جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 19

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج 19، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات ]

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة ثلاثة أركان ]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج ]
[القول في الوقوف بعرفات ]
اشاره

ج 19، ص: 2

الجزء التاسع عشر

[تتمة القسم الأول في العبادات ]

[تتمة كتاب الحج ]

[تتمة ثلاثة أركان ]

[تتمة الركن الثاني في أفعال الحج ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[القول في الوقوف بعرفات ]

القول في الوقوف بعرفات أي الكون فيها، و لكن تعارف التعبير بذلك لأنه أفضل افراده و على كل حال فتمام الكلام فيه يكون ب النظر في مقدمته و كيفيته و لواحقه

[أما المقدمة]

أما المقدمة فيستحب للمتمتع و غيره ان يخرج الى عرفات يوم التروية على معنى خروجه إلى منى ثم الى عرفات يوم عرفة بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام يستحب للحاج اتفاقا بعد الإحرام يوم التروية الخروج إلى منى من مكة، و يدل عليه مضافا الى ذلك ما تسمعه من النصوص أيضا، و اما استحباب الإحرام فيه للمتمتع على معنى مرجوحية ما قبله بالنسبة إليه ففي المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و الغنية و المهذب و الجامع و غيرها على ما حكي عن بعضها التصريح به، بل لا أجد فيه خلافا كما عن المنتهى الاعتراف به، بل عن التذكرة الإجماع على استحباب كونه يوم التروية، بل في المسالك انه موضع وفاق بين المسلمين، و لعله على معنى جوازه قبله، لما سمعته سابقا من ان له الإحرام بالحج عند الفراق من متعته الى ان يتضيق عليه وقوف عرفات كما عرفت الكلام فيه مفصلا، نعم عن ابن حمزة وجوب كونه يوم التروية إذا أمكنه بمعنى عدم جواز تأخيره عنه اختيارا، و لعله لظاهر الأمر

ج 19، ص: 3

في

حسن معاوية(1)«إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار و صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من مسجد الشجرة، و أحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار»

المحمول على الندب قطعا، ضرورة عدم وجوب الوقت فيه عنده، مضافا الى إرادة الندب في أكثر الأوامر فيه، و الى ما في الحدائق من رده بما في حديث

أبي الحسن عليه السلام (2)«انه دخل ليلة عرفة معتمرا فأتى بأفعال العمرة و أحل و جامع بعض جواريه ثم أهل بالحج و خرج الى منى»

و بمرسل أبي نصر(3)المنجبر بما عرفت عن أبي الحسن عليه السلام أيضا في حديث قال فيه: «و

موسع للرجل ان يخرج إلى منى من وقت الزوال من يوم التروية الى ان يصبح حيث يعلم انه لا يفوته الموقف»

و صحيح ابن يقطين (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوقت الذي يريد ان يتقدم فيه الى منى الذي ليس له وقت أول منه قال: إذا زالت الشمس، و عن الذي يريد ان يتخلف بمكة عشية التروية إلى اي ساعة يسعه ان يتخلف فقال:

ذلك موسع له حتى يصبح بمنى»

الى ان قال: فان هذه الأخبار ظاهرة في رد ابن حمزة، و ان كان قد يناقش بظهور أولها في الاضطرار، و خلو الأخيرين عن ذكر الإحرام، إذ يمكن وقوع الإحرام فيه ثم تأخير الخروج الى الليل و نحوه، فالعمدة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب التقصير- الحديث 1.
3- 3 ذكره الشيخ قده في ذيل مرسلة ابن أبي نصر المروي في التهذيب ج 5 ص 176 الرقم 590 و الظاهر انه من كلام الشيخ.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 4

حينئذ في رده ما عرفت.

انما الكلام فيما ذكره المصنف من قوله بعد ان يصلي الظهرين إذا كان المراد استحباب إيقاعه الإحرام بعدهما وفاقا للمهذب و الوسيلة و التذكرة و المنتهى و المختلف و الدروس و موضعين من المبسوط و موضع من النهاية على ما حكي عن بعضها، بل عن علي بن بابويه التصريح بأن الأفضل إيقاعه بعد العصر المجموعة إلى الظهر، فانا لا نجد له دليلا واضحا، نعم عن المختلف الاستدلال له بأن مسجد الحرام أفضل من غيره، و المستحب إيقاع الإحرام بعد فريضة، فاستحب إيقاع الفريضتين

فيه، و عن التذكرة و المنتهى بحسن معاوية(1)السابق إلا أنهما كما ترى، ضرورة عدم اقتضاء الأول منهما استحباب الإيقاع بعدهما و لا الثاني، بل لعل ظاهر المكتوبة فيه الظهر، و لعله لذا قال في القواعد بعد ان يصلي الظهر، كما عن الهداية و المقنع و المقنعة و المصباح و مختصره و السرائر و الجامع و موضع من النهاية و المبسوط و عن الفقيه وقته في دبر الظهر، و ان شئت في دبر العصر، مؤيدا بعموم الأخبار باستحباب إيقاعه عقيب فريضة، بل يمكن ارادة المصنف هنا و في النافع ما عن الاقتصاد من انه لا يخرج إلى منى حتى يصليهما بمكة و ان أوقع الإحرام بعد الظهر منهما، كما ان ما سمعته من النصوص السابقة ظاهر فيه أيضا، ك

صحيح الحلبي و معاوية(2)عن الصادق عليه السلام «لا يضرك بليل أحرمت أو نهار إلا ان أفضل ذلك عند زوال الشمس»

و

في دعائم الإسلام (3)«روينا عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) انه قال: يخرج الناس الى منى من مكة يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 5

التروية، و هو اليوم الثامن من ذي الحجة، و أفضل ذلك بعد صلاة الظهر، و لهم ان يخرجوا

غدوة و عشية إلى الليل، و لا بأس ان يخرجوا قبل يوم التروية»

و فيه (1)عنه عليه السلام أيضا انه قال: «في المتمتع بالعمرة إلى الحج إذا كان يوم التروية اغتسل و لبس ثوبي إحرامه و اتى المسجد حافيا، فطاف أسبوعا ان شاء و صلى ركعتين ثم جلس حتى يصلي الظهر كما أحرم من الميقات، و إذا صار الى الرقطاء دون الردم أهل بالتلبية، و أهل مكة كذلك يحرمون للحج من مكة، و كذلك من اقام بها من غير أهلها».

و على كل حال هو غير المحكي عن السيد من انه إذا كان يوم التروية فليغتسل و لينشئ الإحرام من المسجد و يلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، ضرورة ظهوره في إيقاعه في إيقاعه قبلهما مطلقا، و لعله لنحو

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية أو صحيحه(2): «إذا انتهيت إلى منى فقل: اللهم هذه منى، و هي مما مننت بها علينا من المناسك، فأسألك أن تمن علي بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك و في قبضتك، ثم تصلي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، و الامام يصلي بها الظهر، لا يسعه إلا ذلك، و موسع لك ان تصلي بغيرها ان لم تقدر»

و في

خبر عمر بن يزيد(3)«و صل الظهر ان قدرت بمنى»

و في

خبر أبي بصير(4)«و ان قدرت ان يكون رواحك إلى منى زوال الشمس و إلا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية»

لكن الظاهر هو


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 من أبواب إحرام الحج- الحديث 2 و ذيله في الباب 4 منها- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.

ج 19، ص: 6

ما عن الشيخ و غيره من الجمع بينها و بين غيرها بالفرق بين الامام و غيره، كما

قال الصادق عليه السلام في صحيح جميل(1): «على الامام ان يصلي الظهر بمنى ثم يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج»

و في صحيحه الآخر(2)«ينبغي للإمام ان يصلي الظهر من يوم التروية بمنى، ثم يبيت بها و يصبح حتى تطلع الشمس ثم يخرج»

و في

صحيح معاوية(3): «على الامام ان يصلي الظهر يوم التروية بمسجد الخيف و يصلي الظهر يوم النفر بمسجد الحرام»

و أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (4)«لا ينبغي للإمام ان يصلي الظهر يوم التروية إلا بمنى و يبيت بها إلى طلوع الشمس»

و سأل ابن مسلم أيضا في الصحيح (5)أبا جعفر عليه السلام «هل صلى رسول الله صلى الله عليه و آله الظهر بمنى يوم التروية؟ قال: نعم و الغداة بمنى يوم عرفة»

بل عن الشيخ منهم في التهذيب و ظاهر النهاية و المبسوط لا يجوز للإمام غير ذلك، بل مال إليه في الحدائق لظاهر النصوص المزبورة، و لكن حمله في المنتهى على شدة الاستحباب، و لا بأس به، خصوصا بعد إشعار لفظ «لا ينبغي» و نحوه به، و بعد الإجماع على الظاهر ممن عداه على عدمه، و أما غير الامام فقد ذكر غير واحد انه مخير، و انه يستحب له الإحرام بعد الظهر، و لعله لما سمعته من النصوص، لكن في الرياض انه بعد الظهرين أحوط، لقوة احتمال ورود الأخبار الأخيرة للتقية، فقد نقل القول بمضمونها عن العامة، مضافا الى اعتضاد الأول بما مر، و بما استدل به له في المختلف بأن المسجد الحرام أفضل من غيره، فاستحب إيقاع الفريضتين فيه، و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و كأنه أشار بالاحتياط إلى مسألة التطوع وقت الفريضة باعتبار استحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 4.

ج 19، ص: 7

صلاة الإحرام ستا أو أربعا أو اثنتين كما عرفته سابقا، و لكن ذلك لا يعارض الدليل بالخصوص، مع ان الأقوى خلافه.

و المراد بالإمام أمير الحاج كما صرح به غير واحد، فإنه الذي ينبغي ان يتقدمهم الى

المنزل فيتبعوه و يجتمعوا اليه و يتأخر عنهم في الرحيل منه، و في

خبر حفص المؤذن (1)قال: «حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين و مائة فسقط أبو عبد الله عليه السلام عن بغلته، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: سر فإن الإمام لا يقف»

كما ان المراد من يوم التروية هو ثامن ذي الحجة، و في

خبر عبيد الله بن علي الحلبي (2)عن الصادق عليه السلام المروي عن العلل و المحاسن سأله «لم سمي يوم التروية؟ فقال: لأنه لم يكن بعرفات ماء و كانوا يستقون من مكة من الماء ربهم، و كان بعضهم يقول لبعض: ترويتم ترويتم فسمي يوم التروية لذلك»

و في حسن معاوية أو صحيحه (3)«سميت التروية لأن جبرئيل عليه السلام اتى إبراهيم عليه السلام يوم التروية فقال: يا إبراهيم ارو من الماء لك و لأهلك، و لم يكن بين مكة و عرفات ماء، ثم مضى الى الموقف فقال: قف و اعرف مناسكك، فلذلك سميت عرفة، ثم قال: ازدلف الى المشعر الحرام فسميت مزدلفة»

و في

خبر أبي بصير(4)«انه سمع أبا جعفر و أبا عبد الله عليهما السلام) يذكران انه لما كان يوم التروية قال جبرئيل عليه السلام لإبراهيم (عليه السلام: ترو من الماء فسميت التروية».

و في

المنتهى عن الجمهور ان إبراهيم عليه السلام رأى في تلك الليلة ذبح الولد


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 علل الشرائع ج 2 ص 120- الباب- 171- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 23.

ج 19، ص: 8

فأصبح يروي نفسه أ هو حلم أم من الله تعالى فسمي يوم التروية، فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك فعرف انه من الله تعالى فسمي يوم عرفة،

و الأمر في ذلك سهل.

ثم إن ظاهر اقتصار المصنف و غيره على المتمتع عدم استحباب ذلك في المفرد و القارن للمكي و المجاور بها، و في المسالك خص المتمتع بالذكر لأن استحباب الإحرام فيه يوم التروية موضع وفاق بين المسلمين، و اما القارن و المفرد فليس فيه تصريح من الأكثر، و قد ذكر بعض الأصحاب انه كذلك، و هو ظاهر إطلاق بعضهم، و في التذكرة نقل الحكم في المتمتع عن الجميع ثم نقل خلاف العامة في وقت إحرام الباقي هل هو كذلك أم في أول ذي الحجة، و نحوه ما في المنتهى من حكاية القولين للعامة في المكي من غير ترجيح، نعم قال بعد ذلك: و لا خلاف في انه لو أحرم المتمتع قبل ذلك في أيام الحج فإنه يجزيه، قلت:

قال ابن الحجاج (1)لأبي عبد الله عليه السلام في الصحيح: «إني أريد الجوار فكيف اصنع؟

فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة و أحرم فيها بالحج الى ان قال: ثم قال: إن سفيان فقيهكم أتاني فقال: ما حملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟ فقلت له: هو وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه و آله، فقال: و أي وقت من مواقيت رسول الله صلى الله عليه و آله؟ فقلت له:

أحرم منها حين قسم غنائم حنين عند مرجعه إلى الطائف، الى ان قال: فقال:

اما علمت ان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و آله إنما أحرموا من المسجد، فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء، و ان هؤلاء قطنوا بمكة فصاروا كأنهم من أهلها، و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 19، ص: 9

المواقيت فيشعثوا به أياما»

و قال أبو الفضل في صحيح صفوان(1): «كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد الله عليه السلام من أين أحرم؟ فقال: من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه و آله من الجعرانة، فقلت: متى اخرج؟ فقال: ان كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم، و ان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس»

و نحوه مرسل المفيد(2)في المقنعة، و

قال إبراهيم بن ميمون (3)في الصحيح اليه «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون؟ قال: قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا الى التنعيم فليحرموا».

و ظاهرها جميعا ان وقت إحرام المجاور من هلال ذي الحجة أو بعد مضي خمسة أيام، بل ربما استفيد من الأول ثبوت الحكم المزبور لأهل مكة أيضا، لكن

قال الصادق عليه السلام في خبر سماعة(4): «المجاور بمكة إذا دخلها بعمرة في غير أشهر الحج الى ان قال: ثم أراد ان يحرم فليخرج إلى الجعرانة فليحرم منها ثم يأتي مكة و لا يقطع التلبية حتى ينظر الى البيت، ثم يطوف بالبيت و يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم يخرج الى الصفا و المروة فيطوف بينهما، ثم يقصر و يحل، ثم يعقد التلبية يوم التروية»

بناء على ان هذه العمرة مفردة لا تمتع، و إلا لوجب الإتيان بها من الميقات، و حينئذ فالحج المشار اليه حج إفراد، و عقده حينئذ يوم التروية، و لعله لبيان الجواز في حقه، و في الأول على جهة الندب، و لكن قد سمعت ما في خبر الدعائم (5)بناء على عود الإشارة فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 2- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 10

الى يوم التروية أيضا، و الأمر سهل.

و كيف كان فالخروج المزبور على الوجه الذي عرفت مستحب لكل أحد إلا المضطر كالشيخ الهم و المريض و من يخشى الزحام كما صرح به جماعة، ل

موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي الحسن عليه السلام «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا أو مريضا يخاف ضغاط الناس و زحامهم يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية قال: نعم، قال: فيخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك قال: لا، قال: يتعجل بيوم قال: نعم، قال: يتعجل بيومين قال: نعم، قال: يتعجل بثلاثة قال: نعم، قال: أكثر من ذلك قال: لا»

و لعله له قال الشيخ في التهذيب لا بأس ان يتقدم ذو العذر ثلاثة أيام، فأما ما زاد عليه فلا يجوز على كل حال، و لكن في المنتهى حمله على شدة الاستحباب مشعرا بالمفروغية من ذلك، و لعله كذلك، و في

مرسل البزنطي (2)«قلت لأبي الحسن عليه السلام: يتعجل الرجل قبل التروية بيوم أو يومين من أجل الزحام و ضغاط الناس فقال: لا بأس»

بل ربما حمل على ذلك

خبر رفاعة(3)سأل الصادق عليه السلام «هل يخرج الناس الى منى غدوة؟ قال: نعم»

و لعل إطلاق الموثق المزبور- بناء على رجوع ضمير «يتعجل» فيه الى الصحيح- محمول على ما كان لأجل الزحام، كما ان الظاهر منهما عدم تأكد الندب في الخروج يوم التروية لا ان الاستحباب مرفوع بالنسبة إليهم كما يقضي به ظاهر العبارة و غيرها.

و على كل حال فالمراد بالخروج من مكة في المتن و غيره ان يمضي إلى منى و يبيت بها ليلته الى طلوع الفجر من يوم عرفة كما سمعت التصريح بصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب إحرام الحج الحديث 2.

ج 19، ص: 11

الغداة فيها في بعض النصوص (1)السابقة، و لكن لا يجوز وادي محسر و هو حد منى إلا بعد طلوع الشمس ل

صحيح هشام بن الحكم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «لا تجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس»

المحمول على الكراهة بقرينة الشهرة بين الأصحاب على ذلك و على استحباب المبيت بمنى، و

الصحيح (3)«في النفور من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس قال: لا بأس به»

فما عن الشيخ و ابن البراج من العمل بظاهره ضعيف.

و كذا يكره الخروج قبل الفجر إلا لضرورة كالمريض و الخائف كما في القواعد و النافع و محكي السرائر بل نسبه غير واحد إلى الشهرة، قيل للأمر بصلاته فيها في حسن معاوية(4)المتقدم، و فعل النبي صلى الله عليه و آله المحكي في صحيح ابن مسلم (5)السابق، و

خبر عبد الحميد الطائي (6)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا مشاة فكيف نصنع؟ قال: اما أصحاب الرحال فكانوا يصلون الغداة بمنى، و اما أنتم فامضوا حيث تصلون في الطريق»

إلا ان الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الكراهة، و لذا ناقش فيها بعض الناس بعدم الظفر بنهي يحمل عليها، لكن يمكن ان يكون إطلاق النهي عن جواز وادي محسر قبل طلوع الشمس بناء على إرادة الكراهة منه، و على كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما عن ظاهر النهاية و المبسوط و الاقتصاد و أبي الصلاح و ابن البراج من عدم الجواز المنافي للأصل و استحباب المبيت بمنى.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.

ج 19، ص: 12

و اما الامام فيستحب له الإقامة بها الى طلوع الشمس استحبابا مؤكدا لصحيح جميل (1)السابق و غيره، و في

الدعائم (2)«و عن علي عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه و آله غدا يوم عرفة من منى فصلى

الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس»

المحمول على ذلك بقرينة

موثق إسحاق بن عمار(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «من السنة ان لا يخرج الامام من منى الى عرفة حتى تطلع الشمس».

و يستحب الدعاء بالمرسوم عند التوجه إلى منى، لما في

حسن معاوية(4)عن الصادق عليه السلام «اللهم إياك أرجو، و إياك أدعو، فبلغني أملي، و أصلح عملي»

و عند دخولها بما في صحيحه (5)السابق و عند الخروج بما في

صحيحه (6)عنه عليه السلام أيضا، قال: «إذا غدوت الى عرفة فقل و أنت متوجه إليها: اللهم إليك صمدت، و إياك اعتمدت، و وجهك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، و تقضي لي حاجتي، و ان تجعلني اليوم ممن تباهي به من هو أفضل مني».

و حد منى من العقبة إلى وادي محسر على صيغة اسم الفاعل من التحسير اي الإيقاع في الحسرة أو الإعياء؟ سمي به لأنه قيل أبرهة أوقع أصحابه في الحسرة أو الإعياء لما جهدوا ان يتوجه إلى الكعبة فلم يفعل،

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية و أبي بصير(7): «حد منى من العقبة إلى وادي محسر»

و قال


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب إحرام الحج- الحديث 6.
2- 2 المستدرك- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب إحرام الحج الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.

ج 19، ص: 13

في

صحيح آخر لمعاوية(1): «و هو- أي وادي محسر- واد عظيم بين جمع و منى، و هو الى منى أقرب»

و مقتضاه كون الحد غيره، اللهم إلا ان يكون الأقربية لاتصاله بمنى و انفصاله عن المزدلفة، نعم هو خارج عن المحدود، لكن على الأول لا يكون النهي عن جوازه قبل طلوع الشمس دالا على الكراهة قبل الفجر، لإمكان عدم جوازه مع عدم المبيت في منى، بل يمكن القول بذلك على الثاني أيضا، فيبيت في نفس الحد، إذ هو ليس جوازه، اللهم إلا ان يراد الجواز فيه، فيستلزمها حينئذ.

و على كل حال فالمبيت بمنى مستحب على نحو غيرها من المستحبات، لكن في التذكرة للاستراحة، و في القواعد للترفه، و ربما توهم عدم كونه كغيرها من المستحبات، و لا ريب في فساده، إذ لا منافاة، نعم ليس هو بفرض و لا نسك يلزم بتركه شي ء، بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، لكن قد سمعت ما عن بعض من عدم جواز الخروج منها قبل الفجر، و

ما عن آخر أيضا من عدم مجاوزة وادي محسر قبل طلوع الشمس، و الله العالم.

و كذا يستحب ان يغتسل للوقوف بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك الإجماع عليه، نعم في

حسن الحلبي (2)عنه (عليه السلام) «الغسل يوم عرفة إذا زالت الشمس»

و في

صحيح معاوية(3)«فإذا زاغت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صل الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين»

و قد تقدم في الأغسال تفصيل الحال فيه و في غيره، و لكن مقتضى ذلك ان تكون نية الوقوف قبله كما ستعرف، هذا، و في الدروس و في استحباب الطواف و ركعتيه قبل الإحرام بالحج قول للمفيد و ابن الجنيد و الحلبي، لكن في المختلف بعد ان حكى ذلك عن الثلاثة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 14

قال: و لم يذكر الشيخ هذا الطواف و لا السيد المرتضى و لا ابن إدريس و لا ابن بابويه، و الشيخ عول على هذا الحديث، فإنه لم يذكر فيه الطواف، و المفيد عول على انه قادم على المسجد، و يستحب له التحية، و الطواف أفضل من الصلاة، و لا نزاع بينهما حينئذ، بقي ان يقال ان قصد المفيد استحباب هذا الطواف

للإحرام فهو ممنوع، فان المجاور يستحب له الصلاة أكثر من الطواف إذا جاور ثلاث سنين.

قلت: قد ذكر هذا الطواف الصدوق في من لا يحضره الفقيه في باب سياق مناسك الحج، نعم لم يذكره أبوه (رحمه الله)، و لعل القول باستحبابه غير بعيد للتسامح و لما سمعته من خبر الدعائم (1)نعم في قواعد الفاضل لا يجوز له الطواف بعد الإحرام حتى يرجع من مني أي ما لم يضطر الى تقديم الطواف لحجة وفاقا للمحكي عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الوسيلة و ظاهر المصباح و مختصره و الجامع ل

خبر حماد عن الحلبي (2)قال: «سألته عن رجل اتى المسجد الحرام و قد أزمع بالحج أ يطوف بالبيت؟ قال: نعم ما لم يحرم»

و لكنه قاصر عن إثبات الحرمة المخالفة للأصل، و لعله لذا قال ابن إدريس في المحكي عنه «لا ينبغي» و عن المنتهى و التحرير و التذكرة الاقتصار على انه لا يسن، نعم عن ابن أبي عقيل و إذا اغتسل يوم التروية و أحرم بالحج طاف بالبيت سبعة أشواط، و خرج متوجها الى منى، و لا يسعى بين الصفا و المروة حتى يزور البيت، فيسعى بعد طواف الزيارة، مع انه احتمل في محكي المختلف ارادته الطواف قبل الإحرام الذي عرفت الكلام فيه.

و على كل حال فان طاف ساهيا بل في كشف اللثام أو عامدا لم ينتقض إحرامه


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 19، ص: 15

كما في القواعد و محكي السرائر و التهذيب، جدد بعده التلبية أولا، للأصل و

خبر عبد الحميد بن سعيد(1)سأل الكاظم عليه السلام «عن رجل إحرام يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه و هو لا يرى ان ذلك لا ينبغي له أ ينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال: لا و لكن يمضي على إحرامه»

و هو و ان كان ظاهرا في الجاهل إلا ان الظاهر أولوية الساهي منه أو مساواته له.

و على كل حال فليس فيه تجديد التلبية لعقد الإحرام، لكن عن النهاية و المبسوط و الوسيلة تجديدها للعقد، و ربما احتمل إرادتهم الندب، لقول الشيخ في محكي الكتابين انه لا ينتقض و لكن يعقده بتجديد التلبية، و لعلهم استندوا الى ما مضى في طواف القارن و المفرد إذا دخلا مكة قبل الوقوف، و الله العالم.

هذا كله في مقدمته

[في كيفية الوقوف بعرفات ]
اشاره

و اما كيفيته فتشمل على واجب و ندب (و مندوب خ ل) ف

[في واجبات الوقوف بعرفات ]
[منها النية]

الواجب النية التي قد سمعت الكلام فيها غير مرة و في عدم اعتبار غير القربة و التعيين فيها بعد الإجماع بقسميه منا على وجوبها فيه، مضافا الى العمومات، خلافا للعامة فلم يوجبوها فيه، و لا ريب في فساده، نعم قد صرح غير واحد بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب بأن وقتها عند تحقق الزوال، لأنه أول وقت الوقوف الواجب بناء على انه ما بينه و بين الغروب، فيجب مقارنتها له ليقع بأسره بعد النية، و إلا فات جزء منه، ثم لو أخر اثم إلا انه يجزي كما صرح به في الدروس، لكن قد يظهر من

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(2)المشتمل على صفة حج النبي صلى الله عليه و آله خلاف ذلك، قال: «حتى انتهى الى نمرة و هي بطن عرنة بحيال الأراك، فضرب قبته و ضرب


1- 1 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الطواف- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 19، ص: 16

الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد، فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به»

قيل و كذا رواية أخرى

صحيحة لمعاوية(1)أيضا «ثم تلبي و أنت غاد الى عرفات فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاغتسل و صل الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و انما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، و حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة إلى ذي المجاز، و خلف الجبل موقف»

و هو كما ترى لا دلالة فيه على المطلوب، نعم

قال الصادق (عليه السلام) في حسنه الآخر أو صحيحه(2): «و انما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف».

و قال أيضا في

خبر أبي بصير(3): «لا ينبغي الوقوف تحت الأراك، و اما النزول تحته حتى تزول الشمس و تنتهض الى الموقف فلا بأس به»

بل في المدارك و المسألة محل اشكال، و لا ريب أن ما اعتبره الأصحاب أولى و أحوط، و بنحو ذلك عبر في محكي المقنعة و النهاية و المبسوط و من لا يحضره الفقيه و السرائر من غير تعرض للنية فضلا عن مقارنتها، و فيه ان الأخيرين لا صراحة فيهما بل و لا ظهور في عدم


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 8- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1 و وسطه في الباب 9 منها- الحديث 1 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج- الحديث 7.

ج 19، ص: 17

النية عند الزوال، خصوصا بناء على انها الداعي المستمر خطوره مع التشاغل بهذه المقدمات، و اما الأول منها فهو ظاهر في مضي زمان من الزوال في غير الموقف، و مرجعه الى عدم وجوب الكون فيه من الزوال الى الغروب، و ستعرف الكلام فيه إن شاء الله، مع أنه يمكن كون نمرة موضع آخر في عرفة، ففي القاموس أنها موضع بعرفات أو الميل الذي عليه أقطاب الحرم، و حينئذ يكون المراد بمضيه الرواح الى الموقف ميسرة الجبل الذي يستحب الوقوف فيه، و الله العالم.

[منها الكون بها الى الغروب ]

و منه أيضا الكون بها الى الغروب بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، قال الصادق عليه السلام في

صحيح معاوية(1)«ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس مخالفهم رسول الله صلى الله عليه و آله فأفاض بعد غروب الشمس»

و قال له عليه السلام يونس بن يعقوب (2)في الموثق: «متى نفيض من عرفات؟ فقال: إذا ذهبت الحمرة من ها هنا و أشار بيده الى المشرق الى مطلع الشمس»

و منه يعلم أن المراد بالغروب هو الذي قد عرفت الحال فيه في كتاب الصلاة، كما يعلم من قول المصنف و غيره: «و الكون» الاجتزاء بجميع أفراده، بل لا أجد فيه خلافا، لا خصوص

الوقوف الذي ستعرف أنه أفضل عندنا من الركوب، و لعله لذلك خص من بين أحوال الكون بالذكر، نعم في كشف اللثام الإشكال في الركوب و نحوه، لخروجه عن معنى الوقوف لغة و عرفا، و نصوص الكون و الإتيان لا تصلح لصرفه الى المجاز، و فيه انه لا يحتاج الى الصرف، و انما هو أحد الأفراد بقرينة الفتوى و غيرها.

و على كل حال فلو وقف بنمرة كفرحة بفتح النون و كسر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.

ج 19، ص: 18

الميم، و يجوز إسكانه، و هي الجبل الذي عليه أنصاب الحرم على يمينك إذا خرجت من المأزمين تريد الموقف كما عن تحرير النووي و القاموس و غيرهما، لكن قد سمعت ما في النص (1)من أنها بطن عرنة، قيل فلعلها تقال عليهما و تقال على أحدهما للمجاورة، و على كل حال هي خارجة عن عرفة، فلو وقف بها أو وقف ب عرنة كهمزة، و في لغة بضمتين، و هي كما عن المطرزي واد بحذاء عرفة، و عن السمعاني ظني أنها واد بين عرفات و منى، و عن القاسي أنه موضع بين العلمين اللذين هما حد عرفة و العلمين اللذين هما حد الحرم أو وقف ب ثوية بفتح الثاء و تشديد الياء أو وقف ب ذي المجاز و هو سوق كانت على فرسخ من عرفة بناحية كبكب أو تحت الأراك لم يجزه بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى

نسبته الى الجمهور أيضا إلا ما يحكى عن مالك من الاجتزاء ببطن عرنة و لزوم الدم، لكنه واضح الفساد بعد أن لم يكن هو من عرفة، و انما هي حد لها، و الحد خارج عن المحدود، قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(2)السابق ما سمعت، و في

خبر سماعة(3): «و اتق الأراك و نمرة، و هي بطن عرنة و ثوية و ذي المجاز، فإنه ليس من عرفة، و لا تقف فيه»

و في خبر أبي بصير(4)«ان أصحاب الأراك الذين ينزلون تحت الأراك لا حج لهم»

و في خبر إسحاق بن عمار(5)عن النبي صلى الله عليه و آله «ارتفعوا عن وادي عرنة بعرفات»

و عن الحلبي و الحسن حدها من المأزمين إلى الموقف، و عن أبي علي من المأزمين


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
2- 2 المتقدم في ص 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج الحديث 4.

ج 19، ص: 19

الى الجبل، و

قال الصادق عليه السلام في صحيح ليث (1): «حد عرفات من المأزمين إلى أقصى الموقف»

و لعله لا تنافي بين الجميع في كونها حدودا لعرفة باعتبار الجهات كما عن المختلف، و في المسالك «و هذه الأماكن الخمسة حدود عرفة، و هي راجعة إلى أربعة كما هو المعروف من

الحدود، لأن نمرة بطن عرنة كما روي في حديث معاوية عن الصادق عليه السلام، و لا يقدح ذلك في كون كل واحد منهما حدا، فإن أحدهما ألصق من الآخر، و غيرهما و إن شاركهما باعتبار اتساعه في إمكان جعله كذلك لكن ليس لإجزائه أسماء خاصة، بخلاف نمرة و عرنة» و نحوه عن الكركي في حواشي القواعد، و لكن فيه أنه مناف للمعروف من الحد الذي هو الملاصق للمحدود، و يمكن كون ذلك على ضرب من المجاز، أو أن نمرة طرف خارج عن عرنة يكون حدا، و الأمر في ذلك سهل.

انما الكلام في وجوب استيعاب الزمان من الزوال يوم عرفة إلى غروب الشمس بالكون فيها مع الاختيار، أو يكفي مسماه، الظاهر الأول كما صرح به الشهيدان في الدروس و اللمعة و المسالك و المقداد و الكركي و غيرهم من غير إشارة أحد منهم إلى خلاف في المسألة، بل ظاهر المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، بل لم أجد الثاني قولا محررا بين الأصحاب، نعم قد سمعت ما في المدارك من التوقف فيما حكاه عن الأصحاب من وجوب كون النية حين الزوال لتكون مقارنة لأول الواجب للروايات التي قدمناها، و تبعه في كشف اللثام و الذخيرة و الحدائق و الرياض و غيرها من كتب المعاصرين، بل ادعى في الأخير أنه ظاهر الأكثر اعتمادا على ما حكاه في الذخيرة و الحدائق من عبارات القدماء، و في كشف اللثام و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم و إن تم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.

ج 19، ص: 20

حجه؟ ظاهر الفخرية ذلك، و صرح الشهيد بوجوب مقارنة النية لما بعد الزوال و انه يأثم بالتأخير، و لم أعرف له مستندا، و في السرائر «أن الواجب هو الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال» و في التذكرة «انما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية، و ظاهر الأكثر وفاقا للأخبار الوقوف بعد صلاة الظهرين- ثم قال-: فيما لو تجدد الإغماء و النوم بعد الشروع فيه في وقته صح، لما عرفت أن الركن بل الواجب هو المسمى».

و على كل حال قال ابن بابويه في الفقيه: «فإذا أتيت إلى عرفات فاضرب خباك بنمرة قريبا من المسجد، فان ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه و آله خباه و قبته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية و اغتسل و صل بها الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، و انما يتعجل في الصلاة و يجمع بينهما ثم يقف بالموقف ليفرغ للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم ائت الموقف و عليك السكينة و الوقار، وقف بسفح الجبل في ميسرته» و قال الشيخ: «فإذا زالت اغتسل و صلى الظهر و العصر جميعا يجمع بينهما، ثم يقف بالموقف» و نحوه عن المبسوط، و في المقنعة «ثم ليلب و هو غاد إلى عرفات، فإذا أتاها ضرب خباه بنمرة قريبا من المسجد، فان رسول الله صلى الله عليه و آله ضرب قبته هناك- إلى أن قال-: فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل و يقطع التلبية و يكثر من التهليل و التمجيد و التكبير ثم يصلي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين- إلى أن قال- ثم يأتي الموقف و يكون وقوفه في ميسرة الجبل، فان رسول الله صلى الله عليه و آله وقف هناك و يستقبل القبلة» و قال سلار: «فإذا جاءها نزل نمرة قريبا من المسجد إن أمكنه، و نمرة بطن عرنة، فإذا زالت الشمس فليغتسل و ليقطع التلبية و ليكثر من التهليل و التمجيد و التكبير، و ليصل الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم ليأت الموقف، و ليختر الوقوف في ميسرة الجبل» و قال في السرائر: «فإذا زالت اغتسل و صلى الظهر و العصر جميعا يجمع

ج 19، ص: 21

بينهما بأذان و إقامتين لأجل البقعة، ثم يقف بالموقف- إلى أن قال-: و لا يجوز الوقوف تحت الأراك و لا في نمرة و لا في ثوية و لا في عرنة و لا في ذي المجاز، فان هذه المواضع ليست من عرفات، فمن وقف فيها بالحج فلا حج له، و لا بأس بالنزول بها غير أنه إذا أراد الوقوف بعد الزوال جاء إلى الموقف، فوقف هناك و الوقوف بميسرة الجبل أفضل من غيره، و ليس ذلك بواجب، بل الواجب الوقوف بسفح الجبل و لو قليلا بعد الزوال، و أما الدعاء و الصلاة في ذلك الموضع فمندوب غير واجب، و انما الواجب الوقوف و لو قليلا فحسب» و في جمل المرتضى «و ينشئ الإحرام من المسجد و يلبي ثم يمضي إلى منى فيصلي بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الأخيرة و الفجر، و يغدو إلى عرفات، فإذا زالت الشمس من يوم عرفة اغتسل و قطع التلبية و أكثر من التحميد و التهليل و التمجيد و التكبير، ثم يصلي الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين، ثم يأتي الموقف» و في المنتهى «يستحب تعجيل الصلاتين حين تزول الشمس، و أن يقصر الخطبة، ثم يروح إلى الموقف، لأن تطويل ذلك يمنع من الرواح إلى الموقف في أول وقته، و السنة التعجيل،

روى ابن عمر(1)قال: «غدا رسول الله صلى الله عليه و آله من منى حين صلى الصبح صبح يوم عرفة حتى أتى عرفة، فنزل نمرة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه و آله مهجرا، فجمع بين الظهر و العصر ثم خطب ثم راح فوقف على الموقف»

و لا خلاف في هذا بين علماء الإسلام، فإذا فرغ من الصلاتين جاء إلى الموقف فوقف» و قال فيه أيضا: «أول وقت الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال الشافعي و مالك، و قال أحمد: أوله طلوع الفجر من يوم عرفة، لنا أن النبي صلى الله عليه و آله وقف بعد


1- 1 سنن أبي داود ج 1 ص 445 الطبعة الأولى عام 1371.

ج 19، ص: 22

الزوال،

و قال: «خذوا عني مناسككم»(1)

و وقف الصحابة كذلك، و أهل الأعصار من لدن النبي صلى الله عليه و آله إلى زماننا هذا وقفوا بعد الزوال، و لو كان ذلك جائزا لما اتفقوا على تركه، و قال ابن عبد البر: أجمع

العلماء على أن أول الوقوف بعرفة زوال الشمس من يوم عرفة، و

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «ثم تأتي الموقف»

يعني بعد الصلاتين، و الأمر للوجوب» الى آخره. و عن التذكرة «انما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية» إلى غير ذلك من العبارات التي توهموا منها الخلاف في المسألة حتى قال في كشف اللثام: ما سمعت.

و قال في الرياض: «و هل يجب الاستيعاب حتى إن أخل به في جزء منه أثم و إن تم حجه كما هو ظاهر الشهيدين في الدروس و اللمعة و شرحها، بل صريح ثانيهما، أم يكفي المسمى و لو قليلا كما عن السرائر و عن التذكرة أن الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية، و ربما يفهم هذا أيضا عن المنتهى؟ إشكال، و ينبغي القطع بفساد القول الأول، لمخالفته لما يحكى عن ظاهر الأكثر و المعتبرة المستفيضة بأن الوقوف بعد الغسل و صلاة الظهرين ففي الصحيح إلى آخر ما سمعته من النصوص السابقة- ثم قال-: و الأحوط العمل بمقتضاها و إن كان القول بكفاية مسمى الوقوف لا يخلو عن قرب، للأصل النافي للزائد بعد الاتفاق على كفاية المسمى في حصول الركن منه، و عدم اشتراط شي ء زائد منه فيه مع سلامته عن المعارض سوى الأخبار المزبورة، و دلالتها على الوجوب غير واضحة، و أما ما تضمن منها الأمر بإتيان الموقف بعد الصلاتين فلا تفيد الفورية


1- 1 تيسير الوصول ج 1 ص 312.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 23

و مع ذلك منساق في سياق الأوامر المستحبة، و أما ما تضمن منها فعله فكذلك بناء على عدم وجوب التأسي، و على تقدير وجوبه في العبادة فإنما غايته الوجوب الشرطي لا الشرعي، و كلامنا فيه لا في سابقه، للاتفاق كما عرفت على عدمه».

قلت: لعل الأظهر و الأحوط وجوب الاستيعاب و إنما كان الركن المسمى منه، و النصوص المزبورة لا دلالة فيها على كفاية المسمى، و انما أقصاها التشاغل عند زوال الشمس بمقدمات الوقوف من الغسل و الجمع بين الصلاتين و نحوهما، لا أنه يجزي المسمى، و من هنا كان ذلك خيرة الذخيرة و الحدائق و بعض من تأخر عنهما، على أنه يمكن كون هذه المقدمات كلها بعرفة، فلا تنافي نية الوقوف كما عساه يشهد لذلك أن المستحب الجمع بعرفة، قال في التذكرة: و يجوز الجمع لكل من بعرفة من مكي و غيره، و قد أجمع علماء الإسلام على أن الامام يجمع بين الظهر و العصر بعرفة، و بذلك يظهر لك أن صلاة النبي صلى الله عليه و آله قد كانت بعرفة كما يشهد له ما في

دعائم الإسلام (1)عن جعفر بن محمد عن علي (عليهم السلام) «ان رسول الله صلى الله عليه و آله غدا يوم عرفة من منى فصلى الظهر بعرفة لم يخرج من منى حتى طلعت الشمس»

و حينئذ فيكون المراد من مضيه إلى الموقف الرواح إلى المكان المخصوص المستحب فيه الوقوف، أو التشاغل بما يقتضيه من الدعاء و التحميد و التمجيد و التهليل و التكبير و الدعاء لنفسه و لغيره مما جاءت به النصوص في ذلك الموقف، و فيه أمارة أخرى أيضا على مثل هذه المقدمات في الكون بعرفة التي ذكروا فيها استحباب هذه الأمور لا خارجا عنها.

بل لعل قوله في الفقيه: «صلى بها» يراد به عرفة لا نمرة، و ربما يشهد له عبارته في المقنع، قال: «ثم تلبي و أنت مار الى عرفات، فإذا ارتقيت الى عرفات


1- 1 المستدرك- الباب- 7- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 24

فاضرب خباك بنمرة، فإن فيها ضرب رسول الله صلى الله عليه و آله خباءه و قبته، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية، و عليك بالتهليل و التحميد و الثناء على الله تعالى، ثم اغتسل و صل الظهر و العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، و اعمل بما في كتاب دعاء الموقف من الدعاء و التحميد و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله و جميع ما فيه- ثم قال-: إياك أن تفيض منها قبل غروب الشمس» الى آخره، بل قد يظهر من

خبر جذاعة الأزدي (1)معروفية إيقاع الصلاتين بعرفة في ذلك الزمان، قال: «قلت لأبي عبد الله

عليه السلام: رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فيبقى ينظر الى الناس و لا يدعو حتى أفاض الناس قال: يجزيه وقوفه، ثم قال: أ ليس قد صلى بعرفات الظهر و العصر و قنت و دعا؟ قلت: بلى، قال: فعرفات كلها موقف، و ما قرب من الجبل فهو أفضل»

هذا.

و من ذلك يظهر أن عبارة المقنعة كذلك، و أما عبارة الشيخ فهي ظاهرة في ترتيب الأفعال، و هي الصلاة و الوقوف، و ظاهرها كونهما معا بعرفة، و عبارة سلار كعبارة المقنعة، و أما عبارة السرائر فالتدبر فيها يقتضي إرادة بيان الركن من الوقوف و إن أطلق عليه اسم الواجب، و أنه لا يجب غير ذلك من الصلاة و الدعاء و نحوهما، نحو ما وقع عن التذكرة، فإنه- بعد أن ذكر المجي ء إلى الموقف بعد الصلاة و التشاغل بالدعاء- قال «إذا عرفت هذا فهذه الأدعية و غيرها ليست واجبة، و انما الواجب اسم الحضور في جزء من أجزاء عرفة و لو مجتازا مع النية» و كذا في القواعد فإنه- بعد أن ذكر في الأحكام أن الوقوف ركن و ذكر حكم الناسي و من فاته الاختياري و الاضطراري- قال «و الواجب ما يطلق


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.

ج 19، ص: 25

عليه اسم الحضور و إن سارت به دابته مع النية» و أما عبارة المرتضى فهي على حسب تلك العبارات، و عبارة المنتهى يمكن أن تكون في الدلالة على خلاف ذلك أظهر منها فيه، خصوصا قوله: «و الأمر للوجوب» و مثله عبارة التذكرة التي قد عرفت الحال فيها، بل لعل قول الأكثر في الواجبات ان منها الكون الى غروب الشمس مع قولهم: إن وقت الاختيار من زوال الشمس الى غروبها، و قولهم:

يحرم الإفاضة قبل الغروب ظاهر في إرادة الوجوب من الزوال الى الغروب، و إلا فلا وجه لوجوب المسمى و حرمة الإفاضة قبل الغروب التي يحصل معها المسمى، ضرورة اقتضاء ذلك واجبين لا دليل عليهما، و في

دعائم الإسلام (1)عن جعفر ابن محمد (عليهما السلام) «يقف الناس بعرفة يدعون و يرغبون و يسألون الله تعالى من كل فضله و بما قدروا عليه حتى تغرب الشمس».

و كأنه لذلك نسب في المدارك إلى الأصحاب الوجوب من أول الزوال، إذ ليس لهم إلا هذه العبارات إلا من صرح منهم بذلك كالشهيدين و الكركي و المقداد، بل يمكن القطع بفساد القول بالاجتزاء اختيارا في وقوف عرفة ركنه و واجبة بالوقوف بعد غيبوبة القرص الى ذهاب الحمرة المشرقية، لأنه جامع لامتثال الأمر بالمسمى و النهي عن الإفاضة قبل الغروب، كما أنه يمكن القطع من التأمل في النصوص و الفتاوى بوجوب الكون في عرفة من زوال الشمس الى غروبها، و انه المراد من حرمة الإفاضة قبل غروبها، كما أنه كاد يكون صريح ما سمعته من المقنع فضلا عمن عبر بالكون الى الليل، بل لعل عدم ذكر الابتداء في قولهم و الكون الى الغروب اتكالا على معلوميته، و على ما يذكرونه من كون وقت الاختيار من زوال

الشمس الى غروبها، و أن الركن منه المسمى، و بالجملة هو من البديهيات


1- 1 المستدرك- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 9.

ج 19، ص: 26

عند التأمل، نعم في المختلف قال الشيخ في الخلاف: الأفضل أن يقف الى غروب الشمس في النهار، و يدفع من الموقف بعد غروبها، فان دفع قبل الغروب لزمه دم و الكلام فيه يقع في موضعين: الأول أن عبارته هذه توهم جواز الإفاضة قبل الغروب، و لا خلاف بيننا أنه يجب الى الغروب و لا يجب قبله، الى ان قال:

و بالجملة فالمسألة إجماعية، و يمكن أن يحمل قول الشيخ على أن اللبث في الموقف الى الغروب من وقت ابتدائه مستحب، فإنه لو دفع قبل الغروب ثم عاد الى الموقف أجزأه و أن الأفضل أن يقف الى الغروب ثم يدفع في أول الليل و لا يقف بعده، و كأنه قصد الثاني، و ظاهره استحباب الاستيعاب، بل يظهر منه المفروغية من ذلك، لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، كما أنه لا يخفى عليك حال ما سمعته من الرياض، بل فيه طرائف، خصوصا قوله: «ان الأمر ليس للفور» فإنه و إن كان كذلك كما حقق في الأصول لكن لا يخفى على ذي مسكة إرادة ذلك منه هنا، خصوصا بعد ملاحظة التعليل في تعجيل الصلاتين، نعم هو- بناء على ما قلناه من كون الصلاتين و الغسل و غيرهما من المقدمات الحاصلة بعد الزوال- للندب، ضرورة كونه حال التشاغل بها في عرفات، و هي كلها موقف و النصوص السابقة التي أظهرها الصحيح الأول (1)المشتمل على صفة حج رسول الله صلى الله عليه و آله و أنه مضى الى الموقف بعد الصلاتين و الخطبة، و كانت صلاته في المسجد الذي في نمرة التي هي ليست من عرفة قد عرفت جملة من الكلام فيما يتعلق بها، و نزيد هنا بأن كلام العامة شديد الاختلاف، و فيه ما يقتضي دخول بطن عرنة بالنون في عرنة، فعن بعض الحنفية أنه قيل حد عرفات ما بين الجبل المشرف على بطن عرنة إلى الجبال المقابلة لعرنة مما يلي حوائط بني عامر و طريق الحض، و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 19، ص: 27

الأرزقي عن ابن عباس أن حد عرفات من الجبل المشرف على بطن عرنة بالنون الى جبال عرفات الى وصيق الى ملتقى وصيق و وادي عرنة، و عن بعضهم أن مقدم مسجد إبراهيم عليه السلام اوله ليس من عرفة، و مقتضاه ان ما عدا الأول من عرفات، فيمكن ان تكون صلاة النبي صلى الله عليه و آله فيما كان منه من عرفات، و يشهد لذلك ما يحكى عنهم من الجواب لأبي يوسف عن إشكاله بمنافاة الصلاة للوقوف من أول الزوال بأنه لا منافاة، فإن المصلي واقف، و هو كالصريح في كون المسجد من عرفة بالفاء، و عن بعض الشافعية ان مقدم هذا المسجد ليس من عرفات، و آخره منها، و عن الرافعي الجزم بذلك مع شدة بحقيقة و اطلاعه، كل ذلك مع شدة اختلافهم في الوقوف بعرنة بالنون، فان لهم فيه أقوالا جمة، و جملة منها مبنية على

دخولها في عرفات، كل ذلك مضافا الى ما قدمناه، و الى ما في بالي من تضمن

بعض النصوص «ان النبي صلى الله عليه و آله لما جاء إلى نمرة و ضرب خباه فيها أمر بمسجد فبني له بأحجار بيض ثم اختلط»

فيمكن ان يكون مسجدا غير المسجد الموجود الآن بنمرة المسمى بمسجد إبراهيم عليه السلام، أو زيادة فيه كانت في عرنة، الى غير ذلك مما هو محتمل فيه و في غيره، و الله العالم بحقيقة الحال.

و كيف كان ف لو أفاض قبل الغروب جاهلا أو ناسيا فلا شي ء عليه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن ظاهر المنتهى و التذكرة انه موضع وفاق بين العلماء، مضافا الى الأصل و الى أولويته بعدم الفساد من حال العمد الذي ستعرف النص (1)و الفتوى على عدمه فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و الى الأصل أيضا في عدم الكفارة التي تترتب غالبا على الذنب المفقود في الثاني، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج.

ج 19، ص: 28

بعض أفراد الأول قطعا إن أريد به الأعم من التأخير، و الى

قول الصادق عليه السلام في صحيح مسمع (1): «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس قال: إن كان جاهلا فلا شي ء عليه، و ان كان متعمدا فعليه بدنة».

نعم لو علما قبل الغروب وجب العود بناء على المختار من وجوب الاستيعاب بل و على الآخر مقدمة لامتثال حرمة الإفاضة قبل الغروب، لكن في كشف اللثام «و هل عليهما الرجوع إذا تنبها قبل الغروب؟ نعم إن وجب استيعاب الوقوف، و إلا فوجهان» و فيه ما عرفت، بل في المسالك «إن أخل به كان كالعامد في لزوم الدم» و ان كان لا يخلو من نظر باعتبار الشك في حصول عنوانه كما ستعرف و على كل حال فلو عاد لم يلزمه شي ء قطعا.

هذا كله فيهما و أما إن كان عامدا فلا ريب في إثمه مع عدم عوده من دون فساد لحجة، بل الإجماع بقسميه عليه و جبره ببدنة، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بلا خلاف أجده في أصل الجبر، بل في المنتهى انه قول عامة أهل العلم إلا من مالك، فقال: لا حج له، و لا نعرف أحدا من أهل الأمصار قال بقوله، و أما كونه بدنة فهو المشهور شهرة كادت تكون إجماعا، بل عن الغنية دعواه، لخبر مسمع (2)المتقدم، و

صحيح ضريس (3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل أفاض من عرفات من قبل ان تغيب الشمس قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في اهله»

و مرسل ابن محبوب (4)عنه عليه السلام أيضا «في رجل أفاض من عرفات قبل ان تغرب الشمس قال: عليه بدنة، فان لم يقدر على بدنة صام ثمانية عشر يوما»


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج الحديث 2.

ج 19، ص: 29

و في

الدعائم (1)عنه عليه السلام أيضا «انه سئل عن وقت الإفاضة من عرفات فقال:

إذا وجبت الشمس، فمن أفاض قبل غروب الشمس فعليه بدنة ينحرها»

خلافا للصدوقين فشاة، و لم نقف لهما على مستند و إن نسبه في محكي الجامع إلى رواية، و عن الخلاف ان عليه دما للإجماع و الاحتياط، و قول النبي صلى الله عليه و آله في

خبر ابن عباس: «من ترك نسكا فعليه دم»

و لعل إطلاقه في مقابلة من لم يوجب عليه شيئا من العامة، على ان مرسل الجامع و النبوي لا يصلحان لمعارضة ما سمعت من وجوه حتى لو قلنا بكونها من محكي الإجماع، ضرورة تبين خلافه بالنسبة الى ذلك.

و لو عاد قبل الغروب لم يلزمه شي ء كما عن الشيخ و ابني حمزة و إدريس للأصل، و لأنه لو لم يقف إلا هذا الزمان لم يكن عليه شي ء، فهو حينئذ كمن تجاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه فأحرم، لكن عن النزهة «ان سقوط الكفارة بعد ثبوتها يفتقر الى دليل، و ليس» و في كشف اللثام «و هو متجه» و فيه منع الثبوت بعد ظهور الدليل في غير العائد، نعم لا يجدي العود بعد الغروب عندنا خلافا للشافعي إذا عاد قبل خروج وقت الوقوف، و هل يلحق الجاهل المقصر بالعامد؟ وجهان، هذا.

و ظاهر الخبر المزبور صحة هذا الصوم في السفر و ان كان واجبا كما تقدم الكلام فيه و في اعتبار التوالي فيه الذي اختاره في الدروس في كتاب الصوم، هذا.

و في الدروس ان رابع الواجبات السلامة من الجنون و الإغماء و السكر و النوم في جزء من الوقت، فلو استوعب بطل، و اجتزاء الشيخ بوقوف النائم


1- 1 المستدرك- الباب- 22- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 30

فكأنه بنى على الاجتزاء بنية الإحرام، فيكون كنوم الصائم، و أنكره الحلبيون و يتفرع عليه من وقف بها و لا يعلمها فعلى قوله يجزي، قلت: قد عرفت سابقا في أول كتاب الحج اعتبار العقل، نعم لا وجه للجزم بالبطلان مع الاستيعاب و ان أدرك الاضطراري أو اختياري المشعر، اللهم إلا ان يريد بطلان الوقوف لا الحج، كما انه لا وجه لما حكاه عن الشيخ من الاجتزاء بوقوف النائم مع فقده النية التي قد عرفت اعتبارها، ثم قال: خامسها الوقوف في اليوم التاسع من ذي الحجة بعد زواله، فلو وقفوا ثامنه غلطا لم يجز، و لو وقفوا عاشره احتمل الاجزاء دفعا للعسر، إذ يحتمل مثله في القضاء، و لما

روي عن النبي صلى الله عليه و آله «حكم يوم تحجون»

و عدمه لعدم الإتيان بالواجب، و الفرق بينه و بين الثامن انه لا يتصور نسيان العدد من الحجيج، و يأمنون ذلك في القضاء، و قوى الفاضل التسوية في عدم الاجزاء، و الحادي عشر كالثامن، و لو غلطت طائفة منهم لم يعذروا مطلقا، و ابن الجنيد يرى عدم العذر مطلقا، و لو رأى الهلال وحده أو مع غيره وردت شهادتهم وقفوا بحسب رؤيتهم و ان خالفهم الناس، و لا يجب عليهم الوقوف مع الناس، و لو غلطوا في المكان أعادوا، و لو وقفوا غلطا في النصف الأول من اليوم أو جهلا لم يجز، و لا يخفى عليك ان ما ذكره من الاحتمال أولا لا ينطبق على مذهب الإمامية، و ان ذكر الفاضل في التحرير ما يقرب منه، قال:

لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه اليوم العاشر ففي الإجزاء نظر، و كذا لو غلطوا في العدد فوقفوا يوم التروية، و لو شهد واحد أو اثنان برؤية هلال ذي الحجة ورد الحاكم شهادتهما وقفوا يوم التاسع على وفق رؤيتهم و ان وقفت الناس يوم العاشر عندهما

ج 19، ص: 31

و الأصل في هذه الاحتمالات خرافات العامة.

قال في المنتهى: لو غم الهلال ليلة الثلاثين من ذي القعدة فوقف الناس يوم التاسع من ذي الحجة ثم قامت البينة انه يوم العاشر قال الشافعي: أجزأهم، ل

قول النبي صلى الله عليه و آله: «حجكم يوم تحجون»

و لأن ذلك لا يؤمن مثله في القضاء مع اشتماله على المشقة العظيمة الحاصلة من السفر الطويل و إنفاق المال الكثير، قال: و لو وقفوا يوم الثامن لم يجزهم، لأنه لا يقع فيه الخطأ، لأن نسيان العدد لا يتصور، و لو شهد شاهدان عشية عرفة برؤية الهلال و لم يبق من النهار و الليل ما يمكن الإتيان فيه الى عرفة قال: وقفوا من الغد، و لو أخطأ الناس أجمع في العدد فوقفوا في غير ليلة عرفة قال بعض الجمهور: يجزيهم، لأن

النبي صلى الله عليه و آله (1)قال: «يوم عرفة الذي يعرف الناس فيه»

و ان اختلفوا فأصاب بعضهم و أخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزهم، لأنهم غير معذورين في هذا، و ل

قول النبي صلى الله عليه و آله(2): «فطركم يوم تفطرون، و ضحاياكم يوم تضحون»

و في الكل إشكال، قلت: بل منع، ضرورة عدم ثبوت ما ذكروه من الروايات، و عدم انطباقه على أصول الإمامية و قواعدهم إلا على ما توهمه بعض منا من قاعدة الاجزاء في نحو بعض الفروع المذكورة.

ثم إنه في المنتهى ذكر مسألة الشهود الذين ردت شهادتهم، و ذكر ما عن الشافعي من انهم يقفون على حسب رؤيتهم و إن وقف الناس في غير ذلك، ثم قال: و هو الحق كشهود العيد في شهر رمضان، خلافا لبعض العامة فلا يجزيهم حتى يقفوا مع الناس، و هو واضح الفساد، و كيف كان فالغرض أن بعض


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 176 و كنز العمال ج 3 ص 13- الرقم 275.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 175.

ج 19، ص: 32

الاحتمالات المزبورة في المسائل السابقة مما لا ينطبق على المعروف من أصول الإمامية.

نعم بقي شي ء مهم تشتد الحاجة اليه، و كأنه أولى من ذلك كله بالذكر، و هو انه لو قامت البينة عند قاضي العامة و حكم بالهلال على وجه يكون يوم التروية عندنا عرفة عندهم، فهل يصح للامامي الوقوف معهم و يجزي لأنه من أحكام التقية و يعسر التكليف بغيره، أو لا يجزي لعدم ثبوتها في الموضوع الذي محل الفرض منه، كما يومي اليه وجوب القضاء في حكمهم بالعيد في شهر رمضان الذي دلت عليه

النصوص (1)التي منها «لأن أفطر يوما ثم أقضيه أحب إلى من ان يضرب عنقي»

لم أجد لهم كلاما في ذلك، و لا يبعد القول بالاجزاء هنا إلحاقا له بالحكم للحرج، و احتمال مثله في القضاء، و قد عثرت على الحكم بذلك منسوبا للعلامة الطباطبائي، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[و اما أحكامه فمسائل ]
اشاره

و اما أحكامه فمسائل:

[المسألة الأولى مسمى الوقوف بعرفات ]

الأولى مسمى الوقوف بعرفات من زوال يوم عرفة الذي هو اليوم المشهود أو الشاهد ركن في

الحج على معنى ان من تركه عامدا فلا حج له كما هو ضابط الركنية في الحج عندهم، بل هو مقتضى ما في بعض النسخ من تفريع ذلك بالفاء عليه، و على كل حال فلا خلاف أجده في ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل نسبه غير واحد الى علماء الإسلام، و في

النبوي العامي (2)«الحج عرفة»

بل في كشف اللثام

في الأخبار ان الحج عرفة(3)

و في

صحيح الحلبي (4)عن الصادق عليه السلام «قال رسول الله صلى الله عليه و آله


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 173.
3- 3 المستدرك- الباب- 18- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 10.

ج 19، ص: 33

في الموقف: ارتفعوا عن بطن عرنة، و قال: أصحاب الأراك لا حج لهم»

و في

خبر أبي بصير(1)عنه عليه السلام أيضا «إذا وقفت بعرفات فاذن من الهضبات، و الهضبات هي الجبال، فإن النبي صلى الله عليه و آله قال: أصحاب الأراك لا حج لهم، يعني الذين يقفون عند الأراك»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الحج بعدم الوقوف فيها و لو بالوقوف في حدودها كالأراك و نحوه فضلا عن غيرها، و لا ينافيه

مرسل ابن فضال (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «الوقوف بالمشعر فريضة، و الوقوف بعرفة سنة»

يعد كونه مرسلا، و احتماله إرادة معرفة وجوبه من السنة» بخلاف الوقوف بالمشعر المستفاد وجوبه من قوله تعالى (3)«فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ» نعم قد عرفت سابقا أن الركن مسماه، و الواجب الزائد إلى الغروب، فلاحظ و تأمل، هذا. و في القواعد الوقوف الاختياري بعرفة ركن، و مقتضاه عدم الاجتزاء بالاضطراري مع تركه عمدا، و هو كذلك بل هو صريح المصنف، بل قيل يعطيه النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر و النافع لإطلاق الأدلة السابقة.

و كيف كان ف من تركه نسيانا تداركه ما دام وقته الاختياري أو الاضطراري باقيا، و لو فاته ذلك أي الوقوف بعرفة بقسميه اجتزأ بالوقوف بالمشعر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه في أعلى درجات الاستفاضة، بل عن الانتصار و المنتهى زيادة الإجماع المركب، فان من أوجب الوقوف بالمشعر أجمع على الاجتزاء باختيارية إذا فات الوقوف بعرفات لعذر، و في

صحيح معاوية بن عمار(4)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 14.
3- 3 سورة البقرة- الآية 194.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 34

الصادق عليه السلام «في رجل أدرك الامام و هو بجمع فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات و يقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و ان ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه»

و في

خبر الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات في ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان الله تعالى أعذر لعبده، و قد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»

و في

خبر إدريس بن عبد الله (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أدرك الناس بجمع و خشي إن مضى الى عرفات أن يفيض الناس من جمع قبل أن يدركها فقال: إن ظن أن يدرك الناس بجمع قبل طلوع الشمس فليأت عرفات، فإن خشي أن لا يدرك جمعا فليقف بجمع، ثم ليفض مع الناس فقد تم حجه»

و في

صحيح معاوية(3)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله في سفر فإذا شيخ كبير فقال:

يا رسول الله ما تقول في رجل أدرك الإمام بجمع؟ فقال: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف بها قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه»

الى غير ذلك من النصوص التي لا تصريح فيها بخصوص الناسي و إن كان هو مندرجا في مفهوم التعليل بأن الله أعذر لعبده، بل و في قوله: «أدرك» و نحوه، بل في المدارك


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.

ج 19، ص: 35

أنه يمكن الاستدلال بذلك على عذر الجاهل أيضا كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس، و يدل عليه عموم

قول النبي صلى الله عليه و آله(1): «من أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج»

و قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار(2): «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج»

و فيه أن ذلك يشمل العامد أيضا نحو

قوله عليه السلام (3): «من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله»

اللهم إلا أن يلتزم ذلك إن لم يكن إجماع عليه، و التحقيق اعتبار قيد العذر مع ذلك بنسيان أو غيره، و لعل الجهل مع عدم التقصير منه أيضا، بل و معه إذا كان في أصل تعلم الأحكام الشرعية، هذا، و بالغ في الحدائق في إنكار كون النسيان عذرا لأنه من الشيطان بخلاف الجاهل الذي استفاضت النصوص بمعذوريته، و لا سيما في باب الحج عموما و خصوصا، و فيه ما لا يخفى، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

[المسألة الثانية وقت الاختيار بعرفة من زوال الشمس الى الغروب ]

المسألة الثانية وقت الاختيار بعرفة من زوال الشمس الى الغروب بذهاب الحمرة المشرقية من ترك مسماه عالما عامدا فيه فسد حجه و إن جاء بالاضطراري لما عرفت و وقت الاضطرار الى طلوع الفجر من يوم النحر بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المدارك و غيرها الإجماع عليه، مضافا الى ما سمعته من النصوص، نعم الواجب من الوقوف الاضطراري مسمى الكون بعرفات ليلا، و لا يجب الاستيعاب، بل في محكي التذكرة. الإجماع عليه، كما في محكي المنتهى نفي الخلاف فيه، مضافا الى ما سمعته من النص (4)المصرح بالاجتزاء


1- 1 كنز العمال ج 3 ص 13 الرقم 264.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1 و 4.

ج 19، ص: 36

به و لو قليلا، فلا يتوهم كونه كوقت الاختيار في كون الركن مسماه و الواجب الزائد على ذلك الى مطلع الفجر بناء على المختار، نعم

قد يقال بكونه مثله في فوات الحج بفوات المسمى مع العلم و العمد، فإنه كالركن من الاختياري كما عساه يومي اليه صحيح الحلبي (1)السابق، مضافا الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، بل لعله مقتضى إطلاقهم أن الركن مسماه الشامل للاختياري و الاضطراري كما صرح به غير واحد من متأخري المتأخرين، و وجهه ما عرفت بعد ان لم يكن فيما يدل على كفاية الاضطراري عموم يشمل ما نحن فيه، لاختصاصه بغيره كما سمعت، نعم في قواعد الفاضل ما عرفت من أن الوقوف الاختياري بعرفة ركن من تركه عامدا بطل حجه، و ربما استشعر منه عدم كون الاضطراري كذلك، فلو تركه عمدا حينئذ لم يبطل حجه، و فيه منع واضح، و يمكن أن يكون الوجه في اقتصاره بيان أنه لا يجزي الاقتصار على الاضطراري عمدا، بل من ترك الاختياري عمدا بطل حجه و إن أتى بالاضطراري كما سمعت الكلام فيه.

و كذا لا يتوهم أيضا من إطلاق كثير من النصوص السابقة كون وقت الاضطرار لوقوف عرفة هو ما لا يفوت معه وقوف اختياري المشعر، فلو تمكن منهما معا قبل طلوع الشمس كفى، لوجوب تقييده بما في غيره من الوقوف ليلة النحر المعتضد بفتوى الأصحاب على وجه لا يعرف فيه خلاف، و كيف كان فما عن الشيخ في الخلاف من إطلاق أن وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة الى طلوع الفجر من يوم العيد منزل على ما عرفت من التفصيل الذي ذكره في باقي

كتبه، فما عن ابن إدريس- من أن هذا القول مخالف لأقوال علمائنا، و انما


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.

ج 19، ص: 37

هو قول لبعض المخالفين أورده الشيخ في كتابه إيرادا لا اعتقادا- في غير محله، ضرورة كون مراد الشيخ بيان مطلق الاختياري و الاضطراري، و من هنا قال في المختلف التحقيق أن النزاع هنا لفظي، فإن الشيخ قصد الوقت الاختياري، و هو من زوال الشمس الى غروبها، و الاضطراري و هو من الزوال الى طلوع الفجر فتوهم ابن إدريس أن الشيخ قصد بذلك الوقت الاختياري فأخطأ في اعتقاده، و نسب الشيخ الى تقليد بعض المخالفين، مع أن الشيخ من أعظم المجتهدين و كبيرهم و لا ريب في تحريم التقليد للمحق من المجتهدين، فكيف بالمخالف الذي يعتقد المقلد أنه مخطئ، و هل هذا إلا جهالة منه و اجتراء على الشيخ (ره).

[المسألة الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها]

المسألة الثالثة من نسي الوقوف بعرفة رجع فوقف بها و لو الى طلوع الفجر من يوم النحر إذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفته سابقا و لو غلب على ظنه الفوات اقتصر على إدراك المشعر قبل طلوع الشمس و قد تم حجه نصا و فتوى، نعم قد يستفاد من قول المصنف: «إذا عرف» الى آخره، عدم وجوب العود الى عرفات مع التردد في ذلك، و في المدارك و هو كذلك للأصل، و

قوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار(1)المتقدمة: «إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها»

و احتمل الشارح وجوب العود مع التردد تقديما للوجوب الحاضر، و هو ضعيف، و فيه أن صحيح معاوية بن عمار السابق و إن كان قد علق إتيان عرفة فيه على الظن لكن علق فيه عدم الإتيان على ظن ذلك أيضا، نعم في خبر إدريس (2)تعليق ذلك على خشيان الفوات الذي لا ريب في تحققه مع التردد، على أنه بناء على توقف صحة الحج على إدراك أحد الاختياريين


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.

ج 19، ص: 38

يكفي به عذرا في اقتصاره على المشعر، ضرورة أن في تركه تعريضا لفوات الاختياريين الموجب هنا لفوات الحج، و بذلك ترجح مراعاته على اضطراري عرفة، كما هو واضح.

و كذا يتم حجه لو نسي الوقوف بعرفات مثلا و لم يذكر إلا بعد الوقوف بالمشعر قبل طلوع الشمس بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص السابقة المصرحة باجزاء اختياري المشعر مع فوات وقوف عرفة بقسميه.

[المسألة الرابعة حكم من لم يدرك إلا الاختياري بعرفة]

المسألة الرابعة إذا وقف بعرفات قبل الغروب و لم يتفق له إدراك المشعر إلا قبل الزوال

صح حجه بإدراك اختياري عرفة و اضطراري المشعر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص التي منها

صحيح معاوية(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في رجل أفاض من عرفات إلى منى؟ قال: فليرجع فليأت جمعا فيقف بها و إن كان الناس قد أفاضوا من جمع»

و موثق يونس بن يعقوب (2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل أفاض من عرفات فمر بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى و رمى الجمرة و لم يعلم حتى ارتفع النهار قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع فيرمي جمرة العقبة»

و صحيح معاوية(3)عنه عليه السلام أيضا «من أفاض من عرفات إلى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و إن كان قد وجد الناس قد أفاضوا من جمع»

بل في المسالك هنا «لو فرض عدم إدراك المشعر أصلا صح أيضا، فإن اختياري أحدهما كاف» بل قال في موضع آخر: «لا خلاف في الاجتزاء بأحد الموقفين الاختياريين» لكن أشكله سبطه


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

ج 19، ص: 39

بانتفاء ما يدل على الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة خاصة، مع أن الخلاف في المسألة متحقق، فإن العلامة في المنتهى صرح بعدم الاجتزاء بذلك، و هذه عبارته «و لو أدرك أحد

الموقفين اختيارا وفاته الآخر مطلقا فان كان الفائت هو عرفات فقد صح حجه لإدراك المشعر، و إن كان هو المشعر ففيه تردد، أقربه الفوات» و قال في التحرير: «و لو أدرك أحد الاختياريين وفاته الآخر اختيارا و اضطرارا فان كان الفائت هو عرفة صح الحج، و إن كان هو المشعر ففي إدراك الحج إشكال» و نحوه في التذكرة، فعلم من ذلك أن الاجتزاء بإدراك اختياري عرفة ليس إجماعيا كما ذكره الشارح، و أن المتجه فيه عدم الاجتزاء، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و انتفاء ما يدل على الصحة مع هذا الإخلال.

قلت: قد نفى عنه الخلاف في التنقيح أيضا، و عن جماعة نسبته إلى الشهرة منهم المحدث المجلسي (رحمه الله) و السيد نعمة الله الجزائري في شرح التهذيب و شارح المفاتيح، بل عن الأخير عن بعضهم الإجماع عليه، و في الذخيرة و المختلف أنه المعروف بين الأصحاب، بل في الرياض أنه عزاه في الذخيرة إليهم مشعرا بعدم خلاف فيه، كما هو ظاهر المختلف و الدروس أيضا، بل ستسمع تصريح المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما بعدم بطلان الحج مع نسيان الوقوف بالمشعر إن كان قد وقف بعرفة، كالمحكي عن السرائر و الجامع و الإرشاد و التبصرة و الدروس و اللمعة و غيرها، بل هو صريح الفاضل في التحرير و المنتهى أيضا، فيكون رجوعا عن الأول، و به يتم نفي الخلاف حينئذ.

كل ذلك مضافا الى

النبوي (1)«الحج عرفة»

و

المروي (2)في طرقنا


1- 1 المستدرك- الباب- 18- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 9.

ج 19، ص: 40

الحسنة «الحج الأكبر الموقف بعرفة و رمي الجمار»

و الصحيح أو الحسن عن محمد ابن يحيى (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة و لم يبت بها حتى أتى منى فقال: أ لم ير الناس لم يكونوا بمنى حين دخلها؟ قلت: فإنه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته قال: لا بأس»

و مرسل محمد بن يحيى الخثعمي (2)عنه عليه السلام أيضا «فيمن جهل و لم يقف بالمزدلفة و لم يبت حتى أتى منى قال: يرجع، قلت: إن ذلك قد فاته قال: لا بأس به»

و الى رفع الخطأ و النسيان و معذورية الجاهل و خصوصا في الحج، بل قيل و الى

صحيح حريز(3)عن الصادق عليه السلام على ما رواه الكليني و الشيخ و علي بن رئاب عنه عليه السلام على ما رواه الصدوق «من أفاض من

عرفات مع الناس و لم يبت معهم بجمع و مضى إلى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة»

و إن كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فلا يعارض ذلك

بعموم الصحيح (4)«إذا فاتك المزدلفة فقد فاتك الحج»

و بالمرسل (5)«الوقوف بالمشعر فريضة، و الوقوف بعرفة سنة»

و بمفهوم جملة من النصوص (6)من أدرك جمعا إما مطلقا أو قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج، ضرورة وجوب تخصيص ذلك كله بغير الجاهل الذي وقف


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 14.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر و الباب 25 منها الحديث 2.

ج 19، ص: 41

اختياري عرفة الملحق به الناسي و المضطر بعدم القول بالفصل، و باحتمال إرادة الجهل بالحكم، بل هو الظاهر، و لا ريب في أولوية الناسي منه، بل يمكن إرادة ما يعم النسيان من الجهل فيه، خصوصا بعد ملاحظة ما عرفت من الشهرة العظيمة أو عدم الخلاف المحقق نقلا إن لم يكن تحصيلا، و ما ذكره الشيخ- من الطعن في خبر محمد بن يحيى بأنه رواه تارة بواسطة و أخرى بدونها، و أنه محمول على من وقف بالمزدلفة شيئا يسيرا دون الوقوف التام الذي متى وقفه الإنسان كان أفضل و أكمل- لا

داعي له، خصوصا بعد انجباره بما سمعت، على أنه لا حاجة الى حمله على ما ذكره بعد أن كان موافقا لمن عرفت، مع أنه كالصريح في عدم وقوفه شيئا من الاختياري، نعم قد يقال باعتبار وقوف شي ء يسير من الليل و لو حال التجاوز فيه في الصحة في الفرض، بخلاف ما إذا لم يحصل له كون فيه أصلا بأن مضى إلى منى من دون مرور بالمشعر أصلا، فإنه يبطل، لعدم تناول دليل الصحة له، و ربما يؤيده في الجملة ما رواه

الشيخ و الصدوق عن حماد بن عثمان (1)في الصحيح و الكليني معه في الضعيف عن محمد بن حكم «قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أصلحك الله الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكونان مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم كما هم إلى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلوا بها فقد أجزأهم، قلت: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا الله فيها، فان كان قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم»

إلا اني لم أجده قولا لأحد من الأصحاب حتى المتأخرين و متأخريهم إلا صاحب الذخيرة، فإنه اعتبر في الصحة في الفرض ذلك، بل يخرج حينئذ عن موضوع المسألة الذي هو إدراك موقف عرفة خاصة، ضرورة


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3 عن محمد بن حكيم.

ج 19، ص: 42

كونه على الفرض المزبور أدرك الموقفين، لما تعرفه إن شاء الله من أن موقف المشعر الركني

الكون به آنا ما ليلا أو نهارا الى طلوع الشمس و إن وجب مع ذلك الكون بعد طلوع الفجر، لكنه ليس ركنا مع الوقوف ليلا، فتأمل جيدا، و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرناه النظر فيما سمعته من المدارك، و الله العالم.

[المسألة الخامسة إجزاء الوقوف بالمشعر نهارا]

المسألة الخامسة إذا لم يتفق له الوقوف بعرفات نهارا فوقف ليلا ثم لم يدرك المشعر حتى تطلع الشمس فوقف فيه قبل الزوال ف مقتضى المحكي من النهاية و المبسوط أنه قد فاته الحج و اختاره في النافع للمعتبرة المستفيضة(1)المتضمنة ان من لم يدرك الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس من يوم النحر فلا حج له فإنها شاملة للفرض، بل و لمن أدرك اختياري عرفة أيضا و إن كان قد خرج بما عرفت من الإجماع و غيره، بخلاف الفرض، لكن فيه أنها ظاهرة كما لا يخفى على من لاحظها فيمن لم يدرك إلا ذلك، لا المفروض الذي أدرك فيه اضطراري عرفة معه، على أنها معارضة بالمعتبرة المستفيضة(2)المتضمنة أن من أدرك المشعر قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحج، و تقييدها بمن أدرك مع ذلك اختياري عرفة ليس بأولى من تقييد الأولى بمن لم يدرك عرفة مطلقا حتى الاضطراري منها، بل هو أولى من وجوه، منها الشهرة، و منها ما قيل من أن هذه معتبرة الأسانيد جملة، بل صحاحها مستفيضة، بخلاف تلك الضعيفة أسانيدها جملة عدا

صحيح حريز(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مفرد للحج فاته الموقفان جميعا فقال له: الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس من يوم النحر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 6 و 8 و 9 و غيرها.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 43

فليس له حج، و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل»

و هو ظاهر في عدم إدراك عرفات مطلقا، كل ذلك مضافا الى خصوص

صحيح الحسن العطار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد أفاضوا فليقف قليلا بالمشعر الحرام، و ليلحق الناس بمنى و لا شي ء عليه».

و من هنا قيل و القائل الشيخ في التهذيب و الصدوق و الإسكافي و السيد و ابن زهرة و الحلبيون و الفاضل و غيرهم، بل الأكثر، بل المشهور:

يدركه و لو قبل الزوال، و هو حسن بل الأقوى لما عرفت، بل ينبغي القطع به بناء على القول بإدراك الحج بإدراك اضطراري المشعر النهاري خاصة كما هو المحكي عن ابني الجنيد و بابويه في علل الشرائع و السيد و الحلبيين و جملة من المتأخرين كثاني الشهيدين و سبطه، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح جميل: «من أدرك الموقف بجمع يوم النحر قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج»

و حسنه(2)

و صحيح إسحاق بن عمار(3)«من أدرك المشعر الحرام يوم النحر قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج»

و صحيح معاوية(4)«إذا أدركت الزوال فقد أدركت الموقف»

و موثق إسحاق (5)«من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج»

و صحيح جميل (6)أيضا «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر»


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج- الحديث 15.

ج 19، ص: 44

و في الصحيح (1)«جاءنا رجل بمنى فقال: اني لم أدرك الناس بالموقفين فقال له عبد الله بن المغيرة: فلا حج لك، و سأل إسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل إسحاق على أبي الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة

فوقف بها قبل ان تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج»

و في الموثق (2)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل عرض له سلطان فأخذه يوم عرفة قبل ان يعرف فبعث به الى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ قال: يلحق بجمع ثم ينصرف إلى منى و يرمي و يذبح و لا شي ء عليه، قلت: فان خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟

قال: هذا مصدود عن الحج، ان كان دخل مكة متمتعا بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أسبوعا، و يسع أسبوعا، و يحلق رأسه و يذبح شاة، و ان كان دخل مكة مفردا للحج فليس عليه ذبح و لا حلق رأسه».

و عن فخر الدين و ثاني الشهيدين الاستدلال عليه أيضا ب

صحيح عبد الله بن مسكان عن الكاظم عليه السلام «إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل ان تزول الشمس فقد أدرك الحج»

إلا أني لم أجده في شي ء من الأصول التي وصلت إلينا كما اعترف به غير واحد ممن تأخر عنهما، بل في المدارك الظاهر أنها رواية عبد الله بن المغيرة، فوقع السهو في ذكر الأب، نعم قال النجاشي: روي انه أي عبد الله بن مسكان لم يسمع من الصادق عليه السلام إلا

حديث (3)«من أدرك المشعر فقد أدرك الحج»


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 6 إلا أنه أسقط جملة منه و ذكر تمامه في الاستبصار ج 2 ص 304 الرقم 1086.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 2 مع اختلاف يسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 14.

ج 19، ص: 45

و قال الكشي: «محمد بن مسعود(1)قال: حدثني محمد بن نصر قال: حدثني محمد ابن عيسى عن يونس قال: «لم يسمع حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام إلا حديثا أو حديثين، و كذلك عبد الله بن مسكان لم يسمع إلا حديث من أدرك المشعر فقد أدرك الحج، و كان من أروى أصحاب أبي عبد الله عليه السلام، و كان أصحابنا يقولون: من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، فحدثني محمد بن أبي عمير و أحسبه انه رواه له من أدركه قبل الزوال من يوم النحر فقد أدرك الحج».

لكن المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا العدم، بل عن المنتهى و المختلف و التنقيح انه موضع وفاق، ل

صحيح الحلبي (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام، فان الله تعالى أعذر لعبده، و قد تم حجه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس و قبل ان يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»

و صحيح حريز(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مفرد الحج فإنه الموقفان جميعا فقال: له الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 13 عن رجال الكشي عن محمد بن مسعود و محمد بن نصير عن محمد بن عيسى مع الاختلاف في المتن أيضا و رواه الأردبيلي في رجاله في ترجمة عبد الله بن مسكان أيضا.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 46

من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل»

و صحيحه الآخر(1)مع زيادة «كيف يصنع؟ قال: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن شاء أقام بمكة و إن شاء اقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء، ليس هو من الناس في شي ء»

و صحيح ضريس بن أعين (2)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكة، و يطوف و يسعى بين الصفا و المروة و ينصرف إلى اهله إن شاء، و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل»

و خبر محمد بن سنان (3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي إذا أدرك الناس فقد أدرك الحج فقال: إذا اتى جمعا و الناس بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و ان أدرك جمعا بعد طلوع الشمس

فهي عمرة مفردة و لا حج له، فان شاء ان يقيم بمكة أقام، و إن شاء ان يرجع الى أهله رجع و عليه الحج من قابل»

و قوي إسحاق بن عبد الله (4)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل دخل مكة مفردا للحج فيخشى ان يفوته الموقفان فقال: له يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر، فإذا طلعت الشمس فليس له حج، قلت: كيف يصنع بإحرامه؟ فقال: يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت له: إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: إن شاء أقام بمكة، و إن شاء رجع الى الناس بمنى، و ليس معهم في شي ء، فان شاء رجع الى اهله، و عليه الحج من قابل»

و خبر محمد بن فضيل (5)«سألت أبا الحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

ج 19، ص: 47

عليه السلام عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج قال: إذا اتى جمعا و الناس بالمشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، فان لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له، فان شاء اقام، و إن شاء رجع و عليه الحج من قابل»

بل قد يدل عليه أيضا

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبيين(1): «إذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج»

و غيره بناء على انصراف الاختياري منها بل عن المفيد الأخبار بذلك متواترة، و الرواية بالاجزاء نادرة.

و منه مضافا الى ما سمعت من محكي الإجماع و غيره يعلم ترجيح هذه النصوص على السابقة، خصوصا بعد احتمال جملة منها إرادة بيان انه بذلك يدرك الموقف كما أومأ إليه صحيح معاوية بن عمار(2)، و حينئذ لا يكون دالا على الاجتزاء به مع فرض عدم ادراك غيره كما هو محل البحث، على انها اجمعها من المطلق أو العام المقيد أو المخصص بهذه النصوص حتى صحيح ابن المغيرة، فإنه و ان اشتمل على فوات الموقفين إلا انه يمكن إرادة الاختياريين منه دون الاضطراريين، و لا ينافي ذلك ما في هذه النصوص من عمومها لمن أدرك موقف عرفة أيضا بعدم سمعت من الأدلة على تخصيصها به، و على كل حال فلا ريب في ان الرجحان بجانب هذه النصوص من وجوه، و من الغريب ما في المدارك من ارتكاب التأويل فيها بإرادة نفي الكمال من نفي الحج فيها، و إرادة الندب من الأمر بالعمرة، بل و من الأمر بالحج من قابل، مع انك قد عرفت مرجوحية المعارض الذي لا جابر لضعفه من وجوه كما عرفت.

و من ذلك كله و ما يأتي يظهر ذلك ان أقسام الوقوفين بالنسبة إلى الاختيار و الاضطرار ثمانية، و لو جعل الوقوف الليلي للمشعر قسما على حدة تصير أحد


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 15.

ج 19، ص: 48

عشر: خمسة مفردة، و هي اختياري عرفة خاصة، و قد عرفت ان الأقوى صحة الحج معه، و اضطرار بها خاصة، و في الدروس انه غير مجز قولا واحدا، و عن الذخيرة لا اعرف فيه خلافا، بل عن جماعة الإجماع عليه، فما في المفاتيح من نسبته إلى الشهرة مشعرا بوجود خلاف فيه في غير محله، اللهم إلا ان يريد إطلاق كلام الإسكافي، و لا ريب في ضعفه، الثالث ان يدرك ليلة المشعر خاصة، و الظاهر عدم الاجزاء بناء على المختار، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، نعم قد يقال بالصحة بناء عليها بإدراك اضطراري المشعر النهاري خاصة ضرورة أولوية ذلك منه باعتبار ان فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة اختيارا و لغيرها كما ستعرف، و من هنا كان المحكي عن ثاني الشهيدين ذلك و إن تردد فيه سبطه باعتبار اختصاص ذلك بنص (1)لا يشمل الاضطراري الليلي، و هو كذلك، نعم قد يستدل له بإطلاق خبر مسمع (2)الآتي الدال على صحة حج من أفاض من المشعر عامدا قبل الفجر و عليه الجبر بشاة، إلا انه غير نقي السند، و لا جابر له في خصوص هذا الفرد منه، و هو من لم يدرك إلا هذا الاضطراري، بل يمكن دعوى ظهوره فيمن أدرك معه وقوف عرفة بل و الاختياري منه، و قد عرفت الصحة حينئذ فلاحظ و تأمل، الرابع أن يدرك اختياري المشعر خاصة، و لا إشكال في الصحة كما عرفت، بل في الدروس انه خرج

الفاضل وجها باجزاء اختياري المشعر وحده دون اختياري عرفة، و لعله ل

قول الصادق عليه السلام(3): «الوقوف بالمشعر فريضة


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 14.

ج 19، ص: 49

و بعرفة سنة»

و قوله عليه السلام (1): «إذا فاتتك مزدلفة فاتك الحج»

و يعارض بما اشتهر من

قول النبي صلى الله عليه و آله (2): «الحج عرفة»

و «أصحاب الأراك لا حج لهم(3)»

و يتفرع عليه اختيار المشعر لو تعارضا و لا يمكن الجمع بينهما، و إن سوينا بينهما تخير، و لو قيل بترجيح عرفات لأنه المخاطب به الآن كان قويا، و على كل حال فلا ريب في ضعف التخريج المزبور في حال العمد لما عرفت، الخامس أن يدرك اضطرارية النهاري خاصة، و فيه البحث السابق الذي قد عرفت أن الأقوى فيه عدم الصحة، فيكون الباطل من الأقسام الخمسة قسمين، و أما الستة المركبة فالأول أن يدرك الاختياريين، الثاني اختياري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، الثالث

اختياري عرفة مع اضطراري المشعر النهاري، الرابع أن يدرك اضطراري عرفة مع اضطراري المشعر الليلي، الخامس أن يدرك اضطراري عرفة مع اختياري المشعر، السادس أن يدرك الاضطراريين، و الأقوى الصحة في الجميع مع فرض عدم الترك للاختياري عمدا، و إلا بطل حجه كما عرفت.

[في مندوبات الوقوف بعرفات ]
اشاره

و أما المندوبات فكثيرة،

[منها الوقوف في ميسرة الجبل ]

منها الوقوف في ميسرة الجبل ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(4): «قف في ميسرة الجبل، فان رسول الله صلى الله عليه و آله وقف بعرفات في ميسرة الجبل، فلما وقف جعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته فيقفون الى جانبه، فنحاها، ففعلوا مثل ذلك فقال: ايها الناس انه ليس موضع أخفاف ناقتي الموقف، و لكن هذا كله موقف، و أشار بيده إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 18- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب إحرام الحج- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 50

الموقف، و فعل مثل ذلك في المزدلفة».

و منها أن يكون في السفح ل

قوله عليه السلام أيضا في خبر مسمع (1): «عرفات كلها موقف، و أفضل المواقف سفح الجبل»

و المراد بالسفح الأسفل حيث يسفح فيه الماء، و حينئذ فيدل عليه

موثق إسحاق (2)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أو على الأرض؟ فقال: على الأرض»

و عن القاموس السفح عرض الجبل المضطجع، أو أصله، أو أسفله، كما أن المراد بميسرة الجبل بالنسبة إلى القادم من مكة كما في المدارك.

[منها الدعاء في الموقف يالمأثور]

و منها الدعاء المتلقى عن أهل البيت (عليهم السلام) كدعاء الحسين المعروف، و دعاء ولده زين العابدين في الصحيفة، و دعاء النبي صلى الله عليه و آله الذي علمه لعلي عليه السلام كما في

مرسل ابن سنان (3)عن الصادق عليه السلام، قال له:

«أ لا أعلمك دعاء يوم عرفة و هو دعاء من كان قبلي من الأنبياء تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت، و هو حي لا يموت، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، اللهم لك الحمد كما تقول و خير ما تقول و فوق ما يقول القائلون، اللهم لك

صلاتي و نسكي و محياي و مماتي، و لك تراثي، و بك حولي، و منك قوتي، اللهم إني أعوذ بك من الفقر و وساوس الصدر و من شتات الأمر و من عذاب القبر، اللهم إني أسألك خير الرياح، و أعوذ بك من شر ما تجي ء به الرياح، و أسألك خير الليل و خير النهار، اللهم اجعل لي في قلبي نورا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب إحرام الحج- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3 مع الاختلاف.

ج 19، ص: 51

و في سمعي و بصري نورا، و في لحمي و دمي و عظامي و عروقي و مقعدي و مقامي و مدخلي و مخرجي نورا، و أعظم لي نورا يا رب يوم ألقاك، إنك على كل شي ء قدير».

أو غيره من الأدعية

قال الباقر عليه السلام في خبر أبي الجارود(1): «ليس في شي ء من الدعاء عشية عرفة شي ء موقت»

و ستسمع الأمر بالدعاء بما أحب.

