جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد24

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج24، ص: 1

[تتمة القسم الثاني في العقود]

[تتمة كتاب التجارة]

[تتمة الفصل السابع في الربا]

اشارة

ج24، ص: 2

ج24، ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين

[تتمة الأول في البيع الربوي ]
[الثالث الصرف ]
اشارة

الثالث من الأمور التي يتوقف بيان الربا في البيع عليها الصرف، و هو لغة الصوت و شرعا أو متشرعية بيع الأثمان أي الذهب و الفضة مسكوكين أو لا بالأثمان لا غيره من النوافل بلا خلاف أجده، للأصل و غيره. نعم قد يظهر من بعض النصوص حصوله بقصد مطلق المبادلة و المعاوضة، و يمكن ارادة ما كان المقصود منها البيع أو يدعى تنزيلها عليه ما لم يقصد العدم.

و على كل حال فسمي بيعها صرفا لمناسبة اشتمالها على الصوت عند تقليبها بالبيع و الشراء، و ربما قيل بكونه منقولا من التصريف، و هو كثرة التصرفات في وجوه المعاوضات و الأمر سهل، كما أن الوجه في تسميتها أثمانا وقوعها مقرونة بباء العوض عن الأشياء غالبا، بل فيما حضرني من نسخة منسوبة للشهيد على القواعد عن قطب الدين قال: «الذهب و الفضة ثمنان و ان باعهما بعوض، و لهذا لو باعه دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار بالاتفاق: قال: و ان كانا عوضين فكل منهما بايع و مشترى، و لو باعه حيوانا بحيوان، ثبت لكل منهما الخيار».

و ان كان قد يمنع ذلك كله عليه ضرورة اقتضاء العرف عند التحقيق كون مدخول الباء الثمن، و الاتفاق الذي ذكره لم نتحققه، كما أن ما ذكره من صدق كل من البائع

ج 24، ص: 4

و المشتري عليهما لو كانا معا عوضين واضح المنع، و مثله ما ذكره أخيرا على ما عرفته سابقا في الخيار، و قال في الدروس هنا: «الثمن ما قرن بالباء هنا و في غيره كذلك و يحتمل ان يكون هو النقد إذا كان احد العوضين و الا فالمقرون بالباء، و تظهر الفائدة في بيع حيوان بحيوان و بيع نقد بحيوان» و ظاهره أنه لا إشكال في كون الثمن مدخول الباء في النقدين بل و المتجانسين و الله أعلم.

(و) كيف كان ف يشترط في صحة بيعها زائدا على الربويات إذ هي منها لأنها موزونة في الصدر الأول؛ حتى المسكوك منها. و الاكتفاء بالعد في بعض الأزمنة أو الأحوال بعد معلومية موزونية الأصل و هو الفضة و الذهب، لا يدفع حكم الربا كما عرفت، و خصوصا بعد موزونية نقد الزمان السابق، و ان تغيرت الهيئة و خصوصا إذا كان عدم الوزن اعتمادا على معلومية الوزن و ضبطه، و التفاوت اليسير غير قادح.

قال البجلي (1)لأبي عبد الله عليه السلام: «اشترى الشي ء بالدراهم فاعطى الناقص الحبة و الحبتين قال: لا حتى تبينه، ثم قال: الا أن يكون نحو هذه الأوضاح التي تكون عندنا عددا»

و

في خبره (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يشترى المبيع بدرهم و هو ينقص الحبة و نحو ذلك أ يعطيه الذي يشتريه منه و لا يعلمه أنه ينقص قال: لا الا ان يكون مثل هذه الوضاحية. يجوز كما يجوز عندنا عددا».

و على كل حال فيشترط زيادة على ذلك التقابض من كل منهما في المجلس فلو افترقا قبل التقابض بطل الصرف على الأشهر بل المشهور نقلا و تحصيلا. شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا. و لذا قال في الرياض: «ان عليه من تقدم و تأخر عدا من شذ و ندر، و في المسالك و عن غيرها أن الأصحاب كلهم على خلاف ابن بابويه، فربما كان الشرط إجماعا بل كأنه لم يعتد بخلافه الفاضل في التحرير فقال: «هو شرط بلا خلاف».

و في الغنية الإجماع عليه بل ظاهره إجماع المسلمين حيث نفي الخلاف منا و منهم. و في محكي السرائر لا خلاف في هذا الشرط و في البطلان بدونه. و كشف الرموز


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف- الحديث 7.
2- 2 من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 141 الحديث 60.

ج 24، ص: 5

الإجماع على البطلان كذلك و أن المخالف الصدوق. و إيضاح النافع خلاف ابن بابويه متروك، و رواياته ضعيفة. و في التنقيح روايات البطلان كثيرة، و عليها انعقد عمل الأصحاب. و في الدروس رواياته متروكة.

فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إليه بعد ذلك كله، مضافا الى النصوص المستفيضة المنجبر ما يحتاج منها بما سمعت، منها-

قول أبى جعفر (عليه السلام)(1)في خبر محمد بن قيس «قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يبتاع رجل فضة بذهب الا يدا بيد، و لا يبتاع ذهبا بفضة إلا يدا بيد»

و منها-

قول الصادق عليه السلام في صحيح منصور(2)«إذا اشتريت ذهبا بفضة، أو فضة بذهب فلا تفارقه حتى تأخذ منه؛ و ان نزى حائطا فانز معه»

و

منها- خبر حريز عن محمد(3)«قال: سألته عن الرجل يبتاع الذهب بالفضة مثلا بمثلين قال؛ لا بأس يدا بيد».

و منها-

خبر الجبلي (4)«قال: سألته عن الرجل يشترى من الرجل الدراهم بالدنانير فيزنها و ينقدها و

يحسب ثمنها كم هو دينارا، ثم يقول: أرسل غلامك معي حتى أعطيه الدنانير؟ فقال: ما أحب أن يفارقه حتى يأخذ الدنانير، فقلت انما هم في دار واحدة و أمكنتهم قريبة بعضها من بعض، و هذا يشق عليهم؛ فقال: إذا فرغ من وزنها و انتقادها فليأمر الغلام الذي يرسله أن يكون هو الذي يبايعه، و يدفع اليه الورق و يقبض منه الدنانير حيث يدفع اليه الورق»

بل لا ينكر ظهور غيرها من النصوص أو- إشعارها في المطلوب، و بها يخرج عن أصل الصحة و عمومها.

و المناقشة في سند بعضها أو دلالة متنه على ذلك غير مسموعة، سيما بعد الاعتضاد و الانجبار بما عرفت، كالمناقشة بعدم دلالتها على الشرطية، و أن المراد من اليد باليد فيها عدم النسيئة، مع أنها لا تنافي إرادة القبض مع ذلك، و الدليل غير منحصر فيها مضافا الى ظهور نحو هذه الا و أمر و النواهي في غير المقام في إرادة الإرشاد إلا ما يقتضي


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 1.

ج 24، ص: 6

الصحة و الفساد، لا أن المراد الإثم خاصة.

نعم ارادته هنا معه للنصوص و الآية كما عن الشيخ و ابن إدريس و الفاضل في التذكرة، بل قيل: انه جزم فيها بوجوب الوفاء به أى التقابض، و الإثم بتركه اختيارا و جعله بمنزلة الربا حتى أوجب عليهما التفاسخ قبل التفرق، لو تعذر عليهما التقابض؛ و جعل تفرقهما قبله بمنزلة بيع الربوي نسيئة، فإن بطلانه لا يغني عن الإثم به، قيل و هو ظاهر الدروس حيث حكم بوجوب التقابض قبل التفرق.

و فيه أن الوجوب في نحو المقام قد يراد به الوجوب الشرطي مجازا بل عدم تعرض الأكثر للتحريم هنا كما اعترف به في المسالك يومي الى إرادة ذلك من النصوص أيضا من غير ضم الشرعي معه و هو قوى، و ان كان الأول أحوط، و ينبغي مراعاة التقايل حينئذ قبل التفرق، لو تعذر التقابض، بناء على مشروعية التقايل في نحو ذلك كما هو الظاهر.

و على كل حال فما عن الصدوق من أنه لا يشترط التقابض في المجلس، و حكاه الشهيد في الحواشي عن البشرى، كما أنه حكى فيها أيضا قولا بالتفصيل بين بيع الجنس بجنسه فيشترط، و بين بيع أحدهما بالاخر فلا يشترط، و النصوص السابقة و الفتاوى على خلافه، بل و على خلاف الصدوق أيضا كما عرفت، و ان كان يشهد له اخبار الساباطي الأربعة(1)عن الصادق عليه السلام المتضمنة لنفي البأس عن بيع الدراهم بالدنانير نسيئة و عن سلف الدنانير بالدراهم ك

خبر زرارة(2)عن أبى جعفر عليه السلام الذي في طريقه على بن حديد «لا بأس أن يبيع الرجل الدينار نسيئة بمأة و أقل و أكثر»

و مكاتبة محمد بن عمر(3)الا أن الجميع قاصرة عن الأدلة السابقة من وجوه، خصوصا مع عدم صراحة بعضها، فالأولى طرحها كما في الدروس، أو تأويلها بل الظاهر من النص و الفتوى


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث- 10- 11- 12- 14.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث- 13.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث- 15.

ج 24، ص: 7

و الفتوى منع النسيئة في الأثمان و لو فرضت على وجه لا تنافي التقابض في المجلس، كما إذا كان الأجل قصيرا جدا، بل

في خبر عبد الرحمن (1)«أن الناس لم يختلفوا في النسي ء (أي في بيع الأثمان): أنه الربا».

و على كل حال فظاهر ما سمعته من الفتاوى و معاقد الشهرات و الإجماعات كون التقابض قبل الافتراق شرطا في الصحة؛ فقبله لا صحة فلا انتقال، و في خبر محمد بن قيس (2)السابق دلالة عليه، بل و في خبر الجبلي (3)و به يخرج حينئذ عن قاعدة اقتضاء العقد الملك، المعتضدة بأصالة عدم شرط آخر، بل و عن ما ادعى في غير المقام من الإجماع على عدم اعتبار أزيد من القبض في الملك، ردا على القائل بتوقفه على انقضاء الخيار، إذ قد عرفت من الأدلة السابقة اعتبار التقابض منهما معافيه، فلا يكفي قبض أحدهما بل هو حينئذ في يده كالأمانة قبل قبض الأخر، بل ان لم نجعله كالمقبوض بالسوم؛ أمكن عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط.

نعم قد يقال بحصول الملك به لو قبض الأخر بعده من حين القبض الأول؛ بل و ان تلف من يده، مع أنه لا يخلو من نظر و بحث، ضرورة إمكان القول بحصول الملك في العوضين معا عند حصول القبض المتأخر الذي هو شرط لتأثير السبب، بل به يتحقق التقابض فلا يجدى القبض السابق، و عليه يتجه حينئذ بطلان الصرف لو تلف المقبوض قبل القبض الأخر؛ بحيث خرج عن صلاحية الملك، فضلا عن تلف غير المقبوض.

اللهم الا أن يقال بصحته؛ بناء على كونه مضمونا مطلقا أو حيث يكون بأن أتلفه بتفريط على معنى انتقال الصرف حينئذ إلى بدل التالف و لكن فيه تأمل أيضا.

و كيف كان فاحتمال أن التقابض شرط لتأثير العقد الملك، فحصوله حينئذ يكشف عن حصوله من أول العقد، و عدمه كذلك كاحتمال عدم مدخلية التقابض في ذلك، و أن العقد أثر ما يقتضيه من الملك، الا أنه يبطله الافتراق قبل التقابض إذ هو حينئذ كالفسخ بالخيار


1- 1 الوسائل الباب- 15- من أبواب الصرف الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث- 1.

ج 24، ص: 8

أو الإقالة، مخالف لظاهر الفتاوى و بعض النصوص السابقة، و ان كان الثاني منهما موافقا للقواعد في الجملة بل هو صريح المقداد فيما تسمعه، بل هو لا ينافي بعض النصوص السابقة.

كما أن الأول منهما يمكن تنزيل الشرطية في عبارات الأصحاب عليه، ضرورة توقف تأثير العقد على حصوله، فهو شرط لتأثيره ينعدم بانعدامه و يوجد بوجوده، الا أن كيفية الوجود بالوجود و هو جعل العقد مؤثرا من أول وقوعه نحو ما قلناه في إجازة الفضولي بناء على الكشف، بل لعل ذلك جار في جميع الشروط المتأخرة عن مشروطها، لكن لما لم يكن مقتض له، بل هو مناف لما تسمعه منهم من بطلان الشراء بثمن الصرف مثلا و ان قبضه بعد ذلك في المجلس كان المتجه إبقاء عبارات الأصحاب على ظاهرها، من توقف حصول الملك عليه و أنه يحصل حال حصوله تماما لا قبله، و ليس هو من الشرائط المتأخرة عن زمان وصف الصحة كغسل المستحاضة بعد تمام الصيام، حتى يلتزم كونه كاشفا، ضرورة إمكان توقف الصحة عليه الى زمن حصوله هنا بخلافه هناك إذ لا دليل على تسبيب العقد الصحة على كل حال.

نعم هناك ظواهر يمكن تقييدها بدليل المقام من غير حاجة الى ذلك التكليف التام، و دعوى أن ذلك أولى باعتبار عدم تقييد تلك الأدلة على القول بالكشف كما ترى.

و لو قبض البعض خاصة قبل التفرق صح فيما قبض حسب و بطل في غيره بلا خلاف فيهما لحصول مقتضي الصحة من العموم و غيره في الأول، و مقتضى البطلان من التفرق قبل التقابض في الثاني، و أما

صحيح الحلبي (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «عن الرجل يبتاع من رجل بدينار فيؤخذ بنصفه بيعا و بنصفه ورقا قال: لا بأس، فسألته هل يصلح أن يأخذ بنصفه و رقا أو بيعا و يترك نصفه حتى يأتي بعد فيأخذ منه ورقا أو بيعا، قال: ما أحب أن أترك شيئا حتى آخذه جميعا فلا تفعله».


1- 1 الوسائل الباب 2- من أبواب الصرف الحديث- 9.

ج 24، ص: 9

فلا دلالة فيه على المنع أولا، و يحتمل انصرافه إلى صحة المجموع من حيث المجموع و لا كلام فيه ثانيا، بل قد يحتمل خروجه عن أصل ما نحن فيه ثالثا، و على كل حال يتخران معا في إجازة ما صح فيه و فسخه لتبعض الصفقة؛ إذا لم يكن من أحدهما تفريط في تأخير القبض، و لو كان تأخيره بتفريطهما فلا خيار لهما، و لو اختص به أحدهما سقط خياره خاصة كما هو واضح.

و لو فارقا المجلس مصطحبين قبل أن يتقابضا لم يبطل الصرف بلا خلاف للأصل بعد ظهور النصوص، خصوصا

قوله «و ان نزى حائطا فانز معه»

في أن المعتبر التقابض قبل التفرق، و من هنا كان التعبير به أجود من المجلس الموهم خلاف ظاهره، و قد تقدم في خيار المجلس تحقيق أقل ما يتحقق به الافتراق من الخطوة، كما أنه تقدم هناك كثير مما له تقع في المقام، الا ان الظاهر عدم اعتبار الاختيار فيه هنا، و ان كان معتبر هناك، فلو أكرها على التفرق مثلا أمكن القول بالبطلان هنا، بخلافه هناك، لاختلاف المدرك فلاحظ و تأمل.

و لو وكل أحدهما غيره في القبض عنه، فقبض الوكيل قبل تفرقهما اى المتعاقدين صح و لو قبض بعده بطل و كذا لو وكلا معا على القبض عنهما، و لا اعتبار بمفارقة الوكيل لهما أو لأحدهما، و لو وكلا أو أحدهما على الصرف خاصة أو مع القبض، فالمعتبر المفارقة بين من وقع العقد معه، لان الضابط كما في الجامع المقاصد و المسالك و الروضة و الرياض التقابض قبل تفرق المتعاقدين، سواء كانا مالكين أو وكيلين.

لكن قد يشكل بمنع دلالة النصوص على البطلان بتفرق الوكيلين ان قبض الا لكان في ذلك المجلس، بل يصدق على بايع الذهب بالفضة إذا قبض بعد تفرق الوكيلين أنه ما باعه الا يدا بيد، على أن ذلك يقضى بعدم البطلان مطلقا لو كان الوكيل على العقد متحدا عنهما، لعدم تصور الافتراق فيه و التزامه كما ترى، ضرورة صدق بيعه حينئذ لا يدا بيد، فلعل اناطة الحكم بذلك أولى ان لم ينعقد إجماع بخلافه، بل قد يدعى صدق اليد باليد لو تعاقدا مثلا و أرسل أحدهما وكيله مع الأخر فتقابضا قبل التفرق ف

في

ج 24، ص: 10

خبر البصري (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع الذهب بالدراهم، فيقول أرسل رسولا فليستوفي لك ثمنه قال يقول هات و هلم و رسولك معه»

و لا ينافيه ما سمعته في خبر البجلي (2)بعد حمله على الندب و نحوه، الا أن الجرية على خلاف ما عند الأصحاب مما لا ينبغي، و قد عرفت أن المدار عندهم على عدم تفرق المتعاقدين. نعم قد يقال بعدم اعتبارهما في العاقدين فضولا أو أحدهما، و أن المدار على عدم تفرق المجيزين بعد الإجازة حتى يتقابضا، مع أنه لا يخلو عن اشكال و الله اعلم.

و مما يتفرع على اعتبار التقابض في الملك ما لو اشترى منه دراهم بعقد الصرف ثم ابتاع بها منه دنانير قبل قبض الدراهم لم يصح الثاني على المشهور بين الأصحاب، لعدم ملك الدراهم عليه لو كانت كلية و عدم ملك عينها لو كانت شخصية، و ل

صحيح إسحاق بن عمار(3)كما في المختلف قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

الرجل يجي ء بالورق يبيعها يريد بها ورقا عندي فهو اليقين عندي أنه ليس يريد دنانير ليس يريد الا الورق و لا يقوم حتى يأخذ ورقي، فاشترى منه الدراهم بالدنانير، فلا تكون دنانيره عندي كاملة فأستقرض له من جاري، فأعطيه كمال دنانيره، و لعلى لا أحرز وزنها فقال أ ليس يأخذ وفاء الذي له؟ قلت بلى قال: ليس به بأس»

و كأنه لما يفهم منه البأس إذا لم يقبض الدنانير، إذ المراد أنى أستقرض به الدنانير، ثم أشتريها منه بالورق الذي يريده؛ كما يومي اليه ما في صدر الخبر، و يمكن أن يكون مراد السائل التوقف من جهة عدم إحراز الوزن فتخرج حينئذ عن الاستدلال.

و على كل حال فليس البطلان لعدم جواز الشراء بما لم يقبض قبل كيله أو وزنه كبيعه، إذ قد عرفت بعد تسليم مساواة الشراء به لبيعه أن الأصح الجواز، و لا لانه بيع دين بدين إذا فرض كون الدنانير كلية في الذمة لا معينة، ضرورة عدم صدق الدينية بعد


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب الصرف الحديث- 3- باختلاف يسير.

ج 24، ص: 11

اشتراط التقابض في الملك، على أنك ستعرف كون الممنوع بيع الدين قبل البيع به كذلك، لا ما كانا أو أحدهما بعقد البيع، و من ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن السرائر فإنه

بعد أن ذكر ما في النهاية إذا باع الإنسان دراهم بدنانير لم يجزه أن يأخذ بالدنانير دراهم مثلها الا بعد أن يقبض الدنانير، ثم يشترى بها دراهم إنشاء، قال «ان لم يتفارقا من المجلس الا بعد قبض الدراهم المبتاعة بالدنانير التي على المشتري الأول فلا بأس بذلك و ان لم يكن قبضه الدنانير التي هي ثمن الدراهم الأول المبتاعة، هذا إذا عينا الدراهم الأخيرة المبتاعة، فان لم يعيناها فلا يجوز ذلك، لانه يكون بيع دين بدين، و ان عيناها لم يصر بيع دين بدين، بل يصير بيع دين بعين، كما أن منه يظهر ما في المسالك تبعا لغيره من أنه ينبغي القول بالصحة مطلقا في مفروض المتن إذا تقابضا قبل التفرق، و غاية ما يحصل في البيع أن يكون فضوليا فإذا لحقه القبض صح، و سيأتي أن بيع الدين بالدين على هذا الوجه غير ممتنع، إذ فيه منع جريان حكم الفضولي عليه بعد القول بأن الملك من حين القبض كمنعه فيما لو باع مال غيره ثم انتقل اليه.

و أغرب من ذلك كله ما في التنقيح من أن لنا أن نقول: ان بطلان البيع بالتفرق قبل التقابض لا يستلزم عدم تملك المشتري، لجواز تملكه ملكا متزلزلا، كالمبيع في زمن الخيار، فان قبض لزم و الا بطل، و إذا ملك صح البيع الثاني لانه اشترى بثمن مملوك و صح البيع الأول أيضا، لأنه و ان لم يقبض الدراهم لكن قبض عوضها و هو الدنانير، و قبض العوض كقبض المعوض، إذ هو كما ترى مع مخالفته لما قدمناه من أن القبض شرط للملك، لا أن الافتراق مانع فيه نظر من وجه آخر لا يخفي، فالتحقيق ما ذكرناه و هو الموافق لإطلاق المشهور البطلان و منه يعلم أنه لو افترقا في مفروض المسألة قبل التقابض بطل العقدان معا لانتفاء الشرط فيهما حينئذ كما هو واضح و الله اعلم.

و لو كان له عليه دراهم فاشترى بها منه دنانير صح و ان لم يتقابضا، و كذا لو كان له دنانير؛ فاشترى بها دراهم ل ما في الصحيح الاتى (1)من أن النقدين من


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصرف الحديث 1- 2.

ج 24، ص: 12

واحد فأشبه التقابض. و لأصالة عدم اشتراطه في نحو المقام بعد

صحيح إسحاق بن عمار(1)الذي رواه المشايخ الثلاثة، و عمل به الأصحاب في الجملة قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يكون للرجل عندي الدراهم الوضح فيلقاني و يقول لي كيف سعر الوضح اليوم فأقول له: كذا و كذا فيقول: أ ليس لي عندك كذا و كذا ألف درهم وضح فأقول: نعم فيقول: حولها الى دنانير بهذا السعر و أثبتها لي عندك فما ترى في هذا؟ فقال:

إذا كنت قد استقصيت له السعر يومئذ فلا بأس بذلك، فقلت: انى لم أوازنه و لم أناقده؛ انما كان كلاما منى و منه فقال لي: أ ليس

الدراهم و الدنانير من عندك؟ فقلت: بلى فقال: لا بأس بذلك»

و

موثق عبيد بن زرارة أو صحيحه (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون لي عنده دراهم فآتيه فأقول له حولها دنانير من غير ان اقبض شيئا قال: لا بأس به قلت و يكون لي عنده دنانير فآتيه فأقول له: حولها لي دراهم و أثبتها عندك و لم أبقض منه شيئا قال: لا بأس».

و تنزيلها عي إرادة التوكيل في القبض أو فيه و و في البيع و أن ما في الذمة له و عليه مقبوض، اجتهاد في مقابلة النص الذي يأباه من وجوه، على أن من الواضح منع كون ما عليه لغيره في ذمته مقبوض له و ان وكله فيه، بحيث يجرى عليه حكم المقبوض، و الا- لجاز بيع الذهب المشخص مثلا بذهب في ذمته على أن يكون المشتري وكيلا في قبضه و معنى قبضه له حينئذ رضاه ببقائه في ذمته.

و أفضح من ذلك دعوى أن المراد من الخبر التوكيل، و أنه قد وقع منه القبض الحسي و أثبتها، مع ان صريح الخبر عدم وقوع غير الكلام، و بالجملة قد أطنبوا في المقام بلا مقتض، كما أنه لا ينبغي العمل بالخبر على معنى حصول التحول بمجرد الأمر بالتحويل، و ان أوهمه ظاهر بعض العبارات، بل المراد منه حصول المعاملة منهما بذلك، و ان كان بعنوان المعاطاة؛ بناء على كونها من البيع، و عدم اشتراط التقابض هنا، بل يكفي قبض في ما ذمته له، و بقاء الأخر في ذمته، و حيث كانا

معا عنده صار كالتقابض، و لولا فهم الأصحاب أمكن تنزيل الخبر على معاطات الصلح و ان كان في الخبر


1- 1 الوسائل الباب، 4، من أبواب الصرف الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب، 4، من أبواب الصرف الحديث 2.

ج 24، ص: 13

منافاة ماله و الله اعلم.

و من ذلك يعلم أنه لا وجه لبناء الخبرين على مقدمات كثيرة لا يخلو جملة منها من نظر و تأمل، بل قد افتى بالخبرين من لا يقول ببعض تلك المقدمات كما لا يخفى، فا التحقيق ما ذكرنا كما أومى إليه في المختلف و كاد يكون صريح المتن كما هو صريح غيره أيضا، و منه يظهر لك النظر في كلام كثير من المصنفين فلاحظ و تأمل جيدا و الله اعلم. هذا كله في اعتبار التقابض؛ و قد ظهر لك أنه متى حصل الافتراق قبله بطل إلا في مسألة التحويل.

أما لو تفرقا قبل الوزن و النقد، ففي القواعد «صح مع اشتمال المقبوض على الحق» و نحوه ما في الدروس «لو تقابضا جزافا فيزنان في موضع آخر جاز الافتراق» و نحو ذلك أيضا عن النهاية و التذكرة، و

قال حنان بن سدير(1)قلت لأبي عبد الله عليه السلام: «انه يأتيني الرجل و معه الدراهم، فأشتريها منه بالدنانير، ثم أعطيه كيسا فيه دنانير أكثر من دراهمه؛ فأقول: لك من هذه الدنانير كذا و كذا دنانير أكثر من دراهمك فيقبض الكيس منى ثم يرده على و يقول: أثبتها لي عندك؛ فقال: ان كان في الكيس وفاء بثمن دراهمه فلا بأس».

قلت: و قد يستفاد مما هنا عدم اشتراط الوزن في تحقق اسم القبض إذ احتمال الفرق بين قبض الصرف و غيره مخالف لظاهر الفتاوى، و لا فرق في موضوع المسألة بين كون المبيع أو الثمن كليا، ثم يدفع له في المجلس ما يزيد على حقه و ان لم يحصل الوزن و النقد، و بين الشخصي إذا كان قد أخبره بالوزن فاشتراه من غير اعتبار ثم أراد اعتباره بعد ذلك، و الحاصل أنه لا مدخلية للوزن في تحقق القبض كما عرفت.

(و) كيف كان ف لا يجوز التفاضل في الجنس الواحد و لو تقابضا إجماعا (و) نصا للربا كما أنه يجوز في الجنسين إجماعا و نصا لعدمه و يستوي في وجوب التماثل المصوغ و المكسور و جيد الجوهر و رديه بلا خلاف و لا اشكال، لصدق اتحاد الجنس فيه، نعم لو شرطت الصياغة مثلا كان زيادة.


1- 1 الوسائل الباب 5، من أبواب الصرف الحديث 1.

ج 24، ص: 14

و إذا كان في الفضة مثلا غش غير متسامح فيه مجهول قدره تفصيلا و إجمالا لم تبع الا بالذهب أو بجنس غير الفضة الخالصة لعدم الربا حينئذ لاختلاف الجنسين، أما فيها فلا، لعدم العلم بمقدار ما فيه منها كي يتخلص من الربا الذي شرط عدمه في المتجانسين المساواة؛ فالشك فيها شك في الجواز، و كذا لا يجوز بيعه بجنس ما فيه من الغش خاصة إذا كان ربويا لعين ما سمعته في الفضة، أما بيعها بالفضة المغشوشة، فلا ريب في الجواز لانصراف كل جنس الى ما يخالفه.

و كذا الحال في الذهب المغشوش و

في صحيح بن سنان (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الفضة فيه الرصاص بالورق، و هي إذا أذيبت نقصت من كل عشرة، درهمين أو ثلاثة، فقال: لا يصلح الا بالذهب».

نعم الظاهر أن هذا الحصر بناء على الغالب من عدم بيع المغشوش بمثله من الخالص فضلا عما زاد، و الا لو فرض ذلك جاز و ان جهل؛ لعدم الربا حينئذ، ضرورة مقابلة ما فيه من الفضة بمثلها كائنا ما كان، و صرف الزائد إلى الغش كما أنه لو علم ما فيها من الغش و لو على الإجمال بأن لا يزيد على الثلث مثلا جاز بيعها بما يزيد على الثلثين من الخالص زيادة تصلح لمقابلة الغش و لو علم مقدار الفضة على التفصيل جاز بيعه بمقداره من جنسه مع زيادة منه أو من غيره تصلح لان تقابل الغش كما تقدم تحقيق المسألة في الربا و ذكرها في المقام من حيث تعلقها بالصرف، بناء على ما عرفت سابقا و تعرف لا حقا في بيع السيوف المحلاة إن ضميمة غير الجنس لدفع الربا لا الصرف، فلا بد من التقابض حينئذ؛ لكن ينبغي أن يعلم أنه يكفي في الصحة حصول الشرط في الواقع، فلو فرض صدور البيع حال الجهل بقدر المقابل فاتفق كونه واقعا على وجه لا ربا فيه صح، لتناول عموم الأدلة له، و لا دليل على اشتراط الإحراز سابقا كالمعلومية في البيع.

و حينئذ فالمتجه الاختبار فيما لو وقع مثل ذلك، فلا يحكم بالصحة و لا بالفساد الا بعد

تبين الحال؛ و لعل إطلاق الأصحاب عدم الجواز يراد به عدمه لو أريد البيع به من


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الصرف الحديث 1 باختلاف يسير.

ج 24، ص: 15

غير مراعاة كغيره من الافراد، أما إذا تعذر الاختبار مثلا، فيمكن الرجوع الى أصالة عدم ترتب الأثر و النقل و نحوهما من الأصول بعد عدم ما يدل على أحد الأمرين، و ان كان كل منهما مشروطا بشرط وجودي و هو التفاضل و التساوي مثلا، و يمكن القول ببقاء العوضين على الاشتباه حتى يتحقق الحال، و لو للمقدمة باعتبار التكليف بما لا يتم الا بالتوقف في الفرد المخصوص من بيع المتجانسين حتى يعلم الحال، و المسألة مشكلة، و لكن ظاهر الأصحاب في المقام و غيره معاملة المفروض نحو معاملة الفاسد في الظاهر، و تمام التحقيق محتاج إلى اطناب تام فتأمل جيدا و الله العالم.

و لا يباع تراب معدن الفضة بالفضة خاصة و لا بترابه أيضا احتياطا عن الوقوع في الربا لعدم العلم بالمساواة و يباع بالذهب و بغيره لاختلاف الجنس و كذا تراب معدن الذهب و لا يباع بالذهب و لا بترابه احتياطا و يباع بالفضة مثلا لاختلاف الجنس فلا ربا؛ و ان تحقق الصرف باعتبار وجود الأجزاء الذهبية و الفضية في التراب لا أنه مستحيل بالعمل و الا لم يكن لذكرها في الصرف وجه و ان جرى عليها حكم الربا على هذا التقدير أيضا، لما عرفت سابقا من أن الفرع و الأصل جنس و، لو علمت زيادة في الثمن عما في التراب من جنسه لم يصح هنا و ان صح في المغشوش، بناء على أن التراب لا قيمة له لتصلح في مقابلة الزائد و حينئذ فإن علمت المساواة جاز، و التراب كعدمه فما عساه يتخيل من جواز بيع التراب بالتراب لأنهما جنس واحد و لا يقدح عدم العلم بما يحصل منهما إذ هو كبيع اللحم باللحم المشتملين على العظام لا يخلو من ضعف.

و لو مزج الترابان أو جمعا في صفقة جاز بيعهما بالذهب و الفضة معا لانصراف كل جنس الى ما يخالفه و بالذهب وحده مع زيادة تقابل الفضة و بالعكس كذلك لعدم الربا في ذلك كله كما هو واضح، و

قال أبو عبد الله مولى عبد ربه (1)«سألت الصادق (ع) عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضة و صفر جميعا


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب الصرف الحديث 5.

ج 24، ص: 16

كيف نشتريه فقال تشتريه بالذهب و الفضة جميعا»

و كذا يجوز بيع جوهر الرصاص و الصفر بالذهب و الفضة و ان كان فيه أى الرصاص و الصفر يسير من الفضة أو الذهب بلا خلاف لان الغالب عليه اسم غيرهما فلا يصدق بيع المجانس بمثله و لا بيع الأثمان بمثلها فلا يجرى عليه حكم الربا و ان لم يعلم زيادة الثمن عن ذلك اليسير و لا حكم الصرف.

قال: معاوية(1)و غيره «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن جوهر الأسرب و هو إذا خلص كان فيه، فضة، أ يصلح أن يسلم الرجل فيه الدراهم المسماة؟ فقال: إذا كان الغالب عليه اسم الأسرب فلا بأس بذلك يعنى لا يعرف لا بالأسرب»

و

في خبر البجلي (2)عنه أيضا «في الأسرب يشترى بالفضة؟ فقال: إذا كان الغالب عليه الأسرب فلا بأس».

و قد ظهر منها أن المدار على غلبة الاسم حقيقة، فلا يجزى غيره حتى التسامح للقلة و نحوها و هو كذلك، قال في المسالك: «ان مجرد الأغلبية غير كاف في جواز البيع بذلك النقد كيف اتفق، حتى لو كان الخليط عشرا يمكن تمييزه لم يجز بيعه بجنسه الا مع زيادة الثمن عليه بحيث يقابل الأخر».

نعم قد يظهر من بعضهم أنه إذا كان تابعا غير مقصود لم يمنع من البيع بجنسه، كالذي يزين به السقف و الجدران و المصاحف، مع أنه قد يناقش فيه بعدم مدخلية القصد في ذلك و جواز نحو ذلك مما ذكره لخروج النقد فيها عن الموزونية فتأمل جيدا و الله أعلم.

و يجوز إخراج الدراهم المغشوشة و الدنانير بالشراء بها و غيره من أنواع التصرفات مع جهالة أصل الغش أو قدره إذا كانت معلومة المصرف بين الناس بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلا عن محكيه، للسيرة القطعية بعد الأصل و

قال حريز(3)«كنت عند أبى عبد الله عليه السلام فدخل عليه قوم من أهل سجستان فسألوه عن الدراهم المحمول عليها فقال: لا بأس إذا كان جواز المصر»

و

البقباق (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الدراهم المحمول عليها فقال: إذا أنفقت ما يجوز


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الصرف الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب الصرف الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 10.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 9.

ج 24، ص: 17

بين أهل المدينة أو البلد فلا بأس و ان أنفقت ما لا يجوز بين أهل المدينة فلا».

و

محمد بن مسلم (1)«جاء رجل من أهل سجستان لأبي جعفر عليه السلام فقال له: ان عندنا دراهم يقال لها الشاهية تحمل على الدراهم دانقين؟ فقال لا بأس به إذا كان يجوز بين الناس»

و عليه يحمل إطلاق

خبره الآخر(2)«سألته عن الدراهم المحمول عليها فقال لا بأس»

بل و

خبر عمر بن يزيد(3)«عن أبى عبد الله عليه السلام في إنفاق الدراهم المحمول عليها فقال:

إذا كان الغالب الفضة فلا بأس بإنفاقها»

المبين ب

خبره الآخر(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن إنفاق الدراهم المحمول عليها؟ فقال: إذا جازت الفضة الثلثين فلا بأس»

على معنى أن الجائز بين الناس في ذلك الوقت ما كانت كذلك و ان كانت مجهولة الصرف و كان غشها مما لا يتسامح به لم يجز إنفاقها إلا بعد ابانة حالها بلا خلاف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه فضلا عن محكيه لما فيه من الغش المحرم نصا و إجماعا و عليه يحمل

خبر المفضل بن عمر الجعفي (5)«قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام، فألقى بين يديه الدراهم فألقى إلى درهما منها فقال: أيش هذا؟ فقلت: ستوق فقال: و ما الستوق؟ فقلت: طبقتين فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة فقال: اكسر هذا فإنه لا يحل بيع هذا و لا إنفاقه»

و

مكاتبة جعفر بن عيسى (6)الى أبى الحسن عليه السلام «ما تقول جعلت فداك في الدراهم أعلم أنها لا تجوز بين المسلمين إلا بوضيعة تصير الى من بعضهم بغير وضيعة لجهلي به؛ و انما

آخذه على أنه جيد أ يجوز لي أن آخذه و أخرجه من يدي على نحو ما صار الى من قبلهم؟ فكتب عليه السلام لا يحل ذلك».

بشهادة

ما رواه ابن أبى عمير عن ابن رئاب (7)«قال: لا أعلمه إلا عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: عن الرجل يعمل الدراهم يحمل عليها النحاس أو غيره ثم يبيعها، فقال: إذا كان بين ذلك فلا بأس»

و غيره و الظاهر الاكتفاء بالاخبار بأن فيه غشا من غير حاجة الى بيان قدره إلا إذا توقف عليه التخلص من الربا، كما أن الظاهر عدم


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 4.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 3 فيه: إذا جازت الفضة المثلين.
5- 5 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 5.
6- 6 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 8.
7- 7 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 2.

ج 24، ص: 18

وجوب الكسر و ان نص عليه في الخبر السابق (1)الا أنى لم أجد من أفتى به بل الفتاوى و باقي النصوص على خلافه، و في جواز دفع الظلمة بالدراهم المغشوشة وجهان أقواهما الجواز و أحوطهما خلافه و الله أعلم.

[مسائل عشر]
اشارة

مسائل عشر

[المسألة الأولى الدراهم و الدنانير يتعينان ]

الأولى: الدراهم و الدنانير عندنا معاشر الإمامية كغيرها يتعينان بالتعيين في العقد

فلو اشترى شيئا بدراهم أو دنانير معينة لم يجز له دفع غيرهما و لو تساوت الأوصاف خلافا لأبي حنيفة فلا تتعين بالتعيين، و هو مخالف للأدلة الأربعة كما هو واضح، و حينئذ فإن تلف قبل القبض انفسخ البيع و لم يكن له دفع عوضها، و ان ساواه مطلقا؛ و لا للبائع طلبه، و ان وجد البائع بها عيبا ففي المسالك لم يستبد لها، بل اما أن يرضى بها أو يفسخ العقد قلت: أو يأخذ الأرش إذا كان في المجلس حيث يكون المبيع حينئذ من الأثمان أيضا، و لا يستلزم الربا بل و ان استلزم على وجه تقدم سابقا.

[المسألة الثانية إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد ما صار اليه من غير جنس الدراهم كان البيع باطلا]

المسألة الثانية: إذا اشترى دراهم بمثلها معينة فوجد جميع ما صار اليه من غير جنس الدراهم بل هي رصاص و نحوه كان البيع باطلا بلا خلاف و لا اشكال و كذا في غير الصرف ف لو باعه ثوبا مثلا كتانا فبان صوفا (11) بطل البيع لتخلف القصد عما وقع عليه العقد و لا ابدال هنا و لا أرش لوقوعه على عين مشخصة، فلا يتناول غيرها، و عدم وقوع الصحيح و المعيب على هذه العين. و تخيل تغليب الإشارة هنا على الاسم باطل، ضرورة ارادة مسمى الاسم منها.

و لو كان (12) قد وجد البعض (13) مما صار اليه من غير الجنس بطل فيه حسب (14) دون الجيد بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك الا ما ستسمعه لوجود مقتضى الصحة فيه بخلافه و لا مانع من التبعيض في متعلق العقد كما في غير المقام.


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب الصرف الحديث- 5.

ج 24، ص: 19

و لكن له بل و للبائع أيضا مع الجهل بالعيب رد الكل لتبعض الصفقة و له أخذ الجيد خاصة بحصته من الثمن و قد ظهر لك مما تقدم أنه ليس له الرضا به، لما عرفت من بطلان العقد فيه و ليس له المطالبة بدله لعدم تناول العقد له و لا بالأرش و كذا لو اشترى بالدراهم و دنانير أو غيرها، ضرورة اتحاد الجميع فيما عرفت مما هو معلوم من القواعد المقررة في غير المقام، لكن عن الخلاف و السرائر أنه إذا باعه دراهم بدراهم، و كان البعض عن غير الجنس كان البيع باطلا، و قد يريدان في خصوص البعض، و في اللمعة «لو ظهر عيب في المعين من غير جنسه بطل فيه، فان كان بإزائه مجانسه، بطل البيع من أصله كدراهم بدراهم، و ان كان مخالفا صح في السليم و ما قابله، و ظاهره الفرق بين المجانس و المخالف، و ربما وجه باستلزام الربا فيه دونه، و ذلك لانه لو ظهر درهم من مأة درهم نحاسا كشف عن وقوع البيع على ماءة بتسعة و تسعين درهما، لان وجود الدرهم المعيب كعدمه، بل قيل انه لو لا أن مراده ذلك لم يبق فرق بينه و بين قوله، و ان كان مخالفا، بل كان في العبارة تكرار، و اشتراط من غير فائدة.

و فيه أنه بعد أن قوبل صورة بالثمن خصه منه مقدار ما يساويه، فلا ربا حينئذ في غيره، و تنزيله منزلة العدم بالنسبة إلى قصد كونه مبيعا لا بالنسبة إلى المقابلة، و يمكن أن يريد الشهيد و ان كان بعيدا بل لا يخلو من نظر بالمجانس هنا المعيب أيضا، فإنه لا إشكال في البطلان حينئذ و المخالف غير السليم فلا يكون مخالفا و لم يفسرها في الروضة بما يصلح وجها للتفصيل فلاحظ و تأمل.

و أما لو كان الجنس واحدا و به عيب كخشونة الجوهر أو اضطراب السكة كان له رد الجميع أو إمساكه، و ليس له رد المعيب وحده لو فرض أن المعيب البعض لتبعيض الصفقة، و فيه البحث السابق بل عن الشيخ و ابن حمزة و الفاضل التصريح هنا بأن له ذلك و ان كان ظاهر هم في بحث العيب الإجماع على عدمه و لم يظهر وجه للفرق فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

و لا ابدا له لان العقد لم يتناوله كما عرفت و لا أرش في مفروض المتن للربا به

ج 24، ص: 20

بناء على تحققه بمثله، و لو تخالفا كان له الأرش في المجلس قطعا، لوجود المقتضى و عدم المانع، و مع مفارقته ليس له أخذ الأرش من النقدين، بلا خلاف ممن تعرض له، كالفاضل و الشهيدين و غيرهم لكونه حينئذ من الصرف؛ و قد فرض الافتراق.

أما من غيرهما فقد صرح الفاضل في التحرير و الشهيدان في الدروس و المسالك بجوازه، لعدم كونه صرفا بل هو كالمعاوضة بغير الأثمان، فيكون جملة العقد بمنزلة بيع و صرف، و البيع ما أخذ عوضه بعد التفرق، و ظاهر أولهما في اللمعة التوقف فيه بل جزم ثانيهما بعدمه في الروضة، لأن المعروف كون الأرش كجزء من الثمن؛ و المعتبر فيه النقد الغالب على أن الحقوق المالية يرجع فيها الى النقدين، فكيف ينحصر الحق الواجب باعتبار نقصان في أحدهما، فإذا اختار الأرش حينئذ و حصل موجبه لزم النقد و اتفاقهما على غيره معاوضة على النقد الثابت في الذمة أرشا لا نفس الأرش.

و دعوى- أن الثابت و ان كان هو النقد، لكن لما لم يتعين الا باختياره الأرش إذ لو رد لم يكن الأرش ثابتا، كان ابتداء تعلقه بالذمة الذي هو بمنزلة المعاوضة اختياره، فيعتبر حينئذ قبضه قبل التفرق مراعاة للصرف، و كما يكفي في لزوم معاوضة الصرف دفع نفس الأثمان قبل التفرق كذا يكفي دفع عوضها قبله، بل مطلق براءة ذمة من يطلب منه، فإذا اتفقا على جعله من غير النقدين جاز، و كانت المعاوضة كأنها واقعة به- يدفعها أن ذلك يقتضي جواز أخذه في مجلس اختياره من النقدين أيضا و لا يقولون به، و لزومه و ان كان موقوفا على اختياره، الا أن سببه العيب الثابت حالة العقد، فقد صدق التفرق قبل أخذه، و ان لم يكن مستقرا.

و من هنا قال في الروضة: «و الحق انا ان اعتبرنا في ثبوت الأرش السبب لزم بطلان البيع فيما قابله بالتفرق قبل قبضه مطلقا، و ان اعتبرنا حالة اختياره أو جعلناه تمام السبب على وجه النقل، لزم جواز أخذه في مجلسه مطلقا، و ان جعلنا ذلك كاشفا عن ثبوته بالعقد، لزم البطلان فيه أيضا.

و على كل حال فالمعتبر منه النقد الغالب، و ما اتفقا على أخذه أمر آخر، و الوجه

ج 24، ص: 21

الأخير أوضح، فيتجه مع اختياره البطلان فيما قابله مطلقا، و ان رضي بالمدفوع لزم، و أشكله في جامع المقاصد «بأن المدفوع أرشا ليس هو أحد عوضي الصرف و انما هو عوض صفة فائتة في أحد العوضين، و يترتب استحقاقها على صحة العقد و قد حصل التقابض في كل من العوضين، فلا مقتضى للبطلان إذ وجوب التقابض انما هو في عوضي الصرف، لا فيما وجب بسببهما، و أجاب عنه في الروضة بأن الأرش و ان لم يكن أحد العوضين، لكنه كالجزء من الناقص منهما، و من ثم حكموا بأنه جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة قيمة الصحيح الى المعيب، و التقابض الحاصل في العوضين وقع متزلزلا، إذ يحتمل رده رأسا و أخذ أرش النقصان الذي كتتمة العوض الناقص، فكان بمنزلة بعض العوض، و التخيير بين أخذه و العفو عنه و رد البيع لا ينافي ثبوته؛ غايته التخيير بينه و بين أمر آخر فيكون ثابتا ثبوتا تخييريا بينه و بين ما ذكر».

قلت: هو و ان أجاد بما حرر و أفاد، الا أن التحقيق خلافه، فيجوز أخذ الأرش من النقدين مع التفرق، لا لانه جزء من الثمن قد انفسخ العقد بالنسبة إليه، لعدم وصف الصحة المقابل له في المثمن فيصح أخذه حينئذ في مجلس العقد و غيره، لبقائه حينئذ على ملك المالك، و لا صرف فيه بوجه من الوجوه، إذ هو و ان أوهمه لفظ الرد و الرجوع

في النصوص؛ بل في بعضها(1)«كان علي عليه السلام يضع من ثمن الجارية بقدر عيبها»

بل و بعض عبارات الأصحاب حتى جعل فيها الخيار بالعيب من خيار تبعض الصفقة، الا ان المعلوم من الأصحاب خلافه، و لذا لم يعرف الخلاف بينهم في سقوطه بالإسقاط الذي لا ينحل إلى الإبراء و لا إلى الهبة، و لم يثبتوا للبائع خيارا بسببه إذا كان جاهلا لتبعض الصفقة عليه في الثمن، و كونه من قبله بعد فرض جهله بالعيب لا يسقطه، و لذا لم يحكموا ببطلان المعاملة الربوية بوجود العيب في أحد العوضين المستلزم على هذا التقدير الزيادة في أحدهما، و لم يجعلوا الأرش أيضا تابعا لخصوص الثمن، حتى أنه لو أراد البائع دفعه من غير ذلك الثمن لم يكن له باعتبار بقاء الجزء المقابل للصحة منه على ملك المشتري مثلا، الى غير ذلك مما لا يخفي لزومه على هذا التقدير مما هو معلوم عدمه، بل قد يمنع صدق اسم الأرش


1- 1 الوسائل الباب 4- من أبواب العيوب الحديث 1.

ج 24، ص: 22

عليه حينئذ، و ان كان المتجه عليه ما عرفت، من أن له أخذه بعد مجلس التفرق، بل لأن الأرش غرامة استحقت شرعا بسبب العيب في المبيع بالمعاملة الصحيحة، فهو و ان كان ثابتا عوض ما فات من وصف الصحة الا أنها معاوضة شرعية قهرية. لا تدخل تحت البيع حتى يجري عليها

لصرف، ضرورة عدم قصد كل من المتعاملين كون المبيع العين مثلا مع أرش العيب من الدرهم و الدرهمين مثلا فلا بيع بالنسبة إليه قطعا، فينبغي القطع بعدم جريان الصرف أما الربا لو فرض كونه في المتجانسين فان علم من الأدلة شموله لمثل ذلك جرى، و الا جاز كما سمعته سابقا منا.

و على كل حال فالصرف ينبغي القطع بعدمه و من ذلك يعرف ما في قوله و الحق الى آخره، و من الغريب دعوى كونه من المعاوضة الصرفية و ان كان البائع مخيرا بينها و بين الرد و بين العفو، و ان الاختيار أو التصرف كاشف حينئذ عن الثبوت بالعقد، و انه غير مناف لثبوته على جهة التخيير، إذ هو كما ترى، و أغرب منه دعوى البطلان فيما قابله من الثمن بالتفرق إذ شمول أدلة الصرف لنحو ذلك من المعلوم عدمه، بل كاد يكون ضروريا.

كما أن دعوى عدم تناول أدلة أخذ الأرش لمثل هذا المبيع معلوم عدمها، فضلا عن ترجيح ما دل على اعتبار التقابض في الصرف على ما دل على ثبوت الأرش مضافا الى ما في جامع المقاصد «من أنه يمكن أن يقال قد صدق التقابض في مجموع العوضين المقتضي لصحة الصرف و اشتراط قبض الأرش إذا كان من النقدين ليس لكونه جزء معاوضة بل لكونه من توابعها، و من ثم لو أسقطه مستحقه لم يلزم في المعاوضة اختلال، كما لو كان النقدان من جنس واحد» و ان كان قد يناقش فيه بأنه بناء على دخوله في المعاوضة لا ريب في اعتبار قبضه في صحته و صحة مقابله إذا كان من النقدين، و كونه عوض صفة فلا مقابل له من العوض الأخر، يدفعه أن أحد العوضين في مقابل الأخير من جهة المالية، و لا فرق بين الجزء و الصفة التي لها دخل في المالية.

نعم التحقيق ما ذكرناه من أن الأرش غرامة شرعية تثبت بسبب العيب فهو كالمعاوضة القهرية، و لو لا الدليل لم يكن ثبوته مقتضى القواعد، بل لو كان دفع الأرش ممن عليه من

ج 24، ص: 23

الصرف باعتبار كونه نقدا في ذمة المستحق عليه و دفعه عنه شراء له من المستحق وجب اعتبار التقابض فيه حتى في غير الصرف، و هو معلوم العدم، و دعوى اختصاص ذلك في المعاملة الصرفية لا شاهد لها و لو أعطيت التأمل حقه في المقام بان لك أن كثيرا من- الكلام دخان بلا ضرام و سفسطة بلا حاصل، و متعبة بلا طائل، و لعل مرجع ما ذكره المحقق الثاني الى ما قلناه فلاحظ و تأمل هذا.

و لكن في القواعد في المقام «أن له الأرش ما داما في المجلس فان فارقاه فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه، و ان كان مخالفا صح» و فيه أنه لا فرق في الصرف بين جنس المعيب و السليم، فاما أن يبطل فيهما معا، أو يصح كذلك، إذ ما قيل من أنه لو دفع من جنس السليم كما لو كان العوضان دينار أو عشرة دراهم و كان الدينار معيبا من الجنس بما يقتضي نقصان قيمته بقدر درهم فان المبيع يكون دينار أو درهما بعشرة دراهم، و قد تفرقا قبل قبض الدراهم فيبطل الصرف فيه، بعينه آت فيما لو دفع ذهبا قيمته درهم، فإنه قد تفرقا قبل قبضه، فيجب أن يبطل كالسليم؛ بخلاف ما لو دفع من غيرهما، و قد يريد كما حكاه الشهيد عن بعض تلامذة العلامة ما كان مخالفا لجنسي المعيب و الصحيح معا، فالمراد حينئذ بجنس السليم مطلق النقد فيوافق ما حكيناه عنه في التحرير.

نعم ربما ظهر من العبارة المزبورة عدم انحصار الأرش في النقد، و أنه كلي شامل له و لغيره، و تعذر بعض أفراده بالتفرق؛ يعين الآخر و هو النقد أو أنه النقد إذا أمكن، فإن تعذر فغيره، و فيه منع واضح لما عرفت من انصراف جميع الحقوق المالية إلى النقد، كما أن ظاهر قوله بطل فيه أنه لا يجوز دفع الأرش بعد ذلك، و يشكل بأنه إذا استحق في ذمته عوض نقصان أحد العوضين، كيف يبطل فيما لو عينه فيما لا يجوز أخذه، و تخييره في جهات القضاء انما هو فيما لم يمنع شرعا، بل في جامع المقاصد لو سلم تخييره بالنسبة إليها لم يلزم البطلان، بل عدم جواز المطالبة بغيرها حتى لو تراضيا على الأداء من غير النقدين بعد التعيين في أحدهما ينبغي القول بالجواز فتأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها و وجد جميع ما صار اليه غير فضة قبل التفرق كان له المطالبة بالبدل ]

المسألة الثالثة: إذا اشترى دراهم في الذمة بمثلها، و وجد جميع ما صار اليه غير فضة قبل

ج 24، ص: 24

التفرق كان له المطالبة بالبدل قطعا لعدم فردية ما قبضه للكلي المبيع فهو كعدم القبض بل ليس له الرضا به عوضا عن المبيع إلا بمعاوضة جديدة غير العقد الأول و ان كان قد ظهر له ذلك بعد التفرق بطل الصرف لعدم التقابض في المجلس و لو كان قد ظهر ذلك في البعض طالب بالبدل قبل التفرق و بعده بطل فيه لعدم التقابض و صح في الباقي لوجود المقتضى و كان له خيار تبعض الصفقة و ان كان لم يخرج المدفوع بالعيب عن الجنسية لانه اضطراب سكة أو خشونة جوهر أو نحوهما و فرض كون العيب المزبور في جميع العوض كان مخيرا بين الرد (11) لإطلاق أدلة العيب و (12) بين الإمساك بالثمن من غير أرش (13) بناء على استلزامه الربا أو لعدم ثبوته في فرد الكلى كما ستعرف من غير فرق في ذلك بين حالي التفرق و عدمه.

لكن قد يفهم من جمع المصنف بين الرد و الابدال أن مراده من الأول فسخ العقد من أصله، بل قوله في القواعد «له الرد و الإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس، و مجانا مع اتفاقه، و المطالبة بالبدل و ان تفرقا على اشكال» أوضح منه كقوله في الإرشاد «له الرد و الإمساك بغير أرش، و البدل و ان تفرقا» بل في الوسيلة «و عن المبسوط تخييره بعد التفرق بين الرضا بالبيع و الفسخ و الابدال» و لعل وجه الفسخ أن المبيع و ان كان كليا الا أنه تشخص بالقبض، حتى صار كأن المبيع ذلك الشخصي فجرى عليه حكمه إذا كان مبيعا.

و اليه أشار في التذكرة حيث احتمل الفسخ معللا له بأن المطلق يتعين بالتقابض الا أنه جعل الوجه قبل ذلك عدمه الا مع تعذر تسليم الصحيح، قال: «لان العقد يتناول أمرا كليا» و نحوه ما في المختلف فإنه بعد أن حكى عن الشيخ ما سمعت قال: «ولى فيه نظر فإن لقائل أن يقول ليس له الفسخ كما لو دفع المسلم فيه معيبا، فان له المطالبة بالصحيح دون الفسخ الا مع تعذر التسليم، فكذا هنا إذ المعقود عليه غير معين، و لا يتعين المعيب بالقبض، و لا يتحقق الفسخ» و أشكله في الدروس بأنهما تفرقا قبل قبض البدل و فيه أن البحث على فرض جواز الابدال بعد التفرق كما هو صريح ما سمعته عن المبسوط

ج 24، ص: 25

و الوسيلة، و الا فلا ريب أن المتجه على تقدير العدم جواز الفسخ، لكن على معنى أن له رد المعيب فينفسخ العقد حينئذ، لعدم التقابض قبل التفرق، و حينئذ يكون من قبيل تعذر تسليم الصحيح.

و من هنا جعل في التحرير عدم الفسخ لازما للقول بالإبدال، فقال: «و لو وجد القابض عيبا فله المطالبة بالبدل قبل التفرق، سواء كان العيب من جنسه أو من غيره، و لو كان العيب من جنسه و رضيه جاز، و لو طلب الأرش لم يجز مع اتحاد العوضين و يجوز مع عدمه، و لو افترقا بعد القبض ثم وجد العيب من جنسه قال الشيخ: له الابدال، و لو كان من غير الجنس بطل الصرف، و لو كان في البعض صح في السليم و لو طلب واجد العيب الفسخ فعلى قول الشيخ ينبغي أنه ليس له مع الابدال؛ و لعل مراده أن المتجه على قول الشيخ عدم جواز الفسخ و ان كان هو قد صرح به كما سمعت، و يؤيد ذلك كله ما تسمعه إنشاء الله في باب السلم من الحكم بالإبدال و عدم فسخ العقد؛ و لعله لذا اقتصر في اللمعة هنا فيما نحن فيه على أن له الابدال مضافا الى أصالة لزوم العقد و غيرها فالمتجه حينئذ حمل الرد في كلام المصنف على ارادة رد المبيع لا فسخ العقد، و يكون الحاصل أن له الرد على كل حال، و ان أدى ذلك لو كان بعد التفرق، و قلنا بعدم الابدال فيه الى بطلان العقد.

و المناقشة- في أصل جواز الفسخ بأنه قد تشخص الكلي في المقبوض، إذ الفرض أنه فرد له، و لا دليل على أن العيب يسلط على فسخ مقتضى القبض، و الأصل براءة ذمة الدافع و بقاء ملك المدفوع اليه- يدفعها الاتفاق منهم ظاهرا على ذلك في المقام و السلم و غيرهما، مؤيدا بإطلاق ما دل على رد المعيب الشامل للمقام، و ان اختلف هو مع الشخصي بكون رده مقتضيا لفسخ العقد بخلاف رده هنا باعتبار أن العقد قد وقع على ما هو أعم منه، فأقصى ما يفيد رده ابطال التشخيص السابق لا أصل العقد كما هو واضح.

و حينئذ ففي المقام ان رد في المجلس كان له المطالبة بالبدل قبل التفرق قطعا

ج 24، ص: 26

لعدم المانع من التفرق و نحوه أما فيما بعد التفرق ففي الابدال تردد و خلاف فالمشهور بين من تعرض له من الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و المحقق الثاني و الشهيد الثاني أن له ذلك، و في الدروس «لا يجوز على الأقرب» و هو ظاهر اللمعة أيضا و عن أبي علي أنه يجوز الابدال ما لم يتجاوز يومين فيدخل في بيع النسيئة، لكنه لم يقيد بالتعيين و عدمه، و كان وجه العدم أن الإبدال يقتضي عدم الرضا بالمقبوض قبل التفرق و أن المبيع حقيقة انما هو البدل، و قد حصل التفرق قبل قبضه، فيكون الصرف باطلا، فلا يجوز له أخذ البدل، و يدفعه أن التقابض تحقق في العوضين قبل التفرق، لان المقبوض و ان كان معيبا، الا أن عيبه لم يخرجه عن حقيقة الجنسية، و لأجل ذلك ملكه المشتري، و كان نماؤه له من حين العقد الى حين الرد، و الفسخ بالرد طار على الملك بسبب ظهور العيب، فيكون البيع صحيحا، و له طلب البدل بعد التفرق، إذ ما في الذمة و ان كان أمرا كليا الا أنه إذا عين في شي ء و قبضه المستحق تعين و ثبت ملكه له فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته تدار كالفائت حقه، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة فتعين حينئذ عوضا صحيحا، و بهذا ظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة، و قد قبضه قبل التفرق، فتحقق شرط الصحة، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطاري على العوض، المقتضي لعوده إلى الذمة، و كون البدل عوضا لا يقتضي نفي عوضية غيره، فلا يقتضي التفرق قبل قبضه العوض في المعاوضة.

و اما ما عن الإيضاح من أن جواز الابدال يستلزم عدمه، لان رده هو رفع تعيين البيع فيه، و هو يستلزم انتفاء كون المردود المبيع في الماضي و المستقبل، لأن المبيع واحد، فلا يكون قد قبض المبيع قبل التفرق فيبطل الصرف، إذ يمكن منعه عليه بالتزام عدم وحدة ما يتحقق به المبيع حتى في الزمان، فقد ظهر أن الأقوى جواز الابدال كما أن الأقوى عدم اعتبار التقابض في مجلس الرد وفاقا للشهيدين في الحواشي و المسالك و المحقق الثاني في جامعه، للأصل السالم عن المعارض؛ إذا القبض الأول اما أن يؤثر في صحة البيع أولا، و الثاني يستلزم بطلان البيع من رأس و المفروض خلافه؛ و الأول

ج 24، ص: 27

يستلزم عدم اشتراط قبض البدل، و بالجملة أدلة التقابض انما يظهر منها اعتباره في مجلس العقد و قد حصل، فغيره على الأصل، فما عن الإيضاح من الاشتراط ضعيف كالإشكال في القواعد، و ان كان وجهه أنه قبض عوض الصرف، لأن القبض الأول قد ارتفع، و فيه ما عرفت، فقد بان أن الأقوى عدم الاشتراط كما أنه مما ذكرنا سابقا ظهر مستند القول بالإبدال و عدمه، و أما ما عن أبى على ف

في خبر إسحاق (1)عن الكاظم عليه السلام اشارة اليه قال: «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يبيعني الورق بالدنانير و أتزن منه فأزن له حتى أفرغ، فلم يكن بينى و بينه عمل الا أن في ورقه نفاية و زيوفا و ما لا يجوز، فيقول:

انتقدها و رد نفايتها، فقال: ليس به بأس، و لكن لا يؤخر ذلك أكثر من يوم أو يومين؛ فإنما هو الصرف، قلت: فان وجدت في ورقه فضلا مقدار ما فيها من النفاية قال: هذا احتياط هذا أحب الى»

و هي كما ترى و لو كان العيب في البعض، فحكمه حكم الكل في جميع ذلك، الا أن في رده وحده أو رد الجميع لئلا تتبعض الصفقة على البائع ما عرفته سابقا، كما أن الحكم كذلك أيضا في مختلف الجنس و ان زاد عليه بجواز أخذ الأرش في المجلس و بعده على البحث السابق، لكن صرح في المختلف هنا «بأن له الأرش مع التفرق» بل لعله المفهوم من عبارة القواعد أيضا و هو موافق لما قدمناه من عدم منافاته للصرف.

نعم قد أطلق هنا في المحكي عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة الإمساك مجانا مع عدم تقييد الأول و الثالث باتحاد الجنس و فرضه في الثاني مع اختلافه، و لعله لأن الأرش انما يثبت في أحد العوضين إذا تعين لأن غير المعين ماهية كلية في الذمة، و انما يحمل اللفظ على الصحيح، فإذا دفع اليه بعض جزئيات الكلي معيبا كان له ابداله؛ فلا يتعين كونه معيبا كي يستحق جبره بالأرش؛ و لذا حكى عن شرح الإرشاد للفخر الجزم بعدم الأرش أيضا، بل هو ظاهر الشهيد أو صريحه في الحواشي بل يؤيده ما تسمعه منهم فيما إذا خرج المسلم فيه معيبا من التصريح بعدم الأرش بل ظاهر المسالك هنا أنه من المسلمات، و هو متجه بناء على أن له الابدال هنا، إذ لا فرق حينئذ بينه و بين المسلم فيه.


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب الصرف الحديث 2.

ج 24، ص: 28

نعم يمكن القول بثبوت الأرش فيهما معا باعتبار تشخصه بالقبض فيشمله ما دل عليه في المبيع المعيب، و لا ينافيه جواز المطالبة بالإبدال، اللهم الا أن يقال ان الأرش انما ثبت عوضا عن وصف الصحة الذي لا يمكن تداركه الا به لو كان المبيع شخصيا أما إذا كان كليا فهو ممكن بالإبدال، فلا يلزم به البائع و من ذلك كانت المسألة محل تردد، و ان كان الأول أقوى ان لم يكن إجماع على خلافه، و الله أعلم.

ثم انه حيث يثبت الرد لا يمنعه نقص السعر عندنا و لا زيادته، للأصل و إطلاق الأدلة خلافا لبعض العامة فجعل النقص كحدوث العيب فيه، و هو قياس و مع الفارق، و لو تلف أحد العوضين المعينين في الصرف بعد التقابض، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بان بطلان الصرف، و كان العوض الأخر لصاحبه، و يضمن التالف بالمثل ان كان نحو الذهب و الفضة و الدرهم و الدينار و بالقيمة في الحلي و نحوها و لو كان العيب من الجنس لم يكن له الأرش مع اتحاد الجنس، بناء على ثبوت الربا به.

نعم قيل ان له الفسخ و يرد مثل التالف أو قيمته ان لم يكن له مثل و فيه نظر، أما مع اختلافه فله الأرش على البحث السابق، و لو كانا غير معينين و كان التالف معيبا من غير الجنس لم يبطل الصرف قبل التفرق.

نعم هو كذلك بعده و لو كان معيبا بالجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس قبل التفرق و بعده، على البحث السابق و ليس له فسخ العقد على القول به هناك، لأن التلف مانع له، و الظاهر أن المطالبة بالبدل كذلك، أما متحد الجنس فليس له الأرش، بناء على ثبوت الربا به، و له الرد في وجه بل قوله قد تقدم، لتوقف تحصيل حقه عليه، و الظاهر أن الإبدال كذلك، و من ذلك كله يعلم ما في إطلاق القواعد، قال:

«لو تلف أحدهما بعد التقابض ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل التصرف، و يرد الباقي و يضمن التالف بالمثل أو القيمة، و لو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس و الا فلا» و يمكن أن يريد المطلقين فيحتاج الى قيد التفرق، للبطلان و الأمر سهل.

ج 24، ص: 29

و لعل اضطراب كلامهم في المقام يشهد للمختار سابقا، ضرورة كون المقام من خيار العيب في غيره، و ليس له أدلة مخصوصة تخصه؛ و قد عرفت سابقا سقوطه بالتلف و التصرف؛ فبناء على المختار من ثبوت الأرش في متحد الجنس و لا ربا، و على ثبوته أيضا في مختلف الجنس بعد التفرق، و لا ينافي الصرف، و على ثبوته في الكلي أيضا يتجه حينئذ القول بسقوط الرد المقتضى للفسخ أو الإبدال بالتلف و يتعين الأرش أما على غيره فيشكل مع التزامهم بسقوط الرد و الأرش من حيث الربا أو الصرف أو الهبة؛ بأنها معاملة ضررية لا جبر لها، و بمنافاته لإطلاق أدلة العيب، و مع التزامهم برد المثل أو القيمة عوض رد العين كي يترتب عليه الفسخ أو الإبدال؛ بأنه مناف لما دل هنا من اعتبار قيام العين في الرد خصوصا الرد الموجب للابدال.

و من ذلك يظهر لك قوة المختار المطرد على جميع الأطوار و يجوز إخلاد أحد المتعاقدين إلى الأخر في قدر عوضه فيصح البيع فيما يشترط فيه القبض في المجلس قبل اعتباره، فلو أخبر بوزن المعين فاشتراه بجنسه ثم وجد نقصا تبين بطلان الصرف قبل التفرق و بعده؛ لاشتمال أحد العوضين على زيادة عينية يتحقق بها الربا كما صرح به الفاضل و غيره و كذا لو كان الزائد معينا و المطلق مخصوصا بقدر ينقص عن المعين بحسب نوعه، بل و كذا لو كانا مطلقين و كان أحدهما ينقص عن الأخر بحسب نوعه.

نعم قد يناقش في أصل تحقق الربا بذلك كما ستسمع في صورة الزيادة التي يجري مثله في صورة النقيصة، لكن بالنسبة إلى الثمن، و الأصل في المسألة ان نقصان المبيع الشخصي و زيادته في متساوي الاجزاء يقتضي بقاء الزيادة في الثمن و المثمن على ملك مالكهما و عقد البيع لم يؤثر نقلهما عن المالك؛ و ان كلا منهما ملك للبائع و المشتري، و ان ثبت الخيار فعلى الأول لا ربا في الفرض بخلاف الثاني، و المسألة من المشكلات كما تقدم الكلام فيها، في أحكام العقود، و كلمات الأصحاب، فيها في غاية الاضطراب؛ و فيها خبر(1)في مختلف الاجزاء يوافق الأول، اللهم الا أن

يراد منه و من الفتاوى إثبات فرد آخر للخيار و هو الأخذ بالحصة في مختلف الاجزاء و أولى منه المتساوي من


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 24، ص: 30

غير فرق بين الثمن و المثمن، و لعله لا يخلو من قوة، و حينئذ يتجه الربا مطلقا فتأمل جيدا، فإنه دقيق جدا.

و لو اشتراه أى المعين بغير جنسه كذلك فظهر النقص تخير بين الرد و الأخذ بالحصة ان كان متساوي الاجزاء، و الا تخير بين الإمساك بجميع الثمن و الرد على ما تقدم سابقا في أحكام العقود فلاحظ و تأمل، و كذا المطلق و المعين، و المطلقين و لو كان قد وجده زائدا و هي.

[المسألة الرابعة إذا اشترى دينارا بدينار و دفعه فزاد زيادة لا تكون الا غلطا]

المسألة الرابعة التي ذكرها المصنف فقال إذا اشترى دينارا بدينار و دفعه فزاد زيادة لا تكون الا غلطا أو تعمدا كانت الزيادة في يد البائع أمانة و كانت للمشتري في الدينار مشاعة كما صرح به الفاضل و المحقق الثاني هنا و غيرهما.

نعم في المسالك «المراد أنه إذا اشترى دينارا مثلا في الذمة بدينار كذلك، و ان كان قوله و دفعه قد يوهم التعيين، إذ لو كانا معينين لبطل الصرف من حيث اشتمال أحد العوضين على زيادة عينية، و كذا لو كان الزائد معينا و المطلق مخصوصا بقدر ينقص بحسب نوعه.

قلت: قد يناقش فيه بأن الزيادة بناء أعلى أنها غير داخلة في المبيع، للحكم بأنها للدافع كما تقدم سابقا في أحكام العقود في متساوي الأجزاء، فكيف يلزم الربا، و بأن الربا قد يتصور أيضا في المطلقين إذا كان أحدهما ناقصا عن الآخر بحسب نوعه.

و كيف كان فلا أجد خلافا في صحة الصرف حيث لا يستلزم الربا، بأن كان الزائد مثلا ليس أحد عوضي المعاملة، و انما دفع عوضا عما في الذمة، فاتفق أنه كان زائدا عن وزن ما جعل عوضا، و لا يخرج بهذه الزيادة عن كونه فردا للكلي الذي في الذمة و ان كان مقدار بالوزن الناقص، الا أنه لم يؤخذ ذلك وصفا مشخصا له على وجه يخرج الزائد عن كونه فردا.

و لو فرض كونه كذلك، فلا ريب في بطلان الصرف إذا كان قد بان بعد التفرق و قبله يطالب بالبدل، الا أن ذلك غير ما نحن فيه، و الزيادة في الفرض للبائع قطعا،

ج 24، ص: 31

كالقطع بأنها أمانة مالكية مع التعمد؛ بل في المسالك «أنه محل وفاق» أما مع غيره كالغلط أو شك فيها فالأقوى كونها كذلك أيضا، أي بالنسبة الى عدم الضمان وفاقا لأول الشهيدين و ثانيهما و محكي المبسوط، للأصل بعد أن كان وقوعها في يده من غير تعد منه، بل باذن مالكها، و ليست من المقبوض بالسوم قطعا، و لا أولى منه بالضمان لو قلنا به؛ و الاقدام على قبضها من العوض لم يصلح تسبيبه للضمان.

و عموم

«على اليد»(1)

بحيث يشمل النزاع محل منع، خصوصا بعد عدم الجابر له فيه، بل في المسالك «أن الثابت على الأخذ في الخبر غير مبين، و لعله للحفظ أو نحوه كما يرشد إليه الأمانات المقبوضة باليد؛ مع عدم الحكم بضمانها؛ و القدر المتفق عليه وجوب حفظها.

و ان كان قد يناقش فيه بمعلومية استدلال الأصحاب به في سائر المقامات على الضمان، فلا أقل من أن يكون ذلك مرجحا له على تقدير الحفظ، فضلا عن فهم العرف له من لفظ على، مع أن ارادة الأمرين منه ممكن، بل ربما قيل: انه أنسب بإطلاقه، فتقييده بأحدهما سيما الحفظ من غير داع لا وجه له، فالأولى حينئذ في رد الاستدلال به ما عرفت، أو أن المنساق منه الأخذ عدوانا، أو من غير اذن المالك كما يومي اليه استدلال الأصحاب به في نحو هذا المقامات، فتأمل فما عن فخر المحققين و تبعه الكركي و السيد في الرياض من أن الأصح الضمان ضعيف.

انما الكلام في أنها أمانة شرعية- لعدم علم المالك بها فضلا عن قصده الامانة، فهي كالمتاع في الصندوق و المستعار و لم يعلم به المالك- أو مالكية نظرا الى استناد دفعها اليه و صدق تعريفها المشهور الذي هو

الاستناد الى المالك و من في حكمه عليها وجهان، أصحهما الأول ضرورة ارادة تأمين المالك لها من الأمانة المالكية، لا مجرد أخذها من يده أو دفعه إياها، و لو على وجه الامانة كما هو واضح؛ بل ما ذكر من حكم الأمانة المالكية و الشرعية من عدم وجوب رد الاولى على الفور، و عدم اعلام المالك بها،


1- 1 سنن البيهقي ج 6- ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 24، ص: 32

بخلاف الثانية ظاهر فيما ذكرنا، إذ لا وجه لذلك فيما نحن فيه، هذا.

و في القواعد «ان لآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة ان منعنا الابدال مع التفرق، و كذا لدافعها إذ لا يجب عليه أخذ العوض، نعم لو لم يفترقا رد الزائد و طالب بالبدل، و اليه يرجع ما في المسالك قال: و «على تقدير الغلط اما أن يتبين الحال قبل التفرق أو بعده، فان كان قبله فلكل منهما استرداد الزائد و ابداله، و ليس للآخر الامتناع تحرزا من الشركة، و ان كان بعد التفرق فان جوزنا الابدال للمعيب من الجنس كما تقدم، فكذلك، و الا ثبت الخيار لكل واحد منهما لعيب الشركة».

و نحوه في جامع المقاصد؛ و مقتضى الجميع عدم جواز الفسخ مع جواز الابدال، و به صرح في جامع المقاصد و مقتضى الجميع عدم جواز الفسخ مع جواز الابدال، و به صرح في جامع المقاصد قال: «لانه طريق الى التخلص من العيب فلا يثبت فسخ المعاوضة اللازمة، و فيه أن مثله جاز في المسألة السابقة مع أنهم حكموا بالرد و الإمساك و المطالبة بالبدل؛ اللهم الا أن يدعى الفرق بين عيب الشركة و غيره، فيتمسك في الثاني بإطلاق دليل الرد به الشامل للابدال و الفسخ، بخلاف الأول الذي دليله لا ضرر، المرتفع بمشروعية الابدال و الله أعلم.

[المسألة الخامسة روى جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم ]

المسألة الخامسة: روى أبو الصباح الكناني (1)عن الصادق عليه السلام في القوى جدا ان لم يكن الصحيح ما يستفاد منه جواز ابتياع درهم بدرهم مع اشتراط صياغة خاتم

قال: «سألته عن الرجل يقول للصائغ صغ لي هذا الخاتم و أبدل لك درهما طازجيا بدرهم غلة، قال: لا بأس»

و عمل بها الشيخ في النهاية، فقال: «لا بأس أن يبيع درهما بدرهم و يشترط صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء» بل عن كشف الرموز أن الرواية مقبولة غير مطعون فيها، و أن المشايخ اعتمدوا عليها و أن المخالف صاحب الوسيلة، و إن العجلي متردد و أن العمل بها أظهر بين الأصحاب مستثنى من الآية و عموم الرواية، و ظاهره انحصار المخالف في ابن حمزة كالمحكي عن إيضاح النافع.

و ظاهر المصنف هنا العمل بها أيضا، بل هو صريحه في النافع كالفاضل


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب الصرف الحديث 1.

ج 24، ص: 33

في التحرير و محكي التلخيص، بل قيل انه ظاهره في التذكرة، و أما ابن إدريس فإنه بعد أن ذكر ما في النهاية وجه الفتوى بذلك أن الربا هو الزيادة في العين إذا كان الجنس واحدا، و هنا لا زيادة في العين، و يكون ذلك على وجه الصلح في العمل؛ فهذا وجه الاعتذار له إذا سلم العمل به، و يمكن أن يحتج لصحته بقوله تعالى (1)(أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا) و هذا بيع، و الربا المنهي عنه غير موجود، لا حقيقة لغوية و لا شرعية و لا عرفية.

و فيه ما قد عرفت سابقا من تحقق الربا بمطلق الزيادة في المتجانسين، ضرورة عدم صدق المثل بالمثل معها، و

في صحيح عبد الرحمن (2)«ان الناس لم يختلفوا في النسي ء أنه الربا،»

كما

في خبره الآخر(3)«جاء الربا من قبل الشروط، و انما تفسده الشروط»

بل يمكن دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك، لا يقال إذا كان وصف الخاتمية مثلا لا يتحقق به الربا، و لذا جاز بيعه بمثله فضة غير خاتم، فاشتراطها غير قادح أيضا، لأنا نقول ان الشرط هنا العمل و هو صباغتها خاتما لا وصف الخاتمية، و لا ريب في تحقق الربا بمثله.

نعم لو كان الشرط مثلا بيعه بفضة مصوغة خاتما، أمكن عدم تحقق الربا، لعدم اشتراط العمل، فهو كبيعه الفضة بالفضة من الدراهم مثلا، أو بفضة من جنس المصوغ على وجه خاص، و نحو ذلك بما هو أفراد للمبيع، و بالوصف و الشرط يتعين بعض أفرادها، و مثله لا يتحقق به الربا قطعا، إذ ليس مطلق الاشتراط في أحد العوضين يتحقق به ذلك؛ و لعل من ذلك اشتراط الخيار لأحدهما، فإنه لا يتحقق به الربا أيضا إذ أقصاه صيرورة البيع بالنسبة إلى أحدهما جائزا، بل قد يقال بعدم تحقق الربا باشتراط غير موضع العقد للتسليم؛ نحو ما قيل في الفرض، بل لا أجد خلافا فيه بين من تعرض لذلك، كالفاضلين


1- 1 سورة البقرة الآية 274.
2- 2 الوسائل الباب- 15-، من أبواب الصرف الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 12- من أبواب الصرف الحديث 1 لكنه عن خالد بن الحجاج.

ج 24، ص: 34

و الشهيد و المحقق الثاني و غيرهم و الظاهر أن ذلك منهم فيه، للأصل و العمومات مع فقد المانع من نص و إجماع، لاختصاصهما بالمنع عن القرض بشرط النفع، و ليس الإنقاد في بلد آخر منه، و لعل ما نحن فيه كذلك، إذ ليس هو الاشتراط موضع خاص من مواضع التسليم غير ما انصرف اليه العقد و حينئذ فيكون

ما ورد من الصحيح (1)«في الرجل يسلف الرجل الورق على من ينقدها بأرض أخرى؛ و يشترط عليه ذلك، قال لا بأس»

و نحوه الخبر مؤكدا لما عرفته من القاعدة.

لكن في التحرير «يجوز ان يعطى عشرة دراهم أو دنانير و يشترط عليه أن ينقدها إياه بأرض أخرى مثلها في العدد و الوزن من غير تفاضل قرضا لا بيعا» و ظاهره الفرق بين القرض و البيع في ذلك، و فيه نظر ان لم يرد من جهة الصرفية.

نعم لو اشترط عليه حمل المبيع مثلا الى بلد آخر تحقق الربا، لا ما إذا كان كليا و اشترط خصوص موضع للتسليم، بل قد يظهر من

خبر محمد الحلبي (2)جواز اشتراط بيع الربوي بمثله في عقد ربوي آخر، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يستبدل الكوفية بالشامية وزنا بوزن؛ فيقول الصيرفي لا أبدل لك حتى تبدل لي يوسفية «ببغلية»(3)وزنا بوزن فقال لا بأس به، فقلنا له: أن الصيرفي يطلب فضل اليوسفية على «البغلية»(4)فقال: لا بأس به»

فتأمل جيدا.

و كيف كان فلا ريب في أن ما نحن فيه ليس شيئا من ذلك، بل متى اشترطه أو نظيره من باقي الأعمال تحقق الربا، فانحصر الطريق حينئذ في الخروج عن ذلك بالخبر المزبور


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب الصرف الحديث 1- 3- 4- 5.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب الصرف الحديث 1 مع اختلاف يسير.
3- 3 هكذا في النسخ المصححة، و الصحيح بغلة بكسر الغين المعجمة كما في الوسائل و التهذيب و الكافي و يأتي عن المصنف نقل تفسيرها بالمغشوش عن الفقهاء و بعض أرباب اللغة.
4- 4 هكذا في النسخ المصححة، و الصحيح بغلة بكسر الغين المعجمة كما في الوسائل و التهذيب و الكافي و يأتي عن المصنف نقل تفسيرها بالمغشوش عن الفقهاء و بعض أرباب اللغة.

ج 24، ص: 35

لكن قد يناقش فيه بعد تسليم اعتبار سنده، بأنه لا دلالة فيه على ذلك إذ مورده اشتراط الإبدال في الصياغة لا العكس، و مع فرض صحة وقوع هذا الابدال عوضا عن الإجارة أو الجعالة يرتفع الإشكال، إذ لا ربا في نفس عقد بيع الدرهم بالدرهم، و المحرم منه الزيادة في عقد بيعه فيكون ذلك حيلة للتخلص من الربا.

و دعوى أنه يؤول إلى كون الثمن للطازجى الغلة و العمل، يدفعها منع تحقق الربا بنحو هذا الأول، و مع تسليمه فليست المسألة من البيع بشرط ذلك، و يمكن أن يكون من المقاولة التي لا يترتب عليه التزام، و لكنه لا بأس به مع التراضي من غير اشتراط؛ كما يمكن أن يكون ذلك من الابدال الذي هو من الاعمال؛ لا خصوص البيع منه.

و بما في الروضة و المسالك من أن الصياغة وقعت من جانب الغلة، و قد حكي عن بعض أهل اللغة و جماعة من الفقهاء أنها المغشوش، و الطازج الخالص، فيكون الغش حينئذ و الصياغة في مقابلة ما زاد عليه من الطازج؛ و هذا لا مانع منه في البيع و غيره، و في شرط صياغة خاتم و غيره من الصنائع و الأعيان، فتكون الرواية حينئذ موافقة للضوابط، و لا يقتصر على مضمونها.

و باحتمال كون المراد الصياغة بأجرتها و الابدال، و عدو بغير ذلك من الاحتمالات التي تسقط الخبر عن الدلالة على ذلك الذي هو مبنى على مساواة درهم الغلة و الطازج بالوزن، و أنهما مختلفان بالجودة و الرداءة لا غير أو بالصحة و الكسر، أو أن الأول العتيق و الثاني الجديد؛ و نحو ذلك مما لا يجوز التفاضل فيهما، و منه بيع أحدهما بالاخر مع اشتراط الصياغة؛ و الخبر ان لم يكن ظاهرا فيما ذكرناه فلا ظهور فيه في ذلك قطعا، و لا جابر له، إذ المشهور بين المتأخرين عدم العمل به على هذا الوجه، بل صرح الفاضل في المختلف و الشهيدان و المحقق الثاني و المقداد و غيرهم بعدم العمل به بالنسبة الى ذلك

ج 24، ص: 36

و أغرب منه التعدية منه الى مطلق الشرط و ان كان عينا، أو إذا كان زيادة حكمية من غير فرق بين الثمن و المثمن، و قد سمعت عبارة النهاية و نحوها عن التذكرة، مع أنه لا إشعار في الخبر بالتعدية المزبورة و لا منقح من إجماع أو عقل.

و لذا قال المنصف و هل يتعدى الحكم؟ الأشبه لا و هو كذلك كما عرفت، و لقد أجاد في الدروس في أصل تحرير المسألة حيث قال: «روى أبو الصباح جواز جعل ابدال درهم طازج، بدرهم غلة، عوضا لصياغة خاتم، و حكم جماعة- بجواز بيع درهم بدرهم مع شرط صياغة خاتم قال ابن إدريس: لأن الزيادة ليست عينا ورد بأن الربا يحصل بالزيادة الحكمية، و ظاهرهم جواز التعدية الى غير ذلك فان اعتمدوا على الرواية فلا دلالة لهم فيها، و الا وجه المنع مطلقا، و الرواية في الإجارة لا غير، و كان العمل يجبر تفاوت ما بين الدرهمين إذ لطازج الخالص؛ و الغلة غيره» و لا ريب في أنه أولى من تعبير المصنف و غيره عن مضمون الرواية بأنه جواز بيع درهم بدرهم، مع اشتراط صياغة خاتم، لما عرفت من عدم كونه كذلك و الله أعلم.

[المسألة السادسة الأواني المصوغة من الذهب و الفضة ان كان كل واحد منهما معلوما جاز بيعه بجنسه ]

المسألة السادسة قد عرفت من القواعد السابقة أن الأواني المصوغة من الذهب و الفضة يجوز بيعها بغير جنسها مطلقا و بمجموع النقدين كذلك لانصراف كل الى ما يخالفه، و بوزنهما أو أزيد من أحد الجنسين، لانصراف الزيادة حينئذ إلى المخالف، و عن فخر المحققين هنا الإجماع عليه؛ و بالأنقص مع العلم بزيادته على ما فيها منه، زيادة تصلح للانصراف الى الجنس الأخر، و عن الفخر الإجماع عليه هنا أيضا، من غير فرق في ذلك كله بين إمكان تخليص أحدهما عن الأخر بحيث لا يتلف منه شي ء و عدمه، و بين العلم بقدر كل واحد منهما و عدمه، للاكتفاء في المعلومية بوزن المجموع، و بين غلبة أحدهما على الأخر و عدمه.

لكن في نهاية الشيخ الأواني المصاغة من الذهب و الفضة معا ان كان مما يمكن

ج 24، ص: 37

تخليص أحدهما من صاحبه، فلا يجوز بيعها بالذهب أو بالفضة و ان لم يكن ذلك فان كان الغالب الذهب لم تبع إلا بالفضة و ان كان الغالب فيها الفضة لم تبع الا بالذهب، و ان تساوى النقدان بيعت بالذهب و الفضة معا، و نحوها ما في النافع و الإرشاد و التحرير و محكي السرائر، و قال قبل ذلك: «و لا يجوز بيع الفضة إذا كان فيها شي ء من المس أو الرصاص أو الذهب أو غير ذلك الا بالدنانير إذا كان الغالب الفضة، فإن كان الغالب الذهب، و الفضة الأقل، فلا يجوز بيعه إلا بالفضة، و لا يجوز بيعه بالذهب نقدا، هذا إذا لم يحصل العلم بمقدار كل واحد منهما على التحقيق، و ان تحقق ذلك جاز بيع كل واحد منهما بجنسه، مثلا بمثل من غير تفاضل.

و لذا قال المصنف هنا في بيان حكمها، أي الأواني المزبورة ان كان كل واحد منهما معلوما، جاز بيعه بجنسه من غير زيادة، و بغير الجنس و ان زاد، و ان لم يعلم و أمكن تخليصهما لم يبع بالذهب و لا بالفضة، و بيعت بهما أو بغيرهما، و ان لم يمكن و كان أحدهما أغلب بيعت بالأقل، و ان تساويا تغليبا بيعت بهما و هو محصل كلام الشيخ.

كما أنه وافقه في الجملة في القواعد و محكي التذكرة فقال «و المصاغ من النقدين ان جهل قدر كل واحد بيع بهما، أو بغيرهما، أو بالأقل ان تفاوتا. و ان علم بيع بأيهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه، و لو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا».

و قال في الوسيلة: «و المخلوط من الذهب بالفضة ضربان فإن أمكن تخليص أحدهما من الأخر و لم يعلم مقدار ما فيه من الذهب و الفضة، لم يجز بيعه بالذهب و لا بالفضة و لا بالمخلوط، فإن أراد ذلك تواهبا و ان علم مقدارهما جاز، و ان لم يمكن التخليص و علم مقدار كل واحد منهما جاز أن يباع بالذهب أو بالفضة أو بكليهما و بمخلوط مثله، و ان لم يعلم المقدار و علم الغالب بيع بغير الغالب فان اشتبه بيع بكليهما، و ان ضم جنس آخر معه كان أحوط، و ان كان كلا البدلين مخلوط كذلك لم يصح بيع

ج 24، ص: 38

أحدهما بالاخر» و قال ابن الجنيد كما في المختلف: «و إذا اختلط الذهب بالفضة لم يجز أن يشترى المختلط بواحد منهما و ان كان أحدهما مختلطا بنحاس أو رصاص، فان كان معلوما جاز ان يباع الفضة بمثلها، و أسقط الغش، و ان ابتاع المختلط منهما بشي ء منهما بأن يجعل الذهب في الثمن ثمن الفضة من السلعة، و الفضة من الثمن ثمن الذهب من السلعة جاز، و

قول النبي صلى الله عليه و آله (1)«بيعوا الذهب بالفضة يدا بيد كيف شئتم»

مبيح لذلك في الاختلاط و الانفراد و الزيادة و النقصان، فان كان العين المختلط في أحدهما لا حكم له في نفس الاسم كالاسرب الذي فيه فضة، لا حكم لها جاز شراؤه بفضة دون وزنه، و لو كان هذا حكم الذهب و الفضة، فغلب أحدهما كان شراء ذلك بعروض غيرهما أحب الى» و الجميع كما ترى مخالف لتلك القواعد، أو فيه ما هو كذلك كما لا يخفي على من تأملها و تأمله.

و قد ذكر الشهيد في المسالك جملة من مواضع المخالفة التي تظهر بأدنى التفات هذا مع أنه لم نقف لهم على ما يشهد لهم من النصوص، سوى

خبر إبراهيم بن هلال (2)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام جام فيه ذهب و فضة اشتريته بذهب أو فضة فقال ان كان تقدر على تخليصه فلا، و ان لم تقدر على تخليصه فلا بأس»

و

خبر أبى عبد الله مولى عبد ربه (3)قال: «سألت الصادق عليه السلام عن الجوهر الذي يخرج من المعدن و فيه ذهب و فضة و صفر جميعا، كيف نشتريه، فقال: نشتريه بالذهب و الفضة جميعا»

و

خبر عبد الله بن سنان (4)قال: «سألت الصادق عليه السلام عن شراء الذهب فيه الفضة بالذهب قال: لا يصلح الا بالدنانير و الورق»

و غير ذلك من النصوص (5)التي تسمعها في تراب الصياغة لكن


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 282.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصرف الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب 11- من أبواب الصرف الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب 11- من أبواب الصرف الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب- 16- من أبواب الصرف.

ج 24، ص: 39

لا دلالة فيها على تمام ما ذكروه، مع أن في سند الأول منها الذي لم يتضمن التفصيل بالتخلص و عدمه و غيره، ما يمنع من العمل

به، مضافا الى عدم القول بإطلاقه منهم؛ كإطلاق غيره من النصوص السابقة المحمول قطعا على الغالب من عدم العلم بالمساواة في شراء الممتزج بأحدهما فلا تكون مخالفة حينئذ للقواعد السابقة، و قد يحمل كلام الأصحاب أو بعضهم على ذلك أيضا خصوصا بعد معلومية عدم التغابن عادة، الا أن ما ذكروه من البيع بالأقل على تقدير الغلبة لا محمل له، و اعتذر عنه الشهيد بإرادة المحافظة على طلب الزيادة قال في الدروس: «و الإناء المصوغ من الجوهرين أو الحلي منهما يباع بغيرهما أو بهما مع علم وزن المبيع، و ان لم يعلم وزن كل واحد منهما، إذا لم يمكن التخلص؛ و لو بيع بالجنس الواحد لم يجز الا أن يقطع بزيادة الثمن» و قال الشيخ و جماعة «يباع بالأقل محافظة على طلب الزيادة» و فيه أن الزيادة المعتبرة في الثمن غير جنسه، يمكن تحققها مع الأقل و الأكثر، أو مع ذلك فالارشاد إلى الزيادة غير كاف في التخصيص الموجب لتوهم المنع عن غيره.

لكن قد يظهر منه عدم خلاف الشيخ إلا في ذلك الذي حمله على ما عرفت، كما عساه يظهر من المحكي عن شرح الإرشاد للفخر قال: «ان المصوغ من النقدين يجوز بيعه بأحدهما بوزن المجموع أو أزيد، إجماعا الى أن قال و ان لم يبع بوزن المجموع فلا يخلو اما أن يعلم زيادته على جنسه أو لا، و الأول يصح إجماعا ثم قال ان لم يمكن التخلص فالأصح عندي أنه لا يصلح بيعه به، و قيل يصح بيعه بالأنقص، و هو مشهور عند الأصحاب؛ و هذا خلاف قاعدتهم لأنهم مع إمكان الربا حرموا عليه الزيادة لكن بنوا ذلك على أن العاقل لا يقع في معاملاته التغابن و هذا ليست أمارة حسية و لا عقلية بل زعموا أنها شرعية بنص الأصحاب.

قلت يمكن أن يريدوا انه إذا بيع بالأقل كان هناك طريق للتخلص من الربا

ج 24، ص: 40

لو أريد بيعه بأحدهما بأنقص من وزن مجموعه، بأن يشتريه مثلا بوزن نصفه من جنس الأقل للقطع حينئذ بالزيادة، لأن الفرض غلبة الجنس الأخر، بخلاف ما لو بيع بالجنس الأخر فلا يعلم زيادة الثمن حتى يباع بوزن مجموعه، و الغالب في معاملات الناس عدم شراء المركب منهما بوزن أحدهما، و لذا أطلق في كلامهم عدم جواز بيعه بالذهب أو الفضة كالنصوص، و نحو ما تقدم في عبارة المصنف في المغشوش، كما أن قول المصنف بجواز بيع كل واحد منهما بجنسه مع العلم بقدره من غير زيادة متجه، ضرورة تحقق الربا بالزيادة، و لا يدفعها تعدد الجنس، بعد أن عين الثمن لكل منهما من جنسه، إذ الانصراف الى المخالف انما هو إذا بيع بالمجموع من غير تعيين.

و كيف كان ان أمكن إرجاع كلام الجماعة جميعه أو بعضه الى مقتضى القواعد السابقة فمرحبا بالوفاق، و الا كان محلا للمنع، لعدم دليل صالح للخروج به عنها، كما هو واضح.

ثم ان مقتضى الأدلة السابقة الصريحة في اشتراط المماثلة ببيع المتجانسين، و حرمة التفاضل و المبالغة في شدة حرمة الربا اعتبار القطع هنا بزيادة الثمن على المجانس إذا أريد البيع بجنس أحدهما، ليتخلص من الربا، بصيرورة الزيادة في مقابلة الجنس الأخر كما صرح به في الدروس و استجوده في الروضة، و تعذر العلم أو تعسره الا بالتخلص الموجب ضررا بتلف البعض، لا يجوز الاكتفاء بغيره، و لو كان ظنا غالبا، خلافا للمعة فاكتفي به لعسر العلم اليقيني بالقدر غالبا، و مشقة التخليص الموجب له، و فيه منع، و لو سلم فليبعه بغير الجنس أو بضمه اليه، نعم قد يقال حيث لا يمكن التخلص من ضرر عدم العلم الا به بالاكتفاء مع أنه لا يخلو من نظر أيضا فتأمل.

و المراد بإمكان التخلص أن يتخلص من دون أن يتلف شي ء أو ينقص قدره أو وصفه و الله أعلم.

ج 24، ص: 41

[المسألة السابعة المراكب المحلاة إن علم ما فيها بيعت بجنس الحلية]

المسألة السابعة:- قد عرفت مما تقدم من القواعد السابقة كيفية بيع المراكب و السيوف و غيرها المحلاة بأحد النقدين ف ان علم قدر ما فيها بيعت بجنس الحلية بشرط أن يزيد الثمن عما فيها ليتخلص من الربا بمقابلة الزيادة لذي الحلية أو توهب بعد البيع أو قبله، فتكون الحلية حينئذ مبيعة منفردة فلا يحتاج إلى الزيادة بل لا يجوز معها لتحقق الربا.

نعم يجب أن يكون الالتهاب من غير شرط في بيع الحلية بمساويها، و الا كان ربا كما عرفته فيما تقدم، و لو وهبه قبل البيع صح، و لو اشترط في عقد الهبة بيع الحلية بالمساوي خلافا للمسالك فلم يجوزه أيضا و كأنه لأنه يؤل الى البيع بشرط الهبة، و فيه منع، هذا إذا أريد البيع بجنس الحلية و أما لو باعه بغير جنسها فلا إشكال في الجواز مطلقا (11) سواء زادت قيمته عليها أولا و سواء اشترط الهبة لو كان البيع للحلية خاصة أولا و (12) أما ان جهل (13) المقدار فالظاهر عدم الإشكال في أصل البيع، لعدم اشتراطه هنا بالوزن، للأصل المعتضد بالسيرة، و إطلاق النصوص سواء تمكن من النزع بلا ضرر أولا، لكن قد يوهم قوله في المتن و لم يمكن نزعها الا مع الضرر، بيعت بغير جنس حليتها (14) عدم الجواز مع التمكن، و نحوه الدروس، بل عن حواشي الشهيد التصريح بأنه لا يجوز بيع المحلى المجهول الا بعد تخليص الحلية، الا ان يحصل نقص أو ضرر، فيجوز مجهولا بالاخر، و فيه منع واضح.

نعم لا يرتفع حكم الربا بذلك للاكتفاء فيه بوزن جنسه، و ليس هذا كالغزل الذي خرج بالصفة عن كونه موزونا الذي قد صرح في النصوص (1)بجواز بيعه متفاضلا بل هو كغير الموزون لكبر أو صغر بل هو أولى منهما عند التأمل، ضرورة موزونية الحلية لو كانت منفردة الا أنها بالوضع على المحلى، و صعوبة النزع و التضرر به بيعت


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب الربا الحديث- 12 و باب- 19- منه أيضا.

ج 24، ص: 42

بلا وزن، تبعا للمحلى.

نعم يمكن التوقف في بيعها منفردة مجهولة، بل لعل الأقوى فيه العدم؛ و كيف كان فما ذكره المصنف من البيع بغير جنس الحلية لا اشكال فيه و لا خلاف و أما ان بيعت بجنس الحلية فمقتضى القواعد السابقة بل حكي الإجماع عليه هنا و نفي الخلاف فيه آخر، مضافا الى ما سمعت من النصوص (1)جوازه إذا كان الثمن زائدا عليها، حتى يكون في مقابلة ذي الحلية، أما إذا كان أقل فلا يجوز إجماعا محكيا عن الخلاف، معتضدا بنفي الخلاف من غيره، بل و محصلا لتحقق الربا، و قد

سأل منصور الصيقل (2)أبا عبد الله عليه السلام «عن السيف المفضض يباع بالدراهم فقال: ان كانت فضته أقل من النقد فلا بأس و ان كان أكثر فلا يصلح»

و نحوه مضمر أبى بصير(3)و هو قرينة على وهم الراوي عنه

في خبره الآخر(4)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام السيف أشتريه و فيه الفضة تكون الفضة أكثر أو أقل، قال: لا بأس»

أو على أن المراد به في فضته قلة أو كثرة على اختلاف أفراده فيقيد حينئذ بخبره الأول أي إذا كان ثمنه أكثر فلا بأس، أو كان مع الضميمة أو غير ذلك، جمعا بينه و بين ما عرفت من القواعد السابقة و غيرها.

لكن قيل و القائل الشيخ في النهاية يجعل معها شي ء من المتاع، و تباع بزيادة عما فيها تقريبا دفعا لضرر النزع قال فيها: «و متى كانت محلاة بالفضة و أرادوا بيعها بالفضة و ليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها ليجعل معها شيئا آخر و بيع حينئذ بالفضة إذا كان أكثر مما فيها تقريبا، و لم يكن به بأس» و لم أجده لغيرها، نعم نسبه في التنقيح الى المبسوط و الخلاف؛ و في مفتاح الكرامة، لم أجده تعرض لذلك في الكتابين بعد فضل التتبع، و يؤيده اقتصار جماعة على نسبته إليها.


1- 1 الوسائل الباب 15- من أبواب الصرف.
2- 2 الوسائل الباب 15- من أبواب الصرف الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب 15- من أبواب الصرف الحديث 8.
4- 4 الوسائل الباب 15- من أبواب الصرف الحديث 9.

ج 24، ص: 43

و على كل حال فظاهرها كما قيل اعتبار الضميمة مع الحلية، بل عن حواشي الشهيد نسبته الى محققيهم، و لا وجه له، ضرورة عدم الفائدة لها بعد ان كان المحلى مضموما إليها، بل تستدعي زيادة في الثمن في بعض الأحوال. نعم لو ضمت الى الثمن المجانس أفادت عدم اعتبار كثرته على المقابل؛ لاشتمال كل من العوضين حينئذ على جنسين، و قد عرفت انتفاء الربا فيه فتوى و نصا، و حمل عبارة النهاية و المتن على ذلك ممكن، الا انه عليه لا ينبغي اعتبار كثرة الثمن لا تحقيقا و لا تقريبا، اللهم الا ان يريد انه يعتبر الضميمة إلى الثمن إذا كان مجانسا إلى الحلية، و لم تكن كثرته محققة بل تقريبية، فإذا أريد بيعه على هذا الحال اعتبر الضميمة إلى الثمن، لكن الجميع كما ترى تكلف في تكلف.

و نحوه ما قيل من الاعتذار له على تقدير إرادة الضميمة إلى الحلية بأنه لعله يريد أن يبيعها منفردة لا يجوز مع الجهل بقدرها و جهل المقابل لها، فيضم إليها المحلي أو شي ء آخر حتى يكون سببا لتكثير الثمن على وجه يقطع بزيادته عليها، إذ هو أبعد مما ذكرنا، و من هنا قيل ان الشيخ قد تبع في ذلك رواية حملت على سهو الراوي قلت: هي

خبر عبد الرحمن،(1)و قد رواه في المحكي عن كشف الرموز «سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة، نبيعها بدراهم بنقد قال: كان أبى يقول يكون معها عروض أحب الى»

و عود الضمير فيه الى الدراهم ممكن، بل هي أقرب من السيوف و الموجود في محكي

التهذيب و الكافي (2)«سألته عن السيوف المحلاة فيها الفضة تباع بالذهب إلى أجل مسمى فقال:

ان الناس لم يختلفوا في النسي ء أنه الربا، و انما اختلفوا في اليد باليد، فقلت له: فنبيعه بدراهم بنقد، فقال: كان أبى عليه السلام يقول: يكون معه عرض أحب الى؛ فقلت: إذا كانت الدراهم التي تعطى أكثر من الفضة التي فيها، فقال: فكيف لهم بالاحتياط بذلك، قلت له: فإنهم يزعمون أنهم


1- 1 المستدرك ج 2 ص 483 و هي قطعة من الرواية و لها صدر و ذيل.
2- 2 الوسائل الباب- 15- من أبواب الصرف الحديث- 1 مع اختلاف يسير.

ج 24، ص: 44

يعرفون ذلك، فقال: إذا كانوا يعرفون ذلك فلا بأس يجعلون معه العرض أحب الى».

و تذكير ضمير معه و ان كان كتذكير الضمير في نبيعه المعلوم ارادة المحلى منه؛ و لكن قد يشهد لرجوعه الى النقد أو الى الثمن المفهوم من المقام، بل لو أنث أمكن رجوعه الى الدراهم لا السيوف، بل قد يشهد لذلك أيضا قول السائل فقلت الى آخره، ضرورة ظهوره في أن السائل قد فهم ارادة العروض مع الدراهم، فسأله عن الاحتياج اليه مع فرض كثرة الدراهم، فأجابه عليه السلام أنه لا سبيل غالبا إلى معرفة ذلك؛ فقال له: انهم يزعمون المعرفة فقال له: لا بأس على هذا الفرض، الا أنه و مع ذلك «فالعروض أحب» لعدم كون المعرفة على جهة اليقين من المتعاملين، و أمر الربا شديد ينبغي شدة الاحتياط في التحرز، على أن الموجود فيما حضرني من نسخ التهذيب و الكافي المعتمدة؛ و الا يجعلون الى آخره، على معنى أنهم ان لم يعرفوا ذلك يجعلون، و يكون المراد من قوله أحب حينئذ الوجوب، نحو ما سمعته في صدره.

و على كل حال فقد اتضح المراد بالخبر و يمكن حمل عبارة الشيخ عليه، و الا كان سهوا من قلمه الشريف، كما أن ما في ظاهر الإرشاد من تعين البيع بغير الجنس مع الجهل؛ بل و القواعد يجب حمله على ما هو الغالب من عدم القطع بالزيادة.

ثم ان ظاهر الخبر المزبور ان منع النسيئة في بيع الأثمان بعضها ببعض من جهة الربا و لو مع اختلاف الجنس، و المعروف أن المنع في الأخير لاعتبار التقابض في الصرف، اللهم الا أن يكون اعتباره من جهة لزوم الربا غالبا على تقدير عدمه في أحدهما على وجه النسيئة، كما هو صريح بعض العبارات المحكية عن المبسوط، و لا بعد فيه، إذ غايته تحقق الربا في الأثمان بذلك مضافا الى التفاضل في الجنس، و الأمر سهل، الا أن قوله و انما اختلفوا الى آخره، ظاهر في وقوع الخلاف باعتبار التقابض فيه، لان المراد به اختلافهم في اعتباره فيه و عدمه بعد اتفاقهم على منع النسيئة، مع أنه لم نعرف خلافا في

ج 24، ص: 45

اعتباره في بيع النقدين، اللهم الا أن يكون ذلك إشارة الى ما ذكره محي السنة من العامة على ما قيل: من أن ذلك أي التفاضل في الجنسين يدا بيد كان قديما في عصره صلى الله عليه و آله، و نسخ، و بقي عليه أقوام لم يصل اليه النسخ.

