و فيه أن إطلاق الشيخ منزل على إحراز شرائط البيع، و ليس في قوله أقل شهادة على ذلك، إذ يمكن فرضه في المتجانسين في غير الربويين، بعد تسليم عدم صدق الأقل بالنسبة إلى قيمة المدفوع، على أنك قد سمعت أن مستنده الخبر ان الظاهر أولهما و الصريح ثانيهما في كون الثمن من العروض، و من هنا قد انتصر الفاضل في المختلف للشيخ حتى استوفى له حقه، و لا بأس فإن المؤمن له ناصر و الله بعد ذلك هو الغافر، خصوصا بعد أن كان هذا كله لإظهار الحق و تدمير الباطل، بزعم القائل. و الله أعلم.

[المسألة الثامنة الأقوى حرمة القرض بشرط البيع محاباة أو الإجارة أو غيرها من العقود]

المسألة الثامنة الأقوى حرمة القرض بشرط البيع محاباة أو الإجارة أو غيرها من العقود، فضلا عن الهبة و نحوها، وفاقا للأستاد الأكبر الشيخ جعفر، و شيخه الفاضل المتبحر الآقا محمد باقر على ما حكاه عنهما شيخنا في مفتاح الكرامة، قال: و خالفهما في ذلك أستادنا الإمام العلامة أستاد الكل في عصره السيد محمد مهدي، بل

ج 25، ص: 62

حكي فيه أيضا أن الأستاد الآقا المزبور قد صنف رسالة في تحريم ذلك، مدعيا اتفاق الأصحاب و تظافر الروايات، و هو و إن كان قد يظهر من المختلف ذلك أيضا، حيث قال في مسألة البيع بشرط القرض المتنازع فيه: إباحة البيع بالمحاباة مع اشتراط القرض، لا العكس، بل عن الصيمري حكاية ذلك عنه ساكتا.

لكن الإنصاف عدم كون المسألة من الإجماعيات، إذ في القواعد «يجوز لو أقرضه بشرط أن يقترض منه، أو يقرضه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه أو يسلفه أو يستسلف منه، و نحوه في التذكرة، اللهم إلا أن يريد بيع المقرض لا المقترض، فيكون خارجا عما نحن فيه، إذ هو بدون ثمن المثل نفع للمقترض لا المقرض، كما أن قوله في التذكرة يجوز أن يقترض الزائد ثم يستقرض الأخر منه الناقص، ثم يتباريان، سواء شرط في إقراضه ما يفعله الأخر أو لا، خلافا للشافعي» يمكن أن يكون المراد منه اشتراط نفس القرض، لا الإبراء، مع أنه غير ما نحن فيه، بل ما في الغنية من جواز أن يقرض غيره ما لا على أن يعامله في بيع أو إجارة أو غيرهما، بدليل إجماع الطائفة، يحتمل كون المراد غير ما نحن فيه من المحاباة، كالنهاية و السرائر و جامع الشرائع التي عبر فيها بمثل العبارة المزبورة، من دون دعوى الإجماع كما قيل.

بل لعل ما حكاه في كشف الرموز كما قيل عن الشيخ من الإجماع على أنه يجوز لمن يقرض ما لا أن يبتاع منه شيئا بأقل من ثمن المثل لا على وجه التبرع، بل بسبب الإقراض، و أنه لا يعرف له مخالفا كذلك أيضا، و أنه لم يأخذه شرطا في عقد القرض و إن كان هو السبب فيه، مع أن المحكي عن خلافه أنه قال: إذا باع دارا على أن يقرض المشتري ألف درهم، أو يقرضه البائع ألف درهم فإنه سائغ، و ليس بمحظور دليلنا إجماع الفرقة، إلا أنه و مع ذلك كله فلا يقطع بحصول الإجماع على الحرمة.

نعم نص عليها الفاضل في التحرير فقال: «لو شرط في القرض أن يؤجره داره أو يبيعه شيئا أو يقرضه مرة أخرى جاز، أما لو شرط أن يؤجره داره بأقل أو يستأجر منه بأكثر، فالوجه التحريم، و عن كشف الرموز أنه حكاه عن بعض الأصحاب و تردد هو فيه، و قيل انه يلوح من صاحب التنقيح و عن الأستاد أنه حكاه عن المصنف و عن

ج 25، ص: 63

أبى طالب الحسيني في رسالته الفارسية.

و كيف كان فلا ريب في أنه الأقوى لصدق جر النفع به، المحرم فتوى و سنة، و لا يعارضه

ما دل على «أن خير القرض ما جر نفعا»

، المحمول كما عرفت على عدم الشرط، و نحو ذلك مما تقدم، كما أنك قد عرفت الكلام في اشتراط الرهن و الكفيل على هذا الدين أو دين آخر، و في اشتراط الصحيح بدل الغلة، و في اشتراط الإعطاء في بلد آخر أو غير ذلك، مما هو غير مناف لذلك، أو أنه دل عليه الدليل، أو أنه لا نقول به، فلاحظ و تأمل.

بل قد عرفت ما في دعوى المحقق الثاني من أن الممنوع اشتراط الزيادة في نفس مال القرض، أو صفته، و ما في تأمل الأردبيلي في حرمة اشتراط زيادة الصفة، و العبارات السابقة التي بعضها معقد صريح الإجماع أو ظاهره قد عرفت الحال فيها، و على تقدير إطلاقها فالتعارض بينها و بين ذلك من وجه، و لعل الترجيح للمقام، فلا وجه لدعوى تقيد هذا الإطلاق بها، كما أنه لا وجه لمعارضته بالإجماعات المحكية على جواز البيع بشرط القرض، و بغيرها من الأدلة المذكورة لذلك، فإنه قد أنهاها في المختلف إلى خمسة و عشرين، و إن كان في بعضها ما فيه، بعد وضوح الفرق بين المسألتين و أنهما ليسا من سنخ و أحد، ضرورة عدم الاشتراط في عقد القرض، و إنما هو شرط في عقد البيع فلا بأس به، و إن كان محاباة، و كون ذلك هو السبب في فعل القرض، و إلا لم يقع من المقترض، لا يدرجه تحت أدلة المنع كما هو واضح، و دعوى أن ما دل على حرمة جر النفع من الأخبار المرسلة بل قيل العامية في غاية الفساد، بعد ما عرفت من اتفاق الفتاوى على مضمونه، و أن في نصوصنا المعتبرة ما هو مثله في الدلالة ك صحيح محمد بن قيس (1)و غيره المتقدمة سابقا التي هي دليل آخر للمطلوب، خصوصا صحيح محمد بن قيس منها ضرورة أنه مع اشتراط محاباة في قرض الورق مثلا قد اشترط زائدا على رد مثلها، و قد نهى عنه، و لا ينافيه خروج اشتراط ما لا نفع فيه عنه، بعد معلومية


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 11.

ج 25، ص: 64

كون المراد منه عدم اشتراط الزائد على ذلك مما يكون نفعا للمقرض لا مطلقا، و لو بقرينة ذيله، و الورق فيه لا ريب في إرادة المثال منه لكل قرض، و بالجملة لا ينبغي التأمل في دلالة جميع النصوص السابقة أو أكثرها على حرمة القرض، و لو أن كون الشرط للنفع في عقد آخر مسوغا لذلك، لجاز اشتراط الهبة و

العارية و نحوهما مما هو معلوم العدم نصا و فتوى، و لعل المسألة من الوضوح لا تحتاج إلى إطناب، بل الداعي إلى هذا القدر من الكلام هو أني قد عثرت على تحرير لبعض مشايخنا في هذه المسألة قد ذكر فيه أن هذه المسألة من أمهات المسائل بل مهماتها، و أنه قد كتب هو و غيره فيها رسالة، و قد أطنب في المقال مختارا للحل فيها، بل شدد النكير على القول بالحرمة، مستندا إلى نصوص:

خير القرض ما جر نفعا،(1)

و نصوص سلسبيل (2)التي قدمنا شطرا صالحا منها في تأجيل المعجل، و إلى إطلاق العبارات السابقة التي بعضها معاقد الإجماع، مضافا إلى العمومات، و إلى ما أورده على ما يقتضي المنع، مما يعرف جوابه بأدنى تأمل فيما ذكرنا.

كما أنه يعرف عدم الدلالة في شي ء مما ذكره من النصوص المزبورة و إن أكثر منها، ضرورة خلوها عن الاشتراط في عقد القرض، و لا ريب في أنه لا بأس به مع عدمه، و الإجماعات السابقة قد عرفت حالها، و العمومات يجب الخروج عنها، فليس للجواز حينئذ شي ء يعتد به.

كما أنه ليس للمنع في شرط القرض بعقد البيع محاباة شي ء يعتد به، و إن حكى في المختلف عن بعض من عاصره التوقف فيه، بعد أن قال: المشهور بين علمائنا الماضين و من عاصرناه إلا من شذ أنه يجوز بيع الشي ء اليسير بأضعاف قيمته بشرط أن يقرض البائع المشتري شيئا، و

لعله أراد بمن عاصره المصنف، فإن المحكي عنه التردد في ذلك و أن له كلاما و احتجاجا.

و كان ذلك هو الذي دعى الفاضل في المختلف إلى الإطناب في المسألة حتى ذكر


1- 1 الوسائل الباب 19- من أبواب الدين.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب أحكام العقود.

ج 25، ص: 65

للجواز خمسة و عشرين دليلا، و إن كان جملة منها تكريرا للدليل، أو لا يرجع إلى حاصل، و قد اعترف هو بأن بعضها ذكرناه للإلزام، لا للاحتجاج، و العمدة العمومات في الشرط و البيع، و إطلاق نصوص الحيلة الواردة في حكاية سلسبيل و غيرها، و اتفاق الأصحاب ظاهرا على الجواز، فإن المفيد و المرتضى و الشيخ و غيرهم قد نصوا على ذلك، و جعلوا الخلاف فيه للعامة، و أنه ليس لهم دليلا على ذلك، بل نص المرتضى و الشيخ على الإجماع عليه، بل في المختلف «اتفاق علماء الإمامية السابقون على الجواز، فإنهم قالوا: لا بأس ان يبتاع الإنسان من غيره متاعا أو حيوانا أو غير ذلك، بالنقد و النسيئة، و يشترط أن يسلفه البائع شيئا في مبيع، أو يقرضه شيئا معلوما إلى أجل أو يستقرض منه» فيكون حجة، لما ثبت من أن إجماع الإمامية حجة، و بالجملة كان الإطناب في ذكر كلمات الأصحاب و معاقد إجماعاتهم و ذكر ما يقتضي الجواز من ذلك و غيره خال عن الفائدة، لمعلوميته بأدنى ملاحظة، خصوصا مع عدم ما يقتضي المنع سوى ما ذكره الفاضل في المختلف من صحيح يعقوب بن شعيب (1)المتقدم سابقا في مسألة اشتراط النفع في القرض، الذي هو مع خلوه عن النص على المحاباة و عن اشتراط ذلك في العقد بلفظ «لا يصح» المشعر بالكراهة و صحيح محمد بن قيس (2)المتقدم أيضا الذي هو مع التأمل دال على المطلوب لا عكسه، فلا أقل من أن يكون خارجا عنهما، و

خبر خالد بن حجاج (3)«جاء الربا من قبل الشروط»

و إنما يفسده الشروط الذي هو من القضايا المجملة المفسرة بغيره من النصوص التي ذكرت في الربا في اشتراط النفع في القرض و اشتراط الزيادة في بيع المتساويين و نحو ذلك، و كون البيع محاباة نفعا و هو مشترط في القرض، فيجب أن يكون حراما، الواضح فساده بأنه غير محل النزاع، إذ الكلام في اشتراط القرض فيه، لا العكس، و دعوى التلازم بينهما ممنوعة كوضوح فساد الاستدلال أيضا بأنه لو جاز اشتراط المحاباة في القرض لجاز اشتراط الهبة و العارية، لأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لأفاد الحل، و مع اشتراطه في القرض يحرم، إذ هو أيضا خارج عن


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 9.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب الدين الحديث- 11.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث- 1.

ج 25، ص: 66

محل البحث و غير ذلك مما لا ينبغي صدوره ممن له أدنى نصيب في العلم.

فمن الغريب سطر(1)الفاضل لها في المختلف، و أغرب منها جوابه عن الأخير منها بمنع الملازمة أولا، و بعدم استحالة الثاني ثانيا، و خبر محمد بن قيس بعد اشتراك راويه بين الثقة و غيره لا يعول عليه، ضرورة وضوح فساده إن كان المراد التزام جواز ذلك في عقد القرض، و إلا كان خارجا عما نحن فيه، فالتحقيق في الجواب ما عرفت و الله أعلم.

[المسألة التاسعة لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى ]

المسألة التاسعة: لو اقترض دراهم ثم أسقطها السلطان و جاء بدراهم غيرها لم يكن عليه إلا الدراهم الأولى، وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، لإطلاق الأدلة، و خصوص الصحيحين (2)، و خلافا للصدوق في المقنع، فأوجب التي تجوز بين الناس،

للصحيح (3)أيضا «لك أن تأخذ منه ما ينفق بين الناس، كما أعطيته ما ينفق بين الناس»

القاصر عن مقاومة السابقين من وجوه، فيحمل على أخذ ذلك بالتراضي بينهما، و لم يكن فيه ربا. بل قد يرجح للمستقرض الدفع للإحسان، أو على إرادة قيمة الأولى إذا فرض تعذرها، و ربما حمل على مهر الزوجة أو ثمن المبيع، و فيه مع خروجه عن الظاهر أن حكمهما حكم القرض.

نعم يمكن ثبوت الخيار في المعاملة بها مع عدم العلم، لأنه كالعيب بالنسبة إلى ذلك، و

الا فلا فرق بينهما و بينه، بل و بين المضاربة على الأقوى، فرأس المال الدراهم الساقطة دون الثانية. و قد يحتمل جبر النقص بالربح، إلا أنه ضعيف، لعدم كونه نقصا في رأس المال، و إنما هو نقص في قيمته بسبب من غير التجارة. و كيف كان فلو تعذرت فالقيمة وقت التعذر، أو القرض أو المطالبة أو الأداء أو الأعلى، بوجوهه على حسب ما تقدم سابقا في تعذر المثلي، لكن ينبغي إعطاء القيمة من غير الجنس حذرا من الربا بناء على عموم جريانه لمثله، كما هو واضح. و الله أعلم.

[المسألة العاشرة قال الفاضل و غيره لو قال المقرض للمقترض مثلا إذا مت فأنت في حل كان وصية]

المسألة العاشرة: قال الفاضل و غيره: لو قال المقرض للمقترض مثلا إذا مت فأنت في حل، كان وصية و لو قال: إن مت، كان إبراء باطلا، لتعلقه على الشرط،


1- 1 تنظرظ.
2- 2 الوسائل الباب- 20- من أبواب الصرف الحديث- 2- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 20- من أبواب الصرف الحديث- 1.

ج 25، ص: 67

و وافقه على الأولى في الدروس، و نسب الثاني إلى القيل؛ و قال: الأقرب العمل بقصده و لعل وجه الفرق بين إن و إذا، أن إذا ظرف في الأصل، و إن عرض لها معنى الشرط فكأنه قال: وقت موتي أنت في حل، و ذلك مجزوم به غير مشكوك فيه، فلا تعليق فيصح، و ان حرف شرط مقتض للشك في كونه إبراء، و متى كان المعلق عليه مشكوكا فالمعلق أولى، و لا يضر كون الموت بحسب الواقع مقطوعا، لأن الاعتبار في عدمه بالصيغة الواقعة إبراء، فمتى لم تكن واقعة على وجه الجزم، لم تكن صحيحة.

لكن قد يناقش أولا: بأن الوصية قد تقع بلفظ إن، كما صرح به الفاضل في وصايا الكتاب، فمع قصد الوصية من الفرض لم يكن به بأس، و دعوى أن الشارع وضع إذا في إنشاء الوصايا، دون إن كما عن حواشي الشهيد غير ثابتة، و ثانيا: ان المتجه البطلان مع قصد الإبراء دون الوصية و لو بلفظ إذا، للتعليق الممنوع و دعوى- أنه مع الجهل بالقصد يحمل الأول على الوصية، و الثاني على الإبراء المعلق أما لو علم إرادة الوصية منهما صح فيهما، كما أنه لو علم إرادة الإبراء المعلق فسد فيها- يمكن منع شهادة العرف بذلك، و أنه لا فرق بينهما كما لا يخفى فتأمل و الله أعلم.

[المسئلة الحادية عشر الظاهر جواز الاقتراض و إن لم يكن له مقابل ]

المسئلة الحادية عشر: الظاهر من النصوص و الفتاوى جواز الاقتراض و إن لم يكن له مقابل و قدرة على القضاء لو طولب، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فحرمه و لعله ل

موثق سماعة(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل منا يكون عنده الشي ء يتبلغ به، و عليه دين أ يطعم عياله حتى يأتي الله عز و جل بميسرة فيقضي دينه أو يستقرض على ظهره في خبث الزمان و شدة المكاسب، أو يقبل الصدقة؟ قال: يقضي بما عنده دينه، و لا يأكل من أموال الناس إلا و عنده ما يؤدى إليهم حقوقهم، إن الله عز و جل يقول «لا تَأْكُلُوا

أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» و لا يستقرض على ظهره إلا و عنده وفاء، و لو طاف على أبواب الناس فردوه باللقمة و


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 4 من أبواب الدين الحديث 3 و ذيله في الباب 2 الحديث 5.

ج 25، ص: 68

اللقمتين و التمرة و التمرتين، إلا أن يكون له ولي يقضى دينه من بعده، ليس منا من ميت يموت إلا جعل الله له وليا يقوم في عدته، فيقضي عدته و دينه»

و لكنه مع شهادة ذيله بخلاف قوله في الجملة غير مقاوم للإطلاقات المعتضدة بإطلاق الفتاوي.

مضافا إلى

خبر موسى بن بكر(1)«قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: من طلب هذا الرزق من حله ليعود به على نفسه و عياله، كان كالمجاهد في سبيل الله عز و جل، و إن غلب عليه فليستدن على الله عز و جل و على رسوله ما يقوت به عياله، فإن مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه فان لم يقضه كان عليه وزره، إن الله عز و جل يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ - إلى قوله- وَ الْغارِمِينَ » و هو فقير مسكين مغرم»،

و نحوه غيره، بل

روي (2)أيضا «أن من استقرض في حق أجل سنة، فإن اتسع و إلا قضى عنه الإمام عليه السلام»

و

خبر أيوب بن عطية(3)الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «كان رسول الله يقول: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، و إن ترك مالا فللوارث و إن ترك دينا أو ضياعا فإلى و على»

و الضياع بالفتح العيال، و نحوه غيره.

و

خبر أبي موسى (4)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك يستقرض الرجل و يحج؟ قال: نعم قلت: يستقرض و يتزوج؛ قال: نعم إنه ينتظر رزق الله غدوة و عشية»

إلى غير ذلك مما هو دال بإطلاقه و غيره على الجواز. بل ينبغي القطع به مع علم المقرض بذلك، فلا بأس حينئذ بحمل الخبر المزبور على نوع من الكراهة، أو على الاقتراض مع العزم على عدم الوفاء، أو غير ذلك.

و على كل حال فهو دال على الاكتفاء بالولي، و إن لم يكن يجب عليه الوفاء كما أفتى به الشيخ في النهاية، و من الغريب مناقشة ابن إدريس له بعدم وجوبه عليه مع عدم قوله به، اللهم إلا أن يريد عدم جواز الاقتراض اعتمادا على الولي الذي لا يجب عليه


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الدين الحديث- 2.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 490.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب ضمان الجريرة الحديث 14.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب الدين الحديث- 1.

ج 25، ص: 69

الوفاء، و حينئذ يكون اجتهادا في مقابلة النص، كقوله بعدم جواز الاستدانة لغير الواجب من الحج الذي قد عرفت تصريح الخبر به، قال في السرائر: «لا يجوز للإنسان أن يستدين ما يصرفه في نفقة الحج إلا بعد أن يكون الحج قد وجب عليه لوجود شرائطه، و يكون له مال إذا رجع اليه قضى منه دينه، و ما ورد من الأخبار في جواز الاستدانة للنفقة في الحج محمول على ما ذكرناه و حررناه، لا على من لا يكون الحج قد وجب عليه و لا يكون له مال إذا رجع إليه قضى منه دينه، لأن هذا لا يجب عليه الحج و هو على هذه الصفة، و إذا كان كذلك لا يجب عليه، فلا يجوز أن يستدين ليفعل ما لا يجب عليه».

و يمكن أن يريد بعدم الجواز الكراهة، خصوصا مع ذكره قبل ذلك «أن الاولى للمختار أن لا يستدين إلا إذا كان له ما يرجع إليه فيقتضي به دينه، فإن لم يكن له ما يرجع اليه فقد روي أنه إن كان له ولي يعلم أنه إن مات قضى عنه قام ذلك مقام ما يملك» إلى أن قال: «فإذا خلا من الوجهين فإنه يكره له الاستدانة و ليس ذلك بمحظور إذا كان عازما على القضاء منفقا له في الطاعات و المباحات» و هو صريح فيما قلنا، فمن الواجب حمل كلامه على ما ذكرناه و الله أعلم.

[المقصد السادس في دين المملوك ]
اشارة

المقصد السادس من المقاصد التي استدعاها النظر في السلف في دين المملوك لكن ينبغي أن يعلم أولا: أنه لا يجوز للمملوك فضلا عن غيره أن يتصرف في نفسه بإجارة، و لا استدانة، و لا غير ذلك من العقود، و لا بما في يده ببيع و لا هبة إلا بإذن سيده و لو حكم له بملكه لما عرفته سابقا من كونه محجورا عليه، و أنه لا يقدر على شي ء. بل لا يبعد عدم جواز التصرف له في نفسه لنفسه بما يزيد على ضروريات تعيشه، و ما علم من السيرة و غيرها عدم تسلط المولى على منعه منها من بعض حركات بدنه و نحوها، كالعلم بعدم توقف الرخصة في بعض الأفعال له على

ج 25، ص: 70

إذن السيد، بل الظاهر أنها رخصة شرعية حتى ينهاه السيد عنها، فيجب امتثاله حينئذ.

لكن المراد بعدم جواز ما في المتن إذا كان الواقع العقد خاصة عدم ترتب الأثر عليه، فهو فضولي حتى لو قلنا بحرمة مباشرته العقد من دون إذن سيده، باعتبار أنه تصرف في لسانه المملوك للسيد من غير إذنه، إلا أن ذلك لا يمنع من صلاحية العقد للتأثير مع الإجازة، و منه ينقدح صحة عقد العبد للغير حتى مع نهي السيد له، فضلا عن الوقوع بغير إذن، إذ أقصاه الإثم في التلفظ بذلك، و هو لا يقتضي الفساد بالنسبة إلى ترتب الأثر. لكن لا يخلو من تأمل.

و على تقديره لا تثمر في صحته الإجازة كما هو واضح، بل لا يخلو المنع في المتن و غيره من تأمل أيضا لابتنائه على الحجر عليه حتى في الذمة التي يتبع بها بعد العتق و إلا لم يتجه منعه من الضمان التبرعي و نحوه الذي لم يتوقف على ملك أو تمليك غير صالح للعبد، و في ثبوت دليل له غير الآية(1)التي قد سمعت البحث فيها سابقا لا يخلو من بحث، و لعله لذا كان خيرة الفاضل في التذكرة جواز الضمان من دون إذن السيد لكن يقوى في النظر المنع لظاهر الفتاوى و غيره.

نعم قد يقال بصحة عقد الصلح الذي يقوم مقام العارية له، بناء على صحتها له من دون إذنه، كما هو الظاهر، بل قد يقال بجواز الإباحة المضمونة بالتلف له، للأصل السلام بلا معارض و ليس ذلك قدرة للعبد، بل قدرة للحر على ما له، فتأمل جيدا. و الله أعلم.

و كذا لا يجوز له التصرف إذا أذن له المالك أن يشتري لنفسه لما عرفته سابقا من استحالة ملكه شرعا، فإذنه له فيه كعدمها، فيقع الشراء له باطلا، بل الظاهر بطلانه للسيد أيضا، لعدم إذنه بالشراء له، و دعوى- أن الشراء لنفسه قد تضمن أمرين: الاذن في الشراء و تقييده بكونه لنفسه، فإذا بطل المقيد بقي المطلق، لأن المطلق جزء المقيد فيقع للمولى، لأنه إذن في الابتياع في الجملة-


1- 1 سورة النحل الآية 75.

ج 25، ص: 71

واضحة البطلان لأن الإذن إنما تعلق بأمر واحد، و هو المقيد المخصوص بالعبد فحيث لم يصح كان الابتياع باطلا، لأنه غير مأذون فلا يثمر ملكا للمولى. لأنه يأذن فيه على هذا الوجه.

نعم قد يقال: ليس المراد من ذلك تقييد الشراء بكونه للعبد، بل هو أشبه شي ء بالمقارنات الاتفاقية، و إنما المراد الشراء، فنيته حينئذ لنفسه لاغية، و الفرض أن الشراء مأذون فيه، و ليس غير السيد يقع له، فهو كما لو قال السيد لعبده: اشتر لي فاشترى العبد لنفسه، فإن الظاهر عدم تأثير نيته، و كقول القائل لوكيله: اشتر لي بعين هذا المال فاشترى به الوكيل ناويا نفسه، فإن الظاهر صحة الشراء و لغو النية.

فنية العبد هنا لنفسه بعد أن كان غير قابل للتمليك من قبيل نية الوكيل نفسه مع كون الشراء بعين المال، بل من قبيل نية العبد الشراء للدابة، بل ما نحن فيه أشبه شي ء بما لو قال القائل: اشتر بعين مالي لزيد كذا، فإنه لا ريب في صحة الشراء لصاحب المال و إن نوى المشتري أنه لزيد، إلا أنه بعد أن كان المالك للمال المجعول ثمنا غيره كانت النية لاغية، فكذا المقام فتأمل جيدا.

و على ذلك فالتردد حينئذ في جواز تصرف العبد ينشأ من اقتضاء الإذن في الشراء لنفسه الإذن في التصرفات و إن بطل الأول بتعذر ملكية العبد، و من أن الإذن له في التصرف إنما كانت تبعية لشرائه لنفسه، أما إذا كان غير مالك فلا إذن، إذ يمكن أن لا يرضى المولى بالتصرف مع فرض كونه المالك، و لا ريب في أنه الأقوى، بل قد يمنع حصول الإذن في التصرف بالإذن بالشراء لنفسه، و إن قلنا بملكيته التي لا يسوغ له التصرف معها باعتبار كونه محجورا عليه هذا.

و لكن في المتن فيه تردد. لأنه يملك وطئ الأمة المبتاعة. مع سقوط التحليل في حقه و لا يخفى عليك أن ما ذكره وجها لأحد شقي التردد لا ينطبق على ذلك، و لو حمل على كون ذلك من السيد و لو بقرينة عدم ملكية العبد لإرادة انتفاع العبد بما يشتريه له لم يتجه التردد حينئذ، ضرورة وضوح الجواز.

اللهم إلا أن يكون وجه المنع فيه ان الأذن قد وقعت سابقه على الملك فلا

ج 25، ص: 72

تأثير لها، كما أن وجه الجواز فيه أنه يملك وطى الأمة المبتاعة بالإذن المزبورة مع سقوط التحليل في حقه، بناء على اقتضائه التمليك الممتنع بالنسبة إليه، مع أنه لا معنى لتحليله أمة الغير، إذ الفرض عدم وقوع غير الإذن السابقة، فلم يبق مستندا لجواز الوطء إلا الإذن السابقة، فإذا أثرت فيه ففي غيره بالأولى.

لكن هذا مبني على كون جواز الوطي أوضح من غيره، حتى يصح جعله دليلا بالأولوية، و على كل حال فالعبارة كما ترى. لكن ما في التذكرة قد يومي إلى ما ذكرنا في الجملة، قال: «لو أذن المولى لعبده في الشراء للعبد صح، و الأقرب أنه لا يملكه العبد، فحينئذ يملكه المولى لاستحالة ملك لا مالك له، و لكن للعبد استباحة التصرف و الوطء لو كان أمة، لا من حيث الملك بل لاستلزامه الأذن» هذا و في المسالك جعل منشأ التردد، كون العبد يملك وطئ الأمة المبتاعة، يحتمل أمرين، معترفا بوضوح فسادهما معا، و في شرح الترددات لأحد تلامذة المصنف على الظاهر «إذا أذن المولى لمملوكه في الشراء لنفسه، هل يملك بذلك؟ تردد فيه المصنف و منشأ النظر إلى عموم قوله تعالى (1)«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ» و قد عرفت فيما مضى أن النكرة في سياق النفي تعم. و في الاستدلال بهذه الآية تعسف إلى أن قال: و إلى الالتفات إلى أنه يستبيح وطئ الأمة المأذون له في ابتياعها لنفسه، و لا شي ء من الأسباب المبيحة للوطء موجودة هنا إلا التملك، فيلزم القول به، اما الأولى فلان الأسباب المقتضية للاستباحة العقد و هو منتف هنا، و التحليل، و هو منتف أيضا لافتقاره الى اللفظ الدال عليه، فلم يبق سوى الملك.

و أما الثانية، فظاهرة لاستحالة وجود الملزوم من حيث هو ملزوم بدون لازمه، و لو قيل بالمنع من الوطء أصلا إلا مع صريح اللفظ كان وجها، و لقائل أن يمنع انتفاء التحليل هنا، إذا الإذن في الشراء مستلزم للإذن في الوطء و هذا


1- 1 النحل- 16-.

ج 25، ص: 73

إنما يتأتى على قول من لم يجعل للتحليل لفظا معينا» و هو كما ترى. من غرائب الكلام. و ما كنا لنؤثر أن يقع ذلك ممن له أدنى نصيب في العلم. و في القواعد:

«و لو أذن له المولى في الشراء لنفسه ففي تملكه أي المولى إشكال، و هل يستبيح العبد البضع الأقرب ذلك، لا من حيث الملك بل لاستلزامه الإذن»، و فيه: تأييد لما قلناه

سابقا في الجملة و الله أعلم و كيف كان فإذا أذن له المالك في الاستدانة لنفسه على حسب إذنه في الشراء له، جرى فيه البحث السابق الذي منشأه عدم ملكية العبد المشترك بين المقامين، بعد فرض إرادة الإذن له بأن يملك بالاستدانة، و احتمال أن له شغل ذمته بالإذن و إن كان الذي استدانه ملكا للمولى، فإذا رضي المقرض يكون العوض في ذمة العبد المأذون، ستعرف ما فيه.

نعم إن أذن له في الاستدانة له كان الدين لازما للمولى قولا واحدا كما في المسالك، و بلا خلاف كما في غيرها، بل و لا إشكال ضرورة كونه كالوكيل، بل هو أولى باعتبار عدم مال للعبد، يؤدي منه، إذ هو لا يقدر على شي ء، و لا فرق بين أن يقصد المقرض العبد أو سيده، و لا بين أن يقصد العبد نفسه أو سيده، و لو صرح المولى للعبد بأن المراد شغل ذمته أي العبد للمولى على معنى كون المال المقرض للسيد، و الشغل لذمة العبد، كان قرضا فاسدا يتبع به من استولت يده، و يستقر على المباشر لإتلافه، و إن كان قد يشكل فيما إذا علم المقرض بالحال، و أقدم على ذلك، و كان المتلف المولى، لأنه هو الذي ضيع ماله، فيتبع به العبد بعد عتقه، لعموم

«على اليد»(1)

. و يدفع بأنه يلتزم بذلك إذا كان صحيحا، فمع فرض الفساد يتجه الرجوع على المولى حتى مع العلم بالفساد، كما في غيره من العقود الفاسدة، و كذا إن كان أذن له في الاستدانة لنفقته الواجبة على المولى بل و غيرها إن

استبقاه أو باعه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن المهذب الإجماع عليه، للتعليل السابق الذي لا فرق فيه بين كون المنتفع العبد أو السيد، بعد أن كان هو الآذن للعبد الذي


1- 1 سنن البيهقي ص 90 كنز العمال ص 257.

ج 25، ص: 74

لا يقدر على شي ء، و لصحيح أبي بصير(1)و غيره الظاهر في أن مدار كون دين العبد على المولى إذنه له فيه،

قال: «قلت لأبي جعفر عليه السلام: رجل يأذن لمملوكه في التجارة فيصير عليه دينا، فقال: إن كان أذن له أن يستدين فالدين على مولاه، و إن لم يكن أذن له أن يستدين فلا شي ء على المولى، و يستسعى العبد في الدين»

و في

خبر شريح (2)«قال أمير المؤمنين عليه السلام: في عبد بيع و عليه دين؟ فقال: دينه على من أذن له في التجارة، و أكل ثمنه»

و

في الموثق (3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل مات و ترك دينا و ترك عبدا له مال في التجارة و ولدا و في يد العبد مال و متاع، و عليه دين استدانه العبد في حياة سيده في تجارته، فإن الورثة و غرماء الميت اختصموا فيما في يد العبد من المال و المتاع و في

رقبة العبد؟ فقال: أرى أن ليس للورثة سبيل على رقبة العبد، و لا على ما في يده من المتاع و المال إلا أن يضمنوا دين الغرماء جميعا فيكون العبد و ما في يده من المال للورثة، فإن أبو أ كان العبد و ما في يده للغرماء يقوم و ما في يده من المال، ثم يقسم ذلك بينهم بالحصص، فإن عجز قيمة العبد عن أموال الغرماء رجعوا على الورثة فيما بقي لهم إن كان الميت ترك شيئا و إن فضل من قيمة العبد و ما كان في يده عن دين الغرماء ردوه على الورثة».

و

في خبر أشعث (4)عن الحسن عليه السلام «في رجل يموت و عليه دين قد أذن لعبده في التجارة، و على العبد دين؟ قال: يبدأ بدين السيد»

و من الإجماع على عدم وجوب البدأة يعلم عدم إرادة ذلك من الأمر، و في الرياض الاستدلال عليه ب

خبر طريف (5)بياع الأكفان- «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غلام لي كنت أذنت له في الشراء و البيع، فوقع عليه مال للناس، و قد أعطيت به مالا كثيرا؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام إن بعته لزمك ما عليه و إن أعتقته فالمال على الغلام- و هو مولاك».


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 55 من أبواب العتق الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 55- من أبواب العتق الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين الحديث- 2.

ج 25، ص: 75

و

في آخر(1)ان طريف الأكفاني كان أذن لغلام له في البيع و الشراء فأفلس و لزمه دين، فأخذ بذلك الدين الذي عليه، و ليس يساوي ثمنه ما عليه من الدين، فسأل أبا عبد الله عليه السلام، «فقال: إن بعته لزمك الدين، و إن أعتقته لم يلزمك الدين فأعتقه و لم يلزمه شي ء»

، و لا يقدح ما فيهما من اشتراط البيع بعد عدم القائل بالفرق بينه و بين الإبقاء بل قيل إنه أولى، كما أن قصور السند فيهما و غيرهما منجبر بما سمعت من الإجماع المعتضد بعدم الخلاف.

نعم هما مع

خبر عجلان (2)عن الصادق عليه السلام «في رجل أعتق عبدا و عليه دين؟

قال: دينه عليه و لم يزده العتق إلا خيرا»

حجة القول الذي أشار إليه المصنف بقوله و إن أعتقه قيل: يبقى الدين في ذمة العيد و القائل به الشيخ في النهاية و القاضي و جماعة على ما حكي، بل لعله ظاهر التذكرة.

و قيل: بل يكون باقيا في ذمة المولى، و هو أشهر الروايتين و القولين، بل هو المشهور بين الأصحاب نقدا و تحصيلا: ل صحيح أبي بصير(3)السابق و غيره، القاصر غيره عن معارضته سندا و لا جابر، بل و دلالة إذ الأولان و إن صرح فيهما بالتفصيل بين العتق و غيره مما هو قابل لتخصيص صحيح أبى بصير و غيره، إلا أنها لا تصريح فيها بالتفصيل بالاذن و

عدمه الذي صرح به في صحيح أبى بصير، و الأذن بالبيع و الشراء فيهما أعم من الإذن بما تضمناه من الدين الذي لزم العبد، فتخصيصهما بالصحيح المزبور أولى للشهرة بقسميها، و لقاعدة كون العبد بالإذن في الاستدانة باقيا في ذمة المولى كالوكيل، و إن أنفقها على نفسه، و لاستصحاب ضمان المولى، بناء على أن المشغول مع الإذن ذمة المولى، لا أن العبد المشغول، و المولى يجب تأديته عنه، و إلا كان الأصل بالعكس، و منه ينقدح ضعف آخر للدعوى: و هو أنه لم يتجدد سبب صالح للشغل حال العتق، فهو مرجح آخر أيضا، مضافا إلى غير ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين الحديث- 3-.
2- 2 الوسائل الباب- 54- من أبواب العتق الحديث- 1-.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب الدين الحديث- 1.

ج 25، ص: 76

و لا ينافي ما فيهما من كون الدين على المولى، إن باع، إذ يمكن كما في الحدائق و الرياض كون ذلك للحيلولة بينه و بين أصحاب الدين بالبيع، لا من حيث أن المال لازم بأصل الاذن في التجارة، و الحال أن الاذن لم يحصل في الاستدانة و فيه أنه لا حيلولة بعد فرض عدم الاذن في الاستدانة، ضرورة كونه يتبع به العتق، فلا يمنع المالك من بيعه كما هو واضح على أن هذا الكلام مناف للاستدلال بهما سابقا على المسألة الأولى المبني على وقوع ذلك من المولى، فلا بد حينئذ من طرحهما في مقابلة ما عرفت أو حملهما على ما ستسمع، من حمل نصوص الاستسعاء عليه في مسألة الإذن له في التجارة، دون الاستدانة. و أما خبر عجلان فهو مع ضعف سنده و لا جابر- و احتمال كون مرجع الضمير المجرور بعلى فيه إلى المولى، و لا ينافيه الذيل- مطلق يقيده صحيح أبى بصير، و لو سلم كون التعارض بينهما من وجه أيضا كان الترجيح له بما عرفت سابقا فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك أن دين العبد إذا كان بإذن مولاه كان لازما و حينئذ ف لو مات المولى كان الدين في تركته، و لو كان له غرماء كان غريم العبد كأحدهم كما دل عليه الموثق السابق، بل في المسالك «إطلاق غرماء العبد بطريق المجاز لوقوع الاستدانة منه، و إلا فالجميع غرماء المولى، و إن كان لا يخلو من بحث، إلا أن الحكم لا إشكال فيه».

و خبر(1)البدأة مع قصور سنده جدا مطرح أو محمول على ما ذكرناه، و ربما أول بتعميم دين السيد لدين عبده، و البدأة بالنسبة إلى الإرث و الوصايا، و بالحمل على صورة الأذن في التجارة دون الاستدانة، فيخص حينئذ دين السيد بدين نفسه دون عبده، و يجعل الأمر بأداء دين العبد المفهوم بالابتداء بدين السيد للاستحباب فلا منافاة و لا بأس به، و إن كان ما ذكرناه سابقا أولى و الله أعلم.

و إذا أذن له في التجارة، اقتصر على موضع الإذن. فلو أذن له بقدر معين أو زمان أو مكان أو جنس كذلك لم يزدد عليه كما في كل محجور عليه؛ و في التذكرة نسبته إلى علمائنا. و ما عن القاضي- من أنه «إذا أذن له يوما فهو مأذون أبدا حتى


1- 1 الوسائل الباب 55 من أبواب العتق الحديث- 1-.

ج 25، ص: 77

يحجر عليه»- في غاية الضعف، كقول أبي حنيفة بحصول الإذن من السيد بمجرد عدم نهيه، بل قال: «لو أذن له في القصارة أو الصبغ صار مأذونا في كل تجارة» إذ لم نعرف له مستندا في شي ء من ذلك، بل أصول المذهب تقضي بخلافه، ضرورة عدم استفادة الإذن من السكوت فيما سكت عنه و لا في غيره و لو أطلق له التجارة اقتصر على ما يستفاد منها، و لعله مختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة نعم لا يدخل التزويج فيها قطعا، و لا الصدقة؛ بل في الدروس و لا إجارة نفسه، و أما إجارة رقيقه و دوابه ففي دخولها نظر، من عدم انصراف لفظ التجارة إليها، و من أن التاجر ربما فعلها، و استقربه في الدروس. و في القواعد «الأقرب أن له أن يؤجر أموال التجارة» و عن القاضي أنه يؤجر نفسه و يستأجر غيره و يزارع و يستأجر الأرض، و المرجع في ذلك كله إلى العرف.

و لا يثبت كونه مأذونا بقوله، بل بالسماع أو البينة، و في الدروس أو الشياع.

و في القواعد أنه الأقرب، لكن قد يشكل- إذا كان المراد منه ما يفيد الظن المتاخم و أنه يحكم به على المولى، إن أنكر- بعدم الدليل، بل قيل: إنه لضعفه لا يثبت به الملك الذي بيد شخص، فكيف يحكم به على المولى، نعم لا بأس بجواز الأقدام به على المعاملة، و إن كانت الدعوى- لو أنكر السيد- باقية، بل في جامع المقاصد «لا يبعد الإكتفاء بخبر العدل، إذ الأصل في خبر المسلم الصحة، و قد تأكد بالعدالة بل لو أخبر من أثمر خبره أمكن القبول، إذ ليس ذلك بأقل من خبر مدعى الوكالة عن الغير في بيع ماله، و ليس بأقل من خبر الصبي بالهدية، و لو أظفر بموافق على هذا لم اعدل عنه» قلت: بل مقتضى ما ذكره الاكتفاء بدعوى العبد التي لا معارض لها لكن لا يخفى عليك أن الاحتياط يقضى بخلاف ذلك، و إن كانت السيرة بما ذكره، و في التذكرة الأقرب عندي عدم قبول الشياع.

و كيف كان فيجوز أن يحجر عليه و ان لم يشهد، و عن القاضي أنه «لا بد من إشاعته في سوقه، و علم الأكثر، و لا يكفى علم الواحد، بل للواحد السامع الحجر معاملته، لعدم تمام الحجر» و لا ريب في بعده، إنما الكلام في الحجر عليه بذلك،

ج 25، ص: 78

أو إلى أن يبلغ كالوكيل، و لو اختلف المولى و المعامل في تقدم الحجر على المعاملة و تأخره عنها كان القول قول المعامل، إذا كان صورة الدعوى أن الحجر قد وقع في غد، و المعامل أنكر ذلك، و لتمام الكلام في ذلك محل آخر، و لو قال: حجر على السيد لم يعامل. بل في الدروس و إن أنكر السيد، لأنه المتعاطي للعقد، و احتمله في القواعد. و فيه نظر لأن الحجر فعل السيد و حق له، و الشرط في صحة العقد إليه، لا القصد إليه من حيث كونه صحيحا، و لذا جاز المتعة بالمرأة المخالفة و شراء الغائب ممن لا يرى جوازه من العامة، و غير ذلك، و من هنا قال في التذكرة: مذهبنا الجواز بعد أن حكى عن أحد وجهي الشافعية خلافه.

و يقبل إقرار المأذون في الدين مطلقا أو للتجارة إذا أقربه لها و إن كان لأبيه أو ابنه، خلافا لأبي حنيفة فلم يقبله لهما، و ما في التذكرة «من أن المعتمد عدم قبول إقراره بديون المعاملة» يمكن أن يريد مع عدم الأذن، و إلا كان واضح الضعف نعم هو كذلك لو كان بغير المأذون فيه، إذ هو كغير المأذون الذي لا يقبل إقراره على سيده بمال أو قصاص أو غيرهما بل في القواعد هل يتعلق بذمته نظر، و إن كان ضعيفا لعموم جواز إقرار العقلاء، فالأقوى تبعيته به بعد العتق، كما أن الأقوى قبول إقراره بالجناية الموجبة قصاصا أو مالا لو صدقه المولى، بل ينبغي القطع به للعموم المزبور، و مانعية السيد قد ارتفعت بتصديقه.

و لو أذن السيد لعبده في المعاملة بمقدار كذا و دفع إليه ما لا ليتجر به فعاد و بيده أعراض يدعى أنه شراها في ذمته، و أن دينها باق، و أنه قد تلف ما كان بيده، و أنكر السيد ذلك، ففي جامع المقاصد، أن قبوله مستبعد جدا و فيه أنه يمكن القبول بعد فرض الإذن بالشراء بالذمة.

و لو أذن له السيد في التجارة بمقدار كذا و لم يدفع إليه شيئا، فعاد، و بيده أعراض يدعي شراءها في ذمته و بقاء الثمن، و أنكر السيد فالأقوى قبول إقراره، نظرا إلى كونه أمينا و إلى شهادة الحال، و مقتضى الإذن، و لتضرر معامليه إن لم يقبل، و احتمل في جامع المقاصد العدم لعدم حجية شهادة الحال، و الضرر يدفع

ج 25، ص: 79

بالإشهاد، قال: و ليس إقرار العبد بأولى من إقرار الوكيل. و فيه: منع عدم قبول إقرار الوكيل في مثل ذلك.

نعم لو أقر العبد المأذون بأن ما في يده ملك لفلان وديعة أو غصبا و نحوهما، ففي القبول إشكال كما في جامع المقاصد أيضا من أنه كالوكيل، و من أن ما بيده لمولاه، و لعل الثاني لا يخلو من قوة، و لو اشترى المأذون للتجارة ففي الدروس طولب بالثمن و إن علم البائع كونه مأذونا بخلاف الوكيل، فإنه عرضة للزوال يعزل نفسه و فيه بحث بناء على ما سمعته سابقا من المسالك و غيره نعم لو طولب السيد جاز قطعا.

و لو أذن له السيد في الابتياع انصرف إلى النقد و إن كان الأمر بالكلي ليس أمرا بجزئي معين، بل مقتضاه التخيير إلا أن النسيئة لما كانت أمرا زائدا على الابتياع- إذ هي إنما تكون بالشرط- لم يكن الإذن فيه إذنا بذلك، كغيره من الشرائط بخلاف النقد، فإنه ليس زائدا على طبيعة الابتياع، و لعل هذا أولى مما أجاب به الفاضل، لما أورد عليه قطب الدين الرازي بما سمعت من اقتضاء الأمر بالكلي التخيير، من أن البيع أعم، فلا يدل على النسيئة بإحدى الدلالات الثلاث.

إذ فيه أولا: أنه معارض بالنقد، و ثانيا: بأن عدم دلالته على النسيئة بالخصوص لا ينافي التخيير المزبور، كما في سائر ألفاظ الكلي، و ثالثا: ما أورد عليه القطب من أنه لا يلزم من نفي الدلالة نفي الاستلزام، لجواز كون اللزوم غير بين، اللهم إلا أن يريد ما ذكرناه سابقا، لكن المحكي عنه أنه عدل عن هذا الجواب إلى جواب آخر و هو أنه اختص النقد بواسطة قرائن خارجية عينية و هي الإضرار بالمولى في النسيئة بثبوت شي ء في ذمته بخلاف النقد، لجواز أن لا يقدر المولى على غير ما دفعه إلى العبد من المال، أو لا غرض له فيه- و فيه منع الإضرار في سائر الأحوال و ربما يكون له غرض و صلاح، على أن محل البحث مع التجرد عن القرائن، و إلا فهي لا ينضبط، و قد يكون الإذن في الابتياع من دون أن يدفع إليه شي ء.

و بالجملة لا محيص عما ذكرناه سابقا الذي يؤيده في الجملة

موثق الساباطي(1)


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.

ج 25، ص: 80

المروي في كتاب النكاح «عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من آخر جارية بثمن مسمى، ثم افترقا، قال: وجب البيع، و ليس له أن يطأها و هي عند صاحبها حتى يقبضها أو يعلم صاحبها، و الثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد»

فتأمل، و البحث في البيع كالبحث في الابتياع.

و لو أطلق له النسيئة كان الثمن في ذمة المولى لأنه كالوكيل عنه و لهذا لو تلف الثمن الذي دفعه إليه لزم المولى عوضه لأن

تلفه بيد العبد كتلفه بيد السيد، و ليس المراد الثمن المعين، لأن تلفه يبطل البيع، فلا يلزم المولى عوضه من غير فرق بين تلفه بتفريط و غيره هذا. و في المسالك «لو لم يكن السيد أذن بالشراء في الذمة فاشترى بها، ثم تلف الثمن الذي دفعه إليه لم يلزم السيد بدله، و حينئذ فإن تبرع السيد و دفع ثانيا صح العقد له، لأن العبد حينئذ كالفضولي للسيد، و البيع و قع له، فإذا دفع الثمن صح له، و إلا فسخ البائع العقد».

و قد يشكل بأنه إن أجاز المولى لم يكن للبائع الفسخ، و إلا انفسخ البيع لنفسه و ليس للبائع إبقاء العقد راضيا بكون الثمن في ذمة العبد يتبعه به بعد العتق، إذ ليس للعبد ذمة يشغلها اختيارا بمعاوضة من دون إذن السيد، بل و مع إذنه لا لأن المعاملة سفهية، إذ يمكن اقترانها بما يخرجها عن السفه بل لاقتضاء ذلك كون المبيع ملكا للسيد، لأن العبد لا يملك على الأصح، و الثمن على العبد فيملك المثمن حينئذ من لا يملك عليه الثمن، و ذلك في المعاوضات غير جائز، اللهم إلا أن يدعى خروج الفرض عن هذه القاعدة، باعتبار عرضية عدم ملك العبد، و أن ذمة العبد للسيد باعتبار تسلطه على الحجر عليها.

لكن ظاهر أصحابنا عدم ذلك من غير فرق بين العبد و غيره. نعم ستسمع ما في التذكرة في خصوص الضمان. و يمكن أن يكون ما سمعته من المسالك مأخوذا مما في التذكرة، قال: «لو أسلم إلى عبده ألفا للتجارة، فاشترى في الذمة على عزم صرف الألف في الثمن، فالأقرب أنه لا يجب على المولى دفع البدل، لأنه أذن بالمعاملة بما دفعه، و هو ينصرف بالشراء بالعين.

ج 25، ص: 81

لكن السيد إن دفع ألفا آخر مضى العقد، و إلا فللبائع فسخ العقد، و هو أحد الأقوال الشافعية، و الثاني: أنه ينفسخ العقد كما لو اشترى بألفين، لأن المولى حصر إذنه في التصرف في ذلك الألف، و قد فات محل الإذن، فبطل البيع، و الثالث: أنه يجب على السيد ألف آخر، لأن العقد و قع له، و الثمن غير متعين، فعليه الوفاء بإتمامه و لا بأس به إن كان السيد قد أطلق له ذلك، بل هو المتعين حينئذ، و إلا فالوجه ما قلناه» و لعل مرادهما بقرينة مقابلة وجوه الشافعية الفضولي لا أن له الفسخ و عدمه مع فرض عدم إجازة السيد و الله اعلم.

و كيف كان ف إذا أذن له في التجارة، لم يكن ذلك إذنا لمملوك المأذون بناء على أنه يملك، أو أن المراد من هو في خدمته من عبيد السيد مجازا باعتبار صدق الإضافة بأدنى ملابسة، و على التقديرين فليس الأذن له في التجارة إذنا له لافتقار التصرف في مال الغير إلى صريح الإذن أو كالصريح، و ليس هذا منه لغة و لا شرعا و لا عرفا، بل ليس للمأذون استنابته كما انه ليس له استنابة غيره، لأن الإذن في التجارة إنما وقعت له، و هي لا تقتضي إذنا في التوكيل الذي لا يدخل تحت اسم التجارة فما عن أبي حنيفة- من أن للمأذون أن يأذن لعبده في التجارة- واضح الضعف.

نعم قد تقضى القرائن في بعض الأحوال أن المراد من الإذن في التجارة ما يشمل الحاصل منها بالوكالة، خصوصا إذا كان الوكيل أحسن نظرا من المأذون، و ربما يؤدي نظر المأذون إلى الاعتماد على نظر بعض الأشخاص، و مباشرة الشراء له كما هو واضح و الله أعلم.

و لو أذن له في التجارة دون الاستدانة ناصا على ذلك أو مقتصرا في الأذن على ما يشملها فاستدان و تلف المال في يده كان لازما لذمة العبد يتبع به بعد العتق الذي هو حال التمكن من الأداء على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، لوجود سبب الضمان بالنسبة إليه دون سيده، فيبقى الباقي على أصالة براءة ذمته، بل الظاهر الإجماع على عدم اشتغالها.

و إن كان قد قيل و القائل الشيخ في النهاية أنه يستسعى العبد

ج 25، ص: 82

فيه معجلا للغرور بالإذن بالتجارة الذي من الواضح منعه بحيث يستلزم الرجوع و ل صحيح أبى بصير(1)المتقدم آنفا المحمول- كما في الرياض- على علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنه، الظاهر في حصول الإذن منه له بالفحوى و لا كلام فيه، أو على الاستسعاء برضا المولى كما أفصح عنه

خبر روح بن عبد الرحيم (2)عن الصادق عليه السلام «في رجل مملوك استتجره مولاه فاستهلك مالا كثيرا، فقال: ليس على مولاه شي ء، و لكنه على العبد، و ليس لهم أن يبيعوه، و لكن يستسعى، و إن حجر عليه مولاه فليس على مولاه شي ء و لا على العبد»

و نحوه

خبر أبي بصير(3)لكن سؤاله «رجل استأجر مملوكا»

و في ذيله «و إن عجز عنه فليس على مولاه شي ء و لا على العبد شي ء» بدل قوله في هذا الخبر «و إن حجر عليه»

إلى آخره، بل في الوافي أنه يشبه أن يكون الخبران واحدا و قع في أحدهما تصحيف، و الأمر سهل، أو على تقييد الاستسعاء بعد العتق و إن كان قد يخدش الأول: بأنه مناف لإطلاق الصحيح المزبور أولا، و بأنه لا دليل غير الصحيح على أن حكم إذن الفحوى ذلك و استفادته منه بعد عدم الشاهد و عدم ظهوره فيه كما ترى، و

موثق وهب (4)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن مملوك يشتري و يبيع قد علم بذلك مولاه حتى صار عليه مثل ثمنه، قال: يستسعي فيما عليه»

إنما هو فيما كان في أصل التجارة و لعله لا يقول به الخصم، فالمتجه حينئذ إلحاقها أى الفحوى بالإذن الفعلية، أو العدم، بل الظاهر

الإلحاق فيما فرضه منها من علم المولى و عدم المنع، ضرورة كونه رضا فعليا بعد تسليم أنه فحوى، فلم يفقد إلا التصريح المعلوم عدم دوران الحكم مداره، و الثالث: بأنه لا يجب الاستسعاء بعد العتق، إذ هو حينئذ كغيره من أفراد المعسر الذي ينتظر إيساره، و الثاني: بإمكان كون المراد من قوله و إن حجر إلى آخره أنه لا شي ء لهم عليه و لا على مولاه إن كان قد أدانوه مع تحجير مولاه عليه، اللهم إلا أن يدعى أن الظاهر الأول، و لا ينافيه الاحتمال و فيه منع بل


1- 1 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين- الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3-.
4- 4 الوسائل الباب- 31- من أبواب الدين- الحديث- 6.

ج 25، ص: 83

لعل الظاهر ما ذكرناه و إن جزم بالأول في الحدائق، و قيد الصحيح المزبور به حينئذ.

لكن في المسالك حمل الصحيح المذكور على الاستدانة للتجارة، قال: «و يشكل بأن ذلك يلزم المولى من سعي العبد و غيره، و الأقوى أن استدانته لضرورة التجارة إنما يلزم مما في يده، فإن قصر استسعى في الثاني، و لا يلزم المولى من غير ما في يده، و عليه تحمل الرواية.

و فيه أولا: أن الرواية لا تقبل ذلك بعد تعليق السعي فيها على عدم الإذن، و ثانيا: أنه لا دليل على تقييد ضمان المولى بما في يد العبد مع فرض الإذن، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا موثق زرارة(1)منها، فلا ريب في أن المتجه مع الإذن ضمان السيد مطلقا. و لعل الأولى من ذلك كله حمل خصوص الاستسعاء على

المأذون إذنا لا يراد منها إلا رفع الحجر عنه و الإثم عليه، لا أن المراد منها الإذن التي تشبه الوكالة فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر إطلاق المشهور عدم الفرق بين علم المدين بحاله و عدمه، خلافا لابن حمزة فيتبع به بعد العتق في الأول، و يستسعى في الثاني، قال في الوسيلة: المملوك إذا استدان لم يخل من ثلاثة أوجه: مأذون في الاستدانة، أو في التجارة دون الاستدانة أو غير مأذون، فالأول: حكم دينه حكم دين مولاه، و الثاني ضربان: فإن علم المدين أنه غير مأذون فيها بقي في ذمته إلى أن يعتق، فإن لم يعلم استسعى فيه إذا تلف المال، و الثالث: يكون المال ضائعا إلا إذا بقي المال في يده، أو كان قد دفع إلى سيده.

و هو- مع غرابته بالفرق بين الثالث و الأول من الثاني- واضح الضعف، إذ لا دليل له في الثاني الذي هو محل الخلاف بينه و بين المشهور إلا ما سمعته دليلا للنهاية الذي قد عرفت قصوره عن إفادة ذلك، و لو أنه قال في الأول بالضياع كالثالث لكان له وجه، باعتبار أن المالك هو الذي قد أقدم على إتلاف ماله، و إن كان قد يدفعه منع ذلك بعد فرض أن العبد له ذمة يتبع بها بعد العتق، فأدلة الضمان بحالها.


1- 1 الوسائل الباب 31- من أبواب الدين الحديث- 5.

ج 25، ص: 84

نعم لو مات العبد قبل العتق اتجه الضياع، مع أن الظاهر بقاء حكم المديونية عليه، فللتبرع بالوفاء عنه و للاحتساب من الزكاة أو غيرها من الحقوق وجه فتأمل جيدا. و أما ما يحكى عن أبى الصلاح من التفصيل بين المأذون في الاستدانة و عدمه، فالأول على المولى و الثاني يتبع به بعد العتق من غير تعرض للتجارة فمرجعه إلى المشهور، كما هو واضح، و كذا ما في المختلف، و القواعد، و جامع المقاصد من أنه إن استدان لضرورة التجارة كان على المولى، و إلا يتبع به بعد العتق، ضرورة كون المنشأ في ذلك حصول الإذن في الأول و لو لأن الإذن في الشي ء إذن في لوازمه و عدمه في الثاني، و مراد المصنف- و غيره ممن أطلق التبعية به بعد العتق- الاستدانة فيما لا اذن للمولى فيه، كغير الضروري للتجارة، أو الأعم منهما، بناء على أن وجوده ضروري للتجارة لا الاستدانة له.

و على كل حال فهو نزاع في موضوع خاص، لا أصل المسألة، فإن الجميع متفقون على أن استدانه المأذون في التجارة على المولى إن كان قد أذن له فيها، و إلا فعلى العبد يتبع بها بعد العتق.

نعم ما سمعته من المسالك ظاهر في مخالفة إطلاق المتن و غيره، بل لم أجد له موافقا عدا ما في الدروس في الجملة، فإنه قال تارة: «و لو اجتمع إذن السيد و رضا المستحق فإن كان نكاحا فسيأتي إنشاء الله، و إن كان غيره، فإن كان بيده مال التجارة تعلق بها، لأن موجب الإذن في الالتزام الرضا بالأداء. و أقرب ذلك ما في يده، و هل يتعلق بكسبه من احتطاب و احتشاش و التقاط، اشكال، لعدم تناول الإذن في التجارة إياه، و أنه بالإذن صار الجزء المؤدى من كسبه» و أخرى «و لو ركبه أي المأذون الديون، لم يزل ملك السيد عما في يده فيصرف في الديون، فإن فضل عنه شي ء استسعي على قول الشيخ في النهاية. ل صحيحة أبي بصير(1)و في المبسوط يتبع به إذا تحرر، و

في رواية عجلان (2)«إن باعه السيد فعليه، و إن أعتقه فعلى المأذون،»


1- 1 الوسائل الباب- 31 من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 45 من أبواب العتق الحديث- 1.

ج 25، ص: 85

و قال الفاضل. يلزم المولى».

و هي كما ترى فيها اضطراب من وجوه، و التحقيق ما أومأنا إليه، من حمل نصوص الاستسعاء على ما سمعت، و ما دل على التزام المولى على ما عرفت، و ربما كان في خبري (1)طريف إيماء في الجملة إلى ما ذكرنا، ضرورة أن وجه التزام المولى لو باعه أي المأذون إذنا يراد منها رفع الحجر الحيلولة بين أرباب الدين و بينه، بخلاف ما لو أعتقه فتأمل جيدا. و الله أعلم.

و من ذلك ظهر لك الحال فيما لو لم يأذن له في التجارة و لا الاستدانة و الحال أنه استدان فتلف المال في يده، إذ لا إشكال في كونه إذا كان كذلك لازما لذمته يتبع به لعموم أدلة الضمان دون المولى للأصل و غيره بل و لا خلاف فيه، و إن قال الشيخ: «انه يذهب ضياعا» لكن فسره في السرائر بما في المتن.

نعم ربما يظهر غير ذلك من الضياع في عبارة الوسيلة السابقة، مع أنه يمكن حمله عليه، فيرتفع الخلاف حينئذ، و على تقديره فهو في غاية الضعف لمنافاته أدلة الضمان السالمة عن المعارض هذا.

و لكن في الرياض «أنه لو بادر إلى الاستدانة من دون إذن بالمرة، لزم في ذمته و يتبع به إذا أعتق، و لا يلزم المولى شي ء بلا خلاف. للأصل و صحيح أبى بصير و موثق وهب(2) ثم قال بعد نقلهما: «إن ظاهرهما أنه يتبع به حال الرق بالاستسعاء، و به أفتى ظاهرا بعض الأصحاب، و يشكل برجوعه إلى ضمان المولى في الجملة، فإن كسبه له بالضرورة».

و يمكن دفعه بجواز التزامه في صورة علم المولى باستدانته مع عدم منعه عنها الراجع إلى الأذن بالفحوى، كما هو ظاهر الموثقة و الصحيحة، و إن كانت الإضافة إلى إذن الفحوى مطلقة أو عامة إلا أنها محتمله للتقييد بالصورة المزبورة جمعا بين الأدلة، و يفرق حينئذ بين الأذن الصريح و الفحوى، باستلزام الأول الضمان على السيد مطلقا مع عجز المملوك عن السعي أصلا و عدمه، و اختصاص الضمان عليه بصورة


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب الدين الحديث 2- 3.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب الدين الحديث 6.

ج 25، ص: 86

قدرة العبد على السعي و عدمه مطلقا مع العجز، على الثاني، هذا.

و

في الصحيح (1)«في الرجل يستأجر مملوكا فيستهلك مالا كثيرا؟ فقال: ليس على مولاه و ليس لهم أن يبيعوه، و لكن يستسعى و إن عجز عنه فليس على مولاه شي ء و لا على العبد شي ء»

و نحوه الخبر(2)، لكن تبديل عجزه عنه-، حجر عليه مولاه و عليه يمكن حمل الخبرين الآمرين بالسعي على صورة رضا السيد، و إلا فيتبع به بعد العتق، و هو غير بعيد لو لم يكن في السند قصور. و في المتن تصحيف، هذا و ربما يحمل الاستسعاء على ما بعد العتق، فيندفع الأشكال، و لكن يلزم آخر، و هو: عدم استسعاء الحر فيما عليه، إلا أن يكون هذا مستثنى، لكنه فرع ظهور الخبرين في الحمل، و هو محل نظر، بل لعلهما في الاحتمال الأول ظاهران كما لا يخفى.

قلت: إذا أحطت خبرا بجميع ما ذكرنا تعرف أن كلامه محل للنظر من وجوه منها- ما قد عرفت من أنه لا إشكال نصا و لا فتوى في أن غير المأذون في التجارة و الاستدانة دينه عليه، يتبع به بعد العتق، و موضوع خبر أبي بصير، المأذون في التجارة دون الاستدانة الذي قد عرفت البحث فيه. نعم ما ذكره من الوجه في توجيه النصوص جيد إن كان يرجع إلى ما ذكرناه سابقا، و إلا فهو محل للنظر أيضا، و بالجملة كلامه في غاية التشويش، و كان المسألة غير محررة عنده، و لا غرو بعد ما سمعت من كلام غيره كالشهيد في الدروس و غيره. و الله أعلم.

[فرعان ]
اشارة

فرعان قد تقدم حكم

[الفرع الأول إذا اقترض أو اشترى بغير إذن كان باطلا]

الأول منهما: و هو ما إذا اقترض العبد أو اشترى بغير إذن سيده أو إجازته كان باطلا و حينئذ ف تستعاد العين مع بقائها ان شاء المالك، ضرورة أن له إباحتها له، مضمونة عليه، إذ ليس هو كالطفل لا تصح الإباحة له بعوض، و أنه متى سلطه المالك لم يكن له ضمان عليه، و السفه بالرضا


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام الإجارة الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب الدين الحديث- 4.

ج 25، ص: 87

بالضمان- الذي قد يذهب المال معه ضياعا- يمكن فرض ارتفاعه، و دعوى- امتناع كل معاملة مع العبد و إن لم تفد تمليكا- لا دليل عليها، إلا نفي القدرة في الآية(1)المستفاد منه الحجر مطلقا من غير فرق بين ذمته و غيرها، و فيه بحث قد تقدم سابقا، و قد صرح في ضمان التذكرة، بصحة ضمان العبد من دون إذن سيده لكونه تصرفا في ذمته و لا ضرر فيه على السيد.

و على كل حال فإن تلفت العين في يد العبد يتبع بها إذا أعتق و أيسر و لا يلزم المولى شي ء بلا خلاف، إلا إذا كان العبد مأذونا بالتجارة، ففيه البحث السابق و كأن المصنف أعاد هذا الفرع مع ذكره سابقا للنص على بطلان الشراء و القرض، خلافا لبعض الشافعية، فصححه مع القول بأن العبد لا يملك، لأنه تصرف

في ذمته على وجه لا يضر السيد، فالعين المشتراة حينئذ ملك للسيد، و كذا المقترضة مع قبضها و إن كان العوض في ذمة العبد، إلا أن المحكي عنه جواز رجوع البائع و المقرض بالعين، لإعسار العبد.

و فيه: أنه لا يتم مع العلم بحاله، و قبض السيد للعين المقترضة فأراد المصنف التنبيه على فساد قوله بالتصريح ببطلان الشراء و القرض، للحجر عليه، و لعدم أهلية العبد للملك، و أنه لا معنى لملك المولى بغير عوض أصلا كما أنه لا معنى له بعوض في ذمته مع عدم رضاه، بل و لا معنى له و العوض في ذمة العبد، لامتناع حصول ملك المعاوضة لمن لم يكن العوض منه، و إن كانت المقدمة الأخيرة لا تخلو من بحث، كما أن دعوى الحجر عليه حتى بالنسبة إلى ذلك كذلك. و الله أعلم.

[الفرع الثاني إذا اقترض مالا فأخذه المولى فتلف في يده كان المقرض بالخيار]

الفرع الثاني: إذا اقترض مالا فأخذه المولى فتلف في يده، كان المقرض بالخيار بين مطالبة المولى، و بين اتباع المملوك إذا أعتق و أيسر لثبوت يد كل منهما على المال بغير حق، فإن رجع على المولى قبل أن يعتق العبد، لم يرجع المولى على العبد بشي ء و إن كان غار إله كما قيل، بل ظاهرهم أنه مفروغ منه، من عدم تعلق ضمان العبد لمولاه، و ثبوت المال له على ماله، و لا دليل على تجدده بعد العتق.


1- 1 سورة النحل الآية- 75-.

ج 25، ص: 88

نعم لو كان الرجوع عليه بعد عتق العبد، و الفرض أنه كان مغرورا له، اتجه رجوعه عليه للغرور، كما أنه لو رجع على العبد بعد عتقه، اتجه له الرجوع على سيده إذا لم يكن قد غره، لاستقرار التلف في يده.

و إشكال الأخير بأن الرجوع و إن كان حال الحرية إلا أن ابتداء الثبوت في ذمة السيد بالتلف في حال الرقية التي لم يكن العبد يستحق معها كاشكال سابقه بأن رجوع السيد على العبد و إن كان في حال حريته، إلا أن ابتداء الثبوت في حال الرقية التي لا يتصور ملك السيد لها على مملوكه.

- يدفعهما معا منع الثبوت قبل الرجوع، و إن كان لتمام تحقيق ذلك- و تحقيق الضمان في الأيدي المتعاقبة على معنى مشغول الذمة بحيث يكون دينا عليه هل هو من كان القرار عليه، و غيره انما يستحق الرجوع عليه، لا أنه مشغول الذمة، أو أن الجميع قد اشتغلت ذممهم و ان برأت بدفع البعض، أو أن الخيار بيد صاحب المال، أو غير ذلك- محل آخر و الله أعلم.

[خاتمة أجرة الكيال و وزان المتاع على البائع ]

خاتمة لا خلاف في وجوب أجرة الكيال و وزان المتاع و العداد و الذراع مع توقف التسليم عليها على البائع سواء كان المبيع كليا في الذمة أو جزئيا معلوما من صبرة مشتملة عليه، أو غير ذلك، و في وجوب أجرة ناقد الثمن و وزانه و كياله و عداده على المبتاع للمقدمة، لكن قد يستشكل في النقد، بعدم وجوبه اعتمادا على أصالة الصحة، و يدفع بأنه يجوز القبض لها لا أنه يجب ذلك، للأصل، و لأن الواجب تسليم الصحيح، و لانه قد يمتنع على القابض إثباته أن المعيب من المقبوض.

و كذا لا خلاف في وجوب أجرة بائع الأمتعة الناصب نفسه لذلك على البائع مع أمره له، بل إذنه فيه، و عدم قصد التبرع من العامل، لاحترام عمل المسلم الموجب لذلك شرعا، و ان لم يكن قد استحضر الآمر العوض بل و لا

ج 25، ص: 89

المأمور، بل مقتضى ذلك و ان لم يكن ناصبا نفسه لذلك مع كون العمل مما له أجرة في العادة، و كذا الحال في أجرة مشتريها أي الأمتعة فإنها على المشتري مع أمره أو إذنه على نحو ما تقدم في البائع و إطلاق المقنعة و الوسيلة كون أجرة الدلال على المبتاع و المنادي على البائع منزل على ما ذكرنا قطعا.

و لو تبرع الدلال أو غيره بأن فعل لا بقصد الأجرة لم يستحق اجرة قطعا للأصل و لو أجاز المالك بيعه، نعم قد يتجه استحقاق الأجرة إذا كان قد فعل بقصدها فضولا عن المالك و قد أجازه، إذ هو كغيره من أفراد الفضولي الذي تؤثر فيه الإجازة اللاحقة، بل قد يحتمل تأثير الإجازة في الفعل الذي لم يقصد به التبرع، بناء على جريانها في العقود و الأفعال. لكن على كل حال لا تلازم مع هذا القصد اجازة نفس البيع و اجازة الجعل، فله الاقتصار على الأول دون الثاني.

و قد ظهر من ذلك كله أنه إذا باع الدلال أمتعة شخص على حسب ما قدمنا و اشترى أمتعة أخرى لآخر فأجرة ما بيع على الآمر بالبيع و أجرة الشراء على الآمر بالشراء إذ لا مانع من تعدد الدلالتين بالجعل في السلعتين و (11) إن كان الدلال و أحدا. نعم لا يتولاهما الواحد (12) في السلعة الواحدة، بأن يكون سمسيرا(1)لبائعها، و سمسيرا لمشتريها، لاقتضاء سمسرة كل منهما مراعاة مصلحته المنافية لمصلحة الآخر، ضرورة ابتناء البيع على المغالبة و المماكسة، فمصلحة كل منهما بغير الأخرى، فلا يكون اجتماعهما حتى يصح أخذ الجعل للواحد عليهما.

و ربما أشكل ذلك بإمكان كون السعر منضبطا في العادة على وجه لا يزيد و لا ينقص، فيكون المراد من الدلالة للبائع مثلا وجود المشتري، و من الشراء و جود البائع، أو أنهما اتفقا على سعر مخصوص، فيكون المراد إيقاع العقد.

و قد يدفع- مع أن ذلك خلاف الغالب، بل يمكن منع السمسرة فيه، بل


1- 1 السمسار: المتوسط بين البائع و الشاري و الساعي للواحد منهما في استجلاب الأخر، و هو غير الدلال، معرب- سيب سار- بالفارسية أقرب الموارد.

ج 25، ص: 90

يمكن القطع بعدمها في الثاني- أنه ينبغي أن يعلم أنه لا تأمل في جواز أخذ الأجرتين على الإيجاب و القبول، بناء على صحة الاستيجار على مثله، خلافا للمحكي عن عميد الدين، فمنع الإجارة عليه لعدم كونه مما يستأجر عليه عادة، و ضعفه واضح.

فليس المراد حينئذ بعدم توليتهما الواحد أنه لا يجوز أخذ الجعلين لواحد على الإيجاب من البائع و على القبول من المشتري.

و دعوى- أن ذلك عمل واحد فهي إجارة واحدة موزعة عليها- يدفعها أن ذلك تغيير لفظي، لا يليق حمل عبارات أعيان الأصحاب عليه، مع أنه يمكن منع كونه إجارة واحدة، بل هما عملان مستقلان قد يختلفان في الجعل، و قد يتفقان، و قد يجعل لأحدهما دون الآخر، بل المراد أنه لا يتولى الجعل على البيع و على الشراء، الواحد، ضرورة اقتضاء الجعل على البيع كونه جعلا على الأثر الحاصل من تمام الإيجاب و القبول، و هو متحد بالنسبة إلى البائع و المشتري، فتحصيل قبول المشتري مستحق على الدلال بالجعل على البيع، فليس له أن يأخذ جعلا منه عليه، و كذلك العكس، بل هو كما لو جعل له جعلا على بيعه من زيد الذي من الواضح عدم جواز أخذ جعل من زيد على شرائه له، و الفرق بينه و بين ما يمكن فيه بالخصوصية و عدمها غير مجد، بعد اشتراك علة المنع.

فمن هنا قال الأصحاب: لا يتولاهما الواحد، أي لا يتولى الواحد الجعل على تمام البيع من البائع و المشتري، و لكن لا بأس بتولي الاثنين ذلك، على أن يأخذ كل منهما الجعل من كل منهما على تمام البيع، فيكون فعل كل منهما مقدمة لتحصيل الأثر للآخر الذي يستحق به الجعل على من جعل له فتأمل جيدا. فإنه دقيق نافع في عموم المنع لأفراد المسألة مضافا إلى ما يشعر به

مرسل ابن أبي عمير(1)عن بعض أصحابنا «قال: اشتريت لأبي عبد الله عليه السلام جارية فناولني أربعة دنانير فأبيت قال: اما لتأخذنها فأخذتها، فقال: لا تأخذ من البائع».


1- 1 الوسائل الباب 18- من أبواب أحكام العقود الحديث- 1- باختلاف يسير.

ج 25، ص: 91

و لو فرض أن كلا من البائع و المشتري قد جعلا له جعلا فإن كان المراد الإيجاب و القبول لم يكن إشكال في جواز أخذ الجعلين منهما تقارن أمرهما أو تلاحق، و إن كان المراد الجعل على تمام البيع فليس له الرجوع إلا على من قصد العمل له، و الرجوع عليه، كما يومي إليه ما في التحرير و ليس له أن يأخذ عن سلعة واحدة أجرتين من البائع و المشتري، بل يأخذ ممن يكون عاقدا له و وكيلا فتأمل.

و مع فرض قصدهما معا احتمل سقوط الأجرة من رأس، و توزيعها عليهما و تقديم السابق. و قد يحتمل استحقاقهما معا إذا كان المقصود الجعل من كل منهما على تمام العمل، على معنى أنه لم يرض بإيقاع العمل إلا بالجعلين، فهو كالجعالة الواحدة من شخصين على عمل واحد، و لا ينافي ذلك ما قلناه سابقا المبني على فرض رضاه بكل من الجعالتين على تمام العمل من دون علم الآخر، لا أنها جعالة واحدة منهما معا على العمل، فتأمل جيدا.

و قد ظهر من ذلك النظر في جملة من عبارات الأصحاب، ففي التنقيح «في بعض نسخ الكتاب: أي النافع «و لا يجمع بينهما الواحد: أي لا

يجمع بين الشراء و البيع الشخص الواحد، فيكون موجبا قابلا، و المشهور- لواحد- بغير ألف، و له حينئذ تفسيران، أحدهما: أنه لا يجمع بين الأجرتين الشخص الواحد، بمعنى أنه لا يأخذ أجرة البيع من الإذن فيه كلها، و لا أجرة الشراء من الإذن فيه كلها، بل يأخذ من كل واحد أجرة ما فعل له، فيأخذ أجرة الإيجاب من الإذن في البيع، و أجرة القبول من الإذن في الشراء، و ثانيهما: إذا أمراه بالبيع و الابتياع، فالأجرة على السابق، و إن اقترنا و كان الغرض تولية طرفي العقد، فالأجرة عليهما، و كذا إن تلاحقا و كان الغرض مجرد العقد، و إن لم يكن الغرض مجرد العقد بل السمسرة لكل منهما، فللواسطة أجرتان على قدر العملين».

و فيه نظر من وجوه، و إن كان قد أخذ كثيرا من ذلك من الدروس، فإنه قال:

«و أجرة الدلال على آمره، و لو امراه فالسابق، فإن اقترنا و كان الغرض تولية طرفي العقد فعليهما، و كذا لو تلاحقا و كان مرادهما مجرد العقد، و لو منعنا من تولية

ج 25، ص: 92

الطرفين امتنع أخذ أجرتين، و عليه يحمل كلام الأصحاب أنه لا يجمع بينهما لواحد».

لكنه كما ترى خصوصا و قد عبر بذلك من يرى جواز تولي الطرفين. على أن الكلام في الدلال الذي هو السمسير لا مجرد متولي العقد، و الأصل في تعرض متأخري الأصحاب لذلك ما في المقنعة و النهاية، «و من نصب نفسه لبيع الأمتعة كان له أجرة البيع على البائع، دون المبتاع، و من نصب نفسه للشراء كان أجر ذلك على المبتاع فإن كان وسيطا يبتاع للناس و يبيع لهم، كان له أجرة على ما يبيع من جهة البائع، و أجرة على ما يشتري من جهة المبتاع».

و في السرائر «ليس قصد شيخنا في ذلك أن يكون في عقد واحد بائعا مشتريا، بل يكون تارة يبيع، و تارة يشتري في عقدين، لأن العقد لا يكون إلا بين اثنين».

و في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال: «ليس بجيد، لأنا نجوز كون الشخص الواحد وكيلا للمتعاقدين، كالأب يبيع على ولده من ولده الأخر و حينئذ يستحق أجرة البيع على ما أمره و أجرة الشراء على ما أمره، و قوله: العقد لا يكون إلا بين اثنين، قلنا: مسلم: و هو هنا كذلك لتعدد المسبب كالأب العاقد عن ولديه».

قلت: لا ريب في أن مراد الشيخ ما ذكره ابن إدريس، كقوله في الوسيلة: و من نصب نفسه للأمرين، فأجرته على من عمل له، و إن لم يكن لما ذكره من العلة السابقة، بناء على أن مراده منها ما فهمه منها في المختلف، كما أنه لا ريب في ضعف ما في المختلف، بناء على إرادته استحقاق الأجرتين في الفرض الذي قد أوضحنا منعه سابقا، و يمكن إرادته الأجرة على الإيجاب، و الأجرة على القبول و لا بحث فيها.

لكن في الرياض قد حكى عنه صريحا و المحكي عن المحقق الثاني، و ظاهر النهاية القول باستحقاق الأجرتين على تمام البيع، نظرا إلى أن الأمر بالعمل اقدام منه على التزام تمام الأجر بحصول المأمور به، و رضائه بذلك، و لا مدخل لاتحاد العمل، و كأنه مال إليه فقال: و لعله غير بعيد سيما مع كون متعلق الأمرين طرفي الإيجاب و القبول، و جهل أحدهما بأمر الآخر.

و فيه ما عرفته سابقا، بل ليس في جامع المقاصد ما أرسله عنه، بل ظاهره

ج 25، ص: 93

أو صريحه ما قلناه، كما أنك قد عرفت كون مراد النهاية ذلك أيضا، بل هو محتمل المختلف إلى غير ذلك من كلماتهم التي يعرف ما فيها من الإحاطة بما ذكرنا و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا هلك المتاع في يد الدلال من غير تفريط لم يضمنه بلا خلاف و لا إشكال لأنه أمين نعم لو فرط ضمن و لكن لو اختلفا في التفريط و عدمه كان القول قول الدلال مع يمينه كما في كل أمين ما لم يكن بالتفريط بينة فتقدم حينئذ على قوله كما هو واضح و كذا لو ثبت التفريط و اختلفا في القيمة كان القول قوله أيضا لأصالة براءة ذمته من الزائد ما لم يكن بينة، فتقدم على قوله.

و بالجملة حكمه حكم غيره من الأمناء و غيرهم، لكن في المقنعة و النهاية أنه إن قال له المالك: بعه نسيئة بدراهم مسماة فباعه نقدا بدون ذلك كان مخيرا بين أن يفسخ البيع، و بين أن يمضيه، و يطالب الواسطة بتمام المال؛ و فيه: أنه ليس له سبيل على الواسطة بالتمام بعد الإجازة، اللهم إلا أن يريدا به تمام ما باعه به و كان الواسطة قابضا و قد أجاز البيع و القبض؛ و فيهما أيضا أنه إن قال: بع هذا المتاع و لم يسم له ثمنا، فباعه بفضل من قيمته، كان البيع ماضيا، و إن باعه بأقل من قيمته كان ضامنا لتمام العقد حتى يسلمها إلى صاحب المتاع على الكمال، و هو كما ترى.

و لذا نسبه في التحرير إلى الرداءة و يمكن تأويلها إلى الضوابط، و فيهما أيضا «أنه إن اختلف الواسطة و صاحب المتاع في القول بالبيع بكذا، كان القول قول صاحب المتاع بيمينه، و له أن يأخذ المتاع إن وجده بعينه، فإن كان قد أحدث فيه ما ينقصه أو يستهلكه ضمن الواسطة من الثمن ما حلف عليه صاحب المتاع» و فيه: أنه لا وجه لضمان الواسطة ذلك، لما عرفت إلى غير ذلك مما في المقنعة و النهاية مما لا يوافق الضوابط، و كذا الوسيلة فلاحظ و تأمل. و الله أعلم بحقيقة الحال.

ج 25، ص: 94

[كتاب الرهن ]

اشارة

كتاب الرهن الذي هو مصدر رهن أو اسم للشي ء المرهون الذي يجمع على رهان. كسهم و سهام، و ربما قيل: و رهن لكن عن الأخفش أنه قبيح، لعدم جمع فعل على فعل إلا قليلا:

كسقف و سقف، بل هو جمع الجمع.

و على كل حال فتمام النظر فيه يستدعي فصولا

[الفصل الأول في الرهن ]

الأول: في الرهن و هو لغة الثبات و الدوام و في المسالك «و عن المصباح المنير: أو الحبس بأي سبب كان، قال الله تعالى (1)«كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ» و أخذ الرهن الشرعي من هذا المعنى أنسب إن افتقر إلى المناسبة» قلت: ليس له معنى شرعي جديد يحمل عليه لفظه في الكتاب و السنة كما حرر في محله، و إن طفحت عباراتهم بأنه شرعا وثيقة لدين المرتهن لكن لا يريدون بذلك أنه حقيقة شرعية بل المراد حقيقة عند المتشرعة.

و لذا نسبه في المحكي عن مجمع البحرين إلى عرف الفقهاء، و تسامحوا في تعريفه، المقصود منه مجرد التصوير و التمييز و لو بذكر الشرائط فيه، فلا يناسب الإيراد عليه بلزوم الدور فيه، بذكر المرتهن فيه الذي يمكن تغييره بصاحب الدين أو من له الوثيقة، و بأنه غير شامل للرهن على الدرك و الأعيان المضمونة مما ليس دينا الذي تسمع البحث في صحة الرهن عليهما و عدمه، و بنحو ذلك.

بل نوقش في لفظه بعدم المطابقة فيه بين المبتدإ الذي هو لفظ مذكر، و الخبر الذي هو لفظ الوثيقة المؤنث، مع أنه قد يدفع بأن لفظ الوثيقة يستوي فيه التذكير و التأنيث في الاستعمال، كما صرح به بعضهم، فخرجت التاء عن التأنيث، بل قيل:

إن التاء فيها للنقل من الوصفية إلى الاسمية.

و على كل حال فلا ينبغي الالتفات إلى هذه المناقشات بعد أن كان الرهن باقيا


1- 1 سورة المدثر الآية- 38-.

ج 25، ص: 95

على معناه اللغوي، و إنما اعتبر الشارع فيه شرائط للصحيح منه، فهو حينئذ هنا حبس العين باللفظ المخصوص، أو الانحباس، أو اللفظ الدال على ذلك على حسب ما سمعته في البيع، لا نفس الوثيقة التي هي معنى اسمي له، خارج عما نحن فيه من البحث عن العقود، فلا بد من حمل عبارة المصنف على إرادة جنس الوثيقة، أو نحو ذلك مما ينطبق على العقود.

و المراد كما ستعرف فيما يأتي من الوثيقة للدين ما يستوفى منها، لا أن المراد يستوفى بسبب حبسها، و إن لم يصلح الاستيفاء منها، كأم الولد، و العين الموقوفة و نحوهما، و لا إشكال في ثبوته: أي الرهن في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله من ضروريات المذهب أو الدين.

كما لا ريب في أنه يفتقر عقده إلى الإيجاب و القبول بل قد يظهر من المتن و من عبر كعبارته توقف صدقه أو صحته على ذلك، بل صرح بعضهم بذلك، و مقتضاه عدم جريان المعاطاة فيه لكن صرح في التذكرة بأن الخلاف فيها فيه كالخلاف في البيع.

و أشكله في جامع المقاصد بأن البيع ثبت فيه حكم المعاطاة بالإجماع، بخلاف ما هنا.

و فيه أنه يمكن دعوى السيرة عليه هنا أيضا كالبيع، بل لا بأس بالتزام الفرق بينها و بين العقد، بجواز الرهن الحاصل بها بخلافه، و إن كان لا يخلو من تأمل، ضرورة صدق الرهن على الحاصل بها، فيشمله أدلة اللزوم الذي هو مقتضى السيرة أيضا و لعلهم تركوا التعرض لها هنا لعدم الفرق بينها و بين العقد في الحكم.

لكن قد عرفت سابقا أن التحقيق عدم كون المعاطاة في البيع و غيره فردا من مسمياتها، و على تسليمه فهي ليست من الصحيح منه، ضرورة اعتبار العقدية في تحقق مفهومه، كما هو المنساق من نحو المتن، في صحته، فلا يجري حينئذ شي ء من أحكامه عليها، و إلا لزم تعدد مفهوم البيع و لو من جهة الأحكام، و هو مقطوع بعدمه، بملاحظة الأدلة، الظاهرة في أنه وحداني كما هو واضح.

ج 25، ص: 96

و كيف كان ف الإيجاب: كل لفظ دل على الارتهان، كقوله: رهنتك أو هذه وثيقة عندك، أو ما أدى هذا المعنى كوثقتك، و هذا رهن عندك، بل و أرهنت، بناء على ما في المسالك و التنقيح من أنها لغة قليلة، و زاد في المسالك:

«أنه لا يبلغ شذوذها حد المنع، و أنها أوضح دلالة من كثير مما عدوه».

و عن الصحاح و المصباح و القاموس: رهن و أرهن بمعنى، فما عن المهذب البارع من أنه لا يقال: أرهن- اجتهاد في مقابلة النص، و نفي لا يعارض الإثبات، مضافا إلى ما تعرفه من التسامح في عقد الرهن في الجملة، حتى استقرب في التذكرة، عدم اشتراط اللفظ العربي فيه، و وافقه في الدروس: فلا شك حينئذ في تناول العقود.

للعقد بها.

بل في الدروس «لو قال: خذه على مالك، أو بمالك، فهو رهن، و لو قال:

أمسكه حتى أعطيك مالك فأراد الرهن جاز، و لو أراد الوديعة أو اشتبه فليس برهن» و لعل ذلك كله- كما في المسالك- لأن الرهن ليس على حد العقود اللازمة، لأنه و إن كان لازما من طرف الراهن، لكنه جائز من طرف المرتهن، فترجيح جانب اللزوم، و لزوم ما يعتبر في اللازم ترجيح من غير مرجح، خصوصا مع البحث في اعتبار ما ذكروه في اللازم، فيبقى حينئذ على مقتضى عموم الوفاء بالعقود، الشامل لكل ما قصد به عقد الرهن من الألفاظ من غير اعتبار لفظ مخصوص، و لا صيغة خاصة.

لكن فيه أن ترجيح جانب الجواز أيضا ترجيح من غير مرجح، و الأصول تقتضي عدم لحقوق أحكام الرهن، و المراد من العقود المأمور به بالوفاء بها المتعارفة نوعا و صنفا، فالمعلوم منها و لو بمعونة كلام الأصحاب يجب الوفاء به، و ما لم يعلم فضلا عن المعلوم عدمه لا يجب الوفاء به، اللهم إلا أن يمنع ذلك، و يقال: إنه إن سلم إرادة المتعارف منها، فالمراد المتعارف نوعها: أي البيع و الإجارة و الصلح و نحوها، و أما بالنسبة إلى ما ينعقد به كل واحد منها فاللفظ شامل لكل ما قصد به العقد من الألفاظ إلا ما علم خروجه، أو حصل الشك في تناول العام له من شهرة عظيمة و نحوها، كما ادعوه فيما عدا الصيغ الخاصة للعقود اللازمة.

ج 25، ص: 97

و بالجملة مدار المسألة على ذلك، و لا ريب في أن الاحتياط يقتضي الأول، و الظن يقوي في الثاني، إلا أن الظاهر اعتبار العربية فيه على القولين لانصراف الإطلاق إليه، بل في جامع المقاصد «تمنع صدق العقد على ما كان باللفظ العجمي مع القدرة على العربي» أما الماضوية فقد اعتبرها في التذكرة، بل ربما استظهر ذلك و المقارنة و تقديم الإيجاب على القبول، و العربية، من المبسوط، و فقه الراوندي، و الوسيلة و الغنية، و السرائر، و جامع الشرائع، و النافع، و الإرشاد، و التبصرة، و غيرها، مما اقتصر فيه على اعتبار الإيجاب و القبول، بدعوى انصرافهما إلى ذلك كله، و إن كان فيه ما فيه.

بل ما في التذكرة لا ينطبق على ما صرح بجوازه فيها، من هذا رهن، أو وثيقة عندك، و لو قيل: إنهما بمعناه أو أدل منه- من حيث دلالة الاسمية على الثبوت- رد بأنه قد شرط لفظ الماضي لا معناه، و بأن ذلك يستلزم جواز البيع بها، بأن يقول هذا مبيع لك بكذا، و هو لا يقول به نعم، يمكن أن يقال: إنه احترز بالماضي عن المستقبل خاصة، كما يشعر به قوله بعده بلا فصل، فلو قال: أرهنك كذا أو أنا أقبل لم يعتد به أو هو مع الأمر، و إن كان قد سمعت من الشهيد جوازه، كما أنك سمعت مدار الأمر في المسألة.

و كيف كان ف لو عجز عن النطق بالإيجاب، و لو لخرس عارضي كفت الإشارة المفهمة للمقصود بأي عضو كان بلا خلاف أجده فيه، لقيامها حينئذ مقام اللفظ كما يفهم ذلك مما ورد في تلبية الأخرس و تشهده.

و لو كتب بيده و الحال هذه و عرف ذلك من قصده جاز أيضا، لأنه من الإشارة أو أولى منها أو مساو لها، و لا يجزى شي ء منهما مع عدم العجز قطعا، لحصر الشارع،

المحلل و المحرم، في الكلام (1)

و دليل البدلية خاص بحال العجز، فمن الغريب دعوى بعض متأخري المتأخرين الجواز فيه أيضا مدعيا عدم الدليل بالخصوص


1- 1 الوسائل الباب- 8 من أبواب أحكام العقود الحديث- 4.

ج 25، ص: 98

على حال العجز، فليس إلا الاكتفاء بكل ما يدل على الرضا، و هو عام للحالين و فيه ما لا يخفى.

و أما القبول ف هو كل لفظ دل على الرضا بذلك الإيجاب و الكلام فيه كما في الإيجاب، بل قد يظهر من المتن و غيره توسعة الأمر فيه أزيد من الإيجاب، حيث جعله هو الرضا من دون اعتبار لفظ دال عليه، فضلا عن أن يكون مخصوصا، و لعل الفارق بينه و بين الإيجاب أن الرهن لازم من قبل الراهن، لأنه يتعلق بحق غيره، فيجوز أن يعتبر في حقه مالا يعتبر في حق المرتهن، حيث أنه من قبله جائز، لأنه يتعلق بحقه، فيكفي فيه ما يكفي في العقود الجائزة المحضة لكن ظاهر الأصحاب اعتبار القبول القولي.

نعم قد احتمل الفاضل في التذكرة، و القواعد، الاكتفاء بالاشتراط في عقد البيع عنه، فلو قال: بعتك هذا الكتاب و اشترطت عليك أن ترهنني دارك، فقال المشتري: قبلت و أرهنتك صح حينئذ، مع أن التحقيق خلافه أيضا بعد الإغضاء عن جواز تقديمه على الإيجاب، ضرورة عدم حصول إنشاء الرضا بالإيجاب بذلك، و إنما دل الشرط على أنه يرضى بالارتهان حاله، كما هو واضح بأدنى تأمل في نظائره و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله.

و على كل حال فلا ريب في أنه يصح الارتهان سفرا و حضرا بلا خلاف فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن السنة شاملة بإطلاقها للحالين، و الشرط في الآية(1)مبنى على الغالب فإن عدم الكاتب عادة لا يكون إلا في السفر، فهو نحو قوله (2)«وَ إِنْ كُنْتُمْ*. عَلى سَفَرٍ* إلى قوله، فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا*» فإن عدم الماء يكون في السفر غالبا فما عن بعض العامة من عدم جوازه في الحضر للآية في غاية الضعف، خصوصا بعد اشتمالها على اشتراط عدم الكاتب، و هو غير شرط بموافقة الخصم، و بعد


1- 1 سورة البقرة الآية- 283-.
2- 2 سورة النساء الآية- 43- و سورة المائدة الآية- 6- و لكن الآية\i« وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ»*\E الى آخرها.