و أن يدعو لنفسه و لوالديه و للمؤمنين و في الدروس أقلهم أربعون و إن لم أجد به هنا نصا، و على كل حال فهو يوم شريف كثير البركة، بل عن الحلبي يلزم افتتاحه بالنية، و قطع زمانه بالدعاء و التوبة و الاستغفار، و لعله لظاهر الأمر في الأخبار المعلوم إرادة الندب منه، و خصوص

خبر جعفر بن عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزدي عن أبيه (2)قال الصادق عليه السلام: «رجل وقف في الموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس و لا يدعو حتى أفاض الناس قال:

يجزيه وقوفه، ثم قال: أ ليس قد صلى بعرفات الظهر و العصر و قنت و دعا؟ قال:

بلى، قال: فعرفات كلها موقف، و ما قرب من الجبل فهو أفضل»

الذي هو كما ترى لا صراحة فيه بل و لا ظهور في ذلك، بل استدل به الفاضل على عدم الوجوب، و لعله ل

قوله عليه السلام: «يجزيه وقوفه»

و إن كان فيه أن ذلك غير مناف لوجوب الدعاء، فالتحقيق عدم دلالته على كل منهما، و خصوصا بالنسبة إلى قطع الزمان جميعه، ك

خبر أبي يحيى زكريا الموصلي (3)«سألت العبد الصالح عليه السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده قبل أن يذكر الله تعالى


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب إحرام الحج الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.

ج 19، ص: 52

بشي ء أو يدعو فاشتغل بالجزع و البكاء عن الدعاء ثم أفاض الناس، فقال: لا أرى عليه شيئا و قد أساء فليستغفر الله، أما لو صبر و

احتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا من غير أن ينقص من حسناتهم شيئا»

بناء على أن المراد بالإساءة فيه و الاستغفار من حيث الجزع و نحوه، و لكن الانصاف عدم خلو الأول عن ظهور في الاجتزاء بالوقوف المجرد، و أنه لا يجب فيه غيره، و عن القاضي وجوب الذكر و الصلاة على النبي و آله (صلوات الله عليهم) و استدل له بالأمر في الآية(1)و أجيب بعدم كونه للوجوب، و فيه أن المأمور به انما هو الذكر عند المشعر الحرام و على بهيمة الأنعام و في أيام معدودات، و قد فسرت في الأخبار(2)بالعيد و أيام التشريق، و الذكر فيها بالتكبير عقيب الصلوات و بعد قضاء المناسك، فيحتمل التكبير المذكور و غيره، نعم قال الصادق عليه السلام في

صحيح معاوية(3)السابق: «فإذا وقفت بعرفات فاحمد الله و هلله و مجده و أثن عليه و كبره مائة مرة، و اقرأ قل هو الله أحد مائة مرة، و تخير لنفسك من الدعاء ما أحببت، و اجتهد فإنه يوم دعاء و مسألة، و تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فان الشيطان لن يذهلك في موطن قط أحب إليه من ان يذهلك في ذلك الموطن، و إياك ان تشتغل بالنظر الى الناس و أقبل نفسك، و ليكن فيما تقول: اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار، و أوسع علي من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، اللهم لا تمكر بي و لا تخدعني و لا تستدرجني يا أسمع السامعين و يا أبصر الناظرين و يا أسرع الحاسبين و يا أرحم الراحمين، أسألك أن


1- 1 سورة البقرة- الآية 194.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب صلاة العيد من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1 مع الاختلاف.

ج 19، ص: 53

تصلي على محمد و آل محمد و أن تفعل بي كذا و كذا، و ليكن فيما تقول و أنت رافع يديك الى السماء: اللهم ربي حاجتي إليك التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، و إن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني، أسألك خلاص رقبتي من النار، اللهم إني عبدك و ملك ناصيتي بيدك، و أجلي بعلمك، أسألك أن توفقني لما يرضيك عني و أن تسلم مني مناسكي التي أريتها خليلك إبراهيم عليه السلام، و دللت عليها نبيك محمدا صلى الله عليه و آله، و ليكن فيما تقول: اللهم اجعلني ممن رضيت عمله و أطلت عمره و أحييته بعد الموت حياة طيبة»

و في خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا «و انما تعجل الصلاة و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة، ثم تأتي الموقف و عليك السكينة و الوقار، فاحمد الله و هلله و مجده و أثن عليه و كبره مائة مرة، و احمده مائة مرة، و سبحه مائة مرة، و اقرأ قل هو الله أحد- و ساق الحديث الى قوله- و أقبل قبل نفسك- ثم قال-: و ليكن فيما تقول: اللهم إني عبدك فلا تجعلني من أخيب وفدك، و ارحم مسيري إليك من الفج العميق، و ليكن فيما تقول:

اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتي من النار، و أوسع علي من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، اللهم لا تمكر بي، و لا تخدعني، و لا تستدرجني، و تقول: اللهم إني أسألك بحولك و جودك و كرمك و منك و فضلك يا أسمع السامعين و يا أبصر الناظرين» الى آخره، و زاد «و يستحب أن تطلب عشية عرفة بالعتق و الصدقة أي تطلب فضلها بذلك».

و ظاهر الأمر فيه و في غيره بالتعجيل و ترك النوافل الرواتب انه يوم دعاء و ذكر لا يوم صلاة، لكن في

خبر أبي بلال (2)«رأيت أبا عبد الله عليه السلام اتى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 54

بخمسين نواة فكان يصلي بقل هو الله أحد مائة ركعة و ختمها بآية الكرسي، فقلت: جعلت فداك ما رأيت أحدا منكم صلى هذه الصلاة هنا فقال: ما شهد هذا الموضع نبي و لا وصي نبي إلا صلى هذه الصلاة»

و لعل المراد صلاتها في العمرة مرة.

كيف كان ففي

صحيح ابن ميمون (1)عنه عليه السلام أيضا «ان رسول الله صلى الله عليه و آله وقف بعرفات فلما همت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال: اللهم إني أعوذ بك من الفقر و من تشتت الأمر و من شر ما يحدث لي بالليل و النهار، أمسى ظلمي مستجيرا بعفوك، و أمسى خوفي مستجيرا بأمانك، و أمسى ذلي مستجيرا بعزك، و أمسى وجهي الفاني مستجيرا بوجهك الباقي، يا خير من سئل، و يا أجود من أعطى جللني رحمتك، و ألبسني عافيتك، و اصرف عني شر جميع خلقك قال عبد الله بن ميمون: و سمعت أبي يقول: يا خير من سئل و يا أوسع من اعطى و يا ارحم من استرحم ثم سل حاجتك»

و في

خبر أبي بصير(2)عنه عليه السلام أيضا «إذا أتيت الموقف فاستقبل البيت و سبح الله مائة مرة، و كبر الله مائة مرة، و تقول: ما شاء الله لا حول و لا قوة إلا بالله مائة مرة، و تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و يميت و يحيي، و هو حي لا يموت، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير مائة مرة، ثم تقرأ عشر آيات من أول سورة البقرة، ثم تقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات، و تقرأ آية الكرسي حتى تفرغ منها، ثم تقرأ آية السخرة: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ - إلى قوله- قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ، ثم تقرأ قل أعوذ برب


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب إحرام الحج- الحديث 4.

ج 19، ص: 55

الفلق و قل أعوذ برب الناس حتى تفرغ منها، ثم تحمد الله على كل نعمة أنعم عليك، و تذكر نعمة واحدة ما أحصيت منها، و تحمده على ما أنعم عليك من أهل و مال، و تحمد الله على ما أبلاك، و تقول: اللهم لك الحمد على نعمائك التي لا تحصى بعدد، و لا تكافأ بعمل، و تحمده بكل آية ذكر فيها الحمد لنفسه في القرآن، و تسبحه بكل تسبيح ذكر به نفسه في القرآن، و تكبره بكل تكبير كبر به نفسه في القرآن، و تهلله بكل تهليل هلل به نفسه في القرآن، و تصلي على محمد و آل محمد و تكثر منه و تجتهد فيه، و تدعو الله بكل اسم سمى به نفسه في القرآن و بكل اسم تحصيه، و تدعوه بأسمائه التي في آخر الحشر، و تقول: أسألك يا الله يا رحمان بكل اسم هو لك، و أسألك بقوتك و قدرتك و عزتك و بجميع ما أحاط به علمك، و بجمعك و بأركانك كلها، و بحق رسولك صلوات الله عليه و آله، و باسمك الأكبر الأكبر الأكبر، و باسمك العظيم الذي من دعاك به كان حقا عليك ان تجيبه و باسمك الأعظم الأعظم الأعظم الذي من دعاك به كان حقا عليك أن لا ترده و ان تعطيه ما سأل ان تغفر لي جميع ذنوبي في جميع علمك في، و تسأل الله حاجتك كلها من أمر الدنيا و الآخرة، و ترغب إليه في الوفادة في المستقبل و في كل عام، و تسأل الله الجنة سبعين مرة، و تتوب اليه سبعين مرة، و ليكن من دعائك اللهم فكني من النار، و أوسع علي من رزقك الحلال الطيب، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس و شر فسقة العرب و العجم، فان نفد(1)هذا الدعاء و لم تغرب الشمس فأعده من أوله إلى آخره، و لا تمل من الدعاء و التضرع و المسألة».

و منه يستفاد جملة من المندوبات، و

قال إبراهيم بن هاشم (2): «رأيت


1- 1 في النسخة الأصلية« نفذ» و الصحيح كما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 56

عبد الله بن جندب بالموقف فلم أر موقفا كان أحسن من موقفه ما زال مادا يده الى السماء و دموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض، فلما انصرف الناس قلت:

يا أبا محمد ما رأيت موقفا قط أحسن من موقفك، قال: و الله ما دعوت إلا لإخواني، و ذلك لأن أبا الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) أخبرني انه من دعا لأخيه بظهر الغيب نودي من العرش و لك مائة ألف ضعف مثله، فكرهت ان ادع مائة ألف ضعف مضمونة بواحدة لا ادري تستجاب أم لا»

و عن إبراهيم ابن أبي البلاد أو عبد الله بن جندب (1)قال: «كنت في الموقف فلما أفضت لقيت إبراهيم بن شعيب فسلمت عليه و كان مصابا بإحدى عينيه و إذا عينه الصحيحة حمراء

كأنها علقة دم، فقلت له: قد أصبت بإحدى عينيك و أنا و الله مشفق على عينك الأخرى، فلو قصرت من البكاء قليلا فقال: لا و الله يا أبا محمد ما دعوت لنفسي اليوم بدعوة، فقلت: فلمن دعوت؟ قال: دعوت لإخواني، سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكا يقول: و لك مثلاه، فأردت ان أكون أنا أدعو لإخواني و يكون الملك يدعو لي لأني في شك من دعائي لنفسي، و لست في شك من دعاء الملك لي»

[منها أن يضرب خباه بنمرة]

و منها ان يضرب خباه بنمرة ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(2): «فإذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباك بنمرة، و هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فإذا زالت الشمس يوم عرفة فليغتسل».

و في

صحيحه (3)الآخر الوارد في صفة حج النبي صلى الله عليه و آله «انه انتهى الى نمرة و هي


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 19، ص: 57

بطن عرنة بحيال الأراك فضرب قبته و ضرب الناس أخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى الله عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ

الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلى الظهر و العصر بأذان واحد و إقامتين ثم مضى الى الموقف».

و ربما استظهر منهما عدم انتقاله منها حتى تزول الشمس و حينئذ فهو مناف للقول بوجوب الكون فيها من أول الزوال، و قد عرفت الكلام فيه سابقا مفصلا.

[منها ان يقف على السهل ]

و منها ان يقف على السهل المقابل للحزن، لرجحان الاجتماع في الموقف و التضام.

[منها ان يجمع رحله ]

و منها ان يجمع رحله اي يضم أمتعته بعضها الى بعض ليأمن عليها من الذهاب، ليتوجه بقلبه الى الدعاء.

[منها ان يسد الخلل به و بنفسه ]

و منها ان يسد الخلل اي الفرج به و بنفسه بمعنى انه لا يدع بينه و بين أصحابه فرجة لتستر الأرض التي يقفون عليها،

قال الصادق عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «فإذا رأيت خلالا فسده بنفسك و براحلتك فان الله عز و جل يحب ان تسد تلك الخلال»

و عن بعض احتمال كون الجار في «به» و «بنفسه» متعلقا بمحذوف صفة للخلل، و المعنى انه يسد الخلل الكائن بنفسه و برحله بأن يأكل إن كان جائعا، و يشرب إن كان عطشانا و هكذا يصنع ببعيره و يزيل الشواغل المانعة

عن الإقبال و التوجه الى الله تعالى في الدعاء، و استحسنه في المدارك، و فيه انه لا ينطبق على ظاه

ر خبر سعيد بن يسار(2)«قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) عشية من العشايا بمنى و هو يحثني على الحج و يرغبني فيه: يا سعيد أيما عبد رزقه الله رزقا من رزقه فأخذ ذلك الرزق فأنفقه على نفسه و على عياله ثم أخرجهم قد ضحاهم بالشمس حتى يقدم بهم عشية


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 58

عرفة الى الموقف فيقبل، أ لم تر فرجا تكون هناك فيها خلل فليس فيها احد؟

فقلت: بلى جعلت فداك، فقال: يجي ء بهم قد ضحاهم حتى يشعب بهم تلك الفرج، فيقول الله تبارك و تعالى لا شريك له: عبدي رزقته من رزقي فأخذ ذلك الرزق فأنفقه فضحى به نفسه و عياله، ثم جاء بهم حتى شعب بهم هذه الفرجة التماس مغفرتي فأغفر له ذنبه و أكفيه ما أهمه. قال سعيد مع أشياء قالها نحوا من عشرة».

[منها أن يدعو قائما]

و منها ان يدعو قائما لأنه أفضل افراد الكون باعتبار كونه أحمز و إلى الأدب أقرب، و لم أجد فيه نصا بالخصوص، لكن ينبغي ان يكون ذلك حيث لا يورث التعب المنافي للخشوع و

التوجه، و إلا كان الأفضل القعود على الأرض أو الدابة أو السجود، بل لعل الأخير أفضل مطلقا للأخبار(1)و الاعتبار، هذا. و ربما ظهر من محكي المبسوط أفضلية القيام في غير حال الدعاء معللا له بأنه أشق، و نحوه عن المنتهى، و في محكي الخلاف يجوز الوقوف بعرفة راكبا و قائما سواء، و هو أحد قولي الشافعي ذكره في الإملاء، و قال في القديم:

الركوب أفضل، و استدل بالإجماع و الاحتياط، و قال: إن القيام أشق فينبغي ان يكون أفضل، و في محكي التذكرة عندنا ان الركوب و القعود مكروهان، بل يستحب قائما داعيا بالمأثور، و حكى عن احمد ان الركوب أفضل اقتداء برسول الله صلى الله عليه و آله، و ليكون أقوى على الدعاء و عن الشافعي قولين أحدهما ذلك، و الآخر التساوي، و عن المنتهى انه أجاب عن التأسي بجواز انه صلى الله عليه و آله انما فعل ذلك بيانا للجواز، و لذا طاف صلى الله عليه و آله راكبا مع أنه لا خلاف في ان المشي أفضل، و في كشف اللثام أو لأنه أراد أن يراه الناس و يسمعوا كلامه، و أيضا إن خلا


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب السجود من كتاب الصلاة.

ج 19، ص: 59

التأسي عن المعارض اقتضى الوجوب و لا قائل به، و المعارض كما أسقط الوجوب أسقط الرجحان، و فيه انه لا تلازم، و في

خبر محمد بن عيسى (1)المروي عن قرب الاسناد «رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليهما

السلام) بالموقف على بغلة رافعا يده الى السماء عن يسار والي الموسم حتى انصرف، و كان في موقف النبي صلى الله عليه و آله، و ظاهر كفيه الى السماء و هو يلوذ ساعة بعد ساعة بسبابته»

و لكن مع ذلك الأولى تركه، لما سمعته من ظاهر الإجماع في التذكرة و الأمر سهل.

[في مكروهات الوقوف بعرفات ]
[منها الوقوف في أعلى الجبل ]

و يكره الوقوف في أعلى الجبل الذي قد عرفت ان الأرض أحب الى الكاظم (عليه السلام) منه (2)و ما عساه يشعر به

خبرا سماعة(3)من معروفية كون الوقوف في الأسفل، و ان الصعود الى الجبل عند الضيق، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام: ثم إذا ضاقت عرفة كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى الجبل»

و تخلصا من شبهة التحريم المحكي عن القاضي إلا لضرورة، بل في الدروس هو ظاهر ابن إدريس، و الله العالم.

[منها أن يدعوا راكبا و قاعدا]

و كذا قد عرفت انه يكره راكبا و قاعدا لما عرفت، بل ربما ظهر من التذكرة الاتفاق على ذلك، نعم قد يستحبان باعتبار العوارض.

[منها الوقوف بها بغير وضوء]

و كذا يكره الوقوف بها بغير وضوء، ل

خبر علي بن جعفر(4)سأل أخاه عليه السلام) «عن الرجل هل يصلح له ان يقف بعرفات على غير وضوء؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1 عن محمد بن عيسى عن حماد بن عيسى قال: رأيت. إلخ.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب 7 حرام الحج- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب إحرام الحج- الحديث 3 و 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 60

لا يصلح له إلا و هو على وضوء».

و ينبغي أن لا يرد فيه سائلا،

للمرسل (1)«كان أبو جعفر (عليه السلام إذا كان يوم عرفة لم يرد سائلا».

كما أنه ينبغي للسائل ان لا يسأل فيه غير الله تعالى شأنه، ف

في المرسل (2)«سمع علي بن الحسين (عليه السلام) يوم عرفة سائلا يسأل الناس فقال ويحك أغير الله تسأل هذا اليوم، إنه ليرجى ما في بطون الحبالى في هذا اليوم أن يكون سعيدا».

و يستحب أيضا الاجتماع للدعاء في غير عرفة في الأمصار،

قال الصادق عليه السلام) في حديث(3) : «في يوم عرفة تجتمعون بغير إمام في الأمصار تدعون الله عز و جل»

و قول علي (عليه السلام)(4): «لا عرفة إلا بمكة»

يراد منه نفي الكمال لا المشروعية، كما يدل عليه

قوله (عليه السلام) أيضا(5): «لا عرفة إلا بمكة، و لا بأس بأن يجتمعوا في الأمصار يوم عرفة يدعون الله تعالى»

و لعله إلى ذلك أشار في الدروس بقوله: و التعريف بالأمصار، و الرواية مبدلة ضعيفة، و في

خبر زرارة(6)عن أبي جعفر (عليه السلام) المروي عن العياشي «سألته عن قول الله عز و جل «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ» قال:

عشية عرفة»

و الله العالم و الموفق و المؤيد.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب إحرام الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب إحرام الحج الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب إحرام الحج الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب إحرام الحج الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 61

[القول في الوقوف بالمشعر الحرام ]
اشاره

القول في الوقوف بالمشعر الحرام المسمى بمزدلفة بكسر اللام و جمع بإسكان الميم و هو واحد المشاعر التي هي مواضع المناسك و المشعر الحرام أحدها، و كسر الميم فيه لغة، و في القاموس «المشعر الحرام و يكسر ميمه المزدلفة، و عليه بناء اليوم، و وهم من قال جبلا يقرب من ذلك البناء» و لعله أشار الى

الفيومي في محكي المصباح المنير قال: «و المشعر الحرام جبل بآخر مزدلفة، و اسمه قزح و ميمه مفتوح على المشهور، و بعضهم يكسرها على التشبيه باسم الآلة» و تبعه في محكي مجمع البحرين، قال: «هو جبل بآخر مزدلفة، و اسمه قزح، و يسمى جمعا و مزدلفة و المشعر الحرام» و في الدروس في مسألة استحباب وطء الصرورة المشعر برجله أو بعيره و قد قال الشيخ هو قزح، فيصعد عليه و يذكر الله عنده، و قال الحلبي: يستحب وطء المشعر، و في حجة الإسلام آكد و قال ابن الجنيد: يطأ برجله أو بعيره المشعر الحرام قرب المنارة، و الظاهر انه المسجد الموجود الآن، فيمكن أن يكون من المشترك بين الكل و البعض، أو من باب تسمية الكل باسم الجزء، و تسمع تمام الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له، و على كل حال: يسمى المزدلفة باعتبار أنه يتقرب فيه الى الله تعالى، قال الصادق عليه السلام في

صحيح معاوية(1): «ما لله تعالى منسك أحب الى الله تعالى من موضع المشعر الحرام و ذلك أنه يذل فيه كل جبار عنيد»

أو لازدلاف الناس فيها إلى منى بعد الإقامة، أو لمجي ء الناس إليها في زلف من الليل، كما في صحيح معاوية(2)أو لأنها أرض مستوية مكنوسة، و في

صحيح


1- 1 الوسائل- الباب 1 من أبواب السعي- الحديث 13 و فيه« من موضع السعي».
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5.

ج 19، ص: 62

معاوية(1)عن الصادق عليه السلام في حديث إبراهيم «ان جبرئيل عليه السلام انتهى به الى الموقف و أقام به حتى غربت الشمس، ثم أفاض به، فقال يا إبراهيم ازدلف الى المشعر الحرام، فسميت مزدلفة»

و قال أيضا في

خبر إسماعيل بن جابر(2)و غيره: «سميت جمع لأن آدم عليه السلام جمع فيها بين الصلاتين: المغرب و العشاء»

و الأمر في ذلك سهل، و الله العالم.

و كيف كان ف النظر في مقدمته و كيفيته،

[أما المقدمة]

أما المقدمة فيستحب الاقتصاد في مسيره إلى المشعر و أن يقول إذا بلغ الكثيب الأحمر عن يمين الطريق:

اللهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلم لي ديني، و تقبل مناسكي قال الصادق عليه السلام في

صحيح معاوية(3): «ان المشركين كانوا يفيضون من قبل أن تغيب الشمس، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه و آله و أفاض بعد غروب الشمس قال: و قال أبو عبد الله عليه السلام:

إذا غربت الشمس فأفض مع الناس و عليك السكينة و الوقار، و أفض بالاستغفار، إن الله عز و جل يقول ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ، فإذا انتهيت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطريق فقل: اللهم ارحم موقفي، و زد في عملي، و سلم لي ديني، و تقبل مناسكي، و إياك و الوجيف الذي يصنعه الناس، فان رسول الله صلى الله عليه و آله قال: أيها الناس ان الحج ليس بوجيف الخيل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 7 عن إسماعيل بن جابر و عبد الكريم بن عمرو عن عبد الحميد بن أبي الديلم عن أبي عبد الله عليه السلام.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 22- من أبواب إحرام الحج- الحديث 1 و ذيله في الباب 1 من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1 مع الاختلاف في الذيل.

ج 19، ص: 63

و لا بايضاع، الإبل، و لكن اتقوا الله تعالى، و سيروا سيرا جميلا، لا توطؤوا ضعيفا، و لا توطؤوا مسلما، و اقتصدوا في السير، و ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يكف ناقته حتى أنه كان يصيب رأسها مقدم الرحل، و يقول: أيها الناس عليكم بالدعة، فسنة رسول الله صلى الله عليه و آله و تتبع، قال معاوية: و سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: اللهم أعتقني من النار، و كررها حتى أفاض فقلت ألا نفيض فقد أفاض الناس؟ فقال: إني أخاف الزحام، و أخاف ان أشرك في عنت إنسان»

و هو دال على تمام ما ذكره المصنف و غيره، بل هو دال على الأول من وجوه، و

قال عليه السلام أيضا في حسنه (1)«و أفض بالاستغفار، فان الله عز و جل يقول ثُمَّ أَفِيضُوا

مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ، وَ اسْتَغْفِرُوا اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ».

و ان يؤخر المغرب و العشاء إلى المزدلفة كما نص عليه بنو حمزة و إدريس و سعيد و الفاضل و غيرهم، بل هو معقد إجماع العلماء كافة في محكي المنتهى و التذكرة، و هو الحجة على عدم الوجوب مضافا الى الأصل، و

قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام بن الحكم(2): «لا بأس أن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة»

و خبر محمد بن سماعة(3)سأله «للرجل أن يصلي المغرب و العتمة في الموقف قال: قد فعله رسول الله صلى الله عليه و آله صلاهما في الشعب»

و في

صحيح ابن مسلم (4)عنه عليه السلام «عثر جمل أبي بين عرفة و المزدلفة فنزل فصلى المغرب، و صلى العشاء الآخرة بالمزدلفة»

التي لا داعي إلى حملها على الضرورة التي هي خلاف الظاهر، خلافا للشيخ في المحكي عن معظم كتبه و ابن زهرة، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.

ج 19، ص: 64

كشف اللثام حكايته عن ظاهر الأكثر و إن كنا لم نتحققه فيجب ل

مضمر سماعة(1)«لا تصلهما حتى تنتهي إلى جمع و إن مضى من الليل ما مضى»

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح محمد بن مسلم (2): «لا تصل المغرب حتى تأتي جمعا و إن ذهب ثلث الليل»

و للإجماع في الخلاف و الاحتياط، و الجميع كما ترى، فالأولى الجمع بالفضل، و إلا كان مقتضى دليل الشيخ البطلان لو فعل في الوقت، و هو خلاف المتواتر من النصوص.

و كيف كان ففي المتن و غيره يؤخر و لو صار ربع الليل و عن الأكثر و منهم الفاضل في محكي التحرير و التذكرة و المنتهى و إن ذهب ثلث الليل، بل في الأخيرين إجماع العلماء عليه، مضافا الى صحيح ابن مسلم السابق بل و الى

مضمر سماعة «و ان مضى من الليل ما مضى»

و لعله إليه أشار في محكي الخلاف بما أرسله من أنه روي الى نصف الليل، و لعل المراد تأخيرهما إلى خوف فوات وقت الأداء بعد تنزيل الربع و الثلث على الغالب، و يقرب منه قول ابن زهرة «لا يجوز أن يصلي العشاءان إلا في المشعر إلا أن يخاف فوتهما بخروج وقت المضطر» و ان كان فيه ما لا يخفى، و في كشف اللثام و لعل من اقتصر على الربع نظر الى أخبار توقيت المغرب اليه، و حمل الثلث على أن يكون الفراغ من العشاء عنده، و فيه أن المصنف مما لا يرى ذلك.

و و كيف كان ف ان منعه مانع عن الوصول الى المشعر قبل فوات الوقت صلى في الطريق بلا خلاف و لا إشكال.

و يستحب أيضا أن يجمع بين المغرب و العشاء بأذان واحد


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 65

و إقامتين من غير نوافل بينهما و حينئذ ف يؤخر نوافل المغرب الى ما بعد العشاء بلا خلاف أجده فيه بيننا بل في صريح المدارك و عن ظاهر غيرها الإجماع عليه، قال الصادق عليه السلام في

صحيح منصور(1)«صلاة المغرب و العشاء بجمع بأذان واحد و إقامتين، و لا تصل بينهما بشي ء، قال: هكذا صلى رسول الله صلى الله عليه و آله»

و في

خبر عنبسة بن مصعب (2)«سألت أبا عبد الله عن الركعات التي بعد المغرب ليلة المزدلفة فقال: صلها بعد العشاء»

لكن في

صحيح أبان بن تغلب (3)«صليت خلف أبي عبد الله عليه السلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة و لم يركع

بينهما، ثم صليت خلفه بعد ذلك بسنة، فلما صلى المغرب قام فتنفل بأربع ركعات»

و احتمال كون الثانية في غير المزدلفة كما ترى، نعم الظاهر إرادة بيان الجواز منه، و ان كان الفضل في الأول و ليس هو من قضاء النافلة وقت الفريضة، و إن كان الأقوى جوازه بناء على امتداد وقتها بامتداد وقت المغرب و ان استحب تأخيرها عن العشاء، و انها لا يخرج وقتها بذهاب الشفق، و كيف كان فللعامة قول بالجمع بينهما باقامتين، و آخر بأذان و إقامة، و الثالث بأذان و إقامتين، و رابع إن جمع بينهما في وقت الأولى فكما قلما و إلا فباقامتين مطلقا، أو إذا لم يرج اجتماع الناس، و إلا أذن، و خامس بإقامة للأولى فقط، و الجميع عدا الثالث باطل لما عرفت، و لا يجب هذا الجمع عندنا خلافا لأبي حنيفة و الثوري، و الله العالم.

[و أما الكيفية]
اشاره

و أما الكيفية

[في واجبات الوقوف بالمشعر الحرام ]
اشاره

فالواجب

[منها النية]
اشاره

النية على حسب ما عرفته في غيره و المراد أنه يجب النية في الوقوف بالمشعر و لا تجزي النية عند الإحرام كما عساه يظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5.

ج 19، ص: 66

من المحكي عن الشيخ، فإنه و إن كان أحد أفعال الحج الذي قد فرض نية عقد الإحرام فيه، إلا أن ظاهر النص و الفتوى- بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل هو كذلك- كونه نسكا مستقلا بالنسبة إلى اعتبار النية فيه، و لا مانع من كون جزئيته على هذا الوجه، و ربما يظهر من بعض النصوص (1)الآتية حصول الوقوف الواجب بالصلاة في الموقف أو الدعاء فيه و إن لم يعلم انه الموقف و لم ينو الوقوف، و لكن قد يقال بصحة الحج مع ذلك و إن فات الوقوف بخصوصه، لفوات نيته، فتأمل جيدا.

[حد المشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر]

و كيف كان ف حده اي المشعر ما بين المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المنتهى، بل في المدارك هو مجمع عليه بين الأصحاب، و في

صحيح معاوية(2)«حد المشعر الحرام المأزمين إلى الحياض إلى وادي محسر»

اي من المأزمين، و نحوه مرسل الصدوق (3)عن الصادق عليه السلام

و في صحيح زرارة(4)عن أبي جعفر عليه السلام «انه قال للحكم بن عتيبة ما حد المزدلفة؟

فسكت فقال أبو جعفر (عليه السلام حدها ما بين المأزمين إلى الجبل الى حياض محسر»

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(5): «حد المزدلفة من وادي محسر إلى المأزمين»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي في حديث(6): «و لا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة»

و في

خبر إسحاق بن عمار(7)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته .


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين . إلخ».
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين . إلخ».
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين . إلخ».
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين . إلخ».
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين . إلخ».
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 5 و في الأول « حد المشعر الحرام من المأزمين. إلخ»

ج 19، ص: 67

عن حد جمع قال: ما بين المأزمين إلى وادي محسر»

و المأزمان- بكسر الزاء و بالهمز، و يجوز التخفيف بالقلب ألفا- الجبلان بين عرفات و المشعر، و عن الجوهري المأزم كل طريق ضيق بين جبلين، و منه سمي الموضع الذي بين جمع و عرفة مأزمين، و في القاموس المأزم و يقال المأزمان مضيق بين جمع و عرفة و آخر بين

مكة و منى، و ظاهرهما أن المأزم اسم لموضع مخصوص و إن كان بلفظ التثنية.

[في جواز الوقوف في المأزمين اضطرارا]

و كيف كان ف لا يجزي ان يقف بغير المشعر اختيارا أو اضطرارا بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه نعم يجوز مع الزحام الارتفاع الى الجبل اي المأزمين كما عن الفقيه و الجامع و المنتهى و التذكرة بل لا أجد فيه خلافا، بل في المدارك هو مقطوع به في كلام الأصحاب، بل عن الغنية الإجماع عليه، و في

موثق سماعة(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا كثر الناس بجمع كيف يصنعون؟ قال: يرتفعون إلى المأزمين»

و كان المصنف و غيره فهموا منه نحو ما سمعته في جبل عرفة الذي صرحوا بكراهة الصعود عليه من غير ضرورة، و من هنا قال في الدروس: و يكره الوقوف على الجبل إلا لضرورة، و حرمه القاضي، و لعل تخصيصه القاضي لتصريحه في المحكي عنه بوجوب ان لا يرتفع اليه إلا لضرورة، و كذا عن ابن زهرة، بخلاف غيرهم الذين عبروا بنحو ما في المتن الذي يمكن إرادة المعنى الأخص من الجواز فيه، بمعنى انه لا كراهة مع الضرورة. بخلاف غير حال الضرورة فإنه مكروه، و لكن فيه انه مناف لما هو كالصريح من النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر الذي يجب الوقوف فيه، و يمكن ان يريد الشهيد بالجبل بل في كشف اللثام انه الظاهر غير المأزمين، و

إنما هو جبل في خلال المشعر لا من حدوده خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 68

بعد قوله: فالظاهر ان ما اقبل من الجبال من المشعر دون ما أدبر منها، و لا ريب في خروج القنة عما اقبل منها، بل ربما استظهر من صحيح زرارة(1)كون الجبل من الحدود الداخلة على معنى إرادة تعداد ما في المشعر من الجبل و غيره من قوله «الى الجبل» فيه، بل قد يقال إن المراد بخبر سماعة(2)الانتهاء إليهما من غير صعود عليهما، و لذا أتى بالى دون «على» و حينئذ فلا يكون منافيا لما في النصوص السابقة من خروج المأزمين عن المشعر، و لا حاجة الى ارتكاب جواز الوقوف عليه مع خروجه للضرورة أو مطلقا مع الكراهة و بدونها كما عرفت، و ربما يؤيد ذلك ما أخبر به المشاهدون من انه لا يمكن الصعود على قنتة هذا، و لكن في الرياض ان السياق و فهم الأصحاب قرينة على كون «الى» هنا بمعنى «على» فيكون استثناء للمأزمين و الجبل الى آخره، و لا يخفى عليك ما فيه، و الله العالم.

[لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه ]

و لو نوى الوقوف ثم نام أو جن أو أغمي عليه صح وقوفه في ظاهر كلام الأصحاب، لأن الركن مسماه الذي يحصل بآن يسير بعد النية، و لذا

لا يبطل حج من أفاض عمدا من قبل طلوع الشمس فضلا عن الخارج عن التكليف و لكن في المتن قيل: لا يصح وقوفه، و لم نعرف القائل كما اعترف به في المدارك، قال: نعم ذكر الشيخ في المبسوط عبارة مقتضاها انه يعتبر الإفاقة من الجنون و الإغماء في الموقفين، ثم قال: و كذلك حكم النوم سواء، و الاولى ان نقول يصح منه الوقوف بالموقفين و إن كان نائما لأن الغرض الكون فيه لا الذكر،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 69

و ليس في كلامه دلالة على عدم صحة الوقوف إذا عرض احد هذه الاعذار بعد النية كما هو المنقول في العبارة، و لكن ما ذكره من عدم الفرق بين النوم و الإغماء و الجنون غير جيد، قلت: قد عرفت نحو هذا الكلام في وقوف عرفة، و التحقيق الصحة مع حصول المسمى، و البطلان بدونه و حينئذ ف الأول أشبه و لذا قال في الدروس هنا خامسها أي الواجبات السلامة من الجنون و الإغماء و السكر و النوم في جزء من الوقت كما مر، و الله العالم.

[منها أن يكون الوقوف للرجل المختار بعد طلوع الفجر]
اشاره

و من الواجب أيضا أن يكون الوقوف للرجل المختار بعد طلوع الفجر بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك و الذخيرة و كشف اللثام و عن غيرها الإجماع عليه، مضافا الى التأسي، و

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1): «أصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث تبيت، فإذا وقفت فاحمد الله تعالى و أثن عليه و اذكر من آلائه و بلائه ما قدرت عليه، و صل على النبي صلى الله عليه و آله، و ليكن من قولك: اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتي من النار، و أوسع علي من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، اللهم أنت خير مطلوب اليه و خير مدعو و خير مسئول و لكل وافد جائزة، فاجعل جائزتي في وطئي هذا أن تقيلني عثرتي، و تقبل معذرتي، و ان تجاوز عن خطيئتي، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادي، ثم أفض حين يشرق لك ثبير و ترى الإبل مواضع أخفافها» و عن المفيد زيادة «يا أرحم الراحمين» في آخره، و الصدوق جملا في البين، و في الآخر و قال: «و ادع الله كثير لنفسك و لوالديك و ولدك و أهلك و مالك و إخوانك و المؤمنين و المؤمنات، فإنه موطن شريف عظيم»

و مفهوم

مرسل جميل (2)«لا بأس بأن يفيض الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 70

بليل إذا كان خائفا»

بناء على إرادة الإثم من البأس في المفهوم و لو لما عرفت.

لكن عن بعضهم أن وقت الاختيار من ليلة النحر الى طلوع الشمس من يومها، لإطلاق

قول الصادق عليه السلام في صحيح هشام (1)و غيره «في المتقدم من منى الى عرفات قبل طلوع الشمس لا بأس به، و المتقدم من المزدلفة إلى منى يرمون الجمار و يصلون الفجر في منازلهم بمنى لا بأس»

و حسن مسمع (2)الآتي المتضمن وجوب شاة عليه الساكت عن أمره بالرجوع، و إطلاق النصوص السابقة أن من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، و هو ظاهر الأكثر، لحكمهم بجبره بشاة فقط، حتى حكى في المنتهى اتفاق من عدا ابن إدريس عليه، و فيه أن الموجود في الدروس أن الواجب فيه نيته إلى أن قال: رابعها الوقوف بعد الفجر الى طلوع الشمس، و الأولى استئناف النية له، و المجزي فيه الذي هو ركن مسماه، و لو أفاض قبل طلوع الشمس و لما يتجاوز محسرا فلا بأس، بل يستحب، فان تجاوزه اختيارا أثم و لا كفارة، و قال الصدوق (رحمه الله): عليه شاة، و قال ابن إدريس: يستحب المقام الى طلوع الشمس، و الأول أشهر، ثم قال:

و سادسها كونه ليلة النحر و يومه حتى تطلع الشمس، و للمضطر الى زوال الشمس و قد ذكر سابقا أن في صحيح هشام جواز صلاة الصبح بمنى، و لم يقيد بالضرورة و رخص النبي صلى الله عليه و آله للنساء و الصبيان الإفاضة ليلا، و كذا يجوز للخائف، و هو كالصريح في أنه اضطراري للخائف، و الفرق بينه و بين ما بعد طلوع الشمس الى الزوال أنه اضطراري مطلقا،

بخلافه فإنه اختياري للنساء، و لا دلالة في قوله:

«سادسها» الى آخره، على امتداد وقت الاختيار، بل مراده وجوب الكون


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 71

في ليلة النحر و يومه الى أن تطلع الشمس على معنى أن الركن حصوله في أي جزء منه، و من الغريب دعوى أنه ظاهر الأكثر باعتبار حكمهم بصحته للمفيض قبل الفجر عامدا مختارا مع الجبر بشاة إذا كان قد وقف بعرفة أو مطلقا، ضرورة كونه كالصريح في حصول الإثم، لذكرهم الجبر المراد به الكفارة المقتضية للإثم غالبا، و صحيح هشام مخصوص بغيره مما دل على اعتبار الاضطرار من نص و إجماع، و السكوت في خبر مسمع لا يدل على عدم الوجوب، ضرورة احتماله أمورا كثيرة، نحو سكوته عن الأمر بالرجوع للمفيض من عرفات قبل مغيب الشمس مقتصرا على ذكر الكفارة، و نصوص إدراك الحج لا تنافي وجوب غير ذلك معه، نعم

روي علي بن عطية(1)قال: «أفضنا من المزدلفة بليل أنا و هشام ابن عبد الملك، و كان هشام خائفا فانتهينا إلى جمرة العقبة طلوع الفجر، فقال لي هشام: أي شي ء أحدثنا في حجنا، فبينما نحن كذلك إذ لقينا أبا الحسن موسى عليه السلام و قد رمى الجمار و انصرف، فطابت نفس هشام»

إلا أنه قضية في واقعة لا يعلم حالها، ضرورة احتمال كون الامام عليه السلام معذورا أيضا.

و على كل حال فقد بان لك أن تفريع المصنف و غيره على ذلك حكم الإفاضة قبل طلوع الفجر حيث قال فلو أفاض قبله عامدا بعد أن كان به ليلا و لو قليلا لم يبطل حجه ان كان وقف بعرفات و جبره بشاة في محله بعد أن كان المراد من الجبر بيان الإثم المترتب على ترك الواجب المزبور، و وجهه- بعد أن كان هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا-

حسن مسمع (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل وقف مع الناس بجمع ثم أفاض قبل أن يفيض الناس فقال: إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 72

جاهلا فلا شي ء عليه، و إن كان أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»

المنجبر بما عرفت، و صحيح هشام السابق بعد حمل نفي البأس فيه على إرادة بيان الصحة فيه مع الجبر بشاة للعامد، و إطلاق

قوله عليه السلام(1): «من أدرك المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج»

بناء على شموله للفرض، فما عن الحلبي و ظاهر الخلاف من بطلان الحج باعتبار فوات الركن عمدا الذي هو الوقوف بعد طلوع الفجر

الى طلوع الشمس و لو في جزء منه واضح الضعف، ضرورة كون المدار في الركن على ما ثبت من الأدلة، و قد عرفت أن الثابت منها البطلان بترك المسمى عمدا في ليلة النحر الى طلوع الشمس، و إن أوجبناه بعد طلوع الفجر مع الوقوف ليلا إلا أنه واجب غير ركن، إذ لا تلازم، و ما في المدارك من أن مجرد الحكم بوجوب الوقوف بعد الفجر كاف في عدم تحقق الامتثال بدون الإتيان به الى أن تثبت الصحة مع الإخلال به من دليل من خارج واضح الضعف بعد ما عرفت ثبوتها بحسن مسمع الذي قد اعترف بصحته في غير هذا الموضع المنجبر مع ذلك و المعتضد بما عرفت، بل عن المنتهى ان قول ابن إدريس لا نعرف له موافقا، فكان خارقا للإجماع، و احتمال كون المراد بحسن مسمع بيان حكم الجاهل المفيض بعد طلوع الفجر و قبله فيكون حينئذ من مسألة ذي العذر الذي ستعرف الكلام فيها لا داعي له بعد ما عرفت من الفتوى بظاهره، مع أن ذا العذر لا جبر عليه بشي ء، نعم قد يقال بعدم دلالته على التقييد المذكور في المتن، فيصح حجه و إن لم يكن وقف بعرفات، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن ظهور في ذلك، لا أقل من أن يكون غير متعرض فيه للحكم من غير الجهة المزبورة، فيبقى ما يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 13.

ج 19، ص: 73

الفساد مما دل على وجوب وقوف عرفة و أنه الحج بحاله.

ثم لا يخفى عليك أن ما ذكرناه من الاجتزاء بالوقوف في جزء من الليل مع الجبر بشاة إذا كان قد أفاض قبل طلوع الفجر غير مسألة المبيت، ضرورة إمكان القول بذلك و إن لم نقل بوجوبه، فيكفي حينئذ الوقوف ليلا ثم الإفاضة فيه، لكن يقوى وجوبه أيضا كما عن ظاهر الأكثر للتأسي، و قوله عليه السلام في

صحيح معاوية(1): «و لا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة»

بل لعل صحيحة الآخر(2)المتقدم سابقا دال عليه أيضا، بل ربما ظهر منه المفروغية من ذلك، كظهورها من غيره من النصوص،

قال الصادق عليه السلام في خبر عبد الحميد بن أبي الديلم (3)«لم سمي الأبطح أبطح؟ لأن آدم عليه السلام أمر أن ينبطح في بطحاء جمع، فانبطح حتى انفجر الصبح، ثم أمر أن يصعد جبل جمع، و أمره إذا طلعت الشمس أن يعترف بذنبه، ففعل ذلك فأرسل الله نارا من السماء فقبضت قربان آدم عليه السلام»

فما عن التذكرة- من عدم وجوبه للأصل المقطوع بما عرفت و صحيح هشام المحمول على حال الضرورة، و حسن مسمع المراد منه الاجزاء مع الإثم بقرينة ما فيه من الجبر بشاة- واضح الضعف، بل في الدروس الأشبه أنه ركن عند عدم البدل من الوقوف نهارا، فلو وقف ليلا لا غير و أفاض قبل طلوع الفجر صح حجه و جبره بشاة، و إن كان فيه أن ذلك غير المبيت، ضرورة كفاية مسمى الكون، اللهم إلا أن يراد من المبيت ذلك كما في المسالك، قال فيها:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3 و هو صحيح الحلبي كما تقدم في ص 66.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 6.

ج 19، ص: 74

«و الأقوى وجوب المبيت ليلا و النية له عند الوصول، و المراد به الكون بالمشعر ليلا» و إن كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فقد تلخص لك أنه لو وقف ليلا و بعد طلوع الفجر فلا إشكال في حصول الركن، و كذا لو وقف بعد طلوع الفجر خاصة و إن أثم بعدم المبيت بناء على وجوبه، و لو وقف ليلا خاصة أثم بعدم وقوفه بعد طلوع الفجر، و لكن حصل الركن منه، بل أثم أيضا بعدم المبيت بناء على وجوبه مع فرض إفاضته من المشعر قبل طلوع الفجر.

و لا يخفى عليك أن الاجتزاء بمسمى الوقوف ليلا يستلزم كونه واجبا، إذ احتمال استحبابه مع إجزائه عن الواجب بضم الجبر بشاة مناف لقاعدة عدم إجزاء المستحب عن الواجب بلا داع.

كما لا يخفى عليك أن الاجتزاء به عن الوقوف بعد طلوع الفجر من حيث الركنية مشروط بحصول النية، و إلا كان كتارك الوقوف بالمشعر كما صرح به في المسالك، لكن أشكله سبطه بأن الوقوف لغير المضطر و ما في معناه انما يقع بعد الفجر، فكيف تتحقق نيته ليلا، و هو كما ترى، ضرورة بناء ذلك على حصول الركنية بالوقوف ليلا و إن وجب مع ذلك الوقوف بعد طلوع الفجر، لكنه ليس بركن بمعنى عدم بطلان الحج بتركه عمدا، هذا، و في المسالك «ثم إن لم نقل بوجوبه أي المبيت فلا إشكال في وجوب النية للكون عند الفجر، و ان أوجبنا المبيت فقدم النية عنده ففي وجوب تجديدها عند الفجر نظر، و يظهر من الدروس عدم الوجوب، و ينبغي أن يكون موضع النزاع ما لو كانت النية للكون به مطلقا، أما لو نواه ليلا أو نوى المبيت كما هو الشائع في كتب النيات المعدة لذلك فعدم الاجتزاء بها عن نية الوقوف نهارا متجه، لأن الكون ليلا و المبيت مطلقا لا يتضمنان النهار، فلا بد من نية أخرى، و الظاهر أن نية الكون به عند الوصول

ج 19، ص: 75

كافية عن النية نهارا، لأنه فعل واحد الى طلوع الشمس كالوقوف بعرفة، و ليس في النصوص ما يدل على خلاف ذلك» انتهى، و هو محل للنظر، إذ عدم الوجوب بخصوصه لا ينافي الاجتزاء به باعتبار كونه أحد أفراد الوقوف لو حصل، كما أن الوجوب بخصوصه لا يقتضي الاجتزاء بالنية الواحدة مع فرض وجوب الكون من طلوع الفجر الى طلوع الشمس بخصوصه على وجه يكون فعلا مستقلا كما هو الظاهر من نصهم عليه بالخصوص، و منه يعلم ما في قوله: «و الظاهر» الى آخره كقوله فيها أيضا: و إطلاق المصنف الاجتزاء بذلك مع جعله الوقوف الواجب بعد طلوع الفجر لا يخلو من تكلف، بل يستفاد من اجزائه كذلك كونه واجبا لأن المستحب لا يجزي عن الواجب، و يستفاد من قوله: «إذا كان وقف بعرفات» أن الوقوف بالمشعر ليلا ليس اختياريا محضا، و إلا لأجزأ و إن لم يقف بعرفة إذا لم يكن عمدا، و على ما اخترناه من إجزاء اضطراري المشعر وحده يجزي هنا بطريق أولى، لأن الوقوف الليلي للمشعر فيه شائبة الاختيار، للاكتفاء به للمرأة اختيارا و للمضطر و للمتعمد مطلقا مع جبره بشاة، و الاضطراري المحض ليس كذلك، إذ قد عرفت أن المراد من التفريع بيان الإثم و عدم الاجتزاء به، لعدم ظهور في الدليل، و ليس المدار على كونه وقوفا اختياريا كي يستتبع الاجزاء، بل في المدارك المناقشة في الأولوية المزبورة، و خبر مسمع ظاهر فيمن أدرك مع ذلك عرفة، إذ لا تعرض فيه للجهة المزبورة، كما ان المنساق من قوله: «من أدرك جمعا فقد أدرك الحج» إدراك وقت الاختياري منها كما تقدم بعض الكلام في ذلك.

بقي شي ء و هو ما قيل من ان المعروف المصرح به في كلام جماعة من الأصحاب أن الواجب الوقوف من حين تحقق طلوع الفجر الى طلوع الشمس، فتجب النية حينئذ مقارنة لطلوع الفجر، و لكن الركن منه مسماه، و الباقي

ج 19، ص: 76

واجب غير ركن نحو ما سمعته في وقوف عرفة، و ربما كان هذا ظاهر عبارة الدروس السابقة بناء على إرادة عدم الدخول في وادي محسر من قوله فيها:

«و لما يتجاوز» و تبعه الكركي و ثاني الشهيدين، لكن في محكي السرائر «و يستحب للضرورة أن يطأ المشعر برجله و ان كان الوقوف واجبا و ركنا من أركان الحج عندنا من تركه متعمدا فلا حج له، و أدناه أن يقف بعد طلوع الفجر إما قبل صلاة الغداة أو بعدها بعد أن يكون قد طلع الفجر الثاني و لو قليلا و الدعاء و ملازمة الموضع الى طلوع الشمس مندوب غير واجب» و هو و إن كان ظاهرا فيما حكاه عنه في الدروس إلا أنه يمكن أن يريد ندبية الملازمة لموضع الوقوف حال الدعاء لا الخروج عن المشعر رأسا، نعم في محكي المنتهى «لو ترك السعي بوادي محسر أو أفاض بعد طلوع الشمس أو جاز وادي محسر قبل طلوعها لم يكن عليه شي ء، لأنها أفعال مستحبة، فلا يتبع في تركها عقوبة» و في محكي التذكرة «لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس لم يكن مأثوما إجماعا» و نحوه عن المنتهى أيضا، و فيها أيضا «و إذا أفاض من المشعر قبل طلوع الشمس فلا يجوز وادي محسر حتى تطلع الشمس مستحبا، و

روي (1)عن الباقر عليه السلام انه يكره الوقوف بالمشعر بعد الإفاضة».

و هو صريح في عدم وجوب الاستيعاب كظاهر المتن و غيره، و لعله الأقوى للأصل و إطلاق الأدلة السالمين عن المعارض، و حسن معاوية السابق أو صحيحه (2)لا دلالة فيه على ذلك، فإن الأمر بالإفاضة حين يشرق له ثبير و حين ترى الإبل مواضع أخفافها أعم من ذلك، و الظاهر إرادة الاسفار من الإشراق فيه بقرينة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 77

قوله: «و ترى الإبل» إلى آخره الذي لا يعبر به عن بعد طلوع الشمس، و منه يعلم رجحان ما قلنا على صورة العكس، بل

قوله عليه السلام (1): «من أصبح على طهر»

الى آخره ظاهر في عدم وجوب النية عند طلوع الفجر، و كذلك النهي في خبر هشام بن الحكم (2)عن تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس حتى على احتمال إرادة عدم الدخول فيه من قوله: «لا تتجاوز» فان ذلك أعم من الاسفار المزبور، بل

قول الصادق عليه السلام في مرسل علي بن مهزيار(3): «ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر الناس إن شاؤا عجلوا و إن شاؤا أخروا»

ظاهر في خلافه، ك

خبر إسحاق بن عمار(4)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إلى، قلت: فان مكثت حتى تطلع الشمس قال: لا بأس»

و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، و الله العالم.

[في جواز الإفاضة قبل الفجر للمرأة]

و على كل حال فلا خلاف أجده في أنه تجوز الإفاضة قبل الفجر للمرأة و من يخاف على نفسه من الرجال من غير جبران كما اعترف به بعضهم بل في المدارك هو مجمع عليه بين

الأصحاب، بل في محكي المنتهى يجوز للخائف و النساء و لغيرهم من أصحاب الأعذار و من له ضرورة الإفاضة قبل طلوع الفجر من المزدلفة، و هو قول كل من يحفظ عنه العلم، و قال الصادق عليه السلام في

صحيح معاوية بن عمار(5)المشتمل على صفة حج النبي صلى الله عليه و آله: «ثم أفاض و أمر الناس


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1 و فيه« أصبح على طهر».
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 19، ص: 78

بالدعة حتى إذا انتهى الى المزدلفة و هي المشعر الحرام فصلى المغرب و العشاء الآخرة بأذان واحد و إقامتين، ثم أقام فصلى فيها الفجر، و عجل ضعفاء بني هاشم بالليل، و أمرهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس»

و في

صحيح سعيد الأعرج (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال: نعم تريد أن تصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه و آله قال: قلت: نعم، قال: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن أو يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة في وجوههن، و يطفن بالبيت و يسعين بين الصفا و

المروة، ثم يرجعن الى البيت فيطفن أسبوعا ثم يرجعن إلى منى و قد فرغن من حجهن، و قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله أرسل معهن أسامة»

و صحيح أبي بصير(2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بأس بأن يقدم النساء إذا زال الليل فيقفن عند المشعر الحرام ساعة، ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة ثم يقصرن و ينطلقن إلى مكة».

و صحيح أبي بصير(3)عنه عليه السلام أيضا «رخص رسول الله صلى الله عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بالليل و أن يرموا الجمار بالليل و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فان خفن الحيض مضين إلى مكة و وكلن من يضحي عنهن»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على الخائف و غيره، بل قد يظهر منها استثناء من يمضي مع النساء و الخائف، فإنه عذر في الجملة كما سمعته في خبر سعيد، بل و خبر علي بن عطية(4)السابق المتضمن تعجيل هشام و صاحبه.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 3.

ج 19، ص: 79

نعم ينبغي للمعذورين أن لا يفيضوا إلا بعد انتصاف الليل، كما انه لا بد لهم من الوقوف و لو قليلا كما نص عليه في بعض الأخبار السابقة، بل لعل النسيان من العذر أيضا كما أشار إليه المصنف و غيره بقوله و لو أفاض

ناسيا لم يكن عليه شي ء بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به غير واحد للأصل و رفع الخطأ و النسيان، نعم لو تمكن من الرجوع لتحصيل الوقوف بعد طلوع الفجر وجب لما عرفت بل يمكن ذلك في كل ذي عذر بعد دعوى عدم انصراف الأدلة المزبورة لمن ارتفع عذره على وجه يدرك الواجب الذي هو الوقوف بعد الفجر، فتأمل، و هل الجهل عذر احتمله بعض الناس، و ربما كان هو مقتضى إطلاق خبر مسمع السابق، فيكون المقابل له العالم العامد الذي يجب عليه الجبر بشاة كما هو ظاهر كلام الأصحاب، بل لا وجه لحمل الأول على إرادة ما قبل طلوع الشمس، لعدم الفرق في عدم شي ء عليه بين الجاهل و العالم، مؤيدا ذلك بما يظهر من خبر المقام من معذورية الجاهل في الحج، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، فيجبر بشاة حينئذ، و الله العالم.

[في مستحبات الوقوف بالمشعر الحرام ]
[منها استحباب الدعاء بالمرسوم في المشعر]

و يستحب الوقوف بعد أن يصلي الفجر و أن يدعو بالدعاء المرسوم أو ما يتضمن الحمد لله تعالى و الثناء عليه و الصلاة على النبي و آله كما سمعته في صحيح معاوية(1)السابق، و في محكي المهذب «ينبغي لمن أراد الوقوف بالمشعر الحرام بعد صلاة الفجر أن يقف فيه بسفح الجبل متوجها الى القبلة، و يجوز له

أن يقف راكبا، ثم يكبر الله سبحانه، و يذكر من آلائه و بلائه ما تمكن منه، و يتشهد الشهادتين، و يصلي على النبي و الأئمة، و إن ذكر الأئمة (عليهم السلام) واحدا واحدا و دعا لهم و تبرأ من عدوهم كان أفضل، و يقول بعد ذلك: اللهم


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 80

رب المشعر إلى آخر ما في

الخبر(1)- و زاد في آخره برحمتك، و قال-: ثم تكبر الله سبحانه مائة مرة، و تحمده مائة مرة، و تسبحه مائة مرة، و تهلله مائة مرة، و تصلي على النبي و آله (عليهم الصلاة و السلام) و تقول: اللهم اهدني من الضلالة و أنقذني من الجهالة، و اجمع لي خير الدنيا و الآخرة، و خذ بناصيتي إلى هداك، و انقلني الى رضاك، فقد ترى مقامي بهذا المشعر الذي انخفض لك فرفعته، و ذل لك فأكرمته، و جعلته علما للناس، فبلغني فيه مناي و نيل رجاي، اللهم إني أسألك بحق المشعر الحرام أن تحرم شعري و بشري على النار، و أن ترزقني حياة في طاعتك، و بصيرة في دينك، و عملا بفرائضك، و اتباعا لأوامرك، و خير الدارين جامعا، و أن تحفظني في نفسي و والدي و ولدي و أهلي و إخواني و جيراني برحمتك، و تجتهد في الدعاء و المسألة و التضرع الى الله سبحانه الى حين ابتداء طلوع الشمس»

ثم ذكر من الواجبات فيه ذكر الله سبحانه و الصلاة على النبي صلى الله عليه و آله، و عن السيد و الراوندي احتماله، و ابن زهرة

الاحتياط به، و لعل الأول للأمر به في الآية(2)و الثاني للأمر به في صحيح معاوية بن عمار(3)إلا أن الظاهر إرادة الندب منهما، بل يمكن إرادة الذكر قلبا الحاصل بنية الوقوف، فيكون في قوة الأمر بالكون عند المشعر الحرام لله تعالى، بل لو قلنا بوجوب الاستيعاب المستلزم لصلاة الغداة أو الجمع بين المغرب و العشاء كفى ذلك في الذكر بناء على إرادة مطلقه، بل و الصلاة على محمد و آله أيضا.

قال أبو بصير(4)للصادق عليه السلام: «إن صاحبي هذين جهلا أن يقفا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 194.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 7.

ج 19، ص: 81

بالمزدلفة فقال: يرجعان مكانهما فيقفان بالمشعر ساعة، قال: فإنه لم يجزهما أحد حتى كان اليوم و قد نفر الناس، قال: فنكس رأسه ساعة ثم قال: أ ليسا قد صليا الغداة بالمزدلفة؟ أ ليس قد قنتا في صلاتهما؟ قال: بلى، قال: ثم حجهما، ثم قال:

و المشعر من المزدلفة، و المزدلفة من المشعر، و انما يكفيهما اليسير من الدعاء»

و ظاهره الجهل بالوقوف الدعائي لا مطلق الكون الحاصل مع النية في ضمن صلاة الغداة و القنوت فيها الذين قد عرفت إمكان الاجتزاء بهما عن الذكر، بل يمكن إرادة القائل ذلك

أيضا، إلا أن هذا و نحوه ظاهر في كون الأمر للندب المناسب لهذا التسامح.

و كذا

خبر محمد بن حكيم (1)سأله عليه السلام «عن الرجل الأعجمي و المرأة الضعيفة تكون مع الجمال الأعرابي فإذا أفاض بهم من عرفات مر بهم الى منى لم ينزل بهم جمعا، قال: أ ليس قد صلوا بها فقد أجزأهم، قال: فان لم يصلوا بها قال: فذكروا الله فيها، فان كان قد ذكروا الله فيها فقد أجزأهم»

إذ يمكن إرادة نية الوقوف من الذكر فيه، و الأمر في ذلك كله سهل.

و كذا يستحب الاجتهاد في الدعاء ليلة المزدلفة و إحياؤها،

قال الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)في حديث: «و لا تتجاوز الحياض ليلة المزدلفة، و تقول: اللهم هذه جمع، اللهم إني أسألك أن تجمع لي فيها جوامع الخير، اللهم لا تؤيسني من الخير الذي سألتك أن تجمعه لي في قلبي، و أطلب إليك أن تعرفني ما عرفت أولياءك في منزلي هذا، و أن تقيني جوامع الشر، و إن استطعت أن تحيي تلك الليلة فافعل، فإنه قد بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 82

المؤمنين، لهم دوي كدوي النحل، يقول الله جل ثناؤه: أنا ربكم و أنتم عبادي أديتم حقي، و حق علي أن أستجيب لكم. فيحط تلك الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه، و يغفر لمن أراد أن يغفر له»

هذا.

و في المسالك المراد بالوقوف في نحو عبارة المصنف القيام للدعاء و الذكر، و أما الوقوف المتعارف بمعنى الكون فهو واجب من أول الفجر، فلا يجوز تأخير نيته إلى أن يصلي، و هو مبنى على وجوب الابتداء من الفجر، و قد عرفت عدم الدليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه حتى صحيح معاوية بن عمار(1)الذي قد أمر فيه بالإصباح على طهر، ثم الصلاة ثم الوقوف، و إن كان يمكن إرادة الوقوف للدعاء فيه، إلا أن إطلاق غيره كاف كما صرح به الفاضل و غيره، و الله العالم.

[منها وطء الصرورة برجله المزدلفة]

و يستحب أيضا أن يطأ الضرورة أي من لم يحج قبل المشعر كما نص عليه جماعة، بل عن المبسوط و النهاية و لا يتركه مع الاختيار، كما عن الحلبيين استحبابه مطلقا لا في خصوص الصرورة، بل عن أبي الصلاح منهما أنه آكد في حجة الإسلام، و إن كنا لم نقف على ما يدل عليه برجليه كما في محكي المبسوط و غيره، و عن التهذيب و المصباح و مختصره يستحب للصرورة أن يقف على المشعر أو يطأه برجله،

و لعله لما تسمعه من الصحيح (2)إن كان الواو فيه بمعنى «أو» و عن الفقيه أنه يستحب له أن يطأ برجله أو براحلته إن كان راكبا، و كذا عن الجامع و التحرير، و قد سمعت سابقا ما حكاه في الدروس عن أبي علي و ما استظهره هو، كما أنك سمعت ما قلناه سابقا من كون الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 83

اشتراكه بين المكان المخصوص المحدود بالحدود التي عرفتها الداخل فيها قزح و بين الجبل المخصوص الذي قد فسر به المشعر الحرام في محكي المبسوط و الوسيلة و الكشاف و المغرب و المعرب و غيرها، بل لعله ظاهر «عند» في الآية الشريفة(1)بل و

قول الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (2): «و انزل ببطن الوادي عن يمين الطريق قريبا من المشعر، و يستحب للصرورة أن يقف على المشعر الحرام و يطأه برجله»

و في

مرسل ابان بن عثمان (3)«و يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام، و أن يدخل البيت»

و قال له سليمان بن مهران (4)في حديث: «كيف صار وطء المشعر على الصرورة واجبا؟ فقال: ليستوجب بذلك وطء بحبوبة الجنة»

بل لعل ذلك هو ظاهر الأصحاب، ضرورة وجوب وطء المزدلفة بمعنى الكون بها، و ظاهر الوقوف عليه غير الوقوف به، و لا اختصاص للوقوف بالمزدلفة بالصرورة، و بطن الوادي من المزدلفة، فلو كانت هي المشعر لم يكن للقرب منه معنى، و كان الذكر فيه لا عنده، بل لو أريد المسجد كان الأظهر الوقوف به أو دخوله، لا وطؤه أو الوقوف عليه، و يمكن حمل كلام أبي علي عليه، بل ربما احتمل في كلام من قيد برجله استحباب الوقوف بالمزدلفة راجلا بل حافيا لكن ظاهرهم متابعة حسن الحلبي (5).

و في كشف اللثام و هو كما عرفت ظاهر في الجبل، ثم المفيد خص استحبابه في كتاب أحكام النساء بالرجال، و هو من حيث الاعتبار حسن، لكن الأخبار مطلقة، قلت: و العمدة الإطلاقات، بل لم يظهر لي حسنة من جهة الاعتبار،


1- 1 سورة البقرة- الآية 194.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.

ج 19، ص: 84

بل ينبغي الاقتصار على الوطء برجله، و إن قال في المسالك و المدارك و الظاهر أن الوطء بالرجل يتحقق مع النعل و الخف، بل في الأولى «المراد بوطئه برجله أن يعلو عليه بنفسه، فان لم يمكن فببعيره» و فيه منع واضح، و من الغريب ما فيها من أن الاكتفاء بوطء البعير ينبه على الاكتفاء بالخف و النعل، مع أنه لم نجد في شي ء من نصوصنا الاكتفاء بذلك، و انما ذكره في الفقيه كما سمعت.

[منها الصعود على قزح و ذكر الله عليه ]

و على كل حال فقد قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يستحب الصعود على قزح و ذكر الله عليه قال ما هذا لفظه: يستحب للصرورة أن يطأ المشعر الحرام و لا يتركه مع الاختيار، و المشعر الحرام جبل هناك يسمى قزح، و يستحب الصعود عليه و ذكر الله عنده، فان لم يمكنه ذلك فلا شي ء عليه، لأن رسول الله صلى الله عليه و آله فعل ذلك في

رواية جابر(1)يعني ما روته العامة عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) عن جابر «ان النبي صلى الله عليه و آله ركب القصواء حتى اتى المشعر الحرام، فرقى عليه و استقبل القبلة فحمد الله تعالى و هلله و كبره و وحده، فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا»

و رووا(2)أيضا «انه أردف الفضل بن العباس و وقف على قزح، و قال: هذا قزح و هو الموقف، و جمع كلها موقف»

و لعل ذلك و نحوه كاف في ثبوت الاستحباب المتسامح فيه، و إن كان ظاهر المصنف و غيره التوقف فيه دون الوطء، مع أنك سمعت ما في الصحيح (3)من استحباب الوقوف عليه و الوطء.

و على كل حال فظاهر المصنف و غيره بل صريحه مغايرة الصعود على قزح


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 8.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 122 و فيه « أردف أسامة بن زيد».
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 85

لوطء المشعر، و هو ظاهر ما سمعته من عبارة المبسوط، و عن الحلي «و يستحب له أن يطأ المشعر الحرام، و ذلك في حجة الإسلام آكد، فإذا صعده فليكثر من حمد الله تعالى على ما من به» و هو ظاهر في اتحاد المسألتين، و كذا الدروس، و الله العالم.

[مسائل خمس ]
اشاره

مسائل خمس،

[المسألة الأولى وقت الوقوف بالمشعر]

الأولى: لا خلاف معتد به عندنا في أن وقت الوقوف بالمشعر ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس للمختار و للمضطر الى زوال الشمس بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص السابقة، نعم حكى ابن إدريس عن السيد امتداد وقت المضطر الى الغروب، و أنكره في المختلف أشد إنكار و إن أطلق في بعض عباراته التي لم تسق لذلك أن من فاته الوقوف بعرفة حتى أدرك المشعر يوم النحر فقد أدرك الحج، خلافا للعامة مستدلا عليه بالإجماع، لكن مراده من اليوم الى الزوال بقرينة حكاية الإجماع، فإن أحدا من علمائنا لم يذكر ذلك، لكن حكى هو عنه في غير المختلف ذلك أيضا، و على كل حال فلا ريب في ضعفه للأصل و النص و الإجماع، و الله العالم.

[المسألة الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد طلوع الفجر عامدا]

المسألة الثانية من لم يقف بالمشعر ليلا و لا بعد طلوع الفجر عامدا بطل حجه بلا خلاف فيه عندنا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (1)السابقة و لو ترك ذلك ناسيا أو لعذر لم يبطل حجه ان كان وقف بعرفة الوقوف الاختياري على الأصح لما عرفت سابقا و لو تركهما جميعا اختيارا و اضطرارا بطل حجه عامدا و ناسيا بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الأصل و النصوص (2)السابقة كما عرفت الكلام فيه سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر.

ج 19، ص: 86

[المسألة الثالثة أيضا، و هي من لم يقف بعرفات ]

بل و في باقي الصور التي منها المسألة الثالثة أيضا، و هي من لم يقف بعرفات أصلا فضلا عمن وقف الوقوف الاضطراري و أدرك المشعر قبل طلوع الشمس صح حجه إجماعا و نصوصا(1)و لو فاته بطل على الأصح إذا لم يكن قد أدرك اضطرارية و إلا ففيه البحث السابق، نعم لو وقف بعرفات الوقوف الاختياري جاز له تدارك المشعر الى قبل الزوال بل وجب عليه ذلك، بل هو كذلك لو أدرك اضطراري عرفة أيضا، نعم لو لم يدرك شيئا منهما لم يجزه التدارك قبل الزوال كما عرفت الكلام فيه مفصلا، و الحمد لله، و هو العالم.

[المسألة الرابعة من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة]

المسألة الرابعة من فاته الحج تحلل بعمرة مفردة بلا خلاف أجده فيه بل في المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

قول الصادق عليه السلام في صحيحي معاوية(2)و الحلبي (3): «فليجعلها عمرة»

و في

صحيح حريز(4)«و يجعلها عمرة»

و غيرها من النصوص التي هي في أعلى درجات الاستفاضة إن لم تكن متواترة بمعنى القطع بما تضمنته من وجوب العمرة حينئذ، و لذا قطع في التحرير بأنه لو أراد البقاء على إحرامه إلى القابل ليحج به لم يجز، و استظهره في محكي المنتهى و التذكرة، و جعله الشهيد أشبه، و بالجملة لم أجد فيه خلافا بيننا، نعم يحكى عن مالك جوازه، و ستسمع ما عن ابني حمزة و البراج مع عدم الاشتراط، و حينئذ فلا محلل له إلا الإتيان بها، فلو بقي على إحرامه و رجع الى بلاده و عاد قبل التحلل لم يحتج إلى إحرام مستأنف من الميقات و إن بعد العهد، فيجب عليه إكمال العمرة أولا ثم يأتي بما يريد من النسك، حتى لو كان فرضه التمتع وجب


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.

ج 19، ص: 87

عليه الخروج الى احد المواقيت للعمرة، فإن تعذر فمن ادنى الحل كما في حكم من لم يتعمد مجاوزة الميقات، و لو صد عن الرجوع من بلاده

لإتمام العمرة كان له حكم المصدود عن إكمالها من التحلل بالذبح و التقصير في بلاده كما ستعرف إن شاء الله.

و كيف كان فهل عليه نية الاعتمار بمعنى قلب إحرامه السابق إليه بالنية؟ قال في الدروس: و هل ينقلب إحرامه أو يقلبه بالنية كما قطع به الفاضل في جملة من كتبه، بل أسند الخلاف في ذلك الى بعض العامة للأصل و ان الأعمال بالنيات و الصحاح المزبورة، أو لا بل تكون عمرة قهرا فينقلب (فينتقل خ ل) إحرامه السابق لها ثم يأتي بباقي أفعالها ل قول أبي الحسن عليه السلام في أخبار محمد بن سنان (1)و ابن فضيل(2)

و علي بن الفضل الواسطي (3)«فهي عمرة مفردة و لا حج له»

و في

صحيح ضريس (4)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكة و يطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه» و في الفقيه «و يذبح شاته و ينصرف إلى اهله ان شاء، و قال هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فان لم يكن اشترط فعليه الحج من قابل»

و في

صحيح معاوية(5)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج و لم يكن طاف قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق و لا عمرة فيها. فإذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل و عليه الحج من قابل، و يحرم من حيث أحرم»

الى غير ذلك من النصوص التي لا تعرض فيها لاعتبار النية في صيرورتها عمرة، و انما هي مطلقة


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.

ج 19، ص: 88

بل ظاهرة في الاجتزاء بإيجاد الأفعال المزبورة و إن لم ينو القلب المزبور، بل لا يفيده الأمر بالجعل في الصحاح المزبور المحتمل لإرادة فعلها عمرة لا نيتها كذلك و كون الأعمال بالنيات مع انه بالنسبة إلى نية القربة انما يقتضي ابتداءه بها لا اعتبارها فيما يتفق له من الأحكام، على انه إذا كان متمتعا فقد نوى العمرة إلا انه فاته الحج، فاتصفت عمرته بالافراد قهرا نحو صلاة الجماعة التي مات الامام مثلا في أثنائها، على ان الإحرام السابق لا تؤثر فيه النية اللاحقة، فليس هو حينئذ إلا حكما شرعيا، و لعله لذا مال اليه بعض، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في نية العدول، إلا انها على كل حال واجبة من حيث الفوات، فلا تجزي عن عمرة الإسلام كما صرح به في الدروس و غيرها، بل هو

ظاهر غيرهم أيضا، بل يمكن دعوى ظهور النصوص فيه أيضا.

و كيف كان فان فاته الحج تحلل بالعمرة ثم يقضيه اي الحج وجوبا ان كان واجبا قد استقر وجوبه أو استمر على الصفة التي وجب تمتعا أو قرانا أو إفرادا و إلا فندبا للأصل و الأمر به في المعتبرة المستفيضة(1)و الإجماع على الظاهر، لكن في تهذيب الشيخ ان من اشترط في حال الإحرام يسقط عنه القضاء، و إن لم يشترط وجب مستدلا عليه بصحيح ضريس (2)السابق و يشكل بعد الاعراض عن الصحيح المزبور و منافاته لما هو المعلوم من غيره نصا و فتوى بأنه إن كان مستحبا لم يجب القضاء و ان لم يشترط، و كذا إن لم يستقر و لا استمر وجوبه، و إن كان واجبا وجوبا مستقرا أو مستمرا وجب و إن اشترط فالوجه حمله على شدة استحباب القضاء إذا لم يشترط و كان مندوبا أو غير مستقر


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.

ج 19، ص: 89

الوجوب و لا مستمرة، أو على ما تقدم عن ابني حمزة و البراج من جعل فائدة الاشتراط جواز التحلل، فيكون المراد حينئذ أن عليه البقاء على إحرامه الى أن يأتي بالحج من قابل إن لم يشترط، و إلا جاز له التحلل، و إن كان فيه أنه مناف لظاهر النصوص المزبورة الآمرة بجعله عمرة، ثم المراد بوجوب قضائه على الصفة المزبورة بناء على عدم جواز العدول اختيارا و إلا فله ذلك، و لعله لذا حكي عن

الشيخ جواز القضاء تمتعا لمن فاته القران أو الافراد بناء على تجويز العدول اليه اختيار، لكونه أفضل كما تقدم الكلام فيه.

[المسألة الخامسة من فاته الحج سقطت عنه أفعاله ]

الخامسة من فاته الحج سقطت عنه أفعاله بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (1)التي تقدم شطر منها، خلافا لبعض العامة فأوجب عليه بقية الأفعال، بل و لبعض أصحابنا فأوجب عليه الهدي قياسا على المحصر، و هو مع كونه الفارق ممنوع و لصحيح ضريس (2)عن أبي جعفر عليه السلام السابق على ما في الفقيه، إلا أن اضافة الشاة اليه تشعر بأنه كانت معه شاة عينها للهدي بنذر و نحوه، مع احتماله الندب أيضا، و

خبر داود الرقي (3)قال: «كنت مع أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل فقال:

إن قوما قدموا يوم النحر و قد فاتهم الحج فقال: نسأل الله العافية، قال؟

أرى عليهم أن يهريق كل واحد منهم دم شاة و يحلق و عليهم الحج من قابل إن انصرفوا الى بلادهم، و لو أقاموا حتى تمضي أيام التشريق بمكة ثم خرجوا الى.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2 و الباب 23 منها الحديث 3 و 5 و 27.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5.

ج 19، ص: 90

بعض مواقيت أهل مكة فأحرموا و اعتمروا فليس عليهم الحج من قابل»

الذي هو بعد الإغضاء عن سنده و ندرة القائل به محمول على التقية، فإن وجوب الهدي على فائت الحج محكي عن الشافعي و أكثر العامة، كما أن ما فيه من وجوب الحج مندوبا، و في كشف اللثام «فليحمل على أنهم كانوا مصدودين أو محصورين فان عليهم حينئذ هدي التحلل، و معنى

قوله عليه السلام «و عليهم الحج»

الى آخره أنهم ان استطاعوا أن يرجعوا الى بلادهم ثم يعودوا كان عليهم الحج من قابل، و إلا لم يكن عليهم إلا عمرة، فليعتمروا ثم يرجعوا الى بلادهم، أو على أنهم لم يجب عليهم الحج كما فعله الشيخ، و يمكن أن يكونوا قد أحرموا بعمرة أولا يكونوا أحرموا بعمرة و لا حج لما علموا أنهم لا يدركون الموقف فكان يستحب لهم ذبح شاة و الحلق تشبيها بالحاج، فان كانوا أحرموا بحج فبعد الانتقال إلى العمرة و الإتيان بمناسكها، و ان كانوا أحرموا بعمرة فبعد الإتيان بمناسكها و إلا فعلوا ذلك ابتداء، ثم إن وافقوا الحاج فأقاموا و لم ينصرفوا الى بلادهم ثم أتوا بعمرة من أحد مواقيت أهل مكة فلا يتأكد عليهم الرجوع في القابل و الإتيان فيه بحج، فهذه العمرة تكفيهم، و هي عمرة ثانية إن كانوا قد قدموا محرمين و إلا فلا، و إن لم يقيموا أيام التشريق و عجلوا الانصراف الى بلادهم تأكد عليهم في القابل بحج» و إن كان هو كما ترى نحو المحكي عن الشيخ من حمله على خصوص من اشترط، و ما عن الفاضل من أن وجوب العود عليهم مع فرض كون الحج مندوبا للإتيان بأفعال العمرة التي تركوها، أو غير ذلك من المحامل البعيدة التي هي خير من الطرح الذي لا بأس بالتزامه مع فرض تعذرها أجمع بعد منافاته لغيره و الاعراض عنه، فإنه لم نعرف القائل به بخصوصه بالنسبة إلى وجوب الهدي، نعم في الدروس أوجب علي بن بابويه و ابنه على المتمتع بالعمرة يفوته

ج 19، ص: 91

الموقفان العمرة و دم شاة، و لا شي ء على المفرد سوى العمرة، و لا ريب في ضعفه، و إن كان هو أحوط.

و كيف كان ف يستحب له أي من فاته الحج الإقامة بمنى الى انقضاء أيام التشريق ثم يأتي بأفعال العمرة التي يتحلل بها لما سمعته من صحيح معاوية السابق المحمول على ذلك بلا خلاف أجده فيه هنا، و إن كان لهم كلام في فورية عمرة الإسلام المتعقبة للحج تسمعه في محله إن شاء الله كما أنك تسمع الكلام إن شاء الله في اعتبار طواف النساء في عمرة الإسلام المفردة، أما هذه العمرة فلم أجد في شي ء من النصوص بل و لا الفتاوى التصريح بذكر طواف النساء فيها، بل ظاهر النصوص المتعرضة لتفصيل أفعالها هنا خلافه، و لعله الأقوى، و لكن الأحوط الإتيان به، و الله العالم.

[خاتمة]
اشاره

خاتمة

[في استحباب التقاط الحصى من المشعر]

إذا ورد المشعر استحب له التقاط الحصى لرمي الجمار منه بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، ل

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية بن عمار(1)و ربعي (2)«خذ حصى الجمار من جمع، و إن أخذته من رحلك بمنى أجزأك»

و سأله عليه السلام أيضا(3)زرارة «عن الحصى التي يرمى بها الجمار قال: تؤخذ من جمع، و تؤخذ بعد ذلك من منى»

و منه يستفاد استحباب أخذها من منى بعد المشعر و إن لم أجد من نص عليه و هو سبعون حصاة كما ستعرف تفصيلها، و لكن لو زاد على ذلك حذرا من سقوط بعضها و نحوه فلا بأس و لو أخذه من غيره جاز بلا خلاف، بل في كشف


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.

ج 19، ص: 92

اللثام اتفاقا للأصل و الخبرين السابقين و غيرهما، فما عن بعض القيود من عدم جواز الأخذ من وادي محسر في غير محله، و أغرب منه ما عن المنتهى من أنه لو رمى بحصاة محسر كره له ذلك، و هل يكون مجزيا أم لا؟ فيه تردد، أقربه الإجزاء عملا بالعموم لكن من الحرم فلا يجوز من غيره، ل

قول الصادق عليه السلام في حسن زرارة(1): «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك و إن أخذته من غير الحرم لم يجزك، و قال: لا ترم الجمار إلا بالحصى»

نعم عدا المساجد التي فيه كما في القواعد و محكي الجامع و لكن قيل و القائل الأكثر على ما حكي عدا المسجد الحرام و مسجد الخيف ل

خبر حنان (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «يجوز أخذ حصى الجمار من جميع الحرم إلا من المسجد الحرام و مسجد الخيف»

بل ليس في التهذيب «المسجد الحرام» قيل و لذا اقتصر عليه الشيخ في مصباحه، و لعله لبعد الالتقاط من المسجد الحرام، لكن يمكن إرادة المثال في الخبر لغيرهما، و إنما خصا لأنهما الفرد المتعارف، بل يمكن حمل كلام الأصحاب المعلوم تبعية التعبير فيه له على ذلك أيضا، بل قيل إن إخراج الحصى من المساجد منهي عنه، و هو يقتضي الفساد، و إن كان فيه أولا أن الذي تقدم سابقا في أحكامها كراهة الإخراج، و ثانيا أن حرمة الإخراج لا تقتضي حرمة الرمي إلا على مسألة الضد إذا قلنا بوجوب المبادرة إلى العود المنافي له، كما أن وجوب عودها إليها أو الى غيرها من المساجد لا ينافيه الرمي المقتضي لالتباسها بغيرها بعد إمكان (3)تعليمها بما لا تشتبه به. فالعمدة حينئذ ما عرفت:


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 93

[يجب فى حصى الجمار شروط ثلاثة]
اشاره

و يجب فيه شروط ثلاثة:

[الأول- أن تكون مما يسمى حجرا]

الأول- أن تكون مما يسمى حجرا عند علمائنا في محكي التذكرة و المنتهى و الانتصار، بل في الأخير صريح الإجماع، و لكن الموجود في النصوص و الفتاوى الحصى و الحصيات، بل و قد سمعت ما في حسن زرارة(1)من النهي عن رمي الجمار إلا بالحصى، و من هنا قال في المدارك: «الأجود تعين الرمي بما يسمى حصاة، فلا يجزي الرمي بالحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة، خلافا للدروس و كذا الصغير جدا بحيث لا يقع عليه اسم الحصاة» و سبقه الى ذلك جده، قال: «احترز باشتراط تسميتها حجرا عن نحو الجواهر و الكحل و الزرنيخ و العقيق، فإنها لا تجزي خلافا للخلاف، و يدخل فيه الحجر الكبير الذي لا يسمى حصاة عرفا، و ممن اختار جواز الرمي به الشهيد في الدروس، و يشكل بأن الأوامر الواردة إنما دلت على الحصاة، و لعل المصنف أراد بيان جنس الحصى لا الاجتزاء بمطلق الجنس، و مثله القول في الصغيرة جدا بحيث لا يقع عليها اسم الحصاة، فإنها لا تجزي أيضا و إن كانت من جنس الحجر» قلت:

خصوصا بعد أن ذكر سابقا استحباب التقاط الحصى و كونه سبعين حصاة و غير ذلك، و كذا الشهيد في الدروس، بل قال بعد ذكر أوصاف الحصى: و جوز في الخلاف الرمي بالبرام و الجوهر، و فيه بعد إن كان من الحرم، و أبعد إن كان من غيره، نعم قال بعد ذلك: المسألة

السادسة لو رمى بحصى نجس أجزء نص عليه في المبسوط و منعه ابن حمزة لما رواه (2)من غسله قلنا لا لنجاسة أو.


1- 1 في النسخة المخطوطة المبيضة« لو لا إمكان» و لكن في المسودة« بعد إمكان» و هو الصحيح.
2- 2 دعائم الإسلام ج 1 ص 381.

ج 19، ص: 94

تحمل على الندب، و لو رمى بخاتم فضة من حجارة الحرم أجزء، و لو رمى بصخرة عظيمة فالأقرب الاجزاء، و لو رمى بحجر مسته النار أجزء ما لم يستحل و لعله لعدم خروجها بالعظم الذي يصدق معه الرمي عن كونها حصاة، فلا خلاف حينئذ، كما أن الظاهر اتحاد المراد من الحجر و الحصى، فتتفق العبارات، نعم عن الخلاف أنه جوز الرمي بالحجر و ما كان من جنسه من البرام و الجواهر و أنواع الحجارة، مع أنه قيل و ظاهره دخول الجميع في الحصى، فلا خلاف، و إن كان فيه منع الظهور و منع الدخول، مضافا الى بعد حرمية البرام و الجواهر التي عرفت و تعرف اعتبارها، و من الغريب دعواه الإجماع على ما ذكره، مع ان الإجماع على الظاهر بخلافه.

و كيف كان فلا يجوز عندنا بغير الحجر كالمدر و الآجر و الكحل و الزرنيخ و غير ذلك من الذهب و الفضة كما نص عليه الشيخ، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة من الجواز بالحجر و بما كان من نفس الأرض كالطين و المدر و الكحل و الزرنيخ، و لا يجوز بالذهب و الفضة، و عن أهل الظاهر من الجواز بكل شي ء حتى لو

رمى بالحزق و العصافير الميتة أجزأه، و الله العالم.

[الثاني أن يكون من الحرم ]

و الثاني أن يكون من الحرم كما هو المشهور، بل لا أجد فيه خلافا محققا إلا ما سمعته من الخلاف، و ما في كشف اللثام عن ابن حمزة في أفعال الرمي و أن يرمي بالحجر أو يكون من حصى الحرم مع ان الموجود عندي في نسخة الوسيلة و ان يرمي بالحجر و ان يكون من حصى الحرم دون حصى المسجدين، ثم قال: «و التروك سبعة: الرمي بالمكسورة، و بغير الحصى و بحصى الجمار، و بحصى غير الحرم، و بالنجسة، و بحصى المسجد الحرام، و المسجد بمنى، و هو مسجد الخيف» و على كل حال فقد سمعت حسن زرارة

ج 19، ص: 95

أو صحيحه (1)مضافا الى التأسي و السيرة و

مرسل حريز(2)المنجبر بما سمعت عن الصادق عليه السلام أيضا «لا تأخذه من موضعين من خارج الحرم و من حصى الجمار»

و الله العالم.

[الثالث أن تكون أبكارا]

و الثالث أن تكون أبكارا أي لم يرم بها الجمار رميا صحيحا بلا خلاف أجده فيه بيننا،

بل عن الخلاف و الغنية و الجواهر الإجماع عليه، للمرسل (3)المزبور المنجبر بما سمعت ك

خبر عبد الأعلى (4)عنه عليه السلام أيضا «و لا تأخذ من حصى الجمار»

مؤيدا ذلك بالتأسي و السيرة، قيل و بما عن ابن عباس من ان ما قبل من ذلك يرفع، و حينئذ فيكون الباقي غير مقبول، فلا يرمى، و في

مرسل الصدوق (5)عن الصادق عليه السلام: «من رمى الجمار يحط عنه بكل حصاة كبيرة موبقة، و إذا رماها المؤمن التقفها الملك، و إذا رماها الكافر قال الشيطان: باستك ما رميت»

و غير ذلك، من غير فرق بين مرمي الرامي و غيره لإطلاق الأدلة، فما عن المزني من جواز الرمي بمرمي الغير واضح الفساد.

و اما اشتراط طهارتها فقد سمعت ما حكاه في الدروس عن ابن حمزة، و ما أرسله من الرواية إلا أن ظاهر الأكثر و صريح محكي المبسوط و السرائر و غيرهما عدم اعتبارها، بل لم أقف على ما أرسله إلا ما تسمعه من خبر الدعائم (6)نعم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 9.
6- 6 دعائم الإسلام ج 1 ص 381 و فيه عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه استحب الغسل لرمي الجمار.

ج 19، ص: 96

في كشف اللثام و

أرسل عن الصادق عليه السلام في بعض الكتب «اغسلها، فان لم تغسلها و كانت نقية لم يضرك»

و الظاهر أن مراده ما تسمعه من خبر الدعائم، و عن كتاب

الفقه المنسوب (1)الى الرضا عليه السلام «اغسلها غسلا نظيفا»

و هو مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا دلالة فيه على كون ذلك من النجاسة، نعم لا بأس باستحباب ذلك منها كما ذكره في الدروس كالقواعد و محكي المبسوط و السرائر بل عن التذكرة كراهية النجسة و استحباب غسلها مطلقا، و لا بأس به، و الله العالم

[في استحباب الالتقاط]

و يستحب أن تكون برشا رخوة بقدر الأنملة كحلية منقطة ملتقطة كما صرح بذلك كله غير واحد، إلا أن الذي عثرت على ما يدل عليه

حسن هشام بن الحكم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في حصى الجمار قال: كره الصم منها و قال: خذ البرش»

و في

خبر البزنطي (3)عن الرضا عليه السلام «حصى الجمار يكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء، و خذها كحلية منقطة

تخذفهن خذفا، و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة»

و في كشف اللثام:

أنه رواه في قرب الاسناد صحيحا، و عن

الفقه المنسوب (4)الى الرضا عليه السلام «و تكون منقطة كحلية مثل رأس الأنملة»

و في

دعائم الإسلام (5)عن جعفر


1- 1 فقه الرضا عليه السلام ص 28.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 4 و ذيله في الباب 7 من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
5- 5 دعائم الإسلام ج 1 ص 381.

ج 19، ص: 97

بن محمد (عليهما السلام «انه قال: تلتقط حصى الجمار التقاطا، كل حصاة منها بقدر الأنملة، و يستحب أن تكون زرقا أو كحلية منقطة، و يكره أن تكسر من الحجارة كما يفعله كثير من الناس، و اغسلها، فان لم تغسلها و كانت نقية لم يضرك»

و الكل لا تجمع ذلك حتى الرخوة، فان كراهة الصم التي هي بمعنى الصلبة لا تقتضي استحباب الرخوة، و ليس في شي ء منها أيضا جمع البرش مع التنقيط، و لعله لأن المشهور في معنى البرش أن يكون في الشي ء نقط تخالف لونه، و عن ابن فارس قصره على ما فيه نقط بيض، و من هنا تكلف بعض الأصحاب فحمل البرش في مثل كلام المصنف على اختلاف ألوان الحصى بعضها لبعض،

و الثاني على الحصاة نفسها، و هو كما ترى، و لعله لذا اقتصر الصدوق (رحمه الله) فيما حكي عنه على الثاني، و الشيخ في المحكي عن جملة من كتبه على الأول لكن عن النهاية أن البرش لون مختلط حمرة و بياضا أو غيرهما، و عن المحيط أنه لون مختلط بحمرة، و عن تهذيب اللغة عن الليث إن الأبرش الذي فيه ألوان و خلط، و حينئذ يكون أعم من المنقطة، و عن الكافي و الغنية أن الأفضل البرش ثم البيض و الحمر، و لم نجد ما يدل عليه، بل خبر البزنطي (1)بخلافه.