و على كل حال فهو صريح في عدم جواز البيع نسيئة و

قال أبو بصير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع السيف المحلى بالنقد، فقال: لا بأس به، قال: و سألته عن بيعه بالنسيئة، فقال: إذا نقد مثل ما في فضته فلا بأس، أو ليعط الطعام»

و قال أيضا

في خبر ابن سنان (2): «لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بنساء إذا نقد ثمن فضته و الا فاجعل ثمن فضته طعاما و لينسئه ان شاء».

فما

في مرسل إسحاق بن عمار(3)ظانا أن الراوي عبد الله بن جذاعة قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السيف المحلى بالفضة يباع بنسيئة قال: ليس به بأس، لأن فيه الحديد و السير»

يجب تقييده بما إذا نقد مثل ما فيه من الفضة، أو أن البيع كان بعرض أو غير ذلك، كما انه يجب حمل

خبر محمد(4)قال: «سأل عن السيف المحلى و السيف الحديد المموه بالفضة نبيعه بالدراهم قال: نعم و بالذهب و قال: انه يكره أن تبيعه نسيئة؛ و قال: إذا كان الثمن أكثر من الفضة فلا بأس»

على إرادة الحرمة من الكراهة لو كان البيع بالنقد؛ و في التهذيب بع بالذهب، مكان نعم و بالذهب، و لعله أولى؛ و يكون قوله أخيرا إذا كان الى آخره تقييدا للجواز بالدراهم.

و على كل حال فمقتضى إطلاق النصوص المزبورة و ما شابهها من الفتاوى المتضمنة لوجوب نقد ما يقابل الحلية لو كان الثمن نقدا في المجلس و تأجيل ما عداه؛ جريان حكم الصرف عليه إذا بيع بالأثمان، و لو ضم إليها غير ثمن فيقبض ما يقابل الحلية


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب 15 من أبواب الصرف الحديث 4.

ج 24، ص: 46

منها و يؤخر الباقي ان شاء، بل صرح به في الدروس فقال: «لو جمع بين الربوي و غيره في عقد جاز فان كان مشتملا على أحد النقدين، اشترط قبض ما يوازيه في المجلس» و هو مؤيد لما ذكرنا سابقا من أن المراد بانصراف كل جنس الى ما يخالفه عدم الربا خاصة، لا أن ذلك جار في غيره من الاحكام التي منها الصرف، فلا يجب التقابض؛ لانصراف كل الى ما يخالفه؛ فلا يكون من الصرف الذي هو بيع الأثمان بعضها ببعض، و الله أعلم هذا.

و قد عرفت فيما تقدم أنه يجب العلم بكثرة الثمن إذا كان من جنس الحلية عليها؛ وفاقا للدروس و الروضة و غيرهما؛ و ظاهر الباقين، و لا يكفي الظن احتياطا من الربا؛ و للشك في شرط الجواز هنا، و لغير ذلك، لكن في اللمعة هنا «و حلية السيف و المركب يعتبر فيهما العلم ان أريد بيعها بجنسها فان تعذر كفي الظن الغالب» و فيه ما عرفت سابقا فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثامنة لو باع ثوبا بعشرين درهما من صرف العشرين بدينار لم يصح ]

المسألة الثامنة لو باع ثوبا بعشرين درهما مثلا من صرف العشرين بدينار لم يصح لجهالته كما عن المبسوط التصريح به أيضا قال: «إذا اشترى ثوبا بماءة درهم من صرف عشرين درهما بدينار لم يصح الشراء، لان الثمن غير معين و لا موصوف بصفة تصيره معلوما» و فيه ان المتجه الصحة مع عدم الجهالة؛ و دعوى لزومها له ممنوعة و من هنا قيد البطلان في القواعد بتعدد الصرف بالسعر المذكور أو جهله، و قال في الدروس: «صح مع العلم لا مع الجهل» و في المختلف «إطلاق الشيخ ليس بجيد، لان مع وجود دراهم صرفها ذلك يصح البيع» و قد يستفاد من تعليل المتن التقييد أيضا، لكن في المسالك «ان تعليله المنع بالجهالة يقتضي إثباتها و ان وجد في المعاملة نوع صرفه ذلك و علم به»

ج 24، ص: 47

قلت: بهذا التعميم صرح في التذكرة، حتى قال: «لو كان نقد البلد صرف العشرين بدينار لم يصح أيضا لأن السعر يختلف، و لا يختص ذلك بنقد البلد» و فيه ان المانع من الصحة انما هو جهل الدراهم، و هي على هذا التقدير معلومة، و الإطلاق منزل على نقد البلد أو الغالب ان تعدد فمتى كان نقد البلد معينا لذلك الصرف؛ أو الغالب و عين نوعا بذلك صح، كما أنه يصح مع فرض العلم في غيرهما أيضا، و تعدد أفراد العشرين بالصرف المزبور إذا لم يختلف الغرض باختلافها غير قادح، إذ هو كأفراد كلى الدرهم مثلا، و الحاصل هذه المسألة جزئية من مسائل الجهل و العلم، فيدور الحكم في الصحة و الفساد عليهما، و لعله مراد الشيخ من إطلاقه، كما أن إطلاق بعض من انتقد عليه كذلك، و الأمر سهل بعد وضوح الحال.

[المسألة التاسعة لو باع ماءة درهم بدينار الا درهما لم يصح ]

المسألة التاسعة لو باع ماءة درهم بدينار الا درهما منه لم يصح بلا خلاف أجده للجهالة بالدينار أو الدرهم أو نسبة الدرهم الى الدينار، لعدم تحققها باعتبار عدم ضرب السلطان قيمة للدينار؛ أو لعدم علم المتعاقدين بها، بل لو علم أن الدرهم يساوى ربع مثقال من الدينار؛ الا أنه لم يعلم نسبته اليه لعدم العلم بوزن الدينار، يمكن البطلان أيضا للجهالة، و فيه وجه بالصحة مع عدم علم الاستغراق، بل و في سابقه و ان كان ضعيفا، اما لو علم ذلك و علم وزن مجموع الدينار الا أنه لم يستحضر النسبة، أنها ربع أو أكثر أو أقل فالأقوى الصحة فيه.

و كذا الحكم لو كان ذلك ثمنا لما لا ربا فيه ضرورة بناء المسألة على العلم و الجهل الذين يعمان كل بيع، و قد

روى السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام «في رجل يشتري السلعة بدينار غير درهم الى أجل، قال: فاسد؛ فلعل الدرهم


1- 1 الوسائل الباب 23 من أبواب أحكام العقود الحديث 2.

ج 24، ص: 48

يصير بدينار»

و مقتضى التعليل فيه بل و القواعد أنه لو اشتراه مستثنيا منه الدرهم، في وقت العقد و كان معلوم النسبة عندهما صح، و لو كان

نسيئة، بل هذا هو مراد الإسكافي فيما حكي عنه، لو باع ثوبا بماءة درهم غير دينار نقدا جاز؛ فان باعه نسيئة لم يصح البيع. لانه لا يعلم قدر الدينار من الدرهم وقت الوجوب، و كذا كل ما اختلف جنساه.

كما أن ما عن الشيخ في المبسوط يجب حمله على عدم علم المتعاقدين حال العقد؛ قال: «إذا اشترى ثوبا بماءة درهم الا دينارا، أو بماءة دينار الا درهما لم يصح، لان الثمن مجهول، لانه لا يدرى كم حصة الدرهم من الدينار، و لا حصة الدينار من الدرهم الا بالتقويم و الرجوع الى أهل الخبرة، و نحوه عن ابن البراج و الكراهة في

خبر حماد بن ميسر «عن جعفر عن أبيه عليه السلام أنه كره أن يشترى الثوب بدينار غير درهم، لانه لا يدرى كم الدينار من الدرهم»

يراد به الحرمة أو أنه لا يعلم خصوص الثلث و الربع مثلا، نحو

خبر وهب عن جعفر «عن أبيه عليه السلام أنه كره ان يشترى الرجل بدينار الا درهما أو إلا درهمين نسيئة، و لكن يجعل ذلك بدينار الا ثلثا، و الأربعاء و الا سدسا، أو شيئا يكون جزءا من الدينار»

و منه و من غيره يعلم أنه لو قدر قيمة الدرهم من الدينار بجزء مشاع فاستثناها جاز لارتفاع الجهالة بل لو قال استثنى الدرهم مع العلم منهما بما يخصه من الدينار. فهو كناية عن ارادة استثناء ذلك الجزء صح، بل لو لم يستحضر النسبة إلا أنهما يعلمانها بأدنى التفات لم يبعد الجواز لارتفاع الجهالة و الله أعلم.

[المسألة العاشرة لو باع خمسة دراهم مثلا بنصف دينار قيل كان له شق دينار]

المسألة العاشرة: لو باع خمسة دراهم مثلا بنصف دينار مثلا قيل: و القائل الشيخ و غيره بل لا أجد فيه خلافا صريحا كان له شق دينار بمقتضى الحقيقة اللغوية و لا يلزم المشتري شق صحيح لعدم كونه شق دينار حقيقة، و انما هو نصف مثقال يساوى شق دينار الا ان يشترط أو يريد بذلك (11) الصحيح من نصف المثقال عرفا (12) فان لم يكن عرف أو شرط أو قرينة حمل على الحقيقة

ج 24، ص: 49

كما هو الضابط، لكن عن التذكرة البطلان مع عدم التعيين إذا اختلفت العرف، للجهالة، و فيه منع إذا لم يصل على حد لاشتراك و كذا الحكم في غير الصرف ضرورة ابتناء المسألة على ما لا يخصه.

و على كل حال فلو اشترى منه مبيعا آخر بنصف دينار فعليه شقان؛ فان بذل له دينارا صحيحا زاده خيرا و لو شرط عليه في العقد الثاني إعطاء صحيح عنهما صح؛ لعموم

«المؤمنون عند شروطهم»(1)

السالم عن معارضة مقتضى البطلان من الجهالة و غيره سواء لزم العقد الأول أولا، خلافا للمحكي في المختلف عن مبسوط الشيخ فأبطل الثاني خاصة إذا كان الأول قد لزم و انقطع الخيار بينهما فيه، معللا له بأنه لم يرض بأن يكون ثمن الثوب الثاني نصف دينار حتى يزيد في ثمن الثوب الأول، فيجعل المكسور من دينار صحيحا، و هذه الزيادة لا تلحق بالأول لابرامه، و لأن الزيادة مجهولة، فيكون الثمن في الثوب الثاني مجهولا فيبطل، و ان كان العقد الأول لم يلزم لبقاء الخيار فيه بينهما فسدا معا، لأن زيادة الصفة منفردة عن العين مجهولة، فلا يصح إلحاقها بالثمن فلم تثبت فلم يرض بكون النصف دينار ثمنا حتى يكون معه هذه الزيادة في ثمن الثوب الأخر فصار الثمن مجهولا، و فيه بعد تجشم توجيه استدلاله، خصوصا الثاني، بإرادة الفسخ حيث لم يرض الا بذلك المتعذر، منع الجهالة، و منع عدم صحة لحوقها الأول، و ان كان قد أبرم، إذ حاصله تعيين فرد من أفراد الدفع بالشرط، و لا مانع منه كما هو واضح، هذا و قد وقع فيما حضرني من نسخة الدروس خلل في النقل عن الشيخ حيث حكى عنه عكس ما ذكرنا فلاحظ و تأمل.

و أما حكم تراب الصياغة المجتمع فيه غالبا من الذهب و الفضة و الرصاص و غيرها، فقد مر ما يستفاد منه حكمه في تراب المعدن و في الأواني و غيرها،


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب الخيار الحديث 2 و باب 20 من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 24، ص: 50

إذ لا فرق بين الجميع في ذلك ف يباع حينئذ بالذهب و الفضة مثلا معا أو بعوض غيرهما و بأحدهما مع القطع بزيادته على مجانسه، أو بضم جنس آخر من نحاس أو غيره عليه؛ و الأمر ببيعه بالطعام في الخبرين الآتيين (1)دفعا لكلفة مشقة تحصيل العلم بالزيادة لو أريد بيعه بأحد الجوهرين لا أنه يتعين ذلك فيه للإجماع على خلافه.

انما الكلام في حكمه باعتبار أنه مجتمع من مال الناس غالبا- و ظاهر المتن و غيره بل قيل انه لا خلاف فيه أنه مجهول المالك فيتصدق به أو يباع ثم يتصدق به لأن أربابه لا يتميزون غالبا و لو في محصور

قال على بن ميمون الصائغ (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما أصنع به؟ قال: تصدق به؛ فاما لك و إما لأهله، فقلت له: فان كان فيه ذهب و فضة و حديد فبأي شي ء أبيعه؟ قال: بعه بطعام، قلت: فان كان لي قرابة محتاج أعطيه منه؟ قال: نعم»

و

في خبره الآخر(3)«سألته عن تراب الصواغين و انا نبيعه، قال: أما تستطيع ان تستحله من صاحبه قال: قلت لا، إذا أخبرته اتهمني، قال:

بعه، قلت: فبأي شي ء نبيعه؟، قال: بطعام، قلت: فأي شي ء أصنع به، قال: تصدق به، إما لك، و اما لأهله، قلت: ان كان ذا قرابة محتاجا فأصله قال: نعم».

الا أن الأخير منهما مناف لما صرحوا به، من غير خلاف يعرف بينهم فيه، من أنه ان علم صاحبه و لو في محصور وجب التخلص منه، و خوف التهمة لا تبيح التصرف في مال الغير، سيما مع إمكان إيصال حقه اليه؛ أو الاستحلال منه، بوجه لا يوجب التهمة، فميل بعض المحدثين الى العمل بالخبر المزبور- الذي يمكن دعوى الإجماع على خلافه- في غير محله، فلا بد من طرحه، أو يقال ان السيرة المستفيضة المعلوم كشفها على اعراض المالك عن ذلك في الصياغة و الخياطة و الحدادة و غيرها، و الا فلا ينكر أن الغالب معرفة الصاحب جميعهم أو كثير منهم و لا أقل عند الفراغ من العمل، فيتجه وجوب الاستحلال منه عنده


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف 1 2.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 16 من أبواب الصرف الحديث 2.

ج 24، ص: 51

كما اعترف به في الروضة، مع أنه لم يعرف من أحد منهم و فيهم الثقات و الأبرار استحلال نحو ذلك أو إخباره به، و ليس في الخبرين المزبورين اشارة اليه، فيمكن بناء ذلك على ظهور الاعراض؛ الا أنه لما كان يمكن أن لا يكون معرضا استفهم الامام عليه السلام عن ذلك، لإرادة كمال الاحتياط، و حيث أن السائل أجابه بخوف التهمة رجح الأخذ بالظاهر المزبور و الاعراض عن الاحتياط المستحب، بل لعل

قوله عليه السلام فيها «اما لك أو لأهله»

يومي الى ذلك، أيضا بناء على أن المراد به هو لك ان كان ظهور الاعراض كذلك في الواقع، و الا فهو لأهله، لعدم الاعراض في الواقع، و ان كان هو الظاهر من حال المالك، لا أن المراد به لك ان ظهر المالك و لم يرض بالصدقة، و الا فهو لأهله، كما صرح به بعضهم، بل جعلوه مؤيدا للقول بالضمان لو تصدق بمجهول المالك، ثم ظهر صاحبه و لم يرض بالصدقة الذي منشأه عموم ما دل على ضمان ما أخذت اليد خرج منه ما إذا رضي الصاحب، أو استمر الاشتباه، بالإجماع فيبقى الباقي.

و فيه منع تناول العموم لمثل المقام المأمور شرعا بالتصدق به، الظاهر في وقوع الصدقة عن المالك؛ و أنها طريق الإيصال إلى المالك بعد تعذر غيرها، لحصول اليأس منه فلو سلم أن المراد بأخذ اليد ما هو أعم من العدوان و أن الاذن الشرعية لا تنافي الضمان، أمكن دعوى خروج المقام من الأول و ظهور عدم الضمان من الأمر بالتصدق به الظاهر فيما عرفت، و من هنا قيل بعدم ترتب الضمان في التصديق بمجهول المالك، و هو لا يخلو من قوة، و حينئذ فحمل الخبر عليه كما ترى، خصوصا بعد منافاة ذلك للقواعد المعتبرة التي لا يصلح الخروج عنها بمثل ذلك، على أن الغالب كما عرفت عدم جهل الصاحب، بل اعترف السائل بمعرفته؛ الا أنه لم يستحله لخوف التهمة؛ و حمله على ارادة التقصير بذلك من أول الأمر ثم جهله تهجس يأباه الظاهر، فالأولى القول بأن مخرج الخبرين ما قلنا.

و حينئذ فلا ينبغي استفادة بعض أحكام مجهول المالك منهما، و كما عساه يظهر من

ج 24، ص: 52

بعضهم؛ فخير بين الصدقة بعين المجهول كما هو مقتضى الأمر بها في نصوصه، أو بقيمته للخبرين السابقين؛ إذ فيه ما عرفت، و المناقشة فيه بأن الإعراض ما لم يعلم لا يجوز نية التملك بالمعرض عنه، و إذا علم لم يبق احتمال البقاء على الملك، يدفعها منع اعتبار العلم بمعنى اليقين فيه، بل يكفي فيه ظهور ذلك من المالك و لو من فعله؛ كترك المسافر حطبه و علف دابته و نحو ذلك، بل عن الكفاية نفي البعد عن الاكتفاء فيه بالظن، مع عدم قضاء العادة على خلافه، و لعله يريد ما ذكرنا؛ فحينئذ يتجه استحباب الاحتياط بالصدقة به، اما له أو لأهله ان لم يكن إجماع على الوجوب.

و كذا المناقشة في أصل التملك بالاعراض و ان علم، كما في الرياض قال: «ان كان إجماع و الا فللنظر فيه مجال، حيث لم تنهض حجة على انتقال الملك، و جواز التصرف بمجرد نية الاعراض، مضافا الى إطلاق الخبرين بالتصدق؛ إذ يكفي في دفعها السيرة القطعية المؤيدة برجوع الإعراض إلى إباحة التملك لمن يريد تملكه، فتأمل هذا.

و ربما يقال- في خصوص المقام من جهة النص و الفتوى المشتملين على الأمر بالصدقة به، مع عدم كونه مجهول المالك بالنسبة إلى أغلب افراده، و لو في جملة و لا اعراض محقق، و كون المتعارف في الصاغة أنه يصوغ لنفسه و لغيره، و تقع أجزاء منهما- أن هذا موضوع خاص أمر بالصدقة فيه عمن هو له سواء كان الصائغ أو غيره، و حينئذ فلا يستفاد منه حكم مجهول المالك، و لا يجرى عليه حكم الاعراض.

ثم انه بناء على أن المقام من مجهول المالك ذكر بعضهم أن مصرف هذه الصدقة مصرف الصدقات الواجبة، و مقتضاه المنع من إعطائه الغنى و الهاشمي، و من وجبت نفقته، بناء على منعهما منها، و غير ذلك من أحكامها. و فيه أنها غير واجبة على المالك، بل هي مندوبة بالنسبة اليه؛ و ان وجبت على من في يده فالمتجه جريان أحكام المندوبة عليها.

نعم قد يقال بانصراف الإطلاق إلى إرادة الفقراء و المساكين هنا، و قد سمعت ما في الخبرين من إعطائها القرابة المحتاج، بل في الرياض «لا خلاف بين الأصحاب فيه و في

ج 24، ص: 53

جواز الإعطاء للعيال إذا كانوا بصفة الاستحقاق» و لعله للإطلاق، و لفحوى الجواز في دفع الزكاة ليفرقها؛ و يستفاد منه جواز أخذه منه لنفسه مع الشرط المذكور ان قلنا بذلك ثمة؛ لو دفعت اليه للصرف للفقراء و أهل المسكنة و هو بصفتهم، و لا ريب أن الأحوط الصدقة به على غيره، بل لا يخلو القول به إذا كان هو المتصدق من نظر، أما لو دفعه الى الحاكم فتصدق به عليه أمكن الجواز؛ و لتحقيق الحال في حكم مجهول المالك مقام آخر و الله أعلم.

[المسألة الحادية عشر يجوز التصارف بما في الذمم ]

المسألة الحادية عشر يجوز التصارف بما في الذمم إذا كان حالا و مختلف الجنس، بناء على أنه ليس من بيع الدين بالدين الممنوع منه، و أنه يختص ببيع الكالي بالكالي أى المؤجل بالمؤجل، فلو كان لواحد على الأخر ذهب مثلا، و للآخر عليه دراهم فتصارفا بما في ذممهما صح؛ و لا يحتاج الى تقابض فعلي، لما عرفت من أن ما في الذمة مقبوض،

قال عبيد بن زرارة(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له على الصيرفي ماءة دينار؛ و يكون للصير في عنده ألف درهم فيقاطعه عليها؛ قال: لا بأس»

لكن استشكل فيه في القواعد بل عنه في التحرير و ولده في الإيضاح الجزم بالعدم كالدروس لانه بيع دين بدين.

نعم قال في الأخير «و لو تهاترا احتمل الجواز» قلت: بل هو قوى لعدم دليل على كون الوفاء من البيع، بل ظاهر الأدلة خلافه، مؤيدا بعدم قصد البيع و الشراء؛ و عدم المحافظة على أحكامه، إذ قد يقبض وفاء ما لا يعرف قيمته وقت القبض، فما عساه يظهر من المحكي عن الشيخ في بحث المكاتبة من أن الوفاء بيع يمكن منعه، و حينئذ يمكن حمل خبر عبيد عليه، فلا يكون دالا على جواز التصارف.

اللهم الا أن يستدل بالطلاق نفي البأس فيه مع عدم الاستفصال فيه، و لو كان ما في الذمم متحد الجنس و الصفة حصل التهاتر قهرا من غير حاجة الى صرف و لا الى تراض بالتهاتر بلا

خلاف أجده فيه، سوى ما عن التذكرة فجعله كمختلف الجنس، و مقتضاه عدم


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الصرف الحديث 3.

ج 24، ص: 54

التهاتر قهرا؛ و فيه أن اعتبار تشخيص الدافع و قبض المدفوع متجه إذا لم يكن المدفوع نفس ما ملكه المدفوع اليه؛ أما إذا كان كذلك فلا يحتاج الى تراض، لانه يكون كوصول عين ماله إليه؛ إذ الفرض أن المديون قد ملك على الديان ما ملكه عليه أو لا من كلي العشرة في ذمته مثلا، فالأولى اختصاص فرض المصارفة في المختلف، هذا.

و في القواعد و غيرها و يجوز اقتضاء أحد النقدين من الأخر و يكون صرفا بعين و ذمة، قلت: لا بأس به إذا وقع بصيغة البيع، و قبض العوض في المجلس العقد؛ أما إذا دفعه وفاء فقد تقدم أنه ليس بصرف، لان الوفاء ليس بيعا و

خبري الحلبي (1)لا دلالة فيهما على ذلك، قال في أولهما: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون عليه دنانير فقال: لا بأس أن يأخذ قيمتها دراهم»

و

قال في ثانيهما(2)«سألته أيضا عن الرجل يكون له الدين دراهم معلومة إلى أجل، فجاء الأجل و ليس عند الرجل الذي عليه الدراهم، فقال: خذ مني دنانير بصرف اليوم؟ قال لا بأس به».

و نحوهما خبر أبى عتاب (3)بل النصوص المعتبرة- التي أفتى بمضمونها غير واحد من الأصحاب، المتضمنة لاحتساب السعر يوم القبض- ظاهرة أو صريحة في كون الوفاء ليس بيعا؛

قال إسحاق بن عمار(4)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون لي عليه المال فيقضيني دنانير و بعضا دراهم، فإذا جاء يحاسبني ليوفيني قد تغير سعر الدنانير، أي السعرين أحسب له الذي كان يوم أعطاني الدنانير، أو سعر يوم الذي أحاسبه؟ فقال: سعر يوم أعطاك الدنانير، لأنك حبست منفعتها عنه».

و

قال أيضا(5)قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: «الرجل يكون له على الرجل الدنانير فيأخذ منه دراهم ثم يتغير السعر قال: فهي له على السعر الذي أخذها منه يومئذ، و ان أخذ


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب الصرف الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب الصرف الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب من أبواب الصرف الحديث 5 لكن عن زياد ابن أبى غياث.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 3.

ج 24، ص: 55

دنانير فليس له»

في الفقيه)(1)«و ليس له دراهم عنده فدنانيره عليه يأخذها برؤوسها متى شاء»

يعنى وقع الفضل بينهما بأخذه أو لإمكان دنانيره، ثم أخذ دنانير ثانيا بعد ذلك،

فليس للمعطي أن يجعلها في مقابلة دنانيره التي كانت له عليه أولا، و يطلب منه دراهمه، إذ لا دراهم له عليه حينئذ، بل ليس له الا دنانيره التي أعطاها ثانيا يأخذها متى شاء، و

روى إبراهيم بن ميمون (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يكون له على رجل دراهم، فيعطيه دنانير و لا يصارفه، فيصير الدنانير بزيادة أو نقصان، قال: له سعر يوم أعطاه»

و

قال عبد الملك بن عتبة الهاشمي(3): «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يكون عنده دنانير لبعض خلطائه، فيأخذ مكانها و رقا في حوائجه، و هي يوم قبضت سبعة، و سبعة و نصف بدينار، و قد يطلب صاحب المال بعض الورق و ليست حاضرة فيبتاعها له من الصيرفي بهذا السعر و نحوه، ثم يتغير السعر قبل أن يحسبا حتى صار الورق اثنى عشر درهما بدينار فهل يصلح ذلك له، و انما هي بالسعر الأول من يوم قبضت كانت سبعة و سبعة و نصف بدينار؟ قال: إذا دفع اليه الورق بقدر الدينار فلا يضره كيف الصروف و لا بأس».

و نحوه خبر إبراهيم بن عبد الحميد(4)المراد أنه إذا كان دفع اليه الورق بقدر الدينار ثم تغير السعر فلا يضره تغير السعر، و لا عدم المحاسبة، فإنه يحاسب على السعر الأول، و على كل حال فهي صريحة في أعمية الدفع وفاء من البيع» نعم لو دفع اليه ذلك لا على جهة

الوفاء بل كان قرضا أو أمانة أو نحو ذلك احتسبت له سعر يوم المحاسبة وفاء كما هو واضح و الله اعلم.


1- 1 الفقيه ج 3 ص 184 الحديث 829 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 5 لكن عن يوسف ابن أيوب شريك إبراهيم بن ميمون.
3- 3 الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب الصرف الحديث 4.

ج 24، ص: 56

[الفصل الثامن في بيع الثمار]

اشارة

(الفصل الثامن في بيع الثمار) و تمام الكلام فيها يتوقف على النظر في ثمرة النخل و الفواكه و الخضر و اللواحق

[أما النخل ]

أما النخل فلا يجوز بيع ثمرته قبل ظهورها عاما إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما متواترا كالنصوص و لذا نسبه بعضهم، إلى الضرورة، فمن الغريب ما في الحدائق من الجزم بالصحة، تمسكا بصحيحي ربعي و الحلبي الآتيين (1)اللذين لا صراحة فيهما في ذلك، لاحتمال ارادة بيع السنتين بعد الظهور، قبل البدو، و صحيح بريد بن معاوية(2)الاتي الذي لا بد من طرحه أو تأويله، بإرادة البدو من الطلوع فيه، أو بحمل العام فيه على ما كان في ضمن العامين.

و أغرب منه حمل نصوص المنع- الموافقة للأصول السليمة، ضرورة كون الثمرة معدومة لا تصلح للنقل قبل وجودها؛ إذ المبيع لا بد أن يكون موجودا- على التقية أو الكراهة، ثم قال: و الى هذا يميل كلام جملة من محققي المتأخرين كالمحقق الأردبيلي و الفاضل الخراساني؛ لكن لا يخفي عليك أن ذلك كله غير قادح في تحصيل

الإجماع؛ بعد أن علم أن صدور ذلك منهم من اختلال الطريقة، نسأل الله تعالى العفو و العافية عن ذلك و غيره، و ما صدر عن الشيخ في المحكي عن كتابي الاخبار من الجمع بالكراهة، انما هو مجرد جمع لا فتوى، و على تقديرها فهي شاذة أيضا مع أن عبارته محتملة لصورة ما بعد الظهور قبل البدو، بل قيل: انه الذي تشعر به عبارته بعد ضم بعضها الى بعض، و لذا نسب جماعة القول بالكراهة إليه في المسألة الاتية دون هذه المسألة.

نعم في جواز بيعها كذلك عامين فصاعدا تردد و خلاف، فالمشهور نقلا و بين المتأخرين تحصيلا، العدم أيضا، للانعدام، فضلا عن الغرر و الجهالة، و للإجماع في السرائر بل قال فيها: «و قد اشتبه على كثير من أصحابنا ذلك، و يظنون أنه يجوز بيعها


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4 2.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.

ج 24، ص: 57

سنتين و ان كانت فارغة لم تطلع بعد وقت العقد، و هذا خلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا و خلاف إجماعهم و أخبار أئمتهم و فتاواهم» و لمفهوم خبر ابى بصير(1)و خبر أبى الربيع (2)و إطلاق موثق سماعة(3)أو عمومه و صحيح الحلبي (4)و غيرها من النصوص التي تسمعها فيما يأتي و منها النصوص التي علقت الجواز على الإطعام و البلوغ و الإدراك و بدو الصلاح خلافا للصدوق.

و ربما أشعر قول المصنف و المروي فيما يأتي من صحيح يعقوب (5)و صحيح سليمان (6)و خبر أبى بصير الأخر(7)و صحيح الحلبي (8)و صحيح ربعي (9)و صحيح علي بن جعفر(10)كما في الحدائق الجواز، بل في صحاح يعقوب و الحلبي و على بن جعفر تعليله بأنه ان لم يخرج هذه السنة خرج من القابل، و بها تقطع الأصول و العمومات و يخص الإطلاق في الاخبار المقابلة، و الا طرحت لرجحانها عليها بالصحة في السند و الكثرة في العدد، و الصراحة في الدلالة، و الاشتمال على التعليل؛ و غير ذلك، و إجماع ابن إدريس مردود عليه بما عن غاية المراد للشهيد، من أن الأصحاب لم يذكروه صريحا و لا تعرض للمنع إلا جماعة منهم، و نحو ذلك في المختلف، و في مفتاح الكرامة ليس في المقنعة و النهاية و المبسوط و المراسم و الوسيلة و الغنية و كشف الرموز ذكر و لا تصريح بجواز و لا منع، و لم ينقل احد ذلك عن الحسن و أبي علي و القاضي و النقي، بل لم أجد من صرح بالمنع قبل الفاضل.

قلت: هو كذلك في جملة من كتبه لكن ظاهره أو صريحه في التذكرة الجواز و ان احتمل المنع قويا فيها، و في الحدائق أنه حكاه بعض عن الشيخ أيضا، بل قد سمعت اعترافه في السرائر بأن القائل به كثير، لكن ادعى عليهم الاشتباه، و من هنا مال جماعة من متأخري


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث- 10.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث- 7.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب الثمار الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب 2 من أبواب الثمار الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 9.
7- 7 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 10.
8- 8 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
9- 9 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4.
10- 10 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 21.

ج 24، ص: 58

المتأخرين إلى الجواز، بل هو ظاهر الشهيد الثاني، و في جامع المقاصد انه لا يخلو من قوة؛ لكن قد يناقش باحتمال الطلوع في صحيح يعقوب بدو الصلاح و يكون المراد من قوله ان «لم يحمل الى» آخره ان خاست، و هو و ان بعد؛ الا أنه أولى من ارتكاب التأويل في النصوص المقابلة المعتضدة بالشهرة؛ و محكي الإجماع الذي لا يقدح فيه ما سمعت عند التحقيق، و قاعدتي المعدوم و الغرر و الجهالة، مع أنه قد يستأنس لحمل الطلوع فيه على البلوغ، ملاحظة الصحيح الآخر(1)حيث اشترط فيه نفي البأس عن الشراء ثلاث سنين بوقوعه قبل البلوغ، و جعله المعيار له دون غيره، مع تضمنه التعليل المزبور في صدره، و لو كان المعيار الظهور لكان تبديل البلوغ به أولى كما لا يخفي.

و منه يظهر الجواب عن غيره الذي جعل غاية الجواز فيه الإطعام الذي هو عبارة عن الإدراك؛ و عن الصحاح: أطعمت النخلة إذا أدرك ثمرها، و أطعمت البسرة أي صار لها طعم». كل ذلك مضافا الى ما تسمعه في صحيح سليمان بن خالد(2)منها، بل التعارض بين كثير منها و بين غيرها بالعموم من وجه. ضرورة شمولها لصورتي عدم الطلوع و عدم الصلاح، كما أن غيرها شامل للعام و العامين و قد سمعت رجحانها عليها بالشهرة و غيرها، لكن الانصاف بعد ذلك كله أن الجواز لا يخلو من قوة و ان كان الأحوط خلافه، ثم على تقدير العدم

فالظاهر مساواة غير البيع من النواقل له في عدم الجواز؛ لعدم صلاحية المعدوم للنقل.

نعم يتجه جوازه بالشرط، قال في التنقيح: «كل موضع قلنا لا يصح البيع فيه؛ يصح ان يجعل من شروط التملك في عقد آخر» قلت: لعموم أدلة الشروط التي لا تستدعي ملكا فعليا للمشترط، و منه ينقدح قوة الجواز في الصلح أيضا، و ربما تسمع في بابه زيادة تأييد إنشاء الله تعالى، لكن قد يشكل في خصوص الشرط، لاقتضائه الغرر المنافي لعقد البيع، و لو في شرطه؛ كما حققناه في محله.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 9.

ج 24، ص: 59

و أما الجواز مع الضميمة حتى في العام الواحد فهو و ان دلت عليه

موثقة سماعة(1)قال «سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤه قبل أن يخرج طلعها؟ قال: لا الا ان يشتري معها شيئا غيرها رطبة أو بقلا فيقول: أشتري هذه الرطبة و هذا النخل و هذا الشجر بكذا و كذا، فان لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة و البقلة»

الا أنها مقطوعة و معارضة بإطلاق الأدلة و معاقد الإجماعات و غيرها، بل في المسالك «ان المشهور المنع مع الضميمة، حيث لا تكون هي المقصودة بالبيع، لانه غرر.

و من هنا حمل بعضهم الموثق المزبور عن المقصودة، وفاقا للتذكرة، و ربما أشعر به ما في ذيل الرواية من التعليل، بناء على

الغالب من عدم دفع الثمن في مثل هذه الصورة إلا بعد أن تكون الضميمة المقصودة، و كان ذلك منه إرجاع منه للمقام إلى قاعدة ضم المعلوم الى المجهول، و لو سلمت لهم فيه أمكن منعها هنا، باعتبار انعدام المنضم، الا أن يكون على جهة الشرطية، و ربما تسمع لذلك تتمة إنشاء الله تعالى.

و يجوز بيعها بعد ظهورها و بدو صلاحها إجماعا أو ضرورة عاما واحدا أو عامين بشرط القطع و بغيره منفردة و منضمة إلى المقصود بالبيع و غيره، و لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها عاما الا أن يضم إليها ما يجوز بيعه عند الأكثر نقلا أو بشرط القطع أو عامين فصاعدا أو بيعت على مالك الأصل عند الفاضل و حينئذ لو بيعت عاما من دون الشرط الثلاثة أو الأربعة قيل و القائل الإسكافي و الصدوق في المقنع و التقي و المفيد على ما عن بعض نسخ المقنعة و الطوسي و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في كتبه على ما حكي عن بعضهم لا يصح بل عن صريح المبسوط و الخلاف أو ظاهرهما و الغنية الإجماع عليه.

و قيل (11) و القائل الشيخ في التهذبين و الحلي و الآبي و الفاضل في جملة من كتبه و ولده و الشهيدان و الكركي و القطيفي و الميسي على ما حكى عن بعضهم أيضا


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.

ج 24، ص: 60

يصح، و لكن صرح كثير منهم بأنه يكره، و قيل و القائل المفيد و سلار و الآبي على ما عن الأخيرين، أنه يراعى في الصحة و عدمها السلامة و عدمها و الظاهر أن مرجعه الى القول الثاني إذ فيما حضرني من نسخة المقنعة «يكره بيع الثمار سنة واحدة قبل أن يبدو صلاحها: الى أن قال في آخر المبحث: و إذا خاست الثمرة المبتاعة قبل ظهورها كان للبائع قدر ما غلت دون ما انعقد عليه البيع من الثمن»، و مراده بالظهور قبل بدو الصلاح، كما هو المحكي عنها أيضا و على كل حال فهو حكم آخر مبني على أنه مبيع تلف قبل قبضه، كما تسمع البحث فيه عند تعرض المصنف له، و لعله لذا جعل في المختلف المسألة ذات قولين، ناصا على أن المفيد و سلار ممن قال بالجواز.

و على كل حال ف الأول أظهر، ل

صحيح سليمان بن خالد(1)عن الصادق عليه السلام «لا تشتري النخل حولا واحدا حتى يطعم، و ان كان يطعم إن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل»

و في الوافي بعد أن رواه عن التهذيب قال: «الظاهر سقوط لفظ لم» و ربما أيد بأن الموجود

في الاستبصار «و ان شئت أن تبتاعه»

ك موثق أبى بصير(2)قلت يمكن صحته على ذلك أيضا، و عن بعض النسخ المعتمدة بغير واو و في حواشي المجلسي كان المراد منه ان كان يعلم عادة أنه يطعم بعد ذلك، و على نسخة عدم الواو، فالمراد ان كان النخل من شأنه أن يطعم بأن يكون مضى من زمان غرسه خمس سنين مثلا، و يمكن ان يكون المراد إذا كان

من نيتهما أن يطعم، أي لم يشتره بشرط القطع.

و

خبر أبى الربيع عنه (3)أيضا «كان أبو جعفر عليه السلام يقول إذا بيع الحائط فيه النخل و الشجر سنة واحدة فلا يباعن حتى تبلغ ثمرته، و إذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي ء من الخضرة»

و

خبر على بن أبي حمزة(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ليس فيه غير بسر أخضر، فقال: لا حتى يزهو، قلت:

و ما الزهو، قال: حتى يتلون»

و

حسن الوشاء(5)«سألت الرضا عليه السلام هل يجوز بيع النخل


1- 1 التهذيب ج 7 ص 88 الحديث 374 الاستبصار ج 3 ص 85.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 10.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 7.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 5.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.

ج 24، ص: 61

إذا حمل؟ قال: لا يجوز بيعه حتى يزهو، قلت: و ما الزهو جعلت فداك؟ قال: يحمر و يصفر و شبه ذلك»

و

خبر محمد بن شريح (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ثمرة نخل سنتين أو ثلاثا و ليس في الأرض غير ذلك النخل، قال: لا يصلح إلا سنة و لا تشتره حتى يبدو صلاحه».

و

صحيح على بن جعفر(2)المروي عن كتابه «سأل أخاه عن شراء النخل سنة واحدة أ يصلح؟ قال: لا يشتري حتى يبلغ: قال: و سألته عن شراء النخل سنتين أ يحل.

قال: لا بأس، ان لم يخرج العام خرج القابل.»

و في

خبر المناهي (3)نهى عليه السلام أن تباع الثمار حتى تزهو يعنى تصفر أو تحمر»

و

موثق عمار(4)عن الصادق عليه السلام «سئل عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ فقال: إذا كانت فاكهة في موضع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها و إذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شي ء حتى يطعم كل نوع منها وحده ثم يباع تلك الأنواع».

و

مرسل إسماعيل بن الفضل (5)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن بيع الثمرة قبل أن تدرك، فقال:

إذا كان له في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت، فبيع ذلك كله حلال»

و

موثق أبى بصير(6)عن الصادق عليه السلام أيضا «سئل عن النخل و التمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل أن تثمر قال: لا حتى تثمر و تأمن ثمرتها من الآفة فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل»

الى غير ذلك.

لكن لا يخفي عليك ما في دلالة بعضها من ثبوت البأس في المفهوم، و هو أعم من الكراهة، و اضطراب موثق عمار منها، و اشتماله على ما لا يقول به أحد من الأصحاب


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 13.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 22.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 14.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 5.
5- 5 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
6- 6 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 12.

ج 24، ص: 62

كما ستعرفه، و احتمال إرادة الكراهة من نفي الحل في مفهومه؛ كاحتمال ارادة التفسير من قوله «و تأمن» في الأخير منها؛ كما يومي اليه تعليق الحكم فيه على الاثمار و ذيل

صحيح يعقوب بن شعيب (1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء النخل؟ فقال كان أبى يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرته السنة،

و لكن السنتين و الثلاث كان يقول ان لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى، و سألته عن الرجل يبتاع النخل و الفاكهة قبل أن يطلع، فيشترى سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا؟ قال: لا بأس، إنما يكره شراؤه سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين»

بل هو صريح في المطلوب بناء على ارادة بدو الصلاح من الطلوع فيه؛ لقرائن متعددة، و المعنى المصطلح من الكراهة كما هو الظاهر من وجوه أيضا، و منه يظهر قوة ارادتها من النهي في النصوص السابقة، سيما بعد اتفاق الفقهاء الأربعة على المنع، كما في التذكرة؛ فلا يبعد ان اشتهار التعبير به للجمع بين بيان الواقع؛ و دفع التقية؛ خصوصا بعد أن أشاروا عليهم السلام الى إرادة ذلك منه.

ف

في صحيح الحلبي (2)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن شراء النخل و الكرم و الثمار ثلاث سنين أو أربع سنين؟ فقال: لا بأس تقول ان لم تخرج في هذه السنة تخرج من قابل؛ و ان اشتريته في سنة واحدة، فلا تشتره حتى يبلغ؛ و ان اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس و سئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من ارض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها؟ فقال قد اختصموا في ذلك الى رسول الله صلى الله عليه و آله فكانوا يذكرون ذلك فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة و لم يحرمه، و لكن فعل ذلك من أجل خصومتهم»

فهو كالصريح في أن نهيه السابق عن شراء سنة واحدة حتى تبلغ، للكراهة، إذ هو كعبارة النبي صلى الله عليه و آله، و شمول الخبر لما قبل الطلوع بعد


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمرة الحديث 2.

ج 24، ص: 63

إمكان منعه بظهور الغاية في وجود الثمرة، لا ينافي الاستدلال به على المطلوب؛ إذ أقصاه التقييد بالأدلة السابقة.

و

في صحيح (1)ربعي «قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان لي نخلا بالبصرة فأبيعه و أسمي الثمن و استثني الكر من التمر أو أكثر أو العدد من النخل؟ قال: لا بأس، قلت.

جعلت فداك بيع السنتين؟ قال: لا بأس قلت: جعلت فداك ان ذا عندنا عظيم قال:

أما انك ان قلت ذاك لقد كان رسول الله صلى الله عليه و آله أحل ذلك فتظالموا فقال عليه السلام: لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها»

و مراده بقرينة الخبر الأول أن نهى النبي صلى الله عليه و آله لأجل قطع الخصومة، لا الحرمة، و هو بعينه النهي الوارد عنهم عليهم السلام، و المناقشة فيه- بظهوره في أن نهيه عليه السلام الذي هو للكراهة انما هو في بيع السنتين قبل بدو الصلاح و هو الذي يأبى عنه العامة كما عن السرائر و التذكرة التصريح به، بل تشعر به عبارة الغنية أيضا

و الظاهر ان قضية التظلم الذي تعقبها النهي الذي ليس للحرمة، هي القضية التي تضمنها الخبر السابق، فيسقط الاستدلال به حينئذ أيضا- يدفعها أن الذي حكاه في التذكرة عن الفقهاء الأربعة المنع في مفروض المسألة أيضا و لا ينافيه قولهم به أيضا في السنتين كما أن ما حكاه عن النبي صلى الله عليه و آله رد لهم في المقامين فتأمل جيدا.

و

في خبر تغلبة بن بريد و حسنة بريد بن معاوية(2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرطبة تباع قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال: لا بأس، قال: و أكثرت السؤال عن أشباه هذا فجعل يقول لا بأس، فقلت: أصلحك الله استحياء من كثرة ما سألته، و قوله: لا بأس به ان من بيننا يفسدون هذا كله، فقال: أظنهم سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه و آله في النخل ثم حال بينى و بينه رجل فسكت، و أمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه و آله في النخل فقال أبو جعفر عليه السلام خرج رسول الله صلى الله عليه و آله فسمع ضوضاء فقال: ما هذا؟ فقيل له: تبايع الناس النخل، فقعد النخل العام، فقال عليه السلام: أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشي ء، و لم يحرمه»

و هو مع كونه مورد السنة


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب الثمار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب الثمار الحديث 1.

ج 24، ص: 64

صريح في الإنكار، على توهم الحرمة من النهي المزبور الذي بعينه وقع في كلامهم عليهم السلام، و رواه العامة بهذا اللفظ و ما يقرب منه؛ و اشتماله على ما لا نقول به- بعد إمكان إرادة بدو الصلاح من الطلوع فيه، أو بالنسبة إلى السنة الثانية المنظمة إلى السنة التي ظهرت فيها الثمرة- غير قادح في الاستدلال على المطلوب.

هذا كله مضافا الى الأصول و العمومات العظيمة الدالة على الجواز أيضا مضافا الى

صحيح الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة و ان شئت أكثر، و ان لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجره»

اء على ارادة الشراء من التقبل فيه، و الى ما يومي اليه تعدد التعبير عن الغاية المزبورة، فتارة ببدو الصلاح، و الأخرى بالإطعام، و ثالثة بالبلوغ، و رابعة بالإدراك؛ و خامسة بالتبين، من ارادة الكراهة قبل ذلك و أنه بها ترتفع الخصومة على اختلاف مراتبها.

بل

في خبر على بن جعفر المروي عن قرب الاسناد(2)الذي «سأل فيه أخاه عن بيع النخل أ يحل إذا كان زهوا؟ فقال له: ان استبان البسر من الشيص حل بيعه و شراؤه»

و الظاهر تحقق ذلك قبل الاحمرار و الاصفرار، و دعوى إمكان رجوع الجميع إلى الأول واضحة المنع خصوصا بالنسبة إلى الشجر الذي ستعرف أن بدو الصلاح فيها عندهم الانعقاد و هو لا يتحقق به البلوغ مثلا قطعا، بل و لا في النخل إذ كثير منه لا يبلغ باحمراره و اصفراره كما هو واضح.

و قد ظهر من ذلك كله ان القول بالجواز لكن على الكراهة هو الأقوى، بل قد يؤيده أيضا أنه لا خلاف عندهم في الجواز مع اشتراط القطع؛ حيث لا تكون المعاملة معه سفها بل حكى عليه الإجماع مستفيضا أو متواترا، مع أنه لا أثر له في النصوص فليس ذلك إلا لأن اشتراط القطع يعين كون مراد المتبايعين هذا الموجود في هذا الحال و لا ريب في أنه مال مملوك يجوز بيعه، و لا يعتبر في الصحة تحقق القطع، بل لو رضى المالك بعد ذلك بالبقاء مجانا أو بأجرة جاز إجماعا في التذكرة؛ خلافا لأحمد فأبطل البيع


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 17.

ج 24، ص: 65

لو عصى المشتري فلم يقطع و منع البائع منه أيضا صح، و كانت الثمرة له عندنا؛ و إن ثبت عليه الأجرة فلو باعه الموجود من الثمرة مصرحا له بأن المبيع هذا الموجود؛ بحيث

يستحق عليه القطع كان المتجه الجواز و إن لم يشترطه؛ و لعله عند الأصحاب بمعنى اشتراط القطع، و قد ينقدح هنا شي ء و إن نافاه جملة من عبارات الأصحاب، و هو جواز البيع و الشراء إذا كان القصد الموجود على النخل و الأشجار في تلك الحال، و العدم إذا كان المقصود شراؤه ثمرة أي بالغا، أما الأول فلأصل و العمومات؛ بعد انسياق نصوص المنع إلى غيره مما يراد صلاحه و إطعامه و إدراكه و بلوغه، و لذا جعل غاية للجواز في النصوص السابقة، بل قد يدعى أن إطلاق الثمرة عليه قبل ذلك مجاز، لعلاقة الأول.

و منه يظهر وجه المنع في الثاني مضافا إلى أنه غير مقدور للبائع؛ إذ ليس هو من أفعاله، و إنما هو من فعل الله تعالى، و لعل مبنى المنع في كلام الأصحاب مع اشتراط التقية، حتى حكي عن المبسوط و الغنية و ظاهر الخلاف الإجماع على عدم جوازه معه، بل عن بعضهم جعل الخلاف فيما إذا أطلق دونه.

و إن كان يدفعه ما عن السرائر من أن الخلاف فيه و في الإطلاق بل صرح في التذكرة بالجواز معه، لعدم اشتراطه بدو الصلاح فيها ظهور اشتراط التقية في إرادة بيعه ثمرة، و أنه أولى من الإطلاق المنصرف إلى ذلك؛ حتى أن من جوز البيع بالظهور أوجب معه على البائع الإجابة إلى البقاء إلى أو ان القطع؛ خلافا لأبي حنيفة إذ الظاهر إرادة الثمرة منه لا هذا الموجود، فإذا أطلق صح عند من لم يعتبر البدو، و بطل عند من اعتبره، و لا يحمل على القطع و إن توقفت صحة العقد عليه، كما صرح به في الدروس، و حينئذ فيكون في الحقيقة اشتراط التقية كالإطلاق في الاندراج تحت إطلاق أدلة المنع، أما لو أريد من اشتراط التقية الذي لولاه لاستحق البائع على المشتري القطع، باعتبار كون المبيع هذا الموجود على الشجرة، فيجوز للأصل و العمومات و بعض

ج 24، ص: 66

النصوص السابقة، و أنه كمشروط القطع في كون المبيع المشخص الموجود، و اشتراط تبقيته لا يصير المبيع غيره؛ و لعله لذا استدل في التذكرة على الجواز في المقام بأنه يجوز بيعه بشرط القطع إجماعا، فجاز بشرط التبقية كما لو باعه بعد بدو الصلاح بشرط التبقية، و القصيل و الإطلاق، و إن كان لا يجوز بيع السنبل منه قبل ظهوره فيه.

و قد يقوى دوران الحكم على القصد المذكور في بيع الثمرة على مالك الأصل الذي حكم العلامة بجوازه بمجرد الظهور من دون شرط، مدعيا عليه الإجماع في القواعد، و أنه خارج عن محل النزاع، و إن رده من تأخر عنه بعدم الدليل، إذ ما قيل في الاستدلال له بأنه لمكان تبيعته للأصل، كان كالجمع بينهما في عقد؛ واضح الضعف، لعدم العقد هنا على الجميع، بل حكي عن الخلاف و المبسوط التصريح بالمنع فيه، فيتجه الجواز إذا كان القصد شراء ذلك الموجود، و اشتراط القطع هنا كعدمه- ضرورة عدم استحقاقه ذلك على مالك الأصل، و العدم إذا كان القصد بيعه ثمرة، مع أنه قد يقال بالصحة فيه هنا، باعتبار رجوع ذلك إلى إرادة الإبقاء إلى بلوغ هذا الحال ضرورة عدم قدرته على صيرورته ثمرة. و حيث كان البيع على المالك لم يكن للمشتري استحقاق في الإبقاء فليس حينئذ إلا إرادة بيعه في هذا الحال و هو لا إشكال في صحته، فيتجه للفاضل حينئذ دعوى الإجماع عليه.

و من هذا الأخير يظهر لك أنك إن أبيت عن تنزيل كلمات الأصحاب على ما ذكرنا، باعتبار صراحة بعضها في خلافه كان المتجه الجواز، في بيع الثمار قبل بدو الصلاح كما قلناه سابقا، إذ ليس مرجعه حينئذ إلا إرادة الإبقاء الى أو أن صيرورته ثمرا؛ خصوصا مع التصريح بذلك، و هو لا بأس به، بعد ما عرفت من تنزيل نصوصه على الكراهة أو التقية للوجوه المتقدمة.

بل ربما يظهر لك وجه ما ذكره الأصحاب هنا من غير خلاف يعرف بينهم فيه من الجواز مع الضميمة، بل في التذكرة و التنقيح و محكي المهذب الإجماع عليه، مع أنه

ج 24، ص: 67

لم أجده فيما وصل إلى من النصوص على جهة الإطلاق و موثق سماعة(1)المتقدم سابقا قبل الطلوع، اللهم إلا أن يحمل على إرادة بدو الصلاح من الطلوع فيه، فيكون شاهدا للمقام؛ و أما النصوص الآتية التي (2)منها ضم ما بدا صلاحه مثلا إلى غيره، فهي في موارد خاصة لا ينبغي التعدية منها إلى غيرها.

نعم قال بعض متأخري المتأخرين إطلاق النص مشيرا إلى ما تسمعه من النصوص في المسألة الاتية، و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الضميمة بين أن تكون متبوعة أو تابعة، و لا ريب في الأولى للقاعدة المطردة من صحة المعاملة مع الضميمة التي تكون بالذات مقصودة؛ مخرجة لها عن الغرر و المجازفة، و قد تقدم إلى ذكرها مرارا الإشارة و كذا في الثانية بعد ما عرفت من إطلاق النص و الفتوى المخرجة لها عما دل على فساد المعاملة، و لو انضم ضميمة ليست بالذات مقصودة إذا اشتملت على الغرر و الجهالة.

و من هنا انقدح وجه القدح في استدلال جماعة بقاعدة الضميمة المزبورة لصحة هذه المعاملة مطلقا و لو في صورة الثانية، فإنها لم تنهض بإثباتها إلا في الصورة الأولى خاصة، و لعل الوجه أن الضميمة هنا ليست لدفع الغرر و الجهالة حتى يأتي فيها التفصيل المتقدم إليه الإشارة، لاختصاص مثلها بما يتصور فيه الأمران لو خلا عنها، و ليس منه مفروض المسألة، بناء على أن المنع عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها إنما هو تعبد محض، نهض بإثباتها الأخبار المانعة، لولاها لتعين المصير إلى الجواز، نظرا إلى الأصل و العمومات السليمة عن معارضه الغرر فالمجازفة، لاندفاعها؛ و لذا صار إليه جماعة بعد حملهم تلك الاخبار على الكراهة بشهادة بعضها، بل ضمها هنا ليس الا للذب و الفرار عن الدخول تحت إطلاق تلك الاخبار، بناء على اختصاصها بحكم التبادر بغير المضمار.

قلت: قد يناقش فيه أولا- بإمكان منع القاعدة التي أشار إليها، إنما المسلم منها التابع


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1-.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الثمار.

ج 24، ص: 68

في نفسه، كأس الجدران و زخارف الدور و حمل الدابة، و نحو ذلك لا التابع في القصد ضرورة؛ تناول أدلة الغرر و الجهالة له، و دعوى أنه بذلك تكون الشرط الذي لا يعتبر فيه شي ء من ذلك على التحقيق؛ يدفعها عدم صدق اسم الشرط عليها، بل هي بعض المبيع،- و ثانيا بمنع إخراج الضميمة هنا للمفروض عن إطلاق الأدلة إذ دعوى اختصاصها ببيع الثمرة خاصة واضحة الفساد، فالمتجه حينئذ الاستناد في الضميمة سواء كانت تابعة أو متبوعة إلى إطلاق معاقد الإجماعات التي يمكن التنقيح بها للموارد الخاصة في النصوص الاتية، فيتعدى منها حينئذ إلى غيرها، و ربما يقال أن الضميمة هنا كالضميمة مع الآبق باعتبار ان ما نحن فيه كغير المقدور على تسليمه، لعدم البلوغ حال البيع، فلا يشترط فيها حينئذ كونها متبوعة، بناء على عدم اشتراط ذلك فيها في الآبق، بل إنما ضمت حتى لا يصير الثمن بلا مثمن لو اتفق عدم حصول المنضم إليه و الأمر سهل عندنا بناء على ما عرفت من عدم اشتراطها في الصحة؛ و أنه يجوز البيع بدونها.

و على كل حال فمنها كما في المسالك ما لو بيعت الثمرة مع أصولها و لذا قال المصنف جاز البيع مطلقا قبل بدو الصلاح و بعده، بل في التذكرة و التنقيح الإجماع عليه بالخصوص؛ و ربما يقال أن الصحة هنا لكون الثمرة تابعة، كحل الدابة، بل لا يندرج نحوه في إطلاق أدلة المنع الظاهر في غير ذلك لا للضميمة، و لذا جعله غير واحد شيئا آخر غيرها.

و اما الجواز في الزيادة عن عام فلا خلاف فيه، كما عن كشف الرموز بل عن ظاهر المبسوط و الخلاف و السرائر، و صريح التذكرة و المهذب و التنقيح الإجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص السابقة و قد ظهر من ذلك كله أنه لا خلاف و لا إشكال في جواز البيع بعد الظهور قبل البدو إذا حصل أحد الأمور الثلاثة أو الأربعة، بناء على أن بيعها مع الأصول ليس من الضميمة، و عن الفاضل زيادة البيع على مالك الأصل، و قد عرفت الحال فيه و بيع الأصل و استثناء المالك الثمرة.

و فيه أنه- و إن كان لا يشترط البدو فيه عندنا خلافا لأحد وجهي الشافعية فاعتبروا

ج 24، ص: 69

في الصحة شرط القطع، و لا ريب في ضعفه، لأنه استدامة ملك لا ابتداؤه- ليس مما نحن فيه من بيع الثمرة، و ما يقال- من أن بيع الأصل سبب في زوال الملك، و استثناؤه سبب في التدارك، فهو كالحادث- يدفعه أن السبب في الزوال البيع المطلق، لا مطلق البيع، و ليس المشرف على الزوال و لما يزل، كالزائل العائد، لأنه تقدير لما لا وجود له من الزوال فعلا، بمنزلة الموجود كما هو واضح.

ثم إن الظاهر كون الخلاف في المقام إنما هو في المبيع خاصة، أما الصلح فيجوز مطلقا و بشرط التبقية للأصل، بعد اختصاص النصوص و الفتاوى في البيع خاصة، بل و كذا غيره من النوافل؛ سيما الشروط و الله أعلم هذا. و الضميمة على تقدير اعتبارها في الصحة ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، من كونها مما يجوز بيعها منفردة كما تومئ إليه عبارة المتن، و كونها مملوكة للمالك، و كون الثمن لها و للمنضم على الإشاعة و نحو ذلك، و إن كان للنظر في هذا كله مجال، كالنظر أيضا في الصحة فيما لو تلفت قبل القبض و غيره، إلا أنا في غنية عن إطالة البحث فيه بعد عدم اعتبارها في الصحة عندنا، و هل من الضميمة ما لو باع الثمرة مشترطا قطع بعضها، المتجه العدم بناء على اعتبار صحة بيعها بغير عقد الانضمام؛ و الأمر سهل.

و كيف كان ف بدو الصلاح الذي هو شرط للصحة أو الكراهة في اللغة كما عن المقداد و الصيمري أن تصفر البسر أو تحمر على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، بل في محكي السرائر نسبته إلى أصحابنا، و المبسوط إلى روايتهم لخبري الوشاء(1)و على بن أبي حمزة(2)المتقدمين المنجبرين بالشهرة المزبورة؛ و المعتضدين بخبر المناهي،(3)الذي فسر الزهو بهما فيه أيضا، بناء على أنه منه

النبوي أيضا المروي عن معاني الأخبار(4)«نهى صلى الله عليه و آله عن المخاصرة، و هي أن

تباع الثمار قبل أن يبدو صلاحها و هي خضر بعد؛ إلى أن قال: و نهى عن بيع الثمر قبل أن يزهو، و زهوه أن يحمر أو يصفر»

و قال فيه و

في حديث آخر(5)«نهى عن بيعه قبل أن


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 14.
4- 4 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 15.
5- 5 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 16.

ج 24، ص: 70

يشقح»

و يقال «يتشقح؛ و التشقيح هو الزهو أيضا» و قيل لا ينافي ذلك التعليق على الإطعام في بعض النصوص السابقة، و الإدراك في آخر، و البلوغ في ثالث، بعد ان كان رجوع الجميع إليهما، و فيه أن المشاهد خلافه بل اختلاف ذلك دليل على ما قلناه سابقا من الكراهة قبل بدو الصلاح؛ و لعلها تختلف باختلاف مراتبه شدة و ضعفا.

و على كل حال فقد عرفت أن المعروف تحقق بدو الصلاح بذلك، لكن زاد المصنف هنا و الفاضل في الإرشاد فقالا: بدو الصلاح ذلك أو أن يبلغ مبلغا يؤمن عليها العاهة و لم نجده لغيرهما، و إن حكي تفسير بدو الصلاح به بلفظ القيل، مع أنه على فرض وجوده غير ما فيهما، و لعله للجمع بين ما عرفت و بين خبر أبى بصير(1)السابق المؤيد في الجملة ب

خبر على بن جعفر(2)عن أخيه عليه السلام «سألته عن بيع النخل أ يحل إذا كان زهوا

قال: إذا استبان البسر من الشيص حل بيعه و شراؤه»

و بالنبويين

العاميين (3)«أحدهما لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها، قيل و ما بدو الصلاح؟ قال: تذهب عاهتها و يخلص رطبها»

و

الآخر(4)«نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة»

الا أنه لم يحصل شرط الجمع من المقاومة المفقودة هنا من وجوه، و الشاهد المعتبر، مضافا إلى قوة احتمال كون الاحمرار و الاصفرار بهما يحصل الأمان، و احتمال إرادة الظهور من أمن الآفة فلا ينافي حينئذ اشتراط ذلك بعد بدو الصلاح المفسر بما عرفت؛ و إلى إجمال المراد به، اللهم إلا أن يقال: بأن المرجع فيه العادة، و ربما حد في النبوية العامية(5)بطلوع الثريا الذي نفي الاعتبار به في محكي الخلاف، و الله أعلم.

و على كل حال ف إذا أدرك بعض ثمرة البستان المتحدة و بد إصلاحه و لم يدرك الأخر بعد أن كان ظاهرا جاز بيع ثمرته أجمع بناء على اعتبار بدو الصلاح في الجواز بلا خلاف أجده فيه، بل عليه الإجماع، منقولا مستفيضا إن لم يكن محصلا، سواء كان متحد النوع أو مختلفة،

للأصل السالم عن المعارض، بعد تنزيل ما دل على المنع


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 17.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 300 جامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد احمد حنفي.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 300 جامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد احمد حنفي.
5- 5 سنن البيهقي ج 5 ص 302.

ج 24، ص: 71

على غير المفروض، سيما إذا كان البعض المدرك مما يصدق معه بدو صلاح الثمرة؛ المعلوم عدم إرادة الجميع منه، و ل

صحيح يعقوب ابن شعيب (1)عن الصادق عليه السلام «إذا كان الحائط فيه ثمار مختلفة، فأدرك بعضها فلا بأس ببيعها أجمع»

و

صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة و إن شئت أكثر، و إن لم يتبين لك حملها فلا تستأجره»

و

خبر البطائني (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل و شجر، منه ما قد أطعم، و منه ما لم يطعم؟ قال: لا بأس إذا كان فيه ما قد أطعم»

بناء على إرادة ثمرة البستان منه، و

المرسل (4)كالموثق «المسئول فيه عن بيع الثمرة قبل أن تدرك فقال: إذا كان في تلك الأرض بيع له غلة قد أدركت؛ فبيع كله حلال»

إلى غير ذلك، من ذيل خبر أبى الربيع (5)و نحوه، مضافا إلى ما قيل من أنه لا إشكال في بيع ما بدا صلاحه، لحصول الشرط، أو غيره أيضا لضمه إليه، و قد عرفت عدم الاشكال و الخلاف في جواز بيع الثمرة الظاهرة مع الضميمة، فيندرج حينئذ مفروض المسألة فيها، خصوصا بعد ما عرفت من عدم اعتبار المتبوعية في هذه الضميمة، و أنها ليست كضميمة المجهول.

لكن قد يناقش في تناول دليل الضميمة لمثل المقام على وجه يخرجه عن إطلاق أدلة المنع على فرض شموله، و حينئذ ينبغي الاقتصار في الاستدلال على ما ذكرناه أولا.

لكن لا ينبغي التأمل في صدق الضميمة لو ضمها إلى بستان أخرى لم يبدو صلاحها إلا أن المصنف قال و لو أدركت ثمرة بستان لم يجز بيع ثمرة البستان الأخر و لو ضم إليه وفاقا لمحكي الخلاف و المبسوط، بل عن الأول الإجماع عليه، و مقتضاه حينئذ عدم تناول الضميمة لمثل ذلك، و عدم تناول نصوص الصحة المتقدمة آنفا له أيضا،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.
4- 4 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
5- 5 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 7.

ج 24، ص: 72

فيبقى مندرجا في إطلاق دليل المنع، و فيه- بعد تسليم الدعوى الاولى له الواضح منعها عليه، و تسليم تناول إطلاق دليل المنع لذلك،- منع عدم تناول المرسل المتقدم(1)

المنجبر هنا بعمل الأصحاب كافة عدا من عرفت كما قيل.

و منه يعلم ما في دعواه الإجماع عليه، و لعله لذا قال بعد ذلك و فيه تردد بل كان الاولى الجزم بالصحة؛ لما عرفت، و اما

موثق عمار(2)«عن ابى عبد الله عليه السلام سئل؛ عن الفاكهة متى يحل بيعها؟ قال: إذا كانت فاكهة كثيرة في موضوع واحد فأطعم بعضها فقد حل بيع الفاكهة كلها، فإذا كان نوعا واحدا فلا يحل بيعه حتى يطعم، فان كان أنواعا متفرقة فلا يباع منها شي ء حتى يطعم كل نوع منها؛ ثم يباع تلك الأنواع»

فمع اشتماله على ما لا يقول به أحد من الطائفة، من اشتراط اتحاد النوع بإدراك البعض في صحة بيع الجميع، و تشويش متنه، إنما يدل بالمفهوم؛ و هو قاصر عن معارضة الأدلة من وجوه، فلا ريب حينئذ في أن الأصح الجواز هذا كله في ضم الثمرة الظاهرة و لم يبدو صلاحها إلى ما بدا بناء على اشتراطه و إلا فيجوز بدونه.

اما المتجددة ففي الغنية «يجوز بيع الثمرة الموجود بعضها المتوقع وجود باقيها عندنا و عند مالك» و في القواعد و لو ظهر بعض الثمرة فباعه مع المتجددة في تلك السنة، صح سواء اتحدت الشجر أو تكثرت؛ و سواء اختلف الجنس أو اتحد» و في التذكرة «يجوز عندنا بيع الثمار بعد بدو صلاحها مع ما يحدث بعدها في تلك السنة، أو سنة أخرى، و به؛ قال مالك» و في الدروس «و يجوز اشتراط المتجددة

من الثمرة في تلك السنة و غيرها؛ مع حصر السنين، سواء كان المشترط من جنس البارز أو غيره، و لو شرط ضم ما يتجدد من بستان آخر عاما أو عامين احتمل الجواز» و ظاهر اللمعة كونه من المسلمات، لانه قال: «و يجوز بيع الخضر بعد انعقادها لقطة و لقطات؛ كما يجوز بيع الثمرة الظاهرة و ما يتجدد في تلك السنة و في غيرها» أي مع ضبطه السنين، و في الروضة «لأن الظاهر منها بمنزلة الضميمة إلى المعدوم، سواء كانت متجددة من جنس الخارجة


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث 5.

ج 24، ص: 73

أم غيره».

و فيه أن الأصح عدم الاكتفاء في صحة بيع المعدوم بالضميمة إليه، فينبغي التعليل في المتجدد من ثمرة الشجر الذي فرض ظهور ثمرته، بأنه لا ينقص عن بيع ثمرته في السنة الأخرى مثلا، فلا يقدح حينئذ انعدامها، و بظهور بعض النصوص السابقة فيه، بل و في غيره مما لم تخرج بعد ثمرته، فالتوقف فيه حينئذ بأنه معدوم و لا تجدي فيه الضميمة في غير محله، بعد ما سمعت من صحيح الحلبي السابق (1)بل و المرسل (2)و ذيل خبر ابى الربيع (3)مضافا إلى نصوص الخضر(4)إلا أنه ينبغي الاقتصار في ذلك على المتيقن، و هو البستان الواحدة، أما المتعدة فالأحوط إن لم يكن الأقوى عدمه، للأصل و غيره، و لذا جعل في الدروس الجواز احتمالا، فتأمل جيدا و الله أعلم.

[أما الأشجار]

و أما الأشجار فظاهر النصوص و الفتاوى اتحاد حكمها مع النخل، بالنسبة إلى البيع قبل الظهور و غيره، و من هنا جعل في التحرير و ظاهر الدروس كما عن غيره موضوع الأحكام السابقة، الثمرة، لا خصوص ثمرة النخل، بل صرح أولهما بأن النخل و الشجر في الحكم سواء بل صرح في التذكرة و جامع المقاصد و محكي الإيضاح بأن الخلاف في بيع ثمر الشجر قبل الظهور أزيد من عام كما في النخل؛ بل صرح في الأول بالإجماع على عدم جواز بيعها عاما واحدا قبل الظهور كالنخل.

و بالجملة لا يخفي على من تأمل نصوص المقام و فتاوى الأصحاب ظهور اتحاد الحكم فيها، لكن ربما نقل عن العلامة الفرق بين ثمرة النخل و ثمرة غيره، فجوز بيع الاولى بعد ظهورها قبل بدو الصلاح عامين، و منعه في الثانية، و فيه أن الذي وقفنا عليه من كلامه صريح في خلافه.

و كيف كان فمقتضى ما ذكرنا أنه لا خلاف في عدم جواز بيعها قبل الظهور عاما،


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار.

ج 24، ص: 74

و في التذكرة «الإجماع عليه» و في العامين و الضميمة ما عرفت، و لا خلاف أيضا في بيعها بعد الظهور قبل البدو بناء على انفكاكهما فيها بشرط القطع، أو الضميمة أو عامين، أما بدون ذلك ففيه البحث السابق، و حينئذ يتجه للمصنف أن يقول لا يجوز بيعها حتى يبدو صلاحها بعد تقييده في صورة الظهور بما تقدم، لما سمعته من كلامه في غير اشتراط القطع، بناء على ما عرفت من اختياره وحده أي بدو الصلاح فيها ان ينعقد الحب و لا يشترط زيادة عن ذلك على الأشبه بل عن الكفاية أنه أشهر، لكن في معقد شهرة التنقيح إضافة تناثر الورد إليه، و ظاهره أو صريحه أنه مراد من لم يضفه إليه، و لذا جعل في المسألة قولين، هذا أحدهما، و الثاني ما تسمعه من عبارة المبسوط؛ و نحوه ما في غاية المرام و محكي إيضاح النافع، إلا أنه خص الشهرة بالمتأخرين في أولهما، و يؤيده أنا لم نجد في النصوص ما يشهد للإطلاق، إذ ليس إلا

خبر ابن شريح (1)«و بلغني أنه قال في ثمر الشجر: لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته، فقيل: و ما صلاح ثمرته؟ فقال: إذا عقد بعد سقوط و رده»

و

موثق عمار(2)«سألته عن الكرم متى يحل بيعه؟ قال: إذا عقد و صار عقودا، و العقود، اسم الحصرم بالنبطية»

كما قيل: و الثاني في خصوص الكرم، و الأول قد اعتبر فيه تناثر الورد، فيقوى حينئذ اتحاد القولين، خلافا للمسالك و غيرها، و لعل الانعقاد إنما يكون بعد تناثر الورد كما هو ظاهر الخبر.

و حينئذ ينحصر الخلاف فيما عن المبسوط و المهذب، قال في أولهما «بدو الصلاح يختلف،

فان كانت الثمرة مما تحمر أو تسود أو تصفر فبدو الصلاح فيها حصول هذه الألوان، و إن كانت مما تبيض، فبأن تتموه، و هو أن يتموه فيها الماء الحلو و يصفو لونها، و إن كانت مما لا تتلون مثل التفاح؛ فبأن يحلو و يطيب أكله؛ و إن كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج، قال،: و قد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينتشر الورد و ينعقد؛ و في الكرم أن ينعقد الحصرم، و إن كان مثل القثّاء


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث- 13.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث- 6.

ج 24، ص: 75

و الخيار الذي لا يتغير طعمه، و لا لونه، فان ذلك يؤكل صغارا، فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعظمه».

و هو إن كان قد يشهد له نصوص الإطعام و البلوغ و الإدراك، إلا أنه- بعد اعترافه بكون رواية أصحابنا خلافه، و قد عرفت أيضا أن عملهم على ذلك،- لا ينبغي الالتفات إليه؛ سيما بعد أن حكاه في التذكرة عن الشافعي الذي قد جعل الله الرشد في خلافه، و ليس المراد من نصوص الإطعام و الإدراك و البلوغ،(1)بيان أول مرتبة بدو الصلاح، بل يقوى في النفس ما ذكرناه سابقا من أن هذه غايات لرفع كراهة البيع قبلها، المختلف شدة و ضعفا باختلافها كاختلاف الخصومة التي قد عرفت سابقا أنها سبب النهي عن البيع قبل بدو الصلاح.

و من ذلك يعرف ما في المحكي عن السرائر أيضا، قال: «بدو الصلاح في ثمرة النخل الحمرة و الصفرة، و ما عداها فحين يتموه فيها الماء الحلو؛ و يصفر لونها و قال:

و لا يعتبر التلون و التموه و الحلاوة عند أصحابنا، إلا في ثمرة النخل خاصة و 7 ن كانت الثمرة مما تتورد، فبدو صلاحها أن يتنثر الورد و ينعقد، و في الكرم أن ينعقد الحصرم، و إن كان غير ذلك فحين يحلو و يشاهد؛ و قال بعض المخالفين إن كان مثل القثّاء و الخيار لا يتغير طعمه و لا لونه، فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه قال،: و قد قلنا إن أصحابنا لم يعتبروا بدو الصلاح إلا فيما اعتبروه من النخل و الكرم، و انتثار الورد فيما يتورد و يمكن إرجاعه إلى المشهور، بل يمكن إرجاع كلام الشيخ اليه على إرادة أن ما ذكره لغيرنا، فتأمل.

و على كل حال فقد عرفت أن الموجود في النص الانعقاد من دون ذكر الحب، و به عبر في اللمعة، بل و ما سمعت من عبارتي المبسوط و السرائر، و الظاهر إرادة انعقاد الثمرة، فإن كانا متلازمين و إلا فالتعبير به أولى و أعم، لعدم الحب في بعض الثمار هذا و في المسالك و غيرها أنه على ما اختاره المصنف من تفسير بدو الصلاح يتحد وقت الظهور


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار-.

ج 24، ص: 76

و بدو الصلاح، إذ ليس بينهما واسطة، أي فلا تظهر فائدة حينئذ للقولين السابقين في النخل، و إنما تظهر فائدتهما لو قلنا بتأخير بدو الصلاح عن الظهور.

قلت: قد يمنع اتحادهما على تفسير المصنف أيضا، خصوصا بعد أن عرفت أنه هو المراد من القول الثاني، فلاحظ و تأمل، و يؤيده أن الفاضل في التذكرة مع قوله فيها بأن بدو الصلاح في ثمرة الأشجار الانعقاد، قال: «يجوز بيعها بعد الظهور قبل البدو سنة و سنتين مع الضميمة إلى الأصول و غيرها» و قد سمعت سابقا دعواه الإجماع على عدم جواز بيعها قبل الظهور سنة.

و كيف كان ف هل يجوز بيعها سنتين فصاعدا قبل ظهورها قيل: و القائل الصدوق و بعض متأخري المتأخرين نعم بناء على اتحاد الحكم فيها مع النخل و الاولى المنع بل هو الأصح لتحقق الجهالة كما عرفت البحث فيه في النخل سابقا مفصلا، و ربما استشعر من قوله هنا الاولى الجواز كقوله المروي هناك؛ و التحقيق ما سمعت.

و كذا الخلاف فيما لو ضم إليها شيئا و باعه معها عاما من قبل انعقادها بناء على إرادة الظهور منه فالبحث في صحته حينئذ نحو ما سمعته في النخل الا أن المصنف لم يذكره هناك، فيستفاد منه حينئذ أولوية المنع في المقامين على تقدير عدم الفرق بينهما، و احتمال إرادته بعد الظهور قبل الانعقاد الذي هو بدو الصلاح بناء على تأخره عنه يدفعه أن مقتضاه حينئذ الفرق بين النخل و الشجر، إذ لا خلاف في جواز بيع الثمرة الأول قبل بدو الصلاح مع الضميمة كما سمعت، و قد عرفت اتحاد الحكم فيهما فتوى و نصا.

و من الغريب ما في المسالك هنا من أن الأجود المنع، و موضعه ما لو كانت الضميمة غير مقصودة بالبيع، بحيث تكون تابعة أو هما مقصودان، أما لو كانت الضميمة مقصودة و الثمرة تابعة صح كما مر، إذ فيه أن المفروض قبل الانعقاد الذي هو الظهور، و بدو الصلاح عنده و الضميمة لا تجدي في جواز بيع المعدوم و قياس هذا الضميمة إلى المجهول قد

ج 24، ص: 77

عرفت أنه مع الفارق: نعم يتجه الجواز هنا بالضميمة؛ بناء على اختلاف حالي الظهور و الانعقاد على نحو ما سمعته في ثمرة النخل إذا ظهرت و لم يبدو صلاحها و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا انعقد ثمر الشجر جاز بيعه مع أصوله بلا خلاف و منفردا كذلك بناء على أنه هو بدو الصلاح سواء كان الثمر بارزا مشاهدا كالتفاح و المشمش و العنب أو في قشر يحتاج إليه لادخاره كالجوز في القشر الأسفل، و كذا اللوز، أو في قشر لا يحتاج إليه كالقشر الأعلى للجوز و الباقلا الأخضر و الهرطمان و العدس بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، و في التذكرة الإجماع عليه اعتمادا في ذلك كله على أصل السلامة، خلافا للشافعي فلم يجوز بيع ذي القشر الأعلى كالجوز و اللوز إلا بعد نزع القشر الأعلى سواء كان ذلك على الشجر أو وجه الأرض و لا ريب في ضعفه.

و كذا البحث في السنبل أي لا يجوز شراؤه قبل الظهور و انعقاده الذي هو بدو صلاحه و يجوز بعده سواء كان بارزا كالشعير أو مستترا كالحنطة، منفردا أو مع أصوله، قائما و حصيدا للأصل السالم عن المعارض، و أما شراء الزرع قبل أن يسنبل، فلا إشكال بل و لا خلاف معتد به في جواز شرائه مع اشتراط التبقية، أو القصل أو بدونهما للأصل و النصوص المستفيضة المعتبرة(1)خلافا لما عن الصدوق في باب المزارعة، فلم يجوز بيع الزرع قبل السنبل إلا مع القصل يعلفه للدواب، و تسمع البحث فيه إنشاء الله عند تعرض المصنف له، و الله أعلم.

[أما الخضر]

و أما الخضر (11) كالقثاء و الباذنجان و البطيخ و الخيار فلا يجوز بيعها قبل ظهورها (12) إجماعا على الظاهر كما قيل، و في الحدائق «الظاهر أنه لا خلاف فيه لأنها معدومة، و للجهالة و الغرر، و فحوى نصوص النخل و الأشجار(2)مضافا إلى

ما في موثق


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الثمار.
2- 2 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار.

ج 24، ص: 78

سماعة(1)«سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات؟ فقال: إذا رأيت الورق في شجره فاشتر منه ما شئت منه من خرطة»

و به يقيد

خبر معاوية بن ميسرة(2)«قال: سألته عن بيع النخل سنتين قال: لا بأس به، قلت: فالرطبة

بيعها هذه الجزة و كذا و كذا جزة بعدها؟ قال: لا بأس به، قال: ثم قال: كان أبي عليه السلام يبيع الحناء كذا و كذا خرطة»

بل بناء على إرادة بيع النخل الظاهرة ثمرته في السنة الأولى، لعدم الجواز بدونه يقوى إرادة ذلك أيضا في الرطبة، و كذا يقيده

ما في صحيح بريد السابق (3)لما سأل أبا جعفر عليه السلام «عن الرطبة تباع قطعة أو قطعتين أو ثلاث قطعات؟ فقال: لا بأس»

الحديث و منه و ما تقدمه يعلم أنه يجوز بيع الخضر بعد انعقادها و إن لم يتناهى عظم بعضها؛ بلا خلاف أجده فيه، بناء على أنه مبدء إصلاحها دونه، أو أنه به يتحقق الظهور و لم نشترط الجواز بالبدو و مشاهدتها، فلو كانت مستورة في الأرض كالجزر و الثوم و نحوهما لم يجز للجهالة كما صرح به الفاضل في جملة من كتبه، بل نسبه في الدروس إلى جماعة؛ لكنه حكى فيها عن أبي على جوازه، و اختاره هو تحكيما للعرف، قال: و أولى بالجواز الصلح؛ و فيه منع تحكيم العرف في ذلك بعد أن لم يكن مرئيا و لا موصوفا، كما اعترف به في جامع المقاصد، بل قال: لا يجوز بيعا بل و لا صلحا، و هو متجه بناء على عدم اغتفار مثل هذه الجهالة في الصلح.

نعم يمكن القول بالصحة لو ضم ما ظهر من ورقة مثلا إليه، بناء على جواز بيع المجهول إذا ضم معلوم إليه إلا أن المتجه التفصيل بالقصد و عدمه؛ بناء عليه في الضميمة، و بالجملة يجري عليه حكمها، و لكن المسألة لا

يخلو بعد من إشكال، أما إذا كانت الخضرة ظاهرة و منعقدة فلا إشكال في جواز بيعها، لقطة واحدة و لقطات


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
2- 2 ذكره صدره في الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 11- و ذيله في الباب 4 الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 1.

ج 24، ص: 79

معلومة و المرجع في اللقطة إلى العرف، و مع فرض الشك فيه يبقى على ملك المالك؛ و كذا يجوز بيع ما يقطع فيستخلف كالرطبة و البقول جزة و جزات و كذا ما يخترط كالحناء و التوت بالتائين المثناتين خرطة و خرطات؛ بل قيل:

على الأول تنزل عبارتا النهاية و السرائر، «لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها؛ لان مختارهما في الكتابين أن بدو الصلاح الانعقاد و تناثر الورد، و أما ما عن المبسوط من نحو ذلك، فينبغي تنزيله على مختاره فيه الذي قد سمعته، بل حكى عنه التصريح هنا بأنه إذا باع حمل البطيخ و القثّاء و الحناء بعد ظهوره قبل بدو صلاحه بشرط القطع جاز و إن شرط التبقية أو مطلقا لم يجز؛ و نحوه عن القاضي.

نعم ما في الوسيلة من نحو ذلك أيضا يمكن أن يكون موافقا للمشهور، لاحتمال أن مختاره في بدو الصلاح مختارهم، و ما في المقنعة و محكي المراسم من أنه يكره بيع الخضروات قبل أن يبدو صلاحها، يمكن أن يكونا موافقين للشيخ في الموضوع دون الحكم الذي قد عرفت في النخل و الشجر صحته، و أنه لا يشترط بعد الظهور بدو الصلاح و ما نحن فيه مثله على الظاهر، فيجري فيه ما تقدم سابقا فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فلا يقدح انعدام ما عدا الاولى بعد ضمها إليها كالمتجدد من الثمرة في السنة أو في القابل إلى الثمرة الظاهرة، و لا إشعار في عبارة المتن باشتراط الوجود في جميع اللقطات، و ان خص الجواز بالانعقاد الا أن مراده و لو بالأولى نحو قوله في ثمرة النخل و غيره نعم لا يجوز بيع الثانية و الثالثة مستقلة، إذ هي كالأولى قبل ظهورها، لكن عن أبي حمزة يجوز بيع الرطبة و أمثالها الجزة أو الثانية أو الثالثة أو جميعها، و لا ريب في ضعفه إن أراد ذلك. نعم قد يقال: يجوز بيع ذلك قبل ظهوره إذا انضم إلى ما ظهر من الخضروات نحو ما قلناه في الشجر، بل المرسل السابق (1)الذي هو كالموثق شامل للمقام، فلاحظه، بل يمكن الاكتفاء فيه بضمه إلى ما ظهر من ثمر النخل أو الشجر، لإطلاق المرسل السابق؛ كما أنه يكتفي بظهور الخضروات في البستان عن ظهور ثمرات أشجارها


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.

ج 24، ص: 80

فتكون هي حينئذ كثمرة الشجرة بل لعله المراد من ذيل خبر أبي الربيع السابق (1)بل يمكن إرادة ذلك من الرطبة و البقل في موثق سماعة(2)المتقدم آنفا دليلا لمطلق الجواز مع الضميمة، إلا أنه ينبغي الاقتصار في ذلك على ما في الحائط الواحد أخذا بالمتيقن.

و كيف كان فحيث يجوز بيعها يجوز منفردة و مع أصولها بل لا يعتبر في الثاني بدو الصلاح

عند القائل به، بناء على أنه غير الظهور، إذ هي حينئذ كثمر النخل و الشجر، و كذا ضم غير الأصل و لو باع الأصول قبل ظهور الثمرة جاز مع الإطلاق و بشرط التبقية و القطع، إذ هو كالزرع و كأصول الأشجار و لا فرق في ذلك بين ظهور الورد فيها و عدمه، بل الظاهر جواز بيع الورد الذي تتولد منه الثمرة مطلقا أو بشرط التبقية بناء على جوازه في ثمرة النخل و الشجر لعدم الفرق بينهما أما مع شرط القطع أو الضميمة فلا ينبغي التأمل في الجواز كالثمرة أيضا، و لو باعها اى الأصول في الخضر و غيرها عدا النخل بعد انعقاد الثمرة لم تدخل في البيع الا بالشرط و نحوه بلا خلاف للأصل نعم نظر في الدروس في تبعية ورق التوت و الحناء و الأس، قال: «و كذا قضيب ما اعتيد قضيبه (قضبانه خ) كالخلاف، مع أن الأقوى عدم التعبية أيضا إذا فرض كونه ثمرة معتدا به، و لم يكن هناك عرف يقتضي التبعية كما هو كذلك في ورق التوت في بلداننا بحسب هذه الأزمنة.

و على كل حال حيث لا تدخل وجب على المشتري إبقاؤها مجانا إلى أوان بلوغها إن كان المعتاد قطعها عنده و الا قبله، و هو مختلف إذ منه ما يؤخذ بسرا مثلا و منه رطبا و منه تمرا و منه عنبا، و لا يقدح عدم ضبطه بما لا يقبل الزيادة و النقصان بعد ان لم يكن أجلا مضروبا في العقد و انما هو كالحكم الشرعي الثابت من الطلاق الأدلة الذي لا ريب في ظهوره في بقاء الثمرة إلى أوان صيرورتها كذلك، و خصوصا


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1-.

ج 24، ص: 81

نصوص الزرع (1)بل ترك الاستفصال في غيرها مع معلومية كون المراد من السؤال شراؤها حال كونها بالغة مدركة كالصريح في ذلك، و مرجعه حينئذ إلى اغتفار عدم الضبط هنا و إن كان مقصودا للمتعاملين، لا أنه لم يقصداه أصلا و هو حكم شرعي تعبدي محض، لعدم الدليل عليه على هذا الوجه، و من ذلك و غيره يعلم أنه لا وجه للمناقشة في الرياض، «بأنه لا دليل على وجوب التبقية المخالفة لأصالة حرمة التصرف في مال الغير و استناد البعض الى استلزام كون الثمرة للبائع ذلك غير بين، و حديث نفي الضرر بالمثل معارض، فان كان إجماع أو قضاء عادة بذلك؛ و إلا فالأمر ملتبس» و قد عرفت أنه لا التباس فيه سيما بعد شهرة الأصحاب، بل لم يعرف فيه خلاف باعتراف المناقش، و من غريب ما اتفق له أنه هنا توقف في الحكم أشد توقف؛ حتى جعل الأمر عليه ملتبسا و قد تقدم له في باب الشروط أنه لا إشكال في الحكم المزبور.

و كيف كان فلو اختلفت العادة فالأغلب إذا كان بحيث ينصرف الإطلاق إليه و مع التساوي احتمل وجوب التعيين، للغرر، و التنزيل على الأدنى اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على حرمة التصرف في مال الغير على المتيقن، و الأعلى استصحابا للجواز، و كذا لو استثناها البائع أو اشتراها خاصة من دون الأصول مشتر، و ربما ظهر من بعض نصوص الزرع (2)أن الخيار بيد من له الثمرة فإن تم و إلا كان القول

بالتعيين متجها، لعدم معلومية قصدهما الذي قد عرفت مدخليته، و لذا كان الحكم فيما لو اعتاد قوم على قطع الثمرة قبل أوان بلوغها تنزيل الإطلاق عليه، كما صرح به الفاضل و غيره، و كذا لو تعارف عندهم بقاؤها إلى ما عبد ذلك نزل عليه أيضا، لأن الاعتياد المفروض كالقرينة على إرادتهما ذلك، إذ هو ظاهر في أن الحكم بالبقاء ليس تعبديا محضا، بل للقصد فيه مدخلية نعم الغي الشارع هنا اعتبار التعيين؛ فتأمل جيدا.

و لكل من مشتري الثمرة و صاحب الأصل سقي الشجرة؛ مع المصلحة له، و انتفاء


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث- 9- 10.

ج 24، ص: 82

الضرر عن الأخر، و لا يجب على البائع السقي، و إن وجب عليه التبقية المنصرف الإطلاق إليها، و ما عداها إنماء لا يجب عليه؛ نعم يجب عليه التمكين منه مع الحاجة و عدم ضرورة، فلو تلفت يترك السقي فان لم يكن قد منع فلا ضمان عليه، و إن منع ضمن، و كذا لو تعيبت، و لو تضررا بالسقي معا منعا منه، و لو كان يضر أحدهما و ينفع الأخر فقد تقدم للمصنف فيما يندرج في المبيع ترجيح مصلحة المشتري؛ إلا أنه فرض المسألة في بيع الأصول و بقاء الثمرة للمالك، و الظاهر أنه لا فرق بين المقامين، فالتحقيق حينئذ ما تقدم هناك؛ كما أنه تقدم أيضا تحقيق الحال فيما لو استلزمت التبقية ضررا كثيرا على الأصول فلاحظ و تأمل.

فإن منه يعلم الحال أيضا فيما ذكره الفاضل فيما ذكره الفضال هنا في القواعد «من أنه لو انقطع الماء لم يجب قطع الثمرة على مشتريها، و إن تضرر الأصل بمص الرطوبة» إذ ما ذكرناه سابقا و إن كان مفروضا في بيع الأصول و بقاء الثمرة للمالك كما هو المفروض؛ في كثير من كلمات الأصحاب، إلا أنك قد عرفت عدم الفرق بينهما عند التأمل، إذ ما وجه به البقاء- هنا من أن المشتري قد دفع ثمنه عن الثمرة و بقائها، و إطلاق العقد المنصرف إليه كالتصريح به؛- و العدم بعدم انصراف الإطلاق إلى صورة الضرر الكثير و نحو ذلك- بعينه جار في صورة العكس كما هو واضح و الله أعلم.

و كيف كان ففي مفروض مسألة المتن جميع ما يحدث بعد تلك الثمرة الموجودة عند الابتياع للمشترى بلا خلاف و لا إشكال؛ لأنها نماء ملكه؛ كما أنه لو باع الثمرة الموجودة خاصة كان جميع ما يحدث بعد للبائع لذلك، إلا أن الفرق بينهما أنه لو امتزجا في الصورة الأولى لم يتجه إلا الشركة؛ و لا فسخ لأحدهما و لا انفساخ، للأصل السالم عما يقتضي أحدهما، أما الثانية ففي اللمعة «تخير المشتري بين الفسخ و الشركة، و لو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ بعيب الشركة؟ نظر؛ أقربه ذلك، إذا لم يكن تأخر القطع بسببه، و حينئذ لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكين البائع و قبض المشتري؛ أمكن عدم الخيار، و لو قيل: بأن الاختلاط إن كان قبل القبض

ج 24، ص: 83

تخير المشتري؛ و إن كان بعده فلا خيار لأحدهما كان قويا».

قلت: هو الذي ذكره الفاضل في المختلف و التذكرة، إلا أنه قال في أولهما:

«يفسخه الحاكم لتعذر التسليم» بل لم يذكر في الدروس غيره جازما به، و استحسنه في الروضة إن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشتري، و إلا فعدم الخيار له أحسن، لأن العيب من جهته فلا يكون مضمونا على البائع، و لعله مراد غيره و لا يسقط هذا الخيار ببذل التفاوت كغيره من خيار الغبن و نحوه؛ بل لو بذل البائع الجميع لم يجب القبول، للأصل و المنة، بل لو قبله أمكن عدم سقوط الخيار و ان زالت الشركة، اكتفاء بحصول السبب أولا، خلافا للمحكي عن الشيخ و ابن البراج من أنه يقال للبائع: إما أن تسلم الجميع فإذا فعل أجبر المشتري و إن لم يسلم يفسخ الحاكم البيع، و هو أحد قولي الشافعي؛ و الأخر الانفساخ من أول الأمر لتعذر التسليم، و ضعفهما معا واضح، خصوصا الثاني الذي لا يتم إلا قبل القبض، مع أن تعذر التسليم ممنوع، ضرورة إمكانه و لو بدفع الجميع، كغيره من بيع المشترك.

و منه يعلم أن المتجه الصحة حتى لو علما الاختلاط من أول الأمر؛ و لا يحتاج إلى اشتراط القطع، بل احتمل في التذكرة هنا الصحة على تقدير البطلان في الامتزاج، قال:

«لأن الثمرة الآن لا موجب للبطلان فيها، و الامتزاج مترقب الحصول، فلا يؤثر في صحة البيع السابق» و مراده صحة العقد قبل الاختلاط، و إن بطل حينئذ بعد حصوله، بناء عليه فيه؛ و قد عرفت ضعفه، فلا ريب في أولوية التفصيل السابق منهما، مقيدا بما سمعته من الروضة.

نعم يمكن المناقشة في دعوى ضمان البائع مثل ذلك قبل القبض، إذ هو من قبيل فوات صفات الكمال، و الأصل في العقد اللزوم خصوصا إذا لم يكن من قبله، و أما ما ذكره أولا في اللمعة فهو مع اضطرابه واضح الضعف، إذ حاصله بعد تقييد أول كلامه بآخره أن الخيار لهما معا قبل القبض و بعده إذا لم يكن بتفريطهما، و إلا اختص به غير المفرط.

ج 24، ص: 84

و فيه أنه لا وجه معتد به لخيار البائع المنافي لأصالة اللزوم بجناية المشتري أو غيره على ماله؛ كما أنه لا وجه لخيار المشتري بعد القبض بذلك من البائع و غيره كما هو واضح و منه يعلم إطلاق ما في القواعد «من أن الأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ و الشركة، و لا خيار لو وهبه البائع على إشكال» بل في كلامه نظر من وجوه أخر تظهر بأدنى تأمل، كظهوره فيما سمعته من المختلف من فسخ الحاكم، و كذا المبسوط؛ و نحوهما ما في الوسيلة من أنه إن اختلط و لم يتميز و لم يسلم البائع جميعه فسخ العقد بينهما؛ ثم على الاشتراك يجب أخذ قدر ما لكل منهما من الثمرة إن علماه و إن جهلا عينه، فان لم يعلما تخلصا بالصلح و لو تنازعا في القدر فالقول قول صاحب اليد منهما، إلا ان تشخيصه في الثمار مشكل، و للشافعية وجهان مبنيان على أن الجائحة من ضمان البائع أو المشتري، و ثالث أنها في يدهما جميعا و ضعف الجميع واضح، و في التذكرة «أن الوجه كون اليد للمشتري إن كان البائع سلمه الثمرة بتسليم الأصل، و إن كان الأصول في يد البائع و الثمرة في يد المشتري فهما صاحبا يد. قلت: اليد على الأصول لا تجدي فيما نحن فيه، مع أن الأصل أيضا موافق لصاحب الثمرة، لأصالة عدم زيادة المتجدد و الله أعلم.

[أما اللواحق فمسائل ]
اشارة

و أما البحث في اللواحق فمسائل

[المسألة الأولى يجوز لبائع الثمرة أن يستثنى ثمرة شجرات أو نخلات بعينها]

الأولى: يجوز لبائع الثمرة أن يستثنى ثمرة شجرات؛ أو نخلات بعينها بلا خلاف و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، و كذا استثناء عذق معين و نحوه نعم لو أبهم في شي ء من ذلك بطل بلا خلاف بل في التذكرة الإجماع عليه للجهالة في المبيع حينئذ، و منه الأجود أو الأردى إذا لم يكن معلوما بينهما على وجه يكون مشخصا؛ و يجوز له أيضا بلا خلاف و لا إشكال ان يستثنى حصة مشاعة كالثلث أو الربع، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا، بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه يجوز له أيضا ان يستثنى أرطالا مثلا معلومة بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل عن

ج 24، ص: 85

الخلاف الإجماع عليه، للأصل و صحيح ربعي (1)المتقدم سابقا و

خبره الآخر(2)«في الرجل يبيع الثمرة؛ ثم يستثنى كيلا و تمرا؟ قال: لا بأس به قال: و كان مولى له عنده جالسا فقال المولى: انه ليبيع و يستثنى أو ساقا يعني أبا عبد الله عليه السلام، قال: فنظر إليه و لم ينكر ذلك من قوله»

خلافا لأبي الصلاح منا، و الشافعي و أبي حنيفة و أحمد بن حنبل من غيرنا، فلم يجوزوه، لأدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته المشاهدة، كما لو استثنى مشاهدا من الموزون الذي طريق اعتباره الوزن، بأن باعه الموزون مستثنيا منه مشاهدا غير موزون، و هو اجتهاد في مقابلة النص، المعتضد بما سمعت، و بعدم تحقق الجهالة في مثله عرفا؛ سيما بعد أن كان مرجع هذا الاستثناء إلى حصة مشاعة نسبتها إلى المجموع نسبة الأرطال المعلومة اليه، و جهالة مقدارها في ذلك الوقت بعد أن كانت مضبوطة بما لا يقبل الزيادة و النقصان غير قادح، كما لو باعه صاعا من الصبرة على هذا الوجه، بل الظاهر الصحة لو باع مختلف الأجزاء كالأرض و نحوها مستثنيا منها أذرعا مخصوصة على إرادة النسبة المزبورة، فتأمل جيدا.

و منه يعلم وجه ما ذكره المصنف و غيره من أنه لو خاست الثمرة سقطت من الثنيا إذا كانت حصة مشاعة أو أرطا لا معلومة بحسابه بل لا أجد فيه خلافا بينهم نعم لهم بحث سابق في

بيع الصاع من الصبرة؛ و قد اعترف في الدروس هنا بأنه قد يفهم من هذا التوزيع، تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة، لكن في الروضة «أنه قد تقدم ما يرجح عدمه ففيه سؤال الفرق» قلت: قد مر لنا خلاف ذلك؛ و أن الراجح تنزيله على الإشاعة؛ بل قلنا: هناك لو صرح بعدم إرادة الإشاعة، أمكن بطلان البيع، لان بيع الكلي ما لم يكن في الذمة أو منزلا على الإشاعة؛ يتحقق به الجهالة.

و قد يؤيده ما في التذكرة هنا من أنه لو صرح بإرادة الاستثناء مما يسلم من الثمرة


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الثمار الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.

ج 24، ص: 86

أمكن بطلان البيع، اللهم إلا أن يستند في مسألة الصاع إلى خبر الأطنان (1)أو غيره مما مر تحقيقية هناك، فلاحظ و تأمل ما أسفلناه هناك، فإنه نافع في المقام بالنسبة إلى غير ذلك أيضا، حتى بالنسبة إلى اشتراط صحة بيع الصاع من الصبرة، بالعلم باشتمالها عليه و عدمه، و إن كان الظاهر عدم الصحة في المقام، مع عدم العلم؛ للشك في أصل وجود المبيع، لاحتمال الاستغراق، تنزيلا لإطلاق النص و الفتوى على المعهود ما يعلم فيه عدم الاستغراق مع احتماله هنا، و تكون الصحة مراعاة كما أن النقص هناك يجبر بالخيار، إلا أنه ضعيف جدا، خصوصا بناء على أن مدرك الصحة النص السابق، و أنه لولاه لكان باطلا للجهالة، فتأمل.

و الظاهر أنه لا فرق في استثناء الأرطال بين وجود الثمرة و بين عدمها كما لو باعه ثمرة سنتين مستثنيا الأرطال، للإطلاق و لا ينزل إشاعة السنة الثانية على نسبة السنة الأولى لاختلافها، بل كل منهما على نسبتها، و لو لم يخرج في السنة الثانية إلا مقدار المستثنى فما دون، ففي الصحة و البطلان وجهان ينشئان من تنزيل ذلك منزلة ما لو خاست الثمرة و عدمه؛ و على الأول يقدر لها حينئذ ثمرة العادة و ينسب لها الأرطال الموجودة، فيستحق المشتري على حسب تلك النسبة، لكنه كما ترى لا يخلو من بعد، بل ينقدح منه احتمال صحة استثناء الأرطال في الثمرة المشاهدة دون غيرها.

ثم إنه قد صرح غير واحد بأن طريق معرفة الإشاعة في مسألة الأرطال تخمين الفائت بالثلث و الربع مثلا ثم تنسب الأرطال إلى المجموع، و يسقط منها بالنسبة، لكن قد يقال: ان التخمين أن صح الاعتماد عليه باعتبار انحصار الطريق فيه، فهو بالنسبة إلى الفائت، أما نسبة الأرطال فيمكن معرفتها على التحقيق، فلا ينبغي الاكتفاء فيها بالتخمين بل الاولى الرجوع إلى الصلح بعد معرفتها أيضا لعدم الدليل على الاكتفاء بالتخمين الذي يمكن أن يكون محلا للنزاع، و ربما يتعسر معرفته في بعض الأحوال أو يتعذر هذا.


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 24، ص: 87

و قد قيد ثاني المحققين و الشهيدين و غيرهما نحو إطلاق المتن بما إذا كان التلف بغير تفريط، قيل: و المراد إنه إذا كان بتفريط المشتري مثلا اختص التالف به، قلت:

الظاهر إرادة اختصاص الضمان به؛ و إلا فلا ريب في أن التالف على كل تقدير يكون منهما، بناء على الإشاعة المزبورة؛ لعدم ما يقتضي اختصاص التالف أو الباقي بأحدهما، فلا فرق حينئذ في ذلك بين كون التلف منهما أو من أجنبي أو من آفة سماوية، فيكون الإطلاق حينئذ صحيحا، اللهم إلا أن يدعى عدم جريان حكم الإشاعة لو كان التلف من أحدهما أو خصوص المشتري و هو كما ترى:

[المسألة الثانية إذا باع ما بد إصلاحه فأصيب قبل قبضه كان من مال بايعه ]

المسألة الثانية: إذا باع ما بد إصلاحه مثلا فأصيب الكل بآفة من الله سماوية أو أرضية قبل قبضه الذي هو التخلية كان من مال بايعه كغيره من أفراد المبيع للعموم و غيره مما تقدم في محله، و الظاهر إلحاق النهب و السرقة و نحوهما مما لا يكون المتلف فيه شخصا معينا، بها لا بتلف الأجنبي الذي ستعرف أنه مسلط على الخيار، دون الانفساخ، لصدق التلف بها و قد سمعت ما في خبر عقبة(1)من السرقة، و في التذكرة هنا «لا فرق بين أن يكون التلف بأمر سماوي كالريح و الثلج و البرد أو بغير سماوي كالسرقة و الحرق» إلا أن الظاهر إرادة التعريض به على خلاف أحمد، من أنها ان تلفت بأمر سماوي كان من ضمان البائع، و إن تلفت بنهب أو سرقة كان من ضمان المشتري فتأمل جيدا.

و كذا لو أتلفه البائع مباشرة أو تسبيبا لأولويته من التلف بالافة؛ لكن ظاهره الانفساخ قهرا به كالافة، و لم أعرفه إلا للمحكي عن الشيخ في مبسوطة و محتمل الإيضاح، لصدق التلف و هو جيد؛ إلا أن الفرق بينه و بين تلف الأجنبي غير واضح، و من هنا كان المعروف بين المتأخرين إلحاقه به، فيتخير المشتري بين الفسخ و مطالبة البائع بالمثل أو القيمة.


1- 1 الوسائل الباب- 0 من أبواب الخيار الحديث- 1.

ج 24، ص: 88

و إن أصيب البعض انفسخ العقد فيه بلا خلاف فيه بيننا، و أخذ السليم بحصته من الثمن و كان له خيار التبعيض، بل في التحرير «إن اختار الإمساك فالأقرب تخير البائع» و هو لا يخلو من نظر و لو أتلفه أجنبي كان المشتري بالخيار بين فسخ البيع، و بين مطالبة المتلف بلا خلاف أجده، فيه، جمعا بين ما دل على ضمان البائع، و على ضمان من أتلف مال غيره، و لا ينحصر المراد بضمان البائع في الانفساخ قهرا الذي على تقديره هنا تلغو قاعدة ضمان المتلف، فلا بد حينئذ من إرادة الفسخ الاختياري هنا، من ضمان البائع و لوجوب التسليم عليه، و قد تعذر؛ و من ذلك يظهر لك قوة الخيار في إتلاف البائع، لا الانفساخ فتأمل جيدا، لما تقدم سابقا منا من التوقف في اقتضاء مثل هذا التعذر الموجب ضمانا على الغير الخيار.

و لو كان التلف للكل أو البعض بآفة أو من أجنبي بعد القبض و هو التخلية مطلقا أو في نحوه الثمرة التي هي حال كونها على الشجر من غير المنقول، لم يرجع على البائع بشي ء على الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لخروجه عن ضمانه بالقبض، فلا انفساخ حينئذ و لا فسخ، لكن في المحكي عن المبسوط و إن قلنا أنه ينفسخ في مقدار التلف أي بالافة كان قويا.