ج 25، ص: 99

ما

ورد عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«انه رهن درعه عند يهودي و هو حاضر بالمدينة»

و الله أعلم.

و كيف كان ف هل القبض من المرتهن شرط في صحة الرهن و ترتب آثاره عليه قيل : و القائل الشيخ في أحد قوليه، و ابن إدريس، و الفاضل و ولده، و المحقق الثاني و الشهيد الثاني، و غيرهم لا يشترط بل حكي أيضا عن البشرى، و الجواهر، و تخليص التلخيص، و المقتصر، و غاية المرام، و إيضاح النافع، و غيرها. بل في السرائر نسبته إلى الأكثر من المحصلين، و في كنز العرفان إلى المحققين، فيكفي في الصحة حينئذ الإيجاب و القبول مع اجتماع باقي الشرائط و يتبعها اللزوم، بل في الغنية و السرائر لا خلاف في حصول الصحة بدونه، و إن الخلاف إنما هو في لزومه بدونه.

بل و كذا التذكرة و التحرير، و التنقيح، و المسالك، و الروضة، و غيرها، حيث أنهم قد جعلوا الخلاف في ذلك دون الصحة، و احتمال إرادتها من اللزوم الذي هو محل الخلاف في كلامهم يأباه ظاهر كلماتهم، و صريح الغنية و السرائر و المسالك و غيرها، بل لعل احتمال العكس في كلام من جعل الصحة موردا للنزاع كما هو ظاهر كثير بل الأكثر أولى. خصوصا بعد عدم الثمرة المعتد بها لها قبل اللزوم، بل عن إيضاح النافع الجزم به، لكن الإنصاف عدم خلوه من البعد كما ستعرف فلاحظ و تأمل.

و قيل و القائل المفيد و الشيخ في القول الآخر و بنو الجنيد، و حمزة، و البراج، و الطبرسي، و غيرهم، على ما حكي عن بعضهم نعم يشترط ذلك في صحة الرهن، بل عن الطبرسي الإجماع عليه، بل ربما ظهر من بعضهم ما هو المحكي عن بعض أهل اللغة من عدم تحقق مسمى الرهن بدونه، و إن كان هو واضح الضعف ضرورة كون لفظ الرهن كباقي ألفاظ العقود المعلوم عدم توقف صدقها على غير العقد من قبض و نحوه، و ان اعتبر في ترتب الأثر، كالتقابض و القبض قبل التفرق في الصرف


1- 1 المستدرك ج- 2 ص 494.

ج 25، ص: 100

و السلم، و القبض في الهبة و نحو ذلك، بل لعل وصف الرهان بالمقبوضة في الآية(1)مما يشهد لذلك، و حمله على الوصف الكاشف، خلاف الأصل في الوصف بلا مقتض، بل المقتضى على خلافه متحقق.

نعم لا بأس بجعل الصحة موقوفة عليه و إن تحقق الاسم بدونه، و هو الأصح عند المصنف، و الشهيد، و غيرهما تبعا لمن عرفت ممن ظاهر كلامه اعتباره في الصحة دون اللزوم:

ففي المقنعة «و لا يصح الارتهان الا بالقبض» و في النهاية «لا يدخل الشي ء في أن يكون رهنا إلا بعد قبض المرتهن له و تمكنه منه» و في الوسيلة «الرهن إنما يصح بثلاثة شروط: الإيجاب، و القبول، و القبض برضا الراهن إلا إذا اشترط في العقد» لكن قد عرفت أن محل النزاع في الغنية اللزوم، فيمكن أن يكون قد حمل عبارة الشيخين عليه، قال فيها: شروط صحته ستة، إلى أن قال بعد ذكرها:

«و إذا تكامل هذه الشروط صح الرهن بلا خلاف، و ليس على صحته مع اختلال بعضها دليل، و أما القبض فهو شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن، و من أصحابنا من قال يلزم بالإيجاب

و القبول، لقوله تعالى (2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و القول الأول هو الظاهر من المذهب الذي عليه الإجماع، و إذا تعين المخالف باسمه و نسبه لم يؤثر خلافه».

و أصرح منها ما في السرائر، فإنه أيضا ذكر أن شروط صحته ستة ثم قال:

«و إذا تكامل هذه الشروط صح الرهن بلا خلاف، و ليس على صحته مع اختلال بعضها دليل، فأما القبض فقد اختلف قول أصحابنا فيه، هل هو شرط في لزومه أم لا؟ فقال بعضهم: إنه شرط في لزومه من جهة الراهن دون المرتهن، و قال الأكثرون المحصلون منهم: يلزم بالإيجاب و القبول، و هذا هو الصحيح إلى أن قال:


1- 1 سورة البقرة الآية 283.
2- 2 سورة المائدة الآية- 1.

ج 25، ص: 101

و الأول مذهب شيخنا أبي جعفر في نهايته، و شيخنا في مقنعته، و الثاني: مذهب لشيخنا في مسائل خلافه، فإنه رجع عما ذهب إليه في نهايته» إذ هو كما ترى صريح في فهمه اللزوم من عبارتي المقنعة و النهاية، و قد ظهر من ذلك الاضطراب في كلمات الأصحاب المحررين للنزاع.

و على كل حال فالمحصل أن الأقوال في المسألة ثلاثة، و إن كان مقتضي جميع المحررين للنزاع أو أكثرهم أن المسألة ثنائية الأقوال، إلا أن التتبع يقضي بما ذكرنا، الأول: عدم المدخلية له في الصحة و اللزوم، و هو خيرة الخلاف و السرائر و غيرهما ممن عرفت. و الثاني: توقف

الصحة عليه و هو ظاهر المقنعة، و النهاية، و الوسيلة و غيرهم، بل هو صريح المحكي عن الطبرسي. و الثالث: توقف اللزوم عليه دون الصحة، و هو خيرة المقنعة.

و أما الاحتمالات: فهي أكثر من ذلك، إذ منها أنه- شرط للصحة على جهة الكشف، بل هو مقتضى إطلاقهم الشرطية عليه ضرورة عدم كون المراد منها في المتأخر غير الكشف، و من هنا وجب حمله مع فرض عدم إرادة ذلك على جزء سبب الصحة، فإطلاق الشرطية عليه حينئذ على ضرب من المجاز، كما جزم به في جامع المقاصد.

و منها أنه شرط للزوم كذلك، بناء على أن السبب في تأثيره: أي اللزوم العقد، فشرطه المتأخر حينئذ لا يكون إلا على جهة الكشف، و من هنا وجب حمله مع فرض عدم إرادة ذلك على جزء السبب في اللزوم؛ كما جزم به في المسالك، و أن إطلاق الشرط عليه مجاز، لكن قد يمنع تسبيب العقد اللزوم، لانفكاكه عنه كبيع خيار المجلس و غيره، بخلاف الصحة، فيمكن أن يكون هو السبب في اللزوم، و تقدم العقد حينئذ شرطه.

و منه ينقدح احتمال ثالث: و إن كان الفرق بينه و بين القول بأنه جزء سبب في اللزوم في الثمرة غير ظاهر.

ج 25، ص: 102

و كيف كان فقد كفينا مؤنة هذه الاحتمالات و غيرها بإمكان تحصيل الإجماع المركب على نفيها، لما عرفت من انحصار الخلاف قديما و حديثا في الأقوال الثلاثة التي يقوى في النظر فيها الأول، للاية، و غيرها مما دل على لزوم العقود، حتى جعلوه الأصل فيها، و إليه يرجع أصالة عدم الاشتراط الراجعة إلى ظهور الأدلة في كون العقود هي الأسباب لمدلولاتها من غير حاجة إلى شي ء آخر.

و لظهور النصوص في ترتب الأحكام على صدق الرهن الذي لا ريب في عدم توقف صدقه على القبض، بل لا يخفى على من تصفحها على كثرتها ظهور ترتب أحكام الرهن المقبوض على ما تحقق مسماه فيه من غير تعرض للقبض و عدمه، و لو كان معتبرا في صحة أو لزوم وجب التفصيل، و إلا لزم الإغراء بالجهل، بل لعل ترك الاستفصال فيه دليل العموم.

نعم يستفاد منها على وجه لا يسع الفقيه إنكاره استحقاق المرتهن على الراهن قبضه، لأن الأصل في مشروعيته التوثق، و لا يتم غالبا إلا به، بل لا يخفى ظهور النصوص في المفروغية من ذلك، كما يومي إليه ذكر أحكام المقبوض بمجرد ما قيل في السؤال أنه رهن، و كأن هذا هو الذي غر القائل بالشرطية، لكنك خبير في أنه أعم منها، إذ الأقوى وجوب الإقباض على الراهن إذا طلبه المرتهن، و إن لم يكن شرطا في صحة أو لزوم كما جزم به في التحرير، و لعله لما ذكرنا بل و لما ستسمعه مما ذكروه دليلا للشرطية، بل لعل مبنى الرهانة على ذلك.

لكن توقف فيه في القواعد، فقال: «ليس القبض شرطا على رأى، و هل له المطالبة به؟

إشكال» إذ الظاهر أن مراده على تقدير عدم الشرطية كما اعترف به في جامع المقاصد موجها للإشكال بنحو ما ذكرنا، و بانتفاء المقتضي، إذ العقد لا يقتضيه، و لا سبب غيره، و الإرشاد التوثق بالقبض في الآية(1)لا يدل على كون ذلك مستحقا للمرتهن على الراهن بمجرد العقد، و مما ذكرنا يظهر لك أن الترجيح للأول.

هذا. و لكن في القواعد بعد ذلك أنه لا يجبر الراهن على الإقباض، فلو رهن و


1- 1 سورة البقرة الآية 283.

ج 25، ص: 103

لم يسلم لم يجبر عليه، و قد قيل: إنه جزم بعد التردد، و لعل الأولى جعل ذلك منه على تقدير الاشتراط، كما يشهد به التأمل لكلامه أولا و آخرا فلاحظ و تأمل.

و قال أيضا فيها في الفصل السادس: «و إذا لزم الرهن استحق المرتهن إدامة اليد» كما أن ما عن المبسوط- من أنه «إذا جن الراهن أو أغمي عليه، أو رجع قبل القبض، قبض المرتهن، لأن العقد أوجب القبض»- ينبغي حمله على ما قلناه، ضرورة أنه لا وجه له معتد به على تقدير الشرطية، و إن سمعت في الصرف دعوى مثل ذلك من بعضهم في التقابض، فأوجبه بالعقد مع توقف الصحة عليه، لكنه مع أنه لم يدعه أحد هنا، فيه ما عرفت، على أن المحكي عنه في المبسوط أنه قال: «و الاولى أن نقول أنه يلزم بالإيجاب و القبول» فيقوى بناء كلامه هذا على ذلك.

و على كل حال فلا تنافي بين وجوب الإقباض و بين القول بعدم الشرطية الذي قد عرفت قوته، و يزيده قوة، ضعف دليل المخالف، إذ ليس إلا الأصل، الذي ليس بأصيل بعد العقد و ما دل على لزومه و صدق الرهن، و الآية التي ادعى الخصم دلالتها بمفهوم الوصف الممنوع حجيته في المقام، خصوصا بعد ظهور التقييد فيه في تمام الإرشاد، أو أنها إنما دلت على مشروعية الرهن المقبوض، فينفى غيره بالأصل المقطوع بالإطلاقات.

و بالجملة دعوى- دلالة الآية على الشرطية في الرهن بعد ظهورها في إرادة الإرشاد، كما يومي إليه التعليق على السفر، و عدم الكاتب، و أنه لا قائل بوجوب أخذ لرهن كما يستفاد من الجملة- في غاية الفساد كما هو واضح.

و

خبر محمد بن قيس (1)عن أبى جعفر عليه السلام كما في كتب الأصول و كثير من كتب الفروع، أو الصادق عليه السلام كما في قليل من الأخيرة «لا رهن إلا مقبوضا»

المعتضد ب ما رواه العياشي (2)عن محمد بن عيسى عن الباقر عليه السلام كذلك، الذي هو بعد الإغضاء عن سنده، و أنه من قسم الموثق، و إن قال الشهيد و غيره: أنه مردود، لاشتراكه


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 2-.

ج 25، ص: 104

بين الثقة و الضعيف، لأن المراد منه هنا البجلي الثقة، بقرينة رواية عاصم عنه، بناء على أنه ابن حميد، و أن ابن سماعة فيه، الحسن بن محمد بن سماعة، و أن طريق الشيخ إليه قوي، و الإغضاء عن كونه موافقا لجمهور العامة، و منهم أبو حنيفة، و الشافعي، و أحمد، في إحدى الروايتين، خصوصا مع شدة التقية في زمانه عليه السلام، و الإغضاء عن احتمال إرادة بيان اعتبار كون الرهن مما يقبض كما يومي إليه عدم تخصيص القبض للمرتهن.

محتمل لإرادة بيان نفي الاعتداد به في الاستيثاق و الطمأنينة، لا الشرطية، بل لعل الظاهر منه ذلك، بعد أن كان المنفي فيه، العين المرهونة، لا العقد الذي يوصف بالصحة و البطلان، و بعد أن كان الظاهر منه استدامة القبض للعين المرهونة، باعتبار نفي الرهن بدونها، الظاهر في لزوم اتصافها بذلك لصفة الرهن، و الإجماع بقسميه كما ستعرف على عدم اعتبار الاستدامة، و بذلك يضعف دلالة الآية أيضا، و يقوى إرادة الإرشاد منها، بل قد يستفاد منها و من الخبر مشروعية الرهن بغير قبض، كما هو المختار، و إن كان لا يحصل به تمام الاستيثاق في بعض الأحوال.

و الإجماع المحكي عن الطبرسي المعارض بنفي الخلاف من ابني زهرة و إدريس عن الصحة بدونه كما أن إجماع ابن زهرة على اعتباره في اللزوم معارض بما سمعته من ابن إدريس و المقداد، بل دعوى تبين خلافه، لعدم المصرح باعتباره في اللزوم دون الصحة غيره، على أنه قد اعترف بوجود المخالف إلا أنه غير قادح، لمعروفيته باسمه و نسبه، و لا ريب في قدحه و إن كان كذلك، على طريقتنا في الإجماع كما بين في الأصول محررا، فقد بان من ذلك فساد دعوى الشرطية على كل حال، و إن كانت هي في اللزوم أوضح فسادا، ضرورة عدم دليل للصحة حينئذ على وجه يفصلها عن اللزوم غير نفى الخلاف المزبور المعارض بما سمعت، فلا ريب حينئذ في قوة القول بالعدم مطلقا فتسقط حينئذ جميع الفروع التي ذكروها في المقام و أطنبوا فيها لكن لا بأس بالتعرض إلى جملة منها بناء على الشرطية.

فمنها أنه لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد عقد الرهن، و لم يصح

ج 25، ص: 105

بناء على اعتباره في الصحة بلا خلاف أجده فيه، لكونه قبضا غير مأذون فيه أو منهيا عنه، لما عرفت من وجوب الإقباض عليه بالعقد، فلا يسقط حق الرجوع المستصحب بقاؤه، بل لا يقطعه إلا حصول المقطوع به من الشرط و هو القبض المأذون فيه.

فدعوى إطلاق دليل الشرطية الذي لا ينكر انسياقه إلى المأذون فيه، خصوصا بعد استقراء نظائر المقام مما كان القبض فيه تتمة السبب، و خصوصا بعد معارضة قاعدة عدم سقوط حق الغير إلا برضاه، و خصوصا بعد عدم الخلاف فيه لا يصغى إليها، كدعوى وجوب الإقباض عليه بالعقد الذي لم يكن سببا تاما في حصول مدلوله، لأن الفرض توقف الصحة على الإقباض، بل الظاهر أنه كذلك لو قلنا بأنه شرط للزوم، ضرورة عدم اقتضاء العقد الجائز وجوب إلزامه.

نعم قد يقال: بجواز قبضه للمرتهن، باعتبار تعلق حق الرهانة فيه المقتضية للقبض باعتبار بنائها على التوثق الذي لا يتم غالبا الا به، فهو و إن كان باقيا على ملك المالك، إلا أنه لا يمنع ذلك من قبضه للمرتهن، بعد اقتضاء حق الرهانة ذلك شرعا، لكن لا يؤثر هذا القبض لزوما في حق الراهن، للأصل و غيره، مع احتماله لإطلاق ما دل على اللزوم به، فهو كالتصرف في الهبة و المعاطاة المقتضي للزوم من الجانبين، و عدم وجوب الإقباض غير اللزوم بالقبض و لعله لذا حكي عن الكفاية الإشكال في اعتبار الإذن، بناء على كون القبض شرطا في الصحة دون اللزوم، و إن كان الظاهر ما ذكرنا أولا.

و أما على المختار من عدم الاشتراط و أنه يجب على الراهن الإقباض، فليس للمالك منع المرتهن من قبضه، بل و لا يتوقف على إذنه، لتعلق حق الرهانة المقتضي لذلك شرعا، فهو كما لو شرط الرهانة المشتملة على القبض بعقد لازم، أو نذرها مثلا و احتمال وجوب مراعاة الأذن- لكونه باقيا على ملكه، و إن كان إذا امتنع أجبره الحاكم، فإن لم يمكن قام مقامه في التسليم- لا يخلو من وجه، إلا أن الأقوى ما ذكرنا.

فما عن الكفاية- من الجزم بوجوب إذن الراهن على القول بعدم الاشتراط في اللزوم فضلا عن الصحة، و اختاره بعض مشايخنا. بل زاد عليه الجزم باحتياجه

ج 25، ص: 106

على تقدير اشتراطه في اللزوم دون الصحة- واضح الضعف، و لعلهما بنيا الأول على عدم وجوب القبض و إن قلنا بعدم شرطيته، لكنك قد عرفت ضعفه سابقا فلاحظ و تأمل.

و منه تعلم الحال فيما لو اشترط الرهن في عقد لازم، فإنه على المختار لا بد من الرهن و القبض، إلا أن الظاهر كون وجوب القبض من مقتضى الرهانة كما عرفت، لا من جهة الشرطية التي ليست هي إلا الرهانة المحققة بدونه، نعم يتجه ذلك على القول بأنه شرط في الصحة، ضرورة عدم تعلق حق الرهانة بالعين المشترط رهنها بدونه، فلا يجدي مجرد العقد الذي لم يتعقبه قبض، إذ هو كالرهن الفاسد، و صحة إطلاق الرهن على العقد كما ذكرناه سابقا لا ينافي كون المراد هنا الرهن المخصوص.

أما لو قلنا بأنه شرط للزوم ففي المسالك «ينبغي أن يتحقق الوفاء بالشرط بدون القبض و إن لم يلزم من قبل الراهن، لأن ما يجب الوفاء به الرهن الصحيح، و هو أعم من اللازم» لكن فيه أنه لا تحصل الفائدة المطلوبة من اشتراطه، فينبغي التقييد في الاشتراط برهن مقبوض، اللهم إلا أن يدعى دلالة القرائن على ذلك، بناء على الاكتفاء بمثلها أو يقال: إن الرهن المشروط في العقد اللازم يستحق القبض و إن قلنا بكونه شرطا في اللزوم كما حكاه في المسالك عن الشهيد، و لعله راجع إلى ما ذكرنا من دلالة القرائن على ذلك، و الا فليس ما يقتضي استحقاقه بمجرد اشتراطه غيره، هذا كله إذا اشترط الرهن خاصة.

أما إذا اشترط القبض معه فالمتجه بناء على ما ذكرنا سابقا في الشرائط وجوبها على المشترط عليه، و إجباره عليه، فإن لم يمكن تسلط على الخيار. نعم على ما تقدم من الشهيد، يتجه ما صرح به هنا من عدم وجوب ذلك عليه، بل أقصاه تسلط ذي الشرط على الخيار، و هو خيرة الفاضل في المقام، لكن فيه ما عرفت سابقا و الله أعلم.

و قد ظهر من ذلك كله عدم صحة الرهن بالقبض من غير اذن بناء على اعتباره في صحته و كذا لو أذن في قبضه ثم رجع بإذنه قبل قبضه إذ هو كغير المأذون فيه، ضرورة عدم اللزوم عليه بالإذن الذي له الرجوع فيها، للأصل و غيره، فيتجه حينئذ جميع ما ذكرنا فيه سابقا، و لا يقال: إن الإذن هنا قد أسقطت حقه

ج 25، ص: 107

من الرجوع، بناء على الشرطية في اللزوم، إذ قد عرفت أن المسقط له شرعا إنما هو القبض، لا الإذن فيه، بل لو صرح بالإسقاط ثم رجع قبل القبض لم يؤثر ذلك الإسقاط، لعدم كون الجواز هنا كالخيار، بل هو من الأحكام الشرعية لا الحقوق المالكية التي يتسلط عليها الإسقاط كل ذلك مع عدم الخلاف فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ممن اعتبر الإذن في القبض، سواء قلنا إنه شرط في اللزوم أو الصحة.

و كذا لا يصح الرهن لو نطق بالعقد ثم جن، أو أغمي عليه، أو مات قبل القبض مثلا بناء على اعتباره في الصحة بلا خلاف أجده، لظهور ما دل على شرطية الاختيار إلى تمام سبب الصحة إنما الكلام في البطلان بذلك على تقدير اعتباره في اللزوم، فربما قيل به، لأنه حينئذ من العقود الجائزة المعلوم بطلانها بعروض ذلك.

و فيه: أنه لا دليل على عموم ذلك فيها بحيث يشمل المقام الذي هو يؤوله إلى اللزوم بالقبض ليشبه بيع الخيار، و يصلح لقطع الاستصحاب و تقييد إطلاق دليل الصحة فيقوم حينئذ من انتقل إليه ولاية التصرف مقامه، مراعيا للمصلحة حيث يجب عليه ذلك، و لا منافاة بين انتقال عين المال إلى الوارث أو ولايته إلى الولي، و بين تعلق حق الرهانة، بل أقصاها أنها جائزة كما كانت للأصل و بذلك يفرق بين المقام و غيره من العقود الجائزة، كالوكالة و العارية و الوديعة، إذ ليس هو مثلها قطعا، بل هو كبيع الخيار، و كالهبة بعد القبض قبل التصرف التي يجوز الرجوع فيها للمالك قبله، و لا مجال لاحتمال البطلان فيهما.

و لعله لذا جزم في التذكرة بعدم البطلان في الأولين، بل كان عليه ذلك بالنسبة إلى الأخير أيضا، إلا أنه لم يرجح فيه فيها، بل المتجه عدم الفرق في ذلك بين الراهن و المرتهن على كل من قولي الصحة و اللزوم.

لكن في الدروس، اختار البطلان في الثلاثة بالنسبة إلى الراهن، ثم قال:

«و لو مات المرتهن انتقل حق القبض إلى وارثه، و الفرق تعلق حق الورثة و الديان بعد موت الراهن به، فلا يستأثر به أحد، بخلاف موت المرتهن، فإن الدين باق،

ج 25، ص: 108

فيبقى وثيقة»، و قال أيضا «و لو جن المرتهن أو أغمي عليه قام وليه مقامه».

و فيه ما لا يخفى بناء على أنه شرط في الصحة، كما هو ظاهر كلامه في أصل المسألة، بل و على تقدير كونه شرطا في اللزوم، ضرورة كون المتجه عليه البطلان مطلقا، أو الصحة كذلك، لاتحاد المدرك و الفرق الذي ذكره بالنسبة إلى الموت غير مجد، بعد أن كان للورثة و الديانة الفسخ، إذ لا يلزم عليهم القبض المقتضى للزوم، فتجدد تعلق حق الديانة و الوراثة لا يبطل الحق المتعلق سابقا كما هو واضح.

نعم احتمال الصحة مع موت المرتهن أوضح منه مع موت الراهن، و بذلك كله تعرف الاضطراب في جملة من كلمات الأصحاب في المقام، و احتمالاتهم التي منها ما يقضي بكونه معتبرا عندهم في الصحة، و منها ما يقضي باعتباره في اللزوم، و قد أشكل على ثاني الشهيدين الذي جعل النزاع في الأخير المراد من نحو المتن، و لا ريب في ظهوره في الاعتبار في الصحة، فلا إشكال فيه من هذه الجهة.

كما أنه لا إشكال في عدم البطلان بعروض شي ء من ذلك للراهن أو المرتهن، بناء على المختار، كما صرح به جماعة ممن خيرته ذلك، بل حكاه في الدروس عن المبسوط معترفا بإشعاره بعدم الشرطية، و إن كان للمرتهن طلبه للتوثق به، و هو مما يرشد إلى موافقته للمختار، كما حكيناه سابقا، ثم إنه لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرنا فيما لو كان الرهن مشترطا في عقد لازم، ثم عرض نحو الأمور الثلاثة قبل الرهن أو بعده قبل الإقباض، و الله أعلم.

و كيف كان ف ليس استدامة القبض شرطا بل يكفي تحققه في الصحة أو اللزوم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، و هو الحجة بعد العمومات التي يمكن إرادتها للشيخ في الاستدلال عليه بأخبار الفرقة، إذ لم نجد المتحد منها الدال على ذلك صريحا، فضلا عن المتعدد.

نعم ربما تجشم دلالة النصوص الواردة في منفعة الرهن و علته المعلوم كونها للراهن التي تتوقف غالبا على قبضه الرهن، و الأمر سهل بعد ما عرفت الذي منه

ج 25، ص: 109

يظهر ضعف ما عن أبي حنيفة، و أحمد، و مالك، من اشتراط الاستدامة كالابتداء، للآية التي قد تقدم البحث فيها. بل عن الأردبيلي ان ظاهر التذكرة ذلك في مسألة منع المرتهن من التصرف قلت: الموجود فيها هناك «الرهن وثيقة لدين المرتهن، فإن جعلنا القبض شرطا أو كان لازما استحق المرتهن إدامة اليد، و لا يزال يده إلا للانتفاع، على خلاف قد سبق» و يمكن أن يريد و لو بقرينة أنه ممن حكى الإجماع على عدم اشتراط الاستدامة قبل ذلك، الاستحقاق لا على جهة الشرطية، و لعله كذلك لما عرفت من اقتضاء حق الرهانة ذلك.

فلو عاد إلى الراهن و إن لم يكن بعنوان الوكالة عن المرتهن أو تصرف فيه تصرفا لا ينافي كونه رهنا لم يخرج عن حق الرهانة سواء كان ذلك باذن المرتهن أولا، و إن كان الظاهر تحقق الإثم عليه مع عدم الإذن في بعض الأحوال و الله أعلم.

و منها: أنه لو رهن ما هو في يد المرتهن لزم الرهن على القولين من غير حاجة إلى إذن بالقبض، و لا مضى زمان يمكن فيه تجديد القبض، و لو كان استيلاء يد المرتهن عليه غصبا وفاقا لإطلاق الأكثر، لا لتحقق القبض الذي هو شرط، لوضوح بطلانه في الأخير المنهي عنه، فيكون فاسدا لذلك، إذ النهي و إن كان لا يقتضي الفساد في غير العبادة، إلا أن القبض على تقدير اعتباره ركن، و عدم اقتضاء الفساد إنما هو بعد تمام الأركان، و إلا لاجتزي بالقبض بغير إذن لو لم يكن مقبوضا، و قد عرفت بطلانه و ليس الإرهان إذنا باستدامة القبض قطعا، مع أنه لا يتم في التصريح بحرمة استدامة القبض الأول، بل لعله باطل في الأول أيضا ضرورة ظهور أدلة الشرطية في اعتبار القبض للرهن، فلا يجزي قبض العارية و الوديعة مثلا، و الفرض أنه لم يتجدد إذن في استدامة القبض للرهن.

- بل لعدم تناول دليل الشرطية لمثل الفرض، ضرورة ظهوره في غير المقبوض،

ج 25، ص: 110

اما هو فيبقى على أصالة اللزوم في العقد، فيتحقق رهنه حينئذ، و هو على القبض الأول حتى انه لو كان مضمونا بغصب، أو بيع فاسد، أو سوم، أو عارية مضمونة أو نحو ذلك بقي عليه، كما هو خيرة الأكثر، بل لا خلاف أجده إلا من الفاضل في القواعد، و المحكي عن يحيى بن سعيد، و لا تنافي بين رهنيته و ضمانه بعد أن كان الضمان بسبب آخر غير الرهنية، كالتعدي في المرهون.

نعم يقوى ارتفاع الضمان بالإذن من الراهن في استدامة القبض للرهن، وفاقا لجماعة، بل عن حواشي الشهيد نفي الخلاف عنه، لانتقاض الحال الأول، بل هو شبه الوكالة في القبض عنه، و دعوى- ظهور دليل الضمان في مثل الغصب في عدم ارتفاعه إلا بالتأدية المعلوم انتفاؤها في المقام و إن اذن، فسبب الضمان الأول لم يرتفع، و إن اذن في الاستدامة و ارتفع الإثم بذلك، بل لو صرح المالك بإسقاط الضمان الذي هو مقتضى السبب الأول لم يسقط كما صرح به في القواعد، و جامع الشرائع و الإيضاح، و حواشي الشهيد، و غاية المرام، و جامع المقاصد، على ما حكى عن بعضها، إذ هو ترتب شرعي و الإسقاط كالإبراء إنما يجدي في الحق الثابت في الذمة مثلا، و ليس المقام منه قطعا، إذ لا شي ء في الذمة حينئذ، لكون المراد من الضمان فيه انه لو تلفت العين ضمن مثلها، و لا معنى لإسقاطه قبل حصوله، كما انه لا معنى لإسقاط سببية السبب الذي جعل الشارع غاية ارتفاعه التأدية المعلوم انتفاؤها في المقام- يدفعها أولا: منع عدم صدق التأدية على نحو ذلك، مع استناد اليد فيه إلى إذن المالك، و انه من تصرفه فيه، فهو كما لو تاب الغاصب و طلب من المالك قبض ماله فقال له: ليبق عندك وديعة، و كما لو أرهن المالك مغصوبا عند غير الغاصب، و قد اذن للراهن في قبضه منه و قبضه، و دعوى- التزام الضمان في ذلك و نحوه- أيضا كما ترى يمكن ان يقطع بعدمه، و انه ظلم واضح، فلعل المراد من التأدية في خبر الضمان ما يشمل مثل ذلك، لا انه القبض الفعلي خاصة.

و ثانيا ظهور كون المراد من الخبر ما إذا بقيت يد الضمان على حالها، لا ما إذا تغيرت و صارت يد امانة مثلا، فيبقى حينئذ على أصالة البراءة التي لا يعارضها

ج 25، ص: 111

استصحاب الضمان، بعد ما عرفت من ظهور دليله في غير الفرض، و من معلومية كون السبب في الضمان العدوان، و الفرض زواله بالائتمان، فلا وجه للاستصحاب.

و عدم ارتفاع الضمان بالإسقاط- مع أن فيه بحثا. بل عن الشيخ السقوط لحصول سبب الوجوب، فليس إبراء مما لم يجب، و تبعه المصنف فيما يأتي، و الفاضل في التحرير- لا مدخلية له فيما نحن فيه الذي فرض حصول الإذن من الغاصب باستدامة القبض، على أنه رهن، أو وديعة، أو عارية مثلا، و أنه بذلك صار أمانة في يده، و دعوى الفرق- بين المقام، و الوديعة التي هي استنابة عن المالك في الحفظ و القبض لمصلحة، بخلاف ما نحن فيه، بل و العارية و التوكيل على البيع و الإعتاق على إشكال- غير مسموعة، فإن دقيق النظر يقضى بعدم الفرق بين الجميع.

كما أنه يقضى بعدم الفرق بين المغصوب و بين غيره- مما هو مضمون كالعارية المضمونة، و المقبوض بالسوم، أو الشراء الفاسد أو نحو ذلك- فيما ذكرنا من الحكم، و من ذلك تعرف النظر فيما في القواعد، و جامع المقاصد، و غيرهما، و قد يأتي إن شاء الله لذلك تتمة فتأمل جيدا.

و على كل حال فقد ظهر لك أن السبب في لزوم الرهن في مفروض المتن ما قلناه، لا ما سمعت الذي قد عرفت أنه لا يتم في الغصب، و لذلك فصل في المسالك، و الروضة بين المغصوب و غيره، فاعتبر الإذن و مضي الزمان في الأول، دون الثاني، و لا ريب في ضعفه، بل لم اعرف هذا التفصيل لغيره عدا الفاضل في ظاهر التذكرة، و إن حكاه في الروضة عن بعض، و لعله هو مراده.

كما أنه لم اعرف وجها معتدا به لاعتبار مضي الزمان و إن قيل في توجيهه:

أن الإذن في القبض يستدعي تحصيله، و من ضرورياته مضي زمان، فهو دال على القبض الفعلي بالمطابقة، و على الزمان بالالتزام، و لما لزم من القبض الفعلي تحصيل الحاصل أو اجتماع الأمثال المحالان حمل اللفظ على المعنى الالتزامي، لتعذر المطابقي، و هو كما ترى، ضرورة أن اعتبار الزمان من باب المقدمة لحصول القبض، فلا يعقل اعتباره مع حصول ذي المقدمة كما هو واضح.

ج 25، ص: 112

و لو علل بأن المنساق من القبض في مثله بعد فرض شمول دليل الشرطية له ذلك، لكان أولى، و إن كان فيه منع واضح أيضا، خصوصا بعد عدم تعذر الحقيقة، بأن يرجعه إلى صاحبه ثم يقبضه منه، أو يتوكل عنه في قبضه و إقباضه، فيكون كالموجب و القابل.

و أما الإذن فبناء على عدم اعتبار القبض السابق لكون الفرض أنه غصب، و على أنه شرط في مثل الفرض فالمتجه اعتبارها ليكون استدامة القبض مستندة إليها، فيتحقق القبض المأذون فيه بعد الرهانة ضرورة صدقه على الاستدامة لكن قد عرفت أن التحقيق عدم اعتبار القبض في مثل الفرض، و من هنا اتجه القول باللزوم و إن لم يحصل اذن في الاستدامة، كما هو مقتضى إطلاق الأكثر الذين لم يفرقوا بين الوديعة و العارية، و المغصوب، في عدم اعتبار الاذن و مضى الزمان، بل لا خلاف محقق أجده في ذلك في الأولين.

نعم حكي في الدروس من الشيخ الحكم بأنه لا بد من مضى زمان يمكن فيه القبض منهما، و لعله يلزم ذلك في الثالث، الا أنه لم نتحقق ما حكاه عنه، إذ المحكي عنه في المبسوط، و الخلاف انه قال: «إذا كان له في يد رجل مال وديعة، أو عارية، أو إجارة، أو غصبا فجعله رهنا عنده بدين له، كان الرهن صحيحا و يكون ذلك قبضا إذا أذن له الراهن في قبض عين الرهن» و زاد في الثاني «و إذا لم يأذن له لم يكن على كونه قبضا دليل» كما أنه حكى عن الأول في مسألة ما إذا أذن له و جن تم القبض و صح، و قد قيل: أنه لا يصح إلا بعد أن يأتي عليه زمان يمكن قبضه فيه.

و الجميع كما ترى ليس فيه اشتراط مضى الزمان المعروف نقله عن الشافعي و إنما اقتصر على الإذن خاصة، من غير فرق بين المغصوب و غيره، و لعله لتحقق القبض المعتبر بها، إذ الاستدامة كالابتداء و لا يجدي القبض الأول اما في المغصوب فواضح، و أما في غيره فلأنه ليس قبض رهانة و ان كنا لم نشترط تعقب القبض للرهانة و هو جيد، بناء على اعتبار القبض في مثل الفرض لعدم تيقن حصول الشرط بغير ذلك.

نعم فيه ما ذكرنا سابقا من عدم الدليل على اشتراطه في هذا الحال. فيلزم بدونه

ج 25، ص: 113

على تقدير الشرطية، و إلا فعلى المختار من عدم الشرطية أصلا فلا بحث في اللزوم، و سقوط هذا الكلام من أصله و الله أعلم.

و منها: أنه لو رهن ما هو غائب عن مجلس العقد منقولا كان أو غيره غيبة لا يصدق معها القبض لو خلى بينه و بينه فيما يكفى فيه ذلك لو لا الغيبة لم يصر رهنا صحيحا، بناء على الاعتبار في الصحة، أو لازما على اعتباره في اللزوم حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن، و يقبضه بما يصدق معه من تخلية، أو نقل بلا خلاف أجده فيه، بل في جامع المقاصد، نسبته إلى نص الأصحاب و غيرهم، لعدم حصول الشرط بدون ذلك، و لا يكفي الإذن مع مضي زمان يمكن فيه القبض و إن كان المرهون غير منقول، لمنع حصول التخلية بذلك، فضلا عن حصولها بالاذن خاصة.

نعم قد يقال: لا حاجة إلى الإذن فضلا عن مضي الزمان لو كان المرهون مقبوضا للمرتهن سابقا و إن كان غائبا عنه حال العقد استصحابا لحكم القبض السابق. مع احتمال العدم أيضا كما عن أحد وجهي الشافعية حتى مع مضي الزمان، بل لا بد من الحضور فعلا، بل عن أحد الوجهين عنهم أيضا أنه لا بد من النقل فعلا للمنقول مثلا و إن كان فيه ما لا يخفى.

و لعل ذلك لا ينافي ما تقدم سابقا المفروض فيه وقوع الرهن على المقبوض عنده لكن بهذا النوع من القبض، لا أنه رهنها و هو أى الغاصب و نحوه غائب عنها، إلا أن استدلال بعضهم هناك باستصحاب حكم القبض ينافي ذلك، و حينئذ فيكون كلامهم شاهدا لما فلنا أولا الذي الحيلة بناء عليه في رهن الغائب إذا لم يكن مقبوضا للمرتهن، و كان مقبوضا للراهن بأن يوكله في القبض عنه، فيجعل استدامة قبضه للرهن، فيصح حينئذ، اللهم إن أن يمنع صحة الوكالة فيما هو في حكم القبض، و لا يخفى عليك سقوط هذا البحث من أصله على المختار.

و كيف كان ف لو أقر الراهن بالإقباض قضي به عليه لعموم(1)


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب الإقرار الحديث 1.

ج 25، ص: 114

«إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»

لكن إذا لم يعلم كذبه فإنه لا عبرة بإقراره قطعا، فلا يشمله الجواز المزبور و لو رجع عن إقراره السابق لم يقبل رجوعه كما في كل إنكار بعد إقرار، و إلا لم يكن الإقرار جائزا عليه على كل حال، كما هو مقتضى الخبر السابق، و ما عن المبسوط- من أنه قوى القبول في آخر كلامه، لجريان العادة بوقوع الشهادة في الوثائق قبل تحقق ما فيها، بل استقر به في التذكرة- واضح الضعف، بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص و مخالف لأصالة الصحة في قول المسلم و فعله.

نعم قد تسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإقرار و الاشهاد عليه إقامة لرسم الوثيقة، حذرا من تعذر ذلك إذا تأخر إلى أن يتحقق القبض و يتوجه له اليمين حينئذ على المرتهن كما صرح به جماعة، لجريان العادة بذلك و لعموم (1)

«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و اختاره المصنف بقوله على الأشبه مشعرا بوقوع الخلاف فيه، بل صرح به في شرح الترددات، و ان لم يحضرني الآن نسخته، إلا أنه لا يخلو من وجه، لتكذيب دعواه بظاهر إقراره السابق.

و كذا لو ادعى الغلط في إقراره و أظهر تأويلا ممكنا، كأن قال: اني أقبضته بالقول: فظننت الاكتفاء به حيث يمكن في حقه توهم ذلك، أو قال: استندت فيه إلى ما كتبه وكيلي، فظهر مزورا و نحو ذلك، و إن صرح بالسماع فيه في التذكرة، و الدروس، و

المسالك، و الروضة، و محكي المبسوط، و لعله لأنه لم يكذب إقراره في الحقيقة، فيشمله العموم المزبور الذي يعارضه عموم الإقرار من وجه فيرجح عليه بفتوى من عرفت، و لا دليل على عدم قبول الدعوى المكذبة و البينة كذلك على كل حال بحيث يشمل المقام الذي قد عرفت فتوى لجملة من الأساطين بالسماع فيه، بل ربما نقل أن الأشبه سماع التأويل الممكن و إن كان الإقرار في مجلس الحكم لكن في


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث- 1- 3- لكن فيه « و اليمين على من ادعى عليه».

ج 25، ص: 115

التذكرة نظر فيه و لم يرجح بل كأنه مال إلى عدم السماع، و قد تقدم في أول بيع الحيوان ماله نفع في المقام فلاحظ و تأمل.

هذا كله إذا شهد الشاهدان بإقراره أو اعترف هو به، أما لو شهدا بنفس الإقباض و مشاهدته لم تسمع دعواه، و لم يتوجه له اليمين، بل في التذكرة «و كذا لو شهدا على إقراره بالإقباض بعد إنكاره الإقرار» فتأمل.

ثم إنه لا يخفى عليك تصوير المسألة بالنسبة إلى المرتهن، و فيما إذا كانت العين في يد الراهن أو المرتهن أو ثالث موجودة أو تالفة، بأن قال: تواطأنا على الإقرار، ثم أخذه من دون إذن فتلف، كما أنه لا يخفى عليك جريانها على القول باعتبار القبض في الصحة و اللزوم و عدمه و الله أعلم.

و كيف كان فعلى الشرطية و عدمها لا يجوز تسليم المتاع الا برضا شريكه، سواء كان مما ينقل أو لا ينقل، على الأشبه وفاقا لصريح التحرير، و الدروس، و ظاهر القواعد، و اللمعة، لاستلزامه التصرف في مال الغير بغير إذنه، و المانع الشرعي كالمانع العقلي خلافا للمحكي عن المبسوط فيما قبضه التخلية، لعدم اقتضائها التصرف، و استجوده في المسالك و غيرها.

لكن قد يناقش بمنع تحقق التخلية التي يصدق القبض معها بدونه، ضرورة أنه سلطنة عرفية زائدة على السلطنة الشرعية المتحققة بالعقد في نحو البيع، و كونه كالمالك لا يحقق القبض، إذ يمكن منعه بالنسبة إليه أيضا لتوقف دخوله و نحوه من التصرفات على إذن الشريك، فليس مقبوضا له، و التخلية التي يتحقق معها القبض:

هي ما يحصل بها السلطنة على القبض الفعلي، بحيث لو أراده لأوقعه، فمع فرض المانع عنه كما في المقام و لو شرعيا لم تحصل السلطنة المزبورة.

و على كل حال فلو سلمه إياه عدوانا ففي القواعد «في الاكتفاء به- أي على الشرطية نظر»- أقربه ذلك، للقبض و إن تعدى في غير الرهن، و وافقه عليه ولده كما قيل، و ثاني المحققين، و الشهيدين و غيرهم، لأن النهي انما هو لحق الشريك خاصة، إذ الفرض حصول الاذن من قبل الراهن الذي هو المعتبر شرعا، و كونه قبضا

ج 25، ص: 116

واحدا لا ينافي الحكم بالوقوع، لاختلاف الجهة و قد يشكل بمنافاته لما حكى من كلامهم في باب الهبة من التصريح بعدم الاكتفاء، للنهي المانع، كما لو وقع بدون إذن الراهن، و قد تقدم التحقيق في باب القبض.

و لو و كل المرتهن الشريك على القبض، و قد أذن له الراهن جاز بلا خلاف و لا إشكال، بل في جامع المقاصد قوة الاكتفاء باذن الراهن للشريك و المرتهن في القبض من دون أن يأذن للمرتهن في توكيل الشريك، بل جزم به في المسالك.

نعم لو شرط عليه القبض بنفسه لم يكف، و لو أذن الراهن للمرتهن في القبض فنازعه الشريك نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما، فيكون قبضا عن المرتهن، كما أنه لو تنازعا في الاستدامة و كان مما يؤجر و لم يتهايئا، جعله الحاكم على يد عدل يؤجره و يقسم الأجرة على الشريكين، و في الدروس و يتعلق الرهن بحصة الراهن من الأجرة و ليكن مدة الإجارة لا تزيد عن أجل الحق، فلو زاد بطل الزائد و تخير المستأجر الجاهل، إلا أن يجيز المرتهن و يأتي تمام الكلام في ذلك إنشاء الله و الله أعلم.

[الفصل الثاني في شرائط الرهن ]

الفصل الثاني في: شرائط الرهن اي المرهون صحة أو لزوما و قد ذكر المصنف بعضا منها فقال و من شرائطه:

أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه و يصح بيعه، سواء كان مشاعا أو منفردا و تفصيل البحث فيها أنه لا خلاف أجده في الأول منها، بل ربما استشعر من عبارتي الغنية و السرائر ذلك أيضا، سوى ما تسمعه من الخلاف في خدمة المدبر، و هو الذي حكاه في المختلف، و إلا- فلم نجد خلافا في غيرها لأحد من العامة فضلا عن الخاصة.

و على كل حال فلو رهن دينا، لم ينعقد الرهن على المشهور نقلا و تحصيلا بل ربما استشعر من عبارتي السرائر، و الغنية، الإجماع عليه، و هو الحجة إن تم أو دعوى ظهور الأدلة و لو بمعونة الشهرة في اعتبار العينية بهذا المعنى في صحة عقده أو مفهومه، بل لعل الشك في الأخير كاف،- لا لأن القبض معتبر في الرهن،

ج 25، ص: 117

و هو غير ممكن في الدين الذي هو أمر كلي لا وجود له في الخارج يمكن قبضه؛ و ما يدفعه المديون ليس عين الدين، بل هو أحد أفراده، فإن فساده واضح.

أما أولا: فلاقتضائه الصحة ممن لم يقل بالشرطية، مع أنه صرح بالمنع في السرائر، و القواعد، و غيرهما ممن لا يقول بالشرطية.

و ثانيا: لا يتم على تقدير اشتراطه في اللزوم، فإن أقصاه عدم اللزوم، لا الصحة، مع أنه صرح في الغنية بالمنع مع أنه ممن يقول بكونه شرطا للزوم دون الصحة.

و ثالثا: معلومية عدم الفرق بين قبض الدين في البيع في الصرف فيه و غيره، و الهبة و غيرها، و بين الرهن، و لا ريب في صحة قبضه بتعيين المديون، و صدق قبض الدين على ذلك المدفوع، و إن كان هو أحد الأفراد التي يوجد فيها الكلي.

و رابعا: أنه لا يتم لو كان الدين المرهون على المرتهن، لكونه مقبوضا له، و لذلك صح التصارف بما في الذمم، و كان ذلك تقابضا منهما قبل التفرق، و لا لان الرهن ليس إلا من حيث عدم الوثوق باستيفاء ما في الذمة، فكيف يستوثق في استيفائه بمثله، إذ فيه مع كونه غير تام فيما لو قبضه و أبقاه رهنا عنده، بل و غير تام فيما لو كان الدين على المرتهن، إذ من الواضح اختلاف الناس في سهولة القضاء و عسره، فكم من ديون متعينة الحصول يصلح الاستيثاق بها دون غيرها مما يئس من تحصيلها كما لا يخفى.

بل و لا لما في الرياض صريحا و غيره ظاهرا من الشك في حصول الذي هو شرط في الرهن بذلك، بدعوى ظهور النصوص في كون المقبوض الرهن نفسه الذي جرى عليه العقد، لافرده، و صدق القبض عرفا لا يستلزم تحقق القبض المتبادر من الأدلة هنا، بل هو قبض لا يتناول ما عليه في الذمة.

بل قد يمنع صدق القبض عليه عرفا مع بقائه على ملك الديان، و إن أجرينا عليه حكم المقبوض لو انتقل إلى المديون نفسه، فالأصول حينئذ بحالها بعد صرف الإطلاقات إلى ما عرفت من القبض، بل عموم الوفاء بالعقود منصرف إلى إطلاق النصوص في الرهون، فإنه بملاحظتها و النظر فيما ورد في بعضها- مما هو كالتعليل

ج 25، ص: 118

لشرعية الرهن بأنه للوثوق الغير الحاصل في أغلب أفراد المفروض- يحصل الظن القوي بل المتاخم للعلم بأن عقد الرهن لا يصح إلا فيما يمكن قبضه بنفسه قبضا حسيا، فينزل عموم الوفاء على ذلك، إذ هو الصحيح لا غيره كما ستسمع ذلك في نظائر المقام مما لا يمكن قبضه و بيعه كالحر و شبهه.

و من ذلك تعرف عدم بناء المنع في رهن الدين على شرطية القبض، و إن حكم به الفاضل في التذكرة، ضرورة كون الحاصل منه اشتراط كون الرهن مما يقبض قبضا حسيا، سواء قلنا باشتراط القبض في الصحة أو اللزوم أو لم نقل، كما أن منه يعلم دفع العجب عن العلامة في القواعد، حيث حكم بعدم صحة رهن الدين مع قوله بعدم الاشتراط، كالحلي في السرائر، و تصريحه بالبناء في التذكرة لا يقضي بكونه كذلك في القواعد، إذ ذلك كله بعد ما عرفت دعوى بل دعاوي خالية عن الشواهد، بل هي بخلافها متحققة، ضرورة عدم الفرق بين قبض الرهن و غيره، خصوصا بعد رهن المشاع الذي هو راجع إلى الكلية أيضا، بل و رهن الكلي الخارجي و لو بوصية و نحوها قبل قبضه، كضرورة حصول الوثوق برهنه بالطريق الذي ذكرناه.

فلا ريب في كون المتجه الصحة، كما احتمله في الدروس بناء على اشتراط القبض في الصحة، فضلا عن اللزوم، و فضلا عن المختار من عدم الشرطية أصلا بل كون الرهن مما يقبض لو سلمنا اشتراطه متحقق، كما عرفت، و لعله لذا احتمل في الدروس، و الروضة الصحة كهبة ما في الذمم، بل جزم به في المسالك و المحكي عن مجمع البرهان.

نعم قد يحتمل كون المراد من الدين في كلام المصنف و غيره خصوص المؤجل منه الذي لا يستحق الديان قبضه، فإنه قد يتجه المنع فيه، بناء على شرطية استحقاق القبض فعلا، لعدم التمكن من الإقباض، و الانتظار الى حلول الأجل لا يجدي في حصول شرط صحة الرهن، و هو المنفي، لا ذاك و لا ما إذا رضي المديون بتعجيل الحق و نحو ذلك مما يتصور فيه الصحة.

لكن قد عرفت انه لا دليل على الشرطية المزبورة على وجه لا يكفى فيها استحقاق القبض المتأخر عند حلول الأجل، فالعمدة حينئذ ما سمعته من الإجماع، و ان كان دون

ج 25، ص: 119

تحصيله خرط القتاد- و دعوى ظهور النصوص- و لو بمعونة فتوى المشهور- في اعتبار كون الرهن عينا لا دينا في صحته، أو مفهومه، على نحو اعتبار العين و المنفعة مثلا في البيع، و الإجارة، و لا ينافيه إطلاق الشرطية في كلامهم بعد تعارف إطلاقها عندهم على المقوم، بل يكفي الشك في الأخير و لو للشهرة و غيرها

لعدم إطلاق يحتج به حينئذ للنفي و الأصل الفساد.

و كذا الكلام لو أرهنه منفعة كسكنى الدار و خدمة العبد غير المدبر الذي لا أجد فيه خلافا، بل في المسالك أنه موضع وفاق، بل قيل: إنه قد يظهر من جماعة، و لعله الحجة و إن علل مع ذلك بأن الدين إن كان مؤجلا فالمنافع تتلف إلى حلول الأجل فلا تحصل فائدة الرهن، و إن كان حالا فيقدر ما يتأخر قضاء الدين بتلف جزء من المرهون، فلا يحصل الاستيثاق، و لأن المنافع لا يصح إقباضها إلا بإتلافها، فكان عدم الصحة متجها على القول باشتراط الإقباض، و بدونه، بل في المسالك «ان الأمر على ما اختاره المصنف من الاشتراط واضح» و تبعه في الرياض.

لكن تأمل فيه في حاشيته على الروضة، فقال: «إن استيفاء الدين من عين الرهن ليس بشرط، بل منه أو عوضه، و لو ببيعه قبل الاستيفاء، كما لو رهن ما يتسارع إليه الفساد قبله، و المنفعة يمكن جواز ذلك فيها، بأن يؤجر العين و يجعل الأجرة رهنا، و قريب منه القبض لإمكانه بتسليم العين ليستوفي منها المنفعة، و يكون عوضها رهنا، إلا أن يقال: إن ذلك خروج عن المتنازع، إذ رهن الأجرة جائز، إنما الكلام في المنفعة نفسها، و الفرق بينها و بين ما يتسارع إليه الفساد، إمكان رهنه، و المانع عارض».

و فيه أنه ليس خروجا بعد أن كان مورد العقد المنفعة، لا الأجرة التي لا كلام في جواز رهنها، و الفرق بعروض المانع غير مجد، فالعمدة حينئذ الإجماع المؤيد بدعوى ظهور النصوص في كون الرهن عينا لا منفعة، و لو على الوجه الذي سمعته سابقا، و إلا كان المتجه الجواز و إن قلنا بالاشتراط ضرورة اجراء الشارع قبض الأعيان ذوات المنافع مجرى قبض المنافع في الإجارة و غيرها.

ج 25، ص: 120

و دعوى- اختصاص ذلك بالإجارة لمكان الحاجة إلى المنافع، و الا فقبض العين ليس قبضا تاما في الإجارة، بخلاف رهن المنافع، فإنه لا حاجة تمس إليها- واضحة المنع و عدم تمامية القبض لا ينافي إجراؤه مجراه، فلا ريب حينئذ في أن العمدة ما قلناه، كما يومي إليه التصريح بالمنع من القائلين بالشرطية و عدمها، و تلف بعض المنافع إلى حلول الأجل أو إلى الاستيفاء غير قادح، بعد أن كان الاستيثاق في المجموع الذي هو كاف في صحة الرهن، سيما مع التصريح بذلك، فلا دليل حينئذ إلا ما عرفت في دعوى الإجماع هنا أقرب منها في الأول و الله أعلم بحقيقة الحال.

نعم لهم كلام في خصوص رهن خدمة المدبر ستسمعه إنشاء الله و لكن قبل الكلام في ذلك ينبغي أن يعلم أن في رهن المدبر نفسه تردد أو خلاف، و الوجه عند المصنف و غيره من المتأخرين بل في المسالك نسبته إلى الأكثر أن رهن رقبته إبطال لتدبيره كبيعه و هبته و نحوهما من العقود التي يكون الغرض منها ملك من انتقل إليه، أو استيفاء الدين من قيمته، إذ لا يتم ذلك إلا بالرجوع في التدبير الذي هو من العقود الجائزة، كغيره، من الوصية، فيكون حينئذ قصد شي ء منها كافيا في الرجوع، للتنافي بينه و بين القصد السابق للتدبير، خلافا للمحكي عن الشيخ من الصحة، لأن الرهن لا يستلزم نقله عن ملك الراهن، و يجوز فكه، فلا يتحقق التنافي بين الرهن و التدبير بمجرد الرهن، بل بالتصرف فيه.

لكن الموجود في المحكي عن مبسوطة كالذي في السرائر إذا دبر عبده و رهنه بطل التدبير، لأن التدبير وصية، و رهنه رجوع فيها، و إن قلنا إن الرهن صحيح و التدبير بحاله كان قويا، لانه لا دليل على بطلانه.

نعم زاد «فعلى هذا إذا حل الأجل في الدين و قضاه المدين من غير الرهن كان جائزا، و إن باعه كان له ذلك، و عن خلافه إذا دبر عبده ثم رهنه بطل التدبير، و صح الرهن، إن قصد بذلك فسخ التدبير، و إن لم يقصد بذلك الفسخ لم يصح الرهن، و استدل بعدم الخلاف و الإجماع على أن التدبير بمنزلة الوصية، و الوصية له الرجوع فيها، فكذا التدبير، فأما إذا لم يقصد الرجوع فلا دلالة على بطلانه- إلى

ج 25، ص: 121

أن قال-: و إن قلنا: إن الرهن صحيح و التدبير بحاله كان قويا» و هما معا كما ترى، لا تصريح فيهما بذلك، بل ظاهرهما عدم القول به.

نعم يحكى عن الأردبيلي التصريح به مدعيا عدم المنافاة بينهما، و كأنه توقف فيه في المسالك: و في تدبير التحرير «الأقوى أن رهن المدبر ليس إبطالا له، و عتق بعد الموت، و يؤخذ من التركة قيمته تكون رهنا».

و عن الكفاية «أن في المسألة أقوالا ثلاثة- القول بصحة الرهن، و أن رهن رقبته إبطال لتدبيره،- و القول بعدم الصحة، و القول بأن التدبير مراعى بفكه فيستقر، أو يأخذه في الدين فيبطل».

و أنكر عليه في الحدائق و غيرها، القول الثاني: و في التذكرة يصح رهن المدبر عند علمائنا، لكن لعله فهمه من عبارة الخلاف السابقة المقيد ذلك بعدم قصد الفسخ أو أخذه من الدروس، فإنه حكاه عن النهاية قال، «و رهن المدبر إبطال لتدبيره عند الفاضلين، و على القول بجواز بيع الخدمة يصح في خدمته» و في النهاية «يبطل رهن المدبر» و في المبسوط و الخلاف «يصح و يبطل تدبيره» ثم قوى صحتهما فإن بيع بطل التدبير، و إلا فهو بحاله، و تبعه ابن إدريس و هو حسن.

و كيف كان فالاحتمالات- التي بعضها أقوال- ستة، أو سبعة، و إن أمكن في بعضها إرجاعه إلى آخر أحدها: صحة الرهن و إبطال التدبير، ثانيها: الصحة و مراعاة التدبير، ثالثها: ما سمعته من التحرير، رابعها: ما سمعته من الخلاف، خامسها صحتهما معا على أن يكون رهنا إلى موت السيد فينعتق، و تبطل الرهنية، فيكون كرهن المال الذي فيه الخيار لغير الراهن، و كرهن العبد المشروط حريته بناء على صحته، أو المنذور كذلك في مدة مخصوصة، أو العبد الجاني عمدا أو خطأ، و المرتد عن فطرة، و المريض المأيوس منه، و كبيع المدبر على رأى المفيد، القائل بأنه إذا مات سيده تحرر، و ليس للمشترى عليه سبيل، و لعل هذا هو الذي قواه في السرائر، بل لعله المحكي عن الأردبيلي.

سادسها- ما حكاه في الكفاية من عدم صحة الرهن، سابعها: عدم الصحة إذا

ج 25، ص: 122

كان المقصود رهنه بحيث يستوفى منه الدين، مع قصد عدم الرجوع بالتدبير، أما إذا كان مقصوده رهنا باقيا على صفة التدبير فيصحان معا، و الإطلاق منصرف إلى الثاني.

و لعل الأقوى الأول إذا كان التدبير مما يجوز له الرجوع فيه، لإطلاق أدلة الرهن، و اجتماع الشرائط حال العقد، و لأن الرهن للتوثق الذي ينافيه ذلك، فإن لم يكن كذلك بأن كان واجبا عليه بنذر و نحوه فليس حينئذ إلا الخامس أو السادس، و كأن الأول منهما لا يخلو من قوة، خصوصا إذا قلنا بجواز بيعه منزلا على الخدمة أولا إلى موت السيد الذي ربما يرجع إليه ما سمعته من المفيد، بل هو الذي يقضى به التدبير في كلام الدروس أولا.

و قد تلخص من ذلك أنه حيث يكون التدبير مما يجوز الرجوع فيه الأقوى الأول، سواء صرح بكونه يستوفى منه المال على كل حال إذا لم يؤد الدين، أو أطلق، أما صحة الرهن فلوجود المقتضى و ارتفاع المانع، و أما بطلان التدبير فللمنافاة و إلا لصح تدبيره و هو رهن.

و كون التدبير عتقا بصفة، فينبغي بطلان الرهن لا بطلانه، ليس من مذهبنا، للإجماع على جواز الرجوع به كالوصية، و لا يحتاج إلى سبق فسخ التدبير، بل و لا إلى قصده على أقوى الوجهين، أو القولين، كما تعرفه إن شاء الله في محله، و تقدم له نظائر في الخيار و غيره، و يأتي في الوصايا و غيرها، فهو حينئذ كبيعه و هبته و نحوهما بل كبيع المال الموصى به لشخص أو هبته أو رهنه مما يحصل به الرجوع قهرا لا قصدا.

نعم لو صرح بكونه رهنا باقيا على تدبيره جاء فيه الوجهان السابقان اللذان قد تقدم قوة أولهما، و أنه يكون كرهن الجاني و المنذور عتقه، و المريض المأيوس من برئه هذا كله مع إرادة رهن رقبته.

أما لو صرح برهن خدمته، مع بقاء التدبير ففي المتن قيل: يصح، التفاتا إلى الرواية المتضمنة لجواز بيع خدمته، و قيل لا، لتعذر بيع المنفعة منفردة و هو أشبه لكن لم نعرف القائل بالأول، و إن حكاه غيره أيضا. نعم ربما نسب

ج 25، ص: 123

إلى الشيخ في النهاية، إلا أني لم أجده فيها، لا في الرهن و لا في التدبير، و لكن قال: «لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره، إلا أن يعلم المشتري أن البيع للخدمة، و أنه متى مات هو كان حرا لا سبيل له عليه».

و في الدروس «و تبعه على ذلك جماعة» فيمكن أن يكون وجه النسبة إليه القاعدة التي ذكرها غير واحد، و هي- كل ما جاز بيعه جاز رهنه- إلا أن ذلك يقتضي القول به لغيره أيضا، و لعله لذا قال في الدروس: «و لا يجوز رهن المنفعة لعدم إمكان بيعها، و لأن المنافع لا بقاء لها، فلا ينتفع بها المرتهن إلا خدمة المدبر، وفاقا لجماعة و قد سلف» و الذي سلف له في كتاب التدبير جواز البيع، قال: «و صريح الرجوع رجعت في تدبيره، أو نقضت، أو أبطلت و شبهه، دون إنكار التدبير، أما لو باعه أو وهبه و لما ينقض التدبير، فأكثر القدماء على أنه لا ينقض التدبير، فقال الحسن: «يبيع خدمته، أو يشترط عتقه على المشتري، فيكون الولاء له» و قال الصدوق:

«لا يصح بيعه إلا أن يشترط على المشتري إعتاقه عند موته». و قال ابن الجنيد:

«تباع خدمته مدة حياة السيد». و قال المفيد: «إذا باعه و مات تحرر و لا سبيل للمشترى عليه». و قال الشيخ في النهاية: «لا يجوز بيعه قبل نقض تدبيره، إلا أن يعلم المشتري بأن البيع للخدمة». و تبعه جماعه و الحليون إلا الشيخ يحيى، على بطلان التدبير بمجرد البيع، و حمل ابن إدريس بيع الخدمة على الصلح مدة حياته، و الفاضل على الإجارة مدة فمدة حتى يموت، و قطع المحقق ببطلان بيع الخدمة، لأنها منفعة مجهولة، و الروايات مصرحة بها(1)، و أن رسول الله صلى الله عليه و آله باع خدمة المدبر، و لم يبع رقبة، و عورضت ب

رواية محمد بن مسلم (2)، «هو مملوكه، إن شاء باعه، و إن شاء أعتقه»

و أجيب بجعل البيع على الرجوع قبله، توقيفا، و الجهالة في الخدمة غير قادحة، لجواز استثناء هذا، على أن المقصود في البيع في جميع الأعيان هو الانتفاع و لا تقدير لأمده، فالعمل على المشهور، و تخريجه- علي تناول البيع الرقبة، و يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التدبير الحديث- 1.

ج 25، ص: 124

كمشروط العتق- باطل بتصريح الخبر، و الفتوى بتناول الخدمة دون الرقبة».

قلت: قد يظهر من المفيد خلافه، بل يمكن تنزيل بعض عبارات غيره عليه، على أن يكون إطلاقهم بيع الخدمة منزلا على أنه لا ثمرة معتدا بها لهذا البيع إلا الخدمة، بل يمكن تنزيل الروايات على ذلك، محافظة على قاعدة عدم وقوع البيع على المنافع، و احتمال تخصيصها بذلك موقوف على قابليتها، إذ هي-

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال: «باع رسول الله صلى الله عليه و آله خدمة المدبر و لم يبع رقبة».

و

خبر أبي مريم (2)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يعتق جارية عن دبر أ يطأها إنشاء أو ينكحها أو يبيع خدمتها مدة حيوته؟ فقال: نعم أي ذلك شاء فعل».

و

خبر على (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعتق جارية له عن دبر في حياته قال: إن أراد بيعها باع خدمتها في حياته فإذا مات أعتقت الجارية، و إن ولدت أولادا فهم بمنزلتها».

و

خبر أبى بصير(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العبد و الأمة يعتقان عن دبر فقال: لمولاه أن يكاتبه إن شاء، و ليس له أن يبيعه إلا أن يشاء العبد أن يبيعه قدر حياته، و له أن يأخذ ماله إن كان له مال».

و الجميع لا صراحة فيها، بل هي قابلة للتنزيل على ما ذكرنا، بل خبر أبى بصير منها كالصريح فيه، و إن كان لا قائل بما فيه من اشتراط مشيئة العبد، بل نوقش في أسانيدها جميعا بالسكوني، و أبان، و القاسم بن محمد، و اشتراك أبي بصير. و إن كان يدفعها عمل من عرفت بها، و سكون الأصحاب الى اخبار السكوني، و عدم قدح اشتراك أبي بصير بعد عدالة الجميع، كما حرر في محله، بل لعل رواية عاصم عنه هنا يعين أنه «ليث»، مضافا إلى رواية الجميع في التهذيب و الاستبصار؛ بل خبر أبي مريم


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التدبير الحديث- 2.

ج 25، ص: 125

و أبي بصير منها قد رواه في الفقيه أيضا، بل الأول منهما قد أرسله الصدوق في الهداية أيضا.

و من الغريب ما في الحدائق في المقام من أني لم أقف بعد التتبع على رواية جواز بيع الخدمة، و الموجود في كلام جملة منهم إنما هو بهذا العنوان من غير نقل مضمونها و منه يظهر قوة القول بالعدم، لما عرفت فيما تقدم من تعليل عدم صحة بيع المنفعة، مع عدم وجود ما يعارضه و يوجب الخروج عنه، و الرواية المذكورة غير معلومة، لعلها من روايات العامة.

و أغرب منه ما في مفتاح الكرامة حيث رده بأن هذه الرواية قد اعترف بها المحقق و العلامة و غيرهما، بل قال الشهيد: و الروايات مصرحة بها، فكان هناك روايات و ليس ما يحكونه إلا كما يروونه، و قد روى في الهداية عن الصادق عليه السلام إلى آخر خبر أبى مريم، ثم قال فلا تصغ إلى ما في الحدائق من احتمال كونها من روايات العامة، حيث لم يقف عليها بعد التتبع، إذ هما معا كما ترى.

و كيف كان فبناء على أن ما جاز بيعه جاز رهنه، لا مناص عن العمل بها، إن لم يكن المراد منها ما ذكرنا، المؤيد بموافقة بيعه مدبرا للضوابط في الجملة، ضرورة عدم خروجه بالتدبير عن الملك المقتضى لجواز سائر التصرفات، و هذا الذي يعبر عنه ببيع الخدمة، و يمكن تنزيل تلك العبارات أو أكثرها عليه، و يبقى قاعدة عدم جواز بيع المنافع على حالها الذي لم يخصصها أحد منهم في كتاب البيع و غيره و الله أعلم.

و أما الثاني: و هو اعتبار الملك فلا أجد خلافا في اشتراط كونه مما يملك، فلا يصح رهن غير المملوك كالحشرات و الخمر و الخنزير للمسلم، كما ستعرف، لعدم إمكان استيفاء الدين منه، كما أنه لا أجد خلافا في اشتراط كونه مملوكا للراهن أو مأذونا فيه، لعدم التمكن من استيفاء الدين منه بدون ذلك.

و حينئذ ف لو رهن ما لا يملك لم يمض و وقف على اجازة المالك لأن الظاهر جريان الفضولي فيه، بناء على موافقته للضوابط، أو أنه أولى من النكاح الوارد فيه ذلك، أو لأنه ثابت في البيع و لم يفرق أحد فيه و بين غيره من العقود

ج 25، ص: 126

فتوقف بعض متأخري المتأخرين فيه هنا- و إن قلنا به في البيع- في غير محله.

و احتمال- أنه على غير قياس الفضولي، لأنه ليس رهنا على دين المالك له بغير إذنه- واضح الضعف، ضرورة عدم الفرق بينهما بعد فرض تأثير الأذن السابقة فيهما معا، فليس إلا تأخيرها و هو غير قادح فيهما معا، فهو إن لم يكن على قياس الفضولي فحكمه حكمه بلا خلاف أجده بين من تعرض له، فلا ينبغي التوقف في القسمين معا.

بل لا يبعد صحة رهن التبرع كالوفاء و الضمان، فلو رهن مال نفسه على دين رجل آخر من غير إذنه بل مع نهيه صح، كما نص عليه في التذكرة، لإطلاق الأدلة.

نعم يتوقف على إذن المديون لو رهنه عنه بعنوان الوكالة مثلا، و لو رهنه متبرعا في أصل الرهنية، لكن قصده مع ذلك الرجوع على المديون لو بيع بالدين فإن أجاز الديان ذلك احتمل الإلزام به، و إلا كان رهنا و لا رجوع له عليه، و لعل مثله يجري في وفاء الدين.

و كذا في التوقف على الإجازة لو رهن ما يملك و ما لا يملك في عقد واحد لكن إذا فعل ذلك مضى في ملكه، و وقف في حصة شريكه إن كان مشتركا بينهما على إجازته و كذا إذا لم يكن مشتركا، و الإشكال في تبعض الصفقة هنا كالبيع واضح الدفع، كما حرر في محله، كالإشكال في أصل رهن المشاع من أبى حنيفة محتجا بعدم إمكان قبضه و هو خطأ محض، و بأنه قد يصير جميع ما رهن بعضه في حصته الشريك، و هو- مع أنه أخص من الدعوى، إذ لا يجري إلا في رهن الحصة المشاعة من بعض معين في الدار المشتركة مثلا- يمكن أن يكون الحكم فيه بناء على صحة إلزام الراهن بالقيمة لأنه كإتلافه، و يمكن أن يكون كالتلف من الله سبحانه فلا يلزم بشي ء، و يحتمل بناء الحكم فيه على الاختيار و الإجبار فالأول كالإتلاف، و الثاني كالتلف، و لعل القول بالالتزام على كل حال أولى، لأنه قد حصل له في ذلك الجانب مثل ما رهنه.

ج 25، ص: 127

إلا أنه قد يقال يكون الرهن ما قابله من حصة الراهن لا القيمة، كما أن الظاهر توقف صحة القسمة على إذن المرتهن كباقي التصرفات، لكنه أطلق في الدروس فقال: «لو رهن نصيبه في بيت معين من جملة دار مشتركة صح، لأن رهن المشاع عندنا جائز، فإن استقسم الشريك و ظهرت القرعة له على ذلك البيت، فهو كإتلاف الراهن يلزمه قيمته، و لا يلحق بالتلف من قبل الله تعالى» و نحوه عن التذكرة.

و على كل حال فرهن المشاع لا اشكال فيه عندنا، بل و لا خلاف، بل قد عرفت أن ظاهر الدروس الإجماع عليه، بل عن صريح الغنية ذلك، بل في التذكرة يصح رهن المشاع سواء رهن من شريكه، أو من غير شريكه، و سواء كان ذلك مما يقبل القسمة أو لا يقبلها، و سواء كان الباقي للراهن أو لغيره، مثل أن يرهن نصف داره أو نصف عبده، أو حصة من الدار المشتركة بينه و بين غيره عند علمائنا أجمع، فذلك كله مع إطلاق الأدلة الحجة على أبى حنيفة.

نعم يعتبر في الرهن أصل الملكية كما عرفت و حينئذ ف لو رهن المسلم خمرا أو خنزيرا أو نحوهما مما لا يملكه المسلم لم يصح بلا خلاف أجده فيه، و لو كان عند ذمي لعدم ملكية الراهن لها و عدم سلطنة على بيعها و وفاء دينه منها.

و لو رهنها الذمي عند المسلم، لم يصح أيضا، و لو وضعها على يد ذمي، على الأشبه الأشهر بل المشهور شهرة عظيمة، بل لا خلاف أجده فيه إلا من المحكي عن المبسوط و الخلاف في خصوص ما لو وضعه على يد ذمي، قال: «إذا استقرض ذمي من مسلم مالا، و رهن بذلك خمرا يكون على يد ذمي آخر يبيعها عند محل الحق فباعها و أتى بثمنها جاز له أخذه، و لا يجبر عليه» و زاد في الأخير أن له أن يطالب بما لا يكون ثمن محرم، و قد يقال: بعدم صراحته في الخلاف، خصوصا الأخير، بل مراده جواز أخذ الثمن مما جعله الذمي رهنا عند ذمي آخر على هذا الدين، و إن كان رهنا فاسدا.

و التعليل- بأن الحق في وفاء الدين للذمي، فيصح الرهن كما لو باعها و وفاه

ج 25، ص: 128

ثمنها، لأن الرهن لا يملك للمرتهن، و إنما يصير محبوسا عن تصرف الوارث- لم نجده له، و كأنه لغيره، ذكره له، و رده بأن يد الذمي الودعي كيد المسلم الذي لا بد من اعتبار تسلطه على البيع، و الاستيفاء من الرهن، و هو هنا ممتنع، و إن كان قد يناقش فيه بمنع كون يده، يده، ضرورة عدم لزوم كونه وكيلا عنه، لعدم اشتراط استدامة القبض.

نعم المانع ما أشرنا إليه، من عدم صحة تعلق حق المسلم في الخمر على الوجه المزبور، و هو معتبر في المرتهن.

و على كل حال فخلافه غير متحقق، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لعدم صحة تعلق حق المسلم في الخمر المنهي عن قربها على وجه يسلط هو أو الحاكم على بيعها و الاستيفاء منها، بل لعله كذلك فيما لو مات الذمي المديون لمسلم، أو فلس و لم يكن عنده إلا خمر أو خنزير، و لا ينافي ذلك جواز أخذ ثمنها منه لو باعها، إذ ليس هو تعلق بها، و لذلك ليس له جبره على بيعها، و لا اشتراط ذلك في عقد لازم، بل ليس له أن يأمره بذلك، لكونه محرما على الذمي، إذ هو مخاطب بالفروع، و كذا لا ريب في ضعف ما سمعته منه من جواز الامتناع عن قبض ثمنه، وفاء مع فرض كونه مثل الحق، ضرورة عدم الفرق بينه و بين غيره بعد جواز تناوله منه كما هو واضح.

و لو رهن أرض الخراج كالمفتوحة عنوة و التي صولح أهلها علي أن تكون ملكا للمسلمين و ضرب عليهم الخراج لم يصح عند المصنف و الجماعة، لأنها لم نتعين لواحد من المسلمين نعم يصح رهن ما بها من أبنية و آلات و شجر لكونها مملوكة لصاحبها، بخلافها هي كما أنه يصح رهنها مع الآثار، بناء على أنها تملك تبعا لآثار التصرف، بل لا يبعد حينئذ صحة رهنها نفسها دون الآثار، لكونها مملوكة ما دامت الآثار، كما عساه يظهر من الدروس، خلافا للمسالك فقال: «و إلا صح جواز رهنها تبعا لآثار التصرف من بناء و شجر و نحوهما لا منفردة» إلا أن الأمر سهل.

انما الكلام مع العلامة و غيره ممن جوز بيعها تبعا للآثار، و منع من

ج 25، ص: 129

رهنها كذلك، ضرورة أن المتجه له جواز رهنها تبعا للآثار، لعدم الفرق، و احتماله- باعتبار أن الآثار قد تزول قبل حلول أجل الدين، فلا يصح بيع الأرض، أو باعتبار أن الأخبار هناك دلت بظاهرها على جواز بيعها مطلقا، فنزلت على ما إذا تصرف فيها بهما، و لم يرد هنا شي ء- كما ترى، خصوصا بناء على قاعدة ما جاز بيعه جاز رهنه، هذا. و قد قيد جماعة البناء بما إذا لم يكن معمولا من ترابها، و إلا كان حكمه حكمها و يمكن دعوى كون السيرة في الآجر و الأواني و غيرها على خلاف ذلك.

و أما الثالث: فلا ريب في اعتباره بناء على اشتراط القبض في الصحة ف لو لو رهن ما لا يصح و لا يمكن إقباضه كالطير في الهواء غير معتاد العود و السمك في غير المحصور من الماء بحيث يتعذر قبضه عادة لم يصح رهنه ، بل و على عدمه لعدم الاستيثاق بمثل ذلك.

لكن في المسالك «أنه يمكن القول بالصحة، لعدم المانع» و تخيل تعذر استيفاء الحق من ثمنه، لعدم صحة بيعه، يندفع بإمكان الصلح عليه، و كلية- ما صح بيعه صح رهنه،- ليست منعكسة عكسا لغويا و قد تقدم مثله في الدين و هو لا يخلو من وجه، مع فرض إمكان الاستيفاء بصلح و نحوه مما لا يكون نادرا، و إلا لم يخل من نظر، كما في الرياض، فإن مجرد الإمكان مع الندرة غاية غير محصل للمقصود الذاتي بالرهن، و هو الاستيثاق و معه لا يحصل ظن بتناول ما دل على لزوم العقود لمثله، و لعله لذا اشترط الشرطين من لم يشترط القبض.

و كيف كان فإذا كان معتاد العود و الماء محصورا فالصحة متجهة على التقديرين كما صرح به بعضهم، و هل العبرة بإمكان الإقباض عند التسليم؟ أو عند العقد؟ فلو رهن ما لا يمكن إقباضه عند العقد فاتفق القدرة عليه فأقبضه، صح على الأول، و بطل على الثاني.

و لو رهن ممكن الإقباض عند العقد، فاتفق تعذره بعده، صح الرهن إذا تمكن من إقباضه بعد ذلك على التقديرين، و لعل الأمر في المقام على حسب ما تقدم في البيع

ج 25، ص: 130

بالنسبة إلى اشتراط القدرة على التسليم، التي هي في المقام أولى بالاعتبار، بناء على اشتراط القبض فيه، و إن كان مقتضى الأصل المستفاد من إطلاق الأدلة عدم شرطية كل ما شك فيه، فتأمل جيدا فإنه يمكن الفرق بين البيع و بين المقام باعتبار عدم الغرر في الأول، دون الثاني، الذي لا سفه أيضا في إيقاع عقد الرهن عليه مراعى بالقبض، بخلاف المعاوضة، و من هنا ينقدح الشك في أصل الشرطية إن لم يكن إجماع حتى على القول باعتبار القبض، و الله العالم.

و كذا لو كان مما يصح إقباضه و لكن لم يسلمه بناء على اعتباره في الصحة، و لم يلزم بناء على اعتباره في اللزوم، و صح بدون التسليم، بناء على عدم اعتباره في صحة، و لا لزوم، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن المراد من الأول، بقاء الصحة مراعاة، إلى أن يحصل ما يقتضي الفسخ من قول أو فعل، و إلا فعدم التسليم أعم من ذلك، ضرورة عدم اشتراط مقارنة التسليم للعقد كما هو واضح.

و كذا لو رهن عند الكافر عبدا مسلما أو مصحفا لنفى السبيل في الكتاب العزيز و قيل: و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة يصح رهنه و يوضع على يد مسلم، و هو أولى عند المصنف، و الفاضل و الشهيدين و غيرهم لمنع تحقق السبيل بذلك، لأنه إذا لم يكن تحت يده لم يستحق الاستيفاء من قيمته إلا ببيع المالك، أو من يأمره بذلك، و مع التعذر يرفع أمره إلى الحاكم ليبيع و يوفيه، و مثل هذا لا يعد سبيلا، لأن مثله يتحقق بالموت و التفليس و نحوهما.

و فيه: أن ذلك يقتضي جوازه و إن وضع في يده إذ لا تسليط له، و إن كان في يده إلا بالطريق المزبور، و الفرض أنه غير سبيل، و لو سلم وكالته عن الراهن أمكن منع كونها سبيلا للكافر، بل هي من سبيل المؤمن كإيداعه و نحوه، بل يد المسلم هنا نحو يد الذمي التي قالوا هناك أنها لا تجدي في ارتهان المسلم الخمر، لكونها يد المرتهن، فالمتجه بناء المسألة على صحة تعلق حق الرهانة للكافر في المسلم و المصحف، و عدمها، من غير فرق بين الوضع على يد المسلم و عدمه، و لعله لذا أطلق

ج 25، ص: 131

المنع في التذكرة و غيرها، بل ربما ادعي أنه معقد محكي الإجماع.

لكن الإنصاف عدم خلو القول بالصحة مطلقا من قوة، إن لم يثبت إجماع على خلافها لمنع كونه سبيلا، بل هو أسهل من إجارة المسلم نفسه للكافر، و لا بأس بتعلق حق الكافر بهما كما في الموت و التفليس، و به يفرق بينه و بين تعلق حق المسلم في الخمر، و الخنزير، إلا أنه يمكن دعوى تحقق الإجماع مع الوضع في يد الكافر بخلاف الوضع على يد المسلم و الله أعلم.

و أما الرابع: فلا ريب فيه لعدم التمكن من استيفاء الدين منه بدونه ف لو رهن وقفا لم يصح إذ لا يجوز بيعه، و إن كان مملوكا كالموقوف عليه، و على تقدير جوازه على بعض الوجوه يجب أن يشترى بثمنه ملكا يكون وقفا، فلا يتجه الاستيفاء منه مطلقا، و ما يبايع للحاجة قد يتطرق إليه في وقت الاحتياج إلى بيعه عدمها، فلا يكون مقصود الراهن حاصلا، و لعله لذلك أطلق من تعرض له، لكن قد يمنع منافاة هذا الاحتمال للرهن، كما في الجاني و المرتد هذا.

و في المسالك «لو قيل بعدم وجوب إقامة بدله أمكن رهنه حيث يجوز بيعه» و نحوه في غيرها أيضا، و حينئذ فإطلاق من تعرض هنا، لعدم جواز ذلك عنده، أو لعدم وثوق الراهن، إذ يمكن انتقاله قبل بيعه إلى غير الراهن بموت و نحوه مثلا، بناء على قدح مثل هذا الإجمال في الرهن، و تحرير المسألة قد تقدم في كتاب البيع و نماؤه إنما يكون رهنا تبعا، لا أن عقد الرهن يكون عليه قبل تحققه.

و كذا لا يصح رهن منذور العتق مطلقا أو مقيدا بالتعجيل، أو بوصف كمجي ء وقت، أو شرط كعافية مريض، بناء على عدم جواز بيعه. و من الغريب أن الفاضل في التذكرة مع اشتراطه في الرهن ذلك، جوز رهن المعلق على الوقت، أو الوصف، ثم قال: «و هل يباع لو حل الدين قبل الوصف؟ الأولى المنع، لأنه و ان لم يخرج عن ملكه بنذر، إلا أنه قد تعلق به حق لله تعالى، و بيعه مبطل لذلك الحق» و لعله لا يخلو من وجه في الوصف؛ أي الشرط لأصالة عدم حصوله، و لذا خص التردد فيه في

ج 25، ص: 132

القواعد، و الدروس ثم قال في الأخير: «و على الصحة لو وقع الشرط، أعتق و خرج عن الرهن، و لا يجب اقامة بدله إذا كان المرتهن عالما بحاله، و إلا فالأقرب الوجوب هنا».

و فيه: منع كون ذلك الأقرب، كما أن الوجه عدم الصحة في أصل المسألة، لأن ذلك لا يسوغ البيع للمالك. فلا يجدي الراهن، بخلاف احتمال قتل العبد بالجناية و نحوها، فان ذلك لا يمنع البيع للمالك، و احتمال صحة البيع لعدم حصول الشرط غير كاف في صحة الرهانة كما هو واضح، فتأمل جيدا.

ثم إنه ينبغي أن يكون المراد من البيع مطلق النقل و لو بالصلح، فلو اجتمع فيه الشرائط المزبورة إلا انه لا يصح خصوص بيعه، و إن صح الصلح عليه صح رهنه، ضرورة عدم اختصاص البيع بذلك بعد إمكان الاستيفاء منه، و حينئذ فلا يجوز رهن كل ما لا يجوز للمالك نقله، و إن كان عينا مملوكة له يمكن قبضها، و منه المكاتب و لو مشروطا، لأن الكتابة عقد لازم لا يمكن استيفاء الدين معها، و احتمال العجز في المشروط غير مجد، و أما أم الولد فتسمع الكلام فيها في آخر المبحث إنشاء الله.

و كيف كان ف يصح الرهن للمشتري في زمن الخيار، سواء كان للبائع، أو للمشتري، أولهما، لانتقال المبيع بنفس البيع على الأشبه خلافا للشيخ حيث حكم بعدم الانتقال، لو كان الخيار للبائع أو لهما إلا بعد مضي زمن الخيار، و قد تقدم ما فيه سابقا، لكنه أشكل في المسالك الرهن على الأول أيضا، فيما إذا كان الخيار للبائع أولهما بما فيه من التعرض لإبطال البائع و مثله بيعه، و ما أشبهه من الأمور الناقلة للملك، قال: «و تحرير المسألة يحتاج إلى تطويل. نعم لو كان الخيار له خاصة فلا إشكال، و يكون الرهن مبطلا للخيار، و كذا يجوز للبائع رهنه لو كان الخيار له، أولهما، و يكون فسخا للبيع».

قلت: قد تقدم منا في باب الخيار ما يعلم منه تحرير المسألة، و نزيد هنا أن الصور ستة، إذ الخيار إما للبائع، أو للمشتري، أولهما، و الراهن البائع، أو المشتري، فإن كان الأول: و قد رهنه هو كان فسخا، و لا يشكل صحة الرهن بعدم

ج 25، ص: 133

الملك قبله، إذ الظاهر حصوله في مثله في آن ما قبله، بل لعل القصد المتعقب للرهانة كاف في الفسخ. و إن كان المشتري، فقد عرفت سابقا أن الاحتمالات في بيعه ثلاثة، نفوذ البيع و مطالبة ذي الخيار لو فسخ بالمثل أو القيمة، و بطلان البيع و صحته متزلزلا، فعلى الأول لا ينبغي التوقف في صحة الرهانة، كما أنه لا ينبغي التأمل في البطلان على الثاني، أما الثالث: ففي الصحة و عدمها عليه احتمالان، أقواهما الصحة.

و إن كان الثاني: و الراهن البائع، فإن أجاز المشتري الخيار و الرهانة صح، و ان أجازه دونها بطلت، و إن فسخ الخيار ففي صحة الرهانة وجهان، ينشئان من وقوع الرهانة في غير ملك، و من أولويته من إجازة المالك، و أما إذا كان الراهن المشتري فلا ريب في أنه إجازة، و لا يأتي فيه الإشكال السابق، و من ذلك يعلم الحال في باقي الصور.

و رهن الواهب الموهوب الذي يصح له الرجوع فيه فسخ للهبة، كرهن البائع ذي الخيار المبيع، بل و كذا رهن غريم المفلس عينه التي له الرجوع فيها، و الإشكال المتقدم سابقا قد عرفت دفعه.

نعم يحتمل جعل المدار على ما دل على جواز تصرف ذي الحق فما ثبت كونه كذلك وجب القول بتقدير الفسخ في آن ما، و إلا لم يجز حتى يفسخ محافظة علي الضوابط هذا. و في الدروس «و لو رهن غريم المفلس عينه التي له الرجوع فيها قبله، فالأجود المنع، و أولى منه لو رهن الزوج نصف الصداق قبل طلاق غير الممسوسة، و رهن الموهوب في موضع يصح فيه الرجوع كرهن ذي الخيار» و قد يريد في الأول قبل الفلس، و إلا لم نجد فرقا بينه و بين رهن الموهوب و الله أعلم.

و يصح رهن العبد المرتد لا عن فطرة و الأمة و الخنثى مطلقا، بلا خلاف صريح أجده فيه، للأصل و العمومات في البيع و الرهن و غيرهما، و احتمال عدم التوبة غير مناف لماليته، كاحتمال عدم برء المريض، بل قد يقوى الجواز و لو كان عن

ج 25، ص: 134

فطرة لذلك أيضا، وفاقا للشيخ، و يحيى بن سعيد و الفاضلين و الفخر في شرح الإرشاد، و الشهيدين، و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، للأصل و العموم السابقين، بل ربما ظهر من بعضهم المفروغية من بيعه، فينبغي أن يكون رهنه كذلك، لوجود المقتضى و ارتفاع المانع.

و دعوى- انه بمنزلة ما لا نفع فيه، أو غير المملوك، أو المستحق للغير، أو نحو ذلك مما يمنع جواز بيعه أيضا- واضحة البطلان، كدعوى الفرق بين البيع و الرهن بإمكان الانتفاع به في الأول منفعة حالية، بخلاف الثاني، الذي يراد منه الوثوق المفقود في المقام، لاحتمال قتله، إذ نمنع اعتبار الوثوق في الرهن بحيث يقدح فيه مثل ذلك، خصوصا في مثل هذه الأزمنة المتعذر إقامة الحد فيها، بناء على أنه وظيفة الإمام، و ان منه حد المرتد، بل لو قلنا بوجوب قتله على سائر المكلفين الذين منهم الراهن و المرتهن، لم يمنع ذلك تعلق حق الرهانة فيه ما دام غير مقتول.

و الحاصل لا ينبغي التأمل في الجواز بناء على جواز بيعه، كما أنه لا ينبغي التأمل في العدم، على تقدير العدم، و لعل الأقوى جوازهما معا، لإطلاق الأدلة و عمومها، فما عن أبي على- من عدم جواز رهن المرتد، بل مقتضى إطلاقه و إن لم يكن فطريا، للخروج عن الملك واضح الضعف خصوصا في غير الفطري، و إن وافقه الفاضل في التذكرة في الفطري، و استشكل فيه في القواعد، قيل: و ربما مال إليه في الإيضاح، و لعله لعدم قبول توبته ظاهرا و باطنا، فيكون من الأعيان التي لم تقبل التطهير، فلا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه، و إن كان قد يمنع العموم للأعيان النجسة بحيث يشمل ذلك المسبوق بالملك، و ليس نفعه بمباشرته، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و كذا رهن الجاني خطأ على المشهور، بل ظاهر تخصيص المصنف التردد في العمد عدم الخلاف فيه. و هو كذلك من غير المحكي عن المبسوط، لكنه أبطل الرهن فيه، و في العمد، فلا جهة لاختصاصه بالعمد حيث قال و في العمد تردد بناء على أن المنشأ ذلك.

ج 25، ص: 135

و كيف كان ف الأشبه بأصول المذهب الجواز فيهما لحصول المقتضي الذي هو استجماع شرائط الرهن حال الرهانة، و عدم المانع، إذ لم يثبت مانعية حق الجناية عن البيع و نحوه، فضلا عن الرهانة، و احتمال القصاص و الاسترقاق للكل أو البعض غير قادح، كما إذا جنى و هو رهن، إذ لا يعتبر في الاستيثاق نفي سائر الاحتمالات، بل قد يقال في مثل الجاني خطأ انه إذا رهنه المولى التزم بفكة لأن الخيار بيده، فيكون ذلك منه اختيارا للفك، فلا إشكال حينئذ في الصحة، و منه ينقدح وجه اختصاص المصنف التردد في العمد الذي يكون الخيار فيه لغير المولى.

و على كل حال فحق الجناية مقدم على حق الرهانة، تقدم أو تأخر بلا خلاف بل و لا إشكال، لتعلق حق الجناية بالرقبة، بحيث يذهب بذهابها، بخلاف حق الدين الذي وضع الرهن بسببه، فإن فك منها حيث يمكن الفك بقي حق الرهانة ثابتا و إلا بقي الفاضل عن حق الجناية رهنا إن لم يكن مستوعبا تمام الرقبة.

و لو أقر المرهون بالجناية و صدقه الراهن و المرتهن فكالجاني، بخلاف ما إذا صدقه الراهن خاصة، أما لو كان المصدق المرتهن ففي الدروس بطل الرهن، إلا أن يعفو المجني عليه أو يفديه أحد، أو يفضل منه فضل عن الجناية، و يحتمل بقاء الرهن، لعدم صحة إقرار المرتهن، و اعتراف الراهن بالصحة.

قلت: لا ريب في ضعف الاحتمال حيث يكون للجاني الاسترقاق و قد استرق إذ صحة احتمال الرهن مع علم المرتهن بكونه مال الغير في غاية الضعف، كضعف احتمال رجوع المجني عليه على الراهن لو بيع الرهن لتكذيب المرتهن، و إن كان قد أخذ ثمنه عن دين الراهن الذي لم يقصر في الإقرار، و إن كان لم ينفذ على المرتهن.

نعم له دفعه إليه على جهة المقاصة، و لو قال الراهن: أعتقته أو غصبته أو جنى على فلان قبل أن أرهنه، حلف المرتهن على نفي العلم، و غرم الراهن للمقر له، للحيلولة، و لو نكل فالأقرب إحلاف المقر له، لأن الحق له، لا للراهن، لعدم

ج 25، ص: 136

جواز الحلف لإثبات مال الغير، فإذا حلف المجني عليه، بيع منه ما قابل الجناية و بقي الفاضل رهنا، و إن حلف العبد حكم بحريته، و لو نكل المقر له، احتمل ضمان المولى للحيلولة، و العدم للتقصير بالنكول، و المراد من الضمان للعبد أن يفكه من الرهن، فإن لم يفعل و قد بيع وجب فكه من المشتري و لو بأضعاف قيمته بل الظاهر ضمانه منافعه التي استوفاها المشتري، فضلا عما استوفاها هو قبل الرهانة.

نعم لا يضمن ما فات منها لعدم ضمان منافع الحر بالفوات، و لو جنى العبد بعد الرهانة، ففكه المرتهن على أن يبقى العبد رهنا على مال الفك و الدين جاز مع رضا المولى لأن الحق لا يعدوهما و قد اتفقا عليه، بل في الدروس «انه لو شرط في الرهن على الدين الثاني فسخ الأول، ففي اشتراطه هنا بعد، لأن المشرف على الزوال إذا استدرك كالزائل العائد، فالزوال ملحوظ فيه، فيصح الرهن عليه، و على الدين السالف، و يحتمل المساواة، لأنه لما لم يزل فهو كالدائم، و الأصحاب لم يشترطوا الفسخ».

