جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد22

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج22، ص: 1

[القسم الثاني في العقود]

اشارة

ج22، ص: 2

ج22، ص: 3

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و به نستعين و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الغر الميامين

[القسم الثاني في العقود]

القسم الثاني من الأقسام الأربعة التي بنى عليها الكتاب في العقود جمع عقد و هو لغة ضد الحل، و شرعا قول من المتعاقدين، أو قول من أحدهما و فعل من الأخر رتب الشارع الأثر المقصود عليه، كما ستعرف تحقيق الحال فيه فيما يأتي إنشاء الله تعالى و منه يعرف الحال فيما في شرح الأستاذ، من تعميم المعاملات للعقود و الإيقاعات، بعد أن اعتبر فيهما الألفاظ، و تعريف الأولى بأنها المشتملة على الإيجاب و القبول، أو بأنها المشتملة على رضى الطرفين، أو بأنها المتضمنة لقصد من الجانبين، و الثانية بأنها إيجابات، أو بأنها قصد من جانب واحد أو بأنها رضى كذلك، إذ هو كما ترى، و لذلك اعترف بعد ذلك، بأن جميع التعريفات التي منها ما سمعته مدخولة في طردها و عكسها، ثم قال إلا أن يراد الاطراد في دخول آحادها

ج 22، ص: 4

في تعدادها، قلت و الذي سهل الخطب ما سمعته غير مرة، من أن المراد من هذه التعريفات الكشف في الجملة، حسب تعريف أهل اللغة، و لعل اختلافهم فيها مبني على اختلاف الاصطلاح، و على كل حال هي أي العقود خمسة عشر كتابا أولها.

[كتاب التجارة]

اشارة

كتاب التجارة و هي مصدر ثان لتجر من التجر، و ربما قيل انها اسم مصدر كالحياكة و الصناعة، لكن الأظهر انها في الأصل مصدر، نقلت إلى معنى الحرفة و الصناعة، فالتاجر الذي حرفته التجارة، و الجمع تجار و تجار و تجر و تجر، كرجال و عمال و صحب و كتب، و على كل حال فهي التي

جعل الشارع (1)«تسعة أعشار البركة فيها، و العشر الباقي في الغنم(2)

و «فيها العز و الغنى عما في أيدي الناس»

، بل

«تركها ينقص العقل»(3)

لكن المراد بها هنا مطلق المعاوضة، نحو قوله تعالى «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ»(4)كما عن مجمع البحرين قال: التجارة بالكسر هي انتقال شي ء مملوك من شخص إلى أخر بعوض مقدر على جهة التراضي


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 4 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 10 و 11.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2.
4- 4 سورة النساء الآية 29.

ج 22، ص: 5

إلى آخره، لا أن المراد بها الصناعة المعروفة، و ان قيل: انها المتبادر منها، بل هو المستفاد من أهل اللغة، الا ان ذلك لا ينافي إرادة غيره منه في خصوص المقام، لمعلومية عدم اعتبار ذلك في التجارة المبحوث عنها هنا، و ان انتقض بالمعاملات المقصود منها الاكتساب من غير ذي الصنعة، الا أن يلتزم الاستطراد و هو بعيد، و لا ما سمعته في كتاب الزكاة من المعاوضة لقصد الربح، و ان كان قد يشعر به قوله الأول فيما يكتسب به، و إبدال غيره التجارة في العنوان بالمكاسب، بل جزم به في المسالك مدعيا انه هو المعروف في أخذه في مفهومها، حتى التزم لذلك ان جميع ما في هذه الكتاب مما لا مدخلية له فيها بالمعنى المزبور قد ذكر استطرادا، و فيه من الغرابة ما لا يخفى، ضرورة عدم المدخلية للمعنى المزبور في جميع مقاصد الكتاب، على انه هو أيضا في باب الزكاة بعد أن ذكر تعريف المصنف لمال التجارة قال: ان تعريفه بذلك من حيث تعلق الزكاة، و الا فالتجارة مطلقا أعم من ذلك كما سيأتي فكلامه هنا مخالف لقواعده، و الحق ان ما ذكره المصنف و غيره في كتاب الزكاة ليس تحديدا لمال التجارة كما فهمه الشارح، بل هو تخصيص له بالفرد الذي يصلح لتعلق الحكم الشرعي بحسب اقتضاء الأدلة، و لذا اختلفوا في بعض القيود، و رجح الشارح هناك عدم اعتبار قصد الاكتساب حال التملك، و اكتفى بالاعداد للتكسب و لو بعد ذلك، و المقصود ان متعلق الزكاة هو بعض أفراد مال التجارة دون جميع الافراد و هذا مثل ما يقال المراد بالأعيان النجسة، في المكاسب المحرمة ما لا يقبل التطهير مع بقاء عينه، و المراد بالمسكر، المائع بالأصالة، و مرجعه إلى إطلاق اللفظ و ارادة بعض أفراده، و ليس ذلك من التعريف و التحديد في شي ء، و لعل من ذلك كله و غيره، جزم بفساد كلامه شيخنا في شرحه

ج 22، ص: 6

و إن وافقه على اعتبار ذلك في مفهومها لغة و عرفا، حتى أنه صرفها في النذور و نحوها إلى ذلك، كالنصوص (1)الواردة في مدح التجارة و التجار، الا ان ذلك غير مراد منها هنا، لعدم الخصوصية، ثم اختار كونها بمعنى البيع و توابعه، حاكيا له عن الخلاف و المبسوط قال: فما ذكر في المقدمات أو بعض المقامات من غير ذلك فمن الملحقات، و هو و إن كان قد يشهد له إفراد غير البيع من أقسام المعاوضات، بكتب مستقلة، لكن يبعده معروفية كونها أعم من ذلك، و ذكر كثير من أحكام التكسب و ما يكتسب به و نحوها مما لا مدخلية له في البيع، و لذلك قلنا: بكون المراد منها مطلق المعاوضة، و عدم أفراد البيع بكتاب بخلاف غيره من إفرادها لشدة تعلقه بها و غلبته فيها هذا كله مع إمكان منع اعتبار الاسترباح في مفهومها، و كأنه اشتباه من اعتباره في مفهوم الاتجار، بمعنى اتخاذ

التجارة حرفة و مكتسبا، و النصوص في الزكاة و في المقام في ذلك، لا في أن مطلق اسم تجارة مأخوذ في مفهومه ذلك، كما هو واضح بأدنى تأمل، و بما ذكرناه يظهر لك الجواب عما في المسالك أيضا، من أنه كان ينبغي العنوان أولا بالمكاسب، ثم يذكر بعد ذلك كتاب البيع الذي هو أحد أفرادها إذا قصد التكسب به كما فعله في الدروس، لا تخصيص كتاب التجارة فيه و ذكر غيره بكتب مستقلة، مع أنها جميعا مع قصد التكسب بها من أفرادها، ضرورة انك قد عرفت الوجه في ذلك، لا يقال: أن مقتضى ما ذكرت كون التجارة من الألفاظ المشتركة، لأنا نقول: مع انه يمكن عدم الالتزام به، هو خير من ارتكاب الاستطراد في أكثر المسائل و الأمر سهل.

و كيف كان ف هو مبني على فصول

[الفصل الأول فيما يكتسب به ]

اشارة

الأول فيما يكتسب به،


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 1- 13.

ج 22، ص: 7

و ينقسم إلى محرم و مكروه و مباح و زاد في القواعد الواجب و المندوب، لكنه جعل المقسم التجارة لا محلها، و عد من الواجب ما يضطر إليه لمؤنته و مؤنة عياله و من المندوب ما يقصد به التوسعة عليهم و في المسالك ان كلا من التقسيمين حسن، و إن كان ما هنا أحسن، إذ لا خلل في الثلاثة كما لا خلل في الخمسة، فإن مورد القسمة في الثلاثة ما يكتسب به و هو العين و المنفعة، و ظاهر ان الوجوب و الندب لا يرد عليهما من حيث انهما عين خاصة و منفعة، بل بسبب أمر عارض، و هو فعل المكلف، و مورد الخمسة الاكتساب الذي هو فعل المكلف، و من شأنه أن يقبل الأقسام الخمسة، فيما يمكن فيه تساوي الطرفين باعتبار العوارض اللاحقة له، و فيه ان العين و المنفعة من حيث كونهما كذلك كما لا يرد عليهما الوجوب و الندب، لا يرد عليهما باقي الأحكام الخمسة لعدم الفرق بين الجميع في عدم التعلق بهما الا بحسب فعل المكلف، نعم قد يقال: إن اقتصار المصنف على الثلاثة هنا باعتبار تعلقها بالأعيان بالذات، و لو من حيث فعل المكلف، ضرورة ثبوت الأعيان التي يحرم التكسب بها ذاتا، و كذلك الكراهة و الإباحة، بخلاف الوجوب و الندب فانا لا نعرف من الأعيان ما يجب التكسب به كذلك أو يستحب، و ثبوت وجوب التكسب في نفسه، أعم من وجوبه بالعين المخصوصة، من حيث الذات، و لعل ذلك هو مراد الشارح، و إن كانت عبارته قاصرة عنه، و لكن فيه أولا ان المصنف لم يقتصر على ذلك، كما لا يخفى على من لاحظ ما ذكره من الأقسام المشتملة على بيع السلاح لأعداء الدين و نحوه، و ثانيا ان ذلك ان سلم في الواجب، أمكن منعه في المندوب، لإمكان ثبوت استحباب التكسب ببعض الأعيان، كالغنم التي جعل جزء من البركة فيها، و نحوها و قد يدفع بأن البركة فيها، لا في

ج 22، ص: 8

التكسب بها، و لذا قوبل بجعل باقي أجزاء البركة في التجارة، كما لا يخفى على من لاحظ النص (1)الذي تضمن ذلك، و على كل حال فالأمر في ذلك سهل، إنما الكلام في بيانها.

[أنواع المكاسب المحرمة]
اشارة

ف نقول المحرم أنواع

[النوع الأول الأعيان النجسة ذاتا]

الأول الأعيان النجسة ذاتا كالخمر و الأنبذة المسكرة و الفقاع و غيرها من النجاسات التي عرفتها في كتاب الطهارة، عدا الكلب الذي ستعرف البحث فيه، و الرق الكافر فإنه لا خلاف و لا إشكال في جواز التكسب به، و لعل عدم استثناء المصنف له، لان محل البحث في النجاسات من حيث عدم قبولها التطهير بغير الاستحالة، و هو يقبله بالإسلام الذي ليس باستحالة قطعا، اما المرتد عن فطرة فالمتجه عدم جواز التكسب به بناء على عدم قبول توبته ظاهرا و باطنا، و لعل من جوز بيعه كالمحقق الثاني على ما حكي عنه بل قيل: انه ربما ظهر ذلك أيضا من رهن المبسوط و التحرير بناه على قبول توبته باطنا، و قد فرغنا من البحث في بطلانه في كتاب الطهارة و اما العصير العنبي إذا نش و غلا من قبل نفسه حتى صار خمرا فحكمه حكمه، و إذا غلا بالنار و لم يذهب ثلثاه و قلنا بنجاسته فيمكن القول بجواز بيعه، لقبوله التطهير، بالنقص الذي ليس استحالة، فلا يندرج في عنوان البحث، و لو قلنا بأن ذلك منها، و انه قبله كان خمرا اتجه عدم جواز بيعه كما نص عليه

بعضهم، و ان كان الأقوى الأول، و كيف كان فلا خلاف يعتد به، في حرمة التكسب في الأعيان النجسة التي لا تقبل الطهارة بغير الاستحالة، ل

قول (2)الصادق (عليه السلام) في خبر


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3 و 4 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 9

تحف العقول «أو شي ء من وجوه النجس فهذا كله حرام و محرم، لان ذلك كله منهي عن أكله و شربه و لبسه و ملكه و إمساكه و التقلب فيه، فجميع تقليبه في ذلك حرام»

بل مقتضاه عدم جواز الانتفاع به مطلقا فضلا عن التكسب به، كما هو ظاهر جماعة و صريح آخرين إلا ما خرج بدليل من سيرة و نحوها كالتسميد بالعذرة و نحوها، مما ينبغي الاقتصار عليه و لا يتعدى منه إلى غيره، ففي الفرض يختص الجواز بالانتفاع، دون التكسب كما هو واضح.

بل ربما ظهر من ملاحظة كلامهم في الدهن النجس، الإجماع على عدم جواز الانتفاع به، بل في المحكي، عن شرح الإرشاد للفخر و تنقيح المقداد ذلك، حيث قالا: إنما يحرم بيعها لأنها محرمة الانتفاع و كل محرم الانتفاع لا يصح بيعه، أما الصغرى فإجماعية، بل لعل ذلك ظاهر الغنية أيضا و حينئذ يتجه الحكم بحرمة التكسب به، لكونه مسلوب المنفعة، و ل

قول الصادق (1)(عليه السلام) في خبري أبي بصير و محمد «ان الذي حرم شربها حرم ثمنها»،

و في الخبر(2)الآخر «لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها».

بل ربما ظهر من خبر التحف المزبور عدم دخوله في الملك، كما صرح به بعض مشايخنا جازما به، و يؤيده عدم عده في الأموال عرفا مع أصالة عدم دخوله فيه، بناء على توقفه على أسباب شرعية لا أن الملك شرعا تابع للسلطنة العرفية على الشي ء، و أنه ليس الملك حقيقة إلا ذلك، نعم قد يقال، بأن له حق الاختصاص لمن سبق إليه لتحقق الظلم عرفا بالمزاحمة له بل لعل دفع العوض لرفع يد الاختصاص عنه لا بأس به، ضرورة عدم


1- 1 الوسائل الباب 55 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 6.
2- 2 سنن بيهقي ج 6 ص 13.

ج 22، ص: 10

صدق التكسب به، لعدم دفع العوض عنه، مع أنه ربما أشكل ذلك بما عن التذكرة من الإجماع على عدم صحة الوصية بما هو خارج عن كونه مقصودا بالتملك، كفضلات الإنسان، مثل شعره و ظفره و العذرات لأنه يكفي في صحة الوصية ثبوت الاختصاص، و حق المنع الملازم لجواز الاقتناء، و قد يدفع بكون المراد الوصية المقتضية للتمليك أو غير ذلك.

و كيف كان فقد ظهر لك تعدد وجه المنع فيما نحن فيه، مضافا إلى محكي الإجماع على ذلك، فعن التذكرة يشترط في المعقود عليه الطهارة

الأصلية، فلو باع نجس العين كالخمر و الميتة و الخنزير لم يصح إجماعا، و قال: فيها الكلب إن كان عقورا حرم بيعه عند علمائنا، و قال: لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منا، و عن المنتهى إجماع المسلمين كافة على تحريم بيع الخمر و الميتة و الخنزير، و إجماع علمائنا على تحريم بيع الكلاب عدا الأربعة، و عن النهاية الإجماع على تحريم بيع الخمر و العذرة و الدم و عن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع الخمر و السرجين النجس، و الكلب عدا كلب الصيد، و عن المبسوط الإجماع على تحريم بيع الخنزير و إجارته و اقتنائه و الانتفاع به، و عن السرائر بيع الخمر للمسلم حرام و ثمنه حرام، و جميع أنواع التصرفات فيها حرام على المسلمين بغير خلاف بينهم، و قال أيضا: حكم الفقاع حكم الخمر لا يجوز التجارة فيه، و لا التكسب به بغير خلاف بين فقهاء أهل البيت، و عن الانتصار مما انفردت به الإمامية القول بتحريم الفقاع و تحريم ابتياعه، و استدل عليه بإجماع الفرقة، قال: و إن شئت أن تبنى المسئلة على تحريمه، فنقول: قد ثبت حظر شربه، و كل ما حظر شربه، حظر ابتياعه و التفرقة بين الأمرين خروج عن إجماع الأمة، و إلى ثبوته في النصوص المعتبرة، في العذرة و الدم، و الخمر، و الخنزير

ج 22، ص: 11

و الميتة، و الكلب الذي لا يصيد(1)و يتم بعدم القول بالفصل، و إلى

النبوي (2)عن ابن عباس الذي أورده في الخلاف و السرائر و التذكرة و المهذب و الغوالي كما قيل: «ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه».

و

خبر جابر(3)بن عبد الله الذي أورده أيضا في الخلاف و المنتهى كما قيل «أن الله و رسوله (صلى الله عليه و آله) حرما بيع الخمر و الميتة و الخنزير و الأصنام قيل: يا رسول الله أريت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن و يدهن بها الجلود و يستصبح بها الناس فقال: لا هو حرام ثم قال: (صلى الله عليه و آله) قاتل الله اليهود، إن الله تعالى لما حرم عليهم شحومها حملوها ثم باعوها فأكلوا ثمنها»،

و عن الإيضاح و الغوالي أنه (عليه السلام) قال: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا أثمانها»(4)

بل قد يستفاد ذلك أيضا من قوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ»(5)بناء على أن تعلق التحريم بالأعيان يعم جهات الانتفاع لا خصوص المنافع المقصودة، كالأكل و الشرب و إن كان فيه ما فيه، نعم قد يدل قوله تعالى في الخمر «رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ»(6)على ذلك باعتبار عدم تحقق الاجتناب عنها مع التصرف فيها بالتجارة، بل و كذا قوله «وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ»(7)بناء على أنه القذر كما عن الجوهري و القاموس بل هو


1- 1 الوسائل الباب 5 و 14 و 40 و 55 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 الخلاف ج 1 ص 225 الطبع الحديث بطهران سنة 1370.
3- 3 صحيح بخاري ج 2 ص 26 صحيح مسلم ج 1 ص 229.
4- 4 مسند ابن حنبل ج 1 ص 322.
5- 5 سورة المائدة الآية 3.
6- 6 سورة المائدة الآية 90.
7- 7 سورة المدثر الآية 5.

ج 22، ص: 12

المناسب لقوله تعالى «وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ»(1)و عن تفسير علي بن إبراهيم الرُّجْزَ الخبيث، و المحكوم بنجاسته شرعا خبيث قذر، فيجب هجره بمقتضى الأمر الذي هو من التكاليف المشتركة، دون الخواص، و التصرف بالتجارة و البيع و الشراء خلاف الهجر المأمور به، فيكون محرما، بل لعل مطلق الانتفاع به كذلك، و على كل حال فقد ظهر لك الوجه في فساد المعاملة و عدم ترتب الأثر لا الحرمة محضا كما لا يخفى على من أحاط بما ذكرناه فما وقع من بعض الناس من الوسوسة في ذلك في غير محله، بل ظهر أيضا ما في كلام الأستاد عن الجزم بجواز الانتفاع في الجهة التي لم يثبت تحريمها، مستندا في ذلك إلى ما هو غير مجد أو مقطوع ببعض ما عرفت فلاحظ و تأمل.

و كذا الحكم في كل مائع نجس لا يقبل التطهير، و إن كانت نجاسته عرضية، فلا يجوز حينئذ التكسب به و لا الانتفاع به، لإطلاق بعض الأدلة المزبورة التي لا يقدح فيه خروج الانتفاع ببعضها لقيام سيرة أو إجماع أو نحوهما، كما لا يقدح خروج بعض الأعيان النجسة لذلك، كما أنه لا فرق بين تعقب الجمود له و عدمه بعد الاشتراك في عدم قبول التطهير الذي هو مدار الحكم، نعم قد يخرج عن ذلك ما قبل ظاهره التطهير بعد الجمود كالقير و الفضة و الذهب و نحوها إذا تنجست مائعة ثم جمدت، فلا بأس بالتكسب بها مائعة باعتبار أن لها حالة

يقبل ظاهرها التطهير فيها و به يحصل النفع المقصود منها، و منه يعلم خروج العجين النجس و نحوه، بنا على أن له حالة هي التجفيف يقبل فيها التطهير أيضا، بل عن المحقق الثاني في حاشية الإرشاد، ان الظاهر جواز بيعها مع أنها لا تقبل التطهير عند الأكثر


1- 1 سورة المدثر الآية 4.

ج 22، ص: 13

مجيبا عن ذلك بأنها تؤل إلى حالة تقبل معها التطهير، و هي الجفاف بل ذلك هو المقصود منها.

بل ألحق به بعض مشايخنا، الصابون مدعيا أنه كالصبغ، قال:

فلا إشكال حينئذ في الغسل بما يبقى من زغوته المتنجسة، لكنه كما ترى، و الأولى الاستناد في خروج ذلك إلى السيرة إن كانت، كما أنه يمكن القول باقتصار المنع على المتنجس سابقا قبل الاستعمال، أما ما تنجس به كطلي الأجرب مثلا به فلا، مع أن الأحوط اجتناب مطلق ما لا يضطر إليه من ذلك، ثم أنه ينبغي الجزم بخروج الطحين و نحوه إذا مزج معه سحيق النجاسة، على وجه لا يتميز عنها عما نحن فيه، ضرورة عدم كونه نجسا و لا متنجسا، نعم قد يحتمل المنع عن بيعه باعتبار عدم التمكن من منفعته المقصودة» مع أنه لا يخلو ذلك من مناقشة، و كيف كان فقد ظهر لك أن ما لا يقبل التطهير من المتنجس كالنجس ذاتا، عدا ما عرفت مما علم خروجه عن ذلك بسيرة أو إجماع و نحوهما، و إن من ذلك المائعات غير الماء فإنها لا تقبل التطهير مع بقاء عينها، خلاف للعلامة في بعض أقواله، فجوز بيعها لقبولها التطهير عنده كذلك، و لما عن الكركي من جواز بيعها فيما لا يتوقف الانتفاع به على طهارته، كالمائعات المقصود منها الصبغ، بخلاف المقصود منها الأكل و الشرب و نحوهما، بل عنه أيضا الجواز إن قصد مزجه بالماء المطلق إلى أن يصير ماء، لطهارة المضاف باستهلاكه في الكثير المطلق، و الجميع كما ترى فالأصح حينئذ عدم جواز بيعها مطلقا في غير ما عرفت عدا الادهان من حيوان أو غيره فإنه يجوز التكسب بها، لأن ل ها فائدة و هي الاستصباح بها تحت السماء فجاز بيعها لذلك بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل في محكي الخلاف

ج 22، ص: 14

و الغنية و إيضاح النافع الإجماع عليه، بل يمكن تحصيله، فما عن ظاهر الشيخ من عدم جواز بيع الأدهان مطلقا عدا الزيت للاستصباح به تحت السماء واضح الضعف، ضرورة كونه محجوجا بما عرفت، مضافا إلى النصوص كخبر أبي بصير(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الفأرة تقع في السمن أو الزيت فتموت فيه، فقال: إن كان جامدا فتطرحها و ما حولها و يؤكل ما بقي و إن كان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته»(2)

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق المروي عن قرب الاسناد عن الصادق عليه السلام أيضا «قال: سأل سعيد الأعرج السمان و أنا حاضر، عن

الزيت و السمن و العسل يقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع؟ قال: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له فيبتاع للسراج و أما الأكل فلا، و أما السمن فان كان ذائبا فهو كذلك، و إن كان جامدا و الفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها و ما حولها ثم لا بأس به، و العسل كذلك إن كان جامدا»

إلى غير ذلك من النصوص (3)التي لم يفرق فيها بين الزيت و غيره، كما فرق فيها بين الجامد و غيره فما عنه من التفصيل في الجامد ضعيف أيضا قال: فيما حكي عن مبسوطة النجس بالمجاورة لا يخلو من أحد أمرين إما أن تكون النجاسة التي جاورته ثخينة أو رقيقة، فان كانت ثخينة تمنع من النظر إليه فلا يجوز بيعه، و إن كانت رقيقة لا تمنع من النظر إليه جاز بيعه، و إن كان مائعا فلا يخلو من أحد أمرين، إما أن لا يطهر بالغسل، أو لا يكون كذلك فان كان الأول مثل السمن


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 6 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 15

فلا يجوز بيعه، و إن كان مما يطهر كالماء فإنه يجوز بيعه إذا طهر، و فيه ما لا يخفى حتى بالنسبة إلى اشتراط التطهير للماء في بيعه.

نعم النصوص المذكورة و غيرها مطلقة لا تقييد فيها بكون الإسراج تحت السماء، و من هنا مال الشهيد الثاني إلى الإطلاق، حاكيا له عن المبسوط و العلامة في المختلف و موضع من الخلاف و تبعه الأردبيلي و الخراساني فيما

حكي بل عن فخر المحققين أنه قواه في الإيضاح بل لعله هو الظاهر من إطلاق المحكي عن أبي علي، إلا أن المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا التقييد شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل عن ابن إدريس نفى الخلاف عنه تارة، و نسبته إلى الأصحاب أخرى كالمحكي عن غاية المراد، من النسبة إلى نصهم، بل عن كشف اللثام نسبته إلى قطعهم، و في محكي المبسوط انه قال: و روى أصحابنا انه يستصبح به تحت السماء دون السقف، فيمكن التقييد حينئذ بالمرسل المزبور بعد انجباره بما سمعت، و بأصالة عدم جواز الانتفاع بالنجس فضلا عن التكسب به، فيقتصر على المتيقن من كونه تحت السماء، و ليس ذلك لنجاسة دخانه كما عن بعضهم تعليل المنع به باعتبار استلزامه نجاسة السقف، ضرورة عدم النجاسة بعد الاستحالة دخانا و لو سلم عدم استحالته جميعا، بل تبقى أجزاء من الدهن معه، منعنا عدم جواز تنجيس السقف و نحوه، و حينئذ فليس ذلك إلا تعبدا محضا كما هو واضح، و حينئذ يتجه مراعاة صدق الاستصباح به تحتها في الجواز، فلا بد من كونه مكشوفا لها غير محجوب عنها بحاجز مشبكا أو لا مرتفعا أو لا كثيفا أو لا لإطلاق دليل المنع المقتصر في تقييده على المتيقن الذي قد عرفت و هو الاستصباح به تحت السماء دون مطلق الاستصباح، فضلا عن غيره من المنافع، خلافا لبعضهم فجوز الانتفاع

ج 22، ص: 16

بها في غير ذلك، بل جوز بيعها له بل هو خيرة العلامة الطباطبائي فإنه بعد أن حكى جواز بيعها للاستصباح مطلقا أو تحت السماء حكى جواز بيعها للانتفاع بها، في غير مشروط بالطهارة و لو غير الاستصباح ثم قال: و هو الأظهر و كان وجهه أصالة جواز الانتفاع بها لذلك، فتكون عينا ينتفع بها منفعة محللة مقصودة للعقلاء، فتندرج في إطلاق البيع و غيره من أسباب التكسب و النصوص إنما دلت على جواز الإسراج بها الذي هو أحد المنافع، لا اختصاصه و لذا قوبل بالأكل في بعضها فجوزت بيعها مخبرا بحاله حتى ينتفع به المنفعة المحللة التي ذلك أحد أفرادها، بل هو الغالب لا تخصيص الجواز بها و لا البيع فيها و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما أسلفاه من عدم جواز الانتفاع غير الاستصباح المزبور، فلا يجوز البيع حينئذ إلا له كما هو ظاهر الأصحاب.

ثم إن الظاهر وجوب إعلام المعطي للمعطى له للانتفاع، و لو لا على وجه الاكتساب، نعم لو أخذه من غير يده أو رآه في يده لم يجب إعلامه للأصل و يجب العمل بقول ذي اليد و إن لم يكن ثقة، هذا كله في الدهن المتنجس، أما لو كانت نجاسته ذاتية كالألية المقطوعة من ميت أو حي لم يجز نقله و لا انتقاله و لا استعماله حتى بالاستصباح تحت السماء، بلا خلاف معتد به أجده فيه لإطلاق ما دل على المنع فيما لا يقبل التطهير، و على الميتة و خصوص (1)ما دل عليه في إسراج المقطوع من الحي فضلا عن الميت، فلم (2)يبق للمعارض و إن صح سنده،

أهلية المعارضة فما عن المجلسي من الجواز غريب، لما عرفت


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب الذبائح الحديث 1- 2.
2- 2 الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 17

و لكونه من الميتة التي لا يجوز الانتفاع بشي ء منها، مما تحله الحياة فضلا عن التكسب، سواء كانت ميتة نجس العين، أو طاهرها ذي النفس السائلة، نعم لا بأس بما لا تحله الحياة من أجزائها، كما أنه لا بأس بميتة غير ذي النفس، و لعل المصنف و غيره استغنى عن التقييد بذكره الميتة في ضمن أمثلة للأعيان النجسة، و قد عرفت في كتاب الطهارة و الصلاة اختصاصها بذات النفس، بل قد عرفت هناك جملة من أحكام استعمالها و الانتفاع بها فلاحظ و تأمل.

و كذلك الكلام في الدم و أرواث و أبوال ما لا يؤكل لحمه من الأعيان النجسة التي قد أخرجها الشارع، عن حكم التمول، بل قد عرفت عدم جواز الانتفاع بها على وجه يجوز التكسب بها بلا خلاف معتد به، أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منهما مستفيض فعن الخلاف إجماع الفرقة على تحريم بيع السرجين النجس، خلافا لأبي حنيفة و في محكي التذكرة لا يجوز بيع السرجين النجس إجماعا منا، و النهاية بيع العذرة و شرائها حرام إجماعا و عن المنتهى الإجماع على تحريم بيع العذرة، و

قال الصادق (1)عليه السلام في خبر يعقوب بن شعيب «ثمن العذرة من السحت»(2)

و في مرسل الدعائم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام «ان رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن بيع العذرة و قال: هي ميتة»

و ما في سنديهما من الجهالة و الإرسال غير قادح بعد الانجبار بما عرفت، مضافا إلى ما سمعته سابقا من الأدلة على تحريم التكسب بالأعيان النجسة التي هذه منها، و إلى أن البيع مشروط بالملك، و العذرات غير مملوكة باتفاق علمائنا كما قيل، بل هي و الأبوال و الدماء ليست من


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 427.

ج 22، ص: 18

المتمولات عرفا، و لذا لم يضمنها من أتلفها، لكن مع ذلك كله ربما توهم الخلاف من

رواية الكليني (1)خبر محمد بن مضارب في الباب الجامع لما يحل بيعه و ما لا يحل عن الصادق عليه السلام «لا بأس ببيع العذرة»

المحمول على عذرة مأكول اللحم، جمعا بين الأدلة خصوصا بعد

صحيح صفوان المجمع على تصحيح ما يصح عنه عن (2)مسمع بن أبي مسمع الثقة على الظاهر عن سماعة قال: «سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام

و أنا حاضر فقال: إني رجل أبيع العذرة فما تقول قال:

حرام بيعها و ثمنها و قال: لا بأس ببيع العذرة»

الذي هو صريح في أن العذرة منها ما يجوز بيعها و منها ما لا يجوز، و الا لزم التناقض بين جزئي الحديث، فتعين الحمل على ما ذكرنا.

و عن الشيخ في التهذيب الجمع بحمل رواية الجواز على عذرة البهائم من الإبل و البقر و الغنم، و في الاستبصار بحملها على عذرة غير الآدميين، و الظاهر ان مرجع التأويلين إلى شي ء واحد، و هو الحمل على الأرواث الطاهرة كما قلناه، إذ لا فرق بين أنواع ما يؤكل لحمه في جواز البيع، و لا بين أنواع ما لا يؤكل لحمه في المنع، و قد صرح هو في المحكي عن مبسوطة و خلافه بجواز بيع السراجين الطاهرة، و تحريم بيع النجسة من دون تفصيل، بل نقل على ذلك في الخلاف إجماع الفرقة و إطلاق كلامه في الاستبصار، محمول على إرادة البهائم التي ينتفع بعذراتها غالبا، و لذا خصها بالذكر في التهذيب و لم يذكر غيرها من الحيوانات المأكولة اللحم مع القطع بمساواته لها في الحكم و من ذلك يعلم أن الشيخ لا خلاف له في المسئلة، فما عساه يتوهم


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 40 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 19

من عبارته من جواز بيع عذرة غير الآدمي و إن كانت نجسة في غير محله كما أن ما عساه يقال أو قيل: من إمكان الجمع بين الروايتين، بحمل حديث المنع على الكراهة، أو التحريم مع فرض عدم الانتفاع، كما في بعض البلدان، أو التقية و حينئذ فيكون الحكم بنفي البأس في رواية سماعة بيانا للحكم الواقعي في غير محله أيضا، ضرورة أن الجمع بذلك فرع التكافؤ المفقود هنا كما عرفت، على أن لفظ السحت و الحرام كالصريح في خلاف الكراهة، و ليس هو بأولى مما ذكرناه على أن السؤال عن بيع العذرة قرينة، على الانتفاع إذ ما ينتفع به لا يسئل عن بيعه، و أما التقية فهي في الحقيقة طرح لأحد الدليلين، فالجمع أولى و من ذلك كله يظهر لك أن ما عن الظاهر الأردبيلي و المحقق الخراساني من التوقف في حكم العذرة و غيرها من الأرواث النجسة، بل الميل إلى جواز بيعها كما هو المحكي عن الفاضل القاساني تمسكا بالأصل، و استضعافا لدليل المنع و التفاتا إلى ظهور الانتفاع بها في الزرع و الغرس في غاية الضعف، بعد ما عرفت و ما أبعد ما بين القول بذلك، و القول بعدم جواز بيع الأرواث و الأبوال كلها إلا بول الإبل من غير فرق بين الظاهر و النجس، كما هو المحكي عن المفيد و سلار و إن كنا لم نتحقق ذلك منهما، لتعبيرهما بالعذرة التي هي حقيقة في عذرة الإنسان، نعم كلامهما ظاهر في عدم جواز بيع الأبوال الطاهرة إلا بول الإبل كما أشار إليه المصنف بقوله و ربما قيل بتحريم الأبوال كلها إلا بول الإبل خاصة دون الأرواث الطاهرة التي لم يظهر لنا خلاف في جواز بيعها، بل سيرة المسلمين في الأعصار و الأمصار من غير نكير على ذلك، مضافا إلى أنها أعيان طاهرة ينتفع بها نفعا ظاهرا بينا في التسميد و الإيقاد، فيحل بيعها كغيرها من الأعيان المخلوقة

ج 22، ص: 20

لمصالح العباد و عموم قوله تعالى «وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(1)«و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ »(2)و نحوهما و خصوص نفي البأس في الخبرين السابقين و حرمة أكلها لاستخباثها، و للنصوص الدالة على تحريم الفرث (3)من الذبيحة حتى ظاهر قوله تعالى «نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ (4)إلى آخرها و غير ذلك لا يقتضي حرمة التكسب بها، و إن

ورد عنه (5)عليه السلام «إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»

«و لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها و أكلوا أثمانها»(6)

لكن لا يخفى عليك أن تحريم الأكل إنما يقتضي تحريم التكسب لو كان الشي ء مأكولا مقصودا منه الأكل كالشحوم و اللحوم و نحوهما، و الأرواث ليست كذلك، إذ الفائدة المقصودة منها شي ء آخر غير الأكل، و ليس ذلك بمحرم، و المحرم منها و هو الأكل غير مقصود، و معنى قوله عليه السلام إذا حرم إلى آخره، إذا حرم

الغاية المطلوبة من شي ء حرم ثمنه، فلا يتناول الأرواث، نعم يتجه ذلك في الطحال و نحوه من محرمات الذبيحة المقصود منها الأكل الذي قد حرم.

و أما بول غير الإبل من الأبوال الطاهرة فقد عرفت منهما عدم جواز التكسب بها، كما هو صريح الفاضل في التذكرة و القواعد و الإرشاد بل هو ظاهر الشيخ في النهاية و لعله لأنه لو جاز بيعها لكان للانتفاع


1- 1 سورة البقرة الآية 275.
2- 2 سورة النساء الآية 29.
3- 3 الوسائل الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4 و 8.
4- 4 سورة النحل الآية 66.
5- 5 الخلاف ج 1 ص 225 المطبوعة بطهران سنة 1370.
6- 6 مسند ابن حنبل ج 1 ص 322.

ج 22، ص: 21

بها في الشرب، لكن شرب الأبوال محرمة، فيحرم البيع تبعا له أما الأولى فلأن الانتفاع بغير الشرب نادر، لا يعتد به و لا يصح البيع لأجله، كما في فضلات الإنسان و رطوباته، و اما الثانية فلأنها من الخبائث المحرمة بنص الكتاب، بل

روي عن رسول الله صلى الله عليه و آله بعدة طرق (1)«انه كان يكره الكليتين و لا يأكلهما لكونهما مجمع البول أو لقربهما منه»

بل لو سلمنا جوازه فهو نفع نادر غير مقصود للعقلاء، و لا معدود من المنافع عرفا، لإعراض الناس عنه و عدم التفاتهم إليه، كالانتفاع بغير الشرب فلا يصح بيعها للإجماع على اشتراط المنفعة في البيع، و المراد بها المنفعة الظاهرة المقصودة من الشي ء في العادة و لا عبرة بالمنفعة النادرة، إذ لا يخلو عنها شي ء من الأشياء فلو كانت كافية في صحة البيع،

لبطل اشتراط النفع و لزم جواز بيع كل شي ء، و هو خلاف الإجماع، كل ذلك مضافا إلى عدم عدها في العرف أموالا، يتحقق فيها الغصب و السرقة و الضمان و نحوها، و إلى ما في كشف الرموز من نسبة عدم الجواز إلى عموم الروايات الواردة بالمنع من التصرف في الأبوال بل ابن إدريس لما نقل عبارة النهاية قال:

من ذلك خبر أورده شيخنا إيرادا لا اعتقادا، لكن يقوى في النظر جواز التكسب بها أيضا، وفاقا للحلي و الفاضل في المختلف و التحرير و الابى و الشهيدين و الكركي و غيرهم، لنحو ما سمعته في الأرواث، من عموم الأدلة و غيرها، بل صرح المرتضى بجواز شربها اختيارا، مدعيا عليه الإجماع مضافا إلى الأصل، و عموم الكتاب و السنة و

قول النبي صلى الله عليه و آله (2)«لا بأس ببول ما أكل لحمه»

و الموثق عن


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 5 و 1.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 17.

ج 22، ص: 22

الصادق (1)عليه السلام «كل ما أكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه»

بل و

الموثق الآخر عنه أيضا(2)«سئل عن بول البقر يشربه الرجل قال: إن كان محتاجا إليه يتداوى به يشربه، و كذلك بول الإبل و الغنم»

و خبر سماعة(3)«سألت أبا عبد الله عن شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم ينعت له من الوجع هل يجوز له أن يشرب قال: نعم لا بأس به»

، الظاهرين في تساوي أبوال الإبل و غيرها، و ستعرف جواز بيعها، على أنه لو سلم عدم جواز شربها فلا يستلزم عدم جواز التكسب بها، كما سمعته في الروث و عدم عد الناس لها أموالا تساهلا و استغناء عنها غالبا، لا ينافي جواز التكسب بها عند الحاجة إليها و اتخاذها مالا، لندرة المنفعة المرادة منه، لا تقتضي عدم جواز التكسب بها، و إلا لم يجز التكسب بأكثر العقاقير.

و من ذلك يعلم الأولوية بجواز البيع في بول الإبل، الذي قد أجازه بعض من منع في غيره، مدعيا الفرق بينهما بعدم كونه من الخبائث، لأن العرب لا تستخبثه بل تتداوى به و تشربه عند إعواز الماء و قلته، و هم المرجع في الفصل بين الطيبات و الخبائث، دون سائر الناس لأنهم المخاطبون بالقرآن و السائلون في قوله (4)«يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ» و لأنهم أناس لا تقلب عليهم العيافة من التنعم الحاصل في غيرهم، و فيه أن ذلك كله جار في بول البقر و الغنم و نحوهما، و دعوى الفرق بينهما بذلك لا وجه له، و ما يذكر من النفع


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 12.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب النجاسات الحديث 15.
3- 3 الوسائل الباب 59 من أبواب الأطعمة و الأشربة الحديث 7.
4- 4 سورة المائدة الآية 4.

ج 22، ص: 23

في أبوال الإبل بعينه يجري في هذه الأبوال أيضا، فالمتجه الجواز في الجميع كما عرفت و من هنا قال المصنف رحمه الله و الأول أي اختصاص المنع ببول ما لا يؤكل لحمه و روثه أشبه بأصول المذهب و قواعده، بل الظاهر اختصاص ذلك بالنجس منه و هو ذو النفس منه لا مطلقا لما عرفت فما عن الفاضل في النهاية، و يحيى بن سعيد في النزهة، من المنع عن التكسب ببول الإبل فضلا عن غيره واضح الضعف، و ربما خص جواز بيع أبوال الإبل بالاستشفاء بها عند الضرورة، لا غير، بل جعل ذلك قولا، و نسب إلى الشيخ في النهاية بل قيل: إن قول العلامة في القواعد و التذكرة إلا بول الإبل للاستشفاء يحتمله أيضا، بناء على كون ذلك قيد للمستثنى، لا تعليلا للاستثناء بل جعل ما في المسالك و غيرها من جواز بيعها إن فرض لها نفع مقصود كغيرها من الأبوال قولا رابعا، و التحقيق رجوع القولين إلى الأول، الذي هو الجواز مطلقا، و لكن ذكر القيد لإرادة إخراج المعاملة عن السفه المعلوم اعتباره في صحة المعاوضات كما هو واضح.

و أما التكسب ب الخنزير و جميع أجزائه و جلد الكلب و ما يكون منه فلا خلاف أجده في عدم جوازه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى ما سمعته من الأدلة السابقة الدالة على ذلك نعم ستسمع فيما يأتي إنشاء الله جوازه في بعض الكلاب، كما أنه لا إشكال في جوازه بأخيه أي الكافر حربيا كان أم ذميا لمسلم كان أم لكافر ذمي أو حربي و إن كان هو من الأعيان النجسة، إلا أن ذلك لا يمنع من بيعه بإجماع المسلمين و النصوص ك

خبر إسماعيل بن الفضل (1)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء مملوكي


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.

ج 22، ص: 24

أهل الذمة إذا أقروا لهم، فقال إذا أقروا لهم بذلك فاشتر و انكح»

و موثق إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام (1)في شراء الروميات «فقال: اشترهن و بعهن»

و خبر عبد الله بن الحسن الدينوري (2)قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام «ما تقول: في النصرانية أشتريها و أبيعها من النصارى؟ قال: اشتر و بع»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة فما عساه يتوهم من إطلاق بعض الأصحاب تحريم التكسب بالأعيان النجسة المندرج فيها الكافر في غير محله، ضرورة اختصاص الحكم بما لا يقبل الطهارة من الأعيان، لأن شرط صحة البيع طهارة العوضين فعلا أو قوة، و الكافر يقبل الطهارة بالإسلام، بل كلامهم في مباحث سبي الكفار، و بيع الأناسي و في مسئلة البيع بشرط الكفر و

ظهور المبيع كافرا بعد البيع، و اشتراط إسلام المشتري إذا اشترى مسلما و غيرها من المسائل، و الفروع ينادي بسقوط هذا الوهم.

و عن الشيخ في المبسوط التصريح بأن موضع الحكم في مسئلة تحريم بيع النجس، و هو غير الآدمي من الحيوان، و غيره و العلامة في التحرير بجواز التجارة في الجارية النصرانية، و العبد المرتد عن غير فطرة، بل عنه في المنتهى تجوز التجارة في الجارية النصرانية، و المغنية بالبيع و الشراء لأنهما عينان مملوكتان فيصح أخذ العوض عنهما، و لا نعلم فيه خلافا و بالجملة فالأمر في ذلك أوضح من أن يتصدى لبيانه، نعم إنما الكلام في سبي الذكور البالغين في زمان الغيبة، فإنه قد قيل: لا يصح استرقاقهم، لأن حكمهم إلى الامام و هو مخير فيهم بين المن و الفداء،


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 25

و الاسترقاق و في ابتياع الحربي من مثله إذا استرقه أنه بيع أو استنقاذ في صورة البيع، و البحث فيهما يأتي في محل آخر يليق به إنشاء الله.

[النوع الثاني مما يحرم التكسب به لتحريم ما قصد به ]
اشارة

النوع الثاني مما يحرم التكسب به لتحريم ما قصد به من الغايات التي وضع لها الشي ء كآلات اللهو مثل العود و الزمر و هياكل العبادة المبتدعة كالصليب و الصنم و آلة القمار كالنرد و الشطرنج و نحو ذلك بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص ففي

خبر(1)تحف العقول عن الصادق عليه السلام «إنما حرم الله الصناعات التي هي حرام كلها، التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج، و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك، إلى أن قال: فحرام تعليمه و العمل به و أخذ الأجرة عليه، و جميع التقلب فيه من جميع وجوه الحركات»

و في

خبر أبي بصير المروي (2)عن مستطرفات السرائر عن جامع البزنطي عن الصادق عليه السلام أيضا «بيع الشطرنج حرام و أكل ثمنه سحت و اتخاذها كفر، و اللعب بها شرك و السلام على اللاهي معصية و كبيرة، و الخائض يده فيها كالخائض يده في لحم الخنزير و المرسل المقلب لها أي الشطرنج كالمقلب لحم الخنزير»

بل في شرح الأستاد أن ظاهر الإجماع و الأخبار عدم جواز العمل، و الاستعمال و الانتفاع و الإبقاء و الاكتساب بجميع وجوهه من عبر فرق بين قصد الجهة المحللة و غيرها، و لا بين قصد المادة و قصد الصورة لكن في المسالك إن أمكن الانتفاع بها في غير الوجه المحرم، على تلك الحالة منفعة مقصودة، فاشتراها لتلك المنفعة، لم يبعد جواز بيعها إلا أن هذا الفرض نادر فالظاهر أن ذلك الموضوع المخصوص لا ينتفع به، إلا


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 26

في المحرم غالبا، و النادر لا يقدح، و من ثم أطلقوا المنع من بيعها و تبعه عليه جماعة من متأخري المتأخرين، كما أن المحكي عن موضع التذكرة، جواز بيعها إذا كان لمكسورها قيمة، و باعها صحيحة لتكسر و كان المشتري ممن يوثق بديانته، و تبعه عليه أيضا جماعة من متأخري المتأخرين، و جعله أحد الوجهين في المسالك و محكي جامع المقاصد، بل في الأول استحسنه بعد أن حكاه عن التذكرة مع زوال الصفة.

ثم قال: و هل الحكم في أواني الذهب و الفضة كذلك يحتمله، بناء على تحريم عملها و الانتفاع بها في الأكل و الشرب، و عدمه لجواز اقتنائها للادخار و تزيين المجلس و الانتفاع بها في غير الأكل و الشرب، و هي منافع مقصودة، و في تحريم عملها مطلقا نظر، و في الأخير ما سمعته في كتاب الطهارة من أن المشهور بين الأصحاب حرمة اتخاذ الأواني من النقدين مطلقا، من غير فرق بين الاستعمال و التزيين و القنية بل عن التذكرة و غيرها الإجماع على حرمة استعمالها في غير الأكل و الشرب كما عن كشف الرموز نفي الخلاف فيه كما تقدم الكلام فيه مفصلا فحينئذ لا فرق بينها و بين ما هنا، كما أن في سابقه إمكان منع مدخلية الكسر اللاحق في الحكم بالحرمة، ضرورة صدق كون العوض ثمن شطرنج مثلا، و إخراجه بعد ذلك عن الاسم بالكسر غير مجد، كما هو واضح بأدنى تأمل، بل قد يناقش في الأول بما سمعته سابقا من عدم مدخلية المنفعة النادرة، بعد فرض كون المقصد المعظم منه محرما، كما هو المفروض في محل البحث، و لو فرض أن للشي ء منفعتين مقصودتين إحداهما محللة و الأخرى محرمة، دار الحكم مدار القصد، و لعل ذلك هو المراد له إلا أنه خروج عن المقام.

و كيف كان فلا ريب في بقاء المادة على الملك و لا تخرج عنه

ج 22، ص: 27

بالصورة التي يرفع الشارع احترامها و لم يدخلها في الملك و أوجب على المكلفين إتلافها بلا ضمان، حتى لو استلزم إتلاف المادة، و يرتفع ضمانهما معا بل قيل بجواز إتلافهما معا بلا ضمان، من دون استلزام و إن كان لا يخلو من إشكال أو منع، أما إذا أتلف الصورة و بقيت المادة فلا إشكال في بقائها على الملك و حرمة إتلافها و ضمان المتلف لها نعم ليس بيعهما معا من قسم بيع المتغايرين في صفقة، حتى يصح في البعض دون البعض ضرورة كونهما شيئا واحدا، و من ذلك يعلم أنه لا فرق في حرمة التكسب بها بين قصد المادة و الصورة، و بين قصد المادة خاصة، و ليست هي كالعبد المغني و الكاهن و الساحر، و المقامر و نحوهم، مما يصح بيعهم، مع عدم ملاحظة الصفة و إنما يفسد البيع إذا لوحظت، كما نص عليه شيخنا في شرحه، ضرورة الفرق بين المقامين بل قد عرفت فيما تقدم أنه لا فرق في الحرمة بين ملاحظة الغاية المحرمة، و عدمها بل الظاهر ذلك، حتى لو قصد الجهة المحللة بعد فرض ندرتها، كما أنه لا فرق في حرمة التكسب بها بين دفعها للمسلم و الكافر، حتى لو كان حربيا نعم قد يقال ان له تملك العوض المدفوع من الحربي بالاستيلاء و إن أثم بدفع أحد الأعيان المزبورة إليه هذا و في شرح الأستاد جعل مما نحن فيه في جميع الأحكام المزبورة، الدراهم الخارجية و بعض التغليطات في الجواهر و الأقمشة و هو مشكل، نعم يشترك ذلك معه في كون الجميع مما يترتب عليه الفساد العام، فيجب على سائر الناس دفع ما يندفع به ذلك بكسر و نحوه، لا أن المعاملة عليه بعد الاخبار بحاله بحيث لم يبق غش منه فاسدة، و أن الثمن المدفوع عنه حرام فتأمل جيدا.

و على كل حال فمن هذا القسم كلما يفضي إلى مساعدة

ج 22، ص: 28

على محرم كبيع السلاح لأعداء الدين مع قصد الإعانة أو كانت الحرب قائمة، للنهي عن الإعانة(1)و ل

قول الصادق عليه السلام في خبر(2)السراد أو مرسله في جواب «سؤاله عن بيع السلاح لا تبعه في فتنة»

و صحيح علي بن جعفر(3)المروي عن كتاب مسائله و قرب الاسناد «سأل أخاه عن حمل المسلمين إلى المشركين التجارة، فقال إذا لم يحملوا سلاحا فلا بأس»

و ما

في وصية النبي صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام في خبر حماد بن أنس (4)«يا علي كفر بالله العظيم من هذه الأمة، عشرة أصناف إلى أن قال: و بايع السلاح من أهل الحرب»

و خبر هند السراج (5)«قال: لأبي جعفر عليه السلام أصلحك الله تعالى إني كنت أحمل السلاح إلى الشام، فأبيعه منهم فلما أن عرفني الله هذا الأمر ضقت بذلك و قلت لا أحمل إلى أعداء الله فقال: احمل إليهم و بعهم، فان الله يدفع بهم عدونا و عدوكم يعني الروم، فان كان الحرب بيننا فلا تحملوا فمن حمل إلى عدونا سلاحا يستعين به علينا فهو مشرك»

و حسن أبي بكر الحضرمي (6)قال: «دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج: ما تقول فيمن يحمل لأهل الشام من السروج و أداتها فقال: لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إنكم في هدنة و إن كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السروج و السلاح».


1- 1 سورة المائدة الآية 2.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 29

و لإطلاق بعض هذه النصوص أطلق بعض تحريم بيع السلاح لأعداء الدين من غير تقييد بالقصد أو قيام الحرب، و ربما كان ظاهر المتن في وجه، و ما أبعد ما بينه و بين آخر حيث اعتبر في الحرمة القيدين معا، و اقتصر ثالث على اعتبار القصد كما هو الوجه الأخر في المتن، و رابع على قيام الحرب، و التحقيق ثبوتها بأحدهما أما مع القصد فلتحقق التعاون، و أما مع قيام الحرب فلما سمعته من النصوص التي يجب حمل إطلاق غيرها عليها، و ربما علل أيضا بالإعانة و فيه منع صدقها مع عدم القصد، خصوصا بعد كون المنهي عنه التعاون، الظاهر في كون الفعل مقصودا للجميع، و أن كلا منهم صار ظهيرا للآخر في وقوعه لا أن مجرد الاشتراك في شرائط وقوع الفعل يحقق الإعانة و إلا لم يمكن الاستقلال بالفعل، من أحد ضرورة معلومية عدم كون الشرائط جميعها منه، و بذلك ظهر لك أن الحرمة في المقام مع عدم القصد إنما هي من النصوص، فالواجب حينئذ الاقتصار على خصوص المستفاد منها، مع ملاحظة صلاحية الخبر باعتبار جمعه لشرائط الحجية و عدمها، و لا يجوز التعدي إلى غيره كما وقع من بعضهم.

نعم لا بأس بالتعدية فيما كان مدرك الحرمة فيه آية التعاون (1)من الفرد الآخر و هو المشتمل على القصد، ضرورة اشتراك الجميع في الصدق، بعد فرض ثبوت ما يحققه من القصد على الوجه الذي ذكرناه فلا فرق حينئذ بين السلاح

و غيره فيما يحصل به التعاون، و لا بين المشركين و غيرهم، و لا بين حال الهدنة و غيرها، كما لا يخفى على من له أدنى نظر و تأمل، و على كل حال فقد ظهر لك أنه لا حرمة فيما لا تعاون فيه، و لا هو مندرج في إطلاق النصوص المزبورة، كبيع السلاح


1- 1 سورة المائدة الآية 2.

ج 22، ص: 30

و غيره عليهم في حال الهدنة مع عدم القصد، و في حال الحرب بينهم، و لو مع قصد إعانة بعضهم على بعض، كما أومى إليه في الجملة خبر هند السراج السابق.

و أما حرمة التكسب في إجارة المساكن و السفن و نحوها للمحرمات و في بيع العنب مثلا ليعمل خمرا و بيع الخشب ليعمل صنما مثلا على وجه يبطل العقد معها فلا خلاف أجدها فيها مع التصريح بالشرطية أو الاتفاق عليها على وجه بنى العقد عليها، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأصحاب، بل عن المنتهى دعوى الإجماع عليه، كما عن الخلاف و الغنية الإجماع على عدم صحة إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر أو الدكان ليباع فيه، بل عن الأول زيادة نسبته إلى أخبار الفرقة أيضا، بل قد يظهر من الأصحاب كون الحكم كذلك مع فرض القصد لذلك و إن لم يكن على جهة الشرطية بل إنما كان على جهة الغائية، بل قد يقال: بكون الحكم كذلك عندهم مع فرض ذلك من البائع خاصة، فضلا عن اشتراطه و عن اتفاق المشتري معه عليه.

و لعل الدليل على ما لا يندرج منه آية التعاون الذي قد عرفت المراد منه، الإجماع المحكي و إطلاق بعض النصوص ك

خبر جابر(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يؤجر بيته، فيباع فيه الخمر فقال:

حرام أجرته»

، و ذيل مكاتبة ابن أذينة في الحسن أو الصحيح للصادق عليه السلام (2)«عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه صلبانا قال:

لا»

و خبر عمر بن حريث (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن


1- 1 الوسائل الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 31

التوت أبيعه ممن يصنع الصليب أو الصنم قال: لا»

بل هي بإطلاقها شاملة لما أفتى به المصنف و غيره بل المشهور من أنه يكره بيع ذلك لمن يعلم أنه يعملهما خمرا أو صليبا.

لكن يجب الخروج عنه بالنسبة إلى ذلك لمعارضة لما دل على الوفاء بالعقود، و حليته البيع و غيره من العقود و خصوص

صحيح ابن أذينة «كتبت إلى أبي عبد الله (1)عليه السلام أسأله عن الرجل يؤجر سفينته أو دابته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر و الخنازير فقال: لا بأس»

و مكاتبته الأخرى له أيضا(2)«سأله عن رجل له خشب فباعه ممن يتخذه برابط فقال: لا بأس»

و خبر محمد بن أبي نصر(3)«سألت أبا الحسن عن بيع العصير فيصير خمرا قبل أن يقبض الثمن قال: فقال: لو باع ثمرته ممن يعلم أنه يجعله حراما لم يكن بذلك بأس، و أما إذا كان عصيرا فلا يباع الا بالنقد»

و خبر محمد الحلبي (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع عصير العنب ممن يجعله خمرا قال: لا بأس به، يبيعه حلالا و يجعله ذلك حراما فأبعده الله عز و جل و استخفه»

و صحيح ابن أذينة(5)«كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له كرم، أ يبيع العنب ممن يعلم أنه يجعله خمرا أو مسكرا؟ فقال: إنما باعه حلالا في الإبان الذي يحل شربه أو أكله


1- 1 الوسائل الباب 39 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 41 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 32

فلا بأس ببيعه»

و خبر أبي كهمش (1)«سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام إلى قال: ثم قال: عليه السلام هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنه يصنعه خمرا»

و خبر رفاعة(2)عن الصادق عليه السلام «أنه سأل عن بيع العصير ممن يخمره فقال: حلال، أ لسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شرابا خبيثا؟»

و صحيح الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «أنه سأل عن بيع العصير ممن يصنعه خمرا قال بعه ممن يطبخه أو يصنعه خلا أحب إلى و لا أرى بالأول بأسا»

و خبر يزيد بن خليفة الحارثي (4)عن الصادق عليه السلام «قال سأله رجل و أنا حاضر، قال: إن لي الكرم فأبيعه عنبا قال: فإنه يشتريه من يجعله خمرا قال: بعه إذا كان عصيرا قال: انه يشتريه مني عصيرا فيجعله خمرا في قريتي قال: بعته حلالا فجعله حراما فأبعده الله تعالى».

و المناقشة بإمكان حملها على توهم البائع أن المشتري يعمله خمرا أو على ارادة رجوع الضمير إلى مطلق العصير لا التمر المبيع، و في خبر ابن أذينة باحتمال حمل الخمر فيه لإرادة التخليل أو الجبر عليه أو على كونه لأهل الذمة الذين لهم ان يفعلوا ذلك أو على عدم العلم بحمله أو نحو ذلك كما ترى، فلا إشكال في دلالتها على المطلوب كما لا إشكال في قوتها على المعارض من وجوه، خصوصا بعد تأيدها بالسيرة على المعاملة مع الملوك و الأمراء، فيما يعلمون صرفه في تقوية الجند


1- 1 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب 59 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10.

ج 22، ص: 33

و العساكر، المساعدين لهم على الظلم و الباطل و اجارة الدور و المساكن و المراكب لهم لذلك، و بيع المطاعم و المشارب للكفار في نهار شهر رمضان مع علمهم بأكلهم فيه، و بيعهم بساتين العنب منهم، مع العلم العادي بجعل بعضه خمرا، و بيع القرطاس منهم مع العلم بأن منه ما يتخذ كتب ضلال، و من ذلك يظهر أن قصد العلية من طرف المشتري غير قادح، ضرورة حصوله فيما عرفت، فلو كان قادحا لاقتضى فساد البيع، لأن فساده من جانب، فساد من الجانبين، بخلاف قصدها من البائع المنافي لإطلاق المنع السالم عن المعارض فيه، ضرورة عدم شمول الأدلة المزبورة لمثله، بل ربما كان ظاهر قوله في بعضها يبيعه حلالا، و ذلك يجعله حراما خلافه.

و على كل حال فما عن ظاهر التهذيب و المختلف و حواشي الشهيد و المسالك و الروضة و النهاية الشيخ في خصوص المساكن و الحمولات من الحرمة مع العلم مطلقا، بل عن ثاني الشهيدين و غيره إلحاق الظن به واضح الضعف، لعدم صدق الإعانة و ضعف إطلاق أدلة المنع بالنسبة إلى ما عرفت، و عدم منافاته للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، اللذين قد يسقط وجوبهما لفقد بعض الشرائط، و كذا ما عن ابن المتوج من الحكم بالحرمة دون الفساد، ضرورة إمكان تحصيل الإجماع على خلافه بل قوله عليه السلام في الخبر السابق حرام أجرته كالصريح في عدم ملكه، و عدم انتقاله بالعقد، و ما في الكتاب في باب الإجارة أنه ربما قيل بالتحريم أي في نحو إجارة المسكن ليحرز فيه الخمر، و انعقاد الإجارة لإمكان الانتفاع في غير المحرم لم نتحققه قولا لأحد من أصحابنا ممن تقدم و إنما هو محكي عن الشافعي و أبي حنيفة و لا ريب في ضعفه و الله العالم.

ج 22، ص: 34

[النوع الثالث ما لا ينتفع به ]

النوع الثالث ما لا ينتفع به نفعا مجوزا للتكسب به على وجه يرفع السفه عن ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، إنما الكلام فيما ذكره المصنف مثالا له بقوله كالمسوخ برية كانت كالقرد و الدب و الكلب و الخنزير و الذئب و الفأرة و الضب و الأرنب و الطاوس و الوطواط و هو الخطاف أو الخفاش و العنقاء و الثعلب و اليربوع و القنفذ و الطافي الذي هو قسم من الحيات، بل قيل و النعامة، و إن كان الحق خلافه كما بين في محله و في الفيل تردد و الأشبه جواز بيعه للانتفاع بعظمه و بحمله أو بحرية كالجري و الدعموص، و في المسالك ليس من المسوخ بحرية غيرهما حتى جعل قوله و الضفادع عطفا على المسوخ و فسر الطافي بالسمك الميت في الماء و لكن في غيرها أن منها السلاحف و الضفادع و النمار و التمساح و السرطان و هو عقرب الماء له ثمانية أرجل و عيناه في كتفه و صدره يمشي على جانب واحد و يقول استغفروا الله يا مذنبون و حينئذ فهما معطوفان على الجري، بل لعل الطافي منها أيضا بناء على أن المراد به قسم من الحيات لا السمك الميت في الماء إلا أن المنقول أنه من المسوخ البرية لا البحرية و يمكن أن يكون بحرية و حينئذ ينتظم ظاهر العبارة و الأمر في ذلك سهل، بل ألحق بالمسوخ، العقرب و الزنبور و الوزغ و الدبا و المهرجد نوعان من الجراد و سهيل و زهره دابتان و العنكبوت و الوبر و الورك و الزمير و المارماهي و البعوض و القمل، و لعل إلحاقها بها لعدم اعتبار ما دل على انها منه بل

عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«ان الله مسخ سبع مائة أمة فأخذ أربعمائة برا و ثلاثمائة بحرا»

و لتحقيق ذلك مقام آخر.

إنما البحث في التكسب بها و التحقيق عدم كون المسوخية مانعا


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 9.

ج 22، ص: 35

منه، بناء على الأصح من عدم نجاستها بذلك، عدا الكلب و الخنزير كما قدمناه في كتاب الطهارة، و خصوصا إذا قلنا بقبولها للتذكية فإن الانتفاع حينئذ بها حية و ميتة متحقق، فيندرج في نحو قوله تعالى «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(1)الذي قال الفاضل في المختلف، أن الفقهاء أجمعوا في جميع الأعصار و الأصقاع على عمومية الاستدلال بهذه الآية في كل مبيع فالمتجه حينئذ جواز التكسب بما ينتفع به منها نفعا يخرجه عن السفه بذلك، بل لا يبعد جواز

التكسب بما لا نفع غالبا فيه إذا اتفق حصول النفع المعتد به فيه، فيتكسب به في ذلك الحال، و دعوى كونه منفعة نادرة لا يجوز التكسب به لتحقق السفه معها، يدفعها منع تحققه مع فرض حصول النفع المعتد به فيه بل أقصاه، أنه يكون كبعض عقاقير الأدوية التي يندر الاحتياج إليها، نعم لا ريب في تحقق السفه لو تكسب بها حال عدم النفع رجاء لتلك المنفعة النادرة، و السبب في ذلك غلية وقوعها في كل وقت يحتاج إليها أما لو فرض ندرته و عدم تيسره في كل وقت، فلا ريب في حسن ادخاره لاحتمال حصول الحاجة به.

و حينئذ فما عن أكثر المتقدمين من إطلاق المنع عن بيعها في غير محله، مع أنه لا خلاف في جواز بيع بعض الكلاب منها كما تعرفه في محله، كما أنه لا شك في جواز الانتفاع بعظم الفيل منها المسمى بالعاج و جلود الثعالب و الأرانب مع التذكية، بشرط الدباغ أو مطلقا، و في

خبر(2)عبد الحميد بن سعد «سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن عظام الفيل أ يحل بيعه و شرائه للذي يجعل منه الأمشاط فقال: لا بأس قد كان لأبي


1- 1 سورة البقرة الآية 275.
2- 2 الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 36

منه مشط أو أمشاط»

و في آخر «رأيت أبا الحسن عليه السلام (1)يتمشط بمشط عاج و اشتريته له»

و في ثالث (2)«عن العاج قال: لا بأس به، و أن لي منه لمشطا»

مضافا إلى ما عن الخلاف من الإجماع على جواز التمشط به و جواز استعماله، و السرائر ذلك أيضا على جواز بيع الفيل، و ما عن المبسوط من الإجماع على عدم جواز بيع المسوخ و إجارتها و الانتفاع بها و اقتنائها بحال إلا الكلب، مبني على نجاستها عنده فيه و هو معلوم الفساد، خصوصا فيما لا نفس له منها و خصوصا فيما قام الإجماع عليه من استعمال جلود بعضها، و

الخبر الوارد(3)بالمنع «عن بيع القرد و شرائه مع ضعفه»

منزل على حال عدم الانتفاع المعتد به، أو المحرم كالإطافة به للعب كما هو الغالب، أو على الكراهة جمعا، و لعله لذا و نحوه حكي عن ابن الجنيد أنه اختار في أثمان ما لا يؤكل لحمه من السباع و المسوخ أن لا يصرف ثمنه في مطعم أو مشرب له و لغيره من المسلمين، بل لعله مما ذكرنا ينقدح البحث فيما ذكر مثالا للعنوان المزبور، من الحشرات من الهوام التي ضبطت بما لا يحتاج إلى الماء، و شم الهواء كالفأر و الحيات و الخنافس و العقارب و جميع الدواب الصغار، و ما ينفصل من الإنسان من شعر أو ظفر أو بصاق و نحوها، تمسكا بالأصل و عدم الدخول في أدلة المكاسب، و الإجماع المنقول عاما و خاصا بل

قيل أن عليه المدار في الحجة، و فيه أن المدار الاحتجاج بعدم النفع، للاخبار و الإجماع على اعتباره.

و لكن ذلك إنما يجري في بعض الأقسام في بعض الأحوال لا مطلقا


1- 1 الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 69 من آداب الحمام الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 37

فلا مانع حينئذ من التكسب بالعلق و دود القز، و نحل العسل و نحو ذلك مما قامت السيرة على التكسب به، بل لا مانع منه في غير ذلك عند الحاجة إليه لدواء و نحوه مما يرتفع معه السفه الحاصل بشرائه عند عدم الحاجة إليه، و لو لادخاره عند عروضها، باعتبار غلبة نوعه في كل وقت و حين، ضرورة كونه حينئذ كبعض عقاقير الأدوية، و دعوى عدم التمول في ذلك مطلقا يمكن منعها باعتبار صدق التملك بإرادته في كل مباح، بل ربما تكونت هذه الأشياء من أرضه المملوكة له، و الاستحالة لا ترفع ملكه عنها، فيكون المدار حينئذ على ما ذكرنا، و من هنا جاز تمليكها بلا عوض، لعدم السفه فيه دونه مع العوض، و من ذلك التراب و الماء و الحجارة و نحوها مما لا تدخل في شي ء من موانع الاكتساب إلا من جهة الانتفاع و عدمه، فيجوز بيعه و الاكتساب به مع الانتفاع المعتد به، و لا يجوز مع عدمه، بل حبة الحنطة و نحوها كذلك أيضا و دعوى أن ندور المنفعة لا يجوز الاكتساب مع حصولها أيضا واضحة المنع، بل عموم الأدلة و إطلاقها و السيرة على خلافها.

و كذا لا بأس ببيع المنفصل من لبن الآدميات، و إن كن حرائر إذ الحر يملك فوائده كما يملك منافعه، و لا بأس أيضا بشراء دار أو حمام أو بستان أو غيرها من العقار و إن لم يكن له طريق يوصل إليه لاحتمال حصوله احتمالا معتدا به، و لو بالاذن من الجار أو نحوه، نعم لو فرض اليأس من ذلك، كان من المعاملة السفهية، أما الترياق ففي القواعد لا يجوز بيعه و مراده به المشتمل على نجسين الخمر و لحوم الأفاعي على قول، أو نجس و محرم، لكن قيل الظاهر جواز الانتفاع به في غير الجهة الحرام و فيها مع الاضطرار و اقتنائه لذلك، بل بذل شي ء من المال لاستخلاصه و فيه ما عرفته سابقا من عدم جواز الانتفاع بما لا يقبل التطهير من

ج 22، ص: 38

المتنجسات، فضلا عن النجاسات، إلا ما قامت السيرة عليه.

نعم في الضرورات تباح المحظورات، كما إذا انحصر التداوي به نحو غيره من المحرمات، نعم لو لم يكن معه شي ء من النجاسات، أمكن جواز الانتفاع به، بل جواز التكسب، بل لو لم يجز أكله أمكن ذلك فيه أيضا ضرورة عدم توقف جواز التكسب على جواز الأكل، و لذا جاز التكسب في السم المتخذ بما يجوز أكله و إن لم يجز أكله نفسه بل المدار على المنفعة المحللة الرافعة للسفه في المعاوضة بنحوه، بل الظاهر كفاية حصول ذلك فيه، و إن لم تكن مقصودة للمتعاقدين، أو أحدهما حال العقد، بل و قبله و بعده، كما هو واضح، و من ذلك يعلم ما في تفسير الطافي في المتن بالسمك الميت في الماء، فان دعوى عدم الانتفاع به ممنوعة، خصوصا إذا كان له دهن و نحوه، كدعوى عدم جواز الانتفاع به شرعا، لكونه من الميتة، لما عرفت من أن المراد بها نصا و فتوى ميتة ذي النفس لا مطلقا.

و كذا دعوى أن جواز الانتفاع به لا يقتضي جواز التكسب به خصوصا بعد

قوله عليه السلام (1)«ان الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه»

المتناول لذلك، ضرورة تحقق التحريم فيه بالموت في الماء، فيحرم التكسب به، بل منه ينقدح حرمة التكسب بجميع الحيوانات البحرية المحرم أكلها، لأن المراد منه ما حرم الشارع الأمر المقصود منه، لو يحلله، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا من قضاء الأصل و العمومات جواز التكسب. بكل ذي منفعة معتد بها محللة، و المراد من الخبر المزبور تحريم ثمن ما حرمه الله إذا بيع في الجهة المحرمة، تعريضا بما فعله اليهود الذين قد سمعت لعنهم في الخبر


1- 1 الخلاف ص 225 المطبوع بطهران سنة 1370.

ج 22، ص: 39

السابق المراد منه، على الظاهر أنهم باعوها في الجهة التي حرمت عليهم ممن لا يبالي بحرمة ذلك منهم، أو ممن لا تحريم عليهم من غيرهم، و حينئذ فيتجه جواز التكسب بدهن

الحيوانات البحرية و غيره، فضلا عن الانتفاع به.

و أما السباع فظاهر ابن أبي عقيل و سلار أنها كلها لا يجوز بيعها و في النهاية لا الفهود خاصة، لأنها تصلح للصيد، و عن المفيد بعد الحكم بتحريمها قال: و التجارة في الفهود و البزاة و سباع الطير التي يصاد بها حلال، و عن المبسوط و الطاهر غير المأكول مثل الفهد و النمر و الفيل و جوارح الطير و الصقور و البزاة و الشواهين و العقبان و الأرنب و الثعلب و ما أشبه ذلك فهذا كله، يجوز بيعه و إن كان لا ينتفع به فلا يجوز بيعه، بلا خلاف مثل الأسد و الذئب و في المتن عطفا على الممنوع و السباع كلها إلا الهر و الجوارح طائرة كانت كالبازي أو ماشية كالفهد و لم نجد به قائلا بالخصوص، و قيل: و القائل ابنا البراج و إدريس يجوز بيع السباع كلها تبعا للانتفاع بجلدها و ريشها و ان حكي عن الأول منهما الصدقة بثمن الهرة، و انه لا يتصرف فيه بغير ذلك إلا أنه كما في الدروس متروك، و على كل حال هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده المقتضية للجواز مضافا إلى

الصحيح (1)«لا بأس بثمن الهرة»

و الآخر(2)«عن الفهود و سباع الطير هل يلتمس بها التجارة؟ قال نعم»

و الخبر(3)«عن بيع جلود النمر فقال:


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 38 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 40

مدبوغة هي؟ قلت: نعم قال: لا بأس به(1)

و المروي عن قرب الاسناد «عن جلود السباع و بيعها و ركوبها أ يصلح ذلك؟ قال: لا بأس ما لم يسجد عليها»

و إلى النصوص (2)الدالة على جواز اتخاذ جلودها و ركوبها المستلزمة لقبولها التذكية القاضية بطهارتها، فينتفع بها حينئذ نفعا معتدا به تندرج به في عموم الأدلة و إطلاقها، و ما عن القاضي من التصدق بثمن الهرة و أنه لا يتصرف فيه بغير ذلك لم نعرف له مأخذا، و بذلك يظهر لك ما في كلام المستثنى لبعضها فضلا عمن أطلق عدم جواز بيعها بل عن التذكرة نسبة جواز بيع الهر إلى علمائنا بل قد يظهر من المصنف في النافع الإجماع على جواز بيع الهرة و جوارح الطير، بل هو ظاهره هنا أيضا في مطلق الجوارح، و إن ناقشه فيه في المسالك بل لعله ظاهر الدروس أيضا حيث اقتصر في نقل الخلاف على ما لا يصلح للصيد دونه كالهر و الفهد و الباز نعم فيها أنه لا يجوز اقتناء الحيات و العقارب و السباع الضارية و الترياق المشتمل على محرم و السمومات الخالية عن المنفعة، و في القواعد يحرم اقتناء الأعيان النجسة، إلا لفائدة كالكلب و السرجين لتربية الزرع، و الخمر للتخليل، و كذا يحرم اقتناء المؤذيات كالسباع و الحيات، بل في شرح الأستاد مزجه بقوله و إن سلمت من الإيذاء بالفعل لما دل على تحريم الانتفاع بالمحرمات، و ما فيها من

ضروب الفساد، مع أخبار و إجماعات، و لعل ذلك هو العمدة، و لولاه لأمكن المناقشة بل لعلها متجهة فيما سمعته من الدروس من حرمة اقتناء الترياق المشتمل على محرم و السمومات لعدم الدليل على ذلك بل


1- 1 الوسائل الباب 37 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب الأطعمة المحرمة الحديث 4.

ج 22، ص: 41

و في إطلاق الفاضل حرمة اقتناء الأعيان النجسة كما هو واضح.

[النوع الرابع ما هو محرم في نفسه ]
اشارة

النوع الرابع ما هو محرم في نفسه لا لنجاسة و لا لغاية و لا لعبث

[منه عمل الصور المجسمة]

كعمل الصور المجسمة لذوات الأرواح، و لعل ترك التقييد بذلك لظهور لفظ الصور في ذلك، و على كل حال فلا خلاف في حرمة عملها، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض، كالنصوص ففي

خبر المناهي عن الحسين بن يزيد عن الصادق عليه السلام (1)«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن التصاوير و قال: من صور صورة كلفه الله تعالى يوم القيامة أن ينفخ فيها و ليس بنافخ، و نهى أن ينقش شي ء من الحيوان على الخاتم»

و في

خبر محمد بن مروان (2)عنه أيضا «ثلاثة يعذبون يوم القيامة من صور صورة الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها»

و المرسل عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و آله (3)«من صور صورة عذب و كلف أن ينفخ فيها و ليس بفاعل»

و في

صحيح محمد بن مسلم (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن تماثيل الشجر و الشمس و القمر فقال: لا بأس، ما لم يكن شيئا من الحيوان»

بل في

صحيح أبي العباس (5)عنه أيضا «إشعار أو ظهور في ذلك، قال:

في قوله تعالى «يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ» إلى آخرها و الله ما هي تماثيل الرجال و النساء، و لكنها الشجر و شبهه»

و كذا خبره الآخر(6)و في


1- 1 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
3- 3 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
6- 6 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث بعد ذكر الحديث الأول.

ج 22، ص: 42

خبر تحف العقول (1)«و صنعة صنوف التصاوير ما لم يكن فيه مثال الروحاني فحلال تعلمه و تعليمه»

بل قد يشعر بذلك، أيضا

صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (2)«لا بأس بتماثيل الشجر»

و إن لم نقل بحجية مفهوم اللقب، خصوصا بعد ملاحظة انجبار ما كان من ضعف في سند أو دلالة بما عرفت، بل لإطلاق الصورة في النصوص المزبورة أفتى جماعة بحرمة تصوير ذوات الأرواح مطلقا، مجسمة أو غير مجسمة، بل قيل أنه لو حملت الصفة فيما هو نحو المتن على الممثل لا المثال كان ظاهرا لجميع ذلك.

لكن قد يقال ما في بعض النصوص التي تقدمت في كتاب الصلاة(3)من أنه لا بأس إذا غيرت رؤسها، و في آخر قطعت (4)و في ثالث (5)كسرت نوع إشعار بالتجسيم، كالتعليل بالنفخ في الأخبار الأخر، و نحوها مما هي ظاهرة في كون الصورة حيوانا لا ينقص منه شي ء سوى الروح بل قد يظهر من مقابلة النقش للصورة في خبر المناهي ذلك أيضا، و من ذلك كله يقوى حينئذ القول بالجواز في غير المجسمة الموافق للأصل، و إطلاق الآيات و الروايات، في الاكتساب و المشي في طلب الرزق بأي نحو كان، كقوة القول بجواز التصوير لغير ذي الروح مجسما أو غير مجسم لذلك أيضا، و للنصوص السابقة المنجبرة بالشهرة التي كادت تكون إجماعا.


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 94 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام المساكن الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث 5 و لكن فيه تقطع و تكسر.
5- 5 الوسائل الباب 32 من أبواب مكان المصلي الحديث 10 و لكن فيه تقطع و تكسر.

ج 22، ص: 43

فما عن القاضي و التقي من إطلاق (1)المنع «للنهي عن تزويق البيوت الذي فسره عليه السلام بالتصاوير و التماثيل» و إطلاق

قول النبي صلى الله عليه و آله «لعلي عليه السلام (2)لا تدع صورة إلا محوتها و لا كلبا إلا قتلته»

و الأخبار المستفيضة(3)المعربة عن عدم نزول الملائكة بيتا يكون فيه تماثيل»

واضح الضعف ضرورة قصوره عن المعارضة، من وجوه بل الخبران الأولان غير صالحين للاستدلال سندا، فضلا عن المعارضة و أما أخبار عدم نزول الملائكة فمع أنها محمولة على الكراهة، يمكن تقييدها بذي الروح ظلية أو غير ظلية على الخلاف السابق.

ثم إن المدار في صورة الحيوان على صدق الاسم، و تصوير البعض مع عدم صدقه عليه، و كون المقصود من أول الأمر البعض خاصة، لا مانع منه، و لو حصل الصنع من اثنين دفعة كانا مصورين، و مع التدريج ففي شرح الأستاد أن المدار على الأخير، قلت: لعل الأقوى التعلق بالأول أيضا، إذا فرض كون المقصود لهما ذلك من أول الأمر، لصدق الاستناد إليهما، و منه يظهر ما في إطلاق قوله أيضا بعد ذلك، و مع التفريق يتعلق بالحكم الجامع، و لو اشتركت الصورة بين الحيوان أو غيره اتبع القصد، إن لم يكن لأحدهما ظهور فيها، و الظاهر إلحاق تصوير الملك و الجني بذلك، بل قد يقوى جريان الحكم في تصوير ما

يتخيله في ذهنه من صورة حيوان مشارك للموجود في الخارج، من الحيوان في كلي الأجزاء دون أعدادها و إرضاعها مثلا و تصوير البيضة و العلقة و المضغة


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 8.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب أحكام المساكن الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 33 من أبواب مكان المصلي الحديث 1- 4.

ج 22، ص: 44

و بزر القز و نحو ذلك مما هو نشو الحيوان لا بأس به، بل لعله لا بأس بعدم منع الصبيان و نحوهم ممن هو غير مكلف عن العمل أيضا للأصل و غيره، لكن في شرح الأستاد أن القول بوجوب المنع لا يخلو من قوة هذا كله في عمل الصور.

أما بيعها و اقتنائها، و استعمالها و الانتفاع بها و النظر إليها و نحو ذلك، فالأصل و العمومات و الإطلاقات تقتضي جوازه، و ما يشعر به بعض النصوص من حرمة الإبقاء كأخبار عدم نزول الملائكة و نحوها، محمول على الكراهة أو غير ذلك خصوصا مع أنا لم نجد من أفتى بذلك عدا ما يحكى عن الأردبيلي من حرمة الإبقاء، و يمكن دعوى الإجماع على خلافه، و من ذلك يظهر لك جواز النظر إلى الصورة في المرأة و نحوها مع عدم الشهوة إذ احتمال الفرق بالخصوصية و عدمها لا وجه له كما هو واضح، و الله أعلم.

[منه الغناء]

و منه أيضا الغناء بالكسر و المد ككساء بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، و السنة متواترة فيه، و فيها ما دل على أنه من اللهو و اللغو و الزور المنهي عنها في كتاب الله (1)فيتفق حينئذ الأدلة الثلاثة على ذلك، بل يمكن دعوى كونه ضروريا في المذهب، فمن الغريب ما وقع لبعض متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن الغزالي من عدم الحرمة فيما لم يقترن بمحرم خارجي، كالضرب بالعود، و الكلام بالباطل و نحو ذلك، و أغرب من ذلك إن أراد عدم كون المجرد عن ذلك غناء ضرورة مخالفته لكلام أهل اللغة و الفقهاء و العرف و النصوص لاتفاق الجميع على أنه من مقولة الأصوات أو كيفياتها من غير مدخلية


1- 1 الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 11 و 19.

ج 22، ص: 45

لأمر آخر، و لا ينافي ذلك عده من لغو الحديث و قول الزور و نحوها، مما يمكن كون المراد منه أنه كذلك باعتبار هذه الكيفية الخاصة، كما أنه لا ينافيه أيضا

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه المروي عن قرب الاسناد «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر و الأضحى قال: لا بأس به ما لم يعص به»

إذ هو مع وضوح قصوره عن معارضة غيره من وجوه، و رواه علي بن جعفر(2)في المحكي عن كتابه بإبدال ما لم يعص به بما لم يؤمر به، فهو كالمضطرب محمول على التقية أو على ارادة خصوص العرس في اليومين أو على إرادة التغني بالشعر على وجه لا يصل إلى حد الغناء، فيكون ذلك هو المراد من قوله ما لم يعص به، أو غير ذلك مما هو خير من الطرح الذي لا بأس بالتزامه إذا أبيت الحمل و كذلك غيره من النصوص التي قد يشم منها اختصاص حرمة الغناء بالمقترن بالعود و نحوه لا مطلقا، و ذلك لقوة المعارض على وجه لا يصلح ذلك و نحوه لمعارضته، و دعوى أن ظاهر كلام الشيخ في الاستبصار ذلك أيضا يدفعها، ملاحظة كلامه فيه و في غيره، و من هنا كان الإطناب في إفساد ذلك من تضييع العمر بما لا ينبغي.

إنما الكلام في موضوعه ففي جملة من كتب الأصحاب أنه مد الصوت المشتمل على الترجيع المطرب، بل ربما قيل أنه المشهور و في القاموس غناء ككساء من الصوت ما طرب به، و في شهادات القواعد و بعض كتب اللغة ترجيع الصوت و مده، و عن الشافعي انه تحسين الصوت و ترقيقه، و في محكي النهاية أن كل من رفع صوتا و والاه فصوته عند العرب غناء، و عن السرائر و الإيضاح أنه الصوت المطرب، و عن


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 46

بعض أنه مد الصوت، و عن المصباح المنير أنه الصوت إلى غير ذلك من كلمات أهل اللغة التي يقطع الماهر بملاحظتها بكون المراد منها، بيان أن الغنى من هذا الجنس نحو قولهم سعدانة نبت، ضرورة عدم خلو غالب الأصوات، في قراءة القرآن و الأدعية و الخطب و الشعر في جميع الأعصار و الأمصار من العلماء و غيرهم، من تحسين و مد و ترجيع في الجملة، كما لا يخفى على من له أدنى معرفة و إنصاف، فيعلم كون المراد كيفية خاصة منها موكولة إلى العرف، كما هي العادة في بيان أمثال ذلك، نعم لا عبرة بعرف عامة سواد الناس، فإنه الآن مشتبه قطعا، لعدهم الكيفية الخاصة من الصوت في غير القرآن و الدعاء و تعزية الحسين عليه السلام غناء، و نفى ذلك عنها فيها، و ما ذاك إلا لاشتباهه للقطع بعدم مدخلية خصوص ألفاظ فيه، لما عرفت أنه كيفية خاصة للصوت بأي لفظ كان، و دعوى التزام جواز ذلك فيها، و إن كان غناء في غيرها، لإطلاق ما دل على الأمر بها(1)الشامل لهذه الكيفية الخاصة، بل جاء في خصوص القرآن الأمر بالتغني فيه، و ما يقضي بجواز الغناء فيه، واضحة الفساد، لمعلومية تحكيم النهي في أمثال ذلك و ليس من تعارض العموم من وجه المحتاج إلى ترجيح، بل فهم أهل العرف كاف فيه، نحو العام و الخاص و المطلق و المقيد و إلا لتحقق التعارض من وجه، بين ما دل على قضاء حاجة المؤمن مثلا، و النهي عن اللواط و الزنا و الكذب و غيرها من المحرمات، المعلوم بطلانه بضرورة الشرع، أنه لا يطاع من حيث يعصى، و ما ورد في خصوص القرآن مما لا ريب في قصوره عن معارضة ما دل على الحرمة من وجوه،


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 47

مطرح أو مأول أو موضوع، خصوصا(1)بعد

قوله عليه السلام «أقروا القرآن بألحان العرب و إياكم و لحون أهل الفسوق»

فإنه سيجي ء قوم يرجعون القرآن ترجيع الغناء.

نعم قد يحتمل إرادته اختصاص الغناء بالصوت المشتمل على التحسين بالمد و الترجيع المتخذ للهو و انشراح النفس و الطرب، كما عساه يومي إليه لهو الحديث و أخذ الطرب في تعريفه، و معروفية مجالس الغناء بذلك، بعد العلم بعدم زيادتها في المد و الترجيع على ما يستعمل في غيرها، مما لم يرد به اللهو كالتعزية و الأذان و غيرهما.

و قد يؤيد بما ذكر في استثناء النوح منه، من أنه ليس داخلا في موضوعه باعتبار مقابلة النوح له عرفا، و ما ذاك إلا لعدم اتخاذ اللهو به لكنه أيضا، لا يخلو من إشكال، ضرورة عدم اعتبار ذلك في حقيقته، و إن تعارف استعماله في مجالس اللهو، و إلا فربما كان من أفراد الغناء الأصوات المشجية و المثيرة للحزن و البكاء، كما يستعمله العشاق في فقد المحبوب و عدم نيل المطلوب، و هو مع ذلك نوع من الطرب، و لذا حكي عن القاموس التصريح بفساد وهم من خص الطرب بالسرور، و أنه قول العوام، و التحقيق الرجوع في موضوعه إلى العرف الصحيح الذي لا ريب في شموله للمقامات المعلومة، و شعبها المعروفة عند أهل فنها، بل لا ريب في تناوله لغير ذلك مما يستعمله سواد الناس من الكيفيات المخصوصة، بل الورع يقتضي اجتناب جميع الافراد المشكوك في اندراجها في موضوعه، و إن كان الأصل يقتضي الإباحة في شبهة الموضوع، الراجعة إلى شبهة الحكم.

و دعوى وجوب الاجتناب هنا باعتبار كون الشبهة في ذلك للشبهة


1- 1 الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10 و 11.

ج 22، ص: 48

في مفهوم الموضوع لا مصداقه، فيجب الاجتناب للمقدمة، ضرورة كونه كالتكليف بالمجمل، يدفعها منع كون المقام من ذلك بعد معلومية جملة من الأفراد المحتملة، لكون تمام ماهية الغناء ما اشتملت عليه، فيشك حينئذ في حرمة الزائد و ينفى بأصل البراءة الذي لا يعارضه، حرمة الغناء المحتمل كون تمام ماهيته ما في الافراد المعلومة، اللهم إلا أن يقال أنه حينئذ لم يحصل اليقين بتمام امتثال نهى الحرمة المتيقن شغل الذمة بها، و فيه منع وجوب تحصيل مثل هذا اليقين، في مثل هذا الفرض، بعد أن لا يقين بفرد محرم في الأفراد المشبهة، كي يتجه اجتناب الجميع من باب المقدمة، ضرورة كون أحد المحتملات إباحة جميع هذه الأفراد المشتبهة، و انحصار الحرمة في الأفراد المعلومة كما هو واضح.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد ورود الرخصة في إباحة أجرة المغنية في الأعراس، بل نسبه بعض مشايخنا إلى الشهرة، و مقتضاه جواز غنائها فيه، ضرورة التلازم بين إباحة الأجرة عليه و بين إباحته نعم قيده بعضهم بما إذا لم تتكلم بالباطل، و لم تلعب بالملاهي، و لم تدخل عليها الرجال، و آخر بالأول و الأخير، لكن فيه ان ذلك كله محرمات خارجة عنه لا مدخلية له فيها، خصوصا الأخير الذي قد يتوهم أخذه من دليل الجواز، و هو

قول الصادق عليه السلام في صحيح أبي بصير(1)«أجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ليست بالتي تدخل عليها الرجال»

و قوله في خبره (2)أيضا «حين سأله عن كسب


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 49

المغنيات التي يدخل عليها الرجال حرام، و التي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس»

لكن فيه أنهما خصوصا الأخير ظاهران في المقابلة، لا التخصيص، بمعنى أن هذه أجرها حلال لا المغنية في غير الأعراس و هي التي يدخل عليها الرجال لاتخاذ مجالس اللهو، و حينئذ لا دلالة فيهما على أزيد مما في

قوله في الخبر الثالث (1)«المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها»

على أنه لم يعلم المراد من اللعب بالملاهي، فإن كان هو من قبيل اللعب بالدف و نحوه مما لا مدخلية له في الغناء، ففيه مضافا إلى ما عرفت من كونه محرما خارجيا و ليس في الأدلة ما يقضي بحرمة الغناء حاله بل ظاهرها خلافه، أنه صرح جماعة كما قيل بجواز لعبها في العرس بالدف الذي لا صنج فيه و لا جلاجل، و إن كان هو لا يخلو من إشكال، و إن أريد به ما له مدخلية في الغناء كالصرناج و الرباب و الزمار و نحو ذلك، أمكن أن يكون الوجه فيه

حينئذ اتحاده في الخارج مع الغناء، فيتجه استثنائه.

بل و كذا الكلام بالباطل، ضرورة أنك قد عرفت أن الغناء من كيفيات الأصوات، و الكلام ليس هو إلا اللفظ الذي هو عبارة عن الصوت، فمع فرض إبرازه بكلام باطل يحرم، لكونهما فردا واحدا في الخارج، و الأمر في ذلك سهل، إذ المراد بيان الحكم في نفسه فلا ينافيه اتفاق جهة الحرمة في بعض الأفراد.

و قد عرفت أن الأقوى الجواز للنصوص السابقة المعتضدة بالشهرة المحكية، خلافا للمحكي عن الحلي و الفخر، بل لعله ظاهر المصنف و غيره ممن أطلق الحرمة من دون استثناء ترجيحا لإطلاق النهي و عموماته بل قيل أن تحريم الغناء كتحريم الزنا أخباره متواترة، و أدلته متكاثرة، عبر عنه


1- 1 الوسائل الباب 15 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 50

ب قَوْلَ الزُّورِ(1)و لَهْوَ الْحَدِيثِ في القرآن، و نطقت الروايات بأنه الباعث على الفجور و الفسوق، فكان تحريمه عقليا لا يقبل تقييدا و لا تخصيصا فيحمل حينئذ ما دل على الجواز على التقية أو يطرح، لكنه كما ترى ضرورة عدم كونه كذلك فان الطرب و الخفة و نحوهما قد حلل كثير من أسبابها كالجماع و تقبيل المحبوب المحلل و ضمه و المسامرة معه و نحوها مما يفيد الإنسان طربا أشد من الغناء فليس تحريمه حينئذ إلا سمعيا و قد عرفت

اعتبار دليل الجواز في نفسه، فضلا عن انجباره فلا محيص عنه حينئذ بمقتضى قواعد الإطلاق و التقييد، و دعوى عدم المقاومة خالية عن الشاهد، كالمناقشة بعدم الدلالة باعتبار عدم التلازم بين نفي البأس عن الأجرة، و بين إباحة الغناء ضرورة كون ما التزمناه من التخصيص أسهل من ذلك، لتواتر الأدلة في عدم إباحة اعواض المحرمات كما هو واضح.

نعم ينبغي الاقتصار على خصوص المغنية، دون المغني، و على العرس دون الختان و نحوه، كما أنه قد يتوقف في استثناء المصنف في باب الشهادات، و الفاضل و الشهيد و الخراساني الحداء، كدعاء لسير الإبل من الغناء المحرم، بل ربما قيل أنه المشهور لعدم الدليل سوى الأصل المقطوع، و

النبوي المرسل (2)«أنه قال: لعبد الله بن رواحة حرك بالنوق» فاندفع يرتجز و كان عبد الله جيد الحداء، و كان مع الرجال، و كان أنجشة مع النساء فلما سمعه تبعه، فقال: صلى الله عليه و آله: لأنجشة «رويدك، رفقا بالقوارير الذي لا جابر له»

لعدم


1- 1 الوسائل الباب 99 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 و 10 و 11.
2- 2 سنن بيهقي ج 10 ص 227 و المجازات النبوية طبع مصر ص 32.

ج 22، ص: 51

تحقق الشهرة، بل لعل المحقق خلافها، و عدم معلومية كون ذلك منه على صفة الغناء، بل

ربما ادعي أن الحداء قسيم للغناء، بشهادة العرف و حينئذ يكون خارجا عن الموضوع، لا عن الحكم و لا بأس به.

كما أن ما حكي عن بعضهم من استثناء مراثي الحسين عليه السلام إن أريد به الخروج عن الموضوع باعتبار اندراجه في النوح الذي ستعرف جوازه، فلا إشكال فيه، و إلا كان ممنوعا لعدم الدليل الصالح و كونه معينا على البكاء المرغب فيه طاعة لله بمعصيته، و دعوى استمرار السيرة عليه ممنوعة، كما هو واضح، نعم لا بأس بالهلهولة على الظاهر لكونها صوتا من غير لفظ، و الغناء من الألفاظ و أما الترديد المسمى بالحوراب في عرفنا فربما ظهر من بعض مشايخنا معلومية حليته في حال الحرب، و حث الرجال على القتال المحلل».

نعم قال: الحزم اجتنابه، و اجتناب الرقص و الهلهولة في غير ذلك بل لعله يحرم فعله، لأنه من اللهو و الباطل، و الحازم يتجنب الشبهات خصوصا عند اشتباه الموضوعات» و فيه أنه مع فرض عدم اندراجه في الغناء يمكن فرضه فيما لا يدخل في اللعب و اللهو، أما مع فرض اندراجه فيه فيشكل جوازه فيه، فضلا عن غيره من الأحوال لإطلاق أدلة النهي بل قد اقترنت بمؤكدات تقتضي إرادة جميع الأفراد على وجه أظهر دلالة من العموم اللغوي فتأمل جيدا و الله العالم.

[منه معونة الظالمين بما يحرم ]

و منه معونة الظالمين بما يحرم، كما عن المقنعة و المراسم و الإرشاد، و لعل المراد به بقرينة ذكر الظالمين ما يحرم من الظلم، فيوافق عنوان الأكثر معونة الظالمين في الظلم، بل قد يدعى انصرافه أيضا ممن أطلق أيضا، كالمحكي عن النهاية لكن فيه أن ذلك غير مختص بالظالمين ضرورة حرمة إعانة كل عاص على معصيته، و احتمال

ج 22، ص: 52

ارادة ذلك من الظالمين، بدعوى عمومه و لو للظالم نفسه كما ترى، نعم يمكن أن يكون الوجه في ذكر ذلك بالخصوص بيان المراد من المستفيض أو المتواترة من النصوص الواردة في النهي عن إعانة الظالمين، على معنى أن المحرم إعانتهم على مظالمهم و نحوها مما هو حرام في نفسه لا غيرها مما هو مباح في نفسه، و إن كان ذلك هو المستفاد من جملة منها،

قال:

ابن أبي يعفور(1)«كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل من أصحابنا فقال: له أصلحك الله إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق و الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه و النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك؟ فقال: أبو عبد الله عليه السلام ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاء و أن لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله عز و جل بين العباد»

بل في

خبر يونس بن يعقوب (2)«لا تعنهم و لو على بناء مسجد»

و في

خبر صفوان الجمال (3)«النهي عن كرائه لهم جماله، لسفر مكة»

و من هنا قال العلامة الطباطبائي: انه ان انعقد إجماع على هذا التفصيل، و إلا فالمتجه التحريم مطلقا لاستفاضة النصوص في المنع عن إعانتهم في المباح بطريق العموم و الخصوص، مع اعتبار سندها و موافقتها الاعتبار فإن إعانتهم في المباحات تفضي إلى إعانتهم في المحرمات، كما أشير إليه

في الخبر(4)«لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب لهم و يجئ لهم الفي ء و يقاتل عنهم و يشهد جماعتهم


1- 1 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 17.
4- 4 الوسائل الباب 47 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 53

لما سلبونا حقنا و لو تركهم الناس و ما في أيديهم ما وجدوا شيئا إلا ما وقع في أيديهم»

و لأن ذلك لا ينفك عن الميل و الركون إليهم و حب بقائهم، كما أشير إليه في رواية صفوان و غيرها و قد قال الله تعالى (1)«وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ».

قلت: إلا أن السيرة القطعية على خلاف ذلك، بل هو مناف لسهولة الملة و سماحتها و إرادة اليسر، ضرورة عدم سوق مخصوص للشيعة، و عدم تمكنهم من الامتناع عنهم، بل هو مناف ل

ما دل (2)«على مجاملتهم، و حسن العشرة معهم، و الملق لهم و جلب محبتهم، و ميل قلوبهم، كي يقولوا رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه»

فالمتجه حينئذ في الجمع بين الجميع، تخصيص الحرمة في الإعانة على المحرم في نفسه، كما في كل عاص و إعداد نفسه لها، من غير تقييد بمحلل و محرم على وجه يندرج في أعوانهم (3)

«فإن من علق سوطا بين يدي سلطان جائر، جعل الله ذلك السوط يوم القيامة ثعبانا من نار يسلطه الله عليه في نار جهنم»

و الإعانة لهم عن ميل لظلمهم، و بقصد السعي في إعلاء شأنهم، و حصول الاقتدار على رعيتهم، و تكثير سوادهم و تقوية سلطانهم، فإنه لا ريب في حرمتها إذ هي كالإعانة، بل هي منها في الحقيقة.

و أما ما عدا ذلك من خياطة ثوب أو بناء جدار أو نحو ذلك مما هو مباح في نفسه، و لم يكن من قصد الفاعل ما سمعت، فالظاهر


1- 1 سورة الهود الآية 113.
2- 2 الوسائل الباب 1 و 121 من أبواب أحكام المعاشرة الحديث 2 و 1- 5.
3- 3 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10.

ج 22، ص: 54

جوازه، و إن كان هو لا يخلو من كراهة، ما لم تدع الضرورة من تقية و نحوها إليه، فإن

القرب إليهم مطلقا مظنة الهلاك، هذا كله في ظلمة المخالفين و سلاطينهم.

و أما سلاطين أهل الحق فالظاهر عدم الكراهة في إعانتهم على المباحات، لكن لا على وجه يكون من جندهم و أعوانهم، بل لا يبعد عدم الحرمة في حب بقائهم، خصوصا إذا كان لقصد صحيح من قوة كلمة أهل الحق و عزهم، و الله العالم.

[منه نوح النائحة بالباطل ]

و منه نوح النائحة بالباطل

للنهي عن النوح في النصوص الكثيرة، و الاستماع له (1)«و أنه يؤذي في الليل الملائكة»

و الإجماع المحكي عن المنتهى لكن للجمع بين ذلك و بين ما دل على الجواز من السيرة و النصوص المستفيضة المعتضدة بالمحكي من فعل فاطمة عليها السلام بل و الفاطميات في كربلاء و غيرها، بل و

المحكي في زمن النبي صلى الله عليه و آله (2)في المدينة «من فعل نساء المسلمين بل زوجاته صلى الله عليه و آله، خصوصا أم سلمة منهن في ندبتها للوليد»

بل

هو صلى الله عليه و آله «قد أمر بندب حمزة»

كما ان

الباقر عليه السلام (3)قال: للصادق عليه السلام فيما رواه عنه يونس: «يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب يندبنني عشر سنين بمنى أيام منى»

حمل المحرم على النوح بالباطل، و المحلل على خلافه بشهادة

قوله عليه السلام في الخبر «لا ينبغي لها أن تقول هجرا فإذا جاء الليل فلا تؤذي الملائكة بالنوح»

و غير ذلك و لعله المراد من الباطل في الفتاوي، فان الهجر


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 17 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 55

بالضم الإفحاش و الخنا، فيراد به حينئذ تعداد أفعاله القبيحة و صفاته المذمومة شرعا، نحو النياحة على بعض الناس بذكر تهتكهم في المحرمات من الزنا و اللواط و قتل النفوس و السرقة، و النهب و نحو ذلك، ما لا يشمل المبالغة في المدح، لكن عن جماعة أن المراد به ما لا يجوز ذكره مثل الكذب بل عن جامع المقاصد أنه قد يلحق به أو يدخل فيه، ما إذا سمع صوتها الأجانب، و فيه منع حرمة ما يدخل في المبالغة منه و ما لا يقصد به الخطاب مع أحد مما يذكر للمدح و قرينته معه، و أما الأخير فليس مما نحن فيه قطعا على أنه مبني على حرمة سماع الأجانب ذلك من

غير ريبة، و فيه منع كما ذكرناه في محله، و خصوصا مع عدم تمييز الألفاظ.

و على كل حال فمن ذلك كله يعلم ما عن محكي المبسوط و ابن حمزة، من إطلاق حرمة النياحة، بل في الأول الإجماع عليه اللهم إلا أن يريدا ما ذكرنا، خصوصا بعد الإجماع عن المنتهى على جواز أخذ الأجرة على النوح بالحق، المستلزم لجوازه المصرح به في كلام كثير بل المشهور، نعم لا يبعد الحكم بكراهته مطلقا، للخبر بل لا يبعد شدتها مع الشرط، لخبر حنان أيضا، بل لا يبعد كراهة أصل النوح خصوصا في الليل، إلا على الحسين صلوات الله و سلامه عليه و الشهداء معه بل و غيره من النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة عليهم السلام، بل يمكن إلحاق العلماء بهم، و على كل حال فالظاهر عدم استثناء النوح الجائز من الغناء، ضرورة عدم اندراجه فيه عرفا، للفرق الواضح بين صوت البلبل و نوح الحمام و البوم، فلا يقدح حينئذ ما فيه من المد و الترجيع بعد الخروج عن الموضوع، نعم ربما يكون منه نوح العشاق و المتيمين على إشكال كما أن ما يستعملونه بعنوان النوح من مقامات الغناء و شعبه

ج 22، ص: 56

لا يخرج بذلك عن حقيقة الغناء و لا عن حكمه كما هو واضح و الله العالم.

[منه حفظ كتب الضلال و نسخها لغير النقض ]

و منه حفظ كتب الضلال و نسخها لغير النقض كما صرح به غير واحد، بل عن التذكرة و المنتهى نفي الخلاف عنه، بل عن كثير تقييد النقض بما إذا كان من أهله، نعم في القواعد و غيرها إضافة الحجة على أهلها إليه، و آخرون التقية و المراد حفظها عن التلف أو على ظهر القلب بل يحرم مطالعتها و تدريسها، بل الظاهر أن حرمة الحفظ لوجوب إتلافها، باعتبار دخولها تحت الوضع للحرام، و تحت ما من شأنه ترتب الفساد عليه، بل هي أولى حينئذ بالحرمة من هياكل العبادة المبتدعة، كما أنها داخلة في

قول: الصادق عليه السلام (1)في خبر تحف العقول «و كل منهي عنه مما يتقرب به لغير الله تعالى أو يقوى به الكفر و الشرك من جميع وجوه المعاصي، أو باب يوهن به الحق، فهو حرام محرم بيعه و شراؤه و إمساكه و ملكه و هبته و عاريته و جميع التقلب فيه إلا في حال تدعوا الضرورة فيه إلى ذلك»

بل و في

قوله «فيه إنما حرم الله الصناعة التي هي حرام كلها التي يجي ء منها الفساد محضا، نظير البرابط و المزامير و الشطرنج، و كل ملهو به و الصلبان و الأصنام و ما أشبه ذلك، من صناعات الأشربة الحرام و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام»

إلى آخره بل و في غير ذلك من كلماته بل قد يستفاد حرمته أيضا مما دل على وجوب اجتناب قول الزور و لهو الحديث و الكذب و الافتراء على الله، و أنه من كتابة الكتاب باليد، على أنه من الله ليبتغوا به ثمنا قليلا»


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 57

بل و يستفاد أيضا مما دل على وجوب جهاد أهل الضلال، و أضعافهم بكل ما يمكن، ضرورة معلومية كون المراد من ذلك تدمير مذهبهم، بتدمير أهله فبالأولى تدمير ما يقتضي قوته.

و منه يظهر الوجه في استثناء النقض لأنه إتلاف لكلها الذي هو أولى من إتلاف احادها الغير المقتضى لرفع فسادها بخلاف ردها بطرق الاستدلال، و أما الحجة على أهلها فإن رجع إلى ذلك، و إلا كان استثناؤه لا يخلو من إشكال، و أشكل منه ما ذكره بعض مشايخنا من أنه ليس غرض من زاد أو نقص في الاستثناء الحصر، لأنه لو كان الغرض الاطلاع على الفرق الفاسدة، أو تحصيل ملكة البحث، أو نقل الفروع الزائدة فلا بأس، ضرورة أنه مناف لما ذكرناه مما دل على وجوب إتلاف كل ما وضع للحرام و ترتب عليه الفساد.

و كيف كان فمن الغريب بعد ذلك ما وقع للمحدث البحراني من إنكار أصل الحكم لعدم نص بالخصوص على ذلك حتى أنه ربما أساء الأدب مع الأصحاب الذين هم حفاظ السنة و الكتاب، نسأل الله العفو عنا و عنه.

إنما الكلام في المراد من كتب الضلال ففي شرح الأستاد أنه ليس الغرض من كتب الضلال ما اشتمل على الضلال في الجملة و إلا لم يمكن الرجوع إلى كتب اللغة و العربية و التفسير و غيرها من كتب المقدمات. و وجب إتلافها لعدم الخلو من ذلك، و لا ما كان من الكتب مشتملا على ما يحتاجه الفقيه في طرق الاستدلال للاطلاع على مذاهب القوم مما يتوقف عليه، ترجيح الروايات بعضها على بعض، و لا ما كان مستندا إلى أهل الضلال، لأن فيه رشادا كالكتب الأصولية المشتملة على الضوابط الشرعية الموصلة إلى معرفة تحصيل الاستدلال، فان ذلك من

ج 22، ص: 58

الواجبات للتوصل إلى معرفة الأحكام الشرعية، بل المراد و الله أعلم التي وضعت للاستدلال على تقوية الضلال يجب إتلافها، فضلا عن غيره من نسخ و غيره إلا مع قصد الابطال و نحوه كما ذكرنا، سواء تقوت بها كلمة الكفر الإسلامي أو الإيماني أو خلاف الشرعي الفرعي الثابت بالدليل القطعي و أما الخالية عن الحجاج، و إنما هي أحكام تذكر، و أخبار تسطر ككتب الفقه و الحديث لغير أصحابنا فلا تجوز قنيتها و لا استعمالها و لا نسخها للانتفاع بها إلا بقصد ما ينفع في الأمور العلمية أو غيرها و لا يجب إتلافها و أما ما كان من كتب أهل الضلال فما وضع لمعرفة كيفية الاستدلال أو الاهتداء إلى معرفة معاني الكتاب و السنة، و الكتب المنسوخة مع قصد الاطلاع على المواعظ، كالزبور و نحوه من كتب الأنبياء أو على التواريخ و السير و الأمور السائغة، فلا بأس به و ربما وجب، و فيه أن ما سمعته من الدليل لا يقتضي الاختصاص بذلك بل مقتضاه الحرمة في كل ما كان فيه ضلال، قل أو كثر وضع لذلك أو لا، و لذا صرح في المسالك و محكي جامع المقاصد بوجوب إتلاف خصوص موضع الضلال من الكتاب، المشتمل عليه و على غيره، بل قد أعد و وضع لغيره، فالمراد حينئذ من الكتب كل كتابة ضلال أي غير رشاد.

و من ذلك يظهر ما في كلام بعض مشايخنا أيضا من أن الظاهر من الأصحاب كون المراد بكتب الضلال ما كان كلها ضلال، قال:

و لا سيما المقنعة و النهاية و المراسم و به صرح صاحب إيضاح النافع و المولى الأردبيلي بل ظاهر الأول الإجماع على ذلك، حيث قال: و الحق ان إفراد الحق عن الضلال غير مستحسن، و ليس من عادة الأصحاب إلى آخره و هو الذي يقتضيه حقيقة اللفظ من دون تجوز، و هو معقد

ج 22، ص: 59

الإجماع، و مصب الفتاوى كالتوراة و الإنجيل، فإنه قد نص الفاضل في التذكرة و المقداد و الكركي و القطيفي على أنهما محرفان و معلوم أنهما منسوخان، و ككتب القدماء من الحكماء القائلين بقدم العالم، و عدم المعاد، و كتب عبدة الأصنام، و منكري الصانع، و أما كتب البدع في هذه الملة فهي أصناف منها كتب الجبر و نفي الغرض المفردة التي ليس معها غيرها، و الكتب المفردة في خصوص امامة الثلاثة، و كتب الخوارج أصولا و فروعا و الفتاوى المفردة لأحد الأربعة، فهذه حالها حال ما تقدمها.

و أما ما اشتمل على كتبهم، مع كونه مشحونا بما يوافق العدلية ككتب المعتزلة و بعض كتب الأشاعرة و تفاسيرهم و أصول فقههم و الصحاح الست، فلا حرمة بها كما نص على بعض ذلك صاحب إيضاح النافع، و البعض الآخر المولى الأردبيلي، و فيه ما عرفت من أنه ليس في النصوص هذا اللفظ، كي يقتصر على المنساق منها من كونه معدا أو كون مجموعه ضلالا أو نحو ذلك، و إنما العمدة ما سمعته من الدليل الذي لا فرق فيه بين المعد و غيره و الكل و البعض، و الأصلي و الفرعي، الذي علم كونه ضلالا و لو للتقصير في الاجتهاد و نحوه، و لعل ملاحظة الأصحاب كتب فروع العامة و ذكرها في كتبهم، لأن لها مدخلية في تمييز الحق باعتبار ما ورد من الأمر بأخذ ما خالفهم، و طرح ما وافقهم، و هو موقوف على ذلك و هو واضح، كما أنه قد يقال بخروج غالب كتب المخالفين، و الملل الفاسدة عن الضلال في هذه الأوقات، باعتبار ما وقع من جملة من أصحابنا من نقضها و إفسادها فهي حينئذ كالتالفة، فلا يجب حينئذ إتلافها بمعنى إعدامها عن الوجود، بل لا بأس ببيعها و شرائها و الاستيجار على كتابتها، و نحو ذلك ضرورة صيرورتها بذلك

ج 22، ص: 60

كالكلام المنقوض في كتب أهل الحق، مثل الشافي و كشف الحق و نحوهما إذ من المعلوم أعمية النقض للأمرين معا فتأمل جيدا، و ليس من كتب الضلال كتب الأنبياء السابقين، ما لم يكن فيها تحريف، إذ النسخ لا يصيرها ضلالا، و لذا كان بعضها عند أئمتنا عليهم السلام، و ربما أخرجوها لبعض أصحابهم، بل ما كان منها مثل الزبور و نحوه من أحسن كتب الرشاد، لأنها ليست إلا مواعظ و نحوها على حسب ما رأيناها و الله أعلم.

[منه هجاء المؤمنين ]

و منه هجاء المؤمنين بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة مضافا إلى ما دل على حرمة إيذاء(1)المؤمن و ظلمه، و هتك حرمته، و إدخال النقص عليه و محبة شياع الفاحشة فيه و اغتيابه و الغمز عليه و على أن ماله و دمه و عرضه محرمة و غير ذلك، نعم ذلك كله عدا الإجماع المزبور لا يختص بالهجاء، بناء على كونه ذكر المعايب بالشعر، كما في المسالك بل قيل انه ظاهر القاموس و النهاية و المصباح، لكن من غير قصر على المعايب التي فيه، نحو ما في الصحاح و إن كان لم يخصه بالشعر، حيث قال: انه خلاف المدح و من ذلك ينقدح الاستدلال عليه بالإجماع، ضرورة عدم معلومية اعتبار الشعر فيه حينئذ، اللهم إلا أن يدعى العرف على ذلك، و لا ينافيه إطلاق ما في الصحاح بعد احتمال إرادته له أيضا، اتكالا عليه، كما أنه يمكن كون المراد للشهيد بالمعايب مطلق ما يعيبه و يشينه، سواء كان فيه أو لا و حينئذ يبقى على إطلاق حرمته من غير فرق بين الفاسق متجاهرا أو لا و غيره.

و ما دل على جواز الغيبة للاول، و أنها من الممحصات للذنب، لا


1- 1 الوسائل الباب 145 من أبواب أحكام العشرة.

ج 22، ص: 61

يقتضي جواز الهجاء بعد فرض اختصاصه بالشعر، و دعوى كون التعارض من وجه، بناء على كون الهجاء أعم من الغيبة بعد فرض تسليمها، يمكن دفعها بترجيح دليل الحرمة باعتضاده بما عرفت.

نعم لو دخل هجاء الفاسق في النهي عن المنكر، بحيث يتوقف ردعه عليه، ففي المسالك أمكن جوازه حينئذ إن فرض، و إليه أشار شيخنا في شرحه بقوله، لو كان الهجاء لمصلحة عظيمة أو دفع مفسدة عن المهجو دنيوية كدفع الهلكة عن نفسه أو المؤاخذة بعد الحلول في رمسه بالنهي عن الفساد و لو بالهجو على رؤس الاشهاد، و لعل ذلك كله ترجيحا لما دل على النهي عن المنكر مثلا، على ما دل على حرمة الهجو و هو لا يخلو من إشكال سيما بالنسبة إلى بعض الأفراد، كالإشكال فيما لو أريد من ذلك تعميم الحكم لكل محرم عدا القتل، توقف عليه دفع المنكر، و لكن من المعلوم إرادة اعتبار الميزان، كمعلومية تفاوت حرمة الهجو شدة و ضعفا، بحسب حال المهجو و نفس الهجو و نحوهما، بل في شرح الأستاد أنه كلما كان الشعر أجود كان الوزر أشد كما ان مسجع النثر و أفصحه أشد إثما من غيره، هذا كله في المؤمنين.

أما المشركون فلا إشكال كما لا خلاف في جواز هجوهم و سبهم و لعنهم و شتمهم ما لم يكن قذفا مع عدم شرائطه أو فحشا(1)

«و قد أمر رسول الله صلى الله عليه و آله حسانا يهجوهم و قال: إنه أشد عليهم من رشق النبال»

نعم لو رجعوا عن عقيدتهم، لزم محوه إن كان قد نقش، بناء على وجوب محو كتابة هجو المؤمن، كما صرح به الأستاد في شرحه، قال: و من كتب هجو المؤمن في ديوانه وجب عليه كفاية محوه و وجب على الناس ردعه، و إن كان لا يخلو من إشكال في الجملة


1- 1 سنن بيهقي ج 10 ص 238.

ج 22، ص: 62

و على كل حال فالظاهر إلحاق المخالفين بالمشركين في ذلك لاتحاد الكفر الإسلامي و الإيماني فيه، بل لعل هجاؤهم على رؤس الاشهاد من أفضل عبادة العباد ما لم تمنع التقية، و أولى من ذلك غيبتهم التي جرت سيرة الشيعة عليها في جميع الأعصار و الأمصار علمائهم و أعوامهم، حتى ملأوا القراطيس منها بل هي عندهم من أفضل الطاعات، و أكمل القربات فلا غرابة في دعوى تحصيل الإجماع، كما عن بعضهم بل يمكن دعوى كون ذلك من الضروريات، فضلا عن القطعيات.

فمن الغريب ما عن المقدس الأردبيلي و ظاهر الخراساني في الكفاية من أن الظاهر عموم أدلة التحريم الغيبة من الكتاب و السنة للمؤمنين و غيرهم، لأن قوله تعالى (1)«وَ لا يَغْتَبْ» إلى آخره للمكلفين أو للمسلمين لجواز غيبة الكافر و السنة أكثرها بلفظ الناس و

المسلم، و هما معا شاملان للجميع، و لا استبعاد في ذلك إذ كما لا يجوز أخذ مال المخالف و قتله، لا يجوز تناول عرضه، ثم قال في ظني أن الشهيد في قواعده جوز غيبة المخالف من جهة مذهبه و دينه، لا غير إذ هو كما ترى مخالف لما سمعت و لعل صدور ذلك منه لشدة تقدسه و ورعه، لكن لا يخفى على الخبير الماهر الواقف على ما تظافرت به النصوص، بل تواترت من لعنهم و سبهم و شتمهم و كفرهم و انهم مجوس هذه الأمة، و اشر من النصارى و أنجس من الكلاب، أن مقتضى التقدس و الورع خلاف ذلك، و صدر الآية الذين آمنوا و آخرها التشبيه بأكل لحم الأخ بل في جامع المقاصد أن حد الغيبة على ما في الأخبار أن يقول في أخيه ما يكرهه لو سمعه مما فيه، و معلوم أن الله تعالى عقد الأخوة بين المؤمنين بقوله تعالى (2)«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» دون غيرهم، و كيف


1- 1 سورة الحجرات الآية 12.
2- 2 سورة الحجرات الآية 10.

ج 22، ص: 63

يتصور الاخوة بين المؤمن و المخالف، بعد تواتر الروايات و تظافر الآيات، في وجوب معاداتهم، و البراءة منهم، و حينئذ فلفظ الناس و المسلم، يجب إرادة المؤمن منهما، كما عبر به في أربعة أخبار.

و ما أبعد ما بينه و بين الخواجه نصير الدين الطوسي و العلامة الحلي و غيرهم ممن يرى قتلهم، و نحوه من أحوال الكفار، حتى وقع منهم ما وقع في بغداد و نواحيها، و بالجملة طول الكلام في ذلك كما فعله في

الحدائق من تضييع العمر في الواضحات، إذ لا أقل من أن يكون جواز غيبتهم لتجاهرهم بالفسق، فان ما هم عليه أعظم أنواع الفسق بل الكفر، و إن عوملوا معاملة المسلمين في بعض الأحكام للضرورة، و ستعرف إنشاء الله أن المتجاهر بالفسق لا غيبة له فيما تجاهر فيه و في غيره، و منه يعلم فساد ما حكاه عن الشهيد، و على كل حال فقد ظهر اختصاص الحرمة بالمؤمنين، القائلين بإمامة الأئمة الاثنى عشر دون غيرهم من الكافرين و المخالفين و لو بإنكار واحد منهم عليهم السلام.

إنما الكلام في موضوعها، و قد سمعت ما ذكره في جامع المقاصد و يقرب منه ما في القاموس غابه، عابه و ذكره بما فيه من السوء، ضرورة غلبة الكراهة لو سمع ذلك، و كذا ما عن المصباح المنير اغتابه إذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق، و الصحاح و مجمع البحرين أن يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه و في

المرسل (1)عن النبي صلى الله عليه و آله «أ تدرون ما الغيبة، فقالوا: الله و رسوله أعلم قال: ذكرك أخاك بما يكره قيل: أ رأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال:

إن كان فيه ما تقول: فقد اغتبته و إن لم يكن فيه فقد بهته»

و نحوه


1- 1 صحيح مسلم ج 2 ص 385.

ج 22، ص: 64

خبر(1)وصايا أبا ذر و في رسالة ثاني الشهيدين ان في الاصطلاح لها تعريفين أحدهما مشهور، و هو ذكر الإنسان حال غيبته، بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص و الذم، و الثاني التنبيه على ما يكره نسبته إليه قال: و هو أعم، من الأول لشمول مورده اللسان، و الإشارة و الحكاية و غيرها، و هو أولى لما سيأتي من عدم قصر الغيبة على اللسان، قلت: قد صرح بذلك غيره أيضا و يؤيده (2)ما

روي عن عائشة، «انها قالت دخلت علينا امرأة، فلما ولت أومأت بيدي اي قصيرة، فقال صلى الله عليه و آله: اغتبتيها»

بل المعلوم أن حرمتها بالقول باعتبار إفادته السامع ما ينقصه و يعيبه و تفهيمه ذلك و حينئذ فيعم الحكم كل ما يفيد ذلك، من الكتابة التي هي إحدى اللسانين و الحكاية التي هي أبلغ في التفهيم من القول و التعريض و التلويح و غيرها، بل لعل التعريف الأول أيضا كذلك، ضرورة إرادة الأعم من القول بالذكر، إذ دعوى أنه بمعنى القول واضحة المنع.

و كذا لا فرق فيما ينقصه بين تعقله بالبدن و النسب و الخلق و الفعل و القول و الدين و الدنيا، بل و الثوب و الدابة و الدار، كما أشار إلى ذلك

الصادق عليه السلام (3)بقوله «وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه»

نعم ظاهر المشهور اعتبار الغيبة فيها كما هو صريح ما سمعته من الصحاح، و لا بأس به و إن كان ذكر ذلك في حال الحضور مساويا له في الحرمة أو أشد


1- 1 الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 9.
2- 2 الدر المنثور ج 6 ص 94 نقلا عن البيهقي.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 106.

ج 22، ص: 65

للإيذاء الفعلي و التبكيت و نحوهما، كما أن الظاهر أيضا اعتبار وجود العيب فيه فيها و إلا كان بهتانا و إليه أومى فيما سمعته من المرسل و غيره

و روى أيضا(1)«انه ذكر عنده «ص» رجل، فقالوا ما اعجزه فقال:

اغتبتم صاحبكم، قالوا يا رسول الله «ص» قلنا ما فيه قال: إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتوه»

بل يعتبر فيها أيضا تعيين الشخص عند السامع فلا غيبة مع فرض عدمه

(2)«و كان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا كره من أحد شيئا قال: ما بال أقوام يفعلون كذا و كذا و لا يعين»

و يكفي في معرفة عدم العلم به الأصل و نحوه، و جعل شيخنا في شرحه ذلك من مستثنيات الغيبة، قال: و منها ذم من لا يشخصه و لا

يميزه و لا يحصره فإنه لا بأس به و إن دخل تحتها.