و في المسالك «ذهب بعض الأصحاب إلى أن الثمرة على الشجرة مضمونة على البائع، و إن أقبضها بالتخلية نظرا إلى أن بيعها بعد بدو الصلاح بغير كيل و لا وزن على خلاف الأصل، لأن شأنها بعده النقل، و الاعتبار بالوزن أو الكيل، و إنما أجيز بيعها كذلك للضرورة، فيراعى فيها السلامة؟» قلت: لم نعرف القائل بذلك منا نعم حكاه في التذكرة عن الشافعي في القديم معللا له بأن التخلية ليست بقبض صحيح، و لهذا لو عطشت الثمرة كان من ضمان البائع أيضا تلفت و هو كما ترى، تعليلان عليلان، فلا ريب في أن المتجه ما ذكرنا، بل لو أتلفه البائع أيضا لم يثبت للمشتري فسخ و لا انفساخ، لعدم الدليل و إن رجع عليه بالمثل أو القيمة كالأجنبي.

و لو أتلفه أي المبيع المشتري في يد البائع استقر العقد، و كان الإتلاف

ج 24، ص: 89

كالقبض، و كذا لو اشترى جارية و أعتقها قبل القبض فإنه بمنزلة القبض منه، ضرورة ظهور ما دل على ضمان البائع في كونه إرفاقا بحال المشتري؛ فلا يشمل ما إذا كان هو المتلف، و في المسالك «إن إتلاف المشتري للمبيع في يد البائع أعم من كونه بإذن البائع و عدمه، فان كان باذنه فهو قبض تترتب عليه أحكامه مطلقا، و إن كان بغير إذنه كما هو الظاهر فهو قبض من حيث انتقال الضمان إلى المشتري، و إن تخلف عنه باقي الاحكام و الفرض هنا انتقال الضمان، و إنما شبه الإتلاف بالقبض و لم يجعله قبضا لأن الإتلاف قد يكون بالتسبيب، فيكون في حكم القبض خاصة، و قد يكون بمباشرة المتلف فيكون قبضا حقيقة» قلت: مقتضى التفصيل الأخير؛ عدم مراعاة الاذن في تحقق القبض و عدمه، و مقتضى التفصيل الأول عدم مراعاة المباشرة و عدمها، على أن قد سمعت في المباحث السابقة ما في التذكرة من عدم تحقق القبض بالإتلاف لو كان جاهلا و لو مع المباشرة، فلاحظ ما أسفلناه سابقا و تأمل.

و كيف كان ففي حواشي الشهيد هنا «أن الاقسام أربعة عشر، لان التلف إما من البائع و المشتري أو من غيرهما، أو من البائع خاصة؛ أو المشتري خاصة، أو من البائع و أجنبي، أو من المشتري و أجنبي، أو منهما و أجنبي، فالأقسام سبعة و حينئذ إما أن يكون قبل القبض، أو بعده، فتبلغ أربعة عشر وجها، فالسبعة التي قبل القبض دركها على البائع إن لم يشاركه المشتري، و إن شاركه المشتري فالدرك على المشتري، و السبعة التي بعد القبض دركها على المشتري، ففي الأول ما أتلفه المشتري فهو قبض، و ما أتلفه البائع فالمشتري بالخيار بين المطالبة بالمثل أو القيمة إن لم يكن مثليا؛ أو يفسخ و يغرم ما أتلف، و في الثاني يتخير بين المطالبة المتلف مع الإجازة؛ أو يفسخ و يرجع بالثمن على البائع، و في الثالث هو بالخيار أيضا؛ و في الرابع قبض منه، و في الخامس يتخير، و في السادس التلف منه و يرجع على الأجنبي بمقدار ما أتلف. و في السابع أيضا كذلك يسقط ما أتلفه بفعله و يرجع عليهما بما قابل فعلهما».

قلت: لا يخفى عليك زيادة الاقسام مع ضم الآفة إليها كما أنه لا يخفى عليك ما في إطلاق قوله إن الدرك على المشتري مع المشاركة، بل ظاهر كلامه عدم الخيار في السادس

ج 24، ص: 90

و السابع، و الفرق بينه و بين الأول غير واضح، فالمتجه ثبوت الخيار في الجميع، مع كون المراد بالشركة اختصاص كل بتلف البعض على جهة الاستقلال، أما إذا كان الاشتراك على وجه يكون كل منهم بعض العلة بحيث استند التلف إلى المجموع فلا يبعد عدم الخيار في الجميع؛ أى جميع الصور التي يدخل فيها المشتري؛ لعدم الإرفاق فيه حينئذ؛ و الأصل اللزوم، بل لو فرض الاشتراك على هذا الوجه بين المشتري و الآفة أو البائع، بناء على أنه كالافة لم يكن انفساخ؛ لعدم صدق المتلف على كل منهم، بل هو بعض المتلف، و فرق واضح بين متلف البعض و بعض المتلف و التنصيف بالضمان مثلا، لا لأن كلا منهما قد أتلف نصفا بل لكون المجموع مصداق من أتلف، فضمان الكل عليه، لا على كل واحد منهما فينصرف إلى الاشتراك.

أما في نحو المقام فالأصول تقتضي لزوم العقد، فمع فرض تعليق الانفساخ مثلا على التلف بالآفة، لم يصدق مع كونه جزء سبب؛ و كذلك مقتضى الخيار لو فرض كونه كذلك نعم لو اشترك ما يقتضي الانفساخ و ما يقتضي الخيار كالافة و الأجنبي، أمكن ثبوت الخيار في المقام لانه مقتضى كونه مضمونا على البائع مع احتمال عدمه، كما أن الظاهر ثبوت الخيار مع شركة البائع و الأجنبي كذلك أيضا، و لو اشترك البائع و الآفة؛ و قلنا إن إتلاف البائع مثلها في الانفساخ، فالمتجه حصولها معهما إلا أن يفرض كون العنوان في كل منهما على جهة الاستقلال على وجهه لا يندرج فيه حال الاشتراك، و حينئذ يتجه الخيار بناء على أن مقتضية تعذر التسليم و الفرض حصوله، فقد ظهر من ذلك أنه حيث يدخل المشتري يرتفع الانفساخ و الخيار، و يكون جزئيته في الإتلاف بمنزلة القبض، و يرجع على من شاركه على حسب شركته في السببية فتأمل جيدا، فإن المسألة محتاجة مع ذلك إلى التحرير، بل فيه احتمالات آخر هذا.

و الظاهر جريان حكم التلف قبل القبض و بعده بالنسبة إلى ثمرة السنة الثانية لو كانت بعض المعقود عليه و لا يقوم القبض في السنة الأولى عنه فيها، كما أنه لا ينافي ذلك

ج 24، ص: 91

استقرار الثمن على المشتري لو لم تظهر ثمرة أصلا، كما يشهد لهم

قوله عليه السلام (1)«ان لم تخرج في هذه السنة تخرج في قابل»

لان ذلك مقتضى العقد على المعدوم الذي صيره الشارع بحكم الموجود في صحة البيع، بل هو غير مندرج في المبيع التالف قبل القبض، لعدم وجوده، بخلاف ما لو ظهرت فتلفت قبل التخلية مثلا، إذ لا ريب في الاندراج، كما أن جميع ما تقدم بالنسبة إلى الثمرة الأولى مما يقتضي الخيار أو الانفساخ جار فيها.

و بذلك ظهر لك الفرق بين ظهور عدم الثمرة و بين تلفها قبل القبض، فلا ضمان على البائع في الأول، بخلاف الثاني و تحقيقه أن المبيع في الأول الثمرة الحاصلة منضما إليها الثمرة المتجددة في السنين- نحو انضمام المعدوم إلى الموجود في الوقف على معنى مشاركته للموجود إن حصل؛ و إلا فلا بطلان للوقف،- و قلنا إن تجددت ثمرة كانت مبيعا، و إلا كان المبيع الموجودة، و مرجعه بيع ثمرة هذا النخل سنين كائنة ما كانت، لا أن المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون ملاحظة مستقلة، و إنما هو ما عرفت و إن لم يعلم مصداقه، فيحتمل كونه الموجود خاصة و يحتمل حصول غيره معه؛ نحو ثمرة الشجرة الواحدة، إذا ظهر بعض ثمرها و لم يظهر الباقي، و أريد بيع ثمرها أجمع، و بما كان في قوله عليه السلام إن لم تخرج هذه، إلى آخره إيماء إليه، و إن كان مورده التعدد من السنين قبل الظهور، و لكن يفيد أن المبيع ثمرة كلية لا يعلم مصداقه و لا زمان وجودها، فهو ينفع فيما نحن فيه و شبهه من الصور الصحيحة.

بل لعل ضم البقلة و الرطبة في موثق سماعة السابق (2)من هذا القبيل بناء على ما ذكرناه من إرادة خصوص البقلة و الرطبة في البستان، فيكون المبيع أحدهما مع ثمرة البستان المحتمل حصولها، فان خرجت كانت من المبيع و إلا كان المبيع البقلة أو الرطبة، و حينئذ تكون من مسألة جواز بيع ثمرة البستان التي ظهر بعضها و لم يظهر الأخر، من غير


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.

ج 24، ص: 92

فرق بين اتحاد النوع و اختلافه، و بين الخضرة و الغلة و غيرهما كما سمعته.

و بالجملة إذا كان المبيع كليا تتعدد مصاديقه في الخارج، و المفروض مشروعيته في بيع الثمار، يتجه عدم ضمان البائع لو لم يحصل المصداق الأخر، ضرورة وجود مصداق آخر له و هو الموجود، نعم لو فرض كون المبيع ثمرة كل سنة على وجه يكون كل منهما مبيعا مستقلا، و قلنا بصحته في الثمار، و لو لإطلاق الأدلة، يتجه حينئذ ضمانه على وجه يقتضي توزيع الثمن، ضرورة عدم حصول بعض المبيع المفروض ارادة مقابلته بالثمن.

و لعل من ذلك البيع خرطتين مثلا مع فرض عدم حصول الخرطة الثانية، و لذا صرح بعضهم بتوزيع الثمن فيه، لأن الخرطة الاولى لا تكون مصداقا للخرطتين اللتين هما متعلق البيع، بخلاف نحو بيع ثمرة النخل إلى سنتين مثلا؛ فالمتجه حينئذ التفصيل و مع الإطلاق لا يبعد تنزيله على الأول، و لا يقدح زيادة الثمن في

مقابله، فإنه أعم من ملاحظة كونه مبيعا مستقلا بل كملاحظة الأوصاف و حمل الدابة المحتمل إذا بيعت على ما هي عليه، بل هنا أقوى، للعادة، و ربما يؤيده السيرة المستمرة على عدم رجوع المشتري بما يخص بعض النخل الذي لم يظهر حمله في بعض السنين، اللهم إلا أن يكون وجهه التسامح فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلامهم، و إن كان يلوح منهم الأول، و الله العالم. ثم إن الضمان هنا حيث يتحقق على البائع أو الأجنبي فهو بالمثل؛ حيث يكون مثليا، كما لو كان تمرا و نحوه، أما لو كان من قبيل الطلع و نحوه فضمانه بالقيمة؛ فيقوم حينئذ على حاله، باقيا إلى أو ان بلوغه محتملا للعوارض، و يدفع له قيمته فتأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الثالثة يجوز بيع الثمرة في أصولها بالأثمان أو العروض ]

المسألة الثالثة لا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز بيع الثمرة للنخل و غيره في أصولها بالأثمان أو العروض أو بهما معا، أو بغيرهما من المنافع و الاعمال و نحوها؛ كغيرها من أفراد المبيع؛ للأصل و إطلاق الأدلة نعم لا يجوز بيع ثمرة النخل منها بماءة كر مثلا من ثمر منها إجماعا بقسميه، بل المحكي منها مستفيض أو متواترا؛ لعدم جواز اتحاد الثمن و المثمن، و لان هذه المعاملة هي

ج 24، ص: 93

المتيقن من تحريم المزابنة التي علم بالنص (1)و الإجماع حرمتها، بل قيل انها هي بيع الثمرة في النخل بتمر و لو كان موضوعا على الأرض، و هو الأظهر فيكون المجموع محرما كما هو أشهر القولين، بل هو المشهور بين المتقدمين و المتأخرين نقلا و تحصيلا، بل عن ظاهر الغنية كالروضة الإجماع عليه، ل

صحيح عبد الرحمن بن أبى عبد الله (2)عن الصادق عليه السلام «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن المحاقلة و المزابتة قلت: و ما هو؟ قال: أن يشترى حمل النخل بالتمر و الزرع بالحنطة»

و الظاهر إرادة اللف و النشر المشوش، لكن في

موثقه الآخر عنه (3)أيضا «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عن المحاقلة و المزابنة فقال: المحاقلة بيع النخل بالتمر، و المزابنة بيع السنبل بالحنطة»

و مال إليه الكاشاني و المحدث البحراني إلا أن الاولى حمله على ضرب من المجاز، كالمحكي عن سلار المحاقلة محرمة و هي أن يبيع التمر في رؤس النخل بالتمر، و الزرع بالحنطة كيلا و جزافا، و كأنه أو همه ما في المقنعة «لا يجوز بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر كيلا و لا جزافا، و لا يجوز بيع الزرع بالحنطة أيضا كيلا و لا جزافا، و هذه هي المحاقلة».

إلا أن الظاهر إرادة الأخير من الإشارة، أو يحمل على وهم الراوي، لمخالفته المنصوص عليه عند الأصحاب و أهل اللغة، و لما

في خبر أبى القاسم ابن السلام (4)المروي عن معاني الأخبار مسندا عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في «أنه نهى عن بيع المحاقلة و المزابنة، و المحاقلة بيع الزرع و هو في سنبله بالبر، و المزابنة بيع التمر في رؤوس النخل بالتمر»

و الأمر سهل بعد حرمتها معا و انما تظهر الثمرة في العهد و اليمين و نحوهما.

و على كل حال فهما دالان على حرمة البيع بالتمر مطلقا، مؤيدا ذلك بظاهر خبر ابن سلام المتقدم حيث خص الرخصة في بيع الثمرة بالتمر بالعرية، و ب

خبر السكوني(5)


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الثمار الحديث- 5.
5- 5 الوسائل الباب- 14 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.

ج 24، ص: 94

عن الصادق عليه السلام «رخص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في العرايا أن تشتري بخرصها تمرا، قال:

و العرايا جمع عرية و هي النخلة يكون للرجل في دار رجل آخر، فيجوز أن يبيعها بخرصها تمرا، و لا يجوز ذلك في غيره»

بناء على ما قيل: من أن دلالته ظاهرة ان جوزنا بيع ثمرة العرية بتمر من نفسها؛ و إلا فهي صريحة لاختصاص الرخصة حينئذ ببيعها بتمر من غيرها، و مقتضاه رجوع الإشارة في لفظ ذلك إليه؛ و هو صريح في المنع كما لا يخفى.

بل قيل أن به يضعف احتمال العهدية في الكلام في الخبرين السابقين، و رجوعها إلى ثمرة نفس النخلة المذكورة سابقا، فإن أخبارهم عليهم السلام يكشف بعضها عن بعض، مع بعده في الخبرين الأولين، إذ لم يتقدم لتمرها ذكر فيهما سابقا، و الحمل في أحدهما و النخل في آخر أعم من الثمر فكيف يمكن جعل الكلام للعهد؛ و لا إشارة إليهما كل ذلك مضافا إلى اقتضاء اختصاص المزابنة بالأول عدم الخصوصية لها هنا، فان عدم جواز البيع ببعضه معلوم فيها و في غيرها، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين جعل الثمن حصة مقدرة بالمقدار المعلوم منها، و بين جعله كليا مشروطا كونه منها، ضرورة رجوعه إلى الأول بل لو جعل مشروطا تأديته منها، كان كذلك أيضا، و إن كان في اقتضاء القواعد بطلانه نظر، إلا أنه يكفي في عدم جوازه هنا إطلاق معاقد الإجماعات، و مضافا إلى التعليل بعدم الا من الربا، و إن كان فيه منع واضح هنا، باعتبار عدم كون الثمرة على النخل مقدرة بالكيل و الوزن، و ستسمع التصريح في الخبر هنا بعدم الربا فيه؛ و قد عرفت اشتراطه في ذلك، و أنه لا يجدى صيرورته بعد ذلك مقدرا، كما لا يجدي موزونية جنسه، إذا لم يكن على الأصول.

اللهم إلا أن يستند في ذلك إلى موثق سماعة(1)الأمر بشراء الزرع فيه بالورق معللا بأن أصله

طعام، مؤيدا بما يظهر منهم في العرية من جريان حكم الربا فيها في الجملة إلا أن الاعتماد على ذلك و نحوه في الخروج عما يقتضي الجواز واضح المنع؛ كوضوح


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث- 3 و 4.

ج 24، ص: 95

منع تعدية علة النقصان عند الجفاف، ضرورة ظهور دليلها في الربا بين المقدرين بهما، مع أنها غير عامة لسائر أفراد المقام التي منها البيع لليابس باليابس، و الرطب بالرطب.

فالأولى الاقتصار في الاستدلال للعدم بما عرفت، خلافا للشيخ في النهاية قال:

«لا يجوز بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر كيلا و لا جزافا؛ و في المزابنة التي نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عنها(1)و كذلك لا يجوز بيع الزرع بالحنطة من تلك الأرض، لا كيلا و لا جزافا، و هذه المحاقلة، فإن باعه بحنطة من غير تلك الأرض لم يكن به بأس، و كذلك إن باع التمر بالتمر من غير ذلك النخل لم يكن أيضا به بأس» قيل: و الخلاف لكن المحكي عنه في المختلف «لا يجوز المحاقلة و هو بيع السنبل التي انعقد فيها الحب، و اشتد بحب من جنسه، أو من ذلك السنبل؛ و روى أصحابنا أنه إن باع بحب من جنسه من غير ذلك السنبل فإنه يجوز و قال الشافعي: لا يجوز بيعها بحب من جنسها على كل حال؛ و إليه ذهب قوم من أصابنا و المزابنة بيع التمرة على رؤوس النخل بتمر موضوع على

الأرض و من أصحابنا من قال: المحرم أن يبيع على رؤوس النخل بتمر منه، فأما بتمر آخر فلا بأس؛ و هو كما ترى ظاهر مع المشهور.

نعم حكى فيه عن المبسوط، أنه قال: «بيع المحاقلة و المزابنة حرام بالإجماع، و إن اختلفوا في تأويله، فعندنا أن المحاقلة بيع السنابل التي انعقد فيها الحب و اشتد، بحب من ذلك السنبل، و يجوز بيعه بحب من جنسه على ما روي في بعض الاخبار، و الأحوط أن لا يجوز بيعه بحب من جنسه على كل حال، لانه لا يؤمن أن يؤدي إلى الربا، و المزابنة هي بيع التمر على رؤوس الشجر بتمر منه، فأما بتمر موضوع على الأرض فلا بأس به، و الأحوط أن لا يجوز ذلك لمثل ما قلناه في السنابل سواء» و ظاهره الجواز بناء على عدم وجوب هذا الاحتياط عنده، و هو المنقول عن كامل ابن البراج، و إن وافق المشهور في مهذبه؛ و عن أبي الصلاح في ظاهر المحكي عنه في المختلف، و ربما حكى عن قطب


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1- 2.

ج 24، ص: 96

الذين؛ و هو ظاهر تذكرة الفاضل أو صريحها للأصل و العمومات.

و

صحيح الحلبي (1)«قال أبو عبد الله عليه السلام: في رجل قال للآخر بعني ثمرتك في نخلك هذه التي فيها؛ بقفيزين من تمر أو أقل أو أكثر، يسمي ما شاء فباعه؟ قال: لا بأس به، و قال: البسر و التمر من نخلة واحدة لا بأس به فاما

أن يخلط التمر العتيق و البسر فلا يصلح، و الزبيب و العنب مثل ذلك».

و

موثق الكناني (2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رجلا كان له على رجل خمسة عشر وسقا من تمر، و كان له نخل فقال له: خذ ما في نخلي بتمرك فأبى أن يقبل فأتى النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم ان لفلان على خمسة عشر وسقا من تمر فكلمه يأخذ ما في نخلي بتمره، فبعث النبي صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا فلان خذ ما في نخله بتمرك، فقال:

يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لا يفي و أبى أن يفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لصاحب النخل: جذذ نخلك فجذه وكالة خمسة عشر وسقا، فأخبرني بعض أصحابنا عن ابن رباط و لا أعلم إلا أنى قد سمعته منه، قال إن أبا عبد الله عليه السلام قال: إن ربيعة الرأي لما بلغه هذا عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم قال: هذا ربا، قلت أشهد بالله؛ إنه لمن الكاذبين؛ قال: صدقت».

و

خبر يعقوب ابن شعيب (3)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل، فيقول أحدهما لصاحبه اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمى و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص؛ و إما أن آخذه أنا بذلك، و أرده عليك قال: لا بأس بذلك»

و

خبره الأخر(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يكون له على الأخر ماءة كر من تمر، و له نخل فيأتيه فيقول: أعطني نخلك هذا بما عليك فكأنه كرهه»

و فيه أن الأصل و العموم مقطوعات بما عرفت، و صحيح الحلبي- بعد رجحان ما مر عليه بالشهرة و غيرها- يمكن حمله على العرية، على أن إطلاقه مخالف للجمع على خلافه من البيع بمقدار منها،


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1 باختلاف يسير.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث- 3 باختلاف يسير.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب بيع الثمار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 6 من أبواب بيع الثمار الحديث 2.

ج 24، ص: 97

بل قوله فيه البسر و التمر إلى آخر مما لا يظهر له وجه معتد به، بل رواه

المحدث الحر في الوسائل (1)في باب جواز بيع المختلفين متفاضلا من الربا «قفيزين من بر»

و موثق الكناني (2)لا دلالة فيه على البيع، بل هو إما وفاء، أو أن المراد منه إرضاؤه بذلك؛ ثم تفعل الصورة التي يسلم معها من المزابنة بالصلح، أو بالهبة و الإبراء، و نحو ذلك يجري في الخبرين الأخيرين بعده، مضافا إلى عدم الجابر للمحتاج إليه منهما، فلا ريب في أن ما تقدم حينئذ أقوى، لكن ظاهر الأدلة اختصاص المنع لو كان الثمن التمر خاصة، فلو مزج معه غيره خرج عن إطلاق النص، و ان لم نقل أن المانع الربا كما يخرج لو مزج مع المبيع ذلك، بل الظاهر خروجه أيضا

لو بيع حمل النخل بغير التمر من الطلع و نحوه، لاعتبار التمر في ثمن المزابنة، أما لو باع الطلع و نحوه بالتمر كان مزابنة لأن الموجود في الخبرين السابقين الحمل و ما في النخل.

نعم لا فرق على الظاهر بين كون التمر ثمنا أو مثمنا مع احتماله؛ اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن؛ بل قد يحتمل اعتبار التمرية فيما كان على رؤوس النخل أيضا، جمعا بين الخبرين؛ و خبر ابن سلام الذي يمكن دعوى التنافي بينها من جهة التسير ثم إنه هل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه كما صرح به جماعة، بل هو ظاهر آخرين، لاختصاص المزابنة كما عرفت بالنخل، فيبقى غيره على القواعد قيل و القائل المشهور كما في الروضة و إن كنا لم نتحققه لا، لانه لا يؤمن الربا و قد عرفت ما فيه كما عرفت ما في الاستناد إلى علة النقصان بعد الجفاف، فلا معارض حينئذ لمقتضي الجواز من الإطلاقات و غيرها.

نعم المنع متجه، فيما لو كان بمقدار منها؛ بناء على ما عرفت من اقتضاء القواعد العدم فيه، إلا في صورة اشتراط التأدية منها على إشكال فيها أيضا، و من الغريب


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب الربا الحديث- 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.

ج 24، ص: 98

ما في الرياض «من أن الأصل يقتضي الجواز مطلقا و لو بالمجانس منها أو من غيرها، ناسبا له إلى تصريح جماعة؛ و لم أجده لغير الفاضل في التذكرة ممن يعتد بقوله: نعم ربما يتوهم ذلك من بعض العبارات خصوصا المتضمنة منها لعدم إلحاقها بالمزابنة، الظاهرة في عدم جريان حكمها بالتفسيرين السابقين، و لا ريب في أنه وهم واضح ضرورة اقتضاء عدم إلحاق البقاء على القواعد التي لا ريب في اقتضائها البطلان، إذا كان الثمن منها للاتحاد، و ستعرف أن المشهور المنع من ذلك في العرية، المستثناة بالخصوص من حكم المزابنة فضلا عما نحن فيه، و الله اعلم.

و كذا لا يجوز بيع السنبل بحب منه إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر؛ و لاتحاد الثمن و المثمن فيه نحو ما تقدم في المزابنة و هذه المعاملة هي المتيقن من المحاقلة المعلوم حرمتها نصا و إجماعا، إذا كان الحب الذي هو الثمن حنطة لسنبلها كما ستعرف، و إن كان التحريم هنا للتعليل الأخير عاما لسائر أفراد السنبل و قيل: و القائل المشهور نقلا و تحصيلا بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه أيضا هي بيع السنبل بحب من جنسه كيف كان، و لو كان موضوعا على الأرض و هو الأظهر.

للنصوص المتقدمة(1)سابقا المعتضدة هنا لخصوص الموثق (2)«الآمر بشراء الزرع بالورق المعلل بأن أصله طعام الظاهر في المنع عن بيعه بالطعام، خلافا لمن تقدم في المزابنة فخصها بالأول، و جوز الثاني للعمومات، و

صحيح الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «في حديث لا بأس ان تشترى زرعا قد سنبل و بلغ بحنطة»

و

صحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع حصائد الحنطة


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الثمار.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث- 43.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.
4- 4 الكافي ج 5 ص 277 باب بيع المراعى في ذيل حديث 4 الطبع الحديث.

ج 24، ص: 99

و الشعير و سائر الحصائد؟ قال حلال فليبعه بما شاء»

و

حسن الوشاء(1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى من رجل جربانا معلومة؛ بمأة كر على أن يعطيه من الأرض؟ قال: حرام فقلت: جعلت فداك فانى أشترى منه الأرض بكيل معلوم و حنطة من غيرها، قال: لا بأس بذلك».

و فيه أن العموم مخصوص بما عرفت، و صحيح الحلبي قاصر عن معارضة الأدلة السابقة المعتضدة بالشهرة و غيرها، مع أن إطلاقه شامل للجميع على خلافه من البيع بحنطة منه، فلا بأس بحمله على الصلح و نحوه، بل في الرياض احتمال اختصاصه بصورة عدم التجانس بينها و بين السنبل، كما إذا كان أرزا أريد بيعه بها، و لا كلام في الجواز حينئذ، و صحيح إسماعيل- مع أنه ظاهر في الحصائد و ليس

الكلام فيها، بل فيما لم يحصد و شامل لما لا نقول به؛ من البيع بحب منها- ليس فيه إلا العموم المخصوص بالأدلة السابقة، بل عن التهذيب أنه رواه ان شاء بدل بما شاء؛ فلا عموم فيه حينئذ و حسن الوشاء إنما هو في بيع نفس الأرض بحاصلها و غيره أو في إجارتها بذلك، لا في بيع السنبل فيها، و تأويله إليه بإضمار أو تجويز لا داعي إليه على أن أقصاه الاحتمال الذي لا يتم به الاستدلال، فظهر حينئذ من ذلك كله أن الأقوى التحريم؛ بل الظاهر أنه من المحاقلة، إنما الكلام في تنقيح المراد بها، و في الرياض «إن الموجود في أكثر النصوص و الفتاوى السنبل».

قلت الموجود في المسالك «انه اختلف عبارات النصوص و الفقهاء في اسم المبيع فيها، فبعضهم عبر عنه بالزرع، و منه الرواية السابقة، و منهم من عبر بالسنبل كعبارة المصنف، و يظهر من كلامهم الاتفاق على أن المراد به السنبل؛ و إن عبروا بالأعم» و قد سمعت عبارة المبسوط، بل قد سمعت غيرها أيضا و في الغنية و الوسيلة و النافع و غيرها السنبل، كما أن في القواعد و غيرها الزرع إلا أن الذي يقتضيه النظر


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.

ج 24، ص: 100

في الجمع بين النصوص السابقة إرادة السنبل من الزرع، حملا للمطلق على المقيد الوارد في التفسير الذي بذلك ينافيه، مؤيدا بأصالة الجواز في غيره.

قال في التذكرة «لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس؛ لأنه حشيش و هو غير معلوم و لا مكيل، سواء تساويا جنسا أو اختلفا؛ مع أنه لا مخالف صريح، إذ يحتمل إرادة من عبر بالزرع السنبل أيضا، فاحتماله حينئذ للموثق السابق الأمر بشرائه بالورق في غير محله، بل لا بد من حمل الموثق على إرادة السنبل أو غير ذلك، هذا، و لكن أطلق أكثرها السنبل و الزرع في المبيع، كما أنه قيد فيه الثمن بالحنطة و فهم في التذكرة إرادة سنبل الحنطة بالحنطة؛ فقال في أكثر تفاسير المحاقلة أنها بيع الحنطة في السنبل بحنطة ثم احتمل فيها دخول الشعير في جنس الحنطة بل احتمل فيها صدق المحاقلة على كل زرع بيع بحب من جنسه كالدخن و نحوه، لما في بعض ألفاظ علمائنا من تفسيرها ببيع الزرع بالحب من جنسه» قلت قد عرفت سابقا من فسرها بذلك بل هو فسرها في القواعد ببيع الزرع بالحب و في اللمعة بيع السنبل بحب منه أو من غيره من جنسه؛ لكن في الدروس هي بيع السنبل من الحنطة و الشعير بالحب من جنسه و و إن لم يكن منه.

و الذي يظهر لي من تتبع النصوص في المقام و غيره أن إطلاق الزرع و السنبل فيها منصرف إلى الشعير و الحنطة؛ و لعله لانه المتعارف في ذلك الزمان و المكان.

فالخبران المشتملان علي تفسيرها ببيع الزرع أو السنبل بالحنطة لا ريب في شمول لفظ الزرع و السنبل فيهما لهما، فيستفاد منهما حينئذ أن بيع سنبل الشعير بالحنطة محاقلة، و ما ذاك إلا لاتحاد الجنس هنا كما في الربا، بل يستفاد منه حينئذ أيضا بيع سنبل الحنطة بالشعير بل و الشعير بالشعير فتتم دلالة الخبرين على الصور الأربعة، كما أنه بناء على عدم الفرق هنا بين جعل الحنطة ثمنا أو مثمنا نحو ما قلناه في المزابنة فتكون صور المنع ثمانية فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع و قد تخلص من ذلك أن الاحتمالات في المحاقلة

ج 24، ص: 101

ثلاثة أحدها بيع الزرع بحب من جنسه، الثاني بيع السنبل بحب من جنسه، الثالث بيع سنبل الحنطة و الشعير بحب منهما، و الأول لا دليل له الا الموثق المنزل على ما عرفت و لو بملاحظة الخبرين الأخيرين المنافيين له من حيث التفسير؛ بناء على أن الحرمة فيه من جهة المحاقلة لا تعبدا؛ للإجماع على كون المنع هنا لذلك؛ و التعليل فيه إن أمكن إرادة الإشارة به إليها فذاك؛ و إلا فلا وجه له ظاهرا ضرورة انتفاء الربا هنا بعد انتفاء شرطية الكيل و الوزن، و أما الثاني فلا دليل له إلا الموثق أيضا المنزل على الخبرين لما عرفت، فتعين حينئذ المختار. و في التحرير «بيع المحاقلة حرام و هي بيع الزرع بحنطة أو شعير» و هو عين ما قلناه، بل لعله يرجع إليه غيره و عن ابن المتوج التصريح به أما غير الحنطة و الشعير فلا محاقلة فيه حينئذ كما لا تحريم سواء بيع بالجنس أو بغيره و بالرطب و غيره، لما عرفت من عدم جريان الربا فيه، و لا تعليل النقصان بعد الجفاف كما مضي بالبحث فيه سابقا.

[المسألة الرابعة يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا]
اشارة

المسألة الرابعة لا خلاف بيننا بل و بين سائر المسلمين عدا أبي حنيفة في انه يجوز بيع العرايا بخرصها تمرا بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه في أعلى مراتب الاستفاضة إن لم يكن متواترا، بل في المسالك «انه أجمع أهل العلم عدا أبي حنيفة على أنه مستثنى من تحريم المزابنة» و هو شاهد على أن المزابنة ما ذكرنا لما ستعرف من عدم جواز بيع العرية بخرصها تمرا منها، لأنه إن لم تكن المزابنة ذلك لم يكن للاستثناء وجه معتبر ضرورة اتحاد الجميع في المنع إذا كان منها، و الجواز إذا لم يكن.

فمن الغريب ما في الحدائق من انه لا وجه لهذا الاستثناء إلا اشتهار المنع، و إلا فالحكم في الجميع متحد، و فيه مضافا إلى ما سمعت ظهور نصوص العرية في الاستثناء ف

في خبر السكوني (1)عن الصادق عليه السلام «رخص رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في العرايا أن تشتري بخرصها تمرا، قال: و العرايا جمع عرية و هي النخلة تكون للرجل في دار آخر فيجوز له بيعها بخرصها تمرا و لا يجوز ذلك في غيره»

و

في خبر أبي القاسم بن سلام (2)المروي عن كتاب معاني الأخبار بإسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم «أنه رخص عليه السلام في العرايا واحدتها عرية و هي النخلة التي

يعريها صاحبها رجلا محتاجا، و الإعراء أن يبتاع


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.

ج 24، ص: 102

تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته، قال و كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم إذا بعث الخراص قال: خففوا الخرص فإن في المال العرية و الوصية».

و في مفتاح الكرامة إن الذي وجدته في الكتاب المزبور ذلك إلى قوله و الإعراء أن يجعل له ثمرة عامها، يقول رخص لرب النخل أن يبتاع تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته و على كل حال فهما دالان على ما ذكرنا؛ و من أولهما سواء قلنا أن التفسير من النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الراوي يظهر ما ذكره المصنف و غيره من أن العرية هي النخلة تكون في دار الإنسان بل لا أجد فيه خلافا بينهم إلا من المحكي عن المبسوط و مهذب ابن البراج من أنها النخلة لرجل في بستان غيره، يشق عليه الدخول إليها، مع أن المحكي عن خلاف أولهما أنها النخلة تكون في بستان الإنسان أو غيره، و كامل ثانيهما نخلة تكون في دار الإنسان لغيره فلا ينبغي التأمل في صدق العرية عليها سيما بعد كونها معقد إجماع جماعة.

بل صرح الفاضل و الشهيد و غيرهما بأنه قال، أهل اللغة: أو بستانه و هو حسن خصوصا بعد ما سمعت من خبر ابن سلام، الظاهر في ذلك، فالجمع بين الخبرين يقتضي الجمع بينهما، كما هو المحكي عن أهل اللغة و في الغنية «و رخص عليه السلام في بيع العرايا، و هو جمع عرية و هي النخلة تكون لإنسان في بستان غيره أو في داره يشق عليه دخوله إليها، فيبتاعها منه بخرصها تمرا، بدليل الإجماع من الطائفة على هذا التفسير، و قد فسر أبو عبيدة العرية بما قلناه، بل عن المهذب البارع تعدية الحكم إلى المعصرة و الخان و البزارة و الدباسة، و تبعه في الرياض، قال: «و ظاهر إطلاق خبر ابن سلام مضافا إلى التعليل فيه ينادى بالعموم للبستان و غيره أيضا كالخان و نحوه؛ و السند و إن قصر إلا أنه بالشهرة منجبر».

و فيه أنه لا شهرة على التعميم؛ بل هي على العكس متحققة؛ و الظاهر أن المذكور

ج 24، ص: 103

منه ليس علة حقيقة؛ و إلا لدار الحكم معها حيث دارت، فلا يجوز مع عدم الحاجة، و يجوز معها و إن كانت في داره، و من المعلوم خلافه، و الظاهر إرادة حاجة المعرا بالفتح باعتبار حاجته إلى التمر لا المعري بالكسر؛ فإنه لا حاجة تدعوه إلى شرائها بالتمر ضرورة اندفاع الهجوم على داره و بستانه بشراء ثمرتها و لو بغير التمر، اللهم إلا أن يكون المراد أنه لمكان حاجته في عدم الهجوم على داره شرع له شراؤها بتمر إذ قد يمتنع صاحبها من بيعها إلا بذلك، و في جملة من العبارات ما يظهر منه أن المشقة على البائع الدخول الى ملك غيره.

و على كل حال فليست هي علة يدور الحكم مدارها؛ و منه يظهر النظر فيما ذكره أيضا من الاستناد إلى التعليل المزبور في التعدية إلى مستعير الدار و مستأجرها، المصرح به في كلام الفاضل و الشهيدين و غيرهما؛ قال: «و ليس في الرواية الأولى كبعض العبارات من حيث التقييد فيها بصاحب الدار، منافاة لذلك، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة» لما عرفت من أن ذلك حكمة لا علة و الإضافة بأدنى ملابسة من المجاز الذي لا يحمل عليه إطلاق اللفظ.

و في التذكرة «ظاهر كلام الأصحاب يقتضي المنع من بيع العرية علي غير مالك الدار و البستان أو مستأجرهما أو مشتري ثمرة البستان على إشكال» و نحوه في القواعد، و عن الإيضاح أن وجهي الإشكال التضرر بتطرق الغير في ملكه، و العموم، و في جامع المقاصد «إن ظاهر الشارحين كون الإشكال في مشتري الثمرة، و التحقيق أن القول في شرح العرية غير منضبط، لان كلام أهل اللغة فيه مختلف، فينبغي أن يقال:

ما ثبت القول بجوازه عند الأصحاب يجوز فيه، اعتضادا بعمومات صحة البيع، و نظرا إلى مشاركة العلة، و لصدق إضافة الدار و البستان إلى المالك و المستأجر و مشتري الثمرة و في الدروس ذهب إلى إلحاق المستعير بالمالك؛ و للنظر في هذا البحث مجال فإن الإضافة فيما ذكر إنما هو على وجه المجاز، إلا أن يقال المشقة معتبرة في مفهوم العرية.

ج 24، ص: 104

حيث قال الشيخ «العرايا جمع عرية و هي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها فيكون المناط فيها المشقة على الغير في الدخول الى بستانه إما لمكان أهله أو لغير ذلك، فحينئذ يجوز البيع لدفع هذه المشقة فعلى هذا حيث تثبت هذه المشقة في النخلة الواحدة على الغير تثبت الرخصة.

قلت: لم يعد هذا التحقيق إلى حاصل يعول عليه كما أن ما ذكره أخيرا مقطوع بعدمها في كلمات الأصحاب إذ لم يذكر أحد منهم المشقة في مفهوم العرية و لا في شرائط صحة البيع لكن قال بعض مشايخنا: ظاهر المبسوط و الخلاف و الغنية و التذكرة و المختلف و المهذب البارع و التنقيح أن المشقة معتبرة في مفهومها، و أنها مناط الحكم إلى أن قال: و بذلك صرح في التحرير و المسالك و غيرهما، و ظاهر الغنية بل صريحها الإجماع عليه؛ نعم أنكره في كشف الرموز فقال: و شرط الشيخ أن يشق على البائع الدخول، و شرط التقابض و تابعه المتأخر و صاحب الوسيلة و ليس في، الرواية ذلك.

قلت: الذي يظهر بعد إمعان النظر في كلمات الأصحاب حتى من حكي عنهم ظاهرا و صريحا أن مرادهم من ذلك بيان وجه المشروعية، و ربما يذكرونه بصورة الدليل تأييدا للتعدي المدعى، و لو باعتبار حصول الظن منه بذلك كما في المختلف في ترجيح تعميم العرية للدار و البستان بنص أهل اللغة، و باشتراك الموضعين في الحاجة الداعية إلى المشروعية و نحوه غيره، و لذلك اختلفت كلماتهم في وجهها فربما قررت بالمشقة على صاحب الدار و البستان و ربما قررت بالمشقة على مالك النخلة، و ربما قررت بغيرهما، و الحاصل لا يخفى على من تأمل عدم إرادة العلية المصطلحة من ذلك، و الا لاختل كثير من الأحكام المسلمة عندهم فالمرجع حينئذ فيها على المستفاد من اللغة و الدليل، و لو بمعونة شهرة الأصحاب و نحوها، و ما شك فيه يبقى على عموم التحريم و الله اعلم.

و كيف كان ف هل يجوز بيعها بخرصها تمرا من تمرها الأظهر

ج 24، ص: 105

بل الأشهر كما عن إيضاح النافع و الأكثر كما في الرياض لا بل هو المشهور المحكي عن ظاهرا المبسوط و غيره و صريح الوسيلة و الكتاب و ما تأخر عنهما؛ بل لم أجد مصرحا به ممن يعتد بقوله، نعم احتمله في المختلف لإطلاق الرخصة المنصرف إلى غير ذلك الذي من الواضح اقتضاء قاعدة تغاير الثمن و المثمن هنا في الملك خلافه، بل في التنقيح أن الدليل عقلي على مغايرة الثمن للمثمن و به يقيد إطلاق الرخصة، و

قوله في صحيح الحلبي(1). السابق «البسر و التمر من نخلة واحدة لا بأس به، «الى أن قال: «و كذا العنب و الزبيب»

قد عرفت عدم القائل به في غير العرية و لذا نسبه في الدروس إلى الندرة، اللهم إلا أن يكون القول به هنا لازما لتفسير المزابنة

ببيع ثمرة النخل بتمر منه، باعتبار معلومية استثناء العرية من ذلك، فيقتضي جوازه فيها، لكن لم ينقله أحد عنهم، و ليس في عبارة النهاية التي هي أصل الخلاف في ذلك إشارة اليه.

لكن في الدروس و الرياض و غيرهما قيل بالجواز، و زاد في الثاني أنه فصل بعض بين صورتي اشتراط كون التمر منها، فالأول و الا فالثاني ان صبر عليه حتى يصير تمرا و الا فالعقد يجب ان يكون حالا للزوم بيع الكالي بالكالي بدونه جدا و فيه- مع ما سمعت من عدم معروفية القائل بذلك صريحا- أن التفصيل خارج عما نحن فيه، إذا الظاهر ارادته ما عن المهذب قال في المحكي عنه: «أنه إذا شرطه أى كون الثمن منها في العقد لم يجز، و إن أطلق جاز أن يدفع اليه من ثمرتها إن صبر عليه حتى يصير تمر أو إلا فالعقد يجب أن يكون حالا» و أقصاه جواز الدفع منها إن لم يشترط، و هو مما لا خلاف فيه على الظاهر، و مراده بوجوب حلول العقد ما تسمعه من اشتراط التعجيل في ثمن العرية و أنه لا يجوز أن يكون مؤجلا فتعليله بلزوم بيع الكالي بالكالي بدونه مما لا وجه له هنا.

فمن الغريب وقوعها منه زيادة في كلام المهذب و كأنه نظر الى أنه لو أجل ثمن العرية و الفرض أنها حال البيع غير تمر كان من بيع الكالي بالكالي، و هو كما ترى، و إلا لاقتضى البطلان في بيع ثمرة النخل قبل صيرورته تمرا بثمن مؤجل


1- 1 الوسائل الباب 6- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.

ج 24، ص: 106

و لو كان دراهم، و هو واضح الفساد.

و على كل حال ف لا يجوز بيع ما زاد على الواحدة نعم لو كان له في كل دار واحدة جاز كما في القواعد قال: «و لا يجوز ما زاد على الواحدة اتحاد مع المكان، و يجوز مع تعدده، بل قال بعض شراحها: أنى لم أجد مخالفا منا في هذين الحكمين، و به صرح في المبسوط و السرائر التذكرة و شرح الإرشاد للفخر و المهذب البارع و التنقيح و جامع المقاصد و تعليق الإرشاد و المسالك، و هو قضية كلام الباقين حيث حيث يقيدون النخلة بكونها واحدة و يطلقون البستان و الدار، و هو مقتضى الأصل و المتبادر من النص.

و في المسالك «إنه يشترط في بيعها أمور منها الوحدة، فلا يجوز في دار أو بستان أزيد من واحدة فلو كان لمالك اثنتان لم يجز بيع ثمرتها و لا ثمرة إحداهما، لانتفاء العرية فيهما، نعم لو تعدد البستان و الدار جاز تعددها من الواحد، و جعل ما في المتن إشارة إلى ذلك، نحو ما في جامع المقاصد، بل في التنقيح لم ينسب الخلاف في ذلك إلا للشافعي و ظاهره عدم الخلاف فيه منا.

و في التحرير و لا يجوز أن يبيع جميع تمر حائطه عرايا من رجل واحد، و من رجال في عقود متكررة، نعم لو كان له عدة نخلات في عدة مواضع جاز بيعها عرايا من رجل واحد أو رجال في عقود متكررة، إلى غير ذلك من عباراتهم و تنقيح المقام يتوقف على أمرين، الأول أن الوحدة في الدار أو البستان مثلا مأخوذة في مفهوم العرية فمتى تعددت فيه لا عرية في شي ء منها ظاهر المسالك أو صريحها ذلك بل ربما كان ظاهر كل من أخذ الوحدة في تفسيرها، بناء على عدم إرادة وحدة الأخر إذ التي لم يتعارف التصريح بها في تفسيره، فمع انتفائها حينئذ ينتفي مفهوم العرية.

لكن فيه أولا أنه ينبغي تقييده مع ذلك باتحاد المالك، أما مع تعدده فالظاهر صدق العرية على كل منهما كما انه ينبغي تقييده أيضا بحصول الثمرة فيهما، أما لو فرض

ج 24، ص: 107

حصولها في إحداهما دون الأخرى، فالظاهر صدق العرية فيها دونها، و لو فرض كون النخلتين مثلا مشتركتين بين اثنين أمكن صدق العرية عليهما باعتبار أن لكل واحد منهما نخلة؛ إلى غير ذلك مما يتصور تفريعه على هذا التقدير، و ثانيا أن النص و جملة من عبارات الأصحاب خلت عن ذكر الوحدة في تفسير العرية، بل اقتصرت على أنها واحدة عرايا و أنها هي النخلة في دار الغير مثلا، و مقتضاه صدق العرايا على المتعددة و ان اتحد المكان كما هو مقتضى الجمع، لا أن مصداقه النخلات في الأمكنة المتعددة أو مع تعدد المالك.

و من الغريب ما في الدروس من أن العرية نخلة واحدة في دار الغير في رواية السكوني (1)و قال الجمهور و اللغويون أو بستانه، إذ قد عرفت خلو خبر السكوني عن قيد الوحدة، و يمكن أن يريد بما في خبر السكوني الدار بقرينة ما نقله عن الجمهور، أو لا يريد الوحدة الداخلة في المفهوم بل هي وحدة

الافراد، بل يمكن أن يريد غيره، ممن ذكر الوحدة ذلك أيضا و بالجملة دعوى اعتبار الوحدة المزبورة على حسب ما سمعت في غاية الصعوبة إثباتها من اللغة و كلمات الفقهاء التي منها ما سمعت و منها ما في السرائر «و يجوز بيع العرايا و هي جمع عرية بفتح العين و كسر- الراء و تشديد الياء، و هو أن يكون لرجل في بستان غيره نخلة يشق عليه الدخول إليها أو في داره، إلى أن قال: و إن كان له نخل متفرق في كل بستان نخلة جاز أن يبيع كل ذلك واحدة واحدة بخرصها تمرا بيع العرايا، إلى أن قال: و قد قيل في تفسير العرايا أقوال كثيرة فقال قوم: «العرايا النخلات يستثنيها الرجل من حائطه إذا باع ثمرته و لا يدخلها في البيع، و لكنه يبقيها لنفسه، فتلك الثنيا لا تخرص عليه، لانه قد عفي لهم عما يأكلون، و سميت عرايا؛ لأنها أعريت من أن تباع أو تخرص في الصدقة، فرخص النبي صلى الله عليه و آله و سلم


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب بيع الثمار الحديث- 1.

ج 24، ص: 108

لأهل الحاجة و المسكنة الذين لا ورق لهم و لا ذهب و هم يقدرون علي التمر أن يبتاعوا بتمرهم من أثمار هذه العرايا بخرصها؛ فعل ذلك بهم رفقا بأهل الحاجة الذين لا يقدرون على الرطبة؛ و لم يرخص لهم أن يبتاعوا منه ما يكون للتجارة و الذخائر».

و قال آخرون: «هي النخلة يهب الرجل تمرتها للمحتاج و يعريها إياه؛ فيأتي المعرا و هو الموهوب له إلى نخلته تلك ليجتنيها فيشق ذلك على المعري الذي هو الواهب لمكان أهله في النخل، فرخص للواهب خاصة أن يشترى ثمرة تلك النخلة من الموهوب له بخرصها».

و قال آخرون: «شكى رجل الى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم انهم محتاجون إلى الرطب يأتي و لا يكون بأيديهم ما يبتاعون به، فيأكلونه مع الناس و عندهم التمر، فرخص صلى الله عليه و آله و سلم لهم أن يبتاعوا لهم العرايا بخرصها من التمر الذي في أيديهم» و قال آخرون: «الإعراء أن يهب له ثمرة نخلة أو نخلتين أو نخلات، و منه الحديث أنه رخص صلى الله عليه و آله و سلم في بيع العرايا بخرصها تمرا، و ذلك ان يمنح الرجل النخلة فيبيع تمرها بالتمر، و هذا لا يجوز في غير العرايا و إنما سميت عرية لان من جعلت له يعريها من حملها، و أنشد الفراء:

ليست بسنهاء و لا رجبية و لكن عرايا في السنين الجوائح

معنى سنهاء أى مرت عليها السنون المجدية، و قوله رجبية نخلة مرجبة و هي التي يبنى حولها البناء لئلا تسقط و هو كالتكريم لها».

و قال الهروي صاحب الغريبين: العرايا: هي أن من لا نخل له من ذوي اللمحة و الحاجة؛ و يفضل له من قوته التمر و يدرك الرطب و لا نقد بيده يشترى الطب لعياله و لا يحتل له، فيجي ء إلى صاحب النخل فيقول: بعني ثمرة نخلة أو نخلتين بخرصها من التمر، فيعطيه ذلك الفضل من التمر بتمر تلك النخلات ليصيب من أرطابها مع الناس، فرخص النبي صلى الله عليه و آله و سلم من جملة ما حرم من المزابنة» ثم قال هذا ما وقفت عليه في- التفسير العرايا، و أشده تحقيقا قول الهروي».

ج 24، ص: 109

قلت قد حكى جملة مما ذكر ابن فارس في المجمل فقال: النخلة العرية و هي التي إذا عرض النخل على بيع ثمرة عريت منه نخلة: أى عزلت عن المساومة، و الجمع العرايا، و قال قوم: العرية النخلة يعريها صاحبها رجلا محتاجا، فيجعل له ثمرة عامها رخص لرب النخل أن يبتاع تمر تلك النخلة من المعرا بتمر لموضع حاجته، هذا تفسير الذي جاء في الحديث من الرخصة فيه، و قال آخرون: العرية النخلة تكون لرجل وسط نخل كثير لرجل آخر فيتأذى صاحب النخل الكثير بعد خول صاحب النخلة الواحدة فرخص له أن يشترى ثمرة نخلته بتمر. و أبو عبيدة يختار الأول لقول الشاعر، و أنشد البيت السابق» و اقتصر ابن الأثير في نهايته بعد أن ذكر أنه اختلف في تفسير العرية على ما ذكره الهروي الذي ظهر من ابن إدريس اختياره؛ و هو الذي حكاه عنه في الدروس، فإنه بعد أن ذكر جواز بيع العرية، و أنها النخلة في دار الغير أو بستانه: قال: «و لو أعرى محتاجا نخلة أى جعل لها تمرها عامها، ثم اشترى المعرا تمرها منه بتمرها جاز على الأقرب، و لو فضل مع الفقير تمر فاشترى به تمرة نخلة ليأكله رطبا فالأقرب جوازه، و لو اشترى أزيد من نخلة، فالأجود المنع، و يظهر من ابن إدريس جوازه» و لعله إليه أشار في التحرير بقوله أيضا لا يشترط في بيع العرية أن تكون موهوبة لبائعها؛ و تمنع اشتقاقها من الإعراء؛ و هو أن يجعل الرجل لغيره ثمرة نخلته عامها ذلك، بل سميت عرية لتعريها من غيرها، و إفرادها بالبيع، و تبعه الشهيد في حواشيه في أن وجه التسمية ذلك؛ لكن قد سمعت خبر ابن- سلام (1)الذي أفتى الشهيد في الدروس به، بل قد سمعت ما ذكره أخيرا الذي لم نعثر على نص من طرقنا به.

نعم

روى العامة ذلك بعدة طرق، منها(2)«أن محمود بن لبيد قال: قلت لزيد بن ثابت ما عرايا كم هذه فسمى رجالا محتاجين من الأنصار: شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن الرطب يأتي و لا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه مع الناس، و عندهم فضول من


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
2- 2 المغني للشربينى ج 2 ص 94.

ج 24، ص: 110

قوتهم من التمر فرخص أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر في أيديهم يأكلونه رطبا»

لكن القول به لا يخلو من قوة؛ جمعا بين ما قيل في تفسير العرية.

و على كل حال فدعوى اعتبار الوحدة في المكان في مفهوم العرية مما يظهر انطباق كثير من الكلمات عليه؛ كدعوى اشتراط صحة البيع به و إن لم يكن ذلك في مفهومها، و هو الأمر الثاني اقتصارا في الرخصة على المتقين، و لان

قوله عليه السلام في خبر السكوني «فيجوز بيعها»(1)

إلى آخره ظاهر في أن المرخص به ذلك، إذ يدفعها إطلاق رخصته عليه السلام في العرايا لو تعددت؛ لا أن التعدد مانع من أصل البيع، و ربما كان المراد من عبارة المتن و القواعد السابقة ذلك، إن لم نقل أنه الظاهر منها.

و أظهر منها ما في التذكرة «لا يجوز بيع أكثر من النخلة الواحدة عرية؛ لعموم المنع من المزابنة خرج عنه العرية في النخلة الواحدة، و به قال أحمد للحاجة، فيبقى الباقي على المنع، سواء اتحد العقد أو تعدد، أما لو تعدد المشتري فالوجه الجواز، ثم قال: فروع لو باع في صفقة واحدة من رجلين، كل واحد منهما نخلة معينة جاز؛ و كذا لو باعها نخلتين مشاعا بينهما، و لو باع رجلان من واحد صفقة واحدة نخلتين عرية جاز و هو أحد وجهي الشافعية، لأن تعدد الصفقتين بتعدد البائع أظهر من تعددها بتعدد المشتري، و لو باع رجلان من رجلين صفقة واحدة، احتمل جواز أربع نخلات، و تنزيل ذلك كله منه على المتحدة، و لو في المكان المتعدد»- كما ترى خصوصا أول المسألة بل

مقتضاه حينئذ عدم جواز بيع العرايا في الأمكنة المتعددة بعقد واحد، و هو مع أنه لم يعرف خلافه فيه لم تساعد عليه الأدلة.

و دعوى ظهور ذيل خبر السكوني فيه ممنوعة، فالظاهر إرادته ما ذكرناه أولا و لا ينافيه قوله سابقا: العرايا جمع عرية، و العرية النخلة في دار الإنسان أو بستانه، فيبتاع ثمرتها رطبا بخرصها تمرا كيلا، فلا يجوز العرايا في أكثر من نخلة واحدة في عقد واحد


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب بيع الثمار- 1.

ج 24، ص: 111

إلى أن قال: فإذا تقرر هذا فإن العرية عندنا إنما تكون في النخلة الواحدة تكون في دار الإنسان فلا يجوز فيما زاد على النخلة الواحدة؛ عملا بالعموم و اقتصارا في الرخصة على موردها، ثم قال: قد بينا أن الضابط في التسويغ انما هو النخلة الواحدة في الدار الواحدة و البستان الواحد، و لو كان له عدة دور في كل واحدة نخلة جاز بيعها عرايا، إذ يمكن حمل الجميع على إرادة بيع نخلة واحدة و إن كان لا يخلو من بعد نعم يتجه البحث معهم على هذا التقدير بأنه لا دليل على اعتبار الوحدة في البيع بل ما ذكروه في وجه المشروعية من المشقة و نحوها يقتضي التعميم، كاقتضاء إطلاق رخصته عليه السلام في بيع العرايا الذي عبر بمضمونه غير واحد، منهم ابنا زهرة و حمزة و غيرهما؛ و الذيل المنساق لبيان حكم الواحدة ليعرف حكم الجمع لا دلالة فيه على تقييد ذلك كما هو واضح هذا كله، إلا أن الوقوف على ما سمعته أولا هو الموافق للاحتياط و الله أعلم بحقيقة الحال.

و لا يشترط في بيعها أى العرايا بالتمر التقابض قبل التفرق خلافا- للوسيلة و محكي المبسوط، بل في الدروس «أنه طرد الحكم ثانيهما بوجوب التقابض في المجلس في الربويات تخلصا من الربا، و فيه منع واضح و لذا أطبق المتأخرون على خلافه في المقام و غيره، عدا الصرف منه فأوجبوه فيه مع اختلاف الجنس، لظهور أدلة فيه، لا للتخلص من الربا، ضرورة صدق بيع المثل بالمثل في الربوي و إن لم يتقابضا في المجلس، و ما في بعض النصوص من إيجاب البيع يدا بيد على اتفاق الجنس، يراد منه منع النسيئة في أحد المتجانسين، للزوم الربا حينئذ معه.

و من هنا قال المصنف بعد نفى اعتبار التقابض هنا بل يشترط التعجيل فيهما حتى لا يجوز إسلاف أحدهما في الأخر بل لم يعرف فيه خلاف بينهم إلا أنه قد يناقش في اعتبار حلول الثمن بما سمعته سابقا من أن الثمرة على النخل لا يجرى فيها الربا لانتفاء الموزونية فيها، كما أنه لا ظهور في دليل الرخصة بذلك أيضا. اللهم إلا أن يكون وجهه الاقتصار على المتقين، سيما بعد ما سمعت من عدم الخلاف فيه بين الأصحاب؛ فيشكل التمسك بالإطلاق المزبور المحتاج الى جابر في العمل به، لضعف سنده خصوصا

ج 24، ص: 112

بعد معارضة ما دل على حرمة المزابنة لكن و مع ذلك فالإنصاف أن اتفاقهم هنا على اشتراط الحلول يؤيد القول بجريان حكم الربا على الثمرة و إن كانت على الأشجار، اكتفاء بالوزن التقديري عن الفعلي، كقولهم هنا أيضا بعدم جواز التفاضل حال العقد بين ثمنها و بين الثمرة المخروصة تمرا، بل حكى الاتفاق عليه بعضهم و إن كان لا يجب أن يتماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف و ثمنها عملا بظاهر الخبر المعتضد بالفتوى، إذ مبنى الخرص على الزيادة و النقيصة، فلا يقدح حينئذ لو ظهر بعد ذلك زيادة الثمن أو نقيصته.

لكن يمكن أن يكون مستند الأول ظهور قوله عليه السلام «بخرصها تمرا» في وجوب المطابقة بين الثمن المبذول و بين الثمرة المخروصة، معتضدا بالاقتصار على المتيقن مما خرج عن حرمة المزابنة، و هو المراد بالمماثلة من طريق الخرص المشترطة في الوسيلة و محكي المبسوط و غيره، لا أن مستنده حرمة الربا، فيكون الحاصل حينئذ إنه يجب خرص الثمرة على النخلة بتقدير حال كونها تمرا فتباع بتمر على حسب ذلك الخرص، فلو لم يطابق الخرص الواقع بأن كانت حال التمرية المقدرة أزيد أو انقص لم يكن ذلك قادحا، لإطلاق الخبر السابق المعتضد بعدم الخلاف فيما أجد إلا ما حكاه في المسالك عن بعضهم و إن كنت لم أتحققه، من اعتبار المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع.

و هو مع ظهور ضعفه مقتض لعدم جواز التصرف فيها قبل صيرورتها تمرا حتى يتمكن من اعتبارها، مع أن الأصل و إطلاق الدليل و ظاهر الفتاوى، يقتضي عدم وجوب إبقائها إلى حال التمر؛ و عدم اعتبارها لو أبقاها، مضافا إلى ما عرفت من عدم تحقق القائل بذلك؛ و ربما توهم ذلك من عبارة المبسوط و الوسيلة التي قد سمعت المراد منها فيتجه حينئذ دعوى الاتفاق على ما ذكرنا إلا ما عساه يظهر من التذكرة، من وجوب اعتبار التماثل بين التمر المدفوع ثمنا و بين الثمرة حال كونها رطبا-

ج 24، ص: 113

قال: «إذا تبايعا العرية وجب أن ينظر إلى الثمرة على النخلة و يحرز ذلك رطبا فيتبايعاه بمثله تمرا و لا يشترط التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف و ثمنها، و لا يجوز التفاضل عند العقد، و لا يكفي مشاهدة الثمن على الأرض و لا الحرز فيه بل لا بد من معرفة مقداره بالكيل أو الوزن (الى أن قال) و إن كنا قد منعنا من بيع الرطب بالتمر إلا أن هذا مستثنى للرخصة» و فيه أولا أن ظاهر دليل الرخصة المعتضد بفتوى الأصحاب ما ذكرنا من اعتبار خرصها تمرا ثم شراؤها بمقدار ذلك المخروص، بل لا يمكن عند التأمل تنزيل الخبر على ما ذكره؛ و ثانيا ما عرفت سابقا من أن منع بيع الرطب بالتمر لعلة النقصان بعد الجفاف إنما هو في المقدر بأحد الأمرين لا في مثل الثمرة على أصلها.

نعم ما ذكره من وجوب علم مقدار الثمن و عدم الاكتفاء بمشاهدته متجه، بل لا أجد فيه خلافا في المقام، لظهور قوله عليه السلام «بخرصها تمرا» فيه، بل مقتضاه أنه لا يجزي جعل الثمن تمرا على رأس نخلة أخرى، و إن كان قد خرص بما يساوى المثمن، لعدم صدق البيع بخرصها تمرا، و بذلك افترقت عن غيرها، فما في المسالك من أن العرية كغيرها بالنسبة إلى هذا الشرط في غير محله، ضرورة أنه ليس المانع الجهالة حتى تكون كغيرها؛ بل هو ظهور دليل الرخصة فيما ذكرنا فلا يجزي مشاهدة الثمن فيها و إن أجزي في غيرها إذا كان مما تكفي فيه المشاهدة كما هو واضح.

لكن في حواشي الشهيد «أنه لو كان لرجلين عريتان في مكانين و خرصاهما فبلغت كل واحدة مثلا خمسمائة رطل؛ جاز بيع كل واحدة بخرص الأخرى» و كأنه أخذه مما في التذكرة، و قد صرح في التحرير بعدم جوازه قال فيها: «لو باع الرطب على رؤوس النخل بالرطب على رؤوس النخل خرصا؛ أو باع الرطب على رؤوس النخل بالرطب على وجه الأرض كيلا فالأقوى الجواز، للأصل السالم عن معارضة الربا، لانتفائه بانتفاء شرطه» و فيه انه في غير العرية مزابنة بناء على تحققها بالرطب، بل و فيها لعدم معلومية الثمن إذا كان على رأس النخلة كما عرفت، أما إذا كان على الأرض و قد علم بالكيل؛ فقد يمنع أيضا باعتبار ظهور دليل الرخصة في كون الثمن تمرا، فلا

ج 24، ص: 114

يجزى الرطب و لا البسر و لا غيرهما فتأمل جيدا؛ فإنه يمكن أن يكون الجواز لانتفاء المزابنة، باعتبار عدم كون الثمن تمرا كما ذكرنا سابقا.

نعم لولا الاتفاق ظاهرا لأمكن القول بعدم وجوب اعتبار المساواة بين ثمرتها و بين الثمن لعدم الربا، و ما في الخبر من البيع بخرصها تمرا منزل على الغالب، لكن كفانا مؤنة ذلك ما عرفت معتضدا بعموم دليل حرمة المزابنة، و لو كانت الثمرة مما تقطع بسرا أو رطبا ففي الاكتفاء بخرصها كذلك وجه، مع احتمال العدم اقتصارا على المتيقن؛ بل قد يحتمل و إن كان ضعيفا عدم ثبوت العرية في ذلك خصوصا إذا فرض عدم حالة تمر لها فتأمل جيدا.

ثم إنه قد تحصل من ذلك كله أنه لا بد من خرصها، إما من البائع و المشتري أو من غيرهما بحيث يغلب على ظنهما المقدار الحاصل منها تمرا عند الجفاف، و هل يشترط لو كان الخارص غيرهما أن يكون عدلا؟ في جامع المقاصد «لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب، و امتناع الرجوع إلى خبر الفاسق قد يقتضي الاشتراط» و فيه إن الرجوع إلى ظنه غير الرجوع إلى خبره. نعم لو فرض الشك في الاخبار بظنه، أمكن ذلك، و هو غير ما نحن فيه، و من هنا قال: الظاهر العدم لكن يشترط كونه من أهل المعرفة و هو جيد.

و على كل حال ف لا عرية في غير النخل لغة و شرعا سواء قلنا بحرمة المزابنة، فيه أولا أما على الأول فواضح، و اما على الثاني فالجواز شامل لها و لغيرها فلا يحتاج إلى شروط العرية و أحكامها كما هو واضح، هذا و الظاهر عدم اعتبار اتحاد المالك للنخلة في العرية و لا الدار، لكن هل يجوز بيع استحقاق أحدهما خاصة عرية إشكال كالإشكال مع اتحاد المالك في بيع البعض، و طريق الاحتياط غير خفي و إن كان الذي يقوى الجواز بناء على عدم اعتبار المشقة.

ج 24، ص: 115

[فرع لو قال بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء لم يصح ]

فرع لو قال: بعتك هذه الصبرة من التمر أو الغلة بهذه الصبرة من جنسها سواء بسواء لم يصح؛ و لو تساويا عند الاعتبار بالكيل و الوزن إلا أن يكونا عارفين بقدرهما وقت الابتياع لحصول الجهالة المانعة من صحة البيع عندنا حال العقد و قيل و القائل الشيخ في المبسوط يجوز و إن لم يعلما فان تساويا عند الاعتبار صح و إلا بطل للربا و لو كانتا من جنسين جاز إن تساويا أو تفاوتا و لم يتمانعا؛ بأن بذل صاحب الزيادة، أو قنع صاحب النقيصة و إلا فسخ البيع قال في المحكي عن مبسوطة «إذا باع صبرة من طعام بصبرة، فإن كانا من جنس واحد نظر، فإن كانا اكتالا و عرفا تساويهما في المقدار جاز البيع، و إن جهلا مقدارهما و لم يشترطا التساوي لم يجز، لأن ما يجرى فيه الربا لا يجوز بيع بعضه ببعض جزافا، و إن قال: بعتك هذه الصبرة بهذه الصبرة كيلا بكيل سواء بسواء فقال: اشتريت فإنهما يكالان فإن خرجتا سواء جاز البيع، و إن كانت إحداهما أكثر من الأخرى، فإن البيع باطل، لأنه ربا؛ و أما إذا كانتا من جنسين مختلفين، فإن لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء فإن البيع باطل، لأنه ربا؛ و أما إذا كانتا من جنسين مختلفين فان لم يشترطا كيلا بكيل سواء بسواء فإن البيع صحيح، لان التفاضل جائز في الجنسين، فإن اشترطا أن تكونا كيلا بكيل سواء بسواء فإن خرجتا متساويتين في الكيل جاز البيع، و إن خرجتا متفاضلتين فان تبرع صاحب الصبرة الزائد بالزيادة جاز البيع، و إن امتنع من ذلك و رضي صاحب الصبرة الناقصة بأن يأخذ بقدرها من الصبرة الزائدة جاز البيع، و إن تمانعا فسخ البيع بينهما، لا لأجل الربا، لكن لان كل واحد منهما باع جميع صبرته بجميع صبرة صاحبه، و على أنهما سواء في المقدار، فإذا تفاضلا و تمانعا وجب فسخ البيع بينهما».

ج 24، ص: 116

و جعل في الدروس ذلك منه من باب الاكتفاء بالمشاهدة و حيث قد علم في محله عدم الاكتفاء في مثل ذلك كان الأشبه بأصول المذهب أنه لا يجوز مطلقا على تقدير الجهالة وقت الابتياع نعم يمكن جريان ما يقرب من ذلك على مذهبنا فيما لو فرض مكيل و موزون في زمن الشرع تجدد و تعارف بيعه جزافا بناء على صحته، فان المتجه حينئذ فيه صحة بيعه صبرة بصبرة، الا أنه يجب اختباره بعد ذلك تخلصا من الربا، فان تساويا أو بيع الجنسان و زنا صح البيع، لعدم ثبوت اشتراط سبق معلومية التساوي في الصحة، و الأمر ببيعه مثلا بمثل لا يقتضي أزيد من التساوي واقعا بل الظاهر ذلك في أكثر شرائط المعاملة.

لكن مقتضى ذلك عدم الحكم بالبطلان فيما لو باع السيوف المحلاة و نحوها بأحد النقدين بجنس أحدهما إذا لم يعلم زيادته، بل لا بد حينئذ من الاختبار، و ينافيه ظاهر كلامهم، و يمكن حمله على ما إذا لم يمكن الاعتبار و حينئذ يتجه البطلان ظاهرا لا لترك الاحتياط الواجب، إذ هو لا يقتضي بالبطلان قطعا، بل لان الشك في الشرط شك في المشروط و الأصل عدم النقل و الانتقال، فلو فرض العلم بالمساواة بعد ذلك انكشف الصحة من أول الأمر لحصول الشرط واقعا، و نحوه لو أقدما على الربا فبانت المساواة، كما أن المتجه الفساد لو أقدما على المساواة جهلا منهما ثم بان التفاوت لانتفائه واقعا حينئذ فتأمل جيدا؛ فإنه قد تقدم لنا بعض الكلام في ذلك في الحواشي فلاحظ، و أما اشتراط المساواة في مختلف الجنس إذا فرض الاكتفاء فيه بالمشاهدة فالمتجه صحته عملا بعموم

«المؤمنون»(1)

فإذا بان عدمه تسلط على الخيار و الزيادة بل و النقيصة في بعض الأحوال و الله أعلم.

[المسألة الخامسة يجوز بيع الزرع قصيلا]

المسألة الخامسة: يجوز بيع الزرع قصيلا أى مشروطا قطعه بلا خلاف أجده فيه؛ للعمومات و غيرها، سواء كان قد بلغ أو ان قصله أو لم يبلغ، و عين مدة لبقائه ثم قطعه بعدها أو أطلق فله الإبقاء حتى يصل إلى أوان قصله، و

خبر معلى بن


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 24، ص: 117

خنيس (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أشتري الزرع قال: إذا كان قدر شبر»

محمول على الندب أو غيره مما لا يخالف المجمع عليه ظاهرا في الجواز بعد ظهوره بلغ أو ان القصل أو لم يبلغ» نعم ليس له شراؤه بذرا للغرر و في الصلح وجه كالوجه لو شراه تبعا للأرض.

و كيف كان ف ان لم يقطعه الذي شرط القطع عليه ففي المتن و غيره بل لا أجد فيه خلافا معتدا به بينهم أن للبائع قطعه بعد استيذان الحاكم أو بدونه على اختلاف القولين، لانه لاحق لعرق ظالم، و لنفي الضرر و الضرار و غير ذلك و له تركه و المطالبة بأجرة أرضه مدة بقائه و عدم قطع البائع له مع التمكن منه لا يقضى بسقوط الأجرة التي يكفي فيها بقاء ارض المالك مشغولة بها؛ بل لا يرتفع بذلك الغصبية التي تسلطه على أرش النقصان لو حصل بسبب البقاء الذي يستحق أخذ أجرته منه، إذ ليس ذلك رضا منه بالبقاء بالأجرة كما هو واضح.

لكن في السرائر «إنه إن لم يقطعه كان البائع بالخيار إن شاء قطعه، فان لم يقطعه و بلغ، كانت الزكاة إن بلغ النصاب على المشتري، و عليه أيضا أجرة مثل تلك، هذا إذا كانت الأرض عشرية، فإن كانت خراجية كان على المبتاع خراجه» ثم إنه حكى عن نهاية الشيخ أنه قال: «لا بأس بأن يبيع الزرع قصيلا

و على المبتاع قطعه قبل ان يسنبل، فان لم يقطعه كان البائع بالخيار؛ إن شاء قطعه و ان شاء تركه، و كان على المبتاع خراجه» ثم قال و مراده بالخراج طسق الأرض قد قبل به السلطان دون الزكاة، لأن الأرض خراجية، و هي المفتحة عنوة دون أن تكون عشرية، لأنها إن كانت عشرية كانت عليه الزكاة فحسب و الخراجية عليها الخراج الذي هو السهم الذي قد تقبلها به، فان فضل بعده ما فيه الزكاة، يجب عليه الزكاة، و إن لم يفضل ما يجب فيه ذلك لا زكاة عليه فيه.

قلت: قد ذكر الخراج في المقنعة و محكي المراسم بل في الوسيلة كان عليه خراجه و أجرته، و مراد الجميع على الظاهر ما صرح به المتأخرون من أجرة الأرض


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الثمار الحديث 4.

ج 24، ص: 118

لعدم الدليل على ثبوت غيرها، و المتجه-

في موثق سماعة(1)«سألته عن شراء القصيل يشتريه الرجل فلا يقصله و يبدو له في تركه حتى يخرج سنبله شعيرا أو حنطة و قد اشتراه من أصله على أن ما يلقاه من خراج فهو على العلج؛ فقال: إن كان اشترط عليه حين اشتراه، إنشاء قطعه قصيلا، و إن شاء تركه كما هو حتى يكون سنبلا، و إلا فلا ينبغي أن يتركه حتى يكون سنبلا، فان فعل فإن عليه طسقه و نفقته و له ما خرج منه»

- حمل لا ينبغي فيه على الكراهة، لما هو معلوم من النص و الفتوى أن له الإبقاء إذا

لم يكن قد اشترط عليه القطع، و لا كان عادة أو نحوها مما يقوم مقام الشرط،

قال زرارة للصادق عليه السلام (2)«أ يحل شراء الزرع الأخضر، قال: نعم لا بأس به و قال: لا بأس بأن تشتري الزرع و القصيل أخضر ثم تتركه إن شئت يسنبل ثم تحصده، و إن شئت تعلف دابتك قصيلا فلا بأس به قبل أن يسنبل»

الحديث و نحوه غيره و حينئذ لا وجه لكون الطسق عليه مع فرض اشتراطه على العلج الذي هو عبارة عن الزراع بل لا يقوله الخصم، فلا بد من حمله على ضرب من الندب أيضا.

و كيف كان فقد أشار بقوله فيه «من أصله إلى أنه إذا لم يكن قد اشتراه كذلك» يمكن منع كون الحاصل للمشتري إذا فرض أنه يتولد مما بقي في الأرض للبائع، أو كان منه كذلك، أو كان الحاصل يتولد منهما معا، و لعله لذا قال في التذكرة:

«لو اشترى الزرع قصيلا من أصوله صح، فان قطعه فنبت فهو له، فإن شرط صاحب الأرض قطعه فلم يقطعه كان عليه أجرة الأرض و لو لم يشترط المشتري الأصل فهو لصاحبه، فإذا قصله المشتري و نبت كان للبائع و لو لم يقصله كان شريكا للبائع و يحكم بالصلح.

قلت: و لا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب أن على مشتري القصيل الأجرة لو أبقاه و له الحاصل لانه يمكن حمله على ما إذا كان مشتريا للزرع من أصله و أن اشترط عليه القصل


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الثمار الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب بيع الثمار الحديث 3.

ج 24، ص: 119

كل ما يخرج فتأمل جيدا. و على كل حال فظاهر الأصحاب هنا أن ليس للبائع الفسخ لعدم الوفاء بالشرط، و لعله لانه متمكن من استيفاء شرطه، و فيه أنه قد يتعذر عليه ذلك و قد يحتاج إلى مؤنة مع أنه قد يمنع توقف ثبوت الخيار على عدم التمكن من الاستيفاء كما عرفت البحث فيه مفصلا سابقا. نعم يمكن أن يكون مستند المقام ظاهر بعض النصوص كما أنه يمكن ان يكون ترك الأصحاب ذكر الخيار في المقام مبنيا على ما تقدم سابقا و لا ينافيه نصهم هنا على الأجرة و القلع.

و كذا لو اشترى نخلا بشرط القطع أجذاعا فتركه المشتري فإنه يأتي فيه جميع ما تقدم نعم لا ريب هنا في أن الحمل للمشتري؛ لأنه نماء ملكه

روى هارون بن حمزة الغنوي (1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري النخل يقطعه للجذوع فيغيب الرجل فيدع النخل كهيئته لم يقطع، فيقدم الرجل و قد حمل النخل فقال: له الحمل يصنع به ما شاء إلا أن يكون صاحب النخل كان يسقيه و يقوم عليه»

و نحوه غيره و الظاهر ارادة استحقاق أجرة المثل من الاستثناء المزبور إلا أنه ينبغي تقييده كما في السرائر و غيرها بما إذا كان بإذن مالك النخل، و إن أطلق في النهاية و المحكي عن الصدوق و ابني الجنيد و البراج

كالنص، اللهم إلا أن يدعى عدم الحاجة هنا إلى الاذن، باعتبار احتياج صاحب الأرض السقي لبستانه و الفرض تضرره بشرب النخل المزبور الماء فتأمل جيدا، و الأمر سهل، هذا كله في شراء الزرع قصيلا.

أما شراؤه بشرط التبقية إلى أو ان بلوغه أو مطلقا فلا إشكال أيضا في جوازه، للأصل و العمومات و خصوص المعتبرة المستفيضة(2)في المقام التي مر بعضها، بل و لا خلاف إلا ما يحكى عن المزارعة المقنع من منع بيع الزرع الا بشرط القصل لعدم الأمن من الآفة و ل

خبر أبى بصير(3)«سألت الصادق عليه السلام عن الحنطة و الشعير اشترى زرعه قبل أن يسنبل و هو حشيش قال: لا إلا أن تشتريه لقصيل تعلفه الدواب ثم تتركه حتى يسنبل»

و

موثق ابن عمار(4)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لا تشتر


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب بيع الثمار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب 11 من أبواب بيع الثمار الحديث 5.

ج 24، ص: 120

الزرع ما لم يسنبل فإن كنت تشتري أصله فلا بأس»

و فيه أن عدم الأمن من الآفة لا يؤثر منعا لجواز بيع الموجود و خبر ابى بصير- مع ضعفه لا جابر بل موهن بفتوى الأصحاب بخلافه- يمكن

حمله على الندب أو على إرادة شراء الحاصل منه الذي قد عرفت منعه فيما تقدم، كالموثق الظاهر في ذلك، و في عدم البأس مع شراء الأصل، على كل إنهما قاصران عن معارضة غيرهما من وجوه كما هو واضح، و حينئذ قد ظهر أنه لا بأس بشراء نفس الزرع في جميع أحواله حتى إذا كان محصودا اكتفاء بالمشاهدة في مثله و الله أعلم.

[المسألة السادسة يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزياد عما ابتاعه أو نقصان ]

المسألة السادسة يجوز أن يبيع ما ابتاعه من الثمرة بزياد عما ابتاعه به أو نقصان؛ قبل قبضه أو بعده بلا خلاف و لا إشكال للأصل، و

صحيح لحلبى (1)سأل الصادق عليه السلام عن رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يأخذها؟ قال: لا بأس به، إذا وجد ربحا فليبع»

و

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما عليهما السلام «أنه قال في رجل اشترى الثمرة ثم يبيعها قبل أن يقبضها قال: لا بأس»

مضافا الى العمومات و محكي الإجماع إن لم يكن محصله فلا يتوهم جريان ما تقدم سابقا من منع البيع قبل القبض في المقام؛ ضرورة اختصاصه في المكيل و الموزون، أو خصوص الطعام منهما، لكن في النافع هنا الجواز على كراهة، و لا وجه له إلا إطلاق بعض الاخبار و الفتاوى منع بيع المبيع قبل قبضه، و هو

سابقا لم يجعل ذلك سببا للكراهية مطلقا بل خصها بالمقدار بأحدهما، كما في كثير من النصوص و الفتوى، لكن أمر الكراهة سهل.

[المسألة السابعة إذا كان بين اثنين نخل أو شجر فتقبل أحدهما بحصة صاحبه بشي ء معلوم كان جائزا]

المسألة السابعة إذا كان بين اثنين مثلا نخل أو شجر أو زرع فتقبل أحدهما بحصة صاحبه بعد خرص المجموع بشي ء معلوم على حسب الخرص المزبور كان جائزا ل

صحيح يعقوب بن شعيب (3)الذي رواه المشايخ الثلاثة «سألت الصادق عليه السلام عن الرجلين يكون بينهما النخل فيقول أحدهما لصاحبه: اختر إما أن تأخذ هذا النخل بكذا و كذا كيلا مسمى، و تعطيني نصف هذا الكيل زاد أو نقص، و إما أن آخذه أنا بذلك و أرده عليك؟ قال لا بأس بذلك»

و

صحيح الحلبي (4)


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب بيع الثمار الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث 2.

ج 24، ص: 121

قال: «أخبرني أبو عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، أعطى خيبرا بالنصف أرضها و نخلها، فلما أدركت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة فقوم

عليهم قيمة؛ و قال لهم إما أن تأخذوه و تعطوني نصف الثمن، و إما أن أعطيكم نصف الثمن و آخذه فقالوا بهذا أقامت السماوات و الأرض»

و في التهذيب (1)عوض الثمن في الموضعين الثمرة؛ و هو الأنسب بالخرص الاتى، و إن كان الثمن أنسب بالتقويم.

و

صحيح أبى الصباح الكناني (2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم لما افتتح خيبر تركها في أيديهم على النصف فلما بلغت الثمرة بعث عبد الله بن رواحة إليهم فخرصها عليهم، فجاؤا إلى النبي صلى الله عليه و آله و سلم و قالوا إنه قد زاد علينا، فأرسل إلى عبد الله بن رواحة فقال ما يقول هؤلاء؛ فقال: خرصت عليهم بشي ء، فإن شاؤا أخذوا بما خرصنا، و إن شاؤا أخذنا، فقال رجل من اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض».

و

صحيح يعقوب بن شعيب (3)الأخر عن الصادق عليه السلام أيضا «قال فيه: فلما بلغ الثمرة أمر عبد الله بن رواحة فخرص عليهم النخل، فلما فرغ منه خيرهم فقال قد خرصنا هذا النخل بكذا صاعا، فإن شئتم فخذوه، و ردوا علينا نصف ذلك؛ و إن شئتم أخذناه و أعطيناكم نصف ذلك، فقال اليهود: بهذا قامت السماوات و الأرض»

و

مرسل محمد بن عيسى (4)«قلت لأبي الحسن عليه السلام ان لنا أكرة فنزارعهم فيقولون قد حرزنا هذا الزرع بكذا و كذا فأعطوناه و نحن نضمن لكم أن نعطيكم حصة على هذا الحرز قال: و قد بلغ؟ قلت: نعم قال: لا بأس بهذا، قلت: فإنه يجي ء بعد ذلك فيقول لنا الحرز لم يجي ء كما حرزت قد نقص قال: فإذا زاد يرد عليكم: قلت: لا قال: فلكم أن تأخذوه بتمام الحرز، كما أنه إذا زاد كان له؛ كذلك إذا نقص كان عليه».


1- 1 التهذيب ج 7 ص 193 باب المزارعة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث- 4.

ج 24، ص: 122

و

خبر سهل (1)«سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الرجل يزرع له الحراث الزعفران و يضمن له على أن يعطيه في كل جريب أرض يمسح عليه وزن كذا و كذا درهما، فربما نقص و غرم و ربما استفضل و زاد، قال: لا بأس به إذا تراضيا»

و

خبر عبد الله بن بكير(2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يزرع له الزعفران فيضمن له الحراث على أن يدفع له من كل أربعين منا زعفرانا رطبا منا و يصالحه على اليابس و اليابس إذا جفف ينقص ثلاثة أرباع، و يبقى ربعه و قد جرب قال: لا يصلح، قلت: و إن كان

عليه أمين يحفظه لم يستطع حفظه، لانه يعالج بالليل و لا يطاق حفظه، قال: يقبله الأرض أو لا على أن له في كل أربعين منا منا»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا أجد خلافا بين الأصحاب في العمل بمضمونها في النخل و الثمار و الزرع، فهو إن كان بيعا فمستثنى من المحاقلة و المزابنة، و من قاعدة مغايرة الثمن للثمن؛ و نحوهما مما يخالف قواعد البيع، مع أنك ستعرف كون التحقيق أنها ليست بيعا.

لكن في السرائر و ان زارع أرضا أو ساقاها على ثلث، أو ربع أو غير ذلك و بلغت الغلة جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلة و الثمرة، فإن رضي المزارع أو المساقي بما خرص أخذها و كان عليه حصة صاحب الأرض، سواء نقص الخرص أو زاد و كان له، كما فعل عامل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بأهل خيبر و هو عبد الله بن رواحة الأنصاري الخزرجي، فأن هلكت الغلة و الثمرة قبل جذاذها و حصادها بآفة سماوية لم يلتزم العامل الذي هو الا كار بشي ء لصاحب الأرض؛ و الذي ينبغي تحصيله في هذا الخبر و السؤال أنه لا يخلو إما أن يكون قد باعه حصته من الغلة و الثمرة بمقدار في ذمته من الغلة و الثمرة، أو باعه الحصة بغلة من هذه الأرض فعلى الوجهين معا البيع باطل، لانه داخل في المزابنة و المحاقلة، و كلاهما باطلان، و إن كان ذلك صلحا لا بيعا فإن كان ذلك بغلة و ثمرة في ذمة الأكار الذي هو المزارع فإنه لازم له؛ سواء هلكت الغلة بالآفات السماوية أو الأرضية، و إن كان ذلك الصلح بغلة من تلك الأرض، فهو صلح باطل، لدخوله في باب الغرر، لانه غير مضمون، فان كان ذلك فالغلة بينهما سواء زاد الخرص أو نقص


1- 1 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام المزرعة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 14- من أبواب أحكام المزرعة الحديث- 2.

ج 24، ص: 123

تلفت منهما أو سلمت لهما، فليلحظ ذلك، فهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا و تشهد به الأدلة، فلا يرجع عنها بأخبار الآحاد التي لا توجب علما و لا عملا؛ و إن كررت في الكتب.

قلت: قد لحظناه فوجدناه كالاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب بل الظاهر إن الاشكال في لزومها كما في التذكرة بل في التنقيح و محكي إيضاح النافع و الميسية، الجزم بعدمه من ذلك أيضا، ضرورة صراحة بعض النصوص السابقة فيه، و ظهور آخر كالفتاوى التي لا يقدح ما في بعضها كالمتن و غيره من التعبير بالجواز المراد به رفع الحظر، لا نفى اللزوم الذي هو مقتضى الأمر بالوفاء بالعقود؛ فما في مزارعة القواعد من أن الزائد إباحة على إشكال، في غير محله قطعا، بل هو ملك للمتقبل كما كاد يكون صريح المرسل السابق، و ظاهر غيره، و الربا لو قلنا بعمومه معفو عنه في المقام، على أنه إن كان هو منشأ الاشكال، فلا يخص الزيادة، بل آت في النقيصة أيضا.

ثم إن المنساق من النصوص السابقة ما هو صريح جماعة، بل المشهور بل ظاهر جامع المقاصد نسبته إلى تصريح الأصحاب من كون كيفية التقبيل المزبور اعتبار العوض من الثمرة المخروصة، و لا يقدح في ذلك اتحاد الثمن و المثمن بعد ظهور النصوص المعمول بها بين الأصحاب فيه، سواء قلنا أنها بيع كما احتمله في التذكرة، و إن كان بعيدا لشدة مخالفته لقواعد البيع مع عدم ظهور شي ء من النصوص في أنه منه؛ و ذكر الأصحاب له في بيع الثمار أعم من ذلك، أو معاملة برأسها، أو صلح سيما بعد عدم الاتحاد حقيقة هنا لكون المعوض عنه الحصة المشاعة، و العوض المقدار المخصوص من مجموع الحصتين بل لا يبعد جواز مثل ذلك في الصلح مع قطع النظر عن نصوص المقام لعموم

قوله عليه السلام «الصلح جائز بين المسلمين»(1)

الذي استفيد منه قيامه مقام الهبة و غيرها، فجوزوا الصلح عن المال ببعضه و إن انحل


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الصلح الحديث 1- 2.

ج 24، ص: 124

إلى الهبة.

و لعله هنا كذلك من طرف القابل و المقبل و حينئذ فبناء على أن القبالة نوع من الصلح كما هو صريح بعض و ظاهر آخر لا تكون مخالفة للقواعد أصلا إذ لا محاقلة و لا مزابنة فيه و لا ربا أيضا و إن قلنا باختصاصه بالبيع، بل و على التعميم لما عرفت من أن الثمرة و الزرع ليستا من المكيل و الموزون، و لا منع من مثل هذا الاتحاد فيه؛ و كذا لو قلنا بأنها معاملة برأسها كما هو مقتضى جوازها بلفظ التقبيل؛ بل في المسالك ظاهر الأصحاب أن الصيغة تكون بلفظ التقبيل، و إن كان قد يشكل إن أريد الاختصاص، بخلو أكثر النصوص

السابقة عن اللفظ المزبور، بل ظاهرها خصوصا الأول الاكتفاء بغيره، و في جامع المقاصد هل يحتاج ذلك اي التقبيل إلى صيغة عقد الظاهر نعم، لأنها صلح في المعنى؛ و لأن الأفعال لما لم تكن لها دلالة بنفسها على المعاني تعين المصير إلى الألفاظ حينئذ، فيحمل على العقد لانه الموظف شرعا لنقل الملك؛ و لأن الأصل بقاء الملك لمالكه حتى يقطع بسببه، فان قلت: عبارة الصحيح الأول دالة على خلاف ذلك، قلت: ليس فيها دلالة على أن المسئول عنه فيها هو الجاري في المعاوضة، فيجوز أن يكون المسئول عنه هو صحة إيقاع ما اراده».

قلت: لا ريب في اعتبار الصيغة في لزومها و خلو نصوصها عنها كخلو أكثر نصوص العقود عن ذلك، إنما الكلام في أن صيغتها صيغة الصلح لعدم تعارف غير العقود المعهودة المفردة بالتبويب، و لعدم ظهور في نصوص المقام بالاستقلال، إذ ليس فيها إلا الجواز الذي يمكن أن يكون بناؤه على أنها من الصلح، بل ربما كان في بعضها إيماء إلى ذلك، أو أن صيغتها خصوص لفظ التقبيل المعبر به في الفتاوى و بعض النصوص، لعدم ذكرهم ذلك في باب الصلح؛ بل لا إشارة في شي ء من كلامهم إلى أنه منه و ما في المختلف كالذي سمعته من جامع المقاصد يراد منه أنها كالصلح في المعنى، لا أنها تنعقد بصيغته.

نعم صرح في الدروس بأنها نوع منه، و يمكن إرادته ذلك أيضا على إشكال و تردد؛

ج 24، ص: 125

نعم بناء على جواز الاتحاد المزبور لا ينبغي التأمل حينئذ؛ في صحة وقوعها، بصيغة الصلح، و إن لم تتم قبالة، كما أنها كذلك لو وقع العوض من غيرها أو مطلقا بعقد الصلح، بل قد يستشكل من وقوع العوض من غيرها و الصيغة لفظ التقبيل، لما عرفت من أن وضعها على كون الثمن منها، كما يشهد له ما ذكره الشيخ و ابنا حمزة و إدريس و الفاضل و الشهيد و المقداد و غيرهم من عدم الضمان لو تلفت الثمرة بآفة سماوية بل في مزارعة جامع المقاصد نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، ضرورة توقف صحته على كون الثمن منها، حتى يكون التلف حينئذ للعوض، و لا دليل على الانتقال إلى بدله بعد عدم الدليل على ضمانه في يده، و لا ينافي ذلك صحته العقد، إذ ليس هو بغير عوض، بل عوضه من العوض، فمع فرض التلف بالافة يتحقق تلف العضوين معا من غير ضمان، فما في التذكرة من التردد فيه- كالمحكي عن تعليق الإرشاد، بل في المسالك أن دليله غير واضح في غير محله؛ بل لا يحتاج ذلك إلى تنزيل العوض على الإشاعة، إذ يمكن أن لا يكون كذلك، و إن كان كليا مضمونا في العين بشرط السلامة، للدليل نحو ما سمعته في خبر الأطنان (1)في الجملة.

و على كل حال فليس مثل هذا انفساخا لا من الأصل و لا من الحين، لكن في الدروس أن قرار ذلك مشروط بالسلامة، و المراد كما في جامع المقاصد أنه إن هلكت لا صلح، و إن سلمت ثبت

و وجب العوض، و ربما أشكل بأنه لو هلك بعضها يجب القول بعدم بقاء الصلح، فلا يلزمه ما بقي من العوض، و يدفع بأن سلامة الجميع شرط للصلح في الجميع، و سلامة الأبعاض شرط للصلح فيها، نعم قد يشكل بأنه قد صرح في الدروس بالجواز لو تقلبها بعوض غير مشروط فيها، و لا دليل على اشتراط مثله بالسلامة؛ لأن المعوض إذا قبض بعوض وجب أن يكون مضمونا؛ فإذا تلف يجب أن يكون عوضه في الذمة؛ و يمكن تنزيل ما في الدروس على ما إذا كان العوض منها بالسلامة لا مطلقا بل قد سمعت سابقا أن ذلك و إن جاز؛ إلا أنه ليس قبالة على


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث- 1.

ج 24، ص: 126

الظاهر، لكن في جامع المقاصد «إن كلا من القولين لا يخلو من اشكال، أما اشتراط كون القبالة من الثمرة المتقبلة فيه إشكالان، الأول أن اشتراط العوض من المعوض ينافي صحة المعاوضة عند الجميع، و ليس في النصوص ما يدل على الجواز هنا، الثاني لو نقصت الثمرة بغير آفة بل كان من جهة الخرص يجب على تقدير كون العوض منها أن لا يجب الناقص على المتقبل مع أنهم حكموا بعدم وجوبه عليه، و أما على الجواز مطلقا فإشكالان مع ثالث، و هو عدم إمكان اشتراط السلامة في قرار القبالة حيث يكون في الذمة لما قلناه من، امتناع كون محل العوض الذمة و يذهب بتلف الثمرة.

و فيه ما عرفت سابقا من ظهور النصوص و الفتاوى في كون العوض منها، و حينئذ وجه عدم الضمان بالافة واضح، بل هو قد اعترف في باب المزارعة بأن هذه المعاوضة لا تخرج باشتراط السلامة عن نهج المعاوضات، فإن المبيع في زمان الخيار من ضمان البائع و إن تلف في يد المشتري، لكن بغير تفريط؛ إذا كان الخيار للمشترى؛ و هي لا تزيد علي ذلك، و منه يعلم وجه اندفاع الأخر. نعم يبقى المطالبة بالدليل على ذلك، فيما لو كان العوض من غيرها، و إقامته عليه- سيما مع عدم تصريح الأصحاب بأن القبالة تكون من غير الثمرة- لا تخلو من صعوبة و إن كان الظاهر بناء هذه المعاوضة على الزيادة و النقصان من حيث الخرص لا غير، و ربما كان من

قوله عليه السلام (1)«إذا كانت الزيادة له فالنقيصة عليه»

إيماء إلى ذلك في الجملة، فيرجع حاصلها أن المتقبل ضامن للمقدار المعلوم مع سلامة الثمرة و عدم تلفها، بل يمكن دعوى براءته لو كان المتلف غير الآفة من غاصب و شبهه، و إن استبعده في جامع المقاصد قال: «و الظاهر أن المراد بالافة السماوية و الأرضية ما يكون ممن لا يعقل تضمينه. فلو أتلفها فتلف فالظاهر أن القبالة بحالها، عملا بالاستصحاب و يطالب المتقبل المتلف، و يحتمل أن يراد بالارضية ما يعم هذا، فيسقط القبالة أيضا


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الثمار الحديث 4.

ج 24، ص: 127

بإتلاف المتلف، و هو بعيد» و أما ما ذكره من عدم وجوب النقص على المتقبل لو كان النقصان من حيث الخرص، فيدفعه صريح بعض النصوص السابقة، و ظهور آخر و كون الثمن منها لا ينافي ذلك، إذ يلزم بالتأدية من حصته.

نعم لو فرض نقصان المجموع من المقدار اتجه ذلك، إلا أنه نادر لا يحمل عليه إطلاق النصوص و الفتاوى، فتأمل جيدا، ثم إنه لا يخفى ظهور النص السابق في اعتبار البلوغ كما أنه صرح غير واحد بعدم وجوب القبول على الشريك، للأصل و غيره لكن قد يظهر من النصوص السابقة الالتزام بإحدى فردي التخيير؛ مؤيدا بوجه مشروعية التقبيل من خوف الخيانة و نحوها، و الظاهر أنه لا يعتبر في القبالة ما تقدم في العرية من وجوب الأخذ بمقدار الخرص من غير زيادة و لا نقيصة، بعد ما سمعت من عدم الربا في المقام «و الناس مسلطون على أموالهم» كما أنه قد ظهر لك مما قدمنا إمكان جريان التقبيل بالنسبة إلى غير الشريك بل في غير الثمار، بناء على أن القبالة نوع من الصلح؛ و إن ذلك كله جائز فيه، لعموم

قوله عليه السلام (1)«الصلح جائز بين المسلمين»

لكن ظاهر الأصحاب الاقتصار و هو مؤيد لكون القبالة قسما مستقلا برأسها، فيقتصر في موردها على المتيقن. و الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا مر الإنسان بشي ء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع اتفاقا جاز أن يأكل من غير إفساد]

المسألة الثامنة: إذا مر الإنسان بشي ء من النخل أو شجر الفواكه أو الزرع أو قريب منها، بحيث لا يعد قاصدا عرفا بل كان ذلك منه اتفاقا جاز أن يأكل من غير إفساد مع عدم العلم و الظن بالكراهة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا بل في المختلف «عن السرائر إذا مر الإنسان بالثمر جاز له أن يأكل منها قدر كفايته، و لا يحمل منها شيئا على حال، من غير قصد إلى المضي إلى الثمرة للأكل، بل كان الإنسان مجتازا في حاجة ثم مر بالثمار، سواء كان أكله منها لأجل الضرورة، أو غير ذلك، على ما رواه أصحابنا و أجمعوا عليه لأن الاخبار في ذلك متواترة، و الإجماع منعقد منهم، و لا يعتد بخبر شاذ أو خلاف من يعرف باسمه و نسبه، لان الحق مع غيره


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب أحكام الصلح الحديث 1- 12.

ج 24، ص: 128

و عن الخلاف الإجماع أيضا في النخل و الفواكه؛ و في الرياض لم نقف على مخالف فيه من قدمائهم إلا ما يحكى عن المرتضى في بعض كتبه، بل في شرح الأستاد أنه قيل بإضافة الزرع و الخضر؛ و نقلت عليه الشهرة، و نسب إلى بعض نقل الإجماع فيه.

و كيف كان فيدل عليه مضافا إلى ذلك

قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان (1)«لا بأس بالرجل يمر بالثمرة و يأكل منها و لا يفسد؛ قد نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن تبنى الحيطان في المدينة،

لمكان المارة، قال: و كان إذا بلغ نخلة أمر بالحيطان فخرقت لمكان المارة»

و نحوه

خبر أبي الربيع (2)عنه أيضا، إلا أنه قال: «و لا يفسد و لا يحمل»

ك

مرسل الفقيه (3)عنه أيضا «من مر ببساتين فلا بأس أن يأكل من ثمارها، و لا يحمل شيئا».

و قد

قال محمد بن مروان للصادق عليه السلام في المرسل (4)المروي بطرق ثلاثة «أمر بالثمرة فآكل منها؟ قال: كل و لا تحمل»

و

زاد في أحد طرقه «قلت: جعلت فداك إن التجار قد اشتروها و نقدوا أموالهم، قال اشتروا ما ليس لهم»

و

سأله أيضا يونس (5)«عن الرجل يمر بالبستان، و قد حيط عليه أو لم يحط عليه، هل يجوز أن يأكل من ثمره، ليس يحمله على الأكل من ثمره الا الشهوة له، و له ما يغنيه عن الأكل من ثمره، و هل له أن يأكل من جوع؟ قال: لا بأس أن يأكل و لا يحمله، و لا يفسده»

و

سأله «ابن أبى عمير(6)عن الرجل يمر بالنخل أو السنل أو الثمرة، فيجوز له أن يأكل منها من غير إذن صاحبها ضرورة أو غير ضرورة؟ قال: لا بأس»

و

خبر علي بن جعفر(7)عن أخيه المروي عن كتاب مسائله لأخيه قال: «سألته عن الرجل يمر على ثمرة فيأكل منها، قال: نعم قد نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن تستر الحيطان برفع بنيانها»


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 12.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 8.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 4.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 5.
6- 6 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 3.
7- 7 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 2.

ج 24، ص: 129

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يبعد تواترها كما سمعته من ابن إدريس؛ و لذا عمل بها هو كغيره ممن لا يرى العمل إلا بالقطعيات.

فمن الغريب بعد ذلك التوقف في الحكم المزبور فضلا عن الجزم بعدمه لقاعدة قبح التصرف في مال الغير بغير إذنه؛ المعلومة بالعقل و النقل، كمعلومية حرمة الظلم و الجور و الخيانة و السرقة، و تحريم أكل أموال الناس بالباطل، و

صحيح علي بن يقطين (1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يمر بالثمرة من الزرع و النخل و الكرم و الشجر و المباطخ و غير ذلك من الثمر أ يحل له أن يتناول منه شيئا و

يأكل من غير إذن صاحبه و كيف حاله إن نهاه صاحب الثمرة، و أمره القيم، و ليس له و كم الحد الذي يسعه أن يتناول منه؟ قال: لا يحل له أن يأخذ منه شيئا»

و

مرسل مروان بن عبيد(2)قلت للصادق عليه السلام: «الرجل يمر على فراخ الزرع يأخذ منه السنبلة؟ قال: لا قلت:

أي شي ء السنبلة، قال: لو كان كل من يمر به يأخذه منه سنبلة لا يبقى منه شي ء»

و

خبر مسعدة بن زياد المروي عن قرب الاسناد(3)«عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عما يأكل الناس من الفاكهة و الرطب مما هو حلال لهم؟ فقال لا يأكل أحد إلا من ضرورة و لا يفسد؛ إذا كان عليها بناء يحاط و من أجل الضرورة نهى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أن يبنى على حدائق النخل و الثمار، بناء لكي لا يأكل منها أحد»

مؤيدا ذلك كله بنصوص التقبيل و الخرص في الزكاة و الخراج، بل و بما دل على إخراج النخلة و نحوها لأجل المارة، الظاهر في التساهل بأمر المارة و باستمرار السيرة علي بناء الجدران و وضع الأبواب و منع الناس و امتناعهم، مع أنه لو كان مثل ذلك جائزا لشاع، حتى بلغ التواتر، لا أنه تعارف خلافه و بأن فتح هذا الباب يقتضي بأن تضمحل أموال الناس كما أومأ إليه خبر السنبلة، سيما مع

كثرة الثمار على الطرق المسلوكة، بل يبعث على التجري على الحرام، حتى أن كل من يجي ء يقول لم أكن قاصدا له، و من كان له عداوة مع أحد يتقصد إضراره


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 7.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 6.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 10.

ج 24، ص: 130

و له عذر واضح؛ بل يلزم منه أيضا استباحة الأغنياء زكاة الفقراء غير السادات، و خمس السادات مع القول بالتعلق بالعين.

و من ذلك يظهر أن أدلة الجواز لا تقوى على تخصيص هذه الأدلة، سيما مع اختلاف نقل الإجماع؛ و عدم خلو كثير من النصوص السابقة عن البحث في السند أو الدلالة، و إمكان حمل جملة منها على شهادة القرينة بالإذن، كما يرشد اليه خبر الجدران، أو على أن لذلك العصر خصوصية على شهادة القرينة بالإذن أو على حال الضرورة أو على تعليم أهل الثمار الرخصة، و أنه ينبغي لهم ذلك نحو ما وقع من النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و

في المروي عن صاحب الزمان عجل الله فرجه (1)في جواب مسائل العمري، «أما ما سألت من أمر الثمار من أموالنا يمر به المار فيتناول منه و يأكل هل بحل له ذلك؟ فإنه يحل له أكله، و يحرم عليه حمله»

و لا أقل من أن يفيد ذلك كله الشك و الأصل الحرمة.

هذا أقصى ما يقال في ترجيح القول بالعدم الذي هو مختار المرتضى في المحكي عنه في

المسائل الصيداوية، و الفاضل في مكاسب المختلف، و إن توقف في الأطعمة، و المحقق الثاني و غيرهم من المتأخرين و متأخريهم، و اختاره الأستاد الأكبر، إلا أن الجميع كما ترى، بل يشبه أن يكون اجتهادا في مقابلة النص، إذ القاعدة بعد تسليم حكم العقل بإقعادها حال عدم العلم بالكراهة يجب الخروج عنها ببعض ما عرفت، فضلا عن جميعه كغيرها من القواعد، إذ مرجعه إلى الإذن الشرعية التي هي أقوى من المالكية، و بها مع فرض كون موضوع البحث عدم العلم بالكراهة، يخرج ما نحن فيه عن موضوع الظلم و الخيانة و السراقة و الجور و الأكل بالباطل و نحو ذلك.

و الصحيح مع معارضته بغيره محتمل للحمل منها و للكراهة، و لإرادة بيان حكم التناول مع نهى المالك و أمر القيم، و لغير ذلك؛ و المرسل مع عدم الجابر


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 9.

ج 24، ص: 131

و معارضته بما سمعت محتمل أو ظاهر أو صريح في غير التناول للأكل، ضرورة استبعاده في السنبلة الواحدة لعدم تعارفه بل ظاهر السائل الإقدام على ذلك باعتبار قلة الإكتراث بالسنبلة، فأجابه عليه السلام بالحكمة المزبورة.

و في الحدائق «الظاهر أن هذا الخبر لا يدخل في سياق هذه الاخبار، فلا معنى لإجرائه في هذا المضمار، فإن موضوع المسألة الأكل من الثمار في مكانه من غير أن يحمله، و الظاهر أن السنبل ليس من المأكول على تلك الحال، فالظاهر إرادة حمله، و المنع فيه مما لا خلاف فيه و هو حسن.