و إن كان لا يخفى عليك ضعف الوجه الأول، إلا أن الذي يسهل الخطب ما ستعرفه فيما يأتي من أنه لا يشترط في الرهن على الثاني فسخ الأول بلا خلاف، و لو كانت الجناية على المولى فان كانت عمدا اقتص منه، و إن كانت خطأ أو عمدا و لم يرد القصاص، لم يكن له أخذ المال من المرتهن، لعدم ثبوت مال له على ماله، و إلا لزم تحصيل الحاصل، فيبقى الرهن بحاله حينئذ.

نعم لو دفع المرتهن له مالا من نفسه لإسقاط حق القصاص، محافظة على إبقاء الرهن جاز، إذ ليس هو إثبات مال على ماله، لكن أطلق في الدروس فقال: «لا يجوز أخذ المال من المرتهن في الخطأ و العمد، و لا افتكاكه».

و لعله لا يريد ما ذكرنا، فإن المتجه فيه الجواز، كما أن المتجه فيما لو جنى على مورث مولاه ثبوت ما كان للمورث من القصاص و الافتكاك للمولى، على ما صرح به في الدروس، لأنه باسترقاقه يكون بحكم مال المورث الذي يتعلق به وصاياه و ديونه

ج 25، ص: 137

و منه ينتقل إلى الوارث، أما لو جنى على عبد مولاه فله القصاص قطعا إلا أن يكون أبا للمقتول، و في الدروس «و ليس له العفو على مال إلا أن يكون مرهونا عند غير المرتهن المجني عليه، أو عنده و اختلف الدينان، فيجوز نقل ما قابل الجناية بدلا من المجني عليه، إلى مرتهنه» و لا يخلو من نظر، و تسمع إنشاء الله تمام الكلام في هذه الأحكام عند تعرض المصنف لها.

و كيف كان فان كان المرتهن غير عالم بردة العبد، أو جنايته و قد اشترط رهنه في بيع تخير في فسخ البيع، لان الشرط اقتضاه سليما. نعم لو كان عالما بهما لم يكن له خيار، و كذا لو تاب أو فداء مولاه ثم علم، و إن اختار الإمساك في الأول فليس له المطالبة بأرش يكون رهنا، للأصل كما لو قتل قبل علمه. و الله أعلم.

و لو رهن ما يسرع اليه الفساد قبل الأجل و لكن كان يمكن إصلاحه بتجفيف و نحوه صح بلا خلاف، بل في المسالك قولا واحدا، بل و لا إشكال، ضرورة وجود المقتضي و ارتفاع المانع، ف يجب حينئذ على الراهن الإصلاح، لأن ذلك من مؤنة حفظه، كنفقة الحيوان.

و كذا إن شرط بيعه، جاز و إن لم يمكن إصلاحه بلا خلاف و لا إشكال لحصول المقصود بالرهن بهذا الشرط، فيبيعه الراهن حينئذ، و يجعل ثمنه رهنا، فإن امتنع جبره الحاكم، فان تعذر باعه المرتهن، أو الحاكم دفعا للضرر، و جمعا بين الحقين.

و كذا لو كان مما لا يفسد إلا بعد الأجل، بحيث يمكن بيعه قبله، أو كان الدين حالا لحصول المقصود بالرهن مع ذلك كله و أما إن لا يمكن شي ء من ذلك، و قد شرط الراهن فيما يفسد قبل الأجل عدم البيع قبل الأجل بطل الرهن كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا لمنافاته مقصود الرهن حينئذ، بل المراد من الشرط الرابع إمكان الاستيفاء من الرهن عند ارادته.

لكن في المسالك احتمال الصحة، كما لو أطلق قال: «و شرط عدم البيع لا يمنع صحة الرهن، لأن الشارع يحكم عليه به بعد ذلك صيانة للمال» و فيه أنه

ج 25، ص: 138

لا معنى لحكم الشارع مع صحة الشرط، و إن كان باطلا بطل الرهن المشترط فيه، بناء على بطلان العقد بمثله.

نعم لو أطلق اتجه القول بالصحة، وفاقا للفاضل، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و المحكي عن غيرهم فيبيعه المالك عند خوف الفساد، و يجعل ثمنه رهنا، فإن امتنع جبره الحاكم جمعا بين الحقين، و لتوقف صحة الرهانة المحمول عليها فعل المسلم على ذلك، و خلافا للمحكي عن الشيخ، و ظاهر ابني زهرة، و إدريس، لعدم اقتضاء عقد الرهن بيع الرهن قبل حلول الأجل، فلا يجبر عليه الراهن، و حينئذ فلا يملك المرتهن استيفاء الدين منه عند حلول الأجل، بل يكون كرهن المقطوع بعدم بقائه إلى الأجل، و فيه منع عدم اقتضاء عقد الرهن ذلك في مثل الفرض كما هو واضح.

و من ذلك ظهر لك قوة ما أشار إليه المصنف بقوله و قيل: يصح و يجبر مالكه على بيعه في صورة الإطلاق التي هي محل هذا القول بحسب الظاهر، كما عن المبسوط حكايته كذلك، لا الأعم منها و من صورة الشرط التي قد عرفت قوة البطلان فيها، هذا كله في المعلوم فساده قبل الأجل حال الرهانة، أما إذا طرء ما يقتضي فساده قبل الأجل بعدها، فلا ينبغي التأمل في بقاء الصحة حينئذ و البيع و جعل الثمن رهنا جمعا بين الحقين.

و الفرق بينه و بين ما سبق واضح، بل الظاهر كون الحكم هنا كذلك، و إن قلنا بالبطلان مع الإطلاق و من هنا قال في الدروس: «و إن طرء الفساد بعد القبض لم ينفسخ العقد، و لو قلنا ببطلان رهنه مع عدم شرط البيع، لأن الطاري لا يساوى المقارن» و من ثم يتعلق الرهن بالقيمة لو أتلف الرهن متلف و هي دين، و لا يجوز رهن الدين ابتداء فحينئذ يباع و يتعلق بثمنه، بل هو كذلك أيضا و إن كان قد اشترط عليه عدم البيع قبل الأجل على جهة التأكيد، إذ لم يكن المقصود من الشرط ما ينافي الرهانة نعم لو فرض تصريح المشترط بعدم البيع حتى مع طرو المفسد، أمكن القول بالبطلان فتأمل جيدا. ثم ان الظن بالفساد الذي ينافي الوثوق عرفا كالعلم، بخلاف الاحتمال

ج 25، ص: 139

بل و الشك، بل و بعض أفراد الظن.

و كيف كان فما يتفرع على الشرط الرابع مما تركه المصنف عدم جواز رهن أم الولد، فإنها و إن كانت عينا مملوكة يمكن قبضها، لكن لا يجوز بيعها، و من هنا نسب المنع في المحكي عن الإيضاح. و حواشي الشهيد إلى الأصحاب.

لكن فيه أن المحكي عن أبي على الجواز، بل لم يستبعده في المختلف، و في جامع المقاصد فيه قوة، بل قيل: إنه قد يظهر من موضعين من المبسوط، و كذا الغنية، بل هو الأقوى إذا كان في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها، وفاقا للتحرير، و الدروس، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و احتمال- يسار المولى قبل حلول الأجل فلا يجوز بيعها، فينتفى المقصود من الرهن- غير قادح بعد أن كان الإعسار مستصحبا مع أنه يمكن القول بأن له الحبس حينئذ، حتى يفيه المولى، بل قد يتجدد إعساره فلا تنتفي فائدة الرهانة أصلا.

قال في الدروس: «لو رهنها فتجدد له اليسار انفسخ الرهن، و وجب الوفاء و يحتمل بقاؤه حتى يوفي، لجواز تجدد إعساره قبل الإيفاء، و لعله أقرب» فظهر من ذلك أن الإشكال في رهنها في الفرض كما في القواعد ضعيف، نعم يتجه المنع مع اليسار إذ احتمال كفاية حبس المال عن المالك في صحة الرهن و إن لم يجز بيعه خلاف المفهوم من الأدلة، و إلا لجاز رهن الوقف و نحوه، كاحتمال الاكتفاء باحتمال تجدد الإعسار المجوز للبيع، بعد فرض اقتضاء الأصل عدمه، و فقد الشرط حال العقد، فما في القواعد عن احتمال الجواز فيه في غاية الضعف، و أضعف منه احتماله في غير ثمن رقبتها، اكتفاء في الرهن بالحبس المزبور الذي قد عرفت ضعفه.

نعم قد يقال بجواز رهنها في بعض المواضع المستثناة من حرمة بيعها، إذا تصور إمكان رهنها فيه، لكونه حينئذ رهنا فيما يجوز بيعها فيه.

ثم إنه لا يتوهم اقتضاء الشرط الرابع عدم جواز رهن الجارية بدون ولدها الصغير، بناء على حرمة التفرقة بينها و بينه، لعدم كون الرهن تفرقة، و لذا ادعى الإجماع على جوازه في محكي التذكرة و الإيضاح.

ج 25، ص: 140

و عن السرائر «يجوز رهن الجارية و إن كان لها ولد صغير إجماعا» بل الظاهر ذلك و إن قلنا بجواز بيعها منفردة في الرهن، لعدم لزوم الرهن للتفرقة فلا يحرم، مع أن الأقوى وجوب بيع الولد معها لو أريد بيعها في الرهن، لتوقف صحة البيع الذي اقتضاه الرهن على بيعه معها، فيجب حينئذ مقدمة.

و ما في القواعد- من احتمال جواز بيعها منفردة، و يقال: إنها تفرقة اضطرارية- واضح الضعف، ضرورة عدم اقتضاء عقد الرهن بيعها منفردة، و إن كانت قد رهنت كذلك، فيضم ولدها حينئذ معها، سواء باعها المالك أو بيعت جبرا عليه، و لذا ترك الاحتمال في الدروس و غيرها، فيباعان حينئذ، ثم يختص المرتهن بقيمة الأم و ان نقصت بضمه إليها، أما لو زادت فقيل: تقسم الزيادة على نسبة ثمن الجارية و الولد فيختص المرتهن على النسبة فلو قومت مع ولدها بمأة و عشرين، و مفردة بمأة، و ولدها مفردا بعشرة، كان الزائد بالاجتماع عشرة، فيقسم أحد عشر حصة، يختص المرتهن منها بعشرة، و المالك بواحدة.

و قد يشكل- بعدم استحقاق المرتهن هذه الزيادة الحاصلة بانضمام غير المرهون من مال المالك، فينبغي اختصاصه بها أجمع، و لم يكن للمرتهن إلا قيمة الجارية منفردة- و يدفع بإمكان دعوى استحقاق المرتهن الاجتماع بعد فرض تعلق الرهانة بها و هي ذات ولد، بل قد يحتمل اختصاصه بها، و أنه ليس للمالك إلا قيمة الولد منفردا، لكن العدل، ملاحظة تتساويهما في الزيادة.

و في القواعد «تقوم منفردة، و منضمة، ثم ملاحظة النسبة، فلو قومت منفردة مثلا بماءة و منضمة بماءة و عشرين، كان قيمة الولد السدس، قال: و يحتمل تقدير قيمة الولد منفردا حتى تقل قيمته، فإذا قيل عشرة فهو جزء من أحد عشر لو كانت قيمة الأم مائة».

و في الدروس «إما أن يقوما جميعا ثم يقوم الولد وحده، أو يقوم الأم وحدها، و مع الولد، أو كل منهما وحده، لأن الأم تنقص قيمتها إذا ضمت إليه لمكان اشتغالها بالحضانة، و الولد تنقص قيمته منفردا لضياعه، و وجه تقويم الأم وحدها أن الرهن

ج 25، ص: 141

و رد عليها منفردة، و هو قول الشيخ، و كذا لو حملت بعد الارتهان و قلنا: بعدم دخول النماء المتجدد، أو كان قد شرطا عدم دخوله».

قلت: ما ذكره أخيرا يقتضي أن الزيادة كلها للمالك، لأنها في قيمة الولد، و النقصان الذي حصل في الجارية بالضم مستحق على المرتهن، لعدم صحة بيعها بدونه و قد رضي بها رهنا و هو على هذا التقدير جيد، كما أنه لو فرض زيادة قيمة الجارية به دون قيمة الولد، يتجه اختصاص المرتهن بها، إنما الكلام لو حصلت الزيادة لهما بالضم، أو النقصان، و قد عرفت الحال فيه فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره ممن اقتصر كاقتصاره على الشروط الأربعة، عدم اشتراط أمر آخر غيرها، لكن في القواعد «لا يصح رهن المجهول»، و في المحكي عن مواضع من المبسوط، بل عن الخلاف، نفي الخلاف عن عدم صحة الرهن فيما في الحق. بل قيل: ظاهره نفيه بين المسلمين، و في التذكرة «لو كان ما في الحق مجهولا لم يصح الرهن قطعا في المظروف خاصة، للجهالة على اشكال، و يصح الرهن في الحق عندنا، و إن تفرقت الصفقة إذا كان له قيمة مقصودة».

و في الدروس «لا يصح رهن أحد العبدين أو العبيد لا بعينه، للغرر، بل قال:

و الظاهر أنه يعتبر علم الراهن و المرتهن بالمرهون مشاهدة أو وصفا» و هو ظاهر الشيخ حيث منع من رهن الحق بما فيه للجهالة، و جوزه الفاضل، و اكتفى بتمييزه عن غيره، و الشيخ نقل الإجماع على بطلان رهن ما فيه، و يصح رهن الحق عنده.

قلت: إن تم هذا الإجماع كان حجة على خصوص معتقده، و ما شابهه من المجهول من جميع الوجوه، و إلا فالإطلاقات تقتضي الجواز، و نفي الغرر إنما هو في العقود المبنية على المغابنة، لا في مثل الرهن المبني على غبن الراهن للمرتهن، كالواهب بالنسبة إلى المتهب.

قال في التذكرة في باب بيع الغائب: «الأقرب جواز هبة الغائب غير المرئي و لا الموصوف و رهنه، لأنهما ليسا من عقود المغابنات بل الراهن و الواهب مغبونان و المرتهن و المتهب مرتفقان، و لا خيار لهما عند الرؤية، كما إذا أرهنه المال الغائب،

ج 25، ص: 142

أو وهبه له، لانتفاء الحاجة اليه، و معلوم أنه لا خيار لهما باعتبار هذين العقدين، أما لو شرط في كل من الهبة و الرهن موصوفين في عقد البيع مثلا فظهر بخلاف الوصف ثبت الخيار بالعارض» و هو جيد جدا.

نعم قد يتجه البطلان في غير المعين كأحد العبدين أو العبيد، كما جزم به في المختلف، و في حواشي الشهيد، و جامع المقاصد «المراد بالمجهول الذي لا يصح رهنه المجهول من جميع الوجوه، أو من بعضها بحيث يمنع من توجه القصد إليه، و ما في الحق كالشاة من القطيع لا يتوجه القصد إليها، و أما المجهول لا كذلك، كهذه الصبرة، إذا لم يعلم قدرها فلا بأس به».

قلت: يمكن منع عدم توجه القصد إلى ما في الحق، بعد القطع بكونه مما يرهن، و إن لم يعلم جنسه و لا نوعه، و من هنا كان ظاهر المختلف جوازه. نعم هو كذلك في الشاة من القطيع بعد إرادة الإيهام الذي تنتفي معه الشرائط الأربعة، بل لا يصح رهنها مع إرادة الإطلاق، لا لأن المطلق لا يمكن قبضه إلا بقبض الفرد الذي هو غير مرهون، إذ هو مع أنه غير تام- بناء على عدم اعتبار القبض إلا إذا قلنا باعتبار كونه مما يقبض عليه أيضا- واضح المنع، ضرورة صدق قبض الكلي يقبض فرده، بل لعدم جواز بيعه لو بقي على إطلاقه، لعدم اشتراط القبض، أو لأنه قبض الجميع مقدمة لقبض الواحد، و احتمال استحقاق المرتهن على الراهن تعينه عند ارادة البيع فيصح حينئذ لذلك، يمكن منعه للأصل و غيره، و إن كان ذلك كله لا يخلو من نظر بل منع، و لو فرض أنه أرهنه شاة، ثم عينها له و قبضها المرتهن لم يبعد الصحة، و كذا لو أرهنه صاعا من صبرة، و إن لم يقبضه بعينه، و في تنزيله على الإشاعة و عدمها الوجهان، و لعل الأقوى الأول، فتأمل جيدا.

فظهر من ذلك كله أن ما لا يجوز رهنه من المجهول، لا ينفك عن فقد أحد الشرائط الأربعة، و غيره لم يثبت عدم جواز رهنه، بل إطلاق الأدلة يقضي بخلافه، و عدم معرفة مقابلته للحق في بعض أحوال الجهل غير قادح، إذ لا يعتبر في الرهن إمكان استيفاء تمام الحق منه، بل يكفي فيه الوثوق باستيفاء بعضه، و الله أعلم.

ج 25، ص: 143

[الفصل الثالث في الحق ]

الفصل الثالث في: الحق الذي يجوز أخذ الرهن عليه و هو كل دين ثابت في الذمة قبل الرهانة أو مقارنا لها في وجه تسمعه إنشاء الله يمكن استيفاؤه من الرهن كالقرض، و ثمن المبيع و الأجرة و حينئذ ف لا يصح الرهن فيما لم يحصل سبب وجوبه أي ليس بثابت حال الرهن ك ما في القواعد نحو الرهن على ما يستدينه منه أو على ثمن ما يشتريه فلو دفعه إلى المرتهن ثم اقترض لم يصر بذلك رهنا بلا خلاف أجده بيننا، بل في التذكرة، و جامع المقاصد، الإجماع عليه، بل و لا إشكال، ضرورة ظهور أدلة المقام في كون الرهن وثيقة على مال المرتهن، و لا يتصور الاستيثاق قبل حصول مال له عنده، فلا يشمله عموم الوفاء بالعقود، بعد فرض عدم صدق الرهن عليه، كما هو واضح.

و ما عن أبي حنيفة، و بعض وجوه الشافعية- من الجواز، و أنه يصير رهنا بالقرض- في غاية الضعف، كدليله الذي مقتضاه حينئذ تأخر أثر الإنشاء عن سببه الذي هو العقد، و هو معلوم الفساد عندنا، بل لا يصح الرهن على الأعيان التي ليست بمضمونة على من في يده، كالوديعة و العارية غير المضمونة و نحوها بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعل المحكي منهما مستفيض، و به يخرج عن عموم الوفاء بالعقود، لو كان مشمولا لها باعتبار صدق الرهن عليه عرفا.

أما المضمونة كالمغصوبة و العارية المضمونة و المقبوض بالسوم و نحوها، ففي الرياض أن الأكثر على عدم صحة الرهن بها، و لعله للأصل بعد عدم دليل للصحة، لعدم الإجماع بعد استقرار فتوى الأكثر على الخلاف، و اختصاص الآية و جملة من النصوص بالدين، و عدم انصراف إطلاق باقيها بحكم التبادر إلى محل الفرض

ج 25، ص: 144

و المراد بالعقود المأمور بالوفاء بها المتداولة في زمن الشرع، و في كون محل الفرض منها نوع شك و غموض. و ان علم تداول جنس الرهن، و تسميته رهنا حقيقة في اللغة و العرف غير معلوم، فلم يبق إلا الأصل المقتضي للفساد.

مضافا إلى اقتضاء صحة الرهن بها صحته في غير المضمونة، ضرورة عدم الفرق بينهما، إذ المراد من ضمانها، الالتزام بالمثل أو القيمة عند التلف الذي هو غير معلوم الحصول، فضمانها حينئذ متعلق على شرط، كتعليق ضمان غيرها على التلف بالتفريط الذي لم يعلم حصوله، فهما بالنسبة إلى ذلك سواء، بل كل منهما مضمون عند العقد في الجملة، و إن كان في الأولى بمجرد التلف، و في الثانية به مع التفريط، و هو غير مجد.

لكن قد يناقش في ذلك كله، بانقطاع الأصل بإطلاق أدلة الرهن الذي لا ينافيه اختصاص مورد بعضها بالدين، لصدق اسم الرهن الذي هو للأعم من الصحيح و الفاسد عليه في عرف المتشرعة، فضلا عن اللغة الذي هو بمعنى الحبس، فيشمله حينئذ إطلاق الأدلة، و يحكم بصحته مع عدم العلم بالفساد.

كما أنه يحكم باندراجه في عموم الوفاء بالعقود، و إن سلم إرادة المتداول منها في ذلك الزمن، إلا أنه يكفي في إثباته معلومية تداول الجنس مع معلومية صدق ذلك الجنس على فرده الذي لم يعلم فساده، و خروج الرهن على غير المضمون بالإجماع غير قادح، على أنه قد يفرق بينهما بتعلق العهدة فيها بأحد الأمرين عينها أو بدلها بخلاف تلك، فإنه لا عهدة فيها لإمكان تلفها بغير تفريط، فلا حق للمرتهن في بعض أحوالها.

و أما إشكال أصل الرهن عليها- بأن المقصود من الرهن استيفاء الحق المرهون عليه منه، و لا يعقل استيفاء الأعيان الموجودة من الرهن- فواضح الدفع، بأنه يكفي فيه التوثق به، لأخذ العوض عند الحيلولة، أو التلف الذي هو محل الحاجة، و لذا جاز أخذ مال الغاصب المساوي لما غصبه أو المخالف مع الامتناع عن رد العين و تعذر جبره.

ج 25، ص: 145

على أن إرادة استيفاء نفس الحق من المرهون لا يتم في الدين المجمع على جواز الرهن عليه، ضرورة عدم كون الثمن عين الدين الكلي الذي اشتغل به الذمة إذ لا ريب في مغايرته لجزئياته، و لو في الجملة، سيما على القول بأن وجوده في الخارج في ضمن الفرد، لا عينه، على أن ذلك كله في الرهن على الدين، لا مطلق الرهن المفروض شموله للرهن على العين الذي معناه ما ذكرناه.

و على كل حال فالإشكال من هذه الجهة واضح الفساد، كل ذلك مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المتضمنة لنفي البأس عن الاستيثاق للمال، ك

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أحدهما عليهما السلام «سألته عن السلم في الحيوان و الطعام و يؤخذ الرهن؟ فقال: نعم استوثق من مالك ما استطعت»

و نحوه غيره الشاملة بإطلاقها لمحل الفرض، ضرورة صدق المالية عليه فلا بأس بالاستيثاق له.

و المناقشة- بأن الاستيثاق بهذا الرهن أول الكلام، فإنه لا استيثاق إلا بعد صحته و عدم جواز رجوع الراهن فيه- واضحة الفساد، ضرورة إرادة نفس الرهن من الاستيثاق فيها، فالمراد أنه لا بأس بأخذ الرهن لمالك، و هو شامل للدين و العين، فيدل على الصحة، و يجري عليه جميع أحكام الرهن.

فمن الغريب وقوعها من بعض الأساطين كالمناقشة بكون الخارج عن ذلك من الرهون الفاسدة أضعاف الداخل، فيخرج عن الحجية، ضرورة فسادها بمنع كونه مما يخرج به عن الحجية بعد ملاحظة الأصناف، خصوصا إذا كان

المعيار الوصول إلى حد الاستهجان، فلا ريب حينئذ بعد ذلك كله في أن الأقوى صحة الرهن عليها، وفاقا للفاضل، و الشهيدين، و المحقق الثاني، و غيرهم، بل قد يقال:

بصحته للمضمون بحكم العقد كالثمن و المبيع و نحوها، بل ظاهر الدروس و غيرها تلازم الحكم بالصحة فيه، للحكم بالصحة في الأعيان المضمونة، قال: «و يجوز على عهدة الثمن لو خرج مستحقا، و كذا المبيع و الأجرة و عوض الصلح إن جوزنا الرهن على الأعيان و الضرر بحبس الرهن دائما مستند إلى الراهن، و لعلهما إذا أمنا الاستحقاق يتفاسخان». و في جامع المقاصد بعد أن فرغ من البحث في ضمان


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الرهن الحديث 5.

ج 25، ص: 146

الأعيان، قال: «و مثله أخذ الرهن على الثمن للمشتري، أو المبيع للبائع على تقدير ظهور فساد المبيع، و قد صرح باستوائهما بالحكم المصنف في السرائر، و شيخنا في الدروس، و إن كان المصنف في التذكرة- مع قوله بصحة الرهن على الأعيان المضمونة- منع من الرهن بعهدة البيع، و ليس بواضح، و ما علل به منعه الارتفاق مردود، لورود مثله في الرهن على ثمن المبيع مؤجلا، و الظاهر أن أخذ الرهن على الصحة حذرا من نقصانها كالرهن على المبيع».

قلت: الموجود فيما حضرني من التذكرة في المقام «و أما الأعيان المضمونة في يد الغير إما بحكم العقد كالمبيع، أو بحكم ضمان اليد كالمغصوب، و المستعار المضمون و المأخوذ على جهة السوم، و كل أمانة فرط فيها و بقيت بعينها، فالأقوى جواز الرهن عليها» و ظاهره أنها مسألة واحدة، اللهم إلا أن يريد بالمضمون بحكم العقد غير درك المبيع.

نعم كلامه في باب الضمان منها كالصريح في جواز الرهن على الدرك، محتجا عليه ب

خبر داود بن سرحان (1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الكفيل و الرهن في بيع النسيئة؟ قال: لا بأس»

و إن كان في استدلاله ما فيه.

لكن في باب الرهن أيضا في مسألة عدم جواز أخذ الرهن على ما لا يستوفي منه قال: «كلما جاز أخذ الرهن به جاز أخذ الضمين به، و ما لم يجز أخذ الرهن به لم يجز أخذ الضمين به، إلا ثلاثة أشياء عهدة البيع يصح ضمانها، و لا يصح الرهن بها، و الكتابة لا يصح الرهن بها على إشكال سبق، و الأقرب صحة الضمان فيها، و ما لا يجب لا يصح أخذ الرهن به، و يصح ضمانه، لأن الرهن بهذه الأشياء يبطل الإرفاق، فإنه إذا باع عبده بألف و دفع رهنا يساوي ألفا، فكأنه ما قبض الثمن و لا ارتفق به، و المكاتب إذا دفع ما يساوي كتابته، فما ارتفق بالأجل، لأنه كان يمكنه بيع الرهن و إمضاء الكتابة، و يستريح من تعطيل منافع عبده، بخلاف الضمان، و لأن ضرر الرهن يعم، لأنه يدوم بقاؤه عند المشتري فيمنع البائع التصرف فيه، بخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الرهن الحديث- 3.

ج 25، ص: 147

الضمان» فظهر من ذلك كله أن كلامه فيه مختلف.

و كيف كان فقد يقال بالفرق بينهما باعتبار عدم علم الاستحقاق في عهدة الثمن و المبيع، و احتماله غير كاف في صحة الرهن، و ان كان لو تحقق لظهر انكشافه من أول الأمر، بخلاف الأعيان المضمونة، فإن الاستحقاق لردها عينا أو بدلا معلوم الثبوت، بل لا يخفى على السارد، للنصوص الواردة في الرهن أنه لا تناول في شي ء منها لذلك، حتى النصوص التي ذكرناها آنفا، ضرورة عدم مآل له ظاهرا عند غيره حتى يستوثق له، و منه ينقدح الشك في صدق الرهن عليه، بحيث يندرج في عموم الوفاء بالعقود و الإطلاق العامي المبني على ضرب من المسامحة لا عبرة به و لا وثوق، فالقول بالمنع فيه و إن قلنا بالجواز هناك لا يخلو من قوة، خصوصا مع ملاحظة عدم أمد له ينتظر غالبا، و الرهن على غير المعلوم من الدين حال الرهن ثم علم إن جوزناه لعدم شرطية العلم به، كما في سائر ما يعتبر في المعاملة لا يقضي باجزاء حكم الرهانة عليه حال عدم العلم، كما هو المفروض في محل البحث، و بذلك يفرق بينه و بين الضمان الذي ليس فيه سوى شغل الذمة الذي يعلم بعد حصول الدرك كما أومى إليه فيما سمعته من التذكرة.

نعم لا مانع من التزام صحته لو بان بعد ذلك كون العين في العهدة لفساد البيع على نحو صحته في الدين المحتمل، و كيف كان فقد عرفت أنه لا بد من الثبوت حال الرهن، لعدم تصوره حقيقة بدونه، بل لا بد من سبق ثبوته على تمام الرهن، لأن الشرط للسبب شرط لاجزائه كما في سائر شروط العقود، فلو شرك بين السبب و الرهن في عقد كما لو قال المشتري: صالحتك عن هذا العبد بألف و رهنت الدار بها، فقال:

قبلت أو قال: قبلت الصلح ثم قال: قبلت الرهانة لم يصح، وفاقا لصريح الكركي و ظاهر غيره، بل في الرياض حكايته عن الأكثر، فضلا عن رهن العبد نفسه، لوقوع إيجاب الرهن على التقديرين الذي معناه التوثيق قبل ثبوت الحق، بل قيل: إنه غير معقول، و حصوله بعد ذلك لو كان مجزيا في صحته التي هي بحسب حاله، لا جزء لو تأخر عن الإيجاب و القبول، خصوصا إذا كان قبل القبض بناء على أنه من تمام

ج 25، ص: 148

السبب فتأمل.

و دعوى- كون المعتبر في عقد الرهن أن لا يسبق بتمامه الحق، لا بعضه- لا شاهد لها، بل الشواهد بخلافها، ضرورة ظهور الآية(1)و النصوص،(2)بتعقب الرهن بتمامه للحق، حتى يصدق أنه استوثق على ماله، و ليس الاستيثاق الذي هو بمعنى الرهن الجزء الأخير من القبول، حتى يكون قد تأخر عن ثبوت الحق، أو قارنه، بل هو عبارة عن تمام عقد الرهن، كما أنه ليس في عقد الرهن ما يقضي بالفرق بينه و بين غيره من العقود، المعلوم تأخر تمام

عقودها عما يعتبر في صحتها، فلو أوجب البيع مثلا على ما لا يصح بيعه، ثم انتقل إلى الصحة قبل تمام القبول أو قبل الشروع فيه لم يصح قطعا.

بل حكي عمن جوز ما نحن فيه من العامة الاعتراف ببطلان قول المولى لعبده كاتبتك على ألف، و بعتك هذا الثوب بكذا، فقال العبد: قبلتهما، أو قال: قبلت الكتابة و البيع، و الفرق بين المقامين صعب، و أطرف شي ء اشتراط الشافعية في الجواز تقدم إيجاب البيع على إيجاب الرهن، إذ تقدمه بعد عدم تأثيره الحق في الذمة غير مجد، فلا فرق بين تقدم إيجاب البيع عن إيجاب الرهن و تأخره، كما هو واضح.

و بالجملة جواز ذلك غير متجه على أصولنا، فما يحكى عن مالك، و الشافعي و أحمد، و أصحاب الرأي من الجواز في غاية الضعف، و من الغريب تردد بعض الأساطين من أصحابنا فيه، ففي القواعد «لو شرك بين الرهن و سبب الدين في عقد ففي الجواز إشكال، ينشأ من جواز اشتراطه في العقد، فتشريكه في متنه آكد، أي في الالتزام، لاحتمال عدم الوفاء بالشرط، و من توقف الرهن على تمامية الملك، لكن يقدم السبب فيقول: بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت الدار بها، فيقول: اشتريت و رهنت، و لو قدم الارتهان لم يصح» و في الدروس «و هل يجوز مقارنة الرهن للدين؟ فيه وجهان، فيقول: بعتك الدار بمأة و ارتهنت العبد، فيقول قبلتهما أو


1- 1 سورة البقرة الآية 283.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الرهن.

ج 25، ص: 149

اشتريت و رهنت، و لو قدم الرهن لم يجز».

بل في التذكرة «لو امتزج الرهن بسبب ثبوت الدين مثل أن يقول بعتك هذا العبد بألف و ارتهنت هذا الثوب به، فقال المشتري: اشتريت و رهنت، أو قال:

أقرضتك هذه الدراهم و ارتهنت بها دارك، فالأقرب الجواز، لأن الحاجة تدعو إليه، فإنه لو لم ينعقد لم يتمكن من إلزام المشتري بعقده، و لأن شرط الرهن في البيع و القرض جائز لحاجة الوثيقة، فكذا مزجه بهما، بل هو أولى، لأن الوثيقة هنا- آكد، فإن الشرط قد لا يفي به».

لكن الجميع كما ترى بعد الإغضاء عما في الأمثلة من تقديم قبول الرهن على إيجابه، إذ الحاجة مع عدم رجوعها إلى الحرج لا تكون دليلا مثبتا لحكم شرعي و اشتراط الرهن لا يشترط فيه شرائط عقد الرهن من ثبوت الحق و نحوه، فجوازه لا يستلزم جواز ذلك، بل الظاهر كما قدمنا في بحث الشرائط من البيع صحة اشتراط رهن المبيع نفسه على معنى رهنه بعقد جديد بعد انتقاله.

بل لو جوزنا اشتراط نتيجة العقد بدونه، و قلنا: إن الشرط يقوم مقامه كقيام الصلح مقام بعض العقود، و ان لم يلحقه حكم ذلك العقد، اتجهت الصحة حينئذ، لعموم أدلة الشرط السالم عن معارضة ما دل على اشتراط ذلك مثلا في الرهن، لأن المفروض عدم كونه من الرهن، و إن حصلت نتيجته بالشرط، بل لو قلنا بصحة اشتراط النتيجة على وجه يلحقه أحكام الرهن، على معنى أن للرهن سببين العقد و الشرط، أمكن جواز اشتراط كونه رهنا على دين سابق، فضلا عن اشتراط رهن غيره مما هو مملوك للراهن سابقا، فينتقل حينئذ مقارنا لتعلق حق الرهانة به أو مقدما عليه، كما هو مقتضى الاشتراط الذي يراد منه الرهن بعد ثبوت الحق كما قيل.

و على كل حال لا يستلزم الصحة في محل البحث، بل لو قلنا بصحة اشتراط رهنه على الثمن في العقد على المعنى المزبور، لم يستلزم الصحة أيضا، لإمكان دعوى اشتراط سبق الحق على عقد الرهن، لا على اشتراطه المقتضي للاقتران، أو سبق الحق عليه باعتبار بساطته، بخلاف عقد الرهن الذي هو مركب من الإيجاب و القبول، و لا يتصور

ج 25، ص: 150

مقارنتهما لثبوت الحق، بل أقصاها المقارنة للسبب بالطريق المذكور في كلامهم، و هو مقتض لوقوع الإيجاب قبل حصول الحق الذي هو شرط فيه، لكونه شرطا للعقد بتمامه فتأمل جيدا فإنه دقيق و الله العالم.

و كيف كان فليس المراد من الثابت في المتن و غيره اللازم لصحة الرهن على الثمن في مدة الخيار، بناء على حصول الشغل بالعقد و الرهن على غيره مما هو متزلزل بلا خلاف أجده فيه، لإطلاق الأدلة. نعم في التذكرة «لا شك في أنه لا يباع الرهن في الثمن ما لم يمض مدة الخيار» مع أنه لا يخلو من نظر، بل منع فيما إذا حل الدين قبل أجل الخيار.

بل المراد من الثابت، الحاصل في الذمة و إن لم يكن لازما، فلا يصح على ما لم يحصل سبب وجوبه بل و لا على ما حصل سبب وجوبه في الجملة و لكن لم يثبت به في الذمة كالدية قبل استقرار الجناية في الخطأ المحض، و شبه العمد، و قبل انتهاء حالها و ان علم أنها تأتي على النفس الذي هو سبب ثبوت الدية، على المشهور نقلا و تحصيلا، بل مقتضى الإطلاق عدم الفرق في الجناية على ما فيه الدية و غيره، و لعله لان الشارع لم يرتب عليها حكما قبل انتهاء حالها، فهو حينئذ تمام السبب فلا ثبوت قبله، و القطع بأنه يحصل أحد السببين لا يجدي في جواز أخذ الرهن، لعدم ثبوت الحق حينئذ قبل حصول سببه.

لكن في المسالك «ربما قيل: بجواز الرهن على الجناية التي قد استقر موجبها و إن لم تستقر هي، كقطع ما يوجب الدية، فإن غايته الموت و لا يوجب أكثر منها، بخلاف ما دون ذلك، و ليس ببعيد» و تبعه غيره.

و فيه أنه على احتمال سريان الجناية لم يكن لذلك القطع تأثير، و لا سببية، بل المؤثر حينئذ الموت، و لا معنى للرهن قبل ثبوت الحق. نعم لو كان المؤثر للدية القطع المزبور و الموت لا أثر له، اتجه حينئذ الرهن لثبوت الحق، لكن ظاهر النص و الفتوى خلافه، فإطلاق المتن و غيره حينئذ متجه، و قد عرفت أن القطع بحصول أحد السببين غير الحصول فعلا، و كان ذلك هو الذي أوهم القائل، مع أنه لو تم

ج 25، ص: 151

لجاز الرهن على المتيقن ثبوته من الدية في الجناية على ما لا يوجبها، كقطع اليد مثلا، فإن النصف متيقن في ضمن تمام الدية أو مستقلا، و لا يلتزم به القائل المزبور و الفرق بينهما لا يخلو من تكلف، ثم من المعلوم أن الدية في الخطأ على العاقلة، و أنها مقسطة على ثلاث سنين.

و لكن لا يجوز الرهن على قسط كل حول إلا بعد حلوله لعدم تعين المستحق عليه منها قبله، و إن الجامع لشرائط العقل عند تمام الحول هو الذي يعقل، و إن كان فاقدا لها قبله، لا غيره، و إن كان جامعا لها سابقا، و استصحاب الجامعية إلى مضي الحول غير مجد، بعد أن كان جزء سبب الثبوت مضي الحول، فإذا مضى صح الرهن حينئذ من ذلك المتعين الذي قد ثبت في ذمته.

أما الدية في شبيه العمد فيصح الرهن عليها بمجرد حصول سبب ثبوتها، لأنها على الجاني و إن كانت مؤجلة إلى سنتين، لكن كأجل الدين، فلا يمنع من الرهن بها بعد أن كانت متعلقة بذمته، و إن مات في تركته.

اللهم إلا أن يقال إن الأجل فيها كالأجل في دية الخطأ، بمعنى أن مضيه جزء سبب الاستحقاق، فيتجه حينئذ عدم الرهن بها أيضا، و ستسمع إن شاء الله في كتاب الديات ما يؤكد ذلك، و إن كان في بعض العبارات هناك ما يوهم اشتغال الذمة بها قبل الحول، و لكن غير مستقر لاحتمال الموت و الإعسار عند الحول، إلا أنه محمول على ضرب من التوسع، ضرورة اقتضاء التدبر في كلامهم هنا و هناك كون المراد بالخطاب بها الحكم التكليفي، لا الديني الذي لا يسقط بالموت، و لا بالإعسار، فلاحظ و تأمل.

و قال في الدروس: «و لا يصح الرهن على الدية قبل استقرار الجناية، و إن حصل الجرح، و يجوز بعد الاستقرار في النفس و الطرف، فإن كانت مؤجلة فبعد الحلول على الجاني، أو على العاقلة في شبيه العمد و الخطأ، و يجوز على الدين المؤجل و الفرق تعيين المستحق عليه فيه، بخلاف العاقلة، فإنه لا يعلم المضروب عليه عند الحلول، و يحتمل قويا جوازه في الشبيه على الجاني لتعيينه، و لو علل بأن الاستحقاق

ج 25، ص: 152

لم يستقر إلا بعد الحلول في الجناية، شمل الجاني و العاقلة، إلا أنه ينتقض بالرهن على الثمن في الخيار، فالظاهر جواز أخذ الرهن من الجاني كالدين المؤجل» و لعل بناء المسألة على ما ذكرنا أولى بعد الإغضاء عما في بعض كلامه، و نسأل الله التوفيق لتحقيق ذلك في محله فتأمل.

و كذا لا يصح الرهن على مال الجعالة قبل الرد لعدم استحقاق المجعول له قبل العمل، بلا خلاف أجده فيه، بل و قبل تمام العمل و إن شرع فيه، خلافا للفاضل في التذكرة، فجوزه بعد الشروع قبل التمام، لانتهاء الأمر فيه إلى اللزوم، كالثمن في مدة الخيار، و أشكله في المسالك بعدم استحقاق شي ء و إن عمل الأكثر، قال: «و الفرق بينها و بين الخيار واضح، لأن البيع متى أبقى على حاله انقضت مدة الخيار، و ثبت له اللزوم، و الأصل فيه عدم الفسخ، عكس الجعالة فإن العمل فيها لو ترك على حاله لم يستحق بسببه شي ء، و الأصل عدم الإكمال».

قلت: مدار الحكم على الاستحقاق بالشروع و عدمه، و ظاهرهم في الجعالة الثاني و لعلها غير الأجرة على العمل التي يملكها بالعقد، كما هو مقتضى المعاوضة، و إن كان لا يستحق تسليمها إلا بالعمل، بخلاف الجعالة التي مورد العقد فيها أنها عوض العمل، لا ملكه على المجعول له، و لذا كانت جائزة بالنسبة إليه، و تحقيق الحال في محله إنشاء الله.

و كيف كان فلا إشكال في أنه يجوز الرهن على مال الجعالة بعده أي العمل، بل و لا خلاف، بل في التذكرة الإجماع، لحصول الاستحقاق به كما هو واضح، و يجوز على مال الكتابة المطلقة بلا خلاف على ما في المسالك، بل و لا إشكال، لثبوت الحق بها و لزومها من الطرفين، بل و المشروطة على الأقوى، وفاقا للمشهور عند المتأخرين، لأنها لازمة للمكاتب مطلقا عندنا كما في المختلف، بل لو قلنا: بالجواز بالنسبة إليه خاصة، أو إلى المولى معه اتجه الصحة أيضا، لعدم منافاته لاستحقاق المولى كالثمن في مدة الخيار كما أنه لا ينافيها تسلط المولى على رده في الرق، إذ قد لا يريده.

ج 25، ص: 153

و من ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الجواز، كما عن الشيخ، و القاضي، و الحلي، و سبطه يحيى بن سعيد، للأمرين المزبورين اللذين قد عرفت عدم اقتضائهما ذلك، بعد تسليم الأول منهما، بل و ظهر لك ان تأدية المطلوب الذي قد عرفت الحال فيه بقول المصنف و كذا مال الكتابة، و لو قيل بالجواز فيه كان أشبه غير جيد إذا الخلاف كما عرفت مختص بالمشروطة، بل الخلاف فيها ضعيف جدا، لضعف دليله و الأمر سهل ف يبطل الرهن عند فسخ الكتابة المشروطة ممن له فسخها، لذهاب الاستحقاق به كالفسخ بالخيار كما هو واضح.

و كيف كان فقد عرفت فيما مضى أنه يعتبر في الحق كونه عهدة، أو دينا في الذمة يمكن استيفاؤه من الرهن الذي هو بمعنى الوثيقة لصاحب الحق مع التعذر أولا معه، و إلا لم يكن وثيقة ف لا يصح على ما لم يمكن استيفاؤه من الرهن كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته فإنه مع تعذرها بموت و نحوه، بل بعصيان منه تنفسخ الإجارة فليس للمرتهن استيفاؤها من الرهن، و ثبوت أجرة المثل عليه في بعض الأحوال الأجر الخاص، كما لو انتفع بنفسه في مدة الإجارة، أو أجر نفسه لغيره، و لم يجز المستأجر الأول، و اختار الرجوع على الأجير، لأنه هو المتلف لا تسوغ أخذ الرهن، لعدم معلومية تحققها، فالرهن عليها حينئذ رهن على الحق قبل ثبوته، بل على احتمال ثبوته، بل كل معين من ثمن أو أجرة أو نحوها لا يصح الرهن عليه، لعدم إمكان استيفائه من الرهن، و لذا قال في التذكرة: «لا يجوز أخذ الرهن بعوض غير ثابت في الذمة، كالثمن المعين، و الأجرة المعينة في الإجارة، و المعقود عليه في الإجارة إذا كان منافع معينة مثل إجارة الدار، و العبد المعين، و الحمل المعين مدة معلومة، أو لحمل شي ء معين إلى مكان معلوم، لأنه حق يتعلق بالعين، لا بالذمة، و لا يمكن استيفاؤه من الرهن، لأن منفعة العين لا يمكن استيفاؤها من غيرها، و تبطل الإجارة بتلف العين».

لكن قد يشكل ذلك كله بإطلاق أدلة الرهن و الاستيثاق للمال التي يكفي فيها الاستيفاء من الرهن في بعض الأحوال، كما إذا استوفى المنفعة المؤجر مثلا، أو

ج 25، ص: 154

منعها في مثل الدابة على الأقوى، فإن قيمتها حينئذ تثبت في ذمته، فيستوفي من الرهن نحو ما سمعته في الأعيان المضمونة، و احتمال الانفساخ- بموت و نحوه مع أن الأصل عدمه- غير مناف، كما لا ينافي احتمال الفسخ في الخيار.

بل لعل الضمان في المقام أولى مما ذكره الشهيد في الدروس، من أنه لو ارتهن المستأجر على مال الإجارة خوفا من عدم العمل بموت أو شبهه فهو كالرهن على الأعيان المضمونة، و هو صريح في الجواز هنا بناء على الجواز هناك، مع أن المال هنا قد انتقل بالعقد إلى غيره، فليست الأجرة حينئذ له، حتى يستوثق لها، بخلاف المنفعة و الأجرة المعينة و المبيع المعين و نحوها مما هي مملوكة له في الظاهر، فله أن يستوثق على تسليمها إليه، و على احتمال ضمان من في يده لها، و قد سمعت ما في التذكرة في الأعيان المضمونة، و أن منها المضمون بحكم العقد، مع قوله بعدم صحة الرهن على الدرك، فيمكن أن يريد بالمضمون بحكم العقد ما نحن فيه فتأمل جيدا.

إلا أني لم أجد خلافا بينهم في عدم جواز الرهن على ذلك، فالجرأة على الجزم به لا تخلو من مخالفة الجزم، فالأولى التوقف في المسألة أو الحكم بالعدم، و لعله لما أشرنا إليه سابقا من عدم تحقق العهدة، كي يتجه الرهن، و احتمالها غير كاف في الحكم بالرهن ظاهرا كالدين المحتمل فلاحظ و تأمل، و الله العالم.

و على كل فلا إشكال كما لا خلاف في أنه يصح الرهن فيما هو ثابت في الذمة كالعمل المطلق في الذمة الذي لا يبطل بالموت، لعدم اشتراط المباشرة فيه، فمع التعذر و شبهه يباع الرهن حينئذ و يستوفى منه العمل كما هو واضح و لو رهن على مال رهنا ثم استدان آخر ممن له الدين الأول مساويا له في الجنس و القدر أو مخالفا و جعل ذلك الرهن عليهما معا مصرحا بذلك أو اتفقا معا على ارادته جاز بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و مشغوليته بالدين الأول غير قادحة بعد أن لم تكن منافية للثانية، فهو كما لو رهنه عليهما من أول الأمر.

و من هنا يعلم أنه لا حاجة إلى إبطال الرهانة الاولى، ثم التجديد لهما كما صرح

ج 25، ص: 155

به غير واحد، بل يعلم أنه لا يحكم ببطلان الأولى لو أطلق رهانته على الدين الثاني من غير تعرض للاول، لما عرفت من عدم التنافي فالأصل بقاؤها حينئذ، و دعوى ظهور الإطلاق في ذلك ممنوعة، فتردد الشهيد حينئذ في بطلان الاولى في صورة الإطلاق في غير محله.

نعم قد احتمله في القواعد فيما إذا كان الدين المتجدد لأجنبي، و قد أجاز المرتهن الأول رهانته عنده، و البطلان في خصوص ما قابل دين الثاني لو فرض زيادته عليهما، و العدم مطلقا من غير ترجيح لأحد الثلاثة كالتحرير، و الدروس، و غيرها.

مع أن الأقوى الأخير منها فيه، وفاقا للتذكرة، و جامع المقاصد، أيضا، لعدم التنافي حتى لو كان الرهن لا يفي إلا بدين الثاني، لإطلاق الأدلة و وجوب الوفاء بالعقد، و لا يمتنع كون الشي ء رهنا بمجموع لا يفي ثمنه بأدائه، لأن الأداء ثمرة الرهن بعد تحققه، لا نفسه، و إنما يثبت الأداء بحسب حال الثمن باعتبار كثرته و قلته.

و تقديم دين شخص في الأداء على الآخر لا ينافي تعلق كل من الدينين بالرهن لما قلناه من أن ذلك ثمرة الرهن و مقصوده، و لا محذور في أن يكون المقصود في بعض أولى و أسبق من البعض الآخر، و إن استويا فيما له المقصود و الثمرة.

و لأنه لو تضمن عقد واحد رهنا بدينين و تقديم أحدهما على الآخر في الأداء ثم تأدية الآخر بعد أداء الأول لم يكن ذلك باطلا، ففي العقدين المستقلين أولى، لوقوع الثاني بعد القطع بصحة الأول، فلا بد في طرو البطلان عليه من دليل أقوى من دليل الصحة.

و دعوى أن مقتضى الرهن الاختصاص بمجموعه بالنسبة إلى الدين المرهون به، ليقضى ذلك الدين من ثمنه، و اختصاص كل من الدينين بمجموع الرهن متناف لأن اختصاص أحدهما بالمجموع على هذا الحكم ينافي اختصاص الأخر، و قد ثبت الرهن الثاني بالسبب الطاري و إجازة المرتهن الأول فيبطل الأول- يدفعها منع المنافاة كما عرفته مفصلا و اجازة المرتهن انما توجب تقديمه عليه بناء على اقتضاء العقد ذلك لا بطلان الأول.

ج 25، ص: 156

و أوضح منها منعا دعوى كونها موجبة لفسخ رهنه فيما قابل الدين الثاني، لأن المنافاة باعتبار مقصود الراهن مختصة به، بخلاف ما زاد، إذ الرهن متعلق بالمجموع، فان اقتضى الاختصاص اقتضاه في المجموع، و إلا لم يقتض في شي ء منه، و لأن الثمن على تقدير اعتبار المقابلة و الزيادة بالنسبة إليه لا تنضبط، فقد يكون في وقت الرهانة كثيرا يبقى منه بقية بعد الدين الثاني، ثم يتجدد النقصان، و بالعكس، و يستحيل تجدد ثبوت الحق بعد كون العقد حال وقوعه غير مقتض له.

و على كل حال فيترتب على كل من الاحتمالات الثلاثة حكم إسقاط المرتهن الثاني حقه من الرهن، فعلى ما اخترناه يبقى رهنا عند الأول، و على الثاني لا حق له، و على الثالث لا حق له فيما قابل الدين الثاني كما هو واضح، و لو لم يعلم المرتهن الأول برهن الثاني حتى مات الراهن، و فك الرهن لم يبطل الرهن، بناء على عدم اعتبار القبض، لكونه لازما من طرف الراهن، فليس للورثة و لا للغرماء المنع لسبق التعلق، فإن أجاز الأول قبل الفك ففيه الاحتمالات.

نعم ان كان قد بيع الرهن في دين الأول فقد يقوى بطلانه حينئذ، و إن فضل منه شي ء، لعدم تناول الرهانة للثمن فلم يبق له موضوع، أما لو بقي من عين الرهن بقية و قد قضى دين الأول، أو بقي تمام الرهن لقضاء دينه من غيره، فقد يتجه نفوذ الرهن للثاني، و يختص به عن الغرماء، و ليس للأول المنع بعد فرض سقوط تعلقه من الرهن، و لم يكن قد رد الرهن في حال تعلقه، لكون المفروض عدم علمه حتى فك الرهن منه، كما أنه لا أثر لإجازته، فلم يبق مانع من النفوذ، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و احتمال- عدم صحة أصل الرهانة حال كونه رهنا عند الأول- يدفعه أنه لا إشكال في الصحة مع الإجازة التي هي مقدمة لإسقاط مانعية حقه، فعلم قابلية العقد للتأثير مع ارتفاع المانع بالإجازة، أو بالفك، فإذا فرض عدم علم المرتهن الأول حتى فك منه، اتجه نفوذ الثاني.

و من ذلك كله يظهر لك ما في عبارة القواعد قال بعد ذكر الاحتمالات في المسألة السابقة: «و لو لم يعلم الأول حتى مات الراهن، ففي تخصيص الثاني بالفاضل عن

ج 25، ص: 157

دين الأول من دون الغرماء، إشكال، و لا حكم لإجازة الأول و لا فسخه بعد موت الراهن» بل فيها نظر من وجوه أخر أيضا تظهر بأدنى تأمل و لكن الانصاف عدم خلو المسألة بعد من الإشكال، لإمكان الفرق بين الإجازة و الفك، باقتضاء الأول تعلق الرهانة من أول الأمر، لأنها كاشفة على الأصح، بخلاف الثاني، و يأتي إنشاء الله تمام الكلام في ذلك و الله العالم.

و لو زاد في الرهن للدين الواحد جاز بلا خلاف، حتى من أبي حنيفة، و لا إشكال لإطلاق الأدلة من غير حاجة إلى إبطال الأول، و استيناف عقد جديد، و الظاهر كون الجميع حينئذ كالرهن الواحد الذي حكمه بقاء الرهنية ما دام شي ء من الدين باقيا إن كان قد صرح بكونه رهنا على كل جزء من الدين، أو اتفقا على ذلك، بخلاف ما إذا صرحا بكونه على التقسيط، أو بكون مجموعه رهنا على المجموع، أو اتفقا على ذلك، فإنه ينفك من الرهن في الأول بالنسبة، و في الثاني بأداء شي ء من الحق و ليس للديان الامتناع من قبض البعض، مخافة انفكاك الرهن بعد الشرط عليه و الإقدام منه على ذلك، و ان تردد فيه في الدروس مما سمعت، و من أدائه إلى الضرر بالانفساخ، لكنه في غير محله.

كما ان تردده في حمل الإطلاق على الأول كذلك أيضا، ضرورة غلبة تعلق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره من الرهن، مضافا إلى ما عن المبسوط من الإجماع و التقابل بين الأجزاء في المبيع و نحوه من عقود المعاوضة، لا يقضي بذلك في الرهن المراد به الاستيثاق لمجموعة على جميع اجزاء الدين، فلا ينفك حينئذ بتمامه و لا جزء منه بأداء البعض، إلا مع التصريح، أو ما يقوم مقامه.

و من الغريب ما في الدروس حيث أنه بعد أن ذكر صحة اشتراط الرهانة على كل جزء جزء، فيبقى مجموعه رهنا ببقاء شي ء من الدين، و اشتراط رهنه عليه لا على كل جزء منه، و ينفسخ حينئذ بأداء شي ء من الدين قال: «و إن أطلق ففي حمله على المعنى الثاني أو الأول نظر، من التقابل بين الاجزاء في المبيع فكذا في الرهن، و من النظر إلى غالب الوثائق فإن الأغلب تعلق الأغراض باستيفاء الدين عن آخره

ج 25، ص: 158

من الرهن و هذا قوى» و قال في المبسوط: «إنه إجماع» و هو كما ترى مع أنه لا ينطبق تعليله الأول على الوجه الثاني، و إنما هو صالح للتوزيع الذي لم يذكره هو، و تسمع فيما يأتي إن شاء الله تمام الكلام في المسألة.

و على كل حال فقد ظهر لك أن الرهن المضاف حكمه حكم المضاف إليه، بعد ظهور كون المقصود منه رهانته على حسب الأول و ما عن أبي حنيفة- من أنه يكون رهنا بالنسبة على معنى قسمة الدين على قيمة المضاف إليه الرهن يوم قبضه، على المضاف يوم قبضه، فلو كانت قيمة الأول ألفا مثلا، و قيمة الثاني خمسمائة، و الدين ألف مثلا قسم أثلاثا ثلثان في المضاف إليه، و ثلث في المضاف- لا شاهد له، بل الشواهد على خلافه.

و قد بان لك أن صور الرهن ثلاثة و تسمع إن شاء الله تمام الكلام فيها الأولى:

رهن المجموع على كل جزء من الحق الثانية: الرهن عليه لا على كل جزء منه الثالثة:

رهن الأجزاء المشاعة على الاجزاء كذلك، و في الأخيرة ينفك بعضه بأداء بعض، و يبقى الباقي، كما أنه كذلك لو استدان رجلان كل منهما دينا ثم رهنا مشتركا بينهما، و لو بعقد واحد مطلق، ثم قضى أحدهما فإن حصته تكون طلقا، لانصراف رهن كل منهما إلى ملكه على دينه إن لم يشترط المرتهن رهنه على كل جزء من الدين، و إلا اتبع الشرط الذي لا يقدح فيه عدم ملكية كل منهما للجميع، بعد فرض رضا كل منهما بذلك، و المال غير خارج عنهما.

و لو تعدد المرتهن و اتحد العقد من الواحد فكل منهما مرتهن للنصف مع تساوى الدين و أما مع اختلافه فربما احتمل ذلك أيضا، لأنه الأصل في التشريك، إلا أن الأظهر التقسيط على مقدار الدين، كما هو الأصل في اجتماع الأسباب المعتبر سببية كل منهما، و لأن مقتضى الرهن قضاء الدين كله من ثمن المرهون إذا و في به فالزائد من أحد الدينين إن استحق قضاؤه من الرهن اقتضى تعلق ذلك الزائد بالرهن فيكون تعلق مجموع الدين الزائد من الرهن أكثر من تعلق الأخر، و ان لم يستحق قضاؤه منه امتنع كونه رهنا بالمجموع، و قد فرض كونه كذلك، فظهر أن التقسيط

ج 25، ص: 159

أولى، فإن و في فلا بحث، و الا قسط عليهما بحسبهما كما هو واضح.

نعم هذا كله في التعدد ابتداء دون التعدد في الأثناء، فإنه لا عبرة به على الظاهر سواء كان في الرهن أو المرتهن، كما في ورثة كل منهما لو تعددوا، فلو مات الراهن عن ولدين لم ينفك نصيب أحدهما بأداء حصته من الدين، كما أنه لو مات المرتهن عن ولدين فأعطى أحدهما نصيبه من الدين، لم ينفك بمقداره من الرهن، و ذلك لأنه قد تعلق الدين بكل جزء منه في حيوة الموروث، و قد انتقل إلى الورثة على هذا الحال، فلا يتوهم أنه كتعلق حق الغرماء بالتركة التي لا ريب في انفكاك نصيب أحد الورثة بمقدار ما يخصه من الدين، و إن قلنا ان التعلق كتعلق حق الرهانة، لا كأرش الجناية، لكن لما لم يكن ذلك سابقا على الموت، و إنما هو بعده كان تعدد الورثة بمنزلة تعدد الراهن، فتأمل جيدا و الله اعلم.

[الفصل الرابع في الراهن ]

الفصل الرابع في الراهن و يشترط فيه بالنسبة إلى صحة الرهن له و لغيره كباقي العقود كمال العقل فلا يصح من الصبي و لا المجنون و لو مع الإجازة لسلب العبارة و في لزومه جواز التصرف فلا يلزم من السفيه و المملوك و نحوهما إلا مع إذن الولي، لكن ذلك بالنسبة إلى عقودهم، أما لو عقدوا للغير وكالة أو فضولا فكجائزي التصرف في اللزوم.

و كذا يعتبر في لزومه أيضا الاختيار ف لا ينعقد مع الإكراه الذي لم يخرجه عن قصد اللفظ و المعنى، فإنه إذا تعقبه الرضا بعد ذلك لزم على الأقوى أما إذا كان إكراها مخرجا له عن القصد المزبور فلا يصح، و ان تعقبه القصد و الرضا بعد ذلك، كما حرر في محله.

و يعتبر فيه أيضا إذا كان الرهن لنفسه أن يكون مالكا، أو بحكم المالك، كالمستعير الذي يأتي تمام الكلام فيه عند تعرض المصنف لبعض أحكامه.

و حينئذ ف يجوز لولي الطفل مثلا و إن لم يكن اجباريا رهن

ج 25، ص: 160

ماله إذا افتقر إلى ذلك للاستدانة و نحوها بلا خلاف أجده فيما بيننا، و إنما حكي عن بعض الشافعية، و لا ريب في فساده، لكن مع مراعاة المصلحة التي هي الأحسن الذي «نهى الله (1)عن القرب إلى ماله بدونه» كأن يستهدم عقاره فيروم رمه و إصلاحه أو يكون له أموال يحتاج إلى الإنفاق لحفظها من التلف، أو الانتقاص، فيرهن بذلك ما يراه من أمواله إذا كان استبقاؤها أعود له أي للطفل من بيعها، إذا لم يمكن البيع أو غير ذلك من المصالح التي لا تنضبط لاختلافه باختلاف الأمكنة و الأزمنة و الأحوال.

فالضابط فيه الميزان المزبور التي تقتضي أيضا غالبا وضع الرهن على يد عدل يجوز إيداعه منه، أو من يطمئن به عليه من التلف و نحوه، بل قد تقتضي صحة رهن ماله فيما إذا اشترى له بمأة نسيئة ما يساوي مائتين، و رهن من ماله ما يساوي ماءة، فإن لم يعرض التلف ففيه الغبطة الظاهرة، و إن عرض فلا ضرار، أيضا.

بل قد يقال: بالجواز فيما إذا لم يرض إلا برهن تزيد قيمته عن المأة إذا كان مما لا يخشى تلفه كالعقار و نحوه، بل عن التذكرة قوة جوازه إذا كان على يد من يجوز إيداعه، و بالجملة الأمر في ذلك غير منضبط، و مع فرض تعدد أفراد المصلحة و لا ترجيح تخير، و الطفل في المتن و غيره من باب المثال، ضرورة الجواز أيضا لولي المجنون و السفيه أيضا و المسألة غير مخصوصة بالرهن، بل هو كغيره من التصرفات لهم المحرر جملة من أحكامها في غير المقام و الله أعلم.

[الفصل الخامس في المرتهن ]

الفصل الخامس: في المرتهن و يشترط فيه: ما يشترط في الراهن من كمال العقل و جواز التصرف و الاختيار على حسب ما سمعته في ذلك كله، لكن الظاهر أنه لا بأس بقبول السفيه و المفلس الارتهان الذي ليس بمستحق على المديون بشرط و نحوه، إذا كان الدين من غيره، أو منه قبل الحجر، لأنه ليس تصرفا ماليا، و لا مناف له، بل فيه مصلحة


1- 1 سورة الانعام الآية- 152.

ج 25، ص: 161

للمال، و لعل المراد من عبارة المصنف و نحوها ما لا يشمل هذا الفرد من الارتهان، و الأمر سهل.

و على كل حال فلا ريب في أنه يجوز لولي اليتيم مثلا أخذ الرهن له على ذلك كما نص عليه غير واحد بلفظ الجواز، لإطلاق ولايته الشاملة لذلك، و قبول الاتهاب و الوقف له و نحوها، بل قد يجب عليه ذلك فيما لو توقف الأحسن المعتبر في الآية الكريمة(1)في التصرف في ماله عليه، كما لو باع ماله نسيئة لغير ذي ملاءة وثاقة، بل الظاهر كفاية الثاني في لزوم أخذ الرهن قال في التذكرة:

«لو كان المشتري موسرا لم يكتف الولي به، بل لا بد من الارتهان بالثمن» نعم قال أيضا: لو لم يحصل أو حسن الظن بيساره و أمانته، أمكن البيع نسيئة بغير رهن، كما يجوز إبضاع ماله.

و فيه: أن المتجه عدم البيع مع عدم الحصول، إذ الاكتفاء باليسار مع عدم الوثاقة لا يخلو من إشكال، بل منع خصوصا في الفاسق الذي لم يعرف منه الوفاء، فضلا عن المعروف بعدمه، ضرورة كون إبقاء المال أو بيعه لغيره بدون ثمنه أحسن من ذلك، و يمكن أن يريد معنى الواو من- أو- أو أن ذلك من غلط النساخ، فيكون الجواز بغير رهن مع حسن الظن بيساره و أمانته كما ستعرف ذلك إن شاء الله.

أما لو كان ثقة غير ملي ء فقد يقوى الجواز، و الأحوط أخذ الرهن، و ليس المراد من الأحسن في الآية الفرد الأعلى الذي لا أحسن منه، على معنى النهي عن التصرف بأموالهم إلا به، ضرورة اقتضاء ذلك تعطيل مال الطفل، إذ ما من حسن إلا و هناك أحسن منه، بل المراد مطلق الأحسن من عدم القرب، إلا أن مقتضاه حينئذ التخيير في الافراد و إن تفاوتت، مع أن في الاكتفاء بالفرد الأدنى مع تيسر الفرد الأعلى مطلقا إشكالا إن لم يكن منعا، خصوصا لو فرض أحسنية إقراض مال الطفل من إبقائه لغرق و حرق و نحوهما، و فرض وجود الطالب الثقة

الملي و الرهن و الكفيل فإنه لا إشكال في وجوب إقراضه، و حرمة إقراضه من الفاسق المجرد عن الملاءة و الرهن


1- 1 سورة الانعام الآية- 152.

ج 25، ص: 162

و الكفيل و نحوها، و إن كان إقراضه مع انحصار الأمر فيه أحسن من الإبقاء، اللهم إلا أن يقال: إن مثله لا يعد أحسن، و إنما أوجبنا، مع الانحصار، لأنه أقل قبحا من الإبقاء المؤدي لتلف المال و ضياعه، و إلا فهو لا حسن فيه مع اتفاق غيره ممن فرض.

و قد يقال: إن المراد بالأحسن من غيره من الأفراد الموجودة، فيجب حينئذ تقديم الفرد الأعلى مع وجوده، و لكن لا يجب تطلبه مع وجود الفرد الأدنى، فيكفي حينئذ في نفيه أصالة عدم حصوله، كما أنه يصدق على الفرد المتيسر أنه أحسن من غيره، لعدم وجود فرد آخر، إذ غيره مما هو أعلى منه لو حصل كان فردا، فهو فرض فرد لا فرد فعلا، فلا يقدح كونه أحسن.

إلا أنه و مع ذلك فالأحوط و الاولى عدم المبادرة إلى المتيسر مع مظنة حصول فرد آخر أعلى منه، أو الاحتمال المعتد به، اكتفاء بأصالة العدم، إلا أن يكون في المبادرة صلاح يرجح على المصلحة التي في الانتظار، بل قد يقال برجوع ذلك إلى الأول، ضرورة كون الأحسن في الفرض المزبور الإبقاء منتظرا للفرد الأعلى المظنون أو المحتمل احتمالا معتدا به، كما أن الأحسن مع فرض كون المبادرة أصلح الفرد المتيسر، و بالجملة الميزان ما ذكرناه و هو جيد جدا.

أو يقال: إن المراد به ما يعد حسنا عند العقلاء، فلا يراد من الأحسن معنى التفضيل بل المقصود الرخصة في القرب لأموالهم بما يعده أهل المعرفة حسنا، و أن فاعله من المحسنين، لكن قد يقال: إنه بعد التأمل راجع إلى الأول، أو الثاني في الثمرة، كما أن احتمال إرادة الإطلاق من الآية من دون تقدير مفضل عليه مخصوص من القرب، أو الغير بدعوى أن لها مصاديق ينقحها العرف، نحو ما قيل في الوجدان المنفي في آية التيمم (1)و أنه لا حاجة إلى تقدير متعلقة من الأماكن القريبة أو غيرها كذلك أيضا.

و قد بان لك من ذلك كله المدار في المسألة الذي على الفقيه تحريره، و إلا فالخصوصيات غير منضبطة، تختلف باختلاف الأحوال، فليس على الفقيه حصرها،


1- 1 سورة النساء الآية 43.

ج 25، ص: 163

و لا تعليق الحكم عليها، و إن وقع ذلك من بعض الأصحاب فالمراد به الغلبة.

كما أنه بان لك أيضا أنه لا يجوز أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة له، كأن يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل و أنها ربما توقفت على كونه من ثقة ملي ء برهن أو كفيل، بل أطلق في المسالك أنه حيث يجوز يجب كون المديون ثقة مليا، و يرتهن على الحق ما يفي بقيمته مع الإمكان.

بل: قال سابقا: «إنه يعتبر في الرهن كونه مساويا للحق أو زائدا عليه، ليتمكن

استيفاؤه منه، و كونه بيد الولي أو يد عدل ليتم التوثق و الإشهاد و لو أخل ببعض هذه ضمن» و إن كان فيه أن ذلك كله ينبغي تقييده بتوقف التي هي أحسن عليه، و أن الإبقاء بدون شي ء من ذلك هو الأحسن كالمحكي عن حجر التذكرة من أنه يرتهن به رهنا وافيا، فإن لم يفعل ضمن.

و على ذلك بنى قول المصنف لا يجوز له إقراض ماله إذ لا غبطة. نعم لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب و ما شاكله جاز إقراضه و أخذ الرهن بل في المسالك هنا أيضا يقرضه من الثقة الملي و يرهن عليه و يشهد كما مر، و قال أيضا: «من مسوغات إقراض مال اليتيم خوف تلفه، بتسويس الحنطة و شبهها، فيقرضها من الثقة الملي مع الإمكان بالرهن، لإمكان جحوده و تعذر الإيفاء».

و قال المصنف و لو تعذر أي الرهن اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا و ظاهره كما في المسالك أن مع إمكان الرهن لا يعتبر كون المقترض ثقة و لا مليا، لانضباط الدين بالرهن، كالمحكي عن الإرشاد، و اللمعة، و رهن التذكرة، و حجر القواعد، بل عن بعضهم التصريح بذلك، و في التذكرة اعتبار الرهن و الملاءة و الثقة جميعا مع الإمكان، و أسقط اعتبار الرهن مع عدم إمكانه.

و عن المبسوط لا يجوز القرض إلا في موضع الضرورة، كالخوف من نهب أو حرق أو غرق، فيجوز له حينئذ أن يقرضه من ثقة ملي يقدر على قضائه، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا بد من إرجاعها إلى الميزان الذي ذكرناه سابقا، الذي منه يعرف الحال فيما لو تعذر الثقة و الارتهان و الملاءة و نحو ذلك، و كان الخوف من الغرق و نحوه

ج 25، ص: 164

حاصلا، إذ لا ريب في أنه في بعض الأحوال يكون الأحسن إقراضه، و لو من الفاسق المعسر، لأنه مرجو الحصول في الدنيا و الآخرة، و في بعضها الأحسن إبقاؤه باعتبار ضعف احتمال التلف بالنسبة إلى الإقراض من الفاسق المعسر، خصوصا بعد ملاحظة كون التالف ظلما يعوضه الله جل شأنه على صاحبه في الدنيا و الآخرة.

و على كل حال فالأولى إيكال الأمر إلى الضابط المذكور الذي هو مختلف باختلاف الأحوال و الأزمنة و الأمكنة، بل معرفة الأولياء فيه مختلفة، و من ذلك يعلم عدم اعتبار العدالة الشرعية، فإنه ربما يكون السبيل الأحسن في غيرها، لكن قد يظهر من جمع اللمعة- الثقة و العدل- اعتبارها، و في المسالك «المراد بقولهم الثقة غالبا الثقة في ظاهر الحال، يعنى الإكتفاء بظاهر أمره، و لا يشترط العلم بذلك لتعذره، فعبروا عن الظاهر بالغالب، نظرا إلى أن الظاهر يتحقق بكون الغالب على حاله كونه ثقة، لا أن المراد كونه في أغلب أحواله ثقة دون القليل، لأن ذلك غير كاف».

قلت: قد عرفت أن المدار على غير ذلك، و يمكن أن يكون المراد من الثقة غالبا من تطمئن به النفس بالنسبة إلى الوفاء، بل لا يعتبر في ذلك العلم للعسر، بل يكفى فيه التتبع لأغلب أحواله المفيد اطمينانا كما هو المعتاد و الأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت.

إنما الكلام في أنه أي الضابط المزبور معتبر في تصرف المولى لنفسه، أو يكفي فيه عدم الضرر على الطفل، فعن النهاية و الوسيلة «أنه يجوز للولي اقتراض مال الطفل إذا كان متمكنا من قضائه،» و عن حجر التذكرة «لا يحتاج الأب إذا باع مال ولده عن نفسه نسيئة أن يرتهن له من نفسه، و كذا لو اشترى له سلما مع الغبطة بذلك» و عنه و عن جامع الشرائع اشتراط الملاءة المصلحة للطفل، بل عن السرائر «لا يجوز له بحال، لأنه أمين و الأمين لا يجوز له أن يتصرف في أمانته» و إن كان هو واضح الضعف، لمخالفته الآية و الرواية ف

في صحيح أبى الربيع (1)أنه «سئل الصادق عليه السلام عن رجل ولي يتيم فاستقرض منه؟ فقال: إن على بن الحسين عليهما السلام قد كان


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب ما يكتسب به في ذيل حديث- 1.

ج 25، ص: 165

يستقرض من مال أيتام كانوا في حجره، فلا بأس بذلك»

و

في خبر ابن أسباط(1)«إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف فلا بأس به، و إن لم يكن له مال فلا يعرض لمال اليتيم»

و نحوه خبره الآخر(2)و خبر غيره مما تضمن العمل بمال اليتيم على سبيل القرض أو القراض، فلا ينبغي التأمل في جواز ذلك للولي في الجملة.

و إنما البحث في اشتراط ذلك بما اشترط به التصرف بالنسبة إلى الغير من كونه الأحسن، أولا، مقتضى إطلاق الآية الأول، بل لعلها في تصرف الأولياء لأنفسهم أظهر، كما أنها أقوى من إطلاق بعض الأخبار، و ترجح عليه، و إن كان التعارض بينها من وجه فالأحوط الاقتصار في تصرفهم على ذلك، خصوصا غير الأب و الجد منهم، فإنه قد يحتمل فيهما الاكتفاء بعدم الضرر و تمام الكلام في ذلك في غير المقام و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا اشترط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه، أو لغيره أو وضع الرهن في يد عدل معين صح بلا خلاف، بل عن الغنية الإجماع عليه، لعموم (3)

«المؤمنون عند شروطهم(4)

و «أَوْفُوا» و خصوص ما دل على الرهن الشامل لهذا الفرد بل و لزم و لم يكن للراهن فسخ الوكالة وفاقا للمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل عن السرائر نسبة الخلاف فيه إلى أهل الخلاف، مشعرا بعدمه بيننا، و لعله كذلك، فإني لم أجده إلا من الشهيد في اللمعة، بناء منه على ما سمعته من مذهبه من عدم اللزوم في نحوه من الشروط في العقود اللازمة، و قد عرفت ضعفه.

نعم عن المبسوط أنه حكى الخلاف في ذلك بلفظ القيل، و يمكن أن يريد الشافعي كما يشهد له ما يظهر من السرائر، فمن الغريب قول المصنف فيه على تردد و إن ذكروا وجهه: كون الوكالة من العقود الجائزة التي من شأنها تسلط كل منهما على الفسخ، و اشتراطها لا يقتضي لزومها، و إلا لم تبطل بالموت، أو عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
4- 4 سورة المائدة الآية- 1.

ج 25، ص: 166

لزوم الشرط و إن كانت في عقد لازم، و انما أقصاها التسليط على الفسخ، أو أن الرهن و إن كان لازما من طرف الراهن إلا أنه جائز من طرف المرتهن، و ترجيح أحدهما على الآخر ترجيح من غير مرجح، و الأصل براءة الذمة من اللزوم، فيكون كالشروط في العقود الجائزة.

و الجميع كما ترى إذ في الأول: أن الوكالة و إن كانت من العقود الجائزة بالذات، لكن لا بأس بلزومها من جهة العارض كالشرط و نحوه، و دعوى أنه غير مقتض لذلك- يدفعها فرض كون المراد منه البيع وكالة، فهو كما لو صرح باشتراط عدم العزل، لا أن المراد مطلق الوصف بها و إن عزل بعد ذلك، و احتمال أن التصريح بعدم العزل لا يقتضي عدم تريب الأثر لو وقع، بل أقصاه الإثم يدفعه أنه مناف لكون المؤمن عند شروطه، و البطلان بالموت- لانتفاء الموضوع، ضرورة كونها استنابة تذهب بذهاب المنوب عنه- لا يقتضي جواز العزل.

و في الثاني: ما تقدم سابقا من منافاته لما دل على لزوم الشروط، و الوفاء بالعقود، على أن التسلط للفسخ هنا لا فائدة فيه، بل يزيده ضررا، إذ الفرض أنه شرط في عقد الرهن لنفسه، ففسخه يزيده ضررا، و من هنا جزم في الدروس في المقام باللزوم، و لعله لما عرفت، و إن لم يقل به في غيره، بل في المسالك «أن الوكالة هنا مما العقد كاف في تحققها، فلا يحتاج بعده إلى صيغة أخرى لها، لان الفرض منها مجرد الإذن بأي لفظ اتفق، و قد تقدم أنما العقد كاف في تحققه، كجزء من الإيجاب و القبول، فحيث يكون لازما يلزم، و إن قلنا بعدم وجوب الوفاء بشرط لا يكفي العقد في تحققه» و قد أشار بذلك إلى تفصيل قد حكينا سابقا عن الشهيد في الشرائط بين ما تحتاج إلى أمر آخر غير العقد المشترط فيه، و بين ما لا يحتاج إلى ذلك، بل كان العقد كافيا في لزومها، و هو و إن كان فيه ما فيه أيضا، إلا أنه قد يناقش في كون الوكالة هنا من القسم الثاني، بل و في حصول الإذن بعد أن كان المراد من الشرط إيقاع الوكالة بعد عقد الرهن، إذ لا معنى لإنشائها بلفظ الشرط المعلوم عدم صلاحيته لذلك، فتأمل.

اللهم إلا أن يقال: إن المراد من اشتراط الوكالة هو ما أشرنا إليه سابقا من

ج 25، ص: 167

البيع عنه، و ليس المراد نفس الوكالة و حينئذ لا يحتاج إلى أمر آخر غير الشرط- في العقد الذي قد استحق به، بمقتضى عموم (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

- عليه البيع عنه، و انحلال ذلك إلى الوكالة لا يقتضي كون المراد اشتراطها على وجه تحتاج إلى صيغة بعد العقد، أو أن المراد اشتراط أثر عقد الوكالة، أو نحو ذلك، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع في وجه إطلاق الأصحاب لزوم الوكالة متى اشترط في عقد لازم و الله اعلم.

و في الثالث: أن الشرط على الراهن فيكون لازما لأن الفرض لزوم العقد من جهته. نعم لو وقع شرط على المرتهن أمكن عدم لزومه عليه باعتبار أن له فسخ العقد المشروط فيه.

و كيف كان فلا اشكال بل و لا خلاف في أنها: أي الوكالة المشترط تبطل بموته أي الراهن كبطلانها بموت الوكيل، سواء كان المرتهن أو غيره لما عرفت من أن لزومها الحاصل من الاشتراط ما دام محلها باقيا، لا إذا خرج عن قابلية النيابة و الاستنابة اللذينهما من مقومات الوكالة.

نعم تبطل هي خاصة دون الرهانة لعدم الارتباط بينهما، ضرورة تبعية الرهانة للدين الذي لم يختلف في حالي موت كل منهما، و حياته. و من هنا حكى الشهيد عن إملاء فخر الإسلام أنه نقل الإجماع على انتقال حق الارتهان إلى المشتري لو باعه المرتهن، و هو في ذمة الراهن من شخص فتغير مالك الدين- كتغير مالك العين المرهونة بموت الراهن و المرتهن- غير قادح في انتقال حق الرهانة، فضلا عن تبين كون الدين لغير المرتهن بإقرار، أو بينة على أنه كان وكيلا في الدين و الارتهان كما هو واضح.

و قد ظهر مما ذكرنا أنه لو مات المرتهن المشروط وكالته لم تنقل إلى الوارث وكالته، لكن ذكر المصنف و غيره إلا أن يشترطه بل لم يعرف فيه خلاف بينهم و كذا إن كان الوكيل غيره أي المرتهن.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 25، ص: 168

و ربما أشكل بأنه لا معنى لاشتراط انتقال الوكالة التي تبطل بالموت، و بأنه لا معنى لاشتراط وكالة الوارث على معنى حصولها بنفس الشرط في العقد على حسب حال المورث و ربما يكون غير موجود حال الاشتراط، فضلا عن كونه غير قابل.

و يدفع بأن المراد بالاشتراط ما عرفت من البيع عنه للمرتهن، أو لوارثه فالشرط عليه هو البيع عنه، و هو صحيح بالنسبة إلى المرتهن و وارثه و الأجنبي، و الوكالة فيه تبعية لا أصلية، أو يراد اشتراط التوكيل عليه بصيغة جديدة للوارث، إلا أن الأول أولى و أدق، كما أن اشتراطها على الراهن بعد موته لا بد من تنزيله على الوصية، ضرورة عدم صحة الوكالة بعد الموت و الله أعلم.

و قد تلخص من ذلك و مما ذكرناه في غير المقام أن المراد بقول الأصحاب تلزم الوكالة إذا اشترطت في عقد لازم، أحد أمرين:

الأول: إرادة الوكالة العقدية، و هذه لا ريب في عدم تحققها بالشرط الذي هو في الحقيقة معنى مباين لإيجابها، فلا يتحقق حينئذ عقدها بذلك، و لا يقال: انهما عقدان بل هو عقد واحد مشتمل على شرط مفيد للإلزام بحصولها، فيحتاج في الوفاء به إلى إيجاد عقدها و لزومها، إما لكون المراد و لو من القرينة إرادة عدم العزل، و إما لكون المراد البيع وكيلا عنه من حين إيجاد صيغة التوكيل إلى حصولها البيع، فلو عزله في الأثناء لم يؤثر، لكونه منافيا للشرط الذي هو البيع عنه وكيلا من حين التوكيل.

نعم لا ريب في جريان باقي أحكام الوكالة عليها، كالفسخ بالموت و الجنون و الإغماء و نحو ذلك، مما كان دليله شاملا للوكالة المشروطة في عقد لازم و غيرها لكون كل منهما وكالة و لم يفد الشرط إلا كونها لازمة على المشروط عليه، بمعنى عدم جواز فسخها منه باعتبار وجوب الوفاء بالشرط لا غير ذلك، من أحكام الوكالة، و لعل هذا هو الموافق لكلمات الأصحاب، خصوصا مع ملاحظة ما ذكرناه في وجه الاستدلال على انفساخها بالموت، و خصوصا مع ملاحظة إطلاق اسم الوكالة عليها، و هي عندهم عبارة عن العقد المخصوص، و لا ينافي ذلك قولهم أنها لا تنتقل بموت المرتهن مثلا

ج 25، ص: 169

إلى وارثه الا مع الشرط، ضرورة صلاحية إلزام تحصيلها بعقدها على الراهن مثلا بالنسبة إلى وارث المرتهن و غيره، لعموم أدلة الشرط، لا أن المراد انتقال الوكالة من دون عقدها إلى الوارث بالشرط كما هو واضح.

و الثاني: أن يراد بالوكالة المصداق الموافق لمصداقها مع عدم التقييد بكونها وكالة، نحو ملك العين بعوض معلوم و إن لم يكن بيعا، و قد ذكرنا سابقا صحة اشتراط ذلك بعد عدم دليل على انحصار مفاده في عقد الوكالة التي أقصاها أنها تفيده، لا أنه لا يكون إلا بها، فيبقى عموم الشرط حينئذ بحاله.

نعم لا يلحق ذلك شي ء من أحكام الوكالة الثابتة لها من حيث كونها وكالة، لما عرفته من عدم كون الحاصل بالشرط من أفرادها، أما الانفساخ بالموت و الجنون و الإغماء فقد يقال: بثبوتها باعتبار لحوقها لمعنى النيابة المفروض تحققها في المعنى الشرطي، إذ لا يعقل نيابته و هو ميت أو مجنون أو مغمى عليه، كما لا يعقل نيابته عنهم.

و بالجملة كل حكم ثبت للوكالة من حيث معنى النيابة يلحق المستفاد من الشرط، ضرورة كونه نيابة، و إن لم يكن وكالة، دون غيره من الأحكام الثابتة للوكالة باعتبار مفهومها المفروض عدمه في المعنى الشرطي، و أما اشتراط هذا المعنى بالنسبة إلى الوارث أو الأجنبي فلا بأس به، لعموم المؤمنون و غيرها، و ليس هو من الوكالة المحتاجة إلى عقد و هذا جيد و ينطبق عليه اللزوم مع الاشتراط في عقد لازم، إلا أنه بعيد عن كلمات الأصحاب و الله العالم.

و لو مات المرتهن و لم يعلم أن الرهن في تركته، لم يحكم به في ذمته، لأصالة البراءة، و لعله تلف منه بغير تفريط، و لا في ماله لأصالة عدمه فيما هو في ملكه بمقتضى ظاهر يده المحكوم شرعا بأنه لورثته، بمقتضى عموم(1)

«ما تركه الميت»

و حينئذ فلو كان الرهن فيها في الواقع فهو كسبيل ماله في الظاهر، كما في السرائر، و القواعد، و التحرير، و غيرها حتى يعلم بعينه بقيام بينة و نحوها، و ان اشتبه بنظائره فيها، فإن المرجع فيه حينئذ إلى الصلح و نحوه، لا أن المراد حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ولاء ضمان الجريرة الحديث- 4- 14.

ج 25، ص: 170

يعلم بشخصه و خصوصه، ضرورة عدم خروج المال عن ملك صاحبه بالاشتباه، بل الظاهر تقديمه على الغرماء، لكونه كالشريك في الأعيان.

و إن كان قد يحتمل مساواتهم باعتبار كون الاشتباه كالتلف في الرجوع إلى الضمان، و لعله لذا قال المصنف في باب الوديعة: «إذا اعترف بالوديعة ثم مات و جهلت عينها قيل: تخرج من أصل تركته، و لو كان له غرماء، فضاقت التركة حاصهم المستودع، على تردد» و إن كان هو واضح الضعف.

و كيف كان فلا بد من حمل العبارة على ما ذكرناه، و ان كانت لا تخلو من إبهام و لذا تركها في القواعد و غيرها و الأمر في ذلك سهل. نعم قد يشكل أصل الحكم بذلك و ان كان ظاهرهم الجزم به هنا، كما اعترف به في المسالك، بأن الأصل بقاؤه في المال الذي كان في زمن الحياة ملك و رهن، فلا قضاء لليد بالملك بعد العلم بأنها كانت أعم، و الأصل عدم التلف، كما أن الأصل عدم تركة له غير الموجود، فينحصر الرهن حينئذ في التركة الموجودة بمقتضى الأصل الشرعي الذي هو بعد فرض حجيته كالبينة و نحوها، و أصالة عدم كونها من التركة الموجودة لا أصل لها، إذ ليس لها حالة سابقه كان خارجا عنها حتى تستصحب.

و ما في المسالك- تبعا لجامع المقاصد في الجملة من أنه يمكن أن يقال:

لا تعارض بين الأصلين، فأصالة بقاء المال يمكن أن يجامع أصالة البراءة، لأن المال بيد المرتهن غير مضمون، بل هو امانة يمكن تلفه بغير تفريط فلا يكون مضمونا، و حديث (1)

«على اليد ما أخذت حتى تؤدى»

لا بد من تخصيصه بالأمانات، و لم يعلم هنا ما يزيل الأمانة، فيبقى أصالة براءة الذمة رافعة لاستحقاق الراهن في المال و الذمة، لعدم التعارض، فيتم ما أطلقوه حيث يشتبه الحال.

- واضح الضعف بعد ما عرفت من اقتضاء أصالة بقاء المال، و أصل عدم التلف، و أصل عدم تركة له غير الموجود- كونه في المال، و ليس هذا من ضمان المال حتى يقال: إن الأمانة خرجت من

عموم «على اليد»

و في مضاربة القواعد «و لو مات العامل


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 25، ص: 171

و لم يعرف بقاء مال المضاربة بعينه صار أسوة الغرماء على إشكال» و ستسمع ما فيها.

و في التذكرة في الوديعة «نعم قد يتجه ما ذكره فيما لو علم بالرهن، و لم يوجد في التركة قطعا، كما إذا كان سيفا مثلا و لا سيف فيها، مع أنه قد يقال: بالضمان فيه أيضا، لأصالة البقاء، و

عموم «على اليد»

المسلم استثناء تلف الأمانة منه بغير تفريط، الثابت بالبينة أو بيمين لا سائر أحوال الأمانة، فالتلف الذي لم يدع الأمين كونه بغير تفريط، و لا علم كونه كذلك على قاعدة الضمان.

بل لو سلم أن المستثنى تلف الأمانة مطلقا، حتى يكون الأصل في تلفها عدم الضمان إلا بأن يعلم كونه بتفريط، فهو بعد إحراز التلف، أما إذا لم يكن معلوما بل الأصل يقتضي عدمه، فلا، و عدم الوجود في التركة أعم منه قطعا، إذ يمكن جعله في حرز لا يعلم به إلا هو، فعموم على اليد بحاله، بل في الحقيقة ليس ذلك تضمينا بل هو رد للأمانة المحكوم ببقائها بمقتضى الأصل الذي لا فرق بين الأمين و غيره في الخطاب به».

قال في القواعد: و لو مات المستودع و لم توجد الوديعة في تركته فهي و الديون سواء على إشكال: أي في كيفية الضمان لا في أصله، هذا إن أقر أن عنده وديعة، أو عليه وديعة أو ثبت أنه مات و عنده وديعة، أما لو كانت عنده في حياته و لم توجد بعينها، و لم يعلم بقاؤها ففي الضمان إشكال» و عن شرح الإرشاد «نسبة الضمان إلى نص الأصحاب» و في التذكرة «قد بينا الخلاف فيما إذا كان عنده وديعة و لم توجد في تركته، فإن الذي يقتضيه النظر عدم الضمان، و الذي عليه فتوى أكثر العلماء منا و من الشافعية الضمان».

و قد بان لك من ذلك كله أن الصور ستة:

الأولى: علم الرهن في جملة التركة.

الثانية: أن يعلم أنه كان عند الميت و لم يعلم كونه في التركة أولا؟ تلف بغير تفريط أولا؟.

الثالثة: أن يعلم كونه عنده كذلك، و لكن ليس في التركة قطعا.

ج 25، ص: 172

الرابعة: أن يعلم تلفه في يده و لم يعلم كونه بتفريط أولا؟.

الخامسة: أن يعلم كونه عنده إلى أن مات، و أنه لم يتلف منه، إلا أنه لم يوجد في التركة.

السادسة: كذلك، إلا أنها مع احتمال التلف بعد الموت، كل ذلك مع عدم التقصير منه بترك الوصية و الإشهاد، و حكم الأولى واضح، كحكم ما لو علم الرهن بعينه، أما ما عداها فقد يقوى الضمان في غير الرابعة التي قد عرفت احتماله فيها، إلا أن الأقوى خلافه، كما أن الأقوى في بعض صور الضمان التقديم على باقي الغرماء، بل لعله محتمل في جميعها، لما عرفت من أنه في الحقيقة رد للأمانة نفسها، لا ضمان لها.

أما إذا لم يعلم أن في التركة رهنا، لعدم العلم بأصل الرهانة فلا إشكال في كون الحكم في الجميع كسبيل مال الميت، عملا بظاهر اليد، و أصالة عدم الرهن، و يمكن حمل عبارة المصنف و غيره عليه. بل لعله كذلك في العلم بأصل الرهانة في الجملة، إلا أنه لم يعلم الفك و عدمه، و إن كان قد يحتمل الحكم بها لأصالتها، خصوصا إذا كانت العين مشخصة، و قد علم أنها كانت رهنا عند الميت، ثم لم يعلم أنها قد خرجت عنه و دخلت في ملك الميت، أو أنها باقية على الحال الأول، فتأمل.

و احتمال- خروج الرهن عن حكم الوديعة و المضاربة، ل

خبر عمر بن رياح القلاء(1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل هلك و ترك صندوقا فيه رهون، بعضها عليها أسماء أصحابها، و بكم هو رهن، و بعضها لا يدرى لمن هو، و لا بكم هو رهن، فما ترى في هذا الذي لا يعرف صاحبه؟ فقال: هو كماله.»

يدفعه معلومية عدم العمل بظاهر الخبر فيما نحن بصدده، بل يكون ذلك كمجهول المالك، أو يحمل على عدم معرفة كونه رهنا، أو نحو ذلك مما لا يخالف الضوابط فتأمل جيدا. فإن المسألة غير محررة في كلامهم، بل لعل المغروس في الذهن عدم الضمان في كثير من صورها و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1- لكن في السند محمد بن رياح.

ج 25، ص: 173

و يجوز للمرتهن ابتياع الرهن من الراهن أو من يقوم مقامه قطعا، و من نفسه إذا كان وكيلا عنه وكالة شاملة له بالتصريح أو العموم الذي هو مثله، بل و مع إطلاق الوكالة على المشهور، بل في المختلف «من غير كراهة لتحقق الموكل عليه بالبيع منه، ضرورة صدقه عليه» خصوصا مع اشعار عدم التعرض للخصوصية بالغائها، و أن المراد بيعه بثمنه من أي مشتركان، و دعوى- ظهور الوكالة في عدم بيعه عليه، أو في البيع على غيره من غير تعرض له، فحينئذ لا يجوز إلا بالإذن، أو وجود قرينة تدل عليه، كما اختاره في جامع المقاصد هنا- لا شاهد لها، و لو سلم الانسياق فهو انسياق أظهرية لبعض الأفراد، لا أن ذلك هو المراد.

و هذا البحث لا يخص المقام، بل هو جار في غيره، و تمام الكلام فيه هناك، إلا أن ظاهر المصنف فيما تقدم عدم بيعه من نفسه في إطلاق الوكالة، و عن أبى على:

«لو وكل المرتهن في بيعه لم اختر له بيع ذلك، خاصة إذا كان الرهن مما يحتاج إلى استيفاء أو وزن، أو أراد المرتهن شراءه أو بيعه لولده و شريكه، أو ما يجرى مجراهما» و ظاهره الكراهة و إن حكي عنه المنع، و الله أعلم.

و المرتهن أحق من استيفاء دينه من الرهن من غيره من باقي الغرماء، سواء كان الراهن حيا و قد حجر عليه للفلس أو ميتا، على الأشهر بل المشهور بل لا خلاف فيه في الأول، بل و الثاني عدا ما عساه يظهر من الصدوق، حيث أنه روى الرواية الدالة على الاشتراك التي رماها في السرائر بالشذوذ، و في الدروس بالهجر، و هو في معنى الإجماع، بل في الأول دعواه صريحا و لعله كذلك إذ خلاف الصدوق- مع أنه غير متحقق، لعدوله عما ذكره في أول كتابه من أنه لا يذكر فيه إلا ما يفتي به- غير قادح فهو الحجة حينئذ، مضافا إلى ما دل من النصوص (1)و غيرها على كون الرهن وثيقة للدين، و فائدتها شرعا و عرفا استيفاء الدين منها.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1- 6- 9.