و اما الالتقاط الذي لا نعلم فيه خلافا عندنا كما عن المنتهى الاعتراف به فقد يدل عليه

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(2)«التقط الحصى و لا تكسر منهن شيئا»

كقوله عليه السلام في مرسل الدعائم الذي سمعته، و للسيرة و ل

ما روي من أمر النبي صلى الله عليه و آله (3)بالتقاطها، و قال: «بمثلها فارموا»

هذا، و عن الصدوق في الفقيه و الهداية كونها بقدر الأنملة أو مثل حصى الخذف، و في كشف اللثام


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 127 و سنن النسائي ج 5 ص 269.

ج 19، ص: 98

قيل و هو دون الأنملة كالباقلاء نحو المحكي عن بعض العامة فقدرة بذلك، و عن بعض آخر

أنه كقدر النواة، و عن الشافعي يكون أصغر من الأنملة طولا و عرضا، و قول الصادق (1)و الرضا عليهما السلام (2)حجة على الجميع، و أما الكحلية فقد عرفت ما يدل عليه من النصوص، لكن في الدعائم التخيير بينهما و بين الزرق و لم أجد من أفتى به، فالأولى الكحلية، و الأمر سهل بعد كون ذلك مستحبا و إلا فيجوز الجميع إلا في رواية عن أحمد أنه لا يجوز الأكبر و لا ريب في فساده.

[في كراهة أن تكون الحصى صلبة أو مكسرة]

و يكره أن تكون صلبة للحسن المزبور(3)أو مكسرة قيل للنهي عن الكسر في خبر أبي بصير(4)السابق، و فيه أنه انما يدل على كراهة الكسر الذي حكي عن الغنية الإجماع عليه لا الرمي بالمكسرة، اللهم إلا أن يفهم أن النهي عن ذلك لذلك، و الله العالم.

[في استحباب الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل لمن عدا الإمام ]

و يستحب لمن عدا الإمام الإفاضة قبل طلوع الشمس بقليل كما هو المشهور، بل عن المنتهى لا نعلم فيه خلافا لموثق إسحاق بن عمار(5)السابق، و نحوه خبر معاوية بن حكم (6)فما عن الصدوقين و المفيد و السيد و سلار و الحلبي-

من عدم الجواز، بل عن الأولين وجوب شاة على من قدمها على طلوع الشمس ل

قوله عليه السلام في صحيح معاوية(7)«ثم أفض حين يشرق لك ثبير، و ترى


1- 1 دعائم الإسلام ج 1 ص 381.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث- 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث- 3 عن معاوية بن حكيم.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.

ج 19، ص: 99

الإبل مواضع أخفافها»

بناء على إرادة طلوع الشمس من الإشراق فيه بقرينة تمام الخبر

قال أبو عبد الله عليه السلام (1)«كان أهل الجاهلية يقولون أشرق ثبير- يعنون الشمس كما تسفر- و إنما أفاض رسول الله صلى الله عليه و آله خلاف أهل الجاهلية»

- واضح الضعف، خصوصا بعد ما سمعت سابقا عن المنتهى و التذكرة من الإجماع على عدم إثمه لو دفع قبل الاسفار بعد طلوع الفجر أو قبل طلوع الشمس.

[في عدم جواز الإفاضة في وادي محسر إلا بعد طلوع الفجر]

و لكن لا يجوز وادي محسر إلا بعد طلوعها للنهي عنه فيما سمعته من حسن هشام بن الحكم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام إلا ان المنساق من ذلك عدم قطعه و الخروج منه، و

لكن الأصحاب فهموا منه عدم الدخول فيه حرمة أو كراهة على البحث السابق.

و أما الامام فينبغي له ان يتأخر حتى تطلع الشمس كما صرح به غير واحد، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر جميل (3)السابق «ينبغي للإمام ان يقف بجمع حتى تطلع الشمس، و سائر الناس إن شاؤا عجلوا و إن شاؤوا أخروا»

بل عن الشيخ و ابن حمزة و القاضي و ظاهرا بني زهرة و سعيد الوجوب المنافي للأصل و ظاهر الخبر المزبور و غيره، فلا ريب في ضعفه، كضعف المحكي عن ابن إدريس من استحباب ذلك أيضا لغير الإمام المنافي لما عرفت، و الله العالم.

[في استحباب الهرولة في وادي محسر]

و يستحب السعي بمعنى الهرولة أي الإسراع في المشي للماشي، و تحريك الدابة للراكب بوادي محسر و هو يقول: اللهم سلم عهدي و اقبل توبتي و أجب دعوتي و اخلفني في من تركت بعدي بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (4)التي منها

قول الصادق عليه السلام في صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13 و 14- من أبواب الوقوف بالمشعر.

ج 19، ص: 100

معاوية(1)إذا مررت بوادي محسر و هو واد عظيم بين جمع و منى، و هو الى منى أقرب فاسع فيه حتى تتجاوزه، فان رسول الله صلى الله عليه و آله حرك ناقته فيه و قال: اللهم سلم عهدي»

إلى آخر الدعاء، و في

صحيح محمد بن إسماعيل (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «الحركة في وادي محسر مائة خطوة»

و في خبر محمد بن عذافر(3)«مائة ذراع».

و لو ترك السعي فيه رجع فسعى استحبابا ل

حسن حفص البختري (4)و غيره عن الصادق (عليه السلام) «انه قال لبعض ولده هل سعيت في وادي محسر؟ فقال له: لا فأمره ان يرجع حتى يسعى»

و في مرسل الحجال (5)«مر رجل بوادي محسر فأمره أبو عبد الله (عليه السلام) بعد الانصراف إلى مكة ان يرجع فيسعى»

و الظاهر عدم الفرق بين الترك عمدا جهلا و غيره و نسيانا. و الله العالم.

[القول في نزول منى ]
اشاره

القول في نزول منى و ما بها من المناسك و هي المكان المعروف، و سميت بذلك لما يمني بها من الدعاء، و ل

ما عن ابن عباس «ان جبرئيل (عليه السلام) لما أراد ان يفارق آدم (عليه السلام) قال: له تمن. قال: أتمنى الجنة فسميت بذلك لأمنية


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5 محمد بن عذافر عن عمر بن يزيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث- 2.

ج 19، ص: 101

آدم»

و في

خبر ابن سنان (1)المروي عن الرضا (عليه السلام) «لما سئل عن ذلك قال: لأن جبرئيل (عليه السلام) قال هناك لإبراهيم (عليه السلام):

تمن على ربك ما شئت، فتمنى ان يجعل الله مكان ولده إسماعيل كبشا يأمره بذبحه فداء له، فأعطاه الله مناه».

[في مناسك منى ]
اشاره

و كيف كان فإذا هبط إلى منى ففي المتن استحب له الدعاء بالمرسوم لكن لم أقف على دعاء مأثور في ذلك كما اعترف به في المدارك و مناسكه بها يوم النحر ثلاثة: رمي جمرة العقبة ثم الذبح ثم الحلق أما

[الأول رمي الجمار]
اشاره

الأول فقد صرح به ابنا إدريس و سعيد و من تأخر عنهما، بل عن المنتهى و التذكرة لا نعلم فيه خلافا، بل في السرائر لا خلاف فيه

بين أصحابنا، و لا أظن أحدا من المسلمين يخالف فيه، و قد يشتبه على بعض أصحابنا و يعتقد انه مسنون غير واجب لما يجده من كلام بعض المصنفين و عبارة موهمة أوردها في كتابه، و يقلد المسطور بغير فكر و لا نظر، و هذا غاية الخطأ و ضد الصواب، فان شيخنا قال في الجمل:

و الرمي مسنون فظن من يقف على هذه العبارة أنه مندوب، و إنما أراد الشيخ بقوله: مسنون ان فرضه علم من السنة، لأن القران لا يدل على ذلك، و كأنه أشار بذلك الى ابن حمزة في الوسيلة حيث قال: و الرمي واجب عند أبي يعلى (رحمه الله) مندوب اليه عند الشيخ أبي جعفر (رحمه الله) و في كشف اللثام الذي نص عليه أبو يعلى في المراسم وجوب رمي الجمار، و قال الحلبي: فإن أخل برمي الجمار أو بشي ء منه ابتداء أو قضاء اثم بذلك، و وجب عليه تلافي ما فاته و حجه ماض، و هذان الكلامان يحتملان العموم لرمي جمرة العقبة يوم النحر


1- 1 علل الشرائع- الباب- 172 من ج 2- الحديث 2- ج 2 ص 120 المطبوعة بطهران عام 1378.

ج 19، ص: 102

و عدمه» قلت: الموجود فيما حضرني من نسخة المراسم بعد ان ذكر ان الرمي من الواجبات قال في التفصيل: «فإذا بلغ وادي محسر فليهرول حتى يجوزه، و يأخذ حصى الجمار من المزدلفة أو من طريقه أو من رحله بمنى، ثم يتوضأ إن أمكنه، ثم يأتي الجمرة التي عند العقبة، فليقم بها من قبل وجهها، و لا يقم من أعلاها، و ليكن بينه و بينها قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، و ليقل و في يده الحصى: اللهم هذه حصياتي فأحصهن لي، و ارفعهن في عملي ثم ليرم خذفا» الى آخره ثم ذكر الذبح بعد ذلك و غيره من الأفعال، و هو كالصريح في وجوبها، و نحو ذلك في المقنعة و ان قال بعد ذلك: «باب تفصيل فرائض الحج، و فروض الحج الإحرام و التلبية و الطواف بالبيت و السعي بين الصفا و المروة و شهادة الموقفين، و بعد ذلك سنن بعضها أوكد من بعض» إلا انه يمكن ان يريد ما سمعته من ابن إدريس كما ان الشيخ و إن أهمل الرمي في المبسوط في تعداد فرائض الحج لكن قال فيه: «و عليه بمنى يوم النحر ثلاثة مناسك أولها رمي الجمرة الكبرى» و نحوه عن النهاية، و بالجملة لا خلاف محقق كما سمعته من ابن إدريس، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(1)«خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها»

و أحدهما (عليهما السلام) في خبر علي بن حمزة(2)«أي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر ليلا فلا بأس فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه»

الحديث، و

صحيح سعيد الأعرج (3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.

ج 19، ص: 103

جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل قال: نعم- الى ان قال- ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة»

، و غيره من النصوص السابقة في مسألة جواز الإفاضة بليل من المشعر للنساء و للخائف و غيره المتضمنة للرمي على وجه يظهر منها وجوبه و لو بمعونة ما سمعته من الشهرة أو عدم الخلاف و الإجماع المحكي، بل و النصوص الآتية أيضا، مضافا الى الناسي، ف

في الدعائم (1)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «لما أقبل رسول الله صلى الله عليه و آله من المزدلفة مر على جمرة العقبة يوم النحر فرماها بسبع حصيات، ثم أتى قبا، و كذلك السنة»

قد

قال صلى الله عليه و آله (2)«خذوا عني مناسككم».

و على كل حال فالواجب فيه شرعا أو شرطا النية التي عرفت مكررا اعتبارها في كل

مأمور به، و كيفيتها و إن قال في المسالك هنا: «يعتبر اشتمالها على تعيين الفعل و وجهه و كونه في حج الإسلام أو غيره و القربة و المقارنة لأولى الرمي و الاستدامة حكما، و الاولى التعرض للأداء، فإنه مما يقع على وجهين: الأداء و القضاء، و على هذا لو تداركه بعد فواته نوى القضاء، و هل يجب التعرض للعدد؟ يحتمله لان الرمي في الجملة يقع بأعداد مختلفة كما في ناسي الإكمال، و وجه العدم انه لا يقع على وجهين إلا إذا اجتمعا، و لا ريب انه اولى كالأداء» و لكن لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه في النية، و انه لا يجب فيها غير القربة و التعيين مع الاشتراك، بل يكفي في نحو المقام إيقاعه بقصد الجزئية للحج الذي نواه سابقا مع القربة من غير حاجة الى أمر آخر، و الله العالم.


1- 1 المستدرك- الباب- 1- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2 و فيه« منى» بدل« قبا».
2- 2 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 19، ص: 104

و من الواجب أيضا العدد و هو سبع حصيات بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى إجماع المسلمين، و

قال أبو بصير(1)لأبي عبد الله (عليه السلام): «ذهبت أرمي فإذا في يدي ست حصيات فقال: خذ واحدة من تحت رجلك»

و قال هو (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية(2)«في رجل أخذ إحدى و عشرين حصاة فرمى بها فزاد واحدة، فلم يدر من أيتهن

نقصت، قال: فليرجع فليرم كل واحدة بحصاة، قال: و قال: في رجل رمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع قال: يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ»

، لكن ليس هو في عدد جمرة العقبة يوم النحر، ك

خبر عبد الأعلى (3)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له رجل رمى الجمرة بست حصيات و وقعت واحدة في الحصى قال: يعيدها إن شاء من ساعته و ان شاء من الغد إذا أراد الرمي و لا يأخذ من حصى الجمار»

بل يمكن كون الواحدة من الست فلا يكون دالا على السبع، نعم في المحكي (4)عن

فقه الرضا (عليه السلام) «و ارم جمرة العقبة في يوم النحر بسبع حصيات»

و الله العالم.

و إلقاؤها بما يسمى رميا بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال لما سمعته من الأمر به المتوقف صدق امتثاله على تحقق مسماه، فلا يجزي الوضع و نحوه مما لا يسمى رميا قطعا، بل إجماعا بقسميه خلافا للعامة، بل لا يجزي


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العود إلى منى- الحديث 2.
2- 2 ذكره صدره في الوسائل في الباب- 7- من أبواب العود إلى منى- الحديث 1 و ذيله في الباب 6 منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العود إلى منى- الحديث 3.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 4.

ج 19، ص: 105

المشكوك فيه أيضا فضلا عن المقطوع به.

و إصابة الجمرة بها أو محلها بفعله بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال، فلا يكفي الوقوع دونها و نحوه مما لا يسمى اصابة،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «فإن رميت بحصاة فوقعت في محمل قاعد مكانها»

و لا إذا كانت بغير فعله كما لو أصابت ثوب انسان فنفضه حتى أصابت عنق بعير فحركه فأصابت، بل يجب مع ذلك كون الإصابة بها فلو وقعت على حصاة فارتفعت الثانية إلى الجمرة لم تجزه و إن كانت الإصابة عن فعله، لخروجه عن مسمى رميته.

نعم لو وقعت على شي ء فانحدرت على الجمرة أو مرت على سننها حتى أصابت الجمرة جاز و كذا إن أصابت شيئا صلبا فوقعت بإصابته على الجمرة للصدق بعد ان كانت الإصابة على كل حال بفعله،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «و ان أصابت إنسانا أو جملا ثم وقعت على الجمار أجزأك»

خلافا للمحكي عن بعض الشافعية فلم يجتز بها إن وقعت على أعلى الجمرة لان رجوعها لم يكن بفعله و لا في جهة الرمي، و في كشف اللثام و هو إن تم شمل ما إذا وقعت على ارض مرتفع عن الجنبتين أو وراء الجمرة ثم انحدرت إليها و المصنف في التذكرة و التحرير و المنتهى قاطع بالحكم إلا في الوقوع أعلى من الجمرة ففيه مقرب و الشيخ قاطع به في المبسوط، قلت: هو في محله، ضرورة الصدوق عرفا، و عدم

الاعتذار بإصابة السهم الغرض بعد ازدلافه في المسابقة ممنوع مع انه احتمل الفرق بان القصد هنا الإصابة بالرمي و قد حصلت، و في المسابقة القصد إلى إبانة الحذق، فإذا ازدلف السهم فقد عدل عن السنن، فلم تدل الإصابة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.

ج 19، ص: 106

على حذقه، فلهذا لم نعتبره هناك.

نعم قد عرفت سابقا انها لو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان أو إنسان لم يجز لعدم صدق الإصابة بفعله.

و كذا لا يجزي لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا لأصالة الشغل، و عن الشافعي قول بالإجزاء، لأن الظاهر الإصابة، و هو كما ترى و كذا قد عرفت سابقا انه لو طرحها على الجمرة من غير رمي لم يجز.

و يجب التفريق في الرمي بلا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف و الجواهر الإجماع عليه، و لعله كذلك، و هو الحجة بعد الانسياق، خصوصا مع ملاحظة الأمر بالتكبير مع كل حصاة، و التأسي و السيرة، فما عن عطا من اجزاء الرمي بها دفعة واضح الفساد بعد مخالفته فعل النبي صلى الله عليه و آله و الصحابة، نعم لا يعتبر التلاحق في الإصابة، للصدق، فحينئذ لو رمى بحجرين مثلا دفعة كان رمية واحدة و ان تلاحقا في الإصابة، و لو اتبع أحدهما الآخر في الرمي فرميتان و ان اتفقا في الإصابة.

ثم المراد من الجمرة البناء المخصوص أو موضعه إن لم يكن كما في كشف اللثام، و سمي بذلك لرميه بالحجار الصغار المسماة بالجمار، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصى عندها، أو من الاجمار بمعنى الإسراع، لما

روي (1)«ان آدم (عليه السلام) رمى فأجمر إبليس من بين يديه»

أو من جمرته و زمرته اي نحيته، و في الدروس إنها اسم لموضع الرمي، و هو البناء، أو موضعه مما يجتمع من الحصى، و قيل هي مجتمع الحصى لا السائل منه، و صرح علي بن بابويه بأنه الأرض و لا يخفى عليك ما فيه من الاجمال، و في المدارك بعد حكاية ذلك عنها قال:


1- 1 نهاية ابن الأثير مادة« جمر».

ج 19، ص: 107

«و ينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده، لأنه المعروف الآن من لفظ الجمرة.

و لعدم تيقن الخروج من العهدة بدونه، اما مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه» و اليه يرجع ما سمعته من الدروس و كشف اللثام إلا أنه لا تقييد في الأول بالزوال، و لعله الوجه، لاستبعاد توقف الصدق عليه، و يمكن كون المراد بها المحل بأحواله التي منها الارتفاع ببناء أو غيره أو الانخفاض، لكن ستسمع ما في خبر أبي غسان (1)بناء على إرادة الإخبار بحيطان فيه عن الجمار كما هو محتمل،

بل لعله الظاهر، إلا أنه محتمل البناء على المعهود الغالب، فتأمل جيدا، و الله العالم.

[فيما يستحب في الرمي ]
اشاره

و المستحب فيه أمور ذكر المصنف منها ستة

[منها الطهارة]

منها الطهارة من الأحداث على المشهور ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(2)«و يستحب ان ترمي الجمار على طهر»

و في

خبر أبي غسان حميد بن مسعود(3)بعد ان سأله عليه السلام عن رمي الجمار من غير طهر: «الجمار عندنا مثل الصفا و المروة حيطان إن طفت بهما على غير طهر لم يضرك، و الطهر أحب الي، فلا تدعه و أنت قادر عليه»

المنزل عليهما ما في

صحيح ابن مسلم (4)«سألت أبا جعفر عليه السلام عن الجمار فقال:

لا ترم الجمار إلا و أنت على طهر»

و خبر علي بن الفضل الواسطي (5)عن أبي الحسن عليه السلام المروي عن قرب الاسناد «و لا ترم الجمار إلا و أنت طاهر»

لقصورهما عن المعارضة من وجوه، بل يمكن حمل ما عن المفيد و السيد و أبي علي من عدم

الجواز على ذلك خصوصا بعد معروفية التعبير في كلامهم بذلك عن الكراهة المستفادة من النهي المزبور المستفاد منها تأكد الندب أيضا، و من الغريب ما في المسالك من المناقشة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 6.

ج 19، ص: 108

في الجمع المزبور بقصور رواية أبي غسان بالضعف عن المعارضة بعد ما عرفت من الانجبار بالشهرة و عدم انحصار الدليل فيها.

و عن بعض الأصحاب استحباب الغسل، لكن في

الصحيح (1)«سألته عليه السلام عن الغسل إذا رمى الجمار قال: ربما فعلته، فأما السنة فلا و لكن من الحر و العرق»

و في

صحيح الحلبي (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل إذا أراد أن يرمي الجمار فقال: ربما اغتسلت، فاما من السنة فلا»

اللهم إلا أن يكون المراد من نفي السنة أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه و آله فعله لأمور رجحت ذلك بالنسبة اليه و إن كان هو راجحا في نفسه، كما يدل عليه فعل الامام عليه السلام له في بعض الأوقات، و في

دعائم الإسلام (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «انه استحب الغسل لرمي الجمار».

[منها الدعاء عند إرادة الرمي ]

و منها الدعاء عند إرادة الرمي بما في

صحيح معاوية(4)عن الصادق عليه السلام «خذ حصى الجمار ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من أعلاها، و تقول و الحصى في يدك: اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي، و ارفعهن في عملي ثم ترمي فتقول مع كل حصاة:

الله أكبر، اللهم ادرأ عني الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، اللهم اجعله حجا مبرورا و عملا مقبولا و سعيا مشكورا و ذنبا مغفورا، و ليكن فيما بينك و بين الجمرة قدر عشرة أذرع أو خمسة عشر ذراعا، فإذا أتيت رحلك و رجعت من الرمي فقل: اللهم بك وثقت، و عليك توكلت، فنعم الرب و نعم المولى و نعم النصير»

بل يستفاد استحباب الدعاء بما سمعت في غير الحال المزبور.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 4.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.

ج 19، ص: 109

[منها ان يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر أذرعا]

و منها ان يكون بينه و بين الجمرة عشرة أذرع إلى خمسة عشر أذرعا كما في القواعد، لحسن معاوية السابق، و عن علي بن بابويه تقديرهما بالخطإ و هما متقاربان نعم قد يناقش في تحقق الامتثال للأمر الندبي

بالتباعد بين المقدارين المفهوم من عبارة الكتاب، اللهم إلا ان يدعى ان ذلك هو المفهوم من نحو العبارة المزبورة في نحو المقام، فتأمل جيدا.

[منها ان يرميها خذفا]

و منها ان يرميها خذفا بإعجام الحروف على المشهور بين الأصحاب شهرة كادت تكون إجماعا، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن السيد و ابن إدريس، بل عن المختلف أنه من متفردات السيد، و من الغريب دعواه الإجماع على ذلك، و من هنا قال الفاضل في محكي المختلف إنما هو الرجحان، و على كل حال فيدل عليه

قول الرضا عليه السلام في خبر البزنطي (1)المروي صحيحا عن قرب الاسناد، قال: «حصى الجمار تكون مثل الأنملة، و لا تأخذها سوداء و لا بيضاء و لا حمراء، خذها كحلية منقطة، تخذفهن خذفا و تضعها على الإبهام و تدفعها بظفر السبابة»

المحمول على الندب بقرينة سوقه لذكر السنن، و لقصوره عن معارضة إطلاق الأدلة المعتضد بالشهرة المزبورة، و بالأصل و غير ذلك، و الخذف هو الرمي بالأصابع كما عن الصحاح و الديوان و غيرهما، بل عن ابن إدريس انه المعروف عند أهل اللسان، و اليه يرجع ما عن الخلاص من أنه الرمي بأطراف الأصابع، بل و ما عن المجمل و المفصل من أنه الرمي من بين إصبعين، و عن العين و المحيط و المقاييس و الغريبين و المغرب بالإعجام، و النهاية الأثيرية من بين السبابتين، و عن الأخيرين أو

يتخذ مخذفة من خشب ترمي بها بين إبهامك و السبابة، و في القاموس الخذف كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما، تأخذ بين سبابتك و تخذف به،


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب 20 من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث 2 و ذيله في الباب 7 من أبواب رمي الجمرة العقبة- الحديث 1.

ج 19، ص: 110

و عن المصباح المنير خذفت الحصاة و نحوها خذفا من باب ضرب رميتها بظفري الإبهام و السبابة، و الأولى العمل بما في الخبر المزبور من الوضع على الإبهام أي باطنه و الدفع بظفر السبابة كما عن المبسوط و السرائر و النهاية و المصباح و مختصره و المقنعة و المراسم و الكافي و الغنية و المهذب و الجامع و التحرير و التذكرة و المنتهى و عن القاضي، و قيل بل يضعها على ظفر إبهامه و يدفعها بالمسبحة، و عن المرتضى ان يضعها على بطن الإبهام و يدفعها بظفر الوسطى، و لم نجد ما يشهد له.

[منها الدعاء مع كل حصاة]

و منها الدعاء مع كل حصاة بما سمعته في حسن معاوية السابق.

[منها أن يكون ماشيا]

و منها أن يكون ماشيا و ان كان لو رمى راكبا جاز أيضا، إلا أن الأول المستحب كما في القواعد و محكي النهاية و الجمل و العقود و الجامع، لما في

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه عن آبائه (عليهم السلام) «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يرمي الجمار ماشيا»

و في دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد عليهما السلام «ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يرمي الجمار ماشيا، و من ركب إليها فلا شي ء عليه»

و قال عنبسة بن مصعب (3)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) بمنى يمشي و يركب فحدثت نفسي ان أسأله إذا دخلت عليه فابتدأني هو بالحديث فقال: إن علي بن الحسين عليه السلام كان يخرج من منزله ماشيا إذا أراد رمي الجمار، و منزلي اليوم أنفس من منزله فاركب حتى آتي منزله، فإذا انتهيت إلى منزله مشيت حتى أرمي الجمرة»

و قال علي بن مهزيار(4)«رأيت أبا جعفر عليه السلام يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكبا، و كنت أراه راكبا بعد ما يحاذي .


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 1- و في الثالث « و كنت أراه ماشيا».
2- 2 المستدرك- الباب- 8- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 2- و في الثالث « و كنت أراه ماشيا».
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4 و في الثالث « و كنت أراه ماشيا».

ج 19، ص: 111

المسجد بمنى»

و في

مرسل الحسن بن صالح (1)«نزل أبو جعفر عليه السلام فوق المسجد بمنى قليلا عن دابته حتى توجه لرمي الجمرة عند مضرب علي بن الحسين (عليهما السلام) فقلت له جعلت فداك لم تنزل ها هنا فقال: إن هذا مضرب علي بن الحسين (عليهما السلام) و مضرب بني هاشم، و إنما أحب أن أمشي في منازل بني هاشم».

و لا يخفى عليك دلالة النصوص المزبورة على المشي إلى الجمار أيضا. مضافا الى الرمي راجلا، لكن عن المبسوط و السرائر أن الركوب أفضل، لأن النبي صلى الله عليه و آله رماها راكبا(2)و في المدارك لم أقف على رواية تتضمن ذلك من طريق الأصحاب لكن في كشف اللثام يعنيان في حجة الوداع التي بين فيها المناسك للناس و

قال (3): «خذوا عني مناسككم»

فلولا الإجماع على جواز المشي و كثرة المشاة إذ ذاك بين يديه صلى الله عليه و آله لوجب الركوب، و في

مرسل محمد بن الحسين(4)عن أحدهما (عليهما السلام) في رمي الجمار «ان رسول الله صلى الله عليه و آله رمى الجمار راكبا على راحلته»

و في

صحيح أحمد بن عيسى (5)«انه رأى أبا جعفر الثاني عليه السلام رمى الجمار راكبا»

و في

صحيح ابن نجران (6)«انه رأى أبا الحسن الثاني عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2.
3- 3 تيسير الوصول ج 1 ص 312.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1 عن أحمد بن محمد بن عيسى.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 3 عن ابن أبي نجران.

ج 19، ص: 112

رمى الجمار و هو راكب حتى رماها كلها»

و لعله لذا مال بعض متأخري المتأخرين إلى التساوي بينهما، و فيه أن حمل ما دل على الركوب على بيان الجواز أولى باعتبار ان الرمي راجلا أوفق بالخضوع و الخشوع و كونه أحمز، و الله العالم.

[منها أنه في جمرة العقبة حال الرمي يستقبلها]

و منها أنه في جمرة العقبة حال الرمي يستقبلها بان يكون مقابلا لها، و هو معنى «رميها من قبل وجهها» و حينئذ فيلزمه أن يستدبر القبلة كما صرح به غير واحد، بل عن المنتهى نسبته الى أكثر أهل العلم، بل لعله لا خلاف فيه و إن حكى في المختلف بعد نسبته الى المشهور عن علي بن بابويه انه يقف في وسط الوادي مستقبل القبلة، و يدعو و الحصى في يده اليسرى و يرميها من قبل وجهها لا من أعلاها، و نحو منه ما عن المقنعة و الهداية لكن في الدروس هو موافق للمشهور إلا في موقف الدعاء، و هو كذلك لأنهما إنما ذكرا استقبال

القبلة عند الدعاء، بل قد عرفت أن الرمي من قبل وجهها بمعنى الاستقبال المتضمن لاستدبار القبلة كما عن المنتهى، و حينئذ فهما كغيرهما، نعم في كشف اللثام أنه روي استقبال القبلة عند الرمي في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام، و فيه أنه ان كان المراد

الفقه المنسوب (1)الى الرضا عليه السلام فلفظة المحكي عنه في الحدائق «و ارم جمرة العقبة يوم النحر بسبع حصيات، و تقف في وسط الوادي مستقبل القبلة يكون بينك و بين الجمرة عشر خطوات أو خمس عشرة خطوة و تقول و أنت مستقبل القبلة و الحصى في كفك اليسرى: اللهم هذه حصياتي فأحصهن عندك، و ارفعهن في عملي، ثم تتناول منها واحدة و ترمي من قبل


1- 1 ذكر صدره في المستدرك في الباب- 1- من أبواب رمي جمرة العقبة الحديث 4 و ذيله في الباب 3 منها الحديث 1.

ج 19، ص: 113

وجهها، و لا ترمها من أعلاها، و تكبر مع كل حصاة»

و هو نحو ما سمعته من الصدوقين.

و على كل حال فيدل عليه ما عن الشيخ (1)من أن النبي صلى الله عليه و آله رماها مستقبلا لها مستدبر الكعبة، بل عن بعض أنه ورد الخبر باستدبار القبلة في الرمي يوم النحر و استقبالها في غيره، و هو دال على الأمرين، مضافا الى

قول الصادق عليه السلام في الأول في حسن معاوية(2)«فارمها من قبل وجهها و لا ترمها من أعلاها»

بناء على كون المراد منه ما سمعت، و احتمال كون المراد بالرمي من الوجه أنه لا يرميها عاليا عليها إذ ليس لها وجه خاص يتحقق به الاستقبال يدفعه ملاحظة كلامهم، ضرورة كون المستفاد منه مسألتين الأولى استقبالها و استدبار القبلة، و الثانية الرمي من قبل وجهها لا عاليا عليها، و لعل الصحيح المزبور يدل على الأمرين.

هذا كله في جمرة العقبة و اما في غيرها ف يستقبلها و يستقبل القبلة كما عن الشيخ و بني حمزة و إدريس و سعيد و القاضي و لم نقف له على رواية بالخصوص عدا ما سمعته من المرسل، نعم هو أفضل الهيئات خصوصا في العبادات و عند الذكر و الدعاء، و لذا حكي عن الشيخ أنه قال: جميع أفعال الحج يستحب أن يكون مستقبل القبلة من الموقف بالموقفين و رمي الجمار إلا رمي جمرة العقبة يوم النحر، بل عن ظاهر المهذب استحباب استقبال القبلة في رميها أيضا و إن كان فيه ما عرفت، و الظاهر عدم تنافي ما في

خبر البزنطي السابق (3)


1- 1 المبسوط- كتاب الحج- فصل النزول بمنى.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 1.

ج 19، ص: 114

«و اجعلهن عن يمينك»

و صحيح إسماعيل بن همام (1)«تجعل كل جمرة عن يمينك»

لما سمعت من الاستدبار في جمرة العقبة و الاستقبال في غيرها، و الله العالم.

[الثاني الذبح ]
اشاره

و أما الثاني و هو الذبح فيشتمل على أطراف:

[الطرف الأول في الهدي ]

الأول في الهدي، و هو واجب على المتمتع بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى إجماع المسلمين عليه، و هو الحجة بعد الكتاب (2)«فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» و المعتبرة المستفيضة، منها

قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة(3)المتضمن صفة التمتع الى أن قال: «و عليه الهدي، فقلت: و ما الهدي؟ قال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسه شاة»

و منها

قول الصادق عليه السلام في خبر سعيد الأعرج (4)«من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج فعليه شاة، و إن تمتع في غير أشهر الحج ثم تجاوز مكة حتى يحضر الحج فليس عليه دم، إنما هي حجة مفردة»

و خبر إسحاق بن عبد الله (5)قال: «سألت أبا الحسن عليه السلام عن المعتمر المقيم عليه مجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال: يتمتع أحب الي، و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين، فإذا اقتصر على عمرته في رجب لم يكن متمتعا، و ان لم يكن متمتعا لا يجب عليه الهدي»

الى غير ذلك من النصوص الدالة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب رمي جمرة العقبة- الحديث 5.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1 مع الاختلاف و الصحيح ما في الوسائل.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 20 إلا انه لم يذكر ذيل الحديث و ذكر تمامه في التهذيب ج 5 ص 200 الرقم 664.

ج 19، ص: 115

منطوقا و مفهوما على الوجوب على المتمتع.

بل و على انه لا يجب على غيره سواء كان مفترضا أو متنفلا بلا خلاف أجده إلا ما يحكى عن سلار من عد سياق الهدي للمقرن في أقسام الواجب و يمكن أن يريد ما عن الغنية و الكافي من وجوبه بعد الإشعار أو التقليد، أو يريد الدخول في حقيقته، فإذا وجب القران بنذر أو شبهه وجب السياق، فلا خلاف حينئذ، و

صحيح العيص بن القاسم (1)عن الصادق عليه السلام «في رجل اعتمر في رجب فقال: إن أقام بمكة حتى يخرج منها حاجا فقد وجب عليه الهدي و إن خرج من مكة حتى يحرم من غيرها فليس عليه هدي»

محمول على ضرب من الندب، أو على من بقي في مكة ثم تمتع بالعمرة إلى الحج، أو على التقية من أبي حنيفة و أتباعه، و على ما قيل من أن هذا الهدي جبران إن كان عليه أن

يحرم من خارج وجوبا أو استحبابا فأحرم من مكة، فإن خرج حتى يحرم من موضعه فليس عليه هدي، بل ربما كان ما في الدروس من أن فيه دقيقة إشارة اليه، قال فيها: «و في صحيح العيص يجب على من اعتمر في رجب و أقام بمكة و خرج منها حاجا لا على من خرج فأحرم من غيرها و فيه دقيقة» بل في الحدائق نسبة ذلك الى غير هذه الرواية من الأخبار إلا اني لم أتحققها.

و على كل حال ف لو تمتع المكي وجب عليه الهدي أيضا على المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه إلا عن الشيخ في المبسوط جزما و الخلاف احتمالا بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى (2)«ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ» إلى الهدي لا الى التمتع، لأنه كقوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.

ج 19، ص: 116

«من دخل داري فله درهم، ذلك لمن لم يكن عاصيا» في الرجوع الى الجزاء دون الشرط، و وافقه عليه أيضا سابقا في المكي و من في حكمه إذا عدل الى التمتع، و في الدروس احتمال وجوبه على المكي إن كان لغير حج الإسلام، و لعله لاختصاص الآية به، و فيه بعد التسليم عدم انحصار الدليل فيها.

و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور، إذ هو- مع أنه اجتهاد، و يمكن منعه عليه في نفسه باعتبار أولوية الرجوع الى الأبعد في الإشارة بذلك- مدفوع بتعيين النصوص ك

صحيح زرارة(1)المشتمل على سؤاله لأبي جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل «ذلِكَ لِمَنْ» الى آخره فقال: يعني «أهل مكة ليس عليهم متعة»

و قول الصادق عليه السلام في خبر سعيد الأعرج(2): «ليس لأهل شرف و لا لأهل مر و لا لأهل مكة متعة، يقول الله تعالى ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ »

فعموم الأدلة و إطلاقها حينئذ كتابا و سنة بحاله مؤيدا بالاحتياط.

و لو كان المتمتع مملوكا باذن مولاه كان مولاه بالخيار بين أن يهدي عنه أو يأمره بالصوم بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه عندنا، بل في ظاهر المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، بل في صريح المدارك ذلك الصحيح

جميل (3)«سأل رجل أبا عبد الله عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه»

و صحيح سعيد بن أبي خلف (4)«سألت أبا الحسن عليه السلام قلت: أمرت مملوكي أن يتمتع قال: إن شئت فاذبح عنه، و إن شئت فمره


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث- 2 عن سعد بن أبي خلف.

ج 19، ص: 117

فليصم»

و الى ذلك يرجع ما في

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سئله عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، و سأله عن المتمتع المملوك قال:

عليه مثل ما على الحر، إما ضحية و إما صوم»

بعد حمله على إرادة المماثلة في كمية ما يجب عليه و إن اختلفت الكيفية.

و على كل حال فلا يتعين الذبح عنه على المولى، للأصل و الإجماع المحكي عن التذكرة المعتضد بنفي علم الخلاف فيه إلا في قول الشافعي عن المنتهى، و ب

خبر الحسن العطار(2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل أمر مملوكه يتمتع بالعمرة إلى الحج أ عليه أن يذبح عنه؟ فقال: لا إن الله عز و جل يقول عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ ءٍ(3)»

و هو نص في خلاف المحكي عن الشافعي من تعيين الذبح على المولى، لإذنه له في التمتع الموجب لذلك، لأن الاذن في الشي ء إذن في لازمه، و الفرض اعتبار العبد، إذ هو مع أنه اجتهاد يمكن دفعه بأن مقتضى ذلك تعين الصوم عليه، كما هو المحكي عن بعض العامة لا الذبح عنه، و احتمال صيرورته مؤسرا بتمليك المولى إياه ذلك واضح الفساد بعد أن عرفت أن العبد لا يملك مطلقا عندنا، نعم قد سمعت النص و الإجماع على مشروعية الذبح عنه، و بذلك كله يظهر لك أنه ينبغي حمل

خبر علي بن أبي حمزة(4)سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن غلام أخرجته معي فأمرته فتمتع ثم أهل بالحج يوم التروية و لم أذبح عنه فله أن يصوم بعد النفر، فقال: ذهبت الأيام التي قال الله تعالى ألا كنت أمرته


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من أبواب الذبح- الحديث 1 و ذيله في الباب 2 منها الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 سورة النحل- الآية 77.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 118

أن يفرد الحج، قلت: طلبت الخير فقال: كما طلبت الخير فاذهب فاذبح عنه شاة سمينة، و كان ذلك يوم النفر الأخير»

على ضرب من الندب كما عن نهاية الشيخ و غيرها، و إن حكي عنه العمل بمضمونه في كتابي الأخبار، و لو امتنع المولى عن الذبح وجب على المملوك الصوم، و لا ولاية للمولى على منعه منه، فإنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، و الله العالم.

و لو أدرك المملوك المتمتع أحد الموقفين معتقا لزمه الهدي مع القدرة و مع التعذر الصوم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى بل و لا إشكال، لأنه بالإدراك المزبور يكون حجه حج الإسلام، فيساوي غيره من الأحرار في وجوب الهدي عليه مع القدرة، و مع التعذر فالصوم، بل في القواعد فإن أعتق قبل الصوم تعين عليه الهدي أي مع التمكن، و ظاهره ذلك و إن كان بعد إتمام الحج، و لعله لارتفاع المانع و تحقق الشرط، و دعوى اختصاص الآية بحج الإسلام قد عرفت ما فيها.

و النية شرط في الذبح كما في غيره من الأفعال، فيجب مقارنتها لأول جزء منه و استدامتها الى آخره، و لكن التحقيق أنها الداعي، و انه لا يجب فيها أزيد من نية القربة و التعيين مع فرض الحاجة اليه، و إن كان الأحوط مع ذلك ذكر الوجه و غيره مما سمعته سابقا، كما انك سمعت أيضا الاجتزاء بالإتيان بعنوان الجزئية للحج الذي سبق تعينه عند إحرامه، و الله العالم.

و يجوز أن يتولاها عنه الذابح النائب عنه في الذبح و نيته بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن بعض الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق على توليه لها مع غيبة المنوب عنه، لانه الفاعل، فعليه نيته، فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها، لأن النية إنما تعتبر من المباشر، بل لا معنى لها إن نوى الذبح أو النحر، فالجواز بمعناه الأعم، أو التعبير به لأن

ج 19، ص: 119

النيابة جائزة، نعم إن جعلت يده مع يده نويا كما في الدروس لأنهما مباشران، و في الدروس و تجب النية في الذبح، و تجزي الاستنابة في ذبحه، و يستحب جعل يده مع يده فينويان، و مباشرته أفضل إن أحسن، و يستحب للنائب ذكر المنوب لفظا و يجب نيته، قلت: قد سمعت ما في خبر أبي بصير(1)المتضمن للرخصة للنساء و الصبيان في الإفاضة من المشعر بالليل، و ان يرموا الجمار فيها، و

ان يصلوا الغداة في منازلهم، فان خفن الحيض و كان من يضحي عنهن، و

خبر علي بن أبي حمزة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «اي امرأة أو رجل خائف أفاض من المشعر ليلا فلا بأس، فليرم الجمرة ثم ليمض و ليأمر من يذبح عنه»

و خبر أبي بصير(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «رخص رسول الله صلى الله عليه و آله للنساء و الضعفاء ان يفيضوا من جمع بليل، و ان يرموا الجمرة بليل، فإذا أراد ان يزوروا البيت و كلوا من يذبح عنهم»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز التوكيل الظاهر في الذبح و نيته، بل الظاهر مشروعيته في حال الحضور أيضا كالتوكيل في الزكاة و الخمس، فينوي النائب حينئذ، نعم قد يقال لو كان التوكيل في الفعل نفسه خاصة نوى الأصل حينئذ، و لا يقدح كونه غير مباشر بعد مشروعية التوكيل في الفعل الذي صار به بمنزلة فعله، فينوي القربة فيه، و لعل المراد بالجواز في المتن و القواعد الإشارة الى ذلك، و الاولى مع حضوره جمع النيتين منهما، و هو سهل بعد كون النية الداعي.

و لو غلط الوكيل في تسمية الموكل لم يقدح تقديما لنيته على الغلط اللساني و هو المراد من

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه عليه السلام المروي في التهذيب و غيره


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 120

«سألته عن التضحية يخطئ الذي يذبحها فيسمي غير صاحبها أ تجزي عن صاحب الضحية؟ فقال: نعم، إنما له ما نوى»

فان الاسم لا مدخلية له، و لذا لو نساه اجزء أيضا، كما في

خبر عبد الله بن جعفر الحميري (1)المروي عن الاحتجاج عن صاحب الزمان (روحي له الفداء) «كتب إليه يسأله عن رجل اشترى هديا لرجل غائب، و سأله ان ينحر عنه هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل و نحر الهدي ثم ذكر بعد ذلك أ يجزي عن الرجل أم لا؟ الجواب لا بأس بذلك، و قد أجزء عن صاحبه»

و الله العالم.

و يجب ذبحه بمنى عند علمائنا في محكي المنتهى و التذكرة و عندنا في كشف اللثام، و هذا الحكم مقطوع في كلام الأصحاب في المدارك، و قال الصادق عليه السلام في

خبر إبراهيم الكرخي (2)«في رجل قدم بهديه مكة في العشر، فقال: إن كان هديا واجبا فلا ينحره إلا بمنى، و إن كان ليس بواجب فلينحره بمكة إن شاء و إن كان قد أشعره أو قلده فلا ينحره إلا يوم الأضحى»

و قال أيضا في خبر عبد الأعلى (3)«لا هدي إلا من الإبل، و لا ذبح إلا بمنى»

بل ربما استشعر من

قول النبي (4)«منى كلها منحر»

تخصيصها بالحكم من حيث تخصيصها بالذكر، بل ربما استدل ب

قول الصادق عليه السلام أيضا في صحيح منصور(5)«في


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الذبح- الحديث 2 و هو خبر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث- 6.
4- 4 المستدرك- الباب- 35- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 121

الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه»

بناء على أولوية عدم الاجزاء مع الاختيار من حال الاضطرار، لكن فيه انه مبني على اجزاء التبرع، و إلا كان مطرحا.

و كيف كان فما عن العامة- من جوازه في أي مكان من الحرم، بل جوازه في الحل إذا فرق لحمه في الحرام- واضح الفساد، و ما في

صحيح عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة فذبح قال: لا بأس قد اجزء عنه»

مع- انه صريح في الذبح بغير منى، و إن أشكله الشهيد بأنه في غير محل الذبح- محمول على غير الهدي الواجب، ك

حسن معاوية بن عمار(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن أهل مكة أنكروا عليك انك ذبحت هديك في منزلك بمكة فقال: إن مكة كلها منحر»

و الله العالم.

و لا يجزي واحد في الهدي الواجب إلا عن واحد و لو حال الضرورة عند المشهور، بل عن ضحايا الخلاف الإجماع عليه للأصل المستفاد من تعدد الخطاب الموافق لقوله تعالى (3)«فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ» الى آخره، ضرورة صدق عدم وجدان الهدي مع الاضطرار، فان التمكن من جزء منه ليس تمكنا منه بعد أن كان المنساق منه الحيوان التام، و الأمر بما استيسر إنما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.

ج 19، ص: 122

لإرادة بيان النعم الثلاثة لا اجزاء الحيوان الواحد، و ل

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النفر تجزيهم البقرة قال: أما في الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم»

و صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «لا تجوز البدنة و البقرة إلا عن واحد بمنى»

و خبر الحلبي (3)عن الصادق عليه السلام «تجزي البقرة و البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزي بمنى إلا عن واحد»

بناء على إرادة الكناية بذلك عن الهدي الواجب و المندوب أي الأضحية، لا الحج المندوب تمتعا، لأن الهدي فيه واجب أيضا بعد وجوبه بالتلبس به.

و لكن مع ذلك قيل يجزي مع الضرورة عن خمسة و عن سبعة إذا كانوا أهل خوان واحد إلا انا لم نعرف القائل بذلك، نعم في محكي المبسوط «و لا يجوز في الهدي الواجب إلا واحد عن واحد مع الاختيار سواء كان بدنا أو بقرا، و يجوز عند الضرورة عن خمسة و عن سبعة و عن سبعين، و كلما قالوا كان أفضل، و ان اشتركوا عند الضرورة أجزأت عنهم، سواء كانوا متفقين في النسك أو مختلفين و لا يجوز أن يريد بعضهم اللحم، و إذا أرادوا ذبحه أسندوه إلى واحد منهم ينوب عن الجماعة، و يسلم مشاعا اللحم الى المساكين» و نحو منه النهاية، و كذا الاقتصاد و الجمل و العقود، و لم يقتصر فيهما على البدنة و البقرة، و لا اشترط أن لا يريد بعضهم اللهم أي اجتماعهم على التقرب بالهدي، و في كشف اللثام و هو خيرة القاضي و المختلف و المنتهى و محتمل التذكرة، و الموجود في المختلف أن الأقرب الاجزاء عند الضرورة عن الكثير دون الاختيار» و في المقنعة «و تجزي البقرة عن خمسة إذا كانوا أهل بيت، و لا يجوز في الهدي الواجب


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث- 4.

ج 19، ص: 123

البقرة و البدنة مع التمكن إلا عن واحد، و إنما تجوز عن خمسة و سبعة و سبعين عند الضرورة و عدم التمكن، و إن كان كلما قل المشتركون فيه و الحال ما وصفناه كان أفضل» و عن الهداية «و تجزي البقرة عن خمسة نفر إذا كانوا من أهل بيت و روي أنها تجزي عن سبعة، و الجزور يجزي عن عشرة متفرقين، و الكبش يجزي عن الرجل و عن أهل بيته، و إذا عزت الأضاحي أجزأت شاة عن سبعين» و في المراسم «تجزي بقرة عن خمسة نفر» و أطلق فلم يقيد بالضرورة و لا بالاجتماع على خوان واحد، نعم عن بعض نسخها زيادة «و الإبل تجزي عن سبعة و عن سبعين نفرا» و في المحكي من حج الخلاف «يجوز اشتراك سبعة في بدنة واحدة أو بقرة واحدة إذا كانوا متقربين و كانوا أهل خوان واحد سواء كانوا متمتعين أو قارنين أو مفردين، أو بعضهم مفردا و بعضهم قارنا أو متمتعا أو بعضهم مفترضين أو متطوعين، و لا يجوز أن يريد بعضهم اللحم، و به قال أبو حنيفة إلا انه لم يعتبر أهل خوان واحد، و قال الشافعي: مثل ذلك إلا انه أجاز ان يكون بعضهم يريد اللهم، و قال مالك: لا يجوز الاشتراك إلا في موضع واحد، و هو إذا كانوا متطوعين، و قد روى ذلك أصحابنا أيضا، و هو الأحوط، و على الأول

خبر جابر(1)قال: «كنا نتمتع على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله و نشترك السبعة في البقرة أو البدنة»

و ما رواه أصحابنا أكثر من أنه يحصى، و على الثاني ما رواه أصحابنا، و طريقة الاحتياط تقتضيه».

و الجميع كما ترى ليس في شي ء منها ما يوافق القول المزبور مع اختلافها كاختلاف النصوص، ففي

خبر معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «تجزي


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 234.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 124

البقرة عن خمسة بمنى ان كانوا أهل خوان واحد»

و خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «البدنة و البقرة تجزي عن سبعة إذا اجتمعوا من أهل بيت واحد من غيرهم»

و خبر إسماعيل بن أبي زياد(2)عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «البقرة الجذعة تجزي عن ثلاثة من أهل بيت واحد، و المسنة تجزي عن سبعة نفر متفرقين، و الجزور تجزي عن عشرة متفرقين»

و في

خبر حمران (3)قال: «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: و كم؟

قال: ما خف فهو أفضل، فقال: قلت: عن كم تجزي؟ فقال عن سبعين»

و في

خبر الحسين بن خالد(4)المروي عن العلل و العيون سئل الرضا عليه السلام «عن كم تجزئ البدنة؟ فقال: عن نفس واحدة، قال: فالبقرة قال: تجزي عن خمسة قال: لأن البدنة لم يكن فيها من العلة ما كان في البقرة، ان الذين أمروا قوم موسى بعبادة العجل كانوا خمسة، و كانوا أهل بيت يأكلون علي خوان واحد و هم الذين ذبحوا البقرة».

إلا انها أجمع كما ترى لا تصريح في شي ء منها بالهدي الواجب، فيمكن حملها على الأضحية المندوبة ك

خبر سوادة(5)قال: «كنا جماعة بمنى فعزت الأضاحي بمنى فنظرنا فإذا أبو عبد الله عليه السلام واقف على قطيع يساوم بغنم،


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح- الحديث 18.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب 19 من أبواب الذبح- الحديث 1 و أسقط قطعة منه و ذكر ذيله في الباب 18 منها الحديث 12 و ذكر تمامه في الاستبصار ج 2 ص 267 الرقم 947.

ج 19، ص: 125

و يماكسه مكاسا شديدا فوقفنا ننظر فلما فرغ اقبل علينا و قال: أظنكم قد تعجبتم من مكاسي فقلنا نعم، فقال: إن المغبون لا محمود و لا مأجور أ لكم حاجة؟

قلنا نعم أصلحك الله ان الأضاحي قد عزت علينا، قال: فاجتمعوا فاشتروا جزورا فانحروها فيما بينكم، قلنا فلا تبلغ نفقتنا ذلك، قال: فاجتمعوا فاشتروا شاة و اذبحوها فيما بينكم، قلنا: تجزي عن سبعة قال: نعم و عن سبعين»

و خبره الآخر مع علي بن أسباط(1)عنه عليه السلام أيضا قالا: «قلنا له: جعلنا فداك عزت الأضاحي علينا بمكة فيجزي اثنين ان يشتركا في شاة فقال: نعم و عن سبعين»

و خبر علي بن الريان بن الصلت (2)عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال: «كتبت إليه أسأله عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية فجاء الجواب ان كان ذكرا فعن واحد، و ان كان أنثى فعن سبعة»

و خبر يونس بن يعقوب (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البقرة يضحى بها فقال: تجزي عن سبعة»

نعم في

خبر زيد بن جهم (4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام متمتع لم يجد هديا فقال: اما كان معه

درهم يأتي به قومه فيقول: أشركوني بهذا الدرهم»

و صحيح ابن الحجاج (5)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم متوافقون ليسوا بأهل بيت واحد و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، أ لهم ان يذبحوا بقرة؟ فقال: لا أحب ذلك إلا من ضرورة»

و الأول- مع وهن سنده بجهالة حفص و زيد، و لا جابر له- يمكن حمله على ضرب من الندب بدفع شي ء للشركة مع من يضحي و إن كان تكليفه الصوم، و الثاني لا تصريح فيه بالهدي، فيمكن الاشتراك في الأضحية المندوبة و إن كانوا متمتعين، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 9 عن ابى الحسن الرضا عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 13.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الذبح الحديث 10.

ج 19، ص: 126

بعد ظهوره في جواز ذلك اختيارا مع عدم القائل به أو ندرته، فالتحقيق حينئذ عدم الاجزاء في الهدي الواجب مطلقا.

و حينئذ ف الأول أشبه و ان كان الأحوط مع الضرورة الاشتراك مع الصوم، نعم يجوز ذلك في المندوب أي الأضحية و المبعوث من الآفاق و المتبرع بسياقه مع عدم تعينه بالاشعار و التقليد، لما سمعته من النصوص السابقة، بل عن المنتهى الإجماع على إجزاء الهدي في التطوع عن سبعة نفر سواء كان من الإبل أو البقر أو الغنم، بل في التذكرة «اما في التطوع فيجزي الواحد عن سبعة و عن سبعين حال الاختيار سواء كان من الإبل أو البقر أو

الغنم إجماعا» بل الظاهر إرادة المثال من السبعين في النصوص في الشاة فضلا عن غيرها من غير فرق في ذلك بين كونهم أهل خوان واحد أو لا، و بين كونهم من أهل بيت واحد أو لا، ففي

مرسل ابن سنان (1)«كان رسول الله صلى الله عليه و آله يذبح يوم الأضحى كبشين أحدهما عن نفسه و الآخر عمن لم يجد من أمته»

و ما في بعض النصوص من التقييد ببعض ذلك محمول على ضرب من الندب، و الله العالم.

و لا يجب بيع ثياب التجمل في الهدي، بل يقتصر على الصوم مع عدم وجدانه غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك و غيرها انه مقطوع به في كلام الأصحاب، لفحوى استثنائها في دين المخلوق الذي هو أهم في نظر الشارع من دين الخالق، و لصدق عدم الوجدان عليه الذي هو عنوان الصوم، و انتفاء صدق الاستيسار الذي هو عنوان وجوب الذبح، و ل

مرسل علي بن أسباط(2)المنجبر بما عرفت عن الرضا عليه السلام سئل «عن رجل يتمتع بالعمرة إلى الحج


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الذبح الحديث 2.

ج 19، ص: 127

و في عيبته ثياب إله ان يبيع من ثيابه شيئا و يشتري بدنة؟ قال: لا، هذا يتزين به المؤمن، يصوم و لا يأخذ من ثيابه شيئا»

بل و

صحيح البزنطي (1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن المتمتع يكون له فضول من الكسوة بعد الذي يحتاج اليه فتسوي تلك الفضول مائة درهم، هل يكون ممن يجب عليه؟ فقال له بد من كراء و نفقة، فقال: له كراء و ما يحتاج اليه بعد هذا الفضل من الكسوة، فقال: و أي شي ء كسوة بمائة درهم، هذا ممن قال الله: فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجعتم»

و إن كان يحتمل غير ذلك، لكن ما عرفته أولا كاف، بل الظاهر استثناء كل ما يستثني في الدين، و لو باعها و اشترى ففي الدروس أجزء، و نوقش بأنه غير آت بالمأمور به و ليس هو كمن وهب فقبل و نحوه ممن يصدق عليه أنه تيسر له الهدي بعد قبوله، بخلاف الفرض خصوصا بعد ظهور المرسل في عدم كون ذلك له، اللهم إلا أن يكون المراد منه عدم الوجوب لا النهي، و لعل الاجزاء لا يخلو من قوة، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه و لو بالجمع، و الله العالم.

و لو ضل الهدي فذبحه غير صاحبه ناويا به صاحبه لم يجز عنه كما في النافع بل في المسالك انه المشهور و ان كان لم نجده لغير المصنف في الكتابين، بل في كشف اللثام قصر الحكاية على الثاني منهما، بل هو في الكتاب في هدى القران صرح بما عليه المشهور كما ستسمع، فينحصر الخلاف حينئذ في النافع و إن كان ما حضرنا من نسخته هنا و ما شرحه ثاني

الشهيدين و سبطه نحو ما في النافع، و على كل حال فلا دليل له إلا الأصل المقطوع بما في

صحيح منصور بن حازم (2)«في رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 128

ضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: إن كان نحره في منى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه»

و من هنا كان المشهور على ما في كشف اللثام الاجزاء عنه ان ذبحه بمنى، بل ظاهر الصحيح المزبور إطلاق الاجزاء عن صاحبه مع الذبح بمنى، إلا انه لا قائل به على الظاهر، و لعله لانسياق ذلك منه، مضافا الى ما تسمعه من صحيح ابن مسلم (1)فحينئذ إن لم ينوه عن صاحبه لم يجز عن احد منهما كما عن المنتهى و التحرير التصريح به، قال: و اما عن الذابح فلانه منهي عنه، و اما عن صاحبه فلعدم النية» و في الرياض «هو حسن لولا إطلاق النص بالاجزاء عن صاحبه» و لكن ظاهرهم الإطباق على المنع هنا، و لعلهم حملوا إطلاق النص على الأصل في فعل المسلم من الصحة، فلا يتصور فيه الذبح بغير النية عن صاحبه» قلت:

لا يخفى عليك في هذا الأصل هنا سيما بعد عموم جواز الالتقاط، و لذا قال في كشف اللثام: «لا يجزي عنه و ان نواه عن نفسه إلا ان يجده في

الحل فيتملكه بشرائطه، و حينئذ فهو صاحبه» قلت: بل لو وجده في الحرم بناء على جواز أخذ الضالة، نعم لو قلنا بخروج الهدي عن حكم الضالة و لو للنص المزبور اتجه عدم الاجزاء حينئذ عنه للنهي، و لكن فيه نظر لإطلاق الأدلة بل عمومها، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد سمعت ما عن المشهور المبني على عدم تملك الواجد، لكن عن الفاضل في المنتهى انه ينبغي لواجد الهدى الضال ان يعرفه ثلاثة أيام، فإن عرفه صاحبه و إلا ذبحه عنه، ل

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و اليوم الثاني و اليوم الثالث ثم يذبحه عن صاحبه عشية يوم الثالث»

، و لكن ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 129

الصحيح المزبور وجوب التعريف كما هو المحكي عن ظاهر الشيخ في النهاية، بل في كشف اللثام الظاهر الوجوب للأمر بلا معارض، و للتحرز عن النيابة بلا ضرورة و لا استنابة خصوصا عن غير معين، و عن إطلاق الذبح عما في الذمة إطلاقا محتملا للوجوب و الندب، و للهدي و غيره، و للتمتع و غيره، و حج الإسلام و غيره، و لذا لم يجتز به المحقق في النافع، قلت: أما عدم اجتزاء المصنف فهو كالاجتهاد في مقابل النص نحو ما سمعته من التعليل،

فالعمدة ظاهر الأمر الذي لا ريب في قصوره عن معارضة الصحيح الأول مع فرض إرادة اعتبار ذلك في الاجزاء، و إلا كان واجبا تعبدا معارضا بالأصل و غيره، بل ظاهر الفاضل الذي ذكره الندب، كما أن ظاهر الشيخ التعبير بما في الخبر، فالأقوى الندب، و خصوصا بعد الذبح، و إن قال في المدارك: «و لو قلنا بجواز الذبح قبل التعريف لم يبعد وجوبه بعده ليعلم المالك فيترك الذبح ثانيا» إلا انه كما ترى، خصوصا مع القول بالاجزاء عن صاحبها بمجرد الضياع كما في

مرسل محمد بن عيسى (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو هلكت فقال: إن كان أوثقها في رحل فضاعت فقد أجزأت عنه»

و خبر علي (2)عن عبد صالح عليه السلام قال: «إذا اشتريت أضحيتك و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله»

و يقرب من ذلك ما في

صحيح معاوية(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها قال: لا بأس، و ان أبدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء»

و مرسل إبراهيم بن


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 2 عن احمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث- 1.

ج 19، ص: 130

عبد الله (1)قال: «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله عليه السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال ما ضحي بمنى شاة أفضل من شاتك»

و ان كانا هما في غير الضال، مع احتمال إرادة ما يشمله من الهلاك في الأول نحو

خبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول قال: إن كانا جميعين قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير و ان شاء ذبحه، و ان كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه»

المحمول على الندب، لحصول الاجزاء بذبح الأخير نعم لو فرض تعين ذبحه بنذر و نحوه وجب حينئذ، و منه الاشعار الذي قد صرح بالوجوب معه في محكي التذكرة و المنتهى و التحرير، بل عن المختلف انه حكاه عن الشيخ أيضا، و لكن هو قرب الاستحباب للامتثال، و هو مناف ل

صحيح الحلبي (3)سأل الصادق عليه السلام «عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه، فقال عليه السلام: ان لم يكن قد أشعرها فهو من ماله، ان شاء نحرها و ان شاء باعها، و ان كان أشعرها نحرها»

هذا، و في المدارك «انه متى جاز ذبحه فالظاهر وجوب الصدقة به و الاهداء و يسقط وجوب الأكل قطعا، لتعلقه بالمالك» و نحوه في المسالك، و قد يناقش في وجوب الأولين أيضا بظهور دليلهما في المالك و إطلاق الأمر هنا بالذبح الظاهر في الاجزاء، و لو ان الواجد معامل معاملة المالك لوجب الأكل عليه أيضا، و لكن مع ذلك و الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبح- الحديث- 1.

ج 19، ص: 131

و لا يجوز إخراج شي ء مما ذبحه في منى من الهدي الواجب عن منى، بل يخرج من رحله مثلا الى مصرفه بها وفاقا للمشهور على ما في الذخيرة، بل في المدارك هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفا، و استدل عليه في التهذيب ب

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن اللحم أ يخرج به من الحرم؟ فقال: لا يخرج منه شي ء إلا السنام بعد ثلاثة أيام»

و صحيح معاوية(2)قال أبو عبد الله عليه السلام: «لا تخرجن شيئا من لحم الهدي»

و خبر علي بن أبي حمزة(3)عن أحدهما (عليهما السلام) «لا يتزود الحاج من أضحيته، و له ان يأكل بمنى أيامها، قال: و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها»

و لكن لا يخفى عليك عدم دلالة الأول على المطلوب بل و الثاني مع فرض كون المراد به ما في الأول من عدم الخروج من الحرم، و كذا الثالث، ضرورة النهي فيه عن التزود لا الصدقة بها مثلا في خارج منى، و لعله لذا كان المحكي عن الفقيه و المقنع و الجامع و المنتهى و التذكرة و التحرير التعبير بما يوافق الصحيح الأول، و منه يعلم ما في النسبة المزبورة، نعم عن الصدوق و ابن سعيد استثناء السنام كما في الخبر، بل عن الأخير زيادة الجلد لما تسمعه إن شاء الله من النصوص (4)بل عن المنتهى تخصيص الحكم هنا باللحم، لكن في المسالك لا فرق في ذلك بين اللحم و الجلد و غيرهما من الأطراف و الأمعاء، بل تجب الصدقة بجميع ذلك، لفعل النبي (صلى الله عليه و آله)(5)و ناقشه في المدارك بأنه لا يقتضي الوجوب، و فيه ان ذلك مقتضى دليل التأسي بناء على شموله لغير معلوم الوجه من


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث- 3.

ج 19، ص: 132

الفعل، مضافا الى

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «خذوا عني مناسككم»

ثم قال في المدارك: نعم يمكن الاستدلال عليه

بصحيح معاوية(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإهاب فقال: تصدق به أو تجعله مصلى

تنتفع به في البيت، و لا تعطي الجزارين، و قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن يعطى جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين، و أمر أن يتصدق بها»

و صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه عليه السلام «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها أن يجعلها جرابا؟

قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا إلا ان يتصدق بثمنها»

لكن فيه انه لا دلالة في شي ء منهما على عدم جواز الإخراج من منى كما هو واضح، بل الأخير منهما في الأضاحي التي يمكن القول بجواز إخراج لحومها اختيارا و ان كره كما عن الفاضلين و غيرهما التصريح به، كالمحكي عن صريح آخرين من الجواز معها في جلود الهدي أيضا، و لعله

للصحيح أو الموثق (4)«عن الهدي أ يخرج شي ء منه عن الحرم؟ فقال: بالجلد و السنام و الشي ء ينتفع به، قلت: إنه بلغنا عن أبيك انه قال: لا يخرج من الهدي المضمون شيئا، قال: بل يخرج بالشي ء ينتفع به» و زاد فيه احمد «و لا يخرج شي ء من اللحم من الحرم»

نحو ما سمعته في صحيح ابن مسلم السابق.

و بذلك كله ظهر لك أن المتجه العمل بما في صحيح ابن مسلم، و ان كان الاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا بعد إطلاق النهي عن الخروج في صحيح معاوية الذي لا تعارض بينه و بين صحيح ابن مسلم في ذلك، و خصوصا بعد ما


1- 1 تيسير الوصول ج 1 ص 312.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 6.

ج 19، ص: 133

سمعته من النسبة إلى الأصحاب في المدارك و الى الشهرة في غيرها، نعم ينبغي القطع بالجواز إذا لم يكن مصرف له إلا في خارجها كما صرح به في المسالك مستثنيا له من إطلاق المنع و نحوه، كما انه ينبغي القطع بالجواز إذا كان قد اشتراه مثلا من المسكين، لانسياق دليل المنع الى غيره، فيبقى الأصل حينئذ بلا معارض كما جزم به في التهذيب جامعا به بين ما سمعته من النصوص و بين

صحيح ابن مسلم أو حسنه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى فقال: كنا نقول: لا يخرج شي ء لحاجة الناس اليه، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه»

و ان كان فيه أنه غير مناف لما ذكرنا، بل هو مؤيد له على أنه في الأضاحي دون الهدي الواجب الذي هو محل البحث، و الله العالم.

و يجب ذبحه أي الهدي يوم النحر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل في المدارك أنه قول علمائنا و أكثر العامة للتأسي، لكن المسلم منه كونه بمعنى عدم جواز تقديمه على يوم النحر الذي يمكن تحصيل الإجماع عليه كما ادعاه بعضهم، أما عدم جواز تأخيره عنه فهو و إن كان مقتضى العبارة لكن ستعرف القائل بالجواز صريحا و ظاهرا، بل قد يشكل الدليل عليه، فإنهم لم يذكروا له إلا التأسي الذي

يمكن الاشكال فيه- بعد تسليم وجوبه في غير معلوم الوجه- بأنه لم يعلم كون ذبحه في ذلك اليوم نسكا، ضرورة احتياج الذبح الى وقت، و ان كان هو خلاف ظاهر الحال.

و أن يكون مقدما على الحلق بناء على وجوب الترتيب الذي ستسمع الكلام فيه عند تعرض المصنف (رحمه الله) له و لكن لو أخره عنه أثم بناء على الوجوب و أجزأ، و كذا لو ذبحه في بقية ذي الحجة


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 134

جاز أي أجزأ بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام قطع به الأصحاب من غير فرق بين الجاهل و العالم و العامد و الناسي، و لا بين المختار و المضطر، بل عن النهاية و الغنية و السرائر الجواز، بل عن الثاني الإجماع عليه، لكن يمكن إرادة الجميع الاجزاء منه كما في المتن، نعم عن المصباح و مختصره «ان الهدي الواجب يجوز ذبحه و نحره طول ذي الحجة، و يوم النحر أفضل» بل عن ظاهر المهذب ما يوهم جواز تأخيره عن ذي الحجة، و لعله لا يريده، لإمكان تحصيل الإجماع كما ادعاه بعض على خلافه، و عن المبسوط التصريح بأنه بعد أيام التشريق قضاء، و عن ابن إدريس انه أداء.

و على كل حال فدليل الاجزاء بعد إطلاق الآية(1)

حسن حريز(2)عن الصادق عليه السلام «فيمن يجد الثمن و لا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزي عنه، فان مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة»

إلا انه لا يشمل تمام المدعي، ك

صحيح معاوية بن عمار(3)عنه عليه السلام أيضا «في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح قال: لا بأس قد أجزأ عنه»

كما انه لا دلالة في

صحيح علي بن جعفر(4)سأل أخاه عليه السلام «عن الأضحى كم هو بمنى؟ قال: أربعة أيام»

و نحوه موثق عمار(5)على كونه قضاء بعد أيام التشريق، لجواز كون الغرض عدم الصوم، كما في

صحيح ابن حازم أو موثقه (6)عن الصادق عليه السلام «النحر بمنى


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح- الحديث- 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح- الحديث- 5.

ج 19، ص: 135

ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى تمضي الثلاثة الأيام، و النحر بالأمصار يوم فمن أراد ان يصوم صام من الغد»

بل في

موثق أبي بصير(1)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن رجل تمتع فلم يجد ان يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»

و ان كان احتمل فيه إرادة يوم النفر من مكة و قد كان بعد ذي الحجة، بل عن الشيخ حمله على من صام ثلاثة أيام فمضى أيامه بمعنى مضي زمان أسقطه عنه للصوم فيه، و الكلام في أمر القضاء و الأداء بعد عدم وجوب نيتهما عندنا سهل.

انما الكلام في أصل الوجوب يوم النحر الذي قد عرفت عدم ذكر دليل له إلا التأسي الذي قد سمعت الاشكال فيه، نعم قد يستفاد وجوبه من بعض النصوص (2)التي مرت في الرخصة للنساء و الخائف و نحوه المشتمل على الأمر لهن بالتوكيل في الذبح عنهن إن خفن الحيض، و في

آخر(3)«فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن»

و لكن ما سمعته من الأمر(4)لواجد الهدي بالذبح في عشية اليوم الثالث بل و غيره يقضي بأن أيام النحر في منى الأربعة، فيمكن القول بوجوب فعله فيها، بل يمكن إرادة ما

يشملها من يوم النحر المراد به الجنس و حينئذ فإن أخر عنهن مختارا اثم، و ان كان هو يجزي في جميع ذي الحجة أيضا كالمعذور، و الله العالم و الهادي.

[الطرف الثاني في صفاته ]
اشاره

الطرف الثاني في صفاته،

[و الواجبات منها ثلاثة]
اشاره

و الواجبات منها ثلاثة:

[الأول الجنس ]

الأول الجنس، و يجب ان يكون من النعم: الإبل و البقر و الغنم


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 136

بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى ما يحكى عن المفسرين في قوله تعالى (1)«لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» من أنها الثلاثة المزبورة، و الى

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر عليه السلام «في المتمتع قال: و عليه الهدي، قلت: و ما الهدي؟ فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخسه شاة»

و غيره من النصوص، و كونه المعهود و المأثور من فعل النبي صلى الله عليه و آله و

الأئمة (عليهم السلام) و الصحابة و التابعين، بل هو كالضروري بين المسلمين، قيل: و لذا كان إذا نذر أن يهدي عبده أو جاريته أو دابته لزمه بيعه و صرف ثمنه في مصالح البيت بعد تعذر إرادة الهدي منه حقيقة، لأن الفرض اختصاصه بغير ذلك، و فيه أنه لا يدل على حصره في الثلاثة، و كيف كان فأقله واحد من المزبورات، و لا حد لأكثره، فقد نحر النبي صلى الله عليه و آله (3)ستا و ستين بدنة و على عليه السلام تمام المائة.

[الثاني السن ]

الثاني السن، فلا يجزي من الإبل إلا الثني، و هو الذي له خمس و دخل في السادسة، و كذا من البقر و المعز و هو ما له سنة و دخل في الثانية و يجزي من الضأن الجذع بلا خلاف أجده فيه في الحكم، و التفسير للأول الذي هو المعروف عند أهل اللغة أيضا بل على الحكم في الثلاثة الإجماع صريحا في كلام بعض و ظاهرا في كلام آخر، مضافا الى

صحيح العيص (4)عن أبي عبد الله عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) «انه كان يقول: يجزي الثني من الإبل، و الثنية


1- 1 سورة الحج- الآية 35.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الذبح- الحديث- 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 137

من البقر، و الثنية من المعز، و الجذعة من الضأن»

بناء على ظهوره في أن ذلك أقل المجزي، و الى

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(1): «يجزي من الضأن الجذع، و لا يجزي من المعز إلا الثني»

و في

حسن معاوية بن عمار(2)«يجزي في المتعة الجذع من الضأن، و لا يجزي جذع من المعز»

و في

خبر أبي بصير(3)«يصلح الجذع من الضأن، و أما الماعز فلا يصلح»

و سأله عليه السلام حماد بن عثمان (4)«عن أدنى ما يجزي من أسنان الغنم في الهدي فقال: الجذع من الضأن، قلت: فالمعز قال: لا يجوز الجذع من المعز، قلت: و لم؟ قال: لان الجذع من الضأن يلقح، و الجذع من المعز لا يلقح»

و في

خبر سلمة بن أبي حفص (5)عنه عليه السلام أيضا «كان علي عليه السلام- الى أن قال-: و كان يقول:

يجزي من البدن الثني، و من المعز الثني، و من الضأن الجذع»

و في

دعائم الإسلام (6)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «الذي يجزي في الهدي و الضحايا من الإبل الثني، و من البقر المسن، و من المعز الثني، و يجزي من الضأن الجذع، و لا يجزي الجذع من غير الضأن، و ذلك لأن الجذع من الضأن يلقح، و لا يلقح الجذع من غيره».

و أما تفسير الثني في البقر و الغنم بما عرفت فهو المشهور في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، بل في كشف اللثام نسبته الى قطعهم، قال: و روي(7)


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث- 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 9 عن سلمة أبي حفص و هو الصحيح كما في الكافي ج 4 ص 490.
6- 6 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 138

في بعض الكتب عن الرضا عليه السلام، إلا أن المعروف في اللغة هو ما دخل في الثالثة فإن فيها تسقط ثنيتهما على ما قيل، بل عن زكاة المبسوط و أما المسنة يعني من البقر فقالوا أيضا هي التي تم لها سنتان، و هو الثني في اللغة، فينبغي أن يعمل عليه، و

روي (1)عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال: المسنة هي الثنية فصاعدا،

و في كشف اللثام و كذا في زكاة السرائر و المهذب و المنتهى و التحرير أنها الداخلة في الثانية و انها الثنية، و قد سمعت ما في خبر الدعائم من التعبير بالمسن.

و على كل حال فلا ريب في أنه أحوط بناء على أن المراد الثني فما فوقه، كما عن المبسوط و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الجمل و العقود و السرائر في الإبل و عن المهذب في البقر

، قال الحلبي (2)في الحسن: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الإبل و البقر أيهما أفضل أن يضحى بها؟ قال: ذوات الأرحام، و سألته عن أسنانها فقال: أما البقر فلا يضرك بأي أسنانها ضحيت، و أما الإبل فلا يصلح إلا الثني فما فوق»

و اشتماله على ما لا يقول به أحد من إجزاء أي أسنان البقر غير قادح في المطلوب، مع احتمال عدم قول البقر لما قبل الثني منها، و انما يقال له العجل، لكن

قال الصادق عليه السلام في خبر محمد بن حمران (3)«أسنان البقر تبيعها و مسنها في الذبح سواء»

و لعله في غير الفرض.

و أما الجذع من الضأن فلا خلاف أجده في إجزائه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى ما سمعته من النصوص، و هو على ما عن العين و المحيط و الديوان و الغريبين قبل الثني بسنة، و عن الصحاح و المجمل و المغرب المعجم و فقه اللغة للثعالبي و أدب الكاتب و المفصل و السامي و الخلاص أنه الداخل في السنة الثانية، و في كشف


1- 1 المبسوط- كتاب الزكاة- فصل زكاة البقر.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث- 7.

ج 19، ص: 139

اللثام و المعنى واحد، و كأنه المراد بما في المقاييس من أنه ما اتى له سنتان، و فيه أن الظاهر منه تمام السنتين لا الدخول في الثانية، كما أنه عليه يتحد حينئذ مع الثني من المعز بناء على أنه الداخل في الثالثة نحو اتحاده معه على الأول بناء على أنه الداخل في الثانية، مع أن الظاهر من النص و الفتوى بل صريحهما الفرق، و أن الجذع من الضأن أصغر في السن من الثني.

بل عن كتب الصدوق و الشيخين و سلار و ابني حمزة و سعيد و الفاضل نحو قول المصنف لسنته و في كشف اللثام و معناه ما في الغنية و المهذب و الإشارة أنه الذي لم يدخل في الثانية، و في السرائر و الدروس و زكاة التحرير انه الذي له سبعة أشهر، و في التذكرة و التحرير و المنتهى هنا انه الذي له ستة أشهر، و لم نجد ما يشهد لشي ء من ذلك، فان كان عرف يرجع اليه و إلا كان الأحوط مراعاة تمام السنة، و عن ابن الأعرابي «الأجذاع وقت و ليس بسن، و الجذع من الغنم لسنة، و من الخيل لسنتين، و من الإبل لأربع سنين- قال-: و الضأن يجذع لسنة، و ربما أجذعت الضأن قبل تمام السنة للخصب، فتسمن فيسرع إجذاعها، فهي جذعة لسنة، و ثنية لتمام سنتين» و عن إبراهيم الحربي «انه كان يقول في الجذع من الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر إلى سبعة أشهر، و إذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر» و عن أبي حاتم عن الأصمعي «الجذع من المعز لسنة، و من الضأن لثمانية أشهر أو تسعة» الى غير ذلك من كلماتهم التي لا شاهد لشي ء منها، فالتحقيق ما عرفت، و الله العالم.

[الثالث ان يكون تاما]

الثالث ان يكون تاما، فلا تجزي العوراء و لا العرجاء البين عرجها و لا المريضة البين مرضها و لا الكبيرة التي لا تنقى بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك الإجماع عليه في الأولين، و في

صحيح علي بن جعفر(1)سأل أخاه عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 140

«عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلا بعد شرائها هل يجزي عنه؟

قال: نعم إلا ان يكون هديا واجبا، فإنه لا يجوز ان يكون ناقصا»

بل في المنتهى «قد وقع الاتفاق من العلماء على اعتبار هذه الصفات الأربع في المنع، و

روى البراء بن عازب (1)قال: «قام فينا رسول الله صلى الله عليه و آله خطيبا فقال:

اربع لا تجوز في الأضحى: العوراء البين عورها، و المريضة البين مرضها، و العرجاء البين عرجها، و الكبيرة التي لا تنقى»

- ثم قال- و معنى البين عورها التي انخسفت عينها و ذهبت، فان ذلك ينقصها، لأن شحمة العين عضو يستطاب أكله، و العرجاء البين عرجها التي عرجها متفاحش يمنعها السير مع الغنم و مشاركتهن في العلف و الرعي فتهزل، و التي لا مخ لها لهزالها، لأن النقي بالنون المكسورة و القاف الساكنة المخ، و المريضة قيل هي الجرباء، لان الجرب يفسد اللحم، و الأقرب اعتبار كل مرض يؤثر في هزالها و في فساد لحمها- ثم قال-: فرع العوراء لو لم تنخسف عينها و كان على عينها بياض ظاهر فالوجه المنع من الاجزاء، لعموم الخبر، و الانخساف ليس معتبرا آخر(2)كما وقع الاتفاق على الصفات الأربع المتقدمة، فكذا وقع على ما فيه نقص أكثر من هذه العيوب بطريق التنبيه، كالعمى لا يجزي، لأن العمى أكثر من العور، و لا يعتبر مع العمى انخساف العين إجماعا، لأنه يخل بالسعي مع النعم و المشاركة في العلف أكثر من إهلال العرج» و نحوه عن التذكرة إلا فيما جعله الوجه فيه فإنه ذكره احتمالا، و كذا عن التحرير، و ظاهر ما فيهما التردد، و لعله


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 242 و فيه « الكسيرة التي لا تنقي».
2- 2 أي فرع منه رحمه الله.

ج 19، ص: 141

من إطلاق الصحيح السابق، و من التقييد بالبين في النبوي المتقدم، و

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «قال رسول الله صلى الله عليه و آله لا يضحى بالعرجاء بين عرجها، و لا

بالعوراء بين عورها، و لا بالعجفاء و لا بالخرقاء و لا بالجدعاء و لا بالعضباء»

و إن كان في خبر آخر له (2)إبدال العوراء بالجرباء، نعم لا دليل على اعتبار الانخساف في البين عورها كما سمعته من المنتهى في أول كلامه الذي ينافيه ما جعله الأقرب في آخره، اللهم إلا أن يريد بالأول الفرد المتيقن من البين، بل لا يبعد الاكتفاء بمطلق العور في عدم الإجزاء لإطلاق الصحيح السابق المعتضد بإطلاق المصنف و غيره من الأصحاب كما اعترف به في المدارك و ان حكي عن الغنية التقييد به، إلا ان غيره أطلق إطلاقا كالصريح في عدم اعتباره بقرينة ذكرهم له في العرج دونه، نعم لا بأس بالتقييد به في العرج و إن أطلق المصنف في النافع، بل عن بعض المتأخرين التصريح بذلك، لإطلاق الصحيح المزبور، إلا انه يمكن تقييده بالنبويين المزبورين المنجبرين بكلام الأصحاب هنا، و بأصالة عدم الاجزاء، نعم ينبغي الرجوع فيه الى العرف لا خصوص ما سمعته من المنتهى، و الله العالم.

و لا يجزي أيضا التي انكسر قرنها الداخل و هو الأبيض الذي في وسط الخارج، أما الخارج فلا عبرة به و لا المقطوعة الاذن بلا خلاف أجده في ذلك، لما سمعته من الصحيح (3)و غيره، و في

صحيح جميل (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «أنه قال في المقطوع القرن و المكسور القرن إذا كان القرن


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الذبح- الحديث 3.

ج 19، ص: 142

الداخل صحيحا فلا بأس و ان كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا»

و نحوه

الصحيح (1)الآخر أيضا «في الأضحية يكسر قرنها، إذا كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي»

و في المنتهى «قال علماؤنا: إن كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس بالتضحية به و ان كان ما ظهر منه مقطوعا، و به قال علي عليه السلام (2)و عمار، و على ان ذلك لا يؤثر في اللحم فأجزأ كالجماء، و

النبوي المروي (3)من طرق العامة «انه نهى أن يضحى بأعضب الاذن و القرن»

مع انه غير ثابت محمول على المكسور من داخل، نعم الظاهر تحقق النقص بذهاب بعض القرن الداخل» لكن عن ابن بابويه أنه قال: سمعت شيخنا محمد بن حسن الصفار يقول: «إذا ذهب من القرن الداخل ثلثه و بقي ثلثاه فلا بأس أن يضحى به» و لعله يريد المندوب لا الواجب و ان حكاه عنه في الدروس في الهدي لكن الموجود عن الفقيه ما سمعت، و

في نهج البلاغة(4)عن أمير المؤمنين عليه السلام «فإذا سلمت الأذن و العين سلمت الأضحية و لو كانت عضباء تجر رجلها الى المنسك»

و أرسل في الفقيه (5)عنه عليه السلام «و ان كانت عضباء القرن أو تجر رجلها الى المنسك فلا تجزي»

فإن صح الأول فمع اختصاصه بالأضحية التي أصلها الندب يحتمل عروض ذلك بعد السوق، كما في نحو

صحيح معاوية(6)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل أهدى هديا و هو سمين فأصابه مرض و انفقأت عينها فانكسر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 6.
3- 3 كنز العمال ج 3 ص 45 الرقم 857.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 143

فبلغ المنحر و هو حي قال: يذبحه و قد أجزأ عنه»

و هو أيضا مختص بالهدي المندوب للاخبار ك

صحيحه (1)أيضا «سأله عليه السلام عن رجل أهدى هديا فانكسرت فقال عليه السلام ان كانت مضمونة فعلية مكانها، و المضمون ما كان نذرا أو جزاء أو يمينا، و له أن يأكل منها، و إن لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء»

كل ذلك لما سمعته من اعتبار التمام في الهدي الواجب نصا و فتوى على وجه لا يصلح لمعارضة ما عرفت من وجوه، فالواجب حمله على ما سمعت.

كما ان الظاهر عدم الفرق بين قطع بعض الأذن أو جميعها، لإطلاق الأدلة السابقة، بل في المنتهى «العضباء و هي التي ذهب نصف اذنها أو قرنها لا تجزي- الى أن قال-: و كذا لا يجزي عندنا قطع ثلث اذنها» و ظاهره المفروغية من ذلك عندنا، مضافا الى ما سمعته من النصوص المتقدمة.

نعم لا بأس بمشقوقة الاذن و مثقوبتها على وجه لا ينقص منها شي ء بلا خلاف أجده، لإطلاق الأدلة، و خصوص

مرسل ابن أبي نصر(2)عن أحدهما (عليهما السلام) سئل «عن الأضاحي إذا كانت مشقوقة الاذن أو مثقوبة بسمة فقال: ما لم يكن منها مقطوعا فلا بأس»

و في

حسن الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الضحية تكون مشقوقة الاذن فقال: ان كان شقها و سما فلا بأس، و ان كان شقا فلا يصلح»

و لعل المراد من الشق فيه بقرينة الصحيح السابق المشتمل على قطع شي ء منها، فلا تنافي، و في

مرسل سلمة أبي حفص (4)عن أبي جعفر عليه السلام «كان علي عليه السلام يكره التشريم في الاذن و الخرم، و لا يرى


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبح- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الذبح- الحديث 3 عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام.

ج 19، ص: 144

به بأسا إذا كان ثقب في موضع المواسم»

لكن في

خبر شريح بن هاني (1)عن أمير المؤمنين عليه السلام «أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله في الأضاحي أن نستشرف العين و الاذن، و نهانا عن الخرقاء و الشرماء و المقابلة و المدابرة»

و قد سمعت سابقا ما في خبر السكوني (2)عن النبي صلى الله عليه و آله من النهي عن الخرقاء، و عن الصدوق في معاني الأخبار «الخرقاء أن يكون في الاذن ثقب مستدير، و الشرماء و المشقوقة الأذن باثنين (3)حتى ينفذ الى الطرف، و المقابلة أن يقطع من مقدم أذنها شي ء ثم يترك ذلك معلقا لا يبين كأنه زنمه، و يقال لمثل ذلك من الإبل و المزنم، و يسمى ذلك المعلق الرغل، و المدابرة أن يفعل مثل ذلك بمؤخر أذن الشاة» و في كشف اللثام «هو موافق لكتب اللغة، قلت: و لكن المتجه الحمل على الكراهة جمعا، هذا.

و في المدارك قد قطع الأصحاب باجزاء الجماء، و هي التي لم يخلق لها قرن و الصمعاء، و هي الفاقدة الاذن خلفة، للأصل، و لان فقد هذه الأعضاء لا يوجب نقصا في قيمة الشاة و لا في لحمها، و استقرب العلامة في المنتهى اجزاء البتراء أيضا، و هي مقطوعة الذنب، و لا بأس به، و عنه أيضا فيه و في التحرير القطع باجزاء الجماء، و عن الخلاف و الجامع و

الدروس كراهتها، قيل و ذلك لاستحباب الأقرن لنحو

قول أحدهما (عليهما السلام) لمحمد بن مسلم (4)في الصحيح: «في الأضحية أقرن فحل»

قلت: ان كان إجماع على اجزاء المزبورات فذاك، و إلا فقد يمنع


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث- 5.
3- 3 هكذا في النسخة المخطوطة المبيضة و ظاهر المسودة« بابنة».
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 145

لانه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصا في الصحيح المزبور الشامل للجماء و البتراء و الصمعاء و لو خلقة، ضرورة كون المراد النقص بالنسبة إلى غالب النوع لا خصوص الشخص، و عدم النقصان في القيمة و اللحم لا يمنع صدق النقص الذي ينقطع به الأصل المزبور، مع أنه قد يمنع عدم النقص في القيمة، و لعله لذا نسب إجزاء البتراء في الدروس الى قول مشعرا بتمريضه، بل ينبغي القطع بفساده في البتراء إذا كان المراد ما يشمل مقطوعة الذنب، ضرورة صدق النقص عليه، و لعله لذا قطع به في الروضة مدرجا له إدراج غيره، قال في شرح اعتبار التمامية: «فلا يجزي الأعور و لو ببياض على عينه، و الأعرج و الأجرب و مكسور القرن الداخل، و مقطوع شي ء من الاذن و الخصي و الأبتر و ساقط الأسنان لكبر و غيره، و المريض» و عن المنتهى و التذكرة و التحرير «أن الأقرب إجزاء الصمعاء» و مقتضاه احتمال

عدم الاجزاء لما عرفت كما صرح به في كشف اللثام، قال: و كرهها الشهيد، و لعله ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام المروي عنه في الفقيه و نهج البلاغة(1)في خطبة له: «من تمام الأضحية استشراف اذنها و سلامة عينها»

فان الاستشراف هو الطول إلا انه في الأضحية دون الهدي الواجب، و بالجملة الظاهر اتحاد حكم البتراء مع الصمعاء و الجماء إن أريد البتر خلقة، و إن أريد بها مقطوعة الذنب كما هو ظاهر عبارة المنتهى السابقة فالمتجه عدم إجزائها، بل قد يقال بعدم اجزائها و لو خلقة و إن قلنا باجزاء الجماء و الصمعاء باعتبار غلبة تعارف الصفتين المزبورتين بخلافها، فتعد البتراء ناقصة دون الجماء و الصمعاء و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه في الجميع.