و منها تعليق الذم بطائفة أو أهل بلد أو قرية مع قيام القرينة على عدم إرادة الجميع، كذم العرب و العجم، و أهل الكوفة و البصرة و بعض القرى، لكن لا يخفى عليك الإشكال في دليل الاستثناء بعد فرض الدخول في موضوع الغيبة، اللهم إلا أن يدعى انسياق غير هذا الفرد منها أو قيام السيرة القاطعة على عدم البأس في ذلك، بل وقع منهم عليهم السلام في مقامات متعددة، و الأمر سهل بعد ثبوت الحكم الذي لا ريب في أن الأحوط الترك في بعض أفراد موضوعه، كذم أحد الرجلين أو الرجال مع حصرهم و تعيينهم أو ذم الطائفة مع إرادة الأغلب منها، و نحو ذلك بل لعل لازم في مثل الأول خصوصا بعد ملاحظة ما دل على حرمتها، من إجماع المسلمين، بل لعله من ضروريات الدين فضلا عما دل عليه من كتاب رب العالمين، و المتواتر من سنة سادات


1- 1 مجمع الزوائد ج 8 ص 94.
2- 2 مسند أبي داود ج 2 ص 550.

ج 22، ص: 66

المؤمنين، بل في بعضها كالخبر المشتمل على وصايا

النبي صلى الله عليه و آله لأبي ذر قال: فيه «إياك و الغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا قلت:

يا رسول الله و لم ذاك: بأبي أنت و أمي قال: لان الرجل قد يزني و يتوب فيتوب الله عليه، و إن صاحب الغيبة لا يغفر الله له حتى يغفرها صاحبه»

و في آخر(1)«إن المغتاب في يوم القيامة يأكل لحمه»

و في ثالث (2)«أن رسول الله صلى الله عليه و آله لما رجم الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه هذا أقعص كما يقعص الكلب، فمر النبي صلى الله عليه و آله معهما بجيفة فقال: أنهشا منها، فقالا: يا رسول الله «ص» ننهش جيفة، فقال ما أصبتما من أخيكما أنتن من هذه»

و في تفسير قوله تعالى (3)«وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ»(4)الطعان في الناس و اللمزة الذي يأكل لحوم الناس لكن استثنى منها بعض الأصحاب أمورا.

منها تظلم المظلوم بذكر ظلم الظالم عند من يرجو رفعه الظلم عنه

كقول (5)زوجة أبي سفيان لرسول الله صلى الله عليه و آله إن زوجي شحيح و لم يعطني تمام النفقة لي و لولدي»

بل في الحدائق و غيرها جوازه مطلقا لإطلاق الآية و خصوص ما ورد في تفسيرها، من الروايات التي في بعضها إدخال سوء الضيافة في ذلك أيضا، إلا أنه يشكل التعويل عليه في مقابلة ما سمعت من أدلة التحريم، كما أن الظاهر عدم جواز الاستماع قبل تحقق الظلم، و دعواه لا تكفي بالنسبة إلى السامع،


1- 1 الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب 164 من أبواب أحكام العشرة الحديث 5.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 106.
4- 4 تفسير تبيان ج 10 ص 407.
5- 5 المستدرك ج 2 ص 108.

ج 22، ص: 67

و يدخل في هذا، الاستفتاء و إن ذكره بعضهم مستقلا ممثلا له بما سمعت من حكاية هند، و مستدلا عليه باستمرار الطريقة.

و منها تحذير المؤمن من الوقوع في الضرر لدنيا أو دين، كتحذير الناس من الرجوع إلى غير الفقيه مع ظهور عدم قابليته، و من التعويل على طريقة من تعلم فساد طريقته، و لأهل التحصيل عن بعض القواعد التي تعد من الأباطيل و أما أهل البدع فقد ورد الأمر بالوقيعة فيهم.

و منها نصح المستشير لورود الأخبار الكثيرة في أنه يجب أن ينصح المؤمن أخاه المؤمن (1)و ل

قول النبي صلى الله عليه و آله لفاطمة بنت قيس لما شاورته في خطابها، «معاوية صعلوك لا مال له، و أبو الجهم لا يضع العصي عن عاتقه»

قلت: لعل هذا و سابقه راجع إلى نصح المؤمن الذي أمر به في النصوص، من غير فرق بين سبق الاستشارة و عدمها، لكن التعارض بين ما دل على حرمة الغيبة و بينها من وجه، و لعل الترجيح لها إلا أنه على إطلاقه لا يخلو من إشكال فالمتجه مراعاة الميزان في الموضوعات مع المحافظة على مقدار ما يتوقف عليه النصح، من غير تعد و تجاوز، بل يمكن عند التأمل عدم كون ذلك من التعارض في الأدلة، و إلا لاقتضى ذلك التعارض بين أدلة المستحبات و المباحات و أدلة المحرمات، و من هنا كان المتجه الاقتصار في هذا الباب على خصوص ما جرت السيرة به، و ما دلت عليه الأدلة

المخصوصة لا مطلقا، و إن أوهمه بعض العبارات استنادا إلى ما ورد في نصح المؤمن، المعلوم كونه من قبيل ما ورد في قضاء حاجة المؤمن لا يراد منه الأفراد المحرمة أو المستلزمة لها فتأمل جيدا.

و كيف كان فلعل من هذا الباب أيضا باب الترجيح و التعديل في


1- 1 المستدرك ج 2 ص 108.

ج 22، ص: 68

الرواة لأجل معرفة قبول الخبر و عدمه، و معرفة صلاحيته للمعارضة و عدمها، و الا لا نسد باب التعادل و التراجيح الذي هو أعظم أبواب الاجتهاد، و جرت السيرة عليه من قديم الزمان، كجريانها على الجرح في باب الشهادة و على ترجيح ما دل على وجوب إقامتها، على ما دل على حرمة الغيبة على وجه لا إشكال فيه و لا شبهة تعتريه، و الا لضاعت الحقوق في الدماء و الأموال و غيرها، و لغلب الباطل على الحق، و من ذلك أيضا ذكر المبتدعة الذين أمرنا بالوقيعة فيهم حذرا من اغترار الناس بهم، بل ربما دخل في ذلك أيضا نفي نسب من ادعى نسبا، و إن كان معذورا أو عرف به فينفي عنه، بل ربما وجب دفعا للخلل في المواريث و النفقات و الأنكحة و غيرها، فيكون ذلك أحد المستثنيات إذا فرض كونه غيبة، و قلنا بجوازه في غير مقام الشهادة و الأمر بالمعروف، كما هو مقتضى ذكر شيخنا له في المستثنيات منها، بل من هذا الباب أيضا ما يقع بين العلماء في بيان الصحيح من الفاسد، ضرورة كونه من جملة النصح في الدين إلا أن الانصاف كون هذا المقام من مزالق الشيطان فلا بد لمرتكب ذلك من تصحيح النية، فإن الناقد لا يخفى عليه شي ء من ذلك.

و منها ما يقصد به دفع الضرر عن المذموم في ذم أو عرض أو مال و قد وقع الطعن (1)منهم في زرارة معللين بذلك، و لعل منه ما وقع في الهشامين لكن لا يخفى عليك أن ذلك و شبهه ليس من الغيبة في شي ء، بعد ما عرفت من اعتبار قصد الانتقاص فيها الذي به خرج باب المزح و الهزل المأمور به في بعض النصوص تأكيدا للالفة و تحقيقا للمحبة، إلا أن ذلك كسابقه ينتقده الله فإنه ربما صدر عن بعض


1- 1 جامع الرواة ج 1 ص 325.

ج 22، ص: 69

الناس بصورة الهزل، و كذا الكلام في الغيبة للتقية على الذام في نفس أو مال أو عرض، ضرورة عدم قصد الانتقاص بها أيضا.

و منها ما دخل في النهي عن المنكر، لتوقفه عليه، فيجب الوقيعة في بعض العصاة حتى يرتدعوا عن معصيتهم، لكن ينبغي في هذا أيضا مراعاة الميزان إذ مع فرض كونه من التعارض بين الأدلة فهو من وجه كما هو واضح.

و منها غيبة المتجاهر بالفسق فيما تجاهر فيه، و إن أحب الخفاء عند خصوص ذلك السامع، لانه هو الهاتك لحرمته، و

قد(1)قال:

رسول الله صلى الله عليه و آله «من القى جلباب الحياء عن نفسه فلا غيبة له»

و السيرة المستمرة و لأن العيب بالتجاهر به صار كالمعلوم لدى كل أحد، بل في شرح الأستاد جواز غيبته بغير المتجاهر به، فضلا عنه و لعله للعموم في الخبر السابق، بل ربما قيل بجواز مطلق غيبة الفاسق تجاهر أو لا فيما فسق فيه أو لا

للمرسل (2)عن النبي صلى الله عليه و آله «لا غيبة لفاسق»

لكنه كما ترى مناف لما دل على حرمتها على وجه لا يصلح المرسل المزبور لمعارضته من وجوه، خصوصا بعد احتماله النهي و الاختصاص بالمتجاهر به، بل لعله الظاهر منه، فالأحوط إن لم يكن الأقوى، ترك غيبة غير المتجاهر، بل الأحوط تركها في المتجاهر في غير ما تجاهر به.

نعم يلحق به شهرة الكنية أو اللقب، ببعض عيوبه، خصوصا إذا توقف التعريف عليه، بل لعله ليس من الغيبة لعدم قصد الانتقاص به و لعل منه وصف الإمام الامرأة بالحولاء و لا يستلزم ذلك جواز الغيبة بالأوصاف الظاهرة كالعور و العرج و القصر و نحوها، مما لم يشتهر وصفه


1- 1 المستدرك ج 2 ص 108.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 108.

ج 22، ص: 70

به، و لذلك

قال: النبي صلى الله عليه و آله (1)«لعائشة لما أشارت إلى قصر الامرأة بيدها انك اغتبتها»

نعم قد يقال بجواز ذكر الأوصاف المزبورة عند العالم بها كغيرها، من العيوب المعلومة بين المتكلم و المخاطب فإنه قد يشك في شمول أدلة المنع لمثله، باعتبار عدم حصول أمر جديد لكن مع ذلك الأحوط الترك خصوصا مع احتمال النسيان أما مع القطع به فالأقوى عدم الجواز.

و منها ذكر من لا عقل له و لا تمييز كالمجانين و بعض أطفال المؤمنين، بل لعله ليس من الغيبة إذا كان المذكور منهم في حال لا نقص فيه عليهم به، فضلا عن قصد الانتقاص به، نعم لو ذكر عيوب المجنون قبل جنونه أو بعد عقله أو الصغير بعد بلوغه أمكن المنع للصدق و عدم التكليف لا ينافي حرمة الغيبة، و لذا حرمت بالنسبة إلى الميت الذي حرمته كحرمة الحي، بل يقوى حرمتها في المميز مع فرض كونها بحيث تعيبه.

و في شرح الأستاد أن منها أيضا الرد عليه في ذكر قدح عليه أو على مؤمن فإنه يجوز و لو كان معذورا و استلزم قدحا فيه، و منها ما لو فعل خيرا من عبادة أو إكرام ضيف أو نحو ذلك فدل على بخل الغير مثلا، إذ لا يلزمه ترك العبادة لذلك مع أنه من أقسام الغيبة على بعض التفاسير و فيه أنه ليس منها مع عدم قصد الانتقاص قطعا كما أن الرد في الأول ينبغي أن يكون بما ليس غيبة و إلا كان غسلا للدم بالدم.

و منها ذكر أولاده و اتباعه ببعض الصفات تأديبا لهم، و خوفا عليهم من الوقوع فيما هو أعظم منه، لقضاء الحكمة و السيرة به، و لان التابع و القريب له حكم آخر في التأديب، كما يظهر من التتبع قلت:


1- 1 الدر المنثور ج 6 ص 94.

ج 22، ص: 71

و لأن نقصهم في الحقيقة راجع إليه، فهو كذكر الإنسان عيوب نفسه، بل قد يقال بانسياق غير ذلك من أدلة الغيبة.

و منها ذكر المعايب و المناقص في شخص ثم يعقبها بما يدل على رجوعه و عود كماله كالنقل عن الحر و اضرابه، لكن ذلك كما ترى إطلاقه لا يخلو من اشكال بل منع فتأمل جيدا.

و منها روايتها عن شخص و تكذيبه في نقله لها فلو سمينا الناقل مغتابا و النقل غيبة لم يدخل في المنع، و منها ذكر عيوب المملوك لإسقاط الخيار، و منها ذكر عيوب المرأة في النكاح، خوفا مما يترتب على التدليس إلى غير ذلك مما لا يخفى عليك وجهه، بعد الإحاطة بما ذكرناه هذا كله في الغيبة نفسها.

أما استماعها لا للرد فلا خلاف كما لا إشكال في حرمته، بل في

المرسل عن النبي صلى الله عليه و آله (1)«المستمع أحد المغتابين»

بل

عن علي عليه السلام (2)«السامع للغيبة أحد المغتابين»

لكن الظاهر ارادة معنى المستمع منه ضرورة عدم تصور الحرمة في السامع اتفاقا، و يجب ردها مع الإمكان قطعا، بل

في الحديث «أن وزر غير


1- 1 لم نعثر على هذا الحديث بعد الفحص عند مضانه و الذي وجدناه في الوسائل في الباب 25 الحديث 13 عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام في حديث المناهي ان رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن الغيبة و الاستماع إليها و في مجمع الزوائد ج 8 ص 91 نقلا عن الطبراني عن ابن عمر قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن الغيبة و عن استماع الغيبة.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 108 و الرواية منقولة عن النبي صلى الله عليه و آله.

ج 22، ص: 72

الراد يعادل وزر المغتاب سبعين مرة و ان الله يرد عن رادها ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة»

و الظاهر أنها كحقوق الله و إن كانت متعلقة بالناس، فيكفي فيها التوبة و لا يحتاج إلى التحليل من المغتاب، و الخبر السابق مطرح، لعدم جمعه لشرائط الحجية في السند و غيره، و لمعارضته بالنبوي، الأخر كما ستسمع، فلا يصلح معارضا لما دل على اجزاء التوبة عن المعاصي، و أن الله يغفر عن العبد بها جميع المعاصي، و التعلق بالناس أعم من كونه كالمال الثابت بقاؤه في الذمة، المتوقف فراغ الذمة منه على الإبراء، و نحوه بدليل خاص، كما أن ما

ورد(1)عن النبي صلى الله عليه و آله «من أن كفارة الاغتياب الاستغفار له»

محمول على ضرب من الاستحباب دون الفرض و الإيجاب و لذا لم يذكروه في الكفارات، فمن الغريب عمل بعض الناس به، مع عدم صلاحيته لإثبات الوجوب من وجوه، إلا أنه مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه هذا كله في الغيبة من حيث الحكم الشرعي.

و أما البحث فيها من حيث أسبابها المثيرة لها، و علاجها و بيان الأفراد الخفية منها، في الافعال و الأقوال، فموكول إلى كتب الأخلاق المصنفة في ذلك فلاحظ عصمنا الله و إياك منها و من غيرها.

كتعمد الكذب الذي حرمته من الضروريات، و يزداد إثما إذا كان على المؤمنين، ثم على أئمتهم عليهم السلام ثم على الله تعالى شأنه البحث في موضوعه مفروغ منه في غير المقام، نعم قد يقال: انه و إن كان من صفات الخبر لكن يجري حكمه في الإنشاء المنبئ عنه مع قصد الإفادة و أما الكذب بالأفعال فلا يخلو من إشكال و التورية و الهزل، من غير


1- 1 الوسائل الباب 152 من أبواب أحكام العشرة الحديث 13.

ج 22، ص: 73

قرينة داخلان في اسمه أو حكمه و لا فرق في المحرم منه بين الشعر و النثر نعم ما يرجع إلى المبالغة ليس منه، كما انه لا حرمة فيما كان منه لمصلحة يرجح مراعاتها، على مراعاة تجنب المفسدة الكائنة فيه، و لا تجب التورية حينئذ و لو تمكن منها، للأصل و غيره نعم ينبغي الاقتصار فيه على مقدار ما تحصل به المصلحة المفروضة.

و كالنميمة بين المؤمنين بل المسلمين، التي تطابقت الأدلة الثلاثة أو الأربعة على حرمتها، فيحرم حينئذ التكسب بها، بل يحرم كل ما يؤخذ جزاء عنها، بل في بعض الأخبار ما يدل على حرمة استماعها أيضا و على كل حال، فالمراد بها السعاية بنقل حديث كل إلى الآخر أو ما كان بمنزلته لإيقاع فتنة أو وحشة و لعلها المراد بقوله تعالى (1)«وَ الْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ»(2)بل

عن الصادق عليه السلام «انها من السحر الذي يفرق بين المتحابين، و يعادي بين المتصافين و يسفك به الدماء و يهدم به الدور و يكشف به الستور، و ان النمام أشر من وطئ الأرض بقدم».

نعم قد تجوز و تستحب أو تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين، و تقوية المتقين على المبطلين، و الظاهر عدم اختصاصها بالأقوال، كما أومأنا إليه سابقا، بل تكون بالكتابة و الرمز و الغمز، و عدم اختصاصها بكون المنقول قولا. أو عيبا أو ما يقتضي نقصا، ضرورة كون حقيقتها إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه.

و كيف كان فالنمام غير ذي اللسانين و الوجهين، الذي يتردد بين اثنين سيما المتعاديين، و يكلم كل واحد منهما بكلام يوافقه، و إن كان


1- 1 سورة البقرة الآية 217.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 111.

ج 22، ص: 74

هو أيضا(1)«من المنافقين و شر عباد الله تعالى»(2)

و «في يوم القيامة يجعل الله له لسانين من نار، دالعا أحدهما من قفاه و آخر من قدامه يلتهبان خده، و يعرف بذي اللسانين في ذلك اليوم»(3)

و بئس العبد، عبد همزة لمزة يقبل بوجه و يدبر بآخر»

نعم ربما يجتمعان في فرد كما أنهما قد يجتمعان مع غيرهما من المعاصي، السابقة و غيرها، نعوذ بالله العظيم من هذه الخصال الذميمة، و مما يولدها من الأغراض الدنية و الصفات الرذيلة.

و لقد تكفل علم الأخلاق شرح دائها و دوائها و بيان كثيرها الخفية و لقد تصدى ثاني الشهيدين في رسالته، في المقام لكثير من ذلك، و كسب المؤمنين و شتمهم و النيل منهم، لغير مصلحة ترجح على المفسدة من غير فرق بين الأخيار و الأشرار، عدا الظالمين منهم و المتجاهرين منهم بالكبائر، فإن السيرة على التقرب إلى الله بسبهم، و إن

ورد أن سباب المؤمن فسق،

بل تطابقت الأدلة الثلاثة أو الأربعة على حرمة(4)إيذاء المؤمن و إهانته و هتك حرمته و ظلمه في نفس أو مال أو عرض و كمدح المذموم بما استحق الذم عليه و ذم الممدوح

كذلك على وجه يترتب عليه فساد و إغراء بالجهل، أما مدح الأول بما فيه من الصفات الحسنة، و ذم الأخر بما فيه من صفات الذم على وجه لا يكون غيبة و نحوها فلا بأس به، و إن استحق كل منهما الذم و المدح من جهة أخرى(5)


1- 1 الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 143 من أبواب أحكام العشرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 152 و 158 من أبواب أحكام العشرة الحديث 12 و 3.
5- 5 الوسائل الباب 145 من أبواب أحكام العشرة الحديث 1- 2.

ج 22، ص: 75

فإن الذي ينبغي، إعطاء كل ذي حق حقه، فمن لم يكن فيه صفة للذم فليس له إلا المدح، و بالعكس فذو الجهتين يستحق الأمرين، و دعوى أن مستحق الذم يحرم مدحه، و مستحق المدح يحرم ذمه كذلك، ممنوعة بالسيرة القاطعة و غيرها فضلا عن دعوى الإجماع عليها و الله أعلم.

[منه تعلم شي ء من السحر]

و منه إي المحرمات لنفسها تعلم شي ء من السحر للعمل و تعليمه كذلك و عمله، بلا خلاف أجده فيه في الجملة بين المسلمين، فضلا عن غيرهم، بل هو من الضروريات التي يدخل منكرها في سبيل الكافرين، و الكتاب و السنة قد تطابقا على حرمته، و أنه من عمل المفسدين الذين لا يفلحون بل في ظاهر(1)«آية هارُوتَ وَ مارُوتَ » ما يقتضي كفر عامله و معلمه

و أما النصوص فقد تظافرت أو تواترت فيه، ففي

خبر السكوني (2)عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام «قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ساحر المسلمين يقتل، و ساحر الكفار لا يقتل، قيل يا رسول الله صلى الله عليه و آله لم لا يقتل ساحر الكفار، قال: لان الشرك أعظم من السحر و لان السحر و الشرك مقرونان»

و في

خبر أبي البختري المروي (3)عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام «ان عليا عليه السلام قال: من تعلم شيئا من السحر قليلا أو كثيرا فقد كفر، و كان آخر عهده بربه أن يقتل إلا أن يتوب»

إلى غير ذلك من النصوص سيما الواردة في قصة هاروت و ماروت، و في حده.


1- 1 سورة البقرة الآية 102.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.

ج 22، ص: 76

نعم في

حسن (1)إبراهيم بن هاشم عن شيخ من أصحابنا الكوفيين «قال: دخل عيسى بن ثقفي على أبي عبد الله عليه السلام و كان ساحرا يأتيه الناس و يأخذ على ذلك الأجر فقال: جعلت فداك أنا رجل كان صناعتي السحر، و كنت آخذ عليه الأجر و كان معاشي، و قد حججت منه و من الله علي بلقائك و قد تبت إلى الله عز و جل، فهل لي شي ء

من ذلك مخرج؟ فقال: له أبو عبد الله عليه السلام حل و لا تعقد»

ما يقتضي جوازه في الحل بل عن

علل الصدوق (2)روى «ان توبة الساحر أن يحل و لا يعقد»

و لعله فهم الخبر المزبور كذلك فأرسله بما سمعت و في

المروي عن العيون (3)و تفسير الإمام في قوله عز و جل «وَ ما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ» إلى آخرها أنه كان بعد نوح قد كثرت السحرة، و المموهون فبعث الله سبحانه ملكين إلى بني ذلك الزمان بذكر ما يسحر به السحرة و ذكر ما يبطل به سحرهم، و يرد كيدهم، فتلقاه النبي عليه السلام عن الملكين، و اداه إلى عباد الله فأمر الله تعالى أن يتقوا به السحر و أن يبطلوه، و نهاهم عن أن يسحروا به،»

إلى آخره

و في الآخر(4)المروي عن العيون أيضا «و أما هاروت و ماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليحترزوا به من سحر السحرة و يبطلوا به كيدهم»

و في

خبر العلاء(5)عن محمد بن مسلم «سألته عن المرأة يعمل لها السحر يحلونه عنها قال: لا أرى بذلك بأسا».


1- 1 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
5- 5 لم نعثر على هذه الرواية و التي وجدناه في المستدرك ج 2 ص 434 عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام من النشرة للمسحور فقال: ما كان أبي عليه السلام يرى به بأسا.

ج 22، ص: 77

بل في شرح الأستاد أن عليه كثير من أصحابنا و ليس بذلك البعيد لأن الظاهر من أخبار الساحر و السحرة إرادة من يخشى ضرره، و إن كان فيه انا لم نتحقق النسبة المزبورة، بل في جملة من كتب الفاضل و الدروس و غيرها، جواز حله بالقرآن و الذكر و الاقسام، و نحوها لا بشي ء منه، نعم نص الشهيدان و الفاضل الميسي و الكاشاني على ما حكى عن بعضهم، على جواز تعلمه للتوقي به، و لدفع المتبني بالسحر بل قالوا ربما وجب للأخير، مع أن المحكي عن الفاضل و ظاهر الأكثر المنع أيضا، و لعله لإطلاق أدلته و احتمال استلزامه، للتكلم بمحرم أو فعل محرم، و النصوص السابقة، مع قصورها عما دل على الحرمة من وجوه محتملة للحل بغيره، و لإرادة كشف حقيقة السحر على وجه لا يغتر به الناس، و يلبس عليهم الأمر في الفرق بينه و بين المعجز الدال على النبوة و آيات الله المستدل بها على وجوده و وحدانيته، لا أن المراد منها فعل السحر لذلك، بل لعل تعليم الملكين الناس السحر لذلك أيضا مع أنهما كما

قال (1)الصادق عليه السلام: في خبر الاحتجاج «موضع ابتلاء و موقف فتنة تسبيحهم اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و لو يعالج بكذا و كذا لصار كذا أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما فيقولان لهم إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم»

و في ذيل خبر العيون (2)و تفسير الامام المتقدم «و هذا كما يدل على أن السم ما هو و على ما يدفع به غائلة السم ثم يقال للمتعلم ذلك هذا السم فمن رأيته يسم فادفع غائلته بكذا و إياك أن تقتل بالسم»

، إلى آخره و نبوة المتنبي بالسحر


1- 1 الاحتجاج ج 2 ص 82 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 78

و نحوها يدفعها اللطف السماوي، كما أومى إليه بقوله تعالى (1)«ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ» و قال (2)«وَ لا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى » و حينئذ فعمل السحر حرام لنفسه، كما هو مقتضى الأدلة السابقة الدالة على ذلك، و على اقترانه بالشرك المعتضدة بالاعتبار، ضرورة كونه منبع فساد مورث الشك في كثير من آيات الله، و موهم للشركة مع الله في خلقه، و في عجائبه كما هو واضح، لا أن حرمته حيث يترتب الإضرار و نحوه عليه، حتى يكون محرما لغايته فيقال: بحليته عند عدم الإضرار، أو عند حصول النفع، نعم لو

فرض توقف دفع مفسدة، ترجح على مفسدة عمله عليه، اتجه الجواز، كما في غيره من المحرمات، مثل الكذب و شرب الخمر و غيرهما، و ربما جمع بين ما دل على الحرمة و الجواز في الحل و نحوه بذلك، و هو و إن كان أولى من الجمع بتنزيل أخبار الحل على الحل بغيره، لبعده عن ظاهر بعضها، لكنه لا يخلو من بعد أيضا، لا لندرة الاضطرار، فان غلبة التوقيف عليه، في حل الربط و نحوه عليه، لا يكاد ينكر بل لعدم الإشارة في شي ء من النصوص، إلى مراعاة حال الاضطرار، بل قد عرفت أن الصدوق أرسل كون توبة الساحر أن يحل و لا يعقد، إلا انه هو و غيره مما عرفت، خير من الطرح و الأمر سهل، هذا كله في عمله و لو للحل و التوقي و دفع بنوة المتنبي، و نحو ذلك.

أما تعلمه لانه من العلوم أو لأنه قد يحتاج إلى عمله و لو عند الاضطرار فالظاهر جوازه، وفاقا للأستاد في شرحه بل عن تفسير الرازي أنه اتفق المحققون على ذلك، للأصل و لأن العلم في حد ذاته شريف، و أنه خير


1- 1 سورة يونس الآية 81.
2- 2 سورة طه الآية 69.

ج 22، ص: 79

من الجهل و أنه لا يستوي من يعلم و من لا يعلم، بل ربما يجب حيث يتوقف الفرق بين المعجز و السحر عليه، و دعوى استلزام العلم به للمحرم من الكفر و نحوه ممنوعة أشد المنع، بل قيل: انه لا يخلو منه الأنبياء و أرباب المكاشفات لان العلم حسن في الذات، و الكراهة في الصناعات من الحياكة و الصياغة و الحجامة و نحوها فالخطر فيها إنما هو باعتبار العمل، و إلا فعلمها خير من جهلها، و التعلم و التعليم بتلك النية، أو لتحذير نفسه أو غيره من الوقوع بالبلية متصف بصفة الراجحية، و أصل الإباحة قاض بإباحته و لفظ السحر و الساحر و السحرة منصرف إلى عمله، و نقل قصة الملكين المعلمين في القرآن لأهل هذه الملة شاهد على حل التعليم، و عدم قصدهما الإعانة، يدفع إشكال حرمتها منهما أو انهما لم يعلما العمل ممن علماه أو أن ذلك لهما بالخصوص جائز، لكون نزولهما فتنة و ابتلاء، أو غير ذلك، و ما في بعض الروايات السابقة من تحريم التعلم، محمول على إرادة التعلم الذي يتبعه العمل كما يومي إليه ما فيه من كون حده القتل، و الله أعلم هذا كله في حكمه أما موضوعه فعن بعض أهل اللغة أنه ما لطف مأخذه و دق، و عن آخر صرف الشي ء عن وجهه، و عن ثالث إخراج الباطل بصورة الحق و رابع الخديعة، و في القواعد و غيرها انه كلام يتكلم به أو يكتبه أو رقية أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة، و نحوه عن المنتهى مع زيادة عقد، و في المسالك زيادة أقسام و عزائم و إبدال يعمل بقوله يحدث بسببها ضرر، و في الدروس يحرم الكهانة و السحر بالكلام و الكتابة و الرقية و الدخنة بعقاقير الكواكب و تصفية النفس، و التصوير، و العقد، و النفث و الاقسام و العزائم بما لا يفهم معناه و يضر بالغير فعله، و من السحر الاستخدام للملائكة

ج 22، ص: 80

و الجن و الاستنزال للشياطين، في كشف الغائب و علاج المصاب، و منه الاستحضار بتلبس الروح ببدن منفعل، كالصبي و المرأة و كشف الغائب عن لسانه، و منه النيرنجات و هي إظهار غرائب خواص الامتزاجات، و اسرار النيرين، و يلحق به الطلسمات، و هي تمزيج القوى العالية الفاعلية بالقوى السافلة المنفعلة، ليحدث عنها فعل الغرائب، و هو صريح في أن الاستخدام منه.

لكن عن المنتهى أن ما يقال من العزم على المصروع، و يزعم أنه يجمع الجن فيأمرها لتطيعه فهو عندي باطل لا حقيقة، و إنما هو من الخرافات، و في المسالك ان الاستخدام من الكهانة و أنها غير السحر قريبة منه، و عن بعضهم أن السحر عمل يستفاد منه ملكة نفسانية، يقتدر بها على أفعال غريبة، و أسباب خفية، و عن فخر المحققين في الإيضاح أنه استحداث الخوارق، إما بمجرد التأثيرات النفسانية، و هو السحر أو بالاستعانة بالفلكيات فقط، و هو دعوة الكواكب، أو على تمزيج القوى السماوية بالقوى الأرضية، و هو الطلسمات، أو على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة، و هو العزائم و يدخل فيه النيرنجات، و الكل حرام في شريعة سيد المرسلين.

أما إذا كان على سبيل الاستعانة بخواص الأجسام السفلية، فهو علم الخواص أو الاستعانة بالنسب الرياضية، و هو علم الحيل و جر الأثقال و هذان ليسا من السحر، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى ما فيها من الاختلاف الشديد، لذلك قال: الأستاد في شرحه إنه لا يرجع بعده إلا إلى العرف العام، و محصوله أنه عبارة عن إيجاد شي ء تترتب عليه آثار غريبة، و أحوال عجيبة، بالنسبة إلى العادة، بحيث تشبه الكرامات

ج 22، ص: 81

و توهم أنها من المعجزات المثبتة للنبوات من غير استناد إلى الشرعيات بحروز أو دعوات أو نحوها من المأثورات.

و أما ما أخذ من الشرع كالعوذ و الهياكل و بعض الطلسمات فليست منه، بل هي بعيدة عنه و كان غرض الشارع المنع من التدليس و التلبيس في الأسباب على نحو منعه في المسببات، و أن حدوث الأفعال من غير سبب يبين، مخصوص برب العالمين، لكنه كما ترى لا يرجع إلى محصل و أين العرف العام و تمييز جميع أقسام السحر الذي هو علم عظيم طويل الزيل كثير الشعب لا يعرفه إلا الماهرون فيه، و ليس مطلق الأمر الغريب سحرا، فان كثيرا من العلوم كعلم الهيئة و الجفر و الترارجية و هو أسرار الجفر و غيرها يظهر من العالم بها بعض الآثار العجيبة الغريبة و يكفيك ما يصنعه الإفرنج في هذه الأزمنة من الغرائب، و ليست هي من السحر الحرام قطعا، هذا و قد ذكر بعضهم أنه أقسام ثمانية.

الأول سحر الكلدانيين، و هم قوم يعبدون الكواكب، و يزعمون أنها المدبرة لهذا العالم، إلا أنهم فرق ثلاثة الأولى زعمت أن الأفلاك و الكواكب واجبة الوجود لذاتها و أنها هي المدبرة لهذا العالم و الخالقة له.

و الثانية أنها مخلوقة إلا أنها قديمة لقدم العلة التامة المؤثرة في وجودها، فالساحر عند الفرقتين هو الذي يعرف القوى العالية الفعالة بسائطها و مركباتها، و يعرف ما يليق بكل واحد من العوالم السفلية، و يعرف المعدات ليعدها و العوائق لينجيها، معرفة بحسب الطاقة البشرية، و بذلك يكون متمكنا من استجذاب ما يخرق العادة، و لعله إلى ذلك أشار بطليموس في قوله علم النجوم منك و منها.

الفرقة الثالثة إنها حادثة مسبوقة بالعدم إلا أن خالقها خلقها عاقلة مختارة و فوض تدبير هذا العالم إليها، و الساحر حينئذ هو من

ج 22، ص: 82

عرفته بالتقريب السابق.

القسم الثاني سحر أصحاب الأوهام و النفوس القوية، و هو يكون بتجريد النفس عن الشواغل البدنية، و عن مخالطة الخلق و أمورهم، و به يحصل تأثيرها في جميع ما تريده من الأشياء، و توجد صورته في ذهنها و يقتدر بذالك على الإتيان بما هو خارق العادة، نعم النفوس في ذلك مختلفة، فمنها القوية المستعلية على البدن الشديدة الانجذاب إلى عالم السموات، بل كأنها من الأرواح السماوية، و هذه لا تحتاج في التأثير بهذا العالم إلى آلة و أداة، و منها ما لا تكون كذلك فتحتاج إلى تصفية و تجريد، و ربما استعانت على ذلك بالرقي المعلومة ألفاظها، بل و غير المعلومة باعتبار حصول دهشة للنفس و حيرة، و ربما حصل في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات و إقبال على ذلك الفعل وجد عظيم، و يقوى التأثير النفساني و ربما استعانت على ذلك أيضا بالدخنة، على الوجه الذي سمعته أيضا في الرقي، و ربما أشار إلى ذلك في الدروس لبعض ما سمعته، كما أنه أشار بعقاقير الكواكب إلى ما يستعمله بعض هؤلاء الكفرة في تسخير بعض الكواكب السيارة بدخنة بعض العقاقير و قراءة بعض الرقي و نحو ذلك، و على كل حال فالسبب في تأثير النفس إذا صفت هذه الخوارق، إما أنها مخلوقة كذلك أو لأنها إذا صفت صارت قابلة للأنوار الفائضة، من الأرواح السماوية و النفوس الفلكية، و تتقوى بها على الأمور الغريبة، أو لانجذاب ما يشبهها إليها من النفوس المفارقة فتتعاضد، على إيقاع الفعل الغريب أو غير ذلك.

القسم الثالث الاستعانة بالأرواح الأرضية، و هي الجن فان اتصال النفوس الناطقة بها أسهل، من اتصالها بالأرواح السماوية، و لشدة المشابهة و المشاكلة، و إن كان التأثير مع الاتصال بتلك الأرواح أعظم

ج 22، ص: 83

بل هو كالقطرة بالنسبة إلى البحر، و قد قالوا: أن الاتصال بها يحصل بإعمال سهلة قليلة، من الرقي و الدخن و التجريد، و هذا النوع هو المسمى بالعزائم، و عمل تسخير الجن.

القسم الرابع التخيلات و الأخذ بالعيون، التي لا ينكر اغلاطها في رؤية الساكن متحركا و بالعكس، و الصغير كبيرا و بالعكس، فالمشعبذ الحاذق، يظهر عمل شي ء يشغل أذهان الناظرين به، و يأخذ عيونهم إليه، حتى إذا اطمأن باستغراق نظرهم إليه، عمل شيئا آخر بسرعة شديدة، و بذلك يحصل عند الناظر أمر عجيب، و سببه الاشتغال بما أظهره أولا و السرعة المزبورة، و هذا هو المراد من قولهم، أن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه في الحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال، و كلما كان أخذه للعيون و الخواطر و جذبه لها إلى سوى مقصوده أقوى، كان أحذق في عمله، كما انه كلما كانت الأحوال التي تفيد حسن البصر نوعا من أنواع الخلل أشد، كان هذا العمل أحسن، مثل أن يجلس المشعبذ في مكان مضي ء جدا، أو مظلم كذلك أو ذي ألوان مشرقة، تفيد البصر كلالا و اختلالا.

القسم الخامس الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات على النسب الهندسية تارة، و على ضرورة الخلاء أخرى، مثل تصوير فارسين يقتل أحدهما الآخر، و تصوير فارس على فرس في يده بوق، كلما مضت ساعة من النهار، ضرب البوق من غير أن يمسه أحد، و منها الصور التي تصورها الروم و أهل الهند، حتى لا يفرق الناظر بينها و بين الإنسان حتى يصورونها ضاحكة و باكية، و حتى يفرق فيها بين ضحك السرور و ضحك الخجل و ضحك الشامت، و من هذا الباب تركيب صندوق الساعات، بل قيل كان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب كما انه قيل أن من

ج 22، ص: 84

هذا الباب علم جر الأثقال بآلة خفيفة.

القسم السادس الاستعانة بخواص الأدوية المزيلة للعقل، و الدخن المسكرة، فإنه لا سبيل إلى إنكار الخواص.

القسم السابع تعليق القلب، كما لو ادعى الساحر أنه عرف الاسم الأعظم، و أن الجن يطيعونه و ينقادون له في أكثر الأمور، فإذا كان السامع لذلك ضعيف العقل، قليل التمييز اعتقد أنه حق، و تعلق قلبه بذلك، و حصل له خوف و رعب، حتى ضعفت قواه الحساسة، و تمكن الساحر بذلك من فعل ما يشاء.

القسم الثامن السعي بالنميمة، و التضرير من وجوه خفية لطيفة و هذا شائع في الناس، لكنه بعد الإغضاء عما في ذكر بعض الأقسام لم يستغرقها، لترك ما يؤثر المحبة و البغضاء، و ربط الرجل عن امرأته، و نحو ذلك مما صنعه (1)سحرة النجاشي في عمارة بن وليد لما نفخوا الزيبق في إحليله، فصار مع الوحوش و لم يأنس بالناس حتى أن قريشا لما احتالت في قبضه اضطرب بين أيديهم حتى مات، و غير ذلك من أصناف السحر و أنواعه و

عن الصادق عليه السلام (2)انه لما سأله الزنديق عن السحر ما أصله، و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه و ما يفعل،

قال: «إن السحر على وجوه شتى، منها بمنزلة الطب، كما ان الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علماء السحر احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية سقما، و لكل معنى حيلة، و نوع منه أخر خطفة و سرعة، و مخاريق و خفة، و نوع منه ما يأخذ أولياء الشياطين منهم، قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟ قال: من


1- 1 البحار ج 18 ص 416 الطبع الحديث.
2- 2 الاحتجاج ج 2 ص 81.

ج 22، ص: 85

حيث عرف الأطباء الطب، بعضه تجربة و بعضه بعلاج، إلى أن قال:

أ فيقدر الساحر أن يحول الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟ قال: هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله إن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره، فهو شريك لله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لو قدر الساحر على ما وصفت، لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض، و ينفي البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته، و إن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، و يجلب بها العداوة بين المتصافين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف الستور و النمام أشر من وطئ على الأرض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء، فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج فأبرأه إلى آخره».

لكن الانصاف عدم ثبوت حرمة ما رجع منه إلى الخواص، حتى خواص الحروف التي لا سبيل إلى إنكارها، و ما يحصل منه بصفاء النفس بالطرق الشرعية الذي يعد مثله كرامة، و لعله من باب يا عبدي أطعني أو نحوه، و ما رجع منه إلى تركيب الأجسام على النسب الهندسية أو غيرها، إلا إذا استلزم إضرارا بالغير أو تدليسا بدعوى نبوة و نحوها، للأصل و السيرة المستمرة، و عدم ثبوت كون مثله سحرا، و بعد تسليمه فلعل المنساق من نصوص الحرمة غيره، من افراد التخييل و النفث، و تسخير الأرواح الأرضية، أو السماوية و نحو ذلك، بل لعل المشكوك فيه أنه منها أو من المحرم كذلك أيضا، فما نجده في بعض الكتب من خواص بعض الطلسمات، و بعض الرقي و بعض الأجسام لا بأس حينئذ باستعماله، و إن كان الأحوط تركه أيضا، فتأمل جيدا و الله أعلم.

ج 22، ص: 86

و على كل حال فلا خلاف في كفر الساحر بأحد الأقسام الأول كما لا خلاف و لا إشكال في كفره مع الاستحلال، للقسم المحرم منه فيجري عليه حكم المرتد من القتل و نحوه اما غير المستحل فقد يظهر من جماعة عدم القتل به، خلافا لبعض فجعله حدا له مطلقا، و لعله لإطلاق الأدلة، و لا يخلو من توقف، و يأتي تمام الكلام فيه في باب الحدود إنشاء الله، و دعوى أنه بجميع أقسامه كفر كما يقضي به بعض الأخبار بل هو ظاهر آية(1)«هارُوتَ وَ مارُوتَ » أيضا و يدفعها معلومية حصر أسباب الكفر في غيره، فالمراد حينئذ المبالغة في معصيته و

أنه بسبب إظهار الساحر ما لا ينبغي صدوره، إلا من الله صار كالشريك له فأطلق عليه اسم الكفر و الشرك، لا لأنه من أسبابه و لا للمشاركة له في أن حكمه القتل، على أن آية «هارُوتَ وَ مارُوتَ » لا تخلو من إجمال و ربما تلحق بالمتشابه باعتبار

ما ورد فيها(2)من النصوص، فان منها ما تضمنت «أنهما ملكان نزلا إلى الأرض، بعد أن جعل الله فيهما ما في بني آدم، من القوة الشهوية و نحوها، لما عابوا عليهم بكثرة المعاصي فافتتنا بامرأة، و أرادا الزنا فيها فاقترحت عبادة الوثن، و شرب الخمر و قتل النفس، ففعلا الجميع، ثم أراداها بعد ذلك فلم يجداها، و قد رفعها الله و مسخها النجم المسمى بزهرة كما مسخ الرجل العشار سهيلا فغضب الله عليهما و قال: لهما اختارا عذاب الدنيا، أو الآخرة فأشار كل واحد منهما على الآخر بواحد، و بقيا محبوسين في أرض بابل ثم علقا بين السماء و الأرض منكوسين و أخذا في تعليم الناس السحر»

و هو و إن كان غير مناف، لعصمة الملائكة باعتبار تغير خصوص خلقة الملكين


1- 1 سورة البقرة الآية 102.
2- 2 بحار الأنوار ج 59 ص 305 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 87

لكنه مناف لما دل (1)على عدم بقاء الممسوخ أزيد من ثلاثة أيام و ان الله تعالى لا يمسخ أعداءه أنوارا في السماء يهتدي بها، و إنما سهيل و الزهرة الممسوختان دابتان في البحر

بل ظاهر بعض العامة فضلا عن الخاصة البراءة من ظاهر هذا الخبر و إنه إن صح فهو رمز من رموز الأوائل أي على إرادة النفس و الهوى و افتتانهما بزهرة الحياة الدنيا و نحو ذلك، مما يتم به المعنى المزبور و منها(2)ما تضمن انهما نزلا لما كثر في الناس السحر و التمويه لرفع الالتباس عنهم و تعليمهم انه سحر و أن السحر كذا و كذا فافتتن الناس بهما، أو انهما نزلا مع ذلك، لابتلاء الناس و اختبارهم و معرفة المطيع منهم و العاصي بتعليم الناس علم السحر، مع النهي عن عمله، و هو أصح ما وصل إلينا من طرقنا، و على كل حال فالمراد من الكفر فيها إنما هو بالنسبة إلى بعض أقسام السحر أو المشابهة التي ذكرناها و الله أعلم.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه من النص و غيره أن السحر بعضه مؤثر حقيقة و بعضه مؤثر تخييلا، بل هو مقتضى قوله تعالى (3)«يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى » و من قوله تعالى (4)«فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ» سواء أريد به الربط أو البغضاء، و لا ينافيه (5)قوله «وَ ما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» ضرورة المراد ان الضرر بعلمه و قادر على دفع تسبيبه الضرر، كغيره من المسببات فإنه لا يزيد على نار إبراهيم عليه السلام، التي قال: لها «كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً»


1- 1 بحار الأنوار ج 59 ص 323.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 5.
3- 3 سورة طه الآية 66.
4- 4 سورة البقرة الآية 102.
5- 5 سورة البقرة الآية 102.

ج 22، ص: 88

فمحى تسبيبها الإحراق، و جعلها مسببة للبرد و لو لا أن يقول سلاما لهلك إبراهيم عليه السلام، من شدة بردها، و هذا و نحوه المراد من (1)قوله تعالى «يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ» على انك قد عرفت أن من جملة أقسامه، التسخير المشاهد بالوجدان و دعوى أن السحر ما أراه الساحر للجن من التخيلات التي أوجبت طاعتهم له، يدفعها أن ظاهرهم كون السحر نفس هذا الأثر الغريب الخارق للعادة، كما أنه يدفع ما ذكره بعضهم من أن له تأثيرا من جهة الوهم أنه قد يؤثر فيمن لا يعلم، بل في بعض النصوص أن النبي صلى الله عليه و آله (2)قد سحر فأثر فيه في بدنه و لذلك نزل المعوذتان بل لعله المراد من قوله تعالى «النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ» بل و من قوله «حاسِدٍ إِذا حَسَدَ» بناء على أن من أقسامه تأثير النفوس الشريرة و لا منافاة في ذلك للعصمة و النبوة، إذ ليس هو إلا كتأثير السيف به و تسليط الحيات و العقارب عليه، نعم هما مانعان من تأثير السحر فيه في عقله، و نحوه مما ينفر الناس عنه، و يرتفع وثوقهم بأقواله، و دعوى أن تسليط السحر عليه و لو على بدنه يورث ذلك واضحة المنع، فان هذا القسم منه كغيره من الأسباب التي لم يرفع تأثيرها فيهم عليه السلام و ما عندهم من الإحراز و الدعوات الدافعة غير مناف،

ضرورة أنه عندهم أيضا ما يحترزون به عن كل شي ء، لكن قد يؤمرون بعدم استعماله و على كل حال، فقد قيل أنه لا ثمرة فقهية للنزاع في هذه المسألة، إذ لا شك في عقابه و كفره و قتله، إن كان مستحلا أو مطلقا، و إلزامه


1- 1 سورة رعد الآية 39.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 434.

ج 22، ص: 89

بالدية ان قتل و بعوض ما يفوت سواء كان له حقيقة أو لا، لأنه إما من باب العلة أو من القسم الثالث من السبب، و هو توليد المباشرة توليدا عرفيا لا حسيا و لا شرعيا، و دعوى أن الفقهاء بنوا ثبوت القصاص على أن للسحر حقيقة ممنوعة، كدعوى أن الثمرة فيه الإقرار بأنه قد قتل زيدا بسحره مثلا فإنه لا طريق لإثباته إلا بذلك، فبناء على أن له حقيقة ينقاد به، و إلا فلا، فإنه يمكن منعها، و يؤخذ بإقراره على القولين، فإذا قال: قتلته بسحر يقتل غالبا أو نادرا، و لكن قصدت القتل به قيد به، و إن قال: إني لم أقصد قتله بالنادر، أو أخطأت فذكرت اسمه مثلا و مرادي غيره، أخذت الدية منه إلا انه لا يخفى عليك ما في الجميع، و من هنا قال الأستاد في شرحه: أن الثمرة في البحث عن التحقيق و التخييل بإمكان القصاص من الساحر أو أخذ الدية منه، بناء على التحقيق و التخييل المؤثر دون غيره، و إمكان ترتب لزوم الحلف و الكفارات عليه، لو تعلق الالتزام بعدم الفعل بناء على الأولين دون الأخير.

[منه الكهانة]

و منه الكهانة بالكسر و الفتح، و هي تعاطي الأخبار عن الكائنات في مستقبل الزمان، كما في مختصر النهاية و في المحكي عنها زيادة و قد كان في العرب كهنة، فمنهم من كان يزعم أن له تابعا من الجن يلقي إليه الأخبار، و منهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها، من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، و هذا يختص باسم العراف، و عن المغرب ان الكهانة في العرب قبل المبعث يروى أن الشياطين كانت تسترق السمع فتلقيه إلى الكهنة، و في القواعد أن الكاهن هو الذي له رائد من الجن، يأتيه بالأخبار، و في التنقيح انه المشهور كما كان لعمر بن يحيى رائد من

ج 22، ص: 90

من الجن و هو أول من غير البحار و سيب السوائب و غير دين إسماعيل على نبينا و آله و عليه السلام» و عند الحكماء أن من النفوس ما تقوى على الاطلاع على ما سيكون من الأمور، فإن كانت خيرة فاضلة، فتلك نفوس الأنبياء و الأولياء و إن كانت شريرة فهي نفوس الكهنة.

و على كل حال فعن إيضاح النافع ان تعليمها و تعلمها و استعمالها حرام في شرع الإسلام، و عن ظاهر مجمع البرهان انه لا خلاف في تحريم الأجرة، كما عن الكفاية لا أعرف خلافا بينهم في تحريم الكهانة، و الرياض أن الدليل عليه الإجماع المصرح به في كلام جماعة من الأصحاب، و

في خبر(1)مستطرفات السرائر «من مشى إلى ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل الله من كتاب»

و في خبر(2)الخصال «من تكهن أو تكهن له فقد بري ء من دين محمد صلى الله عليه و آله»

و في نصوص (3)آخر «ان أجر الكاهن سحت»

و في شرح الأستاد، الكهانة ككتابة عمل يقتضي طاعة بعض الجان، و بالفتح صناعة و على كل حال فعلمها و تعلمها و تعليمها و الأجرة عليهما، مع قصد علمها و عملها و الأجرة عليه حرام، بالإجماع و الأخبار إلا أن ما ذكره من كونها بالكسر العمل و بالفتح صناعة لم أجده لغيره نعم في محكي المصباح المنير كهن يكهن من باب قتل كهانة بالفتح ثم قال: و قيل و كهن بالضم و الكهانة بالكسر الصناعة، و في الصحاح كهن يكهن كهانة مثل كتب يكتب كتابة و إذا أردت أنه صار كاهنا قلت:

كهن بالضم كهانة بالفتح.


1- 1 الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 26 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 435.

ج 22، ص: 91

و على كل حال، فلا ريب في حرمتها، و لكن في المفاتيح من المعاصي المنصوص عليها، الاخبار عن الغائبات على البت، لغير نبي أو وصي

نبي، سواء كان بالتنجيم أو الكهانة أو القيافة أو غير ذلك، ثم ذكر أخبارا دالة على تحريم الكهانة و التنجيم، ثم قال: و إن كان الاخبار على سبيل التفؤل من دون جزم، فالظاهر جوازه لأن أصل هذه العلوم حق، و لكن الإحاطة بها لا يتيسر لكل أحد، و الحكم بها لا يوافق المصلحة، و هو ظاهر في جواز الكهانة على طريق التفؤل، و لم نعرف به قائلا بل هي على المشهور في تفسيرها، بناء على ما سمعته سابقا في السحر من أقسامه، فجميع ما دل على حرمته دال على حرمتها و عطفها على الساحر في الخبر لعله من باب عطف الخاص على العام، و في المسالك هنا أنها قريبة منه لكن في السحر ما يقتضي دخولها فيه كالدروس و كونها حقا على فرض تسليمه، بل هو ممنوع كل المنع بالنسبة إليها، لا ينافي ذلك للمصالح التي يعلمها رب العباد، نعم قد يقال بعدم الحرمة في العلم و التعلم و التعليم، لا للعمل للأصل و غيره، بعد انصراف الكهانة و الكاهن للعمل و العامل، اللهم إلا أن يقال بعدم انفكاك العلم عن العمل هنا، و فيه منع، و ما سمعته من الإيضاح يمكن إرادة العمل منه، و لو فرض اتباع بعض الجن لبعض الناس من دون تسبيب منهم، و إخبارهم ببعض الأمور، يمكن أن لا يكون كهانة، و إن أخبر بما أخبره به، مع الاسناد عنه و عدمه معتقدا به أو لا، لظهور الأدلة في غيره، بل قد يقال بعدم حرمة أخذ الأجرة على استعلامه، في أمر من الأمور إلا أن الاحتياط يقتضي خلافه، بل الانصاف عدم خلوه من الإشكال، لإمكان استفادة حرمة مطلق الاخبار بالغيب من هذا الطريق، و أنه من وحي الشياطين إلى أوليائهم زخرف القول غرورا

ج 22، ص: 92

نعم قد يقال: لا بأس به بالعلوم النبوية، كالجفر و نحوه مما يمنح الله تعالى به أوليائه و أحبائه، مع أنه لا ينبغي لمن منحه الله ذلك ابداؤه و إظهار آثاره عند سواد الناس و ضعفائهم الذين قد يدخلهم الشك في النبوة و الإمامة من ذلك، و نحوه باعتبار ظهور مثل ما يحكى لهم من المعجز على يد غيرهم، فيجد الشيطان بابا له عليهم من هذه الجهة، و لعله لذا كان الأولياء في غاية الحرص على عدم ظهور شي ء من الكرامات لهم، و الله هو العالم.

[منه القيافة]

و منها القيافة و هي على ما في المسالك الاستناد إلى علامات و مقادير، يترتب عليها إلحاق بعض الناس ببعض و نحوه، و إنما تحرم إذا جزم به، أو رتب عليه محرما، قلت: و كأنه لا خلاف في تحريمها نحو الكهانة، بل لعلها فرد منها فتندرج تحت ما دل على حرمتها، مضافا إلى ما عن المنتهى و غيره من الإجماع، صريحا و ظاهرا على ذلك، و إلى منافاتها لما هو كالضروري من الشرع، من عدم الالتفات إلى هذه العلامات، و هذه المقادير و إن المدار في الإلحاق بالنسب، الإقرار أو الولادة على الفراش أو نحوهما، مما جاء من الشرع بل الوجدان أعدل شاهد على عدم مطابقة القيافة للنسب الشرعي، نعم ظاهر ما سمعته في المسالك قصر حرمتها على الأمرين السابقين، و حينئذ فتعلمها و تعليمها مع عدم الجزم بمقتضاها و عدم ترتيب محرم عليها جائز، و لعله كذلك للأصل و غيره بل وسوس في الحدائق في أصل الحرمة.

ل

خبر(1)زكريا بن يحيى بن التيهان المصري أو الصيرفي «قال:

سمعت علي بن جعفر عليه السلام يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: و الله لقد نصر الله تعالى أبا الحسن الرضا عليه السلام،


1- 1 أصول كافي ج 1 ص 322 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 93

فقال: له الحسن إي و الله جعلت فداك لقد بغى عليه اخوته، فقال:

علي بن جعفر أي و الله و نحن عمومته بقينا عليه، فقال له الحسن:

جعلت فداك كيف صنعتم، فاني لم أحضركم قال: فقال له اخوته:

و نحن أيضا ما كان فينا إمام قط حائل اللون فقال الرضا عليه السلام:

هو ابني قالوا: فان رسول الله صلى الله عليه و آله قد قضى بالقيافة، فبيننا و بينك القيافة فقال: ابعثوا أنتم إليهم، و أما أنا فلا، و لا تعلموهم لما دعوتموهم إليه، و ليكونوا في بيوتكم فلما جاؤا أقعدونا بالبستان، و اصطف عمومته و إخوته، و أخذوا الرضا عليه السلام و ألبسوه جبة صوف و قلنسوة منها، و وضعوا على عنقه مسحاة، و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثم جاؤا بأبي جعفر عليه السلام، فقالوا:

الحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا: ليس له ههنا أب، و لكن هذا عم أبيه، و هذا عمه، و هذه عمته، و إن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن عليه السلام قالوا:

هذا أبوه، قال: علي بن جعفر: فقمت فمصصت وجه أبي جعفر عليه السلام، ثم قلت له: أشهد أنك إمامي عند الله عز و جل»

باعتبار اجابة أبي الحسن عليه السلام إلى حكم القيافة و إقرارهم على ما حكوه من قضاء رسول الله صلى الله عليه و آله بها، و فيه مع قصور الخبر عن معارضة ما عرفت من وجوه، معارض، باحتمال كون

قوله عليه السلام «ابعثوا أنتم إليهم»

إلى آخره لعدم المشروعية، لا لدفع التهمة بل لعل ذلك منه لعلمه بصدق القيافة هنا، و استظهار بما اقترحوه لإثبات الحجة به عليهم، و إلا فلا يتخيل من له أدنى درية بشريعة رسول الله صلى الله عليه و آله عدم جواز الأخذ بها و العمل عليها على وجه تترتب عليه المواريث و الأنكحة و نحوها وجودا و عدما، بل مشروعية اللعان أوضح

ج 22، ص: 94

شي ء على عدم اعتبار القيافة، بل لا يخلو الالتفات إليها، و لو مع عدم ترتب شي ء عليها من الكراهة،

قال الصادق عليه السلام (1)في خبر أبي بصير «من تكهن أو تكهن له، فقد بري ء من دين محمد صلى الله عليه و آله، قال: قلت: فالقيافة؟ قال: ما أحب أن يأتيها و قيل ما يقولون شيئا، إلا كان قريبا مما يقولون فقال القيافة فضلة من النبوة ذهبت من الناس حيث بعث النبي صلى الله عليه و آله»

الحديث.

[منه الشعبذة]

و منها الشعبذة المحرمة، بالإجماع المحكي و المحصل و بالدخول تحت الباطل و الإغراء و التدليس و اللهو و غيرهما، بل لعلها من السحر على بعض الوجوه، التي عرفتها فيه، لأنها هي على ما فسرها غير واحد بل نسب ذلك إليهم الحركات السريعة، التي تترتب عليها الأفعال العجيبة، بحيث يخفى على الحس، الفرق بين الشي ء و شبهه لسرعة الانتقال منه إلى شبهه، فيحكم الرائي له بخلاف الواقع، بل قد سمعت الخبر الظاهر و الصريح في أنها منه، مضافا إلى ما سمعته من تصريح البعض بكونها من أقسامه، بل في شرح الأستاد بعد الحكم بأن

فيها من القبح زائدا على الملاهي و أن الاشتغال بها من أعظم اللهو قال: لا يبعد القول بتحريم جميع الأفعال الغريبة المستندة إلى الأسباب الخفية، و منها عند الشهيد و المقداد السيميا و هي إحداث خيالات لا وجود لها في الحس، للتأثير في شي ء آخر، و لعلها من السحر أو شبهه.

[منه التنجيم ]

و أما علم النجوم فقد يظهر من الكتاب و السنة صحته في الجملة نحو(2)قوله تعالى «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ» على أحد


1- 1 الوسائل الباب 26 الحديث 2.
2- 2 سورة الصافات الآية 88.

ج 22، ص: 95

الوجوه فيها أو أظهرها(1)و قوله «وَ النَّازِعاتِ غَرْقاً و فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً»(2)«فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ» و غير ذلك (3)و

خبر ابان بن تغلب المروي عن الاحتجاج «قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من اليمن فسلم، فرد عليه أبو عبد الله عليه السلام فقال: له مرحبا يا سعد، فقال الرجل: بهذا الاسم سمتني أمي و ما أقل من يعرفني به، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: صدقت يا سعد المولى فقال الرجل: جعلت فداك بهذا كنت القب، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا خير في اللقب إن الله تبارك و تعالى يقول(4)

في كتابه «وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ» ما صناعتك يا سعد؟ فقال: جعلت فداك أنا من أهل بيت ننظر في النجوم لا يقال: إن باليمن أحدا أعلم بالنجوم منا، فقال أبو عبد الله عليه السلام: «فكم (5)نقص ضوء المشتري على ضوء القمر درجة فقال


1- 1 سورة النازعات الآية 1.
2- 2 سورة الواقعة الآية 75.
3- 3 الاحتجاج ج 2 ص 100 الطبع الحديث.
4- 4 سورة الحجرات الآية 111.
5- 5 ما بين القوسين غير موجود في المصدر و الموجود فيه « كم يزيد ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟ فقال اليماني: لا أدري فقال صدقت فقال: فكم ضوء القمر يزيد على ضوء المشتري درجة؟ قال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت قال: فكم يزيد ضوء المشتري على ضوء العطارد درجة؟ قال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت- قال: فكم ضوء العطارد يزيد درجة على ضوء الزهرة قال اليماني: لا أدري»، إلى آخر الحديث.

ج 22، ص: 96

اليماني: لا أدري» فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟ فقال اليماني: لا أدري، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟ فقال اليماني: لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام:

صدقت فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟ فقال اليماني:

لا أدري فقال أبو عبد الله عليه السلام: صدقت في قولك لا أدري فما زحل عندكم في النجوم؟ فقال اليماني: نجم نحس، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لا تقل هذا فإنه نجم أمير المؤمنين عليه السلام، و هو نجم الأوصياء، و هو النجم الثاقب الذي قال الله في كتابه، فقال اليماني:

فما معنى الثاقب، فقال: إن مطلعة في السماء السابعة و ثقب بضوءه حتى أضاء في السماء الدنيا، فمن ثم سماه الله النجم الثاقب، ثم قال: يا أخا العرب عندكم عالم؟ قال اليماني: نعم جعلت فداك إن باليمن قوما ليسوا كأحد من الناس في علمهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: و ما يبلغ من علم عالمهم؟ قال اليماني:

إن عالمهم ليزجر الطير و يقفو الأثر في ساعة واحدة، مسيرة شهر للراكب المحث، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فان عالم المدينة أعلم من عالم اليمن، قال اليماني: و ما يبلغ من علم عالم المدينة قال عليه السلام: إن علم عالم المدينة ينتهي إلى أن لا يقفو الأثر و لا يزجر الطير و يعلم ما في اللحظ الواحد مسيرة الشمس تقطع اثنى عشر برجا و اثنى عشر برا و اثنى عشر بحرا و اثنى عشر عالما، فقال اليماني: ما ظننت

ج 22، ص: 97

أن أحدا يعلم هذا و ما يدري ما كنهه قال: ثم قام اليماني.»

و خبر(1)سعيد بن جبير المروي فيه أيضا قال: «استقبل أمير المؤمنين عليه السلام دهقان من دهاقين الفرس، فقال له: بعد التهنئة يا أمير المؤمنين، تناحست النجوم الطالعات، و تناحست السعود بالنحوس و إذا كان مثل هذا اليوم، وجب على الحكيم الاختفاء، و يومك هذا يوم صعب قد(2)«انقلب فيه كوكب» و انقدح من

برجك النيران، و ليس الحرب لك بمكان، فقال أمير المؤمنين عليه السلام ويحك يا دهقان المنبئ عن الآثار المحذر من الاقدار، ما قصة صاحب الميزان، و قصة صاحب السرطان، و كم المطالع من الأسد و الساعات من المحركات، و كم بين السراري و الذراري؟ قال: سأنظر أومأ بيده إلى كمه، و أخرج منه أسطرلابا ينظر فيه، فتبسم صلوات الله عليه، و قال: أ تدري ما حدث البارحة وقع بيت بالصين، و انفرج برج ماجين، و سقط سور سرنديب و انهزم بطريق الروم بإرمينية و فقد ديان اليهود بأيلة، و هاج النمل بوادي النمل، و هلك ملك إفريقية، أ كنت عالما بهذا؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين فقال: البارحة سعد سبعون ألف عالم و ولد في كل عالم سبعون ألفا و الليلة يموت مثلهم و هذا منهم و أومأ بيده إلى سعد بن مسعدة الحارثي لعنه الله، و كان جاسوسا للخوارج في عسكر أمير المؤمنين عليه السلام، فظن الملعون أنه يقول خذوه، فأخذ بنفسه فمات، فخر الدهقان ساجدا فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أ لم أروك من عين التوفيق قال: بلى يا أمير المؤمنين فقال (3)انا و صاحبي لا شرقي و لا


1- 1 الاحتجاج ج 1 ص 355.
2- 2 في المصدر قد اتصلت فيه كوكبان.
3- 3 في المصدر أنا و أصحابي لا شرقيون و لا غربيون.

ج 22، ص: 98

غربي»، نحن ناشئة القطب، و أعلام الفلك، أما قولك انقدح من برجك النيران فكان الواجب أن تحكم لي به لا علي، أما نوره و ضيائه فعندي،

و أما حريقه و لهبه فذهب عنى، فهذه مسألة عميقة احسبها إن كنت حاسبا.»

و رواه (1)قيس بن سعد بطريق آخر قال: «كنت كثيرا اسائر أمير المؤمنين عليه السلام إذا سار إلى وجه من الوجوه، فلما قصد أهل النهروان و صرنا بالمدائن و كنت يومئذ مسايرا له، إذ خرج إليه قوم من أهل المدائن من دهاقينهم معهم براذين قد جاءوا بها هدية إليه فقبلها، و كان فيمن تلقاه دهقان من دهاقين المدائن، يدعى بسر سفيل و كانت الفرس تحكم برأيه فيما مضى، و ترجع إلى قوله فيما سلف، فلما بصر بأمير المؤمنين عليه السلام قال له: يا أمير المؤمنين لترجع عما قصدت، قال: و لم ذلك يا دهقان؟ قال: يا أمير المؤمنين تناحست النجوم الطوالع، فنحس أصحاب السعود(2)و لزم الحكيم في مثل هذا اليوم الاستخفاء و الجلوس، و إن يومك هذا، يوم مميت قد اقترن فيه كوكبان قتالان، و شرف فيه بهرام في برج الميزان، و انقدح من برجك النيران و ليس الحرب لك بمكان، فتبسم أمير المؤمنين صلوات الله عليه ثم قال: أيها الدهقان المنبئ عن (3)الآثار و المحذر عن الاقدار، و ما نزل البارحة في آخر الميزان، و أي نجم حل في السرطان قال: سأنظر ذلك و استخرج من كمه اسطرلابا و تقويما، قال له أمير المؤمنين: أنت مسير الجاريات! قال: لا، قال: أ فأنت تقضي على الثابتات قال:


1- 1 بحار الأنوار ج 58 ص 229.
2- 2 في المصدر و سعد أصحاب النحوس.
3- 3 في المصدر المنبئ بالأخبار.

ج 22، ص: 99

لا، قال: فأخبرني عن طول الأسد، و تباعده من المطالع و المراجع، و ما الزهرة من التوابع و الجوامع، قال: لا علم لي بذلك قال: فما بين السراري إلى الدراري، و ما بين الساعات إلى المعجزات، و كم (1)قبل شعاع المبدرات، و كم تحصل الفجر في العذرات؟ قال: لا علم لي بذلك، قال فهل علمت يا دهقان أن الملك اليوم قد انتقل من بيت إلى (2)آخر بالصين، و انقلب برج ماجين، و احترقت دور بالزنج، و طفح جب سرنديب، و تهدم حصن الأندلس، و هاج نمل الشيح، و انهدم مراق الهندي، و فقد ديان اليهود بايله، و هزم بطريق الروم بإرمينية، و عمى راهب عموريا، و سقطت شرفات قسطنطنية، أ فعالم أنت بهذه الحوادث؟ و ما الذي أحدثها شرقيها و غربيها من الفلك؟

قال: لا علم لي بذلك، قال: و بأي الكواكب تقضي في أعالي القطب و بأيها تنحس؟ قال: لا علم لي بذلك قال: فهل علمت انه سعد اليوم اثنان و سبعون عالما في كل عالم سبعون منهم في البر، و منهم في البحر و بعض في الجبال، و بعض في الغياض، و بعض في العمران، و ما الذي اسعدهم؟ قال: لا علم لي بذلك قال: يا دهقان أظنك حكمت على اقتران المشتري و زحل لما استنار لك في الغسق، و ظهر في شعاع المريخ و تشريقه في السحر، و قد سار فاتصل جرمه بجرم تربيع القمر، و ذلك دليل على

استحقاق ألف ألف من البشر كلهم يولدون في اليوم و الليلة و يموت مثلهم و أشار(3)إلى جاسوس في عسكره لمعاوية فقال: و يموت هذا، فإنه منهم فلما قال: ذلك ظن الرجل انه قال: خذوه


1- 1 في المصدر و كم قدر.
2- 2 في المصدر إلى بيت بالصين.
3- 3 في المصدر و أشار بيده.

ج 22، ص: 100

فأخذه شي ء بقلبه و تكسرت نفسه في صدره فمات لوقته، فقال عليه السلام: يا دهقان أ لم أرك عين التقدير في غاية التصوير قال: يا دهقان أنا مخبرك اني و صحبي هؤلاء، لا شرقيون و لا غربيون، إنما نحن ناشئة القطب، و ما زعمت أنه البارحة انقدح من برجي النيران، فقد كان يجب أن تحكم معه لي لأن نوره و ضيائه عندي فلهبه ذاهب عني، يا دهقان هذه قضية عيص فاحسبها و ولدها، إن كنت عالما بالأكوار و الأدوار، قال: لو علمت ذلك لعلمت أنك تحصى عقود القصب في هذه الأجمة، و مضى أمير المؤمنين فهزم أهل النهروان و عاد بالغنيمة و الظفر، فقال الدهقان: ليس هذا العلم مما في أيدي أهل زماننا هذا علم مادته من السماء،»

بل رواه الأصبغ بن نباتة بطريق ثالث (1)و الأمر سهل

(2) و خبر يونس بن عبد الرحمن قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو:

قال: هو علم من علم الأنبياء قال: فقلت: كان علي بن أبي طالب يعلمه، فقال: كان أعلم الناس به»

و خبر(3) زرارة «عن أبي جعفر عليه السلام عمن ذكره قال: كان قد علم نبوة نوح بالنجوم»

و الخبر(4)المروي في البحار و جادة في كتاب عتيق «قيل لعلي بن أبي طالب هل كان للنجوم أصل قال: نعم نبي من الأنبياء قال له قومه:

إنا لا نؤمن لك حتى تعلمنا بداء الخلق و آجاله، فأوحى الله عز و جل إلى غمامة فأمطرتهم(5)حول الجبل ماء صافيا، و أوحى الله عز و جل


1- 1 البحار ج 58 ص 232.
2- 2 البحار ج 58 ص 235.
3- 3 البحار ج 58 ص 235.
4- 4 البحار ج 58 ص 236.
5- 5 في المصدر و استنقع حول الجبل ماء صاف.

ج 22، ص: 101

إلى الشمس و القمر و النجوم أن تجري في ذلك (1)ثم أوحى الله إلى ذلك النبي أن يرتفع (2)هو و قومه على الجبل، فارتفعوا(3)على الجبل فقاموا على الماء حتى عرفوا بدء الخلق و آجاله بمجاري الشمس و القمر و النجوم، و ساعات الليل و النهار، و كان أحدهم يعلم،

متى يموت و متى يمرض و من ذا الذي يولد له، و من ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثم إن داود قاتلهم على الكفر، فأخرجوا إلى داود عليه السلام في القتال من لم يحضر اجله، و من حضر اجله خلفوه في بيوتهم، فكان يقتل من أصحاب داود عليه السلام، و لا يقتل من هؤلاء أحد، فقال داود عليه السلام: رب أقاتل على طاعتك، و يقاتل هؤلاء على معصيتك، فيقتل أصحابي و لا يقتل من هؤلاء أحد، فأوحى الله عز و جل انى كنت علمتهم بدء الخلق و آجاله، إنما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله، و من حضر أجله خلفوه في بيوتهم، فمن ثم يقتل من أصحابك و لا يقتل منهم أحد، قال داود عليه السلام: يا رب على ماذا علمتهم قال: على مجاري الشمس و القمر و النجوم و ساعات الليل و النهار، قال: فدعى الله عز و جل فحبس الشمس عليهم فزاد في النهار و اختلطت الزيادة بالليل و النهار فلم يعرفوا قدر الزيادة، فاختلط حسابهم قال: علي عليه السلام فمن ثم كره النظر في علم النجوم.»

و رواه (4)أيضا فيه عن الدر المنثور نعم زاد فيه «أن النبي


1- 1 في المصدر في ذلك الماء.
2- 2 في المصدر إن يرتقي.
3- 3 في المصدر فارتقوا الجبل.
4- 4 الدر المنثور ج 58 ص 35.

ج 22، ص: 102

المذكور كان يوشع بن نون»

و عن (1)صاحب كتاب التجمل «أن آزر كان منجما لنمرود، فقال له: يوما لقد رأيت في النجوم أمرا عجيبا، قال: و ما هو؟ قال: رأيت مولودا يولد في زماننا يكون هلاكنا على يديه، و لا يلبث إلا قليلا حتى يحمل به، قال: فتعجب من ذلك، ثم قال: هل حملت (2)النساء قال: لا، فحجب الرجال عن النساء، و لم يدع امرأة إلا جعلها في المدينة(3)قال: فوقع آزر على أهله فحملت بإبراهيم عليه السلام، فظن أنه صاحبه فأرسل إلى قوابل ذلك الزمان، و كن أعلم الناس بالجنين (4)فنظرن فالزم ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى في بطنها شيئا قال: و كان مما أوتي من العلم أن المولود سيحرق بالنار، و لم يؤت أن الله سينجيه منها» في البحار رويت هذا الحديث عن إبراهيم الخراز عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام، من أصل قرئ على هارون بن موسى التلعكبري

و قد(5)رواه أيضا بأبسط من ذلك علي بن إبراهيم في تفسيره (6)و رواه أيضا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في الجزء الأول من تاريخه و هبة الله الراوندي في كتاب قصص الأنبياء و الثعلبي في تفسيره و غيرهم من العلماء، كما أنه تضمنت كتب التواريخ و غيرها الأخبار بنبوة موسى


1- 1 بحار الأنوار ج 58 ص 236.
2- 2 في المصدر حملت به النساء.
3- 3 في المصدر في المدينة و لا يخلص إليها بعلها.
4- 4 في المصدر و لا يكون في الرحم شي ء إلا عرفنه.
5- 5 تفسير القمي ج 1 ص 206 الطبع الحديث.
6- 6 تاريخ طبري ج 1 ص 254 الطبع ليدن.

ج 22، ص: 103

و رسالته من (1)النجوم، و كذا نبينا و ظهور العرب على الفرس، كما لا يخفى على من لاحظها، و

في (2)خبر عبد الرحمن بن سيابة «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك إن الناس يقولون أن النجوم لا يحل النظر فيها و هي تعجبني فإن كانت تضر بديني، فلا حاجة لي في شي ء يضر بديني، و إن كانت لا تضر بديني، فو الله إني لأشتهيها و أشتهي النظر فيها، فقال: ليس كما يقولون لا تضر بدينك، ثم قال:

انكم تنظرون في شي ء(3)كثيره لا يدرك، و قليله لا ينتفع به، تحسبون على طالع القمر، ثم قال: أ تدري كم بين المشتري و الزهرة من دقيقة؟

قلت: لا و الله قال: أ فتدري كم بين الزهرة و بين القمر من دقيقة؟

قلت: لا و الله قال: أ فتدري كم بين الشمس و بين السكينة من دقيقة؟

قلت: لا و الله ما سمعته من أحد من المنجمين قط، قال: أ فتدري كم بين السكينة و بين اللوح المحفوظ من دقيقة؟ قلت: ما سمعته من منجم قط، قال: ما بين كل واحد منهما إلى صاحبه ستين أو سبعين دقيقة(4)ثم قال: يا عبد الرحمن هذا حساب إذا حسبه الرجل و وقع عليه عرف القصبة التي في وسط الأجمة، و عدد ما عن يمينها، و عدد ما عن يسارها، و عدد

ما خلفها، و عدد ما في إمامها، حتى لا يخفى عليه من قصب الأجمة واحدة.»

و عن السيد بن طاوس أنه روى هذا الحديث أصحابنا في المصنفات و الأصول، و رواه محمد بن عبد الله في أماليه، و رواه محمد بن يحيى


1- 1 بحار الأنوار ج 58 ص 239.
2- 2 روضة الكافي ص 195 الطبع الحديث.
3- 3 في المصدر في شي ء منها.
4- 4 في المصدر شك عبد الرحمن.

ج 22، ص: 104

أخو مغلس عن حماد بن عثمان(1)

و مرسل جميل بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: سئل عن النجوم فقال: ما يعلمها إلا أهل بيت من العرب، و أهل بيت من الهند،»

و خبر(2)محمد بن سالم عنه أيضا أنه قال: «اليوم يقولون النجوم أصح من الرؤيا، و ذلك صحيح، حين لم يرد الشمس على يوشع بن نون و على أمير المؤمنين عليه السلام فلما رد الله عز و جل الشمس عليهما، ضل فيها علماء النجوم،»

و خبر(3)هشام الخفاف قال: قال لي أبو عبد الله «ع»: كيف بصرك بالنجوم؟

قلت: ما خلفت بالعراق أبصر بالنجوم مني، فقال: كيف دوران الفلك عندكم؟ قال: فأخذت قلنسوتي من رأسي فأدرتها، قال:

فقال لي: إن كان الأمر على ما تقول: فما بال بنات نعش و الجدي و الفرقدين لا يرون يدورون يوما من الدهر في القبلة؟ قال: قلت:

هذا و الله شي ء لا أعرفه، و لا سمعنا أحدا من أهل الحساب يذكره، فقال: لي كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟ قال: قلت: هذا و الله نجم ما سمعت به، و لا سمعت أحدا من الناس يذكره، قال:

سبحان الله فأسقطتم نجما برأسه، فعلى ما تحسبون، ثم فكم الزهرة من القمر جزءا في ضوئه؟ قال: فقلت هذا شي ء لا يعلمه إلا الله عز و جل، قال: فكم جزء القمر من الشمس في ضوئها؟ قال: قلت ما أعرف هذا، قال: صدقت ثم قال: فما بال العسكرين يلتقيان في هذا حاسب، و في هذا حاسب فيحسب هذا لصاحبه بالظفر، و يحسب


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب آداب السفر إلى الحج الحديث 9 و فيه عن محمد بن بسام.
3- 3 الوسائل الباب 24 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 105

هذا لصاحبه بالظفر، ثم يلتقيان فيهزم أحدهما الآخر، فأين كانت النجوم، قال: فقلت لا و الله ما أعلم ذلك، قال: فقال: إن أصل الحساب حق و لكن لا يعلم ذلك إلا من علم مواليد الخلق»

و في المحكي (1)عن نوادر الحكمة عن الرضا عليه السلام «قال: قال: أبو الحسن للحسن بن سهل كيف حسابك للنجوم؟ فقال: ما بقي منها شي ء إلا و قد تعلمته فقال أبو الحسن عليه السلام: كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة؟ و كم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة؟ و كم لنور المشتري على نور الزهرة

فضل درجة؟ فقال: لا أدري، فقال: عليه السلام ليس في يدك شي ء هذا أيسر»

، و في خبر الريان (2)ابن الصلت أنه حضر عند الرضا عليه السلام الصباح بن بصير الهندي «و سأله عن علم النجوم فقال: هو علم في أصل صحيح ذكر ان أول من تكلم به إدريس عليه السلام، و كان ذو القرنين بها ماهرا، و أصل هذا العلم من عند الله عز و جل، و يقال أن الله بعث النجم الذي يقال له المشتري إلى الأرض، في صورة رجل فأتى بلد العجم، فعلمهم فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند فعلم رجل منهم فمن هناك صار علم النجوم بها، و قد قال قوم، هو علم من علم الأنبياء خصوا به لأسباب شتى، فلم يستدرك المنجمون الدقيق منها، فشاب الحق بالكذب».

و خبر عثمان (3)بن أبي عبد الله المدائني عن أبي عبد الله عليه السلام «أن الله خلق نجما في الفلك السابع، خلقه من ماء بارد،


1- 1 البحار ج 58 ص 245.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 433.
3- 3 روضة الكافي ص 257 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 106

و سائر النجوم الستة الجاريات من ماء حار، و هو نجم الأنبياء و الأوصياء و هو نجم أمير المؤمنين «ع» يأمر بالخروج من الدنيا، و الزهد فيها، و يأمر بافتراش التراب، و توسد اللبن، و لباس الخشن و أكل الجشب، و ما خلق الله نجما أقرب إلى الله (1)منهم»

و خبر(2)محمد بن يحيى الخشعي «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النجوم حق هي؟ قال لي: نعم فقلت له: و في الأرض من يعلمها قال: و في الأرض من يعلمها»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يمكن حصرها(3)بل منها يستفاد وجه الجمع بينها و بين ما دل على النهي عن الركون إلى النجوم، و ذم المنجم على وجه صار به كالكاهن و الساحر و نحوهما، بأن المراد مع اعتقاد كونها ذوات ارادة و فاعلة مختارة، أو مؤثرة أو غير ذلك، مما هو معلوم فساده، كالعلم بكفر معتقده أو فسقه، لا أن المراد النهي عن اتخاذها أمارة دالة على ما جرت العادة من فعل الله له في هذا العالم، و إن جاز تغييرها بالصدقة و الدعاء و غيرهما، على حسب ما توافقه حكمته (4)«فان الله يمحوا ما يشاء وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » لكن الإحاطة بتمام دقائق هذا العلم، مما لا يتيسر إلا لخزان علم الله، دون غيرهم الذين قد يتخيلون دلالة القرآن المخصوص، على النحس و هو سعد و بالعكس كما اتفق للمنجم مع أمير المؤمنين عليه السلام لعدم الإحاطة بتمام اقتراناتها و أحوالها.

لكن ذلك لا يمنع من النظر فيما دونوه، من بعض أحوالها الجارية مجرى الغالب، و لا من العمل بما يقوله أهلها على وجه الاحتياط


1- 1 في المصدر منه.
2- 2 البحار ج 58 ص 249.
3- 3 البحار ج 58 الباب 10 ص 217.
4- 4 سورة الرعد الآية 39.

ج 22، ص: 107

و على ذلك يحمل تعلم جماعة من الشيعة و غيرهم، و فيهم العلماء و المحدثون و غيرهم

من الشيعة، كالحسن بن موسى النوبختي، و موسى بن الحسن و غيره من بني نوبخت، و أحمد بن محمد بن خالد البرقي، و أحمد بن محمد بن طلحة، و الجلوري البصري، و محمد بن أبي عمير، و محمد بن مسعود العياشي، و الفضل بن أبي سهل الذي أخبر المأمون بخطإ المنجمين في الساعة التي اختاروها لولاية العهد للرضا «ع»، فزجره المأمون و نهاه أن يخبر بذلك أحدا، فعلم أنه تعمده، و علي بن الحسن العلوي المعروف بابن الأعلم، و أبو الحسن النقيب باقيزاط و علي بن الحسين المسعودي صاحب كتاب مروج الذهب، و أبو القاسم ابن نافع، و إبراهيم الفزاري و أبو خالد السجستاني الذي دله علم النجوم على موت أبي الحسن عليه السلام، فترك القول بالوقف، و الفضل بن سهل وزير المأمون الذي أخبره لما وقع بينه و بين أخيه الأمين ما وقع حتى ضاق الأمر عليه و عزم على المفارقة بأن الأمر لك فاصبر قليلا، فكان كما قال، و الحسن ابن سهل، و بوران متية، و يحيى البرمكي، و جعفر و غيرهم، ممن وقفنا لهم على أشياء بقطع الإنسان بأنها ليست محض اتفاق، على ما زعمه المرتضى كما لا يخفى على من تتبع أحوالهم، و وقف على جملة مما نقل عن اخباراتهم، و من الغريب بعد ذلك مبالغة المرتضى في ملحقات درر الغرر في إنكار أصل هذا العلم، و ان جميع ما اتفق من إخبار أهله من باب الاتفاق، نحو ما يقوله القوالون، إذ لا ريب في كونه مخالفا للانصاف، نعم هو علم غامض لا يحيط بكنهه، إلا من اختارهم الله لسره، و خزانا لعلمه، و لقد أطنب المجلسي في كتاب السماء و العالم من بحاره، بنقل جميع ما له تعلق في ذلك من الأخبار و كلمات العلماء و غير ذلك أيضا، و التحقيق ما عرفت، من أنه لا بأس

ج 22، ص: 108

بالنظر في هذا العلم و تعلمه و تعليمه، و الاخبار عما يقتضيه مما وصل إليه من قواعده لا على جهة الجزم، بل على معنى جريان عادة الله تعالى بفعل كذا عند كذا، و عدم اطراد العادة غير قادح (1)«فان الله يمحوا ما يشاء وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ » بل قد يتوقف في الكراهة فضلا عن الحرمة، بل يمكن حصول زيادة العرفان بمعرفته و الترقي إلى بعض درجات الايمان، بممارسته و دعوى أن فيه تعريضا للوقوع في المحظور من اعتقاد التأثير فيحرم لذلك، أو لأن أحكامه تخمينية كما ترى، خصوصا الثاني، ضرورة عدم حرمة مراعاة الظنون في أمثال ذلك، بل لعل المعلوم من سيرة الناس، و طريقتهم خلافه، في الطب و غيره و التعريض المزبور مع انه ممنوع، لا يكفي في الحرمة و إلا لحرم النظر في علم الكلام، الذي خطره أعظم من ذلك، فلا ريب في رجحان ما ذكرناه، بل لا يبعد أن يكون النظر فيه، نحو النظر في علم هيئة الأفلاك الذي يحصل بسببه الاطلاع على

حكمة الله و عظم قدرته، نعم لا ينبغي الجزم بشي ء من مقتضياته، لاستيثار الله بعلم الغيب.

و كذا الكلام في الرمل و الفال، و نحوهما من العلوم التي يستكشف بها علم الغيب، فإنها تحرم مع اعتقاد المطابقة لا مع عدمه، و قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يحب الفال، و يكره الطيرة،(2)بل ورد عنهم صلوات الله و سلامه عليهم أمور كثيرة كالاستخارة، و بعض الحسابات (3)و غيرهما ما يستفاد منه كثير من المغيبات، لكن لا على وجه الجزم و اليقين، و لعل ذلك كله من فضل الله على عباده، و هدايته بهم نحو ما جاء(4)عنهم في الرقى انها تدفع القدر فقال: انها من القدر و ان هذا الباب باب عظيم ليس المقام مقام ذكره، خصوصا ما يتعلق في


1- 1 سورة الرعد الآية 39.
2- 2 سقية البحار ج 2 ص 102 كعلم الجفر سقية البحار ج 2 ص 144.
3- 3 سقية البحار ج 2 ص 102 كعلم الجفر سقية البحار ج 2 ص 144.
4- 4 الوسائل الباب 14 من أبواب الاحتضار الحديث 12.

ج 22، ص: 109

الحروز، و الطلسمات، و خواص الحروف، و بعض الأشياء، و غيرها و ما يتولد منها من المصالح، و المفاسد، و لكن ينبغي تجنب ما فيه ضرر على الناس، و استعمال ما فيه نفع لهم، بما هو ليس بسحر و الله العالم

[منه القمار]

و منه القمار بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص مستفيضة، أو متواترة فيه (1)بل فيها ما يقتضي كونه من الباطل،

الذي نهى الله عن أكل المال به، و أنه من الميسر الذي هو رجس من عمل الشيطان، فتتفق حينئذ الأدلة الشرعية الثلاثة على حرمته، بل حرمة المال الذي يؤخذ به، سواء كان منهما أو من ثالث بذله لأحدهما لو صار مغلوبا، بل قيل ان أصل القمار الرهن على اللعب بشي ء من الآلة، كما هو ظاهر القاموس و النهاية أو صريحهما و صريح مجمع البحرين، نعم عن ظاهر الصحاح و المصباح المنير و كذلك التكملة و الذيل، أنه قد يطلق على اللعب بها مطلقا مع الرهن و دونه و لا فرق في ذلك بين الشطرنج و النرد، و بين غيرهما من أفراده، كلعبة الأمير و الثلاثة و الأربعة عشر، و الجوز و البيض و الكعاب و نحوها، مما اعتيد المقامرة به سابقا أو لاحقا، أما إذا يعتد المقامرة به، فالظاهر عدم حرمته مع عدم الرهان، للأصل و انصراف أدلة المقام إلى غيره، و السيرة القطعية من الأعوام و العلماء، في المغالبة بالأبدان و غيرها، و قد(2)روى مغالبة الحسن و الحسين عليهما السلام بمحضر من النبي صلى الله عليه و آله، بل و مع الرهان أيضا و إن حرم هو، لأنه أكل مال بالباطل دونه، لما عرفت مما لا معارض له، و دعوى أنه من اللعب و اللهو المشغول عنهما المؤمن، يدفعه منع كونه من اللعب المحرم، إذ لا عموم، بل و لا إطلاق على وجه يصلح لشمول ذلك و نحوه، خصوصا


1- 1 الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 ذخائر العقبى ص 134 كنز العمال ج 7 ص 107.

ج 22، ص: 110

بعد ملاحظة ما عرفته من السيرة المستقيمة، بل لعله مندرج فيما دل على مداعبة المؤمنين

و مزاحمهم، بل لو أخذ الرهن الذي فرض لهذا القسم بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو نذر لا كفارة له، و مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان أن المقامرة المزبورة، أوجبته و ألزمته، و انها كغيرها من العقود المشروعة، أمكن القول بجوازه، نعم هو مشكل في القسم الأول، و إن فرض الحال فيه أيضا، بناء على حرمة كل ما ترتب على المحرم، و لو جزاء أو وعدا أو نحوهما، كما أشرنا إليه السابق، و قلنا أن في خبر(1)تحف العقول نوع إيماء إليه، و إن كان لا يخلو من بحث، و على كل حال فقد ظهر لك حرمة مال المقامرة، فيجب رده على مالكه، إذا عرف بعينه، و إلا فإن كان في محصورين وجب التخلص منهم بالصلح، و احتمال القرعة لا يخلو من وجه، و إلا كان له حكم مجهول المالك، و لا فرق في ذلك بين مقامرة الأطفال و غيرهم، و لو أكل من مال المقامرة، ثم علم به بعد ذلك ضمنه.

و هل يجب أيضا استفراغه وجهان أقواهما العدم، لصيرورته حينئذ من الخبائث التي لا تدخل في الملك لكن

(2)روى «ان أبا الحسن عليه السلام أكل من مال المقامرة شيئا من غير علم، فلما علم قائه»

و هو مع أنه لا يخلو من بحث، بالنسبة إلى منافاة العصمة التي هي الطهارة من الرجس، لا يدل على الوجوب، و عليه يشكل حينئذ الصوم

ممن في بطنه طعام مغصوب يتمكن من قيئه، مع فرض اعتبار إخراجه بتعمد قيئه المبطل للصوم، و لعل الأولى حمل خبر المزبور، على فرض صحته


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 35 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 111

على المبالغة في حرمة مال القمار، كالخبر

المروي (1)عن الصادق عليه السلام «بيع الشطرنج حرام، و أكل ثمنه سحت، و اتخاذه كفر، و اللعب به شرك، و السلام على اللاهي بها معصية، و الخائض فيها يده كالخائض يده في لحم الخنزير، و لا صلاة له، حتى يغسلها كما يغسلها من لحم الخنزير، و الناظر إليها كالناظر إلى فرج أمه، و الناظر و المسلم على اللاهي بها سواء معه في الإثم، و الجالس على اللعب بها يتبوء مقعده من النار، و مجلسها من المجالس التي بأو أهلها بسخط من الله، يتوقعه في كل ساعة فيعمك معهم»

إذ لا ريب في ارادتها من الحكم بنجاسة اليد و بطلان الصلاة بدون الغسل و الكفر و الشرك، بل و إطلاق المعصية في السلام و النظر و الجلوس، و إن عمل به بعض الناس في الأخير، إلا أنه كما ترى ما لم ترجع إلى إعانة أو ترك بالمعروف أو نحو ذلك، مما يندرج في أحد المحرمات، نعم لا يبعد القول بحرمة الجلوس، في مجالس المنكر، ما لم يكن للرد أو للضرورة، بل كان للتنزه و نحوه، مما يندرج به في اسم اللاهين و اللاعبين، خصوصا في مثل حضور مجلس الطبل و الرقص و نحوهما، من الأفعال التي لا يشك أهل الشرع و العرف في

تبعيته حاضريها في الإثم لأهلها، بل هم أهلها في الحقيقة، ضرورة أن الناس لو تركوا حضور أمثال هذه المجالس، لم يكن اللاهي و اللاعب يفعلها لنفسه، كما هو واضح و الله أعلم.

[منه الغش ]

و منه الغش للمبيع مثلا بما يخفى كشوب اللبن بالماء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، كما ان النصوص مستفيضة، أو متواترة فيه (2)بل

في (3)بعضها «أن من غش


1- 1 الوسائل الباب 103 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 112

المسلمين فليس منهم»

بل العقل حاكم بقبحه باعتبار ما فيه من الأعزاء المترتب عليه» فساد، نعم الظاهر اعتبار الخفاء في حقيقته، و إلا لم يكن غشا، فلو كان المزج بما لا يخفى أو أخبر بمزج ما يخفى، فلا غش فيه، و لعل من ذلك وضع القطن العتيق، في القلانس باعتبار تفاوته و لذا

(1)قال الصادق عليه السلام: «لفاعله أحب أن تبين لهم»،

و لم يوجبه و هل إخفاء العيب و بعض الصفات الذميمة من الغش؟ احتمال بل صرح به بعض الأصحاب، لكنه لا يخلو من بحث، و الظاهر أن

الحرمة في الفعل نفسه، فلو باع مع ذلك كان البيع صحيحا، و إن ثبت للمشتري خيار العيب، أو الوصف، أو التدليس، لإطلاق الأدلة و دعوى ظهورها في صيرورة المبيع معه، كالعذرة و نحوها مما لا يجوز بيعها، واضحة المنع، لدى كل متأمل في نصوص المقام، و قواعد الكتاب و ليس ذا من تعارض الاسم و الإشارة قطعا، ضرورة كون المراد واحدا، من نحو قولك بعتك هذا اللبن، نعم لو خرج بالغش عن الحقيقة، و بيع على أنه منها، بطل البيع قطعا أما مع عدمه، فالمتجه الصحة، لما عرفت و لفحوى نصوص خيار العيب (2)و الوصف و التدليس(3) ، و ما في ظاهر بعض الاخبار، من توجيه النهي إلى نفس المبيع، فيقتضي الفساد محمول على الكراهة، كما أومأ إليه بلفظ لا يصلح في (4)غيره من الأخبار أو ان المراد منه النهي عن الغش للمبيع أو غير ذلك مما


1- 1 الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار الحديث 1 و 4.
3- 3 الوسائل الباب 15 من أبواب الخيار الحديث 1- 2.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب أحكام العيوب الحديث 3.

ج 22، ص: 113

لا بأس به، بعد فرض قوة المعارض،

[منه تدليس الماشطة]

و لعل من الغش أو في حكمه في الحرمة، و البيع و غيرهما تدليس الماشطة مثلا، الامرأة على خطابها و الجارية على مشتريها، بإظهار حسن ليس فيها، و إخفاء قبحها، كتحمير وجهها، و وصل شعرها، و نحو ذلك بلا خلاف أجده كما عن بعضهم الاعتراف به، بل عن آخر الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى نصوص الغش، بل ربما استدل عليه بما عن

معاني الأخبار(1)مسندا إلى النبي صلى الله عليه و آله «انه لعن الناصمة و المنتمصة و الواشرة و الموتشرة، و الواصلة و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة»

أي التي تنتف الشعر، و تنشر أسنان الامرأة و تحددها، و تصل شعر المرأة بشعر غيرها، و تغرز بالإبرة ثم تحشوه بالكحل، و نحوه بدعوى أن المراد فعل ذلك كله أو بعضه للتدليس، و فيه أن الظاهر كراهة ذلك في نفسه، خصوصا وصل الشعر بالشعر، الذي ورد فيه النهي في(2)

مرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام «قال: دخلت ماشطة على رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: لها هل تركت عملك أو أقمت عليه؟ قالت: يا رسول الله صلى الله عليه و آله أنا أعمله إلا أن تنهاني عنه، فانتهى عنه، فقال: افعلي فإذا مشطت فلا تجلى الوجه بالخرقة فإنه يذهب بماء الوجه، و لا تصلى الشعر بالشعر»

و خبر(3)علي «سألته عن امرأة مسلمة تمشط ليس لها معيشة غير ذلك، و قد دخلها ضيق، قال: لا بأس و لكن لا تصل الشعر بالشعر»

و خبر(4)


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 114

عبد الله بن الحسن «سألته عن القرامل قال: و ما القرامل؟ قلت:

صوف تجعله النساء في رؤسهن، قال: إن كان صوفا فلا بأس به، و إن كان شعرا فلا خير فيه من الواصلة و الموصلة»

إلى غير ذلك من النصوص المعلوم عدم ابتناء ذلك فيه على التدليس، و إلا لم يكن فرق بين الشعر و غيره، مع أنها في الزوجة لزوجها، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه من الكراهة، و ربما حمل النهي المزبور على المنع من جهة الصلاة بشعر الغير، و فيه انه لا بأس به كما حررناه في محله، أو على انه شعر امرأة أجنبية و هو عورة، و فيه مضافا إلى ترك الاستفصال في النصوص المزبورة، منع جريان حكم العورة عليه بعد انفصاله، فليس حينئذ إلا الكراهة، و لا ينافيها

خبر(1)سعد الإسكافي «قال:

سأل أبو جعفر عليه السلام عن القرامل التي تضعها النساء في رؤسهن يصلن به شعورهن، فقال: لا بأس على المرأة بما تزينت به لزوجها قال: فقلت: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و آله لعن الواصلة و الموصولة، فقال: ليس هناك، إنما لعن رسول الله صلى الله عليه و آله الواصلة التي تزني في شبابها، فلما كبرت قادت النساء إلى الرجال، فتلك الواصلة و الموصولة»

لإمكان حمله على إرادة اللعن المقتضي للحرمة، و هو ليس إلا ما ذكره، بخلاف ما

سمعته من اللعن السابق المحمول على الكراهة.

و كيف كان فقد دل الخبر المزبور على جوازه للزوج، بل جواز جميع ما تتزين به الامرأة له، فتخص حرمة التدليس حينئذ بغيره بل لا يشترط في مطلق التزيين إذن الزوج، و في شرح الأستاد إلا فيما يخشى منه النقص على محاسن الزوجة، بانهدام أسنانها أو ضرر في


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 115

بدنها و نحو ذلك، اما المالك فيلزم استيذانه مطلقا، و حيث يحرم التدليس، يحرم العوض المترتب عليه كما في غيره من المحرمات، و ما حل يحل فيه، غير انه لا يخلو من كراهة مع الشرط، بل قيل مطلقا و تزداد معه و كون بعض الأعيان مما يتزين به كالشعر الموصول، و الحمرة المأخوذة من بعض الحشار و نحوهما، مما لا يسوغ أخذ العوض فيها بعد تسليمه، غير مناف لان المتعلق بالأصل هو العمل و تلك من التوابع، و الله أعلم.

[منه تزيين الرجل بما يحرم عليه ]

و منه تزيين الرجل بما يحرم عليه لبسه كالحرير و الذهب و نحوهما ضرورة كونه كغيره من المحرمات، و في المسالك ان المراد تزيينه بما يحرم عليه من زينة النساء، و فيه أن المتجه حينئذ ذكر العكس أيضا، و هو تزيين الامرأة بما يحرم عليها من زينة الرجال مع أنه قد توقف في دليله بعض متأخري المتأخرين، لكن قد يقال:

ان ما ورد(1)عن النهي عن لباس الشهرة(2)و

خبر جابر «عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: في حديث لعن الله تعالى المحلل و المحلل له، و من تولى غير مواليه، و من ادعى شيئا لا يعرف، و المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال»

و خبر(3)زيد بن علي المروي عن العلل «عن آبائه عن علي عليه السلام سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال»

قال:


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب أحكام الملابس الحديث 3 و 4.
2- 2 الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 116

و في حديث (1)آخر «أخرجوهم من بيوتكم فإنهم أقذر شي ء»

و عن العلل أيضا بالإسناد السابق (2)«عن علي عليه السلام قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه و آله جالسا في المسجد، حتى أتاه رجل به تأنيث، فسلم عليه فرد عليه السلام ثم أكب رسول الله «ص» إلى الأرض يسترجع، ثم قال: مثل هؤلاء في أمتي انه لم يكن مثل هؤلاء في أمة إلا عذبت قبل الساعة»

و في (3)خبر العرزمي المروي في أصل أبي سعيد العصفري قال رسول الله صلى الله عليه و آله: لعنة الله و لعنة الملائكة على رجل تأنث، و امرأة تذكرت و رجل تحصر، و لا حصور بعد يحيى و رجل جلس على الطريق يستهزئ بابن السبيل»

و لعل ما في السند و المتن من القصور، منجبر بفتوى المشهور، و لا يخفى عليك أنه باختلاف الأحوال و المحال تختلف ملابس النساء و الرجال، فقد يختلف حال العجم و العرب، و حال الفقراء و حال أرباب الرتب هذا.

و أما الخنثى المشكل ففي شرح الأستاد انه يجب عليها ترك الزينتين و لها العمل بما جاز لكل من النوعين، و هو جيد، أما الثاني فواضح، و أما الأول فللقطع بكونه مكلفا بأحد الأمرين، و لا يتم العلم بامتثاله إلا باجتناب الزينتين و الله أعلم.

[النوع الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب على الإنسان فعله ]
اشارة

الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب على الإنسان فعله عينا كان كالصلاة و الصوم أو كفانيا كتغسيل الموتى و تكفينهم و دفنهم بلا خلاف معتد به أجده فيه، و في المسالك انه المشهور و عليه الفتوى و في المحكي عن مجمع البرهان كان دليله الإجماع، بل عن غيره أن


1- 1 الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 87 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 531 باختلاف يسير.

ج 22، ص: 117

عليه الإجماع في كلام جماعة، إلا أنى لم أجده و هو إن تم الحجة، لا منافاة ذلك لإخلاص في

العمل المعتبر فيه، إذ هو مع أنه غير تام فيما لا يعتبر فيه النية من الواجبات كالدفن و نحوه، و منقوض بالمستحب، واضح المنع، ضرورة كون الإجارة مؤكدة له، باعتبار تسبيبها الوجوب أيضا، و لا ما في شرح الأستاد من أن المنافاة بين صفة الوجوب و التملك ذاتية، لأن المملوك و المستحق لا يملك و لا يستحق ثانيا، و لأن الإجارة لو تعلقت به، كان للمستأجر سلطان عليه في الإيجاد و العدم، على نحو سلطان الملاك، و كان له الإبراء و الإقالة و التأجيل، و كان للأجير قدرة على التسليم، و في الواجب يمتنع ذلك و هو في العيني بالأصل و العارض واضح، و اما الكفائي فلأنه بفعله يتعين له، فلا يدخل في ملك آخر، و لعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره، لأنه بمنزلة قوله استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك، لأن الظاهر عدم الدخول في عمومات المعاملات في الكتاب و السنة، فيبقى على أصل عدم الانتقال عن الحالة الأولى، إذ فيه انه لا مانع من تعدد أسباب الوجوب، كما يقتضي به صحة نذر الواجب و الحلف عليه و أمر الوالد و السيد به، نعم هو كذلك بالنسبة إلى أسباب الملك، و لا تعدد فيها هنا و السلطان من حيث الإجارة بالإبراء و الإقالة و نحوهما متحقق هنا، و الأجير له قدرة على التسليم في الواجبات التي تعتبر فيها النية، و نفعها حاصل للغير كأحكام الأموات و نذر خياطة الثوب لزيد مثلا و نحو ذلك، بل جواز أخذ الأم الأجرة على إرضاع الولد اللبأ مع وجوبه عليها، كاستحقاق أخذ العوض عما يدفعه للمضطر من المال، و ما يأخذه الوصي عوضا عن عمله، أوضح شاهد، على عدم منافاة صفة الوجوب للتكسب، بل هو مقتضى القواعد

ج 22، ص: 118

و الضوابط، جمعا بين ما دل على وجوب بذل المال أو العمل، و بين ما دل على احترام القاضي بضمانهما، إذا فرض عدم ظهور دليل الوجوب في المجانية، إذ كما ان الاذن الشرعية في الأموال و الأنفس، لا تنافي الضمان، كذلك الأمر الشرعي بدفع المال أو العمل لا ينافي الضمان، فالمتجه حينئذ القول بعدم المنافاة ذاتا، نعم لو حصل مانع خارجي كالجمع بين العوض و المعوض عنه، و نحوه مما تكون المعاملة به سفهية عبثية و لو من جانب واحد، أو فهم مما دل على الوجوب كونه بصفة المجانية، اتجه المنع.

و دعوى أن كل واجب و إن كان مورده عملا ينتفع به الغير كذلك واضحة المنع، ضرورة تعدد الفوائد للوجوب من حيث الإجارة مثلا دون وجوب غيرها و ذلك نظير اشتراط خيار المجلس و العيب مثلا مع فرض ثبوتهما بسبب آخر غير الشرط، و بذلك يندفع الإشكال بإعطاء الأجرة، في الواجب الكفائي الصناعي، حتى في مثل الطبابة، و لا حاجة إلى الالتزام في حله، بأن الحكم مخصوص بالواجب العبادي دون غيره، كي يشكل ذلك بالدفن و نحوه، مما صرحوا بعدم أخذ الأجرة عليه، مع انه ليس من العبادة في شي ء، و لا إلى التزام عدم أخذ الأجرة عليه الا في حال عدم وجوبه، لقيام الغير به مثلا و الصناعات في كل قطر قد وجد من يقوم بها، فلذلك جاز أخذ الأجرة و ان الإجارة على الجهاد تجوز إذا علم أو ظن قيام من فيه كفاية، أو أن الموجر ممن لا يجب عليه أصلا، و مقتضاه عدم جواز أخذ الأجرة مع عدم القيام بل يشكل في حال القيام بعدم تعين الفرد الواجب الذي يسقط به التكليف في الواقع من غيره، حتى يصح أخذ الأجرة عليه، على أن ما دل على الإجارة في الجهاد مطلق، لا اشارة فيه إلى شي ء مما ذكره من

ج 22، ص: 119

التقييد، فليس هو إلا لما ذكرناه من عدم المنافاة، و انه قد علم من الأدلة كون الجهاد من الأفعال القابلة للنيابة، فالمكلف مخير بين أن يجاهد عن نفسه، فيكون هو أحد أفراد الكفاية، أو يؤجر نفسه فيكون نائبا و يصير المنوب عنه أحد أفراد الكفاية، الذين يسقط بهم الوجوب عن الغير فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع و قد سلف في الجهاد ما يؤكد ذلك و لا إلى التزام عدم وجوبها إلا بالشرط، فهي قبلة غير واجبة، من غير فرق بين الانحصار و عدمه، و كذا بذل المال للمضطر، إذ هو مع أنه ممنوع في الأخير قطعا، ضرورة وجوب البذل مطلقا، و إن استحق الباذل العوض في الذمة، مناف لصريح كلامهم في الأول، فإنهم قد صرحوا بأن الصناعات و نحوها من الواجبات الكفائية، و إن كان لا يخلو من إشكال، و لو سلم فالمراد منه وجوب وجود العارف بها، لا أنه يجب عليه العمل.

و قد يدفع بأنه لا مانع من ذلك ضرورة توقف النظام عليه، كما أومأ إليه بقوله تعالى (1)«نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا» و لا بأس بالوجوب مع العوض فتأمل، و لا إلى أن الأصل التحريم إلا ما خرج بنص أو إجماع، و لا إلى غير ذلك من التجشمات التي من الواضح فسادها بأدنى نظر.

بل التحقيق ما عرفته من عدم المنافاة بين صفة الوجوب، و استحقاق العوض للوقوف على التراضي في صورة قيام الغير، و التقدير بأجرة المثل في صورة عدمه، كبذل المال للمضطر، و لا ينافي ذلك تصريح غير واحد بعدم جواز أخذ الأجرة، على ما في المتن حتى حكى


1- 1 سورة الزخرف الآية 32.

ج 22، ص: 120

الإجماع عن جماعة، بل في شرح الأستاد أن دعوى المحصل غير بعيد عند المحصل إذ لعله لما ذكرناه، من ظهور الأدلة في وجوب هذه الاعمال مجانا، لا للمنافاة المزبورة، إذ قد عرفت أن محل البحث فيما لم يظهر من الدليل مجانيته، و إلا حرم التكسب به، لكن للظهور المزبور لا للمنافاة المذكورة التي قد عرفت انتفاءها، و أنه لا فرق بين الواجب و المندوب، و المباح و المكروه، في ذلك فما كانت

المعاملة فيه سفهية، و لو لعود المنفعة للمستأجر، فيكون جامعا بين العوض و المعوض عنه، أو ظهر من الأدلة مشروعيته على المجانية، لم يصح التكسب به، و إلا اتجه مراعاة الضوابط و القواعد فيه من احترام عمل المسلم و ماله، كدمه و عرضه، و الوجوب و الاستحباب لا ينافي ذلك، نعم المستحب الذي لا نفع له إلا الثواب، كالحج و الزيارة و قراءة القرآن و نحوها، يتوقف صحة الاستيجار عليها على صحة النيابة فيها، فما يثبت فيه ذلك صح الاستيجار عليه و إلا فلا، بل نحوه يجري في بعض الواجبات كما سمعته في الجهاد، و لعل الأقوى كفاية ما دل على ذلك، في الحج و الصلاة و غيرهما من فعل القربات عن الأموات، مضافا إلى إطلاق أدلة الإجارة، مثلا في الحكم بجواز النيابة فيها على الإطلاق عن الاحياء و الأموات، إلا ما خرج بالدليل، الذي فيه ما قيل من الإجماع من الكركي على عدم جواز النيابة في الصلاة و الصوم إلا عن الميت، ان تم و المباشرة المنساقة من الخطابات الواردة فيها، لا ظهور فيها على جهة الشرطية، بل هي كغيرها مما هو مورد الخطاب الوارد في غيرها مما علم جواز النيابة فيه هذا.

و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرناه، ما في كلام جملة من

ج 22، ص: 121

الأفاضل في المقام، الذي هو من مزال الاقدام، و لا ينافيه ما ادعوه من الإجماع على عدم الاستيجار على الواجب في حق الأموات، من التغسيل و التكفين و الدفن و الصلاة عليهم، حتى أن ما حكي عن المرتضى من الخلاف فيه ليس خلافا في الحكم، بل هو خلاف في الوجوب على غير الولي، و لذا جوز استيجاره عليه، و كان الذي دعاه إلى ذلك ظهور الأدلة في توقف صحة فعل الغير على إذن الولي، فظن أن الوجوب على الولي.

و قد أطلنا الكلام في أحكام الأموات في بيان عدم المنافاة، و أن المراد من ذلك تقديم الولي في الفعل لو أراده و إن كان الكل مخاطبين و إن توقف صحة فعل الغير على الاذن لا ينافي الوجوب، كما في الوصي و الناظر و الأمر في الجهاد مثلا و نحوه، و ذلك لما عرفت من ظهور الأدلة في الوجوب المجافي و أنه لا نيابة فيه، نعم هو عملي محض لا يجب فيه بذل المال من الماء و الكفن و نحوهما كما قرر في محله، بل لعله إلى ذلك لمح القاضي في إطلاقه عدم جواز أخذ الأجرة و لو على ما زاد على الواجب من الغسلات و التكفين في القطع الزائدة، و التعميق في القبر باعتبار ظهور الأدلة في المشروعية مجانا، و إن كان المشهور نقلا و تحصيلا خلافه أو أنه لمح إلى أن كل ما جي ء به من ذلك فهو من الأفراد الواجبة و إن كانت هي الأفضل من غيرها، فالاستئجار عليها استيجار على الواجب أيضا.

و دعوى كون الاستيجار إنما يقع على ما زاد على الواجب بعد الفراغ منه خلاف مفروض البحث، ضرورة كونه أعم من ذلك و من إيجاده دفعة واحدة فيما يمكن فيه ذلك كالحفر بل لعله على كل حال هو أحد أفراد الواجب فلا ريب في أن الأحوط عدم الأجرة مطلقا،

ج 22، ص: 122

و الله أعلم هذا.

و قد يحرم الاكتساب بأشياء أخر تأتي في أماكنها إن شاء الله

[مسئلة أخذ الأجرة على الأذان حرام و لا بأس بالرزق من بيت المال ]

«مسئلة» أخذ الأجرة على الأذان حرام و لا بأس بالرزق من بيت المال كما أشبعنا الكلام فيها في بحث الأذان من كتاب الصلاة فلاحظ و تأمل، و كذا يحرم أخذ الأجرة على الصلاة بالناس جماعة بلا خلاف أجده فيه، من غير فرق بين الواجبة كما في الجمعة و المندوبة للنص (1)و لظاهر نصوص مشروعيتها، بل هي رتبة الامام و عليه أن يجتنب جميع المنفرات ليزيد الاعتماد عليه و يحصل الركون إليه و لأنها من العبادات المطلوبة لنفس العامل كالمأمومية التي لم أجد من تعرض لها إلا أن الظاهر حرمة الاستيجار و الجعالة عليها أيضا لذلك كما هو واضح.

و أما القضاء بين الناس فقد اضطربت فيه كلمات الأصحاب اضطرابا شديدا، حتى أن المصنف منهم جعل حرمة الأجرة عليه على تفصيل يأتي في كتاب القضاء، و التحقيق عدم جواز أخذ العوض عنه مطلقا عينيا كان عليه أو كفائيا،

أو مستحبا مع الحاجة و عدمها، من المتحاكمين أو أحدهما أو أجنبي أو أهل البلد أو بيت المال أو غير ذلك، سواء كان ذا كفاية أو لا، لأنه من مناصب السلطان الذي أمر الله تعالى بان يقول (2)«قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً»* و أوجب التأسي به و

الصحيح الذي رواه المحمدون الثلاثة(3)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قاض بين فريقين يأخذ من السلطان على


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 سورة الأنعام الآية 90.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 123

القضاء الرزق فقال: ذلك السحت»

و لبعض أخبار الرشوة(1)التي ربما أطلقت على مطلق العوض في بعض النصوص، و صريح الإجماع المحكي عن الخلاف و ظاهره في المبسوط على تحريم الجعل الذي هو أعم من الأجرة أو لا فرق بينها و بينه، بل مطلق العوض مؤيدا ذلك كله بالاعتبار و هو اشتماله على اللطف الذي يقرب العبد معه إلى الطاعة و يبعد عن المعصية و عدم التهمة و النفرة و نحو ذلك مما لا يخفى.

فما عن المقنعة و النهاية و القاضي من إطلاق جواز أخذ الأجرة من بيت المال واضح الضعف، أو منزل على الارتزاق للحاجة لا عوضا عن القضاء، كما يرتزق غيره من الفقراء و الضعفاء و الغزاة و المجاهدين و غيرهم، ممن هو مشغول بسياسة الدين و مصالحه عن التكسب

لقوته و قوة عياله و باقي ضرورياته، و كذا ما عن جملة من كتب الأصحاب من الارتزاق من بيت المال مع تعين القضاء عليه و إن كان ذا كفاية فإن مرجعه أيضا إلى العوضية التي قد عرفت حالها، و من هنا كان المتجه العدم مطلقا من هذه الحيثية مع التعيين و عدمه و الحاجة و عدمها، كما هو مقتضى كلام جماعة، و إنما يرتزق لا بعنوان العوضية، إذا كان أحد المصارف و مقدار رزقه منوط بنظر الامام على حسب حال غيره من المحاويج.

و من الغريب ما عن بعضهم من أنه لا خلاف في الرزق من بيت المال في صورة المنع من الأجرة، مع أن جماعة قد صرحوا برزقه منه مع كفايته و تعينه للقضاء أولا، كما لا يخفى على من لاحظ كلامهم في المقام و باب القضاء مع التأمل و التدبر فلاحظ و تأمل، و على كل حال فمقدمات القضاء كسماع الشهادة و الجرح و التعديل و نحوهما


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11.

ج 22، ص: 124

كالقضاء في تحريم العوض، بل لا يبعد استفادة حرمة الأجرة عليها من حرمتها على القضاء.

نعم لا بأس بأخذ الأجرة على ما كان خارجا عن القضاء و مقدماته كالكتابة و الرسم و نحوهما، مع أنه لا ينبغي استعماله من قوام الشرع و حفظته و لا استعمال بعض الأرذال الذين يحتالون لأخذ الجعل على القضاء بذلك و بالتحاكم في مكان مخصوص و نحوه من الأمور الزائدة على القضاء، لما فيه من النفرة و جلب التهمة و عدم رغبة الناس في الدين و أهله، و يلحق بالقضاء الإفتاء في مسائل الحلال و الحرام و الموضوعات الشرعية، من غير فرق بين الواجبة و المندوبة و المكروهة و المباحة لما عرفته من عدم سؤال الأجر و كونه من الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و نحو ذلك.

نعم لا بأس بأخذ الأجرة و غيرها من الأعواض على عقد النكاح و غيره من العقود و الإيقاعات التي تجري فيها الوكالة فيأخذ عليها الجعل و العوض لأنها من الأعمال المحللة الداخلة تحت ما دل على الإجارة و الجعالة و غيرهما أما تعليم نفس الصيغة أي بيان أن الصيغة الشرعية، هي كذا، فالظاهر عدم جواز أخذ الأجرة عليه لكونه من باب بيان حكم الشرعي، و إن كان وضعيا، كما أن الظاهر عدم جوازه أيضا على أداء الشهادة عينيا كان أو كفائيا أو مستحبا، أما التحمل فقد أطلق جماعة أيضا عدم الجواز عليه معللين ذلك بالوجوب، لكن التعليل و المعلل لا يخلو من إشكال، و على كل حال فوجوب الأداء على الشاهد بدني لا مالي، فلا يجب حينئذ إذا توقف عليه كما لو احتاج إلى سفر و نحوه، نعم لو بذل له الراحلة و نحوها و تعذر شاهد الفرع و لم يكن السفر متعذرا أو متعسرا وجب عليه، كذا قيل:

ج 22، ص: 125

و لتمام البحث فيه محل آخر.

و منها بيع المصحف كما صرح به جماعة، بل استدل الفاضل منهم في المحكي من نهايته عليه بمنع الصحابة، و عدم العلم بالمخالف و إن كان العمدة في ذلك النصوص المستفيضة ك

خبر عبد الرحمن بن سيابة(1)«عن أبي عبد الله عليه السلام أن المصاحف لن تشترى فإذا اشتريت فقل إنما أشترى منك الورق و ما فيه من الأدم و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا

و موثق سماعة عنه (2)أيضا سألته عن بيع المصاحف و شرائها؟ فقال: لا تشتر كتاب الله و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين، و قل أشتري منك هذا بكذا و كذا»

و نحوه

مضمر عثمان بن عيسى و خبر عبد الله سليمان (3)«قال: سألته عن شراء المصاحف فقال: إذا أردت أن تشتري فقل أشتري منك ورقه و أديمه و عمل يدك بكذا و كذا»

و خبر جراح المدائني (4)عنه أيضا في بيع المصاحف «قال:

لا تبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الأديم و الحديد»

و خبر سماعة ابن مهران (5)«قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها؟ قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و إياك أن تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب، فيكون عليك حراما و على من باعه حراما».

و لعله من ذلك قال في الدروس. و يحرم بيع خط المصحف دون


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 و 6.
4- 4 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11.

ج 22، ص: 126

الآلة لكنه مناف ظاهرا للخبر الأخير الدال على عدم جواز بيع الورق و فيه القرآن مكتوب كما أن الخبر مناف للاخبار السابقة الدالة على جواز ذلك إذا كان المقصود بالبيع ما عد الكتابة، اللهم إلا أن تحمل على إرادة شراء الورق قبل أن يكتب بها على أن يكتب بها، فيكون العقد في الحقيقة متضمنا لمورد البيع و مورد الإجارة، بقرينة قوله و ما عملته يدك بكذا ضرورية عدم صلاحية العمل موردا للبيع، فلا بد من تنزيله على الإجارة اللهم إلا أن يراد منه ما عد الكتابة مع حمل لفظ الشراء على معنى الصلح، إن أريد غيرها من الأعمال و لكن الجميع كما ترى و التحقيق الجواز لإطلاق الأدلة و إطلاق كثير من الفتاوى في مقام ذكر شرائط البيع و غيره حتى في مسئلة بيع المصحف من الكافر فان كلامهم هناك بإطلاقه شامل لجواز بيعه من المسلم من غير تقييد بالآلات بل السيرة القاطعة أقوى شاهد على ذلك، و دعوى أنها على البيع و لعله للآلات دون الكتابة كما ترى، فإنه لا ريب في ملاحظة الكتابة ببذل الثمن سواء قلنا أنها من الأوصاف كالصبغ، و لا ينافيه إمكان الإزالة بعد إمكان منعه خصوصا في بعض أفرادها، أو قلنا بكونه جزء من المبيع باعتبار أعيان أجزاء المداد المكيفة بهذه الكيفية، فتكون كهيئة الدار مثلا الداخلة في المبيع تبعا، لأنها كالوصف للمبيع أيضا، بل ربما قيل إن قصد البيع للورق المكتوب قرآنا مجردا عن الكتابة غير ممكن، بل مقتضاه عدم دخولها في الملك، و لا يستحق فسخا و لا أرشا لو بان عيب فيها، بل لا مانع من بيعه حينئذ للكافر على هذا الفرض، اللهم إلا أن يقال بالدخول في الملك تبعا، أو بوضع يد المشتري بعد إعراض البائع، أو نحو ذلك مما لا يليق بالفقيه التزامه.

للنصوص المزبورة التي يشتم منها رائحة الاستحباب، و أن المراد

ج 22، ص: 127

منها عدم مقابلة الثمن في صورة اللفظ للكتابة، بل تجعل من أوصاف الأوراق، أو نحو ذلك مما لا مقابلة فيه بالثمن، للنقوش التي هي رسم كلام الله تعظيما و تأدبا عن أن تشتري بآيات الله ثمنا قليلا، و عن مساواته لباقي المبيعات في الابتذال، كما أومى إليه في خبري سماعة و عثمان بن عيسى دون أصل المعاملة، ضرورة أن المقصود الأصلي منه شراه النقوش دون الحديد و الورق و الجلد، و العقود إنما تتبع المقصود

و قال عبد الرحيم (1)«سألت الصادق عليه السلام عن شراء المصاحف و بيعها؟ فقال: إنما

كان يوضع الورق عند المنبر، و كان ما بين المنبر و الحائط قدر ما تمر الشاة، أو رجل منحرف، قال: فكان الرجل يأتي فيكتب من ذلك ثم إنهم اشتروا بعد، قلت فما ترى في ذلك؟

فقال لي: أشتري أحب إلى أن أبيعه قلت: فما ترى أن أعطي على كتابته أجرا؟ قال: لا بأس، و لكن هكذا كانوا يصنعون»

و قال أبو بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها فقال: إنما كان يوضع عند القامة و المنبر قال: كان بين الحائط و المنبر قدر ممر شاة و رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب البقرة و يجي ء آخر فيكتب السورة كذلك كانوا ثم اشتروا بعد ذلك فقلت:

فما ترى في ذلك؟ قال: أشتريه أحب إلى من أن أبيعه»

و هما مع دلالتهما على ما قلناه من الجواز، دالان أيضا على استعماله في ذلك الزمان و إن كان حادثا.