لكن قيل يتعارف أكله مقلا و نحوه، و خبر قرب الاسناد محتمل للكراهة، خصوصا مع استثنائه الضرورة، و عدم بيان حدها، بل الظاهر منها عدم الوصول إلى حد الخوف على النفس؛ أو أن المراد منه المنع منه مع قيام شاهد الحال على العدم كالحائط و نحوه، و الخرص و التقبيل مع كونه في الغالب عند البلوغ، يمكن اعتبار أمر المارة فيه و إخراج النخلة لإرادة المارة بصاحب البستان، فإن من المتعارف بذل شي ء من الثمرة لمن يمر به، و المسلم من قيام السيرة على ما يفسد و بناء الجدران و وضع الأبواب للخوف من ذلك، على أنه إذا كان قد تعارف المنع خرج عن موضوع المسألة الذي هو الأكل مع عدم العلم بالمنع، و عدم البلوغ إلى حد التواتر لا يقضى بالمنع كما في غيره من الاحكام التي هي أهم منه، مع أنك قد سمعت دعواه و دعوى الإجماع و غيرهما، و ليس في الأكل مع عدم الإفساد اضمحلال لأموال الناس، بل ربما أدى إلى البركة فيها، و مثل هذه الباعثية لا تصلح دليلا للمنع، كوضوح العذر له، و لو أن نحو ذلك صالح لامتنع كثير من الأحكام الشرعية، و إباحة الشارع الثمرة للمارين أغنياء كانوا أو فقراء تجرى على الجميع كما اعترف هو به في آخر كلامه؛ لانه المالك الحقيقي، و ليس مثل هذا الاختلاف في نقل الإجماع قادحا، كما أن عدم خلو النصوص عن البحث في السند أو الدلالة بعد الاعتضاد بما عرفت غير قادح أيضا.

ج 24، ص: 132

و من ذلك كله ظهر لك قوة القول بالجواز. نعم ليس في شي ء من نصوصه تعرض لغير الثمرة و النخل، و اقتصار بعضهم على الثاني، كما عن الشيخ في المسائل الحائرية في غير محله إن أراد عدم الجواز في غيره، أما الخضر فقد عرفت عن بعضهم دعوى الشهرة عليه، و آخر نقل الإجماع، و قد يدعى تناول لفظ الثمرة له كما يشهد به صحيح ابن يقطين (1)السابق و غيره، كتناول لفظ البستان المراد منه ما فيه، بل قد يدعى تناولهما لمطلق الزرع خصوصا الثاني متمما حينئذ بعدم القول بالفصل مضافا إلى مرسل ابن ابى عمير(2)السابق لكن تردد فيهما المصنف في النافع و أطعمة الكتاب، لاختصاص كثير من الأدلة السابقة بغيرهما، و للصحيح (3)و المرسل (4)السابقين في دليل المنع مضافا إلى الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، و في الرياض- «لا ريب أن الترك هنا بل و سابقا أيضا أحوط و أولى، بل ربما كان متعينا، و لا وجه لتخصيص التردد بالحكم هنا مع جريانه في غيرهما إلا وجود القائل بالمنع هنا زائدا على المرتضى و عدم حكاية إجماع هنا مع اختصاص كثير من الفتاوى المجوزة المحكية في المختلف بالحكم سابقا».

قلت: قد عرفت عن بعضهم نقل الإجماع، كما أنك عرفت وجه الاختصاص بالتردد، و على كل حال فلا ريب أن الأحوط الترك فيهما، بل و في غيرهما و إن اختلف شدة و ضعفا؛ ثم إن ظاهر المتن كغيره اشتراط الجواز بأمور ثلاثة، أحدها- كون المرور اتفاقيا، فلو كان مقصودا لم يجز له، اقتصارا على المتيقن؛ و قد يظهر من الرياض دعوى الإجماع عليه؛ كما في الحدائق نسبه إلى الأصحاب، و في شرح الأستاد «اعتبار عدم قصد المرور منه و لا من وليه لخصوص تلك الثمرة و نحوه، لا في مبدء المسافة؛ و لا في أثنائها، ليتحقق صدق اسم المرور؛ و للإجماع عليه، و لو عينها بالإشارة و اختلف الاسم كان قاصدا؛ بخلاف العكس، و العمدة ما عرفت من الاقتصار على المتيقن و خبر عبد الله بن سنان (5)السابق مع قصور سنده و عدم الجابر له، يمكن


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 7.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 6.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب بيع الثمار الحديث- 12.

ج 24، ص: 133

أن يكون نفي الباس فيه عن الأكل، فكأنه قال: لا بأس بالأكل بعد المرور اتفاقا».

لكن قد يقال: ان ظاهر النصوص الجواز بتحقق اسم المرور و إن كان مقصودا.

نعم إذا كان المقصود المجي ء إلى البستان مثلا لم يصدق عليه اسم المرور بها، و هذا لا يقتضي اعتبار الاتفاق في المرور، ضرورة أعمية مفاد النصوص من ذلك، فالتحقيق دوران الحكم مداره، فيرجع هذا الشرط إلى تحقق مسماه لا أمر زائد؛ و قاعدة الاقتصار على

المتيقن لا وقع لها مع فرض ظهور الأدلة الذي عليه المدار في جميع الاحكام كما هو واضح.

الثاني: عدم الإفساد بلا خلاف أجده فيه بل ادعى بعضهم عليه الإجماع، و هو الحجة بعد الاقتصار المزبور، و انصراف إرادة الشرطية من النهي في المقام في النصوص السابقة عنه و عن الحمل، و منه يظهر وجه الشرط الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله و لا يجوز أن يأخذ معه شيئا بل في الرياض بعد نسبة الحكم به إلى القطع به بين الطائفة- لعله إجماع، لكن قال بعد ذلك: «ان إثبات شرطيته و سابقه من الأصل و النصوص مشكل، لاندفاع الأول بإطلاق الرخصة، و لعدم نهوض الثاني إلا بالنهي عنهما، و غايته الحرمة، و هي أعم من الشرطية؛ فإثباتها بذلك في كلام جماعة لا تخلو من مناقشة. نعم الظاهر التلازم بينهما في النهي عن الإفساد، إذا فسر بما مر؛ و هو عدم الأكل كثيرا بحيث يؤثر فيها أثرا بينا، و يصدق معه مسماه عرفا و يختلف ذلك بكثرة الثمرة و المارة و قلتهما جدا، لا إن فسر بالمعنى الأخر و هو عدم الحائط أو كسر الغصن أو نحو ذلك» قلت: قد عرفت ظهور النهي المزبور في الشرطية هنا كغيره من المقامات سيما بعد الاعتضاد بظاهر كلام الأصحاب، و إن كان في ظهور العبارة و نحوها بالشرطية نوع مناقشة، و لكن مع الالتفات الى كلام الأصحاب- و استبعاد اقترانها بالإباحة على معنى إرادة الحرمة الخارجية منها على حسب غيرها من المحرمات- تندفع المناقشة المزبورة.

ج 24، ص: 134

و أما ما ذكره من التلازم المزبور فلا يخلو من مناقشة مع فرض تحقق الفساد بالاخر، فإنه لا مانع حينئذ من القول باختصاصه بالحرمة دون الأول نعم لو قلنا بالأخير يتحقق الفساد في الجميع على وجه يكون تمام ما أكله مندرجا في النهي اتجه ذلك، و لكنه خلاف المنساق من قوله كل و لا تفسد. ثم إن الظاهر من هذا الشرط و سابقه كونه من الشرائط الكاشفة، لو فرض تأخيرهما عن الأكل المباح، و قلنا بالشرطية في هذا الحال؛ لإطلاق الأدلة، و لكن الكشف بالنسبة إلى الضمان متجه، أما بالنسبة إلى الإباحة فلا يخلو من منع، و دعوى أن الشرط فيهما قصد الحمل و قصد الإفساد يدفعها ظهور الأدلة في خلافها؛ بل لا إشعار في شي ء بالقصد. نعم قد يقال: بتصور الكشف فيها على بعد؛ بل يمكن القطع بفساده بملاحظة الأدلة فتأمل.

و كيف كان فظاهر الأستاد الأكبر ثبوت الحرمة بقصد الإفساد بلغ حده أولا قال: «و مع عدم القصد ينتفى الجواز عند خوفه، و لا فرق بين حصول الفساد من واحد أو من جماعة، فلو أكلت المارة حتى قرب الفساد حرم على الأخير، و إذا علم ترتب الفساد على المجموع، اقترعوا على التناول، فيجوز لكل من طلعت له القرعة (ثم قال):

و المنع مع الفساد في الجملة مما يقضى به الأصل و العقل و الكتاب و السنة و الإجماع محصله و منقوله، و بعض أخبار الباب.

و الظاهر أنه لا فرق بين الفساد في الشجر و الثمر، و في الجدران و السواقي و المساقي، و بمثل ذلك يظهر قوة التحريم، لان المار لا يعلم قدر الثمرة ابتداء حتى يعرف الفساد، فربما أكل من صاع هو بقية ألف صاع من حيث لا يعلم، و الظاهر ثبوت الضمان عليه مع العمد في الإفساد بدونه، و أجرة المثل لو مكث زائدا على مقدار ما يحتاج إليه في التناول، إلى أن قال:، و لا بد أن يقتصر في الأكل على أكله المعتاد على وفق المعتاد، فان زاد ضمن الجميع، و له الخيار في اختيار أقسام الثمرة، و لو عين المالك شيئا تعين» و فيه مواضع للنظر، كما أن ما فيه أيضا من أن الظاهر اعتبار كون الثمرة على الشجر، اقتصارا على المتيقن، و كون المار مسلما حيث

ج 24، ص: 135

يكون المالك كذلك، إذ لا سبيل عليه لغيره، و اعتبار الايمان من المؤمن لا يخلو من وجه، و اشتراط أن لا يكون له ثمر متصل بثمر الغير، و أن لا يكون حاملا من جنسه لا يخلو من قوة، و اشتراط عدم علم الكراهة أو ظنها، و عدم السور و الباب ينافيه ما في بعض روايات الباب، و لا محيص عن القول به كذلك» فيه مواضع للنظر أيضا.

نعم ما فيه «من أنه لا يجوز أن يهب مارا و لا غيره أو يجعله نائبا و ما أكلته المارة حين تعلق الزكاة أو الخمس جار على الجميع، فلا شي ء للفقراء على المالك، و ليس حق المارة مما يجوز نقله، و لو استناب أحدا في التناول له جاز على إشكال» جيد بل الإشكال في الأخير ضعيف، ثم إن ظاهر خبر ابن سنان السابق (1)اعتبار البلوغ في الثمرة فلا تباح حينئذ للمارة قبل بلوغها، كما هو مقتضى الاقتصار على المتيقن نعم لا يبعد أن يكون المراد من ذلك الوصول إلى حد اعتياد التناول، و ربما ظهر من بعض مشايخنا تعميم الحكم للثمرة و إن لم تبلغ حد اعتياد الأكل، و هو و إن كان قد يشهد له إطلاق كثير من النصوص؛ لكن ما ذكرنا أقوى و أحوط؛ و لا فرق بين الثمرة المعتادة و غيرها من سائر الشجر و الله أعلم.


1- 1 الوسائل الباب 8- من أبواب بيع الثمار الحديث 12.

ج 24، ص: 136

[الفصل التاسع في بيع الحيوان ]

اشارة

(الفصل التاسع) في البحث عن بيع الأناسي من الحيوان و تمام القول فيه يتوقف على النظر فيمن يصح تملكه و أحكام الابتياع و لواحقه.

[النظر الأول فيمن يصح تملكه ]

أما الأول فلا خلاف في أن الكفر الأصلي بأحد أسبابه سبب لجواز استرقاق الكافر المحارب الخارج عن طاعة الله و رسوله، و لم يكن معتصما بذمة أو عهد أو نحوهما و يلحقه في هذا الحكم ذراريه و إن لم يتصفوا بوصفه و يسري الرق في أعقابه و إن زال وصف الكفر (11) عنه، لأنهم نماء الملك الذي قد فرض حصوله بحصول سبب التملك حال الاسترقاق، ما لم يعرض الأسباب المحررة (12) فيتبعه حينئذ أعقابه

بعد الحرية فيها، لخروجه عن الملك المقتضي لملكية النماء حينئذ، و خرج بالأصلي المنتحل للإسلام المتحصن به عن الاسترقاق إجماعا، و المرتد الذي خرج كفره المتجدد بتخلل الإسلام أو ما في حكمه عن كونه أصليا؛ لأصالة الحرية السالمة عن المعارض بعد اختصاص الفتاوى و النصوص و لو بحكم التبادر في غيره، بلا خلاف أجده في ذلك هذا.

و في الحدائق «المرتد و إن كان بحكم الكافر في جملة من الأحكام إلا أنه لا يجوز سبيه، و في جواز بيع المرتد الملي قول قواه في الدروس و أما الفطري، فلا، قولا واحدا فيما أعلم» قلت: الموجود في الدروس هنا «و يصح بيع المرتد عن ملة

ج 24، ص: 137

لا عن فطرة على الأقوى» و الظاهر كون المراد بيع المالك للعبد المرتد عن ملة لا عن فطرة، و غير الأقوى جواز بيعهما معا، قال في التذكرة: «المرتد إن كان عن فطرة ففي صحة بيعه نظر، ينشأ من تضاد الحكمين، و من بقاء الملك، فإن كسبه لمولاه؛ و أما عن غير الفطرة فالوجه صحة بيعه، لعدم تحتم قتله لاحتمال رجوعه إلى الإسلام.» و على كل حال فهذا غير ما نحن فيه، ثم إن مقتضى إطلاق المتن و غيره ما هو صريح الفاضل و غيره من عدم الفرق في سبب الملك بين الكافر و المسلم؛ بل في شرح الأستاد أن الإجماع بقسميه عليه، و

قال رفاعة في الصحيح (1)«لأبي الحسن عليه السلام: إن القوم يغزون على الصقالبة و الروم (2)فيسترقون أولادهم من الجواري و الغلمان، فيعمدون إلى الغلمان فيخصونهم ثم يبعثون بهم إلى بغداد إلى التجار فما ترى في شرائهم و نحن نعلم أنهم قد سرقوا و إنما أغاروا عليهم من غير حرب كانت بينهم فقال لا بأس بشرائهم، إنما أخرجوا من الشرك الى دار الإسلام».

و

في خبر إبراهيم بن عبد الحميد(3)عن أبي الحسن عليه السلام أيضا «في شراء الروميات فقال: اشترهن و بعهن»

و

سأل عبد الله اللحام (4)أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل يشترى من أهل الشرك ابنته فيتخذها قال: فقال: لا بأس»

و

سأله أيضا «عن الرجل يشتري امرأة رجل من أهل الشرك يتخذها قال: فقال: لا بأس»

ظاهر خبر اللحام الأول ملكه من ينعتق عليه، و قد استشكل فيه الفاضل من دوام القهر المبطل للعتق لو فرض و دوام القرابة الرافعة للملك بالقهر؛ قال: «و التحقيق صرف الشراء إلى


1- 1 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 هكذا كان في النسخ المصححة، و في الكافي« ان الروم يغيرون على الصقالبة، الى آخر الحديث.
3- 3 الوسائل الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2-.

ج 24، ص: 138

الاستنقاذ، و ثبوت الملك للمشترى بالتسلط» قلت: المتجه على هذا عدم لحوق أحكام البيع من الخيار و الأرش و نحوهما، لكن مع ذلك توقف فيه الفاضل، و هو في غير محله قطعا.

نعم قد يقال ببقاء الملك لأنه إن قلنا بتوقف العتق على تقدمه زمانا، فمن الواضح حينئذ عدم وقوعه مع المقارنة؛ لأن كل حين من أحيان العتق يقارنه سبب الملك؛ فلم يزل مملوكا عتيقا، و إن قلنا بتوقفه على التقدم الذاتي فكذلك أيضا، إذ السببان كفرسي رهان، و قاعدة سلطان الملك «و تسلط الناس على أموالهم» أصل لا يخرج عنه في محل الشك، أو يقال إن عدم جواز التمليك عندنا، مع الجواز عندهم غير قادح في جواز الأخذ منهم، إلزاما لهم بمذهبهم، و لو قلنا بعدم الجواز فالظاهر جواز أخذ الثمن منهم، لو وقع البيع بينهم، و إن كان الدافع ذميا أو معاهدا هذا.

و لكن الانصاف عدم خلو أصل المسألة من إشكال إن لم يكن إجماع على كون الاستيلاء من بعضهم على بعض مملكا، كاستيلاء المسلم، خصوصا بعد أصالة الحرية و عدم ملك الناس بعضهم لبعض، و النصوص المزبورة محتملة لإرادة التسلط العرفي من الشراء فيها خصوصا في الرواية الأولى المقتضى خصي الغلمان فيها العتق، لكونه تنكيلا، بل من المحتمل إرادة المخالفين من ملوك أهل الجور من القوم فيها، و من الغريب الجزم من بعض الناس بالملكية في السبب بالتقرير الذي سمعته، مع أنه يمكن منع كون السببين فيه على ما ذكر؛ باعتبار تقدم القرابة المتحققة بانعقاد النطفة، و لا ريب في أنها قبل القهر و الله اعلم.

و يملك اللقيط من دار الحرب التي ليس فيها مسلم يمكن تولده منه بالاستيلاء عليه، بلا خلاف أجده فيه، إلحاقا له بأهل الدار الذين قد عرفت كون حكمهم ذلك، و لا يملك إذا كان فيها مسلم يمكن تولده منه بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه لأصالة الحرية، لكن قد يناقش فيها بظهور الوجدان

ج 24، ص: 139

في الدار في كونه منهم؛ و هو كاف في قطع الأصل، و إلا لم يترتب الملك على- الالتقاط إلا نادرا، لندرة عدم الاحتمال؛ و لو جرى الحكم في الأسر أيضا لوحدة المدرك؛ لقل ما يحكم بترتب الملك فيه أيضا؛ و لوجب في الغالب الفحص و السؤال إذ قل ما ينتفى الاحتمال، قلت: يمكن أن يكون المستند في ذلك إطلاق النصوص لا الأصل المزبور، ك

قول الصادق عليه السلام في خبر زرارة(1)«اللقيط لا يشترى و لا يباع»

و

في خبر المدايني (2)«المنبوذ حر، فإن أحب أن يوالي غير الذي رباه و الا فإن طلب منه الذي رباه النفقة، و كان مؤسرا رد عليه، و إن كان معسرا كان ما أنفق عليه صدقة»

: و

في خبر عبد الرحمن العزرمي (3)عن أبيه عن الباقر عليه السلام «المنبوذ حر فإذا كبر فإن شاء يوالي الذي النقطة، و إلا فليرد عليه النفقة، و ليذهب فليوال من يشاء»

و

سأله محمد بن مسلم (4)في الصحيح «عن اللقيطة فقال: حرة لاتباع و لا تشتري و لا توهب»

اللهم إلا أن يدعى أن الاخبار لا يفهم منها إلا ما في دار الإسلام، كما يفهم من أخبار لقطة المال و الحيوان و يدفع بمنع اختصاصها في ذلك؛ و لو بمعونة فهم الأصحاب.

نعم لا ريب في خروج ما كان منه في دار الحرب على الوجه السابق منها، ترجيحا لما دل على جواز تملك مثله عليها إن قلنا بشمول إطلاقها لمثله، كما أنه لا ريب في اختصاص الحكم المزبور بالالتقاط؛ لما عرفت من إطلاق النصوص الحرية، أما الأخذ و نحوه مما لا يعد التقاطا

فيترتب عليه أحكام الملك، بظاهر الدار؛ و لا يلتفت إلى الاحتمال المذكور، بل قد يمنع إلحاق المعتصم بالمسلم في الالتفات إلى الاحتمال المزبور، لعدم انجبار الإطلاق بالفتوى، بل ظاهر الفتوى القطع بوجود المسلم الممكن التولد منه» فلا يجزى الظن بوجوده؛ فضلا عن الاحتمال لأصالة عدمه


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب اللقطة الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب اللقطة الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 22- من أبواب اللقطة الحديث- 3.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب اللقطة الحديث- 5.

ج 24، ص: 140

السالمة هنا عن المعارض، بخلاف أصالة عدم التولد منه.

و على كل حال فقد ظهر أنه لا يملك اللقيط من دار الإسلام بلا خلاف، فتوى و نصا، إلا إذا علم انتفاؤه عن المسلم و من في حكمه بالنسبة إلى ذلك فلو بلغ و أقر جامعا لشرائط صحة الإقرار بالرق، أو ببعض علله أو نحو ذلك مما يقتضيه قيل و القائل ابن إدريس ناسبا له إلى محصلي الأصحاب لا يقبل لان الشارع حكم عليه بالحرية، و قيل و القائل غيره، بل قيل إنه إجماع يقبل و هو أشبه بعموم جواز إقرار العقلاء على أنفسهم، و بما سمعه ابن سنان

(1)عن الصادق عليه السلام «إن عليا عليه السلام كان يقول الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه- بالعبودية و هو مدرك؛ من عبد أو أمة، و من شهد عليه بالرق صغيرا كان أو كبيرا»

و

سأله الفضل (2)«عن رجل أقر أنه عبد قال: يؤخذ بما أقر به»

و لا ينافيه الحكم الشرعي ظاهرا بالحرية كما في غيره مما يعترف الخصم به.

و دعوى ظهور نصوص اللقيط في التحرير شرعا لا الحكم بها؛ ظاهر ينفيها اتفاق الأصحاب على خلافها ظاهرا، بل يمكن دعوى انسياق ذلك منها؛ مع قطع النظر عنها، خصوصا بعد معلومية خروج المعلوم انتسابه إلى أهل الحرب منها، ثم إنه قد يظهر من إطلاق المتن و غيره في باب اللقطة عدم اعتبار الرشد في صحة الإقرار المزبور لانه ليس إقرارا بالمال؛ و إن ترتب عليه، كما يسمع إقراره بما يوجب القصاص؛ و إن أمكن رجوعه إلى المال بوجه و أشكل بما لو كان في يده مال، فإن إقراره على نفسه بالرقية يقتضي كون المال له، إلا أن يقال بثبوته تبعا لثبوت الرقية، لا أنها إقرار بالمال؛ و فيه بحث، و من هنا مال بعضهم إلى اشتراطه، بل جزم به شيخنا في شرحه بذلك، لما عرفت، و لانه نفسه مال، فلا يقبل إقراره، و فيه أنه لا دليل معتبر صالح لتقييد أدلة جواز الإقرار التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن الذي هو غير مفروض البحث قطعا، كما هو واضح بأدنى تأمل، و تفسير المدرك


1- 1 الوسائل الباب- 29- من أبواب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 29- من أبواب العتق الحديث 2.

ج 24، ص: 141

بالرشيد في الخبر المزبور لا شاهد له بل ظاهره إرادة كونه بالغا عاقلا، هذا و تسمع تمام البحث في أطراف المقام إنشاء الله تعالى.

و يصح أن يملك الرجل كل أحد لعموم الأدلة أو إطلاقها عد أحد عشر فلا يستقر ملك الرجل عليهم، بل ينعتقون عليه قهرا و هم الإباء و الأمهات و الأجداد و الجدات لهما أو لأحدهما و إن علو أو الأولاد و أولادهم ذكورا و أناثا و خناثا و إن سفلوا و الأخوات و العمات و الخالات و إن علتا، لا عمة العمة و لا خالة الخالة و لا عمة الخالة و لا خالة العمة إذا لم تكن عمة و خالة و بنات الأخ و بنات الأخت بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، إذ اقتصار البعض على ذكر البعض ليس خلافا في المقام قطعا كما لا يخفى على من لا حظ بل الإجماع بقسميه على ذلك.

نعم قيل بل نسبه بعضهم إلى ظاهر الأكثر أن المراد من نحو ما في المتن عدم استقرار الملك؛ فيدخل في الملك آنا ما بعد الشراء مثلا؛ ثم ينعتق و لعله للجمع بين قاعدة «لا عتق إلا في ملك» و قاعدة «ترتب الملك على أسبابه» و بين ما دل على الانعتاق هنا قهرا، مضافا إلى ظهور بعض نصوص المقام في حصول الملك بالشراء ثم العتق، كقوله «إذا ملك الرجل و الدية أو أخته أو عمته عتقوا «و قوله «إذا ملكهن عتقهن» و نحو ذلك، فالجمع بين ذلك و بين التبعض الآخر الدال على عدم الملك بإرادة المستقر من الثاني و غيره من الأول هذا.

و قد يقال أن ظاهر جملة من النصوص ترتب العتق على نفس الشراء مثلا، فيمكن أن يكون تقدم الملك على العتق تقدما ذاتيا لا زمانيا، و مثله كاف في مثل «لا عتق إلا في ملك» ضرورة أنه على تقدير إرادة الزمان يستلزم تخلف المعلول عن العلة، و هو ممتنع عقلا من غير فرق بين قصر الزمان و طوله، فالشراء مثلا سبب لحصول الملك و العتق معا، إلا أنه لما كان الأول سببا في الثاني كان متقدما عليه في الذات لا الزمان كتقدم الشراء على الملك و غيره من العلل و المعلولات، و حينئذ فيمكن الجمع بين-

ج 24، ص: 142

النصوص بذلك، بل هو أقرب من الأول إلى الضوابط، فتأمل جيدا، و الله اعلم هذا.

و ستسمع الحكم في الصبي و الصبية و الخنثى المشكل.

و على كل حال ف هل يملك الرجل هؤلاء من الرضاع قيل: و القائل القديمان و المفيد و الديلمي و ابن إدريس، بل نسبه الأخير إلى المحصلين من الأصحاب نعم؛ و قيل و القائل الشيخ و ابنا البراج و حمزة و غيرهم لا؛ و هو الأشهر بل المشهور بين المتأخرين، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه؛ ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير و أبى العباس و عبيد(1)الذي رواه الصدوق بأسانيد متعددة، «و لا يملك (أي الرجل) أمه من الرضاع و لا ابنته و لا عمته و لا خالته، فإنهن إذا ملكن عتقن، و قال: ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع مثل ذلك، و قال:

يملك الذكور ما خلا والدا و ولدا، و لا يملك من النساء ذات رحم محرم، قلت: يجري في الرضاع مثل ذلك؟ قال: نعم يجري في الرضاع مثل ذلك»

و نحوه

خبر أبى بصير الأخر(2)و زاد «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب».

و

صحيح الحلبي و ابن سنان (3)«في امرأة أرضعت ابن جاريتها؟ فقال:» تعتقه»

عن المقنع أنه رواه مرسلا، و

في صحيح عبيد(4)«و لا يملك أمه من الرضاعة»

و

سأله ابن سنان (5)أيضا «عن امرأة ترضع غلاما لها من مملوكة حتي تفطمه؛ يحل لها بيعه؟ قال: لا، حرم عليها ثمنه، ثم قال: أ ليس قد قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، قد صار ابنها، فذهبت أكتبه فقال أبو عبد الله عليه السلام:

ليس مثل هذا يكتب»

و نحوه

صحيحه الآخر(6)إلا أن فيه «أنه سئل و أنا حاضر،»


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 3.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب العتق الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث- 1-.

ج 24، ص: 143

و

عن المقنع (1)أنه «روي في مملوكة أرضعتها مولاتها بلبنها أنه لا يحل بيعها»،

و

خبر على بن جعفر المروي عن كتابه (2)«سأل أخاه عن امرأة أرضعت مملوكها ما حاله؟

قال: إذا أرضعته عتق».

و

صحيح عبد الرحمن (3)عن الصادق عليه السلام أيضا قال «سألته عن المرأة ترضع عبدها، أ تتخذه عبدا. قال: تعتقه و هي كارهة»

قيل و

رواه الشيخ بسند آخر مثله، إلا أن فيه «و يعتقونه و هم له كارهون»

و الظاهر إرادة الانعتاق قهرا، و منه يعلم المراد من صحيح الحلبي و ابن سنان السابق، كما أن الظاهر عدم إرادة الاقتصار على الام من صحيح عبيد؛ للإجماع المركب على خلافه، و لظهور النصوص في أن العلة علقة الرضاع،

فهذه النصوص مع صحة السند و كثرة العدد و شهرة العمل و المخالفة للعامة لا محيص عن العمل و قطع الأصول بها، بل ربما ظهر من بعضهم تأييدها بدعوى اندراج ذي العلقة الرضاعية في اسم الأسماء فتزداد حينئذ النصوص الدالة على المطلوب.

لكن لا يخفى ما فيه إلا أنافي غنية عنه بما عرفت مما لا يصلح لمعارضته

خبر ابن سنان (4)عن الصادق عليه السلام «إذا اشترى الرجل أباه أو أخاه فملكه فهو حر إلا ما كان من قبل الرضاع»

و

صحيح الحلبي (5)عنه أيضا، في بيع الام من الرضاع؟ «قال:

لا بأس بذلك إذا احتاج».

و

خبر أبي عيينة(6)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: غلام بينى و بينه رضاع يحل لي بيعه، قال إنما هو مملوك، إن شئت بعته، و إن شئت أمسكته، و لكن إذا ملك الرجل أبويه فهما حران»

مع أن الأخير منهما ظاهر في الأخ، و قد عرفت صحة ملكه


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب العتق الحديث 2.
4- 4 التهذيب ج 8 ص 245 الحديث 118 الطبع الحديث.
5- 5 التهذيب ج 8 ص 245 الحديث 119 الطبع الحديث.
6- 6 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث 4.

ج 24، ص: 144

في النسب فضلا عن الرضاع، بل الاستدراك فيه ظاهر في إرادة الأبوين من الرضاع فهو شاهد على المطلوب حينئذ.

و يمكن إرادة بيع الام من الرضاع لأبي الغلام من الثاني الذي قيد البيع فيه بالاحتياج؛ و المعروف بين المخالف عدمه؛ أو يحمل الرضاع فيه على غير المحرم أو نحو ذلك كالأول المشتمل على ما يخالف الإجماع و باقي النصوص من عدم حرية الأخ، بل ربما احتمل كون (أو) فيه بمعنى الواو، إلا أنه لا يخفى عليك بعده، لكن لا بأس به جمعا بعد ظهور المرجوحية في السند و العدد و العمل، و إن كان الاولى الحمل على التقية فيما عليه اتفاق العامة كما قيل، و ربما كان في صحيح ابن سنان (1)السابق إشارة إليه إن لم يحمل الإنكار فيه على ارادة الظهور و الوضوح و الله اعلم و كيف كان فلا خلاف في ملك الرجل غير من عرفت من الذكور، و قد سمعت

قول الصادق عليه السلام في الصحيح الأول (2)و فيه أيضا، «و يملك ابن أخيه و عمه و خاله»

ك

قوله في صحيح عبيد(3)بعد ذكر العمودين و الإناث المحارم، «و يملك ما سوى ذلك من الرجال من ذوي قرابته من الرجال»

و

سأل عبد الرحمن (4)أبا عبد الله عليه السلام «عن الرجل يتخذ أباه و أمه و أخاه و أخته

عبيدا؟ فقال: أما الأخت فقد عتقت حين يملكها و أما الأخ فيسترقه؛ و أما الأبوان فقد عتقا حين يملكها،»

و

قال أيضا في خبر كليب الأسدي (5): «إذا ملك الأبوين، فقد عتقا، و قد يملك إخوته فيكونون مماليك و لا ينعتقون».

لكن

في خبر عبيد(6)«لا يملك الرجل أخاه من النسب و يملك ابن أخيه»

و في موثق سماعة(7)«عن الصادق عليه السلام في رجل يملك ذا رحمه؛ هل يصلح له أن


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب العتق الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 8.
6- 6 الوسائل الباب- 7- من أبواب العتق الحديث 6.
7- 7 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث 6.

ج 24، ص: 145

بيعه أو يستعبده قال: لا يصلح بيعه و لا يتخذه عبدا، و هو مولاه و أخوه في الدين، و أيهما مات ورث صاحبه إلا ان يكون له وارث أقرب منه»

و

سأله أيضا في موثقه الآخر(1)عن ذلك «فقال: لا يصلح له أن يبيعه و هو مولاه و أخوه في

الدين، فإذا مات ورثه دون ولده؛ و ليس له أن يبيعه و لا يستعبده»

و حملها على الكراهة متجه، و لذا قال: المصنف:

و يكره أن يملك ما عدا هؤلاء من ذوي قرابته، كالأخ و العم و الخال و أولادهم و إن كان في استفادة تمام ذلك من النصوص السابقة إشكال، إذ حاصله كراهة ما يملكه مختار، و كراهة الإبقاء على الملك في القهرى و لكن أمر الكراهة سهل، و يكفى فيها الفتوى مع

قوله «لا يملك الرجل أخاه»

و عدم القول بالفصل و الظاهر حمل الفرق فيه بين الأخ و ولده على الشدة و الضعف، كل ذلك مع المنافاة لصلة الأرحام و الإخلال بالاحترام فلا ينبغي البيع و لا غيره من النوافل و لا الاستبعاد؛ بل قيل أنه لا ينبغي ذلك في المحترم شرعا لفضيلة علم أو صلاح أو شيخوخة أو علقة بنسب شريف كالهاشمي على اختلاف مراتبها، و كذا من كان له حق لصداقة أو إحسان أو تأديب أو تعليم و نحو ذلك.

و كيف كان ف تملك المرأة كل أحد عدا الإباء و إن علوا و الأولاد و إن نزلوا نسبا بلا خالف أجده فيه نصا و فتوى في المستثنى، و قد

سأل أبو حمزة الثمالي (2)الصادق عليه السلام «عن المرأة ما تملك من قرابتها، قال: كل أحد إلا خمسة، أباها و أمها و ابنها و ابنتها و زوجها»

و أما المستثنى منه، فللأصل و العمومات السالمة عن المعارض فلكن في المقنعة لا يصح استرقاق المرأة أبويها و لا أولادها، و لا أخاه و لا عمها و لا خالها من جهة النسب و تملكهم من جهة الرضاع، و لتمام البحث معه محل آخر.


1- 1 الوسائل- الباب 13 من أبواب العتق الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب العتق الحديث- 1.

ج 24، ص: 146

و في العمودين و الأولاد لها من الرضاع تردد يظهر وجهه مما عرفت و المنع أشبه و أشهر لما تقدم من أنه يحرم منه ما يحرم بالنسب، و قرابة الشبهة في المرأة و الرجل بحكم الصحيح، بخلاف قرابة الزنا على إشكال، أقواه عند الشهيدين ذلك، لان الحكم الشرعي يتبع الشرع لا اللغة؛ و فيه ما لا يخفى، بعد عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيه، و عدم قرينة على المراد الشرعي، اللهم إلا أن يقال: باستفادة عدم النسب شرعا بالزنا من غير المقام، ك قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة(1)في النهج التي تعرض فيها لانتفاء زياد عن أبى سفيان، بل لعل

قول النبي صلى الله عليه و آله (2)«الولد للفراش و للعاهر الحجر»

دال عليه، بناء، على كون المراد من الأول أنه لا ولد شرعا إلا للفراش، لا أنه خاص في التعارض بينه و بين الزنا؛ بل قد يستفاد ذلك من مقامات كثيرة، بل كأنه من المعلوم

في مقامات متفرقة، و حينئذ فثبوت أحكام النسب فيه كحرمة نكاح البنت منه مثلا، للدليل الخاص و لو الإجماع إن لم تكن الضرورة هذا.

و في الروضة قد يفهم من إطلاق المصنف كغيره الرجل و المرأة، أن الصبي و الصبية لا يعتق عليهم ذلك لو ملكوه إلى أن يبلغوا. و الاخبار مطلقة في الرجل و المرأة كذلك، و يعضده أصالة البراءة، و فيه أن ظاهر النصوص و الفتاوى كون ذلك من خطاب الوضع الذي لا يخص المكلف، و قد سمعت ما في صحيح أبى بصير(3)السابق من ظهور كون السبب الملك خصوصا بعد ملاحظة التعليل في بعض النسخ بل في نصوص أم الولد(4)و انعتاقها من نصيب ولدها، إيماء إلى ذلك أيضا؛ فلا ريب في أن الأقوى عدم الفرق، بل في شرح الأستاد الإجماع على ذلك، أما الخنثى


1- 1 النهج الجزء الثالث طبعة مصر ص 76 الكتب 44 من كتاب له عليه السلام الى زياد.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب ميراث ولد الملاعنة و ما أشبهه الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 4- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب- 6- من أبواب الاستيلاد.

ج 24، ص: 147

المشكل ففي إلحاقها إذا كانت مالكة بالرجل أو المرأة نظر، من الشك في الذكورية التي هي سبب عتق غير العمودين و الأولاد، فيوجب الشك في عتقهم، و التمسك بأصالة بقاء الملك، و من إمكانها؛ فينعتقون لبنائه على التغليب، و كذا الإشكال لو كان مملوكا، و لعل الأقوى إلحاقها بالأنثى في الأول، و الذكر في الثاني، تمسكا بالأصل فيهما، و توقف في الدروس في الثاني منهما، و استقرب في الأول ما ذكرنا ثم لا فرق في جميع ما ذكرنا بين

الملك القهري و الاختياري و لا بين الكل و البعض؛ فيقوم عليه باقيه ان كان مختارا. و الله أعلم.

و إذا ملك أحد الزوجين صاحبه بشراء أو اتهاب أو نحوهما استقر الملك كما هو مقتضى العمومات و لم تستقر الزوجية المنافية للملك فلا تجمع معه بل تبطل إجماعا بقسميه، لظهور التفصيل في قطع الشركة بين الأسباب المسوغة للوطء، بل قيل إنه إجماع فضلا عن ظهور الكتاب و السنة؛ و لعله لاختلاف اللوازم و التوابع لكل من الأسباب، لكن قضية الاستصحاب بطلان اللاحق و بقاء السابق، و هو كذلك فيما عدا لحوق النكاح للتحليلى فإن الظاهر بطلانه به، لقوته عليه نحو ما نحن فيه من بطلان النكاح بالملك لمثل ذلك؛ و لا يترجح بقاء الزوجية على ما يقتضي الملك من العمومات و غيرها.

قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح محمد بن قيس (1)«قضى أمير المؤمنين عليه السلام في سرية رجل ولدت لسيدها ثم اعتزل عنها فأنكحها عبده ثم توفي سيدها و أعتقها فورث ولدها زوجها من أبيه، ثم توفي ولدها فورتثت زوجها من ولدها فجاءا مختلفين، يقول الرجل لا أطلقها، و تقول المرأة عبدي لا يجامعني، فقالت المرأة يا أمير المؤمنين إن سيدي شراني، فأولدني ولد اثم اعتزلني، فأنكحني من عبده هذا، فلما حضرت سيدي الوفاة فأعتقني عند موته، و أما زوجي هذا فإنه صار مملوكا


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3-.

ج 24، ص: 148

لولدي الذي ولدته من سيدي، و إن ولدي مات فورثته، فهل يصلح له أن يطأني؟

فقال لها: هل جامعك منذ صار عبدك و أنت طائعة؟ قالت: لا يا أمير المؤمنين، قال:

لو كنت فعلت لرجمتك اذهبي، فإنه عبدك ليس له عليك سبيل، إن شئت أن تبيعه و إن شئت أن تعتقيه».

و

سمع عبد الله بن سنان (1)أبا عبد الله في الصحيح «يقول في رجل زوج أم- ولد له مملوكا ثم مات الرجل فورثه ابنه، فصار له نصيب من زوج أمه، ثم مات الولد أ ترثه أمه فقال: نعم، قال: فإذا أورثته كيف تصنع و هو زوجها؟ قال: تفارقه و ليس له عليها سبيل و هو عبد»

و قال أيضا

في موثق إسحاق بن عمار(2)«في امرأة لها زوج مملوك فمات مولاه فورثته؟ قال: ليس بينهما نكاح».

و

سأله أيضا سعيد بن يسار(3)«عن امرأة تكون تحت المملوك فتشتريه، هل يبطل نكاحه؟ قال: نعم لانه عبد مملوك لا يقدر على شي ء»

و هذه النصوص و.

ان كانت خاصة في إحدى الصورتين إلا أني لم أجد قائلا بالفصل بينهما.

مضافا إلى ما عرفت و علل مع ذلك؛ بأن بقاء الزوجية يستلزم اجتماع علتين على معلول واحد شخصي، و فيه أن علل الشرع معرفات، و بأن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات، و فيه بعد تسليم عدم الاختلاف هنا، منع اعتبار ذلك فيها بعد كونها معرفات، و لو فرض أن لكل منها لازما يناقض الأخر، فأقصاه التعارض بين اللوازم بعد الاتفاق على الحل، فيرجع فيه إلى الترجيح إن كان؛ و إلا فالتخيير، أو غير ذلك مما يقتضيه الضوابط.

هذا بعد فرض ذلك، و إلا فالمقام لا تناقض بين أحكامه غالبا، فإن عدم القسم للمملوكة مثلا من حيث الملك، لا من حيث الزوجية و هكذا؛ فالأولى الاستدلال بما عرفت، و الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين ملك الكل و البعض،


1- 1 الوسائل الباب- 49- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 49- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب- 49- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 24، ص: 149

إذ البضع لا يتبعض، و قد عرفت انقطاع الشركة بالتفصيل؛ كما أنك سمعت ما يستفاد منه حكم ملك البعض من النصوص، بل قيل إنه إجماع.

و كذا لا فرق بين الدائم و المنقطع و التحليل، لاتحاد المدرك، و لو ملك فزال الملك لفسخ بخيار و نحوه، لم يعد النكاح، و الحكم في المعاطاة و زمن الخيار و قبل القبض يتبع الملك و عدمه، و لا فسخ في الفضولي قبل الإجازة على القول بالنقل، و لا يمنع عن الوطء، و على الكشف ففي شرح الأستاد يمنع عنه إن كانت الزوجة هي المشترية و يتوقف العلم بحصول الفسخ من حين العقد عليها.

و فيه أن أصالة عدم حصول الإجازة تكفي في ذلك، اللهم إلا أن يفرق بين الوطء و غيره، و الموقوف عليه خاصا مالك دون العام، فلا ينفسخ به النكاح على الأقوى، كما صرح به شيخنا في شرحه، قال: و كذا الحال في المشتري من مال الزكاة و نحوها مما يملكه الفقراء أو مما يدخل في ملك المسلمين؛ مع دخول الأخر في المالكين و هو جيد؛ و لو أريد العقد على الجارية المفروض كونها من ذلك ابتداء تولاه الحاكم القائم مقام المسلمين، فتأمل جيدا. و الله اعلم.

و لو أسلم العبد الكافر و هو في ملك مثله في الكفر أجبر المولى على بيعه من مسلم و لمولاه ثمنه كما تقدم سابقا لعدم السبيل، و

قال الصادق عليه السلام في المرفوع إلى حماد ابن عيسى (1)«أن أمير المؤمنين عليه السلام أتي بعبد لذمي قد أسلم، فقال: اذهبوا فبيعوه من المسلمين، و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه؛ و لا تقروه عنده»

و هو ظاهر في بيع غيره له، و إن لم يتعذر جبره على البيع و لا بأس به و لتحقيق البحث في ذلك كله و فروعه مقام آخر، و منها أن بحكم إسلامه إسلام أحد أبويه صغيرا أو أحد أجداده بناء على ثبوت حكم الإسلام له، فينتفى سبيل الكافر عليه، و الله أعلم.

و يحكم برق من أقر على نفسه بالعبودية إذا كان مكلفا رشيدا غير مشهور بالحرية و لا معلوم الانتساب و لو شرعا إلى ما يستلزمها، بلا خلاف أجده، لعموم


1- 1 الوسائل الباب- 73- من أبواب العتق الحديث- 1.

ج 24، ص: 150

«إقرار العقلاء»(1)

و ل

صحيح عبد الله بن سلام (2)قال: «سمعت أبا عبد الله يقول:

كان على بن أبى طالب عليه السلام يقول: الناس كلهم أحرار إلا من أقر على نفسه بالعبودية و هو مدرك من عبد أو أمة»

و

في خبر زكريا بن آدم (3)«إني سألت الرضا عليه السلام عن سبى الديلم؟ و يسرق بعضهم من بعض، و يغير المسلمين عليهم بلا إمام، أ يحل شراؤهم؟

قال: إذا أقر بالعبودية فلا بأس بشرائهم»

إلى غير ذلك.

و خلاف ابن إدريس في اللقيط خاصة للنصوص السابقة؛ و أصالة الحرية لا تعارض الإقرار الذي هو بمنزلة البينة بالنسبة إلى ذلك، بل قد يظهر من المصنف و غيره عدم اعتبار الرشد

في ذلك، و فيه البحث السابق، و دعوى توقف صحة الإقرار على الحرية حتى لا يكون إقرارا في حق الغير واضحة الفساد بالنسبة إلى الإقرار على النفس. نعم إنما يمضي الإقرار في حق المقر، فإقرار المرأة تحت الزوج لا يسمع في حقه، و كذا إقرار من عقد عقدا لازما أو عمل متبرعا أو أباح شيئا فتلف إلى غير ذلك مما يمضي على تقدير الحرية، إلا إذا كان الغير مصدقا و لو استلزم رفع حد أو تخفيفه أو رفع وجوب نفقة أو نحوها فيما له، لا فيما عليه إلا في خصوص الحد و شبهه، للشبهة.

و كيف كان ف لا يلتفت إلى رجوعه عن الإقرار السابق الذي لم يذكر له تأويلا محتملا و إن أقام بينة على ما رجع إليه من دعوى الحرية، لأنه كذبها بإقراره السابق فلم يثبت حجيتها في هذا الحال، أما لو ذكر تأويلا محتملا كان يقول كنت أرى أن رقية أحد الوالدين تقتضي برقية الولد، أو لم أعلم بانعتاق أحد أبوي حال الانعقاد، أو نحو ذلك، أمكن قبول البينة، كما صرح به جماعة في المقام و غيره، لعموم دليل حجيتها، و ارتفاع معارضة الإقرار لها بذكر الاحتمال المزبور الذي به


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإقرار الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.

ج 24، ص: 151

ترجح قبولها عليه كما أنه أرجح منها إذا لم يذكر، و مجرد الاحتمال إن لم يذكر غير مجد على الظاهر مع احتماله، كاحتمال عدم قبول البينة كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره، و ان ذكر الاحتمال المزبور، لانه مجرد دعوى لا يرتفع بها ظهور تكذيب البينة المسقط لها عن القبول، و المسألة محتاجة إلى التأمل التام، و ربما يأتي لها مزيد تحقيق إنشاء الله تعالى.

و لو كان إقراره لمعين فأنكره وجب عليه إيصال نفسه إليه، بإدخاله في ماله سرا و بنحو الهدية و غير ذلك، لان الإقرار حجة، وافقه المقر له أولا، على أصح القولين و الوجهين؛ عملا بعموم ما دل على صحة الشامل للصورتين و دعوى اعتبار الموافقة في مفهومه أو في حجيته واضحة المنع و لو علم الحاكم بالحال، ففي شرح الأستاد «أخذه قهرا مع تجويز صدقهما و أجرى عليه حكم مجهول المالك، كما كان الإقرار بمبهم، و امتنع عن التصريح» و لعله لما عرفت من حجية الإقرار؛ فهو به حينئذ صار مالا، و قد امتنع عن المقر له شرعا بإنكاره، فيبقى بلا مالك ظاهرا فيجري عليه حكم مجهول المالك، و مثله المال المقر به لشخص فأنكره، و فيه مناقشة بعد علم المقر بالمالك و كان تكليفه الدس و نحوه، اللهم إلا أن يدعى أن للحاكم إجراء الحكم ظاهرا و إن كان للمقر إمضاء ما هو مكلف فيه، و قد ذكر المصنف في باب الإقرار في نحو ذلك أن للحاكم الانتزاع من يد المقر، و له الإبقاء فلاحظ و تأمل.

و لو رجع المقر له إلى التصديق قوى قبوله إن لم يسنده إلى مالك آخر، لعدم المعارض، و إنكاره السابق غير صالح لمعارضة ما دل على قبول دعوى المسلم التي لا معارض لها، مع احتمال العدم، لأن إنكاره يؤل إلى إقرار في حقه فلا يسمع؛ و فرق واضح بين المقام؛ و بين إنكار كون المال الذي في يده مثلا لزيد، ثم الإقرار به الذي لا إشكال في سماع الإقرار به حينئذ فتأمل.

و لو رجع المقر بعد إنكار المقر له إلى دعوى الحرية أمكن قبولها أيضا، كما صرح به بعضهم لعدم المعارض، و الإقرار السابق إنما يفيد التزامه به بالنسبة إلى المقر له

ج 24، ص: 152

و مثله لو أقر بالرقية لغير معين ثم ادعى الحرية، مع احتمال طلب الحاكم اليمين منه، بل قد يحتمل عدم قبوله مطلقا، لانه قد صار ما لا ينبغي للحاكم إيصاله إلى صاحبه و لو بالصدقة، لكن ضفعه واضح.

و كذا البحث في المال المقر به لشخص معين فأنكره؛ ثم ادعاه المقر أو أقر به لشخص ما، ثم ادعاه، و لعل وجه قبول دعواه فيه أن إقراره إنما هو رفع حكم يده الظاهرة في الملك عنه، فيبقى هو حينئذ كغيره مما إذا ادعى حكم بكونه له؛ لعدم المعارض، لا أن الإقرار أخرجه عن صلاحية الدخول و لو بالدعوى المستأنفة، و إن كان هو كما ترى، مع عدم احتمال تجدد الملك؛ و قد أشبعنا الكلام في المسألة في كتاب الإقرار فلاحظ.

و لو رجع المقر له إلى التصديق بعد رجوع المقر الى الدعوى الحرية أو إلى دعوى المملوكية لشخص آخر قد صدقه لم يؤثر رجوعه، كما لم يؤثر رجوع المقر بعد رجوع المقر له إلى التصديق للإقرار المفروض استمراره إليه، و لو اقترن رجوع كل منهما، أمكن اعتبار رجوع المقر دون المقر له فتأمل جيدا، و لو فرض تعدد الإقرار بالرقية لشخصين أمكن العمل بكل منهما لكن لا على وجه الفردية؛ بل على معنى أنه إذا اتفق تحريره ممن هو له في الظاهر استرقه الآخر؛ علما بإقراره كما أوضحنا نظير ذلك في كتاب الإقرار فلاحظ و تأمل.

و كيف كان يقبل إقراره بالرقية و و لو كان المقر له كافرا لأنه إخبار عن ملك لا تمليك مبتدا، فيخبر حينئذ على بينة لو كان مسلما كما هو واضح و كذا في الحكم بالرقية لو اشترى عبدا مثلا صغيرا أو ساكتا حين الشراء و التعريض للبيع فادعى الحرية بعد ذلك لأصالة صحة فعل المسلم لكن هذا يقبل دعواه مع البينة لعدم تكذيبه إياها بالسابق، بل لا فيقبل دعواه بدونها إذا كان معرضا في الأسواق مشهورا في الرقية أولا صغيرا أو كبيرا مجنونا أو عاقلا ساكتا أو مقرا حملا للتعريض الذي هو فعل مسلم على الصحة، فلا تقبل دعوى الحرية منه و لو كان قبل

ج 24، ص: 153

الشراء، و عليه يحمل

خبر حمزة بن حمران (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام أدخل السوق فأريد أن اشترى الجارية فتقول: إني حرة؟ فقال: اشترها، إلا أن يكون لها بينة»

أو على الجارية المعلوم سبق مملوكيتها إلا تدعى حصول التحرير لها بعد ذلك.

و بالجملة متى كان للمسلم على آخر يد و تصرف ملك أخذ به حتى تقوم البينة على خلافه،

و أصالة الحرية لا تعارض يد المسلم و تصرفه؛ لكن في التذكرة «العبد الذي يوجد في الأسواق يباع و يشترى يجوز شراؤه و إن ادعى الحرية لم يقبل منه ذلك إلا بالبينة، و كذا الجارية، إلى أن قال، أما لو وجد في يده و ادعى رقيته و لم يشاهد شراؤه له و لا بيعه إياه، فان صدقه حكم عليه بمقتضى إقراره؛ و إن كذبه لم تقبل دعواه الرقية إلا بالبينة، عملا بأصالة الحرية، و إن سكت من غير تصديق و لا تكذيب، فالوجه أن حكمه حكم التكذيب إذ قد يكون لأمر غير الرضا، و إن كان صغيرا إشكال؛ أقر به الحرية فيه».

و هو كما ترى يقتضي عدم جواز شراء الأطفال من ذوي الأيدي عليهم الذي من المعلوم ضرورة خلافه، بل صرح غير واحد أنه لا تقبل دعوى الكبير الحرية مع شهرة الرقية إلا بالبينة، و طن لم تجر عليه أحكام الرقية من قبل و لا حصل عليه يد ظاهر في الملك بل في شرح الأستاد «سواء بلغت الشهرة حد الشياع و عدمه على أصح الوجهين» و إن كان لا يخلوا الأخير من البحث. نعم قد يقال: إن مدعى رقية الصغير لا تسقط دعوى الصغير الحرية بعد البلوغ، بل الظاهر كون القول قوله؛ حتى يقيم المدعى البينة و إن كان قد أثبت يده و تصرف فيه بتلك الدعوى على معنى أنه قد علم استنادهما إلى الدعوى المزبورة، إلا أن الاتصاف عدم خلو ذلك عن الإشكال أيضا و الله العالم.

[النظر الثاني في أحكام الابتياع ]

و أما الثاني و هو النظر في أحكام الابتياع فقد تقدم في المباحث السابقة جملة منها، كالبحث فيما إذا حدث في الحيوان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.

ج 24، ص: 154

عيب بعد العقد و قبل القبض و قد قلنا هناك أنه إذا كان ذلك ف المشتري بالخيار بين رده و إمساكه، و في الأرش تردد عند المصنف تقدم وجهه، و الترجيح فيه و كذا تقدم البحث فيما لو قبضه ثم تلف أو أحدث فيه حدث في الثلاثة و قد قلنا هناك أنه إذا كان ذلك فهو من مال البائع ما لم يحدث فيه المشتري حدثا و كذا تقدم البحث فيما و حدث فيه عيب من غير جهة المشتري و أنه لم يكن ذلك العيب مانعا من الرد بأصل الخيار، و هل يلزم البائع أرشه؟ فيه تردد عند المصنف، كالتردد فيما تقدم و لكن قال هنا الظاهر لا و (11) أما لو حدث العيب بعد الثلاثة، منع الرد بالعيب السابق (12) كما عرفت الكلام فيه مفصلا فلاحظ و تأمل و الله أعلم.

و إذا باع الحامل (13) من الإنسان أو الحيوان و لم يكن عرف بالتبعية فالولد للبائع (14) و إن لم يشترطه على الأظهر (15) الأشهر بل المشهور، بل ربما ادعي عدم الخلاف فيه؛ بل في السرائر الإجماع عليه، للأصل بعد عدم دخول الحمل في متعلق البيع، إذ دعوى الجزئية الحقيقة التي هي بعض المبيع واضحة المنع، سيما بعد ثبوت الأحكام الشرعية له مستقلا، كالتحرير و التدبير و الوصية و العتق و الإرث و غيرها و

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام «في رجل أعتق أمة و هي حبلى، فاستثنى ما في بطنها، قال: الأمة حرة و ما في بطنها حر، لأن ما في بطنها منها»

مع ضعف سنده و إعراض المشهور عنه في ذلك الباب أيضا معارض بغيره

كالموثق (2)«سألت أبا الحسن الأول عليه السلام؛ عن امرأة دبرت جارية لها، فولدت الجارية، جارية نفيسة فلم ترد المرأة حال المولودة هي مدبرة أم غير مدبرة؛ فقال متى كان الحمل بالمدبرة؟ أقبل ما دبرت، أم بعد ما دبرت؟ فقلت: لست أدرى، و لكن أجبني فيهما جيمعا، فقال: إن كانت المرأة دبرت و بها حبل و لم تذكر ما في بطنها، فالجارية مدبرة و الولد رق، و إن كان طنما حدث الحمل بعد التدبير، فالولد مدبر في تدبير أمه»

و

رواه الصدوق مرسلا(3)و زاد «لان الحمل إنما حدث بعد التدبير»


1- 1 الوسائل- الباب- 69- من أبواب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب التدبير الحديث- 2.

ج 24، ص: 155

و لو حدث الحمل عند المشتري كان له بلا خلاف أجده هنا، لانه نماء ملكه، بل لو شك في زمان حدوثه كان له أيضا، و قال بعض مشايخنا: إلا أن يعلم تاريخ الحمل و يجهل تاريخ العقد ففيه إشكال، قلت: منشأه أصالة تأخر المجهول عن المعلوم، و فيها بحث ذكرناه في محله و

حينئذ يكون كمجهولي التاريخ الذي ينفى الاقتران فيه الأصل، و الظاهر كونه هنا للمشترى؛ لكونه نماء ملكه في الظاهر، فلا يخرج عنه إلا بالعلم بسبقه على ملك المشتري فتأمل جيدا.

فإنه قد يمنع الظهور المزبور، بعد عدم الدليل عليه، لا من أصل و لا قاعدة، فيتجه حينئذ الرجوع إلى القرعة أو القسمة بينهما مع فرض دعوى كل منهما، اللهم إلا أن يكون دليله ما تسمعه أنشأ الله تعالى فيما يأتي من الحكم بالملكية لما يوجد في الصندوق مثلا إذا لم يكن عليه يد غيره. و لما يوجد في داره و نحو ذلك، و إن لم يكن صاحب الدار و الصندوق عالما أنه له، فإنه يمكن أن يقال هنا بعد أن صار ذو النماء ملكا له؛ يملكه لما يوجد من النماء تبعا لأصله؛ ما لم يعلم سبقه، و لو حدث بين العقد و الإجازة، كان للناقل على النقل: لعدم حصول الملك قبلها؛ و نحوه غيره مما حصل قبل تمام شروط الملك، أما على الكشف فهو للآخر، كما هو واضح، و لو حدث بعد العقد، ثم فسخ المشتري ببعض أسباب الخيار كان له كغيره من النماء، و المرجع في تحقق الحمل العرف؛ و في شرح الأستاد «أنه يتحقق بالتكون علقة فما بعدها، و في انعقاد النطفة بحث».

و كيف كان فهو للبائع مع الشرط، أو الإطلاق إلا أن يشترطه المشتري فإنه يكون له بلا خلاف، للأصل و العمومات، بل قد ظهر لك ضعف الخلاف في الأولين، و إن حكي عن المبسوط و القاضي في المهذب و الجواهر؛ فقالا إنه للمشترى مع الإطلاق للجزئية، بل مقتضاه عدم جواز استثناء البائع له بناء على عدم جواز استثنائه؛ كما تسمعه في الجلد و الرأس.

بل في السرائر «عن المبسوط و الجواهر التصريح بأنه لا يجوز له أن يشترط

ج 24، ص: 156

الحمل، لانه كعضو من أعضاء الحامل؛ ثم قال: و بينا أن هذا مذهب الشافعي، لا اعتقاد شيخنا أبي جعفر، لانه يذكر في كتابه المشار إليه مذهبنا و مذهب غيرنا، فابن البراج ظن أنه اعتقاد شيخنا أبى جعفر و مذهبه، فقلده و نقله و ضمنه كتابه جواهر الفقه، و إنما قلنا ذلك، لان إجماع أصحابنا بغير خلاف بينهم منعقد على أنه بمجرد العقد يكون الحمل للبائع، إلا أن يشترطه المبتاع؛ و هذا مذهب شيخنا أبي جعفر في جميع تصنيفاته و كتبه، عدا ما ذكرناه و اعتذرنا له به من ذكره مذهب المخالف لنا» و هو إن كان جيدا موافقا للمختار، إلا أنه لا يخلو بعض ما ذكره من منع.

و على كل حال فالتحقيق ما عرفت من عدم دخوله في ملك المشتري حتى يشترطه فيثبت له معه حينئذ؛ بل قيل على حسب شرطه وحدة، و تعددا، ذكورة و ضدها، كما أنه قيل أيضا في جواز اشتراطه مع جهلهما أو جهل إحداهما بوجوده؛ أو في سنة منفصلة عن العقد أو جمل سوى الموجود- وجهان، و فيهما معا بحث و إن اقتضاهما عموم(1)

«المؤمنون عند شروطهم»

و لا تقدح جهالة المشترط بعد أن لم تكن راجعة إلى الثمن و المثمن، و عدم الاكتراث فيهما عرفا للتبعية، بل الظاهر لها جواز الضم على جعل الحمل بعض المبيع، كان يقول بعتك الدابة و حملها بكذا، خلافا للتذكرة فلم يجز لجهالة بعض المبيع، و فيه منع قدحها هنا مع إرادة الضم، للسيرة المستمرة و غيرها، بل في شرح الأستاد أن القول بجواز بيعه معها بدون قصد الضم قوي.

نعم لو بيع الحمل منفردا فلا بد من اعتبار الشرائط في البيع المستقل؛ و مثله لو جعل له ثمن مستقل في ذلك العقد، إذ المتيقن من السيرة بيع الحمل مع الحامل بثمن واحد بقصد الانضمام أو بدونه، لا مع قصد عدم الانضمام؛ و الفرق بين أخذه شرطا و شطرا في عموم ظهور العدم، فان له الإبقاء مجانا و الرد على الأول، و يضاف إليها على الثاني استرداد ما قابل الحمل من الثمن مع الإبقاء، و لو انكشف موته حين العقد، تبعضت الصفقة على الثاني، و على الأول وجهان.


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 24، ص: 157

و لعل قول المصنف و لو اشتراهما فسقط الولد بآفة سماوية مثلا قبل القبض رجع المشتري بحصة الولد من الثمن يوافق التبعيض، لعدم ذكره الدخول في غير صورة الشرط و كيف كان ف

طريق ذلك أن تقوم الأمة مثلا حاملا و مجهضا لا حائلا و يرجع بنسبة التفاوت من الثمن و لو جني عليه إعابته أخذ منه أرش يوم الجناية إن شاء مع اختيار البقاء؛ و لو لوحظ نفس الحمل لا صفة الحاملية اعتبرت قيمته لا تفاوت الصفتين في وجه؛ و لو اختلفا ففي شرح الأستاذ قدم قول مدعى اعتبار الصفة دون عين الحمل، قال: «و في الشرطية و عدمها يقدم قول الثاني و فيها و في الشرطية يقدم مدعى الشرطية، و يحتمل التداعي، و في اتحاد الحمل و تعدده يقدم قول مدعى الاتحاد فتأمل جيدا و الله أعلم.

و يجوز ابتياع بعض الحيوان الحي مأكول اللحم أو غيره مشاعا إذا كان معينا على وجه يعلم نسبته إلى الجملة كالنصف و الربع و نحوهما بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى العمومات و غيرها أما المذبوح فقد جزم بعض مشايخنا بعدم جواز بيع البعض المشاع منه، و أولى منه المسلوخ، و هو مبنى على أنه بالذبح يكون موزونا و فيه بحث، و أما بيع جزء معين من الحي كيده و رجله، أو نصفه الذي فيه رأسه، أو الأخر الذي فيه ذنبه، أو نحوهما فغير جائز إجماعا بقسميه على ما في شرح الأستاد، و ظاهر المختلف و غيره أنه من المسلمات، بل في الأول «أنه فيما لا يؤكل لحمه أو إذا لم يكن المراد منه اللحم، بل الركوب و الحمل نحوهما من الواضحات التي لا تحتاج إلى شاهد».

و هو جيد، إلا أنه قد يشكل الفرق بين الأول: أي ما أريد ذبحه للأكل، و بين ما تسمعه من الخلاف في استثناء؛ الرؤوس و الجلد، بل الصحيح الغنوي (1)أو حسنه الذي ستعرف عمل الأصحاب به صريح في بيع الرأس و الجلد، و احتمال اختصاصهما بالحكم المزبور بيعا أو استثناء؛ مناف لتصريح البعض بعدم الفرق بينهما و بين غيرهما في حكم الاستثناء، و لما تعرفه من الاتحاد في المدرك، و الجهالة الناشئة من عدم تعيين موضع القطع كالتشاجر إذا اختلفا في إرادة بقاء الحيوان و ذبحه،


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

ج 24، ص: 158

المترتب على كل منهما تعطيل مال شخص و ضرر الأخر- مشترك بين الجميع.

فالعمدة في الفرق حينئذ ليس إلا الإجماع إن تم، و في التحرير «إن في استثناء الشحم إشكالا» ثم جزم بالبطلان في التذكرة «في الحي و المذبوح» و أما بيع مقدار معين منه بالوزن، فلا ريب في بطلانه مع الجهالة للاختلاف؛ بل ظاهر شرح الأستاد أن الإجماع بقسميه عليه، و لعله كذلك، اللهم الا أن يدعى انسحاب خلاف سلار في جواز استثناء ذلك إليه قال كما في المختلف: «و كل شرط شرطه البائع على المبتاع من رأس ذبيحة يبيعها وحدها أو بعضها بالوزن جائز» و لا ريب في ضعفه.

و كيف كان ف لو باع و استثنى البائع لمأكول اللحم كما في التحرير و ظاهر النهاية، أو ما تقع عليه التذكية كما في حواشي الشهيد، و على كل حال فظاهرهم أن محل الخلاف في ذلك،

و لعل الأول أوفق بخبري الباب، و إن أمكن بالتنقيح التعدية إلى ما تقع عليه التذكية، فلو كان الاستثناء من غيرهما بطل، بل الظاهر أن محل النزاع في صحة الاستثناء من الحيوان المراد ذبحه، فليس له الاستثناء من الحيوان المراد بقاؤه، لما عرفت سابقا؛ و لانه لم يعهد ملكية الحيوان المزبور كذلك.

أما إذا كان مأكول اللحم و أريد ذبحه فباعه و استثنى الرأس و الجلد أو- أحدهما صح.

و لكن يكون شريكا مع المشتري في الحيوان بقدر قيمة ثنياه على رواية السكوني(1)

عن الصادق عليه السلام «قال: اختصم إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجلان اشترى أحدهما من الأخر بعير أو استثنى البيع الرأس و الجلد ثم بدا للمشترى أن يبيعه؟ فقال: للمشترى هو شريكك في البعير على قدر الرأس و الجلد»

و

ما رواه الصدوق (2)في المحكي العيون بسنده إلى الرضا عن آبائه عن الحسين بن على- عليهم السلام «أنه قال: اختصم إلى علي عليه السلام رجلان أحدهما باع الأخر بعيرا فاستثنى


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 22- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 3.

ج 24، ص: 159

الرأس و الجلد، ثم بدا له أن ينحره، قال: هو شريكك في البعير على قدر الرأس و الجلد»

بناء على أن المراد البداية له في أن لا ينحره؛ بقرينة الخبر السابق و بهما أفتى في النهاية و الإرشاد، و محكي الخلاف و المبسوط و القاضي، و تعجب منه الشهيد في حواشيه حيث أنه منع من بيع الحامل مستثنى حملها، لانه كالجزء؛ و جوز استثناء الرأس و الجلد، مع أنه جزء حقيقة.

و فيه أنه يمكن دعوى خصوصيتهما للنص الذي يصلح فارقا بين المقامين، و منه اتجه الحكم بالشركة المزبورة، و إلا كان المتجه على تقدير الصحة اعتبار خصوص ما استثناه، و لذا أنكر غير واحد على الشيخ بأن ما اختاره مناف لتبعية العقد للقصد في حق كلا المتعاقدين، و قاعدة تسلط الناس على أموالهم (1)و أنه

لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفسه(2)

و توقف الأكل حلالا على التجارة بالتراض (3)و دعوى أن المراد من الاستثناء المزبور الشركة المذكورة أوضح فسادا كل ذا مع عدم الجابر للخبرين بل الشهرة بسيطة أو مركبة على خلافهما، قلت: لكن لا يخفى أنه لا يسع الفقيه المنتقد طرح الخبرين المزبورين المعمول بهما في الجملة، المؤيدين بما تسمعه من صحيح الشركة الآتي (4)ذالمخالفين للعامة.

نعم تحقيق الحال هو أن الحاصل من التأمل في أخبار المقام صحة الاستثناء بل البيع للرأس و الجلد من الحيوان المشتري للذبح، لأنه حينئذ بمنزلة شرائهما منفصلين فإن حصل

الذبح كان للبائع ما استثناه، و إن بدا لهما أو للمشتري خاصة بيعه مثلا و عدم الذبح فليس إلا الشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس و الجلد، ضرورة أنهما بالاستثناء المزبور على الفرض المذكور ملك للبائع، فبيع الحيوان جملة بيع لمملوكين لمالكين بثمن واحد إلا ان زيادة القيمة الحاصلة للحيوان بالبقاء تلحقها


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب مكان المصلى الحديث- 1- 3.
3- 3 سورة النساء الآية- 29.
4- 4 الوسائل الباب- 22- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 160

أيضا لتوقف حياة الحيوان أو بقائه عليهما، فما حصل من الاجتماع ملك لهما، و هذا هو المراد بالشركة في الحيوان بمقدار قيمة الرأس و الجلد و حينئذ فلا مخالفة للقواعد في هذه الشركة، و لا يتجه الرد على مضمون النصوص، بأنه مخالف لقاعدة تبعية العقد للقصد إذا لم تكن الشركة مقصودة لكل من المتعاقدين، ضرورة انك قد عرفت كون المراد بالشركة ما سمعت الذي لا يرد عليه نحو ذلك، و يؤيده أيضا في الجملة ما قيل أيضا من أن تعذر أخذ العين يوجب الشركة بحسب القيمة إذ

«لا يسقط الميسور بالمعسور»(1)

و

«ما لا يدرك كله لا يترك كله»(2)

و «إذا أمرتكم»(3)

و لعله إلى ذلك كله أو بعضه أومئ في الدروس بقوله: «و لو استثنى الرأس و الجلد فالمروي الصحة، فإن ذبحه فذاك و إلا كان البائع شريكا بنسبة القيمة،» إذ مرجعه بعد التأمل إلى ما ذكرنا، كما ان قوله أيضا «و لو شرط ذبحه فالأقرب جواز الشرط إذا كان مما يقصد بالذبح، فان امتنع فالأقرب تخير البائع بين الفسخ و بين الشركة بالقيمة» منطبق عليه أيضا إذ الفسخ لعدم الشرط، و الشركة لما عرفت، فإن أراد من أفتى بمضمون النصوص ما ذكرناه، فذاك، و إلا كان في غاية الإشكال؛ ضرورة عدم ظهور النصوص في أن الاستثناء المزبور يوجب الشركة المذكورة في الحيوان على كل حال، سواء ذبح أولا، بل لو سلم ظهورها في ذلك لم يكن ليجبر بها على هذا الحكم المخالف للقواعد العظيمة أي مخالفة، بل لا نظير له في الشريعة كما هو واضح.

و أما القول بالصحة كما عن المرتضى و الإسكافي و التقى و الحلي، بل نسبه بعض إلى جميع من المتقدمين و المتأخرين؛ بل في الانتصار أنه مما انعقد عليه إجماع الإمامية، فإن أريد بها على الوجه الذي ذكرنا فمرحبا بالوفاق، و إن أريد بها مطلقا أى سواء كان القصد ذبح الحيوان أولا، و سواء ذبح أولا، فهو في غاية الإشكال، بل يمكن دعوى ضرورة الشرع على خلافه فيها هو أوسع دائرة من العقود المملكة كالصلح


1- 1 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
3- 3 سنن البيهقي ج- 1 ص 215.

ج 24، ص: 161

و الوصية، فضلا عن البيع، و الاستناد إلى الأصل- المستفاد من العموم في جنس العقود و أنواعها، و اندفاع الغرر بتميز الثنيا و معرفة الحدود- كما ترى؛ خصوصا مع وضوح رجوع هذا الاستثناء إلى بيع الأجزاء المعينة من الحيوان الذي قد ادعي الإجماع على بطلانه، بل يمكن تحصيله في الحيوان الذي لم يقصد به الذبح بل كان المقصود منه البقاء للركوب و نحوه.

و أما القول بالتفصيل بين المذبوح و غيره كما في القواعد، فيصح الاستثناء في الأول دون الثاني، فهو متحد مع ما قلناه في الأول، و ما في شرح الأستاد من إشكاله- بعدم ارتفاع الغرر بالذبح حتى بعد إتمام السلخ قبل الوزن مع اتصالهما و انفصالهما، أو فصل أحدهما- يدفعه ما عرفت سابقا من منع اعتبار الوزنية في المذبوح قبل السلخ، بل يمكن منعه أيضا في المسلوخ قبل التفريق كما جرت به السيرة في زماننا، على أن المانع حينئذ على هذا التقدير الجهالة التي يمكن الاحتيال في رفعها، لا كون المستثنى جزء معينا كما هو واضح، و أما منعه في غير المذبوح فهو متجه في الذي لم يرد ذبحه.

و أما ما أريد ذبحه، فهو على مقتضى الأصل و العمومات و خصوص الروايات و محكي الإجماع و غيره، و من هنا جزم بالصحة فيهما ثاني الشهيدين، بل و الفاضل في المختلف، الا أنه ينبغي اعتبار ما سمعت فيما لو عدل من إرادة الذبح و أريد البيع مثلا، كما عرفته مفصلا.

و أما ما حكاه في التنقيح- عن بعض فضلاء المتأخرين «من أنه إن كان المستثنى الجلد أو ما منه الجلد فهو باطل لجهالة، لان الجلد يتفاوت ثمنه بتفاوته في الثخن و الرقة، لكن لا يبطل البيع لأن جهالة المستثنى في هذه الصورة لا يستلزم جهالة المبيع، فيكون البائع شريكا بنسبة قيمة المستثنى كما دلت عليه الرواية؛ و إن كان المستثنى هو الرأس و القوائم فهو صحيح، لانه استثناء معلوم من معلوم، و الضرر في ذلك معارض باستثناء الجزء المشاع، فإنه جائز اتفاقا، مع أن الضرر المدعى حاصل فيه»- فهو

ج 24، ص: 162

من غرائب الكلام، و كالاجتهاد في مقابل النص، بل اجتهاد من غير وجه؛ وجيه، و من الغريب حكمه بجهالة المستثنى لجهالة قيمته مع حكمه بالشركة بمقدارها و قياسه الجزء المشاع على المعين.

و من هنا احتمل بعض مشايخنا عكس ما ذكره، فأبطل استثناء الرأس لجهالة حده فلا يؤل إلى علم بخلاف الجلد، و التحقيق خلافهما معا كغيرهما من الاحتمالات المذكورة في المقام، منها- الجمود على مدلول الروايتين، اقتصارا على المتيقن فيما خالف الأصل، و منها- تخصيص المنع بالمذبوح لدخوله تحت الموزون الذي لا يدفع غرر جهالته وزنه مع الجلد و الرأس، و منها الاقتصار في المنع على المسلوخ مع بقاء الرأس، و مع عدمه بشرط عدم الوزن، لدخوله تحت الموزون، و منها- قصر المنع على ما لا يؤكل لحمه، إذ الجميع كما ترى، بل قيل أن مرجع الأخير منها على الظاهر إلى القول بالجواز المطلق، لأنه إنما يعقل في المأكول.

قلت قد عرفت في أول البحث أن النزاع فيما يقبل التذكية، بل يظهر من بعضهم ذلك في المأكول منه خاصة بل قد يقال أن محل النزاع في الذي أريد ذبحه للأكل منه و إن أطلق الأصحاب، و تحقيق الحال ما عرفت، و الله أعلم.

بل يزيد ذلك تأكيدا ما ذكره المصنف و غيره من قوله و كذا لو اشترك اثنان أو جماعة حيوانا و شرط أحدهما لنفسه الرأس و الجلد، كان شريكا بنسبة ماله

لصحيح الغنوي (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل شهد بعيرا مريضا و هو يباع، فاشتراه رجل بعشرة دراهم، و أشرك فيه رجلا بدرهمين بالرأس و الجلد، فقضى أن البعير بري ء، فبلغ ثمنه ثمانية دنانير قال: فقال: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ، فان قال: أريد الرأس و الجلد، فليس له ذلك، هذا الضرار، و قد أعطى حقه إذا أعطى الخمس»

و قد أفتى بمضمونه من أبطل الاستثناء المزبور في المسألة السابقة كالفاضل و غيره.


1- 1 الوسائل الباب- 22- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 163

و أشكله بذلك في جامع المقاصد و قال: «لا جواب له إلا بأحد أمرين، إما أن يكون الحكم في مسألة الشريك مجمعا عليه، فعمله بالإجماع في موضعه، أو أن رواية هارون صحيحة بخلاف رواية السكوني، و الذي يقتضيه النظر البطلان

مطلقا إن لم يلزم من ذلك مخالفة الإجماع» و في الرياض بعد ان ذكر الصحيح المذكور قال:

«و يأتي فيه ما مر مع ظهوره كما سبق فيما يقصد ذبحه لا مطلقا، فلا وجه للتعميم على تقدير العمل بهما بعد القول بالفصل بين مورده، فالجواز و غيره فالمنع كما مضى؛ إلا أنى لم أقف على مخالف هنا عدا شيخنا الشهيد الثاني و لعله وجه الفرق بينهما في العبارة و غيرها من التردد في الأول و الجزم بالحكم هنا و هو حسن إن تم، و إلا فمجرد صحة السند على تقديرها غير كاف في الخروج عن مقتضى القواعد المتقدمة مع إمكان تأويلها إلى ما يلائمها».

قلت: لا يخفى عدم الفرق في الحكم بين مورد الصحيح و غيره، بل مورد الأول بيع الرأس و الجلد فضلا عن استثنائهما؛ و لكن المراد من الجميع ما ذكرناه سابقا من الحيوان المقصود بالذبح للأكل كما اعترف به هنا الفاضل المزبور فيصح استثناؤهما، و ما تضمنه الصحيح المزبور من بيعهما على الوجه المذكور؛ و أنه ينتقل إلى الشركة على حسب قيمة الرأس و الجلد، و لا ينافيه ملاحظة الثمن في الصحيح المزبور فإنه يمكن رجوعها إليه كما هو واضح.

فقد ظهر أن الصحيح المزبور المفتي به من الجماعة حتى احتمل أنه إجماع؛ بل لعله الظاهر مؤيد لما ذكرناه سابقا، كما أنه ظهر أن عبارات الأصحاب ليست منطبقة على المراد من الصحيح المذكور الذي هو المستند لها على الظاهر، و تحقيق الحال

ج 24، ص: 164

ما عرفت؛ و المراد بالمال في المتن و غيره قيمة الرأس و الجلد كما هو صريح التحرير و الإرشاد و غيرهما لا الثمن كائنا ما كانعلى أن يكون المراد لغو الشرط و الرجوع إلى الشركة بمقدار الثمن، ضرورة عدم استفادة ذلك من الصحيح و عدم انطباقه على ما تقدم من اقتضاء فساد الشرط فساد العقد المشترط فيه.

و ما في الدروس هنا «من أنه لو اشتركوا في الحيوان بالاجزاء المعينة لغي الشرط، و كان بينهم على نسبة الثمن» غير ما فرضه الأصحاب من المسألة التي مستندها الصحيح المزبور، و يمكن أن يكون مراده من الشرط التواطي في غير العقد على وجه لا يلتزم به شرعا مع كون الشراء على جهة الشركة بسبب مزج الثمن و نحوه، و لعله اليه يرجع ما في حواشيه على قوله في القواعد و لو اشتركا في الشراء و اشترط أحدهما الرأس و الجلد لم يصح، و كان له مقدار ماله» قال: «أي تصح الشركة و يبطل الشرط، و إن كان في بيع بطل، لتوقف العقد على الشرط الفاسد» هذا.

و لكن في النهاية التي هي متون أخبار قال: «و إذا اشتركا نفسان في شراء إبل أو بقر أو غنم، و وزنا المال، و قال أحدهما أن لي الرأس و الجلد بمالي من الثمن كان ذلك باطلا، و يقسم ما اشترياه على أصل المال بالسوية» و ظاهره أن المراد بالصحيح ذلك و فيه- مضافا إلى ما عرفت و الى أنه خلاف فهم الأصحاب- أن الصحيح خال عن ذكر الاشتراط، و إنما هو ظاهر في شراء الرأس و الجلد من البائع و شراء الأخر ما عداهما، أو أن المشتري باع الرأس و الجلد من الأخر الذي أراد شركته؛ اللهم إلا أن يدعى أن المراد منه أنهما اشتركا في الدراهم المجعولة ثمنا للبعيد على أن يكون الرأس و الجلد لواحد منهما عوض حصته في الثمن، لكنه كما ترى.

و الحاصل أن عبارات جملة من الأصحاب غير منطبقة على ما في الصحيح، إذا الاشتراط المذكور فيها إما أن يكون على البائع، و مرجعه حينئذ إلى شراء أحدهما مستثنى منه نصفهما و شراء الأخر، النصف الأخر مع تمامها؛ و يكون حينئذ شبه شراء الكل مع استثنائهما، و إما أن يكون الشراء لأحدهما ثم باع النصف الأخر

ج 24، ص: 165

مستثنيا منه الرأس و الجلد، فيكون من قبيل استثناء الكل منهما في بيع الكل، أو بالعكس بأن يشترطهما للمشتري فيكون من بيع الأعضاء، لأنه باعه النصف المشتمل على تمام الرأس و الجلد.

و على كل حال هو خلاف ظاهر الصحيح، على أن مقتضى ما ذكره الفاضل و غيره من بطلان الشرط بطلان العقد، بل لو بني على القول بعدم التلازم بينهما لا وجه للشركة المزبورة، و دعوى- أنه لما امتنع تنزيله على الصحة مع البقاء على ظاهره نزل على الإشاعة، و يكون الصحيح مستندا لذلك- واضحة الفساد، لاقتضاء مخالفة الأصول الشرعية و القواعد المرعية بالغا ظاهر العقد، و عد متبعيته للقصد، و حصول الضرر التام غالبا إما على البائع أو المشتري.

بل لا يبعد أن يكون العمل بالرواية على هذا الوجه تهجما على الشرع، و خروجا عن مذاق الفقه، فلا محيص عن تنزيلها على ما ذكرنا، بل هو الظاهر منها عند التأمل، و المناقشة فيها- باحتمال إرادة الاشتراك بنسبة الدرهمين ثم طلب منه الرأس و الجلد، أو إنما اشترك لأجل الرأس و الجلد، معللا لا مشترطا كما عساه يومي إليه قوله، «و قد أعطى حقه» إلى آخره أو أنه سبق الوعد بإعطائه و مطالبته من جهته، لا من جهة الاستحقاق و نحو ذلك- كما ترى، و كل ذلك ناش عن عدم الوصول إلى ما ذكرنا ببركة الله و محمد و أهل بيته صلى الله عليه و آله و سلم نعم الاتصاف أن الأصحاب لم يحسنوا التأدية بمضمون الخبر و أحسن ما وقفت عليه من كلماتهم في أصل المسألة ما سمعته من الدروس و الله أعلم.

و لو قال شخص لآخر اشتر حيوانا مثلا بشركتي صح و يثبت البيع لهما، و على كل واحد منهما نصف الثمن بلا خلاف و لا إشكال لأنه توكيل في شراء النصف المنساق من لفظ الشركة؛ إلا إذا أراد الأقل أو الأكثر، فإنه يتبع حينئذ مع التصريح؛ و لو تنازعا في القدر ففي الدروس أنه إن كان في الإرادة حلف الآمر و إن كان في نية الوكيل حلف الوكيل إن نقص عما يدعيه الموكل، و إن زعم الموكل

ج 24، ص: 166

أنه اشترى له الثلث فقال: النصف، احتمل ذلك، لأنه أعرف، و تقديم الموكل، لان الوكيل يدعي زيادة، و الأصل عدمها، و فيه مع كون الواقع من الأمر العبارة المزبورة ما لا يخفى، بل فيه منافاة لقاعدة تصديق الوكيل، كما هو واضح.

و لو أذن أحدهما لصاحبه أن ينقد عنه ما عليه من الثمن صح قطعا و تلف الحيوان الذي اشتري على وجه المزبور كان بينهما لما عرفت من كونه مشتركا بينهما و كان له الرجوع على الآمر بما نقد عنه باذنه الظاهر في إرادة الدقع عنه، و الرجوع به عليه، فهو كالوكيل عنه في القرض، و احتمال أن الأمر بالدفع عنه أعم من ذلك واضح الفساد؛ إنما البحث في الدفع عنه بمجرد الأمر بالشراء على الشركة، و الأقوى عدم الرجوع إلا لم يكن قرينة تقتضي الدفع عنه، كالشراء من مكان بعيد، لا يدفع المبيع حتى يدفع الثمن، و ظاهر ابن إدريس أن قضية الأمر الاذن في النقد، و إلا لم تتحقق الشركة، و فيه منع ظاهر، و إن أطال فيه في المختلف.

نعم قد يشهد له

موثق إسحاق (1)«قلت لأبي إبراهيم عليه السلام الرجل يدل الرجل على السلعة، فيقول: اشترها و لي نصفها، فيشتريها الرجل، و ينقد من ماله، قال: له نصف الربح، قلت: فان وضع يلحقه من الوضيعة شي ء؟ قال: نعم عليه من الوضيعة كما أخذ من الربح»

لكن مع أنه لم يذكر فيه الرجوع عليه بما نقد؛ يمكن وجود قرائن حالية تدل على الاذن بالنقد عنه فتأمل جيدا.

و لو قال له: اشتر حيوانا مثلا بالشركة و الربح لنا جميعا و لا خسران عليك لو خسر ف فيه تردد ينشأ من عموم

«المؤمنون»(2)

و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ »(3)و

صحيح رفاعة(4)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل شارك آخر في جارية


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام الشركة الحديث- 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.
3- 3 سورة النساء الآية 29.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1-.

ج 24، ص: 167

له، و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح و إن كانت وضيعة فليس عليك شي ء؟ فقال: لا أرى بهذا بأسا إذا طابت نفس صاحب الجارية»

و

خبر أبى الربيع (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل شارك رجلا آخر في جارية له فقال له:

إن ربحت فلك نصفه، و إن وضعت فليس عليك شي ء فقال: لا بأس بذلك إذا كانت الجارية للقائل».

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و المروي الجواز و ظاهره الميل اليه؛ بل إليه ذهب جماعة كالشيخ و الفاضل في المختلف و الشهيد في الدروس، و من أنه مخالف لما دل على تبعية و الخسران لرأس المال فيكون مخالفا للسنة التي بمخالفتها يكون مخالفا للكتاب أيضا، و به جزم الحلي في السرائر، قال بعد أن حكى ذلك عن الشيخ «أنه غير واضح و لا مستقيم، لانه مخالف لأصول المذهب؛ لان الخسران على رؤس الأحوال بغير خلاف، فإذا اشترطه أحدهما على الأخر كان مخالفا للكتاب و السنة؟ و رده في الدروس بأنه لا نسلم لزوم تبعية المال لمطلق الشركة، بل للشركة المطلقة، و من هنا قال: إن الأقرب تعدى الحكم إلى غير الجارية، بل للشركة المطلقة و من هنا قال: إن الأقرب تعدي الحكم إلى غير الجارية من المبيعات، ضرورة عدم كون المستند خصوص الخبرين، بل هما مؤكدان لمقتضى العموم.

و فيه- مضافا إلى ما في التنقيح من الإجماع على عدم أراد الحكم في غير هذه الصورة- منع شمول العمومات لمثل ذلك، الذي لم يعلم شرعيته نفسه، كي يكون الشرط ملزما له، و أما الخبران فغير صريحين في المطلوب، مع أن موردهما الجارية، و كون المشارك هو المالك، و احتمال الصحيح منهما طيب النفس بعد ظهور الخسران من باب الإحسان، و لذا قال في التنقيح: «إنا نقول بموجب الأول منهما» إذ معناه أنه إذا شرط عدم الخسران عليه جاز له أن يفي بقوله، و هو صحيح، إذ

«الناس مسلطون على أموالهم،»

فإذا ترك ماله فلا حرج عليه، و أما لزوم الشرط


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.

ج 24، ص: 168

فلا دلالة للرواية عليه، و لذلك أردف نفي الباس بقوله «إذا طاب نفس صاحب الجارية» و لعل

قوله عليه السلام في ذيل الخبر الآخر «إذا كانت الجارية للقائل»

مشعر بنحو ذلك.

و يقوى في النفس أن ذلك كانت مقاولة بين المالك و غيره؛ ليساعده على البيع، أو نحو ذلك، لا أنها شركة حقيقة، و بالجملة هما غير صالحين لإثبات الحكم المزبور؛ مع فرض مخالفته، و عدم اقتضاء العمومات صحته، كما هو الأقوى، وفاقا لجماعة منهم الفاضل في القواعد و غيره في بطلان العقد الذي وقع عليه هذا الشرط في ضمنه، كما لو باع أحدهما صاحبه بهذا الشرط البحث السابق.

و تسمع إنشاء الله في كتاب الصلح البحث فيما لو صلاح أحد الشريكين الأخر على أن يكون له رأس ماله، و البقي لشريكه زاد أو نقص، و في كتاب الشركة البحث في شرط التفاوت في الربح في عقد الشركة مع تساوى المالين، و التساوي فيه مع تفاوت المالين، مع زيادة العمل من أحدهما و بدونه؛ فلاحظ، فإن له دخلا في المقام، و منه يعلم التنافي بين ما في الدروس في المقامين.

و كيف كان ف يجوز النظر من دون إذن المولى إلى وجه المملوكة و محاسنها التي هي محال الزينة منها كالكفين و الرجلين و نحوهما إذا أراد شراءها لنفسه أو لغيره بلا خلاف أجده فيه، بل في المسالك في باب النكاح أن جواز النظر إلى الوجه و الكفين و المحاسن و الشعر موضع وفاق؛ و إن لم يكن بإذن المولى صريحا، لأن عرضها للبيع قرينة الإذن في ذلك، و لأن

أبا بصير(1)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يعترض الأمة ليشتريها؟ فقال: لا بأس أن ينظر إلى محاسنها و يمسها ما لم ينظر إلى ما لا ينبغي له النظر إليه»

و قال له أيضا

حبيب بن المعلى الخثعمي (2)«إني اعترضت جواري المدينة فأمذيت؛ فقال: أما لمن يريد الشراء فليس به بأس، و أما من لا يريد أن يشتري فإني أكره»

و قال هو أيضا لعمران


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.

ج 24، ص: 169

به حارث الجعفري (1)«لا أحب للرجل أن يقلب جارية إلا جارية يريد شراءها».

و في

المروي عن قرب الاسناد(2)«مسند إلى جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام أنه كان إذا أراد أن يشترى الجارية يكشف عن ساقيها فينظر إليها»

بل قد يستفاد من هذه النصوص ما في تذكرة الفاضل من جواز النظر إلى ما دون العورة، و ما إليه في الحدائق و إن استبعده كثير ممن تأخر عنه، و تردد فيه في الدروس، بل و في العورة ثم استقرب مراعاة التحليل من المولى، بل قد يستفاد من خبر حبيب جوازه مع التلذذ، بل قد يدعى لزومه للإباحة غالبا إذا كانت المنظورة من الجوار الحسان.

لكن صرح في السرائر و غيرها بالحرمة حينئذ، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في جواز النظر بين المزوجة و غيرها، و في إلحاق نظر المرأة إلى المملوك إذا أرادت شراؤه بالرجل المريد شراء الأمة وجه قوي، خصوصا مع ملاحظة

ما ورد في باب النكاح في التعليل جواز النظر لشعر الامرأة التي يريد تزويجها(3)«بأنه إنما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن»

و

في آخر(4)«تعليل النظر إلى المحاسن بأنه مستام»

الظاهر في أن الوجه في النظر رفع الغرر و الضرر الناشئ من عدم الرؤية هذا.

و الأحوط الاقتصار في جواز النظر على إرادة الشراء لا أن المراد النظر أولا، ثم الشراء هذا و قد سمعت اشتمال بعض النصوص السابقة على جواز اللمس، و استحسنه في نكاح المسالك مع توقف الغرض عليه، و لا ريب أن تركه أحوط؛ ثم إن الحكم مختص بالمشتري، فلا يجوز للأمة النظر إليه زيادة على ما يجوز للأجنبي، و في نكاح المسالك بخلاف الزوجة، و الفرق أن في الشراء لا اختيار لها؛ بخلاف التزويج.


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه الحديث 1 و 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب مقدمات النكاح و آدابه الحديث 8 و 12.

ج 24، ص: 170

و يستحب لمن اشترى مملوكا أن يغير اسمه عند الشراء

قال: زرارة(1)«كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل و معه ابن له فقال: أبو عبد الله عليه السلام ما تجارة ابنك؟ فقال التنجس فقال: له أبو عبد الله عليه السلام لا تشتر شيئا و لا عيبا فإذا اشتريت رأسا فلا ترين ثمنه في كفة الميزان؛ فما من رأس يرى ثمنه في كفة الميزان فأفلح فاذا اشتريت رأسا فغير اسمه و أطعمه شيئا حلوا إذا ملكته؛ و تصدق عنه بأربعة دراهم».

و منه يعلم استحباب أن يطعمه شيئا من الحلاوة و أن يتصدق عنه بشي ء و ان لم يكن المقدار المعلوم، لظهور عدم ارادة الاشتراط فيه، و في الدروس أن الأقرب استحباب تغيير الاسم في الملك الحادث، قال: «و روي «كراهة التسمية بمبارك و ميمون و شبهه» و في شرح الأستاد استحباب الثلاثة في كل تملك؛ و

اختيار الأسماء الشريفة كعبد الله و عبد النبي و عبد علي، و بما يسمى به عبيدهم كقنبر و بلا و فضة و نحوها، و أما التسمية بأسماء الأنبياء و الأئمة فالأولى تركه، لخوف إهانة الاسم باستخدامه، و الأمر سهل.

و يكره وطئ من ولدت من الزنا من الأبوين، و أحدهما في وجه بالملك و العقد و لو تحليلا على الأظهر للفضاضة و فوات النجابة و لخوف العار و للنصوص ك

حسنة الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «قال: سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا هل عليه جناح أن يطأها قال: لا و إن تنزه عن ذلك فهو أحب إلى»

و هي و غيرها الحجة على ابن إدريس المحرم ذلك بناء منه على كفر ولد الزنا، و تحريم الكافرة، و في المقدمتين منع؛ و في الدروس أن العقد أشد كراهية من الملك، و في شرح الأستاذ إنه تشتد الكراهة بطلب النسل، لترتب معظم الفساد عليه، قلت:

و لعله لذا قال في القواعد إنه إن فعل فلا يطلب الولد منها، أى إن وطئ غير مبال بالكراهة فلا يطلب النسل منها بأن يترك الإمناء أو يعزل أو يطأ في غير القبل أو اليائس


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.

ج 24، ص: 171

أو الصغير أو نحو ذلك».

و في الدروس أيضا «و يكره الحج و التزويج من ثمن الزانية» و عن أبي خديجة لا يطلب ولد من امرأة أمهرت ما لا حراما أو اشتريت به إلى سبعة آباء، و الأمر في ذلك كله سهل و قد ظهر لك من خبر زرارة السابق كراهة أن يرى المملوك ثمنه في كفة الميزان و

في خبر قيس (1)«عن الصادق عليه السلام من نظر إلى ثمنه و هو يوزن لم يفلح»

و ربما قيل بهما مطلقا و لو لم يكن في الميزان حملا للنص على المتعارف من وضع الثمن في كفة الميزان عند الشراء، و في الرياض أنه حسن لو قام دليل على الكراهة مطلقا و هو غير واضح؛ قلت: قد يقال يكفى فيها خروج القيد عن ارادة التقييد نعم في تعدية الحكم إلى مطلق العوض و الى اللمس اشكال سيما الأخير و الأمر سهل و الله العالم.

[النظر الثالث في لواحق هذا الباب و هي مسائل ]
اشارة

(الثالث: في لواحق هذا الباب) (و هي مسائل)

[المسألة الأولى العبد لا يملك ]

الأولى الأمة و العبد قنا أو مدبرا أو أم ولد إلى غير ذلك من أحواله التي لا تخرجه عن الرقية عدا المكاتب الذي ستسمع الكلام فيه محله، و ظاهرهم هناك الملك كما ستعرف إنشاء الله لا يملك عينا و لا منفعة مستقرا و لا متزلزلا من غير فرق بين ما ملكه المولى، و فاضل الضريبة و أرش الجناية و بين غيرها عند أكثر علمائنا كما في التذكرة بل في السرائر

عندنا مشعرا بالإجماع عليه، كالمحكي عن الانتصار و كفارات المبسوط، بل في زكاة الخلاف و نهج الحق عليه بل الأول منهما صريح في نفى الملك لما ملكه مولاه؛ بل في شرح الأستاد أنه المشهور غاية الاشتهار


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.

ج 24، ص: 172

بين المقدمين و المتأخرين المدعى عليه الإجماع معبرا عنه بلفظه الصريح من جماعة و بما يفيده بظاهره بعبارات مختلفة من نقلة متعددين، كمذهب الإمامية و مذهب أصحابنا و عندنا.

و في الرياض أنه الأشهر بين أصحابنا كما حكاه جماعة منا، و هو الظاهر من تتبع كلماتهم جدا حيث لم أقف على مخالف لهم في ذلك الا نادرا للأصل في كثير من الموارد مؤيدا بأنه مملوك، فلا يكون مالكا، لان مالكيته لغيره فرع مالكيته لنفسه و بأن ما يكتسبه العبد من فوائد ملك المولى، فيكون تابعا له بل قيل أنه لا يعقل ملك المملوك على وجه يختص به دون مولاه، لان نفسه و بدنه و صفاته التي من جملتها سلطانه ملموكة فسلطان السلطان غالب عليه؛ و إليه يرجع ما عن المختلف من أنه لو ملك لما جاز للمولى أخذه منه قهرا، و التالي باطل إجماعا و ل

ما رواه محمد بن إسماعيل في الصحيح (1)عن الرضا عليه السلام «سألته عن رجل يأخذ من أم ولده شيئا وهبه لها بغير طيب نفسها من خدم

أو متاع أ يجوز ذلك؟ قال: نعم إذا كانت أم ولده».

و في شرح الأستاد «أنه يجوز للسيد أن يأخذ ما في يد العبد قهرا بالإجماع محصلا و منقولا» بل ظاهر في مقام آخر أن المراد بالأخذ ما يشمل التمليك، فضلا عن التصرف، و بغير ذلك و لقوله تعالى (2)«ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ» فإن وصف العبد بعدم القدرة بمنزلة الحكم عليه بذلك، لأن الصفة كاشفة بقرينة السياق و المقام، و إن كان الأصل فيها التخصيص؛ بل قيل أن قصد التقييد لا يبقى للمملوكية خصوصية؛ على عدم القدرة.

هذا كله مضافا إلى

صحيح زرارة(3)عن أبى جعفر عليه السلام المستفاد منه المراد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الاستيلاد الحديث- 2.
2- 2 سورة النحل الآية 75.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 1.

ج 24، ص: 173

من الآية قال: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت فان السيد كان زوجه بيد من الطلاق؟ قال: بيد السيد «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً» إلى آخره أ فشي ء الطلاق»

و

موثق شعيب (1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا عنده عن طلاق العبد؟

فقال: ليس له طلاق و لا نكاح أما تسمع قوله عبدا مملوكا»

الحديث إلى آخره.

و حينئذ فالحكم على العبد بعدم القدرة على شي ء يقتضي نفي القدرة له على الملك الحاصل بواسطة الأسباب الاختيارية، لأن الشي ء نكرة في سياق النفي فيكون للعموم، و لدلالة الاخبار على ارادته منه، فيتناول ما ذكرناه، و متى ثبت امتناع الملك الاختياري للعبد ثبت امتناع الملك القهري له أيضا للإجماع كما في مصابيح العلامة الطباطبائي على نفي التفصيل بهذا الوجه، و لقوله تعالى (2)«ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ، فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ» فإن الاستفهام فيه إنكاري تقتضي امتناع الشركة بين الأحرار و المماليك بوجه، و لو صح ملك العبد لأمكن ذلك قطعا، و المراد من الموصول في قوله فيما رزقناكم جنس الأموال التي رزق عباده لا خصوص الأعيان التي رزقها الأحرار، إذ لا دلالة في ذلك حينئذ على رفعة شأن الموالي و ضعة المماليك و نقصهم لأن التساوي بهذا الوجه منفي في حق الأحرار أيضا.

و على كل حال ففي الآيتين إشارة إلى تقرير الامتناع العقلي في تملك المماليك و للنصوص التي تسمعها في المسألة الثانية الدالة على أن العبد إذا بيع كان ما في يده قبل البيع لسيده؛ إلا أن يدخل في المبيع أو يشترطه

المشتري، و لو كان العبد مالكا لاستمر ملكه له بعد البيع، و لم يكن شي ء من ذلك للبائع و لا للمشتري لانتفاء الناقل


1- 1 الوسائل الباب- 66- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
2- 2 سورة الروم الآية- 28.

ج 24، ص: 174

عنه، و لا كان للسيد بيع المال معه، لعدم مالكيته له و هو ظاهر.

و من ذلك يعلم وجه دلالة النصوص المتضمنة أن العبد إذا أعتق كان ما في يده قبل العتق لمولاه، إلا إذا أقره في يده، فهي دليل آخر على المطلوب أيضا، و لان العبد إذا مات و ترك مالا كان في يده، فإنه لمالكه بالإجماع و النصوص المستفيضة، و لو صح ملك العبد لزم أن يكون المال ميراثا للمولى، لانه مال انتقل اليه بموت مالكه؛ و لا نعني بالميراث إلا ذلك و التالي باطل للإجماع كما في المصابيح على أن الحر لا يرث عبدا و

في الصحيح المروي (1)عن ابى جعفر و أبى عبد الله عليهما السلام بطرق متعددة «أنه لا يتوارث الحر و العبد»

فالمقدم اعني مالكية العبد مثله، و لا يلزم ذلك على القول بانتفاء الملك، لان ما في يدا العبد ملك للمولى قبل موته فلا يكون منتقلا إليه بعده حتى يكون ميراثا.

و ل

لصحيح (2)عن محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام «أنه قال: في المملوك ما دام عبدا

فإنه و ماله لأهله لا يجوز له تحرير و لا كثير عطاء و لا وصية إلا أن يشاء سيده»

بل عن المصابيح أنه صريح في المطلوب، و

قوله «الا أن يشاء سيده»

إنما يدل على جواز تصرف العبد باذن مولاه، و لا دلالة فيه على الملك بوجه و المراد من الوصية أن يوصي بما له لغيره، فإنه جائز مع اذن المولى؛ لا أن يوصى له، حتى يدل على الملك، مع أن في دلالته عليه نظر فتأمل.

و ل

صحيح محمد بن مسلم (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ينكح أمته من رجل أ يفرق بينهما إذا شاء؟ فقال: إن كان مملوكه فليفرق بينهما إذا شاء، إن الله تعالى يقول «عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ فليس للعبد شي ء من الأمر»

فإن قوله


1- 1 الوسائل الباب- 16- من أبواب موانع الإرث الحديث 1 الى 5.
2- 2 الوسائل الباب- 78- من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 64- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 8.

ج 24، ص: 175

فليس للعبد شي ء من الأمر بعمومه يشمل التصرف و الملك؛ فيدل على عدم الملك و ل

صحيح عبد الله بن سنان (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: مملوك في يده مال أ عليه زكاة؟

قال: لا قلت: و لا على سيده قال: لا لانه لم يصل إليه و ليس هو للمملوك».

إذ حكمه بنفي الملك عن العبد لما في يده يدل على استحالة ملكه، و إلا أمكن أن يكون له قطعا، فلا يصح الحكم بأنه ليس له مطلقا، و لا يتم التعليل بانتفاء الملك في عدم الزكاة، و للنصوص الواردة في الوصية و غيرها على اختلاف في الدلالة في الظهور،

كالصحيح (2)«في مكاتب كانت تحته امرأة حرة فأوصت له عند موتها بوصية فقال: أهل الميراث لا تجيز وصيتها أنه مكاتب لم يعتق و لا يرث، فقضى أنه يرث بحساب ما أعتق منه؛ و يجوز له الوصية بحساب ما أعتق منه، و قضى في مكاتب أوصى له بوصية و قد قضى نصف ما عليه، فأجاز نصف الوصية»

الحديث الدال على المطلوب من وجوه.

أقواها تعليل الورثة عدم الإجازة بأنه عبد مملوك لم يعتق، ضرورة ظهوره في اشتهار عدم ملكه للوصية بالعبودية في تلك الأزمنة؛ و كالأخبار المتواترة(3)المجمع عليها الدالة على نفي الموارثة بالرقية، بل جعل بعضهم ذلك دليلا مستقلا، فقال:

إنه لو ملك لدخل المال في ملكه، بالأسباب الموجبة للدخول من غير اختيار، كالميراث و شبهه، و التالي باطل إجماعا فكذا المقدم، و إن كان قد يناقش في الملازمة بعدم الدليل عليها، فيحتمل المنع تعبدا، كالقاتل المعلوم صلاحيته للملك إجماعا، و كالنصوص (4)الواردة في وصية المولى لمملوكه بثلث ماله، و أنه يعتق بحسابه، و من هنا قيل: إن تتبع

المقامات المتفرقة في الفقه، المسلمة بين الجميع، كعدم وجوب


1- 1 الوسائل الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 80 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب- 16- من أبواب موانع الإرث.
4- 4 الوسائل الباب- 82- من أبواب أحكام الوصايا.

ج 24، ص: 176

الزكاة بل استحبابها؛ مع ثبوتها في مال الطفل و الخمس و الحج و الكفارات و نفقة القريب، و من في يده من العبيد، و منعه من التصرفات و إن لم يكن مولاه قابلا للولاية، و عدم إبقاء ما في يده مع بيعه و إعتاقه، و عدم ضمانه لمتلفاته إلا بعد عتقه، و عدم استحقاقه للإرث إلا بعد عتقه؛ و انتقال ماله بموته للمولى، و عدم جواز الوصية له، و الوقف عليه، و عدم حرمة التصرف بضروبه حتى التملك على مولاه، مع حرمة التصرف بأموال الناس، و تملك المولى ما كان من فوائد البدن كالحمل و اللبن و عوض البضع و نحوه مما لا ريب في أولوية الخارج منه، و صرف الوصية له من المالك إلى عتقه، كصرف الوصية لأم الولد إلى عتقها من الثلث ثم إعطاء الوصية و غير ذلك- مما يورث الفقيه القطع بعدم قابليته للملك، فلا تقدح المناقشة في كل واحد منها.