و كذا لا يجزي مسلول الخصية المسمى ب الخصي من الفحول كما صرح به غير واحد، بل هو المشهور، بل عن ظاهر التذكرة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الذبح- الحديث 6.

ج 19، ص: 146

و المنتهى الإجماع عليه لنقصانه، و خصوص

صحيح ابن مسلم (1)سأل أحدهما (عليهما السلام) «أ يضحى بالخصي؟ فقال: لا»

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2)سأل الكاظم عليه السلام «عن الرجل يشتري الهدي فلما

ذبحه إذا هو خصي مجبوب و لم يكن يعلم أن الخصي المجبوب لا يجوز في الهدي هل يجزيه أم يعيد؟ قال: لا يجزيه إلا أن يكون لا قوة له عليه».

بل لعل مشلول البيضتين كالخصي كما عن الفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير للنقصان.

نعم قد يقال بمرجوحية المرجوء بالنسبة إلى غيره، و هو مرضوض عروق الخصيتين حتى تفسد، ل

حسن معاوية(3)«اشتر فحلا سمينا للمتعة، فان لم تجد فموجوء، فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ »

بل عن السرائر انه غير مجز و إن كان قبل ذلك بأسطر قال فيها إنه لا بأس به، و انه أفضل من الشاة، كما عن النهاية و المبسوط أي النعجة كما

قال الصادق عليه السلام لأبي بصير(4)«المرضوض أحب إلى من النعجة و ان كان خصيا فالنعجة»

و قال أحدهما (عليهما السلام) لابن مسلم (5)في الصحيح:

«الفحل من الضأن خير من الموجوء، و الموجوء خير من النعجة، و النعجة خير من المعز»

و ذلك مؤيد لما قلناه من المرجوحية، بل عن الحسن الكراهة في الخصي المجبوب الذي قد

عرفت الحال فيه، و يمكن حمل كلامه على الأضحية المندوبة، ك

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي(6): «الكبش السمين خير


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبح- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبح- الحديث- 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح الحديث 5.

ج 19، ص: 147

من الخصي و من الأنثى»

و عن النهاية و المبسوط و المهذب و الوسيلة أجزاؤه في الهدي إذا تعذر غيره، و تبعهم على ذلك بعض المتأخرين و متأخريهم، و لعله لإطلاق الآية(1)و ما سمعته من النصوص، و خصوص صحيح عبد الرحمن (2)المتقدم، و في المدارك اختاره حاكيا له عن الدروس مستدلا عليه بحسن معاوية السابق المشتمل على الموجوء الذي هو غير الخصي.

لأولى الاستدلال عليه بصحيح عبد الرحمن السابق، و ب

خبر أبي بصير(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت فالخصي يضحى به قال: لا إلا أن لا يكون غيره»

إلا أن الأول منهما قد اشترط عدم قوة المكلف على غيره، و الثاني عدم وجود غيره، و هما مختلفان، و لا يبعد حمل خبر أبي بصير على الأضحية المندوبة، خصوصا بعد قصوره عن المقاومة من وجوه، منها إطلاق الأصحاب عدم إجزائه كما اعترف في الحدائق حتى قال: لم أقف على من قيد إلا على الشيخ في النهاية و تبعه الشهيد في الدروس و بعض من تأخر عنه، و بذلك يظهر ضعف القول المزبور، و أولى منه بذلك ما عن الغنية و الإصباح و الجامع من تقييد النهي عنه و عن كل ناقص بالاختيار، لعموم الآية المخصص بما سمعته من إطلاق عدم إجزاء الناقص نصا و فتوى الذي يمكن أن لا يكون من الهدي شرعا، فيتجه حينئذ الانتقال الى البدل، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين البدل و بينه، و الله العالم.

و كذا لا يجزي المهزولة بلا خلاف أجده فيه، للأصل


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الذبح- الحديث- 8.

ج 19، ص: 148

و

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سئل عن الأضحية فقال:

أقرن فحل سمين عظيم الأنف و الاذن- الى أن قال- إن اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه، و قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين فحل يأكل في سواد، و ينظر في سواد، فإذا لم يجدوا من ذلك شيئا فالله أولى بالعذر»

و صحيح العيص بن القاسم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الهرم الذي وقعت ثناياه انه لا بأس به في الأضاحي، و إن اشتريت مهزولا فوجدته سمينا أجزأك، و ان اشتريته مهزولا فوجدته مهزولا فلا يجزي»

و حسن الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا «إذا اشترى الرجل البدن مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، فان اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنه لا تجزي عنه»

بناء على أن المراد بالأضحية في هذه النصوص الهدي و لو بقرينة ذكر الاجزاء و عدمه، و

خبر منصور(4)عنه عليه السلام أيضا «و إن اشترى الرجل هديا و هو يرى أنه سمين أجزأ عنه و ان لم يجده سمينا، و ان اشترى هديا و هو يرى انه مهزول فوجده سمينا أجزأ عنه، و إن اشتراه و هو يعلم أنه مهزول لم يجز عنه»

و خبر السكوني (5)عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله: «صدقة رغيف خير من نسك مهزول».

و المراد بالمهزول هي التي ليس على كليتها شحم كما في القواعد


1- 1 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب 13 من أبواب الذبح- الحديث 2 و وسطه في الباب 16 منها الحديث 1 و أسقط عنه ما يضر بالمعنى في الجواهر فراجع.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 149

و النافع و محكي المبسوط و النهاية و المهذب و السرائر و الجامع، ل

خبر الفضل (1)قال: «حججت بأهلي سنة فعزت الأضاحي فانطلقت فاشتريت شاتين بغلاء، فلما ألقيت إهابهما ندمت ندامة شديدة لما رأيت بهما من الهزال، فأتيته فأخبرته بذلك، فقال: إن كان على كليتهما شي ء من الشحم فقد أجزأت»

و هو و إن كان غير نقي السند و مضمرا- و من هنا أعرض عنه بعض متأخري المتأخرين، و أحال الأمر إلى العرف- إلا أنه موافق للاعتبار، كما في كشف اللثام و عمل به من عرفت، فلا بأس بالعمل به.

و كيف كان فقد ظهر لك من النصوص السابقة أنه لو اشتراها على أنها مهزولة فبانت كذلك لم تجزه بلا خلاف أجده فيه بل و لا إشكال، نعم لو خرجت سمينة أجزأته في المشهور للنصوص السابقة، خلافا للعماني فلم يجتز به للنهي عنه المنافي لنية التقرب به حال الذبح، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص المعتبر المقتضي صحة التقرب به و إن كان مشكوك الحال أو مظنون الهزال رجاء لاحتمال العدم:

و كذا تجزي لو اشتراها على انها سمينة فخرجت مهزولة بعد الذبح، لما سمعته من النص (2)السابق المعتضد بالعمل، و ب

قول أمير المؤمنين عليه السلام في مرسل الصدوق(3): «إذا اشترى الرجل البدنة عجفاء فلا تجزي عنه، فان اشتراها سمينة فوجدها عجفاء أجزأت عنه، و في هدي التمتع مثل ذلك»

و بانتفاء العسر و الحرج و صدق الامتثال، نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الذبح- الحديث- 8.

ج 19، ص: 150

لإطلاق عدم الاجزاء(1)في الخبر السابق السالم عن المعارض بعد انسياق ما بعد الذبح من الوجدان نصا و فتوى فيها و في المسألة السابقة المنظومة معها في مسلك واحد، فما عن بعضهم من القول بالاجزاء ضعيف.

و لو اشتراها على انها تامة فبانت ناقصة لم تجز كما عن الأكثر سواء كان بعد الذبح أو قبله، نقد الثمن أو لم ينقده، لإطلاق عدم الاجتزاء بالناقص الذي هو محسوس، فهو مفرط فيه على كل حال، لكن في التهذيب ان كان نقد الثمن ثم ظهر النقصان أجزأ، و لعله ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح عمران الحلبي(2): «من اشترى هديا و لم يعلم به عيبا حتى ينقد ثمنه ثم علم به فقد تم»

و حمل

حسن معاوية(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل اشترى هديا و كان به عيب عور أو غيره فقال: إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره»

على من نقد الثمن بعد ظهور العيب، و نفى عنه البأس في المدارك، و احتمل في محكي الاستبصار أن يكون هذا في الهدي الواجب، و ذاك في المندوب، و الاجزاء إذا لم يقدر على استرجاع الثمن، و لا يخفى عليك ما في الجميع بعد إعراض الأكثر حتى الشيخ في غير الكتاب المزبور.

نعم في الدروس اجزاء الخصي إذا تعذر غيره أو ظهر خصيا بعد ما لم يكن يعلم، و قد عرفت البحث في الأول، و اما الثاني فلا اعرف به قولا و لا سندا كما اعترف به في كشف اللثام، و لو اشتراها على انها ناقصة فبانت تامة قبل الذبح أجزأ لصدق الامتثال، و لو كان بعد الذبح ففي الاجزاء و عدمه إشكال


1- 1 ليس في المقام ما يدل على ذلك إلا صحيحة محمد بن مسلم على ما نقلها في ص 148 إلا انه قدس سره سهى في نقل متنها كما أشرنا إليه.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الذبح- الحديث- 1.

ج 19، ص: 151

ينشأ من فحوى ما ورد في المهزول، و من عدم النية حال الذبح مع حرمة القياس و لعله الأقوى، و الله العالم.

[في مستحبات الهدي ]
اشاره

و المستحب

[منها أن يكون الهدي سمينة]

أن تكون سمينة بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الاعتبار تنظر في سواد و تبرك في سواد و تمشي في مثله كما في القواعد و النافع، بل و محكي الجامع، لكن فيه وصف فحل من الغنم بذلك، كما عن الاقتصاد و السرائر و المصباح و مختصره وصف الكبش به، بل عن الأول اشتراطه به، و عن المبسوط «و ينبغي إن كان من الغنم أن يكون فحلا أقرن ينظر في سواد و يمشي في سواد» و نحوه النهاية لكن في الأضحية، و لعله ل

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يضحي بكبش أقرن عظيم فحل يأكل في سواد، و ينظر في سواد»

و صحيحه أيضا أو حسنه (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) أين أراد إبراهيم (عليه السلام) أن يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى، و سألت عن كبش إبراهيم (عليه السلام) ما كان لونه و أين نزل؟ فقال: أملح و كان اقرن و نزل به من السماء على الجبل الأيمن من مسجد منى، و كان يمشي في سواد و يأكل في سواد و ينظر و يبعر و يبول في سواد»

و صحيح ابن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يضحي بكبش أقرن فحل ينظر في سواد و يمشي في سواد»

و حسن الحلبي (4)قال: «حدثني من سمعه (عليه السلام) يقول: ضح بكبش أسود أقرن فحل، فان

لم تجد أسود فأقرن فحل يأكل في سواد و يشرب في سواد و ينظر في سواد».


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 152

و لكن الجميع كما ترى لم يذكر فيها البروك في السواد، و لعله لذا قال في كشف الرموز: لم أظفر بنص فيه، و لكن عن المبسوط و التذكرة و المنتهى انه صلى الله عليه و آله أمر بكبش أقرن يطأ في سواد و ينظر في سواد و يبرك في سواد، فأتي به فضحى به» و كأنه لذا كان المحكي عن ابن حمزة ذكر البروك فيه في الأضحية، بل لعل ما قيل في معناه من انه يرتع في مرتع كثير النبات شديد الاخضرار به يتضمن البروك فيه، كما أنه ما سمعته من صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) يلوح منه هذا المعنى، بل لعل التفسير الثاني له بان المراد سواد هذه المواضع منه- أي القوائم و العين و البطن و المبعر الذي يصعب استفادته من مثل هذا اللفظ، و إن كان قد يؤيده مرسل الحلبي (2)السابق- يستلزم البروك فيه أيضا، فإن المشي في السواد بهذا المعنى كذلك، لأنه على الأرجل و الصدر و البطن.

بل و كذا الثالث الذي أشار إليه المصنف بقوله اي يكون لها ظل تمشي فيه بمعنى ان لها ظلا عظيما باعتبار عظم جسمها و سمنها لا

مطلق الظل اللازم لكل جسم كثيف و قيل ان تكون هذه المواضع منها سودا و هو الذي أشرنا إليه سابقا، و عن الراوندي ان المعاني الثلاثة مروية عن أهل البيت (عليهم السلام) و لكن لا يخفى عليك ان المراد به على الأول و الأخير الكناية عن السمن بخلاف الثاني الذي على تقديره يكون وصفا مستقلا برأسه، و لعل الاولى الجمع بين الجمع، فإن أمر الاستحباب مما يتسامح فيه، و ان كان قد سمعت ان لون


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 153

كبش إبراهيم (عليه السلام) كان أملح، بل

في المرسل (1)«ان النبي صلى الله عليه و آله ضحى بالأملح»

الذي عن ابى عبيدة ان المراد به ما فيه سواد و بياض، و البياض أغلب، بل عن ابن الأعرابي أنه الأبيض النقي البياض، إلا ان ذلك كله كما ترى مناف للعرف، و لما سمعت عن الأمر بكونه أسود، فالأولى مراعاة السواد مع إمكانه، و إلا فالأملح عرفا، كل ذلك للتسامح الذي منه أيضا يقوى عدم الاختصاص بالكبش و لا بالأضحية، و الله العالم.

[منها أن يكون الهدي مما عرف به ]

و كذا يستحب أن يكون الهدي مما عرف به كما في القواعد و النافع و غيرهما و محكي

السرائر و الجامع، بل عن التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، بل الظاهر كراهة غيره، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(2)«لا يضحى إلا بما قد عرف به»

و صحيح ابن أبي نصر(3)قال: «سئل عن الخصي يضحى به قال: إن كنتم تريدون اللحم فدونكم، و قال لا يضحى إلا بما قد عرف به»

المحمولين على ذلك جمعا بينهما و بين

خبر سعيد بن يسار(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن اشترى شاة لم يعرف بها قال: لا بأس بها عرف بها أم لم يعرف»

المعتضد بما سمعت من الإجماع المحكي و غيره، بل لعل المراد من الوجوب في المحكي عن الشيخين و ابني زهرة و البراج و الكيدري تأكد الاستحباب، و إلا كان محجوبا بما عرفت، و احتمال إرادة عدم تعريفه نفسه بها من خبر سعيد ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الذبح- الحديث 4 و هو خبر الحسن بن عمارة عن أبي جعفر عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 154

في خبر أبي بصير و نحوه بل هو أولى من وجوه، و المراد من التعريف به إحضاره في عشية عرفة بعرفات كما صرح به الفاضل و غيره و إن أطلق غيره، إلا أنه هو المنساق منه، نعم الظاهر الاكتفاء بإخبار البائع كما أشار إليه في

الصحيح عن سعيد(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنا نشتري النعم بمنى و لسنا ندري عرف بها أم لا فقال: إنهم لا يكذبون عليك، ضح بها»

و ربما كان ذلك مناسبا للاستحباب، كما أنه ربما يومي الى قبول اخباره في سنه و ان كان لا يخلو من اشكال، و الله العالم.

[منها أن يكون الهدي من البدن و البقر الإناث، و من الضأن و المعز الذكران ]

و أفضل الهدي من البدن و البقر الإناث، و من الضأن و المعز الذكران كما صرح به غير واحد، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(2): «أفضل البدن ذوات الأرحام من الإبل و البقر، و قد تجزي الذكورة من البدن و الضحايا من الغنم الفحولة»

و في

صحيح عبد الله بن سنان (3)«تجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان إذا لم تجدوا الإناث و الإناث أفضل»

و سأله عليه السلام الحلبي (4)أيضا في الحسن أو الصحيح «عن الإبل و البقر أيهما أفضل أن يضحى بهما قال:

ذوات الأرحام»

و في

خبر أبي بصير(5)سأله عليه السلام «عن الأضاحي فقال: أفضل الأضاحي في الحج الإبل و البقر، و قال: ذوات الأرحام، و لا يضحى بثور و لا جمل»

و في المنتهى لا نعلم خلافا في جواز العكس في البابين إلا ما روي عن ابن عمرانه قال: «ما رأيت أحدا فاعلا ذلك أنحر أنثى أحب الي» و هو ظاهر في الموافقة، و في

صحيح ابن مسلم (6)«الذكور و الإناث من الإبل و البقر


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح الحديث- 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح الحديث- 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح الحديث- 3.

ج 19، ص: 155

تجزي»

نعم عن النهاية «لا يجوز التضحية بثور و لا جمل بمنى، و لا بأس بهما في البلاد» و لكن يحتمل إرادته التأكد- خصوصا مع قوله قبل ذلك بيسير:

«و أفضل الهدي و الأضاحي من البدن و البقر ذوات الأرحام، و من الغنم الفحولة» كالمحكي عن الاقتصاد «أن من شرط الهدي إن كان من البدن أو البقر أن يكون أنثى، و إن كان من الغنم أن يكون فحلا من الضأن، فان لم يجد الضأن جاز التيس من المعزى» و عن المهذب إن كان من الإبل وجب أن يكون ثنيا من الإناث، و إن كان من البقر فيكون ثنيا من الإناث- و إلا

كان محجوبا بما عرفت من النص و غيره، و الله العالم.

[منها ان ينحر الإبل قائمة]

و يستحب ان ينحر الإبل قائمة بلا خلاف و لا إشكال بعد قوله تعالى (1)«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْها صَوافَّ، فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها» أي سقطت، قال الصادق عليه السلام في

صحيح ابن سنان (2)في قول الله عز و جل: «فَاذْكُرُوا» الى آخره: «ذلك حين تصف للنحر تربط يديها ما بين الخف إلى الركبة»

و قال أبو الصباح الكناني (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف تنحر البدنة؟ قال تنحرها و هي قائمة من قبل اليمين»

و قال أبو خديجة(4)«رأيت أبا عبد الله عليه السلام و هو ينحر بدنة معقولة يدها اليسرى ثم يقوم على جانب يده اليمنى و يقول بسم الله و الله أكبر، اللهم هذا منك و لك، اللهم تقبله مني، ثم يطعن في لبتها ثم يخرج السكين بيده، فإذا وجبت قطع موضع الذبح بيده»

إذ لا خلاف في عدم إرادة الوجوب من الأمر بذلك كما اعترف به في محكي المنتهى و التذكرة، و في

خبر علي بن جعفر(5)المروي عن قرب الاسناد، «سأل أخاه عليه السلام


1- 1 سورة الحج- الآية 37.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبح الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبح الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبح الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبح الحديث 5.

ج 19، ص: 156

عن البدن كيف ينحرها قائمة أو باركة قال: يعقلها، و ان شاء قائمة، و ان شاء باركة».

و مما سمعت في صحيح ابن سنان يستفاد استحباب ما ذكره المصنف و غيره من كونها قائمة قد ربطت بين الخف و الركبة كما أنه يستفاد من خبر الكناني و أبي خديجة استحباب ان يطعنها من الجانب الأيمن إلا انك قد سمعت ما في الأخير من عقل اليسرى، و عن العامة روايته (1)بل قيل اختاره الحلبيان، و لكن أطلق المصنف و غيره كإطلاق ما سمعته من النصوص، و لا يبعد شدة الندب في عقل اليسرى، كما انك قد سمعت إطلاق النص و الفتوى سابقا هنا الربط بالكيفية المزبورة لمطلق البدن لكن في

خبر حمران (2)«و اما البعير فشد أخفافه إلى إباطه، و أطلق رجليه»

و هو الذي يأتي في كتاب الصيد و الذباحة و يمكن افتراق الهدي عن غيره، كما انه يمكن جواز التخيير بين الكيفيتين، و الأمر سهل بعد كون الحكم ندبيا، و الله العالم.

[منها ان يدعو الله تعالى عند الذبح ]

و يستحب ان يدعو الله تعالى عند الذبح بالمأثور عن الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(3)و

حسن صفوان و ابن أبي عمير(4)«إذا اشتريت هديك فاستقبل به القبلة و انحره أو اذبحه، و قل: وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ، وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ وَ أَنَا من الْمُسْلِمِينَ، اللهم


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 237.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبائح- الحديث 2 من كتاب الصيد و الذباحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 157

منك و لك، بسم الله و بالله، اللهم تقبل مني، ثم تمر السكين و لا تنخعها حتى تموت»

أو بما سمعت في خبر أبي خديجة(1).

[منها أن يترك يده مع يد الذابح ]

و يستحب أيضا أن يترك يده مع يد الذابح إذا استنابه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2)«كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يجعل السكين في يد الصبي، ثم يقبض الرجل على يد الصبي فيذبح»

و ليس بواجب شرعا و لا شرطا، و عن الوسيلة و الجامع انه يكفي الحضور عند الذبح، و لعله ل

ما عن المحاسن من قول النبي صلى الله عليه و آله في خبر بشر بن زيد(3)لفاطمة عليها السلام: «اشهدي ذبح ذبيحتك، فإن أول قطرة منها يغفر الله لك بها كل ذنب عليك و كل خطيئة عليك قال: و هذا للمسلمين عامة»

و ان كان الظاهر عدم اعتباره أيضا، نعم أفضل منه اي وضع اليد ان يتولى الذبح أو النحر بنفسه إذا أحسن للتأسي، و ل

قول الصادق عليه السلام (4): «فان كانت امرأة فلتذبح لنفسها»

و الله العالم.

[منها أن يقسمه أثلاثا يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه ]

و يستحب أيضا ان يقسمه أثلاثا يأكل ثلثه، و يتصدق بثلثه، و يهدي ثلثه كما هو ظاهر جماعة و صريح اخرى، بل في كشف اللثام نسبته إلى الأكثر، بل عن التبيان «عندنا يطعم ثلثه، و يعطي ثلثه القانع و المعتر و يهدي الثلث» و نحوه المجمع عنهم (عليهم السلام) و الظاهر ان محل البحث هنا في هدي التمتع، لأنه سيأتي حكم هدي القران و الأضحية، لكن لم يحضرنا ما يدل على التثليث فيه بخصوصه، و إنما الموجود في القران و الأضاحي، ك

خبر العقرقوفي


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 158

أو موثقه (1)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سقت في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال: بمكة، قلت: فأي شي ء أعطي منها، قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث»

و صحيحة سيف التمار(2)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام) إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي فقال: إني سقت هديا فكيف اصنع به؟ فقال له أبي أطعم منه أهلك ثلثا، و اطعم القانع و المعتر ثلثا، و اطعم المساكين ثلثا فقلت: المساكين هم السؤال فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتبر ينبغي له أكثر من ذلك، و هو اغنى من القانع، يعتريك فلا يسألك»

بناء على إرادة الاهداء من إطعام القانع و المعتر و إن كان بعيدا، بل هو مقتض حينئذ لاعتبار الفقر في ثلث الاهداء، مع ان ظاهر الإطلاق و المقابلة خلافه كما صرح به بعضهم، بل حكي عن الأصحاب.

و على كل حال فقد يستفاد منه دلالة مجموع الآيتين اي قوله تعالى(3):

«فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ «و قوله (4)«فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» على التثليث أيضا و ان كان فيه من التكلف ما لا يخفى، و قد يدل عليه

خبر أبي الصباح القريب من الصحيح (5)في الأضاحي، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن لحوم الأضاحي فقال: كان علي بن الحسين و أبو جعفر (عليهم السلام) يتصدقان بثلث على جيرانهما، و ثلث على السؤال، و ثلث يمسكونه لأهل البيت»

بناء على إرادة الاهداء من التصدق على الجيران، و لعل الاولى في الآيتين مع فرض إرادة التثليث منهما جعل قسم الاهداء في قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 18.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 سورة الحج- الآية- 29.
4- 4 سورة الحج- الآية- 37.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 13.

ج 19، ص: 159

تعالى «فَكُلُوا مِنْها» على معنى إرادة أكل الناسك و من يهدي اليه من أصدقائه و جيرانه، إذ من المعلوم عدم إرادة أكل الناسك الثلث بتمامه، ضرورة تعذره غالبا، مضافا الى ما سمعته في خبر أبي الصباح و صحيح سيف (1)و الى

حسن معاوية(2)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «أمر رسول الله صلى الله عليه و آله حين نحر أن يؤخذ من كل بدنة جذوة من لحمها ثم تطرح في برمة ثم تطبخ، و أكل رسول الله صلى الله عليه و آله و علي عليه السلام منها و حسيا من مرقها»

و خبره (3)الآخر عنه، أيضا «حج رسول الله صلى الله عليه و آله و ساق مائة فنحر منها ستا و ستين، و نحر علي عليه السلام أربعا و ثلاثين

بدنة، و أمر رسول الله صلى الله عليه و آله أن يؤخذ من كل بدنة منها جذوة من لحم ثم يطرح في برمة ثم يطبخ فأكل رسول الله صلى الله عليه و آله و علي عليه السلام منها و حسيا من مرقها».

و ما رواه

الشيخ عن صفوان و ابن أبي عمير و جميل بن دراج و حماد بن عيسى و جماعة(4)عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليه السلام «قالا: إن رسول الله أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه و آله فطبخت و أكل هو و علي عليه السلام و حسوا المرق، و قد كان النبي صلى الله عليه و آله أشركه في هديه».

و على كل حال فما عن السرائر- من أنه يأكل و لو قليلا، و يتصدق على القانع و المعتر و لو قليلا، و لم يذكر الاهداء بل خصه بالأضحية اقتصارا على منطوق الآيتين لاغفالهما الاهداء حينئذ، و اتحاد مضمونهما إلا في المتصدق عليه- واضح الضعف بعد ما سمعته من النص الذي لا ينافيه إطلاق الآيتين


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 160

الممكن إرادة القانع و المعتر من البائس الفقير في إحداهما على أن يكون قسم الاهداء داخلا في الأكل كما عرفت و لو بملاحظة النصوص، بل ربما احتمل إرادة التثليث من آية القانع و المعتر على معنى جعل الاهداء لأحدهما، و الصدقة على الآخر، و إن كان هو كما ترى.

و على كل حال فلا ريب في استحباب التثليث المزبور في هدي التمتع، فان النصوص و إن لم تنص عليه بخصوصه إلا أنه مع إمكان شمول خبر الأضاحي له قد يقال بان المراد منها بيان الكيفية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و الندب، كما انه لا ريب في عدم اعتبار الفقر في ثلث الاهداء، بل إن لم يكن الإجماع لا يعتبر فيه الايمان، خصوصا مع الندرة في تلك الأمكنة و الأزمنة، فيلزم إما سقوط وجوب الهدي أو التكليف بالمحال، و ليس هو كالزكاة التي يمكن فيها الانتظار، على انه قد ورد ما يدل (1)عدم كراهة إعطاء المشرك، و على جواز إعطاء الحرورية(2)و ان لكل كبد حرى أجر(3)و لكن مع ذلك لا ريب في أن الأحوط مراعاته مع الإمكان، كما أن الاولى منع المعلوم نصبه، بل يعطى المستضعف أو مجبول الحال.

و كيف كان فالمراد من الاستحباب المزبور جواز عدمه على معنى فعل التفاوت، و لكن في الدروس نسبة استحباب أصل الصرف في الثلاثة الى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب زكاة الغلات من كتاب الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الصدقة- الحديث 2 و 5 من كتاب الزكاة.

ج 19، ص: 161

الأصحاب بعد أن اختار هو الوجوب، و تبعه ثاني الشهيدين و الكركي، و مقتضاه جواز الاقتصار على مصرف واحد منها و لو أكله أجمع، بل قد يستفاد من نحو عبارة المتن- المقابل فيها القول بوجوب الأكل للقول باستحباب التثليث- ان أصل الصرف مستحب.

و كيف كان فقد سمعت ما قاله ابن إدريس الذي أشار إليه المصنف بقوله:

و قيل: يجب الأكل منه بل اختاره هو فقال و هو الأظهر و تبعه عليه بعض من تأخر عنه كالفاضل و غيره للأمر به في الكتاب و السنة، لكن فيه- مع عدم اختصاصه بهدي التمتع- انه في مقام توهم الحظر، خصوصا بعد أن كان المحكي عن الجاهلية تحريم ذلك على أنفسهم، قال في الكشاف: «الأمر بالأكل منها أمر إباحة، لأن أهل الجاهلية ما كانوا يأكلون من نسائكه م، و يجوز أن يكون ندبا، لما فيه من مواساة الفقراء و مساواتهم من استعمال التواضع، و من ثم استحب الفقهاء ان يأكل الموسع من أضحيته مقدار الثلث» الى آخره.

مضافا الى أنه هدي لله تعالى، و وصوله إليه بأكل الفقراء له، بل قد يقال بجواز الاقتصار على الصدقة التي هي الأصل في ذلك و ان أطلق الأمر بالإطعام في الآيتين إلا أنها هي المنساقة منه بملاحظة المتعلق، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

نعم ظاهر اقتصار المصنف على حكاية القول بوجوب الأكل المفروغية من عدم وجوب غيره، و لعله للأصل بعد صرف الأمر بذلك في الكتاب و النصوص إلى إرادة بيان كيفية الصرف لو اراده لا وجوبه، إلا انك قد سمعت ما في الدروس و بعض من تأخر عنها، و لا ريب في انه الأحوط أيضا.

و اما القسمة أثلاثا فلم اعرف قولا بوجوبها، و في

دعائم الإسلام (1)عن


1- 1 المستدرك- الباب- 35- من أبواب الذبح- الحديث 7.

ج 19، ص: 162

جعفر بن محمد (عليهما السلام) «ينبغي لمن اهدى هديا تطوعا أو ضحى أن يأكل من هديه و أضحيته ثم يتصدق، و ليس في ذلك توقيت، يأكل ما أحب، و يطعم و يهدي و يتصدق، قال الله عز و جل و قرأ الآيتين».

ثم على الوجوب لا يضمن مع الإخلال بالأكل كما صرح به غير واحد من غير تردد، لعدم تعلق حق لغيره به، و قربه في محكي المنتهى و جعله الوجه في التحرير، و لعله لتحقق الإطعام الذي ليس في الآيتين غيره مع الأكل، و لكون التصدق إهداء، نعم لو أخل به بالأكل ضمن قطعا، كما أنه كذلك لو أخل بثلث الصدقة بل قد يحتمل الضمان لو أخل بالإهداء و لو للصدقة، للأمر به، و هو مباين لها؟

و لذا حرمت عليه صلى الله عليه و آله الصدقة دون الهدية.

و لو باع أو أتلف فلا إشكال في الضمان، و لكن هل هو الثلث أو الثلثان أو الجميع؟ وجوه، ظاهر التحرير الأخير منها، و فيه منع، و المتجه ضمان شي ء للهدية و للصدقة لما عرفت من عدم وجوب التثليث، هذا، و قد سمعت

ما في صحيح سيف (1)من تفسير القانع و المعتر و في

صحيح معاوية أو حسنه (2)عن ابى عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل (3)«فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» قال: القانع الذي يقنع بما أعطيته، و المعتر الذي يعتريك، و السائل الذي يسألك في يديه، و البائس الفقير»

و نحوه خبره الآخر(4)و في

خبر عبد الرحمن أو موثقه (5)عنه عليه السلام أيضا في قوله تعالى:


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث- 14.
3- 3 سورة الحج- الآية 37.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث- 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث- 12.

ج 19، ص: 163

«فَإِذا» الى آخره «إذا وقعت على الأرض فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ، قال: القانع الذي يقنع بما أعطيته و لا يسخط و لا يكلح و لا يلوي شدقه، و المعتر المار بك لتطعمه»

و في المحكي عن مجمع البيان ان في

رواية الحلبي (1)عن ابى عبد الله عليه السلام «القانع الذي يسأل فيرضى بما اوتي، و المعتر الذي يعتري رحلك ممن يسأل»

و في الدروس القانع السائل، و المعتر غير السائل كما عن الحسن و سعيد بن جبير، بل قيل: هو الموجود في تفسير علي بن إبراهيم، و عن ابن عباس و مجاهد و قتادة أنه القانع الراضي بما عنده و بما يعطى من غير سؤال، و المعتر المعرض بالسؤال، و على كل حال فالعمل (على ما خ ل) بما ورد عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من كون الجميع لبيان أفراد الفقراء، فلا تعارض بين الآيتين كما هو واضح.

[في مكروهات الهدي ]

و يكره التضحية بالجاموس كما في القواعد و غيرها من دون نقل خلاف، و في كشف اللثام أي الذكر منه، و هو مع تقييد لإطلاقهم لم نعرف ما يدل عليه و لا على المطلق كما اعترف به في المدارك، اللهم إلا أن يكون فحوى كراهية التضحية بالثور لما في

مضمر أبي بصير(2)من قوله عليه السلام: «و لا تضحي بثور و لا جمل»

و فيه منع واضح، و في كشف اللثام أي في منى ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(3): «تجوز ذكورة الإبل و البقر في البلدان»

و هو غير صالح للتقييد، و لذا أطلق من عرفت، و اجزاء الجاموس مع انه من البقر ل

خبر علي بن الريان بن الصلت (4)«كتب الى أبي الحسن الثالث عليه السلام يسأله


1- 1 مجمع البيان ج 7 ص 86 سورة الحج- الآية 37.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 164

عن الجاموس عن كم يجزي في الضحية؟ فجاء في الجواب إن كان ذكرا فعن واحد، و ان كان أنثى فعن سبعة»

و كذا قطع المصنف و غيره بكراهة التضحية بالموجود أي مرضوض الخصيتين حتى تفسدا، بل في المدارك نسبته الى قطع الأصحاب مستدلين عليها بما سمعته من النصوص (1)التي تدل على أن الفحل من الضأن خير منه، و مقتضاها الحرمة لا الكراهة، اللهم إلا أن يراد بها هذه المرجوحية، خصوصا مع كونها كراهة عبادة، و على كل حال فقد سمعت النص و الفتوى في التضحية، و اما الهدي فيمكن إرادة ما يشمله منها و لو بقرينة كون البحث فيه، أو يستفاد كراهته من فحواها بناء على أن التوسعة فيها أشد منها فيه كما سمعته في الناقص، و ينبغي ذكر الجمل مع الثلاثة لما سمعته من المضمر(2).

[الطرف الثالث من أطراف الذبح في البدل ]

الطرف الثالث من أطراف الذبح في البدل و لكن ينبغي أن يعلم أن من فقد الهدي و وجد ثمنه قيل و القائل المشهور، بل عن ظاهر الغنية الإجماع عليه، بل قد يشهد له التتبع لانحصار المخالف في ابن إدريس بناء على أصله و المصنف يخلفه عند من يشتريه طول ذي الحجة

فان لم يوجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة و قيل و القائل ابن إدريس ينتقل فرضه الى الصوم، و هو الأشبه عند المصنف بأصول المذهب و القواعد باعتبار صدق قوله تعالى (3)«فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» و دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الذبح.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.

ج 19، ص: 165

ان تيسر الهدي و وجدانه يعمان العين و الثمن- و إلا لم يجب الشراء مع الوجود يوم النحر و إمكانه إن خصص الوجود به عنده، و إلا فهو أعم منه عنده أو عند غيره في أي جزء كان من اجزاء الزمان الذي يجزي فيه- واضحة المنع، فإنه إذا لم يجده بنفسه ما دام هناك يصدق عليه «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ» و دعوى ان وجدان النائب كوجدانه لأنه مما يقبل النيابة أوضح منعا من الأولى و إن قبل النيابة.

نعم قد يقال يجب الخروج عن ذلك كله

بالحسن (1)كالصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة و يأمر من يشتري له و يذبح عنه و هو يجزي عنه، فإذا مضى ذو الحجة أخر ذلك الى قابل ذي الحجة»

المؤيد

بخبر النضر بن قرواش (2)المنجبر بما سمعته من الشهرة، و بان الراوي عنه احمد بن محمد بن أبي نصر و هو من أصحاب الإجماع بناء على انه لا يضر مع ذلك ضعف من بعده، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فوجب عليه النسك فطلبه فلم يصبه و هو مؤسر حسن الحال و هو يضعف عن الصيام فما ينبغي له أن يصنع فقال: يدفع ثمن النسك الى من يذبحه بمكة ان كان يريد المضي إلى اهله، و ليذبح عنه في ذي الحجة، فقلت:

فإنه دفعه الى من يذبحه عنه فلم يصب في ذي الحجة نسكا و اصابه بعد ذلك قال:

لا يذبح عنه إلا في ذي الحجة»

بناء على عدم بناء الجواب على ما في السؤال من الضعف عن الصيام و لو بضميمة ما عرفت، فيتجه حينئذ مذهب المشهور، ضرورة كون ما سمعته حينئذ كالاجتهاد في مقابلة النص، و كان ما وقع من الحلي بناء على أصله من عدم العمل باخبار الآحاد، لكن فيه منع واضح هنا باعتبار الاعتضاد بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة كالشيخين


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 166

و الصدوقين و المرتضى و غيرهم، و كفى بذلك قرينة على صحة مضمونه، و لا يعارضه

خبر أبي بصير(1)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان

يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»

بعد قصوره من وجوه، مع انه فيمن قدر على الذبح بمنى، و هو غير ما نحن فيه، بل المصنف و ابن إدريس لا يوجبان عليه الصوم، و من هنا حمله الشيخ على من صام ثلاثة قبل الوجدان كما في

خبر حماد بن عثمان (2)سأل الصادق عليه السلام «عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى قال أجزأه صيامه»

و ان كان بعيدا، بل هو مناف ل

خبره الآخر(3)الذي فيه «فلم يجد ما يهدي و لم يصم الثلاثة أيام»

و ربما حمله غيره على ما مر في وجوب كون الذبح يوم النحر، و على كل حال فمن ذلك كله بان لك ضعف القول المزبور.

و أضعف منه ما عن أبي علي من التخيير بين الصوم و التصدق بالثمن بدلا عن الهدي، و وضعه عند من يشتريه فيذبحه الى آخر ذي الحجة جمعا بين ما تقدم و نحو

خبر عبد الله بن عمر(4)قال: «كنا بمكة فأصابنا غلاء في الأضاحي، فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل و لا كثير، فرفع هشام المكاري رقعة الى ابى الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا و انا لم نجد بعد فوقع عليه السلام اليه انظروا

الى الثمن الأول و الثاني و الثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه».


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث- 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 167

و هو- مع عدم الشاهد، و عدم المكافاة، و المخالفة لكتاب الله- قيل انه ظاهر في المندوب.

ثم إن الذي صرح به غير واحد اعتبار كون المخلف عنده الثمن ثقة، و قد سمعت خلو النصوص عن ذلك، و لا يبعد الاجتزاء بالمطمئن به و ان لم يكن ثقة، فإنه يصدق عليه انه جعله عند من يذبحه عنه، و الله العالم.

و كيف كان ف إذا فقدهما اي الهدي و ثمنه بما يصدق عليه عدم الوجدان عرفا، و في المسالك «يتحقق العجز عن الثمن بان لا يقدر على تحصيله و لو بتكسب لائق بحاله، و بيع ما زاد على المستثنى في الدين» و لا يخفى عليك ما في الأول، نعم المعتبر القدرة في موضعه لا في بلده إلا إذا تمكن من بيع ما في بلده بما لا يتضرر به أو من الاستدانة عليه، فإنه لا يبعد الوجوب بل أطلق في المسالك البيع بدون ثمن المثل، و على كل حال فإذا صدق العنوان المزبور صام عشرة أيام: ثلاثة في سفر الحج قبل الرجوع الى اهله و شهره، و هو هنا ذو الحجة عندنا، و يجب ان تكون متواليات بلا خلاف، بل عن المنتهى و غيره الإجماع عليه، مضافا الى النصوص، منها

قول الصادق عليه السلام في خبر إسحاق (1): «لا يصوم الثلاثة الأيام متفرقة»

و نحوه الصحيح (2)المروي في قرب الاسناد يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى الكتاب العزيز(3)و المعتبرة المستفيضة أو المتواترة، منها

خبر رفاعة بن


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.

ج 19، ص: 168

موسى (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع لا يجد الهدي قال: يصوم قبل التروية بيوم، و يوم التروية و يوم عرفة، قلت: فإنه قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جماله قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة قال يوم نفره، قلت يصوم و هو مسافر قال:

نعم، أ ليس هو في يوم عرفة مسافرا، إنا أهل بيت نقول ذلك لقول الله عز و جل فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِ ، يقول في ذي الحجة»

و صحيح معاوية بن عمار(2)عنه عليه السلام أيضا «سألت عن متمتع لم يجد هديا قال: يصوم

ثلاثة أيام في الحج يوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال: قلت: و إن فاته ذلك قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جماله يصومها في الطريق قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء إذا رجع الى أهله»

الى غير ذلك من النصوص و لعل المراد بقوله تعالى «تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ» بيان ان كمالها كمال الأضحية،

قال عبد الله بن سليمان الصيرفي (3)قال أبو عبد الله عليه السلام لسفيان الثوري: «ما تقول في قول الله عز و جل فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ الآية أي شي ء يعني بالكاملة؟ قال سبعة و ثلاثة، قال: و يختل ذا على ذي حجى ان سبعة و ثلاثة عشرة، قال: فأي شي ء هو أصلحك الله قال: الكامل كمالها كمال الأضحية سواء أتيت بها أو أتيت بالأضحية، تمامها كمال الأضحية»

أو لرفع احتمال ارادة معنى «أو» من الواو أو غير ذلك، هذا.


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 9.

ج 19، ص: 169

و لا يشكل الحكم المزبور بأنه لا معنى للبدل قبل تحقق الخطاب بالمبدل خصوصا بعد ظهور الآية في عدم الوجدان عند الأمر بالذبح، كما دل عليه

خبر احمد بن عبد الله الكرخي (1)قال: «قلت للرضا عليه السلام المتمتع يقدم و ليس معه

هدي أ يصوم ما لم يجب عليه قال: يصير الى يوم النحر، فان لم يصب فهو ممن لم يجد»

و عن علي بن إبراهيم في تفسيره ان من لم يجد الهدي صام ثلاثة أيام بمكة يعني بعد النفر و لم يذكر صومها في غير ذلك، إلا أن ذلك كله اجتهاد في مقابلة النصوص و الفتاوى و الإجماع بقسميه، بل إن أراد علي بن إبراهيم عدم جواز صومها إلا على الوجه المزبور فهو، و لعله لذا حمل الخبر المزبور على الجواز أو على من وجد الثمن، على ان الخطاب بالذبح يتحقق بالإحرام بالحج الذي هو أحد أفعاله.

و كيف كان ف لو لم يتفق صوم اليوم قبل يوم التروية اقتصر على يوم التروية و يوم عرفة ثم صام الثالث بعد النفر كما هو المشهور بل عن ابن إدريس و غيره الإجماع عليه، و هو الحجة في اغتفار الفصل بالعيد و أيام التشريق في التوالي، مضافا الى

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (2)المنجبر بما عرفت عن الصادق عليه السلام «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر»

و خبر يحيى الأزرق أو موثقه (3)عن أبي الحسن عليه السلام «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»

و رواه الصدوق عنه في الحسن انه سأل أبا إبراهيم عليه السلام، بل ظاهرها حتى الأخير تناول حال الاختيار كما اعترف


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث- 2.

ج 19، ص: 170

به بعضهم، فان القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم، بل عن ابن حمزة التصريح بذلك، بل في كشف اللثام نسبته الى ظاهر الباقين إلا القاضي و الحلبيين فاشترطوا الضرورة، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأقوى الأول، و عن بعض المتأخرين اشتراط الجهل يكون الثالث العيد، و إطلاق النص و الفتوى على خلافه كما اعترف به الكركي و ثاني الشهيدين، بل عن ابن حمزة جواز صوم السابع و الثامن ثم يوما بعد النفر لمن خاف أن يضعفه صوم يوم عرفة عن الدعاء، و نفى عنه البأس في المختلف محتجا له بان التشاغل بالدعاء فيه مطلوب للشارع، فجاز الإفطار له، و فيه ما لا يخفى و إن أيده بعض الناس بالنهي عن صوم عرفة مطلقا ك

قول الصادقين (عليهما السلام) في خبر زرارة(1)«لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الأمصار»

أو إن أضعف عن الدعاء ك

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر ابن مسلم (2)إذ سأله عن صومها: «من قوي عليه فحسن إن لم يمنعك من الدعاء، فإنه يوم دعاء و مسألة فصمه، و إن خشيت أن يضعفك عن الدعاء فلا تصمه»

إلا أن ذلك كله لا يدل على اغتفار الفصل به في التوالي الذي قد عرفت اعتباره في النص و معقد الإجماع.

بل يظهر من جملة من النصوص عدم اغتفار الفصل بالعيد الذي قد عرفت النص و الفتوى و معقد الإجماع عليه، منها صحيح معاوية(3)السابق، و منها


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 6 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 4 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 171

صحيح العيص بن القاسم (1)عن أبي عبد الله عليه السلام سأله «عن متمتع يدخل في يوم التروية و ليس معه هدي قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما، و هو يوم النفر، و يصوم يومين بعده»

و صحيح حماد ابن عيسى (2)قال: «سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال علي عليه السلام صيام ثلاثة أيام في الحج قبل يوم التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر و يصبح صائما و يصوم يومين بعده و سبعة إذا رجع»

و خبر علي بن الفضل الواسطي (3)قال: «سمعته قال: إذا صام المتمتع يومين لا يتابع صوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج، فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات، فان لم يقدر و لم يقم عليه الجمال فليصمها في الطريق، فإذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات».

إلا انها قاصرة عن معارضة ما عرفت من وجوه، خصوصا بعد إمكان تقييد جملة منها بما سمعت، و حمل آخر على بيان الجواز و غيره، هذا، و في كشف اللثام «و الظاهر وجوب المبادرة الى الثالث بعد زوال العذر و ان أطلقت الاخبار و الفتاوى التي عثرت عليها إلا فتوى ابن سعيد فإنه قال: صام يوم الحصبة و هو رابع النحر» قلت: مع أنه من أيام التشريق التي ستسمع الكلام فيها، بل و الكلام في ابتداء الثلاثة منه، و لا ريب ان الأحوط المبادرة بها بعد أيام التشريق و إن كان الوجوب لا يخلو من نظر بعد إطلاق النص و الفتوى، بل قد سمعت ما في النص من كون المراد من قوله «فِي الْحَجِّ» شهر ذي الحجة، مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 172

الى ما تسمعه مما يدل على جواز صومها طول ذي الحجة من النص (1)و الإجماع و غيرهما، و الله العالم.

و لو فاته يوم التروية أخره الى ما بعد النفر بمعنى أنه لم يغتفر الفصل بالعيد حينئذ كما هو المشهور، بل لا أجد فيه خلافا،

لإطلاق ما دل على وجوب التتابع، و إطلاق ما دل على صومها متتابعة إذا فات صومها على الوجه المزبور، و لكن عن الاقتصاد أن من أفطر الثاني بعد صوم الأول لمرض أو حيض أو عذر بنى، و كذا الوسيلة إلا إذا كان العذر سفرا، أو لعلهما استندا الى عموم التعليل في

خبر سليمان بن خالد(2)سأل الصادق عليه السلام «عمن كان عليه شهران متتابعان فصام خمسة و عشرين يوما ثم مرض فإذا بري ء أ يبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ فقال عليه السلام: بل يبني على ما كان صام، ثم قال: هذا مما غلب الله عليه و ليس على ما غلب الله عليه شي ء»

و استثناء السفر لأنه ليس هنا عذرا، و فيه- مع انه في غير ما نحن فيه ضرورة العلم بالعيد- يمكن الفرق بين المقامين خصوصا بعد النصوص الدالة هنا على وجوب صومها بعد ذلك إذا فاتت الثلاثة.

و على كل حال فالمشهور عدم جواز استئنافها أيام التشريق، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لعموم النهي عن صومها بمنى، ك

مرسل الصدوق (3)«ان النبي صلى الله عليه و آله بعث بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق و امره أن يتخلل الفساطيط ينادي في الناس أيام منى أن لا يصوموا فإنها أيام أكل و شرب و بعال»

أي ملاعبة الرجل مع أهله، و خصوص

صحيح ابن سنان (4)«سألت أبا عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 12 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 173

عليه السلام عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال: فليصم ثلاثة أيام ليس منها أيام التشريق، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها، و سبعة إذا رجع الى أهله، و ذكر حديث بديل بن ورقاء»

و صحيح سليمان بن خالد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا قال: يصوم ثلاثة أيام، قلت له أ فيها أيام التشريق؟ قال:

لا، و لكن يقيم بمكة حتى يصومها و سبعة إذا رجع الى أهله، فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله، ثم ذكر حديث بديل بن ورقاء» و رواه في كشف اللثام عن ابن مسكان ،

و لتدبر فيما رواه في التهذيب هنا(2)و في شرح من فاته صوم هذه الثلاثة الأيام بمكة لعائق يعوقه (3)يقتضي ما ذكرنا من كون الخبر عن سليمان، فلاحظ و تأمل، و

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (4)قال: «كنت قائما أصلي و أبو الحسن عليه السلام قاعد قدامي و أنا لا أعلم فجاءه عباد البصري قال:

فسلم فجلس فقال: له يا أبا الحسن ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي؟ قال: يصوم الأيام التي قال الله عز و جل، قال: فجعلت أصغي إليهما فقال له عباد: و أي أيام هي؟ قال: قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فان فاته ذلك قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك، قال: أ فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن؟ قال: فأي شي ء قال قال: يصوم أيام التشريق، قال: إن جعفرا كان يقول: إن رسول الله صلى الله عليه و آله أمر بديلا أن ينادي ان هذه أيام أكل و شرب، فلا يصومن أحد، قال


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 التهذيب ج 5 ص 229 الرقم 775.
3- 3 التهذيب ج 5 ص 233 الرقم 789 و هو ما رواه في الوسائل في الباب 46- من أبواب الذبح- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث- 4.

ج 19، ص: 174

يا أبا الحسن: إن الله تعالى قال فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، قال كان جعفر عليه السلام: يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج».

فما عن أبي علي- من اباحة صومها فيها ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام في خبر إسحاق (1)«من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له»

و نحو منه خبر القداح (2) - واضح الضعف بعد شذوذ الخبرين و ضعفهما و موافقتهما لقول من العامة، و قصورهما عن معارضة ما عرفت من

وجوه، بل احتمل تعليق أيام التشريق فيهما بالقول و إن كان بعيدا غاية البعد، نعم

أرسل في الفقيه (3)ان في رواية عنهم «يتسحر ليلة الحصبة، و هي ليلة النفر و يصبح صائما»

بل عن النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر انه يصوم الحصبة و هو يوم النفر، و هو المحكي عن أبي علي و ابن بابويه، بل قد سمعت النصوص الدالة عليه كصحيح العيص (4)و صحيح حماد(5)و صحيح رفاعة(6)بل و

صحيح معاوية(7)و إن كان ليس فيه قوله «و هو يوم النفر».

و من هنا قال في المدارك في شرح عبارة المتن: «بل الأظهر جواز صوم يوم النفر، و هو الثالث عشر» و يسمى يوم الحصبة كما اختاره الشيخ في النهاية و ابنا بابويه و ابن إدريس للأخبار الكثيرة الدالة عليه، و إن كان الأفضل تأخير الصوم الى ما بعد أيام التشريق، كما تدل عليه

صحيحة رفاعة(8)عن الصادق عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث- 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث- 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الذبح- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 175

حيث قال فيها: «قلت فان قدم يوم التروية قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق قلت لم يقم عليه جماله قال: يصوم يوم الحصبة و بعده يومين»

و قد ظهر من هذه الروايات أن يوم الحصبة هو الثالث من أيام التشريق، و نقل عن الشيخ في المبسوط انه جعل ليلة التحصيب ليلة الرابع، و الظاهر أن مراده ليلة الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر، لصراحة الأخبار في أن يوم التحصيب هو يوم النفر، و ربما ظهر من كلام أهل اللغة انه يوم الرابع عشر، و لا عبرة به».

قلت: الأصل في ذلك الفاضل في المختلف فإنه بعد ان ذكر ما يدل على حرمة صوم أيام التشريق و ذكر صوم يوم الحصبة- قال: «و لا ريب ان يوم الحصبة هو يوم الثالث من أيام التشريق إلا ان يقال ان الشيخ ذكر في المبسوط ان ليلة الرابع ليلة التحصيب، فيصح ذلك، إلا ان هذا التأويل بعيد، أما أولا فلان التحصيب إنما يكون لمن نفر في الأخير، و هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، و اما ثانيا فلانه قال: فليصم يوم الحصبة، و هو يوم النفر، و النفر نفران: أول، و هو الثاني عشر، و ثاني، و هو الثالث عشر، و يحمل قول الشيخ في المبسوط بأنه أراد الرابع من يوم النحر لا الرابع عشر» قلت:

كما سمعته من الجامع، لكن في محكي الخلاف ان الأصحاب قالوا: يصبح ليلة الحصبة صائما، و هي بعد انقضاء أيام التشريق، و في

خبر إبراهيم بن أبي يحيى المروي (1)عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: «يصوم المتمتع قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، فان فاته ذلك و لم يكن عنده دم صام إذا انقضت أيام التشريق يتسحر ليلة الحصبة ثم يصبح صائما».


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 20.

ج 19، ص: 176

و في كشف اللثام «و ما في صحيحي حماد و العيص من التفسير يجوز ان يكون من الراوي- ثم قال- و ما في المبسوط- من ان يوم الحصبة يوم النفر، و كذا النهاية و المهذب و السرائر، بل خبر رفاعة نص فيه- لا يقتضي ان يكون ليلة الحصبة قبله، و إنما يوهمه القياس على نحو ليلة الخميس، و الشيخ ثقة فيما يقوله، و لا حاجة الى تأويل كلامه بما في المختلف أيضا بأن مراده بالرابع الرابع من يوم النحر، مع ان كلام الخلاف نص في خلافه، ثم الاحتياط يقتضي التأخير، إذ لا خلاف في الاجزاء معه ثم احتمل سابقا في خبر عبد الرحمن تبعا للمختلف ان المراد من صبيحة الحصبة بمعنى اليوم الذي بعدها، كما انه احتمل في صحيح رفاعة الاقتصار على حال الضرورة، قلت: كل ذلك مضافا الى ما سمعته من الخبر و ما حكاه في المدارك عن بعض أهل اللغة إلا ان الانصاف مع ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي

هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر، و لعله لكون المحرم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى لا مطلقا كما عن الأكثر على ما في محكي المعتبر، و في الروضة لا يحرم صومها على من ليس بمنى إجماعا، و في

صحيح معاوية(1)سأل الصادق عليه السلام «عن الصيام فيها فقال: اما بالأمصار فلا بأس، و اما بمنى فلا»

و من هنا يظهر لك النظر فيما عن النهاية و المبسوط من انه لو كان بمكة لا يصومها لعموم النهي عنه، اللهم إلا أن يكون المراد(2)بكونه في منى من مكة،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1 من كتاب الصوم.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و حق العبارة هكذا« اللهم إلا ان يكون المراد كونه في منى من مكة» فكأن عبارة المبسوط هكذا« انه لو كان بمنى لا يصومها».

ج 19، ص: 177

هذا، و قد تقدم في كتاب الصوم بعض الكلام في ذلك فلاحظ، و كيف كان فالاحتياط لا ينبغي تركه. و الله العالم.

و يجوز تقديمها من أول ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة كما في القواعد و النافع ل

خبر زرارة أو موثقه (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «من لم يجد الهدي و أحب أن يصوم الثلاثة الأيام في أول العشر فلا بأس»

المعتضد بإطلاق الآية المفسر في صحيح رفاعة(2)بشهر الحج كله، و اليه أشار ابن سعيد في

المحكي عنه من النص على أنه رخص في ذلك لغير عذر، كالمحكي عن القاضي من انه قد رويت رخصة في تقديم صوم هذه الثلاثة من أول العشر، و كذلك في تأخيرها الى بعد أيام التشريق لمن ظن ان صوم يوم التروية و يوم عرفة يضعفه عن القيام بالمناسك، و كذا عن النهاية و التهذيب و المبسوط و المهذب في ذكر الرخصة في صومها أول العشر، لكن عن الأخيرين «أن التأخير إلى السابع أحوط» و في التهذيب «ان العمل على ما ذكرناه أولى» بل عن التبيان و السرائر «الإجماع على وجوب كون الصوم في الثلاثة المتصلة بالنحر» كما عن الخلاف «نفي الخلاف عن وجوبه اختيارا» و إن احتمل إرادة نفي الخلاف عن تقديمها على الإحرام بالحج، بل عن ظاهره اختصاص الرخصة بالمضطر.

و على كل حال فلا ريب في أن الأحوط عدم التقديم و إن كان القول بالجواز لا يخلو من قوة، خصوصا بعد دعوى الشهرة عليه في محكي التنقيح لما عرفت، نعم لا خلاف في أنه يجوز صومها طول باقي ذي الحجة بل في المدارك أنه قول علمائنا و أكثر العامة لإطلاق الآية المفسرة في

صحيح رفاعة السابق بذي الحجة، و خصوص قول الصادق عليه السلام في صحيح زرارة(3): «من


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 13.

ج 19، ص: 178

لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك»

بل يمكن تحصيل الإجماع منا فضلا عن محكيه على الجواز المزبور بمعنى الاجزاء و إن قلنا بوجوب المبادرة كما سمعته سابقا من كشف اللثام، و قال في المقام:

«و ظاهر الأكثر و منهم المصنف في سائر كتبه وجوب المبادرة بعد التشريق، فان فات فليصم بعد ذلك الى آخر الشهر، و هو أحوط، لاختصاص أكثر الأخبار بذلك، و من ذهب الى كونه قضاء بعد التشريق لم يجز عنده التأخير إليه اختيارا قطعا، و هو مذهب الشيخ في المبسوط على ما في المختلف، و الحق انه أداء كما في الخلاف و السرائر و الجامع و المختلف و المنتهى و التذكرة و التحرير و فيما عندنا من نسخ المبسوط، إذ لا دليل على خروج الوقت، بل العدم ظاهر ما مر، غاية الأمر وجوب المبادرة» قلت: قد سمعت سابقا ما اعترف به من إطلاق الأخبار و الفتاوى و أنه لم يعثر على ما يقتضي وجوب المبادرة إلا ما حكاه من عبارة الجامع، فما أدري ما الذي دعاه هنا الى نسبة ذلك الى ظاهر الأكثر الذي يشهد التتبع بخلافه، خصوصا مع ملاحظة تصريحهم بجواز ذلك طول ذي الحجة، إذ لا داعي إلى حمله على إرادة الاجزاء لا الجواز بمعنى عدم الإثم و القول بالقضاء المزبور ليس لأحد من أصحابنا، نعم في المدارك أنه حكى في التذكرة عن بعض العامة قولا بخروج وقتها بمضي يوم عرفة، و لا ريب في بطلانه كما لا ريب في بطلان توقيتها بخصوص الأيام التي بعد التشريق، أو خصوص يوم الحصبة منها، و التحقيق ما عرفت من عدم وجوب المبادرة للأصل، و ظاهر النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات فضلا عن التوقيت، و ان كانت هي أحوط، و الله العالم.

و لو صام يومين و أفطر الثالث لا لعذر لم يجزه و استأنف لما

ج 19، ص: 179

عرفته من وجوب التتابع فيها نصا(1)و فتوى و إجماعا بقسميه، و في العذر ما سمعته من الكيدري و ابن حمزة، مع أن ظاهر الأصحاب هنا خلافه إلا أن يكون ذلك هو العيد فيأتي بالثالث بعد النفر لما سمعته من النص (2)و الفتوى و معقد الإجماع، فوسوسة سيد المدارك فيه لبعض النصوص (3)المعرض عنها أو المحمولة على ما عرفت في غير محلها كما تقدم ذلك كله، بل و غيره مما سمعته من ابن حمزة الذي نفى عنه البأس في المختلف، فلاحظ و تأمل.

و لا يصح صوم هذه الثلاثة إلا في ذي الحجة بعد التلبس بالمتعة بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، نعم عن أحمد في رواية جواز تقديمها على إحرام العمرة، و هو خطأ واضح، ضرورة كونه تقديما للواجب على وقته و سببه بلا دليل، بل ظاهر الأدلة خلافه، نعم يتحقق التلبس بالمتعة بدخوله في إحرام العمرة التي صارت جزء من حج التمتع كما صرح به غير واحد، بل قد عرفت النص (4)و الإجماع

على رجحان صومها في السابع مع استحباب أن يكون الإحرام بالحج في الثامن، و لكن مع ذلك اشترط الشهيد التلبس بالحج، و نحوه المصنف في النافع و ثاني الشهيدين، لكونه تقديما للواجب على وقته، و للمسبب على سببه، و هو كالاجتهاد في مقابلة ما عرفت، ثم قال في الدروس: و جوز بعضهم صومها في إحرام العمرة، و هو بناء على وجوبه بها يعني الحج أو الهدي أو الصوم، قال: «و في الخلاف لا يجب الهدي قبل إحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 3 و 4 و 5 و الباب 53 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح.

ج 19، ص: 180

الحج بلا خلاف، و يجوز الصوم قبل إحرام الحج، و فيه إشكال» و فيه أنه لا حاجة الى البناء المزبور بعد ظهور الدليل في ذلك و إن لم نقل بالوجوب، و لعل ذلك هو الوجه في كلام الشيخ (رحمه الله) ضرورة عدم المانع من مشروعية الصوم قبل الخطاب بالذبح للدليل كما أوضحناه سابقا، و قلنا إن خبر الكرخي (1)عن الرضا عليه السلام محمول على إرادة بيان الجواز أو غير ذلك، على انه يمكن القول بوجوب الذبح بإحرام العمرة على معنى صيرورته مخاطبا بأفعال الحج على حسب ترتبها و يكفي ذلك في مشروعية الصوم بدلا عنه، كما هو واضح.

و لو خرج ذو الحجة و لم يصمها أي الثلاثة تعين الهدي بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر المدارك و صريح المحكي عن الخلاف الإجماع

عليه بل عن بعض انه نقله جماعة، و هو الحجة بعد

صحيح حازم (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل المحرم فعليه شاة، و ليس له صوم، و يذبح بمنى»

لكن في كشف اللثام «أنه كما يحتمل الهدي يحتمل الكفارة، بل هي أظهر» و كذا النهاية و المهذب، و فيه انه دال بإطلاقه أو عمومه لهما، خصوصا بعد ملاحظة استدلال الأصحاب به على الهدي، و لعله لذا قال في المحكي المبسوط وجب عليه دم شاة و استقر في ذمته الدم و ليس له صوم» و نحوه الجامع بل هو محكي عن صريح المنتهى، بل لعل عبارة المصنف و ما شابهها لا دلالة فيها على نفي الكفارة بعد أن كانت مسافة لبيان ذلك، و من الغريب ما في الرياض، فإنه بعد ان اعترف بدلالة الصحيح (3)على الهدي و الكفارة قال: «إن عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 1 و هو صحيح منصور بن حازم.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 181

الوجوب أقوى للأصل» بعد أن نسبه الى ظاهر المصنف و الأكثر، و ذكر الاستدلال بالنبوي الذي تسمعه، ثم قال: «و سند الخبر لم يثبت» و كأنه غفل عما اعترف به من دلالة الصحيح، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فيؤيده مضافا الى ذلك بالنسبة إلى الكفارة

النبوي (1)«من ترك نسكا فعليه دم»

و بالنسبة إلى الهدي

صحيح عمران الحلبي (2)قال:

«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم اهله قال: يبعث بدم»

بل هو صريح كظاهر الأول في عدم الفرق بين كون الترك لعذر أو لا، كل ذلك مضافا الى ما تقدم من النصوص (3)الدالة على ان وقتها ذو الحجة، و انه المراد من قوله تعالى:

«الْحَجُّ» هذا.

و لكن في محكي النهاية و المبسوط بعد ما سمعته «ان من لم يصم الثلاثة بمكة و لا بالطريق و رجع الى بلده و كان متمكنا من الهدي بعث به، فإنه أفضل من الصوم» و ظاهره التخيير بين الهدي و الصوم، بل في الدروس حكاية ذلك عنه على الجزم، و فيه أنه إن كان قد خرج ذو الحجة تعين الهدي، ضرورة فوات وقت الصوم، بل و كذا إن لم يخرج، لأن من وجد الهدي قبل شروعه في الصوم يجب عليه الهدي، اللهم إلا أن يكون المراد الوجدان في منى، فيتعين عليه الصوم حينئذ لا التخيير، إلا أن يكون هو مقتضى الجمع بين ذلك و بين إطلاق صحيح الحلبي المزبور، لكن ندرة القول


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 152.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح.

ج 19، ص: 182

به تمنع من ذلك، فإن عبارة الشيخ المزبورة غير صريحة فيه، و لذا قال في المختلف انها مشعرة به، و لعله لاحتمال تعليله بأنه أفضل بيان حكمة التعيين لا التخيير.

نعم قد يقال إن الصحيح المزبور معارض بالنصوص المستفيضة الدالة على أن من فاته صومها بمكة لعائق أو نسيان صامها في الطريق إن شاء، و إن شاء إذا رجع الى أهله، منها حسن معاوية(1)و خبر علي بن الفضل الواسطي (2)المتقدمان، و منها

صحيح معاوية(3)أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله: من كان متمتعا و لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع الى أهله، فإن فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في اهله، و ان كان له مقام بمكة فأراد أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام»

قال في القاموس: «الصدر الرجوع كالمصدر، و الاسم بالتحريك، و منه طوف الصدر- ثم قال-: و الصدر محركة اليوم الرابع من أيام النحر» و منها

صحيح معاوية(4)الآخر، قال: «حدثني عبد صالح عليه السلام سألته عن المتمتع ليس له أضحية وفاته الصوم حتى يخرج و ليس له مقام قال:

يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء، و إن شاء صام عشرة في اهله»

و منها

صحيح سليمان بن خالد(5)«سألت أبا عبد الله عن رجل تمتع و لم يجد هديا قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 47 من أبواب الذبح- الحديث 4 و ذيله في الباب 50 منها الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 7.

ج 19، ص: 183

يصوم ثلاثة أيام بمكة و سبعة إذا رجع الى أهله، فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى اهله»

و منها

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فآخرها يوم عرفة، و ان لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله، و لا يصومها في السفر»

و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين خروج ذي الحجة و عدمه، و من هنا احتمل في الذخيرة الجمع بينها بان حكم السقوط مختص بالناسي، كما في صحيحة حمران (2)و يحمل عليه حسنة منصور بن حازم (3)قال و حينئذ يجمع بين صحيحة ابن مسلم و ما يعارضها بالترخيص، و جمع بينها في التهذيب بحملها على من استمر به عدم التمكن من الهدي حتى وصل الى بلده،

فان الصوم يجزيه و الحال هذه، و إن تمكن من الهدي قبل الصوم بعث به، قلت: لعل الأولى الجمع بحمل هذه النصوص على عدم خروج ذي الحجة و ان استبعده في الذخيرة، لاعتضاده بعد الشهرة و الإجماعات المنقولة بظاهر الكتاب و السنة و الإجماع الموقتة لها بذي الحجة، فتسقط حينئذ بخروجه، و تقييد ذلك كله بحال التمكن و الاختيار في البقاء في مكة ليس بأولى من تقييد الصحاح بها بحملها على بقاء ذي الحجة، بل هذا اولى من وجوه، و الله العالم.

و لو صامها أي الثلاثة ثم وجد الهدي في ذي الحجة و لو قبل التلبس بالسبعة لم يجب عليه الهدي و كان له المضي على الصوم كما في النافع و القواعد و محكي النهاية و المبسوط و الجامع، بل في المدارك نسبته الى أكثر


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 10.
2- 2 و هي صحيحة عمران الحلبي المتقدمة في ص 181.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 184

الأصحاب، بل عن الخلاف الإجماع على ذلك، للأصل و

خبر حماد بن عثمان (1)سأل الصادق عليه السلام «عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هديا يوم خرج من منى قال: أجزأه صيامه»

و خبر أبي بصير(2)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم؟ قال: بل يصوم، فإن أيام الذبح قد مضت»

بعد حمله على انه قد صام الثلاثة، و ان المراد من قوله «أو يصوم» إكماله بصوم السبعة، كما ان المراد من مضي أيام الذبح مضي أيام تعينه، فما عن القاضي من وجوب الهدي لصدق الوجدان واضح الضعف لما عرفت، و لكن قد يستدل له ب

خبر عقبة(3)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا فلما ان صام ثلاثة أيام في الحج أيسر أ يشتري هديا فينحره أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام إذا رجع الى أهله قال يشتري هديا فينحره، و يكون صيامه الذي صامه نافلة»

إلا انه لمكان الشهرة المزبورة- بل الإجماع المحكي على عدم الوجوب ان لم يكن المحصل، و النصوص المزبورة المجبورة بالعمل- حمل على إرادة الندب كما أشار إليه المصنف بقوله:

و لو رجع الى الهدي كان أفضل مؤيدا بأنه الأصل و بدلالة النصوص على فضله على الصوم على الإطلاق، بل عن ابن إدريس و الفاضل و المقداد الاكتفاء في الحكم المزبور بالتلبس بالصوم مستدلا عليه في محكي المنتهى بإطلاق الآية وجوب الصوم على من لم يجد الهدي الذي مقتضاه عدم الاجتزاء به و إن لم يدخل في الصوم، إلا أنه خرج ذلك بالوفاق، فيبقى ما عداه، و لكن فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الذبح- الحديث- 2.

ج 19، ص: 185

أن مقتضى الآية صوم من لم يجد، و هذا واجد، لأن ذا الحجة كله وقت، بل مقتضاه وجوب الهدي

و إن صام العشرة فضلا عن الثلاثة كما سمعته من القاضي بل مال اليه بعض متأخري المتأخرين، لضعف خبر حماد(1)بعبد الله بن بحر كما في الكافي أو بعبد الله بن يحيى كما في التهذيب لاشتراكه، مع أن الظاهر كونه تصحيفا، و ضعف خبر أبي بصير(2)أيضا و إن روي بعدة طرق، و إن كان قد يدفع ذلك بعد التسليم في الأخير بالانجبار بما عرفت مؤيدا بالوفاق، على أن الأصل في الثلاثة صومها في السابع و تاليه كما عرفت، و هو يعطي الاجزاء و ان وجد يوم النحر، فالتحقيق حينئذ اعتبار مضي الثلاثة في الحكم المزبور، و اولى منه الزيادة عليها كما أومأ إليه المصنف بلو الوصلية، نعم في عبارة القواعد تقييد ذلك بما قبل السبعة، و هو يعطي عدم جواز الرجوع الى الهدي بعدها، لكن فيه منع واضح، ضرورة جوازه ما دام ذو الحجة، و لذا قال الشهيد لو صام ثم وجد الهدي في وقته استحب الذبح، بل لعله أحوط، و أوضح منه منعا لو أراد عدم إجزاء الصوم، ضرورة كونه بالتلبس بالسبعة زاد على الثلاثة كما هو واضح.

و كيف كان ف صوم السبعة بعد وصوله الى بلده بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد ظاهر الآية الذي مقتضاه العود الى الوطن، و

صحيح معاوية(3)عن أبي عبد الله عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

«من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع الى


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 186

أهله»

و صحيح سليمان بن خالد(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا قال يصوم ثلاثة أيام بمكة، و سبعة إذا رجع الى أهله، فان لم يقم عليه أصحابه و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع الى أهله»

و غيرهما، خلافا لبعض العامة فقال: يصوم السبعة إذا فرغ من أعمال الحج، و لآخر منهم أيضا فقال: يصومها إذا خرج من مكة سائرا في الطريق، و لثالث فقال: بعد أيام التشريق، و الجميع مخالف للتنزيل الذي مقتضاه أيضا صومها بعد الرجوع متى شاء، و

عن إسحاق بن عمار(2)انه سأل أبا الحسن عليه السلام «انه قدم الكوفة و لم يصم السبعة الأيام حتى فرغ في حاجة الى بغداد فقال عليه السلام: صمها ببغداد، فقلت أفرقها قال: نعم»

و الله العالم.

و لا يشترط فيها الموالاة على الأصح وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى و التذكرة لا نعرف فيه خلافا للأصل بعد إطلاق الدليل، و خبر إسحاق بن عمار المتقدم آنفا المنجبر بما عرفت المعتضد بالعموم في

حسن عبد الله بن سنان (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين»

خلافا لما عن ابن أبي عقيل و أبي الصلاح من وجوبها فيها كالثلاثة ل

خبر علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة أ فصومها متوالية أو نفرق بينها؟ قال: تصوم الثلاثة الأيام لا تفرق بينها، و السبعة لا تفرق بينها»

و هو- مع الطعن في سنده بمحمد بن أحمد العلوي الذي هو غير


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 من كتاب الصوم.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 187

معروف الحال و ان وصف الفاضل الروايات الواقع في طريقها بالصحة، فهو كالشهادة منه بذلك- قاصر عن معارضة ما سمعت، و ك

خبر الحسين بن زيد(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «السبعة الأيام و الثلاثة الأيام في

الحج لا تفرق انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين»

فالوجه حملها على ضرب من الكراهة، كما عساه يشعر بها التفريق في الجواب في الأول.

ثم إن الظاهر اعتبار التفريق بين الثلاثة و السبعة بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، لظاهر الآية، و

خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه عليه السلام «لا يجمع بين الثلاثة و السبعة»

لكن الظاهر اختصاص ذلك بما إذا صام في مكة، اما لو وصل الى اهله و لم يكن قد صام الثلاثة لم يجب عليه التفريق، كما نص عليه الفاضل في محكي المنتهى، بل هو ظاهر الأمر بصوم العشرة فيما سمعته من النصوص (3)و الله العالم.

فإن أقام بمكة انتظر مقدار مدة وصوله إلى أهله ما لم يزد على شهر ثم صام السبعة كما انه يصومها إذا مضى الشهر كما في النافع و القواعد و محكي النهاية و المقنع و السرائر و الجامع، بل في الذخيرة لا اعلم فيه خلافا، و الأصل فيه

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار(4)«قال رسول الله


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 2 من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 7 و 12 و الباب 47 منها الحديث 2 و الباب 51 منها- الحديث 2.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب 47 من أبواب الذبح- الحديث 4 و ذيله في الباب 50 منها الحديث 2.

ج 19، ص: 188

صلى الله عليه و آله: من كان متمتعا فلم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج و سبعة إذا رجع الى أهله، قال: فان فاته ذلك و كان له مقام بعد الصدر صام ثلاثة أيام بمكة، و إن لم يكن له مقام صام في الطريق أو في أهله، و ان كان له مقام بمكة و أراد أن يصوم السبعة يترك الصيام بقدر مسيره إلى أهله أو شهرا ثم صام»

الذي يقيد به إطلاق ما رواه

الصدوق في محكي المقنع عن معاوية(1)أنه سأل الصادق عليه السلام «عن السبعة الأيام إذا أراد المقام فقال: يصومها إذا مضت أيام التشريق»

بل و

صحيح أبي بصير(2)المضمر «رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام الثلاثة أيام فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة قال: ينتظر منهل أهل بلده، فإذا ظن انهم دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيام»

و صحيح ابن ابى نصر(3)«في المقيم إذا صام الثلاثة الأيام ثم يجاور ينظر مقدم أهله، فإذا ظن انهم قد دخلوا فليصم السبعة الأيام»

و المراد من الظن فيهما هو تقدير المدة المزبورة، ضرورة عدم حصول العلم بدخولهم بمضيها لإمكان المانع، و المدار عليها لا على دخولهم، فما عن القاضي و الحلبيين- من الانتظار الى الوصول من غير اعتبار الشهر، بل عن ابن زهرة منهم الإجماع عليه، بل عن المفيد روايته (4)عن الصادق عليه السلام- واضح الضعف و إن استدل لهم بإطلاق الصحيحين المزبورين المحمول على ما عرفت، بل يمكن حمل كلامهم على إرادة أحد الفردين لا قصر الحكم عليه، كالمحكي عن الشيخ من انه عكس في الاقتصاد، فذكر الانتظار شهرا فحسب، فيرتفع الخلاف حينئذ من البين كما سمعته من الذخيرة.


1- 1 المستدرك- الباب- 45- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الذبح- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 189

ثم إن ظاهر النص و الفتوى قصر الحكم على المقيم بمكة، لكن في كشف اللثام عممه الحلبيان لمن صد عن وطنه، و ابن أبي مجد للمقيم بأحد الحرمين، و الفاضل في التحرير لمن أقام بمكة أو الطريق و أطلق في التذكرة لمن أقام إلا أنه استدل بصحيح معاوية الذي سمعته، و لا يخفى عليك ما في الجميع، ضرورة كون الوجه الاقتصار في الشهر على المنصوص، للأمر في الآية بالتأخير إلى الرجوع الظاهر منه الحقيقة لا الحكم أيضا و إن ذكره بعض المتأخرين، لكنه محل للنظر كما اعترف به في الذخيرة و المدارك، هذا، و قد ذكر غير واحد من المتأخرين على ما في الذخيرة أن مبدأ

الشهر بانقضاء أيام التشريق، و لم يستوضحه قال: بل يحتمل الاحتساب من يوم يدخل مكة أو يوم يعزم على الإقامة، و في كشف اللثام «و الأظهر من آخرها الذي هو يوم النفر، و يحتمل من دخول مكة أو قصد إقامتها» قلت: قد يشهد للاول ما سمعته من خبر المقنع مؤيدا بما سمعته سابقا من ان جواز صوم يوم الآخر منها باعتبار كونه يوم النفر هو الخروج من منى، و حرمة صومها إنما هي فيها لا مطلقا، و لعل الأمر هنا كذلك أيضا، فإن خرج من منى في اليوم الأخير احتسب الشهر منه، و إلا فمن بعده، و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، و الله العالم.

و لو مات من وجب عليه الصوم و لم يصم بعد التمكن منه وجب أن يصوم عنه وليه الثلاثة دون السبعة كما عن الشيخ و جمع للأصل و

حسن الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام سأله «عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ان رجع الى أهله قبل ان يصوم السبعة الأيام أعلى وليه ان يقضي عنه؟ قال: ما أرى عليه قضاء»

و فيه ان


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 190

الأصل مقطوع بما تسمعه، و الحسن محتمل للموت قبل التمكن من الصوم الذي لا خلاف معتد به في

عدم وجوب الصوم عنه معه بل عن المنتهى انه مذهب علمائنا و أكثر الجمهور، كما عن الصيمري ان عليه إطباق الفتاوى، و به حينئذ يقيد الإطلاق، فما عن بعض من الوجوب واضح الضعف، على ان الحسن المزبور ظاهر في نفي القضاء مطلقا كما في الرياض حاكيا له عن الصدوق، قال:

لأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص المحل، و إن كان هو كما ترى، نعم هو محتمل لما عرفت، خصوصا بعد قوة المعارض.

و من هنا قيل و القائل ابن إدريس و أكثر المتأخرين بوجوب قضاء الجميع مع فرض عدم صومها بعد التمكن و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها عموم ما دل (1)على وجوب قضاء ما فات الميت من الصيام، بل عن المختلف الإجماع على ذلك، و خصوص

صحيح معاوية(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «من مات و لم يكن له هدي لمتعة فليصم عنه وليه»

و من الغريب ما في الرياض من المناقشة بأن هذا ظاهر، و الأول نص، و يحمل على الاستحباب بعد رجحانه عليه بالشهرة و الإجماع المحكي و غير ذلك، و أغرب منه المناقشة أيضا بأن الشهرة ليست بتلك الشهرة الموجبة لصرف الأدلة عن ظواهرها، و بعدم وضوح تناول العموم لمثل المقام، و يمنع الإجماع في محل النزاع، إلا ان ذلك كله كما ترى، و التحقيق ما عرفت.

ثم لا فرق في ذلك بعد وجوبها عليه بين وصوله الى بلده و عدمه، للعموم المزبور، فما عساه يظهر من محكي الفقيه- من انه إذا مات قبل ان يرجع الى


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان من كتاب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 191

اهله و يصوم السبعة فليس على وليه القضاء من اعتبار الوصول- في غير محله اللهم إلا ان يريد بذلك الكناية عن التمكن منها، كما ان ما يحكي عن الصدوق من استحباب أصل القضاء للولي كذلك أيضا بعد ما عرفت، و الله العالم و من وجب عليه بدنة في نذر أو كفارة و لم يجد و لم يكن على بدلها نص بخصوصه كفداء النعامة على ما ستعرف إن شاء الله كان عليه سبع شياه كما في القواعد و النافع و غيرهما و محكي السرائر و النهاية و المبسوط، بل في الأخيرين فان لم يجدها صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله، ل

خبر داود الرقي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يكون عليه بدنة واجبة في فداء قال: إذا لم يجد بدنة فسبع شياه، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في منزله»

مؤيدا بما عن

ابن عباس (2)«انه اتى النبي صلى الله عليه و آله رجل فقال علي بدنة و انا موسر لها و لا

أجدها فأشتريها فأمره النبي صلى الله عليه و آله ان يبتاع سبع شياه فيذبحهن»

بل و بما تسمعه إن شاء الله في الايمان و توابعها من ان من وجب عليه بدنة في نذر و لم يجد لزمه بقرة، فان لم يجد فسبع شياه، لكن لاقتصار الخبر المزبور على الفداء اقتصر عليه ابن سعيد فيما حكي عنه، و عن الصدوق في المقنع و الفقيه الاقتصار على الكفارة التي هي أعم من الفداء، و لا يبعد اتحاد المراد منهما هنا كما انه لا يبعد العمل بالخبر المزبور بعد الاعتضاد بالعمل و غيره مما سمعت، نعم ينبغي الاقتصار عليه بعد حرمة القياس عندنا، فلا تجزي السبع المزبورة عن البقرة و ان أجزأت عن الأعظم، كما ان البدنة لا تجزي من السبع حيث تجب و إن وجبت هي بدلا عنها، و ما عن التذكرة و المنتهى من اجزاء البدنة عن البقرة لأنها أكثر لحما


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 سنن ابن ماجة ج 2 ص 274.

ج 19، ص: 192

و أوفر لا يخفى عليك ما فيه، و يتحقق العجز عن السبع بالعجز عن البعض فينتقل الى الصوم حينئذ، كما هو واضح، و الله العالم.

و لو تعين الهدي فمات من وجب عليه اخرج من أصل تركته كما في غيره من الحقوق المالية التي هي كالديون، و من هنا لو قصرت التركة وزعت على الجميع بالحصص، فان لم تف الحصة بالهدي وجب الجزء لقاعدة الميسور و

«ما لا يدرك»(1)

و

«إذا أمرتكم»(2)

و لو لم يمكن ففي المدارك الأصح عوده ميراثا، بل يحتمل قويا ذلك مع إمكان شراء الجزء أيضا، و في المسألة قول ضعيف بوجوب الصدقة به، و فيه انه اولى من عوده ميراثا أو مساو، و لذا قال في المسالك ففي الصدقة به أو عوده ميراثا وجهان، نعم قد يقال إن الأقوى منهما صرفه في الدين، إذ لا معنى لجعله ميراثا مع وجود الدين، و الله العالم.

[الطرف الرابع في هدي القران ]

الطرف الرابع في هدي القران الذي لا خلاف أجده في انه لا يخرج أي هدي القران عن ملك سائقه بشرائقه و إعداده و سوقه لأجل ذلك قبل عقد الإحرام به، بل في المسالك الإجماع عليه، مضافا الى الأصل و خبر الحلبي الآتي و غيره و حينئذ ف له ابداله و ركوبه و نتاجه و التصرف فيه بالمتلف و غيره، لقاعدة تسلط الناس على أموالهم و إن أشعره أو قلده مع ذلك بدون عقد نية الإحرام و لا تأكيدها به لكن كان ذلك من قبل الإحرام أعدادا له و عزما انه يهديه لحجة أو عمرته نعم متى ساقه (11) بمعنى أنه أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام أو مؤكدا به


1- 1 روي حديث «الميسور لا يسقط بالمعسور» و «ما لا يدرك كله لا يترك كله» في غوالي اللئالي عن أمير المؤمنين عليه السلام.
2- 2 تفسير الصافي- سورة المائدة- الآية 101 و سنن البيهقي ج 4 ص 326.

ج 19، ص: 193

التلبية العاقدة فلا بد من نحره أو ذبحه، و لا يجوز له ابداله و لا التصرف فيه بما يمنع من نحره، لتعينه حينئذ كذلك كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا لقوله تعالى (1)«لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ وَ لَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لَا الْهَدْيَ وَ لَا الْقَلائِدَ» و لتظافر الأخبار بان السياق يمنع من العدول الى التمتع، و

خبر الحلبي أو صحيحه (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر و يجد هديه قال: إن لم يكن أشعرها فهي ماله إن شاء نحرها و إن شاء باعها، و إن كان أشعرها نحرها»

و المناقشة بأن أقصى ما يدل عليه وجوب نحر الهدي الذي ضل بعد الاشعار ثم وجد في منى، لا وجوب النحر بالاشعار مطلقا كما ترى لا تستأهل أن يستطر، ضرورة ظهوره أو صراحته في أن المدار على الاشعار و عدمه، نعم لا دلالة فيه على اعتبار العقد بالإشعار أو التأكيد، بل مقتضاه كالآية الاكتفاء بحصوله بقصد الهدي، فان لم يكن إجماع لم يبعد القول به، اللهم إلا أن يقال إن المراد يهدي القران هو ما يقترن به نية الإحرام سواء عقده به أو بالتلبية و أكده به، و فيه منع، و لكن مع ذلك هو باق على ملكه و ان وجب عليه نحره للأصل و غيره، فله ركوبه و شرب لبنه و غير ذلك مما لا ينافي وجوب نحره المدلول عليه بما عرفت، كما تسمع ما يدل عليه من النصوص (3)بل الظاهر أن نتاجه له أيضا و إن

قلنا بوجوب نحره عليه معه للدليل كما ستعرف.

و كيف كان فعبارة المصنف هنا لا تخلو من تنافر كما اعترف به الكركي


1- 1 سورة المائدة- الآية 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح.

ج 19، ص: 194

و ثاني الشهيدين و ان تبعه عليها الفاضل في القواعد، بل في المسالك في أكثر كتبه و إن كنا لم نتحققه، و ذلك لأن وجوب النحر الذي ذكره أخيرا ينافي جواز التصرف فيه و الابدال الذي ذكره أولا، و ما في المدارك- من دفعه بأنه إنما يتجه لو اتحد متعلق الحكمين، و العبارة كالصريحة بخلافه، فإن موضع جواز التصرف فيه ما بعد الاشعار و قبل السياق، و موضع الوجوب المقتضي لعدم جواز التصرف ما بعد السياق- يدفعه ما في حاشية الكركي من أنه لا يراد بالسياق أمر زائد على الإشعار أو التقليد، فان السياق بمجرده لا يوجب ذلك اتفاقا، و مقتضى النص و كلام الأصحاب عدم الاحتياج الى ضمه إلى الاشعار و التقليد في ذلك، فالتنافر حينئذ بحاله، و لعله لذا خلت عن ذلك عبارة الأولين على ما في المسالك، و دفعه فيها بتنزيل الأول على إرادة عدم خروجه عن ملكه بمجرد الاعداد للسوق و الشراء لذلك و نحوه و إن يؤدي عليه كونه هدي سياق، و تسميته حينئذ سائقا مجاز باعتبار ما يؤول اليه أو حقيقة لغوية، و حينئذ فله إبداله و التصرف فيه، و قوله: «و إن أشعره أو قلده» و صلي لقوله «لا يخرج عن ملكه» لا لقوله: «و له إبداله» الى آخره، بل هو معترض بينهما، و التقدير انه لا يخرج عن ملكه و إن أشعره أو قلده و تعين ذبحه، و الموجب لتعبيره كذلك محاولة الجمع بين الحكمين المختلفين أعني جواز التصرف فيه قبل الاشعار و عدم الخروج عن ملكه بعده، فاتفق تعقيد العبارة، و لو قدم قوله: «و إن أشعره» على قوله «و له إبداله» لصح من هذه الجهة، و لكن لا يتم بعده قوله «و له إبداله» لإيهامه حينئذ أن له ذلك بعد الاشعار، بخلاف ما لو قدم جواز الابدال، و غاية الأمر أن يتساويا في الإجمال، و قوله «لكن متى ساقه» أي عينه للسياق بالإشعار أو التقليد المذكورين «فلا بد من نحره» أي تعين لذلك و إن لم يخرج عن ملكه، و العبارة في قوة قوله: و لكن متى فعل ذلك

ج 19، ص: 195

أي بأن أشعره أو قلده تعين نحره و لم يجز له ابداله و لا التصرف فيه، و هو يزيل احتمال كون قوله «و إن أشعره» و صليا لجواز إبداله حذرا من التدافع، إذ لا معنى لسياقه شرعا إلا عقد الإحرام به بالإشعار أو التقليد، و هذا أجود ما تنزل عليه العبارة على ما فيها من التعقيد، قلت: هو كذلك، ضرورة عدم القرينة على ما ذكره، كما هو واضح.

و نزلها الكركي في حاشيته على ما أشرنا إليه في مزج العبارة من كون المراد بقوله «و ان أشعره» الى آخره الاشعار على غير الوجه المعتبر، و هو الذي يعقد به الإحرام، فإنه الذي يتعين به عليه ذبحه و لا يجوز إبداله، و لكن متى ساقه أي أشعره أو قلده عاقدا به الإحرام وجب عليه ذلك، و لا ريب في كونه مصححا للعبارة و إن كان هو خلاف الظاهر، و في كشف اللثام هو الوجه عندي لأنه في التحرير مع حكمه بما في الكتاب قال: تعين الهدي يحصل بقوله هذا أو بإشعاره أو تقليده مع نية الهدي، و لا يحصل بالشراء مع النية، و لا بالنية المجردة، و قال: لو ضل فاشترى مكانه غيره ثم وجد الأول فصاحبه بالخيار إن شاء ذبح الأول، و إن شاء ذبح الأخير، فإن ذبح الأول جاز له بيع الأخير و إن ذبح الأخير ذبح الأول إن كان قد أشعره، و إلا جاز له بيعه، و نحوه في المنتهى و التذكرة، و حكى في المسالك عن بعض الفضلاء تنزيلا غريبا حاصله الالتزام بأنه لا يتعين للذبح أو النحر بالسياق، و هو الإشعار أو التقليد العاقد للإحرام، و لكن يجب إما ذبحه أو ذبح بدل منه، و هذا معنى قول المصنف و سائر الأصحاب انه لا(1)يتعين به ذبحه أو نحره، و فيه أنه مع بعده


1- 1 شطب على لفظة« لا» في النسخة الأصلية المبيضة و لكنها موجودة في النسخة الأصلية المسودة و هو الصحيح كما يظهر بأدنى تأمل.