ج 25، ص: 174

و

خبر عبد الله بن الحكم (1)- الضعيف المرتفع القول عن الصادق عليه السلام «عن رجل أفلس و عليه الدين لقوم، و عند بعضهم رهون، و ليس عند بعضهم فمات، و لا يحيط ماله بما عليه من الدين، فقال: يقسم جميع ما خلف من الرهون و غيرها على أرباب الدين بالحصص».

- محمول على الرهانة بعد الفلس، أو مطرح ك

مكاتبة سليمان بن حفص(2)- الذي لم ينص علماء الرجال على توثيقه، بل و لا مدحه،- إلى أبي الحسن عليه السلام «في رجل مات و عليه الدين و لم يخلف شيئا إلا رهنا في يد بعضهم، فلا يبلغ ثمنه أكثر من مال المرتهن، أ يأخذه بماله، أو هو و سائر الديان فيه شركاء فكتب

جميع الديان في ذلك سواء، يتوزعونه بينهم بالحصص»

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور لهما، و لا غرابة بعد اختلال الطريقة، نعم لو زاد الرهن عن الدين اختص الغرماء بالزائد.

و أما لو أعوز الرهن عن وفاء الدين و قصر ضرب صاحب الدين مع الغرماء بالفاضل بلا خلاف و لا إشكال لأن دينه في الذمة لا محصور بالرهن كما هو واضح و كيف كان ف الرهن أمانة في يده لا يضمنه لو تلف عنده بغير تفريط، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل ظاهر كشف الحق و غيره الإجماع عليه، بل عن الخلاف، و الغنية، و السرائر، و التذكرة، و المفاتيح، دعواه صريحا، فمن الغريب نسبته في الدروس إلى الأشهر، مشعرا بوجود الخلاف فيه بيننا، نعم هو معروف بين العامة.

فعن أبي حنيفة أنه مضمون، و عن شريح، و النخعي، و الحسن البصري، أنه مضمون بجميع الدين، و إن كان أكثر من قيمته، لأن الرهانة تذهب بما فيها، و ربما حكي عنهم أنه مضمون بجميع قيمته، فيتراد ان الفضل حينئذ بينهما. و عن الثوري، و أصحاب الرأي أنه يضمنه بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين، فإن كان قيمته أقل سقط من الدين بقدر قيمته و إلا سقط الدين و لا يضمن الزيادة.


1- 1 الوسائل- الباب- 19 من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19 من أبواب أحكام الرهن الحديث- 2.

ج 25، ص: 175

و

قال الصادق عليه السلام في صحيح جميل (1)«عن رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن فهو من مال الراهن، و يرتجع المرتهن بماله عليه»

و

في صحيح إسحاق بن عمار الصيرفي (2)الثقة «قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: الرجل يرتهن العبد فيصيبه عورا و ينقص من جسده شي ء، على من يكون نقصان ذلك؟ قال: على مولاه، قال: إن الناس يقولون إن رهنت العبد فمرض أو انفقأت عينه فأصابه نقصان في جسده ينقص من مال الرجل بقدر ما ينقص من العبد، قال: أ رأيت لو أن العبد قتل قتيلا على من تكون جنايته؟ قال: جنايته في عنقه».

و

في خبره الآخر(3)عنه أيضا «قلت له: الرجل يرهن الغلام أو الدار، فتصيبه الآفة على من يكون؟ قال: على مولاه، ثم قال: أ رأيت لو قتل قتيلا على من كان يكون؟ قلت: هو في عنق العبد، قال: ألا ترى فلم يذهب عن مال هذا، ثم قال:

أرايت لو كان ثمنه ماءة دينار فزاد و بلغ مأتي دينار لمن كان يكون؟ قلت: لمولاه، قال: و كذلك يكون عليه ما يكون له»

إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على المجمع عليه بين الأصحاب، المشتملة على بيان الوجه ردا على العامة العمياء، المستفاد منها الدلالة بما دل من النصوص على أن منفعة

الرهن للمالك، بضميمة قاعدة «أن من كان النفع له، كان النقصان عليه».

كما تضمنه

الخبر النبوي (4)المشهور الذي استدل به هنا غير واحد من الأصحاب:

«لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه، و عليه غرمه»

أي لا يملكه المرتهن بالارتهان و

في الآخر(5)«الخراج بالضمان»

فإذا كان خراجه للراهن بلا خلاف، كان ضمانه عليه.

فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور، لأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1 مع اختلاف يسير.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 4 مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 6.
4- 4 المستدرك ج- 2- ص 495.
5- 5 المستدرك ج- 2- ص 473.

ج 25، ص: 176

معلومة الطرح بين الأصحاب، و أنها خرجت مخرج التقية، أو محمولة على التفريط، أو نحو ذلك.

ك

خبر محمد بن قيس (1)عن الصادق عليه السلام «عن أبي جعفر عليه السلام قضى أمير المؤمنين عليه السلام في الرهن إذا كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدي الفضل إلى صاحب

الرهن، و إن كان أقل من ماله فهلك الرهن أدى إلى صاحبه فضل ماله، و إن كان الرهن يسوى ما رهنه، فليس عليه شي ء».

و

موثق ابن بكير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرهن؟ فقال: إن كان أكثر من مال المرتهن فهلك أن يؤدى الفضل الى صاحب الرهن و إن كان أقل من ماله فهلك الرهن، أدى إلى صاحبه فضل ماله، و إن كان سواء فليس عليه شي ء».

و

خبر أبي حمزة(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول علي عليه السلام في الرهن يترادان الفضل؟ قال: كان علي عليه السلام يقول: ذلك، قلت: كيف يترادان الفضل؟ فقال: إذا كان الرهن أفضل مما رهن به، ثم عطب يرد المرتهن بالفضل على صاحبه، و إن كان لا يسوى رد الراهن ما نقص من حق المرتهن، قال: و كذلك كان قول علي عليه السلام في الحيوان و غير ذلك».

و

خبر عبد الله بن الحكم (4)«سألت الصادق عليه السلام عن رجل رهن عند رجل رهنا على ألف درهم، و الرهن يساوي ألفين فضاع فقال يرجع عليه بفضل ما رهنه، و إن كان أنقص مما رهنه عليه فالرهن بما فيه».

و

خبر إسحاق بن عمار(5)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يرهن الرهن بمأة درهم و هو يساوي ثلاثمائة درهم، فهلك، أ على الرجل أن يرد على صاحبه مأتي درهم؟ قال: نعم، لأنه أخذ رهنا فيه فضل وضيعة، قلت: فهلك نصف الرهن فقال: على حساب ذلك، قلت: فيترادان الفضل؟ قال: نعم».

إلى غير ذلك من النصوص التي يمكن حملها على صورة التفريط، كما يشعر به


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 2.

ج 25، ص: 177

قوله في الأخير ضيعه، بل أوضح منه

مرسل أبان (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في الرهن: إذا ضاع عند المرتهن من غير أن يستهلكه رجع في حقه على الراهن فأخذه، فإن استهلكه ترادا الفضل فيما بينهما»

بل هو كالصريح في أن مراد على مما رووه عنه عليه السلام من تراد الفضل فيما بينهما في صورة الاستهلاك، لا ما فهمه بعض العامة.

و على كل حال فالمسألة من الواضحات، و حينئذ فهو أمانة يجري عليه حكمها الذي منه تصديقه في دعوى التلف، من غير فرق بين ذهابه وحده، أو مع جملة من ماله.

لكن

في مرسل أبان (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام سألته كيف يكون الرهن بما فيه؟ إن كان

حيوانا، أو دابة، أو ذهبا، أو فضة، أو متاعا، فأصابته جائحة حريق أو لص، فهلك ماله أو بعض متاعه، و ليس له على مصيبته ببينة، قال: إذا ذهب متاعه كله فلم يوجد له شي ء فلا شي ء عليه، و إن قال: ذهب من بين مالي و له مال فلا يصدق»

و به أفتى ابن الجنيد قال فيما حكي عنه: و المرتهن يصدق في ضياع الرهن إذا كان جائحة ظاهرة، أو إذا ذهب متاعه و المرهون، فإن ادعى ذهاب الرهن وحده، لم يصدق و لم أجد له موافقا منا.

نعم حكي عن مالك أنه إن كان تلفه أي الرهن بأمر ظاهر كان من ضمان الراهن، و إن ادعى تلفه بأمر خفي ضمنه المرتهن، كما أنه لم أجد موافقا للصدوق فيما حكي عنه من عدم ضمان المرتهن لو ترك تعاهد الرهن و نشره، مع حاجته إليهما فتلف بذلك، عملا ب

ما أرسله في الفقيه (3)«في رجل رهن عند رجل مملوكا فجذم أو رهن عنده متاعا فلم ينشر ذلك المتاع و لم يتعاهده و لم يحركه فأكل- يعني أكله السوس- ينقصه من ماله بقدر ذلك؟ قال: لا»

و يمكن حمله على عدم علم المرتهن باحتياجه، أو على اشتراطه التعاهد على الراهن، أو غير ذلك، كما أنه يمكن حمل الأول على


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1- مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 9.

ج 25، ص: 178

إرادة حصول التهمة الموجبة لليمين عليه، فلا ريب في أن العمل فيهما على المشهور.

و قد ظهر من ذلك كله أنه لا يسقط من حقه أى المرتهن شي ء ما لم يتلف في يده بتفريطه فأما إذا كان بتفريط حصل التهاتر قهرا مع حصول شرائطه، و إلا كان كل منهما مديونا للآخر، و احتمال التهاتر على كل حال- الظاهر ما سمعته من النصوص المحمولة على ذلك، أو الظاهرة فيه،- بعيد لقصورها عن الجرأة بها على مخالفة الضوابط، خصوصا بعد احتمال جريانها على الغالب من المساواة، و احتمال إرادة شبه التهاتر منها أو غير ذلك، فما عساه يوهمه عبارة المصنف و غيرها، لا بد من تقييده بما ذكرنا.

و على كل حال فالمشهور بين الأصحاب خصوصا المتأخرين عدم جواز تصرف المرتهن في الرهن من دون إذن الراهن ف لو تصرف المرتهن حينئذ فيه اى في الرهن بركوب أو سكنى مثلا أو إجارة من دون إذن الراهن أثم و ضمن العين لو تلفت بقيمتها يوم الهلاك، أو يوم التعدي، أو يوم المطالبة، أو أعلى القيم على البحث السابق و الآتي في الغاصب و نحوه.

و لزمه أجرة (11) المثل في الأولين على المشهور، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، لأنه انتفاع بمال الغير بغير إذنه.

و

الحسن كالصحيح (1)«عن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام قال في الأرض البور يرتهنها الرجل ليس فيها ثمرة، فزرعها

و أنفق عليها من ماله، أنه يحتسب له نفقته و عمله خالصا، ثم ينظر نصيب الأرض فيحتسب من ماله الذي ارتهن به الأرض حتى يستوفى ماله، فإذا استوفى ماله فليدفع الأرض إلى صاحبها»

و لغير ذلك.

و الأجرة المسماة في الثالث، إذا كان قد قبضها المستأجر، و أجاز المالك عقد الإجارة و القبض، فان لم يجز القبض رجع بها على المستأجر إذا كانت في الذمة و إلا تخير بين الرجوع عليه و الرجوع على المرتهن، و ان لم يجز العقد و لم تمض مدة تصلح لاستيفاء ما يقابل بأجرة عادة، فضلا عن المنفعة المقصودة بالإجارة لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.

ج 25، ص: 179

له شي ء عندهما، أما إذا أسلمها و قد مضت إحدى المدتين كان له أجرة المثل على المستأجر بفوات المستأجر منفعة ماله في يده التي هي يد ضمان، بل قد يقال: بأن له الرجوع على المرتهن لأنه بإجارته صار غاصبا، فيتخير المالك في الرجوع على من شاء منهما.

و منه ينقدح ضمانه: أى المرتهن كل منفعة للرهن تفوت عنده، إذ كان قد تعدى فيه و إن لم يستوفها، بل ينقدح ضمانه في الفرض، و ان لم يتسلم المستأجر العين، بناء على أن عقده عليها، و بذلها للمستأجر تعد، كما صرح به في المسالك، و ان لم يتسلمها منه، نعم لو كان مجرد عقد فضولا و لم يسلمها إياه و لا بذلها له لم يكن تعديا.

و كيف كان فلا فرق في عدم جواز تصرف المرتهن بين كونه قد أنفق على الرهن بوجه شرعي أو لم ينفق، لقبح التصرف في مال الغير على كل حال، و حينئذ ف إن كان للرهن مؤنة كالدابة، أنفق عليها و لو كان قد تصرف فيها بركوب و نحوه ظلما و تقاصا كما في النافع، و القواعد، و التحرير، و الإرشاد، و الكتاب، و اللمعة، و غيرها، بل في الدروس عليه المتأخرون: أي تهاترا قهرا مع اجتماع الشرائط من التساوي في النوع و الصفة.

و قيل إن الشيخ في نهايته و الحلبي، و ابني حمزة، و سعيد قالوا إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق قال في النهاية: «إذا كان الرهن الدابة فركبها المرتهن كانت نفقتها عليه، و كذلك إذا كانت شاة و شرب لبنها كان عليه نفقتها، و إذا كان عند إنسان دابة، أو حيوان، أو رقيق رهنا، فإن نفقتها على الراهن دون المرتهن، فإن أنفق المرتهن عليها كان له ركوبها، و الانتفاع بها، أو الرجوع على الراهن بما أنفق»، و قال أبو الصلاح: «يجوز للمرتهن إذا كان الرهن حيوانا يتكفل مؤنته أن ينتفع بظهره أو خدمته أو صوفه أو لبنه، و إن لم يتراضيا، و لا يحل شي ء من ذلك من غير تكفل مؤنة و لا مراضاة، و الأولى أن يصرف قيمة منافعه في مؤنته».

ج 25، ص: 180

و في الوسيلة: و إن رهن حيوانا كان نفقته على الراهن، فإن أنفق عليه المرتهن كان له الرجوع على صاحبه ما لم ينتفع به، فإن انتفع به و لم ينفق رد قدر ما انتفع به، نحو ما في جامع الشرائع، كما قيل، إلا أن الأخيرين كما ترى لا صراحة فيهما بالخلاف، بل يمكن إرجاع كلامهما إلى ما عليه الأصحاب، فانحصر الخلاف حينئذ في النهاية التي هي متون أخبار، و ليست كتاب فتوى، و في أبي الصلاح الذي نقل لنا كلامه، و ليس النقل كالعيان.

و علي كل حال فمستندهما في ذلك

صحيح أبي ولاد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأخذ الدابة أو البعير رهنا بماله إله أن يركبه؟ فقال: إن كان يعلفه فله أن يركبه، و إن كان الذي رهنه عنده يعلفه، فليس له أن يركبه،»

و

خبر السكوني «(2)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

الظهر يركب إذا كان مرهونا، و على الذي يركب نفقته، و الدر يشرب إذا كان مرهونا، و على الذي يشرب نفقته»

اللذين يمكن حملهما على مساواة الحقين، و الإذن و لو للعادة، أو لأن رهنه مع عدم الإنفاق قرينة على ذلك، و لا سيما إذا كان عدم الركوب و الحلب مما يفسده، أو على غير ذلك.

بل لا بأس بطرحهما، بعد اعراض معظم الأصحاب عنهما بل في التذكرة «ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن بلا خلاف،» و في السرائر «لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن على حال، للإجماع على أن الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» و مخالفتهما لقاعدة «عدم التصرف في مال الغير بغير إذنه» و قاعدة الضمان لما يتلفه المتلف، و الرجوع بما عرفه على الوجه الشرعي، مضافا إلى عدم صراحتهما في المقابلة، و لا في منع المقاصة.

فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الدروس من أن المشهور جواز الانتفاع، قال:

«و نفقة الرهن على الراهن لا على المرتهن، فإن أنفق متبرعا فلا رجوع، و إن كان بإذن الراهن، أو الحاكم عند تعذره أو أشهد عند تعذر الحاكم، رجع بها على الراهن،


1- 1- الوسائل- الباب- 12- من أبواب الرهن الحديث- 1.
2- 2- الوسائل- الباب- 12- من أبواب الرهن الحديث- 2.

ج 25، ص: 181

و لو كان له منفعة كالركوب و الدر فالمشهور جواز الانتفاع بهما، و يكون بإزاء النفقة، و هو في رواية أبي ولاد و السكوني و في النهاية «إن انتفع، و إلا رجع بالنفقة».

و منع ابن إدريس من الانتفاع، فإن انتفع تقاصا و عليه المتأخرون، و الروايتان ليستا بصريحتين في المقابلة، و لا مانعتين من المقاصة، نعم تدلان على جواز ذلك و هو حسن، لئلا تضيع المنفعة على المالك نعم يجب استيذانه إن أمكن و إلا فالحاكم».

و فيه مضافا إلى ما عرفت أن ضياع المنفعة على المالك إن لم يستوفها لا يجوز الاستيفاء لأنه أعم من الإذن من المالك و الاستناد فيه إلى الخبرين يقضى بالعمل بما فيهما من المقابلة أو المقاصة التي إن لم تكن صريحهما فهي ظاهرهما، و هو حجة كالصريح، فلا مناص حينئذ عن طرح الخبرين بالنسبة إلى ذلك كله في مقابلة ما عرفت، أو حملهما على الإذن و نحوه أو على توقف الحفظ على الانتفاع المزبور، فإن بعض الدواب يفسده عدم الركوب، و عدم الحلب و شرب اللبن، لانه مما يفسده البقاء، فضمانه بالقيمة كبيعه من غيره، من الإحسان في حفظ الأمانة، و الفرض أن حمل الخبرين على ذلك و نحوه أولى من العمل بهما، و مع فرض عدم قبولهما لشي ء من ذلك فطرحهما متجه كما هو واضح.

ثم إن المصنف و غيره قد أطلق جواز الإنفاق، و لا بد من تقييده بعدم التمكن من إنفاق المالك لامتناع و عدم إمكان جبر، و لا توصل إلى ماله، أو لغيبة كذلك، ضرورة كون النفقة عليه لا على المرتهن، بل قد يظهر من جماعة تقييده أيضا بعدم التمكن من الحاكم، و إلا وجب الرجوع إليه و الاستيذان منه، و هو في محله، لأنه ولي الممتنع و الغائب في نحو ذلك، بل ربما ظهر من بعضهم اعتبار الإشهاد في الرجوع بما أنفقه عند تعذر المالك و الحاكم و إن كان واضح المنع، ضرورة تعسره أو تعذره، فهو مصدق بمقدار ما أنفقه، و في دعوى نية الرجوع، لأنه أمين شرعي على ذلك، و مع التهمة عليه اليمين، بل ربما ظهر من بعض هنا عدم اعتبار الحاكم، بل يشهد له بعض كلماتهم في باب الوديعة و اللقطة، بل عن المهذب البارع، أن من عدا الشهيد لم

ج 25، ص: 182

يشترطه، قال: اشترط الشهيد في جواز الرجوع بالنفقة إذن المالك أو الحاكم، فإن تعذر فالإشهاد، و لم يشترط الباقون إذن الحاكم، و هو أولى، و ان كان فيه أنه اشترطه الفاضل في التذكرة، بل هو في معقد ما تسمعه من شهرة المسالك و غيرها.

و على كل حال فلعل وجه عدم اشتراط الحاكم أن المرتهن باستيمان المالك قائم مقامه عند تعذره أو امتناعه، فلا حاجة إلى رجوعه إلى الحاكم، خصوصا مع اندراجه في المحسنين، و تعلق غرضه بالإنفاق، باعتبار توقف بقاء الرهن الموضوع وثيقة له على دينه عليه، بل قد يقال لذلك بالاكتفاء في جواز رجوعه بما أنفقه عدم إنفاق المالك، لا امتناعه مع عدم إمكان جبره أو غيبة و نحوهما، و إن كان ينافيه ظاهر كلامهم، و أصالة براءة الذمة، و أصالة عدم قيام الغير مقامه في شغل ذمته من غير اذنه.

بل لا يبعد اندراجه في هذا الحال في سلك المتبرعين الذين لا حرمة لأموالهم.

و لا يكفي نية الرجوع بعد أن كان الخطاب بالإنفاق لغيره، الذي يمكن أن يكون عدم بذله النفقة منه لغفلة، أو ظن وجودها أو نحو ذلك، فلا بد من مطالبته بها أولا، فإن بذل و إلا أجبر، فإن لم يمكن أنفق بإذن الحاكم أو بدونه على البحث السابق.

و في المسالك و غيرها أن المرتهن إن أمره الراهن بالنفقة رجع بما غرم، و إلا استأذنه، فإن امتنع أو غاب رفع أمره إلى الحاكم، فإن تعذر أنفق هو بنية الرجوع، و أشهد عليه ليثبت له استحقاقه. و كيف كان فلا بد من تقييد إطلاق المصنف الإنفاق بما عرفت، كما أنه لا بد من تقييده المقاصة باجتماع شرائطها، و يمكن قراءة عبارة المصنف أو تقاضى بالضاد المعجمة كما عن بعض النسخ، إلا أنه يبعده وقوع هذه اللفظة في غيرها من عبارات الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود و الله أعلم.

و المشهور بين الأصحاب بل لم أجد فيه خلافا بينهم أنه يجوز للمرتهن أن يستوفي دينه مما في يده و إن لم يكن وصيا عن الراهن على البيع إن علم و إن ظن بل و إن خاف جحود الوارث للدين أو للرهانة و كانت التركة قاصرة مع اعترافه بالرهن و لم تكن عنده بينة مقبولة، و في الرياض «قد صرح به

ج 25، ص: 183

الأصحاب من غير خلاف يعرف». بل عن شرح الإرشاد «الإجماع على أن للمرتهن الاستيفاء من الرهن و إن لم يكن وكيلا في البيع، أو انفسخت وكالته بموت الراهن، إن خاف جحود الراهن، أو الورثة للحق، و لم يمكن إثباته عند الحاكم، لعدم البينة، أو غيره من العوارض» و عن مجمع البرهان «الإجماع أيضا إن لم تكن له بينة مقبولة أو لم يمكن إثباته عند الحاكم».

و الأصل في ذلك- مضافا إلى الحرج، و الضرر، و ما دل على المقاصة، و فائدة الرهن و غير ذلك-

مكاتبة المروزي (1)لأبي الحسن عليه السلام «في رجل مات و له ورثة، فجاء رجل فادعى عليه مالا، و أن عنده رهنا، فكتب عليه السلام إن كان له على الميت مال، و لا بينة له، فليأخذ ماله مما في يده، و يرد الباقي على ورثته، و متى أقر بما عنده، أخذ به و طولب بالبينة على دعواه، و أوفي حقه بعد اليمين، و متى لم يقم البينة و الورثة ينكرون، فله عليهم يمين علم، يحلفون بالله ما يعلمون له علي ميتهم حقا»

و المناقشة في سندها بعد الانجبار بما سمعت لا وجه لها.

كما أن منها يعلم الوجه فيما ذكره المصنف بقوله أما لو اعترف بالرهن، و ادعى دينا، لم يحكم له، و كلف البينة و له إحلاف الوارث إن ادعى عليه العلم بل لم يشترط في الخبر دعوى العلم، بل ظاهره توجه اليمين عليهم بمجرد الدعوى بالدين، و إن كان يمينهم على نفى العلم، لأنه لنفي فعل الغير و على كل حال فالخبر ظاهر في الحكم المزبور، و شموله لصورة عدم خوف الجحود غير قادح، بعد معلومية عدم ارادتها، لوجوب الاقتصار فيما خالف أصل عدم جواز التصرف في مال الغير بغير اذنه على المتيقن.

و منه يعلم الوجه في اعتبار عدم البينة كما ذكرناه، و نص عليه في الخبر، وفاقا لجماعة، و إن أطلق المصنف بل و غيره، بل عن مجمع

البرهان التصريح بأنه لا يشترط عدم البينة، و لا عدم إمكان الإثبات عند الحاكم، بل قال: و «الرواية غير صريحة بالاشتراط، و إنما فيها إشعار يمكن أن يكون قد خرج مخرج الغالب»


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.

ج 25، ص: 184

و إن كان فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت الذي منه يعلم ضعف ما عن بعضهم من إلحاق الحاجة إلى اليمين بخوف الجحود، و لذا نفي الاعتماد عنه في المسالك و غيرها.

بل لولا ظهور إلغاء الخصوصية و لو بضميمة ما سمعته من الإجماع من شرح الإرشاد لأمكن التوقف في إلحاق خوف جحود الراهن، لما عرفت من عدم كون الحكم على القاعدة، ضرورة أنه ليس من المقاصة المشروطة بامتناع من عليه الحق، و لا يكفي فيها الخوف، إلا أنه لا مناص عن الحاقه بعد الإجماع المزبور، المعتضد بتصريح جماعة، و بظهور عدم الخصوصية للوارث، بل لا بأس بإلحاق خوف عدم قبول البينة أو جرحها أو نحو ذلك و على كل حال فالمعتبر في الجواز الخوف، لا طلاق الخبر المزبور، و ما في القواعد من اعتبار العلم لا يخلو من نظر، كاعتبار غيره الظن و الله أعلم.

و لو وطئ المرتهن الأمة مكرها لها على ذلك من غير إذن الراهن كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر، و قيل: عليه مهر أمثالها، و لو طاوعته، لم يكن عليه شي ء كما تقدم تحقيق ذلك كله و تحقيق أرش البكارة في بيع الحيوان فلاحظ و تأمل، إذا المسألة من واد واحد و لا خصوصية للمرتهن عن غيره، هذا. و قد عرفت فيما تقدم صحة اشتراط وضع الرهن ابتداء و استدامة أو استدامة خاصة على يد عدل فصاعدا مطلقا، أو معين، أو غيرهما مطلقا أو معين، و إن لم يكن عدلا أو نحو ذلك من الشرائط السائغة التي تلزم بعموم

«المؤمنون»

و «أَوْفُوا» من غير خلاف أجده فيه بيننا، بل عن التذكرة نسبة اشتراط وضع الرهن على يد عدل إلى علمائنا، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه صريحا، بل قال: منا و من جميع الفقهاء إلا ابن أبى ليلى.

نعم في القواعد «يشترط فيه كونه ممن يجوز توكيله، و هو الجائز التصرف و إن كان كافرا، أو فاسقا، أو مكاتبا لكن بجعل، لا صبيا و لا عبدا إلا بإذن مولاه» و لعله لأنه وكيل عن المرتهن نائبا عنه في القبض، كما عن التذكرة، و إن كان قد يناقش فيه بمنع الوكالة، ثم إذا كان المشترط من الوضع استدامته التي لا مدخلية لها في

ج 25، ص: 185

صحة الرهن، و لا لزومه، بل و في الابتداء بناء على أنه كذلك فلا بأس حينئذ بتراضيهما على وضعه في يد صبي، خصوصا إذا كان مأمونا رشيدا، و كان اعتبار الجعل في المكاتب لحجر التصرف عليه في منافعه بغير الاكتساب، بل اعتبر بعضهم فيه كونه بأجرة المثل فصاعدا.

نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يأذن مولاه، و إلا فلا يعتبر الجعل، لأن الحق لهما، فلا بأس إذا أسقطاه، و الظاهر عدم اعتبار تعيين الموضوع عنده في صحة الشرط لعموم الدليل، و عدم إفضاء جهالته هنا إلى الجهالة فيما يشترط عدمها في صحته، كالبيع و الإجارة، فإن اتفقا حينئذ عليه فلا بأس، و الا قطع نزاعهما الحاكم بالتعيين كما إذا لم يشترطا، و ليس لأحدهما و لا للحاكم عزله من دون داع بعد تعيينه في العقد أو الاتفاق عليه بعد اشتراط كليه فيه، الذي يكون بالاتفاق كمشترط الخصوصية.

نعم لو كان الشرط العدل فخرج عن العدالة فطلب أحدهما نقله أجيب إليه، فإن اتفقا على غيره، و إلا وضعه الحاكم عند ثقة، و كذا لو تغير حاله بمرض، أو كبر أو نحوهما بحيث لا يقدر على الحفظ معه، بل و كذا لو حدثت له عداوة دنيوية مع أحدهما و إن لم يخرج بها عن العدالة، إذ لا يؤمن أن يرتكب بعض الحيل التي يترتب عليها الضرر، و لذا لم يأمن العدو عدوه، فهو حينئذ غير مراد من الشرط، كما أنهما إذا اتفقا على عزله جاز أيضا، و إن لم يتغير حاله، لأن الحق لهما، و لو اختلفا في التغيير عمل الحاكم على ما يظهر له بعد البحث، و لو مات العدل نقلاه إلى من يتفقان عليه، فان اختلفا نقله الحاكم، و لو كان الوضع على يد عدل بالاتفاق من دون الشرط فأراد أحدهما عزله دون الآخر رجع الأمر إلى الحاكم في إقراره أو نقله، هذا كله مع القول بعدم استحقاق المرتهن استدامة القبض حال الإطلاق، و إلا اتجه قبض المرتهن له في بعض هذه الأحوال و الله العالم.

و كيف كان ف إذا وضعاه على يد عدل مثلا فللعدل المتطوع رده عليهما قطعا لعدم لزوم ذلك عليه، أو تسليمه إلى من يرتضيانه لما

ج 25، ص: 186

عرفت من أن الحق لهما و لا يجوز له تسليمه مع وجودهما و عدم معلومية امتناعهما إلى الحاكم الذي لا ولاية له عليهما في هذا الحال، للأصل و غيره و لا إلى أمين غير الحاكم و غيرهما من غير إذنهما لعدم جواز الإيداع للودعي من غير إذن و حينئذ ف لو سلمه إلى من لا يجوز تسليمه ضمن هو و من تسلمه، و إن كان له الرجوع على العدل مع الغرور.

و في القواعد «لو لم يمتنعا من القبض فدفعه إلى عدل بغير إذنهما ضمن، و لو أذن له الحاكم ضمن أيضا، لانتفاء ولايته عن غير الممتنع، و يضمن القابض» لكن ينبغي تقييد ضمان الحاكم إذا كان مرادا من الضمير بما إذا كان عامدا، و الا كان من الخطأ فتأمل، فإنه قد يمنع ضمان الحاكم ابتداء، و إن رجع عليه، قال في جامع المقاصد: أي ضمن الدافع و إن اغتر بإذن الحاكم، لكن في هذه الحالة يرجع على الحاكم إن تعمد، و إلا فهو من خطأ الحاكم» انتهى و إن كان لا يخلو من بحث في الجملة و الله العالم.

و كذا يضمن العدل لو سلمه إلى أحدهما من دون إذن الآخر، هو، و من تسلمه حتى لو كان الراهن على معنى أنه لو تلف في يده تعلق الرهن بقيمته أو مثله، و ما عن الأردبيلي- من جواز تسليمه إلى الراهن، لأنه مالك و لاستصحاب جواز تسلمه- غريب، ضرورة عدم اقتضائهما ذلك، بعد تعلق حق المرتهن الذي هو أولى منه في ذلك، و لذا قيل: إنه لو احتمل جواز التسليم إليه كان له وجه، و إن كان فيه أنه لو سلم اقتضاء إطلاق الرهانة التسليم إلى المرتهن، إلا أن مفروض المقام اشتراط و ضعه على يد عدل، الظاهر في عدم ذلك.

نعم لو كان وضعه على يده اتفاقا منهما من غير شرط اتجه ذلك، بناء على الاقتضاء المزبور، لكن الذي يظهر من ثاني الشهيدين في المسالك عدم اقتضاء عقد الرهانة مع الإطلاق ذلك، بل يظهر منه انه مفروغ منه، و هو إن لم يكن إجماعيا محل نظر، و قد ذكرنا في مبحث القبض ما يستفاد منه عدم الإجماع، و ما يستفاد منه استحقاق المرتهن الوضع عنده، إلا أن يشترط خلافه فلاحظ و تأمل.

ج 25، ص: 187

و لو استترا عن قبضه من العدل بعد أن طلب منهما أقبضه الحاكم الذي هو ولى الممتنع و لو كانا غائبين و أراد تسليمه إلى الحاكم، أو عدل آخر من غير ضرورة، لم يجز و يضمن لو سلم هو و من تسلمه و كذا لو كان أحدهما غائبا لوجوب الصبر عليه إلى الحضور من الغيبة التي لا تقصير معها، و الأصل عدم ولاية الحاكم في مثل ذلك، و إطلاق ولايته عن الغائب في بعض المقامات إنما يراد منه مع الحاجة و المصلحة و نحوهما، لا نحو ذلك، ضرورة عدم جواز استيلاء الحاكم على أموال الغائبين بمجرد غيبتهم، بل في المسالك «أن من القواعد المقررة في بابها أن الودعي ليس له دفع الوديعة إلى الحاكم مع إمكان المالك، و لا مع غيبته إلا مع الضرورة» و ما نحن فيه من ذلك، و به بان الفرق بين ولاية المالك و الحاكم.

نعم إن كان هناك عذر كسفر و مرض و نحوهما سلمه إلى الحاكم أو من يأذن له، لثبوت ولايته حينئذ و من هنا لو دفعه إلى غيره حينئذ من غير إذن الحاكم ضمن و لو كان ثقة، أما لو تعذر الحاكم و افتقر إلى الإيداع أودع من ثقة و أشهد و لا ضمان، و الظاهر جواز دفعه من أحدهما في هذا الحال إذا كان ثقة، بل لعله أولى، لكن في القواعد «لو امتنعا لم يضمن بالدفع إلى العدل مع الحاجة و تعذر الحاكم، فإن امتنع أحدهما فدفعه إلى الآخر ضمن، و الفرق أن العدل يقبض لهما، و الآخر يقبض لنفسه» و فيه أن العدالة تنفي ذلك فتأمل و الله أعلم.

و لو وضعاه على يد عدلين (11) جاز إجماعا، محكيا عن التذكرة إن لم يكن محصلا، لكن لم ينفرد به أحدهما (12) عن الآخر و لو أذن له الآخر (13) إذا كانا قد صرحا لهما بإرادة الاجتماع، أو أطلقا، بناء على انصرافه إلى ذلك، باعتبار ظهور اختيار الاثنين في عدم الإكتفاء بحفظ أحدهما، نعم لو حصلت قرينة على عدم إرادة الاجتماع كان لأحدهما الانفراد بحفظه، كما أن له تسليمه إليهما من دون إذن الآخر في حالي اعتبار الاجتماع و عدمه، ضرورة كون المراد الاجتماع في الحفظ، و إلا فالمال لهما، فإذا أرادا تسليمه وجب فورا على كل منهما، فما عن بعضهم- من

ج 25، ص: 188

عدم جواز تسليم أحدهما مع اعتبار الاجتماع إلا بإذن الأخر- واضح الفساد.

و كيف كان فلو سلم أحد العدلين إلى الآخر ضمن كل منهما الكل، لحصول سببه من كل منهما بالتفريط من الدافع، و التعدي باستقلال اليد من المتسلم، فللمالك الرجوع على كل منهما، الواجب عليه حفظه جميعه، منضما مع الآخر، و التساوي في ثبوت سبب الضمان مع اتحاد العوض المضمون، لا يقتضي التقسيط، بعد أن كان كل منهما سببا، فهو كالأيدي المتعاقبة المعلوم عدم التقسيط فيها، و إن تساوت في ذلك و اتحد العوض، و دعوى أنهما بمنزلة أمين واحد، ممنوعة، ضرورة إن كل واحد أمين مستقل على الجميع، غاية ما في الباب أنه قد شرط عليه انضمام الآخر اليه، فما عساه يظهر من الفاضل من الميل إلى التنصيف، فيه ما لا يخفى.

و الظاهر أن قرار الضمان على من ضمنه المالك منهما، لو تلف بآفة سماوية، إن لم يثبت إجماع على قاعدة «قرار الضمان على من تلف في يده المال» كما عساه يظهر منهم في باب الغصب. لكن في المقام حكي عن فخر المحققين و ابن المتوج أن الأصح استقراره على من ضمنه المالك، و احتمله في المسالك، و استشكل فيه في القواعد، و هو يومي إلى عدم الإجماع المزبور بحيث يشمل المقام، و حينئذ يتجه ما قلناه ضرورة عدم الدليل على رجوعه على الآخر بعد أن كان رجوع المالك عليه بحق، و لم يكن منه غرور له.

و دعوى- أن المتعدي أقوى من المفرط فيساوي المباشر حينئذ، كما أن الثاني يساوي السبب، فيكون أولى في قرار الضمان- لا ترجع إلى محصل يعتمد عليه شرعا.

و أضعف منها التعليل بأن الضمان و إثبات اليد وجوديان، و تارك الحفظ عدمي و سببية الوجودي للوجودي أقوى و أولى من سببية العدمي، و بأن اليد العادية سبب بسببية التضمين بالتسليم، مع كونها علة تامة في التضمين، فكانت أقوى و أولى مع أن مقتضى ذلك خصوصا الأولين عدم جواز رجوع المالك على الدافع أصلا، لا أن القرار خاصة على المتسلم، كما أن مقتضى تعليل رجوع المالك على الدافع بأنه

ج 25، ص: 189

مضيع بتسليمه و المتسلم حافظ قد عمل بمقتضى الاستيمان، عدم جواز الرجوع على المتسلم أصلا، فضلا عن كون القرار على الدافع، و الجميع كما ترى خصوصا بعد جزم من تعرض لهذا الفرع بجواز رجوع المالك على من شاء منهما، و إنما الكلام في قرار الضمان.

فالتحقيق فيه أنه على من ضمنه المالك إن لم يثبت الإجماع المزبور، فتأمل.

فإن المقام ربما حصل فيه خبط من بعضهم، لكن ستسمع في كتاب الغصب ما يقتضي جريان قولهم قرار الضمان على من تلف المال في يده، على القواعد الشاملة للمقام، إن لم يكن هو من موضوع ما ذكروه في كتاب الغصب، و حينئذ يتجه القرار على الآخر الذي تلف المال في يده دون العكس، فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

و لو باع المرتهن الرهن حيث يجوز له ذلك أو العدل و دفع الثمن إلى المرتهن وفاء أو وثيقة إذا كان له ذلك ثم ظهر فيه أي المبيع عيب لم يكن للمشترى الرجوع على المرتهن الذي قبض الثمن المملوك للراهن، وفاء أو وثيقة، إذا الفسخ بالعيب إنما هو من حينه بلا خلاف أجده بين من تعرض له.

لكن قد يشكل- إذا كان وثيقة، بأن رهانته فرع رهانة المبيع و الفرض رده بالعيب، فترد وصف الرهانة معه، فتبطل بإبدالهما، لعدم اجتماع البدل و المبدل منه.

- و يدفع أولا: بمنع فرعية رهانيته عليه، ضرورة عدم انتقاله رهنا، بل لا بد من استحقاق رهن الثمن من سبب جديد، من اشتراط و نحوه، فضلا عن الارتهان الجديد.

و ثانيا: بعد التسليم بمنع اقتضاء الرد بالعيب، رجوع وصف الرهانة التي بطلت في المبيع بالبيع، و انتقل إلى الثمن بمجرد دخوله في ملك الراهن فلا يبطله الفسخ الطاري، لكن قد يقال: مقتضى ذلك أنه لو كان العيب بالثمن إما أن لا يكون للراهن الرد من دون إذن المرتهن، و إنما يتعين له الأرش، لتعلق وصف الرهانة به، فيكون كالتصرف المسقط له، أو أن له ذلك، و لا تعود الرهانة، لعدم رجوعها

ج 25، ص: 190

بالرد بالعيب، و كلاهما محل بحث، لعدم صدق التصرف على التعلق المزبور، حتى يتعين الأرش، كعدم عود الرهانة، إذ لا أقل من أن يكون الفسخ بالعيب كالإتلاف المقتضي تعلق الرهانة بالقيمة التي هي بدله.

و قد يقال في الفرض أن له رد المبيع بالعيب في الثمن من دون رد الثمن نفسه، باعتبار تعلق حق الرهانة به، المانع من رده، و إن لم يصدق عليه أنه تصرف منه، كي يتعين له الأرش فيرد حينئذ عوض الثمن. نحو ما احتمل فيما لو اشترى من ينعتق عليه فبان أنه معيب.

أما إذا رد الثمن بإذن المرتهن فلا إشكال في عود الرهانة في المبيع، بناء على ظهور إذنه في عود المبيع رهنا، و حينئذ لم يثبت إجماع على عدم فسخ الرهانة في الثمن برد المشتري المبيع، كان فيه نوع تأمل بناء على اقتضاء أدلة الفسخ رجوع كل ملك إلى صاحبه.

لكن قد يقال: بتعارض أدلة الفسخ مع ما دل على لزوم الرهن من الاستصحاب و غيره، و ترجيحها عليه محل منع، بل العكس هو المتجه، كما في نظائره و لعله لذا لم يتوقف أحد من الأصحاب في بقاء الرهانة لو رد المشتري المبيع، و لا بأس بالتزام تعين الأرش فيما فرضنا نحن من حصول العيب بالثمن، و تسمع في الإذن في بيع الرهن زيادة تحقيق لذلك، فلا محيص عنه خصوصا بعد اتفاق الأصحاب ظاهرا عليه. نعم قد يتجه عود المبيع رهنا فيما لو فرض كون البيع لحفظ الرهن، باعتبار عروض فساد له قبل الأجل، فإن رهن الثمن حينئذ يثبت كون المبيع رهنا، فمع فرض الفسخ المزبور يعود المبيع على ما كان عليه من وصف الرهانة، تحقيقا لمعنى البدلية كما هو واضح بأدنى تأمل. و الله العالم.

و كذا ليس له الرجوع على العدل مع العلم بوكالته حال البيع، أو حال الإقباض للثمن، أو بعدهما، أما إذا أنكر العلم بذلك و لا بينة، استحق الرجوع عليه إن اعترف بالعيب، أو قامت به بينة، و يرجع هو على الراهن إن اعترف بالعيب، أو

ج 25، ص: 191

كان ثابتا بالبينة، فإن أنكره و لا بينة و كان قد اعترف به العدل، فالقول قول الراهن كما في ظاهر جامع المقاصد، و صريح المحكي عن التحرير لأنه منكر، و وكالة العدل عنه لا تقتضي تصديقه في إقراره، و إن أنكر العدل العيب على المشتري الذي لم يعترف بوكالته، كان القول قوله بيمينه، فإن نكل فحلف المشتري رجع على العدل و لا يرجع العدل على الراهن، لاعترافه بالظلم، و لكن يأخذ المبيع مقاصة، فإن زاد دسه في مال المشتري، و إلا قاصه من غيره مع الإمكان، هذا كله في العيب.

أما لو استحق الرهن لغصب و نحوه استعاد المشتري الثمن منه أى المرتهن، بل و من العدل مع بقاء عينه في يده، بل من كل من كان عين ماله في يده، من غير فرق بين الراهن و العدل و المرتهن، و لو تعذر عليه المرتهن أو العدل كان له الرجوع على الراهن، و إن لم يكن في يده فعلا، لأنه البائع حقيقة، و قبض العدل أو المرتهن إنما كان عنه، و لو تعذر عليه الراهن لم يكن له الرجوع على العدل بعد فرض كون المال في يد غيره، فعلا، و إن استولت عليه سابقا، إذا كان عالما بوكالته حال البيع، و لم يكن العدل عالما باستحقاق المبيع، لأنه حينئذ قد اشتراه منه على أنه نائب عن غيره، و أن يده يد غيره، فقبضه للثمن قبض للراهن، و إنما هو واسطة، كناقد الثمن للمشترى عند إرادة دفعه إلى البائع، و بعلمه بوكالته كأنه قد أذن له في تسليمه إلى غيره.

و تخيله صحة الوكالة ليس تقييدا للإذن، بل هو داع، فلا يشمله حينئذ

عموم «على اليد»

بل الظاهر أن الحكم كذلك لو لم يكن عالما بوكالته حال البيع، و لكنه عملها حال الدفع، لاتحاد المدرك، و إن كان قد يظهر من جامع المقاصد عدم تأثير العلم في غير حال البيع. نعم لو علمها بعد البيع و الدفع أمكن حينئذ القول بجواز الرجوع عليه، لعدم الإذن، و قد سلمه الثمن بعنوان كونه مضمونا عليه بالبيع، فلم يسلم له، فيشمله

عموم «على اليد»

و الوكالة قد تبين فسادها في الواقع، فيرجع عليه، و هو يرجع على من غره.

ج 25، ص: 192

و لو تعذر عليه العدل و الراهن كان له الرجوع على المرتهن مع استيلاء يده عليه، و ان لم يكن هو فيها حال الرجوع،

لعموم «على اليد»

و يرجع هو على من غره. نعم لو كان قد دفعه المشتري إليه مع العلم بأنه وكيل عن الراهن، و أن يده يده، أو اشتراه منه على ذلك، فقد يقال: بعدم الرجوع عليه، لما سمعته في العدل، إلا أن كلامهم في التلف ينافيه، فإنه قد صرح الشيخ في مبسوطة، و الفاضل، و الشهيدان، و يحيى بن سعيد، و المحقق الثاني، فيما لو تلف في يد العدل أو المرتهن بأنه لا يرجع على العدل مع العلم بوكالته، كما في كل وكيل في بيع مال غيره، فإن المشتري يرجع على الموكل لا الوكيل، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة و خلاف الشيخ من الرجوع على الوكيل، و هو يرجع على الموكل، و لا شاهد له، بل الشواهد على خلافه، إلا في الصورة السابقة، و صرح بعض هؤلاء و غيره بالرجوع على المرتهن، و مقتضاه الفرق بينه و بين العدالة كما هو ظاهر جماعة، لكنه غير واضح الوجه.

اللهم إلا أن يقال: إن المرتهن و إن كان وكيلا عن الراهن في القبض، لكن له يد من حيث الرهانة، فلعل الرجوع عليه من هذه الحيثية، و به يتم الفرق بينه و بين العدل.

لكن فيه منع استقلال يد له، إذ لا يد للمرتهن من حيث الرهانة على الرهن، فليس هو في يده إلا وديعة، و إن كان تعلق به حق الرهانة الذي لا يتوقف على كونه في يد المرتهن فتأمل جيدا فإن المقام بعد لا يخلو من بحث فيما لو تلف في يد العدل أو المرتهن، فإنه قد يمنع الرجوع على المالك الراهن، مع عدم استيلاء يده عليه، و ظهور فساد الوكالة. نعم للمرتهن و العدل الرجوع عليه حال الغرور خاصة، كما أنه يمكن القول بالرجوع على العدل و المرتهن حتى مع العلم بالوكالة حال البيع، لعموم (1)

«على اليد»

و ظهور فساد الوكالة، فيكون من مسألة تعاقب الأيدي فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا إشكال في رجوع المرتهن على الراهن، إذا لم يكن عالما بالاستحقاق، لكن في المسالك هل يغرمه المرتهن، أو يرجع على الرهن نظر، و مقتضى قواعد


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90.

ج 25، ص: 193

الغصب رجوعه مع جهله، و علم الراهن بالاستحقاق، لغروره، و الكلام آت فيما لو تلف الرهن في يد المرتهن، ثم ظهر مستحقا. و فيه أنه لا ينبغي التوقف في ذلك، إذ حكمه حكم الغصب قطعا، بل الظاهر عدم اعتبار علم الراهن بالاستحقاق، لتحقق الغرور بفعله، و إن كان جاهلا كما هو واضح في نظائر المسألة فلاحظ و تأمل.

و إذا مات المرتهن، كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث و إن كان وضعه في يد المرتهن بشرط في عقد، ضرورة رجوعه إلى

اشتراط الاستيداع الذي ينفسخ بموت الودعي. نعم لو قلنا إن الوضع في يد المرتهن من توابع حق الرهانة أمكن حينئذ القول بانتقاله إلى الوارث حينئذ بانتقال حق الرهانة إليه، إلا أن الذي يظهر من بعضهم بل هو صريح المسالك هنا عدم اقتضاء الرهانة ذلك.

فلو أطلقها لم يستحق المرتهن استدامة الوضع عنده، بل يتفقان هو و الراهن على من يضعانه عنده، و إن اختلفا، قطع اختلافهما الحاكم بالوضع على يد عدل و نحوه، و إن لم يثبت إجماع عليه كان للنظر فيه مجال، و إن لم يكن استدامة القبض من شرائط صحة الرهانة، أو لزومها، إلا أن ظاهر أدلة الرهن خصوصا الآية استحقاق استدامة القبض عنده، بل هو معنى الاستيثاق، إلا أن يشترط عليه وضعه على غير يده، كما أومأنا إليه في بحث القبض، بل لعل ما تقدم منهم آنفا من تضمين المرتهن دون العدل مبني على أن قبض المرتهن ليس بالوكالة عن الراهن، بل قبضه من حيث حق الرهانة، فيصح حينئذ الرجوع عليه، بخلاف العدل الذي هو وكيل قطعا، فتأمل جيدا، و على الأول فمن الواضح أن له الامتناع كما أن لورثته الامتناع من بقائه في يد المرتهن لو مات.

و حينئذ فإن اتفقا على أمين، و إلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه و كذا لو خان العدل الموضوع عنده نقله الحاكم إلى أمين غيره: إن اختلف المرتهن و المالك فطلب أحدهما نقله منه، و إلا بقي عنده، لأن الحق لهما، فإذا رضيا بإبقائه لم يكن لأحد الاعتراض عليهما، و لو كان المرتهن اثنين و لم يأذن لكل منهما بالانفراد فمات أحدهما، ضم الحاكم إلى الأخر عدلا للحفظ، إلا إذا رضي الراهن

ج 25، ص: 194

بالبقاء في يد الباقي منفردا إلى غير ذلك مما يعرف مما هنا، و ما قدمناه سابقا فلا حاجة إلى الإطناب.

و لو تلف العبد مثلا في يد المشتري ثم بان مستحقا قبل أداء الثمن أو بعده، رجع المالك على من شاء من الغاصب و العدل و المرتهن القابض و المشتري،

لعموم «على اليد»

و لكن يستقر الضمان على المشتري مع علمه، لأن التلف في يده التي هي يد ضمان، أما مع الجهل ففي القواعد «أنه يستقر الضمان على الغاصب» و هو لا يخلو من إشكال إن أراد به ما يشمل مقدار الثمن الذي قد أقدم على بذله و لم يدخل عليه ضرر بظهور كون المالك غير البائع بالنسبة إليه.

نعم هو متجه في الزائد عليه، لقاعدة الغرور، مع أنه ربما قيل بالعدم فيه أيضا، لإقدامه على كون العين مضمونة في يده، كما تقدم تحقيق ذلك و غيره في محله، فإن ما هنا أحد جزئياته، و لا خصوصية له فلاحظ و تأمل.

و لو ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن، قبل قوله في حق الراهن إذا كان وكيلا عنه في ذلك، لكن في القواعد «على إشكال» و لعله للأصل و لا ريب في ضعفه، نعم لا يقبل في حق المرتهن، لأنه وكيله في الحفظ خاصة، فلا يقبل في غيره، كما لو وكل رجلا في قضاء دين، فادعى تسليمه إلى صاحب الدين، و في القواعد «يحتمل قبوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه، لا عن غيره»، فعلى هذا لو حلف العدل سقط الضمان عنه، و لم يثبت على المرتهن أنه قبضه، و على الأول يحلف المرتهن، فيرجع على من شاء، فإن رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن، لاعترافه بالظلم، و إن رجع على الراهن لم يرجع على العدل إن كان دفعه بحضرته، أو ببينة غابت أو ماتت، لعدم التفريط في القضاء حينئذ و إلا رجع.

و في القواعد «على إشكال منشأه التفريط و كونه أمينا له اليمين عليه، إن كذبه» و فيه ما لا يخفى، فتأمل جيدا، و لو غصب المرتهن الرهن من يد العدل ثم أعاده إليه زال الضمان عنه، لأنه قد أداه إلى من يده يد المالك، و هو واضح كوضوح غيره من الفروع التي ذكرها في القواعد و أطنب فيها شراحها تبعا لها، مع أن جملة

ج 25، ص: 195

منها لا تخص المقام كما أومأنا إلى بعضها فيما تقدم و الله أعلم.

[الفصل السادس في اللواحق و فيه مقاصد]

اشارة

الفصل السادس من الفصول التي استدعاها كتاب الرهن في اللواحق و فيه مقاصد

[المقصد الأول في أحكام متعلقة بالراهن ]

الأول:

في أحكام متعلقة بالراهن: لا يجوز له أي الراهن التصرف في الرهن باستخدام و لا سكنى و لا إجارة و لا بيع و لا غير ذلك من التصرفات الناقل للعين، أو المنفعة أو المستوفي لها بلا خلاف أجده فيه. كما في الرياض، بل و لا شك فيه كما عن غاية المرام، بل في السرائر، و المفاتيح، الإجماع على أن ليس لأحدهما التصرف مستثنيا الأخير منهما ما يعود نفعه إليه، و عن الخلاف «الإجماع على أنه ليس له أن يكري داره المرهونة أو يسكنها غيره» و عن المبسوط «ليس له استخدام العبد و ركوب الدابة، و زراعة الأرض، و سكنى الدار، إن ذلك كله غير جائز عندنا، و يجوز عند المخالفين» و في المحكي عنهما معا «الإجماع على أنه لا يجوز له وطى الأمة المرهونة» و عن الجواهر «لا خلاف فيه» و في كشف الرموز «إن العمل منعقد على خلاف الرواية الدالة على الجواز» و في النافع و الدروس «متروكة» و في التنقيح و محكي إيضاح النافع «هجرها الأصحاب» إلى غير ذلك من كلمات الأصحاب الصريحة في الإجماع المزبور، و الظاهرة فيه، و المشعرة به، بل لا بأس بدعوى تحصيل الإجماع، مضافا إلى النبوي الذي استدل به غير واحد من الأصحاب بل عن إيضاح النافع «أنه مشهور النقل» بل عن صريح التنقيح أو ظاهره الاعتماد عليه (1)

«الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف»

و إلى ما يمكن استفادته من مفهوم الرهن الذي قد عرفت أنه الحبس الذي به يتم معنى الاستيثاق الذي استفاضت به النصوص، و إليه أومى في الدروس في تعليله المنع، بأن الغرض من الرهن الوثيقة، و لا وثيقة مع تسلط المالك على البيع و الوطي أو غيره من المنافع الموجبة للنقص أو الإتلاف.

كما أن إليه يرجع ما في التذكرة و المسالك من أنه لما كان الرهن وثيقة لدين


1- 1 المستدرك ج- 2 ص 496.

ج 25، ص: 196

المرتهن إما في عينه أو بدله لم يتم الوثيقة إلا بالحجر على الراهن، و قطع سلطنته ليتحرك إلى الأداء، و في الأخير «فمن ثم منع الراهن من التصرف في الرهن، سواء أزال الملك كالبيع أم المنفعة كالإجارة، أم انتقص المرهون و قلل الرغبة فيه كالتزويج، أم زاحم المرتهن في مقصوده، كالرهن لغيره، أم أوجب انتفاعا و إن لم يضر بالرهن، كالاستخدام و السكنى إلى غير ذلك من تعليلاتهم التي مرجعها إلى ما ذكرناه.

لكن و مع ذلك كله قد وسوس بعض متأخري المتأخرين في بعض أفراد التصرف، خصوصا ما تضمنه

حسن الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل رهن جارية عند قوم أ يحل له أن يطأها قال: إن الذين ارتهنوها يحيلون بينه

و بينها، قلت: أرايت إن قدر عليها خاليا قال: نعم لا أرى هذا عليه حراما»

و صحيح محمد بن مسلم (2)الذي هو مثله، و كذا مالا ضرر فيه على المرتهن من التصرف كتقبيل الجارية و الاستخدام، و ليس الثوب و مسكن الدار و ركوب الدابة و نحو ذلك إذا كان بحيث لا ضرر فيه بنقص للمرهون و نحوه.

لا يخفى عليك ما فيه، بعد ما عرفت، بل هو كأنه اجتهاد في مقابلة النص و الخبران و إن صح سندهما إلا أنك قد سمعت دعوى هجرهما و تركهما، من غير واحد من الأصحاب على وجه يلحقهما بالشاذ الذي قد أمرنا بالإعراض عنه، مضافا إلى موافقتهما للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها، بل لعل في عدم ملائمة قوله:

«إن الذين ارتهنوها» إلى آخره للسؤال عن الجواز إيماء إلى ذلك، بل يمكن حملهما على إرادة عدم الحرمة الموجبة لحد الزنا، و على غيره مما لا بأس به في نحو المقام، فالحكم حينئذ من الواضحات.

بل قد يظهر من بعض الأفاضل التأمل في جواز ما فيه نفع للرهن من التصرف كمداواة المريض، و لو بما لا خطر عليه فيه، و رعي الحيوان و تأبير النخل، و خفض الجارية، و

ختن العبد، و الفصد، و الحجامة، و نحو ذلك، و إن صرح به الفاضل،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الرهن الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الرهن الحديث- 1.

ج 25، ص: 197

و الشهيدان و غيرهم من المتأخرين، بل عن المبسوط التصريح بعدم المنع من الثلاثة الأخيرة أيضا لإطلاق دليل المنع، و دعوى حصول الإذن في ذلك خروج عن المبحث.

لكن فيه أن مقتضى الأصول الجواز، و لا يعارضها الإطلاق المزبور، بعد الشك في إرادة ذلك منه، خصوصا بعد فتوى الجماعة به، بل لعل المنساق منه غيره، بل لا ينبغي التأمل في سقي الأشجار و رعي الدواب و علفها و نحو ذلك، مما يكون سببا لحفظ المال، بل قد يشك في إرادة مطلق التصرف منه، و إن لم يتضمن انتفاعا بحيث يكون كمال الغير الذي يحرم لمسه و حمله و نحوهما.

نعم عن السرائر لا يجوز ضرب الجارية للتأديب، كما أن في القواعد و غيره منعه من قطع السلع، و لعل المراد ما لا يؤمن السلامة معه منهما، و إلا كان محلا للنظر.

بل في المحكي عن الخلاف، إذا زوج الراهن عبده المرهون أو جاريته المرهونة كان تزويجه صحيحا كالمحكي عن المبسوط إلا أنه قال: لا يسلم إلى الزوجة إلا بعد الفك، و في الدروس و هو قريب، و في المختلف بعد أن جعل المعتمد عدم الجواز، قال: لو قيل:

له العقد دون التمكين و التسليم، كان وجها.

قلت: هو كذلك لا لإطلاق قوله تعالى «وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى » إلى آخره- المتعارض بما سمعت مما هو مقيد له، ضرورة كون المراد من إطلاق الآية الأمر بالنكاح من حيث هو نكاح، لا الشامل لما تعلق به حق الغير، و منه يظهر عدم كون المعارضة من وجه بحيث يحتاج إلى مرجح، و إلا لجرى في غير النكاح من خصوص كل تصرف، و لا لأن محل الرهن غير محل التزويج، لما عرفت من المنع من الانتفاع بالرهن المستلزم للتصرف فيه- بل للشك في إرادة مثل هذا التصرف الذي لم يناف حق الرهانة بوجه، و لا فيه تصرف فعلا بالعين، و انتفاع بها، إذ الغرض عدم التسليم إلا بعد الفك.

و منه ينقدح حينئذ صحة تدبير العبد المرهون كما جزم به في المختلف، خلافا للشيخ، لأنه وصية لا تنفذ إلا بعد وفاء الدين، بل الظاهر جواز غير التدبير من الوصية لذلك، كما يشهد له في الجملة ما صرح به الفاضل و الكركي في المفلس الممنوع

ج 25، ص: 198

من التصرف في المال، إلا أنه غير ممنوع منها لذلك، اللهم إلا أن يفرق بينهما، بتعلق حق الراهن في خصوص العين المرهونة، بخلاف دين المفلس المتعلق بمقدار ما يقابله من الأعيان دون الزائد، فتنفذ الوصية حينئذ بالموصى به حال الموت، مع فرض زيادته عن الدين، بخلاف الرهن فتأمل جيدا.

بل عن الشيخ جواز إنزاء الحيوان المرهون، و الإنزاء عليه، و لكن جزم بعدمه في الدروس و هو الأولى، للإطلاق، كما أنه جزم بأنه ليس له غرس الأرض، لأنه ينقصها، بل قال: ليس له الزرع و إن لم ينقص الأرض، حسما للمادة، و هو كذلك إذ هو كسكنى الدار أو إجارتها مدة تنقضي قبل حلول الدين من غير حصول نقص في العين، ثم قال: فلو فعل قلعا عند الحاجة إلى البيع، و لو حمل السيل نوى مباحا فنبت، فليس له إلزامه بإزالته قبل حلول الدين لعدم تعديه، فلو احتيج إلى البيع قلع، إن التمسه المرتهن، و كأنه عرض بذلك إلى ما عن المبسوط «من أنه لو رهن أرضا بيضاء فسال إليها نواة و نبت أو أنبت الراهن فيها نخلا أو شجرا لم يجبر الراهن على إزالته» و في المختلف «الوجه الوجوب، لتعلق حق المرتهن بأرض بيضاء».

قلت: قد يفرق بين ما كان من فعله، و عدمه، بالنسبة إلى إلزامه، و عدمه، بل قد يتأمل في أصل جواز القطع للمرتهن، بل قد يقال: في غرس الراهن أنه يلزم بالأجرة رهنا، و إن كان الأقوى إلزامه بذلك، لاندراجه في

قوله (1)«لا حق لعرق ظالم».

و كيف كان فلو بادر الراهن إلى التصرف من غير إذن المرتهن فإن كان بانتفاع منه، أو ممن سلطه و لو بعقد لم تتعقبه إجازة لم يصح، و فعل محرما، بل في المسالك «إن قلنا أن النماء المتجدد يتبع الرهن، ثبت أجرة المثل إن كان مما له أجرة عادة و كانت رهنا، و إلا لم يلزمه شي ء عن مثله».

قلت: قد يقال بذلك على الأول أيضا، بناء على تخصيص النماء التابع في الرهنية بما يكون

يصح رهنها، كالصوف و الثمرة و الشعر و نحوها، لا مثل ذلك الذي


1- 1 المستدرك ج 3 ص 149 لكن فيه و ليس لعرق ظالم حق.

ج 25، ص: 199

هو معدوم في الحقيقة، و الأجرة عوض عن الانتفاع الذي لا يعقل ارتهانه، و الإثم على الراهن في استيفائه، لا من حيث كونه رهنا، بل لاستلزامه التصرف في العين، و إلا فلو فرض إمكان انتفاع من دون تصرف في العين، لم يبعد القول بجوازه، و في المسالك قد حكي عن الشيخ أنه أطلق لو أجره، فالأجرة له، و يمكن إرجاعه إلى ما ذكرنا، و إن كان فيه تكلف، كما أنه يمكن تأييده ب

قوله صلى الله عليه و آله (1)«له غنمه، و عليه غرمه»

، فتأمل و إن كان التصرف مجرد عقد لم يكن إثما في ذلك، لعدم النهي عن مثله في الأجنبي فضلا عنه.

نعم لو باع أو وهب مثلا وقف على إجازة المرتهن فإن حصلت حكم بصحته و إلا فلا، إذ هو إن لم يكن فضوليا فمثله في ذلك، و من هنا بنى الكركي الكلام هنا في كون الإجازة فيه كاشفة أو ناقلة عليه هناك، لكن في حواشي الشهيد على القواعد، في شرح قول الفاضل في مفروض المتن لم يكن باطلا، بل موقوفا، قال:

الفرق بين المراعاة و الموقوف، أن الأول يكون كاشفا عما هو صحيح في نفس الأمر، و

الثاني ما يتوقف عليه الحكم بالصحة، فيكون جزء سبب، و ظاهره أنه قد فهم منه الثاني هنا حيث عبر بالوقف كالمتن، فيكون حينئذ مخالفا للفضولي، بناء على الكشف فيه من هذه الحيثية.

و ربما يؤيده أن الإجازة من المرتهن الذي هو غير مالك، ليست إلا على معنى إسقاط حق الرهانة التي له فسخه، و هو غير متصور في الزمن السابق الذي تحقق فيه الحق أو مضى، فإسقاطه لا معنى له، بل مختص بالزمن الحال، فلا تكون الإجازة فيه كاشفة، و لعل الفرق بينه و بين إجازة المالك تصور رضي الثاني آن دخول ملكه في ملك غيره في الزمن السابق، بخلاف الأول.

لكن فيه- مع أنه مخالف لما يظهر منهم من أن الإجازة كإجازة الفضولي بل هو صريح جامع المقاصد، يمكن منع عدم تصور ذلك، ضرورة كون السقوط بعقد لبيع، فمع فرض إجازة المرتهن يترتب عليه أثره من حين وقوعه، و هو انتقال الملك


1- 1 المستدرك ج 2 ص 495.

ج 25، ص: 200

المقتضي لسقوط الرهانة.

و دعوى- أن إجازة المرتهن ليست للعقد، لعدم كونه مالكا، و إنما له إسقاط حق رهانته، فيؤثر العقد حينئذ أثره لارتفاع المانع و المقتضي تام الاقتضاء.

يدفعها ظهور كلمات الأصحاب بل هو صريح بعضهم كالفاضل في التحرير و ثاني الشهيدين و غيرهم، في أن للمرتهن اجازة العقد، و له فسخه، و أن الشارع قد جعل له هذه السلطنة بارتهانه، لا أن المنع من التصرف فيه شرعي بحت بحيث لا مدخلية للمرتهن في ذلك، و إنما له إسقاط حقه من الرهانة خاصة، و إلا لاقتضى ذلك عدم فسخ العقد له، ضرورة عدم السلطنة له على ذلك، و أن الشارع قد جعل الارتهان مانعا من نفوذ التصرف، فمتى ارتفع هذا لمانع بإسقاط من المرتهن أو بفك للرهن، كما ستعرف أثر المقتضي أثره، و ليس ذا من التعليق الممنوع، بل هو من قبيل اعتبار الشارع التقابض في تأثير عقد الصرف، و القبض في عقد الهبة، و القبض في المجلس في عقد السلم، مع أن كلامهم صريح في خلافه، و أن له الرد كما أن له الإجازة.

و يرشد إليه في الجملة اعتبار إذنه في الانتفاع بالرهن على وجه لا تنتقل عينه كركوب الدابة و سكنى الدار و نحوهما، مما لا يقتضي الإذن فيه إبطال الرهانة، مع أنها معتبرة، و لا يجوز التصرف بدونهما، و هو يومي إلى أن له سلطنة على ذلك لا أنها مخصوصة بإسقاط حق الرهانة، و إلا فالمنع شرعي، و إن كان لا يخلو من وجه بل ظاهرهم في حجر المفلس ذلك، بناء على صحة تصرفاته، و أنها تكون موقوفة، و إن لم يرض الغرماء بها، كما تسمعه في محله، اللهم إلا أن يفرق بين تعلق حق الرهانة و تعلق حق الغرماء بالتحجير، كما هو ظاهر الأصحاب في المقام، إلا أنه لا يخلو من بحث.

و على كل حال فظهر من ذلك كله أن إجازته تكون على حسب اجازة المالك إنما هي للعقد نفسه، فيؤثر حينئذ أثره، و ليس هذا من إسقاط حق الرهانة أو لا و بالذات في الزمن السابق، كي يقال: أنه غير متصور، بل هو من آثار العقد الذي

ج 25، ص: 201

أجازه و من مقتضياته، فلا بأس حينئذ بدعوى الكشف هنا عن بطلان الرهانة في الزمن السابق. بناء عليه في الفضولي فتأمل جيدا، فإن المسألة غير محررة في كلامهم.

نعم قد يشكل دعوى الكشف في تعقب الفك للعقد الذي لم يرده المرتهن بناء على صحة العقد و لزومه بذلك كما جزم ثاني المحققين و الشهيدين، بل هو المحكي عن فخر المحققين، و الشهيد الأول في حواشيه، و في القواعد «لو افتك الرهن ففي لزوم العقود نظر» و مقتضاه المفروغية من الصحة، و إنما الكلام في اللزوم، و يمكن أن يريدها منه، و إن كان من لوازمها هنا اللزوم كما ستعرف.

و على كل حال فوجه الأول وجود المقتضي الذي هو العقد من المالك، و إنما كان له مانع من النفوذ، و هو حق المرتهن، و قد زال، فيؤثر المقتضي أثره من غير حاجة إلى تجدد رضا من المالك، لعدم تجدد شي ء له و إنما ذهب حق الارتهان، لا أنه انتقل إليه، و منه يعلم الفرق بينه و بين ما إذا باع مال غيره فضولا، ثم ورثه أو اشتراه وكيله، الذي قالوا فيه بالبطلان،- لعدم المقتضي للصحة- حال العقد، لعدم الإجازة من المالك، و عدم كون العاقد مالكا،- أو بالتوقف على إجازة المالك الجديد، لأنها أولى من تأثير إجازة الأول أو مساوية لها، ضرورة عدم تأتي الوجهين فيما نحن فيه.

و يقرب من ذلك ما في جامع المقاصد «من بيان وضوح الفرق بينهما بأن مال الغير غير مملوك للمتصرف، فالمقتضي للصحة منتف، لانحصاره في وقت العقد بالمالك الذي لم يحصل منه إجازة، و مجرد الصيغة لا تعد مقتضيا، بخلاف ما نحن فيه فإن الملك منحصر في الراهن، و المقتضي و هو العقد الصادر من أهله في مملوك موجود غاية الأمر أن حق المرتهن مانع، فإذا انتفى عمل المقتضي عمله.

هذا كله مضافا إلى أنه لا سبيل إلى اعتبار إجازة المرتهن بعد انقطاع علاقته، و لا إلى بطلان تصرف الراهن المالك، إذ تصرفه قبل الانفكاك غير محكوم ببطلانه فكيف بعده الذي مقتضى إطلاق الأدلة و عمومها صحته، خصوصا بعد لزوم العقد من

ج 25، ص: 202

طرف الراهن، لاندراجه في عموم (1)«الوفاء بالعقود،» و لم يتجدد إلا ما يؤكد ذلك من ارتفاع المانع فيستمر حينئذ خطاب الوفاء له.

و دعوى- أن شرط الصحة في العقد الواقع حال الرهانة إذن المرتهن، و قد فاتت بفك الرهانة الذي لا وجه بعده، لمراعاتها فيتعين البطلان حينئذ لفوات الشرط بل هو أولى بذلك من بيع مال الغير فضولا ثم انتقل إلى

البائع، كدعوى أن الصحة من الفك إن كانت على الكشف، اقتضى نفوذ التصرف في الرهن- و هو رهن، ضرورة عدم سقوط الرهانة قبله، و إن كانت على النقل، اقتضى ذلك تعليق أثر العقد الظاهر في السببية حين وقوعه، هذا. مضافا إلى استصحاب حال العقد قبل الفك من عدم التأثير- يدفعها وضوح عدم دليل يدل على اشتراط إذن المرتهن في الصحة، إذ ليس في الأدلة إلا منع الراهن و المرتهن من التصرف على معنى النفوذ، لا العقد الذي ليس هو تصرفا قطعا، و إنما تثبت الصحة بإذن المرتهن باعتبار دوران الحق عليهما، فمع رضاهما تتعين الصحة، و هذا أعم من الشرطية المزبورة قطعا و منه ظهر الفرق بينه و بين المثال كما أوضحناه سابقا.

كما يدفع الثانية احتمال أن يقال: أنه لا بأس بالكشف، و التزام عدم قدح الرهانة التي يتعقبها الفك، و الفاضل في القواعد فيما لو أتلف الرهن متلف و انتقل الرهانة إلى القيمة قال: «فإن عفى الراهن فالأقرب أخذ المال في الحال: أي من الجاني لحق المرتهن، فإن انفك ظهر صحة العفو، و إلا فلا»، و لا وجه له إلا ما ذكرنا ضرورة اقتضاء ذلك نفوذ العفو فيه، و هو رهن، فلا محيص عن التزام عدم قدح الرهانة المتعقبة بالفك في تأثير السبب أثره.

و لعله إليه يرجع ما عن فخر المحققين من الاستدلال عليه- بعد كونه جمعا بين الحقين- بأنه لا مانع إلا حق المرتهن، فإذا انفك انتفى المانع، ثم بين وجه قول والده «ظهر صحة العفو» بأن الأمور العدمية لا توصف بأنها موقوفة، بل تكون


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 25، ص: 203

مراعاة، و ما يدل على صحتها كاشف، و الكاشف هو دليل على سبق العلة المؤثرة التامة و أما الموقوف عليه فهو من تمام العلة أعني علة الصحة.

لكن ضعفه في جامع المقاصد، بأنه لم يتحقق ثبوت حق للجاني إلى الآن ليجمع بينه و بين حق المرتهن، و مانعية حق المرتهن من صحة العفو تقتضي بطلانه وقت إنشائه، فكيف تنكشف بعد صحته في حال وجود المانع، إلى أن قال: العفو إما أن يكون سببا تاما، أولا، فإن كان الأول لزم إما تأثيره مع وجود المانع، أو بطلانه، و إن كان الثاني لزم كونه موقوفا.

و فيه أنه يمكن أن يريد ما ذكرنا من عدم مانعية الرهانة التي يتعقبها الفك الذي هو طريق لمعرفة كونها كذلك، و إلا فالعفو سبب تام في التأثير فتأمل جيدا فإنه لا يتم في نحو العتق و الوقف و نحوهما مما لا يمكن التزام كونه حرا مرهونا أو وقفا كذلك، مضافا إلى ما في دعوى رهنية ملك الغير في المثال السابق من دون اشتراط عليه، و الرهن السابق كان متعلقا به من حيث كونه ملكا للبائع، لا مع انتقاله عنه بالبيع كما هو واضح، و قد يدفعها أنه لا بأس بالتزام النقل تحقيقا للمانعية بل لعله الأقوى، و ليس هذا من التعليق الممنوع قطعا، ضرورة كون التعليق من العاقد، لا الشرعي كما هو واضح.

و من الغريب التمسك بالاستصحاب بعد تغير الموضوع، و خروج العين عن الرهانة إلى الطلق، فلا وجه لجعل ذلك وجه النظر في اللزوم في عبارة القواعد.

و من ذلك كله يعلم الحال في العتق الذي يتعقبه الفك، وفاقا لما عن أكثر المتأخرين من النفوذ، خلافا للشهيد في الدروس و غيره، فلا ينفذ، لأنه لا يقع معلقا، و فيه منع إن أراد به ما يشمل الشرط الشرعي الذي منه عدم المانع، مع أنه قد يدعى عدم التعليق، بناء على التقرير الذي ذكرناه سابقا، و مثله لو أعتق المحجور عليه، لسفه أو فلس فزال الحجر.

لكن في التذكرة عن الشيخ البطلان في الأخير، و جعله أقوى ثم حكى القول ببقائه موقوفا، و نفى البأس عنه، و يمكن أن يكون مختاره في المقام البطلان، لأنه

ج 25، ص: 204

هنا جعله كالحجر بالفلس، و قد سمعت أن الأقوى البطلان عنده فيه.

و في التحرير في المقام في نفوذ العتق لو فك إشكال، و احتمال أن المنع في العتق لاعتبار نية القربة فيه التي لا تقبل التعليق يدفعه بعد تسليم اعتبارها فيه منع منافاة حصولها بإيجاد سببه فيما يتوقف على ارتفاع مانع شرعي أو شرط كذلك.

و من ذلك يعلم الحال في الوقف، و إن قلنا باعتبار النية فيه، و كونه كالإيقاع في عدم الحاجة إلى القبول، اللهم إلا أن يدعى فيها مطلقا أو في خصوص العتق منها بظهور أدلتها في عدم كونها موقوفة، و لو على شرط شرعي، و لذا بنى العتق منها على التغليب، و قد يأتي إنشاء الله التعرض لتحقيق ذلك في أبوابها.

ثم إن الظاهر سقوط حق المرتهن فيما لو أذن بالمسقط ابتداء يكون بوقوعه، من حيث أنه مناف لحق الرهانة، لا بمجرد الإذن، للأصل و غيره، فله الرجوع فيها حينئذ قبل التصرف بعد علم المأذون و قبله، بل و بعد إيقاع الصيغة منه قبل الإقباض في مثل الهبة التي يتوقف الملك بها عليه.

لكن في القواعد، الإشكال فيه، و لعله لأن الإذن في المسقط يدل على الرضا بالسقوط، و لأن التصرف الناقل لا يجامع الرهن، فلا بد من الحكم بالسقوط قبله.

و فيه أن المنافي للرهن هو المقتضي للسقوط، لا الرضا به، و لا مانع من حصول السقوط بتمام سبب النقل، و إن أبيت فليقدر لتصحيحه، كما في نظائره قبله، بآن ما لا بالإذن نعم لو حصل النقل عن الراهن سقط، و لو كان له الخيار للمجلس أو غيره فسخ خياره أولا، لحصول السقوط بمجرد الانتقال، و لا دليل على عوده بالفسخ الذي هو منه حينه، كالإقالة.

و لو رجع المرتهن بإذنه قبل التصرف، إلا أنه لم يعلم الراهن بذلك إلا بعده، أمكن القول بالفساد، كما عن المبسوط الجزم به، لبطلان مقتضى الصحة في الواقع، و خروج الوكيل على ذلك لو رجع الموكل، و لما يعلم إلا بعد التصرف، لدليل مخصوص لا يقاس عليه، و دعوى ان الفرض من الوكالة واضحة الفساد.

نعم لو انعكس الفرض بأن أذن الراهن للمرتهن في البيع، و رجع كذلك أمكن

ج 25، ص: 205

القول بعدم البطلان، لانه من الوكالة كما هو واضح، و لو كان قد باع أي المرتهن بخيار مثلا ففسخه الراهن لأن له ذلك قطعا لم تعد الرهانة، للأصل السالم، لكن عن المبسوط أنه إذا اشترى المرتهن عينا من الراهن بدينه، أنه يصح و يبطل الرهن، فإن تلفت العين قبل القبض عاد الدين و الرهن، و لعله بناء على أن التلف قبل القبض فاسخ من الأصل، لا من الحين، و إلا كان عود الرهانة بعد سقوطها ببراءة ذمة الراهن محلا للنظر و إن كان لا يخلو من وجه، و أولى منه بالنظر قوله فيه أيضا «و كذا لو أقبضه ثم تقايلا عاد الدين و الرهن، كالعصير يصير خمرا ثم يعود خلا» و تعرف إنشاء الله فيما يأتي الفرق بين المقامين.

و لو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة، فالظاهر أنه إجازة، ضرورة توقف صحتها على بيع صحيح، و هو فرع رضى المرتهن، فحمل طلبه حينئذ على الوجه الصحيح المعتبر يستلزم ذلك، اللهم إلا أن يعلم غفلته عن الرهانة، فلا يدل الطلب حينئذ على الإسقاط مع إمكان دعوى كون الطلب إجازة قهرا، لا دالا على الرضا الذي تحصل به الإجازة، نحو ما سمعته في التصرف المسقط لحق الخيار.

و أما دعوى- أن الشفعة كالفسخ في إزالة الملك لا يتوقف على إسقاط حق الارتهان- واضحة الفساد، ضرورة أن الشفعة من المرتهن إزالة ملك عن المشتري بعد ثبوته و نقله إليه بخلاف الفسخ فيه الذي يرجع إلى عدم إجازة البيع، فظهر من ذلك أنه لا محيص عن القول بلزوم الطلب للإجازة، و الظاهر عدم بطلان الشفعة معه، لعدم التلازم بين الرضا باللزوم من حيث الرهانة، و بينه من حيث الشفعة، فيسقط و تصح الشفعة كما لو صرح بذلك.

لكن في القواعد «و لو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة، ففي كونه إجازة إشكال. فإن قلنا به فلا شفعة» و هو غريب، خصوصا بعد قوله متصلا بذلك «و لو أسقط حق الرهانة فله الشفعة إن قلنا بلزوم العقد» بعد الإغضاء عما في قوله إن قلنا بلزوم العقد مما لا محصل له معتد به، كما أنه لا محصل للمحكي عن ولده في توجيه العبارة، فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

ج 25، ص: 206

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال عندنا في صحة العتق من الراهن مع تعقب الإجازة من المرتهن و إن قال المصنف فيه تردد مما ذكرنا و من أن العتق لا يقع معلقا لاعتبار نية القربة فيه، أو لغير ذلك مما سمعت.

إلا أنه لا ريب في كون الوجه الجواز لما قد مر مفصلا خلافا لما عن المبسوط، و المراسم و الوسيلة، و الغنية، بل و الدروس: بناء على عدم الفرق بين ما صرح به من الفك و بين الإجازة، خصوصا مع كون المنع من بعضهم، بناء منه على عدم جواز الفضولي فيندر الخلاف حينئذ في خصوص المقام، بل يمكن كون مراد الجميع مع عدم تعقب الإجازة فلا يكون خلاف حينئذ فيه أصلا، و أما احتمال عدم الجواز فيه- و إن قلنا بالفضولي في غيره، لعدم عموم في العتق يشمل مثل ذلك، بخلاف غيره من العقود- فهو في غاية الضعف من وجوه، خصوصا في دعوى عدم العموم، فإن

«من أعتق»(1)

و نحوه كاف فيه، بل لعل العكس أولى من ذلك، فيقال بالصحة حينئذ هنا، و ان منعنا الفضولي في غيره، لكون المعتق المالك، و تعلق حق المرتهن مانع، فمتى زال بإجازة أو فك عمل المقتضي عمله، كما أوضحناه سابقا في الفك الذي لا ريب في أن الإجازة أولى منه بالصحة كما عرفت فلاحظ و تأمل.

و إليه يرجع ما في المسالك هنا حيث قال: «منشأ التردد في الصحة من كون العتق إيقاعا، فلا يكون موقوفا لاعتبار التنجز فيه، و من أن المانع حق المرتهن، و قد زال بإجازته، و هو أقوى، و نمنع منافاة التوقف المذكور للتنجز، كغيره من العقود التي يشترط فيها ذلك أيضا، فإن التوقف المذكور الممنوع هو توقف المقتضي على شرط، لا على زوال مانع» و على هذا لو لم يبطله المرتهن إلى أن افتك الرهن لزم، إذ مراده الشرط الذي يكون من العاقد لا الشرط الشرعي الذي منه عدم المانع، و منه الرضا المعلوم كونه

شرطا في العقود و التقابض في عقد الصرف و غير ذلك و الله أعلم، هذا كله في الراهن.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب العتق.

ج 25، ص: 207

و كذا لا يجوز للمرتهن التصرف في الرهن بانتفاع و نحوه، لحرمة التصرف في مال الغير، و لا يمضي تصرفه فيه بعقد و نحوه إلا بإذن الراهن، إذ هو فضولي فيجري عليه حكمه كما هو واضح، مع أنه قد تقدم شطر صالح من الكلام فيه آنفا في الفصل الخامس فلاحظ.

و لكن ينبغي أن يعلم ان في عتقه مع إجازة الراهن ترددا بل في المتن و الوجه المنع لعدم الملك ما لم يسبق الإذن وفاقا للقواعد، و محكي التحرير، و الإرشاد، و الدروس، و اللمعة، و غاية المراد، و التنقيح، و شرح الإرشاد للفخر، و الروضة، و المسالك، بل في الأخير «إن كثيرا من الأصحاب لم يتوقف في الحكم، لان المرتهن غير مالك، و لا عتق إلا في ملك، فيكون كالفضولي لا يصحح عتقه الإجازة» بل عن سابقه أن العتق يقع باطلا قطعا ما لم تسبق الإذن، إذ لا عتق إلا في ملك، بل عن سابقهما قد اتفق الكل على إضمار الصحة في

قوله عليه السلام «لا عتق إلا في ملك».

قلت: لعله كذلك فيما إذا كان العتق من المرتهن، للخبر المزبور الذي لا يشكل بأن مقتضاه البطلان، و إن سبق الإذن، ضرورة عدم حصول الملك للمرتهن معها، لاندفاعه بما يأتي إنشاء الله في باب العتق من أن المأذون و المأمور بعتق عبده عن غيره يصح عتقه، و ينتقل إلى ملك الآمر و المأذون له قبل إيقاع الصيغة آنا ما، و التزام نحوه في الاذن اللاحقة- على معنى حصول الكشف بها عن دخوله في ملكه آنا ما قبل العتق، كما لو وهبه من نفسه فضولا ثم أعتقه فأجاز المالك الهبة فإنه ينكشف حينئذ وقوع العتق في الملك- غير جائز بدون دليل عليه ضرورة مخالفة مثل ذلك للضوابط الشرعية التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، و ليس في غير الإذن السابقة و لو بمعونة كلام الأصحاب.

أما إذا كان العتق عن الراهن أو مطلقا، فالمتجه- بناء على الفضولي و أنه على القاعدة- الجواز حتى على القول باعتبار نية القربة فيه، بناء على شمول دليل الفضولي لمثل ذلك، كدفع الزكاة و الخمس و نحوهما عن الغير، فيجيز من عليه الحق، إلا

ج 25، ص: 208

أن الانصاف عدم خلو جميع ذلك كله من الإشكال، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب.

نعم لو سبق اذن الراهن للمرتهن في العتق مطلقا أو عن الراهن، لم يكن إشكال في الصحة» لأن المرتهن حينئذ وكيل عن المالك، بل في المسالك «لو حملت عبارة المتن على ذلك كان أولى، و استرحنا من ذلك الإشكال المتوقف زواله على أمور خفية».

قلت: لكن مقتضاه حينئذ ما استوجه المصنف فيه المنع من عتق المرتهن عن الراهن مع الإجازة. و قد عرفت ما فيه من الإشكال، مضافا إلى عدم انطباق التعليل، و أن الأقوى الجواز فيه، بناء على شمول دليل الفضولي لمثل ذلك، و ان قلنا باعتبار نية القربة التي يكفي في إيجادها مشروعية الفضولي، مثل التوكيل و التبرع.

و مرجع الجميع إما إلى مشروعية إيجاد صورة الفعل العبادي عن الغير- على وجه يسقط التكليف عنه، لا أن المراد توجه أمر إلى الفاعل النائب بقصد امتثاله، كما في الأصل، ضرورة عدمه في الوكيل مثلا فضلا عن غيره، حتى الإجارة التي يؤمر بأدائها بعد تمام العقد من حيث كونه وفاء بالعقد لا أمر عبادة- أو إلى أن الغير مأمور بإيقاع الصلاة عن الغير و لو ندبا، على نحو أمر الولد بالقضاء عن والده، فتكون نية القربة فيه حينئذ باعتبار كونه مأمورا بذلك، بل هو معنى المشروعية تبرعا، أو وكالة.

و جواز أخذ الأجرة عليه- مع أنه عبادة محضة للأجير كالنافلة- للدليل الوارد في الحج و غيره، و لعله باعتبار تضمنه وصول منفعة للغير خصوصا إسقاط ما في ذمته و كان هذا أقوى من الأول سيما بعد معلومية كون صلاة النيابة صنفا من العبادة بل هي نوع مقابل للعبادة الأصلية نعم قد يفرق بين التوكيل و غيره و الله اعلم و الكلام في الوقف يعرف مما قدمناه سابقا و ذكرناه لا حقا فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لو وطئ الراهن بإذن أو بدونها فأحبلها، صارت أم ولده شرعا بلا خلاف بل في التذكرة نسبه إلى مذهبنا مشعرا بالإجماع عليه، و لا ينافي ذلك ما تسمعه من جواز بيعها عند جماعة من الأصحاب، لعدم انحصار حكمها في عدم جواز البيع، إذ قد لاتباع فتعتق من نصيب ولدها مثلا.

ج 25، ص: 209

و كذا لا خلاف في أنه لا يبطل الرهن المستصحب بذلك، و إن كان بإذن بل في المسالك لا شبهة فيه، بل ظاهر قوله في التذكرة- عندنا- الإجماع عليه، و علله في جامع المقاصد بان الرهن بعد تمامه و لزومه، إنما يبطل بمنافيه، و الإحبال و إن وقع بالإذن غير مناف و إن صارت أم ولد، إذ لا يمتنع بيعها إذا تعلق بها حق المرتهن سابقا على الاستيلاد، إما مطلقا أو مع الإعسار، و مع الإيسار يجب بذل القيمة، لتكون رهنا، و ذلك أثر بقاء الرهانة لا محالة، فلا منافاة حينئذ»، بل في المسالك:

«لا تخرج به عنه و إن منعنا من بيعها، لإمكان موت الولد، فإنه مانع، فإذا زال عمل السبب السابق عمله».

قلت: قد يقال: بالبطلان إن لم ينعقد إجماع على خلافه، بناء على منع البيع مطلقا أو مع اليسار، لما عرفت سابقا من أنه يشترط في صحة الرهن كونه مما يباع حتى يتم الاستيثاق به، بدعوى ظهور كون ذلك شرطا في الابتداء و الاستدامة، كما هو الأصل في الشرائط، خصوصا في المقام الذي هذا الشرط فيه كأنه من مقومات الرهانة، و بذل القيمة على القول بالمنع مع اليسار إنما هو لبطلان الرهانة في العين لا لبقائها فيها، حتى تكون ذلك من آثارها.

و من هنا أورد في جامع المقاصد على هذا القائل بأن الرهانة إن بقيت فهي متعلقة بالعين، و إلا فلا تعلق لها بالقيمة، و إن كان قد يدفع بالتزام الثاني، و التعلق بالقيمة لكونه السبب في إتلاف الرهن، حتى لو أذن له بالوطي الذي لم يستلزم الإحبال، فالإذن فيه ليس إذنا بالإتلاف، حتى يتوجه إليه عدم استحقاق القيمة رهنا باذنه، و لعل هذا القائل كسابقه يلتزم عدم عودها رهنا بموت الولد، أو انكشاف عدم بطلان رهانتها الذي حكم به ظاهرا لاستصحاب بقاء الولد أو غيره.

و كيف كان ف هل تباع؟ قيل: لا ما دام الولد حيا ترجيحا لدليل منع بيع أمهات الأولاد الظاهر في قوة الاستيلاد، بحيث يضاهي العتق، بل ربما كان أقوى، لأنه ينفذ فيما لا ينفذ هو فيه، كاستيلاد المجنون و المحجور عليه، و لأن استيلاد المريض يكون من الأصل، بخلاف عتقه، بناء على أن منجزاته من الثلث،

ج 25، ص: 210

لكن لم نعرف القائل به قبل المصنف، بل و لا بعده، غير الفاضل في التحرير، و ثاني الشهيدين، في ظاهر الروضة. نعم عن الشهيد في غاية المراد حكايته عن المبسوط، و في جامع المقاصد «الظاهر أنه وهم» و حكي عنه الجواز مطلقا.

و قيل و القائل الشيخ كما عرفت و الحلي، و الفاضل، في المختلف، و الكركي و الشهيدان في اللمعة، و المسالك : نعم يجوز مطلقا للأصل و لأن حق المرتهن أسبق و لأولوية أو مساواة بيعها في الدين المتعلق بها، للبيع في ثمن رقبتها، و بذلك كله و غيره يرجح دليل بيع الرهن على دليل منع بيع أمهات الأولاد، و لو سلم التعارض مع عدم الترجيح فالأصل جواز البيع، و قيل و القائل الشيخ في الخلاف و ابن زهرة، و الفاضل في التذكرة، و الشهيد في الحواشي، على ما حكي عنهم: تباع مع إعسار الراهن و تبذل قيمتها رهنا، جمعا بين الحقين مع يساره، بل في الغنية الإجماع عليه، و كان وجهه بعد كونه جمعا بين الدليلين مساواته في الأول لثمن رقبتها، بخلاف الثاني، لكن في السرائر أنه مخالف لأصول المذهب.

و قيل: و القائل الشهيد في بعض حواشيه: يجوز بيعها مع وطئه بغير اذنه، و لا يجوز مع الوطي بالاذن، و مال إليه بعض مشايخنا، لموافقته للأصول و الاعتبار إن لم يكن خرقا للإجماع و لا ريب أن الثاني لا الأول و لا الأخيرين أشبه بأصول المذهب، خصوصا إذا كان الوطي بغير الإذن، لما عرفت من ترجيح دليل الرهن بما سمعت، الذي منه الشهرة، بل قد عرفت أن الأصل يقتضي الجواز بعد الإغضاء عن الترجيح.

و خصوصا بعد اعتراف المصنف بل الجميع بأنه لو وطئها الراهن بإذن المرتهن لم تخرج عن الرهن بالوطء كالإذن في غيره من الانتفاعات التي لا تستلزم بطلان الرهانة في العين، و إن أذن له في نقلها إلى غيره بعقد، فضلا عن استيفائها بنفسه، أو بغيره، بل قد عرفت جزم الأصحاب بعدم خروجها بذلك عنه، و ان ترتب عليه الإحبال، حتى على القول بعدم جواز البيع، هذا.

و في الدروس في تحرير أصل المسألة: قال: «و في بيعها أو وجوب إقامة بدلها

ج 25، ص: 211

تردد، من سبق حق المرتهن، و عموم النهي عن بيعها، فيقام بدلها أو يتوقع قضاء الدين أو موت ولدها، و لو كانت مرهونة في ثمن رقبتها، فبيعها أوجه».

و فيه أنه لا إشكال فيه مع الإعسار، و مع اليسار من المسألة، كما أن القائل بعدم جواز بيعها لا يوجب إقامة بدلها، بل ليس له إلا توقع قضاء الدين أو موت الولد، بناء على أنها باقية رهنا كما عرفت. و الأمر سهل.

و على كل حال فلأحد على المالك، و إن كان بغير إذن، و إنما يعزر، و ولده حر، و لا يغرم قيمته رهنا، و إن قلنا بتبعية النماء، كما أنه ليس عليه عوض الوطي كذلك. نعم لا يبعد وجوب أرش البكارة عليه رهنا إذا كان بغير إذن، لأنه عوض جزء أتلفه و كذا تفاوت قيمتها لو كان بالوطي و الإحبال أو الولادة، بل لو ماتت بالطلق وجب بذل قيمتها رهنا، كما في القواعد، و غيرها، و كذا لو وطئ أمة غيره لشبهة، فضلا عن غيرها، فماتت بالطلق بخلاف زوجته المأذون في وطئها و المزني بها، الحرة المختارة التي لا تدخل تحت اليد بالاستيلاد الذي هو إثبات يد في الأمة.