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و فيه قال روح بن عبد الرحيم.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.

ج 22، ص: 128

و منه يعلم ما فيما سمعته من النهاية من منع الصحابة و في

خبر عبد الرحمن (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا إن أم عبد الله ابن الحارث أرادت أن تكتب مصحفا، فاشترت ورقا من عندها و دعت رجلا فكتب لها على غير شرط، فأعطته حين فرغ

خمسين دينارا، و إنه لم تبع المصاحف إلا حديثا»

و هو دال أيضا على كون السيرة في هذا الزمان حاصلة في زمانهم عليهم السلام، فتكون أقوى من الإجماع، و لعل الفقيه الماهر إذا أعطى النظر حقه في نصوص المقام و في الأصول و القواعد يقطع بما قلناه، خصوصا إذا لاحظ رمزهم بقولهم عليهم السلام و ما عملته يداه، و قولهم أشتريه أحب إلى من أبيعه، بل لعل استعمال هذه الصورة في كتب الحديث و نحوها، مما يرجع إلى أولياء الله الذين كلامهم كلام الله لا يخلو من رجحان، بل و كتب الفقه أيضا التي يرجع ما فيها إليهم بنوع من الاعتبار.

و مما يؤيد ما ذكرناه أيضا ضرورة الدين على جواز بيع الكتب المتضمنة للايات و إن كثرت مع أن مدرك المنع لو صح لكان عاما إذ لا خصوصية له في المصحف، سيما بعد قوله في

خبر عثمان بن عيسى لا تشتر كلام الله (2)

و في خبر سماعة «لا تشتر كلام الله»(3)

المعلوم كون المراد منه لا تشتر رسم كلام الله، من غير فرق بين قليله و كثيره، و كونه مجموعا أو مفرقا، نعم لا بأس بالحكم بكراهة بيعها و شرائها كما أفتى به العلامة الطباطبائي في مصابيحه، للنهي المزبور في الخبر السابق المعلوم قصوره لما سمعت من وجوه، بل الاولى ترك الاشتراط في الأجرة على كتابته، للخير المحمول على ذلك بقرينة ففي


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 31 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 129

البأس عن الأجرة على كتابته في الخبر الآخر، المعتضد بإطلاق الأدلة و عمومها، و غيرها و كذا يكره تعشيره بالذهب

للموثق «لا يصلح»(1)

و حرمه بعضهم، و يدفعه الأصل، و إن النص لا يصلح للتحريم و

ما ورد في القرآن (2)المختم المعشر بالذهب المكتوب في آخره سورة بالذهب أنه لم يعب منه شيئا إلا كتابة القرآن بالذهب، و قال: «لا يعجبني أن يكتب القرآن إلا بالسواد كما كتب أول مرة»

و الله أعلم.

[أما المكروهات فنذكر منها ثلاثة]
اشارة

و أما المكروهات فكثيرة قد ذكر المصنف منها هنا ثلاثة

[الأول ما يكره لأنه يفضى إلى محرم أو مكروه غالبا كالصرف و بيع الأكفان ]

الأول ما يكره لأنه يفضى إلى محرم أو مكروه غالبا كالصرف الذي لا يسلم صاحبه من الربا، و بيع الأكفان الذي يسر بائعها الربا، و بيع الطعام الذي يؤدي إلى الاحتكار و حب الغلاء بل و سلب الرحمة من القلب، و الرقيق فان شر الناس من باع الناس، و اتخاذ الذبح و النحر

صنعة الذي قد يؤثر قساوة في القلب، و اعتبار الاتخاذ صنعة و حرفة على وجه يكون صيرفيا، و بياع أكفان و حناطا، و نخاسا، و جزارا، معتبر في الجميع و إنما خص الأخير به تنصيصا، على احتمال كراهيته مطلقا

قال (3)بن فضال: «سمعت رجلا يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال:

إني أعالج الرقيق فأبيعه، و الناس يقولون لا ينبغي، فقال الرضا عليه السلام: و ما بأسه؟ كل شي ء مما يباع إذا اتقى الله فيه العبد فلا بأس»

بناء على إرادة عدم كونه نخاسا بذلك، مع احتمال إرادة بيان أصل الجواز، فلا دلالة فيه حينئذ على المطلوب، كما أنه على ما عن بعض


1- 1 الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 130

النسخ من إبدال الرقيق بالدقيق كذلك و الأمر سهل.

و كيف كان فلا خلاف أجده في شي ء من ذلك و النصوص به مستفيضة، منها

خبر إسحاق بن عمار(1)«قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فخبرته أنه ولد لي غلام، قال: ألا سميته محمدا؟ قلت:

قد فعلت، قال فلا تضرب محمدا و لا تشتمه، جعله الله قرة عين لك في حياتك، و خلف صدق بعدك، قلت: جعلت فداك في أي الأعمال أضعه،

قال: إذا عزلته عن خمسة أشياء، فضعه حيث شئت لا تسلمه صيرفيا فإن الصيرفي لا يسلم من الربا، و لا تسلمه بياع أكفان فإن صاحب الأكفان يسره الوباء إذا كان، و لا تسلمه بياع طعام فإنه لا يسلم من الاحتكار، و لا تسلمه جزارا فان الجزار تسلب منه الرحمة، و لا تسلمه نخاسا فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: شر الناس من باع الناس»

و غيره من النصوص (2)و قد عدت معها الصائغ أيضا معللة له بأنه يعالج زين أمتي بالزاء المعجمة ما يتزينون به مما يلههم عن الآخرة أو بالراء المهملة أي ما يختم به على قلوبهم من الرين بمعنى الختم، قال الله تعالى (3)«بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ» و ربما روى عين أمتي أي دراهمهم أو دنانيرهم.

ثم إن ظاهر الأصحاب أن ما ورد من تعليلها بذلك جار مجرى الحكم و المقتضيات، فلا ترفع الكراهة مع فرض عدمه لكن في

خبر سدير الصيرفي (4)«قلت: لأبي جعفر عليه السلام حديث بلغني عن


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 21 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و 4.
3- 3 سورة المطففين الآية 14.
4- 4 الوسائل الباب 22 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 131

الحسن البصري فإن كان حقا فانا لله و إنا إليه راجعون قال: و ما هو؟

قلت بلغني أن الحسن كان يقول لو غلى دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي و لو تفرثت كبده عطشا، لم يستق من دار صيرفي ماء، و هو عملي و تجارتي، و فيه نبت لحمي و دمي، و منه حجتي و عمرتي، قال:

كذب الحسن خذ سواء، و أعط سواء، فإذا حضرت الصلاة فدع ما بيدك و انهض إلى الصلاة أما علمت؟ أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة»

و لذا خص بعض متأخري المتأخرين الكراهة فيمن لم يأمن السلامة منه دون من أمنها، بالتزام الصرف بغير المجانس أو بالوزن أو نحو ذلك و لا بأس به في خصوص الصرف، أما غيره من الصنائع المزبورة فلا، لأنها مقتضيات لحصول تلك الأخلاق الرذيلة، و لا سبيل له إلى التحفظ منها بخلافه.

بل يظهر من المتن و ما شابهه ثبوت الكراهة في كل مفض غالبا إلى أحد الأمرين و كأنه أخذ مما ذكر في النصوص من التعليل بالأمور المزبورة هذا و لا يخفى عليك الحرمة في عاقبة الأول منها أما محبة الوباء و تمني الغلاء فقد جزم في المسالك بحرمته، و لا يخلو من نظر و أما بيع الرقيق فالظاهر الكراهة كما في المسالك، لأن المراد بالشر قلة الخير و البركة، لا أن المراد حصول الشر في بيعهم على وجه يترتب عليه محرم، و إلا كان منه أيضا و أما قساوة القلب التي هي عاقبة القصابة، و تورث البعد عن رحمة الله فهي مكروهة هذا، و في المسالك أيضا إن في بعض الأخبار تعليل بيع الطعام بعدم السلامة من الاحتكار و هو مكروه أو محرم، فيلحق بأحد الوصفين قلت: تعليله بذلك لا ينافي تعليله بتمني الغلاء في آخر و قد جزم هو بحرمته كما عرفت و الأمر سهل.

[الثاني ما يكره لضعته كالنساجة]

و الثاني ما يكره لضعته كالنساجة التي يراد منها

ج 22، ص: 132

الحياكة لا خصوص نسج الرقيق، فتكون مقابلة للحياكة، بناء على أنها نسج غيره، و لا أنها أعم منها مطلقا، بل الظاهر اتحاد المراد منهما فتكون حينئذ مدلولة للنصوص المشتملة على ذم هذه الصنعة و النهي عنها(1)حتى ورد في بعضها النهي عن الصلاة خلف الحائك (2)بل ورد أن ولده لا ينجب إلا سبعة أبطن، نحو ما ورد في ولد الزنا(3)إلا أنه يمكن أن يكون المراد من هذا الخبر بالخصوص حائك الكلام كما أومأ إليه في

مرسل (4)أحمد بن محمد عن الصادق عليه السلام «قال: ذكر الحائك عنده انه ملعون فقال: إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله و رسوله»

و على كل حال هو غير مناف لما دل على النهي عن هذه الصنعة في غيره من النصوص التي لا تحتمل التأويل بذلك، و لا فرق في أفرادها بعد صدق مسماها، نعم الظاهر خروج نسج الخوص و نحوه منها فإنه كان عمل بعض الأنبياء و

الأولياء عليهم السلام بل لعله غير مندرج في مطلق الحياكة.

و أما الحجامة فقيدها المصنف و جماعة بما إذا اشترط الأجرة على العمل المضبوط بالمدة أو العدد، و مقتضاه عدم الكراهة إذا لم يشترط، بل قيل أنه المفهوم من كلام الأصحاب، بل هو صريح الروضة، و محكي المنتهى قال في الأخير: كسب الحجام إذا لم يشترط حلال طلق، و أما إذا شرط فإنه يكون مكروها، و ليس بمحظور عملا بالأصل، و لعله ل

قول الصادق عليه السلام (5)«لما سأله أبو بصير عن كسب الحجام؟ فقال: لا بأس به إذا لم يشارط»


1- 1 الوسائل الباب 23 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 المستدرك ج 1 ص 491.
3- 3 ما عثرنا على هذه الرواية.
4- 4 الوسائل الباب 23 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 133

و قوله أيضا في

خبر سماعة(1)«السحت أنواع كثيرة منها كسب الحجام إذا شارط»

و لموثق زرارة(2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن كسب الحجام؟ فقال: مكروه له أن يشارط، و لا بأس عليك أن تشارطه و تماسكه و إنما يكره له لا بأس عليك»

لكن قد يستفاد إطلاق كراهة أكله من

صحيح الحلبي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا أن رجلا سأل عن كسب الحجام فقال: لك ناضع فقال: نعم فقال: اعلفه إياه و لا تأكله

و خبر رفاعة(4)الذي هو مثله و لعله لذا أطلق في اللمعة فيحمل التقييد حينئذ في النصوص المزبورة على شدة الكراهة مؤيدا ذلك بالتسامع في أدلة السنن.

اللهم إلا أن يقال إن ذلك ليس بأولى من حمل الكسب في الخبرين على ما أخذ بالشرط لا مطلق المأخوذ، و لو على جهة الكرامة لأجل فعل الحجامة، بل ينبغي القطع بعدم كراهة ذلك مع فرض عدم استحقاق الحجام الأجرة شرعا، لتبرعه بالعمل أما مع استحقاقه لأمره بالعمل مثلا، إلا أنه لم يشترط مسمى مخصوصا أو مطلق الأجرة، فهو محل إشكال، و لعل القول بعدم الكراهة فيه لا يخلو من وجه، لمفهوم الشرط السابق المنزل عليه

قول الصادق عليه السلام في خبر معاوية(5)«لما سأل عن كسب الحجام فقال: لا بأس به».


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 و فيه ان رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و آله.
4- 4 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 و 6.

ج 22، ص: 134

و إن أمكن حمله على إرادة بيان عدم الحرمة التي ربما توهمها بعض الناس، كما يومي إليه

خبر حنان بن سدير(1)«قال: دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام و معنا فرقد الحجام فقال له: جعلت فداك إني أعمل عملا، و قد سألت عنه

غير واحد، فزعموا انه عمل مكروه و أحب أن أسألك فإن كان مكروها انتهيت عنه و عملت غيره من الأعمال فإني منته في ذلك إلى قولك قال: و ما هو؟ قلت حجام قال: كل من كسبك يا ابن أخي و تصدق منه و حج و تزوج، فإن نبي الله صلى الله عليه و آله قد احتجم و اعطى الأجر و لو كان حراما ما أعطاه»

لكن يرجح ذلك ما سمعته من تقييد الأصحاب و الأمر سهل، بعد القطع بانتفاء الحرمة نصا و فتوى للأصل و غيره بل يمكن القطع بعدم كراهة فعل الحجامة مع عدم اتخاذها صنعة و مكسبا، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص و الفتاوى اللهم إلا أن يكون ذلك لضعة العمل نفسه، المنبئ عن دنائة طبع العامل، كما عساه يفهم أيضا من مثل المتن، هذا كله بالنسبة إلى الحاجم.

أما المحجوم فلا يكره له مشارطته، كما سمعته في الخبر السابق بل الظاهر كراهة تركها له، نحو غيره من العاملين بالأجرة، و ربما تصور اجتنابهما معا عن الكراهة فيما لو كان المشترط و الجاعل للأجرة المحجوم، و أما الحاجم فلم يصدر منه إلا الرضا بما شرط له المحجوم من غير مشارطة معه، لكن قد يشكل ذلك بان مثله يعد شرطا من الحاجم أيضا، فإن المراد به مطلق ذكر الأجرة، معينة كانت أو غير معينة فتأمل و الله العالم.

و أما التكسب بضراب الفحل بان يأجره لذلك مع


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 135

ضبطه بالمرة و المرات المعينة أو بالمدة أو بغير الإجارة، فلا خلاف أجده في كراهة كسبه، بين من تعرض له

للمرسل (1)في الفقيه «نهى رسول الله صلى الله عليه و آله من عسب الفحل و هو اجرة الضراب»

لكن في الحدائق الظاهر أن هذا التفسير من كلام الصدوق، الذي يدخله غالبا في الأخبار، ثم حكي عن الأردبيلي نسبة هذا المرسل إلى رواية الجمهور، قال: و حينئذ يضعف الاعتماد عليه في تخصيص

الخبرين (2)اي خبر بن حنان بن سدير «عن الصادق عليه السلام قال: فيه قلت له جعلت فداك ان لي تيسا أكريه ما تقول في كسبه قال: كل كسبه فإنه حلال لك و الناس يكرهونه قال حنان قلت: لأي شي ء يكرهونه و هو حلال قال: لتعيير الناس بعضهم بعضا»

و صحيح معاوية(3)بن عمار فان فيه قلت: «فاجر التيوس قال: ان العرب تتعاير به و لا بأس به»

و فيه انه لا دلالة فيهما على عدم الكراهة المتسامح بها، التي يكفي فيها المرسل السابق، المفتي به بين الأصحاب، بل يمكن استفادة الكراهة منهما أيضا، بقرينة تغيير الناس و نحوه، و لا ينافيه نفي البأس المحمول على إرادة بيان عدم الحرمة، المنقولة عن بعض العامة نعم لا كراهة فيما كان بطريق الاهداء و الإكرام عوضا عن ذلك،

لعدم صدق التكسب به بعد فرض عدم الإجارة و نحوها كما هو واضح، و الله العالم.

[الثالث ما يكره لتطرق الشبهة ككسب الصبيان ]

و الثالث ما يكره لتطرق الشبهة ككسب الصبيان


1- 1 الوسائل الباب 32 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 136

المجهول أصله لما يدخله من الشبهة الناشئة من اجترائه على ما لا يحل لجهله أو علمه بارتفاع القلم عنه، أما لو علم اكتسابه من محلل فلا كراهة، و إن أطلق بعضهم، بل قيل الأكثر، كما انه لو علم تحصيله أو بعضه من محرم، وجب اجتناب ما علم منه أو اشتبه، و محل الكراهة تكسب الولي به أو أخذه منه أو الصبي بعد رفع الحجر عنه، و كذا الكلام في كسب من لا يجتنب المحارم لتطرق الشبهة فيه أيضا و لعل من ذلك يعلم جواز تناول ما في يد الصبي، للولي و مأذونه بل الظاهر الحكم بملكيته له، مع فرض احتمال تملكه بحيازة و نحوها فحينئذ يده كيد البالغ، في الحكم بملكية ما فيها لديها و إن وسوس به بعض القاصرين من المعاصرين و الله العالم

و قد يكره التجارة بأشياء تذكر في أبوابها إنشاء الله تعالى و ما عدا ذلك مما لا دليل على رجحانه أو مرجوحيته فمباح متساوي الطرفين كما هو واضح و الله العالم.

[مسائل ]
اشارة

مسائل

[المسألة الأولى لا يجوز بيع شي ء من الكلاب إلا كلب الصيد]

الأولى لا يجوز بيع شي ء من الكلاب بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص بالخصوص (1)فضلا عما مر في النجاسات و المحرمات و السباع (2)دالة عليه إلا ما خرج بالدليل منها ك كلب الصيد بلا خلاف معتد به بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منها مستفيضة أو متواترة، كالنصوص فما عن العماني من المنع منه واضح الضعف، كضعف تخصيص الجواز في النهاية و المقنعة بالسلوقي منه، و هو المنسوب إلى سلوق قرية باليمن، ضرورة مخالفته لإطلاق


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 الوسائل الباب 5 و 14 و 5 40 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 137

نصوص الجواز(1)، و معاقد إجماعاته، و أضعف منه لذلك أيضا استثناء الأسود البهيم منه، كما عن الإسكافي مع انا لم نتحققه و في استثناء كلب الماشية غنما أو غيرها و الزرع و إن لم يكن في حائط و الحائط و ان لم يكن فيه زرع خلاف و تردد منشأه ما ستعرف.

و لكن الأشبه بأصول المذهب و قواعده جواز بيعها، ككلب الصيد لا المنع وفاقا لأبي علي و اجارة المبسوط و الخلاف و المراسم و الوسيلة و السرائر و كشف الرموز و المختلف و

التذكرة و التحرير و الإرشاد و التبصرة و الإيضاح و شرح الإرشاد و الدروس و اللمعة و حواشي الشهيد و المقتصر و المهذب البارع و التنقيح و إيضاح النافع و جامع المقاصد و غاية المرام و المسالك و الروضة و مجمع البرهان و شرح الفقيه للمجلسي على ما حكي عن البعض، و اقتصار أبي علي و المراسم و المبسوط و الخلاف على اثنين منها غير قادح، بعد الإجماع بقسميه على عدم الفرق بين الثلاثة، كما يشهد له نسبة القول إليهم في الأربعة، من غير واحد من الأصحاب، مع أن أبا علي منهم، قال: في بعض كلماته لا خير في الكلاب إلا كلب الصيد و الحارس، فلا بأس حينئذ بدعوى الشهرة على الجواز، بل ربما حكي عن ظاهر إجارة التذكرة الإجماع عليه، بل لعله كذلك إذ لم يحك الخلاف في ذلك، إلا عن الشيخين في المقنعة و النهاية و تجارة المبسوط و الخلاف و الغنية و القاضي و يحيى بن سعيد و بعض متأخري المتأخرين ممن لا يعتد بوفاقه و خلافه، فخصوا الجواز بكلب الصيد أو السلوقي منه، و يمكن إرادتهم منه المثال بذلك لكل ما ينتفع به منفعة محللة، بل في ديات الأول و كذلك أي يضمن من أتلف على مسلم شيئا من سباع الطير و غيرها مما قد جعل للمسلمين


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 138

الانتفاع به، كالبازي و الصقر و الكلب السلوقي و كلب الحائط و كلب الماشية و الفهد و ما أشبه ذلك، كان عليه غرم قيمته حيا يوم إتلافه، إلا الكلب خاصة فإنه قد وظف (1)في قيمة السلوقي المعلم للصيد أربعون درهما، و في قيمة كلب الحائط و الماشية عشرون درهما، و نحو منه في النهاية و ربما أشعر قوله جعل للمسلمين إلى آخره بجواز البيع الذي هو أحد أفراد الانتفاع، و المبسوط و الخلاف مع انهما صرحا بجواز البيع في كتاب الإجارة، فإن فيهما يصح اجارة كلب الزرع و الماشية كما يصح بيعهما، ليس في تجارتهما ما يقتضي الخلاف في ذلك قال: في الأول الكلاب على ضربين أحدهما لا يجوز بيعه بحال، و الآخر يجوز ذلك فيه، فما يجوز بيعه ما كان معلما للصيد و

روي (2)ان كلب الماشية و الحائط مثل ذلك

و ما عدا ذلك فلا يجوز بيعه، و لا الانتفاع به، و ما يجوز بيعه يجوز إجارته، لأن أحدا لا يفرق بينهما و يجوز اقتناء الكلب للصيد و حفظ الماشية و حفظ الزرع بلا خلاف، و كذلك يجوز اقتناؤها لحفظ البيوت إلى آخره، و لعله عامل بالرواية المزبورة خصوصا مع ملاحظة كلامه في الإجارة، و قال: في المحكي عن الثاني يجوز بيع كلاب الصيد إذا كانت معلمة، و لا يجوز بيع غير المعلم على حال و استدل بالإجماع و الأخبار، و ظاهره التفصيل في الكلاب المتعارف استعمالها في الصيد خاصة كالسلوقيات و البوجيات، بين المعلم منها و غير المعلم، فجوز بيع الأول منها دون الثاني، و ستعرف قوة إرادة ذلك من النصوص أيضا، لا أن مراده من غير المعلم ما يشمل

الكلاب الثلاثة، خصوصا مع ملاحظة كلامه في الإجارة، بل


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب ديات النفس الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.

ج 22، ص: 139

يؤيده ان ابن إدريس لم يحك الخلاف عنه فيهما، بل حكاه عن النهاية و قال: إنه رجع عنه في مسائل خلافه، و عن القاضي أنه قال: في باب الإجارة مثل ما في المبسوط و الخلاف أيضا، و أما الغنية فظاهرها إرادة المثال من كلب الصيد قال: فيها و اشترطنا أي في ضابط ما يجوز بيعه أن يكون منتفعا به، تحرزا مما لا منفعة فيه كالحشرات و غيرها و قيدنا بكونها مباحة، تحفظا من المنافع المحرمة، و يدخل في ذلك كل نجس لا يمكن تطهيره، إلا ما أخرجه الدليل من بيع الكلب المعلم للصيد، و الزيت النجس، ضرورة ظهورها في إرادة جواز بيع كل ما ينتفع به منفعة محللة، و لا ريب في حصولها في الكلاب الثلاثة، إذ لا خلاف في جواز اقتناؤها و الانتفاع بها لذلك، فانحصر الخلاف المحقق حينئذ في المصنف و ابن عمه مع أنه تردد فيه في المنافع، و قال: هنا نعم يجوز إجارتها و قد عرفت انه في المبسوط و محكي الخلاف قال: إن أحدا لم يفرق بين البيع و الإجارة، و لذا استدل في التنقيح على الجواز بأنه يجوز إجارتها باتفاق الشيخ أيضا، فيجوز البيع لعدم الفارق، بل استدل عليه في محكي حواشي الشهيد بأن من قال: بجوازه في كلب الصيد، قال: بالجواز فيها، لأن المسوغ و هو المنفعة المحللة موجودة في الجميع، و هو مؤيد لما قلناه من عدم تحقق الخلاف، أو عدم العبرة به، و في التذكرة ان سوغنا البيع في كلب الصيد، سوغناه فيها لذلك أيضا، و هو مؤيد أيضا بل قد يقال بأولويتها منه في ذلك، باعتبار عظم الانتفاع بها، بل قيل أن جملة من البلدان لا يستقيم مواشيهم و زروعهم و بساتينهم بدونها، مضافا إلى أنه مقتضى الضوابط الشرعية

ج 22، ص: 140

المستفادة من آية(1)«أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(2)«و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(3). «و تِجارَةً عَنْ تَراضٍ » و تسلط الناس على أموالها، إذ لا خلاف في أنها مملوكة و لإتلافها غرامات، و يجوز إجارتها و هبتها و وقفها و الوصية بها، و أن تكون مهرا للنكاح، و عوضا للخلع، بل يجوز أن تكون ثمنا في الإجارة و غيرها، بل إن كان المانع يقتصر في المنع، على خصوص ما تسمعه من النصوص، اتجه جواز كونها ثمنا للبيع، إذ المنهي عنه الثمن لها، لا عن أن تكون هي أثمانا لغيرها، إلى غير ذلك من أحكام الملك و التمليك، في العين و المنفعة، فإخراج خصوص البيع من بينها محتاج إلى دليل قاهر صالح، للحكم به على ذلك، و ليس الا دعوى ما دل عليه في النجاسات و المحرمات، و

نصوص (4)ان ثمن الكلب سحت»

و خصوص

صحيح بن مسلم (5)و عبد الرحمن «عن أبي عبد الله عليه السلام ثمن الكلب الذي لا يصيد سحت»

و خبر العامري (6)«سأله أيضا عن ثمن الكلب الذي لا يصيد، فقال سحت و أما الصيود فلا بأس»

و خبر أبي بصير «سأله أيضا عن ثمن كلب الصيد قال: لا بأس بثمنه و الآخر لا يحل ثمنه»

و خبره الآخر(7)«عنه أيضا في حديث أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال: ثمن الخمر و مهر البغي و ثمن الكلب الذي لا


1- 1 سورة البقرة الآية 275.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.
3- 3 سورة النساء الآية 29.
4- 4 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 141

يصطاد من السحت»

و خبر الوليد العماري (1)«سأله عن ثمن الكلب الذي لا يصيد؟ فقال: سحت و أما الصيود فلا بأس»

و الجميع كما ترى، إذ الأول منحصر في خبر تحف العقول (2)، و الإجماعات المحكية على عدم جواز الانتفاع بالنجس و نحوهما، مما لا شمول له للمقام قطعا بعد ما عرفت من أن مفروض

البحث في خصوص البيع و الصلح، دون باقي التمليكات للعين و المنفعة، فضلا عن الانتفاع، بل في خبر التحف المزبور ما يقضي بجواز بيعه، لقوله في ضابط ذلك، كل ما فيه مصلحة من مصالح العباد، أي مما لم ينه عنها، كما أن

قوله عليه السلام (3)«إذا حرم شيئا حرم ثمنه»،

دال على الجواز أيضا، ضرورة كون المراد منه ما قدمناه سابقا، من تحريم المنافع الغالبة للشي ء، لا تحريم منفعة من منافعه الذي لا ينفك عنه غالب الأشياء، و من المعلوم هنا حلية المنفعة الغالبة المرادة من الكلاب الثلاثة، و أما نصوص عد ثمنه من السحت، فمع الإغضاء عن سندها و لا جابر، و ذكر بعض ما علم إرادة الكراهة من السحت بالنسبة إليه معه، كأجرة الحجامة و نحوها لا يراد منها إلا قضية مهملة، و إن ثمن الكلب في الجملة سحت، بقرينة عدم استثناء كلب الصيد المتفق عليه منه، و أما النصوص التي ذكر فيها كلب الصيد، فمع ما عد الأول منها و لا جابر، بل الموهن متحقق كما عرفت، و عدم فتوى الشيخين بإطلاقها، لتخصيص الحكم عندهما بالسلوقي، محتملة لما سمعته من الخلاف من إرادة التفصيل، في كلاب الصيد بين الصيود منها، و عدمه بل لعله هو الظاهر من لفظ الصيود و يصطاد و يصيد فيها، بل و لفظ الآخر خصوصا مع ملاحظة


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب ما يكتسب به الحديث 7.
3- 3 الخلاف ج 1 ص 225 الطبع الحديث بطهران سنة 1370.

ج 22، ص: 142

الشهرة التي عرفتها، على انها لا دلالة فيها إلا بالعموم أو الإطلاق الذي يمكن تخصيصه و تقييده، بمرسل المبسوط المنجبر بما عرفت، و المعتضد بما سمعت مما يقتضي الجواز، بل و بما في

الصحيح (1)«لا خير في الكلاب إلا كلب صيد أو ماشية»

و محكي

الغوالي في خبر(2)طويل «فجاء الوحي باقتناء الكلاب التي ينتفع بها»

فاستثنى كلاب الصيد و الماشية و الحرث، و إذن في اتخاذها باعتبار ظهورهما في اتحاد الجميع في الأحكام، و لا أقل من ذلك كله، يحصل ضعف في إرادتها من الإطلاق المزبور، فيبقى على مقتضى ما دل على الجواز، بل لا يجترئ من أدنى له خبرة بصناعة الفقه على الفتوى بالحكم المزبور، المخالف للضوابط الشرعية أشد المخالفة، للإطلاق الذي عرفت حاله.

و من الغريب استيناس بعض الناس للحكم المزبور، بأم الولد و الحر و الوقف و نحوها مما يجوز الانتفاع بها دون بيعها، مما ثبت له ذلك بأدلة قاهرة صالحة للخروج بها عن ذلك، على أن الوقف و الحر لا يجرى عليهما أكثر أحكام الملك، من الهبة و نحوها كما أن من الغريب أيضا ما ذكره من أنه لا تلازم بين الإجارة و البيع، و لا بين الملك و التمليك و نحو ذلك مما يؤل إلى سابقه عقلا، ضرورة عدم

كون المراد الملازمة العقلية، كي يستظهر بتخلفها في بعض الأفراد، بل المراد اتفاق القائل في المقامين، و أن القاعدة جريان جميع أحكام الملك على كل عين مملوكة ينتفع بها نفعا محللا مقصودا للعقلاء.

بل لعل ذكر كلب الصيد في النصوص المزبورة، إشارة إلى ما ينتفع به منفعة محللة، و حينئذ فالمتجه إلحاق كلب الدار بها أيضا،


1- 1 الوسائل الباب 43 من أبواب أحكام الدواب الحديث 2.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 430.

ج 22، ص: 143

كما افتى به في المسالك تبعا للمحكي عن الفخر في شرح الإرشاد و أبى العباس و المحقق الثاني و المولى القطيفي و غيرهم، لكثير مما قدمناه، و ربما قيل: بإرادة ما يشمله من الحائط لا خصوص البستان، بل قد يقال: بكون المراد الكلب الذي يصيد و الكلب الحارس، من غير فرق في حراسته بين الماشية و البستان و الزرع و الدار و الخان و الدكان و غيرها و لذا قال: الإسكافي فيما حكي عنه لا خير في الكلاب إلا كلب الصيد و الكلب الحارس، و لا يشكل حينئذ ما ذكرناه بكون الخارج حينئذ من إطلاق النصوص المزبورة أضعاف الداخل، ضرورة انه بعد الإحاطة بما ذكرناه، يعرف انه لا إطلاق في النصوص على وجه يراد الخروج منه على نحو الاستثناء و شبهه، و على تقدير تسليمه فالباقي أيضا أفراد كثيرة، و هي كلب الهراش و الكلب الذي لا ينتفع به، في صيد أو حراسة نحو الكلاب المستعملة في المدن الكبيرة، كبغداد و غيرها بل منها أيضا الكلاب المزبورة إذا بطل الانتفاع بها في المنافع المخصوصة لكبر أو نحوه، بل منها أيضا الجراوي الصغار التي لم تصل إلى حد الانتفاع بها في ذلك، و إن كانت قابلة للتعليم و متولدة منها، لقاعدة عدم مملوكية النجس المقتصر في الخروج منها على المتيقن، و هو ما حصلت فيه المنفعة المزبورة فعلا، كما أومأت إليه النصوص بلفظ الصيود و يصطاد و نحوها و قاعدة تبعية النماء في الملك مرجوحة بالنسبة إليها من وجوه، منها ظاهر تخصيص الأصحاب الملكية بها في هذا الحال.

نعم هي دالة بالفحوى على جواز اقتنائها و اتخاذها و تعليمها تحصيلا لتلك المنافع المتوقفة غالبا على ذلك، و لا استبعاد في دخول الشي ء في الملك و خروجه عنه بتعاقب الأحوال، كما في الخل الذي يصير خمرا ثم يصير خلا و نحوه، نعم لا يبعد في أن للمستولى عليه حق اختصاص

ج 22، ص: 144

باعتبار استعداده للملوكية، بحصول المنافع المزبورة، فلا يجوز غصبه منه، بل لا يبعد جواز المعاوضة على الحق المزبور، و ليس هو في الحقيقة ثمن كلب بل يجري عليه سائر ما يجرى على الحقوق.

و كيف كان ف لكل واحد من هذه الكلاب الأربعة دية لو قتله غير المالك هي أربعون درهما، لكلب الصيد، و عشرون لغيره، كما دلت عليه بعض النصوص المعتبرة(1)على ما تعرفه في محله إنشاء الله، و ربما أيد المختار أيضا بها ضرورة دلالتها على كونها من الأموال ذوات القيم، بالإتلاف و نحوه، و لا ينافي ذلك عدم هذا الحكم في غيرها من الحيوانات المملوكة التي يرجع في إتلافها إلى قيمتها، و لم يجعل الشارع له دية، و من هنا جعل بعضهم ذلك امارة على عدم المعاوضة عنها، و فيه مع انه منقوض بكلب الصيد الذي قد عرفت عدم الإشكال في جواز المعاوضة عنه ان ذلك قيمة أيضا، إلا أنه وظفها الشارع لها، و هل يلحق بالقتل الجناية عليها بحيث بطلت منافعها المقصودة منها، لا يبعد ذلك لخروجها عن الملك حينئذ، فهي كالموت، كما انه لا يبعد الرجوع في تقويم الجناية عليها التي لم يبطل بها انتفاعها إلى الدية المزبورة بالنصف أو الثلث أو غيرهما، لا أنه يرجع إلى قيمتها و إن زادت على الدية أضعافا مضاعفة، مع احتماله كما لو باعها مثلا، إلا أن الأول أقوى، و لا يعتبر في صحة المعاوضة قصد المنافع المزبورة في البيع، بل يكفي حصولها فيها في صحة المعاوضة، للإطلاق الدال على انها كغيرها من الأعيان المملوكة، كما انه لا ينافي جواز بيعها خراب الحائط و حصاد الزرع و هلاك الماشية، و عدم استعمال المالك للصيد بعد فرض وجود المنافع المزبورة المقتضية لجواز نقلها إلى غيره


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 145

ممن يستعملها في ذلك كما هو واضح، و الله أعلم هذا و لا يخفى عليك بعد التأمل في جميع ما ذكرناه ما في جملة من الكتب كالرياض و شرح الأستاد و مصابيح العلامة الطباطبائي و غيرها.

[المسألة الثانية الرشاء حرام ]

المسألة الثانية الرشاء بضم الراء و كسرها جمع رشوة في الحكم من الدافع و المدفوع إليه حرام و سحت إجماعا بقسميه و نصوصا مستفيضة أو متواترة بل

في بعضها «أنه الكفر بالله العظيم»(1)

و في آخر(2)«لعن رسول الله صلى الله عليه و آله الراشي و المرتشي»

سواء حكم لباذله أو عليه بحق أو باطل إذ لا مدخلية لتأثيره في الحاكم و عدمه، لإطلاق النص و معاقد الإجماعات فما عساه يقال أو قيل بعدم الباس به إذا لم يؤثر في الحاكم واضح الفساد، كوضوح فساد احتمال حليته لو بذله المحق على الحكم بحقه فحكم له لذلك أيضا، نعم لو توقف تحصيل الحق على بذله لقضاة حكام الجور جاز للراشي، و حرم على على المرتشي كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، لقصور أدلة الحرمة عن تناول الفرض الذي تدل عليه أصول الشرع و قواعده المستفادة من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل ضرورة أن للإنسان التوصل إلى حقه بذلك و نحوه مما هو محرم عليه في الاختيار، بل ذلك كالإكراه على الرشاء الذي لا بأس به على

الراشي معه عقلا و نقلا، و لعله إلى ذلك أومأ الأستاد في شرحه قال: «لو توقف الوصول إلى الحق على البذل جاز لا على وجه الرشوة كما يجوز إلى العشار و السارق و الظالم لحفظ النفس أو المال» و إلا كان كلامه لا يخلو من تأمل، لكن قد ينافي حمله على ذلك ما تسمعه الآن


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1- 6.
2- 2 المستدرك ج 3 ص 196.

ج 22، ص: 146

مما نحكيه عنه.

و كيف كان فالرشوة في مختصر النهاية الوصلة إلى الحاجة بالمصانعة، و الراشي من يعطي الذي يعينه على الباطل، و المرتشي الآخذ، و الرائش الذي يسعى بينهما يستزيد لهذا، و يستنقص لهذا، و عن مجمع البحرين قلما تستعمل الرشوة إلا فيما يتوصل به إلى إبطال حق أو تمشية باطل، و عن المصباح المنير ما يعطيه الشخص للحاكم و غيره ليحكم أو يحمله على ما يريد، و عن القاموس ان الرشا الجعل، و في مجمل ابن فارس ترشيت الرجل إذا لاينته، قلت: لكن في مفتاح الكرامة أنها أي الرشوة عند الأصحاب ما يعطي للحكم حقا و باطلا، و في شرح الأستاد انها ليست مطلق الجعل كما في القاموس بل بينه و بين الأجر و الجعل عموم من وجه و لا البذل على خصوص الباطل كما في النهاية و المجمع، و لا مطلق البذل و لو على خصوص الحق، بل هو البذل على الباطل أو على الحكم له حقا أو باطلا مع التسمية و بدونها، و قال: أيضا في مسألة الأجرة على القضاء و الجعل عليه و يعصى الدافع في دفعه إلى القاضي في أحد الوجهين، إلا إذا توقف تحصيل الحق عليه فيجوز، بخلاف الرشوة فإنها لا تجوز بحال، و في كلامه الأخير ما لا يخفى ضرورة انه ان أراد إخراجها عن الموضوع في صورة التوقف كان مخالفا للعرف في ذلك و إن أراد انها لا تجوز بهذا العنوان حتى لو توقف الحق عليها كان مخالفا لما قدمناه سابقا، بل لم أعرف له موافقا عليه بعد تنزيل الإطلاق في النص و الفتوى على الاختيار، و على كل حال فالذي ينبغي في المقام تحريره أمران.

أحدهما أن الرشوة خاصة في الأموال، و في بذلها على جهة الرشوة أو أنها تعمها و تعم الاعمال بل و الأقوال، كمدح القاضي و الثناء عليه

ج 22، ص: 147

و المبادرة إلى حوائجه و إظهار تبجيله و تعظيمه و نحو ذلك و تعم البذل و عقد المحاباة و العارية و الوقف و نحو ذلك و بالجملة كل ما قصد به التوصل إلى حكم الحاكم، قد يقوى في النظر الثاني و إن شك في بعض الأفراد في الدخول في الاسم أو جزم بعدمه فلا يبعد الدخول في الحكم الثاني ان المحرم الرشا في خصوص الحكم أو يعمه و غيره، و على الأول فهو خصوص الحكم الشرعي أو يعمه و العرفي من حكام العرف، بل و غيرهم من الآمرين بالمعروف، و هل هو خاص بالحكم في الخصومة الخاصة أو يعمه و ما يبذل توطئة لاحتمال وقوعها و نحوه، لم أجد تحرير الشي ء من ذلك في كلام أحد من الأصحاب، نعم قد سمعت كلام الأستاد و المصباح و غيرهما في الرشوة، و قال: هو أيضا في شرحه بعد الكلام السابق، و إرسال الهدايا إلى القضاة و الحكام، توطئة لاحتمال وقوع الترافع بين المهدي و غيره إن لم يدخل تحت الاسم، داخل تحت الحكم و الدفع لأداء الشهادة على باطل أو على الحالين من هذا القبيل، و كذا الدفع لبذل النصرة و الإعانة ظالما و مظلوما، و في غير واحد من كتب الأصحاب أنه قيل يحرم على الحاكم قبول الهدية إذا كان للمهدي خصومة في المال، لانه يدعو إلى الميل و انكسار قلب الخصم، و كذا قيل إذا كان ممن لم يعهد عنه الهدية له قبل تولي القضاء، لان سببها العمل ظاهرا، و

في الخبر(1)«هدايا العمال غلول»

و في آخر(2)«سحت»

لكن في الرياض و غيره بعد نقله أنه أحوط و إن كان في تعيينه و لا سيما الأول نظر، للأصول و قصور سند الخبرين و ضعف الوجوه الاعتبارية مع عدم تسمية مثله رشوة، و أما النصوص فهي و إن كان كثير منها في


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10 و 11 و فيه هدية الأمراء.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب آداب القاضي الحديث 6.

ج 22، ص: 148

الرشاء(1)في الحكم، لكن فيها ما هو مطلق لا يحكم عليه الأول، لعدم التنافي بينهما،

اللهم إلا أن تفهم القيدية فيتنافى حينئذ مفهومه مع المطلق، لكنه كما ترى.

نعم في

الصحيح (2)«عن الرجل يرشو الرجل على ان يتحول من منزله فيسكنه قال: لا بأس»

و قد يستفاد منه جواز الرشوة في غير الحكم على ما هو حلال في نفسه، و يجوز دفع الجعل عنه، إذا الظاهر كون المراد كما في الوسائل أن المنزل من الأوقاف و نحوها مما يختص بها السابق، و رشى الساكن فيها على أن يخرج منها ليسكنه هو، مؤيدا ذلك بجريان السيرة في الرشوة في غير الحكم من المطالب و المقاصد، لكن قد يقال ان مثله لا يعد رشوة في العرف، و أن المراد منه العطاء فلا يستفاد منه ذلك، و المسلم من السيرة على تحصيل الحق المتوقف عليها و على دفع الظلم من الظلمة و اتباعهم، و نحو ذلك، لا مطلق الرشوة بعد فرض صدق العرف عليها، اللهم إلا أن يدعى انه مختص في العرف بما يستعمله قضاة الجور و الظلمة و اتباعهم و من يحذو حذوهم دون ما يبذل لبعض الأغراض الصحيحة من المحبة و الصداقة و غيرهما من الأمور الدنيوية و الأخروية و نحو ذلك مما أمر لأجله بالتهادي (3)بخلاف الرشوة التي كانت الأنفس السليمة مجبولة على التنزه عنها، لأنها غير الهدية و الإجارة و الجعالة، بل هو قسم آخر مستقل ينقح العرف افراده، و ما كان منها محل شك فالأصل يقتضي حليته كما أنه يقتضي

حلية ما فرض من أفرادها أو يفرض كونه محل شك في اندراجه في دليل الحرمة


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 الوسائل الباب 85 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 88 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 149

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في بقاء الرشوة على ملك المالك، كما هو مقتضى قوله أنها سحت، و غيره من النصوص الدالة على ذلك و أن حكمها حكم غيرها مما كان من هذا القبيل، نعم قد يشكل الرجوع بها مع تلفها و علم الدافع بالحرمة باعتبار تسليطه، و التحقيق فيه ما مر في نظائره، ثم إن المتجه بناء على أن من أفرادها عقود المحاباة مثلا بطلان العقد الذي قد وقع على جهة الرشوة، لما عرفت من النصوص الدالة على بقاء المال على ملك الراشي بأي طريق كان، بعد فرض اندراجه في الرشوة فتأمل جيدا و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره ليصرفه في قبيل و كان المدفوع إليه بصفتهم فان عين له عمل بمقتضى تعيينه ]

المسألة الثالثة إذا دفع الإنسان مالا إلى غيره على جهة الوصاية و الوكالة عنه لأن له سلطانا عليه بملك أو ولاية أو وكالة سواء كان حقا واجبا أو لا ليصرفه في قبيل مثلا و

كان المدفوع إليه بصفتهم فان عين له و لو بالقرائن المعتبرة عمل عليه بمقتضى تعيينه بلا خلاف و لا إشكال بل الإجماع بقسميه عليه، فان خالف أثم، و ضمن إذا تلف المال في يد قابضه، و لو رجع المالك على القابض الجاهل بالحال بعد التلف، رجع هو على الدافع الذي غره و إن أطلق و لم تكن قرينة تدل على دخوله أو خروجه جاز له ان يأخذ مثل أحدهم من غير زيادة وفاقا للأكثر كما في الدروس بل المشهور كما في الحدائق للاندراج في اللفظ و ظهور كون المراد المتصف بالوصف المزبور و

للموثق (1)عن سعيد بن يسار «قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يعطي الزكاة يقسمها في أصحابه أ يأخذ منها شيئا؟

قال: نعم»

و الحسن عن الكاظم عليه السلام (2)«في رجل أعطى


1- 1 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 40 من أبواب مستحقين للزكاة الحديث 2.

ج 22، ص: 150

مالا يفرقه فيمن يحل له أ يأخذ منه شيئا لنفسه و إن لم يسم له؟ قال:

يأخذ منه لنفسه مثل ما يعطي غيره»

و صحيح (1)عبد الرحمن بن الحجاج «سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسمها و يضعها في مواضعها و هو

ممن تحل له الصدقة قال: لا بأس ان يأخذ لنفسه كما يعطي غيره، و لا يجوز أن يأخذ إذا أمره أن يضعها في مواضع مسماة إلا بإذنه»

بل قد يؤيده في الجملة

صحيح (2)عبد الرحمن أيضا «عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في المساكين و له عيال محتاجون أ يعطيهم من غير أن يستأمر صاحبه؟ قال: نعم»

ضرورة ظهوره في كون المدار على تحقق عنوان ما وكل فيه، من غير فرق بين من يرجع إليه في الحقيقة كعياله و غيره و خلافا لوكالة المبسوط و زكاة السرائر و مكاسب النافع و القواعد و وصاياها و كشف الرموز و المختلف و التذكرة و جامع المقاصد و إيضاح النافع على ما حكى عن بعضها للأصل

و صحيح (3)عبد الرحمن المسند إلى الصادق عليه السلام في التحرير المضمر في غيره «سألته عن رجل أعطاه رجل مالا ليقسمه في محاويج أو مساكين و هو محتاج أ يأخذ منه لنفسه و لا يعلمه؟ قال: لا يأخذ منه شيئا حتى يأذن له صاحبه»

و ظهور الأمر بالإعطاء و الدفع و نحوهما في الإخراج للغير و كون المقام كالتوكيل في البيع و التزويج و نحوهما مما لا يشمل الوكيل نفسه، و الاندراج في لفظ العنوان، لا ينافي الخروج بما يظهر من الأمر و التوكيل، و لا أقل من أن يكون المأمور مسكوتا


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب مستحقين للزكاة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 151

عنه غير متعرض لدخوله و لا خروجه، فلا إذن حينئذ من المالك، و النصوص السابقة مقيدة بما في الأخير من اعتبار الاذن صريحا.

و دعوى كون المراد من النصوص السابقة، ثبوت الإذن الشرعية دون المالكية واضحة الفساد، بل لعل الخصم لا يرتضيه، و أولى منها حينئذ دعوى حملها على اختلاف العرف مع عرف هذا الزمان، و إن كان يدفعها أيضا ظهور خلافه، و الصحيح الأخير الذي قد عرفت التصريح فيه بعدم الجواز، على أن ما عد الصحيح منها من نصوص الجواز مطلق، يمكن تقييده بما في صحيح المنع من الاذن، و الصحيح في صحته كلام باعتبار ما فيه من محمد بن عيسى عن يونس، و فيه بحث مشهور، هذا أقصى ما يقال للمنع، لكن الجميع كما ترى ضرورة عدم صلاحية الأصل للمعارضة، و عدم مقاومة الصحيح المزبور للنصوص السابقة، سيما بعد إضماره في غير التحرير، و كون الراوي له قد روى الجواز أيضا، و العنوان فيه جمعا منكرا، و احتماله التقييد بما في النصوص المزبورة من عدم أخذ الزائد على أحدهم، و إرادة محاويج مخصوصين، و لا ينافيه سؤاله عن نفسه مع ذلك و قوله انه محتاج إذ لعله لما فهمه من الأمران العلة في إعطاء المخصوصين، حاجتهم التي هي موجودة فيه، و مثل ذلك مما يسأل عنه، و يمكن خفاؤه على مثل عبد الرحمن و إن كان جليل القدر، بل لعل ذلك متعين بقرينة روايته جواز التناول مع عدم التعيين، و عدمه معه كما عرفت، فلا بأس حينئذ بحمله على الكراهة و التورع عن الأخذ بالإذن غير الصريحة.

و دعوى التقييد بما فيه من الاذن يدفعها، ظهور الجميع في كون مفروض السؤال عدم الإذن الصريحة، بل كاد يكون ذلك صريح الأخير منها، و الإعطاء و الدفع مع عدم تخصيص النزاع بهما لو سلم ظهورهما في

ج 22، ص: 152

التغاير، فهو ظهور انسياق لبعض الأفراد، و أقصاه التفاوت في الظهور و إلا فالدفع إلى نفسه إعطاء و دفع أيضا، بعد أن صار هو باعتبار وكالته عن الغير بمنزلة شخصين، و ربما يؤيده في الجملة ما ذكره الأصوليون، من دخوله عليه السلام فيما أمر به من قول يا أيها الناس و نحوه، فيكون حينئذ آمرا مأمورا من جهتين، على أنه لو سلم فهو قرينة على الخروج، و هو غير محل البحث كما أن الدخول في مفروض السؤال في موثق سعيد بن يسار(1)للقرينة أيضا ضرورة عدم دخول المأمور في الأصحاب، و فرض البحث شمول عنوان الوكالة للوكيل، لكن كان المراد من الأصحاب و لو بالقرينة ما في الخبرين الأخيرين من الوضع مواضعها، و إيصالها لمن تحل له، و عدم دخول وكيل البيع و التزويج لو سلم، فإنما هو للنص (2)، و المناقشة في الصحة بمحمد بن عيسى عن يونس مع عدم انحصار

الدليل فيه، و انجباره بالشهرة و اعتضاده بغيره واضحة المنع، كما حرر في محله مع انهما ثقتان معتبران، و قد ظهر من ذلك ان محل البحث دخول الوكيل في عنوان ما وكل فيه، إذا فرض صلاحيته لتناوله في نفسه، أو أن الوكالة له تقتضي خروجه عنه باعتبار ظهورها في دفع المال عنه للغير كالموكل.

التحقيق الأول كما دل عليه النصوص السابقة بل الظاهر ذلك حتى لو زعم الموكل عدم اتصاف الوكيل بعنوان الوكالة، لاندراجه في الاذن بالعنوان، نعم لو نص على خروجه بالخصوص خرج، و إن كان نصه باعتبار زعمه الفاسد فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع و بذلك كله يظهر حينئذ دلالة الموثق الأول على المطلوب أيضا، إذ هو و إن كان


1- 1 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أحكام الوكالة الحديث 1.

ج 22، ص: 153

فيه لفظ الأصحاب الذي لا يندرج فيه الوكيل، لكن بعد قيام القرينة على إرادة ما في الخبرين الأخيرين منه صار مثلهما في الدلالة على المطلوب كما انه يظهر لك ما في مصابيح العلامة الطباطبائي في تحريره محل النزاع و اختياره بل و ما في شرح الأستاد و غيره، بل و ما في القولين المحكيين في أصل المسألة المفصلين بين قول الدافع، هو للفقراء، أو أعطه لهم، مع عدم علم المالك بفقره، فالأول بشرط أن لا يزيد على أحدهم، و بين قوله ذلك مع علمه بفقره، فالثاني لأنه لو أراده لخصمه بشي ء، و بين قوله اصرفه و ما في معناه فالثاني، و قوله هو للفقراء و ما في معناه، فالأول إذ هما كما ترى بعد الإحاطة و التأمل بما ذكرناه، من القول بالجواز إذا لم تقم قرينة على الخروج.

نعم قد دل الخبران على اعتبار المساواة لأحدهم في التناول، و أفتى به المصنف و غيره بل في المسالك، و عن غيرها نسبته إلى المجوزين، و مقتضى ذلك اعتبار المساواة في الأفراد، و لا يخفى ما فيه من الاشكال فيما يكون عنوان الوكالة غير محصور، ضرورة ظهور كون المراد حينئذ المصرفية التي لا تمنع من التفاضل، نحو ما سمعته في مصارف الزكاة و الخمس (1)و غيرهما، و الذي يقوى كون المراد من الخبرين أنه لا يلحظ نفسه إلا بما يلاحظ به غيره من صدق العنوان و المزايا الخاصة التي تقتضي التفاضل، و لا يجعل لنفسه من حيث نفسه خصوصية، ضرورة كونه تابعا للموكل الذي من المعلوم عدم ملاحظة ذلك له، و هذا معنى لا ينافي التفاضل بين الأفراد من غير فرق بينه و بين غيره، بل لو جاز له التخصيص بأحدهم باعتبار فهمه من الموكل إرادة المصرفية،


1- 1 الوسائل الباب 41 من أبواب مستحقين للزكاة و باب 2 من أبواب قسمة الخمس.

ج 22، ص: 154

و أن المقصود له إبراء ذمته بوصول الحق إلى محله، اتحد أو تعدد كان له الاختصاص به كما أن له أن يخص به أحدهم، و كما أنه إذا فهم من الموكل إرادة التوزيع و التقسيم الذي لا ينافي التفاضل جاز له الأخذ على حسب أخذ غيره، و بالجملة هو بعد إن كان المستند في

دخوله شمول العنوان الذي لا فرق بينه و بين غيره من الافراد في الصدق، ينبغي أن يكون كغيره في التناول، و لا يجعل لنفسه خصوصية، سيما بعد أن كان أمينا على المال و مستوليا عليه، فتفضيله نفسه بلا خصوصية له كالخيانة بل لو شك في حصول الاذن له في الزيادة على غيره امتنع، و اقتصر على تناول ما يحصل له الاذن، و المتيقن منه المساواة لأحد الأفراد، كما أن المتجه له مع ملاحظة القرائن الحالية التي لا ترجع إلى الظن بالمراد من اللفظ اعتبار استفادة العلم منها، و لا يكفي إفادته الظن و لو كان بالمراد عند اللفظ لا منه، لأصالة عدم التصرف بمال الغير.

نعم لو كان ظنا تسكن به النفس، و تطمئن على وجه يكون الاحتمال عندها وهميا، يقوى لحوقه بالعلم في الحكم، كما حررناه في محله، و لعل من ذلك التناول بشاهد الحال لما ينثر أو يبذل في الأعراس و نحوها، و احتمال الاكتفاء بشاهد الحال و إن كان الظن بخلافه، نحو ما قيل في ظواهر الألفاظ التي قد يحصل الظن بخلافه، من غير أمارة شرعية، و على غير قياس المخاطبات ذوات القرائن المتصلة أو المنفصلة حالية أو مقالية لا دليل عليه، و دعوى السيرة عليه بهذا الفرض في محل المنع، نعم هي قائمة عليه في الحال الأول كقيامها على اجراء حكم الأملاك على المتناول له بالإتلاف و الهبة و المعاوضة عليه و نحوها، و إن كان هو في يده باقيا على ملك المالك، بحيث لو أراد الرجوع به قبل إتلافه أو نقله إلى الغير رجع به، إذا لم يكن شاهد الحال قاضيا

ج 22، ص: 155

بالاعراض عنه على وجه متناول لتملكه، و إلا كان له ذلك فيملكه حينئذ بالقبض الذي ينوي به ذلك بناء على اعتبارها في الملك به، كالحيازة للمباحات و قد يلحق بذلك المأخوذ بالفحوى القطعية، للسيرة أيضا فله حينئذ التصرف بها على وجه النقل، و لا يقتصر فيها على غير الناقل كما ظنه بعض المعاصرين، ضرورة كونها حينئذ كالمأخوذ بشاهد الحال، و لعل المرجع فيهما إلى الاذن الشرعية، دون المالكية فلا يقدح حينئذ عدم حصول الرضا الفعلي من المالك، هذا كله في قرائن غير الألفاظ، اما ما رجع منها إلى حصول المراد باللفظ على طريقة المخاطبات أجزأت و إن أفادت الظن و الله هو العالم.

[المسألة الرابعة الولاية من قبل السلطان العادل جائزة]

المسألة الرابعة الولاية للقضاء أو النظام و السياسة أو على جباية الخراج أو على القاصرين من الأطفال أو غير ذلك أو على الجميع من قبل السلطان العادل أو نائبه جائزة قطعا بل راجحة لما فيها من المعاونة على البر و التقوى، و الخدمة للإمام و غير ذلك خصوصا في بعض الأفراد و ربما وجبت عينا كما إذا عينه إمام الأصل الذي قرن الله طاعته بطاعته (1)أو لم يمكن دفع المنكر أو الأمر بالمعروف إلا بها مع فرض الانحصار في شخص

مخصوص فإنه يجب عليه حينئذ قبولها بل تطلبها و السعي في مقدمات تحصيلها حتى لو توقفت على إظهار ما فيه من الصفات أظهرها، كل ذلك لإطلاق ما دل على الأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر(2)فتجب مقدماته كما أنه يجب السعي فيها إلى أن يحصل العجز من غير فرق بين ما كان من فعل الغير و عدمه، و دعوى ان الولاية من مقدمات القدرة التي هي شرط الوجوب، فلا يجب تحصيلها و لا قبولها لعدم


1- 1 سورة النساء الآية 58.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

ج 22، ص: 156

إطلاق التكليف بالنسبة إليها، يدفعها ان إطلاق الأمر بالمعروف يقتضي وجوب سائر المقدمات، و لا يسقط إلا بالعجز فيندرج فيها الولاية و غيرها بعد فرض القدرة عليها، و بذلك يفرق بين المقام و الحج المشروط وجوبه بالاستطاعة التي لا يدخل فيها غير المالك، و إن تمكن من تكسب ما يستطيع به، و لذا قلنا هناك بعدم الوجوب عليه ضرورة عدم صدق الاستطاعة عليه بذلك، بخلاف المقام الذي لم يعلق وجوبه على لفظ يرجع فيه إلى العرف، بل أطلق الوجوب و مقتضاه عقلا الامتثال حتى يتحقق العجز، و لا ريب في انتفائه هنا بعد فرض وجود القدرة على الولاية مثلا على وجه، لا تنافيه شي ء من الأدلة الشرعية التي تقتضي سقوط التكليف بتحصيلها، من العسر و الحرج (1)و الضرر(2)و نحوها كما هو واضح بأدنى تأمل،

هذا كله في الولاية من العادل، و قد يلحق به نائبه العام في هذا الزمان إذا فرض بسط يده في بعض الأقاليم، بل في شرح الأستاد انه لو نصب الفقيه المنصوب من الامام بالإذن العام سلطانا أو حاكما لأهل الإسلام، لم يكن من حكام الجور، كما كان ذلك في بني إسرائيل فان حاكم الشرع و العرف كليهما منصوبان من الشرع و إن كان فيه ما فيه.

و أما من الجائر فلا ريب في أنها تحرم مع الاختيار إذا كانت على محرم، كالولاية على ما ابتدعه الظالمون من القمرك و نحوه، بلا خلاف بل هو من الضروريات المستغنية عن ذكر ما يدل عليها من الكتاب و السنة و الإجماعات، و كذا تحرم أيضا من قبله أي الجائر على ما يشتمل على محلل و محرم، كالحكومة على بعض البلدان المشتملة على خراج و سياسة و نظام و محرمات من قمرك و غيره، إذا لم يؤمن اعتماد ما يحرم أي لم يتخلص من مآثمها


1- 1 سورة المائدة الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب إحياء الموات الحديث 3.

ج 22، ص: 157

و تبعاتها من حقوق الناس و غيرها، ضرورة كونها حينئذ كسابقتها في الاقدام على المحرمات و فعلها بالاختيار، نعم في حرمة ما كان منها محللا كجباية الخراج و النظام بغير المحرم و نحوهما و عدمها وجهان، ينشئان من أنها بمنزلة الولايتين المستقلتين إحداهما على عمل محلل، و الأخرى على محرم، فكل منهما له حكمه، إذ الحرام لا يحرم الحلال و قال عز من قائل (1)«خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» و من أنها في الفرض ولاية واحدة، فمع فرض امتزاج عملها بالحلال و الحرام تكون محرمة، و لو لما تعرفه إنشاء الله من أن حلية الولاية على المحلل المحض للاذن من أئمة العدل، و إلا فهي محرمة أيضا كما أشار إليه

أبو جعفر عليه السلام في خبر أبي حمزة(2)بقوله «من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال و ما حرمنا من ذلك فهو له حرام»

بل يدل عليه غير واحد من النصوص، المعتضدة بما هو معلوم من العقل و النقل، من كون المنصب منصبهم، و الولاية و لا يتهم و الأمر راجع إليهم في جميع هذه الولايات، فليس لأحد الدخول في شي ء منها بدون إذنهم، و لا ريب في عدمها في الفرض، خصوصا بعد تظافر النصوص أو تواترها، في النهي عن الدخول في أعمالهم حتى أن

في بعضها(3)«من سود اسمه في ديوان ولد سابع حشره الله خنزيرا»

و في خبر زياد بن أبي سلمة(4)منها «قال: دخلت على أبى الحسن موسى عليه السلام فقال لي يا زياد انك لتعمل عمل السلطان قال: قلت:


1- 1 سورة التوبة الآية 102.
2- 2 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15.
3- 3 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
4- 4 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.

ج 22، ص: 158

أجل قال: لي و لم قلت: انا رجل لي مروة و علي عيال و ليس وراء ظهري شي ء، فقال: لي يا زياد لئن أسقط من خالق(1) ، فانقطع قطعة قطعة، أحب إلى من أن أتولى لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم، إلا لماذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك قال: إلا لتفريج كربة عن مؤمن، أو فك أمره أو قضاء دينه، يا زياد إن أهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار، إلى أن يفرغ الله من حساب الخلائق»

و قال: داود بن زربي في الصحيح أو الحسن (2)أخبرني مولى لعلي ابن الحسين عليه السلام «قال: كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة فأتيته، فقلت: له جعلت فداك، لولا كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء، فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل، فانصرفت إلى منزلي فتفكرت فقلت: ما أحسبه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور، و الله لآتينه، و لأعطينه الطلاق و العتاق و الايمان المغلظة، ألا أظلم أحدا و لا أجور و لأعدلن، فأتيته فقلت: جعلت فداك إني فكرت في إبائك علي، فظننت أنك إنما كرهت ذلك مخافة أن أجور أو أظلم، و ان كل امرأة لي طالق و كل مملوك لي حر و على و على إن ظلمت أحدا أو جرت عليه و إن لم أعدل، قال: كيف؟

قلت: فأعدت عليه الأيمان فرفع رأسه إلى السماء فقال: تناول السماء أيسر عليك من ذلك»

و المراد أيسر عليك من إجابتي لك إلى ذلك، أو لا يمكنك الوفاء بتلك الايمان، و الدخول في أعمال هؤلاء بغير ظلم كالمحال، فتناول السماء أيسر عليك مما عزمت عليه، كما أشاروا عليهم السلام


1- 1 الخالق اسم جبل، منه.
2- 2 الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.

ج 22، ص: 159

عليه السلام إلى ذلك في غير هذا الخبر

قال: أبو بصير في الحسن كالصحيح (1)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمالهم فقال: يا أبا محمد لا و لا مدة بقلم ان أحدا لا يصيب من دنياهم شيئا، إلا أصابوا من دينه مثله أو قال: حتى يصيبوا من دينه مثله»

إلى غير ذلك من النصوص الناهية عن الدخول في أعمالهم، التي أظهر أفرادها محل البحث بل مال العلامة الطباطبائي في مصابيحه إلى كون الولاية في نفسها من المحرمات الذاتية مطلقا، و أنها تتضاعف إثما باشتمالها على المحرمات لتضمنها التشريع فيما يتعلق بالمناصب الشرعية، و لما في

خبر تحف العقول (2)عن الصادق عليه السلام «و أما وجه الحرام من الولاية فولاية الوالي الجائر، و ولاية ولاية الرئيس منهم، و أتباعهم و أتباع الوالي ممن دونه من ولاة الوالي إلى أدناهم، باب من أبواب الولاية

على من هو وال عليه، و العمل لهم و الكسب معهم بجهة الولاية منهم حرام، و محرم معذب من فعل ذلك على قليل من فعله أو كثير لأن كل شي ء من جهة المعونة معصية كبيرة من الكبائر، و ذلك أن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله، و إحياء الباطل كله، و إظهار الظلم و الجور و الفساد و إبطال الكتب و قتل الأنبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم و الكسب معهم إلا بجهة الضرورة نظير الضرورة إلى الدم و الميتة»

و لإطلاق النصوص المزبورة الذي لم يفرق فيه بين كونها على محلل أو محرم أو ممتزج، المعتضد بما دل على النهي عن إعانتهم و لو على المباح (3)بل و لو على بناء مسجد، و طاعتهم و الخضوع لهم و إعلاء شأنهم و الركون إليهم و تقوية سلطانهم، و عليه


1- 1 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 160

حينئذ لا يتصور اشتراط حليتها بالتمكن من التخلص من المحرم، كما وقع من المصنف و غيره، بل و لا بالتمكن من المعروف، ضرورة عدم الوجه لذلك بعد فرض الحرمة الذاتية كما اعترف هو به.

نعم احتمل ترجيح مصلحة الأمر بالمعروف على المفسدة المقتضية لحرمتها فتحل حينئذ مع توقفه عليها إلا أنه لم أجد له موافقا عليه، عدا تلميذه في شرحه في الجملة بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عما سمعته في

المعونة بل ادعاه غير واحد كما عن المنتهى نفي الخلاف عنه بل في المحكي عن فقه القرآن للراوندي أن تقليد الأمر من قبل الجائر جائز إذا تمكن من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع المتردد، و السنة الصحيحة(1)و قوله تعالى (2)«اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ» مضافا إلى ظهور جملة وافرة من

النصوص في الجواز(3)«كالحسن ما يمنع ابن أبي سماك ان يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطيه الناس»

و غيره بل هي لا تقصر في العدد عن نصوص المنع (4)خصوصا بعد ضم النصوص المشتملة(5)على الاعتذار عن الرضا عليه السلام عن قبول العهد بما وقع من يوسف عليه السلام إليها، باعتبار ظهورها في كون ذلك من يوسف باختياره، بل في جملة أخرى الحث و الترغيب في ذلك، كالخبر


1- 1 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 سورة يوسف الآية 55.
3- 3 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
4- 4 الوسائل الباب 42 و 45 من أبواب ما يكتسب به.
5- 5 الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4 10.

ج 22، ص: 161

المروي عن الكشي في ترجمة محمد بن إسماعيل بن بزيع (1)عن مولانا الرضا عليه السلام «أن الله تعالى بأبواب الظلمة، من نور الله به البرهان، و مكن له في البلاد، ليدفع عن أوليائه، و يصلح الله تعالى به أمور المسلمين، لأنهم صلحاء المؤمنين، إلى أن قال أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا، أولئك أمناء الله في أرضه،

أولئك نور الله في رعيتهم، يوم القيامة يزهر نورهم لأهل السموات كما تزهر الكواكب الزهرية لأهل الأرض، أولئك من نورهم نور يوم القيامة، تضي ء منهم القيامة خلقوا و الله للجنة و خلقت الجنة لهم، فهنيئا لهم ما على أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله قال: قلت: بما ذا جعلني الله فداك قال: تكون معهم، فتسرنا بإدخال السرور على المؤمن من شيعتنا، فكن منهم يا محمد»

و من هنا جمع بعض متأخري المتأخرين بينها بحمل نصوص المنع على الدخول في أعمالهم، حبا للرئاسة و جمع المال و نحوهما، و حمل غيرها على مزج ذلك بفعل بعض الطاعات و قضاء حوائج المؤمنين و نحو ذلك، مما فيه خلط بين العمل الصالح و السي ء، و هذا الذي ورد فيه أن هذا بهذا(2)و نحوه، و حمل نصوص الترغيب على الدخول فيه بمجرد ما ذكر من الطاعات، و فعل الخير من تفريج الكربة عن بعض المؤمنين، و إعانة ملهوفهم، و قضاء حوائجهم و نحو ذلك، و في الرياض و هو جمع حسن و إن أبى عنه بعض ما مر من الروايات.

قلت: مع أنه لا شاهد عليه أيضا، و الأحسن منه الجمع بحمل النصوص المنع على الولاية على المحرمات، أو الممزوجة بالحرام و الحلال


1- 1 جامع الرواة ج 2 ص 69.
2- 2 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 162

و نصوص الجواز على الولاية على المباح، كجباية الخراج (1)و نحوه مما جوز الشارع

معاملة الجائر فيه معاملة العادل، بل ستسمع إنشاء الله فيما يأتي أن المشهور بين الأصحاب وجوب معاملته بالنسبة إلى ذلك، فالولاية منه حينئذ على ذلك نحوه كالتناول من يده و التقبل منه و نحو ذلك، و لا تشريع فيه بعد فرض اعتقاد الداخل كالمتناول، أثم الجائر في ذلك و أنه غاصب ظالم، و أن الدخول و التناول و نحوهما إنما كان بالاذن من الامام العادل في زمن الغيبة، و قصور اليد رأفة على المؤمنين و رفعا للضيق و الحرج في هذا الزمان، و نحوه من أزمنة التقية.

و أما نصوص الترغيب فعلى الدخول للأمر بالمعروف، و النهي عن المنكر،(2)و حفظ أنفس المؤمنين، و أموالهم و أعراضهم، و إدخال السرور عليهم، نعم لا يخلو الثاني منها عن الكراهة باعتبار كونه كالإعانة لهم و الدخول في زمرتهم، بل هو شبه تولي المؤمن الكافر، و لما في القرب إليهم من المخاطرة على الدنيا و الآخرة كما أومى إليه

خبر ابن مهاجر(3)«قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: فلان يقرئك السلام و فلان و فلان قال: و عليهم السلام قلت: يسألونك الدعاء قال:

و ما لهم؟ قلت: حبسهم أبو جعفر فقال: و ما لهم و ما له؟ فقلت: استعملهم فحبسهم، فقال: ما لهم و ما له؟ أ لم أنههم أ لم أنههم أ لم أنههم؟ هم النار هم النار هم النار ثم قال: اللهم اخدع عنهم سلطانهم، قال:

فانصرفنا من مكة فسألنا عنهم؟ فإذا قد اخرجوا بعد الكلام بثلاثة


1- 1 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب أمر بالمعروف و النهي عن المنكر.
3- 3 الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 163

أيام»

بل في

المروي عن مستطرفات السرائر(1)من كتاب مسائل الرجال «عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام ان محمد ابن علي بن عيسى كتب إليه يسأله عن العمل لبني العباس و أخذ ما يتمكن من أموالهم هل فيه رخصة؟ فقال: ما كان المدخل فيه بالجبر و القهر، فالله قابل العذر، و ما خلا ذلك فمكروه و لا محالة قليله خير من كثيره إلى أن قال: فكتبت إليه في جواب ذلك أعلمه أن مذهبي في الدخول في أمرهم وجود السبيل إلى إدخال المكروه على عدوه، و انبساط اليد في التشفي منهم بشي ء أتقرب به إليهم فأجاب من فعل ذلك فليس مدخله في العمل حراما بل أجرا و ثوابا».

و هذا أحسن ما يقال في الجمع بين النصوص في المقام، خصوصا بعد انصراف نصوص المنع إلى ما هو الغالب، من عدم تخلص الداخل في ولاية شي ء من أعمالهم عن المحرم كما عرفت إيماء النصوص إليه و لو بإكراههم له على ذلك، إذ قد يقال أنه لا يجديه هذا الإكراه في رفع الإثم عنه بعد أن كان دخوله في الولاية التي اقتضت ذلك باختياره الذي به يندرج في باب

ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، و القدرة على على سبب قدرة على المسبب، و لعل ذلك أولى من الجمع بما أومى إليه المصنف من حمل نصوص المنع على عدم الأمن من اعتماد المحرم، و الجواز على الأمن، و الاستحباب على الأمر بالمعروف مع ذلك، إذ لم نجد في شي ء من النصوص التصريح باعتبار الأمن في الجواز و القواعد لا تقتضيه، ضرورة عدم حرمة الشي ء باحتمال الوقوع في المحرم، اللهم إلا أن يريد بالأمن ما قلناه من الولايات على المباحات و نحوها، مما لم يعتمد فيها فعلا محرما، و لا يكره عليه و الأمر سهل بعد وضوح


1- 1 الوسائل الباب 45 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.

ج 22، ص: 164

المقصود، و الله أعلم.

و كيف كان فقد ظهر لك الوجه في قول المصنف و غيره و لو آمن ذلك أي اعتماد ما يحرم و قدر على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر استحب ت الولاية من الجائر، لكن في المسالك أن مقتضى ذلك وجوبها حينئذ للمقدمة، ثم قال: و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب و عموم النهي عن الدخول معهم، و تسويد الاسم في ديوانهم (1)فإذا لم يبلغ حد المنع، فلا أقل من الحكم بعدم الوجوب و لا يخفى ما في هذا التوجيه، قلت: لم يحك عن أحد التعبير بالوجوب إلا عن الحلي في سرائره، و وجهه ما سمعته آنفا، و في الولاية من العادل، اللهم إلا أن يقال و لو بمعونة كلام الأصحاب، بناء على حرمة الولاية في نفسها، أنه تعارض ما دل على الأمر بالمعروف،

و ما دل على حرمة الولاية من الجائر و لو من وجه، فيجمع بينهما بالتخيير المقتضى للجواز، رفعا لقيد المنع من الفعل مما دل على الحرمة، و أما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن إسماعيل (2)و غيره الذي هو أيضا شاهد الجمع، خصوصا بعد الاعتضاد بفتوى المشهور، و بذلك يرتفع حينئذ إشكال عدم معقولية الجواز بالمعنى الأخص في مقدمة الواجب، ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة، إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضى الوجوب.

نعم هو متجه بناء على قلناه من حلية الولاية السالمة عن المحرم و لذا كان المتجه بناء عليه الوجوب، لثبوت الجواز مع عدم الأمر بالمعروف فلا معارضة حينئذ لما يقتضي وجوبه، اللهم إلا أن يقال: أيضا بعدم


1- 1 الوسائل الباب 42 من أبواب ما يكتسب به الحديث 9.
2- 2 جامع الرواة ج 2 ص 69.

ج 22، ص: 165

وجوبه في خصوص هذا الفرد أيضا، للنصوص المزبورة التي جعلت شاهدا للجمع على التقدير الأول، المعتضد بفتوى المعظم، و لعل ذلك أولى من القول بعدم وجوب المقدمة هنا، لأنها من مقدمات القدرة المشروط بها التكليف، لما عرفت من فساده في الولاية من العادل إذا توقف الأمر بالمعروف عليها، و الأمر في ذلك سهل هذا كله في الولاية من الجائر اختيارا.

و أما لو أكره بإلزام من يخشى من التخلف عن إلزامه، جاز له الدخول حينئذ في الولاية التي يحرم عليه الدخول فيها اختيارا، بلا خلاف نصا(1)و فتوى بل الإجماع بقسميه عليه دفعا للضرر اليسير الصالح لإسقاط التكليف، لكن على كراهية و مرجوحية، فالأولى حينئذ تحمله و عدم قبولها لما عرفت من المفاسد المترتبة عليها، نعم تزول الكراهة لدفع الضرر الكثير كالنفس أو المال جميعه أو الخوف كذلك على بعض المؤمنين و تمام تحقيق ذلك في المسألة.

[المسألة الخامسة و هي إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره ]

الخامسة و هي إذا أكرهه الجائر على الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره (11) من المحرمات، كظلم الغير و نحوه مقتصرا على مقدار ما تندفع به الضرورة، مقدما للاسهل فالأسهل، مع عدم القدرة (12) شرعا على التفصي (13) و التخلص من ذلك، إلا في الدماء المحرمة فإنه لا تقية فيها (14) بخلاف ما إذا كان مختارا في الولاية ابتداء أو استدامة، فإنه لا يجوز له العمل حينئذ بما يأمره من المحرمات لأنه قادر حينئذ على التفصي، بل لو كان مختارا في الابتداء عالما باشتمالها على المحرمات التي لا بد له من اعتمادها بعد


1- 1 الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 166

قبولها لم يجز له أيضا، و إن أكرهه الجائر بل يجب عليه تحمل ضرر التخلف عن أمره في

وجه قوي، اقتصادا في أدلة المكره على المتيقن (1)و المراد بالقدرة، القدرة الشرعية التي تناط بها الواجبات و المحرمات المطلقة، و هي الخالية عن الضرر الذي لا يتحمل في النفس و المال و العرض دون الأعم منها و من المشتملة على ذلك مما هي قدرة عقلا و عرفا، فالمراد حينئذ من عدم القدرة في المتن هو المراد من الإكراه، لا أن المراد الفرق بين الولاية و العمل بما يأمره، فيكفي في إباحة الأولى الإكراه الذي يجامع القدرة على التخلص، بخلاف الثاني فإنه لا يكفي فيه إلا عدم القدرة إذ هو حينئذ كما ترى لا وجه له، ضرورة عدم الفرق في الأدلة.

و ما في شرح الأستاد مازجا به عبارة القواعد من أنه لو خاف ضررا يسيرا بترك الولاية الخالية عن النفع و الضرر كره له الولاية حينئذ و دفع اليسير لتسلطه على ماله، و أما العمل بما يأمره في ضرر الخلق فلا يجوز إلا مع الضرر المعتبر دون غيره، لا بد من حمله على إرادة الولاية المحللة، و إلا فلا فرق في المحرم منها و العمل بما يأمره في الضرر المبيح لهما كما عرفته و تعرفه، و بذلك كله تعرف حينئذ سقوط ما أطنب به في المسالك من المناقشة في عبارة المصنف، كما ظهر لك أيضا أنه لا فرق في الإكراه المسوغ للدخول في الولاية المحرمة، و الإكراه المسوغ للعمل بما يأمره من فعل المحرمات في ولاية كان أو غيره، إن ليس هو إلا الإلزام و الإلجاء من المتسلط الذي يخشى منه على النفس و المال و العرض أو أحدها على وجه لا يتحمل عادة،

فمجرد الخوف على النفس مثلا، لا يجدي في جواز ظلم الغير مثلا للدفع عن النفس من


1- 1 الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس.

ج 22، ص: 167

دون إلزام و إلجاء إلى ذلك، ضرورة حرمة الضرار في الإسلام،(1)و حرمة دفع الظلم عنك بظلم غيرك، بل هو كذلك لو ألزمه الجائر بشي ء مخصوص من المال مثلا منه أو من غيره ممن هو غير محصور فإنه لم يلجئه إلى ظلم غيره ليكون مكرها بذلك، فيرتفع عنه التكليف كما رفع من المخطئ و الناسي، بل قد يقال بعد تحقق الإكراه لو خيره في ذلك بينه و بين شخص مخصوص، بل إنما يتحقق الإكراه في ذلك و نحوه بأمره بظلم الشخص المخصوص و إلجائه إلى ذلك، فإنه حينئذ بعد صدق الإكراه عليه بسبب خوفه لو تخلف عن الأمر من الضرر و الذي لا يتحمل، يجوز له العمل بما يأمر.، للأصل و رفع القلم عن المكره (2)و اخبار التقية،(3)و انها في كل شي ء يضطر إليه الإنسان، و الإجماع بقسميه، و النصوص الخاصة في المقام (4)التي كادت تكون متواترة، مضافا إلى انصراف ما دل على الحرمة على غير الحال المفروض، و لا يجب عليه تحمل الضرر في رفع الإكراه مقدمة لتجنب ظلم الغير ضرورة معلومية سقوط وجوب المقدمة بالعسر و الحرج و المشقة و الضرر في سائر التكاليف الشرعية المطلقة فيسقط حينئذ وجوب

ذيها فلا يجب عليه حينئذ نقل نفسه من موضوع الإكراه إلى موضوع الاختيار بما يضر بحاله ضررا لا يتحمل، خصوصا و قد صار بالإكراه كالآلة للمكره، بل ليس هو حينئذ إلا كالأجنبي الذي يستطيع رفع الظلم عن مؤمن، بما يضر بحاله من مال أو نفس أو عرض.


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس.
3- 3 الوسائل الباب 25 من أبواب الأمر و النهي.
4- 4 الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 168

و بذلك انكشف الغبار عن المسألة التي ربما أشكل على بعض الناس مدركها، حتى تعجب من دعوى جواز إضرار الغير في نفسه بالجرح و نحوه و عرضه و ماله، دفعا للضرر اليسير في نفسه و عرضه و ماله، و تخيل أن المسألة من باب التعادل و التراجيح فالتزم الموازنة بين ما يظلم به و ما يخشاه من الظلم عليه، و هو كما ترى، لما عرفت من أن بناء المسألة على ما لو ألزمه الجائر بالظلم، و كان لا يستطيع رفع إكراهه له و الجاه إياه إلى ذلك و التخلف عن أمره، إلا بتحمل ضرر لا يتحمل في نفسه أو ماله أو عرضه، و أن مدركها واضح على هذا التقدير، من غير فرق في المال بين البعض و الجميع، فما في التحرير من اعتبار جميع المال غير واضح، نعم لو تمكن من التخلف عن الأمر، بما لا يضر بحاله وجب عليه، بل لم يكن مكرها حينئذ، و لقدرته على عدم الامتثال بلا ضرورة، كما أنه لا بأس بجواز تحمل الضرر المالي في دفع الإكراه، و لعموم تسليط الناس على أموالهم (1)أما البدن كالجرح و نحوه، و العرض كالفسق بالأهل و نحوه، فالظاهر حرمة تحمله لذلك، و قد أوى إليه في الجملة الشهيد في الدروس.

و منه يعلم ما في شرح الأستاد من أن الأحوط مراعاة التعادل بين ما يخاف على الناس، و بين ما يخافه على نفسه، و إن كان الأقوى عدم وجوبها، ضرورة تزاحم الاحتياط حينئذ في بعض الصور ثم قال:

و ينبغي إمعان النظر فيما يغتفر بالخوف على أحد الثلثة متعلقا به أو ببعض المؤمنين من التعدي على الغير مع المماثلة أو المخالفة في الأفعال أو الرتب مع المعادلة و عدمها ثم فيما يغتفر به الخروج عن الشرع فيما يتعلق بأصل أو فرع، فإن المسألة طويلة الذيل كثيرة الأقسام، و القول


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 169

بالفرق بين الابتداء و العروض اتفاقا في الصور غير بعيد.

قلت: لا يخفى عليك تنقيح ذلك كله بعد ما عرفت موضوع المسئلة و مدركها، كما أنه لا يخفى عليك عدم جواز ظلم الغير، بأمر الجائر الذي يخشى من تخلفه ظلما علي بعض آخر دون نفس المكره و ماله و عرضه، ضرورة عدم مشروعية رفع الظلم عن مؤمن بظلم مؤمن آخر، و كون ذلك قد يقتضي التقية في بعض الأحوال، لا يستلزم اقتضائه في الفرض، و كذا لا يخفى

عليك أن المراد بالإكراه هنا، أعم من التقية التي هي دين في العبادات، لمعلومية عدم الفرق هنا بين وقوع الإكراه من الموافق في المذهب و المخالف بعد فرض تسلطه على النفس و العرض و المال، نعم استثنى المصنف و غيره من ذلك على كل حال الدماء المحترمة بالايمان بل لا خلاف أجده فيه بالنسبة إلى القتل ظلما بل الإجماع بقسميه عليه

و للصحيح (1)«إنما جعلت التقية لتحقن بها الدماء، فإذا بلغ الدم، فلا تقية»

و نحوه الموثق (2)بل قيل:

أن ظاهر الإطلاق يشمل الجراح أيضا، كما عن الشيخ أيضا إلا أن لزوم الاقتصار في الخروج عن العمومات المجوزة لفعل المحرمات بالإكراه على المتيقن المتبادر من الإطلاق و هو القتل، يقتضي المصير إلى جواز الجرح الذي لم يبلغ حده، كما هو الأشهر، بل لعله المشهور، بل ينبغي القطع بجوازه، إذا كان الخوف بتركه على النفس.

نعم الأحوط اجتنابه حيث لا يعارضه الاحتياط من جانب آخر، كما أنه كذلك بالنسبة إلى إلحاق المسلم بالمؤمن، و إن أطلق المصنف و غيره بل في النافع التعبير بالمسلم لكن في الرياض و هل المسلم يشمل المخالف أم يخص المؤمن إشكال، و الاحتياط يقتضي المصير إلى الأول


1- 1 الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر و النهي 1.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب الأمر و النهي 2.

ج 22، ص: 170

إذا كان الخوف بترك القتل على نحو المال، و سيما القليل منه خاصة و أما إذا كان على النفس المؤمنة فإشكال، و لا يبعد المصير حينئذ إلى الثاني فليس شي ء يوازي دم المؤمن، كما يستفاد من النصوص المعتبرة(1)قلت: بل فيها أن ألف مخالف لا يوازن دم مؤمن، فلا ريب في أن المتجه المصير إليه، بل و كذلك الخوف على العرض بل و المال كما لا يخفى على من أحاط بما دل على هو أن نفوسهم عند الله، على أن ظاهر الصحيح المزبور دم المؤمن، ضرورة أنه هو الذي شرعت التقية لحفظه هذا، و يقوى كما في شرح الأستاد عدم لحوق الحمل قبل ولوج الروح، و أما الفرق بين الصحيح و المريض و لو حال السياق و الشيخ و الشاب و المرأة و الرجل فلا معنى له، و ربما احتمل الفرق بين مستحق القتل بزنا أو لواط أو غيره، بل و مستحق القصاص إلا أنه كما ترى لا مستند له قاطعا للعذر و إن كان ستسمع في القصاص ما يصلح أن يكون وجها له و لا فرق في القتل بين المباشرة و التسبيب كالإفتاء و نحوه لإطلاق الأدلة و الله أعلم.

[المسألة السادسة جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام ]

المسألة السادسة جوائز السلطان الجائر و عماله إن علمت حراما بعينها فهي حرام بلا خلاف و لا إشكال لا يجوز تملكها، و التصرف بها و قبولها، و إلا فهي حلال مطلقا و إن علم أن

في ماله محرما بلا خلاف و لا إشكال أيضا، كما اعترف به في الحدائق و الرياض بل في المصابيح الإجماع عليه، للأصل و المعتبرة المستفيضة(2)

كصحيح أبي ولاد «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما ترى في الرجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب إلا من أعمالهم و أنا أمر به و أنزل عليه


1- 1 الوسائل الباب 95 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 171

فيعطيني و يحسن إلى، و ربما أمرني بالدراهم و الكسوة و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: خذ و كل لك المهنأ و عليه الوزر»

و صحيح أبي المعزى (1)«سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده، فقال:

أصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال: نعم و حج بها»

و نحوه خبر محمد بن هشام أو غيره (2)عنه أيضا

و صحيح محمد بن مسلم و زرارة(3)«قالا سمعنا يقول جوائز السلطان ليس بها بأس»

إلى غير ذلك من النصوص مضافا إلى السيرة القطعية، و العمل المستمر من العلماء و غيرهم في سائر الأعصار و الأمصار، و إلى

ما روى (4)من قبول الحسن و الحسين و الصادق و الكاظم عليهم السلام جوائز معاوية و الرشيد

و إلى ما دل من النصوص المستفيضة أو المتواترة(5)على جواز معاملتهم، و بيعهم و الابتياع منهم، و أنه لا بأس به حتى تعرف الحرام بعينه.

و خبر الحميري المروي (6)عن الاحتجاج «أنه كتب إلى صاحب الزمان عليه السلام يسأله عن الرجل من وكلاء الوقف مستحلا لما في يده لا يتورع من أخذه ربما نزلت في قرية و هو فيها، أو أدخل منزله و قد حضر طعامه فيدعوني إليه فان لم أكل من طعامه عاداني، فهل يجوز لي أن آكل و أتصدق بصدقة؟ و كم مقدار الصدقة و إن أهدى هذا الوكيل


1- 1 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 51 من أبواب ديات النفس الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10- 14.
5- 5 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 15.

ج 22، ص: 172

إلى رجل آخر فيدعوني إلى أن أنال منها و أنا أعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده، فهل علي منه شي ء؟ إذا أنا نلت منها فأجاب عليه السلام إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده فكل طعامه، و اقبل بره و إلا فلا»

محمول على معلوم الحرمة أو على الكراهة أو غير ذلك، لما عرفته من معلومية إباحة ما في أيدي الجائرين و غيرهم مما لم تعلم حرمته.

بل لعل ذلك و نحوه من الضروريات التي لا تحتاج إلى إثبات، و لولاه لم يمكن لمؤمن التعيش في أمثال هذه الأزمنة، و العلم بأن في ماله محرما غير قادح، فضلا عما لم يعلم، و إن علمت أنه يأخذ الأموال ظلما، فالظالم حينئذ بعد ملاحظة صنفه من كل ذي مال مختلط حرامه بحلاله، كالعشار و السارق و المربي و المرتشي، و من لم يخرج الحقوق و نحوهم، و ملاحظة ما تحت أيديهم من الأموال يندرج في غير المحصور من الشبهة الذي سقط التكليف باجتنابه، من باب المقدمة للعسر و الحرج المنفيين آية(1)و رواية(2)و لا يقدح في ذلك أن كل واحد منهم لو لاحظته بخصوصه كان من الشبهة المحصورة ضرورة عدم الخصوصية عقلا و شرعا لآحادهم، فليس هم حينئذ إلا صنفا واحدا مندرجا في غير المحصور، لما عرفت و الحصر في أفراده غير مجد إذ أقصاه تعدد الشبهة المحصورة، حتى صارت غير محصورة فيجري عليها حكم عدم وجوب الاجتناب، إنما الكلام في أن ذلك يقتضي خروج ما في أيديهم و تحت تصرفهم و إن علم اشتماله على محرم عن حكم الشبهة المحصورة، فيجوز المقاصة منه و الأكل للمارة(3)و التصرف بالفحوى و نحو ذلك حتى يعلم الحرام منه بعينه فيترك، أو يختص ذلك بما إذا حصل تصرف خاص


1- 1 سورة المائدة الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14.
3- 3 الوسائل الباب 8 من أبواب بيع الثمار.

ج 22، ص: 173

منهم كإعطاء و بيع و إذن و نحو ذلك، مما يحتمل فيه القصد إلى الحلال فلا تجوز المقاصة و أضرابها، و يجوز الأخذ مع مقارنة أحد تلك الأفعال المحمولة على الصحة شرعا، من غير فرق بين ما كان في صندوق فيه غصب أو كيس كذلك أو دار أو غيرها، ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور عنده احتمالان.

ظاهر الأستاد في شرحه الثاني منهما، قال: و لو لم يعلم كونها أي الجوائز غصبا جاز أخذها من الجائر مطلقا، للإجماع و الأخبار و من غيره ما لم يعلم إقدامه على المشتبه المحصور لقضاء اليد و أصالة الصحة، فيجوز الأخذ حينئذ و إن جابها من دار أو دكان أو صندوق فيه غصب أو أشار إلى معين من جملة كذلك، و لا يعلم حصوله في المدفوع و المعين إلا أن التجنب مع الانحصار من شيم الأبرار و تختلف مراتب الرجحان باختلافه، و لو أشار إلى مبهم منها قوى المنع كالأخذ للمقاصة، و الأكل للمارة لو جاز، و للدخول تحت رفع الجناح إلا بعلاج، عملا بالأصل في غير محل النص، و الظاهر إرادته من الإطلاق في الجائر بالنسبة إلى كونه سلطانا أو عاملا أو عشارا، لا أن المراد و إن علم إقدامه على المشتبه المحصور، حتى يكون الاشتراط في كلامه مختصا بغير الجائر، بل الظاهر تعميمه لهما كما يقضي به التأمل لتمام كلامه، و يمكن أن يريد اختصاص الجائر بهذا الحكم، و هو جواز التناول منه و إن علم إقدامه على المشتبه المحصور كما هو مقتضى حال الجائر، للنصوص و غيرها مما ستعرفه، و على كل حال فوجهه ما أشار إليه، و يحتمل الأول بل ربما أوهمه التقييد بالعين في المتن و النافع و محكي نهاية الأحكام و الدروس و الكفاية و معقد إجماع المصابيح، و في المسالك التقييد بالعين إشارة إلى جواز أخذها، و ان علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضى حال الظالم، و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام

ج 22، ص: 174

في وجوب اجتناب الجميع، للنص على ذلك.

و قد يستفاد من استناده إلى النص اختصاص الجائر بهذا الحكم، و عن ابن إدريس أنه قال: إذا كان يعلم أن فيها شيئا مغصوبا إلا أنه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها على جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لأنها صارت بمنزلة المستهلكة، لأنه غير قادر على ردها، قيل و نحو ذلك عبارة النهاية و أحسن ما ينزل عليه كلامهما إرادة عدم وجوب الاجتناب، لعدم جريان حكم الشبهة المحصورة فيه، فيرجع حينئذ إلى الاحتمال الأول، الذي قد يؤيد مضافا إلى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع و السيرة بأنه لا مدخلية للدفع و نحوه في الإباحة، إذ ليس هو إلا لحمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، و هو جار في غيره من الأموال التي تحت يده، المشتركة جميعا في تصرفه بها تصرف الملاك في أملاكهم، على أنه قد يفرض دفعه فيما يعلم كونه على وجه محرم، لدوران المدفوع بين كونه من الخراج الذي يحل لنا تناوله منه و إن أثم هو بدفعه، و بين كونه من مظالمه التي ظلم بها العباد، مع اندراجه في النص و الفتوى و غيرهما مما دل على حلية جوازه و ما في يده، فلا مناص حينئذ عن القول بجريان حكم الأملاك على جميع ما في يده و إن علم فيها محرم حتى يعلم الحرام منه بعينه فيدعه، و أنه كالمشتبه غير المحصور في ذلك، من غير فرق بين المقاصة و غيرها، كما أنه لا فرق بين الجائر و غيره من ذي المال المختلط لما عرفته من اتحاد المدرك في الجميع.

نعم قد يفرق بين الجائر و غيره باختصاصه بجواز الآخذ منه و إن علم اختلاط ماله اختلاطا موجبا للاجتناب في غيره، و إخراج الخمس لو أريد تحليله، و ذلك لما عرفته من الأدلة بخصوصه على جواز التناول

ج 22، ص: 175

منه و المعاملة معه، مع أن الغالب في حاله خصوصا المخالف منهم عدم الفرق عندهم بين الحلال و الحرام، و معاملة الجميع معاملة واحدة في التصرف و في غيره، فيمكن أن يكون المالك الحقيقي قد رخص فيما في يده من الأموال و إن كانت مختلطة، رأفة بهم باعتبار ما علمه من حالهم في زمن الغيبة، و شدة حاجتهم إلى مخالطة هؤلاء، الذين لم يفرقوا بين الحلال و الحرام، بل لا يسعهم التجنب عنهم، و بيان التنزه عن أموالهم، التي هي بالنسبة إلينا بحكم مجهول المالك، فلا بأس بإذن الشارع الذي هو المالك الحقيقي في تناولها.

و لعل على ذلك يحمل كلام السرائر المتقدم و غيرها، بل لعل إليه الإشارة بقوله

«لك المهنأ و عليه الوزر»(1)

مضافا إلى بعض النصوص الدالة على شراء ما يؤخذ من الطعام خراجا، و إن علم جورهم فيه و تعديهم على الرعية به (2)بل يمكن إرادة من قيد بالعين كالمصنف و غيره ذلك أيضا، على معنى أن الجوائز مثلا حلال إلا إذا علم كونها حراما بعينها، من غير فرق بين كونها من المال المختلط أو غيره، فان الاختلاط لا يقتضي الحرمة بعينها، بل لعله هو الوجه في ذكرهم الجائر بالخصوص.

بل ربما يومي إليه ما تعرفه من ذكرهم إخراج الخمس منه لو أريد حليته الصرفة، لكن في شرح الأستاد جوائز الظالم إن علمت علما يقينا غصبا أو مأخوذة بغير حق على أي نحو كان متميزة أو ممتزجة أو في ضمن محصور حرمت عقلا و شرعا و كتابا و سنة و إجماعا، و ما ورد مما ظاهره إباحة القسم الثاني، معارض بما هو أقوى منه، و ربما


1- 1 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 176

يؤيده الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن، و هو المأخوذ من يد الجائر مع عدم العلم بحاله أنه من مخلوط أو من مشتبه محصور أو من حلال محض أو حرام كذلك، و حينئذ يكون الجائر كغيره في الحكم المزبور، و إنما ذكر بالخصوص لتعرض النصوص له بالخصوص، و لا ريب في أنه أحوط كما أنه لا ريب في استحباب

التنزه عن جوائزهم، لأنا لا نصيب من دنياهم شيئا و إلا أصابوا من ديننا مثله، و في

المروي عن العيون في حديث (1)«ان الرشيد بعث إلى موسى بن جعفر عليه السلام بخلع و حملات و مال فقال: لا حاجة لي بذلك إذا كان فيه حقوق الأمة فقال: له ابن الربيع ناشدتك الله أن لا تردها فيغتاظ فقال: اعمل بها ما أحببت (2)

و في خبر آخر «أن الرشيد أمر أن تحمل بين يديه خلع و بدرتان دنانير فقال عليه السلام: لو لا أني أرى من أزوجه بها من عزاب آل أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها»

و لعله على ذلك(3)يحمل قبول الحسن و الحسين عليه السلام جوائز معاوية، أو لأن الأرض و ما فيها، لهم أو لبيان أصل الجواز أو لغير مما لا ينافي صدورهم منهم كراهته، التي قد يرفعها أيضا إخراج الخمس لمعلومية كونها لاختلاط ماله، و الخمس يطهر المختلط، و

في الموثق (4)«سئل أبا عبد الله عليه السلام عن عمل السلطان يخرج فيه رجل فقال: لا، إلا أن لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على


1- 1 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 11.
3- 3 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 13 و 14.
4- 4 الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 177

حيلة، فإن صار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (ع)»

كما أنه أيضا يرفعها أيضا اقترانها بمرجحات تقتضي قبولها على حسب غيرها من المكروهات، بل قيل: لا كراهة في قبولها مع الاخبار بأنها من الحلال و الأمر في ذلك كله سهل.

و كيف كان فان علم كونها بعينها حراما و قبضها بعد العلم أو قبله أعادها على المالك بلا خلاف و لا إشكال حتى لو احتاج إلى أجرة بذلها، لأنه بحكم الغاصب بالنسبة إلى ذلك و إن كان لا إثم عليه مع العلم بعد القبض، بل له الرجوع بها على الدافع له باعتبار غروره و إن جهله بعينه و كان بين محصورين، تخلص منهم بصلح و نحوه، و إن لم يكن بين محصورين، بل كان في غير محصور و حصل الياس من معرفته، أو تعذر الوصول إليه تصدق بها عنه كما في غيرها من أقسام مجهول المالك الذي حكمه ذلك نصا و فتوى، لأنه أقرب طرق الإيصال.

و دعوى أن ما نحن فيه بحكم اللقطة التي هي المال الضائع من صاحبه واضحة الفساد، كدعوى أن حكمه تعيين حفظه و الوصية به أو التخيير بين ذلك و التصدق به، بل كأن ذلك اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد في قصة الشاب الذي كان من عمال بني أمية، ثم جاء إلى الصادق عليه السلام نادما فأمره بالصدقة بجميع ما كان عنده و ضمن له على الله الجنة ففعل و وفى له (1): نعم ينبغي أن يعزم على الضمان لو ظهر صاحبه، فلم يختر الصدقة لكن لا يحتسب بذلك من ديونه، ما دام صاحبه غير ظاهر، و لو أراد السلامة من ذلك سلمه إلى الحاكم الذي هو ولي الغائب، فالايصال إليه بمنزلة


1- 1 الوسائل الباب 47 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 178

الوصول إلى المالك، و إنما لا يتعين ذلك و إن كان ربما تخيل لإطلاق الأمر بالتصدق الظاهر في كون المراد حكمه ذلك، لا أنه إنشاء إذن منه، كظهوره في أن المتصدق من كان بيده المال أو وكيله، إلا أنه للجمع بينه و بين ما دل على ولاية الحاكم، مخير بين الأمرين الذين ليس له التراخي عن فعل أحدهما، نعم قد يقال بوجوب الرجوع للحاكم فيما لو كان في ذمته مال مجهول المالك باعتبار توقف تشخيصه على قبضه، لأنه بمنزلة المالك.

و على كل حال فالصدقة على أهل الحق، و لا فرق في المتصدق عنه بين كونه منهم أو من غيرهم، و إن كان لم ينتفع بها إلا هم، و ربما احتمل اجراء حكم مذهبه فيه، و الأقوى ما عرفت هذا.

و قد ظهر لك أنه لا يجوز إعادتها أي الجائزة على غير مالكها مع الإمكان فلو فعل كان ضامنا بلا خلاف و لا إشكال بل هو كذلك لو أخذها الظالم أو غيره قهرا، بعد إن كان قبضها باختياره عالما بغصبها، ضرورة كونه حينئذ غاصبا، لأن يده عادية فلا يجديه القهر في رفع الضمان عنه كالغاصب، بل لعله كذلك حتى لو قبضها جاهلا بغصبها ثم علم بعد ذلك، وفاقا للأستاد في شرحه لأن يده فرع يد الغاصب التي هي يد ضمان، و جهله إنما ينفعه في رفع الإثم، و في الرجوع باعتبار غروره.

نعم لو وصل إليه من غير يد الغاصب و فروعها، كما لو أطارته الريح منه إليه، اتجه عدم ضمانه، لأنه حينئذ بمنزلة الأمانة في يده لا يضمنه إلا بالتعدي أو التفريط، بخلاف الأول الذي هو في الحقيقة يد الغاصب باعتبار الفرعية عليها و لو جهلا، كما يشهد لذلك اتفاقهم ظاهرا في باب الغصب على ضمان الأيدي المتعاقبة على المغصوب، من

ج 22، ص: 179

غير فرق بين العلم و الجهل، و إن رجع المغرور منهم على من غره، أو رجع عليه المالك، و كذا الكلام فيما لو تلفت منه بغير تفريط، إذ هو كالأخذ منه قهرا هذا، و لكن في المسالك في المقام أن الأجود عدم الضمان في الأخير، لأن يده يد أمانة، لأن الفرض عدم علمه بالغصب حتى قبضها فتستصحب، كما لو تلفت بغير تفريط فلا يضمن بالأخذ منه قهرا، و وافقه العلامة الطباطبائي في مصابيحه، لكنه كما ترى.

نعم لو كان قد قبضه من أول الأمر بعنوان الاستفادة و الإرجاع إلى مالكه اتجه حينئذ عدم ضمانه بالتلف بغير تفريط، لأن يده حينئذ يد أمانة، لا من فروع يد الغاصب المعامل نفسه معاملة المالك، و لأنه حينئذ محسن لا سبيل عليه، و فرق واضح بين هذا القبض و بين القبض بعنوان قبول الهبة، و إثبات يد المدفوع إليه بدل يد الدافع، فليست هي حينئذ إلا يد الدافع، الذي قد فرض كونه غاصبا، و إن كان المدفوع إليه جاهلا و عزم على إرجاعها على مالكها بمجرد علمه بالغصب، لكن قد سبقت ذلك يد الضمان، فلا يجديه هذا العزم في رفعه، و لا في تحقيق كونها يد أمانة كما هو واضح بأدنى تأمل هذا.

و لا يخفى عليك حكمها في يد الظالم من الأخذ منه قهرا مع الإمكان إن بقيت في يده و عوضها مع التلف و يقاص بها من أمواله، من غير فرق في ذلك بين موته و حياته، و بين كونها معلومة المالك و مجهولته، لأنها بحكم الديون، لكن في شرح الأستاد أن ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون، في التقديم على الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين إليه، و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و المواريث على حاله، و السيرة المأخوذة يدا بيد من مبدء الإسلام إلى يومنا هذا فعلى ذلك لو أوصى بها بعد التلف خرجت من الثلث، و ما كان منها

ج 22، ص: 180

باقيا يجب رده، و لو امتنعوا منه حل الحلال و حرم الحرام، و فيه مع أنه لم نجد له موافقا عليه منع واضح، خصوصا بعد معلومية المغصوب منه، و دعوى عدم الانصراف، كدعوى السيرة المجدية ممنوعتان أشد المنع، و ما في التحرير من أن الأفضل للمظلوم عدم أخذه ما ظلم به و إن تمكن منه أجنبي عن ذلك، و يمكن أن يكون وجهه مراعاة التقية و الله أعلم.

[المسألة السابعة ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة يجوز ابتياعه و قبول هبته ]

المسألة السابعة لا خلاف أجده في أن ما يأخذه أو يحول عليه أو يصالح عليه السلطان الجائر من الغلات في زمن الغيبة و نحوها في قصور اليد من المؤمنين و المخالفين، باسم المقاسمة التي هي قسم أيضا من الخراج الذي هو بمعنى الأجرة و الطسق أو الأموال باسم الخراج عن حق الأرض من المنتفعين بالأراضي التي مرجع التصرف فيها الامام العدل حال بسط اليد، باعتبار ولايته عن المسلمين، من غير فرق بين الدراهم و الغلات و غيرهما، يكون خراجا مبرء الذمة من كان عليه كما لو أخذه السلطان العادل، من غير فرق بين قسمة الموجود، و بين القبض ما كان منه في الذمة، كما أنه لا خلاف معتد به في جواز شرائه منه و قبول هبته، و نحو ذلك مما يقع على المملوك حقيقة و عن جامع المقاصد أن عليه في شرائه منه إجماع فقهاء الإمامية، و الاخبار المتواترة(1).

و في مصابيح العلامة الطباطبائي أن عليه إجماع علمائنا، و روايات أصحابنا و في قاطعة اللجاج الإجماع مكررا على ذلك، و في المسالك أذن أئمتنا عليهم السلام في تناوله و أطبق عليه علمائنا، و لا نعلم فيه مخالفا، و في محكي التنقيح و تعليق الإرشاد الإجماع عليه أي شراؤه،


1- 1 الوسائل الباب 51 و 52 و 53 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 181

و لذلك كله قال: في الرياض ان عليه الإجماع المستفيض، ضرورة عدم استقامة تعيش الإنسان بدون نماء الأراضي و الغرس فيها، و الفرض أن

جميعها بأيديهم، قلت بل لا ينكر حصول القطع به بملاحظة السيرة القطعية من العوام و العلماء في سائر الأعصار و الأمصار في الدولة الأموية و العباسية و ما تأخر عنهما، و ملاحظة العسر و الحرج و الضرر في التكليف باجتنابه بل هو شبه التكليف بما لا يطاق، و ملاحظة النصوص التي يمكن دعوى تواترها، المفرقة في أبواب الخمس (1)و الزكاة(2)و الجهاد(3)و إحياء الموات (4)و المقام (5)بل و المسألة السابقة(6)إذ من المعلوم كون جل جوائزهم من الخراج، خصوصا ما كان يرسله معاوية إلى الحسن و الحسين عليهما السلام و خصوصا ما كان يجبيه أبو بكر و عمر و عثمان و يفرقه في الصحابة.

بل لعله المسألة من الضروريات التي لا يحتاج في إثباتها إلى الاستدلال بالروايات، و لعل وقوع ذلك من المحقق الكركي و غيره ممن تأخر عنه، لغفلة بعض من عاصره عن ذلك، منهم الشيخ إبراهيم بن سليمان الجبلي أصلا الحلي مسكنا، فادعى تحريمه، و ربما تبعه المقدس الأردبيلي حتى احتاج إلى عمل رسالة في المسألة، أكثر فيها من الشكوى و التظلم منهم، و من دعواهم العلم، و انهم ليسوا من أهله، و سماه


1- 1 الوسائل الباب 8 و 12 من أبواب ما يجب فيه الخمس.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام زكاة الغلات.
3- 3 الوسائل الباب 71 و 72 من أبواب جهاد العدو.
4- 4 الوسائل الباب 1 و 3 من أبواب إحياء الموات.
5- 5 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 182

بقاطعة اللجاج في تحقيق حل الخراج، كما أنه يحكى عن الشيخ إبراهيم المزبور عمل رسالة أيضا بعكسها، و أنه أساء الأدب فيها مع المحقق المذكور، و لنعم ما يحكى عن المجلسي من القول فيهما بعد أن اثنى عليهما في كل شجر نار و استمجد المزح و العقار و هذا و شبهه، هو الذي دعى إلى التطويل في المسألة و إلا فهي أوضح من ذلك، و كم مسألة ضرورية صارت نظرية، بسبق الشبهة إلى بعض الأوهام، و من الغريب استنادهم في ذلك إلى كونه ظالما غاصبا آثما في القبض و الدفع و غير ذلك من تصرفاته، فكيف يتصور حل التناول منه.

إذ لا يخفى عليك أنه لا ينافي الإذن ممن له الأمر في حل التناول منه، و إن حرم هو عليه الدفع و غيره من التصرفات، فلو أجاز جائزة مثلا من الخراج ملكها المجاز، و إن أثم المجيز بإجازته بل لو باع منه شيئا ملكه المشتري و إن أثم البائع في دفعه لعدم سلطنة له في الإقباض فتترتب الآثار حينئذ بالإجازة لنا من أئمتنا عليهم السلام الذين هم ولاة الأمر، و هي لا تنافي الإثم بالنسبة إلى الجائر، كما لا ينافي إجازة المالك عقد الغاصب، بقاء الإثم عليه في غصبه، فمن الغريب الاعراض عما عرفت مما يفيد بعضه اليقين بذلك، فضلا عن جميعه، لهذه الشبهة التي كادت تكون من الاجتهاد في مقابلة النص أو في مقابلة الضرورة التي قد عرفت، و كان منشأها أن الأئمة عليهم السلام لما علموا انتفاء تسلط سلطان العدل، إلى زمن القائم عليه السلام، و علموا أن للمسلمين حقوقا في الأراضي المفتوحة عنوة، و علموا أنه لا يتيسر لهم الوصول إلى حقوقهم، في تلك المدة المتطاولة، إلا بالتوسل و التوصل إلى السلاطين و الأمراء، حكموا بجواز الأخذ منهم، إذ في تحريم ذلك حرج و غضاضة عليهم، و تفويت لحقوقهم بالكلية، بل قد عرفت أنه لا يمكن التعيش

ج 22، ص: 183

مع إطلاق تحريم التعرض له، هذا كله مضافا إلى النصوص في المقام ك

خبر الحذاء(1)عن الباقر عليه السلام «سألته عن الرجل يشتري من السلطان من إبل الصدقة و غنمها، و هو يعلم أنهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم؟ قال: فقال: ما الإبل و الغنم إلا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك، لا بأس به حتى يعرف الحرام بعينه، قيل فما ترى في مصدق يجيئنا القاسم فيأخذ صدقات أغنامنا، فنقول:

بعناها فيبيعنا إياها، فما ترى في شرائها منه؟ فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس فقيل: فما ترى في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا، و يأخذ حظه، فيعزله بكيل فما ترى في شراء ذلك الطعام منه؟ فقال: إن كان قبضه بكيل و أنتم حضور ذلك، فلا بأس بشرائه منه بغير كيل»

و المناقشة في الدلالة أولا بمنعها على إباحة الخراج و المقاسمة، فإن غايتها الدلالة على حكم الزكاة خاصة، و ثانيا بانتفائها أيضا للإجمال في الجواب، عن إباحتها بقوله: لا بأس

به حتى يعرف الحرام بعينه المحتمل لأن يراد منه الكناية عن عدم إباحتها، بناء على معلومية حرمتها إجماعا، و بكون المنشأ في الإجمال هو التقية، و ثالثا باحتمال كون المصدق من قبل العدل، و رابعا باحتمال الشراء فيه، الاستنقاء لا المعاملة الحقيقية، بناء على كون متعلقها فيه صدقات المشترين خاصة، مدفوعة بظهور لفظ القاسم في كون المأخوذ مال المقاسمة سيما في مقابلة لفظ المصدق مع مضي السؤال عن حكم المسؤول، عن حكمه هنا في الصدر المشعر بل الظاهر أنه غير الأول، و يتم الباقي بعدم القول بالفصل، و بانتفاء الاجمال بعد تعلق السؤال، بخصوص إبل الصدقة، و وجوب


1- 1 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5.

ج 22، ص: 184

مطابقة الجواب له، و إرجاع ضميره إليه، و لا ينافيه تعليق الإباحة و تحديدها بعدم معلومية الحرمة، بعد تضمن السؤال إياها فيما زاد على الصدقة المفروضة، فيكون حاصل الجواب حل شراء الصدقة إذا لم تعلم فيها الزيادة المحرمة، التي تضمنها السؤال، لإمكان كونها معزولة و سياق الرواية يأبى عن حمل الإجمال فيها لو كان على التقية و الثالث و الرابع يبعدهما غاية، سيما الأول بملاحظة حال الأئمة عليهم السلام و يدفع الثاني مضافا إلى البعد الماضي بأن صدرها كالصريح في كون المبيع غير المشتري، كما أن المناقشة فيها باختصاصها بالشراء، يدفعها ما عرفته من عدم الفرق بينه و بين غيره عند الأصحاب، بل عن جامع المقاصد لا فرق بين قبض الجائر لها و إحالته بها إجماعا، و في الرياض و يستفاد من النصوص صريحا في بعض و إطلاقا أو عموما في آخر ما ذكره الأصحاب من غير خلاف، يظهر من عدم الفرق في الحكم بين الشراء و غيره من سائر المعاوضات و المعاملات، و قبض الجائر أو وكيله لها و عدمه، فلو وهبها أو احاله بها و قبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو باعها و هي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول، لان دليل الإباحة شامل لهذه الصور المفروضة، و على ذلك يحمل الشراء و الأخذ في العبارة و غيرها، من كلام جماعة و يؤيد العموم ما اتخذ دليلا في أصل المسألة من استلزام عدم الإباحة العسر و الحرج على الشيعة المنفيين آية(1)و رواية(2)قلت: فما عن السيد العميد في شرح النافع من


1- 1 سورة المائدة الآية.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الماء المطلق الحديث 14 و المضاف الحديث 5.

ج 22، ص: 185

أنه إنما يحل بعد قبض السلطان أو نائبه و لذا قال المصنف: يأخذه واضح الفساد، كالمحكي عنه أيضا من عدم جواز شراء غير المقاسمة، و أنه لا يجوز الضمان من الجائر و قد عرفت و تعرف أيضا تطابق النصوص و الفتاوى على خلائه و معاقد الإجماعات.

و منها

الحسن (1)«ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفيه الناس و يعطيهم ما يعطي الناس» ثم قال: للراوي لم تركت عطاؤك؟ قال: مخافة على ديني قال: ما منع ابن أبي سماك أن يبعث إليك بعطاك أ ما علم ان لك في بيت المال نصيبا»

و هو مع حسنه و احتمال صحته واضح الدلالة، من حيث تجويزها أولا لشباب الشيعة أخذ ما يعطى الحاكم الناس المعينين له، و من جملة ما يعطونه وجوه الخراج و المقاسمة و ثانيا للراوي أخذ العطاء من بيت المال الغالب فيه اجتماعهما فيه لندرة الزكوات فان لها أربابا مخصوصة يعطون من دون إحراز لها فيه فاحتمالها فيه ضعيف، و أضعف منه احتمال الوجوه الموصى بها أو المنذورة للشيعة، فالمناقشة في الدلالة بما مر ضعيفة، و منها

الموثق (2)«عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم فقال: يشتري منه ما لم يظلم فيه أحدا»

و ترك الاستفصال عما يشترى منه يفيد العموم و لجميع أفراد السؤال التي منها مفروض البحث و لا ينافيه القيد لاشتراطه فيه إجماعا.

و ليس المراد من الظلم مطلقة، كيف لا و العامل لا ينفك عنه مطلقا، فالمراد منه الظلم الزائد على المتعارف عرفا، و هو المستند في الشرط الذي قدمناه تبعا لأصحابنا، و بالوجه في دلالته يعلم الوجه في


1- 1 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 53 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 186

دلالة إطلاق النصوص المعتبرة، بجواز الشراء من الظلمة من دون استفصال، و تقييد بما يخرج عن مفروض المسئلة.

منها

الصحيح (1)«اشترى من العامل الشي ء و أنا أعلم انه يظلم فقال: اشتر منه»

و المرسل كالصحيح (2)«اشترى الطعام فيجيئني من يتظلم يقول: ظلمني فقال: اشتره»

و ينبغي تقييد الظلم فيها بعد العلم بوقوعه على المبيع، أو بعدم زيادته عن متعارفة و لو وقع عليه، و يكون نسبته إلى الحاكم حينئذ من حيث عدم استحقاقه لمثله، و على هذا فهما ظاهران فيما ذكره الأصحاب، من جواز الأخذ من المالك و لو تظلم أو أظهر عدم الرضا، و منها النصوص الدالة على جواز قبالة الخراج و الجزية.

كصحيح إسماعيل بن فضل (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رؤسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير و هو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون أ يشتريه و يتقبل به في أي زمان يشتريه و يتقبل منه فقال: إذا علمت أن من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك فاشتره و تقبل به»

و الموثق (4)«عنه أيضا في الرجل يتقبل بجزية رؤس الرجال، و بخراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدري و لعله لا يكون»

بأدنى تفاوت بل ظاهرهما أن غرض السائل متعلق بالسؤال من حيث أنه لا يدري يكون من ذلك شي ء أم لا، و لهذا لم يذكر خراج الأرض فكأن أصل الجواز من حيث كون ذلك خراجا أمر مسلم عندهم.


1- 1 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4 و ذيله.
4- 4 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4 و ذيله.

ج 22، ص: 187

و الصحيح (1)عنه أيضا أنه قال: في حديث «لا بأس بأن يتقبل الرجل الأرض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالربع و النصف و الثلث قال: نعم لا بأس به و قد قبل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم خيبر أعطاها اليهود حين فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف»

و هو كالصريح في أن حكم تصرف الجائر في هذه الأراضي حكم تصرف الامام العادل.

و صحيح (2)إسماعيل بن الفضل «سألته عن رجل استأجر من السلطان أرض الخراج بدراهم مسماة أو بطعام مسمى ثم أجرها و شرط لمن يزرعها أن يقاسمه النصف أو أقل من ذلك أو أكثر فله ذلك، قال: نعم إذا حفر لهم نهرا أو عمل لهم شيئا يعينهم بذلك فله ذلك قال: و سئلته عن رجل استأجر أرضا من أرض الخراج بدراهم

مسماه أو بطعام معلوم فيؤجرها قطعة قطعة أو جريبا جريبا بشي ء معلوم فيكون له فيما استأجره من السلطان و لا ينقص شيئا أو يؤاجر تلك الأرض قطعا قطعا على أن يعطيهم البذر و النفقة فيكون له في ذلك فضل على إجارته و له تربية الأرض أو ليست له فقال: إذا استأجرت أرضا فأنفقت شيئا أو زرعت فلا بأس بما ذكرت»

و خبر الفيض بن المختار(3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في الأرض أتقبلها من السلطان ثم أؤاجرها أكرتي على أن ما أخرجه الله تعالى منها من كل شي ء لي من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان قال: لا بأس به، كذلك أعامل أكرتي.


1- 1 الوسائل الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة ذكر صدره في ذيل حديث 3 و ذيله في باب 8 حديث 8.
2- 2 الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 3 و 4.
3- 3 الوسائل الباب 21 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 5.

ج 22، ص: 188

و في خبر(1)زرارة «اشترى ضريس بن عبد الملك و اخوه من هبيرة أرزا بثلثمائة قال: فقلت له ويلك ويلك أو ويحك أنظر إلى خمس هذا المال فابعث به إليه و احتبس الباقي فأبى علي، قال:

فادى المال و قدم هؤلاء فذهب أمر بني أمية قال: فقلت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: مبادرة للجواب هو له هو له فقلت: له إنه قد أداها فعض على إصبعه»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يمكن استقصاؤها.

مضافا إلى نصوص الجوائز(2)التي تقدمت سابقا الشاملة بإطلاقها لما كان من الخراج و غيره، بل الغالب كونه منه، و إلى فحوى التعليل بطيب الولادة فيما ورد من النصوص المتواترة في تحليل حقهم من الخمس الذي في أيدي المخالفين، بل فيها ما يقتضي التحليل مطلقا من غير فرق بين ما كان عينه لهم و بين ما كان لهم ولاية التصرف فيه من الخراج، و غيره

قال: أبو جعفر عليه السلام في خبر الثمالي (3)المروي في المقنعة «من أحللنا له شيئا أصابه من أعمال الظالمين فهو له حلال، و ما حرمناه من ذلك فهو حرام، و الناس يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك».

و نحوه عن

الصادق عليه السلام في خبر داود الرقي (4)و خبر المعلى ابن خنيس (5)«قلت: لأبي عبد الله عليه السلام ما لكم من هذه الأرض فتبسم، ثم قال: إن الله بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ و الخشوع و هو نهر


1- 1 الوسائل الباب 52 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 3 من أبواب الأنفال الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 7.
5- 5 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 17.

ج 22، ص: 189

الشاش و مهران و هو نهر الهند و نيل مصر و دجلة و الفرات فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدونا منه شي ء، إلا ما غصب عليه و إن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه، يعني ما بين السماء و الأرض، ثم تلا هذه الآية قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، المغصوبين عليها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا غصب».

و قال أيضا في صحيح (1)الفضلاء «قال: أمير المؤمنين عليه السلام هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ألا و ان شيعتنا من ذلك و آباؤهم في حل»

و خبر أبي خديجة(2)«قال رجل و أنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه السلام، فقال له رجل ليس يسألك أن يتعرض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحي، و ما توالد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما و الله لا يحل إلا لمن أحللنا له و لا و الله ما أعطينا أحدا ذمة، و ما لأحد عندنا عهد، و لا لأحد عندنا ميثاق»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على المطلوب من وجوه المذكورة في باب الخمس، و غيره من أبواب الفقه المشتمل بعضها على إباحة الفي ء، و الخمس الذي يكون في أيدي المخالفين.

و منها يعلم أن الأذن في ذلك للشيعة خاصته دون غيرهم، و ليس هو من الأحكام الشرعية التي لا فرق فيها بين المؤمن و غيره بل هو من الاذن و الرخصة التي ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، مع قطع النظر عن النصوص المخصوصة، و من الغريب ما سمعته سابقا من احتمال حله للسلطان، لأنه كالجعل له على حماية بيضة الإسلام، إذ هو كما


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 4.

ج 22، ص: 190

ترى يمكن كونه مخالفا للضرورة من المذهب، من حرمته عليه لأنه غاصب ظالم.

بل قد عرفت أن الأقوى ذلك أيضا بالنسبة إلى المخالفين لما في سمعت، فما في شرح الأستاد من الإشكال في ذلك في غير محله فيعامل حينئذ ما وقع في أيديهم من ذلك معاملته في يد السلطان و عماله من كونه حلالا للمتناول من الشيعة و حراما على غيره، نعم ظاهر الاذن عدم الفرق بين الأخذ مما قبضه منه بيده بهبة أو شراء أو غيرهما و بين أخذه ممن في ذمته بأمره، بتحويل أو غيره و أنه معامل في ذلك معاملة سلطان العدل، بل ربما كان الظاهر معاملته فيه معاملة الملاك في أملاكهم فكل تصرف منه فيه على حسب تصرفه في أملاكه قد أذن لنا أئمتنا عليهم السلام في إجراء الحكم عليه كما عرفت و تعرف إنشاء الله.