ج 19، ص: 196

لا دليل على حكمه، بل ظاهر الأدلة من النص و الفتوى بخلافه، ضرورة كونها كالصريح في تعيين ذبح خصوص المساق لا بد له كما هو واضح، و على كل حال فإن أراد المصنف و من

تبعه ما ذكرناه و إن قصرت عبارته فذاك، و إلا كان محجوبا بما عرفت.

هذا كله إذا لم يعينه بالنذر، و إلا تعين و إن لم يشعره أو يقلده، و لم يجز له إبداله قطعا كما صرح به في المسالك و غيرها، و هو كذلك مع فرض تعلق النذر بعينه، و لو تلفت بغير تفريط لم يجب عليه عوضه بخلاف ما إذا تعلق بكلي ثم عينه في فرد، فان الظاهر وجوب عوضه من غير فرق بين ان يقتصر على نية ان هذا ما وجب عليه و بين أن يقول مع ذلك إن هذا ما علي من النذر، إذ لا دليل على برائته إلا بالذبح في المنحر، فالأصل حينئذ بحاله، و به صرح الفاضل في المنتهى إلا أنه فرق بين القول و غيره بتعين الواجب عليه في الأول و ان لم تبرء ذمته بذلك، و عدمه في الثاني الذي له التصرف فيه بإبدال و غيره، بخلاف الأول الذي يصير بقوله كالعين المرهونة في الدين، إلا انه كما ترى لا دليل على ذلك في المقام، بل في كل واجب مطلق كدم المتعة و جزاء الصيد، فإنه مع تعيينه له في فرد لا يتعين، سواء قرنه مع ذلك بالقول أو لا، كما أن ما في المنتهى من الخروج عن الملك في نذر العين بعينها لا يخلو من نظر كما أوضحناه في كتاب النذور.

و كيف كان فلا خلاف في وجوب نحر هدي القران أو ذبحه بمنى إن كان قد ساقه لإحرام الحج، و ان كان للعمرة فبفناء الكعبة بل في المدارك الإجماع عليه، مضافا الى التأسي و

قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الأعلى(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 6.

ج 19، ص: 197

«لا هدي إلا من الإبل، و لا ذبح إلا بمنى»

و في

موثق العقرقوفي (1)«سأله عليه السلام سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال: بمكة»

و المراد بفناء الكعبة سعة أمامها و قيل ما امتد من جوانبها دورا و هو حريمها خارج المملوك عنها.

و على كل حال فأفضل مواضع الذبح فيها عند الأصحاب على ما في المدارك أن يكون بالحزورة بالحاء المهملة التي هي على وزن قسورة تل خارج المسجد بين الصفا و المروة، و ربما قيل الحزورة بفتح الزاء و تشديد الواو، و في

الصحيح (2)«من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه في المنحر، و هو بين الصفا و المروة، و هي الحزورة»

و ظاهره الوجوب، بل ربما حكي عن ظاهر بعض، و لكن ما سمعته من المدارك مؤيدا بتصريح غير واحد من الأصحاب يقتضي إرادة الندب منه، و إن كان الجمع بالإطلاق و التقييد اولى لولا ذلك، كما أن التسامح يقتضي استحباب فناء الكعبة من مكة أيضا، و إن أطلق في الموثق المزبور، و الله العالم.

و لو هلك هدي القران بدون تفريط و كان قد ساقه تطوعا لم يجب اقامة بدله بلا خلاف أجده فيه مما عدا الحلبي، بل و لا إشكال لأنه ليس بمضمون للأصل و المعتبرة المستفيضة، منها

صحيحة ابن مسلم (3)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب فقال: ان كان تطوعا فليس عليه غيره، و إن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله»

و صحيح معاوية ابن عمار(4)سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن الهدي إذا عطب قبل ان يبلغ المنحر أ يجزي عن صاحبه؟ فقال: ان كان تطوعا فلينحره و ليأكل منه و قد أجزأ عنه بلغ المنحر أو لم يبلغ، فليس عليه فداء، و إن كان مضمونا فليس عليه أن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح- الحديث 3.

ج 19، ص: 198

يأكل منه بلغ المنحر أو لم يبلغ، و عليه مكانه»

فما عن الحلبي- من وجوب البدل مع التمكن لظاهر بعض النصوص التي تأتي إن شاء الله المحمول على ذلك- واضح الضعف.

و لو كان أي هدي القران مضمونا بأن كان واجبا أصالة لا بالسياق وجوبا مطلقا لا مخصوصا بفرد كالكفارات و المنذور مطلقا وجب اقامة بدله كما صرح به غير واحد: لان وجوبه غير مختص بفرد، فلا تبرء الذمة إلا بالذبح في

المحل و صرفه فيما يصرف فيه، و لما سمعته من النصوص التي منها و من عبارة المصنف- بل في المدارك و غيره من الأصحاب- يستفاد تأدي وظيفة السياق بالمستحق كالكفارة و النذر، و لا بأس به بعد ظهور النص و الفتوى، بل قيل ان عبارات الأصحاب كالصريحة في ذلك، بل هو صريح الشهيد في الدروس، قال: «و لو كان ساق مضمونا كالكفارة ضمنه، و يتأدى السياق المستحب بها و بالمنذور» و نحوه عن العلامة في التذكرة.

على كل حال فلا ينافي الحكم المذكور

مرسل حريز(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «كل شي ء إذا دخل الحرم فعطب فلا بدل على صاحبه تطوعا أو غيره»

و ان كان خاصا الا انه قاصر عن المعارضة من وجوه، و لذا حمله غير واحد على العجز عن البدل أو على ارادة غير الموت من العطب كالكسر و نحوه مما يمنع من الوصول الذي ستعرف حكمه ان شاء الله أو على المنذور المعين، أو غير ذلك، و ان كان هو كما ترى، الا انه خير من الطرح، و لعل لفظ المضمون في النصوص (2)كاف في الدلالة على ما ذكره من اختصاص وجوب الإبدال بالكلي في الذمة، ضرورة

انسياق ذلك منه لا ما يشمل المنذور بخصوصه، كما هو واضح، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح.

ج 19، ص: 199

و لو عجز هدي السياق بعد إشعاره أو تقليده عن الوصول الى المحل جاز بل وجب و لو تخييرا على ما ستعرف ان شاء الله ان ينحر أو يذبح في ذلك المكان و يصرف في مصرفه، و ان لم يمكن لعدم وجود المستحق يذبح أو ينحر و يعلم بما يدل على انه هدي بكتابة أو بتلطيخ نعلها بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، للمعتبرة المستفيضة، ك

صحيح حفص (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه و لا يعلم أنه هدي قال: ينحره و يكتب كتابا يضعه عليه ليعلم من مر به انه صدقة»

و صحيح الحلبي (2)عنه عليه السلام أيضا «أي رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها ان قدر على ذلك ثم ليلطخ نعلها التي قلدت بها بدم حتى يعلم من مر بها قد ذكيت فيأكل من لحمها ان أراد، و ان كان الهدي الذي كسر أو هلك مضمونا فان عليه ان يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك، و المضمون هو الشي ء الواجب عليك في نذر أو غيره، و ان لم يكن مضمونا و انما هو شي ء تطوع به فليس عليه ان يبتاع مكانه الا ان يشاء ان يتطوع»

و خبر علي بن أبي حمزة(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل ساق بدنة فانكسرت قبل ان تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك قال:

يذكيها ان قدر على ذلك و يلطخ نعلها التي قلدت بها حتى يعلم من مر بها انها قد ذكيت، فيأكل من لحمها ان أراد»

و مرسل حريز(4)عنه عليه السلام أيضا «كل من ساق هديا تطوعا فعطب هديه فلا شي ء عليه، ينحره و يأخذ تقليد النعل فيغمسها في الدم فيضرب به صفحة سنامه «و لا بدل عليه، و ما كان من جزاء صيد أو نذر


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح الحديث 5.

ج 19، ص: 200

فعطب فعل مثل ذلك و عليه البدل»

و خبر عمر بن حفص الكليني (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل ساق الهدي فعطب في موضع لا يقدر على من يتصدق به عليه و لا من يعلمه أنه هدي قال: ينحره و يكتب كتابا و يضعه عليه ليعلم من مر به انه صدقة»

و منها- مضافا الى عمل الأصحاب على وجه لا يظهر فيه خلاف- يستفاد جواز العمل على الامارة المزبورة في قطع أصالة عدم التذكية، و لا يجب الإقامة عنده الى ان يوجد المستحق و ان أمكن، كما انه يستفاد من صحيح الحلبي (2)

و خبر علي بن أبي حمزة(3)منها وجوب الابدال مع ذلك لو كان مضمونا، و ربما أشكل بأن مقتضى وجوب الابدال باعتبار النذر المطلق أو غير رجوع المبدل الى ملك صاحبه يفعل به ما يشاء، لا وجوب النحر و الدلالة عليه بأنه هدي كما سمعت، و به جزم في الحدائق، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص، إذ يمكن جريان حكم الهدي عليه بإشعاره أو تقليده و إن لم يصل الى المحل و وجب بدله.

و لكن قول المصنف و الفاضل و الشيخ في محكي المبسوط و النهاية انه لو أصابه أي هدي السياق الذي تعين ذبحه بالاشعار كسر جاز بيعه و الأفضل ان يتصدق بثمنه أو يقيم بدله مناف لذلك، ضرورة كون مقتضاه الرجوع الى ملكه و إن كان قد تعين ذبحه بالاشعار، و من هنا أنكر الكركي


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح- الحديث 6 عن عمرو بن حفص الكلبي و هو أيضا سهو فإنه لم يذكر اسمه في التراجم و الموجود في التهذيب ج 5 ص 218 الرقم 736 عمر بن حفص الكلبي.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الفقيه ج 2 ص 298 الرقم 1478.

ج 19، ص: 201

جواز البيع إلا انه وجهه في المسالك بان الواجب كان ذبحه بمحله، فإذا تعذر سقط، فيجوز بيعه و تستحب الصدقة بثمنه كما تستحب الصدقة ببعض لحمه، ثم قال: و هذا الحكم ذكره المصنف و العلامة و جماعة، و ينبغي تقييده بما إذا لم يكن مضمونا كالكفارات و المنذور، فإنه يجب حينئذ إقامة بدله، و هذا النوع يمكن جعله فردا من أفراد هدي السياق كما مر، فلا بد من استثنائه، إلا أن يحمل على الغالب الظاهر من كون هدي السياق هو المتبرع به، و قد دل على الحكمين معا

صحيحة محمد بن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الهدي الذي يقلد أو يشعر ثم يعطب قال: إن كان تطوعا فليس عليه غيره، و إن كان جزاء أو نذرا فعليه بدله»

و في حسنة الحلبي (2)أطلق بيعه و الصدقة بثمنه و إهداء هدي آخر، و حملت على الاستحباب مع أنها مقطوعة، فلا حجة فيها و استشكل المحقق الشيخ علي في حاشية الكتاب الحكم المذكور بأن هدي السياق صار متعينا نحره، فكيف يجوز بيعه، و جوابه أنه مع مدافعته النص الصحيح فلا يسمع أن الواجب إنما هو ذبحه في محله و قد تعذر فيسقط، نعم ربما أشكل بما تقدم من وجوب ذبحه عند عجزه، و هو قريب من الكسر، بل العجز أعم منه، لكن النص قد ورد بالفرق، و فيه أولا انا لم نجد نصا فارقا بين الكسر و غيره، بل صحيحة الحلبي (3)السابقة مصرحة بالذبح و التعليم على الوجه المذكور مع الكسر كخبر علي بن أبي حمزة(4)بل عن ظاهر أهل اللغة أنه المراد من العطب الذي وقع عنوانا في النصوص، قال في القاموس: عطب كفرح هلك


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الذبح- الحديث 3.

ج 19، ص: 202

و البعير و الفرس انكسر، و إن كان الظاهر كونه للأعم من الكسر و غيره، و ثانيا أن الذي عثرنا عليه من نصوص البيع هي

صحيحة محمد بن مسلم (1)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدى آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدي هديا آخر»

و حسنة الحلبي (2)«سألته عن الهدي الواجب إذا أصابه كسر أو عطب أ يبيعه صاحبه و يستعين بثمنه في هدي آخر؟ قال: يبيعه و يتصدق بثمنه و يهدي هديا آخر»

و موردهما كما ترى في الواجب.

و من هنا قال في المدارك: «المستفاد من الأخبار أن هدي السياق المتبرع به متى عجز عن الوصول بكسر أو غيره وجب ذبحه في مكانه على الوجه المتقدم، و اما البيع و الصدقة بالثمن مع إقامة البدل فإنما ورد في الهدي الواجب، فيجب قصر الحكم عليه الى أن يثبت الجواز في غيره، و مع ذلك فالأظهر كراهة بيعه للنهي عنه في صحيح ابن مسلم (3) قلت: و بذلك يظهر لك الاشكال فيما ذكره المصنف و الفاضل و غيرهما من الفرق بين العجز عن الوصول و بين خصوص الكسر، بل و الاشكال في الحكم باستحباب الصدقة مع ظهور الأمر في الوجوب و لا صارف، و دعوى كون صحيحة الحلبي مقطوعة لا حجة فيها يدفعها بعد التسليم اعتضادها بالصحيح الآخر، بل ربما يؤيد وجوبها كونها قائمة مقام الصدقة بلحمه، نعم لا وجه للإشكال في أصل البيع بما سمعته من الكركي في مقابلة النص المعتبر، مع أنه باق

على ملكه و إن وجب نحره أو ذبحه بالاشعار على ما عرفت، كما أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبح- الحديث 2 و فيه « قال: لا يبيعه فان باعه فليتصدق بثمنه» كما في التهذيب ج 5 ص 217 الرقم 731 و قد أشار قدس سره الى هذا النهي فيما يأتي قريبا.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 203

يمكن تعدية الحكم بالبيع الى غير الواجب من سياق الهدي بالفحوى، بل قد يقال إن المراد الواجب نحره بالاشعار، فيشمل المتبرع به حينئذ، و لعله لذا لم يفرق من تعرض للحكم بين افراد هدي السياق، نعم في كشف اللثام تفسير هدي السياق الذي جعل عنوانا للمسألتين أي الذبح عند العجز و البيع و الصدقة بالثمن عند الكسر بما وجب إهداؤه بالسياق انضم اليه نذر معين أو لا، بل قال في الأول: و كذا ما وجب عينه أصالة بالنذر و نحوه معللا لجواز بيعه بخروجه بذلك عن صفة الهدي مع بقائه على الملك و صحيح حماد(1)السابق، لكن اعترف بعد ذلك بأن الصحيح المزبور ظاهر في الواجب مطلقا لا بالسياق، بل في نذر أو كفارة، قال: و وجوب بدله ظاهر، و عليه حمل في التذكرة و المنتهى و لكن فيه ما عرفته سابقا من أنه لا دليل حينئذ على البيع مع الكسر و استحباب الصدقة بالثمن في محل البحث بعد فرض ظهور الصحيح المزبور فيما ذكره، مضافا الى عدم قرينة على تخصيص هدى السياق هنا بما ذكره، بل لعل ظاهر النص و الفتوى خلافه، فالأولى التعميم لجميع أفراد هدي السياق في الحكمين معا

و إن وجب الإبدال في المضمون كما دلت عليه النصوص السابقة.

و دعوى أنه يقتضي إعادة المبدل عنه الى الملك و لذا جاز البيع واضحة المنع كما عرفته، بل يمكن كون البيع مع الصدقة بثمنه لكونه أعود للفقراء، خصوصا إذا كان في مكان لا مستحق فيه، و ذبحه في المكان و تركه تغرير بإتلافه و أكل الحيوانات له، و من ذلك يظهر لك وجوب الصدقة بالثمن كما هو مقتضى النص باعتبار كونه عوضا عما هو للفقير.

فالتحقيق الموافق للنصوص إن لم يكن إجماع على خلافه هو التخيير في


1- 1 و هو صحيح حماد عن الحلبي المتقدم في ص 199.

ج 19، ص: 204

العاجز و المكسور و نحوهما بين ذبحه و الدلالة عليه و بين بيعه و الصدقة بثمنه، و لكن مع ذلك يجب في المضمون البدل، و منه يعلم الاشكال فيما في المتن و القواعد و غيرهما من الفرق بين الكسر و غيره بما سمعت، و من استحباب الصدقة بالثمن و غير ذلك مما لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و ان استدل للأخير بأصل البراءة المقطوع بما عرفت، و العسر و الحرج الواضح منعهما و في القواعد استحباب الصدقة بالثمن أو شراء بدله به نحو بعض نسخ المتن و لم نجد ما يشهد له إلا دعوى احتمال إرادة معنى «أو» من الواو في الصحيح بلا قرينة، و الله العالم.

و لا يتعين هدي السياق في حج أو عمرة للصدقة إلا بالنذر و شبهه بل سيأتي استحباب تثليثه بالأكل و الصدقة و الهدية، بل استقرب الشهيد في الدروس مساواته لهدي التمتع في وجوب الأكل منه و الإطعام، و لا بأس به كما في المدارك، لإطلاق قوله تعالى (1)«فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ» المتناول لهدي التمتع و غيره، و ربما احتمل في نحو عبارة المتن إرادة ان الهدي الذي يريد سوقه لا يتعين هديا قبل السوق و الاشعار إلا إذا نذره بعينه.

لكنه كما ترى، و كذا احتمال إرادة انه لا يتعين هديا بالاشعار لجواز الابدال بناء على بعض الأقوال السابقة، و ربما أيد في المختلف من أنه ان ضل فاشترى بدله فذبحه ثم وجد ما ساقه لم يجب ذبحه و ان أشعره أو قلده، لانه امتثل و خرج عن العهدة، لكن قد عرفت ما في ذلك كله و انه بالإشعار أو التقليد يتعين ذبحه كما تقدم الكلام فيه، نعم ظاهر العبارة و نحوها انه لا يجب في هدي السياق إلا الذبح و النحر، و أنه لا يجب الأكل و الإطعام لا هدية و لا صدقة،


1- 1 سورة الحج- الآية- 37.

ج 19، ص: 205

و لكنه مناف لظاهر الكتاب كما سيأتي ان شاء الله.

و لو سرق هدي السياق من غير تفريط لم يضمن و إن كان قد عينه بالنذر مثلا للأصل و ما

عرفته من عدم وجوب هدي السياق في الذمة و إن تعين الذبح بالاشعار، و لصحيح معاوية(1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى أضحية فماتت أو سرقت قبل ان يذبحها قال: لا بأس، و ان أبدلها فهو أفضل، و ان لم يشتر فليس عليه شي ء»

بناء على ارادة ما يعم الهدي من الأضحية أو على عدم الفرق بينهما في ذلك، و حينئذ يتجه الاستدلال بقول الكاظم عليه السلام في

خبر علي (2): «إذا اشتريت أضحيتك أو قمطتها و صارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله»

و مرسل إبراهيم بن عبد الله (3)عن رجل قال: «اشترى لي أبي شاة بمنى فسرقت فقال لي أبي ائت أبا عبد الله عليه السلام فاسأله عن ذلك فأتيته فأخبرته فقال لي ما ضحى بمنى شاة أفضل من شاتك»

نعم يضمن إن نذر مطلقا ثم عين فيه المنذور كما سمعت، و كذا الكفارات بل و هدي المتعة على ما عن ظاهر السرائر لوجوب الجميع في الذمة، بل في المدارك انه قد قطع العلامة في المنتهى بأنه بعطبه أو سرقته يرجع الواجب إلى الذمة كالدين إذا رهن عليه رهن، فان الحق متعلق بالذمة و الرهن فمتى تلف الرهن استوفي من المدين، و قال: إنه لا يعلم في ذلك خلافا، لكن في كشف اللثام عن التهذيب و النهاية و المبسوط و الجامع و التذكرة و المنتهى و التحرير عدم الضمان أيضا لمرسل احمد بن محمد بن عيسى(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الذبح- الحديث 2 عن احمد بن محمد بن عيسى عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام و الظاهر انه ليس بمرسل.

ج 19، ص: 206

عن الصادق عليه السلام «في رجل اشترى شاة لمتعة فسرقت منه أو هلكت فقال:

ان كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه»

المختص بالمتعة، و الخبرين السابقين المحتمل أخيرهما كما في كشف اللثام كونه في المندوب، و وصف شاته بالفضل و الاخبار بأنه ضحى عنه و له بذلك أجر التضحية، و أولهما أن له حينئذ الحلق، على أن الجميع ضعيف، و لا جابر كي يخرج به عما تقتضيه القواعد و النصوص السابقة، و يمكن تنزيل المتن و ما شابهه على غير ذلك.

هذا كله مع عدم التفريط، اما معه فظاهر بعض و صريح آخر الضمان مطلقا لتعين ذبحه، لكن أشكله الكركي بأنه مناف لما سبق من عدم تعين هدي السياق للصدقة إلا بالنذر، فان مقتضاه جواز التصرف فيه كيف شاء، فلا وجه لضمانه مع التفريط، و لو حمل أي ما في المتن و نحوه على المضمون في الذمة لاتجه الضمان حينئذ مع التفريط و عدمه، و فيه عدم توقف الضمان على تعين الصدقة، بل يكفي فيه وجوب نحره أو ذبحه بمنى، فإذا فرط فيه قبل فعل الواجب ضمنه على معنى وجوب ذبح البدل و ان لم تجب الصدقة كما هو واضح، و الله العالم.

و لو ضل فذبحه الواجد في محله عن صاحبه أجزأ عنه كما صرح به الشيخ و غيره، ل

صحيح منصور بن حازم (1)عن ابى عبد الله عليه السلام «في الرجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره فقال: إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه»

الذي مقتضاه كالفتاوى عدم الفرق بين المتبرع به و بين الواجب بنذر أو كفارة، فتوقف الكركي في الواجب في غير محله، خصوصا مع موافقته على الاجزاء في هدي التمتع الذي هو مقتضى الصحيح المزبور، بل و الفتاوى عدا


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 207

محكي التلخيص كالكفارة و النذر، و كذا لا يشترط معرفة صاحبه بعينه، و لا ان يكون الضلال عن تفريط(1)لإطلاق الخبر و الفتاوى، بل

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «ان من وجد هديا ضالا فليعرفه ثم ليذبحه عن صاحبه»

كالصريح في عدم اعتبار المعرفة، نعم لو ذبحه عن نفسه أولا عن أحد لم يجز عن أحد كما تقدم الكلام فيه سابقا.

و لو ضاع فأقام بدله ثم وجد الأول ذبحه و لم يجب ذبح الأخير إن لم يكن قد أشعره، لعدم تعينه له حينئذ بالإقامة و لو كان قد ذبح

الأخير الذي هو البدل ذبح الأول ندبا كما في محكي المختلف، لانه امتثل فخرج عن العهدة إلا أن يكون منذورا بعينه، و فيه أن المتجه حينئذ وجوب ذبحه مع الإشعار الذي قد عرفت سابقا إيجابه الذبح، و لذا قال في كشف اللثام: نص في التذكرة و التحرير و المنتهى على وجوبه مع الاشعار وفاقا لغيره، بل هو مقتضى الأمر في

صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها أو يقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر فيجد هديه، قال: إن لم يكن أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها و إن شاء باعها، و إن كان أشعرها نحرها»

و دعوى إرادة الندب منه لا شاهد لها حتى

خبر أبي بصير(4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن التحقيق ان تكون العبارة هكذا« و لا ان لا يكون الضلال عن تفريط».
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الذبح- الحديث- 2.

ج 19، ص: 208

الأول قال: إن كان جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه»

بعد ضعف سنده بمحمد بن سنان كما في المدارك، و عدم تعرضه لهدي السياق، بل لعل

الظاهر ان المسؤول عنه فيه هدي التمتع على أنه أمر فيه أيضا بذبح الأول مع ذبح الأخير، فمن الغريب ما في المسالك من دعوى كون مستند المصنف و الجماعة صحيح أبي بصير مشيرا به الى الخبر المزبور، كما أن من الغريب الاستدلال له في المدارك بالصحيح الأول مع عدم ذكر خلاف في المسألة، بل حكاه عن المصنف و العلامة في جملة من كتبه مع انك قد سمعت ما عن المنتهى و التذكرة و التحرير و غيرها.

ثم إن فيهما معا إشكال المتن و غيره بظهوره في وجوب اقامة البدل في هدي السياق المتبرع به، و وجوب ذبحه إذا لم يجد الأول، و هو مناف لما تقدم من عدم وجوب اقامة البدل لو هلك، ثم أجاب عنه في المسالك إما بالتزام وجوب البدل مع الضياع و سقوطه مع السرقة و الهلاك، و لا بد في ذلك بعد ورود النص و إما بتخصيص الضياع بما وقع منه بتفريط، و فيه أولا أنه لا ظهور في المتن في ذلك ضرورة أعمية إقامة البدل المذكورة في المتن من الوجوب، لصدقها مع الجواز، كما أن وجوب الذبح بعد الاشعار لا يقتضي ذلك أيضا، و ثانيا انه لا نص يقتضي الفرق بين الضياع و بين الهلاك و السرقة، إذ لم نعثر كما اعترف به غيرنا أيضا إلا على الخبرين المزبورين الواضح عدم دلالتهما على ذلك، ثم قال في المدارك: انه يمكن حمل عبارة المصنف على الهدي الواجب ليتم وجوب اقامة بدله، و يكون المراد انه لو وجد الأول بعد ذبح الأخير لم يجب ذبحه، لقيام البدل مقامه إلا إذا كان منذورا على التعيين، فيجب ذبحه حينئذ بعد ذبح الأخير لتعينه بالنذر لذلك، و فيه- مع عدم قرينة على التنزيل المزبور بل

ج 19، ص: 209

الظاهر خلافه- منع عدم وجوب ذبحه و ان كان قد ذبح الأخير مع فرض إشعاره أو تقليده كما عرفته سابقا، فالتحقيق عدم وجوب الإبدال في المتبرع به و إن كان قد أشعره، كما أنه يجب عليه ذبحه مع ذبح الأخير و عدمه إذا كان قد أشعره، نعم لا يجب عليه ذبح ما لم يشعر منهما، و الله العالم.

و يجوز ركوب الهدي المتبرع به ما لم يضر به، و شرب لبنه ما لم يضر بولده بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك هو موضع وفاق، و عن غيرها الإجماع مطلقا إلا من الإسكافي في الواجب، بل و لا اشكال بناء على ما عرفته سابقا من عدم خروجه عن ملكه بالاشعار و التقليد و إن تعين للذبح، مضافا الى كونه المتيقن من نصوص المقام، كقول الصادق عليه السلام في خبر أبي الصباح الكناني (1)و

أبي بصير(2)في قوله تعالى (3)«لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» «ان احتاج الى ظهرها ركبها من غير أن يعنف بها، و ان كان لها لبن حلبها حلبا لا ينهكها»

و في

صحيح سليمان بن خالد(4)«ان نتجت بدنتك فاحلبها ما لم يضر بولدها، ثم انحرهما جميعا، قلت: أشرب من لبنها و أسقي قال:

نعم، و قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام إذا رأى أناسا يمشون قد جهدهم المشي حملهم على بدنه، و قال: ان ضلت راحلة الرجل أو هلكت و معه هدي فليركب على هديه»

و في

صحيح حريز(5)«كان علي عليه السلام إذا ساق البدن و مر على المشاة حملهم على بدنه، و إن ضلت راحلة رجل و معه بدنة ركبها غير مضر و لا مثقل»

و في

صحيح منصور(6)«كان علي عليه السلام يحلب البدن و يحمل


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 سورة الحج- الآية 34.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 210

عليها غير مضر»

و سأله عليه السلام يعقوب بن شعيب (1)في الصحيح «عن رجل يركب هديه ان احتاج اليه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: يركبها غير مجهد و لا متعب»

كما ان

ابن مسلم (2)سأل أبا جعفر عليه السلام في الصحيح «عن البدنة تنتج أ يحلبها قال:

احلبها غير مضر بالولد ثم انحرهما جميعا، قلت: يشرب من لبنها قال:

نعم و يسقي إن شاء»

بل لعل إطلاقها شامل للهدي الواجب مطلقا سواء كان مضمونا أو غير مضمون كما هو المشهور خلافا للمحكي عن أبي علي، قال: «لا بأس بأن يشرب من لبن هديه، و لا يختار ذلك في المضمون، فان فعل غرم قيمة ما شرب من لبنها لمساكين الحرم» مع انه غير صريح في المخالفة لكنه نفى عنه البأس في المختلف، بل في المسالك بعد أن حمل عبارة المتن على المتبرع به قال «و لو كان الهدي مضمونا كالكفارات و النذور لم يجز تناول شي ء منه و لا الانتفاع به مطلقا، فان فعل ضمن قيمته أو مثله للمستحق أصله، و هو مساكين الحرم» و في الحدائق التفصيل بما سمعته سابقا من الفاضل، و عن المنتهى الإجماع على الاستثناء، فان تم و إلا كان الجميع كما ترى اجتهادا في مقابلة إطلاق النصوص بل و فتاوى كثير كما اعترف به في الرياض المتناول لجميع الأفراد حتى الواجب المعين بالنذر و نحوه و إن قلنا بخروجه عن الملك بذلك، إذ الإباحة الشرعية الثابتة من الإطلاق المزبور لا تنافي ذلك، و دعوى كون المراد من الإطلاق المزبور غير المضمون لا دليل عليها، نعم في

خبر السكوني (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «انه سئل ما بال البدنة تقلد النعل و تشعر؟ فقال: اما النعل فيعرف أنها بدنة، و يعرفها صاحبها بنعله، و اما الاشعار فيحرم ظهرها


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الذبح- الحديث 8.

ج 19، ص: 211

على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها»

لكن لقصوره عن المعارضة من وجوه ينبغي حمله على الكراهة، أو على صورة الإضرار على انه بالنسبة إلى الركوب خاصة، و حينئذ فالإطلاق بحاله في الشمول المزبور، كما أن الأمر بذبح ولدها معها شامل لما إذا كان موجودا حال السياق و سيق معها أو متجددا بعد، من غير فرق بين قصده مع الإمام في السوق و عدمه، و من هنا أطلق في محكي النهاية و المبسوط و التهذيب و السرائر و الجامع ان الهدي إذا نتجت فالولد هدي.

نعم لو كان متولدا حال السوق و لم يقصد سوقه لم يجب ذبحه للأصل بعد ظهور النصوص في غيره، فلو أضر به شرب اللبن حينئذ فلا ضمان، لكونه ماله و أما الصوف و الشعر ففي المدارك بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب أنه ان كان موجودا عند التعيين تبعه و لم يجز إزالته إلا أن يضربه فيزيله و يتصدق به على الفقراء، و ليس له التصرف فيه، و لو تجدد بعد التعيين كان كاللبن و الولد، و فيه أن المتجه مع عدم النص فيه بالخصوص مراعاة القواعد في المتجدد بالنسبة إلى بقاء الهدي على ملك صاحبه و عدمه كالهدي المتبرع به و غيره مما كان معينا بنذر و نحوه و قلنا بخروجه عن الملك، فيحكم في الأول بجواز التصرف فيه بما شاء بخلاف الثاني، على أن قوله كاللبن و الولد غير واضح الوجه بعد ما عرفت من جواز شرب اللبن و سقيه و وجوب ذبح الولد.

ثم إن ظاهر قول المصنف ما لم يضر بها أو بولدها عدم الجواز مع ذلك، لظاهر النصوص، بل صرح غير واحد بالضمان أيضا و إن كان لا يخلو من نظر كما ان ما عن الدروس من أن الأفضل الصدقة باللبن إذا فضل عن الولد كذلك أيضا، لعدم الدليل، و إن كان الأمر سهلا بعد ملاحظة التسامح، و الله العالم.

و كل هدي واجب بغير الاشعار و التقليد نحو هدي القران بل كان

ج 19، ص: 212

ك هدي الكفارات و الفداء و النذر و نحو ذلك غير هدي التمتع لا يجوز ان يعطى الجزار منها شيئا عوضا عن ذبحه و لا أخذ شي ء من جلودها و لا أكل شي ء منها، فإن أكل تصدق بثمن ما أكل وفاقا للمشهور، بل في محكي المنتهى و التذكرة لا يجوز الأكل من كل واجب غير هدي التمتع، ذهب إليه علماؤنا أجمع، مضافا الى تعلق حق الفقراء سيما في نحو النذر، و الى

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فداء الصيد يأكل صاحبه من لحمه قال:

يأكل من أضحيته و يتصدق بالفداء»

و صحيح معاوية(2)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الإهاب فقال: تصدق به أو تجعله

مصلى تنتفع به في البيت و لا تعطي الجزارين، و قال: نهى رسول الله صلى الله عليه و آله ان يعطى جلالها و جلودها و قلائدها الجزارين، و أمر ان يتصدق بها»

و حسن حفص بن البختري (3)«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله ان يعطى الجزار من جلود الهدي و جلالها شيئا»

و خبر البصري (4)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن الهدي ما يؤكل منه قال: كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه، و كل هدي من تمام الحج فكل»

و مضمر أبي بصير(5)سأله عليه السلام «عن رجل أهدي هديا فانكسر قال: إن كان مضمونا و المضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء فعليه فداؤه، قلت: أ يأكل منه؟ قال: لا انما هو للمساكين، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شي ء، قلت أ يأكل منه قال: يأكل منه»

و خبر أبي البختري (6)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه عليه السلام «ان علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول: لا يأكل المحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 15.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث- 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 16.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 27.

ج 19، ص: 213

من الفدية و لا الكفارات و لا جزاء الصيد، و يأكل مما سوى ذلك»

و خبر السكوني (1)عن أبي جعفر عليه السلام «إذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شي ء عليه، و إن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل»

و في الفقيه في رواية حماد عن حريز(2)«ان الهدي المضمون لا يؤكل منه إذا عطب، فإن أكل منه غرم».

لكن في

الكافي (3)روى أيضا «انه يأكل منه مضمونا كان أو غير مضمون»

بل في

خبر عبد الملك القمي (4)عن الصادق عليه السلام «يؤكل من كل هدي نذرا كان أو جزاء»

و في

خبر جعفر بن بشير(5)عنه عليه السلام أيضا سأله «عن البدنة التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها قال: نعم يؤكل من كل البدن»

و خبره الآخر(6)عنه عليه السلام أيضا «يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون»

و في

خبر عمر بن يزيد(7)عنه عليه السلام أيضا قال: «قال الله في كتابه (8)«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ

مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم، و إنما عليه واحد من ذلك»

و في الفقيه (9)عنهم (عليهم السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 26.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 17.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 6 عن عبد الله ابن يحيى الكاهلي.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
8- 8 سورة البقرة- الآية 192.
9- 9 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 7.

ج 19، ص: 214

«انما يجوز للرجل ان يدفع الأضحية الى من يسلخها بجلدها، لان الله عز و جل قال فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا*» و الجلد لا يؤكل و لا يطعم»

و في

خبر صفوان بن يحيى (1)المروي عن العلل «انه سأل الكاظم عليه السلام الرجل يعطي الأضحية من يسلخها بجلدها قال: لا بأس به، قال الله عز و جل «فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا»* و الجلد لا يؤكل و لا يطعم»

و لعله لذلك مع الأصل كان المحكي عن ابن إدريس كراهة إعطاء الجزار الجلد جمعا بين ذلك و بين النهي السابق، و إن نوقش بان ظاهر الأضحية المستحب، لكن يدفعه ظهور الاستدلال في العموم ان لم يكن صراحته فيه.

نعم هو قاصر عن المعارضة بالشهرة العظيمة و غيرها، فلذا كان العمل على المشهور، كما ان ما عن النهاية من انه يستحب ان لا يأخذ شيئا من جلود الهدي و الأضاحي بل يتصدق بها كلها، و لا يجوز أيضا ان يعطيه الجزار فإن أراد ان يخرج منها شيئا لحاجته الى ذلك تصدق بثمنه، و نحوه عن المبسوط كذلك أيضا، و ان قيل إنما حرم الثاني دون الأول للنهي عنه من غير معارض بخلاف الأول، فإنك قد سمعت ما في صحيح معاوية(2)عن الصادق عليه السلام و لكن فيه- مع ان المعارض لكل منهما حاصل كما عرفت- عدم المكافاة، فالأولى اجتنابه اجمع و خصوصا بالنسبة إلى الأكل الذي قد عرفت حكاية الإجماع عليه، و ان سمعت ما في النصوص السابقة المحتمل لحال الضرورة مع غرامة القيمة كما عن الشيخ، بل قيل إنه غير نص في أكل المالك و ان كان هو بعيدا، فتخص الآية حينئذ بغير ذلك.

هذا كله في إعطاء الجزار الإهاب و القلائد و الجلال و اللحم على وجه الأجرة، اما إذا كان على وجه الصدقة مع كونه من أهلها فلا بأس كما صرح


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث- 5.

ج 19، ص: 215

به في المدارك و محكي الكافي و الغنية و الإصباح و إن لم يذكر الجلال في الأخير، و القلائد أيضا في سابقه، و عن المقنع في هدي المتعة «و لا تعط الجزار جلودها و لا قلائدها و لا جلالها و لكن تصدق بها، و لا تعط السلاخ

منها» و قد تقدم بعض الكلام في ذلك، و الله العالم.

و من نذر ان ينحر بدنة فان عين موضعا وجب، و ان أطلق نحرها بمكة كما في النافع و القواعد بل و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و ان خصت من مكة فناء الكعبة، و هو مع انه أحوط موافق لما تسمعه من الخبر(1)الا انه ليس خلافا في أصل الحكم الذي ينبغي القطع به في الأول، فإن البدنة و ان كانت اسما للناقة و البقرة التي تنحر بمكة كما في القاموس، أو لما ينحر فيها أو في منى من الإبل خاصة، أو و البقر أيضا الا ان تعيين المكان من الناذر قرينة على عدم ارادة ذلك كما يشهد له

خبر محمد(2)عن أبي جعفر عليه السلام «في رجل قال عليه بدنة ينحرها بالكوفة فقال عليه السلام: إذا سمى مكانا فلينحر فيه»

و خبر إسحاق الأزرق الصائغ (3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جعل الله تعالى عليه بدنة ينحرها بالكوفة في شكر، فقال عليه السلام لي: عليه أن ينحرها حيث جعل الله تعالى عليه، و ان لم يكن سمى بلدا فإنه ينحرها قبالة الكعبة منحر البدن»

و من الأخير- مضافا الى الاعتضاد بمفهوم الأول، و بقوله تعالى (4)«ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» و بما عرفت من كون البدنة اسما لذلك، و بما عن الغنية «من انه إن نذر

الهدي و عين موضعا تعين و إلا ذبحه أو نحره قبالة الكعبة للإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب النذر و العهد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 سورة الحج- الآية 34.

ج 19، ص: 216

و الاحتياط» بل و ما عن الخلاف «من أن ما يجب من الدماء بالنذر إن قيده ببلدة أو بقعة لزمه في الذي عينه بالنذر، و إلا لم ينحر إلا بمكة قبالة الكعبة بالحزورة للإجماع» بل عن بعض أن الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب- يظهر الوجه في الحكم في الثاني و إن توقف فيه جماعة من متأخري المتأخرين مستوجهين النحر حيث شاء للأصل و الإطلاق الذين لا يخرج عنهما بالخبر المزبور بعد ضعفه و لكن فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه.

نعم لو لم يكن المنذور بدنة أو هديا أو نحو ذلك مما هو ظاهر كون المراد مكة اتجه حينئذ التخيير بين سائر الأمكنة، و ما سمعته من إجماع الخلاف يمكن تنزيله على إرادة نذر الهدي أو البدن أو نحو ذلك مما يكون ظاهرا في إرادة مكة، بل ربما قيل بعدم صحة نذر الهدي الى غيرهما أو نحره في غيرهما، و ان كان فيه أن الهدي و ان كان اسما لما ينحر فيهما لكن قد عرفت ان التصريح بغير المكان قرينة على إرادة غير ذلك من الهدي، فالتحقيق حينئذ ملاحظة مصداق عنوان النذر مثلا مع عدم القرينة فضلا عن التصريح، و إلا أتبعا، و بذلك يظهر لك عدم مخالفة المسألة للأصول بعد ما عرفت من كون الهدي اسما للنحر و الذبح في المكان المخصوص، و كذا البدن، أما مع إطلاق نذر الذبح و النحر فلا إشكال في الاجتزاء بأي مكان شاء مع فرض عدم انصراف للإطلاق إلى فرد، و الله العالم.

و يستحب كما في القواعد ان يأكل من هدي السياق غير الواجب من كفارة أو نذر للصدقة و ان يهدي ثلثه و يتصدق بثلثه كهدي التمتع

للموثق عن شعيب العقرقوفي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: سقت


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 18.

ج 19، ص: 217

في العمرة بدنة فأين انحرها؟ قال بمكة، قلت: فأي شي ء أعطي منها؟ قال: كل ثلثا و تصدق بثلث و اهد ثلثا»

و في

صحيح سيف التمار(1)عنه عليه السلام «ان سعد ابن عبد الملك ساق هديا في حجه فلقي أبا جعفر عليه السلام فسأله كيف نصنع به؟ فقال أطعم أهلك ثلثا، و اطعم القانع و المعتر ثلثا، و اطعم المساكين ثلثا، فقلت:

المساكين هم السؤال فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له أكثر من ذلك هو أغنى من القانع، يعتريك فلم يسألك»

و لم يقيد المصنف و الفاضل الأكل بالثلث، لتعذره أو تعسره غالبا فيكفي فيه المسمى، و لذا نطقت الاخبار(2)بان النبي صلى الله عليه و آله أمر بأن يؤخذ من كل بدنة من بدنة جذوة فطبخت و أكل هو و أمير المؤمنين (عليهما السلام) و حسيا المرق، و لعل الأمر بالثلث في الخبر الأول محمول على إرادة أكل أهله معه أو من يقوم مقامهم، و عن ابن إدريس التصريح بوجوب الثلاثة كما في هدي التمتع لما مر من الدليل، و في كشف اللثام و كلام الحلبي و ابن سعيد يحتمل الأمرين، و المصنف يحتمل أن يقول بالوجوب، و انما ذكر الاستحباب بناء عليه في هدي التمتع، و لم يتبعه حينئذ بالوجوب اكتفاء بما قدم، و ان لا يقول إلا بالاستحباب بناء على أن أصل هذا الهدي الاستحباب و إن تعين بالسوق للذبح بمعنى انه ليس له بيعه و نحوه، بل قد سمعت عن المختلف انه لم يوجب الذبح، و قال: قد حصل الامتثال بالسوق بعد الإشعار أو التقليد، قلت:

و يأتي مثله في عبارة المصنف.


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 3 و فيه « قال أبو عبد الله عليه السلام: إن سعيد بن عبد الملك» و هو سهو فان الموجود في التهذيب ج 5 ص 223 الرقم 753« إن سعد بن عبد الملك».
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 2 و 11 و 21.

ج 19، ص: 218

و الوجوب و ان كان أحوط بل هو متقضى الآية لكن ظاهر المصنف و الفاضل الندب خصوصا بعد قولهما و كذا الأضحية أي يستحب أن يأكل منها ثلثا و يهدي ثلثا و يتصدق بثلث، ل

قول أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة(1)له: «و إذا ضحيتم فكلوا و أطعموا و أهدوا و احمدوا الله على ما رزقكم من بهيمة الأنعام»

و لما

روي (2)«من ان علي بن الحسين و الباقر (عليهم السلام) كانا يتصدقان بثلث الأضاحي على الجيران، و بثلث على المساكين، و يمسكان ثلثا لأهل البيت»

و مقتضى الاستحباب المزبور جواز الترك الذي من أفراده أكل الجميع، فلا يضمن للفقراء حينئذ شيئا و إن استحب له غرامة الثلث بناء على تبعية الغرامة للخطاب بالصدقة به، لكن عن مبسوط الشيخ «و لو تصدق بالجميع كان أفضل- الى أن قال-: فان خالف و أكل الكل غرم ما كان يجزيه التصدق به، و هو اليسير، و الأفضل أن يغرم الثلث» و ظاهره وجوب الغرم في الجملة، كما أن صريحه أفضلية التصدق بالجميع مع إجماع علمائنا كما في المدارك على استحباب الأكل، بل حكى عنه فيها تصريحه بذلك، اللهم إلا أن يريد أن الصدقة به أجمع أفضل من ذلك، و لكن لم نعرف له شاهدا بذلك، و عن المبسوط أن من نذر أضحية فليس له أن يأكل منها، و لعله لعموم ما مر من النهي عن الأكل من الهدي الواجب، و فيه إمكان منع شموله لذلك بعد عموم الأخبار بالأكل من الأضحية و انصراف النذر الى المعهود الشرعي المندرج فيه الأضحية المنذورة، إذ المراد وجوبها به بحكمها، و لعله لذا كان المحكي عنه في الخلاف و الفاضل في التحرير ان له الأكل مستدلين عليه بعموم «فَكُلُوا مِنْها»* و

إن كان فيه منع، هذا، و في المدارك قد أطلق الأصحاب عدم جواز بيع لحمها من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث 23.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الذبح- الحديث- 13.

ج 19، ص: 219

تقييد بوجوبها، و استدل عليه في المنتهى بأنها خرجت عن ملك المضحي بالذبح و استحقها المساكين، و هو إنما يتم في الواجب دون المتبرع به، و الأصح اختصاص المنع بالأضحية الواجبة، و لعل ذلك مراد الأصحاب، و فيه أنه خلاف الظاهر، و لا استبعاد في خروجها عن الملك بالذبح كما سمعته من المنتهى و إن كانت مندوبة، أو وجوب صرفها في ذلك و ان بقيت على الملك كما هو واضح.

[الطرف الخامس في الأضحية]

الخامس في الأضحية بضم الهمزة و كسرها و تشديد الياء على ما هو المعروف من اللغة فيها، و إن جاء على ما عن مجمع البحرين فيها أيضا ضحية كعطية، و الجمع ضحايا كعطايا، و اضحاة بفتح الهمزة كأرطاة، و الجمع أضحى كأرطى، و ربما كان هو الظاهر من الأضحى في بعض النصوص (1)الآتية و المراد بها ما يذبح أو ينحر من النعم يوم عيد الأضحى و ما بعده إلى ثلاثة أيام أحدها يوم العيد، أو أربعة كذلك، بل لعل وجه تسميتها بذلك لذبحها في الضحى غالبا، بل سمي العيد بها.

و على كل حال فهي مستحبة استحبابا مؤكدا إجماعا بقسميه، بل يمكن دعوى ضرورية مشروعيتها، مضافا الى ما حكاه غير واحد من

المفسرين أنه المراد من قوله تعالى (2)«فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ» و ان كان الموجود فيما وصل إلينا من النصوص (3)أن المراد به رفع اليدين حذاء الوجه مستقبل القبلة في افتتاح الصلاة، و في آخر(4)انه رفع اليدين في تكبيرات الصلاة، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح.
2- 2 سورة الكوثر- الآية 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب تكبيرة الإحرام- الحديث 14 من كتاب الصلاة.

ج 19، ص: 220

ثالث (1)النحر الاعتدال في القيام على معنى أن يقيم المصلي صلبه في صلاته، و لكن لا مانع من إرادة الجميع على ضرب من التجوز أو على نحو إرادة البطون مع الظواهر، نعم هو فيها متوجه إلى النبي صلى الله عليه و آله خاصة، و قد قيل إن وجوبه عليه من خواصه صلى الله عليه و آله كما تسمعه في النبوي (2)و الى النصوص المستفيضة بل المتواترة حتى أن الباقر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3)قال: «الأضحية واجبة على من وجد من صغير أو كبير، و هي سنة»

و الصادق عليه السلام (4)في جواب السؤال عنها «هو واجب على كل مسلم إلا من لم يجد، فقال له السائل ما ترى في العيال؟ فقال: إن شئت فعلت، و إن شئت لم تفعل، فأما أنت فلا تدعه»

و سأله عليه السلام أيضا عبد الله بن سنان (5)«عن الأضحى أ واجب على من وجد لنفسه و لعياله؟ فقال: اما لنفسه فلا يدعه، و اما لعياله إن شاء ترك»

و من ذلك ظن الإسكافي وجوبها، لكنه شاذ لما عرفت من الإجماع على الندب، مضافا الى

النبوي (6)«كتب على النحر، و لم يكتب عليكم»

فلا بأس بإرادته من لفظ الوجوب على معنى كونه مندوبا مؤكدا كما في نظائر المقام، بل لعله شائع خصوصا بعد قوله، في الأول «و هي سنة» و إن كان يحتمل لو لا ما عرفت إرادة الوجوب المستفاد من السنة، قيل و مع ذلك فهو صريح في الوجوب .


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب القيام- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 كنز العمال ج 3 ص 17 الرقم 36 و فيه « الأضحى على فريضة و عليكم سنة».
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 1.
6- 6 كنز العمال ج 3 ص 17 الرقم 36 و فيه « الأضحى على فريضة و عليكم سنة».

ج 19، ص: 221

على الصغير، و المراد به حيث يقابل به الكبير غير البالغ، و لا ريب في أن التكليف في حقه متوجه إلى الولي مع انه نفى الوجوب عنه في الصحيح الآخر(1)و غيره، و لكن قد يناقش بأن نفي الوجوب عن العيال أعم من نفي الوجوب عن ولي الصغير، إذ لا ملازمة بينهما إلا على تقدير أن يكون في العيال المسؤول عنهم صغير واحد، و ليس فيه تصريح به و إن كان السؤال يعمه، إلا أن الصحيح المتقدم الموجب بالنسبة إليه صلى الله عليه و آله خاص، فيتقدم عليه، بل من المعلوم أن التخصيص أرجح من المجاز عند التعارض، خصوصا مع اقتضاء ارتكاب المجاز في الواجب بحمله على المستحب مساواة الصغير و الكبير فيه، و الحال أن مجموع الاخبار في الكبير مشتركة في إفادة الوجوب فيه فلا يمكن صرفه بالإضافة إلى الصغير خاصة إلى الاستحباب، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في معنييه الحقيقي و المجازي، و هو خلاف التحقيق، فالأظهر في الجواب ما عرفت.

بل لا يخفى على العارف بلسانهم (عليهم السلام) و بما يلحنونه له من القول ظهور هذه النصوص في الندب المؤكد سيما بعد ملاحظة غيرها من النصوص نحو

ما أرسله في الفقيه (2)من انه «ضحى رسول الله صلى الله عليه و آله بكبشين ذبح واحدا بيده و قال: اللهم هذا عني و عمن لم يضح من أهل بيتي، و ذبح الآخر فقال:

اللهم هذا عني و عمن لم يضح من أمتي»

قال(3): «و كان أمير المؤمنين عليه السلام يضحي عن رسول الله صلى الله عليه و آله كل سنة بكبش، يذبحه و يقول: بسم الله وجهت وجهي للذي فطر السماوات و الأرض حنيفا مسلما و ما أنا من المشركين الآية،


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 7.

ج 19، ص: 222

اللهم منك و لك، و يقول: اللهم هذا عن نبيك ثم يذبحه، و يذبح كبشا آخر عن نفسه»

قال (1): «و قال علي عليه السلام لا يضحى عمن في البطن»

قال (2)«و ذبح رسول الله صلى الله عليه و آله عن نسائه البقرة»

و فيه (3)أيضا «جاءت أم سلمة الى النبي صلى الله عليه و آله فقالت يا رسول الله: يحضر الأضحى و ليس عندي ثمن الأضحية فاستقرض و اضحي قال: استقرضي فإنه دين مقضي».

و يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة من دمها، و عن

شريح بن هاني (4)عن علي عليه السلام «لو علم الناس ما في الأضحية لاستدانوا و ضحوا انه يغفر لصاحب الأضحية عند أول قطرة تقطر من دمها»

و في

خبر السكوني (5)المروي عن العلل عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

إنما جعل هذا الأضحى لتشبع مساكينكم، فأطعموهم من اللحم»

و في خبر أبي بصير(6)المروي عنه أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له: ما علة الأضحية؟

فقال: إنه يغفر لصاحبها عند أول قطرة تقطر من دمها في الأرض، و ليعلم الله عز و جل من يتقيه بالغيب، قال الله عز و جل (7)«لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ» ثم قال: انظر كيف قبل الله قربان هابيل ورد قربان قابيل»

و عن علي بن جعفر(8)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن الأضحية فقال: ضح بكبش أملح أقرن فحلا سمينا، فان لم تجد كبشا سمينا


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الذبح- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الذبح- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 11.
7- 7 سورة الحج- الآية 38.
8- 8 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 12.

ج 19، ص: 223

فمن فحولة المعز أو موجوءا من الضأن أو المعز، فان لم تجد فنعجة من الضأن سمينة، قال: و كان علي عليه السلام يقول: ضح بثني فصاعدا، و اشتره سليم الأذنين و العينين فاستقبل القبلة حين تريد أن تذبحه، و قل وجهت وجهي- الآية- اللهم تقبل مني، بسم الله الذي لا إله إلا هو و الله أكبر، و صلى الله على محمد و أهل بيته، ثم كل و اطعم»

و في الفقيه (1)«قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

استفرهوا ضحاياكم فإنها مطاياكم على الصراط»

بل عن العلل روايته مسندا عن أبي الحسن موسى عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه و آله (2)الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها جملة من المندوبات أيضا ككونه سليم العين و الاذن و الفراهة و كونه ثنيا و الدعاء بما سمعت، بل و يستفاد منها أيضا جواز فعلها عن الميت و الحي تبرعا متحدا و متعددا ذكرا و أنثى، بل قيل يستفاد من خبر علي بن جعفر(3)منها جواز تأخير الذبح عن التسمية بمقدار قراءة الدعاء المذكور و نحوه.

و كيف كان ف وقتها بمنى أربعة أيام أولها يوم النحر، و في الأمصار أو غيرها ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى

صحيح علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن الأضحى كم هو بمنى؟ فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى فقال: ثلاثة، فقلت: ما تقول في مسافر قدم بعد الأضحى بيومين إله ان يضحي في اليوم الثالث؟ قال: نعم»

و الظاهر و لو بقرينة ما قبله إرادة اليوم الثالث من يوم النحر لا الثالث بعده كما استظهره في كشف اللثام، فيكون


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب الذبح- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 224

دالا على النحر في الرابع في غير منى، فاحتاج الى حمله على القضاء المحتاج الى الدليل، بل عن المنتهى التصريح بفوات وقتها بفوات الأيام، فإن ذبحها لم تكن أضحية، و إذا فرق لحمها على المساكين استحق الثواب على التفريق دون الذبح نعم قال قبل ذلك في خصوص الواجبة بالنذر و شبهه: «لم يسقط وجوب قضائها إذا فاتت الأيام معللا له بان لحمها مختص بالمساكين، فلا يخرجون عن الاستحباب بفوات الوقت» و لكن لا يخفى عليك ما فيه خصوصا بعد ما اعترف به سابقا من عدم كونها أضحية في غير الأيام المزبورة فلا يكون موردا للوفاء بالنذر، و على كل حال فالأولى إرادة ما ذكرناه من الخبر المزبور، و

موثق الساباطي (1)«سألته عليه السلام عن الأضحى بمنى فقال: أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان فقال ثلاثة أيام»

الى غير ذلك.

نعم في ظاهر بعض النصوص ما يخالف ذلك، ك

قول أبي جعفر عليه السلام في حسن ابن مسلم (2)«الأضحى يومان بعد يوم النحر و يوم واحد في الأمصار»

و خبر كليب الأسدي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن النحر فقال: بمنى فثلاثة أيام، و أما في البلدان فيوم واحد»

المحمول على ضرب من الندب، أو على ما عن الشيخ ان المراد ان أيام النحر التي لا يجوز الصوم فيها بمنى ثلاثة أيام، و في سائر البلدان يوم واحد مستدلا عليه ب

قول الصادق عليه السلام في خبر منصور(4): «النحر بمنى ثلاثة أيام، فمن أراد الصوم لم يصم حتى يمضي ثلاثة أيام، و النحر بالأمصار يوم، فمن أراد الصوم صام من غد»

و إن كان قد يناقش بعدم جواز


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح الحديث 5.

ج 19، ص: 225

صوم اليوم الثالث من أيام التشريق في منى كما عرفت، اللهم إلا أن يكون المراد انه قد يجوز صومه بدلا عن الهدي إذا كان هو يوم الحصبة أي يوم النفر و أما

الخبر(1)«الأضحى ثلاثة أيام و أفضلها أولها»

فأقصاه الإطلاق المحمول على التفصيل في غيره، على أنه كما قيل موافق لمذهب مالك و الثوري و أبي حنيفة فيمكن حمله على التقية، بل يمكن نحوه في الخبرين السابقين.

ثم ان الظاهر عدم اعتبار وقت مخصوص من يوم العيد في ذبحها، لإطلاق ما دل على مشروعيتها فيه، لكن عن المبسوط «وقت الذبح يدخل بدخول يوم الأضحى إذا ارتفعت الشمس و مضى مقدار ما يمكن صلاة العيد و الخطبتان بعدها» و عن المنتهى «وقت الأضحية إذا طلعت الشمس و مضى مقدار صلاة العيد سواء صلى الإمام أو لم يصل»

و في الدروس «و وقتها بعد طلوع الشمس الى مضي قدر صلاة العيد و الخطبة» إلا أن الظاهر إرادة الجميع ضربا من الندب ل

موثق سماعة(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له متى نذبح؟ قال: إذا انصرف الامام، قلت: فإذا كنت في أرض ليس فيها إمام فأصلي بهم جماعة فقال: إذا استعلت الشمس»

المحمول على ذلك جمعا بينه و بين إطلاق الأيام في غيره نصا و فتوى، و ربما ظن من لا يعرف لسان النصوص و الفتاوى فاعتبر الوقت المخصوص من اليوم المخصوص في مشروعيتها، و هو غلط واضح، و الله العالم.

و لا بأس بادخار لحمها بعد الثلاثة و إن قيل إنه كان محرما فنسخ، ففي

خبر جابر بن عبد الله الأنصاري (3)«أمرنا رسول الله صلى الله عليه و آله أن لا نأكل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الذبح- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب صلاة العيد- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح- الحديث 2.

ج 19، ص: 226

لحم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، ثم أذن لنا أن نأكل و نقدد و نهدي إلى أهلنا»

و خبر حنان بن سدير عن الباقر عليه السلام و أبي الصباح عن أبي عبد الله عليه السلام (1)قالا:

«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله عن لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام، ثم أذن فيها فقال كلوا من لحوم الأضاحي بعد ذلك و ادخروا»

و صحيح ابن مسلم (2)أو خبره المروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام «كان النبي صلى الله عليه و آله نهى ان تحبس لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام من أجل الحاجة، فأما اليوم فلا بأس به»

و صحيح جميل بن دراج (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن حبس لحوم الأضاحي فوق الثلاثة أيام بمنى فقال: لا بأس بذلك اليوم، ان رسول الله صلى الله عليه و آله انما نهى عن ذلك أولا لأن الناس كانوا يومئذ مجهودين، فاما اليوم فلا بأس»

و مرسل الصدوق (4)قال أبو عبد الله عليه السلام: «كنا ننهى عن خروج لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لقلة اللحم و كثرة الناس، فاما اليوم فقد كثر و قل الناس فلا بأس بإخراجه»

و خبر زيد بن علي (5)عن أبيه عن جده عن علي (عليهم السلام) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله نهيتكم عن ثلاثة: عن زيارة القبور ألا فزوروها و نهيتكم عن خروج لحوم الأضاحي من بعد ثلاث أيام فكلوا و ادخروا و نهيتكم عن النبيذ ألا فانبذوا، و كل مسكر حرام، يعني الذي ينبذ بالغداة و يشرب بالعشي و ينبذ بالعشي و يشرب بالغداة، و إذا غلى فهو حرام»

و صحيح ابن مسلم (6)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن إخراج لحوم الأضاحي من منى


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الذبح الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 227

فقال: لا يخرج منها شي ء لحاجة الناس اليه، فاما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه».

و ربما يشكل بملاحظة جملة من هذه النصوص ما في المتن و النافع و القواعد، و محكي الاستبصار من أنه يكره أن يخرج به من منى بل عن النهاية و المبسوط و التهذيب أنه لا يجوز و ان استدل له ب

خبر علي بن أبي حمزة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «لا يتزود الحاج من لحم أضحيته، و له أن يأكل منها بمنى أيامها، و قال: و هذه مسألة شهاب كتب اليه فيها»

و خبره الآخر(2)عن أبي إبراهيم عليه السلام الذي رواه عن احمد بن محمد «لا يتزود الحاج من أضحيته، و له أن يأكل منها أيامها إلا السنام فإنه دواء، و قال احمد: و لا بأس أن يشتري الحاج من لحم منى و يتزوده»

بعد حمل النهي على الكراهة دون التحريم الذي يقصر الخبران المزبوران عن إثباته، لضعفهما و معارضتهما بما سمعت مما هو أقوى سندا و أكثر عددا، مضافا الى الأصل، و ما قيل من أنه كان يجوز الذبح بغيرها، بل لعل

الشيخ و إن عبر بعدم الجواز في التهذيب يريد منه الكراهة بقرينة تصريحه بها في الاستبصار، مع أنه قال قبل ذلك:

«و لا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد الثلاثة أيام و ادخارها، مستدلا عليه بجملة من النصوص السابقة، و لا ريب أن الادخار بعد ثلاثة لا يكون غالبا إلا بعد الخروج من منى، لانه بعد الثلاث لا يبقى فيها أحد، فلو لا ان المراد بلا يجوز الكراهة لحصل التنافي بين كلاميه، إلا أن يحمل جواز الادخار على غير مني، أو على ما لا يجامع الخروج به من منى، و على كل حال فلا ريب في عدم الحرمة، إنما الكلام في إثبات الكراهة بالخبرين المزبورين المحتملين إرادة النهي عنه قبل


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 228

ذلك لا في مثل هذه الأيام كما سمعته في النصوص السابقة، إذ هو أولى من حمل تلك على ارادة بيان الجواز لا رفع الكراهة، أو على إرادة إخراج ما يضحيه غيره دون أضحيته، و لكن الانصاف مع التدبر يقتضي الجمع بينها بالأول و ان تفاوتت الكراهة شدة و ضعفا.

بقي الكلام فيما أشكل على بعض الناس من منافاة هذه النصوص لما اتفقوا عليه ظاهرا من استحباب التثليث في الأضحية المقتضي لعدم بقاء شي ء في يده إلا الثلث الذي هو في يده له يتصرف فيه كيف شاء، مع أنه لا يزيد غالبا على مصرفه في ثلاثة أيام منى حتى ينهى عن إخراجه ثم يؤمر به و يعلل بوجود المستحق و عدمه، إذ لا يتعلق به حق المستحق بعد إخراج حق المستحقين اللهم إلا أن يحمل استحباب التثليث على صدر الإسلام من حيث قلة اللحوم و كثرة الناس، و أنه بعد ذلك سقط هذا الحكم لعدم من يتصدق به عليه و من يهدي له بسبب كثرة اللحم و قلة الناس، فلا بأس بإخراج اللحم و ادخاره و عدم صرفه في ذلك المصرف الموظف، إلا أن هذا لا يلائم كلام الأصحاب لاتفاقهم على استحباب هذا الحكم في جميع الأعصار، و هو كما ترى من غرائب الكلام ضرورة عدم التنافي بين الاستحباب المزبور و كراهة الادخار و الإخراج إذا لم يأت بالمستحب، أو في ثلاثة خاصة كما هو واضح.

و كيف كان ف لا بأس بإخراج ما يضحيه غيره إذا كان قد أهدى اليه أو تصدق به عليه أو اشتراه و لو من أضحيته، للأصل بعد اختصاص الخبرين السابقين بأضحيته من حيث تضحيته لها، بما سمعته في الثاني منهما من قول احمد، بل عن الشيخ حمل صحيح ابن مسلم (1)المشتمل على الاذن في الإخراج اليوم


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الذبح- الحديث 5.

ج 19، ص: 229

على ذلك مستشهدا له بما سمعته من قول احمد، و إن كان هو بعيدا، مع ان الشاهد مقطوع أيضا، فالعمدة حينئذ ما عرفت. و الله العالم.

و يجزي الهدي الواجب عن الأضحية المندوبة كما صرح به غير واحد، ل

قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم(1): «يجزيه في الأضحية هديه»

و الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)«يجزي الهدي عن الأضحية»

و ربما كان في لفظ الإجزاء اشعار أو ظهور فيما ذكره غير واحد من أن الجمع بينهما أفضل مضافا الى ما قيل من أن فيه فعل المعروف و نفع المساكين، ثم ان ظاهر الصحيحين إجزاء مطلق الهدي عنها كما عن النهاية و الوسيلة و التحرير و المنتهى و التذكرة خلافا للقواعد و الدروس فقيداه كالمتن بالواجب، بل في النافع و عن التلخيص و التبصرة التقييد بهدي التمتع، و لعله لدعوى الانصراف، و لكن فيها منع واضح، كمنع احتمال إرادة النص على الأخفى من التقييد كما في كشف اللثام، و الله العالم.

و من لم يجد الأضحية تصدق بثمنها، فان اختلف أثمانها جمع الأعلى و الأوسط و الأدون و تصدق بثلث الجميع بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، ل

خبر عبد الله بن عمر(3)قال: «كنا بالمدينة فأصابنا غلاء في الأضاحي فاشترينا بدينار ثم بدينارين ثم بلغت سبعة ثم لم يوجد بقليل و لا كثير، فوقع هشام المكاري الى أبي الحسن عليه السلام فأخبره بما اشترينا و انا لم نجد بعد فوقع عليه السلام اليه انظر الى الثمن الأول و الثاني و الثالث فاجمعوا ثم تصدقوا بمثل ثلثه»

و الظاهر كما


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الذبح- الحديث 2.
2- 2 الفقيه ج 2 ص 297 الرقم 1472.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 19، ص: 230

صرح به غير واحد أن المراد التصدق بقيمة منسوبة الى ما كان من القيم، فمن الاثنين النصف، و من الثلاث الثلث، و من الأربع الربع، و هكذا، و ان اقتصار الأصحاب على الثلث تبعا للرواية التي يمكن أن تكون هي المستند للأصحاب فيما ذكروه في اختلاف قيم المعيب و الصحيح، و الله العالم.

و يستحب ان يكون التضحية بما يشتريه مثلا و المراد انه يكره التضحية بما يربيه ل

خبر محمد بن الفضيل (1)عن أبي الحسن عليه السلام «قلت: جعلت فداك كان عندي كبش سمين لاضحي به، فلما أخذته و أضجعته نظر الي فرحمته و وقفت له ثم اني ذبحته، فقال لي: ما كنت أحب لك ان تفعل لا تربين شيئا من هذا ثم تذبحه»

بل في

مرسل الفقيه (2)عن أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) «لا تضحي بشي ء من الدواجن»

و هو يقتضي كراهية الأعم من الأول، إذ الدواجن جمع داجن، و هي الشاة التي تألف البيوت كما عن الجوهري، و عن القاموس دجن بالمكان دجونا أقام، و الحمام و الشاة و غيرهما ألفت و هي دجن، و تسمى الدواجن رواجن أيضا، قال في محكي القاموس: «رجن بالمكان رجونا اقام، و الإبل و غيرها ألفت،

و دابته حبسها في المنزل على العلف» و الله العالم.

و يكره ان يأخذ شيئا من جلود الأضاحي ل

صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن جلود الأضاحي هل يصلح لمن ضحى بها ان يجعلها جرابا؟ قال: لا يصلح ان يجعلها جرابا إلا ان يتصدق بثمنها»

الظاهر فيها و في إرادة المثال من جعلها جرابا، فلا حرمة حينئذ في


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب الذبح- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح- الحديث 4.

ج 19، ص: 231

أخذها و التصرف فيها ببيع و غيره، للاضل و بعض النصوص السابقة، و خصوص خبر معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) السابق المسؤول فيه عن الإهاب، و خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «ينتفع بجلد الأضحية و يشتري به المتاع، و إن تصدق به فهو أفضل»

مؤيدا بما تسمعه من جواز إعطائها الجزارين اجرة، لكن عن المبسوط «لا يجوز بيع جلدها سواء كانت واجبة أو تطوعا كما لا يجوز بيع لحمها، فان خالف تصدق بثمنه» و عن الخلاف «انه لا يجوز بيع جلودها سواء كانت تطوعا أو نذرا إلا إذا تصدق بثمنه على المساكين، و قال أبو حنيفة أو يبيعها بآلة البيت على ان يعيرها كالقدر و الفاس و المنخل و الميزان،

و قال الشافعي لا يجوز بيعها بحال، و قال عطا: يجوز بيعها على كل حال، و قال الأوزاعي: يجوز بيعها بآلة البيت الى ان قال: دليلنا إجماع الفرقة و اخبارهم، و الجلد إذا كان للمساكين فلا فرق بين ان يعطيهم إياه و ثمنه» و مقتضى الأول بل و الثاني الحرمة و إن صح البيع، و إلا فلا وجه للتصدق بالثمن، إلا انه كما ترى لا دليل عليه سوى دعوى الإجماع المزبور الذي لم أجد ما يشهد له، بل المنافي متحقق، و الاخبار المرسلة التي قد سمعت ما ينافيها، فالأصح الجواز.

و كذا يكره ان يعطيها الجزار اجرة للنهي عنه في صحيح معاوية بن عمار(3)و غيره المحمول على الكراهة هنا، لما سمعته من المرسل (4)و خبر صفوان (5)المتقدمين في جلود الهدي و الأفضل من ذلك كله ان


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الذبح الحديث 8.

ج 19، ص: 232

يتصدق بها لما سمعته من خبر معاوية و لو على الجزارين إذا كانوا من أهلها، و الله العالم.

[الثالث الحلق و التقصير]

الثالث من مناسك منى يوم النحر في الحلق أو التقصير و المعروف بين الأصحاب وجوب النسك المزبور، بل عن المنتهى انه ذهب إليه

علماؤنا أجمع إلا في قول شاذ للشيخ في التبيان إنه مندوب مع ان المحكي عن الشيخين أنهما إنما جعلاه مسنونا كالرمي، و عن ابن إدريس انه فهم منه في الرمي الواجب بغير نص الكتاب، و لكنه حكى عن النهاية ان الحلق و التقصير مندوب غير واجب، و عن مجمع البيان الندب أيضا، بل ربما كان ظاهره اتفاق الأصحاب عليه، و على كل حال فلا ريب في ضعفه للتأسي و ما تسمعه من النصوص (1)الموجبة للحلق على الملبد أو الصرورة المخيرة لغيرهما بينهما، و الآمرة(2)بهما إذا نسي حتى نفر أو اتى مكة، و بالكفارة(3)إذا طاف قبلهما، و المعلقة(4)للإحلال عليهما، و لا خلاف محقق أجده في وجوب فعل أحدهما بمنى قبل المضي للطواف، بل في كشف اللثام قطع به جماعة من الأصحاب و يظهر من آخرين، و ما عن الغنية و الإصباح من انه ينبغي ان يكون بمنى يراد منه الوجوب، و إلا كان محجوجا بما تسمعه ان شاء الله فيما لو بنى على تركه حتى خرج منهما، و

قول الصادق (عليه السلام) لسعيد الأعرج (5): «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذ عن شعورهن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الحلق و التقصير.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.

ج 19، ص: 233

و يقصرن من أظفارهن ثم يمضين إلى مكة»

بل المشهور كما في المدارك ان وقته يوم النحر بعد ذبح الهدي أو حلوله في رحله على القولين، و عن أبي الصلاح جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق، و لكن لا يزور البيت قبله، بل عن الفاضل في المنتهى و التذكرة انه استحسنه، لأن الله تعالى بين أوله بقوله(1):

«حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و لم يبين آخره، فمتى أتى به أجزء كالطواف للزيارة و السعي، و لكن لا ريب في أن الأحوط إيقاعه يوم النحر للاتفاق على كونه وقتا لذلك، و الشك فيما عداه.

و كيف كان فإذا فرغ من الذبح فهو مخير ان شاء حلق و ان شاء قصر و الحلق أفضل الفردين الواجبين، فينوي فيه الوجوب أيضا، و على كل حال فلا خلاف أجده في شي ء من ذلك في الحاج و المعتمر مفردة غير الملبد و الصرورة و معقوص الشعر، بل عن التذكرة الإجماع عليه كما عن المنتهى نفي علم الخلاف فيه، مضافا الى قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (2)الذي رواه ابن إدريس عن نوادر البزنطي «من لبد شعره أو عقصه فليس عليه أن يقصر و عليه الحلق، و من لم يلبد تخير إن شاء قصر و ان شاء حلق، و الحلق أفضل»

كقوله (عليه السلام) لسالم أبي الفضل (3)إذا اعتمر فسأله فقال: «احلق فان رسول الله صلى الله عليه و آله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، و على المقصرين مرة واحدة»

و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي (4)«استغفر رسول الله صلى الله عليه و آله للمحلقين ثلاث مرات»

و في

حسن حريز(5)قال: «رسول الله صلى الله عليه و آله يوم الحديبية: اللهم اغفر للمحلقين،


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6.

ج 19، ص: 234

قيل: و للمقصرين يا رسول الله صلى الله عليه و آله قال: و للمقصرين».

و في النافع و القواعد و محكي الجمل و العقود و السرائر و الغنية بل في المدارك أنه المشهور أنه يتأكد في حق من لم يحج المسمى ب الصرورة و من لبد شعره بعسل أو صمغ لئلا يقمل أو يتسخ (أو يتوسخ خ ل) و قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و المبسوط و ابن حمزة في محكي الوسيلة لا يجزئهما إلا الحلق و كذا عن المقنع و التهذيب و الجامع مع زيادة المعقوص و عن المقنعة و الاقتصاد و المصباح و مختصره و الكافي في الصرورة، و عن ابن أبي عقيل في الملبد و المعقوص و لم يذكر الصرورة، و مال إليه في المدارك.

و على كل حال ف الأول أظهر عند المصنف للأصل و إطلاق قوله تعالى (1)«مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ» بعد العلم بعدم إرادة الجمع و

التفصيل الموجب للإجمال، فتعين التخيير على الإطلاق كظاهر حسن حريز(2)السابق المشتمل على دعاء النبي صلى الله عليه و آله لهما، إلا انهما معا خصوصا الأخير كما ترى ضرورة وجوب تقييدهما بقول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي السابق،]

و صحيح هشام بن سالم (3)«إذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق»

و في

خبر أبي سعيد(4)«يجب الحلق على ثلاثة نفر رجل لبد، و رجل حج بدءا و لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه»

و في خبر ابى بصير(5)«على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصر، إنما التقصير لمن قد


1- 1 سورة الفتح- الآية 27.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث- 3 الموجود في التهذيب ج 5 ص 485 الرقم 1739 عن أبي سعد.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 5.

ج 19، ص: 235

حج حجة الإسلام»

و في

صحيح معاوية و حسنه (1)«ينبغي للصرورة أن يحلق و ان كان قد حج فان شاء قصر و إن شاء

حلق، فإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير»

و في صحيحه (2)أيضا «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق و ليس لك التقصير، و ان أنت لم تفعل فمخير لك التقصير و الحلق في الحج، و ليس في المتعة إلا التقصير»

و في

خبر بكير بن خالد(3)«ليس للصرورة أن يقصر»

و سأله (عليه السلام) عمار(4)«عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق فقال: إن كان قد حج قبلها فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق»

و سأله (عليه السلام) أيضا سليمان بن مهران (5)«كيف صار الحلق على الصرورة واجبا دون من قد حج قال: ليصير بذلك موسما بسمة الآمنين، أ لا تسمع قول الله عز و جل (6)لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ »

و لا داعي إلى حملها على التأكد، و قوله (عليه السلام): «ينبغي» في الصحيح و الحسن مع انه في الصرورة خاصة لا صراحة فيه بعدم الوجوب، بل و لا ظهور على وجه يصلح لصرف غيره عنه، بل لعل إرادة ما لا ينافي الوجوب منه و لو بقرينة غيره أولى، بل لعل الظاهر إرادة الوجوب منه هنا بقرينة قوله

«و ان


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 10 عن بكر بن خالد و هو الصحيح كما في التهذيب ج 5 ص 243 الرقم 820.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 14.
6- 6 سورة الفتح- الآية 27.

ج 19، ص: 236

كان قد حج فان شاء»

الى آخره، فان مفهومه نفي المشية عن الذي لم يحج، و هو الصرورة، و هو نص في الوجوب، لان الاستحباب لا يجامع نفي المشية اللهم إلا أن يقال إن الشهرة ترجح على غيرها من القرائن، خصوصا بعد شم رائحة الندب مما سمعته في خبر ابن مهران، و اشتهار إرادة التأكد من نحو ذلك، و الله العالم.

و ليس على النساء حلق لا تعيينا و لا تخييرا بلا خلاف أجده، بل عن التحرير و المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

قول النبي صلى الله عليه و آله في وصيته (1)لعلي (عليه السلام): «ليس على النساء جمعة- الى أن قال-: و لا استلام الحجر و لا الحلق»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(2): «ليس على النساء حلق و يجزيهن التقصير»

بل يحرم عليهن ذلك بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل عن المختلف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد

المرتضوي (3)«نهى رسول الله صلى الله عليه و آله أن تحلق المرأة رأسها»

أي في الإحلال لا مطلقا، فان الظاهر عدم حرمته عليها في غير المصاب المقتضي للجزع، للأصل السالم عن معارضة دليل معتبر اللهم إلا أن يكون هناك شهرة بين الأصحاب تصلح جابرا لنحو المرسل المزبور بناء على إرادة الإطلاق، فيكون كحلق اللحية للرجال.

و على كل حال فلا إشكال في عدم جوازه نسكا، و حينئذ ف يتعين في حقهن التقصير بلا خلاف أجده فيه أيضا، ل

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر علي بن حمزة(4)«و تقصر المرأة و يحلق الرجل، و ان شاء قصر ان كان


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.
3- 3 كنز العمال ج 3 ص 58 الرقم 1601.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.

ج 19، ص: 237

قد حج قبل ذلك»

و لما سمعته من أمر الصادق (عليه السلام) بالأخذ من شعورهن و التقصير من أظفارهن في صحيح سعيد الأعرج (1)السابق، كقوله عليه السلام في مرسل ابن أبي عمير(2)«تقصر المرأة لعمرتها مقدار الأنملة»

و له قال المصنف:

و يجزيهن منه و لو مثل الأنملة كما في القواعد و النافع و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع، لكن الأولى

الجمع بينه و بين التقصير من الأظفار أيضا، لما سمعته في صحيح الأعرج، كما أن الاولى مراعاة القدر المزبور الذي يظهر من المصنف انه أقل المجزي و ان كان المحكي عن المختلف و غيره انه كناية عن المسمى، بل قيل هو ظاهر المنتهى و التذكرة، للأصل مع عدم ثبوت الزيادة، و إطلاق الأخذ من الشعر في صحيح الأعرج، و ترك الاستفصال في

حسن الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) قال له عليه السلام: «انى لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصر قال: عليك بدنة، قال قلت: انى لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت، فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها، فقال رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء»

نعم ما عن ظاهر أبي علي من انها لا يجزيها في التقصير ما دون القبضة لا نعرف له مأخذا، و عن الشهيد حمله على الندب، بل قد يظهر من القواعد و النافع و غيرهما تحقق التقصير بذلك للرجل أيضا، قيل: للأصل و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد(4)«ثم ائت منزلك تقصر من شعرك، و حل لك كل شي ء»

و إطلاق التقصير في حسن الحلبي (5)السابق، إلا انهما معا كما ترى لا تقدير فيهما بالأنملة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التقصير- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التقصير- الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التقصير- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.

ج 19، ص: 238

التي لا يتوقف صدق التقصير من الشعر عليها عرفا كما هو واضح.

و كيف كان ففي القواعد في إجزاء الحلق للامرأة لو فعلته عن التقصير نظر، و في كشف اللثام «من التباين شرعا، و لذا وجبت الكفارة على من حلق في عمرة التمتع، و هو ظاهر الآية(1)و التخيير بينهما و إيجاب أحدهما و تحريم الآخر و من أن أول جزء من الحلق بل كله تقصير، و لذا لم يرد فيمن حلق في عمرة التمتع وجوب تقصير عليه بعده، بل قال و هو الوجه ان لم ينو الحلق أولا بل التقصير أو أخذ الشعر» و فيه منع تحقق التقصير بأول جزء من الحلق، و عدم ورود التقصير فيمن حلق في عمرة التمتع للاتكال على وجوبه عليه، على انه بعد أن عرفت حرمة الحلق عليهن كيف يتصور إجزاؤه عن الواجب، إذ أقصاه بعد التسليم كونه فردا من التقصير منهيا عنه، فلا يجزي عن الواجب، فتأمل جيدا.

و الخنثى المشكل تقصر إذا لم تكن أحد الثلاثة، بل و إن كانت على القول بالتخيير أيضا، اما على القول بالوجوب فيتعين عليها فعلهما مقدمة بناء على أن حرمة الحلق على النساء تشريعية كما هو الظاهر، فتسقط للاحتياط و إلا كان المتجه التخيير، و الله العالم.

و يجب تقديم الحلق أو التقصير على زيارة البيت لطواف الحج و السعي بلا خلاف أجده فيه، و في كشف اللثام «كأنه لا خلاف فيه» و في المدارك «لا ريب في وجوب تقديمهما على زيارة البيت للتأسي و للأخبار الكثيرة» و لعل

مراده ما تسمعه من النصوص (2)الآمرة بإعادته للناسي أو مطلقا و بالشاة للعالم، لكن في الرياض- بعد الاعتراف بنفي خلاف ظاهر فيه في جملة


1- 1 سورة الفتح- الآية 27.
2- 2 الوسائل- الباب- 5 و 2- من أبواب الحلق و التقصير.

ج 19، ص: 239

من العبائر- قال: «فان تم إجماعا و إلا فظاهر الصحيح المتقدم و غيره- المتضمنين للفظي «لا حرج» و «ينبغي» كالصحيح الآتي المتضمن أيضا للفظ «لا ينبغي»- خلافه، و لا ينافيه إيجاب الدم في الأخير لإمكان الحمل على الاستحباب لكن لا خروج عما عليه الأصحاب» و مراده بالصحيح الأول

صحيح جميل (1)عن الصادق (عليه السلام) «ان رسول الله صلى الله عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله حلقت قبل ان اذبح، و قال بعضهم حلقت قبل ان أرمي فلم يتركوا شيئا كان ينبغي لهم ان يقدموه إلا أخروه، و لا شيئا كان لهم ان يؤخروه إلا قدموه، فقال لا حرج»

و الظاهر كما في كشف اللثام إنما ينفي الإثم عن الجاهل و الناسي أو أحدهما، و اما الآخر فهو

صحيح جميل (2)أيضا و حسنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يزور البيت قبل ان يحلق

فقال: لا ينبغي إلا ان يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله أتاه أناس يوم النحر»

الى آخر ما سمعته آنفا، و نحوه صحيح محمد بن حمران (3)عنه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 4.
2- 2 لم يرد صاحب الرياض قدس سره بقوله:« كالصحيح الآتي» إلا صحيحة محمد بن مسلم الآتية في الجواهر ص 240 حيث انها دلت على وجوب الشاة على العالم مع اشتمالها على لفظة« لا ينبغي» كما انه ذكرها في الرياض بعد أسطر، فما ذكره صاحب الجواهر قده« و اما الآخر فهو صحيح جميل أيضا و حسنه» غير صحيح، إذ لم يذكر فيه لزوم الدم ابدا، على انه ليس لجميل في المقام إلا رواية واحدة نقلت بطريقين، ذكر في صدرها عن الرجل يزور البيت. الى آخره» و في ذيلها « ان رسول الله صلى الله عليه و آله أتاه أناس. إلخ».
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.

ج 19، ص: 240

أيضا، لكن يمكن إرادة النهي منه و لو بقرينة شهرة الأصحاب و ما تسمعه من النصوص.

و على كل حال ف لو قدم ذلك على التقصير عامدا جبره بشاة بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعض الى قطع الأصحاب و ان أغفل في بعض الكتب كمحكي المقنعة و المراسل و الغنية و الكافي، و نسبه في الدروس الى الشيخ و اتباعه بل عن ابن حمزة فإن زار البيت قبل الحلق أعاد الطواف بعده، و ان تركه عمدا لزمه دم شاة، فيحتمل ترك الإعادة أو إرادة ترك الحلق حتى زار إلا ان الجميع ليس خلافا محققا، و في

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل زار البيت قبل ان يحلق فقال: ان كان زار البيت و هو عالم ان ذلك لا ينبغي فإن عليه دم شاة»

و هو ظاهر في الوجوب المقتضي لوجوب الترتيب عليه، بل هو مشعر بإرادة عدم الجواز من قول

«لا ينبغي» في غيره من النصوص، فما سمعته من الرياض من إمكان إرادة ندب الدم فيه في غير محله، نعم هو خال عن ذكر الإعادة التي مقتضى الأصل نفيها أيضا، بل في الدروس نسبة ذلك الى ظاهرهم، بل عن الصيمري التصريح به، و لكن فيه انه معارض بما حكاه ثاني الشهيدين من الإجماع على وجوب الإعادة الذي يشهد له أولويته من الناسي، و ترك الاستفصال في

صحيح ابن يقطين (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة رمت العقبة و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت و طافت وسعت من الليل ما حالها و ما حال الرجل إذا فعل ذلك، قال: لا بأس به يقصر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.

ج 19، ص: 241

و يطوف للحج ثم يطوف للزيارة ثم قد أحل من كل شي ء»

و ما قيل من أن للطواف المأتي به قبل التقصير منهي عنه فيكون فاسدا، فلا يتحقق به الامتثال و إن كان لا يخلو من نظر لأعمية ذلك من الشرطية، اللهم إلا ان يدعى ظهورها من الأمر بها في نحو العبادات المركبة، و حينئذ يتجه الاستدلال به على المطلوب الذي لا ظهور في الصحيح المزبور بما ينافيه، إذ خلوه عن ذكر الإعادة أعم من عدم وجوبها، لكن في الرياض بعد ذكر الصحيح الدال عليها بالإطلاق قال:

«و تنزيل هذا على ما يؤول إلى الأول بحمله على غير العامد و إبقاء الأول على ظاهره من عدم وجوب الإعادة ليس بأولى من العكس و إبقاء هذا على عمومه و حمل الأول على خلاف ظاهره، و بالجملة التعارض بينهما كتعارض العموم و الخصوص من وجه يمكن صرف كل منهما الى الآخر، و حيث لأمر حج ينبغي الرجوع الى مقتضى الأصل، و هو وجوب الإعادة كما مر» و لا يخفى عليك ما في ذلك.

هذا كله في العالم العامد و لو كان ناسيا لم يكن عليه شي ء من دم و نحوه بلا خلاف أجده فيه للأصل و غيره و لكن عليه إعادة الطواف على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك و غيرها، لإطلاق صحيح ابن يقطين (1)السابق الذي لا ينافيه صحيح جميل (2)السابق و غيره الذي استثني فيه الناسي بعد عدم إشعار فيه بعدم الإعادة بل و لا نفي الحرج في صحيحه (3)الآخر المراد منه عدم بطلان الحج كنفي البأس في صحيح ابن يقطين.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الذبح- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 4 إلا ان ذلك ليس صحيحا آخر لجميل و انما هو ذيل لصحيحته كما تقدم الإشارة إليه في ص 239.

ج 19، ص: 242

و أما الجاهل فلا دم عليه للأصل المعتضد بمفهوم صحيح ابن مسلم (1)نعم عليه الإعادة وفاقا لثاني الشهيدين و غيره، لأولويته من الناسي، و إطلاق صحيح ابن يقطين الذي لا ينافيه نفي الحرج في صحيح جميل (2)بعد ما

عرفت المراد منه، فما عن الشهيد من الميل الى العدم لا يخلو من نظر، هذا.

و الظاهر كما في كشف اللثام أن كل من وجبت عليه الإعادة فإن تعمد تركها بطل الحج إلا مع العذر فيستنيب و إن كان تعمدا لتقديم.

كما ان الظاهر وجوب إعادة السعي حيث تجب إعادة الطواف كما عن العلامة في التذكرة التصريح به تحصيلا للترتيب الظاهر من الأدلة وجوبه، و ربما كان ظاهر المتن عدمه، و لعله الصحيح ابن يقطين السابق الذي لا ظهور له في ذلك.

و لو قدم الطواف على الذبح أو على الرمي ففي إلحاقه بتقديمه على التقصير وجهان، أجودهما ذلك كما في المسالك و المدارك.

و يجب أن يحلق أو يقصر بمنى، فلو أخل عالما أو جاهلا أو ناسيا رجع فحلق أو قصر بها وجوبا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به بين الأصحاب، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى أنه موضع وفاق، بل عن المفاتيح ذلك أيضا، و عن غيرها نفي الخلاف فيه أيضا، و في

صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى قال: يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا أو تقصيرا»

و خبر أبي بصير(4)«سألته عليه السلام عن رجل جهل ان


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.

ج 19، ص: 243

يقصر من رأسه أو يحلق حتى ارتحل من منى قال: فليرجع إلى منى حتى يحلق شعره بها أو يقصر»

و لا ينافي ذلك

خبر مسمع (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر قال: يحلق في الطريق و أين كان»

بعد إمكان إرادة حال عدم التمكن من الرجوع فيه خصوصا بعد قصور الخبر المزبور عن معارضة ما سمعت من وجوه، نعم قد يظهر من

خبر أبي بصير(2)عن الصادق عليه السلام «في رجل زار البيت و لم يحلق رأسه قال: يحلق بمكة و يحمل شعره لمني، و ليس عليه شي ء»

عدم وجوب العود للحلق إذا قدم عليه الطواف إلا أن إطلاق الأصحاب أيضا على خلافه.