مضافا إلى أن القول بملكه يستلزم جواز تملك كل من العبدين صاحبه في بعض الصور؛ اللهم إلا أن يمنع الملازمة؛ فإن القابلية للملك أعم من اقتضائها ذلك كيف كان، إذ الحر يملك و لا يملك أبويه، و قد يناقش بأن الحر يملك إلا أنهما ينعتقان عليه قهرا، فالملك حاصل زمانا ما قبل العتق، أو متقدم عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول فتأمل جيدا و الله أعلم.

هذا كله في القول بعدم الملك و قيل يملك فاضل الضريبة خاصة التي يضربها عليه مولاه، الا انى لم أعرف القائل به بالخصوص و ان نسب الى الشيخ في النهاية و القاضي الا ان الذي عثرت عليه في الأول مع عدم اختصاصه بفاضل الضريبة، صريح في إرادة ملك التصرف كما حكاه عنه في الدروس لا الرقبة، قال «المملوك لا يملك شيئا من الأموال ما دام رقا، فان ملكه مولاه شيئا ملك التصرف فيه بجميع ما يريده، و كذلك إذا فرض عليه ضريبة يؤديها اليه، و ما يفضل بعد ذلك يكون له جاز ذلك، فإذا أدى الى مولاه ضريبة كان له التصرف فيما بقي من المال، و كذلك إذا أصيب العبد في نفسه بما يستحق به الأرش كان له ذلك، و حل له التصرف فيه، و ليس له رقبة المال على وجه من الوجوه.

ج 24، ص: 177

و نحوه عن القاضي و لذا نسبه إليهما في المحكي عن المهذب نعم قيل إن القول بذلك محكي عن الصدوق و الإسكافي حيث قالا: يملك العين لكن لا مستقرا؛ و فيه أنه أيضا غير خاص بفاضل الضريبة.

و على كل حال ف هو المروي صحيحا

قال عمر بن يزيد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أراد أن يعتق مملوكا له، و قد

كان مولاه يأخذ ضريبة ضربها عليه في كل سنة و رضي بذلك المولى، فأصاب المملوك في تجارته ما لا سوى ما كان يأخذ مولاه من الضريبة قال: فقال: إذا أدى إلى سيده ما كان فرض عليه، فما اكتسب بعد الفريضة فهو للمملوك قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أ ليس قد فرض الله تعالى على العباد فرائض، فإذا أدوها إليه لم يسألهم عما سواها، قلت: للملوك أن يتصدق مما اكتسب و يعتق بعد الفريضة التي كان يؤديها إلى سيده؟ قال: نعم و أجر ذلك له، قلت:

فإن أعتق مملوكا مما اكتسب سوى الفريضة لمن يكون ولاء العتق؟ قال: فقال:

يذهب فيتولى إلى من أحب، فإذا ضمن جريرته و عقله كان مولاه و وارثه، قلت:

أ ليس قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: الولاء لمن أعتق؟ قال: فقال: هذا سائبة لا يكون ولاؤه لعبد مثله، قلت فان ضمن العبد الذي أعتقه جريرته و حدثه أ يلزمه ذلك و يكون مولاه و يرثه؟ قال: فقال: لا يجوز ذلك و لا يرث عبد حرا»

مضافا إلى ما في كشف الأستاد من أن عقد الكتابة يقتضي عدم استحقاق المولى سوى ما فرضه لنفسه، فلو لم يكن الفاضل للعبد، بقي بلا مالك؛ و نوقش في الأول بأنه- مع قصوره عن معارضة غيره مما عرفت من وجوه و لو كان بالإطلاق أو العموم و منافاته لما دل على الحجر عن التصرف على تقدير الملك- قابل للحمل على إرادة إباحة التصرف له باذن المالك لا لأجل الملك، بعدم اختصاص اللام به لغة، و الحكم فيها بصحة العتق و التصدق عن العبد يمكن أن يكون كذلك أيضا، لأن توقفهما على الملك ليس بمعنى عدم صحتها من غير المالك مطلقا، بل مع عدم الاذن منه في التصرف


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1- باختلاف يسير.

ج 24، ص: 178

و الاذن هنا متحقق بالفرض، و أما اختصاص الأجر به فلان العبد هو المباشر للعتق و السبب التام فيه، لان المالك لم يقصد شيئا منها بعينه، بل لم يطلب من العبد التصرف بأسرها، و إن لم يكن فيها أجر، و في الثاني بأنه لا منافاة بين كونه مالا للمولى و كونه محجورا عليه يملكه بعد تمام عتقه أو بعد وفاء بعضه فتأمل جيدا. فإنك تسمع إنشاء الله في كتاب المكاتب المفروغية من ملك العبد فلاحظ و تأمل.

و يملك أرش الجناية خاصة أو مع فاضل الضريبة خاصة على قول آخر لم أعرف القائل بكل منهما، كالقول بأنه يملك ما ملكه مولاه خاصة، أو مع أرش الجناية خاصة أو مع فاضل الضريبة فقط أو الثلاثة و إن حكى جميع ذلك شيخنا في شرحه، بل و غيرها، فإنه قال بعد أن اختار عدم الملك، و استدل عليه: «فلا وجه للقول بأنه يملك مطلقا، و نسب إلى الأكثر في رواية، و إلى ظاهر الأكثر في أخرى، أو يملك فاضل الضريبة فقط، أو أرش الجناية كذلك و نسبا إلى الشيخ و أتباعه، أو ما ملكه مولاه و ربما عد منه فاضل الضريبة، و ما أذن له في ملكه أو المركب منها على اختلاف أقسامه، أو يملك ملكا غير تام أو التصرف خاصة» و يمكن أن يكون المراد من ذلك الأعم من القول و الاحتمال.

و على كل حال فلم أجد ما يشهد للقول بملك أرش الجناية سوى ما قيل من أن المولى إنما يملك خدمته و الانتفاع به، و أما النفس فنفسه، و أما البدن فبدنة، و أرشهما له، و لم تتعلق التكاليف بهما، و فيه ما لا يخفى.

و سوى

موثق إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم؛ أو أقل أو أكثر فيقول: حللني من ضربي إياك، و من كل ما كان مني إليك، و مما أخفتك و أرهبتك، و يحلله و يجعله في حل رغبة فيما أعطاه، ثم إن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 3 مع اختلا يسير.

ج 24، ص: 179

المولى بعد أن أصاب الدراهم التي أعطاه في موضع وضعها فيه العبد فأخذها السيد المولى إحلال هي له؟ قال: فقال: لا تحل له لأنه افتدى بها نفسه من العبد، مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة، قال: فقلت له: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال عليها الحول؟ قال: لا إلا أن يعمل له فيها؛ و لا يعطي من الزكاة شيئا»

و فيه- مع أنه ليس من أرش الجناية. اللهم الا أن يدعى أولويته مما الذي هو ليس عوض جناية، مع أنه من المولى، فالجناية من

الغير حينئذ أولى، و يناقش بمنع الأولوية، و منع القول بما في مضمونه، حتى تكون الأولوية معتبرة.

- أنه قاصر عن معارضة غيره سندا بل و متنا، خصوصا مع اشتماله على ما حكي الإجماع على خلافه، من منع المولى انتزاع ما في يد العبد، و ثبوت الزكاة على العبد و خصوصا مع ظهور ذيله في موافقة العامة هذا. و تسمع إنشاء الله في كتاب القصاص و الديات المفروغية من ملك السيد أرش جناية العبد الذي هو مملوك له، و الأرش جبر تفاوت ما مضى من ملكه.

و على كل حال فقد ظهر لك ضعف القول بملك ذلك خاصة، و قوة القول بعدم ملكه و لكن مع ذلك ما المصنف إلى القول بالملك مطلقا، فقال و لو قيل يملك مطلقا لكنه محجور عليه بالرق حتى يأذن له المولى للآية(1)و الإجماع بقسميه كالإجماع الذي سمعته سابقا على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد قهرا عليه كان حسنا بل ظاهر الشهيد في حواشي اختياره، و قد سمعت أن الأستاد حكى نسبته إلى الأكثر في رواية، و إلى ظاهر الأكثر في أخرى، لكن الذي عثرت عليه من ذلك ما في الدروس و المسالك؛ ففي الأول «اختلف في كون العبد يملك، فظاهر الأكثر ذلك» و في النهاية «يملك ما ملكه مولاه» إلى آخره و في المسالك «القول بالملك في الجملة للأكثر» و هما معا ليس في الملك مطلقا.

و كيف كان فيدل على ذلك- مضافا إلى أنه يحصل به الجمع بين ما يتقضى.


1- 1 سورة النحل الآية- 75.

ج 24، ص: 180

الملك، و بين ما يقضي عدمه، بحمل الثاني على الحجر و جواز الانتزاع فكان ملكه غير ملك، لانتفاء هذين اللازمين اللذين هما كالركن في الملكية- إطلاق ما دل على خصوص الملك بتحقق أسبابه، و فإنه يشمل الحر و المملوك و دعوى الانصراف إلى الأول- و لو بسبب معلومية حجر العبد، و عدم جواز تصرفه،- ممنوعة خصوصا في نحو الحيازات للمباحات، إذ دعوى عدم ملكه لها- و إن وقع منه الحيازة كدعوى ملك المولى لها، بمجرد حيازة العبد لها بغير إذنه- لا تخلو من نظر اللهم إلا أن يدعى أن مثل ذلك نماء الملك فيتبعه فيه، لان نماء كل شي ء بحسب حاله، فتأمل جيدا.

و ما يستفاد من تضاعيف الأدلة من قابلية العبد للملك في الجملة، منها ما سبق، و منها ما تسمعه، فلا مانع حينئذ لأن يعمل السبب مقتضاه، و ليس في الأدلة ما يصلح للتقييد و التخصيص، كما أنه ليس فيها ما هو صريح في نفي قابلية الملك، إذا المنساق من الآية الأولى (1)إرادة الحجر في التصرفات، خصوصا بعد قوله «وَ مَنْ رَزَقْناهُ» إلى آخره، لا أن المراد عدم قابلية الملك أصلا حتى مع إذن المولى.

و النصوص المتضمنة لتفسير الآية- مع أنه جيب تقييدها بما إذا كان متزوجا أمة المولى بما

تعرفه في باب النكاح من أن المشهور كما قيل كون طلاق غيرها بيده- كالصريحة في إرادة عدم القدرة بدون الاذن خصوصا مثل

صحيح العقرقوفي (2)عن ابى عبد الله عليه السلام: «قال: سئل و أنا عنده أسمع عن طلاق العبد؟ قال: ليس له طلاق و لا نكاح، أما تسمع الله يقول (عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ) قال: لا يقدر على نكاح و لا طلاق إلا بإذن مولاه».

هذا كله بعد الإغضاء عن دعوى كون الوصف كاشفا غير مخصص، و من الآية الثانية(3)إرادة عدم الاشتراك من حيث العبودية، لا ما يحصل بالأسباب الأخر التي منها


1- 1 سورة النحل الآية- 75.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
3- 3 سورة الروم الآية- 28.

ج 24، ص: 181

تمليك السيد، خصوصا بعد

المروي في دعائم الإسلام (1)عن علي و أبي جعفر و أبي عبد الله عليهم السلام «أنهم قالوا العبد لا يملك شيئا إلا ما ملكه مولاه، و لا يجوز له أن يعتق و لا يتصدق مما في يده إلا أن يكون المولى أباح له ذلك أو أقطعه ملا من ماله أباح فعله أو جعل عليه ضريبة يؤديها إليه و أباح له ما أصاب بعد ذلك، هذا معنى ما رويناه عنهم عليهم السلام و إن اختلف لفظهم فيه»

بل هو من أدلة المسألة ك

المروي فيها أيضا عنه (2)عن جعفر بن محمد عليه السلام «أنه سئل عن رجل باع عبدا فوجد المشتري مع العبد مالا قال: المال رد على البائع إلا أن يكون قد اشترطته المشتري؛ لأنه باع نفسه و لم يبلع ماله»

الحديث.

و

صحيح زرارة(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل أعتق عبدا و للعبد مال، لمن المال؟ فقال: إن كان يعلم أن له ما لا تبعه ماله، و إلا فهو له»

و

صحيحه الأخر(4)عن ابى عبد الله عليه السلام «إذا كاتب الرجل مملوكه أو أعتقه و هو يعلم أن له مالا و لم يكن السيد استثنى المال حين أعتقه؛ فهو للعبد»

و نحوهما صحيح عبد الرحمن (5)و النصوص جميعها يمكن الجواب عنها بالتزام ما في بعضها، و إن كان مخالفا لقواعد الملك كما قلناه في الحجر، و جواز الانتزاع و تخير الأمة بعد العتق بالبقاء على التزويج و عدمه، و غير ذلك مما قيل به للأدلة، و بحمل الآخر على إرادة الحجر و جواز الانتزاع، فملكه في الحقيقة ليس ملكا، أما قابليته للملك كقابليته لسيار التصرفات إذ هو انسان عاقل، و ربما فاق الكثير من الأحرار، فلا يقاس على البهائم فلا دلالة فيها على نفيه.

نعم سلطان المولى عليه؛ و على ما في يده كسلطان الله على العباد و ما في أيديهم


1- 1 المستدرك ج 2 ص 485.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 485.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب العتق الحديث 2-.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب العتق الحديث- 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب العتق الحديث- 6.

ج 24، ص: 182

على وجه لا ينافي الملك الذي أناطه الله تعالى بأسبابه لا جراء بعض الاحكام عليه، و لعل في الآية الثانية(1)إشعارا بذلك، ضرورة كون المراد نفي شركة العبد مع المولى كنفي شركة العباد مع الله تعالى شأنه.

و يؤيد ذلك إضافة المال إلى العبد في النصوص الكثيرة المتفرقة في الأبواب الذي لا يسع الفقيه حصرها، على وجه يقطع بعدم إرادة الأدنى ملابسة منها الذي هو ضرب من المجاز فيها، و لا يناسبه هذه الكثرة المجردة عن القرينة، و ما تقدم في باب الربا من نفيه بين السيد و العبد؛ كالولد و الوالد الظاهر في ثبوت الملك له أيضا.

و قوله تعالى (2)«وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ» الآية بناء على أن الضمير في قوله يكونوا راجع إلى المذكورين سابقا و من جملتهم العبيد و الإماء، فيدل الجزاء على توقع الغناء و إمكانه في حقهم؛ و هو يدل على الملك إذ لا غناء بمال مملوك، و دعوى أن المراد من الغناء رغد العيش وسعته و لو بالإباحة، فلا ينافي ثبوته للعبيد، فإن حالهم في ذلك تابع لحال الموالي غالبا واضحة المنع.

نعم قد يقال أن المراد من الضمير غير العبيد، إذ لو أريد الأعم لم يكن عدمه في حق المماليك مانعا لهم من التزويج، لثبوت المهر و النفقة على المولى إذا كان النكاح بإذنه، و لا وجوده مرغبا، لتحقق الحجر المانع من التصرف و إن حصل الملك، و هو خلاف ما يقتضيه سياق الآية، و

الصحيح عن أبى جرير(3)قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل قال لمملوك له أنت حر و لي مالك، قال: لا يبدأ بالحرية قبل المال يقول لي:

مالك و أنت حر برضاء المملوك».

و المناقشة في سنده- باشتراك أبى جرير، و بالاضطراب لأن ثاني الشهيدين


1- 1 سورة الروم الآية- 38.
2- 2 سورة النور الآية 32.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب العتق الحديث- 5.

ج 24، ص: 183

رواها في موضعين عن جرير أحدهما عن أبى الحسن عليه السلام، و الأخر عن الصادق عليه السلام.

مع أن عن بعضهم نفى روايته عن الأول بلا واسطة، و في روايته عن الثاني كذلك الكلام المشهور؛ و عن النجاشي عن يونس أنه لم يسمع من الصادق عليه السلام الا حديثين- لا تقدح بعد الانجبار و الاعتضاد بما عرفت، كالمناقشة في متنه- بأن الإضافة على التوسع، و اعتبار رضا المملوك على الندب، كما يشهد له وقوع الأمر باعتباره في حيز النهي عن تقديم العتق على ذكر المال، المعلوم أنه ليس على

التحريم،- إذ هي كما ترى تكلف بلا داع و لا شاهد.

و

الصحيح عن الفضيل بن يسار(1)قال: «قال: لي عبد مسلم عارف أعتقه رجل فدخل به على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: من هذا السندي فقال: رجل عارف و أعتقه فلان فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليت إنى كنت أعتقته، فقال السندي لأبي عبد الله عليه السلام إني قلت لمولاي: بعني بسبعمائة درهم، و أنا أعطيك ثلاثمائة درهم، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: إن كان يوم اشترطت لك مال فعليك أن تعطيه، و إن لم يكن لك يومئذ مال فليس عليك شي ء».

و المناقشة في سنده- بأن الراوي فيها العبد الذي لم يظهر من الرواية إلا كونه مسلما عارفا، و لا يكفي ذلك في التوثيق، و في المتن بأن الإضافة بأدنى ملابسة، و إيجاب الدفع عليه بكون المال ملكا للبائع، و إنما جوز له بتعيينه المقدار تصرفه فيما عداه فيبقى المنع فيه ثابتا، فلا يكون دالا على الملك- كما ترى خصوصا الثانية، و

موثق إسحاق بن عمار(2)عن جعفر عن أبيه عليهما السلام، «أن عليا عليه السلام أعتق عبدا له فقال إن ملكك لي و لك و قد تركته لك».

و المناقشة فيه- بأنه؛ غير دال على ملك العبد بوجه، لان الخلاف في ملك العبد للمال،

و مقتضى الرواية ملك الرقبة مجازا بناء على أن له في نفسه حقا و ليس ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 51- من أبواب العتق الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 24- من أبواب العتق الحديث- 7-.

ج 24، ص: 184

من محل النزاع في شي ء، و حمل الملك هنا على ملك المال مع مخالفته لظاهر اللفظ لا وجه له، لانتفاء الشركة فيه على القولين، فإن ما يكتسبه العبد لنفسه إما أن يكون له بأسره، أو ينتفي عنه بأسره؛ فالتفصيل خلاف الإجماع، و حمل الشركة على المجاز يقتضي سقوط الاستدلال- يدفعها انسياق إرادة الأخير منها على أن للمولى انتزاع ما في يد العبد و تملكه فهو له حينئذ من هذه الجهة، و للعبد باعتبار ملكيته لنفس المال على الوجه المزبور بل لا ريب في صلاحية ذلك وجها للجمع بين ما يقتضي ملك السيد و ما يقتضي ملك العبد متمما نفيه عنه بإرادة الحجر عليه فيه، بل هو اولى من الجمع بحمل الأول على الحقيقة؛ و الثاني على إباحة التصرف باذن المولى، و أن الإضافة لأدنى ملابسة، و نحو ذلك مما لا يخفى على المتأمل عدم قابلية مجموع الأدلة له، فظهر من ذلك كله قوة ما استحسنه المصنف، و ما يقال- من منع المكافاة لما دل على نفي الملك لكثرته، و وضوح سند أكثره؛ و اعتضاده بالشهرة، كما عن التذكرة و موافقة ظاهر الآيتين المتقدمتين، و مطابقة الأصول و القواعد، و مناسبة الأحكام الكثيرة المتفرقة في مسائل الفقه و أبواب الحديث، كما سبقت إليه الإشارة، فيجب تأويل ما دل على الملك، أو حمله على التقية، لموافقته لمذهب كثير من العامة، فقد نقلوا القول بالملك عن مالك و الشافعي في القديم و أهل الظاهر و أحمد بن حنبل.

- قد عرفت اندفاع كثير منه و ربما كان حمل ما دل على نفي الملك على التقية أولى، لأنه مذهب أبي حنيفة المعلوم شدة التقية منه، و الثوري و إسحاق و أحمد في إحدى الروايتين، و الشافعي في الجديد، و أيضا قد يقال، إن المراد من النصوص الدالة على أن ماله لمولاه إذا بيع أو أعتق أو مات هو بقاء سلطنة البائع عليه التي ثبتت على المال حال العبودية، و لا دليل على زوالها بزوال الملك، بل ظاهر قوله عليه السلام إنما باع نفسه و لم يبع ماله» خلافه، و دعوى الإجماع على الانتقال إلى ملك المولى ممنوعة أشد المنع، و لو سلمت ثبت المطلوب، ضرورة اقتضاء الانتقال كون المال ملكا للعبد حتى يتجه انتقاله.

ج 24، ص: 185

نعم المسلم منه و من النصوص بقاء السلطنة التي كانت للمولى قبل البيع و العتق و الموت، فلا يبعد التزام كون الرقية باقية على حكم مال العبد؛ و إن كان سلطان التصرف للمولى و لا يعارضه سلطان المولى الثاني أو حرية العبد نفسه، بعد تعلق حق المولى الأول على وجه لا شركة معه، و بذلك ينكشف الاشكال عن الحكم في النصوص المزبورة، كما أنه يظهر منه عدم كون ذلك من الإرث في حال الموت؛ بل هو شي ء ثابت للسيد حال الحياة هذا.

و من مجموع ما ذكرنا يظهر لك وجوه المركبات، و لعل القول السادس الذي هو ملك غير تام يرجع إلى ما قلناه كما يومي إليه ما ذكر مستندا له، من أنه مقتضى الجمع بين ما دل على سلطان المولى على منعه من التصرف، بل عدم جواز تصرفه إلا باذنه، و بين ما دل على ملك العبد، بالحمل على الملك الغير التام؛ و أما السابع فقد قيل: إن مستنده قيام الإجماع و شهادة الأخبار بأن المولى إذا أذن لعبده في التصرف جاز للعبد ذلك، و هو ملك التصرف، ففيه أن الفرق بين ملك التصرف و إباحته غير واضح، و القياس على النكاح و التحليل يدفعه أن للبضع حكما آخر؛ و لذلك لا يدخله صلح و لا معاوضة بوجه من الوجوه و الله أعلم.

و على كل حال فلو كان في يد العبد المسلم عبد مسلم، و مولاه كافر ففي شرح الأستاذ بيع على جميع الأقوال، و لو انعكس بأن كان المولى مسلما و العبد كافرا، و كان في يده عبد بيع على القول بملكية العبد، أو تملكه المولى بناء على أن له الانتزاع الشامل للملك، دون القول بعدم ملكيته، و لو وطئ العبد جاريته من دون اذنه، حد على القول بعدم ملكه حد الزاني، و عزر على القول بالملك؛ و لا يجوز للمولى وطئ من تحت يد مملوكه من دون إذنه على القول بملكه إلا أن يقصد الملك.

و في شرح الأستاد لا يبعد جعل التصرف مملكا، و فيه بحث، و لا يصح له نكاحها إلا على القول بملكية العبد، و لو وهب كل من السيدين عبده لعبده الأخر دفعة بطل على القول بالملك: إذ لا يكون السيد ملكا لعبده؛ و كذا مع جهل التاريخ، و مع

ج 24، ص: 186

العلم به يملك السابق اللاحق دون العكس، و لو علم تاريخ أحدهما ففي الحكم بتأخير المجهول عنه إشكال ذكرناه غير مرة، إلى غير ذلك من الأحكام المتفرعة على القولين من الاستطاعة و وجوب وفاء الدين، و الإنفاق و نحو ذلك كما هو واضح و ليس منه على الظاهر.

[المسألة الثانية من اشترى عبدا له مال كان ماله لمولاه ]

المسألة الثانية التي هي من اشترى عبدا له مال كان ماله لمولاه، إلا أن يشترطه المشتري أو تكون قرينة على التبعية لثبوت الحكم المزبور على القولين، أما على القول بأن الملك للسيد فواضح؛ ضرورة عدم اندراج المال في اسم العبد؛ بل إضافته إليه إنما هي لأدنى ملابسة؛ و أما على القول بأن الملك للعبد، فلانتقاله عنه بالبيع إجماعا محكيا في شرح الأستاد بل فيه الاستدلال عليه به، و بظاهر الاخبار على تقدير الملك، لكن ستسمع في المسألة الثالثة عبارة عن المبسوط تنافي ذلك، للحكم فيها بالبقاء على ملك العبد.

و على كل حال فهما إن تم أولهما الحجة في ذلك، كما أن الاخبار الحجة على انتقاله إلى البائع دون المشتري،

قال محمد بن مسلم (1)«سألت أحدهما عليه السلام عن رجل باع مملوكا، فوجد له مال، فقال: المال للبائع، إنما باع نفسه؛ إلا أن يكون شرط عليه أن ما كان له من متاع فهو له»،

و

في خبر يحيى و أبى العلاء(2)«عن أبى عبد الله عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال: من باع عبدا و كان للعبد مال فالمال للبائع إلا أن يشترطه المبتاع، أمر رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بذلك»

إلى غير ذلك من النصوص، و لا استبعاد في ذلك، لجواز اشتراط ملكه ببقائه في يد مولاه، و يكون خروجه بمنزلة موته الناقل لما له إليه، أي على حسب انتقال مال الوصية إلى الموصى له؛ لا انتقال ارث، لما عرفت من عدم التوارث بين العبد و الحر، و تغير الحكم بالانتقال غير عزيز،


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 4- لكن عن يحيى بن أبى العلاء مع اختلاف يسير.

ج 24، ص: 187

كما في رجوع أمر نكاح العبد إلى مشتريه و إلى زوجته إذا أعتقت.

و من ذلك يظهر لك ما في المسالك من إشكال الحكم بكونه للبائع على تقدير الملكية، بأن ملك مالك لا ينتقل عنه إلا برضاه، و الحال أن العبد لا مدخل له في هذا النقل، ثم أنه بعد أن اعترف بأن هذه المسألة ذكرها من ملكه و

من أحاله؛ قال: «و لا يندفع الإشكال إلا إذا قلنا بأن المراد بملكية العبد تسلطه على الانتفاع بما قيل تملكه له، لا ملك الرقبة كما نقله في الدروس عن بعض القائلين بالملك، فيكون الملك على هذا الوجه غير مناف لملك البائع، لرقبته على وجه يتوجه به نقله إلى المشتري أو بقاؤه على ملكه، و فيه ما عرفت مضافا إلى ما تقدم سابقا من عدم وضوح الفرق بين ملك التصرف و إباحته فتأمل جيدا.

على أنه لا يتم على ظاهر المصنف فإنه مال إلى ملك العبد مطلقا مع حكمه بذلك، و هو صريح في إرادة ملك الرقبة كما اعترف هو به بعد ذلك، و قال اللهم إلا أن يحمل على ظاهر النص الدال على هذا الحكم، فيرد حينئذ بأنه دال على عدم ملك العبد لئلا ينافض الحكم المتفق عليه من عدم ملكية شخص مال غيره إلا برضاه و هو كما ترى لا يخلو من تناقض، و ما ذكره من الاتفاق بحيث يشمل ملك العبد المخالف لأحوال الملك بالحجر و بجواز الانتزاع و بغيرهما واضح المنع، فتأمل.

و كذا يظهر ما في المصابيح من الاستدلال بهذه النصوص على عدم الملكية، قال: «لانه لو كان ما في يد العبد له، لاستمر ملكه له عليه بعد البيع، و لم يكن شي ء من ذلك للمشترى، و لا البائع، لانتفاء الناقل عنه، و لا كان للسيد بيع المال معه، لعدم مالكيته له، و هو ظاهر، بل تعجب من الأصحاب حيث استدلوا بهذه على مالكية العبد، استناد إلى إضافة المال إليه فيها؛ و الظاهر منها الملك و هو ضعيف جدا لأن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة و ظهورها في الملك مع تسليمه مدفوع بقيام القرينة الصارفة».

قلت: قد عرفت عدم صرفها و أنه لا مانع عن القول بملكه ثم الانتقال عنه بالبيع للبائع كالموت، على أنه لو سلم كون مثل ذلك قرينة صارفة أمكن حمل هذه النصوص

ج 24، ص: 188

على أن المراد من مال العبد فيها ما كان للمولى، و أضيف إليه ككسوته و فراشه و نحوهما، لا أن العبد لا يصلح للملك أصلا، فلا يستدل بها عليه كما هو واضح و لولا الإجماع المدعى على الانتقال عن العبد على القول بملكه؛ لكان وجها جيدا لهذه النصوص.

و ربما يقال استثناء الاشتراط في هذه النصوص إنما يتجه على القول بالملكية، إذ معناه حينئذ أن مال العبد إذا بيع للبائع، إلا إذا اشتراط المشتري بقاؤه للعبد، لعموم

قوله عليه السلام (1)«المؤمنون عند شروطهم»

أما على القول بأنه ملك للبائع فقد يشكل اشتراطه للعبد بعدم قابليته للملك فلا يصح الاشتراط، و حمله على إرادة إبقاء الإباحة خلاف الظاهر بل معلوم البطلان لظهور النصوص في خروجه بذلك عن كونه ملكا للبائع، و أما اشتراطه للمشترى؛ فيشكل أيضا بأن المعلوم من الشرط في الأعيان تمليكها بأسبابها من بيع أو هبة أو نحو ذلك؛ لا أنه هو بنفسه

مملكا لها، بل أقصاه الإلزام بما يقتضي تمليكها من الأسباب، و لو سلم أعمية الشرط من ذلك؛ أمكن منع جريان حكم المبيع عليه من القبض في المجلس لو كان صرفا، و عدم جواز التفاضل لو كان ربويا، و الجهل و غيرها، مع أن ظاهر الأصحاب جريان جميع ذلك عليه لو اشترط.

اللهم إلا أن يلتزم إلحاق ذلك بالمبيع، أو يراد بالشرط المذكور في كلامهم الذي أجروا عليه الأحكام المزبورة بشرط التبعية في البيع للعبد، على معنى كونه مع ماله مبيعا فهو حينئذ و لو كان بالشرط كالمسألة الاتية التي ليست بصورة الشرط؛ بل قد يوجه الشرطية للمشتري على القول بالملكية أيضا على وجه يكون مبيعا أيضا، بأن للمولى التصرف بمال عبده قهرا عليه، و منه حينئذ بيعه فله اشتراطه حينئذ على وجه يكون مبيعا و إن لم يكن مالكا، و عدم البيع إلا في ملك مخصوص بذلك حينئذ،


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب الخيار الحديث- 2 و باب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 24، ص: 189

أو يقال إن هذا التصرف بنفسه مملكا، نحو ما سمعته في وطئ المولى جارية عبده، و ان كان فيه ما لا يخفى.

نعم قد يشكل على الأول جريان أحكام الربا و نحوه على مثل هذا البيع لإمكان دعوى ظهور أدلته في البيع للمالك، لا لنحو المقام الذي فرضنا المالك فيه العبد، و البيع للمولى، لكن ظاهر الأصحاب هنا جريان أحكام البيع بأسرها على تقدير الملك و عدمه كما يوضحه ما ذكروه في المسألة الاتية و لعله لإطلاق الأدلة أو عمومها.

نعم في شرح الأستاد أنه هل يلحق مال العبد بالتوابع كالشرب و الطريق و الحريم و نحوهما، فيسوغ فيه ما لا يسوغ فيما يدخل في المبيع أصالة أولا؟ بل يجرى فيه حكم الأصالة وجهان، قلت: لار ريب في قوة الثاني منهما، لعدم التبعية المحققة في المقام، فليس هو إلا بيعا أصليا، بل لا فرق في المشهور هنا بين جعله شطرا أو شرطا لما عرفت من رجوع الثاني هنا عند التأمل إلى الأول، لكن في شرح الأستاد الأقوى أنه يجرى في الثاني من المسامحة ما لا يجري في سابقه؛ فتأمل جيدا، هذا.

و في المختلف بعد أن حكى عن ابن حمزة صحة البيع بغير جنس ما عند البيع إذا لم يعرف مقدار ما معه، و فساده إذا باع بالجنس لجواز تطرق الربا، قال:

«لكن يبقى فيه إشكال من حيث أنه باع مجهولا، إلا أن يقال إن المال تابع فجهالته لا تمنع صحة البيع، و هو مؤيد لما احتمله الأستاد في شرحه، و لا ريب في ضعفه إذا كان المراد كل ما كان للعبد، لا مثل ثيابه و نحوها؛ و الله أعلم.

و على كل حال فما قيل: في أصل المسألة كما عن ابن البراج من التفصيل بأنه إن لم يعلم به البائع أي بمال العبد فهو له و إن علم فهو للمشترى ل

حسن زرارة(1)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يشترى المملوك


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2-.

ج 24، ص: 190

و له مال: لمن ماله؟ قال: إن كان علم البائع أن له مالا فهو للمشترى؛ و إن لم يكن علم فهو للبائع»

فواضح الضعف إذ الملك لا ينتقل إلى المشتري بمجرد العلم من دون صيغة؛ و الخبر المزبور قاصر عن مقاومة ما تقدم، المعتضد بما سمعت، و بأصالة بقاء ملك المولى بناء على ملكه، و بقاء سلطانه بناء على عدمه، و حيث سمعت الإجماع على الخروج عن العبيد بقي سلطان مولاه بلا معارض، إذ لا دليل يدل على دخوله في ملك المشتري بعد فرض خروجه عن ملك العبد الذي ثبت سلطنة مولاه على ما هو مملوك له كما هو واضح و لذا كان الأول مع كونه أظهر أشهر فيمكن حل الخبر المزبور حينئذ على اشتراط البائع للمشتري ذلك، أو على أن ذلك قرينة عليه و الله أعلم.

و لو قال المملوك للمشترى مثلا اشترني و لك على كذا لم يصح فلا يلزمه ما جعل له، و إن اشتراه أما على عدم الملك فواضح، و أما على الملك فللحجر عليه؛ فيتوقف على إجازة المولى كما في المسالك و غيرها، لكن في شرح الأستاد «لا يصح و لا تشتغل ذمة العبد له بشي ء لو أتى بالعمل، سواء كان للعبد مال أولا، ملكناه أو لا، أذن السيد أولا إلا أن يعود إلى

السيد فتشتغل ذمته دون العبد كما هو المشهور بين الأصحاب شهرة تفيد الإجماع، لأن كل من ذكر هذا الفرع حكم بذلك، و الساكت بعد أن مهد قاعدة لا أهلية له لتملك عين و لا منفعة، يستفاد منه امتناع أن يملك في ذمة المجعول له عملا، لا بعد العمل و لا قبله، و أنه لا قابلية له في المعاملة الشاغلة للذمة، و عموم نفي قدرته في الكتاب أبين شاهد في هذا الباب».

و فيه أنه لا وجه للمنع على القول بالملك مع الإذن من المولى في التصرف له فيما عنده من المال، سواء كان الجعل عينا أو في الذمة، و دعوى الشهرة التي يستفاد منها الإجماع على ذلك ممنوعة أشد المنع، كما لا يخفى على من لاحظ كلماتهم،

ج 24، ص: 191

خصوصا ما ذكروه فيما لو جعل للمولى ذلك على بيعه، الذي رواه الفضيل (1)عن الغلام السندي عن الصادق عليه السلام، المتقدم سابقا فإنهم قد صرحوا بالصحة حينئذ لحصول الاذن من المولى بسبب كون المعاملة معه؛ قال في الدروس: «

روى فضيل «أنه لو قال لمولاه: بعني بسبعمائة و لك علي ثلاثمائة لزمه إن كان له مال»

و أطلق

في صحيح الحلبي (2)«لزوم الجعالة البائعة»

و قال الشيخ و أتباعه: «و لو قال لأجنبي اشترني و لك على كذا لزمه إن كان له مال حينئذ» و هذا غير المروي، و أنكر ابن إدريس و من تبعه اللزوم و ان كان له مال، بناء على أن العبد لا يملك، و الأقرب ذلك في صورة الرواية فلا مانع منها على القولين، أما على أنه يملك فظاهر، و أما على عدمه فأظهر، و نحوه غيره و هو جيد جدا.

و منه يعلم النظر فيما ذكره الأستاد أيضا بعد ذلك «من أنه لو قال العبد لسيده:

بعني أو ملكني من معين أو مطلقا و لك على كذا؛ فكما إذا قال للمشترى لما ذكر هناك، و لانه لا يكون لصاحب المال على ماله مال و ما في بعض الاخبار مما ينافيه مطرح أو مأول بإرادة الوعد و نحوه، لقوة المعارض و لأنه في الصورتين يلزم على القول بالصحة أما اشتغال ذمته بالدفع قبل انتقاله، فذلك استحقاق قبل العمل؛ مع أنه لا تصرف له بشي ء ملكناه أولا و إن كان بعده كان ما في يده للبائع أو للمشتري فلا شي ء له في الحالين حتى على القول بملكه، لزواله بانتقاله، فالاستحقاق عليه بعد انتقاله الملزوم لذهاب ماله و استحقاق المطالبة بعد العتق لا تصحح معاملته، لأن الاقدام عليه سفه، و لو جاز ذلك لصحت إجارته و جعالاته و باقي معاملاته».

و هو كما ترى فيه نظر من وجوه حتى في نفي الذمة للعبد على وجه المزبور، و قاعدة عدم استحقاق المال على المال يمنع شمولها لنحو المقام، و أقصى ما يسلم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.

ج 24، ص: 192

منها في جناية العبد على المولى مثلا، فتأمل جيدا و قيل في مفروض المتن و القائل الشيخ و أتباعه كما سمعته من الدروس إن كان له مال حين قال له لزم و إلا فلا و هو غير المروي لما عرفت من مضمون خبري الفضيل (1)و الحلبي (2)في الجعل للمولى، فلا ريب حينئذ في ضعفه على القول بالملك و عدمه لما سمعت و الله أعلم.

و لو قال للمولى أعتقني فلك علي كذا ففي شرح الأستاد «توقف شغل ذمة المولى بالإعتاق على شغل ذمة العبد الموقوف على الملك للعمل في ذمة المولى الموقوف على الإعتاق و أما الكتابة فحكم خاص» و فيه نظر يعرف مما تقدم أيضا و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا ابتاعه و ماله فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقا]

المسألة الثالثة: قد تقدم ما يدل على أن مولى المملوك مثلا إذا ابتاعه و ماله بناء على أنهما معا ملك له، فإن كان الثمن من غير جنسه جاز مطلقا و كذا يجوز بجنسه إذا لم يكن ربويا أو كان الربا بينهما منفيا، و لو كان ربويا و بيع بجنسه على من يثبت الربا معه فلا بد من زيادة عن ماله تقابل المملوك تخلصا من الربا كما هو واضح، و في

الدعائم (3)عن جعفر بن محمد عليه السلام «فإن باعه بماله و كان المال عروضا و باعه بعين فالبيع جائز كان المال ما كان، و كذلك إن كان المال عينا و باعه بعروض، و إن كان المال عينا و باعه بعين مثله لم يجز إلا أن يكون الثمن أكثر من المال، فيكون رقبة العبد بالفاضل، إلا أن يكون المال و رقا و البيع بتبر أو المال تبرا و البيع بورق فلا بأس بالتفاضل، لانه من نوعين»

أما لو قلنا بملكه حقيقة لم يشترط في الثمن ما ذكر لان ماله حينئذ ليس جزء من المبيع، فلا يقابل بالثمن.

قلت: قد عرفت فيما تقدم أنه كذلك لو اشترط المشتري إبقاء مال العبد له،


1- 1 الوسائل الباب- 19- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب- 19- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
3- 3 الدعائم ج 2 ص 54.

ج 24، ص: 193

أما لو كان الشرط كون المال للمشترى، فقد سمعت قرة جريان الربا فيه أيضا، بناء على جواز هذا التصرف للسيد، فلاحظ و تأمل جيدا هذا. و لكن في الدروس «و لو اشتراه و ماله صح و لم يشترط عمله و لا التفصي من الربا إن قلنا يملك و إن أحلناه اشترطناه، و رواية زرارة مصرحة بإطلاق جواز زيادة ماله على ثمنه».

قلت: هي

قول زرارة في الصحيح (1)لأبي عبد الله عليه السلام «الرجل يشترى المملوك و ما له فقال:

لا بأس به؛ قلت: فيكون مال المملوك أكثر مما اشتراه به قال:

لا بأس به»

و ظاهر الشيخين في المقنعة و النهاية و المحكي عن سلار الفتوى بمضمونه بل هو مقتضى إطلاق المحكي عن ابن البراج و أبي الصلاح، و مقتضاه حينئذ عدم الربا في ذلك للصحيح المزبور.

و القدح في سنده في المختلف إنما يتم على طريق الشيخ؛ اما على طريق الصدوق فهو صحيح كما ذكرنا، و يكون حينئذ مستثنى من حكم الربا أو يكون ذلك بعنوان الشرط الخارج عن اسم البيع، بناء عي اختصاصه فيما لا يشمل ذلك، أو يكون هذا الصحيح مؤيدا للقول بالملك، فإنه لا ربا عليه إذا كان المراد بقاء المال على الملك العبد؛ قال: في المحكي عن المبسوط إذا باع عبدا قد ملكه ألفا بخمسمأة صح البيع على قول من يقول أنه يملك، و لو باع ألفا بخمسمأة لم يصح لانه ربا، و الفرق بينهما أنه إذا باع العبد فإنما يبع رقبته مع بقاء ما ملكه عليه؛ فصح ذلك، و لم يصح بيع الالف بخمسمأة أو يكون ذلك مؤيدا لما قلناه من أنه على تقدير الملك، و أن للسيد البيع، و إن كان ملكا للعبد يمكن نفى الربا لما قد عرفت سابقا أو غير ذلك فلاحظ و تأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الرابعة يجب أن يستبرء الأمة قبل بيعها]

المسألة الرابعة لا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم في أنه يجب على المالك أو وكيله أو وليه أن يستبرء الأمة قبل بيعها مثلا على الأصح في لحوق غير البيع به كما ستعرف، إن كان وطأها أي المالك و ما في المقنعة من التعبير عن ذلك بلفظ ينبغي مما يشعر بالخلاف؛ يصرفه ما في باب لحوق


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 194

الأولاد منها من التعبير عنه بلا يجوز، و

صحيح على بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الاسناد(1)«سألته عن الرجل يشتري الجارية فيقع عليها أ يصلح بيعها من الغد، قال:

لا بأس»

محمول على إرادة صحة البيع منه، أو على التي يسقط اشتراؤها باليأس و نحوه أو غير ذلك لمخالفته الفتوى، بل النصوص.

قال الصادق عليه السلام في صحيح حفص (2)في حديث «في رجل يبيع الأمة من رجل، عليه أن يستبرئ من قبل أن يبيع»

و

سأله أيضا ربيع بن القاسم (3)«عن الجارية التي لم تبلغ المحيض و يخاف عليها الحبل؟

قال: يستبرئ رحمها الذي يبيعها بخمسة و أربعين ليلة، و الذي يشتريها بخمسة و أربعين ليلة»

و قال أيضا

في الموثق (4)«الاستبراء واجب على الذي يريد أن يبيع الجارية ان كان يطأها، و على الذي يشتريها الاستبراء أيضا»

الى غير ذلك، و لعله لذا و غير نسب الوجوب المزبور إلى ظاهر روايات أصحابنا.

نعم صرح غير واحد بأنه لو باعها من غير استبراء أثم و صح البيع، لرجوع النهي إلى أمر خارج و لا بأس به، و إن كان لا يخلو من بحث إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، و عليه فالمتجه حينئذ تعين تسليمها إلى المشتري إذا طلبها، لأنها قد صارت ملكا من أملاكه.

نعم في المسالك احتمال بقاء وجوب الاستبراء قبله، و لو بالوضع على يد عدل لوجوبه قبل البيع فيستصحب، قال: «و أما بقاؤها عند البائع فلا يجب قطعا؛ لأنها صارت أجنبية منه» بل في جامع المقاصد «أنه لا وجه لسقوط الاستبراء عنه؛ فان قيل بعد وقوع البيع صارت حقا للمشتري، فلا يجوز منعه منها قلنا: قد ثبت وجوب الاستبراء سابقا على البائع فلا يسقط، غاية ما في الباب أن للمشتري إذا جهل الحال الفسخ، فان قيل: الاستبراء حق لله، و المبيع حق للادمي، و حق الله لا يعارض حق


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 18- من أبواب نكاح العبد و الإماء الحديث 5.

ج 24، ص: 195

الآدمي، قلنا: الاستبراء حق للبائع فلا يكون حقا لله محضا الى أن قال: و التحقيق أن يقال: إنه لو باع قبل الاستبراء يكون البيع مراعى، فإن ظهر حمل تبين بطلانه، لانه من المولى حيث كانت فراشا له، و إلا ثبتت الصحة، فلا يكون ملكا للمشترى، فلا يتعين التسليم إليه، بل و لا يجوز استصحابا لبقاء وجوب الاستبراء».

و هذا واضح لا شبهة فيه، و قد يشكل بأن الحكم في الظاهر كونها ملكا للمشترى لوجود المقتضي و عدم المانع و لو بالأصل، فلا ريب في جريان حكم الملك عليه، و منه وجوب التسليم إليه مع الطلب، إلا أن الظاهر عدم سقوط الاستبراء عنه، للأصل و وجود حكمة الاستبراء و عدم إرادة الوصف المفوت للمأمور به من قوله عليه السلام «قبل البيع» و إنما هو لتمكين البائع من الاستبراء.

و منه ينقدح أنه مع البيع ترتفع سلطنته على العين، فليس له حبسها للاستبراء بدون رضا المشتري، فإن كان عامدا في البيع قبله و لم يتمكن من أرضاه المشتري بالاستبراء، كان آثما و إن تعذر عليه إلا أنه بسوء اختياره، و طن لم يكن عامدا وجب عليه الاستبراء، كان آثما و إن تعذر عليه إلا أنه بسوء اختياره، و إن لم يكن عامدا وجب عليه الاستبراء مما يحصل به رضا المشتري؛ فإن لم يتمكن سقط عنه و لا إثم عليه، كما هو مقتضى الضوابط، و من ذلك يعلم أنه لا يجب الوضع عند عدل أو الإبقاء في يد البائع في استبراء المشتري قطعا، للأصل و ظاهر الأدلة، سواء كانت جميلة أو قبيحة، خلافا لمالك فلم يوجب تسليم الجميلة؛ و إنما توضع على يد عدل إلى تمام مدة الاستبراء للحقوق التهمة فيها، و لا ريب في فساده لمخافته لأصول المذهب و قواعده، و لو جامعها المالك بعد العقد قبل القبض فيما يعتبر فيه القبض، فعليه الاستبراء قبل الإقباض؛ و كذا لو عادت إليه بفسخ عبد الوطء أو كان قد وطأها قبل تملكها و الله أعلم. هذا.

و المراد باستبراء البائع- من الوطء في ذلك الطهر بحيضة أو خمسة أو أربعين يوما إن كانت مثلها تحيض و لم تحض هو انتظار حيضتها المتعقب لذلك الطهر ان كانت ممن تحيض؛ و ترك الوطء قبلا و دبرا خمسة و أربعين يوما ان كان مثله تحيض و لم تحض، و لا يجب عليه ترك الوطء فضلا عن باقي الاستمتاعات في الأول إذ لا ثمرة له بعد اشتراط تعقب الحيض.

نعم لو وطأها بعد تمام الحيض احتاج في جواز البيع إلى انتظار حيض آخر؛

ج 24، ص: 196

للاستبراء من الوطء المتجدد كما هو واضح، فما في الرياض و شرح الأستاد من اعتبار ترك الوطء دون باقي الاستمتاعات في استبراء البائع لا وجه له، نعم هو كذلك في استبراء المشتري، بل عن المبسوط اعتبار ترك باقي الاستمتاعات فيه أيضا، بل في التحرير- ما يوافقه-: «من اشترى جارية حرم عليه وطؤها قبلا و غيره، و تقبيلها و لمسها بشهوة حتى يستبرئها» و عن حواشي الشهيد أنه حرم في الدروس القبلة خاصة، و إن كانت النصوص المعتضدة بالفتاوي و الأصل و انتفاء وجه الحكمة و المحكي عن الخلاف من إجماع الفرقة و أخبارهم على خلافهما، ف

في صحيح محمد بن إسماعيل (1)«قلت أ يحل للمشترى ملامستها؟ قال: نعم، و لا يقرب فرجها»

و

الموثق (2)«فيحل له أن يأتيها فيما دون فرجها؟ قال: نعم قبل أن يستبرئها»

و خبر «محمد عن أبى عبد الله» عليه السلام (3)«لا بأس بالتفخيذ لها حتى تستبرئها و إن صبرت فهو خير لك»

مع أنه لم نقف على معارض لذلك؛ سوى ما قيل من قياس الاستبراء على العدة الذي هو مع كونه مع الفارق لا يجوز العمل به في مذهبنا و

ما في الموثق (4)«عن الرجل يشتري الجارية و هي حبلى أ يطأها قال: لا قلت: فدون الفرج؟ قال: لا يقربها»

و هو مع أنه في الحبلى التي لا استبراء فيها يتجه حمله على الكراهة كما أومى إليه الخبر الأخير، فظهر من ذلك الفرق بين استبراء البائع و المشتري في ذات الحيض، بل ظني أن الخلاف المزبور في ضم باقي الاستمتاعات إلى الوطء إنما هو في استبراء، المشتري دون البائع؛ و إن كان يوهمه عبارة التحرير.

نعم قد يتوقف في اعتبار ترك الوطء دبرا في الاستبراء، بل و في الاستبراء منه، للأصل بعد اختصاص الموجب من النص بحكم التبادر و إن كان فيه لفظ الفرج بمحل


1- 1 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 18- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1 لكن عن عبد الله بن محمد.
4- 4 الوسائل الباب- 5- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.

ج 24، ص: 197

الفرض فلا يجوز التعدي إلى الغير، بل مال إليه في الرياض، فإنه بعد أن حكى عن بعض المحققين الخلاف في تعميم الوطء للدبر، فخصه بالقبل، و أنه هو الظاهر من الحلي حيث أوجب الاستبراء بتركه خاصة للمشتري، قال: «و لا يخلو من قرب إن لم يحصل بوطئ الدبر خوف سبق الماء في القبل، الموجب لخشية الحبل، بل حصل القطع بعدمه بالعزل نحوه.

و منه يظهر وجه الإشكال في التعميم الوطء له مع العزل الموجب للقطع بعدم الحبل من هذا الوطء و لا فرق فيه بين القبل و الدبر، قلت: لا أجد خلافا في اعتبار ترك الوطء في القبل من الاستبراء، و لو مع العزل كما لا أجده في اعتبار الاستبراء منه، إذا كان كذلك أيضا، لإطلاق النص و الفتوى، و لعله لعدم القطع بعدم الحبل منه، و لذا يلحق به الولد معه، ضرورة إمكان سبق الماء من غير شعور، و غير ذلك.

و منه يتجه حينئذ ما عند الأصحاب من اعتبار ترك الوطء فيهما خصوصا بناء على إمكان تحقق الحبل بالوطي في الدبر لوجود المسلك منه إلى الفرج فلا يجدي حينئذ العزل كما لا يجدى لو كان في الفرج، و فرض حصول القطع بعدم الحبل من الوطء نادر، لا تنزل عليه النصوص و الفتاوى، مضافا إلى أن ذلك هو الموافق للاحتياط المؤكد طلبه في الأنساب.

هذا كله مع

ما في الصحيح (1)عن أبى الحسن الرضا عليه السلام «قال: سألته عن رجل يبيع جارية كان يعزل عنها، هل عليه منها استبراء قال: نعم»

و أيضا ظاهر النهي في النصوص و غيرها التعبد إذ ليس في شي ء منها ما يقتضي كون ذلك من جهة الحبل على وجه يكون عليه المدار و دعوى أن المنساق منها ذلك واضحة المنع، خصوصا صحيح العزل الذي لا حمل معه غالبا، ثم إنه لا خلاف أيضا في حصول الاستبراء بحيضة، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه؛ و به نطقت النصوص أيضا، فما

في الصحيح (2)«عن


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.

ج 24، ص: 198

جارية تشترى من رجل مسلم يزعم أنه قد استبرأها أ يجزي ذلك أم لا بد من استبرائها؟

قال: يستبرئها بحيضتين»

و

الصحيح (1)عن الرضا عليه السلام «قال: سألته عن أدنى ما يجزي من الاستبراء للمشتري و

البائع قال: أهل المدينة يقولون حيضة، و كان جعفر عليه السلام يقول حيضتان»

فشاذ مردود بصريح النصوص و الفتاوى، و فحوى ما دل على الاكتفاء بتام الحيضة أو محمول على الندب، كما يومي إليه في الجملة

موثق سماعة(2)«سألته عن رجل اشترى جارية و هي طامث أ يستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو يكفيه هذه الحيضة، قال لا بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بأخرى فلا بأس هي بمنزلة فضل»

و لعل العامة في المدينة كانوا ينكرون استحباب الحيضتين، و أما المدة فلا خلاف نصا و فتوى في الاكتفاء بها، إلا من المفيد في المقنعة في المقام فجعلها ثلاثة أشهر، و هو مع أنه مخالف لأصالة عدم الزائد في وجه،- و لا مستند له سوى القياس على الحرة المطلقة، المردود بأن مقتضاه القياس على الأمة المطلقة؛ و عدتها إذا لم تكن مستقيمة الحيض خمسة و أربعون يوما بالإجماع و الاخبار- قد وافق الأصحاب في باب لحوق الأولاد من المقنعة، و لو شك في انتهاء المدة و عدمه، فالأصل مع الثاني و هو غير أصالة عدم الزائد المتقدمة و من

خبر عبد الله بن سنان (3)«سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الجارية و لم تحض فقال: يعتزلها شهرا إن كانت قد مست»

المحمول في الوسائل على الغالب من حصول الحيضة في الشهر و إن كان بعيدا، و يمكن

حمله على مجهولة البلوغ بإرادة الندب من الاعتزال المزبور احتياطا هذا.

و قد اتفق ما عثرنا عليه من الفتاوى على التعبير باليوم كبعض النصوص لكن في آخر ليلة، و يمكن إرادته منها، و الظاهر دخول المنكسر بعد التلفيق، كما في غيره، و في شرح الأستاد أنه تدخل في الخمسة و أربعين الليالي المتوسطة دون الاولى، و الآخرة


1- 1 الوسائل الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 4.

ج 24، ص: 199

و المنكسر لا يحسب يوما مستقلا، و يقوى احتسابه بالإكمال، و هو جيد و الله أعلم.

و كذلك يجب على المشتري استبراء الأمة بما عرفت إذا جهل حالها بالنسبة إلى وطئ المالك الذي لم يستبرئها منه و عدمه، فضلا عما إذا علم حالها أنها كذلك، من غير خلاف يعرف فيه؛ بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص كادت تكون متواترة فيه، بل

في بعضها(1)«إن الذين يشترون الإماء ثم يأتونهن قبل أن يستبرؤوهن فأولئك الزناة بأموالهم»

أما إذا علم العدم ففي الرياض «لا يجب اتفاقا نصا و فتوى» و المراد العلم بعدم وطئ خصوص المالك؛ و إن قام احتمال وطئ غيره، و هو كذلك، للأصل السالم عن المعارض بعد الاقتصار في النصوص على المتيقن.

نعم قد يشكل الحال فيما إذا علم وطئ غير المالك لها بغير زنا، فان سقوط الاستبراء فيه و العدة كما يقتضيه ظاهر بعض الفتاوى هنا في غاية الإشكال، بل جزم الأستاد في شرحه بوجوب الاستبراء فيه، و هو ظاهر كلامهم في باب النكاح، بل هو متقضى كونه وطئا محرما، و قد علم من وضع العدد و الاستبراء و نحوهما عدم إرادة الشارع اختلاط الأنساب، بل يمكن دعوى كون ذلك مجمعا عليه بينهم؛ على أن ذلك هو مقتضى إطلاق أدلة الاستبراء، و

في صحيح الحلبي (2)عن الصادق (ع) «في رجل اشترى جارية لم يكن صاحبها يطأها أ يستبرئ رحمها؟ قال: نعم»

اللهم إلا أن يحمل على اخبار صاحبها بذلك و لم يكن ثقة مأمونا.

نعم قد يتوقف في أن الواجب العدة أو الاستبراء، و هو مبني على تحقيق كون أيهما الأصل في الإماء و مع فرض عدم ثبوت ذلك يتجه مراعاة الأصول في مقتضى كل منهما؛ فلا يجوز الوطء حتى تمضي مدة العدة، للأصل، و لكن لا يجرى حكم العقد في العدة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 5-.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 200

و هكذا، و مقتضى خبر الحسن بن صالح (1)الاكتفاء بالحيضة و إن سبق النكاح، و قد ذكرنا في كتاب نكاح الإماء ما له مدخلية في المقام فلاحظ و تأمل.

و لا يجب على البائع الاستبراء من احتمال وطئ غيره، للأصل، أما مع العلم بالمحترم منه فقد يحتمل القول بالاستبراء فيه، لكن مقتضى الأصل و ظاهر المتن و غيره بل صريح بعضهم خلافه؛ فصار الفرق بين البائع و المشتري أن الأول إنما يجب الاستبراء عليه من وطئه خاصة إذا أراد البيع دون وطئ غيره المعلوم، فضلا عن المحتمل؛ و أما المشتري فيجب عليه من وطئ المالك المعلوم أو المحتمل، و من وطى الغير إذا كان معلوما محترما دون المحتمل، لكن تحصيل تمام هذا التفصيل من النصوص لا يخلو من إشكال، و إن كان الحكم في البائع موافقا للأصل، كموافقة عدم وجوب الاستبراء على المشتري من احتمال وطئ الغير؛ لكن إطلاق النصوص لا ينطبق على ذلك، اللهم إلا أن تنزل عليه بمعونة الفتاوى فتأمل.

ثم إن المشهور نقلا و تحصيلا عدم اختصاص الاستبراء بالبيع بل كل من ملك أمة بوجه من وجوه التملك من بيع أو هبة أو إرث أو صلح أو استرقاق أو غير ذلك وجب عليه قبل وطئها الاستبراء، و عن الخلاف الإجماع عليه، بل قيل: إنه إي الإجماع قد يظهر من الغنية أيضا، خلافا للمحكي عن ابن إدريس فخصه بالبائع و المشتري، للأصل لكن المحكي عنه في باب السراسرى موافقة الأصحاب، فتكون المسألة حينئذ إجماعية، و لذلك يتأيد فهم التعدية من النصوص و أن ذكر البيع فيها مثال.

خصوصا في نحو صحيح الحلبي (2)و خبر عبد الله بن عمر(3)و غيرهما مضافا إلى

خبر الحسن بن صالح (4)عن الصادق عليه السلام «نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 24، ص: 201

أوطاس استبرؤا سباياكم بحيضة»

متمما بعدم القول بالفصل و كذا بالنسبة إلى البائع فيلحق به حينئذ الواهب و المصالح و غيرهما، و لو كان العقد موقوفا على الإجازة تعلق الحكم بها فيتوقف إيقاعها عليه، قيل: و يختلف حال الكشف و النقل هنا، في بعض الأحوال.

و على كل حال فلو وطأها قبل الاستبراء عامدا أو غافلا لحق به الولد على ما صرح به غير واحد، لأنها فراشه حينئذ، و قد يحتمل بقاء فراش الأول تمام مدة الاستبراء كما يومي إليه الحكم بكون المالك زانيا فيما سمعته سابقا من النص، و عليه ينجه عدم سقوط وجوب الاستبراء عنه بعد الوطء بل احتمل وجوبه على الأول: لإطلاق الأدلة، و فيه أنه لا فائدة له حينئذ، و يمكن منع شمول الإطلاق له، فتأمل.

و في شرح الأستاد «أنه يقوى عدم السقوط مع العزل و عدم الامناء أو الوطء قبل البلوغ فبلغ قبل انقضاء المدة» و هو جيد، و فيه أيضا «انه لو وطئ أحد الشريكين لم يبعد سقوط الاستبراء في منقوص الوطء لو اشترى حصة شريكه و لعله للحوق الولد به؛ فاستبراء

عليه من احتمال وطئ الشريك؛ و لو أراد الشريك شراء حصة الواطئ فقد يقال: إن المتجه عدم الاستبراء إذا كان زنا، و إن لحق به الولد و إلا اتجه الاستبراء لكن التصريح في النص بعدم جواز الشراء حتى يحصل الاستبراء فلاحظ.

و تأمل هذا.

و قد ينزل على ما سمعته في أصل المسألة

خبر الصيقل (1)قال: «سمعت الصادق عليه السلام يقول: و قد سئل عن رجل اشترى جارية ثم وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها قال: بئس ما صنع يستغفر الله و لا يعود، قلت: فإن باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها ثم باعها الثاني من رجل آخر فوقع عليها، و لا استبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام الولد للفراش و للعاهر الحجر»

فإن أرادته الأخير هذا، و الذي يقتضيه أصول المذهب و قواعده عدم الفرق بين


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.

ج 24، ص: 202

الجارية مدة الاستبراء و غيرها، في كون التلف من البائع إذا لم يقبضها المشتري و إلا كان منه إذا لم يكن مختصا بالخيار، فما عن المفيد و النهاية من إطلاق كون التلف من البائع إذا تلفت معزولة عند انسان للاستبراء في غير محله، إلا أن ينزل على عدم وكالة الإنسان عن المشتري في القبض، و كذا مع

عنهما و ابن حمزة و الفاضل في بعض كتبه من أن النفقة مدة الاستبراء على البائع، إذ المعهود منها تبعيتها للملك، فالمتجه كونها على المشتري حتى لو وضعت على ذي عدل؛ خلافا للمحكي عن الفاضل فجعلها على البائع معه و الله أعلم.

و كيف كان ف يسقط استبراؤها بالعلم ببراءة الرحم، بل لا موضوع له حينئذ و إذا أخبر الثقة أنه استبرأها أو لم يطأها على المشهور، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة المحمول مطلقها- ك

قول العبد الصالح عليه السلام في خبر محمد بن حكيم (1)«إذا اشتريت جارية فضمن لك مولاها أنها على طهر فلا بأس أن تقع عليها»

- على مقيدة بالوثاقة، ك

حسن حفص البختري (2)عن الصادق عليه السلام «في الرجل يشتري الأمة من رجل فيقول إنى لم أطأها فقال:

إن وثق به فلا بأس أن يأتيها»

و ك

صحيح أبى بصير(3)«قلت للصادق عليه السلام الرجل يشتري الجارية و هي طاهر و يزعم صاحبها أنه لم يسمها منذ حاضت؟ فقال: إن ائتمنه فليسمها»

ك

قوله عليه السلام في خبر ابن سنان (4)«إن كان عندك أمينا فسمها»

و

في المقنعة روي (5)«أنه لا بأس للإنسان أن يطأ الجارية من غير استبراء لها إذا كان بائعها قد أخبره باستبرائها و كان صادقا في ظاهره مأمونا»

لكن

قال:

ابن سنان (6)للصادق عليه السلام «أ فرأيت ان ابتاع الجارية و هي طاهر و زعم صاحبها أنه لم يطأها منذ طهرت؟ فقال: إن كان عدلا أمينا فسمها، و قال: إن ذا الأمر شديد


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 24، ص: 203

فإن كنت لا بد فاعلا فتحفظ لا تنزل عليها»

و عن بعضهم أنه حمله على كونه أمينا بحسب الظاهر، لا المعاشرة، و لعل حمله على الندب أولى.

و على كل حال فظاهر النص و الفتوى اعتبار كون المخبر، البائع مع ذلك، لكن في شرح الأستاد أنه يسقط الاستبراء بشهادة عدلين و بإخبار ولي المشتري أو لكن في شرح الأستاد

أنه يسقط الاستبراء بشهادة عدلين و بإخبار ولي المشتري أو وكيله و إن لم يكونا ثقتين، و كذا لو أخبر الثقة ذكرا كان أولا، مالكا كان أولا، بالاستبراء كما ينسب إلى الأكثر، و يظهر نقل الإجماع فيه للأصل الجاري على بعض الوجوه و للأخبار و هو كما ترى، و عليه فرع أنه لو تعارض خبر الثقتين و أحدهما مالك احتمل ترجيحه، و ترجيح خبر المثبت أو النافي، ثم قال: و لو اختلف الشركاء فيها أخذنا بالترجيح، كما لو اختلف الخارجون و مع التساوي يلزم الاستبراء هذا.

و في أكثر العبارات الثقة كالمتن، و في بعض منها العدل، و في جامع المقاصد أنه المراد من الثقة. لأن غير العدل لا يعد ثقة، و في الأخبار اعتبار وثوق المشتري، و لا ريب أنه لا يتحقق الوثوق غالبا بدون العدالة، و احتمل ثاني الشهيدين الاكتفاء بمن تسكن إليه النفس، و تثق بخبره، بل جزم به بعض متأخري المتأخرين لخلو النصوص عن اعتبار الثقة بمعنى العدل، سوى ما

عن الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السلام (1)الذي لم تثبت حجيته، قال: «إن كان البائع ثقة و ذكر أنه استبرأها جاز نكاحها من وقته، و إن لم يكن ثقة استبرأها المشتري بحيضة».

و فيه أنه يمكن أن يكون ما في النصوص من الموثوق و لأمانه إشارة إليه، مضافا إلى ما سمعته من خبر ابن سنان، و ظاهر الأستاد في شرحه الفرق بين الوثاقة و العدالة فقال: «و في الاكتفاء بمجرد الوثاقة كما في ظاهر

الأكثر و يظهر من أكثر الأخبار للتعبير بلفظها في بعضها، و بالأمانة منفردة أو مع قيد الصدق في بعض آخر منها وجه قريب، و اعتبارها بشرط العدالة كما صرح به بعض، لان الظاهر


1- 1 المستدرك ج 2 ص 486.

ج 24، ص: 204

من إطلاق الوثاقة دخول العدالة فيها أقرب، و أما الاكتفاء بمجرد العدالة كما يظهر من إطلاق آخرين فبعيد، و يمكن إرادة الوثاقة منها و الاجتزاء بذكرها عنها» و فيه ما قد عرفت من أن ظاهر الفتاوى اتحاد المراد منهما؛ و أما النصوص فتحتمل ذلك؛ و تحتمل إرادة من تسكن إليه النفس، و الأول أولى فاحتمال إرادة أمر زائد على العدالة بعيد عن النص و الفتوى.

و على كل حال ففيه أيضا أنه لو أخبر عدل و فسق قبل الوطء عول عليه، بخلاف العكس، إلا أن يعيد الخبر و لو وطئ اعتمادا على الخبر فعدل أو خرج عن العدالة فلا استبراء، و لو كذب في دعوى الاستبراء ثم ظهر الحمل منه ردت إليه و رجع المشتري بالثمن و كل غرامة غرمها، أما لو علم بكذبه فأقدم رجع بالثمن مع بقائه و في الرجوع به مع التلف و بالغرامة وجهان، و مع العلم بفسقه و عدم المعذورية شرعا يضعف احتمال عدم الرجوع و إن عصى في وطئه، و في اعتبار خبر الأمة مع الوثاقة وجهان، أقواهما القبول، و هو جيد في البعض، لا يخلو من نظر في الأخر.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك ضعف ما عن ابن إدريس و فخر الدين من وجوب الاستبراء و إن أخبر الثقة، لنصوص ما بين قاصرة السند أو ضعيفة الدلالة، أو مخالفة للمجمع عليه في الظاهر، كصحيح الحيضتين (1)المتقدم سابقا و كصحيح الحلبي (2)المحمول كما عرفت على عدم أمانة المخبر أو على الاستبراء من وطئ غير المالك، و أما

الخبر(3)«أشترى الجارية من الرجل المأمون فيخبر في أنه لم يمسها منذ طمثت عنده و طهرت؟ فقال: ليس بجائز أن تأتيها حتى تستبرئها بحيضة»

فيجب حمله على الندب الذي أشعرت به بعض النصوص السابقة بل أو يطرح لقصوره


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب بيع الحيوان الحديث 5.

ج 24، ص: 205

عن المعارضة من وجوه لاتخفى، كما أنه قد ظهر لك أيضا مما ذكرنا من النصوص أنه لا فرق في الاخبار بين كونه بعدم الوطء الموافق للأصل و بالاستبراء المخالف له، لا انها تضمنت الأول خاصة، و الحق الثاني به، حتى يتجه ما يقال من وضوح الفرق بينهما، و الله أعلم.

و كذا يسقط استبراؤها عن المشتري لو كانت الجارية لامرأة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، للأصل و المعتبرة المستفيضة منها

الصحيح (1)«عن الأمة تكون لامرأة فتبيعها؟ قال: لا بأس أن يطأها من قبل أن يستبرأها»

و نحوه الموثق كالصحيح بل قيل أنه صحيح، و

في صحيح زرارة(2)«اشتريت جارية بالبصرة من امرأة فخبرتني أنه لم يطأها أحد فوقعت عليها و لم استبرئها، فسألت عن ذلك أبا جعفر عليه السلام فقال: هو ذا، أنا قد فعلت ذلك و ما أريد أن أعود».

نعم في الرياض أنه ربما يستشعر منه أشراط الحكم هنا بعدم معلومية وطئ في ملك الامرأة بتحليل و نحوه بل مطلقا و مقتضاه وجوب الاستبراء عند عدم الشرط و لعله كذلك و يعضده انسحاب وجه الحكمة هنا أيضا إلا أن مقتضاه الاكتفاء باحتمال الوطء لا اشتراط العلم به، و لا ريب أنه أحوط إذا لم تخير بعدم الوطء بل مطلقا كما عن الحلي و فخر المحققين، و إن كان في تعيينه نظر لإطلاق الصحيحين الأولين المعتضدين بالأصلين، و بإطلاق الفتاوى فيقيد بهما الحكمة إن عمت، مع أن عمومها محل نظر، لاحتمال الخوف الذي هو الأصل فيها الغالب في الشراء من الرجل، لا مطلقه، و ينبغي القطع باشتراط عدم المعلومية التقاتا إلى الحكمة، و عليه ينزل الإطلاقات و يفرق حينئذ بين الشراء منها و من الرجل بوجوب الاستبراء في الثاني مطلقا إلا مع أعلم، أو ما في حكمه بعدم الوطء أصلا، و عدمه


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.

ج 24، ص: 206

في الأول كذلك إلا مع العلم بدخول المحترم أو المطلق، و هو الأقوى».

قلت لا بأس بتنزيل إطلاق النص و الفتوى على ذلك، لخوف لزوم الفساد باختلاط الأنساب الذي هو الحكمة في وضع العدد و الاستبراء؛ كما استفيد من تتبع الاخبار و كلام الأصحاب في تضاعيف الأبواب، لكن قد يقال أن المتيقن من تقيدهما إذا علم حصول وطئ محترم لم يتعقبه حيض، و إلا فالعلم بالتزويج أو التحليل أو نحو ذلك أعم منه، و الأصل براءة الذمة من الاستبراء، مضافا إلى إطلاق النص و ليس في صحيح زرارة ما يصلح للتقييد.

نعم قد يقال بملاحظة كلامهم في باب النكاح أنه من المعلوم وجوب العدة أو الاستبراء لكل سبب مزيل للنكاح، و إن كان باختيار المشتري الفسخ فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فيلحق بها كل من لا قابلية له للوطء لصغر أو كبر أوجب أو عنن أو عروض مرض، لا للقياس الباطل في مذهبنا، بل لما عرفت من اشتراط الاستبراء بالعلم بوطئ المالك، أو احتماله أو العلم بوطئ محترم من غيره لم يتعقبه حيض مثلا و لو بالاستصحاب، فما في المسالك «من أن المناسب للأصول الشرعية عدم الإلحاق» في غير محله، خصوصا بعد قوله فيها: «و ليس من مواضع الاشكال ما لو باعتها المرأة لرجل في المجلس فباعها حينئذ، بل لا يجب الاستبراء هنا قطعا، للعلم بعدم وطئ البائع ثم قال: و قد يحتال لسقوط الاستبراء ببيعها لامرأة ثم شراؤها منها، لاندراجها حينئذ في أمة المرأة نظرا إلى إطلاق النص من غير تعليل، و كذا لو باعها لرجل ثم اشتراها منه قبل وطئه لها، حيث يجوز ذلك».

و قد تبع في بعض ذلك الكركي في مجامعة فإنه قال: «و قد يحتال لإسقاط وجوب الاستبراء في غير حديث، و منها- بيعها من امرأة ثم شراؤها منها- لاندراجها في أمة المرأة، و لو ألحقنا بالمرأة غيرها كالطفل أمكن ذلك. و لو باعها لرجل ثم اشتراها

ج 24، ص: 207

منه حيث يجوز، أمكن الحكم بالسقوط أيضا، و منها- ما لو زوجها فطلقها الزوج قبل الدخول فإنها مطلقة غير مدخول بها، فلا عدة و لا استبراء عليها، و ما كان واجبا قبل ذلك فقد سقط بالعقد عليها، مع احتمال بقاء الوجوب هنا، نعم لو باعها لغيره ثم تزوجها منه أو ألحه وطأها فإنه لا استبراء هنا، لان النكاح لا يجب الاستبراء قبله، إلا أن يعلم الوطء، و لهذا لو أعتقها جاز أن يتزوجها في الحال، فلو شراها حينئذ فلا استبراء، لما عرفت من أن السابق قد سقط، و اللاحق لا يقتضي وجوب الاستبراء حينئذ، و هذا وجه قوي، و يكون هذا من المواضع التي يسقط فيها الاستبراء» قلت: و لكن يبغى أن يعلم أولا أن ذلك كله إلا لم يعلم بالوطي المحترم الذي يجب الاستبراء منه، و إلا فلا حيلة لإسقاطه على الظاهر، كما أومى إليه الفاضل المزبور في حيلة التزويج، و إن كان مقتضى بعض إطلاقات الحيل المزبورة سقوطه، إلا أنه لا بد من تقييده، لما عرفت من اختلاط الأنساب، كما أنه يبغى أن يعلم أن الاستبراء الواجب على المشتري و لو باحتمال وطئ المالك إنما هو للوطء، أما البيع و نحوه فلا يجب الاستبراء له عليه، فيجوز له حينئذ بيعها قبله، فإذا باعها من الامرأة أو الرجل ثم شراها منه في المجلس مثلا سقط الاستبراء الاحتمالى عنه، لاحتياج عود وجوبه عليه إلى دليل.

لكن و مع ذلك ففي النفس منه شي ء خصوصا في أمر الفروج المأمور بشدة الاحتياط فيها، مخافة اختلاط الأنساب، بل قد يقال: إن السقوط من جهة صدق كونها جارية امرأة لا ينافي الثبوت من حيثية أخرى، و هي أنها جارية قد اشتريت ممن يجب استبراؤها منه لاحتمال الوطء، بل نحو ذلك يجري أيضا في باقي الحيل، و إن اختلف قوة و ضعفا، بل ربما كان في بعضها من تعارض العموم من وجه فتأمل جيدا.

و طريق الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة غير خفي، و تسمع إنشاء الله في كتاب النكاح جملة من الكلام في ذلك، و الله أعلم.

و بالجملة يسقط استبراؤها بذلك أو كانت في سن من لا تحيض لصغر

ج 24، ص: 208

فلم تبلغ التسع أو ل كبر بلغت حد اليأس، بلا خلاف أجده في شي ء منهما، و قد

سأل عبد الرحمن (1)أبا عبد الله عليه السلام «عن الرجل يشتري الجارية التي لم تبلغ حد الحيض أو لم تحض؟ فقال: لا عدة عليها»

الحديث، و

قال له أيضا عبد الله بن عمر(2)«الجارية الصغيرة يشتريها الرجل و هي لم تدرك، أو قد يئست من المحيض؟

فقال: لا بأس بها أن لا يستبرأها»

و نحوه رواه الصدوق (3)مرسلا عن الباقر عليه السلام؛

و قال الصادق عليه السلام أيضا في صحيح الحلبي (4)«في رجل ابتاع جارية لم تطمث إن كانت صغيرة لا يتخوف عليها الحمل فليس عليها عدة فليطأها؛ إن شاء»

و قال أيضا

في خبر ابن أبى يعفور(5)«في الجارية التي لم تطمث و لم تبلغ الحمل ان اشتراها الرجل ليس عليها عدة يقع عليها»

و المراد من التي لم تبلغ الحيض و يخاف عليها

في خبري ربيع ابن القاسم (6)و منصور بن حازم (7)«الذي أمر فيهما بالاستبراء بالمدة

من بلغت تسعا، و لكن لم تبلغ المعتاد من زمن الحيض، فان مثلها تستبرئ بالمدة»

كما في الخبرين المزبورين، إذ المراد بالصغيرة عندنا من لم تبلغ ذلك خلافا لبعض متأخري المتأخرين فمن لم تبلغ الحيض عادة، و النص و الفتوى بخلافه، كما تسمعه في باب العدد و غيرها من محاله، كما أن المراد ممن لم تخص أو قعدت عن الحيض

في خبر عبد الرحمن بن أبى عبد الله (8)عن الصادق عليه السلام، «من كانت في سن من تحيض و لم تحض، قال: فيه «في الرجل يشتري الجارية و لم تحض أو قعدت عن المحيض كم عدتها قال: خمس و أربعون ليلة»

و إن كان المراد في خبره السابق الصغيرة و اليائسة، فلا تنافي حينئذ بين النصوص، بناء على ما ذكرنا.


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 8.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 10.
4- 4 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
5- 5 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.
6- 6 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 7.
7- 7 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
8- 8 الوسائل الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 6.

ج 24، ص: 209

نعم قد يستشكل في النصوص السابقة بظهورها في جواز وطئ الصغيرة و هو معلوم البطلان، بناء على تفسير الصغيرة بما ذكرنا، و يدفع بمنع ظهورها في ذلك، بل يمكن حملها على إرادة أنها صغيرة عند البائع ثم بلغت عند المشتري، و لا مانع من حيث الاستبراء، أو يراد لا استبراء عليها، و إن وطأها البائع محرما أو غير ذلك، مما يمكن تنزيلها عليه،

كما أنه قد يستشكل في خصوص مضمر سماعة(1)الذي هو ما

في صحيح الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام «في جارية لم تحض قال أمرها شديد، غير أنه إن أتاها فلا ينزل عليها حتى تستبين له إن كان بها حبل، قلت: و في كم تستبين له حبل؟ قال: في خمسة و أربعين ليلة»

؛ لأن قوله فيهما «لم تحض» إما أن يراد به الكتابة عن الصغيرة، أو البالغة و لكن لم تحض فعلا، و الأولى لا يجوز وطؤها و لو مع عدم الإنزال، كالثانية قبل الاستبراء بالمدة.

و يمكن دفعه بأن المراد عدم الوطء في الفرج من عدم الانزال، و شدة الأمر حينئذ باعتبار عسر الصبر في هذه المدة، أو بما في الحدائق من أن المراد أنه اشترى الجارية بعد افتضاضها و زوال بكارتها و لكن في ظنه أنها لم تبلغ سيما مع عدم طمثها فقال عليه السلام: «إن هذه باعتبار عدم معلومية البلوغ و عدمه محل إشكال، و أمرها شديد» سيما إذا كانت مثلها و من هي في قدر جثتها و صورتها يحصل له الحمل، فالواجب الاستبراء كما أومى إليه قال: خبر منصور و غيره في التي لم تبلغ الحيض و لكن يخاف عليها إذا كانت بهذه الكيفية، فيكون المراد من قوله لم تحض عدم العلم بالبلوغ بالحيض، و إن كانت للبلوغ بالسن محتملة، و شدة الأمر حينئذ من حيث أصالة عدم البلوغ، و من حيث خوف الحمل فالذي ينبغي حينئذ استبراؤها، فإن أتاها فالذي ينبغي له العزل عنها، لكنه كما ترى فيه ما فيه، و يمكن أن يراد ممن لم تحض فيه

البالغة عددا لكنها لم تبلغ الحيض؛ و شدة أمرها باعتبار عدم الحيض؛ و هذه و إن كان الواجب استبراؤها بالمدة، إلا أنه لو أثم و أتاها ينبغي أن يعزل عنها مخافة اختلاط الأنساب فتأمل جيدا و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1 و ذيله.

ج 24، ص: 210

أو كانت الأمة المشتراة مثلا حائضا فإنه يسقط استبراؤها فيجوز له وطؤها إلا زمان حيضها على المشهور بين الأصحاب قديما و حديثا شهرة عظيمة فيكتفى في جواز وطئها بإتمام حيضها؛ كما عن الخلاف الإجماع عليه، لا لان ذلك استبراؤها، بل لعدم جواز الوطء حال الحيض؛ و

في موثق سماعة(1)«سألته عن رجل اشترى جارية و هي طامث أ يستبرئ رحمها بحيضة أخرى أو تكفيه هذه الحيضة فقال: بل تكفيه هذه الحيضة، فإن استبرأها بحيضة أخرى فلا بأس هي بمنزل فضل»

و

في صحيح الحلبي (2)«سألت الصادق عليه السلام عن رجل اشترى جارية و هي حائض فقال إذا طهرت فليسمها إن شاء».

خلافا لابن إدريس فلم يكتف بإتمام الحيضة، و كأنه اجتهاد في مقابلة النص بل و الاعتبار، ضرورة أنه إذا كان الاستبراء يحصل بالحيضة فمع فرض أنه اشتراها حائضا قد علم بذلك

براءة رحمها، فهي كالجارية التي علم أن البائع قد استبرأها أو لم بطأها كما هو واضح، هذا و في النافع يجب على البائع استبراء الأمة قبل بيعها بحيضة و مزجها في الرياض فقال واحدة إن لم تبع في أثنائها و إلا فيكفي تمامها على الأشهر الأقوى.

و فيه أن خلاف ابن إدريس في المشتري على الظاهر، و لعل قوله على الأشهر الأقوى راجع الى الاتحاد، فان المحكي عنه اعتبار التعدد، فلاحظ و تأمل.

نعم قد يستشكل في الاكتفاء بإتمام الحيضة إذا وقع الوطء من المالك في أثناء الحيض عصيانا، اللهم إلا أن يقال: إن إطلاق ما دل على الاكتفاء و إن كان منصرفا إلى غير الفرض، لكن قد يمنع شمول ما دل على الاستبراء لنحوه أيضا، فيبقى على أصل البراءة فتأمل و الاحتياط لا ينبغي تركه.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 24، ص: 211

أو حاملا أي و كذا يسقط استبراؤها إذا كانت حاملا، ضرورة معلومية مشغوليتها بالحمل، و لا فائدة للاستبراء المفسر بترك الوطء حتى يتبين حالها. نعم لو فسر بترك الوطء حتى يبرء رحمها مما اشتغل به من ماء أو حمل، أمكن القول بأن ترك الوطء للحامل حينئذ حتى تضع أو إلى مضي المدة كما ستعرف الخلاف فيه للاستبراء بهذا المعنى، و لعل مراد المصنف و غيره ممن أسقطه عنها بالاستبراء ما ذكرناه أولا و لذا قال:

نعم لا يجوز وطئ الجارية الحامل قبلا بما يسمى وطيا فيه عرفا، إلا أن يكون من الافراد النادرة الي لا ينصرف إليها الإطلاق بل لولا ظهور الفتاوى في الإطلاق لأمكن دعوى إرادة المشتمل منه على الامناء من النصوص، و لا فرق في الحامل بين أن يكون حملها بحر أو مملوك أو مبعض، قبل أن يمضي لحملها أربعة أشهر و عشرة أيام وفاقا للمقنعة و النهاية و الوسيلة و الكافي و المنافع و المفاتيح و الغنية إلا بشرط العزل، و الإرشاد و التحرير و الإيضاح و إيضاح النافع و المفاتيح و الغنية إلا بشرط العزل، و الإرشاد و لتحرير و و الإيضاح و إيضاح النافع و المسالك في الجملة على ما حكي عن بعضها، و إن اختلفت في التقييد و في القبل و عدمه.

فترك في السنة الأول، و لعله مراد له و في زيادة العشرة و عدمها، فتركت في الأول و الرابع و الخامس و السابع، بل في الدروس المشهور أنه يستبرئها بأربعة أشهر و عشرة أيام وجوبا عن القبل لا غير، و في ظاهر الغنية الإجماع على ما فيها و في الرياض لا ريب في الحمرة قبل انقضاء هذه المدة، للمعتبرة المستفيضة التي كادت تكون متواترة المعتضدة بالشهر العظيمة، بل ظاهر المصنف و الأكثر، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب عدم الفرق في ذلك بين الزنا و غيره بل لا أجد خلافا في التحريم فيها إلا من الشيخ في الخلاف عليها، و من الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهما في خصوص الحمل من الزنا، فالكراهة فيها أيضا، و ربما الحق المجهول به لكن ليس في شي ء مما وصل

ج 24، ص: 212

إلينا من نصوص المسألة إشارة إلى الفرق بين لا زنا و غيره، فضال معن المجهول، بل ربما كان ظاهرها خلافه، خصوصا ترك الاستفصال مع انصراف الحمل إلى النكاح الصحيح كما في سائر أفعال المسلمين، و عدم الحرمة لمائه انما هو بالنسبة إلى إلحاق الولد الصحيح كما في سائر أفعال المسلمين، و عدم الحرمة لمائه انما هو بالنسبة إلى إلحاق الولد و عدمه.

لا بالنسبة إلى وطئ من علم حملها منه، المعلل بتغذية الولد و نحوه، و دعوى أن المعهود من الشرع إلغاء اعتبار الزنا في العدة و الاستبراء يمكن تسليمها في غير المقام و غيره ممن نفى الاستبراء عن الحمل بل منع في الحدائق عدم العدة و الاستبراء للزنا محتاج ب

خبر حريز(1)«قال لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يفجر بالامرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال: نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور، فله أن يتزوجها و انما يجوز له تزويجها بعد الوقوف على توبتها»

و

ما رواه الحسن بن علي بن شعبة في كتاب تحف العقول (2)فقال: «يدعها حتى يستبرئها من

نطفته و نطفة غيره إن لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت معه، ثم يتزوج بها إذا أراد، فإن مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما ثم اشتراها فأكل منها حلالا»

و إطلاق ما دل على وجوب العدة و الغسل و المهر و الرجم بالدخول، و أن العدة من الماء و إن كان هو كما ترى، بل ينبغي الجزم بإرادة لندب من الخبر الأول؛ إذ لا استبراء عليه من ماء بل و الخبر الثاني خصوصا بعد استفاضة النصوص بإطلاق جواز تزويج الزانية.

نعم قد يقال في خصوص المقام بحرمة الوطء و إن كان الحمل من زنا، لا للعدة و الاستبراء، بل لا طلاق النصوص، و عدم إشعار شي ء منها به، كما أنه قد يقال إن ظاهرها مجهولة حال الحمل على وجه لم يعلم كونها من ذات العدة بالوضع، كالمطلقة و نحوها،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يحرم بالمصهرة و نحوها الحديث- 4.
2- 2 تحف العقول ص 338 المطبوع بالنجف الأشرف سنة 1385.

ج 24، ص: 213

أو من غيرها كالحامل من زنا؛ بناء على عدم العدة له بذلك، و المساحقة و نحوها، إذ المعلوم عدم كونها من ذوات العدد بالوضع و إنما هي من ذوات الاستبراء المفروض سقوطه بالحمل، بل لعل ذلك هو الغالب في الإماء، و حينئذ يتجه جريان الأقوال المزبورة للنصوص، و أما إذا علم حال حملها و كونه عن وطئ صحيح تعقبه طلاق أو فسخ أو نحو ذلك، أو غير صحيح كالزنا مثلا و قلنا بعدم الحرمة لمائه، فهو على حكمه بالنسبة إلى كل فرد، لا أن المراد من النصوص الإطلاق الشامل للمطلقة مثلا و نحوها مما كان عدتها الوضع، ضرورة إمكان تحصيل الإجماع على خلاف ذلك، كما يظهر لك الحال بأدنى ملاحظة لكلامهم في العدد، مضافا إلى إطلاق الآية و النصوص فلاحظ و تأمل جيدا، فان هذا هو التحقيق في المسألة.

و هذا الحكم مختص- بالأمة المشتراة التي كان حكمها الاستبراء، و سقط بالحمل، كما عساه الظاهر من المصنف و غيره مع إلحاق غير الشراء من أسباب الملك الاختيارية و القهرية، كما هو مقتضى كلامهم في أصل موضوع المسألة، و عدمه جمودا على مقتضى النص المفصل- أو انه شامل لكل جارية حامل مجهولة الحال أو معلوم أنها من غير ذات العدة بالوضع، فيندرج فيه أمة السيد لو حملت كذلك، كما عساه يظهر من إطلاق العنوان في بعض العبارات وجهان، من أصالة الجواز بعد عدم معلومية سبب التحريم، و من إطلاق النهي عن وطئ الحلبي حتى تضع، لا يخلو أولهما من قوة، فحمل صحيح رفاعة-(1)المقيد فيه بالأربعة أشهر و عشرة أيام عليه مرادا من النهي فيه في المدة الكراهة، و بعدها لا كراهة، أو مرادا منه الحرمة و بعدها لا حرمة؛ بخلاف الحمل من غيره فإنه محرم إلى حال الوضع- لا شاهد له سوى دعوى معلومية عدم احترام ماء الزاني.

و فيه أن المقام يمكن أن لا يكون من الاحترام، على أن مثله يرد بناء على إرادة الحرمة من النهي في الصحيح المزبور، فلا ريب حينئذ في ضعف القولين معا كضعف القول بحرمة

الوطء إلى حال الوضع مطلقا، تمسكا بإطلاق النصوص ك

موثق


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.

ج 24، ص: 214

إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجارية يشتريها الرجل و هي حبلى أ يقع عليها؟ قال: لا»

و

قوله عليه السلام أيضا في موثق مسعدة(2)«يحرم من الإماء عشر، لا تجمع بين الام و البنت، و لا بين الأختين، و لا أمتك و هي حبلى من غيرك حتى تضع»

كقوله أيضا

في خبر مسمع بن كردين (3)«قال أمير المؤمنين عليه السلام: عشر لا يحل نكاحهن و لا غشيانهن، أمتك و أمها، إلى أن قال، و أمتك إن وطئت حتى تستبرئ بحيضة، و أمتك و هي حبلى من غيرك»

الحديث.

و

في المروي عن العيون مسندا إلى الرضا عن آبائه عليهم السلام (4)«قال:

نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن وطئ الحبلى حتى يضعن»

و

عن قرب الاسناد عن إبراهيم بن عبد الحميد(5)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يشتري الجارية و هي حبلى أ يطأها قال: لا، قلت: من دون الفرج؟ قال: لا يقربها»

و في

خبر محمد بن قيس (6)«عن أبى جعفر عليه السلام في الوليدة يشتريها الرجل و هي حبلى؟ قال: لا يقربها حتى تضع ولدها»

و

خبر ابى بصير(7)«قلت لأبي جعفر عليه السلام: الرجل يشتري الجارية و هي حامل ما يحل له منها؟ قال: ما دون الفرج»

إلى غير ذلك من النصوص المطلقة و المقيدة بالوضع مضافا إلى آية(8)«أولي الْأَحْمالِ » المرجحة على آية الملك (9)في

صحيح رفاعة(10)عن أبى عبد الله عليه السلام «في الأمة الحبلى يشتريها الرجل فقال: سئل أبي عن ذلك فقال: أحلتها آية و حرمتها آية

أخرى، فأنا ناه عنها نفسي و ولدي، فقال الرجل:

أنا أرجو أن انتهى إذا نهيت نفسك و ولدك»

إذ النهي حقيقة في التحريم، و كان الذي دعاه إلى هذا التعبير و النسبة إلى أبيه التقية كما قيل؛ فإنهم كانوا يرون الجواز فلم يمكنه


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 6.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 4.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.
4- 4 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 7.
5- 5 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 8.
6- 6 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
7- 7 الوسائل الباب- 12- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 3.
8- 8 سورة الطلاق الآية- 3.
9- 9 سورة المؤمنون الآية- 6.
10- 10 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.

ج 24، ص: 215

التعبير عنه صريحا.

و إلى الإجماع المحكي عن شرح الإرشاد للفخر على ذلك في غير الزنا، بل ظاهر غيره أن ذلك من المفروغ منه، و أنه من المسلمات التي لا يعتريها الشك، و أنه لذلك حمل صحيح المدة(1)على الزنا، لعدم إمكان الحمل في غيره، و إلى معلومية حرمة وطئ الحامل في غير المقام، في طلاق و وفاة و غيرهما مما يكشف أن لذي الحمل تعلقا بالرحم ما دام مشغولا بالحمل، و من هنا لم يجعل أجلا دونه إلى غير ذلك.

إذ فيه أنه مستلزم لطرح صحيح رفاعة المعمول به بين الأصحاب في الجملة كما اعترف به فخر المحققين و غيره بلا مقتض، أو تأويله من دون شاهد، قال على

ما رواه في التهذيب (2)«سألت أبا الحسن عليه السلام فقلت: أشترى الجارية فتمكث عندي الأشهر لا تطمث، و ليس ذلك عن كبر فأريها

النساء فيقلن ليس بها حمل، فلي أن أنكحها في فرجها؟ فقال: إن الطمث قد يحبسه الريح من غير حبل، فلا بأس أن تمسها في الفرج قلت: فان كانت حبلى فما لي منها؟ فقال: لك ما دون الفرج إلى أن تبلغ في حبلها أربعة أشهر و عشرة أيام، فإذا جاز حملها أربعة أشهر و عشرة أيام فلا بأس بنكاحها في الفرج. قلت: إن المغيرة و أصحابه يقولون لا ينبغي للرجل أن ينكح امرأته و هي حامل و قد استبان حملها حتى تضع فتغذو ولده قال: فقال: هذا من أفعال اليهود»

فلا بأس بتأييد الإطلاق المتقدم به؛ كما أنه لا بأس بالجمع بينه و بين نصوص الوضع، بجعل الغاية أحدهما، كما هو متقضى الأمر بهما. و اعتضاد نصوص الوضع بالأصل و إطلاق النهي السابق، و بظاهر صحيح رفاعة السابق (3)من حيث دلالته على انحصار الأمر بين الإباحة المطلقة؛ كما دلت عليه الآية الأولى، أي آية الملك،(4)أو الحرمة


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.
2- 2 التهذيب ج 7 ص 468 الحديث 1878.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
4- 4 سورة المؤمنون الآية- 4.

ج 24، ص: 216

كذلك، كما صرحت به الثانية(1).

و حيث ظهر لنا الحرمة في الجملة بالأدلة السابقة تعين ترجيح الآية و هي في الحرمة إلى الوضع صريحة، و لا آية هنا تدل على التفصيل بين المدتين، بالبديهة لا يمنع من الجمع المزبور بعد الإغضاء عن جريان الأصل المعلوم قطعه بآية الملك؛ و الصحيح ظاهر في ترجيح آية الملك، و أن المراد من النهي

الكراهة، بل يمكن دعوى ظهور آية الحمل في غير المقام من ذوات العدد، فلا ريب حينئذ في أن مقتضى أصول المذهب الجمع بين النصوص بما عرفت، و أن المطلق منها يقيد بذلك.

و ما يقال- من أن التقييد فرع المقاومة، و ليس لقصوره عددا عن ذلك، مع بعد التقييد فإن أظهر أفراد الحبلى من استبان حملها، و ليس إلا بعد انقضاء المدة المزبورة- مدفوع بأن كثرة عدد المطلق لا تنافي تقييده بالمتحد المعمول به بين الأصحاب، و يمنع كون الأظهر ذلك بحيث ينصرف إليه الإطلاق، و خلو الصحيح- عن زيادة التقييد بالأربعة و عشر في الكافي- غير قادح، كما أن اختلاف عبارات الأصحاب من حيث التقييد بالعشر و عدمه كذلك، ضرورة كون الصحيح المزبور حجة على تارك التقييد فلا ريب في رجحان هذا القول على غيره.

نعم لو لا الشهرة العظيمة و الإجماع المحكي لكان القول بالكراهة كما سمعته من الشيخ و ابن إدريس في غاية القوة لظهور صحيح رفاعة(2)السابق فيها و

الخبر(3)«ما أحب للرجل المسلم أن يأتي الجارية الحبلى قد حبلت من غيره»

الى آخره و ترك النهي عنه

في خبر السكوني (4)عن الصادق عليه السلام «أن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم دخل على رجل من الأنصار و إذا وليدة عظيمة البطن تختلف فسأل عنها، فقال: اشتريتها يا رسول الله


1- 1 سورة الطلاق الآية 4.
2- 2 الوسائل الباب- 8- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.
3- 3 الوسائل الباب- 5- من أبواب نكاح العبيد و الإماء في ذيل الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 9- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.

ج 24، ص: 217

و بها هذا الحبل، قال: أقربتها؟ قال: نعم قال: أعتق ما في بطنها، قال: يا رسول الله و بما استحق العتق؟ قال: لان نطفتك أغذت سمعه و بصره و لحمه و دمه»

بل التعليل فيه ظاهر في الكراهة، و أن المراد من النهي في غيره للإرشاد، لانه بالوطي يرجح له أو يتعين عليه عتق الولد، بل

قول الصادق عليه السلام في خبر غياث (1)«من جامع أمة حبلى من غيره فعليه أن يعتق ولدها و لا يسترق، لانه شارك فيه الماء تمام الولد»

لا يخلو من إشعار بجواز الجماع، إلى غير ذلك مما يشهد للجواز من إطلاق أدلة الملك و غيره، فلو لا ما عرفت لكان القول به في غاية القوة، فحيث انتفى لذلك كان القول بما في المتن أقوى من غيره قطعا، لما عرفته من دليل الحرمة في المدة و غيرها، للأصل و الصحيح أيضا، و جواز التصرف في ملك اليمين و الأمن من اختلاط الأنساب في غيرها.

و من ذلك كله بان لك الوجه في جميع الأقوال على اختلافها في الوطء بعد مضي المدة و قبله و أن الأقوى منها قبله الحرمة و يكره بعده الذي في الدروس و غيرها أنه المشهور، و لعل حكم المصنف بكراهته لقوله عليه السلام «لا أحب» و تنزيل صحيح رفاعة المشتمل على نهيه

عليه السلام لنفسه و ولده عليه، و للتخلص من شبهة الخلاف و من احتمال إرادة النهي من المطلقات إلى حال الوضع؛ و من نحو ذلك مما يصلح دليلا للكراهة، فتأمل جيدا.

فإن المسألة من المشكلات و قد اضطرب فيها كلام الأساطين، حتى ان العلامة منهم قال هنا في القواعد: «و يحرم وطئ الحامل قبلا قبل مضى أربعة أشهر و عشرة أيام.

و يكره بعده إن كان عن زنا و في غيره إشكال» و قال في النكاح منها: «و لو اشتراها حاملا كره له وطؤها قبلا قبل الوضع أو مضي أربعة أشهر و عشرة أيام إن جهل حال الحمل، لأصالة عدم إذن المولى، و إن علم إباحته بعقد أو تحليل حرم حتى تضع، و إن علم كونه عن زنا فلا بأس» و قال في الطلاق منها «كل من ملك جارية موطوءة ببيع أو غيره من استغنام أو صلح أو ميراث أو أي سبب كان لم يجز له وطؤها إلا بعد الاستبراء، فان كانت حبلى من مولى أو زوج أو وطئ شبهة لم ينقض الاستبراء إلا بوضعه، أو مضي


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 2.

ج 24، ص: 218

أربعة أشهر و عشرة أيام، فلا يحل له وطؤها قبلا قبل ذلك؛ و يجوز في غير القبل، و يكره بعدها، و هو كما ترى غير الأولين، هذا كله في الوطء في القبل.

أما الدبر فقد يمنع الحرمة فيه تنزيلا لإطلاق النصوص بل و الفتاوى على المتعارف حتى قوله عليه السلام «لا يقربها» خصوصا بعد ما في النصوص من أنه «يعتق الولد مع الوطء لانه غذاه بنطفته» و فرضه في الدبر بعيد جدا، خلافا للكركي و من تبعه فحرمه أيضا لصدق اسم الفرج، و لقوله عليه السلام «لا تقربها» الذي لا ينافيه خروج ما عدا الوطء منه بالدليل، و فيه ما عرفت؛ بل الظاهر عدم استحباب العزل عن الوطء فيه.

و كيف كان ف لو وطأها مثلا حيث يجوز على ما عرفت من الخلاف فيه عزل عنها استحبابا بلا خلاف أجده بين من تعرض له، إلا من ظاهر المحكي عن التقي و ابن زهرة فأوجباه في الوطء بالأربعة بناء على جوازه، و لا ريب في ضعفه، ضرورة عدم وجوبه مطلقا حيث يجوز، للأصل السالم عن المعارض، بل لولا التسامح في السنن لأمكن الإشكال في ثبوت استحبابه، اللهم إلا أن يدعى إشعار

الموثق به (1)قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل اشترى جارية حاملا و قد استبان حملها؟ فقال: بئس ما صنع، قلت: فما تقول فيه قال: أعزل عنها أم لا؟ فقلت: أجنبي على الوجهين، قال: إن كان عزل عنها فليتق الله و لا يعود، و إن كان لم يعزل عنها فلا يبيع ذلك الولد و لا يورثه، و لكن يعتقه و يجعل له شيئا من ماله يعيش به، لانه غذاه بنطفته»

و هو كما ترى ضرورة أنه لو تم إشعاره لا تقضى ثبوت الاستحباب حيث يحرم الوطء و هو بعيد.

و على كل حال ف لو لم يعزل كره له بيع ولدها وفاقا لجماعة، تنزيلا للنهي عنه في الموثق المزبور عليها، لكن فيه أنه لا قرينة على ذلك، اللهم إلا أن يدعى ظهور التعليل

فيها ضرورة كون المنصرف منه أنه يكون بذلك كالولد فلا يملكه،


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.

ج 24، ص: 219

لكن قد يمنع بل ظاهر المحكي عن الشيخين و الحليين و الطوسي و الديلمي حرمة البيع، بل ظاهر ابن زهرة منهم أو صريحه الإجماع عليه، و من هنا جزم به بعض متأخري المتأخرين بل جزم بوجوب عتقه، و جعل شي ء له من ماله يعيش به، للأمر بهما فيما سمعته من النصوص، بل هو ظاهر النهاية و الوسيلة و الغنية مدعيا عليه الإجماع في الأخير هذا.

و لكن في المتن و غيره أنه استحب له أن يعزل له من ميراثه قسطا و إن كنت لم أجده في شي ء مما وصل إلى من نصوص المسألة بل الموجود فيها عتقه، و جعل شي ء له من المال يعيش به، فبناء على إرادة الندب من هذا الأمر كان المتجه جعل المستحب ذلك. نعم بقي شي ء و هو أنه لا فرق في ثبوت ذلك بين الوطء في المدة و بعدها أو هو مختص به بعدها، ظاهر المقنعة الأول، قال: «فإن وطأها قبل مضي الأربعة أشهر أو بعد ذلك و لم يعزل عنها لم يحل بيع الولد، لانه غذاه و أنماه بنطفته، و ينبغي أن يجعل له من ماله بعد وفاته قسطا يعزله في حياته، و لا ينسب إليه بالنبوة» و في الوسيلة «فإن مر عليها أربعة أشهر و عشرة أيام جاز له وطؤها و لم يجز له وطؤها قبل ذلك فإن وطأها لم يجز له بيع ولدها، لانه غذاه بنطفته؛ و عليه أن يعتقه و يعطيه شيئا من ماله» و في الغنية «فإن كانت حاملا لم يجز له بيع الولد، و لا أن يعترف به ولدا؛ بل يجعل له قسطا من الماء، فإن لم يعزل له يجز له بيع الولد، و لا أن يعترف به ولدا؛ بل يجعل له قسطا من ما له لانه غذاه بنطفته، بدليل إجماع الطائفة و عن التقي «لا يحل وطئ الحامل من غيره حتى يمضي لها أربعة أشهر إلا دون الفرج، و فيه بشرط عزل الماء؛ و اجتنابها حتى تضع أولى، و إذا وطأ الحامل لم يحل له بيع ولدها، و لا الاعتراف به ولدا» و فرق في النهاية فقال: «إذا اشترى جارية حبلى فوطأها قبل أن يمضي عليها أربعة أشهر و عشرة، فلا يبيع ذلك الولد لانه غذاه بنطفته، و كان عليه أن يعزل له من ماله شيئا و يعتقه؛ و إن كان وطؤه لها بعد انقضاء الأربعة أشهر و عشرة أيام، جاز له بيع الولد على كل حال، و كذلك إذا كان الوطء قبل انقضاء الأربعة أشهر و عشرة أيام، إلا أن يكون قد عزل، جاز له

ج 24، ص: 220

بيع ولدها على كل حال، و أما النصوص فليس فيها تصريح بالفرق بالنسبة إلى ذلك. نعم قيل إن ظاهر الموثق المزبور كون الوطء بعد الشراء و بعد المدة المذكورة لأن استبانة الحمل لا تكون إلا بعد المدة المذكورة، و الأمر سهل بناء على المختار و الله أعلم.

[المسألة الخامسة التفرقة بين الأطفال و أمهاتهم قبل استغنائهم عنهن محرمة]

المسألة الخامسة التفرقة بين الأطفال المماليك و ان لم يكونوا رشدة و أمهاتهم كذلك قبل استغنائهم عنهن محرمة عند الكاتب و الشيخين و التقي و القاضي و ابن حمزة و الفاضل في التذكرة و ظاهر القواعد و المقداد في التنقيح العليين و الثاني الشهيدين و غير هم على ما حكي عن بعضهم، بل هو مشهور بل عن الخلاف الإجماع عليه و قيل : و القائل الشيخ في باب العتق من النهاية و الحلي و الفاضل في جملة من كتبه، و أول الشهيدين و ابن فهد في المقتصر مكروهة و هو الأظهر.

جمعا بين ما دل على الجواز من الأصل، و عموم تسلط الناس على أموالهم (1)و على خصوص العقود عليها و غيرهما؛ و ما دل على المنع ك

صحيح معاوية بن عمار في الصحيح (2)«قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول أتي رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم بسبي من اليمن فلما بلغوا الجحفة نفدت نفقاتهم فباعوا جارية من السبي كانت أمها معهم، فلما قدموا على النبي صلى الله عليه و آله و سلم سمع بكاؤها فقال: ما هذا البكاء فقالوا يا رسول الله احتجنا نفقة فبعنا ابنتها؛ فبعث بثمنها فأتى بها، و قال: بيعوهما جميعا أو أمسكوهما جميعا»

و

موثق سماعة المرسل في الفقيه (3)«عنه عن الصادق عليه السلام عن أخوين مملوكين هل

يفرق بينهما؟ و عن المرأة و ولدها هل يفرق بينهما؟ فقال: لا هو حرام إلا أن يريدوا ذلك»

و

صحيح هشام ابن الحكم (4)«قال: اشتريت للصادق عليه السلام جارية من الكوفة


1- 1 البحار ج 2 ر 272 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الحيوان الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.