و أما المكرهة الحرة ففي جامع المقاصد «يضمنها لو ماتت بالطلق، كما صرح به في التذكرة، لأنه أحدث سبب هلاكها فيها على كره، فيضمن ديتها التي تجب على العاقلة» و فيه ما لا يخفى، بل لا يخلو السابق أيضا من نظر، و الأقوى القيمة عند التلف لا الإحبال، و لا الأعلى منه إلى يوم التلف هذا كله في وطى الراهن.

أما المرتهن فكا لأجنبي في الأحكام المتقدمة في بيع الحيوان، لكن عن الشيخ في المبسوط هنا إذا وطئها بإذن الراهن فإن لم يدع الجهالة بتحريم ذلك فهو زنا، و الخلاف «إذا وطئ الجارية المرهونة بإذن الراهن مع العلم بتحريم ذلك لم يجب عليه المهر» و مثله عن الغنية نافيا للخلاف فيه، و الظاهر إرادتهم عدم الإكتفاء بمطلق الإذن بل لا بد من عقد التحليل، إلا أنه لا وجه لنفي المهر عنه، و حكي عنه في الدروس أنه قال لو أذن له الراهن فلا مهر عليه، و لا قيمة للولد، ثم قال: و هو بعيد إلا أن يحمل على التحليل، لكن كلام الشيخ ينفيه، و هو كذلك كما سمعت، بل

ج 25، ص: 212

المتجه على ما سمعت من كلامه كون الولد رقا رهنا، بناء على التبعية، لا أنه يبذل قيمته رهنا أيضا، و من الغريب ما يحكى عنهما أيضا و عن التحرير من أنها تصير أم ولد له، لو اشتراها بعد ذلك، مع أن الظاهر من الأدلة اعتبار التولد من وطى المالك في ذلك.

و كيف كان ف لو أذن المرتهن له أي الراهن في بيع الرهن جارية كان أو غيرها قبل حلول أجل الدين فباع بطل الرهن فيه بلا خلاف و لا إشكال و لا يجب جعل الثمن رهنا إذا لم يشترطه بلا خلاف أيضا بيننا إلا ما تسمعه من الشيخ في بعض أفراده للأصل السالم عن المعارض بعد بطلان الرهانة في المبيع بالإذن التي تعقبها البيع، اللهم إلا أن يدعى كون المراد الإذن في بيعه مرهونا على معنى كون الثمن مقابلا له في الملك و حق الرهانة، فتنتقل الرهانة حينئذ إلى الثمن قهرا، لكن ظاهر الأصحاب في المقام سقوط حق الرهانة، لعدم تعقل بقائها في المبيع حتى تقابل بالثمن، و أنه فرق بين البيع و التلف، و عليه و إن كان فيه نوع تأمل، يتجه حينئذ لهم ما سمعت.

و منه يعلم ان السقوط بالبيع، لا بالأذن فيه، فله حينئذ الرجوع بها قبل البيع لعدم بطلان حقه بذلك، و لو ادعى بالرجوع حلف الراهن إن ادعى علمه، و لو صدقه على الرجوع و ادعى كونه بعد البيع، و قال المرتهن: قبله، فإن اتفقا على تعيين وقت أحدهما و اختلفا في الآخر حلف مدعي التأخير عن ذلك الوقت لأنه منكر بناء على أصالة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه، و إن أطلقا الدعوى أو عينا وقتا واحدا حلف المرتهن، لتكافؤ الدعويين، فيتساقطان، و يبقى استصحاب الرهن سليما عن المعارض فتأمل جيدا.

أما إذا كان البيع المأذون فيه بعد حلول الحق أو كان الحق حالا من أصله فمقتضى إطلاق المصنف و غيره كونه كالأول، بل في المسالك أنه المشهور لما عرفت، لكن عن المبسوط لو أذن له في البيع بعد محل الحق فباع صح البيع، و كان ثمنه مكانه حتى يقضي منه، أو من غيره، و اختاره في التحرير، بل و الدروس معللا له بأنه

ج 25، ص: 213

قضية عقد الرهن.

لكنه كما ترى، كدعوى انصراف الإذن في هذا الحال إلى اشتراط كونه رهنا باعتبار كونه محل البيع، بخلاف ما قبل الأجل بعد الإغضاء عن لزوم مثل هذا الشرط لو صرح به في الإجازة، أو الأذن السابقة، و إن كان لا خلاف فيه على الظاهر بيننا، بل في التذكرة صح عندنا مشعرا بالإجماع عليه، كقوله في المسالك قطعا محتجين عليه

بعموم «المؤمنون»

و في الدروس «أنه قريب من نقل الوثيقة إلى عين اخرى».

لكن قد يقال: إنه ليس في ضمن عقد حتى يلزم بلزومه، و نقل الوثيقة إنما يكون بفسخ من المرتهن للأولى، و إيجاب للرهن في الثانية، على أن ظاهره في الدروس سابقا اختصاص النقل بالذي يخاف فساده «قال: لو اتفق المتراهنان على نقل الرهن عند الخوف من الفساد إلى عين أخرى احتمل الجواز لأن الحق لا يعدوهما و يجري مجرى بيعه، و جعل ثمنه رهنا، و يحتمل المنع، لأن النقل لا يشعر بفسخ الأول، و يمتنع البدل مع بقاء الأول، فإن قلنا بجواز النقل هنا، فهل يجوز في رهن قائم لم يعرض له نقص، وجهان قريبان و أولى بالمنع، لأن المعرض للفساد يجب بيعه، فهو في حكم الفائت، و نقل الحق إلى بدل الفائت معهود، و لا فوات هنا».

و هو كما ترى ظاهره الميل إلى العدم في غير ما يخاف فساده، فقرب الشرط منه غير مجد في صحته و لزومه، على أن المتجه بناء على عدم مشروعية نتائج العقود بالشرائط اعتبار رهانة جديدة للثمن، و ظاهرهم خلافه، و الإكتفاء بصيرورته رهنا بذلك، و لعله مبني على ما ستسمعه إنشاء الله.

و على كل حال فالحكم بلزوم الشرط هنا لا يخلو من إشكال، اللهم إلا أن يقال إن الشرط في الإذن في العقد كالشرط في العقد في اللزوم، بل قد ينحل هذا الشرط إلى كونه شرطا على البائع في الإيجاب المعتبر رهناهما معا في صحته، و منه حينئذ يعلم اللزوم لو اشترط تعجيل الحق في الإذن كما صرح به غير واحد، بل

ج 25، ص: 214

لا أجد فيه خلافا إلا من الشيخ، فلم يسقط الأجل بهذا الشرط، بل ظاهر الدروس حكاية كون الثمن رهنا عنده في هذا الفرض، و فيه مالا يخفى، و لو اختلفا في اشتراط رهن الثمن ففي الدروس و جامع المقاصد، حلف الراهن، و لو اختلفا في النية لم يلتفت إلى المرتهن، لأن الاعتبار بما دل عليه اللفظ.

نعم قد يناقش في الأول بأن القول قول المرتهن في أصل الإذن، فكذا صفتها كما عن التذكرة الجزم به في خصوص الفرض، بل عن المبسوط لو قال: أذنت بشرط أن تعطيني حقي، فقال الراهن: بل مطلقا، فالقول قول المرتهن، لأن القول قوله في أصل الإذن، فكذا في صفته، و أجمل الفاضل في القواعد فقال: «حلف المنكر» من غير بيان أنه الراهن أو المرتهن، و لعل التحقيق اختلاف التعبير في الدعوى، و الأمر سهل و الله أعلم، هذا كله في إذن المرتهن للراهن.

و أما لو انعكس الفرض بأن أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل ففي المتن و غيره بل لم يعرف نقل الخلاف فيه فضلا عن وقوعه لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن على معنى كونه رهنا عنده عوض المبيع، كما صرح به في الروضة، بل ربما قيل أنه لا خلاف فيه سوى ما حكاه في الجامع، بلفظ القيل من أنه لا يكون رهنا.

لكن في الرياض سوى بين إذن الراهن و المرتهن في بطلان الرهن، و عدم جعل الثمن رهنا، قال: «و لو باع المرتهن الرهن بدون إذن الراهن، وقف على الإجازة، و صح بعدها على الأشهر الأقوى من جواز الفضولي، و بطل الرهن، كما لو أذن ابتداء أو باع هو بإذن المرتهن مطلقا، لزوال متعلقة، و لا يجب جعل الثمن رهنا إلا مع اشتراطه».

بل ربما ظهر منه الميل إلى عدم صيرورة القيمة في التلف رهنا، لأنه قال متصلا بالكلام السابق: «قيل أما إذا أتلفه متلف إتلافا يقتضي العوض، كان العوض رهنا، لإمكان الاستيثاق به، و عدم خروجه عن العوض، لكنه تبطل وكالة المرتهن في الحفظ و البيع إن كانت، لاختلاف الأغراض في ذلك باختلاف الأموال» انتهى

ج 25، ص: 215

و في الفرق و تعليل قيام العوض مقام المتلف رهنا نظر، يظهر وجهه لمن تدبر.

قلت: قد عرفت اتفاق الأصحاب ظاهرا على كون الثمن رهنا في صورة إذن الراهن، إلا ما حكاه في الجامع بلفظ القيل و لا ريب في ضعفه، و إن كان وجهه ما سمعت سابقا من اقتضاء البيع بطلان الرهانة السابقة، لعدم تعقل بقائها في المبيع، بل و في ثمنه إلا مع الشرط، و ليس هنا، إذ الفرص عدم وقوع غير الإذن من الراهن للمرتهن في البيع و هو أعم من ذلك فيكون إذن الراهن كإذن المرتهن في ذلك بعد فرض استناد البطلان إلى البيع المنافي للرهانة في المبيع، و ليس ما يقتضي رهن غيره من شرط و نحوه، و هو مشترك بينهما.

لكن فيه أولا: أنه يتم بناء على أن الثمن للمبيع كعوض التالف تتعلق به الرهانة من حيث كونه عوض مرهون، إذ من الواضح حينئذ تمامية ما ذكره الأصحاب نعم هنا مقتضى ذلك كونه رهنا أيضا في إذن المرتهن للراهن، لا العكس خاصة، و هم لا يقولون به إذا لم يشترط، اللهم إلا أن يدعى ظهور الإذن منه في الإسقاط بالبيع مطلقا، أو في خصوص البيع قبل الأجل، باعتبار عدم اقتضاء الرهن بيعه حينئذ و الشرط إنما هو لرفع الظهور المستفاد من الإذن، و إبقاء رهنية الثمن على حسب اقتضاء تعلق الحق بالعين، أو بما يقوم مقامها، بخلاف المقام الذي لم يحصل منه إذن في البيع، إذ الإذن من الراهن، و إنما حصل منه البيع، و هو لا يقتضي إسقاط حقه من الرهانة و ربما يؤيده عدم ذكرهم اعتبار القبض في رهنية الثمن المشترط، فضلا عن تجديد الإرهان.

و ثانيا أنه لو قلنا باقتضاء البيع سقوط الرهانة في المبيع على وجه لا يقتضي رهانة الثمن، إلا باتفاق جديد منهما، لكن قد يقال: بظهور كون البائع المرتهن، و ان الإذن من الراهن له من حيث حق رهانته، لا أنها وكالة كوكالة الأجنبي في إرادة بقاء حق الارتهان الذي لا موضوع له بعد البيع، إلا في الثمن فهو كاتفاقهما على ذلك بل مبني العقد ظاهرا عليه حتى يصرح بخلافه، و هذا واضح بأدنى تأمل.

ج 25، ص: 216

و من ذلك كله يظهر لك ما في الرياض من النظر من وجوه، بل و ما في الحدائق فإنه قال: فيما لو أذن الراهن للمرتهن هل يكون الثمن رهنا فلا يجوز للراهن طلبه أم لا، إشكال، و لم يحضرني الآن تصريح أحد منهم بالحكم المذكور، و يمكن ترجيح العدم، لأن حق المرتهن إنما تعلق بالعين، فلا يتعدى إلى الثمن إلا بدليل، و ليس فليس إذ قد عرفت التصريح بذلك، و أنه المراد من قولهم لا يجوز التصرف فيه إلا بعد الحلول بعد التأمل، و قد عرفت الوجه في ذلك أيضا، فكلامه أيضا لا يخلو من نظر من وجوه.

كما أن قول المصنف إلا بعد حلوله لا يخلو من نظر أيضا، ضرورة اقتضائه جواز التصرف في الثمن بعد الحلول، و هو واضح البطلان، إذ ليس الثمن إلا رهنا، فيجري فيه ما يجري في الرهن من عدم جواز التصرف فيه بعد الحلول إلا بإذن الراهن أو الحاكم أو المرتهن على التفصيل الذي ستسمعه.

بل و كذا قوله كغيره من الأصحاب و لو كان أي الإذن بالبيع بعد حلوله صح التصرف فيه، لا يخلو من نظر إذا لم تقترن بما يدل على الإذن في الاستيفاء منه، و لو بمعاوضة جديدة، أو قبض كذلك، كمطالبة من المرتهن و نحوها، ضرورة عدم اقتضاء الإذن في البيع ذلك، و من هنا شرط بعضهم جواز التصرف المزبور بالإذن فيه و في الاستيفاء و هو جيد. بخلاف ما في المسالك من تنزيل العبارة على مساواة الثمن للحق جنسا و وصفا، إذ هو مع عدم إشعار في عبارة المصنف و غيرها به غير تام، إذ التساوي لا يقتضي الإذن في الاستيفاء، و التقاص القهري في نحوه إنما هو في خصوص ما في الذمم، لا في الرهن المساوي للحق كما هو واضح.

نعم لو فرض أن المرتهن قد اشتراه بإذن من الراهن في الذمة بمساوئ حقه جنسا و وصفا، أمكن حينئذ دعوى التهاتر القهري، و تنزيل العبارة عليه كما ترى، و أضعف منه الاحتجاج لإطلاقها بما دل على المقاصة من خبر المروزي المتقدم سابقا

ج 25، ص: 217

في خوف جحود الوارث، و غيره الذي لا فرق فيه بين مجانس الحق و مخالفه، ضرورة عدم جواز المقاصة قبل حصول شروطها من الامتناع و غيره، كما هو واضح، فالتحقيق مراعاة الضوابط إن لم يقم إجماع على خلافها في المقام، و دونه خرط القتاد و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا حل الأجل و أراد المرتهن حقه طالب الراهن بالوفاء، و لو ببيع الرهن أو التوكيل في بيعه، و في الدروس ليس للمرتهن تكليف الراهن بأداء الحق من غير الرهن، و إن قدر عليه الراهن، و لعله لتعلق حقه في العين برضاه، و لا ينافي ذلك شغل ذمة الراهن. كما لا ينافيه عدم جواز البيع له، لو بذل له الراهن الدين.

و لو تعذر الأداء المزبور لامتناع من الراهن مثلا كان للمرتهن البيع و الاستيفاء إن كان وكيلا بل له ذلك من غير مراجعة له مع إطلاق وكالته و إلا يكن وكيلا و لم يتمكن من إجباره رفع أمره إلى الحاكم إذا كانت له بينة يثبت بها حقه ليلزمه البيع بالقول أو الفعل بضرب، أو حبس، أو نحوهما مما يتوقف تحصيل الحق عليه إلى منتهى مراتب ذلك، و ليس للمرتهن البيع قبل رفع أمره إلى الحاكم بلا خلاف أجده فيه، للأصل و غيره بعد عدم انحصار حقه في ذلك، و بعد نصب الحاكم لقطع الخصومات و إعانة المظلومين، فإن امتنع على الحاكم إلزامه- و لو لعدم بسط يده- باعه عليه بنفسه، أو بوكيله و لو المرتهن إذا كان جامعا لشرائط الوكالة في مثله، و ليس للمرتهن هنا أيضا البيع بدون ذلك، لتمكنه من الولي الشرعي له الذي هو قائم مقامه فلا تسقط حرمة ماله حينئذ، إذ هو كالتمكن من المالك، و الاستيثاق لا يقتضي مباشرة الاستيفاء ف لا ينافي كون كيفيته ما ذكرنا كي يعارض ما دل على عدم جواز التصرف في مال الغير إلا بإذنه، أو إذن وليه لكن في المتن و غيره أنه إن امتنع (11) أي الراهن بعد إلزام الحاكم له كان له حبسه و له أن يبيع عليه (12) و مقتضاه التخيير بين الأمرين، و أن ولاية الحاكم تثبت في أول مراتب الامتناع عليه و هو لا يخلو من إشكال، خصوصا بعد

ج 25، ص: 218

مراعاة الاقتصار في ولاية الحاكم على المتيقن الذي هو حال انتهاء مراتب الإجبار على الحق.

بل ربما كان

في خبر سماعة(1)عن الصادق عليه السلام ظهور في خلافه في الجملة، «قال:

كان أمير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل إذا كان التوى على غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بالحصص، فإن أبى باعه فقسمه فيهم، يعنى ماله»

فتأمل و الأمر في ذلك سهل، كسهولة اختلاف عبارة الأصحاب في المقام بالنسبة إلى الإطلاق و التقييد المبني على ظهور الحال في هذا الحكم، لا على الاختلاف في المسألة، و التفصيل ما ذكرنا.

و ليس في نصوص المقام ما ينافيه، سوى

ما في موثق إسحاق بن عمار من جواز البيع من دون مراجعة الحاكم، قال (2)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون عنده الرهن فلا يدري لمن هو من الناس فقال: لا أحب

أن يبيعه حتى يجي ء صاحبه قلت: لا يدرى لمن هو من الناس فقال: فيه فضل أو نقصان، فقلت: إن كان فيه فضل أو نقصان فقال: إن كان فيه نقصان فهو أهون يبيعه فيؤمر فيما نقص من ماله، و إن كان فيه فضل فهو أشدهما عليه، يبيعه و يمسك فضله، حتى يجي ء صاحبه».

إلا أني لم أجد عاملا به، عدا ما يحكى عن ظاهر أبي الصلاح حيث أطلق جواز البيع مع عدم التمكن من استيذان الراهن، و أنه ليس له إلا مقدار قيمته لو نقصت عن الحق مع البيع بغير الإذن، و لعله لهذا الخبر الذي يمكن حمله على ما إذا لم يكن إثبات حقه و رهانته عند الحاكم، أو على تعذر الحاكم، أو على إرادة بيان مطلق البيع الذي يجامع الاستيذان من الحاكم مع التمكن، أو على غير ذلك.

كما انه ينبغي حمل

موثق عبيد بن زرارة(3)- «عن الصادق عليه السلام في رجل رهن رهنا إلى غير وقت موقت، ثم غاب هل له وقت يباع فيه رهنه، قال: لا حتى يجي ء»

- على الكراهية أو على الغيبة التي لا ضرر على الديان بانتظارها، لقربها و توقع مجي ء الراهن، أو غير ذلك مما يحمل عليه

موثق ابن بكير(4)- «سألت أبا عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب 6- من أبواب الحجر الحديث 1 لكن عن عمار.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 4- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 3

ج 25، ص: 219

عن رجل رهن رهنا ثم انطلق، فلا يقدر عليه أ يباع الرهن قال: لا حتى يجي ء صاحبه»

أو يطرحا، لإعراض الأصحاب عن إطلاقهما.

و أما

خبر إبراهيم بن عثمان (1)«قلت للصادق عليه السلام: رجل لي عليه دراهم، و كانت داره رهنا، فأردت أن أبيعها فقال: أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه»

فلا ريب في إرادة الكراهة لبيع الدار منه، كما أن المراد من بيعه على حسب حال بيع الرهن من الرجوع إلى الراهن أولا، ثم إلى الحاكم مع التمكن على التفصيل المتقدم، لا أن المراد تولي بيعه بنفسه من أول الأمر الذي يمكن دعوى إجماع الأصحاب على خلافه، بل المفهوم في خبر المروزي المتقدم في مسألة خوف جحود الوارث ظاهر في نفيه أيضا، فضلا عن الموثقين السابقين.

ثم إن ظاهر الأصحاب هنا عدم اعتبار قيام العدول مقام الحاكم مع تعذره، نعم في جامع المقاصد لو لم يكن الحاكم موجودا باع بنفسه، و لو أشهد شاهدي عدل كان أولى، و هو مع ظهوره في عدم الوجوب لم يعتبر إذنهما في البيع للولاية كما أن الظاهر عدم إرادة من أنهى الأمر إلى الحاكم من غير تعرض للحكم، إذا لم يكن موجودا تعطيل المال لو فرض تعذر الوصول إليه؛ إذ الظاهر عدم التوقف في

مباشرة المرتهن حينئذ للبيع، و استيفاء حقه كما هو مقتضى ما دل على المقاصة، للموثق المزبور المعتضد بنفي الضرر و الحرج.

بل أطلق في التذكرة «أنه إذا لم يكن له بينة أو لم يكن في البلد حاكم فله بيعه بنفسه، كما أن من ظفر بغير جنس حقه من مال المديون و هو جاحد، و لا بينة له يبيعه، و يأخذ حقه» و إن كان الظاهر إرادته بحيث يشق الوصول إليه، لا مطلق عدم كونه في البلد، كما أن الظاهر إرادة من ألحق غيبة الراهن بالامتناع، الغيبة التي يتضرر المرتهن بانتظار مجيئه منها، لا مطلق الغيبة و إن قصر زمانها، بل ربما كانت أقصر زمانا من استيذانه و هو في البلد في بعض الأحوال.

نعم قد يظهر من كلمات الأصحاب في المقام عدم اعتبار إذن الحاكم إذا لم


1- 1 الوسائل- الباب- 11 من أبواب الدين- الحديث- 4.

ج 25، ص: 220

يكن للمرتهن بينة، و إن تمكن من استيذانه على وجه العموم، بحيث يندرج الرهن المخصوص فيه في الواقع من دون تعرض له بخصوصه، إلا أن الاعتبار مراعاة لإذن الولي لا يخلو من قوة، كما أنه قد يظهر منها و من الموثق المزبور بيع تمام الرهن، و إن و في بعضه بالحق، فيبقى الباقي حينئذ أمانة و هو جيد إذا توقف الحق عليه أو حصل ضرر بالتبعيض على المالك، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه مراعاة حق الراهن بالاقتصار على بيع مقدار الحق و إبقاء عين المال أمانة.

و لو أراد الراهن بيعه للوفاء فلم يأذن المرتهن كان للحاكم إلزام المرتهن بالإذن فإن امتنع تولى أمره الحاكم، و إليه أشار في التذكرة فقال: «و إنما يبيع الرهن الراهن أو وكيله بإذن المرتهن، فلو لم يأذن و أراد الراهن بيعه قال له الحاكم:

ائذن في بيعه، و خذ حقك من ثمنه، أو أبرأه، و لو قال الراهن للمرتهن بعه لنفسك لم يصح البيع، لأن غير المالك لا يبيع لنفسه، خلافا للشافعي في أحد الوجهين، بل يقول بعه لي أو بعه مطلقا على الأقوى حملا على الصحيح خلافا للشافعي في أحد وجهه أيضا فمنعه.

و قد عرفت فيما تقدم أنه لا بد من الإذن في الاستيفاء، فإن قال: استوفه لنفسك صح، كما في التذكرة، و على الأقوى في الدروس و فيهما معا أنه يحدث فعلا جديدا من كيل أو وزن أو نقل، لدلالة اللفظ عليه. نعم احتمل في ثانيهما الإكتفاء بدوام اليد، كقبض الرهن أو الهبة من المودع و الغاصب و المستعير، و لا ريب في قوته لأن استدامة القبض كالقبض الجديد كما أومأنا إليه سابقا، و كذا الكلام لو قال اقبضه لي ثم لنفسك، أو أمسكه لنفسك.

و دعوى ظهور قوله ثم استوف لنفسك في احداث فعل فعى وجه لا يشمل تجدد اليد واضحة المنع، أما لو قال بعه لي و استوف لنفسك، أو أقبضه أو أمسكه كذلك، فقد يشكل صحته فيما لو كان الثمن في الذمة، بعدم تعينه للمديون بغير قبض منه أو ممن يقوم مقامه مع عدم الحوالة، لكن في الدروس: الأقرب الجواز، و إن لم يقبضه للراهن، و إن كان مكيلا، أو موزونا، أو طعاما- بل قال:- لو كان الثمن غير

ج 25، ص: 221

مقدر بهما فالظاهر أنه لا إشكال فيه، لصحة بيع ذلك قبل قبضه عندنا بغير اختلاف» و فيه أن الإشكال مما ذكرنا لا من ذلك.

نعم في التذكرة «الوجه الصحة، لأن قوله استوف لنفسك يتضمن التوكيل» و هو جيد، بناء علي كون المراد اقبضه لي ثم لنفسك باعتبار توقف الثاني على الأول إنما الكلام على تقدير عدم إرادته، و قد عرفت أنه مشكل، بل جزم الشافعي بعدم صحته كالفاضل في القواعد، و إن ترتب الضمان على هذا القبض الفاسد، اللهم إلا أن يقال أن القبض و إن كان لنفسه يقوم مقام قبض الديان فيقدر له آنا ما كما في أعتق عبدك عني، فتأمل جيدا هذا. و قد تقدم تمام التحقيق في كثير من هذه المسائل في المباحث السابقة في كتاب البيع و الله أعلم.

[المقصد الثاني في أحكام متعلقة بالرهن ]

المقصد الثاني في أحكام متعلقة بالرهن الرهن لازم من جهة الراهن جائز من جهة المرتهن بلا خلاف أجده فيه، بل في التذكرة و المحكي عن غيرها الإجماع عليه، و هو كذلك بناء على عدم مدخلية القبض في صحته و لا لزومه، بل و على تقدير مدخليته مع حصوله. نعم هو جائز من طرف الراهن قبله، بناء على أنه شرط في اللزوم كما مر تحقيق ذلك، و المراد هنا بيان حكمه من جهة الراهن، و المرتهن، بعد تمام ما هو معتبر في صحته و لزومه، فالإجماع حينئذ بحاله، مضافا إلى ما دل على اللزوم من الأمر بالوفاء بالعقود و غيره الذي لا يجري في المرتهن قطعا، بعد أن كان الحق له، فهو مسلط على إسقاطه كغيره من الحقوق.

بل الظاهر عدم صحة اشتراط الخيار للراهن، لمنافاته الاستيثاق، و الحبس الذي هو مقتضى عقد الرهن، و فرق بينه و بين ارتهان العبد الجاني و نحوه- مما لا وثوق للمرتهن ببقائه، من غير الراهن الذي يكون شرط الخيار منه، كاشتراط التوقيت- في المنافاة.

ج 25، ص: 222

لكن مع ذلك كله قد استشكل فيه في التذكرة فقال: «و أما الشرط الفاسد فهو ما ينافي مقتضى عقد الرهن، مثل أن يشترط أن لا يسلمه إليه على اشكال، أولا يبيعه عند محل الحق، أولا يبيعه إلا بما يرضى به الراهن، أو بما يرضى به رجل آخر، أو تكون المنافع للمرتهن، أولا يستوفي الدين من ثمنه، فإنها شروط نافت مقتضى العقد، ففسدت، و كذا إن شرط الخيار للراهن على إشكال، أو أن لا يكون العقد لازما في صفة، أو يوقت الرهن، أو أن يكون الرهن يوما، و يوما لا يكون رهنا».

إلا أنه لا ريب في ضعفه لما عرفت، كضعف احتمال الفساد في اشتراط عدم التسليم إذا كان المراد منه استمرار بقاء اليد، بل و إن لم يرد منه ذلك إذا كان المراد منه مالا يشمل الوكالة، أو قلنا بعدم اعتبار التسليم فيه، فإن دعوى احتمال عود ذلك على العقد بالنقض كما ترى، و كذا الكلام في نحو اشتراط المنافع للمرتهن و الله العالم.

و على كل حال فلا ريب في لزوم الرهن من جهة الراهن. نعم قد يقال بجوازه لو كان قد وقع منه لانه شرط عليه في بيع قد زعم صحته، فبان عدمها بعد وقوع الرهانة منه، كما جزم به في القواعد لنفي الضرر و الضرار، و لان الشرط في البيع كجزء من الثمن أو المثمن اللذين لا ريب في رجوعهما إلى مالكهما بظهور البطلان بل مقتضى ذلك بطلان الرهن قهرا، إلا أنه لما كان قد وقع بعقد محكوم بصحته لإطلاق الأدلة، روعي الجمع بين ذلك، و بين حق الراهن بالخيار، و المسألة سيالة في غير المقام، كاشتراط البيع و الإجارة و نحوهما في عقد قد ظهر فساده بعد وقوعهما.

مع أنه قد يقال بعدم الرجوع في الجميع، لأن تخيل الصحة من الدواعي فالعقد الصادر باق علي مقتضى ما دل على صحته و لزومه، إذ هو حينئذ كما لو أبرأت الزوجة الذمة بظن صحة الطلاق، أو في خصوص المقام الذي لا مجال للقول بالبطلان فيه، باعتبار منافاته لإطلاق ما دل على الصحة، و لا الخيار لعدم قابلية خصوص هذا العقد للخيار، فهو حينئذ كالإبراء المشترط في عقد قد ظهر فساده بعد وقوعه، و النكاح

ج 25، ص: 223

و الطلاق و العتق و نحوها، و عن بعض نسخ القواعد و لو شرط عليه رهن في بيع فاسد فظن اللزوم فرهن فلا رجوع، و هو لا يخلو من قوة فتأمل جيدا.

و كيف كان ف ليس له أى الراهن انتزاعه من المرتهن بدون رضاه إلا مع سقوط الارتهان ببراءة ذمة الراهن من الدين الذي قد رهن به الرهن ب الإقباض من المالك أو المتبرع أو الضمان أو الحوالة أو الإقالة المسقطة للثمن المرهون به، أو الإبراء من ذي الدين أو ب تصريح المرتهن بإسقاط حقه من الارتهان أو ما هو كالتصريح بلا خلاف في شي ء من ذلك، و لا إشكال.

و لو برأت ذمته من بعض الحق فالظاهر بقاء الجميع رهنا على ما يبقى من الدين و إن قل، إذا لم يكن قد اشترط التوزيع، أو كونه رهنا على المجموع المنتفى صدقه بذهاب البعض، وفاقا لصريح جماعة، بل عن الشيخ الإجماع عليه، لظهور الارتهان في الاستيثاق، لجميع أجزاء الدين، و كون الغرض استيفاؤه بتمامه منه أجمع كما يشعر به ما في النصوص (1)من نفى البأس عن الاستيثاق للمال الصادق على الكل و البعض، جوابا للسؤال عن أخذ الرهن.

لكن في المسالك عن الفاضل في القواعد أنه اختار فيها كونه رهنا على مجموع الدين الذي ينتفي صدقة ببراءة الذمة من بعضه و إن قل، فيبقى الباقي من غير رهن بعد أن احتمله هو، و الذي فيها، و لو أدى بعض الدين بقي كل المرهون رهنا بالباقي على إشكال، أقر به ذلك إن شرط كون الرهن رهنا على الدين و على كل جزء منه، و لا صراحة فيه فيما ذكره، ضرورة أعمية مفهوم الشرط فيها من ذلك.

بل في جامع المقاصد في شرحها أنه قد يتوهم عدم إفتاء المصنف نظرا إلى أن المذكور في

كلامه هو الحكم مع الاشتراط، و لا نزاع فيه، لأن النزاع مع الشرط و ليس كذلك، لأن الأقرب يقتضي الفتوى، إذ لا يتطرق الاحتمال مع الشرط، إنما يتطرق بدونه، ثم قال في القواعد «و لو دفع أحد الوراث نصيبه من الدين لم ينفك نصيبه على اشكال».


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الرهن.

ج 25، ص: 224

و في جامع المقاصد أي: لو دفع أحد وارثي الرهن نصيبه من الدين، و هذا الاشكال- بعد الفتوى المتقدمة بأنه مع الاشتراط يكون الرهن رهنا بكل جزء، و بدونه على ما يقتضيه التقسيط- لا وجه له، إذ مع الاشتراط لا ينفك قطعا و بدونه بمقتضى التقسيط يلزم الانفكاك، و مقتضاه أنه فهم من العبارة الأولى التقسيط و إن كان هو كما ترى، لما عرفت من كون المفهوم أعم، و إن جعلنا الأقرب راجعا إليه، إذ أقصاه أن لا يكون الحكم كذلك، لا خصوص التوزيع و على كل حال فلا ظهور فيه، بل و لا إشعار بذلك، و حينئذ فلا قائل به فيما أجد.

نعم ربما حكي عن الفاضل و ولده التوزيع و التقسيط، بدعوى أن الرهانة كالمعاوضة في اقتضاء مقابلة الأجزاء بالأجزاء لا الجملة بالأبعاض فان برء من بعض الدين انفك من الرهن بحسابه نصفا أو ثلثا أو غيرهما من الأجزاء المشاعة.

و فيه مضافا إلى مخالفته ما عرفت أنه يقتضي عدم كون الباقي رهنا على الجميع فيما لو تلف بعضه، و هو باطل نصا و إجماعا بقسميه، و منه يعلم قوة ما ذكرنا من كون المقابلة في الرهن مقابلة جملته بكل جزء، لا على حسب مقابلة المعاوضات التي لا شبه بينها و بين الرهن، و دعوى ان العرف فارق بين التلف و غيره في التقسيط المزبور غير مسموعة ضرورة اقتضاء العرف ما قلناه كما هو واضح بأدنى تأمل فيه.

أما إذا اشترط فلا خلاف أجده في لزوم ما اشترطه من التوزيع أو الرهانة على المجموع أو على كل جزء من الدين، كما لا تأمل في الأول و الأخير، لعموم «المؤمنون» نعم قد يتوقف في الثاني باعتبار منافاته للتوثق، لكن الاتفاق ظاهرا على صحته ينفيه، مع أنه لا منافاة بناء على عدم وجوب قبول المرتهن للبعض المبذول لما فيه من الضرر عليه بفوات الرهينة و ان وجب بدونها، فيكون هذا البعض حينئذ كالبعض المبذول المستلزم لنقص في المالية، مثل مال السلم و ثمن المبيع في عدم وجوب القبول.

إلا أنه قد يدفعه إطلاق ما دل على القبول، و الضرر غير قادح، بعد أن أقدم عليه بالرضا بالشرط المزبور، بل لا يبعد وجوب القبول لو قلنا بانصراف الإطلاق

ج 25، ص: 225

إلى الاحتمال المزبور من دون شرط، لتناول ما دل على لزوم القبول لذلك، بحيث لا ينافيه التضرر بفك الرهانة به بعد بنائها على ذلك و رضاه على هذا النحو، و حينئذ يتأكد التوقف المزبور في الشرط المذكور، باعتبار اقتضائه عدم الوثوق بالرهن المفروض انفكاكه بدفع جزء يسير من الدين، فتأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان ف بعد ذلك الإقباض و غيره مما يحصل به الفك يبقى الرهن أمانة في يد المرتهن مالكية و حينئذ لا يجب تسليمه إلا مع المطالبة من المالك أو من يقوم مقامه، لأن حصولها في يد الأمين بإذن المالك، بخلاف الشرعية كالثوب الذي أطارته الريح و نحوه مما لا إذن فيه من المالك، و إنما هي من الشارع الذي أوجب عليه رده إلى مالكه، أو إخباره به، لعدم إذنه في بقائه في يده، و بهذا افترقت الشرعية عن المالكية المستندة إلى الإذن المستصحب حكمها حتى مع النسيان و نحوه.

و دعوى- تقييد الإذن هنا بالرهانة، فمتى زالت، زالت- مدفوعة بعدم استلزام الرهانة الأمانة عند المرتهن، فهو حينئذ أمر آخر لا مدخلية له بالارتهان، فما عن بعض العامة من الضمان على المرتهن- إذا قضاه الراهن، بخلاف ما إذا أبرأه ثم تلف الرهن في يده،- واضح الضعف، بل الذي يقتضيه الاستحسان العكس، ضرورة أنه مع القضاء يكون عالما بانفكاك ماله، فإذا لم يطالب به فقد رضي ببقائه أمانة، بخلاف الإبراء، فإنه قد لا يعلم به الراهن فلا يكون تاركا لماله باختياره.

بل ربما ظهر من الفاضل في التذكرة الميل إلى هذا التفصيل، قال: و ينبغي أن يكون المرتهن إذا أبرء الراهن من الدين، و لم يعلم الراهن، أن يعلمه بالإبراء أو يرد الرهن، لأنه لم يتركه عنده إلا على سبيل الوثيقة، بخلاف ما إذا علم، لأنه قد رضي بتركه و هو حسن، كما في المسالك إن أراد الأولى كما يشعر به لفظ ينبغي، و إلا كان فيه نظر بعد ما عرفت من أن الأمانة المالكية يكفي فيها حصول الإذن السابق من المالك بعنوان العارية و الوديعة و نحوهما، و إن حصل لها فسخ من المالك

ج 25، ص: 226

أو من المستعير مثلا، فإن فسخ العقد المخصوص لا ينافي بقاؤها أمانة، و لو باعتبار كون ذلك من توابع العقد الأول، فتأمل جيدا، فإنه دقيق جدا.

و منه يعلم الحال في حكم الرهن بناء على ما ذكرناه من استحقاق المرتهن قبضه من الراهن، فإنه لا يخرج بذلك عن كونه أمانة أيضا من الراهن، و إن كانت مستحقة عليه بعقد الرهن، فالفك حينئذ من الرهانة كفسخ عقد العارية لا يخرج البقاء في الزمان المتأخر عن كونه أمانة مالكية، و لو للتبعية المزبورة، و الله العالم.

و لو شرط المرتهن على الراهن في عقد الرهن إن لم يؤد الحق مطلقا أو عند الأجل أو في وقت كذا أن يكون الرهن مبيعا، لم يصح الشرط قولا واحدا، للتعليق، و توقف البيع على سببه من الصيغة و نحوها، بل و الرهن بناء على اقتضاء بطلان مثل هذا الشرط بطلان العقد الذي علق الرضا فيه على الشرط بل و إن لم نقل بذلك للتوقيت في الرهن، المتفق على بطلانه، لمنافاته الاستيثاق، و إن كان زائدا على أجل الدين، إذ قد لا يتيسر بيعه فيه، لو جوزنا بيعه معه، و لم نقل بكون المراد من التوقيت بقاؤه رهنا إلى الوقت المعلوم؛ بحيث ليس للمرتهن التصرف فيه، و إلا كانت منافاته واضحة أيضا، و إن كان التوقيت إلى أجل الدين، إذ قد تدعو الحاجة إلى بيعه، لموت المديون مثلا فضلا عن اقتضاء التوقيت المزبور الخروج عن الرهنية عنده، فليس للمرتهن حينئذ تعلق به، فكيف يعقل الاستيثاق بمال لا يجوز استيفاء الدين منه قبل انتهاء الوقت و بعده.

و لعله لذلك اتفق الأصحاب هنا على بطلان الشرط و العقد، حتى أن الشيخ الذي قد حكي عنه في باب الرهن القول بعدم اقتضاء فساد الشرط فيه فساده، قال ببطلانه هنا، مدعيا الإجماع عليه، و كذا ابن إدريس في ظاهر السرائر؛ فمن الغريب ما في التحرير قال: «و إذا شرط كونه مبيعا عند حلول الأجل بالدين، هل يفسد الرهن بفساد الشرط؟ فيه نظر، و الذي قواه الشيخ عدم الفساد، و هو جيد».

و كأنه أخذ ذلك من مذهبه في الشرط، و غفل عن كلامه في المقام الذي لم يعرف

ج 25، ص: 227

الخلاف فيه، إلا من بعض العامة، فصحح الرهن و أفسد البيع، محتجا بأن الراهن إذا رضي بالرهن مع هذا الشرط كان أولى أن يرضي به مع بطلانه، و فساده ظاهر، لأن مجرد تقدير الرضا غير كاف مع اختلال شرائط العقد الذي قد وقع، بعد الإغضاء عما في الأولوية المزبورة، و يمكن أن يريد الفاضل في التحرير النظر في البطلان من هذه الحيثية، لا من حيث التوقيت، و الأمر سهل.

ثم إن الظاهر عدم ضمان العين في يد المرتهن إلى المدة، كما أن الظاهر ضمانها بعدها، لأن القبض فيها بالرهن الفاسد، فلا يضمن كصحيحه، و بعدها بالبيع الفاسد فيضمن كصحيحه، و احتمال أنه غير مضمون مطلقا- إلا إذا نوى تملكه بعد المدة بعنوان أنه مبيع، لتحقق القبض بالبيع الفاسد المغاير للقبض الأول الذي هو بالرهن الفاسد- واضح الفساد، لأن المراد من اشتراط كونه مبيعا انه من الآن مبيع في تلك المدة، لا أنه يباع فيها.

و على كل حال فلا فرق في القاعدة المزبورة فيهما بين العلم بالفساد منهما و الجهل كذلك و التفريق، للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل على القاعدة المزبورة المقتضية بإطلاقها ذلك.

و لا ينافيه الإشكال من بعض المتأخرين في بعض أفرادها، كصورة جهل الدافع في المدة و علم القابض في المقام، باعتبار أن القابض قد أخذ بغير حق، لأن الدافع قد توهم الصحة، فيشمله حينئذ عموم(1)

«على اليد»

بل ربما أشكل بنحو ذلك في الجاهلين إلا أن ذلك كله كأنه اجتهاد في مقابلة النص، خصوصا بعد ما في المسالك «من أن الأصحاب و غيرهم أطلقوا القول في هذه القاعدة، و لم يخالف فيها أحد» بل فيها أيضا «إمكان دفع الإشكال

المزبور بأن المالك أذن في قبضه على وجه لا ضمان فيه، و المتسلم تسلمه منه كذلك، و عدم رضاه لو علم بعدم اللزوم غير معلوم، فالإذن حاصل و المانع غير معلوم».


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90.

ج 25، ص: 228

و مرجعه إلى أن تخيل الصحة في مثل ذلك من الدواعي للدفع على وجه المزبور لا أنها شرط في عدم الضمان، بل دفعه في الجاهلين أوضح من ذلك، ضرورة كون القابض كالمغرور بفعل الدافع، و أوضح من ذلك اندفاعها في فاسد المعاوضة التي لا فرق فيها بين العلم و الجهل، بعد كون الدفع على وجه الضمان، لا عدمه كما هو واضح، إنما الإشكال إن كان ففي الصورة الأولى في المقام، كصورة عدم ضمان العين المستأجرة مع علم المستأجر بالفساد، و جهل الموجر، و العين المستعارة، خصوصا إذا كان الفساد بغصب للعين و نحوه، بل ربما ظهر من بعضهم في باب الإجارة ما ينافي الإجماع المزبور، فلاحظ و تأمل و الله أعلم هذا.

و قد تقدم تحقيق الحال فيما لو غصبه اى المال ثم رهنه المالك من الغاصب و قد قلنا هناك أنه صح الارتهان و لم يزل الضمان، و كذا لو كان في يده بسوم أو ببيع فاسد أو استعارة مضمونة إلا إذا أذن له في استمرار القبض، فإن الظاهر زوال الضمان كما أوضحنا ذلك كله و غيره فلاحظ و تأمل، بل و ذكرنا هناك أيضا عن الشيخ و غيره أنه لو أسقط عنه الضمان، صح أيضا و إن لم يفد إذنا بالبقاء، ضرورة أعمية ذلك من الرضا به لبقاء الإثم حينئذ.

إلا أنه أشكل بكونه إسقاطا لما لم يجب، ضرورة كون المراد بالضمان أنه لو تلف ثبت في الذمة مثله، أو قيمته، فقبل التلف لم يثبت حتى يسقط.

و قد يدفع بأن الإسقاط للحق الذي تحقق فعلا و هو تهيؤ ذمته للضمان بالتلف، فليس حينئذ إسقاط لما لم يجب، بل هو إسقاط لما وجب و تحقق.

و دعوى- عدم صحة إسقاط مثل ذلك- يدفعها عموم(1)

«تسلط الناس على حقوقهم و أموالهم»

كدعوى- أن الإسقاط لا يتعقل بعد استمرار السبب، و هو القبض غصبا، و تجدده في كل آن آن، إذ هو يجدي في خصوص أثر السبب المقارن و السابق، فيبقى أثر السبب المتجدد غير ساقط، و يكفي حينئذ في ثبوت الضمان- إذ يدفعها أيضا منع كون ذلك أسبابا متعددة، بل هي جميعها بعد اتحاد أثرها


1- 1 البحار ج 2 ص 272 طبع الحديث.

ج 25، ص: 229

و صدق الأخذ على مجموعها سبب واحد عرفا، بل و شرعا، فالإسقاط حينئذ في محله فتأمل جيدا، فإنه قد يمنع كون ذلك من الحقوق التي يتعلق بها الإسقاط و انما هو من الأحكام للأصل و غيره و الله اعلم.

و ما يحصل من الرهن من فائدة متصلة أو منفصلة بالاكتساب كحيازة العبد أو غيره فهي للراهن بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض، كالنصوص، بل يمكن دعوى ضرورة المذهب، بل الدين عليه، و إن خالف فيه في الجملة أبو حنيفة كما قيل، إلا أن خلافه إن لم يؤكد الضرورة لا ينافيها، إنما الكلام في تبعيتها له في الرهانة و عدمها، و قد أشار إليه المصنف بقوله و لو حملت الشجرة أو الدابة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر و هو مشعر أو ظاهر في أن الخلاف في نحو ذلك لا مطلق الفائدة، و هو كذلك بالنسبة إلى الفوائد المتصلة كالسمن و الطول و العرض و نحو ذلك، للإجماع بقسميه على تبعيتها، بل هي في الحقيقة كصفات الرهن و أحواله التي لا تخرج عن مسماه.

بل قد يقال: بعدم صحة اشتراط خروجها، و إن كان لا يخلو من إشكال، بل و بالنسبة إلى ما يتجدد من المنافع بالاختيار، كاكتساب العبد، لخروجها عن التبعية، بل جزم في التذكرة بعدم صحة اشتراط دخولها، لأنها ليست من أجزاء الأصل، فهي معدومة على الإطلاق.

لكن في الدروس لم يفرق بينها و بين ثمرة الشجرة، بل ربما ادعى أنه ظاهر الأصحاب، و إن كان لا يخلو من بحث، كما أومأنا إليه سابقا، و منع الراهن من استيفائها لا لتبعيتها، بل لاستلزامه التصرف في المرهون الممنوع منه مطلقا نصا و فتوى، و إلا فهي ليست من النماءات المتولدة في الأعيان أو منها، و إن كانت هي أحد مقدمات حصولها، ضرورة استنادها إلى الأفعال مع الأعيان، كالانتفاع الحاصل بالتكسب بالدراهم، فتأمل جيدا.

ج 25، ص: 230

و كيف كان فما اختاره المصنف قد نسب إلى الأشهر و الأكثر، بل قيل أنه المشهور شهرة كادت تكون إجماعا بل في الانتصار «أنه مما انفردت به الإمامية»، بل في الغنية، و السرائر، الإجماع عليه، بل و الأخير منهما أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام، و أن عدم الدخول مذهب المخالفين، و هو الحجة بعد التبعية، و أنها أجزاء من العين المرهونة استحالت إلى موضوع آخر، و عدم خروج الفرع عن أصله.

لكن قد يوهن الإجماع بمصير كثير من الأصحاب إلى خلافه، إذ القول بعدم التبعية للمبسوط و الخلاف و نكت النهاية للمصنف، و التحرير، و التذكرة و الإرشاد، و المختلف، و الإيضاح، و التنقيح، و جامع المقاصد، و الروضة، و مجمع البرهان، و الكفاية، على ما حكي عن بعضها، و مال إليه في المسالك، و حكاه في الدروس عن المصنف في درسه، بل قد يظهر من التذكرة الإجماع عليه، بل في زكاة الخلاف دعواه صريحا، قال: «إذ أرهن جارية أو شاة فحملتا بعد الرهن كان الحمل خارجا بإجماع الفرقة».

و تمنع التبعية في غير الملك، للأصل، و تبعية ولد المدبرة للدليل، مع أن العتق مبني على التغليب، و كون النماء أجزاء من العين بعد التسليم في جميع أفراده لا يقضي بذلك بعد خروجه عن مسماها لغة و عرفا و شرعا، و غير ملحوظ للعاقد، و لا دليل في الشرع، فأصالة تسلط المالك على ملكه بحاله.

بل

قوله صلى الله عليه و آله «له غنمه، و عليه غرمه»

كخبر إسحاق عن أبي إبراهيم عليه السلام «قلت: فان رهن دارا لها غلة، لمن الغلة؟ قال: لصاحب الدار»

دال على ذلك أيضا، بقرينة كون الظاهر أن السؤال لتخيل الدخول في الرهانة، و المراد حينئذ بالجواب رفع ذلك، و أنه لصاحب الدار التصرف به كيف يشاء، لا أن المراد بيان أصل الملكية الواضحة، لوضوح بقاء الرهن على ملك المالك، و من ذلك كله يظهر لك قوة القول بعدم الدخول، و إن كان الأشهر خصوصا بين المتقدمين الأول و الله أعلم.

و لو كان في يده رهنان، بدينين متغايرين، أو متوافقين ثم أدى الراهن أحدهما لم يجز للمرتهن إمساك الرهن الذي يخصه الدين

ج 25، ص: 231

المؤدى بالدين الآخر من غير تراض مع الراهن بلا خلاف و لا إشكال، و كذا لو كان له دينان، و بأحدهما رهن، لم يجز له أن يجعله رهنا بهما من غير تراض معه أيضا و لا أن ينقله إلى دين مستأنف أما مع الرضا منه فيجوز قطعا، كما تقدم تحقيق ذلك كله، و جميع ما يتعلق به في آخر الفصل الثالث فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

و إذ أرهن مال غيره بإذنه صح بلا خلاف فيه، بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه عندنا، بل و غيرنا عدا ما حكي عن ابن شريح من القول على تقدير كونه عارية لا يصح رهنه، لأنها غير لازمة، و لعله غير مخالف في أصل الحكم، و من هنا حكى في التذكرة عن ابن المنذر أنه أجمع كل من يحفظ عنه العلم على أن الرجل إذا استعار من الرجل شيئا يرهنه، على دنانير عند رجل إلى وقت معلوم ففعل كان ذلك جائزا و في المسالك «أجمع العلماء على جواز رهن مال الغير باذنه على دينه في الجملة، و سموه استعارة».

نعم في التذكرة «هل يكون سبيل هذا العقد سبيل العارية أو الضمان؟ الحق عندنا الأول» و لعله مشعر بالإجماع، كالمحكي من نسبة ولده ذلك إليه، و إلى المحققين.

لكن عن المبسوط أنه حكي فيه قولا بأنه على سبيل الضمان المعلق بالمال، و المعروف حكاية ذلك عن أصح قولي الشافعي، كالمحكي عن بعض الشافعية من أنه بين الراهن و المرتهن رهن، و بين المعير و المستعير عارية، و بين المعير و المرتهن ضمان و لا ريب في ضعف الجميع، بل في بطلانه حتى على ما وجهه به في الدروس، من أن المعير أناب المستعير في الضمان عنه، و مصرفه في هذا المال، إذ هو غير مجد في مخالفته للمعهود من الضمان الذي هو الانتقال من ذمة إلى ذمة، و هو مفقود هنا قطعا، و كيف يكون ضمانا و لم يقصده الراهن، و لا المرتهن، مع أنه لو صرح المالك و قال للديان لزمت دينك في رقبة هذا المال على وجه لا تكون ذمته مشغولة له لم يكن صحيحا و بالجملة لا ينبغي إتعاب النظر في فساد ذلك.

ج 25، ص: 232

نعم قد يشكل العارية بأن التوثيق الحاصل بدفع الرهن ليس من منافع العين التي تباح بعقد العارية المساوي لعقد الإجارة في ذلك، المعلوم امتناعه في مثل الفرض و إنما هو انتفاع بسبب تعلق عقد الرهن بها، لا أنها من منافعها التي هي كالسكنى في الدار و الخدمة في العبد، و الركوب في الدابة و نحو ذلك.

على أن تعلق عقد الرهن بها قد يؤدى إلى خروجها عن الملك المنافي للعارية التي هي إباحة المنفعة، مع بقاء العين، و إن اعتراها اللزوم كعارية الأرض للدفن و نحوه، بل ما تسمعه من مشهورهم من الضمان في هذه العارية و إن تلفت بآفة سماوية بعد الرهانة، بل و لو بجناية العبد نفسه-، مناف لما ذكره من عدم الضمان لها في غير الذهب و الفضة إلا بالتعدي أو التفريط أو الشرط.

و دعوى رجوع ما هنا إلى الثالث واضحة الفساد، كدعوى خروج ذلك عن مطلق العارية، بدليل مخصوص، لعدمه كما ستعرف، فلا يبعد أن يكون ذلك من الأحكام الجائزة شرعا و إن لم يندرج تحت عقد من العقود المتعارفة، إذ دعوى عدم خلو الواقع منها يكذبها الوجدان، فإن كثيرا مما هو جائز شرعا لا يدخل كالقبالة و المنحة و نحوهما، على بعض الأقوال أو الوجوه، بل حاصل ذلك عدم اعتبار كون الرهن ملكا للراهن، كما أنه لا يعتبر في صحة الرهن كون الدين على الراهن، فيجوز أن يرهن ماله على دين غيره متبرعا، كما ذكرناه سابقا في الشرائط.

بل هو غير زائد على ما نحن فيه إلا بالإذن التي تكون سببا لاستحقاق الرجوع عليه بها كالوفاء تبرعا، و بالإذن الذي يمكن دعوى عدم انحلال الثاني منه إلى القرض بعد عدم اعتبار الملكية فيما يوفى به، فيستحق حينئذ الرجوع عليه بالإذن، و إن كان ما وفى به باقيا على ملك الموفي إلى حين الوفاء، و لعله للإذن في إتلاف المال فيما يعود نفعه إليه، فإنه يكفي في تسبيب مثله الضمان.

و على كل حال فدعوى كون المقام عارية حقيقة في غاية الإشكال، و لعله لا يريده الأصحاب كما يومي إليه ما في المسالك من نسبة التسمية إليهم، و كذا من قال

ج 25، ص: 233

بالضمان، فإنه لا يريده حقيقة بل المراد قربه منهما بالنسبة إلى بعض الأحكام، و لا ريب حينئذ في أن الحق مع الأصحاب ضرورة أقربية ذلك إليها من الضمان، و الأمر سهل بعد عدم وضوح ثمرة معتد بها على هذا الخلاف.

و إن حكي عن المبسوط و تبعه غيره تفريع اعتبار ذكر جنس الدين و قدره و حلوله و تأجيله و وصفه و صاحبه على تقدير الضمان، لعدم صحته في المجهول، بخلاف العارية، و أنه عليه ليس لمالك العين إجبار الراهن على الفك، إذ هو كضمان الدين المؤجل الذي لا يصح للضامن المطالبة بالتعجيل، لإبراء ذمته، بخلافها، فإنها غير لازمة، و أنه عليه يرجع بما بيع به، و إن كان أقل من ثمن المثل، لأنه الذي أداه، بخلافها فإنه يرجع بقيمة تامة، و كذا إذا بيع بأكثر منه، فعلى الضمان يرجع بالجميع، و عليها يرجع بقدر القيمة.

لكن في الأول: أن الفاضل في ظاهر القواعد و صريح المحكي عن التذكرة و الكركي و ابن المتوج مع القول بالعارية قد اعتبروا ذكر جميع ذلك أو بعضه، و في المسالك أنه أولى، فلا يجوز بدونه لما فيه من الغرر و الضرر، لكثرة تفاوت الدين و جنسه و المرتهن و الأجل، و إن كان قد يقوى الجواز، وفاقا للمحكي عن التحرير، و جامع الشرائع، و ظاهر إطلاق الإرشاد و اللمعة، كالكتاب بل و المبسوط، و الدروس، و ان فرعاه على القول بالعارية مع إطلاق الإذن الذي هو كالتعميم في تناول الأفراد مع عدم الانصراف إلى البعض، و إن تفاوتا في الدلالة قوة و ضعفا.

و منه ينقدح حينئذ عدم الفرق بين الضمان و العارية في ذلك، إذ ليس هو من ضمان المجهول حينئذ. نعم لو فرض تصور اذن في العارية للرهن لا على وجه الإطلاق أمكن حينئذ التوقف لرجوع الأمر إلى الإجمال حينئذ لا الإطلاق.

و في الثاني: ان الأقوى على العارية أيضا عدم جواز إجباره على الفك قبل الحلول، لأنها لزمت بالعارض، كالعارية للدفن، بل ربما ظهر من ثاني الشهيدين أن لزومها إجماعي خلافا لمحكي المبسوط، و السرائر، و التذكرة، و عارية التحرير، و جامع الشرائع، لكون العارية من العقود الجائزة، و فيه ما عرفت، و من هنا كان

ج 25، ص: 234

خيرة ثاني الشهيدين كالمحكي عن التحرير في المقام، و جامع المقاصد، عدم جواز المطالبة له، بل الظاهر ذلك و إن أجابه المرتهن إلى قبول الحق أو تبديل الرهن، فظهر حينئذ أنه لا تلازم بين القول بالعارية و بين القول بالجواز، كما يومي إليه ما سمعته ممن قال باللزوم من أصحابنا، مع قوله بالعارية، إذ القول بالضمان ليس لأحد منا.

نعم لا إشكال في أن له المطالبة بالفك على كل حال بعد الحلول، بلا خلاف أجده فيه، بل قيل: كأنه إجماعي، و لا ينافيه لزوم العارية بالرهن، إذ لا نقول ان له فسخ الرهن، بل يطالب الراهن بالفك، فإن حصل و إلا فإن باعه المرتهن في الدين رجع هو على الراهن كما ستعرف، و ليس له التعرض للمرتهن بوجه، لعدم السبيل له عليه.

و ما قيل: من أنه قد يقال: إذا حل الأجل و أمهل المرتهن الراهن أن للمالك أن يقول للمرتهن إما أن ترد مالي، أو تطالب الراهن بالدين ليؤديه فيفك الرهن كما أنه إذا ضمن دينا و مات الأصيل فللضامن أن يقول إما أن تطالب بحقك من التركة، أو تبرئني لا وجه له معتد به لا في المشبه و لا في المشبه به.

و في الثالث و الرابع: ما ستعرفه عند التعرض لحكم ذلك، فمن الغريب تفريع ذلك و غيره على القولين، خصوصا من مثل الشهيد في الدروس، و على كل حال فإذا أعاره للرهانة فإن عمم له أو أطلق بناء على كونه كالتعميم رهنه كيف شاء، و إن عين له مقدارا من الدين أو خصوص مرتهن أو أجل مخصوص أو نحو ذلك تعين، فلو خالفه كان فضوليا إلا إذا عين له الأكثر فرهنه، على الأقل، للأولوية، أما إذا عين له الأقل فرهنه على الأكثر ففي فضوليته بالنسبة إلى الجميع أو خصوص الزائد وجهان أو قولان، أقواهما الثاني، بل ينبغي الجزم به لو كان في عبارة مستقلة بأن قال: هو رهن على المأة و على الخمسين مثلا.

بل عن بعض نسخ جامع المقاصد، أنه يجب أن يستثنى من هذه المسألة ما لو رهنه بالزائد، و بكل جزء منه فإنه رهن بالمقدار المأذون فيه على وفق الأذن،

ج 25، ص: 235

و الزائد موقوف، و يكون موضع الوجهين ما إذا رهنه على المجموع، ثم إنه استشكل في الصحة لأنا إذا قسطنا الأجزاء على الأجزاء يكون بعضه رهنا بالمأذون، فيكون خلاف الإذن، لأن الإذن اقتضى رهن جميعه بالمأذون فيه، و الأولوية ممنوعة بعد احتمال التعيب بالشركة.

و عن نسخة أخرى المتجه أنه إن رهن على الأكثر و على كل جزء منه صح في المأذون فيه، و بطل في الزائد، وجها واحدا، و إن رهن على الأكثر مقتصرا على ذلك فالمتجه البطلان مطلقا، و هما معا كما ترى، و الأقوى ما ذكرناه من النفوذ في المقدار المأذون فيه، و الفضولية في الزائد مطلقا كما لو أعاره شيئا معينا فرهنه مع غيره، و ليس ذلك من قبيل الوكيل على البيع بشي ء معين فباعه بالأنقص متفاحشا فإنه فضولي و لا ينفذ البيع فيه بمقدار ما أذن له فيه، كما هو واضح و الله أعلم.

و كيف كان فإن رهنه المستعير ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذر إعادته كما صرح به غير واحد، بل في المسالك جعلوها أي العلماء مضمونة على الراهن، و إن تلفت بغير تفريط؛ لكن عن عارية التحرير؛ لم يكن على أحدهما ضمانه؛ و احتمله في الدروس قال: «لأنها أمانة عندنا، إلا أن نقول الاستعارة المعرضة للتلف مضمونة قلت: أو نقول الأصل الضمان، خصوصا بناء على ما سمعت سابقا من عدم كون ذلك عارية في الحقيقة، كي يعارضه ما دل على عدم ضمان العارية، بل و عليه بعد الشك في شموله لمثله، و لو لكلام الأصحاب، و لأنه بتعلق الرهن به شابه المال المحترم المدفوع وفاء بالإذن من غير ظهور من المالك فعلا و لا قولا بالمجانية.

بل في جامع المقاصد، و محكي قواعد الشهيد، و موضع من التذكرة، الضمان لو تلف في يد المستعير قبل الرهانة، بل في الأخير عندنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كالمحكي عن ولده من أنه نص الأصحاب على أنها عارية مضمونة، مضافا إلى أنه قبضه للإتلاف في دينه، فهو قبض ضمان، كالقبض في السوم، لا أن سبب الضمان الرهن، و منه ينقدح حينئذ الضمان لو تلف في يد المستعير بعد الفك، كما نسب إلى

ج 25، ص: 236

ظاهر إطلاقهم.

لكن استشكل في الضمان قبل الرهانة في القواعد: بل عن موضع آخر من التذكرة استقرب عدم الضمان، لأنه أمانة، و إنما ضمن بالرهن للتعرض للإتلاف، و سببه الرهن، و المسبب لا يتقدم على السبب، بل جزم ثاني الشهيدين بعدم الضمان، و لعل الأول لا يخلو من قوة، خصوصا مع القول بالضمان في المال المدفوع إلى رجل لقضاء دينه، و إن فرق بينهما في الدروس، بأن هذا إقراض متعين للصرف، بخلاف المستعار، فإنه قد لا يصرف في القضاء إلا أنه كما ترى، على أن المراد التشبيه به في الجملة، و أقرب شبها به المقبوض بالسوم، بل لعل المدرك فيهما واحد عند التأمل.

و على كل حال فلا خلاف أجده في عدم ضمان المرتهن للأصل و ما دل على عدم ضمان المرتهن الشامل للمقام، لكن في القواعد «الأقرب عدم الضمان» و هو مشعر باحتماله، و لعله لأن يده مترتبة على يد المستعير التي قد عرفت ضمانها، إلا أنه كما ترى، و أوضح منه فسادا ما عن ولده من توجيهه، و إن أطنب فيه، و حكاه عنه نفسه كما لا يخفى على من لاحظه، و المراد بالقيمة التي يضمنها له قيمة يوم التلف، لأنه ليس أسوء حالا من الغاصب.

نعم لو كان التفاوت لنقص في العين، اتجه ضمان الأعلى لكون الأبعاض مضمونة عليه كالجملة، و تعذر الرد للغصب و نحوه كالإتلاف كما هو واضح. و عن المبسوط، و التحرير، أنه إذا جنى العبد و بيع في الجناية يرجع بقيمته، و هو كذلك، إذ إتلاف العبد نفسه كالتلف بآفة في الضمان، لكن قيل إن ذلك منهما محمول على الغالب من البيع بالقيمة، و لا بأس به. نعم الظاهر أن للمالك إلزام الراهن بالفك في الخطأ بل و العمد مع رضي المجني عليه بذلك، و لم يسترقه و لو بالأزيد من قيمته ما لم يصل إلى حد يقبح الإلزام به.

هذا كله في غير البيع بالرهن، أما هو فإن باعه المرتهن حيث يجوز له ذلك بقيمته رجع بها على المستعير، و إن كان بأنقص مما يتغابن بمثله رجع بها تامة، و لو بيع بأكثر من ثمن مثله، كان له المطالبة بما بيع به لأن الثمن ملكه، و قد

ج 25، ص: 237

أخذ في الدين، و في المسالك «أن ما في المتن أجود مما في القواعد من التعبير بالرجوع بأكثر الأمرين من القيمة و ما بيع به، لإيهامه إمكان بيعه بدون القيمة، و هو ممتنع لعدم تصور بيعه على وجه يصح بنقصان من قيمته؛ بخلاف الزيادة، لإمكان اتفاق راغب فيها تزيد عن ثمن المثل، بحيث لولا ظهوره لما وجب تحريه، لكونه على خلاف العادة المعروفة في ثمن مثله.

و ربما فرض نقصان الثمن عن القيمة مع صحة البيع بسبب قلة الراغب في الشراء مع كون قيمة المال في ذلك الوقت و المكان عند ذوي الرغبة أزيد مما بذل فيه، و يشكل بأن المعتبر في القيمة ما يبذل في ذلك الوقت، لا ما يمكن بذله فإن كان الذي باع به المرتهن يسوغ البيع به لم يثبت للمالك سواه، و إلا لم يصح البيع».

قلت: يمكن فرضه بما عرفت من البيع بما يتغابن بمثله، كما أومى إليه في الدروس قال: «ليس للمرتهن بيعه بدون إذن، إلا أن يكون وكيلا شرعيا أو وصيا على القولين، فلو امتنع الراهن من الإذن أذن الحاكم، و يجب على الراهن بذل المال، فإن تعذر و باعه ضمن أكثر الأمرين من قيمته، و لو بيع بأقل من قيمته بما لا يتغابن به، بطل، و إن كان يتغابن به كالخمسة في المأة صح، و ضمن الراهن النقيصة على قول العارية، و على الضمان لا يرجع، لأن الضمان يرجع بما غرمه».

و هو صريح فيما قلناه من ضمان الراهن نقيصة التغابن، و إن صح البيع، لكن قد يوهم أول كلامه اكتفاء المرتهن في صحة البيع بإذن الراهن الذي هو المستعير، و الظاهر اعتبار إذن المالك معه، و إن كان لا يجوز له الامتناع، و لو امتنع قام الحاكم مقامه كالراهن المالك، و من هنا لم يقدح إذنه في البيع في جواز رجوعه بمقدار التغابن، لأن إذنه باعتبار لزومها عليه، كعدم الإذن كما هو واضح.

و لو اقتصر المرتهن على إذنه في البيع و الوفاء لم يكن له الرجوع على الراهن لأنه كالمتبرع بقضاء الدين حينئذ، كما أنه لا يصح البيع لو اقتصر علي إذن المستعير لعدم كونه مالكا، و الإذن بالرهانة أعم من الاذن في البيع فتأمل جيدا.

ج 25، ص: 238

و كيف كان فالمعروف بين الأصحاب عدم دخول زوائد الرهن الموجودة حال العقد التي لا تدخل في اسمه الذي هو مورد عقد الرهن لغة و لا عرفا و لا شرعا، و لا تتبعه في العقد عليه في أحدهما، بل في التنقيح الإجماع عليه، كما عن الانتصار ذلك أيضا لكن في خصوص الحمل، و هو الحجة بعد الأصل، خلافا للمحكي عن الإسكافي «فتدخل» و هو واضح الضعف، بل في التنقيح انعقد الإجماع بعده على خلافه نعم ربما قيل بدخول نحو الصوف و الوبر و الشعر على ظهر الحيوان و نحو ذلك مما هو جزؤه بل عن التذكرة أنه استقربه، و تردد فيه، و في دخول الأس تحت الجدار، و المغرس تحت الشجرة، و اللبن، و الضرع، و الأغصان في الشجر، في القواعد.

و الظاهر دخول الصوف و شبهه إذا لم يكن مستجزا بل لعله ليس من محل البحث و التردد إذا كان جزءا مما جعل عنوانا للرهن، إنما الكلام في المستجز مع كون العنوان الحيوان، و قد سمعت ما عن التذكرة من الدخول، نحو ما عن التحرير و جامع المقاصد، لكونه جزء حقيقة من الحيوان، و إنما يخرج عن الجزئية بعد الانفصال و هو قوي، اللهم إلا أن يدعى تعارف خروجه في عقد الرهن و نحوه.

و أما الأس فإن أريد به بعض الجدار المستور الذي هو أصل البناء، فقد يقوى دخوله، لأنه بعض مسمى اللفظ و كونه مستورا غير قادح، و إن أريد به موضع الأساس كما عساه يومي إليه ذكر المغرس بعده، فالأقوى عدم دخوله؛ كما عن التذكرة و غاية المرام، لعدم تناول اللفظ له؛ و دعوى دلالته عليه بالالتزام على وجه يدخل في الرهانة ممنوعة.

و منه يعلم الحال في المغرس؛ و استحقاق المرتهن إبقاءه على الراهن؛ لتوقف التوثق عليه؛ أو اسم الجدار مثلا- لا يقضي بالرهانة؛ و منه يعلم عدم دخول الجدران في رهنية السقف، و إن كان لا يمكن بقاؤه بدونها فتأمل جيدا.

و أما اللبن فقد يقوى عدم دخوله خلافا للمحكي عن حواشي الشهيد؛ لعدم دخوله في مسمى اللفظ؛ و ظهور انصراف الرهانة إلى غيره، و دعوى أنه كالجزء و من جملة رطوبات البدن واضحة المنع، بل لو قيل: بدخوله في البيع و الهبة و نحوهما

ج 25، ص: 239

أمكن الفرق بينهما، و بين الرهن في ذلك عرفا، فلا وجه لبناء المسألة هنا على ذلك و لا إشكال في دخول الأغصان الرطبة و نحوها مما لم تجر العادة بقطعها، بل عن الإيضاح أنه لا خلاف فيه، بل قد يقوى دخول اليابسة و ما جرت العادة بقطعه، لأنها بعض المسمى، إلا أن يتعارف الخروج في الرهن.

و الضابط خروج كل ما لا يدخل تحت مسمى اللفظ إلا أن يتعارف دخوله، و دخول كل ما هو بعض مسماه، إلا أن يتعارف خروجه، و حظ الفقيه من ذلك الإجمال مع أنه قد تقدم في بحث ما يندرج في المبيع ما يستفاد منه تمام التفصيل في ذلك، فراجع ملاحظا للفرق بين الرهانة و البيع في بعض الجزئيات.

و قد ظهر حينئذ من ذلك كله أنه إذا رهن النخل لم تدخل الثمرة، و إن لم تؤبر لعدم تناول اللفظ لها، و الدخول في البيع، لدليل مخصوص لا يقتضي به هنا، بعد حرمة القياس عندنا، فلا فرق حينئذ بين ثمرة النخل و غيره، و خصه هنا تنبيها على خلاف بعض العامة و كذا لو رهن الأرض لم يدخل الزرع و لا الشجر و لا النخل لعدم تناول اللفظ و لو قال: بحقوقها ضرورة عدم كونها من حقوقها، خلافا للمحكي عن الشيخ فتدخل حينئذ، و لا ريب في ضعفه.

فمن الغريب قول المصنف هنا أنه لو قال ذلك دخل كل منها و فيه تردد، ما لم يصرح بل لم أجد أحدا غيره تردد فيه. نعم لو قال و ما اشتملت عليه و نحو ذلك مما هو صريح في الدخول أو ظاهر كان متجها، و قد تقدم الكلام في نحو ذلك في البيع و كذا لا يدخل ما ينبت في الأرض بعد رهنها سواء أنبته الله سبحانه أو الراهن أو الأجنبي إذا لم يكن الغرس من الشجر المرهون بلا خلاف أجده فيه، بين من تعرض له، لعدم كونه من نماء الأرض حتى يأتي فيه ما تقدم، إلا أنه لا يخلو من إشكال في بعض أفراده، كالحشيش و نحوه مما يظهر منهم في غير المقام الحكم منهم بملكيته لصاحب الأرض لأنه نماء أرضه.

نعم هو كذلك في بعض أفراده مما لا يعد نماء لها، و إنما هي من معدات وجوده و دعوى أن جميع ما ينبت فيها كذلك لا تخلو عن نظر، و تحقيق البحث في ذلك في

ج 25، ص: 240

مقام آخر، و أما إذا كان الغرس من الشجر المرهون مثلا فهو باق على الرهنية، لا أنه يدخل في الأرض من حيث أنه نماء.

و هل يتوقف غرسه حينئذ على إذن المرتهن؟ احتمله في المسالك، لأنه تصرف في الرهن و انتفاع به، و قد يقوى العدم، لأنه مصلحة له و زيادة في قيمته، كالسقي و الدواء و نحوهما، نعم لو أضر بالأرض فلا ريب في توقفه على إذنه، و كذا لو كان الغرس من غير المرهون، و أطلق في الدروس المنع من الزرع و إن لم تنقص به الأرض حسما للمادة، و هو لا يخلو من اشكال، خصوصا إذا كان في الزرع مع ذلك مصلحة للأشجار و النخل، بل ربما يتضرر الراهن بالترك فتأمل جيدا.

و كيف كان ف هل يجبر الراهن على إزالته؟ أي ما نبت في الأرض بفعله أو بفعل الله أو بفعل أجنبي قيل: كما عن المبسوط و التذكرة لا يجبر على الإزالة و قيل كما في القواعد، و محكي المختلف و الإيضاح و غاية المرام، و جامع المقاصد، نعم يجبر على إزالته و هو الأشبه عند المصنف، لأن الإبقاء و لو كان الأصل من غيره تصرف منهي عنه، فهو كالمتاع الموضوع في دار الغير، و فيه منع عد مثل ذلك تصرفا.

و من هنا مال في المسالك إلى التفصيل بين ما كان من فعله فالأقوى إزالته و بين ما كان من فعل غيره فلا يجب، قال «: و قد يفرق بينه و بين المتاع بأن وضع المتاع منه فهو سبب في بقائه بخلاف ما أنبته الله».

و فيه أنه يمكن أن يريد الأول وضع المتاع من غيره، فكان اللائق في رده التزام عدم وجوب الإزالة فيه أيضا، أو إبداء الفرق. كما أن كلمات الأصحاب لا تخلو من إجمال في المقام، حيث لم يفرقوا بين ما كان للنابت أمد ينتظر كالزرع و عدمه، خصوصا إذا كان أمده قبل حلول الدين، و لا في الإجبار على الإزالة قبل حلول الدين و بعده، مع أن المحكي عن الإيضاح، و غاية المرام، إيجاب إزالة الزرع عند انتهاء المدة عادة.

ج 25، ص: 241

و في الدروس «ليس له إلزامه بالإزالة قبل حلول الدين لعدم تعديه، فإن احتيج إلى البيع قلعه» فإن بيعا ففي توزيع الثمن ما تقدم في بيع الأمة و ولدها، و لم يفرقوا أيضا في الإزالة بين ما كان فيه ضرر على الراهن و عدمه، و جميع ذلك محل للنظر. و من هنا أمكن أن يقال إن الإنبات إذا كان من فعل الله لم يجبر على القلع في الحال، لإمكان أن يؤدي الدين من محل آخر، و هذا البقاء له لا منه، فإذا دعت الحاجة إلى البيع فإن قام ثمن الأرض لو بيعت وحدها بالدين لم يستحق القلع، بل و كذا لو لم يقم، إلا أنه لم تنقص قيمة الأرض بما نبت فيها، و لم يحصل ضرر على الراهن بذلك.

نعم إن نقصت و لم تف بالدين فقد يتجه حينئذ القلع للمرتهن، إلا إذا أذن الراهن بالبيع مع الأرض و الفرض عدم النقص بذلك عليه أيضا، فيباعان و يوزع الثمن عليهما كما أومى إليه في الدروس، بل ربما قيل إنه إذا كان محجورا عليه بالفلس تعين البيع مع الأرض و لم يجز القلع، لتعلق حق الغرماء، و يوزع الثمن عليهم، فإن نقصت قيمة الأرض بسبب الأشجار حسب النقصان على الغرماء، لأن حق المرتهن في الأرض فارغة، و إنما منع من القلع رعاية لجانبهم، بل ينقدح من ذلك الإشكال في القلع في بعض الأحوال، و إن كان الإنبات من فعل الراهن كما إذا لم يكن ضرر على المرتهن بوجه من الوجوه، و خصوصا إذا أراد القلع قبل حلول الحق، إذ دعوى أنه ظالم و لا حق لعرقه في نحو ذلك لا يخلو من إشكال و عن التذكرة أنه أطلق عدم الإجبار على القلع قبل حلول الحق، لإمكان قضاء الدين من الغير، فمن اللازم التأمل في شقوق المسألة في المقام و الله أعلم.

و لو رهن لقطة مما يلقط كالخيار، فإن كان الحق يحل قبل تجدد الثانية صح بلا خلاف و لا إشكال، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع و إن كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لا يتميز قيل كما عن المبسوط و موضع من التذكرة يبطل لتعذر الاستيفاء بسبب عدم التميز، و لعدم صحة البيع عند الأجل للجهل.

ج 25، ص: 242

و الوجه أنه لا يبطل وفاقا للفاضل في غيرها، و ولده و الشهيدين، و المحقق الثاني، و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، لإمكان الاستيفاء مع المضايقة من الراهن بالقسمة معه، و لو بالصلح قهرا.

و منه يعلم اندفاع الثاني، على أنك قد عرفت سابقا عدم اعتبار إمكان خصوص البيع في الرهن، بل يكفي الصلح، لأن كلا منهما طريق لاستيفاء الدين، مضافا إلى اعتبار إحراز الشرائط في الرهن حال الرهانة، و الأمور العارضة لا تقدح بعد فرض وجود طريق للتخلص، و لو اشترط القطع عند تجدد الثانية فالظاهر الصحة، كما عن المبسوط التصريح بها. هذا إذا وقع المزج بعد القبض، أما لو وقع قبله، فعن الدروس أن الأقرب الفسخ و البطلان، و هو كذلك، بناء على اعتبار القبض في الصحة و فرض تعذره، و كذا البحث في رهن الخرطة مما يخرط و الجزة مما يجز و الله أعلم.

و إذا جنى العبد المرهون عمدا تعلقت الجناية برقبته بلا خلاف و لا إشكال و كان حق المجني عليه أولى به من حق المرتهن المتعلق بالذمة مع العين، بخلاف حق الجناية المقدم على حق المالك الذي هو أولى من المرتهن، بل لم يتوقف استيفاؤه على استيذان المالك في جناية العمد، بخلاف حق الارتهان فله حينئذ أن يقتص فتبطل الرهانة إن كان في النفس، و إلا اقتص و بقي الباقي رهنا، و له أن يسترقه أو يبيعه مع استيعاب الجناية، و إلا فمقدارها، بل ليس له إلا أحدهما إذا كانت الجناية العمدية مما توجب أرشا لا قصاصا.

و إن كان قد جنى خطأ فان افتكه المولى أو غيره بقي رهنا لأصالة الرهانة و إن سلمه و لم يتبرع متبرع في فكه حتى المرتهن كان للمجني عليه منه بقدر أرش الجناية، و الباقي رهن، و إن استوعبت الجناية قيمته، كان المجني عليه أولى به من المرتهن لما عرفت فيسترقه أو يبيعه، و تبطل الرهانة، و لو اتفق حصول راغب فيه فزاد ثمنه عن الجناية كان الباقي منه رهنا.

و الظاهر أن له إلزام المجني عليه بالبيع، مع بذل الزيادة، لتكون رهنا و لو

ج 25، ص: 243

كان الواجب دون قيمة العبد، و لكن تعذر بيع البعض أو انتقصت القيمة به بيع الجميع و الفاضل من الثمن عن الجناية يكون رهنا، كما لو اضطر الى بيع الرهن، و لا فرق في ذلك كله بين كون الجناية من العبد ابتداء، أو بأمر السيد، و إن كان مكرها له عندنا، لعدم التقية في الدماء، إلا أنه يحبس المكره حتى يموت.

نعم لو كان العبد غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في جميع أوامره، فعن التذكرة و قصاص المبسوط و غيرهما أن الجاني هو السيد، و عليه القصاص أو الضمان، بل في الأول لا يتعلق برقبة العبد شي ء، فيبقى رهنا، و إن كان السيد معسرا، خلافا للعجلي و خلاف الشيخ، فأسقطا القود عن الآمر أيضا، إذا كان المأمور صغيرا لعدم قتله، و يأتي إنشاء الله تعالى تحقيق ذلك في محله.

و لو جنى على مولاه عمدا فان كانت طرفا اقتص منه لعموم الأدلة و أولوية السيد من الأجنبي في ذلك، لعظم حقه على العبد، و لا ينافيه عدم القطع بالسرقة، إذ لعله لأنه مشروط بسرقة ما لا شبهة فيه، و العبد له شبهة في مال سيده، و هو غير محرز عنه في العادة و على كل حال ف- لا يخرج عن الرهانة بذلك للأصل، و لو كانت الجناية نفسا جاز للوارث قتله و له العفو فيبقى رهنا، و ليس له العفو على مال كالمورث فيبقى رهنا، أما لو كانت خطأ أو عمدا يوجب مالا لم يكن لمولاه عليه شي ء و بقي رهنا لعدم استحقاقه على ماله مالا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال.

و لو كانت الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك مع موت المجني عليه ما ثبت للموروث من القصاص قطعا في نفس أو طرف أو انتزاعه (11) من الرهانة في الخطأ (12) أو العمد إن استوعبت الجناية قيمته، أو إطلاق ما قابل الجناية إن لم تستوعب (13) و يبقى الباقي رهنا بلا خلاف أجده بين من تعرض له، و كان الفرق بينه و بين الجناية على المولى- مع أن الحق للمولى في الموضعين- أن الواجب في الجناية على المولى له ابتداء، و يمتنع أن يجب له على ماله مال كما تقدم، أما الجناية على موروثة فالحق فيها ابتداء للمجنى عليه، و إنما ينتقل الحق إلى الوارث

ج 25، ص: 244

من الموروث و إن كانت دية، لأنها محسوبة من تركته، يوفى منها دينه، و تنفذ وصاياه و كما لا يمتنع ثبوت مال لمورث المولى على عبده، لا يمتنع انتقاله عنه إليه، فيفكه عن الرهن لذلك.

فما عن بعض الشافعية- من الحكم بسقوط المال بانتقاله إلى سيده، و يبقى رهنا قياسا على ما لو كان المال للسيد ابتداء- ضعيف، لما عرفت من أن الانتقال للسيد من الموروث، لأن الدية تنتقل إلى الميت في آخر جزء من أجزاء حياته و لو في جناية العمد في قول، و على الأصح فيه ينتقل معوضها الذي هو القصاص، و لذا حسبت مطلقا من تركته، ففي الحقيقة ملك السيد للعبد بذلك جديد، غير الملك الأول الذي كان به رهنا، و قد تقدم سابقا بعض الكلام على هذه المسائل فلاحظ و تأمل.

و لو جنى على عبد مولاه فكالجناية على مولاه في العمد و الخطأ، إذا لم يكن المجني عليه مرهونا عند غير مرتهن الجاني، و الا جاز له العفو على مال في العمد، و هو رقبة العبد و تعين عليه ذلك في الخطاء و فيما لا قصاص له من العمد، و لا يقدح في ذلك قاعدة عدم استحقاقه على ماله مالا بعد أن كان المسلم منها غير الفرض الذي للغير تعلق به.

بل قد يقال: إن الاستحقاق فيه في الحقيقة لمرتهن المقتول و ان كان هو يقدم عليه لو أراد القصاص، أما مع عدم ارادته فيستحق على العبد القاتل دية المقتول- لتكون رهنا، و ليس إلا نفسه فينتزع و تكون رهنا قهرا، نحو قيمة الرهن المتلف، أو يباع بها و تجعل هي رهنا، و ليس ذلك بأعظم من جناية المولى نفسه على المرهون فإنه يضمن قيمته للمرتهن رهنا، و إن كانت الجناية على ماله.

بل قد يقال بتعين العفو له على مال في الأول أيضا، و إن قلنا أن جناية العمد توجب القصاص لأحد الأمرين، إذ الظاهر اختصاص ذلك بالحر دون العبد الذي صرح غير واحد من الأصحاب بأنه إذا قتل الحر(1)عبدا كان الولي مخيرا


1- 1 هكذا في النسخ. و الظاهر- إذا قتل العبد حرا.

ج 25، ص: 245

بين القصاص و الاسترقاق، بل قيل: إنه كذلك قولا واحدا، بل الظاهر إلحاق جناية الأطراف بالنفس، و من هنا يظهر لك أنه لا ينبغي بناء جواز العفو له على غير مال، على القولين المزبورين، فيصح على الأول، لأن اختيار المال ضرب من الإكتساب، و لا يجبر الراهن على ذلك لحق المرتهن، بل لو عفي مطلقا لم يثبت المال حينئذ، و لا يصح على الثاني، لأن عفوه حينئذ كعفو المحجور عليه لفلس لا ينفذ الا فيما لا تعلق فيه للمال، إذ قد عرفت ان ذلك في الحر.

ثم إن كان الواجب في الجناية أكثر من قيمة القاتل أو مثلها، فعن الشيخ أنه يباع لأنه ربما رغب فيه راغب، فيفضل من قيمته شي ء يكون رهنا عند مرتهنه. و عن بعض العامة و محتمل التحرير، أنه ينقل عينه إلى مرتهن المجني عليه، لعدم الفائدة في بيعه، و ربما رجح الأول بأن الحق في مالية العبد لا عينه التي لم يجبر الراهن عليها، و إنما تعلق بها حق مرتهن المقتول بسبب الجناية، و إن كان الواجب الأقل فبالنسبة، نقلا أو بيعا على الوجهين أيضا.

قلت: إن اتفق الثلاثة على نقل العين أو البيع فلا بحث، و قد يحتمل صيرورة الزائد رهنا في الأول لو تجددت زيادة قيمته، و الأقوى خلافه مع بطلان رهانته حال النقل، إذ لا دليل على عودها في المتجدد، و إن اتفق الراهن و مرتهن المقتول على أحد الأمرين، لم يكن لراهن القاتل منعهما منه، سواء كان بيعا أو نقلا، إلا إذا وجد الراغب الباذل للزيادة على قيمة المقتول، فله حينئذ الإلزام بالبيع، أو إبقاء ما قابلها منه رهنا عنده، و لو اتفق المرتهنان على أحد الأمرين، كان للراهن مخالفتهما لأن حق الجناية له.

و احتمال أن لمرتهن القتيل الإلزام بالبيع-، لأن الدية المستحقة نقدا و الإلزام بالنقد، لأن الاستحقاق حينئذ له، و إلا فالمولى لا يستحق على مملوكه- ضعيف لأن استحقاقه تبع لاستحقاق المولى لو كان غير مالك، فالمتجه حينئذ كون التخيير بيد المولى في البيع أو النقل، بناء على ثبوت ذلك للمولى غير المالك، و ثبوت حق الرهانة في رقبة الجاني قهرا- لعموم ما دل على أن جناية العبد في رقبته، الشامل

ج 25، ص: 246

لمثل حق الرهانة-، لا ينافي ضرورة كون ثبوته مراعى بحق المولى المفروض تخيره بين القصاص، و النقل للعين و البيع، بل الظاهر أن المراد بالبيع الكناية عن قيمة العبد لا خصوص البيع، و حينئذ فللمولى دفع القيمة لمرتهن المجني عليه، و فك الجاني من الرهانة، بعد عدم اختياره القصاص أو النقل للرهانة، و الأمر في ذلك كله سهل.

انما الكلام فيما هو ظاهر من تعرض لهذا الفرع من الأصحاب من بطلان رهانة القاتل، مع أنه لا داعي إليه، إذ يمكن القول باجتماع الرهانتين، و إن قدم في الاستيفاء مرتهن المقتول، لمكان حق الجناية، و تظهر الثمرة فيما لو فك منه و في غيره، اللهم إلا أن يقال: إنه لما كان القاعدة عدم استحقاق المولى على عبده مالا، إلا أنه هنا لمكان تعلق حق الارتهان في المقتول كان للمولى حينئذ حكم الأجنبي الذي له الاسترقاق و البيع، و إبطال حق المرتهن، فلما تعذر الاسترقاق حقيقة بالنسبة إليه لأنه تحصيل الحاصل اعطى لازمه، و هو الانتزاع و إبطال الرهانة، و لكن للبحث فيه مجال، و المسألة غير محررة في كلام الأصحاب.

و أما إذا كان المقتول رهنا عند مرتهن القاتل، فإن كان على حق واحد فالجناية هدر، و إن تعدد قيل: و كذا إن تعدد و تساويا جنسا و قدرا و تساوت القيمتان، إلا أن يكون دين المقتول أصح و أثبت من دين القاتل، كأن يكون مستقرا و دين القاتل عوض شي ء يرد بعيب أو صداق قبل الدخول، فله حينئذ النقل أو البيع على أحد الوجهين السابقين للرهانة عليه، و كذا إن تعدد الدينان و اختلفا بالحلول و التأجيل أو في طول الأجل و قصره.

أما إذا أنفقا فيه فإما أن يتفقا جنسا و قدرا، أو يختلفا، فإن اتفقا و اختلف العبدان في القيمة، و كانت قيمة المقتول أكثر، فالجناية هدر، لانتفاء الفائدة كما لو تساويا، و إن كانت قيمة القاتل أكثر منه نقل قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل، و بقي الباقي رهنا بما كان.

و إن اختلف الدينان قدرا لا جنسا، فإن تساوت قيمة العبدين أو كان القتيل

ج 25، ص: 247

أكثر قيمة، فإن كان المرهون بأكثر الدينين القتيل فله التوثق بالقاتل، لأن التوثق لأكثر الدينين في نفسه فائدة مطلوبة، بخلاف ما لو كان القتيل مرهونا بأقله فلا فائدة في النقل حينئذ.

و إن كان القتيل أقل قيمة كان مرهونا بأقل الدينين فلا فائدة في النقل، و إن كان مرهونا بأكثر نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر و يبقى الباقي رهنا، و إن اختلف الدينان في الجنس، فهو كالاختلاف في القدر أو في الحلول و التأجيل، هذا حاصل ما ذكروه، و مرجعه إلى حصول الفائدة للمرتهن في نقل الرهانة، و عدمها إلا ان ما قدمناه سابقا من البحث آت في المقام، بل لعله أولى من السابق.

بل قد يشكل أيضا بأنه لا مدخلية للفائدة و عدمها في النقل القهري للرهانة، باعتبار اقتضاء الجناية ذلك و له ثمرات، فإنه بناء على ذلك لو اتفق وفاء دين الجاني بإبراء و نحوه لم يقدح في بقائه رهنا على دين المجني عليه، و إن كان مساويا له في القدر و الجنس و الحلول مع تساوى قيمتي العبدين، بخلافه على تقدير عدم انتقل فإنه تمضي الرهانة إلى غير ذلك مما يظهر لك بأدنى تأمل بعد الإحاطة بما ذكرناه من كون الانتقال إلى الرهانة قهريا بسبب الجناية.

ثم إن الكلام في نقل العين أو القيمة يأتي مثله هنا أيضا، لكن عن التحرير أنه جزم في هذه المواضع بالبيع، و جعل الثمن رهنا، و لعله يريد أن له ذلك لا تعيينه بل ربما قطع بكون المراد ذلك، كما أن ما في القواعد في أصل المسألة يمكن إرادته ما ذكرنا، و إن أطلق هو، قال «و لو جنى على عبد مولاه، فكمولاه- أي فكالجناية على مولاه- إلا أن يكون رهنا من غير المرتهن، فله قتله و يبطل حق المرتهنين، و العفو على مال فيتعلق به حق المرتهن الآخر، و لو عفى بغير مال فكعفو المحجور عليه، و لو أوجبت أرشا فللثاني، و لو اتحد المرتهن و تغاير الدين فله بيعه، و جعل ثمنه رهنا بالدين الأخر».

بناء على أن المراد من المغايرة مجرد عدم كون الدين واحدا، بل و كذا عبارة الدروس في الاكتفاء بمطلق التغاير، قال: «و لو اختلف الدينان جاز نقل ما قابل

ج 25، ص: 248

الجناية بدلا من المجني عليه لمرتهنه» بناء على أن المراد بالاختلاف نحو ذلك، و قد نقلناها سابقا و جملة من فروع المقام عند البحث في رهانة الجاني و الأمر سهل و الله أعلم.

و لو أتلف الرهن متلف كلا أو بعضا الزم بقيمته و لو الأرش.

و تكون رهنا بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، لأن حق الرهانة متعلق بالعين و قد جعل لها الشارع بالتلف بدلا، فيتعلق به كما هو مقتضى البدلية، و لأن معنى الرهن الاستيثاق بالعين، ليستوفي الدين من قيمته، و إن كان العقد إنما جرى على العين، فوسوسة بعض الناس في هذا الحكم في غير محلها، بل الحكم ذلك و لو كان الذي أتلفه المرتهن لعدم دلالة إتلافه على إسقاط حق رهانته، كما أن عدم ضمان المالك لماله لا يسقط حق المرتهن، لو كان المتلف المالك كما هو واضح.

لكن لو كان المرتهن وكيلا في الأصل على بيع أو غيره لم يكن وكيلا في القيمة، لأن العقد لم يتناولها و لم يكن حق الوكالة من الأمور المتعلقة بالعين على حسب الرهانة، و لعل الاستيداع كذلك، كما صرح به في المسالك، فلم يفرق بين الوكالة على البيع أو على الحفظ في البطلان مع التلف، لكن في التذكرة و غيرها أن للعدل حفظ القيمة، لأنها بدل الرهن، و له إمساك الرهن و حفظه، و القيمة قائمة مقامه، و ليس له البيع لبطلان وكالته فيه، و فيه ما عرفت من ان الوكالة منوطة بما عينه المالك الذي يختلف أغراضه في الاستيمان على الأموال، و بيعها باختلاف الأشخاص، فقد يستأمن على عين، و لا يستأمن على قيمتها، و كذا البيع، فالفرق بينهما لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و لو رهن عصيرا جاز بلا خلاف، بل عن المبسوط الإجماع عليه، لأنه عين مملوكة يجوز بيعها إجماعا بقسميه، و احتمال صيرورته خمرا قبل حلول الحق غير قادح كرهن المريض. نعم لو علم ذلك اتجه المنع ما لم يعلم انقلابه خلا، و إلا جاز أيضا، بل قد يقال بجوازه بدونه، على نحو ما سمعته في رهن ما يسرع اليه الفساد قبل

ج 25، ص: 249

الحلول، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال ف إن صار خمرا في يد المرتهن بطل الرهن عندنا، للخروج عن الملكية التي هي شرط صحته، خلافا لأبي حنيفة فلم يبطل الملك و لا الرهانة، قياسا على العبد المرتد، و هو باطل عندنا، مع أن الفرق بينهما بمعلومية عدم ملك المسلم الخمر، و عدم جواز التصرف له فيه دون المرتد واضح، ف لا ريب في أن التحقيق ما قلنا.