و كيف كان فان لم يتمكن من الرجوع و إن كان قد تعمد ذلك حلق أو قصر مكانه وجوبا بلا خلاف و لا إشكال، و قد سمعت حمل خبر مسمع عليه و بعث بشعره ليدفن بها ندبا كما في النافع و محكي التهذيب و الاستبصار بل في المدارك نسبته الى قطع الأكثر، لا وجوبا كما عن الكافي و ظاهر المتن، للأصل و

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(3)«ما يعجبني ان يلقي شعره إلا بمنى»

و في

صحيح معاوية(4)«كان علي بن الحسين عليه السلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى و يقول: كانوا يستحبون ذلك، قال: و كان أبو عبد الله عليه السلام يكره أن يخرج الشعر من منى، و يقول: من أخرجه فعليه أن يرده»

و في

خبر أبي البختري (5)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن الحسن و الحسين (عليهم السلام) «كانا يأمران أن يدفن شعورهما بمنى»

و لا ينافي ذلك

قول الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير الحديث
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 8.

ج 19، ص: 244

عليه السلام في صحيح ليث المرادي(1): «ليس له أن يلقي شعره إلا بمنى»

و أحدهما (عليهما السلام) في خبر علي بن أبي حمزة(2)في حديث «و ليحمل الشعر إذا حلق بمكة إلى منى»

بعد عدم دلالتهما على الدفن كغيرهما من النصوص، بل لعل ما عن الكافي محمول على تأكد الندب كظاهر المتن.

إنما الكلام في وجوب البعث الذي استوجهه الفاضل في محكي المختلف ان كان خروجه من منى عمدا دون النسيان، لأنه كان يجب عليه الحلق بمنى و إلقاء الشعر بها، و لا يسقط أحد الواجبين إذا سقط الآخر، بخلاف ما إذا نسي، فإنه لا يجب عليه شي ء منهما، مضافا الى خبر أبي بصير(3)الظاهر في العامد، بل عن النهاية و ظاهر المتن وجوبه مطلقا، و لعله للأمر به في

حسن حفص بن البختري (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يحلق رأسه بمكة قال:

يرد الشعر إلى منى»

و خبر أبي بصير(5)السابق المحمول على الندب أيضا بقرينة خبر أبي بصير(6)الأخير الظاهر في ذلك، و لكن مع ذلك لا ريب في أن الأحوط بعثه، خصوصا إذا كان قد أخرجه منها و أحوط منه دفنه فيها، نعم لو لم يتمكن من بعثه سقط الوجوب و لم يكن عليه شي ء إجماعا كما في المدارك للأصل و غيره.

و من ليس على رأسه شعر خلقة أو غيرها سقط عنه الحلق إجماعا بقسميه، و لكن يمر الموسى عليه إجماعا في محكي التذكرة، و من أهل العلم في محكي المنتهى، بل مقتضى قول المصنف إجزاء إمرار الموسى عليه عدم تعين

التقصير عليه، بل في المدارك «قيل بالوجوب مطلقا، أو على من حلق في


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 6.

ج 19، ص: 245

إحرام العمرة، و الاستحباب للاقرع» بل في المسالك «بالتفصيل رواية و العمل بها أولى» و إن كنا لم نعثر عليها و لا رواها غيره كما اعترف به في المدارك، نعم في

خبر زرارة(1)«ان رجلا من أهل خراسان قدم حاجا و كان أقرع الرأس لا يحسن ان يلبي فاستفتي له أبو عبد الله فأمر ان يلبي عنه و يمر الموسى على رأسه، فإن ذلك يجزي عنه»

بل عن أبي حنيفة أنه أوجبه، لأنه كان واجبا عنده الحلق فإذا سقط لتعذره لم يسقط، بل عن الفاضل ان كلام الصادق عليه السلام يعطيه، فإن الاجزاء إنما يستعمل في الواجب، بل في كشف اللثام إن لم يكن له ما يقصر منه أو كان صرورة أو ملبدا أو معقوصا و قلنا بتعين الحلق عليهم اتجه وجوب الإمرار، و تبعه في الرياض مؤيدا له بالخبر المتقدم بدعوى ظهوره في الصرورة، و فيه ان المتجه حينئذ السقوط للأصل بعد ان كان الواجب من الإمرار ما يتحقق في ضمنه الحلق لا مطلقا فلا تأتي قاعدة الميسور، و ما لا يدرك، و بعد قصور الخبر المزبور من إثبات الوجوب.

و من هنا كان المحكي عن الأكثر منا و من غيرنا الاستحباب، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع عليه، و حينئذ فيتعين عليه التقصير

من لحيته أو غيرها الذي هو احد الفردين، و مع العدم يتجه السقوط، نعم لو قلنا بوجوبه عملا بالخبر المزبور اتجه الاجتزاء به عنه، لظهور لفظه فيه، و إن كان يحتمل إرادة الاجزاء عن الحلق الحقيقي لا عن مطلق الفرض، فضلا عن قاعدة الأمر، و لعدم توجه الجمع بين الحلق و التقصير فكذا ما يقوم مقامه، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الإمرار و التقصير خصوصا بعد ما سمعته من


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.

ج 19، ص: 246

أمر الصادق عليه السلام في أقرع خراسان مؤيدا ب

خبر أبي بصير(1)عنه عليه السلام أيضا سأله «عن المتمتع أراد ان يقصر فحلق رأسه فقال: عليه دم يهريقه، فإذا كان يوم النحر أمر الموسى على رأسه حين يريد ان يحلق»

و خبر عمار الساباطي (2)عنه عليه السلام أيضا في حديث سأله «عن رجل حلق قبل ان يذبح قال: يذبح و يعيد الموسى، لان الله تعالى (3)يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ »

كما انه لا ينبغي تركه إذا لم يكن عنده شعر يقصره، لاستبعاد حله بلا حلق و لا تقصير و لا إمرار الموسى، مضافا الى ما سمعته من النصوص، هذا.

و في المنتهى يستحب لمن حلق أن يبدأ بالناصية من القرن الأيمن و يحلق الى

العظمين النائتين بلا خلاف» و في الدروس «و يستحب استقبال القبلة و البدأة بالأيمن من ناصيته، و تسمية المحلوق و الدعاء مثل قوله: اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة، و الاستيعاب الى العظمين اللذين عند منتهى الصدغين» و الأصل في ذلك

صحيح معاوية بن عمار(4)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «أمر الحلاق ان يضع الموسى على قرنه الأيمن، ثم أمره أن يحلق، و يسمي هو، و قال اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة»

و خبر غياث بن إبراهيم (5)عن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) «السنة في الحلق ان يبلغ العظمين»

و

في الفقه المنسوب (6)الى مولانا الرضا عليه السلام «و إذا أردت أن تحلق رأسك فاستقبل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
6- 6 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.

ج 19، ص: 247

القبلة و ابدأ بالناصية، و احلق الى العظمين النائتين بحذاء الأذنين، و قل: اللهم أعطني بكل شعرة نورا يوم القيامة».

و لعلهما جمعا بين الجميع بإرادة البدأة بالناصية من القرن الأيمن و ان كان في دخول القرن في الناصية التي هي من قصاص الشعر مما يلي الجبهة نوع خفاء بل منع، على ان البدأة بالناصية ليس إلا في الفقه المنسوب الى مولانا الرضا عليه السلام و هو غير ثابت عندنا، و على تقديره فالمتجه الجمع بالتخيير بينهما لا بذلك، و أما استقبال القبلة فليس إلا فيه، نعم يخطر في بالي ان فيه رواية عن بعض موالي علي بن الحسين (عليهما السلام) لما أراد ان يحلق رأس أبي حنيفة، لم تحضرني الآن في أي كتاب.

و كيف كان ففي كشف اللثام بعد ذكر خبر غياث «المراد بهما- كما في الفقيه و المقنع و الهداية و الجامع و الدروس- اللذان عند منتهى الصدغين قبالة وتد الأذنين، و في الوسيلة العظمين خلفه، و في الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب إلى الأذنين، و في المصباح و مختصره العظمين المحاذيين للاذنين، و هاتان العبارتان يحتملان الأمرين، و على كل حال فالغاية بهما للاستيعاب كما في الدروس و المصباح و مختصره لا لعدمه، و لكن المعنى الأول يفيده طولا: و الثاني دورا» انتهى و الأمر سهل.

و كيف كان ف ترتيب هذه المناسك واجب يوم النحر الرمي ثم الذبح ثم الحلق كما في النافع و القواعد بل و محكي النهاية و المبسوط و الاستبصار و ظاهر المقنع في الأخيرتين، بل نسبه غير واحد الى أكثر المتأخرين، لقوله تعالى(1):

«وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و للتأسي مع

قوله صلى الله عليه و آله(2)


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 19، ص: 248

[ «خذوا عني مناسككم»

و قول الصادق عليه السلام في خبر عمر بن يزيد(1)«إذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك و اغتسل و قلم أظفارك و خذ من شاربك»

و في

خبر جميل (2)«تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق»

و في

صحيح معاوية بن عمار أو حسنه (3)«إذا رميت الجمرة فاشتر هديك»

و في

خبر أبي بصير(4)«إذا اشتريت أضحيتك و قمطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله، فإن أحببت أن تحلق فاحلق»

و ان كان هو دالا على قيام ربطها في رحله مقام الذبح، و نحوه اخبار(5)و في

موثق عمار(6)عنه عليه السلام أيضا «سألته- الى ان قال-: و عن رجل حلق قبل ان يذبح قال يذبح و يعيد الموسى، لان الله تعالى يقول وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ »

و خبر سعيد السمان (7)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان رسول الله صلى الله عليه و آله عجل النساء ليلا من المزدلفة إلى منى فأمر من كان عليها منهن هدي ان ترمي و لا تبرح حتى تذبح، و من لم يكن عليها منهن هدي أن تمضي إلى مكة حتى تزور»

و صحيح أبي بصير(8)عنه عليه السلام أيضا قال: «سمعته يقول:

لا بأس ان تقدم النساء إذا زال الليل فتفيض عند المشعر الحرام ساعة ثم ينطلق بهن إلى منى فيرمين الجمرة ثم يصبرن ساعة ثم ليقصرن و لينطلقن إلى مكة إلا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 7- بطريقين آخرين.
6- 6 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 7.

ج 19، ص: 249

يكن يردن أن يذبح عنهن، فإنهن يوكلن من يذبح عنهن»

و صحيح سعيد الأعرج (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك معنا نساء فأفيض بهن بليل

قال نعم- الى أن قال-: أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و ليقصرن من أظفارهن»

و خبر موسى ابن القاسم (2)عن علي عليه السلام قال: «لا يحلق رأسه و لا يزور البيت حتى يضحي فيحلق رأسه و يزور متى شاء»

و صحيح عبد الله بن سنان (3)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي قال: لا بأس و ليس عليه شي ء و لا يعودن»

بناء على إرادة الحرمة من النهي عن العود و عدم الإعادة من نفي البأس كما ستعرف ان شاء الله.

و على كل حال فلا إشكال في ظهور مجموع ما ذكرناه من الآية و الرواية في وجوب الترتيب في الثلاثة، خلافا للمحكي عن الخلاف و السرائر و الكافي من عدم الوجوب، و عن الأولين استحبابه كما عن المختلف و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، للأصل و صحيح جميل (4)السابق المشتمل على نفي الحرج الذي قد عرفت احتمال إرادة الاجزاء منه و حال الجهل و النسيان و الضرورة و نفي الفداء و نحوه، بل مال إليه في الرياض مرجحا لاحتمال حمل الأوامر المزبورة على الندب على احتمال غيره بالأصل و

خبر احمد بن محمد بن أبي نصر(5)«قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك ان رجلا

من أصحابنا رمى الجمرة يوم النحر و حلق قبل أن يذبح قال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله لما كان يوم النحر أتاه طوائف من المسلمين فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه و آله ذبحنا من قبل أن نرمي و حلقنا من قبل أن


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح الحديث 6.

ج 19، ص: 250

نذبح فلم يبق شي ء مما ينبغي لهم ان يقدموه إلا أخروه، و لا شي ء مما ينبغي لهم أن يؤخروه إلا قدموه فقال: لا حرج»

بل و غيره من الاخبار، و مصير أكثر العامة كما في المنتهى الى الوجوب، قال: فيترجح بهما الاستحباب و إن تساوى الجمعان، و التأسي إنما يجب لو لم يظهر الاستحباب من الخارج، مضافا الى أولوية حمل صحيح النهي عن العود على الكراهة مما عرفت، لظهور نفي البأس في جواز الترك، و لذا استدل به الفاضل في المختلف على الندب، إلا أن الجميع كما ترى، خصوصا مع تصريح الآية بالبعض مع عدم القول بالفصل، و خصوصا مع الشهرة و غير ذلك.

بقي الكلام في وجوب فعلها اجمع يوم النحر كما هو ظاهر المتن، و قد عرفت انه لا إشكال بل و لا خلاف في وجوب الرمي يوم النحر إلا للنساء و الخائف و نحوه ممن تقدم سابقا، و أما الذبح فلا إشكال و لا خلاف في عدم جواز تقديمه عليه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، و أما وجوبه فيه فقد صرح به غير واحد و عرفت بعض الكلام فيه و كذا وجوب الحلق فيه أيضا، و إن كان لو لم يفعل شيئا منهما فيه يجزيه أيضا، و الله العالم.

و كيف كان فلو قدم بعضا على بعض عالما عامدا اثم قطعا و لا اعادة بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في المدارك ان الأصحاب قاطعون به، و أسنده في المنتهى الى علمائنا مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، و حينئذ يكون الوجوب المزبور تعبديا لا شرطيا، و لعله المراد من صحيح ابن سنان (1)السابق المشتمل على نفي البأس و النهي عن العود لمثل ذلك، بل و نصوص نفي الحرج (2)و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الذبح- الحديث 4 و 6 و الباب 2 من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.

ج 19، ص: 251

لم يكن قد صرح فيها بالعمد، و الأمر بإمرار الموسى بعد الذبح لمن قدم الحلق محمول على ضرب من الندب، فما في المدارك- من اشكال ذلك بأنها محمولة عند القائل بوجوب الترتيب على الجهل و النسيان و إلا لم يجب الترتيب- في غير محله، و إن صدر من بعضهم ذلك، و وجوب الترتيب أعم من شرطيته، كما ان ما فيها و في غيرها من إشكال الحكم المزبور بأنه مناف لقاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه المقتضية وجوب الإعادة كذلك أيضا، ضرورة عدم الشرطية على التقدير المزبور جمعا بين الأدلة، بل لعل المراد من قوله عليه السلام «لا حرج» الإشارة إلى قوله تعالى (1)«وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»

الذي منه التكليف بالإعادة، فحينئذ يكون الترتيب واجبا مستقلا لا شرطا، فالفاعل ممتثل في أصل الفعل و إن عصى في عكس الترتيب، و على كل حال فما عن أبي علي- من أن كل سائق هديا واجبا أو غيره يحرم عليه الحلق قبل ذبحه، و لو حلق وجب دم آخر- محجوج بما عرفت إن أراد عدم الاجزاء إذا خولف الترتيب، و قد يحتمل الكفارة، فلا خلاف حينئذ، و الله العالم.

[مسائل ثلاث ]
اشاره

مسائل ثلاث:

[المسألة الأولى مواطن التحلل ثلاثة]
اشاره

الأولى مواطن التحلل ثلاثة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه

[التحلل الأول المتمتع عقيب الحلق أو التقصير يحل من كل شي ء إلا الطيب و النساء]

الأول المتمتع عقيب الحلق أو التقصير يحل من كل شي ء إلا الطيب و النساء كما عن النهاية و التهذيب و المبسوط و الوسيلة و السرائر و المصباح و مختصره و الجامع و غيرها، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر و في غيرها الى المشهور، بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية بن عمار(2): «إذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل


1- 1 سورة الحج- الآية 77.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.

ج 19، ص: 252

شي ء أحرم منه إلا النساء و الطيب، فإذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا النساء، فإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي ء أحرم منه إلا الصيد»

أي الحرمي لا الإحرامي كما هو واضح، و

صحيح العلاء(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اني حلقت رأسي و ذبحت و أنا متمتع أطلي رأسي بالحناء قال: نعم من غير ان تمس شيئا من الطيب، قلت: و ألبس القميص و أتقنع قال: نعم، قلت قبل أن أطوف بالبيت قال: نعم»

و صحيحه الآخر(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام تمتعت يوم ذبحت و حلقت فألطخ رأسي بالحناء قال: نعم من غير أن تمس شيئا من الطيب، قلت فالبس القميص قال: نعم إذا شئت، قلت فأغطي رأسي قال: نعم»

و خبر عمر بن يزيد(3)عن أبي عبد الله عليه السلام: «اعلم انك إذا حلقت رأسك فقد حل لك كل شي ء إلا النساء و الطيب»

و خبر منصور ابن حازم (4)

خبر جميل (5)المروي عن مستطرفات السرائر من نوادر البزنطي عن جميل سأله عليه السلام «المتمتع ما يحل له إذا حلق رأسه، قال: كل شي ء إلا النساء و الطيب: قال فالمفرد قال: كل شي ء إلا النساء»

و خبر محمد بن حمران (6)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الحاج يوم النحر ما يحل له؟ قال: كل شي ء إلا النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال كل شي ء إلا النساء و الطيب».

و لا ينافي ذلك ما في

صحيح سعيد بن يسار(7)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل ان يزور فيطليه بالحناء، قال: نعم الحناء


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 7.

ج 19، ص: 253

و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النساء رددها علي مرتين أو ثلاثا» قال: «و سألت أبا الحسن عليه السلام عنها فقال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شي ء إلا النساء»

كذا عن الكافي و رواه الشيخ عنه أيضا و لم يذكر فيه «قبل ان يزور» و من هنا حمله على أنه عليه السلام أراد ان الحاج متى حلق و

طاف طواف الحاج و سعى فقد حل له هذه الأشياء و إن لم يذكرهما في اللفظ، لعلمه بان المخاطب عالم بذلك، أو تعويلا على غيره من الأخبار، و هو مع بعده مناف لما سمعته عن النسخة الصحيحة عن الكافي، و لذا أجاب عنه في الدروس بأنه متروك، و كذا لا ينافيه

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «سئل ابن عباس هل كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتطيب قبل أن يزور البيت قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يضمد رأسه بالمسك قبل ان يزور البيت»

لان رسول الله صلى الله عليه و آله لم يكن متمتعا بل و كذا

خبر أبي أيوب الخزاز(2)«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ما ذبح و حلق ثم ضمد رأسه بمسك ثم زار البيت و عليه قميص و كان مقنعا»

حتى على ما عن بعض النسخ من انه كان متمتعا من التمتع لا التقنع بناء على ان ذلك كان زعما منه لا انه كذلك، و

خبر عبد الرحمن أو صحيحه (3)قال: «ولد لأبي الحسن (عليه السلام) مولود بمنى فأرسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران و كنا قد حلقنا قال عبد الرحمن فأكلت انا، و الكاهلي و مرازم أبيا أن يأكلا، و قالا لم نزر البيت فسمع أبو الحسن كلامنا، فقال لمصارف و كان هو الرسول الذي جاءنا به في أي شي ء كانوا يتكلمون؟ قال أكل عبد الرحمن و أبى الآخران


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.

ج 19، ص: 254

و قالا لم نزر البيت فقال: أصاب عبد الرحمن ثم قال: ما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه، و ابى عبد الله أخي ان يأكل منه، فلما جاء أبي حرشة علي فقال: يا أبت ان موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال أبي هو أفقه منك، أ ليس قد حلقتم رؤوسكم»

لاحتمال كونهم غير متمتعين كما سمعت التصريح بذلك في خبر محمد بن حمران و غيره، بل و لا خبر

إسحاق بن عمار(1)أيضا «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه ما يحل له؟ قال:

كل شي ء إلا النساء»

لكونه قابلا للتخصيص بما عرفت.

كل ذلك مع ان المحكي عن الشافعي و احمد و أبي حنيفة حل كل شي ء له إلا النساء، كما عن ابن الزبير و علقمة و سالم و طاوس و النخعي و أبي ثور، فيمكن أن تكون النصوص المزبورة خرجت مخرج التقية، فما في المدارك- من احتمال جواز الطيب له على كراهة، و حينئذ يكون تحللين- واضح الفساد، و إن حكي عن ظاهر ابن أبي عقيل العمل بما في هذه النصوص

من حل الطيب للمتمتع أيضا، لكنه مع كونه شاذا محجوج بما عرفت.

و على كل حال فما عن ابن بابويه و ولده من التحلل بالرمي إلا من الطيب و النساء لم نعرف له مأخذا إلا

خبر الحسين بن علوان (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد «و إذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شي ء حرم عليك إلا النساء»

و ما يحكى عن

الفقه المنسوب (3)الى الرضا (عليه السلام) «و اعلم انك إذا رميت جمرة العقبة حل لك كل شي ء إلا الطيب


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 11.
3- 3 المستدرك- الباب- 11- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 4.

ج 19، ص: 255

و النساء، و إذا طفت طواف الحج حل لك كل شي ء إلا النساء، فإذا طفت طواف النساء حل لك كل شي ء إلا الصيد، فإنه حرام على المحل في الحرم، و على المحرم في الحل و الحرم»

و هو- مع ان الثاني منهما غير ثابت عندنا، و لم يذكر في الأول الطيب و إمكان تقييدهما بغيرهما مما اعتبر فيه الذبح و الحلق- مخالف للمعروف بين العامة و الخاصة من كون التحلل الأول بعد الحلق كما عرفت و لما سمعته من النصوص أيضا.

و أما الصيد فقد ذكره المصنف هنا و في النافع بل هو معقد النسبة إلى علمائنا في محكي المنتهى لكن في القواعد على إشكال، و لعله من إطلاق الأخبار و الأصحاب انه يحل له كل شي ء إلا النساء و الطيب، و من الأصل و ظاهر قوله تعالى (1)«لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» الذي يكفي في تحققه حرمة الطيب و النساء و انه في الحرم، قيل و لذا ذكر علي بن بابويه و القاضي انه لا يحل بعد طواف النساء أيضا لكونه في الحرم، بل سمعت التصريح به في صحيح معاوية(2)السابق، و لعله لذا ضرب على الإشكال في بعض ما حكي من نسخ القواعد، و لكن فيه انه لا ينافي التحلل منه من جهة الإحرام، و تظهر الفائدة في أكل لحم الصيد كما عن الخلاف النص على حله، و في مضاعفة الكفارة، و إذا خرج الى الحل قبل الطواف، و المتيقن من الآية غير الفرض، بل لعله الظاهر، فالمتجه حينئذ العمل بالنصوص المزبورة و ان بقي الحرمة من حيث الحرم، لكن في الدروس عن العلامة عدم التحلل من الصيد إلا بطواف النساء مذهب علمائنا، و ان كنا لم نتحققه، إلا انه لا ينبغي ترك الاحتياط


1- 1 سورة المائدة- الآية 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.

ج 19، ص: 256

ثم ان الظاهر اعتبار فعل المناسك الثلاثة في منى في حصول هذا التحلل كما عن أبي علي و الشيخ التصريح به، بل و المصنف في النافع و الفاضل في المختلف بل يمكن أن يكون هو المراد ممن أطلق، بل و خبري عمر بن يزيد (1)

و جميل(2)السابقين حملا للحلق على الواقع على أصله، و يؤيده الأصل و الاحتياط، مضافا الى صحيح معاوية السابق (3)المستفاد من الجمع بينه و بين خبر الرمي (4)بعد تقييد إطلاق كل بالآخر اعتبار الثلاثة أيضا، نعم لا يعتبر ترتيبها لما عرفت من الاجزاء و ان اثم، و عن المقنع و التحرير و التذكرة و المنتهى انه بعد الرمي و الحلق و في كشف اللثام «و لعل المراد ما سبقه، و لم يذكرا الذبح لاحتمال الصوم بدله و اكتفاء بالأول و الآخر» قلت: و ان كان محجوجا بما عرفت.

هذا كله في المتمتع، أما غيره فيحل له بالحلق أو التقصير الطيب أيضا كما في القواعد و محكي الأحمدي و التهذيب و الاستبصار و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع، لما سمعته من خبر محمد بن حمران (5)و من المحكي عن ابن عباس في صحيح معاوية(6)عن الصادق (عليه السلام) و خبر جميل (7)المروي عن نوادر البزنطي، بل هو مقتضى الجمع بين

صحيح منصور(8)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل رمى و حلق أ يأكل شيئا فيه صفرة؟ قال:

لا حتى يطوف بالبيت و بين الصفا و المروة، ثم قد حل كل شي ء إلا النساء»

و بين


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 4.
8- 8 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 2.

ج 19، ص: 257

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)السابق المشتمل على قضية الخبيص، و لا يخفى عليك ان مقتضى هذه الأدلة عدم الفرق بين تقديمه الطواف و السعي و عدمه، فما في الدروس من اشتراط حل الطيب له بذلك في غير محله، و إن ذكر بعض الناس له وجها غير وجيه، بل كالاجتهاد في مقابلة النصوص، كما أن إطلاق المصنف هنا و النافع و محكي الخلاف بقاء حرمة النساء و الطيب كذلك أيضا بعد ما سمعت من الأدلة، بل عن الجعفي التصريح بالتسوية بين المتمتع و غيره في ذلك، و لا ريب في ضعفه، و الله العالم.

[التحلل الثاني للمتمتع إذا طاف طواف الزيارة للحج حل له الطيب ]

التحلل الثاني للمتمتع إذا طاف طواف الزيارة للحج حل له الطيب كما في النافع و القواعد و غيرها و محكي الانتصار و الاستبصار و النهاية و المبسوط و المصباح و مختصره و الوسيلة و السرائر، بل لا أجد فيه خلافا، لصحيح معاوية(2)السابق و

منصور بن حازم (3)«إذا كنت متمتعا فلا تقربن شيئا فيه صفرة حتى تطوف البيت»

و فيما كتبه عليه السلام الى المفضل بن عمر(4)فيما رواه سعد بن عبد الله في المحكي من بصائر الدرجات عن القاسم بن الربيع و محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و محمد بن سنان جميعا عن مياح المدائني «فإذا أردت المتعة في الحج- الى ان قال-: ثم أحرمت بين الركن و المقام للحج فلا تزال محرما حتى تقف بالمواقف ثم ترمي و تذبح و تغتسل ثم تزور البيت، فإذا أنت فعلت ذلك فقد أحللت» بل في كشف اللثام انه لا يتوقف على صلاة الطواف لإطلاق النص و الفتوى،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 29.

ج 19، ص: 258

و إن كان لا يخلو من نظر، لانسياق اندراج صلاته فيه، خصوصا بعد أن كان المشهور كما اعترف به هو فيه توقف حل الطيب على السعي كما عن الخلاف و المختلف، بل هو الأقوى، للأصل و ما سمعته في صحيحي معاوية و منصور السابقين و صحيح معاوية(1)الآتي، و بها يقيد إطلاق الخبرين المزبورين إن لم نقل بتناول زيارة البيت فيهما له، نعم إن قدم القارن و المفرد الطواف و السعي على الوقوف أو مناسك منى و المتمتع للضرورة فالظاهر عدم التحلل إلا بالحلق، للأصل و خبر المفضل، و انصراف الخبر الأول و الفتاوى إلى المؤخر، مضافا الى إمكان كون المحلل هو المركب من الطواف و السعي و ما قبلهما من الأفعال بمعنى كون السعي جزء العلة، فما عن بعض من التحلل لا

يخفى عليك ما فيه و ان استوجهه في المسالك، لكن قد سمعت فيما تقدم انه مع تقديم الطواف و السعي لا بد من تجديد التلبية لئلا يحصل التحلل و يصير الحج عمرة، و حينئذ فلا وجه لدعوى التحلل بما وقع من الطواف و السعي مع فرض تجديد التلبية لتجدد الإحرام، كما انه لا وجه لبقاء حكم الإحرام مع فرض عدم تجديد التلبية و صيرورته حلالا و انقلاب حجه عمرة، و بذلك يظهر لك إشكال في أصل تصور المسألة، فتأمل جيدا.

[التحلل الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء]

التحلل الثالث إذا طاف طواف النساء حل له النساء بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى ما سمعته من النصوص (2)فما عن الحسن من عدم وجوبه لذلك واضح الفساد، نعم في كشف اللثام صلى له أم لا، لإطلاق النصوص و الفتاوى إلا فتوى الهداية و الاقتصاد، و إن كان فيه ما عرفت، مضافا الى

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(3): «ثم اخرج


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1.

ج 19، ص: 259

الى الصفا فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، ثم قد أحللت من كل شي ء، و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه»

و احتمال كون ذلك لتوقف الفراغ عليها لا حل النساء لا داعي له، ثم الكلام فيما إذا قدمه على الوقوف أو مناسك منى ما تقدم.

و الظاهر اعتبار هذا الطواف في حج النساء بالنسبة إلى حل الرجال لهن كما عن علي بن بابويه التصريح به في الرسالة، مضافا الى تصريح غير واحد به من المتأخرين و متأخريهم، للأصل و إطلاق قوله (1)«فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» و الرفث هو الجماع بالنص الصحيح (2)كما عرفته سابقا، و الإجماع و الاخبار على حرمة الرجال عليها بالإحرام، و قاعدة الاشتراك إلا فيما استثني، و للصحيح (3)«المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت ثم سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها ثم طافت طوافا للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها، فإذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها»

و نحوه خبر آخر(4)إلا


1- 1 سورة البقرة- الآية 193.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث- 2.

ج 19، ص: 260

انه ليس فيه «فإذا طافت طوافا آخر»

الى آخره، و

صحيح الحسين بن علي بن يقطين (1)سألت أبا الحسن عليه السلام «عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم»

و خبر إسحاق بن عمار(2)عن الصادق عليه السلام «لو لا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم، و لا ينبغي ان يمسوا نساءهم يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا و المروة، و ذلك على النساء و الرجال واجب»

إن كان آخر الكلام من كلامه عليه السلام، بل هو المحكي عن الفقه المنسوب (3)الى الرضا عليه السلام، فما في القواعد و محكي المختلف- من التوقف فيه لعدم الدليل، بل استوجهه في المسالك نظرا الى أن الأخبار الدالة على حل جميع ما عدا الطيب و النساء بالحلق و ما عدا النساء بالطواف متناول للمرأة، و من جملة ذلك حل الرجال- واضح الفساد بعد ما عرفت، كوضوح منع التناول المزبور.

و كيف كان فقد ظهر لك مما حررناه أن الحاج لو طاف الطوافين و سعى قبل الوقوفين في موضع الجواز فتحلله واحد عقيب الحلق بمنى، و لو قدم طواف الحج و السعي خاصة كان له تحللان، أحدهما عقيب الحلق مما عدا النساء، و الآخر بعد طواف النساء لهن، و لو قلنا انه يتحلل من الطيب بطواف الحج و من النساء بطوافهن و إن تقدم علي الوقوفين كانت المحللات ثلاثة مطلقا، هذا.

و قد صرح بعضهم بحرمة النساء على المميز بعد بلوغه لو تركه، لكون الإحرام سببا لحرمتهن، و الأحكام الوضعية لا تخص المكلف، حتى ان الشهيد حكم بمنعه من الاستمتاع قبل البلوغ، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع على وجوبه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 261

على الصبيان، و في كشف اللثام بمعنى ان على الولي أمر المميز به، و الطواف بغير المميز، فان لم يفعلوه حر من عليهم إذا بلغوا حتى يفعلوه أو يستنيبوا فيه استصحابا إلا على عدم توقف حلهن عليه، و لكن في موضع من القواعد الإشكال في ذلك، و لعله لتمرينية عبادة الصبي كما هو المختار، اللهم إلا أن يدعى خروج الحج منها كما هو الظاهر.

و على كل حال لا إشكال في الحل إذا لم يتركه، إذ كما أن إحرامه يصلح سببا للحرمة الشرعية أو مطلقا فكذا طوافه يصلح سببا للحل، و ما عن بعض- من انه كطهارته من الحدث في أنه إن لم تكن شرعية لم يرفع الحدث- و هم لأن الحدث لا ينقسم إلى شرعي و غيره ليتفاوت بحسبهما في النية و عدمها.

و أما غير المميز فلا إشكال في عدم شرعية إحرامه و لو تمرينا مع فرض وقوعه منه، فلا تحرم النساء عليه إذا لم يطف به الولي، نعم قطع الشهيد بكونه كالمميز إن أحرم به الولي، و احتمله في كشف اللثام هنا قويا، و قد سمعت ما أسلفناه منه في غير المقام في تفسير إجماعي المنتهى و التذكرة، فإن تم كان هو الحجة، مضافا الى دعوى ظهور النصوص فيه.

و يجب على الخناثى لأنهم إما رجال أو نساء، و على الخصيان إجماعا محكيا عن المنتهى و التذكرة، مضافا الى الأصل و ما سمعته من صحيح ابن يقطين (1)على انهم من شأنهم الاستمتاع بالنساء مع حرمته عليهم بالإحرام، فيستصحب مع عدم تعليل وجوبه به.

و لذا يجب قضاؤه عن الميت، قال الشهيد: و ليس طواف النساء مخصوصا بمن يشتهي النساء إجماعا، فيجب على الخصي و المرأة و الهم و على من لا إربة له


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 262

فيهن، و المراد بالخصي ما يعم المحبوب بل المقصود من عبارات الأصحاب و السؤال في الخبر(1)هو الذي لا يتمكن من الوطء.

و تحرم النساء بالإحرام على العبد المأذون فيه و إن لم يكن متزوجا، و لا يدفعه حرمتهن عليه قبله بدون الاذن، لجواز توارد الأسباب الشرعية، و يتفرع على ذلك أن المولى إذا أذن له في التزويج و هو يعلم أن عليه طواف النساء فقد أذن له المضي إلى قضائه، و كذا قيل إذا كان متزوجا و قد أذن في إحرامه، فإنه أذن له في الرجوع لطواف النساء إذا تركه، و فيه منع، إذ يمكن أن لا يريد تحليل النساء له، و على كل حال فليس للمولى تحليله مما أحرم منه، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة، هذا.

و في القواعد و شرحها للاصبهاني و إنما يحرم بتركه الوطء و ما في حكمه من التقبيل و النظر و اللمس بشهوة دون العقد، و إن كان حرم بالإحرام، لإطلاق الأخبار و الفتاوى باحلاله بما قبله من كل ما أحرم منه إلا النساء، و المفهوم منه الاستمتاع بهن لا العقد عليهن، و فيه نظر أو منع، و لعله لذا قطع الشهيد بحرمته أيضا للأصل، بل في كشف اللثام احتماله قويا أيضا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في انه يكره لبس المخيط للمتمتع حتى يفرغ من طواف الزيارة ل

خبر إدريس القمي (2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام إن مولى لنا تمتع و لما حلق لبس الثياب قبل أن يزور البيت فقال: بئسما صنع، فقلت أ عليه شي ء؟ قال: لا، قلت فإني رأيت ابن أبي سماك يسعى بين الصفا و المروة و عليه خفان و قباء و منطقة، فقال بئسما صنع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.

ج 19، ص: 263

قلت أ عليه شي ء؟ قال: لا»

المحمول عليها جمعا بينها و بين ما سمعت من النص و الفتوى من الإحلال بالحلق من كل شي ء عدا النساء و الطيب، بل ظاهر الخبر المزبور ذلك حتى يتم السعي.

كما ان مقتضى

صحيح ابن مسلم (1)و غيره كراهية تغطية الرأس كذلك قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل تمتع بالعمرة فوقف بعرفة و وقف بالمشعر و رمى الجمرة و ذبح و حلق أ يغطي رأسه؟ فقال: لا حتى يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فقيل له فان كان فعل فقال: ما أرى عليه شيئا»

و في

صحيح منصور بن حازم (2)عن ابى عبد الله عليه السلام «في رجل كان متمتعا فوقف بعرفات و بالمشعر و ذبح و حلق فقال: لا يغطي رأسه حتى

يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فان أبي عليه السلام كان يكره و ينهى عنه، فقلنا: فان كان فعل قال:

ما أرى عليه شيئا».

نعم ظاهر هذه النصوص اختصاص ذلك بالمتمتع، بل في

خبر سعيد الأعرج (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل رمى الجمار و ذبح و حلق رأسه إبليس قميصا و قلنسوة قبل أن يزور البيت؟ قال: ان كان متمتعا فلا، و ان كان مفردا للحج فنعم»

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق (4)المروي عن قرب الاسناد «قلت لأبي عبد الله عليه السلام ألبس قلنسوة إذا ذبحت و حلقت قال: أما المتمتع فلا، و اما من أفرد الحج فنعم»

إلا أن المصنف و غيره أطلق، و لعله يحمل ذلك على خفتها بالنسبة اليه، إلا انه متوقف على مقتضى الكراهة على الإطلاق و لم يحضرني، فيتجه حينئذ نفيها فيه، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير الحديث- 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير الحديث- 6.

ج 19، ص: 264

و كذا يكره الطيب لمن طاف طواف الزيارة حتى يفرغ من طواف النساء ل

صحيحة محمد بن إسماعيل (1)«كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السلام هل يجوز للمحرم

المتمتع ان يمس الطيب قبل أن يطوف طواف النساء؟ قال: لا»

المحمول عليها جمعا، و الله العالم.

[المسألة الثانية حرمة تأخير زيارة البيت عن اليوم الثاني ]

المسألة الثانية إذا قضى الحاج مناسكه يوم النحر فالأفضل المضي إلى مكة للطواف و السعي ليومه لاستحباب المسارعة و الاستباق الى الخيرات و ل

موثق إسحاق (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى اليوم الثالث قال: تعجيلها أحب الي، و ليس به بأس ان أخرته»

و خبر عبد الله بن سنان (3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس أن يؤخر زيارة البيت الى يوم النفر، إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث و المعاريض»

و صحيح معاوية بن عمار(4)عنه عليه السلام أيضا «في زيارة البيت يوم النحر، قال: ذره، فان اشتغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد، و لا تؤخر أن تزور من يومك، فإنه يكره للمتمتع أن يؤخره، و موسع للمفرد أن يؤخره».

و منه يعلم الوجه في قول المصنف و غيره فإن أخره فمن غده، و يتأكد ذلك في حق المتمتع مضافا الى

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (5)«ينبغي للمتمتع ان يزور البيت يوم النحر أو من ليلته، و لا يؤخر ذلك»

و صحيح معاوية بن عمار(6)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن المتمتع


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث- 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث- 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث- 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث 8.

ج 19، ص: 265

متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد، و لا يؤخر، و المفرد و القارن ليسا بسواء، موسع عليهما»

و صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن المتمتع متى يزور البيت: قال: يوم النحر»

و صحيح منصور بن حازم (2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت»

بل عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و الجامع لا يؤخر عنه إلا لعذر، و إن كان يحتمل أن يريدوا التأكيد.

نعم في المتن و النافع و القواعد فإن أخر أثم كالمحكي عن المفيد و المرتضى من عدم جواز تأخير المتمتع ذلك عن اليوم الثاني، بل عن التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا، و لعله لما سمعته من النهي في

النصوص السابقة، و لكن الأقوى حمله على الكراهة لا الحرمة، وفاقا للمحكي عن السرائر و المختلف و غيرهما، بل في المدارك نسبته إلى سائر المتأخرين، بل هو خيرة المصنف سابقا، للأصل و قوله تعالى (3)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» و ذو الحجة منها، فيجوز إيجاد أفعال الحج فيه إلا ما خرج بالدليل، و لما تقدم من إطلاق نفي البأس عن تأخيره إلى يوم النفر في صحيح ابن سنان (4)السابق و غيره و التعبير بقول «ينبغي» و نحوه مما هو مستعمل في لسان الكراهة و الندب، مضافا الى

صحيح الحلبي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق و لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث- 6.
3- 3 سورة البقرة- الآية 193.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث- 2.

ج 19، ص: 266

لا يقرب النساء و الطيب»

و صحيح هشام بن سالم عنه (1)(عليه السلام) أيضا «لا بأس ان أخرت زيارة البيت الى ان تذهب أيام التشريق، إلا انك لا تقرب النساء و لا الطيب»

و ظاهرهما بقرينة النهي عن الطيب المتمتع، و

صحيح الحلبي (2)المروي في المحكي من مستطرفات السرائر عن نوادر البزنطي، سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل أخر الزيارة إلى يوم النفر قال: لا بأس»

و دعوى الجمع بينهما بالحمل على القارن و المفرد دون المتمتع مع انها لا تتم فيما كان ظاهره التمتع ليس بأولى من حمل النهي على الكراهة، بل هذا أولى من وجوه، خصوصا بعد ما سمعت التصريح بها في صحيح معاوية(3)السابق و على كل حال يجزيه طوافه و سعيه على القولين إذا أوقعه في ذي الحجة كما صرح به غير واحد، لظهور بعض ما سمعته من الأدلة في ذلك، لكن عن الغنية و الكافي أن وقته يوم النحر الى آخر أيام التشريق، و لعله لصحيح ابن سنان السابق، و عن الوسيلة لم يؤخر إلى غد لغير عذر و الى بعد غد لعذر، و هو يعطي عدم الاجزاء إن أخر عن ثاني النحر، و لا ريب في ضعفه لما عرفت.

و كيف كان ف يجوز للقارن و المفرد تأخير ذلك اختيارا طول ذي الحجة كما في النافع و القواعد و غيرهما، و محكي النهاية و المبسوط و الخلاف و بمعناه ما عن الاقتصاد و المصباح و مختصره و التهذيب من التأخير عن أيام التشريق للأصل، و كون ذي الحجة من أشهر الحج، و ما سمعته من إطلاق جواز التأخير من مفهوم صحيح الحلبي و صحيح معاوية المشتمل على كراهة التأخير للمتمتع، و التوسعة للمفرد، بل و صحيحه الآخر(4)المذكور فيه نفي التسوية


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت الحديث 8.

ج 19، ص: 267

بين المفرد و القارن بعنوان الاعتراض أو ان المراد ليسا سواء مع المتمتع، و على كل حال فهو ظاهر في انه موسع عليهما التأخير عن الغد كالمحكي عن المقنعة و الفقيه و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و الوسيلة و المراسم و الجامع، لكن عن صريح الكافي و ظاهر الغنية و الإصباح أن وقته لهما أيضا الى آخر أيام التشريق، و فيه ما عرفت، نعم الظاهر جواز ذلك لهما على كراهة كما صرح به الفاضل، قال: لما سمعته من قول الصادق (عليه السلام) من تعليل استحباب التقديم بخوف الحوادث و المعاريض، و في كشف اللثام «و هو يعطي ان المراد أفضلية التقديم كما في التحرير و التلخيص، و هو الوجه؟ و فيه أنه يكفي في الكراهة التي يتسامح فيها إطلاق النهي عن التأخير في بعض النصوص السابقة، و الله العالم.

[المسألة الثالثة الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي ]

المسألة الثالثة الأفضل لمن مضى إلى مكة للطواف و السعي الغسل قبل دخول مكة و قبل دخول المسجد و تقليم الأظفار و أخذ الشارب ل

قوله (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد(1): «ثم احلق رأسك و اغتسل و قلم أظفارك و خذ من شاربك و زر البيت فطف به أسبوعا»

و لو اغتسل لذلك بمنى جاز للإطلاق، بل لعله أولى ل

قول الصادق (عليه السلام) للحسن بن أبي العلاء(2)إذ سأله عن ذلك: «أنا اغتسل بمنى ثم أزور البيت».

و الدعاء إذا وقف على باب المسجد بما في

صحيح معاوية(3)عن الصادق (عليه السلام) «اللهم أعني على نسكي، و سلمني له و سلمه لي، أسألك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زيارة البيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1 عن الحسين ابن أبي العلاء.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1.

ج 19، ص: 268

مسألة التعليل الذليل المعترف بذنبه أن تغفر لي ذنوبي، و أن ترجعني بحاجتي، اللهم اني عبدك و البلد بلدك و البيت بيتك جئت أطلب رحمتك، و أؤم طاعتك تبعا لأمرك، راضيا بقدرك، أسألك مسألة الفقير المضطر إليك المطيع لأمرك المشفق من عذابك الخائف لعقوبتك أن تبلغني عفوك، و تجيرني من النار برحمتك، ثم تأتي الحجر الأسود فتستلمه و تقبله، فان لم تستطع فاستقبله و كبر و قل كما قلت حين طفت بالبيت يوم قدمت مكة، ثم طفت بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة، ثم صل عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ركعتين تقرأ فيهما بقل هو الله احد و

قل يا أيها الكافرون، ثم ارجع الى الحجر الأسود فقبله إن استطعت، و إلا استقبله و كبر ثم اخرج الى الصفا و اصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت مكة، ثم ائت المروة و اصعد عليها و طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا، و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد حللت من كل شي ء أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ثم قد أحللت من كل شي ء و فرغت من حجك كله و كل شي ء أحرمت منه»

و الحمد لله رب العالمين.

ج 19، ص: 269

بسم الله الرحمن الرحيم يا معين أعني

[القول في الطواف ]
اشاره

القول في الطواف و فيه ثلاثة مقاصد

[المقصد الأول في المقدمات ]
اشاره

الأول في المقدمات، و هي واجبة و مندوبة،

[في مقدمات الواجب في الطواف ]
اشاره

فالواجبات

[منها الطهارة]

الطهارة من الحدث الأصغر و الأكبر في الطواف الواجب بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف بالبيت، و الوضوء أفضل»

و صحيح علي (2)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب فذكر و هو في الطواف قال: يقطع طوافه لا يعتد بشي ء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء فقال: يقطع طوافه و لا يعتد به»

و صحيح ابن مسلم (3)«سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهر قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 270

تطوعا توضأ و صلى ركعتين»

نعم ظاهر الأخير عدم وجوبها في المندوب كما هو أحد القولين في المسألة، بل أظهرهما لذلك و للأصل، و صحيح حريز(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طاف تطوعا و صلى ركعتين و هو على غير وضوء قال يعيد الركعتين و لا يعيد الطواف»

و خبر عبيد بن زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس ان يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ و يصلي، و إن طاف متعمدا على غير وضوء فليتوضأ و ليصل، و من طاف تطوعا و صلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين و لا يعيد الطواف»

فما عن أبي الصلاح- من وجوبها فيه أيضا لإطلاق بعض النصوص المقيد بما عرفت- في غير محله.

بل الظاهر عدم اشتراطه بالطهارة من الأكبر الذي يحرم مطلقا الكون في المسجد معه فضلا عن اللبث، لكن لو طاف ناسيا مثلا صح طوافه للأصل بعد امتناع تكليف الغافل، و لعله المراد من محكي التهذيب «من طاف على غير وضوء أو طاف جنبا فان كان طوافه طواف الفريضة فليعده، و إن كان طواف السنة توضأ أو اغتسل فصلى ركعتين و ليس عليه إعادة الطواف» نعم لا ريب في استحباب الطهارة له لما سمعته من صحيح معاوية و

للنبوي (3)العامي الذي يكفي مثله في الفرض «الطواف بالبيت صلاة»

كما ان الظاهر إرادة الطواف المندوب لنفسه دون ما كان جزء عمرة مندوبة أو حج كذلك فإنه من الواجب.

و على كل حال فقد عرفت في كتاب الطهارة ان كلما تبيحه الطهارة المائية تبيحه الطهارة الترابية، لكن عن فخر المحققين عن والده انه لا يرى إجزاء التيمم فيه بدلا عن الغسل، بل في المدارك أنه ذهب فخر المحققين الى عدم إباحة


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 87 و كنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206.

ج 19، ص: 271

التيمم للجنب الدخول في المسجدين و لا اللبث فيما عداهما من المساجد، و مقتضاه عدم استباحة الطواف به، قلت: هو كذلك لكن لا صراحة فيه ببطلان الطواف به مع النسيان و نحوه مما لا نهي معه من حيث الكون.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه لما تقدم سابقا في محله من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات على إباحة الترابية ما تبيحه المائية من غير فرق بين الحدث الأكبر و الأصغر الذي حكي الإجماع على اجزائه فيه كأجزاء طهارة المستحاضة فيه أيضا بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل يونس (1): «المستحاضة تطوف بالبيت و تصلي و لا تدخل الكعبة»

و غيره من النصوص التي ذكرناها في محلها»(2).

نعم في كشف اللثام تقدم أن المبطون يطاف عنه و الأصحاب قاطعون به، و لعل الفارق النص (3)و إلا كان المتجه الجواز فيه كالمستحاضة و المسلوس و غيرهما من ذوي الطهارة الاضطرارية، هذا، و في اللمعة اعتبار رفع الحدث فيه، و استظهر منها في الروضة عدم إجزاء الطهارة الاضطرارية، و لكن

يمكن منعه عليه بأن يريد من رفع الحدث ما يشمل ذلك و لو حكما، و الله العالم.

[منها إزالة النجاسة عن الثوب و البدن ]

و إزالة النجاسة عن الثوب و البدن و لو ندبا كما عن الأكثر، بل عن الغنية الإجماع عليه،

للنبوي «الطواف بالبيت صلاة»

و خبر يونس بن يعقوب (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف


1- 1 الوسائل- الباب- 91- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 المتقدم في ج 3 ص 351 الى ص 363.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف.
4- 4 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 272

قال: ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه»

بل لا إشكال في الاشتراط بناء على تحريم إدخال النجاسة و إن لم تسر، و استلزام الأمر بالشي ء النهي عن ضده، إلا ان لا يعلم بالنجاسة عند الطواف و ان كان لنسيانه لها فيصح حينئذ بناء على ان مدرك الاشتراط ذلك لا الأول الذي مقتضاه مساواة حكمه للصلاة، لكن عن ابن الجنيد كراهته في ثوب اصابه دم لا يعفى عنه في الصلاة، و عن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه و مال إليه في المدارك للأصل، و ضعف الخبرين المزبورين، و

منع حرمة إدخال النجاسة غير المتعدية و الهاتكة حرمة المسجد، و ل

مرسل البزنطي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله و طاف في ثوبه فقال: أجزء الطواف فيه ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر».

و لكن الأقوى الأول للخبرين السابقين الذين عمل بهما من لا يعمل إلا بالقطعيات المنجبرين بما عرفت الذين ينقطع بهما الأصل المزبور و يقصر عن معارضتهما المرسل المذكور، بل عن التذكرة و المنتهى و التحرير و ظاهر غيرها عدم العفو عما يعفى عنه في الصلاة، لعموم خبر يونس الذي لا يخص بالنبوي المزبور بعد عدم انجباره بالنسبة الى ذلك، و عدم انصراف مثله في وجه التشبيه، هذا، و في الدروس و يجب قبله اي الطواف أربعة أشياء: إزالة النجاسة عن الثياب و البدن، و في العفو عما يعفى عنه في الصلاة نظر، و قطع ابن إدريس و الفاضل بعدمه، و التوقف فيه لا وجه له، و هي كما ترى لا تخلو من تدافع، و ظني أنها غلط من النساخ، لان هذه اللفظة موجودة بعد ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 273

بيسير في مسألة الستر، و قد وجدت عبارة الدروس منقولة خالية عن ذلك، و الظاهر أنها هي الصحيحة، و على كل حال فالتحقيق عدم العفو في الأقل من الدرهم من الدم و فيما لا تتم الصلاة به، و لذا صرح الفاضل ببطلانه في

الخاتم النجس أما دم القروح و الجروح فالظاهر العفو للحرج و غيره، و الله العالم.

و لو ذكر في الواجب عدم الطهارة من الحدث استأنف معها، و لا استئناف في المندوب إلا لصلاته بناء على ما عرفت بلا خلاف في شي ء من ذلك و لا إشكال و إن شك في الطهارة في أثناء الطواف و كان محدثا قبله استأنفه مع الطهارة، لقاعدة اقتضاء الشك في الشرط الشك في المشروط، بل هو محدث شرعا، و الصحة في الصلاة لو قلنا بها لدليل خاص، و إلا فأصالة الصحة في بعض العمل لا تقتضي الحكم بوجودها في البعض الباقي منه، و الفرض توقف صحة بعضه على الآخر نعم لو شك بعد الفراغ لم يلتفت إليه كالصلاة و غيرها من دون فرق بين أجزائها و شرائطها، نعم قد يقال في مثل الطواف بالطهارة لما بقي من أشواطه و البناء على الأول المحكوم بصحته لأصلها، إذ هو باعتبار جواز ذلك فيه يكون كالعصر و الظهر اللذين لا يلتفت الى الشك في أثنائهما بعد تمام الأولى لأصالة الصحة و إن وجب الوضوء للعصر، و لكن لم أجد من احتمله في المقام، بل في محكي التحرير و المنتهى و التذكرة التصريح بما ذكرناه أولا، نعم في كشف اللثام «الوجه انه إن شك في الطهارة بعد يقين الحدث فهو محدث يبطل طوافه شك قبله أو بعده أو فيه، و إن شك في نقضها بعد يقينها فهو متطهر يصح طوافه مطلقا، و إن تيقن الحدث و الطهارة و شك في المتأخر ففيه ما مر في كتاب الطهارة، و لا يفترق الحال في شي ء من الفروض بين الكون في الأثناء و بعده، و ليس ذلك من الشك في شي ء من الأفعال» و فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت، و الله العالم

ج 19، ص: 274

[منها أن يكون الرجل مختونا]

و كذا يشترط في صحته واجبا كان أو مندوبا أن يكون الرجل مختونا بلا خلاف أجده فيه، بل عن الحلبي أن إجماع آل محمد صلوات الله عليهم عليه مضافا الى

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)«الأغلف لا يطوف بالبيت، و لا بأس أن تطوف المرأة»

و في صحيح حريز(2)و إبراهيم بن عمر(3)«لا بأس أن تطوف المرأة غير مخفوضة، و اما الرجل فلا يطوفن إلا و هو مختون»

و خبر إبراهيم بن ميمون (4)عنه عليه السلام أيضا «في رجل أسلم فيريد أن يختتن و قد حضر الحج أ يحج أو يختتن قال: لا يحج حتى يختتن»

و غير ذلك، فما في المدارك من أنه نقل عن ابن إدريس التوقف في ذلك واضح الضعف، مع أنا لم نتحققه، كما أن عدم ذكر كثير له على ما في كشف اللثام ليس خلافا محققا.

و على كل حال ف لا يعتبر في المرأة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه، للأصل و ما سمعته من النصوص.

أما الخنثى المشكل فالمتجه بناء على الأعمية عدم الوجوب للأصل، و الوجوب على القول بأنها

اسم للصحيح، تحصيلا ليقين الخروج عن العهدة إلا على القول بجريان الأصل فيها على هذا التقدير أيضا.

بل قد يظهر من المصنف و غيره عدم اعتباره في الصبي، قيل للأصل بعد عدم توجه النهي اليه، و حينئذ فإن أحرم و طاف أغلف لم تحرم النساء عليه بعد البلوغ، و لكن قد يقال إن النهي و إن لم يتوجه اليه إلا أن الحكم الوضعي المستفاد منه ثابت عليه، خصوصا بعد صحيح معاوية السابق، هذا.


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.

ج 19، ص: 275

و في القواعد و غيرها اعتبار التمكن، و حينئذ فلو تعذر و لو لضيق الوقت سقط، و لعله لاشتراط التكليف بالتمكن كمن لم يتمكن من الطهارة، مع عموم أدلة وجوب الحج و العمرة، و في كشف اللثام المناقشة بأنه يجوز أن يكون كالمبطون في وجوب الاستنابة، قلت لعل المتجه فيه سقوط الحج عنه في ذلك العام لفوات المشروط بفوات شرطه، بل لعل خبر إبراهيم بن ميمون لا يخلو من إشعار بذلك، و إن كان هو غير نص في أنه غير متمكن من الختان لضيق الوقت، و أن عليه تأخير الحج عن عامه لذلك، فان الوقت إنما يضيق غالبا عن الاختتان مع الاندمال، فأوجب عليه السلام أن يختتن ثم يحج و إن لم يندمل نعم قد يقال إن شرطيته مستفادة من النهي المشروط بالتمكن، فيدور حينئذ مداره، و فيه- مع إمكان منع تقييد الحكم الوضعي المستفاد من الأمر و النهي بالتكليفي كما في غيره من الشرائط، و لذا قلنا بالاشتراط في الصبي- انه لا يقتضي السقوط بضيق الوقت، ضرورة حصول التمكن و لو في غير العام، فتأمل جيدا.

ثم إن الفاضل في القواعد و المحكي من جملة من كتبه أوجب فيه ستر العورة كما عن الخلاف و الغنية و الإصباح، و لعله لأنه صلاة، و ل

قوله صلى الله عليه و آله:

«لا يحج بعد العام مشرك و لا عريان»

لكن في المختلف و للمانع أن يمنعه، و الرواية غير مسندة من طرقنا فلا حجة فيها، و فيه على ما في كشف اللثام أن الخبر الثاني يقرب من التواتر من طريقنا و طريق العامة،

روى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبيه عن محمد بن الفضل (1)عن الرضا عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام: «ان رسول الله أمرني عن الله تعالى أن لا يطوف بالبيت عريان و لا يقرب المسجد الحرام مشرك


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 276

بعد هذا العام» و روى فرأت في تفسيره معنعنا عن ابن عباس في قوله تعالى (1)«وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ

الْأَكْبَرِ» «المؤذن عن الله و رسوله صلى الله عليه و آله علي بن أبي طالب عليه السلام، أذن بأربع كلمات أن لا يدخل المسجد إلا مؤمن، و لا يطوف بالبيت عريان، و من كان بينه و بين النبي صلى الله عليه و آله أجل فأجله الى مدته، و لكن أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر»

و روى الصدوق في العلل عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن احمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن خلف بن حماد عن أبي الحسن العبدي عن سلمة بن مهران عن الحكم بن مقيم عن ابن عباس (2)«ان رسول الله صلى الله عليه و آله بعث عليا عليه السلام ينادي لا يحج بعد هذا العام مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان»

و روى العياشي في تفسيره بسنده عن حريز(3)عن الصادق عليه السلام «ان عليا عليه السلام قال: لا يطوف بالبيت عريان و لا عريانة و لا مشرك»

و بسنده عن محمد بن مسلم (4)عنه عليه السلام «ان عليا عليه السلام قال: و لا يطوفن بالبيت عريان»

و بسنده عن أبي بصير(5)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «خطب علي عليه السلام الناس و اخترط سيفه و قال: لا يطوفن بالبيت عريان»

الخبر، و بسنده عن حكم بن الحسين (6)عن علي بن الحسين عليهما السلام


1- 1 سورة التوبة- الآية 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الطواف الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الطواف الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الطواف الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الطواف الحديث 5.
6- 6 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 53- من أبواب الطواف- الحديث 6 و تمامه في تفسير العياشي ج 2 ص 76 ذيل سورة التوبة الحديث 12 عن حكيم ابن الحسين.

ج 19، ص: 277

«ان لعلي عليه السلام أسماء في القران ما يعرفها الناس، قال: و أذان من الله و رسوله- الى أن قال-: فكان مما نادى به ألا لا يطوف بعد هذا العام عريان، و لا يقرب المسجد الحرام بعد هذا العام مشرك»

و روى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بسنده عن عامر الشعبي عن علي عليه السلام لما لقيه (بعثه خ ل) رسول الله صلى الله عليه و آله حين أذن في الناس بالحج الأكبر قال: «ألا لا يحج بعد هذا العام مشرك، ألا و لا يطوف بالبيت عريان»

الخبر الى غير ذلك مما يطلعك عليه الاستقراء، قلت: و في البحار

روى الشعبي عن محرز عن أبيه أبي هريرة(1)قال: «كنت انادي مع علي عليه السلام حين أذن المشركين و كان صحل صوته مما ينادي، قال: قلت: ما أبه أي شي ء كنتم تقولون؟ قال: كنا نقول:

لا يحج بعد عامنا هذا مشرك، و لا يطوفن بالبيت عريان، و لا يدخل البيت إلا مؤمن، و

من كان بينه و بين رسول الله مدة فإن أجله إلى أربعة أشهر، فإن انقضت أربعة أشهر فإن الله بري ء من المشركين و رسوله»

و فيه أيضا ذكر أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن زيد بن مقنع (2)قال: «سألنا عليا عليه السلام بأي شي ء بعثت في ذي الحجة؟ قال: بعثت بأربعة لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة و لا يطوف بالبيت عريان، و لا يجتمع مؤمن و كافر في المسجد الحرام بعد عامه هذا، و من كان بينه و بين رسول الله صلى الله عليه و آله عهد فعهدة الى مدته، و من لم يكن له فأجله إلى أربعة أشهر»

و فيه أيضا(3)«و روي انه عليه السلام قام عند جمرة العقبة


1- 1 ذكره في البحار ج 21 ص 266 الطبع الحديث عن مجمع البيان و رواه أحمد أيضا في مسنده ج 15 ص 133 الرقم 7964.
2- 2 ذكره في البحار ج 21 ص 267 الطبع الحديث عن مجمع البيان.
3- 3 ذكره في البحار ج 21 ص 267 عن مجمع البيان.

ج 19، ص: 278

و قال: أيها الناس اني رسول الله إليكم بأن لا يدخل البيت كافر، و لا يحج البيت مشرك، و لا يطوف بالبيت عريان، و من كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه و آله فله عهد الى أربعة أشهر، و من لا عهد له فله مدة بقية الأشهر الحرم، و قرأ عليهم سورة براءة»

الى غير ذلك، و لكن قد يمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل و المرأة على حسب اعتباره في الصلاة، ضرورة أعمية النهي عن العراء منه كما هو واضح، و لعله لذلك تركه

المصنف و غيره، اللهم إلا ان يقال ان المراد من العراء في هذه النصوص ستر العورة، للإجماع في الظاهر على صحة طواف الرجل عاريا مع ستر العورة، و لا ريب في انه أحوط، و الله العالم.

[في مقدمات المندوب للطواف ]
اشاره

و المندوبات ثمانية:

[منها الغسل لدخول مكة]

الغسل لدخول مكة كما في القواعد و غيرها، ل

حسن الحلبي (1)«أمرنا أبو عبد الله عليه السلام ان نغتسل من فخ قبل ان ندخل إلى مكة»

و قال عليه السلام أيضا في خبر محمد الحلبي(2): «ان الله عز و جل قال في كتابه(3):

«طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ» فينبغي للعبد ان لا يدخل مكة إلا و هو طاهر قد غسل عرقه و الأذى و تطهر»

بناء على إرادة الكناية بذلك عن الغسل، فما عن الخلاف من عدم استحبابه مدعيا الإجماع عليه في غير محله خصوصا بعد كون الحكم ندبا يتسامح فيه مؤيدا بالاعتبار.

بل قد يستفاد من النصوص استحباب غسل آخر لدخول الحرم، ففي

خبر ابان بن تغلب (4)قال: «كنت مع أبي عبد الله عليه السلام مزامله بين مكة و المدينة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.
3- 3 سورة البقرة- الآية 119.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 279

فلما انتهى الى الحرم نزل و اغتسل و أخذ نعليه بيديه ثم دخل الحرم حافيا، فصنعت مثل ما صنع، فقال: يا ابان من صنع مثل ما صنعت تواضعا لله عز و جل محي الله تعالى عنه مائة ألف سيئة، و بنى له مائة ألف درجة، و قضى له مائة ألف حاجة»

و في حسن معاوية بن عمار(1)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا انتهيت الى الحرم إنشاء الله فاغتسل حين تدخله، و ان تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ أو منزلك بمكة»

و لكن في

صحيح ذريح المحاربي (2)«سألته عن الغسل في الحرم قبل دخول مكة أو بعد دخولها قال: لا يضرك أي ذلك فعلت، و ان اغتسلت بمكة فلا بأس، و ان اغتسلت في بيتك حين تنزل مكة فلا بأس»

و ربما ظهر منه كون الغسل واحدا كما جزم به في المدارك فإنه- بعد ان ذكر النصوص المزبورة و

خبر عجلان أبي صالح (3)«قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): إذا انتهيت إلى بئر ميمون أو بئر عبد الصمد فاغتسل و اخلع نعليك و امش

حافيا و عليك السكينة و الوقار»- قال: «و مقتضاها استحباب غسل واحد قبل دخول الحرم أو بعده من بئر ميمون الحضرمي الذي في الأبطح، أو من فخ و هو على فرسخ من مكة للقادم من المدينة، أو من المحل الذي ينزل فيه بمكة على سبيل التخيير، و غاية ما يستفاد منها ان إيقاع الغسل قبل دخول الحرم أفضل، فما ذكره المصنف و غيره من استحباب غسل لدخول مكة و آخر لدخول المسجد غير واضح، و أشكل منه حكم العلامة و جمع من المتأخرين باستحباب ثلاثة أغسال بزيادة غسل آخر لدخول


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 280

الحرم»

و فيه ان النصوص المزبورة ظاهرة الدلالة على غسلين: أحدهما للحرم و الآخر لدخول مكة، و التخيير المزبور فيها غير مناف خصوصا بعد احتمال الرخصة في التداخل، و أما الغسل الثالث لدخول المسجد فإنه و إن كنا لم نعثر في النصوص على ما يدل عليه لكن يكفي فيه ما عن الخلاف و الغنية من الإجماع عليه، نعم المعروف في الغسل للمكان التقدم على دخوله، و لكن ظاهر النصوص المزبورة الرخصة في الغسلين الأولين بوقوعهما بعد الدخول، كما ان ظاهره الاجزاء بغسل واحد عنهما بعد دخول مكة، و لا بأس به، بل لا بأس بقصد دخول المسجد معهما لما ذكرناه في كتاب الطهارة من جواز التداخل في الأغسال المندوبة.

ثم قال فيها بعد ما سمعت: «و كذا الإشكال في قول المصنف فلو حصل عذر اغتسل بعد دخوله إذ مقتضى الروايات التخيير بين الغسل قبل دخول الحرم و بعده، لا اعتبار العذر في تأخيره عن الدخول كما هو واضح» قلت: قد سمعت ما يدل على استحباب الغسل عند دخول الحرم الذي لا ينافيه التخيير المزبور المحمول على بيان الجواز أو التداخل أو غير ذلك، بل

قوله (عليه السلام) في حسن معاوية(1): «و إن تقدمت فاغتسل من بئر ميمون أو من فخ»

ظاهر في ذلك، ضرورة كون المراد أن الأولى الغسل للحرم عند دخوله، لكن مع التقدم يجزيك الغسل له و لدخول مكة من بئر ميمون بن عبد الله الحضرمي الذي كان حليفا لبني أمية، و كان حفرها بالجاهلية، و هي بأبطح مكة، أو من فخ و هي على رأس فرسخ من مكة، فالأول للقادم من العراق و نحوه، و الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 281

للقادم من المدينة، على معنى ان كلا لمن يمر عليه في قدومه، و لا يكلف غيره و لذا قال المصنف و الأفضل ان يغتسل من بئر ميمون أو من فخ، و إلا ففي منزله و الأمر سهل بعد أن كان الحكم استحبابيا، و قد تقدم غير مرة الحال في هذه الأغسال المندوبة بالنسبة إلى انتقاضها بالأصغر و عدمه، فلاحظ، و الله العالم.

[منها مضغ الإذخر]

و كذا يستحب مضغ الإذخر كما في القواعد و محكي الجامع و الجمل و العقود و فيه تطييب الفم بمضغ الإذخر أو غيره عند دخول مكة كما في النافع و عن الوسيلة و المهذب، و فيه نحو ما عن الجمل و العقود من تطييب الفم به أو بغيره، أو عند دخول الحرم كما عن التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى و الاقتصاد و المصباح و مختصره، و في هذه التطييب بغيره أيضا، كما في الكتابين و الأصل فيه

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية(1)«إذا دخلت الحرم فخذ من الإذخر فامضغه»

و في

خبر أبي بصير(2)«فتناول من الإذخر فامضغه»

و هو و إن كان يحتمل التأخير عن دخول الحرم و التقديم، إلا أن المنساق إرادة فعله عند الدخول، قال الكليني: «سألت بعض أصحابنا عن هذا فقال:

يستحب ذلك ليطيب به الفم لتقبيل الحجر» و هو يؤيد استحبابه لدخول مكة بل المسجد و كونه من سنن الطواف، و كأنه الذي حمل الشيخ على حمل غيره عليه، و لعل الأولى الحكم باستحباب الجميع، كما أن الأولى الحكم باستحباب مضغ غيره بما يطيب به الفم و إن كان هو أولى من غيره، لكونه المأثور، و الأمر سهل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 282

[منها ان يدخل مكة من أعلاها]

و ان يدخل مكة من أعلاها كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي النهاية و المبسوط و الاقتصاد و الجمل و العقود و المصباح و مختصره و الكافي و الغنية و الجامع، و لكن عن المقنعة و التهذيب و المراسم و الوسيلة و السرائر إذا أتاها من طريق المدينة، بل عن الفاضل أو الشام، و لعله لاتحاد طريقهما قبلها قال: فاما الذين يجيئون من سائر الأقطار فلا يؤمرون بأن يدوروا ليدخلوا من تلك الثنية و ربما استشعر من

خبر يونس (1)قال: «قلت لأبي عبد الله عليه السلام من أين أدخل مكة و قد جئت من المدينة؟ فقال: ادخل من أعلى مكة، و إذا خرجت تريد المدينة فاخرج من أسفل مكة»

الذي هو الأصل في المسألة مع التأسي بفعل النبي صلى الله عليه و آله الذي حكاه

الصادق عليه السلام عنه في الصحيح (2)قال: «ان رسول الله صلى الله عليه و آله دخل من أعلى مكة من عقبة المدنيين»

إلا أن التقييد في الأول قد كان في كلام السائل، و التأسي بالنبي صلى الله عليه و آله يقتضي الأعم، خصوصا مع كون الأعلى على غير جادة طريق المدينة، بل قيل إن النبي صلى الله عليه و آله عدل اليه، فالمتجه حينئذ ما أطلقه المصنف، و الأعلى كما في الدروس و عن غيرها ثنية كداء بالفتح و المد، و هي التي ينحدر منها الى الحجون لمعبر مكة، و يخرج

من ثنية كدا بالضم و القصر منونا، و هي بأسفل مكة، و الله العالم.

[منها ان يكون حافيا]

و ان يكون حافيا كما في القواعد و النافع و محكي المبسوط و الوسيلة و ظاهر الجمل و العقود و الاقتصاد و المهذب و السرائر و الجامع، لكن لم نعثر عليه بنص بخصوصه، نعم قد سمعت خبر عجلان أبي صالح (3)بل قد سمعت ما يدل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 283

عليه في دخول الحرم،

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)«إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافيا على السكينة و الوقار و الخشوع، قال: و من دخله بخشوع غفر له إن شاء الله، قلت ما الخشوع؟ قال: السكينة لا تدخل بتكبر»

و في حسنه الآخر(2)أيضا «من دخلها بسكينة غفر له ذنبه، قلت كيف يدخلها بسكينة؟ قال: يدخل غير متكبر و لا متجبر»

و في

خبر إسحاق (3)«لا يدخل رجل مكة بسكينة إلا غفر له، قلت: ما السكينة؟ قال: بتواضع»

و لعل دخولها حافيا من التواضع المزبور، فما في كشف اللثام من التوقف فيه في غير

محله، ثم قال: و يدخل في الحفاء المشي لغة أو عرفا، و فيه منع، ضرورة كون المنساق منه نزع النعلين، بل قوله تعالى (4)«فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً» صريح في ذلك، بل لعل قوله: «انك» تشعر بالحكم السابق، إذ هو كالتعليل المستفاد منه نحوه.

و على كل حال فمما سمعت يعلم استحباب كون ذلك على سكينة و وقار و المراد بهما واحد، قيل أو أحدهما الخضوع الصوري، و الآخر المعنوي، و الله العالم.

[منها أن يغتسل لدخول المسجد الحرام ]

و أن يغتسل لدخول المسجد الحرام كما عرفت الكلام فيه.

[منها أن يدخل من باب بني شيبة]

و أن يدخل من باب بني شيبة للتأسي و الخبر(5)عن الرضا عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.
4- 4 سورة طه- الآية 12.
5- 5 المستدرك- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 284

كما في كشف اللثام، و

قول الصادق عليه السلام في خبر سليمان بن مهران (1)في حديث المأزمين «انه موضع عبد فيه الأصنام، و منه أخذ الحجر الذي نحت منه هبل الذي رمى به علي عليه السلام من ظهر الكعبة لما علا ظهر رسول الله صلى الله عليه و آله فأمر به فدفن من عند باب بني شيبة، فصار

الدخول الى المسجد من باب بني شيبة سنة لأجل ذلك»،

و لما وسع المسجد دخل الباب، و لعله لذا قيل فليدخل من باب السلام و ليأت البيت على الاستقامة، فإنه بإزائه حتى يتجاوز الأساطين فإن التوسعة من عندها.

و ليكن الدخول بعد أن يقف عندها و يسلم على النبي صلى الله عليه و آله و يدعو بالمأثور عن

الصادق عبد الله عليه السلام في خبر أبي بصير(2)قال: «تقول على باب المسجد بسم الله و بالله و من الله و الى الله و على ما شاء الله و على ملة رسول الله صلى الله عليه و آله و خير الأسماء لله و الحمد لله، و السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله السلام على محمد بن عبد الله، السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، السلام على أنبياء الله و رسله، السلام على إبراهيم خليل الرحمن، السلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين، و السلام علينا و على عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد و آل محمد و بارك على محمد و آل محمد و ارحم محمدا و آل محمد كما صليت و باركت و ترحمت على إبراهيم و آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد و آل محمد عبدك و رسولك، و على إبراهيم خليلك و على أنبيائك و رسلك و سلم عليهم و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، و استعملني في طاعتك و مرضاتك و احفظني بحفظ الإيمان أبدا ما أبقيتني، جل ثناء وجهك، الحمد لله الذي جعلني من وفده و زواره، و جعلني ممن يعمر مساجده، و جعلني


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 285

ممن يناجيه، اللهم اني عبدك و زائرك في بيتك، و على كل مأتي حق لمن أتاه و زاره، و أنت خير مأتي و أكرم مزور فأسألك يا الله يا رحمن، و بأنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و بأنك واحد أحد صمد لم تلد و لم تولد و لم يكن له كفوا أحد، و أن محمدا عبدك و رسولك صلى الله عليه و آله و على أهل بيته، يا جواد يا ماجد يا جبار يا كريم أسألك أن تجعل تحفتك إياي من زيارتي إياك أول شي ء أن تعطيني فكاك رقبتي من النار، اللهم فك رقبتي من النار، تقولها ثلاثا، و أوسع علي من رزقك الحلال الطيب، و ادرأ عني شر شياطين الجن و الانس، و شر فسقة العرب و العجم»

و قال أيضا في صحيح معاوية(1)«إذا انتهيت الى باب المسجد فقم و قل: السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته، بسم الله و ما شاء الله و السلام على أنبياء الله و رسله، و السلام على رسول الله صلى الله عليه و آله و السلام على إبراهيم خليل الله، و الحمد لله رب العالمين، فإذا دخلت المسجد فارفع يديك و استقبل البيت، و قل: اللهم إني أسألك في مقامي هذا في أول مناسكي أن تقبل توبتي، و أن تتجاوز عن خطيئتي، و تضع عني وزري، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام، اللهم إني أشهدك أن هذا

بيتك الحرام الذي جعلته مثابة للناس و أمنا و مباركا و هدى للعالمين، اللهم إني عبدك و البلد بلدك، و البيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، و أؤم طاعتك مطيعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك الخائف عقوبتك، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، و استعملني بطاعتك و مرضاتك».

[المقصد الثاني في كيفية الطواف ]
اشاره

المقصد الثاني في كيفية الطواف و هو يشتمل على واجب و ندب،

[فالواجب سبعة]
اشاره

فالواجب سبعة

[منها النية]

منها النية بلا خلاف معتد به و لا إشكال ابتداء و استدامة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 286

التي تقدم الكلام في حكمها و كيفيتها غير مرة، نعم في الدروس هنا «ظاهر بعض القدماء أن نية الإحرام كافية عن خصوصيات نيات الافعال، و لعله لخلو الأخبار الواردة بتفصيل أحكام الحج من ذكر النية في شي ء من أفعاله سوى الإحرام الذي هو أولها، فيكون حينئذ كباقي العبادات المركبة من الصلاة و غيرها التي لا تحتاج اجزاؤها إلى نية» و هو كما ترى، ضرورة الفرق بينه و بين الصلاة التي أفعالها مرتبطة و متصلة، بخلاف أفعال الحج الباقية على مقتضى

قوله عليه السلام (1)«لا عمل إلا بنية»

و «إنما الأعمال بالنيات»(2)

الذي هو لو لا الإجماع لكان معتبرا في اجزاء الصلاة أيضا، بل لعله كذلك فيها بناء على أنها الداعي المفروض وجوده في تمام الصلاة، بل ربما كان ذلك مرجحا للقول بأنه الداعي كما أوضحناه في محله، بل ربما كان على ذلك لا فرق بين الابتداء و الاستدامة التي هي على هذا التقدير فعلية لا حكمية إلا في صورة نادرة، و هي فيما لو فرض ذهاب الداعي في الأثناء مع بقاء الافعال منتظمة، بل يمكن منع الفرض المزبور و منع صحة الصلاة فيه لو سلم، و لتحقيق المسألة مقام آخر، هذا، و ربما كان الوجه في تخصيص الإحرام بذكر النية فيه توقف امتياز نوع الحج و العمرة عليه.

و كيف كان فلا بد من مقارنة النية للطواف على حسب غيره من الاعمال، لكن في المدارك و لا يضر الفصل اليسير، و فيه نظر، و لذا اعتبره الفاضل و غيره عند الشروع فيه، بل في كشف اللثام لا قبله بفصل و لا بعده، و إلا لم تكن نية، على انه لا يتم على تقدير كونها الداعي، كما أن ما في كشف اللثام من انه لا بد من خطور معنى الطواف و هو الحركة حول الكعبة سبعة أشواط


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 19، ص: 287

لا يخلو من نظر أيضا، لإطلاق الأدلة، و أما الاستدامة حكما فقد تقدم الكلام فيها في الصلاة و غيرها، بل ذكرنا بناء على انها الداعي كما هو التحقيق أنه موجود غالبا في جميع اجزاء الفعل، و إلا لم يقع منه منتظما، كما هو واضح.

[منها البدأة بالحجر و الختم به ]

و منها البدأة بالحجر الأسود و الختم به بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، مضافا الى التأسي به صلى الله عليه و آله خصوصا بعد

قوله صلى الله عليه و آله «خذوا عني مناسككم»

منها

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)«من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود»

و ما عن الشيخ في الاقتصاد من التعبير بلا ينبغي محمول على إرادة الوجوب قطعا، و حينئذ فلو ابتدأ الطائف بغيره مما قبله أو بعده ففي القواعد لم يعتد بذلك الشوط الى ان ينتهي إلى أول الحجر فمنه يبتدأ الاحتساب ان جدد عنده النية للإتمام مع احتمال البطلان، و مزجها في كشف اللثام، فقال، «إن جدد عنده النية لمجموع سبعة أشواط سواء ألغى ما قبله أو لا تذكره و زعم دخوله في الطواف و احتسابه منه أو لا، فإنه الآن طواف

مقرون بالنية من ابتدائه، فإذا أتمه سبعة أشواط غير ما قدمه صح و إن كان ذلك سهوا، و لا يكفي استدامة حكم النية السابقة، لعدم مقارنتها لأول الطواف، و كذا يصح الاحتساب منه جدد عنده النية للإتمام اي إتمام سبعة أشواط بفعل سبعة أخرى أو ضمها الى ما قدمه، و لكن إنما يصح إذا أكمل سبعة أخرى بأن علم في الأثناء كون المقدم لغوا فأكملها بنية ثانية، أو أكملها سهوا، و إنما يصح الأول بناء على جواز تفريق النية على أجزاء المنوي، و الثاني بناء على ان نية الإتمام تتضمن نية مجموع السبعة أشواط، لكن سهى أو جهل فزعم


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 288

ان منها ما قدمه، كما إذا نوى القضاء بفريضة لزعمه خروج الوقت و لم يكن خرج مع احتمال البطلان، لبطلان النية المفرقة على أجزاء المنوي، و منافاة نية إتمام السابق الفاسد بستة لنية مجموع السبعة، فإنه ينوي الآن ستة لا غير، و غايته لو صح ما قدمه تفريق النية على الاجزاء، و يجوز ان يريد بالإتمام فعل مجموع سبعة أشواط لا مع إلغاء ما قدمه ليحتمل البطلان، إذ لا شبهة في الصحة مع الإلغاء و وجه الاحتمال حينئذ انه و إن نوى مجموع السبعة بنية مقارنة للمبدأ لكنه لما اعتقد دخول ما قدمه منها كان بمنزلة نية ستة أشواط، هذا كله على كون اللام في الإتمام لتقوية العامل، و يجوز كونها وقتية اي منه يحتسب ان أتم سبعة عدا ما قدمه مع تجديد النية عنده بأحد المعنيين، و يحتمل التعليل اي منه يحتسب إن جدد النية عنده بأحد المعنيين، لانه أتم حينئذ الطواف و شروطه و إن فعل قبله ما يلغو، و أتم النية و اتى بها صحيحة مقارنة لما يجب مقارنتها له».

قلت لا يخفى عليك ان ذلك كله متعبة لا فائدة فيها، مضافا الى ما فيه من التجشم في الأخير بل و سابقه، و الى إمكان منع إرادة التفريق من التجديد و لذا قال في المدارك: «فلو ابتدأ الطائف من غيره لم يعتد بما فعله حتى ينتهي إلى الحجر الأسود فيكون منه ابتداء طوافه إن جدد النية عنده أو استصحبها فعلا» و المهم تنقيح وجوب قصد البدأة بالحجر و عدمه، و لا ريب في انه أحوط بل لعل احتمال البطلان في كلام الفاضل لذلك، و إن كان الأقوى عدم اعتباره، ضرورة صدق الطواف سبعة أشواط من الحجر الى الحجر في الفرض و إن لم يقصد البدأة و الختم به، إلا ان الذي وقع منه ذلك و لو سهوا، على ان النية هي الداعي و الفرض استمراره، فهو موجود عند مروره على الحجر. و الابتداء الواقع منه كان لغوا، لأن الزيادة المتأخرة المفسدة لا المتقدمة التي هي في الحقيقة ليست

ج 19، ص: 289

زيادة، و ليست من التشريع إذا اتفق وقوعها منه سهوا و نحوه، و بالجملة المتجه الصحة في الفرض المزبور مع فرض كون الحاصل منه في الخارج سبعة أشواط صحيحة بلا زيادة عليها، و كانت النية التي هي الداعي موجودة عند مروره على الحجر، و قلنا بعدم وجوب قصد البدأة منه كما عرفت. هذا.

و ذهب الفاضل بل غيره ممن تأخر عنه إلى أنه لا بد من الابتداء بأول الحجر بحيث يمر كله على كله، قال في المسالك: «و البدأة بالحجر بان يكون أول جزء منه محاذيا لأول جزء من مقاديم بدنه بحيث يمر عليه علما أو ظنا» و نحوه في غيرها، و لم نعرف شيئا من ذلك لمن سبق العلامة، و علله في كشف اللثام بأنه لازم من وجوب الابتداء بالحجر و البطلان بالزيادة على سبعة أشواط و النقصان عنها و لو خطوة أو أقل، فإنه إن ابتدأ بجزء من وسطه لم يأمن من الزيادة أو النقصان، و حينئذ فلو حاذى آخر الحجر ببعض بدنه في ابتداء الطواف بعد النية بجميع بدنه لم يصح، لعدم ابتدائه فيه بأول الحجر بل بما بعده، بل لا بد أن يحاذي بأقدم عضو من أعضائه أوله، بل قيل إنهم اختلفوا لذلك في تعيين أول جزء البدن هل هو الأنف أو البطن أو إبهام الرجلين، و ربما اختلف الأشخاص بالنسبة الى ذلك، و لكن ذلك كله بعد الإغضاء عما في الأخير كما ترى لا دليل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، خصوصا ما في خبر محمد(1)من أن رسول الله صلى الله عليه و آله طاف على راحلته و استلم الحجر بمحجنه، و سيما في هذه الأزمنة التي يشتد فيها الزحام كما أشار إليه في

صحيح عمار(2)«و كنا نقول لا بد أن يستفتح الحجر و يختم به، فاما اليوم فقد كثر الناس»

و إن كان الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 81- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 290

إرادة الاستلام له في المبدأ و المنتهى، لكن الفرض شدة الحرج و الضيق فيما ذكروه المنافي لسهولة الملة و سماحتها، و دعوى الاستلزام المزبور واضحة المنع، ضرورة تحقق الصدق عرفا بدون ذلك، اللهم إلا أن يراد من نحو قوله «من الحجر» الطواف بالحجر الذي هو اسم للمجموع، كما ان المراد من الطواف به الطواف ببدنه عليه، إلا أن ذلك كله شك في شك، مضافا الى إجمال الكيفية المزبورة التي هي الطواف بأول جزء من مقاديم بدنه على أول جزء منه مارا بجميع بدنه كله محافظا على الطواف على اليسار، و إن كان الظاهر عدم البأس في إدخال جزء من باب المقدمة مع استصحاب النية و قصد الاحتساب من حيث يحاذي و لا يلزم من ذلك الزيادة كما في إدخال جزء من الرأس في غسل الوجه، و بالجملة لا يخفى حصول المشقة بملاحظة نحو ذلك، بل ربما كان اعتباره مثارا للوسواس كما انه من المستهجنات القبيحة نحو ما يصنعه بعض الناس عند إرادة النية للصلاة بناء على انه الاخطار من الأحوال التي تشبه أحوال المجانين، مع

انه مناف للتقية، بل قد يقال إنه لم يطف بالجزء المحاذي له من المقاديم، لان الطواف عبارة عن الحركة الدورية، فالتحقيق عدم اعتبار ذلك، بل ظاهر المدارك و الرياض و غيرهما عدم اعتبار محل الابتداء، فلو ابتدأ مثلا بآخر الحجر كان له الختم بأوله و لعله لصدق أنه ابتدأ بالحجر و ختم به، و دعوى عدم صدق الختم حتى يصل الى محل الابتداء الذي هو الوسط أو الآخر ممنوعة، و الزيادة و النقيصة في الفرض غير قادحة بعد ظهور الأدلة في كون المراد منهما الزيادة على الحجر الذي هو محل الابتداء و النقيصة عنه، بل الظاهر اعتبار إدخال الاولى في الطواف بقصد انه منه في المنع لا لغوا أو مقدمة كما ستعرف إن شاء الله، و لكن صرح جماعة باعتبار محاذاة الحجر في آخر شوط كما ابتدأ به أولا من غير فرق بين الأول و غيره، فينبغي حينئذ ان يعلم محل الابتداء و إن كان الظاهر عدم البأس بالزيادة مقدمة، و لعله

ج 19، ص: 291

لتوقف صدق اسم الطواف بالبيت الذي منه الحجر عليه، ضرورة صدق النقصان مثلا على بعض الافراد، و لا ريب في انه أحوط إن لم يكن أقوى، و أحوط منه مراعاة أول جزء من الحجر على حسب ما عرفته سابقا.

و كيف كان فلا ريب في استحباب استقبال الحجر بوجهه قبل الطواف للتأسي، و ظاهر خبري الحسن بن عطية(1)و معاوية بن عمار(2)السابقين، بل في المدارك و ينبغي إيقاع النية حال الاستقبال ثم الأخذ في الحركة على اليسار عقيب النية، و ما قيل من فوات المقارنة لأول الطواف الذي هو الحركة الدورية حينئذ ضعيف جدا، لان مثل ذلك لا يخل بها قطعا، و فيه ما عرفت، نعم بناء على انها الداعي لا بأس بذلك، ضرورة خطورة في الحالتين، و الله العالم.

[منها أن يطوف على يساره ]

و منها أن يطوف على يساره بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى التأسي، بل ربما استفيد من

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان(3): «إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللهم- الى ان قال-: ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به»

و في

صحيح معاوية(4)«إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت- الى ان قال-: ثم ائت الحجر الأسود»

و صحيحه الآخر(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الطواف- الحديث 1 و الظاهر انه لم يتقدم و إنما يأتي في مسألة نقصان الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 9.

ج 19، ص: 292

«ثم تطوف بالبيت سبعة أشواط- الى ان قال- فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يدك على البيت و ألصق يدك و بطنك بالبيت ثم قل: اللهم- الى ان قال- ثم استقبل الركن اليماني و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به»

بتقريب استلزام الترتيب المزبور في الشوط السابع لكون الطواف على اليسار.

و على كل حال فلو جعله على يمينه أو استقبله بوجهه أو استدبره جهلا أو سهوا أو عمدا لم يصح عندنا، فما عن أبي حنيفة- من انه إن جعله على يمينه اعاده إن أقام بمكة، و إلا جبره بدم، بل عن أصحاب الشافعي لم يرد عنه نص في استدباره، و الذي يجي ء على مذهبه الاجزاء، بل عنهم أيضا في وجه الاجزاء ان استقبله أو مر القهقرى نحو الباب- قول بغير علم، نعم لا يقدح في جعله على اليسار الانحراف إلى جهة اليمين قطعا، و الله العالم.

[منها ان يدخل الحجر في الطواف ]

و منها ان يدخل الحجر في الطواف بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص،

قال الحلبي في الصحيح (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا

واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد» و رواه الشيخ «يعيد ذلك الشوط»

و في

حسن ابن البختري (2)عنه عليه السلام أيضا «في الرجل يطوف بالبيت قال: يقضي ما اختصر في طوافه»

و قد سمعت

قوله عليه السلام في صحيح معاوية(3): «من اختصر في الحجر الطواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود».