ج 24، ص: 221

قال: فذهبت تقوم في بعض حوائجها، فقالت: يا أماه فقال لها أبو عبد الله عليه السلام: أ لك أم؟ قالت: نعم فأمر بها فردت، فقال: ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره»

و

خبر عمرو بن أبى نصر(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الجارية الصغيرة يشتريها الرجل فقال: ان كانت قد استغنت عن أبويها فلا بأس»

و

صحيح ابن سنان (2)«عن الصادق عليه السلام في الرجل يشتري الغلام و الجارية و له أخ أو أخت أو أم بمصر من الأمصار؟ قال: لا يخرجه إلى مصر آخر إن كان صغيرا و لا تشتره، و إن كان له أم فطابت نفسها و نفسه فاشتره إن شئت»

و

النبوي (3)«من فرق بين والدة و ولدها، فرق بينه و بين أحبته».

ضرورة أنه لا يخفى على الفقيه العارف بلسانهم عليهم السلام، إرادة الكراهة من أمثال هذه الخطابات، خصوصا مع عدم تقييد الموثق بالاستغناء، و اشتماله على الأخوين؛ و لم أجد من أفتى به عدا بعض المتأخرين كثاني المحققين و الشهيدين؛ و ما تسمعه من المحكي عن الإسكافي، بل الفاضل في التذكرة مع قوله بالتحريم في الطفل و الام صرح بالكراهة فيهما، بل غيره صرح بالجواز فيهما من غير تعرض لها، بل قد يستفاد ذلك أيضا من اقتصار الأكثر على الطفل و أمه.

فما في الرياض- من أن الأصح التعدية لغير الام من الأرحام المشاركة لها في الاستيناس كالأب و الأخ و العمة و الخالة، وفاقا للإسكافي و جماعة، لتصريح الصحيح و الموثق بمن عدا الأخيرين، و ظهور الحكم فيهما بعدم القائل بالفرق- في غير محله بناء على الحرمة، خصوصا بعد المحكي عن المبسوط من التصريح بجواز التفريق بين الولد و الوالد، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه، و في جهاد التحرير قال الشيخ:

«يجوز التفرقة بين الولد و الوالد، و بينه و بين الجدة أم الأم، و بين الأخوين و الأختين، و بين من خرج من عمود الأبوين من فوق و أسفل مثل الاخوة و أولادهم و الأعمام و أولادهم


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
3- 3- المستدرك ج 2 ص 486.

ج 24، ص: 222

و سائر الأقارب و لا خلاف في جواز التفريق بينه، و بين الرحم غير المحرم، و بينه و بين الام من الرضاعة و الأخت منها،» و في جواز التفرقة بينهما في العتق؛ بل في باب البيع منه الوجه عدم كراهية التفريق بين الولد و الأب؛ أو بين غيره من ذوي الأرحام و بينه سواء قرب أو بعد، ذكرا كان أو أنثى.

و المحكي عن أبي علي أنه طرد الحكم فيمن يقوم مقام الأم في الشفقة، و تبعه عليه غيره، فلعله لا يريد الأخوين، على أنه يمكن أن يكون بناه على ما ذهب إليه من حجية العلة المستنبطة المعلوم بطلانها عندنا، كل ذلك مع إطلاق التفريق فيه الشامل للبيع و غيره، مع أنك قد عرفت نفى الخلاف في التحرير عنه في العتق، و عن التذكرة النص على نفى الباس عنه في السفر، بل و في الوصية معللا له بإمكان كون الموت بعد انقضاء زمان التحريم، لكن قال: فان اتفق قبله فإشكال، و نص أيضا على أنه لو كانت الام مملوكة و الولد حرا أو بالعكس لم يمتنع بيع الرقيق، على أن القول بضم من سمعت من الأرحام إلى الأم يقتضي عدم جواز بيع الطفل و لو مع أمه إذا كان له استيناس ببعض أرحامها، فلا يجوز للمالك إلا بيع الجميع و إن كثر العدد، و هو مما لا يلتزمه فقيه، خصوصا إذا قلنا بعدم اعتبار اتحاد المالك كما يقتضيه إطلاق بعض النصوص، فيعتبر حينئذ في صحة البيع اتفاق الملاك أجمع، و إلا فلا يجوز لكل واحد منهم منفردا إلى غير ذلك مما هو منكر في مذاق الشرع، و أما الصحيح فظاهر في استغناء البنت التي قامت في بعض حوائجها؛ فلا بد من حمله على الكراهة خصوصا بعد كون المشتري مثل هشام الذي يبعد عدم معرفته بهذا الحكم، بل التعليل فيه و تصديقها بمجرد دعواها كالصريح في ذلك، و خبر عمرو إنما يدل على ثبوت البأس الذي هو أعم من الحرمة، و صحيح ابن سنان قد اشتمل على غير الام و ولدها ممن عرفت الحال فيه، و النبوي لا يخلو من إشعار بالكراهة كما لا يخفى على من مارس كثيرا من خطاباتها.

و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه في التفرقة بالبيع، بل و غيره من النواقل

ج 24، ص: 223

كالهبة و غيرها، المصرح بمساواتها للبيع، كما قيل في التحرير و التنقيح و جامع المقاصد و إيضاح النافع و الميسية و المسالك و الروضة و غيرها، و إن كان ينبغي تقييده بالاختيارية و الا فلا، و منه ما لو ظهر استحقاق أحدها بوجه شرعي فانتزعه المستحق، فإن الظاهر عدم المنع، أما الرد بالعيب مثلا ففي التذكرة إشكال أقربه المنع.

و على كل حال فالظاهر عدم المنع مع الرضا منهما بالتفرقة، للموثق المزبور، بل يمكن القول بعدم الكرهة معه أيضا. نعم في التحرير لا تزول الكراهية برضا الام، و لعله لمراعاة حق الولد خصوصا بعد التعليق في الموثق على إرادتهما، و في آخر على طيب نفسهما، فينبغي مراعاتهما معا لا الأم خاصة، مع فرض كون الولد ممن يتأذى بفراقها هذا و في المحكي عن التذكرة أنه إن لم تحصل التفرقة الحسية فالأقوى جواز البيع كمن يبيع الولد و يشترط استخدامه مدة البيع، و هو جيد اقتصارا على المتيقن.

ثم إن الظاهر بناء على المنع فساد البيع كما صرح به جماعة، بل في التذكرة ما يشعر بدعوى الإجماع عليه لظاهر النصوص السابقة المشتملة على غير النهي من رد الثمن و نحوه، لكن عن جهاد المبسوط أنه جائز على الظاهر من المذهب، بل عنه في الخلاف أنه قواه كالسرائر، إلا أنك قد عرفت أنه ممن يقول بالكراهة هذا، و صرح جماعة أن الخلاف في الحرمة و الكراهة بعد سقي اللبأ، أما قبله فلا يجوز لانه سبب لهلاك الولد، و هو جيد إن كان كذلك، لكن في الحدائق أنه روى كثيرا من الأطفال قد عاش بدون ذلك، بأن يشرب من لبن غير أمه بعد الولادة، و ربما تعذر وجود اللبن من أمه لمرض و نحوه بعد الولادة مدة، بل قيل إنه قد لا يوجد اللبأ في كثير من النساء.

نعم محل الخلاف كما عرفت قبل الاستغناء أما بعده فلا إشكال في الجواز نصا و فتوى، بل في التنقيح نفي الخلاف عنه، بل عن إيضاح النافع الإجماع عليه. نعم في الأول في فرع ذكره قال: ظاهر الأصحاب أن التفرقة بعد الاستغناء مباحة و قيل يكره،

ج 24، ص: 224

و يقرب التفصيل و هو أنه مع التمييز و إصلاح القيام بالضروريات لا كراهة، و إلا فالكراهة و هو ليس خلافا في أصل الجواز و أمر الكراهة سهل.

و على كل حال فالمشهور كما في التذكرة أن الاستغناء يحصل ببلوغ سبع من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و قيل: يكفي استغناؤه عن الرضاع و لعل ذلك مقتضى إطلاق المحكي عن المقنعة و النهاية و المراسم الاستغناء، بل قيل إن الشيخ و الجماعة كذلك في باب الجهاد و الأول أظهر عند المصنف استصحابا للحكم، و لغلبة الأذية قبلها، إلا أن الأظهر منه جعل المدار على تحقق الاستغناء عرفا، و هو مختلف باختلاف الأطفال و الأمهات، لإطلاق الدليل السالم عما يقتضي تقييده بالسبع أو غيره، و احتمال نظر الأصحاب في المقام إلى الحضانة يدفعه ما عرفت من شهرة السبع هنا من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و المعروف فيها هناك كذلك.

و من ذلك يظهر لك ما في جامع المقاصد و إن تبعه عليه في الروضة و المسالك و الرياض و محكي الميسية. قال: «الذي يقتضيه صحيح النظر الفرق بين الذكر و الأنثى، لأن الفرق في حضانة الحرة قد وقع، فجوز التفرقة بعد سنتين في الذكر و بعد سبع في الأنثى على المشهور بين المتأخرين، فينجر ذلك في الأمة، لأن حقها لا يزيد على حق الحرة؛ و لان الناس مسلطون على أموالهم، على أموالهم، خروج منه ما دل الدليل على منع التفرقة بين مطلقات الأمهات و الأولاد، فيبقى الباقي على الأصل و لأن الأخبار الدالة على عدم جواز التفريق لأحد فيها فيحمل إطلاقها على المدة المحرمة، بمقتضى الحضانة، لأن ذلك هو الحق المقرر للام، و كون الولد معها في نظر الشارع و إطلاق الأصحاب يحتمل أمرين، إما الحوالة على ما هناك، أو عدم الظفر بما يعين المراد، و قد صرح بعض الأصحاب و هو الشيخ أحمد بن فهد بأن المسألة هنا مبنية على القول في الحضانة فكان شاهدا بما قلناه، و هذا هو الصواب الذي ينبغي المصير اليه».

ج 24، ص: 225

و فيه أن ملاحظة كلامهم في المقامين تقضي بالقطع بعدم بناء هذه المسألة عندهم على تلك المسألة التي فصل المشهور فيها بين الذكر و الأنثى، بخلاف هذه، كما أن الأولوية واضحة المنع، لان المراد هنا التفرقة بالبيع و نحوه، بخلافه في الحرة، و قد عرفت تصريح الفاضل بجواز التفريق بينهما ببيع الرقيق منهما لو كان أحدهما حرا من غير ملاحظة للحضانة، بل قد عرفت غير ذلك مما لا ينطبق عليها، فأحسن شي ء حمل كلام المشهور هنا على إرادة حصول الاستغناء غالبا بالسبع، و إلا فالمدار ما قلناه خصوصا بعد ما عن التذكرة من تعليل كون الغاية السبع بكونها سن التمييز، فيستغني عن التعهد و الحضانة.

و أقرب منه إرادة من أطلق التحديد بالاستغناء كالمقنعة و النهاية و المراسم ما ذكرنا من الإيكال إلى العرف، و من ذلك يعلم جودة ما عن إيضاح النافع حيث أنه بعد أن حكى عن ابن فهد ما عرفت، قال: إنه ليس بشي ء إذ هو كذلك، و ليس في شي ء من كلام الأصحاب ما يشعر بذلك، سوى ما عن مبسوط الشيخ من تعليله إلحاق الجدة بالأم، بمنزلتها في الحضانة، و يمكن عدم ارادة دوران الحكم على ذلك و الله أعلم. هذا كله في الأناس، أما البهائم فقد صرح غير واحد بجواز التفرقة فيها بينها قبل الاستغناء عن اللبن و بعده، نعم قيده بما إذا كان مما يقع عليه الذكاة أو كان له ما ينمو به من غير لبن أمه، و لعله لعدم جواز إتلاف المال أو خصوص الحيوان منه بغير الطريق- الشرعي كالذبح، و لتحقيق ذلك محل آخر و الله أعلم.

[المسألة السادسة من أولد جارية ثم ظهر أنها مستحقة انتزعها المالك ]

المسألة السادسة من أولد جارية قد اشتراها مثلا جاهلا ثم ظهر أنها مستحقة للغير ببينة شرعية أو نحوها انتزعها المالك منه بلا خلاف و لا إشكال و المشهور نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، بل عن الخلاف الإجماع، أنه يجب على الواطئ عشر قيمتها بدخول أرش الجناية على الأقوى إن كانت بكرا أى لم يمسها رجل و لم تذهب عذرتها، و قد يقوى الاكتفاء بالثاني و في شرح الأستاد أن الاكتفاء بالأول

ج 24، ص: 226

أقوى و نصف العشر إن كانت ثيبا ل

صحيح الوليد بن صبيح (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها؟ فقال: تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها؟ فقال: إن كان الذي زوجه إياها من غير مواليها فالنكاح فاسد، قلت: فكيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ فقال:

إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه و إن لم يجد شيئا فلا شي ء له عليها و إن كان الذي.

زوجه إياها ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه، و لمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها، و تعتد منه عدة الأمة، قلت: و إن جائت منه بولد قال: أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن المولى»

و

الصحيح الأخر(2)«أ رأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فاقتضها فقال لا ينبغي له ذلك قلت: فإن فعل يكون زانيا؟ قال: لا و يكون خائنا، و يغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا و إن تكن بكرا فنصف عشر قيمتها»

و غيرهما، و مغايرة المورد للمقام يدفعه اتحاد طريق المسألتين، و اشعار الأول بالعموم بالتعقيب بما هو كالتعليل من استحلال الفرج المحقق هنا بل عن بعض أصحابنا الاستدلال به بالفحوى، كل ذلك مع أن عبارة المصنف كما سمعت غير خاصة بالبيع؛ و نحوها عبارة القواعد، بل في شرح الأستاد جعل موضوع المسألة ظهور استحقاق الأمة الموطوءة بزنا أو غيره من نكاح أو تحليل أو ملك أو شبهة بأحدها، لعدم مالكية المالك أو ظهور فساد العقد له و لعله كذلك.

قيل و القائل الشيخ في المحكي من غصب المبسوط و ابن إدريس يجب مهر أمثالها الذي هو عوض منفعة البضع شرعا مع عدم التسمية من غير فرق بين الحرة و الأمة، بل عن بعضهم

إتمام ذلك بأن الرواية(3)إنما وردت فيمن اشترى جارية و وطأها و كانت حاملا من سحق أو غيره و أراد ردها فلا يقاس عليه، و لكن قد


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام العيوب الحديث- 4.

ج 24، ص: 227

عرفت أن الأول مع كونه مشهورا شهرة عظيمة بل قد سمعت دعوى الإجماع عليه مروي في الصحيحين و غيرهما مضافا إلى المرسل المزبور المتمم على تقديره بعدم القول بالفصل؛ فلا مناص حينئذ عن القول الأول بل في شرح الأستاد أن الأقوى التوزيع في المبعضة، فضلا عن مفروض المقام، لا الرجوع إلى مهر المثل.

و كيف كان فالظاهر عدم الفرق بين علم الأمة بالحال و عدمه على القولين، بل صحيح صبيح ظاهر في الأول و نفي المهر للبغي إنما هو في الحرة كما يشعر به اللام الظاهرة في الاستحقاق، بل لعل لفظ المهر كذلك، و لذا يطلق على الحرة المهيرة فما في الدروس هنا من نفي المهر لها مع العلم و عدم الإكراه واضح الضعف؛ و إن حكى عن جماعة المحقق الثاني و غيره اختياره في باب الغصب.

و لو اختلفا في البكارة و عدمها قدم قول الواطئ، و يحتمل تقديم قول المالك عملا بالأصل، و في الممسوسة في القبل من دون فض البكارة أو في الدبر وجهان أقواهما عند الأستاد إجراء حكم البكارة فيها، و الأظهر خلافه؛ كما أن الظاهر اجراء حكم الواحد على تكرر الوطء في الوقت الواحد قبل الغرمة، أما إذا كان بعد الغرامة فالظاهر التعدد بل

قيل إن مثله اختلاف الوقت، و فيه منع، ضرورة ظهور النص و الفتوى في أن الغرم ذلك و لو استعمر الاشتباه إلى الولادة؛ و الغالب التعدد مع ذلك.

و على كل حال ف الولد حر للأصل و التبعية لأشرف الأبوين و صحيح الوليد(1)السابق و غيره، و محكي الإجماع عن المبسوط و الخلاف و غيرهما، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما عن المقنعة من رقية الولد إلا أن يرضيه الأب عنه بشي ء؛ بل قيل:

إن مثلها النهاية إلا أنه قال: «و قبض ولدها» إلى آخره، و لعله لما

في موثق سماعة(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 24، ص: 228

من «أن ولده مملوك إلا أن يقيم البينة، أنه شهد له شاهدان أنها حرة، فلا يملك ولده و يكونون أحرارا»

و خبر زرارة(1)إلا أنهما مع عدم شهادتهما بتمام المدعى. و إمكان حملهما على صورة الزنا و غير ذلك، معارضان بما هوى أقوى سندا و أكثر عددا من النصوص المعمول بها بين الأصحاب، و حينئذ فلا ريب في ضعف القول المزبور.

نعم على أبيه قيمته يوم ولد حيا ل

قول الصادق عليه السلام في مرسل جميل (2)«و يأخذ الرجل ولده بقيمته»

و

في موثقه (3)«و يدفع المبتاع قيمة الولد، و يرجع على من باعه بثمن الجارية، و قيمة الولد التي أخذت منه»

إلى غير ذلك من النصوص المراد منها وجوب القيمة تعبدا لا شرطية الحرية بها، و قد عرفت تصريح الموثق أنه يرجع المشتري على البائع بالثمن، و بما اغترمه من قيمة الولد لمكان الغرور، و تعرف إنشاء الله في المسألة العاشرة تمام الكلام في كثير مما له تعلق في المقام كقيمة الولد و غيرها.

و هل يرجع المشتري على البائع بما اغترمه من مهر و أجرة و نحو هما قيل: نعم لأن البائع أباحه من غير عوض فهو مغرور متضرر برجوع المالك عليه بذلك، و نحوه الذي صرح به

في خبر زرارة(4)«قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

رجل اشترى جارية من سوق المسلمين فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولاد؛ ثم إنه أتاها من يزعم أنها له، و أقام على ذلك البينة، قال: يقبض ولده، و يدفع إليه الجارية؛ و يعوضه قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها»

و ربما كان في الرجوع بقيمة الولد إشارة إليه في الجملة، و قيل لا لحصول عوض في مقابلته و قد تقدم تحقيق ذلك في بحث


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 88- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 4.

ج 24، ص: 229

الفضولي و البيع الفاسد فلاحظ و تأمل.

[المسألة السابعة ما يؤخذ من دار الحرب بغير إذن الإمام يجوز تملكه في حال الغيبة]

المسألة السابعة: ما يؤخذ من دار الحرب أو من أهلها في غيرها بغير إذن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أو الإمام القائم مقامه عليه السلام من أموال و أعراض و أراضي و أشجار و سرايا أو نحو ذلك بسرقة أو خيانة أو خدعة أو أسر أو قرة من غير جيش أو جيش من غير قهر أو غير ذلك، فهو لأخذه، كالمأخوذ بإذنه لإطلاق ما دل من كتاب و سنة و إجماع على جواز اغتنام مال الكفار و سبيهم، بل ظاهرهما كونهم و ما في أيديهم من المباحات التي يملكها من يجوزها، و يستولي عليها، و إنما يلزم فيه الخمس كسائر الغنامى، كما أومئ إليه عليه السلام

في قوله (1)«خذ مال الناصب حيث وجدته، و ادفع إلينا الخمس».

فما في الحدائق- من التوقف في الحكم من أصله لعدم الوقوف على نص يدل عليه، و أخبار النصاب لا دلالة فيها على التعميم- واضح الضعف، بل في شرح الأستاد أن تملك الإمام

بحيازة الغير هنا مخالف للأصل و للإجماع و الاخبار، قلت: مضافا إلى خصوص بعض النصوص (2)الدالة على جواز شراء الكفار بعضهم من بعض، و قد تقدم سابقا بعض منها.

نعم ما يأخذ بغير إذن الامام بقهر جيش أو سرية، كله للإمام عليه السلام خاصة، لا للغانمين، و لا لغيرهم بلا خلاف أجده فيه، بل عن بعضهم الإجماع عليه. و

في خبر الوراق (3)«عن رجل سماعه عن الصادق عليه السلام إذا غزى قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام عليه السلام و إن غزوا بإذن الإمام فغنموا كان للإمام الخمس»

و

الحسن كالصحيح (4)«قلت للصادق عليه السلام السرية ببعثها الامام عليه السلام فيصيبوا غنائم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث- 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بيع الحيوان.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال الحديث 3.

ج 24، ص: 230

كيف تقسم؟ قال إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام أخرج منه الخمس لله تعالى و الرسول صلى الله عليه و آله و سلم و قسم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام عليه السلام يجعله حيث أحب»

و ما فيه من قسمة الخمس ثلاثة أخماس مما هو شاذ لا قائل به، غير قادح في الدلالة على المطلوب.

نعم قد تقدم في كتاب الخمس أن المصنف توقف في النافع في ذلك، بل في المنتهى «قوة قول الشافعي الذي هو المساواة في الفرض للمأذون فيه» بل في المدارك إنه جيد لإطلاق الأدلة الواجب تقييده بما سمعت مع أنها من خطاب المشافهة و لخصوص

حسن الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة، فقال: يؤدى خمسا و يطيب له»

مؤيدا بما

في صحيح ابن مهزيار(2)المشتمل على ذكر ما يجب فيه الخمس إلى أن قال: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ما له»

و لما يظهر من بعض أخبار التحليل (3)من كون الإباحة لنصيبهم في الفي ء لا إباحة جميعه، و لا نصيب لهم إلا الخمس.

قال أمير المؤمنين عليه السلام في المروي عن العسكري عليه السلام (4)«يا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قد علمت أنه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولى على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه و قد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه شيئا من شيعتي»

إلى آخره، و نحوه غيره، إلا أن ذلك كله يجب الخروج عنه، و حمله على ما لا ينافي المطلوب لما عرفت من المفروغية من الحكم، و الله العالم.

و الظاهر عدم تأثير الإجازة اللاحقة و إن كان لم يستبعده شيخنا في شرحه إلحاقا له بمسألة الفضولي؛ و لو اختطف الآخذون بالاذن و عدمه لحق كلا حكمه كما أنهم إذا أخذ بعض الجيش غيلة و بعض قهر الحق أيضا كلا حكمه.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال 20.

ج 24، ص: 231

و كيف كان فالأصول و الضوابط تقتضي حرمة التصرف فيما كان للإمام عليه السلام ضرورة كونه من العدوان و أكل ما بالباطل؛ و لكن يجوز لخصوص الشيعة تملكه في حال الغيبة رخصة منهم عليهم السلام في ذلك إجماعا بقسميه و النصوص (1)نعم الأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار قصد التملك أو عقده بل في شرح الأستاد اعتبار ذلك، و أنه بدونه يبقى أمانة له عليه السلام و يجرى عليه حكم التحجير؛ و لا استبعاد في خصوص الملك للتملك بعد إذنه عليه السلام في ماله، أو فيما له الولاية عليه؛ بل لا استبعاد في دعوى الملك لخصوص الشيعة بمجرد الاستيلاء و أنهم أباحوا لهم أموالهم إباحة صيرتها لهم كالمباحات الأصلية، ضرورة رجوع ذلك كله إلى الشرع الذي لا ينبغي الاستبعاد معه كما هو واضح.

و على كل حال متى ملكه الشيعي جاز تملكه لغيره منه و لو كان الغانم غير شيعي جاز الشراء منه و الاتهاب و نحوهما من العقود المملكة، استنقاذا لا شراء حقيقيا.

و من هنا يقدح جواز الأخذ منهم قهرا مع عدم منافاة التقية، و في شرح الأستاد أن جواز ذلك وجه وجيه.

و على كل حال فله أى الشيعي و طئ الأمة المغتنمة إذا تملكها باغتنام أو شراء من المغتنم إذا لم يكن استنقاذا و الا فبالاستيلاء المزبور، و من هنا يظهر لك وجه خبث ولادة غير الشيعة الذين لم يرخص لهم، فان وطأهم للإماء المملوكة لغيرهم زنا، نعم يمكن اجراء حكم الشبهة على أولادهم على اشكال في بعض الافراد.

و كيف كان ف يستوي في ذلك الحكم الذي ذكرناه ما يسبيه المسلم و غيره الا أن الرخصة المزبورة خاصة للشيعة و ان كان فيها حق للإمام مثل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال.

ج 24، ص: 232

القسم الأول أو كانت كلها للإمام عليه السلام مثل القسم الثاني إلا أن الظاهر قصر الرخصة في الأول على خصوص المناكح و المساكن و المتاجر، و يحتمل أن يكون الترديد إشارة لما سمعته من القولين في الغنيمة بجيش و أمير من دون أذان الإمام، من أنها أجمع للإمام، أو الخمس كما عرفت الكلام فيه، و قد تقدم في باب الخمس تمام الكلام في ذلك فلاحظ و تأمل. و منه تعرف نوع إجمال في عبارة المتن و غيره، و- الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري به نسمة و يعتقها و يحج عنه بالباقي ]

المسألة الثامنة: إذا دفع إلى مأذون مالا ليشتري به نسمة و يعتقها و يحج عنه بالباقي فاشترى أباه و دفع إليه بقيمة المال فحج به؛ ثم اختلف مولاه، و ورثة الأمر و مولى الأب، و كل يقول اشترى بعين مالي فقيل و القائل الشيخ في النهاية و القاضي على ما حكي عنه يرد إلى مولاه رقا، ثم يحكم به لمن أقام البينة على رواية ابن أشيم

عن أبى جعفر عليه السلام (1)المشهورة كما في الدروس، و لعله يريد رواية لا فتوى قال:

له «عبد لقوم مأذون له في التجارة دفع إليه رجل ألف درهم فقال: اشتر بها نسمة و أعتقها عني و حج عني بالباقي ثم مات صاحب الالف فانطلق العبد فاشترى أباه و أعتقه عن الميت و دفع إليه الباقي ليحج عن الميت فحج عنه، و بلغ ذلك موالي أبيه، و مواليه و ورثه الميت جميعا فاختصموا جميعا في الألف فقال موالي العبد المعتق إنما اشتريت أباك بما لنا، و قال الورثة: إنما اشتريت أباك بما لنا، و قال: موالي العبد إنما اشتريت أباك بما لنا؟ فقال: أبو جعفر عليه السلام أما الحجة فقد مضت بما فيها لا ترد، و أما المعتق فهو رد في الرق لموالي أبيه، و أي

الفريقين بعد أقاموا البينة، على أنه اشترى أباه من أموالهم كان له رقا.»

و هو أى القول ضعيف كضعف الخبر لجهالة الراوي أو غلوه و سبق بعض أصحاب الإجماع عليه غير مجد على الأصح؛ و لمخالفته أصول المذهب و قواعده باعتبار اشتماله على الأمر برد العبد إلى مولاه مع اعترافه ببيعه و دعواه الفساد التي يقدم


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 233

مدعى الصحة عليها، و على مضي الحجة، مع أن ظاهر الأمر حجة بنفسه، و على مضي الحج مع العود إلى الرق المقتضى لوقوع حجه بغير إذن سيده.

بل في شرح الأستاد أن ظاهر الخبر الاذن في التجارة للمولى، فكيف تصح المعاملة حتى يترتب عليها صحة الحج، كما أن ظاهره أيضا الوكالة عن الدافع فتنفسخ بموت الموكل فيبطل البيع و العتق و الحج، و بعد تسليم أنها وصاية فليست هي من التجارة فلا تصح، و لا يصح ما تفرع عليها من الثلاثة بل الإحجاج لا يدخل في التجارة لسيده و لا لغيره، فكيف يمكن شراء مال شخص بمال منه.

و إن كان قد يناقش بمنع ظهور الخبر في الأول و لو بقرينة عدم دعوى مولى- المأذون بذلك بل و الثاني، ضرورة ظهور عبارة الدافع في فعل ذلك بعد موته، الظاهر في كونه وصاية، و عدم إنكار مولى المأذون ذلك على العبد قرينة على إرادة الأعم من الاذن في التجارة، فالإحجاج بعد تسليم أنه ليس من التجارة لغير سيده من المأذون فيه حينئذ كالعتق و الغقلة و نحوها عن شراء مال شخص بمال منه غير مستنكرة، فانحصرت المخالفة حينئذ فيما ذكرناه أولا، و لها و للضعف مع عدم الجابر طرح الخبر المزبور.

و قيل أنه يرد العبد إلى مولى المأذون ما لم يكن هناك بينة، و هو أشبه عند المصنف و العجلي و تبعهما الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل نسب إلى الأكثر، لأن يد السيد على العبد و ما في يده، و لا يقبل إقراره عليه و إن كان وكيلا، بخلاف الحر، كما لا يقبل بعد حدوث يد المأذون دعوى الملكية من- مولى الأب بلا بينة، فضلا عن دعوى الفساد، و كذا دعوى ورثة الدافع، بل قد لا يتصور دعواهم بعد اعترافهم بأمر مورثهم بذلك كله.

نعم إن أنكروه كلا أو بعضا اتجه لهم الدعوى؛ بل من الواضح أنه على هذا

ج 24، ص: 234

القول لا فرق بين كون العبد الذي أعتقه المأذون أبا له، أو لا، و إن كانت الرواية تضمنت الأول، لاشتراكهما في المعنى المقتضي لترجيح قول ذي اليد، و لا بين دعوى مولى الأب شراؤه من ماله، بأن يكون قد دفع للمأذون مالا ليتجر به، فاشترى أباه من سيده بماله و عدمه، لانه على التقدير الأول يدعي فساد البيع، و مدعي صحته مقدم، و على الثاني إما أن يدعيه أيضا بان يدعى سرقة عين الثمن منه مثلا، أو ينكره فيكون خارجا لمعارضة يده القديمة يد المأذون الحادثة فتقدم، و الرواية تضمنت الأول، كذا في الرياض و فيه نظر، و لا بين استيجاره على حج و عدمه، لعدم مدخلية ذلك في الترجيح، و إن كانت الرواية تضمنت الأول كما هو واضح.

و فيه منع عدم قبول الإقرار من العبد على السيد بعد فرض كونه مأذونا في- التجارة و غيرها و للسيد و غيره، ضرورة كونه حينئذ كالحر في الأمانة فتشمله الأدلة كما أنه ليس لورثة الدافع الدعوى بعد تسليم الوصاية من مورثهم بذلك، و عدم ما يمنع من إنفاذها فتنحصر الدعوى حينئذ في مولى الأب الذي هو مدعى الفساد فلا يسمع قوله بلا بينة.

و من هنا قال المصنف في النافع إن الذي يناسب الأصل في المسألة الحكم بإمضاء ما فعله المأذون ما لم تقم بينة تنافيه، و قواه في الدروس مع الإقرار بذلك و الذي يقوى في النظر بعد طرح الخبر المزبور ملاحظة موضوع المسألة، إذ المأذون إن قصرت إذنه على التجارة لمولاه فهو عاد في فعله، باطل عمله، و لا يدله حتى يصدق في قوله، إنما اليد لمولاه، و هو مصدق فيما ادعاه فيبطل العقد و يرجع المال إلى المولى و إن عمت إذنه في التجارة له و لغيره و كان الشراء بالوكالة مع حياة الدافع صح الشراء، و كان القول قول المأذون في أنه للدافع و ورثته مع اليمين، و تسقط دعوى مولاه و دعوى مولى الأب بعد الإقرار ببيعه و يحكم بفساد العتق و الحج، و إن كانت عامة للتجارة و غيرها له و لغيره كان القول قول- المأذون كما عرفت، و لو سلم ورثة الدافع الأذن في الشراء فقط؛ كان الملك و لا عتق،

ج 24، ص: 235

و لا حج؛ فيرجع الباقي إليهم، و إن اعترفوا بالعتق دون الحج، صح العتق و طولب بما بقي للحج و إن أنكروا الجميع كانت الالف لهم، إلى غير ذلك مما لا يخفى انطباقه على الضوابط لو فرض.

هذا كله بعد طرح الخبر المزبور؛ و قد يحتمل العمل و تدفع المخالفة الثانية بأن المراد حصول الحج و لو بغيره، خصوصا و الخطاب مع المأذون فيتبع فهمه من خطابه و الفرض أنه فهم منه ذلك، و الثالثة بأن صحة الحج أمر أخروي لا يجرى على الحكم الظاهري فقد يحكم بصحة الحج لعلم الوصي مثلا، و إن لم يثبت ظاهرا بل يمكن ابتناء صحته على الإذن لاب المأذون في الحج تبرعا عن الميت أو مطلقا- و ليس في الرواية ما يفيد استحقاق العبد شيئا من المال. أو على أنه قد استعمل في ذلك مع عدم العلم بالفساد فحجه حينئذ صحيح، و إن استحق أجرة المثل، و ليس في الرواية ما ينفيها أو على غير ذلك.

و أما المخالفة الأولى ففي القواعد دفعها بأن المراد إنكار مولى الأب البيع من أصله، و فيه أنه مخالف لصريح الرواية اللهم إلا أن يكون ما أقر به ليس بيعا لغة لعدم المبادلة فيه، أو يكون المراد إنكار البيع للآخرين؛ و لا ينافيه دعوى البيع بما له. إذ هي أمر زائد على الإنكار و بذلك يخرج عن قاعدة تقديم مدعي الصحة على مدعى الفساد، إذ هي في الدعوى المتحدة، لا في مثل الفرض الذي ضم إلى الإنكار دعوى الفساد بشراء عين لا يصح شراؤها كما لو قال: بعتك الدار فأنكر المدعى عليه ثم قال: بعتني خنزيرا، و تقديم الأصحاب مدعى الصحة في مسألة الخل و الخمر. و الشاة و الخنزير، إنما هو فيها إذا اتفقا على تعين المبيع، و اختلفا في كونه خلا أو خمرا أو شاة أو خنزيرا لا في نحو الفرض الذي لا دليل على تشخيص أصل الصحة فيه موضوع البيع الذي هو لإثبات الوصف بها دون غيره، و لعل هذا أولى مما تسمعه من الشهيد، لما تسمعه من المناقشة، و لانه لا يتم مع

ج 24، ص: 236

مع فرض الدعوى من الورثة أو المولى خاصة، ضرورة عدم التصادم، و ظاهر النص تقديم دعوى مولى الأب، و إن لم يكن المدعي الا أحدهما، للحكم فيه باحتياج كل منهما إلى البينة، ثم لا يخفى عليك الداخل و الخارج على هذا التقدير، كما لا يخفى عليك ترجيح أى البينتين بعد الإحاطة بما ذكرناه في كتاب القضاء فلاحظ و تأمل جيدا؛ و في الدروس بأنه قد يقال أن المأذون بيده مال لمولى الأب و غيره، و بتصادم الدعاوي المتكافئة يرجع إلى أصالة بقاء الملك على يد مالكه و لا يعارض فتواهم بتقديم دعوى الصحة على الفساد، لان دعوى الصحة هنا مشتركة بين متقابلين متكافئين فيتساقطان و هذا واضح لا غبار عليه، و قد يناقش بمنع تكافؤ الدعاوي بعد تسليم أن بيده ما لا للجميع لأن من عدا مولاه خارج و الداخل مقدم فسقط مولى الأب و ورثة الأمر فلم يتم الرجوع إلى أصل بقاء الملك على مالكه، و بذلك يظهر فساد دعوى اشتراك الصحة بين متكافئين فان الخارجة لا تكافئ الداخلة، فإذا قدمت لم يبق لرد الدعوى المشتملة على فساد البيع مانع إذ لم ينقدح توجهها إلا بسبب تساقط تلك الدعويين و لم يتم، و قد تدفع بمنع كون المولى داخلا بعد فرض استناده الى السبب الخاص و بعد فرض كون العبد مأذونا مطلقا و بيده مال للجميع، نعم المتجه بناء على ما ذكرنا نفوذ إقراره على السيد و غيره ممن و كله فلم تتصادم الدعاوي المتكافئة كما أنه قد يمنع اعتبار عدم تصادم دعوى الصحة في التقديم على دعوى الفساد، بل يقدمان عليها ثم ينظر في الترجيح بينهما، فان لم يكن فالقسمة أو القرعة أو نحوهما فتأمل جيدا.

هذا كله مع عدم البينة و معها تقدم إن كانت لواحد، و إن كانت لاثنين أو للجميع و قلنا بأن مولى المأذون منهم داخل و ما عداه خارج، و أن بينة الداخل مقدمة على الخارج عند التعارض، كان الترجيح لبينة مولى المأذون حينئذ بلا يمين حينئذ و إن لم يكن له بينة أو كانت و قلنا بترجيح بينة غيره عليه؛ لانه خارج تعارض الخارجان حينئذ؛ و لعل الأقوى وفاقا لجماعة تقديم بينة الدافع عملا بمقتضى الصحة، مع احتمال تقديم بينة

ج 24، ص: 237

مولى الأب لادعائه ما ينافي الأصل، و هو الفساد فمولى الأب بالنسبة إلى ورثة الدافع مدع خارج، فتقدم بينته لانه مدع بأحد تفاسير المدعي لانه يدعي ما ينافي الأصل و يضعف بأنه مدع و خارج بالإضافة إلى المولى المأذون كما ان الأخر أيضا مدع و خارج بالإضافة إليه، و لا يلزم من كون دعوى أحدهما توافق الأصل و دعوى الأخر تخالفه أن يكون أحدهما بالإضافة إلى الأخر مدعيا و خارجا فترجح بينته، و تقديم بينة مدعي الفساد إنما يكون حيث لا يقطع بكون الأخر مدعيا؛ فأما إذا قطع به و أقاما بينتين؛ فلا بد من الترجيح و هو ثابت في جانب مدعي الصحة، و من ذلك يعلم الحال بناء على خروج مولى المأذون أيضا و اقام بينة فترجح حينئذ على بينة ذي الفساد بأصالة الصحة مع احتمال تقدمي مدعى الفساد هنا لكونه مدعيا حينئذ بالنسبة إليهما، و على الأول يبقى الترجيح بين دعوى مولى المأذون و ورثة الدافع. و الله أعلم.

[المسألة التاسعة إذا اشترى عبدا في الذمة]

المسألة التاسعة روى ابن مسلم (1)عن الباقر عليه السلام «في الضعيف أنه إذا اشترى رجل من رجل عبدا أي موصوفا في الذمة و كان عنده عبدان ف دفع البائع إليه عبدين و قال: للمشتري اذهب بهما فصلى الله عليه و آله اختر أحدهما و رد الآخر، و قد قبض المال فذهب بهما المشتري فأبق أحدهما من عنده،

فقال عليه السلام ليرد الذي عنده منهما و يقبض نصف الثمن مما أعطى من المبيع؛ و يذهب

في طلب الغلام؛ فان وجده اختار أيهما شاء، ورد النصف الذي أخذ و إن لم يجده كان العبد بينهما، نصف للبائع، و نصف للمبتاع»

و قد عمل بها الشيخ في نهايته و ابن البراج بل في الروضة نسبة العمل إلى أتباعه، بل في الدروس نسبته إلى الأكثر و إليه أشار المصنف بقوله قيل يكون التالف بينهما و يرتجع نصف الثمن فإن وجده اختار و إلا كان الموجود لهما و هو بناء على انحصار حقه فيهما و زاد في الدروس و على تساويهما في القيمة و مطابقتهما للوصف؛ و عدم ضمان المشتري هنا؛ لانه لا يزيد على


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 238

المبيع المعين الهالك في مدة الخيار فإنه من ضمان البائع، و قد يشكل الأولين بأن المبيع أمر كلي لا يتشخص بتشخيص البائع، و دفعه الاثنين ليتخير أحدهما ليس تشخيصا و إن حصر الأمر فيهما، لأصالة بقاء الحق في الذمة، إلا أن يثبت شرعا كون ذلك كافيا كما لو حصره في عشرة فصاعدا، و قد يدفع بأنه يكفي فيه دفع البائع ذلك بعنوان كون الحق فيه و رضا المشتري بذلك، فقبضه على هذا؛ فهو في الحقيقة كدفع المتحد و قبضه؛ إلا أنه لما كان التحقيق الذي قد مر في المسألة الصاع من الصبرة، أن الأصل عدم ملك الكلى المعين في غير الذمة، وجب حينئذ تنزيل الكلي فيهما حينئذ على الإشاعة تخلصا من ذلك، فملك المشتري حينئذ نصفا من كل منهما، إلا أن له الخيرة في تعيين النصفين بواحد، بل للبائع إلزامه بذلك، باعتبار أنه هو الذي وقع عليه العقد، فإذا أحدهما قبل التعيين كان مقتضى قاعدة الشركة كونهما منهما، إلا أنهم حكموا بارتجاع النصف، لعدم ضمان المشتري هنا، لانه لا يزيد على المبيع المعين الهالك في مدة الخيار، فلا أقل من أن يكون هذا الخيار كذلك، أو ينزل على كون الإباق في الثلاثة، بناء على إلحاق المدفوع مصداقا بما وقع عليه البيع من الحيوان، أو لأنه باعتبار بقاء الخيار فيه كان كالمقبوض بالسوم بناء على أنه غير مضمون، أو أنه و إن قلنا بضمانه الا انه فرق بينه و بين المقام كما ستعرف.

نعم قد يقال المتجه بناء على ذلك عدم الفرق بين التساوي في القيمة و عدمه، و بين التطابق و عدمه، بعد فرض الرضا منهما جميعا بانحصار الحق في المدفوع، و إن كان ظاهر موضوع الخبر ذلك، لكن الإنصاف أن جميع ذلك دعوى مخالفة لأصول المذهب و قواعده بلا شاهد معتبر حتى الخبر المزبور، لعدم الجابر له، و إذا لاكثرية لم نتحققها، بل المتحقق خلافها فطرحه خير من تنزيله على ذلك، أو على تساوى العبدين من كل وجه ليلحق بمتساوي الاجزاء؛ كما عن المختلف فجوز بيع عبد منهما كما يجوز بيع قفيز من الصبرة، و ينزل على الإشاعة إذ فيه أولا وضوح الفرق بين العبد و الصاع

ج 24، ص: 239

لعدم إمكان تساويهما من كل وجه؛ و لذا كان ضمانه لو تلف بقيمته لا مثله، و ثانيا منع التنزيل على الإشاعة في الصاع من المصبرة كما عرفت البحث في محله؛ و ثالثا أنه يحتاج أيضا في عدم ضمان المشتري فيه على هذا التقدير إلى ما عرفت مما هو محل للنظر بل المنع.

مضافا إلى إمكان دعوى صراحة الخبر المزبور في عدمه خصوصا ما في ذيله، و من هنا طرح الخبر غير واحد، بل هو الذي استقر عليه رأي المتأخرين عدا النادر؛ لعدم انطباقه على القواعد، إذ المبيع إن فرض كليا موصوفا بوصف يرفع الجهالة مطبقا على كل من العبدين كما هو الظاهر، ففي شرح الأستاد أن الحكم فيه بقاء التخيير بين قبول التالف و رد الباقي، و بين قبول الباقي و غرامة قيمة التالف، ثم احتمل قويا تارة و لم يستبعده أخرى إلزامه بالتالف، لحصو التقاص قهرا و قد يناقش بأن الحق فيه مختلف؛ لأن البائع مستحق عليه المشترى نفس العبد الموصوف، و هو يستحق عليه قيمة العبد التالف، فلم يحصل شرط التقاص القهري، و منه ينقدح حينئذ أن خياره بين قوبل التالف بمعنى رضاه بما للبائع من القيمة عوض ما يستحقه عليه من العلة لا أن المتجه اعتبار رضاهما معا بذلك ضرورة كونها معاملة جديدة فليس للبائع الاستقلال بذلك و لأعلى المشتري إجابته إليه و بالعكس كما هو واضح، فالموافق للضوابط الذي صرح به غير واحد من الأصحاب ضمان المشتري و استحقاقه المبيع و اليه أشار المصنف بقوله.

و لو قيل التالف مضمون بقيمته و له المطالبة بالعبد و الثابت في الذمة كان حسنا نعم قد يناقش في الضمان لأن الأصل البراءة، إذ الظاهر كونه في يده أمانة فلا يستعقب ضمان، و القياس على المقبوض بالسوم بعد تسليم الحكم في المقيس عليه غير جائز في مذهبنا بل قد يفرق بينهما، بأن المقبوض بالسوم مبيع بالقوة أو مجازا بما يول اليه و صحيح البيت و فاسده مضمون، بخلاف صورة الفرض لان المقبوض ليس كذلك

ج 24، ص: 240

لوقوع البيع سابقا، و إنما هو محض استيفاء حق.

و تدفع بمنع كون ذلك قياسا بل اتحاد طريق المسألتين و هو إطلاق

قوله عليه السلام (1)«على اليد»

المشترك بينهما، و لا خصوصية له، على أن المبيع لما كان أمرا كليا و كان كل من المدفوع صالحا لكونه فردا له كان في قوة المبيع، بل دفعهما للتخير حصر له فيهما فيكون بمنزلة المبيع. حيث أنه منحصر فيهما؛ فالحكم بالضمان هنا أولى كما هو واضح، و إن فرض انطباقه على أحدهما فقط، فان كان الموجود صح له أخذه و غرم قيمة التالف، إلا مع التراضي مع الدافع بالمعاوضة و دفع الباقي إليهن و إن كان التالف ضمنه و طالب الدافع بالكلي، بل قد يقال بتعينه حقا له لانه قد قبضه بعنوان الاستيفاء، إلا أنه لم

يكن متعينا باعتبار وجود الفرد الأخر، فمع فرض انتفائه تعين هو للحق، فتأمل جيدا.

و في شرح الأستاذ جاز للدافع احتسابه عليه و أخذ الباقي، بل لا يبعد لزوم ذلك بالتقاص القهري، و للمدفوع إليه احتسابه على نفسه لجعل الاختيار إليه، و فيه ما عرفت، و إن فرض عدم انطباقهما معا ضمن قيمة التالف و دفع الباقي، و طالب بما له الا مع التراضي المزبور، و إن كان المبيع نصفا من العبدين مشاعا فيهما فالتالف مضمون نصفه عليه، و عليه رد نصف الباقي، فلا ينطبق الخبر حينئذ على شي ء من ذلك إلا على ما سمعته من التكلفات السابقة، التي يرجح الطرح عليها، و تنزيل الخبر على كون المبيع مجهولا لتردده بين العبدين المدفوعين يقضى بضمان التالف بالقيمة، أو المسمى و رد الباقي، لبطلان العقد حينئذ كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا؛ بل هي كذلك، و إليه أشار المصنف بقوله.

و أما لو اشترى عبدا من عبدين لم يصح العقد و فيه قول موهوم و في السرائر بعد أن حكى ما في النهاية الذي هو مضمون الخبر السابق، قال: ما ذكره شيخنا في


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 527.

ج 24، ص: 241

نهايته خبر واحد لا يصلح و لا يجوز العمل به، لانه مخالف لما عليه الإمامة بأسرها، مناف لأصول مذهب أصحابنا و فتاواهم و تصانيفهم و إجماعهم لأن المبيع إذا كان مجهولا كان البيع باطلا بغير خلاف، و قوله يقبض نصف الثمن، و يكون العبد الآبق الذي وقع عليه البيع فهو من مال مشتريه، و الثمن بكماله لبائعه، و إن كان الآبق غير متوقع عليه البيع فالباقي إذا وقع عليه البيع، فلأي شي ء يرده، و إنما أورد شيخنا هذا الخبر على ما جاء إيرادا لا اعتقادا؛ لأنه رجع عنه في مسائل خلافه، في كتاب السلم» و هو جيد.

و إن كان قد يوهم ظاهره عدم جواز بيعه كليا موصوفا بصفات ترفع الجهالة، و هو واضح المنع.

و لعله إليه أو غيره أشار في اللمعة بقوله «و يجوز شراء العبد موصوفا سلما، و الأقرب جوازه حالا، إلا ان ظاهره كون غير الأقرب التفصيل بين السلم و غيره، و هو أوضح من الأول فسادا لتساويهما في المعنى المصحح للبيع، و على كل حال فما أبعد هذا القول من القول بجواز بيع أحد العبدين مطلقا؛ كما عساه يظهر في باب البيع من الخلاف ناسبا له إلى رواية الأصحاب و إجماعهم. أو بشرط تساويهما من كل وجه حتى يكون كالصاع من الصبرة، كما سمعته من الفاضل في المختلف، و إن كان هو في غاية الضعف. بل الشيخ كما قيل قد رجع عنه في باب السلم فقال «إذا قال اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا، أو أحد هذه العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة إذا شرط فيه الخيار ثلاثة أيام جاز لان هذا غرر يسير، و أما في الأربعة فما زاد فلا يجوز، دليلنا أن هذا بيع مجهول فلا يجب أن يصح بيعه

ج 24، ص: 242

و لانه بيع غرر لاختلاف قيمة العبدين، فان قلنا به تبعنا فيه الرواية، و لم نقس عليها غيرها و الإجماع الذي ادعاه مظنة العكس، كما سمعته من الحلي» و الرواية التي أشار إليه هي الخبر المزبور على الظاهر، و هو مع عدم تعين تنزيله على ذلك، قد عرفت مخالفته للأصول و القواعد، و الاستدلال بالإطلاقات و العمومات يدفعه ما دل على المنع من بيع الغرر الذي هذا منعه قطعا، كما أنه يدفع الثاني منع التساوي على وجه يحلق بالمثلي على أنك قد عرفت ما في تنزيل الخبر عليه.

و كيف كان فلا ريب في ضعف ذلك كله فالأولى الرجوع إلى ما تقتضيه الضوابط و هو ما عرفت و عليه لا فرق بين العبدين و الأكثر، و لا بين العبيد و الإماء، بل و لا بين الثياب و نحوها و لا بين إباق العبد و موته، أما بناء على العمل بالخبر ففي انسحابه في الزيادة على اثنين تردد؛ من صدق العبدين في الجملة و عدم ظهور تأثير الزيادة مع كون محل التخيير زائدا على الحق؛ و من الخروج عن المنصوص المخالف لأصل، فان سحبنا الحكم و كانوا ثلاثة فأبق واحد فات ثلث المبيع و ارتجع ثلث الثمن إلى آخر ما سمعت، و و قد يحتمل بقاء التخيير و عدم فوات شي ء، سواء حكمنا بضمان الآبق أم لا، لبقاء محل التخيير الزائد عن الحق، و كذا التردد لو كان المبيع غير تعبد، كأمه فدفع إليه أمتين أو إماء و ان قطع في الدروس بثبوت الحكم هنا، بل في أية عين كانت؛ كثوب و كتاب من المشاركة في العلة للحكم، و بطلان القياس، و لعله أقوى كما أن الأقوى عدم إلحاق الهلاك بالإباق، و إن جعله بعضهم أحد الوجهين لأولويته منه، لكن قد يفرق بينهما بتنجيز التنصيف معه من غير رجاء لعود التخيير بخلاف الإباق و الله أعلم.

[المسألة العاشرة إذا وطئ أحد الشريكين أو الشركاء الوطي الذي تدور عليه الاحكام مملوكة بينهما يسقط الحد مع الشبهة]

المسألة العاشرة إذا وطئ أحد الشريكين أو الشركاء الوطي الذي تدور عليه الاحكام مملوكة بينهما أو بينهم يسقط الحد مع الشبهة بلا خلاف بل الإجماع

ج 24، ص: 243

بقسميه عليه لدرء الحدود بها، و إن استحق التعزير بالعصيان بترك السؤال و يثبت مع مع انتفائها إذا لم يكن الشريك ولدا له إجماعا أيضا بقسميه، و نصوصا مستفيضة جدا؛ مضافا إلى ما قيل من تناول ما دل في الزنا له الشامل للمقام بالصدق من جهة الشريك أو مطلقا فيلزم تمام الحد؛ لولا قيام الدليل عي خلافه؛ و بعد خروج الخارج يبقى الباقي على حاله، و إن كان لا يخلو من نظر، و لكن يسقط منه أى الحد بقدر نصيب الواطئ للنص و الإجماع المحكي، إن لم يكن المحصل، و ما قيل من عدم كونه زانيا من جهته، و لا هاتكا للحرمة كذلك، و لحصول معنى الشبهة باستحقاقه و لقاعدة تبعض الاحكام بتبعض الأسباب كما يظهر بعد التتبع التام، و لا سيما في تبعيض المماليك و إن كان فيه ما فيه، و أولى منه تعليله بعد النص عليه أن أمر الحدود مبنى على التخفيفى؛ و لذا سقط بالشبهة و نحوها، و إلا فالعمدة النص.

قال عبد الله بن سنان (1)«سألت الصادق عليه السلام عن رجال اشتركوا في أمة، فائتمنوا بعضهم على أن تكون الأمة عنده، فوطأها؟ فقال: يدرأ عنه من الحد بقدر ماله من النقد، و يضرب بقدر ما ليس له فيها، و تقوم الأمة عليه بقيمة يلتزمها، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الجارية، ألزم ثمنها الأول؛ و إن كان قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها الزم ذلك الثمن و هو صاغر، لأنها استفرشها، قلت: فإن أراد بعض الشركاء شراؤها دون الرجل قال: ذلك له، و ليس له أن يشتريها حتى تستبرأ، و ليس على غيره أن يشتريها إلا بالقيمة».

و نحوه آخر(2)بتفاوت يسير،

قال فيه: «قوم اشتركوا في شراء جارية فائتمنوا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث- 4.

ج 24، ص: 244

بعضهم و جعلوا الجارية عنده فوطئها قال عليه الحد و يدرأ عنه من الحد قدر ماله فيها، و تقوم الجارية و يغرم ثمنها للشركاء؛ فإن كانت القيمة في اليوم الذي وطئ أقل مما اشتريت به، فإنه يلزم أكثر الثمن لا أنه قد أفسد على شركائه، و إن كان

القيمة في اليوم الذي وطئ أكثر مما اشتريت به يلزم الأكثر»

و

في خبر إسماعيل الجعفي (1)عن أبى جعفر عليه السلام «في رجلي اشتركا في جارية فنكحها أحدهما دون صاحبه، فقال: يضرب نصف الحد، و يغرم نصف القيمة إذا حبلت»

و

في المرسل (2)في الفقيه المسند عن عدة أصحابنا في الكافي عن الصادق عليه السلام «سئل عن رجل أصاب من الفي ء فوطئها قبل أن تقسم؟ فقال: تقوم الجارية، و تدفع إليه بالقيمة؛ و يحط له منها ما يصيبه من الفي ء، و يجلد الحد، تدفع إليه بالقيمة دون غيره، فقال: لأنه وطأها و لا يؤمن أن يكون ثمة حبل».

و

في الصحيح (3)«سمعت عباد البصري يقول كان جعفر عليه السلام يقول: يدرأ عنه من الحد بقدر حصته منها و يضرب ما سوى ذلك، يعني في الرجل إذا وقع على جارية له فيها حصة»

و

في الخبر(4)«في جرية بين رجلين وطأها أحدهما دون الأخر فأحبلها فقال: يضرب نصف الحد و يغرم نصف القيمة»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب، حتى

الصحيح (5)«في رجلين أعتق أحدهما نصيبه منها، فلما راى ذلك شريكه وثب على الجارية فوقع عليها؟ قال: فقال: بجلد الذي وقع عليها خمسين جلدة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام الشركة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزناء الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث 1.

ج 24، ص: 245

و يطرح عنه خمسون جلدة، و يكون نصفها حرا، و يطرح عنها من النصف الباقي الذي لم يعتق إن كانت بكرا عشر قيمتها، و إن كانت غير بكر نصف عشر قيمتها و تستسعى هي في الباقي»

و نحوه خبر آخر(1)و كان بعض مشايخنا لم يقف إلا عي خبر واحد، فاستدل به جابرا له بالشهرة بل الإجماع.

و أغرب منه ما في نكاح المسالك من نفى الحد على الواطئ، لانه ليس زانيا و و إن كان عاصيا يستحق التعزير، و يمكن أن يكون مراده نفى حد الزنا، لان الظاهر ترتبه على غير محل الفرض لا أقل من الشك. و الأصل البراءة، و حينئذ فما في النصوص من جلد المقدار المخصوص أمر آخر ليس حدا من حيث الزنا، و

ربما يؤيد ذلك إطلاق النصوص في المقام عدا النادر الحكم المزبور من غير فرق بين المحصن و غيره، و إلحاق الولد به أيضا فتأمل.

ثم إن الظاهر جريان الحكم المزبور على الأمة أيضا فيدرأ عنها ما درء عن الواطئ و تضرب قدر ما ضرب و كيف كان فالحكم مما لا إشكال فيه نعم قد يستشكل فيما إذا كان استحقاقه كسر بالنسبة إلى كيفية ما يسقط في مقابلته من الحد فقيل إنه يعتبر بالسوط فيأخذ بنصفه إن كان نصفا و بثلثه إن كان ثلثا؛ كما تضمنه (2)

صحيح هشام بن سالم عن أبى عبد الله عليه السلام «قال: في نصف الجلدة و ثلثها يؤخذ بنصف السوط و ثلثه»

و عن بعض المحققين أنه يحصل باعتبار مقدار السوط؛ و كيفية الضرب، و في الحدائق قوة الضرب و ضعفه مع قبض السوط على المعتاد أو دقة السوط و غلظة لم


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب حد الزنا الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات الحدود و أحكامها الحديث- 1.

ج 24، ص: 246

يكن بعيدا» قلت: هو كذلك لولا مخالفة لظاهر النص، الله إلا أن يحمل عليه لكنه كما ترى، بالنسبة إلى الدقة و الغلط.

نعم هو لا يخلو من قوة بالنسبة إلى الأول ضرورة أنه يمكن أن يكون الكسر بحي لا يمكن تحقق مسمى الجلد به لو قبض على مقداره من

السوط المعتاد، بل يمكن دعوى لدى الأقرب إلى الحقيقة ذلك بعد انتفائها فتأمل جيدا.

ثم إن ظاهر النصوص و الفتاوى تعين كون الحد هنا الجلد و إن كان الواطئ هنا محصنا لعدم تصور السقوط في القتل و الرجم، و

ما في بعض المعتبرة(1)«عن رجل وقع على مكاتبة فقال: قال إن كان أدت الربع جلد، و إن كان محصنا رجم، و إن لم تكن أدت شيئا فليس عليه شي ء»

بعد الإغضاء عما فيه من التقييد بالربع، معارض بما سمعت خصوصا ما ورد في المبعضة، و حمل نصوص التبعيض جميعها على ما إذا كان الحد قابلا له، كما إذا كان الواطئ غير محصن مع عدم مقاومة المعارض، مخالف لأصول المذهب و قواعده، كما هو واضح، بل على ما ذكرنا سابق لا يحتاج إلى دليل في عدم ثبوت حد المحصن عليه لأن التحقيق عدم اندراجه فيما دل عليه في الزاني فيقى الأصل حينئذ سالما عن المعارض، و لو وطئ الشريك قبل تمام ملكه، كما لو كان موهوبا و لم يقبض حد تمام الحد مع عدم الشبهة، و كذا الفضولي على القول بالنقل، و على الكشف ففي البدار أو الانتظار أو العدم مطلقا وجوه؛ أقواها عند الأستاد الأخير، لكنه يعزر لعصيانه، و هو جيد مع حصول الإجازة، و لو ادعى في حصته الزيادة على شريكه و لم يعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب حد الزنا الحديث- 2.

ج 24، ص: 247

بكذبه و لا قامت بينة بصدقه و درأ عنه بنسبتها من الحد على الأقوى، لاندراج مثله في الشبهة المسقطة للحد.

و كيف كان فلا ريب نصا و فتوى في لحوق أحكام الولد في الجملة لهذه الجارية لو حملت من الواطئ و إن كان عاصيا بالنسبة إليه بل و إلى شركائه بالنسبة إلى غير الواطئ، فليس لهم بيعها بل و لا نقله بأحد النواقل إلى غيره، و لكن تقوم عليه إنما البحث في أنها تقوم عليه بنفس الوطء و إن لم يظهر حملها أو ينتظر الحمل فعند المصنف تبعا للحلي و عليه استقر رأي المتأخرين أنها لا تقوم عليه نفس الوطء لكن قال هنا على الأصح مشيرا به إلى ما في النهاية من التقويم بنفس الوطء قال: «إذا كانت الجارية بين شركاء فتركوها عند واحد منهم فوطأها فإنه يدرءوا عنه من الحد بقدر ماله من الثمن و يضرب بمقدار ما لغيره، و تقوم الأمة قيمة عادلة و يلزمها، فإن كانت القيمة أقل من الثمن الذي اشتريت به الزم ثمنها، و إن كانت قيمتها في ذلك اليوم الذي قومت فيه أكثر من ثمنها ألزم ذلك الأكثر، و إن أراد واحد من الشركاء الجارية كان له أخذها، و لا يلزمه إلا ثمنها الذي يسوى في الحال، الذي هو مضمون ما سمعته من خبر عبد الله بن سنان (1)المتقدم لكن قد عرفت أن فيه و ليس له أي الشريك أن يشتريها حتى تستبرئ.

و منه ينقدح إشكال في الخبر المزبور، و هو أن الشريك إذ كان ليس له شراؤها إلا بعد الاستبراء فهو و الواطئ على حد سواء في عدم الإلزام إلا بالثمن إذا ظهر كونها بريئة من

الحمل، إذ احتمال التقويم على الواطئ و إن لم يتعقبه حمل في غاية البعد، و إن توهم من إطلاقه النهاية و الخبر، بل هو الذي فهمه ابن إدريس و غيره، ممن تأخر عنه منه، حتى أنه فرع عليه بعض مشايخنا فقال: هل يفرق بين الفرج و الدبر و التقاء الختانين و الانزال و خلافهما أولا، وجهان، أقواهما عدم الفرق في الطريفين دون الواسطة إلا أنه و الانزال و خلافهما أولا، وجهان، أقواهما عدم الفرق في الطرفين دون الواسطة إلا أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

ج 24، ص: 248

في غاية البعد، بل التعليل في خبر العدة الصريح في كون التقويم بالوطي كالصريح بخلافه، بل التعليل في خبر ابن سنان بنفسه ظاهر في ذلك، ضرورة كون المراد منه أنه صيرها بالوطي فراشا له بحيث يلحق به الولد، و إلا فلو أريد منه بمجرد الوطء و إن كانت آيسة مثلا، لم يكن للتعليل به وجه، كالتعليل بالإفساد في الخبر الأخر، إذ لا وجه للإفساد بمجرد الوطء، خصوصا في الثيب، بل و بالكسر بعد غرامة أرش البكارة، إذ ليس هو حينئذ أسوء حالا من الأجنبي بالنسبة إلى ذلك فليس المراد من الإفساد حينئذ إلا احتمال الحمل الذي يلحق به، و يمتنع على الشركاء بسببه نقلها بسائر النواقل، و إن لم يتكن أم ولد بالنسبة إليهم، فتنفق حينئذ النصوص الثلاثة على معنى واحد، و يكون المراد حينئذ مما في خبر عبد الله بن سنان أنه للشريك شراؤها بعد الاستبراء و العلم بخلوها عن الحمل و لا يجب عليه التقوم على الواطئ بمجرد وطئه، و كذا المراد أنه ليس على غير الواطى من الشركاء فضلا عن غيرهم في سائر الأحوال إلا بالقيمة التي تسوى في الحال بخلاف الواطئ فان عليه الإلزام بأكثر الأمرين لو اراده الشريك قبل الاستبراء أو بعد ظهور الحمل، أو يحمل على ما إذا نقصت القيمة المساوية للثمن الذي اشتريت به بالوطي فإنه يجب عليه تمام الثمن لحصول النقصان بفعله.

و على كل حال فبما ذكرنا يندفع ما في التذكرة من أن هذا الخبر غير دال على وجوب التقويم بنفس الوطء، لانه يسوغ لغيره من الشركاء شراؤها فلو وجب التقويم لم يجز ذلك، و نحوه يرد على عبارة الشيخ لأنها كما سمعت مثل الحبر فلا بد حينئذ من حملها على ما ذكرناه أو يدعى أن الشيخ، يوجب التقويم بنفس الوطء إرفاقا للشركاء فإذا أسقطوا حقهم كان لهم شراؤها منه برضاه، إلا أنك قد عرفته أنه ليس للشركاء الشراء من الواطئ إلا بعد الاستبراء بل لا يبعد القول بأنه ليس للشريك الذي لم يطأ بيع نصيبه إلا بعد الاستبراء، و إن قلنا ان البائع لا يجب عليه الاستبراء من وطئ غيره، لكن في المقام قد يقال بوجوبه، باعتبار أن الحمل و لو من

ج 24، ص: 249

الشريك الواطئ يمنع الأخر من نقلها إلى غيره، فهي حينئذ كأم الولد بالنسبة إليه، و كان وطئ الشريك كوطئ نفسه بالنسبة إلى ذلك.

فيتجه حينئذ عدم جواز البيع له إلا بعد الاستبراء فتأمل جيدا، فإنه في غاية الجودة، و به يتم م قلناه حينئذ من التقويم عليه بنفس الوطء الذي يخشى منه الحمل، لانه قد عضل مال الشركاء عليهم. فإذا لم يقوموها عليه حتى استبرأت و علم عدم حملها كان حال الواطئ حينئذ كحالهم لا يستحقون عليه تقويما و لا غيره؛ إلا العقر يعد إسقاط نصيبه.

و من الغريب ما في مختلف الفاضل من حمل الخبر، و ما في النهاية على صورة الحمل مع أنه ليس في شي ء عنهما ما يومي إليه بل ما في الذيل من جواز البيع على الشركاء صريح في خلافه، لعدم جواز بيعها مع الحمل قطعا و إجماعا؛ بل قوله فيه لا يجوز أن يشتريها حتى تستبرئ صريح أيضا في عدم كونها حاملا، و تقييد الصدر بالحامل بخلاف الذيل تفكيك في الخبر يقطع بفساده و أوضح منه فسادا المناقشة في خبر العدة بأنه ظاهر في أن سبب التقويم الحمل فلا يتحقق بل تحققه، إذ هو كما سمعت صريح في أنه علة التقويم الوطء لانه لا يؤمن مع الحبل كما هو واضح.

كل ذلك مع عدم المعارض عد المفهوم في خبر الجعفي إذ الحبل في غيره في السؤال دون الجواب، فلا دلالة فيه؛ و هو مع أنه مفهوم لا يعارض المنطوق، يمكن أن يكون المراد منه نفى الغرم مع عدم الحبل، و نحن لا ننكره. ضرورة أنه إذا تأخر الشريك عن التقويم حال الوطء فبان عدم حبلها لم يكن على الواطئ غرم، كما أنه يغرم؟ قطعا القيمة بالحبل كما هو واضح و الحاصل أن القول بأن للشركاء التقويم على الشريك الواطئ الذي يخاف من وطئه الحبل و أنه لا يجوز لهم نقل الجارية إلى غيره قبل الاستبراء إذا لم يريدوا التقويم عليه، لعدم وجوبه عليهم للأصل. و لان مشروعيته للإرفاق بهم لا يخلو من قوة، فإذا اشتريت حينئذ كان لهم نقلها من كل أحد؛ كما أنه بناء على التقويم بالحمل إذا أخروا

ج 24، ص: 250

التقويم فاتفق سقوط الحمل قبله تعود على الحال الأول، و لا يلزم الواطئ بالتقويم، و يمكن حمل كلام الشيخ و غيره ممن قال بالتقويم بالوطي على ذلك لا مطلق الوطء و إن بان عدم تعقبه للحمل.

و لكن الذي استقر عليه رأي المتأخرين أنها لو حملت قومت عليه حصص الشركاء و لا تقويم عليه قبل الحبل، بل في شرح الأستاد دعوى تحصيل الإجماع عليه، لان المخالف مسبوق ملحوق به، و إن كان فيه ما لا يخفى نعم هو مقتضى الأصل و المفهوم في الخبر السابق المنجبر بالشهرة المتأخرة، بل لعلها أنه ما ذكرنا تعرف ما في جميع ذلك، و منه يعلم أن الاحتياط لا ينبغي تركه في المقام.

ثم طنه عليه فهل العبرة بالقيمة وقت الإجماع كما اختاره شيخنا في شرحه أو من يوم الوطء كما في التحرير، و قواه الشهيد في حواشيه، أ وقت التقويم كما عن بعضهم، أو أكثر الأمرين من يوم الوطء إلى الاحبال كما مال إليه ثاني الشهيدين في المسالك أو أكثرهما من حين الإحبال إلى وقت التقويم كما في المختلف، أو أكثر الأمرين من الثمن و القيمة وقت التقويم، كما سمعته في الخبر، أو أكثرهما من يوم الوطء كما يقضى به الخبر الأخر، وجوه؛ بل أقوال؛ و زاد في شرح الأستاد احتمال القيمة زمان الانتقال؛ و أعلى القيم من زمان الحمل إلى زمان الانتقال، و من زمان التقويم إلى زمان الانتقال، و من زمان الوطء إلى زمان الحمل، و الى زمان التقويم و الأعلى من زمان الانعقاد إلى حين الولادة، و ما يختاره المظلوم من الشريكين، بل قال:

إن لكل وجها، و هو مع أنه مبني على مغايرة زمان التقويم لزمان الانتقال في غاية الضعف بالنسبة إلى البعض، إن لم يكن الجميع، و لعل الأقوى مراعاة حال التقويم الذي

ج 24، ص: 251

هو بمعنى الدفع إليه بالقيمة، لأصالة براءة الذمة من ضمان الزائد؛ و لانه هو وقت المعاملة، و وقت دفع الجارية إليه بالقيمة، سيما إذا كان النقص الداخل على الشريك بالتأخير في التقويم من قبله، إذ الظاهر أنه لا يجوز للواطي الامتناع من قبول التقويم عند طلب الشريك له؛ فإذا امتنع جبره الحاكم بل له القبول عنه، أما إذا طلبه الواطئ فقد يقوى عدم وجوب الإجابة عليه ما لم يستلزم تعطيلا للمال.

لكن في شرح الأستاد إن التقويم قهري بالنسبة إلى الواطئ و الشركاء فحالها كحال أمهات الأولاد، و ليس فوريا لكن لا يسوغ الإهمال الباعث على التعليل، و متى طلبه أحدهما أجابه الأخر، و لو امتنع أحد الطرفين عن التقويم جبره الحاكم عليه؛ فان لم يتمكن منه قام مقامه.

و فيه ان الظاهر من النصوص كون التقويم إرفاقا بحال الشريك، فهو حينئذ حق له لا يجبر عليه إلا إذا أدى إلى الإصرار بالاخر فتأمل جيدا فإنه يمكن الفرق بين ما ذكرناه سابقا من التقويم بالوطي و بين ما هنا من التقويم بالحمل بالنسبة إلى القهرية و عدمها، ضرورة تحقق كونها أم ولد بالانعقاد بخلاف الأول.

و كيف كان فلا تدخل في ملك الواطئ ابتداء كما صرح به غير واحد، بل قيل إنه إجماع للأصل بل و النص، ضرورة إرادة النقل بالقيمة من التقويم عليه؛ فحق الشريك في المنافع ثابت حينئذ، كما أن الظاهر عدم إغناء التقويم عن الصيغة إذا أريد ما رتب الشارع عليها من الاحكام، بل الظاهر عدم كون التقويم من النواقل المستقلة و إنما المراد ما عرفت من النقل بالنواقل المعهودة؛ إلا أنه بالقيمة على الواطئ لكن في شرح الأستاد أنه يغني التقويم عن الصيغة كما هو ظاهر كلام المعظم، و ظاهر الاخبار و يكون كاستحقاق العوض بالتلف إلى أن قال: و لا تجري عليه أحكام البيع، فلا خيار

ج 24، ص: 252

مجلس أو حيوان و نحوهما و يتعين عليه أخذ الأرش و عوض النقص و نحوه، و لا يجوز له الرد.

و فيه ما عرفت و خلو النصوص عن الصيغة لتعارف المعاطاة في ذلك الزمان كما خلت عنها أكثر النصوص في أكثر المقامات بل التأمل في ذيل خبر ابن سنان (1)يورث القطع بإرادة ما ذكرنا من التقويم على الواطئ فلاحظ و تأمل؛ و كذا فيه أيضا أنه لو فسخها بخيار من الخيارات كان عليه تقويم الجميع، و فيه أن جواز الفسخ له محل بحث كالبحث في لزوم التقويم عليه بعد الجواز فتأمل جيدا.

و لو اشترك شريكان في الإجمال أقرع بينهما، للنصوص التي منها

الصحيح (2)«إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر واحد فولدت و دعوه جميعا أقرع الوالي بينهم، فمن خرج كان الولد ولده، و يرد قيمة الولد على صاحب الجارية»

و نحوه غيره على أن الاشتراك في الولد بينهم على حسب الغرامة غير معهود بالشرع في غير المماليك.

ثم إن الظاهر لزوم العقر العشر أو نصفه مع القيمة، لأنه عوض الانتفاع بالبضع. بل لعل ما دل عليه في غير المقام كالأمة المدلسة نفسها و غيرها لا يخلو من ظهور في الجميع- خصوصا خبر الجارية(3)التي أعتق نصفها المتقدم آنفا الذي يراد منه إسقاط ما يخصها بنصيب الحرية من العقر من نصيب الواطئ، فما قيل من الاكتفاء بالقيمة عن ذلك في غير محله، و خلو النصوص هنا عن التعرض له أعم من عدمه، بل قيل أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام حدود الزنا الحديث- 1.

ج 24، ص: 253

يلزم مع ذلك أرش البكارة؛ لكن فيه ما عرفت سابقا من ظهور النصوص في أن الزيادة في عقر البكر عوض عن أرش البكارة.

نعم الظاهر عدم الفرق بين اتحاد الوطء و تعدده إذا كان منشؤه واحدة، و لم يتخلل الغرم أما لو وطأها أو لا للشركة، ثم وطأها ثانيا بزعم أنها صارت له خالصة، و ثالثا أنها زوجته، فقل يحتمل التعدد كما في شرح الأستاد و الله أعلم.

و على كل حال ف ينعقد الولد حرا لأصالة الحرية و التبعية، و النصوص المتقدمة الإمرة بالتقويم فيها، لمكان الحمل الذي تصير به أم ولد بالنسبة إليه، بل هي كالصريحة في فرض الوطء فيها بغير الشبهة، لاشتمالها على الحد المعلوم درؤه بها فحينئذ لا فرق في انعقاده حرا بين كون الوطء لشبهة أو لا كما هو صريح جماعة بل لا أجد خلافا فيه بينهم، و لعل الحكمة انه ليس زنا محصنا بسبب الملك للبعض الموجب لحصول الفراش، كما أومئ إليه بعض النصوص المتقدمة.

و منه ينقدح حينئذ أن الوجه في الحرية انعتاق مقدار نصيبه عليه؛ ثم يسرى إلى غيره؛ الا أنه لما كان هو السبب في ذلك أغرمه الشارع قيمة حصص الشركاء منه نحو ما سمعته في غرامته جميع القيمة عن ولده من الأمة التي ظهر استحقاقها للغير الذي اشتملت عليه النصوص السابقة، مضافا إلى بعض النصوص المتقدمة في المسألة.

بل الظاهر مما دل على التقويم بالحبل عدم توقف الحرية على الولادة و إلا لم يلزم تقويمها بالحبل، و إلى ذلك أشار المصنف و غيره؛ بل لم يعرف خلاف فيه بينهم، بل ربما ادعى الإجماع عليه بالتعبير بالانعقاد حرا المتحقق بانعقاد النطفة أو العلقة، بل ظاهر النصوص و الفتاوى عدم الفرق في ذلك بين دفع القيمة و عدمها، و إن كانت هي مستحقة على الوالد فما عساه يتوهم من بعض نصوص الأمة المستحقة

ج 24، ص: 254

من التوقف على دفع القيمة لا بد من تأويله و طرحه، مع أنه لا صراحة فيه، بل و لا ظهور في توقف الحرية، بل قد صرح فيه بعدم ملك ولد الحر بل أقصاه توقف دفع الولد على دفع القيمة، و هو مع أنه غير ما نحن فيه مطرح أو مأول.

و على كل حال فاحتمال كونه رقا إلى حين الولادة أو حين التقويم لا يلتفت اليه، و تظهر الثمرة في الوصية به و له في الجناية عليه، و في عزل نصيبه من الإرث فضلا عن نمائه، و في غير ذلك مما لا يخفى.

و كيف كان ف على أبيه قيمة حصصهم يوم ولد و إن تأخر التقويم عنه إن تقوم حاملا و إلا دخلت قيمة الولد معها كما صرح به ثاني الشهيدين، و يعص من تأخر عنه، كفاضل الرياض و شيخنا في شرحه نعم ظاهر الأخير اعتبار التراضي منهم بذلك، قال «فان اختلفا فالمدار على حين الولادة، إلا إذا خرج ناقصا فيعين اعتبار قيمة الحمل إن زادت على قيمته حين الولادة، مع احتمال تقويمه تاما و مع الخروج ميتا يفرض حيا سليما و يقوم، و الام باقية على حالها، و يقوى اعتبار أعلى القيم من حين الحمل إلى حين الولادة أو إلى حين التقويم، ثم قال، بعد ذلك و يغني مجرد التقويم من دون عقد، لظاهر الإطلاق في الاخبار و كلام الأصحاب، و لذلك يصلح تقويمه ميتا، و لو خرج مريضا بجناية قوم صحيحا».

قلت: لا أجد خلافا في النص و الفتوى في عدم اعتبار زمان التقويم المتأخر عن زمن الولادة، بل هو صرح قبل ذلك بأنه لو تأخر وقت التقويم عن يوم الولادة لوحظ الحال السابق بل ستسمع نسبة الخلاف إلى أبى حنيفة في نظير المقام من الفاضل، و هو مشعر بالإجماع على أن الأصل براءة ذمة الأب من الزائد لو فرض علو القيمة كما هو الغالب، و براءة ذمة غيره من وجوب الالتزام بالناقص لو فرض حصوله بالتأخر.

ج 24، ص: 255

مضافا إلى أن المتيقن من النصوص يوم الولادة، لأنه هو أول يوم تحقق اسم الولد فيه، بل المعتبر حال الخروج إلى الدنيا، بل منها مضافا إلى الأصل يستفاد عدم اعتبار أعلى القيم، خصوصا إذا كان الشريك هو الذي طلب التأخير إلى يوم الولادة، ضرورة أنه باختياره ذهب الزائد عليه، بل و إن كان الطالب الواطئ، لعدم الالتزام بالتقويم حملا إذ النصوص أوجبت قيمة الولد، على أن الحمل لا طريق إلى تقويمه كما صرح به الفاضل و غيره لكن قد يقال إنه يمكن تقويم الحمل على احتمالاته.

نعم لا يقوم ولدا تاما حيا و هو حمل لعدم العلم بحاله، و لعل ذلك هو المراد بعدم إمكان تقويمه حملا إلا أن يلحظ تبعا فتقوم الحامل حينئذ باعتباره، فالزيادة التي تفرض على كونها حائلا بسببه بمنزلة القيمة له. و فيه أنه ربما تنقص قيمته الجارية بحملها، لقلة الانتفاع بها، و مخافة الحادث عليها بالطلق و نحوه و من هنا اعتبر في النصوص الواردة هنا و في الأمة المستحقة للغير و في المدلسة نفسها و غير ذلك قيمة الولد، و ليس في شي ء منها تقويمه حملا و لو بالتبعية للأم؛ كما أن أكثر الفتاوى على غرامة قيمة الولد يوم ولد حيا اللهم الا ان يدعى ظهور بعض نصوص المقام الذي اشتمل على التقويم إذا أحبلها في ذلك و فيه منع.

نعم قد يقال: إن المراد بدخوله في قيمة الحامل أنه يضاف إلى قيمتها ما يكون قيمة له، فتكون القيمة التي لها عوضا عنه و عنها، لا أنه قيمة للحمل، و لذا اعتبر التراضي بينهما على ذلك فليس لأحدهما اقتراحه على الأخر هذا.

و في الرياض في شرح عبارة النافع التي هي يجب على الواطئ قيمة حصص الشركاء منه عند الولادة قال: «و السقوط حيا ان قومت حائلا،

ج 24، ص: 256

و إلا دخلت قيمة الولد معها كما ذكره جماعة من الأصحاب و الظرف يتعلق بالقيمة، أي القيمة عند الولادة بلا خلاف، توفية لحق الشركاء من النماء و التفاتا إلى فحوى المعتبرة الواردة في وطئ الشركاء للأمة المشتركة» ثم ذكر الصحيح المتقدم المشتمل على القرعة، و ربما يتوهم منه اعتبار القيمة المزبورة و لو حال الحمل للتوفية و للنصوص المشتملة على قيمة الولد، فيكون وقت الضمان وقت انعقاد الحمل باعتبار أنه كوقت التلف، و المضمون حينئذ قيمة ولد، للنصوص، و لعله على ذلك بنى شيخنا فيما سمعته من شرحه ضمانه لو خرج ميتا بأن يفرض حيا، و مريضا بأن يفرض صحيحا، بل قد سمعت احتمال تقديره تاما لو خرج ناقصا.

لكن فيه أن المنساق من عبارات الأصحاب اشتراط الحياة في ضمانه فلو خرج ميتا لم يكن عليه شي ء أصلا، حتى قيمته حملا، كما يقوم يوم خروجه حيا على أى الأحوال كان من الصحة و المرض و التمام و النقصان و الذكورة و الأنوثة و المسخ و الخنوثة، بل هو كصريح الدروس في الأمة المستحقة التي لم يظهر لنا فرق بينها و بين المقام بالنسبة إلى ضمان قيمة الولد فقال: و عليه قيمة الولد إن سقط حيا كما أنه قال:

في المقام و عليه قيمة نصيب الشريك يوم وضع حيا، بل قال الفاضل في القواعد في المقبوض بالبيع الفاسد لفساد الشرط إذا كان جارية و لو وطأها لم يحد أى مع عدم علم الفساد، و عليه المهر و أرش البكارة و الولد حر و على أبيه قيمته يوم سقط حيا و لا شي ء لو سقط ميتا و أرش ما نقص بالولادة.

و في التحرير في أحكام البيع الفاسد أيضا لو كان المبيع أمة، انعقد الولد حرا لا ولاء عليه و يلحق به، و يجب على الواطئ قيمته يوم سقط لا يوم المحاكمة،

ج 24، ص: 257

و لا تجبر قيمة الولد النقصان و ان ساواه في القيمة و لو سقط ميتا لم يضمنه اما لو ضرب أجنبي بطنها فألقته ميتا تاما وجب على الضارب مأة دينار و للسيد منها أقل الأمرين من دية الجنين أو قيمته حين سقوطه، و باقي الدية لورثته، الى ان قال: و لو كان الضارب الواطئ فألقته ميتا فعليه دية الجنين يأخذ السيد منها أقل الأمرين، و الباقي لورثته غير الواطى. (و قال): «في الأمة المستحقة و ينعقد الولد حرا و على الأب قيمته يوم ولد، و في وطى الشريك يغرم ثمن ولدها يوم سقوطه حيا» و الظاهر عدم الفرق في الحكم بين الجميع فيكون المراد الضمان بشرط الحيوة:

و أصرح من الجميع ما في التذكرة قال في البيع الفاسد منها: «و يجب على الواطئ قيمة الولد للبائع: لأنه نماء ملكه و قد حال بينه و بينه بالحرية فكان عليه و ل

قول الصادق عليه السلام (1)«في رجل اشترى جارية فأولدها فوجدت الجارية مسروقة قال:

يأخذ الجارية صاحبها، و يأخذ الرجل ولده بالقيمة»

(الى ان قال) تعتبر قيمة الولد يوم سقوطه حيا، لانه وقت للحيلولة بينه و بين صاحبه، و لو سقط ميتا فلا شي ء لأنه لا قيمة له حينئذ، و لا يقوم قبل سقوطه لانه لا قيمة له حينئذ، فإذا لم يكن له قيمة حين سقط لم يضمن، و هو قبل ذلك لا قيمة له، لا يقال لو ضربه أجنبي فسقط ميتا وجب عليه الضمان و كان للسيد من ديته أقل الأمرين من دية الجنين و من قيمته يوم سقط، لأنا نقول الواطئ يضمنه بالحيلولة بينه و بين سيده، و وقت الحيلولة حين السقوط و كان ميتا فلم يجب ضمانه، و ضمان الضارب قائم مقام خروجه حيا، فلهذا ضمنه البائع و انما ضمن الأقل، لأن دية الجنين ان كانت أقل لم يضمن أكثر من ذلك، و ان كانت القيمة أقل كان الباقي لورثته و يطالب المالك من شاء من البائع و المشتري، و قال أبو حنيفة يغرم قيمة الولد يوم المحاكمة» الى آخره.


1- 1 الكافي ج 5 ص 215 الحديث 10 الطبع الحديث.

ج 24، ص: 258

و قال في المقام «و على أبيه قيمة حصة الشريك منه يوم الولادة، لأنه وقت الحيلولة و أول أوقات التقويم» و قال في الأمة المستحقة الولد حر و على أبيه قيمته لمولاه يوم سقط حيا و به قال الشافعي لأنه أتلف على مولاه رفيقا باعتقاد أنه ملكه، و لا يقوم حملا لعدم إمكان تقويم الحمل، فيقوم في أول حالة انفصاله لأنها أول حالة إمكان تقويمه و لان ذلك هو وقت الحيلولة بينه و بين سيده» الى آخره و الجميع كما ترى ما بين صريح فيما قلنا و ظاهر.

بل قال شيخنا في شرحه في ظهور استحقاق الأمة و على الأب قيمته للمولى يوم سقوطه بل حين سقوطه ان سقط حيا مستقرا لحياة على نحو يكون مقوما لأنه أول أزمنة التقويم، للإجماع و الاخبار بأن يقوم على ما هو عليه من نقص عضو أو صفة، مع ملاحظة بقاء الرقية دون الأول إلى الحرية، و لو خرج ميتا لا قيمة له فليس على الأب شي ء، و قوى بعضهم تغريمه دية جنين امة، و ليس بقوي، و يقوى مراعاة التفاوت بين القيمتين، و لو اشتبه الحال، فالأقوى عدم التغريم و يحتمل ثبوته عملا بالأصل، و هو مناف لما سمعته سابقا منه هذا.

و لكن في الكتاب في باب الغصب، فيما لو كان المغصوب جارية فوطئها جاهلين بالتحريم قال: «و لو أحبلها لحق به الولد، و عليه قيمته يوم سقط حيا و أرش ما ينقص من الأمة بالولادة، و لو سقط ميتا قال الشيخ رحمه الله عليه لا يضمنه، لعدم العلم بحياته و فيه إشكال ينشأ من تضمين الأجنبي، و فرق الشيخ بين وقوعه بالجناية و وقوعه بغير جناية، و لو ضربها أجنبي فسقط ضمن الضارب للغاصب دية جنين حر و ضمن الغاصب للمالك دية جنين امة» و ظاهره التوقف في عدم الضمان لو خرج ميتا.

كالفاضل في القواعد في هذا الباب أيضا حيث قال: «و لو سقط ميتا فإشكال ينشأ من عدم العلم بحياته و من تضمين الأجنبي، بل في المسالك في هذا الباب

ج 24، ص: 259

«ان الوجه ضمان الغاصب دية جنين امة سواء سقط بجناية أم لا، لكن على تقدير كونه بجناية، للمالك دية جنين أمة، و باقي دية جنين الحرة للإمام لأن القاتل لا يرث و الأمة رقيقة لا ترث الى غير ذلك من كلماتهم التي بملاحظتها جميعا يحصل الشك في المسألة، و لعل مقتضى الأصل معه عدم الضمان، لعدم صدق تلف المال بانعقاد الحرية، بل أقصاه انه لو لم يكن مشتبها لكان الولد رقا، و مثله ليس سبب ضمان، و الضمان ولدا للنصوص، و اما ضمان الجنين بجناية جان فلانه كالخروج حيا كما سمعته من الفاضل، فتأمل جيدا، فإن المسألة من المشكلات، هذا و قد يفرق بين المقام و بين الغصب و المقبوض بالبيع الفاسد و غيرهما مما تكون للعبد فيه يد ضمان، باقتضاء عموم

«على اليد»(1)

الضمان في الثاني دون الأول، بل ينبغي الجزم به فيما لو طرء الفساد عليه ضرورة كونه كموت المغصوب في يد الغاصب حتف انفه و لعله لذا جعل الوجه في المسالك الضمان مطلقا.

م قد يقال بعدم الضمان فيما لو علم الفساد بأصل النمائية على وجه لم يتحقق نمائيته بحيث يكون مالا متقوما كما في الفرض فإنه مع فرض سقوطه لفساد في أصل تكونه لا يكون مالا، بخلاف طلع النخل المغصوب مثلا إذا فرض فساده في يد الغاصب فإنه مال متقوم فيضمن على حاله، لا انه يفرض كونه تمرا كل ذا و المسألة بعد محتاجة إلى تنقيح.

و اما ضمان أقل الأمرين فلان المملوك لا يضمن بأزيد من دية الحر و لعل إطلاق المسالك منزل عليه كما ان قوله ينتقل الى الامام مبنى على عدم وارث غير الأب و الام، و الا انتقل اليه، و قد عرفت مما قدمنا ان الاعتبار بالقيمة حين الولادة لا حين


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.

ج 24، ص: 260

التقويم الذي هو بمعنى المحاكمة كما قال أبو حنيفة و الله أعلم.

[المسألة الحادية عشرة المملوكان المأذون لهما إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه حكم بعقد السابق ]

المسألة الحادية عشرة المملوكان المأذون لهما في التجارة إذا ابتاع كل واحد منهما صاحبه من مولاه له بناء على ملك العبد حكم بعقد السابق و بطلان اللاحق، لعدم صحة تملكه سيده فان اتفقا في وقت واحد اى اتحد الزمان للجزء الأخير من قبولهما بطل العقدان لعدم صحة ترتب اثر كل منهما، و ترجيح أحدهما على الأخر ترجيح بلا مرجح، و احتمال الرجحان في الواقع فيستخرج بالقرعة معارض باحتمال عدمه، على ان التكليف منوط بالأسباب الظاهرة و الإلزام التكليف بالمحال، و ليس كالقرعة في عتق العبيد، لأن الوصية بالعتق، بل نفس العتق قابل للإبهام، بخلاف البيع و سائر المعاوضات.

و مرسلة الكافي الاتية التي أشار إليها المصنف بقوله و في رواية يقرع بينهما(1)قد عمل بها الشيخ و غيره، مع انها ليست حجة في نفسها معارضة.

بخبر ابى خديجة الاتى نعم إذا علم السبق و لم يتعين السابق اتجه إخراجه بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل»(2)من موضوعات الاحكام، و هذا منه، بل يقوى لذلك أيضا جريانها فيما لو اشتبه السبق و الاقتران، فلم يعلم أيهما الذي وقع، و جواز الاقتران مع عدم معلومية السبق المصحح للبيع، فلا يجوز الحكم بالمسبب مع الجهل بالسبب لا يصلح مخصصا، و لا فرق بين علم تاريخ أحدهما و جهله على الأصح.

نعم قيل يحتاج في الصورة الاولى الى رقعتين يكتب في أحدهما السابق، و في


1- 1 الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث 11 باختلاف يسير.

ج 24، ص: 261

الأخرى المسبوق، و في الثانية إلى ثلاث رقع، يكتب في الثالثة الاقتران، ليحكم معه بالبطلان، و اما قول المصنف و في رواية أخرى

يذرع الطريق بينهما و يحكم للأقرب فلم نجدها بل لو وجدت لم يكن لها معنى محصل، إذ الفرض حصول الاتفاق في الوقت الواحد، فلا مدخلية لذرع الطريق و حينئذ فلا ريب في ان الأول أي البطلان أظهر لما عرفت كما انك قد عرفت ان الأقوى القرعة في غيره.

لكن

روى أبو خديجة(1)كما في الدروس و غيرها و فيما حضرني من نسخة الوسائل و الحدائق أبو سلمة عن أبى عبد الله عليه السلام «في رجلين مملوكين مفوض إليهما يبيعان و يشتريان بأموالهما، كان بينهما كلام فخرج هذا يعدو الى مولى هذا و هذا يعد و الى مولى هذا، و هما في القوة سواء فاشترى هذا من مولى هذا العبد و الأخر كذلك و انصرفا الى مكانهما فتشبث كل واحد منهما بصاحبه، و قال له أنت عبدي و قد اشتريتك من سيدك قال: يحكم بينهما من حيث افترقا بذرع الطريق فأيهما كان أقرب فهو الذي سبق الا بعد و ان كانتا سواء فهما ردا على مواليهما جاءا سواء و افترقا سواء الا أن يكون أحدهما سبق صاحبه، فالسابق هو له، إنشاء باع، و إنشاء أمسك و ليس له أن يضربه»

قال الكليني و الشيخ و

في رواية أخرى (2)«ان كانت المسافة سواء أقرع بينهما، فأيهما وقعت القرعة عليه كان عبده»

و هو كما ترى صريح في ان المسح للاشتباه لا للعلم بالاتفاق الذي هو كالصريح في البطلان معه، و ان كان ما فيه من الحكم بذلك لتساوى الطريقين


1- 1 الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب 18 من أبواب بيع الحيوان الحديث- 2.

ج 24، ص: 262

واضح الاشكال، كالإشكال فيما فيه من الحكم بالسبق لا قربية الطريق إذ هو مع قصوره عن الحجية بالضعف، و اعراض الأكثر بل لم يعمل به الا النادر كالشيخ في النهاية التي هي متون أخبار و بعض أتباعه، و مخالفته للضوابط الشرعية محتمل لإرادة حصول اليقين بذلك.

و على كل حال فلا دلالة فيه على المسح مع الاقتران بل هو دال على خلافه، بل قيل ان مرسل القرعة لا دلالة فيه أيضا، على أن محله الاقتران و ان كان قد يناقش فيه بأن الظاهر إرادة الكليني و الشيخ من قولهما و في رواية أخرى الى آخره أنها كهذه الرواية في السؤال و الجواب الى قوله و ان كانتا سواء اختلفا فالأولى حكم فيها بالبطلان، و في الأخرى بالقرعة، و لا ريب أن رواية القرعة أولى لاعتضادها بعموم

ما دل على «انها لكل أمر مشكل»(1)

و لان استواء الطريق أعم من الاقتران فهي مؤيدة لما ذكرناه من مشروعيتها للاشتباه في السبق أو السابق لكن قد يقال ان الخبر صريح

في القرعة ليتعين أحدهما خاصة من دون تعرض لاستخراج الاقتران المقتضى للبطلان. بل ظاهره أو صريحه عدمه.

هذا كله إذا كان الشراء لهما، اما إذا كان لسيدهما فعقد السابق منهما صحيح ماض، و الأخر محتاج إلى الإجازة، بناء على انقطاع الاذن عنه بزواله عن ملك السيد و ان به تفترق الاذن عن الوكالة و ان عقده حينئذ للغير فضولي موقوف على اجازة ذلك الغير، و ان اقترنا، فالمعروف بين المتأخرين البطلان، لتوقف الصحة على بقاء الاذن الموقوف على عدمها لكن الظاهر ارادة التوقف على الإجازة من البطلان، إذ لا وجه له معها فيصحان معا لو اجيزا، و الا فالمجاز منهما، لعدم استناد الصحة حينئذ الى الاذن بل إليها و فيه


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى الحديث- 11 باختلاف يسير.

ج 24، ص: 263

انه يمكن القول بالصحة من دون توقف على اجازة بل به جزم الكركي لأن الإذن مقارنة لتمام العقد، فالانتقال و انقطاع الاذن قد ترتبا معا على تمام العقد ترتبا ذاتيا، و لا يعتبر في الاذن أزيد من ذلك فتأمل جيدا.

و ان علم السبق و اشتبه السابق، و قد حصل الرد من أحدهما فالقرعة، و لو كانا وكيلين صح العقدان على كل حال، بناء على عدم انقطاعها بالخروج عن الملك، و في شرح الأستاد «إلا مع قرينة التقييد، فلو عقد على انه عبد مأذون فظهر حرا، أو ملكا لغير الاذن بطل عقده على نحو ما تقدم، و لو كان وكيلا صح و لو توكل على انه حر فعقد فظهر عبدا لغير موكله، بطل، و مع الإجازة من مولاه تقوى الصحة كما لو ظهر عبدا لموكله.

و فيه سؤال الفرق بين الاذن و الوكالة، و لو اذن له ثم باعه فعاد اليه لم تعد اذنه على الأقوى، كما لو حرر فعاد ملكا له، و الزوجة و الخادم و الشريك المأذونون تزول الاذن عنهم بزوال الصفات و لا تعود، لو عادت، على الأقوى» و هو جيد على الفرق بين الاذن و الوكالة، و فيه بحث، و عليه فلو كان احد العبدين وكيلا و الأخر مأذونا صح شراء الوكيل مطلقا، و اما المأذون فإن تقدم شراؤه صح، و الا كان موقوفا على الإجازة و الله أعلم.

[المسألة الثانية عشر من اشترى جارية سرقت من ارض الصلح كان له ردها على البائع ]

المسألة الثانية عشر من اشترى جارية سرقت من ارض الصلح قطعا أو بمنزلته، و الا فلو سرقت من ارض الحرب مع احتمال كونها من أهل الحرب أو منهم و لو في غير أرضهم، فللسارق، بل في شرح الأستاد انها لو سرقت من كافر في غير تلك الأرض، و لا يعلم حاله أو بين الحدين و لا يعلم حاله احتمل عدم العصمة و ثبوتها و هو الأقوى، و ان كان فيه ان ما ذكره احتمالا هو الأقوى على الظاهر، و على كل حال ففي مفروض المسألة كان له ردها على

ج 24، ص: 264

البائع و استعادة الثمن و لو مات أخذ من وارثه و لو لم يخلف وارثا استسعيت في ثمنها على

ما رواه مسكين السمان (1)عن ابى عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل اشترى جارية سرقت من ارض الصلح فقال فليردها على الذي اشتراها منه، و لا يقربها ان قدر عليه، أو كان مؤسرا قلت جعلت فداك انه مات و مات عقبه قال: فليستسعها»

و أو فيه بمعنى الواو اى لا يقرب الجارية باستسعاء ان قدر على البائع و كان مؤسرا، و يحتمل ان يكون المراد أو كان المشتري موسرا اى لا يقربها مع أحد الأمرين، الا انه مع قصوره سندا و لا جابر مخالف للقواعد الشرعية بالرد إلى البائع الذي هو ليس مالكا و لا وليه و لا وكيله، بل ربما كان هو الظالم السارق، و باستسعاء مال الغير فيما لم يصل اليه و هو ظلم فوق ظلم.

و زاد في شرح الأستاد مخالفته بإطلاق ما دل فيه على رد الثمن، مع انه لا يتم بناء على عدم الرجوع به مع تلفه و علم المشتري، و بترتيب الاستسعاء على موت الوارث و عقبه- من غير اعتبار لفقد باقي الورثة و عدمه، و بقاء مال للميت و عدمه، و بان ظاهره انه ان لم يكن قادرا على البائع أو الرد عليه و كان البائع معسرا، أو المشتري على اختلاف الوجهين فلا رد، و يكون له عوض الثمن، و ان كان يمكن دفع ما ذكره جميعا، بل بعضه واضح الدفع. فالعمدة حينئذ الأولان اللذان اقتصر عليهما الأصحاب.

لكن في الدروس «و الأقرب المروي تنزيلا على ان البائع مكلف بردها إلى أهلها اما لانه السارق، أو لأنه ترتبت يده عليها، اى فهو

أقدم، و خطابه بالرد الزم خصوصا مع بعد دار الكفر و استسعاؤها جميعا بين حق المشتري. و حق صاحبها، و الأصل فيه ان مال الحربي في ء في الحقيقة، و فيه أن ذلك يصلح ان يكون تقريبا للنص الجامع لشرائط الحجية لا انه به يكون موافقا للقواعد، ضرورة عدم اقتضاء سرقته، و ترتب


1- 1 الوسائل الباب- 23- من أبواب بيع الحيوان الحديث- 1.

ج 24، ص: 265

يده، و خطابه بالرد جواز تمكينه من مال الغير بعد الوصول الى يد غيره الذي صار مخاطبا بالرد، و مع الاحتياج الى المؤنة يلتزم بها السارق.

نعم قد يحتمل ذلك في خصوص ما لو كانت في يد البائع أمانة شرعية، كما انه لا معنى للجمع بين حق المشتري و المالك بذلك، بعد ان لم يكن حق له عليه، إذ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (1)و المحترم بالعارض كالمحترم بالأصل، كما هو واضح و من هنا قيل كما عن الحلبي انها تكون بمنزلة اللقطة و الموجود في السرائر بعد ذكر الخبر السابق «كيف تستسعى هذه الجارية بغير اذن صاحبها، و كيف تعتق و لا على ذلك دليل، و قد قدمنا انها ملك الغير، و الاولى ان تكون بمنزلة اللقطة، بل يرفع خبرها الى حاكم المسلمين و يجتهد على ردها على من سرقت منه، فهو الناظر في أمثال ذلك، و لعله يريد ما ذكره المصنف بقوله و لو قيل تسلم الى الحاكم و لا تستسعى كان أشبه بأصول المذهب و قواعده و اختاره جماعة ممن تأخر عنه بل في الرياض «نسبته الى كثير من

المتأخرين» لكن في الرياض «ان ذلك بعد تعذر الرد على المالك و وكيله، و قال يمكن تنزيل الإطلاق عليه، لغلبة بعد دار الكفر، و وجهه حينئذ واضح».

قلت: هو كذلك بعد ان تكون من مجهول المالك في يده، بل قد يقال: بجواز تسليمها له قبل وصولها حد مجهول المالك كما هو صريح شيخنا في شرحه، باعتبار انه ولى الغائب فيبحث حينئذ هو عن صاحبها و يردها اليه و الا وضعها في بيت المال أو تصدق بها عن صاحبها من دون شرط الضمان أو مع نيته من بيت المال أو من البائع أو من المشتري


1- 1 سورة النجم الآية 37.

ج 24، ص: 266

أو كليهما، و ان كان قراره على الغار و الظالم. و عدم وصول العوض لا ينافي التعبد و مئونة الرد على البائع، قيل أو المشتري ان لم يكن مغرورا، و الا فعلى الغار كسائر الغرامات، و فيه انه يمكن التشريك بينهما فيهما مع عدم الغرور، و كذا قيل ان النفقة لو أدخلها في بيت المال من كسبها أو منه و نفقة مدة البقاء لو قبضها عن الفقراء من كسبها أو منهم، و لو قبضها لصاحبها فالنفقة عليه، و فيه أنه يقوى كون النفقة في الأخير على الظالم.

و كيف كان فظاهر من قال بالدفع الى الحاكم ان ذلك لأنه ولي عن الغائب، لا انه لكون الجارية للإمام الذي هو وارث من لا وارث له، و هو نائب عنه، كما عن الأردبيلي، إذ ليس في شي ء من النص و الفتوى ما يشهد بذلك، و الموت في الرواية لغير المالك قطعا، كما هو واضح.

ثم انه على العمل بالخبر المزبور ينبغي الاقتصار فيه على مضمونه و لا يتعدى منه الى غيره حتى بالنسبة إلى خصوص الجارية فلا يتعدى الى غيرها من الأموال الصامتة و الناطقة و خصوص أرض الصلح و لا يلحق بهم غيرهم من محترمى المال، بل لا يبعد الاقتصار على كون المشتري رجلا، و بالجملة متى قام احتمال الفرق وجب العمل على مقتضى القواعد و الضوابط، أوجب الله لنا كتابة ذلك في صحائف الحسنات و أقالنا من موبقات العثرات بحق خير خلقه محمد و أهل بيته السادة الهداة.

ثم المجلد الثاني من العقود بعون الله الرؤف الودود و يتلوه في المجلد الثالث السلف نرجو من الله التوفيق لإتمامه و العفو عما سلف و الحمد لله.

ج 24، ص: 267

[الفصل العاشر في السلف ]

اشارة

الفصل العاشر من فصول كتاب التجارة في السلف و النظر فيه يستدعي مقاصد

[المقصد الأول في حقيقة السلم ]

الأول في حقيقة السلم بفتح السين و اللام الذي هو مرادف للفظ السلف قال في مختصر النهاية السلف السلم، و في المجمل بالعكس، و زاد و السلم معروف كما أنه في الأول عطف القرض عليه، و لعل اشتراكهما لفظا فيه لاشتراكهما في أن كلا منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال و الأمر سهل، و على كل حال فالظاهر جريان البحث السابق في لفظ البيع أنه اسم للعقد أو النقل و الانتقال أو غير ذلك من الاحتمالات السابقة في لفظه أيضا، فقول المصنف هنا هو ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر أو في حكمه مما يؤيد كون لفظ البيع عنده للانتقال المراد من الابتياع هنا، لا خصوص الشراء.

كما انه في الدروس عرفهما معا بالعقد، و انسياق الكلي في الذمة من المضمون خصوصا بعد قوله إلى أجل معلوم، أغنى عن ذكر ما يحترز به عن المبيع المضمون قبل القبض، فلا وجه لما في التنقيح، كما أن ذكر اشتراط المعلومية في المبيع و الثمن سابقا و لاحقا أغنى عن ذكر ذلك في التعريف، و أخرج بقوله بمال حاضر أو في حكمه النسيئة لعدم اعتبار ذلك فيها، إذ المراد بالحاضر المشخص الموجود في مجلس العقد و الذي في حكمه المقبوض قبل التفرق و ان لم يكن موجودا في مجلس العقد، أو يراد بالحاضر المشخص، و ما في حكمه الكلي في الذمة المدفوع قبل التفرق، أو الدين الذي في ذمته بناء على جواز جعله ثمنا للسلم، أو نحو ذلك مما لم يعتبر في النسيئة قطعا، و أما اعتبار الأجل فيه فهو المشهور على الظاهر، و قيل بجوازه حالا، و ستعرف تحقيق الحال فيه، و كان المناسب ممن يقول بعدم اعتباره فيه كالشهيد في الدروس

ج 24، ص: 268

عدم أخذه في التعريف.