إنما الكلام في اختصاص الاذن المزبور إذا كان السلطان من المخالفين، أو يعمه و الموافق قال: في المسالك الظاهر ان الحكم مختص بالجائر المخالف للحق نظرا إلى معتقدة و استحقاقه ذلك عندهم، فلو كان مؤمنا لم يحل أخذ ما يأخذه منها، لاعترافه بكونه ظالما فيه، و إنما المرجع إلى رأي الحاكم الشرعي، مع احتمال الجواز مطلقا نظرا إلى إطلاق النص و الفتوى، و وجه التقييد أصالة المنع إلا ما أخرجه الدليل و تناوله للمخالف متحقق و المسئول عنه الأئمة إذا كان مخالفا للحق، فيبقى الباقي و إن وجد مطلقا فالقرائن دالة على إرادة المخالف منه التفاتا إلى الواقع، و الغالب.

و فيه مضافا إلى ما اعترف به من اقتضاء إطلاق النص و الفتوى العموم أن الإباحة إنما هي لرفع الحرج و الضرر، و توصل الشيعة إلى حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما يشعر به الحسن السابق، فلا

ج 22، ص: 191

تختص حينئذ بالمخالف و اعتقاده الإباحة جهلا غير مؤثر في جواز الأخذ منه و لو أثر لمكان تأثيره في تسويغه بالنسبة إليه أولى و اختصاص السؤال لا يوجب تخصيص الجواب، مع فرض عمومه على أن أكثر النصوص خالية عن السؤال أو السؤال المخصوص، و تحقق القرينة الصارفة عن إرادة العموم غير معلوم، أو معلوم عدمه.

و لقد أجاد الأستاد في شرحه في تفسيره الجائر بالمتغلب بجنوده، و اتباعه ذا طبل أو جمعة، أو عيدا و لا فرعا أو أصيلا مؤمنا أو مخالفا مستحلا أو لا محتجا عليه بالعموم في الروايات، و أكثر العبارات و بعض منقول الإجماعات نعم يتجه اتساع المملكة و الامتناع بسلطانه على غيره و الاتخاذ لاحوال السلطنة و أوضاعها، على وجه يلحقه باسم السلطان، فلا يجرى الحكم على خصوص بعض الممتنعين، اعتبارا بماء أو جدار أو نحو ذلك على سلطان مملكتهم من غير فرق بين المخالف و غيره أيضا، كما أنه لا يجري على من ادعى سلطانا بلا شوكة، كبعض سلاطين الهند و من كان من ذرية ذوي الشوكة من السلاطين، ضرورة عدم مدخلية النسب في ذلك، و كان من خص الحكم بالمخالف نظرا إلى أن مستند الحكم في جواز التناول منه، ما ورد من النصوص بإلزامهم بما الزموا به أنفسهم من الإرث بالعصبة و غيره (1)و أنهم في ذلك معاملون معاملة أهل الذمة الذين يجوز تناول ثمن الخمر و الخنزير منهم نظرا إلى كونه حلالا في مذهبهم (2)و مقتضاه اختصاص الجواز فيما فعله الجائر موافقا لمذهبه دون غيره.


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 60 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1- 3.

ج 22، ص: 192

و فيه ما عرفت من كون مستند الجواز إذن من له الأمر في ذلك كله، من غير فرق بين من كان منه على وفق مذهبه و أن لنا المهنأ و عليه الوزر كما سمعته سابقا في نصوص جوائزهم (1)و حينئذ لا فرق في أخذ الخراج منه بين القليل و الكثير، و بين ما كان منه موافقا لمصرفه الموظف له و عدمه، و إن قال: بعض مشايخنا لعل الحكمة في ترتب الأحكام المزبورة على ما يتناول منه لزوم فساد النظام و الضيق على أهل الإسلام و التجري على ما يخالف التقية، و إن قوة الجائر فيها دفع الفساد عن العباد

بحفظ بيضة الإسلام، و رفع قطاع الطريق و السراق، و حقن الدماء و حفظ الإعراض إلى غير ذلك، فيكون صرفا في مصالح المسلمين و إن كان على يد من لم يكن أهلا لأمره المؤمنين مما عساه يتوهم منه الاقتصار في الاذن على ما كان موافقا للمصرف الشرعي مؤيدا بأصالة عدمها في غيره.

لكن قد عرفت إطلاق النص و الفتوى، على وجه لا فرق فيه بين الافراد السابقة و غيرها، و التعليل في بعض النصوص السابقة بأن له نصيبا في بيت المال، لا يقتضي اشتراط جواز الأخذ بذلك، و في رسالة الكركي هل يكون الأخذ حلالا مطلقا حتى لمن لم يكن مستحقا للزكاة، و لا ذا نصيب في بيت المال حين وجود الامام عليه السلام أو إنما يكون حلالا بشرط الاستحقاق، حتى أن غير المستحق يجب عليه صرف ذلك إلى مستحقه، إطلاق الاخبار و كلام الأصحاب يقتضي الأول، و تعليلهم بأن للآخذ نصيبا في بيت المال، و أن هذا حق الله مشعر بالثاني، و للتوقف فيه مجال، و إن كان ظاهر كلامهم الأول لأن دفع الضرر


1- 1 الوسائل الباب 51 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 193

لا يكون إلا بالأكل مطلقا قلت: لا مجال للتوقف، بعد ما عرفت من إطلاق النص و الفتوى بالأذن الموافق لسهولة الملة و رفع الحرج عن الشيعة الذين لهم المهنأ و عليه الوزر.

نعم ليس لمن عليه الخراج أو غيره خيانته بالسرقة منه أو الامتناع عن تسليمه إذا لم يكن هو من مصارفه و إن تمكن من التقية لأصالة عدم إباحته له، و تحقق الاذن فيما تناوله من يده، لا يقتضي تحققها في ذلك فيبقى حينئذ أصالة شغل ذمته به بحالها، ضرورة كون الخراج كاجرة الأرض قد استحقه المسلمون منه بمجرد انتفاعه بالأرض و ما في

خبر أبي بصير(1)«سألت أحدهما عليهما السلام عن شراء السرقة و الخيانة فقال: لا إلا أن يكون من متاع السلطان فلا بأس بذلك»

و خبر سماعة(2)«سألته عن شراء الخيانة و السرقة فقال: إذا عرفت أنه كذلك فلا إلا أن يكون شيئا اشتريته من العامل»

محمول على ارادة جواز الشراء من السلطان و عامله و إن كانا خائنين سارقين لأموال المسلمين فيكون حينئذ كباقي النصوص الدالة على جواز الشراء منهم.

إلا أن المراد جواز شراء السرقة من مال السلطان مع احتماله، كما فهمه الكاشاني معللا له بأنه ليس للسلطان، و إنما هو في ء للمسلمين لانه ناصب «و قد مضى

«خذ مال الناصب أينما وجدت و ابعث إلينا بالخمس»(3)

فخمسة للإمام عليه السلام و الباقي لمن وجده من المسلمين، و الامام قد أذن بشراء عينه، و البائع هو الواجد، فإنه لا يختلف من وجه إذا كان من مال الخراج و نحوه، و لم يناف التقية


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 6.

ج 22، ص: 194

كما ستعرف.

و خبر علي بن يقطين (1)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول في أعمال هؤلاء؟ قال: إن كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة، و لذا كان على يجبيها منهم علانية، و يردها عليهم في السر»

محمول على غير الخراج أو يكون ذلك إذنا من الامام عليه السلام رد الخراج إليهم، أو لأن عليا كان من عمالهم في الظاهر فإعطاؤه كاعطائهم في الجواز أو نحو ذلك كما أومى إليه الكركي في رسالته قال: يمكن أن يكون المراد به، ما يحصل عليهم من وجوه الظلم المحرمة، و يمكن أن يراد به وجوه الخراج و الزكوات و المقاسمات، إلا أنها و إن كانت حقا عليهم، فليست حقا للجائر، فلا يكون جمعها لأجله إلا عند الضرورة، ثم قال: و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الأعظم علي بن هلال و قال: ظني أنه بغير واسطة بل بالمشافهة أنه لا يجوز لمن عليه الخراج و المقاسمة سرقته و جحوده و لا منعه و لا شيئا منه لأن ذلك حق عليه.

قلت: و كذا من عاصرناه من المشايخ خصوصا الأستاد الأكبر قال: في شرحه على القواعد و يقوي حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها، أو عن تسليم ثمنها إلى الجائر، و إن حرمت عليه، و دخل تسليمها في الإعانة على الإثم في البداية أو الغاية، لنص الأصحاب على ذلك، و دعوى الإجماع فيه و جعلها من

الجعل له، على حماية بيضة الإسلام، فتحل له، لم يقم عليه دليل إلى آخره و لا يخفى عليك أن ذلك كله لما عرفته من أن الخراج أجرة الأرض و قد استحقه المسلمون على التصرف بالأرض، بمجرد انتفاعه بها، فان كانت يد الشرع مبسوطة


1- 1 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.

ج 22، ص: 195

دفعه إلى ولي المسلمين، و إلا دفعه إلى الجائر مع قضاء التقية به، فلو فرض عدمها في بعض الأحوال و الأمكنة و الأزمنة، و لو بالنسبة إلى بعض الخراج دفعه إلى الحاكم المنصوب من قبلهم عليهم السلام في زمن الغيبة على كل ما كان لهم توليته في حال قصور اليد و بسطها، حتى الحد في وجه قوي، فضلا عن قبض الزكوات و الأخماس و الولايات على الصبيان و المجانين و غيرهم، كما لا يخفى على من لاحظ كلام الأصحاب القدماء و المتأخرين، في باب الأمر بالمعروف و القضاء و الزكاة و غيرها من أبواب الفقه، و من الغريب دعوى بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص جواز الدفع في الخراج و نحوه بالجائر ملاحظة للتقية الزمانية و أن الأصل عدم الاذن منهم عليهم السلام في الدفع إلى غيره، و لاقتصار النص في المقام و نظائره على بيان حكمه في يد الجائر.

و فيه أولا أنه كغيره من الأحكام التي شرعت للتقية، المعلوم كونها دائرة مدارها فمع فرض عدمها في حال أو في زمان أو مكان لا ينبغي التأمل في عدم جواز مراعاتها أو كون الزمان زمانها لا يقتضي ذلك و إن فرض عدمها في بعض الأحوال كما هو واضح، بل هو من الضروريات علما و عملا، و ثانيا أن أقصاها جواز الدفع، أما وجوبه على وجه بحيث لا يجزى لو دفعه إلى حاكم الشرع المنصوب من قبلهم فغير معلوم، بل معلوم خلافه، و لإطلاق ما دل على ولايته من النص (1)و الفتوى، و الظاهر أن اقتصار الأصحاب في المقام على بيان حكمه في يد الجائر، لمعلومية حاله في يد الفقيه الذي يده كيد الامام، و قد اتكلوا في بيان ذلك على ما ذكروه في غير المقام، من أن منصبه منصب الامام و إنما المراد لهم بيان حكمه في يد الجائر، التي هي مظنة المنع باعتبار


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب صفات القاضي الحديث 1 و 9.

ج 22، ص: 196

كونها غاصبة و ظالمة، بل قد عرفت توهم غير واحد من متأخري المتأخرين ذلك مع هذا التصريح منهم.

و لعل هذا بعد التأمل مما يقطع به الفقيه بأدنى نظر و تأمل، قال:

الكركي في رسالته بعد ما ادعى الإجماع على جواز تناوله من يد الجائر فإن قلت: فهل يجوز أن يتولى من له النيابة حال الغيبة ذلك عن الفقيه الجامع للشرائط قلت لا نعرف للأصحاب في ذلك تصريحا و لكن من جوز للفقهاء في حال الغيبة تولي استيفاء الحدود و غير ذلك من توابع منصب الإمامة، فينبغي تجويزه

هذا بطريق أولى لأن هذا أقل منه خطرا لا سيما و المستحقون لذلك موجودون في كل عصر، إذ ليس هو مقصورا على الغزاة و المجاهدين كما سيأتي، و من تأمل في كتب كبراء علمائنا مثل السيد الشريف، و علم المحققين نصير الملة و الدين. و بحر العلوم جمال الملة و الدين، و غيرهم نظر متأمل منصف، لم يعترضه شك في أنهم كانوا يسلكون هذا المنهج و يتجوزون هذا السبيل، و ما كانوا يودعون كنههم الا ما يعتقدون صحته، قلت: قد عرفت أنه لا ينبغي الشك في الحكم المزبور فله حينئذ تسليم الخراج له إذا لم تكن تقية تنافيه، بل الظاهر تعميمه لعدم ثبوت الاذن في التسليم للجائز في هذا الحال، و لما تسمعه

في الصحيح «لا تعطوا بني أمية ما استطعتم»(1)

و عن ملا فيض المراد من عدم حل المنع و السرقة عدمهما ممن اشتراها من الجائر و أما الجائر فيجوز ذلك بالنسبة إليه، قلت: بل قد عرفت وجوبه إذا لم يناف التقية.

هذا و لكن في شرح الأستاد بعد أن ذكر الحكمة التي قدمناها في ترتب الاحكام على ما في يد الجائر قال: و مع عدم السلطان الجائر، فالمرجع إليه الفقيه المأمون فيما يتعلق بأمور المسلمين، و القول بجواز


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب مستحقين الزكاة الحديث 3.

ج 22، ص: 197

أخذ الجميع للمؤمنين فيما يكتسبونه بزراعتهم عند عدم تسلط الجائر هو الأقوى على نحو ما سيجي ء تفصيله لظاهر الأخبار، و ظاهرة

ترتب ولاية الفقيه على عدم السلطان الجائر، كما أن ظاهره سقوط الخراج عن المؤمنين حينئذ، و فيهما معا منع واضح، و إن كان ربما يشهد للثاني منهما في الجملة نصوص التحليل (1)و ما

ورد أيضا(2)من «أن الأرض كلها لنا، و أنه قد أبحنا ذلك لشيعتنا، إلى ظهور قائمنا فيأخذ طسقها من الشيعة و يتركها في أيديهم كما أنه يأخذ الأرض جميعا من أيدي أعدائهم»

إلا أن ذلك مطرح عند الأصحاب، بالنسبة إلى ذلك، و ربما كان المراد منها خصوص الموات الذي هو لهم من الأنفال، أو غير ذلك دون الأراضي الخراجية التي للمسلمين فان خراجها غير ساقط عمن انتفع بها، و لذا جاز تناوله من يد الجائر فإن قضت التقية بتسليمه للجائر دفعه إليه، و برئت ذمته و إلا دفعه إلى حاكم الشرع صرفه في مصارفه، و دعوى عدم الولاية لحاكم الشرع مع السلطان الجائر، و إن لم تقض التقية بالدفع إليه واضحة المنع، كما عرفته فيما تقدم، مضافا إلى أنه لا شك في أن للإمام حال قصور يده ذلك، كما صرح به في بعض النصوص، و كلما كان له صار لنائبه المنصوب من قبله.

و ما في ذيل

خبر عبد العزيز بن نافع (3)«قال: طلبنا الاذن على أبي عبد الله عليه السلام فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين فدخلت أنا و رجل معي

فقلت: للرجل أحب أن تحل باب المسألة فقال: نعم، فقال له: جعلت فداك


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 12 و- 3 من أبواب إحياء الموات الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 18.

ج 22، ص: 198

ان أبي كان ممن سباه بنو أمية، و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا و لا يحللوا، و لم يكن لهم مما في أيديهم قليل و لا كثير، و إنما ذلك لكم فإذا ذكرت الذي كتب فيه دخلني من ذلك ما كان يفسد علي عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حل مما كان من ذلك و كل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك قال:

فقمنا و خرجنا فسبقنا معتب إلى النفر القعود الذين ينتظرون إذن أبي عبد الله عليه السلام، فقال لهم: قد ظفر عبد العزيز ابن نافع بشي ء ما ظفر بمثله أحد قط، قيل له: و ما ذاك ففسره لهم، فقام اثنان فدخلا على أبي عبد الله عليه السلام فقال: أحدهما جعلت فداك إن أبي كان من سبايا بني أمية، و قد علمت أن بني أمية لم يكن لهم من ذلك قليل و لا كثير، و أنا أحب أن تجعلني من ذلك في حل، فقال:

ذلك إلينا و ما ذلك إلينا ما لنا أن نحل و لا نحرم، فخرج الرجلان و غضب أبو عبد الله عليه السلام فلم يدخل عليه أحد في تلك الليلة إلا بدأه أبو عبد الله عليه السلام فقال: ألا تعجبون من فلان يجيئني فيستحلني مما صنعت بنو أمية كأنه يرى ذلك إلينا و لم ينتفع أحد في تلك الليلة بقليل و لا كثير إلا الأولين فإنهما عنيا بحاجتهما»

محمول على التقية بقرينة ما في صدره، و قد سمعت خبر ضريس (1)و غيره مما يدل على ذلك، بل كان المسألة ليست محل شك، كما قد عرفت أنه لا شك في أن ليس لأحد الامتناع من أداء الخراج بل الظاهر ذلك و لو كان من عليه الخراج من جملة مصارفه، أما مع التقية فواضح، و أما مع عدمها فلا بد له من الاستيذان من حاكم الشرع، لعدم ثبوت التحليل له من الأئمة عليهم السلام على وجه لا يحتاج معه إلى مراجعة منصوبهم، و إن


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 3.

ج 22، ص: 199

كان هو محتملا إلا أن الأحوط إن لم يكن الأقوى ما قلناه.

و كيف كان فالخراج و المقاسمة ليس لهما مقدار معين في الشرع، بلا خلاف أجده فيه بل هو راجع إلى نظر الامام عليه السلام على حسب ما تقتضيه مصلحة جميع المسلمين بحسب الأزمنة و الأمكنة، و الأحوال التي تختلف معها الرغبات و غيرها من المنتفعين بالأرض، أو بخراجها كما فعله أمير المؤمنين في أيام خلافته (1)

و قال: أبو الحسن الأول عليه السلام في حديث (2)«و الأرض التي أخذت عنوة بخيل و ركاب، فهي موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها، على صلح ما يصالحهم عليه الوالي

على قدر طاقتهم من الخراج، النصف و الثلث و الثلثان، و على قدر ما يكون لهم صلحا و لا يضر بهم»

بل في رسالة الكركي الإجماع على ذلك، و حينئذ فالخراج مقاسمة كان أو غيره، أجرة الأرض على حسب مقتضى المصلحة الجامعة بين الطرفين.

و إلى ذلك يرجع ما قيل من أن الخراج ما ينص به الجائر، قل أو كثر ما لم يصل إلى حد الظلم، و حينئذ فمتى زاد الجائر على ذلك كان حراما تناوله منه، و إن سماه باسم الخراج، ضرورة كونه ظلما و إن كان هو حلالا في مذهبه و إن كان لا يعتبر فيها الاتفاق بين السلطان و الرعية على الأقوى، خلافا لما عن بعضهم من اعتبار ذلك، و هو بعيد الوجه و الوقوع كما اعترف به في ذلك المسالك و غيرها فما عن السيد العميد من أنه يصح بشرط أن يأخذ الجائر بقدر ما يأخذ سلطان الحق لا أزيد إلا مع رضا المالك، و إن زاد و لم يرض المالك حرم الجميع إن أراد به القول المزبور كان واضح الضعف، و إلا فهو راجع إلى ما


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب زكاة الفلاة.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 539 الحديث 4.

ج 22، ص: 200

قلناه غير أن قوله أخيرا حرم الجميع فيه ما لا يخفى.

نعم لو أخذه من مخالف مثله على وجه يحل في مذهبه حل لنا، و إن حرم في مذهبنا إلزاما لهم بما الزموا به أنفسهم (1)، بل و كذا لو

كان حلالا في مذهبنا حراما في مذهبهم، و لو خفف الخراج على بعض المؤمنين، نفذ تخفيفه كما لو رفع يدا عن أصل الخراج، لأنه أحل تصرفاته التي سمعت الاذن بها لنا، مع احتمال الرجوع بها حينئذ إلى الحاكم الشرعي، لما عرفت من كون الخراج أجرة أرض ثبتت للمسلمين، عوض الانتفاع فان غصبه الجائر و أخذه، أسقط الشارع إعادته إرفاقا، أما إذا لم يكن غصب وجب تسليمه إلى ولي الأمر أو نائبه، و ليس هذا كتصرفاته في الخراج، على من لم يكن في ذمته، ضرورة كونها حينئذ من الغصب بخلاف الفرض فإنه لا غصب، و لعل ذلك لا يخلو من قوة، و هل يجري الحكم فيما يضربه الجائر من الخراج على ما يختص بالإمام، لأنه من الأنفال كموات الأرض يحتمل ذلك عملا بإطلاق النص و الفتوى، و يقوى في النفس العدم لعدم ثبوت الاذن منهم عليهم السلام في ذلك بعد كون المنساق من الإطلاق المزبور غيره، بل إطلاق

قولهم: «من أحيى أرضا ميتة فهي له»

يقتضي العدم بل يقتضي عدم وجوب الرجوع به إلى نائب الغيبة أيضا.

و أما مصرف الخراج لو وقع في يد الحاكم فالمتجه قصره على المصالح العامة للمسلمين، كبناء القناطر و حفظ الطرق، و اعانة المجتهدين، و نحو ذلك قال: الكركي في رسالته قد ذكر أصحابنا في مصرف الخراج أن الامام يجعل منه أرزاق الغزاة و الولاة و الحكام و سائر وجوه الولايات،


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب ميراث الاخوة و الأجداد الحديث 5.

ج 22، ص: 201

قال: الشيخ في المبسوط في فصل أقسام الغزاة ما يحتاج إليه من الكراع و آلات الحرب، كان من بيت المال، من أموال المصالح، و كذلك رزق الحكام و ولاة الأحداث، و الصلاة و غير ذلك من وجوه الولايات، فإنهم يعطون من المصالح، و هي تخرج من ارتفاع الأرضين المفتوحة عنوة، و كذا قال: العلامة حاكيا عن الشيخ و قد سلف لنا في الجهاد ما يقتضي عموم الاذن فيه في زمن الغيبة، و لكن الأحوط ما هنا هذا كله في الخراج، و ما شابهه من الجزية و نحوها مما هو راجع للمسلمين، و ولاية قبضه و التصرف فيه لإمامهم فغصبه الجائر.

و أما ما يأخذه من الأنعام و غيرها من الأموال الظاهرة التي لا يمكن سترها على حكام الجور باسم الزكاة فظاهر الأصحاب بل هو من معقد إجماعاتهم أن حكمه حكم الخراج ف يجوز حينئذ ابتياعه و قبول هبته و غير ذلك من التصرفات فيه التي عرفت تفصيلها في الخراج، و لا يجب اعادته على أربابه و إن عرف بعينه و قد سمعت ما يدل عليه من النصوص، لكن في المسالك أنه يشترط هنا أن لا يأخذ الجائر زيادة عن الواجب شرعا في مذهبه، و أن يكون صرفه لها على وجهها المعتبر عندهم، بحيث لا يعد عندهم عاصيا، إذ يمتنع الأخذ منه عندهم أيضا، و فيه ما عرفت سابقا في الخراج الذي له أرباب مخصوصون أيضا من المخالفة، لإطلاق النص و الفتوى و أن اعتقاده الحلية غير مؤثر و إلا لآثر في الإباحة له، و لذا قال: و يحتمل الجواز مطلقا نظرا إلى إطلاق النص (1)و

الفتوى، بل الظاهر براءة الذمة من أدائها مرة أخرى، كالخراج، و لصيرورتها زكاة بقبض الجائر أو عامله، و لذا رخص في شرائها منه، كما سمعت التصريح به في النص


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 22، ص: 202

السابق، إذ لو لم تكن زكاة كانت غصبا لا يجوز لأحد شرائها منه، فغصب الجائر لها كغصبه للخراج في إجراء حكم قبض الامام و نائبه من تشخيص كونه خراجا و زكاة مبرأ لذمة من كان عليه.

و حكم التصرف فيها ما سمعته في الخراج من إذنهم عليهم السلام في شرائها و غيره، و كما عن جامع المقاصد الاعتراف به في الجملة، قال:

إن ظاهر الأخبار و العبارات جواز أخذها لكل أحد و إن كان غنيا إلى آخره، و حينئذ فينوي المالك عند الدفع إليه، و يجتزى به و لا ينافيه كونه غير نائب للمستحقين كما لا ينافي براءة الذمة من الخراج بقبضه له و إن كان غير نائب عن المستحقين، بل هنا أولى لكون الزكاة في العين فإذا قسمها معه الجائر كان كعزله لها ثم غصبت منه، أو كانت كغصب الغاصب حصة شريك مخصوص، بناء على قيامه مقام المالك في القسمة فلا يشارك حينئذ في الباقي لحديث نفي الضرر و الضرار(1)و غيره و إن كان لنا فيه بحث يأتي في محله إنشاء الله.

هذا كله مضافا إلى ظواهر

الصحاح المستفيضة منها(2)«ما أخذه منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فان المال لا لا يبقى على هذا أن يزكيه مرتين»

و منها(3)«عن صدقة المال يأخذه السلطان فقال: لا أمرك أن تعيد»

بل قد يستفاد من كثير من المعتبرة التي قد تقدمت في كتاب الزكاة و فيها الصحيح و غيره، جواز احتساب ما يأخذه باسم الخراج مكان الزكاة، إلا أن ظاهر الأصحاب الإطباق على ردها، بل عن المنتهى الإجماع عليه، فتكون شاذة مع أنها محتملة للتقية من أبى حنيفة الذي يحكى عنه القول بمضمونها.


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5.

ج 22، ص: 203

فما في المسالك حينئذ من أن الأقوى عدم الاجتزاء بذلك، بل غايته سقوط الزكاة عما يأخذه إذا لم يفرط فيه، و وجوب دفعه أعم من كونه على وجه الزكاة أو المضي معهم في أحكامهم و التحرز عن الضرر بمباينتهم واضح الضعف، و إن كان قد يحتج له بالأصل و العمومات التي يجب الخروج عنها بما عرفت و

بالصحيح (1)«أن هؤلاء المصدقين يأتون فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أ تجزي فقال: لا

إنما هؤلاء قوم غصبوكم أو ظلموكم، و إنما الصدقة لأهلها»

المحمول لقصوره عن المعارضة، من وجوه على الندب أو على ما عن الشيخ من الإعطاء اختيارا، و إن بعد الثاني بالتعليل بالظلم، و دعوى الفرق بين الزكاة و غيرها، أن من كانت عليه يمكنه الاعتذار من الجائر بأني قد دفعتها إلى مستحقها، لعدم وجوب تسليمها إليه عندهم، واضحة الفساد، لمنع عدم الوجوب عندهم مع الطلب من ولي الأمر الذي يزعمه أنه هو، و لأن محل البحث فيما لا يمكن التخلص منه كما عرفته سابقا في الخراج ضرورة كون الحكم دائرا مدار التقية التي لا فرق معها بين دفع الزكاة من العين، أو من غيرها عوضا لما عرفت من معاملته في ذلك معاملة سلطان العدل، و الله اعلم.

[الفصل الثاني في عقد البيع و شروطه و آدابه ]

اشارة

الفصل الثاني في عقد البيع و شروطه و آدابه

[مقدمة في ألفاظ عقد البيع ]
اشارة

العقد أي عقد البيع هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك إلى آخر بعوض معلوم و ظاهره كاللمعة أن البيع نقل الملك بعوض معلوم و به صرح الكركي حيث عرفه بأنه نقل الملك من مالك إلى غيره بصيغة مخصوصة لا انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره، بعوض مقدر على وجه التراضي، كما في المبسوط و السرائر و القواعد و التذكرة و التحرير و نهاية


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6.

ج 22، ص: 204

الاحكام و تلخيص المرام، و لا العقد الدال على الانتقال المذكور، كما في الوسيلة و المختلف مدعيا في الأخير أنه المتبادر من لفظ البيع عند الإطلاق، بل ربما أيد بشيوع إطلاق العقد على البيع و غيره، من المعاملات، و تقسيم العقود إليهما في مقابل الإيقاعات، و قد سبقهما الحلبي إلى تعريفه بالعقد، فقال: في المحكي من كافيه أنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع و الثمن و تسليمهما، و في معناه الإيجاب و القبول كما في النافع و الدروس و التنقيح على اختلافها في القيود، ففي الأخير اعتبار التراضي و كمال المتعاقدين و معلومية العوضين و يوافقه الثاني إلا في معلومية العوض و يخالفهما الأول إلا في معلومية العوض، و فيه زيادة تقييد المعوض بالملك، كذا قيل: فيكون كلام الأصحاب في تفسير البيع، على اختلافه في القيود زيادة و نقصا منحصرا في ثلاثة، نقل مخصوص أو انتقال أو عقد كذلك لا مطلقها قطعا، كما عساه يتوهم من تفسيره بأحدها في بعض العبارات، على حسب تفسير أهل اللغة غيره بالأعم، كسعدانة نبت، و نحوها مما يعلم منه إرادة كونه من هذا الجنس لا كشف تمام المعنى، كما أن من المعلوم كون البيع و غيره للأعم من الصحيح و الفاسد، و أنه لا حقيقة شرعية لشي ء منها كما هو مفروغ منه في محله، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي الاتفاق عليه هنا، و قول: بعض الأصحاب في بعضها لغة كذا، و شرعا كذا، محمول على إرادة الشرعي، و لو من حيث الشرائط هذا.

و لكن في شرح الأستاد البيع لغة أو عرفا عاما أو خاصا عند المتشرعة، أو عند الشارع كسائر ألفاظ المعاملات، و يضعف احتمال الأخيرين منها، نقل أو انتقال أو هما مطلقين، أو مقيدين بكونهما مستفادين، من ألفاظ مطلقة أو خاصة أو ما دل على أحدهما أو عليهما

ج 22، ص: 205

من لفظ خاص أو مطلق أو ما يقوم مقامه من إشارة و نحوها أو أخذ أو إعطاء إلى آخره، و هو كما ترى مشتمل على ما هو مجرد احتمال عقلا، و إن قطع بفساده، و على كل حال. فلم نجد في شي ء مما وصل إلينا من كبت الأصحاب تعريفا له جامعا مانعا مقتصرا فيه، على ذكر ما ينكشف به نفس المعنى الموضوع له اللفظ، من غير ذكر ما هو من الشرائط، و نحوها مما لا مدخلية له في نفس المعنى، ضرورة كونه للأعم و هي للصحيح منه المعلوم عدم إرادتهم إياه بالتعريف، و إلا لوجب الاستقصاء في ذكر الشرائط، و لا ينافيه ذكرهم النقل و الانتقال و العقد ضرورة كون المراد من الأولين ما يعم الصورة و لو مجازا و من الأول العقد الصالح للنقل لا خصوص المستجمع للشرائط و لا خصوص المتحقق من النقل و الانتقال دون الصوري، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و من ذلك يعلم عدم كون المراد لهم فيما يذكرونه من الحدود إلا الكشف في الجملة، نحو تفسير أهل اللغة لا التحديد على طريقة أهل الميزان، فلا وجه للإطناب في المناقشة فيما يذكرونه منها في الطرد و العكس و نحوهما، و قد قيل أن أجودها تعريف الحلبي له، بأنه عقد يقتضي استحقاق التصرف في المبيع و الثمن و تسليمهما، و الكركي بأنه نقل الملك من مالك إلى غيره بصيغة مخصوصة، و الأول منهما مع كونه مبنيا على أنه عقد و ستعرف ما فيه، مشتمل على الدور لذكر المبيع فيه، بل لعل الثاني كذلك أيضا، ضرورة إرادة صيغة البيع من الصيغة المخصوصة فيه، و إلا انتقض بغيره، مضافا إلى منافاته ما عنده من كون المعاطاة بيعا، مدعيا الاتفاق عليه، اللهم إلا أن يدفع الدور بأن الموقوف معرفة البيع بالرسم أو الوجه الأتم، و الموقوف عليه معرفته بالوجه الظاهر المعلوم لكل أحد، و في مصابيح العلامة الطباطبائي أن

ج 22، ص: 206

الأخصر و الأسد، تعريفه بأنه إنشاء تمليك العين بعوض على وجه التراضي، فإنه مع سلامته عن وصمة الدور و المجاز، خال عن القيود المستدركة و الخارجة عن الحقيقة.

و فيه مع كونه مبنيا على أصالة البيع في نقل الأعيان بالعوض، من دون توقف على قصد البيع، ينتقض بالصلح و الهبة المعوضة، و دفعه باعتبار القيد به فيه دونهما، يشكل بأن ذلك ليس من القيود التي لها مدخلية في تمييز الأفراد الخارجية، و يرد عليه أيضا بعد تسليم كون العين و العوض معتبرين في مفهوم البيع الذي هو أعم من الصحيح و الفاسد، أن التراضي غير معتبر في مفهومه قطعا، ضرورة صدقة على بيع المكره كما هو واضح، و كيف كان فليس زيادة القيود و نقصها في الحدود بعد الاتفاق على كونه أحد الثلاثة السابقة اختلافا في أصل المعنى، بل هو من اختلاف طرق الكشف في الجملة.

إنما الكلام في تعيين أحدها، و الظاهر أنه النقل للتبادر الذي لا ينافي اقتضاءه الحقيقة إطلاقه على العقد المبني على المسامحة، كما نبه عليه ثاني الشهيدين في الروضة، و العقود المقابلة للإيقاعات في اصطلاحهم ما توقفت على الإيجاب و القبول، فلا تأييد فيه للقول بكون البيع نفس العقد، و لأن البيع فعل فلا يكون انتقالا لانه انفعال و لا عقدا لما تعرفه إنشاء الله تعالى و لانه لفظ من مقولة الكيف، و المقولات العشرة متباينة، فلا يصدق بعضها على بعض، و حمل العقد على المعنى المصدري ليكون فعلا بعيد جدا فان المفهوم منه اصطلاحا هو المعنى الاسمي لا المصدري و لأن الانتقال أثر البيع، و غايته المترتبة عليه، و العقد سببه المؤدي إليه، و السبب غير المسبب، فيمتنع تعريف أحدهما بالاخر، بالقول عليه و إن جاز أخذه قيدا للمقول، و لان النقل هو الموافق لتصاريف

ج 22، ص: 207

البيع، و ما يشتق من الافعال و الصفات بخلاف غيره، إذ لا يراد ببعت مثلا معنى الانتقال كما هو ظاهر و لا العقد، و إلا لكان إيجابا و قبولا معا، و هو معلوم البطلان، و كذا البائع فإنه ليس بمعنى المنتقل، و لا بمعنى الموجب و المقابل و المطرد في الجميع هو النقل، فيكون البيع موضوعا له اجراء له على الأصل من لزوم التوافق مع الإمكان، فلا يقدح تخلفه في النكاح، لثبوت وضعه للعقد، و امتناع الموافقة في أنكحت و نحوه، فوجب صرفه إلى معنى آخر، كتمليك الانتفاع، و التسليط على الوطي و غيرهما مما يناسب العقد، بخلاف المقام الذي لم يثبت وضعه فيه للعقد.

بل قد عرفت ثبوت الخلاف، و أنه موضوع للنقل، بل ربما تكلف ورد تعريفه بأحدهما إليه، إما بتقدير مصحح في الكلام، أو بإطلاق اسم المسبب أو السبب على الأخر، أو بحمل الانتقال و العقد على البيع مبالغة، كما في زيد عدل و إن كان مجازا، إلا أنه جاز اتكالا على الظهور، و لما قدمناه من أن التعاريف في مثل المقام مراد منها الكشف في الجملة، شبه التعاريف اللغوية، فلا يضر ارتكاب التجوز فيها، على أنه قد يقال بكون الممنوع في التعريف، خصوص المجاز العقلي لعدم النسبة بين الحد و الحدود، لا بالإسناد و لا بالتقييد أو يقال: بأن اختلاف الحدود لاختلاف البيع في الإطلاق، لا لاختلاف في معناه، و لا تجوز حينئذ في شي ء من الحدود، ضرورة كونه حينئذ في البيع المحدود بالعقد و الانتقال دون الحد، بل ربما قيل: ان التعريف بالانتقالى للبيع مصدرا للفعل المبني للمجهول، فيوافق حينئذ تعريفه بالنقل مصدرا للفعل المعلوم، و يسلم من التجوز في الحد المحدود و إن كان فيه ما فيه، و الأمر في ذلك كله سهل بعد ما عرفت.

ج 22، ص: 208

نعم ينبغي أن يعلم أن البيع كما يطلق على إنشاء التمليك المذكور فقد يطلق على فعل المشتري، و هو إنشاء التملك لما ملكه البائع فإنه كالشراء من الأضداد و يطلق البيع إطلاقا شائعا، و يراد به المعاملة القائمة بالبائع و المشتري معا، و هي المعنى الحاصل بالعقد الجامع لمعنى البيع و الشراء، و استعماله في المعاملة و حملها عليه و تقسيمها إليه و إلى غيره ظاهر معروف، و عن المصباح المنير الأصل في البيع مبادلة مال بمال، و هذا هو المناسب في نحو قوله تعالى (1)«أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ» و قوله سبحانه (2)«رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» و قوله عز و جل (3)«فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ» و قولهم كتاب البيع و أقسام البيع و أحكام البيع و يوصف البيع بالصحة و الفساد و اللزوم و الجواز و اقترانه بالمعاملات كالإجارة و الصلح و نحوهما، و يعرف البيع بهذا المعنى بأنه معاملة موضوعة لتمليك عين بعوض و تملكها به، و وجه القيود و الاكتفاء بها ظاهر مما سبق.

و لعل نظر الأستاد فيما سمعته من كلامه إلى هذه الإطلاقات للفظ البيع و حينئذ حمل لفظ أو في كلامه على معنى الواو ممكن في كثير مما

ذكره و لو بالنظر إلى الإطلاقات المتعددة، ثم لا خلاف و لا إشكال في اعتبار كون المبيع عينا، و لذلك اشتهر بينهم انه لنقل الأعيان كاشتهار أن الإجارة لنقل المنافع، نعم لا فرق فيها بين كونها مشخصة و كلية مستقرة في الذمة كالدين، و مضمونة كالمسلم فيه، و الموصوف المبيع حالا، و الكلي المشاع


1- 1 سورة البقرة الآية 275.
2- 2 سورة النور الآية 37.
3- 3 سورة الجمعة الآية 9.

ج 22، ص: 209

فإن ذلك كله من الأعيان، فما عساه يتوهم من بعض الاخبار من اعتبار العين فعلا، ضعيف السند قاصر الدلالة، معارض بما هو أصح و أوضح، أما الثمن فالظاهر من إطلاق الأدلة و الفتاوى ما صرح به في المصابيح من أنه مطلق المقابل، فيدخل فيه الشخصي و الكلي و العين و المنفعة، فيكون البيع حينئذ بالنسبة إلى ذلك كالإجارة و الصلح، يقع لكل منهما و لا فرق بينهما من هذه الجهة، و إنما الفرق في المعوض، فيختص البيع بالعين، و الإجارة بالمنفعة، و يقع الصلح عليهما كما يقع بهما.

و عن بعض المتأخرين اعتبار عينية العوضين، و هو وهم نشأ من قولهم: البيع لنقل الأعيان، و ليس المراد به على العموم بل خصوص المعوض، كقولهم في الإجارة لنقل المنافع نعم في شرح الأستاد اعتبار عدم كونه حقا مع أنه لا يخلو من منع لما عرفته من الإطلاق المزبور المقتضي لكونه كالصلح الذي لا إشكال في وقوعه على الحقوق، فلا يبعد صحة وقوعها ثمنا في البيع و غيره، من غير فرق بين اقتضاء ذلك سقوطها كبيع العين بحق الخيار و الشفعة على معنى سقوطهما، و بين اقتضائه نقلها كحق التحجير و نحوه، و كان نظره رحمه الله في المنع إلى الأول باعتبار معلومية كون البيع من النواقل لا من المسقطات بخلاف الصلح، و فيه أن البيع بيع الدين على من هو عليه، و لا ريب في اقتضائه حينئذ الإسقاط و لو باعتبار أن الإنسان لا يملك على نفسه ما يملكه غيره عليه، الذي بعينه يقرر في نحو حق الخيار و الشفعة، و الله أعلم.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله المراد بالبيع أما عقده فهو ما ذكره المصنف من اللفظ الدال عليه بلا خلاف معتد به أجده فيه بل يمكن تحصيل الإجماع على كونه كذلك في العقود اللازمة، بل لعله

ج 22، ص: 210

من ضروريات المذهب، فضلا عن دعوى التواتر فيه من سيد المرسلين صلى الله عليه و آله و عترته الأئمة الطاهرين عليهم السلام ك

قوله عليه السلام «إنما يحلل و يحرم الكلام»(1)

و غيره مما دل على توقف عقد البيع و غيره على الألفاظ، بل هي المرادة من العقود بالمعنى الاسمي.

و حينئذ ف لا يكفي في حصول العقد التقابض و لا غيره من الأفعال التي لا فرق بين ما ورد

النهي عن العقد بها(2)كالمنابذة و اللمس و رمي الحصاة و غيرها في عدم الاكتفاء بها في العقد من غير لفظ و إن حصل من الامارات ما يدل على إرادة إنشاء البيع في الحقير أو الخطير للأصل المقرر بوجوه الإجماع بقسميه أو الضرورة، و صدق البيع مثلا بعد التسليم، و التجارة عن تراض، لا يستلزم تحقق العقد الذي يترتب عليه اللزوم و نحوه كما هو واضح، خلافا لأحمد بن حنبل و مالك فاكتفيا به (3)و بغيره من الأفعال مطلقا، و لبعض الحنفية و الشافعية و ابن شريح في خصوص الحقير، و إن اختلفوا في تفسيره، فبين من أحاله على العرف، و بين من قدره بما دون نصاب السرقة، و قد استقر إجماعنا على خلاف ذلك، نعم قد اشتهر نقل قول ابن حنبل عن شيخنا المفيد بل اختاره الكاشاني و الأردبيلي بعد أن حكيا عنه، بل كأنه مال إليه ثاني الشهيدين في المسالك، حيث قال: ما أحسنه و أمتن دليله إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، و فيه ما عرفت من أن الضرورة من المذهب، فضلا عن الإجماع على خلافه، و ليس فيما وصل إلينا من


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13.
3- 3 التذكرة ج 1 ص 462.

ج 22، ص: 211

كلام المفيد تصريح بما نسب إليه بل و لا ظهور.

نعم قال: في المقنعة في المقام ينعقد البيع على تراض بين الاثنين فيما يملكان التبايع له إذا عرفاه جميعا، و تراضيا بالبيع و تقابضا و افترقا بالأبدان، و الظاهر إرادته من ذلك بيان الشرائط لصحة البيع و لزومه لأن

المراد تحققه بذلك من دون صيغة، بل لعل قوله و تراضيا بالبيع و تقابضا ظاهر في تحقق البيع قبل التقابض لا به، كما أن الظاهر في سبب عدم تعرضه للصيغة، معلومية اعتبارها و أنها من الضروريات التي استغنت بذلك عن ذكرها في النصوص و غيرها، كما يومي إليه ترك التعرض لها في الكتاب المزبور في النكاح و الطلاق و نحوهما، مما لا إشكال في اعتبار الصيغة فيه، و أن بتركها يتحقق الزنا و إن حصل التراضي، بل هو من ضروريات الدين، بل يومي إلى اعتباره العقد ما ذكره في كيفية كتابة السجلات إذا تأمله المتأمل، بل لعل الظاهر من المفيد اعتبار اللفظ المخصوص في تحقق البيع فضلا عن عقده، و ان المعاطاة عنده ليست بيعا أصلا فضلا عن كونها عقدا، و يرشد إلى ذلك ما عن الآبي من نسبة اعتبار اللفظ المخصوص في البيع إليه و إلى الطوسي، و في المختلف للمفيد قول يوهم الجواز، أي جواز العقد بالمعاطاة، ثم حكى عبارته السابقة، و قال: ليس في هذا تصريح بصحته إلا أنه موهم.

و لقد أجاد الأستاد في شرحه في قوله: بأنا نعلم يقينا أن للصيغ الخاصة أثرا خاصا، و لو كان اللزوم غير موقوف عليها لم يكن لها أثر على أن العوام حتى النساء و الأطفال إذا أراد واحد منهم أن يرد سلعته يعلل بأني ما صفقت معك صفقة البيع، و هو السر في خلو الأخبار عن البيان قلت: و منه يعلم فساد ما حكاه في المسالك عن بعض مشايخه المعاصرين، من عدم اعتبار لفظ مخصوص في العقد، بعد اعتبار كونه

ج 22، ص: 212

من الألفاظ محافظة على حصر التحليل و التحريم بالكلام، و غيره مما يقضي باعتبار الألفاظ من النصوص و غيرها، لكن لا دليل على اللفظ المخصوص فيكفي فيه حينئذ مطلق اللفظ، من غير فرق بين الصريح و غيره، و الحقيقة و غيرها و الماضي و غيره، بل عن الآبي اختياره أيضا بعد حكايته عن المطلق، و كأنه أخذه من الإطلاق في تعريفه، الذي قد عرفت عدم إرادة كشف الحقيقة به، و لا جمع شرائط الصحة، و أنه يشبه تعريف أهل اللغة في كون المراد به أن المعرف من هذا الجنس أو الصنف، بل اختاره بعض المحدثين من الأخباريين، حتى أطنب في ترجيحه إلا أنه لم يأت بشي ء يصلح للخروج به عن الأصول، فضلا عن الإجماع المحصل و المنقول.

بل الضرورة على أن للصيغ المخصوصة أثرا بينا و لذلك تصدى الأصحاب إلى ضبط مواردها و كيفياتها و أحوالها، و إجازة الفضولي على القول بأنها ناقلة ليست بيعا حتى يقال إنه يلزم القائل بها جوازه بكل لفظ و خلو النصوص عن التعرض لها بالخصوص، لضرورية حكمها أو لتعارف المعاطاة أو لغير ذلك، على أنه لا يقتضي ذلك بعد عدم إطلاق يقتضي تحقق العقد بكل لفظ، بل المتجه حينئذ الاقتصار في مخالفة الأصل على المتيقن، و ليس هو إلا اللفظ المخصوص.

و من الغريب استناده إلى إطلاق بعض النصوص، و آية «التجارة عن تراض»(1)، المعلوم عدم كون المراد منه تحقق العقد و أحكامه بذلك، كما أن من الغريب أيضا الاستناد إلى عموم (2)«آية أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»


1- 1 سورة النساء الآية 29.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.

ج 22، ص: 213

التي من المعلوم كون المراد منها ما هو المنساق من العقود المعهودة بالتعارف و الاستعمال المأخوذة يدا بيد، المستغنية بذلك عن التعرض لها بالخصوص، بل الظاهر الاكتفاء عن ضبطها بضبط أسماء المعاملات على معنى ان الأصل في لفظ عقد البيع بعت، و الصلح صالحت و هكذا، فلا ينافيه حينئذ قيام دليل على إلحاق بعض الألفاظ غيرها بها لا أن المراد منها كل ما يقصد العقد به، أو كل لفظ كذلك كما هو واضح بأدنى تأمل، فلا ريب في اشتراك القول المزبور مع القول الأول في وضوح الفساد و إن اختلفا فيه شدة و ضعفا.

[القول في المعاطاة]

إنما الكلام في أن الألفاظ المخصوصة شرط اللزوم في العقود اللازمة، فتصح حينئذ بغيرها من الأقوال و الأفعال المقصور بها إنشاء البيع و الإجازة مثلا على وجه يجري عليه أحكامها، عدا اللزوم، كما أنه يشترط فيه شرائطها أيضا، فيكون البيع حينئذ مثلا قسمين بصيغته و هو الذي يكون لازما و بدونها

و هو الذي لا يكون لازما أو انها شرط للصحة أيضا، فلا يقع أصل البيع مثلا بدونها قيل: ثم على الثاني تكون من البيع الفاسد، فتجري عليه أحكامه أو انها تفيد اباحة التصرف في وجوه الانتفاعات، خلاف بين الأصحاب و معركة عظيمة، خيرة الكركي في الجامع و غيره و بعض من تأخر عنه الأول، بل ربما ظهر منه دعوى الإجماع عليه، قال:

المعروف بين الأصحاب أنها أي المعاطاة بيع، و إن لم تكن كالعقد في اللزوم، خلافا لظاهر عبارة المفيد.

و لا يقول أحد من الأصحاب بأنها بيع فاسد سوى المصنف في النهاية و قد رجع عنه في كتبه المتأخرة عنها و قول الله تعالى (1)وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ » يتناولها لأنها بيع بالاتفاق، حتى من القائلين بفسادها، لأنهم يقولون


1- 1 سورة البقرة الآية 275.

ج 22، ص: 214

إنها بيع فاسد، و قوله تعالى (1)«إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ» عام إلا ما أخرجه دليل، و ما يوجد في عبارة جمع من متأخري الأصحاب من أنها تقيد اباحة، و تلزم بذهاب أحد العينين، يريدون به عدم اللزوم في أول الأمر، و بالذهاب يتحقق اللزوم، و لامتناع إرادة الإباحة المجردة عن أصل الملك، إذ المقصود للمتعاطيين إنما هو الملك فإذا لم يحصل كانت فاسدة، و لم يجز التصرف في العين، و كافة الأصحاب على خلافه، و أيضا فإن

الإباحة المحضة لا تقتضي الملك أصلا و رأسا فكيف يتحقق ملك شخص بذهاب مال آخر في يده، و إنما الأفعال لما لم تكن دلالتها على المراد في الصراحة كالقول، و إنما تدل بالقرائن، منعوا من لزوم العقد بها، فيجوز التراد ما دام ممكنا فمع تلف أحد العينين يمتنع التراد، فيتحقق اللزوم لأن إحداهما في مقابل الأخرى.

و يكفي تلف بعض احدى العينين لامتناع التراد في الباقي، إذ هو موجب لقبض الصفقة و الضرر، و لأن كون إحداهما في مقابل الأخرى و نحو ذلك كلامه في المحكي من تعليقه على الإرشاد، فنزل عبارة الأصحاب على أنها تفيد ملكا متزلزلا و جعله مقتضاها قال: و إلا لما لزمت بالتلف، و أيضا فلولا ذلك لم تحصل الإباحة لأن المقصود للمتعاطيين إباحة مترتبة على ملك الرقبة كسائر البيوع فان حصل مقصودهما ثبت ما قلناه، و إلا وجب أن لا تحصل إباحة بالكلية، بل يتعين الحكم بفساد ذلك، إذ المقصود غير واقع، فلو وقع غيره لوقع بغير قصد و هو باطل، و عليه يتفرع النماء و جواز وطئ الجارية بالمعاطاة و من منع ذلك فقد أغرب، و مما يرشد إلى ما قلناه مضافا إلى ما تقدم عبارات القوم فان بعضها كالصريح فيما قلناه.


1- 1 سورة النساء الآية 29.

ج 22، ص: 215

ثم تساق عبارة التحرير و هي الأقوى، ان المعاطاة غير لازمة لكل منهما فسخ المعاوضة ما دامت العين باقية و لعله لأن تجويز الفسخ يقتضي ثبوت الملك في الجملة، و كذا تسميتها معاوضة، بل لعل قول غيره من الأصحاب تلزم بالتصرف يقتضي ذلك، ضرورة ظهوره في كونه مفيدا للزوم، فيكون الملك قبله حاصلا، لأن المراد أنه يفيد الملك، و يفيد لزومه، و هو و إن كان في غاية الجودة، بل يؤيده مضافا إلى ما ما ذكره، ما ستعرفه من جريان السيرة على المعاملة المأخوذ بها، معاملة الأملاك في جميع التصرفات، فالتي منها ما لا يصح وقوعه إلا من المالك كالعتق و الوطء و نحوهما، و غير التصرفات كالإرث و الفقر و الغنا و استطاعة الحج و الزكاة و الخمس و الربا و نحوها، إلا أنه يصعب تنزيل عبارات الأصحاب عليه، ففي المبسوط بعد أن ذكر وجوب تقديم الإيجاب على القبول و غيره، مما يعتبر في البيع قال: فإذا ثبت هذا فكل ما جرى بين الناس إنما هي استباحات و تراض، دون أن يكون ذلك بيعا منعقدا مثل أن يعطي درهما للخباز فيعطيه الخبز أو قطعة للبقلي فيناوله البقل و ما أشبه ذلك، و لو أن كلا منهما يرجع فيما أعطاه كان له ذلك، لأنه ليس بعقد صحيح هو بيع.

قيل: و مثله عبارة الخلاف و السرائر، و في الغنية بعد أن صرح باعتبار الإيجاب و القبول في الصحة مقابلا لما يعتبر في اللزوم، قال:

و اعتبرنا حصول الإيجاب من البائع و القبول من المشتري تحرزا من القبول بانعقاده بالاستدعاء من المشتري، إلى أن قال و احترازا أيضا من القول بانعقاده بالمعاطاة، نحو أن يدفع إلى البقلي قطعة و يقول أعطني بقلا فيعطيه، فان ذلك ليس ببيع و إنما هو اباحة للتصرف يدل على ما قدمناه الإجماع المشار إليه و أيضا فما اعتبرنا مجمع على صحة العقد

ج 22، ص: 216

به، و ليس على صحته بما عداه دليل، و لما ذكرناه، نهى عليه السلام عن بيع الملامسة و المنابذة و عن بيع الحصاة(1)على التأويل الآخر و معنى ذلك أن يجعل اللمس للشي ء و النبذ له و إلقاء الحصاة بيعا موجبا، و في الدروس بعد أن صرح فيها كالنافع، بأن البيع هو الإيجاب و القبول قال: و لا تكفي المعاطاة و إن كانت في المحقرات، نعم يباح التصرف في وجوه الانتفاعات، و يظهر من المفيد الاكتفاء بها مطلقا و هو متروك و كذا التنقيح في التصريح بأنه الإيجاب و القبول، ثم قال: و لا يكفي مجرد الرضا في حصول الملك بدونها في الجليل و الحقير لحصر الشارع أسباب الملك في العقود، فالمعاطاة تفيد إباحة لا غير.

نعم لو ذهبت احدى العينين أو انتقلت عنه ملك الأخرى إلى غير ذلك، من عباراتهم التي لا يخفى ما في تنزيلها أو بعضها على ما ذكره من التكلف بل في مفتاح الكرامة أن صريح الخلاف و السرائر و المختلف و حواشي الشهيد و القواعد و التنقيح عدم كفاية المعاطاة في المقصود بالبيع، و هو الملك، بل قال: فيه

أيضا أن ظاهر قواعد الشهيد الإجماع على أنها لا تفيد الملك، و إنما تفيد الإباحة، بل قال فيه أيضا ان صريح الخلاف و المبسوط و السرائر و الغنية و الجواهر و جامع الشرائع و الميسية و الروضة و المسالك عدم كونها بيعا حقيقة و إنما هي اباحة و إن كنا لم نتحقق بعض ما حكاه أولا و آخرا الميسية أن المشهور بين الأصحاب أنها ليست بيعا محضا، و لكنها تفيد فائدته، بل في المسالك و الروضة في أثناء كلام له دعوى إطباقهم على أنها ليست بيعا حال وقوعها و إن كان كلامه خصوصا في الأول منهما في غاية التشويش بل لا يخلو بعضه من التدافع أو عدم


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13.

ج 22، ص: 217

الوجه، كما لا يخفى على من لاحظه مع التأمل، و حينئذ فإطلاق البيع عليها مجاز أو على إرادة المبادلة التي هي أحد إطلاقاته كما عرفته سابقا و بالجملة فتنزيل جميع كلمات الأصحاب على إرادة الإباحة من حيث الملك، نحو قولهم إباحة المناكح و المساكن و المتاجر، و أن المراد عدم كونها بيعا منعقدا و موجبا أي لازما كالبيع بالصيغة لا يخلو من تجشم، بل لعل تنزيلها أو جملة منها على ما يوافق ما سمعته من النهاية أولى على معنى أن الصيغة شرط في صحة البيع، فلا بيع صحيح بالأفعال مثلا، لقصورها عن ذلك، و ما شابهه مما يفيد الملك و التمليك المعاوضي باعتبار انهما و ما شابههما، لما كانا من أعظم المقاصد التي بها معاش للإنسان، و إنشاء قصدهما من الأمور الباطنة أراد الشارع ضبطها، بما يرتفع معه النزاع و المخاصمة، و ليس إلا البيان الذي علمه الله تعالى للإنسان، بخلاف الأفعال و نحوهما مما يدل على المقصود بالكناية فلم يجعلها ضابطا لذلك.

و عليه يحمل

قوله عليه السلام «إنما يحلل و يحرم الكلام»(1)

على معنى إرادة التحليل التابع للملك الذي من شخص إلى آخر، فيحل لكل واحد ما كان حراما عليه، و يحرم على كل واحد منهما ما كان حلالا له، لزوال ملك و حصول آخر و إنما تفيد الافعال إباحاة مجانية أو بأعواض كذلك، و لا تفيد ملكا و تمليكا، فمن أراد إباحة شي ء لآخر كان له الاكتفاء في الدلالة عليها بالأفعال مثلا، و من ذلك المعاطاة و يكون المراد هذا ما ذكروه من الإباحة، لا أنها هي حكم ما قصد به المتعاطيان الملك على جهة البيع، جهلا منها بالشرع أو ابداعا، ضرورة كون المتجه في مثله الفساد، بناء على شرطية الصيغة في الصحة، كما


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العصور الحديث 4.

ج 22، ص: 218

صرحوا به في تحقيق البيع الفاسد الذي حكموا بحرمة التصرف فيه، و ضمان ما يقبض به لا الإباحة التي هي كإباحة الطعام التي لم يقصداها، بل قصدا غيرها، فما وقع لم يقصد، و ما قصد لم يقع، مع

قولهم عليهم السلام (1)«لكل امرء ما نوى»

و «لا عمل إلا بنية»(2)

و «إنما الأعمال بالنيات»(3)

و من ذلك يتجه تحرير المقام بتصوير صور.

أحدها قصد الإباحة بالأفعال و نحوها مصرحا بذلك و لو بالقرائن الدالة على إرادة الإباحة المطلقة، و التسليط على التصرف نحو التسليط بالبيع و غيره مما يفيد الملك، بل ربما يذكر لفظ البيع و نحوه مريدا به الدلالة على هذا القسم من الإباحة، في مقابلة الإباحة لقسم خاص من التصرفات، لا أن المراد منه الملك و التمليك البيعي مثلا، و هذه الصورة تسمى بالمعاطاة، و مفادها إباحة مطلقة للمال بعوض كذلك على نحو المعاوضة بالتمليك، و الظاهر أنه لا خلاف في مشروعيته و لو على جهة المعاوضة، كما لا خلاف في مشروعيته بدونها، لعموم تسلط الناس على أموالهم، و بطيب أنفسهم، و التجارة عن تراض و نحوها.

ثانيها قصد البيع بذلك على إرادة النقل البيعي من غير تعرض للزوم و عدمه، أو مع قصد عدمه، و المتجه الفساد فيه بناء على اشتراط الصيغة فيه ضرورة أن المشروط عدم عند عدمه، كما صرح به الفاضل في النهاية بل لعله هو مقتضى كل من جعل البيع عبارة عن العقد، أو صرح باشتراط الصيغة فيه إذ حمله على إرادة اشتراط ذلك في اللزوم يأباه جملة من عباراتهم،


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 3 و 10.
3- 3 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 22، ص: 219

و لذا جعلوا المعاطاة حيث تصح إنما تفيد الإباحة، و لو كانت تفيد البيع عندهم، لكان ذلك أولى بالبيان، خصوصا عند تعرضهم لفساد كلام المفيد حتى رماه بعضهم بالمتروكية و نحوها.

نعم قد يناقش في أصل الاشتراط المزبور إن لم يقم إجماع عليه بأنه لا دليل عليه، بل الدليل من السيرة القطعية، بل في شرح الأستاد و الإجماع بقسميه على خلافه، بل من أدخله في الضروريات لم يكن مغربا، و إن كان فيه ما فيه، مضافا إلى صحة الإطلاق، و عدم صحة السلب، و أصالة عدم النقل و عدم الاشتراك اللفظي، بل لعل الحمل على الاشتراك المعنوي بينها و بين ذي الصيغة، خير من الحمل على المجاز، بل لعل ذلك قطعي ضرورة أن الصيغة على تقدير اعتبارها إنما هي شرط شرعي، لا مدخلية له في تحقق مسمى الاسم، كما عرفته سابقا في معنى البيع، فيكفي في نفيه أصالة عدمه و آية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»(1)لا تقتضي عدم تحقق الاسم بدون العقد، بل لا تقتضي اشتراط الصحة به أيضا فالآية «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(2)و غيرها مما يدل على مشروعية مسماه مطلقا بحالها لا معارض لها، أقصاه عدم اللزوم بناء على انحصار دليله فيها، و أن

قوله عليه السلام «البيعان بالخيار ما لم يفترقا»(3)

و نحوه لا يدل عليه بعد كون المراد منه ثبوت الخيار من حيث المجلس، الذي لا ينافي ثبوته في بعض افراد البيع من جهة أخرى كما أن اللزوم من جهته في حال الافتراق لا ينافي ثبوته من جهة أخرى كالعيب أو عدم دليل اللزوم، و معلومية اعتبار الصيغة في الجملة بالإجماع


1- 1 سورة المائدة الآية 1.
2- 2 سورة البقرة الآية 275.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.

ج 22، ص: 220

أو الضرورة لا تقتضي أزيد مما هو متيقن من اقتضائها اللزوم، فيبقى غيره على أصالة العدم، بعد تناول الإطلاقات، و دعوى أن اللزوم يكفي فيه استصحاب الملك، و نحوه يدفعها معارضته باستصحاب بقاء سلطة المالك، التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، و هو الملك المتزلزل دون غيره، على أن الإجماع على عدم اللزوم في الفرض كاف عن تكلف ذلك، لكن الانصاف عدم خلو دعوى الإجماع المزبور في الفرض المذكور من نظر، بل و كذا المعارضة المزبورة كما ستعرف ذلك فيما يأتي.

نعم دعوى الاستدلال على اعتبار الصيغة في الصحة، بأنه أوفوا بظهور كون المراد من العقود فيها، الإشارة إلى البيع و الإجارة و نحوهما مما هو متعارف في ذلك الزمان، فيقتضي حينئذ بعد معلومية صدق البيع على الفرض، إذ لا بيع صحيح إلا و هو عقد، أيضا كون المراد من الآية ما يصح و ما لا يصح منها، و لذا كانت شاملة للعقود الجائزة و اللازمة، يدفعها منع كون المراد منها ذلك، إذ من المحتمل أو الظاهر كون المراد منها، إرادة بيان اللزوم في العقود، دون خصوص الصحة و لذا كان هو الأصل في العقود إلا ما خرج بالدليل، فلا شمول فيها حينئذ للعقود الجائزة و اللازمة، كما لا اقتضاء فيها بأن لا بيع صحيح إلا ما كان عقدا، و

خبر «إنما يحلل و يحرم الكلام»(1)

مع انه لا دلالة فيه، على اللفظ المخصوص، بل هو شامل لغيره مما هو عندهم، بحكم المعاطاة، و أنه معلوم الانتقاض من الإباحات التي لا تتبع الملك، إذ من الواضح كفاية الأفعال بل إذن الفحوى فيها.

يمكن حمله بعد قصوره عن معارضة ما عرفت من وجوه، على


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

ج 22، ص: 221

إرادة المحلل صريحا من غير حاجة إلى قرينة أو على إرادة الحصر في التحليل للجميع من حيث كونه جميعا، و لا ريب في أنه الكلام حينئذ ضرورة عدم كفاية الأفعال في النكاح و الطلاق و نحوهما لا أن المراد عدم صلاحية الفعل أصلا للتحليل الملكي أو مطلقا المعلوم عدمه في مثل الهدايا و الأمانات و نحو ذلك، و منه يعلم أنه لا وجه لدعوى قصور الأفعال عن إفادة ذلك، و عدم اعتبارها شرعا، خصوصا بعد معلومية اعتبار الشارع دلالات الأفعال في كثير من المقامات، و جعل ظواهرها معتبرا حتى في

الفسق و عدمه، كالألفاظ و لا ينافي ذلك محافظة الأصحاب على ذكر الصيغ الخاصة، و ضبط ألفاظها و المداقة فيها، إذ يمكن أن يكون لبيان إرادة شرط اللزوم، أو لغيره، لا يقال: إنه لو كان مراد الأصحاب من ذكر الصيغ و ضبط ألفاظها و كيفياتها، بيان اعتبارها في اللزوم، و إلا فالبيع و الإجارة يتحقق عرفا و شرعا بدونها لم يحسن التعرض لها في الهبة و القرض و نحوهما، مما ثبت جواز العقد معها، و أنها لا تفيد اللزوم، فمع فرض صحة المعاطاة فيها لم يكن فرق بين العقد و عدمه، لأنا نقول: إن ذلك مشترك الإلزام، ضرورة أنهم تعرضوا لضبطها أيضا في العقود الجائزة، كالعادية و الوديعة و نحوهما مما علم عدم اعتبارها في صحتها، فيمكن أن يكون المراد لهم بذلك بيان ما يفيدها صريحا، بخلاف غيرها من الافعال مثلا، فإنها و إن إفادتها و حكمها حكمها، إلا أنها محتاجة إلى القرائن باعتبار اشتراك الافعال بين الجميع و لكن الانصاف بعد ذلك كله أنه لا جزم بعدم اعتبارها في الصحة بل ستعرف فيما يأتي ما يؤخذ و يشهد له، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه خصوصا بملاحظة رد الأصحاب على ما توهمه عبارة المفيد من عدم اعتبار الصيغة حتى رموه بقوس واحد، و نسبه بعضهم إلى

ج 22، ص: 222

الشذوذ و نحوه، و احتمال أن ذلك منهم للرد عليه بالنسبة إلى دعوى عدم اعتبارها في اللزوم لا بالنسبة إلى عدم اعتبارها في الصحة، يدفعه حسن التأمل في كلامهم و مشهورية شرطية الصيغة للبيع حتى جعل عبارة عنها، كما سمعته من الذين من جملتهم من أثبت المعاطاة، و آخر جعلها من أركانه، و من المعلوم انه لا يناسب هؤلاء إثباتهم المعاطاة بالصورة المفروضة، ضرورة وضوح منافاة ذلك لما ذكروه من الشرطية و الركنية، فضلا عن كونه عبارة عنها كما هو واضح، و على كل حال فالغرض أن ذلك اي اشتراط الصيغة في الصحة و عدمه، يمكن أن يكون محلا للنزاع على الوجه الذي ذكرناه و أما دعوى أن الداع فيما إذا قصد المتعاقدان بفعلهما البيع مثلا، على حسب البيع بالصيغة و كان جامعا للشرائط عدا الصيغة فهل يقع بيعا، ذلك أو يكون إباحة أو يقع بيعا فاسدا كما وقع من المتأخرين، فلا أعرف للثاني منها وجها على هذا التقدير، فضلا عن نسبته إلى المشهور بل الإجماع، ضرورة أنهم إن أرادوا أنها من المالك فالفرض عدمها، لكون المقصود له أمرا خاصا لم يحصل، فارتفع الجنس بارتفاعه، و إن أرادوا بها إباحة شرعية، فهو مع أنه من الغرائب بعد أن جعل الشارع أمر المال إلى مالكه (1)و أنه هو المسلط عليه (2)و أنه لا يحل إلا بطيب نفسه (3)دليل

عليها، إذ هو إن كان السيرة فمعلوم اقتضائها الملكية، و لذا يجرون على المأخوذ بها جميع أحكام الاملاك، و من هنا قال: مشايخنا في رد من قال: بالإباحة في الفرض المزبور، بأنه يلزم إما إنكار ما جاز بديهة، أو إثبات قواعد جديدة.


1- 1 سورة النساء الآية 33.
2- 2 البحار ج 2 ص 272.
3- 3 الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 و 3.

ج 22، ص: 223

منها أن العقود و ما قام مقامها لا تتبع القصود، و قصد الملك و التمليك عند المعاملة و البناء عليها، لا محض الإباحة لا ينافيها.

و منها أن أراداه التصرفات من المملكات، فتملك العين أو المنفعة بإرادة التصرف بهما أو معه دفعة، و إن لم يخطر ببال المالك الأول الاذن في شي ء من هذه التصرفات، لانه قاصد للنقل من حين الدفع، و أنه لا سلطان له بعد ذلك، بخلاف من قال: أعتق عبدك عنى و تصدق بمالي عنك، و منها ان الأخماس و الزكوات و الاستطاعة و الديون و النفقات و حق المقاسمة و الشفعة و المواريث و الربا و الوصايا مما تتعلق بما في اليد مع العلم ببقاء مقابله و عدم التصرف به أو عدم العلم به، فينفي بالأصل فتكون متعلقة بغير الاملاك، و أن صفة الفقر و الغنا تترتب عليه كذلك فيصير ما ليس من الأملاك بحكم الاملاك.

و منها كون التصرف من جانب مملكا للجانب الأخر، مضافا إلى غرابة استناد الملك إلى التصرف، و منها جعل التلف السماوي من جانب مملكا للجانب الأخر، و التلف من الجانبين معينا للمسمى من الطرفين، و لا رجوع إلى قيمة المثل حتى يكون له الرجوع بالتفاوت، و مع حصوله في يد الغاصب أو تلفه فيها، فالقول: بأنه المطالب لانه تملك بالغصب أو التلف في يد الغاصب غريب، و القول بعدم الملك بعيد جدا، مع أن التلف القهري إن ملك التألف قبل التلف فهو عجيب، و معه بعيد لعدم قابليته حينئذ و بعده ملك معدوم، و مع عدم الدخول في الملك يكون ملك الأخر بغير عوض، و نفي الملك مخالف للسيرة و بناء المتعاملين و منها ان التصرف إن جعلناه من النواقل القهرية فلا يتوقف على النية فهو بعيد، و إن أوقفناه عليها كان الواطي للجارية من غيرها واطئا بالشبهة، و الجاني و المتلف جانيا على مال الغير و متلفا له، و منها أن

ج 22، ص: 224

النماء الحادث قبل التصرف و إن جعلنا حدوثه مملكا دون العين فبعيدا و معها فكذلك و كلاهما مناف لظاهر الأكثر و شمول الاذن له خفي، و منها قصر التملك على التصرف مع الاستناد فيه إلى الاذن من المالك فيرجع إلى كون المتصرف في تمليكه نفسه موجبا قابلا، و ذلك جار في القبض بل هو أولى منه، لاقترانه بقصد التمليك دونه، و إن كان ستعرف إمكان الجواب عن جملة منها، بل عن حواشي الشهيد أنه لا يجوز أن يخرج ما يؤخذ بالمعاطاة في زكاة أو خمس أو ثمن الهدى قبل التلف أي تلف العين الأخرى، إلى أن قال: و لو اشترى أمة بالمعاطاة لم يجز له نكاحها قبل تلف الثمن، فان وطئ كان شبهة، و إن كان الأقوى خلافه في الصورة الاولى من المعاطاة، فضلا عن الثانية إلا أنه على كل حال لا ريب في أن حمل كلام قدماء الأصحاب على ما ذكرناه، من أن مرادهم بيان قابلية الأفعال للإباحة لو قصداها و أن ذلك مشروع دون التمليك البيعي مثلا خير من ذلك، لا لصعوبة الجواب عنها، فإنك ستعرفه لو قرر الاعتراض بها على الصورة الأولى، بل لأن الواقع خلافه، و غرابة نفس الدعوى و هي إثبات أمر غير ما قصده المتبايعان بلا داع و لا دليل، بل مقتضى الأدلة جميعها خلافه فلا بد من حمل مرادهم على ما ذكرناه، لا أن مرادهم الإباحة فيما قصد به المتعاملان إنشاء البيع مثلا، بل ليس هو إلا الفساد حينئذ كما صرح به الفاضل في النهاية، فما عساه يظهر من المتأخرين و متأخريهم من أن محل النزاع فيما قصد به البيع مثلا من الأفعال و غير الأقوال المخصوصة مع جميع شرائط البيع عدا الصيغة و أن المعظم يقولون بالإباحة فيه، و الكركي و من تابعه بالبيع المتزلزل، و الفاضل في النهاية

ج 22، ص: 225

بالبيع الفاسد كما ترى، بل يمكن دعوى القطع بفساده بأدنى تأمل و أنه لا ينبغي أن ينسب إلى أصاغر الطلبة فضلا عن أعاظم الأصحاب و كبرائهم، بل لا مناص من القول بالفساد فيه لمن اشترط الصيغة في الصحة، فضلا عمن جعله عبارة عنها.

نعم يشرع عنده التعاطي بقصد الإباحة على معنى إباحة كل منهما التصرف للآخر على جهة المعاوضة، من غير فرق بين أنواع التصرفات ما توقف منها على الملك و غيره، و على معنى إباحة إيقاعها للمباح له لا المبيع، فتجري عليها حينئذ أحكام الإباحة المجانية من اللزوم بالتلف و أحكام المعاوضة من تعيين العوض بالمسمى، و أحكام أعتق عبدك عنى و بع هذا المال لك و نحوه، مما يفيد الملك الضمني بوقوع التصرف، بناء على جريانه على القواعد، ضرورة انحلال الإباحة بالعوض على الوجه المزبور إلى ذلك كله، فليس لها حكم جديد مستنكر، و لو فرض فان قام عليه دليل خاص من إجماع أو سيرة قطعية قبل، و إلا فلا كما أن المتجه في البيع المتزلزل نحو ذلك أيضا، ضرورة أنه كل ما يفرض مما هو مفيد للملك في الإباحة، يفرض مثله بالنسبة إلى اللزوم، و حاصله ان كلما كان مفيدا لذلك و دالا عليه، و لو من مقتضى بناء المعاملة عليه، على وجه يجري على الضوابط في غيره، مما ملك متزلزلا كالمال الموهوب و نحوه، لا مثل المبيع بالخيار الذي يرجع الجواز فيه إلى العقد فلا يلزمه التلف و نحوه، أو كان عليه دليل من إجماع أو سيرة قطعية قلنا به، و إلا كان محلا للمنع، فلا يرد أن كثيرا مما لزم به القائل بالإباحة يجري أيضا على البيع المتزلزل.

ثم لا يخفى عليك عدم اعتبار المعلومية في العوضين في الصورة الأولى و ما في حكمها، للأصل السالم عن المعارض، كما أنه لا يخفى

ج 22، ص: 226

عليك عدم جريان حكم البيع عليها بعد لزومها بالتلف و نحوه، و إن احتمله ثاني الشهيدين، و لعله لأنه الأصل في مثل الأعيان، و لحصرهم المعاوضات و ليست إحداها، إلا أنه كما ترى، ضرورة عدم ثبوت الأصل المزبور على وجه يشمل ما نحن فيه مما لم يطلق عليه اسم البيع عرفا، بل يسلب عنه، و منع الحصر في غيرها بعد الاتفاق على ثبوت المعاطاة، فلا بأس بإجراء حكم المعاوضة المستقلة عليها، كما صرح به الشهيد في المحكي عن حواشيه فيلحقها حينئذ خيار العيب و الغبن، لعدم اختصاصهما بالبيع، دون خيار المجلس و تأخير الثمن و الحيوان.

و من ذلك يظهر لك ما في كلام الشهيد الثاني في المسالك فإنه غير منقح، خصوصا إشكاله في كونها معاوضة بأن التصرف ليس معاوضة ثم قال: إلا أن يجعل المعاطاة جزء السبب و التلف تمامه، إذ لا يخفى عليك ما فيه ضرورة صدق المعاوضة عليها من أول الأمر و إن لم تفد الملك، لعدم اعتباره في صدقها عرفا و لا شرعا، على أن المراد اجراء حكم المعاوضة المستقلة عليها بعد اللزوم و الملك بالتصرف و نحوه و عدم إلحاقها بالبيع أو غيره من المعاوضات المعلومة، و إنما احتيج إلى تنقيح ذلك حال اللزوم و الملك، و إلا فقبلهما على الإباحة كما هو الفرض فلا حاجة إلى تنقيح إجراء حكم أي معاوضة مستقلة من أول الأمر هذا كله في الصورة الأولى و ما في حكمها مما ستعرفه، و أما الصورة الثانية فلا ريب في اعتبار جميع ما يعتبر في البيع فيها بناء على صحتها بيعا لإطلاق أو عموم ما دل عليها، الشامل لجميع افراد البيع الذي منه محل الفرض كما هو واضح.

ثالثها أن يقع الفعل من المتعاطيين من غير قصد البيع، و لا تصريح

ج 22، ص: 227

بالإباحة المزبورة بل يعطى البقال مثلا شيئا ليتناول عوضه فيدفعه إليه و لعل القائل باشتراط الصيغة في البيع، يشرعه أيضا على جهة الإباحة التي هي كالأصل فيما يقصد به مطلق التسليط، فغيرها محتاج إلى قصد آخر بخلافها، فإنه يكفي فيها قصد هذا التسليط المطلق، و يمكن أن يكون هذا مراد الشيخ و غيره في المثال الذي ذكروه من إعطاء البقلي شيئا، أو يكون مرادهم الصورة الأولى و على كل حال، فالقول بمشروعيته عندهم ممكن، بل لعل القائل بعدم شرطية الصيغة يشرعه أيضا كذلك أي على الإباحة، ضرورة عدم إمكان جعله بيعا بعد فرض عدم قصد التسليط على جهة الملك.

رابعها أن يقصد الملك المطلق، و لا ريب في فساده عند من اعتبر الصيغة الخاصة في ملك المعاوضة، لانتفاء المشروط حينئذ بانتفاء شرطه أما القائل بعدم اشتراطه فقد يقول بصحته و تنزيله على البيع، بناء على أنه الأصل في نقل الأعيان، و لا يخرج عنه إلا بقصد غيره، كما صرح به بعض مشايخنا، لكن قد يناقش في ثبوت الأصل المزبور بعدم الدليل عليه، و مطلق النقل جنس مشترك بينه و بين الصلح و الهبة بعوض فلا يتشخص إلا بقصده، و لذا لا يكفي في صيغة البيع ملكتك و نحوها و قد يقول بصحته على أن يكون من الهبة المعوضة، و فيه أنها محتاجة إلى القصد أيضا، و أولى من ذلك دعوى كونها معاوضة مستقلة لا تدخل تحت اسم شي ء من المعاوضات، لكن فيه أنه لا دليل عليه، بل ظاهر حصر الأصحاب النواقل فيما ذكروه من الأمور المخصوصة خلافه، مضافا إلى أصالة عدمه، اللهم إلا أن يستند فيه إلى السيرة، و إن كان دون إثباتها على وجه تكون معتبرة خرط القتاد.

و من الغريب أن بعض مشايخنا اختار ذلك في المعاطاة مطلقا،

ج 22، ص: 228

بعد أن اختار افادتها للملك، قال: و هل هي داخلة في اسم المعاملة التي جائت في مقامها، فتجري فيها شرائطها و أحكامها، الظاهر من جماعة من الأصحاب اختيار ذلك، فتجري فيها أحكام الشفعة و الخيار و الصرف و السلم و بيع الحيوان، و الثمار و جميع شرائطه سوى الصيغة و لم يقم على ذلك شاهد معتبر من كتاب أو سنة أو إجماع، و الأقوى أنها قسم آخر بمنزلة الصلح و العقود الجائزة، و يلزم فيها ما يلزم فيها فتصح المعاطاة على المشاهد من مكيل أو موزون من غير اعتبار مكيال و ميزان، و بنحو ذلك جرت عادة المسلمين، نعم لو أرادوا المداقة بنوا على إيقاع الصيغة و المحافظة على الشروط، فالظاهر أنه متى جاء بالفعل مستقلا أو مع ألفاظ لا تستجمع الشرائط مقصودا بهما المسامحة، جاء حكم المعاطاة، و على الأول فإن صرح فيها بإلحاق بيع أو غيره بنى عليه و إلا فالبيع أصل في المعاوضة على الأعيان، مقدم على الصلح و الهبة المعوضة، و الإجارة في نقل المنافع مقدمة على الصلح و الجعالة، ثم اللزوم ليس من المقتضيات الأصلية، و إنما هو من التوابع و اللواحق الشرعية فقصده غير مخل و إن لم يصادف محله.

و فيه نظر من وجوه لا يخفى عليك جملة منها بعد الإحاطة بما ذكرناه، خصوصا فيما ذكر أنه الأقوى ضرورة أنه إن كان المراد ذلك في مطلق المعاطاة حتى التي قصد المتعاطيان فيها البيعية مثلا، ففيه أنه إن لم يلحقها بالبيع مثلا، و لم يجر عليه أحكامها، إنه يلزم كثير مما تقدم سابقا في الإيراد على القول بالإباحة، من عدم تبعية العمل للقصد و من ثبوت أحكام جديدة لا دليل عليها، و لئن سلم إثبات بعضها بالسيرة المعتبرة، فلا يجري في إثبات غيره، و إن ألحقها به في الاسم دون الحكم، فهو أغرب من سابقه، ضرورة اقتضاءه مخالفة جميع

ج 22، ص: 229

ما دل على اعتبار المعلومية فيه، و التقابض في الصرف منه و القبض في السلم و الربا و غير ذلك، و دعوى حصول السيرة القطعية على عدم اعتبار شي ء من ذلك في خصوص هذا القسم من البيع مثلا بديهية الفساد، بل لا ينبغي صدورها من متفقة فضلا عن الفقيه الماهر.

نعم قد تسلم في بعض أفراد الجهالة فيختص الحكم به دون غيره مع فرض كونها سيرة معتدا بها، لا أنها سيرة أعوام يتسامحون في الشروع و أحكامه، كما هو المشاهد في كثير من أفعالهم المخالفة لما ذكره الأصحاب و أجمعوا عليه، و لو أن مثل هذه السير و نحوها معتبرة، لحصل دين جديد غير ما جاء به محمد و أهل بيته (ص) كما لا يخفى، و أما ما ذكره أخيرا من أن اللزوم إلى آخره، ففيه إن قصده إن وقع لا بعنوان التقويم للفعل، بل كان نحو الاعتقاد المقارن فهو كذلك، و إلا كان مخلا ضرورة كونه حينئذ كقصد الملك و خروجه في نفسه لا ينافي إدخال المعامل إياه في معاملته، على وجه يكون كالشرط في النقل و الانتقال كما هو واضح بأدنى تأمل، و قد ظهر لك من ذلك كله حكم جميع ما يتصور وقوعه من الناس، و أما تحرير أن الغالب منهم وقوع قسم خاص من الأقسام المذكورة فلا فائدة فيه، بعد ظهور حكم الجميع لديك و إن كان ظاهر المبسوط أن الذي في أيديهم الصورة الأولى، لكن لا يخفى عليك ما فيه، بل يمكن دعوى أن الغالب الصورة الثانية خصوصا في الأمور الجليلة، و على كل حال فهو خلاف في موضوع، لا في أصل المسألة بمعنى أنه يقول بالإباحة فيما قصد به المتعاطيان البيعية، كما يوهمه تحرير النزاع في كلام المتأخرين، و لعله من غرائب الاشتباهات و الله أعلم.

بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من الأصحاب بل قيل أنه لا

ج 22، ص: 230

خلاف فيه و لا إشكال من لزوم المعاطاة بتلف العين من الجانبين، بل قال: الأستاد في شرحه لا ريب و لا خلاف في أن المعاطاة تنتهي إلى اللزوم، و أن التلف الحقيقي أو الشرعي بالنقل بالوجه اللازم للعوضين معا باعث على اللزوم، و كذا للواحد منهما و احتمال العدم فيه و في الناقل الشرعي في حكم العدم، قلت: و هو كذلك إذا لم أجد مخالفا في لزومها، و دخول الباقي في ملك من في يده بتلف أحدهما، نعم احتمل في المسالك العدم نظرا إلى بقاء الملك لمالكه، و عموم تسلط الناس على أموالها(1)ثم حكم بأن اللزوم أقوى، و قال: فيها أيضا و الروضة و محكي الميسية و تعليق الإرشاد ان في معنى التلف نقلهما عن الملك بوجه لازم و تغيرها إلى حالة أخرى كالحنطة تطحن، مع احتمال العدم في الأخير في الأولين اللذين فيهما أيضا ان امتزاجها بغيرها بحيث لا تتميز في معنى التلف، لكن فصل بعد ذلك في المسالك فقال: إن كان بالأجود فكالتلف، و إن كان بالمساوي و الأردى احتمل كونه كذلك، لامتناع التراد على الوجه الأول.

و لعله أشار بذلك إلى ما في محكي السرائر من أنه إن لم يبق أحدهما بحاله كما كان أولا

فلا خيار لأحدهما، و عليه يبنى ما في محكي الميسية من إلحاق تغير الصفة كخياطة الثوب و صبغه و قصره، إلا أنه استشكل فيه في الروضة و المسالك، ثم قال: في الأخير أيضا إن النقل إن كان جائزا كالبيع في زمن الخيار فكاللازم على الظاهر، و استظهر أيضا ان الهبة قبل القبض غير مؤثرة، مع احتماله لصدق التصرف، و أطلق جماعة انها تملك به، و عن جامع المقاصد و صيغ العقود و تعليق الإرشاد الاكتفاء بتلف بعض العين في اللزوم، لامتناع التراد في الباقي


1- 1 البحار ج 2 ص 272.

ج 22، ص: 231

لانه يوجب تبعض الصفقة و للضرر(1)و كأنه مال إليه في الروضة و تأمل فيه في المسالك، لان تبعض الصفقة لا يوجب بطلان أصل المعاوضة، بل غايته جواز فسخ الآخر، فيرجع إلى المثل أو القيمة، و أما الضرر فيستند إلى تقصيرهما في التحفظ بإيجاب البيع، ثم احتمل أن يلزم من العين الأخرى في مقابل التالف، و يبقى الباقي على أصل الإباحة، ثم قال: فيها أيضا إنه على تقدير الرجوع يأخذها بغير أجرة و لو كانت قد نمت، فان كان باقيا رجع به و إن كان تالفا، فلا لتسليطه على التصرف بغير عوض، و في الروضة أنه إن كان باقيا فوجهان إلى غير ذلك من كلماتهم التي هي غير محررة كأصل المسألة.

و ذلك لأنك قد عرفت أن التعاطي يقع على صور، أما الصورة الأولى فالظاهر صحة ما ذكروه من اللزوم بالتلف من الجانبين، و لو كان سماويا على نحو ما ذكروه في الإباحة من جانب كنثار العرس و نحوه ضرورة انه لا معنى للرجوع فيه سوى الحكم بالضمان المعلوم انتفائه بالتسليط بالمعاوضة، التي علم صحتها من السيرة و الإجماع و العمومات و ربما أطلق هنا و الإباحة المجانية على ذلك اسم الملك، فقيل تملك بالتلف، و المراد انه صار بحال لا يجوز الرجوع فيه من حيث الإباحة السابقة، لا أن المراد الملك حقيقة على التالف، حقيقة إذ من المعلوم عدم قابلية المعدوم لقيام صفة الملك به كما هو واضح.

و على كل حال فلا ريب في أن الحكم في الفرض كما عرفت، بل الظاهر انه كذلك بالتلف من جانب أيضا، لما عرفت من عدم جواز رجوع المالك على من تلف المال في يده، و يلزمه عدم جواز رجوع الآخر على المال الباقي، لاستلزامه الضرر المنفي و منافاته لمقتضى المعاوضة


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 22، ص: 232

بل لعل مقتضاها ضمانه عليه بالعوض المسمى فيها، لان الفرض صحتها و مقتضى لملكه له، كالمال الذي يباح التصرف فيه على جهة القرض، فإنه بإتلافه يثبت عوضه مثلا أو قيمة في الذمة، بل لعله من المعاطاة في القرض أيضا أو في حكمها، إلا أن الفرق بينهما انه في المقام قد سمى عوضه بالمعاوضة التي فرض صحتها، فيتعين هو في مقابله بخلافه في القرض، و لذا ثبت مثله أو قيمته في الذمة، و نحوه العمل المأمور به من غير تسمية عوض خاص له، فإنه قد صرح غير واحد بأنه في حكم المعاطاة في الإجارة أيضا و منه يعلم عدم اعتبار المعلومية في هذه الصورة منها، كما عرفته سابقا.

و أما اللزوم بتلف البعض ففيه الاحتمالات الثلاثة السابقة و لعل ما ذكره أخيرا في المسالك لا يخلو من قوة، هذا كله في التلف و يلحق به التصرف الناقل بعوض، ضرورة اقتضائه ملك العوض للمنقول منه لا للمالك الأول الذي لم يقع التصرف له لا بوكالة و لا اجازة بل مقتضى المعاوضة المزبورة إباحة التصرف له، فيدخل في ملكه حينئذ كالمال الذي يباح قرضه، فإنه بالتصرف فيه بعوض يدخل المعوض في ملك المستقرض، و للجمع بين ما دل على صحة هذا التصرف في هذا المال المفروض اباحته، و بين ما دل على أن لا بيع إلا ملك، قدر الملك ضمنا، نحو ما قدروه في أعتق عبدك عنى، و انعتاق العمودين على المشتري لهما، و نحو ذلك و لا حاجة إلى شاهد لهذا الجمع، بل هو مقتضى الدليلين، ضرورة ان غاية ما دل على اعتبار الملك، اقتضاء عدم وقوع التصرف المزبور على غير المملوك مثلا، فيكفي فيه التقدم الذاتي الذي هو كتقدم العلة على المعلول، فبعد فرض ثبوت

ج 22، ص: 233

صحة التصرف المذكور، يتعين حصول الشرط فيه بذلك، و لا حاجة إلى تخصيص دليل الشرطية أو التزام ببطلان الدليل الأخر، لعدم التنافي حينئذ كما هو واضح، و من ذلك ينكشف لك الوجه في اندفاع كثير مما سمعته من شيخنا و غيره على القائلين بالإباحة، بعد الإغضاء عن لزوم مثله على القائلين بالملك المتزلزل، بل ستعرف أنه أشكل منه كما أنه ظهر لك الوجه في جواز جميع التصرفات للمباح له، بعد ما عرفت من صحة هذه المعاوضة التي مقتضاها ذلك، على أنه غير زائد على الإباحة المجانية في نثار العرس و غيره كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك أنه لا فرق فيما ذكرنا في التصرف الناقل بين كونه لازما و عدمه، ضرورة اشتراكهما فيما قدمناه، و التزلزل فيه بالنسبة إليه لاقتضاء ذلك التصرف، لا يقتضي التزلزل في ملك الأخر بعد عدم المقتضى له بل مقتضى الاستصحاب خلافه، و جواز الرجوع سابقا من حيث كون المال مباحا و قد فرض ارتفاعه، نعم لو كان التصرف بالمزج و الطحن و الخياطة و الصبغ و نحوها مما لم يكن تلفا و لا انتقالا أشكل الدخول في الملك به، لعدم الدليل على الإلحاق بأحدهما، و أصالة بقاء المال على ملك مالكه التي لا ينافيها شي ء من ذلك، بعد فرض مشروعية الشركة و لو بالأجود على النسبة، كمشروعيتها في العين أيضا مع الزيادة بالعمل بالنسبة أيضا، كما ذكروه في نظائره مما ورد بالخيار و نحوه.

و أما النماء فالظاهر أنه من توابع العين في هذه المعاوضة، و إن كان منفصلا فيتبعها في اللزوم و عدمه، و الملك و عدمه، و ان تأخر السبب الملك عن وجوده من غير فرق بين المتصل منه و المنفصل، للسيرة و حديث الضرار(1)في بعض الافراد و غيرهما، هذا كله في الصورة الأولى


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 22، ص: 234

من المعاطاة.

و أما الصورة الثانية التي قد عرفت كونها بيعا متزلزلا فقد يشكل أصل الجواز فيها بأنه لا إجماع عليه، ضرورة كون القائل به في الصورة الأولى من حيث أنها إباحة، فلا إجماع على جوازها مع فرض كونها بيعا، كما لا سيرة يعتد بها، و نمنع انحصار دليله «في أَوْفُوا»(1)الذي لم يشملها، بل يكفي فيه الاستصحاب، و كثير من النصوص القاضية بلزوم البيع الذي قد فرض شموله لها ك

قوله عليه السلام «البيعان بالخيار»(2)

و «من أقال نادما بيعته»(3)

و غيره ثم بعد الإغضاء عن ذلك و قلنا بثبوته فيها و أنها جائزة، فقد يشكل اللزوم فيها بالتلف و نحوه، باعتبار أنها حينئذ كالبيع بالخيار من الجانبين، و من المعلوم عدم اللزوم فيه بشي ء من ذلك، إلا بما دل على الرضا فيه باللزوم من الجانب الذي صدر منه ذلك، و هذا من أقوى الشواهد على أن هذه الأحكام ذكرها الأصحاب في المعاطاة على الإباحة.

و لكن التزم بها بعضهم فيها على البيعية، ظنا منه أن الأصحاب جميعهم على أن المعاطاة المشروعة بيع متزلزل، و أن هذه الأحكام ذكروها على هذا التقدير، و تصفح كلام الأصحاب أقوى شاهد على خلافه، و دعوى الإجماع في التلف و الناقل اللازم ممنوعة أشد المنع على هذا التقدير، خصوصا بعد أنا لم نقف على مصرح بكونها بيعا متزلزلا قبل الكركي و الاستناد إلى ذلك من غير التفات إلى كونه على تقدير الإباحة أو البيع كما ترى، كالاستناد إلى السيرة التي لا ريب


1- 1 سورة المائدة الآية 1.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 2 و 4.
3- 3 الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 4.

ج 22، ص: 235

في أن دعواها في المقام مجرد لفظ خال عن المعنى، ضرورة رجوع عامة المتشرعة في حكمها إلى العلماء، و لم يكن لهم حكم عندهم لها بالنسبة إلى اللزوم و عدمه، و استغرابه في بعض الأحوال من بعض الأفراد، كاستغراب جملة من الأحكام المتعلقة بالخيار و غيرها إنما هو للجهل بالأحكام الشرعية، و حديث نفي الضرر و الضرار(1)إنما يقتضي الجبر بالمثل أو القيمة كما في سائر أقسام الخيار و غيرها، و دعوى اشتراط جواز الفسخ بإمكان الرد، فيدور الحال مدار صدقه و عدمه كما ترى ضرورة عدم تعليق الحكم عليه في نص معتبر أو معقد إجماع أو نحوهما مما هو ضابط ذلك، و دعوى أن التزلزل هنا في ملك نفس تلك العين، لا في العقد المفروض عدمه، و بذلك افترق المقام عن الخيار الذي مرجعه إلى

العقد، فلذا لم يفرق في ثبوته بين تلف العين و التصرف فيها، من غير ذي الخيار و عدمها، دون المقام الذي جواز الرجوع فيه يتبع وجود العين، كالمال الموهوب و إن تبعه فسخ العقد فيها و المعاوضة هنا، بخلاف الخيار فان الفسخ فيه أولا للعقد و إن تبعه أثره في العين مع وجودها و إلا اختص به و أغرم المتل أو القيمة، و كان كالإقالة التي هي فسخ العقد، يدفعها أنها مجرد احتمال لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، ضرورة عدم اختصاص الفسخ بالعقد، بل يقع عليه و على المعاوضة الشاملة للمقام قطعا بعد كونها بيعا، و العمدة في إثباته فيها عدم دليل اللزوم، بعد فرض انحصاره في آية «أَوْفُوا» و نحوه مما هو مختص بالعقد المفروض عدمه، و إن كانت بيعا، إذ هو أعم منه و لا ريب أن مقتضى كون متعلق الفسخ نفس المعاوضة أن يكون كالخيار الذي لا يسقط بفعل غير صاحبه، فضلا عن التلف السماوي.


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 22، ص: 236

و من ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره الأستاد في شرحه قال:

و تحقيق الحال أنها و إن بنيت على الجواز فكان الأصل البقاء على ذلك، لكنه معارض بأصالة اللزوم، على أنا نعلم من تتبع كلمات القوم، و النظر إلى السيرة القاطعة أن الجواز مشروط بإمكان الرد، بالخلو عن الضرر المنفي بحديث الضرار، فلو تلف كل أو بعض منه، أو من فوائده بتصرف بعين أو منفعة من ركوب أو سكنى أو حرث أو دخول في عمل و نحوها، أو بيع أو إجارة أو زراعة أو مساقاة و نحوها على وجه لا يمكن فسخها شرعا أو بإتلاف أو تلف سماوي تعذر الرد، و لم يتحقق مصداقه و لو صدق في البعض امتنع أيضا، و مع حصول الضرر بالتبعيض و تغيير الصورة بالطحن أو تفصيل أو خياطة أو صبغ و نحوها لو دخل تحت الرد جائه ثبوت الضرر غالبا، بتبديل الصفات و اختلاف الرغبات، نعم لو بقي الشي ء على حاله و زاده حسنا بصقل أو إخراج غبار أو إزالة وسخ و نحوها لم يكن فيه ذلك و أما المزج على وجه لا يتميز فلا يمكن رده بعينه، و قبول الجميع فيه منة، و دخول مال الغير في ماله من غير فرق بين الأجود و مقابلاته و الظاهر أن الرد مقيد ببقاء الملك، فلو خرج عنه و لو بعقد جائز دخل في حكم آخر، و قد يخطر بالبال أن مجرد التصرف و إن خلا عن المالية اختيار للزوم، كما في الخيار فيجزي مطلقة، لكنه مردود بالأصل مع ارتفاع الشك، و خروج الخيار عن الأصل بالنص، لا يقتضي خروج ما نحن فيه، و لو صدر الإتلاف من الدافع لما في يد المدفوع إليه كان كالرد إليه على اشكال.

و لا يخفى عليك مواضع النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه و حديث الضرار لو قضى بذلك لقضي به في الخيار كما أنه لا سيرة

ج 22، ص: 237

معتد بها في إثبات أكثر هذه الاحكام أو جميعها، و لم يصدر من المتعاملين سوى قصد البيع على نحو غيره من البيوع، فلا بناء للمعاملة على شي ء من ذلك و أصالة اللزوم بعد فرض انحصار دليلها، في آية أوفوا المعلوم عدم صدقها على ما نحن فيه، كما صرح به الكركي و عليه بنى ثبوت الجواز في هذا البيع لا وجه لها، على أن المتجه بعد ثبوت الجواز، استصحابه حتى يحصل المخرج، فكل ما شك في ارتفاع الجواز معه كان مقتضى الاستصحاب المزبور ثبوته، اللهم إلا أن يقال أنه يكفي اللزوم استصحاب الملك الذي قد فرض ثبوته، و إنما يخرج عنه بالمتيقن و هو مع بقاء العين بحالها، فكل ما شك حينئذ في الجواز معه. كان مقتضى الاستصحاب المزبور اللزوم فيه، إلا أنه هو أيضا كما ترى محل للنظر و المنع كما تقرر في نظائره.

و من ذلك يظهر الحال حينئذ فيما لو اختلفا في حصول سبب اللزوم و عدمه، فان القول قول منكره استصحابا للجواز، من غير فرق بين الإطلاق في ذلك، و الاستناد إلى سبب خاص من تلف أو إتلاف أو عقد أو تصرف، و كون بعض أفراده لا يعلم إلا من قبله لا يسقط حق الغير، لكن في شرح الأستاد أن في تقديم قول أحدهما إشكالا و أما النماء فالمتجه فيه كونه لمن في يده، و إن رجع بالعين كنماء للبيع بالخيار، اللهم إلا أن يكون هناك سيرة على التبعية، كما سمعته سابقا في الإباحة، و كان شيخنا في شرحه لم يتحققها، و لذا جزم بالأول قال:

لا رجوع لأحدهما على صاحبه، لو أجزنا الرجوع على الأصل بالمنافع المستوفاة، لحصولها في ملكه أو تسليطه عليها بالإباحة على القول بها و كذا الفوائد الحادثة المنفصلة على القول بالأول، كالنماء و نحوه على الأصح بعد تلفها.

ج 22، ص: 238

و أما مع بقائها فلا يرجع على الأول مطلقا و يرجع مع عدم التصرف على الثاني و معه اشكال، و يظهر وجهه مما تقدم. و أما المتصلة كالسمن و الصرف و الشعر الباقيين على الظهر و اللبن الباقي في الضرع فيتبع العين على الأقوى، ثم لا يخفى عليك أن لفظ المعاطاة لم يكن في نص و نحوه حتى يكون الحكم دائرا مداره، و حينئذ فلا يشترط فيها بجميع صورها قبض العوضين، بل يكفي قبض أحدهما كما نص عليه الشهيد و الكركي، بل في دروس أولهما يشبه أن يكون من المعاطاة اقتضاء المدين العرض عن العقد أو عن عرض آخر فان ساعره فذاك و إلا فله سعر يوم القبض، و لا يحتاج إلى عقد و ليس لهما الرجوع بعد التراضي، قلت: و لعله لحصول البراءة منه التي هي بمنزلة التلف لكن فيه أن الظاهر كون الوفاء أمرا مستقلا قد دلت عليه النصوص و أفتى به الأصحاب فلا يدخل في اسم شي ء من هذه المعاملات كما بيناه في محله و لعله لذا قال: يشبه المعاطاة و لم يجعله منها حقيقة خصوصا و لم يقصد إلا الوفاء و الاستيفاء دون بيعيته و نحوها.

و على كل حال فلا يعتبر التقابض فيها قطعا للسيرة القطعية التي هي الأصل في إثباتها، فيجري حكم البيع و الإباحة على قبض أحدهما بل المتجه بناء على عدم اعتبار الصيغة الخاصة في البيع، جوازه بالألفاظ المقصود بها إنشاء البيع غيرها، و إن لم يقع قبض من أحدهما، فيجري فيها حينئذ حكم المبيع غير المقبوض، و من الغريب ما في المسالك و الروضة من التأمل فيها في صورة القبض من أحدهما، فضلا عن غيره لعدم صدق اسم المعاطاة، لأنها مفاعلة تتوقف على الإعطاء من الطرفين، إذ لا يخفى عليك عدم وجود اللفظ المخصوص، في شي ء من النصوص، حتى يكون عدم صدقه دليل عدم الصحة، و إنما العمدة السيرة المشتركة

ج 22، ص: 239

بين الصورتين، نعم قد يشك فيها بالنسبة إلى ما ذكرناه أخيرا من البيع بالألفاظ غير اللفظ المخصوص هذا، و في محكي تعليق الإرشاد أن من المعاطاة الإجارة و نحوها، بخلاف النكاح و الطلاق و نحوهما، فلا تقع أصلا و هو قاض بمشروعيتها في سائر العقود، و أن لها حكم ذلك العقد الذي قامت مقامه، و قصد بها على نحو ما سمعته في البيع.

لكن في جامع المقاصد إن في كلام بعضهم ما يقتضي اعتبار المعاطاة في الإجارة و كذا في الهبة و ذلك أنه إذا أمره بعمل على عوض معين عمله و استحق الأجرة، و لو كانت هذه إجارة فاسدة لم يجز له العمل، و لم يستحق اجرة مع علمه بالفساد، و ظاهرهم الجواز بذلك و كذا لو وهب بغير عقد فان ظاهرهم جواز الإتلاف و لو كانت هبة فاسدة لم يجز، بل يمنع من مطلق التصرف، و هو ملحظ وجيه و ظاهره عدم الجزم بذلك، و في المسالك بعد نقل ذلك قال: إنه لا بأس به إلا أن في مثال الهبة نظرا من حيث أن الهبة لا تختص بلفظ، و جواز التصرف في المثال المذكور موقوف على وجود لفظ يدل عليها، فيكون كافيا في الإيجاب إلا أن يعتبر القبول القولي مع ذلك، و لا يحصل في المثال فيتجه ما قاله، قلت: أو يفرض أن الهبة كانت بالفعل الذي قصد به ذلك، كالمعاطاة فيما نحن فيه، و ليس المهم ذلك.

إنما المهم بيان حكم المعاطاة بالصورة الثانية في باقي العقود كالقرض و الرهن و الضمان و الحوالة و الكفالة و المزارعة و المساقاة و الصلح و الإجارة و الجعالة و الوصية و الوقف و نحوها، و بيان فائدة الصيغة في بعضها مع فرض جريانها فيها، كالقرض و الضمان و أنها اللزوم كما في المقام، فيجوز الرجوع فيما كان بالمعاطاة منها قبل حصول ما يقتضي لزومها بناء على مساواتها لمعاطاة البيع أيضا فيما تلزم به، بخلاف ما لو كان

ج 22، ص: 240

بالصيغة أو غيره، كل ذلك و نحوه غير محرر في كلامهم، كما أن النصوص و غيرها خالية عن ذلك، و ليس إلا السيرة التي يمكن دعوى حصولها في الجميع، على وجه يلحقها اسم تلك المعاملة القائمة مقامها و حكمها عدا ما كان مختصا بالصيغة منها، كاللزوم بناء على انحصار دليله في آية أوفوا، فتثبت حينئذ فيها كلها، بل و في بعض ما هو إيقاع كالشفعة و الإبراء و فسخ الخيار و نحوها، فينكشف بذلك حينئذ عدم اعتبار الصيغة في أصل الصحة كما في المقام، و إنما هي للزوم فيما لم يثبت جوازه، أما فيه كالقرض ففائدتها أنها دالة عليه صريحا، من غير حاجة إلى قرينة بخلاف الأفعال و نحوها، و لذا تعرضوا لها و لضبطها في العقود الجائزة كالعارية و الوديعة و نحوهما، مما علم قيام الأفعال الدالة عليها مقامها، بل لو قيل بأن جواز المعاطاة في البيع للإجماع و السيرة لا لانحصار دليل اللزوم في آية أوفوا، بل يكفي فيه استصحاب الأثر الذي فرض حصوله منها، مضافا إلى خصوص ما دل عليه مثلا في الرهن و نحوه، اتجه القول بلزومها أيضا فيها، كما لو وقع ذلك بالصيغة فلا رجوع حينئذ في معاطاة الرهن و الضمان و نحوهما، إلا أن الجميع كما ترى.

و ذلك مما يؤيد كون المعاطاة التي أثبتها أكثر الأصحاب إنما هي الصورة الأولى و هي الإباحة، دون الثانية و ما شابهها، ضرورة قيح التزام الفقيه بمثل ذلك، و أقبح منه التزام جوازها في خصوص البيع و ما شابهه، و لا يخفى عليك طريق الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، و الله هو العالم بحقيقة أحكامه، و عليك بالتأمل في هذا المقام الذي قد زلت فيه اقدام الاعلام، بل لم أر من حرره من زمن المحقق

ج 22، ص: 241

الثاني الذي هو أول من فتح باب عدم اشتراط الصيغة في الصحة، و فرع عليه أن المعاطاة بيع، بل مقتضاه أنها تلحق باسم كل معاملة قامت مقامها كما عرفته سابقا، لكن قال في المحكي عنه في كتاب صيغ العقود في القرض: إنه لا يكفي الدفع على جهة القرض من غير لفظ في حصول الملك، نعم يكون ذلك في القرض كالمعاطاة في البيع فيثمر إباحة التصرف، فإذا تلف العين وجب العوض، و الذي ينساق إليه النظر أن المعاطاة في البيع تثمر ملكا متزلزلا، و يستقر بذهاب إحدى العينين أو بعضها، و مقتضى هذا أن النماء الحاصل في المبيع، قبل تلف شي ء من العينين، يجب أن يكون للمشتري، بخلاف الدفع للقرض، فإنه لا يثمر إلا محض الاذن في التصرف و إباحته، فيجب أن يكون نماء العين للمقرض لبقائها على الملك، و هو صريح في الفرق بين المعاطاة فيهما.

و لا يخفى عليك صعوبة إثبات ذلك عليه ضرورة اشتراك الجميع في الأدلة كما عرفته سابقا، و لعل التحقيق بعد ذلك كله، عدم تحقق شي ء من أحكام البيع على المعاطاة، فضلا عن غيره من المعاملات اللازمة، للاتفاق ظاهرا على اعتبار الصيغ في صحتها أو في مسماها، كالاتفاق ظاهرا على جريان حكم البيع الفاسد على البيع مثلا بالصيغة الباطلة، لعدم عربية و نحوها و لو أن المعاطاة بيع لاتجه صحته معاطاة لعدم التشخيص بإرادة العقد الذي هو بناء على كون المعاطاة بيعا، شرط للزوم خارج عن حقيقته، على أنه يمكن قصد ارادة البيع خاصة، و لإمكان القطع بملاحظة النص و الفتوى بكون البيع من حيث كونه بيعا بالنسبة إلى اللزوم و عدمه شيئا واحدا، و لذا أطلق

عليه السلام

ج 22، ص: 242

«البيعان بالخيار حتى يفترقا»(1)

و «من أقال نادما بيعته أقال الله عثرته»(2)

و «من اشترى حيوانا كان بالخيار إلى ثلاثة أيام»(3)

و غير ذلك مما لا يتم في بيع المعاطاة المفروض كونه جائزا بالذات، الا بتكلف مستقبح يمكن القطع بفساده، بل

قوله عليه السلام «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه»(4)

كالصريح في عدم تحقق البيع بالتقابض الذي هو في الحقيقة من أحكام البيع، أو شرط في صحته في الصرف.

و لإطلاقهم تحقق البيع بإشارة الأخرس و نحوه على وجه يكون كالبيع بالصيغة من غير إشارة في شي ء من النص و الفتوى إلى تبعيتها المشار إليه العقد أو المعاطاة، و لفحوى ما تسمعه في النكاح بل و الطلاق و الظهار و غيرهما، من الإيقاعات المعلوم عدم جريان المعاطاة فيها، بل ربما قيل بشمول العقود لها، بناء على إرادة مطلق الملزم من العقد فيها و لو من جانب، بل قد يشهد له

ما في الدعائم قال: جعفر بن محمد عليهما السلام «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» في البيع و الشراء و النكاح و الحلف و الصدقة(5)

بل يستفاد منه دليل آخر على ما نحن فيه، و لغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل من عدم صلاحية الفعل لإنشاء شي ء من المعاملات و الإيقاعات، بل و العقود الجائزة كالوكالة و الوديعة و العارية و نحوها، و الاكتفاء بالفعل و نحوه مما يفيد الاذن لا يقتضي تحقق الوكالة مثلا، أو الصحيح منها


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 4.
3- 3 الوسائل الباب 3 من أبواب الخيار الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
5- 5 الدعائم ج 2 ص 26.

ج 22، ص: 243

به على وجه يلحقه الحكم الذي عنوانه مسماها.

و من هنا يظهر لك السر في اعتنائهم بضبط الصيغ المخصوصة حتى في العقد الجائز، و اقتصارهم على الاكتفاء بالفعل في قبوله خاصة، بل قد يقال بكون المراد من العقود المأمور بالوفاء بها، البيع و الصلح و الإجارة و نحوها من المعاملات اللازمة أو

الجائزة على وجه ذكرناه في غير المقام، و لعله لذا سمعت عن جماعة بل قيل الأكثر تعريفها بالعقد نفسه، و إن كان فيه أن ذلك لا يقتضي كونها عبارة عن العقد المسبب لحصولها فالبيع حينئذ أثره و سببه لا نفسه، كما أوضحناه سابقا، بل اتفاق قدماء الأصحاب و متأخريهم حتى الكركي القائل بأن المعاطاة بيع على كون البيع النقل بالصيغة و الانتقال بها أو نفس الصيغة الخاصة الدالة عليها، كالصريح في عدم دخول المعاطاة في البيع، ضرورة خروجها عن الجميع كما انه يمكن القطع به أيضا من خلو ما جاء في البيع كتابا و سنة، عما ذكروه من الاحكام لها، كاللزوم بالتلف للكل و البعض و التصرف و نحو ذلك، بل لا يبعد اتحاد النكاح و الطلاق و الظهار و غيرها مع العقود، في اعتبار الصيغ الخاصة على وجه لا تقوم مقامها المعاطاة، و إطلاق اسم البيع من المتسامحين بالشرع و شيوعه فيما بينهم، حتى أنه ربما تبعهم في ذلك غير المتسامح، مع احتمال إرادة المبادلة أو رفع اليد منها، كرفع يد البائع أو غير ذلك، لا يصلح معارضا لما سمعت، و كأنه هو الذي عن الكركي حتى وقع و أوقع غيره فيما سمعت، نعم قد يقال بتحقق حكم الإباحة على ما في أيدي الناس مما يسمونه بيعا ما لم نعلم منهم إنشاء البيعية و الشرائية بالتقابض مثلا و إلا كان من البيع الفاسد نحو إنشاءه بالمنابذة و نحوها مما نهى

ج 22، ص: 244

الشارع عنه(1)،

و قال: «إنما يحلل و يحرم الكلام».(2)

و أغرب من ذلك كله دعوى جريان المعاطاة في مورد جميع العقود جائزها و لازمها، فيتحقق مسماها بها دون عقدها للإطلاق عرفا و فائدة العقد حينئذ اللزوم في اللازمة منها و لا فائدة له في غيره إذ هو كما ترى، لا ينبغي صدورها ممن ذاق طعم الفقه، و الله هو الموفق الهادي إلى سبيل الرشاد.

و كيف كان فقد ظهر لك أنه لا يكفي في عقد البيع ما عرفت من التقابض و نحوه، بل و كذا مطلق اللفظ.

نعم لا خلاف و لا إشكال في انعقاده باللفظ العربي الصحيح الصريح الماضي المنجز، المشتمل على الإيجاب من البائع و القبول المتأخر المتصل المطابق معنى من المشتري، بل الإجماع بقسميه عليه، و نصوص الكتاب و السنة شاملة له، أما مع فقد هذه القيود كلا أو بعضا فالقول فيه ما عرفت، و ما يأتي مفصلا، و يتحقق إيجابه ببعت قطعا، بل و بشريت على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك لاشتراك كل من لفظي البيع و الشراء بين المعنيين، فهما حينئذ من الأضداد كما عن كثير التصريح به، بل في مصابيح الطباطبائي لا خلاف بينهم في وضعهما للمعنيين، فيصح استعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب و القبول على الحقيقة، و لا يقدح الاشتراك و إلا لامتنع الإيجاب بالبيع، و لا ظهورهما في أشهر معنييهما، لوضوح القرينة

المعينة لغيره، و هي وقوع البيع من المشتري، و الشراء من البائع، على إن استعمال الشراء في البيع كثير، بل قيل إنه لم يرد في الكتاب العزيز غيره «نحو


1- 1 الوسائل الباب 12 من عقد البيع و شروطه الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.

ج 22، ص: 245

وَ شَرَوْهُ »(1)«و الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ»(2)و مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ »(3)و كذا استعمال البيع في الشراء كثير أيضا

و منه «البيعان بالخيار»(4)

و «لا يبع أحدكم على بيع أخيه»(5)

على المشهور في تفسيره كما ستعرفه في محله، و غير ذلك من الشعر و النثر، و دعوى هجر ذلك فيها في العرف المتأخر ممنوعة، إذا أريد الهجر على وجه يكون مجازا و مسلمة، و لكن لا يقدح إذا أريد بها غير ذلك، فلا بأس باستعمال كل منهما حينئذ في الإيجاب و القبول نعم الظاهر أن بعت في القبول تتعدى إلى مفعول واحد، و شريت في الإيجاب إلى مفعولين، كبعت فيه فلو قال البائع شريتك العين، تعين للإيجاب من وجهين: أحدهما وقوع ذلك من البائع، و الثاني التعدية إلى مفعولين، و لو قال شريتها فمن وجه واحد، و كذا القبول لو قال المشتري بعتها أو بعت، و لو وكل اثنين في بيع موصوف و ابتياعه بثمن

واحد، فقال أحدهما للآخر بعت أو شريت و قال الآخر بعت و شريت، فإن أوجبنا تقديم الإيجاب أو قال الأول بعت و الثاني شريت، كان بيعا حملا للعقد على الصحيح، و للصيغتين على ظاهرهما و إلا احتمل ذلك مطلقا نظرا إلى الغالب من تقديم الإيجاب، و إن لم يجب أو في غير صورة العكس فيبطل، لتعارض الأمارتين أو يصح شراء ترجيحا لدلالة اللفظ و هو الأقرب.


1- 1 سورة يوسف الآية 20.
2- 2 سورة النساء الآية 74.
3- 3 سورة البقرة الآية 207.
4- 4 الوسائل الباب 1 من أبواب الخيار الحديث 1.
5- 5 المستدرك ج 2 ص 470.

ج 22، ص: 246

و أما ملكت فالأكثر بل المشهور على تحقق الإيجاب بها، بل عن جامع المقاصد في تعريف البيع، ما يشعر بالإجماع على صحة الإيجاب به في البيع، و لعله لكونها حقيقة فيما يشمل البيع، فاستعمالها فيه حينئذ حقيقة، إذا لم يكن على جهة الخصوصية التي يكون استعمالها الكلي فيها مجازا، و دعوى كونها حقيقة في التمليك مجانا واضحة المنع، نعم قد يشكل ذلك باحتمال غير البيع، و إن كان نصا في الإيجاب، و لا يجدي ذكر العين و العوض، لأن تمليكها به قد يكون بالهبة و الصلح فلا يتعين بيعا، لكن قد يدفعه التزام تقييده بالبيع فلا إشكال حينئذ و لعله بذلك يرتفع النزاع، حملا لكلام المانع على الخالي من

القيد، و المجوز على خلافه، و يحمل المنع على ما إذا استعمل فيه مجازا، بملاحظة الخصوصية، و المجاز لا ينعقد به العقد، و الجواز على استعماله على جهة الحقيقة، و إن استفيدت الخصوصية من قيد آخر كما أنه يمكن دفع الاشكال المزبور أيضا، بأن الأصل البيع في تمليك الأعيان بالعوض، و الإجارة في ملك المنافع به، فيكفي حينئذ في صيرورته بيعا مجرد قصد التمليك من غير حاجة إلى قصد آخر فضلا عن القيد، بخلاف ملك الصلح و الهبة فإنه لا بد من قصدها.

و لعله على هذا يحمل ما عن المحقق الثاني، من أن المفهوم من بعت و ملكت معنى واحد، إلا أن للنظر في هذا الأصل مجالا، و على كل حال فالأقوى صحة الإيجاب بالتمليك مقيدا بالبيع، بل في المصابيح تحققه بكل ما كان مثله من الألفاظ الموضوعة للقدر المشترك بين البيع و غيره، نحو النقل و الإمضاء بل الظاهر تحققه عند أدخلته في ملكك، بل و بجعلته لك، بناء على كون اللام حقيقة في الملك، و أريد ذلك منها بالقرينة، بناء على أنها للقدر المشترك بينه و بين الاختصاص، ضرورة

ج 22، ص: 247

اشتراك الجميع في المعنى مع ملكت، بل قيل إن ذلك هو مقتضى إطلاق الأكثر بل الكل، فان الشيخ و الديلمي و القاضي و الطوسي و الحلبيين و غيرهم اقتصروا على الإيجاب و القبول، و لم يذكروا لفظا، و ذكره آخرون على سبيل التمثيل من غير حصر، ففي التحرير الإيجاب، للفظ الدال على النقل مثل بعتك أو ملكتك أو ما يقوم مقامهما، و القبول، اللفظ الدال على الرضا مثل قبلت و اشتريت و نحوهما، و نحوه الإرشاد و اللمعة و الروضة فيهما، و الجامعان و صيغ العقود في القبول، و التبصرة و القواعد في الإيجاب، و في الأخير أنه كبعت و اشتريت و ملت، و هو كالصريح في عدم انحصاره الثلث، و ما يوهم الحصر من العبارات لا يثبت به الخلاف، لظهور قصد التمثيل به كما مر، و المدار على الصراحة المتحققة في الكل، و لم تثبت من الأدلة اختصاص البيع بلفظ معين، و لا من الأصحاب اشتراط أمر زائد على الصراحة.

فما في المسالك من اختلاف كلامهم في تحقيق ألفاظ البيع، و احتمال القول باختصاصه بما يثبت شرعا من الألفاظ ليس بجيد، و كذا ما في تعليق الإرشاد من التردد في رضيت بدل قبلت، و إن كان بمعناه لاحتمال توقف النقل على الصيغة المعينة، إذ لا اعتداد بهذا الاحتمال و لو توقف النقل على خصوص اللفظ المعين، لزم الاقتصار على بعت و اشتريت و قبلت، و لم يجز غيره لعدم ثبوته بعينه من نص و لا إجماع و رضيت في القبول أظهر من ملكت و شريت، و أقرب إلى مفهوم قبلت، فكان أولى بالجواز منهما، و حينئذ فالمتجه الصحة في الكل.

و لكن قد يقال أن اعتبار الأصحاب الصراحة كاف في اشتراط الدلالة على خصوص البيع وضعا في الإيجاب، فلا يكفى ما دل عليه بالقرينة، و لو قرينة الاشتراك المعنوي، و إلا لكفى المجاز، و الاكتفاء

ج 22، ص: 248

بملكت للإجماع إن ثبت لا يقتضي بالتعدية إلى غيرها، اللهم إلا أن يكون منشؤه الأصل المزبور. فيتعدى منها حينئذ إلى جميع ما كان بمعناها، إلا أنه مع أن هذا الأصل محل للنظر و التأمل، يقتضي اختصاصهما حينئذ و ما ساواها في عقد البيع و الإجارة، بناء على أنها الأصل في تمليك المنافع، في مقابلة البيع للأعيان، لا التعدية إلى عقد كل عقد، بالألفاظ المشتركة معنى، التي لا دليل عليها، خصوصا بعد انصراف الآية إلى أشخاص العقود المتعارفة لا أنواعها، و معلومية أن المعاملات شرعت لنظام أمر المعاش المطلوب لذاته، و لتوقف أمر المعاد عليه، و هي مثار الاختلاف، و منشأ التنازع و الترافع، فوجب ضبطها بالأمر الظاهر الكاشف صريحا عن المعاني المقصودة بها، من العقد و الحل و الربط و الفك، و إلا لكان نقضا للغرض الداعي إلى وضع المعاملة، و إثباتها في الشريعة، و القيم بذلك البيان المعبر عما في ضمير الإنسان من الألفاظ الموضوعة لذلك، دون غيرها مما لا يفهم إلا بالقرائن من الألفاظ المجازية و نحوها، و للافعال و الإشارات و الكنايات و الكتابات و نحو ذلك كما هو واضح.

و من ذلك كله يظهر لك أن الاقتصار على الألفاظ الدالة وضعا هو الأولى و على كل حال فينعقد البيع بما ينعقد به في جميع أنواع البيع حتى التولية و السلم على خلاف يظهر من المسالك في الثاني، و يقع كل منهما بلفظه المخصوص الآتي في محله إنشاء الله، و في انعقاد البيع بلفظ السلم قولان، أشبههما العدم لأنه مجاز في مطلق البيع، و العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات كما صرحوا به، و للشك في الانعقاد بمثله، فينتفي بالأصل و أجازه الفاضلان و الشهيدان و المحقق الكركي و نسبه في المسالك

ج 22، ص: 249

إلى الأكثر، لأنه لفظ معتبر في نوع من البيع، فجاز استعماله في الجنس مجازا، تبعا لقصد المتبايعين و وجود القرينة الصارفة عن الخصوصية و لانعقاده بالتمليك المستعمل شرعا استعمالا شائعا في الهبة المباينة له، فانعقاده بالسلم الذي هو نوع منه أولى و لأنه إذا جاز في الموصوف المؤجل المحتمل للغرر و عدم إمكان التسليم، فالحال المشاهد المقطوع بتسليمه أولى بالجواز و ضعف الكل ظاهر، و تخصيص هذا المجاز بالجواز تكلف بعيد، خصوصا بعد إطلاقهم عدم انعقاد اللازم بالمجاز، بل في مفتاح الكرامة الذي طفحت به عباراتهم في أبواب متفرقة كالسلم و النكاح أن العقود اللازمة لا تنعقد بالمجازات، بل في المصابيح هنا و لا ينعقد بسائر المجازات كالهبة و الصلح و الإجارة و الكتابة و الخلع قولا واحدا، و لا بالنكاح و لو كان المبيع أمة، و لا بشي ء من الكنايات، كالتسليم و التصريف و الدفع و الأخذ و الإعطاء و نحو ذلك، بل عن التذكرة و نهاية الأحكام ان من الكنايات جعلته لك و أدخلته في ملكك، مع أن اللام محتملة للملك و الاختصاص و الإدخال في الملك بمعنى ملكتك، و قد عرفت جواز العقد به.