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 293

و لا فرق في الحكم المزبور بين القول بخروجه من البيت و دخوله فيه الذي قد تشعر به النصوص المزبورة، بل في الدروس المشهور كونه منه، بل في التذكرة و المنتهى ان جميعه منه، و

روي عن عائشة(1)«ان النبي صلى الله عليه و آله قال: ستة أذرع من الحجر من البيت»

لكن

سأل معاوية بن عمار(2)الصادق عليه السلام في الصحيح «أ من البيت هو أو فيه شي ء من البيت؟ فقال: لا و لا قلامة ظفر، و لكن

إسماعيل دفن امه فيه فكره أن توطأ فجعل عليه حجرا، و فيه قبور أنبياء»

و في

خبر يونس بن يعقوب (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: اني كنت أصلي في الحجر فقال لي رجل: لا تصل المكتوبة في هذا الموضع فان في الحجر من البيت فقال: كذب صل فيه حيث شئت»

و في

خبر مفضل بن عمر(4)عنه عليه السلام أيضا «الحجر بيت إسماعيل، و فيه قبر هاجر و قبر إسماعيل»

و سأله أيضا الحلبي (5)في المروي عن نوادر البزنطي «عن الحجر فقال: إنكم تسمونه الحطيم، و إنما كان لغنم إسماعيل، و إنما دفن فيه امه و كره أن يوطأ قبرها فحجر عليه، و فيه قبور أنبياء»

الى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك، و ما في التذكرة- من ان قريشا لما بنت البيت قصرت الأموال الطيبة و الهدايا و النذور عن عمارته، فتركوا من جانب الحجر بعض البيت، و قطعوا الركنين الشاميين من قواعد إبراهيم، و ضيقوا عرض الجدار من الركن الأسود إلى الشامي الذي يليه، فبقي من الأساس شبه الدكان مرتفعا، و هو الذي يسمى الشاذروان- لم نتحققه


1- 1 رواه في المغني ج 3 ص 382 و سنن البيهقي ج 5 ص 89.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الطواف- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الطواف- الحديث 10.

ج 19، ص: 294

بل الثابت في نصوصنا(1)المشتملة على قصة هدم قريش الكعبة خلافه، نعم ربما كان في

مرفوع علي بن إبراهيم (2)و غيره «انه كان بنيان إبراهيم الطول ثلاثون ذراعا، و العرض اثنا و عشرون ذراعا، و السمك تسعة أذرع»

تأييد لكون نحو ستة أذرع منه من البيت.

و على كل حال فلا بد من إدخاله في الطواف، فلو طاف بينه و بين البيت لم يصح شوطه إجماعا، لا الطواف كله كما سمعته في النصوص السابقة، لكن قال الشهيد: فيه روايتان، و يمكن اعتبار تجاوز النصف هنا، و حينئذ لو كان السابع كفى إتمام الشوط من موضع سلوك الحجر، و لعله أراد بالرواية الأخرى ما سمعته من صحيح معاوية بن عمار المحتمل لكون الاختصار في جميع الأشواط، و كون الطواف بمعنى الشوط، و كذا

خبر إبراهيم بن سفيان (3)«كتبت الى أبي الحسن الرضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر و صلت ركعتي الفريضة و سعت و طافت طواف النساء ثم أتت منى قال: تعيد»

بل عن التذكرة لو دخل إحدى الفتحتين و خرج من الأخرى لم يحتسب له، و به قال الشافعي في أحد قوليه، و لا طوافه بعده حتى ينتهي إلى الفتحة التي دخل منها، يعني فإن دخلها أيضا لم يحتسب أيضا و إن تجاوزها و طاف بالحجر احتسب مطلقا أو بعد النصف، و فيه إشارة الى عدم الاكتفاء بإتمام الشوط من الفتحة، بل

يجب الاستئناف، لظهور الإعادة في الخبرين فيه، بل نص الثاني منهما على الإعادة من الحجر الأسود كما سمعت، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث- 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 19، ص: 295

[منها ان يكمله سبعا]

و منها ان يكمله سبعا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (1)المستفيضة بل المتواترة.

[منها ان يكون بين البيت و المقام ]

و منها ان يكون بين البيت و المقام الذي هو لغة موضع قدم القائم، و المراد به هنا مقام إبراهيم عليه السلام أى الحجر الذي وقف عليه لبناء البيت كما عن ابن أجير، أو للأذان بالحج كما عن غيره، بل عن العلوي و ابن جماعة أنه لما أمر بالنداء و أقام على المقام تطاول المقام حتى كان كأطول جبل على ظهر الأرض فنادى، أو لما عن ابن عباس من أنه لما جاء بطلب ابنه إسماعيل فلم يجده قالت له زوجته انزل فأبى فقالت دعني اغسل رأسك فأتته بحجر فوضع رجله عليه و هو راكب فغسلت شقه ثم رفعته و قد غابت رجله فيه، فوضعته تحت الشق الآخر و غسلته فغابت رجله الثانية فيه، فجعله الله من الشعائر، و عن الأزرقي أنه لما فرغ من الأذان عليه جعله قبلة فكان يصلي اليه مستقبل الباب، و ذكر أيضا ان ذرع المقام ذراع، و ان القدمين داخلان فيه سبعة أصابع، و عن ابن جماعة ان مقدار ارتفاعه من

الأرض نصف ذراع و ربع و ثمن بذراع القماش، و أن أعلاه مربع من كل جهة نصف ذراع و ربع، و موضع غوص القدمين ملبس بفضة، و عمقه من فوق الفضة سبع قراريط و نصف قيراط بالذراع المتقدم أي ذراع مصر المستعمل في زمانه، و لعل اختلافهما باعتبار الذراع باليد و الحديد.

و على كل حال فلا خلاف معتد به أجده في وجوب كون الطواف بينه و بين البيت، بل عن الغنية الإجماع عليه، ل

خبر حريز عن ابن مسلم (2)قال:

«سألته عن حد الطواف الذي من خرج عنه لم يكن طائفا بالبيت قال: كان


1- 1 الوسائل- الباب- 19 و 32- من أبواب الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 296

الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله يطوفون بالبيت و المقام، و أنتم اليوم تطوفون ما بين المقام و بين البيت فكان الحد موضع المقام اليوم، فمن جازه فليس بطائف، و الحد قبل اليوم و اليوم واحد قدر ما بين المقام و بين البيت من نواحي البيت كلها فمن طاف فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفا بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد، لأنه طاف في غير حد و لا طواف له»

المنجبر و المعتضد بما عرفت، و كان وجه ما فيه من الاختلاف بين اليوم و عهده صلى الله عليه و آله مع

قوله عليه السلام «و الحد قبل اليوم و اليوم واحد»

ما عن مالك و الطبري من انه كانت قريش في الجاهلية الصقته بالبيت خوفا عليه من السيول، و استمر كذلك في عهد النبي صلى الله عليه و آله و عهد أبي بكر، فلما ولي عمر رده الى موضعه الآن الذي هو مكانه في زمن الخليل، و إن كان يبعد ذلك أن النبي صلى الله عليه و آله أولى من عمر بذلك، خصوصا بعد عدم معرفته بموضعه في زمن الخليل، و من هنا كان المحكي عن ابن أبي مليكة أنه قال: موضع المقام هذا الذي هو فيه اليوم هو موضعه في الجاهلية و في عهد النبي صلى الله عليه و آله و أبي بكر و عمر، إلا أن السيل ذهب به في خلافة عمر ثم رد و جعل في وجه الكعبة حتى قدم عمر فرده، و عن تاريخ البخاري أن سئل أم نهشل لما أتى المسجد أخذ المقام إلى أسفل مكة فلما جف الماء أتوا بالمقام و الصقوه بالكعبة و كتبوا الى عمر بذلك فورد مكة معتمرا في شهر رمضان من ذلك العام و سأل هل أحد عنده علم بمحل الحجر فقام المطلب بن وداعة السلمي و قيل رجل من آل عابد، و الأول أشهر، أنا كنت أخاف عليه مثل هذا فأخذت مقياسه من محله الى الحجر، فأجلسه عمر عنده و قال له: ابعث فأتني بالمقياس فاتي به فوضع عمر المقام في محله الآن، و نحوه عن النواوي و الأزرقي، و عن ابن سراقة ان ما بين باب الكعبة و مصلى آدم أرجح من تسعة أذرع، و هناك كان موضع

ج 19، ص: 297

مقام إبراهيم عليه السلام و صلى رسول الله صلى الله عليه و آله عنده حين فرغ من طوافه ركعتين، و انزل عليه (1)«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» ثم نقله الى الموضع الذي هو فيه الآن، و ذلك على عشرين ذراعا من الكعبة لئلا ينقطع الطواف بالمصلين خلفه، ثم ذهب به السيل في أيام عمر إلى أسفل مكة فأتي به و أمر عمر برده الى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه و آله، و نحوه في أن رسول الله صلى الله عليه و آله هو الواضع له هنا ما عن ابني عنبسة و عروية، بل قد يظهر من

صحيح زرارة(2)ان عمر قد أحيى فعل الجاهلية، «قال لأبي جعفر عليه السلام قد أدركت الحسين عليه السلام قال: نعم أذكر و أنا معه في المسجد الحرام و قد دخل فيه السيل و الناس يقومون على المقام يخرج الخارج فيقول قد ذهب به السيل، و يدخل الداخل فيقول هو مكانه، قال فقال يا فلان ما يصنع هؤلاء؟ فقلت أصلحك الله تعالى يخافون أن يكون السيل قد ذهب بالمقام فقال لهم: إن الله عز و جل جعله علما لم يكن ليذهب به فاستقروا، و كان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه السلام عند جدار البيت، فلم يزل هناك حتى حوله أهل الجاهلية إلى المكان الذي هو فيه اليوم، فلما فتح النبي صلى الله عليه و آله مكة رده الى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه السلام، فلم يزل هناك الى أن تولى عمر فسأل الناس

من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال رجل أنا كنت قد أخذت مقداره بتسع، فهو عندي فقال ائتني به فأتاه به فقاسه فرده الى ذلك المكان».

و على كل حال فعن أبي علي اجزاء الطواف خارج المقام مع الضرورة، ل

صحيح الحلبي (3)سأل الصادق عليه السلام «عن الطواف خلف المقام فقال ما أحب


1- 1 سورة البقرة- الآية 119.
2- 2 الفقيه ج 2 ص 158 الرقم 681.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 298

ذلك و ما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا»

قيل بل قد يظهر الميل اليه من المختلف و التذكرة و المنتهى، و لكن فيه ان الخبر المزبور دال على الكراهة مع الاختيار دون الاضطرار كما عن ظاهر الصدوق الفتوى به لا الجواز و عدمه، نعم يمكن القول بإجزائه تقية، اما غيرها فمشكل، بل ظاهر ما سمعته من النص و الفتوى و معقد الإجماع عدم الاجزاء مطلقا.

ثم إنه لا بد من ملاحظة المقدار المزبور من جميع الجوانب كما سمعت التصريح به في الخبر المزبور(1)بل نسبه في المدارك الى قطع الأصحاب، و هو كذلك و هو كما عن تاريخ الأزرقي الى الشاذروان ست و عشرون ذراعا و نصف، نعم لا إشكال في احتساب المسافة من جهة الحجر من خارجه بناء على أنه من البيت، بل في المدارك و غيرها و إن قلنا بخروجه عنه لوجوب إدخاله في الطواف فلا يكون محسوبا من المسافة، و فيه انه خلاف ظاهر الخبر المزبور، و لذا احتمل في المسالك احتسابه منها و إن لم يجز سلوكه، و لا ريب في انه الأحوط، و هل المعتبر وقوع الطواف بين البيت و حائط البناء الذي هو على المقام الأصلي أو بين الصخرة التي هي المقام هنا؟ الظاهر الثاني، كما انه لا مدخلية للمقام نفسه في الطواف، فلو حول عن مكانه وجب الطواف في المقدار المخصوص كما دل عليه الخبران المزبوران (2)بل خبر زرارة صريح، هذا.

و عن الشافعي لا بأس بالحائل بين الطائف و البيت كالسقاية و السواري، و لا كونه في آخر باب المسجد و تحت السقف و على الاروقة و السطوح إذا كان البيت ارفع بناء على ما هو اليوم، فان جعل سقف المسجد أعلى لم يجز الطواف


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الطواف- الحديث 1 و 2.

ج 19، ص: 299

على سطحه، و مقتضاه كما عن التذكرة انه لو انهدمت الكعبة و العياذ بالله لم يصح الطواف حول عرصتها، و هو بعيد بل باطل كبطلان القول

بجواز الطواف في المسجد خارجا عن القدر المزبور عندنا.

و كيف كان ف لو مشى الطائف في طوافه على أساس البيت الذي هو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته المسمى بالشاذروان أو على حائط الحجر لم يجزه بلا خلاف و لا إشكال، لعدم صدق الطواف بالبيت و الحجر، إذ الأول من الكعبة فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك، بل هو المحكي عن غيرهم من الشافعية و الحنابلة و بعض متأخري المالكية، نعم عن ابن ظهرة من الحنفية جواز الطواف عندنا على الشاذروان، لانه ليس من البيت، نص على ذلك الأصحاب، و لعله ما رووه (1)من ان ابن الزبير لما هدم الكعبة و ادخل الحجر أو ستة أذرع منه أو سبعة فيها لما سمعته من عائشة(2)عن النبي صلى الله عليه و آله انه بناها على أساس إبراهيم الخليل و لم ينقص من عرض جدارها شي ء، اللهم إلا أن يكون النقصان المتعارف بين الناس في البناء إذا ظهر على الأرض، و مثله يمكن منع كونه نقصانا من البيت، نعم في بعض التواريخ انه لما قتل ابن الزبير هدموا الكعبة و اخرجوا ما كان ادخله فيها من الحجر، و المراد ان المعروف كون الشاذروان و هو ما نقصته قريش من عرض أساس الكعبة، لكن قد بنيت بعدهم غير مرة، منها في أواخر عشر الستين و ستمائة أو أوائل عشر السبعين و ستمائة فإن كان المراد النقصان المتعارف عند ظهور الأساس إلى الأرض أشكل حينئذ دعوى خروجه من البيت، و إن كان غيره و انه لما جددوها أبقوها على ما نقصتها


1- 1 مستدرك الحاكم ج 1 ص 480.
2- 2 رواه في المغني ج 3 ص 382.

ج 19، ص: 300

قريش النقصان الغير المتعارف اتجه حينئذ وجوب احتسابه في الطواف، لكون الطواف عليه حينئذ طوافا بالبيت لا به كما هو واضح، و على كل حال فالعمل على ما عليه الأصحاب.

و اما الثاني فلمنافاته لما سمعته سابقا من وجوب الطواف به، سواء قلنا بكونه من البيت أو خارجا عنه، و لا ريب في عدم تحقق ذلك مع الطواف ماشيا على حائطه، بل عن التذكرة عدم جواز مس الطائف الجدار بيده في موازاة الشاذروان، لانه يكون بعض بدنه في البيت، فلا يتحقق الشرط الذي هو خروجه عنه بجميعه، بل كان كما لو وضع احد رجليه اختيارا على الشاذروان، و لكن فيه منع الشرط المزبور مع فرض صدق الطواف عليه و لو لخروج معظم بدنه، و لعله لذا جزم بالصحة في القواعد، لكن الأحوط ما ذكره، نعم لو مسه لا في موازاته لم يكن به بأس، و في كشف اللثام هو مبني على اختصاصه ببعض الجوانب كما عرفت، قلت: المحكي عن ابن ظهرة في شفاء الغرام ان شاذروان الكعبة هو الأحجار اللاصقة بالكعبة التي عليها البناء المسنم المرخم في جوانبها الثلاثة: الشرقي و الغربي و اليماني و بعض حجارة الجانب الشرقي بناء عليه و هو شاذروان أيضا، و اما الحجارة اللاصقة بجدار الكعبة التي تلي الحجر فليست شاذروانا، لان موضعها من الكعبة بلا ريب، و الشاذروان هو ما نقصته قريش من عرض جدار أساس الكعبة حين ظهر على الأرض كما هو عادة الناس في الأبنية أشار الى ذلك الشيخ أبو حامد الأسفرايني و غيره، و الله العالم.

و من لوازمه ركعتا الطواف، و هما واجبتان في الطواف الواجب على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، بل عن الخلاف نسبته إلى عامة أهل العلم، و إن حكي فيه عن الشافعي قولا بعدم الوجوب ناسيا له الى قوم من أصحابنا، لكن لا نعرفهم، بل في الرياض عنه الإجماع مع ان فيه و في السرائر نقل قول بالاستحباب، و في التذكرة نسبة ذلك الى شاذ كالمحكي عن ابن

ج 19، ص: 301

إدريس للتأسي (1)به صلى الله عليه و آله فإنه صلاهما، و تلا قوله تعالى (2)«وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» بل قيل انها نزلت عليه حين فعلهما، و منه مع غيره من النصوص (3)المشتملة على وجوب عود الناس لهما الى المقام و الصلاة فيه و ذكر الآية دليلا عليه يظهر وجه دلالة الآية على ذلك، مضافا الى الإجماع على عدم وجوب غيرهما فيه، و للأمر(4)بقضائهما مع فواتهما المحمول على الوجوب المقتضي لوجوب الأداء ل

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية أو صحيحه (5)«إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام و صل ركعتين و اجعله اماما و اقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد، و في الثانية قل يا ايها الكافرون، ثم تشهد

و احمد الله و أثن عليه و صل على النبي صلى الله عليه و آله و اسأله ان يتقبل منك، و هاتان الركعتان هما الفريضة، ليس يكره ان تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخرهما ساعة تطوف و تفرغ فصلهما»

و غيره من النصوص، بل في كشف اللثام نسبة ذلك الى الاخبار الكثيرة جدا، و لعله يريد ما تسمعه منها إن شاء الله في وجوب كونهما في المقام و في قضائهما و غير ذلك.

و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كدليله الذي هو الأصل المقطوع بما عرفت بعد تسليم جريانه هنا، و عدم تعين الآية لهذا المعنى الذي


1- 1 صحيح البخاري ج 2 ص 180.
2- 2 سورة البقرة- الآية 119.
3- 3 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 13 و 18.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 3 و ذيله في الباب 76 منها الحديث 3.

ج 19، ص: 302

قد سمعت القرائن عليه النافية لاحتمال ارادة موضع الدعاء من المصلى أو القبلة، و كون المراد بالمقام هو الحرم كله أو مع سائر المشاعر، و

قوله صلى الله عليه و آله (1)للأعرابي الذي قال له صلى الله عليه و آله هل علي غيرها يعني الخمس: «لا إلا أن تطوع»

المحتمل لعدم وجوب حج و عمرة عليه، و

قول أبي جعفر عليه السلام لزرارة في الحسن(2): «فرض الله الصلاة، و سن رسول الله صلى الله

عليه و آله عشرة أوجه: صلاة السفر و صلاة الحضر و صلاة الخوف على ثلاثة أوجه، و صلاة كسوف الشمس و القمر، و صلاة العيدين و صلاة الاستسقاء و الصلاة على الميت»

المحتمل كسابقه على ما في كشف اللثام لكون المراد ما شرع من الصلاة بنفسها لا تابعة لطواف أو غيره، على أنه عام أو مطلق يحكم عليه ما عرفت، كما هو واضح.

ثم لا يخفى عليك دلالة الحسن المزبور على استحباب قراءة التوحيد في الأولى منهما و الجحد في الثانية، بل في المختلف انه المشهور، و به صرح في التذكرة و التحرير، بل الأول منهما انه رواه العامة(3)عن النبي صلى الله عليه و آله ، نعم في الثاني منهما كالدروس انه روي العكس (4)إلا أنا لم نتحققه و إن حكى القول به في المختلف عن الشيخ في النهاية في باب القراءة دون باب الطواف الذي صرح فيه بما سمعت، و لا ريب في أنه الأولى، حملا لإطلاق بعض النصوص على الحسن المزبور المتضمن لاستحباب الدعاء بعدهما كما أشار إليه في الدروس، قال: و الدعاء بالمأثور أو بما سنح، و الله العالم.


1- 1 سنن النسائي ج 1 ص 227.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أعداد الفرائض و نوافلها- الحديث 2 من كتاب الصلاة.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 91.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 91.

ج 19، ص: 303

و لو نسيهما وجب عليه الرجوع بلا خلاف أجده فيه إلا ما يحكى عن الصدوق من الميل الى صلاتهما حيث يذكر، بل في كشف اللثام الإجماع عليه كما هو الظاهر، و لعله كذلك لأصالة عدم

السقوط مع التمكن من الإتيان بالمأمور به على وجهه، و

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام، قال: «سئل عن رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء و لم يصل أيضا لذلك الطواف حتى ذكر و هو بالأبطح قال: يرجع الى المقام فيصلي ركعتين»

و خبر عبيد بن زرارة(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر بالأبطح يصلي أربع ركعات قال: يرجع فيصلي عند المقام أربعا»

و مرسل الطبرسي في المحكي عن مجمعه (3)عن الصادق عليه السلام «انه سئل عن الرجل يطوف بالبيت طواف الفريضة و نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام فقال: يصليهما و لو بعد أيام، لأن الله تعالى يقول وَ اتَّخِذُوا الآية»

و عن العياشي روايته (4)و لكن «و جهل ان يصلي»

و غيرها من النصوص.

نعم لو شق عليه الرجوع فضلا عما لو تعذر قضاهما حيث ذكر كما في القواعد و النافع و محكي التهذيب و الاستبصار، و لعله المراد من

التعذر في محكي النهاية و المبسوط و السرائر و المهذب و الجامع، لقاعدة الحرج و اليسر المشار إليها في

صحيح أبي بصير(5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام و قد قال الله تعالى «وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى»


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 20.
5- 5 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 10.

ج 19، ص: 304

حتى ارتحل قال: إن كان ارتحل فاني لا أشق عليه و لا آمره أن يرجع و لكن يصلي حيث يذكر»

المحمول عليه

خبر أبي الصباح (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي ان يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام في طواف الحج أو العمرة فقال: إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام، فان الله تعالى يقول «وَ اتَّخِذُوا» الى آخره، و إن كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع»

بل و

حسن معاوية(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل نسي الركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال:

فليصلهما حيث ذكر، و ان ذكرهما و هو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما»

بل و

خبر عمر بن البر(3)عنه عليه السلام أيضا «في من نسي ركعتين طواف الفريضة حتى أتى منى انه رخص له أن يصليهما بمنى»

و خبر إبراهيم بن المثنى و حنان (4)قالا: «طفنا بالبيت طواف النساء و نسينا الركعتين فلما صرنا بمنى ذكرناهما فأتينا أبا عبد الله عليه السلام فسألناه فقال: صلياهما بمنى»

و خبر عمر بن يزيد(5)عنه عليه السلام أيضا سأله «عن رجل نسي الركعتين ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم عليه السلام حتى أتى منى قال يصليهما بمنى»

و خبر هاشم بن المثنى (6)قال: «نسيت أن أصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت الى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى فذكرنا


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 18.
3- 3 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 17 عن هشام بن المثنى و حنان.
5- 5 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 9 عن هشام ابن المثنى و يحتمل اتحاده مع الهاشم كما ذكر في كتب التراجم.

ج 19، ص: 305

ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: أ فلا صلاهما حيث ذكر»

و ربما حمل على المندوب و خبر حنان بن سدير(1)قال: «زرت فنسيت ركعتي الطواف فأتيت أبا عبد الله عليه السلام و هو بقرن الثعالب فسألته فقال صل في مكانك».

و لعله له و سابقه و غيرهما حكي عن الصدوق الميل إلى قضائهما حيث يذكر مطلقا، لكنه مناف لما سمعته من النص و الفتوى، فالأولى الجمع بما عرفت، خصوصا بعد ما قيل من قصورها جملة عن الصحة، بل ضعف بعضها سندا، و جميعها دلالة بعد احتمال التقييد المزبور الذي هو أولى من الجمع بحمل الدال على التقييد على الاستحباب و إبقاء المطلق على حاله، لمعلومية رجحان التخصيص على غيره من أنواع المجاز، مضافا الى الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك كما عرفت، و بكثرة النصوص المزبورة و صحتها، و تضمن جملة منها تعليل الأمر بالرجوع بقوله تعالى «وَ اتَّخِذُوا» و الأمر للوجوب قطعا، فما عن بعض من قارب عصرنا- من الميل الى جواز قضائهما حيث ذكر مطلقا تمسكا بما سمعت من النصوص- في غير محله، و منه يعلم النظر فيما في الدروس من أنه لو نسي الركعتين رجع الى المقام، فان تعذر فحيث شاء من الحرم، فان تعذر فحيث أمكن من البقاع، ضرورة عدم موافق له على هذا التفصيل، و لا دليل كما اعترف به بعضهم.

و في التحرير جواز الاستنابة فيهما إن خرج و شق عليه الرجوع، و كذا في التذكرة إن صلاهما في غير المقام ناسيا ثم لم يتمكن من

الرجوع، و لعله لجواز الاستنابة فيهما تبعا للطواف فكذا بدونه، و ل

صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في من نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة قال: إن


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 306

كان قد مضى قليلا فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه»

و صحيحه الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا «من نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه أن يقضي أو يقضي عنه وليه أو رجل من المسلمين»

و خبر ابن مسكان (2)قال: «حدثني من سأله عن الرجل ينسى ركعتي طواف الفريضة حتى يخرج فقال: يوكل»

قال ابن مسكان و في حديث آخر(3)«إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع و ليصلهما، فان الله تعالى يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى »

و خبر محمد بن مسلم (4)سأل أحدهما (عليهما السلام» عمن نسي أن يصلي الركعتين فقال: يصلى عنه»

لكن الجميع كما ترى لا تقييد في شي ء منها بما ذكره، كالمحكي عن ظاهر المبسوط من الاستنابة إذا خرج مع تعمد الترك.

و يحتمل في خبري ابني يزيد و مسلم منها إرادة ما ذكره المصنف و الفاضل و الشيخ و بنو حمزة و إدريس و سعيد من أنه لو مات و لم يصلهما قضاهما الولي عنه، مضافا الى عموم ما دل (5)على قضائه الصلاة الفائتة عنه بل هما أولى بذلك باعتبار مشروعية النيابة فيهما في حياة المنوب عنه و لو تبعا للطواف، بل قد يظهر من خبر ابن يزيد منهما جواز قضاء غير الولي مع وجوده و لا بأس به، و إن كان الأحوط خلافه.

و لو ترك معهما الطواف ففي المسالك «في وجوبهما حينئذ عليه و يستنيب


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 6 و 18 و الباب 23 من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5.

ج 19، ص: 307

في الطواف أو يستنيب عليهما معا من ماله وجهان، و لعل وجوبهما عليه مطلقا أقوى لعموم قضاء ما فاته من الصلاة الواجبة، أما الطواف فلا يجب عليه قضاؤه عنه و إن كان بحكم الصلاة» قلت: ستسمع فيما يأتي عند تعرض المصنف لمسألة نسيان الطواف من النصوص (1)ما ينافي ذلك.

و الجاهل كالناسي في الحكم المذكور، لقول أحدهما (عليهما السلام في

صحيح جميل (2)«ان الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام بمنزلة الناسي»

مضافا الى إطلاق بعض النصوص (3)و خبر العياشي (4)السابق.

أما العامد ففي المسالك ان الأصحاب لم يتعرضوا لذكره، و الذي يقتضيه الأصل أنه يجب عليه العود مع الإمكان، و مع التعذر يصليهما حيث أمكن» و في المدارك بعد أن حكى ذلك عنه قال: «لا ريب أن مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان، و إنما الكلام في الاكتفاء بصلاتهما حيث أمكن مع التعذر أو بقائهما في الذمة الى أن يحصل التمكن منهما في محلهما، و كذا الإشكال في صحة الأفعال المتأخرة عنهما من صدق الإتيان بهما، و من عدم وقوعهما على الوجه المأمور به» و تبعه في الرياض، قلت: قد يقال بتناول صحيح الجاهل الشامل للمقصر الذي هو كالعامد، كما أنه قد يقال بأن الأدلة المزبورة خصوصا الآية و ما اشتمل على الاستدلال بها من النصوص إنما تدل على وجوبهما بعد الطواف لا اشتراط صحته بهما، و لذا كان له تركهما في الطواف المندوب، و لم يؤمر بإعادة السعي و غيره من الافعال لناسيهما و الجاهل بهما، فليس حينئذ في


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 5 و 6 و 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 20.

ج 19، ص: 308

عدم فعلهما بعد الطواف عمدا إلا الإثم و وجوب القضاء كما ذكره ثاني الشهيدين لا بطلان ما

تعقبهما من الأفعال، و جعلهما في المتن من لوازم الطواف أعم من ذلك، و الله العالم.

[مسائل ست ]
اشاره

مسائل ست:

[المسألة الأولى الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب ]

الأولى الزيادة عمدا على سبع في الطواف الواجب محظورة و مبطلة على الأظهر كما عن الوسيلة و الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب، بل في المدارك أنه المعروف من مذهب الأصحاب، و في كشف اللثام أنه المشهور، و هو كذلك مع نيته في الابتداء على وجه الإدخال في الكيفية، ضرورة كونه حينئذ ناويا لما لم يأمر به الشارع، فهو كمن نوى صوم الوصال مثلا، بل في كشف اللثام و كذا لو نواها في الأثناء، لأنه لم يستدم النية الصحيحة و لا حكمها، و فيه أن ذلك غير مناف لاستدامة النية على سبع و إن نوى الزيادة عليها.

و أما إذا تعمد فعلها من غير إدخال لذلك في النية في الابتداء أو في الأثناء فإن تعمد فعلها لا من هذا الطواف ففي كشف اللثام عدم البطلان ظاهر، لأنها حينئذ فعل خارج وقع لغوا أو جزء من طواف آخر، و إن تعمدها من هذا الطواف فظاهر ما سمعته من المشهور البطلان، لأنه كزيادة ركعة في الصلاة ل

قوله صلى الله عليه و آله(1): «الطواف بالبيت صلاة»

و قول أبي الحسن عليه السلام في خبر عبد الله بن محمد(2)«الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذلك السعي»

و لخروجه عن الهيئة التي فعلها النبي صلى الله عليه و آله مع وجوب التأسي، و قوله صلى الله عليه و آله (3)«خذوا


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 87 و كنز العمال ج 3 ص 10 الرقم 206.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 11.
3- 3 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 19، ص: 309

عني مناسككم»

و لخبر أبي بصير(1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط قال: يعيد حتى يستتمه»

و لكن نوقش بكون الأول قياسا محضا، على أنه ليس كزيادة ركعة في الصلاة، بل مثل فعلها بعد الفراغ، و منع خروجه عن الهيئة المعهودة، ضرورة كون الزيادة إنما لحقتها من بعد، و عدم فعله لها لا يقتضي التحريم فضلا عن البطلان، للأصل و غيره، و لو سلم فأقصاه أنه تشريع محرم خارج عن العبادة، و بالطعن في سند الخبرين المحتملين لنية الزيادة أول الطواف أو اثناءه بناء على ما سمعته من كشف اللثام، بل قد يحتمل الثاني منهما إرادة إتمام طواف آخر كما يشعر به قوله عليه السلام يستتمه، على أنه إنما يدل

على تحريم زيادة الشوط، كل ذلك مضافا الى الأصل و إطلاق

صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام سأله «عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال: يضيف إليها ستا»

و نحوه غيره.

و لكن قد يدفع جميع ذلك بظهور الخبرين المنجبرين بما سمعت، بل يؤيد إرادة إعادة ذلك الطواف من قوله عليه السلام «يستتمه» روايته في الكافي حتى «يتنبه» و هو كالصريح في إرادة الطواف الأول، و صحيح ابن مسلم و غيره محمول على الزيادة سهوا أو مع نية طواف ثان، بل في كشف اللثام أو تعمد الشوط من طوافه الأول مع جهل الحكم أو الغفلة عنه، و مقتضاه معذورية الجاهل كالناسي و هو مشكل مع فرض الإتيان في أول النية بل و الأثناء على ما ذكره من كونه كالابتداء، ضرورة اقتضاء ما سمعت البطلان على تقدير الجهل و العمد، بل لعل إطلاق نحو عبارة المتن يقتضي ذلك أيضا كالخبرين الذين مقتضاهما البطلان حتى في الزيادة المتأخرة عن الإكمال نحو العالم، بل في المسالك التصريح بان الجاهل


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 8.

ج 19، ص: 310

هنا كالعالم، ثم إن ظاهر الخبرين المزبورين و الفتاوى إعادة الطواف من رأس لا الشوط خاصة و هو كذلك كما صرح به غير واحد.

هذا كله في طواف الفريضة و أما الزيادة عمدا في طواف النافلة ففي القواعد كالمتن مكروهة و لكن لا أعرف وجهه مع فرض كون المراد ما ذكرناه من الزيادة المحرمة في الطواف الواجب حتى المتأخرة لكن بنية أنها زيادة في الطواف، ضرورة كون الحرمة في الجميع للتشريع، و خبر طلحة(1)الآتي إنما هو في غير الفرض كما ستعرف إن شاء الله، اللهم إلا ان يريد حرمة الزيادة في الفريضة و إن لم تكن على جهة التشريع، و كراهتها في النافلة أو أن المراد من الزيادة في النافلة خصوص القران الذي صرح في النافع بكراهته في طواف النافلة بمعنى عدم الفصل بين الطوافين مثلا بالصلاة كما صرح به غير واحد، بل في محكي التنقيح نفي الخلاف بل هو المراد مما عن النهاية و الاقتصاد و التهذيب و الاستبصار من أن الأفضل تركه ل

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر زرارة(2)المروي في مستطرفات السرائر عن كتاب حريز «لا قران بين أسبوعين في فريضة و نافلة»

و إطلاق

خبر البزنطي (3)«سأل رجل أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يطوف الأسباع جمعا فيقرن فقال: لا إلا الأسبوع و ركعتان، و إنما قرن أبو الحسن عليه السلام لأنه كان يطوف مع محمد بن إبراهيم لحال التقية»

و قوله عليه السلام في خبر علي بن أبي حمزة(4)«لا تقرن بين أسبوعين»

المحمول على إرادة الكراهة من النهي فيه و لو لنفي الخلاف في الجواز الذي سمعته من التنقيح الذي يشهد له التتبع، مضافا الى

قول الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 311

عليه السلام في صحيح زرارة(1): «إنما يكره أن يجمع الرجل بين الأسبوعين و الطوافين في الفريضة، فأما في النافلة فلا بأس»

و في

خبر عمر بن يزيد(2)«إنما يكره القران في الفريضة، فاما النافلة فلا و انه ما به بأس»

بناء على إرادة الحرمة من الكراهة المزبورة ليتجه نفي البأس عنه في النافلة الظاهر في عدمها فيها بقرينة المقابلة، مع أن الكراهة مجمع عليها، و

خبر زرارة(3)«ربما طفت مع أبي جعفر عليه السلام و هو ممسك بيدي الطوافين و الثلاثة ثم ينصرف و يصلي الركعات ستا»

و خبره الآخر(4)«طفت مع أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثة عشر أسبوعا قرنها جميعا و هو

آخذ بيدي ثم خرج فتنحى ناحية فصلى ستا و عشرين ركعة و صليت معه»

و خبر علي بن جعفر(5)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن الرجل يطوف السبوع و السبوعين فلا يصلي ركعتين حتى يبدو له أن يطوف أسبوعا آخر هل يصلح ذلك؟ قال: لا يصلح ذلك حتى يصلي ركعتي السبوع الأول ثم يطوف ما أحب»

و خبره الآخر(6)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل هل يصلح له أن يطوف طوافين و الثلاثة و لا يفرق بينهما بالصلاة حتى يصلي لها جميعا قال: لا بأس غير أنه يسلم في كل ركعتين»

و نحوه خبراه الآخران (7)عنه (عليه السلام) أيضا المشتملان على رؤيته كذلك، و غير ذلك من النصوص الدالة على الجواز و الكراهة المحمولة بقرائن عديدة على إرادة النافلة.

و منه مضافا الى النصوص السابقة يظهر الوجه في عدم جوازه في الفريضة


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 10 و 11.

ج 19، ص: 312

كما عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجمل و العقود و المهذب و الجامع، بل عن التذكرة نسبته الى أكثر علمائنا، خلافا لما عن الاقتصاد و الدروس و المختلف من الكراهة للأصل المقطوع بما عرفت، و للخبرين

المزبورين اللذين قد عرفت إرادة الحرمة من الكراهة فيهما، و إلا لكانت منفية عنه في النافلة، و الإجماع على خلافه، بل ربما قيل إنه لو لا ذلك لكان المنع عنه فيها كالفريضة في غاية القوة، لما سمعته عن النهي عنه في النصوص السابقة الذي يقصر الخبران المزبوران عن صرفه عن ظاهره، خصوصا بعد قوة احتمال التقية فيهما كما سمعت الإشارة إليه في خبر البزنطي، و نحوه

خبر علي بن أبي حمزة(1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يطوف و يقرن بين أسبوعين فقال: إن شئت رويت لك عن أهل مكة فقال: قلت له: و الله ما لي في ذلك حاجة جعلت فداك، و لكن ارو لي ما أدين الله عز و جل به، فقال: لا تقرن بين أسبوعين، كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين»

و إن كان هو خاليا عن الثمرة بعد ما عرفت من الإجماع و غيره مما يقتضي إرادة الأعم من الكراهة و الحرمة من ذلك و نحوه، بل في النافع و التنقيح البطلان معها في الفريضة على الأشهر، قال في الأول: «و القران مبطل في الفريضة على الأشهر و مكروه في النافلة» و إن كنا لم نتحقق ذلك بل في الرياض «انا لم نقف على نص و لا فتوى تتضمن الحكم بالإبطال، و إنما غايتهما النهي عن القران الذي غايته التحريم، و هو لا يستلزم بطلان الطواف الأول إذا كان فريضة أو بطلانهما معا كما هو ظاهر العبارة و غيرها لتعلق النهي بخارج العبادة، لعدم صدق القران إلا بالإتيان بالطواف الثاني، فهو المنهي عنه لا هما


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 313

معا أو الأول كما هو ظاهر القوم، نعم لو أريد بالباطل الطواف الثاني اتجه، لتعلق النهي بنفس العبادة حينئذ، و يدل على البطلان حينئذ زيادة على ذلك الأخبار(1)الدالة على فورية صلاة الطواف و انها تجب ساعة الفراغ منه لا تؤخر بناء على ما قررناه في الأصول من استحالة الأمر بشيئين متضادين في وقت مضيق و لو لأحدهما» قلت: قد يناقش بعد الإغضاء عما ذكره أخيرا الذي هو مع أنه غير تام في نفسه كما حققناه في محله لا يتم في حال الغفلة و النسيان للصلاة، لصدق اسم القران عليهما معا، و النهي في العبادة و إن كان الخارج ظاهر في الفساد كما هو واضح، و حينئذ يتجه البطلان فيهما.

و من الغريب ما في كشف اللثام من حمل عبارة النافع على إرادة الزيادة على السبعة شوطا أو أزيد على نية الدخول في ذلك الطواف لا استئناف آخر فإنه المبطل، و قد أطلق على هذا المعنى في التذكرة و المنتهى و خلط فيهما بينه و بين المعنى الأول، ففي المنتهى «لا يجوز الزيادة على سبعة أشواط في الطواف الفريضة، فلو طاف ثمانية عمدا أعاد، و إن كان سهوا استحب له أن يتم أربعة عشر شوطا، و بالجملة القران في طواف الفريضة لا يجوز عند أكثر علمائنا» ثم استدل بأنه صلى الله عليه و آله لم يفعله فلا يجوز ل

قوله صلى الله عليه و آله (2)«خذوا عني مناسككم»

و بأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليها كالصلاة، و لما مر من

قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(3)«فمن طاف ثمانية يعيد حتى يستنبه»

ثم قال و يدل على المنع من القران و ذكر خبري البزنطي (4)و علي بن أبي حمزة(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف.
2- 2 تيسير الوصول ج 1 ص 312.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 314

ثم قال في فروع المسألة: «هل القران في طواف الفريضة محرم أم لا؟ قال الشيخ: لا يجوز، و هو كما يحتمل التحريم يحتمل الكراهة، لكنه احتمال بعيد، و قال ابن إدريس: إنه مكروه شديد الكراهة، و قد يعبر عن مثل هذا بقولنا «لا يجوز» و كلام الشيخ في الاستبصار يعطي الكراهة، و في التذكرة لا يجوز القران في طواف الفريضة عند أكثر علمائنا، لأن النبي صلى الله عليه و آله لم يفعله فلا يجوز فعله لقوله صلى الله عليه و آله «خذوا» و لأنها فريضة ذات عدد فلا يجوز الزيادة عليه كالصلاة، و لان

الكاظم عليه السلام «سئل عن الرجل يطوف يقرن بين أسبوعين فقال: كلما طفت أسبوعا فصل ركعتين»

و ذلك كله كما ترى لا شهادة فيه على ما ذكره من التأويل، بل أقصاه المناقشة في الأدلة على عنوان القران، و على كل حال فان فعل القران في النافلة استحب له الانصراف على الوتر فيقرن بين ثلاثة أو خمسة أو سبعة كما صرح به الفاضل و الشيخ و يحيى بن سعيد، بل عن الفاضل كراهة الانصراف على شفع ل

خبر طلحة بن زيد(1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «انه كان يكره أن ينصرف في الطواف إلا على وتر من طوافه»

و الله العالم.

[المسألة الثانية الطهارة]

المسألة الثانية قدم تقدم أن الطهارة من الحدث شرط في الواجب دون الندب حتى انه يجوز ابتداء المندوب مع عدم الطهارة و إن كانت الطهارة أفضل لكن لا يصلي بدونها، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة وجوب كون صلاة الطواف في المقام ]

المسألة الثالثة المشهور انه يجب أن يصلي ركعتي الطواف الواجب في المقام للتأسي و الآية(2)و المستفيض من النصوص (3)أو


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 119.
3- 3 الوسائل- الباب- 71 و 72- من أبواب الطواف.

ج 19، ص: 315

المتواتر أو المقطوع بمضمونه، و المراد به حيث هو الآن لا حيث كان على عهد إبراهيم عليه

السلام ثم على عهد النبي صلى الله عليه و آله على ما سمعته في بعض الاخبار، ل

صحيح ابن إبراهيم بن أبي محمود(1)سأل الرضا عليه السلام «أصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: حيث هو الساعة»

و لانه المفهوم من غيره من النصوص المتضمنة للصلاة فيه،

كمرسل صفوان (2)الذي هو من أصحاب الإجماع عن الصادق عليه السلام «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام، لقول الله عز و جل «وَ اتَّخِذُوا» الآية، فإن صلاهما في غيره أعاد الصلاة»

و خبر عبد الله بن مسكان (3)الذي هو من أصحاب الإجماع أيضا عن أبي عبد الله الأبزاري عن الصادق عليه السلام سأله «عمن نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال:

يعيدهما خلف المقام، لان الله يقول «وَ اتَّخِذُوا» الآية يعني ركعتي طواف الفريضة»

و صحيح الحلبي (4)عنه عليه السلام أيضا «إنما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام»

الخبر، و

صحيح ابن مسلم (5)عن أحدهما (عليهما السلام) المتقدم آنفا المشتمل على قوله عليه السلام: «يرجع الى المقام فيصلي ركعتين»

و حسن معاوية بن عمار(6)عن الصادق عليه السلام المتقدم أيضا «إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السلام فصل ركعتين و اجعله أماما»

الخبر


1- 1 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 72- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث- 3.

ج 19، ص: 316

و غير ذلك من النصوص الدالة على أنه لا يجوز في غيره.

خلافا لما عن الخلاف من جواز فعلهما في غيره، بل عنه نفي الخلاف عن إجزاء الصلاة في غيره و عدم وجوب الإعادة، و ما عن الصدوقين من جواز صلاتهما في خصوص طواف النساء في سائر مواضع المسجد، و إن كنا لم نعثر على ما يدل على الفرق بينه و بين غيره كما اعترف به في كشف اللثام، قال:

«إلا رواية عن الرضا عليه السلام» و الظاهر إرادته ما عن الفقه المنسوب (1)الى الرضا عليه السلام حيث قال بعد ذكر المواضع التي يستحب الصلاة فيها و ترتيبها في الفضل ما صورته «و ما قرب من البيت فهو أفضل إلا أنه لا يجوز أن يصلي ركعتي طواف الحج و العمرة إلا خلف المقام حيث هو الساعة، و لا بأس بأن

تصلي ركعتين لطواف النساء و غيره حيث شئت من المسجد الحرام» إلا أنه مع عدم ثبوت نسبته عندنا لا يصلح مخصصا للنصوص المزبورة.

نعم قد يستدل للأول بالأصل بعد عدم نصوصية الآية فيه، لأنها إن كانت من قبيل اتخاذ الخاتم من الفضة كما هو الظاهر أو كانت «من» فيها بمعنى «في» لزم أن يراد بالمقام المسجد أو الحرم، و إلا وجب فعل الصلاة على الحجر نفسه، و إن أريد الاتصال و القرب و بالمقام الصخرة فالمسجد كله بقربه، و إن وجب الأقرب فالأقرب لزم أن يكون الواجب في عهده صلى الله عليه و آله عند الكعبة لكون المقام عندها، و كذا عند ظهور القائم عليه السلام، و كذا كلما نقل الى مكان وجبت الصلاة فيه، و لعله لا قائل به، و فيه أنه بعد تسليمه لا ينافي الظهور الذي عليه المدار في إثبات المطلوب، خصوصا بعد ما ورد في (من خ) نزول


1- 1 ذكر قطعة منه في المستدرك في الباب- 46- من أبواب الطواف الحديث 1، و الباب- 48- منها- الحديث 1 و تمامه في فقه الرضا عليه السلام ص 28.

ج 19، ص: 317

الآية عند فعلهما الذي هو كالتفسير لها و ما ورد من الاستدلال بها في النصوص (1)مضافا الى قاعدة الانتقال إلى أقرب المجازات مع تعذر الحقيقة، و إمكان منع عدم القائل به بعد عدم تعرض أحد له و غير ذلك، و إطلاق بعض النصوص السابقة فعلهما في مكانه الذي قد عرفت المراد به- مع اختصاصه بالناسي، و حمل غيره عليه قياس- يقتضي جواز فعلهما حينئذ اختيارا في غير المسجد، و لا يقول به الخصم،

و إشعار لفظ «لا ينبغي» في خبر زرارة(2)الآتي الذي يراد منه الحرمة و لو بقرينة ما سمعته من النصوص و الفتاوى كما ترى، و نفي الخلاف في الخلاف عن الاجزاء مع كونه موهونا بما سمعت معارض بهما أيضا مع رجحانهما عليه من وجوه، و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور بعد ما سمعت من النصوص و الفتاوى.

إنما الكلام فيما سمعته من المصنف متمما له بقوله فان منعه زحام صلى وراءه أو الى أحد جانبيه مع أن الموجود في النصوص (3)الصلاة عند المقام و خلفه و جعله أماما، بل مقتضى تحكيم الثاني على إطلاق الأول يعين كونها خلفه كما عن الصدوقين و أبي علي و الشيخ في المصباح و مختصره و القاضي في المهذب، بل في الدروس معظم الاخبار و كلام الأصحاب ليس فيهما الصلاة في المقام بل عنده أو خلفه، و عن

الصادق عليه السلام (4)«ليس لأحد أن يصليهما إلا خلف


1- 1 الوسائل- الباب- 74- من أبواب الطواف- الحديث 10 و 15 و 16 و 19 و 20.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 71 و 72 و 74- من أبواب الطواف.
4- 4 الوسائل- الباب- 72- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 318

المقام»

و اما تعبير بعض الفقهاء بالصلاة في المقام فهو مجاز تسمية لما حول المقام باسمه، إذ القطع بأن الصخرة التي فيها أثر قدمي

إبراهيم عليه السلام لا يصلى عليها، و لا خلاف في عدم جواز التقدم عليها، و المنع من استدبارها، و منه يعلم النظر فيما في كشف اللثام من أنه لا بأس عندي بإرادة نفس الصخرة، و حقيقة الظرفية بمعنى أنه إن أمكن الصلاة على نفسها فعل لظاهر الآية، فان لم يمكن كما هو الواقع في هذه الأزمنة صلى خلفه أو الى جانبيه، مضافا الى عدم وقوع ذلك من النبي صلى الله عليه و آله و غيره، بل قد سمعت أن الواقع خلافه من الصلاة خلفه و جعله أماما، و أنه صلى الله عليه و آله قرأ الآية بعد أن فعل مشيرا بذلك الى كونه المراد منها، كما أن المحكي عن إبراهيم عليه السلام أنه جعله بعد وقوع الآية من الله تعالى في الصخرة قبلة لصلاته.

و على كل حال فقد عبر بإيقاع الركعتين في المقام في النهاية و المبسوط و الوسيلة و المراسم و السرائر و النافع و القواعد و التذكرة و التحرير و التبصرة و الإرشاد و المنتهى، و لعل المراد عنده كما في جملة من النصوص (1)و محكي التهذيب و الاقتصاد و الجمل و العقود و جمل العلم و العمل و شرحه و الجامع، و يشهد له ما عن المنتهى و التذكرة من الاستدلال على الصلاة فيه بنصوص «عنده» «و خلفه» لكن قد يشكل ذلك في عبارة المصنف و الفاضل و نحوهما مما اشترط فيه الصلاة خلفه أو أحد جانبيه بالزحام، و كذا عن الوسيلة، لكن فيها أو بحذائه نحو ما عن النهاية و المبسوط و السرائر و النافع أو بحياله، و في النافع و عن التهذيب إن زوحم صلى حياله،

و عن الاقتصاد يصلي عند المقام أو حيث يقرب منه،


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الطواف- الحديث 1 و الباب 74 منها الحديث 6 و 7 و 16.

ج 19، ص: 319

و بالجملة لا وجه لاشتراط الصلاة خلفه بذلك ضرورة جوازه اختيارا، بل مقتضى الجمع بين النصوص تعينه كما عرفت، اللهم إلا أن يريدوا التباعد الذي يخرج عن مصداق عنده كما يومي اليه استدلالهم على ذلك ب

خبر الحسين بن عثمان (1)الصحيح في الكافي و الضعيف في التهذيب «رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريبا من ظلال المسجد» و في التهذيب «قريبا من الظلال لكثرة الناس»

و اما احتمال كون المراد بالمقام في كلام من عرفت البناء الموجود الآن الذي كاد يكون حقيقة عرفية باعتبار اشتماله عليه فهو مع بعده عن النصوص خصوصا صحيح إبراهيم بن أبي محمود(2)السابق منها و إن صحح الظرفية المكانية لكنه لا يصحح الشرطية المزبورة إلا على التأويل المذكور، كل ذلك مع انه لم نقف على ما يدل على الصلاة في أحد جانبيه في حال التباعد، و لعله لذا قال في النافع و محكي التهذيب ما سمعت، بل قد سمعت ان مقتضى الجمع بين إطلاق الآية و نصوص «عنده» و بين نصوص الخلف تعين الخلف في حال الاختيار أيضا فضلا عن حال الاضطرار الخارج عن مصداق «عنده» و الاتخاذ منه مصلى المراد بمن فيه إما

الاتصالية أو الابتدائية، على معنى ابتداء المصلي منه أو اتخاذه منه بكونه بحياله، أو ان المراد منه نحو قولهم اتخذت من فلان صديقا ناصحا، و وهب الله لي من فلان أخا مشفقا، فإن الصلاة الى احد الجانبين في حال التباعد خارج عن ذلك كله، و أما الخلف فلما سمعته من الصحيح المزبور، على انه ينبغي تقييد ذلك بما إذا ضاق الوقت، و إلا فالمتجه وجوب الانتظار، و فعل


1- 1 الوسائل- الباب- 75- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 320

أبي الحسن (عليه السلام) لا إطلاق فيه، و بذلك كله اتضح لك ان الاولى و الأحوط الصلاة خلفه سواء كان هو الصخرة أو البناء في حال الاختيار و الاضطرار مراعيا ضيق الوقت في الثاني الخارج عن صدق اسم عند.

هذا كله في طواف الفريضة، و اما النافلة فيجوز إيقاعهما فيها في المسجد حيث شاء كما نص عليه غير واحد، بل لم أجد فيه خلافا صريحا نصا و فتوى للأصل و النصوص، منها

قول أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة(1): «لا ينبغي ان يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا عند مقام إبراهيم (عليه السلام) و أما التطوع فحيث شئت من المسجد»

و منها

قول الباقر (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(2): «من طاف بهذا البيت أسبوعا و صلى

ركعتين في أي جوانب المسجد شاء كتب الله له ستة آلاف حسنة»

المراد به النافلة، بل ظاهر

المروي (3)عن قرب الاسناد منها «عن الرجل يطوف بعد الفجر فيصلي الركعتين خارج المسجد قال: يصلي بمكة لا يخرج منها إلا أن ينسى فيصلي إذا رجع في المسجد أي ساعة أحب ركعتي ذلك الطواف»

جواز صلاة الركعتين خارج المسجد بمكة على الإطلاق، و لم أر مفتيا به، فالعمل به مشكل و لو صح سنده لقصوره عن معارضة غيره مما دل على صلاتهما فيه، و الله العالم.

[المسألة الرابعة حكم العلم بالنجاسة في أثناء الطواف ]

المسألة الرابعة من طاف و على بدنه نجاسة أو في ثوب نجس مع العلم بها و بالحكم لم يصح طوافه بلا خلاف بين القائلين بالشرطية، بل و لا إشكال، ضرورة اقتضاء النهي في العبادة الفساد، فيعيد الطواف حينئذ بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 19، ص: 321

إزالة النجاسة كالصلاة المشبهة بها الطواف و إن لم يعلم بها ابتداء فعلم في أثناء طوافه أزاله أي الثوب مع وجود ساتر غيره أو أزال نجاسته، و على كل حال فالمراد رفع النجاسة و تمم طوافه كما صرح به غير واحد، و لعله لإطلاق

المرسل (1)«رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال: أجزأه الطواف ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر»

و خبر يونس ابن يعقوب (2)سأل الصادق عليه السلام «عن الرجل يرى في ثوبه الدم و هو في الطواف قال: ينظر الموضع الذي يرى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله ثم يعود فيتم طوافه»

المؤيد ب

خبر حبيب بن مظاهر(3)قال: «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلت ثم جئت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: بئسما صنعت، كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، أما انه ليس عليك شي ء»

فإنه و إن لم يكن في الجاهل بها إلا أنه مثله في اختصاص التكليف بحال العلم بناء على ما ستعرف، و بقاعدة الإجزاء فيما وقع حال عدم العلم بعد عدم ثبوت الشرطية في أزيد من حال العلم، كعدم ثبوت البطلان بالفصل المزبور، بل مقتضى الإطلاقات الصحة مضافا الى الخبرين المزبورين، بل مقتضى إطلاق الأول منهما عدم الفرق بين ما لو علم بالنجاسة قبل الشروع فيه ثم نسيها أولا، ضاق الوقت أو لا، مؤيدا برفع النسيان عن الأمة، و بأصالة البراءة و غير ذلك، بل عن الفاضل في التذكرة الاقتصار على صورة النسيان، بل في الرياض أن إطلاقها كالعبارة و غيرها من عبائر الجماعة يقتضي عدم الفرق بين ما لو

توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و عدمه


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 322

و لا بين أن يقع العلم بعد تجاوز النصف أو قبله، و هو نص الأخير.

خلافا للشهيدين فجزما بوجوب الاستئناف إن توقفت الإزالة على فعل يستدعي قطع الطواف و لما يكمل أربعة أشواط، نظرا الى ثبوت ذلك مع الحدث في أثناء الطواف، و الحكم في المسألتين واحد، و فيه نظر، و الأجود الاستدلال بعموم ما دل (1)على أن قطع الطواف قبل تجاوز الأربعة يوجب الاستئناف كما سيأتي، و لا معارض له صريحا سوى الخبر الأخير، و هو قاصر سندا فيشكل تخصيصه به، و كذا الخبران الأولان، مضافا الى عدم صراحتهما و احتمالهما التقييد بصورة التجاوز، كما يمكن تقييد ذلك العموم بغير موردهما، و بالجملة فإن التعارض بينهما من وجه، و الأقوى تقييد هذين بذلك لقصور السند، لكن يمكن جبر القصور بعمل المشهور بالموافقة للأصل، فان الأصل بقاء صحة ما فعل و عدم وجوب الاستئناف مع تأمل ما في ذلك العموم، فإنما غايته الإطلاق الغير المتبادر منه محل النزاع، و لعل هذا أظهر، سيما مع اعتضاده بصريح ما مر من الخبر المعتبر، فتدبر.

قلت: لا يخفى عليك أن الخبرين المزبورين لم يدلا إلا على عدم قدح تخلل مقدار زوال

النجاسة ثم العود للطواف في فوات الموالاة، بل لا دلالة في شي ء منهما على عدم البأس حتى لو كان في أيام فضلا عن وقوع الحدث أو نحوه مما ستعرفه إن شاء الله في مسألة التجاوز، و لذا أطلق المصنف و غيره الحكم هنا


1- 1 الوسائل- الباب- 40 و 41 و 45- من أبواب الطواف إلا أنه لا يستفاد من الروايات وجوب الإعادة بالقطع قبل تجاوز الأربعة و الموجود فيها هو الإعادة بالقطع قبل النصف أو القطع على ثلاثة أشواط و انه إذا طاف أربعا يبني عليه.

ج 19، ص: 323

من غير إشارة إلى تلك المسألة، و من الغريب دعوى أن عمل المشهور كذلك، فالتحقيق الاقتصار فيما نحن فيه على عدم قدح تخلل إزالة النجاسة أو نزع الثوب النجس و نحو ذلك على حسب ما هو متعارف و معتاد في نحو ذلك، أما إذا احتيج مع ذلك الى حال ينقطع به الطواف خارج عن المعتاد فحكمه ما تسمعه ان شاء الله من التفصيل الآتي، و من جميع ما ذكرناه يعلم النظر فيما في الدروس، قال: «و لو طاف في ثوب نجس أو على بدنه نجاسة أعاد مع التعمد أو النسيان و لو لم يعلم حتى فرغ صح، و لو علم في الأثناء أزالها و أتم إن بلغ الأربعة، و إلا استأنف».

و كيف كان ف لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ كان طوافه ماضيا بلا خلاف أجده فيه، بل و لا إشكال لما سمعته من القاعدة، مضافا الى كونه كالصلاة التي قد عرفت أن حكمها كذلك على الأصح، و لا ينافي ذلك الاختلاف بينهما في صورة النسيان التي قد يشك في شمول التشبيه لها مع اقتضاء إطلاق الدليل ذلك، على أن الأحوط أيضا اعتبار المساواة فيها، و الى

مرسل البزنطي (1)انه سأل الصادق عليه السلام «عن رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه و يصلي في ثوب طاهر»

المنزل على حال الجهل بها، لما سمعته في العامد، أما جاهل الحكم فألحقه بعضهم بجاهل الموضوع، لكنه لا يخلو من نظر، و إن كان قد يقال بشمول المرسل المزبور له، مضافا الى إمكان استفادة أصالة معذورية الجاهل بالحكم في الحج كالناسي، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

[المسألة الخامسة يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة]

المسألة الخامسة يجوز أن يصلي ركعتي طواف الفريضة و لو في الأوقات


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 324

التي تكره لابتداء النوافل بلا خلاف و لا إشكال، لإطلاق الأدلة، و خصوص

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن عمار(1)السابق: «و هاتان الركعتان هما الفريضة، ليس يكره أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس و عند غروبها، و لا تؤخرهما ساعة تطوف و تفرغ، فصلهما»

و قول أبي جعفر عليه السلام في صحيح زرارة(2)«أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك متى ذكرتها أديتها، و صلاة ركعتي طواف الفريضة، و صلاة الكسوف، و الصلاة على الميت»

و حسن رفاعة(3)سأل الصادق عليه السلام «عن الرجل يطوف الطواف الواجب بعد العصر أ يصلي ركعتين حين يفرغ من طوافه؟ قال: نعم، ما بلغك قول رسول الله صلى الله عليه و آله يا بني عبد المطلب لا تمنعوا الناس من الصلاة بعد العصر فتمنعوهم من الطواف»

و حينئذ فما في

صحيح ابن مسلم (4)- «سألت أبا جعفر عليه السلام عن ركعتي طواف الفريضة فقال: وقتها إذا فرغت من طوافك، و أكرهه عند اصفرار الشمس و عند طلوعها»

و صحيحه الآخر(5)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن الرجل يدخل مكة بعد الغداة أو بعد العصر قال: يطوف و يصلي الركعتين ما لم يكن عند طلوع الشمس أو عند احمرارها»

- محمول على التقية، فلا ينافيه ما في

الموثق (6)كالصحيح «ما رأيت الناس أخذوا عن الحسن و الحسين (عليهما السلام) إلا الصلاة بعد العصر و بعد الغداة في طواف الفريضة»

لظهوره في موافقة العامة لنا في هذه المسألة اقتداء بهما (عليهما السلام) إذ يمكن الجواب


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المواقيت- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف الحديث 4.

ج 19، ص: 325

عن ذلك بإمكان الفرق بين فعلهم و فعلنا المحمول عندهم على الجواز مطلقا أو على غير ذلك كما أشار إليه الرضا عليه السلام في الصحيح (1)الآتي، بل يمكن حمل الثاني منهما على طواف النافلة الذي قد يظهر من المصنف و غيره كراهة صلاة ركعتيه في الأوقات المزبورة، بل عن الشيخ و غيره التصريح به و إن كانت هي من ذوات الأسباب التي لا يكره فعلها في الأوقات المزبورة بخلاف المبتدأة، لكن لعله هنا ل

صحيح ابن بزيع (2)«سألت الرضا عليه السلام عن صلاة طواف التطوع بعد العصر فقال: لا، فذكرت له قول بعض آبائه (عليهم السلام): إن الناس لم يأخذوا عن الحسن و الحسين (عليهما السلام) إلا الصلاة بعد العصر بمكة فقال نعم، و لكن إذا رأيت الناس يقبلون على شي ء فاجتنبه، فقلت: إن هؤلاء يفعلون فقال: لستم مثلهم»

و اما

خبر ابن يقطين (3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الذي يطوف بعد الغداة أو بعد

العصر و هو في وقت الصلاة أ يصلي ركعات الطواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال: لا»

فيمكن ان يكون الوجه فيه أن المفروض فيه حضور وقت الفريضة التي هي أولى بالتقديم، بل يجب تقديمها على ركعتي طواف النافلة بناء على عدم جواز التطوع وقت الفريضة، بل يمكن حمل الصحيح المزبور على ضيق وقت الحاضرة، بل عن الشيخ أن الوجه فيه ما تضمنه من انه كان وقت صلاة فريضة فلم يجز له ان يصلي ركعتي الطواف إلا بعد ان يفرغ من الفريضة الحاضرة، و ظاهره وجوب تقديم الفريضة الحاضرة على ركعتي الطواف الفريضة و لو مع اتساع الوقت، و فيه منع، ضرورة ان الأصل يقتضي التخيير بينهما كما عن الفاضل التصريح به، لأنهما واجبان موسعان، فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 76- من أبواب الطواف- الحديث 11.

ج 19، ص: 326

وجه لترجيح أحدهما على الآخر، بل إن قلنا بفورية صلاة الطواف كما يشعر به بعض النصوص اتجه حينئذ تقديمها على الفريضة، كما هو واضح، و الله العالم

[المسألة السادسة من نقص من طوافه ]

المسألة السادسة من نقص من طوافه و لو عمدا في فريضة شوطا أو أقل أو أزيد أتمه لصدق الامتثال إن كان في المطاف و لم يفعل المنافي الذي منه طول الفصل المفوت للموالاة، بناء على اعتبارها كما هو المشهور، بل في الرياض نسبته الى ظاهر الأصحاب للانسياق، و لأنه المتيقن في البراءة، و المعهود من فعل النبي صلى الله عليه و آله و الأئمة (ع) و الصحابة و التابعين و غيرهم، و لأنه كالصلاة المعلوم اعتبار ذلك فيها، و إن انصرف عن المطاف أو حصل المنافي من حدث و نحوه و كان النقصان سهوا فان جاوز النصف اي طاف أربعة أشواط كما فسره به في المسالك و حاشية الكركي، بل جعلا المراد بالمجاوز ذلك، و ربما يشهد له ما تسمعه من خبر إسحاق بن عمار(1)الذي به يقيد إطلاق غيره، و على كل حال فمتى كان كذلك رجع فأتم، و لو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ما بقي عليه و إن كان دون ذلك اي من النصف أو قبل تمام الأربع استأنف مع الإمكان، و إلا استناب كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي المقنعة و المراسم و المبسوط و الكافي و الغنية و النهاية و الوسيلة و السرائر و الجامع، نعم ليس في الأول كالمتن التصريح بالنسيان، كما انه ليس فيهما أيضا اعتبار الأربعة أشواط بل اقتصرا على الأكثر من النصف و الأقل، بخلاف الأربعة المتأخرة التي صرح فيها بذلك، بل يمكن إرجاع غيرها إليها، و صرح فيها أيضا كالمتن و محكي المبسوط بالاستنابة إذا رجع الى اهله.

و على كل حال فالتفصيل المزبور هو المشهور، بل في الرياض «لا يكاد


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 327

يظهر فيه الخلاف إلا من جمع ممن تأخر حيث قالوا لم نظفر بمستند لهذا التفصيل بل الموجود في محكي التهذيب و التحرير و

التذكرة و المنتهى ان من طاف ستة أشواط و انصرف فليضف إليها و لا شي ء عليه، فان لم يذكر حتى يرجع الى أهله استناب، و إن ذكر في السعي أنه طاف بالبيت أقل من سبعة فليقطع السعي و ليتم الطواف ثم ليرجع فليتم السعي كما تسمع الخبر(1)الدال عليه، أما الأول

فالصحيح عن الحسن بن عطية(2): «سأله سليمان بن خالد و انا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبو عبد الله عليه السلام: و كيف طاف ستة أشواط؟

قال: استقبل الحجر و قال: الله أكبر و عقد واحد، فقال أبو عبد الله عليه السلام:

يطوف شوطا، فقال سليمان: فان فاته ذلك حتى اتى أهله قال يأمر من يطوف عنه»

و صحيح الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا «قلت: رجل طاف بالبيت و اختصر شوطا واحدا في الحجر قال: يعيد ذلك الشوط»

بل ظاهر الخبر الأول كالفتاوى عدم الفرق في الاستنابة بين من تمكن من الرجوع و القضاء بنفسه و غيره، و يأتي مثله فيمن نسي الطواف رأسا حتى رجع الى اهله، و حينئذ فيتجه البناء في الصورة المخصوصة دون غيرها، لفوات الموالاة.

قلت: يمكن ان يكون مستند التفصيل المزبور فحوى ما تسمعه من النصوص (4)في مسألة عروض

الحدث في الأثناء، بل قد تقدم في بحث أن الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن إتمام العمرة يعدلان الى الافراد و القران من النصوص ما هو مشتمل على التعليل الشامل للمقام، ففي

خبر إبراهيم بن


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 40 و 85- من أبواب الطواف.

ج 19، ص: 328

إسحاق (1)عمن سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال: تتم طوافها فليس عليها غيره، و متعتها تامة، فلها ان ان تطوف بين الصفا و المروة و ذلك لأنها زادت على النصف، و قد مضت متعتها، و لتستأنف بعد الحج»

و خصوص المورد لا يقدح في عموم التعليل المؤبد بما سمعت و فحوى ما تسمعه في المريض و غيره مما هو ظاهر في كون المدار في صحة الطواف تجاوز النصف و عدمه، مضافا الى فتوى الأصحاب.

و كذا التفصيل المزبور في من قطع طواف الفريضة لدخول البيت أو للسعي في حاجة كما في القواعد و محكي النهاية و المبسوط و التهذيب و السرائر و الجامع مع زيادة دخول الحجر في الأخير، كما ان في الأربعة السابقة عليه تعميم الحاجة له و لغيره نحو ما في المهذب لغرض من دخول البيت أو غيره، و في

النافع لحاجة أو مرض في أثنائه كما عن النهاية و المبسوط أيضا، و إن كنا لم نعثر في الأول إلا على نصوص الاستئناف،

كصحيح الحلبي (2)«سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثم وجد من البيت خلوة فدخله قال:

يقضي طوافه و خالف السنة فليعد»

و خبر حفص بن البختري (3)عنه (عليه السلام) «فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها قال:

يستقبل طوافه»

و من هنا أمكن ان يقال بالاستئناف مطلقا فيه بناء على ما تسمعه إن شاء الله في العامد لا لعذر و لا لحاجة، إذ دعوى ان ذلك من الأغراض و الحوائج التي تندرج فيما تسمعه من النصوص يمكن منعها، كدعوى ان المدار


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 329

في البناء و عدمه على تجاوز النصف و عدمه و إن كان عالما عامدا كما عن المفيد و الديلمي، فإن النصوص المزبورة حتى التعليل بناء على انسياقه لغير ذلك و حتى نصوص الاستراحة(1)لا تشمله، فيبقى على مقتضى ما دل على اعتبار الموالاة نعم ورد في الحاجة نصوص، منها

صحيح أبان بن تغلب (2)عن الصادق عليه السلام «في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة قال: إن كان طواف نافلة بنى عليه، و إن كان طواف فريضة لم يبن»

و منها

خبره (3)أيضا قال: «كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في الطواف فجاء رجل من أخوالي فسألني ان أمشي معه في حاجة ففطن بي أبو عبد الله عليه السلام فقال يا أبان: من هذا الرجل؟ قلت: رجل من مواليك سألني أن أذهب معه في حاجة، فقال: يا أبان اقطع طوافك و انطلق معه في حاجة فاقضها له، فقلت: اني لم أتم طوافي قال: أحص ما طفت و انطلق معه في حاجته، فقلت: و إن كان طواف فريضة فقال: نعم و إن كان طواف فريضة»

و منها

خبر أبي الفرج (4)قال: «طفت مع أبي عبد الله عليه السلام خمسة أشواط ثم قلت: اني أريد أن أعود مريضا فقال: احفظ مكانك ثم اذهب فعده ثم ارجع فأتم طوافك»

إلا أنه ليس نصا في الفريضة، كما ان سابقه لا تعرض فيه للتفصيل بين النصف و غيره، و الأول إنما هو في غير التجاوز، و به يقيد إطلاق ما دل على البناء، و يلحق ما زاد على الشوطين فصاعدا الى ما لا يتجاوز النصف بهما لعدم قائل بالفرق بين الشوطين و ما زاد أصلا، و ما عن الفقيه- من

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير(5)«في الرجل


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف الحديث- 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف الحديث- 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف الحديث- 8.

ج 19، ص: 330

يطوف ثم تعرض له الحاجة قال: لا بأس أن يذهب في حاجته أو حاجة غيره فيقطع الطواف، و إن أراد أن يستريح و يقعد فلا بأس بذلك، فإذا رجع بنى على طوافه و إن كان أقل من النصف»

- محمول على النفل، مع أنه في التهذيب «فإذا رجع بنى على طوافه، فان كان نافلة بنى على الشوط و الشوطين، و إن كان طواف فريضة ثم خرج في حاجة مع رجل لم يبن و لا في حاجة نفسه» و ان أطلق فيه عدم البناء في الفريضة، و لكن المراد على الشوط و الشوطين نحو إطلاق بعض النصوص السابقة المراد منه ما إذا لم يكن قد تجاوز النصف كل ذلك لما سمعته من الكلية المدلول عليها بالتعليل المعتضد بفتوى الأصحاب و بفحوى ما تسمعه في الحدث بل و المرض الذي أشار إليه المصنف و غيره بقوله:

و كذا لو مرض في أثناء طوافه أي يجري فيه التفصيل المزبور، و ل

خبر إسحاق بن عمار(1)عن أبي الحسن عليه السلام المروي في الكافي «في رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علة لا يقدر معها على إتمام الطواف قال: إن كان طاف أربعة أشواط أمر من

يطوف عنه ثلاثة أشواط و قد تم طوافه، و إن كان قد طاف ثلاثة أشواط و لا يقدر على الطواف فان هذا مما غلب الله تعالى عليه فلا بأس أن يؤخر الطواف يوما أو يومين، فان خلته العلة عاد فطاف أسبوعا، و إن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعا، و يصلي هو ركعتين و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه» و رواه في التهذيب «و يصلي عنه»

و في دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «من حدث به أمر قطع به طوافه من رعاف أو وجع أو حدث أو ما أشبه ذلك ثم عاد الى طوافه فان كان الذي تقدم


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 المستدرك- الباب- 28- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 331

له النصف أو أكثر من النصف بنى على ما تقدم، و إن كان أقل من النصف و كان طواف الفريضة ألقى ما مضى و ابتدأ الطواف»

و في

المحكي (1)عن فقه الرضا عليه السلام بعد ذكر الحائض في أثناء الطواف و أنها تبني بعد تجاوز النصف لا قبله «و كذلك الرجل إذا أصابته علة و هو في الطواف لا يقدر على إتمامه أعاد بعد ذلك طوافه ما لم يجز نصفه، فان جاوز نصفه فعليه أن يبني على ما طاف»

و بذلك كله يقيد إطلاق الإعادة بالمرض في الأثناء في الصحيح (2)بعد حصول التكافؤ بالانجبار(3)و التأييد بالرضوي و غيره.

و من ذلك كله يظهر لك النظر في المحكي عن أبي علي قال: «لو خرج الطائف لعارض عرض له في الطواف أضطره الى الخروج جاز له أن يبني على ما مضى إذا لم يعمل غير دفع ذلك العارض فقط، و الابتداء بطواف الفريضة أحوط، و لو لم يمكنه العود و كان قد تجاوز النصف أجزأه ان يأمر من يطوف عنه فان لم يكن تجاوز النصف و طمع في إمكان ذلك له يوما أو يومين أخر الإحلال، و ان تهيأ أن يطاف به طيف به، و إلا أمر من يطوف عنه و يصلي الركعتين خلف المقام و يسعى عنه و قد خرج من إحرامه، و إن كان صرورة أعاد الحج» و إن قال في كشف اللثام: «و كان دليله لاستئناف الفريضة مطلقا إطلاق صحيح أبان، و عدم نصوصية خبره الآخر في البناء لكن قد سمعت صحيح أبان في الشوط و الشوطين، على ان التفصيل بين الصرورة و غيره لم نعرف له أثرا في نص


1- 1 المستدرك- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 في النسخة المبيضة« بعد عدم حصول التكافؤ بالانجبار» و الصحيح ما أثبتناه كما انه لم يوجد لفظة« عدم» في النسخة المخطوطة المسودة.

ج 19، ص: 332

أو فتوى، كما أنك قد سمعت نصوص التفصيل بين تجاوز النصف و عدمه في العارض و الحاجة التي قد يدخل فيها الاستراحة التي أشير إليها في مرسل ابن أبي عمير السابق، مضافا الى

خبر ابن أبي يعفور(1)عن الصادق عليه السلام انه سئل «عن الرجل يستريح في طوافه قال: نعم أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها».

و كيف كان ف لو استمر مرضه بحيث لا يمكن ان يطاف به طيف عنه كلا أو بعضا على التفصيل السابق، ل

خبر يونس (2)سأله عليه السلام «عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و اسعي قال:

لا، و لكن دعه فإن بري ء قضى هو، و إلا فاقض أنت عنه»

و صحيح حبيب الخثعمي (3)عن الصادق عليه السلام «ان رسول الله صلى الله عليه و آله أمر ان يطاف عن المبطون و الكسير»

و لعل تقييد الأخير منهما بالأول يقتضي عدم المبادرة بالقضاء عنه حتى ييأس من قضائه بنفسه، لكنه خلاف ظاهر المتن و غيره، و لا ريب في أنه أحوط، بل ينبغي مراعاة تعذر الطواف به أيضا، و إلا وجب، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(4)«الكسير يطاف به»

و خبر إسحاق (5)سأل الكاظم عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 6 و فيه « الكبير يحمل فيطاف به» و الصحيح ما ذكر في الجواهر فان الموجود في التهذيب ج 5 ص 125 الرقم 409 كذلك.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الطواف- الحديث 7.

ج 19، ص: 333

«عن المريض يطاف عنه بالكعبة فقال: لا و لكن يطاف به»

و قال عليه السلام في صحيح صفوان بن يحيى(1): «يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس الأرض قدميه في الطواف»

و عن أبي بصير(2)«ان الصادق عليه السلام مرض فأمر غلمانه أن يحملوه و يطوفوا به، و أمرهم أن يخطوا رجليه الأرض حتى تمس الأرض قدماه في الطواف»

و لذا قال أبو علي في المحكي عنه: «من طيف به فسحب رجليه على الأرض أو مسها بهما كان أصلح» لكن عنه انه أوجب عليه الإعادة إذا بري ء، و فيه ان قاعدة الاجزاء و ظاهر النصوص و الأصل تقضي بخلافه.

و هل يصبر للطواف به الى ضيق الوقت أم يجوز المبادرة؟ ظاهر الأخبار و الأصحاب كما في كشف اللثام الجواز، قال: «و إذا جاز أمكن الوجوب إذا لم يجز القطع» قلت: لا ريب في ان الأحوط الأول، بل قد يستفاد من فحوى خبر يونس ذلك، مضافا الى ما مضى من البحث في مسألة وجوب الانتظار لذوي الأعذار أو جواز البدار.

و من ذلك يظهر لك ان الوجه إرادة استمرار المرض حتى ضاق الوقت مما في المتن و نحوه، و لكن عن النهاية و المبسوط و السرائر و التحرير و التذكرة و المنتهى يوما أو يومين، و لعله لخبر إسحاق المتقدم الذي

ظاهره أيضا جواز المبادرة إلى ثلاثة أشواط، و انه هو يصلي صلاة الطواف إذا طيف عنه على ما سمعته في رواية الكافي عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و المهذب و السرائر و الجامع، بل و كذا التهذيب أولا ثم روى

الخبر(3)«أمر من يطوف عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الطواف- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 334

أسبوعا و يصلي عنه»

و قال و في رواية محمد بن يعقوب (1)«و يصلي هو»

و المعني به ما ذكرناه من انه متى استمسك طهارته صلى هو بنفسه، و متى لم يقدر على استمساكها صلي عنه و طيف عنه، قلت: لا شاهد على الجمع المزبور، بل إن كان طواف النائب موجبا لخطاب المنوب عنه بالصلاة اتجه وقوعها منه على حسب أداء صلاته التي لا تسقط عنه بحال من غير فرق بين استمساك بطنه و عدمه، و لذا أطلق في الكتب السابقة، و إلا كان المتجه صلاة النائب، لأنها من توابع الطواف الذي ناب فيه، كما ان المتجه مع ملاحظة الخبرين و فرض جمعهما لشرائط الحجية و عدم رجحان أحدهما على الآخر التخيير، و الأحوط الجمع، و الله العالم.

و كذا لو أحدث في طواف الفريضة في البناء على التفصيل المزبور بلا خلاف معتد به أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و ظاهر المنتهى الإجماع عليه، بل عن الخلاف الإجماع على الاستئناف قبل تجاوز النصف، لما عرفته سابقا، مضافا الى

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير أو جميل (2)المنجبر بما سمعت «في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه: انه يخرج و يتوضأ فإن كان جاوز النصف بنى على طوافه، و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف»

و نحو

قول الرضا عليه السلام لأحمد بن عمر الحلال(3): «إذا حاضت المرأة و هي في


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 2 و التهذيب ج 5 ص 125 الرقم 408.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 335

الطواف بالبيت أو الصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله»

و غير ذلك.

نعم إذا تعمد الحدث كان ممن تعمد القطع، و فيه الخلاف السابق، و عن الفقيه ان الحائض تبني مطلقا، ل

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق عليه السلام سأله «عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى»

المحمول على النفل كما عن الشيخ أو على غير ذلك، و قد تقدم الكلام في المسألة فلاحظ و تأمل.

و كذا التفصيل المزبور لو دخل في السعي فذكر انه لم يتم طوافه رجع فأتم طوافه إن كان تجاوز النصف، ثم تمم السعي تجاوز نصفه أولا، و إن لم يكن قد تجاوز النصف استأنف الطواف كما عن المبسوط و السرائر و الجامع، ثم استأنف السعي كما في القواعد و محكي المبسوط، و عن النهاية و السرائر و التذكرة و التحرير و المنتهى إتمام السعي على التقديرين، بل قيل هو ظاهر التهذيب و المصنف في كتابيه، و على كل حال لم أعثر هنا على نص بالخصوص في التفصيل المزبور، و لعله يكفي فيه ما عرفت من التعليل و غيره مما يحكم به على إطلاق

موثق إسحاق بن عمار(2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل طاف بالبيت ثم خرج الى الصفا فطاف به ثم ذكر انه قد بقي عليه من طوافه شي ء فأمره ان يرجع الى البيت فيتم ما بقي من طوافه، ثم يرجع الى الصفا فيتم ما بقي


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الطواف- الحديث 3 مع الاختلاف في اللفظ و ذكره بنصه في التهذيب ج 5 ص 130 الرقم 328.

ج 19، ص: 336

قال: فإنه طاف بالصفا و ترك البيت قال: يرجع الى البيت فيطوف به ثم يستقبل طواف الصفا، قال: فما الفرق بين هذين؟ فقال (عليه السلام): لانه دخل في شي ء من الطواف و هذا لم يدخل في شي ء منه»

إن لم نقل بظهور «شي ء» في السؤال في الأقل من النصف، بل قد يقال إن دليل الاستئناف حينئذ إذا كان دون النصف انه بحكم من لم يدخل في شي ء من الطواف باعتبار وجوب استئنافه عليه كالتارك له أصلا، و كان ترك ذكر ركعتي الطواف اتكالا على معلومية تبعيتهما لكن في النافع و محكي النهاية و التهذيب و التحرير و التذكرة و المنتهى إطلاق إتمام الطواف، و لعله لإطلاق الخبر المزبور الذي عرفت الحال فيه، إلا انه مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط فيه.

فقد ظهر لك مما ذكرناه ان المدار في إتمام الطواف و استئنافه مع القطع لعذر مجاوزة النصف و عدمه، و لعل من ذلك قطعه أيضا لصلاة فريضة و ان لم يتضيق وقتها، فان ذلك جائز عندنا، بل عن المنتهى إجماع العلماء عليه إلا مالكا، أو لصلاة الوتر إذا ضاق وقتها، أو لصلاة جنازة أو نحو ذلك من الاعذار كما نص عليها الشهيدان في الدروس و اللمعتين، قال في الأول: «و جوز الحلبي البناء على شوط إذا قطعه لصلاة فريضة، و هو نادر كما ندر فتوى النافع بذلك و اضافة الوتر» و إن كان فيه ان ما ذكره عن الحلبي هو المحكي عن نص الغنية و الإصباح و الجامع و ظاهر المهذب و السرائر، كما أن ما في النافع من إضافة الوتر ظاهر محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و التحرير و التذكرة و المنتهى، بل زيد فيهما صلاة الجنازة، و نسب ذلك فيهما الى العلماء عدا الحسن البصري، بل هو ظاهر إطلاق

حسن عبد الله بن سنان (1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل كان في طواف النساء فأقيمت


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 337

الصلاة قال: يصلي يعني الفريضة، فإذا فرغ بنى من حيث قطع»

و قوله عليه السلام في خبر هشام (1)«في رجل كان في طواف فريضة فأدركته صلاة فريضة يقطع طوافه و يصلي الفريضة ثم يعود فيتم ما بقي عليه من طوافه»

و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (2)سأل الكاظم عليه السلام «عن الرجل يكون في الطواف و قد طاف بعضه و بقي عليه بعضه فيطلع الفجر فيخرج من الطواف الى الحجر أو الى بعض المساجد إذا كان لم يوتر فيوتر ثم يرجع فيتم طوافه أ فترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر و إن أسفر بعض الاسفار؟ قال: ابدأ بالوتر و اقطع الطواف إذا خفت ذلك ثم أتم الطواف بعد»

لكن ذلك يمكن تخصيصه بما عرفت من اعتبار النصف و عدمه في الإتمام و الاستئناف و لو بالترجيح ذلك عليه بما سمعت، مع احتمال

إرادة ذلك من إطلاق من عرفت اتكالا على ما ذكروه في غير المقام، و احتمال اختصاص ذلك بالخروج عن قاعدة النصف بعيد عن مقتضى الفقاهة، و إن قال في الرياض:

إنه أرجح هنا بالشهرة و حكاية الإجماع، لكن فيه أن الشهرة غير محققة بعد ما عرفت من احتمال إرادة من أطلق التفصيل المزبور، و اما الإجماع المحكي فهو ما نسبه الى التذكرة و المنتهى، و ليس هو فيما نحن فيه، قال في الأول: «و لو دخل عليه وقت فريضة قطع الطواف و صلى الفريضة ثم عاد فتمم طوافه من حيث قطع، و هو قول العلماء إلا مالكا، فإنه قال: يمضي في طوافه إلا أن يخاف فوات وقت الفريضة، و هو باطل لما رواه

العامة(3)عن النبي صلى الله عليه و آله أنه قال:

«إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة»

و الطواف صلاة، و لأن وقت


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 سنن النسائي ج 2 ص 116.

ج 19، ص: 338

الحاضرة أضيق من وقت الطواف، فكانت أولى، و لأن عبد الله بن سنان سأل الصادق عليه السلام الى آخره، إذا عرفت هذا فإنه يبني على فراغه من الفريضة و يتم طوافه، و هو قول العلماء إلا الحسن البصري، فإنه قال: يستأنف، و الأصل خلافه، و كذا البحث في صلاة الجنازة فإنها تقدم» و نحوه في المنتهى و إجماعه الأول إنما هو على جواز القطع، و الثاني في مقابلة البصري القائل بالاستئناف مطلقا، بل ملاحظة كلامه السابق في مسألة النصف كالصريح في عدم الفرق بين الفريضة و غيرها، بل ما ذكره هنا من إلحاق صلاة الجنازة مبني على ذلك أيضا، و لعله لذا لم ينقل الشهيد عنه شيئا، و كذا الكلام في مسألة الوتر، نعم ينبغي تقييدها بما إذا خشي فوات الوقت كما في الصحيح المزبور، و محكي الفتاوى عدا ما في النافع، و لا دليل عليه، بل هو مخالف للنص و الفتوى، و الله العالم.

و كيف كان فهل يجوز للجاهل الاستئناف حيث يجوز البناء كما يعطيه

خبر حبيب بن مظاهر(1)و إن قال عليه السلام فيه: «بئسما صنعت» لكن قال في آخره «اما انه ليس عليك شي ء»

لكن قد يقال ان ضعف سنده يمنع من العمل به هنا بعد الأمر بالبناء، فالأحوط إن لم يكن الأقوى ترك الاستئناف و إن كان الظاهر الاجزاء لو فعل و إن قلنا بالإثم بترك البناء، مع احتمال عدمه حملا للأمر بالبناء على الاذن، لوقوعه في مقام توهم الحظر، و ستسمع ما في الدروس من نسبة الاستئناف إلى رواية ذكرها الصدوق و ان كنا لم نتحققها.

و هل يبنى من موضع القطع كما هو مقتضى حسن ابن سنان (2)و خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 339

أحمد بن عمر الحلال (1)في الحائض المتقدمين سابقا، و

خبر أبي غرة(2)قال:

«مر بي أبو عبد الله عليه السلام و أنا في الشوط الخامس من الطواف فقال لي: انطلق حتى نعود ها هنا رجلا، فقلت أنا في خمسة أشواط من أسبوعي فأتم أسبوعي قال: اقطعه و احفظه من حيث تقطعه حتى تأتي إلى الموضع الذي قطعت منه فتبني عليه»

و غيره من النصوص المعتضدة مع ذلك بالاحتياط حذرا من الزيادة أو من الركن كما هو ظاهر ما مر من صحيح معاوية و حسنه (3)في من اختصر شوطا من الإعادة من الحجر الى الحجر، بل عن التحرير و المنتهى انه أحوط مع اعترافه فيهما و في محكي التذكرة بدلالة ظاهر الخبر على الأول الذي قد يفرق بينه و بين ما في الصحيح بفساد الشوط بالاختصار المزبور، بخلاف الفرض الذي يجوز له فيه القطع لحاجة لنفسه أو غيره، و من ذلك يعلم ما في احتمال الجمع بين النصوص بالتخيير.

و لو شك في موضع القطع طاف من المتيقن، و احتمال الزيادة غير قادح، قال في الدروس: «و لو شك فيه أخذ بالاحتياط، و لو بدأ من الركن قيل جاز و كذا لو استأنف من رأس يجزي في رواية ذكرها الصدوق».

و على كل حال فظاهر الأصحاب هنا و النصوص وجوب الموالاة في الطواف الواجب في غير المواضع التي عرفت، و لذا جعلها في الدروس الحادي عشر من واجباته، نعم هي غير واجبة في طواف النافلة نصا و فتوى بلا خلاف أجده فيه لكن في الحدائق المناقشة في وجوبها في طواف الفريضة أيضا للنصوص المزبورة


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الطواف- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 340

التي هي أخص من دعواه، بل بعضها صريح في بطلان الطواف بعدمها في الأنقص من النصف.

و أما قطع الطواف عمدا لا لغرض فقد يقوى جوازه في غير طواف الفريضة بناء على جواز قطع صلاة النافلة كذلك، لان الطواف بالبيت صلاة، و لكن الأحوط تركه، بخلاف طواف الفريضة بناء على حرمة القطع في الصلاة الواجبة، و على استفادة ذلك من التشبيه المزبور.