نعم لو عاد خلا عاد إلى ملك الراهن بلا خلاف أجده بيننا، إلا ما تسمعه من المحكي عن أبي الصلاح و هو شاذ، لرجحانه على غيره بالملك السابق، و اليد المستمرة، إذ يد المرتهن من آثار يد المالك، و للسيرة و للإجماع، بل الضرورة على ملك الخل و جواز اتخاذه، مع أن العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة، على ما صرح به في التذكرة و جامع المقاصد و المسالك، فلو لم يعد بالخلية إلى الملك لم يملك الخل من اتخذه حينئذ، مضافا إلى الشك في اندراج الفرض في المباح الذي يملكه من استولى عليه، فلا بد من دخوله في ملك أحد حال تخلله، و لا ريب في رجحان المالك السابق على غيره، و إلى غير ذلك مما يظهر من التأمل فيما ذكرناه، فإذا عاد إلى ملك الراهن عادت الرهانة حينئذ معه، بلا خلاف أجده لأن العائد الملك السابق الذي كانت الرهانة متعلقة به، لا أنه ملكه بسبب جديد.

و في التذكرة «معنى قولنا يبطل الرهن، لا نريد به ارتفاع أثره بالكلية، و إلا لم يعد الرهن بل المراد ارتفاع حكمه ما دامت الخمرية ثابتة» و تبعه في جامع المقاصد و المسالك، و المراد أن العلاقة باقية، لمكان الأولوية، ففي الحقيقة الرهن و الملك موجودان بالقوة القريبة، لأن تخلله متوقع، و إنما الزائل كونه رهنا و ملكا بالفعل لوجود الخمرية المنافية لذلك، فيكون البطلان مراعى ببقائه كذلك، أو بتلفه لا على جهة الكشف كما عن بعض الشافعية، فيبين عدم البطلان بالعود خلا و الأظهر بطلانه بل على إرادة عود حكم الرهانة الاولى ابتداء من دون استيناف عقد رهانة جديدا،

ج 25، ص: 250

كما عن بعض آخر من الشافعية.

و لا استبعاد في مشروعية ذلك بعد وقوع النظير له في الشريعة، كإسلام زوجة الكافر التي تخرج به عن حكم العقد إذا أسلم قبل انقضاء العدة، و كذا إذا ارتد أحد الزوجين، بل من نظيره ما إذا اشترى المرتهن عينا من الراهن بدينه فتلفت قبل القبض، أو تقايلا بعده، بناء على عود الرهانة بانفساخ البيع، و حاصله أن عقد الرهانة لم يبطل بالخمرية حتى يقال: أنه لا بد من استينافه، بل الخمرية صارت مانعة من جريان حكم العقد، فمتى زالت عمل العقد عمله، و دعوى أن استدامة الملك شرط في صحة العقد، يمكن منعها خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في المقام، بل أقصى ما يسلم كونها شرطا في استمرار حكم العقد، و حينئذ فما دل على عدم ملك الخمر لا يقتضي فساد الرهانة فتأمل جيدا.

و قد ظهر من ذلك كله أن ما عن أبي الصلاح- من أنه إن صار خمرا بطلت وثيقة الرهن و وجب إراقته- ضعيف إن أراد بذلك عدم العود إن عادت، بل و إن أراد عدم جواز إبقائها للتخليل، إذ الظاهر عدم الخلاف عندنا في جوازه، و هي المسماة بالخمرة المحترمة، كما ستسمع.

ثم إن كان الرهن مشروطا ببيع لم يكن للمرتهن الخيار في الفسخ، و ان لم يتعقب التخليل، للوفاء بالشرط، و كذا إذا لم يقبضه، بناء على عدم اعتبار القبض في صحة الرهن، و إن قلنا باعتباره في اللزوم، و أما على القول بالاعتبار في الصحة و لم يقبضه حتى صار خمرا فالظاهر البطلان، لعدم الشرط قبل تمام الرهانة بلا خلاف أجده بين من قال بشرطية القبض، كما اعترف به في جامع المقاصد، و إن كان قد ناقش هو في ذلك بأنه لا مانع من الصحة مع تخلل الخمرية بين العقد و القبض الذي هو أحد أجزاء السبب، إذ دعوى- كون الشرط قابلية المورد للرهانة من أول العقد إلى حين تمام السبب- لا دليل عليها لكنها مناقشة مقطوع بفسادها بين الأصحاب في جميع القيود المعتبر في تمام السبب غيرها، كالتقابض في الصرف، و القبض في المجلس في السلم، و القبض في الهبة، و غير ذلك مما هو عندهم كأجزاء العقد التي لا إشكال

ج 25، ص: 251

في اعتبار الشرطية فيها، و لتحرير ذلك مقام آخر، و حينئذ يتخير المرتهن في المقام في فسخ البيع المشروط به، و لا تعود رهنا بعودها خلا، كما صرح به في الدروس، إلا برهانة مستأنفة.

و لو اختلفا في القبض هل كان قبل الخمرية أو بعده؟ قدم قول مدعي الصحة، و إن كان الراهن، كما تقدم البحث في نظائره في المباحث السابقة، و عن الشيخ أنه تردد في ذلك من البناء على الظاهر، و من أن القبض فعل المرتهن، فيقدم قوله فيه و هو في غير محله.

نعم لو كان الاختلاف في أصل القبض لا في صفته، كان القول قوله، لأصالة عدمه و من ذلك يظهر لك حينئذ ما في التذكرة من أن الأولى في المسألة الأولى تقديم قول المرتهن، حاكيا له عن الشيخ و أبي حنيفة و أحد قولي الشافعي، محتجا عليه بما هو واضح الضعف بأدنى تأمل، فلاحظ و تأمل.

و في التذكرة، أيضا «و لو انقلب المبيع خمرا قبل القبض فالكلام في انقطاع البيع و عوده إذا عاد خلا على ما ذكرنا في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض» و فيها أيضا في موضع آخر قريب من ذلك، «و إذا اشترى عصيرا فصار خمرا في يد البائع و عاد خلا فسد العقد، و لم يعد ملك المشتري لعوده خلا، و الفرق بينه و بين الرهن، أن الرهن عاد تبعا لملك الراهن، و هاهنا يعود ملك البائع لعدم العقد، و لا يصح أن يتبعه ملك المشتري» و هو مناف لذلك الكلام فتأمل جيدا. و لعله لإمكان ان يكون ذلك من التلف قبل القبض، فينفسخ العقد حينئذ، و لا معنى لعوده، و إن كان فيه منع واضح كما ستعرف.

و كيف كان ف لو رهن مسلم من مسلم خمرا، لم يصح بلا خلاف و لا إشكال، كما تقدم الكلام فيه، و فيما إذا وضعه على يد ذمي أو رهنه عنده أو بالعكس سابقا، لعدم الملكية التي قد عرفت اشتراطها في الرهن مما تقدم، و عدم جواز بيع المسلم إياها من غير فرق بين المحترمة و غير المحترمة فلو انقلب في يده أي المرتهن خلا فهو له لاستيلاء يده عليه، و ليست هي يد الأول، إذ الفرض

ج 25، ص: 252

كون الرهانة فاسدة، فهو حينئذ حال خليته مال لا مالك له، كباقي المباحات يملك حينئذ بالاستيلاء مع النية، أو بدونها على القولين، لكن قد يناقش بأن أولوية الأول للملك السابق، فلا تعارضه يد الثاني بعد ما سمعت سابقا من الشك في كون مثله من المباحات، و بأن فساد الرهانة لا ينافي كون اليد للأول، و أن المرتهن من فروعه، و خصوصا إذا كانت الخمر محترمة، و لعله لذا قال المصنف على تردد بل في جامع المقاصد، و المسالك أن الأقوى كونها للأول، إذا كانت محترمة، بخلاف غير المحترمة، فإنه لا يد لأحد عليها.

و حينئذ فلو غصبها غاصب فتخللت في يده كانت ملكا له، دون المغصوب منه، بل أطلق في القواعد، و المحكي عن المبسوط، و الإيضاح، ملكية الغاصب للخمر المتخللة في يده لكن قد يناقش بما سمعت من أولوية الأول بالملك السابق، بل عن غصب التذكرة ما يظهر منه الإجماع على أن الخمر المتخللة في يد الغاصب للمغصوب منه حيث نسبه إلى مذهبنا، بل عن غصب الخلاف أنه لا خلاف فيه، اللهم إلا أن ينزل كلامهما على المحترمة، لعدم تصور الغصب في غيرها، إذ لا سلطنة له عليها بخلافها فإن السلطنة ثابتة عليها و يجب ردها، و بالتخليل يضمن المثل لو تلف، فحينئذ يعود الملك للأول بعودها خلا لأن يد الغاصب كعدمها.

و لعل الأقوى صيرورتها ملكا للأول على كل حال بالتخلل، للأولوية التي مبناها حصول المانع للسبب في بعض الأزمنة، فيبقى الباقي على مقتضى عمله فيه، نحو ما سمعته في العصير المرهون المنقلب خمرا ثم خلا، ضرورة كون الجميع من واد واحد، فإن السبب الذي اقتضى الملك قبل الخمرية باق على حسب استعداده، و إنما منعه حال الخمرية ما دامت، باعتبار ما دل على عدم ملكها الذي لا يقتضي بطلان أصل السبب، بل أقصاه بطلان أثره ما دام المانع، فإذا زال عمل المقتضي مقتضاه.

و من هنا لم يشترط في ملكية الأول حصول يده عليه، لأن المملك له هو السبب الأول لا يده، و حينئذ فلا فرق بين المحترمة و غيرها، و بين المأخوذة قهرا من يده إذا

ج 25، ص: 253

فرض تخللها و غيرها.

و يؤيد ذلك ما تسمعه إنشاء الله من عدم الخلاف في أنه لو غصب عصيرا فصار خمرا في يد الغاصب ثم صار خلا يعود على ملك الأول، ليس إلا لما ذكرناه، و منه يعلم الوجه فيما ذكره في التذكرة أولا، فإنه لما صار خمرا في يد البائع لم يبطل أصل السبب، بل بطل حكمه، في أن الخمرية، نحو ما سمعته في الرهانة، و في إسلام أحد الزوجين، فلما زال المانع عمل السبب عمله.

و أما احتمال أنه من التلف قبل القبض، فيدفعه منع كونه تلفا حقيقة، بل و لا حكما بعد فرض العود إلى الخلية، و بذلك يظهر الفرق بين حالي الابتداء و الاستدامة ضرورة مشروعية المانع في الثاني في إسلام أحد الزوجين و الارتداد و نحوهما، بخلاف الأول، فلا يجوز العقد على الخمر ابتداء مراعيا في صحته صيرورته خلا، ضرورة كونه كتعليق السبب المعلوم بطلانه، فاتضح أن صحة مانع الاستدامة لا يستلزم الصحة في الابتداء. كما أنه اتضح بهذا التحقيق ما في جملة من الكلمات التي هي غير محررة و لا منقحة، حتى ما في المتن.

نعم ليس كذا لك لو جمع جامع خمرا مراقا فتخللت في يده إذ الظاهر كونها ملكا للثاني بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له، دون الأول، لإسقاط حق أولويته منها بالإراقة الظاهرة في الإعراض الذي يزيل حكم الملك الذي هو أقوى من الحق المزبور، و لا يقدح حرمة الجمع على الجامع، إذ ليس حكمنا بملكه للجمع المزبور، بل لاستيلائه على العين حال التخليل الذي صارت به مالا بلا مالك، لتكون كالمباحات، مع أن الظاهر عدم الحرمة لو أراد الجمع للتخليل، فإن الظاهر صحة إبقائها و حفظها لذلك، و من ثم سميت محترمة: أي يحرم غصبها و إتلافها على من في يده.

بل في المسالك لو لا احترامها لأدى ذلك إلى تعذر اتخاذ الخل، لأن العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة، و نحوه في جامع المقاصد و التذكرة، قال في الأخير: «الخمر قسمان، محترمة: و هي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا، و إنما

ج 25، ص: 254

كانت محترمة، لأن اتخاذ الخل جائز إجماعا، و العصير لا ينقلب إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة، فلو لم تحرم و أريقت في تلك الحال لتعذر اتخاذ الخل، و الثاني:

غير محترمة: و هي التي اتخذ عصيرها لغرض الخمرية.

و قد استفاد بعض مشايخنا من هذه العبارات أنه لا بد من سبق الخمرية للخل في عصير التمر و غيره، بل قال: ليس المراد من العصير ما استخرج ماؤه بالعصر، بل هو أعم منه فحينئذ ما يستعمله الناس من خل التمر و الزبيب لا يجوز استعماله إذا اشتد قبل الحموضة، و لنا معه بحث ذكرناه في غير المقام، و على كل حال فما يظهر من المصنف من التردد في كون المفروض ملكا للجامع في غير محله، كالإشكال عن التحرير أولا، و قد بان من ذلك كله الفرق بين الجامع و الغاصب، فيملك في الأول دون الثاني على الأصح.

و على كل حال ف ليس كذلك لو غصب عصيرا فصار خمرا في يده ثم تخلل كذلك، فإنه لا خلاف كما في المسالك و محكي غاية المرام في عدم ملكية الغاصب له، بل هو ملك للمغصوب منه، فيرجعه إليه، و يرجع أرش النقصان معه لو قصرت قيمته عن العصير، بل الظاهر وجوب دفعه إليه في حال الخمرية، لأولويته، و إمكان إرادة تخليله، إلا أن يعلم إرادته منه الشرب، فلا يجوز، و يرد معه مثل العصير، لإمكان عدم انقلابه خلا، فإذا عاد رده إليه، لأنه قد عاد ملكه إليه، و ان تغيرت صورته، و تمام الكلام يأتي في باب الغصب إنشاء الله.

ثم ليعلم أن الخمر قد يذكر، كما عن القاموس و غيره، بل ظاهر المحكي عن المصباح المنير: أنهما على حد سواء، قال: الخمر معروفة يذكر و يؤنث، فيقال:

هو الخمر، و هي الخمر، و قال الأصمعي: الخمر أنثى و أنكر التذكير، كما أن ظاهره اختصاص الإنكار بالاصمعي المحجوج بنقل المثبت، بل تذكير المصنف و الفاضل و غيرهما من الأساطين الضابطين شاهد على خلافه أيضا، و الأمر سهل.

و لو رهنه بيضة فأحضنها فصارت في يده فرخا كان الملك و الرهن باقيين،

ج 25، ص: 255

و كذا لو رهنه حبا فزرعه بلا إشكال في كل منهما، أما الأول فلأن هذه الأشياء نتيجة ماله، و مادتها له، فلم تخرج عن ملكه بالتغيير، و الاستحالات المتجددة صفات حاصلة فيهما، و حصل بسببها استعدادات مختلفة، لتكونات متعاقبة خلقها الله تعالى فيها و وهبها له، و الأرض و الماء و الإحضان و نحوها من المعدات التي لا تخرج المادة عن ملك صاحبها.

و أما الثاني: فلأن الرهن تابع للعين كيفما تغيرت و تنقلت، إذ هو مشابه لصفة الملك في ذلك، و ليس معلقا على اسم البيضة و الحب حتى يزول بزوال الاسم، كما هو واضح، بل ليس ذا من مسألة النماءات التي فيها البحث السابق، بل هو كسمن الدابة و نحوه مما لا إشكال في تعلق الرهن به، و احتمال تعلق الرهن بمقدار الحب من الزرع و غيره ظاهر الفساد، بل لا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا ما يحكى عن الشيخ و بعض العامة من تسبيب هذه التغييرات الملك للقابض، تنزيلا للعين منزلة التلف، فغايته ضمان المثل أو القيمة، و ضعفه واضح، كما هو محرر في باب الغصب و الله أعلم.

و إذا رهن اثنان عبدا بينهما بدين عليهما، كانت حصة كل واحد منهما رهنا بدينه مع الإطلاق فإذا أداه صارت حصته طلقا، و إن بقيت حصة الآخر رهنا، كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا عند قول المصنف: و لو رهن على مال رهنا ثم استدان آخر، إلى آخر البحث فلاحظ و تأمل.

ج 25، ص: 256

[المقصد الثالث في النزاع الواقع فيه و فيه مسائل ]
اشارة

المقصد الثالث من المقاصد التي استدعاها البحث في لواحق كتاب الرهن في النزاع الواقع فيه.

و ان تقدم بعضها في مطاوي الأبحاث السابقة و لكن مع ذلك فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا رهن مشاعا و تشاح الشريك و المرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم ]

الأولى: إذا رهن مشاعا و أذن للمرتهن في قبضه و استدامة يده عليه و تشاح الشريك و المرتهن في إمساكه للرهانة و لو من حيث إذن الراهن له في ذلك أو للاستيمان انتزعه الحاكم و قبضه لهما بنفسه، أو نصب عدلا يكون في يده لهما، بل قد يقال: بجواز نصب أحدهما لذلك، لكن لا يخلو من اشكال، و على كل حال يقوم القبض مقام قبض المرتهن، في تحقق الرهانة، و إن لم يكن ذلك بوكالة من المرتهن، بل ربما لا يكون له التوكيل في ذلك، كما إذا شرط الراهن عليه القبض بنفسه، بل لاقتضاء نصبه حاكما من الشارع ذلك، ضرورة أن الحاكم هو المعد لقطع أمثال هذه المنازعات المتوقف على نحو ذلك، و ان كان موضوعه حال طلب كل منهما انقطاعه، لكن لا يكون الحاكم في ذلك فرع إذنهما على وجه يكون له حكم المأذون، بل قد يقال: لا حاجة إلى اذن الراهن.

لكن في المسالك فان الحاكم ينصب له عدلا لقبضه عن الرهن، و ليكن بإذن الراهن، و للأمانة، و لعل إطلاق الأصحاب على خلافه. نعم لو أن الراهن شرط في عقد الرهانة القبض بنفسه، أمكن حينئذ الحكم بانتفائها بالتشاح، و قد يظهر من لفظ النصب في جملة من عبارات الأصحاب كون العدل قيما لا وكيلا عنهما، بل و لا عن الحاكم، فلا يزول حكم قبضه بخروج الحاكم أو المرتهن أو الشريك عن بعض صفة التوكيل، و مثله لو كان التشاح بين الشريكين في أصل قبض المال المشترك و الاستيمان عليه، بل لعل الظاهر أن للحاكم من حيث الحكومة المعدة لقطع النزاع انتزاعه منهما و نصب أمين عليه، و ان اتفقا معا على عدم الرضا بذلك ما لم يتفقا على ما

ج 25، ص: 257

يحصل به قطع النزاع بينهما، و الأصل في ذلك و غيره من الأحكام المتصورة في المقام

قوله عليه السلام «فإنى قد جعلته عليكم حاكما»

إذ الحاكم هو المعد لقطع مثل ذلك الذي يجب على الشارع حسم مادته لما يترتب عليه من المفاسد.

و منه يظهر أن حكومة الحاكم لا تختص بما كان من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، بل هي أعم من ذلك، ضرورة عدم المعروف في الفرض، إذ لا يجب على أحد الشريكين الإذن للآخر في القبض، أو لمن يريده أحدهما فتشاحهما لا معصية فيه من أحدهما، و ربما تكون المصلحة لكل منهما في عدم استيمان الآخر، بل ربما يكون ضرر على كل منهما بذلك.

و على كل حال فإذا انتزعه منهما آجره إن كان له أجرة و لو على بعض الشركاء على إشكال، مدة لا تزيد عن أخذ الحق إلا برضا المرتهن و إجازته، ثم قسمها بينهما بموجب الشركة ان طلبوا استيجاره، فان لم يطلبه أحد منهم أبقاه من دون إجارة، و إن طلبه أحد الشريكين دون الأخر هايأ بينهما، فيؤجره في مدة الطالب دون الأخر، و إن طلبه المرتهن توقف على إذن الراهن و كذا العكس، و الأجرة تكون بين المرتهن و الشريك بناء على تبعية مثل هذا النماء للرهن و إلا كانت بين الشريكين.

و إن لم تكن له أجرة أو لم يريدوا استيجاره جعله عنده أمانة أو استأمن عليه من شاء و لو أحدهما على اشكال، و قد عرفت ان له فعل ذلك كله قطعا للمنازعة المنصوب لحسمها و ما شابهها، بل الظاهر أن له الإلزام بالقسمة فيما يقسم، و البيع في غيره و نحو ذلك، مع توقف قطعها عليه، بل قد يحتمل جواز ذلك له و إن لم يتوقف، لأنه مخير في أفراد القطع و الفرض ان ذلك أحدها، لكن يقوى العدم فيقتصر في القطع على أقل الأفراد ضررا عليهما، و أقلها مخالفة للضوابط.

و تحرير هذه الجملة محتاج إلى بسط في الكلام، و ليس هذا محله، خصوصا بالنسبة إلى ثبوت ولاية الحاكم في نحو المقام الذي يكون فيه القبض شرطا في الصحة،

ج 25، ص: 258

الظاهر في كون الشرط قبض المرتهن نفسه، و قبض المتعاقدين في مثل الصرف، و قبض الموقوف عليه في الوقف، و قبض الموهوب في الهبة، فإن قيام قبض الحاكم مقامه مع عدم التوكيل لا يخلو من بحث، بل لا يخلو أصل ثبوت ولايته فيما يقطع به النزاع اقتراحا مع فرض عدم معصية من أحدهما في دعواه منه أيضا، و إن كان ظاهر الأصحاب في المقام و نظائره ذلك، لإطلاق الأدلة في كونه منصوبا لذلك، و لأن مجاري الأمور بيده، و أولويته من الحكمين في نزاع الزوجين و غير ذلك، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث ]

المسألة الثانية: إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث بلا خلاف و لا إشكال فإن امتنع الراهن من استئمانه كان له ذلك و إن كان المرتهن مؤتمنا سابقا لبطلان ذلك بالموت فان اتفقا على أمين و إلا استأمن عليه الحاكم كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا في آخر الفصل الخامس و غيره، بل تقدم الآن في المسألة السابقة ماله تعلق به في الجملة، كما لا يخفى.

[المسألة الثالثة إذا فرط في الرهن و تلف لزمته قيمته ]

المسألة الثالثة: إذا فرط في الرهن أو تعدى فيه ضمنه بلا خلاف و لا إشكال، فإن كان مثليا و تلف لزمه مثله. فإن تعذر فقيمته عند الأداء أو التلف.

أو الأعلى على ما تقدم سابقا في باب القرض و غيره من نظائر المسألة، و ان كان قيميا لزمته قيمته إلا أن المصنف على أنها يوم قبضه و لم نعرفه لغيره، بل عن جماعة الاعتراف بمجهولية قائله، و إن أرسله في القواعد، و ربما أراد المصنف، كما أنه لم نعرف له وجها يعتد به، ضرورة عدم كون العين مضمونة قبل التفريط.

لكن في المسالك «حكم المصنف باعتبار قيمته يوم قبضه، مبني على أن القيمي يضمن بمثله» و قد أخذ ذلك من الدروس حيث قال: «و المعتبر بالقيمة يوم التلف» و قال ابن الجنيد: «الأعلى من التلف الى الحكم عليه بالقيمة» و يلوح من المحقق أن الاعتبار بالقيمة يوم القبض، بناء على أن القيمي يضمن بمثله، و في كلام ابن الجنيد إيماء اليه، و فيهما معا- بعد الإغضاء عن إرادة المثل من القيمة في كلام المصنف إلا أن يحمل على تعذر المثل، و فيه ما لا يخفي أيضا- أن ذلك لا يقتضي الاعتبار يوم القبض أيضا، و من هنا في المسالك بعد أن بناه على ما سمعت قال: «و مع ذلك ففي

ج 25، ص: 259

اعتبار يوم القبض نظر، لأنه ثم لم يكن مضمونا، فينبغي على ذلك اعتبار المثل يوم الضمان» و هو كذلك، فلو كان الرهن يوم القبض سمينا فهزل قبل التفريط ثم فرط فيه ضمنه بمثله الصوري من يوم التفريط لا القبض كما هو واضح، و دعوى أن التفريط يوجب رد المقبوض يوم القبض، كما ترى، مع أنه لا تخص القول بضمان القيمي بمثله.

و بالجملة هذا القول على كل حال في غاية الضعف، و مثله في ذلك القول بضمان أعلى القيم من حين القبض إلى حين التلف، و إن قال في المسالك: «أنه نسب إلى الشيخ في المبسوط» بل عن الصيمري أنه قول مشهور، نقله فخر الدين و اختاره، بل في الرياض «أنه مشهور في المصنفات و لعله أحوط و أجود، إما لكونه كالغاصب فيؤخذ بأشق الأحوال، أو لاقتضاء الشغل الذمة اليقيني البراءة كذلك، و لا تحصل إلا بذلك».

لكن فيه ما عرفت من انه لا وجه لضمان القيمة قبل حصول سبب الضمان، و المشابهة للغاصب انما تحصل بالتفريط لا قبله، و البراءة اليقينية أو ما بمنزلتها تحصل بما دل على ضمانه يوم التلف، على أن الظاهر عدم كون المقام مما يجب فيه يقين البراءة لعدم الإجمال في موضوع التكليف، بل هو من الشك في الأقل و الأكثر، مع عدم توقف صحة الأول على الثاني، فأصل البراءة محكم في نفسه إذ هو كالشك في شغل الذمة لشخص بالأقل أو الأكثر، و كالشك في وجوب قضاء فريضة عليه أو أزيد و نحو ذلك، فلا ريب حينئذ في ضعف هذا القول، و مشاركته في عدم المستند للأول، و أضعف منهما ما عن الإسكافي من أنه أعلى القيم من يوم التلف إلى يوم حكم الحاكم عليه أو إلى المطالبة بها كما في نقل آخر عنه، و لعلهما بمعنى، كما أن فسادهما معا على تقدير اختلافهما واضح، ضرورة تعلق الضمان حال التلف من غير مدخلية للمطالبة أو حكم الحاكم. نعم قد يقوى ضمان أعلى القيم من حين التفريط إلى حين التلف، كما عن المختلف و الصيمري و ابن فهد. لأنه حينئذ كالغاصب، و لتضرر المالك بما فات في يده من تفاوت القيمة.

ج 25، ص: 260

و لكن الأقوى منه ما قيل: من أن ضمانه بقيمته يوم هلاكه بل لعله خيرة الأكثر كما اعترف به في المسالك، لأنه يوم الانتقال، إذ قبله كان الخطاب منحصرا في رد العين، و عدم المنافاة بين انحصار الحق في العين قبل التلف و انتقال قيمتها قبله إلى الذمة بعده لا يكون مقتضيا لذلك، و الحكم في الغاصب ممنوع فضلا عن المقام، كمنع ضمان مثل هذا الضرر، و لذا لا يضمن لو رد العين نفسها فكذا ما أقامه الشارع مقامها الذي هو في الحقيقة طريق تأدية لها. نعم لو كانت التفاوت بسبب نقص في العين قد حصل في يده بعد التفريط، اتجه اعتبار الأعلى حينئذ، لفوات الأجزاء المضمونة عليه في يده، حتى لو رد العين نفسها على الأقوى، كما هو واضح.

و قد ظهر من ذلك أن ما في المتن و غيره من أنه قيل: يضمن أعلى القيم يرجع إلى أحد الأقوال السابقة إذ لا معنى له بدون التنزيل على أحدها، و قد مر تمام الكلام في نظائر المسألة، و يأتي إنشاء الله تعالى في باب الغصب.

فلو اختلفا اى الرهن و المرتهن في القيمة المضمونة بالتفريط فالقول قول الراهن عند الأكثر كما في الدروس، بل عن الغنية الإجماع عليه، مؤيدا بحكاية عن الشيخين و القاضي و الديملي و التقي و ابن حمزة لأن المرتهن خائن بتفريطه، فلا يقبل قوله و فيه أن قبول قوله لإنكاره، لا من حيث أمانته التي ارتفعت بخيانته و من هنا قيل القول قول المرتهن (11) لأصالة البراءة من الزائد، فيكون منكرا عليه اليمين، و على الراهن المدعي البينة كما هو مضمون النبوي و (12) لا ريب في أنه هو الأشبه (13) وفاقا للشهيدين و المحكي عن الحلي و الفاضل و كثير من المتأخرين. نعم القول قول الراهن في دعوى قلتها لو كان هو المتلف للرهن، و أراد المرتهن القيمة منه، تكون رهنا، فادعى عليه زيادتها، لكون الأصل معه، فيكون منكرا عليه اليمين، و المرتهن المدعي عليه البينة، و لو كان المتلف أجنبيا و صدقه الراهن في دعوى القلة لم يكن للمرتهن سبيل عليه، مع احتمال توجه اليمين له عليه، باعتبار تعلق حق الرهانة بها، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة لو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن ]

المسألة الرابعة لو اختلفا فيما على الرهن (14) قلة و كثرة مع اتحاد الدين

ج 25، ص: 261

و تعدده، و إن اتفقا على شغل الذمة كان القول قول الراهن، و قيل: و القائل الإسكافي القول قول المرتهن ما لم يستغرق دعواه ثمن الرهن، و الأول أشهر بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل عن ابني زهرة و إدريس الإجماع عليه، و لعله كذلك، لعدم قدح خلافه فيه، و هو الحجة.

مضافا إلى قاعدة المدعي و المنكر إذ لا ريب في كون الأول هنا المرتهن، و الثاني الراهن الموافق قوله لأصالة عدم ارتهانه بأزيد مما اعترف به المالك، بل لو كان النزاع في أصل شغل الذمة به، كان الأصل براءة الذمة.

و إلى

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما فيه، فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف، فقال صاحب الرهن:

إنه بماءة قال: البينة على الذي عنده الرهن أنه بألف، و إن لم يكن عنده بينة فعلى الراهن اليمين».

و

موثقة ابن ابى يعفور(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا اختلفا في الرهن فقال أحدهما: رهنه بألف، و قال الآخر: بماءة درهم؟ فقال: يسئل صاحب الألف البينة، فإن لم يكن بينة، حلف صاحب الماءة».

و

موثق عبيد بن زرارة(3)عنه أيضا «في رجل رهن عند صاحبه رهنا لا بينة بينهما، فادعى الذي عنده الرهن أنه بألف فان لم يكن عنده بينة، فعلى الذي له الرهن اليمين أنه بماءة.»

فلا محيص حينئذ عن المشهور، خصوصا مع عدم دليل للإسكافي صالح لمعارضة ما سمعت، إذ ليس إلا موافقة الظاهر في بعض الافراد الذي لا عبرة به في مقابلة ما سمعت.

و

خبر السكوني (4)عن جعفر عن أبيه عن على عليه السلام «في رهن اختلف فيه الراهن و المرتهن؟

فقال الراهن: هو بكذا و كذا، و قال المرتهن: هو بأكثر؟ قال


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الرهن الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الرهن الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الرهن الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام الرهن الحديث 4.

ج 25، ص: 262

على عليه السلام، يصدق المرتهن حتى يحيط بالثمن، لأنه أمينه»

الضعيف سندا الموافق لأحد قولي العامة، المخالف للمتواتر كما في جامع المقاصد المحتمل لما عن الشيخ من أن الاولى للراهن أن يصدق المرتهن.

فمثله لا يصلح لمعارضة ما تقدم من وجوه، على أن ظاهره باعتبار مفهوم الغاية تصديق الراهن فيما لو أحاطت دعوى المرتهن بالثمن، و المعروف حكايته عن ابن الجنيد أنه يصدق المرتهن ما لم يدع زيادة القيمة على الراهن، فهو مخالف حينئذ للخبر.

نعم على ما حكاه في المتن عنه يتجه الاستدلال له به، و كان الموجب لاختلاف النقل عنه عبارته المحكية عنه، و هي: المرتهن يصدق في دعواه حتى يحيط بالثمن، فإن زاد دعوى المرتهن على القيمة لا تقبل إلا ببينة. باعتبار اشتمالها على مفهوم الغاية القاضي بخروج دعوى الإحاطة عن حكم دعوى غيرها، و على مفهوم الشرط القاضي بدخولها.

و على كل حال فالمذهب، الأول، بل لو أراد ابن الجنيد- ما يشمل دعوى المرتهن أصل الشغل بالزائد- كما عساه يظهر من بعض، بل ظاهر الفاضل في القواعد أن نزاعه في ذلك- كان مخالفا للضوابط الشرعية، بل يمكن دعوى الضرورة حينئذ على خلافه و الله أعلم.

[المسألة الخامسة لو اختلفا في متاع فقال أحدهما هو وديعة]

المسألة الخامسة: لو اختلفا في متاع فقال أحدهما أي المالك هو وديعة عندك و قال الممسك هو رهن ف المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل ربما استظهر من نافع المصنف الإجماع عليه أن القول قول المالك و قيل: و القائل الصدوق، و الشيخ، في المحكي عن مقنع الأول، و استبصار الثاني، القول قول الممسك، و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، لأنه منكر باعتبار موافقة قوله لأصالة عدم الارتهان.

و

في موثق إسحاق بن عمار(1)عن الصادق عليه السلام في الاختلاف في الوديعة و القرض «أن القول قول صاحب المال مع يمينه»

و خصوص المورد لا يخصص الوارد،


1- 1 الوسائل الباب- 18- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.

ج 25، ص: 263

فيستفاد منه حينئذ أصالة عدم الحكم بمال الإنسان بغير قوله، و إن كان مدعيا، فضلا عما نحن فيه، مما هو مدعى عليه، اللهم إلا أن يقال إن ما فيه مبنى على أصالة الضمان في اليد، حتى يقوم خلافه، لا على الأصل المزبور

الشامل للمقام، فلا يكون شاهدا له، و فيه بحث.

و على كل حال فقد يؤيد ما نحن فيه أيضا الخبر المتقدم (1)سابقا في مسألة استيفاء المرتهن الدين مما في يده إذا خاف جحود الوارث لو أقر بالرهانة، ضرورة ظهوره في أن القول قول الوارث مع الإقرار لا قوله، و إن كان المال في يده فلاحظ و تأمل.

كل ذلك مضافا إلى خصوص

صحيح ابن مسلم (2)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل رهن عند صاحبه رهنا، فقال الذي عنده الرهن: أرهنته عندي بكذا و كذا، و قال الأخر: إنما هو عندك وديعة، فقال: البينة على الذي عنده الرهن أنه بكذا و كذا، فإن لم يكن له بينة فعلى الذي له الرهن اليمين»

لكن حمله الشيخ على صورة النزاع في الدين، لا الرهن، فقال: إنما قال: عليه البينة على مقدار الدين الذي ارتهنه به، لا على أصل الرهن، و حينئذ فيمين المالك مع تعذر البينة على نفي الدين، و مقتضاه أن محل النزاع صورة الاتفاق على الدين، و لكن اختلفا في الرهانة عليه، و الوديعة.

فلا يكون المحكي عن ابن حمزة- من التفصيل بين اعتراف صاحب المتاع بالدين فالقول قول الممسك و عدمه فالقول قول المالك- قولا ثالثا في المسئلة منشؤه الجمع بين الصحيح المتقدم و بين

خبر عبادة بن صهيب (3)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متاع في يد رجلين أحدهما يقول: استودعتكه، و الآخر يقول هو رهن؟ فقال: القول قول الذي يقول أنه رهن عندي، إلا أن يأتي الذي ادعى أنه أودعه بشهود»

و

موثق ابن ابى يعفور(4)عن الصادق عليه السلام المتقدم صدره سابقا «قال: و ان كان الرهن أقل مما رهن به أو أكثر و اختلفا، فقال أحدهما: هو رهن، و قال الآخر هو وديعة؟ قال:

على صاحب الوديعة البينة، فإن لم يكن بينة حلف صاحب الرهن».


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الرهن الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الرهن الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب- 16- من أبواب أحكام الرهن الحديث 3.

ج 25، ص: 264

و صحيح أبان (1)الموافق في المتن للموثق المزبور، حتى ظن في الحدائق أنهما خبر واحد منكرا بذلك على ما حكاه عن صاحب الكفاية من عدهما خبرين، لكن فيه أنه هو قد اعترف بأن الصدوق رواه عن فضالة عن أبان عن الصادق عليه السلام، و أن طريقه إلى فضالة صحيح، و أن الشيخ روى الأول بسنده عن أبان عن ابن أبى يعفور، و بذلك يكونان خبرين، و ان اتحد متنهما.

و كيف كان ففيه- مع أنه لا شاهد لهذا الجمع أولا- أنه فرع المقاومة المفقودة في المقام، لا للضعف سندا، لما عرفت من أن فيهما الموثق و الصحيح، و لكن لندرة العامل، بخلاف الأول الذي قد عرفت عظم شهرته، و لاعتضاده بما عرفت من القواعد و غيرها، و دعوى- اعتضاد هذه بظهور كونه رهنا بعد الاعتراف بالدين- واضحة المنع، مع أنه على تسليمها لا تساوي ما اعتضد به الأول، خصوصا ما قيل: من موافقة هذه للتقية أيضا، و أضعف من ذلك ما يحكى عن ابن الجنيد من الجمع بينها بالتفصيل أيضا بين صورتي اعتراف القابض للمالك بكونه في يده على سبيل الامانة ثم صار رهنا فالقول قول المالك، و صورة دعواه الرهانة ابتداء فالقول قوله، إذ هو كما ترى، و قد ظهر من ذلك كله أنه لا محيص عن المشهور، و إن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين، بل جزم بخلافه آخر ترجيحا للنصوص المزبورة على الصحيح الأول، إلا أن خلافه غير قادح، بعد أن كان منشؤه اختلال الطريقة، بل ربما أفاد المشهور قوة و الله أعلم.

[المسألة السادسة إذا أذن المرتهن للراهن في البيع و رجع ثم اختلفا فقال المرتهن رجعت قبل البيع ]

المسألة السادسة: إذا أذن المرتهن للراهن في البيع و رجع، ثم اختلفا فقال المرتهن: رجعت قبل البيع، و قال الراهن رجعت بعده كان القول قول المرتهن عند المشهور بين الأصحاب بل في جامع المقاصد نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع، خصوصا مع قوله أنه ينبغي الوقوف معهم. و إن كان الدليل يقتضي خلافه، ترجيحا لجانب الوثيقة المستصحب بقاؤها إلى أن يعلم المزيل. و ليس، لأن الاذن في البيع غير مسقط لها، و إنما المسقط لها البيع المأذون فيه، و لم يثبت إذ الدعويان متكافئان لأن الراهن يدعى تقدم البيع على الرجوع و الأصل عدمه، و المرتهن بالعكس،


1- 1 المصدر المصنف.

ج 25، ص: 265

و الأصل عدمه، فإن كلا منهما حادث، و الأصل تأخره، و الاقتران أيضا حادث و الأصل عدمه، مع انه لو حكم به هنا لاقتضى فساد البيع.

و على كل حال يبقى استصحاب الرهانة سالما عن المعارض، و دعوى- معارضته بأصالة صحة البيع المعلوم وقوعه، فيتساقطان، و يبقى مع الراهن ملكية المرهون، و تسلط الناس على أموالهم- يدفعها أن أصالة صحة العقد مترتبة على سبقه بالإذن، فإذا حكم بعدمه لم يمكن الحكم بصحة العقد، بخلاف استصحاب الوثيقة، فإنه باعتبار معلومية حصولها صحيحة سابقا، إنما يكون الشك في طرو المبطل لها، فيكفي في نفيه أصالة عدمه، و ليس استصحابها مشروطا بسبق الرجوع على البيع، حتى يقال:

إنه إذا حكم بعدمه لم يمكن الحكم به، نحو ما سمعته في صحة البيع، بل يكفي في صحة استصحابها عدم العلم بسبق البيع للرجوع.

و من ذلك يعلم اندفاع ما في جامع المقاصد من المناقشة في أصل تكافؤ الدعويين: «بأن الأصل و إن كان عدم صدور البيع على الوجه الذي يدعيه الراهن، إلا أنه لا يتمسك به الان، لحصول الناقل عنه، و هو صدور البيع مستجمعا لجميع ما يعتبر فيه شرعا، و ليس هناك ما يخل بصحته، إلا كون الرجوع قبله، و يكفى فيه عدم العلم بوقوعه كذلك، و الاستناد إلى أن الأصل بقاء الإذن السابق، لأن المانع لا يشترط العلم بانتفائه، لتأثير المقتضى و إلا لم يمكن التمسك بشي ء من العلل الشرعية، إذ لا يقطع بنفي موانع تأثيرها بحسب الواقع، و هو معلوم البطلان، فإن من صلى مراعيا للافعال و الشرائط، يكفيه في صحة صلاته الاستناد إلى أصالة عدم طرو النجاسة على ثوبه و بدنه الطاهرين، و إن لم يعلم انتفاؤها بحسب الواقع قطعا.

هذا مع اعتضاده بأن الأصل في البيع الصحة و اللزوم، و حيث تحقق الناقل عن الأصل المزبور امتنع التمسك به، و خرج عن كونه حجة، كأصل الطهارة بعد ثبوت المقتضى للتنجيس مثلا، فإنه لا يتمسك به، و حينئذ فينتفي حكم كل من الأصلين اللذين ذكروهما، على أن ما ذكروه في الاستدلال إنما يتم على تقدير تسليم بقاء الأصلين المزبورين، و الانحصار فيهما و في الأصل الثالث الذي ذكروه، و ليس

ج 25، ص: 266

كذلك، فإن لنا أصلا آخر من هذا الجانب، و هو أن الأصل في البيع الصحة و اللزوم و وجوب الوفاء بالعقد.

لانه كما ترى مبنى على أن الشك في صحة العقد إنما وقع في المانع الذي هو الرجوع قبل البيع، لا في حصول الشرط الذي هو الاذن، و قد عرفت ما فيه، و إلى ذلك يرجع ما في المسالك من دفعه، فإنه قال: «لا نسلم وقوع البيع جامعا للشرائط الشرعية، لأن من جملة شرائطه إذن المرتهن، و حصوله غير معلوم، و تنقيح ذلك أن الرهن المانع للراهن من التصرف لما كان متحققا، لم يمكن الحكم بصحة البيع الواقع من الراهن إلا بإذن معلوم من المرتهن حالة البيع، و لما حصل الشك في حصولها حالته، وقع الشك في حصول الشرط نفسه، لا في وجود المانع، و معلوم أن الشرط لا يكفى فيه عدم العلم بانتفائه، بل لا بد من العلم بحصوله، ليترتب عليه المشروط، و لو بطريق الاستصحاب، كالصلاة مع تيقن الطهارة سابقا، و الشك في بقائها الآن، و الأمر هنا كذلك، فإن الرهن المانع من صحة البيع واقع يقينا، و يستصحب الآن، و الشرط المقتضي لصحة البيع غير معلوم الوقوع في زمان البيع، لا باليقين و لا بالاستصحاب، فيرجح جانب الوثيقة كما ذكروه».

لكن فيه أولا: أنه لا ريب في كون الشرط هنا بعد تحقق الإذن عدم الرجوع بها الذي هو لازم بقائها، و يكفى ما ذكروه من أصالة العدم و الاستصحاب في إثباته، إلا أنه لو كان النزاع في الرجوع و عدمه، لا فيما إذا كان النزاع في أنه قبل البيع أو بعده كما هو الفرض، ضرورة معارضة أصالة عدم كونه قبله حينئذ، بأصالة عدم كون البيع قبله، كما أن استصحاب بقاء الإذن لا يمكنه أن يفيد المقارنة للبيع حينئذ، لاحتمال تخلل الرجوع الذي قد عرفت معارضة أصالة عدمه، لأصالة عدم تخلل البيع بين الاذن و الرجوع، فاستصحاب بقاء الإذن حينئذ الذي لازمه عدم الرجوع، كاستصحاب بقاء المال الذي لازمه عدم البيع كما هو واضح، فكان الذي ينبغي توجيه الرد بذلك، لا بأن الشك في الشرط لا المانع، فتأمل جيدا.

و ثانيا: أنه لا ريب في الحكم بحصول الشرائط بعد وقوع الفعل، و إن كان

ج 25، ص: 267

الأصل يقتضي عدمها، كما لو شك في الطهارة أو الاستقبال أو التستر أو نحو ذلك بعد الصلاة، خصوصا إذا كان أصلها ثابتا كما لو تيقن الحدث بعد الفراغ من الصلاة، و لكن لا يعلم سبقه عليها أو بالعكس، فقوله إن الشرائط لا بد من إحرازها بيقين أو باستصحاب، إن أراد به قبل التلبس بالفعل، فهو مسلم، و لكنه غير ما نحن فيه، و إن أراد بعده، فهو واضح المنع، ضرورة اقتضاء أصالة صحة فعل المسلم ما ذكرنا، بل الظاهر اقتضاؤها و إن كان الشرط من فعل الغير، كما لو صلى في لباس غيره أو مكان كذلك، ثم شك في أنه هل كان مأذونا أولا؟ فإنه يحكم بصحة فعله، و لا يكلف بالإعادة، و كذا لو شك بعد البيع هل كان مأذونا أولا؟.

نعم أصل صحة الفعل لا يسقط بها حق غير الفاعل إذا أنكر، فللمالك الأجرة في المثال، و يحكم بعود المال لو كان موجودا لو باعه، لأن أصالة صحة فعله لا تقتضي سقوط حق غير الفاعل، أما في مثل الفرض الذي قد تحقق فيه أصل الإذن، فقد يتجه دعوى جريان أصالة صحة البيع التي يكفي فيها احتمال عدم الرجوع قبله، ففي الحقيقة سقوط حقه بإذنه، لا بأصالة الصحة، إلا أنه يعارض ذلك أصالة الصحة في رجوعه، ضرورة كونه فعلا من أفعال المسلم الذي ينبغي حملها على الصحة التي هي هنا الحكم بكونه قبل البيع، حتى يؤثر فسادا، فصحيحة ذلك، و فاسده الواقع بعد البيع، لعدم تأثيره، إذ ليس الفساد و الصحة إلا ترتب الأثر و عدمه، و دعوى- تساقطهما و الرجوع إلى الأمر بالوفاء بالعقود الذي هو غير أصل الصحة ضرورة شموله لما لم يحكم بصحته و فساده، بعد الإغضاء عما فيها- يدفعه أنه شامل، لعقد الرهن أيضا، فيكون مخاطبا بالوفاء به.

نعم لو كان النزاع في أصل الرجوع و عدمه اتجه الحكم بصحة البيع، و نفى الرجوع بالأصل، و استصحاب بقاء الاذن، و دعوى أن الفرض من ذلك- إذ قول الراهن رجعت بعد البيع كلام أجنبي، لا مدخلية له في الدعوى، و إنما العمدة قوله لم ترجع قبل البيع، فهو منكر و المرتهن مدع- يدفعها أنها ليست بأولى من العكس،

ج 25، ص: 268

إذ قول المرتهن بعت بعد الرجوع كلام أجنبي لا مدخلية له في الدعوى، و إنما العمدة قوله لم تبع قبل الرجوع: فهو منكر، و الراهن مدعي.

و لا يرد أن مقتضي ذلك تحالفهما معا، و فسخ البيع، لان ذلك كذلك لو لم يكن لأحدهما أصل آخر يرجع اليه، أما إذا كان و هو استصحاب الرهانة، فالمنكر هو، لموافقته للأصل، و المدعي الراهن، فيكون عليه البينة، و على الأول اليمين.

و قد ظهر من ذلك كله أنه لا وجه لما قيل أو يقال من أن المتجه العمل بالأصلين، أى أصلي بقاء الرهانة و صحة البيع، فيحكم بكونه مبيعا و هو رهن، إذ قد عرفت أنه لا أصل سالم فيقتضي الصحة، على أن العمل بالأصلين في الموضع الواحد غير متجه في المقام، ضرورة اقتضائهما حينئذ حكما فيه معلوما من الشرع خلافه، و هو رهانة ملك الغير بغير إذنه، و بقاء الرهانة مع صحة البيع المنافية لها، المقتضية سقوطها و بالجملة هو واضح الفساد- فبان أن كلام الأصحاب في محله، بل هو كذلك، لو شك المرتهن في نفسه أن رجوعه كان قبل البيع أو بعده، بعد أن علمهما معا، و كذا لو شك الراهن كذلك، فإن الأصل بقاء الرهانة في الجميع، فتأمل جيدا هذا.

و في التذكرة عن بعض الشافعية «التفصيل بين ما لو قال الراهن أولا تصرفت بإذنك؟ ثم قال المرتهن: كنت قد رجعت قبله، فالقول قول الراهن بيمينه، و بين ما لو قال المرتهن أولا: رجعت عما أذنت، فقال الراهن: كنت تصرفت قبل رجوعك، فالقول قول المرتهن بيمينه، لأن الراهن حينما أخبر لم يكن قادرا على الإنشاء.

و في جامع المقاصد يقرب من ذلك، ما لو تصادقا على صدور البيع، ثم اختلفا في حال الرجوع أو تصادقا على صدور الرجوع، ثم اختلفا في حال البيع، أخذنا بالإقرار السابق.

قلت: لعل مبنى كلام بعض الشافعية- كما يومي إليه التعليل- على إنكار الراهن الرجوع قبل البيع المتفق عليه بينهما في الأول، من غير اعتراف بالرجوع بعده، و على إنكار المرتهن البيع قبل الرجوع المتفق عليه بينهما في الثاني، و هو

ج 25، ص: 269

كذلك، إلا أنه غير مفروض الأصحاب فلا يكون تفصيلا فيه.

أما ما في جامع المقاصد فيصعب الفرق بينه و بين مفروض الأصحاب، و الإقرار بعد أن كان الفعل من غير المقر قد يمنع الأخذ به، فتأمل جيدا.

نعم بقي شي ء أشار إليه الشهيد في الدروس و الحواشي و تبعه عليه غيره، و هو أن كلام الأصحاب يتم فيما إذا أطلق الدعويان و لم يعينا وقتا للبيع أو الرجوع، و أما إذا عينا وقتا و اختلفا في الآخر فلا يتم، لأنهما إذا اتفقا على وقوع البيع يوم الجمعة مثلا، و اختلفا في تقديم الرجوع عليه و عدمه، فالأصل التأخر، و عدم التقدم، فيكون القول قول الراهن، و ينعكس الحكم لو اتفقا على عدم وقت الرجوع، و اختلفا في تقدم البيع عليه و عدمه، و هذه مسألة تأخر مجهول التاريخ عن معلومه، و قد حققنا الكلام فيها في مقام آخر.

و لعل إطلاق الأصحاب هنا و في مسألة الجمعتين و مسألة من اشتبه موتهم في التقدم و التأخر، و مسألة تيقن الطهارة و الحدث و غيرها شاهد على أن أصالة التأخر إنما تقتضي بالتأخر على الإطلاق، لا بالتأخر عن الأخر و مسبوقيته به، إذ وصف السبق حادث، و الأصل عدمه، فيرجع ذلك إلى الأصول المثبتة: و هي منفية، فأصالة الرهن هنا حينئذ بحالها، إلا أن الإنصاف عدم خلو ذلك عن البحث و النظر، خصوصا في المقام فتأمل جيدا و الله أعلم.

و لو كان التصرف المأذون فيه الذي اختلف في الرجوع به قبل وقوعه أو بعده انتفاعا كسكنى و ركوب، و نحوهما، بناء على أن الواقع منهما بغير اذن يوجب أجرة تكون رهنا، فقد يقال: ان القول قول الراهن، لتعارض الأصلين فيبقى أصل براءة الذمة سالما هنا عن المعارض، اللهم إلا أن يقال إن الأصل في منافع الرهن على الضمان، فيكون واردا على أصل البراءة قاطعا له. و لو تلفت العين، فوقع النزاع بينهما أن إتلافها كان قبل الرجوع أو بعده، فقد يقال: أيضا بتقديم قول الراهن، لأصالة البراءة أيضا من القيمة، إذ استصحاب الرهانة بعد انعدام الموضوع غير معقول، لكن قد يقوى خلافه، لان التلف لا ينافي جريان الاستصحاب إلى حال التلف، فيكون رهنا

ج 25، ص: 270

تالفا فتأمل جيدا. و الله أعلم.

[المسألة السابعة الظاهر أنه ليس للمرتهن إلزام الراهن بالوفاء بعين الرهن ]

المسألة السابعة الظاهر أنه ليس للمرتهن إلزام الراهن بالوفاء، بعين الرهن، و إن كان مجانسا للحق، للأصل و غيره، نعم له إلزام المرتهن بالقبول مع التجانس، و ليس له طلب البيع، و لو كان مخالفا للحق و اتفقا على دفعه عنه أو بيعه بالموافق أو المخالف، كان لهما ذلك قطعا، لأن الحق لهما، و كذا في الرهن الموافق للحق.

و إذا اتفقا على البيع، و اختلفا فيما يباع به الرهن فأراد أحدهما بيعه بالنقد الغالب، و آخر بغيره بيع بالنقد الغالب في البلد بإذن الحاكم، من غير فرق في طالب الغالب بين كونه الراهن أو المرتهن، لأن لكل منهما حقا في العين، و حينئذ فلا بد من استيذانه ل يجبر الممتنع أو يأذن بالبيع عليه، نعم لو كان المرتهن مثلا وكيلا لازما و أراد بيعه بالغالب لم يتوقف على إذن الحاكم، و لم يلتفت إلى معارضة الراهن المخالفة للشرع، لانصراف الإطلاق إلى الغالب شرعا و عرفا.

و كذا لو طلب كل واحد منهما نقدا غير النقد الغالب و تعاسرا ردهما الحاكم إلى الغالب، لأنه الذي يقتضيه الإطلاق بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا.

لكن قد يناقش أولا: بأن المتجه إجابة المالك لو كان طالبا للبيع بمساوئ الحق، و إن لم يكن الغالب، لأن المراد منه وفاء عين الحق، و ليس للمرتهن غرض بالبيع بالنقد الغالب أو غير مساوي الحق، حتى يصلح لأن يكون معارضا لذلك، و لا إطلاق في الأدلة بحيث يعارض ذلك، بل ربما ظهر من

قوله عليه السلام- في خبر خوف جحود الورثة(1)المتقدم سابقا «فليأخذ ماله مما في يده»

- أن الرهن يباع بمساوئ الحق، فيجاب إليه حينئذ من أراده منهما، و إن كان المرتهن.

و ربما يؤيده أنه المنساق من الاستيثاق، بل يؤيده أنه لو لم يكن له ذلك، لأدى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام الرهن الحديث- 1.

ج 25، ص: 271

إلى الضرر على المرتهن بالنقد، ثم النقل، لعدم دليل يقتضي إلزام الراهن شراء الحق بثمن الرهن في المرتبة الأولى، اللهم إلا أن يجعل ذلك هو الغاية، فيقال للراهن التغليب ما لم يستلزم الضرر على المرتهن بالتعطيل، أو يقال ليس للراهن إلا البيع بالنقد الغالب أولا، ثم ليس له إلا شراء عين الحق بالثمن إذا لم يرض المرتهن فتأمل جيدا.

أو يقال أن مبنى كلام الأصحاب على وجوب قبول المرتهن الثمن الغالب عوضا عن حقه وافقه أو خالفه، لأن مبنى الرهانة على ذلك، إلا أنه كما ترى فيه هدم لقاعدة استحقاق المستحق عين ماله من غير دليل، إذ ليس في الأدلة إلا بيعه و هو أعم من ذلك إذ يمكن إرادة أنه يباع و يشترى بثمنه عين الحق، و دعوى- أن الرضا بالارتهان مقتض للرضا بأخذ الثمن، عوضا عن حقه و إن خالفه- واضحة المنع، كدعوى أن ذلك حكم شرعي لا مدخلية فيه لرضاهما، فتأمل جيدا.

و ثانيا: أنه لا معنى لرد الحاكم لهما إلى الغالب بعد ان اتفقا على عدمه، و الحق منحصر فيهما، و قطع نزاعهما يكون بترجيح أحدهما على الآخر بمساواة الحق و نحوها، فإن لم يكن فالقرعة، أو اختيار الحاكم.

هذا و لكن ليس في كلام من تعرض للمسألة من الأصحاب شي ء من ذلك، قال في القواعد: في فروع وضع الرهن على يد العدل: «و لو عينا ثمنا لم يجز له التعدي فإن اختلفا لم يلتفت إليهما إذ للراهن ملكية الثمن، و للمرتهن حق الوثيقة، فيبيعه بأمر الحاكم بنقد البلد، وافق الحق أو قول أحدهما أولا، و إن تعدد فبالأغلب فإن تساويا فبمساوي الحق، فإن باينهما عين له الحاكم» و قال في التذكرة في فروع العدل أيضا «لو اختلف المتراهنان فقال أحدهما: بع بدنانير، و قال الآخر: بع بدراهم، لم يبع بواحد منهما، لاختلافهما في الاذن، و لكل منهما حق في بيعه، فللمرتهن حق الوثيقة في الثمن، و استيفاء حقه منه و للبائع ملك الثمن، فإذا اختلفا رفعا ذلك إلى الحاكم، فيأذن له أن يبيعه بنقد البلد، سواء

ج 25، ص: 272

كان من جنس حق المرتهن أو لم يكن، و سواء وافق ذلك قول أحدهما أو خالفه، لأن الحظ في البيع يكون بنقد البلد، و لو كان النقدان جميعا نقد البلد، باعه بأعلاهما، و ان كانا متساويين في ذلك باع بأوفرهما حظا، فإن استويا في ذلك، باع بما هو من جنس الحق منهما، فإن كان الحق من غير جنسهما باع بما هو أسهل صرفا إلى جنس الحق و أقرب إليه، فإن استويا في ذلك، عين له الحاكم أحدهما فباع به، و صرف نقد البلد اليه».

و قال في الدروس: «و لو اختلفا فيما يباع به، بيع بنقد البلد، بثمن المثل حالا، سواء كان موافقا للدين أو اختيار أحدهما، أم لا، و لو كان فيه نقدان بيع بأغلبهما، فإن تساويا فبمناسب الحق فإن بايناه عين الحاكم إن امتنعا من التعيين، و لو كان أحد المتباينين أسهل صرفا إلى الحق تعين» الى غير ذلك من عباراتهم التي لا تعرض فيها لشي ء مما ذكرنا، كما لا تعرض فيها لبيان البلد الذي يعتبر البيع، بنقده الغالب، هل هو بلد البيع، أو بلد الرهانة، أو بلد المرتهن، أو بلد الراهن، إذ لا اشكال مع اتحاد الجميع، أما مع الاختلاف ففيه إشكال، و ان كان ترجيح بلد البيع لا يخلو من وجه، و لعل إرجاع الأمر إلى الحاكم مع التنازع في هذا الحال فيقطعه بنظره أولى.

و على كل حال ف لو كان للبلد نقدان غالبان متساويان إذ لو كانا متفاوتين بيع بالأغلب، بل قد يندرج في السابق أما مع التساوي ففي المتن بيع بأشبههما بالحق و الظاهر إرادة الموافقة من المشابهة، و يمكن إرادة الأعم من ذلك، ترجيحا لجانب المرتهن الذي كانت الحكمة في مشروعية الارتهان له استيفاء حقه من الرهن، و لا ريب في أولوية استيفائه أولا على غيره.

لكن قد سمعت ما في التذكرة أنه مع التساوي يباع بأوفرهما حظا، و كأنه رجح مصلحة المالك، أما مع المباينة فظاهر المتن و صريح القواعد البيع بما عين الحاكم، إلا أنه قد تقدم ما في الدروس أن البيع بالأسهل صرفا إلى الحق، و في

ج 25، ص: 273

المحكي عن التحرير بيع بأقربهما حظا، و في المسالك هو أقعد من الجميع، فإنه ربما كان عسر الصرف إلى الحق أصلح للمالك. قلت: و الكلام في اعتبار مراعاة مصلحة المالك. فتأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا ادعى المرتهن رهانة شي ء مخصوص فأنكر الراهن و ذكر أن الرهن غيره و ليس هناك بينة بطلت رهانة ما ينكره المرتهن ]

المسألة الثامنة: إذا ادعى المرتهن رهانة شي ء مخصوص فأنكر الراهن، و ذكر أن الرهن غيره، و ليس هناك بينة، بطلت رهانة ما ينكره المرتهن بلا خلاف أجده فيه، لكونه جائزا من قبله، فيكفي في فسخه إنكاره، الظاهر في عدم الرضا بكونه رهنا الآن، و لكنه لا يخلو من تأمل، خصوصا بعد ما تسمعه عن الإرشاد إن لم يكن إجماعا، كما يظهر من تتبع كلماتهم في نظائر المقام، كإنكار الطلاق الرجعي و غيره مما صرحوا بكونه فسخا من المنكر فلاحظ و تأمل.

و إذا بطلت رهانة ما أنكره المرتهن حلف الراهن على نفى رهانة الآخر الذي ادعاه المرتهن، لانه منكر بلا إشكال، كما لو قال: رهنت العبد فقال المرتهن: بل هو و الجارية و حينئذ فإذا حلف الراهن في الفرض خرجا معا عن الرهن في ظاهر الشرع، لكن عن الإرشاد أنهما يتحالفان، و لعله لعدم البطلان بالإنكار الذي هو أعم من الفسخ، و فيه مضافا إلى ما عرفت من ظهور الاتفاق على كونه فسخا، أن له طريقا إلى التخلص عن اليمين بالفسخ على تقدير الرهانة، لأنه جائز من قبله، فتكليفه باليمين التي مرجعها إلى الفسخ الذي يمكن وقوعه منه بدونها لا وجه له، فلا ريب في أن الأقوى ما ذكره الأصحاب الذين هو من جملتهم في القواعد، و المحكي عن التذكرة.

نعم قد يتجه التحالف لو كان ما اختلفا في رهنه شرطا في بيعه، كما اختاره الشهيدان، و مال إليه ثاني المحققين، لرجوعه حينئذ إلى الاختلاف في الثمن، إذ الشرط من مكملاته، فيتحالفان حينئذ على كيفية الشرط و يتسلط البائع مثلا حينئذ على فسخ العقد، لعدم سلامة الشرط الذي اتفقا عليه في الجملة له، لكن في القواعد أن الأقوى تقديم قول الراهن أيضا، و هو لا يخلو من وجه لأصالة اللزوم و عدم ثبوت عدم الوفاء بالشرط، بحيث يتسلط به على الفسخ، إذ لعله

ج 25، ص: 274

ما أنكر رهانته فيكون هو المفوت لشرطه، فلا يفسخ بمجرد الاحتمال فإذا لم يكن له الفسخ لم يتوجه عليه اليمين و يختص اليمين بالراهن، و هو قوي جدا، و لا غرابة في بقاء العقد بلا شرط، و إن اتفقا معا عليه، بعد الجريان على الضوابط، كما أومى إليه فخر المحققين في المحكي عنه، فلاحظ و تأمل. و الله أعلم.

[المسألة التاسعة لو كان له دينان أحدهما برهن فدفع اليه مالا و اختلفا فالقول قول الدافع ]

المسألة التاسعة: لو كان له دينان أحدهما برهن و الآخر بلا رهن مثلا فدفع الراهن اليه مالا و اختلفا في أنه عن ذي الرهن، أو عن فاقده فالقول قول الدافع بلا خلاف و لا إشكال لأنه أبصر بنيته التي لا تعلم إلا من قبله، بل ربما قيل: بأن القول قوله بلا يمين، لذلك، لكن يمكن أن يكون قد علم المرتهن منه ذلك، و لو بقرائن فيحتاج إلى اليمين حينئذ في النفي، خصوصا بعد مشروعيتها لنفي التهمة، أما لو ادعى المرتهن عليه الإقرار، فلا إشكال في توجه اليمين، و الأمر في ذلك سهل.

إنما الكلام فيما إذا اعترف الدافع بأنه لم ينو أحدهما حال الدفع، فقد يحتمل التوزيع، و بقاء التخيير، فله أن يصرفه الآن إلى ما شاء، بل جزم في جامع المقاصد بالأول، لصحة القبض و الدفع، و ليس أحدهما أولى من الأخر، و لانه قد ملكه ملكا تاما. فإما عن الدينين، أو عن أحدهما بعينه، أولا عن أحدهما، أو عن أحدهما لا بعينه، و الكل باطل إلا الأول، لاستحالة الترجيح بلا مرجح، و ملك المقضي به مع عدم زوال المقضي عن الذمة، و لأنه إن لم يزل عن ذمته شي ء منهما لزم المحال، و إلا كان هو المقضي عنه.

لكن فيه أن الفعل المشترك لا ينصرف من دون تعيين، فالتوزيع محتاج إلى مرجح أيضا، و عدم اعتبار ذلك في قضاء الدين إنما يسلم مع عدم اختلاف جهة الدين لعدم ما يترتب حينئذ على النية، أما مع الاختلاف و لو بتعدد الغريم فلا. لأصالة بقاء المال على ملك الدافع، و بقاء شغل الذمة، و حينئذ فإن كان مبنى الاحتمال الثاني ذلك، كان له وجه، و إلا فهو مشكل.

ج 25، ص: 275

اللهم إلا أن يدعى أنه و إن ملكه القابض، لكن إذا تعقب بالتعيين بعد ذلك ينكشف الملك على هذا الوجه من حين الدفع و به حينئذ يرجح على التوزيع و غيره أو يقال إنه بالدفع يملك على الغريم ما قابله مما في ذمته على وجه التخيير له في التعيين.

و قد يحتمل القرعة أيضا، كما احتملت فيما إذا كان له زوجتان أو زوجات، فقال:

زوجتي طالق، و لم ينو واحدة منهما، فإن المحكي عن الشيخ و الفاضلين و الشهيد احتمالها، و احتمال التعيين بعد ذلك، فيقع الطلاق حينئذ من حينه، أو حين اللفظ، قيل:

و كذا لو أسلم على أكثر من أربع، أو دفع الزكاة و كان له مالان غائب و حاضر. أو سمى و لم ينو سورة معينة، أو كان له خيار حيوان، و شرط و أسقط من خياره يومين، لكن فيه- بعد الفرق بين بعض الأمثلة أو جميعها، و بين المقام- أنه قد يلتزم القائل بالتوزيع مثله في القابل منها، لعدم الإشكال حينئذ معه، و غير القابل يفزع إلى القرعة، أو غيرها.

و على كل حال فمما ذكرنا يعرف الحال في نظائر المسألة. كما لو تبايع كافران درهما بدرهمين، و دفع مشترى الدرهم درهما، ثم أسلما فإنه إن قصد به الفضل، بقي عليه الأصل و إن قصد الأصل فلا شي ء عليه، و إن قصدهما و وزع و سقط ما بقي من الفضل و إن لم يقصد فالتوزيع. أو التعيين الآن، أو و البطلان كما ذكرنا، و قد يحتمل هنا الاحتساب من الأصل، لأنه الدين حقيقة و غيره حكما ما داما على الشرط. فتأمل و كما لو كان لزيد عليه ماءة و لعمر و مثلها، و وكلا من يقبض لهما، و دفع المديون لزيد أو لعمرو أو لهما فذاك، و إلا فالوجوه و البطلان هنا أقوى منه فيما تقدم، و لو اقتص الغريم حيث يجوز له ذلك، احتمل كون المدار على نيته، لكن ينبغي مراعاة المصلحة و التوزيع، و لو دفع الحاكم عن المماطل كان الاعتبار بنيته، لأنه الولي.

نعم لو نوى المماطل بعد القهر بما دفعه الحاكم أمكن اعتبار نيته، كما لو قهره الحاكم على الدفع فنوى، و قد يحتمل اعتبار نية القابض، و لو لم ينو أحد منهم

ج 25، ص: 276

احتمل التوزيع، و التعيين، و البطلان، و في القواعد «و لو أخذ من المماطل قهرا فالاعتبار بنيته، و يحتمل القابض» و لو فقدت فالوجهان أي التوزيع و التعيين بعد ذلك و الله أعلم.

و ان اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه إذا لم يكن له اى المرتهن بينة بلا خلاف أجده فيه لانه منكر، باعتبار موافقته لأصالة عدم الرد، و كون المرتهن أمينا أعم من تصديقه في ذلك، و القياس على الودعي- مع أنه باطل عندنا- قد يفرق بينهما، بالقبض لمصلحة المالك، فيكون محسنا لا سبيل عليه، و عدمه، و كذا المستعير و المقارض و الوكيل بجعل و غيرها و الله أعلم.

ج 25، ص: 277

[كتاب المفلس ]

اشارة

كتاب المفلس

[تعريف المفلس ]

المفلس بالكسر لغة هو الفقير الذي ذهب خيار ماله و بقي فلوسه و نحوه ما في القواعد من أنه من ذهب جيد ماله، و بقي رديه، فصار ماله فلوسا و زيوفا، و لعل العرف الآن على كون المفلس بالكسر أعم من الذاهب خيار ماله، بل هو شامل لمن لم يكن له مال من أول أمره إلا الفلوس. نعم قد يقال إن المفلس بالفتح عرفا ذلك، على أنه لا يخلو من بحث، و عن المبسوط أن المفلس لغة هو الفقير المعسر و هو مشتق من الفلوس، و كان معناه نفى خيار ماله و جيده، و بقي معه الفلوس، و عن التحرير أنه مأخوذ من الفلوس التي هي آخر مال الرجل.

و عن التذكرة الإفلاس مأخوذ من الفلوس، و قولهم أفلس الرجل كقولهم أخبث أي صار أصحابه خبثاء، لأن ماله صار فلوسا و زيوفا، و لم يبق له مال خطير، و كقولهم أذل الرجل: أى صار إلى حالة يذل فيها، و كذا أفلس أي صار إلى حالة يقال فيها ليس معه فلس، أو يقال لم يبق معه إلا الفلوس، أو كقولهم أسهل الرجل و أحزن، إذا وصل إلى السهل و الحزن، لأنه انتهى أمره إلى الفلوس.

و الأصل أن المفلس في عرف اللغة هو الذي لا مال له، و لا ما يدفع به حاجته، و لهذا لما

قال النبي صلى الله عليه و آله (1)«أ تدرون ما المفلس؟ قالوا: يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع، قال: ليس ذلك المفلس، و لكن المفلس من يأتي يوم القيامة حسناته أمثال الجبال، و يأتي و قد ظلم هذا، و أخذ من عرض هذا، فيأخذ هذا من


1- 1 صحيح مسلم ج 4 كتاب البر و الصلة الحديث 59 طبع دار احياء التراث العربي بيروت، مسند احمد بن حنبل ج 2 ص 303 طبع دار صادر بيروت.

ج 25، ص: 278

حسناته و هذا من حسناته، فإن بقي عليه شي ء أخذ من سيئاتهم، فيرد عليه، ثم صار إلى النار».

و عن القاموس: أفلس إذا لم يبق معه مال، فكأنما صارت دراهمه فلوسا، أو صار بحيث يقال: ليس معه فلس، و فلسه القاضي تفليسا، حكم بإفلاسه، قلت: لا ريب في أن أفلس بالمعنى الذي ذكروه، فيكون لازما، و اسم الفاعل منها مفلس بالكسر، و لا يكون منها اسم مفعول. نعم فلس بالتشديد اسم مفعولها مفلس، و الظاهر أن ما ذكره في القاموس أخيرا من جملة خبطه في المعاني، إذ الظاهر أنه أراد بذلك المعنى الشرعي، و على كل حال ففي العرف- الكاشف عن اللغة للأصل- أن المفلس بالكسر الفقير الذي لا مال له يعتد به عنده، و المفلس الذي ذهب جيد ماله و بقي معه الفلوس و ربما أطلق على الأول عرفا.

أما المفلس بالفتح شرعا، و لو على جهة المجاز أو الحقيقة المتشرعة أو الشرعية

بناء على ثبوتها في مثله، ففي المتن هو الذي جعل مفلسا، أي منع من التصرف في أمواله و في القواعد من عليه ديون، و لا مال له يفي بها، و هو شامل لمن قصر ماله و من لا مال له، بناء على عدم استدعاء السالبة وجود الموضوع، و في المسالك نسبة هذا التعريف إلى أكثر الفقهاء منا و من العامة، عليه يكون المفلس ذلك، و إن لم يحجر عليه.

و يشهد له قولهم، لو مات المفلس قبل الحجر عليه لم تترتب الاحكام، و شرط الحجر على المفلس التماس الغرماء، و غير ذلك مما قيل إنه صار بسببها حقيقة، لكثرة الاستعمال، بحيث يبعد حمله على ارادة المجاز، و حينئذ يكون الفلس سابقا على الحجر و مغاير إله، و هو أحد أسبابه كما ذكروه، لا عينه و لا جزء مفهومه.

نعم قد يطلق التفليس على حجر الحاكم على المفلس، كما يقال: فلسه القاضي لكنه من باب إطلاق اسم السبب على المسبب، و حينئذ فلا مانع من اجتماع الفلس و الصغر، كما إذا استدان الولي للصبي إلى هذه المرتبة، و كذا السفيه، و لا يمنع من ذلك عدم حجر الحاكم على الصبي المفلس، لأنه ليس بشرط في تحقق مفهومه شرعا،

ج 25، ص: 279

و عليه فبين المعنى اللغوي و الشرعي عموم من وجه، يجتمعان فيمن عليه الديون و لا مال له، و ينفرد اللغوي بمن ذهب ماله، و ليس عليه دين، الشرعي بمن له مال كثير و لكن عليه دين يزيد على ماله، و به جزم في المسالك، قال: «و على ما يظهر من تعريف المصنف يكونان متباينين».

قلت: فيه أولا: أنه على تعريف المصنف بينهما العموم من وجه، ضرورة ملاحظته بالنسبة إلى المصداق، فالمحجور عليه تارة يكون عليه الديون، و لا مال له، أوله مال فلوس فيجتمعان فيه، و ينفردان بما ذكره هو أيضا، و ثانيا أن الحق كون المفلس شرعا من حجر عليه لقصور ماله عن ديونه، أو لعدم ما في يده، فيكون التحجير عليه بالنسبة إلى المتجدد، كما صرح به الفاضل و إن كان لنا فيه بحث، تسمعه إنشاء الله تعالى، فقبل الحجر لا يسمى المديون مفلسا شرعا، و ان استغرقت ديونه أمواله، و زادت عليها، كما يشهد لذلك التأمل لكلماتهم، و المناسبة لمعنى اسم المفعول في المفلس، إذ منع الحاكم له من التصرف يكون كأخذ فلوسه منه، و به صرح المحقق الثاني، و الأمر سهل و الله أعلم.

[لا يتحقق الحجر عليه إلا بشروط أربعة]

اشارة

و كيف كان ف لا يتحقق الحجر عليه إلا بشروط أربعة و في القواعد و التذكرة خمسة، بزيادة المديونية التي ترجع إلى

[الأول و هو أن تكون ديونه ثابتة عند الحاكم ]

الأول و هو أن تكون ديونه ثابتة عند الحاكم الذي أراد التحجير عليه، أو غيره ضرورة أصالة بقاء سلطنته مع عدم الثبوت، بل هو ليس مفلسا شرعا كما عرفت.

[الثاني أن تكون أمواله قاصرة عن ديونه ]

الثاني: أن تكون أمواله من عروض و منافع و ديون غير المستثنيات في الدين قاصرة عن ديونه فإن لم تكن قاصرة فلا حجر عليه إجماعا محكيا في جامع المقاصد و المسالك و ظاهر التذكرة، بل طالبه أرباب الدين، فإن قضى و إلا رفعوا أمرهم إلى الحاكم، فيحبسه إلى أن يقضي، أو يبيع عليه و يقضى عنه، لأنه ولي الممتنع، و لا يمنع في هذا الحال عن التصرف في أمواله، فلو تصرف فيها بحيث أخرجها عن ملكه، قبل وفاء الحاكم بها نفذ تصرفه، و انتقل حكمه إلى من لم يكن عنده مال لديونه، للإجمال في التذكرة على اشتراط منع التصرف بالحجر، كما هو مقتضى الأصل.

ج 25، ص: 280

و يحتسب من جملة أمواله معوضات الديون لأنها من أملاكه سيما فيما لا يكون لأهلها الرجوع فيها، كما أنه يحتسب أعواضها من ديونه، بلا خلاف أجده بيننا.

نعم عن بعض العامة أنها لا تقوم عليه، لأن لأربابها الرجوع فيها، فلا تحتسب من ماله و لا عوضها عليه من دينه، و فيه- مضافا الى ما عرفت من أنه قد لا يكون لأربابها الرجوع، و ثبوته بالفلس إنما يكون بعد التحجير لا قبله، على الأصح، كما ستعرف- أنه لا يمنع ذلك من احتسابها من أمواله، بعد أن كانت من أملاكه، فمع عدم القصور بها تبقى حينئذ سلطنته على ماله، بل الظاهر بقاؤها إذا كانت له أموال مؤجلة بها يرتفع القصور، أو أموال غايبة، بل لو كانت على معسرين أمكن القول ببقاء السلطنة للأصل، لكنه لا يخلو من اشكال، و نحوهم من لا يتمكن من الاستيفاء منهم، و لو ظلما و كذا الأموال المغصوبة.

[الثالث أن تكون حالة]

الثالث: أن تكون حالة لعدم الاستحقاق مع التأجيل. فلا يحجر عليه، و إن لم يف ماله بها لو حلت، للأصل، و لو كان بعضها حالا حجر عليه مع القصور، و سؤال أربابها، فيقسم ماله حينئذ بينهم، و لا يذخر للمؤجلة شي ء حتى أعواضها و لا يدام الحجر عليه لها، كما لا يحجر بها ابتداء، و دعوى حلولها بالتحجير- كما عن الشافعي و احمد و مالك- واضحة الفساد، لعدم الدليل القاطع، للأصل حتى القياس على الميت، لظهور الفرق بينهما ببقاء الذمة، و قابلية الإكتساب و غيرهما، كما هو واضح.

[الرابع أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه ]

الرابع: أن يلتمس الغرماء أو بعضهم الحجر عليه إذ الحق لهم، فلا يحجر عليه مع عدم التماس أحدهم، للأصل، إلا أن يكون الدين لمن هو وليه، من يتيم أو مجنون أو نحوهما، دون الغائب الذي لا ولاية له عليه بالنسبة إلى استيفاء دينه، بل يعتبر في التحجير عليه بالتماس البعض أن يكون دينه مقدارا يجوز الحجر به عليه للأصل و ان عم الحجر حينئذ له و لغيره، من ذي الدين الحال الذي يستحق المطالبة به، و بذلك افترق عن المؤجل، مع أنه لم يثبت التحجير لبعض الدين الحال، خلافا للتذكرة، فاستقرب جواز الحجر بالتماس البعض، و إن لم يكن دين الملتمس زائدا عن ماله، و لا دليل عليه يقطع الأصل، و الضرر عليه يرتفع عنه بإجبار الحاكم له على الوفاء.

ج 25، ص: 281

و على كل حال فقد بان لك انه لو ظهرت أمارات الفلس عليه مثل أن يكون نفقته من رأس ماله، أو يكون ما في يده بإزاء دينه، و لا وجه لنفقته إلا ما في يده لم يتبرع الحاكم بالحجر عليه للأصل، فهو حينئذ كمن لم يظهر عليه أماراته، مثل أن يكون كسوبا ينفق من كسبه، خلافا للشافعي فجوز الحجر على من ظهرت عليه أمارات الفلس، و لا ريب في ضعفه، كضعف ما يحكى عنه أيضا من جواز الحجر على من ساوت أمواله ديونه.

و كذا لا يحجر عليه الحاكم لو سأل هو الحجر على نفسه، من دون التماس الغرماء، للأصل السالم عن المعارض، لكن استقرب في التذكرة جواز إجابته، لأن فيه مصلحة له، ببراءة ذمته، فكما يجاب الغرماء في ملتمسهم حفظا لحقوقهم، يجاب هو أيضا ليسلم من حق الغرماء، و من الإثم بترك وفاء الدين، و لما

روى عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«أنه حجر على معاذ بالتماسه خاصة»

و فيه ان الخبر لم يثبت من طرقنا فليس حجة، سيما مع كون المشهور كما في المسالك على

خلافه. و الأول اعتبار لا يصلح مدركا لحكم شرعي.

و ما أبعد ما بينه، و بين المحدث البحراني الذي توقف في أصل الحجر بالفلس و لو مع الشرائط محتجا بأنه ليس في النصوص ما يدل عليه.

و فيه مع عدم انحصار الحجية فيها، بل الإجماع بقسميه هنا كاف في ذلك، على أن الموجود منها هنا غير خال من الاشعار، بل الظهور، سيما النبوي المتقدم آنفا، ف

في موثق عمار(2)عن الصادق عليه السلام «كان أمير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فإن أبا باعه فيقسمه بينهم»،

فإن الأمر بقسمة ماله ظاهر في رفع اختياره في التخصيص لو أراده، بل هو ظاهر في رفع اختياره لو أراد التصرف فيه على وجه يخرجه عن ملكه، حتى لا يستحق الديانة منه، بل لعل المراد من قوله يحبس، المنع من التصرف.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص- 48.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 1- و ذيله.

ج 25، ص: 282

كما يرشد إليه

خبر غياث (1)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «أن عليا عليه السلام كان يفلس الرجل إذا التوى على غرمائه، ثم يأمر به فيقسم ماله»

الحديث. ضرورة عدم معقولية إرادة غير ذلك من التفليس، خصوصا بعد قوله عليه السلام ثم إلى أخره و منه حينئذ يظهر دلالة

خبر الأصبغ بن نباتة(2)عن أمير المؤمنين عليه السلام «أنه قضى أن الحجر على الغلام حتى يعقل، و قضى في الدين أنه يحبس صاحبه، فإن تبين إفلاسه و الحاجة، فيخلى سبيله حتى يستفيد مالا، و قضى عليه السلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنه يحبس ثم يأمر به، فيقسم ماله بين غرمائه بالحصص، فإن أبا باعه فيقسم بينهم»

. بل و

خبر السكوني (3)عن جعفر عن أبيه عن على عليهم السلام «أنه كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال اعطى الغرماء و إن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء، و يقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، إن شئتم فأجروه، و إن شئتم فاستعملوه».

و كيف كان فلا ينبغي الشك في أصل جواز الحجر بالفلس، على معنى منع التصرف، و لعل ذلك من مقتضى نصبه حاكما أيضا، و حينئذ ف إذا حجر عليه استحب له إظهار ذلك، بحيث لا يتضرر معاملوه، كما في القواعد و التذكرة، و محكي المبسوط و التحرير، لان مثل هذه النصيحة مرادة من الحاكم، و تعلق به منع التصرف، لتعلق حق الغرماء، و اختصاص كل غريم بعين ماله، و قسمة أمواله بين غرمائه

[القول في منع التصرف ]

جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام ؛ ج 25 ؛ ص282

نحصر القول فيه حينئذ في هذه الثلثة.

الأول في منع التصرف، و لا خلاف بين الأصحاب في أنه يمنع من التصرف ابتداء في المال الموجود حال الحجر، سواء كان بعوض أو غيره، بل و لو محاباة احتياطا لحفظ المال للغرماء و لا يتم إلا بذلك، ضرورة أنه متى كان له تسلط على المال بوجه، خيف عليه منه، فلا ريب في أن الاحتياط- لحق الغرماء الذي شرع التحجير عليه له- في عموم منع التصرف فيه، و عن ظاهر الخلاف و كذا


1- 1 المصدر نفسه.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 3.

ج 25، ص: 283

الغنية الإجماع على منعه من التصرف بماله، بما يبطل (1)(الغرماء).

نعم لا يمنع مما لم يكن تصرفا فيه، كالنكاح و الطلاق و القصاص و العفو عنه، و الإقرار بالنسب، و نحو ذلك، مما هو ليس تصرفا في المال، و ان استلزم بعضها ذلك، كالمؤنة في الإقرار بالنسب، و نحوه.

كما لا يمنع من التصرف المحصل للمال كالاحتطاب و الاصطياد، و أولى منهما قبول

لوصية و الاتهاب، و الشراء بثمن في الذمة و القرض و نحوها، مما هو مصلحة للغرماء، بناء على تعلق حقهم بها أيضا، فتدخل حينئذ في الحجر، كما صرح به الفاضل و الكركي، و ثاني الشهيدين.

لكن قد يشكل بأصالة عدم تعلق الحجر بها، إذ الثابت من تعلقه بالأموال القاصرة حال الحجر لا غيرها، خصوصا مع الضرر على أصحابها في بعض أفرادها، كما إذا اشترى في الذمة أو باع سلما، بناء على عدم جواز الفسخ للبائع، و إن كان جاهلا كما صرح به الفاضل و غيره، للأصل و تعلق حق الغرماء بها، و أنه لا يشاركهم فيما له من الدين لتجدده، و ستسمع تحقيق الحال فيه إنشاء الله تعالى.

و لعله لذلك أو لغيره استشكل في تعلق الحجر بها في الإرشاد، و لم يرجح الشهيد في المحكي عن حواشيه، و غاية المراد، بل عن فخر المحققين أن عدم التعلق أولى، و الظاهر أن محل النزاع في أصل مشروعية التحجير فيها و عدمه، لا في دخولها في إطلاق التحجير و عدمه، المبني على المفروغية، من جواز التنصيص له على الدخول أو الخروج، كالمفروغية من جواز تجديد الحجر عليها، لاتحاد المدرك فيها و في سابقها إلا ان ما عدا الأخير يمكن منعه للأصل السالم عن معارضة ما يصلح للخروج به عنه بعد القول بعدم حجية كل ظن حصل للمجتهد، خصوصا ما كان من أمثال هذه الاعتبارات التي يصعب الفرق بينها، و بين القياس و الاستحسان، و حينئذ فلا يتجه


1- 1 هكذا في النسخ المصححة لكن الظاهر إسقاط النساخ كلمة حق و الصحيح هكذا بما يبطل حق الغرماء.

ج 25، ص: 284

جعل النزاع فيه، على أن المتجه على تقديره سؤال الحاكم إذا لم يعلم لفظ تحجيره، و لو تعذر اقتصر على المتيقن.

و على كل حال لا يمنع من أمثال هذه التصرفات، بل صرح الفاضل و الكركي بعدم منعه من نحو الوصية و التدبير الذي لا ضرر فيه على الغرماء، لكونه بعد الموت الموجب لسبق استيفاء الدين أولا، و فيه أنه لا يتم بناء على بطلان تصرفه، و سلب عبارته فيما يتعلق بالمال الموجود، كما هو ظاهر قول المصنف فلو تصرف كان باطلا، سواء كان بعوض كالبيع و الإجارة، أو بغير عوض كالعتق و الهبة بل هو المحكي عن أبي على، و المبسوط، و التحرير، و الإيضاح، فيكون حينئذ معنى تحجير الحاكم هنا سلب الأهلية، بل قيل هو أمر زائد على منافاة حق الغرماء، و حينئذ لا فرق فيه بين الوصية و غيرها، و لعله لذا جزم الفاضل في المحكي عن قواعده في باب التدبير بعدم الصحة.

اللهم إلا أن يفرق بين الوصية و غيرها بأنها تصرف في المال بعد الدين، بخلاف غيرها، فإنه تصرف في المال فعلا، و إن كان لا ينفذ على تقدير الصحة إلا بعد الوفاء، مضافا إلى أنه يقوى عدم كون التحجير سلب الأهلية، لعدم الدليل، بل قولهم بنفوذ تصرف السفيه مع اجازة الولي ينافيه، و أنه لا يقصر بالحجر من التصرف في مال الغير الذي بنفذ بالإجازة، إذ ليس التحجير إلا لمنافاة التصرف لحق الغرماء، و هو حاصل بعدم النفوذ، غير متوقف على سلب الأهلية، و لعله لذا نفى الباس عن عدم البطلان في التذكرة، و قواه في جامع المقاصد، و في المسالك «لعله أقوى».

و هو كذلك بناء على أن الفضولي على القاعدة، بل و ان لم نقل بذلك، للفحوى حينئذ، و دعوى- ان المتجه مع الشك في كون التحجير سلب الأهلية أو النفوذ عدم انتقال المال بمثل هذا العقد، و إن تعقبه إجازة أو تبين زيادة مال، للأصل- يدفعها منع الشك، و لو لعموم «الوفاء بالعقود»(1)اللهم إلا أن يمنع شمولها للمشكوك


1- 1 سورة المائدة الآية- 1.

ج 25، ص: 285

في أهلية النقل، كالمشكوك في أنه يعقد عليه أولا، لكن فيهما معا بحث.

و على كل حال فالأقوى صحة عقده، بل ظاهر جماعة من الأصحاب، بل هو كصريح التذكرة عدم بطلانه برد الغرماء، و أنه يبقى موقوفا على أن يقسم المال، لا يباع و لا يسلم إلى الغرماء، فان فضل لارتفاع قيمة غيره، أو لإبراء بعض الديانة أو غير ذلك، نفذ فيه التصرف، و إلا بطل، لسبق التعلق به فيه، و ليس لذوي الدين ابطال التصرف، و فسخ العقد قبل ذلك، و هو جيد، و قد أومأنا إليه في تصرف الراهن و لو كان ما تصرف فيه متعددا ففي القواعد «انه مع القصور يبطل الأضعف، كالرهن و الهبة ثم البيع و الكتابة، ثم العتق» و عن الشافعية احتمال نقض الأخير كما في تبرعات المريض إذا زادت عن الثلث، لأن المزاحمة إنما وقعت بين ديون الغرماء و الأخير، فيكون السابق ماضيا، لعدم ما ينافيه، و استحسنه في التذكرة.

و فيه أن الحجر على المريض إنما هو فيما زاد على الثلث، فالأخير هو الزائد، فيكون باطلا دون ما سواه، بخلاف المفلس، فإنه محجور عليه في الجميع، فلا يظهر فرق بين الأخير و غيره لان الجميع كالفضولي، فينبغي أن يقال حينئذ: جميع التصرفات موقوفة و لا بد من إبطال بعضها، و لا أولوية لبعض على غيره، بشي ء من الاعتبارين، لأن المتقدم و المتأخر سواء في كونهما موقوفين، و الضعيف و القوي سواء في كونهما غير نافذين، و لا فرق بين العتق و غيره في ذلك، فيقرع حينئذ، أو يخيرون، كما لو وقع التصرفات دفعة واحدة، و قد يحتمل البطلان في الجميع، و فيه ضعف.

لكن في جامع المقاصد «التحقيق أنا لو قلنا: أن الإجازة كاشفة لا ناقلة كانت جميع التصرفات مراعاة بوفاء الدين، فيظهر للتقدم أثر حينئذ، و حيث أنا رجحنا هذا القول فيما سبق كان ذلك أقوى» و فيه نظر يعرف من ملاحظة ما سلف لنا في تصرف الراهن. فلاحظ و تأمل، و لو كان التصرف بيعا و نحوه على الغريم صح، ضرورة ظهوره في إرادة الشراء الصحيح المستلزم للرضا بالتصرف، فلو باعه حينئذ منه بالدين و ليس سواه صح لما ذكرنا، لا لما في القواعد «من أن سقوط الدين يسقط الحجر» إذ هو مستلزم للدور، أو اقتران صحة البيع، و ارتفاع الحجر المنافي لتقدم الشرط

ج 25، ص: 286

الذي هو رفع الحجر على المشروط، و هو صحة البيع.

و لو ظهر غريم بعد ذلك فقد يحتمل بطلان البيع من رأس، لعدم تصور مشاركته في الثمن الذي هو الدين و البطلان في مقدار ما يقابل دينه من العين، و الرجوع على المشتري بمقدار ما يقابلها و لعل الأقوى الأول، بناء على عدم تصور التبعيض في حق الحجر، فمتى بطل بالنسبة إلى أحدهما بطل بالنسبة إلى الجميع، لأن حق كل منهم يتعلق بتمام العين، حتى لو أبرأ أحدهم ذمة المفلس بقي حق الأخر متعلقا بالجميع، و لا يفك من العين مقدار الدين، و لا فرق في الحكم المزبور بين كون البائع الحاكم أو المفلس، أما لو باعه من الغريم بثمن غير الدين ثم ظهر غريم صح و شاركه في الثمن بالنسبة، إذا كان البيع من الحاكم بثمن، إذ الظاهر عدم توقف صحة البيع على حضور كل غريم في الواقع، و لو كان البائع المفلس بتخيل انحصار الغريم في المشتري ثم بان وجود غيره، فقد يظهر من بعضهم نفوذ البيع، للعمومات، لكن قد يشكل بتعلق حقه واقعا في العين، فبعد ظهوره لا بد من مراعاته كغيره من الغرماء الظاهرين، فتأمل جيدا.

و لو اشتري المفلس مالا في الذمة و قد اشترط عليه التصرف فيه بعتق أو هبة أو نحوهما فالمتجه البطلان، بناء على سلب عبارته في كل مال موجود حال الحجر أو متجدد، لأنه حينئذ يكون شرطا غير مقدور، فيفسد و يفسد العقد به، بناء على أن فساد الشرط مقتض لذلك، و إن قلنا بعدم سلب عبارته، فيصح العقد قطعا مع علم المشتري بحاله، و يوقع التصرف المشروط، فإن نفذ لاتفاق زيادة المال فلا إشكال، و إلا أمكن اختصاص الغرماء به، و عدم تسلط البائع على الخيار، سيما إذ كان عالما بالحال لتعلق حق الغير، و عدم تقصير المشتري في استطاعته من التصرف.

و يحتمل تسلطه لعدم انتقال المال إلى المفلس إلا على هذا الوجه، فهو كالخيار المشروط فيما لو اشترى بالذمة و الأقوى صحة أصل العقد و نفوذ التصرف لأصالة عدم منعه عن مثل هذا التصرف المستحق عليه بالشرط بعد ان انتقل المال اليه على هذا

ج 25، ص: 287

الوجه كما هو واضح، هذا كله في إنشاء التصرف.

أما لو أقر بدين سابق صح في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل قيل إنه كذلك قولا واحدا. نعم عن شرح الإرشاد أنه حكي عن بعض الأصحاب عدم صحة إقراره مطلقا، و لم نعرفه مع وضوح فساده، لمنافاته لما دل على جواز إقرار العقلاء على أنفسهم و احتمال سلب الأهلية إنما هو في خصوص إنشاء التصرفات بالأعيان، أما الإخبار بالدين فلا وجه له معتد به فيه، كما هو ظاهر.