نعم الظاهر عدم الفرق في عدم انعقاده بالمجاز بين القريب و البعيد فما عن المحقق الثاني من الجمع بين ما وقع لهم من إطلاق عدم العقد به، و من جواز عقده بلفظ السلم الذي هو مجاز في البيع كما عن الأكثر على ما عرفته بذلك في غير محله، و ليس هذا بأولى من كون القائل بذلك محجوبا بالإطلاق المزبور، خصوصا بملاحظة ما عن الأكثر في باب النكاح، من عدم جواز عقد الدائم بلفظ المتعة لكونه مجازا فيه، و حقيقة في المنقطع، مع أنه من المجاز القريب، و اشتراطهم الصراحة و الدلالة بالوضع و نحو ذلك مما يعلم معه عدم الفرق بين

ج 22، ص: 250

المجاز القريب و البعيد، مضافا إلى أن ذلك مقتضى الأصل، و لم يثبت من إجماع أو غيره أن العقد بالمجاز من العقود المتعارفة كي يجب الوفاء به، بل قد يشكل العقد بالألفاظ المتجدد وضعها للدلالة على البيع مثلا صريحا، و إن كان القول به لا يخرج من قوة إذا فرض كونه من الألفاظ العربية، لا نحو ما كان من المحرفات العامية.

ثم لا يخفى عليك جريان ما سمعته من الكلام في ألفاظ القبول ضرورة عدم الفرق بين ألفاظه و ألفاظ الإيجاب في اعتبار الصراحة و نحوها كما عرفت، و أما اعتبار العربية للقادر عليها و لو بالتعلم بلا مشقة و لا فوت غرض، فهو مقتضى الأصل، ضرورة عدم الدليل على الاكتفاء بغيرها، بعد انصراف الآية و غيرها إلى العقد بالألفاظ العربية كغير المقام مما علق الشارع الحكم فيه على الألفاظ المنصرفة إلى العربية، خصوصا بعد إن كان المخاطب و المخاطب عربيا، و قد أرسل لسان قومه، و لذا كان القرآن و غيره من الأدعية و الأذكار الموظفة عربية، و لم يرد منهم عليهم السلام شي ء منها بالفارسية في جميع الموظفات، نعم لا بأس بالدعاء بالفارسية مثلا من حيث كونه دعاء، و إن كان لا يجزى في شي ء مما وظفه الشارع كما هو واضح، و عن المبسوط و التذكرة الإجماع على عدم الصحة بغير العربية مع القدرة في صيغ النكاح، فما عن ابن حمزة من استحباب العربية فيجوز بغيرها لأنه من الألفاظ الصريحة المرادفة للعربية واضح الضعف بعد ما عرفت، نعم الظاهر الاجتزاء بها للعاجز عنها حتى بالتعلم بلا مشقة، لفحوى الاكتفاء بإشارة الأخرس مؤيدا ذلك، بعدم العثور فيه على خلاف بين الأصحاب، بل في كشف اللثام الذي قطع به الأصحاب أنه يجوز بغير العربية للعاجز عنها و لو بالتعلم بلا مشقة و لا فوت غرض مقصود، بل الظاهر الاجتزاء

ج 22، ص: 251

بذلك و إن تمكن من التوكيل، كما صرح به بعضهم للفحوى المزبورة فما عن بعضهم من اعتبار ذلك في الاجتزاء بها لا يخلو من نظر، خصوصا بعد قول المصنف و غيره.

و يقوم مقام اللفظ الإشارة مع العذر من غير تقييد بالعجز عن التوكيل المتيسر غالبا، و دعوى اختصاص ذلك في خصوص الأخرس كما ترى، ضرورة عدم الفرق بين الجميع، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بمدرك المسألة، و لذا لم يجعل المصنف موضوع الحكم الأخرس كالقواعد و الإرشاد، بل في اللمعة و الروضة تكفي الإشارة مع العجز عن النطق لخرس و غيره، و لا تكفي مع القدرة و في محكي التحرير لا تكفي الكتابة و لا الإشارة مع القدرة، و تجزي الأخرس و شبهه الإشارة بل في المحكي عن كشف اللثام في كتاب النكاح لو عجز أشار بما يدل على القصد، و هو مما قطع به الأصحاب و لم نجد من الأصحاب نصا فيمن عجز لإكراه، بل في مفتاح الكرامة قد طفحت عباراتهم بأن العاجز عن النطق لمرض و شبهه كالأخرس، بل لا يبعد أن المراد بالإشارة كل ما دل على المقصود غير اللفظ حتى الكتابة التي قد صرح في الاجتزاء بها حينئذ في محكي التحرير و نهاية الأحكام و الدروس و غيرها، نعم يعتبر وجود القرينة الدالة على إرادة العقد بها أو المعاطاة و بها يحصل الفرق بين المعاطاة و العقد في العاجز من غير فرق في القرينة المفهمة بين الإشارة بالإصبع و غيره، و إن نص عليه في تلبية الأخرس، و تشهده لكن الظاهر إرادة المثال منه من كل ما يؤدى به الأخرس مقصوده، كما أن الظاهر القطع بعدم وجوب تحريك اللسان هنا، و إن قيل به في القراءة ضرورة وضوح الفرق بين المقامين بالتعبد باللفظ ثم، دون المقام فما في شرح الأستاد من أن الكتابة قاصرة عن الإشارة لا يخلو من نظر هذا.

ج 22، ص: 252

و لكن قد سمعت سابقا إطلاق الأصحاب قيام الإشارة مقام العقد من غير إشارة إلى بيع المعاطاة، و فيه إشارة إلى عدم كونها بيعا و على كل حال فالاجتزاء بغير العربية للعاجز عنها مساو لذلك أو أولى منه، بل الظاهر الاجتزاء بالملحون مادة أو إعرابا للعاجز عن الصحيح و لو بالتعلم من غير مشقة، كما اعترف به فخر المحققين فيما حكي عنه، قال: إذا ألحن الموجب أو القابل في العقود فان قال: بعتك بفتح الباء أو زوجتك أو غير ذلك فإنه يصح إذا لم يكن عارفا، أو كان عارفا و قصد الإيجاب، و لو قال: جوزتك في النكاح لم يصح، فان لم يتمكن من التعلم و لا أن يؤكل و عين هذا اللفظ صح، و كذا في القبول و في الطلاق لو عقد القاف كافا، فإنه لسان ورد في اللغة فيصح، و إن أمكنه النطق بغيره، و إن كان في كلامه مواضع للنظر أيضا.

[القول في اشتراط العربية و الماضوية]

و أما الماضوية فقد قال: المصنف انه لا ينعقد إلا بلفظ الماضي فلو قال: اشتر أو ابتع أو أبيعك لم يصح و إن حصل القبول و كذا في طرف القبول مثل أن يقول بعني أو تبيعني لأن ذلك أشبه بالاستدعاء أو الاستعلام، بل قيل أنه المشهور و لعله كذلك، إذ هو المحكي عن الوسيلة و السرائر و نهاية الأحكام و الإرشاد و المختلف و التذكرة و التحرير و شرح الإرشاد للفخر و الدروس و اللمعة و التنقيح و صيغ العقود و تعليق الإرشاد و الروضة و المسالك، بل عن التذكرة لو تقدم بلفظ الاستفهام فيقول تبيعني حينئذ، لم يصح إجماعا لأنه ليس بقبول و لا استدعاء، و عنهما أيضا لو قال أبيعك أو قال اشتر لم يقع إجماعا، و هو الحجة بعد الأصل السالم عن معارضة الآية التي قد عرفت ارادة المتعارف من العقود منها، و قد علم عدم العقد بذلك أو لم يعلم، خصوصا بعد الشهرة و الإجماع المزبورين، و عدم معروفية النقل للإنشاء هنا لغير الماضي،

ج 22، ص: 253

و لعله إلى ذلك أشار بقوله أشبه بالاستدعاء، و إلا فمن المعلوم أن محل البحث ما لو أريد الإنشاء بها، و ما في بعض نصوص الآبق و اللبن (1)من وقوع القبول بلفظ المضارع مقدما على الإيجاب لم يعلم منه وقوع العقد به، و لا هو مساق لذلك، بل المراد منه تعليم كيفية الشراء بالضم معه كما لا يخفى على من لاحظه، فما عن الكامل من صحة قول المشتري بعني هذا بكذا فقال: البائع بعتك من غير أن يرد المشتري و المراد من صحة قول المشتري تبيعني بكذا، و قال البائع بعتك واضح

الضعف، مضافا إلى ما فيه من تقديم القبول على الإيجاب الذي ستعرف الحال فيه، و أما التنجيز فالظاهر أنه لا إشكال كما لا خلاف في عدم صحة غير المنجز، بل عن تمهيد القواعد الإجماع على ذلك، بل قيل انه يلوح من كشف اللثام سواء كان تعليقا على متوقع الحصول أو متيقنة، لا لأن الإنشاء لا يقبله، ضرورة قبول الأوامر و نحوها له بل الوصية و الظهار و نحوهما، بل لمنافاته ما دل على سببية العقد الظاهر في ترتب مسببه عليه حال وقوعه، فتعليق أثره بشرط من المتعاقدين دون الشارع معارض لذلك، بل هو شبه إثبات حكم شرعي من غير أهله، و للشك في شمول الآية و نحوها له، بل ربما قيل: بفساد المعلق صورة لا واقعا، كقوله في النهار بعتك إن كان النهار موجودا، و نحوه مما لا تأخير فيه لأثر العقد، و لعله للشك المزبور، و كأنه هو مبنى ما عن التذكرة و نهاية الأحكام من أنه لو علقه على مشية المشتري بأن قال:

بعتك هذا بألف إن شئت فقال: اشتريت لم ينعقد، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن النظر خصوصا بعد تصريح بعضهم بصحة قول المنكر إن كان مالي فقد بعتك و إن كانت زوجتي فهي طالق، و أولى من ذلك إذا لم يكن شاكا بل كان جازما بأنه له، و كون الزوجة زوجته، و إنما ذكر التعليق


1- 1 الوسائل الباب 8 و 11 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1 و 2.

ج 22، ص: 254

صورة، فلا ينافي قصد ترتب أثر العقد بحصوله، كما إذا لم يعلق و إن كان شاكا في حصول الأثر الشرعي للشك في الشرط، إلا أنه يكفيه قصد الأثر العرفي، و يتبعه الشرعي إذا جمع الشرائط، و من هنا صح العقد مع من لا يرى صحة العقد كمتعة الذمية و نحوها و الله هو العالم.

[القول في اشتراط تقديم الإيجاب على القبول ]

و هل يشترط تقديم الإيجاب على القبول فيه تردد و خلاف و الأشهر كما قيل اشتراطه بل عن الخلاف الإجماع عليه، و إن كنا لم نتحققه، بل في مفتاح الكرامة أنه وهم قطعا، لأني تتبعت كتاب البيع فيه مسألة مسألة و غيره حتي النكاح فلم أجده ادعى ذلك، للأصل و كون القبول اضافة: فلا يصح تقدمها على أحد المضافين، و ان القبول فرع الإيجاب.

لكن مع ذلك الأشبه عدم الاشتراط إذا لم يكن بلفظ قبلت و نحوه، مما لا معنى له مع التقديم، و لذا كان ممنوعا بخلاف غيره فإنه يصح، وفاقا للشهيدين في اللمعة و الروضة و المسالك و الحواشي و الدروس و الفاضل في النهاية و التحرير و الكفاية، و مجمع البرهان على ما حكي عن البعض، بل قيل أنه ظاهر الغنية و غيرها، ممن لم يتعرض فيه لهذا الشرط، بل حكي عن القاضي أيضا، لصدق اسم العقد، بدليل صحته في النكاح الذي هو أشد احتياطا من المقام، و لذا قيل: انه أولى منه بجواز ذلك، و ليس هو قياسا فتشمله الآية حينئذ، على أن العوضية من الأمور الإضافية المتعاكسة فلا مزية لأحدهما بالاختصاص، و الإضافة و الفرعية غير ظاهرتين في غير قبلت التي لا نزاع فيها، و إلا لما صح في النكاح بل يمكن أن يقال: انه يصير المشتري موجبا و البائع قابلا، أو يقال: أن تبعية القبول للإيجاب إنما هي على سبيل الفرض و التنزيل

ج 22، ص: 255

لا تبعية اللفظ اللفظ حتى يمتنع التقديم عقلا و لا القصد القصد، فإنه ربما انعكس الأمر، و إنما هي بأن يجعل القابل نفسه متناولا ما يلقى إليه من الموجب و الموجب مناولا، كما يقول السائل منشأ أنا راض بما تعطيني، و قابل لما تمنحني فهو متناول قابل، قدم إنشاؤه أو أخره كما هو واضح.

و أما الاتصال فعن جماعة منهم الفاضل في النهاية و الشهيد و المقداد و المحقق أنه يشترط أن لا يتأخر القبول بحيث لا يعد جوابا، و لا يضر تخلل آن، أو تنفس، أو سعال، قلت: المدار في هذه الموالاة على العرف فإنه الحافظ للهيئة المتعارفة سابقا في العقد الذي نزلنا الآية عليه، فان الظاهر عدم تغيرها، و من ذلك يعلم الحال في التطابق بين الإيجاب و القبول الذي قد صرح به غير واحد من الأصحاب، لكن على معنى المطابقة بينهما بالنسبة إلى المبيع و الثمن، لا مطلق التطابق للاتقان على صحة الإيجاب ببعت و القبول باشتريت، بل الظاهر صحة قبلت النكاح مثلا لإيجاب زوجتك، كما عن جماعة التصريح به، بل المراد المطابقة التي مع انتفائها ينتفي صدق القبول لذلك الإيجاب و بالعكس، و الظاهر أن من ذلك ما لو قال: بعتك هذين بألف فقال: قبلت أحدهما بخمسمائة. ضرورة تعلق الرضا بالمجموع، و أولى من ذلك ما لو قال بعتكما العبدين بألف فقبل أحدهما بخمسمائة، بل عن المبسوط أنه لم يجز إجماعا، بل عنه أيضا انه لو قال قبلت نصف أحد العبدين بحصة من الثمن لم يصح إجماعا، لأن حصته مجهولة، بل الظاهر عدم الصحة لو قال قبلت نصفهما بنصف الثمن، كما عن المبسوط التصريح به أيضا لما عرفت، و عنه أيضا أنه لو قال: بعتكما هذين العبدين بألف هذا العبد منك و هذا العبد من الآخر فقبل أحدهما بخمسمائة لم يصح،

ج 22، ص: 256

لأنه قبله بثمن لم يوجب له، لأن الألف مقسومة على قدر القيمتين لا عددهما و هو إجماع، قلت: وجهه واضح كما ذكره.

نعم لو قال: بعتكما هذين العبدين هذا العبد منك بخمسمائة و هذا الآخر منك صح لمعلومية ثمن كل منهما مع ظهور عدم ارادة اشتراط تمليك كل منهما بتمليك الآخر أما لو قال بعتكما هذا بألف فقال أحدهما: قبلت نصفه بنصف الثمن، فالظاهر عدم الصحة، كما في القواعد و محكي المبسوط و الخلاف و القاضي و نهاية الأحكام و التلخيص لظهور إرادة الاجتماع، خلافا للفاضل في محكي المختلف و التذكرة فالصحة مع الخيار، و لو قال بعتك هذا بألف، فقال: قبلت نصفه بخمسمائة و نصفه بخمسمائة فالأقوى الصحة، لأنه تصريح بمقتضى الإطلاق من غير مخالفة، مع احتمال البطلان، و لو قال: بعتك بألف فقال: اشتريت بألف و خمسمائة فالأقوى الفساد لعدم المطابقة، و ربما احتمل الصحة إلى غير ذلك من الفروع التي مدارها ما عرفت.

و كيف كان ف لو قبض المشتري ما ابتاعه بالعقد الفاسد لعدم تحقق بعض ما عرفته و تعرفه من شرائط الصحة لم يملكه بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، للأصل بعد فرض بطلان السبب الذي أريد الانتقال به، و فرض عدم ارادة غيره من أسباب الملك، حتى المعاطاة بناء على أنها منه، ضرورة ظهور حال تعرضهما للعقد في إرادة الملك المترتب عليه، و إن كان قدر منهما التقابض، إلا أنه على كونه من مقتضيات ما أوقعاه من العقد و آثاره، لا أنه إنشاء مستقل قصدا ترتب الأثر عليه، نعم لو علم منهما و لو بالقرائن بعد ذكرهما العقد

ج 22، ص: 257

عدم إرادتهما ذلك، بل قصد الإنشاء بتقابضهما، و أراد حصول الملك أو الإباحة جرى عليه حكم المعاطاة، و كان خارجا عما نحن فيه.

و بذلك ظهر الفرق بين البيع الفاسد و المعاطاة، لكن قد عرفت سابقا أن قصد التملك العقدي غير مشخص، مع فرض تحقق البيع بالمعاطاة التي منها الصيغة الملحونة مثلا، على أن الأصحاب قد أطلقوا عدم الملك به، و إن لم يكن قصد إلا إلى البيعية، فهذا شاهد على عدم صحة بيع المعاطاة عندهم، و من هنا يتجه إطلاقهم عدم الملك مضافا إلى ما عرفته سابقا، بل ظهر أيضا الوجه فيما ذكره المصنف و غيره من عدم الملك، ضرورة عدم السبب المقتضى له، فالأصل حينئذ بحاله بل و كان كل مما قبضه البائع و المشتري مضمونا عليه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم

«على اليد»(1)

و تسلط الناس على أموالهم (2)التي في أيدي غيرهم، سواء كانت موجودة أو تالفة و غيره مما يقتضي الضمان باستيلاء اليد على مال الغير بغير إذن منه، و لا من المالك الحقيقي، إذا الثاني معلوم الانتفاء، بما دل على الفساد كالنهي عن بيع الحصاة و المنابذة و الملامسة(3)و الغرور(4)و نحوها، مما لا إشكال في ظهوره في عدم جريان آثار العقد الصحيح عليه من القبض و التصرف و نحوهما.

و أما الأول فلم يصدر منه إلا الاذن في ضمن إرادة التمليك بالعقد الصحيح. و الفرض عدم حصوله فيرتفع المطلق بارتفاع المقيد، لما تبين


1- 1 سنن بيهقي ج 6 ص 90 كنز العمال ج 5 ص 257.
2- 2 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 13.
4- 4 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

ج 22، ص: 258

في محله من عدم تحقق الجنس بدون فصله، و عدم بقاء المطلق بعد ارتفاع القيد، فأصالة الضمان المستفادة من عموم على اليد و غيره حينئذ بحالها، على أن القبض من كل منهما قد كان على وجه الضمان بما دفعه إلى الأخر، إلا

أنه لما لم يتم ما ذكراه من العقد المخصوص المقتضي للضمان بما تراضيا عليه، اتجه حينئذ ضمانه بالمثل أو القيمة و إقدامهما على المخصوص، إنما كان على تقدير صحة ما ذكراه من السبب المقتضى له، و الفرض فساده، و لذا أطلق المصنف و غيره الضمان على وجه يراد منه الضمان بالمثل أو القيمة، بل لعله هو الظاهر من معاقد إجماعاتهم في المقام، فضلا عن التصريح به من بعضهم، بل في محكي السرائر، أن البيع الفاسد عند المحصلين يجري الغصب في الضمان أو المعاطاة، بناء على أنها للإباحة إنما كان ضمانها فيها تراضيا عليه للإجماع و إلا كان محلا للمنع، على أن الفرق بينها و بين ما نحن فيه واضح بما عرفت.

بل منه يعلم عدم شمول

قوله عليه السلام «المؤمنون عند شروطهم»(1)

لو سلم تناوله للمعاطاة و نحوها، و لم نقل باختصاصه في العقد اللازم و نحوه، و إلا كان وعدا، و من ذلك كله ظهر لك الوجه فيما ذكروه هنا في الاستدلال على الحكم المزبور من قاعدة كل ما يضمن بصحيحه يضمن بفساده، التي قد يظهر من بعضهم الإجماع عليها، و المراد بها أنه كما يضمن المشتري مثلا بصحيحه لو فات في يده، يعني يذهب من ماله و يلزم عليه إيصال الثمن إلى البائع، كذلك يضمن بفاسده و يلزم عليه رد المبيع و إيصاله إلى

البائع، مع نمائه، لأنه باق على ملكه فإذا تلف كان مضمونا عليه.


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب المهور الحديث 4.

ج 22، ص: 259

كما أنه يظهر من إطلاقهم و معقد إجماعهم ما صرح به شيخنا في شرحه و الفاضل في الرياض من عدم الفرق فيما سمعته بين علمهما بالفساد و جهلهما و علم أحدهما، ضرورة اشتراك الجميع فيما ذكرناه، لأن العلم بالفساد لا ينافي اختصاص ما صدر منهم من الاذن، كما أنه لا ينافيه إيقاعهم التقابض و نحوه، على أنه من مقتضيات العقد الفاسد المعامل معاملة الصحيح، و لو للإبداع و التشريع، و كذا لا ينافيه الجهل بالفساد إذ أقصاه في بعض الأحوال عدم الإثم، و هو يجامع الضمان كما في إتلاف الساهي و النائم و غيرهما، لا الاذن من المالك بذلك، فالتوقف حينئذ في ضمان الجاهل مطلقا أو للعالم من بعض متأخري المتأخرين لشبهة كونه المسلط له على المال التي يأتي مثلها في العالمين، و شبهة رجوع المغرور على من غره التي ينفيها فرض عدم وقوع غير نفس المعاملة منه، و الجهل بالحكم الشرعي لتقصير منه لا لغرور العالم له به كما هو واضح في غير محله، ضرورة فرض عدم التسليط على كل حال، و إنما هو على وجه مخصوص لم يحصل، من غير فرق بين علمه و عدمه، إذ لا منافاة في تعليق الاذن على ما يعلم المعلق انتفائه، فظهر حينئذ أن القاعدة المزبورة لا ريب فيها على إطلاقها، كما اعترف بذلك في الرياض و غيره.

نعم قد يتوقف فيما صرحوا به من مفهومها على وجه القاعدة أيضا، و هو ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده، كالمال في الهبة و العارية و نحوهما، إذ لا وجه له سوى أنهما قد أقدما على المجانية، فلا ضمان لكنه كما ترى، خصوصا بعد علم القابض بالفساد، و جهل الدافع و الاقدام المزبور إنما هو على فرض صحة العقد فلا إذن حينئذ إلا المقيدة به، التي فرض ارتفاعها بارتفاعه، نحو ما سمعته في القاعدة

ج 22، ص: 260

الأولى، فيكون تصرف القابض في المال بلا إذن من المالك، فيكون مضمونا عليه، بقاعدة على اليد و غيرها و لا غرور من الدافع في أكثر أفرادها أو جميعها، كي يتجه سقوط الضمان بقاعدة رجوع الغرور على من غره، فالمتجه حينئذ، بناء على ما سمعته سابقا الضمان مطلقا، أو في أكثر أفرادها، إلا أن يقوم إجماع على ذلك، و تعرف إنشاء الله في العين المستأجرة و غيرها من محالها تمام الكلام في ذلك، كما انك تعرف حكم الضمان فيما تقدم أنه بالقيمة يوم القبض، أو يوم التلف أو غيرهما، و حكم ما لو زادت قيمة العين بفعل المشتري المتضمن علينا أيضا كالصبغ و نحوه أو لا كالصنعة، و حكم النماء و غير ذلك من الأحكام عند تعرض المصنف له، فيما يأتي من أحكام البيع الفاسد، ضرورة عدم اختصاص الحكم المزبور بما إذا كان الفساد من جهة العقد، بل يعمه و غيره مما ستعرف هذا كله في نفس العقد.

[أما الشروط]
[القول في شروط المتعاقدين ]
اشارة

و أما الشروط فمنها ما يتعلق بالمتعاقدين لهما و لغيرهما و هو البلوغ و العقل و الاختيار فلا يصح بيع الصبي إذا لم يكن عاقلا بالغ العشر سنين و لا شراؤه بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه و لو أذن له الولي قبل البيع أو بعده و كذا لو بلغ عشرا عاقلا على الأظهر الأشهر بل المشهور بل لا أجد فيه خلافا، عدا ما يحكى عن الشيخ و لم نتحققه، بل صرح في المحكي عن المبسوط و الخلاف بعد صحة بيع الصبي و شراؤه أذن له الولي أو لم يأذن.

نعم قال في أولهما و

روى انه «إذا بلغ عشر سنين و كان رشيدا كان جائز التصرف(1)

و ظاهره عدم العمل بها فصح حينئذ للفقيه نفي الخلاف


1- 1 المبسوط ج 2 ص 163 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 261

في المسألة على الإطلاق بل صح له دعوى تحصيل الإجماع على ذلك كما وقع من بعضهم بل ربما كان كالضروري و خصوصا بعد ملاحظة كلام الأصحاب و ارسالهم لذلك إرسال المسلمات حتى ترك جماعة منهم الاستدلال عليه اتكالا على معلوميته.

فمن الغريب ما وقع للمقدس الأردبيلي و بعض من تأخر عنه من الإطناب في تصحيح عقده، بل ربما كان ظاهر ما استدل به على ذلك عدم الفرق بين بلوغه العشر و عدمه، و هو مع سبقه بالإجماع بل و لحوقه محجوج بالأصل المزبور بوجوه، و

خبر حمران أو حمزة بن حمران المروي في المستطرفات و غيرها(1)«أن أبا جعفر عليه السلام قال:

الغلام لا يجوز أمره في البيع و الشراء و لا يخرج عن اليتم حتى يبلغ خمس عشر سنة»

و خبر عبد الله بن سنان المروي عن الخصال (2)«عن الصادق عليه السلام أنه سئل أبي و أنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره، قال: حتى يبلغ أشده قال: و ما أشده قال: احتلامه»

الخبر و غيرهما من النصوص المذكورة في باب الحجر(3)و غيره و المناقشة في السند واضحة الفساد، و لو بملاحظة الانجبار بما عرفت، كالمناقشة في الدلالة بكونها فيهما أخص من المدعى، باعتبار ظهورهما في التصرف بماله، و بما إذا كان من دون إذن الولي، و نحو ذلك مما لا ينبغي صدوره من متفقة فضلا عن الفقيه، خصوصا بعد ملاحظة عدم القول بالفصل، و أن

المراد من أمره تصرفه القولي و الفعلي، و هذا معنى سلب


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 14 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب الحجر و باب 45 و 46 من أبواب أحكام الوصايا.

ج 22، ص: 262

عبارته في المعاملة، و فعله الذي اشتهر التعبير به في كتب الأصحاب على وجه لا تنفعه إجازة الولي المتأخرة، و لا إذنه السابق بل و لا أجازته نفسه بعد البلوغ، ضرورة الخروج عن قابلية التأثير، فمن الغريب المناقشة فيهما بأنه لا منافاة بين صحة عقده و بين عدم دفع المال إليه، و أغرب منه الاستدلال بإطلاق ما دل على صحة البيع من الخطابات الوضعية التي لا تخص المكلفين، بل ما كان منها ظاهر فيهم، فليس المراد منه اشتراط السببية التي هي من أحكام الوضع به، نحو ما تقدم في الحدث الأكبر و الأصغر و الإتلاف للمال المحترم و غيرها، فيتأخر الحكم التكليفي لو كان التصرف بماله إلى ما بعد البلوغ، أو يكلف به الولي و أما الوضعي كالملك و نحوه فيقارن السبب، كما انه يقارنه لو كان العقد على غير ماله باذن من المالك سابقه أو لاحقة، بناء على جواز الفضولي.

لكن ذلك جميعه كما ترى، ضرورة القطع بعدم سببية ما وقع منه للبيع، بملاحظة ما سمعته من النص و الفتوى، و بذلك افترق المقام عن نحو الحدث الذي لا يفرق في سببيته بين الصبي و المجنون و النائم و غيرهم، و كذا الاستدلال بما ورد في الكتاب (1)و السنة من ابتلاء

اليتامى و اختبارهم في حفظ المال، و في التصرف فيه كي يدفع إليهم مالهم (2)و بالسيرة القطعية في سائر الأعصار و الأمصار على مباشرة الأطفال لبيع الخبز و الماء و نحوهما و شرائهما، و بالقياس على جواز


1- 1 سورة النساء الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 1 و 3 و 4 و 44 من أبواب أحكام الوصايا.

ج 22، ص: 263

وصيته (1)و عتقه (2)و طلاقه (3)و نحوها و مرسل المبسوط(4)لا يخفى عليك ما فيهما ضرورة كون عدم انحصار الأول مع فرض وقوعه قبل البلوغ، بمباشرة نفس عقد البيع و الشراء و نحوهما من الأمور التي عرفت الدليل على اعتبار البلوغ في صحتها، بل يكفي مباشرة السوم و نحوه من الأمور التي لا يعتبر فيها ذلك، هذا إن كان الابتلاء قبل البلوغ.

أما لو كان بعده كما يقضي به بعض النصوص تحصيلا لصفة الرشد فلا دلالة على ما نحن فيه حينئذ بوجه و عدم اقتضاء الثاني للجواز مطلقا، ضرورة وجوب الاقتصار فيه على خصوص ما جرت به السيرة التي تصلح حينئذ مقيدة أو مخصصة، لما عرفت بعد فرض تسليمها على وجه ينافي ما سمعت مع احتمال منعها، خصوصا بعد إطلاق النص و الفتوى و اشتراط البلوغ، المشعر بكونها حادثة و صادرة ممن يتساهل بأحكام الشرع، أو بكونها في خصوص ما علم فيه إذن الولي بإباحة المبادلة التي يطلق

اسم البيع عليها، و مثلها لا ينافي ما عرفت لكون الطفل فيها كالآلة و انها ليست من المعاطاة، على القول بأنها بيع أو انها معاوضة مستقلة برأسها مفيدة للملك، بل و لا منها بناء على أنها تفيد الإباحة ضرورة كونها على هذا التقدير لا بد فيها من إنشاء و قصد للمعاوضة، و يترتب عليها الملك بالتلف و التصرف و نحوهما مما عرفت،


1- 1 الوسائل الباب 44 من أبواب أحكام الوصايا الحديث 4 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 56 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطلاق و شرائطه الحديث 2.
4- 4 المبسوط ج 2 ص 163 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 264

و قول الطفل و فعله مسلوب القابلية عن ذلك لما عرفته، و إن قلنا بجواز إباحته بالمعنى الأعم إذا فرض إذن الولي له بذلك، لكون المرجع فيه حينئذ إلى إباحة الولي، و إن كان إذن الطفل مشخصة لموضوع من أبيح له فإذنه حينئذ كغيره مما يعتبر في التشخيص لو علق عليه إباحة المال من دخول في دار أو إشارة من مجنون بل و حيوان لو فرض أو غيرهما، و مثل ذلك لا يكفي في المعاطاة المعلوم اعتبار قصد المعاوضة فيها، و إنشائها على كل حال، و لا يكفي فيها القطع برضا صاحب المال بالمعاطاة من دون تحقق ذلك فعلا ممن له أهلية ذلك، و الفرض سلب الطفل عنها و من ذلك يظهر لك ما في الرياض حيث أنه بعد أن جزم بعدم جواز تصرفات الطفل، قال: نعم الأظهر جوازه فيما كان فيه بمنزلة الآلة لمن له الأهلية، لتداوله في الأعصار و الأمصار السابقة و اللاحقة من غير نكير، بحيث يعد مثله إجماعا من المسلمين كافة، لكن ينبغي تخصيصه بما هو المعتاد في أمثال هذه الأزمنة، فإنه الذي يمكن فيه دعوى اتفاق الأمة، ضرورة ظهوره في إرادة التصرف الإنشائي الذي يترتب عليه الملك و التمليك، لا الإباحة بالمعنى الأعم، و فيه ما عرفت، و يمكن أن يريد ما ذكرناه، لكن في شرح الأستاد أنه ربما يقال بترتب الملك على الإباحة المستفادة من مباشرة الأطفال إلحاقا لها بالمعاطاة مع تولي الطرفين، بل أطنب بعض مشايخنا في عدم اعتبار البلوغ في المعاطاة بناء على أنها تفيد الإباحة فتصح حينئذ من الأطفال بإذن الولي، و فيه منع لما عرفت من سلب أفعالهم و أقوالهم عن ترتب الملك و عن إرادة الإنشاء بها، كما هو مقتضى

قوله عليه السلام «لا يجوز أمره حتى يبلغ أشده»(1)

المعلوم إرادة التصرف من أمره فيه، كما عرفت، و ما سوغناه


1- 1 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب أحكام الحجر الحديث 4 و 5.

ج 22، ص: 265

من الإباحة بالمعنى الأعم، هو تصرف للولي دونه، فلا ريب في أن الأحوط الاجتناب مطلقا.

و أما ما سمعته من الاستدلال بالقياس، ففيه أولا منع حجيته و ثانيا منع الحكم في المقيس عليه إلا ما قام الدليل المعتبر عليه و مرسل المبسوط مع عدم حجيته خصوصا بعد الاعراض عنه محتمل لإرادة التصرف في الجملة و لو الإباحة بالمعنى المذكور و لمن قارنه البلوغ بأحد

أسبابه أو غير ذلك، و قد ظهر من ذلك كله معلومية الحال، و أن المسألة خالية من الاشكال، و كذا الكلام في المجنون مطبقا أو أدوار حال جنونه، بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه بل الضرورة من المذهب بل الدين، لا لعدم القصد فإنه قد يفرض في بعض أفراد الجنون، بل لعدم اعتبار قصده و كون لفظه كلفظ النائم، بل أصوات البهائم و هو المراد من رفع القلم عنه. و عن الصبي في الخبر(1)مع أن العمومات التي قد اغتر بها من عرفت في الصبي شاملة لبعض أفراده إن لم يكن جميعها.

و كذا الكلام في المغمى عليه و السكران غير المميز و غيرهم ممن هو فاقد العقل المعتد به في التكاليف الشرعية و موضوعاتها الخاصة و المكره بغير حق الذي هو مما رفع الشارع الحكم عما أكره عليه من قول أو فعل (2)بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، بل الضرورة من المذهب، مضافا إلى الأصل المقرر بوجوه، و إلى ما دل على اعتبار الرضا و طيب النفس في صحة المعاملة و آثارها من


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 11.
2- 2 الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1 و 2.

ج 22، ص: 266

من الكتاب (1)و السنة(2)و إلى معلومية اعتبار ارادة معنى العقد من ذكر لفظه، ضرورة عدم كون التلفظ به سببا للعقد على كل حال حتى لو وقع ممن لم يرد العقد به، إذ

«لا عمل إلا بنية»

(3)و «إنما الأعمال بالنيات»(4)

و «لكل امرء ما نوى»(5)

لذلك اشتهر اعتبار القصود في العقود و تبعيتها لها بل لعله راجع إلى الرضا و طيب النفس اللذين قد عرفت اعتبارهما و من المعلوم انتفاء ارادة معنى العقد من المكره لعدم تصور الإكراه عليه لذلك قال في التذكرة: انه في معنى الإكراه بيع التلجئة و هو أن يخاف أن يأخذ الظالم ملكه فيواطي رجلا على إظهار شرائه منه و لا يريد بيعا حقيقيا، بل ربما استظهر منه الإجماع عليه إذ لا وجه له إلا ما عرفته من عدم ارادة العقد بما ذكره من ألفاظه.

نعم قد يشكل تحقق موضوع الإكراه فيما لو أكره على بيع عبد فباع اثنين أو نصفه كما في التذكرة ثم قال و كذا بثمن، فباع بأزيد أو أنقص أو بوصف حلول أو غيره فباع بخلافه لكن في شرح الأستاد و لو بعض الرضا أو غير الأجل أو بعض الشروط فالظاهر البطلان، أي لصدق الإكراه و لو جبره على البيع نقدا فأجر أو صالح أو أسلم فلا جبر قلت: المدار على صدق الإكراه، و مع الشك فالأصل عدمه و في التذكرة لو ادعى الإكراه قبل مع اليمين مع القرينة و لا بدونها و لا يخلو من إشكال إذا لم يكن ظهور يعتد به فيه و كيف كان فلا عبرة بما يصدر من


1- 1 سورة النساء الآية 29.
2- 2 الوسائل الباب 3 من مكان المصلي الحديث 1 و 3.
3- 3 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 5.
5- 5 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.

ج 22، ص: 267

ألفاظ العقود ممن عرفت و نحوهم من الساهي و الناسي و النائم و غيرهم، و لو رضي كل منهم بما فعل بعد زوال عذره بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه لما عرفت مما يقتضي سلب عبارتهم على وجه لا ينفع تعقب الرضا عدا المكره للوثوق بعبارته فتصح حينئذ و يترتب عليها الآثار إذا عقبها بالرضا بعد ذلك على المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا بل في الرياض و الحدائق أن ظاهرهم الاتفاق عليه. لكن لا يخفى عليك بعد التأمل فيما قدمناه أنه إن لم تكن المسألة إجماعية فللنظر فيها مجال كما اعترف به في جامع المقاصد، ضرورة عدم اندراجه في العقود بعد فرض فقدان قصد العقدية، و أن صدور اللفظ فيه كصدوره من الهازل و المجنون و نحوهما، و قصد نفس اللفظ الذي هو بمعنى الصوت غير مجد، كما أنه لا يجدي في الصحة تعقب إرادة العقد بذلك، خصوصا بعد ما عرفت من اعتبار مقارنة النية بمعنى القصد للعمل، و إلا لأجزاء تعقبها المهاذل و نحوه مما هو معلوم العدم، و بذلك افترق عن الفضولي الذي قصد العقد بما ذكره. حتى جعل الرضا فيه كاشفا قبله، لا ناقلا كما ستعرف، فاستنباط حكم ما نحن فيه من فحوى الصحة فيه كما ترى.

و أغرب من ذلك التزام الصحة أيضا في الهاذل و نحوه ممن كان قاصد اللفظ دون المدلول إن لم يقم عليه إجماع، كما هو ظاهر بعضهم، لعدم الفرق بينه و بين المكره، و دعواه بأنه غير قاصد للفظ بخلاف المكره فإنه قاصد للفظ دون مدلوله كما ترى واضحة الفساد، فهو حينئذ كالمكره المتدرج في عمومات العقود، و الإكراه إنما كان مانعا شرعيا من تأثيرها أثرها فإذا زال عمل المقتضي مقتضاه، بل لو قلنا بأن الرضا شرط فأقصى ما يستفاد مما دل على اعتبار شرطية وجوده، أما سبقه أو مقارنته فلا دليل عليه فينفى بأصالة عدم الشرطية كغيره

ج 22، ص: 268

من الشرائط الشرعية التي يشك في اشتراطها التي ترجع في الحقيقة إلى الشك في إطلاق وجوب الوفاء و عدمه، و لا ريب أن مقتضى الإطلاق الأول، و هو معنى أصالة الإطلاق في الواجب، و ان الوجوب المشروط محتاج إلى الدليل بعد فرض إطلاق الأمر، إذ لا يخفى عليك ما في جميع ذلك، بعد ما عرفت من فقد القصد في المكره و الهاذل الذي يمكن دعوى انتفاء اسم العقد بانتفائه حينئذ إذ ليس هو أسماء للفظ على كل حال.

نعم هو لفظ العقد بمعنى انه يعقد به عند إرادة العقد، لا انه عقد كيف ما وقع، و لو سلم فلا ريب في اعتبار مقارنة القصد له، بدليل

قوله (ع): «لا عمل إلا بنية»(1)

و إنما الأعمال بالنيات(2)

و نحوها و لذلك اعتبر في صحة العبادة، بل هو أيضا مقتضى رفع حكم ما أكره عليه (3)و كونه كالعدم كما و هو واضح و ستسمع إنشاء الله في الفضولي تمام البحث في ذلك، فظهر حينئذ أن العمدة في المسألة الإجماع إن تم، لكن قد يناقش في تمامه بإطلاق اشتراط الاختيار من بعضهم على وجه يظهر منه ان اشتراطه كاشتراط البلوغ و العقل، بل ربما ظهر من إطلاق معقد إجماع الخلاف ذلك، قال: فيما حكي عنه طلاق المكره و عتقه و سائر العقود التي يكره عليها لا تقع إجماعا منا، ثم حكى بعد ذلك القول بالصحة عن بعض العامة في الطلاق و العتق من دون تعقب اجازة، و في نحو البيع و الصلح إذا تعقبت و إلا بطلت فتأمل جيدا، حتى يظهر لك ما أطنب به غير واحد من متأخري الأصحاب في المقام


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 56 من أبواب جهاد النفس الحديث 1 و 2.

ج 22، ص: 269

خصوصا فاضل الرياض.

نعم لو فرض تصور قصد المكره على اللفظ معنى اللفظ مع عدم الرضا منه و قلنا أن الإكراه على اللفظ لا يخرجه عن صلاحية التأثير، جرى عليه حكم الفضولي، بل و كذا لم يكن مكرها بل كان مختارا و لكن صرح بالقصد المزبور دون الرضا بناء على تصور انفكاكهما، و لعل منه ما سمعته من التذكرة من بيع التلجئة، و لا ريب في كونه حينئذ كالفضولي فتأمل جيدا، و ربما تسمع له فيما يأتي تتمة إنشاء الله، و حينئذ فالمتجه بناء البحث على ذلك، فالمكره القاصد للفظ و مدلوله على نحو سائر أفعال

العقلاء، كالمكره على الأكل و الشرب و نحوهما، حكمه حكم الفضولي، و المكره الذي قد جرد نفسه من قصد العقد بما يتلفظه به على وجه لم يصدر منه إلا اللفظ الفرق باطل و إن تعقبه الرضا بعد ذلك لفوات القصد، و لعل إطلاق الأصحاب الصحة في المكره مبني على غلبة كونه بالمعنى الأول ضرورة عدم منافاة الإكراه لذلك فتأمل جيدا و على كل حال فحيث يكون كالفضولي يجب انتظار غير المجبور، و ليس له الفسخ قبل فسخ المجبور، و إن كان ربما يتوهم كون ذلك مخالفا لظاهر الشريعة، و لو حصل الرضا بعد العقد بلا فصل، فلا إشكال على القول بالصحة و لو فسخ قصد العقد أما لو استمر الجبر بلا فسخ ثم تعقب الرضا ففي شرح الأستاد قوي وجه الصحة، قلت: لعل وجه العدم أنه قد يقال بكفاية استمرار عدم الرضا في فساد العقد بحيث لا تنفع معه الإجازة إذ دعوى احتياج فسخه إلى لفظ يدل عليه مريدا للإنشاء به لا دليل عليه، و ستسمع إنشاء الله له تتمة.

و لو كان الإكراه من المالك للأجنبي على نفس الصيغة احتمال الصحة من غير حاجة إلى تعقب رضا، بل أقصاه الالتزام بالأجرة،

ج 22، ص: 270

و الوجه البطلان لرفع حكم ما اكره، و منه رفع قابليتها للتأثير، و إلا لبقي حكمها، بل الظاهر عدم العبرة برضاه بعد ذلك، و إن قلنا بالاكتفاء به في المكره على بيع ماله، ضرورة وقوع الصيغة فاسدة، فلا يجدي الرضا المتعقب، و كذا لو كان المكره غير المالك و بذلك يفرق بينه و بين الفضولي الذي لم يكره أحد على إيقاع الصيغة فتأمل جيدا، فإنه ربما ظهر من بعض مشايخنا اتحاد حكم المكره من غير فرق بين الفضولي و غيره.

هذا كله في الإكراه بغير حق، أما فيه فقد صرح غير واحد بالصحة معه لكن قد يقال أن الإكراه بالحق للحاكم و من قام مقامه إنما يقتضي تصرف الجابر و لا حاجة إلى وقوع اللفظ من المجبور، لأنه هو الولي له في هذا الحال، و احتمال الإلزام له بمباشرة اللفظ الخالي عن القصد و الرضا لا دليل عليه و قيام الحاكم مقامه فيما يقتضي قيامه في اللفظ الذي هو أسهل من ذلك على أنه لو اعتبر مباشرته للفظ أشكل بإمكان عدم تيسره منه، لشدة عناده أو غير ذلك بل قد يشك في صحة العقد الذي يكره عليه و الفرض كونه فاقد القصد و الرضا و لو حصلا من الحاكم، ضرورة كونه تبعيضا في العقد لم يعلم شرعيته و الله أعلم.

و لو باع المملوك أو اشترى أو آجر أو استأجر أو فعل غير ذلك من العقود بعنوان انه لنفسه أو لسيده بغير إذن سيده لم يصح قطعا، لما تعرفه إنشاء الله في محله من عدم قابلية العبد للملك و التمليك و كونه محجورا عليه في سائر التصرفات (1)و لو كانت متعلقة بيده الذي هو ملك غيره فضلا عن غيرها و أنه كل على سيده لا يقدر على شي ء، نعم فان إذن له مولاه فيما يصح وقوعه منه جاز لارتفاع المانع حينئذ و لو لحقت الاذن تصرفه لمولاه جرى عليه حكم الفضولي و لو كانت إذن مولاه له سابقه أو لاحقة له نفسه في التصرفات


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب الحجر الحديث 1 و 2.

ج 22، ص: 271

التي تستلزم التمليك، ففي البطلان لعدم أهلية العبد لها، و الصحة مع الوقوع للمولى وجهان، قد أشبعنا الكلام فيه في باب الدين، كما أنه أشبعنا البحث فيما يوقعه العبد من العقود للغير بغير إذن مولاه، و قد ذكرنا هناك أن القول بالصحة و إن لم يأذن المولى بل مع نهيه لا يخلو من قوة و إن أثم العبد بإيقاعها لأنه من منافعه المملوكة للسيد، إلا أن الحرمة لا تنافي الصحة هنا، بعد إن لم تكن للمعاملة من حيث كونها كذلك، كما صرح به شيخنا في شرحه في المقام بل يومي إليه ما ورد في تزويج العبد نفسه، فضولا عن مولاه فأجازه (1)إذ لا ريب في إثمه بإيقاع نفس العقد الذي هو تصرف في لسان العبد المملوك للسيد بالنسبة إلى ذلك، فظهر حينئذ أن معصية العبد في الفرض لا تنافي الصحة، و إلا لم تنفع إجازة المولى بعد ذلك في الصحة، ضرورة تحقق الإثم الذي لا يرفعه إلا الاستغفار و التوبة.

و من ذلك يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف و غيره من أنه لو أمره آمر أن يبتاع له نفسه من مولاه بل و من غير مولاه كوكيله، بل لو باع نفسه من الغير فضولا عن مولاه فأجاز صح، بل لو فعل ذلك فضولا عن الجانبين كما لو باع نفسه فضولا عن مولاه لفضولي آخر عن غيره فأجازا معا، كل ذلك لما عرفت من عدم توقف

الصحة على إباحة وقوع العقد من العبد، و لكن قيل و القائل ابن البراج لا يجوز له ابتياع نفسه من مولاه لاتحاد عبارته مع عبارة السيد فيتحد الموجب و القابل، و مقتضاه حينئذ ذلك حتى لو سبقت له الاذن بذلك، و فيه منع واضح، ضرورة عدم الاتحاد أولا و كفايته اعتبارا ثانيا كما ستعرفه إنشاء الله، و أما تعليل عدم الجواز بعدم


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبد و الإماء الحديث 1.

ج 22، ص: 272

سبق إذن مولاه له فيما أمره به الأمر، ففيه أولا يكفي في الاذن له بيعه له مع علمه بشرائه لغيره، و ثانيا ما عرفت من عدم توقف الصحة على ذلك، و إن عصى العبد بل لا يكون وكيلا عن الأمر الذي قد يستلزم معصيته أيضا من حيث استيفائه منفعة عبد الغير من غير إذنه إلا أن أقصاه ضمان الأجرة للسيد إن كان مما له اجرة، فقبول العبد مقارنا لرضا الأمر، أو سابقا له كاف في الصحة لما عرفت.

و من هنا ظهر لك أن الجواز أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما أنه ظهر لك ما في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما من أن التقييد بمولاه في المتن و غيره لتحصيل الاذن منه بخلاف ما لو أمر الأمر بالشراء من وكيل المولى فإنه لا إذن فيه من المولى، فلا يصح إذ قد عرفت عدم توقفها في الفرض و نحوه على ذلك، بل يصح حتى مع النهي فضلا عن عدم الاذن فيه و الله أعلم و من الشروط المتعلقة بالمتعاقدين في صحة العقد و في تمامية تأثيره على الخلاف أن يكون البائع مثلا مالكا للمبيع أو ممن له أن يبيع عن المالك كالأب و الجد للأب و الوكيل للمالك، و القائم مقامه أو المأذون عنهم و الوصي له أو لأحد الأبوين المذكورين و الحاكم و أمينه بلا خلاف أجده في شي ء منها بل الإجماع بقسميه على ذلك بل غيره من الأدلة كتاب (1)و سنة(2)واضحة الدلالة عليه، بل تدل أيضا على زيادة عدول المؤمنين من باب


1- 1 سورة المائدة الآية 2 و سورة النساء الآية 29.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب العقد و شروطه و 78 من أبواب ما يكتسب به و 6 من أبواب عقد النكاح.

ج 22، ص: 273

الحسبة المستفادة من آية المعاونة(1)و عدم السبيل على المحسن(2) و أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض (3)و خيرية الإصلاح لليتامى (4)و جملة من النصوص المعتبرة كصحيح ابن بزيع (5)و غيره بل مقتضى كثير مما سمعت قيام الفساق مقامهم أيضا مع عدمهم و كون التصرف على وفق المصلحة(6)و لعل من ذلك تصرف الأمناء في الأمانة ببيع و نحوه مخافة التلف (7)كما أن مقتضى قوله تعالى «وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ»(8)و غيره من أدلة المقاصد اضافة المقاص إليها(9)كما صرح به في الدروس و لتفصيل البحث في ذلك و في محال تصرفهم و كيفيته مقام آخر و

المراد هنا بيان جواز بيعهم على الاجمال و على كل حال

[القول في بيع الفضولي ]
اشارة

فلو باع غير من عرفت ممن له الولاية، لا بعنوان الوكالة عن المالك، ملك غيره صح و لكن وقف تمام تأثيره من الملك و نحوه على اجازة المالك أو وليه على الأظهر الأشهر بل المشهور بل قيل انه كاد يكون إجماعا، بل ربما أشعر قوله عندنا في التذكرة بالإجماع عليه، كالمحكي عن الكركي في باب الوكالة بل عن موضع آخر من التذكرة


1- 1 سورة المائدة الآية 2.
2- 2 سورة التوبة الآية 91.
3- 3 سورة التوبة الآية 71.
4- 4 سورة النساء الآية 128.
5- 5 الوسائل الباب 16 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب 88 من أبواب أحكام الوصايا.
7- 7 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.
8- 8 سورة البقرة الآية 194.
9- 9 الوسائل الباب 83 من أبواب ما يكتسب به الحديث 2.

ج 22، ص: 274

نسبته إلى علمائنا لاندراجه بعد الرضا في البيع مثلا، و العقد و التجارة عن تراض، فيشمله ما دل على صحتها و لزومها من الكتاب، و السنة، و الإجماع، ضرورة عدم توقف صدق أسمائها على صدور لفظ العقد من غير الفضولي، إذ أقصى ما يدعيه الخصم أنه شرط شرعي، فلا يتوقف عليه الصدق، و ليس في شي ء من الكتاب و السنة ما يدل على اعتبار صدور اللفظ المزبور من غير الفضولي، كما أنه ليس في الأدلة ما يدل على اعتبار سبق الرضا أو مقارنته، بل أقصى آية التراضي (1)و رواية عدم حل مال المسلم إلا بطيب نفسه (2)اعتباره نفسه في الحلية، و خروج أكل المال عن

الباطل، لا انه يعتبر سبقه على لفظ العقد في ذلك.

نعم سبقه أو مقارنته معتبرة في حصولهما على معنى انه لا حلية و لا خروج للمال عن كونه أكل بالباطل قبله، و هو مسلم، إذ القائل بصحة الفضولي لا يجوز الاقدام على التصرف بالمال قبل حصول الرضا و كيف و الحاصل سابقا لفظ العقد و هو بعض العلة التامة لحصول النقل و الانتقال لا تمامها، كل ذلك بعد تسليم لزوم الفضولي لتأخر الرضا من المالك كي يتجه الاستدلال بما دل على تقدمه أو مقارنته، و قد يمنع فإنه لا مانع من مقارنة رضا المالك أو سبقه لوقوع العقد من الفضولي الذي لا يكون بالمقارنة المزبورة وكيلا عن المالك، إذ قد يوقع العقد و هو لا يعلم بالمالك فضلا عن رضاه، و عن وقوع العقد على أنه عنه كما هو واضح، و على كل حال فقد ظهر لك أن الشك إن كان، فهو في شرط شرعي و هو مباشرة المالك أو من يقوم مقامه للفظ العقد، فيصح


1- 1 سورة النساء الآية 29.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب مكان المصلي الحديث 1 و 3.

ج 22، ص: 275

الاستدلال حينئذ على تقيه بإطلاق أوفوا أو نحوه، و به يفترق المقام عن المكره الذي هو فاقد للقصد الذي يمكن دعوى عدم كون المراد بالعقد ما يشمله و إن تعقبه القصد بعد ذلك، و لو ل

قوله عليه السلام «لا عمل إلا بنية»(1)

و «إنما الأعمال بالنيات»(2)

و نحوه و دعوى ثبوتها أي الشرطية المزبورة من معلومية كون العقد بلفظ الإيجاب و القبول، إنما هو لدلالته على الرضا من المالك بنقل المال عنه إلى المشتري، بل هو المراد من لفظ بعت مثلا و معناه، و لا دلالة فيه مع وقوعه من الفضولي الذي لو دل على رضاه لم يكن مجديا، ضرورة عدم العبرة برضا غير المالك، يدفعها منع اعتبار ذلك في صلاحيتها للعقد.

نعم هي لو وقعت من المالك كانت دالة على ذلك، فلذا لم تبق موقوفة عليه، بخلاف ما لو وقعت من الفضولي فإنها غير دالة، و لذا بقيت موقوفة على حصوله، و ليس معنى بعت رضيت قطعا، بل معناها نقلت المال من مالكه، إلا أن ذلك إن وقع من المالك المختار استلزم الرضا الذي هو من الكيفيات النفسانية، و إلا احتيج إلى دال آخر، على أنها إنما تدل على رضا الناقل بها و هي كذلك من الفضولي، فإن كان المالك راضيا جعل رضا الفضولي رضاه، و إلا فلا فتأمل.

و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا حاجة في الاستدلال بأية أوفوا و نحوها على المطلوب، إلى دعوى كونه من العقود المتعارفة المتداولة في ذلك الزمان، فتشمله الآية المزبورة بناء على كون المراد بها ذلك، إذ قد تمنع على مدعيها و لا أقل من الشك، فتبقى أصالة عدم نقل المال حينئذ بحالها، كما سمعته في نظائر الفرض مما شك

في كونه من العقود المتعارفة، و الاستدلال على ثبوتها بالسيرة


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث 5.

ج 22، ص: 276

المأنوسة و الطريقة المألوفة من تصرف الوكلاء و المأذونين، لا سيما مع كثرة المال و اتساع الحال في غير الوجه الذي تعلق به الاذن، ثم إخبار الموكلين و طلب الإجازة منهم، و كذا الاحباء و الأصدقاء و لا سيما مع بعد البلاد و هي عادة معروفة لا تنكر كما ترى، إذ على فرضها في زمن الشرع و أتباعه تكون كاشفة عن رضاه بذلك، و كفى بها دليلا على المطلوب من غير حاجة إلى تكلف الاندراج في الآية، و إن كانت سيرة منشؤها التسامح في الشرع و الجهل، و لذلك يسلمون المبيع و يقبضون الثمن و يجرءون غير ذلك من أحكام الملاك عليها فلا عبرة بها، و إلا لاقتضت صحة الفضولي من غير تعقب الإجازة، و هو معلوم الفساد.

و الأمر في ذلك سهل بعد ما عرفت من أن وجه الاستدلال هو عدم الدليل على اعتبار مباشرة المالك للفظ العقد في صحته التي يراد بها هنا الصلاحية للتأثير بعد اجتماع غيره مما علم اعتباره من الرضا و غيره كصحة الإيجاب بمعنى قابليته للتأثير لو أنظم إليه القبول، و كصحة الركعة الأولى من فريضة الظهر مثلا و صحة العقد في الصرف الموقوف حصول الملك فيه على التقابض، و صحة عقد الهبة و نحوها، خصوصا بعد معلومية عدم إرادة الشارع المباشرة، في غير ما ثبت فيها ذلك من بعض العبادات و نحوها مما لم يشرع فيها التوكيل و غيره مما يقتضي الاستنابة، فوقوع العقد من غير المالك حينئذ بدون إذن منه كوقوع وفاء الدين و ما في حكمه من الأعمال عبادات أو غيرها من المتبرع عمن عليه من دون إذنه و يترتب عليه الوفاء و نحوه من الأحكام إذ هو شبه الفضولي في المقام، و إن افترقا باعتبار الرضا هنا للأدلة الدالة عليه دونه.

كل ذلك مضافا إلى ما دل على صحة الفضولي في النكاح من إجماع

ج 22، ص: 277

و نصوص (1)على وجه يظهر منهما عدم الخصوصية له، و أنه جاز لاندراجه فيما دل على صحة عقد النكاح و لزومه، و نحو ذلك مما هو مشترك بين المقام و بينه بل هو أولى منه، ضرورة كونه في الفروج و الأنساب التي يطلب فيها الاحتياط، على أنه قد يتضمن الصداق بيعا و نحوه، فيشمله حينئذ فضولي النكاح، و إلى

خبر عروة البارقي الذي أغنت شهرته عند الفريقين عن النظر في سنده (2)«عن النبي صلى الله عليه و آله أنه أمره بشراء شاة بدينار فاشترى به شاتين ثم باع أحدهما بدينار فأتى به و بالشاة فقال له النبي صلى الله عليه و آله: بارك الله لك في صفقة يمينك»

خصوصا ما في ذيله من بيع الشاة التي اشتراها، و المناقشة في سنده مدفوعة بما عرفت من الانجبار، كالمناقشة في دلالته باستبعاد تصرفه من غير إذنه و بعدم العموم في حكايات الأفعال، فربما كانت عبارة التوكيل تفيد الوكالة العامة، و لم تنقل إلينا، و بأن الفحوى مجزية في الوكالة، أو في إخراج العقد عن كونه فضوليا، و بان المعاملة ربما كانت بطريق الإباحة من الجانبين لا تمليك فيها، و لا ينافيها لفظ الصفقة و بأن العبارة دلت على إرادة الشاة الواحدة، و المأتي به مما يتوقف عليه الواجب فيكون مستفادا من اللفظ، و باحتمال طلبه الاذن في البيع بعد الشراء و لم ينقل إلينا، ضرورة اقتضاء جملة منها بطلان الاستدلال بظاهر الكتاب و السنة التي لا يمكن استقصاء الاحتمال فيها، و ظاهر الخبر كون المحكي تمام ما وقع من النبي صلى الله عليه و آله و عروة، على أن الأصل عدم غيره، و الفحوى لا تجزى في الوكالة قطعا، لعدم الإنشاء و عدم الرضا فعلا، بل و لا في إخراج العقد عن الفضولية،


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب عقد النكاح.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 462.

ج 22، ص: 278

بل أقصاها جواز الدفع و القبض و بها أقدم عرورة عليهما، فلا إشكال حينئذ في دلالة الخبر على المطلوب، كما لا إشكال في دلالة

الصحيح أو الموثق (1)«عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قضى في وليدة باعها ابن سيدها و أبوه غائب فاستولدها الذي أشتريها فولدت

منه غلاما ثم قدم سيدها الأول فخاصم سيدها الأخير فقال: وليدتي باعها ابني بغير إذني فقال: الحكم أن يأخذ وليدته و ابنها فناشده الذي اشتراها فقال له:

خذ ابنه الذي باعا الوليدة حتى ينفذ لك البيع فلما أخذه قال أبوه أرسل ابني فقال: لا أرسل ابنك حتى ترسل ابني فلما رأى ذلك سيد الوليدة الأول أجاز بيع ابنه»

و المناقشة فيه باشتماله على رد ولد المشتري إلى مالكها الأول مع حريته للشبهة، و على قبض ولد المالك و ليس مملوكا و إنما عليه الغرامة، و على تأثير الإجازة بعد الرد و الفسخ، و هو خلاف الإجماع، يدفعها احتمال كون أخذ ولد المشتري للتقويم أو حتي يثبت كونه مشتبها كما إن أخذ ولد المالك للغرامة، و أنه لم يصرح بالفسخ، و لذا نفذت إجازته، على أن ذلك كله لا يقدح في دلالته على المطلوب كما قرر في محله، مؤيدا ذلك كله بالنصوص (2)الواردة في اقتراض مال الصبي مع عدم الإذن الشرعي ليتجر به، التي دلت على أن الربح للصبي، فان تطبيقها على القواعد بلحوق الإجازة ممن له أهليتها أو بإغناء المصلحة الشرعية عنها أولى من طرحها أو الجمود عليها في مخالفة القواعد، و كذا

ما ورد في ودعي (3)جحد الوديعة


1- 1 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 75 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب أحكام الوديعة الحديث 1.

ج 22، ص: 279

و اتجر بها من أن الربح للمالك

و فيمن باع ثم أقال بوضيعة ثم باع بأكثر من الثمن أن الربح للمالك الذي اشترى أولا(1)

* و بالنصوص الواردة في باب الخمس (2)المشتمل بعضها على التصرف فيه من بعضهم و طلب الإجارة من الامام عليه السلام فأجاز. بل غيرها من النصوص التي هي كذلك فيما لهم الولاية فيه من غير الخمس (3)بل في نصوص المناكح و المساكن سيما ما صرح فيه منها بالشراء من مال الخمس من الجواري المشتملة على إجازة الإمام عليه السلام ذلك لأهل الحق (4)ما يؤيد ذلك أيضا و قد عرفت أنه لا ينافي الفضولية تقدم الاذن لخصوص المشتري و إن كان البائع باقيا على غصبيته، نحو ما سمعته في الخراج (5)بل يؤيده أيضا ما ورد في إجازة السيد عقد العبد(6)و الوارث الوصية بما زاد على الثلث (7)و في التصدق بمجهول المالك (8)ما يظهر منهم الإجماع عليه في باب الفلس من جواز بيع المفلس مع اجازة الغرما(9)و غير ذلك في الأبواب المتفرقة كالرهن (10)و غيره مما يظهر


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال.
3- 3 الوسائل الباب 2 و 3 من أبواب إحياء الموات.
4- 4 الوسائل الباب 4 من أبواب الأنفال الحديث 4.
5- 5 الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو.
6- 6 الوسائل الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.
7- 7 الوسائل الباب 11 من أبواب أحكام الوصايا.
8- 8 الوسائل الباب 7 من أبواب اللقطة.
9- 9 الوسائل الباب 6 من أحكام الحجر الحديث 1.
10- 10 الوسائل الباب 4 من أحكام الرهن الحديث 2.

ج 22، ص: 280

الاتفاق منهم عليه، و هو فضولي أو شبه الفضولي، و منه يظهر عدم اختصاصه في النكاح و البيع، بل في الروضة أنه لا قائل باختصاصه بهما بل قد عرفت مما قدمناه سابقا جريانه في العقود و غيرها من الأفعال كالقبض و نحوه، و الأقوال التي رتب الشارع عليها الأحكام إلا ما خرج بالدليل، كما أومى إليه في شرح الأستاد قال: و في جري الفضولي فيما جرت فيه الوكالة من العبادات كالأخماس و الزكوات و أداء النذر و الصدقات و نحوها من مال من وجبت عليه أو من ماله و فيما قام من الأفعال مقام العقود و نحوه، و كذا الإيقاعات مما لم يقم الإجماع على المنع فيها وجهان، أقواهما الجواز و يقوي جريانه في الإجازة و اجازة الإجازة و هكذا، و يتفرع عليها أحكام لا تخفى على ذوي الأفهام، و إن كان قد يناقش في فحوى أداء الخمس و الزكاة من مال من وجبت عليه إذا كان بوجه لا يصح له نية التقرب فيه، و لو لعدم العلم بالاذن فيه، بل و في جريانه في إجازة الإجازة لأنها من الإيقاع الذي علم عدم قيام الغير مقامه فيه و لو أجاز بعد ذلك.

و لكن الأمر سهل بعد ما عرفت من الاتحاد في مدرك المسألة فلاحظ ما قدمناه و تأمل ذلك، فان فيه ما اشتمل على غير العقد من القبض و الإقباض و نحوها، و كيف كان فقد ظهر لك أن القول بالبطلان بمعنى سلب قابلية لفظ غير المالك و من قام مقامه عن صلاحية التأثير و إن جمع باقي الشرائط، و مرجعه إلى اعتبار مباشرة غير الفضولي في الصحة واضح الفساد، و إن حكي عن الشيخ و ابني زهرة و إدريس و الفخر و مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، بل أطنب فيه المحدث البحراني إلا أنه لم يأت بشي ء، بل مقتضى جملة من كلماته التي

ج 22، ص: 281

أساء الأدب فيها مع مشايخه أنه لم يفهم محل النزاع، و تخيل أن القائل بالصحة يريد حصول أثرها من الملك و التمليك و جواز التصرف و غير ذلك، عدا اللزوم فأبرق و أرعد ثم ترنم و غرد و ساق جملة من النصوص الدالة على خلاف ذلك مبتحجا بالعثور عليها، و الاهداء إلى الاستدلال بها، ستعرف الحال فيها.

و من الغريب دعوى الشيخ و ابن زهرة الإجماع على ذلك، و لم نعرف القائل به غير من عرفت، بل المحكي عن أعاظم الأصحاب كالمفيد و ابن الجنيد و غيرهم الصحة أيضا، على أن المحكي عن نهاية الشيخ ذلك أيضا، بل عبارته في محكي المبسوط غير صريحه في البطلان أيضا، فمثل هذا الإجماع الذي يقوى الظن بخلافه لم تثبت حجيته، مضافا إلى قصوره عن معارضته بعض ما عرفت، فضلا عن جميعه كالاستدلال بالأصل المقطوع بذلك أيضا، و بقاعدة قبح التصرف في ملك الغير، و بما دل على اعتبار القدرة على التسليم في صحة البيع المعلوم انتفاءها هنا، و ما دل على النهي عن بيع ما ليس عنده، و عما لا يملك (1)من طرق الفريقين و خصوص

صحيح الصفار(2)«كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في رجل باع قرية و إنما له فيها قطاع أرضين فهل يصلح للمشتري ذلك و قد أقر له بكلها فوقع عليه السلام لا يجوز بيع ما ليس يملك و قد وجب الشراء على ما يملك»

و صحيح محمد بن القاسم بن فضيل (3)«سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن رجل اشترى من امرأة من آل فلان بعض قطائعهم و كتب عليها كتابا بأنها


1- 1 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب عقد البيع و شروطه
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

ج 22، ص: 282

قد قبضت المال و لم تقبض فيعطيها المال أم يمنعها قال: قل له يمنعها أشد المنع فإنها باعت ما لا تملك»

و صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام «أنه سأله رجل من أهل النيل عن أرض شراها بفم النيل و أهل الأرض يقولون هي أرضهم، و أهل الأسنان يقولون هي أرضنا، فقال: لا تشترها إلا برضا أهلها»

و توقيع الحميري المروي عن الاحتجاج (2)«في السؤال عن ضيعة للسلطان فيها حصته مغصوبة فهل يجوز شرائها من السلطان أم لا؟ فأجاب عليه السلام لا يجوز ابتياعها إلا من مالكها أو بأمره أو رضا منه»

و خبر جراح المدايني (3)«لا يصلح شراء السرقة و الخيانة إذا عرفت»

و خبر قرب الاسناد(4)عن علي ابن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل سرق جارية ثم باعها يحل فرجها لمن شراها؟ فقال: لا يحل إذا أنباءهم أنها سرقة و إن لم يعلم به فلا بأس»

و فيه منع كون إيقاع لفظ العقد الذي لم يتحقق تأثيره إلا برضا المالك، تصرفا في مال الغير حتى من الغاصب ضرورة أصالة براءة ذمته من حرمة القول المزبور، نعم يحرم عليه تصرفاته فيه بالقبض و الإقباض و نحوهما، على أن حرمة ذلك عليه لا تقتضي الفساد عقلا بل و لا شرعا لعدم تعلق النهي به على وجه يفهم منه عرفا ذلك، و من هنا كان بيع الغاصب من الفضولي عند المعظم أو الجميع.

و من الغريب ما أطنب به بعض الناس في المقام في تحقق كون


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 12.

ج 22، ص: 283

العقد من الفضولي تصرفا في مال الغير، و ما دل على اعتبار القدرة على تسليمه إنما هو في البائع ذي السلطنة التي يراد منه الإقباض حتى يقبض الثمن، لا البائع بمعنى العاقد، ضرورة تخلفه في الوكيل على الصيغة و نحوه كما هو واضح، و عليه ينزل النهي عن بيع ما ليس عنده كما استدل به عليه بل و ما لا

يملك، لا ما يشمل الفضولي الذي لم يصدر منه إلا اللفظ الموقوف تأثيره على رضا المالك، و ان المراد به النهي عن بيع ما ليس عنده و لا يملكه من الأعيان المشخصة التي هي عند غيره، على وجه بيع المالك لها لا على جهة إيقاع العقد الموقوف على رضا المالك ثم يسعى بعد ذلك في تحصيلها بشراء و نحوه فان ذلك غير جائز، بل ربما ظهر من التذكرة و محكي غيرها الإجماع عليه لما فيه من الغرر المنهي عنه. و قال في الدروس أنه يصح لو باع ملك غيره ثم انتقل إليه فأجاز، و لو أراد لزوم البيع بالانتقال فهو بيع ما ليس عنده و قد نهى عنه، نعم لو باعه موصوفا في الذمة يطابق ما عند الغير ثم ملكه و دفعه صح، و أطلق الحلبي صحة بيع ما ليس عنده، و يحمل على ذلك.

هذا كله مضافا إلى ما قيل من أنه يظهر من بعض أخبارنا المعتبرة أن المزبور عامي

قال ابن الحجاج في الصحيح (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يجيئني يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه فقال: أ ليس إن شاء فعل و إن شاء ترك؟ قلت: بلى قال:

فلا بأس به قلت: فان من عندنا يفسده قال: و لم؟ قلت يقول باع ما ليس عنده قال: فما يقول في السلف قد باع صاحبه ما ليس عنده فقلت:

بلى قال: فإنما صلح من قبل انهم يسمونه سلما إن أبي عليه السلام كان يقول لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه»


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.

ج 22، ص: 284

و قال أيضا في صحيحه الآخر(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالا قال:

ليس به بأس قلت: انهم يفسدونه عندنا قال و أي شي ء يقولون في السلم قلت: لا يرون فيه بأسا يقولون هذا إلى أجل فإذا كان إلى غير أجل و ليس هو عند صاحبه فلا يصلح فقال: إذا لم يكن أجل كان أحق به ثم قال لا بأس أن يشتري الرجل الطعام و ليس هو عند صاحبه إلى أجل و حالا لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل العنب و البطيخ و شبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا»

و إن كان قد يقال أن مقتضى الروايتين تكذيب العامة في الحكم المذكور و هو بيع الكلي حالا مع التمكن منه لا تكذيبهم في الحديث المزبور.

نعم لا دلالة فيه على ما يشمل الفضولي كما أن الظاهر من الثاني المشتمل مع ذلك أيضا على نفي الطلاق و العتق عمن لا يملكهما(2)بطلان ما عند أبي حنيفة من تجويزه الطلاق قبل التزويج فيقع حينئذ بعده و لعله يقول بنحوه في العتق و البيع، و لا ريب في بطلانه عندنا،

كما أنه لا ريب في عدم كون ما نحن فيه من الفضولي كما هو واضح، بل منه يعلم المراد مما في صحيح الصفار الظاهرة في إرادة نفي اللزوم من نفي الجواز فيه، بقرينة الوجوب بعده فيما يملك، بل الظاهر من البيع و الشراء عند الإطلاق غير الفضولي الذي هو العقد نفسه قبل حصول الإجازة، و لذلك أمر عليه السلام بمنع إعطاء الثمن للامرأة المزبورة التي باعت ما لا تملكه، ضرورة عدم كونها من المالكين الذين ينقلون مالهم من السلطنة على المبيع إلى المشتري، و إنما هي


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات الطلاق و شروطه.

ج 22، ص: 285

أوجدت لفظا قابلا للتأثير فان أراده المالك اجازه و تسلم الثمن و إلا فلا، و ليس في صحيح ابن مسلم إلا النهي عن الشراء الذي قد عرفت المراد به عند الإطلاق إلا برضاء الأهل، و لا دلالة فيه على عدم جواز جريان ألفاظ العقد، و توقيع الحميري أولى بالدلالة على المطلوب من خلافه، ضرورة انطباق ما فيه من الأقسام الثلاثة على المالك و وكيله و الفضولي الذي يتعقبه الرضا، و خبر جراح و ما بعده أجنبيان عما نحن فيه، ضرورة أن القائل بجواز الفضولي لا يجوز التصرف و الاستيلاء قبل تحقق الرضا من المالك كما هو واضح، فمن الغريب الاستدلال بهذه النصوص على ذلك فضلا عن التبجح و التعجب من الاهتداء إليها دون الأصحاب، إذ لا يخفى عليك أن العجب من ذلك أعظم، ثم ان الأقوى كون الإجازة المتعقبة للعقد و غيره مما يعتبر في الصحة كاشفة، وفاقا لصريح الشهيدين و غيرهما بل في الرياض أنه الأشهر كما عن مجمع البرهان فذهب الأكثر لأنها رضى بمقتضى العقد الذي هو النقل حينه، بل هي في الحقيقة رضا برضا الفضولي الذي كان مقارنا للعقد، فينكشف حينئذ بذلك كون العقد تام الشرائط غير متوقف حينئذ تأثيره على شي ء آخر، إذ المالك لم يصدر منه إلا الرضا بما وقع من العقد الدال على رضا العاقد بنقل المال بما صدر منه من العقد حينه، و بدليل مشروعية الفضولي الذي قد عرفته سابقا صار لفظ الفضولي الدال على رضاه بذلك، كلفظه نفسه الدال على ذلك، فهو حينئذ كالوكيل و إن افترقا في خصوص هذا الفرد من الفضولي بالسبق و اللحوق، كافتراقهما فيما كان رضا المالك مقارنا للفظ الفضولي، و سابقا عليه مستمرا إلى حصوله باختصاص ذلك باسم الوكيل شرعا دونه، و إن اتحدا بالآثار مضافا إلى ظهور ما دل في تسبيب العقد مسببه و انه لا يتأخر عنه،

ج 22، ص: 286

السالم عن معارضة ما دل على اشتراط رضا المالك، بعد احتمال كون المراد من شرطيته في المقام المعنى الذي لا ينافي السببية المزبورة، و هو الشرط الكشفي الذي لا مانع من تصوره في العلل الشرعية التي هي بحكم العلل العقلية، إن لم يكن هناك من الشرع ما يقتضي خلاف ذلك، كما جاء في تقديم غسل الجمعة يوم الخميس (1)الذي هو شبه تقديم المسبب على السبب، فلا مانع حينئذ هنا من التزام توقف تأثير العقد على حصوله المستقبل و إن ترتب الأثر إلا آن قبل وقوعه، فبحصوله فعلا و لو في المستقبل يكون العقد مؤثرا من حينه، لأن ذلك هو المشروط به فمتى تحقق بان تحقق مشروطه ضرورة رجوع الحال إلى اشتراط أثر العقد، و مقتضاه الذي هو الملك حاله بحصول الرضا من المالك و لو في المستقبل، نحو ما سمعته في اشتراط صحة صوم المستحاضة بأغسالها الليلية(2)بل هو كذلك في جميع ما كان من قبيل ما نحن فيه، و لعل منه عدم قبول العبادة ممن يرتد بعد ذلك عن الدين و غيره، مما كان السبب في الأثر فعلا لحال المتأخر، ضرورة التزام الكشف فيه بالمعني المزبور هو الموافق لظاهر الأدلة، بخلاف النقل المقتضى رفع اليد عما اقتضى مقارنة أثر العقد لحصوله، و انه لا يتخلف عنه على وجه يكون العقد في زمان و الأثر الذي هو الملك هنا في زمان آخر، و مضافا إلى إشعار

قوله صلى الله عليه و آله لعروة: «بارك الله لك في صفقة يمينك»(3)

بذلك أيضا بل و خبر الوليدة(4)حيث لم يرجع السيد عليه


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب الأغسال المسنونة.
2- 2 تقدم في ج 16 ص 247 من هذا الكتاب.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 462.
4- 4 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 22، ص: 287

بعد الإمضاء بشي ء من اجرة خدمة و نحوها، بل هو الموافق لخبر إجازة الصبي بعد بلوغه و موت الآخر الذي أجاز كذلك وارثه منه بذلك (1)ضرورة استحالته على النقل لفوات المحل.

و كأنه لمح إلى بعض ما ذكرناه من استدل عليه بأن السبب الناقل للملك هو العقد المشروط بشرائط، و كلها كانت حاصلة إلا رضا المالك بذلك فإذا حصل الشرط الذي به ظهر جامعية العقد لها عمل السبب التام عمله، لعموم الأمر بالوفاء بالعقود(2)فلو توقف العقد على أمر آخر لزم أن لا يكون الوفاء بالعقد، بل هو مع الأمر الآخر، ضرورة كون المراد منه ما ذكرناه في وجه الكشف و وجه كونه شرطا مع ذلك، لا أن المراد به شرط يتوقف تأثير العقد عليه، على حسب شرائط العلة التامة التي هي في توقف التأثير عليها كالجزء، بل ليست العلة التامة إلا حصول المقتضى و الشرائط و ارتفاع الموانع، فمتى حصلت حصل المعلول و لا يتأخر عنها كما هي لا تتأخر عنه، بل لا يتصور الكشف في شرائطها بالمعنى المزبور، و قد عرفت الفرق بينها و بين ما نحن فيه من العلل الشرعية التي لا غرابة في تأخر الشرائط فيها في عبادة و لا معاملة لكن على الوجه المزبور، بل يمكن كونه مثلها بناء على أن الشرط أن يحصل الرضا لا حصوله فعلا، كما لا غرابة في شبه تقدم المسبب على سببه نحو غسل يوم الجمعة في الخميس، فضلا عن ذلك، و من هنا

ظهر لك بطلان الاعتراض في الاستدلال المزبور بأن الشرط ما يتوقف عليه تأثير المؤثر، و إن لم يكن جزء سبب، و الفرق بينهما غير واضح، و ما ذكروه من أن العقد سبب تام فمع الإجازة مسلم، و يتوقف تأثيره عليها من حينها كما هو


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب ميراث الازدواج الحديث 1.
2- 2 سورة المائدة الآية 1.

ج 22، ص: 288

قاعدة الشرط، و مع عدمها ظاهر بطلانه، ضرورة عدم منافاة شرطية المستفادة من الكتاب و السنة لمعنى الكشف الذي قررناه، و أوضح فسادا منه الاعتراض عليه بأن المفهوم من الكتاب و السنة و الإجماع جزئية الرضا في سبب نقل المال، إذ لا يخفى عليك أنه إن أراد بالجزئية أنه يتوقف عليه نقل المال كالجزء فمسلم، و لكن لا ينافي الكشف كما عرفته، و إن أراد كونه كالإيجاب و القبول فهو ممنوع، بل الثلاثة بخلافه لعدم توقف صدق اسم العقد عليه، نعم هو شرط لوجوب الوفاء.

و من الغريب الإطناب في بيان توقف نقل المال عليه، و هو شي ء لا ينكره القائل بالكشف، بعد توافق الثلاثة بل و العقل عليه، نعم ربما صدر من بعضهم ما عساه يوهم ذلك، حيث جعله شرطا للعلم بانتقال المال لا له نفسه، و لعله يريد ما ذكرناه، و إلا كان واضح الفساد. ضرورة صراحة الأدلة في مدخليته في نقل المال واقعا، فلا يجزى حينئذ في حصول الملك إخبار المعصوم، فضلا عن غيره بأن المالك إذا بلغه العقد يحصل منه الرضا، لعدم الحصول فعلا الذي هو الشرط في عدم أكل المال بالباطل، و حلية مال المسلم على وجه تتبع الملكية.

نعم لو أخبر المعصوم بأنه يحصل الرضا فعلا من المالك الذي يؤثر رضاه، كفى ذلك في ترتب الآثار الآن عليه، لتحقق الشرط حينئذ كتحققه بنفس وقوعه، إذ الشرط الحصول فعلا و لو في المستقبل، و لا ريب في تحقق الحصول في المستقبل بالاخبار، أو لأن مثل هذا الشرط لا بأس بحصول مشروطه قبله، بعد إن كان من الأوضاع الشرعية التي منها ما يشبه تقدم المعلول على العلة، كما انه يمكن إن لم يصرح بما

ج 22، ص: 289

ينافيه من ثمرة أو نحوها إرجاع القولين بذلك إلى شي ء واحد، على معنى أن القائل بعدم الكشف يريد نفيه على وجه يرفع شرطية الرضا كما أن القائل بعدم النقل يريد نفيه على وجه يقتضي رفع مقتضى العقد بل و الإجازة، لا رفع شرطية في حصول التأثير على الوجه الذي ذكرناه.

و حاصل الكلام أن الوجه في الكشف أحد أمور ثلاثة، الأول انه من قبيل الأوضاع الشرعية على معنى أن الشارع قد جعل نقل المال في الزمان السابق عند حصول الرضا في المستقبل، الثاني أن يكون الرضا المتأخر مؤثر في نقل المال في السابق، كما سمعنا من بعض مشايخنا، الثالث و هو التحقيق أن يكون الشرط حصول الرضاء و لو في المستقبل الذي يعلم بوقوعه من المالك مثلا، أو بإخبار المعصوم أو نحو ذلك، و المراد شرطية الرضاء على هذا الوجه، و كان هذا هو المتعين، بخلاف الأول الذي لا نظير له في الشرع في المعاملات، بل هو مستلزم لمخالفة كثير من القواعد الشرعية. كالثاني المقتضى ذلك أيضا، بل مقتضاه اجتماع المالكين على مال واحد في زمان واحد، بل لا يعقل الثانية في الملك في الزمان الماضي، فتعين الثالث و لكن لا بد فيه من حصول الرضا و لو في المستقبل، و لا يكفي فيه الرضاء التعليقي بمعنى أنه لو علم لرضى، كما أوضحناه سابقا و الله العالم.

و على كل حال فالظاهر أن بناء القولين على اعتبار ذلك شرعا لا أنه في حمل الإطلاق عليه، و إلا فيجوز ارادة الكشف أو النقل بعد وجود الصارف من قبل العاقد الخارج بتعذر أحدهما، فيتجه حينئذ البطلان مع ذلك، و به صرح شيخنا في شرحه، كظهور ترتب الثمرة على القولين في النماء الحاصل بين العقد و الإجازة للثمن و المثمن، قيل

ج 22، ص: 290

و في أنه ليس للمشتري الأصيل مثلا الفسح بل و لا التصرف في المال قبل اجازة المالك للبائع الفضولي على الكشف دون النقل، و نوقش بأنه قد يقال بذلك أيضا على النقل و لكن لا يخفى عليك ما فيه، أما الأول فلما فيه تمامية العقد من جهته، فاستصحاب قابليته على وجه لا ترتفع بفسخه بحاله كتناول خطاب أوفوا له، و عدم اللزوم من طرف الآخر لا ينافيه كما أن أصل عدم الإجازة قد انقطع بوقوع العقد المخاطب بالوفاء به، الذي لا معنى له إلا التربص به، و المراعاة لحاله الذي هو عند التأمل كل من صحته و بطلانه مشروط بأمر وجودي و هو الرد و الإجازة، و قد تحقق أحدهما قطعا بمجرد وقوع العقد في علم الله تعالى شأنه بناء على ما عرفته من الكشف، و كما أن الأصل عدم الإجازة، الأصل عدم الرد أيضا، فهو حينئذ مال لا يعلم أنه لأيهما و بذلك كان قسما ثالثا على معنى أنه مع الإجازة من المعلوم انه للمشتري، و مع الرد من المعلوم انه للبائع، و مع عدم العلم بهما من غير المعلوم، فلا وجه للتمسك بالعمومات السابقة، و لا الاستصحاب و لا اليد، و لا غير ذلك و ستسمع إنشاء الله في كتاب النكاح في عقد الفضولي للصغيرين فبلغ أحدهما فأجاز ما له نفع في المقام.

نعم قد يقال بثبوت خيار العيب له و نحوه مما هو ثابت له على فرض الإجازة، فقبلها بطريق أولى فتأمل، و قيل: تظهر أيضا فيما لو انسلخت قابلية الملك عن أحدهما بموته قبل اجازة الآخر، أو بعروض كفر بارتداد فطري أو غيره مع كون المبيع مسلما أو مصحفا، فتصح حينئذ على الكشف دون النقل، و كذا لو انسلخت قابلية المنقول بتلفه أو انقلابه إلى النجاسة أو عروض النجاسة له مع ميعانه إلى غير ذلك و في مقابله ما لو تجددت القابلية قبل الإجازة بعد انعدامها حال العقد

ج 22، ص: 291

كما لو تجددت الثمرة أو بدء إصلاحها بعد العقد قبل الإجازة و فيما لو قارن العقد فقد الشرط بقول مطلق، ثم حصلت و بالعكس و فيه أن الأول و إن كان قد يشهد له خبر الصغيرين الذين مات أحدهما لكن يسكن الجمود عليه، و دعوى عدم الجواز في غيره، بناء على الكشف أيضا ضرورة أنه عليه يمكن دعوى ظهور الأدلة في اعتبار القابلية حاله، كالنقل أيضا و انه لولا الرضا لكان مالكا، بل لا بد من اتصالها من حين العقد إلى حين الإجازة، حتى لا ينافي زمان التملك الذي هو مستمر أيضا من حين العقد إلى حين الإجازة، و منه تنقدح المناقشة في الثاني، بل هي أوضح فيه من الأول، ضرورة كون المعتبر على الكشف و النقل رضى المالك، و الفرض انتفاء ملكيته بانتفاء قابلية العين لها.

و أوضح من ذلك فسادا فاقد القابلية للملك حين العقد، ثم وجدت قبل الإجازة، فإنه لا وجه للصحة على الكشف كما هو واضح، و على النقل أيضا لعدم قابلية العقد حال وقوعه للنقل، فلا تنفعه الإجازة بعد إن كان في غير محله، قيل: و كذا تظهر الثمرة في تعلق الخيارات و الشفعة و عدم صحة التصرف من حين العقد، و احتساب مبدإ أوقات الخيار، و معرفة مجلس الصرف و السلم، و اشتراط بقاء القابلية بعقل، و رشد إلى حين الإجازة حيث تلحقها بالعقد الجديد إلى غير ذلك. و ترتب ما يتعلق بالعهود و النذور و الايمان غير محتاج إلى الإيضاح و البيان، و فيه أيضا أن من المقطوع به عدم الإجازة من العقود إذ ليست هي إلا الرضا بالعقد السابق، كما انه لا يخفى عليك الحال بناء على كون المراد من الكشف ما سمعته سابقا في أحد الاحتمالين، من كون الرضا المتأخر مؤثر في اقتضاء العقد النقل سابقا، فيكون شبه تقديم المسبب على السبب و يبقى العقد حينئذ مراعى، مضافا إلى ما تعرفه إنشاء الله في مطاوي البحث

ج 22، ص: 292

و ربما تظهر الثمرة أيضا فيما لو ترتبت العقود على المبيع أو الثمن أو عليهما فضولا، و لا ريب في أن للمالك تتبع العقود، و رعاية المصلحة له فيجيز ما شاء الله، لكن في الدروس و محكي الإيضاح انه إذا جاز عقدا على المبيع صح و ما بعده خاصة، و في الثمن ينعكس أي يصح هو و ما قبله خاصة، و كان وجهه أن الفضولي لو باع العبد مثلا بسيف، ثم باعه المشتري من الفضولي بدار، ثم باعه الثاني بفرس، ثم باعه الثالث بثوب، فأجاز المالك منها بيعه بالدار صح هو، و بطل السابق قطعا لعدم الإجازة، و ذلك لأن إجازته الثاني تقتضي كون المبيع باقيا على ملكه، و بقائه على ملكه ينافي صحة شي ء من العقود السابقة على ذلك العقد، إذ لو صح شي ء منها لخرج المبيع عن ملكه، فلم تؤثر إجازته فيه، و أما ما بعد من العقود فلا ريب في صحتها بناء على الكشف، لوقوع التصرف حينئذ في الملك، و أما على النقل فيحتمل البطلان لتعذر الإجازة حينئذ من المالك، و الصحة بلا إجازة لحصول الملك للبائع الذي قد يتحقق رضاه ببيعه فضولا، و لم يبق إلا الملك و قد حصل و الصحة مع الإجازة منه لكون الرضا الأول إنما كان، و المال لغيره، و لعل الأول أقوى.

و أما لو ترتبت على الثمن كما لو بيع السيف بقوس، ثم القوس بدابة ثم الدابة ببعير، ثم البعير بدراهم، فان الحكم ينعكس لو أجاز واحدا منها، فان ما قبله يصح و يقف ما بعده على الإجازة لأنه الفضولي، فلو جاز في المثال بيع الدابة بالبعير مثلا استلزم اجازة ما قبله لأن إجازته إنما يعتد بها شرعا لو كان مالكا للدابة، و إنما يكون مالكا لها حينئذ لو ملك ما بذل في مقابله و هو القوس، و إنما يملك على هذا التقدير إذا ملك السيف، و إنما يملكه لو صح بيع السيف فيجب الحكم

ج 22، ص: 293

بصحته حملا لكلام المسلم على الوجه الذي يكون معتدا به شرعا، و هذا كله واضح، نعم ينبغي أن يكون ذلك في المثمن لو كانت السلسلة على ما ذكرناه، أما لو جرت العقود على الثمن خاصة كما لو بيع السيف مرارا على حسب ما سمعته في المثمن لا عليه ثم على ثمنه و هكذا فان المتجه حينئذ في الفرض المزبور جريان حكم المبيع فيه من صحة العقد المجاز و ما بعده، بقاء على الكشف و على النقل الوجوه الثلاثة دون ما قبله، إلا العقد الأول الذي قوبل فيه المبيع فضولا، فان دخول الثمن في الملك متوقف على أجازته، و ربما ورد المثال المزبور على إطلاق الفخر و الشهيد، لكن يدفعه معلومية إرادتهما بالترتب الذي أثبتنا فيه العكس ما ذكرناه أولا، و اكتفائهما بذكر ذلك في المبيع عن ذكره في الثمن.

و الأمر سهل بعد وضوح الحال كوضوحه في غير الفرض مما تتعدد فيه العقود مترتبة و غير مترتبة، و في حكم إجازة ما يجاز منها دفعة لعدم التنافي كالبيع و الإجارة و غيرهما، بل و غير ذلك مما لا يخفى حكمه بعد ضبط الأصل من غير فرق بين النقل و الكشف و الله أعلم.

و أما الإجازة ممن هي له ف لا يكفي فيها سكوته مع العلم فضلا عن الجهل بل و لا مع حضور العقد عند علمائنا و أكثر أهل العلم كما في محكي التذكرة لأعمية ذلك من الرضا، فلا يدل، و الاكتفاء به من البكر في النكاح (1)للقرينة و في الخبر المروي بعدة طرق و فيها الصحيح في حديث سكوت المولى عن عبده بعد علمه بتزويجه


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث 1 و 2 و 3.

ج 22، ص: 294

إقرار منه عليه (1)و منه و من غيره و إطلاق الأدلة يعلم عدم اعتبار لفظ مخصوص فيها، بل و لا مطلق اللفظ فيكفي حينئذ ما دل على الرضا من الأفعال التي هي أولى من السكوت المزبور في ذلك، و

حديث «إنما يحلل الكلام»(2)

ظاهر في غير الشروط على أن المحلل و المحرم فيما نحن فيه العقد الذي تعقبه الرضا، و دعوى اختصاص النصوص المزبورة في النكاح يدفعها بعد عدم انحصار الدليل فيها، أولوية غيره منه في ذلك، مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام في الصحيح المزبور في عدم الخصوصية، فالرضا في المقام كالرضا باللزوم على وجه يقضي بسقوط الخيار، فإنه لا يعتبر فيه اللفظ المخصوص، بل يكفي فيه مطلق اللفظ بل الفعل أيضا، بل إن لم يقم الإجماع أمكن الاكتفاء هنا بتحقق الرضا بينه و بين الله و إن لم يصدر منه ما يدل عليه، للصدق و لفحوى بعض نصوص النكاح الفضولي أنه يحلف على عدم الرضا في نفسه فيما بينه و بين الله (3)نعم لا بد من الرضا بالعقد السابق على وجه الجزم بحيث لا يفقد غير التلفظ به، فلا يجزى التردد و نحوه مما لم يكن رضا بالمعنى المزبور، كما انه لا يجزى في الفسخ أيضا لا لاشتراط لفظ مخصوص فيه، كما عن الشهيد في حواشيه حيث قال: و الرد أن يقول فسخت، و لو قال: لم أجز كان له الإجازة، بل قيل: أنه تشهد له جملة من الأخبار، و كلام الأصحاب بل قيل: أنه يدل عليه في الجملة خبر الوليدة السابق (4)ضرورة عدم الدليل على شي ء من ذلك،


1- 1 الوسائل الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 58 من أبواب المهور.
4- 4 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.

ج 22، ص: 295

و استصحاب الصحة يقطعه ظهور النص و الفتوى في الاكتفاء برد العقد بمطلق ما يدل على

ذلك، و يستلزمه من قول أو فعل كالفسخ في عقد الخيار بل قيل: أنهم قالوا في باب الوكالة لو قال الوكيل: وكلتني على شراء الجارية بألفين فقال الموكل: بل بألف و كان الشراء بعين ماله انه يحلف على نفي ما ادعاه الوكيل و ينفسخ العقد، و لا يكون فضوليا لأن حلفه يدل على عدم رضاه، بل إن لم يقم إجماع أمكن الاكتفاء فيما بينه و بين الله بقصد معنى الفسخ في نفسه على نحو ما سمعته في الرضا، و إن كان التداعي الذي هو مبني على الأمور الظاهرة له حكم آخر.

نعم قد يقال: إنه لا بد مع إرادة الفسخ من قيامه في النفس على وجه لا ينقص عن المتلفظ به إلا باللفظ، فلا يكفى فيه حينئذ الكراهة و نحوها، و لذا صححوا عقد المكره بالإجازة المتعقبة، بل قالوا أنه لا يعتبر في صحة الفضولي و عدم تقدم نهي المالك، اللهم إلا أن يكون على وجه يتحقق معنى إرادة الفسخ، بعدم الرضا فعلا بترتب آثار العقد عليه، بقي شي ء و هو انك قد عرفت فيما تقدم عدم اعتبار تعقب الرضا في الفضولي، بل يمكن سبقه و مقارنته له، كما لو عقد فضولا بحضور المالك مع رضاه به، أو مع سبق رضاه مستمرا إلى حصول العقد، و لم يعلم العاقد، بل قد يقال: بتصور حكم الفضولي من الإنسان نفسه كما لو عقد بقصد إرادة نفس العقد مصرحا بتأخير الرضا إلى ما بعد ذلك إذ دلالة العقد على الرضا إنما هي ظاهرية يجوز تخلفها كما في المكره و بيع التلجئة الذي قد عرفته سابقا و نحوهما، و الفرض عدم شرطية المقارنة، و دعوى اللزوم عقلا بين قصد العقد و بين الرضا، يدفعها ما عرفت، و بالجملة لو قصد بذكر العقد نحو ما قصده المكره، إذ لا

ج 22، ص: 296

مدخلية للإكراه في إيجاد نفس القصد، و قد عرفت فيما تقدم جريان حكم الفضولي على المكره، فإذا أجاز بعد ذلك صح العقد، فلا مانع في جريان حكمه أيضا في الفرض بعد التصريح بالحال.

و لعل من ذلك بيع التلجئة و نحوه مما قصد به التواطي على إيقاع الصورة دون الحقيقة، فإذا أجيز بعد ذلك حكم بصحته، نعم لو قيل:

ان الوجه في صحة الفضولي و قيام رضاء المقارن للعقد مقام رضا المالك بعد الإجازة، اتجه عدم الصحة حينئذ فيما نحن فيه لعدم المقارنة للعقد، لكن ينافيه حكمهم بجريان حكم الفضولي على المكره المعلوم عدم الرضا المقارن فيه، و دعوى الاكتفاء بمقارنة رضا الذي أكرهه كما ترى، لا يقال: أنه قد تقدم منا سابقا المناقشة في جريان حكم الفضولي على عقد المكره، باعتبار فقده القصد الذي يظهر من الأدلة اعتبار مقارنته للعقد و هو غير الرضا، لأنا نقول: أولا أن الكلام هنا مبنى على ما هو المشهور عندهم من جريان حكم الفضولي عليه، و ثانيا أن المكره لا يعتبر فيه عدم قصد العقد، بل يقع على وجهين، أحدهما لا يقصد إلا اللفظ و ثانيهما يقصد معه العقد به، لكنه غير راض به، و هما معا مشتركان في عدم ترتب آثار العقد عليه و إن افترقا بالصحة و عدمهما مع تعقب الإجازة، فيصح الثاني دون الأول.

و لعل ذلك هو المراد من المحكي عن الشهيد من إلحاق المكره على وجه يرتفع قصده أصلا بالغافل و الهاذل و النائم و نحوهم في عدم تأثير الرضا اللاحق في صحته، بخلاف المكره الذي لم يكن كذلك، و ان ناقشه بعضهم بعد تحقق الإكراه بالمعنى المزبور، ضرورة كونه حمل المكره للمكره على الفعل خوفا على نفسه أو ما في حكمها مع حضور

ج 22، ص: 297

عقله و تمييزه، و الإكراه الذي يرتفع القصد معه لا يتحقق في اللسان فإنه غير مقدور للمكره، لكن قد يدفعها ما أشرنا إليه من تصور وقوع الفعل على الوجهين من المكره على أصل الفعل، فتارة يرفع الخوف عنه بقصد مجرد اللفظ دون مدلوله، فيقع منه حينئذ نحو ما يقع من النائم، و اخرى بقصد المعنى إلا أنه غير راض به، و ليس ذلك من تأثير الإكراه، كي يشكل بما عرفت، بل من عمل المكره الذي يمكن تصور وقوع ذلك منه من دون اكراه، و لعل بيع التلجئة و نحوه من الثاني، فتؤثر فيه الإجازة حينئذ، بل هو أولى مما سمعته من بعضهم من التزام تأثيرها في عبارة الهازل و نحوها، بل أولى من التزام تأثيرها في عبارة المكره الفاقد للقصد، بدعوى جواز تأخيره عن العقد كالرضا و إن كان فيه ما فيه، و التحقيق ما عرفت فتأمل جيدا.

و كيف كان ففي القواعد الأقرب اشتراط كون العقد له مجيز في الحال أي في صحة الفضولي، فلو باع مال الطفل فبلغ و أجاز لم ينفذ على إشكال، و كذا لو باع مال غيره ثم ملكه و أجاز، قيل: و مراده بقرينة التفريع اعتبار كون المجيز له قابلية الإجازة حين العقد، فلو تجدد له القابلية كما في المثالين لم تؤثر الإجازة، و مقتضاه حينئذ عدم الصحة لو باع الفضولي حين كمال المالك ثم نقص لجنون و نحوه، أو مات و انتقل المال إلى الوارث أو غير ذلك، بل لو اعتبر مع ذلك استمرار القابلية إلى حين الإجازة لم تجد أجازته لو عاد إلى الكمال، فضلا عن غيره إلا أنه كما ترى لا دليل عليه، بل مقتضى إطلاق ما سمعته من أدلة الفضولي خلافه، مضافا إلى خبر الصغيرين (1)و دعوى أن الإجازة فيه بناء على الكشف تقتضي نفوذ التصرف في زمان لم يكن


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب ميراث الازدواج الحديث 1.

ج 22، ص: 298

للمجيز التصرف فيه، يدفعها إمكان منع ذلك أولا، و منع امتناعه في مثل الفرض ثانيا، نعم قد يمتنع في نحو المثال الثاني، لأن الكشف حال العقد يقتضي عدم ملك للثاني، الذي قد فرض انتقال الملك إليه و كل ما يستلزم وجوده عدمه غير متحقق، و لا يناقش بإمكان جريان ذلك في المالك المتحد، بأن يقال لا تأثير لإجازته أيضا مع انكشاف زوال ملكه عنه سابقا، فهي أيضا مما يستلزم وجودها عدمها، ضرورة وضوح الفرق بينهما بأدنى تأمل.

بل لا يبعد أن يكون ذلك و نحوه في المثال الثاني من الأسباب المقتضية انفساخ الفضولي، فيكون حينئذ خروجا عن موضوع البحث كما جزم به في الدروس، نعم لا بأس بانتقال نفس سلطنة التصرف دون الملك لعارض الجنون و نحوه، بل أولى منهما عودها لارتفاع المانع من الصغر و نحوه، فان ذلك كله غير قادح في تأثير الإجازة، و من هنا ربما فسر كلامه بأن المراد اعتبار وجود المجيز فعلا للعقد في الصحة فلو فرض عقد فضولي لا مجيز له حال وقوعه كان باطلا، و إن وجد له مجيز بعد ذلك، و وجه اشتراطه حينئذ انه لا وجه صحة له حال وقوعه بعد فرض عدم المجيز، فليس هو إلا لغوا غير قابل للتأثير، فلا يجدى تجدده بعد ذلك، نعم قد يشكل بأن هذا الفرض غير متحقق على مذهب الإمامية القائلين بعدم خلو زمان عن المعصوم الذي هو ولي من لا ولي له، فلا يتصور حينئذ عقد فضولي لا مجيز له، و قد يدفع بأن المراد مجيز يمكن الاطلاع على أجازته، و منصوبه المجتهد المطلق يمكن فرض عدمه، و خلو الزمان منه، كإمكان فرض عدم عدول المؤمنين أو عدم الولاية لهم في غير حفظ المال كالفساق منهم، لكنه كما ترى يصعب إقامة الدليل على اشتراطه حينئذ، و الأولى في الدفع بتصوره في العقد

ج 22، ص: 299

على مال المولى عليه بدون المصلحة أو مع المفسدة، فإنه لا مجيز له فعلا ضرورة عدم جواز الإجازة للولي حينئذ إلا أن الانصاف بعد الإغضاء عن عدم مناسبة الاشتراط بالمعنى المزبور، لما ذكره من الفرعين عدم الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة يقتضي خلافه، و عدم فرض الصحة له في ذلك الحال لا يصلح مانعا بعد تناول عموم أدلة العقود له، بعد حصول المجيز و أجازته، و لذا حكي عن الشهيد و ابن المتوج و المقداد و الكركي الجزم بعدم الاشتراط بالمعنى المزبور أيضا، كما صرح به شيخنا في شرحه و لعله الأقوى.

و كذا لا يعتبر في الفضولي قصد الفضولية قطعا فمن باع شيئا بعنوان أنه ماله فبان أنه لغيره كان فضوليا، بل في القواعد و محكي النهاية و موضع من التذكرة ما يقتضي عدم اعتبار قصد الصحة، بمعنى اللزوم في حصولها، بل تحصل مع قصد غيرها فضلا عن عدم قصدها كما لو باع مال أبيه مثلا لظن الحياة و أنه فضولي فبان ميتا حينئذ، و أن المبيع ملكه، و لعله لأن القصد إلى أصل البيع كاف، و النية غير مقومة، لكن قد يشكل بعدم تحقق الرضا من المالك بنقل ملكه، ضرورة كون المتحقق الرضا بنقل ملك غيره، و هو مغايرا للرضا بنقل ماله، و لعله لذا أوقفه على الإجازة في محكي جامع المقاصد، بل عن الإيضاح احتمال البطلان بحيث لا تجدي الإجازة، لأنه إنما قصد نقل الملك عن الأب لا عنه، و لأنه و إن كان منجزا في الصورة فهو في المعنى معلق، و التقدير إن مات مورثي فقد بعتك، و لأنه كالعابث، عند مباشرة العقد لاعتقاده ان المبيع لغيره، و إن كان هو كما ترى، بل ربما يستفاد من التعليل الأخير و سابقه أن محل الفرض في المثال ما لو باع عن نفسه مع ظن حياة الأب لاحتمال موته، و المتجه حينئذ

ج 22، ص: 300

الصحة و لا تعليق فيه على وجه ينافي صحة العقد، بل هو كنقل المال المحتمل أنه له، و طلاق الزوجة التي أنكر زوجيتها(1)بل ربما ظهر من بعضهم الصحة فيه، حتى لو صرح بالتعليق فيه، لعدم كونه تعليقا في الواقع، و إن كان هو في الصورة كذلك، إلا أنه لا يخلو من إشكال، للإجماع المحكي على عدم جواز التعليق في العقد الشامل للفرض نعم لا إشكال في الصحة إذا لم يعلق في الصورة و قصد النقل بما ذكره من العقد على كل حال، لإطلاق الأدلة على وجه يقتضي عدم اعتبار مثل هذه النية في الصحة، و على كل حال هو غير ما نحن فيه مما قصد فيه الفضولية فبان أنه أصيل، و المتجه فيه الوقوف على الإجازة كما سمعته من الكركي، أو إثبات الخيار إلا أنى لم أجد من احتمله ثم لا يخفى عليك أن اجازة العقد ليس اجازة للقبض، من غير فرق في الثمن بين كونه عينا أو دينا، خلافا للمحكي عن الشيخ فجعل إجازته إجازة للقبض، و لا ريب في ضعفه، فلا يتشخص الدين مثلا بقبض الفضولي، و لا يجرى عليه حكم القبض الصحيح في العين إلا بإجازة مستقلة لذلك، بناء على ما عرفت من جريان حكم الفضولي في الأقوال و الأفعال هذا كله إذا أجاز البيع.

فان لم يجز و كان الفضولي قد دفع المبيع كان له أي المالك انتزاعه من المشتري قطعا بلا خلاف و لا إشكال،

قال:

زرارة(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل اشترى من سوق المسلمين جارية فخرج بها إلى أرضه فولدت منه أولادا ثم أتاها من يزعم أنها له، و أقام على ذلك البينة قال: يقبض ولده و يدفع إليه الجارية


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام الوكالة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2.

ج 22، ص: 301

و يعوضه قيمة ما أصاب من لبنها و خدمتها»

و قال: أيضا في خبر جميل (1)«في الرجل يشتري الجارية من السوق فيولدها، ثم يجي ء مستحق الجارية فقال: يأخذ الجارية المستحق و يدفع إليه المبتاع قيمة الولد و يرجع على من باعه بثمن الجارية

و قيمة الولد الذي أخذت منه» و كذا في خبر زريق (2)الذي ستسمعه نعم يرجع المشتري على البائع بما دفع إليه من الثمن، بل و بما اغترمه للمالك من نفقة أو عوض عن أجرة أو عن نماء أو أرش جناية أو قيمة شجر أفسده القلع أو أجرة حفر أو طمة أو بناء جدار أو شق أنهار أو حفر آبار أو غير ذلك، و لكن إنما يكون له الرجوع إذا لم يكن عالما أنه

لغير البائع و اغتر بظاهر فعله، و إن لم يكن من قصد البائع غروره لعدم توقف صدقه على ذلك أو كان عالما انه لغيره و لكن ادعى البائع أن المالك أذن له و لم يكن له معارض لقاعدة الغرور، و خبر جميل السابق و الإجماع بقسميه، عدا ما حصل له نفع في مقابل ما غرمه من عوض نماء أو منفعة و نحوها.

أما فيه فالمشهور أنه كذلك أيضا للقاعدة المزبورة إذ النفع الذي قد حصل له إنما قدم عليه مجانا، باعتبار الغرور من فعل البائع، أو دعواه فيكون حينئذ كما لو قدم إليه طعام الغير فأكله جاهلا، و في شرح الأستاد أن في خبر جميل دلالة عليه خلافا للمحكي عن الخلاف و موضع من المبسوط و ظاهر السرائر و صريح كشف الرموز فلا يرجع به لعدم تضرره بعد فرض انتفاعه في مقابلة غرامته، و قاعدة الغرر مبناها الضرر، و فيه أن الضرر متحقق بعد الاقدام منه على استيفاء


1- 1 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 302

ذلك مجانا، و إمكان كون بناء قاعدة الغرر على قوة السبب من المباشر و على كل فما في الحدائق من أنه لا يرجع إلا بالثمن، مخالف للنص و القاعدة و الإجماع بقسميه، لما عرفت.

مضافا إلى عدم ما يصلح له سندا لذلك سوى ما ذكره من

خبر زريق (1)الذي باع قاضي الكوفة معيشته في دين ادعاه عليه ورثة ميت، ثم ظهر بعد ذلك

بطلان الدعوى فجاء المشتري لها إلى أبي عبد الله عليه السلام يسأله عن ذلك فقال له بعد شرح حاله: «جعلت فداك كيف أصنع؟ فقال: تصنع أن ترجع بمالك على الورثة و ترد المعيشة إلى صاحبها، و تخرج يدك عنها قال: فإذا أنا فعلت ذلك له أن يطالبني بغير هذا؟ قال: نعم له أن يأخذ منك ما أخذت من الغلة من ثمن الثمار و كل ما كان مرسوما في المعيشة يوم اشتريتها يجب أن ترد ذلك إلا ما كان من زرع زرعته أنت فإن للزارع إما قيمة الزرع و إما ان يصبر عليك إلى وقت حصاد الزرع فان لم يفعل كان له ذلك و رد عليك القيمة و كان الزرع له قلت: جعلت فداك فان كان هذا قد أحدث فيها بناء و غرس؟ قال: له قيمة ذلك أو يكون ذلك المحدث بعينه يقلعه و يأخذه قلت: أ رأيت ان كان فيها غرس أو بناء، فقلع الغرس و هدم البناء؟ فقال: يرد ذلك إلى ما كان أو يغرم القيمة لصاحب الأرض فإذا رد جميع ما أخذ من غلاتها إلى صاحبها و رد البناء و الغرس و كل محدث إلى ما كان أو رد القيمة كذلك يجب على صاحب الأرض أن يرد عليه كل ما أخرج منه في إصلاح المعيشة من قيمة غرس أو بناء أو نفقة في مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها».

كل ذلك فهو مردود إليه باعتبار اقتصاره في جواب قوله كيف


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 303

أصنع؟ على الرجوع بماله الذي هو الثمن على الورثة و رد المعيشة على صاحبها، و لو كان له الرجوع بغيره عليه لذكره لأنه في مقام الحاجة إلى البيان خصوصا مع تعرضه «ع» لرجوع المالك عليه بعوض المنافع، مضافا إلى ما في ذيله من الرجوع بما أنفقه على مصلحة المعيشة و دفع النوائب عنها على المالك، لا على غيره، و فيه مع قصوره عن معارضة غيره و أعمية مثل هذا الاقتصار فيه من عدم الرجوع خصوصا بعد قضاء قاعدة الغرور، و خبر جميل (1)و الإجماع به، أنه يمكن أن يكون خارجا عما نحن فيه ضرورة عدم الغرور به لأن الفرض فيه أن زريقا كان عند أبي عبد الله عليه السلام يوما إذ دخل عليه رجلان إلى أن قال: فقال أحدهما انه كان على مال لرجل من بني عمار و له بذلك ذكر حق و شهود فأخذ المال و لم أسترجع منه الذكر بالحق، و لا كتبت عليه كتابا و لا أخذت منه برأيه، و ذلك لأني وثقت به و قلت له مزق الذكر بالحق الذي عندك فمات و تهاون بذلك، و لم يمزقها و عقب هذا طالبني بالمال وراثه و حاكموني و اخرجوا بذلك الذكر بالحق، و أقاموا العدول فشهدوا عند الحاكم فأخذت بالمال و كان المال كثيرا فتواريت عن الحاكم فباع على قاض الكوفة معيشة لي و قبض القوم المال، و هذا رجل من إخواننا ابتلى بشراء معيشتي من القاضي، ثم إن ورثة الميت أقروا أن المال كان أبوهم قد قبضه، و قد سألوه أن يرد على معيشتي و يعطونه في أنجم معلومة، فقال: إني أحب أن أسأل أبا عبد الله عليه السلام عن هذا، فقال:

الرجل يعني المشتري جعلني الله فداك كيف أصنع إلى آخر ما سمعته سابقا.

و هو كما ترى لا غرور فيه، من أحد، ضرورة معذورية القاضي و الشهود و الورثة، و أقصاه ظهور الخطأ في حكم القاضي الذي قد باشر


1- 1 الوسائل الباب 88 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 5.

ج 22، ص: 304

البيع، و هو لا يقضي بتغريمه، و من هنا اتجه ما ذكره فيه من الاحكام التي سمعتها كما هو واضح، فحينئذ لا إشكال في الرجوع بما عرفت، نعم قد يقوى عدمه في الزائد على المعتاد من النفقة و الأجرة على بعض الأعمال و نحو ذلك، مما هو مستند إلى تقصيره و كذا بذل ما يستحب في تلك المعاملة، و اللوازم البعيدة، بل و كذا لا يرجع لو أبرأه المالك ضرورة أن المراد رجوع المغرور على من غره فيما غرمه، و لذا عبر به الأصحاب بل لعل المتجه ذلك أيضا لو تبرع متبرع بالدفع عنه، لكن في شرح الأستاد الإشكال في الأولين، و وجهان في الأخيرين، ثم قال:

و يرجع بعوض عمله الجاري على عادة الملاك، و في الأعمال المنسوبة من عبادات و غيرها، و عمل المتبرع و الزائد على المعتاد و التوابع البعيدة يقوى الاشكال، قلت: بل قد يتوقف في الرجوع بعمله أو عمل المتبرع له و إن جرى على المعتاد لعدم الغرامة المنساقة من لفظ الرجوع أما لو احتسب المالك ما في ذمته عليه خمسا، أو زكاة كان له الرجوع أيضا لصدق الغرامة، و إن رجعت إليه بوجه آخر كما هو واضح.

هذا كله مع غرور المشتري و عدم علمه ف ان لم يكن كذلك بل أخبره البائع فإنه فضولي أو غاصب أو نحو ذلك مما يرتفع به غروره لم يرجع على البائع بما اغترمه على المبيع من نفقة و نحوها و للمالك لو رجع عليه من عوض منفعة فأتت في يده أو استوفاها أو نماء كذلك أو غيرها مما عرفت، بلا خلاف و لا إشكال لأنه بحكم الغاصب في إثبات يده على مال الغير قبل تحقق رضاه، ضرورة عدم اقتضاء مجرد العقد قبل تحقق شرطه الذي مقتضى الأصل عدم حصوله ذلك، و إن حكمنا بصحته التي يراد منها قابليته للتأثير بعد جمع

ج 22، ص: 305

الشرائط على حسب ما أوضحناه سابقا.

و من الغريب ما في الحدائق من أنه لا يجتمع القول بصحة الفضولي و حرمة تصرف المشتري لاقتضاء الصحة ذلك، و نحوه من المقتضيات بل فيها أنى لا أعرف وجها لذلك، إذ هو كما ترى مما لا ينبغي أن يصغى إليه، و أغرب من هذا نسبته إلى صريح كلامهم صحة الفضولي بالمعنى الذي يترتب عليها جواز التصرفات على حسب وقوع البيع من المالك، و هو شي ء لا ينبغي نسبته إلى أصاغر الطلبة، فضلا عن فحول الطائفة و حفاظ الشريعة المؤيدين المسددين، و على كل حال فعدم رجوعه واضح، بل قيل أنه لا يرجع بالثمن الذي دفعه إلى البائع أيضا بسوء اختياره، مع العلم بالغصب بل في التذكرة قال: علمائنا ليس للمشتري الرجوع على الغاصب و أطلقوا القول في ذلك، و في تخليص التلخيص أطلق الأصحاب كافة ذلك، بل عن الإيضاح أنه نسب عدم الرجوع مع بقاء العين فضلا عن تلفها تارة إلى قول الأصحاب، و اخرى إلى نصهم، و في جامع المقاصد يمتنع استرداده العين عند الأصحاب و ان بقيت العين، و لعله يريد ظاهرهم كما حكى عنه ذلك أيضا في موضع آخر، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه من الاشكال، و عدم الانطباق على الضوابط المقتضية خلافه في نظائره كثمن الخمر و الميتة و غيرها، و من هنا حكي عن المصنف في بعض تحقيقاته القول بالرجوع به مطلقا، و هو و إن كان موافقا لما عرفت، لكنه مخالف للجمع عليه بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، كما اعترف به الفخر و الكركي و ثاني الشهيدين و الأستاد من عدم الرجوع في صورة التلف الذي هو المتيقن من إطلاقهم، الموافق لما قرروه من أن دفعه بعد العلم بالغصب إباحة منه للمال بلا عوض، فليس له الرجوع

ج 22، ص: 306

حينئذ بعد التلف كغيره من المال المباح من مالكه، و لذا كان خيرة التذكرة و المختلف و القواعد في موضع منها و نهاية الأحكام و الإيضاح و شرح الإرشاد للفخر و الدروس و اللمعة و جامع المقاصد و الروضة و المسالك و الكفاية التفصيل بينه و بين البقاء، فلا يرجع مع الأول، و يرجع مع الثاني، لبقائه على ملكه، و

«الناس مسلطون على أموالهم»(1)

لكن فيه أن ذلك لو كان للإباحة لجرى في غيره من نظائره، و لاقتضى حلية التصرف فيه و فيها، مع أنه

ورد في كثير منها أن «أثمانها سحت»(2)

مضافا إلى ما عرفته سابقا من ضمان الثمن و المثمن في القبض بالعقد الفاسد، من غير فرق بين التلف و عدمه، و العلم بالفساد و عدمه، فالعمدة حينئذ ظهور إطباق الأصحاب الذي قد عرفت الاعتراف منهم بأن معقده مطلق، شامل لصورتي البقاء و التلف، مع إمكان تقريبه إلى الذهن بنحو ما سمعته من الإباحة، بالنسبة إلى التلف، بأنه يمكن أن يكون عقوبة له، و لا استبعاد في عدم جواز الرجوع به و إن بقي على ملكه، بل و يجب رده على من في يده، كالمال الذي حلف عليه المنكر(3)أو يكون نحو المال المعرض عنه، أو الموهوب أو نحو ذلك فيملكه حينئذ البائع مع حرمة التصرف عليه، أو عدمها.

و على كل حال فبناء على ذلك لا وجه للتفصيل المزبور اللهم إلا أن يقال أن المنشأ في التلف الإباحة من المالك، و هي لا تنافي حرمة تصرف الغاصب، للنهي الشرعي عن الإباحة في مقابلة المحرمات، و لا تلازم بين الحرمة المالكية و الشرعية، فيمكن أن يكون الشارع حرم


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 3 و 4 من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى.

ج 22، ص: 307

التصرف فيما دفع عوضا عن المغصوب مثلا و إن رضى المالك، فيكون عدم الرجوع عليه باعتبار الإباحة المزبورة التي هي المدار فيه و في أمثاله، بل لا بأس بالتزام مثل ذلك في جميع نظائره، مما دفع فيه الثمن بلا مقابل معتد به، كما صرح به الأستاد في شرحه، حيث أنه بعد اختياره التفصيل قال: و يقوى تسرية الحكم في المقامين إلى كل ما دفع من غير مقابل، أو بمقابل غير قابل.

نعم لا يجري مثله في البيع الفاسد بغير ذلك، و ما شابهه بأن كلا من المتعاملين فيه قد قدم على أخذ العوض من صاحبه، و يرجع مع التلف إلى ثمن المثل، و إن زاد على المسمى، لتحقق مسمى الاقدام على الضمان في الجملة، بخلاف المقام الذي هو عند الانحلال تسليط على المال بلا عوض شرعا، و هتك لحرمة الملك بالاذن منه في الإتلاف و نحوه بل ربما ظهر من الكركي و غيره جواز التصرف للبائع فيه بملاحظة الاذن المزبورة، بل نسب ذلك إلى الأصحاب، و إن كان فيه ما لا يخفى من المنافاة لما هو كالمعلوم ضرورة من الشرع.

و كيف كان فمن ذلك ينقدح أنه لو فرض في المقام اشتراط المشتري على البائع الرجوع عليه بالثمن لو رجع المالك عليه بالعين، اتجه له الرجوع عليه مع التلف أيضا، ضرورة كونه حينئذ كالمقبوض بالعقد الفاسد، فلا يكون مندرجا في معقد الإجماع كما جزم به في شرح الأستاد، بل جزم أيضا بالرجوع مع اشتراط الخيار أو بقاء الثمن مدة فيقع التلف فيها أو نحو ذلك مما يقتضي عدم إطلاق الإباحة له، و هو لا يخلو من وجه، مع احتمال القول بأن الحكم تعبدي محض في خصوص المقام، و في خصوص المتيقن، و لعله الأوفق بالقواعد و كلام الأصحاب و على كل حال فظاهر المتن و غيره ممن عبر كعبارته أن بيع الغاصب من

ج 22، ص: 308

الفضولي، كما صرح به في التذكرة و المختلف و نهاية الأحكام و الدروس و حواشي الشهيد و التنقيح و جامع المقاصد و غيرها، على ما حكي عن بعضها بل عن الإيضاح نسبته إلى الأكثر، و إن كان قد باع قاصدا للنقل عن نفسه و قبله المشتري على ذلك، إلا أنه لا ينافي الفضولية التي قد عرفت أنها عبارة عن وقوع العقد من غير المالك كيف ما قصد، بل عرفت مدركها فيما تقدم مما لا فرق فيه بين ذلك كله، بل و لا بين علم المشتري بالغصبية و جهله بها، كما صرح به بعضهم لتناول معظم ما عرفته من الأدلة السابقة لذلك كله.