و كيف كان فقد أجمع المسلمون على جوازه، كما أن السنة قد تواترت فيه بل عن ابن عباس أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه، أي في قوله (1)«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» و لعله لعموم اللفظ، نعم هو نوع من البيع قطعا فلا بد فيه من إيجاب و قبول، بل ينعقد بلفظ أسلمت إليك أو أسلفت ك كذا في كذا الى كذا من المشتري، فيقول المسلم إليه أي البائع قبلت و شبهه، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع عليه و لا يقدح كون الإيجاب فيه من المشتري و القبول من البائع إذ ذلك من جملة أحكامه التي اختص بها عن باقي أفراد البيع و شارك الصلح بها بل الإيجاب بهذا اللفظ مختص بالمشتري، ضرورة عدم تعقل معناهما من غيره، كما صرح به في جامع المقاصد و قد الحق بهما المصنف و الفاضل في القواعد جميع ما أدى معنى ذلك و ظاهرهما جواز العقد به و ان كان مجازا، و فيه بحث ليس ذا محله، و الاولى الاقتصار عليهما، و سلفت في إيجاب المشتري، و أما سلم فقد قيل ان الفقهاء لم يستعملوه و منه ينقدح الشك في العقد به، إذ الواجب الاقتصار على المتيقن فيما خالف أصالة عدم النقل و آية(2)«أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» غير مراد منها العموم قطعا و الا لكان الخارج أضعاف الداخل، بل لا يبعد كون المراد منها الأمر بالوفاء بعقد البيع، و عقد الإجارة و غيرهما، لا أن البيع مثلا ينعقد بكل لفظ، و لتمام الكلام محل آخر هذا كله في الإيجاب من المسلم أي المشتري.


1- 1 سورة البقرة آية- 282.
2- 2 المائدة الآية- 1.

ج 24، ص: 269

و أما الإيجاب من البائع فيقع بلفظ البيع فإذا قال المسلم إليه أي البائع بعتك كذا، و صفته كذا إلى أجل كذا، بثمن كذا، و قال المشتري: قبلت و دفع الثمن في المجلس انعقد سلما، لا بيعا مجردا عن كونه سلما، و لا تجوز فيه على حسب باقي استعمال العام في الخاص، و منه يعلم حينئذ عدم اعتبار قصد السلمية في صيرورته سلما. بعد أن كان مورده متشخصا في نفسه، إذ ظاهر النص و الفتوى تحقق مسماه بذلك من دون اعتبار شرط آخر بل قد يقال: انه لا يقدح قصد غير السلمية في تحقيق كونه سلما فضلا عن عدم القصد و ان أقصاه الغلط في القصد بعد ان كان ذلك وظيفة الشارع ضرورة ان مرجعه إلى إثبات أحكام شرعية، كالقبض في المجلس و نحوه على هذا الموضوع الخاص، فقصد عدمها كالمعارضة للشارع و لئن فرض كونه تشريعا على وجه لا يريدان النقل و الانتقال الا على هذا التقدير لم يبعد القول بالبطلان فتأمل جيدا.

و على كل حال فما عن بعض الشافعية من أن ذلك بيع لا سلم فلا يجب القبض في المجلس و غيره من أحكامه نظرا الى كون الإيجاب بلفظ البيع فواضح الفساد، إذ مع كون الاولى النظر إلى المعاني لا تنافي هنا بين اللفظ و المعنى، ضرورة كون السلم نوعا من البيع، فليس في لفظ البيع ما يقتضي كونه غير سلم، حتى يحتاج الى ترجيح النظر الى اللفظ على المعنى، كما سمعته عن بعض الشافعية، أو العكس كما في قواعد الفاضل، فمعنى السلم حينئذ لا معارض له، أقصاه عدم وجود اللفظ المخصوص كما هو واضح، و كذا يقع بلفظ استلفت و استلمت، و تسلفت و تسلمت، بناء على جواز سلم فيقول المسلم: قبلت و نحوه.

و أما عقده بلفظ الشراء الذي ليس بمعنى البيع، فالظاهر كونه من

ج 24، ص: 270

السلم قال في التذكرة: «و لو أسلم بلفظ الشراء فقال: اشتريت منك ثوبا أو طعاما صفته كذا الى كذا بهذه الدراهم، فقال: بعته منك انعقد»، قلت: لكن فيه تقديم القبول على الإيجاب، أما لو قال قبلت و نحوه فقد يقال بصحته هنا، بناء على ما سمعته من اختصاص السلم بجواز كون الإيجاب من المشتري، و القبول من البائع، فيكون حينئذ هذا منه. و كيف كان ف هل ينعقد البيع الذي ليس بسلم بلفظ السلم كان يقول: أسلمت إليك هذا الدينار في هذا الكتاب، الأشبه نعم عند المصنف و الفاضل و الكركي و الشهيدين، بل قال ثانيهما انه مذهب الأكثر اعتبارا بقصد المتعاقدين و ان لم يكن اللفظ حقيقة فيه، و في التحرير كما عن الإيضاح التوقف فيه.

قلت: تفصيل القول في ذلك أن النزاع ان كان في قيام صيغة أسلمت مقام بعت كالعكس فمحله في صيغة البيع، و لعل التحقيق عدم الجواز، لانه مجاز بخلاف العكس، فإنه حقيقة مع عدم قصد الخصوصية، إذ السلم نوع من البيع، فاستعمال صيغة البيع فيه استعمال للفظ فيما وضع له، أقصاه أن لهذا الفرد من البيع أحكاما خاصة، أما استعمال صيغة أسلمت مرادا منها معنى بعت المجردة عن السلم، فان جاز فإنما هو مجاز، و الاحتياط في العقود اللازمة باعتبار الاقتصار فيها على المتيقن من العقود في النقل الذي مقتضى الأصل خلافه يقتضي عدمه. و من هنا قال في المسالك:

ان القول بالعدم لا يخلو من قوة.

و دعوى- ان البيع يصح بكل ما ادى ذلك المعنى المخصوص، و السلم نوع منه اعتبره الشارع في نقل الملك فجاز استعماله في الجنس مجازا تابعا للقصد- واضحة المصادرة، كدعوى انه إذا جاز استعماله لما في الذمة المحتمل للغرر، كان مع المشاهدة أدخل، لأنه أبعد من الغرر، إذ مع المشاهدة يحصل العلم أكثر من الوصف

ج 24، ص: 271

و الحلول يتيقن معه إمكان التسليم و الانتفاع، بخلاف الأجل فكان أولى بالصحة، إذ هي أوضح من الاولى بطلانا، كالقول بأن البيع ينعقد بملكتك كذا بكذا، و لا ريب ان السلم أقرب الى حقيقة البيع من التمليك المستعمل استعمالا شائعا في الهبة، فإذا انعقد بالأبعد لتادية المعنى المراد، فالأقرب إذا أداه أولى، إذ فيه بعد إمكان الفرق منع الانعقاد به على تقدير المجازية هذا.

و لتحقيق المسألة مقام آخر الا ان المتجه على تقدير كون المراد من النزاع هنا ذلك أن يكون المقال أسلمت هذا الكتاب في هذا الدينار حتى يكون النقد ثمنا كما هو الغالب، و به مثل في القواعد، اللهم ان يكون مراده انعقاد البيع بعقد السلم، بمعنى انعقد السلم بكيفية يصح عقد البيع به فيقول المشتري حينئذ أسلمت إليك هذا الدينار في هذا الكتاب فيقول البائع: قبلت فينعقد بيعا باعتبار ان مورده العين التي لا يصح السلم فيها، و ربما يومي اليه ما في المسالك من تفسير ما في المتن أى قال ذلك المشتري فيكون ذلك على نهج السلم من كون المسلم الثمن و المسلم فيه هو المبيع و هذا و ان كان يناسب وضعه في هذا الباب الا ان الأصح العدم فيه إذ لا يخلو من أن يكون العاقد قصد في هذا العقد السلم و لو للجهل منه بأنه (1)يصح أن يكون مورده العين، فيصح حينئذ بيعا قهرا عليه لعدم مدخلية قصد الخصوصيات ضرورة أن من قصد الصرف مثلا في غير مورده لا يبطل كونه بيعا و ربما أومى الى ذلك قولهم يشترط كون المسلم فيه دينا فلا ينعقد في عين نعم ينعقد بيعا أو يكون قد قصد البيع في ذلك من الأول الأمر.

و على كل حال فهو باطل إذ مرجع الأول إلى الغلط الذي لا يصلح لان يكون عقدا إذ ليس هو من الحقيقة و المجاز و قصد الصرف في مورد غيره أمر خارج لا يورث


1- 1 هكذا في النسخة المصححة، لكن الصحيح لا يصح كما هو واضح.

ج 24، ص: 272

استعمالا للفظ، لعدم جعل الشارع إياه قسما مستقلا له صيغة تخصه، و مرجع الثاني إلى استعمال عقد السلم في البيع، و لا دليل على صحة عقد غيره به، سيما إذا كان بكيفية وقوع الإيجاب فيه من المشتري و القبول من البائع الذي لا يصح في غير السلم من البيع، هذا و في القواعد بعد أن ذكر أن الأقرب انعقاد البيع بلفظ السلم قال: «و كذا لو قال: بعتك بلا ثمن أو على أن لا ثمن عليك فقال: قبلت ففي انعقاده هبة نظر، ينشأ من الالتفات الى المعنى و اختلال اللفظ، و هل يكون مضمونا على القابض فيه إشكال ينشأ من كون البيع الفاسد مضمونا، و دلالة لفظه على إسقاطه، و لو قال: بعتك و لم يتعرض للثمن فإنه لا يكون تمليكا و يجب الضمان.» و نحوه في التذكرة «و فيه ان التنافي يندفع إذا عدل باللفظ عن مدلوله الى معنى أخر لا يكون سببه التنافي، لأن هذا غير كاف في الصحة، و الا فلا يبطل شي ء من العقود المشتملة على ما ينافيها، لوجود المندوحة في المعدول به الا ما لا ينافي، و الاولى جعل منشأ النظر وجود لفظ البيع المقتضى للثمن، و وجود المنافي لصحته و هو اشتراط عدم الثمن فيكون بيعا فاسدا، و من ان التقييد بعدم الثمن قرينة على إرادة الهبة من لفظ البيع لان الهبة هي التمليك بغير عوض، فهو مساو لها في المعنى» و فيه «ان عقد الهبة و ان كانت من الجائز الا ان عقدها بمثل ذلك محل نظر أو منع.» و منه يعلم ما في المحكي عن بعضهم من ان المدار في ذلك على القصد، فان قصد الهبة صح و ان قصد البيع. بطل بل و ما عن حواشي الشهيد من أن ذلك مبنى على ان العقود توقيفية أو اصطلاحية، فعلى الأول لا يصح، لان البيع لا بد فيه من العوض، و انتفاء الجهالة، و، على الثاني يصح، إذ من الواضح ان الثاني ليس قولا لأحد منا، بل و لا احتمالا، و اما الضمان فهو المتجه بناء على انه بيع فاسد، ضرورة كون المنع في العبارة على

ج 24، ص: 273

تقدير صحة هذا العقد فمع عدمها يبقى ما دل عليه من عموم

«على اليد»

و غيره سالما اللهم الا ان يقال ان ذلك هبة فاسدة و «ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده» و هو لا يخلو من وجه بنا على انه قصد بذلك الهبة فتأمل جيدا و الله اعلم.

و على كل حال ف يجوز إسلاف الاعراض في الاعراض إذا اختلفت أو اتفقت و لم تكن مقدرة بأحد الأمرين أو الثلاثة لإطلاق الأدلة و

في خبر وهب (1)«لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن»

و المناقشة في سنده يدفعها الانجبار بالشهرة العظيمة، بل في المختلف عن المرتضى الإجماع عليه، و انه قال: يجوز عندنا ان يكون رأس

المال في السلم غير ثمن من سائر المكيلات و الموزونات و يجوز ان يسلم المكيل في الموزون، و الموزون في المكيل ليختلف جنساهما، و ما أظن في ذلك خلافا بين الفقهاء، فما عن ابن ابى عقيل من أنه لا يجوز السلم الا بالعين و الورق و لا يجوز بالمتاع واضح البطلان، و كالمحكي عن ابى على من انه لا يسلم في نوع من المأكول نوعا منه إذا اتفق جنساهما في الكيل و الوزن و العدد و ان اختلفت أسماؤها كالسمن في الزيت لانه كالصرف نسيئة و ان كان قد يوهمه

صحيح عبد الله بن سنان (2)عن الصادق عليه السلام «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف رجلا زيتا على ان يأخذ سمنا قال: لا يصلح

، ك

حسنه (3)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا ينبغي إسلاف السمن بالزيت، و الزيت بالسمن»

الا أن الظاهر إرادة الكراهة منهما، و أوضح من ذلك فسادا ما حكى عنه أيضا لا اختار أن يكون ثمن السلم فرجا يوطأ، لأنه قد يتطرق الفسخ


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب السلف- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب السلف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب السلف- الحديث 3.

ج 24، ص: 274

الى العقد، بسبب تعذر المسلم فيه فيصادف الفسخ الحبل، و هو يوجب انتقال أم الولد إذ هو كما ترى.

و أما إسلاف الاعراض في الأثمان فقد نص عليه غير واحد لإطلاق الأدلة خلافا لأبي حنيفة فلا يجوز، لأنها لا تثبت في الذمة إلا ثمنا فلا تكون مثمنة، و فيه منع واضح، إذ لا ريب في جواز بيع الذهب و الفضة بهما، اللهم الا ان يريد إذا كان احد المقابلين عرضا، و فيه منع واضح أيضا، و (3)

- في خبر غياث (1)«عن جعفر عن أبيه عليه السلام قال: لا بأس بالسلف في الفلوس»

فالحق أنه يجوز كجواز إسلاف الأثمان في الاعراض الذي لا خلاف فيه بيننا بل و لا بين المسلمين نعم لا يجوز إسلاف الأثمان في الأثمان و لو اختلفا لا لان التقابض شرط، إذ يمكن فرض حصوله بقصر الأجل في المسلم فيه و نحوه، بل لظهور النصوص (2)المتقدمة سابقا في عدم جواز الأجل في النقدين إذا بيع أحدهما في الأخر، و أنه لا بد من الحلول في بيعهما و التقابض في المجلس، كما أوضحناه سابقا، فتوقف ثاني الشهيدين فيه هنا في غير محله، هذا كله بناء على اشتراط الأجل في السلم، و الا جاز اسلافها فيها مع التقابض، و جاز اسلاف الربويات بعضها في بعض كما هو واضح، و الله اعلم.

[المقصد الثاني في شرائطه ]
اشارة

المقصد (الثاني في شرائطه) الزائدة على شرائط البيع و قد قيل هي ستة

[الشرط الأول و الثاني ذكر الجنس و الوصف ]

الأول و الثاني. ذكر الجنس أي الحقيقة النوعية كما سمعته في الربا و الوصف المائز بين أفراد ذلك


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب السلف في ذيل الحديث- 12.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب الصرف.

ج 24، ص: 275

النوع. و قد يستغنى به عن ذكر الجنس، لكن قد يناقش في ذلك بأنه غير خاص في السلم، ضرورة كون المدرك في ذلك رفع الجهالة التي لا فرق في اعتبار رفعها بين السلم و غيره، و من هنا قال المصنف و غيره الضابط فيه أن كلما يختلف لأجله الثمن اختلافا لا يتسامح بمثله في السلم فذكره لازم و المرجع في ذلك الى العرف، ضرورة أنه ربما يكون العامي أعرف من الفقيه في ذلك، و لذا كان حظ الفقيه منها الاجمال، و ستسمع تعرض جملة من الأصحاب إلى جملة منها، و ان أو كلوا الأمر فيه أيضا الى ما عرفت، كما أن المرجع إليه أيضا في معرفة الوصف الذي يحصل الجهالة بترك التعرض له و غيره، فان كثيرا من الأوصاف تختلف الثمن بها اختلافا لا يتسامح فيه، لكن لا جهالة في عدم التعرض لها، و انما ينص عليها من له غرض خاص فيها، و الا فلا.

و كان إطلاق المصنف اتكالا على قوله و لا يطلب في الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله الاسم بناء على أن المراد منه عدم وجوب الاستقصاء في الوصف، بل يجوز الاقتصار منه على ما يتناوله اسم الموصوف بالوصف الذي يزيل اختلاف أثمان الأفراد الداخلة في العين، إذ مرجعه حينئذ إلى العرف، و على ذلك فان استقصى كذلك و وجد الموضوع صح السلم، و ان عز وجوده بطل، فعلى هذا النهي و الأمر الواقعان في العبارة قد يكونان على وجه المنع و اللزوم، كما إذا استلزم الاستقصاء عزة الوجود، و قد يكونان على وجه نفى اللزوم و الجواز كما إذا لم يستلزم ذلك.

و من هنا قيل أنها أحسن من عبارة القواعد، حيث يجوز، فجمع بين الفردين المختلفين في الصحة و عدمها، «فقال: و لا يجب في الأوصاف الاستقصاء لعسر الوجود،»

ج 24، ص: 276

إذ التعليل بعسر الوجود لعدم الجواز، لا لعدم الوجوب كما قد عرفت، و يمكن أن يراد مما في المتن أنه لا يجب أن يطلب في الوصف الغاية، بل يقتصر على ما يتناوله اسم الوصف، فيكتفى حينئذ في وصف الحنطة مثلا بالحمراء، و لا يطلب الغاية في الاحمرار، و هو و ان كان ألصق بقوله بل يقتصر الى آخره، لكنه فيه أولا انه لا يجوز الاقتصار على اسم الوصف مع فرض اختلاف أفراده بما لا يتسامح فيه، و يؤدى تركه إلى الجهالة، و ثانيا لا تكون العبارة عامة، للمعروف من الأصحاب هنا النص عليه من المبالغة في كثرة الأوصاف، فلا ريب في أن حمل العبارة على الأول الذي هو أعم من ذلك اولى، و لا ينافيه الإضراب بناء على ما عرفت.

نعم لولاه لأمكن حمل النهي في العبارة على حقيقته، على معنى أنه لا يفعل ذلك بحيث يؤدى الى عزة الوجود، لبطلان السلم فيه حينئذ لما ستعرف من اشتراط كون وجوده غالبا، مع احتمال أن يقال فيه ان المراد من الأمر بالاقتصار، بيان ابتداء الرخصة في جواز ذلك، حتى ينتهي إلى الوصف المؤدي الى عزة الوجود، و الأمر في ذلك سهل بعد وضوح كون المراد على كل حال بيان جواز السلم في غير عزيز الوجود، و المنع فيه، بل قيل انه لا خلاف فيه، بل ربما ادعى الإجماع عليه بل قيل انه الدليل له، مضافا الى التعليل بأن عقد السلف مبنى على الغرر، لانه بيع ما ليس بمرئي، فإذا كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤديا إلى التنازع و الفسخ فكان منافيا للمطلوب من السلف، و ان كان هو كما ترى.

و عن الإيضاح توجيهه بأنه لما جل جناب الحق جل شأنه عن التكليف بما لا يطاق و اقتضت حكمته البالغة عدم خرق العادات غالبا بمجرد ما يرد على العبد من متناقض الإرادات أبطل السلم فيما يؤدى الى أحدهما قطعا، و ما تجد أداؤه تجدد بطلانه، قال: فظهر من ذلك

ج 24، ص: 277

أن ما يعز وجوده لا يصح السلم فيه، و بقي ما لا يعز، لكن وجوده أقلى في الأغلب لاستقصاء الصفات و الأقرب فيه الصحة. لعدم استلزامه المحال، مع إمكانه في نفسه، و جواز ثبوته في الذمة و لوجود المقتضى و هو عقد البيع، و انتفاء المانع: و هو عزة الوجود، و في التذكرة «قد بينا ان الاستقصاء في ذكر الأوصاف المخرج الى عزة الوجود و عسر التحصيل مبطل للسلم، لما فيه من تعذر التسليم الذي هو مانع من صحة البيع، (الى أن قال) و الضابط عزة الوجود و تعذره يبطل معه، و يصح بدونه» قلت و من ذلك يعلم ان المراد بعزيز الوجود ممتنعة، و بطلان السلم فيه حينئذ واضح- و صحيح عبد الرحمن (1)و غيره دال عليه، مضافا الى معلومية اشتراط القدرة على التسليم، بل الظاهر بطلان غير السلم فيه من المعاوضات، كجعله ثمن مبيع و نحوه، بل لا يبعد إلحاق الندرة التي تعد المعاملة معها سفها به. نعم لا بأس بها إذا لم تكن كذلك و ان حصلت المشقة معها، كما نص عليه في القواعد و الدروس و غيرهما، و تسمع تمام الكلام في ذلك في اشتراط غلبة الوجود، بناء على ان المنع في عزيز الوجود يؤول إلى فقدان هذا الشرط، لا أنه شرط آخر فتأمل جيدا و الله أعلم.

(و يجوز اشتراط الجيد و الردى) بلا خلاف، للإطلاق السالم عن المعارض من عزة الوجود و غيرها، بل قد يقال بكونهما من الأوصاف التي يتوقف رفع الجهالة على ذكرهما، و من هنا حكى عن المبسوط و التذكرة وجوب التعرض لهما، بل في التحرير الإجماع واقع على ذكر الجودة، و في الدروس قيل يجب ذكر الجودة و الرداءة بالإجماع، و ان قال فيه نظر و لعله كذلك و لو بالنسبة إلى البعض و على كل حال فلا ريب في جواز ذكرهما. نعم لو شرط الأجود لم يصح لتعذره


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود الحديث- 3.

ج 24، ص: 278

بلا خلاف أجده، بل في التذكرة إجماعا، و في الروضة أنه موضع وفاق، لعدم تناهى مراتبهما، و على كل تقدير فهو غير معلوم، لكن في التذكرة بعد دعوى الوفاق المزبور قال: «فيه إشكال لإمكان ضبطه في بعض الأمتعة كالطعام، فإنه قد يتناهى جودته» قلت: لا ريب في جوازه مع هذا الفرض و أنه لا يؤدى الى عزة الوجود، بل ينبغي الجواز أيضا مع ارادة ما يصدق عليه أنه من الأجود عرفا، لا المرتبة التي ليس فوقها أجود منها، و كأنه الى ذلك نظر الأردبيلي و صاحب الكفاية فيما حكى عنهما من احتمال الجواز، كما أن نظر الأصحاب لإرادة حقيقة اللفظ لغة، فيتجه المنع حينئذ و كذا لو شرط الأردى فإنه ما من ردى الا و هناك أردى منه. و يأتي فيه ما سمعت.

بل قال المصنف و لو قيل في هذا بالجواز لكان حسنا لإمكان التخلص يدفع الردى، لأنه ان كان هو الأردى، فهو عين الحق و الا زاده خيرا و يجب عليه القبول لانه وفاء و زيادة، كما يومي اليه النصوص في باب القرض (1)بل عدته من حسن القضاء، و انه من الفضل الذي قد نهينا عن نسيانه (2)بل في التحرير و الإرشاد الحكم بالصحة، و حكاه في التذكرة قولا لبعض أصحابنا، و ان كنت لم أجده لأحد قبله، بل هو قد استشكل في القواعد، و حكم بالبطلان في التذكرة، كالشيخ و فخر المحققين و الشهيدين

و الكركي و غيرهم، لعدم الضبط، و وجوب قبض الجيد عنه لو دفع لا يصيره مضبوطا عند العقد، لانه ليس من أفراده، على أنه إذا امتنع من الأداء لم يتمكن الحاكم من إجباره. لعدم ضبط الأردى، و عدم استحقاق غيره عليه، و التحقيق


1- 1 الوسائل الباب- 19 و 20- من أبواب القرض و باب 12- من أبواب الصرف.
2- 2 سورة البقرة الآية- 237.

ج 24، ص: 279

ما سمعته في الأجود، فتأمل جيدا.

ثم انه لا بد مع ذلك أن تكون العبارة الدالة على الوصف معلومة بين المتعاقدين ظاهرة في العرف أو اللغة حتى يمكن استعلامها عند اختلافهما، فلو جهلاها أو أحدهما بطل، و لا يكفي الإحالة على المراد لغة أو عرفا. ضرورة عدم صدق ارتفاع الجهالة بذلك، بعد ظهور ما دل على شرطيته فيما بين المتعاقدين، و المراد بظهورها في العرف أو اللغة معروفية اتصاف العين بالوصف المشترط في أحدهما: كي يحصل به قطع النزاع لو حصل، و لعله لذا قال في القواعد «الصفات ان لم تكن مشهورة عند الناس لقلة معرفتها كالأدوية و العقاقير، أو لغرابة لفظها، فلا بد ان يعرفها المتعاقدان و غيرهما، و هل تعتبر الاستفاضة أم يكفي معرفة عدلين؟

الأقرب الثاني»، كما عن الإيضاح أيضا، بل في جامع المقاصد ان الأقرب الأول، لإمكان موت أحدهما أو غيبته، لكن قال: ان هذا اى ما ذكره المصنف لا يناسب ما بنى عليه الباب من عدم الجواز فيما لا يعم وجوده، و يعز حصوله، و في المسالك «المراد بظهورها في اللغة كونها على وجه يمكن الرجوع إليها عند اختلافهما كما قيده، و انما يتم ذلك إذا كان مستفاضا، أو يشهد به عدلان.

و على كل حال فلو ذكرا وصفا لا يمكن معرفته و تحققه في أحدهما بطل السلم فلا يجوز، و لعل من ذلك بعض الأوصاف التي يذكرها الأطباء من درجات الحرارة أو البرودة و نحوهما، و كان المرجع في ذلك اما الجهالة عرفا أو ما يساويها في الأول إلى النزاع الذي أراد الشارع حسم مادته بالعقود المعروفة، لا اثارته، بان يشرع منها ما يؤدي إليه مما نحن فيه و غيره، فتأمل جيدا، فإنه لا دليل واضح على اعتبار ظهور العبارة في العرف و اللغة بعد فرض المعلومية بينهما، و احتمال الاختلاف

ج 24، ص: 280

يرجع فيه الى قواعد التداعي، فما في المتن مجرد اعتبار. نعم لو كان المراد ما يؤدى الى المعلومية في المبيع اتجه حينئذ، اما الزائد على ذلك فلا دليل عليه و الله العالم.

و كيف كان فقد بان لك من ذلك كله انه إذا كان الشي ء مما لا ينضبط بالوصف على وجه يرتفع جهالته و لا يؤدى الى عزة وجوده لم يصح السلم فيه قطعا.

نعم قد يشك في بعض افراده كاللحم نيه و مشويه و الخبز و ان نفى الخلاف في الرياض فيهما، بل حكى عن الغنية الإجماع عليه، فإنه ربما استشكل في الأول بأنه لا فرق بين الحيوان و لحمه، و بينه و بين الشحم، فإذا جاز فيهما جاز في الأخر، و في الثاني بأن النصوص (1)قد جوزت قرضه، و انه لا بأس بالتسامح فيه، و لو كان مما لا ينضبط وصفه لم يجز قرضه مضمونا بمثله، و قد يجاب عن الأول بأن الشارع قد كشف عن عدم ضبطه بالوصف. ف

في خبر جابر(2)«سألت الباقر عليه السلام عن السلف في اللحم فقال:

لا تقربنه، فإنه يعطيك مرة السمين، و مرة التاوي، و مرة المهذولة، و اشتر معاينة يدا بيد. (بل قال أيضا) و سألته عن السلف في روايا الماء فقال: لا تقربنها فإنه يعطيك مرة ناقصة، و مرة كاملة»

اللهم الا ان يحمل ذلك منه عليه السلام على الإرشاد لعدم الوفاء كما استظهره في الحدائق حاكيا عن بعض مشايخه. أنه حمله على الكراهة، لا ان مراده عدم جواز السلم فيه، لعدم الانضباط بالوصف، و عن الثاني بالفرق بين القرض و السلم:

فإنه قد يتسامح في الأول بما لا يتسامح في الثاني، المبنى على رفع الغرر و الجهالة، كما لا يخفى على من لاحظ أحكامهما معا، و ما ورد فيهما من النصوص.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب السلف و باب 21 من أبواب الدين و القرض.
2- 2 الوسائل الباب- 2- من أبواب السلف الحديث 1.

ج 24، ص: 281

و على كل حال فالأمر سهل بعد معرفة الضابط في الجواز و العدم، و ان ما شك فيه فالاطلاقات تقتضي جوازه، لعدم تحقق الجهالة

المانعة من الصحة إذا المناقشة في الأمثلة ليست من دأب المحصلين، خصوصا بعد اختلاف حالها في الأمكنة و الأزمنة، و خصوصا بعد ملاحظة جواز بيع الشخص الموصوف بالأوصاف الرافعة للجهالة عنه، ضرورة إمكان فرض ذلك في الكلي على وجه لا يؤدى الى عزة الوجود كما هو واضح و الله العالم.

و من ذلك السلم في الجلود و ان قال المصنف فيه تردد ينشأ من عدم إمكان ضبطها و معرفتها على وجه ترتفع جهالتها، و لا يؤدى الى عزة الوجود إلا بالمشاهدة التي يخرج معها عن السلم، لشدة اختلاف قيمتها معها، بحيث لا يقوم الوزن مقامها و لا غيره، و من هنا كان المشهور نقلا و تحصيلا المنع، و قيل و القائل الشيخ و القاضي فيما حكى عنهما: يجوز مع المشاهدة التي تدفع المحذور السابق، و هو و ان كان كذلك الا انه رده المصنف بأنه خروج عن السلم الذي قد عرفت وجوب كونه كليا مضمونا في الذمة، و أجاب منه في المسالك بأنه انما يخرج مع تعيين المبيع، و كلام الشيخ أعم منه، فيمكن حمله على مشاهدة جملة كثيرة يكون المسلم فيه داخلا في ضمنها، و هذا القدر لا يخرج عن السلم كما لو شرط الثمرة من بلد معين، أو الغلة من قرية معينة لا تخيس عادة، الا انه قال بعد ذلك: و الأجود المنع للاختلاف، و عدم الانضباط.

و فيه ان الأجود الجواز بناء على ما ذكره، إذا جعل المسلم فيه كليا معلوما مضمونا في الذمة، ثم اشترط الأداء من المشاهد، و الا فاشتراط الأداء من المشاهد لا يرفع الجهالة عن المبيع الكلي، إذ هو ليس من أوصافه، لا انه جعل المسلم فيه واحد منها، كما عساه يفهم من كلامه أولا، إذ هو ان صح كان على سبيل الإشاعة،

ج 24، ص: 282

و هو خارج عن السلم، كخروج الكلى غير المضمون في الذمة عنه، اما الأول فلا إشكال في صحته، بل قيل: ان ظاهر الخبرين يقتضي الصحة مطلقا،

قال في أحدهما(1)«انى رجل قصاب أبيع المسوك قبل ان أذبح الغنم؟ فقال: ليس به بأس، و لكن انسبها الى غنم ارض كذا و كذا»

و في الآخر(2)«رجل يشترى الجلود من القصاب، فيعطيه كل يوم شيئا معلوما؟ قال: لا بأس به».

و ان كان فيه انهما- مع ضعفهما و عدم الجابر بل الشهرة على خلافهما، بل الثاني منهما غير دال على المطلوب، بل لا صراحة فيهما بالسلم- يمكن تنزيلهما على الصورة الصحيحة، أو الشراء بصلح و نحوه أو غير ذلك، هذا، و قد يقال: بالصحة لو فرض إمكان المعلومية بمشاهدة أنموذج يرفع الجهالة، و لا يؤدى الى عزة الوجود، و لعل مراد الشيخ ذلك من المشاهدة التي حكم بالجواز معها، و الله العالم.

و كيف كان فالمشهور كما عن الكفاية انه لا يجوز السلم في النبل المعمول للمانع المزبور، ضرورة كونها تجمع أخلاطا مقصودة، لان فيها خشبا، و عصبا، و ريشا، بل قيل: ان الأقرب عدم جوازه في المنحوت منها لعدم القدرة على معرفة تحتها، و تتفاضل في الثمن، و تتباين فيه، مع كونها مخروطة خفيفة الأطراف، ثخينة الوسط، فلا يمكن ضبطها، قيل، و كذا القسي، و فيه انه يمكن فرض الضبط في العيدان على وجه يرتفع المانع المزبور، بل قد يدعى ذلك في المعمول منها أيضا، بل و القسي، و اما غير المنحوت منها فلا ريب في جوازه، لإمكان الضبط الذي لا يقدح فيه ما لا يتفاوت به الثمن من الاختلاف،


1- 1 الوسائل الباب- 5- من أبواب السلف الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب السلف الحديث- 7.

ج 24، ص: 283

و من هنا قال المصنف يجوز في عيدانه قبل نحتها نعم لا بد من التقدير بالعدد أو الوزن و الله اعلم.

و كذا لا يجوز في الجواهر و اللآلي لتعذر ضبطها بحيث ترتفع جهالتها و لا يؤدى الى عزة الوجود ل تفاوت الأثمان مع اختلاف أوصافها بالحجم و الوزن و غيرهما، لكن ظاهره كغيره ممن أطلق عدم الفرق في ذلك بين الكبار و الصغار، و ما يراد منه للدواء و غيره، و هو لا يخلو من اشكال، إذ قد صرح بجوازه في الصغار الشهيدان و الكركي و غيرهم، بل في الدروس ان الأقرب جوازه في العقيق و شبهه، من الجواهر التي لا يتفاوت الثمن باعتبارها تفاوتا بينا، قيل: و ضابط الصغار من اللآلي كلما يباع بالوزن، فلا يلاحظ فيه الأوصاف الكثيرة عرفا، و عن بعضهم تحديدها بما يطلب للتداوي دون التزين، أو ما يكون وزنه سدس دينار، و الأولى إناطة ذلك بالعرف.

و لا يجوز أيضا في العقار و الأرضين للمانع المزبور، و الأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت الضابط في الجواز و العدم، خصوصا بعد ما سمعت ان العامي ربما يكون اعرف من الفقيه في ذلك، و ان أكثر الأصحاب في الأمثلة للجائز و الممنوع، كما أكثروا في بيان الأوصاف للموصوفات، مع انه أطلق

في النصوص (1)«انه لا بأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض،» و لا بأس به في الحيوان إذا وصفت الأسنان»

اتكالا على العرف، فكان الأولى بالأصحاب ذلك أيضا، و لعل المقصود التنبيه إجمالا، فلا بأس بالتأسي بهم و الاقتداء بأنوارهم.


1- 1 الوسائل الباب- 1- من أبواب السلف الحديث- 1- 3.

ج 24، ص: 284

فنقول قد عرفت انه يجوز السلم في كل ما يمكن ضبطه بالوصف المعلوم بين المتعاقدين و غيرهم، من غير تأدية الى عزة الوجود، فلا إشكال حينئذ في جوازه في الخضر و الفواكه، و كذا كل ما تنبته الأرض، و في البيض و الجوز و اللوز و غيرهما مما هو كذلك، لإمكان ضبطها بالوصف المزبور الذي مرجعه عند التحقيق الى العرف، لكن في الدروس «انه يذكر في الفواكه البلد و النوع، و الطراوة أو ضدها و اللون ان اختلف، و في الزبيب

البلد و النوع و الكبر أو الصغر، و اللون ان اختلف نوعه أو غيره و في التمر البلد و النوع، و الكبر و الصغر، و الحداثة و العتاق، و اللون ان اختلف النوع، و في الرطب ذلك كله إلا العتاقة، و يجب الفارق، و لو شرط المنصف و المذنب لزم، و له الجاف من التمر و الزبيب الخالي من الحثالة، و لا يجب تناهى الجفاف، و في الحنطة البلد و الحداثة و العتق و اللون، و الكبر و الصغر، و الصرابة و ضدها، و لا يشترط ذكر حصاد عام أو عامين، و ان ذكره جاز، و في الشعير ذلك كله» قلت: و كذا غيرهما من الحبوب، لكن عن المبسوط ان جملة وصف الحنطة ستة، الا انه أبدل الصرابة بالجودة و الرداءة، و زاد المحمولة و المولدة، و تبعه في التذكرة «يصف الحنطة بأمور ستة، البلد فيقول شامية أو عراقية، فإن أطلق حمل على ما يقتضيه العرف ان اقتضى شيئا و الا بطل، و يقال محمولة أو مولده يعني محمولة من البلد التي تنسب اليه، أو تكون مولدة في غيره، و يذكر الحداثة و العتق، و الجيد و الردى، و اللون كالحمراء و البيضاء و الصفراء ان اختلفت، و بالحدارة و هي امتلاء الحب، و الدقة و صفائه، و يذكر الصرابة أو ضدها: و ينبغي أن يذكر القوي أو ضده، (الى ان قال) و كذا حكم كل صنف من الحبوب من أرز أو دخن أو شعير أو سلت» و في القواعد «انه يذكر في البر و غيره من الحبوب البلد و الحداثة، و العتق

ج 24، ص: 285

و الصرابة أو ضدها» و ظاهر الاكتفاء في رفع الجهالة عرفا بالثلاثة، و اما الرطب فهو و ان كان لا يكون عتيقا الا ان له اشتراط لقطة يومه، أو أمسه، بل لعل حداثته و عتقه بذلك، بل قد يقال بلزوم التعرض لذلك كما عن بعض الشافعية، لاختلاف الثمن و الرغبة باختلافهما اختلافا يؤدى عرفا إلى الجهالة بدونهما و الله اعلم.

و في الحيوان كله غير الأناسي منه و الأناسي لكن في الدروس «انه يذكر في الإبل السن و الذكورة أو ضدها، و اللون و الصنف، كالعرابى و البخاتي و النتاج إذا كان معروفا عام الوجود، و كالعبادى نسبته الى عباد بالفتح، و هم قبائل شتى من بطون العرب اجتمعوا على النصرانية بالحيرة- و في الخيل الذكورة و السن و النوع، كالعربى و التركي و اللون و في البقر و الحمر، السن و النوع و الذكورة و اللون و البلد، و في الطير النوع و اللون و كبر الجثة، لعدم العلم بسنة، و في الرقيق الذكورة و النوع و اللون و السن و القد كالطويل و القصير و الربعة. و لو قدره بالأشبار احتمل المنع.

لإفضائه الى عزة الوجود، و يحتمل وجوب ذكر الكحل و الدعج و الزجج و تكلثم الوجه في الجارية و كونها خميصة ريافة الملمس، ثقيلة الردف، أو أضداد ذلك، لتفاوت الثمن به، و عدم عزته، و الأقرب وجوب تعيين البكارة و الثيبوبة في الأمة، فلو أطلق بطل، و لا يشترط ذكر الملاحة فلو ذكرها روعي العرف، و يحمل على أقل درجته، و يحتمل البطلان لعدم انضباطها فان مرجعها الى الاستحسان و الشهوة المختلفين باختلاف الطباع، و لا يجب التعرض لآحاد الأعضاء لعدم تفاوت الثمن فيه بينا، و ربما أدى الى عزة الوجود» و في القواعد «انه يذكر في الحيوان النوع و اللون و الذكورة و الأنوثة و السن و في الأناسي زيادة القد كرباعي أي أربعة أشبار أو خماسي، فيقول عبد زكى اسمه ابن سبع طويل أو قصير أو ربع، الى أن قال: و لو اختلف النوع الواحد في الرقيق وجب ذكر الصنف، و لو اتحد لونه كفى نوعه عنه، ثم قال: و يذكر في الإبل الذكورة أو الأنوثة

ج 24، ص: 286

و السن كبنت مخاض، و اللون كالحمرة، و النوع كنعم بنى فلان أو نتاجهم كبختي أو عربي إن كثروا و عرف لهم نتاج، و إلا بطل كنسبة الثمرة إلى بستان، و في الخيل السن و اللون و النوع كعربي أو هجين، و لا يجب التعرض للشياه كالأغر و المحجل، و في الطير و النوع و الكبر و الصغر من حيث الجثة، و لا نتاج للبغال و الحمير، بل يذكر عوضه النسبة إلى البلد،» و يقرب من ذلك كله ما في التذكرة لكن لا يخفى عليك ما في دعوى توقف رفع الجهالة له عرفا على ذكر بعض ذلك، أو مقتض غيره، أو دليل بالخصوص، و لعل عرفهم غير عرفنا الان في ذلك، بل و في عزة الوجود و عدمه، فإنه يمكن دعوى عدمها في جملة مما ذكروا أنه مقتض لها، و الأمر سهل بعد ما عرفت من كون المدار على رفع الجهالة عرفا و عدم عزة الوجود، و مع الشك فالعمومات تقتضي الجواز و الله اعلم.

و كذا الكلام في السلف في الألبان و السمون و الشحوم و الأطياب و الملابس و الأشربة و الأدوية بسيطها و مركبها ما لم يشتبه مقدار عقاقيرها و ان ذكر في القواعد و الدروس وجوب التعرض في الأول إلى النوع كالمعز و المرعى، بل في الأول منهما و ان قصد به الجبن أو الكشك، احتمل ذكر الزمان بالصفاء و الغم، فان لهما أثرا بينا في ذينك عند أهله، و قالا معا و يلزمه مع الإطلاق، حلبة يومه، كما أنهما قالا أيضا يعتبر في الثاني ذكر النوع، كالبقر، و اللون كالأصفر و المرعى و الحداثة أو ضدها، و ينبغي أن يذكر في الثالث النوع و اللون و الصفاء و نحو ذلك مما يتوقف رفع الجهالة عليه، و كذا الرابع و أما الملابس ففي الدروس أنه يذكر في الثياب النوع و البلد و العرض و الصفاقة و الغلظ و النعومة أو أضدادها، و لا يجوز ذكر الوزن لعسره، و له الخام عند الإطلاق، و ان ذكر المقصور جاز، فان اختلف البلد ان ذكر بلد القصارة، كالبعلبكى

ج 24، ص: 287

و القطبي، و يجوز اشتراط المصبوغ فيذكر لونه و إشباعه أو عدمه، و لا فرق بين المصبوغ بعد نسجه أو قبله على الأقوى، و منعه الشيخ إذا صبغ بعد غزله، لان الصبغ مجهول و لانه يمنع من معرفة الخشونة و النعومة، و في وجوب ذكر عدد الخيوط نظر أقربه ذلك، لاشتهاره بين اهله و تأثيره في الثمن» و يقرب منه ما في القواعد و ان قال «انه يذكر في الثياب ثمانية النوع كالكتان و البلد و اللون و الطول و العرض و الصفاقة و الرقة و النعومة أو أضدادها» ثم ذكر بعد ذلك أوصاف الغزل و القطن و الصوف كما أنه في الدروس كذلك أيضا و ذكر الحرير و الكرسف و الكتمان و غير ذلك، الا أنه أجاد بعد ما أطنب و تعرض لثلاثة عشر مما تعم به البلوى قال: و مدار الباب على الأمور العرفية و ربما كان العوام أعرف بها من الفقهاء و حظ الفقيه البيان الإجمالي و هو جيد جدا و منه يعرف الحال فيما ذكره المصنف و غيره، لكن ظاهر المصنف عدم جواز السلم في الأدوية المركبة مع اشتباه مقدار عقاقيرها أى أجزائها التي تتركب منها، بل في المسالك أنه يعلم من ذلك اشتراط العلم بمقدارها نفسها بطريق أولى، لترتفع الجهالة، لكن قال: و في اعتبار ذلك في المشاهد نظر، من توقف العلم عليه، و من مشاهدة الجملة و هو أجود، قلت: لا ينبغي التأمل في عدم وجوب المعرفة مقدار الاجزاء إذا لم يكن له ضابط معين مقصود، كما انه لا ينبغي التأمل في وجوب المعرفة معه، و اما الجملة فإن كانت من المعتبرات وجب، و لا ضبط فيه، ليتمكن من الوفاء، و تسمع قوة عدم اعتبار الضبط بالوزن و الكيل المتعارف و الله اعلم هذا.

و لا ريب في انه يجوز السلف في جنسين مختلفين صفقة واحدة مع جمع كل منهما الشرائط السلم، اتحدا في الأجل أو اختلفا، و كذا الثمن لإطلاق الأدلة

ج 24، ص: 288

بلا معارض، و كذا يجوز السلم في شاة لبون بلا خلاف أجده لوجود المقتضى و ارتفاع المانع، خلافا للشافعي في أحد قوليه، فمنعه لمجهولية اللبن و فيه مع أنه من التوابع ان ذلك وصف للنوع لا سلم في اللبن و لذا لا يلزم عليه تسليم ما فيه لبن من الشياة بل يكفيه شاة من شأنها ذلك بل لو كان فيها لبن فعلا كان له حلبها و تسليمها بلا لبن. نعم المفهوم عرفا من ذلك كونها ذات لبن بالقوة القريبة من الفعل. و من هنا جزم في المسالك بعدم الاجتزاء بتسليم الحامل و ان قرب أو ان ولادتها أما لو كانت حاملا و قد در اللبن أمكن وجوب القبول للصدق، و الأمر سهل بعد ان كان المدار على العرف كما هو واضح.

و كذا يجوز عندنا كما في التذكرة في شاة معها ولدها وفاقا للمشهور كما في المسالك، لإمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة، و لا يؤدى الى عزة الوجود، و كذا الجارية معها ولدها و قيل (11) و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة و الشهيد في اللمعة لا يجوز (12) فيهما معا لان ذلك مما لا يوجد الا نادرا (13) و ربما ظهر من المتن نوع تردد فيه، لقوله و كذا الى آخره، و على كل حال ففيه منع واضح. نعم في التذكرة «المنع في الجارية الحسناء معها ولد صفته كذا و كذا، أو أخت أو عمة بحيث يتعذر حصوله» و هو كذلك و في الدروس «المنع من اشتراط الولد مع الام المقصود بها التسري، قال: «و لو قصد بها الخدمة كالزنجية جاز لقلة التفاوت» و فيه منع عزة وجود الأولى أيضا كما جزم به ثاني الشهيدين، و من الغريب انه جزم في الدروس بجوازه أيضا في الجارية الحامل، سواء كانت حسناء أو شوهاء و في اللمعة بالعدم موافقا للمحكي عن المبسوط.

و من هنا قال في المتن و كذا التردد (14) في السلم في جارية حامل لجهالة

ج 24، ص: 289

الحمل و فيه انه تابع و لا عزة وجود في الجارية الحامل الموصوفة بما يرتفع معها جهالتها، فالأجود الجواز في الجميع بعد ان كان المدار في المنع على عزة الوجود المعلوم منعها في المقام كما هو واضح، كوضوح جواز الإسلاف في جوز القز لذلك بعد الوصف بالطراوة و اليبس و اللون و البلد، لكن قال المصنف فيه تردد بل عن الشيخ الجزم بالعدم لأن في جوفه دودا يفسده إذا خرج منه حيا و يمتنع بيعه إذا مات، و فيه ان السلم في غير الدود الذي هو كنوى التمر في بلد لا قيمة له فيه و الله اعلم.

[الشرط الثالث قبض رأس المال قبل التفرق ]

الشرط الثالث من الشرائط قبض رأس المال قبل التفرق شرط في صحة العقد.

إجماعا في الغنية و المسالك و حينئذ ف لو افترقا قبله بطل عند علمائنا اجمع في التذكرة و هو الحجة فيه بعد شهادة التتبع و انحصار الخلاف في المحكي من قول ابى على: لا اختار تأخير قبضه أكثر من ثلاثة أيام الذي قال في الدروس و غيرها: «انه متروك» نعم عن صاحب البشرى التوقف فيه كصاحب الحدائق معللا له في الأخير بعدم النص، لكنك خبير بان في الإجماع المحكي المعتضد بما عرفت بلاغا، مع احتمال القول بأن أصالة عدم النقل و الملك قبله محققة و لو للشك في تسبيب العقد هنا للملك، للاتفاق المزبور، و لأن الأمر بالوفاء بالعقد أعم منه، بل قد يقال:

باعتبار تسليم الثمن في حقيقة السلم، و انه بدونه منتف حقيقة السلم، الا ان الانصاف كون العمدة الإجماع المزبور انما الكلام في المراد من معقده و الظاهر من الأولين توقف الملك عليه كشفا أو نقلا، بل الظاهر الثاني منهما.

و على كل حال فقبله لا ملك و حينئذ فلو كان الثمن فيه كليا لا شيئا معينا لم تشتغل الذمة به، فلا تصح الحوالة حقيقة به و عليه، و لا ضمانه و لا الصلح به و عليه، و لا يحصل به التقاص قهرا، و لا غير ذلك مما يعتبر فيه شغل الذمة المتوقف على ملك

ج 24، ص: 290

الكلى للمستحق، و الفرض عدم حصوله قبل القبض، لكن في القواعد و التذكرة انه لو احاله بالثمن فقبضه البائع من المحال عليه في المجلس فالأقوى الصحة، و نحوه ما في الدروس من انه لو أحال بالثمن فقبضه البائع قبل التفرق صح و الا فلا على الأقرب فيهما، و زاد لو أحال البائع على المشتري اشترط قبض المحتال في المجلس على الأصح، قال: و وجه الجواز ان الإحالة كالقبض ثم قال: و لو صالح البائع عن الثمن على مال فالأقرب الصحة و اشتراط قبض مال الصلح، بل في التذكرة احتمال الصحة في الأول، و ان لم يقبض البائع في المجلس و، لعله المتجه بناء على كونها حوالة حقيقة، إذ هي كالقبض، و دعوى انها هنا ليست كذلك كما ترى.

و في الدروس و المسالك انه يقع التقاص قهرا لو كان للمسلم في ذمة المسلم اليه مماثل الثمن الكلى جنسا و وصفا قال في الأخير: و الا توقف على التراضي، و في التذكرة لو كان الثمن عبدا فأعتقه البائع قبل القبض صح، و فيها أيضا لو كان رأس المال دراهم في الذمة فصالح عنها على مال فالأقرب عندي الصحة، الى غير ذلك مما ينافي ما ذكرنا، و تجشم دفعه- بأن عقد السلم و ان كان تأثيره الملك موقوفا على القبض، الا انه يوجب الإقباض على المشتري و القبض على البائع للأمر بالوفاء بالعقد و حيث يكون الثمن عينا يتصور انفكاك وجوب الدفع عن كونها ملكا للمدفوع، إذ لا مانع من وجوب دفعها اليه، و ان لم تكن ملكا له، و اما إذا كان كليا فليس وجوب دفعه إلا شغل الذمة به فيترتب عليه ما سمعت.

- يدفعه- مع انه لا يتم في العتق و الصلح- انه يمكن تصور انفكاكه في الكلي أيضا، ضرورة تصور وجوب الدفع تعبدا من غير شغل للذمة، بحيث لو مات لم يخرج من تركته، بل لعله كذلك بناء على ما عرفت فلا تلازم بين وجوب الدفع و بين عدم حصول الملك للكلي على المسلم الذي هو معنى شغل الذمة به، كما ان تجشم

ج 24، ص: 291

دفعه- بان المراد كونه شرطا كاشفا فيصح الصلح و العتق و الحوالة مع تعقب القبض- يبطله أو لا انه خلاف المنساق من إطلاق الشرطية، و ثانيا عدم تقييد ما سمعته في التذكرة من صحة الصلح و العتق بالقبض و ثالثا انه لا يتم معه ما سمعته من الشهيدين من المقاصة قهرا. نعم قد يقال: ان المراد من الصحة التي هو شرطها اللزوم فالملك حينئذ يحصل بالعقد و يستقر بالقبض، فمتى افترقا قبله بطل من حينه، و لعله يومي اليه ما في التذكرة فإنه بعد ان ذكر نحو عبارة الأصحاب من انه يشترط في السلم قبض الثمن في المجلس، و خص معقد إجماعه بالبطلان مع التفرق قبله.

قال: مسألة و لا يشترط استمرار قبض الثمن فلو سلمه المشتري الى البائع ثم رده البائع اليه و دفعه اليه قبل التفرق جاز، و لو رده عليه بدين كان له عليه قبل التفرق صح، لانه ملكه بالعقد و استقر ملكه بالقبض، و هو كالصريح فيما قلناه خصوصا مع ما سمعته سابقا من الفروع التي لا تتجه الا عليه، فلا بد حينئذ من التزام ذلك أو رفع اليد عن جميع الفروع السابقة، و الاحتياط لا ينبغي تركه، هذا. و قد تقدم في باب الصرف و خيار المجلس ما يغني عن اعادة كثير من المباحث السابقة المتصورة في المقام، كما انه قد تقدم في باب القبض ما يعلم منه المقدار الذي يجتزى به هنا، و الظاهر صدق تسليم المنفعة لو وقعت ثمنا مثلا بتسليم العين في نحو العبد و الدار، اما عمل الحر فلا يكفى تسليم عينه فيه و الله اعلم، و كيف كان ف لو قبض بعض الثمن قبل التفرق دون بعض صح في المقبوض لوجود المقتضى من العقد و القبض و بطل في الباقي لحصول الافتراق قبله الذي قد عرفت الإجماع على حصول البطلان به نعم صرح غير واحد بأن للبائع الخيار في الفسخ إذا لم يكن بتقصيره للتبعيض الذي قد عرفت سابقا التسلط به على الخيار، الا ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين البائع و المشتري، و لعل اقتصارهم على الأول هنا لان الغالب كون التقصير في عدم القبض من المشتري فيسقط

ج 24، ص: 292

خياره، أما لو فرض عدمه مع حصول التبعيض فلا ريب في تسلطه على الخيار لذلك كما هو واضح.

و على كل حال فما نحن فيه ليس كعوض المتلفات و نحوها من الديون في عدم جواز امتناع الديان من قبض البعض، ضرورة عدم الصفقة فيه، مضافا الى تطرق الانفساخ، بل لعل التعيب بالتبعض كاف، و من هنا قال في جامع المقاصد: «يجب تقييد ذلك بما إذا لم يكن الدين مبيعا، أما إذا كان مبيعا جاز للمشترى الامتناع من قبض البعض الى تسليم الجميع، للتعيب بالتبعيض، و ليس لقائل أن يقول: ان المقتضى لعدم وجوب قبض البعض هنا ليس هو التعيب بالتشقيص فقط، بل هو مع تطرق انفساخ العقد في الباقي للتفرق قبل قبضه، لأنا نقول: ان التبعيض وحده كاف في ثبوت العيب و ان قارنه الأمر الأخر، فيجب ان يثبت الحكم في الموضع الذي ذكرناه، و قد اقتصر في التذكرة على التعليل به، و ان كان قد يناقش فيه في المقام فضلا عن غيره بأن تسلم البعض لا ينافي التسلط على الخيار مع التعيب بعده بالتبعيض، فحينئذ يجب عليه تسليم المدفوع و هو على خياره لو تبعض بعد ذلك، فتأمل جيدا.

و لو أسلم مأة في حنطة و مثلها في شعير في عقد واحد، ثم دفعهما قبل التفرق و وجد بعضها زيوفا من غير الجنس وزع بالنسبة، و بطل من كل جنس بنسبة حصة من الزيوف كما في القواعد و غيرها، لعدم الأولوية، و لو كان الثمن كليا فدفع المعيب من غير الجنس أبد له إذا لم يتفرق المجلس و الا بطل العقد، و قد تقدم في الصرف تمام البحث في نحو ذلك، بل تقدم هناك ما يعلم منه حكم ما لو كان العيب من الجنس في المعين و غيره قبل التفرق و بعده، و جواز أخذ الأرش بعده و عدمه فلاحظ و تأمل.

و لو شرط المسلم اليه أن يكون الثمن من دين عليه بمعنى أنه يسلمه ما له في ذمته في كذا حنطة مثلا قيل و القائل الأكثر في المسالك و الأشهر

ج 24، ص: 293

في الرياض، و المشهور في الحدائق يبطل لانه بيع دين بمثله فيشمله

خبر طلحة بن زيد(1)عن الصادق عليه السلام «قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا يباع الدين بالدين»

مضافا الى

الصحيح (2)على ما في بعض الكتب «عن الرجل يكون له على الرجل طعام أو بقر أو غنم أو غير ذلك فاتى الطالب المطلوب يبتاع منه شيئا؟ فقال:

لا يبعه نسيئا، و أما نقدا فليبعه بما شاء»

بناء على أن المراد شراء الطالب منه شيئا بما له في ذمته، فليس النسي ء حينئذ هنا الا السلم، و لكن الموجود في نسخ التهذيب المعتبرة «فأتى المطلوب الطالب» و استدل به في الرياض على المطلوب على هذا التقدير، و لعله حمله على أن المراد إتيان المطلوب الطالب ليشترى الطالب منه بما له في ذمته، فيتحد حينئذ مع الأول، و لكنه خلاف الظاهر. أو أن المراد الاستدلال بفحواه، بناء على ظهوره في عكس المسألة و هو مبنى على ثبوت الحكم في الأصل و هو ممنوع.

و على كل حال فقد يناقش في ذلك كله بمنع تناول النهي عن بيع الدين بمثله لما صار

دينا في العقد، بل المراد منه ما كان دينا قبله، و المسلم فيه من الأول، لا الثاني الذي هو كبيع ما له في ذمة زيد بمال آخر في ذمة عمرو و نحوه مما كان دينا قبل العقد، و إطلاق البيع بالدين عرفا على النسيئة محمول على ضرب من التجوز و بمعارضة الصحيح على تقدير دلالته ب

خبر إسماعيل بن عمر(3)«قال انه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاما إلى أجل مسمى، فأمر إسماعيل


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب السلف الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 6- من أبواب أحكام العقود الحديث- 8 و فيه أتى المطلوب الطالب كما نقله المصنف عن نسخ التهذيب المعتبرة.
3- 3 الوسائل الباب- 8- من أبواب السلف الحديث- 1.

ج 24، ص: 294

من يسأله عن ذلك فقال: لا بأس بذلك، قال: ثم عاد إليه إسماعيل فسأله عن ذلك و قال انى كنت أمرت فلانا فسألك عنها فقلت: لا بأس، فقال: ما يقول فيها من عندكم، قلت: يقولون فاسد، قال: لا يفعله فإني أوهمت»

الذي لا يقدح ما في ذيله بعد معلومية كون ذلك منه تقية، بل منه ينقدح الوجه في حمل الصحيح المزبور على ذلك، مضافا الى

المروي عن قرب الاسناد(1)عن على بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «قال: سألته عن السلم في الدين قال: إذا قال اشتريت منك كذا و كذا بكذا و كذا فلا بأس»

بناء على أن المراد بكذا و كذا مما له ي ذمته، لا أن المراد كلى ثم يحاسبه بعد ذلك على ما في ذمته.

و من هنا قيل انه يصح و لكن يكره خروجا عن شبهة الخلاف و النهي في الصحيح المزبور و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده عند المصنف و تلميذه الابى و الفاضل في التحرير و المقداد و القطيفي على ما حكى عن بعضهم، و لا يحتاج الى قبض، لان ما في الذمة مقبوض لمن عليه، و لكن مع ذلك لا ريب أن الأول أحوط خصوصا بعد ما قيل من صدق بيع الدين على المؤجل و لو بالعقد، و لذا منع بيع الكالي بالكالي، إذ ليس في نصوصنا هذا اللفظ، انما الموجود فيها ما عرفت من بيع الدين بالدين، و قد ادعى غير واحد منهم ثاني الشهيدين في المقام الوضوح في صدق بيع الدين على المسلم فيه و ان كان قد صار دينا بالعقد. و اما الثمن فالفرض أنه كان دينا سابقا، و حلوله لا ينافي صدق اسم الدين عليه.

نعم قد يمنع صدقه على الثمن الكلى الحال المقطوع بجواز اسلافه، و أنه ليس من بيع الدين بالدين، و من هنا قالوا في المقام أنه إذا أراد التخلص من شبهة بيع الدين أسلمه كليا في ذمته، ثم حاسبه به بما له في ذمته بعد العقد، فيكون


1- 1 الوسائل الباب- 8- من أبواب السلف- الحديث- 3.

ج 24، ص: 295

حينئذ استيفاء لا ثمن سلم، بل في الدروس و المسالك و غيرهما أنه يحتاج إلى المحاسبة إذا اختلفا في الجنس أو الوصف، و الا وقع التقاص قهرا، و ان كان قد يشكل بأنه يلزم منه كون مورد العقد دينا بدين، و بأنه معاوضة على ثمن السلم قبل قبضه، فتكون فاسدة، و يدفع بأن الثمن أمر كلي، و تعينه في شخصي لا يقتضي كونه الثمن الذي جرى عليه العقد، و مثل هذا التقاص و التحاسب استيفاء لا معاوضة.

نعم يشكل أصل اشتغال الذمة بالكلي بمجرد عقد السلم الذي قد عرفت كون القبض شرطا في صحته، و قد تقدم البحث فيه سابقا، فتأمل جيدا، فان ذلك كله محل للنظر، لاحتمال اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين، و صدقه على السلم انما هو بعد تمامه لا قبله، و المنع من بيع الكالي بالكالي و ان لم يكن موجودا في طرقنا، و انما هو من طرق العامة(1)- و لكن قد عمل به الأصحاب، و قد ذكروا في تفسيره ما يشمل ما كان منه بالعقد فيختص به حينئذ، أما غيره مما لم يكن سابق الدينية و لا هو من بيع الكالي بالكالي فباق على مقتضى العمومات، و منه المسألة و عكسها، و لكن الانصاف عدم خلو المسألة عن البحث، و لعلك تسمع فيما يأتي في مسألة بيع الدين التحقيق إنشاء الله تعالى، و الله أعلم.

و لو شرط تأجيل الثمن بطل، بلا خلاف أجده لا لان التقابض شرط، إذ يمكن فرضه فيما لا ينافيه لقصر الأجل و نحوه، بل لانه من بيع الدين بالدين كما ستعرف تحقيقه في محله، بل و الكالي بالكالي، و هو مؤيد لما قلناه سابقا من صدقه على ذلك و ان كان دينا في العقد، و الحاصل ان الحالين أو أحدهما

بالعقد لا سابقا لا يصدق عليه بيع الدين بالدين، بخلاف المؤجلين، فإنه يصدق عليه و لو بالعقد كالحالين قبل العقد.

أو أحدهما حال قبله، و الأخر مؤجل كذلك، فتأمل جيدا.


1- 1 الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد احمد حنفي.

ج 24، ص: 296

و لو شرط التأجيل في بعض الثمن بطل فيه قطعا، و في القواعد و التذكرة و الدروس و غيرها بطل في الجميع، لجهالة ما يوازي المقبوض، و لعله لأن الأجل ليس له قيمة معلومة، و ليس هذا كبطلان البعض في مثمن النسيئة في بعض الثمن، ضرورة اقتضائه التوزيع في الحال و المؤجل، فلا جهالة. نعم قد يقال ان أهل العرف كما أنهم علموا التفاوت فيما بين الحال و المؤجل كذلك يعلمون مقداره، فإذا بان عندهم أن الحال يقابل الثلثين، و المؤجل ثلثا بطل في الثلث و صح في الثلثين و هكذا، و من هنا احتمل في الدروس الصحة في المقام و التقسيط فيما بعد، كبيع سلعتين فيستحق إحداهما فتأمل جيدا، فإنه يمكن ان يكون البطلان في الجميع باعتبار ان الشرط في السلم استحقاق القبض في جميع الثمن في المجلس من حين العقد مع فعلية القبض، و الأول لا تبعيض فيه بخلاف الثاني، فيبطل حينئذ، و لو في البعض لفوات الشرط الأول و الله العالم.

[الشرط الرابع تقدير المسلم فيه بالكيل أو الوزن العامين ]

الشرط الرابع من الشرائط تقدير المسلم فيه بالكيل أو الوزن العامين في المقابلة بلا خلاف أجده إذا كان من المكيل و الموزون، بل و لا إشكال ضرورة توقف المعلومية فيهما عليهما في المشاهد، فضلا عن الغائب و حينئذ ف لو عولا على صخرة مجهولة عند العامة أو مكيال مجهول كذلك لم يصح و لو كان كل منهما معينا عندهما لعدم ارتفاع الجهالة شرعا بل و عرفا بذلك، و لانه قد تهلك الصخرة و المكيال فيتعذر معرفة المسلم فيه، و لو عينا مكيالا معينا أو صبخة كذلك من العامين ففي القواعد و التذكرة لغى الشرط لعدم الفائدة و صح العقد و فيه انه يمكن فرضه مفيدا.

نعم قد يقال ان المانع ما تسمعه من عدم الطمأنينة ببقائهما إلى وقت الأداء فيحصل النزاع و الغرر، لكن ستعرف المناقشة فيه، ثم ان المستفاد من النص و الفتوى ارادة الكيل

ج 24، ص: 297

في المكيلات، و الوزن في الموزونات خصوصا ما عبر فيها بأو، لا أن المراد الجمع بينهما بل ربما ادى الجمع بينهما كان تقول مثلا مأة صاع وزنها كذا أو بالعكس في بعض الموضوعات الى عزة الوجود، فيبطل كما هو واضح، و في قيام كل منهما مقام الأخر و عدمه أو الوزن خاصة البحث السابق، هذا كله في المكيل و الموزون عادة.

أما إذا لم يكن من المكيل أو الموزون في المشاهدة بل كان يباع جزافا فقد صرح غير واحد بوجوب تقديره في السلم بهما، لعدم المشاهدة الرافعة للغرر فيه و هو جيد، لكن قد يناقش في اعتبار الكيل و الوزن العامين فيه، ضرورة كون المدار فيه على ما يقوم مقام المشاهدة في رفع الغرر فيه، و هو حاصل بهما و بغيرهما مما يتفقان عليه مما لا يتعارف المعاملة بهما، و اعتبار الكيل و الوزن في المسلم فيه في النصوص مبنى على الغالب مما يعتبر فيه ذلك، أو ما لا ينضبط الا بهما، إذ احتمال اعتبار ذلك في السلم تعبدا و ان ارتفع الغرر بغيرهما بعيد، و ان اقتضاه ظاهر إطلاق بعض الفتاوى، و دعوى- ان التقدير بغير العامين لا يؤمن معه تلفهما فيتعذر معرفة المسلم فيه و يحصل النزاع، بل بذلك يتحقق الغرر و الخطر- يدفعها منع صلاحية مثل ذلك مانعا من الصحة، مع أنه يمكن فرضه فيما يقطع فيه بعدم التلف. لقصر الأجل و نحوه، أو لضبطه في صنف يؤمن معه ذلك، كما هو واضح، و الله اعلم.

و كذا الكلام في الذراع ف يجوز الإسلاف في الثوب أذرعا متعارفة أو ليست متعارفة، إذا كان المسلم فيه تكفى فيه المشاهدة لو كان موجودا، و انما المراد بالذرع ضبطه بحيث يقوم مقام المشاهدة، و حينئذ فلا يختص المعتاد بل يجوز الإسلاف بالأشبار و نحوها مما يضبط بها و يقوم مقام المشاهدة، و كذا الكلام في كل مذروع بل قد سمعت من الشيخ في الجلود ما يمكن السلم معه من دون ذلك كله إذا كان المسلم فيه من جملة مشاهدة، و ان كان لم يحك عنه اعتباره في المقام

ج 24، ص: 298

فلاحظ و تأمل.

و هل يجوز الإسلاف في المعدود عددا الوجه عند المصنف و الشيخ في المبسوط و ابني زهرة و إدريس و الفاضل في التذكرة أنه لا يجوز، لعدم ارتفاع الغرر به لكثرة اختلاف المعدود في الكبر و الصغر و غيرهما، و الاكتفاء به في المشاهدة لارتفاع الغرر بها، لا به، و عليه بنى المنع في محكي الخلاف في الجوز و البيض الا وزنا، خلافا لأبي حنيفة، قال: و أما البطيخ فلا يجوز إجماعا، و عن المبسوط بعد نفى الجواز في المعدود عددا قال: كلما أنبتته الأرض لا يجوز السلم فيه الا وزنا، ثم نص على المنع في اللوز و الفستق و البندق.

قلت: التحقيق الجواز فيما لا يكثر فيه التفاوت بل كان التفاوت فيه يتسامح فيه بالعادة، وفاقا للفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين و غيرهما، لعدم الغرر فتشمله الإطلاقات، بل الوجه الجواز أيضا فيما يكثر فيه التفاوت إذا أمكن ضبط صنف منه بالوصف الذي لا يؤدى الى عزة الوجود لذلك أيضا، و من هنا قال: في المسالك هنا «الضابط للصحة الانضباط الرافع لاختلاف المثمن، و لعل فيه إيماء الى ما ذكرناه سابقا، و دعوى- أن المعدود جميعه متفاوت تفاوتا لا يتسامح فيه، و لا يمكن ضبط صنف منه بالوصف الرافع للجهالة، و لا يؤدى الى عزة الوجود. فليس الا الكيل و الوزن العامان الذي لا عبرة بالعدد معهما- واضحة المنع من وجوه.

و على كل حال ف لا يجوز الإسلاف في القصب أطنانا و لا في الحطب حزما، و لا في المجزور جزا و لا في الماء قربا للاختلاف الذي لا يرفعه العد كما أومى إليه الصحيح السارق في الأخير، و منه يعلم وجه الصحة إذا فرض إمكان الضبط على وجه يرتفع به الاختلاف المزبور، و يقوم مقام المشاهدة في ذلك، من غير فرق بين الكيل و الوزن العامين و غيرهما. نعم قد يتوقف كما سمعت في خصوص ما لو كان الضابط شيئا معينا لا يؤمن بقاؤه إلى حين الوفاء، فيؤدي إلى التنازع،

ج 24، ص: 299

و الى الغرر الذي هو بمعنى الخطر، أما إذا كان الضابط مما يؤمن عليه ذلك لكثرة صنفه أو غير ذلك اتجه الجواز: لإطلاق الأدلة، فتأمل جيدا. ثم انه من المعلوم جواز ضبط ذلك كله بالوزن بل و بالكيل فيما يمكن أن يكال منه على وجه لا يتجافى في المكيال كما هو واضح. و الله اعلم.

و كذا لا بد أن يكون رأس المال مقدارا بالكيل العام أو الوزن كذلك إذا كان مما يعتبر فيه ذلك، و لا يجوز الاقتصار في ذلك على مشاهدته للغرر المنفي (1)في البيع الشامل للسلم و غيره، و حينئذ ف لا يكفى دفعه مجهولا كقبضة من دراهم و قبة من طعام و

نحو ذلك. خلافا للمرتضى فجوزه مكتفيا بالمشاهدة «و لا دليل يعتد به له، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا ما اعتبر المعلومية في الثمن من النصوص التي لا تحصل قطعا في نحو ذلك لا بهما. نعم يتجه الاكتفاء بالمشاهدة فيما لا يعتبر في بيعة غيرها، ضرورة عدم الفرق بين ثمن السلم و غيره في ذلك، فإطلاق المصنف حينئذ غير جيد ان لم ينزل عليه، كما هو واضح.

[الشرط الخامس تعيين الأجل ]

الشرط الخامس تعيين الأجل.

أي الأجل المتعين، ضرورة عدم اختصاص السلم بكون الأجل متعينا ف انه لو ذكر أجلا مجهولا فيه أو غيره من العقود التي يشترط فيها المعلومية كأن يقول متى أردت أو أجلا يحتمل الزيادة و النقصان كقدوم الحاج أو نحو ذلك مما يؤدى الى الجهالة كالدياس و الحصاد كان باطلا بلا خلاف أحده بيننا بل عن نهج الحق و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما دل على نفى الغرر و النبوي (2)في المقام كالنصوص المستفيضة(3)التي لا يقدح فيها أحصيه مواردها


1- 1 الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3 الدعائم ج 2 ص 19.
2- 2 الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد احمد حنفي.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب السلف.

ج 24، ص: 300

لعدم القائل بالفرق فلا بد حينئذ ان يكون المراد اشتراط أصل الأجل أو يكون هو ممن لا يشترط فيه، و حينئذ فالسلم عنده أعم من المؤجل و الحال، كما عساه يومي اليه قوله.

و لو اشتراه سلما حالا فإنه قيل يبطل لعدم الشرط المستفاد من إجماع الغنية و المحكي عن الشيخ و ظاهر التذكرة، و المحكي عن مجمع البرهان و الكفاية، و النسبة إلى الإمامية فيما عن نهج الحق و

النبوي (1)«من أسلف فليسلف في كيل معلوم إلى أجل معلوم»

و

خبر سماعة(2)«سألت عن السلم، و هو السلف في الحرير و المتاع الذي يصنع في البلد الذي أنت فيه قال: نعم إذا كان الى أجل معلوم»

و غيره بل قد اشتملت أكثر النصوص على ذكر الأجل و ان لم يكن في سياق اشتراطه الا انه لا ينكر ظهورها في ان المعروف من السلم المؤجل، بل لا ينكر انسياق التأخير فيه منه، خصوصا بعد ملاحظة أن مشروعيته للإرفاق بالمحتاجين، فيكون حقيقة في المؤجل مجازا في غيره، كما صرح به في التذكرة.

و قيل يصح سلما للأصل، بعد منع اعتبار الأجل في مفهومه، كما يومي اليه جعله شرطا عند من اعتبره فيه، و الانسياق المزبور انما هو للغلبة لا لمجازية و غيره، و الا لم يتم في الذي أجله يوم أو نصف يوم و نحوهما مما هو سلم حقيقة قطعا، إذ التحقيق عندنا عدم اعتبار كون الأجل له وقع في الثمن، للأصل و الإطلاق و غيرهما، خلافا لأحمد و الأوزاعي و أبى على فاعتبروه و اقله ثلاثة و لا دليل عليه كما انه لا دليل على تحديده في الكثرة، فمنع

من الثلاث سنين للنهى (3)عن بيعه سنين: المحمول على الكراهة عندنا، و على كل حال


1- 1 الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد احمد حنفي.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب السلف- الحديث- 4.
3- 3 الجامع الصغير ج 2 ص 192 طبع عبد الحميد احمد حنفي.

ج 24، ص: 301

فالمؤجل قليلا ليس بمنساق قطعا، و منه يعلم ما في الاستناد إلى الإرفاق الذي هو الحكمة في مشروعيته، بل لعل المراد من النبوي و ما شابهه ارادة بيان اعتبار المعلومية في الأجل، لا اعتبار أصل الأجل، و كان إطلاقه مبنى على غلبة الأجل في السلف، بل قلما يقع سلم بدونه، بل ان أرادوا الحال أوقعوه بيعا لا سلما، كل ذلك مع استبعاد اعتبار الأجل الذي مع اشتماله على الغرر، يمكن التوافق على إسقاطه في صحته.

بل هو إذا جاز في المؤجل ففي الحال أولى، كما أومئ اليه

صحيح ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترى الطعام من الرجل ليس عنده فيشترى منه حالا؟ قال: ليس به بأس، قلت: انهم يفسدونه عندنا قال: فأي شي ء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون فيه بأسا يقولون: هذا إلى أجل، فإذا كان الى غير أجل و ليس هو عند صاحبه فلا يصلح. فقال: إذا لم يكن أجل كان أحق به، ثم قال: لا بأس أن يشترى الرجل الطعام و ليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا، الا ان يكون بيعا لا يوجد، مثل العنب و البطيخ في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالا»

و نحوه آخر(2)بل ربما كان أظهر منه.

و لعله إليه أشار المصنف بقوله و هو المروي لكن بشرط أن يكون عام الوجود في وقت العقد و ان كان قد يناقش في إرادة جواز ذلك سلما منه الذي يمنعه أبو حنيفة و مالك و الأوزاعي، و يتوهم إرادتهم من لفظ الناس في كلام الراوي بإمكان إرادة مطلق الشراء حالا، بل هو الظاهر، و يكون المنع فيه لانه ليس عنده فيندرج فيما دل على المنع عنه (3)23110 بل كان الخبر صريح في ذلك، بل ربما كان في


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود- الحديث 1- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود- الحديث 1- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود الحديث 2 و 5.

ج 24، ص: 302

كلام السائل إيماء إلى اعتبار الأجل في السلم، اللهم الا ان يرجع

قوله عليه السلام «إذا لم يكن أجل الى آخره»

الى السلم، كما انه يمكن دعوى ظهور ذيله في التسوية بين الحال و المؤجل في كيفية البيع، مضافا الى إطلاق جملة من المعتبرة النافية للبأس عن السلم مع الضبط بالمقدار من دون تعرض للأجل، و لا ينافيها ذكرها في غيرها بعد ان كان المراد من بيانه الفرد المتعارف من السلف، خصوصا مثل النبوي الوارد(1)بلفظ الاستسلاف الذي هو حقيقة في المؤجل مثمنة، لا بيع السلم الذي هو عند الفقهاء الذي يقع من البائع مثلا بلفظ بعت و نحوه، فتأمل.

و على كل حال فظاهر المصنف الميل اليه كالفاضل في القواعد حيث انه في بحث اشتراط الأجل قال: «و الأقرب عدم اشتراط الأجل فيصح السلم في الحال، لكن يصرح بالحلول» في التحرير «و لا يشترط في المسلم فيه كونه مؤجلا و يصح السلم في الحال لكن ليصرح بالحلول، فإن أطلق فالوجه البطلان، سواء ذكر الأجل قبل التفرق أولا، و كذا الشهيد في اللمعة قال: «و الأقرب جوازه حالا مع عموم الوجود عند العقد» و أصرح منه ما في الدروس «الشرط الثالث ان يكون المسلم فيه دينا لانه موضوع لفظ السلم لغة و شرعا، فلو أسلم في عين كانت بيعا، و لو باع موصوفا كان سلما نظرا الى المعنى في الموضعين، و ليس المانع من السلف في العين اشتراط الأجل الذي لا يحتمله العين، لأن الأصح انه لا يشترط الأجل.

نعم يشترط التصريح بالحلول و عموم الوجود عند العقد، و لو قصد الحلول و لم يتلفظ به صح أيضا، و لو قصد الأجل اشترط ذكره، فيبطل العقد بدونه، و لو أطلقا العقد حمل على الحلول» و من الغريب بعد ذلك كله ما في جامع المقاصد حيث فسر عبارة القواعد السابقة، بإرادة وقوع البيع بلفظ السلم، قال: وجه القرب دلالته


1- 1 الجامع الصغير ج 2 ص 164 طبع عبد الحميد احمد حنفي.

ج 24، ص: 303

على المراد من البيع، لانه يؤدى معنى إيجابه كما سبق، لان السلم بيع لانه من جملة أفراده، فلا يكون استعمال لفظه في بيع آخر استعمالا أجنبيا الا انه يجب ان يصرح بالحلول، لان جزء مفهوم السلم التأجيل فلا بد من صارف يصرفه عن مقتضاه، و ذلك هو التصريح بالحلول.

و تبعه على ذلك ثاني الشهيدين في تفسير عبارة اللمعة، الا انه اعترف بعد ذلك بأن الظاهر منها و في الدروس و كثير ان الخلاف مع قصد السلم و ان المختار جوازه مؤجلا و حالا مع التصريح بالحلول، و لو قصدا بل مع الإطلاق أيضا، و يحمل على الحلول و كان الذي أو همهما ذلك حتى انهما فسرا العبارة بما يرجع الى النزاع في الصيغة المذكورة سابقا ما في المختلف، فإنه أجاب عما ذكره حجة للشيخ و ابني أبي عقيل و إدريس على اشتراط الأجل في السلم، من النبوي السابق و غيره، بانا نقول بموجبها، فانا نسلم وجوب ذكر الأجل مع قصد السلم، و ليس محل النزاع بل البحث فيما لو تبايعا حالا بحال بلفظ السلم، ضرورة ظهوره في ان ذلك ليس محلا للنزاع، بل انما هو فيما يرجع الى الصيغة.

لكنك خبير بما فيه بل المحكي عن الشيخ و ابني أبي عقيل و إدريس صريح في ان المراد اشتراط الأجل، و انه يبطل كونه سلما، كما ان العبارات السابقة صريحة في خلافه، و ان نظر هم في تلك العبارات اليه، فلا داعي إلى تأويل الجميع بما هو مقطوع بفساده عند التأمل، خصوصا بعد ما عرفت من قوة القول بعدم اشتراط الأجل فيه، و أنه يصح سلما فيعتبر فيه حينئذ القبض في المجلس و غيره مما يعتبر فيه. و المراد بالتصريح بالحلول ما يشمل اتفاقهما عليه ضرورة عدم مدخلية اللفظ في ذلك.

بل قد عرفت ما في الدروس و الروضة من الصحة مع الإطلاق المحمول على

ج 24، ص: 304

قصد الحلول، و ان كان قد يناقش فيه بالفرق بين السلم و غيره في ذلك باعتبار غلبة تعارف استعماله في المؤجل، فيشكل تنزيل إطلاق عقدة عليه مع فرض خلوهما عن قصد الحلول، اللهم الا ان يراد به وقوع الإطلاق المعلوم فيه عدم إرادة التأجيل و لا الحلول فان التنزيل حينئذ على الحلول شرعي باعتبار تسبيب العقد الملك حال وقوعه فيستحق عليه حينئذ المطالبة و الأداء، لا عرفي فلا مدخلية لغلبة الاستعمال و عدمها فيه، فتأمل جيدا، و اما اعتبار عموم الوجود فيه فمرجعه الى.

[الشرط السادس ان يكون وجوده غالبا وقت الحلول ]

الشرط السادس و هو ان يكون وجوده اى المسلم فيه غالبا بحسب العادة وقت الحلول، و لو كان معدوما وقت العقد لصدق القدرة على التسليم بذلك، إذا العاديات بمنزلة الموجودات، فلا تقدح المعدومية وقت العقد، و ان كان مقتضى الاستصحاب بقاؤها، بل الظاهر أن ذلك ليس من ملك المعدوم في شي ء، ضرورة أن الحاصل بالعقد أنه يملك عليه ذلك، فهو أشبه شي ء بالخطاب التعليقي الذي لا قبح فيه، و منه يظهر الفرق بين ملك المعدوم، و المضمون في الذمة، كما أنه لا فرق بين السلم و غيره في جواز المعاوضة على المعدوم في وقت العقد الموجود في غيره، إذا كان مورده الذمة، فلا بأس بوقوع ذلك ثمنا لمبيع و نحوه، بل الظاهر أن مرجع هذا الشرط إلى القدرة على التسليم الذي لا فرق فيها بين السلم و غيره، و لذا عبر عنه في الدروس به، فقال: السادس القدرة على التسليم عند الأجل فلا يضر العجز حال العقد و لا فيما بينهما، و نحوه عن الكفاية، و في التذكرة «البحث الرابع إمكان وجود المسلم فيه، مسألة يشترط كون المسلم فيه مسألة يشترط كون المسلم فيه موجودا وقت الأجل ليصح إمكان التسليم فيه، و هذا الشرط ليس من خواص السلم بل هو شرط في كل مبيع» و ليس مراده من الإمكان الذي عبر به هنا و في القواعد مجرد الاحتمال قطعا، بل المراد إمكان وجوده عادة، فإن الممكن وجوده عادة هو الذي لا يعز وجوده

ج 24، ص: 305

و من هنا فرع عليه «انه لو أسلم في منقطع عند الحل كالرطب في الشتاء لم يصح، و كذا لو أسلم فيما يندر وجوده، و يقل وقت الأجل حصوله، كالرطب أول وقته، لتعذر حصول الشرط، و لو غلب على الظن وجوده وقت الأجل، لكن لا يحصل إلا بمشقة عظيمة كالقدر الكثير من الرطب في الباكورة، فالأقرب الجواز، لإمكان التحصيل عند الأجل، و قد التزمه المسلم اليه، خلافا لأكثر الشافعية» الى آخره و ظاهر الجميع ما قلناه.

و في مفتاح الكرامة «ان الخلاف و السرائر و المبسوط و التذكرة في موضع منها و التحرير و نهج الحق عبروا عنه بكونه مأمون الانقطاع، و زيد فيما عدا الأولين كونه عام الوجود، و في الخلاف الإجماع على ذلك، و في التحرير نفى الخلاف عن الأولين، و في نهج الحق ان ذلك مذهب الإمامية».

و فيه ان ما حضرني من هذه الكتب لم يعبروا بذلك في بيان الشرطية لأصل السلم بل ذكروا ذلك في السلف في خصوص المعدوم، للرد على ابى حنيفة، و ستسمع عبارة التحرير و نهج الحق و السرائر و غيرها، و في التذكرة بعد ان ذكر الشرط بالعبارة التي سمعتها قال: «مسألة يجوز السلم في كل معدوم ان كان مما يوجد غالبا في محله، و يكون مأمون الانقطاع في أجله»، ثم ذكر خلاف أبي حنيفة و ضعفه. نعم في الوسيلة «انما يصح السلف إذا اشتمل على تسعة شروط، وصف المبيع، و بيان النوع، و المقدار بالشي ء المعلوم، و بيان الأجل، و ان يأمن انقطاعه المسلف فيه عند محله، و عام الوجود، و تعيين موضع التسليم ان كان لنقله اجرة، و مشاهدة رأس المال أو وصفه، و تبيين مقداره و قبضه قبل التفرق» و يمكن ان يريد بعام الوجود سنته.

و كيف كان فالمراد على تقدير التعبير عنه بذلك ما ذكرناه أيضا، ضرورة كون المأمون انقطاعه الذي يعتاد وجوده، بل كان من أردفه بعموم الوجود أراد تفسيره بذلك، فيرجع الجميع الى معنى واحد، و لذا قال: في التحرير «يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول

ج 24، ص: 306

بلا خلاف» و كان الغرض من التعرض الى هذا الشرط الذي لا يختص بالسلم الرد على الثوري و الأوزاعي و ابى حنيفة الذين لم يجوزوا السلم في المعدوم، و انه يجب ان يكون جنسه موجودا حال العقد الى حال المحل، محتجين بان كل زمان من ذلك يجوز أن يكون محلا للمسلم فيه، بان يموت المسلم اليه فيعتبر وجوده فيه كالمحل، و هو واضح البطلان، بل قول الأصحاب و ان كان معدوما وقت العقد كالصريح في التعريض به، و من هنا قال في كشف الحق. «ذهبت الإمامية إلى جواز السلف في المعدوم إذا كان عام الوجود وقت الحلول.

و قال أبو حنيفة: لا يجوز الا ان يكون جنسه موجودا في حال العقد و الحلول و ما بينهما» الى آخره و هو كالصريح في ان المراد ما ذكرنا.

و في السرائر لم يذكر ذلك في شرائط السلم، و انما قال بعد الفراغ من جملة من احكامه: «و يجوز السلف في المعدوم إذا كان مأمون الانقطاع» و قال في المقنعة باب البيع المضمون: «و من ابتاع شيئا معروفا بالصفات كان ذلك ماضيا و ان لم يكن الشي ء حاضرا وقت الابتياع، فإذا ابتاعه على ما ذكرناه كان في ضمان البائع حتى يسلمه الى المبتاع، (الى أن قال) و لا يصح بيعه مشترطا من أصله، و لا بأس ببيعه مطلقا بغير اشتراط و المشترط من أصله بيع الحنطة من أرض مخصوصة، و الثمرة من شجرة بعينها، و السخولة من غنم على حيالها و الزيت من الزيتون الفلاني، و الدهن من السمسم المعين، و الثوب من غزل امرأة مسماة، لان ذلك ربما خالف الصفة، بل هو غير مضمون لجواز فوته، و لا بأس ببيع ذلك مطلقا من غير اضافة الى أصل مخصوص من بين الأصول، بعد ان تميزه بالصفات» الى آخر الباب.

و ليس في شي ء من كلامه تعرض لعموم الوجود و كذلك الشيخ في النهاية، بل ظاهر إطلاق كلامهما عدم ذلك، و نصهما على المنع مع اشتراط التعيين في الأرض بعد تعليلهما ذلك بعدم ضمانه ليس مبناه ذلك قطعا كما هو واضح. و كيف كان فمن الغريب تخيل المخالفة من عبارتي القواعد و الدروس لما عند الأصحاب حيث اكتفيا بالإمكان

ج 24، ص: 307

و القدرة، و هما أعم من عموم الوجود و غلبته و اعتياده.

و فيه ما عرفت من ان المراد بالإمكان ذلك- و أما القدرة فهي أوضح في هذا المعنى منه، ضرورة عدم إحرازها في غير العاديات التي لم يعلم حصول القدرة عليها، للشك في أصل وجودها المقتضى للشك في القدرة عليها الذي هو معنى الغرر المنهي عنه، مع انه قد صرح في الدروس بأنه لو أسلم فيما يعسر وجوده عند الأجل مع إمكانه، كالكثير من الفواكه في البواكير، فان كان وجوده نادر بطل، و ان أمكن تحصيله لكن بعد مشقة فالوجه الجواز مع إمكانه، و يحتمل المنع لانه غرر.

و كيف كان فلا ريب في اعتبار هذا الشرط بناء على ذلك إذ صحيح عبد الرحمن (1)و الإجماع

بقسميه و أدلة الغرر(2)و غيرها حجة عليه أما إذا أريد منه أمر زائد على ما في البيع، و انه لا يجوز السلم فيما يجوز نقله بغيره مما لم يكن عام الوجود و غالبه، كما عساه يوهمه ظاهر بعض العبارات، و بعض الفروع المذكورة، فلا أجد دليلا عليه بل إطلاق الأدلة يقضي بخلافه بل شدد النكير المقدس الأردبيلي على اشتراط هذا الشرط، و ادعى ان موثقة عبد الرحمن المتقدمة سابقا دالة على خلافه، بل و

صحيح زرارة(3)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال لا بأس ان خرج فهو له، و ان لم يخرج كان دينا عليه».

و

خبر خالد بن الحجاج (4)عن الصادق عليه السلام أيضا «في الرجل يشترى طعام قرية بعينها و ان لم يسم له طعام قرية بعينها أعطاه حيث شاء»

و كان في الخبر سقطا الا انه لا يقدح في الاستدلال، قلت: بل و

خبر الكرخي (5)، عن أبى عبد الله عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود- الحديث- 3.
2- 2 الوسائل الباب- 40- من أبواب آداب التجارة- الحديث- 3.
3- 3 الوسائل الباب- 13- من أبواب السلف الحديث- 1.
4- 4 الوسائل الباب- 13- من أبواب السلف الحديث- 3.
5- 5 الوسائل الباب- 13- من أبواب السلف الحديث- 2.

ج 24، ص: 308

«كل طعام اشتريته في بيدر أو طسوج (أي ناحية) فأبى الله عليه، ليس للمشترى الا رأس ماله، و من اشترى من طعام موصوف و لم يسم فيه قرية و لا موضعا فعلى صاحبه أن يؤديه»

و الجميع كما ترى منافية للشرط المزبور الذي قد عرفت خلو جملة من العبارات عنه على هذا النحو المذكور في كلام بعض المتأخرين.

و في الغنية «و أما السلم فشرائطه الزائدة التي تخصه أربعة، ذكر الأجل المعلوم، و ذكر موضع التسليم، و أن يكون رأس المال مشاهدا، و أن يقبض في مجلس العقد، بدليل الإجماع من الطائفة، و لانه لا خلاف في صحته مع تكامل هذه الشروط، و لا دليل على ذلك إذا لم تتكامل» و هو كما ترى قد نفى الخلاف عن الصحة مع هذه الشروط التي ليس منها عموم الوجود فعلم ان مرجعه إلى القدرة على التسليم التي لا فرق فيها بين السلم و غيره.

و مما يؤكد ذلك أنه بناء على هذا الشرط و أنه غير القدرة على التسليم ينبغي بطلان السلم فيما اتفق انحصاره في بعض الناس من غلة أو قهوة أو إبل أو غنم أو عبيد أو غير ذلك، و ان كان الموجود فعلا عنده كثيرا فليس له أن يبيع شيئا منه مضمونا حالا منه، أو على أنه سلم أو مؤجلا بساعة مثلا، لاشتراط عموم الوجود و الفرض انتفاؤه، و البديهية تقضى بفساد ذلك، كاقتضائها فساد دعوى بطلان السلم في غلة بلد بعيدة عن بلد العقد لا يعتاد النقل منها اليه، مع أنك قد سمعت ما في الدروس من الصحة مع قصد البلد، بل الظاهر الصحة و لو شرط التسليم في بلد العقد، و عدم عموم وجوده فيه غير قادح بعد أن كان عاما في بلده، فينقله حينئذ منها مقدمة للتسليم، و لو صرح باشتراط النقل كان أوضح في الصحة.

نعم يتجه البطلان فيما لو أسلم في غلة لا توجد إلا في بلد بعيدة لا يعتاد النقل منها على أن يكون المراد هذه الغلة في هذا البلد، ضرورة عدم القدرة على التسليم و لا يكفى وجودها في تلك البلاد، و لانصراف عقد السلم عرفا في غلة بلد العقد و ما

ج 24، ص: 309

قاربها مما يتعارف النقل منها لا مثل ذلك، و لذا لا يكلف النقل من أمثال ذلك في الآفة مع المشقة و البعد المفرط، و من ذلك كله يظهر لك ما تسمعه من الروضة، بل كان شبه التدافع بين أول كلامه و ذيله، الا ان يريد بالبلد التي اشترط التسليم فيها ما كانت من بلاد المسلم فيه، فيتفق حينئذ كلاما، بل لعله بذلك يرجع الى ما ذكرناه كغيره من كلام الأصحاب، و ستسمع عبارة التذكرة و غيرها في آخر البحث فتأمل جيدا.

و من ذلك كله يظهر لك ان ما ذكروه سابقا من أنه لا يجوز الاستقصاء في الوصف المؤدي الى عزة الوجود مرجعه الى ذلك عند التأمل، و ان عللوه بأن عقد السلف مبنى على الغرر، لانه بيع ما ليس بمرئي، فإن كان عزيز الوجود كان مع الغرر مؤديا إلى التنازع و الفسخ، فكان منافيا للمطلوب من السلف مع أنه يمكن إرجاعه الى ما قلناه.

و في المحكي عن الإيضاح تعليله بأنه لما جل جناب الحق جل شأنه عن التكليف بما لا يطاق، و اقتضت حكمته البالغة عدم خرق العادات غالبا بمجرد ما يرد على العبد من تناقض الإرادات، أبطل السلم فيما يؤدى الى أحدهما قطعا، و ما تجدد أدائه تجدد بطلانه، قال: فظهر من ذلك أن ما يعز وجوده لا يصح السلم فيه، و بقي ما لا يعز، لكن وجوده أقل في الأغلب لاستقصاء الصفات و الأقرب فيه الصحة لعدم استلزامه المحال مع إمكانه في نفسه، و جواز ثبوته في الذمة، لوجود المقتضى و هو عقد البيع، و انتفاء المانع و هو عزة الوجود، ثم احتمل بطلانه.

قلت: لا ريب في ضعف الاحتمال إذا كانت القلة بحيث لا تعد المعاملة معها سفها، و منه يعلم ما في القواعد من أن الأقرب جواز اشتراط ما لا يعز وجوده، و ان كان استقصاء كالسمن و الجودة، ان كان مراده البطلان بغير الأقرب. و من هنا قيل أن غير الأقرب الوجوب. و ان كان فيه أنه مساو للاول في الضعف، أو أضعف إذا فرض

ج 24، ص: 310

عدم توقف المعلومية عليه كما هو واضح.

و كيف كان فالظاهر ان مرجع المنع في عزة الوجود الى فقد هذا الشرط معها لا انه، أمر آخر زائد على ذلك، لعدم الدليل إلا الإجماع المحكي الظاهر في انه هو الإجماع الذي حكى على هذا الشرط، و قد عرفت أن مرجعه إلى القدرة على التسليم التي لا يطمأن بها إلا في معتاد الوجود، بل لا تخرج المعاملة عن كونها سفهية إلا بنحو ذلك نعم قد اعتبر في الروضة غلبة وجوده في البلد الذي اشترط تسليمه فيه أو بلد العقد حيث يطلق بناء على انصرافه اليه عند الإطلاق، أو فيما قاربهما بحيث ينقل إليهما عادة، فلا يكفى الوجود فيما لا يعتاد نقله في غرض المعاملة، بل ينقل هدية و نحو ذلك، ثم ذكر أنه لو عين غلة بلد لم يكف وجوده في غيره و ان اعتيد نقله اليه، و لو انعكس بأن عين غلة غيره مع لزوم التسليم شارطا نقله اليه فالوجه الصحة، و ان كان يبطل مع الإطلاق، و الفرق ان بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر، و المعتبر هو بلد المسلم فيه.

و كأنه أخذ ذلك مما في الدروس قال: «و لا يكفى وجوده اى المسلم فيه في بلد لا يعتاد نقله اليه الا نادرا كالهدية، و لو عين بلدا لم يكف وجوده في غيره و ان اعتيد نقله، الى ان قال: لو شرط نقل الفاكهة من بلد بعيدة الى بلده قبل وجودها في بلده صح، و ان كان يبطل مع الإطلاق، و لا يجب عليه السعي فيها، و الفرق بينه و بين البواكير أنها مقصودة عند العقد بخلاف تغاير البلدين، و لو فرض قصد ذلك البلد صح.

و على كل حال فقد يتوهم منه أمر زائد على القدرة على التسليم المشترطة في البيع، ضرورة ان المدار فيها على صدقها من غير مدخلية لبلد التسليم و غيره فيجب عليه حينئذ نقله اليه ان لم يكن فيه مقدمة لتسليمه فيه، لا ان الوجود فيه مقدمة لوجوب دفعه، لكن قد عرفت فيما مضى احتمال ارادته ما لا ينافي ما ذكرناه، مع انه قد

ج 24، ص: 311

يؤيده ما في التذكرة قال: «يجوز ان يسلم في شي ء ببلد لا يوجد ذلك الشي ء فيه، بل ينقل اليه من بلد آخر لإمكان التسليم وقت الأجل، و كان سائغا كغيره، و لا فرق بين ان يكون بعيدا أو قريبا، و لا ان يكون مما يعتاد نقله إليه أولا، و لا يعتبر مسافة القصر هنا، و هو قول بعض الشافعية، و قال بعضهم ان كان قريبا صح و ان كان بعيدا لم يصح، و قال:

آخرون ان كان مما يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة لا في معرض التحف و الهدايا و المصادرات صح السلم و الا فلا، أما لو أسلم في شي ء يوجد غالبا في ذلك البلد وقت الحلول، فاتفق انقطاعه فيه و أمكن وجوده في غيره من البلاد، فهل يجب على البائع نقله، الأقرب ذلك مع انتفاء المشقة و عدم البعد المفرط، و لا عبرة بمسافة القصر و لا إمكان الرجوع من يومه، الا انه لا يخفى منافاته لأول فروع الروضة إلا مع التأويل.

و في التنقيح «لو كان يوجد في بلد آخر لم يجب نقله، لا مع المشقة و لا مع عدمها إذا كان قد عين البلد، و الا وجب فتأمل جيدا، فإن المسألة من المشكلات»، و كان منشأ الوهم فيها تلك العبارة التي وقعت للرد على ابى حنيفة في السلف في المعدومات، و لكن ينبغي ان يعلم انه لو ذكر بلد المسلم فيه على وجه يكون من صفاته لم يكف وجوده في غيره، و كذا لو أطلق و كان الإطلاق منصرفا الى ذلك على هذا الوجه، اما إذا كان استحقاق السلم من حيث الدينية، و كان قد اشترط بلدا مخصوصة، أو كان إطلاق العقد مقتضيا ذلك، فلا يعتبر وجوده في ذلك البلد، بل يكفي الإتيان بالكلي الثابت في الذمة على وصفه من اى بلد كان، من غير فرق بين بلد العقد و غيره، و لعل هذا مراد ثاني الشهيدين إذا لم يكن ثم عرف أو قرينة تقتضي ارادة غلة بلد السلم على وجه الوصفية، و لو لجهل بحالها و الله العالم.

و كيف كان ف لا بد ان يكون الأجل الذي قد عرفت وجوب تعيينه و أنه لا يجوز ان يكون محتملا للزيادة و النقصان معلوما للمتعاقدين مصداقه فلا يكفى انضباطه في نفسه و ان احتمل، الا أنه واضح الضعف، للغرر، و انسياق العلم

ج 24، ص: 312

عندهما مما اعتبر معلوميته من النص و معقد الإجماع و غيرهما، فلا يجوز التأجيل بالنيروز بانتقال الشمس الى برج الحمل المسمى بالنيروز، أو برج الميزان المسمى بالمهرجان، و بفصح النصارى و هو عيد من أعيادهم كالسعانين و الفطير اللذينهما عيدان، من أعياد أهل الذمة، و لا بالأشهر الفرسية كتير ماه أو مرداد ماه، و الرومية كحزيران و تموز، أو غير ذلك، إلا إذا كان يعلمان ذلك مفهوما و مصداقا حتى ترتفع الجهالة.

و لعل إطلاق الفاضل في التذكرة و القواعد جواز ذلك محمول على صورة علمهما، و ان كان قد يوهم بعض عبارات الأول خلاف ذلك، لكن يقوى ان مراده الرد على بعض من أطلق المنع من العامة كما يومئ ذكره بعد ذلك اعتبار علم المتعاقدين و عدمه، و ربما ظهر من بعض عباراته التوقف في ذلك، و التحقيق ما ذكرنا. و لا يرد عليه التأجيل بالشهر الهلالي الذي لم يعلم نقيصته و تماميته، للتسامح العرفي في ذلك و عدم عد مثله جهالة عندهم.

و إذا قال: الى جمادى حمل على أقربهما، و كذا الى ربيع، و كذا الى الخميس و الجمعة بلا خلاف أجده في الأخيرين، بل و لا اشكال معتد به فيه في العرف، و كان التعريف فيهما و أشباههما للعهديه، كما ان المجرد منهما من أسماء الأشهر كرمضان و شعبان كذلك أيضا في الحمل على الأقرب، أما ربيع و جمادى فظاهر التذكرة عدم حملهما على الأقرب، و لعله لتخيل الاشتراك اللفظي، و فيه منع واضح، ضرورة أنهما من المشترك المعنوي، إذ معنى الأول كل ثلاثين بين صفر و جمادى في كل سنة و الثاني كل ثلاثين بين ربيع الثاني و رجب في كل سنة، فهما حينئذ كخميس و جمعة لليوم المخصوص من كل أسبوع، و من هنا ساوى بعضهم بين الجميع في الصحة و البطلان، و قد عرفت ان الفهم العرفي على التنزيل على الأقرب في الجميع و ان اختلفا في مرتبة الظهور، و هو العمدة لا التعليق على الاسم الصادق بحصول الأقرب، لعدم رجوعه بعد التأمل إلى محصل يعتمد عليه.

ج 24، ص: 313

و تظهر ثمرة الحمل فيما لو ماتا و لم يصرحا بالقصد، أو فيما إذا اختلفا بعده فيه فإنه يقدم مدعى الأقرب، بل تظهر أيضا فيما إذا أوقعا العقد غير مستحضرين الأقرب إلا انهما من أهل العرف اللذان يحملانه عليه لو سمعاه، فإنه يحكم بصحة العقد و يحمل على الأقرب، لأن عدم الاستحضار ليس جهالة. نعم لو لم يعلما العرف و أوقعا العقد معتمدين على السؤال عنه بعد ذلك، اتجه البطلان، لما عرفت من أن المدار في رفع الغرر علمهما بذلك، لا مضبوطيته في الواقع، كما هو واضح فتأمل جيدا و الله أعلم.

و يحمل الشهر عند الإطلاق على عدة بين هلالين مع الإمكان كما إذا وقع العقد فيما يقال عليه عرفا أنه أول ليلة الهلال بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهرهم انه المعنى الحقيقي للشهر، بل هو المراد مما في التذكرة من أن الشهر الشرعي ما بين الهلالين، إذ من المعلوم عدم الحقيقة له شرعا، نعم لو تعذر إرادة الهلالي للقرينة أو كان العقد في الأثناء إلى شهر و الفرض اتصال الأجل بالعقد حمل على الثلاثين يوما لانه المنساق بعد تعذر الحقيقي، فليس هو من المشترك لفظا بينهما لأصالة عدمه، و لا من المشترك معنى، لعدم القدر المشترك بينهما بحيث يطمئن بوضعه لهما، و الاكتفاء بكل منهما في نحو من أقام ستة أشهر، أو إذا قال السيد لعبده أقم في هذه البلاد شهرا أو غير ذلك يمكن أن يكون لظهور ارادة عموم المجاز كاليوم المنكسر في إقامة عشرة أيام، المعلوم انه مع التلفيق ليس يوما حقيقة، كمعلومية بطلان عدم اعتباره أو احتسابه يوما فليس الا التلفيق، مع دعوى كون المراد من العبارة ما يشمله، و لو من عموم المجاز فتأمل جيدا.

نعم قد يناقش في الفرض بمنع انسياق الثلاثين منه، ضرورة صدق الشهر على ما إذا أكمله بقدر الفائت من الشهر المقبل نصفا أو ثلثا أو غيرهما كما تسمعه فيما لو كان الأجل شهرين فصاعدا و كان العقد في أثناء الأول، و دعوى اختصاص النزاع فيه دونه

ج 24، ص: 314

كما هو ظاهر الثاني الشهيدين و غيره، بل لعله ظاهر المتن أيضا لا مستند لها، كما لا يخفى على من لاحظ أدلة الطرفين في المسألة الاتية فتأمل. اللهم الا ان يقال ان ظاهر الشهرين كونهما على نسق واحد، فإذا كان أحدهما هلاليا نطقا لإمكانه وجب تلفيق الثاني كذلك، بخلاف الشهر الواحد المنكسر.

و لو قال المتعاقدان في بيان الأجل إلى شهر كذا و كان زمان فاصل بينه و بين ما جعله غاية حل بأول جزء من ليلة الهلال، نظرا الى العرف في خروج الغاية هنا، و ان المراد كون غاية التأخير دخول رجب مثلا اما إذا قال الى شهر و أبهم فالعرف قاض بأن المراد مضى شهر لا الشروع في مسمى الشهر القاضي بعدم الأجل للسلم حينئذ، ضرورة تحقق ذلك بأول لحظة متصلة بالعقد، و ليس مبنى الفرق في هذا الفهم العرفي أن الشهر المبهم اسم لمجموع المدة، فلا يتحقق الا بعد مضيها، بخلاف رجب الذي يتحقق بأول جزء منه، إذ فيه أن رجب أيضا مجموع المدة.