بل في المتن و محكي المبسوط و الخلاف و التذكرة و التحرير أنه صح و شارك المقر له الغرماء بل عن غاية المراد حكايته عن أبي منصور الطبرسي، بل هو قربه في المحكي عن حواشيه، لكن بشرط أن يكون عدلا، لعموم جواز الإقرار المقتضي كونه كالبينة شرعا في الإثبات، و احتمال التهمة يدفعه أن الإقرار في حقه أكثر منه ضررا في حق الغرماء، و فيه أن العموم إنما يدل على لزومه، و نحن نقول به، و عدم مشاركته باعتبار معارضته لحق الغير الذي لا ينفذ هو فيه، إذ حق الغرماء قد تعلق بالأعيان بل قيل إنه أقوى تعلقا من حق الرهانة، و بذلك يظهر لك الفرق بينه و بين البينة التي لم يفرق الشارع في نفوذ مقتضاها بين الجميع، و عدم النفوذ في حق الغير للأصل، لا للتهمة، و لذا كفى في عدم النفوذ عدم العلم بصدق الإقرار، و إن لم يتهم المقر، و من هنا اختار الفاضل، و الشهيدان، و الكركي، و غيرهم على ما حكى عنهم عدم النفوذ، و هو قوي جدا.

لكن قد يشك في كيفية تعلق حق الغرماء بالعين على وجه يمنع الإقرار، و الأصل يقتضي عدمه، و سلب الأهلية في إنشاء التصرف أو عدم النفوذ لا يقتضي ذلك، إذ هو من الحاكم في تحجيره لا من تعلق حق الغرماء بالعين. و على تقديره لا يقتضي مثله في الإقرار، فتأمل جيدا، فإنه قد يدفع ذلك كله صدق كون الإقرار في حق الغير، فيكون ممنوعا.

و لو أسند الدين في إقراره إلى ما بعد الحجر بمعاملة و نحوها مما يحصل برضا الطرفين، لم يشارك قطعا، لعدم زيادة الإقرار بذلك على نفس المعاملة التي قد عرفت

ج 25، ص: 288

عدم المشاركة بها للغرماء لو وقعت بعد الحجر، نعم لو أسند إقراره بالدين إلى ما بعد الحجر على وجه يشارك لو كان المقر به معلوما ثبوته، كإتلاف مال أو جناية، جرى فيه البحث السابق، لاتحاد المدرك، لكن في الروضة اختيار عدم المشاركة في الأول دون الثاني، و هو غريب، و أغرب منه تعليله ذلك بما تسمعه من دليل المشاركة في الجناية، و البحث هنا من حيث الإقرار لا من حيث نفس الجناية، و من هنا أمكن كون مراده الفرق بين الجناية و المعاملة الاختيارية، فلا يكون مخالفا فلاحظ و تأمل و لو أقر بدين و أطلق، فأصالة تأخر الحادث تقتضي تأخره عن الحجر المعلوم تاريخه، فلا يشارك، و إن قلنا بها في غيره.

و كذا البحث فيما لو أقر بعين لمن صدقه في ذلك. نعم لو قلنا بنفوذ الإقرار فيها دفعت إلى المقر له لعدم كونها حينئذ من أموال المفلس، و لكن فيه اي في نفوذ الإقرار فيها عند المصنف تردد و إن جزم بالشركة في الإقرار بالدين، بل حكي عن بعضهم الجزم بالفرق بينهما في ذلك، و لعله لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله، فيكون الإقرار بها إقرارا منافيا لحق الغير، كالرهن و نحوه، و يشكل بأنه لا فرق بين أخذ بعض الأعيان بموجب التقسيط مساواة لهم، و بين أخذه ذلك البعض تقديما له عليهم، مع تعلق حقهم بالعين، و من هنا كان الأقوى عند الشهيدين، و الكركي، و الفاضل في الإرشاد، عدم الفرق بينهما، في عدم النفوذ، بحيث ينافي حق الغرماء كما أن خيرة المحكي عن المبسوط، و التحرير عدمه، في النفوذ فيهما فيشارك في الأول، و تدفع العين للمقر له في الثاني، لكن قد يدفع بعدم صدق التصرف في المال في الأول، و ان رجع إليه بالأخرة كرجوع نفقة من أقر بنسبه بخلاف الثاني، فإنه كالتصرف في المال نفسه، فهو معارض لحق الغير، بل مندرج في الحجر عليه في المال.

و فيه أنه لا فرق في عدم نفوذ الإقرار في حق الغير، بين العين و الدين الذي هو أيضا كالتصرف في المال أيضا، و لذا لم يمض إقرار بعض الورثة بالدين على الآخر كالعين، بل قد يقال بأولوية نفوذه في العين من الدين، باعتبار عدم ثبوت كونها من

ج 25، ص: 289

مال المفلس بعد الإقرار، حتى يتعلق بها الحجر، لكونه أقوى من اليد، و من هنا حكي عن بعضهم القول بذلك، فيرجع حاصل الأقوال في المسألة إلى أربعة أقواها عدم النفوذ، و ربما قيل إنها خمسة، بزيادة القول بأن العين تؤخر و يقسم غيرها بين الغرماء، فان فضلت أعطيت للمقر له، و إلا دفعت إلى الغرماء، و لعله ليس قولا في المسألة، بل يقول به الجميع جمعا بين الحقين.

و على كل حال فقد صرح بعضهم بضمان المفلس القيمة أو المثل، بناء على دفعها للغرماء، من غير فرق بين تقصيره في الإقرار بها قبل الحجر و عدمه، و لعله لأنها قد أخذت في دينه، و فيه اشكال مع عدم التقصير، و أخذها في دينه مع عدم براءة ذمته بذلك إلا مع اجازة المالك، لا يقتضي ضمانها بعد أن كان الآخذ غيره، فالقضاء بها حينئذ كالقضاء بالمتبرع به، اللهم إلا ان يقال إن الأصل ضمان كل ما وصل نفعه إليك من المال المحترم، إلا أن يتبرع به المالك، مضافا الى عموم

«على اليد»

فتأمل جيدا.

أما لو كذبه المقر له بها ففي القواعد و محكي التذكرة أنها تقسم و لعله لعدم صحة الإقرار مع الرد بخلافه مع التصديق، و فيه أنه بناء على نفوذ إقراره يتجه دفعها إلى المقر له مع التصديق، و إلا خرجت عن ملك المقر فلا يتعلق بها حجر، فإذا كانت في يده توصل إلى وصولها لصاحبها، و إن كانت في يد غيره، صارت مجهول المالك و على كل حال لم يكن للغرماء تعلق بها و الله أعلم.

و لو قال: هذا المال مضاربة لغائب قيل: يقبل قوله مع يمينه، و يقر في يده، و ان قال: لحاضر و صدقه دفع إليه، و إن كذبه قسم بين الغرماء و هو المحكي عن المبسوط، قال: إذا أقر بالمال، إلا أنه قال: هو مضاربة لفلان، فإن المقر له لا يخلو من أحد أمرين. إما أن يكون غائبا أو حاضرا، فإن كان غائبا كان القول قول المفلس مع يمينه أنه للغائب، فإذا حلف أقر المال في يده للغائب، و لا حق للغرماء فيه، و إن كان حاضرا نظر فيه، فإن صدقه ثبت له، لأنه إقرار من جائز التصرف، و صدقه المقر له، فوجب أن يكون لازما، و إن كذبه بطل إقراره، و وجب

ج 25، ص: 290

قسمته بين الغرماء.

و فيه انه لا فرق بين ذلك و بين الإقرار بالعين التي لم يحك عنه فيها مثل ذلك، مضافا إلى ما قيل: من أنه لم يشرع اليمين لإثبات مال الغير، و إن كان قد يدفعه أنها لرفع التهمة، لا للإثبات، و من أنه لا معنى لإقراره في يده مع سلب أهلية اليد، لأن الحجر عليه رفع يده عن السلطنة المالية. و يدفعه أيضا منع صيرورته بالحجر كذلك، إذ هو مكلف رشيد، و لا عدوان في يده، و الحجر انما يرفعها عن ماله، لا عن مال غيره. إنما الكلام في نفوذ إقراره، فعلى تقديره فالإقرار في يده متوجه، و التحقيق عدم الفرق بين هذه المسألة و سابقتها، فيجري فيها الكلام السابق حينئذ و الله أعلم.

و لو اشترى بخيار و فلس و الخيار باق، كان له إجازة البيع و فسخه بلا خلاف أجده فيه لأنه ليس بابتداء تصرف في المال، بل هو أثر أمر ثابت قبل الحجر المانع له من ابتداء التصرف في المال، للأصل و غيره، بل ظاهر المصنف، و صريح الكركي، و ثاني الشهيدين، و المحكي عن المبسوط، و التحرير، عدم اعتبار الغبطة في ذلك، بل له الفسخ و إن كان فيه مفسدة على الغرماء، للأصل بعد عدم ما يدل على منع الحجر إياه عن مثل ذلك، خلافا للفاضل، فاعتبر الغبطة في خيار العيب دون غيره، و وجهه الشهيد بأن الخيار في غيره ثابت بأصل العقد، لا على طريق المصلحة فلا يتقيد بها، بخلاف العيب.

و فيه أن كلا من الخيارين ثابت بأصل العقد، غاية ما في الباب أن أحدهما ثبت بالاشتراط مثلا، و الآخر بمقتضى العقد، و لم يكن ثبوت أحدهما مقيدا بغبطة و لا بعدمها، إذ لم يقل أحد بتقييد فسخ العيب في غير المفلس بالمصلحة، بل صرحوا بجواز الفسخ له، و ان زادت القيمة بسبب العيب، كالخصاء، و الحكمة في أصل المشروعية لا يجب اطرادها، و إلا لاقتضى اعتبار الغبطة في الفسخ بكل خيار، ضرورة كون الحكمة في مشروعية أصل الخيار في مثل البيع الذي الأصل فيه اللزوم إمكان أن يتجدد لذي الخيار ما يوجب ارادة الفسخ، فلا يجد السبيل إليه، فيحصل عليه ضرر.

ج 25، ص: 291

و أضعف من ذلك تعليل الفرق بينهما بأن العقد في زمن الخيار متزلزل لإثبات له، فلا يتعلق حق الغرماء بالمال، إذ التزلزل مشترك بينهما، فالقول: حينئذ بعدم اعتبار الغبطة في الجميع لا يخلو عن قوة. نعم قد يفرق بينهما بأن العيب لم يوجب استحقاق الرد خاصة، بل أوجبه مع الأرش، و إن كان على جهة البدل، بل لعل اقتضاؤه الأرش أقوى، بدليل عدم سقوطه بالتصرف و نحوه مما يسقط به الرد، بل قد يقال: إن الأرش ثابت به و إن كان له إسقاطه بفسخ العقد، فالحاصل حينئذ باختياره اللزوم مثلا سقوط الرد لا ثبوت الأرش، و إن كان لا يخلو من اشكال.

و حيث كان كذلك اتجه حينئذ دعوى تعلق حق للغرماء بهذا الخيار من بين الخيارات، كما انه اتجه اعتبار الغبطة، ترجيحا لمن يكون معه على الأخر، إذ قد عرفت اجتماع الجهتين أي الأرش و الرد في هذا الخيار، بخلاف غيره من أفراد الخيار حتى الغبن، فإنه ليس فيه جهة للمال أصلا، فلا يتقيد بالغبطة أو عدم المفسدة، بل ربما يؤيده ما قيل: من أن المريض إذا اشترى معيبا و لم يرده مع كون الغبطة في رده احتسب نقص عيبه من الثلث، و لعل من ذلك ينقدح أنه لو لم يكن للمفلس إلا الرد بالعيب لإسقاط الأرش قبل الفلس و نحوه لم تعتبر الغبطة فيه، إذ هو حينئذ كغيره من الخيارات، كما أنه قد ينقدح من ذلك وجه آخر، لأصل ثبوت الخيار بعد الفلس بغير العيب، بأن يقال: إنه ليس تصرفا في مال، و إن رجع إليه بالأخرة، و إن كان فيه بحث ظاهر، و لعله لذا كان ظاهر المحكي عن الأردبيلي، و بعض الشافعية، اعتبار الغبطة في جميع أنواع الخيار، لان الفسخ نوع تصرف في المال.

و فيه أن المتجه حينئذ منعه منه، من دون اذن الغرماء، لأنه حينئذ كالتصرف فيه ببيع و نحوه، لا تقييده بالغبطة، و لم أقف على قائل به، و إن كان يشهد له في الجملة منع السفيه عنه، لكن قد يفرق بينهما بأن الحجر يقتضي تعلق حق الغرماء بمال المفلس على حسب كيفية ملكه له في اللزوم و التزلزل، لا أن به تختلف جهة ملكه، فمع كون الملك بالنسبة إليه متزلزلا يبقى على حاله بعد الفلس و من ذلك ينقدح ان له الخيار أيضا فيما يشتريه في الذمة بعد الفلس، لأن المال قد انتقل اليه

ج 25، ص: 292

على هذا الحال، و تعلق به حقهم على هذا الحال فلا يمنع منه، و لو لم يكن للمفلس الا الرد، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و لو خرج المال عن المفلس بعقد متزلزل كالهبة و نحوها قبل الفلس لم يستحق الغرماء عليه الرجوع قطعا، كما هو واضح. نعم لو كان له حق فقبض دونه قدرا أو وصفا على جهة الإسقاط و الإبراء كان للغرماء منعه قطعا لانه تصرف في المال بما ينافي حقهم، بل في جامع المقاصد و غيره لهم منعه من قبض بعض الحق، و إن لم يكن على جهة الإسقاط للباقي، إذا حصل ضرر كما في قبض بعض ثمن المبيع، قال: لأن فيه إسقاطا لحق يتعلق بالمال، فيمنع منه، لانه تصرف مبتدأ أما إذا لم يكن كذلك كقبض بعض ما استحقه بإتلاف مال، أو قرض و نحوهما، مما يلزم عليه فيه قبض البعض لو بذله من عليه كالجميع، كان له قبض البعض، و فيه أنه يمكن المناقشة في منعه عن إسقاط هذا الحق الذي هو ليس بأولى من حق الخيار، فتأمل جيدا هذا.

و في المسالك أن نسبة القبض إليه على طريق المجاز، فإنه لا يمكن من قبض المال لاقتضاء الحجر ذلك، و إنما المراد، إثبات تسلطه على الحكم المذكور و إن كان القابض غيره، و فيه أن أقصى ما ثبت من الحجر منعه من التصرفات المنافية لحق الغرماء لا غيرها، للأصل و غيره، قال في القواعد: «و لا يمنع من وطي مستولدته و لم يفرق بين كون ثمنها من جملة دين الغرماء أولا، و لا بين القول بإجارتها و عدمه» لكن قال: «و في وطي غيرها من إمائه نظر» و عن التذكرة أقر به المنع، و في جامع المقاصد «أنه الأصح» إلا أنه يمكن أن يكون ذلك من جهة التعريض للإتلاف بالطلق أو نقصان القيمة، أو بصيرورتها أم ولد، بناء على بطلان حق الغرماء بها حينئذ، و فيه نظر، بل جزم في القواعد و محكي التذكرة بعدمه، و لعله لسبق تعلق حقوقهم، إلا أن الظاهر تأخيرها في البيع لتبين القصور و عدمه، لئلا يبطل حق الاستيلاد، و على كل حال فمنع المفلس من التصرف بماله على وجه لا ينافي حق الغرماء لا يخلو من بحث، بل منع. و الله أعلم.

ج 25، ص: 293

و لو أقرضه إنسان مالا بعد الحجر مثلا أو باعه بثمن في ذمته، لم يشارك الغرماء، و كان ثابتا في ذمته إذا كان عالما بحاله اتفاقا، كما في المسالك، بل و ان كان جاهلا كما صرح به الفاضل، و الشهيدان، و الكركي، و غيرهم، للأصل خصوصا على القول بتعلق حقوق الغرماء بالمال المتجدد، و خبر الاختصاص (1)بعين المال في الفلس، إنما هو للغريم قبل الحجر، و المشاركة لهم لا دليل عليها و ان كان قد أدخل لهم مالا عوض دينه.

و من ذلك يظهر لك ما في احتمال الضرب و احتمال الاختصاص، بل يزيد الأول ضعفا أن الجهل لا مدخلية له في مشاركة الغير، بعد فرض اختصاص الحجر للديون السابقة، إذ دعوى- أن المحجر لاحظ في التحجير الديون السابقة و مثل المفروض- لا دليل عليها، بل في المسالك «أن الوجهين شاذان، لأنه ان كان غريما اختص بعين ماله، و إن لم يكن غريما لم يضرب» و ان كان قد يتكلف لدفع ذلك، كما أنه يظهر لك أيضا ما في المحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد، من الصبر و الضرب، لكونه غريما و أدخل مالا في مقابلة الثمن، و الاختصاص للعموم، فالأقوى حينئذ وجوب الصبر بناء على تعلق الحجر بالمتجدد، و الا كان له المطالبة بالوفاء منه، ثم إن ظاهر التعليل للمشاركة

بإدخال المقابل في أموال المفلس يقتضي عدمها إذا لم يكن كذلك، و كان برضا من المستحق كما في المهر و عوض المتلف بالاذن، و لعله كذلك للأصل، و نفى الخلاف عنه في التذكرة.

و لو أتلف مالا بعد الحجر ضمن، و ضرب صاحب المال مع الغرماء كما في القواعد و جامع المقاصد و المسالك، و إن ذكروا معه الجناية أيضا، لعدم الفرق بينها و بين التلف في ذلك، إذ المدرك في الجميع أن الثابت هنا من المال من غير رضا صاحبه، و إن كان هو كما ترى، و كذا الاستدلال عليه بعموم الخبر الدال على الضرب و بما دل على وجوب العوض، فانا لم نقف على خبر ظاهر في شمول الفرض، و ما دل على وجوب العوض لا يقتضي المشاركة، و كأنه لذلك لم يرجح في التذكرة بل جعل


1- 1 الوسائل- الباب 5 من أبواب الحجر الحديث- 1- 2.

ج 25، ص: 294

أول الوجهين عدم الشركة لتعلق الحق، و لانه كما لو جنى الراهن و لا مال له غير المرهون، فإن المجني عليه لا يزاحم المرتهن، قلت: كل ذلك مضافا إلى الأصل، و لعله لذلك حكى عن الأردبيلي التأمل فيما ذكروه من المشاركة، و هو في محله، و الله أعلم.

و لو أقر المفلس بمال بعد الحجر أو ثبت شغل ذمته بمال بعده كذلك مطلقا و جهل السبب في ثبوته، فلم يعلم أنه مما يشارك به كالإتلاف و الجناية، أولا، كما إذا كان برضا من المستحق و علم منه أو جهل على الأصح لم يشارك المقر له الغرماء، لاحتماله ما لا يستحق به المشاركة فالأصل عدمها حينئذ و احتمال أن الأصل المشاركة حتى يعلم كونه مما لا يشارك، لا شاهد له، بل هو على خلافه، ضرورة كونها من الأمور الحادثة، و الأصل عدمها، بل الظاهر عدم وجوب الاستفصال أيضا حال عدم العلم بجهله، للأصل، أما لو أطلق مع ذلك أو بدونه في السبق و اللحوق، و جهل تاريخ الحجر و الدين، فالأصلان متعارضان، و يبقى أصالة عدم تعلق خصوص هذا الدين سالما.

و دعوى- أن اللحوق مانع و لم يثبت، فالأصل المشاركة-، لم نتحقق لها شاهدا، بل الشاهد بخلافها، كما عرفت، حتى لو سلم الشك في المقام في كون السبق شرطا في المشاركة، أو أن اللحوق مانع، إذ أصالة عدم التعلق تغني عن ذلك، و لو علم تاريخ أحدهما بني تأخير أحدهما على ما تقدم سابقا في نظائر المسألة، و حينئذ يشارك لو كان المعلوم الدين هذا. و في المسالك هنا نظير ما حكيناه عنه سابقا في الروضة، و فيه ما لا يخفى، و في جواز العمل بما ذكرناه من الأصول بلا استفصال وجه فلا يجب حينئذ و إن كان يمكن أن يحصل به رفع الاشكال. و الله أعلم.

و لا تحل الديون المؤجلة بالحجر بلا خلاف أجده من غير الإسكافي، للأصل بعد حرمة القياس على الميت، و كونه مع الفارق، كما قيل: بتضرر الورثة و الغرماء بدونه فيه، لعدم ذمة له بخلاف المفلس، مضافا إلى انه لا خلاف بيننا بل و بين غيرنا عدا الحسن البصري المنقرض خلافه في أنها تحل بالموت

ج 25، ص: 295

بل الإجماع بقسميه عليه، ل

خبر أبي بصير(1)«إذا مات الرجل حل ماله، و ما عليه من الدين»

و

السكوني (2)«إذا كان على الرجل دين إلى أجل و مات الرجل حل الدين»

و

الصحيح المضمر(3)«إذا مات فقد حل مال القارض».

بل ظاهر الأولين كمعقد المحكي من إجماع الخلاف عدم الفرق بين مال السلم و الجناية المؤجلة، و غيرهما، خلافا للمحكي عن إيضاح الفخر، و حواشي الشهيد، من عدم حلول السلم بالموت، و لعله لأنه يقتضي قسطا من الثمن، لكنه كما ترى لا يصلح معارضا للدليل، و كذا ما قيل: من تعليل احتمال خروج الجناية، بأن تأجيلها شرعي، لا مدخلية لرضا الميت فيه، إذ لا فرق بين الجميع فيما عرفت من الدليل و دعوى- أن بينه و بين ما اقتضى بقاء أجله تعارض العموم من وجه- يدفعها أن ذلك قائم في كل فرد من أفراد الدين، مع أنه لا إشكال في انسياق التخصيص في الجميع، فالتحقيق في أمثال ذلك ملاحظة الحاصل من مجموع الأدلة، و لا ريب في ظهور التخصيص حينئذ، فتأمل، و أما حلول ما له فستعرف البحث فيه إنشاء الله تعالى.

[القول في اختصاص الغريم بعين ماله ]

القول الثاني في اختصاص الغريم بعين ماله و تفصيل الكلام أن من وجد منهم عين ماله كان له أخذها، و لو لم يكن سواها: و له أن يضرب مع الغرماء بدينه، سواء كان عنده وفاء لغيره من الغرماء أو لم يكن على الأظهر الأشهر بل المشهور، بل لا أجد فيه خلافا معتدا به إذا كان وفاء، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لا أجد خلافا فيما إذا لم يكن، إلا من المحكي عن الشيخ في التهذيب، و الاستبصار، و النهاية و المبسوط، فخص الاختصاص بما إذا كان وفاء، بتجدد مال آخر للمفلس بإرث أو اكتساب أو بكون الديون إنما تزيد على أمواله مع ضميمة الدين المتعلق بمتاع واجده، فإذا خرج الدين من بين ديونه، و المتاع من بين أمواله صارت وافية بالديون، أو بغير ذلك مما يتصور فيه ذلك، بحيث لا ينافي القصور الذي هو شرط الفلس.


1- 1 الوسائل الباب 12 أبواب الدين و القرض الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 12 أبواب الدين و القرض الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 12 أبواب الدين و القرض الحديث 2.

ج 25، ص: 296

و لا ريب في ضعفه،

للنبوي (1)المروي في كتب فروع الأصحاب «إذا أفلس الرجل و وجد سلعته فهو أحق بها»

و نحوه غيره و إطلاق

صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي الحسن عليه السلام «سألته عن الرجل تركبه الديون، فيوجد

متاع رجل آخر عنده بعينه، قال: لا يحاصه الغرماء»

المراد منه و لو بضميمة كلام الأصحاب فسخ العقد لا عدم المحاصة في الوفاء، و الا لوجب التعرض لزيادته على دينه و نقيصته.

و أوضح منه في ذلك

مرسل جميل (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل باع متاعا من رجل، فقبض المشتري المتاع و لم يقبض الثمن، ثم مات المشتري و المتاع قائم بعينه، فقال: إذا كان المتاع قائما بعينه، رد إلى صاحب المتاع و قال: ليس للغرماء أن يحاصوه»

فإنه ظاهر في إرادة عدم المحاصة للفسخ، و ان كان هو غير ما نحن فيه، إذ الكلام في المفلس الحي، و هذا في الميت، و ان لم يكن مفلسا، ل

صحيح أبي ولاد(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة، فمات المشتري قبل أن يحل ماله، و أصاب البائع متاعه، إله أن يأخذه إذا حقق له؟ فقال عليه السلام إن كان عليه دين و ترك نحوا من دينه فليأخذ إن حقق له، فان ذلك حلال له و ان لم يترك نحوا من دينه فان صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي ء يأخذ حصته، و لا سبيل له على المتاع»

و به يقيد مرسل جميل فيكون الحاصل ما ذكره المصنف بقوله:

أما الميت فغرماؤه سواء في التركة، إلا ان يترك نحوا مما عليه، فيجوز حينئذ لصاحب العين أخذها كغيره من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا سوى ما يحكى عن ابن الجنيد من الاختصاص و إن لم يكن وفاء كالحي، و كأنه اجتهاد في مقابلة النص، بل ظاهر النص و الفتوى اشتراط الاختصاص في الميت بما عرفت، و إن كان قد مات محجورا عليه، بل صرح به في المسالك، و لعلهم رجحوا ذلك على إطلاق


1- 1 المستدرك ج 2 ص- 496- عن دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السلام باختلاف يسير و في سنن البيهقي ج 6 ص 45.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الحجر الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الحجر الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الحجر الحديث 3.

ج 25، ص: 297

صحيح عمر بن يزيد للحكمة الواضحة في هذا الشرط بالنسبة إلى الميت دون الحي، إذ الميت لم تبق له ذمة بعد الموت، فلا يناسب الاختصاص إلا مع الوفاء، لئلا يتضرر الغرماء، بخلاف الحي، فإن ما يتخلف من الدين متعلق بذمته، فربما لا يضيع.

و في المسالك عن بعضهم أن الحكم مختص في الميت المحجور عليه، قال:

«و إطلاق النص يدفعه».

قلت: هو المحقق الثاني في جامع المقاصد، و ضعفه واضح، و الأنسب منه القول بعدم اشتراط الوفاء في الاختصاص إذا كان قد مات مفلسا، استصحابا للخيار الثابت لصاحب العين في حال الحياة، و لا طلاق صحيح عمر بن يزيد منضما إلى عدم ظهور صحيح أبي ولاد و مرسل جميل في موت المفلس، بل لعلهما ظاهران في غيره، بل لعله لا يخلو من قوة، إن لم يكن إجماع على خلافه، فتأمل جيدا، فإنى لم أجد تنقيحا له فيما حضرني من كلام الأصحاب.

نعم قد سمعت التصريح بخلافه في المسالك، و كذا العلامة في التذكرة، بل ظاهرهما أنه مفروغ منه، و لعل وجهه أن العين قد انتقلت بالموت إلى الوارث، فذهب شرط خيار الفلس، و لم يبق إلا الخيار من حيث الموت المشروط بالوفاء في صحيحة أبي ولاد. و على كل حال فما عن الشيخ رحمه الله لم نجد له شاهدا بالخصوص سوى دعوى الجمع بين النصوص، بحمل ما دل منها على الاختصاص على ما إذا كان وفاء، و ما دل منها على عدمه، ك

خبر أبي بصير(1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل كانت عنده مضاربة و أموال أيتام و بضائع، و عليه سلف لقوم فهلك و ترك ألف درهم، أو أكثر من ذلك، و الذي للناس عليه أكثر مما ترك؟ فقال: يقسم لهؤلاء الذين ذكرت كلهم على تقدير حصصهم أموالهم»

و غيره على ما إذا لم يكن وفاء من غير فرق بين الحي و الميت، لكن فيه أنه لا شاهد على هذا الجمع، إذ صحيح أبي ولاد و مرسل جميل في الميت الذي قد عرفت الحكم فيه، و الكلام في المفلس الحي الذي هو لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 4.

ج 25، ص: 298

الظاهر من صحيح عمر بن يزيد، كما أن الظاهر من قوله فيه لا يحاصه الغرماء قصور المال عن الوفاء، و ان الحاكم قد حجر عليه فهو أحد أدلة التحجير على المفلس الذي أنكره في

الحدائق، كما أنه أنكر في المقام دلالة النصوص على الخيار الذي عند الأصحاب و إنما هي دالة على الاختصاص في الغرماء، و لا ريب في ضعفه في المقامين، و حينئذ فليس أخذ العين عزيمة عليه، بل له أن يفسخ و يأخذ العين، و له أن يضرب بالثمن على الغرماء، كما أومى إليه في صحيح أبي ولاد، و ليس أن يفسخ و يضرب بقيمة المتاع ان كانت أزيد من الثمن قطعا.

نعم قد يقال: إن له ذلك إذا تلفت العين بعد الحجر، و تعلق الخيار بها، إذ احتمال سقوط خياره حينئذ مناف للاستصحاب، و لإطلاق الدليل، مع أنه يمكن فرض التلف بعد اختيار الفسخ، و قبل وصول العين اليه، و قد يعلم في الفرض اختصاصه بالقيمة التي هي بدل العين عن الغرماء، و فيه ضعف، لان الدليل إنما اقتضى الاختصاص بالعين لا بقيمتها التي قد استحقت بعد الفسخ، فهي كنموها من الديون التي يضرب أصحابها مع الغرماء، و ان تجددت بعد الحجر، كما ستعرف إنشاء الله تعالى فتأمل جيدا.

و كيف كان ف هل هذا الخيار في ذلك في الحي أو الميت على الفور قيل: نعم لأنه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على المتيقن، و عن المبسوط أنه أحوط، و في المسالك أولى، و في محكي التذكرة أنه الأقرب، و جامع المقاصد، يمكن ترجيحه بأنه الأشهر في كلام الأصحاب، و فيه جمع بين الحقين، فالقول بالفورية قريب، هذا.

و قد يشعر قول المصنف و لو قيل بالتراخي جاز بالميل إلى التراخي، و لعله كذلك لإطلاق الدليل، و قد تقدم في الخيارات تحقيق نظائر هذا البحث، ثم إنه لا فرق في الرجوع بالعين في الفلس بين دفع الغرماء للدين من مال المفلس، أو من مالهم و لو بإباحة للمفلس أن يفي عن نفسه، و عدمه لا للمنة، و تجويز ظهور غريم، لعدم اطرادهما، بل لإطلاق النص (1)الذي لا فرق فيه مع ذلك أيضا بين زيادة قيمة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 1- 2.

ج 25، ص: 299

السلعة، أو كثرة الراغبين إليها بحيث يرجى صعود سعرها، و عدمه، خلافا للتذكرة فأوجب حينئذ قبول ما بذله الغرماء من دينه، و كأنه اجتهاد في مقابلة النص، بل فيها أيضا ما يقتضي وجوب القبول لو بذل الثمن باذل من ماله تخليصا للعين، و إطلاق النص يدفعه.

نعم يعتبر فيه حلول الدين، فلا رجوع لو كان مؤجلا، لعدم استحقاقه المطالبة حينئذ، فلا يستحق الفسخ، و لو حل قبل فك الحجر و قبل الوفاء بها فالأصح في جامع المقاصد عدم الرجوع بها أيضا، لتعلق حق الغرماء بها، فلا يستحق إبطاله، لكن في القواعد اشكال، و لعله من ذلك، و من عموم الخبر، بل عن التحرير الجزم بالرجوع، و هو جيد بناء على مشاركة الدين المؤجل الحال قبل قسمة الكل أو البعض، لاندراجه حينئذ في عموم النص المزبور، كما صرح به في الروضة، لكنه لا يخلو من إشكال، لسبق تعلق حق الغير، و لأصالة عدم المشاركة، و لذا قرب في التذكرة أنه لو حل الأجل قبل انفكاك الحجر أنه لا يشارك صاحبه الغرماء، و بنى عليه أنه ليس

لصاحب الدين الذي قد حل الرجوع في عين ماله، سواء كان الحاكم دفعها في بعض الديون أولا و هو جيد، لكنه صرح بعد ذلك في آخر كتاب الفلس، أنه إذا حل المؤجل قبل قسمة الكل أو البعض شارك فيما لم يقسم، و يمكن الجمع بين كلاميه بحمل ما هنا على عدم الشركة إذا كان الحلول بعد القسمة، بخلاف الأخير، إلا أن تعليله الفرع ينافي ذلك و يمكن دفعه أيضا فتأمل.

هذا كله في المعاوضة المحضة و لو قرضا فإنه صرح في التذكرة بأنه للمقرض الرجوع بعينه إذا فلس المقترض، و كان عين المال موجودة، أما ما ليست كذلك، بل فيها شبه للمعاوضة، فلا فسخ، للأصل السالم عن المعارض، ضرورة عدم اندراج مثل النكاح و الخلع و العفو عن القصاص على مال و نحوها في الخبر المزبور، فلا تفسخ الزوجة النكاح بتعذر الصداق و لا الزوج الخلع بتعذر العوض بإفلاس الزوجة و لا العافي بتعذر عوضه، كما هو واضح، بل لا أجد فيه خلافا، بل في جامع المقاصد الإجماع عليه.

و الظاهر اعتبار بقاء العين على ملك المفلس بذلك العقد، لانه المنساق من إطلاق

ج 25، ص: 300

الخبر المزبور الذي خرجنا به عن أصالة اللزوم، و

خبر «من وجد عين ماله فهو أحق بها»

لم نجده في أصولنا، فلو خرج عن ملكه حينئذ ثم عاد إليه بسبب آخر قبل الحجر، لم يكن له الرجوع حينئذ، و ان لم يكن بعوض كالهبة و الوصية و نحوهما، و اولى من ذلك لو كان عوده بعد الحجر، ضرورة اقتضاء الفاء عدمه بل قد يقال: بعدم جواز الرجوع له، لو عاد بفسخ خيار أو إقالة على إشكال، لكن في القواعد «لو عاد إلى ملكه بلا عوض كالهبة و الوصية، احتمل الرجوع، لأنه وجد متاعه، و عدمه لتلقى الملك من غيره».

و في الوجه الأول ما عرفت، مضافا إلى أن فسخ البيع إنما يقتضي بطلان ملكه به، لا بسبب غيره، كما هو المفروض، بل قال: و معه: أي القول بالرجوع، فإن عاد بعوض كالشراء فان و في البائع الثمن فكالأول: أي في احتمال الرجوع، و عدمه من الوجدان، و عدم معارضة الثاني الأول بعد وفاء ثمنه، و من أن المعاوضة الثانية أوجبت استحقاق الرجوع للثاني عند عدم الوفاء فلا يبقى للأول رجوع، لامتناع ثبوت حق الثاني مع بقاء حق الأول، و هو كما ترى بعد ما عرفت من عدم الرجوع في المسألة السابقة، ففي المقام بطريق أولى.

بل قال: و ان لم يكن وفاء الثمن احتمل عوده إلى الأول لسبق حقه، و إلى الثاني لقرب حقه، و تساويهما فيضرب كل منهما بنصف الثمن.

و هو غريب ضرورة انقطاع حق الأول بالمعاملة الثانية، و ذلك لان ثبوتها يستلزم ثبوت لوازمها، و إلا لم تكن صحيحة، لعدم ترتب الأثر الذي هذا من جملته عليها، فيجب ارتفاع لوازم الأول بالسبب الطاري، كما هو واضح، فيتعين حينئذ الوسط، أما إذا كانت باقية على الملك و لم يحدث فيها ما يمنع من الرجوع كالرهانة و نحوها، إلا أنها ناقصة، فإن كان البعض الناقص مما يتقسط عليه الثمن لجواز افراده بالبيع كالعبد من العبدين، و نحوه، أولا كيد العبد و رجله، و على كل حال فإما أن يكون بآفة سماوية، أو بجناية من المشتري أو البائع أو أجنبي فالصور ثمان.

و قد أشار المصنف إلى الأولى منها بقوله و لو وجد بعض المبيع سليما

ج 25، ص: 301

تخير بين الضرب بجميع ماله و بين أخذ الموجود بحصته من الثمن و ضرب بالباقي مع الغرماء بلا خلاف أجده فيه عندنا مطلقا كما في المسالك، لصدق عين المال على الموجود، فيثبت التخيير فيه، بخلاف التالف الباقي على مقتضى أصالة لزوم العقد فيه و تبعض الصفقة هنا لا أثر له، لعدم ما يقتضي شمول هذا الفرد منه بالنسبة إلى كل منهما، لكن في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: إن وجد بعض متاعه أخذه بالقيمة يوم يسترده، و ضرب بما يبقى من الثمن مع الغرماء فيما وجده للمفلس، قال: و قد خالف الشيخ في موضعين الأول- إطلاق الضرب بالنقص، الثاني احتساب المأخوذ بالقيمة، و التالف بها، و الشيخ نسبهما إلى الثمن، و هو لا يخلو من قوة.

و في جامع المقاصد في شرح ما في القواعد «و لو كان للتالف قسط من الثمن كعبد من عبدين فللبائع أخذ الباقي بحصته من الثمن، و الضرب بثمن التالف» قال:

«ان فيه نظرا من وجوه، الأول: ان أخذ الباقي بحصته من الثمن إن كان على طريق المعاوضة توقف علي رضا المستحقين، و صدور العقد على الوجه المعتبر شرعا و لا يقوله أحد، و إن كان على جهة الفسخ فلا معنى لأخذه بحصته من الثمن، بل يفسخ و يأخذه، الثاني: ان الفسخ فيه وحده يقتضي تبعيض الصفقة و ذلك غير جائز الثالث:

أنه أطلق الضرب بحصته من الثمن، و ذلك لا يستقيم على أصله، بل يجب أن يقيده بما إذا كانت القيمة أزيد من الثمن، هربا من المحذور السابق، فإن ساوت أو نقصت فيجب عنده الضرب بنقصانها كما سبق» (إلى أن قال): «و الذي يقتضيه النظر أنه يفسخ المعاوضة مطلقا، أو يتركه مطلقا حذرا من لزوم تبعيض الصفقة، أو يقال: ينظر حيث يكون على المفلس ضرر، يفسخ في الموجود فيأخذه، و يسقط حصته من الثمن، و يبقى البيع في الأخر بحاله، فيضرب بحصته من الثمن، و ذلك حيث تكون القيمة أزيد من الثمن، أما إذا كانت أنقص أو مساوية فإنه يأخذ حصته من القيمة، و لا يمنع ذلك كون العبدين بمنزلة مبيعين، نظرا إلى أن لكل منهما قسطا من الثمن، و ان كان في الثاني مناقشة، لأن المنع من تبعيض الصفقة لحق كلا منهما، و إطلاق كلام ابن الجنيد يقتضي الفسخ في الجميع، و أخذ الباقي بقيمته، و يضرب بقيمة التالف،

ج 25، ص: 302

و قواه المصنف في المختلف، و قوته بينة».

و هو كما ترى ضرورة تعين الوجه الثاني في النظر الأول و قوله «لا معنى» إلى أخره لا معنى له، إذ ذلك لازم للفسخ فيه وحده، و إن كان مراده أنه لا معنى للتعبير عن ذلك بالأخذ بالحصة، و فيه أنه متعارف في إرادة الفسخ فيما يقابله من الثمن، كما أن النظر الثاني يدفعه ما أومأنا إليه من اشتراك التبعيض بالنسبة إليهما، و أنه لا مانع منه بعد قضاء الدليل به، و اما الثالث فالفرق بين المقام و بين الأرش واضح، ضرورة حصول فسخ العقد من أصله، و كان مقتضى الضابطة الرجوع بالأرش على مقتضى القيمة، لأنه ليس أرش معاوضة، إلا أنه لما منع عنه قاعدة عدم اجتماع العوض و المعوض، وجب التقييد فيه بذلك، بخلاف المقام الذي هو فسخ للعقد بالنسبة إلى الموجود، دون التالف، فليس حينئذ إلا ما يخصه من الثمن بالنسبة، و لا مدخلية للقيمة هنا أصلا، و من ذلك يعلم ما في كلامه الأخير، بل و ما في كلام ابن الجنيد الذي قواه في المختلف، و استظهر منه في جامع المقاصد الفسخ في الجميع، مع أن ما فيه من أخذ الموجود بالقيمة ينافي ذلك، و على كل حال فكلام الأصحاب هنا في محله، و ليس فيه إلا تبعيض مقتضى العقد، و لا بأس به بعد قضاء الدليل. فتأمل جيدا و الله أعلم.

نعم إنما الإشكال في قول المصنف و غيره من الأصحاب، بل لعله المشهور و كذا لو وجده معيبا بعيب قد استحق أرشه لكون الجاني أجنبيا و لو البائع ضرب مع الغرماء بأرش النقصان و إن زاد على الثمن فإنه ليس جمعا بين العوض و المعوض عنه، كما سمعته من جامع المقاصد، و يحتمل أن يريد بالأرش جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة النقصان إلى القيمة إن كان الثمن أنقص عن القيمة، و إلا فنقصان القيمة، كما صرح به في القواعد، قال: «و إن كان بجناية أجنبي أخذه البائع، و ضرب بجزء من الثمن علي نسبة نقصان القيمة لا بأرش الجناية، إذ قد تكون كل الثمن، كما إذا اشترى عبدا بمائة تساوي مائتين فقطعت يده، فيأخذ العبد و الثمن، و هو باطل، هذا إن نقص الثمن عن القيمة، و إلا فنقصان القيمة و على كل حال فهذا كله لو كانت الجناية توجب أرشا.

ج 25، ص: 303

أما لو عاب بشي ء من قبل الله سبحانه و تعالى أو جناية من المالك كان مخيرا بين أخذه بالثمن مجانا و بين تركه و الضرب مع الغرماء بالثمن، فإن المعلوم من قاعدة فسخ المعاوضة إيجاب رجوع كل مال إلى صاحبه عينا أو بدلا، و كون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع، معارض بماله قسط من الثمن، مع أنا لا نقول أنها مضمونة مطلقا، بل بمعنى أن الفائت في يد المشتري يكون من ماله، لأن ذلك هو مقتضى عقود المعاوضات المضمونة، فإذا ارتفع رجع كل من العوضين إلى مالكه أو بدله، و أما كون اليد لا قسط لها من الثمن، فإن أرادوا أن الثمن لم يبذل في مقابلتها منه شي ء ففساده ظاهر، إذ لولاها لم يبذل جميعه قطعا، و إن أرادوا أن الثمن لا يتقسط عليها و على باقي الاجزاء على نسبة الكثرة و القلة، كالعشر في متساوي الأجزاء فهو لا يدل على مطلوبهم.

كل ذلك مع منافاة تعليلهم لما حكموا به من الأرش في جناية الأجنبي، و إن كان قد أخذه المشتري، ضرورة أنه أخذه و العين ملك له، و لم تكن مضمونه عليه للبائع، و كون الأرش جزءا من المبيع و قد أخذه المشتري- فلا يضيع على البائع بخلاف التعيب بالافة السماوية التي لم يكن لها عوض- لا يجدى بعد عدم كون العين مضمونة، و من هنا كان خيرة المحقق الثاني الرجوع بالأرش مطلقا، بعد أن حكاه عن ابن الجنيد، و أن المصنف في المختلف قواه، و استحسنه الشهيد الثاني، و قد عرفت أن كلام ابن الجنيد أجنبي عن ذلك، و أن ظاهره عدم الفسخ مطلقا، و انما يأخذ الموجود بالقيمة، وفاء عن دينه، فإن بقي له من الثمن شي ء ضرب مع الغرماء.

و أما ما سمعته من الأصحاب فقد يقال: إن الموافق للضوابط عدم استحقاق الأرش أصلا، إذ هو كنماء الملك يستحقه المشتري، و الشارع إنما جعل له الفسخ في الموجود من ماله، ففسخ العقد يوجب رجوع هذا المال إليه، لأنه الموجود دون غيره، و الفرض أن التالف ليس مما يمكن بناء العقد بالنسبة إليه، حتى يستحق ما يقابله من الثمن، بل قد عرفت أن صفة الصحة و العيب ليست هي إلا كصفة الكتابة و العلم و نحوهما مما لا تقابل بأجزاء الثمن، و إن زاد بسببها، فان زيادته بها أعم من مقابلته

ج 25، ص: 304

لها، كما هو واضح، و لذا لم ينفسخ العقد قهرا فيما قابلها من الثمن عند فقدها، فحينئذ إذا فسخ ليس له إلا الموجود الذي حصل فيه سبب الفسخ دون غيره الذي لا قسط له من الثمن، و ليس من قاعدة «كون التلف ممن لا خيار له» ضرورة تجدد الخيار، و عدم حصوله من أول العقد. اللهم إلا أن تفرض المسألة فيما بعد الحجر لكنه خلاف ظاهر كلامهم، ضرورة ظهوره في أنه حال تعلق الخيار وجد العين ناقصة، و لا يكون ذلك إلا قبل الحجر فتأمل جيدا.

فظهر من ذلك أن الموافق لمقتضى الضوابط، عدم استحقاق الأرش أصلا، إلا انه حيث يكون مستحقا على الأجنبي حكموا بالرجوع به، باعتبار كونه قائما مقام الجزء التالف، و أنه ليس في الحقيقة تضمين للمالك، و لكن التعليل كما ترى، و لعل المتجه عليه رجوعه به مع وجوده، أما مع فرض تلفه من المالك، أو من قبل الله تعالى، فهو كالجزء بل هو أولى منه في عدم الرجوع، كما أن المتجه عليه الرجوع بمقداره لا بأزيد، لو فرض تفاوت القيمة، بحيث لو كان الجاني البائع فقد يبقى له و يضرب به، و قد ينقص و يبقى مشغول الذمة به للمفلس، و قد يتساويان فيأخذ منه ما عليه و يضرب بماله.

و الإنصاف أن العمدة في إثبات ذلك من أصله حينئذ الإجماع إن تم، و إلا فلا، و حينئذ فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و هو أقل الأمرين من تفاوت القيمة، و من النسبة إلى الثمن، كما سمعته من الفاضل في القواعد ملاحظا فيه أرش المعاوضة من جهة، و أرش الجناية من أخرى، فرارا من عدم جواز الجمع بين العوض و المعوض، و أطلق في المسالك ملاحظة الأرش بنسبة الثمن، معللا له بأن السبب في ذلك الهرب من الجمع بين العوض و المعوض، فلم يلاحظ فيه الا أرش المعاوضة، و هو لا يخلو من وجه، لكن في جامع المقاصد «أن المتجه الرجوع بتفاوت القيمة مطلقا و ان زاد على الثمن» و ليس فيه جمعا بين العوض و المعوض، إذ لم يأخذ ذلك على أنه ثمن، بل على أنه عوض الفائت الذي استحق بالفسخ عينا أو قيمة، فلاحظ فيه نحو أرش الجناية على كل حال، و المتجه على ما ذكرنا الاقتصار على المتيقن، و هو ما عرفت

ج 25، ص: 305

فتأمل جيدا.

و لو قبض نصف الثمن مثلا و تساوى العبدان قيمة و تلف أحدهما، فعن ابن الجنيد أنه يجعل المقبوض في مقابلة التالف، و يتخير بين الضرب بالباقي، و بين أخذ العبد الموجود به، لتناول الخبر له.

و فيه أن مقابلة المقبوض للتالف لا مقتضى له، فإن جملة الثمن في مقابلة المبيع، و لا أولوية لكون المقبوض مقابل التالف على كونه في مقابل الموجود؛ و من هنا كان المحكي عن ابن البراج مراعاة التوزيع بمعنى أن له الرجوع بنصف الموجود، و يضرب حينئذ بربع الثمن مع الغرماء، و له عدم الفسخ و الضرب بما بقي له من الثمن؛ لكن فيه مضافا الى التضرر بالشركة أن هذا الخيار على خلاف الأصل، و المتيقن منه ما إذا لم يقبض من الثمن شيئا فيبقى غيره على قاعدة اللزوم، خصوصا بعد

النبوي (1)«و إن كان قد قبض من ثمنه شيئا فهو أسوة الغرماء»

و الله أعلم هذا كله إذا وجد المبيع ناقصا.

و أما إذا كان زائدا كما لو حصل منه نماء منفصل كالولد و اللبن و نحوهما كان النماء للمشتري، و كان له أي البائع أخذ الأصل بالثمن بلا خلاف بيننا و لا إشكال، بل في المسالك أنه موضع وفاق، بل لا فرق في الولد بين الحمل و المنفصل، و لا في اللبن بين المحلوب و غيره، لكون الجميع نماء ملك المشتري.

و لو كان النماء متصلا كالسمن و الطول مثلا فزادت لذلك قيمته قيل و القائل الشيخ فيما حكى عنه و عن جماعة له أي البائع أخذه، لأن هذا النماء يتبع الأصل لأنه محض صفة، و ليس من فعل المفلس فلا يعد مالا له، و لأنه يصدق عليه أنه وجد عين ماله، بل الظاهر عدم صدق أن معها غيرها، و لأن الفسخ هنا كالفسخ بالخيار الذي لا إشكال في كون هذه الزيادة فيه لمن عادت العين له به، و ما في جامع المقاصد من الفرق بينهما بثبوت استحقاق الرجوع بأصل العقد في الخيار، بخلافه هنا، فإنه طار بعد الحجر- غير مجد، بعد اشتراكهما في أن الفسخ من حينه، و بعد


1- 1 سنن البيهقي- ج 6 ص 47.

ج 25، ص: 306

عدم رجوع غيره من النماء بفسخ الخيار، و إن كان ثابتا بأصل العقد.

و لكن مع ذلك قال المصنف فيه تردد مما ذكرنا، و من أنها زيادة عينية قد وقعت في ملك المشتري، و ان لم تكن من فعله، فهي في الحقيقة عين مال البائع مع شي ء آخر، و من هنا كان خيرة جماعة منهم الفاضل في المختلف و ابن الجنيد و المحقق الثاني أن الزيادة للمفلس، لكنها لا تمنع من رجوع البائع، لعدم سلبها صدق اسم وجدان العين، فإذا رجع كان شريكا معه بالنسبة، لكن ظاهر ما عن التذكرة أو صريحها عدم جواز الفسخ من أصله، لأنه على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على المتيقن الذي هذا ليس منه، و فيه مالا يخفى، بل لعل القول الثاني. الذي هو مراد المصنف من تردده على الظاهر لا يخلو من ضعف أيضا على ما عرفت و الله أعلم.

و كذا الكلام لو باعه نخلا و ثمرتها قبل بلوغها و بلغت بعد التفليس فزادت قيمتها لزيادة في نفس الثمرة، أما إذا كانت الزيادة في القيمة خاصة، مع بقاء الثمرة على قدرها، ففي المسالك في إلحاقها بالمسألة وجهان، من كون الزيادة القيمية حصلت في ملك المفلس فلا يؤخذ منه مجانا، و من بقاء عين مال البائع من غير تغيير، فيدخل في عموم الخبر، ثم قال: و استقرب في التذكرة عدم جواز الرجوع في العين مطلقا متى زادت قيمتها لزيادة السوق، و ألحق به ما لو اشتراها المفلس بدون ثمن المثل».

قلت: لا إشكال في ضعف ما في التذكرة، ضرورة اندفاعه بإطلاق النص، إنما الكلام في أن زيادة السوق لأوصاف حصلت في ملك المفلس، كزيادته بالسمن و الطول و نحوهما، أولا، الظاهر الثاني، و إن قلنا به في الأول، لعدم كونها نماء في كل مقام تنفسخ فيه المعاوضة، و عدم صحة سلب عدم وجدان عين المال بها، بل و لا صدق وجدان غيرها معها كما هو واضح. و الله أعلم.

أما لو اشترى حبا مثلا فزرعه و أحصد، أو بيضة فأحضنها و صار منها فرخ لم يكن له أي البائع أخذه لأنه ليس عين ماله كي يصح له الفسخ فيه،

ج 25، ص: 307

ضرورة استحالته في ملك المشتري، و ليس المدار في الرجوع بالمغصوب على كونه عين المال حال الغصب، و من هنا صح الرجوع فيه و إن استحال في يد الغاصب إلى حقيقة أخرى، إذ هو مال المالك على أي حال يكون، و منه زرع المرتهن للحب المرهون، بل قد يقال: ليس للبائع الفسخ في العصير إذا تخمر في يد المشتري ثم تخلل، لكنه لا يخلو من اشكال. نعم في المسالك «لو قلنا بالمنع من الرد في الزيادة المتصلة، فهنا أولى» و قد عرفت أن المختار عندنا عدم المنع من الرد فتأمل.

و لو باعه نخلا حائلا فأطلع و فسخ البائع أو أخذ النخل قبل تأبيره لم يتبعها الطلع فضلا عن غيره من الأشجار، لأنه من النماء الذي قد سمعت الحكم فيه، و دخوله في البيع للدليل لا يقتضي دخوله هنا، بعد حرمة القياس عندنا، فما عن الشيخ رحمه الله من الدخول كما عن أحد قولي الشافعي ضعيف، أما إذا أبر فلا يتبعه قولا واحدا، و الظاهر عدم استحقاق المالك الأجرة حينئذ لو أراد المشتري الإبقاء إلى الجذاذ، كما صرح به الفاضل في القواعد، و المحقق الثاني و الشهيد الثاني، و كذا الحمل و الزرع في الأرض، و نحو ذلك، بل في المسالك أنه يستحق بقاؤه إلى حصاده بلا أجرة قولا واحدا، و لعله لأن الثابت له الفسخ في العين، و ردها إلى ملكه و قد حصل، و ليس له رد المنفعة التي قد استحقها المفلس، بل هو بمنزلة من استوفاها، كما انه ليس له إدخال الضرر عليه بإتلاف ماله لو أراد قلعه، و هذا بخلاف ما لو آجر أرضا فزرع المستأجر و أفلس، ففسخ المؤجر، فإنه يستحق أجرة المثل حينئذ على الإبقاء إلى وقت الحصاد، لان مورد المعاوضة هنا المنفعة و قد فسخ، و لم تعد إليه باعتبار استحقاق الإبقاء عليه، فله عوضها حينئذ، خصوصا و المفلس لم يكن يستحقها مجانا قبل الفسخ، فكيف يستحقها كذلك بعده.

و بالجملة الفرق بين المسألتين واضح، و لكن لا يقتضي عدم استحقاق الأجرة في المسألة الأولى، إذ قد يقال بذلك مراعاة للجمع بين الحقين، إذ المشتري كان له الإبقاء من حيث أنه مالك لا مطلقا، بل قد يفرق بين المقام، و بين بيع الأرض المزروعة،

ج 25، ص: 308

باعتبار ظهور العقد الحاصل برضاهما في البقاء، بخلاف الفسخ الحاصل قهرا على المشتري، و من هنا كانت المسألة لا تخلو من إشكال، اللهم إلا أن يقال: إنه لا إشكال في استحقاق البقاء على البائع، لأنه ليس بظالم، و لتوقف تمام ماليته على ذلك، و الأجرة إن كان يستحقها المالك عليه من جهة شغل ملكه فهي من الشرع، لا أن استحقاق البقاء مشروط ببذلها، فهي حينئذ تكليف مستقل مع الشك ينفى بالأصل، فتأمل جيدا، فإنه دقيق. و الله أعلم.

و كذا لو باع أمة حائلا فحملت، ثم فلس و أخذها البائع لم يتبعها الحمل لو فسخ البائع، إذ هو كغيره من الحمل و النماء و لعل عود (ذكره) بالخصوص تنبيها على أن مقتضى قول الشيخ- في تبعية الحمل للأم في البيع لكونه كالجزء منها- القول بالتبعية هنا، بناء على عدم منع النماء المتصل نحو السمن و الطول، كما سمعته من الشيخ سابقا، لكن قد عرفت ضعفه في محله؛ و الله أعلم.

و لو باع شقصا و فلس المشتري كان للشريك المطالبة بالشفعة، و يكون البائع أسوة مع الغرماء في الثمن بلا خلاف أجده بين أصحابنا في الحكمين، الواضح وجه ثانيهما، و أما وجه أولهما فقوة حق الشفعة، بدليل ثبوتها مع انتقال العين عن المشتري حتى لو جعلها مسجدا، بل لو تقايل المتبايعان كان للشفيع ابطال التقايل، و الأخذ بالشفعة، بل لو فسخ البائع بعيب في الثمن كان للشفيع فسخ الفسخ، و الأخذ بالشفعة في أحد الوجوه، أو أصحها، و كذا المشتري إلى غير ذلك مما يستفاد منه قوة حق الشفعة، بخلاف خيار البائع الذي لم يثبته الشارع إلا مع وجود العين، و لان تعلقها هنا في العين أسبق، ضرورة حصولها بالعقد، بخلاف الخيار المتوقف على فلس المشتري، فهي حينئذ أرجح منها بالسبق، و لأنها لاحقة للبيع بذاته و الخيار لاحق له بواسطة الحجر، و ما بالذات أولى مما بالعرض.

و إن كان الأخير كما ترى، لا محصل له بحيث يصلح مدركا لحكم شرعي، بل و سابقه، إذ السبق باعتبار سبق السبب لا يقتضي ترجيحا على المتأخر الذي تأخر

ج 25، ص: 309

سببه، كما هو واضح، فانحصر الوجه في الأول الذي لولاه لكان المتجه ثبوت حقهما معا، فأيهما سبق كان الحق له، و مع الاقتران يبطلان و يبقى للمفلس، أو يستخرج أحدهما بالقرعة، مع القطع بتأثير أحدهما في الواقع، و الاحتمال في الظاهر بناء على اعتبار ذلك في القرعة، إذ لا ظهور في دليل كل منهما في نفى ثبوت حق لغيره، بل مقتضى عموم دليلهما الثبوت لهما، فهو كما لو قال الشارع بالخصوص لهذا الشريك الشفعة، و لهذا البائع الخيار.

بل قد يظهر لك مما ذكرنا وجه في أصل المسألة إن لم يقم إجماع على خلافه، و هو القول بأن الحق للسابق منهما، و مع الاقتران ترجح الشفعة بما ذكر مرجحا لها من القوة و غيرها، بل لعل هذا أولى مما ذكره في القواعد و غيرها من احتمال تقديم حق البائع، لأن الشفعة شرعت لدفع الضرر بالشركة التي لا يختارها الشريك، و الضرر هنا يزول عن الشفيع، لأن البائع إذا رجع في الشقص عاد الأمر كما كان قبل البيع، و لم يتجدد شركة غيره، و احتمال تقديم حق الشفيع بالعين، و البائع بالثمن على سائر الغرماء، حيث تعذر أخذه العين، و حيث إنه عوض ماله الذي قد وجده في حال الحجر بعينه، و قد كان حقه التقديم به لولا عروض مانع سابق، فيرجع إلى بدله جمعا بين الحقين، إذ الأخير واضح الفساد، لعدم حق بعد للبائع، بعد تقديم الشفيع في العين لكون الثمن حينئذ من أموال المشتري، فهو و غيره من الغرماء سواء فيه، بل و الأول لكون الضرر حكمة في الشفعة، لا علة تدور مدارها، فلا ريب في أن ما ذكرناه أولى منهما و الله أعلم.

و لو فلس المستأجر قبل تمام استيفاء المنفعة كان للمؤجر فسخ الإجارة إن شاء من غير خلاف أجد فيه، إلحاقا للمنافع بالأعيان، و تنقيحا للمناط، بل ربما تكلف إدراج المنفعة في بعض نصوص الخيار و حينئذ ف لا يجب عليه إمضاؤها و لو بذل الغرماء الأجرة من مال المفلس أو من مالهم، و لو بالإباحة للمفلس على حسب ما عرفته في بذل ثمن المبيع، و لو كان قد استوفى المستأجر بعض المنفعة قبل الفلس،

ج 25، ص: 310

فسخ المؤجر فيما بقي و ضرب بما يقتضيه التقسيط بالنسبة إلى الماضي مع الغرماء، إذ هو كتلف بعض المبيع الذي يسقط عليه الثمن، إذ المنفعة قليلها و كثيرها يمكن إفرادها بالإجارة، بل و كذا لو استوفى بعد الفلس، و لو كانت العين المستأجرة أرضا قد زرعها المفلس، أو غرس فيها، أو بنى كان له الفسخ أيضا، و استحق أجرة المثل على الإبقاء، لما عرفت سابقا من الفرق بين الإجارة و البيع في ذلك.

بل صرح في المسالك هنا «أن لها الأجرة مقدمة على الغرماء، لما فيها من مصلحتهم بحفظ الزرع، كأجرة الكيال و الوزان» و إن كان لا يخلو من تأمل، بناء على استحقاق البقاء عليه، و إن وجبت الأجرة شرعا جمعا بين الحقين، و لو كانت الإجارة على عين كلية في ذمة المؤجر، و لم يكن قد أقبضها المستأجر، فالظاهر أن له الفسخ أيضا، بل لعله أولى من الفسخ في العين المشخصة التي سلمها المؤجر، و في المسالك «إن اختار المؤجر الإمضاء أمره الحاكم بتعيينها ليؤجرها» و هو كذلك، بل قد يقال: إن له الفسخ لو كانت الإجارة على عمل في ذمته، و قد فلس المستأجر قبل أن يعمل العمل كله، أو بعضه، فإنه أولى من العين.

و منه ينقدح الخيار للبائع لو كان قد باعه شيئا في ذمته و قد فلس المشتري قبل أن يقبضه، لكون المناط في الجميع واحدا، و لو فسخ مؤجر العين و قد وجد عينه مشغولة بحمل مال للمفلس، وجب الإبقاء بالأجرة إلى المأمن، مقدما بها على الغرماء، و كذا لو كان المفلس راكبا لها، دفعا للضرر على نفسه الذي هو أولى من حفظ ماله، كما صرح بذلك كله في المسالك، و إن كان لا يخلو التقدم في الأخير من بحث، إلا أن يدخل تحت النفقة.

و الظاهر أن له الفسخ و إن كان المأمن في صوب المقصد، لوجود السبب، و عدم الفائدة في بعض الافراد غير قادح بعد وجود السبب، مع أنه يمكن تصوير الفائدة في كثير من الأفراد، بل له الفسخ و إن كان المأمن منتهى المسافة المستأجرة عليها، و كذا له الفسخ و إن كان النقل إلى المأمن يحصل بإجارة مساوية للنقل إلى

ج 25، ص: 311

المقصد، أو أكثر، لكن في التذكرة أن الأولى وجوب النقل إلى المقصد، و عدم تخيره في الفسخ، بل يجب عليه إمضاء العقد، ثم قال: و هل يقدم بالقسط للنقل من موضع الحجر إلى المقصد من المسمى اشكال، و هو كما ترى حتى في إشكاله، فإن المتجه بناء على عدم الفسخ عدم التقدم، كما هو واضح.

نعم ما فيها من أنه لو كان المأمن في صوب المقصد، و صوب مبدء المسافة أو تعددت مواضع الأمن و تساوت قربا و بعدا ففي التذكرة فإن كان اجرة الجميع واحدة نظر إلى المصلحة، فإن تساوت كان له سلوك أيها شاء، لكن الأولى سلوك ما يلى المقصد، لأنه مستحق عليه في أصل العقد، و ان اختلفت الأجرة سلك أقلها أجرة، و إن تفاوتت المصلحة، فإن اتفقت مصلحة المفلس و الغرماء في شي ء واحد تعين المصير اليه، و إن اختلفت، فالأولى تقديم مصلحة المفلس، و لا بأس به، و لو أفلس المؤجر بعد تعين الدابة فلا فسخ، بل يقدم المستأجر بالمنفعة، كما يقدم المرتهن، لأصالة اللزوم، و سبق الاستحقاق.

نعم للغرماء البيع مستحقة المنفعة، و لهم الصبر إلى انقضاء الإجارة إذا لم يوجد راغب، لكن هل يبقى الحجر مستمرا عليه إلى انقضائها احتمال. و لعل الأقوى عدمه، و لو كانت الإجارة على الذمة، فله الرجوع إلى الأجرة إن كانت باقية، للوجدان، و له الضرب بقيمة المنفعة، كما أنه يتعين له ذلك لو وجدها تالفة، و ليس له الفسخ و الضرب بالأجرة، لأنه ليس كالسلم كما هو واضح و الله أعلم.

و لو اشترى أرضا فغرس المشتري فيها أو بنى، ثم أفلس كان صاحب الأرض أحق بها قطعا، بل لا خلاف أجده فيه، لصدق وجود العين و ليس له إزالة الغروس و لا الأبنية مع عدم بذل الأرش قطعا. و هل له ذلك مع بذل الأرش، قيل: و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة نعم لظهور ما دل على أن له الرجوع في العين في استحقاق منافعها، و حيث وضع بحق جمع بين الحقين ببذل الأرش و الوجه المنع لأنها قد وضعت بحق خالص للمالك، فليس لأحد إزالتها

ج 25، ص: 312

لاحترامها، و الأرش مع عدم الرضا به لا يسقط احترامها، بخلاف الأرض التي كانت ملكا للمفلس، و قد انتفع بها بذلك، و لم يكن لأحد فيها حق أصلا. و إنما تجدد له الرجوع بالعين خاصة، بل المتجه عدم استحقاق الأجرة على البقاء، كما صرح به في جامع المقاصد، للأصل الذي قد سمعته في الزرع.

بل في المسالك «أنه يلزم على قول الشيخ أن له الإبقاء بالأجرة لا مجانا، لأن ذلك هو مقتضى تعليله، و لكن لم يذكر احد استحقاقه الأجرة لو أبقاها، نعم هو وجه لبعض الشافعية» و ربما يستفاد منه عدم الخلاف في عدم استحقاق الأجرة مع اختيار البقاء، بل لعل الشيخ أيضا لا يقول بها. و إن جوز له القلع بالأرش ضرورة عدم تلازمهما.

و حينئذ فطريق معرفة الأرش على قول الشيخ تقويم الغرس و البناء قائمين بلا أجرة و مقلوعين، فالتفاوت بينهما هو الأرش. و لكن التحقيق مساواة الغرس للزرع في استحقاق البقاء بلا أجرة، و عدم جواز القلع بالأرش إلا مع التراضي، و احتمال الفرق بينهما بأن له أمدا ينتظر، بخلاف الغرس و البناء، فيحصل الضرر عليه اعتبار لا يصلح معارضا لما يقتضيه الضوابط، خصوصا بعد أن كان الفسخ اختياريا له، لا قهريا عليه. فتأمل جيدا.

نعم لو أفلس بثمن الغرس أيضا ففسخ صاحبه، لعدم عوده زيادة على ما كان، أو قلنا أن مثله يتبع العين كالسمن- لم يكن له استحقاق بقاء على صاحب الأرض بل له قلعه من دون أرش لأنه دفعه إلى المشتري مقلوعا، بل لو قلعه صاحبه كان عليه طم الحفر، لأنه احداث في ملك الغير لتخليص ماله، و مصلحة بسبب فعل غير مضمون، إذا لم يكن الغرس في الأرض عدوانا، و من هنا كان الظاهر أنه ليس لأحدهما مطالبة الآخر بتخليص ماله من مال الأخر، لان الغرس لم يقع من واحد منهما بغير حق، و إنما فعله المفلس حين كان مالكا للعين و الانتفاع.

نعم لكل واحد منهما تولي ذلك، و الأولى استيذان الحاكم. و الظاهر أن

ج 25، ص: 313

صاحب الأرض له قلة، و ان كان هو حين القلع لم يكن صالحا بعد للغرس، لأن منفعة الأرض لبائعها بعد الفسخ، و لم يكن الغرس للمفلس، حتى يستحق إبقاؤه.

لأن الفرض أن صاحبه قد فسخ أيضا، و قد يحتمل في المقام من جهة خبر

«الضرر و الضرار(1)

» أن لصاحب الغرس أرش النقص على المفلس، أو يقال: إن له الإبقاء بالأجرة أو يقال إن لصاحب الأرض القلع بالأرش. و الله أعلم.

و كيف كان فمفروض مسألة المتن أن الغرس للمفلس، و قد عرفت أن الحكم فيها الفسخ، فتكون الأرض للبائع، و الغرس للمفلس، ثم يباعان و يكون له أي البائع ما قابل الأرض بأن يقوما معا ثم تقوم الأرض مشغولة به مجانا ما بقي على ما عرفت، و ينسب قيمتها كذلك إلى قيمة المجموع، و يؤخذ لها من الثمن بنسبة ذلك، و الباقي للمفلس. هذا إن رضي صاحبها بالبيع، فإن امتنع بقيت له الأرض، و بيعت الغروس و الأبنية منفردة باقية في الأرض من غير أجرة، و لا يجبر على بيع الأرض، و إن استلزم نقصانا عليه في بيعهما منفردين، لأن الذي له ذلك، فإذا بيعت كذلك كان للمشتري الدخول، و السقي و غيرهما من الاحكام، نحو ما تقدم فيمن باع بستانا و استثنى منها شجرات أو نخلات. كما هو واضح و الله أعلم.

و لو اشترى زيتا فخلطه بمثله لم يبطل حق البائع من العين لوجودها و إن كانت غير متميزة، إذ هو لا يستلزم عدمها، بعد أن لم تكن واسطة بين الموجود و المعدوم، فيقسم حينئذ بينه و بين المفلس، لان الفرض التساوي في الزيت، و كذا لو خلطه بدونه في عدم بطلان حقه من العين، بل و في القسمة عند المصنف و غيره لانه بفسخه رضي بما دون حقه و فيه أنه أعم من ذلك، و لعل الأوجه أن له التوصل إلى حقه بالبيع، و يكون له من الثمن بنسبة ما يخصه من القيمة، كما جزم به في محكي التحرير، لأنهما كالمالين لشخصين لو بيعا صفقة، و إن كانا مستقلين.

و احتمال الشركة في العين على هذه النسبة، يدفعه- مضافا إلى لزوم الربا،


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الخيار الحديث 3- 4- 5.

ج 25، ص: 314

بناء على عمومه لكل معاوضة و لو القهرية- أنه لا معاملة بينهما على ذلك، و الامتزاج لا يستلزمه قهرا، و إنما يستلزم الشركة قهرا في المالين على نسبة قدرهما، على معنى استحقاق كل منهما النصف مع فرض التساوي، و بحيث لو تلف منه يكون بالنسبة، أما لو بيعا لو حظ في ثمنهما ملاحظة المالين المستقلين، ضرورة تفاوت الثمن بالنسبة إليهما، و لا تلازم بينه و بين الاشتراك بالعين، و للبائع الامتناع من العين هنا إذا رضي بدون حقه، لأنه يكون حينئذ شريكا.

لكن في جامع المقاصد «فان قيل: إنه هل يجاب البائع لو طلب القسمة بعد الرجوع و المخلوط به المثل و الأردى؟ قلت: يحتمل أن لا يجاب، لأن الخلط لم يكن على طريق الشركة، و إنما وقع ذلك من المفلس حين كان مالكا لكل منهما، فلو أجبناه إلى القسمة لزم تملكه بعض مال المفلس، لامتناع فصل ملكه، و هو باطل، و لأن القائلين باستحقاق القيمة بالبيع بعد الرجوع لم يفصلوا، و ظاهرهم إطلاق الحكم في الحالات كلها» و في التحرير أثبت له المطالبة بالبيع في الخلط بالمثل و الأردى.

قلت: ظاهر الأصحاب في غير المقام وقوع الشركة قهرا في الممتزج بالمساوي، و كذا الأردى إذا رضى صاحب الجيد، و لعله لأن الامتزاج موجب لذلك حتى في صورة الاختيار الذي يكون الفائدة فيه حينئذ الرضا بإيجاد السبب المقتضي للشركة في نفسه، و حينئذ فطلب القسمة في محله، أما لو كان بالأردى فمع رضاه يعمل السبب حينئذ عمله من الاشتراك قهرا، فلو بيعا حينئذ لم يكن له الأعلى حسب الشركة، و لا يستحق من الثمن بمقدار قيمة ماله، لأن الفرض حصول الشركة.

نعم له أن لا يرضى و يطالب بالبيع، فيخصه من الثمن على نسبة القيمة، لكن الإنصاف أن ذلك كله محتاج إلى الدليل، و إلا فالذي تقتضيه الضابطة بقاء كل مال على ملك صاحبه حينئذ حتى في المتساوي، لتوقف ملك كل منهما شيئا من مال الأخر على الترضي، و الفرض عدم حصوله منهما، أو من أحدهما، و ربما كان هو ظاهر المحكي عن ابن الجنيد الذي اختاره في المختلف فلاحظ و تأمل.

ج 25، ص: 315

و إن كان قد خلطه بما هو أجود قيل و القائل الشيخ و الفاضل في بعض كتبه يبطل حقه من العين، و يضرب بالقيمة التي يطلب بها المفلس، مع الغرماء لكونها حينئذ كالتالفة بالاختلاط، و عدم التمكن من القسمة، للإضرار بالمفلس، و فيه أنه يمكن التوصل إلى حقه بالبيع، و يكون من الثمن على نسبة القيمة، و لو أثر مثل هذا الاختلاط في ذهاب العين، لزم مثله في القسمين الأولين، و من هنا كان مختار الفاضل و ثاني الشهيدين ذلك، فعليه لو كانت قيمة زيته درهما، و الممزوج به درهمين، أخذ ثلث الثمن، و هكذا، و ليس له الامتناع من البيع هنا، و إن احتمله بعضهم، لانحصار التوصل الى حقه فيه، نعم للغرماء و المفلس الامتناع من البيع إذا رضوا بالقسمة معه على قدر المالين، بناء على ما ذكرنا سابقا لانحصار الحق فيهم، فمع رضاهم بدون حقهم لم يكن لأحد منعهم، هذا.

و عن الشيخ أنه حكى هنا قولا آخر، و هو الشركة في العين على نسبة القيمة فإذا خلط جرة تساوي دينارا بجرة تساوى دينارين فللبائع قيمة ثلث الجميع، فيعطى ثلث الزيت، و غلطه باستلزامه الربا، و في المسالك «أنه يتم على القول بثبوته في كل معاوضة، و لو خصصناه بالبيع لم يكن القول بعيدا» قلت: هو بعيد أيضا ضرورة عدم المعاملة بينهما، و الامتزاج لا يستلزم ذلك، فلا ريب في أن المتجه ما عرفت.

نعم قد يحتمل الرجوع إلى الصلح القهري، بل و في المسالك في باب الغبن في نحو المقام، أنه لا يخلو من قوة بل فيها و في الروضة هناك ما فيه نوع منافاة في الجملة، فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

و لو نسج المشتري الغزل أو قصر الثوب أو خبز الدقيق أو عمل نحو ذلك مما يفيد المبيع صفة محضة لم يبطل حق البائع من العين قطعا لعدم خروجها بذلك عن الوجود، بل ان لم تزد قيمة المبيع بهذه الصفات لم يكن للمفلس شي ء سواء غرم عليه شيئا أولا، و احترام عمله- بعد أن كان في ماله- لا يقتضي استحقاق شي ء على البائع، كما انه إن نقصت قيمته لم يكن شي ء للبائع، بناء على ما عرفت

ج 25، ص: 316

سابقا من عدم استحقاق البائع الأرش بجناية البائع المقتضي للعدم في المقام بطريق أولى.

إنما الكلام فيما لو زاد بعمله و مقتضى قول المصنف كان للغرماء ما زاد بالعمل القطع بذلك، و هو أحد القولين في المسألة، فلو كان الثوب غير مقصور يساوي مائة و مقصورا يساوي مائة و عشرين كان للمفلس سدس الثمن، و وجهه أن هذه الزيادة بسبب فعل للمفلس، و فيه أن المتجه بناء على ما ذكرنا من عدم استحقاق المشتري السمن و نحوه، العدم هنا، كما في القواعد، بل هو أولى ضرورة عدم كون الحاصل هنا إلا صفة محضة لا يعقل ملكها مستقلا، فهي من توابع المملوك.

و دعوى- أن الفرق بينها و بين السمن حتى أنه يمكن القول بالعدم هناك، بخلافه هنا، بأن السمن و نحوه من الله، و إن كان سببه من فعل المكلف، كالعلف و السقي مع أنه قد يتخلف عنهما، بخلاف المقام الذي هو من فعله أو في حكمه، كما لو استأجر على العمل مثلا، و لذا لم يجز الاستيجار على الأول دونه- يدفعها أنها بعد التسليم، لا تجدي، إذ الفعل بعد أن كان في ملكه لم يكن له ضمان على أحد، و إنما استحق البائع العين التي يلزمها تبعية مثل هذه الأوصاف، كما هو واضح، و لا فرق بين كون الصفة من فعله، أو فعل غيره، بعد أن كانت نماء ملكه، و زيادة قيمة العين سببها له، فليس السبب إلا ما ذكرنا، و بذلك قد استرحنا عن تحقيق حال الزيادة أنها وقت الفسخ، كما هو ظاهر المسالك، أو و لو تجددت، كما هو مقتضى التعليل السابق.

و على كل حال فقد ظهر لك عدم لحوق هذه الصفات بالأعيان المتولدة من العين المحكوم بكونها للمفلس، لأنها نماء ملكه، و لو ألحقنا الصفة بالعين، كان للأجير على الطحن و القصارة، حبس الدقيق و الثوب لاستيفاء الأجرة، كما أن للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن، بل لو تلف الثوب أو الدقيق بيده لم يستحق الأجرة قبل التسليم فإنه حينئذ كالمبيع التالف قبل قبضه، أما على عدم الإلحاق استحق، لانه صار مسلما بالفراغ، و لو أفلس قبل إيفاء الأجير أجره القصارة مثلا، ففي القواعد إن لم يزد بها

ج 25، ص: 317

فلا شي ء للأجير في ثمن العين و إن زاد و ألحقنا هذه الصفة بالأعيان، فإن لكل من البائع و الأجير الرجوع إلى عين ماله، فلو ساوى قبل القصارة عشرة، و القصر خمسة، و الأجرة درهما قدم الأجر بدرهم و البائع بعشرة و أربعة للغرماء و المراد أن للأجير حبس العين حتى يستوفي أجره، و ليس له عين مال قطعا، بل له الحبس، و إن لم يزد الثوب بقصارته كما سمعته سابقا، و الله أعلم. فتأمل جيدا.

و لو كان قد صبغ الثوب فإن لم تزد قيمته بالصبغ لم يكن للمفلس شي ء بلا خلاف أجده، بل في المسالك قولا واحدا، فيختص البائع حينئذ بالعين، لكونها قائمة بخلاف عين مال المفلس، فإنها ذاهبة، و الفرض أن الصفة لا أثر لها، و لو زادت قيمته بقدر قيمة الصبغ كان شريكا للبائع في الثمن، ب قدر قيمة الصبغ فلو فرض ان قيمة الثوب غير مصبوغ أربعة، و الصبغ درهمان، و المصبوغ ستة، فللمفلس ثلث الثمن، و لو زادت قيمته بأقل من قيمته، كما لو فرض قيمته مصبوغا في المثال خمسة، فالنقصان على الصبغ، لان الصبغ تتفرق أجزاؤه في الثوب و يهلك، و الثوب قائم بحاله، فكانت نسبة النقصان إليه أولى، و به جزم في القواعد لكن لا يخلو من نظر، و شرطه في المسالك بأن لا يعلم استناد النقصان أو بعضه في الثوب و إلا لحقه بسببه، بل قد يظن من إطلاق المصنف الشركة بمقدار الصبغ، وقوع النقصان عليهما بالنسبة، فتأمل.

و لو زادت قيمة الثوب مصبوغا على قيمة الصبغ، كما لو فرض كون الثوب في المثال يساوى ثمانية، فالمتجه بناء على ما ذكرناه اختصاص البائع بالزيادة، لأنها صفة محضة، و قد عرفت تبعيتها للعين، و يجي ء على ما سلف سابقا احتمال اختصاص المفلس بها، لأنها كالأعيان، فيكون الثمن حينئذ في الفرض بينهما نصفين، و قد يحتمل هنا بسطها على قيمة الثوب و الصبغ، فيكون الثمن أثلاثا، بل لا محيص عنه إذا فرض كون الزيادة للثوب و الصبغ، هذا كله حكم ما إذا لم تنقص قيمة الثوب به أي الصبغ، فإن نقص لم يكن للمفلس شي ء، بل هو أولى مما إذا لم يزد به الذي عرفته

ج 25، ص: 318

فيما تقدم. و الله أعلم.

و كذا البحث فيما لو عمل المفلس فيه عملا بنفسه ضرورة عدم الفرق بينه و بين الاستيجار عليه، بل و كذا لو تبرع متبرع به باذن المالك، فإن الجميع عند المصنف متى زاد المتاع به كان المفلس شريكا للبائع معه في الثمن بقدر العمل على حسب ما عرفت، و قد تقدم أن التحقيق عندنا عدم استحقاقه شيئا إذا لم يكن العمل صبغا و نحوه مما هو أجزاء مالية أو كالأجزاء بل ينبغي الجزم فيما لو كان العمل عمل غاصب و نحوه، مما لم يعمله المفلس بنفسه، و لا أذن فيه، و لا غرم عليه أجرة كما هو واضح. و الله أعلم.

و لو أسلم في متاع و قد حل الأجل ثم أفلس المسلم اليه قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة، و تبعه الفاضل في التذكرة إن وجد رأس ماله أخذه إنشاء و إلا بأن وجده تالفا قبل الحجر أو موجودا و لم يجز الفسخ ضرب مع الغرماء بالقيمة بل لا خلاف أجده في الحكم الأول لاندراجه في النصوص (1)أو استفادته من فحواها، و إنما الكلام في الحكم في الثاني، فإن ظاهره تعين ذلك عليه، و أنه ليس له الفسخ حينئذ، بل صرح به، قال: و إن لم يجد عين ماله فإنه يضرب مع الغرماء بقدر ماله عليه من الحنطة، و قيل أيضا أنه إن أراد فسخ العقد و الضرب مع الغرماء برأس المال كان له ذلك، و الأول أصح. و كيفية الضرب بالطعام أن يقوم الطعام الذي يستحقه بعقد السلم، فإذا ذكرت قيمته ضرب مع الغرماء بما يخصه منها فيه، فإن كان في مال المفلس طعام أعطي منه بقدر ما خصه من الثمن، و إن لم يكن في ماله طعام اشترى له بالقدر الذي خصه من القيمة طعاما مثل الطعام الذي يستحقه، و يسلم إليه، و لا يجوز أن يأخذ بدل الطعام بالقيمة التي تخصه، لانه لا يجوز صرف المسلم فيه إلى غيره قبل قبضه.

و قيل (11) و القائل الفاضل في بعض كتبه و غيره، بل في المسالك نسبته إلى


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الحجر.

ج 25، ص: 319

الأكثر له الخيار مع التلف أيضا بين الفسخ و الضرب بالثمن أو بين اللزوم و الضرب بحقه، لكن إذا أريد معرفة ما يخصه من مال المفلس اعتبر قيمة المتاع حينئذ لذلك، و ربما أطلق على ذلك الضرب بها مجازا و كيف كان ف هو أقوى عند المصنف، و الفاضل في بعض كتبه، بل لم يستبعده في التذكرة أيضا و ثاني

الشهيدين، لكنه قيده في المسالك و المحكي عن غيرهما بما إذا لم يكن مال المفلس من جنس المسلم فيه أو يشتمل عليه، بحيث لا يمكن وفاؤه منه.

قال: «و لو فرض ذلك لم يكن له الفسخ، إذ لا انقطاع للمسلم فيه و لا تعذر، و من الممكن أن يصل إلى جميع حقه، بأن يفرض عدم قصور المال حين القسمة، و إن كان قاصرا كما مر فلا بد من ملاحظة هذا القيد، و على تقدير وصول البعض فلا وجه للفسخ فيه أيضا».

و هو من غرائب الكلام، ضرورة أن محل البحث عدم وفاء تمام المسلم فيه للإعسار لا للانقطاع، و حينئذ فلا فرق بين كون مال المفلس من جنس المسلم فيه، و عدمه، كما أنه لا معنى لفرض وفاء جميع حقه، لمعلومية خروجه عن محل النزاع، و كذا لا معنى لقوله لا وجه للفسخ في بعض، إذ لعل وجهه تبعض الصفقة، بل هو لازم لكل من قال بالخيار هنا ضرورة أنه لا بد من وصول بعض حقه اليه مما يخصه من مال المفلس، كما هو واضح.

فالتحقيق في المقام ما سمعته عن الشيخ، لأصالة لزوم العقد، و اختصاص ما دل على الخيار فيما إذا تعذر المسلم فيه للانقطاع، دون غيره، فيضرب حينئذ بماله من المسلم فيه، و يؤخذ له بما يخصه من مال المفلس بعض حقه، وجوبا أو ندبا على ما تقدم في السلف من جواز أخذ غير الحق وفاء عنه قبل قبضه، و عدمه، و يبقى له الباقي في ذمة المفلس، بل لو كان المسلم فيه ثوبا أو عبدا أو نحوهما مما هو غير متساوي الأجزاء لم يكن له الفسخ، بل يعزل ما يخصه من الحصة، و ينتظر إتمامها من المفلس

ج 25، ص: 320

بعد ذلك.

خلافا للتذكرة قال: فيشترى بحصة المسلم شقص، فإن لم يوجد فللمسلم الفسخ» و فيه بحث، كما أن ما فيها أيضا من أنه لو قوم المسلم فيه فكانت قيمته مثلا عشرين، فأفرزنا له من المال عشرة لكون الديون ضعف المال، ثم رخص السعر قبل الشراء بحيث كانت العشرة تفي بثمن جميع المسلم فيه، فالأقرب أنه يشترى به جميع حقه، و يسلم إليه لأن الاعتبار إنما هو يوم القسمة، و الموقوف و إن لم يملكه المسلم، لكنه صار كالمرهون بحقه، و انقطع حقه عن غيره من الحصص، حتى لو تلف قبل التسليم اليه لم يتعلق له حق بما عند الغرماء، و كان حقه في ذمة المفلس كذلك أيضا، إذ المتجه بناء على عدم ملك المسلم الموقوف، لأن حقه في الحنطة لحوق الغرماء له بذلك، لبقاء المال على ملك المفلس، و الأصل عدم حكم الرهانة فتصرف له في المثال حينئذ خمسة و توزع الخمسة الباقية عليه و على الغرماء، كما أنه يلحق الغرماء لو زاد السعر قبل الشراء له بما وقف له من الدراهم.

و هو واضح.

و لو أولد الجارية ثم فلس جاز لصاحبها انتزاعها و بيعها فيه و في غيره لصدق وجدان عين المال فسلط على الفسخ و الاستيلاد غير مانع بعد أن لو طالب بثمنها و لم يفسخ جاز بيعها في ثمن رقبتها فأخذها حينئذ بمنزلته، و ليس للغرماء المنع، و إن قلنا بتعلق حقهم بالمنفعة، لو لم تبع لأولوية حقه منهم، و لا يشاركونه في الثمن، لأن الذي تعلق بها حقه دون غيره، فيتعلق حقه بثمنها القائم مقامها دون غيره، و إن كان هو ملكا للمفلس، إلا أنه كالمرهون يتعلق حق البائع به.

و على كل حال فالحكم خاص فيها دون ولدها لأنه حر باعتبار تولده، و هو في ملك سيدها، و إن لم يكن لأحد معه حقه، فلا سبيل حينئذ عليها، و لو و في بعضها بثمن رقبتها أشكل الفسخ فيها مطلقا و إذا جنى عليه أو على عبده أو على مورثه خطأ تعلق حق الغرماء بالدية لأنها مال متجدد للمفلس، و لا يصح العفو

ج 25، ص: 321

منه هنا لمنعه من التصرف في المال و إن كان ت الجناية عمدا كان بالخيار بين القصاص و بين أخذ الدية إن بذلت له و الواجب له أصالة القصاص على الأصح و لا يتعين عليه قبول الدية للأصل و لأنها اكتساب و هو غير واجب و له العفو عن القصاص هنا لعدم كونه تصرفا ماليا، فتنتفي الدية حينئذ، لأن الأصح ثبوتها صلحا لا أصالة.

أما على القول بأن الواجب أحد الأمرين فقد يقال: بتعينها بعد العفو عن القصاص، مع أنه لا يخلو عن بحث فتأمل. أما لو قتل هو كانت ديته كماله، و لو كان عمدا لم يجز للورثة القصاص إلا بعد أداء الدين على المشهور، كما في الدروس، قال:

و قيده الطبرسي ببذل القاتل الدية، و جوز الحليون القصاص مطلقا، قلت: و لتحقيق الحال في ذلك محل آخر و الله أعلم.

نعم لو كان له دار موقوفة عليه أو دابة كذلك، و ليست من المستثنيات وجب عليه أن يؤاجرها بإذن الحاكم أو الغرماء، لتعلق الحق بمنفعتهما و ليس هو اكتسابا و كذا لو كانت له مملوكة ممنوع عليه بيعها و لو كانت أم ولد (11) بل في المحكي عن المبسوط إذا كانت له أم ولد يؤمر بإجارتها، و يجبر على ذلك بلا خلاف، و ظاهره بين المسلمين، لكن في التذكرة لو كانت له أم ولد أو ضيعة موقوفة عليه، ففي وجوب مؤاجرتها نظر، من حيث أن المنافع و إن لم تكن مالا فإنها تجري مجراه، فيجعل بدلها للدين، و من حيث أن المنافع لا تعد أموالا حاضرة و لو كانت تعد من الأموال لوجب اجارة المفلس نفسه، و لوجب بها الحج و الزكاة، و الثاني أقرب، و مقتضاه المنع مطلقا حتى في الدار الموقوفة، و الدابة و نحوهما.

و فيه منع واضح حتى بالنسبة إلى الحج بها، على أنه لو سلم أمكن الفرق بأن الحج إنما يجب بالمال الحاضر، و المنفعة تتجدد شيئا فشيئا، و لا يطمئن ببقائها بحيث يستوفى الجميع، حتى يستقر ملك الأجرة فلا يجب عليه الاقدام مع هذه المخاطرة و لو فرض بحال يستقر ملكه على الأجرة اتجه الوجوب حينئذ.

ج 25، ص: 322

ثم إنه لا خلاف و لا إشكال في أن للمفلس الدعوى لأنها ليست تصرفا ماليا ف إذا شهد للمفلس شاهد بمال فان حلف استحق و تعلق به حق الغرماء و ان امتنع قيل لم يجبره الحاكم، لأنه لا يعلم صدق الشاهد، و لو علم ثبت الحق بشهادته من غير يمين، و حينئذ فلا يجبره على مالا يعلم صدقه، و لان الحلف تكسب و هو غير واجب.

و فيه أن المدعى يعلم صدقه و هو كاف في الجبر، و إن لم يعلم الحاكم، و ليس هو تكسبا، بل هو مقدمة لتحصيل ماله الواجب عليه، لوفاء الدين المطالب به.

و على كل حال إذا لم يحلف ف هل يحلف الغرماء قيل: و القائل الأكثر بل المشهور بل لا أجد فيه خلافا من غير الإسكافي لا يحلفون، بل في ظاهر التذكرة الإجماع عليه، و هو الوجه للإجماع ظاهرا على عدم جواز الحلف لإثبات مال الغير، و لما في المسالك من أن كل واحد منهم إن حلف على مجموع المال كان حلف لإثبات مال غيره، و هو باقي الغرماء، و إن حلف على القدر الذي يخصه بالتقسيط لم يثبت له أجمع، بل بعضه، لأنه مال المفلس، فلا يتم ثبوت جميع المال بهذا الحلف، و الاعتذار عن حلفه على المجموع بأنه إنما يثبت به استحقاقه، لا يدفع ذلك، لأنه يتضمن إثبات مال الغير أيضا، و إن كان قد يناقش فيه بأنه يحلف على الجميع، و إن كان لا يثبت له إلا حصته، كالوارث، و لا يستلزم إثبات باقي المال للغرماء.

و دعوى أن ثبوت حصته فرع ثبوت المال للجميع، ممنوعة، كدعوى مشاركة الغير له في هذه الحصة، إذ هو كبعض الورثة إذا حلف، فإنه يثبت حصته، و لا يشاركه غيره فيها، و إن كانت هي للميت فتأمل جيدا. و لذا قال في التذكرة: لو حلف بعض الغرماء عند القائلين به، دون بعض استحق الحالفون بالقسط، كما لو حلف بعض الورثة لدين الميت، و ليس لمن امتنع من اليمين من الغرماء مشاركة الحالف، كالوارث إذا حلف دون باقي الورثة، لم يكن للباقين مشاركته، لأن المقبوض باليمين ليس عين مال الميت، و لا عوضه بزعم الغريم.

و ربما قيل بالجواز بل هو المحكي عن أبي علي لأن في اليمين إثبات

ج 25، ص: 323

حق للغرماء و الممنوع إنما هو لإثبات مال الغير من دون حق، إذ أقسام اليمين لإثبات مال الغير ثلاثة، كما عن حواشي الشهيد الأول: أن لا يكون للحالف حق فلا يصح حلفه إجماعا، الثاني: أن يكون للحالف حق و لغيره حق، لكن حق الحالف مقدم، و هو محل البحث و نحوه المرتهن، الثالث: أن يكون للحالف حق و لغيره حق، و لكن حق الغير مقدم، كالراهن و مالك الجاني فهذا يحلف، و يثبت حق غيره إجماعا، و فيه أن الأصل عدم ثبوت الحق باليمين، فيقتصر في خلافه على المتيقن، و هو محل الإجماع و يبقى غيره على الأصل، و منه ما نحن فيه.

نعم يمكن التوصل هنا إلى حلف الغرماء بان ينقلوا المال إليهم بعقد شرعي يعلم به الشاهد، ثم يشهد و يحلفون، لكن يخرج عما نحن فيه، و كذا الكلام فيما لو كان الدين لميت، و نكل الوارث، و أراد الغرماء الحلف، إلا أن المحكي هنا عن حواشي الشهيد جواز حلفهم، و لعله للفرق بينه و بين المفلس بتعذر الوصول إلى الحق من الميت بخلاف المفلس، لكنه كما ترى لا يصلح مخرجا عن الأصل المزبور، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و إذا مات المفلس حل ما عليه بلا خلاف و لا إشكال كما تقدم سابقا، و لا يحل ماله عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن الغنية نفي الخلاف فيه. بل عن الخلاف لا خلاف فيه بين المسلمين. للأصل بعد حرمة القياس، على أن الفارق موجود بتضرر الورثة بالامتناع عن التصرف، و الغرماء به، و لكن فيه رواية أخرى مرسلة لأبي بصير(1)و قد ذكرناها سابقا مهجورة عند معظم الأصحاب، إذ لم أجد من عمل بها إلا الشيخ في المحكي عن نهايته التي ليست هي كتاب فتوى، و أبا الصلاح، و القاضي، و الطبرسي، فيما حكي عنهم. و هو لا يصلح جابرا لها كي تصلح لقطع الأصل بل الأصول كما هو واضح.