فما جزم به بعض الناس من عدم كون بيع الغاصب مطلقا أو مع علم المشتري بالغصب، أو تردد فيه كذلك من الفضولي في غير محله و قصد النفس أو الغير لا مدخلية له حينئذ، بعد فرض دلالة الأدلة على قابلية تأثير لفظ العقد مع وقوعه على ما كان قابلا للتأثير فيه من غير فرق بين المالك و غيره، و نصوص النهي عن بيع ما لا يملك و السرقة و نحوها(1)قد عرفت الحال فيها، و ما تسمعه إنشاء الله من عدم رجوع المشتري على الغاصب إذا لم يجيز المالك بالثمن مطلقا أو مع التلف لو دفعه

إليه عالما بالغصب، غير مناف لصحة الفضولي قطعا، مع عدم انحصار الثمن فيما لو دفعت كما كان كليا، ضرورة رجوع المالك حينئذ على المشتري مع إجازته البيع دون القبض بمصداق الثمن بل و كذا لو أجاز القبض و كانت العين باقية، بناء على اختصاص عدم الرجوع في صورة التلف، فان له الرجوع بها حينئذ عليه، بل و مع التلف أيضا بناء على الكشف، فان له ذلك أيضا، و عدم رجوع المشتري عليه في صورة عدم الإجازة تعبدا، أو للإباحة لا ينافي رجوع المالك


1- 1 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 309

الذي انكشف سبق ملكه بإجازته على إتلافه، و لو فرض اعتبار بقاء المال على صفة الملكية عند الإجازة اتجه البطلان، لا لخصوص بيع الغاصب، بل هو كذلك و لو كان البائع فضوليا و فرض تلفه في يد المشتري قبل الإجازة، و كذا الكلام على فرض كون الإجازة ناقلة.

و من ذلك يظهر لك الحال لو كان الثمن عينا و قد دفعها المشتري للغاصب، فإنه يتجه للمالك الرجوع بها مع الإجازة و فرض بقائها في يده، بل و مع تلفها لما عرفت من اختصاص عدم الرجوع بها بالمشتري مع عدم إجازة المالك، بل قد يقال: أن له الرجوع بها على المشتري أيضا بناء على الكشف، و عدم إجازة القبض لكونها مضمونة في يده حينئذ، و على كل حال فلا إشكال في جريان حكم الفضولية عليه من هذه الجهة و إن وقع من بعض الأفاضل، إلا أنه في غير محله كما هو واضح بأدنى تأمل، خصوصا بملاحظة ما ذكرناه، و كيف كان فقد ظهر لك الحال في أصل المسألة و أطرافها على وجه ارتفع عنه الإشكال في جميع ما كثر فيه القيل و القال، و لعله من خواص هذا الكتاب ككثير من المباحث التي وقع فيها البحث و الاضطراب، و نسأل الله السداد و الهداية إلى ما عنده من الرشاد.

[القول في بيع ما يملك و ما لا يملك ]

و كذا ظهر لك الحال فيما لو باع ما يملك و ما لا يملك بعقد واحد و ثمن كذلك ضرورة كون حكمه أنه مضى بيعه فيما يملك و كان فيما لا يملك موقوفا على الإجازة بناء على ما سمعته من صحة الفضولي، و باطلا على القول الأخر، و على كل حال فلا خلاف في صحته بيعه و نفوذه فيما يملك إذا لم يتولد من عدم الإجازة مانع شرعي كلزوم رباء و بيع آبق من دون ضميمة و نحو ذلك، بل ظاهرهم الإجماع عليه كما اعترف به في الرياض، بل عن الغنية دعواه عليه

ج 22، ص: 310

صريحا كالأستاد في شرحه، لإطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن المعارض خصوصا بعد ملاحظة ما يظهر من النص و الفتوى من كون الأسباب الشرعية كالعقلية تؤثر في القابل، دون غيره، و ما سمعته من خبر الصفار من وجوب الشراء على البائع فيما يملك (1)فهو حينئذ بمنزلة عقود متعددة و لذا لو ظهر بعض المبيع مستحقا لم يبطل إلا فيه، فما عن الأردبيلي من احتمال بطلان العقد رأسا على

تقدير صحة الفضولي و عدم اجازة المالك لأنه إنما حصل التراضي و العقد على المجموع و حصوله لا يستلزم حصوله في الجزء واضح الفساد، بل كأنه اجتهاد في مقابلة النص، و لم نعرفه لأحد من أصحابنا، نعم هو للشافعي محتجا عليه بأن اللفظة الواحدة لا يتأتى تبعيضها، فأما أن يغلب الصحيح على الفاسد أو بالعكس، و الثاني أولى لأن تصحيح العقد في الفاسد ممتنع، و إبطاله في الصحيح غير ممتنع، و لأنه لو باع درهما بدرهمين أو تزوج بأختين حكم بالفساد، و لأن الثمن المسمى يتوزع عليهما، و لا يدرى حصة كل واحد منهما عند العقد، فيكون الثمن مجهولا، و صار كما يقال بعتك عبدي هذا بما يقابله من الألف إذا وزعت عليه و على عبد فلان، فإنه لا يصح، و فيه مع أنه مناف لما عرفت، منع عدم تبعيض متعلق اللفظة الواحدة في الخبر و الإنشاء، و وضوح الفرق بين المقام و بين بيع الدرهم بالدرهمين، و التزوج بالأختين، و لو بعدم ترجيح تعلق العقد بأحدهما على الآخر، و دليل الجهالة إنما يسلم منه ما إذا كانت في الثمن الذي قد وقع مقابلا في العقد، و أما بعد فرض معلوميته فلا يقدح الجهل بالتقسيط لإطلاق الأدلة الذي لا ريب في شموله لما كان مجهولا من هذه الجهة معلوما من الحيثية الأخرى، و بعبارة أخرى


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 311

ان الإطلاق شامل لنحو هذه المعلومية، بخلاف ما ضربه مثلا، و ما ذكره المقدس الأردبيلي إنما يقتضي الخيار مع الجهل لا البطلان، ضرورة عدم كونه أعظم من تخلف الوصف، و تبعية العقود للقصود منطبقة على البعض المقصود و لو في ضمن الكل، و من هنا ترك الاستفصال في خبر الصفار، و حكم فيه بالصحة فيما يملك، بل لعله مع ظهور مدخلية الاجتماع في موضوعه الذي هو قطاع أرضين المختلفة غالبا لأنها قطع متجاورات و لو فرض دخول الوصف في موضوع البيع على وجه يكون تخلفه كتخلف جنس المبيع كان خروجا عن محل البحث، فلا ريب في الصحة من غير فرق بين كون المالين لواحد أو متعدد، و بين تساويهما في القيمة و اختلافهما و لا بين كون المشتري متحدا أو متعددا، على الإشاعة في المبيع أو على تخصيص كل واحد من العبدين بأحدهما و لكن على الإشاعة في الثمن فيتقسط حينئذ على قيمتهما على حسب ما تعرف إنشاء الله.

فما عن الخلاف من البطلان في بيع المالكين عبديهما المختص كل واحد منهما بواحد مع التساوي في القيمة أو اختلافهما، و المبسوط من البطلان أيضا لكن مع الاختلاف في القيمة، و البطلان أيضا لو باع العبدين من اثنين بثمن واحد لم يعلم ما يخص كلا منهما لتعدد الصفقة واضح الضعف، ضرورة اتحادها في الجميع و الاكتفاء بمعلومية الثمن فيها و إن جهل التقسيط، لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية التي يرتفع معها الغرر و الجهالة عرفا، و حينئذ ففي مفروض المتن أجاز الغير أو لم يجز يقسط الثمن على المبيع حتى يأخذ كل من المالكين نصيبه على فرض الإجازة، أو ليأخذ البائع ما يخصه منه و يرجع الباقي إلى المشتري على فرض عدمها.

و كيفية ذلك فيما إذا لم يكن المبيع مثليا أو ما في حكمه مما يعلم

ج 22، ص: 312

منه تبعية نسبة الثمن إليه لتساوي اجزائه و أوصافه مثلا على وجه لا تختلف القيمة معها بان يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما منفردا كما في القواعد و اللمعة و محكي النهاية بل نسب إلى الأصحاب، ثم ينسب إلى قيمة المجموع و حينئذ يرجع المشتري على البائع القابض للثمن بحصته من الثمن إذا لم يجز المالك على حسب تلك النسبة التي بها انكشف مقدار ما يخصه من الثمن، ضرورة أنه لو قوم منفردا من دون ملاحظة النسبة المزبورة و أخذت قيمته من الثمن أمكن حينئذ في بعض الأحوال استيعابها له، بل زيادتها عليه، فيبقى الآخر حينئذ بلا مقابلة شي ء من الثمن كما هو واضح، و إليه يرجع ما في المبسوط و كذا الوسيلة يأخذه المملوك بما يتقسط عليه من الثمن أي يأخذه يقسطه من الثمن، كما عبر به في التذكرة و التحرير و كذا ما في الدروس يقسط الثمن عليهما، و ما في السرائر أيضا يمسك ما يصح فيه البيع بما يخصه من الثمن الذي يتقسط عليه، كما إذا كان ثمنهما ثلاثة دنانير و قيل أن قيمة المملوك قيراط و قيمة غيره قيراطان، فيرجع المشتري بثلثي الثمن و هو عين ما ذكرناه، ضرورة كون النسبة بما فرضه ذلك، فمراد الجميع حينئذ واحد، و هو أنه إذا كان المبيع من ذوات القيم التي هي غالبا مختلفة زيادة و نقصا، لا بد في معرفة تقسيط الثمن عليها من ملاحظة قيمتها التي هي متساوية الأجزاء و بدل العين و قائمة مقامها، و معرفة النسبة منها فيوزع الثمن عليها، و هو معنى ما في الإرشاد من أنه يقسط المسمى على القيمتين، و ذلك لتعذر معرفته بملاحظة العينين، لكن عن الفاضل القطيفي أن فيه نظرا، و لعله أشار إلى ما في جامع المقاصد و الروضة و المسالك و الرياض و غيرها من

ج 22، ص: 313

أن ذلك يتم إذا لم يكن للهيئة الاجتماعية مدخلية في زيادة القيمة.

أما إذا كان كذلك فلا يقومان مجتمعين إذ لا يستحق مالك كل واحد ماله إلا منفردا فلا يختص باستحقاق ما يزيد باجتماعهما بل يقوم كل واحد منهما منفردا و ينسب قيمة أحدهما إلى مجموع القيمتين، و يقسط الثمن حتى ما قابل الهيئة الاجتماعية منه على تلك النسبة، فإذا كان قيمتهما مثلا مجتمعين اثنى عشر، و منفردين تسعة، و الثمن ستة و قيمة أحدهما ثلاثة، أخذنا له من الثمن بقدر نسبته إلى التسعة، و هو ثلث الستة اثنان، و لا يؤخذ بقدر نسبته إلى الاثنى عشر و هو ربع الستة واحد و نصف، و لو قوم كل واحد منهما بعشرة يؤخذ نصف الثمن، لأنه نسبة أحدهما إلى المجموع، و دعوى تحقق الظلم بذلك على المشتري الذي قد بذل الثمن في مقابلة المجموع من حيث أنه مجموع يدفعها أولا معارضتها بالظلم على البائع لو أخذ بالنسبة إلى مجموع قيمتهما مجتمعين، مع عدم تقصيره و إتلافه شيئا على المشتري، و إنما أراد له شيئا لم يسلم له، و إلحاقه بالغاصب حينئذ في ضمان الصفة ليس في محله، و ثانيا أن الثمن و إن لوحظ فيه الهيئة الاجتماعية، حتى أن زيادته بسببها إلا أن من المعلوم كونها بمنزلة الصفة لكل واحد منهما، فلا يقابلها شي ء من الثمن عند التقسيط، و إن زادت قيمة ذيها بسببها، فعند التوزيع يوزع الثمن على المتصفين، و مع فرض فقد الصفة التي قد لوحظت في مقابلة الثمن للمتصف، يتسلط المشتري على الخيار كتسلطه عند تخلف الصفة في المبيع الموصوف.

و على كل حال فقد ظهر لك وجه تقييد الجماعة إطلاق الأصحاب بما عرفت، لكن قد يدفع أولا بأن المراد من إطلاق الأصحاب، أصل بيان كيفية تقسيط الثمن في مثل المبيع القيمي المختلف قيمة، و ليس

ج 22، ص: 314

من متساوي الأجزاء حتى تكون نسبة الثمن فيه على نسبته، من غير نظر إلى ما كان للاجتماع فيه مدخلية و عدمه، و ثانيا أن المراد بتقويم أحدهما بعد تقويهما مجتمعين فيما كان للاجتماع فيه مدخلية، الذي هو محل المؤاخذة أنه يلاحظ فيه صفة الانضمام أيضا، لأن الثمن قابله و هو كذلك، فلا بد من ملاحظتها في التقويم، و يراد بالانفراد في كلامهم في مقابلة تقويمهما معا مجتمعين، لا أن المراد تقويمه بدون ملاحظة وصف الانضمام، و حينئذ إذا لوحظ نسبته إلى قيمتهما مجتمعين و أخذ من الثمن على حسبها، لم يظهر فرق بين التقويمين كما أنه حينئذ لم يختص أحد منهما بالهيئة الاجتماعية، بل لعل تقويم الأصحاب أولى باعتبار ملاحظة وصف الانضمام، الذي له مدخلية في مقابلة الثمن في التقويم بخلاف التقويم الآخر، و حينئذ لا فرق بين كون المال لمالكين نفذ البيع في أحدهما خاصة أو نفذ فيهما، و أريد توزيع الثمن على المالكين، و بين كونهما لممالك واحد و قد أجاز في بعض دون الآخر، و بين أحدهما الذي قوم بعد تقويهما معا ان يكون المملوك الذي قد نفذ البيع فيه، أو يكون الأخر الذي لم يجز البيع مالكه فيه، و كذا لا فرق أيضا بين مدخلية الاجتماع في كل منهما على حد سواء، أو مع التفاوت، و بين مدخليته في أحدهما دون الآخر، بل و إن أفاده نقصانا، ضرورة أنك قد عرفت دخول ذلك كله في قيمة أحدهما الذي قد فرض ملاحظة الوصف فيه، فلا تفاوت حينئذ بين الجميع.

نعم قد يفرق بين تعدد المالك و اتحاده في صورة الغصب، ضرورة عدم ضمان الغاصب هيئة الاجتماع، مع تعدد المالك لعدم كونها مستحقة لأحدهما، بخلاف ما لو اتحد المالك فإنها حينئذ من توابع ملكه، أما في المقام فالفرض أنها قد لوحظت في مقابلة الثمن فازداد

ج 22، ص: 315

ذو الوصف بها، و إن لم تكن من توابع ملكه، كما هو واضح، و من ذلك كله ظهر لك سقوط تقييد من عرفت لكلام الأصحاب بما سمعت بل و حتى ما في المسالك و الروضة منهم من النظر و التأمل فيما لو كان المال لمالك واحد، حيث قال: في الأول ففي تقويمهما مجتمعين كالغاصب أو منفردين كما لو كانا لمالكين نظر، و في الروضة أنه يمكن فيه ما أطلقوه مع احتمال ما قيدناه، و سقوط ما أطنب فيه في الكفاية من اختصاص تقويم المملوك مع عدم إجازة الآخر، و ملاحظة نسبته إلى تقويهما معا، إذا كان للهيئة الاجتماعية مدخل، أو يقومان مجتمعين و منفردين، و يعزل ما قابل الاجتماع و يعطى البائع نسبة قيمة ماله إلى قيمة الآخر منفردا، و يعطى الباقي للمشترى، و كذا في صورة الإجازة أيضا، و لكن بعد ذلك يقسم ما قابل الاجتماع على المالكين، بل و ما أطنب فيه بعض مشايخنا من تحقيق صحة إطلاق الأصحاب في صورة عدم الإجازة من المالك الأخر، و صحة ما ادعاه ثاني الشهيدين و المحققين و أتباعهما في صورة الإجازة، بل و ما ذكره شيخنا في شرحه من موافقة المتأخرين في تقييد كلام الأصحاب بما عرفت، و ذكر إفراد مدخلية الاجتماع لهما أو أحدهما، فلاحظ و تأمل جيدا كي تعرف محال النظر و وجهه، و نسأل الله السداد و الرشاد.

و على كل حال فقد عرفت أنه مع عدم الإجازة لو أراد المشتري رد الجميع كان له ذلك لتبعض الصفقة بلا خلاف أجده فيه بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و وجوب البيع في خبر الصفار(1)إنما هو بالنسبة إلى البائع، بل ظاهرهم عدم الفرق فيه بين ما يكون للاجتماع فيه مدخل و عدمه، نعم صرح بعضهم باعتبار الجهل فيه فلو كان عالما أن بعضه للغير الذي يحتمل وقوع الإجازة فيه و عدمه، لم يكن له


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب العقد و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 316

خيار لإقدامه على ذلك، و ستعرف إنشاء الله في فصل الخيارات دليل ثبوت هذا الخيار، و محله و شرطه، و منه يعرف ما عن مجمع البرهان من احتمال ثبوته للبائع في المقام مع دعواه الجهل، أو الاذن من المالك أو ظن أن المالك يقبل ذلك، و عن المبسوط احتماله قويا أيضا من دون ذكر شي ء من هذه القيود، بعد أن جعل الاولى عدم الخيار له و لكن جزم ابن زهرة بعدمه له، و يؤيده وجوب البيع على البائع في خبر الصفار، و يمكن تنزيله كعبارة الغنية على ما إذا كان عالما هذا كله فيما لو علم إرادة البائع بيع ماله و مال غيره.

أما إذا كان بلفظ ظاهر في إرادة ماله نزل عليه، و إن احتمل إرادته ماله و مال غيره،

كما لو باع مالك النصف مثلا النصف انصرف إلى نصيبه، كما صرح به جميع من تعرض لذلك، بل عن غصب جامع المقاصد و المسالك إرساله إرسال المسلمات، بل عن الثاني منهما نسبته إلى الأصحاب، و لا ينافي ذلك احتمال الإشاعة في النصيبين، في جملة من الكتب، ضرورة عدم منافاة ذلك للظاهر، كما أن صلاحية البيع لملكه و ملك غيره و كون النصف من افراده المشاع، بل لم يجعل الشارع صحة التصرف قرينة في المجازات و المشتركات، كما لو قال: أعطوه حمارا و لا حمار له، و إنما له عبد بليد كذلك أيضا، على أن الظاهر كون محل البحث في المقام تعلق العقد بنصفه إذا لم يكن قد قصد بالبيع إلا مطلق نقل النصف من غير تعرض في قصده للمشاع أو للمختص، لا أن محله ما علم قصده فيه، و لكن لا قرينة لتشخيص المقصود، إذ يمكن القول فيه بأن المرجع قوله، لأنه أعلم بقصده الذي لا يعلم إلا من قبله، و مع فرض عدمه لموت و نحو يمكن التوقف فيما زاد على

ج 22، ص: 317

الربع الذي هو محل اليقين، و يمكن دعوى التنزيل على ملكه بدعوى أن الأصل في البائع قصد ذلك، و لو للتعارف في الاستعمال و التبادر إلى الفهم، حتى لو كان وكيلا أو وليا فضلا عما لم يكن له وجه إلا الفضولية، و لأصالة اللزوم و ظهور التمليك في الحقيقي المطابق للشرعي دون الصوري، و لظاهر العرف و العادة فيه كتعليق العقد بمشترك الاسم أو الوصف بين ماله و مال غيره، الذي لم ينصرف إلا إلى ماله في العقود و الإيقاعات كالنذر و اليمين و الوصية و نحوها إلى غير ذلك، مما يصلح لان يكون قرينة لتعيين المراد، بحيث لم يسمع منه لو ادعى خلاف ذلك بعد الفراغ.

هذا كله في تعيين المقصود أما إذا لم يقصد إلا بيع النصف، فلعل المتجه أيضا تنزيله على ملكه، لأنه القابل لتأثير العقد فيه فعلا، الذي هو الأصل في اقتضائه و تأثيره، و لذا يحمل عليه مع الإمكان كما في المقام و نظائره، و احتمال البطلان فيه لاعتبار التشخيص في القصد ضعيف، و على كل حال لا ينزل على الإشاعة بين النصيبين في أقوى الوجهين، بخلاف الإقرار فإنه ينزل عليه قطعا، في القواعد و محكي النهاية و الإيضاح لأن الإقرار إخبار عن ملك الغير بشي ء، فلا يجب أن يكون منصرفا إلى نصيبه لعدم المقتضى، فيقتصر فيه على المتيقن، نعم قد يقال: أنه إذا كان بلفظ الإقرار و نحوه مما هو ظاهر التعلق بما في اليد ينزل عليه دون غيره، مما يمكن أن يكون إقرارا و شهادة، و حينئذ فلو قال:

نصف الدار لك، أو قال: مع ذلك و النصف الأخر لي و لشريكي و كذبه الشريك فللمقر له ثلثا ما في يده، ضرورة كون الشركة بينهما على حسب إقراره ثلثين و ثلثا، فما يحصل لهما على هذه النسبة و ما يتلف عليهما كذلك.

ج 22، ص: 318

هذا لكن قد ينافيه ما ذكروه في باب الإقرار حق حكى بعضهم نسبته إلى الأصحاب، مشعرا بالإجماع عليه من أنه لو أقر بعض الورثة بوارث و كذبه شركائه أعطاه مما في يده ما زاد على نصيبه و لا يشاركه فيه، كما لو أقر أحد الأخوين بثالث لهما و كذبه أخوه الآخر و كان المال اثنى عشر مثلا، أعطاه اثنين مما في يده و يختص ما أخذه الأخر به، دون المقر مع أن قضية ما سمعته هنا ان يقتسما ما في يده النصف لأن مقتضى إقراره كونه معه على حد سواء، فيكون ما يحصل لهما و ما يتلف عليهما، كما هو قاعدة الشركة، اللهم إلا أن يكون الفارق بين المقامين الدليل، و يقال: إن الموافق للضابطة ما في باب الإقرار بدعوى تنزيل المنكر تنزيل الغاصب القاصد غصب خصوص حصة الشريك المخصوص، بناء على قيامه حينئذ مقام المالك في القسمة مع الشريك لحديث الضرار(1)و السيرة و غيرها على معنى أن المالك في هذا الحال له إفراز ملكه عن ملك شريكه، كما كان له ذلك في المال الزكوي و نحوه، و حينئذ فيكون ما هنا بناء على معلومية كون الحكم فيه ما سمعت خارجا عن الضابطة، للدليل من إجماع أو غيره، أو يقال أن المأخوذ في الأول قد كان بسبب شرعي يعم الشريكين و هو اليد، بخلاف الثاني فإنه قد أخذ بسبب يختص الأخ المنكر و هو إقراره بإخوة من أنكره، و ذلك أمر يخص الأخ المنكر دون الأخ المقر الذي قد اعترف الثلاثة بأخوته، و لم ينقص المال بسبب شرعي يعمه، بل كان ذلك بأمر يخص خصوص المتخاصمين، و هو

الإقرار من أحدهما بالاخر و إنكار الآخر إياه فتأمل جيدا، فإنه دقيق و تمام الكلام يأتي في محله إنشاء الله.


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4 و 5.

ج 22، ص: 319

كما انه تقدم لك في باب الزكاة حكم من باع جملة الثمرة و فيها عشر الصدقة، و أنه بناء على تعلقها بالعين الصحة في نصيبه دون حصة الفقراء، إلا مع الضمان بمعنى العزم على الأداء من غيرها، لأنه مخير بين الدفع منها و من غيرها، فيصح فيها أيضا، لكنه يبقى مراعى بالأداء فإن أدى نفذ و إلا فسخ الساعي العقد و تبع عين المال لما سمعته فيما تقدم، و كذا لو باع أربعين شاة مثلا و فيها الزكاة لما تقدم سابقا من أن الشاة الواجبة فيها موزعة على مجموع النصاب، على معنى استحقاق الفقراء في كل واحدة ربع عشرها، لا ان المراد شاة لا بعينها فيبطل البيع في حصته أيضا مع عدم الضمان، لجهالة ثمنها بسبب جهالة شاة الزكاة التي لم تتعين إلا بالتعيين، فتختلف قيمتها حينئذ بذلك فيجهل حينئذ ثمن حصته، لما قدمناه سابقا من وضوح فساد ذلك، و لذا وجب التقسيط على المراض و الصحاح، و كذا لو تلف شي ء من النصاب بغير تفريط، فإنه يسقط بالحساب كما قدمنا الكلام في ذلك كله، بل و في بيع المال الذي فيه الخمس بناء على أنه مطلقا في العين مما لم يندرج في إباحة المتاجر لنا، فلاحظ و تأمل و الله اعلم.

و على كل حال فقد ظهر لك الحال فيما لو باع ما يملك و ما لا يملك و كان مملوكا لغيره و كذا لك الكلام فيما لو باع لمسلم ما يملك و ما لا يملكه المسلم أو لا يملكه مالك كالعبد مع الحر و الشاة مع الخنزير و الخل مع الخمر بثمن قصدا به مقابلة الجملة، فإنه يصح فيما يملكه للعمومات (1)و فحوى ما سمعته سابقا(2)و يبطل في الأخر لأنه كالعقود المتعددة، و لا غرر بعد علم المقابل الصوري الذي


1- 1 سورة المائدة الآية 1 و سورة النساء الآية 29.
2- 2 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب العقد و شروطه.

ج 22، ص: 320

هو الثمن لعدم ما يدل على اشتراط أزيد من هذه المعلومية، مضافا إلى عدم الخلاف المعتد به بين من تعرض له، نعم قيده جماعة بما إذا كان المشتري جاهلا بالموضوع أو الحكم، و إلا اتجه البطلان مع الجهل بالتقسيط، ضرورة كون المقصود حينئذ المملوك و الفرض جهالة ثمنه، و يتوجه النهي حينئذ إلى البيع باعتبار الضميمة، و النهي باعث على الفساد، و فيه أن الغرر مدفوع بالعلم بالجملة كما عرفته في ضم المملوك إلى مملوك غيره الذي لا فرق فيه نصا و فتوى بين رجاء الإجازة و عدمها و النهي إنما يفيد الفساد في الجهة التي تعلق بها، لا مطلقا و فساد العقد بالنسبة إلى بعض متعلقاته بمعنى عدم ترتب الأثر عليها، لا

ينافي صحته بالنسبة إلى البعض الآخر، فيترتب عليه الأثر، و من هنا نص في محكي التذكرة على الصحة في صورة العلم، و إن احتمل البطلان أيضا بعد أن حكاه عن الشافعي، بل لعله مقتضى إطلاق الأكثر خصوصا بالنسبة إلى البائع الذي لا فرق بينه و بين المشتري في الفساد بالجهالة، و ما في الروضة من أنه يمكن جريان الإشكال في البائع مع علمه بذلك، و لا بعد في بطلانه من طرف أحدهما دون الآخر كما ترى، ضرورة ظهور الأدلة في اشتراط صحة العقد بعلمهما معا، على وجه يرتفع الغرر عنهما، و على كل حال فظاهر الأصحاب عدم الفرق في الصحة بين حالي العلم و الجهل كما أنه لا فرق بين ما يصلح للمقابلة عند العصاة و الكفار كالخمر و الخنزير و نحوهما، و بين ما لا يكون كذلك، و لكن له نظير يقابل بالثمن كالحر، نعم في شرح الأستاد أنه إن كانت الضميمة لا تصلح لمقابلة الثمن شرعا و لا عرفا، بأن تكون في حكم العدم كضميمة الأوساخ و بعض القذارات، فاشتراط الجهل فيها حيث لا تكون كضميمة الأجزاء لدفع

ج 22، ص: 321

الجهل هو الوجه، قلت: قد يتجه البطلان فيها مع الجهل أيضا إذا فرض قصد مقابلتها بالثمن أيضا، لعدم حصول العلم و لو بالتقسيط، ضرورة عدم السبيل إلى معرفة ما يخصها منه، فبان من ذلك كله أن الحكم هنا كالحكم في المسألة السابقة حتى في التقسيط أيضا، لاتحادهما في المدرك، و يرجع في قيمة الخمر و نحوه عند مستحليه، و من كان بحكمهم من عصاة المسلمين، لا بمعنى قبول قولهم فيه، لمعلومية اشتراط العدالة في المقوم، بل المراد ملاحظة قيمته عندهم و لو بشهادة عدلين مطلعين على ذلك، نعم يمكن الاكتفاء بإخبار جماعة منهم على وجه يحصل العلم بكون قيمته كذلك عندهم، أو الظن الغالب الذي هو في العادة كالعلم في ترتب نحو ذلك، أما تقويم الحر فهو يفرضه مملوكا بصفاته التي هي فيه، و لها مدخلية بالقيمة و يلحظ التقسيط بعد ذلك على النحو الذي عرفته، و من ذلك يظهر لك ما في المحكي عن عميد الدين من أنه يقوم الخمر عند مستحليه بانفراده، و تقوم الشاة عند عدول المسلمين، اللهم إلا أن يحمل على ما قلناه، و كذا يظهر ما في المحكي عن حواشي الشهيد قال: أن التقويم في الحر و العبد بين، و في الباقيين تفصيل، و هو أنه إن تساوت قيمة الخل المنضم إلى الخمر و الشاة المنضمة إلى الخنزير عند الملتين قوما معا عند أهل الذمة، و إن كان الخل أرفع قيمة عند المسلمين، فالظاهر التقويم منفردين لاشتمال الاجتماع على غبن البائع أو امتناع التقويم لأنه إن كان عند أهل الذمة لزم الأول، و إن كان عند المسلمين فالثاني، و لقد أجاد في جامع المقاصد حيث قال: بعد نقله ليس لهذا الكلام كثير محصل، لأن الأصل في التقويم اعتباره عند المسلمين، لأن الحكم إنما هو لأهل الإسلام، فما دام يمكن ذلك وجب المصير إليه و لا يعدل عنه الا عند التعذر، و هو فيما يملك ممكن فتعين اعتباره

ج 22، ص: 322

و لا اعتبار بالتساوي و عدمه أما ما لا يملك فلا بد من الرجوع في تقويمه إلى من يرى له قيمة من غير المسلمين، للضرورة فيقتصر على محلها و لا يقبل قول الكافر في التقويم لاشتراط العدالة فيه، بل يرجع في ذلك إلى قول العدل كالذي أسلم عن كفر أو المسلم المجاور للكفار، و قول المصنف عند مستحليه لا ينافي ذلك، لانه ضرب القيمة فيه لا التقويم و هو راجع إلى ما ذكر و الأمر سهل.

و لكن ينبغي أن يعلم أنه قد ذكر ثاني المحققين أيضا و الشهيدين أن الرجوع بالثمن على حسب التقسيط بعد إقباضه للبائع إنما هو مع جهل المشتري، و إلا لم يرجع به مطلقا أو مع تلف العين، على حسب ما سمعته في المغصوب، و جعلا ذلك إشكالا على إطلاق الأصحاب، و فيه أولا أن المراد هنا بيان كون الحكم على التقسيط بالنحو المزبور على الاجمال، و ثانيا أنه يمكن منع جريان الحكم المزبور هنا لما عرفته من مخالفته للقواعد، فيقتصر فيه على محل الإجماع كما أومأنا إليه سابقا، و الله اعلم هذا كله في تصرف المالك و الفضولي.

[القول في ولاية الأب و الجد للأب ]

و أما الأب و الجد للأب و إن علا لا للام و لو أم الأب على الأصح الذين قد عرفت أن لهما أن يبيعا عن المالك فلا خلاف في أنه يمضي تصرفهما المقرون بالمصلحة أو عدم المفسدة على اختلاف القولين في مال الطفل، بل و في غير المال ما دام الولد ذكرا أو أنثى غير رشيد لصغر من شانه ذلك أو سفه أو جنون و لو متصلا بالبلوغ، لكونهما وليين له في هذا الحال و إنما تنقطع ولايتهما عنه بثبوت البلوغ و الرشد بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص المستفيضة أو المتواترة(1)و إن كان


1- 1 الوسائل الباب 78 و 79 من أبواب ما يكتسب به و باب 15 من أبواب عقد البيع و شروطه و باب 88 من أبواب أحكام الوصايا و غيرها.

ج 22، ص: 323

أكثرها أو جميعها في الأب لكن يمكن إرادة ما يشمل الجد منه هنا، و لو للقرينة على أن في الإجماع المزبور كفاية، نعم لو حصل نقص بعد ذلك بجنون أو سفه لم تعد ولايتهما، بل كانت للحاكم، للأصل المعتضد بإطلاق ما دل عليها بخلاف المتصلين، فإن الأصل يقضي ببقائها و هو مع اعتضاده بما يظهر من قوله فَإِنْ آنَسْتُمْ إلى آخره (1)من استمرار الولاية لمن كان إذا لم يستأنس، و بإطلاق ما دل على ولاية الأب مخصص أو مقيد لما دل على ولاية الحاكم الذي هو بعد الإغضاء عما ذكرنا معارض، لما دل على ولاية الأب من وجه، و لا ريب في أن الترجيح له، و لو للأصل و الشهرة أو الإجماع، كما أن الترجيح لما دل على ولاية الحاكم في صورة

التجدد بذلك أيضا، و من ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد من أنه لو عاد النقص بالجنون عادت ولايتهما على الأقوى، ثم قال: و في عودها بعود نقص السفه وجهان، أقواهما العدم، لكن ستسمع في كتاب الطلاق إنشاء الله تعالى إطلاق بعض النص و الفتوى ثبوت ولايتهما في الطلاق، و لو مع التجدد(2)نعم لو نقص الوليان بجنون و نحوه ثم كملا عادت الولاية لتناول الإطلاقات حينئذ، و لو كان أحدهما كافرا و الولد بحكم المسلم بتبعيته لأحدهما، فالظاهر عدم ولايته لأنها سبيل للكافر على المسلم، و لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ له (3)نعم لو أسلم ثبتت له الولاية و لا يعتبر فيهما العدالة، للإطلاق نعم قد يقال باعتبار عدم العلم بخيانتهما، و إلا انعزلا و الله اعلم، و ربما يأتي لذلك تتمة في محله كما أنه يأتي تمام الكلام في غيره من مباحث


1- 1 سورة النساء الآية 6.
2- 2 الوسائل الباب 34 من أبواب مقدمات الطلاق الحديث 1.
3- 3 سورة النساء الآية 141.

ج 22، ص: 324

المقام، و إنما المراد بيان كيفية الولاية في الجملة.

و كيف كان ف يجوز لهما أن يتوليا طرفي العقد كما يجوز لهما تولي أحد طرفيه فيجوز أن يبيع كل منهما عن ولده من غيره و عن نفسه من ولده و عن ولده من نفسه بلا خلاف محقق أو معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى السيرة و نصوص

(1) تقويم جاريته عليه (2)و اقتراض ماله (3)و غيرهما و إلى عمومات العقود جنسا و نوعا، و إطلاق ما دل على ولايته الشامل لذلك، و الحيثية مع المغايرة الاعتبارية كافية في تحقق الفعل و الانفعال و الفاعلية و القابلية و التضايف، فلا إشكال في المقام حينئذ من هذه الجهة حتى يحتاج في مراعاتها إلى الوكالة عنه، أو المولى عليه التي ترجع في الحقيقة إليه أيضا، كما لا إشكال في شمول الولاية لذلك، و عدم اختصاصها بالعقد مع الغير كما هو واضح.

[القول في و لاية الوكيل ]

و أما الوكيل ف يمضي تصرفه على الموكل ما دام الموكل حيا جائز التصرف بلا خلاف و لا إشكال لإطلاق ما دل عليه بخلاف ما لو مات فإنه تنقطع إذنه بذلك و إن لم يبلغه الخبر إلا بعد التصرف ضرورة بطلانها في الواقع و الصحة مع العزل إذا لم يبلغه إنما هو للدليل القاضي بعدم بطلانها بذلك حتى يبلغه الخبر ، فموته حينئذ كموت الوكيل مبطل لها، و لا ينتقل حكمها إلى وارث كل منهما كما هو واضح، مضافا إلى ما عن الغنية من الإجماع عليه، و في

المرسل (4)«في الوكيل على العقد


1- 1 الوسائل الباب 79 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 78 من أبواب ما يكتسب به الحديث 5 و 6.
3- 3 الوسائل الباب 1 و 2 من أبواب الوكالة الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل الباب 58 من أبواب المهور الحديث 16.

ج 22، ص: 325

ثم مات الموكل فقال: إن كان أي الوكيل أملك بعد ما توفي فليس لها صداق و لا ميراث، و إن كان أملك قبل أن يتوفى فلها نصف الصداق و هي وارثة و عليها العدة»

إلى آخره و كذا لو خرج الموكل عن جواز التصرف بجنون أو إغماء في بطلان الوكالة بها، بل في المسالك أن بطلانها بذلك من كل واحد منهما موضع وفاق، بل فيها أيضا أنه لا فرق عندنا بين طول زمان الإغماء و قصره، و لا بين الجنون المطبق و الأدوار، و كذا لا فرق بين أن يعلم الموكل بعروض المبطل و عدمه، بل عن التذكرة الإجماع على ذلك، مضافا إلى وضوح الوجه فيه بالنسبة إلى الوكالة و ما شابهها من العقود الجائزة التي من المعلوم أن المقتضي لصحة ما يترتب عليها من الآثار حصول الإذن الذي يصدق كون التصرف مصاحبا لها، مع فرض عدم مثل هذه الموانع أما معه فلا ريب في عدم الإذن المعتبرة، لكون المفروض خروجه عن القابلية، و كذا في الوكيل الذي صحح تصرفه رضاه بإيقاع متعلق الاذن، فمع فرض خروجه عن قابلية الرضا بل و الاذن له بأحدهما لم تبق وكالته.

و من ذلك يظهر لك أن السكر و نحوه مما يزيل العقل مثلهما في الحكم المزبور، بخلاف النوم الذي هو بسبب اعتياده صار كالسهو و النسيان لا يبطل به شي ء من العقود الجائزة، بل و لا الإباحات بشي ء منها، أما الجنون و الإغماء و نحوهما مما لم يكن معتادا لنوع الإنسان، فلا ريب في البطلان بها، من غير فرق بين عروضها للأصل أو لفرعه، نعم في المسالك و يجي ء على احتمال جواز تصرفه مع رده، و مع بطلان الوكالة بتعليقها على شرط جواز تصرفه هنا بعد زوال المانع بالاذن العام، و فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا أنه يمكن الفرق بينهما بل هو واضح مع فرض المانع في الأصيل، الذي لا ريب بارتفاع الاذن العامة تبعا لارتفاع

ج 22، ص: 326

القابلية، بل و الوكيل أيضا لخروجه بذلك عن قابلية الإذن له، فلم يبق إذن عام كي يعود بخلاف ما ذكره مثالا.

و من ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد أيضا قال: إن في عود الوكالة و الوصاية أي بعود الكمال وجهين مبنيين على أن العقود هل فيها عموم للازمان فيستثنى منها ما علم إخراجه و يبقى الباقي، أو هي متعلقة بزمان الوقوع و ينجر الحكم بالاستصحاب، فإذا انقطع استصحب انقطاعه حتى يقوم الدليل على عوده، ظاهرهم اختيار الأخير، و نقل الإجماع فيه، و لولاه أشكل الحكم، حيث أنهم حكموا بعود الوكالة بعد انقضاء الإحرام المانع من مضيها في النكاح، و يجرى مثله في الاعتكاف المانع من البيع، و فيما إذا خص العزل بوقت معين، و في الخيانة و التفريط من غير الولي القهري، يقوى عدم العود بالتوبة و مثله ما لو وكل على بيع مسلم أو مصحف فارتد عن ملة و تاب، أو أذن لزوجته أو عبده أو شريكه فزالت الصفة ثم عادت، و كذا لو انتقل عن المالك بعقد لازم أو جائز في عين أو منفعة ثم عاد إليه، أو زوجت نفسها ثم عادت خلية، أو كان وصيا لأحد الأبوين، يمضي تصرفه لنقص الأخر ثم كمل ثم نقص، و في الجميع بحث، و الاحتياط في أموال الناس يقضي بالعدم.

إذ لا يخفى عليك أيضا إمكان الفرق بين مفروض البحث، و بين جميع ما ذكره مما لم ترتفع معه قابلية الاذن و إن منع العمل بمقتضاها مانع شرعي كالإحرام و الاعتكاف، و ربما يأتي لذلك في محله تتمة إنشاء الله كما أنه يأتي الكلام في باقي موانع جواز التصرف كالسفه و الفلس الذين لا ريب في عدم بطلان الوكالة بعروضهما للوكيل، خصوصا الأخير بل و الأول أيضا مع فرض عدم ظهور التوكيل من حيث

ج 22، ص: 327

صفة الرشد، و عدم وقوع تصرف منه فيما وكل فيه على مقتضى السفه في ماله، بل و كذا لا يبطلانها لو عرضا للموكل إذا لم تكن في المال الذي قد حصل الحجر فيه عليه، فتأمل، و حينئذ فمراد المتن بجواز التصرف خصوص الجنون و الإغماء كما هو ظاهر القواعد و غيرها و الله أعلم.

و كيف كان ف هل يجوز له أي للوكيل من حيث كونه وكيلا مع قطع النظر عن عبارات التوكيل المقتضية، و لو بالقرائن الحالية أو المقالية ذلك أو عدمه أن يتولى طرفي العقد قيل و القائل أبو الصلاح و الفاضل في جملة من كتبه و ولده في الإيضاح و الشهيد في حواشيه و اللمعة على ما حكي عن بعضهم نعم له ذلك، سواء أعلم الموكل بذلك أو لا و قيل و القائل أبو على و الشيخ في النهاية و الخلاف و موضع من المبسوط و ابن إدريس في السرائر على ما حكي عن بعضها لا يجوز له ذلك و إن أعلمه، بل عن غاية المراد نسبته إلى كثير من أصحابنا و إن كنا لم نتحققه و قيل و القائل جماعة ان أعلم الموكل جاز و إلا لم يجز، بل ربما نسب إلى ظاهر أكثر المتأخرين بل عن التذكرة أنه المشهور و هو الأشبه عند المصنف بأصول المذهب و قواعده المقتضية عدم نقل المال مثلا عن مالكه و حينئذ فإن أوقع قبل إعلامه وقف على الإجازة لعدم تناول التوكيل له، بل لعله ظاهر في البيع من غيره، و ل

قول الصادق عليه السلام في الصحيح أو الحسن (1)«إذا قال: لك الرجل اشتر لي فلا تعطه من عندك و إن كان الذي عندك خيرا منه»

و موثق إسحاق بن عمار(2)«سألت


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.

ج 22، ص: 328

أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يبعث إلى الرجل يقول له ابتع لي ثوبا فيطلب له في السوق فيكون عنده ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده، فقال: لا يقربن هذا و لا يدنس نفسه، إن الله عز و جل يقول (1)«إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» و إن كان ما عنده خيرا مما يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده»

و الرضوي (2)«و إذا سألك رجل شراء ثوب فلا تعطه من عندك و لو كان الذي عندك أجود مما عند غيرك»

مضافا إلى ما سمعته من النص و غيره في مسألة دفع المال لشخص ليصرفه في محاويج و كان منهم (3)الا أن الجميع كما ترى، خصوصا بعد الإحاطة بما قدمناه في مسألة الأمر بتفريق المال فان منه يظهر عدم اقتضاء نفس الوكالة إخراج هذا الفرد من مسمى متعلقها بعد تناول له لكونه بيعا و شراء مثلا قطعا، بل هو المفروض، و الوكالة التي هي ليست إلا استنابة في التصرف لا تقتضي إرادة غير هذا الفرد، و لا تصلح للتقييد و لا للتخصيص.

نعم ربما ينساق إلى الذهن غيره لكنه ليس انسياقا على وجه لا يراد الفرد الآخر، بل هو من انسياق أفراد المشكك أو شبهه مما لا يقتضي الاختصاص، كما لا يخفى على من اعطى النظر حقه في انتقاد أفراد الظهور، و الصحيح المزبور بعد تسليم صحته مع أنه في خصوص عبارة اشتر لي، فهو أخص من المدعى، بل ربما التزم ما فيه في خصوص ذلك


1- 1 سورة الأحزاب الآية 72.
2- 2 المستدرك ج 2 ص 464.
3- 3 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 3.

ج 22، ص: 329

لظهوره في إرادة الشراء من غيره، أو لعدم ظهوره في الأعم منه و النفس فيبقى على الأصل محتمل لإرادة الإرشاد من النهي فيه باعتبار تطرق التهمة إلى ذلك، كما أومى إليه في

موثق إسحاق بقوله لا يدنس نفسه

خصوصا بعد عدم الطمأنينة من النفس الامارة بالسوء التي قد تدلس على الحس فتريه الشي ء حسنا و مصلحة و ليس كذلك، و خصوصا بعد شدة التأكيد في الكتاب و السنة في أمر الأمانة، و أنه ينبغي كمال الاحتياط في التجنب عما يشبه خيانتها، كما أومى إليه أيضا في موثق إسحاق المزبور، و الرضوي محتمل أيضا لما عرفت، مع أنا لم نتحقق نسبته، و الخبر في الأمر بتفريق المال معارض بالخبر الآخر فيه (1)الدال على الجواز، المعتضد بما سمعته سابقا، و تسمعه أيضا مما

ورد في «أن للموصي ان يحج عمن أوصاه»(2)

مع أن الوصي وكيل في المعنى، بل لا يتصور فرق بينهما بالنسبة إلى العبارة، بل قد يؤيده أيضا في الجملة ما سمعته في الولي الإجباري.

و من ذلك يظهر لك ما في شرح الأستاد من الاستدلال بالانصراف إلى المغايرة الحقيقية لأنها الفرد الشائع، و بأن غرض الموكل مما كستة الوكيل، مع أن الشرع حاكم بها عليه، و هي ممتنعة من الوكلاء بعيدة مع النفس الأمارة عادة، و الحاصل أن المتكلم و المخاطب لا يدخلان في متعلق الخطاب إلا مع القرينة، و لا يرد الولي لخروجه بالإجماع، و في الشك في الدخول تحت الإطلاق كفاية، فلا يسوغ ذلك، إذ قد عرفت عدم الشيوع على وجه يقتضي الاقتصار عليه، و المماكسة المحكوم بها من الشرع إنما تراد لمصلحة الزيادة و النقصان التي قد تفرض في هذا


1- 1 الوسائل الباب 84 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب 36 من أبواب النيابة في الحج الحديث 4.

ج 22، ص: 330

الفرد، خصوصا بعد استعمالها في غيره مما هو أدنى منه، و الفرض القطع بالمساواة للغير أو كونه أصلح، و لو بإعراضه على الغير تخلصا من السوء الذي تأمر به النفس، و قد عرفت أن محل البحث في اقتضاء الوكالة المغايرة و عدمه، فلا مدخلية لمسألة اندراج المتكلم و المخاطب في متعلق الخطاب لو سلمت له، و دعوى الشك ممنوعة، و الإجماع على الجواز في الولي لا ينافي الاستدلال بفحواه.

و قد ظهر بذلك أن القول الأول هو الأقوى، ضرورة أنه مما ذكرنا ظهر لك ضعف القول الثاني، الذي لا مستند له يختص به عن الثالث في صورة الاعلام الاشتراط تعدد الموجب و القابل، و أنه لا تكفي الحيثية و المغايرة الاعتبارية، للشك في إرادة ما يشمل ذلك من العقد أو لظهوره باعتبار ما سمعت في المتعدد، خصوصا بعد

موثق عمار(1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة تكون في أهل بيت و تكره أن يعلم بها أهل بيتها أ يحل لها أن توكل رجلا يريد أن يتزوجها تقول له وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: لا قلت جعلت فداك و إن كانت آيسا؟ قال: و إن كانت آيسا، قلت: له فان وكلت غيره يزوجها؟

قال: نعم»

بناء على أن المنع فيه ليس إلا لتولي الطرفين، و لأن شرط اللزوم التفرق و هو لا يحصل بين الشي ء و نفسه، و في الجميع ما عرفت من منع عدم تناول العقود له جنسا و نوعا، بل هو من افرادها الشائعة التي جرت عادة الناس عليها، كما يومي إليه ما سمعته في الأب و الجد(2)مضافا إلى شهرة القول به نقلا و تحصيلا، بل الإجماع المنقول ظاهرا


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد الحديث.
2- 2 الوسائل الباب 78 و 79 من أبواب ما يكتسب به و باب 6 من أبواب عقد النكاح و أولياء العقد.

ج 22، ص: 331

عليه، و الموثق المزبور مع أنه في التزويج و قاصر عن معارضة غيره من وجوه، يمكن منع كون الداعي فيه ذلك إذ لعل الداعي فيه وصمة التواطي و المواعدة سرا و نحوهما، مما هو منبع الفتن و مثارها، باعتبار تعلقه في الاعراض التي لا ترضى النفوس بأمثال ذلك فيها، و عدم حصول اللزوم لعدم حصول شرطه لا يقتضي عدم الصحة، مع أنه يمكن أن يقال به لأصالة اللزوم بعد تخصيص ما دل على الجواز مع عدم التفرق بالمتعدد، مضافا إلى ما عن الخلاف من الجواب عنه باللزوم من دون تفرق، بل بأن يقول بعد العقد أجزت هذا البيع، و أمضيته أو بأن يقوم من مقامه فيكون بمنزلة افتراق المتبايعين، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور أيضا و إن كان هو أحوط، إلا أن الأول أقوى منه و من القول الآخر، دونه في القوة الثالث، و الله اعلم

و اما الوصي الذي هو أحد

[القول في ولاية الوصي ]

و اما الوصي الذي هو أحد الأولياء ف لا يمضي تصرفه إلا بعد الوفاة ضرورة اشتراط ولايته بذلك كاشتراط ولايته على الصغير و المجنون و السفيه المتصل جنونهما و سفههما به بعدم الأب و الجد و إن كان هو وصيا لأحدهما و في المتن و غيره أن التردد في تولية طرفي العقد كالوكيل الذي قد عرفت البحث فيه، بل هو أولى منه باعتبار كونه وليا، و ما ورد من أن له أن يحج عن الموصى في صورة(1)و من هنا ربما قيل بجوازه للوصي دون الوكيل و هو الذي أشار إليه المصنف بلفظ القيل و كذلك الحكم في غيره من الأولياء حتى المحتسبين لوجود المقتضي و عدم المانع، مضافا إلى ما ورد من أن علي ابن الحسين عليه السلام كان يقترض من مال أطفال كانت تحت يده (2)


1- 1 الوسائل الباب 36 من أبواب النيابة في الحج الحديث 41.
2- 2 الوسائل الباب 76 من أبواب ما يكتسب به الحديث 10.

ج 22، ص: 332

بل لعلهم أولى من الوصي بذلك لبعدهم عن الوكالة، بخلاف الوصاية و إن كان الأقوى فيه أيضا ذلك من غير فرق بين الاعلام و غيره.

و حينئذ ففي محله ما قيل من أنه يجوز للوصي أن يقوم على نفسه بأن يدخله في ملكه بالقيمة ببيع أو صلح أو نحوهما متوليا هو للإيجاب و القبول و إن يقترض إذا كان مليا و وضع مع ذلك رهنا، و أشهد أو اقتصر عليهما لعدم الفائدة في الملاءة بعد فرض الرهانة، أو الضامن الوفي الملي على اختلاف كلماتهم فيما يأتي، و على كل حال إنما للوصي ذلك،

مع فرض حصول المصلحة للموصى عليه بذلك، لأنها شرط جواز تصرف من له الولاية كما صرح به الفاضل في القواعد، بل في مفتاح الكرامة و شرح الأستاد أن ظاهرهم الإجماع، و إن كان فيه ما فيه، خصوصا بالنسبة إلى الأبوين فإن النصوص واضحة الدلالة في جواز الاقتراض لهما، و المعاملة و تقويم الجارية و نحو ذلك من غير اعتبارها(1)، و لذلك اكتفى الأستاد في شرحه فيهما بعدم المفسدة، بل قال: و كذا مطلق الأولياء في الاقتراض مع الملأة، و لعله لما دل على الاقتراض في الوصي و غيره، الظاهر في عدم المصلحة بذلك، اللهم إلا أن تكون أخروية أو يخشى عليه من التلف مع بقاء العين أو نحو ذلك مما يوافق قوله تعالى (2)«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» و غيره مما يدل على ذلك، نعم قد يفهم في خصوص الأبوين التوسعة لهما مع أن الأحوط فيهما و في غيرهما مراعاة المصلحة، كما اعترف به الأستاد في شرحه حيث أنه بعد أن


1- 1 سورة الأنعام الآية 152.
2- 2 الوسائل الباب 78 و باب 79 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 333

ذكر الاكتفاء بعدم المفسدة، قال: و الاقتصار على ما ذكره الفقهاء و تنزيل الروايات أوفق في النظر، و أسلم من الخطر، و تمام التحقيق في هذه المسائل مضى شطر منه، و يأتي الباقي في محله.

[القول في ولاية الفقيه ]

و أما الحاكم و امينه منصوبا خاصا أو عاما بان يكون مجتهدا مطلقا مع فقدهما، بل في شرح الأستاد أو عدلا محتسبا مع فقدهم أو وكيلا لأحدهم أو فاسقا مع تعذر العدل، فلا يليان إلا على المحجور عليه، لصغر و لا ولي له من أب أو جد أو وصي أو سفه أو جنون كذلك كما لو كان متجددا بعد البلوغ أو فلس كذلك أيضا بمعنى أنه فلس غير مولى عليه و إلا كانت الولاية في ماله لوليه أيضا، كما عن حواشي الشهيد التصريح به قال: إن الصغير المفلس امره إلى الأب، لأن قيد الفلس يلغى و كان مراده بلغوه كونه محجرا عليه بدونه، و فيه أنه يمكن أن تكون ثمرته منع وليه التصرف في غير قضاء ديونه، و احتمال منع وليه التصرف مطلقا فتنتقل الولاية حينئذ للحاكم يبعده إطلاق الولاية نصا و فتوى، اللهم إلا أن يدعي انسياق غير ذلك منه، و لكن قد يعارض بانسياق غيره أيضا من المفلس الذي وليه الحاكم، فينقدح الشك حينئذ في اندراجه في كل منهما و لعل الرجوع حينئذ إلى استصحاب الولاية أولى من دعوى اندراجه في عموم ولاية الحاكم الذي مرجعه إلى أصالة ولايته.

و على كل حال فهما لا يليان الا على ما عرفت، أو على حكم على غائب غيبة يحصل بانتظارها بعض المضار، فيبيعان ماله في نفقة مثلا، أو لحفظه أو لنحو ذلك، و كذا لا يليان السكران و المغمى عليه و الأمور العامة المتعلقة، بالزكوات و الأخماس و نحوها، و في شرح الأستاد أنهما يليان أيضا كل ممتنع أو عاجز عن عقد أو إيقاع

ج 22، ص: 334

أو تسليم حق مخلوقي، و في الحقوق الإلهية كالنذر و العهد و اليمين وجه ثم قال: و مع التعذر يقوم عدول المسلمين مقامهما، و مع تعذرهم يجب على المسلمين المكلفين مطلقا القيام به، كفاية لدفع الضرر و لانه من المصالح العامة، قلت: بل لا يمكن استقصاء أفراد ولاية الحاكم و أمينه لأن التحقيق عمومها في كل ما احتيج فيه إلى ولاية في مال أو غيره، إذ هو ولي من لا ولي له، و لهما تولية طرفي العقد في الاقتراض و غيره من التصرفات التي فيها المصلحة أو لا مفسدة فيها، و لتفصيل الحال فيها بل و في غيرها من الولايات مقام آخر.

و كيف كان فمن الشروط المتعلقة بالمتعاقدين أيضا ان يكون المشتري مسلما إذا ابتاع عبدا مسلما على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل عن الغنية الإجماع عليه، بل لم أتحقق الخلاف فيه صريحا، و إن أرسله المصنف تبعا للمحكي عن المبسوط بقوله و قيل يجوز و لو كان كافرا و لكن يجبر على بيعه من مسلم و على كل حال فالأول أشبه للأصل السالم عن معارضة العمومات بعد اختصاصها في غيره، بالإجماع المحكي المعتضد بالشهرة العظيمة و فحوى

خبر حماد(1)المنجبر بهما «ان أمير المؤمنين عليه السلام أتي بعبد أسلم فقال: اذهبوا فبيعوه على المسلمين و ادفعوا ثمنه إلى صاحبه و لا تقروه عنده»

و ما دل على إعزاز المسلم و تعظيمه و عدم إهانته

«و أن الإسلام يعلوا و لا يعلى عليه»(2)

و نحو ذلك مما أشير إليه بقوله تعالى


1- 1 الوسائل الباب 28 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب موانع الإرث الحديث 11.

ج 22، ص: 335

«وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا»(1)الذي هو معظم عمدة دليل الأصحاب على ذلك، باعتبار اقتضاء البيع تمليكا للكافر و هو سبيل، و قد نفى الله تعالى شأنه السبيل له عليه، و هو و إن كان بينه و بين ما دل على مشروعيته البيع مثلا، العموم من وجه إلا أنه لا ريب في رجحانه عليه بما عرفت، فيتجه حينئذ تخصيصه به.

و احتمال الجميع بينهما بصحة البيع، و لكن يجبر على بيعه، بل لعل مثل هذا التمليك الذي يجبر مالكه على رفعه عنه، و لا يقر عنده و يفرق بينه و بينه ليس سبيلا، و لذا اكتفى به في رفع السبيل في استدامة الملك كما لو أسلم العبد في يده أو حصوله بالإرث، يدفعه أولا منع عدم صدق السبيل عليه بذلك بعد ثبوت الملك الذي هو بمعنى السلطنة على المملوك، على أنه قد لا يتمكن من الجبر على البيع، و ربما لم يحصل راغب في شرائه أو يمنع مانع. و ثانيا منع صحة مثل هذا البيع الذي لم يترتب عليه سوى اسم الملك من دون ترتب أكثر لوازمه مع أن معناه نقل سلطنة

البائع للمشتري فشرائه حينئذ أشبه بشراء ما لا منفعة له فيه، و نحوه مما يكون كالسفه أو مناف لمعظم المقصود بالبيع و بذلك افترق عن الملك المستدام الذي كان مقتضى الاستصحاب بقاؤه و الموروث الذي أدلته في غاية القوة، و لم يعتبر فيهما ما يعتبر في المعاملات الاختيارية، من كونها جارية مجرى أفعال العقلاء و مقاصدهم على وجه لا تعد سفها، و لذا لم يجز بيع ما لا منفعة فيه و ما حرمت منافعه الغالبة و نحو ذلك، إلا أنه باعتبار عموم نفي السبيل عنه الشامل لذلك، مضافا إلى خبر حماد لم يكن مناص حينئذ في رفع السبيل عنه فيه، إلا بالجبر على بيعه مع وجود الراغب، و الحيلولة بينه و بينه مع


1- 1 سورة النساء الآية 141.

ج 22، ص: 336

عدمه، كما صرح به بعضهم بل عن جامع المقاصد الإجماع، و قد سمعت النهي عن الإقرار في يده في الخبر المزبور، و كل ذلك مراعاة للجميع بين الحقين و الدليلين.

و بذلك و نحوه اتضح الفرق بينهما كما يومي إليه في الجملة ثبوت الملك بهما للمحرم في الصيد دون الابتداء كما أنه اتضح وجه الاستدلال بالآية المزبورة في المقام، و المناقشة فيها بأن المراد من السبيل فيها الحجة كما ورد في

تفسيرها(1)لما قيل له عليه السلام عن بعض الناس أنهم يقولون أن الحسين عليه من الله السلام لم يقتل و إنما شبه لهم، محتجا بهذه

الآية كذبوا و قد كذبوا رسول الله صلى الله عليه و آله حيث أخبر بقتله، إلى أن قال: و أن معنى الآية لن يجعل الله لكافر على مؤمن حجة و لقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيين بغير حق، و مع قتلهم إياهم لم يجعل لهم على أنبيائه سبيلا من طريق الحجة»

فلا يتم حينئذ الاستدلال بها على أنه لو أريد منه ما يدعونه من الملك و الدخول تحت الأمر، لا متنقض في ذلك بما أوجبه الله تعالى على أئمة العدل من الانقياد إلى أئمة الجور، و ربما أوقعوه بالأنبياء و الأئمة صلوات الله و سلامه عليهم من القتل، فضلا عن غيره يدفعها، صحة الاستدلال بها على هذا التقدير، ضرورة كون الدخول في الملك أعظم حجة له عليه، وجوب الانقياد المزبور دفعا لظلمهم، ليس سبيلا من الله لهم عليهم، كالتسلط على قتلهم و على ما فعلوه بهم كما هو واضح.

نعم لو قيل بكون المراد من الآية لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا و لا ظهورا كما عن بعضهم أو ان المراد منها انه لا حجة في


1- 1 عيون اخبار الرضا عليه السلام ج 2 ص 203 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 337

الآخرة للكافر على المسلم، كما يومي إليه قوله تعالى (1)«فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ» أمكن بطلان الاستدلال بها حينئذ، على أنه قد يقال بإمكان الاستدلال بها على التقدير الثاني أيضا، اللهم إلا أن يراد نفي الحجة من حيث الإسلام و الكفر، و على كل حال فهذه الاحتمالات لا تمنع الاستدلال بالظاهر، مضافا

إلى ما عرفت من عدم انحصار الاستدلال بها على عدم جواز إدخاله في ملكه اختيارا، نعم قد صرح الشهيدان و غيرهما باختصاص ذلك فيه، أما دخوله بالإرث من كافر أو بقاؤه على الملك، كما لو أسلم و هو في يده، فلا، للأصل في الثاني و قوة دليل الإرث في الأول، مضافا إلى ما عن جامع المقاصد من الإجماع عليه في الأول، و ظاهر نفي الخلاف فيه في الثاني عن التذكرة، و لكن يجبر على بيعه من الراغب، و مع عدمه يحال بينه و بينه إلى أن يوجد، لعموم نفي السبيل الذي لا منافاة بين تخصيصه بالابتداء، و وجوب إزالته عنه، لعدم التمليك بسبب من الأسباب الاختيارية، و لفحوى خبر حماد المزبور(2)و لغير ذلك مما يقتضي الحكم المذكور، و إن كان كسبه له في هذ، المدة أي إلى أن يباع، لكونه مملوكا له فيها و نفقته عليه، و ربما احتمل عدم الملك له أيضا فيها، و إنما له تعلق بأخذ ثمنه خاصة لكنه كما ترى هذا.

و المراد بالمسلم من وصف الإسلام و هو الإقرار بالشهادتين و لم يصدر منه ما يقتضي الكفر، و يلحق به من هو في حكمه ممن ستعرف. لكن في المسالك يمكن أن يراد به من حكم بإسلامه ظاهرا، لأن ذلك هو المتبادر فيدخل فرق المسلمين المحكوم بكفرهم كالخوارج و النواصب لعنهم الله، و فيه أن المحكوم بكفره داخل في الكفار، فتجري عليه أحكامهم


1- 1 سورة البقرة الآية 113.
2- 2 الوسائل الباب 28 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 338

من النجاسة و غيرها، و دعوى كون ذلك من الأحكام الخفية واضحة المنع ثم أن ظاهر النص كتابا و سنة، عدم اعتبار الايمان بالمعنى الأخص في تملك المؤمن كذلك، لكن في شرح الأستاد بعد الاعتراف بذلك انه لا يبعد اشتراطه في الإماء، لظاهر بعض النصوص و لعله أشار بذلك إلى ما في النكاح من عدم جواز تزويج المخالف المؤمنة مخافة على دينها فلا يكون كفوا لها(1)و لكنه كما ترى، لا يصلح بمجرد ذلك للخروج عن مقتضى العمومات جنسا و نوعا، و إن كان الاحتياط مع إمكانه لا ينبغي تركه، هذا.

و قد الحق الفاضل و من تأخر عنه بالعبد المسلم المصحف و هو ظاهر المصنف في كتاب الجهاد بل في المسالك و الروضة التصريح بذلك في أبعاضه أيضا، بل في شرح الأستاد أنه يقوى لحوق الاضطرار و الاستدامة هنا، كما أن فيه الجزم أيضا بعدم الفرق بين الجملة و الأبعاض المنفصلة و المتصلة مما لا يغلب عليه اسمه و في الغالب إشكال، و بين منسوخ الحكم و عدمه، نعم في منسوخ التلاوة بحث، و فيه أيضا أن في إلحاق المكتوب بخط العربي أو بالحفر أو الرقم أو البصم أو بالعكس أو الحروف المقطعة أو فرج البياض و نحوها قوة، بل ربما حكي عن ثاني المحققين أن كتب الحديث و الفقه في حكم المصحف، لكن عن الفاضل ان في كتب الحديث النبوية وجهين، بل

عن فخر الإسلام جواز بيع الأحاديث النبوية على الكافر، و في المتن في كتاب الجهاد بعد أن حكى القول بالجواز على كراهة، قال: و هو أشبه، و فيه أنه مناف للدليل المشترك بين الجميع، و هو وجوب التعظيم و حرمة الإهانة و أن


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه الحديث 3 و 4 و 5.

ج 22، ص: 339

ملك الكافر للمحترم مناف لذلك كما يومي إليه ما تقدم من عدم تملكه للعبد المسلم الذي ما نحن فيه أولى منه من وجوه، بل الإهانة للمصحف مثلا إهانة لنفس الإسلام.

و من هنا قال في شرح الأستاد: أنه يقوى إلحاق كتب الحديث و التفسير و المزارات و الخطب و المواعظ و الدعوات و التربة الحسينية و تراب الضرائح المقدسة و رضاض الصناديق الشريفة و ثوب الكعبة، بل قال:

و أما بيع الأرض الشريفة و ما يصنع منها من آجر أو خزف و بيع الآلات و القرطاس من الكتب المحترمة بعد ذهاب الصورة ففيه وجهان بل قال: و في نفوذ العقد في الآلات أي لو بيع المصحف و ثبوت خيار التبعيض كما لو بيع القرآن مع غيره وجهان، أقواهما العدم، نعم قد استثنى من حرمة البيع و نحوه ما لو اشترط الوقف على مسلم أو التملك له بمجرد الشرط أو بصيغة متصلة على نحو ما مر أو أقر بالوقف على المسلمين أو الملك لهم أو كان مرتدا فطريا و جوزنا معاملته، و كان الوارث مسلما، و لعله لفحوى ما سمعته في شراء الكافر من ينعتق عليه، و من يشترط عتقه عليه من عدم منافاة مثل ذلك للتعظيم، و عدم اقتضائه الإهانة.

بل قد يتخرج مما سمعته في بيع العبد المؤمن على المخالف، نحوه بالنسبة إلى بيع ما يختص بالمؤمنين مما هو محترم من حيث الايمان كالتربة الحسينية، و كتب فقه الإمامية و حديثهم و نحو ذلك على المخالفين كما أنه قد يتخرج على ما سمعته من تبعية قرطاس المصحف و جلده و غيرهما من الآلات في الاحترام خروج قرطاس الكافر عن ملكه لو كتب عليه قرآن، و كذا مداده لو كتب به و لو على وجه الغصب لحصول وصف الاحترام له فيمنع عن استدامة ملك الكافر له إلا أنه كما ترى

ج 22، ص: 340

لا يخلو من بحث بل لا يخلو أصل المسألة من ذلك أيضا، لإمكان منع منافاة ملكية الكافر للاحترام، خصوصا إذا اتخذه هو على جهة التبجيل و التبرك و الاحترام، كما يصنعه بعض النصارى في تراب الحسين عليه السلام عند الطوفان، و خصوصا في استدامة الملك و السبب القهري كالإرث و نحوه، هذا كله في المتخذ للاحترام و ما علم من شريعة الإسلام وجوب التبجيل له و الإعظام، اما ما كان له شرف و لكن لم يكن متخذا لذلك عند المسلمين، كأراضي النجف و كربلاء و غيرها من الأماكن التي شرفت بمجاورة قبورهم عليهم السلام، فيقوى جواز دخولها في ملك الكافر، لإطلاق الأدلة، و عدم كون الشرف فيها على وجه يمنع من ذلك، من غير فرق بين الآجر و الخزف و غيرهما، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و على كل حال ف لو ابتاع الكافر أباه المسلم هل يصح فيه تردد بل و خلاف فعن المبسوط و ابن البراج لا يصح، بل هو مقتضى المحكي عن الخلاف فيما لو قال الكافر للمسلم أعتق عبدك المسلم عن كفارتي كما أنه أحد وجهي الشافعية، و الأشبه عند المصنف و محكي المقنعة و النهاية و السرائر و كافة المتأخرين الجواز لانتفاء السبيل بالعتق بل عن السرائر أنه مجمع عليه، و هو الحجة بعد العموم جنسا و نوعا(1)، السالم عن معارضة الآية(2)بعد ان كان الحكم الانعتاق قهرا و إن قلنا باستلزامه الملك الضمني الذي هو مقارن للعتق زمانا متقدما عليه ذاتا كتقدم العلة على المعلول، لعدم اندراجه في السبيل المنفي، و من ذلك يعرف حينئذ عموم الحكم لكل من ينعتق عليه قهرا من غير فرق بين الأب و غيره، و لو كانوا من رضاع بناء على


1- 1 سورة المائدة الآية 1 سورة النساء الآية 29.
2- 2 سورة النساء الآية 141.

ج 22، ص: 341

كونهم كالنسب في ذلك، بل في التذكرة و غيرها تسرية الحكم إلى كل شراء يستعقب العتق، كما لو قال: لمسلم أعتق عبدك المسلم عنى، أو اشتر من أقر بحريته و هو كذلك، بناء على أن المدرك للحكم المزبور ما عرفت، بل الظاهر كون الحكم كذلك في مشروط العتق على وجه يحصل بمجرد القبول، بناء على صحة اشتراط نحو ذلك.

بل ربما ظهر من الشهيدين إلحاق مشروطة على معنى أن يعتقه بعد العقد، فإن وفى، و إلا أجبر على قول، أو فسخ البائع العقد على القول الآخر، لكن في محكي النهاية الإحكام أنه كما اشتراه مطلقا، لأن العتق لم يحصل عقيب الشراء، و فيه ان ذلك لا ينافي نفي السبيل الظاهر في السلطنة عليه، كغيره من الأملاك كما لا ينافي استدامة الملك، بل و الملك بالإرث بعد ان كان الحكم فيه الجبر على بيعه أو عتقه، و التفريق و بينه و بينه، و الظاهر أن بحكم المسلم ولده و إن بلغ مجنونا، كما أن بحكم الكافر ولده كذلك للتبعية، فلا يباع حينئذ ولد العبد المسلم للكافر و لا لولده و يجبر على بيعه منهما بإسلام أبيه أو جده أو غيرهما ممن يتبعه في الإسلام كالأم، من غير فرق بين كونهما حرين أو عبدين للمالك أو غيره، لكن في القواعد و هل يباع الطفل بإسلام أبيه الحر أو العبد لغير مالكه إشكال، و إسلام الجد أقوى إشكالا، و كأنه للإشكال في التبعية، خصوصا في الجد و خصوصا مع بقاء الأب على الكفر، فيبقى حينئذ ما دل على بقاء الملك بحاله، و يضعف بأن دليلها شامل لذلك بل لعله من أظهر أفرادها، بل لعل

قوله: «كل مولود يولد على الفطرة، و إنما أبواه يهودانه و ينصرانه و يمجسانه»(1)

كاف في ذلك بناء على إرادة التبعية في اليهودية من قوله يهودانه، ضرورة ظهوره


1- 1 البحار ج 3 ص 281 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 342

حينئذ في أن الولد على الإسلام لولا التبعية المقتضية للكفر، فمع انتفاعها بإسلام الأب مثلا يبقى عليه حينئذ فضلا عما دل على التبعية فيه أيضا من قوله تعالى «أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»(1)و غيره ك

مرسل الصدوق (2)«قال: علي عليه السلام إذا أسلم الأب جر الولد إلى الإسلام فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فان أبى قتل»

و قوة الإشكال في الجد يدفعها معلومية التبعية للأشرف المتحقق فيه في الفرض و إن كان هو أبعد من الأب رتبة كما هو واضح، بل قد يقال بإلحاق إسلام السابي بإسلام أحدهما، فيقهر على بيعه حينئذ لو ارتد، لما دل على التبعية في الإسلام به، فظهر حينئذ من ذلك التبعية في الإسلام و الكفر فيمن عرفت، فيجري عليه حكمها، نعم لا يجرى حكم الإسلام في المعذور في لفسحة النظر أو لبعده عن محل المعرفة و الله اعلم.

و لو أسلمت أم ولده بيعت عليه أيضا وفاقا للمحكي عن المبسوط و ابن إدريس و الشهيدين بل في الأول لا تعتق عليه و تباع عليه عندنا ترجيحا لما دل على ذلك من إطلاق النص المعتضد بنفي السبيل، و بظاهر الإجماع في محكي المبسوط و ما دل على احترام المسلم و تعظيمه، بل قد يشعر نفي السبيل عليه، بأن ذلك كالعقلي لا يقبل التخصيص، و على ما دل على منع بيع أمهات الأولاد، الذي يمكن دعوى ظهوره في غير المقام، مضافا إلى عروض التخصيص له في أفراده الظاهرة، بخلاف دليل

المقام، خلافا لما يحكى عن بعض العامة من أنها لا تقر في يده و لا يمكن من وطئها و استخدامها، و تكون عند امرأة مسلمة، و يؤمر بالإنفاق عليها ما دام ولدها باقيا، فإذا مات ولدها قومت عليه و اعطي ثمنها


1- 1 سورة الطور الآية 21.
2- 2 الوسائل الباب 70 من أبواب كتاب العتق الحديث 1.

ج 22، ص: 343

و إن مات هو قومت على ولدها و أعطي ثمنها.

و إن اختاره الشيخ منا، في محكي خلافه مستدلا عليه بإجماع الفرقة على أن المملوك إذا أسلم في يد كافر قوم عليه، و هذه قد ولدت فلا يمكن تقويمها ما دام ولدها باقيا، فأخرنا تقويمها إلى موت أحدهما لكنه كما ترى، ترجيح لما دل على النهي عن بيع أمهات الأولاد على ما هنا، و قد عرفت أن الأمر بالعكس، و الإيضاح من وجوب دفع القيمة من الزكاة أو من بيت المال و مع عدمهما يجب عتقها، و المختلف من أنها تستسعى، جمعا بين عموم النهي عن بيع أمهات الأولاد و بقاء السبيل، و في القواعد و لو أسلمت أم ولده لم يجبر على العتق، لأنه تخسير و في البيع نظر فان منعناه استكسبت في يد الغير، و لا يخفى عليك ما في الجميع، عدا احتمال فكها على وجه تكون به حرة، مع وصول ثمنها لمولاها جمعا بين الحقوق أجمع، و ستسمع إنشاء الله بعض الكلام في ذلك في بحث أم الولد و الله اعلم، هذا كله في شرائط البيع المتعلقة بالمتعاقدين.

[القول في شروط العوضين ]
اشارة

و منها ما يتعلق بالمبيع و قد ذكرنا بعضها في الباب الأول كالطهارة في غير ما استثنى و غيرها مما سمعته في شرائط التكسب الشامل للبيع و غيره و نزيدها هنا شروطا أخر

[الأول أن يكونا مملوكين ]

الأول أن يكون مملوكا بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص واضحة الدلالة عليه بل

في المرسل «لا بيع إلا في ملك»(1)

فلا يصح حينئذ بيع الحر الذي هو مقابل للملوك و ما لا منفعة معتدا بها غالبا فيه كالخنافس و العقارب و الديدان و غيرها من الحشرات و الفضلات المنفصلة عن الإنسان كشعره و ظفره و رطوباته عدا اللبن لعدم


1- 1 المستدرك ج 2 ص 465.

ج 22، ص: 344

صلاحيتها للتملك، باعتبار عدم المنفعة المعتد بها غالبا فيها، حتى تندرج بذلك في الأموال و تشملها أدلة الحيازة و غيرها، فلا تدخل حينئذ في ملك أحد بحال، بخلاف اللبن الذي يعظم الانتفاع به، نعم قد يلحق به شعر النساء و الرجال ليوضع موضع القرامل، و الحصى للدواء كما احتمله بعض مشايخنا، و أما ما لا نفع فيه فلا إشكال في عدم ملكيته و عدم ماليته لما عرفت، مضافا إلى ما في شرح الأستاد من الاستدلال على ذلك بما يفهم من الأخبار و كلام الأصحاب، بل ظاهر الكتاب (1)من

أن جميع المعاملات و غيرها إنما شرعت لمصالح الناس و فوائدهم الدنيوية و الأخروية مما تسمى مصلحة و فائدة عرفا، على أن الشك في دليل الصحة قاض بالفساد، مضافا إلى الإجماع و الأخبار عامة خاصة لكن قال: في مقام آخر أيضا أن المراتب تختلف، فمنه ما لا يعقل فيه ملك، و منه ما لا يعقل فيه سوى التمليك المجاني، فإن المدار على رفع السفه، و تختلف أحواله باختلاف محاله، و في المصابيح الظاهر في هذه الأشياء انتفاء الملكية فيمتنع بيعها، و لو ثبت إمكان الملكية فلا ريب في انتفاء المالية، و على كل حال فالحكم فيها ظاهر و الظاهر اتفاق الفقهاء على عدم صحة بيع نحوها، قلت: إن تم الإجماع على ذلك و على عدم قابليتها للتملك فذاك، و إلا أمكن المناقشة فيها في حال وجود المنفعة المعتد بها لها، فان دليل الحيازة و عمومات العقود عموما و خصوصا شاملة لها، و أنه لا سفه في ذلك، و عدم عدها مالا في العرف حال عدم الاحتياج لها، كعدم اتخاذها لتوقع حاجتها بخلاف عقاقير الأدوية التي يحتاج إليها نادرا لا ينافي ذلك، ضرورة


1- 1 سورة النساء الآية 29.

ج 22، ص: 345

كونها حينئذ كالعلق و دود القز و الدرنوح و الجند التي صرح بعضهم بجواز بيعها للانتفاع بها، و يمكن حمل كلام المصرح بالمنع من البيع على كون ذلك حال عدم المنفعة، كما يومي إليه تفريع بعضهم له عليه على أنه لو سلم ففي خصوص البيع.

اما الصلح بناء على حصول حق اختصاص له بها إذا حازها فالظاهر جوازه، إذ لا ريب في تحقق الظلم بانتزاعها منه قهرا، هذا و في القواعد في تعداد شرائط المعقود عليه و صلاحيته للتملك، فلا يقع العقد على حبة حنطة لقلته، و ربما ظهر منها عدم الملكية لمثل ذلك، بل عدم الصلاحية، و ليس كذلك لأن ملك الكثير منها يستلزم ملك القليل إذ المجموع ليس إلا عبارة عن الاجزاء المجتمعة، و من المحال أن يملك الكل و لا يملك الجزء، على أنه لو سلم عدم ملكية الحبة بالفعل فلا ريب أنها صالحة للملك و لو بانضمامها مع الغير، فلا يصح تفريع بطلان بيعها على اشتراط الصلاحية و عدم صلاحيتها للملك منفردة، أي بشرط الانفراد لا يستلزم نفي صلاحيتها له مع الإطلاق، كما هو الظاهر من العقد عليها لو وقع، و بمثل هذا يعلم أن اعتبار الصلاحية لا يصلح احترازا عن المباحات قبل الحيازة، لأنها صالحة لأن تملك و عدم صلاحيتها للملك بشرط عدم الحيازة، لا ينافي صلاحيتها له معها و من هنا فرعه المصنف على الملك فعلا فقال: عاطفا له على ما تقدم.

و لا ما يشترك المسلمون بل و غيرهم فيه، قبل حيازته كالكلاء و الماء و السموك و الوحوش قبل اصطيادها لعدم حصول الملك قبلها، فهو أجود من تعبير القواعد بالنسبة إلى ذلك، بل قد يقال اشتراط الصلاحية للملك ظاهرا، يقتضي اشتراط عدم الملكية بالفعل إذ لا يصدق على المملوك أنه صالح للملك، فيلزم بطلان بيع جميع

ج 22، ص: 346

المملوكات و فساده ظاهر، و لكن يمكن الجواب بأن المراد من صلاحية التملك صلاحيته له على وجه المعاوضة، و على طريق نقل الملك بالقوة القريبة من الفعل، و حبة الحنطة و إن كانت مملوكة بالفعل، لكنها لا تصلح لأن تملك بالمعاوضة، فإنها لقلتها لا تعد مالا، و لا تصلح لأن تقابل بالأعواض، و صلاحية الملك بالعارض لا تنافي تحقق الملكية الأصلية الثابتة لمالكها بالفعل، فلا نقض بالمملوك.

و أما المباح قبل الحيازة فهو و إن كان قابلا لأن يملك بالحيازة فيملك بعقد المعاوضة، غير أن المراد بالصلاحية كما عرفت القوة القريبة من الفعل، و هي منتفية فيه، و بمثله يجاب عن النقض بملك الغير فإنه و إن كان صالحا لأن يملك فينقل بعقد المعاوضة، لكن المتبادر الصلاحية الحاصلة بعد الملك، فلا نقض إلا أن الجميع كما ترى، بل قد عرفت فيما تقدم، ما يعرف منه الإشكال في إطلاق منع بيع الحبة و الحبتين، ضرورة كون المسلم منه في حال مخصوص، أما لو فرض أن لها نفعا معتدا به و كان الأمر منحصرا في الحبة المخصوصة للموضع في الفخ و نحوه فلا دليل على عدم صحة البيع حينئذ، بل ظاهر الأدلة يقتضي خلافه، و لذا قال: في شرح الأستاد حيث أن المنع كدليله مبني على لزوم العبث و السفه، و عدم الحكمة الباعثة على شرع العقود المرشد إليها خبر التحف و غيره (1)و على حصول الشك في الدخول تحت أدلة العقود

عموما و خصوصا دار المنع عليها، فمتى ارتفعت لعارض فزال المانع عادة لا بالنسبة إلى خصوص المتعاقدين ارتفع المنع، و لو خصهما المانع قوى الجواز، و لو حصل الاختلاف بحسب البلدان أو الأقاليم اعطى كل حكمه، و لو كان المتعاقدان كل من جانب قوى المنع و هو


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب ما يكتسب به الحديث 1.

ج 22، ص: 347

جيد، بل يمكن تنزيل إطلاق المنع على ما ذكرنا و إلا كان مشكلا.

و أشكل من هذا ما في التذكرة من أنه لا يجب لها شي ء إذا أتلفها متلف لعدم المالية لها إذ فيه من ذوات الأمثال فالمتجه ضمانها بمثلها، و إلا لاستلزم عدم ضمان متلف حبات كثيرة على الانفراد، بل يستلزم عدم ضمان المد من الحنطة مثلا إذا كان لعدة ملاك لكل واحد حبة مثلا، اللهم إلا أن يتجشم الفرق، نعم قد يقال بعدم ضمان من أتلف شيئا من القيمي بحيث لا يمكن تقويمه مع أنه يمكن القول بضمانه أيضا، و إن ضعف ما يقابله من القيمة، اللهم إلا أن يقال بعدم عد مثل ذلك مالا متقوما في العادة، بحيث يندرج في أدلة الضمان و فيه منع، ضرورة شمول الأدلة له كشمول أدلة الملك و الغصب له، فإنه قد حكي عن ثاني المحققين الإجماع على بقاء ملكية القليل، و على حرمة غصبه، بل قد يمنع بلوغ الخسة إلى حد الخروج بها عن الملكية و من هنا قال الأستاد في شرحه: الخسة الناشئة عن القلة قد تمنع من مطلق التمليك، و قد يخص التعويض و أما مانعيتها للملك فلا وجه له إلا إذا زالت عن ربقة الانتفاع منفردة و منضمة في جميع الأحوال، و حصوله في غاية الاشكال و الأمر في ذلك كله سهل.

و أما الأرض المأخوذة عنوة و قهرا من يد الكفار بإذن إمام الأصل المعمورة وقت الفتح فهي للمسلمين كافة، إجماعا محكيا عن الخلاف و التذكرة و هي إن لم يكن محصلا، من غير فرق بين الغانمين و غيرهم، و لا بين الموجودين وقت الفتح و غيرهم، و نصوصا مستفيضة ك

صحيح الحلبي (1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن السواد ما منزلته فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الإسلام


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.

ج 22، ص: 348

بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، فقلت: الشراء من الدهاقين؟ فقال: لا يصلح إلا أن يشتري منهم على أن يصيرها للمسلمين فإذا شاء ولي الأمر أن يأخذها أخذها قلت: فإن أخذها منه؟ قال: يرد عليه رأس ماله و له أن يأكل من غلتها بما عمل»

و خبر أبي الربيع الشامي (1)«عنه أيضا لا تشتر من أرض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة فإنما هو في ء للمسلمين»

و خبر ابن شريح (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن شراء الأرض من ارض الخراج فكرهه و

قال: إنما أرض الخراج للمسلمين فقالوا له: فإنه يشتريها الرجل و عليه خراجها، فقال: لا بأس إلا أن يستحيي من عيب ذلك»

بناء على إرادة ما يشمل المفتوحة عنوة منه، و

خبر أبي بردة ابن رجا(3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال: و من يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين قلت: يبيعها الذي يبيعها هي في يده قال: و يصنع بخراج المسلمين ماذا؟ ثم، قال: لا بأس اشتر حقه منها و يحول حق المسلمين عليه، و لعله يكون أقوى عليها و أملى بخراجهم»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

و من هنا صرح في محكي المبسوط أنه لا يصح التصرف ببيع فيها و شراء و لا هبة و لا معاوضة و لا تمليك و لا إجارة و لا ارث و لا يصح أن تبنى دورا و منازل و مساجد و سقايات و لا غير ذلك من أنواع التصرف، و متى فعل شيئا من ذلك كان التصرف باطلا، إي بلا إذن من الولي بل قيل أن مثل ذلك ما في النهاية، و الغنية و النافع و التذكرة


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 9.
3- 3 الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو الحديث 1.

ج 22، ص: 349

في موضع منها و القواعد في الجهاد و الإرشاد و موضع من التحرير و هي بل هو ظاهر المراسم و الوسيلة لما عرفته من الشركة التي تمنع استقلال أحد منهم بالتصرف المزبور، سيما مع عدم تميز حصة أحد منهم، بل لا يمكن تمييزها

فلا طريق حينئذ إلى قسمتها بينهم، إلا بتصرف الولي العام بها، و أخذ الخراج منها و صرفه فيما يعود مصلحته إليهم من الجهاد، و نحوه، نعم يمكن أن يكون لولي المسلمين بيع شي ء منها مثلا لمصلحتهم على إشكال فيه، لاحتمال كون حكمها شرعا بقائها و صرف خراجها كالوقف، و نحوه لكن مع ذلك قيل كما عن السرائر و المختلف و حواشي الشهيد و اللمعة و الروضة و موضع آخر من التذكرة و التحرير يجوز بيعها تبعا لآثار المتصرف فيها و نسبه بعض إلى جمع من المتأخرين، بل آخر إلى المشهور بينهم، بل عن حواشي الشهيد التصريح بكونها جزء مبيع، قال: إذا بيعت تبعا للآثار، يجوز أن تكون مجهولة و الأولى أنها جزء المبيع، فلا بد من العلم بها أيضا و فيه أنه مناف لما عرفته من الأدلة السابقة القاضية بملكيتها للمسلمين على كل حال، و لمعلومية بناء الملك على الدوام و التأبيد دون الدوران مدار الآثار بل قيل: إن الملك مناف لترتب الخراج عليها، كل ذلك مع عدم الدليل الصالح إذ هو إن كان إجماعا فمن الواضح فساده، بل لعل خلافه أقرب مظنة منه، خصوصا بعد ظهور كلام بعض من ذكر ذلك كابن إدريس و غيره في إرادة بيع الآثار خاصة دون الأرض بل يمكن دعوى صراحته فيه، و إن كان هو السيرة على معاملتها معاملة الأملاك بالوقف و البيع و الهبة و نحوها، ففيه منع تحقق السيرة على وجه تفيد ملكية رقبة الأرض مطلقا بالآثار المزبورة، سيما بعد ملاحظة فتوى العلماء الذين هم حفاظ الشريعة، و إن كان هو قوله لا بأس

ج 22، ص: 350

اشتر حقه منها، ففيه أولا ان الظاهر إرادة حق الأولوية منه، بتجوز إرادة مطلق النقل و لو بالصلح و نحوه من الشراء فيه، و ثانيا أنه بعد التسليم دال على شراء نفس الآثار دون الأرض، و إن كان هو بعض النصوص الدالة على شراء أرض الخراج في الجملة كصحيح ابن مسلم (1)الآتي و غيره ففيه منع إرادة المفتوحة عنوة، لعدم انحصار الخراج بها، ضرورة كون أرض الجزية منه، فإنها تسمى أيضا بأرض الخراج، و إن كانت ملكا لأربابها، و لعل منها الأرض المسؤول عنها في خبر ابن شريح السابق بقرينة قوله فيه إنما أرض الخراج للمسلمين، لاحتمال كونه باعتبار رجوع الخراج للمسلمين، و على كل حال فمن ذلك و غيره مما يظهر بالتأمل يظهر لك فساد القول المزبور، و كذا القول بالتفصيل بين زماني الغيبة و الحضور، فينفذ بيعها و غيره في الأول دون الثاني، كما هو خيرة الدروس قال: لا يجوز التصرف في المفتوحة عنوة إلا بإذن الإمام، سواء كان بالوقف أو بالبيع أو غيرهما، نعم في حال الغيبة ينفذ ذلك، و أطلق في المبسوط ان التصرف فيها لا ينفذ و قال: ابن إدريس إنما يباع تحجيرنا و بنائنا

و تصرفنا في نفس الأرض، و فيه أنه لا دليل على التفصيل المزبور، بل ظاهر النصوص المزبورة الواردة في زمن قصور اليد الذي هو بحكم الغيبة خلافه، و من هنا قال: في مقام آخر لا يجوز بيع المفتوحة عنوة و لا بيع ما فيها من بناء أو شجر وقت الفتح، نعم لو جدد فيها شيئا من ذلك جاز بيعه، و ربما قيل ببيعها تبعا لإثارة و روى أبو بريدة جواز بيع أرض الخراج من صاحب اليد و الخراج على المشتري، و في رواية إسماعيل بن الفضل إيماء إليه لكن فيه أيضا أنك


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 351

قد عرفت عدم دلالة خبر أبي بريدة على ذلك، و أما

خبر إسماعيل (1)«فهو سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اكترى أرضا من أرض أهل الذمة من الخراج و أهلها كارهون و إنما تقبلها من السلطان لعجز أهلها عنها أو غير عجز فقال: إذا عجز أربابها عنها فلك أن تأخذها إلا أن يضاروا و إن أعطيتهم شيئا فسخت أنفس أهلها لكم فخذوها قال:

و سألته عن رجل اشترى أرضا من ارض الخراج فبنى بها أو لم يبن بها غير أن أناسا من أهل الذمة نزلوها له أن يأخذ منهم أجرة البيوت إذا أدوا جزية رؤسهم قال: شارطهم؟ فما أخذ بعد الشرط فهو حلال»

و فيه أنه يمكن إرادة أرض الجزية من الخراج أو غير ذلك من مطلق النقل و لو بالصلح من الشراء فيه، بناء على أن له حق اختصاص بإحياء و نحوه، على انه قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه كغيره مما دل على شراء أرض الخراج في الجملة، نحو

صحيح محمد بن مسلم (2)«سأله رجل من أهل النيل عن ارض اشتراها بفم النيل و أهل الأرض يقولون هي لنا، و أهل البستان يقولون هي أرضنا فقال:

لا تشترها إلا برضاء أهلها»

و خبر حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (3)«رفع إلى أمير المؤمنين عليه السلام رجل مسلم اشترى أرضا من أرض الخراج فقال أمير المؤمنين عليه السلام: له ما لنا، و عليه ما علينا مسلما كان أو كافرا، له ما لأهل الله و عليه ما عليهم»

على أنه لا دلالة في أولهما على كونها من أرض الخراج، و قد ظهر من ذلك كله فساده أيضا كسابقه نعم يقوى في النظر أن الأرض المفتوحة عنوة يختص بها من


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 10.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 71 من أبواب جهاد العدو الحديث 6.

ج 22، ص: 352

أحياها من المسلمين، و يكون أحق بها من غيره، و عليه خراج المسلمين بل قد يقوي في النظر عدم اعتبار الاذن في إحيائها زمن الغيبة من حاكم الشرع أو حاكم الجور،

قال: أبو الحسن عليه السلام (1)«و الأرضون التي أخذت عنوة بخيل و ركاب فهي موقوفة متروكة في أيدي من يعمرها و يحييها و يقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من النصف و الثلث و الثلثين و على قدر ما يكون لهم خلاصا و لا يضرهم»

و لعل ذلك و غيره من النصوص المذكورة هنا و في باب الخمس و إحياء الموات و غيرها دالة على الاذن منهم عليهم السلام في ذلك، فلا حاجة إلى تحصيلها الان من الحاكم و إن كان هو الأحوط.

و كيف كان ففي التذكرة و ظاهر الدروس و محكي الحواشي و الإيضاح في بيع بيوت مكة تردد من أنها مسجد لقوله تعالى (2)«سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى» إلى آخره و المفروض انه صلى الله عليه و آله اسرى به من بيت خديجة أو من شعب أبي طالب و من قوله تعالى أيضا(3)«سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ»

و خبر عبد الله بن عمر بن العاص عن النبي صلى الله عليه و آله (4)«مكة حرام و حرام بيع رباعها و حرام أجر بيوتها»

و الإجماع المحكي عن الخلاف و هو خيرته في المحكي عن مبسوطة و اللمعة بل عن فخر


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 536.
2- 2 سورة الإسراء الآية 1.
3- 3 سورة الحج الآية 25.
4- 4 سنن بيهقي ج 5 ص 34.

ج 22، ص: 353

المحققين نسبته 7 لي كثير، و من قاعدة تسلط الناس على أموالهم (1)و غيرها مما يقتضي ذلك، مؤيدا ببيع عقيل رباع أبي طالب و جملة من الصحابة منازلهم (2)كاضافتها إليهم في قوله تعالى (3)«لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ» مضافا إلى قصور ما سمعته عن معارضتها، ضرورة انتفاء حقيقة المسجدية عنها، و مجاز الشرف و المجاورة و نحوهما ممكن، كضرورة عدم إرادة ذلك من التسوية المزبورة، و قصور الخبر المذكور عن إفادة ذلك خصوصا مع عدم كونه من طرقنا، و موافق لما عن أبي حنيفة و مالك و الثوري و أبي عبيد و حينئذ فقول الفاضلين المروي المنع إن أرادا الإشارة إلى ذلك كان كما ترى و إن أرادا غيره ففيه أنا لم نقف على ذلك في شي ء من طرقنا، و الإجماع المزبور مظنون الخطأ.

و من هنا كان المتجه الجواز كما هو خيرة جماعة بل في المسالك انه المشهور، بل ينبغي القطع به، إذا كانت الحجارة من غير الحرم، نعم بناء على أنها جميعها من المفتوحة عنوة، كما صرح به بعضهم و يشهد له تسمية أهلها الطلقاء، بل في شرح الأستاد دعوى شهادة السير و التواريخ بذلك، بل عن المبسوط أن ظاهر المذهب ذلك، بل قيل عن الخلاف الإجماع عليه، أو خصوص أعاليها، كما عن أخر جرى البحث السابق في أرضها، كما أنه بناء على أنها من المفتوحة صلحا، كما عن بعضهم جرى عليها حينئذ حكم ذلك، و بالجملة

لا خصوصية لمكة من هذه الحيثية، و أما إجارة بيوتها فمقتضى ما سمعته من أدلة منع البيع منعها أيضا


1- 1 البحار ج 2 ص 273 الطبع الحديث.
2- 2 الإمتاع و الاسماع للمقريزي ج 1 ص 381.
3- 3 سورة الحشر الآية 8.

ج 22، ص: 354

كما جزم به الشيخ أيضا فما في التذكرة من التردد في الأول دون الإجارة في غير محله، لاشتراكهما في الأدلة المزبورة التي قد عرفت ضعفها و من هنا كانت الإجارة عندنا كالبيع في الجواز.

نعم قد يقال لا ينبغي لأهل مكة منع خصوص الحاج عن سكناها لما عن السرائر من الإجماع على ذلك، و أن الأخبار به متواترة(1)أو متلقاة بالقبول، و إن كان في سقوط الأجرة حينئذ نظر بل منع، جمعا بين الحقين، حتى لو قيل بحرمة منعهم كما عن بعضهم الجزم به بل يمكن إرادته من لفظ لا ينبغي في معقد إجماع السرائر و غيره، بل جزم بإرادة ذلك منه الأستاد في شرحه، بشهادة فحوى الكلام و اقتضاء المقام و على كل حال، فلا دلالة في ذلك على عدم الملك، ضرورة عدم المانع من وجوب الإسكان للحاج من المالك الحقيقي، للمالك الصوري، بل ربما كان فيه دلالة على الملك و إلا لم يخص الحاج بذلك، ثم إن الظاهر كون الخلاف المزبور في غير مواضع النسك أما بقاعه فحكمها حكم المساجد بالنسبة إلى عدم جواز البيع و الإجارة و نحوهما كما اعترف به في التذكرة، بل ربما استظهر منه نفي الخلاف فيه بين المسلمين.

أما ماء البئر في الأرض المباحة فهو ملك لمن استنبطه و كذا ماء النهر لمن حفره كنفس البئر و النهر مع النية، بناء على اعتبارها في نحو ذلك، ضرورة كون المقام منه بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل ظاهر غير واحد الإجماع عليه، مضافا إلى عموم الحيازة و الاحياء(2)فله حينئذ البيع و غيره كما في سائر الأملاك، و لا يجب


1- 1 الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات الطواف و ما يتبعها.
2- 2 الوسائل الباب 1 من إحياء الموات.

ج 22، ص: 355

عليه بذله لأحد، و إن كان فاضلا عنه و محتاجة الغير لشربه و شرب ماشيته احتياجا لم يخش معه التلف، و إلا لم يمكن حينئذ فرق بين البئر و غيرها

و النبوي العامي «الناس شركاء في ثلاث، النار و الماء و الكلاء»(1)

يراد منه ما كان مباحا منها لا المملوك و لو بالحيازة، كما أن المراد من

الآخر(2)«نهى عن بيع فضل الماء»

نوع من الكراهة.

و مثله أي الماء المستنبط كل ما يظهر في الأرض المملوكة من المعادن فهي لمالكها تبعا لها كالنبات الكائن فيها، و نحوه مما كان من أجزائها، ضرورة عدم بطلان الملكية باستحالة العين من حقيقة إلى أخرى، لعدم دورانها على الحقيقة الأولى، من حيث كونها كذلك كي تنعدم بانعدامها، بل لا يبعد التبعية في الملك لما يخلق فيها مما يلحق باجزائها، و إن لم يكن هو منها، و ربما كان في قول المصنف تبعا لها إيماء إلى ذلك، بناء على أن بعض المعادن المتكونة في الأرض من ذلك، نعم ما كان فيها و لم يكن من اجزائها كالمطر و نحوه باق على الإباحة، لكل من يحوزه، بل لا اختصاص على الظاهر للمالك به، كما هو واضح، بل قد يشم من التبعية المذكورة في المتن رائحة الحكم، بعموم تبعية ذلك و نحوه للأرض في الملكية و الإباحة و حينئذ فالموجود في الأراضي المملوكة للمسلمين هو ملك لهم ليس لغيرهم حيازته، كما أن الموجود فيما هو ملك للإمام عليه السلام منها ملك له لا يملكه أحد إلا من أذنوا عليهم السلام له، و الظاهر اختصاصها بشيعتهم، و حينئذ فحيازة غيرهم لذلك لا تفيد ملكا له، اللهم إلا أن


1- 1 المستدرك ج 3 ص 150.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب إحياء الموات الحديث 1- 3.

ج 22، ص: 356

يقال أن السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على معاملة ذلك معاملة المباحات الأصلية، و كذا ما في الأراضي المفتوحة عنوة من حشيش و غيره من غير توقف على إذن حاكم جور أو شرع، و ما ذلك إلا لبقاء نحو ذلك في أمثال هذه الأراضي على الإباحة الأصلية، فلا تتبع حينئذ الأراضي، أو أنها و إن تبعتها إلا أن الاذن ممن له الإذن متحققة في تملك من يحوزها على حسب المباحات الأصلية، بل قد يدعى نحو ذلك فيما كان من الأنفال منها من قصب الآجام و نحوه، و إن لم أجد لذلك كله تحقيقا في كلماتهم، و ربما يرزق الله تعالى شأنه فيما يأتي زيادة توضيح لذلك و الله العالم.

[الثاني ان يكون الملك طلقا]
اشارة

الثاني ان يكون الملك طلقا أي تاما كما أبدله به في القواعد إلا أنه لم نجد شيئا منهما في شي ء مما وصل إلينا من النصوص و استفادته مما ورد في الأماكن المخصوصة كالوقف (1)و أم الولد(2)و نحوهما على وجه يتعدى منه إلى غيره لا يخلو من إشكال، ضرورة كونه ان كان المراد به عدم تعلق حق الغير به، فهو منقوض بما ثبت جواز بيعه مما هو كذلك من بيع العبد الجاني، و المبيع في زمن الخيار على أحد الوجرة، و تركة المديون كذلك أيضا و غيرها، و إن أريد به ما جاز لمالكه جميع أنواع التصرفات به فهو واضح من الأول فسادا فان منذور عدم تصرف الخاص لا ينافي جواز البيع قطعا، و إن جعل مرجعه إلى كل ما ثبت عدم جواز بيعه مما تعلق به حق الغير، لم يوافق ذكره بعنوان الشرطية العامة، و كذا إن أريد به عدم تزلزل الملك، فان من المعلوم جواز بيع الموهوب و نحوه، و مثل ذلك قد وقع


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- 2 الوسائل الباب 26 من أبواب بيع الحيوان.

ج 22، ص: 357

لهم في شرائط الزكاة، و ذكرنا فيه هناك نحوا من ذلك فلاحظ و تأمل، فإن المقام متقارب، خصوصا بعد ذكرهم بعد ذلك اشتراط القدرة على التسليم، نحو ذكرهم هناك اشتراط التمكن من التصرف، مع اشتراط التمام، و إن كان هما غير متلازمين فان المغضوب و المفقود و الآبق و نحوها مملوكة ملكا تاما إلا أنه غير متمكن من التصرف فيها و لا مقدور على تسليمها، و الأمر في هذا سهل بعد معلومية كون مقتضى العمومات جواز البيع لكل عين مملوكة، إلا ما خرج بالدليل مما تعلق به حق للغير على وجه ينافيه البيع مثلا، و على الفقيه انتقاد الحقوق المتعلقة بالنسبة إلى المنافاة المزبورة و عدمها، و لا دليل على أن مطلق تعلق حق الغير مناف بل لعل الدليل على خلافه و على كل حال فمما فرعه المصنف و غيره على ذلك عدم جواز بيع الوقف فإنه بعد ان ذكر الشرط المزبور.

[الأول في بيع الوقف ]

قال فلا يصح بيع الوقف ما لم يؤد بقاؤه إلى خرابه لاختلاف بين أربابه و يكون البيع عليهم أعود على الأظهر و نحوه الفاضل في القواعد، و الدليل على الحكم في المستثنى منه واضح، فان النصوص يمكن دعوى تواترها في عدم جواز بيع الوقف و هبته و نحوهما منها خصوص

بعض المعتبرة(1)«فيمن اشترى أرضا وقفا بجهالة لا يجوز شراء الوقف، و لا تدخل الغلة في ملكك ادفعها إلى من أوقفت عليه قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها»

و منها النصوص الواردة فيما وقع منهم عليهم السلام من الوقوف المشتملة على صريح النهي عن البيع (2)و نحوه بل يكفي فيه

قولهم «الوقوف على حسب ما يقفها أهلها»(3)


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
2- 2 الوسائل الباب 6 و 10 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات 1 و 2.

ج 22، ص: 358

إذ من الواضح إرادة الواقف من الوقف تأبيد حبس العين و إطلاق المنفعة، و بذلك كان من الصدقة الجارية، التي ورد الحث عليها(1)و انها من التي لا ينقطع عمل ابن آدم منها بعد موته، بل الظاهر أن التأبيد المزبور من مقتضيات الوقف و مقوماته، كما أن نفي المعاوضات على الأعيان مأخوذ فيه ابتدأ، خصوصا بعد ملاحظة تعلق حق الأعقاب به، بل يمكن دعوى ضرورية ذلك من أعوام المتشرعة، فضلا عن علمائهم، و من هنا اتفق الأصحاب على أن الأصل فيه المنع، و إن اختلفوا فيما خرج عنه بالدليل، أو بزعمه بل في السرائر نفي الخلاف عن عدم جواز بيعه إذا كان مؤبدا، و نزل خلاف الأصحاب في المنقطع منه، و لعله لما عرفت، بل منه يعلم عدم جواز الانقطاع في الوقف، و أنه إن وقع منقطعا يبطل أو يقع

حبسا كما تعرفه في محله إنشاء الله خلافا لبعضهم فجوزه وقفا، كما يأتي تحقيقه إنشاء الله في محله و الذي يقوى في نظر بعد إمعانه، أن الوقف ما دام وقفا لا يجوز بيعه، بل لعل جواز بيعه مع كونه وقفا من المتضاد، نعم إذا بطأ الوقف اتجه حينئذ جواز البيع، و الظاهر تحقق البطلان فيما لو خرب الوقف على وجه تنحصر منفعته المعتد بها منه في إتلافه، كالحصير و الجذع و نحوهما مما لا منفعة معتد بها فيه إلا باحراقه مثلا، و كالحيوان بعد ذبحه مثلا و غير ذلك، و وجه البطلان حينئذ فقدان شرط الصحة في الابتداء المراعى في الاستدامة بحسب الظاهر، و هو كون العين ينتفع بها مع بقائها، كما أنه قد يقال بالبطلان أيضا في انعدام عنوان الوقف فيما لو وقف بستانا مثلا ملاحظا في عنوان وقفه البستانية، فخربت حتى خرجت عن قابلية ذلك، فإنه و إن لم تبطل منفعتها أصلا لإمكان الانتفاع بها دارا


1- 1 الوسائل الباب 1 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ج 22، ص: 359

مثلا لكن ليس من عنوان الوقف و احتمال بقاء نفس العرصة على الوقف باعتبار انها جزء الموقوف و هي باقية، و خراب غيرها و إن اقتضى بطلانه فيها، يدفعه أن العرصة كانت جزء من الموقوف من حيث كونه بستانا لا مطلقا، فهي حينئذ جزء عنوان الموقوف الذي قد فرض فواته، و لو فرض إرادة وقفها لتكون بستانا أو غيرها لم يكن إشكال في بقاء وقفها لعدم ذهاب عنوان الوقف، لكنه خلاف الفرض، و كذا لو وقف نخلة للانتفاع بثمرتها فانكسرت، فإنه و إن أمكن الانتفاع بالجذع بتسقيف و نحوه، لكنه ليس من عنوان الوقف، و ربما يؤيد ذلك في الجملة ما ذكروه في باب الوصية، من أنه لو أوصى بدار فانهدمت قبل موت الموصى بطلت الوصية، لانتفاء موضوعها، نعم لو لم تكن الدارية و البستانية مثلا عنوانا للوقف، و إن قارنت وقفه، بل كان المراد الانتفاع به في كل وقت على حسب ما يقبله، لم يبطل الوقف بتغير أحواله، ثم على فرض بطلان الوقف بذلك، فهل يعود للواقف و ورثته كالوقف المنقطع، أو للموقوف عليه و ورثته، وجهان، ينشأن من الخروج عن ملك الواقف و دخوله في ملك الموقوف عليه بالوقف، و إنما منعه من التصرف بغير الانتفاع المنافي لبقاء العين في الملك ما دام قابلا لتلك المنفعة، فمع فرض ذهابها و بطلان الوقف بذلك، يبقى مملوكا له من غير منع يتصرف به كيف يشاء، و من أن خروجه عن ملكه كان على الوجه المذكور لا مطلقا، فمع فرض بطلان ذلك الوجه يعود إلى ملك المالك، و لعل الأول لا يخلو من قوة، بل يشهد له ما تسمعه من النص (1)و الفتوى المجوزة لبيعه للموقوف عليهم، و هل يبطل الوقف أيضا بتأدية بقائه وقفا، إلى خرابه للاختلاف بين الأرباب أو لغير ذلك


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.

ج 22، ص: 360

على وجه يعلم فساده و خرابه عما هو عليه، وجهان، ينشأن من اعتبار الطمأنينة بالانتفاع مع بقاء العين، فمع فرض ذلك لا تكون العين مما يطمئن بالانتفاع بها، مع بقائها و من أن العين قابلة للانتفاع فعلا، و البطلان إنما يحصل بالخراب التحقيقي لا التقديري قبل زمانه، و لعل الأول لا يخلو من قوة، لما تسمعه من النص و الفتوى، و هل يبطل باستلزامه مفسدة أعظم من مصلحة وقفه كقتل الأنفس و نهب الأموال و هتك الأعراض و نحو ذلك، وجهان من ظاهر الصحيح الاتي (1)و من أن نحو ذلك لا يقتضي تغيير الأسباب الشرعية عن مقتضياتها، و لا ريب في أن الثاني أقوى بحسب القواعد، اللهم إلا أن يدعي ظهور الصحيح في ذلك، فيكون خارجا عنها به، خصوصا بعد العمل به، و أما بيع الوقف لشدة حاجة أهله، أو لكون البيع أعود لهم أو نحو ذلك، فلا ريب في مخالفته للقواعد الشرعية، بل لما هو كالمعلوم من الشرع من أن الوقف مبني على عدم ذلك كله، و مما ذكرنا تعرف الوجه في كلام جملة من الأصحاب، فإنه قد وقع الاختلاف بينهم في هذه المسألة على وجه لم نعثر على نظيره في مسألة من مسائل الوقف، كما لا يخفى على من لاحظ ما حكاه الشهيد و غيره عنهم في غاية المراد و غيرها، فعن ابني الجنيد و البراج في جواهر الفقه إطلاق المنع من بيعه،

و عن ابن إدريس التصريح بعموم المنع في المؤبد و المنقطع، و لو مع خرابه، أو وقوع خلف بين أربابه و نزل خلاف الأصحاب على الثاني، و قال: في الأول لا يجوز بيعه بغير خلاف، و عن فخر المحققين أنه لا يصح بيع الوقف بحال، و الشهيد في الدروس قوى المنع مطلقا بعد اختيار الجواز


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.

ج 22، ص: 361

كما ستقف على كلامه، و عن الصدوق و أبي الصلاح و ابن البراج في المهذب التفصيل بين المؤبد و المنقطع، فمنعوه في الأول مطلقا و أجازوه في الثاني على بعض الوجوه، و لكن اختلفوا في شرط الجواز فجعله الصدوق اختلاف الأرباب كما تضمنه حديث علي بن مهزيار الوارد في الباب أو أحد الأمرين من اختلاف الأرباب و كون البيع خيرا لأصحابه كما يقتضيه إيراده لما تضمن الثاني أيضا مع ضمانه العمل بما يورده في صدر كتابه، و ظاهر أبي الصلاح أن الجواز يتبع شرط الواقف فيجوز للموقوف عليهم بيع الوقف إذا جعل الواقف ذلك إليهم، و نص على الجواز إذا جعل إليهم البيع عند الحاجة أو خراب الوقف، و اشترط ابن البراج في جواز بيعه أن يكون بأربابه حاجة ضرورية يكون بيعه معها أصلح لهم، أو حصول الخوف من هلاكه أو فساده أو وقوع خلاف يؤدي إلى الفساد على تقدير بقائه، قال: فان لم يحصل شي ء من ذلك لم يجز بيعه أيضا على وجه من الوجوه، و قال المفيد: ليس لأرباب الوقف بان يتصرفوا ببيع أو هبة و لا يغيروا شيئا من شروطه إلا ان يخرب الوقف، و لا يوجد من يراعيه بعمارة عن سلطان و غيره أو يحصل بحيث لا يجدى نفعا فلهم حينئذ بيعه و الانتفاع بثمنه، و كذلك إن حصلت لهم ضرورة إلى ثمنه كان لهم حله، و لا يجوز ذلك مع عدم ما ذكرناه من الأسباب و الضرورات، و قال الشيخ في النهاية:

و لا يجوز بيع الوقف و لا هبته و لا الصدقة به إلا أن يخاف على الوقف هلاكه أو فساده، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضرورية كان معها بيع الوقف أصلح لهم و أعود عليهم، أو يخاف وقوع خلاف بينهم فيؤدي ذلك إلى وقوع فساد بينهم فحينئذ يجوز بيعه و صرف ثمنه بينهم على

ج 22، ص: 362

ما يستحقونه من الوقف، و في المبسوط و إنما يملك أي الموقوف عليه بيعه على وجه عندنا، و هو أنه إذا خيف على الوقف الخراب أو كان بأربابه حاجة شديدة و لا يقدرون على القيام به، فحينئذ يجوز لهم بيعه و مع عدم ذلك لا يجوز بيعه و عند المخالف لا يجوز بيعه على وجه، و في الخلاف إذا خرب و لا يرجى عوده في أصحابنا من قال:

بجواز بيعه، و إذا لم يختل لم يجز بيعه، و احتج على ذلك بالاخبار، و قال المرتضى في الانتصار: مما انفردت به الإمامية القول بان الوقف متى حصل الخراب بحيث لا يجدي نفعا جاز لمن هو وقف عليه بيعه و الانتفاع بثمنه، و أن أرباب الوقف متى دعتهم ضرورة شديدة إلى ثمنه جاز لهم بيعه و لا يجوز لهم ذلك مع فقد الضرورة، و احتج على ذلك باتفاق الإمامية، ثم أورد خلاف ابن الجنيد، و أجاب بأنه لا اعتبار به، و قد نقدمه إجماع الطائفة و تأخر عنه، و إنما عول ابن الجنيد في ذلك على ظنون له و حسبان و اخبار شاذة لا يلتفت إلى مثلها، قال: فأما إذا صار الوقف بحيث لا يجدي نفعا أو دعت أربابه الضرورة إلى ثمنه لشدة فقرهم فالأحوط ما ذكرناه من جواز بيعه، لأنه إنما جعل لمنافعهم فإذا بطلت منافعهم منه فقد انتقض الغرض فيه و لم يبق منفعة فيه الا من الوجه الذي ذكرناه، و قال سلار: و لا يخلو الحال في الوقف و الموقوف عليهم من ان يبقى و يبقوا على الحال التي وقف فيها أو تغير الحال فان لم يتغير الحال فلا يجوز بيع الموقوف عليهم الوقف و لا هبته و لا تغيير شي ء من أحواله، و إن تغير الحال في الوقف حتى لا ينتفع به على أي وجه كان أو يلحق الموقوف عليهم حاجة شديدة جاز بيعه و صرف ثمنه فيما هو انفع لهم، و قال ابن حمزة: و لا يجوز بيعه إلا بأحد الشرطين الخوف من خرابه أو حاجة بالموقوف عليه شديدة لا يمكن معه القيام،

ج 22، ص: 363

و قال ابن زهرة: يجوز عندنا بيع الوقف للموقوف عليه إذا صار لا يجدي نفعا و خيف خرابه، أو كانت بأربابه حاجة شديدة و دعتهم الضرورة إلى بيعه، بدليل إجماع الطائفة، و لأن غرض الواقف انتفاع الموقوف عليه فإذا لم تبق له منفعة إلا من الوجه الذي ذكرناه جاز، و قال ابن سعيد: في جامع المقاصد فان خيف خرابه و كان بهم حاجة شديدة أو خيف وقوع فتنة بينهم تستباح فيه الأنفس جاز بيعه، و في النزهة لا يجوز بيع الوقف إلا أن يخاف هلاكه أو تؤدى المنازعة فيه بين أربابه إلى ضرر عظيم، و يكون فيهم حاجة عظيمة شديدة، و بيع الوقف أصلح لهم.

و قد سمعت عبارة المصنف هنا و قال في كتاب الوقف: و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه، و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم قيل يجوز، و الوجه المنع و في النافع لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه و لا بيعه إلا أن يقع خلف يؤدي إلى فساده على تردد، و قال العلامة في المختلف: الوجه أنه يجوز بيعه مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو مع خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه، و في التذكرة في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف لنقص الملك فيه إذ القصد منه التأبيد نعم لو كان بيعه أعود عليهم لوقوع خلف بين أربابه و خشي تلفه أو ظهور فتنة بسببه جوزه أكثر علمائنا، و في كتاب الوقف و الوجه ان ان يقال يجوز بيع الوقف مع خرابه و عدم التمكن من عمارته أو خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها إفساد لا يمكن استدراكه مع بقائه، و في التحرير في كتاب البيع لا يجوز بيع الوقف ما دام عامرا و لو أدى بقاؤه إلى خرابه جاز بيعه، و كذا يباع لو خشي وقوع فتنة بين

ج 22، ص: 364

أربابه مع بقائه على خلاف، و في الوقف لا يجوز بيع الوقف بحال و لو انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف و لم يجز بيعها، و لو وقع خلف بين أرباب الوقف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه على ما رواه أصحابنا(1)قال: و لو قيل بجواز البيع إذا ذهبت منافعه بالكلية كدار انهدمت و عادت مواتا و لم يتمكن من عمارتها و يشتري بثمنه ما يكون وقفا كان وجها.

و في القواعد لا يصح بيع الوقف إلا أن يؤدي بقائه إلى خرابه لخلف أربابه و يكون البيع أعود، في الوقف و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه، و لو لم يقع خلف و لا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه على رأى، و في الإرشاد في البيع لا يصح بيع الوقف إلا أن يخرب أو يؤدي إلى الخلف بين أربابه على راى و في الوقف و لا يجوز بيع الوقف إلا أن يقع بين الموقوف عليهم خلف يخشى به الخراب، و عن التلخيص يجوز عند وقوع الخلف المؤدي إلى الخراب و بدونه لا يجوز، و قال الشهيد في غاية المراد: يجوز بيعه في موضعين خوف الفساد بالاختلاف، و إذا كان البيع أعود مع الحاجة و في الدروس في كتاب الوقف و لا يجوز بيع الوقف إلا إذا خيف من خرابه أو خلف أربابه المؤدي إلى فساده، و جوز المفيد بيعه إذا كان انفع من بقائه، و المرتضى إذا دعتهم حاجة شديدة، و الصدوق و ابن البراج جواز

بيع غير المؤبد، و سد ابن إدريس الباب، و هو نادر مع قوته، و في اللمعة في كتاب البيع لا يصح بيع الوقف و لو أدى بقاؤه إلى خرابه لخلف بين أربابه، فالمشهور الجواز.

و قال السيوري في التنقيح و الحق أنه في صورة لا يجوز البيع


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.

ج 22، ص: 365

للمحبوس عليهم، اللهم إلا إذا اتفقوا مع الحابس، و أما المؤبد فلا يجوز بيعه قطعا في صورة كونه أنفع، أما إذا آل الأمر إلى الخراب لأجل الاختلاف بحيث يعطل و لا ينتفع به أصلا فيجوز بيعه، و قال الصيمري في غاية المرام: في كتاب البيع أجاز المفيد و السيد بيعه إذا كان أنفع لأرباب الوقف، و المصنف اشترط في الجواز حصول الخراب مع إبقائه، و اختاره العلامة و أبو العباس و هو المعتمد، و اختار في كتاب الوقف ما اختاره المصنف، و في تلخيص الخلاف و اعلم أن لأصحابنا في بيع الوقف أقوالا متعددة أشهرها جوازه إذا وقع بين أربابه خلف و فتنة و خشي خرابه، و لا يمكن سد الفتنة بدون بيعه و هو قول الشيخين و اختاره نجم الدين و العلامة و قال الحلي: و لو وقع بين الموقوف عليهم خلف فخشي خرابه جاز بيعه، و قال الكركي في كنز الفوائد: و حواشي التحرير و المعتمد جواز البيع في ثلاثة مواضع أحدها ما إذا خرب و اضمحل بحيث لا ينتفع به كحصير المسجد إذا رث و جذعه إذا انكسر فيجوز البيع، ثانيها ما إذا حصل خلف بين أربابه بحيث يخاف منه الإفضاء إلى تلف الأموال و النفوس، ثالثها ما إذا لحق الموقوف عليهم حاجة شديدة، و لم يكن لهم ما يكفيهم من غلة و غيرها.

و قال الشهيد الثاني في الروضة: و الأقوى في المسألة ما دلت عليه

صحيحة علي بن مهزيار(1)عن أبي جعفر الجواد عليه السلام من بيعه إذا وقع بين أربابه خلف شديد، و علله عليه السلام بأنه ربما جاء فيه تلف الأموال و النفوس»

و ظاهر أن خوف أدائه إليهما و إلى أحدهما ليس بشرط بل هو مظنة لذلك، قال: و لا يجوز بيعه في غير ما ذكرناه، و إن احتاج إلى بيعه أرباب الوقف و لم يكفهم غلته، أو كان


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 6.

ج 22، ص: 366

أعود أو غير ذلك مما قيل، لعدم دليل صالح عليه، و في المسالك في كتابي الوقف و البيع نحو من ذلك، هذا مجموع ما وقفنا عليه من عبارات الأصحاب أو حكيت لنا، و قد تبين منها أنهم ما بين مانع من بيع الوقف مطلقا، و مجوز له في الجملة، و متوقف عن الحكم كالفاضلين و الشهيد في النافع و ظاهر التحرير و اللمعة، و إن الأكثر على جواز البيع في الجملة، لكن كلامهم في تعيين محل الجواز و السبب المجوز على ما ترى من الاختلاف الشديد الذي قلما اتفق مثله في شي ء

من المسائل، حتى انفرد كل منهم بقول، بل صارت كل عبارة لهم قولا مستقلا، و خالف الواحد منهم نفسه في الكتاب الواحد، فذهب في كتاب البيع إلى شي ء و خالفه في الوقف إلى آخر، و ربما اتفق لبعضهم الاختلاف في المقام الواحد ما بين أول كلامه و آخره، و ليس المراد عدم اشتراك الأقوال في شي ء من الأسباب أو الافراد، لحصوله في أكثرها كما يأتي التنبيه عليه، بل عدم التوافق بين القولين منها أو أكثر في تمام القول نفيا و إثباتا، و إن كان ذلك قد يتوهم في بعضها كالمراسم مع الانتصار و الوسيلة مع المبسوط، إذ بعد النظر تتبين المخالفة فيها أيضا من بعض الوجوه و الذي يدور عليه أقوال المجوزين من مشترك و مختص اثنى عشر أمرا.

الأول كون الوقف منقطعا غير مؤبد كما في الفقيه و الكافي و المهذب على اختلاف بينها فيما يجوز منه على ما سبق بيانه، الثاني عكس الأول و هو أن يكون مؤبدا غير منقطع و هو قول السيوري حيث أجاز بيع المؤبد خاصة، إذا آل امره إلى الخراب لاختلاف الأرباب بحيث يعطل و لا ينتفع به، الثالث الضرورة الداعية إلى ثمن الوقف على ما في المقنعة و الانتصار و النهاية و المراسم و الغنية و كنز الفوائد و حواشي التحرير، الرابع صيرورة الوقف بحيث لا يجدي نفعا كما في المقنعة

ج 22، ص: 367

و المراسم و محتمل الانتصار، الخامس خراب الوقف مع عدم وجود عامر له كما في المقنعة و الخلاف و المختلف و وقف التذكرة و ظاهر الانتصار السادس تأدية بقائه إلى خرابه مطلقا كما في ظاهر التحرير في كتاب البيع، أو لوقوع الخلف بين أربابه كما عن تلخيص المرام، السابع خشية الخراب للوقف إما مطلقا كما في النهاية و غاية المرام أو لوجود الحاجة الشديدة المانعة عن عمارته كما في ظاهر المبسوط و الوسيلة و الجامع أو لوقوع الخلف بين أربابه كما في المعالم و وقف الشرائع و القواعد و الإرشاد، الثامن وقوع الخلف الشديد بين أرباب الوقف مطلقا على ما في الروضة و المسالك أو بشرط التأدية إلى الفساد مطلقا كما، في الدروس و غاية المراد و كنز الفوائد و حواشي التحرير، التاسع الخراب مع الخلف بين الأرباب كما في بيع الإرشاد، العاشر التأدية إلى الخراب لخلف الأرباب مع كون البيع أعود كما في بيع الشرائع و القواعد، الحادي عشر الخوف من الخراب معللا بالخلف مع الأعودية كما في بيع التذكرة.