نعم قد يقال ان مبناه ما أشرنا إليه من انه لو كان المراد به ما يراد به من المعين كان السلم بلا أجل، و الفرض ارادة المؤجل قطعا، و منه ينقدح وجه الصحة فيما لو فرض التأجيل بالمعين على نحو ذلك، كما لو قال: الى رجب و هو في أول رجب، فيحمل حينئذ على ارادة مضى رجب، و ان كان قد يناقش فيه أولا بأنه لا مانع فيه من حمله على الحلول، بناء على وقوع السلم كذلك، و على القول بعدمه يتجه البطلان كما في المسالك بفقد شرط الصحة، و مخالفة الظاهر لتحصيل حكم شرعي غير لازم، لان البطلان شرعي أيضا، و لو قال محله في شهر كذا أو في يوم كذا بطل، وفاقا للفاضل و الكركي و غيرهما، للجهالة بعدم التعيين، اللهم الا أن يدعى التسامح في ذلك كالتسامح في تمامية الشهر و نقصانه، أو يدعى الحلول بأول جزء منهما، كما لو جعلا غاية كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ و خلافه، و فيه منع فهم العرف ذلك كمنع المساواة بين التسامحين خصوصا في الشهر، و لو قال: إلى أول الشهر أو آخره ففي

ج 24، ص: 315

القواعد احتمل البطلان، لأنه يعبر به عن جميع النصف الأول و النصف الأخر، و فيه أنه مجاز، و الحقيقة أول جزء منه و آخره فالوجه الصحة كما إذا لم يذكر الأول و الله أعلم.

و لو قال الى شهرين مثلا و كان العقد في أول الشهر عد شهرين أهلة لما عرفت من أنه المعنى الحقيقي و إرادته ممكنة، و ان كان قد أوقع العقد في أثناء الشهر احتسب الثاني هلاليا لإمكانه و أتم من الثالث بقدر الفائت من شهر العقد نصفا أو ثلثا أو نحوهما، حتى لو كان ناقصا كفى إكمال ما يتم به تسعة و عشرون يوما لان النقص جاء في آخره، و هو من جملة الأجل، و الثابت من الأول لا يختلف بالزيادة و النقصان، و بذلك يكون الشهران هلاليين، و هو ظاهر اللمعة و عن المبسوط انه قواه، و لعله للصدق عرفا بذلك، و لأنه أقرب إلى مراعاة الحقيقة فيما بقي و فيما مضى و قيل و القائل الأكثر كما في المسالك يعتبر ما عدا الأول هلاليا لإمكانه و اما هو ف يتمه من الثالث ثلاثين يوما لانه المنساق بعد تعذر الهلالي حقيقة، ضرورة اقتضاء مراعاته اطراح المنكسر فيتأخر الأجل عن العقد، فيتعين اعتباره عدديا، و لا يقدح إتمامه من الشهر المتأخر، دون الذي يليه محافظة على إبقاء الهلالي حقيقة فيه. و لأن الإكمال صادق سواء أكمل من الذي يليه أم من غيره، الا ان الإكمال مما يليه مقتض لاختلال الهلالي في الآخر مع إمكانه، فيتعين الثاني و لا محذور فيه، بعد أن كان جميع الأجل بحكم واحد، فلم يكن المتخلل لشي ء آخر فتأمل.

و لذلك و غيره قال المصنف و هو أشبه وفاقا للفاضلين و الشهيدين و المحكي عن المبسوط و غيره، لكن زاد في الاستدلال في المسالك بأن الأجل إذا كان ثلاثة أشهر مثلا فبعد مضى شهرين هلاليين و ثلاثين يوما ملفقة من الأول و الرابع يصدق انه قد مضى ثلاثة أشهر عرفا، فيحل الأجل و الا كان أزيد من المشترط و بأنه إذا وقع

ج 24، ص: 316

العقد في نصف الشهر مثلا و مضى بعده شهران هلاليان يصدق انه مضى من الأجل شهران و نصف، و ان كانت الثلاثة ناقصة، و هذا أمر ثابت في العرف حقيقة، فيكفي إكمالها خمسة عشر يوما لصدق الثلاثة معها، و فيه انه لم يظهر لنا وجه معتد به لتغيير المثال بالشهرين إلى الثلاثة مع انهما سواء في الصدق العرفي، و قوله (و الا) الى آخره لا يتم في نفى احتمال اعتبار إتمامه هلاليا، ضرورة عدم اقتضائه أزيد من المشترط كما هو واضح، و ظاهر القائل باعتباره ثلاثين يوما عدم اكتفائه بالنصف الناقص، و من هنا كان يلزم على هذا القول انه لو جعل الأجل ثلاثة أشهر مثلا و وقع العقد في صفر بعد مضى ساعتين و جاء ناقصا، فإنه يكمل من جمادى الاولى يوما و ساعتين فيحصل من ذلك ثلاثة أشهر هلالية زائدة يوما و ساعتين و العرف واضح الصدق بدون ذلك.

و اما القول بانكسار الجميع الذي نفى عنه البعد في المختلف بل حكى عن أحد قولي المبسوط، فهو و ان احتج له بأن الأيام الباقية من الشهر المنكسر اما ان لا تحسب من أحدهما أو من الثاني و كلاهما محال، فليس الا احتسابها من الأول، و حينئذ لا يعقل دخول الثاني حتى يتم الأول مما يليه فينكسر حينئذ و هكذا، لكن قد يناقش فيه أولا بعدم اعتبار الهلالي في الممكن منه، و قد عرفت ما يعين التلفيق من الأخير، و أنه لا محذور فيه، و ثانيا بأنه تقتضي بناء على اعتبار الجميع ثلاثين يوما زيادة ثلاثة أيام مثلا لو فرض كون الأجل ثلاثة أشهر و اتفق نقصانها، اللهم الا ان يريد انكسارها جميعا و اعتبارها هلالية بإتمام كل منهما بقدر الفائت منه.

و فيه حينئذ منع صدق تمام الشهر عرفا لو كان ناقصا بإتمامه أربعة عشر يوما و نصف من الشهر الأخر، و من ذلك ينقدح الضعف في القول الأول، و لعل القول بإتمامه هلاليا بأن يؤخذ نصف الهلالي الثاني مكملا به الشهر الأول و ان كان ناقصا أولى في الصدق العرفي الا انه لما كان الثاني غير معلوم هلاله ناقصا أو تاما، و كان الأصل عدم خروج الهلال و الأصل عدم الحلول، وجب الاقتصار في نصفه قبل ان يتبين على الخمسة عشر، و هكذا

ج 24، ص: 317

الثلث و الربع، و نحوه لو كان الأجل نصف الشهر المعين.

و من ذلك كله يظهر لك ان الاحتمالات خمسة أو أزيد. و بعضها أقوال، و لعل الاولى من ذلك الإحالة على أقل ما يصدق عليه العرف و ربما اختلف فتأمل جيدا و الله اعلم، و لو قال الى يوم الخميس، حل بأول خميس و أول جزء منه لما عرفته سابقا إذ لا فرق بينه و بين الشهر المعين و كيف كان ف لا يشترط في صحة السلم ذكر موضع التسليم على الأشبه الأشهر بل المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا و لو كان في حمله مؤنة و لو كان العقد في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته، لإطلاق الأدلة الواردة في معرض البيان المؤيدة بعدم ظهور مانع سوى تخيل تفاوت الأغراض بذلك، تفاوتا يختلف فيه الثمن في الجميع أو في بعض الأحوال و هو واضح الفساد، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الاشتراط إذا لم يكن عدمه مؤديا إلى جهالة في الثمن و المثمن.

و من هنا لم يجب الاستقصاء في الوصف و ان اختلف الثمن به و لا ريب في عدم الجهالة عرفا بترك ذكر موضع التسليم، إذ هو أمر خارج عن المبيع فالمكان حينئذ كالزمان لا يجب التعرض له في رفع الجهالة، و الا لوجب في النسيئة و نحوها، و دعوى الخروج بالإجماع كما ترى، و له المطالبة به حيث شاء، الا إذا كان هناك عرف يقتضي الانصراف الى مكان مخصوص فيتبع حينئذ. إذ هو حينئذ كالمشروط كما هو ظاهر الأصحاب في المقام، و نحوه من العقود التي تنصرف إلى إرادة التسليم في بلد العقد و ان كان للنظر فيه مجال، خصوصا إذا كان قد وقع العقد مؤجلا، و في مكان من قصدهما أو قصد أحدهما مفارقته.

و على كل حال فذلك بحث آخر خارج عما نحن فيه، فلا يقال انه لا ينافي القول بالاشتراط المبنى قطعا على عدم الانصراف، ضرورة انه غير متجه بناء على الانصراف، لارتفاع الجهالة المقتضية للاشتراط بذلك، إذ الظاهر أن القول بالعدم ليس مبناه الانصراف الذي قد يفقد، كما إذا كانا في مكان من قصدهما مفارقته أو غير ذلك، بل

ج 24، ص: 318

مبناه ما ذكرنا من عدم قدح مثل هذه الجهالة بعد أن لم تكن في الثمن و المثمن فتأمل.

و كيف كان فقد ظهر لك ضعف القول باشتراطه مطلقا الذي اختاره في الدروس، بل نسبه بعضهم الى الخلاف، و ان كان المحلى من عبارته غير ظاهرة في ذلك قال:

«إذا كان السلم مؤجلا فلا بد من ذكر موضع التسليم، فان كان في حمله مؤنة فلا بد من ذكره، الى ان قال: الصحيح أنه يجب ذكر الموضع و المؤنة. دليلنا طريقة الاحتياط لأنه إذا ذكر الموضع و المؤنة صح السلم بلا خلاف، و إذا لم يذكرهما لا دليل على صحة هذه» و في التحرير نسب اليه ما عن المبسوط الذي قواه الكركي من التفصيل بين ما يكون لحمله مؤنة فيجب، أولا يكون كذلك فلا يجب. و وجهه كسابقه، و جوابه يظهر مما ذكرنا، بل في السرائر انه لم يذهب إليه أحد من أصحابنا، و لا ورد به خبر عن أئمتنا عليهم السلام، و انما هو أحد قولي الشافعي اختاره شيخنا، الا تراه في استدلاله لم يتعرض لإجماع الفرقة، و لا أورد خبرا في ذلك.

و من القريب مناقشته في المختلف بأنهم نصوا على اشتراط الوصف و هو يتناول المكان، لأن الأين من جملة الأوصاف اللاحقة للماهية، فتكون الأخبار دالة عليه، ضرورة عدم ارادة ذلك من الوصف المعتبر في المسلم فيه الذي قد عرفت أن اعتباره لرفع الجهالة التي لا فرق بين السلم و غيره، و فرض احتياج الحمل الى المؤنة لا يوجب التعيين، خصوصا مع انصراف العقد بناء عليه، بل و ان لم ينصرف إذا المرجع حينئذ في ذلك الى الشرع، و لعل قواعده تقتضي وجوب الحمل الى المسلم، لانه يستحق التسليم على المسلم اليه من حيث المعاوضة، فيجب الحمل حينئذ مقدمة إلا إذا استلزمت قبحا يسقط التكليف بها معه، و يحتمل عدم الوجوب، للأصل فيبقى في ذمته على نحو الامانة.

و اما التفصيل بين ما كانا في مكان من قصدهما أو أحدهما مفارقته، برية كان أو غيره، و عدمه فيجب التعيين في الأول، دون الثاني و هو القول الرابع فكان مبناه

ج 24، ص: 319

عدم انصراف العقد حينئذ، فيتحقق الجهالة، و فيه ما عرفت. و منه يظهر ضعف القول بالتفصيل بين ما كان في حمله مؤنة أو كانا في مكان من قصدهما مفارقة و عدمهما، فيجب مع واحد منهما، و لا يجب مع عدمه، و حينئذ فالأقوى ما عرفت، و حينئذ يكون كالحال الذي قطع في المسالك بعدم الاشتراط فيه، و انه ليس محلا للخلاف فيكون حينئذ كغيره من البيوع يستحق المطالبة به في محل العقد أو في محل المطالبة إن فارقاه هذا.

و في المسالك ان المعتبر في تشخص المكان ذكر محل لا يختلف الحال في جهالة و أجزائه عرفا كالبلد المتوسط فما دونه، و القطعة من الأرض كذلك، بحيث لا يفرق بين أجزائها و لا يحصل كلفة زائدة في جهة منها دون جهة. لا مطلق البلد، و لا الموضع الشخصي الصغير، و فيه انه يمكن القول بصحة الأول بناء على عدم اشتراط موضع التسليم، بل و الأخير إذا كان فيه غرض معتد به، لعموم

«المؤمنون عند شروطهم»(1)

و قد يدفع الأول بأنه و ان قلنا بعدم الاشتراط الا انه مع التعرض له تجب المعلومية

لأنه إذا كان مجهولا أفسد العقد، باعتبار عود جهالته الى غيره بخلاف ما إذا لم يتعرض له كما انه قد يدفع الثاني بأن الفرض فيه عدم الغرض المعتد بها و الأمر سهل.

[المقصد الثالث في احكامه و فيه مسائل ]
اشارة

المقصد الثالث في احكامه و فيه مسائل

[المسألة الأولى إذا أسلف في شي ء لم يجز بيعه قبل حلوله ]

الأولى: إذا أسلف في شي ء لم يجز بيعه قبل حلوله لا لعدم ملكيته قبل الأجل ضرورة عدم مدخلية فيها. إذا العقد هو السبب في الملك، و الأجل انما هو للمطالبة، و لا لعدم القدرة على التسليم إذ من المعلوم انها في المؤجل عند الأجل. و لا لغير ذلك من


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 24، ص: 320

الأمور المعلوم بطلانها- بل للجماع المحكي في التنقيح و ظاهر الغنية و جامع المقاصد و غيرهما و عن كشف الرموز ان لم يكن محصلا، بل لعله كذلك و لا يقدح ظاهر ما في الوسيلة قال: «و إذا أراد أن يبيع المسلف ما أسلف فيه من المستسلف عند حلول الأجل أو قبله بجنس ما ابتاعه بأكثر مع الثمن الذي ابتاعه لم يجز و من باع بجنس غير ذلك جاز» بعد سبقه بالإجماع و لحوقه به فضلا عن خلاف بعض متأخري المتأخرين في ذلك لعمومات البيع و نحوها، مما لا يخفى على أصاغر الطلبة فضلا عن رؤساء الدين و المحامين عن شريعة سيد المرسلين.

و أما انه يجوز بعد حلوله و قبضه، فلا خلاف فيه و لا اشكال، بل الأقوى الجواز و ان لم يقبضه على من هو عليه و على غيره بجنس الثمن و مخالفه بالمساوي له أو بالأقل أو بالأكثر ما لم يستلزم الربا، سواء كان المسلم فيه طعاما أو غيره مكيلا أو موزونا أو معدودا أو غيره، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص

مرسل أبان (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحل الطعام، فيقول: ليس عندي طعام، و لكن انظر ما قيمته فخذ منى ثمنه فقال: لا بأس بذلك»

و

موثق ابن فضال (2)«كتبت الى ابى الحسن عليه السلام الرجل يسلفني الطعام فيجي ء الوقت و ليس عندي طعام، أعطيه بقيمته دراهم، قال: نعم»

و

خبر على بن محمد(3)«قال: كتبت اليه رجل له على رجل تمر أو حنطة أو شعير، فلما تقاضاه قال: خذ بما لك عندي دراهم، أ يجوز ذلك أم لا فكتب عليه السلام: يجوز ذلك عن تراض منهما»

و

خبر العيص بن القاسم (4)عن الصادق عليه السلام «قال: سألته عن رجلا أسلف رجلا


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف- الحديث- 5.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف- الحديث- 8.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 11.
4- 4 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 6.

ج 24، ص: 321

دراهم بحنطة حتى حضر الأجل لم يكن عنده طعام، و وجد عنده دوابا و رقيقا و متاعا أ يحل له أن يأخذ من عروضه تلك بطعامه؟ قال: نعم يسمى كذا و كذا بكذا و كذا صاعا»

بناء على ان المراد بذلك كله خصوصا الأخير البيع لا الوفاء بدونه، و قصورها سندا أو دلالة منجبر بالشهرة المحكية و المحصلة، كما أن اختصاص مواردها بالبيع على من له عليه غير قادح بعد تتميمه بما في الرياض من انه لا قائل بالفرق بين الطائفة.

و ان كان قد يناقش بما في التنقيح من الإجماع على صحة بيع السلم بعد حلوله قبل قبضه على من هو عليه، اما على غيره ففيه خلاف، قال الشيخ يصح، و منعه ابن إدريس و هو كذلك، لأنه في السرائر في باب السلم بعد ان حكى عن الشيخ الجواز مطلقا قال:

قد حررنا القول في بيع الدين و قلنا: انه لا يجوز الا على من هو عليه، و شرحناه و أوضحناه في باب الديون بما لا طائل في إعادته، فجعل ما نحن فيه من جزئيات تلك المسألة و كيف كان ففي الرياض انه قد خالف في ذلك الشيخ في التهذيب حيث منع من البيع بالدراهم إذا كان الثمن الأول كذلك، ل

خبر على بن جعفر(1)قال «سألته عن الرجل له على الأخر تمر أو شعير أو حنطة يأخذ بقيمته دراهم قال: إذا قومه دراهم فسد، لأن الأصل الذي اشترى به دراهم فلا يصلح دراهم بدراهم»

قال: و ضعف سنده يمنع من العمل به مع احتماله. ككلام التهذيب الحمل على صورة التفاوت بالزيادة و النقيصة، كما فهمه الجماعة، و لذا لم ينسبوا اليه القول الأول بالمرة، بل نسبوه الى هذا القول و له فيه موافق من الطائفة، كالاسكافى و العماني و القاضي و ابن حمزة و الحلبي و ابن زهرة، و ادعى في الدروس انه مذهب الأكثر، و عن الحلبي دعوى الإجماع عليه، و هو ظاهر الغنية. و اختاره جمع من تأخر.

قلت: بل هو مال إليه في الرياض للإجماع المحكي و النصوص المستفيضة


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف- الحديث- 12.

ج 24، ص: 322

ك

صحيح محمد بن قيس (1)عن أبى جعفر عليه السلام «قال: قال: أمير المؤمنين عليه السلام من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل، فان لم يجد شرطه و أخذ ورقا لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله لا يظلمون و لا يظلمون»

و

صحيحه الآخر(2)عنه أيضا «قال:

قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في و صيف إلى أجل مسمى، فقال له صاحبه: لا أجد لك وصيفا خذ منى قيمته وصيفك اليوم ورقا فقال: لا يأخذ الا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة و لا يزداد عليه شيئا».

و

صحيح الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «انه سئل عن الرجل يسلف في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك الى أجل مسمى قال: لا بأس ان لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس ماله ما بقي من الغنم دراهم»

و

صحيح يعقوب بن شعيب (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلف في الحنطة و التمر بماءة درهم فيأتي صاحبه حين يحل الذي له فيقول: و الله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ منى ان شئت بنصف الذي لك حنطة و بنصفه ورقا فقال: لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه».

و فيه ان الإجماع المحكي موهون بمصير أكثر المتأخرين إلى خلافه، بل ادعى جماعة كما قيل عليه الشهرة مع ان الموجود في الغنية «فإذا حل جاز بيعه من المسلم اليه بمثل ما نقد فيه و بأكثر منه من غير جنسه، و من غير المسلم اليه بمثل ذلك. و أكثر منه من جنسه و غيره بدليل إجماع الطائفة، و ظاهر القرآن، و دلالة الأصل الا ان يكون المسلم فيه طعاما فان بيعه قبل قبضه لا يجوز إجماعا على ما قدمناه».

و هو صريح في التفصيل بين بيعه على من هو عليه، و على غيره كظاهر ما سمعته سابقا من الوسيلة، و المحكي من عبارة أبي الصلاح في المختلف خال عن الإجماع،


1- 1 الباب- 11- من أبواب السلف الحديث 15.
2- 2 الباب- 11- من أبواب السلف الحديث 9.
3- 3 الباب- 11- من أبواب السلف الحديث 1.
4- 4 الباب- 11- من أبواب السلف الحديث 16.

ج 24، ص: 323

و ظاهر في غير المنقول عنه، قال: العقد يقتضي تسليم المعجل و تأخير المؤجل، و تسليمه عند حلول أجله سواء كان التأخير مشروطا في البيع أو الثمن فإذا حل و لم يكن عنده عين ما عقد عليه، فعليه إحضاره، و يصح اقام العروض عنه من غير جنسه، و لا يجوز له ابتياعه من مستحقه بمثل ما باعه منه في الجنس و لا بزيادة عليه نقدا، و لا نسيئة و لا نقله الى سلف آخر، و يجوز له ابتياعه بغير ما قبضه منه نقدا، و هو كما ترى ظاهر في المنع حتى بالمماثل.

نعم حكاه عنه في المختلف أيضا أنه قال بعد كلام طويل: و لا يجوز لمن أسلم في متاع أن يبيعه من مستسلمه و لا غيره قبل أجله، فإذا حل أجله جاز بيعه منه بمثل ما نقد، و أكثر منه من غير جنسه، و من غير المستسلم بمثل ذلك و أكثر منه من جنسه و غيره، و هو كالغنية و الوسيلة، و لعل حجته على التقدير الأول خبر على بن جعفر(1)السابق فإنه قد اعترف في المختلف بدلالته على ذلك. فكان نسبة هذا القول إليه أولى مما في الرياض من نسبته الى تهذيب الشيخ كما سمعت، مع أن المحكي من عبارة التهذيب في المختلف صريحة

في خلافه، و لذا لم ينسبه اليه فيه، بل جعله من القائلين بالمنع من الزيادة فلاحظ و تأمل جيدا.

نعم قد حكى عن مبسوطة في المختلف أنه قال إذا حل عليه طعام بعقد السلم فدفع الى المسلم دراهم نظر، فان قال: خذها بدله الطعام لم يجز، لان بيع المسلم قبل القبض غير جائز، سواء باعه من المسلم اليه أو من الأجنبي إجماعا، و حكى عنه أيضا أنه لو كان له طعام من سلف و عليه مثله من سلف آخر فأحاله بما عليه لا يجوز، لان بيع السلم لا يجوز قبل القبض إجماعا، و ظاهره عدم الجواز قبل القبض مطلقا، و حينئذ تكون الأقوال ستة أو سبعة، و الصحيح منها ما ذكرناه.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 12.

ج 24، ص: 324

و المراد من خبر محمد بن قيس (1)بعد الإغضاء عن الاضطراب في متنه على ما في التهذيب و غيره أن المسلم إذا لم يوجد شرطه لآفة في المسلم فيه أو لعدم مطالبته به الا بعد انقطاعه، و لم يرد الانتظار الى زمن حصول شرطه بل أراد الورق، فليس له أن يأخذ إلا رأس ماله، لا يظلم و لا يظلم، فيفسخ العقد حينئذ و يسترد الثمن، لا أن المراد بيعه عليه برأس ماله و كذا صحيحة الأخر، و مما يؤيد ذلك أن الخصم لا يعين ذلك عليه في مفروض البحث، إذ يجوز له عنده بيعه بغير الجنس بما يساوى الثمن أضعافا مضاعفة، من

أن الخبر قد تضمن أنه ليس له الا ذلك كما هو واضح.

و أما صحيح الحلبي (2)فلا دلالة فيه أصلا ضرورة عدم البأس فيما تضمنه بعد التراضي منهما، مع أنه لم يعلم أن رأس مال المسلم فيه دراهم، و لا تعرض فيه للزيادة و النقيصة و بالجملة هو غير ظاهر في إرادة البيع و صحيح يعقوب (3)يمكن حمله على ارادة السؤال عن جواز الفسخ في البعض و لو مع التراضي، فأجابه عليه السلام بأنه لا بأس به إذا أخذ منه كما أعطاه حتى لا يترتب عليه الربا، لا أن المراد أن بيعه عليه بذلك، إذ لا يتصور ترتب الربا عليه بعد أن كان في ذمة المسلم إليه الحنطة و التمر أو غير ربوي كالإبل و نحوها، لا الدراهم التي هي ثمنهما.

و منه يعلم أنه لا وجه للإشارة بآية الربا الى ذلك في الخبر الأول، و أنه لا بد من حمله على ما قلنا، و بذلك يظهر لك ضعف هذه عن الأدلة المعارضة لها من الأصل و العمومات، و خصوص النصوص السابقة التي قد يناقش فيها بأن ما فيها من الوفاء لا البيع، فلا تدل على المطلوب فيها أيضا، لكن لا يخفى بعد إمكان منع هذه المناقشة فيها بظهورها سيما بعضها في غير ذلك أن الأصول و العمومات كافية في الصحة، فميل الفاضل في الرياض الى القول بعدم الجواز في البيع بالجنس مع الزيادة في غير محله قطعا.


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 15.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 16.

ج 24، ص: 325

و أما البيع بغير الجنس زاد أو نقص فلا خلاف في جوازه، و في المختلف أنهم قد أجمعوا عليه، و في الرياض «أنه لا ريب فيه و في البيع بالجنس مع عدم الزيادة فتوى و رواية» قلت: قد سمعت كلام أبى الصلاح و ان كان لا ريب في ضعفه، و على كل حال فقد ظهر لك قوة القول بالجواز مطلقا، كما أنه قد ظهر لك بمقتضى إطلاق الأدلة و خصوص بعضها عدم الفرق في ذلك بين كون المسلم فيه مكيلا و موزونا و بين غيرهما، و لا بين كونه طعاما و غيره، فما سمعته من الغنية هنا من الإجماع على عدم الجواز في الطعام في غير محله، و لعل مبناه ما تقدم سابقا في مبحث القبض من قول بعضهم بالمنع عن بيع المبيع إذا كان مكيلا أو موزونا قبل قبضه، و من آخرين منهم ابن زهرة في خصوص الطعام منهما.

لكن قد تقدم لك هناك ضعفهما و ضعف غيرهما، مع أنه يمكن القول به هنا و ان لم نقل به هناك، للأدلة الخاصة الحاكمة على غيرها، و خصوص مواردها بمن عليه غير قادح بعد عدم الدليل الصالح للفرق، بل لو لا التسامح في دليل الكراهة لأمكن المناقشة في ثبوتها في الطعام، فضلا عن مطلق المكيل و الموزون، و فضلا عن غيرهما كما هو مقتضى إطلاق قوله في المتن على كراهة لعدم الدليل.

بل لعل ظاهر أدلة المقام عدمها في المبيع على من هو عليه، لكن للتسامح فيها يمكن القول بها، و لو لاحتمال الاندراج فيما تقدم في ذلك المقام، و للخروج عن شبهة الخلاف في الطعام، و الإجماع المدعى عليه هنا، و لغير ذلك و على كل حال فقد اتضح بذلك كله أنه يجوز بيعه قبل قبضه بأزيد من رأس المال أو انقص.

و كذا يجوز بيع بعضه كذلك و توليته و تولية بعضه و الشركة فيه و في بعضه لعدم الفرق بين الجميع في مقتضى بعض الأدلة السابقة، خلافا للمحكي عن الشافعي فلم يجوز للمسلم أن يشرك غيره في السلم. فيقول له شاركني في نصفه بنصف الثمن و لا أن يوليه، فيقول ولني جميعه بجميع الثمن، و نصفه بنصف الثمن لأنها معاوضة في المسلم فيه

ج 24، ص: 326

قبل قبضه، فلم يجز كما لو كانت بلفظ البيع، و هو كما ترى، لا يقال ان إطلاق الأصحاب هنا الجواز مبنى على ما ذكروه في باب القبض من منع بيع المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلا أو موزونا أو إذا كان طعاما خاصة، أو إذا لم يكن البيع تولية على اختلاف الأقوال السابقة و كان الإطلاق هنا لرفع المنع من حيث كونه دينا، لا مطلقا، فيبقى المنع من حيث كونه مبيعا قبل قبضه على البحث السابق فيه، كما هو صريح الكركي و ثاني الشهيدين.

لأنا نقول: أولا قد بان لك في ذلك المبحث ضعف الجميع، و ان الأقوى القول بالجواز مع الكراهة هناك، و ثانيا أنه يمكن الفرق بين المسألتين باعتبار الأدلة الخاصة هنا كما جزم به المحدث البحراني في حدائقه فقال بالمنع هناك و بالجواز هنا، محتجا باختلاف موضوع المسألتين في نصوص المقامين لاتفاقها هنا على البيع على من عليه و هناك على البيع على غيره.

قلت و ربما يؤيده ملاحظة بعض كلماتهم في المقامين، و لو لا خوف الاطناب- و أنه لا فائدة مهمة في ذلك، إذ الظاهر الجواز على التقديرين: أى سواء قلنا بكون المسألتين من سنخ واحد من حيث البيع قبل القبض، أو مختلفين في ذلك على معنى اختصاص المنع على القول به في غير السلم دونه- لنقلنا جملة منها فلاحظ و تأمل، و الأمر سهل و كيف كان ف لو قبضه ثم باعه زالت الكراهة و هو واضح و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا دفع المسلم اليه دون الصفة و رضى المسلم صح و بري ء]

المسألة الثانية لا خلاف في أنه إذا دفع المسلم اليه المسلم فيه دون الصفة أو المقدار المشترطين فيه لا يجب على المسلم قبوله، و ان كان أجود من وجه آخر لانه ليس نفس حقه مع تضرره به و لو رضى المسلم به صح و بري ء المسلم اليه مما كانت ذمته مشغولة به سواء شرط المسلم اليه ذلك لأجل التعجيل إذا كان قد دفعه قبل الأجل أو لم يشترط (11) بل في الغنية يجوز التراضي على تقديم الحق عن أجله بشرط النقص منه، بدليل الإجماع و

قال: أبو بصير(1)«سألت


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب السلف الحديث- 2.

ج 24، ص: 327

أبا عبد الله عليه السلام عن السلم في الحيوان قال: ليس به بأس قلت: أ رأيت ان أسلم في أسنان معلومة، أو شي ء معلوم من الرقيق فأعطاه دون شرطه أو فوقه بطيبة النفس قال: لا بأس»

و

معاوية(1)«سألته أيضا عن الرجل أسلف في وصفاء أسنان معلومة و غير معلومة، ثم يعطى دون شرطه فقال: إذا كان بطيبة نفس منك و منه فلا بأس».

و

الحلبي (2)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الرجل يسلم في وصفاء بأسنان معلومة و لون معلوم ثم يعطى دون شرطه أو فوقه؟ فقال: إذا كان عن طيبة نفس منك و منه فلا بأس»

و

سأل يعقوب بن شعيب (3)أبا جعفر أو أبا عبد الله عليهما السلام «عن الرجل يكون لي عليه جلة من بسر فأخذ منه جلة من رطب مكانها: و هي أقل منها قال: لا بأس قال: قلت:

فيكون لي عليه جلة من بسر فأخذ مكانها جلة من تمر و هي أكثر منها قال: لا بأس إذا كان معروفا بينكما»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على الجواز مع التراضي المؤيدة بأنه لا بأس في إسقاط حقه من الوصف و من المقدار و غيرهما مما اشترطه.

و من هنا صرح غير واحد بعدم البأس مع التراضي لو دفع له غير الجنس أيضا و هو جيد الا أن الظاهر كون الفرق تحقق الوفاء بنفس المدفوع الفاقد للوصف الذي اشترط في المسلم فيه، زائدا على ما ارتفع به الجهالة من الوصف، بل و كذا ما ارتفع بها منه، لانه بعد إسقاط الحق من الوصف المشترط يصدق المسلم فيه حينئذ على المدفوع، بخلاف ما إذا كان المدفوع من غير الجنس، فان تحقق الوفاء به كالمعاوضة و قد يحتمل قويا كون الجميع كذلك، خصوصا إذا كان الوصف مما ارتفع به الجهالة، و الاتحاد في الجنس غير كاف، ضرورة عدم صدق المسلم فيه على الجارية السوداء المدفوعة عوض البيضاء التي هي المسلم فيها، و انما هو تراض على المعاوضة بذلك فتأمل جيدا فإنه قد تترتب ثمرات على ذلك.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب السلف- الحديث- 4.
2- 2 الوسائل الباب- 9- من أبواب السلف- الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 9- من أبواب السلف- الحديث- 7.

ج 24، ص: 328

منها- وجوب الدفع مع رضا صاحب الحق بما هو دون الوصف على الأول، بخلاف الثاني، و ربما يفرق بين الأوصاف، فلا يجب فيما كان منوعا منها دون غيره الذي يراد منه ثبوت الاستحقاق لذي الوصف، ثم على تقدير الوجوب في الأول الظاهر بقاء استحقاقه المطالبة أيضا بالفرد الأول، و مجرد رضاه بدون قبض لا يسقط استحقاقه الأول، إذ هو ليس كحق الخيار و الشفعة. و حينئذ فيكون مراد المصنف و غيره بالبراءة مع الرضا في صورة ما لو قبضه راضيا به عوض الحق، لا المراد سقوط حقه بمجرد الرضا. و ان رجع قبل القبض مع احتماله و ان كان بعيدا و ان أتى المسلم اليه ب المسلم فيه على مثل صفته التي اشترطت وجب على المسلم مع عدم العذر قبضه أو إبراء المسلم اليه مما اشتغلت ذمته كما تقدم الكلام في ذلك و في أنه لو أبى المسلم عنهما قبضه الحاكم إذا سأل المسلم اليه ذلك مفصلا في بحث النقد و النسيئة فلاحظ و تأمل و أما لو دفع فوق الصفة بمعنى الجامع للأوصاف المشترطة عليه مع زيادة أو الفرد الأعلى من مصداق الصفة وجب قبوله (11) بلا خلاف معتد به و لا اشكال لتحقق المسلم فيه بذلك، ضرورة عدم منافاة الزيادة فهو حينئذ من المسألة السابقة.

و اشتراط طيب النفس منهما في النصوص السابقة لدفع دون الشرط أو فوقه، يراد منه التوزيع لغلبة عدم رضا المسلم اليه بالفوق و المسلم بالدون فبين عليه السلام «أنه لا بأس بكل منهما مع الرضا من كل منهما» نعم لو دفع ذا الصفة الحسنة عوض ذي الصفة الردية المشترطة من النوع الواحد و لعله غير المراد هنا من العبارة- اتجه عدم الوجوب، كما عن الأردبيلي للأصل و لانه قد يتعلق له الغرض بما اشترطه، و للمنة إذ الفرض استحقاق الردى لا غير، و لغير ذلك، لكن هذا إذا لم يكن المراد من عبارة الشرط أن المسلم فيه هذا فما فوقه، لا انه هو لا غير، فإنه يجب القبول حينئذ و عليه بنوا وجوب قبول الجيد المدفوع عن الأردى كما سمعته فيما تقدم.

ج 24، ص: 329

و على كل حال لو دفع المسلم إليه أكثر من المقدار المطلوب منه لم يجب قبول الزيادة للأصل و للمنة التي لا يخفى ما في تحملها من المشقة، لعدم استحقاق الزيادة، و بذلك افتراق هذا عن السابق الذي هو من أفراد المسلم فيه و ان لم يكن للمسلم الإلزام به، و

صحيح الحلبي (1)عن أبى عبد الله عليه السلام «أنه سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيان و جذعان و غير ذلك الى أجل مسمى قال: لا بأس ان لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه ان يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذ رأس ما بقي من الغنم دراهم، و يأخذون دون شرطهم و لا يأخذون فوق شرطهم، قال: و الأكسية أيضا مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم»

مع احتمال إرادة رأس المال من الشرط فيه الذي لو أخذ الجاهل الفوق منه ربما ضمه الى رأس المال فيقع في الربا بخلاف الدون، و اضطراب متنه بإسقاط الدون في بعض النسخ و لعله أصوب.

يراد منه انه ليس لهم ما فوق لا انه لا يجب عليهم القبول لو كان مما فرضناه، فما عن

ابن الجنيد من مساواة زيادة الصفة لزيادة العين في عدم وجوب القبول و مال اليه المحدث البحراني و تبعه فاضل الرياض واضح الضعف كما عرفت، هذا كله إذا كان المدفوع من الجنس اما لو دفع من غير جنسه لم يبرأ إلا بالتراضي مع التمكن من الجنس قطعا، لأنه معاوضة موقوفة عليه كما هو واضح و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا اشترى كرا من طعام بماءة درهم و اشترط تأجيل خمسين بطل في الجميع ]

المسألة الثالثة قد تقدم البحث في أنه إذا اشترى كرا من طعام مثلا مؤجلا بماءة درهم و اشترط تأجيل خمسين بطل في الجميع على قول و انه يحتمل البطلان فيها خاصة و كذا لو دفع خمسين و شرط الباقي من دين له على المسلم اليه صح فيما دفع قطعا و بطل فيما قابل الدين (11) في


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 1.

ج 24، ص: 330

قول و فيه تردد أشبهه عند المصنف الكراهة كما عرفت بل و تقدم ما يستفاد منه حكم.

[المسألة الرابعة و هي لو شرطا موضعا للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره جاز]

المسألة الرابعة و هي لو شرطا موضعا للتسليم فتراضيا بقبضه في غيره جاز ضرورة أنه لهما إسقاط حقهما من الشرط، و ان كان الموضع المشترط ما انصرف اليه العقد شرعا نعم ان امتنع أحدهما لم يجبر عليه لقوله عليه السلام (1)

«المؤمنون عند شروطهم»

بل و تقدم في باب الصرف ما يستفاد منه حكم.

[المسألة الخامسة إذا قبضه فقد تعين و بري ء المسلم إليه ]

المسألة الخامسة و هي إذا قبضه اى المسلم المسلم فيه فقد تعين و بري ء المسلم إليه فإن وجد به عيبا كان له الرد بالعيب ف إذا رده زال ملكه عنه، و عاد الحق إلى الذمة سليما من العيب. لكن في المسالك هنا انه لا أرش له، لم يتعين للحق بل وقع عوضا عن الحق الكلي مملوكا له ملكا متزلزلا يتخير معه بين الرضا به مجانا فيستقر ملكه عليه، و بين أن يرده فيرجع الحق إلى ذمة المسلم اليه سليما، بعد أن كان قد خرج عنها خروجا متزلزلا. و نبه بقوله عاد على ذلك، حيث ان العود يقتضي الخروج بعد أن لم يكن، فإنه مصير الشي ء الى ما كان عليه بعد خروجه، و تظهر الفائدة في النماء المنفصل المتردد بين القبض و الرد، فإنه يكون للقابض، لانه نماء ملكه كنظائره من النماء المتجدد زمن الخيار، أما المتصل فيتبع العين، و يتفرع عليه أيضا ما لو تجدد عنده عيب قبل الرد، فإنه يمنع من الرد لكونه مضمونا عليه، و لم يمكنه بعده رد العين كما قبضها.

و به قطع في التذكرة و زاد أن له حينئذ أخذ أرش العيب السابق و ان لم يكن ثابتا لو لا الطاري، فان المنع منه انما كان لعدم

انحصار الحق فيه، حيث أنه أمر كلي و العيب غير تام في جملة أفراد الحق. فلما طرء العيب المانع من الرد تعين قبوله،


1- 1 الوسائل الباب- 20- من أبواب المهور الحديث- 4.

ج 24، ص: 331

فصار كالمبيع المعين إذا كان معيبا فإنه يجوز أخذ أرشه، و يتعين عند مانع من رده، و ربما قيل بجواز رده هنا، لعدم تعيينه ابتداء و العيب الطاري لم يوجب تعينه. غاية ما في الباب أن يلزم بأرشه.

قلت: و نحوه يأتي أيضا في التلف فيلزم بالقيمة لو أراد الرجوع بالبدل، و فيه أن ذلك مناف لما سمعته منهم في باب الصرف، كما انه مناف لمقتضى الحكم بالرد ضرورة أنه لا دليل على الرد الا الاندراج فيما دل عليه في المبيع، بتقريب انه بالدفع و القبض صار كأنه مورد العقد، الا انه لا يقتضي رده فسخ العقد، كما اقتضاه لو كان المبيع معينا، باعتبار توقف عوده الى ملك مالكه الذي هو المراد من الرد على انفساخ العقد: بخلافه في الفرض، إذ عوده الى ملك المالك انما يقتضي فسخ مقتضى القبض الذي هو السبب في ملك هذا الشخص فيبقى مقتضى العقد على حاله، و حيث كان مبنى الرد الاندراج المزبور اتجه حينئذ ان له الرجوع بالأرش، لإطلاق ما دل عليه في المبيع.

اللهم الا ان يقال انه مخالف لمقتضى الأصل فيقتصر فيه على المتيقن، و هو إذا لم يمكن تحصيل المبيع سالما كما إذا كان معينا أما إذا أمكن كما في الفرض لان له الرد و الابدال فلا يتجه الرجوع بالأرش.

نعم لو تعيب عنده أو تلف مثلا فتعذر الرد على حسب ما أخذه كان له الأرش كما سمعته من التذكرة، و إلزامه بالأرش المعيب الحادث، أو القيمة لو أراد الإبدال ليس بأولى من إلزام البائع بالأرش، بل هو أولى، و لذا تعين في المبيع المعين، لكن فيه انه مخالف لما سمعته منهم في باب الصرف، بل لم يعرف فيه خلاف هناك.

نعم حكى هناك عن الشيخ و غيره أن له فسخ العقد أيضا، مضافا الى الابدال و الأرش، و ناقشه الفاضل فيه كما سمعته هناك مفصلا، فلاحظ و تأمل، حتى تعرف قوة القول بالخيار هنا بين الرد و الابدال، و بين الأرش، بل و تعرف أيضا فساد ما قيل هنا

ج 24، ص: 332

على العبارة و ما شابهها، من ان زوال الملك عند رده انما يكون بعد ثبوته، و المعيب ليس من المسلم فيه، فلا ينتقل عن المسلم اليه و ان عود الحق انما يكون بعد زواله، و هو مستلزم لأحد محذورين.

اما الحكم بالشي ء مع وجود نقيضه، أو إثبات الحقيقة من دون لوازمها، و ذلك لان الحكم بالبراءة ان كان صادقا لزم الأول، و الا لزم الثاني، إذ لا بأس بالتزام كون المقبوض المعيب صالحا للأداء عن الحق إذا رضى به المستحق، لانه من جنس الحق و من افراد المسلم فيه، و عيبه ينجبر بالخيار، فيتم الزوال و العود، و لا بعد في تحقق الملك متزلزلا لمكان العيب، و معلومية إرادة الصحيح لا تقتضي كون المسلم فيه الموصوف بالصحة كما هو واضح، فالنماء المتخلل حينئذ بين القبض الى حال الرد للقابض.

و من ذلك يظهر ما في جواب الشهيد عن ذلك في حواشيه بان الحكم بالزوال و العود مبنى على الظاهر حيث كان المدفوع من جنس الحق، و صالحا لان يكون من جملة أفراده قبل العلم بالعيب، فإذا علم بالعيب زال ذلك الملك الذي حصل ظاهرا و ان لم يزل في نفس الأمر، فصح إطلاق الزوال و العود بهذا الاعتبار إذ قد عرفت ان الملك حاصل ظاهرا و باطنا، غاية امره التزلزل و هو غير مانع كنظائره، و قد تقدم لنا في باب الصرف ما له نفع تام في المقام بل منه يستفاد كثير من أحكام.

[المسألة السادسة و هي إذا وجد برأس المال المعين عيبا فان كان من غير جنسه بطل العقد]

المسألة السادسة و هي إذا وجد برأس المال المعين عيبا فان كان من غير جنسه بان كان فضة فبان نحاسا مثلا بطل العقد من أصله ان كان الجميع كذلك، و الا فبالنسبة و له حينئذ خيار التبعيض، و لو كان العقد بكلي أبدلت إذا لم يتفرق المجلس و الا بطل أيضا و ان كان العيب في المعين من جنسه كالخشونة و اضطراب السكة رجع بالأرش إنشاء قبل التفرق قطعا، و بعده على الأصح، و يحتمل انفساخ العقد فيما قابله و ان اختار الرد كان له كما في غيره من الثمن المعيب

ج 24، ص: 333

و ينفسخ العقد، ضرورة توقف الرد الى ملك الأول عليه. و ان كان كليا فله الأرش بناء على المختار، و له الرد و لكن لا ينفسخ العقد، لما عرفت من انه انما يقتضي فسخ مقتضى القبض.

نعم قد يقال به في المقام لا لذلك، بل لاستلزامه عدم قبض الثمن قبل التفرق و فيه ان المقبوض المعيب ثمن، فيكفي قبضه قبل التفرق في الصحة، و ان تعقبه فسخ مقتضى القبض بعد التفرق، بل لا يبعد لذلك عدم وجوب قبض البدل في مجلس الرد، للأصل بعد ظهور الأدلة في غيره، كما انه لا يجب قبض الأرش في مجلس اختياره، باعتباره انه كالجزء من الثمن.

و قد تقدم تحقيق كثير من هذه المطالب في باب الصرف فلاحظ و تأمل كي تعرف الحكم في جملة أقسام المسألة، إذ العيب اما ان يكون من الجنس أو من غيره، ثم اما ان يكون في جملة الثمن أو في بعضه، ثم اما ان يظهر قبل التفرق أو بعده، ثم اما ان يكون الثمن معينا أو كليا فالأقسام ستة عشر و الله أعلم.

[المسألة السابعة إذا اختلفا في القبض هل كان قبل التفرق أو بعده فالقول قول من يدعى الصحة]

المسألة السابعة إذا اختلفا المسلم و المسلم إليه في القبض للثمن هل كان قبل التفرق أو بعده، فالقول قول من يدعى الصحة لأصالتها فيه بعد اعترافهما معا بحصوله، إذ هو أيضا مما يقع على وجهين.

فالأصل فيه الصحة كباقي أفعال المسلمين و أقوالهم التي تقع على وجهين، و قد رتب الشارع أثرا على أحدهما دون الأخر، و بذلك يظهر أنه لا حاجة، أو لا وجه الى تقرير ذلك بأنه لما تعارض أصالة عدم القبض قبل التفرق مع أصالة عدم التفرق قبل القبض تساقطا، فيحكم باستمرار العقد، و في الحقيقة لا نزاع بينهما في أصل الصحة، و انما النزاع في طرو المفسد، و الأصل عدمه، ان لم يرجع الى ما ذكرنا الذي من الواضح الفرق بينه و بين ما لو اختلفا في أصل قبض الثمن، فان القول قول منكر القبض فيه و ان تفرقا، و استلزم بطلان العقد، لأن الأصل عدمه فلا يجري أصل الصحة المتوقف

ج 24، ص: 334

على ثبوت الموضوع ذي الوجهين، و يقع الشك في صحته، و أصالة صحة العقل لا تقضى بثبوت ما كان مقتضى الأصل عدمه من الشرائط المتأخرة، و أصالة عدم طرو المفسد معارضة بأصالة عدم وجود المصحح.

و نحو ذلك تجري في قبض الصرف، إذ المسألة من واد واحد، إلا إذا قلنا هنا بأن التفرق قبل القبض مانع، لا أن القبض قبله شرط، بخلافه في الصرف فإنه يتم حينئذ التمسك باستصحاب أثر العقد ما لم يعلم المانع فتأمل جيدا، و لو اقام كل منهما في مفروض المتن بينة بنى على تقديم بينة الداخل هو هنا مدعى الصحة أو الخارج لكن الفاضل هنا قدم الأول لقوة جانبه بأصالة عدم طرو المفسد، و لان دعواه مثبتة و الأخرى نافية، و بينة الإثبات مقدمة، و هو كما ترى، خصوصا الأخير ضرورة كون البطلان إثباتا أيضا كما هو واضح.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو قال البائع قبضته اى الثمن ثم رددته إليك قبل التفرق و أنكر المشتري ذلك بمعنى عدم القبض أصلا فضلا عن الرد كان القول قوله أي المشتري مع يمينه لا البائع كما في القواعد و الدروس مراعاة لجانب الصحة التي قد عرفت احتياج جريان أصلها إلى وجود الموضوع المدعى عدمه، كما هو مقتضى الأصل، بل هذا عين المسألة السابقة التي قد ذكرناها، و قلنا فيها ان القول قول منكر القبض أصلا، و لو فرض كون الإنكار لما قبل التفرق خاصة، على معنى الاعتراف بقبضه و الرد لكن بعد التفرق، كان عين المذكور في المتن سابقا، و لا ثمرة معتد بها لا عادته، كما انه لا وجه لفرض الإنكار فيه للرد خاصة ضرورة ان القول قوله فيه لا البائع، فضلا عن تعليله بمراعاة الصحة و حينئذ فما في المسالك في شرح العبارة لم يظهر لنا وجهه قال: «المراد انها اتفقا الان على كون الثمن في ذمة المشتري أو عنده، و لكن اختلفا في كون ذلك على وجه مفسد للعقد بأن لا يكون تقابضا أصلا أو على وجه مصحح بأن يكون البائع

ج 24، ص: 335

قبضه ثم رده اليه و المصنف هنا قدم قدم قول البائع ترجيحا لجانب الصحة، مع ان الأصل عدم القبض أيضا، و تحقق صحة العقد سابقا كما مر و يمكن ان يقال حينئذ تعارض الأصلان، فيحصل الشك في طرو المفسد و الأصل عدمه فيتمسك بأصل الصحة لذلك.

و فيه ما عرفت سابقا من ان ذلك لا يستقيم على فرض كون القبض قبل التفرق شرطا، لأن أصالة صحة العقد لا تقتضي بوجود ما يقتضي الأصل عدمه من الشرائط المتأخرة كما عرفت. نعم قد يقال: الاختلاف هنا كالاختلاف في السابقة في كون القبض قبل التفرق أو بعده، و لكن أعادها لبيان انه لا فرق في حكم هذا الاختلاف بين كون الثمن في يد البائع أو يد المشتري، إذ ظهور اليد في الملك بعد اعترافه هنا بوقوع القبض لكن بعد التفرق غير مجد.

و حينئذ فلا وجه لما في المسالك حيث قال بعد الكلام السابق: «و يبقى في المسألة شي ء، و هو ان دعوى البائع الرد غير مقبولة كنظائرها، إذ لا دخل له في الصحة، و انما قدم قوله في أصل القبض مراعاة لجانبها، و حينئذ فمع قبول قوله في القبض هل له مطالبة المشتري بالثمن، يحتمل عدمه لما قلناه من عدم قبول قوله في الرد مع اعترافه بحصول القبض، و يحتمل جواز المطالبة لاتفاق المتبايعين على بقاء الثمن عند المشتري الآن، اما على دعوى البائع فظاهر، و اما على دعوى المشتري فلاعترافه بعدم القبض، فإذا قدم قول البائع في صحة العقد ألزم المشتري بالثمن، و يشكل بأن المشتري حينئذ لا يعترف باستحقاق الثمن في ذمته لدعواه فساد البيع فلا يبقى الا دعوى البائع، و هي مشتملة على الاعتراف بالقبض و دعوى الرد، و هي غير مقبولة في الثاني و المسألة موضع اشكال و لعل عدم قبول قوله في الرد أوجه» و هو من غرائب الكلام خصوصا إذا كان الثمن الذي اتفقا عليه معينا، و يد المالك بعد استنادها فيه الى بقاء الملك السابق الذي قطعه دعوى البائع الذي فرض

ج 24، ص: 336

تقديمها على دعواه، لا تجدي، و لو كان الاختلاف في المسلم فيه أنه حنطة مثلا أو شعير تحالفا و في قدره أو قدر الثمن أو قدر الأجل فالقول قول منكر الزيادة، أما لو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلم إليه لأنه منكر، و لو اختلفا في اشتراطه فالقول قول منكره بناء على صحته حالا، و في القواعد و محكي التذكرة «الأقرب أن القول قول مدعيه ان كان العقد بلفظ السلم على اشكال، و على قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى»، و قد أشكل على بعض الشارحين فهم هذه العبارة، و لعله بناء منهم على عدم صحة السلم بلا أجل و ان الفاضل ممن لا يقول بذلك، و على ما قلناه سابقا من أن النزاع فيه فالمراد واضح، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة إذا حل الأجل و تأخر التسليم لعارض ثم طالب بعد انقطاعه كان بالخيار بين الفسخ و الصبر]

المسألة الثامنة: إذا حل الأجل و كان المسلم فيه منقطعا لآفة و نحوها و تأخر التسليم لعارض لا لتقصير من المسلم ثم طالب به بعد انقطاعه كان بالخيار بين الفسخ و الصبر بلا خلاف أجده في الأخير، بل و لا إشكال، لأن مورد العقد الذمة، و الأجل انما هو للتسليم، فاحتمال الانفساخ كما عن أحد قولي الشافعي لكونه كالمبيع التالف قبل قبضه، في غاية الضعف، لمخالفته للأصل و النص و الفتاوى كاحتمال تعين دفع قيمة عوضه، فيلزم بها المسلم لأنها البدل عن كل متعذر، بل هو أضعف من الأول لعدم الخطاب الان بالعين كي ينتقل إلى القيمة لتعذرها، بل التعذر مسقط لأصل خطاب الدفع.

و دعوى أن ذلك من خطاب الوضع لا التكليف واضحة المنع، فلا ريب حينئذ في أن له الصبر الى وجود المسلم فيه، بل عينه الحلي عليه، و لم يجوز له الفسخ لأصالة اللزوم، الا أن قاعدة عدم الوفاء بالشرط كما في المختلف و الشهرة بقسيمها على خلافه، بل ربما أشعر نسبته في الدروس إلى الندرة، و في غيرها الى الخطاء

ج 24، ص: 337

بالإجماع عليه، بل في المختلف «أنه لم يوافقه عليه احد من علمائنا، و لا أظن أحدا افتى به.

و فيه أيضا، ان أقوال الفقهاء متطابقة على تسليط المشتري على الفسخ، و عموم الكتاب، لعدم حصول التراضي إذا تعذر المسلم فيه، و الأحاديث متظافرة بذلك».

و حاصل مراده الرد على الحلي بأن الكتاب و السنة و الإجماع على ذلك و

في موثق ابن بكير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أسلف في شي ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها و لم يستوف سلفه، قال: فليأخذ رأس ماله أو لينظره»

بل قيل: انه يدل عليه الاخبار المستفيضة المتقدم أكثرها سابقا في بيع السلف بعد حلوله فإنها و ان لم تكن ظاهرة في انقطاع المسلم فيه، الا انها إذا جوزت الفسخ مع عدمه، فمعه بطريق اولى، و فيه ان المستفاد منها بعد ملاحظتها جميعا و إرجاع مطلقها الى مقيدها جواز أخذ رأس المال إذا عجز المسلم إليه خاصة عن الأداء، و ظاهرها كون ذلك مرادا للبائع مسئولا له، و انه كالاحسان من المشتري إليه، بل قد عرفت ان المحكي عن الأكثر كون المراد منها المعاوضة عن المسلم اليه بقدر رأس المال لا الفسخ.

و على كل حال فهي غير ما نحن فيه من ان له الفسخ قهرا رضى البائع به أولا، و الأولوية المزبورة فرع القول بالأصل، و هو ممنوع، لأصالة اللزوم، إذ المسلم اليه ان وصل عجزه الى حد الإعسار شرعا، فالحكم الإنظار إلى الميسرة، بل الفسخ غير مفيد، و الا فالمتجه أن له إلزامه به كغيره من الديون، و لعله لذلك كله أو بعضه توقف في الاستناد الى هذه النصوص لإثبات هذا الحكم في الرياض.

لكن قد يقال: بمنع ظهور بعضها في كون الفسخ بالتراضي منهما، خصوصا نحو


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 14.

ج 24، ص: 338

صحيح الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام «لا بأس بالسلم في الحيوان إذا سميت الذي تسلم فيه و وصفته، فان وفيته و الا فأنت أحق بدراهمك»

بل الظاهر أن مدار الفسخ فيها على قاعدة الشرائط، ضرورة كون الأداء في الوقت المخصوص منها، فالمتجه جعل المدار فيه على ذلك، و قد تقدم لنا سابقا أن المتجه أولا جبره على أداء الشرط، و مع التعذر يتسلط على الفسخ و قد مضى تحقيق الحال فيه فلاحظ و تأمل جيدا، فإنه قد يمنع استفادة الشرطية من ذلك على الإطلاق، و الا لثبت مثله في النسيئة على ان المراد من اشتراط الأجل هو عدم استحقاق المطالبة إليه فيعود الاستحقاق الذي هو حاصل من مقتضى العقد.

نعم قد يقع على جهة الشرطية فيترتب عليه الخيار حينئذ من هذه الجهة، فالعمدة في ثبوت الخيار هنا انما هو من جهة النصوص و الفتاوى، ثم ان الظاهر عدم الفرق في الخيار المزبور بين كون التأخير لتفريط من البائع و بين غيره كما إذا لم يطالبه به المشتري حتى انقطع، نعم قد صرح غير واحد بسقوط الخيار لو كان بتقصير من المشتري بمعنى انه عرض عليه فامتنع عن القبض، و لعله كذلك لأصالة اللزوم، و كونه السبب في إدخال الضرر على نفسه فلا يندرج في إطلاق الخبر المزبور.

و كيف كان ففي حواشي الشهيد عن السيد العميد ان له مضافا الى الفسخ و الصبر المطالبة بقيمة المسلم فيه عند الأداء و استحسنه في المسالك، و محكي الميسية، بل جزم به في الروضة كما مال إليه في الرياض،

لأنها البدل عند تعذر الحق، فهو كتلف المثلي الذي يتعذر مثله فإنه ينتقل إلى القيمة، و فيه أولا انه خلاف ظاهر النص، بل و الأصحاب كما عن القطيفي الاعتراف به، بل صرح بعدمه الكركي في حاشية الإرشاد في شرح قوله فيه، و لو أخر التسليم فللمشتري الفسخ أو الإلزام قال: «ظاهر العبارة


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 17.

ج 24، ص: 339

مشكل. لأن تأخير التسليم اما ان يكون مع وجود المسلم فيه و إمكان تسليمه فليس للمشترى فسخ، بل له إلزامه بالتسليم أو مع انقطاعه و تعذر تسليمه، و حينئذ يتخير بين الفسخ و أخذ الثمن ان كان باقيا أو مثله في المثلي و القيمة في غيره، و بين الصبر الى قابل، و ليس له إلزامه بشي ء حينئذ، و لا فرق في ذلك بين ان يكون تعذر التسليم بتفريط المسلم إليه بأن أخره حتى انقطع أولا، و ليس له في شي ء من ذلك إلزامه بالقيمة، لكن يجوز المعاوضة عليه بالتراضي (الى ان قال) و من حملها على ان المراد إذا أخر البائع التسليم حتى انقطع المسلم فيه بتفريطه، يتخير المشتري بين الفسخ و الإلزام بقيمة يومئذ».

فقد أغرب لبعد الحمل عن العبارة، و فساد الحكم في نفسه، إذ ليس له إلزامه بالقيمة في المذكور إلا بالتراضي كما قدمناه.

و كيف كان فالعبارة مشكلة و الحكم أشكل، و هو صريح فيما ذكرنا، و ان كان لا يخلو من نظر إذا كان التأخير بتفريط من البائع كما انه لا يخلو من نظر في أصل اشكال العبارة، إذ يمكن حملها على ارادة الصبر من الإلزام فيها، بل هو متعين بملاحظة فتواه في باقي كتبه.

نعم ما ذكره من عدم الإلزام بالقيمة جيد مع عدم التقصير من البائع، إذا كان عدم الأداء لانقطاع المسلم فيه بآفة سماوية و نحوها، إذ لا خطاب بالأداء أصلا كي ينتقل إلى القيمة، فأصل وجود المسلم فيه مقدمة لوجوب أدائه فيسقط بعدمها حينئذ و لا دليل على الانتقال إلى القيمة فالأصل براءة ذمة المسلم اليه منها، كما ان الأصل براءة ذمة المسلم من وجوب قبولها عليه لو بذلت له، بل قيل ان صحيحي محمد بن قيس (1)المتقدمين سابقا في بيع المسلم اليه بعد حلوله ظاهر ان أو صريحان في عدم الإلزام بالقيمة،


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 9- 15.

ج 24، ص: 340

بل قد ينقدح من ذلك محمل آخر للنصوص السابقة التي ادعى دلالتها على عدم جواز إلزام المسلم إليه بأزيد من الثمن، على ان يكون المراد منها عدم الإلزام بالقيمة عوض المسلم فيه فلاحظ و تأمل.

و مما يزيد ذلك كله تأييدا ما ذكره غير واحد من الأصحاب بل لا خلاف أجده فيه بينهم، من ان في حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم اليه قبل وجوده و قبل الأجل، نظرا إلى أنه دين فيشمله عموم ما دل على حلول ما

على الميت من الدين بالموت، و دعوى ان للمسلم الإلزام بالقيمة فيه مع عدم التقصير فيه بوجه من الوجوه كما ترى.

نعم له المعاوضة عليه بأزيد من ثمنه و انقص و مساوي كما عرفته سابقا، و هو غير ما نحن فيه من الإلزام بالقيمة، بل قد يقال: ان ذلك لا يجتمع مع خيار الفسخ و الصبر، ضرورة وجوب القبول على المشتري لو بذلها له فليس له الفسخ و لا الصبر، و قد عرفت أن مبنى الإلزام بالقيمة أنها عوض مال له قد تعذر، ففي الحقيقة قد رجع دينه الان إلى القيمة، فمع بذله له يتعين القبول كالمثلي إذا تعذر مثله و هو كما ترى.

و ليس هذا الخيار فوريا للأصل و إطلاق النص، بل صرح ثاني الشهيدين بعدم سقوطه لو صرح بالإمهال، و ان كان لا يخلو من اشكال، و لذا توقف فيه في التذكرة و الدروس و التنقيح، فاحتمل في الأول بعد أن جعل عنوان المسألة أنه لو أجاز ثم بدا له في الفسخ وجوب الصبر و أنه كإجازة زوجة العنين، و احتمل أن له الفسخ، و لا يكون ذلك إسقاط حق، فكان كزوجة المولى إذا رضيت بالمقام ثم ندمت، و نحوه ما في الدروس قال و لو صرح بالإمهال ففي بطلان خياره نظر من تجدد الحق حالا فحالا فهو كخيار المولى منها و لأنه كتأخير الدين المؤجل، و من أن الإمهال أحد شقي التخيير و قد أثره و أولى بالإبطال ما إذا قال: أبطلت خياري.

قلت: لا إشكال في السقوط مع ارادة اختيار الصبر خاصة من الإمهال، ضرورة

ج 24، ص: 341

كونه حينئذ كالإسقاط، أما إذا أمهل لا بهذا العنوان بل لان له عدم الفسخ، لم يكن ذلك إسقاطا و الشك كاف في بقاء الخيار مع الإطلاق و الأمر سهل. و لو علم الانقطاع قبل الأجل ففي الخيار وجهان، لم يرجح أحدهما في القواعد و التذكرة و الدروس و غيرها، و لكن الاولى العدم، وفاقا للروضة و المسالك و غيرهما، اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على اللزوم على المتيقن، و التفاتا الى عدم وجود المقتضى الان، إذ لم يستحق عليه شيئا، و منه يعلم وجه ترجيح تأخير الحنث في الحالف على أكل الطعام غدا فأتلفه قبل الغد، لتصريح غير واحد بابتناء ما هنا عليه فلاحظ و تدبر.

و لو كان المسلم فيه يوجد في بلد آخر ففي الدروس «لم يجب نقله مع المشقة و لا مع عدمها إذا كان قد عين البلد، و الا وجب» لكن في التذكرة «يحصل الانقطاع بأن لا يوجد المسلم فيه أصلا بأن يكون ذلك الشي ء ينشأ من تلك البلدة، و قد أصابته جائحة مستأصلة، و هو انقطاع حقيقي، و في معناه ما لو كان يوجد في غير تلك البلدة، و لكن إذا نقل إليها فسد، و إذا لم يوجد الا عند قوم مخصوصين و امتنعوا من بيعه فهو انقطاع، و لو كانوا يبيعونه بثمن غال فليس انقطاعا، و وجب تحصيله ما لم يتضرر المشتري به كثيرا، و ان أمكن نقل المسلم فيه من غير تلك البلدة إليها وجب نقله مع عدم التضرر الكثير»، و هو جيد.

و كيف كان ف لو قبض المسلم البعض من المسلم فيه و تعذر الباقي كان له الخيار في الباقي بين الفسخ فيه- و استرداد ما يخصه من الثمن، لوجود المقتضى فيه إذ احتمال كونه لتعذر الكل خاصة مقطوع بعدمه نصا و فتوى، و بين الصبر الى وجوده كتعذر الكل، و له أيضا الفسخ في الجميع لتبعض الصفقة عليه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، لكن قد يشكل الأول بما ذكروه في خيار العيب من أنه ليس له تبعيض الصفقة اختيارا، فلا يجوز له الفسخ في أحد المبيعين صفقة إذا ظهر فيه عيب، بل ليس لأحد المتبايعين الفسخ لو كان المبيع معيبا دون

ج 24، ص: 342

الأخر و مثله آت في المقام.

اللهم الا أن يمنع عليهم كون المدرك في المنع هناك التبعيض بل الإجماع أو غيره، كما سمعته سابقا فلا حظ فتأمل، بل قد يشكل أيضا بأنه لا تبعض صفقة.

و انما هو تأخير أداء لبعض المسلم فيه، و ما

في صحيح عبد الله بن سنان (1)«عن أحدهما عليهما السلام أ رأيت إن أوفاني بعضا (أى من المسلم فيه) و عجز عن بعض أ يجوز أن آخذ بالباقي رأس مالي؟ قال: نعم ما أحسن ذلك»

و غيره كصحيح الحلبي (2)و نحوه ظاهر في نفى البأس عن أخذ ذلك بالتراضي منهما، مع أنها لا ظهور فيها في انقطاع المسلم فيه، و عدم

إمكان تحصيله، و يدفع بأن تأخير الأداء و لو في البعض كاف في ثبوت الخيار في الجميع للتضرر، خصوصا إذا قلنا بأن منشأ جواز الفسخ عدم حصول الشرط، و على كل حال فقد صرح بعضهم بأن للبائع الخيار إذا اختار المشتري الفسخ في البعض، لتبعض الصفقة عليه أيضا، و قواه جماعة و هو كذلك إذا لم يكن ذلك بتفريط منه و تقصير، و الله أعلم.

[المسألة التاسعة إذا دفع الى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء و لم يساعره احتسبت بقيمتها يوم القبض ]

المسألة التاسعة لا خلاف في أنه إذا دفع الى صاحب الدين عروضا على أنها قضاء عن الدين و لم يساعره احتسبت بقيمتها يوم القبض بل في المسالك الاتفاق عليه، و

قال محمد بن الحسن الصفار(3)«كتبت إليه في رجل عليه مال فلما حل عليه المال أعطاه به طعاما أو قطنا أو زعفرانا و لم يقاطعه على السعر [الثاني ](4)بعد شهرين أو ثلاثة ارتفع الطعام و الزعفران و القطن أو نقص، بأي السعرين يحسبه؟ هل لصاحب الدين سعر يومه الذي أعطاه و حل ماله عليه أو السعر الثاني بعد شهرين أو


1- 1 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 11- من أبواب السلف الحديث- 1.
3- 3 الوسائل الباب- 26- من أبواب أحكام العقود- الحديث 5 مع اختلاف يسير.
4- 4 هكذا كان في النسخ المصححة لكن في الوسائل و التهذيب فلما كان و هو الصحيح.

ج 24، ص: 343

ثلاثة يوم حاسبه فوقع عليه السلام ليس له الا على حسب سعر وقت ما دفع اليه الطعام إن شاء الله».

و لا ينافيه

قوله أيضا «و كتبت اليه الرجل استأجر أجيرا ليعمل له بناء أو غيره من الاعمال و جعل يعطيه طعاما أو قطنا و غيرهما ثم تغير الطعام و القطن عن سعره الذي كان أعطاه، إلى نقصان أو زيادة أ يحسب له سعره يوم أعطاه أو سعر يوم حاسبه؟ فوقع عليه السلام يحسب له سعر يوم شارطه فيه»

بعد ارادة يوم القبض من يوم الشرط بناء على أنه يوم الشرط أو لم يتغير السعر الا بعد يوم القبض فلا يقدح الفصل بينه و بين يوم الشرط، خصوصا بعد أن رواه في الكافي كذلك.

و بعد وضوح عدم الفرق بينه و بين الدين الذي قد حل في كون المدفوع ملكا للقابض الذي هو صاحب الدين، و حيث كان من غير جنس الدين لو فرض كونه نقدا وجب ملاحظة قيمته في ذلك الوقت حتى يكون وفاء، بل يكون كدفع المجانس. نعم قد يقال: مقتضى ذلك لو كان الدين عرضا و قد دفع عرضا آخر وجب ملاحظة ما يساوى العرض المدفوع من العرض الذي هو دين في يوم القبض فيبرء منه بذلك المقدار، لا أنه يلاحظ القيمة فيهما، لكن في المسالك لو كان الدين من غير النقد الغالب أحتسب أيضا به يوم دفع العوض قضاء، و لعل ذلك لعدم معرفة القيمة بغير النقد الذي هو المرجع في أمثال ذلك، و تنصرف اليه الاروش و الجنايات و غيرها، و لو كان الدين قسما خاصا من النقد فدفع عنه آخر احتسب بما يساويه منه في يوم القبض، كما استفاصنت به النصوص، منها

ما رواه إبراهيم بن ميمون (1)عن ابى عبد الله عليه السلام «في الرجل يكون له على الرجل دراهم فيعطيه دنانير و لا يصارفه فتصير


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الصرف الحديث- 5 لكن عن يوسف بن أيوب شريك إبراهيم بن ميمون.

ج 24، ص: 344

الدنانير بزيادة أو نقصان قال: له سعر يوم أعطاه»

و

في بعضها(1)تعليل ذلك «بأنه قد حبس منفعتها عليه»

و الظاهر أن ذلك كناية عن انتقالها الى القابض، و زوال ملك الدافع عنها، و به يحصل حبس منفعتها عنه، و إذا انتقلت الى ملك القابض سقط بإزائها ما يساويها من ذلك الدين بصرف ذلك اليوم، لأنها لم تنتقل اليه مجانا و انما انتقلت عوضا، فلا بد من سقوط عوضها ذلك اليوم بصرف ذلك اليوم الذي هو يوم المعاوضة، و حينئذ فهو إشارة الى ما قدمناه هذا و تقدم، و يأتي ما له نفع في المقام إذا المسألة غير خاصة بالسلم و ليست هي في الحقيقة من البيع، و الا لوجب معرفة المقدار و غيره من أحكام البيع، بل هي معاوضة مستقلة

[المسألة العاشرة و يجوز الدين بعد حلوله على الذي هو عليه ]

كما أن المسألة العاشرة كذلك لا مدخلية لها في السلم إذ قد عرفت الحال في بيعه قبل الحلول، و بعده أما غيره ف يجوز الدين بعد حلوله على الذي هو عليه بلا خلاف فيه بيننا و لا اشكال بل و على غيره وفاقا للمشهور، شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك بعد انحصار الخلاف في الحلي، لوجود المقتضى و ارتفاع المانع عدا ما يحكى عنه من الإجماع المتبين خطاؤه في تحصيله، بعدم موافقة أحد ممن تقدمه أو تأخر عنه له في ذلك، بل ليس فيما حضرني من نسخة السرائر ذلك، و ان أطال في ترجيح ما ذهب اليه من المنع، بأنه ليس بيع عين مشاهدة، و لا مشخصة موصوفة و لا كلية موصوفة إذا لا خير سلم و ليس هو منه قطعا، كما أنه ليس من الأولين كذلك لعدم تعين الدين و تشخصه الا بالقبض، بل أورد على نفسه أن الإجماع منعقد بغير خلاف على صحة بيع الدين و إمضائه و عموم أخبارهم على ذلك، و أجاب بأنا عاملون بالإجماع و متبعون لظواهر القرآن في بيع الدين على من هو عليه دون غيره، و ظاهره وجود معقد إجماع مطلق.


1- 1 الوسائل الباب- 9- من أبواب الصرف الحديث- 2.

ج 24، ص: 345

و على كل حال فلا ريب في ضعف قوله، إذ لا مانع من كونه بيع عين موصوفة، و ان لم يكن سلما و لا مشخصة لعموم أدلة البيع، بل مقتضاها جواز البيع قبل الأجل كما هو صريح التذكرة و الروضة، و ظاهر المختلف و اللمعة و جماعة، و لا معارض لها، إذ الإجماع المدعى انما هو في السلم خاصة، و دعوى عدم الفرق واضحة المنع، كدعوى عدم الملكية للبائع قبل الأجل في نحو القرض المؤجل، و مهر الزوجة و نحوهما من أفراد الدين، و كذا عدم القدرة على التسليم بعد ما عرفت من عدم اعتبار القدرة فعلا في صحة البيع، فما في الدروس و ظاهر الإرشاد و محتمل النافع أو ظاهره من المنع ضعيف، هذا كله في أصل جواز البيع.

و أما ما يباع به فان باعه بما هو حاضر مشخص صح بلا خلاف و لا اشكال و كذا ان باعه بمضمون في العقد حال صح أيضا لعدم صدق الدين عليه، ضرورة عدم كون المراد منه التأخير بل غاية المراد منه الكلى الصادق على أفراد متعددة، أما إذا كان مضمونا قبل العقد بان يكون مؤجلا ثم يحل الأجل فالمتجه فيه المنع لانه بيع دين بدين كالحال بالمؤجل السابق، و اعتبار الأجل في الدين على تقدير تسليمه كما نص عليه بعض أهل اللغة بل نسب الى ظاهر بعض الأصحاب انما يراد منه اعتباره حين ثبوته بمعنى ان الدين ما يضرب فيه الأجل أول مرة، و لا ينافيه خلوه عنه في ثاني الحال، و لذا أطلق الأصحاب على الدين بعد حلول أجله لفظه إطلاقا حقيقيا و هو المتداول عرفا و لا يصح السلب عنه فيه حينئذ.

لكن في الرياض في شرح عبارة النافع التي هي كعبارة المتن هنا، إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين ما لو كان مؤجلا ثم حل الأجل أو كان غير مؤجل في الأصل، كما إذا بيع بدينار كلى غير مستقر في ذمته قبل البيع، و لا اشكال فيه لما مر، مع عدم صدق الدين عليه حقيقة كما يأتي، و يشكل في الأول ان لم يكن إجماع كما هو ظاهر الروضة حيث جعل الجواز أقوى و هو مشعر بل ظاهر في

ج 24، ص: 346

وقوع الخلاف، و وجهه قوة احتمال صدق الدين عليه، بناء على تضمنه الأجل، و لو في الزمان السابق على العقد، فيلزم حينئذ بيع الدين بالدين، و وجه الجواز اما الشك في الصدق، أو لزوم الاقتصار في المنع في بيع الدين بالدين المخالف للأصل على محل الوفاق، و ليس منه محل الفرض، لوقوع الخلاف، و الخبر المانع عنه و ان كان عاما الا انه قاصر سندا يشكل الاعتماد عليه فيما عدا الإجماع.

و ربما يوجه باختصاص الدين بالمؤجل كما في كلام الأصحاب و جماعة من أهل اللغة، و محل الفرض بعد انقضاء أجله ليس كذلك الى آخره، و هو من غرائب الكلام، ضرورة ظهوره في أن الجواز بالمضمون السابق مظنة الإجماع، و فيه أن المراد بالمضمون في كلام الأصحاب ما قابل العين، أي الكلي في العقد فلا يشمل المضمون سابقا، بل ينبغي القطع بذلك، إذ لا خلاف بينهم في أن بيع المضمون المؤجل سابقا بمضمون سابقا كذلك من بيع الدين بالدين، سواء كانا حالين أو مؤجلين أو أحدهما حالا و الأخر مؤجلا، إنما البحث فيما صار دينا بالعقد، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله.

و ان اشترط تأجيله أي الثمن في بيع الدين بعد حلوله قيل و القائل المشهور يبطل لانه بيع دين بدين فيشمله النص و الإجماع و قيل يكره و هو الأشبه عند المصنف و جماعة، للأصل و العمومات التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، و هو ما كان عوضا حال كونه دينا، كما هو مقتضى تعلق الباء به، و المضمون عند العقد ليس بدين، و انما يصير دينا بعده، فلم يتحقق بيع الدين به و الا لزم مثله في بيعه بالحال الذي لم يعرف من أحد المنع فيه، و الفرق غير واضح. و دعوى إطلاق اسم الدين عليه ان أرادوا به قبل العقد فممنوع، و بعده فمشترك بين الحال و المؤجل، فيلزم أن لا يصح بحال كما عرفت، و إطلاق بيع الدين بالدين عليه عرفا مجاز، على معنى أن الثمن بقي في ذمته دينا بعد

ج 24، ص: 347

البيع، و لو اعتبر مثل هذا الإطلاق جاء مثله في الحال إذا لم يقبضه، خصوصا إذا أمهله به من غير تأجيل.

و فيه منع كون المراد من النص ذلك لا غير، و تعلق الباء أعم، إذ يمكن كون المراد المنع من بيع الدين بالدين المقابل للعين و الحال اى لا تبع الدين بهذا الصنف من البيع فيكون التعريف إشارة الى هذا القسم من البيع المعهود في الذهن و حينئذ فأظهر الفردين المؤجل في العقد لا العكس و قد تقدم في تأجيل ثمن السلف ما يستفاد منه المفروغية من تناول بيع الدين بالدين للمؤجل ثمنه بالعقد، و أنه من الواضحات فلا ريب حينئذ في أن الأشبه خلاف ما ذكره المصنف.

و قد تحصل من مجموع ما ذكرنا المنع من بيع الدين السابق بالدين السابق في الصور الأربعة أي الحالين و المؤجلين و المختلفين، و اما إذا كانا مضمونين بالعقد فالمؤجلان منهما لا ريب في بطلانه، بل يمكن اندراجه في بيع الكالي بالكالي و قد عرفت الحال فيه في تأجيل ثمن السلف إذ هو هو، و الحالان منهما لا إشكال في صحتهما للعمومات كالمختلفين، و أما إذا كان أحدهما مضمونا بالعقد و الأخر قبله فان كان المضمون سابقا سلما لم يجز بيعه قبل حلوله مطلقا و جاز بعده إذا كان الثمن حالا، و ان لم يكن سلما جاز قبل حلوله بعين حاضرة، و بكلي مضمون بالعقد حال لا مؤجل على الأقوى، و لو جعل المضمون سابقا ثمنا لعين أو كلي حال جاز قطعا إذا كان حالا، من غير فرق بين السلم و غيره و ان كان مؤجلا فوجهان، إذا كان سلما أقواهما العدم، بناء على عدم الفرق في المنع بين جعله ثمنا أو مثمنا قبل حلول اجله و ان لم يكن سلما فالأقوى الجواز بل ينبغي القطع به إذ هو كالعكس فتأمل جيدا.

و قد تلخص مما ذكرنا جواز بيع الحال بالحال مع عدم أجل لهما في السابق فضلا عن الحالين بالعقد، و عن الحال كذلك بالمؤجل السابق أو بالعقد، لما عرفته من عدم ارادة ما يشمل الكلى المضمون حالا، و قيمة المغصوب و نحوها من بيع الدين بالدين

ج 24، ص: 348

و مدار البحث على اعتبار الأجل في صدق اسم الدين هنا و صدقه عليه بعد حلوله و على عدم اعتبار سبق الدينية في صدق بيع الدين بالدين و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر إذا أسلف في شي ء و شرط مع السلف شيئا معلوما صح ]

المسألة الحادية عشر لا خلاف في انه إذا أسلف في شي ء و شرط مع السلف شيئا معلوما صح من غير فرق بين الرهن و الضمين و غيرهما و ان كانا معقد نفى الخلاف المحكي عن التذكرة، إذا المدرك في الجميع و هو عموم الوفاء بالعقود، و المؤمنون، و غيرهما مما دل على صحة الشرط متحد، و

نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم (1)«عن السلف و البيع، و عن البيعين»

في الخبر القاصر سندا المجمل دلالة غير معارض، خصوصا بعد ما قيل من ان المراد منه النهي عن بيع من من طعام مثلا حالا بكذا، و سلفا بكذا، و قد تقدم الكلام فيه سابقا، فعموم أدلة الشرائط حينئذ بحالها لا معارض لها. نعم يعتبر في الشرط المعلومية و نحوها كما في غير السلم من أنواع البيع، و ليس الشرط في عقد السلم سلما بل ليس هو في عقد البيع بيعا بل هو مملك مستقل في عقد البيع.

و حينئذ ف لو أسلف في غنم و شرط أصواف نعجات معينة اتجه ما نسبه المصنف الى القيل بقوله قيل: يصح و القائل الشيخ و الفاضل و الشهيدين و المقداد و الكركي و غيرهم و قيل كما عن السرائر لا يصح و هو الأشبه عند المصنف و الموجود في السرائر ان جعل في جملة السلف أصواف النعجات المعينة فلا يجوز السلف في المعين، و بيع الصوف على ظهر الغنم أيضا لا يجوز سواء كان سلفا أو بيوع أعيان و هو غير ما نحن فيه، إذ لا ريب في

البطلان إذا جعله من جملة السلف لمعلومية اشتراط كونه مضمونا في الذمة، إنما الكلام في ملكها بالشرط في عقد السلم و هو ليس سلما بل و لا بيعا غير سلم، فلو قلنا بعدم جواز بيعها لأنها من الموزون- مع أن الأصح


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود الحديث- 2.

ج 24، ص: 349

الجواز مع المشاهدة لعدم موزونيتها بهذا الحال كالثمرة على النخل- أمكن القول بالجواز من حيث الشرط لعموم أدلته، اللهم الا ان يدعى رجوع الجهالة الى أحد العوضين، و فيه منع واضح.

و على كل حال فما ذكره من المنع فيما فرضه ليس مما نحن فيه: و بذلك ظهر انفراد المصنف في مختاره نعم حكى عن تلميذه الابى أنه مال اليه أو قال به، و لا ريب في ضعفه ان أريد البطلان من حيث الاشتراط في عقد السلم، أما إذا أريد به بطلان هذا الشرط في نفسه من غير فرق بين السلم و غيره فله وجه، و ان كان الأوجه خلافه خصوصا بناء على التحقيق من جواز البيع على الظهر مع المشاهدة.

كما أنه ظهر بما ذكرنا ما في رد المختلف على ابن إدريس فإنه بعد أن حكى كلامه قال: يجوز إذا كان الصوف مشاهدا أن يكون شرطا في السلم لا جزأ من البيع ثم قال:

و لو فرضنا جزأ لم يكن محالا لانه يجوز السلف حالا فيمكن أن يكون بعضه كذلك و نحوه في المسالك و غيرها إذ فيه أنه ان جاز كونه حالا فلا بد ان يكون كليا في الذمة و لا يجوز ان يكون مشخصا و احتمال ارادته بالجواز حالا انه يباع بلفظ السلم خلاف الظاهر، هذا. و عن المهذب البارع ان موضوع المسألة أن يكون شرط الأصواف أن تجز حالا، فلو عينها و شرط تأجيل الجز إلى أمد السلف أو شرط أصواف نعجات في الذمة غير مشاهدة لم يصح قولا واحدا، و كأنه نظر الى ظاهر ما وقع فيه الخلاف، و الا فالإجماع ممنوع كما اعترف به في المسالك و غيرها.

و في حواشي الشهيد «التحقيق أنه ان كان شرط الصوف الموجود أو ما يتجدد مقيدا بمدة معينة صح، و ان لم يكن موجودا حال الشرط لم يصح» بل عن إيضاح النافع انه بعد ان ذكر ما ذكر الشهيد قال: «و ان شرط الصوف مؤجلا ففيه نظر، و لعل الأقرب الصحة، لأن المشروط لا يشترط معرفته و لا حصوله، فإنه قد يشترط حمل الأمة و الشجرة فيكون معناه ما تحمل ان حملت».

ج 24، ص: 350

و في المسالك بعد أن قوى الصحة مع شرط الجز حالا و الإطلاق قال: «و لو شرط تأجيل الجز إلى أجل السلم فلا يخلو اما أن يشترط دخول المتجدد أولا، و في الأول يحتمل الصحة، لأنه شرط مضبوط، و قد صرح جماعة من الأصحاب بجواز مثل ذلك في الصوف و اللبن استقلالا، و نحن فيما سلف شرطنا فيه كون المجهول تابعا، فحينئذ لا إشكال أيضا مع الشرط، و في الثاني يبنى على أمرين، أحدهما ان شرط تأجيل الثمن إذا كان عينا هل هو جائز أم لا و الحق جوازه. بل ادعى عليه في التذكرة الإجماع، و مثله الثمن المعين، و الثاني ان اختلاط مال البائع بالمبيع هل هو مانع من صحة البيع أم لا و لا شبهة في عدم منعه، و قد تقدم نظيره فيمن اشترى لقطة أو جزه و آخر قطعها فامتزجت بمال البائع، و حينئذ فطريق التخلص الصلح قلت: و بهذا يظهر لك ما في إجماع المهذب، بل لا يبعد جواز ما ذكره من الصورة الأخيرة إذا فرض الضبط على وجه ترتفع به الجهالة القادحة في الشرط، و الله اعلم.

و لو شرط المسلم اليه ان يكون الثوب من غزل امرأة معينة، أو الغلة من قراح بعينه لم يضمن المسلم اليه المسلم فيه اى لم يصح السلم، فلا ضمان، إذ هو لازم لها، و علله في المسالك بإمكان ان لا يتفق ذلك للمرأة بأن تمرض أو تموت أو تترك العمل إمكانا مساويا لنقيضه، و كذا القراح يمكن ان يخيس، و لا يظهر منه ما يطابق الوصف و هو جيد، و أجود منه قوله و الضابط اعتبار ما لا يتخلف عنه المسلم فيه عادة، كالبلد الكبير بالنسبة إلى الأرض و الأهل، بل ظاهره قبل ذلك عند البحث عن السلم في الجلود انه لا إشكال في جوازه مع اشتراط الغلة من قرية معينة لا يخيس عادة، و هو كذلك، و عليه يحمل

الصحيح (1)«عن رجل اشترى طعام قرية بعينها فقال لا بأس ان خرج فهو له، و ان لم يخرج كان دينا عليه»

و في الخبر الآخر(2)«الرجل


1- 1 الوسائل الباب- 13- من أبواب السلف الحديث- 1.
2- 2 الوسائل الباب- 13- من أبواب السلف الحديث- 3.

ج 24، ص: 351

يشترى طعام قربة بعينها و ان لم يسم له قرية بعينها أعطاه من حيث شاء».

لكن في تقييده ذلك بالنسبة إلى الأرض و الأهل لا يخلو من مناقشة، الا ان يكون المراد منه ارتفاع عزة الوجود بذلك، لكثرة الأهل و الأرض فهو ليس كامرأة معينة، و لا كقراح معين، كما أن تعليل أصل الحكم في الرياض لا يخلو منها أيضا قال: «المسألة الثانية لا يجوز استناد السلف الى معين، لانه ابتياع مضمون كلي في الذمة غير مشخص، الا بقبض المشتري، و يتفرع عليه أنه لو شرط ثوبا من غزل امرأة بعينه، أو غلة من قراح، أى مزرعة معينة لم يضمن و لا يصح، لان تشخيص المسلم فيه بأحد الأمور المزبورة خروج عن حقيقة السلف، كما مرت إليه الإشارة.

نعم لو استند الى معين قابل للإشاعة و لا يقضى التعيين فيه الى عسر التسليم عادة جاز، كما لو أسلف على ماءة رطل من تمر البصرة، فإن ذلك يجرى مجرى الصفات المشترطة في السلف كالحدارة و الصرابة، و عليه يحمل الخبران» و فيه أنه لا دلالة في الشرط المزبور على التشخيص المذكور، فالمدار في المنع فيه و نحوه على عزة الوجود و غلبته التي قد عرفت البحث فيها، و انها ترجع إلى القدرة على التسليم أولا فلاحظ و تأمل و الله اعلم.

[المقصد الرابع في الإقالة]
اشارة

المقصد الرابع من المقاصد التي استدعاها النظر في السلف في الإقالة و ان كانت هي غير مختصة، فيه بل و لا مختصة بالبيع و لذا كان الاولى جعلها بمنزلة الخاتمة لكتاب البيع كما فعله بعضهم الا انه لما منع بعض العامة وقوعها في بعض السلف ناسب جعل البحث فيها مقصدا من مقاصده كمناسبة جعل القرض و دين المملوك كذلك لاشتراك الجميع في تحقق صدق الدين و الأمر سهل.

و على كل حال فلا ريب في مشروعيتها بل رجحانها للنادم المسلم

قال الصادق عليه السلام

ج 24، ص: 352

في خبر ابن حمزة(1)«أيما عبد أقال مسلما في بيع أقال الله عثرته يوم القيمة»

و أرسله

في الفقيه، لكن قال: «أيما مسلم أقال مسلما ندامة في البيع»

و

قال أيضا في خبر سماعة بن مهران (2)«أربعة ينظر الله عز و جل إليهم يوم القيمة أحدهم من أقال نادما»

و

في مرسل الجعفري (3)«ان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم لم يأذن لحكم بن حزام في التجارة حتى ضمن له اقالة النادم»

الحديث الى غير ذلك من النصوص.

و كيف كان ف هي عندنا فسخ في حق المتعاقدين أو ورثتهما، بناء على قيامهم مقامهما في ذلك، كما صرح به في التذكرة و غيرهما كالشفيع، لا بيع سواء كان المبيع عقارا أو غيره، و سواء وقعت قبل القبض أو بعده، و سواء كانت بلفظ الإقالة أو الفسخ، بل لو وقعت بلفظ البيع بناء على صحتها به إذا كان المقصود به محض الفسخ، كما في التذكرة، و ظاهر جامع المقاصد، و ان كان لا يخلو من اشكال، خلافا لمخالفينا فبين مطلق أنها بيع، و مقيد لها في حق الشفيع، و آخر بالعقار، و رابع بما بعد القبض، و خامس إذا كانت بلفظ الإقالة، و لا ريب في ضعف الجميع، لعدم قصد معنى البيع، بل المقصود خلافه، و رد الملك ليس تمليكا جديدا فلا يجرى عليها شي ء من أحكام البيع، بل و لا غيره من المعاوضات الموجبة ملكا جديدا لما عرفت من انها تفيد رد الملك بفسخ العقد الذي قد اقتضى خلافه.

و من هنا لا تجوز الإقالة بزيادة عن الثمن لعدم ما يصلح مملكا للزيادة المفروضة و لا

نقصان لعدم ما يصلح مملكا لما بقي من الثمن مثلا بعد فسخ


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب آداب التجارة الحديث- 2.
2- 2 الوسائل الباب- 3- من أبواب آداب التجارة الحديث- 5.
3- 3 الوسائل الباب- 3- من أبواب آداب التجارة الحديث- 1.

ج 24، ص: 353

العقد فيما قابله تماما، بلا خلاف أجده فيهما الا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن الإسكافي قال: و لو اصطلح المتبايعان بزيادة أو نقيصة صح عند ابن الجنيد، و الأصحاب على خلافه، لأنها فسخ لا بيع، قلت: مضافا الى

صحيح الحلبي (1)عن ابى عبد الله عليه السلام قال:

«سألته عن رجل اشترى ثوبا و لم يشترط على صاحبه شيئا فكرهه ثم رده على صاحبه فأبى أن يقبله إلا بوضيعة قال: لا يصلح له ان يأخذه بوضيعة فإن جهل فأخذه فباعه بأكثر من ثمنه رد على صاحبه الأول ما زاد».

بناء على ان مبنى ذلك فساد الإقالة و بقاء الثوب على ملك المشتري، بل الظاهر عدم الصحة حتى لو ذكرت الزيادة و النقيصة بصورة الشرط الذي هو مملك بنفسه و ان كان بواسطة العقد، لبطلان هذا الشرط باعتبار مخالفته لمقتضى الإقالة التي هي بمعنى الفسخ، و رد كل عوض الى مالكه.

و حينئذ تبطل الإقالة بذلك لفوات الشرط في صحة عقد الإقالة كالمعلومية في المبيع أو فوات الشرط في ضمن عقدها الذي علق الرضاء بالفسخ عليه، كما في كل شرط فاسد في العقد، بناء على فساد العقد بفساده بل ربما ظهر من

بعضهم عدم بناء ذلك على الخلاف في اقتضاء فساد الشرط فساد العقد و عدمه اما لخصوص النص المزبور المتمم بعدم القول بالفصل، بناء على أن المراد منه ما يشمل المعاوضة و الشرطية، و ان ذكر لفظ الباء بل لعله الظاهر منه عند التأمل، أو لأن بطلان الشرط هنا باعتبار منافاته لمقتضى العقد كما عرفت، و لا خلاف في اقتضائه فساد العقد لعوده عليه بالنقض، انما الخلاف في غيره أو لغير ذلك.

لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من النظر ان لم يقم إجماع عليه، كما لعله الظاهر من بعضهم حتى أنه صرح بأنه لا فرق في المنع عن الزيادة و النقيصة بين الحكمية


1- 1 الوسائل الباب- 17- من أبواب أحكام العقود الحديث- 1.

ج 24، ص: 354

و العينية، فلو أقاله على أن ينظره بالثمن أو يأخذ الصحاح عوض المكسر و نحوه لم يصح و لكنك خبير بأن ذلك ان تم فهو في خصوص زيادة الثمن و نقصانه عينا أو حكما كانظار الثمن و إعطاء الصحيح عوض المكسر كما صرح به في التذكرة و غيرها، أما إذا لم يرجع الى شي ء من ذلك بحيث يكون شرطا خارجا عن الثمن، فقد يقال: ان مقتضى عموم

«المؤمنون»

و غيره صحته، و ليس هذا تمليكا بالإقالة بل هو بالشرط الذي ألزمه عقد الإقالة، و دعوى رجوع كل شرط إلى زيادة الثمن و نقصانه واضحة المنع، اللهم الا أن يقال: ان فائدة الشرط التسلط على فسخ العقد الذي قد اشترط فيه ان لم يوف بالشرط، و لذا قيل ان الشرائط في العقود اللازمة انما هي للزومها، بل قيل ان فائدتها قلب اللازم جائزا من أول الأمر و ان كان التحقيق خلافه.

و على كل حال فهو غير صحيح في الإقالة لعدم معهودية تزلزل الفسخ، فلا يصح فسخ الإقالة حينئذ بعدم الوفاء بالشرط، و يعود العقد على ما كان، فلا يصح أصل الشرط، و فيه منع انحصار فائدة الشرط في ذلك، إذ لا مانع من كونه حينئذ كالشرط في العتق و الوقف و نحوهما مما لا يتسلط المشترط به على الفسخ، و أن المراد به مجرد الإلزام و انسلاخ الشرطية التي هي بمعنى التعليق منه غير قادح، لكن و مع ذلك كله فالمسألة لا تخلو من اشكال. و ان كان مقتضى ذلك عدم جواز اشتراط الخيار في الإقالة، بل و لا يتسلط على فسخها بعيب و نحوه لما عرفت، بل مقتضاه أيضا عدم الجواز في معاطاتها، بناء على صحتها فيها للسيرة المستمرة، و أنها تفيد فائدة عقدها كمعاطاة البيع في إفادة الملك، لصدق اسمها عليها، لما عرفت من أن الفسخ منى تحقق لزم، لعدم معهودية تزلزله، فلا يكون فرق حينئذ في ذلك بين المعاطاة و العقد، بخلافه في البيع و نحوه، فإن المعاطاة فيه و ان افاده الملك الا انه يصح الرجوع فيه قبل التلف و التصرف، بخلاف العقد.

نعم قد يمنع كون الإقالة من العقود المصطلحة، و لذا لم يصرح الأكثر ان لم يكن

ج 24، ص: 355

الجميع بكونها عقدا، بل اقتصروا على أنها فسخ، بل أطلق في الدروس وقوعها بقول تقايلنا و تفاسخنا و مقتضاه و لو مع الاقتران، بل صرح بذلك في الروضة و لو أنها منها لوجب فيها تقديم الإيجاب على القبول، بل احتمل في الدروس قيام الالتماس مقام قبولها، فيجري حينئذ الالتماس عليها من أحدهما فبقول الأخر أقلتك، بل احتمل الاكتفاء بالقبول الفعلي لو قال أحدهما ابتداء من دون سبق التماس أقلتك، و من المعلوم عدم الاجتزاء بنحو ذلك في العقود اللازمة، فرجع حاصل المسألة الى ان الإقالة كفسخ الخيار، و ان افترقا بتوقفها على تراضيهما به فيها- بخلافه، فكل لفظ دل عليه يكتفى به، و أما الأفعال المقصود ارادة الفسخ بها الدالة عليه فقد يقال: بالاجتزاء بها، لكون المدار على ما يدل على طيب النفس بالفسخ، كما عساه يشعر به

خبر هذيل بن صدقة الطحان (1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشترى المتاع أو الثوب فينطلق به الى منزله و لم ينفذ شيئا فيبدو له فيرده هل ينبغي ذلك له؟ قال: لا الا أن تطيب نفس صاحبه»

و يحتمل العدم اقتصارا على المتيقن، و كذا الكلام في المركب من القول و الفعل على اختلاف الاحتمالين قوة و ضعفا في الإيجاب و القبول.

و على كل حال فذلك على تقدير الفسخ به ليس من المعاطاة التي ذكروها في عقود المعاوضات، و كان منشأ توهم عقديتها حتى انقدح منه البحث في جريان المعاطاة فيها وجود صورة العقد في بعض عباراتها، و هو أقلتك و قبلت و مراعاة الاتصال بينهما، و نحو ذلك من أحكام العقد، لكنك خبير بأعمية ذلك من العقد الذي يذكر فيه حكم المعاطاة فتأمل جيدا و من ذلك ينقدح ان المراد بالبطلان مع اشتراط الزيادة و النقصان من حيث كون ذلك شرطا في صحتها، كالمعلومية في المبيع لا من حيث الاشتراط فيها، و انه شرط باطل، بل لعل ذلك اولى مما ذكرناه سابقا في شرح


1- 1 الوسائل الباب- 3- من أبواب آداب التجارة الحديث- 3.

ج 24، ص: 356

العبارة، و الله أعلم.

و كيف كان ف تصح الإقالة في جميع ما وقع عليه العقد و في بعضه سلما كان العقد أو غيره لإطلاق أدلة الإقالة معتضدا بعدم الخلاف فيه عدا ما حكاه الشهيد في حواشيه عن ابن المتوج إذا اتحد البائع و المشتري و العقد فإن الإقالة لا تصح إلا في الكل دون البعض رادا عليه بان المنقول خلافه، بل ضعفه واضح و دعوى عدم معقولية الفسخ في البعض دون البعض غير مسموعة كدعوى ان الإقالة في بعض السلم مطلقا أو إذا لم يكن يسيرا مستلزم ما

«نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عنه من البيع و السلف في بيع واحد»(1)

لأنه إذا أقاله في بعض و رد بعض رأس المال يصير في معنى القرض لانه رد مثله و يصير الباقي بيعا.

و فيه مع أن السلف حينئذ بمعنى القرض لا المصطلح أنه منقوض بأرش العيب و باليسير بناء على جوازها فيه، و رد المثل لا يوجب كونه قرضا. و إلا لزم كون البيع إذا قيل و لم يكن العوض موجودا كذلك، على أنه قد يمنع الاجتماع، لأنه انما يكون إذا شرط في البيع ذلك، و اما لو أسلفه شيئا و باعه شيئا آخر و لم يشترط أحدهما في الأخر جاز عندهم، و يمكن ارادة المستدل بناء على أن الإقالة بيع، و قد عرفت بطلانه كل ذلك بعد التسليم الخبر المزبور و تسليم كون المراد منه ذلك، فلا ريب حينئذ في جواز الإقالة في الكل و البعض في السلم و غيره، و يتقسط الثمن حينئذ على النسبة، و الجهالة في مثله غير قادحة قطعا: نعم في التذكرة لو أقاله في بعض السلم ليجعل له الباقي، أو عجل المسلم اليه البعض ليقيله في الباقي فهي فاسدة، أما لو قال للمسلم اليه عجل لي حقي و أخذ دون ما استحقه بطيبة من نفسه كان جائزا، لأنه نوع صلح و تراض و الله أعلم.


1- 1 الوسائل الباب- 7- من أبواب أحكام العقود الحديث- 2.

ج 24، ص: 357

[فروع ثلاثة]
اشارة

فروع ثلاثة

[الفرع الأول لا تثبت الشفعة بالإقالة]

الأول قد ظهر لك أنه لا تثبت الشفعة بالإقالة و لا خيار مجلس و لا صرف و لا غيره من أحكام البيع، لأنها تابعة للبيع و هي فسخ ليست بيعا، عندنا، لا في حق الشفيع و لا غيره، بل و لا عقد معاوضة فلا يجرى عليها شي ء من أحكام عقود المعاوضة.

[الفرع الثاني لا تسقط أجرة الدلال بالتقايل ]

الفرع الثاني من الواضح أنه لا تسقط أجرة الدلال و الوزان و الناقل و نحوهم بالتقايل، لسبق الاستحقاق الذي لا ينافي ثبوته القابل الطاري الذي هو فسخ من حينه.

[الفرع الثالث إذا تقايلا رجع كل عوض الى مالكه ]

الفرع الثالث: إذا تقايلا رجع كل عوض الى مالكه لانفساخ العقد الذي نقلهما عنهما و حينئذ فإن كان موجودا عندهما على مقتضى العقد الذي تقايلا فيه أخذه و ان كان مفقودا مثلا ضمن بمثله ان كان مثليا و الا بقيمته يوم التلف كما صرح به جماعة كنظائره، لأن الضمان متعلق بالعين ما دامت، فإذا تلفت تعلق بقيمتها يومئذ، و ليس المراد من الضمان اشتغال الذمة بالقيمة يوم التلف، إذ لا يعقل اشتغال ذمة المالك بقيمة ماله، بل المراد قيام القيمة يوم التلف مقام العين في صحة تعلق الإقالة، لمعلومية بدلية المثل و القيمة عن العين في كل ما يتعلق بها، و ربما احتمل القيمة يوم القبض لانه ابتداء الضمان، و ضعفه واضح، كوضوح ضعف احتمال الأعلى من يوم القبض الى يوم التلف أو الإقالة.

نعم قد يقال: بضمان القيمة يوم الإقالة، لأنه يوم التعلق، و فيه ان الإقالة لا تشغل ذمة، بل ليست الا فسخا للعقد، فلا بد من قيام بدل العين قبلها، اللهم الا ان يقال ان القيمة يوم التلف قامت مقام العين، فمع فرض تغيرها الى يوم الإقالة تقوم كل

ج 24، ص: 358

قيمة مقام الأخرى إلى قيمة يوم الإقالة، إذ ليس قيام القيمة يوم التلف مقام العين بأولى من قيام كل من افراد القيمة عن الأخر، بل هو اولى، بل الظاهر الذي قام مقام العين كلي القيمة، و ان قارنت تلك الخصوصية في يوم التلف، و لا تشغل ذمة بها حتى يتشخص، فيبقى كل فرد من افرادها قائما مقام الأخر إلى يوم الإقالة، فيتعين ذلك الفرد، لانه هو الذي قارن الاستحقاق، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و منه يظهر الفرق بين القيمة في الإقالة و بين الإقالة في تلف المغصوب.

و على كل حال فالتلف غير مانع من صحة الإقالة كما انه غير مانع من الفسخ بالخيار، للإطلاق الأدلة. نعم ينافيها التلف بناء على أنها بيع لعدم معقولية بيع المعدوم.

نعم احتمل في التذكرة فيما لو اشترى عبدين فتلف أحدهما صحتها على هذا التقدير، لأنها تصارف القائم فيستتبع التالف، مع ان الأقوى خلافه، و لو تقايلا و المبيع في يد المشتري، نفذ تصرف البائع فيه، لأنها فسخ، و لا يصح بناء على أنها بيع، و أنه لا يجوز التصرف في المبيع قبل قبضه، و لو تلف في يده انفسخت الإقالة بناء على أنها بيع، لان كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه، و صحيحة عندنا الا ان الظاهر كونه مضمونا على المشتري لأنه مقبوض على حكم العوض كالمأخوذ قرضا و سوما، لكن في التذكرة ان الواجب فيه ان كان متقوما، أقل القيمتين من يوم العقد و القبض، و فيه بحث، و كذا لو تعيب في يده فإنه يأخذ الأرش منه عندنا، أما على أنها بيع تخير بين إجازة الإقالة مجانا و بين فسخها و أخذ الثمن، بناء على أن حكم البيع كذلك، و لو كان العيب في يد المشتري قبل الإقالة اقتصر عندنا على أخذ الأرش، لأنه كتلف الكل، أما على البيع و الجهل به يتجه جواز الرد، الى غير ذلك مما لا يخفى عليك جريانه على القولين. نعم ينبغي أن يعلم أن الإقالة تسبب رد كل من العوضين الى المالك إذا كان باقيا على مقتضى العقد الأول أما إذا فرض أن المشتري مثلا باعه ثم استوهبه، أو اشتراه أو ورثه أو نحو ذلك، فقد يقال: بعدم اقتضاء الإقالة رد العين

ج 24، ص: 359

ضرورة عدم اقتضاء فسخ العقد الأول ذلك، لان الفرض انتقاله اليه بعقد آخر، مع احتمال القول بأنه بالإقالة يخاطب برد العين مع التمكن منها كيف ما كان، و فيه منع واضح، و لذا لا يجب عليه شراؤها و ان كان متمكنا منه، بل قد يقال: بعدم وجوب الفسخ عليه لو فرض انتقالها عنه بعقد جائز اللهم الا أن يدعى ان الإقالة منه فسخ له، و فيه منع بل قد يقال: بعدم وجوب دفع العين لو كان قد فسخ العقد بعد الإقالة، لانه دخول جديد في ملكه بعد تعلق حق المقال بالقيمة، و ان كان لا يخلو من نظر، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و على كل حال فقول المصنف و فيه وجه آخر فسره في المسالك بأن القيمي يضمن بمثله، ثم ضعفه و هو كذلك، بل لم يعرف نقل هذا الوجه عن أحد في نظائر المسألة، و ربما فسر بعدم صحة الإقالة مع التلف، و هو أضعف من السابق، إذ لا خلاف بيننا في صحتها معه نعم في التحرير بعد أن صرح برد الثمن مع الإقالة ان كان باقيا، و مثله ان كان تالفا أو قيمته ان لم يكن مثليا قال: «لو تقايلا بالثمن رجع كل عوض الى مالكه، فلو كان المعوض تالفا فالوجه صحتها، و كان الحكم كما قلناه في الثمن» و ظاهره الفرق بين الثمن و المثمن حيث جزم في الأول و جعله الوجه في الثاني، لكن ضعفه واضح و الله أعلم.

إلى هنأتم الجزء الرابع و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و قد بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه و مقابلته للنسخة المصححة التي قوبلت بنسخة الأصل المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه و قد خرج بعون الله تبارك و تعالى خاليا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء الخامس و العشرون في أحكام القرض إنشاء الله تعالى.

على الآخوندى

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.