و ينظر المعسر إلى الميسرة، كما قال الله تعالى (2)«وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 سورة البقرة الآية 280.

ج 25، ص: 324

و

في خبر غياث بن إبراهيم (1)عن الصادق عن الباقر عليهما السلام «أن عليا عليه السلام كان يحبس الرجل، فإذا تبين له إفلاسه و حاجته خلى سبيله، حتى يستفيد مالا»

و

في وصية الصادق عليه السلام (2)الطويلة التي كتبها لأصحابه «إياكم و إعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بشي ء يكون لكم قبله، و هو معسر، فإن أبانا رسول الله صلى الله عليه و آله كان يقول: ليس لمسلم أن يعسر مسلما، و من أنظر مسلما أظله الله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله».

و

في مرسل عبد الله بن سنان (3)عن النبي صلى الله عليه و آله «لا يحل لغريمك أن يمطلك و هو مؤسر، فكذلك لا يحل لك أن تعسره، إذا علمت أنه معسر»

و

في المرسل (4)«إن امرأة استعدت على زوجها عند أمير المؤمنين عليه السلام أنه لا ينفق عليها، و كان زوجها معسرا، فأبى أن يحبسه، و قال: إن مع العسر يسرا، و لم يأمره بالتكسب»

و

النبوي العامي (5)«أنه صلى الله عليه و آله لما حجر على معاذ لم يزد على بيع ماله»

و

في آخر(6)«أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه و آله: تصدقوا عليه، فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه، فقال النبي صلى الله عليه و آله: خذوا ما وجدتم ليس لكم إلا ذلك».

كل ذلك مضافا إلى ما عن المبسوط من أنه لا خلاف في أنه لا يجب عليه قبول الهبة و الوصية، و الاحتشاش، و الاحتطاب، و الاغتنام، مؤيدا بالمشهور نقلا و تحصيلا على عدم وجوب التكسب عليه، بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، و عللوا به عدم قبول الهبة و نحوها مما يظهر منه المفروغية منه، بل عن ظاهر الغنية و السرائر الإجماع على عدم جواز دفعه إلى الغرماء ليستعملوه.

و حينئذ ف لا يجوز إلزامه بالتكسب و لا مؤاجرته التي


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدين الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الدين الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحجر الحديث- 2.
5- 5 سنن البيهقي ج 6 ص 48.
6- 6 سنن البيهقي ج 1 ص 50.

ج 25، ص: 325

هي نوع تكسب أيضا، و دعوى- أنها ليست منه، بل هي منفعة، و قد تقدم أن التحقيق كون المنفعة مالا يتعلق بها حق الغرماء- يدفعها أنه لا إشكال في عدم عد منفعة الحر مالا، و لذا لا تضمن بالفوات. و إنما تكون مالا بالإجارة، لا قبلها، فلا يتعلق بها حينئذ حق

للغرماء، فما عن مالك- في رواية من أنه إن كان يعتاد إجارة نفسه لزم، و أحمد و إسحاق و عمر بن عبد العزيز و عبد الله بن الحسن العنبري و سوار من أنه يؤاجر، فإن امتنع جبره القاضي- واضح الضعف، و ان احتجوا بأن

النبي صلى الله عليه و آله (1)«باع سرقا في دينه، و كان سرق رجل دخل المدينة، و ذكر أن وراه مال، فداينه الناس فركبته الديون، و لم يكن وراه مال، فأتى به النبي صلى الله عليه و آله فسماه و باعه بخمسة أبعرة»

، و الحر لا يجوز بيعه فثبت أنه باع منافعه.

بل ورد في طريق الخاصة

خبر محمد بن سليمان (2)عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا محمد قال: «سأل الرضا عليه السلام رجل و أنا أسمع، فقال له: جعلت فداك إن الله عز و جل يقول

وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ

أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه لها حد يعرف، إذا صار هذا المعسر إليه لا بد له من أن ينتظر، و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله، و ليس له غلة ينتظر إدراكها و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: نعم ينتظر بقدر ما ينتهى خبره إلى الامام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله عز و جل، فإن كان أنفقه في معصيته، فلا شي ء له على الامام، قلت: فما لهذا الرجل الذي

ائتمنه، و هو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله أو في معصيته، فقال: يسعى له في ماله، فيرده عليه و هو صاغر».

و

خبر السكوني (3)عن الصادق عن الباقر عليهما السلام «ان عليا عليه السلام كان يحبس في الدين، ثم ينظر فإن كان له مال اعطى الغرماء، و إن لم يكن له مال دفعه إلى


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 50.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدين الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 3.

ج 25، ص: 326

الغرماء، فيقول اصنعوا به ما شئتم، ان شئتم و أجروه، و إن شئتم استعملوه»

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و فيه رواية أخرى مطرحة لكن في اللمعة، و هو يدل على وجوب التكسب، و اختاره ابن حمزة و منعه الشيخ و ابن إدريس، و الأول أقرب، و في الروضة «لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة، و المكتسب قادر، و لهذا تحرم عليه الزكاة، و حينئذ فهو خارج من الآية، و إنما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة و لو بمؤاجرة نفسه، و عليه تحمل الرواية».

و في المسالك «و لو قيل بوجوب ما يليق بحاله كان حسنا» و في الدروس «و يجب التكسب لقضاء الدين على الأقوى بما يليق بالمديون، و لو كان إجارة نفسه و عليه تحمل الرواية» و في جامع المقاصد «و فيه قوة» و عن السيد

عميد الدين يجب على المديون السعي إذا جرت عادته بالسعي، و كذا لو لم تجر عادته إذا لم يستضر، و في الوسيلة ان كان المستدين معسرا صبر عليه من له الدين حتى يجد، فإن كان مكتسبا أمر بالاكتساب و الإنفاق بالمعروف على نفسه و عياله، و صرف الفاضل في وجه دينه، و إن كان غير مكتسب خلى سبيله حتى يجد، و عن جامع الشرائع و مجمع البرهان الأمر بالاكتساب، و في المختلف قول ابن حمزة جيد و نمنع من إعسار المكتسب و لهذا تحرم عليه الزكاة.

و في السرائر «و من كان عليه دين وجب عليه السعي في قضائه» و في القواعد «و يجب على المدين السعي في قضاء الدين» و نحوهما عن النهاية، و ربما استظهر منهم وجوب السعي حتى بالتكسب، لكن صدورها ممن علم من مذهبه عدم وجوب التكسب يقضي بإرادة السعي في تحصيل ماله من ديون و أموال غائبة، و نحو ذلك، لا ما يشمل وجوب التكسب، و ربما جمع بين الكلامين بإرادة وجوب السعي الشامل للتكسب، و إرادة نفي إلزام الغرماء له به، و استعمالهم إياه و مؤاجرتهم له، و عن التذكرة الإجماع على عدم جواز مطالبته و ملازمته و حبسه.

و كيف كان فالإنصاف أن كلمات الأصحاب في المقام لا يمكن جمعها على معنى

ج 25، ص: 327

واحد، بل لعل الحاصل مما ذكرناه منها أربعة أقوال أو خمسة، و أن المشهور منها عدم وجوب التكسب حتى بالتقاط مباح لا يحتاج إلى تكلف، فيكون وجوب الوفاء عندهم مشروطا باتفاق حصول اليسار، و لا يجب عليه تحصيله و إن تمكن منه، تمسكا بالأصل و ظاهر الآية(1)و الرواية المعتضدة بما سمعت.

لكن فيه أن الأصل يقطعه ظهور أمر قضاء الدين في كونه واجبا مطلقا، و الآية لا تدل على كونه مشروطا، ضرورة أنه يجب الإنظار إلى الميسرة، و ان وجب عليه تحصيلها مع التمكن منها، و كذا الرواية، بل إن كانت (حتى) فيها تعليلية أشعرت بالوجوب حينئذ، نعم هما معا ظاهران في خلاف خبر السكوني (2)الذي قال في السرائر: «أنه مخالف لأصول مذهبنا، و محكم التنزيل» ضرورة أن الإنظار الذي هو بمعنى التأخير مناف لاستعماله في الدين و مؤاجرته، و كذا تخلية السبيل التي في الرواية فالقول حينئذ بوجوب السعي عليه في قضاء الدين بتكسب و غيره لا يخلو من قوة.

نعم لا يجب عليه ما كان منه فيه نقص عليه و منة، ترجيحا لما دل على عدم تحمل المؤمن ذلك عليه، مع انه لا يخلو من إشكال فيما إذا لم يصل إلى حد الحرمة لكون الواجب عليه هنا حق مخلوق أيضا يتضرر بعدم وصوله إليه، و دعوى- عدم وجوب السعي لعدم العلم بانتاجه القضاء الواجب، إذ قد يتخلف عنه، و الواجب من المقدمة ما كان موصلا إلى ذي المقدمة- يدفعها أولا: أنه يمكن العلم عادة في بعض أفراد السعي بحصول قضاء جميع الدين أو بعضه، و ثانيا: ان الأوامر المطلقة تقتضي التشاغل في مقدمات المأمور بها إلى أن يحصل العجز، و لا يجب العلم بالتوصل، كما أوضحنا

ذلك في باب التيمم بالنسبة إلى طلب الماء فلاحظ و تأمل.

اللهم إلا أن يقال إن ذلك إن وجب فهو ليس من وجوب المقدمة لوجوب ذيها بل هو من الفهم العرفي من إطلاق الخطاب، و نمنع وجود خطاب هنا كذلك، و على


1- 1 سورة البقرة الآية- 280.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام الحجر- الحديث- 3.

ج 25، ص: 328

تقديره فهو معارض بالمنساق من الآية و الرواية المعتضدتين بكلام الأصحاب، فتأمل جيدا. لكنه مع أنه واضح النظر لا يحسم مادة الإشكال المتقدم القاضي بالوجوب الذي منه يعلم عدم الفرق بين المكتسب و غيره، بل و بين اللائق به و غيره في وجه، كما أنه يعلم منه أنه لا تسلط للغرماء على استعماله، و مؤاجرته المنافية للأنظار، و تخلية السبيل، و إن وجب عليه هو السعي في قضاء دينه، فتأمل جيدا. و الله أعلم.

[القول في قسمة ماله ]

اشارة

القول الثالث في قسمة ماله بين غرمائه بعد بيعه، قال الفاضل في القواعد «ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيع ماله، لئلا تطول مدة الحجر» و ظاهر لفظ «ينبغي» فيها الاستحباب، كما هو صريح التذكرة، لكن قد يقال: إن الحجر على خلاف الأصل، فيجب الاقتصار فيه على قدر الحاجة، فتجب المبادرة حينئذ خصوصا بعد مطالبة الديان، و الفرض قيام الحاكم مقام المديون، و خصوصا مع مصلحة المفلس في التعجيل مخافة التلف، و يجب على الحاكم مراعاة المصلحة، و لعله لذا قال في التحرير «على الحاكم أن يبادر إلى بيع ماله و قسمته» بل في جامع المقاصد «إن الوجوب أظهر».

نعم لا يفرط في المبادرة بحيث يؤدى إلى فساد في المال، بأن يطمع المشترون فيه بثمن بخس، و في المتن و القواعد و محكي المبسوط و التحرير و الإرشاد يستحب إحضار كل متاع إلى سوقه، لتتوفر الرغبة و مقتضاه جواز بيعه في غير سوقه، و لو رجي الزيادة فيه، لكن في جامع المقاصد أنه لا يبعد الوجوب، إلا أن يقطع بانتفاء الزيادة بإحضاره في سوقه، و في المسالك إنما يستحب الإحضار إذا وثق بانتفاء الزيادة لو بيع في غير سوقه، و الا فالأولى الوجوب، لأن بيعه فيه أكثر لطلابه، و أضبط لقيمته، و لكن أطلق الجماعة الاستحباب، و ظاهر اللمعة الوجوب، و به جزم في الروضة مع رجاء زيادة القيمة قلت: قد يقال: الأصل البراءة إذا باعه بثمن مثله في غيره، و رجاء الزيادة تطلب للإصلاح، و لا يجب عليه، إذ لا يزيد على مال الطفل الذي لا يجب فيه مراعاة الغبطة، و على كل حال لو شق نقله إلى سوقه، نودي عليه.

ج 25، ص: 329

و كذا يستحب حضور الغرماء تعرضا ل طلب الزيادة فإنه ربما يرغبون في بعض المتاع فيزيدون قيمته، و لا يجب عليه ذلك، لما عرفت، لكن في المسالك «يمكن وجوبه مع رجاء الزيادة بحضورهم» بل و في جامع المقاصد «لو رجى بحضورهم زيادة نفع وجب» و فيه ما تقدم، و كذا يستحب حضور المفلس أو وكيله، فإنه أخبر بقيمة متاعه، و أعرف بجيده من غيره، و بثمنه و بالمعيب من غيره و لأنه تكثر الرغبة بحضوره، فإن شراء المال من مالكه أحب إلى المشتري، و لأنه أبعد من التهمة، و أطيب لقلب المفلس، و ليطلع المشتري على العيب، فيبيعه على وجه لا يرد، و لغير ذلك، بل يأتي وجوب حضوره مع رجاء الزيادة به بناء على ما تقدم. و فيه ما عرفت.

و يستحب أيضا أن يبدء ببيع ما يخشى تلفه كما في القواعد و محكي المبسوط، و التحرير، لما فيه من مراعاة الأصلح للمفلس، لكن عن ظاهر الإرشاد و التذكرة، الوجوب، بل في جامع المقاصد لا ريب في وجوب ذلك، لوجوب الاحتياط على الأمناء و الوكلاء، فالحاكم أولى فإن تصرفه قهري، فلا يجوز له تعريض مال من حجر عليه التلف، فيبيع الفاكهة و الطعام و نحوهما، و تبعه في المسالك فقال:

«جعل هذا من المستحب ليس بواضح، بل الأجود وجوبه، لئلا يضيع على المفلس و على الغرماء، و لوجوب الاحتياط على الوكلاء و الأمناء في أموال مستأمنيهم، فهذا أولى. لأن ولاية الحاكم قهرية، و هي أبعد من مسامحة المالك، و حينئذ فيبدء بما يخاف عليه الفساد عاجلا كالفاكهة ثم بالحيوان ثم سائر المنقولات ثم بالعقار، هذا هو الغالب، و قد يعرض لبعض ما يستحق التأخير التقدم لوجه» قلت: لعل المراد خوف التلف في نفسه، لكونه مما شأنه ذلك، لا تخوف التلف إن لم يبدء به و فرق واضح بين المقامين، فتأمل جيدا.

و يستحب أن يبدء بعده بالرهن لانفراد المرتهن به و لأنه ربما زادت قيمته عن الدين، فيضم الباقي إلى مال المفلس، و ربما نقصت فيضرب المرتهن

ج 25، ص: 330

بباقي دينه مع الغرماء، و كذا العبد الجاني، و إن فارقه بأنه لو قصر عنها لم يستحق المجني عليه الزائد، لأن حقه لم يتعلق بالذمة، بل بالعين، بخلاف الرهن، لكن لولا التسامح في السنن لأمكن المناقشة، في اقتضاء ذلك ندبية البداءة به قبل غيره، فمن الغريب ما عن ظاهر الإرشاد، و صريح جامع المقاصد، من الوجوب لذلك، الذي يمكن حصوله و إن تأخر بيعهما، ضرورة معرفة النقصان و الزيادة قبل القسمة، كما هو واضح.

و يستحب أيضا أن يعول على مناد يرتضي به الغرماء و المفلس دفعا للتهمة عنه و لا يجب للأصل، و لأنه بالحجر على المفلس سقط اعتباره، و كان كوكيله، و الغرماء إنما لهم حق الاستيفاء من القيمة، و الحاكم أمين شرعي لا تتطرق إليه التهمة، ف من هنا إن تعاسروا عين الحاكم و سقط استحباب مراعاتهما معا، هذا. و لكن عن جامع المقاصد هذا الحكم ينبغي أن يكون على طريق الوجوب فإن الحق في ذلك للمفلس، فإنه ماله و الغرماء لأنهم استحقوا صرفه إليهم بدينهم، و تبعه في المسالك، و فيه ما عرفت، خصوصا بعد ما حكي عن جامع المقاصد من أنه يفوض إليهم التعيين، فإن كان مرضيا أي ثقة أمضاه الحاكم، و إلا رده و عين غيره، و هو في الحقيقة غير خارج عن تعيين الحاكم، بل عنه أيضا و التذكرة التصريح بأن المقام ليس كالراهن و المرتهن. إذا اتفقا على غير ثقة لبيع الرهن جاز، إذ لا نظر للحاكم معهما هناك، بخلاف ما هنا، فان للحاكم نظرا في مال المفلس، إذ الحجر بحكمه، و ربما ظهر غريم فيتعلق حقه.

هذا كله إذا كان مختار كل منهم متطوعا، أو بأجرة متحدة، و الأقدم المتبرع و قليل الأجرة مع صلاحيته لذلك، و لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو الجزم بعدم اعتبار مالك المال، و الغرماء الذين تعلق حقهم به بالحجر، من إشكال، خصوصا مع أصالة عدم تسلط غير المالك، و ذي الحق على المال، بل قد يقال باعتبار تقدم اختيار المفلس مع عدم الضرر على الغرماء، لأنه المالك، و حقهم إنما تعلق من حيث الاستيفاء لا غيره، بل لا يعتبر رضاهم بعد تعيينه، كما هو واضح. فتأمل جيدا.

ج 25، ص: 331

و من ذلك يعلم ما في المحكي عن المبسوط من أنهم ان اختلفوا فاختار المفلس رجلا، و الغرماء آخر، نظر الحاكم فإن كان أحدهما ثقة، و الآخر غير ثقة مضى الثقة، و إن كانا ثقتين إلا أن أحدهما بغير أجرة أمضاه، و إن كانوا جميعا بأجرة قبل أوثقهما و أصلحهما للبيع، و عن التذكرة أنه زاد و إن كانا متطوعين ضم أحدهما إلى الآخر، لأنه أحوط، و في جامع المقاصد بعد أن حكي ذلك قال: و من هنا يعلم أن عبارة القواعد التي هي كعبارة الكتاب تحتاج إلى تنقيح.

قلت: الأمر في ذلك سهل، ضرورة معلومية تتبع الحاكم التراجيح التي لا يسع للفقيه حصرها، و إنما المهم تنقيح ما قدمناه، فتأمل جيدا. و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا لم يوجد من يتبرع بالبيع و لا بذلت الأجرة من بيت المال المعد للمصالح التي هذه من جملتها، لعدم سعته لذلك، أو لأهمية صرفه في غيره، و لا من تبرع بها وجب أخذها من مال المفلس، لأن البيع واجب عليه بل الأقوى عدم وجوب أخذها من بيت المال، بل أطلق في القواعد كون الأجرة عليه، كما أنه أطلق تقدم أجرة الكيال و الوزان و الحمال، و ما يتعلق بمصلحة الحجر على سائر الديون، اللهم إلا ان يريد ما في محكي التذكرة من أن مؤنة الأموال كأجرة الوزان و الناقد و الكيال و الحمال و المنادي و أجرة البيت الذي فيه المتاع مقدمة على ديون الغرماء، لأنها لمصلحة الحجر، و إيصال أرباب الحقوق حقهم، و لو لم تقدم لم يرغب أحد في تلك الاعمال، و حصل الضرر للمفلس و الغرماء.

هذا كله إذا لم يوجد متطوع بذلك، و لا في بيت المال سعة له، فإن وجد متطوع أو كان في بيت المال سعة لم يصرف مال المفلس إليها، و مقتضاه عدم جواز أخذها من مال المفلس، مع وجود بيت المال، مع أن ذلك لضرورة وفاء دينه، فكيف لا يجوز صرفه من ماله، فلا ريب في أن الأقوى الجواز، بل الأحوط عدم الأخذ من بيت المال إلا أن يعطى للمفلس من حيث فقره، بل ينبغي وفاء دينه عنه، بل قد سمعت خبر محمد بن سليمان (1)و قد تقدم في آخر باب القرض ما يدل من النصوص (2)على وجوب


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب الدين الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الدين الحديث 2.

ج 25، ص: 332

ذلك على الامام، و أنه إن لم يقضه عنه كان عليه وزره، لقوله تعالى (1)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ» الى آخره فلاحظ و تأمل، لكن ذلك غير ما نحن فيه، إنما الكلام في إعطائه هذه المؤن من بيت المال، و ان لم تحتسب على المديون، و هو لا يخلو من إشكال، و الله أعلم.

و لا يجوز تسليم مال المفلس لمن اشتراه إلا مع قبض الثمن منه سابقا لمنافاته الاحتياط اللازم مراعاته في المقام، بل لو رضى المفلس و الغرماء أمكن للحاكم المنع في وجه، لأن له نظرا في المال، و لجواز ظهور غريم، و إن كان الأوجه خلافه، لأصالة عدم غريم آخر، و على كل حال ف إن تعاسرا تقابضا معا كما في كل بايع و مشترى، و لا وجه لجبر المشتري على التسليم سابقا خلافا لما عن المبسوط في أول كلامه، و لا يبيع الا بثمن المثل فصاعدا، إن أمكن حالا، بل صرح الفاضل بأنه لا يبيع إلا بنقد البلد، لأنه أوفر، و لان التصرف على الغير يراعى فيه المتعارف.

قلت: هو كذلك إذا لم يتفق المفلس و الغرماء على البيع بغير نقد البلد، و إلا اتجه الجواز، و خصوصا إذا كان أعود لهم و موافقا لجنس الدين، بل قد يقال بجواز البيع بدون ثمن المثل مع رضاهم، لأصالة عدم غريم آخر، و

لو لم يوجد باذل لثمن المثل، لم يجز تأخيره طلبا لمصلحة المفلس، مع عدم رضا الغرماء، و لعل المراد بثمن المثل في كلام الأصحاب ما يبذل في مقابلته في ذلك المكان و الزمان.

نعم في محكي التذكرة لو كان بقرب بلد ملك المفلس بلد فيه قوم يشترون العقار في بلد المفلس أنفذ الحاكم إليهم ليتوفر الثمن على المفلس، و في جامع المقاصد «لا وجه لتخصيص العقار، و كذا غيره» و لا بأس به و لو كانت المصلحة للمفلس في البيع بغير نقد البلد لم يجب إليه إذا كان مخالفا لجنس حق الغرماء، بل بيع بالنقد و إن خالف حقهم، ثم يصرف إليه إذا لم يرضوا به عوضا عن حقهم، و عن التحرير أنه إذا بيع بغير جنس الحق من النقد دفع إلى الغرماء بالقيمة، و لعله يريد مع التراضي.


1- 1 سورة التوبة الآية 60.

ج 25، ص: 333

و كيف كان فما يقبضه الحاكم من الأثمان على التدريج، فان كان الغريم واحدا سلم اليه من غير تأخير، و كذا إن أمكنت قسمته بسرعة، و إن كان يعسر قسمته لقلته و كثرتهم جاز له التأخير، إلا إذا امتنعوا، فإنه يقسم عليهم حينئذ، و لا يكلفوا حجة على انتفاء غيرهم لعسرها، بل يكتفى بإشاعة حاله، بحيث لو كان لظهر، و تكليف الورثة الحجة على انتفاء غيرهم باعتبار كونهم أضبط من الغرماء لا يستلزمه هنا. و الله أعلم.

و لو اقتضت المصلحة تأخير القسمة قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و الفاضل في قواعده يجعل المال في ذمة ملي بقرض و نحوه احتياطا لحفظ المال، إذ هو أولى من الإيداع المحتمل للتلف بلا ضمان و إلا يوجد ملي يجعله في ذمته جعل وديعة لأنه موضع ضرورة حينئذ، و ظاهرهما وجوب الأول مع التمكن عنه، و إن لم يكن في غيره مفسدة و نوقش في ذلك بأن فرض الحاكم في الأموال التي يليها الاستيداع، كما في أموال اليتامى و غيرهم ممن أمره أحوط من مال المفلس، و الفرق بأن مال الصبي معد لمصلحة تظهر له، من شراء تجارة أو عقار و نحوهما، و قرضه قد ينافي ذلك، بخلاف مال المفلس المعد للغرماء خاصة كما ترى، و لعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه، بل في التذكرة، القطع بجواز الإيداع، مع التمكن من القرض، و إن كان هو أولى و استحسنه في المسالك.

لكن قد يقال: إن الموافق لما تقدم من المسالك و غيرها وجوب مراعاة الأصلح للأمين الشرعي الذي في الحقيقة نائب عن الشارع في ذلك، و معلوم أن الأصلح واجب المراعاة على الشارع، لقبح ترجيح المرجوح بالنسبة اليه، و لعل ذلك هو مبنى ما تقدم سابقا، و ان كان هو متخلفا في بعض أفراده، ضرورة الفرق بين مراعاة الأصلح من الافراد الموجودة، و بين تطلب الفرد الأصلح و ان لم يعلم بوجوده، فإنه يمكن منع وجوب الثاني بخلاف الأول، بل قد يمنع وجوب تطلب ذي المصلحة فضلا عن الأصلح.

و على كل حال يكون ذلك هو المدار في المسألة و أفراده مختلفة لا يسع الفقيه ضبطها، و ينبغي حينئذ اعتبار الامانة مع الملاءة، بل لعل الأولى أخذ الرهن مع

ج 25، ص: 334

التمكن منه، و ربما أغنى هو عن الملاءة بل و الأمانة، و لا يؤجل القرض بعقد بيع و نحوه، لأن الديون حالة، اللهم إلا أن لا يوجد مقترض بدونه، و كان هو مع الأجل أرجح من الوديعة، فإن المتجه القرض، و بالجملة المدار في المسألة بالنسبة إلى التطلب على عدم المفسدة، و لا يجب عليه تطلب المصلحة، فضلا عن الأصلح.

نعم لو وجد اعتبر مراعاتهما، بل لا يجوز له ترك الأصلح حينئذ، بناء على ما عرفت فتأمل و ينبغي أيضا اعتبار العدالة في الودعي، بل في المسالك، و مراعاة من يرتضيه الغرماء و المفلس، و مع الاختلاف يعين الحاكم، لكن اقتصر في التذكرة على الغرماء، فقال: و ينبغي أن يودع ممن يرتضيه الغرماء، فإن اختلفوا و عينوا من ليس بعدل لم يلتفت الحاكم، و عين من أراد من الثقات و لا يودع من ليس بعدل، و لا ريب في أنه ينبغي مراعاته أيضا فيودع حينئذ ممن يرتضيه الثلاثة، و قد عرفت المدار في أصل المسألة. نعم قد يقال: بعدم اعتبار الحاكم في المقام إذا قطع بانتفاء غريم آخر، ضرورة انحصار الحق حينئذ في المفلس و الغرماء، بل و مع احتماله أيضا لأصالة عدمه أما لو كان بعض الغرماء غائبا أو ناقصا اعتبر الحاكم حينئذ، و تكليفه حينئذ في الحفظ ما عرفت، و الله أعلم.

و لا يجبر المفلس على بيع داره التي يسكنها إجماعا محكيا عن المبسوط، و في الغنية و التذكرة ل

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي أو صحيحه (1)«لاتباع الدار و لا الجارية في الدين، لأنه لا بد للرجل من ظل يسكنه، و خادم يخدمه»

و في

صحيح ذريح المحاربي «لا يخرج الرجل من مسقط رأسه بالدين»

و هو الذي ذكره

ابن أبي عمير على ما رواه إبراهيم بن هاشم (2)قال: «إن محمد بن أبي عمير كان رجلا بزازا فذهب ماله و افتقر، و كان له على رجل عشرة آلاف درهم، فباع دارا له كان يسكنها، بعشرة آلاف درهم و حمل المال إلى بابه، فخرج إليه محمد بن أبي عمير فقال: ما هذا؟ فقال: هذا مالك الذي علي قال: ورثته؟ قال: لا، قال: وهب لك؟


1- 1 الوسائل- الباب 11- من أبواب الدين الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب 11- من أبواب الدين الحديث 5.

ج 25، ص: 335

قال، لا، قال: فهل هو ثمن ضيعة بعتها؟ قال: لا، قال: فما هو؟ قال: بعت داري التي أسكنها لأقضي ديني، فقال محمد بن أبي عمير: حدثني ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه السلام

قال: لا يخرج الرجل عن مسقط رأسه بالدين، ارفعها لا حاجة لي فيها، و الله إني لمحتاج في وقتي هذا إلى درهم واحد، و ما يدخل ملكي منها درهم،»

و كان ذلك من ابن أبي عمير لكمال ورعه، و علو همته، و إلا فليس مراد الصادق عليه السلام عدم بيع المالك برضاه، و اختياره لوفاء دينه، إذ لا ريب في جوازه، بل لا أجد خلافا فيه، و يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة على خلافه، بل المراد أنه لا يلزم بيعها و يجبر عليه، إذ لا يجب عليه شرعا الوفاء بها.

نعم قد يفهم من

خبر عثمان بن زياد(1)أنه لا ينبغي لذي الدين أن يكون سببا لبيع المديون داره، و لو برضاه، أو يرضى له بذلك، قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن لي على رجل دينا، و قد أراد أن يبيع داره فيقضي؟ فقال له أبو عبد الله: أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه، أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه، أعيذك بالله أن تخرجه من ظل رأسه».

و على كل حال فلاتباع الدار في الدين، لكن

في خبر سلمة بن كهيل (2)«سمعت عليا عليه السلام يقول لشريح: أنظر إلى أهل المعل و المطل في دفع حقوق الناس من أهل القدرة و اليسار، ممن يدلي بأموال المسلمين إلى الحكام، فخذ للناس بحقوقهم و بع فيه العقار و الديار، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: مطل المسلم المؤسر ظلم للمسلمين،

و من لم يكن له عقار و لا دار و لا مال فلا سبيل عليه»

و ينبغي حمله على الموسر المماطل، أو على الزائد عن قدر الحاجة، أو على التقية، أو غير ذلك، و قد يلحق بالدار بيوت الاعراب، و بالجارية خدمة الأحرار، إذا كان من أهل ذلك، فيعزل من ماله حينئذ مقدار اجاراتهم، و ستعرف في آخر المبحث أن مدار ذلك كله العسر و الحرج، الشاملان لذلك و غيره مما يضطر إليه لمعايشه أو رفع النقص عنه.

و كيف كان فلو فرض كون الدار زائدة عما يحتاجه سكن ما احتاجه و يباع


1- 1 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث 9.

ج 25، ص: 336

منها ما يفضل عن حاجته لوفاء دينه الواجب عليه، كما صرح به الفاضل في القواعد و ثاني الشهيدين، و يحيى ابن سعيد في المحكي عن جامعه، و غيره، بل لا أجد فيه خلافا، و يرشد إليه التعليل في صحيح الحلبي (1)المتقدم، و

قال الصدوق كان شيخنا محمد بن الحسن رضي الله عنه يروى (2)«إن كانت الدار واسعة يكتفى صاحبها ببعضها فعليه أن يسكن منها ما يحتاج اليه، و يقضي ببقيتها دينه و كذلك إن كفته دار بدون ثمنها باعها، و اشترى بثمنها دارا ليسكنها، و يقضي بباقي الثمن دينه.»

و

في موثق مسعدة بن صدقة(3)«سمعت جعفر بن محمد عليهما السلام و سئل عن رجل عليه دين، و له نصيب في دار، و هي تغل غلة فربما بلغت غلتها قوته، و ربما لم تبلغ حتى يستدين، فإن هو باع الدار، و قضى دينه بقي لا دار له، فقال: إن كان في داره ما يقضي به دينه، و يفضل منها ما يكفيه و عياله، فليبع الدار، و إلا فلا»

، كل ذلك مضافا إلى أصالة لزوم الوفاء، مع التمكن الذي يجب الاقتصار في الخروج منه على المتيقن، و هو غير ذلك، بل هو المنساق من دليل الاستثناء و منه و بعض ما تقدم يعلم أنه لو فرض زيادة قيمتها عليه، وجب بيعها، و شراء اللائقة بحاله، و أخذ الزائد.

لكن عن التذكرة المنع من بيعها، و كذا الخادم، و شراء أدون منهما للأصل المقطوع بما سمعت، و النهي عن بيعهما، و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت، مع أن الذي وجدته فيها في باب الدين أنه لا يكلف بيع داره، و شراء أدون إذا كانت داره بقدر كفايته، و كذا لا يكلف بيع خادمه و شراء أدون، و لا بيع فره و شراء أدون، للأصل و عموم النهي عن بيع هذه الأشياء، و هو غير صريح في الخلاف فتأمل. و لو كان له دور متعددة و فرض احتياجه إلى سكناها لم يبع شي ء منها، كما صرح به ثاني الشهيدين للتعليل السابق، و ارادة الجنس من الدار.

و كذا البحث في أمته التي تخدمه المحتاج إليها الذي حكى الإجماع عن المبسوط، و في

الغنية و ظاهر التذكرة على عدم بيعها في الدين، مضافا إلى صحيح


1- 1 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث 7.

ج 25، ص: 337

الحلبي (1)المتقدم، المحمول لفظ الجارية فيه على المثال للخادم، و لو عبدا، بل المتعدد كالمتحد مع الحاجة، نحو ما سمعته في المسكن. نعم قد يتوقف في عدم جواز بيع ذلك إذا كانت الحاجة من حيث الشرف، لا من حيث الاضطرار، حتى بالنسبة إلى الدار الواحدة، و الخادم الواحد، لأصالة لزوم وفاء الدين، و ظهور التعليل في أن المدار على الاضطرار، بل منه قد ينقدح بيع داره المملوكة لو كان له دار قد وقفت عليه ترتفع ضرورته بسكناها، و كذا الخادم.

و في المسالك سابقا أنه لو كانت له أم ولد تحصل خدمته بها فالظاهر الاكتفاء بها عن مملوكته، لصدق المملوكة، و ان تشبثت بالحرية فيباع ما سواها مع احتمال عدمه، و فيه نوع إيماء إلى ما ذكرنا، لكن قد يقال: إن ما احتاج اليه من حيث الشرف أشق على النفوس من الضروريات، و المدار في المسألة كما سمعته على العسر و الحرج، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك مما قدمنا ضعف المحكي عن ابن الجنيد من جواز الإلزام ببيع الدار و الخادم في الدين، و إن كان الأولى تركه،

قال: «و يستحب للغريم إذا علم عسر من عليه الدين أن لا يحوجه الى بيع مسكنه و خادمه الذي لا يجد غناء عنهما، لا وثوبه الذي يتجمل به، و أن ينظره إلى أن ينتهي خبره إلى من في يده الصدقات إن كان من أهلها أو الخمس إن كان من أهله، فإن لم يفعل ذلك و ثبت دينه عند الحاكم، و طالب الحاكم ببيع ذلك فلا بأس أن يجعل ذلك الملك رهنا في يد غريمه، فإن أبى إلا استيفاء حقه أمره الحاكم بالبيع، و توفية أهل الدين حقوقهم، فإن امتنع حبسه إلى أن يفعل ذلك، فإن دافع باع عليه الحاكم» إذ هو كما ترى اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، بل الإجماع، بل كما عرفت.

و خبر سلمة بن كهيل (2)المتقدم محمول على ما سمعت، هذا و لم نعثر فيما وصل إلينا من النصوص على استثناء غير الدار، و الجارية، و الكفن، لكن في الغنية «و لا


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب الدين الحديث- 9.

ج 25، ص: 338

دابته التي يجاهد عليها بدليل إجماع الطائفة». و في المسالك بعد ذكر الدار و الجارية اللائقين بحاله قال: «و في حكمها دابة ركوبة، و لو احتاج الى المتعدد استثنى كالمتحد» و كذا الروضة، و في الإرشاد «و لا فرس ركوبه إذا كان من أهلها» و نحوه التذكرة من دون شرط، و كذا جامع المقاصد.

قلت: لعل المدار في ذلك و غيره مما تسمعه من ثياب التجمل و نحوها عدم الحرج في

الدين، و إرادة الله بنا اليسر دون العسر، و نحو ذلك مما دل على هذا الأصل، و ربما كان في دين التذكرة إشارة اليه فلاحظ و تأمل. و لعل في قوله (1)«وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» نوع إيماء إليه، كالتعليل في صحيح الحلبي (2)ضرورة حصول العسر و الحرج و المشقة التي لا تتحمل في بيع الضروريات، و لو بحسب الشرف الذي يكون في عدمه نقص و إذلال لا ترضى به الأنفس العزيزة، بل ربما كان عليها أشد مراعاة من الضروريات للمعاش، بل قد يهون عليهم في مقابلة إزهاقها، و من هنا أسقط الشارع التكاليف له في باب الوضوء و الغسل و استطاعة الحج و غير ذلك، و دعوى أن ذلك لا يتم في حقوق المخلوقين كما عن بعض الشافعية واضحة المنع، ضرورة إطلاق الأدلة، كدعوى أنه مشترك بينه و بين صاحب المال، إذ فيه أنه لا عسر و لا حرج في الانتظار، و لو فرض حصوله في خصوص شخص لم يكن معتبرا، لأن المدار على المشقة على الصنف لا الشخص، كما حقق في محله.

كل ذلك مع أنه يمكن دعوى صدق ذي العسرة على من لم يجد غير ذلك، و أنها لا يتحقق صدق الميسرة بها، لأن المراد بذي العسرة الشدة و الضيق عليه، لو أراد الوفاء، و عكسه الميسرة، و لا ريب في تحقق الشدة و الضيق عليه لو كلف ببيع ضرورياته، و لعله لذا استدل بها الفاضل في المختلف على استثناء الدار و الجارية، و حكى عن الأردبيلي أنهم قد يستثنون بعض الأمور المحتاج إليها، مثل الكتب العلمية لأهلها، لكن في التذكرة «و لا

يترك له الفرش و البسط، بل يسامح باللبد و الحصر


1- 1 سورة البقرة الآية 280.
2- 2 الوسائل الباب 11- من أبواب الدين الحديث- 1.

ج 25، ص: 339

القليل القيمة» و يمكن منعه عليه بناء على الأصل الذي قد ذكرنا، على ما يظهر من بعضهم من الاقتصار على بعض الضروريات، اللهم إلا يريد المثال، بل ستسمع ما في موضع آخر من التذكرة من شرط الأخذ عندنا أن لا يكون مما يحتاج اليه المفلس في ضروريات معاشه، و بالجملة فالمدار في المسألة على ما ذكرنا.

نعم قد يشك في تحقق العسر بالنسبة إلى بعض الأمور، فتباع حينئذ في الدين لأصالة وجوب وفائه حينئذ فتأمل جيدا. هذا و في المسالك «لا فرق في المستثنيات بين كونها عين مال بعض الغرماء و عدمه عندنا» قلت: قد استشكل فيه الفاضل في المحكي عن تحريره، و الشهيد في الحواشي، لتعارض العمومين، بل قد يقال بظهور نصوص المقام في غير الفرض، فيكون دليل الفسخ بلا معارض، بل لعل مثله ليس بيعا في الدين، لكن قد يشعر قوله في المسالك عندنا بالإجماع، و ربما ظهر ذلك أيضا من التذكرة حيث لم يحك الخلاف فيه، إلا عن احمد

لقوله (1)«من أدرك متاعه»

إلى آخره و أجاب عنه بأنه ليس على إطلاقه، لأنه مشروط إجماعا بشرائط تخرجه عن الاحتجاج به في صورة النزاع، لأن شرط الأخذ عندنا أن لا

يكون مما يحتاج إليه المفلس في ضروريات معاشه.

و لو باع الحاكم أو أمينه مال المفلس، ثم طلب بزيادة لم يفسخ العقد إذا لم يكن ذلك بخيار و نحوه، بلا خلاف أجده فيه، للأصل السالم عن المعارض، و لو التمس من المشتري الفسخ لم يجب عليه الإجابة للأصل أيضا لكن يستحب قطعا في كل طالب للإقالة، فضلا عن المقام، و لو كان البيع بخيار فسخ بل في جامع المقاصد «لا ريب في الوجوب» و في المسالك «في الوجوب نظر، أقربه ذلك، و إن كان قد بيع بثمن المثل، للقدرة على تحصيل الزيادة بالفسخ، فيكون كما لو طلب بزيادة عن ثمن المثل قبل البيع» قلت: ينبغي الجزم بذلك، مراعاة للأصلح مع تيسره، و فرق واضح بينه و بين ما إذا لم يكن خيار، و إن بذل المشتري الإقالة لعدم حق للمفلس ينبغي مراعاته، فلا يجب على الحاكم الإجابة لو بذلها المشتري فضلا عن وجوب الالتماس عليه، و ان علم اجابة المشتري له.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 45.

ج 25، ص: 340

نعم يستحب للحاكم الفسخ مع رضا المشتري كما نص عليه في القواعد و غيرها، بل قد يقال: باستحباب التماس الحاكم للمشترى عليها، بل عليه يحمل ما عن المبسوط إذا باع الحاكم أو أمينه من مال المفلس بثمن مثله، ثم جاء به زيادة بعد لزوم البيع و انقطاع الخيار، سئل المشتري الإقالة أو بذل الزيادة، و يستحب للمشتري الإجابة الى ذلك، لان فيه مصلحة المفلس، و ان لم يجبه إلى ذلك لم يجبر عليه، لان البيع الأول قد لزم، إذ احتمال ارادة وجوب السؤال مخالف للأصل، بلا مقتض.

و من الغريب ما في الحواشي المنسوبة إلى الشهيد عند قول الفاضل و لو بذلت زيادة بعد الشراء استحب الفسخ، قال: «هذا إن كان للبائع خيار مجلس أو شرط أو غبن، و إلا فلا، نعم يستحب للمشتري الإقالة، و يحتمل في الأول الوجوب، و قد استشكله في باب الوكالة خصوصا على قول الشيخ أن المبيع لا يملك إلا بعد انقضاء الخيار، قلت:

المتجه أيضا وجوب الفسخ على الوكيل مع الخيار، و عموم وكالته له مراعاة للمصلحة، كما هو واضح. و لعل الذي دعاه الى ما ذكره ظهور قول الفاضل استحب الفسخ في أن له ذلك، و ان لم يرض المشتري، و ليس إلا مع الخيار، و فيه أن المراد استحباب الفسخ مع رضى المشتري بالإقالة، كما ذكرناه سابقا و الله أعلم.

و يجري عليه نفقته و كسوته و نفقة من تجب عليه و كسوته، و يتبع في ذلك عادة أمثاله إلى يوم قسمة ماله، فيعطى هو و عياله نفقة ذلك اليوم بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، و في محكي المبسوط لا خلاف في أنه يجب أن ينفق عليه، و على من تجب عليه نفقته من أقاربه و زوجته و مماليكه من المال الذي في يده، و لا يسقط عنه نفقة أحد منهم. و فيه أيضا يجب أن يكسى و يكسى جميع من تجب عليه كسوته من زوجته و أقاربه إجماعا، و قدرها ما جرت به عادته من غير سرف، و قد حد ذلك بقميص و سراويل و منديل و حذاء لرجله، و ان كان من عادته أن يتطلس دفع إليه طيلسان، و إن كان بردا شديدا زيد في ثيابه محشوة، و أما جنسها فإنه يرجع أيضا فيها إلى عادة مثله مع الاقتصاد، و في التذكرة «يجب على الحاكم أن يترك له دست ثوب يليق بحاله، و قميص و سراويل و منديل و مكعب و يزيد في الشتاء جبة، و يترك له العمامة

ج 25، ص: 341

و الطيلسان و الخف، و دراعة يلبسها فوق القميص إن كان لبسها يليق بحاله، لأن حطها عنه يزري بحاله، و في الطيلسان و الخف نظر، (إلى أن قال): و يجوز أن يترك له نفقة يوم القسمة، و كذا نفقة من عليه نفقته» إلى غير ذلك من كلماتهم، و إن اقتصر بعضهم على ثياب التجمل، إلا أن المدرك في الجميع واحد، و هو ما ذكرنا سابقا.

مضافا الى ما تسمعه مما ورد في الكفن الذي هو كسوة الميت، فإن الحي أعظم حرمة منه، و إلى ما يشعر به في الجملة

خبر على بن إسماعيل (1)«عن رجل من أهل الشام أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن رجل عليه دين قد فدحه و هو يخالط الناس، و هو يؤتمن يسعه شراء الفضول من الطعام و الشراب، فهل يحل له أم لا؟ و هل يحل أن يتطلع من الطعام، أم لا يحل له الا قدر ما يمسك به نفسه و يبلغه؟ قال: لا بأس بما أكل»

و

النبوي (2)«ابدء بنفسك ثم بمن تعول»

و الى ما دل على وجوب الإنفاق الذي يرجح على ما دل على وفاء الغريم بوجوه منها فتوى الأصحاب، و اختص نفقة ذلك اليوم لعدم انضباط غيره، و لاحتمال تعلق وجوب نفقة اليوم الشامل لليل عليه بأول اليوم، دون غيره من الأيام، و ان قلنا بارتجاع نفقة من يموت من عيلته في أثناء النهار، بناء علي أنه يملكه المنفق عليه، بشرط اجتماع الشرائط لا مطلقا، و ان احتمله في المسالك.

و على كل حال بذلك يفترق عن الكسوة التي لا معنى لاعتبارها يوما فيوما، و من هنا لاحظوا فيها المعتاد فيها كما و كيفا و زمانا، و لو اتفقت القسمة في طريق سفره، ففي القواعد، و جامع المقاصد، و محكي الإيضاح أن الأقرب اجراء النفقة إلى يوم وصوله، بل في الثاني ان احتمال العدم ضعيف جدا، إذا لم يكن دون منزله بلد آخر للإضرار المؤدي إلى الهلاك أو المشقة العظيمة، قال: و لو كان بلد دون منزله ففي الاجراء إلى وطنه المألوف إشكال، هذا و في التذكرة أن كلما يترك له


1- 1 الوسائل الباب 27- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الجامع الصغير ج 1 ص 5 طبع عبد الحميد احمد حنفي الوسائل الباب 28- من أبواب الصدقة الحديث- 8- و فيه ابدء بمن تعول الأدنى فالأدنى.

ج 25، ص: 342

إذا لم يوجد في ماله اشترى له، و هو جيد بالنسبة إلى النفقة دون الدار و الخادم و الفرس و نحو ذلك مما لم يكن متخذا لها، و إن كان محتاجا إليها لعدم الدليل.

و فيها أيضا أنه لو كان للمفلس صنعة تكفيه لمؤنته و ما يجب عليه لعياله، أو كان يقدر على تكسب ذلك لم يترك له شي ء و كأنه مناف لإطلاق الأصحاب الذي قد عرفت أن منشؤه تقديم ما دل على وجوب الإنفاق، و القدرة على التكسب لا تنافيه.

و لا تقتضي تقديم حق الديان على حق من وجبت نفقته عليه فتأمل جيدا، و فيها أيضا أن الاولى الاعتبار بما يليق بحاله في إفلاسه، لا في حال ثروته، و لو كان يلبس قبل الإفلاس أزيد مما يليق بحاله، رد إلى اللائق. و ان كان يلبس دون اللائق تقتيرا لم يزد عليه في الإفلاس، و يترك لعياله من الثياب ما يترك له، قلت: قد يقال: إن المدار على اللائق بحاله في حد ذاته، مع قطع النظر عن حالي إفلاسه و ثروته.

نعم لو كان مقترا على نفسه لم يزدد على ذلك كما ذكره.

و لو مات قدم كفنه على حقوق الغرماء، و يقتصر على الواجب منه بلا خلاف أجده، و

قال زرارة(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل مات و عليه دين بقدر كفنه؟ قال: يكفن بما ترك، إلا أن يتجر انسان فيكفنه، و يقضى بما ترك دينه»

و

خبر إسماعيل بن أبى زياد(2)«عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله

عليه و آله إن أول ما يبدء به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية، ثم الميراث»

و هما الحجة مضافا إلى محكي الإجماع في جامع المقاصد، و إلى ما دل على التكفين من أصل المال (3)، المرجح على ما دل على وفاء الدين (4)بما عرفت، بل ليس في الخبرين الاقتصار على الواجب، فقد يقال: بتقديم الكفن المتعارف بالنسبة إلى ذلك الشخص، على وفاء الدين.

خصوصا إذا قلنا: إن المنشأ في تقديمه كونه من النفقة التي قد عرفت الرجوع


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب الدين الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب الدين الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب 27- من أبواب أحكام الوصايا الحديث- 1- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 4- 85 من أبواب الدين.

ج 25، ص: 343

فيها إلى عادة أمثاله، كما يومي اليه إلحاق باقي مؤن تجهيزه من السدر و الكافور و ماء الغسل و نحو ذلك، بالكفن في التقديم، بل و مؤن تجهيز كل من وجب عليه تجهيزه، ضرورة عدم المدرك لذلك إلا كونه من الإنفاق الذي قد عرفت تقديمه على وفاء الدين. فالوجه في ذلك كله الرجوع إلى المتعارف، و إن زاد على الواجب، ما لم يقم إجماع على خلافه، اللهم إلا أن يقال: إنا نمنع كون المنشأ في وجوب الكفن الإنفاق، و لذا لم يجب تكفين من وجبت نفقته عليه من أقاربه، بل المنشأ الخبران، و تقديم ما دل على التكفين من أصل المال على ما دل على وفاء الدين، و مثله باقي مؤن التجهيز فينبغي حينئذ الاقتصار على الواجب

منه، دون المندوب الذي قد ورد فيه أنه ليس من الكفن. نعم لا بأس بالرجوع في جنس الواجب إلى الوسط، مع أن المحكي عن البيان الاقتصار على الأدون، و احتمله غيره أيضا، و قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك في كتاب الطهارة فلاحظ و تأمل.

ثم إن الظاهر عن النص و الفتوى عدم الفرق في هذه المستثنيات بين كون الدين لطاعة أو مباح أو معصية، و بين كونه عوض غصب و سرقة و إتلاف محرم و غيرها، و بين كونه لمعين و غيره، كالزكاة و الكفارة و الخمس و النذور و نحوها.

أما تارك الحج عمدا حتى ذهب ماله، فالمتجه وجوب بيعها في أدائه للمقدمة، و لعدم شمول أدلة المقام له حتى نفي الحرج، ضرورة كونه هو الذي أدخله على نفسه على أنه معارض بما دل على وجوب حجه على كل حال، لكن

عن فقه الرضا عليه السلام (1)«إن كان غريمك معسرا و كان أنفق ما أخذ منك في طاعة الله فانظره إلى ميسرة، و هو أن يبلغ خبره الامام عليه السلام، فيقضي عنه، أو يجد الرجل طولا فيقضي دينه، و إن كان أنفق ما أخذ منك في معصية الله فطالبه بحقك، فليس من أهل هذه الآية».

و

في خبر محمد بن سليمان (2)عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا نجاد «قال سئل الرضا عليه

السلام عن رجل و أنا اسمع فقال له: جعلت فداك إن الله عز و جل يقول:


1- 1 المستدرك ج 2 ص 493.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب الدين الحديث- 3.

ج 25، ص: 344

(وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أخبرني عن هذه النظرة التي ذكر الله تعالى في كتابه، لها حد يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر، و قد أخذ مال هذا الرجل، و أنفقه على عياله، و ليس له غلة فينظر إدراكها، و ليس له دين ينظر محله و لا مال غائب ينظر قدومه؟ قال: نعم، فينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام، فيقضي ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عز و جل، و إن كان أنفقه في معصية الله فلا شي ء على الامام له، قلت: فما لهذا الرجل الذي ائتمنه، و هو لا يعلم فيما أنفقه، في طاعة الله أم في معصيته، قال: يسعى له في ماله فيرده عليه و هو صاغر».

و عن الصدوق الفتوى بمضمونها، فجوز المطالبة للمعسر إذا كان قد أنفقه في معصية، و لعل الدين إذا كان معصية في نفسه، كالسرقة و الغصب أولى من ذلك عنده، و ربما استحسن بعض متأخري المتأخرين الجمع بين خبر السكوني (1)الدال على تسليم المديون إلى غرمائه ليستعملوه، و غيره مما دل على العدم بذلك أيضا، إلا أن الجميع كما ترى بعد عدم ثبوت حجية الكتاب المزبور عندنا، و ضعف خبر

أبي نجاد و اضطراب متنه، بدلالة أوله على الإنفاق على العيال، و ذيله على أنه لم يعلم، بل ما فيه من عدم وفاء الامام عنه مع الجهل بحاله مخالف لأصالة صحة فعل المسلم.

كل ذلك مضافا إلى ما قيل: من أولوية الانظار بالمنفق في المعصية من المنفق بالطاعة، باعتبار عدم حلية الزكاة للأول دون الثاني، فلا ريب حينئذ في أن الإطلاق المزبور الذي قلنا أنه الظاهر من النص و الفتوى أولى، كما أن الظاهر منهما أيضا عدم التسامح في الزائد على المستثنيات، ضرورة وجوب وفاء الدين الذي يمكن دعوى استقلال العقل فيه، فضلا عما ورد فيه من الشرع.

و ربما وسوس فيه بعض متأخرين المتأخرين مدعيا أن الظاهر من النصوص التوسعة في ذلك، فإن

عمر بن يزيد(2)«قال: قد أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام يقتضيه


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب الحجر الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب الدين الحديث- 4.

ج 25، ص: 345

و أنا حاضر، فقال له: ليس عندنا شي ء. و لكن يأتينا خِطْر و وسمة فتباع و نعطيك إنشاء الله، فقال له الرجل: عدني، فقال له عليه السلام: كيف أعدك و انا لما لا أرجو أرجى منى لما أرجو»

و هو دال على التوسعة، و عدم ما ذكروه من التضييق، فإنه يبعد كل البعد أن لا يكون له مال بالكلية سوى المستثنيات المذكورة، إذ المستفاد من الاخبار أنه كان ذا ثروة و أملاك، و إن تعذر عليه النقد في ذلك الوقت.

و هو من غرائب الكلام فإنه ليس في الخبر دلالة على مضايقة الديان له هذه المضايقة، و إنما تقاضاه بتخيل وجود شي ء عنده، فأرضاه بالكلام حتى أراد منه الوعد على ما ذكره، فأجابه بما سمعت. نعم ربما يستفاد من

خبر يزيد بن معاوية(1)نوع سعة «قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن على دينا يعوزني و أظنه قال و لأيتام، و أخاف إن بعت ضيعتي بقيت و ما لي شي ء؟ فقال: لا تبع ضيعتك، و لكن أعط بعضا، و أمسك بعضا»

لكن يمكن أيضا أن لا يكون مقتض لتعجيل دينهم، و أنهم محتاجون إلى الإنفاق الذي يحصل بالدفع تدريجا، بل ربما أذن عليه السلام له في ذلك، باعتبار ولايته عليه السلام عليهم، و كل ذلك مع عدم دلالة في الخبر على إلزام الولي له بذلك؟ و أنه إنما سأل الإمام عن أصل وجود الدين عليه لهم، و أنه يريد وفاءه و إن لم يكن ملتزما بذلك. بل هو الظاهر من الخبر و الله أعلم.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الدين- الحديث- 2- لكن عن بريد العجلي.

ج 25، ص: 346

[مسائل ثلاث ]
اشارة

مسائل ثلاث

[المسألة الأولى إذا قسم الحاكم مال المفلس ثم ظهر غريم نقضها و شاركهم الغريم ]

الأولى: إذا قسم الحاكم مال المفلس على غرمائه ثم ظهر غريم لم يكن يعلم به و ليس له عين مال قد اختار الفسخ فيها نقضها بل هي انتقضت في نفسها و شاركهم الغريم كما في الإرشاد، و التحرير، و المسالك، و محكي المبسوط، و التذكرة، لعدم صدق القسمة التي كان يأمر بها أمير المؤمنين عليه السلام ضرورة أنها إخراج الحصص المشاعة إلى التعيين، و مع فرض ظهور الغريم المشارك لهم بسبب سبق دينه على الحجر مثلا لم تخرج حصته من الإشاعة إلى التعيين، لحصولها في كل حصة دفعت إلى كل غريم فتبطل القسمة التي من مقوماتها وصول نصيب كل إلى صاحبه، فلا يتحقق صدقها إلا بدفع الحصة الأخيرة إلى صاحبها لو فرض وقوعها على التدريج.

و من هنا ظهر لك أنه لا فرق بعد الأمر بالقسمة التي عرفت توقف صدقها على ما سمعت، بين اشتراك عين المال و عدمه، كما في المقام، فإن المال و إن كان ملكا للمفلس بل لا يتوقف تعيين نصيب كل منهم على التراضي، إلا أنه علق الشارع فيه ديون الغرماء على الإشاعة، على معنى استحقاق كل منهم الوفاء منه بحصة مشاعة على نسبته إلى باقي الديون و أمر بقسمته على ذلك، و قد عرفت توقف صدقها على ما سمعت، بل لعلها كذلك في شركة الأموال فإن المال المشترك بين ثلاث لو فرض كونه نصفين مثلا، و تراضى اثنان منهما على ان يكون نصيب كل منهما في أحد النصفين عوضا عن الأخر، فيبقى للثالث مع كل منهما حصته المشاعة، لم تصح القسمة، و إن لم يكن فيها تصرفا في مال الثالث، و لا إخراجا له عن الإشاعة، إلا أن القسمة لا يتحقق صدقها مع بقاء الحصة المشاعة للثالث، بل قد يشكل الصحة مع التراضي من

ج 25، ص: 347

الجميع، ما لم يكن بعقد صلح مثلا فاتضح من ذلك أن المانع في الجميع متحد، و هو عدم صدق القسمة بدون ذلك.

فما في ظاهر القواعد- أو محتملها في المقام- من عدم انتقاضها و أنه يرجع إلى كل أحد بحصة يقتضيها الحساب- واضح الضعف، و إن اختاره في جامع المقاصد محتجا بأن كل واحد قد ملك ما هو قدر نصيبه بالإقباض الصادر من أهله في محله فلا يجوز النقض، لأنه يقتضي إبطال الملك السابق، أما الحصة الزائدة على قدر نصيبه باعتبار الغريم الظاهر، فإنها غير مملوكة فتستعاد، و حاصله أنه قبض نصيبه و غيره، فهو صحيح في نصيبه، باطل في غيره، لوجود المقتضي في الأول، إذ هو الدفع من المالك على جهة القضاء، و قبض الديان له على هذا الوجه بخلاف الزائد فإنه ليس له دفعه وفاء، فيختص المانع به، و بقاءه مشاعا غير قادح، لانه مال الدافع، إذ هو كما لو دفع المديون خمسة عشر إلى الديان اشتباها، فإنه يصح الدفع و القبض في خمسة فقط، و ان بقيت مشاعة في العشرة المشتركة بينهما، و بذلك افترق المقام عن الأموال المشتركة بين ملاك متعددة.

لكنك خبير بما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، مضافا إلى أن مقتضاه الصحة حتى في صورة الاشتباه في التوزيع بين الغرماء الحاضرين، و في صورة نسيان بعضهم، و في صورة العمد إلى اختصاص أحدهم بالزائد، أقصاه أن الغريم يضرب بالحصة، و أما القابض فإنه يملك مقدار نصيبه، لا أظن أحدا يلتزمه، فإنه لا يتصور القسمة المأمور بها في بعض افراده كما لو خص أحدهم بجميع المال، أو خرج حصة أحدهم مستحقة للغير، و لم يكن للمفلس إلا غريمان، و دعوى أن المراد بالقسمة في المقام أمر لا ينافيه شي ء من ذلك، لا شاهد له، بل الشاهد بخلافه متحقق، ضرورة ظهور النصوص و الفتاوى بصحة الدفع و القبض- إذا كان جامعا لوصف القسمة، فلا يترتب عليه ملك بدونه كما هو واضح؛ هذا.

و عن فخر المحققين أن مبنى المقام على أن الدين هل يتعلق بالتركة تعلق الدين

ج 25، ص: 348

بالرهن، أو الجناية برقبة العبد؟ فعلى الأول يكون قضاء، و يرجع بحصة يقتضيها الحساب لأنه يكون بمنزلة صاحب الدين إذا أخذ أكثر مما يستحقه، و على الثاني تبطل، لأنها تكون قسمة الكل المشترك حقيقة بين بعض المستحقين، و هو كما ترى خصوصا الشق الثاني، إذ لا يلزم من كون تعلقه بها تعلقا كتعلق أرش الجناية ثبوت القسمة حقيقة التي هي فرع الشركة الحقيقية، لأن المجني عليه، لا يملك الجاني و لا شيئا منه بمجرد الجناية، و إن استحق ذلك مطلقا، أو في صورة العمد، و أما الشق الأول ففيه مالا يخفى أيضا بناء على ما ذكرنا.

ثم إنه لا يخفى ثمرة القولين بأدنى تدبر في كون النماء للمفلس على النقض، فيحسب حينئذ له من ديونه، لظهور بطلان القسمة من الأصل لا حين ظهور الغريم، و للغرماء، على تقدير عدم النقض عدا نماء الحصة الباقية للغريم، فإنه يكون حينئذ للمفلس، فيقسم بين غرمائه، و لا يختص به صاحب الحصة، لعدم ملكه إياها قبل القبض، كما هو واضح. لكن في القواعد بعد أن ذكر عدم النقض أولا ثم احتمل النقض قال: «ففي الشركة في النماء المتجدد إشكال» و لعله للإشكال في أصل المسألة و ما عن الإيضاح من أنه تفريع على النقض و عدمه، فإن قلنا بالنقض شارك، و إلا فلا و منشأ الاشكال هل هو رفع القسمة من أصلها أم فسخ متجدد و هو كما ترى، و كذا احتمال أنه تفريع على النقض، و إن قيل: إنه المبادر من العبارة، إلا أنه واضح الفساد و منها تحقق الزكاة على القابض، إذا بلغ نصيبه النصاب على عدم النقض، و لا زكاة على النقض، و منها مضي التصرف فيه على عدم النقض، و عدمه على الآخر، إلى غير ذلك مما هو واضح بأدنى تأمل.

و لو كان قد تلف المال في يد الغرماء، فالظاهر احتسابه عليهم على كل حال أما على عدم النقض فواضح، و أما على النقض فلانه قبضوه استيفاء، و القبض يضمن بفاسده، كما يضمن بصحيحه، و لعموم (1)

«على اليد»

هذا كله في ظهور الغريم المطالب بدين.


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 25، ص: 349

أما إذا كان غريم له عين قائمة في أموال المفلس، ففي المسالك «أما إن يجدها مع بعض الغرماء أو مع غيرهم بأن يكون الحاكم قد باعها و جعل ثمنها في ماله، أو يجدها بأيدي الغرماء بالسوية، و فيما عدا الصورة الأخيرة لا يتوجه إلا نقض القسمة لأن العين إذا انتزعت من أحدهم بقي بغير حق، و في الأخيرة الخلاف السابق.

قلت: مبنى هذا الكلام على عدم بطلان الخيار بالبيع، أو بالدفع إلى أحد الغرماء و هو أحد الاحتمالين أو الثلاثة أو الأربعة في المسألة كما أوضحناه في محله، و على تقديره فظاهره انحصار الخلاف في الصورة المتأخرة، مع أنه يمكن جريانه في الصورة الأولى، بناء على ما سمعته من جامع المقاصد مما لا فرق فيه بين ظهور الغريم و حضوره، و كذا الثانية إذا فرض اختصاص أحد الغرماء بالثمن، أو لو فرض توزيعه فالمتجه عدم نقض القسمة، لعدم رجوع أحد الغرماء على الآخر بحصة مشاعة، و إنما يرجع عليهم صاحب الثمن على حسب حصصهم، و هو لا يقتضي بطلان القسمة، و كذا الصورة الثالثة التي هي فرض تسوية الغرماء في العين، فإنه مع انتزاعها منهم أجمع له يرجع أحدهم على الأخر بشي ء.

نعم لو جعل مبنى النقض في ذلك أن صاحب العين من جملة الغرماء، و قد وقعت القسمة قبل حضوره، فهو يستحق حصة مشاعة يخير بينها، و بين انتزاع العين، فالنقض حينئذ لذلك بناء على أن النقض بمثله، و لو على جهة التخيير كان أولى، لكن عليه ينبغي أن لا يتفاوت الحال في الصور الثلاثة بل يتجه النقض حينئذ لو وجد العين على ملك المفلس و قد قسم ما عداها فانتزعها. هذا. و ربما توهم من عبارة المصنف و القواعد و غيرهما احتياج نقض القسمة إلى حكم الحاكم بذلك، و هو واضح الفساد، كما نص عليه في جامع المقاصد، و إنما أسند النقض اليه باعتبار فرض كونه القاسم، و إلا فهي منتقضة بنفسها، بناء على النقض كما هو ظاهر.

و لو خرج المبيع مثلا من مال المفلس ظاهرا مستحقا للغير، فإن كان الثمن موجودا لم يدفع بعد إلى الغرماء رجع به صاحبه، و إن كان قد تلف في يد المفلس

ج 25، ص: 350

أو وليه كان ضامنا له، فيضرب صاحبه مع الغرماء إن كان قد أتلفه المفلس، بناء على ضرب مثله و إن كان بعد الحجر، كما تقدم سابقا، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن ما نحن فيه قد وقع باختيار من المالك و رضى منه، و إن كان على جهة الضمان فلا يضرب به، بخلاف السابق المفروض إتلاف المفلس قهرا على مالكه بسرقة أو غصب أو خطاء و نحوها.

لكن خيرة الفاضل و المحكي عن الشيخ و فخر المحققين أنه يقدم على الغرماء و لو كان التلف بآفة سماوية، بعد أن احتمل الضرب معهم، و استجوده في جامع المقاصد معللين له بأنه من مصالح الحجر، لئلا يرغب عن شراء مال المفلس، و هو كما ترى لا يصلح مثله أن يكون مدركا لذلك، و انما وقع من بعض العامة بناء منهم على حجية الاستحسان، و المصالح المرسلة، و كذا لو تلف في يد الغرماء و اختار هو الرجوع على المفلس، فيقدم عليهم عند الفاضل، و احتمل الضرب، و على ما ذكرنا يتجه البقاء في ذمة المفلس، أما لو رجع عليهم اتجه تغريم كل منهم مقدار ما قبض من ماله، و لا يرجع به على المفلس، لانه قبض مضمون عليهم، و إنما لهم الرجوع بدينهم، لأنه باق، و ان رجع على المفلس رجع هو على الغرماء، لأن قرار الضمان على من تلف في يده المال- و الله أعلم.

[المسئلة الثانية إذا كان عليه ديون حالة و مؤجلة قسمت أمواله على الحالة خاصة]

المسئلة الثانية إذا كان عليه ديون حالة و ديون مؤجلة و قد فلس لقصور ما عنده عن الحالة قسمت أمواله على الحالة خاصة و لا يدخر منها شي ء للمؤجلة بلا خلاف و لا إشكال، لعدم استحقاقها قبل الأجل، كما تقدم سابقا في أول كتاب الفلس. نعم لو حلت قبل قسمة الكل ففي التذكرة و المسالك و الروضة شاركت بل فيها جميعها أنه لو حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي و ضرب بجميع المال، و ضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم، و لعل الوجه في ذلك بعد كونه أولى من المتجدد، كأرش الجناية و عوض الإتلاف أن المقتضى للمشاركة موجود، و هو كونه دينا سابقا على الحجر، و كان الأجل مانعا، فإذا ارتفع عمل المقتضى عمله، فهو كما لو أسلم الوارث قبل القسمة، و تعلق حقوق الغرماء غير مانع من تعلق حق غيرهم ممن شاركهم في سبب

ج 25، ص: 351

الاستحقاق، و بذلك ترتفع المناقشة من بعض متأخري المتأخرين في أصل المشاركة، بسبق تعلق حق الغير فنمنع تعلق غيره به، إذ هو حينئذ كالمرهون، و إن كانت هي لا تخلو من وجه، خصوصا بناء على ما تقدم سابقا من عدم الرجوع لصاحب العين لو كان دينه مؤجلا و قد حل قبل القسمة، و نحوه مما هو مبنى على سبق تعلق الحق المانع من تعلق حق الغير.

و على كل حال فالظاهر عدم الفرق في حلول المؤجل بين انتهاء المدة، و بين إسقاطه بالصلح على الأنقص منه مثلا، مع المفلس الذي لا يمنع من مثل هذا الصلح، لعدم كونه تصرفا في المال الذي تعلق به حق الغرماء و ان كان بعد الصلح يشاركهم صاحبه، لصدق حلول المؤجل قبل القسمة، و دعوى المنع من مثل هذا الصلح على وجه يلحق الغريم به، لأنه يؤل إلى الضرر على الغرماء، و لأنه كالدين الحاصل بعد الحجر- يمكن منعها لما عرفت، و لأنه ليس دينا جديدا بل هو صلح عن ذلك الدين ببعضه، فيكون الصلح بالنسبة إلى الزائد كالإبراء و إن كان هو في مقابلة إسقاط الأجل، فتأمل، جيدا. و الله أعلم.

[المسئلة الثالثة إذا جنى عبد المفلس كان المجني عليه أولى به ]

المسئلة الثالثة: إذا جنى عبد المفلس، كان المجني عليه أولى به من الغرماء الذين لا يزيد تعلق حقهم بالمال على الرهانة التي قد عرفت تقدم الجناية عليها للوجوه السابقة الآتية هنا منضمة إلى عدم الخلاف في ذلك في المقامين، و منه يعلم أن تعلق حق الغرماء هنا ليس كتعلق أرش الجناية، و إلا أمكن القول بالاشتراك بينهما، كما لو جنى العبد الجاني قبل انتهاء حال الجناية الأولى، و بالجملة يتجه فيه ذلك الحكم فعدم الخلاف في التقديم هنا مما يومي إلى عدم كون التعلق كأرش الجناية، و ان احتمله الفخر سابقا فيستوفي منه حق الجناية حينئذ، فإن زاد فهو الغرماء.

و على كل حال ف لو أراد مولاه فكه بما تعلق به الحق من الأموال كان للغرماء منعه لأنه تصرف مالي و قد حجر عليه في ذلك؛ لكن

ج 25، ص: 352

في المسالك «إنما يمنع المولى من فكه مع عدم المصلحة في فكه، فلو فرضت بأن كان كسوبا يثمر مالا إلى حين القسمة و قيمته باقية فله فكه لمصلحة» قلت: قد يمنع أيضا معها، لتعلق الحق في المال على وجه لا يتصرف به إلا في بيعه للوفاء، و ان اتفق حصول مصالح للمفلس، و كذا لو كان له رهن على دين مؤجل و كانت المصلحة في فكه، لم يلتزم الغرماء بذلك، فلعل إطلاق المصنف و غيره المنع لا يخلو من قوة.

و لو كان الجاني المفلس بما يوجب مالا، كان المجني عليه أسوة الغرماء، كما قدمناه سابقا، إذ الفرق بينه و بين عبده بالتعلق بالذمة و العين واضح، و لو كانت جنايته عمدا فصالح على الدية لم يشارك، بناء على أن الواجب أولا القصاص، و أن الدية تثبت بالصلح. نعم لو قلنا الواجب أحد الأمرين من أول الأمر و الخيار بيد المجني عليه، أمكن القول حينئذ بالمشاركة للغرماء، بل لو قلنا في الصلح أنه ليس من قبيل المعاوضات، و إنما هو إسقاط لحق القصاص، و رجوع إلى الدية الثابتة شرعا أمكن القول بالشركة، فيكون الفرق بين القولين أن الخيار في الأول بيد المجني عليه، و الثاني بأيديهما معا، و لعل قوله تعالى (1)«فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْ ءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ» إلى آخره لا يخلو من اشعار بذلك، و كأنه لذا لم يجزم الفاضل في التذكرة بعدم المشاركة في الصلح أيضا، فإنه بعد أن حكى عن أحمد المشاركة مطلقا قال: و يحتمل عندي أن لا يشارك، لأن الجناية موجبها القصاص. و إنما يثبت المال صلحا و هو متأخر عن الحجر، فلا يشارك كما لو استدان فتأمل جيدا و الله أعلم هذا تمام الكلام في حكم المفلس.

[و يلحق بذلك النظر في حبسه ]

و لكن يلحق بذلك النظر في حبسه بل حبس كل مديون فنقول:

لا يجوز حبس المعسر مع ظهور إعساره سواء كان مفلسا أي منعه الحاكم من التصرف فيما يتجدد من الأموال، أولا، للأنظار المأمور به في الكتاب و السنة، بل


1- 1 سورة البقرة الآية 178.

ج 25، ص: 353

و الفتوى، فإني لا أجد خلافا في ذلك، إلا ما تقدم سابقا من الصدوق في المعسر بصرف ما استدانه في معصية، و قد عرفت ضعفه.

و كيف كان ف يثبت ذلك أي إعساره بموافقة الغريم جميعهم و إلا ففي حق الموافق، و لو فرض تعدده و جمعه لشرائط الشهادة ثبت حينئذ، و اندرج تحت قول المصنف كغيره من الأصحاب أو قيام البينة لكن على التفصيل الاتى خلافا لبعض العامة، حيث جعل قيام البينة به غير مانع من حبسه مدة يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لظهر، و هو كما ترى.

فإن تناكرا أي الغريم و المديون في الإعسار و عدمه و كان له أى للمديون مال ظاهر غير المستثنيات لم يقبل دعواه، و أمر ه الحاكم بالتسليم إن كان المال من جنس الحق أو تراضيا به، و إلا صرف اليه ببيع و نحوه فان امتنع فالحاكم بالخيار، بين حبسه حتى يوفي بنفسه لوجوبه عليه، بل مماطلته فيه تحل عقوبته بالحبس و غيره و عرضه، ل

قوله صلى الله عليه و آله «لي الواجد يحل عقوبته و عرضه»

المعمول بإطلاقه بين الأصحاب، من غير ملاحظة مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و قد سمعت

النصوص (1)المتضمنة لفعل أمير المؤمنين عليه السلام «فيمن كان يلتوي على غرمائه»

بل لعل إطلاق الخبر المزبور يقضي بحلية ذلك للغريم و غيره، اللهم إلا أن يدعى أن الحبس و نحوه من وظائف الحاكم، لانه كالتعزير الملحق بالحدود.

نعم لا إشكال في حلية العرض للغريم، بأن يقول له يا ظالم و نحوه لذلك، و قوله تعالى (2)«لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» و لا يلزم التفكيك في الخبر، إذ المراد من الحبس حينئذ أن يحبسه عند الحاكم، فيكون التحليل له فيهما، بل الظاهر جواز ذلك للحاكم، لإطلاق الخبر المزبور، بل و غيره في وجه.

و على كل حال فهو بالخيار بين ما عرفت و (11) بين بيع أمواله و قسمتها


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحجر.
2- 2 سورة النساء الآية- 148.

ج 25، ص: 354

بين غرمائه لأنه ولي الممتنع، و إن كان لا يتعين عليه ذلك، بل يخير بينه و بين الفرد الأول، و قد تقدم نظير ذلك في الرهن، كما أنه تقدم التأمل فيه، و المحكي في

النصوص (1)هنا من فعل أمير المؤمنين عليه السلام «أنه كان يحبسه بالالتواء ثم يأمر بقسمة ماله بين الغرماء، فإن أبى باعه و قسمه بينهم»

بل و

في خبر السكوني (2)منها «أنه كان يحبس في الدين، ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء»

و على كل حال هو غير التخيير المزبور، اللهم إلا ان يقال: إنه لا دلالة في فعله عليه السلام على عدم جواز غير هذا الفرد، و فيه أن نقل الأئمة عليهم السلام لهم بهذا اللفظ ظاهر في أن الحكم ذلك، فتأمل جيدا. و الأمر سهل.

و كيف كان ف لو لم يكن له مال ظاهر و ادعى الإعسار، فإن وجد البينة قضى الحاكم بها بالشرط الآتي و إن عدمها، و كان له أصل مال معهود أو كان أصل الدعوى مالا كالقرض و نحوه و قد أثبتها الغريم حبس حتى يثبت إعساره لأصالة بقاء المال، و لاشتراط الانظار بالإعسار و لم يثبت، و لأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يحبس بمجرد الالتواء، نعم في التذكرة «إنه إذا لم يكن له بينة بذلك يحلف الغرماء على عدم التلف، فإذا حلفوا حبس، و لعله مراد غيره مع احتمال العدم، لما عرفت من عدم اشتراط الحبس باليسار مع المماطلة، كي يحتاجوا إلى إثباته، بل يكفي فيه عدم ثبوت اليسار، و هو حاصل و ان لم يحلفوا. هذا.

و قد صرح الفاضل في التذكرة و القواعد «أنه لا يمنع الحبس تعلق حق الغير في عينه بإجارة و نحوها» و هو كذلك مع إمكان الجمع، أما مع عدمه ففيه اشكال، من تعارض الأدلة و لا ترجيح، و احتمال ترجيح الإجارة بالسبق معارض بصورة سبق الدين و إن تأخرت المطالبة. نعم قد يتم في صورة سبق الإجارة عليه، كما أنه

يتم ترجيح الدين عليها في صورة سبقه، بل قد يقال بترجيحه مطلقا، باعتبار انجبار المستأجر بالخيار بخلافه، إلا أن الجميع محل للنظر، كما أن ما في القواعد من


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام الحجر.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام الحجر الحديث- 3.

ج 25، ص: 355

أنه يجوز الحبس في دين الولد لا يخلو من اشكال، لخبر الحسين بن ابى العلاء(1)و للنصوص الدالة على أن الولد و ماله لأبيه و على عظم حق الوالدين و نحو ذلك، و لعله لذا جزم في التذكرة بالعدم، و في جامع المقاصد أنه لا يخلو من قوة، و هو كذلك، و الله أعلم.

و على كل حال فإذا تصدى لإثبات إعساره ف ان شهدت البينة بتلف جميع أمواله قضى بها، و لم يكلف اليمين، و لو لم تكن البينة مطلعة على باطن أمره بالصحبة المتأكدة، لأنها بينة إثبات، فيشملها جميع ما دل على قبول البينة، و لا يقدح تضمنها النفي، لأن كل بينة إثبات تتضمن ذلك، حتى بينة ملك العين مثلا لزيد، المتضمنة لعدم بيعه خفية و عدم هبته و غير ذلك من المحتملات التي لا تقدح، بعد أن كان شهادة البينة أمرا إثباتيا يمكن علمها به، و أنه هو المستند لها فيما هو مخالف للأصل، فيلزمه حينئذ ثبوت الإعسار، ضرورة اقتضاء تلف جميع الأموال ذلك و لا يحتاج إلى اليمين معها، للأصل، و ظهور

قوله (2)«البينة على المدعى»

إلى آخره في عدم الشركة بينهما، مضافا إلى أنها كسائر البينات المعلوم عدم توقف ثبوت ما شهدت به على اليمين، لمعلومية عدم اشتراط قبولها بالاطلاع على باطن أمره بالصحبة المتأكدة إذ هي بعد ما سمعت كباقي بينات الإثبات التي لا ينحصر طريق علمها بما تشهد به لذلك.

أما لو شهدت بالإعسار مطلقا أي من دون تعرض لتلف المال المعلوم أصله و غيره لم تقبل حتى تكون مطلعة على باطن أموره بالصحبة المؤكدة لأنها حينئذ بينة نفي، ضرورة رجوعها الى عدم الملك الذي يمكن أن يكون مستندها فيه الأصل المعلوم نقضه عند غيرها، و يمكن أن يكون اطلاعها على التلف، إلا أنها مع فرض الصحبة المؤكدة يحصل الظن القوي بل المتاخم أن يكون مستندها الثاني، فيقوى حينئذ بها جانب مدعى الإعسار، بل ظاهر الأكثر تقديمه حينئذ على خصمه


1- 1 الوسائل الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث- 7.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث- 1- 2.

ج 25، ص: 356

الموافق للأصل، و كم من ظاهر قدم عليه، كما في دعوى الزوجة مع الخلوة الدخول بها و غيرها و يتجه حينئذ ما ذكره المصنف و غيره بل نسب إلى الأكثر من أن للغرماء إحلافه حينئذ دفعا للاحتمال الخفي و هو احتمال عدم اطلاعها على أصل المال و خفائه عليها، و إنما شهدت بالأصل المفروض انتقاضه، و بذلك ظهر الفرق بين بينة التلف و بينة الإعسار، كما أنه ظهر كون اليمن لقوة جانب مدعي الإعسار حينئذ و اليمين تتبع من قوى جانبه بالأصل أو بالظاهر الذي ثبت ملاحظته للشارع، فالبينة في المقام لحصول الظاهر المرجح بدعوى الإعسار، فيكون به حينئذ منكرا فيتوجه اليمين عليه لذلك، لا أنه باق مدع و محتاج إلى اليمين مع البينة كيمين الاستظهار، ضرورة ظهور

قوله عليه السلام (1)«البينة على المدعي»

في قطع الشركة، و لا دليل بالخصوص هنا على اليمين كالاستظهار، مضافا إلى عدم تنقيح مستند شهادة البينة هنا و إن كان قد حصل الظن القوي بالصحبة المتأكدة أنه التلف لا الأصل، لكنه إذا لم يصل إلى حد العلم غير مجد في قبول مثل هذه البينة التي قد عرفت رجوعها إلى بينة النفي المعلوم عدم قبولها ما لم تؤل إلى الإثبات بالحصر و نحوه، و لو فرض كونها في المقام كذلك رجعت إلى البينة الأولى و لم يحتج معها إلى اليمين قطعا، كما أن الاولى لو فرض شهادتها على تلف المال الظاهر، و لم تعلم بغيره و لا اعترف الخصم بعدم غيره اتجه أيضا توقف ثبوت الإعسار على اليمين، ضرورة رجوع الحال حينئذ إلى دعواه ممن لم يعلم له أصل مال، و ستعرف احتياجه حينئذ إلى اليمين.

نعم لو شهدت بتلف الظاهر و اعترف الخصم بعدم غيره لم يحتج حينئذ ثبوته إلى يمين كما هو واضح، و بذلك تم كلام الأكثر و سقط ما أطنب به في المسالك، فإنه بعد أن قرر المشهور حاكيا له عن المصنف و العلامة في غير التذكرة قال: «أما فيها فعكس الحكم، و

أثبت اليمين في بينة التلف دون بينة الإعسار، محتجا بأن البينة


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم الحديث- 1- 2- لكن فيهما« و اليمين على المدعى عليه».

ج 25، ص: 357

إذا شهدت بالتلف كان كمن ثبت له أصل مال و اعترف الغريم بتلفه، و ادعى مالا غيره فإنه يلزمه اليمين» و أفتي في موضع آخر منها بأنه لا يمين في الموضعين محتجا بأن فيه تكذيبا للشهود، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (1)«البينة على المدعي و اليمين على المنكر»

و التفصيل قاطع للشركة.

ثم قال: «إن تلخيص الحكم في ذلك لا يخلو من اشكال، و الفرق لا يخلو من نظر، و ذلك لأن شهود تلف ماله إما أن تكون شهادتهم على تلف المال الظاهر لهم من غير معرفة لهم بحال باطن أمره، بحيث يحتمل أن يكون له مال آخر لم يتلف، كما هو الظاهر من قول الجماعة و تعليلهم المسألة و تصريحهم بعدم اعتبار كونهم من أهل الخبرة بحاله، و يشكل مع هذا ثبوت إعساره، لأن حاله بالنسبة إلى المال باطنا مجهول مطلقا، حتي لو فرضنا أن هذا المال الظاهر لم يكن له لم يناف ثبوت ماليته باطنا، و الحال أنه لم يختبر، و إن أرادوا- بعدم اعتبار اطلاعهم على باطن أمره أن الحاكم لا يعتبر اطلاعه على ذلك، مع ان اطلاعهم معتبر في نفس الأمر اتكالا علي عدالتهم، و أن العدل لا يجازف في شهادته كما

صرح بهذا المعنى بعض الأصحاب أشكل الفرق بين الأمرين، لأن ذلك آت في الشهادة على مطلق الإعسار و تحويلها نحو الإثبات لئلا يتمحض النفي غير متوقف على هذا الشرط، فإن مرجعه الى تحرير شهادتهم، لا إلى علمنا بأخبارهم، و حكم اليمين متفرع على ما قررنا، فإن اكتفينا في بينة التلف بالاطلاع علي ظاهر ماله، فلا بد من القول باليمين، لأنه يصير بهذه البينة كمن لا يعلم له أصل مال مع احتماله، و يتوجه عدم الافتقار الى اليمين في بينة الإعسار المطلعة علي الحال، لأن ذلك أقصى ما يمكن اعتباره شرعا في التفحص، فلا يكلف مع البينة أمرا آخر، لأصالة البراءة أو لظاهر الخبر، و إن اعتبرنا اطلاع بينة التلف علي باطن أمره كما ذكره بعضهم توجه عدم اعتبار اليمين معها لما ذكرناه.

و يمكن أن يوجه كلام الجماعة الدال على عدم اعتبار الخبرة الباطنة في شهادة التلف لا بالنظر إلى الحاكم، و لا بالنظر إلى الشهود بأن هذا المديون لما كان يعرف


1- 1 المصدر نفسه.

ج 25، ص: 358

له أصل مال و لو بكون الدعوى كذلك، فلا بد لهذا المال الثابت ظاهرا من أمر يدفعه، فإذا شهدوا بتلف أمواله التي يطلعون عليها فقد علم الانتقال عن ذلك الأصل الباقي في المال، و إن أمكن بقاء بعضه، إلا أنه غير معلوم، و التكليف إنما هو بالظاهر، بخلاف ما إذ اشهدوا بإعساره، فإن المراد أنهم لم يطلعوا على ماله، و هذا لا يدفع ذلك الأصل الذي هو بقاء المال السابق بوجه، فلا بد مع ذلك من الخبرة الباطنة و العشرة المتأكدة ليحصل الظن بتلف ذلك المال، و انما يحصل بذلك.

فظهر الفرق بين الحالين، و توجه به ما اختاروه من ثبوت اليمين في الأول دون الثاني، لأن الأول لا يدفع المال الباطن يقينا، و لا ظنا، لعدم الاطلاع عليه، بخلاف الثاني، لأن كثرة ملابسته و مجاورته و الاطلاع على الصبر على ما لا يصبر عليه من يكون بيده مال عادة، يفيد الظن الغالب بعدم المال، فلا يتجه مع ذلك انضمامه اليمين إلى البينة.

نعم لو ادعى الغريم وجود مال مخصوص للمديون، و اعترف بعدم غيره فشهد الشهود بتلفه لم يجب اليمين في الأول أيضا، و لم يعتبر اطلاع الشهود على باطن أمره، إلا أن هذه مادة خاصة و المسألة أعم منها، و الظاهر من عبارة الأصحاب و غيرهم في هذه المسألة هو ما وجهناه أخيرا من أن شهود التلف لا يعتبر اطلاعهم على حاله في أنفسهم و لا عند الحاكم، بخلاف شهود الإعسار، و وجهه ما بيناه.

لكن المحقق الشيخ على رحمه الله قرر كلامهم على ما نقلنا من الوجه، و هو أن المراد عدم علم الحاكم باطلاعهم مع اشتراطه في نفس الأمر، فحصل الالتباس في الفرق على تقريره، و نفى اليمين في الأول و إثباتها في الثاني على تقريرهم، فإن الاطلاع على باطن أمره إن كان معتبرا فيها فإما أن يقال باشتراط علم الحاكم به أيضا أو نفيه عنهما اتكالا على العدالة، فالفرق ليس بجيد، و إذا لم يطلعوا على باطن أمره في التلف على ما ذكروه، يكون إثبات اليمين فيه أوجه من الآخر كما ذكره في التذكرة دون العكس، لأن الخبرة الباطنة أفادت ظنا قويا، مضافا إلى البينة بعدم المال، و مختار التذكرة في إثبات اليمين في الأول دون الثاني أجود، و نقلناه

ج 25، ص: 359

بطوله ليظهر لك مواقع النظر فيه من غير ما ذكرناه أيضا خصوصا فيما ذكره من التوجيه لكلام الجماعة الذي جعل نتيجته ما لا يقولون به، من إثبات اليمين لبينة التلف دون بينة الإعسار.

و من الغريب قوله بعدم احتياج الثانية اليه، مع اعترافه بأنها إنما تفيد الظن القوى بسبب الصحبة بأن مستندها التلف، و معلوم أن مثل ذلك لا يخرجها عن كونها بينة نفى، و عن احتمال كون مستندها الأصل المعلوم قطعه كما أوضحناه سابقا و أغرب منه عدم ذكره الوجه الظاهر من كلماتهم في تشقيقه عدم اعتبار الاطلاع في بينة التلف من أن مرادهم جميع الأموال المستلزم لثبوت الإعسار، و أن مثله لا يعتبر فيه الاطلاع بالصحبة و لا اليمين، لأنها فرد من بينة الإثبات، و لا ينحصر طريق علمها بذلك في الصحبة، و لو فرض ان بينة الإعسار كذلك، استغنت عن اليمين أيضا، إلا أنك قد عرفت احتمالها و أنها ظاهرة مع الصحبة في أن مستندها الاطلاع على التلف، كما أنه لو فرض كون بينة التلف على تلف مال مخصوص، اتجه اعتبار اليمين من المديون في نفي دعوي غيره، و ما حكاه عن التذكرة من عكس الأمر إنما ذكره احتمالا، مع أن الظاهر خروجه عن موضوع البحث كما اعترف به في جامع المقاصد، لأن ظاهر كلامه فرض شهادة البينة على تلف المال الذي في يده ظاهرا لا جميع الأموال، و اليمين حينئذ مع عدم اعتراف الخصم بعدم غيره متوجه كما ذكرناه، بل لعل ما حكاه عنها أيضا من عدم احتياج اليمين في البينتين خارج أيضا، لظهور كلامه في عدم اليمين مع بينة الإعسار التي تؤل إلى بينة التلف في معلومية كون مستندها العلم بتلف جميع أمواله، و أنها غير محتملة لأن يكون مستندها الأصل، فإنه جعلها كالبينة على عدم الوارث فلاحظ و تأمل.

و بالجملة كلامه في المقام لا يخلو من نظر من وجوه، ثم قال: «و اعلم أن الخبرة المعتبرة في شهود الإعسار إن اطلع الحاكم عليها فلا كلام، و إلا ففي الاكتفاء بقولهم له أنهم بهذه الصفة وجه قوي، و قطع به في التذكرة» قلت لا ريب في ضعفه،

ج 25، ص: 360

ضرورة عدم الدليل على ثبوته بقولهم الذي مرجعه إلى دعوى لا يثبت بها مثله بعد اعتبار اتصافهم به كالعدالة، فلا بد من العلم به و لو ببينة شرعية كما هو واضح، و أومأ إليه في جامع المقاصد.

و قد تلخص مما ذكرناه أن بينة الإعسار عندهم، لم يعلم رجوعها إلى إثبات حتى يتوجه الاستغناء عن اليمين، للخبر القاطع للشركة، بل هي بسبب الصحبة المؤكدة أفادت كون الظاهر مع دعوى الإعسار، فقدموه على الأصل بيمين المعسر كما أوضحناه سابقا، و لو فرض العلم برجوعها إلى إثبات، أغنت عن اليمين قطعا و كانت كبينة التلف حينئذ، بناء على المعلوم من مذهب الأصحاب من قبول بينة النفي إذا رجعت إلى إثبات، خلافا لبعض العامة، ضرورة شمول ما دل على حجية البينة حينئذ لها، بخلاف ما إذا لم يعلم رجوعها إلى إثبات، لاحتمال كون مستندها أصل العدم، المعلوم انتقاضه، كما في المقام، أولا تزيد على إنكار المنكر و الله أعلم.

و كيف كان فان لم يعلم له أصل مال و لا كانت الدعوى الثابتة عليه مالا و ادعى الإعسار قبلت دعواه و لا يكلف البينة، و للغرماء مطالبته باليمين لانه بموافقته للأصل كان منكرا و قد

قال عليه السلام (1)«البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

بل منه ينقدح الإشكال في قبول البينة منه لو أقامها على وجه يعلم رجوعها إلى إثبات، بناء على عدم قبولها من المنكر، لكن جزم في التذكرة بقبولها و إسقاط اليمين عنه حينئذ، و لا يخلو من بحث كما يأتي إنشاء الله.

و من الغريب من بعض العامة منع قبوله هنا إلا بالبينة، بناء على أن الظاهر من حال الحر أنه يملك شيئا قل أو كثر، و فيه منع اعتبار هذه الظاهر بدون دليل بحيث يقطع الأصل. نعم لو فرض العلم بذلك اتجه ما ذكره، بل لعله متجه أيضا فيما لو حصل العلم

بإتلافه مالا أيضا، لانقطاع أصل العدم فيه قطعا، و حصول المال في الجملة معارض بالعلم بإتلافه كذلك، فلا يستصحب شي ء منهما، لرجوعه إلى استصحاب الجنس،


1- 1 الوسائل الباب- 3 من أبواب كيفية الحكم لكن فيه: و اليمين على المدعى عليه.

ج 25، ص: 361

فيكون قول كل منهما خاليا عن الأصل، إلا أن الواجب على المديون الوفاء، حتى يثبت إعساره الذي هو الشرط في الإنظار، لا أن اليسار شرط في صحة المطالبة، فيتجه حينئذ حبسه إلى ثبوت إعساره فتأمل جيدا و الله أعلم.

و على كل حال فإذا قسم المال الذي عنده بين الغرماء وجب إطلاقه و لا يجوز إبقاؤه في الحبس الذي هو أذية حينئذ بلا حق، و لو فرض كونه مفلسا فهل يزول الحجر عنه بمجرد الأداء و الاقتسام، لأنه إنما حجر عليه بالنسبة إلى الموجود من ذلك المال و قد فرض قسمته أو يفتقر إلى حكم الحاكم لأنه قد حصل بحكمه فلا يرتفع إلا بحكمه للاستصحاب كالسفيه الأولى عند المصنف و الفاضل و غيرهما أنه يزول بالأداء لزوال سببه و لا بأس به مع فرض كون الحجر بالنسبة إلى المال الموجود، لا إذا كان فيه و في المتجدد، و لا في الإطلاق إذا فرض شموله لهما كما هو واضح و الله أعلم.

إلى هنا تم الجزء الخامس و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و قد بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه و مقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه و يتلوه الجزء السادس و العشرون في أحكام الحجر إنشاء الله تعالى على الآخوندى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.