الثاني عشر صيرورته بحيث لا يجدي نفعا مع خشية خرابه كما في الغنية، و حكى الشهيد في الدروس و غاية المراد عن المفيد جواز بيع الوقف إذا كان البيع أعود على الموقوف عليهم و انفع لهم و تبعه عليه جملة المتأخرين، و لكن لم نتحقق ذلك من كلامه و عبارته المنقولة خالية عنه بل قاضية بخلافه، حيث اشترط فيها الضرورة، و مقتضاه عدم جواز البيع بمجرد كونه أعود، و العلامة على ما قيل لم ينقل عنه في المختلف و لا في التذكرة إلا ما سبق من كلامه المتضمن لجواز البيع في ثلاثة مواضع، أحدها الضرورة، نعم ذكر المفيد رحمه الله قبل كلامه المنقول، جواز رجوع الواقف في الوقف إذا أحدث الموقوف

ج 22، ص: 368

عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم، و التقرب إلى الله بصلتهم أو كان تغيير الشرط في الوقف إلى غيره أرد عليهم و أنفع لهم من تركه على حاله، و العلامة في المختلف حكى ذلك عنه في مسألة سابقه على هذه المسألة، و ليس في ذلك حديث البيع و لا تغيير الموقوف عليهم للوقف و الشهيد رحمه الله في غاية المراد ضم هذين الأمرين إلى الأسباب الثلاثة التي جوز المفيد معها بيع الوقف، و نسب جواز بيع الوقف في ذلك كله إليه، على وجه يؤذن بكون ذلك كلاما واحدا مسوقا لبيان جواز البيع، و الرجوع إلى المقنعة قاض بخلافه، و كذا النظر في الأمر الأول من هذين الأمرين و هو احداث الموقوف عليهم ما يمنع الشرع من معونتهم، فإنه لا يصلح أن يكون سببا لبيع الموقوف عليه بل لرجوع الواقف، و اما الثاني فهو و إن صلح لها إلا أن ضمه إلى ما لا يصلح لها قرينة على عدم ارادتها، و جواز رجوع الواقف فيه بنقض الوقف لا يقتضي جواز البيع من الموقوف عليه لا لفظا و لا معنى، فينبغي أن يلحظ ذلك اللهم إلا أن يكون المراد جواز البيع، و لو من الواقف بعد نقض الوقف و إبطاله.

و كيف كان فالذي وقفت عليه من الأخبار المتضمنة لجواز بيع الوقف في الجملة عدة روايات منها ما رواه المشايخ الثلاثة في كتبهم الأربعة بطرق متعددة أكثرها

صحيح عن علي بن مهزيار(1)«قال:

كتبت إلى ابى جعفر الثاني عليه السلام ان فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها و جعل لك في الوقف الخمس، و سأل عن رأيك في بيع حصتك من


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 5 و 6.

ج 22، ص: 369

الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقوفة، فكتب إلى أعلم فلانا أنى آمره أن يبيع حصتي من الضيعة و إيصال ثمن ذلك إلى و إن ذلك رأيي إنشاء الله تعالى، و يقومها على نفسه إن كان ذلك أرفق له، قال: و كتبت إليه ان رجلا ذكر أن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا و أنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده، فان كان ترى أن يبيع هذا الوقف و يدفع إلى كل انسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته، فكتب إلى بخطه و أعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف فإنه ربما جاء الاختلاف تلف الأنفس و الأموال،»

و منها

ما رواه المشايخ أيضا في الحسن و الصحيح (1)عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن جعفر ابن حيان قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه و قرابته من أمه و اوصى الرجل و لعقبه ليس بينه و بينه قرابة ثلاثمائة درهم في كل سنة و يقسم الباقي على قرابته من أبيه و قرابته من أمه فقال: جائز للذي اوصى له بذلك، قلت: أ رأيت ان لم يخرج من غلة تلك الأرض التي أوقفها إلا خمسمائة درهم، فقال:

أ ليس في وصيته ان يعطي الذي أوصى له من الغلة ثلاثمائة درهم و يقسم الباقي على قرابته من أبيه و أمه؟ قلت: نعم قال: ليس لقرابته ان يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفي الموصى له ثلاثمائة درهم، ثم لهم ما يبقى بعد ذلك، قلت: أ رأيت إن مات الذي أوصى له؟ قال: إن مات كانت الثلاثمأة درهم لورثته يتوارثونها ما بقي أحد منهم، فان انقطع ورثته و لم يبق منهم أحد كان الثلاثمأة درهم لقرابة الميت يرد


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 8 و فيه اختلاف يسير.

ج 22، ص: 370

إلى ما يخرج من الوقف، ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا و بقت الغلة، قلت: و للورثة قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا و لم يكفهم ما يخرج من الغلة

حينئذ، قال: نعم إذا رضوا كلهم و كان البيع خيرا لهم باعوا».

و منها

ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن الحميري (1)«عن صاحب الزمان (ع) أنه كتب إليه روى عن الصادق عليه السلام خبر مأثور، إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم و أعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه و كان ذلك أصلح لهم أن يبيعوه، فهل يجوز أن يشترى من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على البيع أم لا يجوز، إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك؟

و عن الوقف الذي لا يجوز بيعه؟ فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، و إذا كان على قوم من المسلمين فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين و متفرقين إنشاء الله»

و منها

ما رواه الشيخ و الصدوق (2)بإسنادهما عن محمد بن علي بن محبوب عن محمد بن الفرج عن علي بن معبد «قال: كتب إليه محمد بن أحمد ابن إبراهيم بن محمد في سنة ثلاث و ثلاثين و مأتين يسأل عن رجل مات و خلف امرأة و بنين و بنات و خلف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر بعد العشر السنين فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام و هم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلني الله فداك، فكتب لا


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 9.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 7.

ج 22، ص: 371

يبيعوه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم»

و منها

ما رواه الشيخ بإسناده (1)عن محمد بن علي بن محبوب عن ابى طاهر ابن حمزة «قال: كتب إليه و عن محمد بن عيسى العبيدي قال: كتب احمد بن حمزة إلى ابى الحسن عليه السلام مدين وقف ثم مات صاحبه و عليه دين لا يفي ء بماله، فكتب عليه السلام يباع وقفه في الدين»

و رواه الصدوق بإسناده الثاني (2)هذه جملة أخبار الجواز و إن قل من تعرض لها جميعها، و لكن الأول هو العمدة و منه اختلفت إفهامهم و اضطربت أقوالهم، فحمله الصدوق و من وافقه على المنقطع، و أجروا المؤبد على أصله، و الشيخ في كتابي الأخبار على الرخصة في البيع مع تأدية البقاء إلى الضرر و الاختلاف و خراب الوقف، و وافقه جماعة في أصل الحمل، و إن خالفوه في بعض القيود و آخرون على خلاف التأدية، إلى ذلك أو بعضه و اكتفى بعضهم بوقوع الخلف الشديد و لم يشترط التأدية إلى الفساد و لا الخوف منها.

الحق أن الرواية مع أنها مكاتبة، لا دلالة فيها على جواز بيع الوقف مطلقا خصوصا المؤبد، أما صدرها المتضمن بيع حصة الإمام فالأمر فيه ظاهر، لأن القبض شرط في الوقف، و هو غير متحقق في حصته عليه السلام بالفرض، و

حمله على توكيل الواقف على قبضه عنه قبل بيعه لا دليل عليه، كما لا دلالة في الحديث على القبول، و امره ببيع حقه من الضيعة ليس نصا فيه، لاحتمال قبوله على غير جهة الوقف، و من الجائز علمه بتفويض أمر تلك الحصة إليه، بل كونها


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث 7.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 22، ص: 372

من الخمس الثابت له بأصل الشرع، كما احتمله العلامة المجلسي رحمه الله فيما حكي من حواشيه على التهذيب، فيكون تصرف الواقف فيها بالوقف فضولا باطلا لعدم الإجازة أو لعدم جوازه، أو لعدم جواز وقف مال الشخص على نفسه، ثم على تقدير تحقق الشرط فمقتضى ذلك جواز بيع المنقطع دون المؤبد، و حمله على كونه وقفا على إمام المسلمين مع كونه خلاف الظاهر، يقتضي جواز بيع المؤبد من دون شرط، و لا قائل به إلا أن اختلاف أرباب الحصص الباقية على ما هو المفروض في آخر الرواية، هو المجوز لبيع هذه الحصة و إمعان النظر في هذا الحديث يأبى ذلك، و ظاهر الحديث الثاني يدفعه، و أما عجز الرواية المتضمن لجواز بيع حصة غير الامام من الضيعة، و هو محل النظر فيها فظاهره الانقطاع كما فهمه الصدوق و من تبعه، إذ لا تعرض فيها لذكر الأعقاب فلا يصح التمسك بها في جواز بيع المؤبد كما فعله الأكثر، و مع ذلك فليس فيها ما يدل على تحقق الإقباض و لا حصول القبض بالفعل، فيحتمل أن يكون تجويز بيعه لعدم تمامية الوقف كما نبه عليه فخر المحققين، أو لكون الوقف فيه بمعنى الوصية كما ذكره بعض المتأخرين، أو أن المراد منه الإيقاف لا الوقف بمعنى أنه أوقفه لان يوقفه الوقف الشرعي، و ربما يومي إليه أو إلى عدم تمامية الوقف تضمنه لجواز بيع الواقف، كما يقتضيه ظاهر الجواب و صريح السؤال إذ لو كان وقفا تاما لانقطع تصرف الواقف فيه ببيع و غيره، و إن للموقوف عليه بيعه في بعض الوجوه على المشهور، و من هذا يعلم عدم تعلق الحديث بالمدعى، فان المقصود بيع الموقوف عليه، و مدلول الحديث بيع الواقف و هو خلاف المقصود.

و أما الخبر الثاني فهو مع أنه مكاتبة أيضا لا دلالة فيه على المؤبد

ج 22، ص: 373

ضرورة عدم ذكر ما يقتضي التأبيد فيه، و لو سلم فاشتراط رضاء الكل يقضي عدم جواز البيع، ضرورة عدم إمكان حصوله بعد فرض كونه مؤبد لتجدد الموقوف عليهم، آنا فآنا على أن المذكور شرطا في السؤال لم يتعرض له في الجواب، الظاهر في الاكتفاء في جواز البيع بعد رضى الكل بكون البيع خيرا لهم، فلا بعد أن يكون المراد من هذا الخبر ما تسمعه من خبر الاحتجاج، بل ربما يومي إليه ذكره في سؤاله الدال على ما ذكرناه من كفاية ذلك في جواز البيع، دون المذكور في السؤال الذي قد سمعت التعبير به ممن عرفت.

و الظاهر أن المراد بما أجاب به روحي له الفداء من عدم جواز بيع ما كان من الوقف على إمام المسلمين الكناية عن المؤبد منه، كما أن المراد بالثاني المنقطع، على معنى أن لكل من الموقوف عليه منهم بيع ما يقدر على بيعه و هو ماله من استحقاق المنفعة، فله حينئذ نقلد يصلح أو غيره، و للجميع نقل ذلك أيضا، لا أن المراد بيع نفس العين الموقوفة، و لذا عدل عليه السلام عن التعبير عن ذلك بما سمعته من العبارة خصوصا بعد إن لم يكن لهم ملكا تاما، و لذا يعود إلى الواقف بعد انقراضهم، و ليس مطلق الملك كاف في البيع، فان المرهون مملوك و لا يباع، فلعل المراد من ملكهم إياه استحقاق النماء و المنفعة لا ملك البيع، بل قد يناقش في أصل انتقاله إليهم، و إن استحقوا المنفعة، و حينئذ لم يكن وجه لبيعهم إياه، نعم قد يقال بجواز بيع الواقف له كالعين المستأجرة، و أما خبر الغلام فمن المعلوم ارادة نقل ذلك الحق لهم منه، و ليس هو من الوقف قطعا، كما أن المراد من الخبر الآخر الموصى بوقفه أو المنجز له في مرض موته، و الفرض استغراق دينه فهو خارج عما نحن فيه، فليس في الحقيقة مدرك للمسألة، إلا ما ذكرناه

ج 22، ص: 374

أولا و منه يعلم عدم توجه القول بشراء وقف آخر بثمن الوقف، كما في بعض العبارات، بل منه يعلم النظر في كثير من الكلمات و الله العالم

[الثاني في بيع أم الولد]

و لا يصح أيضا بيع أم الولد فعلا أو تقديرا بان كانت حبلى ذكرا كان الولد أو أنثى أو خنثى، و المراد بها من حملت من مولاها و هي في ملكه، فلا يثبت في علوق الزوجة و الموطوئة بشبهة و إن ملكها بعد، و عن الخلاف و موضع من المبسوط يثبت إذا ملكها سواء كان الولد حرا أو رقا، و عن موضع آخر منه شرط، كون الولد حرا، و الأقوى عدم الثبوت بذلك، كما عن ابن مارد روايته، و كذا لا يثبت بعلوقها من المكاتب المشروط إذا عجز، و لو ادى ثبت، نعم لا يمنع تحريم الوطء بالعارض كالصوم و الحيض و الرهن من نفوذ الاستيلاد، و أما التحريم بتزويج أو رضاع، بناء على عدم الانعتاق به فعن المبسوط نفوذه، و لكنه مشكل مع علمه بالتحريم ليتوجه الحد عليه، فلا يلحقه النسب و لا بد مع الاشتباه من شهادة أربع نساء من ذوات خبرة بأن ذلك مبدأ آدمي و لو مضغة.

أما النطفة فلا، خلافا لما عن بعض، و الفائدة في إبطال التصرفات السابقة على الوضع بالبيع و شبهه، لا في استبتاع الحرية لزوالها بموت الولد فضلا عن عدم تمامه، و على كل حال فلا يجوز بيعها و لا الصلح و لا غيره من وجوه النقل إجماعا بقسميه، و نصوصا(1)في

صحيح زرارة(2)«عن أبي جعفر عليه السلام سألته عن أم الولد، قال:


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب الاستيلاء و 24 من أبواب بيع الحيوان.
2- 2 الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3.

ج 22، ص: 375

انها تباع و توهب و تورث و حدها حد الأمة»

و الصحيح عن وهب بن عبد ربه (1)«عن الصادق عليه السلام في رجل زوج أم ولد له عبدا له ثم مات السيد قال: لا خيار لها على العبد هي مملوكة للورثة»

من الشواذ التي يجب طرحها، و إن حكي عن الصدوق العمل به، أو تأويلها بإرادة من كان لها ولد مجازا، كما عساه يومي إليه

صحيح زرارة(2)عنه عليه السلام أيضا «أم الولد حدها حد الأمة إذا لم يكن لها ولد»

على أن الخبر الثاني رواه الشيخ في رجل زوج عبدا له من أم ولد له و لا ولد لها من السيد ثم مات السيد إلى آخره و لا إشكال فيه حينئذ ضرورة مساواة حكمها لغيره إذا مات ولدها في حياة سيدها و لذا قال: المصنف لا يصح بيعها ما لم يمت ولدها، بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص التي منها ما سمعت، و إلى عموم تسليط الناس على أموالهم (3)المقتصر في الخروج عنه على أم الولد التي لا تشمل الفرض حقيقة كما هو واضح نعم لو كان له ولد ففي قيامه مقامه مطلقا و عدمه كذلك، و التفصيل بين كونه وارثا و عدمه وجوه، بل الأخيران منها قولان، أو يكن البيع في ثمن رقبتها مع إعسار مولاها بأن لم يكن عنده ما يزيد على مستثنيات الدين كما في الحدائق، فيجوز حينئذ بيعها خلافا

للمرتضى فمنع على ما حكي عنه من بيعها مطلقا، و لا ريب في ضعفه بل الظاهر انه مسبوق بالإجماع و ملحوق به و لكن في اشتراط موت المالك مع ذلك كما عن ابن حمزة تردد من إطلاق جواز بيعها


1- 1 الوسائل الباب 72 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.
3- 3 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 376

فيه من غير اشتراط للموت، في

صحيح عمر بن يزيد(1)«عن أبي الحسن عليه السلام سألته عن أم الولد تباع في الدين، قال: نعم في ثمن رقتبها»

و من الاقتصار على موضع الوفاق و هو موت المولى، و إن كان لا يخفى عليك ما في الثاني بعد إطلاق الصحيح السابق، المعتضد بعموم تسلط الناس الشامل للفرض، فيكفي حينئذ في الجواز عدم الدليل على المنع، من إجماع و غيره حتى إطلاق نهي عن البيع و لو سلم فهو مقيد بما عرفت.

فما عن المقدس الأردبيلي و تلميذه في شرح النافع من المناقشة في ذلك بعد أن حكيا عن ثاني الشهيدين الاستدلال على عدم الاشتراط بإطلاق النص بأنه لا إطلاق في النص، يقتضي جواز بيعها في حال الحياة كما ترى، و كأنهما لم يعثرا على الصحيح المزبور كما اعترف بذلك أولهما، نعم قد يقال: أن الإطلاق المزبور يمكن تقييده ب

صحيح عمر بن يزيد الآخر(2)«قال: قلت للصادق عليه السلام: أو قال: قلت:

لأبي إبراهيم عليه السلام أسألك؟ فقال: سل فقلت: بم باع أمير المؤمنين عليه السلام أمهات الأولاد قال: في فكاك رقابهن، قلت:

و كيف ذاك فقال: أيما رجل اشترى جارية فأولدها ثم لم يؤد ثمنها و لم يدع من المال ما يؤدي عنه أخذ ولدها منها، و بيعت فادى ثمنها قلت: فيبعن فيما سوى ذلك من أبواب الدين و وجوهه؟ قال: لا»

ضرورة ظهور قوله و لم يدع في حال الموت كظهوره في اعتبار ذلك في الجواز، خصوصا بعد أن كان ذلك منها في بيان الكيفية المسؤول عنها،


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.

ج 22، ص: 377

الظاهر في إرادة القيدية، بل هو صريح ذيله الشامل للدين حال الحياة فإنه من أبواب الدين و وجوهه التي هي غير المذكورة فيه.

و بذلك يظهر لك قوة اعتبار الموت في الجواز، و حينئذ لا وجه لاعتبار الإعسار المفسر بما سمعت، ضرورة عدم الفرق بين المستثنيات و غيرها في الدين، فيكون المعتبر حينئذ عدم شي ء غيرها يؤدي عنه كما في الصحيح، بل منه يستفاد عدم جواز بيعها في غير ثمنها من الدين فما عن بعضهم من جوازه فيما إذا مات مولاها و لم يخلف سواها و عليه دين مستغرق و إن لم يكن ثمنا لها، معللا ذلك بأنه إنما تعتق بموت مولاها من نصيب ولدها و لا نصيب له مع استغراق الدين، فلا تعتق فتصرف فيه لا يخلو من نظر، خصوصا

على القول بأن التركة تنتقل إلى الوارث و إن كان الدين مستغرقا، إلا أنه مخير في جهات القضاء، فان المتجه بناء على ذلك انعتاقها بانعتاق الشقص الذي ملكه ولدها و ليس للدين تعلق بها بعد أن منع الشارع عن بيعها في جميع وجوه الدين و أبوابه، و لا ينافي ذلك

ما عن يونس (1)«في أم ولد ليس لها ولد، مات ولدها و مات عنها صاحبها و لم يعتقها هل يحل لأحد تزويجها قال: لا، هي أمة لا يحل لأحد تزويجها الا بعتق من الورثة فإن كان لها ولد و ليس على الميت دين فهي للولد، و إذا ملكها فقد عتقت بملك ولدها لها و إن كانت بين شركاء فقد عتقت من نصيب ولدها و تستسعى في بقية ثمنها»

و إن كان مفهومه يقتضي نفيها عن الولد بمطلق وجود الدين، لكنه مقطوع قاصر عن مقاومة الصحيح السابق، فيجب تنزيله على إرادة ما كان في ثمن رقبتها من الدين.

و من ذلك يعلم النظر أيضا في جواز بيعها في كفن سيدها إذا لم


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب الاستيلاد الحديث 3.

ج 22، ص: 378

يخلف سواها، و لم يمكن بيع بعضها فيه و الا اقتصر عليه، باعتبار أولويته من الدين الذي فرض جواز بيعها فيه، إذ قد عرفت عدم جوازه في غير ثمن رقبتها، و دعوى الأولوية منه ممنوعة، لاحتمال ابتنائه على حكمه خاصة كما هو واضح، و هل يعتبر في جواز بيعها في

ثمنها توقف وفائه على بيعها أجمع حينئذ، فإن أمكن ذلك ببعضها اقتصر عليه أو يكفي فيه توقف الوفاء في الجملة وجهان، هذا و قد الحق في الصورة المستثناة ما إذا جنت على غير مولاها، قال: في الروضة فيدفع ثمنها في الجناية أو رقبتها ان رضى المجني عليه، و لو كانت الجناية على مولاها لم يجز لانه لم يثبت له على ماله مال، و فيه ان التعارض من وجه، و لا دليل على الترجيح، بل لعله للثاني باعتبار اقتصار النص و الفتوى على الجواز فيما عرفت، فيتجه حينئذ القول في الجناية الموجبة للمال التزام المولى به من غير ثمنها، كما في الدروس و عن المبسوط أرش جنايتها على سيدها بلا خلاف إلا من أبى ثور، فإنه جعلها تتبع به بعد العتق.

نعم فيها عن الشيخ أيضا أنها كالقن إن لم يفدها السيد، و عن كتاب الاستيلاد من المبسوط أنه يتعلق الأرش برقبتها بلا خلاف، و يتخير بين البيع و الفداء، و كذا حكي فيها عن خلافه، و عن المختلف أن الشيخ غفل عما في الديات من المبسوط من عدم التعلق برقبتها، و جنح إليه لأنه منع من بيعها باحباله، و لم تبلغ حالة يتعلق الأرش بذمتها، فصار كالمتلف لمحل الأرش فلزمه الضمان، كما لو قتل عبده الجاني، قلت: في

الصحيح عن مسمع (1)«عن الصادق عليه السلام


1- 1 الوسائل الباب 14 من أبواب بقية الحدود و التعزيرات الحديث 2.

ج 22، ص: 379

جنايتها في حقوق الناس على سيدها، و حق الله في بدنها»

و احتمال حمله على أن له الفداء مخالف للظاهر» و لو جنت على جماعة و لما يضمن السيد، فعليه بناء على اعتبار الضمان في التزامه، فعليه أقل الأمرين من قيمتها و الأرش، و ان ضمن للاول فعن ظاهر المبسوط أنه لا ضمان عليه، بعد إذا كان قيمتها، بل يشاركه من بعده فيما أخذ و لتحقيق ذلك محل آخر، و المراد هنا بيان عدم بيعها في جنايتها، بل المتجه التزام المولى بها أو الاستتباع به بعد العتق، بل لو قيل أنه للمجنى عليه استرقاقها، أمكن ان يقال أنها لا تزيد على رقية المالك الأول لها، لأنها تنتقل إليه على حسب ما كانت عند الأول.

لا يقال ان أم الولد لا يبيعها مولاها أبو الولد، أما إذا فرض انتقالها إلى غيره لم يكن لعدم جواز بيعه لها وجه، لعموم تسلط الناس على أموالهم (1)مع عدم المانع بالنسبة إليه، لأنا نقول: يمكن دعوى ظهور الأدلة خصوصا صحيح ابن يزيد المتقدم في عدم بيع أم الولد مطلقا، و من ذلك يعلم أنه لا وجه للإلحاق بالصورة المنصوصة ما إذا كان ولدها غير وارث، لكونه قاتلا أو كافرا معللا ذلك بأنها لا تنعتق بموت مولاها حينئذ، إذ لا نصيب لولدها، إذ المراد إن كان أن لمولاها حينئذ البيع، ففيه بعد تسليم صورة صحيحة لذلك، انه يمكن منع كون العلة فيها ذلك، ضرورة

كون المانع أنها ذات ولد، و إن كان المراد جواز بيع الوارث لها، ففيه ما عرفت من انتقالها إليهم على حسب ما كانت عند الأول، إذ لا يزيد الفرع على أصله، و كذلك قد يناقش أيضا فيما ذكر أيضا من الصورة الملحقة، ما إذا عجز مولاها عن نفقتها و لم يمكن بيع بعضها، و الا وجب الاقتصار فيما خالف الأصل


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.

ج 22، ص: 380

على موضع الضرورة، ضرورة أن ذلك لا يقتضي تقييد دليل المنع، إذ النفقة حينئذ تجب على المسلمين كفاية أو في بيت المال كالحر العاجز عنها، و كالمملوك الموقوف كما هو واضح، و ما إذا مات قريبها و لا وارث له سواها لتعتق و ترثه، و هو تعجيل عتق أولى بالحكم من إبقائها لتعتق بعد وفاة مولاها، إذ لا يخفى عليك أنه مجرد اعتبار، و ليس بالأولى من القول بإلزام مولاها بالعتق، ثم دفع قيمتها إليه بسبب فوات ماله عليه، و ما إذا كان علوقه بعد الارتهان، أو بعد التفليس تقديما لهما لسبقهما على حق الاستيلاد، و فيه أن التعارض من وجه، مع بناء العتق على التغليب، و النهي عن بيعها في غير ثمنها من جميع وجوه الدين و ضروبه، مضافا إلى دعوى انصراف تخصيص النهي غيره في باب التعارض من وجه، و إلى ظهور بعض النصوص الواردة في نحو ذلك، فيما تقدم من المباحث السابقة الظاهرة في تقديم دليل التحريم على دليل التحليل كما أومئ إليه عليه السلام في نكاح الامرأة في الدبر(1)ل

قوله «إنه أحلته آية و حرمته أخرى فنحن لا نفعله»

و بذلك يظهر لك النظر أيضا في كثير من الصور الملحقة كبيعها على من تنعتق عليه، فإنه في قوة العتق، فيكون تعجيل خير يستفاد من مفهوم الموافقة، حيث أن المنع من البيع لأجل العتق، إذ قد عرفت أنه ليس في شي ء من النصوص التعليل بذلك، و لعله المستنبطة غير حجة كالاستحسان، و كذا الكلام في جواز بيعها بشرط العتق لما تقدم، فان لم يف المشتري بالشرط فسخ البيع وجوبا، فان لم يفسخ المولى احتمل انفساخه بنفسه، و فسخ الحاكم


1- 1 الوسائل الباب 73 من أبواب مقدمات النكاح و لكن ليس فيها انه أحلته آية و حرمته أخرى و هذه العبارة موجودة في باب 8 من أبواب نكاح العبيد و الإماء الحديث 2 في نكاح الجارية الحبلى.

ج 22، ص: 381

ان اتفق، إذ لا يخفى عليك ما فيه أيضا بعد الإحاطة بما ذكرنا.

و لعله لذلك قال في الروضة: و ما عدا الموضع الأول من هذه المواضع غير منصوص بخصوصه، و للنظر فيه مجال، و قد حكاها في الدروس بلفظ قيل، و بعضها جعله احتمالا من غير ترجيح لشي ء منها قلت: و كذا النظر أيضا فيما زيد على هذه الصور كما لو أسلمت قبل مولاها الكافر، و إذا جنت على مولاها جناية تستغرق قيمتها، و إذا قتلته خطأ، و إذا حملت في زمن خيار البائع أو المشترك، ثم

يفسخ البائع بخياره و إذا خرج مولاها عن الذمة و ملكت أمواله التي هي منها، و إذا لحقت بدار الحرب ثم استرقت، و إذا كانت لمكاتب مشروط ثم فسخ كتابته و إذا شرط أداء الضمان منها قبل الاستيلاد، و إذا أسلم أبوها أو جدها و هي مجنونة أو صغيرة ثم استولدها الكافر بعد البلوغ قبل أن تخرج من ملكه، بل ينبغي القطع بفساد الثانية و الثالثة، ضرورة عدم اقتضاء كل من الأمرين جواز البيع، و خصوصا الأخير منهما الذي لا ريب في تحريرها به من نصيب ولدها نصا(1)و فتوى و لا يثبت للمولى في كل منهما على ماله مال و لا استرقاق كما هو واضح.

و لعل مبني هذه الصور الزائدة على محل النص هو الترجيح في الأدلة بعد التعارض من وجه، و فيه بحث أو منع، أو أن أم الولد حكمها حكم غيرها من أموال السيد إلا في تلك الصورة الخاصة، و لا يخفى ما فيه، فإنه قياس مع الفارق، لأن هذه قد تشبثت بالحرية بسبب الولد، من الجائز أن الاستيلاد قد صار مانعا من التصرف فيها بهذه الوجوه التي ذكروها و مقدما عليه، فتكون موروثة بعد موت السيد،


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب المكاتبة و باب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 3 و 1.

ج 22، ص: 382

و إن كان عليه دين مستغرق أو نحو ذلك من الأمور التي ادعوا أنها مقدمة على الاستيلاد، و ابنها من جملة الورثة فتنعتق عليه حصته فتستسعى، أو يفكها الولد كما تضمنه بعض

الاخبار فيما إذا لم يخلف سواها، و يخرج الصحيح (1)شاهدا على ذلك، و كذا مفهوم

صحيح زرارة(2)«أم الولد حدها حد الأمة ان لم يكن لها ولد»

بناء على ارادة عدم مساواتها للأمة في أمثال تلك التصرفات، لا أن المراد الحد في الجناية، على أن جملة من الصور المزبورة يمكن دعوى خروجها عن محل البحث الذي هو عدم جواز بيعها، و نحوه من الأسباب التي يخرجها بها المالك عن ملكه إلى مالك آخر فالفسخ و الاسترقاق و نحوهما خارجة عن ذلك، و بذلك و نحوه ظهر لك أن المهم حينئذ تحقيق كون مقتضى الأدلة عدم جواز نقلها إلا ما خرج بالدليل، أو جوازه إلا ما خرج و الظاهر الأول.

نعم لا يدخل فيه الانتقال بالفسخ و نحوه فتأمل جيدا كي تعرف وجه الكلام في الصور المزبورة التي منها إسلامها قبل مولاها، فإنه و إن حكي عن الشيخ بيعها حينئذ عليه، لكن عنه في الخلاف و موضع من المبسوط أنه يحال بينه و بينها عند مسلمة، و يمنع من وطيها و استخدامها و في الدروس أنه تفرد في المختلف باستسعائها فتنعتق بأداء القيمة، تفاديا من الضرار به أو بها، و قد تقدم منا في مسألة إسلام عبد الكافر ترجيح بيعها لو أسلمت. لكن الانصاف عدم خلوه من النظر، و لعل احتمال فكها من الزكاة أو من بيت المال أو بالسعي في قيمتها أو نحو ذلك تكون به حرة مع وصول عوضها إلى مالكها جمعا بين الحقوق


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب بيع الحيوان الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 1 من أبواب الاستيلاد الحديث 1.

ج 22، ص: 383

كلها لا يخلو من قوة، و الله العالم هذا و ليعلم أن تمام الكلام في جملة من مسائل المقام لا يكون إلا بالنظر فيما ذكرناه في بحث الاستيلاد و في الجنايات فلاحظ و تأمل و الله الهادي.

[الثالث في بيع الرهن ]

و كذا لا يجوز بيع الرهن من مالكه الا مع الاذن من المرتهن أو فك الرهن قبل رد المرتهن بناء على الاكتفاء به، لعدم كونه طلقا له باعتبار تعلق حق الارتهان فيه المانع عن نفوذ ذلك، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النص (1)و قد، أشبعنا الكلام فيه و في تصرف المرتهن في باب الرهن على وجه لا مزيد عليه فلاحظ و تأمل» و لا تمنع جناية العبد عن بيعه و لا من عتقه، عمدا كانت الجناية أو خطأ للأصل و إطلاق الأدلة و عمومها(2)بعد عدم خروجه بذلك عن الملك، و لكن مع ذلك على تردد فيه ينشأ مما عرفت، و من تعلق الحق بعينه، فلا يكون ملكا طلقا، بل عن الشيخ الجزم بعدم بيع الجاني عمدا الذي يكون التخيير فيه للمجنى عليه بين القتل و الاسترقاق (3)إلا أن ذلك كله كما ترى ضرورة أعمية تعلق الحق من اقتضاء عدم جواز البيع، خصوصا فيما كان التخيير فيه للمولى بين الفداء بأقل الأمرين من الأرش و القيمة، و بين الدفع للمجنى عليه، فإنه يمكن أن يكون بيعه له التزاما له بالفداء

، بل لو لم نقل بكونه التزاما بذلك لم يمنع تعلق الحق من البيع، أقصاه أنه إن لم يفده يتسلط على فسخ البيع و أخذ العبد، فلا منافاة حينئذ في البيع لحقه، و كذا في الجناية عمدا.


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب أحكام الرهن الحديث 1 و 2.
2- 2 سورة البقرة الآية 27 سورة النساء الآية 29.
3- 3 الوسائل الباب 41 من أبواب قصاص النفس الحديث 1- 3.

ج 22، ص: 384

نعم لو لم يعلم المشتري بذلك تخير ما لم يفده المولى، و تفصيل ذلك أن الجناية إن كانت خطأ استوعبت القيمة أو لم تستوعب فالخيار للمولى بين فكه بأقل الأمرين القيمة و أرش الجناية، لأن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه، و بين دفعه للمجنى عليه ليسترقه بقدر جنايته فان باعه و الحال هذه، و قلنا بأن ذلك اختيار منه للفداء كما هو أحد القولين صح، و التزم المولى بالفداء، فلو فرض امتناعه أو كان معسرا كان للمجنى عليه أو وليه انتزاع العبد، فيبطل البيع حينئذ فيه أو في بعضه، و للمشتري الخيار مع الجهل بحال العبد ما لم يفده المولى، بل و إن فداه في وجه، و لو كانت الجناية عمدا كان الخيار بين القتل لو كانت الجناية موجبة له، و الاسترقاق للمجنى عليه أو وليه، فلو باعه و الحال هذه صح أيضا على الأقوى، فإن فداه المولى أو المشتري لزم البيع، و إلا بأن قتل أو استرق بطل و رجع بالثمن، و لو استرق بعضه، فالباقي مبيع و رجع بقدر، ما فات من مقابل الثمن، و للمشتري خيار التبعض مع الجهل، و إلا فلا، بل له الخيار معه، و إن لم يتبعض إذا علم بعد العقد قبل فداء المولى له برضى المجني عليه، لكونه كالعيب و لتمام الكلام في هذه الاحكام و أدلتها و في مضى عتقه مع عدم الفداء و في الجناية عمدا محل آخر.

[الثالث أن يكونا مقدورين على التسليم ]

الثالث من الشروط أن يكون المبيع مقدورا على تسليمه إجماعا في محكي التذكرة و كنز الفوائد و حواشي التحرير، فلا يصح بيع ما يتعذر تسليمه كالطير في الهواء و السمك في الماء كما عن المبسوط الإجماع عليهما، و التذكرة في الأول منهما، و في الثاني نسبته إلى أكثر العلماء كالإمامية و الفقهاء الأربعة من الجمهور و غيرهم، ثم قال

ج 22، ص: 385

و لا نعلم لهم مخالفا، و عن الغنية و اعتبرنا أن يكون أي المعقود عليه مقدورا على تسليمه، تحفظا مما لا يمكن فيه ذلك كالسمك في الماء و الطير في الهواء، فان ما هذه حاله لا يجوز بيعه بلا خلاف، نعم قد يظهر من هذه العبارة بل و غيرها عند التأمل أن المراد من هذا الشرط عدم جواز بيع ما يعجز عن تسليمه كالأمثلة السابقة، و قد يطلق اشتراط القدرة على ارادة كون العجز مانعا، نحو ما ذكروه في كون القدرة شرطا في التكاليف، و تظهر الثمرة في المشكوك فيه، فإنه بناء على شرطية القدرة يمتنع بيعه، بخلافه بناء على مانعية العجز و مما يرشد إلى ذلك انهم قد ذكروا الإجماع كما عرفت على اشتراط القدرة، مع أنهم قد حكوا الخلاف في أمور.

منها بيع الضال فإنه قد قيل فيه وجوه الأول صحة بيعه مع الضميمة لا مطلقا، غير مراعى بالتسليم و إن لم أجد به مصرحا على التعيين، كما اعترف به بعض الأساطين الثاني صحته مطلقا مراعاة بالتسليم، فلو تعذر تخير المشتري، و هو اختيار اللمعة و المعالم، الثالث صحة بيعه مترددا بين الحاقه بالآبق فيفتقر إلى الضميمة و وقوعه مراعى مطلقا، فلا يحتاج إليها قاله في التذكرة و القواعد، الرابع بطلان بيعه منفردا، مع التردد فيه منضما، و في التقسيط و الاختصاص على تقدير الصحة و تعذر التسليم و هو للعلامة في النهاية، الخامس البطلان مطلقا كما في ظاهر الروضة و المسالك و حواشي التحرير، و منها بيع الضالة و فيها احتمالات أولها الصحة بشرط الضميمة، إلحاقا لها بالآبق لأنها في معناه بل هي أولى منه بها، فان الآبق ممتنع على صاحبه بخلاف الضالة و إن كان فيه منع، لأن الآبق لتمدنه يظهر امره و لا كذلك

ج 22، ص: 386

الضالة، ثانيها الصحة مراعاة بالتسليم كالضال، قاله في المجمع، ثالثها البطلان لتعذر التسليم و هو خيرة الدروس، و منها ما في معنى الآبق من الحيوان الممتنع كالجمل الشارد و الفرس الغائر و نحوهما، و فيه أيضا وجوه البطلان كما هو خيرة الشهيدين، و الصحة مع الضميمة كالآبق، و في النهاية بطلانه منفردا، مع التردد فيه منضما، و الصحة مطلقا، كما هو مقتضى إطلاق المجمع صحة بيع الضالة، و الغرض من ذلك كله بيان أن المراد بالإجماع المزبور على اشتراط القدرة ما عرفت من عدم جواز بيع ما تحقق العجز عن تسليمه، كبيع طير صيد ثم فر و مضى في الهواء، و سمك صيد ثم مضى في الماء و رجعا على حالهما السابق قبل أن يصطادا، لا أن المراد اشتراط القدرة فعلا على تسليمه كي يتجه عدم جواز مطلق ما لا يعلم حاله من الضال و الضالة و غيرهما، و إلا لم يكن لما عرفت من الخلاف في الأمور المزبورة وجه، ضرورة عدم تحقق القدرة فعلا في شي ء منها، و من هنا كان المتجه فيها جميعها الصحة مطلقا، لإطلاق الأدلة، نعم لو بان بعد ذلك التعذر، تخير المشتري كما سمعته من اللمعة و المعالم، كما أن وجه الفساد في الذي قد عجز عن تسليمه على وجه يكون كالمثالين السفه و غيره مما تعرفه، هذا و لكن قد يستدل على اشتراط القدرة مضافا إلى الإجماع الذي قد عرفت حاله بحديث النهي عن بيع الغرر(1)المشهور المعتبرة المتلقى بالقبول بل قيل انه قد اجمع عليه المؤالف و المخالف القائل بحجية خبر الواحد و غيره، كالسيد المرتضى و ابني زهرة و إدريس، بل رد به

كثير من الأخبار المسندة المروية من طرق الأصحاب، و الغرر فيه الخطر قاله:

في الصحاح و المصباح و الأساس و المغرب و المجمل يقال: هو على غرر،


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

ج 22، ص: 387

أي على خطر، من قولهم غرر بنفسه إذا خاطر بها، و منه الدعاء و تعاطى ما نهيت عنه تغريرا»(1)أي مخاطرة و غفلة و المخاطرة في غير المقدور ظاهرة، فيكون غررا، و عن الأصمعي و الأزهري أن بيع الغرر ما كان على غير عهدة و لا ثقة، و هو راجع إلى الأول، و كذا ما في القاموس و غرر بنفسه تغريرا أعرضها للهلكة، و الاسم الغرر، و قيل: هو ما كان له ظاهر يغر المشتري، و باطن مجهول، قاله ابن الأثير في نهايته، و حكاه الهروي في الغريبين عن ابن عرفه، و الظاهر أن المراد بالمجهول ما يعم مجهول الأصل، و مجهول الحصول فيوافق ما تقدم في الصحاح و المجمل و المغرب و مجمع البحرين من تمثيل بيع الغرر ببيع السمك في الماء و الطير في الهواء، و هو نص في المدعى، و في التذكرة أنه قد فسره به، و هو محمول على التمثيل، و في جامع ابن سعيد الغرر ما انطوى أمره، و هو تعريف جامع، و روى ابن أبي المكارم الفقهي عن أمير المؤمنين عليه السلام ان

الغرر عمل ما لا يؤمن معه الغرر(2)و هذا ناظم لجميع ما قالوه و تحريم بيع الغرر يقتضي فساده، لتوجه النهي فيه إلى ركن المعاملة بناء على أن الإضافة فيه من المصدر إلى المفعول، و للملابسة و المراد الغرر الحاصل من أحد العوضين.

و قيل: بل الفساد في مثله لفقد دليل الصحة، فإن قوله تعالى «أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ»(3)لا يدل على صحة بيع المحرم، و أما النهي فلا دلالة فيه، لأنه في المعاملة لا يقتضي الفساد، و فيه منع حصر المقتضي في الآية، و ثبوت الاقتضاء في النهي مطلقا بحسب الشرع، و تحقيقه في


1- 1 صحيفة السجادية الدعاء 33 في التوبة.
2- 2 ما عثرنا على هذه الرواية بعد الفحص عنه في مضانه.
3- 3 سورة البقرة الآية 275.

ج 22، ص: 388

الأصول، و لا أثر للخلاف هنا للإجماع على فساد المنهي عنه بهذا المعنى و هو كاف في المطلوب، قلت: المنساق من الغرر المنهي عنه الخطر من حيث الجهل بصفات المبيع و مقداره، لا مطلق الخطر الشامل لتسلمه و عدمه، ضرورة حصوله في كل مبيع غائب، خصوصا إذا كان في بحر و نحوه، بل هو أوضح شي ء في بيع الثمار و الزرع و نحوهما، مضافا إلى

ما في الدعائم روينا(1)«عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن بيع الغرر، و هو كل بيع يعقد على شي ء مجهول عند المتبايعين أو أحدهما»

و الحاصل أن من الواضح عدم المخاطرة في بيع مجهول الحال بالنسبة إلى التسلم و عدمه خصوصا بعد جبره بالخيار لو تعذر كما لا يخفى، و بذلك سقط الاستدلال بالحديث المزبور على اشتراط القدرة بالمعنى المذكور، كما انه يسقط الاستدلال على ذلك ب

صحيح سليمان بن صالح (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن سلف و بيع، و عن بيعين في بيع، و عن بيع ما ليس عندك، و عن ربح ما لم يضمن»

فإنه قد وجه الاستدلال به بأن ليس لمنع عن بيع ما ليس عند البائع إلا لاشتراط القدرة، لا لعدم حضور المبيع، للإجماع على صحة بيع الغائب، و لا لوجوده بالفعل لانتقاضه بالسلف، بل و لا لاشتراط ملكية البائع كي يكون بيع الفضولي باطلا، لأن المنهي عنه بيع ما ليس عنده دون ما ليس له، و قد يكون الشي ء عنده و ليس له و قد يكون إرادة غيره، بعموم اللفظ فان قوله ما ليس عنده، يشمل المملوك و المعتذر تسليمه، و إن دخل فيه ملك الغير أيضا على القول ببطلان بيع الفضولي


1- 1 الدعائم ج 2 ص 19.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب أحكام العقود الحديث 4.

ج 22، ص: 389

لعدم تنافي الإرادتين، فيصح التمسك به في المطلوب و إن لم يختص النهي به.

و لكن قد يقال أن المراد به الإشارة إلى ما هو مستعمل الآن و في السابق، من بيع الشي ء المخصوص مظهرا له انه ما له و عنده، ثم يمضي بعد ذلك إلى صاحبه و يشتريه منه بأنقص

مما باعه ثم يدفعه إلى الذي باعه إياه أولا، على أنه قد ورد من طريق الأصحاب ما ينافي ذلك ك

صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج أو حسنه (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يجي ء يطلب المتاع فأقاوله على الربح ثم أشتريه فأبيعه منه، فقال:

أ ليس إنشاء أخذ و إنشاء ترك؟ قلت بلى، قال: لا بأس به فقلت:

ان من عندنا يفسده قال: و لم؟ قال: باع ما ليس عنده، قال:

فما يقول في السلف باع صاحبه ما ليس عنده؟ فقلت بلى، قال: فإنما صلح من قبل أنهم يسمونه سلما، إن أبي كان يقول لا بأس بكل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه»

و في صحيحه الآخر(2)أيضا «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده، فيشتري منه حالا؟ قال: ليس به بأس قلت: انه يفسده من عندنا قال: و أي شي ء يقولون في السلم؟ قلت: لا يرون به بأسا يقولون هذا إلى أجل، فإذا كان إلى غير أجل و ليس عند صاحبه فلا يصلح، فقال: إذا لم يكن أجل كان أجود، ثم قال: لا بأس أن يشتري الطعام و ليس هو عند صاحبه إلى أجل أو حالا لا يسمى له أجلا إلا أن يكون بيعا لا يوجد مثل البطيخ و العنب و شبهه في غير زمانه فلا ينبغي شراء ذلك حالا»

بل قد ينقدح من الأخير وجه آخر لقوله ما ليس عنده و هو بيع الشي ء حالا في غير وقته.


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1.

ج 22، ص: 390

و على كل حال فحمله على متعذر التسليم أو ما يشمله كما ترى، لا إشعار في شي ء من النصوص به، على أنه يمكن أن يكون ما قلنا بفساد بيعه و هو بيع ما تحقق فيه ذلك كالطير في الهواء و السمك في الماء و نحوهما، لا أنه يدل على اشتراط القدرة على التسليم، بحيث لا يصح بيع مجهول الحال فتأمل، و الاستناد في ذلك إلى خصوص ما دل على منع بيع الآبق باعتبار انه لا مانع منه إلا عدم القدرة على تسليمه يدفعه أن نصوصه (1)كما اشتملت على ذلك قد اشتملت أيضا على جواز بيعه منضما إلى غيره، و لو كانت القدرة على التسليم شرطا لوجب اعتباره في جميع اجزاء المبيع، و إلا لكان القدرة على التسليم شرطا في الجملة، و لو في جزء المبيع كما حكي عن ظاهر جماعة من الأصحاب، و لذا اجتزوا بالضميمة إلى كل ما تعذر تسليمه في صحة البيع، من غير فرق بين الآبق و غيره، إلا أن ذلك خلاف ظاهر العبارات السابقة و معاقد الإجماعات، و عليه يتجه حينئذ عدم إرادة ظاهرها، و ليس ذلك بأولى مما ذكرنا.

و ربما استدل أيضا على اشتراطها بوجوب تسليم كل من المتبايعين ما انتقل عنه

بالبيع إلى صاحبه، فيجب أن يكون مقدورا لاستحالة التكليف بالممتنع، و أن الغرض من البيع انتفاع كل منهما بما يصير إليه من العوض، و لا يتم إلا بالتسليم فيكون القدرة عليه شرطا، و إن بذل الثمن على غير المقدور سفه، و تضييع للمال فيكون ممنوعا منه، و يتوجه على الأول أنه إن أريد إثبات اشتراط القدرة على التسليم، بوجوب التسليم منجزا فذلك باطل، لأنه مشروط بالبيع، و إن أريد إثبات اشتراطها بوجوب الاقدام على ما يتمكن معه من فعل الواجب


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 22، ص: 391

إذا وجب، منعنا الوجوب على الإطلاق، فإن التكليف مشروط بالقدرة و العجز السابق على البيع كالمتجدد، فكما لا يجب التسليم في الثاني فكذا في الأول، لا يقال الأصل في الوجوب عدم التقييد. و قد ثبت بالقياس إلى العجز المتجدد، بخلاف السابق لأن القدرة على التسليم إذا كانت شرطا كان الوجوب بالقياس إليها مطلقا، لكونها مفروضة الحصول على هذا التقدير، لأن هذا الأصل معارض بمثله في جانب البيع، فإن الأصل عدم اشتراطه بالقدرة على التسليم فيجب تقييد وجوب التسليم بحصول القدرة السابقة كاللاحقة، و على الثاني منع كون الغرض من البيع الانتفاع مطلقا بل بعد تسليمه، و الانتفاع بالمتعذر حال البيع كالانتفاع بالمتعذر بعده، و على الثالث المنع من لزوم السفه و التضيع على الإطلاق، فإن بذل القليل من المال في مقابلة الخطير المتوقع الحصول مما يقدم عليه العقلاء، و لا يعد مثله سفها و لا تضييعا، و إذا قلنا بعدم الاجتزاء بالضميمة في بيع غير المقدور كما هو المشهور، كان توجه المنع عليه أبين و أظهر.

كل ذلك مع أن هذا و شبهه إنما يقتضي المنع من بيع ما تحقق العجز عن تسليمه على وجه تعد المعاوضة عليه سفها عرفا و نحن نقول به، إنما الكلام في اعتبار القدرة على التسليم و هو أمر غير هذا، و من ذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره القائل باعتبارها أي القدرة شرطا، قال: التي هي شرط في البيع القدرة المعلومة للمتبايعين حال العقد، دون القدرة الواقعية لأن الغرر لا يندفع بمصادفة الواقع، و إنما يرتفع بالعلم، فلو باع ما لا يعلم حصولها فيه بطل البيع، و إن قدر عليه بعده، و لو باع ما يعتقد تمكنه منه صح، و إن تجدد العجز، و المعتبر في العلم الوثوق بالتمكن فلا يشترط اليقين، و لا يكفي فيه مطلق الظن

ج 22، ص: 392

ضرورة أن هذا ثمرة الخلاف، فإنه بناء على كون العجز مانعا لا كون القدرة شرطا، صحة بيع ما زعمه غير مقدور ثم بان العدم، كما أنه لا يجدي في الصحة زعم القدرة ثم بان الخلاف، و هو غير تجدد العجز فتأمل، و كذا يظهر لك الحال فيما ذكره أيضا من أن القدرة المعتبرة هي قدرة العاقد إذا كان مالكا و وليا أو وكيلا في البيع و لوازمه، أما إذا كان وكيلا على خصوص العقد و إجراء الصيغة فالشرط قدرة الموكل، لأنه المطالب بالتسليم دون الوكيل، و تظهر الفائدة فيما إذا قدر أحدهما على التسليم دون الآخر، فإنه إن كان الموكل صح البيع، و إلا بطل، و لو كان أحد المتعاقدين وكيلا على البيع و ما يتبعه من اللوازم و علم الأخر بذلك و رضى بتسليم الموكل كفى في صحة البيع قدرة أحدهما إن رضى الموكل برجوعه عليه، فلو عجزا معا بطل البيع.

و أما الفضولي فهذا الشرط غير متحقق فيه، و من ثم ترجح بطلانه، و ذلك لأن اجازة المالك غير معلومة الحصول، إذ قد لا تحصل القدرة على التسليم مطلقا و قد تحصل، لكن بالقياس إلى نفس العقد دون لوازمه فلا تحصل من العاقد، و قدرة المالك إنما تؤثر لو بنى العقد عليها و حصل التراضي بها حال البيع، لما عرفت أن بيع المأذون لا يكفي فيه قدرة الاذن مطلقا، بل مع الشرط المذكور و هو غير متحقق في الفضولي، و البناء على القدرة الواقعية باطل، إذ القدرة المشروطة هي القدرة المعلومة دون الواقعية كما سبق بيانه، و القدرة الواقعية إنما تتحقق حال الإجازة لا قبلها ضرورة ان الإجازة اللاحقة لا تؤثر القدرة السابقة، و المعتبر من القدرة على ما ستعرفه ما كان حال البيع و قريبا منه في البيع الحال، و عند حلول الأجل، و ما يقرب منه في المؤجل، و لا ريب أن ذلك غير

ج 22، ص: 393

حاصل في بيع الفضولي، و التأجيل بالإجازة غير مأخوذ في العقد، و لو اشترط لم يصح لجهالة الأجل، و الحاصل أن القدرة قبل الإجازة لم توجد و بعدها ان وجدت فلا تنفع، لا يقال إنه قد يحصل الوثوق للفضولي بإرضاء المالك، و انه لا يخرج عن رأيه فيتحقق له بذلك القدرة على التسليم حال العقد، لأن هذا الفرض يخرج الفضولي عن كونه فضوليا لمصاحبة الاذن للبيع، غايته حصوله بالفحوى و شاهد الحال، و هما من أنواع الاذن و مع الاذن لا يكون فضوليا، و لا يتوقف صحته على الإجازة و لو سلمنا بقائه على الصفة، فمعلوم أن القائلين بصحة بيع الفضولي لا يقصرون الحكم على هذا الفرض، كما يعلم من الرجوع إلى كلامهم و تفريعاتهم التي فرعوها على هذا الأصل، بل فيه نظر من وجوه، منها حكمهم ببطلان الفضولي تفريعا على هذا الشرط، مع أنه لا ريب في كفاية قدرة المجيز على ذلك، و في كفاية احتمال الإجازة كما لا يخفى، بل لا يخفى ما فيه من غير ذلك أيضا.

و كيف كان فلا يتوهم من عبارة المتن اختصاص هذا الشرط في المبيع، و إن اقتصر عليه فيها كغيره من كتب الجماعة، لكن المراد التنصيص على المبيع ليعرف حكم الثمن بالمقايسة، و من هنا أطلق الأكثر بحيث يتناول العوضين معا، بل قد سمعت ما عن الغنية من جعل العنوان المعقود عليه، بل عن كنز الفوائد و غيره التصريح بالثمن و المثمن، و وجهه واضح بعد الاشتراك في المقتضي كما هو ظاهر، و على كل حال فقد فرع المصنف الآبق على هذا الشرط حيث قال فلا يصح بيع الآبق منفردا بلا خلاف محقق معتد به أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة مضافا إلى

الصحيح (1)«سألت أبا الحسن موسى


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 394

عليه السلام فقلت أ يصلح لي أن أشتري من القوم الجارية الآبقة و أعطيهم الثمن و أطلبها أنا؟ فقال: لا يصلح شراؤها إلا أن تشتري منهم معها ثوبا أو متاعا فتقول لهم أشتري منكم جاريتكم فلانة و هذا المتاع بكذا و كذا درهما فان ذلك جائز»

و الموثق (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يشتري العبد و هو آبق عن أهله، قال: لا يصلح إلا أن يشتري معه شيئا آخر و يقول أشتري منك هذا الشي ء و عبدك بكذا و كذا فان لم يقدر على العبد كان الذي نقده فيما اشترى منه»

و الظاهر ان المراد من الصلاح المنفي فيهما هنا الصحة، و لو لفهم الأصحاب نعم ظاهرهما عدم صلاحية بيعه منفردا ممن لم يعلم حصوله له.

أما لمن كان في يده، فيبقى على إطلاق الأدلة، وفاقا للمحكي عن ظاهر العلامة في النهاية و القواعد و الشهيد في الدروس و صريح غيرهما،

بل المحكي عنهم عدم جواز بيعه إلا على من هو في يده، و إن كان فيه ان الأقوى جواز بيعه أيضا على من يقدر على تحصيله و إن لم يكن في يده وفاقا لصريح جماعة، بل عن المرتضى الإجماع عليه لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، فإن الغاية المقصودة من التسليم حصول المبيع بيد المشتري و هو ممكن بالفرض، غاية الأمر استناده إليه و هذا ان لم يكن أولى من تمكن البائع فلا ريب انه لا يقصر عنه، و الغرر في مثله منتف، و كذا السفه و الإجماع على منعه ممنوع و المنقول منه معارض بما هو أقوى منه، و إطلاق النص منزل على الغالب من تعذر الوصول أو المشكوك فيه أو مقيد به، فان الحكم معلل قطعا، و ليس تعبدا محضا حتى يناط بصدق اسم الإباق، و حينئذ فالشرط تمكن المشتري من المبيع بنفسه، أو بواسطة البائع، أو قدرة البائع على التسليم و لو بواسطة المشتري كالأجنبي،


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

ج 22، ص: 395

مضافا إلى ما قد عرفت من أن المراد باشتراط القدرة عدم جواز بيع المأيوس من تحصيله عادة كالطير في الهواء و السمك في الماء، و لو فرض كون الآبق كذلك في بعض الأحوال لم يجز بيعه فيها منفردا و لا منضما كما في كل ما يؤس منه، بخلاف غير المأيوس منه.

نعم مقتضى ذلك جواز بيع الآبق منفردا إذا لم يكن كذلك، إلا أن النص و الفتوى قد اتفقا على عدمه ما لم يكن في يد المشتري أو يتمكن منه، و يمكن أن ينزل المنع فيهما على إرادة الشراء اللازم الذي ليس للمشتري بعد ذلك فسخه اختيارا، و لا ريب في احتياج ذلك إلى الضميمة فإنه بذلك يكون كذلك إذا أقدم كل من البائع و المشتري على ذلك، فإنه لو فرض تعذر تحصيل الآبق يكون الثمن في مقابل الضميمة، و لا يكون ثمن بلا مبيع كي يترتب عليه الفساد باعتبار عدم تحقق المعاوضة فيه عرفا، و كذلك الضميمة في بيع الثمار، و حينئذ(1)فيكون ذلك من الامام تعليما للسائل و إرشادا له إلى الطريق الذي يحصل به ذلك، لا أنه لإفادة حكم جديد، بل هو نحو ما صدر منهم عليهم السلام في تعليم التخلص من الربا بضم غير الجنس و نحوه (2)و حينئذ فمقتضى ذلك جواز بيعه منفردا إذا كان على ضمان البائع بمعنى كونه مراعى بحصوله، و إلا كان من مال البائع، و يرجع المشتري على ثمنه.

و لعله إلى هذا نظر ابن الجنيد فإنه قال: في المحكي عنه و لا يشتري أي الآبق وحده، إلا إذا كان بحيث يقدر عليه المشتري أو يضمنه البائع، و عن التحرير أنه حكي ذلك عن ابن الجنيد فقال: فيه عنه أنه يجوز بيعه منفردا و يضمنه البائع، لكن قال بعض الأساطين: أن


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب الربا.

ج 22، ص: 396

مراد ابن الجنيد بالضمان المزبور كون البائع قادرا عليه، إذ كون الآبق بحيث يضمنه البائع يستلزم قدرته عليه لأن ما يتعذر تسليمه يمتنع ضمانه، و ليس المراد به اشتراط ضمانه في البيع و لا الحكم على البائع بالضمان كما يوهمه ظاهر التحرير و

إلا لزم أن يكون مذهب ابن الجنيد جواز بيع الآبق منفردا، و إن لم يكن مقدورا، و هذا خلاف الإجماع، ثم حكي عن التذكرة ان المشهور بين علمائنا أنه لا يصح بيع الآبق و إن عرف مكانه، و قال بعض علمائنا: بالجواز و قال: هذا محمول على الجواز حيث يتحقق الشرط، و يدل عليه تصريحه بالإجماع على اشتراط القدرة على التسليم في صحة البيع قبل ذكره الخلاف، و الظاهر ان هذا البعض الذي نسب إليه القول بالجواز هو ابن الجنيد، فيجب تنزيل ما حكاه عنه على ما عرفته من المحكي عنه سابقا ليتوافق النقلان، و لا يخفى عليك ما فيه.

و على كل حال فالظاهر أن الإباق من حيث كونه إباقا لا يمنع البيع لما عرفت من جوازه إذا كان في يد المشتري أو قادرا عليه أو كان البائع قادرا عليه، فان الظاهر الصحة و إن تحقق الإباق لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما عدا إطلاق المنع من بيع الآبق المحمول على غير ذلك، قال: في محكي نهاية الأحكام و لو عرف مكان الآبق و علم أنه يصل إليه إذا رام الوصول إليه، فليس له حكم الآبق و في المسالك و إنما يمتنع بيع الآبق مع تعذر تسليمه، فلو أمكن صح، و إن سمي آبقا إلى غير ذلك من عباراتهم، بل قيل في مصابيح العلامة الطباطبائي ظاهرهم أنه لا خلاف في ذلك، و هو كذلك لاتفاق أصحابنا على أن القدرة على التسليم شرط في صحة البيع، و ان المنع من بيع الآبق لتعذر تسليمه، كما ينبه عليه استدلالهم به على المنع، و تفريع المنع عليه، و جعله من توابع هذا الشرط، و معلوم ان مجرد الإباق لا يقتضي تعذر

ج 22، ص: 397

التسليم، فان منه ما يتعذر تسليمه و منه ما لا يتعذر، و المانع يجوز الثاني لوجود الشرط، و المجيز يمنع الأول لفقده، فارتفع النزاع و عاد الخلاف إلى الوفاق، و لم يبق إلا إطلاق المنع الموهم لإرادة المنع على الإطلاق، و الخطب فيه هين بعد وضوح المراد، قلت قد يقال أن ظاهر النص و الفتوى المنع من بيع الآبق المجهول الحصول لا خصوص المتعذر تسليمه، و من ذلك يتجه أنه لا وجه لتعليل المنع من بيعه بتعذر تسليمه، بل و لا تفريعه على اشتراط القدرة على التسليم، بناء على ما سمعته منا في بيان المراد من ذلك، و إلا لم تجد الضميمة في رفع هذا المانع كما هو ظاهر النص، فالمتجه حينئذ الاستناد في المنع منفردا، و الجواز منضما إلى النص (1)و الإجماع، مع انك قد سمعت سابقا و تسمع لاحقا احتمال المراد منهما، و ليس القول بأن الأصل يقتضي عدم جواز بيع الآبق منفردا و منضما، لعدم القدرة على التسليم بأولى من القول بالعكس، الذي قد سمعته بل قد يشهد له ما سمعته سابقا من تجويز بعضهم بيع ما هو كالآبق من الضال، و نحوه من دون ضم كما تقدم الكلام فيه، و كيف كان فهذا كله في بيع الآبق منفردا.

و أما أنه يصح منضما إلى ما يصح بيعه فلا خلاف فيه نصا و فتوى، بل في محكي الانتصار و

الغنية و الخلاف و كشف الرموز و التنقيح الإجماع عليه، بل عن كثير منهم كالمفيد و الفاضلين و الشهيدين و غيرهم التصريح بأن المشتري حينئذ ان ظفر به قسط الثمن عليه، و انه لو لم يظفر به لم يكن له الرجوع على البائع و كان الثمن مقابلا للضميمة نحو ما سمعته في موثق سماعة(2)بل لعله ظاهر الصحيح أيضا(3)


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.
3- 3 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 22، ص: 398

باعتبار كون المستفاد منه، عدم توقف مضي البيع على الظفر بالآبق، و لو بالنظر إلى ترك البيان في محل البيان الراجع إلى الجواز على الإطلاق و ليس المراد به مجرد انتفاء التحريم بدلالة المقام، و قرينة السؤال، بل من ذلك يعلم عدم إرادة التقسيط في كلام من اقتصر على إطلاق جواز بيعه مع الضميمة، فإنه ظاهر في لزوم العقد مطلقا، و لو كان المراد لزومه بعد الظفر به لنبهوا على ذلك كما هو شأنهم في مثله، خصوصا مع وقوع التصريح بخلافه في النص المعتبر(1)و حينئذ فلا تكون المسألة خلافية بالنسبة إلى ذلك.

و من هنا قال في محكي التنقيح، أن رواية سماعة(2)مؤيدة بعمل الأصحاب، حتى أنه إجماع منهم، كل ذلك مضافا إلى أصالة لزوم العقد المحكوم بصحته، و إلى أن بقاء العقد متزلزلا

لا إلى غاية معلومة في قوة بطلانه، نعم ما يحكي عن الآبي منهم من توقف انتقال الآبق إلى المشتري على الظفر به محل نظر، قال: الآبق ما دام آبقا ليس مبيعا في الحقيقة و لا جزء مبيع، أما أنه ليس مبيعا بانفراده فظاهر، و أما انه ليس جزء مبيع فلأنه ليس له شي ء من الثمن، إلى أن قال: و لو وجد و تمكن منه المشتري فإنه يصير جزء من المبيع و يكون له قسط من الثمن لزوال العلة التي هي العجز عن قبضه، ضرورة مخالفته للأصل و ظاهر النص و الفتوى، و قدرة التسليم ليست شرطا في الآبق المنضم إجماعا و اختصاصها بالثمن مع التعذر لا ينافي التوزيع عليه قبله، بل الأقوى أنه لا يخرج عن ملك المشتري بالتعذر و ان اختصت الضميمة حينئذ بالثمن، لأنه قد صار ملكا له بالعقد، فلا يخرج عنه


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.
2- 2 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 22، ص: 399

من غير سبب فيكون المراد بالاختصاص على تقدير العجز عدم الرجوع بحصة الآبق من الثمن و خروجه عن ضمان البائع، لا عدم مقابلته بشي ء منه في الواقع، كما عن ثاني المحققين و الشهيدين التصريح به، فيصح له حينئذ عتقه قبل العجز و بعده، و بيعه كذلك مع الضميمة و غير ذلك مما يترتب على الملك، ثم أنه ينبغي أن تكون الضميمة من مالك الآبق و مما يقع عليها البيع منفردة.

هذا، و قد بان لك من جميع ما ذكرنا قوة القول بأن للآبق أحوالا ثلاثة، أحدها ان يكون مأيوسا منه نحو الطير في الهواء و السمك في الماء، و هذا لا يصح بيعه و لو مع الضميمة، ثانيهما أن يكون مقدورا عليه للبائع أو للمشتري، و هذا يصح بيعه من غير حاجة إلى الضميمة، ثالثها أن يكون مرجو الحصول، و هذا يحتاج إلى الضميمة إن أريد بيعه على وجه اللزوم، و أنه لا رجوع للمشتري على البائع حتى لو تعذر، أما لو أريد بيعه لا على الوجه المزبور بل بيعا مراعى بالتسليم صح بلا ضميمة، و إن كان لا يوافق إطلاق من عرفت من الأصحاب جواز بيعه مع الضميمة، و عدمه مع عدمها، بل قد يقال: أن الأصل يقتضي جوازه في الأول من الثالث من دون ضميمة، إذا اشترط البائع على المشتري سقوط الخيار الذي يحصل بتعذر التسليم، و لو سلم مخالفة ذلك في خصوص الآبق باعتبار ظهور النص و الفتوى في انحصار صحة بيعه على الوجه المزبور في الضميمة، أمكن منعها في غيره من الضال و المجحود و نحوهما، لعدم ما يدل على الإلحاق.

و منه ينقدح عدم سقوط الخيار معها في غيره لو تعذر تسليمه أيضا فيكون الحكم المختص بالآبق عدم الخيار لو تعذر تسليمه مع الضميمة، و انحصار صحة بيعه على وجه اللزوم في الضميمة، و يحتمل قويا منع

ج 22، ص: 400

الثاني فيه أيضا، بدعوى حصول اللزوم فيه باشتراط الاسقاط حال عدم الضميمة، فيختص حينئذ بالحكم الأول فقط، و يمكن إلحاق غيره به في ذلك أيضا، باعتبار ظهور التعليل في النص في عدم اختصاص الآبق بذلك، فلا يختص في حكم أصلا بل لعله الظاهر، و لكن لتصادم الامارات وقع الاشكال و التردد و الخلاف في كلمات الأصحاب بالنسبة إلى ذلك، قال في مصابيح العلامة الطباطبائي: قال ابن حمزة: انه لا يصح بيع ما فيه غرر إلا إذا ضم معه شي ء مما لم يكن فيه غرر، و ظاهره أن الضميمة مصححة لبيع ما يشتمل على الغرر مطلقا، بل قيل أنه قضية كلام السيدين حيث ذكرا في الانتصار و الغنية ان بيع الآبق منضما ليس من بيع الغرر، لأن ما ينضم إليه مما لا غرر فيه يخرجه عن الغرر، و في التحرير القدرة على تسليم المبيع شرط في صحته، فلو باع العبد الآبق منفردا لم يصح سواء علم مكانه أو لا، إلى أن قال: و كذا الجمل الشارد و الفرس الغائر و شبههما كالآبق في البيع و لو ضم إلى هذه غيرها صح بيعه، و في النهاية و الضال و الجمل الشارد و الفرس الغائر و شبهها كالإشكال، فإن قلنا به فلو تعذر تسليمه احتمل كون الثمن في مقابلة الضميمة و التقسيط، و في التذكرة الضال يمكن حمله على الآبق لثبوت المقتضي و هو تعذر التسليم أو العدم لوجود المقتضي لصحة البيع و هو العقد، فعلى الأول يفتقر إلى الضميمة، و على الثاني لا يفتقر، و يكون في ضمان البائع إلى أن يسلمه أو يسقط عنه و نحوه قال: في القواعد.

و قال الشهيد في الدروس: و لو باع بعيرا شاردا أو ضالا بطل، و لو باع الآبق منفردا لم يصح، و في اللمعة أما الضال و المجحود فيصح

ج 22، ص: 401

البيع و يراعى بإمكان التسليم، فان تعذر فسخ المشتري إنشاء، و قال:

المحقق الكركي في حواشي التحرير: و هل يلحق بالآبق الضال فيصح بيعه بالضميمة حملا على الآبق؟ أم يجوز مطلقا نظرا إلى صورة البيع و أصالة عدم الاشتراط وجهان، ذكرهما في التذكرة و القواعد، و يمكن ثالث و هو عدم الجواز مطلقا، لأن القدرة على التسليم شرط إجماعا و هي منتفية، و في بعض الشروح بعد نقل الاحتمالين المذكورين في المتن و يمكن احتمال آخر، و هو عدم الصحة مطلقا لانتفاء شرط الصحة، و هو إمكان التسليم، و الحمل على الآبق قياس، و لم أجد بالاحتمال الثالث تصريحا، فيمكن أن يقال باشتراط القدرة على التسليم في الجملة لا مطلقا و إلا لامتنع مجي ء احتمال الصحة هنا مطلقا أو مع الضميمة، للإجماع على اشتراط هذا الشرط، فان قلت: فيلزم جواز بيع ما يتعذر تسليم بعضه، قلنا: لا، لأن المراد بقولنا في الجملة ما لا ينافي مسألة الآبق و الضال حذرا من مخالفة الإجماع لا مطلقا.

و قال الحلي: و لا يلحق به الضال فيصح بيعه بغير ضميمة، و يضمنه البائع حتى يسلمه ما لم يسقط المشتري، و قال الشهيد الثاني في المسالك: و لا يلحق به غيره مما في معناه كالبعير الشارد و الفرس الغائر على الأقوى، اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص، فعلى هذا يبطل البيع و يحتمل الصحة مراعاة بالتسليم، و في الروضة و لا يلحق بالآبق غيره مما في معناه كالبعير الشارد و الفرس الغائر على الأقوى، بل المملوك المتعذر تسليمه بغير الإباق اقتصارا فيما خالف الأصل على المنصوص، و قال في الضال و المجحود: يحتمل قويا بطلان البيع لفقد شرط الصحة و هو إمكان التسليم، و قال المولى الأردبيلي: و الظاهر أنه لا يقاس على الآبق الضالة من البعير و الغنم و غيرهما، فان الظاهر جواز بيعها من غير انضمام شي ء

ج 22، ص: 402

إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخفى ما فيها بعد الإحاطة بجميع ما ذكرنا، و لا كون التحقيق ما عرفت، بل لعل الظاهر إلحاق إجارة الآبق و ما شابهه بالبيع فيما سمعته من الحكم بالنسبة إلى الضميمة و غيرها، نعم

في الدعائم (1)عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم «نهى عن بيع العبد الآبق و البعير الشارد»

و فيها أيضا قال علي عليه السلام (2)«لا يجوز بيع العبد الآبق و لا الدابة الضالة»

يعني قبل أن يقدر عليهما و فيها أيضا متصلا بذلك

قال جعفر بن محمد عليهما السلام (3)«إذا كان مع ذلك شي ء حاضر جاز بيعه، يقع البيع على الحاضر»

لكن لا جابر له على وجه ينافي بعض ما ذكرناه سابقا، و الله العالم.

و كيف كان فلا إشكال كما لا خلاف في أنه يصح بيع ما جرت العادة بعوده كالحمام الطائر و السموك المملوكة المشاهدة في المياه المحصورة و نحو ذلك، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، لكن في محكي التذكرة و لو باع الحمام المملوك و هو طائر فإن كان يألف الرجوع فالأقوى الجواز، و هو أضعف وجهي الشافعي للقدرة على التسليم كالعبد المنفذ في شغل، و الأقوى عنده المنع، و قال: أحمد إذ لا قدرة في الحال و ليس له رادع يوثق به، و ينتقض بالغائب فإنه غير مقدور عليه في الحال، و في محكي التحرير و لو باع ما يمكن تسليمه في ثاني الحال لا فيه، فالوجه جوازه، و يتخير المشتري، و في الجميع ما لا يخفى، نعم لو باع ما يتعذر تسليمه إلا بعد مدة فيه تردد لا زمان يسير لا يسقط معه شي ء من شي ء من المنافع المعتد بها، فإنه ينبغي القطع


1- 1 الدعائم- ج 2 ص 20.
2- 2 الدعائم ج 2- ص 21.
3- 3 الدعائم ج 2- ص 21.

ج 22، ص: 403

بصحته، و إلا لزم بطلان بيع الشي ء الحاضر في البلد إذا كان غائبا عن محل المعاملة و نحو ذلك مما هو معلوم البطلان، بل الأقوى في الأول الجواز، وفاقا لصريح، جماعة بل لا أعرف مصرحا بالمنع، بل ظاهر المصنف و غيره ممن تردد في ذلك الميل إلى الجواز بعد التردد، لوجود المقتضي و هو العقد الصادر من أهله في محله، مع انتفاء المانع فيه و هو تعذر التسليم لإمكانه كما هو المفروض، غاية الأمر تعذره في الحال و ليس شرطا، و إلا لزم بطلان السلف فيما لا يوجد حال العقد، و بطلانه معلوم بالإجماع.

و أيضا ظاهر الفقهاء الاتفاق على جواز بيع الوديعة و العارية و العين المستأجرة و بيع الشي ء الغائب، و لذا أورده العلامة فيما سمعت نقضا على الشافعي، بل جعله حجة على من منع، من جواز بيع الدين قبل حلوله، و كذا المغصوب الذي حكي عن الفاضل الإجماع على جواز بيعه إذا كان البائع قادرا على انتزاعه، و لا ريب أن التسليم فيما ذكر يستدعي زمانا طويلا غالبا، و حمل ذلك كله على ما يمكن تسليمه قبل مضي زمان يفوت معه المنفعة المعتد بها ظاهر الفساد، بعد كون الأصحاب بين مطلق لاشتراط القدرة على التسليم المتحقق في المسألة و مصرح بالجواز فيها، أو فيما يستلزمها من المسائل المذكورة، بل سمعت عن المرتضى و ابن الجنيد و من وافقهما جواز بيع الآبق المقدور للبائع أو المشتري، بل عن ظاهر الشيخ و جماعة جواز بيع السمك في البرك العظيمة التي لا يمكن اصطيادها منها إلا بعد مشقة و مضي زمان، نعم عن الشيخ في الخلاف ما يوهم خلاف ذلك، حيث قال فيما لا يمن اصطياده من السمك المشاهد في الماء الكثير إلا بمؤنة و تعب، أنه لا يصح بيعه عندنا، إلا إذا ضم إليه شي ء من القصب أو غيره، لكنه ليس

ج 22، ص: 404

نصا في اشتراط القدرة على التسليم في الحال، لاحتمال أن يكون الوجه فيه تنزيل المشقة و التعسر منزلة التعذر، فلا يكون مقدورا على تسليمه، كما أن ما سمعته من التحرير لا صراحة فيه في المنع في غير ما ذكره، لاحتمال إرادة التمثيل به أو قصد ما بعد العقد مطلقا، فلا خلاف محقق في المسألة، و منه يعلم ضعف أحد التردد في المتن، و هو مانعية العجز الفعلي، نعم لا بأس بثبوت الخيار في ذلك مع الجهل لكون المشتري قادما على الانتفاع بالمبيع بعد البيع، فلما تعذر ذلك جبر بالخيار دفعا للضرر، بخلاف العالم فإنه لا خيار له للأصل السالم عن المعارض.

و إلى ذلك كله أومئ المصنف بقوله و لو قيل بالجواز مع ثبوت الخيار للمشتري أي مع الجهل ل كان قويا، بل اللائق الجزم به لما عرفت، لكن ينبغي أن يعلم أن ما لا يمكن تسليمه في الحال إما أن يشترط في بيعه تأخير تسليمه إلى أجل معلوم يمكن تسليمه فيه أولا، و على التقديرين، فاما أن يكون المبيع موصوفا مضمونا في الذمة، أو عينا موجودة معينة، ففي المسألة حينئذ صور أربع، الأولى بيع المضمون المؤجل بأجل معلوم و هو السلف، و لا ريب في صحته و لا في عدم اشتراط القدرة على تسليمه في الحال كما تعرفه في محله، الثانية بيع العين الموجودة المشروط تسليمها بعد انقضاء مدة التعذر و لا ينبغي الشك في صحة هذا البيع أيضا فإنه كالسلم، بل لعله أولى لاشتراكهما في التأجيل و ضبط الأجل مع زيادة وجود المبيع و العلم به فلا يدخله ما يدخل السلم من الغرر المغتفر، الثالثة بيع العين المقدور تسليمها بعد مدة غير مضبوطة في العقد، فان كانت مقدرة في العادة، فالبيع صحيح لأن العادة بمنزلة الشرط المذكور في العقد، بل الظاهر الجواز في غير المقدرة

ج 22، ص: 405

عادة أيضا، للعموم المؤيد بإطلاق الفتوى، فإنهم لم يشترطوا في بيع ما يتعذر تسليمه في الحال انضباط المدة التي يمكن التسليم بعدها بحسب العادة، كما لم يشترطوا تعينها في أصل البيع، و كلامهم في جواز بيع الغائب و الوديعة و العارية و المغصوب و الآبق و السمك، ضرورة عدم انضباط المدة في ذلك و اختلافها زيادة و نقصا اختلافا فاحشا، و لا غرر في ذلك بعد إمكان التسليم، و فوات المنفعة مدة التعذر ليس من الغرر في المبيع، و إنما هو غرر في غيره، إلا أنه أقدم عليه مع العلم، و جبر بالخيار مع الجهل، فلا غرر حينئذ و لا ضرر، و اشتراط ضبط الأجل في المؤجل إنما هو لكون الأجل فيه مقصودا فوجب ضبطه، بخلاف غيره مما لم يقصد فيه الأجل، فلم يعتبر فيه الضبط، و ما يقال من أنه إذا لم يعين الأجل في العقد و لم يكن مقصودا امتنع ثبوت الخيار في وقت، لاحتمال التمكن فيما بعده، يدفعه ما قيل: من أن الخيار ثابت عند اليأس من حصوله، و هو معلوم بالعادة، الرابعة بيع الموصوف المضمون المتعذر تسليمه في الحال من دون أجل، و فيه وجهان يلتفتان إلى أن ذكر الأجل هل هو شرط في صحة السلم؟ فيصح بيعا لا سلما؟ أو في صحة البيع؟ فلا يصح مطلقا، أو يفصل بين ما ينضبط فيه المدة بحسب العادة المنزلة منزلة الشرط و بين غيره؟ فيصح في الأول دون الثاني، و ربما كان ظاهر صحيح عبد الرحمن و حسنه (1)بطلان البيع في هذه الصورة و صحته فيما عداها، و تعرف إنشاء الله في باب السلم تحقيق الحال في ذلك و الله العالم.

[لرابع أن يكون الثمن معلوم القدر و الجنس و الوصف ]

الشرط الرابع أن يكون الثمن معلوم القدر و الجنس و الوصف فلو باع بحكم أحدهما أو ثالث أو عرف أو عادة في قدر الثمن،


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب أحكام العقود الحديث 1 و 3.

ج 22، ص: 406

أو جنسه أو وصفه لم ينعقد البيع بلا خلاف أجده فيه بيننا.

في أصل اعتبار العلم به عند المتبايعين، إلا من الإسكافي فإنه قال:

لو وقع البيع على مقدار معلوم بينهما، و الثمن مجهول لأحدهما جاز إذا لم يكن يواجبه كان للمشتري الخيار، إذا علم ذلك كقول الرجل بعني كر طعام بسعر ما بعت فاما إن جهلا جميعا قدر الثمن وقت البيع لم يجز و كان البيع منفسخا، و هو متروك بل مسبوق بالإجماع ملحوق به، و مخالف لحديث نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع الغرر(1)نعم

في الناصريات الاكتفاء بالمشاهدة في العلم به عن وزنه و كيله و عده، من غير فرق بين ثمن السلم و الأجرة و غيرهما، و كذا عن الشيخ رحمه الله كما أني لا أعرف خلافا في عدم الاكتفاء بها كذلك في المبيع إلا من الإسكافي، فجوز بيع الصبرة المشاهدة جزافا بجزاف مغاير للجنس، كما حكاه عنه الشهيدان في الدروس و الروضة و السيوري في التنقيح على ما قيل، لا مطلق جواز بيع الجزاف الذي هو مذهب العامة، و ليس قولا لأحد من أصحابنا، و إن حكي عن ظاهر المجمع و الكفاية وجود القائل به منا؟ إلا انا لم نتحققه، و لعلهما أخذاه من عبارة الإسكافي المحكية عنه في المختلف، إلى أن التدبر فيها و في المحكي عنه يقتضي ما عرفت، أو مما في الدروس عن المبسوط أنه مال إلى صحة بيع الجزاف، و هو غير محقق أو المحقق عدمه، كما أن ما فيها أيضا من أنه لا تكفي المشاهدة في الموزون، خلافا للمبسوط و إن كان مال السلم، خلافا للمرتضى لا يخلو من خلل لا يخفى على المتتبع.

و على كل حال فلا ريب في ضعف الجميع لأمور، أحدها الإجماع المحكي إن لم يكن المحصل على اعتبار الوزن و الكيل في الثمن و المثمن، و يتم


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

ج 22، ص: 407

في المعدود بعدم القول بالفصل، و قول المرتضى رحمه الله ما أعرف لأصحابنا إلى الآن نصا في هذه المسألة، أي اشتراط معرفة رأس مال السلم غير مناف، لذلك خصوصا بعد إمكان تأخر الإجماع عن عصر السيد، و اللاحق كالسابق في الحجية، ثانيها معلومية شرطية العلم بالعوضين، في صحة البيع و هو في كل شي ء بحسبه، و ما جرت العادة فيه بتقدير مخصوص، فالعلم يتبع حصول ذلك التقدير، و بيعه بدونه خرص و تخمين، و ليس من العلم في شي ء، و من ثم اتفقت الكلمة على تسميته جزافا، و هو بنص أهل اللغة الأخذ بالحدس و المساهلة في الأمر من غير تحقيق، فالمشاهدة إن أريد أنها تقوم مقام التقدير في حصول العلم، فالحس يكذبه، و العرف يقضي بخلافه، و إن أراد حصول المعرفة الإجمالية بها فهو مسلم، لكن لا يجدي نفعا في الصحة لبقاء الجهالة، و انتفاء شرط المعلومية.

لا يقال المنفي في هذا الفرض المعلومية من كل وجه، و ليست شرطا، و إلا لما صح شي ء من البيوع لخلوها عن الإحاطة التامة، و إنما الشرط معلومية الشي ء في الجملة، و هي حاصلة بالمشاهدة، لأنا نقول:

كما امتنع أن يراد بالعلم المشترط المعلومية من كل وجه، فكذا يمتنع أن يراد به المعلومية في الجملة، و أنها لو كانت كافية في صحة البيع، لزم أن لا يفسد شي ء من البيوع بفقد شرط العلم، لامتناع المجهول المطلق، و حيث بطل هذان المعنيان، ثبتت الواسطة بينهما، و هي معلومية الشي ء بحسب العادة، بمعنى ارتفاع الجهالة عنه كذلك، و عده معلوما فيها على الإطلاق، و إن انتفت الإحاطة به من كل وجه، فإنها اللازم من بطلان الطرفين المتقابلين، و من تحكيم العرف و العادة فيما

ج 22، ص: 408

لم يرد فيه تحديد من الشرع، و لا ريب أن معلوميته بحسب العادة إنما يحصل بتقديره، بما هو المعتاد فيه، فلو انتفى كما في بيع المكيل و الموزون من غير كيل و وزن انتفت المعلومية بالمعنى المراد.

ثالثها حديث الغرر(1)فإنه كما يدل على أصل اشتراط العلم بالعوضين، فكذا على وجوب تقديرهما بالأمر المعتاد فيهما، و ذلك لأن ما يقدر في العادة بالكيل و الوزن مثلا يختلف فيه الثمن بحسب اختلاف مقداره كيلا و وزنا، و ما يختلف الثمن باختلاف التقدير فيه لا يرتفع عنه الغرر و المخاطرة إلا بذلك التقدير، إذ المشاهدة إنما يرتفع بها الغرر الحاصل من اختلاف الجنس و الوصف، بخلاف المقدار فإنه لا يدرك بالحس و الخرص فيما يقدر عادة خلاف المعتاد، فالاختلاف الحاصل من قبله غرر منفي، بخلاف ما يحصل من اختلاف الموازين و المكاييل، فإنه عادى مغتفر في العادة، و قد علمت أن الغرر المنفي هو الاختلاف الذي لا يتسامح به عرفا و عادة و إن قل، و أن المتسامح به ليس بغرر أو غرر مغتفر، و الاختلاف الحاصل بالكيل و الوزن من هذا القبيل، و كذا الحاصل بالمشاهدة فيما جرت العادة بالاكتفاء بها سواء كان التقدير فيه غير ملحوظ أصلا كما في بيع الأناسي من العبيد، أو مقصودا كما في بيع الثمار و الأشجار، و بيع الحيوان المقصود منه اللحم، فان المقدار و إن كان مراعى فيه في الجملة

إلا أنه لما جرت العادة بالاكتفاء فيه بالمشاهدة، جاز بيعه كذلك و إن أمكن الوزن و سهل الاختبار.

رابعا ما رواه المشايخ الثلاثة رحمهم الله تعالى بطرق متعددة منها


1- 1 الدعائم ج 2 ص 19.

ج 22، ص: 409

الصحيح الواضح و الراجح و

الحسن كالصحيح عن الحلبي (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من رجل طعاما عد لا بكيل معلوم ثم إن صاحبه قال للمشتري ابتع مني هذا العدل الآخر بغير كيل فان فيه مثل ما في الآخر الذي ابتعته قال: لا يصلح إلا أن يكيل، و قال: ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا ما يكره من بيع الطعام»

فان المفهوم من نفي الصلاح عرفا و لغة ثبوت الفساد كما يشهد له غلبة استعماله في ذلك في النصوص بل لعل ذلك هو الظاهر هنا من حال السائل فإن المهم السؤال عنه باعتبار الصحة خصوصا بعد تجويز أهل الخلاف بيع الجزاف، فان ذلك مما يبعث على السؤال في حق الفقيه العارف، كالحلبي الذي هو من فقهاء أصحاب الأئمة عليهم السلام، و أول من صنف في الفقه على ما قيل، و لا ينافي ذلك الحكم بالكراهة في آخر الحديث فإنها تستعمل في الكتاب و السنة بمعنى التحريم و الأهم منه و من الكراهة بالمعنى الأخص، استعمالا كثيرا شائعا، فيحمل اللفظ عليه تحكيما للصدر على

العجز، بل لا إشكال أصلا بناء على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها، كما صرح به جماعة،

و في حديث أبي بصير(2)«في بيع المثلين من التمر بمثل هذا مكروه، فقال: أبو بصير: و لم يكره؟ قال: كان علي عليه السلام يكره أن يستبدل وسقا من تمر المدينة بوسقين من تمر خيبر، و لم يكن علي عليه السلام يكره الحلال،»

و قد قال الله سبحانه(3):

«كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً» و أكثر المذكورات قبلها من أكبر المحرمات، و ثبوت الحكم في الطعام يقتضي ثبوته في غيره مما يكال


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 15 من أبواب الربا.
3- 3 سورة الإسراء الآية 38.

ج 22، ص: 410

أو يقدر بغير الكيل، لعدم القول بالفصل، و للأولوية في الموزون، و ظهور ان العلة، المنع من المجازفة، فيطرد الحكم في الجميع، و التقييد بالطعام في الجواب مع كونه بالمفهوم الضعيف، تنصيص على محل الحاجة، و هو مورد السؤال فلا يقتضي تقييد الحكم، و ليس في السؤال تصريح بكيل البائع العدل الثاني، حتى ينافي ما ثبت من جواز الاعتماد على إخباره، و قوله: فان فيه مثل العدل الآخر ليس نصا في وقوع التقدير بالكيل، فيحمل على إرادة التخمين و المقايسة بين العدلين لتشابههما و تقاربهما في السعة، و

لذا لم يتعرض لذلك في العدل الأول و لا للآخر من أول الأمر، بل بعد ما عرف الكيل الأول، و المراد من قوله ما كان من طعام سميت فيه كيلا ما كان مكيلا سمي فيه الكيل، و يطلق عليه اسم المكيل فالوصف غير مخصص، أو المقصود منه الاحتراز عما لا يكال من المطعوم، و ليس المراد ما بنى عقده على الكيل و سمي فيه الكيل عند البيع، و إن أوهمه ظاهرا، لأن المنع عن المجازفة فيه معلوم بالضرورة، لأخذ التقدير في بيعه، فلا يعقل جوازه بدونه، و مقام هذا السائل الجليل يجل عن السؤال عن مثله، نعم يحسن السؤال حينئذ عن جواز التعويل على إخبار البائع، و حيث امتنع ذلك كما عرفت تعين أن يكون المراد ما قلنا.

و منه يعلم ما في مناقشة المحقق الأردبيلي في الخبر المزبور، حتى أنه بعد أن حصر الدليل فيه، و ناقش بما عرفت ضعفه، ربما ظهر منه الميل إلى الجواز، بل لعله صار سببا لجرأة غيره على ذلك أيضا، لكن قد سمعت دلالته و غيره على المطلوب، الذي قد يؤيد مضافا إلى ما ذكرناه من الأدلة بظواهر الآيات المتضمنة للأمر بالوزن (1)و اقامته و نزول


1- 1 سورة الإسراء الآية 35.

ج 22، ص: 411

الميزان و وضعها(1)و الأخبار الدالة على وجوب تقدير المسلم فيه بالكيل و الوزن (2)

فان السلف نوع من البيع، و كذا ما دل على المنع من الطعام المبتاع قبل أن يكال أو يوزن(3)بحمله على انتفائهما في البيع الأول، لوجود المعارض و عدم ظهور وجه التحريم في غيره، و ما تضمن المنع من البيع بصاع غير صاع المصر كما رواه الحلبيان (4)فإن إطلاق المنع منه يتناول صورة العلم بالمغايرة، و لا وجه له سوى تحريم المجازفة، و كذا ما ورد من اعتبار المعدود و الموزون بالكيل إذا تعذر عده و وزنه (5)إذ لو صح الجزاف لكفى عن مؤنته.

و ليس في شي ء من ذلك دلالة يعتد بها، و إن كان لا يخلو التأييد ببعضها من نظر، باعتبار كون المقصود منه أمر آخر لا تعلق له بهذا الفرض، كل ذلك مع عدم حجة معتد بها في الاكتفاء بالمشاهدة، سوى دعوى وجود المقتضي للصحة و هو عموم الكتاب و السنة و انتفاء المانع إذ ليس إلا الجهالة المنتفية بالمشاهدة التي قد عرفت جوابها نقضا بالبيع، و حلا بما سمعت، و كذا حجة الإسكافي بأن المانع إن كان الربا، فهو منتف بفرض الاختلاف في الجنس، أو الجهالة و هي مندفعة بمثلها، و فيه أن المانع نفس الجهالة و هي تزداد بانضياف مثلها فكيف تندفع بها.

و من الغريب بعد ذلك كله ما في الحدائق من المناقشة في خصوص البطلان فيما لو باع بحكم أحدهما، المحكي عليه الإجماع عن التذكرة


1- 1 سورة الرحمن الآية 9.
2- 2 الوسائل الباب 6 من أبواب السلف.
3- 3 الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع و شروطه.
4- 4 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 7 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 412

و غيرها، مضافا إلى ما سمعت للصحيح أو الحسن

كالصحيح عن رفاعة(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت ساومت رجلا: بجارية له فباعنيها بحكمي، فقبضتها منه على ذلك ثم بعثت إليه بألف درهم فقلت له: هذه الألف درهم حكمي عليك فأبى أن يقبضها مني و قد كنت مسستها قبل أن أبعث إليه بالألف درهم، قال: فقال:

أرى أن تقوم الجارية بقيمة عادلة، فإن كان قيمتها أكثر مما بعثت إليه، كان عليك أن ترد ما نقص من القيمة، و إن كان قيمتها أقل مما بعثت إليه فهو له، قال: فقلت له: أ رأيت ان أصبت بها عيبا بعد ما مسستها، قال: ليس عليك أن تأخذ قيمة ما بين الصحة و العيب»

بل ظاهره بعد ذلك جواز بيع المكيل و الموزون بغير كيل و لا وزن أيضا، ل

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله البصري (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري بيعا فيه كيل أو وزن بغيره ثم يأخذه على نحو ما فيه فقال: لا بأس»

و للأخبار الدالة على جواز تصديق البائع و الأخذ بما يقوله (3).

ضرورة أن الخبر الأول الذي لم يحكم بصحة البيع فيه على نحو ما وقع فيه، بل بثمن المثل الذي لم يكن مقصودا لهما، مع اتحاده و هجره بين الطائفة، و احتماله قضية في واقعة. و الموافقة للعامة، و التوكيل في البيع الذي ينبغي فيه مراعاة ثمن المثل، و تلف الجارية و الشراء جديدا بثمن المثل، و غير ذلك مما لا يليق بالفقيه، الجرأة به على مخالفة قواعد المذهب التي صارت من ضرورياته، و يعرفه المخالف


1- 1 الوسائل الباب 18 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 4 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 22، ص: 413

لنا فضلا عن الموافق، و كذا الخبر الثاني الذي في سنده ما فيه، بل من المحتمل قويا كون بغيره فيه يعيره بالمثناة التحتانية و العين المهملة من التعيير فصحف، و يكون حينئذ على نحو

خبر عبد الملك بن عمر(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام اشترى مائة راوية من زيت فاعترض راوية أو اثنتين فأزنهما، ثم أخذ سائره على قدر ذلك قال: لا بأس»

و غيره من الأخبار المراد منها اعتبار بعض المبيع على وجه يشهد بصدق البائع في الأخبار بالتساوي أو تحصيل الطمأنينة بذلك بحيث يرتفع صدق الغرر في البيع، بل لعل تصديق البائع من دون اعتبار كذلك أيضا، فإن الشراء منه بناء على صدقه فيما أخبر به، لا يعد من شراء المجهول و الغرر، المجازفة قطعا، فانا لا نعتبر في المعلومية أزيد من

ذلك، بعد تظافر النصوص بها(2)كما هو واضح لدى كل مجرد عن حب مخالفة الأصحاب الذين هم حفاظ المذهب و حماته و قوامه و هداته، جزاهم الله عن أيتام آل محمد خير الجزاء و شكر سعيهم، و قد فعل و الحمد لله أولا و آخرا.

و على كل حال ف لو تسلمه المشتري مع اختلال هذا الشرط بل و غيره من الشرائط فتلف في يده كان مضمونا عليه مع العلم و الجهل بلا خلاف و لا إشكال، لعموم

«على اليد»(3)

و «من أتلف»(4)

و أصالة احترام مال المسلم، و قاعدة ما يضمن بصحيحه


1- 1 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه.
3- 3 سنن البيهقي ج 6 ص 90 و كنز العمال ج 5 ص 257.
4- 4 قاعدة مستفادة من مضامين الأخبار و من أراد الاطلاع على مداركها فليراجع القواعد الفقهية ج 2 للسيد البجنوردي.

ج 22، ص: 414

يضمن بفاسده، و الإجماع بقسميه، و غير ذلك مما يقضي بكونه مغصوبا في يده، أو كالمغصوب في جميع أحكامه، فما عن الأردبيلي و تابعه المحدث البحراني من الوسوسة في ذلك، لأصالة البراءة و إمكان العلم فضلا عن الظن بالرضاء من البائع بالتصرف في المبيع، عوض التصرف في الثمن، و إن كان البيع فاسدا، و نحو ذلك من الخرافات الخارجة عن مفروض المسألة الذي هو قبض المبيع بالبيع الفاسد، من حيث كونه كذلك، الأجنبي عن المعاطاة المتوقفة على

إنشاء جديد غير الأول، و عن التصرف بعلم الرضا الذي هو جائز من دون توسط البيع في غير محله، إنما الكلام في كيفية ضمانه، فخيرة المصنف بل ربما قيل الأكثر أنه كان قيميا يضمنه، بقيمته يوم قبضه لأنه وقت تعلق الخطاب، و إن كان ترتيبا، و لخبر البغل (1)المتمم بعدم القول بالفصل بين مورده أي الغصب و بين المقام، و قيل يوم تلفه، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر لأنه زمان الانتقال إليها.

و قيل بأعلى القيم من يوم قبضه إلى يوم تلفه مطلقا كما هو ظاهر بعضهم، بل ربما نسب إلى الأشهر لأن القيمة على اختلاف أحوالها للمالك فيملك أعلاها، و لدعوى دلالة خبر البغل و إن كانت التفاوت بسبب نقص في العين أو زيادة، لأن زيادة العين مضمونة مع بقائها، فكذا مع تلفها دون ما لو كان باختلاف السوق، فإنه يضمن حينئذ بقيمته يوم تلفه، كما هو صريح المسالك و في محكي المقنعة و النهاية في خصوص الفساد بما في المتن الضمان يوم البيع، إلا أن يحكم على نفسه بالأكثر فيجب أو يكون البائع حاكما فيحكم بالأقل فيتبع، و عن أبي الصلاح و القاضي اختياره، و لعل الأقوى الثاني، لما عرفت من أنه


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 415

زمان الانتقال إليها، بل ربما يرجع إليه الأخير، ضرورة كون البحث في القيمة من حيث

اختلاف السوق، و إلا فلا ريب في أنه للمالك أرش النقص لو فرض حصوله في يد المشتري، مضافا إلى ضمان القيمة يوم التلف ناقصة، و لا يضمنها كاملة تقديرا حال التلف، و كذا الزيادة التي حصلت عند المشتري، إن قلنا بضمانها، لأنها كما لو كانت عند البائع فتلفت عند المشتري في التبعية لملك العين، و استدامة الغصب كابتدائه بالنسبة إلى ذلك.

نعم قد يتوقف في ضمانه لها لو رد العين إلى المالك، كما كان قد أخذها منه، لصدق أداء ما أخذت، مع احتمال أن يقال: انه و إن صدق أداء ما أخذ بالأخذ الأول، لكنه غير صادق بالنسبة إلى استدامة يده، فإنه أخذ أيضا و لم يؤد كما أخذ به، لأن الفرض تلف الزيادة، فلا فرق حينئذ في ضمان النقص عما كانت في يد المالك، و النقص عما كانت في يده، زمانا من الأزمنة، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق إنشاء الله في باب الغصب، على كل حال فهو خارج عما نحن فيه من ضمان قيمة العين، من حيث السوق، ضرورة أنه في الفرض المزبور يضمن النقص عند تلفه، و يضمن العين عند تلفها، لا أنه يضمن أعلى القيم، فلعل مراد ثاني الشهيدين ذلك، كما هو خيرته في الروضة.

بل يمكن إرجاع القول بضمان أعلى القيم من القبض إلى يوم التلف إلى ذلك، بالتقريب الذي ذكرناه، إذ احتمال إرادة الأعلى من السوق، يدفعه أن ذلك أمر اعتباري و ليس مالا محققا كي يضمنه الغاصب، فيكون في المسألة قولان، و لا ريب في أن ثانيهما أقواهما، لأن الخطاب الترتيبي قبل حصول المرتب عليه غير محقق، فلا يترتب عليه حكم، و خبر البغل غير دال على ذلك، لاحتمال كون المراد فيه يلزمك

ج 22، ص: 416

يوم خالفته قيمة البغل لو عطب بل الظاهر، لا أن المراد قيمته يوم المخالفة، فإن ذلك غير ملحوظ بل مقطوع بعدمه، خصوصا و من المستبعد اختلاف قيمة البغل في ذلك الزمان، و لذا حكم في آخره بأنه إذا أقام صاحب البغل البينة على قيمة بغله يوم أجرة أداها له و ما ذلك إلا للبناء على اتحاد القيمة في سائر الأحوال، كما هو الغالب و ربما يؤيده أيضا ما فيه جواب قوله، فإذا أصاب البغل كسرا و دبرا و غمر، عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه، ضرورة كون المراد أن عليك يوم ترد البغل إلى مالكه قيمة ما بين الصحة و العيب يوم تعيبه، لأنه في ذلك الوقت تعلق به الضمان دون يوم الأداء، و من هنا يعلم ضعف احتمال ضمان القيمة يوم الأداء في المسألة، مع أني لم أجده قولا لأحد، كاحتمال يوم المطالبة و الأعلى من يوم القبض أو التلف إلى المطالبة أو الأداء فإنها مبنية على اعتبارات ضعيفة، و الموافق لأصول المذهب ما عرفته، كما أن الموافق لها في المثلي ضمانه بمثله، و بقيمته يوم إعوازه، لأنه وقت الخطاب لا قيمته حين تسلم البدل، و إن قيل أنه الأشهر، و لا أعلى القيم من يوم قبضه إلى إعوازه و لا إلى المطالبة، و لا إلى الأداء و لا من إعوازه إلى المطالبة، و لا إلى الدفع، و الله العالم.

و كيف كان فقد عرفت أنه ان نقص المبيع مثلا فله أرشه مع رد العين أو عوضها، و كذا لو زاد لا بفعل المشتري بل من الله بل و من فعله مع العلم بالفساد، فإنه ليس له حينئذ إلا الزيادة العينية التي يمكن فضلها كما في المسالك و إن كان لا يخلو من نظر نعم لو زاد بفعله جاهلا كان له قيمة الزيادة و إن لم تكن عينا، و بالجملة حكمه في ذلك حكم الغاصب الذي تعرف تحقيق الحال

ج 22، ص: 417

في محله إنشاء الله هذا و قد ظهر لك مما ذكرناه في أول البحث الحال في الشرط.

[الخامس أن يكون المبيع معلوما]
اشارة

الخامس إذ كما يشترط العلم بالثمن على الوجه المزبور كذلك يشترط أن يكون المبيع معلوما على الوجه الذي سبق و حينئذ فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا و لو كان مشاهدا كالصبرة و لا بمكيال مجهول كقصعة حاضرة و إن تراضيا بها، و لا الوزن المجهول كصخرة معينة و لا العدد المجهول كملأ اليد و نحوها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النهي عن الغرر(1)و عدم صدق العلم و غير ذلك مما سمعت و خصوص

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (2)«لا يصلح للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر»

و قال: في الآخر(3)«لا يحل للرجل أن يبيع بصاع غير صاع المصر قلت فان الرجل يستأجر للكيل الكيال فيكيل له بمد بيته لعله يكون أصغر من مد السوق و لو قال هذا أصغر من مد السوق لم يأخذ به و لكنه يحمله ذلك و يجعله في أمانته فقال: لا يصلح إلا مد واحد و الأمناء بهذه المنزلة»

و في

صحيح سعد(4)«عن أبي الحسن عليه السلام سئل عن قوم يصغرون القفزان يبيعون بها قال: أولئك الذين يبخسون الناس أشياءهم»

فما في الحدائق عن الأردبيلي رحمه الله من المناقشة في ذلك في غير محلها، نعم لو تعاقدا على صاع بلد و لو غير


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 26 من أبواب عقد البيع و شروطه 2 مع اختلاف يسير.
4- 4 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 418

بلدهما معلوم معروف عندهما أو وزن كذلك، أمكن القول بالجواز، و لا ينافيه الحسن المزبور المراد منه عدم الجواز بصاع غير صاع المصر على انه صاع المصر لا مع الفرض المزبور الذي وجه الصحة فيه واضح، للعمومات، و عدم الغرر، و صدق العلم، و لعل هذا هو الذي يريده الأردبيلي، لا جواز اتفاقهما على صخرة مجهولة، أو قصعة كذلك و

نحوهما، مما وجه الفساد معه واضح، كوضوح عدم الفرق بين الاعتبارات الثلاثة، فالمناقشة عنه أيضا في اعتبار العدد في خصوص المعدود بمعنى أنه يجوز من غير اعتبار مع التراضي في غير محلها، ضرورة تحقق الغرر، كعدم الكيل و الوزن، في المكيل و الموزون، كما عساه يشهد له صحيح الحلبي و ابن مسكان في الجواز(1)كما ستعرف و التراضي بغير المشروع غير مجد، و ليس من المجهول ما يضعه حاكم الوقت معيارا للكيل و الوزن، فيجوز البيع به و الشراء قبل شيوعه، و قد عرفت ان المدار صدق المعلومية على الإطلاق، و لا ريب في اختلافها باختلاف الأحوال، فرب شي ء في حال من الأحوال لا مدخلية لاعتباره في صدقها، و إن توقفت عليه في حال آخر، بل قد يقل المكيل مثلا على وجه لا يدخله الكيل لقلته، فان الظاهر جواز بيعه جزافا، كما هو واضح، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز ابتياع جزء من معلوم لا مجهول و إلا تجهل المبيع بجهله بخلاف ما إذا كان معلوما بنفسه و الجزء المبيع معلوما أيضا بالنسبة لكونه مشاعا كالثلث و الربع، فإنه لا جهالة و لا غرر حينئذ سواء كانت أجزائه متساوية أو متفاوتة بل الإجماع بقسميه عليه للعمومات السالمة عن معارضة الغرر و الجهل نعم لا يجوز ابتياع شي ء مقدر منه لا بقصد


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.

ج 22، ص: 419

الإشاعة، إذا لم يكن متساوي الأجزاء كالذراع من الثوب و الجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع بلا خلاف و لا إشكال مع قصد الإبهام الذي لا يصلح، لتعلق الخطاب فضلا عن تحقق الملك بالسبب المعتبر في متعلقة المعلومية، بل ظاهرهم ذلك أيضا مع قصد الكلية، من دون خلاف فيه فضلا عن كل واحد بخصوصه على البدل، نحو الوجوب التخييري، و لعل الوجه في الأخير أنه ليس في الشرع ملك واحد على البدل، فلا يصلح لأن يكون مورد الكل ناقل، فضلا عن البيع مضافا إلى صدق الغرر و الجهالة التي هي وجه الأول أيضا، لكن لو سلم ذلك في الأول حتى بالنسبة إلى الوصية، و شاة الزكاة، يمكن إشكاله في الأخير بمنع الغرر و الجهالة في بيع الكلي، من غير فرق بين حصر أفراده المعلومة للمتبايعين بالصفات المشتركة بينها على وجه يكتفي في بيع كلي منتزع منها و إن لم يحصر فيها و عدمه، و لذا صح عندهم السلم في الكلي و إن كان قيميا، و صح بيع الصاع من الصبرة و إن لم يكن على الإشاعة، كما ستسمعه إنشاء الله.

بل صحيح الأطنان كالصريح في ذلك،

روى بريد بن معاوية في الصحيح (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى من رجل عشرة

آلاف طن في أنبار بعضه على بعض من أجمة واحدة، و الأنبار فيه ثلاثون ألف طن فقال: البائع قد بعتك من هذا القصب عشرة آلاف طن، فقال: المشتري قد قبلت اشتريت و رضيت فأعطاه من ثمنه ألف درهم، و وكل المشتري من يقبضه، فأصبحوا و قد وقع النار في القصب فاحترق منه عشرون ألف طن، و بقي عشرة آلاف فقال العشرة آلاف طن التي بقيت هي للمشتري، و العشرون التي احترقت من مال البائع»

و هو


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 420

صريح فيما ذكرناه و كونه في أطنان القصب و هي مثلية متساوية الأجزاء يدفعه أو لا منع كونه من المثليات، و على فرض تسليمه لم يفرقوا فيما ذكروه بين المثلي و القيمي، و لذا صرح في القواعد بالبطلان فيه، قال:

و لو قال بعتك صاعا من هذه الصيعان مما يتماثل أجزائه صح، و لو فرق الصيعان فقال بعتك أحدها لم يصح، و ظاهره التفرقة بين الصيعان المجتمعة و المتفرقة، بل لم أر أحدا ممن تأخر عنه خالفه في ذلك.

إلا ما عساه يظهر من المحكي عن الأردبيلي، فإنه بعد أن حكى عن الأصحاب المنع من بيع الذراع من الثوب أو الأرض، مع عدم تعيين الموضع و الجواز مع تعيينه بطرف مخصوص، قال: و فيه تأمل إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم، فإنهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أي رأس أراد المشتري أو من أي جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك، مع أن الغالب هو التساوي في طول ثوب الكرباس مثلا، و الأرض المتصلة الأجزاء بمعنى عدم التفاوت بين أجزائها، المستلزم لتفاوت في القيمة، و كأنه لحظ ما ذكرناه و إن زاد بالمعية أخيرا في المناقشة، في خصوص الأرض و الثوب، بأنه ربما كانت متساوية الأجزاء، فما فهمه منه في الحدائق من اختصاص خلافه في خصوص ذلك من مختلف الأجزاء، حتى أنه هو قد اختار التفصيل في مختلف الأجزاء بذلك في غير محله، ضرورة اتحاد المدرك في الجميع، بناء على ما ذكرناه.

و كذا صرحوا في البطلان فيما لو باع قطيعا من الغنم مثلا و استثنى منه شاة أو شياها غير مشار إلى عينها لأن الجهالة في عين المخرج جهالة في المخرج منه الذي هو المبيع من غير خلاف و لا إشكال فيه عندهم، نعم يجوز ذلك في متساوي الأجزاء كالقفيز

ج 22، ص: 421

من كر حنطة مثلا، كما يجوز بيع القفيز منه بلا خلاف و لا إشكال فيه للعمومات، بل و كذا يجوز عندهم لو كان المبيع من متساوي الأجزاء من أصل مجهول كبيع مكول من صبرة مجهولة القدر إلا أنها معلومة الاشتمال عليه، بل ربما جوز بعضهم بيع ذلك منها مع عدم العلم، باشتمالها و إن تسلط على الخيار حينئذ للتبعيض، و ستسمع الكلام فيه إنشاء الله، و لعل الوجه فيما ذكره الأصحاب صدق الجهالة متى كان المبيع الكلي على البدل، دون ما لم يكن كذلك من الكلي و إن وجب على البائع دفع واحد على البدل، فإنه لا جهالة فيه، بل لعل الكلي من صبرة مثلا أولى في صدق المعلومية من الكلي غير المعين، إذ هو كلما ازداد توصيفا ازداد تعريفا، و من ذلك ظهر الفرق بين بيع الصاع من الصبرة و بين صاع من الصيعان المتشخصة كما أومأ إليه الفاضل في القواعد فيما سمعته من قوله: و لو فرق الصيعان إلخ.

نعم لو قصد بيع صاع منها على نحو الصاع من الصبرة صح و إن كانت مفرقة كما أنه لو فرض قصد بيع أحد الأصواع من الصبرة مشخصا لها بأحد المشخصات على نحو الصيعان المتفرقة بطل و إن كانت مجتمعة، فالاجتماع و الافتراق في كلامه إنما ذكر لغلبة إرادة الواحد على البدل منها في الثاني، و إرادة الكلي منها في الأول، و لعل ذلك كله ينافيه خبر الأطنان (1)، ضرورة عدم كون مورد عقد البيع فيه الكلي البدلي، و إنما مورده العشرة آلاف طن من الثلاثين ألفا، نحو الصاع من الصبرة، و لذا قال في الدروس و لو باعه صاعا من صبرة متماثل الأجزاء صح، و كذا عشرة أطنان من القصب المتماثل إلى آخره، فجعلهما من باب واحد، نعم لو أن الثلاثين مقسومة ثلاثة أجزاء كل


1- 1 الوسائل الباب 19 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 422

جزء منها عشرة معينة فاشترى واحدة منها على البدل، كان المتجه فيه حينئذ البطلان نحو ما

سمعته في الصاع من الصيعان المتشخصة، فضلا عن الشاة من الشياه الموجودة، و العبد من عبيد مخصوصين، و بالجملة المدار في الصحة و البطلان على متعلق نفس عقد البيع، فان كان الكلي البدلي بطل لصدق الجهالة عرفا، و إن كان المطلق صح لصدق المعلومية، بل قد عرفت أنه أولى بذلك من الكلي غير المعين في صبرة، ضرورة زيادته عليه بوصف كونه من هذه الصبرة فتأمل، هذا.

و لكن الانصاف عدم دليل صالح للفرق بين الصاع عن الصبرة و بين الصاع في الصيعان المتمايزة، بل و لا بين العبد من العبيد المفروض تساويهم في الصفات التي تلاحظ في البيع على وجه ترفع الجهالة، و يصح انتزاع كلي منها موصوف بهذه الصفات، يكون موردا للبيع في الذمة، و دعوى أنه يغتفر في بيع الكلي في الذمة ما لا يغتفر في بيع الكلي في الخارج خالية عن الدليل، بل مقتضى العمومات الصحة بعد صدق المعلومية عرفا بنحو ذلك، اللهم إلا أن يكون إجماعا و الله العالم.

بقي الكلام في الذراع من الأرض و الثوب و يمكن أن يكون الوجه فيما ذكروه، أنه لمكان اختلاف الأفراد فيهما اختلافا فاحشا لا يصح بيع الكلي فيهما، لعدم إمكان ضبطه على وجه ترتفع به الجهالة، و لذا لو عينهما من طرف خاص صح، لكون المبيع فيهما مشخصا لا كليا، و الرضا بالذراع من هذا الثوب أو هذه الأرض المعلومين لدى المشتري لا يصير المبيع نفسه معلوما، بل أقصاه الرضا بأي ذراع كان من هذا الثوب أو من هذه الأرض، و هو غير كاف في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية المبيع نفسه، و إلا لجاز بيع المجهول بالتراضي كما هو واضح، نعم يتجه الصحة لو فرض إمكان الضبط بالوصف الرافع للجهالة

ج 22، ص: 423

عرفا، ضرورة كونه حينئذ كالصاع من الصبرة، و كيف كان فقد بان لك الحال في أطراف المسألة، حتى حكم الصاع من الصبرة، و أنه من الكلي المضمون فيها لا المشاع، للصحيح المزبور، و إن كان لولاه لأمكن ذلك مؤيدا بما تسمعه منهم في بيع الثمار، من تنزيل الثنيا إذا كانت أرطالا معلومة على ذلك، و ما تقدم من تنزيل شاة الزكاة على ذلك، و غيرهما مما يفهم منه أن الأصل في ملك الكلي في الخارج الإشاعة، اللهم إلا أن يفرق بين البيع و غيره، باعتبار القبض في لزومه و إيجابه على البائع، فمع فرض وجود فرد يتحقق فيه المبيع يجب عليه دفعه للمشتري، إذ هو حينئذ شبه الكلي في الذمة بالنسبة إلى ذلك، و من هنا لو فرض حصول القبض من المشتري، و لو بأن قبض الصبرة أجمع بإذن البائع كان مشاعا معه قطعا، كالقطع بها مع فرض تواطئهما على إرادة الإشاعة و إن ذكر الصاع لتقديرها و إن لم يقبض فالتالف حينئذ عليهما، بل بان لك أيضا الوجه في جميع أقسام الصبرة، و ذلك لأنها اما أن تكون معلومة أو مجهولة فإن كانت معلومة صح بيعها أجمع، و بيع جزء منها معلوم مشاع كثلث و ربع، و بيع مقدار معين كقفيز تشتمل عليه، و بيعها أجمع كل قفيز بكذا لا بيع كل قفيز منها بكذا، فإنه غير جائز لجهالة قدر المبيع الذي هو القفزان، كما أن البيع باطل في المجهولة في الأقسام كلها، إلا الثالث الذي قد عرفت الحال فيه، خلافا للمحكي عن ظاهر الشيخ فجوز بعتكها كل قفيز بدرهم، و لا ريب في ضعفه للجهالة، نعم وجه الصحة في الثالث ظاهر، بل قد عرفت القول بالصحة مع عدم العلم باشتمالها عليه، و إن كان فيه أن الجهل بوجود مقدار المبيع من أعظم أفراد الغرر، بل هو من بيع المجهول، و إلا لجاز شراء كل صبرة بتخمينها بمقدار معين، خصوصا إذا كان على وجه يعلم

ج 22، ص: 424

عدم زيادتها عليه، بل هي مساوية أو ناقصة مع الجبر بالخيار على التقدير الثاني للتبعض، و كأنه معلوم الفساد عندهم، نعم لو فرض طمأنينته باشتمالها عليه أمكن الصحة، و من هنا قال في الروضة: لو قيل:

بالاكتفاء بالظن الغالب باشتمالها عليه كان متجها بل ظاهره ذلك، حتى لو بان العدم و إن تسلط على الخيار للتبعيض و تسمع تمام التحقيق فيه عند تعرض المصنف للنقص في صورة القطع إذ لا فرق بينهما بالنسبة إلى ذلك، بل تسمع غير ذلك مما دخل في المقام فلاحظ و تأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان ف إذا تعذر عد ما يجب عده جاز أن يعتبر بمكيال و يؤخذ بحسابه بلا خلاف،

للصحيح عن ابن مسكان و الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «انه سئل عن الجوز لا يستطيع أن يعده فيكال بمكيال ثم يعد ما فيه ثم يكال ما بقي على حساب ذلك من العدد قال: لا بأس،»

بل الظاهر الاكتفاء بالتعسر كما عبر به غير واحد من الأصحاب، بل قد يقال بعدم اعتبار شي ء منهما في ذلك، لصدق المعلومية، و اندفاع الغرر الذي لا ينافيه الاختلاف اليسير بذلك، نحو اختلاف المكاييل و الموازين و الاندار للظروف، بل قد سمعت خبر عبد الملك المشتمل على شراء مأة راوية من الزيت بوزن واحد منها(2)ثم قياس الباقي من غير ذكر للتعذر و التعسر لا ينافيه ذكر عدم الاستطاعة في سؤال هذا الخبر دون جوابه، فيكون ذلك أحد الطرق التي يرتفع بها الغرر و الجهالة، نحو أخبار المخبر، لأن ذلك مستثنى من قاعدة


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 5 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 425

الجهالة و الغرر للتعذر أو التعسر.

نعم قد يستفاد من الخبر الأول عدم جواز بيع المعدود كيلا، و لعله كذلك لعدم ارتفاع الغرر به حينئذ، بل و وزنا أيضا كالموزن كيلا أو عدا و المكيل وزنا أو عدا، و في محكي السرائر نفى الخلاف في منع بيع الموزون كيلا، فضلا عن بيعه أو المكيل عدا، لكن عن بعضهم جواز بيع كل من المكيل و الموزون بكل منهما، لحصول الانضباط بهما و ل

خبر وهب (1)عن جعفر عن أبيه عن علي عليهما السلام قال: «لا بأس بالسلف ما يوزن فيما يكال و ما يكال فيما يوزن»

و به افتى الشهيد في سلم الدروس قال: و لو أسلم في الكيل وزنا و بالعكس فالوجه الصحة، لرواية وهب عن الصادق عليه السلام، و عن آخر جواز كل من المكيل و المعدود بالوزن دون العكس لأنه الأصل و الأقوى في رفع الغرر، و إنما عدل إلى الكيل تسهيلا، و الكل كما ترى، و خبر وهب مع ضعفه و احتماله إرادة نفي البأس عن سلف كل منهما في كل منهما على جهة الثمنية و المثمنية، بل عن بعضهم الجزم بذلك مؤيدا بإيراد الشيخ لها في باب اسلاف السمن بالزيت، قاصر عن معارضة قاعدة الغرر و الجهالة المؤيدة بالعقل و النقل، و دعوى أصالة الوزن في دفع الغرر واضحة المنع، ضرورة عدم اندفاع شي ء منه في مقام لا يعرف فيه إلا الكيل كالعكس كما هو واضح.

نعم في شرح الأستاد تقييد ذلك بما إذا لم يعلم حاله زمن النبي صلى الله عليه و آله و سلم، و إلا جاز بيعه على الحال السابق و لو علم تغييره عادة، للإجماع المنقول فما كان جزافا يبقى على جوازه جزافا، و ما كان اختباره بنحو، يبقى على اختباره، و إن استلزم الغرر على إشكال، و في


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب السلف الحديث 1.

ج 22، ص: 426

خصوص الحنطة و الشعير بجواز اعتبار الوزن فيهما و إن كانا مكيلين في عهده صلى الله عليه

و آله و سلم للإجماع المنقول، و حينئذ فالمرجع إلى العادة مشروط بجهل الحال في زمانه بالمرة، أو العلم بالتقدير و الجهل بالخصوصية و مع فقدهما فلا يلحظ في الأول سوى حصول الغرر و عدمه، و أما في الثاني فقيل: يقدم الوزن، لأصالته، و قيل: الكيل لغلبته و قيل: يتخير، و الظاهر أن حاله كحال ما قبله، و كأنه تبع بذلك ما في الحدائق فإنه بعد أن حكى عن تصريح الأصحاب بأن المراد بالمكيل و الموزون ما ثبت في زمنه صلى الله عليه و آله و سلم، و حكم الباقي في البلدان ما هو المتعارف فيها، فكل ما كان مكيلا في بلد أو موزونا فيه يباع كذلك، و إلا فلا، و حكي عن الأردبيلي المناقشة في ذلك باحتمال إرادة المتعارف عرفا عاما، أو في أكثر البلدان أو في الجملة مطلقا أو بالنسبة إلى كل بلد بلد نحو المأكول و الملبوس، فيما يسجد عليه، و الظاهر هو الأخير قال: في الرد عليه ان الواجب في معاني الألفاظ الواردة في الاخبار الحمل على عرفهم عليهم السلام، فكل ما علم كونه مكيلا أو موزونا في زمنهم عليهم السلام وجب، اجراء الحكم عليه بذلك في الأزمنة المتأخرة و ما لم يعلم فهو بناء على قواعدهم يرجع إلى العرف العام إلى آخر ما ذكروه من التفصيل إلى أن قال و أماما يفهم من كلامه من الرجوع إلى العرف العام مطلقا، و إن علم كونه مكيلا أو موزونا أو علم عدمه في زمنهم عليهم السلام فالظاهر أنه بعيد، مخالف لما صرح به الأصحاب في غير موضع من تقديم العرف الخاص أعني عرفهم عليهم السلام على العرف العام أو عرف كل بلد، و بالجملة فمحل الاشكال فيما يجهل حاله في زمنهم من كون العرف العام لا انضباط له، فان لكل قطر عرفا و عادة و الأحكام متحدة لا اختلاف فيها و إلا تناط بالأمور الغير المنضبطة.

ج 22، ص: 427

و لا يخفى عليك ما في هذا الكلام من الغرائب ضرورة خروج ما نحن فيه عن مسألة معاني الألفاظ، فإن المكيل و الموزون لا اختلاف في معناه في عرفنا و عرفهم، و ان اختلفت أفراده فيهما فرب مكيل و موزون في ذلك الزمان ليس كذلك في هذا الزمان و بالعكس، و هو ليس اختلافا في المعنى و هو واضح، كوضوح كون المراد أن ما يباع كيلا أو وزنا مثلا على وجه يكون معتبرا في إرادة كميته الملحوظة في البيع و اختلاف الثمن باختلافها، بل مع عدم اعتبار عدمها عد من شراء الجزاف، لا يجوز بيعه إلا كذلك للغرر و الجهالة، كما أومئ إليه في

صحيح الحلبي السابق (1)بقوله «ما كان من طعام سميت فيه كيلا فإنه لا يصلح مجازفة، هذا مما يكره من بيع الطعام،»

بناء على ما ذكرنا في تفسيره من عدم جواز بيع المسمى باسم المكيل مجازفة، بل منه و من النهي عن البيع بصاع غير صاع المصر و

غير ذلك، مضافا إلى القواعد يظهر كون المدار في المكيل و الموزون و المعدود على المسمى بذلك، من حيث تعارف بيعه بأحد الاعتبارات أو بها على وجه يعد بيعه بدونها بيع مجهول و غرر، فيدور الحكم حينئذ مدار ذلك، و إن اختلف باختلاف الأقطار و الأمصار و الأزمنة، و ليس ذلك من اختلاف الأحكام الشرعية نفسها، بل هو من اختلاف موضوعاتها و عنوانها التي تدور مداره، كما هو الضابط في كل عنوان حكم و موضوعه إذا كان من هذا القبيل، و دعوى الإجماع هنا على كون المدار على زمان النبي صلى الله عليه و آله على الوجه الذي عرفته غريبة، فاني لم أجد ذلك في كلام أحد من الأساطين فضلا عن أن يكون إجماعا.

نعم قد ذكروا ذلك بالنسبة إلى حكم الربا كما تسمعه في محله لا أنه كذلك


1- 1 الوسائل الباب 6 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 428

أيضا بالنظر إلى الجهالة و العلم و الغرر، و عدمه الذي من المعلوم عدم المدخلية لزمانه صلى الله عليه و آله و سلم في رفع شي ء من ذلك، و إثباته و احتمال جوزاه مع الغرر و الجهالة بما لا يعرفه أحد من الفقهاء، بل ظاهر كلام من وقفنا عليه منهم عدمه، بل لا يبعد القول بعدم اعتبار الكيل و الوزن في زمانه عليه السلام، مع فرض تعارف عدمه فيما تعقبه من الأزمنة، و إن أثموا بذلك من أول الأمر حيث أقدموا على البيع فاسدا، لكنه تعارف ذلك ذلك بحيث ساوى ما يباع جزافا، ضرورة عدم صدق الجهالة و الغرر، لتوقف تحققهما على اعتبار العلم بالكمية و ملاحظتها حتى يقال ان ذلك بدونها مجهول و فيه غرر، بخلاف ما لو كان جزافا في زمانه عليه السلام، و لكن تعارف اعتبار الوزن مثلا فيه فان بيعه بدون ذلك من الغرر و الجهالة قطعا، نعم لا عبرة بالعادة الناشئة عن التسامح في الدين و الاقدام على المعاينة، فإن مثله لا يكون عادة ضرورة كون الكمية ملاحظة لهم لكن يفعلون ذلك تسامحا.

و ربما اشتبه الحال على بعض الناس من الفرق بين العادتين، و لا إشكال مع اتفاق العادة أما مع اختلافها، فالمتجه جريان حكم كل قطر على عادته، بل لا يبعد صحة المعاملة بين شخصين من أهل قطر تعارف الجزاف فيما بينهم، و إن وقع ذلك منهما في البلد التي تعارف فيها الكيل و بالعكس، إنما الإشكال مع اختلاف المتعاقدين، و لا ريب في الصحة مع ملاحظة الاعتبار الجامع لهما. و الأقوى الفساد مع عدمه لأن الجهالة بالنسبة إلى أحدهما كافية في فساد العقد، من غير فرق في ذلك بين وقوع المعاملة في بلد الاعتبار أو بلد الجزاف أو في مكان خارج عنهما، ضرورة عدم اندفاع الجهالة بالبلد، فينبغي حينئذ لهما

ج 22، ص: 429

التخلص بمعاملة لا تقدح فيها الجهالة كالهبة المعوضة و نحوها، و من ذلك كله يعرف ما في شرح الأستاد حيث قال: ثم الرجوع إلى العادة مع اتفاقها اتفاقي، و لو اختلف فلكل بلد حكمه، كما هو المشهور و هل يراد بلد العقد أو المتعاقدين الأقوى الأول، و لو تعاقدا في الصحراء رجعا إلى حكم بلدهما، و لو اختلفا رجح الأقرب أو الأعظم، أو ذو الاختبار على ذي الجزاف، أو البائع في مبيعه، و المشتري في ثمنه، أو يبني على الإقراع مع الاختلاف، و ما اتفق عليه مع الاتفاق أو التخيير، و لعله الأقوى، و يجري مثله في معاملة الغرباء في الصحراء مع اختلاف البلدان، و الاولى التخلص بإيقاع المعاملة بنوع لا تفسده الجهالة، من صلح أو هبة معوضة أو معاطاة و نحوها، و لو حصل الاختلاف في البلد الواحد على وجه التساوي، فالأقوى التخيير، و مع الاختصاص بجمع قليل إشكال إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد التأمل و الإحاطة بما ذكرناه.

و كيف كان فلا خلاف معتد به في أنه يجوز بيع الثوب و الأرض مع المشاهدة و إن لم يمسحا بل في التذكرة الإجماع عليه، و ظاهره من أهل العلم، و هو الحجة بعد العمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر و الجهالة، بعد فرض تعارف بيعها كذلك و إن بيعت أيضا بالذرع لكن ذلك لا يقتضي الغرر و الجهالة بدونه لكن مع ذلك، قال المصنف و إن مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض في ذلك و تعذر إدراكه بالمشاهدة، و لعله لما في الدروس من أنه يظهر من الخلاف المنع و في غيرها عن الحلبي ذلك أيضا أو أنه لم يرد بذلك الإشارة إلى خلاف، بل لتأكد الوضوح، كما في المسالك و إلا فتفاوت الأغراض لا يقتضي الغرر و الجهالة بعد فرض التعارف، نعم الظاهر اعتبار المشاهدة الرافعة للغرر، فلا يكفي مشاهدته مطويا إلا مع تقليبه على وجه يوجب معرفته،

ج 22، ص: 430

كما لو كان غير متفاوت و لا منقوش نقشا يختلف، و يخفى في مطاويه و كذا البسط و الزوالي و نحوها، لكن مع ذلك في شرح الأستاد بعد أن ذكر ما عليه الأصحاب قال: و الحق ان قاعدة الغرر مثبتة لا يسوغ هدمها إلا بأقوى منها و انى لنا بذلك، فيدور الحكم مدارها، فما كان من الثياب مخيطا يطلب وصفه لا ذرعه، و من الأرض يطلب فسحته، و من البهائم يطلب هيئة اجتماعها لا عددها، لا يتوقف بيعها على ذرع أو عدد، و ما بنى على المداقة فلا بد من ذلك فيه، و لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة ان البناء و عدمه لا مدخلية له في ذلك، كما أن تفاوت الأغراض كذلك أيضا، و إنما المدار على صدق المعلومية و عدم الغرر، و الظاهر تحققهما كما عرفت، و إن اتفق بيعهما بالأذرع، لكن ذلك لا يقتضي اعتباره كما هو واضح و الله العالم.

و على كل حال فإذا شاهد ما يكفي فيه المشاهدة من أرض أو ثوب أو حيوان أو غيرها على وجه يرتفع الغرر و الجهالة عنه لها و أراد شراؤه بعد ذلك، كفته تلك المشاهدة أي المبيع عن ذكر وصفه و لو غاب وقت الابتياع بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، للعمومات السالمة عن المعارض، خلافا لما عن بعض العامة فاعتبر الرؤية وقت البيع، و لا ريب في فساده إلا أن تمضي مدة جرت العادة بتغير مثل هذا المبيع فيها، فيبطل حينئذ لتحقق الجهالة و الغرر، و إن لم يكن كذلك فلا بطلان لما عرفت و إن احتمل التغير بل لو ظنه كفى البناء على الأول على الأقوى للأصل الكافي في دفع الجهالة و الغرر عند البيع، و لكن يثبت له الخيار ان ثبت التغير (11) بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه،

ج 22، ص: 431

لقاعدة الضرر(1)و غيرها، فما عن بعضهم من عدم الخيار لقاعدة للزوم، و آخر من احتمال الفساد إلحاقا لتبدل الوصف بتبدل الحقيقة واضح الفساد، نعم لو فرض أنه تغير بعض ما لم يشاهده من الأوصاف التي لا تعتبر في صحة البيع مشاهدتها فلا خيار، لقاعدة اللزوم، فإن الرؤية لا تزيد على الأوصاف المشترطة المقتصر في الخيار على تخلف واحد منها لا غيرها، كما لا خيار على الظاهر بالتغير المتسامح فيه، و لا ينقص الثمن نقصانا معتدا به، لعدم الضرر حينئذ، بل و لا بالتغير إلى الكمال في تلك الصفات أو إلى ما هو أجود منها لذلك أيضا، مع احتماله و إن لم يكن ضرر من حيث المالية إلا أنه قد يكون يتخلف الغرض.

نعم يتجه الخيار مع ذلك للبائع أيضا لقاعدة الضرر و إذا اختلفا فيه فقال المشتري ليس هو على ما رأيته، و قال البائع هو هو، فالقول قول المبتاع مع يمينه على المشهور، لأصالة بقاء يده على الثمن، كما في الدروس و

أصالة عدم وصول الحق إليه كما في غيرها، نحو دعوى عدم وصول الأجزاء المتصلة من المبيع إليه، من غير فرق بين طول المدة و قصرها، و الاستعداد للتغير و عدمه، و نحو ذلك من الأسباب الموجبة للظن بصدق البائع، ضرورة عدم معارضة ذلك للأصل الشرعي السابق، لكن مع هذا فيه تردد من ذلك من مخالفته لأصالة اللزوم و عدم التغير، و صدق المنكر على البائع الذي يترك لو ترك، و لعله لذا قيل أن القول قول البائع بيمينه، و هو لا يخلو من قوة لانقطاع الأصلين السابقين بما عرفت، مما هو كالوارد عليه على أن اليد على الثمن كانت يد أمانة للعقد، المقتضي كون المبيع ملكا للمشتري، فعليه إثبات زيادة حقه على ذلك، و مع قطع النظر عن ذلك كله


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 4 و 5.

ج 22، ص: 432

فالمدعي عرفا هو المشتري، بل لا يبعد ذلك أيضا لو اتفقا على تغيره، و اختلفا في تقدمه على البيع المعلوم تاريخه، و تأخره ما لم تشهد القرائن الموجبة للعلم بأحدهما، لأصالة تأخر الحادث، بناء على المشهور من جريانها في نحو ذلك، بل ينبغي الجزم به لو فرض الاختلاف بعد القبض المحمول على الصحة، مؤيدا بأن الغالب عدم قبض صاحب الحق غير حقه، كما أن الظاهر ذلك أيضا لو فرض اتفاقهما على التغير بعد العقد قبل القبض بما لا يرجع إلى تعيب و نحوه، بناء على عدم كون ذلك من ضمان البائع، و إلا لكان موجبا للخيار، حتى بعد القبض في زمان الضمان كالعيب الحادث في الثلاثة، اللهم إلا أن يجعل أوصاف المبيع مثل أجزائه، و إن لم يتعيب بالمتخلف منها، فتكون حينئذ أوصافه المعتبرة فيه من حيث كونه مبيعا مضمونة على البائع قبل القبض، و ينزل التالف منها منزلة تلف بعض أجزاء المبيع المعلوم ضمانها على البائع قبل القبض، و أنها من قاعدة تلف كل مبيع تلف قبل قبضه، إلا أن المتجه على هذا التقدير عدم الفرق في ضمانها بين سبقها على القبض و لحوقها له، ما دام في ضمان البائع كأجزاء المبيع و ما يحدث فيه من عيب، لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من المنافاة لقاعدة اللزوم، و عدم وضوح الاندراج في عموم

«كل مبيع تلف قبل قبضه»(1)

و لا فيما دل على كونه من ضمان البائع في الثلاثة(2)و نحوها فان لم يكن إجماعا، كان للنظر فيه مجال، و قد يأتي لذلك تتمة إنشاء الله فيما بعده، كما أنه يأتي البحث في خيار تخلف الوصف إنشاء الله، هذا


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب الخيار الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب الخيار.

ج 22، ص: 433

و لكن قد يقال أن مراد المشهور فيما ذكروه من تقديم قول المبتاع فيما لو اتفقا على سبق التغير في المبيع على وجه يوجب الخيار لو كان المشتري جاهلا فادعى هو أني لا أعلم بذلك، و ادعى البائع عليه أنك قد رأيته و

رضيت به، و لا ريب في أن القول قول المشتري حينئذ، لأصالة عدم العلم به، و لإطلاق ما دل على ثبوت الخيار بنحو ذلك (1)حتى يعلم المسقط من العلم به أو اشتراط الإسقاط أو نحو ذلك، و لعل التردد من المصنف فيه للتردد في أصالة ثبوت الخيار بذلك حتى يعلم، و عدمها على معنى أنه لا يحكم بإيجابه الخيار حتى يعلم جهل المشتري به لأصالة اللزوم، و لا ريب في أن الأقوى الأول، و الله العالم.

و على كل حال فان كان المراد مما يراد شراؤه الطعم أو الريح مثلا و كان أنواعا متعددة يختلف الثمن باختلافها، و قد شاهد مثلا ما له مدخلية في ذلك و لم يبق غيرهما، فلا بد من اختباره بالذوق أو الشم لرفع الجهالة و الغرر إذا فرض توقف ارتفاعهما عليه، و في

خبر محمد بن العيص (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى ما يذاق يذوقه قبل أن يشتري؟ قال: نعم فليذقه و لا يذوقن ما لا يشتري»

كما أن ما يراد لونه مثلا لا بد من رؤيته في رفعهما، ضرورة معلومية كل شي ء بحسبه، نعم يجوز شراؤه من دون ذلك بالوصف القائم مقام الاختبار كما يقوم مقام الرؤية من غير فرق، بين حضور العين و غيبتها، و عدالة الواصف و فسقه، و لذا صح أن يشتري الأعمى الأعيان المرئية به بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من

ذلك، عدا ما في محكي السرائر من قوة احتمال عدم جواز


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الخيار.
2- 2 الوسائل الباب 25 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

ج 22، ص: 434

بيع العين الحاضرة بالوصف، و فيه عدم الفرق بعد فرض الجواز به، لكونه صالحا لرفع الجهالة و الغرر، بل لعل الحاضر بالوصف، و فيه عدم الفرق بعد فرض الجواز به، لكونه صالحا لرفع الجهالة و الغرر، بل لعل الحاضر أولى من الغائب لزيادة العلم بالخصوص على الغيبة، و من هنا قال في المختلف: أنه في غاية الضعف، بل هو رحمه الله قد جعل المعتمد بعد ذلك خلافه.

و إنما الكلام في أنه هل يصح شراؤه من غير اختبار و لا وصف بعد مشاهدته و ارتفاع الجهالة عنه، من جهة القوام و اللون و نحوهما و لم يبق إلا الطعم و الشم فيجوز بيعه و شراؤه، بناء على أن الأصل فيه الصحة و السلامة فيه تردد و خلاف، فعن الشيخين كل شي ء من المطعوم و المشروب يمكن للإنسان اختباره بغير الإفساد له، كالأدهان الطيبة المستخبرة بالشم و صنوف الطيب و الحلاوات و الحموضات، فإنه لا يجوز بيعه بغير اختبار له، فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح، و المتبايعان فيه بالخيار، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس، و عن سلار ما يختبر بالذوق أو الشم إذا لم يفسده الاختبار، إذا بيع من غير اختبار لم ينعقد البيع، و عن أبي الصلاح من شرط صحة بيع الحاضرة اختبار ما يصح اختباره و ذوقه أو مشاهدته، و عن أبي البراج لا يجوز بيعه إلا بعد أن يختبر، فان بيع شي ء منه من غير الاختبار له كان المشتري مخيرا في رده على البائع، و عن ابن حمزة كل ما أمكن اختباره من غير إفساده لم يصح بيعه من غير اختبار.

و لكن الأولى و الأقوى عند ابن إدريس و المصنف و من تأخر عنهما الجواز للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر المرتفع بأصل السلامة، و بالسيرة القاطعة فإن كثيرا من الصفات لا تظهر

ج 22، ص: 435

إلا بعد ضرب من التصرفات، فيلزم الفساد في أكثر المعاملات، فإنه إذا لم يكف أصل الصحة في المذوق و المشموم لم يكف في غيرها من الحيوانات و نحوها، مع أن الاطلاع على العيوب كثيرا ما يتوقف على التصرف الكثير في الزمان الطويل، و خبر ابن العيص بعد الإغماض عن سنده إنما يراد منه المنع من ذوق مال الغير بغير إذنه إلا مع الفحوى بإرادة الشراء، كما أنه يمكن إرادة نفي اللزوم من نفي الصحة في كلام من عرفت، بقرينة إثباتهم الخيار فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف و تكون اتفاقية، إذ لا إشكال في أن له الخيار بين الرد و الأرش ان خرج معيبا، كما في غيره من أفراد المبيع المعيب الذي حكمه ذلك، و أنه يتعين عليه الأرض مع إحداث حدث فيه كما تعرفه إنشاء الله في محله مفصلا.

و يتساوى في ذلك الأعمى و البصير بلا إشكال للعموم، بل و لا خلاف إلا من سلار فخير الاعمى بين الأمرين حتى مع الأحداث، و لا ريب في فساده، للإطلاق المقتضي لسقوط الرد به، هذا و لكن الانصاف عدم خلو أصل المسألة عن الإشكال، ضرورة عدم صلاحية أصل السلامة لرفع الغرر و الجهالة الحاصلة بتعدد أفراد السالم، و الرضا بأي فرد كان منها لا يكفي في صحة البيع المعتبر فيه شرعا معلومية متعلقة، لا الرضاء به كائنا ما كان، و ليس كل وصف له مدخلية في رفع الجهالة و الغرر عن المبيع عدمه عيب، حتى يكفي فيه أصل الصحة و السلامة، كما أن إثبات الخيار لا يصلح الفساد الحاصل بالغرر و الجهالة و إلا لجاز شراء كل مجهول بشرط الخيار، و كلمات الأصحاب السابقة التي لم تشتمل على إثبات الخيار، كعبارة سلار و أبي الصلاح و ابن حمزة لا قرينة على إرادة نفي الصحة فيها، بل ما ذكر فيها الخيار لم

ج 22، ص: 436

يعلم إرادة خيار العيب منها، بل يمكن إرادة خيار تخلف الوصف، بمعنى أنه يجوز بيعه بالوصف مع عدم الاعتبار، و يثبت حينئذ الخيار بتخلفه، قال ابن إدريس: فيما حكي عنه قد «روى أنه لا يجوز بيعه بغير اختبار، فان بيع من غير اختبار له كان البيع غير صحيح»، و المتبايعان فيه بالخيار، فان تراضيا بذلك لم يكن به بأس، و هذه الرواية يمكن العمل بها على بعض الوجوه، و هو أن البائع لم يصفه فإذا لم يصفه يكون البيع غير صحيح، لأنه ما يعرف بمشاهدته طعمه فلا بد من وصفه، فاما إذا وصفه فالبيع صحيح، و يعتبر فيه ما اعتبرناه في بيع خيار الرؤية، لأنه لا يمكن معرفته إلا بالطعم، فان وجد طعمه أو ريحه كما وصف البائع له فلا خيار له، و إن وجده بخلاف وصف بايعه كأن بالخيار، و لا دليل على بطلان هذا العقد إلى آخره، و هو صريح فيما ذكرناه من إرادة خيار الوصف.

و دعوى ان المذوق و المشموم له حد مضبوط عرفا متى تخلف عنه كان عيبا، و لذا اكتفى بأصل السلامة فيه فيجوز الاعتماد على مقتضى طبعه، إذ ليس المراد بأصل شرط العلم بالمبيع أن ترتفع الجهالة عنه بكل وجه، فإن رؤية ظاهر الصبرة و نحوها كاف مع احتمال المخالفة، و كذا البيع بالوصف واضحة المنع بشهادة الوجدان، كدعوى أن المراد بخبر العيص جواز الذوق لا وجوبه في صحة البيع الذي هو ظاهر الأمر به، و لا ينافيه النهي عن ذوق ما لم يشتره، و إن أفاد حكما آخر غير ذلك، و الاعتماد على أصل السلامة إنما هو فيما زاد على رفع الغرر و الجهالة، و تحقق المعلومية المعتبرة في صحة البيع كالعيوب الباطنة و نحوها، و لو سلم ففي كل ما يكون فقده عيبا، و إن كان له دخل في المعلومية، أما الأوصاف التي تختلف بها الأفراد الصحيحة فلا مدخلية

ج 22، ص: 437

لأصل السلامة فيها قطعا، و من ذلك ينقدح لك ان التحقيق في المسألة هو جواز البيع في كل ما كان أصل السلامة كافيا في تحقق وصف كونه معلوما، و في رفع الغرر و الجهالة عنه و عدمه فيما لم يكن كذلك من مختلف الأوصاف التي تختلف الأثمان باختلافها، فإن أصل السلامة خصوصا التعبدي منه لا مدخلية له في رفع الجهالة الناشئة من ذلك، و كذا الكلام في غير المطعوم و المشموم من المشاهد و الملموس و نحوهما من أفراد المبيع الذي قد عرفت غير مرة اعتبار المعلومية، و لو شرعا باستصحاب و أصل سلامة و إخبار بائع و غير ذلك مما ثبت شرعا الاكتفاء به في صحة بيعه.

و أما ما يؤدي اختباره إلى إفساده كالجوز و البطيخ و البيض فان شراءه جائز مع جهالة ما في بطونه للسيرة من غير فرق بين شرط الصحة أو البراءة من العيوب و عدمها و لكن يثبت للمشتري الأرش بالاختبار مع العيب دون الرد لأنه قد أحدث فيه حدثا و قد عرفت و تعرف سقوط الرد بالعيب به، نعم ان لم يكن لمكسوره قيمة أصلا رجع بالثمن كله و إن اختلف فيه أيضا عبارات الأصحاب فعن المفيد ما لا يمكن اختباره إلا بإفساده كالبيض الذي لا يعرف جيده من رديه إلا بعد كسره، فابتياعه جائز بشرط الصحة، فإن وجد فيه فاسد كان للمبتاع ما بين قيمته صحيحا و معيبا، و كذا عن سلار و قال الشيخ: فيما حكي عنه ابتياعه جائز على شرط الصحة أو البراءة من العيوب، و كذا عن أبي الصلاح و ابن حمزة و قال ابن البراج: في المحكي عنه و أما ما لم يمكن اختباره إلا بإفساده فلا يجوز بيعه إلا بشرط الصحة أو البراءة من العيوب، فان باع بخلاف ذلك لم يكن البيع صحيحا، و في المختلف هذه العبارة توهم اشتراط أحد القيدين

ج 22، ص: 438

في العقد، إما الصحة أو البراءة من العيوب و ليس بجيد، بل الأولى انعقاد البيع سواء شرط أحدهما أو خلا عنهما أو شرط العيب، و الظاهر أنه إنما صار إلى هذا الإيهام من عبارة الشيخين حيث قالا: أنه جائز على شرط الصحة أو بشرط الصحة، و مقصودهما أن البيع بشرط الصحة أو على شرط الصحة جائز، لا ان جوازه مشروط بالصحة أو البراءة، قلت: لا إشكال في تحقق الجهالة و الغرر في هذا البيع، و عدم كفاية أصل السلامة في رفعهما لاختلاف أفراد السالم من العيب اختلافا فاحشا لكن للسيرة المستمرة في الأعصار و الأمصار على بيعه، قلنا: بجوازه و استثنائه من دليل الجهالة و الغرر، و إلا فاشتراط الصحة و البراءة من العيوب لا ترفع الجهالة و الغرر قطعا له، و إنما يفيدان سقوط خيار العيب و تأكد تحققه، و هذا أعم من ذلك قطعا على أن البراءة من العيب تفيد سقوط الخيار إذا كان لمكسوره قيمة، و إلا فالظاهر الرجوع بالثمن و إن تبرأ من العيب، لبطلان البيع حينئذ المقتضي لرجوع الثمن إلى مالكه، و إلا كان أكل مال بالباطل لكون الثمن حينئذ بلا مثمن مقابل له.

و من هنا قال في الدروس: و ما يقصد طعمه و ريحه الأولى اعتباره أو وصفه، و لو خلا عنهما صح و تخير مع العيب، و كذا ما يفسد بالاختبار كالجوز و البيض و البطيخ، و يثبت الأرش مع التصرف فيما له بقية، و لو لم يكن له بقية بطل البيع من حينه، و يحتمل من أصله فمؤنة نقله على المشتري على الأول، و على البائع على الثاني، و يسترد الثمن على التقديرين، و ظاهر الجماعة بطلان البيع من أصله، إلى أن قال: و لو تبرأ البائع من العيب فيما لا قيمة لمكسوره المعيب صح عند الشيخ و أتباعه، و يشكل بأنه أكل مال بالباطل إذ لا عوض هنا لكن ربما تسمع وجهه

ج 22، ص: 439

فيما يأتي إنشاء الله تعالى، كما أن وجه البطلان من حينه يمكن أن يكون صحة البيع السابقة باعتبار أن هذا المال مبنى ماليته على الاحتمال فتبطل ماليته حينئذ عند بطلان الاحتمال، لا أنه محتمل المالية فيبين بطلان الاحتمال، فينكشف بطلان البيع، و لأن ذلك من المبيع المعيب إلا أن أرشه مستوعب للثمن كله، فكما أن البطلان من الحين حيث يكون له قيمة، فكذلك إذا لم يكن له قيمة لكونهما معا من المبيع المعيب، و إن اختلفا باستيعاب الأرش الثمن أجمع هنا دون الأول، و لأنه لما كان مضمونا على البائع من حيث العيب ففي الفرض حينئذ كتلف المبيع قبل قبضه في الانفساخ من حينه، بل قد يقال: بناء على أن الأرش شي ء أوجبه الشارع بسبب العيب، لا أنه جزء من الثمن استحق بسبب فوات ما قابله من الثمن، و لذا يسقط بالإسقاط و لا يتعين على البائع الإعطاء من نفس الثمن، و معلومية عدم تقسيط أجزاء الثمن على اجزاء المثمن من يد أو رأس أو نحوهما، أن المتجه حينئذ عدم انفساخ البيع، و إن استحق المشتري على البائع المستوعب، بل يتجه أيضا سقوطه بالتبري من العيوب، كما هو مقتضى إطلاق الأصحاب ذلك، و ليس هذا كاشتراط عدم المبيع في عقد البيع، حتى يكون شرطا باطلا، إذ الثمن متحقق جار على حسب معاملة العقلاء، و لم يعلم اعتبار زيادة على ذلك في البيع، فمع فرض رضاه بذلك يكون قادما على بذل ماله على هذا النحو.

نعم لو لم يشترط البراءة و انكشف عدم القيمة لمكسورة استحق الرجوع بالأرش المستوعب، و لعله لذا لم يعبروا ببطلان البيع و إن ذكر المصنف و غيره الرجوع بالثمن كله، و فهم منه في المسالك بل و غيرها بطلان البيع، لكن قد يمنع لعدم خروجه عن المالية، و إن لم يكن له

ج 22، ص: 440

قيمة و هو أعم من بطلان البيع و أما ما ذكره من المؤنة ففي المسالك الذي يظهر أنها على المشتري مطلقا، لعدم المقتضي لرجوعه بها، و إن كان الفعل في ملك غيره، و في شرح الأستاد لو قيل: بتغريم البائع مطلقا لم يكن بعيدا لصدور الضرر من قبله، و المضرور يرجع على من ضره إلا إذا اشترط عدمه، و عذره الدافع للعصيان لا يندفع به الضمان قلت: لا وجه للرجوع بها بناء على الفسخ من حينه، ضرورة كونه ناقلا لملكه فلا يرجع بما غرمه له عليه كما في كل أفراد الخيار، نعم قد يتجه ذلك لو كان البطلان من أصله، لقاعدة الغرور، و هو الذي نظره أول الشهيدين، و الله العالم.

و كيف كان فقد ظهر لك بقاعدة الغرور و الجهالة انه لا يجوز بيع سمك الآجام و لو كان مملوكا مقدورا على تسليمه لجهالته و إن ضم إليه القصب أو غيره على الأصح لأن ضم المعلوم إلى المجهول لا يصيره معلوما، و كذا اللبن في الضرع و لو ضم إليه ما يحتلب منه فضلا عن غيره، و كذا الجلود و الأصواف و الأوبار و الشعر على الأنعام و لو ضم إليه غيره، و كذا ما في بطونها و كذا إذا ضمهما أي ما على ظهورها و ما في بطونها و كذا ما يلقح الفحل و كذا غير ذلك مما فيه الغرر و الجهالة، عدا الصوف و الوبر و الشعر على الظهور فإنه قد يمنع الغرر و الجهالة فيها مع المشاهدة، و الوزن فيها لو كان فهو بعد الجز لا قبله كالثمرة، و لذا أفتى به المفيد و غيره من المتأخرين، بل لعله مشهور، و أما غير ذلك فقد خالف فيه الشيخ في النهاية و ابنا حمزة و البراج فيما حكي عنهما، قال: فيها لا يجوز بيع ما في الآجام من السمك لان ذلك مجهول، فان كان فيها شي ء من

ج 22، ص: 441

القصب فاشتراه و اشترى معه ما فيها من السموك لم يكن به بأس، و كذلك إن أخذ شيئا من السمك و باعه إياه مع ما في الأجمة كان البيع ماضيا، لكن عنه في المبسوط السمك في الماء و الطير في الهواء لا يجوز بيعه إجماعا، و روى أصحابنا انه يجوز بيع قصب الآجام مع ما فيها من السمك (1)و لعل مراده بمعقد إجماعه من حيث القدرة على التسليم، و عن ابن إدريس أنها من شواذ الأخبار فلا يترك الأصول و يرجع إليها بل لا يعرج عليها و خالفوا أيضا في اللبن في الضرع، قال: فيها لا يجوز أن يباع اللبن في الضرع، فمن أراد بيع ذلك حلب منه شيئا، و اشتراه مع ما بقي في الضرع في الحال و أمده من الزمان و إن جعل معه غرضا آخر كان أحوط، و عن ابن البراج لا يجوز بيع اللبن في الضروع إلا أن يكون معه لبن حاضر، فان لم يكن معه ذلك لم يجز بيعه، و عن ابن حمزة يجوز بيع اللبن في الضرع إذا حلب بعضها و بيع المحلوب مع ما في الضرع، و في المختلف هو قول ابن الجنيد و خالفوه أيضا في بيع ما في بطون الأنعام و غيرها من الحيوان، قال: فإن أراد بيع ذلك جعل معه شيئا آخر فان لم يكن في البطون حملا كان الثمن في الآخر و أما ما يلقح الفحل بمعنى بيع الملاقيح و هو ما في بطون الأمهات قبل حصوله، فلا أجد فيه خلافا بين العلماء كبيع المضامين، و هو ما في أصلاب الفحول، لكونه معدوما، قال في التذكرة: لا نعرف خلافا

بين العلماء في فساد هذين البيعين للجهالة و عدم القدرة على التسليم، و لأن

النبي صلى الله عليه و آله و سلم «نهى عن بيع الملاقيح و المضامين»(2)

و في الحسن أو الصحيح (3)عن محمد بن قيس «عن


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2 و 5.
2- 2 الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.

ج 22، ص: 442

أبي جعفر عليه السلام لا تبع راحلة عاجلة بعشر ملاقيح من أولاد حمل في قابل»

و عن الصدوق في معاني الأخبار انه روي بسند متصل (1)«عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم أنه نهى عن المجن و هو ان يباع البعير أو غيره بما في بطن الناقة و نهى صلى الله عليه و آله و سلم عن الملاقيح و المضامين فالملاقيح ما في البطون و هي الأجنة و المضامين ما في أصلاب الفحول و كانوا يبيعون الجنين الذي في بطن الناقة و ما يضرب الفحل في عام أو أعوام و نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن بيع حبل الحبلة و معناه ولد ذلك الجنين الذي في بطن الناقة أو نتاج النتاج، و ذلك غرر»

انتهى قلت: لا إشكال في فساد ذلك و نحوه، و إنما الكلام في غيرها مما عرفت، و لعل وجه منشأ ما سمعته من الخلاف و النصوص، ففي

مرسل البزنطي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا كان أجمة ليس فيها قصب فأخرج شيئا من السمك فيباع، و ما في الأجمة»

و ظاهره المفروغية من الجواز مع القصب و في

الموثق (3)عنه أيضا «لا بأس ان يشتري الآجام إذا كان فيه قصب»

قيل و هو أصرح من الأول في الدلالة على ذلك، و في

خبر أبي بصير(4)«عن أبي عبد الله عليه السلام في شراء الأجمة ليس فيها قصب إنما هي ماء قال: يصيد كفا من سمك، فيقول: أشتري منك هذا السمك و ما في الأجمة بكذا و كذا»


1- 1 الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.
2- 2 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 5.
4- 4 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 6.

ج 22، ص: 443

و موثق سماعة(1)«سألته عن اللبن يشتري و هو في الضرع قال: لا إلا أن يحلب لك في سكرجة فتقول أشتري منك هذا اللبن في السكرجة و ما بقي في ضرعها بثمن مسمى، فان لم يكن في الضرع شي ء كان ما في السكرجة»

و صحيح العيص بن القاسم (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له غنم يبيع ألبانها بغير كيل، قال: نعم حتى ينقطع أو شي ء منها»

و في

خبر إبراهيم الكرخي (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في رجل اشترى من رجل أصواف مائة نعجة و ما في بطونها متى حمل كذا بكذا و كذا درهما؟ فقال: لا بأس إن لم تكن في بطونها حمل كان رأس ماله في الصوف»

و في

خبر الهاشمي (4)«عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يتقبل بجزية رؤوس الرجال و خراج النخل و الآجام و الطير و هو لا يدري لعله لا يكون من هذا شي ء أبدا أو يكون، قال: إذا علم من ذلك شيئا واحدا أنه قد أدرك اشتراه و تقبل به»

و في خبره الآخر(5)«عنه أيضا سألته عن الرجل يتقبل خراج الرجال و جزية رؤسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصايد و السمك و الطير و هو لا يدري لعل هذا لا يكون أبدا أو يكون أ يشتريه و في أي زمان يشتريه و يتقبل به منه فقال: حينئذ إذا علمت من ذلك شيئا واحدا انه قد أدرك فاشتره و تقبل به»

إلى غير ذلك من النصوص التي لأجلها و خصوصا ما في بعضها من التعليل و ما ورد في ضميمة


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 8 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4 و في ذيله.
5- 5 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4 و في ذيله.

ج 22، ص: 444

الآبق (1)و بيع الثمار(2)عمم بعضهم الحكم فجوز بيع كل ما فيه غرر إذا ضم إليه ما لا غرر فيه، من غير فرق بين كونهما مقصودين

بالأصالة أو أحدهما، و فصل آخر بل في المسالك نسبته إلى المتأخرين بين قصد المجهول أصالة و لو مع غيره و تبعا فجوزه في الثاني مع الضميمة و منعه في الأول، مضافا إلى أن جهالة التابع لا تنافي عقد البيع، كأساس الجدار و حشو الثوب و اللحاف و غيرها، و ربما فصل بعض مشايخنا بين الشرط و غيره، فجوز الجهالة بنحو ذلك في الأول، دون غيره و إن كان تابعا مبالغا في الاعراض عن هذه النصوص كلها، لكن الانصاف عدم جواز الجرأة على طرح هذه النصوص التي فيها الصحيح و الحسن و الموثق و غيرها، المشتملة على التعليل المناسب المعمول بها بين الطائفة أجمع، و إن اختلفوا في كيفيته التي يمكن دعوى حصول القطع بمضمونها في الجملة، خصوصا بعد ملاحظة ورودها في مقامات متعددة، و القطع بعدم تقية تقضي بها، إن لم يكن الأمر بالعكس، و فتوى الأصحاب بها في الجملة و تعاضدها و كثرتها، بل ظاهرها أن ذلك طريق احتيال شرعي في التخلص عن المفسد، نحو ضميمة غير الجنس إلى الربوي و بيعه بالأزيد منه من جنسه، و ربما يتخيل هنا أيضا في وجه ذلك أن المنهي عنه بيع الغرر، الظاهر في كون البيع أجمع غرر إلا بعضه، فمتى ضم إليه شي ء معلوم خرج عن الدخول تحت مسمى بيع الغرر، إلا أن ذلك مقتضى للجواز في أكثر المجهولات لعدم خلو شي ء عن العلم بجزء منها، فيجوز حينئذ بيع الدار ببروز لبنة منها، و المملوك ببروز شي ء من بدنه، و الأرض و الأشجار المتكثرة لبروز جزء منها،


1- 1 الوسائل الباب 11 من أبواب عقد البيع و شروطه.
2- 2 الوسائل الباب 3 من أبواب بيع الثمار.

ج 22، ص: 445

و هكذا مما ينفتح منه سد باب الغرر الذي من المعلوم بطلان البيع به.

و أن منه عدم جواز بيع الشي ء للاطلاع على بعض أجزائه.

نعم قد يقال أن المحصل منها جواز كل ما كان فيه الغرر، من حيث الحصول و عدمه، كالآبق و اللبن في الضرع و السمك في الآجام و الثمار و الحمل و نحو ذلك بالضميمة إلى معلوم، على وجه يكون المقصود بالبيع ذلك المعلوم، بمعنى الاقدام منهما و لو لتصحيح البيع، على أن المبيع المقابل بالثمن هذا المعلوم الذي هو و إن سمي ضميمة، لكنه المقصود في تصحيح البيع، و لا ينافيه كون المقصود بالنسبة إلى العرض ما فيه الغرر، نحو ما يستعمله بعض الناس في التخلص من المخاصمة بعد ذلك، في الذي يراد بيعه لعارض من العوارض بإيقاع العقد على شي ء معين معلوم لا نزاع فيه، و جعل ذلك من التوابع و اللواحق لما عقد عليه البيع، فلا يقدح حصوله و عدم حصوله كما أومأ إليه غير مرة في ضميمة الآبق، و قوله تأخذ كفا من السمك و احتلاب شي ء، و إدراك بعض الثمار و نحو ذلك، و لعل مراد الأصحاب بالتبعية التي ذكروها و جوزوا البيع معها هذا المعنى، لا أن المراد التبعية في الغرض و لا تبعية ما في باطن الدار لظاهرها و الحمل لأمه و نحو ذلك، مما يصدق معه معلومية المبيع و إن جهل بعض أجزائه أو ما هو كالجزء، ضرورة عدم كون الفرض من ذلك، لكن ينبغي تقييده بما سمعت من الغرر لا جميع أفراده حتى بيع الصبرة المجهولة مثلا، فإنه ليس في تلك النصوص ما يفيد ذلك، و إنما المحصل منها ما قلناه، فلا يتعدى إلى أزيد من ذلك مما يقتضي قاعدة الغرر و الجهالة، و خصوص جملة من النصوص (1)عدم جوازه من غير فرق بين كونه مقصودا بالأصالة و عدمه،


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب عقد البيع و شروطه.

ج 22، ص: 446

ضرورة عدم مدخلية ذلك في صحة ما يقع عليه عقد البيع، إذ التبعية في القصد ليست تبعية في العقد التي هي المدار على ما يفهم من تلك الأخبار، و دعوى الأولوية في الجواز ممنوعة على مدعيها، و لعل الوجه فيها حينئذ عدم الاندراج مع الفرض المزبور في النهي عن بيع الغرر، بعد فرض جعل المتعلق له المعلوم على وجه يكون هو المقابل للثمن مع فرض عدم غيره، فتأمل جيدا، فإنه دقيق نافع قد رمزوه عليهم السلام إلى من يرزقه الله تعالى فهم رموزهم.

و هذا الوجه و إن اقتضى العموم حتى في الصبرة، إلا أنه معارض بما عرفت مع خلو النصوص المزبورة عنه، ثم إن ظاهر النص و الفتوى مملوكية السمك في الماء في الأرض المملوكة، و إن لم يعلم كونه مخلوقا منها، و من هنا صح الكلام في بيع سمك الآجام المراد بها هنا، على ما يظهر من النصوص مجمع الماء

المنقطع أو الأعم من ذلك، و من الشجر الملتف المحكي عن أهل اللغة تفسيرها بها، إذ فرض سمك مملوك بالاصطياد ثم جعله فيها مقطوع بعدمه، فليس حينئذ إلا ما ذكرناه، و حينئذ ينبغي أن يتبع ملكه الأرض فإن كانت لمالك مخصوص ملكه، و إن كانت للمسلمين ملكه المسلمون، إلا أن الظاهر جريان حكم الإباحة فيما كان منه للإمام أو للمسلمين، للسيرة و من ذلك يظهر لك الحال في جميع ما ذكره المصنف حتى الجلود فان الظاهر عدم اندراجها فيما ذكرناه من القاعدة المقتضية لجوازه مع الضميمة، ضرورة كون الغرر فيه بجهل وصفه، لا أصل حصوله، كما أنه ظهر لك الحال في بيع ما في بطن الحامل مع الضميمة غير الام على النحو الذي ذكرناه، فضلا عن بيعه مع الأم الذي ستعرف فيما يأتي إنشاء الله تمام الكلام فيه، هذا و ربما تقدم منا في بيع الآبق ما ينافي ما هنا في الجملة، إلا أن الذي

ج 22، ص: 447

يظهر لنا الآن هذا و الله العالم.

[مسألتان ]
اشارة

مسألتان

[المسألة الأولى المسك طاهر يجوز بيعه في فأره ]

الأولى المسك طاهر عندنا للأصل و الإجماع بقسميه عليه، و استعمال النبي صلى الله عليه و آله و سلم له (1)و كونه دما بالأصالة لا يقضي

بنجاسته بعد الاستحالة، كما انه لو قلنا بنجاسة الفأرة التي هي ظرفه لكونها قطعة مبانة من حي لا يقتضي ذلك بنجاسته، و حينئذ ف يجوز بيعه في فأره على المشهور بين الأصحاب، بل ربما نفي الخلاف عنه بعضهم، و حكى الإجماع عليه آخر، و إن لم يفتق و لو بإدخال خيط فيه و شمه، للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر المرتفع بأصل السلامة مع عدم الغرر فيه من غير هذه الجهة، نحو ما سمعته سابقا في المطعوم و المشموم و لكن قد عرفت هناك ما يقتضي كون فتقه أحوط لإمكان منع عدم الغرر فيه، إلا بما يقتضي عيبه المدفوع بأصل السلامة، التي ربما نوقش في اندفاع الغرر بالتعبدي منها، و من هنا وسوس فيه الأردبيلي بل جزم بعدم جواز بيعه بعض اتباعه، و لعله لما ورد في النصوص من النهي عن بيع ما لم ير أو يوصف (2)و كراهة شراء ما لم ير، المراد منها الحرمة، و نحو ذلك و هو جيد مع فرض حصول غرر به، غير ما يندفع بأصل السلامة و إلا كان محلا للنظر، ضرورة اقتضاء دليلها جواز الاعتماد عليها في الاقدام على البيع مجبورا بالخيار أو بالأرش لو بان العيب بعد ذلك، و بالجملة فالمسألة فرد من أفراد تلك المسألة التي قد سمعت الكلام فيها، و الله العالم.

[المسألة الثانية يجوز أن يندر للظروف ما يحتمل الزيادة و النقيصة]

المسألة الثانية يجوز في المشهور بل ربما نسب إلى الأصحاب


1- 1 الوسائل الباب 95 من أبواب آداب الحمام الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 18 من أبواب الخيار.

ج 22، ص: 448

مشعرا بدعوى الإجماع عليه للمشتري أو للمتولي ذلك عنهما أن يندر للظروف و يسقط ما يحتمل الزيادة على الظروف و النقيصة

قال:

حنان في الموثق (1)«كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له معمر الزيات: إنا نشتري الزيت في زقاقه فيحسب لنا النقصان فيه لمكان الزقاق فقال له: إن كان يزيد و ينقص فلا بأس و إن كان يزيد و لا ينقص فلا تقربه»

و ظاهره عدم اعتبار التراضي منهما، لكن في

خبر علي بن أبي حمزة(2)«سمعت معمر الزيات يسأل أبا عبد الله عليه السلام فقال: جعلت فداك نطرح من ظروف السمن و الزيت لكل ظرف كذا و كذا رطلا فربما زاد و ربما نقص، قال: إذا كان ذلك عن تراضي منكم فلا بأس»

و في

خبر علي بن جعفر المروي عن قرب الاسناد(3)«عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يشتري المتاع وزنا في الناسية و الجوالق فيقول: ادفع الناسية رطلا أو أكثر من ذلك أ يحل ذلك البيع حينئذ قال: إذا لم يعلم وزن الناسية و الجوالق فلا بأس إذا تراضيا»

و ظاهرهما اعتبار التراضي الذي هو مقتضى القواعد، الا كانت عادة تقتضيه تقوم مقام التصريح بذلك، و ربما كان ذلك مبني الخبر الأول.

و من هنا لا يجوز وضع ما يزيد قطعا إلا بالمراضاة لعدم عادة تقتضي ذلك، فقاعدة احترام مال المسلم بحالها، و كذا لا يجوز وضع ما نقص قطعا للسمسار مثلا إلا برضاء المشتري، لاحترام ثمنه، و على كل حال فلا إشكال في دلالة النصوص الثلاثة


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 4.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 3.

ج 22، ص: 449

كالفتاوى على عدم فساد البيع بمثل هذا الوضع الذي لا يعلم بعده كمية المبيع بل و لا قبله، فإنه و إن كان غررا و جهالة إلا أنه قد هونه بعد جريان العادة به فله التضرر به، لكونه يسيرا كتفاوت المكاييل و الموازين و نحوها مما وقعت المسامحة به في العادة على وجه ينتفي الغرر معه عرفا، فيكتفي حينئذ بوزن ما في الظرف مع الظرف ثم يندر للظرف ما عرفت، و يحسب على الباقي و يعد بذلك معلوم الوزن، إنما الكلام في قصر هذا الحكم على ما في أكثر العبارات من الظروف التي جرت العادة بظرف المائع أو الجامد منها على وجه يكون معه كالشي ء الواحد، أو يتعدى منها إلى غيرها كالجوالق و الحبوب و نحوها، بل يتعدى إلى مظروفات تعلق القصد بظروفها، بل و إلى الاندار لوسخ أو تراب أو أحجار أو شمع أو غير ذلك، مما كان هو في شي ء مثبت و ما في حلي الذهب و الفضة و غيرهما، الظاهر الثاني، و لكن بشرط جريان العادة به و إلا لم يجز ذلك للغرر و الجهالة.

نعم يجوز بيعه مع الظرف من غير وضع موزونين أو لا، أو مختلفين، اتفقا بالسعر أو لا، مع قابلية المنضم إلى التقويم و عدمه، فيكون كقشر الجوز و نوى التمر و تراب الطعام و نحوها، للعمومات السالمة عن معارضة دليل الغرر عرفا، و العلم بالجملة كاف عن معرفة الأبعاض و إن لم يكن المنضم من الموزونات، و لو فرض تحققه في بعض الموضوعات لم يجز، ضرورة كونه المدار وجودا و عدما في الصحة و الفساد كما هو واضح.

[أما الآداب ]
اشارة

و أما الآداب ف كثيرة منها انه

[الآداب المستحبة]

يستحب لكل مكتسب أن ينوي بكسبه الاستعفاف عن الناس، و التوسعة على العيال و إعانة المحتاجين و صرفه في أعمال الخير، ف

في الحسن(1)«عمن قصد بكسبه


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3.

ج 22، ص: 450

ذلك ليس هذا طلب الدنيا، هذا طلب الآخرة»

و في الحديث (1)«من طلب الدنيا استعفافا عن الناس و سعيا على أهله و تعطفا على جاره لقي الله عز و جل يوم القيامة و وجهه مثل القمر ليلة البدر»

و منها أن يقتصد في طلبه و يجمل فيه و ذلك بالاقتصار على أدنى المعيشة و ترك الاجتهاد البليغ، ف

في الخبر(2)«ليكن طلبك المعيشة فوق كسب الحريص الراضي بدنياه المطمئن إليها، و لكن انزل نفسك من ذلك بمنزلة المنصف المتعفف ترفع نفسك عن منزلة الواهن الضعيف و تكسب ما لا بد للمؤمن منه»

و منها أن لا يعتمد على سعيه و كده و فطنته و

في الخبر(3)«كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فان موسى عليه السلام ذهب يقتبس نارا فانصرف و هو نبي مرسل»

و في الحديث (4)«لن يزداد امرؤ بحذقه نقيرا و لن ينقص امرؤ نقيرا بحمقه و العالم بهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته، و العالم بهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته، و فيه أن الله وسع أرزاق الحمقاء لتعتبر العقلاء و يعلموا أن الدنيا لا ينال ما فيها بعمل و لا حيلة».

و منها أن يتفقه فيما يتولاه من أفراد الاكتساب أولا، ف

في الخبر(5)«الفقه ثم المتجر و الله للربا في هذه الأمة دبيب أخفى من دبيب النملة على الصفاء التاجر فاجر و الفاجر في النار إلا من أخذ


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 3.
3- 3 الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 4.
4- 4 الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة في ضمن الحديث 3.
5- 5 الوسائل الباب 1 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 451

الحق و أعطى الحق إلى أن قال من اتجر بغير علم ارتطم في الربا ثم ارتطم»

نعم يكفيه التفقه و لو بالتقليد، و منه يعلم عدم المعارضة بين ما دل على وجوب طلب العلم و بين ما دل على طلب الرزق و الأمر بالسعي في أسبابه، ضرورة إمكان الجمع بينهما على أن التوكل الخالص و الانقطاع التام إلى الله عز و جل من أعظم أسباب الرزق (1)«فان مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ » كما لا يخفى على من جرب ذلك و تنبه لنسمات روح الرأفة و الرحمة و الكرم و الإحسان، و لو فرض تعارض طلب العلم الواجب عينا، و طلب الرزق كذلك لم يبعد تقديم الثاني مع فرض توقف الحياة عليه، و على كل حال فالمراد بالتفقه المستحب إحراز المعرفة قبل الشروع، مخافة عدم التنبه لكثير مما يعتبر فيه على وجه يقتضي فساده، فتندرج في أكل المال بالباطل لا مطلقا، ضرورة وجوبها بحكم الشرع في كل فعل و ترك فان

طلب العلم فريضة على كل مسلم(2)

نعم لا يعتبر في الشروع في أسباب المعاملة سبق العلم بالصحة و الفساد، بخلافه في العبادة المعتبر فيها نية القربة، فله حينئذ إيقاع المعاملة مثلا ثم السؤال عن صحتها و فسادها ثم ترتيب الآثار على ذلك، فلو رتبها قبل ذلك بأن أكل المال أو وطئ الجارية مثلا كان آثما، و إن أصاب الواقع كما هو واضح.

و منها ان يسوي البائع بين المبتاعين في الإنصاف بالنسبة إلى الثمن و حسن المبيع و غيرهما، للخبر(3)الموافق للاعتبار خصوصا مع التفويض إليه الذي هو نوع ائتمان له، نعم قد يقال: أنه لا بأس


1- 1 سورة الطلاق الآية 2.
2- 2 البحار ج 2 ص 32 الطبع الحديث.
3- 3 الوسائل الباب 11 من أبواب آداب التجارة الحديث.

ج 22، ص: 452

بزيادة المراعاة في نقص الثمن و غيره، بسبب زيادة الايمان و الفقر و التقوى و العلم و نحو ذلك، مما يحسنه العقل و الشرع مع أنه قيل فيه أنه يكره للمبذول له قبول ذلك، بل يحكى عن السلف أنهم كانوا يوكلون في الشراء من لا يعرف، هربا من ذلك هذا، و ظاهر المتن و غيره عدم الفرق في فوات استحباب التسوية بين إعلامه و عدمه، لكن عن السرائر إذا كانوا أي المبتاعون عالمين بالأسعار و بما يباع، فلا بأس بأن يبيع كل واحد بغير سعر الذي باعه الآخر مع علمه، و إن كان هو كما ترى كما أن ما عن المنتهى من إلحاق البائعين بالمتبايعين بمعنى استحباب التسوية لهم في السعر كذلك، اللهم إلا أن

يكون مراده في خصوص أيام الغلاء، كما قيل، نعم لا بأس بإلحاق غير البيع فيه كالاجارات للحمامات و الخانات و نحو ذلك.

و منها ان يقيل من استقالة لفظا أو معنى بإظهار الندامة على ذلك للأخبار(1)التي لا فرق فيها بين البائع و المشتري، و بين المؤمن و المسلم، غيرهما و منها ان يدعو بالمأثور عند دخول السوق فإذا جلس مجلسه يشهد الشهادتين و الأولى أن يقول ما في

خبر سدير(2)«عن أبي جعفر عليه السلام أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد أن محمدا عبده و رسوله اللهم إني أسئلك من فضلك حلالا طيبا و أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم و أعوذ بك من صفقة خاسرة، و يمين كاذبة»

أو ما في غيره من النصوص و منها أن يكبر الله سبحانه إذا اشترى ففي

حسن حريز(3)«عن


1- 1 الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة الحديث 21.
2- 2 الوسائل الباب 18 من أبواب آداب التجارة في ذيل الحديث 10.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 453

الصادق عليه السلام إذا اشتريت شيئا من متاع أو غيره فكبر ثم قل اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من فضلك فصل على محمد و آل محمد و اجعل لي فيه فضلا اللهم إني اشتريته ألتمس

فيه من رزقك فاجعل لي فيه رزقا ثم أعد كل واحد ثلاث مرات»

و في

خبر ابن مسلم (1)«عن أحدهما عليهما السلام إذا اشتريت متاعا فكبر لله ثلاثا، ثم قل اللهم إني اشتريته ألتمس فيه من خيرك فاجعل لي فيه خيرا»

إلى آخر الحديث و في

خبر معاوية(2)«عن الصادق عليه السلام إذا اشتريت دابة أو رأسا فقل اللهم اقدر لي أطولها حياة و أكثرها منفعة و خيرها عاقبة»

و في

خبره الآخر(3)«عنه أيضا إذا اشتريت دابة فقل اللهم إن كانت عظيمة البركة فاضلة المنفعة ميمونة الناصية يسر لي شرائها، و إن كانت غير ذلك فاصرفني عنها، إلى الذي هو خير لي منها فإنك تعلم و لا أعلم، و تقدر و لا أقدر و أنت علام الغيوب تقول ذلك ثلاث مرات»

إلى غير ذلك مما ورد من الأدعية قبل الشراء و بعده.

و منها ان يقبض لنفسه ناقصا و يعطي راجحا للاحتياط في التجنب عن البخس

قال: الصادق عليه السلام في خبر صفوان (4)«ان فيكم خصلتين هلك بهما من قبلكم من الأمم

قال: و ما هما يا ابن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قال: المكيال و الميزان»

و لما عساه يفهم من قوله تعالى (5)«وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ» إلخ من حسن خلافه


1- 1 الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 5.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة الحديث 7.
5- 5 سورة المطففين الآية 1.

ج 22، ص: 454

و للبركة و التوفية في الثاني و غير ذلك من النصوص (1)و مع التنازع قدم من بيده الميزان المكيال و يحتمل الآخذ قبل الصفقة و المعطي بعدها أو بالعكس أو القرعة هذا كله في المندوبات.

[الآداب المكروهة]
اشارة

و أما المكروهات فمنها انه يكره مدح البائع لما يبيعه و ذم المشتري لما يشتريه و اليمين على البيع و الشراء ففي

خبر السكوني (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام من باع و اشترى فليحفظ خمس خصال و إلا فلا يشترين و لا يبيعن، الربا، و الحلف و كتمان العيب و الحمد إذا باع، و الذم إذا اشترى»

و في النبوي (3)«أربع من كن فيه طاب مكسبه إذا اشترى لم يعب، و إذا باع لم يحمد، و لا يدلس، و فيما بين ذلك لا يحلف»

و في المرتضوي (4)«يا معشر التجار قدموا الاستخارة و تبركوا بالسهولة، و اقتربوا من

المبتاعين، و تزينوا بالحلم، و تناهوا عن اليمين، و جانبوا الكذب، و تجافوا عن الظلم، و أنصفوا المظلومين، و لا تقربوا الربا، و أَوْفُوا الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ، و لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ»

و في آخر عنه (5)أيضا «إياكم و الحلف فإنه ينفق السلعة و يمحق البركة»

بل في

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(6)عن أبي الحسن موسى عليه السلام «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة أحدهم رجل اتخذ الله بضاعة لا يبيع إلا بيمين و لا يشتري إلا بيمين».

و منها البيع في موضع يستتر فيه العيب لظلمة مثلا حذرا من الغش و التدليس،

قال هشام ابن الحكم: «كنت أبيع السابري


1- 1 الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة الحديث 1- 6.
2- 2 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 25 من آداب التجارة الحديث 3.
6- 6 الوسائل الباب 25 من آداب التجارة الحديث 2.

ج 22، ص: 455

في الظلال فمر بي الكاظم عليه السلام (1)فقال: يا هشام إن البيع في الظلال غش و الغش لا يحل»

بل لعل نحو ذلك إظهار جيد المتاع و كتم رديه الذي

قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم لفاعله (2)«ما أراك إلا قد جمعت خيانة و غشا للمسلمين».

و منها الربح على المؤمن إلا مع الضرورة فيربح قوت يومه موزعا على سائر المعاملين له المؤمنين في ذلك اليوم و إلا مع الشراء بأكثر من ماءة درهم أو الشراء للتجارة

قال الصادق (ع)(3)«ربح المؤمن على المؤمن ربا إلا أن يشتري بأكثر من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم و ارفقوا بهم»

و في

خبر ميسرة(4)«قلت لأبي جعفر عليه السلام إن فيمن يأتيني إخواني فحد لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره فقال: إن وليت أخاك فحسن، و إلا فبع بيع البصير المداق»

بناء على أن المراد منه إن بعت أخاك المؤمن فلا تربح عليه، بل و له أي بعه برأس المال، و إن لم يكن أخاك فبع بيع البصير المداق له أو أن المراد أن وليت أخاك فحسن، و إن تركت الحسن فبعه بيع البصير المداق، بأن تلحظ ما

يخصه من قوت يومك الذي تريد أن توزعه على إخوانك المعاملين لك، لكن في

خبر سالم (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخبر الذي يروى أن ربح المؤمن على المؤمن ربا ما هو قال: ذاك إذا ظهر الحق و قام قائمنا أهل البيت فأما اليوم فلا بأس


1- 1 الوسائل الباب 58 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 86 من أبواب ما يكتسب به الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
5- 5 الوسائل الباب 10 من أبواب آداب التجارة الحديث 4.

ج 22، ص: 456

أن تبيع من الأخ المؤمن و تربح عليه»

و في

خبر عمر بن يزيد بياع السابري (1)«قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ان الناس يزعمون أن الربح على المضطر حرام، و هو من الربا فقال: و هل رأيت أحدا يشتري غنيا أو فقيرا إلا من ضرورة، يا عمر قد أحل الله البيع و حرم الربا، فاربح و لا ترب»

إلا أنه يمكن خروج الثاني عما نحن فيه ضرورة تضمنه الاذن في الربح على المضطر، و أنه لا بأس به من حيث الاضطرار كما أنه يمكن حمل الأول على بيان الجواز.

و منها الربح أيضا على من يعده بالإحسان ل

قول (2)الصادق عليه السلام «إذا قال الرجل للرجل: هلم أحسن بيعك يحرم عليه الربح،

و منها السوم ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ل

مرفوع ابن أسباط(3)«نهى النبي صلى الله عليه و آله و سلم عن ذلك»

مؤيدا بأنه وقت التعقيب الذي هو أبلغ في طلب الرزق من الضرب في الأرض (4)و منها الدخول إلى السوق أولا قيل: و الخروج منه أخيرا، المنافي للإجمال في الطلب و غيره مما ورد الأمر به (5)و إنما الذي ينبغي له أن يكون آخر داخل و أول خارج، عكس المسجد(6)و منها مبايعة الأدنين الذين لا يبالون


1- 1 الوسائل الباب 40 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 9 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 12 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب 18 من أبواب التعقيب الحديث 10.
5- 5 الوسائل الباب 13 من أبواب مقدمات التجارة.
6- 6 الوسائل الباب 60 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 457

بما قالوا و ما قيل لهم و لا يسرهم الإحسان و لا تسؤهم الاسائة، و الذين يحاسبون على الشي ء الدني، و ذوي العاهات و النقص في أبدانهم و الأكراد و المحارف و من لم ينشأ في الخير كمستجدي النعمة

فعن الصادق عليه السلام (1)«إياك و مخالطة السفلة فإن السفلة لا تؤل إلى خير»

و عنه عليه السلام (2)«لا تعامل ذا عاهة فإنهم أظلم شي ء»

و في

خبر الوليد(3)عنه عليه السلام أيضا «يا وليد لا تشتر من محارف فان صفقته لا بركة فيها»

و عن الفقيه خلطته، و التهذيب حرفته،

و عنه «ع» أيضا(4)«لا تخالطوا و لا تعاملوا إلا من نشاء في الخير»

و عنه عليه السلام أيضا(5)«إنه قال: لقهرمان له استقرض من رجل طعاما فألح بالتقاضي له فقال:

أ لم أنهك أن تستقرض ممن لم يكن فكان»

و عنه في خبر داود(6): «يا داود تدخل يدك في فم التنين إلى المرفق خير لك من طلب الحوائج إلى من لم يكن فكان»

و عن أبي جعفر عليه السلام (7)«مثل الحاجة إلى من أصاب ماله حديثا كمثل الدرهم في فم الأفعى أنت إليه محوج و أنت منها على خطر»

و في

خبر أبي الربيع الشامي (8)«سألت أبا عبد الله عليه السلام فقلت له: ان عندنا قوما من الأكراد و إنهم لا يزالون يجيئون بالبيع فنخالطهم و نبايعهم فقال: يا أبا الربيع لا تخالطوهم فإن الأكراد حي من أحياء الجن كشف الله عنهم الغطاء فلا تخالطوهم».


1- 1 الوسائل الباب 24 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
2- 2 الوسائل الباب 22 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
3- 3 الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة الحديث 6.
5- 5 الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب 26 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2.
7- 7 الوسائل الباب 26 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 1.
8- 8 الوسائل الباب 23 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 458

و منها التعرض للكيل أو الوزن بل و العد إذا لم يحسنه حذرا من الزيادة و النقصان المؤديين إلى المحرم، بل في المسالك عن بعض تحريمه، و هو كذلك مع تحقق التأدية المزبورة لا مع عدمها، و الخوف من ذلك لا يقتضي الحرمة، و في

مرسل المثنى الحناط(1)«عن أبي عبد الله عليه السلام قلت: له رجل من نيته الوفاء و هو إذا كال لم يحسن أن يكيل قال: فما يقول الذين حوله قلت: يقولون لا يوفي قال: هذا لا ينبغي له أن يكيل»

و منها الاستحطاط من الثمن بعد العقد ففي

خبر إبراهيم بن زياد(2)«عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اشتريت له جارية فلما ذهبت أزن الدراهم قلت:

أستحطهم قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة»

و في

خبر الشحام (3)«أتيت أبا عبد الله عليه السلام بجارية أعرضها فجعل يساومني و أساومه، حتى بعته إياها و قبض على يدي فقلت:

جعلت فداك إنما ساومتك لأنظر المساومة تبتغي أو لا تبتغي و قد حططت عنك عشرة دنانير، فقال: هيهات إلا ما كان قبل الصفقة أما بلغك قول النبي صلى الله عليه و آله و سلم الوضعية بعد الصفقة حرام»

و ظاهره كراهة الحط فضلا عن الاستحطاط، لكن الظاهر إرادته منه و إلا كان إحسانا محضا، و المراد من الحرمة فيه شدة الكراهة قطعا للعمومات و خصوص النصوص النافية للبأس عن ذلك (4)فوسوسة بعض المحدثين فيه في غير محلها.

و منها الزيادة في السلعة وقت النداء كما عن النهاية


1- 1 الوسائل الباب 8 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 1 و 7.
4- 4 الوسائل الباب 44 من أبواب آداب التجارة الحديث 6 و 1 و 7.

ج 22، ص: 459

ل

خبر أمية بن عمر الشعيري (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد و إنما يحرم الزيادة الندا و يحلها السكوت»

المحمول على شدة الكراهة قطعا لكن ستسمع ما عن ابن إدريس.

و منها دخول المؤمن في سوم أخيه بائعا كان أو مشتريا على الأظهر الأشهر بل المشهور ل

خبر الحسين بن زيد(2)«عن الصادق عليه السلام و نهى رسول الله صلى الله عليه و آله ان يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم»

المحمول على ذلك لقصوره عن تخصيص الأصل و العمومات من وجوه، خلافا لمن ستسمع، قيل: و المراد به هنا الزيادة مثلا في الثمن أو بذل مبيع غير ما بذله البائع الأول ليكون البيع

له بعد تراضي الأولين به و حينئذ فمع عدم التراضي لا سوم، و في محكي المبسوط و أما السوم على سوم أخيه فهو حرام، ل

قوله عليه السلام (3)«لا يسوم الرجل على سوم أخيه»

هذا إذا لم يكن المبيع في المزايدة، فإن كان كذلك فلا تحرم المزايدة و مقتضاه الحرمة مطلقا في غير حال المزايدة، و أما فيها فظاهره عدمها قبل التراضي، اللهم إلا أن يريد ذلك حتى بعد التراضي منهما، و إرادة إيقاع العقد، و لعل الوجه حينئذ في استثنائه، وضع الشي ء على المزايدة فلا غضاضة على المدخول عليه، لكن في محكي السرائر بعد أن حكى عن النهاية، و إذا نادى المنادي على المتاع فلا يزيد في المتاع فإذا سكت زاد حينئذ إنشاء، و عن المبسوط ما سمعت هذا هو الصحيح دون ما ذكره في نهايته، لأن ذلك على ظاهره غير مستقيم، لأن الزيادة في حال النداء غير محرمة و لا مكروهة، فإن الزيادة المنهي عنها هي عند الانتهاء و سكون


1- 1 الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 470.

ج 22، ص: 460

نفس كل واحد من البيعين على المبيع بعد استقرار الثمن، و الأخذ و الشروع في الإيجاب و القبول و قطع المزايدة، فعند هذا الحال لا يجوز السوم على سوم أخيه، و في محكي المنتهى انه اعتذر عن الشيخ بأنه عول على خبر الشعيري و لا بأس به، لأن مثله صالح لإثبات مثلها ثم قال:

و التحقيق أن نقول أن الحال لا يخلوا من أربعة أقسام أحدها أن يوجد من البائع التصريح بالرضاء بالبيع، فهنا يحرم السوم، الثاني أن يظهر منه ما يدل على عدم الرضا، فهذا لا يحرم فيه الزيادة، الثالث أن لا يوجد ما يدل على الرضا و لا على عدمه، فهنا أيضا يجوز السوم، الرابع أن يظهر منه ما يدل على الرضا من غير تصريح، و الوجه هنا التحريم أيضا، و شدد النكير عليهما في الحدائق بما حاصله من الفرق الواضح بين مسئلتي النداء و السوم، قلت: لا ريب في صدق السوم على مجرد إرادة الشراء و التشاغل في قطع الثمن، و منه المقبوض بالسوم و كان مقتضى الخبر المزبور و حرمته مطلقا أو كراهته كذلك في غير المزايدة، بل هو مقتضى ما سمعته من المبسوط أيضا فيحرم أو يكره الدخول فيه، و إن لم يحصل التراضي.

نعم في المسالك إنما يحرم أو يكره بعد تراضيهما أو قربه فلو ظهر منه ما يدل على عدم الرضا و طلب الزيادة أو جهل حاله لم يحرم و لم يكره اتفاقا، فان ثبت ذلك صح تخصيصه أيضا به، و إلا كان المتجه الحرمة أو الكراهة بمطلق تحقق المساومة إلا أن يعرض أو يكون الشي ء مبنيا على المزايدة و الأمر سهل عندنا بعد أن كان المختار الكراهة مطلقا، و إن كان الأحوط الاجتناب، و أشد منه البيع على البيع

المروي في المرسل (1)«عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم انه نهى عنه»

بمعنى امره بالفسخ في زمن


1- 1 الوسائل الباب 13 من أبواب عقد البيع و شروطه الحديث 12.

ج 22، ص: 461

الخيار ليشتري منه بأزيد و أمر المشتري به فيبيعه بأنقص أو خيرا منه، و على كل حال فلو طلب الداخل من الطالب الترك له لم يحرم، و في كراهيته وجه، و لا كراهة في ترك الملتمس قطعا، بل ربما استحب اجابته إذا كان مؤمنا، و على كل حال فلا فساد للعقد و إن أثم بالدخول في السوم و الله العالم.

و منها أن يتوكل حاضر لباد غريب قروي أو بدوي ل

خبر عروة بن عبد الله (1)«عن أبي جعفر عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر و لا يبيع حاضر لباد و المسلمون يرزق بعضهم من بعض»

و خبر لجابر(2)«عن رسول الله صلى الله عليه و آله لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض»

و غير ذلك من

قوله عليه السلام (3)«دعوا الناس على غفلاتها»

و نحوه بل قيل : و القائل الشيخ و ابنا إدريس و البراج و الفاضل في المنتهى على ما حكي عنهم، يحرم لظاهر النهي و لكن الأول مع كونه أشهر بل المشهور أشبه بأصول المذهب

المذهب و قواعده، لقصور الخبرين عن تخصيص الأصول و العمومات، بعد قصور سنديهما، و إشعار ما هو كالتعليل فيهما بذلك و لإطلاق النهي عمم بعض الناس الحكم، لمطلق الإرشاد في بيع أو شراء أو غيرهما، لا خصوص التوكيل، و لمطلق من كان عالما بالسعر أو ذكيا حيث كان من أي محل كان لا خصوص الحاضر، و لمطلق من


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 36 من أبواب آداب التجارة و ذيله في الباب 37 الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 37 من أبواب التجارة الحديث 3.
3- 3 المستدرك ج 2 ص 470.

ج 22، ص: 462

كان جاهلا أو غبيا، بلديين أو قرويين، أو بدويين، أو مختلفين، مع العلم بالحكم و جهله، و ظهور السعر و خفائه، و عموم الحاجة إلى المتاع و عدمه، و رابطة الرحم أو الجوار أو غيرهما بين الوكيل و موكله و عدمها و إسلام المبتاعين و عدمه، و كون المبيع من الفواكه أو غيرها، و إن كان لا يخلو بعضه من نظر، لولا التسامح في الكراهة، و منه يعلم ما في اشتراط بعض الأصحاب لهذا الحكم حرمة أو كراهة بعلم الحاضر بورود النهي، و بظهور سعر في البلد من ذلك، فلو لم يظهر اما لكبر البلاد أو لعموم وجوده، و رخص السعر فلا تحريم و لا كراهة لأن المقتضي للنهي تفويت الربح و فقد الرفق بالناس، و لم يوجدا هنا و بأن يكون المتاع المجلوب مما تعم الحاجة إليه، فما لا يحتاج إليه إلا نادرا لا يدخل تحت النهي، و بأن يعرض الحضري على البدوي ذلك و يدعوه إليه، فلو التمسه الغريب لم يكن بذلك بأس، و يكون الغريب جاهلا بسعر البلد فلو كان عالما لم يكن به بأس، بل مساعدته محض خير، ضرورة منافاة جملة إطلاق النهي، بل قيل أن الأول شرط يعم جميع المناهي، قلت: مع أنه لا ينافي صدق فعله المرجوح، و إن لم يكن إثما على تقدير الحرمة، و على كل حال فذلك كله بالنسبة إلى كراهة الفعل أو حرمته لا الصحة و الفساد للعقد كما هو واضح.

إلى غير ذلك من الآداب التي اقتصر المصنف على بعضها مما له دخل في المقام، و قد ذكر بعض مشايخنا تبعا للدروس كثيرا من ذلك إلا أن بعضها خارج عما نحن فيه، و بعضها منه كالاجمال في الطلب، بمعنى كون طلبه فوق طلب المضيع و دون طلب الحريص (1)و مباشرة


1- 1 الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة.

ج 22، ص: 463

الاعمال باليد التي هي طريقة الأنبياء و المرسلين و الصالحين (1)و إصلاح المال (2)و إحراز القوت و البيع عند حصول الربح (3)و المماكسة إلا في أربعة، الأضحية، و الكفن، و النسمة و الكري إلى مكة(4)و البكور في طلب الحوائج، و طلب الرزق (5)و زيادة التوكل على الله (6)نصح المستشير، و قبول نصحه (7)و مشاركة أرباب الحظوظ(8)و تبديل الصنائع، حتى يوافق

ماله فيها طالع سعد(9)و التعرض للرزق و لو ببسط بساطه (10)و كتمان المال (11)و مهارة العامل في عمله، و الوكيل في وكالته (12)و ابتداء صاحب السلعة بالسوم (13)و الرجوع في طريق لم يذهب فيه (14)و الرفق بالمعيشة(15)و خلط الحنطة بالشعير ليتساوى الفقراء(16)و شراء القوت يوما فيوما لذلك أيضا(17)و أخذ العقار و الكتب العلمية و جميع آلات العبادة للقنية(18)و تقديم الاستخارة


1- 1 الوسائل الباب 9 من أبواب مقدمات التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 21 من أبواب مقدمات التجارة.
3- 3 الوسائل الباب 13 من أبواب آداب التجارة.
4- 4 الوسائل الباب 46 من أبواب آداب التجارة.
5- 5 الوسائل الباب 29 من أبواب مقدمات التجارة.
6- 6 الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة.
7- 7 الوسائل الباب 54 من أبواب مقدمات التجارة.
8- 8 الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة.
9- 9 الوسائل الباب 35 من أبواب آداب التجارة.
10- 10 الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات التجارة.
11- 11 الوسائل الباب 47 من أبواب آداب التجارة.
12- 12 الوسائل الباب 12 من أبواب آداب التجارة.
13- 13 الوسائل الباب 54 من أبواب آداب التجارة.
14- 14 الوسائل الباب 22 من أبواب مقدمات التجارة.
15- 15 الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات التجارة.
16- 16 الوسائل الباب 32 من أبواب مقدمات التجارة.
17- 17 الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات التجارة.
18- 18 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة.

ج 22، ص: 464

و السهولة و الحلم و الاقتراب من المبتاعين و التسامح في البيع و الشراء(1)و القضاء و الاقتضاء(2)و سؤال البركة في الشراء، و الخير في البيع (3)و ملازمة ما بورك له فيه (4)و وضع كل شي ء في سوقه، و عمل كل عامل في السوق المعد له، فإنه أرزق (5)و المعاملة مع من نشأ في الخير(6)و المكافاة على الهدية، و مشاركة الجلساء فيها(7)و اتخاذ الحرف الرفيعة، كالتجارة، و الزراعة، و الغرس، و

الزرع (8)و الخروج عن البلد عند الإعسار(9)و اعلام الإخوان بالإعسار، ليعينوه و لو بالدعاء، و الكتمان مع الخلو عن هذا القصد أولى (10)و الإحسان إلى الاخوان، من المبتلى بخدمة السلطان ليكون كفارة عما كان (11)و الكسب فيما يحصل به تقوية البدن، كالسبق و الرماية، و الإتيان بحميد السلعة و ترك أردإها(12)و صرف الحجام كسبه مع الشرط على الناضح و شبهه (13)


1- 1 الوسائل الباب 4 من أبواب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 42 من أبواب آداب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب 20 من أبواب آداب التجارة.
4- 4 الوسائل الباب 35 من أبواب آداب التجارة.
5- 5 الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة.
6- 6 الوسائل الباب 27 من أبواب مقدمات التجارة.
7- 7 الوسائل الباب 91 و 92 من أبواب ما يكتسب به.
8- 8 الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات التجارة.
9- 9 الوسائل الباب 4 من أبواب مقدمات التجارة.
10- 10 الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة.
11- 11 الوسائل الباب 46 من أبواب ما يكتسب به.
12- 12 الوسائل الباب 105 من أبواب ما يكتسب به.
13- 13 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 465

و إطالة الجلوس، و ملازمة الغريم في التقاضي بإطالة الجلوس مع السكوت (1)و اتخاذ مكسبه في بلده (2)و طرح الدينار المغشوش بعد قسمته نصفين في البالوعة(3)و تفريق المال إذا أرسله في تجارة حتى لا يذهب بجملته، و مباشرة الأمور الكبار بنفسه، كشراء العقارات و نحوها(4)و عمل الرجل في بيته،

«فان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يحلب عنز أهله(5)

و «أمير المؤمنين عليه السلام كان يحتطب و يستقي و يكنس و فاطمة تطحن و تعجن و تخبز»(6)

و مشاركة الناس فيما يأكلون و يلبسون (7)و الاستعانة بدعاء الاخوان إذا جار الزمان (8)و كيل الطعام إذا أحرز أو أخرج للأكل (9)و المحافظة على التعقيب إلى ما بعد طلوع الشمس (10)و قراءة إنا أنزلناه و إنا أرسلنا و غيرهما من القرآن مما له ربط في الرزق، و ينبغي أن يجعل آخر دعائه إذا فرغ من صلاة الفجر سبحان الله العظيم استغفر الله و أتوب إليه و أسأله من فضله عشر مرات (11)و طلاقه الوجه مع المعاملين، و حسن السلوك


1- 1 الوسائل الباب 16 من أبواب الدين.
2- 2 الوسائل الباب 69 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 68 من أبواب ما يكتسب به.
4- 4 الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات التجارة.
5- 5 الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 2.
6- 6 الوسائل الباب 20 من أبواب مقدمات التجارة الحديث 1.
7- 7 الوسائل الباب 32 من أبواب آداب التجارة.
8- 8 الوسائل الباب 14 من أبواب مقدمات التجارة.
9- 9 الوسائل الباب 7 من أبواب آداب التجارة.
10- 10 الوسائل الباب 29 من أبواب مقدمات التجارة.
11- 11 الوسائل الباب 55 من أبواب آداب التجارة.

ج 22، ص: 466

معهم، و استعمال الحلم، و مكارم الأخلاق فإنه ادعى للرزق (1)و اتخاذ مكان كسبه مجاورا لأهل الدين (2)و وضع فراش حوله يجلس عليه المعاملون (3)و أحكام المعاملة بالصيغ اللازمة، و انظار المديون (4)و تعليم الأولاد الحلال و الحرام، و هم أبناء سبع، و تعليمهم السباحة و الرماية، و تعليم شعر أبى طالب و تدوينه (5)و صنعة الغزل للامرأة(6)و الذهاب

في الحاجة متحنكا متطهرا ماشيا في الظل (7)و قبول الهدية و لو كانت معوضة، خصوصا الطيب (8)و تعجيل رد ظروف الهدايا قبل طلب أربابها، و إرجاع العارية قبل وقت الإهمال (9).

و كذا ذكر جملة من المكروهات أيضا كأخذ الوكيل لنفسه مطلقا لموضع التهمة(10)و تعاطي المعاملات و الصناعات الدنية ما لم تؤد إلى الشهرة المنافية للمروة فتحرم (11)و المداقة في المعاملة على الحج و الكفن


1- 1 الوسائل الباب 2 من أبواب آداب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 59 من أبواب آداب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب 15 من أبواب مقدمات التجارة.
4- 4 الوسائل الباب 3 من أبواب آداب التجارة.
5- 5 الوسائل الباب 105 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 64 من أبواب ما يكتسب به.
7- 7 الوسائل الباب 3 من أبواب مقدمات التجارة.
8- 8 الوسائل الباب 91 من أبواب ما يكتسب به.
9- 9 الوسائل الباب 89 من أبواب ما يكتسب به.
10- 10 الوسائل الباب 5 من أبواب آداب التجارة.
11- 11 الوسائل الباب 25 من أبواب مقدمات التجارة.

ج 22، ص: 467

و الأضحية و النسمة، و قد يلحق بها أمثالها(1)و سلوك طريق لا يتمكن فيه أو في غايته من بعض شروط العبادات أو شطورها قبل وجوبها، و الاتجار بمكة لغير أهلها، أما في الطريق فلا بأس (2)و الشكاية و استقلال قليل الرزق (3)و وضع المال في الكف، لانه مضياع، بل لعل الحكم جار في كل مضياع (4)و كثرة النوم و الضجر و الكسل و البطالة و الدوران في الأسواق (5)و شراء الطحين، و ادنى منه شراء الخبز(6)و بيع آلات العبادات أو العقارات، و نقلها بجميع أنواع الانتقالات من

المعاوضات، إلا لشراء خير منها(7)و استيصال خفض الجواري (8)و غسل الماشطة وجه العروس بالخرقة(9)و جعل أجير مشروط عليه المباشرة(10)و ترك الدنيا للاخرة، و بالعكس من غير خروج عن الشرع (11)و استعمال الأجير بلا شرط(12)و استخدام من يستحق الإكرام لحسب أو نسب أو كبر سن، و نحو ذلك، و نزو حمار على عتيق، و ضراب الناقة و ولدها طفل إلا أن يتصدق بولدها، أو يذبح(13)


1- 1 الوسائل الباب 46 من أبواب آداب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 57 من أبواب آداب التجارة.
3- 3 الوسائل الباب 53 من أبواب آداب التجارة.
4- 4 الوسائل الباب 52 من أبواب آداب التجارة.
5- 5 الوسائل الباب 17 من أبواب مقدمات التجارة.
6- 6 الوسائل الباب 33 من أبواب آداب التجارة.
7- 7 الوسائل الباب 24 من أبواب مقدمات التجارة.
8- 8 الوسائل الباب 18 من أبواب ما يكتسب به.
9- 9 الوسائل الباب 19 من أبواب ما يكتسب به.
10- 10 الوسائل الباب 66 من أبواب ما يكتسب به.
11- 11 الوسائل الباب 28 من أبواب مقدمات التجارة.
12- 12 الوسائل الباب 3 من أحكام الإجارة.
13- 13 الوسائل الباب 63 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 468

و إخراج ردى السلعة و ترك جيدها(1)و تمليك الام دون ولدها أو الولد دون امه، إن كان رضيعا(2)و أخذ الوصي شيئا في مقابلة عمله (3)و بيع المكيل و الموزون قبل قبضه، و لا سيما الطعام أو نقله بوجه أخر(4)و التعرض للحقوق، فإذا ابتلى فليصبر(5)و أن يستأجر الأجير الأول مع عدم شرط المباشرة عليه أجيرا آخر بأقل مما استأجره و لم يكن عمل شيئا(6)و أن يجعل المؤمن نفسه أو غلامه المؤمن، أجيرا لمخالف في الدين، من غير شرط المباشرة أما معها فاما حرام مطلقا أو

لخصوص الكافر(7)و استكثار الرزق على غيره مع عدم بلوغ حد الحسد(8)و الاكتساب بالسؤال، و خصوصا بالكف، و يحرم لبعض الأشخاص، و من بعض الأشخاص (9)و الاكتساب بالمدح، و إعطاء المادح الذي قد أمرنا بحثوا التراب في وجهه (10)و إجارة المستأجر الأرض بأكثر مما استأجرها به، مع عدم العمل فيها(11)و إجارة


1- 1 الوسائل الباب 43 من أبواب آداب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 13 من أبواب بيع الحيوان.
3- 3 الوسائل الباب 72 من أبواب ما يكتسب به.
4- 4 الوسائل الباب 16 من أبواب أحكام العقود.
5- 5 الوسائل الباب 48 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 23 من أحكام الإجارة.
7- 7 الوسائل الباب 38 من أبواب عقد البيع و شروطه.
8- 8 الوسائل الباب 13 من أبواب آداب التجارة.
9- 9 الوسائل الباب 4 من أبواب المقدمات.
10- 10 الوسائل الباب 43 من أبواب ما يكتسب به.
11- 11 الوسائل الباب 21 من أحكام الإجارة.

ج 22، ص: 469

الأرض بحنطة أو شعير و لا سيما إذا شرط من حاصلها، و لا يبعد جريانه في سائر ما ينبت في الأرض (1)و المقاصة في الوديعة فإن أراد ذلك استحب له أن يقول اللهم لم أخذه ظلما و لا خيانة، و إنما أخذته مكان مالي الذي أخذ مني لم أزد عليه شيئا(2)و معاملة الشريك لنفسه مع البناء على تقسيم جميع المنافع، و لو بان يشتري بعين ماله لنفسه أو ذمته شيئا، و تفضيل المعلم بعض الصبيان على بعض (3)، و تفضيل الأجير بعض المستأجرين على بعض، من غير داع الهى، و زخرفة المساجد و تزويقها، و أخذ الأجرة عليها و يلحق بها المشاهد المشرفة و حرمها بعض، و الحق الكراهة(4)و الانهماك في علم النحو، فإنه الذي يسلب الخشوع، و لا بأس بالاطلاع على

الأنساب و الاشعار و الوقائع و إن لم يكن فيه فضل لأنه علم لا يضر من جهله و لا ينفع من علمه

«إنما العلم ثلاثة آية محكمة، أو فريضة عادلة أو سنة قائمة، و ما سواهن فهو فضل(5)

و مدح الظالم صدقا، بغير ما يبعث على قوته، و التواضع له من غير علة(6)و رد الهدايا خصوصا الطيب و الحلو(7)و محبة الظالمين من دون دخول في معاصيهم و الا فيحرم، و لا سبب يدعو إليهم و لحبهم و قيل بالتحريم (8)و طلب الحوائج من مستجدي النعمة، و هو من لم


1- 1 الوسائل الباب 21 و 26 من أحكام الإجارة.
2- 2 الوسائل الباب 83 من أبواب ما يكتسب به.
3- 3 الوسائل الباب 29 من أبواب ما يكتسب به.
4- 4 الوسائل الباب 15 من أحكام المساجد.
5- 5 الوسائل الباب 105 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 43 من أبواب ما يكتسب به.
7- 7 الوسائل الباب 89 من أبواب ما يكتسب به.
8- 8 الوسائل الباب 44 من أبواب ما يكتسب به.

ج 22، ص: 470

يكن فكان (1)و طلبها أيضا بالليل من الناس (2)و حفظ الشعر مكثرا منه من غير حق (3)و معاملة الرجال الأجانب النساء و بالعكس مع الاحتياج إلى المكالمة و المحادثة، حيث نقول بعدم دخول الصوت في العورة(4)و أكل الحجام أجرته المأخوذة بالشرط(5)و الإسراف الذي لم يصل إلى حد المضار فيحرم (6)و ما عارض شيئا من الطاعات، و قيل بتحريم ما عارض الواجبات (7)و فعل المعاملات التي لا تخلو من

الشبهات (8)و السهر زائدا على المعتاد في الاكتساب (9)و الرجوع بالهبة الذي هو كالرجوع بالقي ء(10)و شدة السعي في الطلب، فيكون طلب الحريص و الخضوع و الكسل (11)إلى غير ذلك مما أكثر منه في الدروس و غيرها، و إن كان لا مدخلية لبعضه في خصوص المقام، و أخر محل للنظر، و ثالث يأتي في محله إنشاء الله و هو العالم،

[و يلحق بذلك مسألتان ]
اشارة

و يلحق بذلك مسألتان

[المسألة الأولى تلقى الركبان مكروه ]

الأولى تلقى الركبان مثلا القاصدين إلى بلد للشراء منهم مثلا


1- 1 الوسائل الباب 21 من أبواب آداب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 31 من أبواب مقدمات التجارة.
3- 3 الوسائل الباب 105 من أبواب ما يكتسب به.
4- 4 الوسائل الباب 131 من أبواب مقدمات النكاح.
5- 5 الوسائل الباب 9 من أبواب ما يكتسب به.
6- 6 الوسائل الباب 5 من أبواب مقدمات التجارة.
7- 7 الوسائل الباب 14 من أبواب الآداب و 68 من أبواب ما يكتسب به.
8- 8 الوسائل الباب 33 من أبواب ما يكتسب به.
9- 9 الوسائل الباب 34 من أبواب ما يكتسب به.
10- 10 الوسائل الباب 10 من أحكام الهبات.
11- 11 الوسائل الباب 12 من أبواب مقدمات التجارة.

ج 22، ص: 471

مكروه في المشهور بين الأصحاب بل عن بعضهم ما يظهر منه الإجماع عليه، و هو الحجة بعد حمل النهي عليه في

خبر عروة السابق (1)«عن أبي جعفر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه و آله لا تتلق أحدكم تجارة خارجا عن المصر»

و خبر منهال القصاب (2)«عن أبي عبد الله عليه السلام لا تلق و لا تشتري ما يتلقى و لا تأكل منه»

و خبره الآخر عنه أيضا(3)أيضا «سألته عن تلقي الغنم فقال: لا تتلقى و لا تشترى ما يتلقى و لا تأكل»

و خبره الثالث (4)قال: أبو عبد الله عليه السلام «لا تلق فان رسول الله صلى الله عليه و آله نهى عن التلقي قلت: و ما حد التلقي؟ قال: ما دون غدوة أو روحه قلت: و كم الغدوة و الروحة؟

قال: أربعة فراسخ»

قال: ابن أبي عمير و ما فوق ذلك فليس بتلقي لقصورها سندا عن افادة التحريم خصوصا بعد مخالفتها للمشهور، و موافقتها للعامة، بل و دلالة بناء على فهم ذلك من هذا النهي في هذا المقام، و لو لقوله و لا تأكل، المعلوم إرادة الكراهة منه، بعد فرض إرادة الإثم من النهي عن التلقي، لا فساد العقد كمعلومية كون المنشأ في ذلك ما أومأ إليه عليه السلام في النهي عن وكالة الحاضر للباد، من إرادة ارتزاق المسلمين بعضهم من بعض، فما عن ابني البراج و إدريس من الحرمة ضعيف، و إن حكي أيضا عن الخلاف و المبسوط للتعبير بلفظ لا يجوز، لكن من المحتمل قويا إرادته الكراهة هنا كما وقع له نحو ذلك في معلوم الكراهة غير مرة، و كيف كان ف حده أربعة


1- 1 الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 5.
2- 2 الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
3- 3 الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.
4- 4 الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 3.

ج 22، ص: 472

فراسخ بخروج الحد عن حكم المحدود فحينئذ لا تلقي من الأربعة فصاعدا على تقديري الحرمة و الكراهة، بل يكون سفر تجارة و إلى ذلك أومأ في الخبر السابق بقوله دون غدوة أو روحة،

و في مرسل الفقيه (1)«روى أن حد التلقي روحة، فإذا صار إلى أربعة فراسخ فهو جلب»

و ينافيه ما سمعته من كلام ابن أبي عمير بعد احتمال إرادة ما زاد على الدون من الفوق فيه، و منه يعلم حينئذ قوة المختار من أن المسافة أربعة فصاعدا إذا أريد الرجوع، و لو لغير يومه، للإطلاق ضرورة كون الحاصل منها حينئذ أن ما دون الأربعة تلقي، و الأربعة فصاعدا سفر تجارة، باعتبار كونها مسافة بإرادة الرجوع، و الغدوة من أول النهار إلى الزوال، و الروحة من الزوال إلى الغروب، و بياض اليوم عبارة عن ثمانية فراسخ، فيكون كل نصف أربعة فراسخ، كما هو واضح، و حينئذ ف إذا قصد بفعله ذلك ترتب الحكم و إلا فلا، و لا يكره إن اتفق بلا قصد، و لو كان طريقان فسلك أقصرهما ترتب الحكم، كما أنه لو سلك بالغ الحد لم يترتب، و لو قصد الحد فصادف الركب دونه لم يكن متلقيا، قيل أو قصد دونه فبلغه ارتفعت كراهة المعاملة، و إن فعل مكروها في قطع الطريق قبل العزم على التجاوز، و فيه تأمل كالتأمل فيما قيل أيضا و لو قصد ركبا مخصوصا فصادف غيره أو تركه و عامل غيره فالكراهة في تلقيه دون معاملته، و لو قصد ما فوق المسافة عازما على

المعاملة فيما دونها فلا يبعد إلحاقها بالتلقي و لو أجرى الصيغة هناك و لم يقبض إلا دونها فلا تلقي و لا سيما إذا لم يكن القبض شرطا في حصول الملك، بخلاف العكس، و لو أمهلهم


1- 1 الوسائل الباب 36 من أبواب آداب التجارة الحديث 6.

ج 22، ص: 473

في المعاملة إلى دخول البلد و إنما قصد باستقبالهم إظهار المحبة لهم ليتوقع شفقتهم لم يكن به بأس، و كيف كان فقد تحصل أن الحكم المزبور مشروط بشروط، منها كون الخروج بقصد ذلك، فلو خرج لا له فاتفق الركب لم يثبت الحكم، و منها تحقق مسمى الخروج من البلد فلو تلقى الركب في أول وصوله إلى البلد لم يثبت الحكم، و إن لم يكن قد عرف السعر، نعم لو دخل بعض الركب فتلقى البعض الآخر لم يبعد ثبوت الحكم، لصدق التلقي حينئذ، و منها اعتبار ما دون الأربعة فراسخ على الوجه الذي سمعته، قيل: و منها جهل الركب بسعر البلد فيما يبيعه و يشتريه، فلو علم بهما أو بأحدهما لم يثبت الحكم فيه، كما يشعر به التعليل في قوله صلى الله عليه و آله لا يتلقى أحدكم تجارة خارجا من المصر و المسلمون يرتزق بعضهم من بعض، و الظاهر ان الاعتبار بعلم من يعامل خاصة، و فيه مع عدم التصريح بالعلة في الخبر المزبور، يمكن أن يكون الوجه في الكراهة هو اختصاص المتلقى بشراء ما معهم و الربح فيه بخلاف ما لو قدم الركب. فالأولى تعميم الكراهة لحالي العلم بالسعر و عدمه، قيل: و منها أن يكون التلقي للبيع عليه أو الشراء منه، فلو خرج لغيرهما من المقاصد و لو في بعض المعاملات كالإجارة لم يثبت الحكم، و في إلحاق الصلح و نحوه من عقود المعاملات احتمال، للعلة و عدمه، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن، قلت: لا يخفى عليك ما في الاحتمال الثاني من الضعف، بل قد يناقش فيما ذكره أولا من خروج الإجارة و نحوها لعموم ما هو كالتعليل، و منه يعلم ما في قوله بعد ذلك أيضا أنه يحتمل قصر الحكم على الشراء منهم خاصة، نظرا إلى ظاهر قوله لا يتلقى أحدكم تجارة الخارج مخرج الغالب، فلا يقيد به إطلاق النهي عن التلقي في غيره، خصوصا بعد التعليل المزبور، ثم

ج 22، ص: 474

قال: و لو قلنا بالتعميم ينبغي قصر البيع على ما فيه خطر و غبن، فلو خرج ليبيع عليهم المأكول و نحوه فلا بأس، و فيه أن الحكمة في النهي عن التلقي ليست لمراعاة حال الركب خاصة، بل الأعم من ذلك و من حال أهل البلد، باعتبار اختصاص الربح و نحوه بالمتلقى خاصة، كما أومأنا إليه سابقا فيعم حينئذ جميع ذلك، ضرورة منع الرزق على أهل هذا الصنف.

و على كل حال فلو خالف و تلقى و باع و اشترى انعقد البيع، و إن قلنا بالتحريم كما عن ابن إدريس التصريح به، بل عن ظاهر المنتهى اتفاق العلماء على ذلك لكون النهي عن أمر خارج عن حقيقة البيع، خلافا للإسكافي فأبطله و هو واضح الضعف، و منه يعلم المراد في النهي عن أكل ما يتلقى كما أشرنا إليه، فما في شرح الأستاد من الحكم بالفساد على تقدير الحرمة، لأن النواهي في أخبار المسألة تعلقت بنفس المعاملة لا بخارج عنها كما قيل، مع أن فيها و لا تشتر ما يتلقى و لا تأكل منه إلى آخره كما ترى، إذ النهي في أخبار المسألة إنما تعلق بالتلقي معللا بان المسلمين يرزق الله بعضهم من بعض، لا بنفس المعاملة، على نحو بيع الحصى أو بيع الخمر أو الميتة، بل لا يثبت في ذلك للبائع الخيار إلا أن يثبت الغبن الفاحش خلافا لظاهر المحكي عن ابن إدريس من ثبوت الخيار مطلقا، و لعله لإطلاق

النبوي المرسل (1)في الدروس عن النبي صلى الله عليه و آله «لمن تلقى فصاحب السلعة بالخيار»

أو النبوي العامي (2)«لا تلقوا الجلب فمن تلقاه و اشترى منه فإذا أتى السوق فهو بالخيار»

القاصر سندا عن تخصيص


1- 1 المستدرك ج 2 ص 469.
2- 2 كنز العمال ج 2 ص 306 الحديث 4306.

ج 22، ص: 475

قاعدة اللزوم، بل و دلالة، ضرورة كون المفهوم من اشتراط الخيار في الثاني بإتيان

السوق معرفة الغبن، و إلا لكان له الخيار من حين البيع فليس هو حينئذ إلا خيار الغبن الذي ستعرف كثيرا من أحكامه فيما يأتي إنشاء الله.

نعم ربما تخيل بعض الأفاضل من الاشتراط المزبور، أن المدار في الغبن ملاحظة القيمة عند دخوله السوق مثلا، لا حال إيقاعه الصيغة، فيخالف خيار الغبن من هذه الجهة، مع أن فيه ما لا يخفى ضرورة بناء ذلك على الغالب من اتحاد القيمة، كما أن الاقتصار على البائع في النص و الفتوى مبني على ذلك، و إلا فلا فرق بينه و بين المشتري مع فرض حصول شرط خيار الغبن من الجهل بالقيمة، و عدم إسقاطه بالشرط أو غيره، و نحو ذلك مما ستعرفه في محله إنشاء الله، كما أنك تعرف فيه أيضا ما يدل على الخيار بالغبن من الإجماع، و قاعدة الضرار(1)و غير ذلك.

إنما الكلام في أن الخيار فيه على الفور مع القدرة و عدم العذر لجهل في الموضوع أو الحكم أو لغفلة أو نسيان أو غير ذلك، مما ينافي سقوط الخيار معه، حكمة مشروعيته من الضرر و غيره، أو على التراخي قولان، فعن جماعة من المتقدمين و المتأخرين الأول، بل ربما كان مشهورا لأنه إنما يثبت من قاعدة الضرار، و الإجماع و نحوهما مما يقتضي تخصيص عموم الازمان المستفاد من دليل اللزوم الذي هو أوفوا و نحوه، فلا استصحاب حينئذ كي يخصص به، لو قلنا بتقديم الخاص و إن كان استصحابا على العام، و إن كان كتابا فهو حينئذ لعارض الضرورة، كإباحة بعض الأشياء لها، للمحرم أو الصائم أو المصلي و نحو


1- 1 الوسائل الباب 17 من أبواب التجارة الحديث 3 و 4.

ج 22، ص: 476

ذلك مما تقدر فيه الضرورة بقدرها، و قيل كما عن جماعة أيضا هو بعد ثبوته على التراخي ف لا يسقط حينئذ إلا بالإسقاط و هو الأشبه لمنع دلالة أوفوا أو نحوه مما استفيد منه اللزوم، على عموم الأزمنة على وجه يكون الخيار كتخصيص بعض الأزمنة من بين تلك الأزمنة، بحيث لا يستصحب، و قاعدة الضرار و إن كانت دليلا لا تقضي بكون موضوع الحكم المضطر كي يزول بزوال عنوان الحكم، على أن التمسك بإطلاق دليل الخيار من الخبر المنجبر و معقد الإجماع المحكي كاف، و ربما يأتي لذلك إنشاء الله تتمة و الله العالم.

و كذا حكم النجش بمعنى أن البيع فيه صحيح، بل و لازم إلا مع الغبن الفاحش على الوجه الذي سمعته، و إن كان هو حراما للنهي عنه، و اللعن لفاعله في النبوي (1)المؤيد بالشهرة، بل و الإجماع المحكي، بل لعل العقل شاهد على قبحه باعتبار كونه غشا و خدعة و تدليسا و إغراء بالجهل و إضرارا، إذ هو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة غير مريد شرائها، بل ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع، كما عساه يقتضيه لعن النبي صلى الله عليه و آله الناجش و المنجوش و الأعم على اختلاف التفسيرين، و عن آخر تفسيره بان يمدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها المواطاة بينه و بين البائع أو بدونها، على اختلاف في تعريفهم، و

لعل اعتبار المواطاة فيه غير بعيد، و إن كان حرمة الثاني لا يخلو من قوة، لكونه خدعا و إغراء و إضرارا و خيانة للمسلم، و من ذلك يعرف أن المراد بالتشبيه ما ذكرناه، لا الأعم منه و من الكراهة كما عن قوم، ضرورة أن وجه الحرمة هنا واضح، لما عرفت و إن كان لا يبطل العقد، لما سمعته من تعلق النهي بأمر خارج، خلافا لابن


1- 1 الوسائل الباب 49 من أبواب آداب التجارة الحديث 2 و 3.

ج 22، ص: 477

الجنيد فأبطله مع المواطاة كما أن منه يعرف ما في تعريف المتن و القواعد إياه بأنه.

هو ان يزيد لزيادة من واطاه البائع ضرورة عدم تعلق التحريم و الكراهة بذلك، اللهم إلا أن يزيد التعريف بالغاية فيكون عبارة عن الزيادة الأولى المسببة للثانية، قيل أو يراد قدر المال الزائد على ثمن المثل المسبب عن الخدع، فإنه يحرم على البائع أو يراد الزيادة على البذل الحاصلة بسبب زيادة المواطاة، أو تمام المثل المشتمل عليها فتكون عبارة عنه، و فيه أنه لا وجه لحرمة الثمن بعد صحة البيع، و أما القول بثبوت الخيار مطلقا كما عن القاضي لكونه تدليسا أو مع مؤاطاة البائع، و إن لم يكن غبنا فلا دليل عليه يخرج به عن قاعدة اللزوم، و الإثم في المقدمات أعم من ذلك، و ما أبعد ما بينه و بين القول بعدمه مطلقا، كما عن المبسوط قطعا مع عدم المواطاة، و على الأقوى معها، و الحق التفصيل بالغبن و عدمه، فيتخير في الأول لدليله، و لا يتخير في الثاني لقاعدة اللزوم، و لعل في حكم النجش قول البائع كذبا أعطيته في هذه السلعة كذا و صدقه المشتري في الحرمة و الخيار مع الغبن و لو كان صادقا فله الخيار خاصة معه، و لا إثم و لا يلحق بالنجش ترك الزيادة في السلعة ليشتريها بالثمن القليل، و إن كان هو محرما في بعض الأحوال المشتملة على المواطاة مع المشتري، لإرادة خدعة البائع و إضراره و إغراءه بالجهل و نحو ذلك.

[المسألة الثانية الاحتكار مكروه ]

المسألة الثانية الاحتكار مكروه عند المفيد و الشيخ في المبسوط و أبى الصلاح في المكاسب و الفاضل في المختلف و غيرهم على ما حكي عن بعضهم و قيل و القائل الصدوق و ابنا البراج و إدريس و أبو الصلاح في فصل البيع و الشهيدان في الدروس و المسالك و غيرهم، على ما حكي

ج 22، ص: 478

أيضا عن بعضهم حرام و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصول و قاعدة تسلط الناس على أموالها(1)المعتضدة بنصوص الاتجار و حسن التعيش و الحزم و التدبير و غير ذلك السالمة عن معارضة دليل معتبر على التحريم، لقصور نصوص المقام سندا و دلالة عن ذلك إذ هي

خبر السكوني (2)«عن النبي صلى الله عليه و آله لا يحتكر الطعام الا خاطئ»

و خبره (3)«عن أبي عبد الله عليه السلام الحكرة في الخصب أربعون يوما، و في البلاء و الشدة ثلاثة أيام، فما زاد على الأربعين يوما في الخصب فصاحبه ملعون، و ما زاد في العسرة على الثلاثة أيام فصاحبه ملعون»

و خبر حذيفة بن منصور(4)«عن أبي عبد الله عليه السلام نفد الطعام على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله فأتاه المسلمون فقالوا: يا رسول الله قد نفد الطعام و لم يبق منه الا شي ء عند فلان فمره ببيعه الناس، قال: فحمد الله و اثنى عليه ثم قال: يا فلان إن المسلمين ذكروا أن الطعام قد نفد إلا شيئا عندك فأخرجه و بعه كيف شئت و لا تحبسه»

و خبر القداح عنه أيضا(5)«عن النبي صلى الله عليه و آله الجالب مرزوق، و المحتكر ملعون»

و المرسل (6)«نهى أمير المؤمنين


1- 1 البحار ج 2 ص 272 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 8.
3- 3 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
4- 4 الوسائل الباب 29 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
5- 5 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 3 و فيه عن ابن قداح.
6- 6 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 9.

ج 22، ص: 479

عليه السلام عن الحكرة في الأمصار»

و خبر حمزة(1)«عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و آله مر بالمحتكرين فأمر بحكرتهم إلى أن تخرج إلى بطون الأسواق و حيث ينظر الناس إليها فقيل: لرسول الله صلى الله عليه و آله لو قومت عليهم، فغضب حتى عرف الغضب

في وجهه و قال: أنا أقوم عليهم إنما السعر إلى الله عز و جل يرفعه إذا شاء و يضعه إذا شاء»

و خبر أبي مريم (2)«عن أبي جعفر عليه السلام قال:

رسول الله صلى الله عليه و آله، أيما رجل اشترى طعاما فكبسه أربعين صباحا يريد به غلاء المسلمين ثم باعه فتصدق بثمنه لم يكن كفارة لما صنع»

و خبر أبي البختري المروي عن قرب الاسناد(3)«عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام أن عليا «ع» كان ينهى عن الحكرة في الأمصار و قال: ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن»

و في كتاب علي عليه السلام إلى الأشتر المروي في نهج البلاغة(4)«فامنع من الاحتكار، فان رسول الله صلى الله عليه و آله منع منه، و ليكن البيع بيعا سمحا بموازين عدل واسعا لا يجحف بالفريقين من البائع و المبتاع، فمن لم يفارق حكرة بعد نهيك إياه فنكل و عاقب في غير إسراف»

و في

المرسل المروي عن كتاب ورام (5)«عن النبي صلى الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام اطلعت في النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا فقال: لثلاثة المحتكرين و المدمنين الخمر


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 6.
3- 3 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 7.
4- 4 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 13.
5- 5 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 11.

ج 22، ص: 480

و القوادين»

و هي أجمع كما ترى، مع قصور أسانيدها كادت تكون صريحة في الكراهة، ضرورة كون اللسان لسانها، و التأدية تأديتها كما لا يخفى على من لاحظ ما ورد عنهم عليهم السلام في المكروهات، و ترك بعض المندوبات، كغسل الجمعة و الجماعة و الأكل وحده، و تفريق الشعر، و نحو ذلك، و لذا صرح فيها في

صحيح الحلبي (1)«عن أبي عبد الله عليه السلام سألته عن الرجل يحتكر الطعام يتربص به هل يجوز ذلك فقال: إن كان الطعام كثيرا يسع الناس فلا بأس، و إن كان الطعام قليلا لا يسع الناس فإنه يكره أن يحتكر الطعام و يترك الناس ليس لهم طعام»

بل ربما أشعر بذلك أيضا التقييد بالأمصار إذ لا مدخلية مع القول بالحرمة بين المصر و غيره، و إنما يختلف بذلك شدة و ضعفا على الكراهة، بل قوله لا يحتكر الطعام إلا خاطئ كذلك أيضا، فإنه بناء على الحرمة يكون من بيان البديهيات، لكن على الكراهة يكون المراد منه الشدة التي هي بمنزلته، و كذا خبر الكفارة، و التفصيل بالأربعين و الثلاثة إلى غير ذلك من الامارات في النصوص المزبورة.

بحيث يمكن دعوى حصول القطع للفقيه الممارس بذلك، كما لا يخفى على من رزقه الله تعالى فهم كلامهم و رمزهم، و من ذلك يعرف ما في الاستدلال للقول بالحرمة بالنصوص المزبورة، مؤيدا بالفتح العقلي المستفاد من ترتب الضرر على المسلمين، و كون منشؤه الحرص المذموم عقلا، و منافاته للمروة و رقة القلب المأمور بهما كذلك، إذ قد عرفت مفاد النصوص كما أن من الواضح عدم استقلال العقل بإدراك قبح ذلك خصوصا و موضوع البحث حبس الطعام انتظارا لعلو السعر على حسب


1- 1 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.

ج 22، ص: 481

غيره من أجناس التجارة من حيث كونه كذلك، لا مع قصد الإضرار بالمسلمين، و لو شراء جميع الطعام فيسعره عليهم بما يشاء، أو لأجل صيرورة الغلاء بالناس بسبب ما يفعله، أو لإطباق المعظم على الاحتكار على وجه يحصل الغلاء، و الإضرار على وجه ينافي سياسة الناس، و لذا أمر أمير المؤمنين عليه السلام الأشتر بما سمعت، أو لغير ذلك من المقاصد التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه، مما هو معلوم الحرمة لأمر أخر خارجي، بل هو كذلك في كل حبس لكل ما تحتاجه النفوس المحترمة، و يضطرون إليه و لا مندوحة لهم عنه من مأكول أو مشروب أو ملبوس أو غيرها من غير تقييد بزمان دون زمان، و لا أعيان دون أعيان، و لا انتقال بعقد و لا تحديد بحد، بعد فرض حصول الاضطرار بل الظاهر تسعيره حينئذ بما يكون مقدورا للطالبين، إذا تجاوز الحد في الثمن، بل لا يبعد حرمة قصد الاضطرار بحصول الغلاء، و لو مع عدم حاجة الناس و وفور الأشياء، بل قد يقال بالتحريم بمجرد قصد الغلاء و حبه، و إن لم يقصد الإضرار، و يمكن تنزيل القول بالتحريم على بعض ذلك، كما عساه يومئ إليه بعض كلماتهم، فيرتفع الخلاف حينئذ في المسألة، و إنما الكلام في حبس الطعام انتظارا به غلو السعر على حسب غيره من أجناس التجارة مع حاجة الناس، و عدم وصولهم إلى حد الاضطرار، فدعوى وصول العقل إلى القبح التحريمي في مثل ذلك واضحة المنع.

و من هنا صرح غير واحد من الأصحاب بأن الاحتكار الذي هو محل البحث إنما يكون في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن دون غيرها، بل هو المشهور فيما بينهم بل عن جماعة الإجماع عليه،

ج 22، ص: 482

لخبر أبي البختري السابق (1)و 22903

خبر غياث بن إبراهيم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «ليس الحكرة إلا في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و في الفقيه زيادة و الزيت،»

بل عن المفيدان الحكرة احتباس الأطعمة، و أبى الصلاح الغلات، نعم عن الصدوق في المقنع زيادة الزيت لخبر غياث السابق و

خبر الخصال بسنده (3)عن السكوني «عن جعفر بن محمد عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله الحكرة في ستة أشياء في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و السمن و الزيت»

و في

صحيح الحلبي (4)«عن أبي عبد الله عليه السلام الحكرة أن يشتري طعاما ليس في المصر غيره، فيحتكره فان كان في المصر طعام أو متاع غيره، فلا بأس بأن يلتمس بسلعته الفضل قال: و سألته عن الزيت فقال: إن كان عند غيرك فلا بأس بإمساكه»

و قيل: كما عن الشيخ في المبسوط و ابن حمزة و في الملح زائدا على الخمسة المشهورة و اختاره في الدروس و قواه في المسالك، و لعله لشدة الحاجة، إلا أنه لم نجد في شي ء مما وصل إلينا من النصوص دلالة عليه، و يمكن أن يكون لندرة الاحتكار فيه، بسبب كثرة وجوده و رخصه قريبا من الماء و الأمر في اختلاف النصوص المذكورة في ذلك سهل بناء على الكراهة التي قد يومي إليها أيضا زيادة على ما عرفت ذلك و نحوه المبنية على الاختلاف شدة و ضعفا، بل قيل: و على المثال في جميع ما يحتاجه الناس، فتعم الكراهة غير المذكورات، و يخص بعض أفرادها، فلا


1- 1 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة 7.
2- 2 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 4.
3- 3 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 10.
4- 4 الوسائل الباب 28 من أبواب آداب التجارة.

ج 22، ص: 483

احتكار في الزيت إلا في الشامات، و لا في الملح إلا في مواضع يعتاد استعماله فيها، و هكذا و لو فهمنا إرادة الحاجة لما كان معتادا في طعام نوع الإنسان لم يكن احتكار في الشعير في أكثر بلدان إيران، و لو اعتاد الناس طعاما في أيام القحط مبتدعا جرى فيه الحكم لو بني فيه على العلة و في الأخبار ما ينادي بأن المدار على الاحتياج، و هو مؤيد للتنزيل على المثال، و إن كان فيه ما لا يخفى، و كيف كان فلا إشكال نصا و فتوى بل و لا خلاف كذلك في أن الاحتكار يكره أو يحرم بشرط أن يستبقيها للزيادة في الثمن فلو استبقاها لحاجة إليها للبذر أو نحوه لم يكن به بأس، بل الظاهر عدم كونه احتكارا، كما دل عليه النص و و الفتوى، بل الظاهر اشتراط أن لا يوجد بايع و لا باذل لصحيحي الحلبي السابقين، و

صحيح سالم الحناط(1)«قال: لي أبو عبد الله عليه السلام ما عملك قلت حناط، و ربما قدمت على نفاق و ربما قدمت على كساد فحبست قال: فما يقول من قبلك فيه، قلت: يقولون محتكر قال: يبيعه أحد غيرك قلت: ما أبيع أنا من ألف ألف جزء جزء قال:

لا بأس، إنما كان ذلك رجل من قريش يقال له حكيم بن خزام، و كان إذا دخل الطعام المدينة اشتراه كله، فمر عليه النبي صلى الله عليه و آله فقال يا حكيم بن خزام إياك أن تحتكر»

مع احتمال الجمع بين النصوص بالشدة و الضعف، بل لعله أولى من الجمع بالإطلاق و التقييد، بناء على المختار لولا الشهرة بين الأصحاب و الإجماع، خصوصا مع احتمال كون المراد بعدم وجدان البائع الباذل للجنس المحتكر فيه و غيره من الأجناس، و منه يعلم الوجه فيما شرطه آخرون و هو ان يستبقيها في الغلاء ثلاثة أيام و في الرخص أربعين يوما بل عن


1- 1 الوسائل الباب 28 من أبواب آداب التجارة.

ج 22، ص: 484

الشيخ منهم أنه حد الحكرة بذلك، لخبر السكوني و خبر أبي مريم (1)في خصوص الغلاء السابقين، و لكن الاولى كما عرفت الجمع بالشدة و الضعف، بل و كذا ما عن العلامة رحمه الله من اشتراط الشراء في الحكرة فلو لم يشترها، بل كانت بزرع و نحوه لم يكن به بأس، لصحيح الحلبي و خبر أبي مريم السابقين، مع أن الثاني منهما لا تقييد فيه، و الظاهر ارادة المثال لمطلق المملوك بالمعاوضة من الأول، أو أنه أشد من غيره لقوة إطلاق غيره من النصوص، على وجه لا يترجح ذلك عليه خصوصا بعد أن كان الحكم مكروها، قابلا للشدة و الضعف، بل في المسالك بعد أن حكى عنه ذلك، و اعترف بدلالة الحسن عليه قال: و الأقوى عموم التحريم مع استغنائه عنها، و حاجة الناس إليها، فمع حاجته إليها و لو لمؤنته، و وفاء دينه و نحوهما أو وجود باذل غيره لم يحرم.

نعم يستحب مساواة الناس حالة الغلاء، و لو ببيع ما يزيد عن حاجته، و ما عنده من الجيد، إذا لم يكن عند الناس إلا الردي، و استعماله ما يأكلون، كما روي ذلك من فعل الصادق عليه السلام (2)هذا و عن بعض اعتبار أن لا يكون قوتا مختصا بالدواب كالشعير الحامض و ان لا يكون السمن مثلا من غير المطعوم، بل هو متخذ للإسراج و نحوه فان حبس مثل ذلك لا يكون احتكارا، كما أن شراء ما يضيق الناس بشرائه دون حبسه ليس منه، و كذا لو كان حبسه انتظارا للغلا لأجل الإنفاق، وقت الاضطرار تحصيلا للأجر، أو لأن أهل المصر قد تركوا شرائه عمدا ليباع بأقل القيمة، أو بحصول مانع من البيع وقت الرخاء أو لغير ذلك مما يخرج به عن محل البحث، على أن الحاجة التي كره


1- 1 الوسائل الباب 27 من أبواب آداب التجارة الحديث 6.
2- 2 الوسائل الباب 22 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 485

الاحتكار لها أعم من حاجة الناس أنفسهم أو دوابهم أو غير ذلك من ضياء و نحوه و كيف كان فقد قيل لا خلاف بين الأصحاب في أن الامام و من يقوم مقامه و لو عدول المسلمين يجبر المحتكر على البيع بل عن جماعة الإجماع عليه على القولين، و لعله لما سمعته من الأخبار السابقة، فلا يشكل ذلك بناء على الكراهة، لمنافاته قاعدة عدم جبر المسلم على ما لا يجب عليه لاحتمال اختصاص ذلك بالخروج عن القاعدة بالأدلة المزبورة المؤيدة، باقتضاء المصلحة العامة، و السياسة ذلك في كثير من

الأزمنة و الأمكنة، و لو تعذر الإجبار قام الحاكم مقامه، بل ظاهر بعض قيامه مقامه مع عدم تعذر الإجبار خصوصا الامام و إن كان قد يناقش بأنه خلاف المأثور خصوصا مع فرض وجوب ما امتنع عنه بناء على الكراهة، و لو امتنع عن المعاوضة و طلب الصدقة أجيب إليها، و لو في حق من يدخله النقص بها، قيل و ليس له خيار المجلس، و لا خيار الحيوان، و له ذلك فيما عداهما، من ذوات الأسباب فيفسخ و يجدد العقد، و ليس له اشتراط الخيار أيضا، و لو بذل الطعام بعد إجراء الصيغة، و بعد التفرق فلا رد، و قبل أحدهما يكون الأمر إليه و فيه ما لا يخفى من المخالفة لإطلاق الأدلة، إلا مع فرض قصد الاحتيال بذلك إلى عدم البيع نعم لا يسعر عليه في المشهور للأصل، و خبر ابن حمزة السابق (1)و

مرسل الفقيه (2)«انه قيل للنبي صلى الله عليه و آله لو اسعرت لنا سعرا فإن الأسعار تزيد و تنقص فقال: ما كنت لا لقي الله تعالى ببدعة لم يحدث إلى فيها شي ء فدعوا عباد الله تعالى، يأكل بعضهم من بعض، فإذا استنصحتم فانصحوا»


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.
2- 2 الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.

ج 22، ص: 486

مؤيدا بما ورد في جملة من

النصوص (1)من «أن الله عز و جل وكل بالأسعار ملكا يدبرها»

و في بعضها «فلن تغلو من قلة و لم ترخص من كثرة»،

و في آخر «علامة رضي الله عز و جل في خلقه عدل سلطانهم و رخص أسعارهم، و علامة غضب الله تبارك و تعالى على خلقه جور سلطانهم و غلاء أسعارهم».

نعم لا يبعد رده مع الإجحاف كما عن ابن حمزة و الفاضل في المختلف، و ثاني الشهيدين و غيرهم لنفي الضرر و الضرار(2)و لأنه لولا ذلك لانتفت فائدة الإجبار، إذ يجوز أن يطلب في ماله ما لا يقدر على بذله، و يضر بحال الناس و الغرض رفع الضرر، و ليس ذلك من التسعير، و لذا تركه الأكثر فما عن بعضهم من عدم جواز ذلك، أيضا للإطلاق و

صحيح ابن سنان (3)«عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:

في تجار قدموا أرضا اشتركوا على أن لا يبيعوا بيعهم إلا بما أحبوا قال:

لا بأس»

و قوله في

خبر حذيفة(4)«فبعه كيف شئت»

واضح الضعف ضرورة تقييد الإطلاق بما عرفت، مما هو أقوى منه و خروج الصحيح عما نحن

فيه، و الاذن بالبيع كيف يشاء محمول على ما هو الغالب من عدم اقتراح المجحف، كما أن ما عن المفيد من ان للسلطان ان يسعرها على ما يراه من المصلحة و لا يسعرها بما يخسر أربابها فيها، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل يسعر واضح الضعف أيضا، بعد الإحاطة بما ذكرنا و منه يعلم أن الأول أظهر مع التقييد الذي قدمناه اللهم إلا أن يريد مع الامتناع عن التسعير، فان المتجه حينئذ قيام


1- 1 الوسائل الباب 30 من أبواب آداب التجارة.
2- 2 الوسائل الباب 17 من أبواب الخيار الحديث 3 و 4.
3- 3 الوسائل الباب 26 من أبواب آداب التجارة الحديث 2.
4- 4 الوسائل الباب 29 من أبواب آداب التجارة الحديث 1.

ج 22، ص: 487

الحاكم مثلا مقامه في ذلك، إن لم يمكن جبره عليه أو مطلقا و كذا لو طلب حبسا من الثمن لا وجود له امتحانا، و كذا لو قال لا أبيعه إلا لموسر يشتريه مني جملة، و يدفع الثمن إلى قبل أن يبيع و لم يوجد شخص هكذا إلى غير ذلك مما ينافي حكمه الجبر و فائدته.

و ينبغي تقديم شديد الحاجة على غيره في البيع، بل قد يجب مع الاضطرار، و إن صح البيع مع المخالفة، و لو كان المحتكر مجتهد أجبره المجتهد الأخر، و إن كان مفضولا فان لم يكن فعدول مقلديه فضلا عن مقلدي غيره، و الله هو العالم بحقيقة أحكامه، تم المجلد الأول من العقود بعون الله الرؤف الودود و يتلوه المجلد الثاني في الخيارات إنشاء الله الموفق للخيرات

ج 22، ص: 488

تم الجزء الثاني و العشرون من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه المشتمل على أحكام المتعلقة بمكاسب المحرمة و البيع و الشراء و آداب التجارة و قد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه و قد خرج بعون الله و لطفه خاليا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء الثالث و العشرون في الخيارات إن شاء الله تعالى علي الآخوندي

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.