هذا كله في واجبات الطواف المستفادة من تضاعيف كلامهم و ان نظمها في الدروس باثني عشر

[في بيان ما يستحب في الطواف ]
اشاره

و أما الندب فكثير مستفاد مما تسمعه من النصوص و لكن ذكر المصنف منها خمسة عشر

[منها الوقوف عند الحجر و حمد الله و الثناء عليه ]

منها الوقوف عند الحجر و حمد الله و الثناء عليه، و الصلاة على النبي و آله صلى الله عليه و آله، و رفع اليدين بالدعاء، و استلام الحجر على الأصح و تقبيله، فان لم يقدر على الاستلام ببدنه فببعضه فان تعذر إلا بيده فبيده و لو كانت مقطوعة استلم بموضع القطع، و لو لم يكن له يد اقتصر على الإشارة كما ستعرف ذلك كله ان شاء الله و يستحب أيضا أن يقول عند استلامه أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك الى آخر الدعاء المروي في

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، و احمد الله تعالى و أثن عليه و صل على النبي صلى الله عليه و آله، و اسأل الله أن يتقبل منك ثم استلم الحجر و قبله، فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك فان لم تستطع ان تستلمه بيدك فأشر اليه، و قل اللهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقا بكتابك و على سنة نبيك، اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 341

له، و ان محمدا عبده و رسوله، آمنت بالله و كفرت بالجبت و الطاغوت و باللات و العزى و عبادة الشيطان و عبادة كل ند يدعى من دون الله، فان لم تستطع ان تقول هذا فبعضه، و قل: اللهم إليك بسطت يدي، و فيما عندك عظمت

رغبتي فاقبل سبحتي و اغفر لي و ارحمني، اللهم إني أعوذ بك من الكفر و الفقر و مواقف الخزي في الدنيا و الآخرة»

و زاد الحلبيان في المحكي عنهما بعد شهادة الرسالة و ان الأئمة (عليهم السلام) من ذريته و تسميهم حججه في أرضه و شهداءه على عباده، و في الكافي و في

رواية أبي بصير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا دخلت المسجد الحرام فامش حتى تدنو من الحجر الأسود فتستقبله، و تقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر الله أكبر من خلقه، و أكبر مما أخشى و أحذر لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد، يحيى و يميت و يميت و يحيى، بيده الخير و هو على كل شي ء قدير، و تصلي على النبي و آله، و تسلم على المرسلين كما قلت حين دخلت المسجد، ثم تقول: اللهم إني أومن بوعدك و أوفي بعهدك»

ثم ذكر كما ذكر معاوية، و في

مرسل حريز(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا دخلت المسجد الحرام و حاذيت الحجر الأسود فقل: اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أشهد ان محمدا عبده و رسوله، آمنت بالله و كفرت بالجبت و الطاغوت و باللات و العزى، و بعبادة الشيطان و بعبادة كل


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الطواف- الحديث 3، و فيه « تدنو من الحجر الأسود فتستلمها. إلخ» إلا ان الموجود في الكافي ج 4 ص 403 بعين ما ذكره في الجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 19، ص: 342

ند يدعى من دون الله، ثم ادن من الحجر و استلمه بيمينك، ثم تقول: الله أكبر، اللهم أمانتي أديتها و ميثاقي تعاهدته لتشهد لي عندك بالموافاة»

و فيما روته

العامة(1)عن عمر بن الخطاب «أنه قبل الحجر ثم قال: و الله لقد علمت أنك حجر لا تضر و لا تنفع، و لو لا اني رأيت رسول الله صلى الله عليه و آله يقبلك ما قبلتك و قرأ لقد كان لكم في رسول الله صلى الله عليه و آله أسوة حسنة فقال له علي (عليه السلام) بلى إنه يضر و ينفع، ان الله لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في ورق و ألقمه الحجر، و قد سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول يؤتى بالحجر الأسود يوم القيامة و له لسان يشهد لمن قبله بالتوحيد، فقال: لا خير في عيش قوم لست فيهم يا أبا الحسن، أو لا أحياني الله لمعضلة لا يكون فيها ابن أبي طالب حيا، و أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا الحسن».

و كيف كان فالخبر المزبور كغيره دال على استحباب استلامه قبل الطواف بل

قوله (عليه السلام) في خبر الشحام (2)«كنت أطوف مع أبي و كان إذا انتهى الى الحجر مسحه بيده و قبله»

دال على ذلك في أثناء الطواف، كظاهر

حسن ابن الحجاج (3)«كان رسول الله صلى الله عليه و آله يستلمه في كل طواف فريضة و نافلة»

مضافا الى الاخبار المطلقة على كثرتها.

بل الظاهر رجحانه في كل شوط كما عن الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية و الجامع و المنتهى و التذكرة، بل و الفقيه و الهداية، بل قيل انهما يحتملان الوجوب، و لعله لثبوت أصل الرجحان بلا مخصص.


1- 1 راجع كتاب الغدير للاميني ج 6 ص 103.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 343

نعم ان لم يقدر افتتح به و اختتم به كما عن الصدوق النص عليه في الكتابين و لعله يوافقه ما سمعته سابقا من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية(1)«كنا نقول لا بد أن يستفتح بالحجر و يختم به، فأما اليوم فقد كثر الناس»

و في

خبر سعيد بن مسلم (2)المروي عن قرب الاسناد «رأيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) استلم الحجر ثم طاف حتى إذا كان أسبوع التزم وسط البيت و ترك الملتزم الذي يلزمه أصحابنا، و بسط يده على الكعبة ثم يمكث ما شاء الله ثم مضى الى الحجر فاستلمه و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) ثم استلم الحجر فطاف حتى إذا كان في آخر السبوع استلم وسط

البيت ثم استلم الحجر و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام، ثم عاد الى الحجر فاستلم ما بين الحجر الى الباب ثم مكث ما شاء الله ثم خرج من باب الحناطين حتى اتى ذات طوى فكان وجهه إلى المدينة».

و على كل حال فلا ريب في استحباب الاستلام و التقبيل خلافا لسلار قيل و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: «على الأصح» فأوجبه في المراسم، و لكن الموجود في المراسم وجوب لثم الحجر، للأمر المحمول على الندب كما يومي اليه ما في بعض النصوص السابقة، بل هو الظاهر منها أجمع أيضا و لو لمعروفية لسان الندب من غيره، مضافا الى ما في

صحيح معاوية(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل حج فلم يستلم الحجر و لم يدخل الكعبة قال: هو من السنة


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث- 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 10 مع سقط في الجواهر إلا ان الموجود في الوسائل سعد ان بن مسلم و هو الصحيح كما يأتي في الجواهر أيضا.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 10.

ج 19، ص: 344

فان لم يقدر فالله اولى بالعذر»

بناء على ارادة التقبيل من الاستلام فيه، و صحيح يعقوب (1)قال له (عليه السلام) أيضا: «اني لا أخلص إلى الحجر الأسود فقال:

إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرك»

و صحيح معاوية(2)أيضا قال أبو بصير لأبي عبد الله (عليه السلام): «إن أهل مكة أنكروا عليك

انك لم تقبل الحجر و قد قبله رسول الله صلى الله عليه و آله فقال: ان رسول الله صلى الله عليه و آله إذا انتهى الى الحجر يفرجون له و انا لا يفرجون لي»

الى غير ذلك مما هو ظاهر في عدم الوجوب، فما عساه يظهر من بعض الناس- من الميل الى ذلك، لان الأخبار بين آمر به أو بالاستلام الذي هو أعم، و مقيد لتركه بالعذر، و آمر للمعذور بالاستلام باليد أو بالإشارة و الإيماء، و لا يعارض ذلك أصل البراءة- في غير محله، ضرورة ظهور ذلك نفسه في عدم الوجوب، هذا.

و في القواعد و محكي المبسوط و الخلاف انه يستحب الاستلام بجميع البدن و لعله لأن أصله مشروع للتبرك به و التحبب اليه، فالتعميم أولى، لكن المراد ما يناسب التعظيم و التبرك و التحبب من الجميع، و يمكن ان يراد به الاعتناق و الالتزام، لانه تناول له بجميع البدن و تلبس و التئام به.

و على كل حال فان تعذر الاستلام بالجميع فببعضه كما نص عليه الفاضل أيضا، بل هو المحكي عن المبسوط و الخلاف أيضا، بل في الأخير منهما الإجماع عليه، خلافا للشافعي فلم يجتز بما تيسر من بدنه، فان تعذر إلا بيده فبيده، قيل لما سمعته من

قول الصادق (عليه السلام)(3)«فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك»


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 11.

ج 19، ص: 345

و في

خبر سعيد الأعرج (1)«يجزيك حيث نالت يدك»

و فيه انه دال على الاجتزاء باليد مع التعذر مطلقا.

نعم عن الصدوق و المفيد و الحلبي و يحيى بن سعيد و الفاضل و الشهيد استحباب تقبيل اليد حينئذ، و لا بأس به، لمناسبته للتعظيم و التبرك و التحبب، بل

روي (2)«ان النبي صلى الله عليه و آله كان يستلم الحجر بمحجن، و يقبل المحجن».

و لو كان أقطع استلم بموضع القطع، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر السكوني (3)«ان عليا عليه السلام سئل كيف يستلم الأقطع، قال: يستلم الحجر من حيث القطع، فان كانت مقطوعة من المرفق استلم الحجر بشماله».

و فاقد اليد أو التمكن من الاستلام بها و بغيرها يشير بها اليه، بلا خلاف أجده في الأخير، بل نسبه بعضهم الى نص الأصحاب، و لعله ل

خبر محمد بن عبد الله (4)عن الرضا عليه السلام «انه سئل عن الحجر و مقاتلة الناس عليه فقال: إذا كان كذلك فأوم إليه إيماء بيدك»

بل عن الفقيه و المقنع و الجامع و يقبل اليد، و أما فاقد اليد فليشر بالوجه أو

بغيره كما هو مقتضى إطلاق المصنف و غيره، بل نسب إلى الأكثر،

قال الصادق عليه السلام (5): «فان لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر اليه»

و قال أيضا في

صحيح سيف التمار(6): «قلت لأبي عبد الله عليه السلام أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا فسألته فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 81- من أبواب الطواف.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الطواف- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 19، ص: 346

لا بد من استلامه، فقال إن وجدته خاليا و إلا فسلم من بعيد».

و كيف كان فاستلام الحجر كما عن العين و غيره تناوله باليد أو القبلة، قال الجوهري: و لا يهمز لأنه مأخوذ من السلام و هو الحجر، كما تقول استنوق الجمل، و بعضهم يهمزه، و عن الزمخشري و نظيره استهم القوم إذا أجالوا السهام و اهتجم الحالب إذا حلب في الهجم و هو القدح الضخم، قيل: و أقرب من ذلك اكتحلت و ادهنت إذا تناول من الكحل و الدهن و أصاب منهما، و لكن فيه انه لا يوافق ما في النص و الفتوى من التعبير باستلام الحجر و نحوه مما يقتضي عدم إرادة السلام منه بمعنى الحجر، و ربما يعطي كلام بعض أن التمسح بالوجه و الصدر و البطن و غيرها استلام، و عن الخلاص «أنه التقبيل» و عن ابن

سيدة «استلم الحجر و استلأمه قبله أو اعتنقه، و ليس أصله الهمزة» و عن ابن السكيت «همزته العرب على غير قياس، لأنه من السلام و هي الحجارة» و عن تغلب «انه بالهمز من الأمة أي الدرع بمعنى اتخاذه جنة و سلاحا» و عن ابن الأعرابي «أن الأصل الهمزة، و انه من الملائمة و هي الاجتماع» و عن الأزهري «أنه افتعال من السلام، و هو التحية، و استلامه لمسه باليد تحريا لقبول السلام منه تبركا به- قال- و هذا كما قرأت منه السلام- قال-: و قد أملى على أعرابي كتابا الى بعض أهاليه فقال في آخره اقترى مني السلام- قال-: و مما يدلك على صحة هذا القول أن أهل اليمن يسمون الركن الأسود المحيي معناه أن الناس يحيونه بالسلام» و عن بعض أنه مأخوذ من السلام بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر، إذ ليس الحجر ممن يحييه كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم و إنما خدم نفسه» و مقتضى

صحيح معاوية ابن عمار(1)المتقدم ان الاستلام يتحقق بالمس باليد، لقوله عليه السلام: «فان لم تستطع


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 347

أن تقبله فاستلمه بيدك»

و سأل يعقوب بن شعيب (1)الصادق عليه السلام في الصحيح عن استلام الركن فقال: «استلامه ان تلصق بطنك به، و المسح أن تمسح بيدك»

و هو يحتمل الهمز من الالتئام المنبئ عن الاعتناق أو التلبس به كالتلبس بالأمة ثم الركن غير الحجر و إن كان يطلق عليه توسعا، و يحتمل ركنه و غيره، و إن كان الظاهر اتحاد المراد من استلام الحجر و الركن، فيكون اعتناقه حينئذ مقبلا له الاستلام الكامل أو الفرد الحقيقي منه، و دونه المسح باليد، و دونهما الإشارة.

[منها ان يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه و تعالى ]

و منها ان يكون في طوافه داعيا ذاكرا لله سبحانه و تعالى بالمأثور في محاله و غيره،

قال الصادق عليه السلام (2)في صحيح معاوية: «طف بالبيت سبعة أشواط، و تقول في الطواف اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشي به على حدد الأرض، و أسألك باسمك الذي يهتز له عرشك، و أسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك، و أسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستحببت له و ألقيت عليه محبة منك، و أسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى الله عليه و آله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر، و أتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا و كذا ما أحببت من الدعاء، و كلما انتهيت الى باب الكعبة فصل على النبي صلى الله عليه و آله، و تقول فيما بين الركن اليماني و الحجر الأسود: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ، و قل في الطواف: اللهم إني إليك فقير، و إني خائف مستجير، فلا تغير جسمي، و لا تبدل اسمي»

و قال موسى بن جعفر عليه السلام في خبر أخي أيوب أديم (3): «كان أبي إذا استقبل الميزاب قال: اللهم أعتق رقبتي من


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 348

النار، و أوسع علي من رزقك الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس، و أدخلني الجنة برحمتك»

و في

خبر أبي مريم (1)«كنت مع أبي جعفر عليه السلام أطوف و كان لا يمر في طواف من طوافه بالركن اليماني إلا استلمه، ثم يقول:

اللهم تب علي حتى لا اعصيك، و اعصمني حتى لا أعود»

و قال الصادق عليه السلام في خبر عمرو بن عاصم (2): «كان علي بن الحسين عليه السلام إذا بلغ الحجر قبل أن يبلغ الميزاب رفع رأسه ثم يقول: اللهم أدخلني الجنة برحمتك و هو ينظر الى الميزاب، و أجرني برحمتك من النار، و عافني من السقم، و أوسع علي من الرزق الحلال، و ادرأ عني شر فسقة الجن و الانس و شر فسقة العرب و العجم»

و في

خبر عمر بن أذينة(3)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول لما انتهى الى ظهر الكعبة حين يجوز الحجر: يا ذا المن و الطول و الجود و الكرم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، و تقبله مني، إنك أنت السميع العليم»

و في

خبر سعد بن سعد(4)«كنت مع الرضا عليه السلام في الطواف فلما صرنا بحذاء الركن اليماني قام عليه السلام فرفع يده الى السماء ثم قال: يا الله يا ولي العافية و خالق العافية و رازق العافية و المنعم بالعافية و المنان بالعافية و المتفضل بالعافية علي و على جميع خلقك يا رحمن الدنيا و الآخرة و رحيمهما صل على محمد و آل محمد، و ارزقنا العافية و دوام العافية و تمام العافية و شكر العافية في الدنيا و الآخرة يا أرحم الراحمين»

و قال عبد السلام (5)للصادق عليه السلام: «دخلت الطواف فلم يفتح لي شي ء من الدعاء إلا الصلاة على محمد و آل محمد، و سعيت فكان ذلك، فقال (عليه السلام) ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما أعطيت».


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 349

لكن الجميع كما ترى لا دلالة في شي ء منها على مضمون ما ذكره المصنف من استحباب كونه في تمام الطواف واجبة و مندوبه ذاكرا لله

سبحانه، و إن كان يشهد له الاعتبار و العمومات و كون الطواف كالصلاة، نعم

قال الجواد (عليه السلام) في خبر محمد بن الفضيل (1): «طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء و ذكر الله تعالى و تلاوة القرآن، و النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به»

و قال أيوب أخو أديم (2)للصادق (عليه السلام): «القراءة و أنا أطوف أفضل أو أذكر الله تبارك و تعالى قال: القراءة»

و فيه رد على مالك المحكي عنه القول بكراهة القراءة، و في

مرسل حماد بن عيسى (3)عن العبد الصالح (عليه السلام) قال: «دخلت عليه يوما و أنا أريد أن أسأله عن مسائل كثيرة فلما رأيته عظم علي كلامه، فقلت له ناولني يدك أو رجلك أقبلها فناولني يده فقبلتها فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه و آله فدمعت عيناي فلما رآني مطأطأ رأسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه و آله ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا يقارب بين خطاه و يغض بصره و يستلم الحجر في كل طواف من غير أن

يؤذي أحدا و لا يقطع ذكر الله عن لسانه إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، و محي عنه سبعين ألف سيئة، و رفع له سبعين ألف درجة، و أعتق عنه سبعين ألف رقبة، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم، و شفع في سبعين من أهل بيته، و قضيت له سبعون ألف حاجة إن شاء فعاجله، و إن شاء فآجله»

و على كل حال فالأمر سهل، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 350

ذكر الله تعالى حسن على كل حال، خصوصا هذا الحال، و الله العالم.

[منها ان يكون على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه ]

و منها ان يكون على سكينة و وقار مقتصدا في مشيه تمام الطواف لا مسرعا و لا مبطأ كما عن الشيخ في النهاية و ابني الجنيد و أبي عقيل و الحلبي و ابن إدريس و غيرهم، بل في المدارك نسبته الى أكثر الأصحاب، و في غيرها الى المشهور، لمناسبته الخضوع و الخشوع، و

خبر عبد الرحمن بن سيابة(1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الطواف فقال له: أسرع و أكثر أو أمشي و ابطى ء، قال: امش بين المشيين»

و في المحكي عن

نوادر ابن عيسى (2)عن أبيه عن جده عن أبيه «رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) يمشي و لا يرمل»

و لا ينافيه

خبر سعيد الأعرج (3)سأل أبا عبد الله (عليهما السلام) «عن المسرع و المبطئ فقال: كل حسن ما لم يؤذ أحدا»

بعد كون الأول أحسن.

و لكن قيل و القائل ابن حمزة فيما حكي عنه يرمل ثلاثا و يمشي أربعا و خاصة في طواف الزيارة، و عن الشيخ في المبسوط ذلك أيضا في طواف القدوم خاصة، قال فيما حكي عنه: اقتداء بالنبي صلى الله عليه و آله، لأنه كذلك فعل، رواه جعفر بن محمد عن جابر(4)و عن التحرير و الإرشاد اختياره، و لعله ل

خبر ثعلبة عن زرارة أو محمد الطيار(5)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الطواف أ يرمل فيه الرجل؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله لما ان قدم مكة و كان بينه و بين المشركين الكتاب الذي قد علمتم أمر الناس ان يتجلدوا


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 1 و فيه« كل واسع ما لم يؤذ أحدا».
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 7- 82.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 351

و قال: أخرجوا أعضادكم و اخرج رسول الله صلى الله عليه و آله، ثم رمل بالبيت ليريهم انه لم يصبهم جهد، فمن أجل ذلك يرمل الناس، و إني لأمشي مشيا، و قد كان علي بن الحسين (عليه السلام) يمشي مشيا»

و خبر يعقوب الأحمر(1)قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لما كان غزاة الحديبية و ادع رسول الله صلى الله عليه و آله أهل مكة ثلاث سنين، ثم دخل فقضى نسكه، فمر رسول الله صلى الله عليه و آله بنفر من أصحابه جلوس في فناء الكعبة فقال: هو ذا قومكم على رؤوس الجبال لا يرونكم فيروا فيكم ضعفا، قال: فقاموا فشدوا أزرهم، و شدوا أيديهم على أوساطهم ثم رملوا»

إلا انهما معا كما ترى لا دلالة فيهما على ذلك، بل في المحكي عن

نوادر ابن عيسى (2)عن أبيه «انه سئل ابن عباس فقيل له: إن قوما يروون ان رسول الله صلى الله عليه و آله أمر بالرمل حول الكعبة فقال: كذبوا و صدقوا، فقلت و كيف ذاك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه و آله دخل مكة في عمرة القضاء و أهلها مشركون، و بلغهم ان أصحاب محمد صلى الله عليه و آله مجهودون، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله رحم الله امرء أراهم من نفسه جلدا، فأمرهم فحسروا عن أعضادهم و رملوا بالبيت ثلاثة أشواط، و رسول الله على ناقته و عبد الله بن رواحة آخذ زمامها و المشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم، ثم حج رسول الله صلى الله عليه و آله بعد ذلك فلم

يرمل و لم يأمرهم بذلك، فصدقوا في ذلك و كذبوا في هذا».

كل ذلك مضافا الى ما عن المنتهى من نسبته الى اتفاق العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم، خصوصا هنا، لأنهم استندوا في ذلك الى

ما رووه (3)من ان النبي صلى الله عليه و آله لما قدم مكة قال المشركون: إنه يقدم عليكم قوم نهكتهم


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث- 5.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 7- 82.

ج 19، ص: 352

الحمى و لقوا منها شرا فأمر رسول الله صلى الله عليه و آله ان يرملوا الأشواط الثلاثة، و ان يمشوا بين الركنين فلما رأوهم قالوا ما نريهم إلا كالغزلان»

و لا دلالة فيه على الاستحباب مطلقا.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في عدم وجوب شي ء من الطريقين، للأصل و ما سمعته من خبر سعيد الأعرج(1).

و المراد بالرمل الهرولة على ما في القاموس، و اليه يرجع ما عن المفصل من انه ضرب منه، و عن الأزهري «يقال رمل الرجل يرمل رملانا إذا أسرع في مشيه و هو في ذلك ينزو، و عن النووي «الرمل بفتح الراء و الميم إسراع المشي مع تقارب الخطأ و لا يثب وثوبا» و في الدروس «انه الإسراع في المشي مع تقارب

الخطأ دون الوثوب و العدو يسمى الخبب» و الجميع متقارب، لكن في الصحاح و عن العين و غيرهما «انه بين المشي و العدو» و هو مناف لما سمعت حتى النصوص.

ثم إن الرمل على تقدير استحبابه فهو للرجال خاصة، أما النساء فلا يستحب اتفاقا كما عن المنتهى، و في الدروس ذكر فروعا عشرة على تقدير القول المزبور كفانا مؤنتها عدم القول به.

و الظاهر من طواف القدوم في عبارة الشيخ هو الذي يفعل أول ما يقدم مكة واجبا أو ندبا في نسك أولا، كان عليه سعي أولا، فلا رمل في طواف النساء و الوداع و طواف الحج إن كان قدم مكة قبل الوقوف إلا ان يقدمه عليه، و إلا فهو قادم الآن، و لا على المكي و إن احتمله في محكي المنتهى و عن ظاهر التذكرة، و قال في الدروس: و يمكن ان يراد بطواف القدوم الطواف المستحب


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 353

للحاج مفردا أو قارنا على المشهور إذا دخل مكة قبل الوقوف كما هو مصطلح العامة، فلا يتصور في حق المكي و لا في المعتمر متعة أو افرادا، و لا في الحاج مفردا إذا أخر دخول مكة عن الموقفين، قال: «و لكن الأقرب الأول، لأن المعتمر قادم حقيقة إلى مكة، و كذا الحاج إذا أخر دخولها، و يدخل طواف القدوم تحته» قلت: هو كذلك، على أنك قد عرفت عدم المأخذ له، فلا يهم إجماله، و لا فرق عندنا بين أركان البيت و ما بينها في استحباب الرمل و عدمه، و عن بعض العامة اختصاص استحبابه بما عدا اليمانيين و ما بينهما، و لا قضاء له في الأربعة الأخيرة و لا في طواف آخر خلافا لبعض العامة أيضا.

و على كل حال فظاهر المصنف و صريح غيره استحباب المشي فيه، بل هو المحكي عن المعظم، و لعله لأنه أنسب بالخضوع و الاستكانة، و أبعد عن إيذاء الناس، و لأنه المعهود من النبي صلى الله عليه و آله و الصحابة و التابعين، و ليس بواجب للأصل، و ثبوت ركوبه صلى الله عليه و آله فيه لغير عذر، خلافا للمحكي عن ابن زهرة فأوجبه اختيارا حاكيا عليه الإجماع، و ربما استدل له بتشبيه الطواف بالصلاة التي لا يجوز الركوب اختيارا في الواجب منها، و إن كان هو كما ترى، و كذا ما حكاه من الإجماع، نعم عن الخلاف لا خلاف عندنا في كراهة الركوب اختيارا، مع أنه لا يخلو من نظر بعد فعل النبي صلى الله عليه و آله له، بل منع إن أراد بالكراهة الحرمة كما احتمله بعض الناس.

[منها أن يقول في الطواف بالدعاء المأثور]

و منها أن يقول في الطواف اللهم إني أسألك باسمك الذي يمشي به على طلل الماء الى آخر الدعاء الذي سمعته في صحيح معاوية(1)و منها ان يلتزم المستجار المسمى في النصوص بالملتزم و المتعوذ


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 354

في الشوط السابع و يبسط يديه على حائطه و يلصق به بطنه و خده و يقر بذنوبه و يدعو بالدعاء المأثور و

قال الصادق عليه السلام في خبر معاوية(1): «ثم يطوف بالبيت سبعة أشواط- الى أن قال-: فإذا انتهيت إلى مؤخر الكعبة و هو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض و ألصق خدك و بطنك بالبيت. ثم قل: اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مقام العائذ بك من النار، ثم أقر لربك بما عملت من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر له ان شاء الله، فإن أبا عبد الله عليه السلام قال لغلمانه: أميطوا عني حتى أقر لربي بما عملت، و تقول: اللهم من قبلك الروح و الفرج و العافية، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي، و اغفر لي ما اطلعت عليه مني و خفي على خلقك، و تستجير من النار، و تتخير لنفسك من الدعاء ثم استقبل الركن اليماني و الركن الذي فيه الحجر الأسود و اختم به، فان لم تستطع فلا يضرك، و تقول: اللهم متعني بما رزقتني و بارك لي فيما آتيتني»

و لعله اليه يرجع

خبره الآخر(2)عنه عليه السلام أيضا «إذا فرغت من طوافك و بلغت مؤخر الكعبة و هو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت، و ألصق بطنك و خدك بالبيت، و قل: اللهم»

الى آخر الدعاء المزبور بناء على إرادة القرب من الفراغ من قوله «فرغت» و هو الشوط السابع، و على إرادة المستجار نفسه من الحذاء فيه، و في

خبره الآخر(3)عنه عليه السلام أيضا «كان إذا انتهى الى الملتزم قال لمواليه أميطوا عني حتى أقر لربي بذنوبي فإن هذا مكان لم يقر عبد بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له»

و في خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 5.

ج 19، ص: 355

جميل بن صالح (1)عنه عليه السلام أيضا قال: «لما طاف آدم بالبيت و انتهى الى الملتزم قال له جبرئيل: يا آدم أقر لربك بذنوبك في هذا المكان- الى ان قال-:

فأوحى الله اليه يا آدم قد غفرت لك ذنبك، قال: يا رب و لولدي أو لذريتي فأوحى الله عز و جل اليه من جاء من ذريتك الى هذا المكان و أقر بذنوبه و تاب ثم استغفر غفرت له»

و قال يونس (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الملتزم لأي شي ء يلتزم؟ و أي شي ء يذكر فيه؟ فقال: عنده نهر من أنهار الجنة تلقى فيه أعمال العباد عند كل خميس»

و في المروي (3)عن الخصال عن علي عليه السلام «أقروا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم، و ما لم تحفظوا فقولوا و ما حفظته علينا و نسيناه فاغفره لنا، فإنه من أقر بذنوبه في ذلك الموضع وعده و ذكره و استغفر منه كان حقا على الله عز و جل أن يغفر له»

و قال الصادق عليه السلام أيضا في خبر عبد الله بن سنان(4): «إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ و هو إذا قمت في دبر الكعبة حذاء الباب، فقل: اللهم البيت بيتك، و العبد عبدك، و هذا مقام العائذ بك من النار، اللهم من قبلك الروح و الفرج، ثم استلم الركن اليماني ثم ائت الحجر فاختم به».

و ربما يستفاد من خبري بن مسلم (5)و الصباح (6)استحباب استلام الكعبة من دبرها بعد الفراغ من الطواف،

قال في الأول: «قلت لأبي جعفر عليه السلام من اين استلم الكعبة إذا فرغت من طوافي؟ قال: من دبرها»

و قال في الثاني: «سئل أبو عبد الله عليه السلام عن استلام الكعبة فقال: من دبرها»

بل


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث- 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف الحديث 8 و الرابع عن أبي الصباح و هو الصحيح.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف الحديث- 1 و الرابع عن أبي الصباح و هو الصحيح.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف الحديث 2 و الرابع عن أبي الصباح و هو الصحيح.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف الحديث- 3 و الرابع عن أبي الصباح و هو الصحيح.

ج 19، ص: 356

قد يستفاد من

خبر سعدان بن مسلم (1)المروي عن قرب الاسناد استحباب التزام غير الملتزم. قال: «رأيت أبا الحسن موسى عليه السلام استلم الحجر ثم طاف حتى إذا كان أسبوع التزم وسط البيت و ترك الملتزم الذي يلتزم أصحابنا و بسط يده على الكعبة»

إلى آخر الخبر الذي ذكرناه سابقا في استلام الحجر، و الأمر سهل بعد كون الحكم ندبا، و قد ظهر لك ان المستجار هو بحذاء الباب مؤخر الكعبة و إن كان قد سمعت ما في أحد أخبار معاوية، و الله العالم.

و لو جاوز المستجار الى الركن عمدا أو نسيانا لم يرجع حذرا من زيادة الطواف، و ل

صحيح ابن يقطين (2)«سألت أبا الحسن عليه السلام عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني أ يصلح أن يلتزم بين الركن اليماني و بين الحجر أو يدع ذلك؟ قال: يترك اللزوم و يمضي، و عمن قرن عشرة أسباع أو أكثر أو أقل إله أن يلتزم في آخرها التزاما واحدا؟ قال: لا أحب»

و لكن في الدروس: و لو تجاوزه رجع مستحبا ما لم يبلغ الركن، و قيل لا يرجع مطلقا، و هو رواية علي بن يقطين، بل في النافع و القواعد إطلاق الأمر بالرجوع لالتزامه، و لعله لإطلاق بعض (3)النصوص السابقة، و عدم زيادة الطواف بعد عدم نيته بما بعد ذلك الى موضع الرجوع طوافا، و إنما الأعمال بالنيات، قيل:

و لذا لم ينه عنه الأصحاب، و إنما ذكروا أنه ليس عليه، و إن كان فيه أن ظاهر المتن و الخبر النهي، نعم هما إذا كان قد تجاوز أو انتهى الى الركن و لا ريب في ان الأحوط تركه، و أحوط منه عدم الرجوع مطلقا، لاحتمال المنع من مطلق الزيادة كما جزم به في الرياض مستظهرا به مما في الدروس


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الطواف- الحديث- 1.

ج 19، ص: 357

و الروضة هنا من الأمر بحفظ الموضع عند الاستلام، أو الالتزام بان يثبت رجليه في الموضع، و لا يتقدم بهما حذرا من الزيادة في الطواف، كالأمر بحفظ موضع القطع حيث يجوز الخروج من الطواف، مضافا الى إطلاقهم في غير المقام النهي عن الزيادة الذي يمكن اتكالهم عليه هنا، و الى عدم دليل على الرجوع إلا الإطلاق الغير المعلوم انصرافه الى محل النزاع، و إن كان ذلك كله محل نظر أو منع و إن زاد في الاطناب به في الرياض، و الله العالم.

[منها أن يلتزم الأركان كلها]

و منها ان يلتزم الأركان كلها كما صرح به الفاضل و غيره ل

صحيح جميل (1)«رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يستلم الأركان كلها»

و خبر إبراهيم بن أبي محمود(2)«قلت للرضا (عليه السلام) استلم اليماني و الشامي و العراقي و الغربي قال: نعم»

إلا لهما كما ترى في الاستلام الذي هو معقد المحكي من إجماع الخلاف على استحبابه فيها اجمع نحو ما عن المنتهى من النسبة إلى علمائنا، فيمكن ان يكون هو المراد من الالتزام، أو نظرا الى ما سمعته سابقا من

صحيح يعقوب بن شعيب (3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن استلام الركن فقال: استلامه أن تلصق بطنك به، و المسح ان تمسحه بيدك»

و الأمر سهل.

و آكدها الذي فيه الحجر و اليماني

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (4)«كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول ما بال هذين الركنين يستلمان و لا يستلم هذان، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه و آله استلم هذين و لم يتعرض


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الطواف- الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 358

لهذين، فلا تعرض لهما إذا لم يتعرض لهما رسول الله صلى الله عليه و آله، قال جميل: و رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) يستلم الأركان كلها»

و المراد بالإشارة في الصحيح الركن اليماني و الذي فيه الحجر و لو بقرينة

خبر غياث (1)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «كان رسول الله صلى الله عليه و آله لا يستلم إلا الركن الأسود و اليماني ثم يقبلهما و يضع خده عليهما و رأيت أبي يفعله»

و خبر بريد بن معاوية العجلي (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف صار الناس يستلمون الحجر و الركن اليماني و لا يستلمون الركنين الآخرين؟ فقال: قد سألني عن ذلك عباد بن صهيب البصري فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه و آله استلم هذين و لم يستلم هذين، و إنما على الناس ان يفعلوا ما فعل رسول الله (صلى الله عليه و آله، و سأخبرك بغير ما أخبرت به عبادا إن الحجر الأسود و الركن اليماني عن يمين العرش، و إنما أمر الله أن يستلم ما عن يمين عرشه»

و في المروي (3)عن العلل عن الصادق عليه السلام أنه قال: «لما انتهى رسول الله صلى الله عليه و آله الى الركن الغربي فقال له الركن يا رسول الله ألست قعيدا من قواعد بيت ربك فما لي لا استلم؟ فدنى منه النبي صلى الله عليه و آله فقال: اسكن و عليك السلام غير مهجور»

و المرسل (4)عن النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) «صار الناس يستلمون الحجر و الركن اليماني و لا يستلمون الركنين الآخرين، لان الحجر الأسود و الركن اليماني عن يمين

العرش، و إنما أمر الله تعالى ان يستلم ما عن يمين عرشه»

و في المرسل الآخر(5)عن الصادق عليه السلام «الركن اليماني بابنا الذي ندخل منه الجنة»

و قال عليه السلام (6)«فيه باب من أبواب الجنة لم يغلق منذ فتح، و فيه نهر من الجنة تلقى فيه اعمال العباد»

و في المرسل الثالث (7)«انه يمين الله


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 8.

ج 19، ص: 359

في أرضه، يصافح بها خلقه»

و في الدروس لأنهما على قواعد إبراهيم، لكن في كشف اللثام «حكيت هذه العلة عن ابن عمر، و لا تتم إلا على كون الحجر أو بعضه من الكعبة، و سمعت انا لا نقول به، و إنما هو قول العامة» و قد سبقه إليه في المسالك، فإنه قال بعد حكاية ذلك: و هو يشعر بكون البيت مختصرا من جانب الحجر، و قد تقدم الخلاف فيه، و الأمر سهل.

و قال الصادق عليه السلام أيضا في خبر زيد الشحام(1): «كنت أطوف مع أبي عليه السلام و كان إذا انتهى الى الحجر مسحه بيده و قبله و إذا انتهى الى الركن اليماني التزمه،

فقلت: جعلت فداك تمسح الحجر بيدك و تلتزم اليماني، فقال:

قال رسول الله صلى الله عليه و آله: ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل قد سبقني إليه يلتزمه».

و منه بل و غيره يستفاد التأكد في خصوص اليماني الذي ورد فيه استحباب الدعاء عنده أيضا،

قال العلاء بن ربعي (2)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الله عز و جل وكل بالركن اليماني ملكا هجيرا يؤمن على دعائكم»

و في

خبره (3)الآخر عنه عليه السلام «انه كان يقول: إن ملكا موكل بالركن اليماني منذ خلق الله السماوات و الأرضين، ليس له هجير إلا التأمين على دعائكم، فلينظر عبد بما يدعو، فقلت ما الهجير؟ فقال: كلام من كلام العرب، أي ليس له عمل»

و عن رواية أخرى (4)«ليس له عمل غير ذلك»

و في خبر معاوية بن عمار(5)عن أبي عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الطواف- الحديث 1 عن ربعي عن العلاء بن المقعد قال:« سمعت. إلخ».
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الطواف- الحديث 2 و الأول عن العلاء بن المقعد.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الطواف- الحديث 3 و الأول عن العلاء بن المقعد.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الطواف- الحديث 4 و الأول عن العلاء بن المقعد.

ج 19، ص: 360

عليه السلام أيضا «الركن اليماني باب من أبواب الجنة لم يغلقه الله منذ فتحه»

و قال أبو الفرج السندي (1)«كنت أطوف بالبيت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فقال: أي هذا أعظم حرمة؟ فقلت: جعلت فداك أنت اعلم بهذا مني، فأعاد علي فقلت: داخل البيت، فقال: الركن اليماني على باب من أبواب الجنة، مفتوح لشيعة آل محمد صلى الله عليه و آله مسدود عن غيرهم، و ما من مؤمن يدعو بدعاء عنده إلا صعد دعاؤه حتى يلصق بالعرش، ما بينه و بين الله حجاب».

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله ضعف ما عن أبي علي من نفي استلام غير الركنين المزبورين لظاهر بعض النصوص السابقة المحمولة على عدم التأكد أو عدم المواظبة، و على التقية جمعا بينها و بين غيرها مما عرفت من النص و الإجماع المحكي كالمحكي عن سلار من وجوب استلام اليماني كلثم الحجر و إن قال في كشف اللثام للأمر به في الاخبار من غير معارض، لكن فيه انه لا أمر به بخصوصه، نعم فيه حكاية فعل هو أعم من الوجوب، أو رخصة هي أعم من الاستحباب فضلا عن الوجوب، على ان لسان النصوص المزبورة ظاهر في الندب سيما بعد ملاحظة جمعه مع غيره مما هو معلوم الندب و حكاية ظاهر الإجماع و غير ذلك، هذا، و في المدارك و الظاهر تأدي السنة بالمسح باليد، كما تدل عليه

صحيحة سعيد الأعرج (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن استلام الحجر من قبل الباب فقال: أ ليس تريد أن تستلم الركن؟ فقلت: نعم، فقال:

يجزيك حيث ما نالت يدك»

و فيه أن ظاهر النصوص المزبورة استحباب أزيد


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الطواف- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 361

من ذلك من الالتزام و نحوه و إن كان هو أيضا مستحبا، بل لعل لفظ الاجزاء مشعر بذلك أيضا، بل لا يبعد استفادة رجحان أصناف التبرك بالأركان و خصوصا الركنين بل و غيرهما مما هو في دبر الكعبة من إلصاق البطن و الوجه و الالتزام و التقبيل و نحوها.

و يستحب أن يطوف ثلاثمائة و ستين طوافا كل طواف سبعة أشواط فتكون ألفين و خمس مائة و عشرين شوطا بلا خلاف أجده فيه فان لم يتمكن فثلاثمائة و ستين شوطا كما صرح به غير واحد، ل

صحيح ابن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «يستحب أن يطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا عدد أيام السنة، فان لم يستطع فثلاثمائة و ستين شوطا، فان لم تستطع فما قدرت عليه من الطواف»

و غيره من الاخبار على ما في كشف اللثام، قال: «ثم انها كعبارات الأصحاب مطلقة، نعم في بعضها التقييد بمدة مقامه بمكة، و الظاهر استحبابها لمن أراد الخروج في عامه أو في كل عام، و ما في الاخبار من كونها بعدد أيام السنة قرينة عليه» قلت: لم أعثر على ما ذكره من النصوص، نعم في المحكي عن

فقه الرضا عليه السلام (2)«يستحب أن يطوف الرجل بمقامه بمكة ثلاثمائة و ستين أسبوعا»

فلا مانع من إرادة استحباب ذلك له في كل يوم، لما يظهر من النصوص من استحباب كثرة الطواف و أنه كالصلاة من شاء استقل و من شاء استكثر، و في

خبر عبد الله الهاشمي (3)عن الصادق عليه السلام «كان موضع الكعبة ربوة من الأرض بيضاء تضي ء كضوء الشمس و القمر حتى قتل ابنا آدم أحدهما صاحبه فاسودت،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الطواف- الحديث 7.

ج 19، ص: 362

فلما نزل آدم رفع الله له الأرض كلها حتى رآها، قال: يا رب ما هذه الأرض البيضاء المنيرة قال: هي حرمي في أرضي و قد جعلت عليك ان تطوف بها كل يوم سبعمائة طواف»

و في خبر أبي الفرج (1)قال: «سأل أبان أبا عبد الله عليه السلام أ كان لرسول الله صلى الله عليه

و آله طواف يعرف به؟ فقال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله يطوف بالليل و النهار عشرة أسابيع: ثلاثة أول الليل، و ثلاثة آخر الليل، و اثنين إذا أصبح، و اثنين بعد الظهر، و كان فيما بين ذلك راحته»

و كيف كان فظاهر ما سمعته من النص و الفتوى من استحباب ثلاثمائة و ستين شوطا انه يكون واحد منها عشرة أشواط، و ذلك لأنها حينئذ أحد و خمسون أسبوعا و ثلاثة أشواط، و قد سمعت كراهة الزيادة.

و لكن في المتن و غيره أنه تلحق هذه الزيادة بالطواف الأخير و تسقط الكراهة ها هنا بهذا الاعتبار للنص و الفتوى، أو ان استحبابها لا ينفي الزائد، فيزاد على الثلاثة أربعة كما عساه يشهد له ما في الغنية من انه

قد روي (2)انه يستحب ان يطوف مدة مقامه بمكة ثلاثمائة و ستين أسبوعا أو ثلاثمائة و أربعة و ستين شوطا،

بل حكاه غير واحد عن ابن زهرة، و عن المختلف نفي البأس عنه، و في الدروس و زاد ابن زهرة أربعة أشواط حذرا من الكراهة، و ليوافق عدد أيام السنة الشمسية، و رواه البزنطي (3)و في كشف اللثام عن حاشية القواعد أن في جامعه اشارة اليه، لأنه ذكر في سياق أحاديثه عن الصادق عليه السلام انها اثنان و خمسون طوافا، قلت فيما حضرني من الوسائل عن


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الطواف- الحديث 2 و 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 363

التهذيب مسندا عن احمد بن محمد بن أبي نصر(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة كل أسبوع لسبعة أيام، فذلك اثنان و خمسون أسبوعا»

و أما احتمال مشروعية الثلاثة طوافا منفردا فهو بعيد جدا، و على كل حال ففي كشف اللثام «و تخصيص الأخير للقصر على العذر و اليقين، إذ قد يتجدد التمكن من الطواف بالعدد، أو يكون الأخير أو غيره ثلاثة أشواط» قلت: قد عرفت بعد الأخير بل و الأول بناء على ما سمعته من المروي عن البزنطي و غيره المراد مما في صدره و عجزه السنة الشمسية كما سمعته من الشهيد، و بذلك يخرج عن ظاهر الخبر المزبور المنافي لما دل على وجوب الطواف سبعة أشواط لا أزيد و لا انقص، فاحتمال مشروعيته هنا ثلاثة أو عشرة لا داعي له، و إلا لقيل بمشروعية الثلاثمائة و ستين شوطا طوافا واحدا كما هو ظاهر الخبر المزبور، و لا أظن أحدا يلتزمه، فليس المراد حينئذ إلا الأشواط المزبورة مقطعة طوافات كل طواف سبعة، و إن توقف ذلك على إضافة أربعة إلى الثلاثة المتأخرة لا انها تجعل طوافا مستقلا، و لا انها تضاف الى الآخر على ان يكون عشرة أشواط، فلا حاجة حينئذ إلى استثنائه من الكراهة كما هو ظاهر المصنف و غيره، و إلا فلا وجه لتخصيصه بالأخير لإطلاق النص، و الله العالم.

[منها أن يقرأ في ركعتي الطواف في الركعة]

و منها ان يقرأ في ركعتي الطواف في الركعة الاولى مع الحمد قل هو الله احد و في الثانية معه قل يا ايها الكافرون كما هو المشهور، لما سمعته من

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(2)«إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم فصل ركعتين و اجعله اماما و اقرأ في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 71- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 364

الاولى منهما سورة التوحيد قل هو الله احد، و في الثانية قل يا ايها الكافرون»

الحديث، و غيره المؤيد بالترتيب الذكري في كثير من الاخبار المرغبة في قراءة السورتين هنا و في باقي المواضع السبع المشهورة، خلافا لما عن الشيخ في كتاب الصلاة، فقال بالجحد في الأولى و التوحيد في الثانية، و عن الشهيد أنه جعله رواية(1)و إن كنا لم نقف عليها، مع أنه في محكي النهاية هنا أفتى بما سمعته من المشهور، بل نفي عنه البأس في كتاب الصلاة، و قد تقدم الكلام في ذلك عند البحث على وجوبهما في الطواف، فلاحظ، و الله العالم.

و من زاد على السبعة في طواف الفريضة سهوا شوطا أكملها أسبوعين في المشهور نصا و فتوى

و صلى الفريضة أولا و ركعتي النافلة بعد الفراغ من السعي أما الأولى فللمعتبرة المستفيضة ك

صحيح أبي أيوب (2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف فريضة قال: فليضف إليها ستا، ثم يصلي اربع ركعات»

و صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) في كتاب علي عليه السلام «إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة و استيقن ثمانية أضاف إليها ستا، و كذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا»

و خبره (4)الآخر عنه عليه السلام أيضا «قلت له: رجل طاف بالبيت فاستيقن أنه طاف ثمانية أشواط قال: يضيف إليها ستة و كذلك إذا استيقن أنه طاف بين الصفا و المروة ثمانية فليضف إليها ستة»

و نحو ذلك خبره الثالث (5)

و خبر علي بن أبي حمزة(6)«سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا حاضر عن رجل طاف بالبيت


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث-.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 15.

ج 19، ص: 365

ثمانية أشواط قال: نافلة أو فريضة، فقال: فريضة، فقال: يضيف إليها ستة، فإذا فرغ صلى

ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم خرج الى الصفا و المروة فطاف بهما، فإذا فرغ صلى ركعتين أخراوين، فكان طواف نافلة و طواف فريضة»

و خبر وهب (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ان عليا (عليه السلام) طاف ثمانية أشواط فزاد ستة ثم ركع أربع ركعات»

و خبر زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «ان عليا (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة و بنى على واحد و أضاف إليها ستة، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج الى الصفا و المروة، فلما فرغ من السعي بينهما رجع فصلى الركعتين اللتين ترك في المقام الأول»

الى غير ذلك من النصوص المنجبر ما يحتاج منها الى جابر بما عرفت المقيد إطلاق بعضها بحال السهو التي يخرج بها عما تقتضيه القاعدة من الفساد الثاني بعدم النية و للأول بالزيادة،

قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر عبد الله بن محمد(3): «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة و كذا السعي».

خلافا للصدوق في محكي المقنع، قال: و إن طفت بالبيت الطواف المفروض ثمانية أشواط فأعد الطواف، و روي يضيف إليها ستة فيجعل واحدا فريضة و الآخر نافلة، لما عرفت، و ل

خبر أبي بصير(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض قال: يعيد حتى يثبته»


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 6 عن معاوية ابن وهب.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 366

و خبره الآخر(1)المضمر «قلت له فان طاف و هو مقطوع ثمان مرات و هو ناس قال: فليتم طوافه ثم يصلي اربع ركعات، فأما الفريضة فليعد حتى يتم سبعة أشواط»

قيل

و صحيح ابن سنان (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «من طاف بالبيت فوهم حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا ثم يصلي ركعتين»

من حيث الاقتصار على ركعتين ك

خبر رفاعة(3)«كان علي عليه السلام يقول: إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر، قلت يصلي أربع ركعات قال: يصلي ركعتين»

و فيه أنه غير موافق لما سمعته من المقنع من إعادة الطواف الذي مقتضاه كخبر أبي بصير بطلان الثمانية، فما عن بعض الناس ممن قارب عصرنا- من الاعتداد بالثامن خاصة مكملا له بستة على انه الطواف الواجب لنحو الخبرين المزبورين اللذين أولهما في الداخل في الثامن و غير ناف للركعتين الأخيرتين كالآخر المحتمل لإرادة تعجيل الركعتين قبل السعي-

في غير محله، بل يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافه، فيجب حمل ما سمعت على ما يوافق المشهور بارتكاب ما عرفت و غيره من احتمال إرادة الصلاتين من الركعتين، أو طرحه كوجوب حمل خبر أبي بصير و غيره مما استدل به للصدوق كذلك، ضرورة قصوره عن المعارضة سندا و استفاضة و اعتضادا بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا، بل لعلها كذلك، إذ لم نجد مخالفا إلا ما سمعته من المقنع الذي لا يقدح مثله خصوصا بعد ما عن

الفقه المنسوب (4)الى الرضا (عليه السلام) مما ينافي ذلك، قال:

«فان سهوت فطفت طواف الفريضة ثمانية أشواط فزد عليها ستة أشواط، و صل


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 9.
4- 4 المستدرك- الباب- 24- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 367

عند مقام إبراهيم ركعتي الطواف، ثم اسع بين الصفا و المروة، ثم تأتي المقام فصل خلفه ركعتي الطواف، و اعلم ان الفريضة هو الطواف الثاني، و الركعتين الأولتين لطواف الفريضة، و الركعتين الأخيرتين للطواف الأول، و الطواف الأول تطوع»

و المناقشة في بعض النصوص المزبورة المتضمنة لفعل علي (عليه السلام) بعدم وقوع ذلك منه عمدا و لا سهوا لعصمته مدفوعة باحتمال التقية فيه على معنى أن الصادق (عليه السلام) حكاه كما عندهم تقية مع أن الدليل غير منحصر فيه، فلا بأس بطرحه، كما لا ريب في ان المتجه ما عليه المشهور.

نعم الظاهر اعتبار إكمال الشوط، أما إذا لم يكمله فليلغه و يرجع الى طوافه كما ستسمع الكلام فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

ثم إن الفاضل و الشهيدان قد صرحوا باستحباب الإكمال المزبور الذي مقتضاه كون الثاني هو النافلة، بل هو ظاهر المصنف و غيره ممن عده في ذكر المندوبات، و حينئذ يجوز له قطعه و لعله لأصالة البراءة بعد بقاء الأول على الصحة المقتضية لذلك باعتبار نيته، و للاتفاق على عدم وجوب طوافين، بل قد سمعت التصريح في الصحيح السابق بأن أحدهما فريضة و الآخر ندب، فالأصل بقاء الأول على وجوبه، خلافا للمحكي عن الصدوق و ابني الجنيد و سعيد من كون الثاني هو الفريضة كما سمعت النص عليه في الفقه المنسوب الى الرضا (عليه السلام) و عن الصدوق في الفقيه حكايته رواية ناقلا لمضمون الرضوي الذي سمعته، و للأمر بالإكمال المحمول على الوجوب، و لجميع ما دل على بطلان الأول، و لظهور صحيح زرارة المتقدم المتضمن فعل علي عليه السلام، و لكن الجميع كما ترى بعد معلومية الصحة في الأول نصا و فتوى، و عدم حجية المرسل و الرضوي، و إرادة الندب من الأمر لما عرفته سابقا، بل قد يدعى ظهور النصوص في كون النافلة الثاني كما اعترف به بعض الناس، بل لعله ظاهر الصدوق

ج 19، ص: 368

أيضا حيث انه بعد ان ذكر النصوص المزبورة قال: في رواية اخرى ان الفريضة الثاني و النافلة الأول، و بعد معلومية عدم السهو عليه (عليه السلام) فلم يطف ثمانية إلا لعدوله في الأول عن فرضه لموجب له، فليس الصحيح المزبور حينئذ من المسألة، كل ذلك مع استبعاد انقلاب ما نواه واجبا للندب بالنية المتأخرة و إن كان لا بأس به بعد الدليل المعتد به، كما في نية العدول في الصلاة، و تأثير النية هنا في الشوط الثامن الذي فرض وقوعه سهوا على انه من الطواف الأول، و لكن مع هذا كله لا ينبغي ترك الاحتياط في عدم القطع.

ثم إن مقتضى الجمع بين النصوص المزبورة هو ما ذكره المصنف و غيره من صلاة ركعتين لطواف الفريضة مقدما على السعي، و صلاة ركعتين أخريين للنافلة بعد السعي حملا للمطلق على ما سمعته من التفصيل الذي تضمنه بعض النصوص المزبورة، مضافا الى

خبر جميل (1)سأل الصادق عليه السلام «عمن طاف ثمانية أشواط و هو يرى أنها سبعة فقال: إن في كتاب علي (عليه السلام) انه إذا طاف ثمانية أشواط انضم إليها ستة أشواط ثم يصلي الركعات بعد، قال:

و سئل عن الركعات كيف يصليهن أ يجمعهن أو ماذا؟ قال: يصلي ركعتين للفريضة ثم يخرج الى الصفا و المروة، فإذا رجع من طوافه بينهما رجع فصلى ركعتين للأسبوع الأخير»

بل ظاهر المتن و النصوص المزبورة وجوب الكيفية المذكورة كما عن الأكثر، لكن في المدارك ان ذلك على الأفضل، لإطلاق الأمر بصلاة الأربع في خبر أبي أيوب (2)و لعدم وجوب المبادرة إلى السعي، و في كشف اللثام «و هل يجب تأخير صلاة النافلة؟ وجهان، من عدم وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 13.

ج 19، ص: 369

المبادرة إلى السعي، و احتمال أن لا يجوز الإتيان بالندب مع اشتغال الذمة بالواجب» و لكن هما معا كما ترى بعد ما عرفت من ظهور النصوص المزبورة في الواجب، و الله العالم.

[منها أن يتدانى من البيت ]

و منها أن يتدانى من البيت كما صرح به الفاضل و غيره معللا له بأنه المقصود، فالدنو منه أولى، و لا ينافي ذلك

ما ورد(1)من أن في كل خطوة من الطواف سبعين ألف حسنة،

و التباعد أزيد خطأ لجواز اتفاق الحسنات في العدد دون الرتبة، و الله العالم.

[في بيان ما يكره في الطواف ]

و يكره الكلام في الطواف بغير الدعاء و القراءة ل

خبر محمد بن الفضيل (2)عن الجواد عليه السلام «طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا

بالدعاء و ذكر الله و تلاوة القرآن، قال: و النافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه و يحدثه بالشي ء من أمر الدنيا و الآخرة لا بأس به»

و هو و إن اختص بالفريضة لكن يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة و إن كانت أخف خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا، و لعله لذا أطلق المصنف و غيره الكراهة، بل زاد الشهيد كراهية الأكل و الشرب و التثأب و التمطي و الفرقعة و العبث و مدافعة الأخبثين و كل ما يكره في الصلاة غالبا، و لا بأس به، بل قال أيضا: «انه تتأكد الكراهة في الشعر» و على كل حال فلا حرمة في شي ء من ذلك بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى إجماع العلماء كافة على جواز الكلام في المباح،

و قال ابن يقطين (3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الكلام في الطواف و إنشاد الشعر و الضحك في الفريضة أو غير الفريضة أ يستقيم ذلك؟ قال: لا بأس به،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 370

و الشعر ما كان لا بأس بمثله»

نعم ورد النهي عن إنشاده في المسجد إلا ما كان منه دعاء أو حمدا أو مدحا لنبي صلى الله عليه و آله أو إمام عليه السلام أو موعظة، و الله العالم.

[المقصد الثالث في أحكام الطواف ]
اشاره

المقصد الثالث في أحكام الطواف، و فيه اثنتي عشرة مسألة:

[المسألة الأولى الطواف ركن ]

الأولى الطواف في النسك المعتبر فيه عمرة أو حجا ركن إجماعا محكيا عن التحرير إن لم يكن محصلا، و حينئذ ف من تركه عامدا عالما بطل عمرته أو حجه كغيره من أركان الحج التي هي على ما قيل النية و الإحرام و الوقوفان و السعي، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و قاعدة انتفاء المركب بانتفاء جزئه، و لفحوى

صحيح ابن يقطين (1)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة قال: إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد و عليه بدنة»

و خبر علي بن أبي حمزة(2)سئل «عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله قال: إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة»

و من المعلوم أولوية العالم من الجاهل بالإعادة، بل في الدروس و في وجوب هذه البدنة على العالم نظر، من الأولوية و إن كان قد يناقش باحتمال كونها للتقصير في التعلم و احتمال كونه كمن عاد الى تعمد الصيد، اللهم إلا أن يدعى الدلالة في العرف على ذلك بحيث يصلح لان تكون حجة شرعية.

و على كل حال فمنهما يعلم كون الجاهل هنا كالعامد كما عن الشيخ و غيره التصريح به، مضافا الى الأصل و غيره، فما في النافع «و في رواية إن كان على وجه جهالة أعاد الحج» مما يشعر بالتوقف فيه في غير محله، و إن مال اليه بعض متأخري المتأخرين كالأردبيلي و المحدث البحراني، لعموم نفي الشي ء على الجاهل و رفع القلم مطلقا أو في خصوص الحج المعلوم إرادة نفي العقاب منه لا القضاء


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث- 2.

ج 19، ص: 371

و الإعادة و نحوهما مما هو معلوم في جميع أبواب الفقه، و لو سلم فهو مخصوص بما هنا، و لذا نزل ما في النافع على إرادة التوقف في البدنة، قيل للأصل و ضعف الخبرين و عدم العمل بهما من أحد، و هو في غير محله أيضا ضرورة انقطاع الأصل و حجية أحد الخبرين كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الرجال، و منع عدم العمل بهما، فإنه قد حكي عن الشيخ و الأكثر ذلك، و هو الأقوى.

بقي الكلام فيما يتحقق به الترك، ففي المسالك و في وقت تحقق البطلان بتركه خفاء، فان مقتضى قوله: «من تركه ناسيا قضاه و لو بعد المناسك» ان العامد يبطل حجه متى فعل المناسك بعده، و قد ذكره جماعة من الأصحاب انه لو قدم السعي على الطواف عمدا بطل السعي و وجب عليه الطواف ثم السعي، فدل على عدم بطلان الحج بمجرد تأخر الطواف عمدا، و يقوى توقف البطلان على خروج وقت الحج، و هو ذو الحجة، لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف و السعي، فإنه لو أخرهما عمدا طول ذي الحجة صح، و غاية ما يقال انه يأثم، و قد تقدم، و في حكم خروج الشهر انتقال الحاج الى محل يتعذر عليه العود في الشهر، فإنه يتحقق البطلان و إن لم يخرج.

هذا في الحج، و أما العمرة فإن كانت عمرة تمتع كان بطلانها بفواته عمدا متحققا بحضور الموقفين بحيث يضيق الوقت إلا عن التلبس بالحج و لما يفعله، و ان كانت مفردة فبخروج السنة إن كانت المجامعة لحج القران أو الافراد، و لو كانت مجردة عنه فإشكال، إذ يحتمل حينئذ بطلانها بخروجه عن مكة و لما يفعله، و يحتمل أن يتحقق في الجميع بتركه بنية الإعراض عنه، و أن يرجع فيه الى ما تصدير عرفا، و المسألة موضع إشكال، و قد سبقه الكركي الى ذلك في حاشية الكتاب، قال: «مما يشكل تحقيق ما به يتحقق ترك الطواف، فإنه لو سعى قبل أن يطوف لم يعتد به، و إن أحرم بنسك آخر بطل فعله، صرح به في

ج 19، ص: 372

الدروس، و يمكن أن يحكم في ذلك العرف، فإذا شرع في نسك آخر عازما على ترك الطواف بحيث يصدق الترك عرفا حكم ببطلان الحج أو يراد به خروجه من مكة بنية عدم فعله» قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه سابقا من جواز تأخير طواف حج التمتع و سعيه اختيارا طول ذي الحجة على كراهية شديدة، و دونها تأخر طواف حج الافراد و القران و سعيه كما سمعت الكلام في ذلك مفصلا، بل الظاهر من القائل بعدم الجواز إرادة الإثم دون البطلان، فحينئذ يراد بالترك في حج التمتع و القران و الافراد عدم الفعل في تمام ذي الحجة و في عمرة التمتع عدمه الى ضيق وقت الوقوف بعرفة، و في العمرة المفردة المجردة إلى تمام العمر، بل و كذا المجامعة لحج الافراد و القران بناء على عدم وجوبها في سنتهما، و إلا فالمدار على تركها في تلك السنة، فهو ركن في هذه المناسك جميعها تبطل بتركه فيها على الوجه المزبور مع العلم و العمد.

نعم الظاهر خروج طواف النساء عن ذلك و إن أوهمه ظاهر العبارة، لكن هو غير ركن، فلا يبطل النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر لخروجه عن حقيقة الحج، قال الصادق عليه السلام في

صحيح الحلبي (1)«و عليه- يعني المفرد- طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحج»

و نحوه صحيح معاوية(2)في القارن،

و صحيح الخزاز(3)قال: «كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء و يأبى الجمال أن يقيم عليها قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث- 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث- 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 13.

ج 19، ص: 373

و لا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها»

فان قوله عليه السلام: «فقد تم حجها» ظاهر في خروجه عن النسك و لو في حال الاختيار، و لا يقدح في ذلك كون مورده الاضطرار، إذ العبرة بعموم الوارد لا خصوص المورد، كما هو واضح.

ثم إن الظاهر عدم الاحتياج الى المحلل بعد فساد النسك بتعمد ترك الطواف المعتبر فيه، ضرورة بطلان الإحرام الذي هو جزء من النسك ببطلانه، مضافا الى خلو أخبار البيان عنه، لكن في المدارك و غيرها احتمال بقائه على إحرامه الى أن يأتي بالفعل الفائت في محله و يكون إطلاق اسم البطلان عليه مجازاً كما عن الشهيد في الحج الفاسد بناء على أن الأول هو الفرض و احتمال توقفه على أفعال العمرة، بل عن الكركي في شرح القواعد الجزم بالأخير، لكن قال: «على هذا لا يكاد يتحقق معنى الترك المقتضي للبطلان في العمرة المفردة، لأنها هي المحللة من الإحرام عند بطلان نسك آخر غيرها، فلو بطلت احتيج في التحلل من إحرامها إلى أفعال العمرة، و هو معلوم البطلان» و في المدارك هو غير واضح المأخذ، فان التحلل بأفعال العمرة إنما يثبت مع فوات الحج لا مع بطلان النسك مطلقا، و دعوى استصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول المحلل و إنما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة يدفعها ما عرفت من أن بطلان النسك يقتضي بطلان الإحرام الذي هو جزء منه و لكن مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا على القول بكون الإحرام نسكا مستقلا يعتبر وقوع الأفعال معه نحو الطهارة للصلاة، و لا أقل من أن يكون له جهتان كما عساه يشهد لذلك ما تسمعه في المحصور و المصدود، فحينئذ يتجه توقف التحليل على فعل الفائت و لو في السنة الآتية، لأصالة عدم حصول التحلل بغير أداء النسك الذي وقع الإحرام له، و لكن فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و لعله لذا قال الكركي بالتحلل بأفعال العمرة، و إن كان لا يتم

ج 19، ص: 374

إلا بدعوى الاستفادة من الأدلة ان أفعالها يحصل بها التحليل من الإحرام مطلقا من غير فرق بين فوات الحج بفوات وقته و بين بطلانه بفوات ركنه، و لم يحضرني الآن ما يدل على ذلك، و إن كان ظاهر سيد المدارك المفروغية منه، حيث انه بعد أن ذكر ما سمعته سابقا قال: «و المسألة قوية الإشكال، من حيث استصحاب حكم الإحرام الى أن يعلم حصول المحلل، و إنما يعلم بالإتيان بأفعال العمرة، و من أصالة عدم توقفه على ذلك مع خلو الأخبار الواردة في مقام البيان منه، و لعل المصير الى ما ذكره أحوط، و لكن قد عرفت ان الأحوط منه أيضا فعل الفائت مع ذلك، و الله العالم.

و من تركه ناسيا قضاه بنفسه متى ذكره و لو بعد المناسك و انقضاء الوقت بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، لرفع الخطأ و النسيان المعتضد بقاعدة نفي الحرج، و

صحيح هشام بن سالم (1)سأل الصادق عليه السلام «عمن نسي طواف زيارة البيت حتى يرجع الى أهله فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه»

و صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام) سأله «عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده و واقع النساء كيف يصنع؟ قال يبعث بهدي إن كان تركه في حج يبعث به في حج، و إن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة، و يوكل من يطوف عنه ما تركه من طواف الحج»

فما عن الشيخ في كتابي الأخبار و الحلبي من البطلان في غير محله بعد ما عرفت، فلا وجه لحمل الطواف في الصحيح الأول على طواف الوداع و في الثاني على طواف النساء كما وقع من الشيخ مستدلا عليه ب

خبر معاوية بن عمار(3)«قلت لأبي عبد الله .


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1 و في الأول « ما تركه من طوافه».
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 6 و في الأول « ما تركه من طوافه».

ج 19، ص: 375

عليه السلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال يأمر من يقضي عنه، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره»

إذ هو كما ترى لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة اختصاص السؤال و الجواب فيه بطواف النساء من غير تعرض لغيره.

و أغرب من ذلك ما وقع له في محكي الإستبصار فإنه قال: باب من نسي طواف الحج حتى يرجع الى أهله ثم أورد روايتي علي بن أبي حمزة(1)و علي بن يقطين (2)المتضمنين إعادة تارك الطواف جهلا، ثم قال: اما ما رواه

علي ابن جعفر(3)عن أخيه موسى عليه السلام «سألته عن رجل نسي طواف الفريضة»

الحديث، فالوجه أن نحمله على طواف النساء، و استدل عليه بخبر معاوية بن عمار السابق، و ظاهره محاولة الجمع بين النصوص المزبورة، مع أن من الواضح عدم المنافاة بينها بعد ان كان الموضوع في بعضها الجاهل، و في الآخر الناسي، و نحوه ما وقع له في التهذيب من الاستدلال على حكم الناسي بخبري الجاهل (4)المتضمنين للإعادة و البدنة، مع ان من المعلوم عدم الإعادة على الناسي كما صرح به هو في غير الكتابين، بل عنه في الخلاف دعوى الإجماع عليه فضلا عن تصريح غيره، و ما في كشف اللثام- من أن الجهالة تعم النسيان، و السؤال في الثاني عن السهو، و ظاهره النسيان- لا يخفى عليك ما فيه، و مراده بالثاني

خبر علي بن أبي حمزة عن الكاظم عليه السلام المتقدم سابقا، لكن حكي متنه «انه سئل عن

رجل سهى ان يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله قال:

إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة»

و هو كذلك في بعض النسخ،


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث 1 و 2.

ج 19، ص: 376

و في الآخر «جهل» كما ذكرناه سابقا، و يؤيد الأخير موافقته لصحيح ابن يقطين و لفتاوى الأصحاب و معاقد إجماعاتهم على أن الإعادة على الجاهل دون الناسي، فيمكن أن يراد من السهو فيه السهو عن الحكم حتى يكون جاهلا، فينطبق الجواب حينئذ على السؤال، و على كل فلا إشكال في الحكم المزبور.

كما ان الظاهر عدم الفرق في ذلك بين طواف الحج و طواف العمرة كما سمعت التصريح به في خبر علي بن جعفر(1)نحو المحكي عن الشيخ في المبسوط و ابن إدريس، بل هو مقتضى إطلاق المصنف و الفاضل و المحكي عن ابن سعيد، و إن كان المحكي عن الأكثر انهم إنما نصوا عليه في طواف الحج، لكن المحكي عنهم أيضا انهم ذكروا في طواف العمرة أن من تركه مضطرا اتى به بعد الحج و لا شي ء عليه، و يمكن إدراج الناسي فيه، و إلا كان الخبر المزبور و ذكر من عرفت له صريحا و ظاهرا كافيا في ثبوته.

و كيف كان فالأحوط إن لم يكن أقوى إعادة السعي معه كما صرح به في الدروس حاكيا له عن الشيخ الخلاف، و لعله لفوات الترتيب المقتضي لفساد السعي كما دل عليه

صحيح منصور بن حازم (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت فقال: يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف بهما»

اللهم إلا أن يدعى اختصاص ذلك بما قبل فوات الوقت، للأصل و السكوت عنه في خبر الاستنابة(3)و غيره، بل لعل

خبره (4)الآخر ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 377

في العدم، قال فيه: «سألته عن رجل بدأ بالسعي بالصفا و المروة قال: يرجع فيطوف بالبيت أسبوعا ثم يستأنف السعي، قلت: إنه فاته قال: عليه دم، ألا ترى إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك»

من حيث اقتصاره على وجوب الدم مع الفوات، فهو حينئذ دال على عدم الإعادة عكس ما عرفت، و لعله لذا لم يذكر الأكثر قضاء السعي، لكن قد يقال إن الصحيح الأول ظاهر و لو بترك الاستفصال فيه في وجوبه، و لا ينافيه الخبر المزبور بعد الإغماض عن سنده، لأن غايته

السكوت، و إلا فإيجاب الدم لا ينافي وجوبها و لعله للعقوبة على التقصير في النسيان، بل لعل سكوته عن الأمر بها اتكالا على إطلاق الأمر بها في الصدر و التشبيه بالوضوء الذي لا يختص بحال الاختيار في الذيل، و على كل حال فلا ريب في أن الإعادة أحوط إن لم تكن أقوى.

و حينئذ لا يحصل التحلل بما يتوقف عليهما إلا بالإتيان بهما، فلو عاد لاستدراكهما بعد الخروج على وجه يستدعي وجوب الإحرام لدخول مكة لو لم يكونا عليه اكتفى بذلك للأصل و صدق الإحرام عليه في الجملة، و الإحرام لا يقع إلا من محل، و ربما احتمل وجوبه فيقضي الفائت قبل الإتيان بأفعال العمرة أو بعده، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأول أقوى، كما أن الأحوط فيما لو شك في كون المتروك طواف الحج أو طواف العمرة إعادتهما و سعيهما كما عن الفاضل و الشهيد، و يحتمل إعادة واحد عما في ذمته، بل لعله الأقوى للأصل و تعين المخاطب به في الواقع.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه لو تعذر العود عليه أو شق استناب فيه بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه، للحرج، و قبول الكل لها فكذا الأبعاض، و الصحيح السابق (1)بل في المدارك «أن


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 378

إطلاق الرواية يقتضي جواز الاستنابة للناسي إذا لم يذكر حتى قدم بلاده مطلقا» نحو ما في كشف اللثام «و الخبر يعطي أن العود الى

بلاده يكفيه عذرا، و لكن الأصحاب اعتبروا العذر احتياطا» قلت: لعله لأن الأصل المباشرة، و ما قيل من أن المنساق من إطلاق الخبر المزبور ما هو الغالب من حصول التعذر أو التعسر بعد الوصول الى بلاده، مضافا الى فحوى ما تقدم من وجوب صلاة ركعتيه بنفسه لو نسيهما، بل و فحوى ما تسمعه في طواف النساء من اشتراطها بالتعذر أو التعسر إن قلنا به، و على كل حال فالمراد بعدم القدرة ما عرفت من التعذر أو التعسر، و احتمل الشهيد إرادة استطاعة الحج، و لا ريب في ضعفه.

و من شك في عدده أو صحته و فساده بعد انصرافه منه و تمامه لم يلتفت بلا خلاف، لأصالة الصحة و قاعدة عدم العبرة بالشك بعد الفراغ لأنه في تلك الحال أذكر، و الحرج و صحيح ابن حازم (1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل طاف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة قال: فليعد طوافه، قال:

ففاته فقال: ما أرى عليه شيئا»

و نحوه غيره (2)

و في بعضها(3)«و الإعادة أحب الي و أفضل»

إذ الظاهر إرادة المفروض مما فيه، لان الشك في الأثناء يوجب الاستئناف أو إتيان شوط آخر على ما ستعرف، و لا قائل بعدم وجوب شي ء فيه و لو مع الفوات، إذ هو إما عن عمد أو جهل أو نسيان، و لكل موجب، و لانه كترك الطواف

كلا أو بعضا، و ليس فيها أنه لا شي ء عليه أصلا، فالحكم به صريحا في الروايات بعد مراعاة الإجماع أوضح دليل على إرادة صورة الشك بعد الانصراف، و لا ينافي ذلك الحكم في بعضها باستحباب


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 1 و 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 8.

ج 19، ص: 379

الإعادة و ان لم نجد به قائلا، و حينئذ فلا ريب في دلالة النصوص المزبورة مضافا الى عموم

قول الباقر عليه السلام في خبر ابن مسلم(1): «كل ما شككت فيه مما قد مضى فامضه»

و المدار في الانصراف عنه العرف، و لعل منه ما إذا اعتقد انه أتم الطواف و إن كان هو في المطاف و لم يفعل المنافي، خصوصا إذا تجاوز الحجر، أما قبل اعتقاد الإتمام فهو غير منصرف كان عند الحجر أو بعده أو خارجا عن المطاف أو فعل المنافي كما صرح به في كشف اللثام، و الله العالم.

و ان كان الشك في أثنائه فإن كان شكا في الزيادة على السابع قطع و لا شي ء عليه بلا خلاف محقق أجده فيه، فان الحلبي و إن أطلق البناء على الأقل مع الشك ثم قال: و إن لم يتحصل له شي ء أعاده أي لم يتحصل أنه طاف شيئا و لو شوطا واحدا، كقول سلار من طاف و لم يحصل كم طاف فعليه الإعادة، و عد ابن حمزة من بطلان الطواف الشك فيه من غير تحصيل عدد، إلا أن ذلك كله يمكن كونه في غير ما

نحن فيه، و إلا كان محجوجا بأصلي عدمها و البراءة من الإعادة، و

صحيح الحلبي (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أ سبعة طاف أو ثمانية فقال: أما السبعة فقد استيقن، و إنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين»

بل هو شامل لموضوع المسألة السابقة، و هو الشك بعد الانصراف، نعم لا يكون ذلك إلا إذا كان الشك عند الركن قبل نية الانصراف، لأنه إذا كان قبله استلزم الشك في النقصان المقتضي لتردده بين محذورين: الإكمال المحتمل للزيادة عمدا، و القطع


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث- 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 380

المحتمل للنقيصة كذلك كما صرح به في المسالك و غيرها، بل حكي عن الغنية أيضا، لكن في المدارك «فيه منع تأثير احتمال الزيادة كما سيجي ء في مسألة الشك في النقصان» قلت: هو مبني على مختاره، و ستعرف ضعفه، و الله العالم.

و ان كان أي الشك في النقصان كمن شك قبل الركن أنه السابع أو الثامن، أو شك بين الستة و السبعة أو ما دونهما اجتمع معها احتمال الثمانية فما فوقها أو لا، كان عند الركن أو لا، فمتى كان كذلك استأنف في الفريضة كما في المقنع و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و الغنية و المهذب و

الجمل و العقود و التهذيب و النافع و القواعد و غيرها على ما حكي عن بعضها، و لذا نسبه في المدارك الى المشهور، بل في محكي الغنية الإجماع، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها صحيح منصور بن حازم (1)السابق و نحوه و منها

خبر أبي بصير(2)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل شك في طواف الفريضة قال: يعيد كلما شك»

و منها

خبره (3)الآخر قال: «قلت له رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية قال: يعيد طوافه حتى يحفظه»

و منها

قول الصادق عليه السلام في الموثق لحنان بن سدير(4)في من طاف فأوهم فقال: طفت أربعة أو طفت ثلاثة: «ان كان طواف فريضة فليلق ما في يديه و يستأنف، و ان كان طواف نافلة فاستيقن ثلاثة و هو في شك من الرابع أنه طاف، فليبن على الثلاثة، فإنه يجوز له»

و خبر احمد بن عمر المرهبي (5)سأل أبا الحسن الثاني عليه السلام «عن رجل شك في طوافه فلم يدر أستة طاف أم سبعة فقال: ان كان في فريضة أعاد كل ما شك فيه، و ان كان نافلة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف الحديث 4.

ج 19، ص: 381

بنى على ما هو أقل»

و منها

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل طاف لم يدر ستة أم سبعة قال: يستقبل»

و نحوه المروي (2)عن التهذيب، بل ربما وصف بالصحة، و منها

خبر صفوان أو حسنه (3)«سألت أبا الحسن الثاني عليه السلام عن ثلاثة نفر دخلوا في الطواف فقال: كل منهم لصاحبه تحفظوا الطواف، فلما ظنوا انهم فرغوا قال واحد: معي سبعة أشواط، و قال الآخر معي ستة أشواط، و قال الثالث: معي خمسة أشواط، قال: إن شكوا كلهم فليستأنفوا، و ان لم يشكوا و استيقن كل منهم على ما في يده فليبنوا»

و المرسل (4)عن الصادق عليه السلام «انه سئل عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أم أربعة قال: طواف فريضة أو نافلة، قال: أجنبي فيهما، فقال عليه السلام: ان كان طواف نافلة فابن على ما شئت، و إن كان طواف فريضة فأعد الطواف»

بل قيل في التذكرة و المنتهى انه من خبر رفاعة(5)عنه عليه السلام فيكون صحيحا، و لكنه غير معلوم، الى غير ذلك من النصوص

المنجبر ضعف بعضها بما سمعت من الشهرة و الإجماع المحكي و التعاضد و غير ذلك.

لكن مع ذلك كله حكى الفاضل عن المفيد انه قال: «من طاف بالبيت فلم يدر أ ستا طاف أو سبعا فليطف طوافا آخر ليستيقن انه طاف سبعا» و فهم منه البناء على الأقل على أن مراده بطواف آخر شوط آخر، و حكاه عن علي


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 5 و الفقيه ج 2 ص 249 الرقم 1195.

ج 19، ص: 382

ابن بابويه و الحلبي و أبي علي، و اختاره بعض متأخري المتأخرين، لأصلي البراءة و عدم الزيادة، و

صحيح منصور بن حازم (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر أستة طاف أو سبعة قال: فليعد طوافه، قلت: ففاته فقال: ما أرى عليه شيئا، و الإعادة أحب إلى و أفضل»

و صحيحه الآخر(2)قال للصادق عليه السلام: اني طفت فلم أدر ستة طفت أم سبعة فطفت طوافا آخر فقال: هلا استأنفت؟ قال: قلت قد طفت و ذهبت، قال:

ليس عليك شي ء»

إذ لو كان الشك موجبا للإعادة لأوجبها عليه، و

صحيح رفاعة(3)عنه عليه السلام «في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة قال: يبني على يقينه»

و فيه ان الأصل مقطوع بما عرفت، كما ان المراد بالصحيح الأول ما سمعت من الشك بعد الفراغ لا في أثنائه، و إلا كان مخالفا للإجماع على الظاهر، و احتمال الصحيح الثاني (4)النافلة، بل و الشك بعد الانصراف، بل قد يحتمل قوله «قد طفت» الإعادة على معنى فعلت الأمرين الإكمال و الإعادة، و الثالث النافلة أيضا، و الشك بعد الانصراف، و البناء على اليقين بمعنى انه حين انصرف أقرب الى اليقين مما بعده، فلا يلتفت الى الشك بعده، و إرادة الإعادة أي يأتي بطواف تيقن عدده، كل ذلك لقصورها عن المعارضة من وجوه.

و من الغريب ما عن بعضهم من حمل اخبار المشهور على الندب، لقوله عليه السلام في الصحيح الأول: «ما ارى عليه شيئا» إذ لو كانت واجبة لكان عليه شي ء، بل

قوله عليه السلام «و الإعادة أحب الي و أفضل»

صريح في ذلك، إذ قد عرفت


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 5.
4- 4 و في النسخة الأصلية« الصحيح النافي» و الصواب ما أثبتناه.

ج 19، ص: 383

ان التدبر في الصحيح المزبور و ما شابهه يقتضي كون المراد من السؤال فيه الشك بعد الفراغ، و إلا كان ظاهرا في وجوب الإعادة، فان لم يفعل و قد فاته الأمر للرجوع إلى

أهله و نحوه فلا شي ء عليه، و الإعادة أفضل، و لعله لذا قال في المدارك بعد تمام الكلام في المسألة: «و كيف كان فينبغي القطع بعدم وجوب العود لاستدراك الطواف مع عدم الاستئناف كما دلت عليه الاخبار الكثيرة و تبعه عليه المجلسي قال: «ثم إنه على تقدير وجوب الإعادة فالظاهر من الأدلة ان ذلك مع الإمكان و عدم الخروج من مكة و المشقة في العود لا مطلقا، و لا استبعاد في ذلك» و لكن لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة كون المتجه حينئذ جريان حكم تارك الطواف عليه، لان الفرض فساد ما وقع منه بالشك في أثنائه كما ان المتجه ذلك أيضا على القول الثاني إذا لم يبن على الأقل بل بنى على الأكثر و أتم الطواف، بل يمكن دعوى الإجماع على خلاف ما ذكراه، و من هنا قلنا يجب حمل الصحيح و نحوه على ارادة كون الشك بعد الفراغ، و ان أبيت فالطرح و إيكال علمه إليهم (عليهم السلام) خير من ذلك، لرجحان تلك الأدلة من وجوه، و الله العالم.

و على كل حال فقد ظهر لك انه في الفرض المزبور يبني على الأقل في النافلة بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لما سمعته من النصوص الظاهر أكثرها كالفتاوى في حصر المشروعية في ذلك، لكن عن الفاضل و ثاني الشهيدين جواز البناء على الأكثر حيث لا يستلزم الزيادة كالصلاة للتشبيه بها، و للمرسل (1)المتقدم الآمر بالبناء على ما شاء، و التعبير بالجواز في الموثق (2)السابق، إلا

ان ذلك كله كما ترى لا يجترئ به على الخروج عما


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الطواف- الحديث 7.

ج 19، ص: 384

هو كالمتفق عليه نصا و فتوى من ظهور تعين البناء على الأقل الذي هو أحوط مع ذلك أيضا، و الله العالم.

[المسألة الثانية من زاد على السبع ناسيا]

المسألة الثانية من زاد على السبع ناسيا و ذكر قبل بلوغه الركن العراقي قطع و لا شي ء عليه كما صرح به الشيخ و بنو زهرة و البراج و سعيد و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور ل

خبر أبي كهمس (1)المنجبر بما عرفت «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط قال: ان كان ذكر قبل ان يأتي الركن فليقطعه و قد أجزأ عنه، و ان لم يذكر حتى بلغه فليتم أربعة عشر شوطا. و ليصل اربع ركعات»

بل لا أجد فيه خلافا إلا من بعض متأخري المتأخرين بناء على أصل فاسد، و هو عدم انجبار الخبر الضعيف بالعمل، و الفرض ضعف الخبر المزبور، مع انه معارض ب

خبر عبد الله بن سنان (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سمعته يقول: من طاف بالبيت فوهم

حتى يدخل في الثامن فليتم أربعة عشر شوطا، ثم ليصل ركعتين»

المعتبر سنده بل عن العلامة الحكم بصحته، إلا ان ذلك كله كما ترى لا يوافق ما حررناه في الأصول، فيجب حمل الخبر المزبور بعد قصوره عن المقاومة على إرادة إتمام الشوط من الدخول في الثامن أو غير ذلك، و حينئذ فما هنا كالمقيد لما سمعته سابقا من ان من زاد على السبعة سهوا أكملها أسبوعين كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، و الله العالم.

[المسألة الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطهر]

المسألة الثالثة من طاف و ذكر انه لم يتطهر أعاد في الفريضة دون النافلة و يعيد صلاة الطواف الواجب واجبا و الندب ندبا لما عرفته سابقا من اشتراط


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث- 5.

ج 19، ص: 385

الطهارة من الحدث في الطواف الواجب،

قال ابن مسلم (1)في الصحيح «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور قال:

يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين»

و قد عرفت الكلام في ذلك مفصلا، و الله العالم.

[المسألة الرابعة من نسي طواف الزيارة]

المسألة الرابعة من نسي طواف الزيارة أي الحج حتى رجع الى أهله و واقع قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و المبسوط و ابنا البراج و سعيد:

عليه بدنة ل

حسن معاوية بن عمار(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع وقع على أهله و لم يزر البيت قال: ينحر جزورا، و قد خشيت أن يكون ثلم حجه إن كان عالما، و إن كان جاهلا فلا بأس عليه»

لأنه بعمومه يشمل الناسي فإن الظاهر أن قوله عليه السلام «إن كان عالما» قيد لثلم الحج، و أن البأس المنفي هو الثلم و الإثم دون النحر الذي هو ليس من البأس في شي ء، و صحيح علي بن جعفر(3)عن أخيه المتقدم سابقا المشتمل على التصريح بمساواة الحج و العمرة في ذلك،

و صحيح العيص (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل واقع أهله حين ضحى قبل أن يزور البيت قال: يهريق دما»

و إن كان هو ظاهرا في غير الطواف المنسي، و لا تصريح فيه بالبدنة، كصحيح علي بن جعفر (5)و خبري علي بن يقطين (6)و ابن أبي حمزة(7)المتقدمين سابقا في الجاهل بناء على شموله


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث- 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الطواف- الحديث- 2.

ج 19، ص: 386

للناسي، و إن كان فيه منع واضح، على أن مقتضاهما ذلك و إن لم يواقع كما عن التهذيب و المهذب و التحرير هنا للإطلاق المزبور الذي قد عرفت كونه في الجاهل لا الناسي.

و على كل حال فعليه مع ذلك الرجوع الى مكة للطواف الذي قد عرفت الحال فيه و قيل و القائل الحلي و الفاضل و الشهيدان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل عن بعض نسبته إلى الأكثر لا كفارة عليه و هو الأصح للأصل و رفع النسيان عن الأمة و عموم ما دل على نفيها عن الناسي،

كالصحيح المروي (1)عن العلل «في المحرم يأتي أهله ناسيا قال: لا شي ء عليه إنما هو بمنزلة من أكل في شهر رمضان و هو ناس»

و في المرسل (2)عن الفقيه «إن جامعت و أنت محرم- الى أن قال-: و إن كنت ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليك»

مضافا الى ما دل على نفيها عن الجاهل أيضا بناء على شموله للناسي خصوصا مثل

حسن معاوية(3)عن الصادق عليه السلام «ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت جاهل إذا كنت

محرما في حجك أو عمرتك إلا الصيد، فان عليك الفداء بجهالة كان أو عمد»

كل ذلك مع عدم صراحة النصوص المزبورة في الجماع حال النسيان، لاحتمالها أو بعضها وقوعه بعد الذكر.

بل ظاهر قول المصنف و يحمل القول الأول على من واقع بعد الذكر قبول عبارة القائل لذلك، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلاف، و ان قال في كشف اللثام: إن عبارات المبسوط و النهاية و الجامع لا تقبل ذلك، على ان


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث- 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 4.

ج 19، ص: 387

الأخبار المزبورة قد اشتمل بعضها(1)على إهراق دم، و آخر(2)على الجزور و ثالث (3)على الهدي، و لم أقف على نص في البدنة إلا ما سمعته من خبري ابن يقطين و علي بن أبي حمزة الذين لم يعتبر فيهما المواقعة، بل قد يقال بدلالة حسن معاوية بن عمار(4)السابق المذكور دليلا للقول الأول على المطلوب بدعوى عموم نفي البأس للكفارة أيضا بعد جعل العلم قيدا لجميع ما تقدمه لا خصوص الثلم و الإثم، بل في ما حضرني من المدارك روايته «لا شي ء عليه» بدل نفي البأس و حينئذ فالجمع بين النصوص بالحمل على الندب أولى من الجمع بينها بتخصيص تلك العمومات بمحل الفرض، لما

عرفته من قصور المعارض من وجوه، و الله العالم.

و لو نسي طواف النساء حتى رجع الى أهله جاز أن يستنيب بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، إنما الكلام في جواز ذلك اختيارا كما هو ظاهر المتن أو صريحه بقرينة التقيد السابق في طواف الحج، و كذا غير المتن، بل في الدروس أنه الأشهر بل هو المشهور، بل قيل لا خلاف فيه بين القدماء و المتأخرين إلا من الشيخ و الفاضل في التهذيب و المنتهى فاشترطا فيه التعذر، مع أن الأول قد رجع عنه في النهاية و الثاني قال بما في المتن في أكثر كتبه كالتحرير و الإرشاد و التلخيص و التذكرة للحرج و المعتبرة المستفيضة كصحيح معاوية بن عمار(5)الذي هو نحو

صحيح الحلبي (6)المروي عن المستطرفات، سأل الصادق عليه السلام «عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله قال: يرسل فيطاف عنه»

و صحيحه الآخر و حسنه (7)سأله عليه السلام أيضا عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث- 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف الحديث- 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف الحديث- 6.

ج 19، ص: 388

ذلك، فقال: «لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه إن لم يحج،

فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره»

و صحيحه الثالث (1)عنه عليه السلام أيضا «رجل نسي طواف النساء حتى يرجع الى أهله قال:

يأمر من يقضي عنه إن، لم يحج، فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت»

بل قوله عليه السلام فيهما «ان لم يحج» كالصريح في إرادة أنه إن لم يكن عاد بنفسه فليستنب، و لا ريب في شموله لحال الاختيار، و إلا لقال: فان لم يتمكن فليأمر من يطوف عنه.

و منه يعلم أن المراد بما في ذيل الأخير و صدر غيره الطواف بنفسه و بغيره و إن كان ظاهر النسبة إليه المباشرة، أو أنه مشروط بالتعذر كما عن الشيخ و الفاضل في المنتهى لأصالة المباشرة في العبادات و بقاء حرمة النساء، و

صحيح معاوية(2)عنه عليه السلام أيضا «في رجل نسي طواف النساء حتى دخل الكوفة قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فان لم يقدر قال: يأمر من يطوف عنه»

و

صحيحه الآخر(3)عنه عليه السلام أيضا سأله «عن رجل نسيه حتى يرجع الى أهله فقال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فان هو مات فليقض عنه وليه أو غيره، فاما ما دام حيا فلا يصلح

أن يقضي عنه، و إن نسي الجمار فليسا بسواء إن الرمي سنة و الطواف فريضة»

مضافا الى إمكان المناقشة في دليل الأول بدعوى انصراف الإطلاق السابق الى ما هو الغالب من التعذر أو التعسر في الرجوع حتى صحيحي «ان لم يحج» فإنهما لا صراحة فيهما، بل أقصاهما الإطلاق المنساق الى ذلك، فتبقى أصالة المباشرة حينئذ على حالها مؤيدة بظاهر الأمر فيها أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 389

على أن الجمع بين النصوص بالتقييد أولى من الجمع بالندب.

لكن لا يخفى عليك انقطاع الأصلين بما عرفت، و كون التقييد في الأول في كلام السائل، و التعبير في الثاني بلفظ «لا يصلح» الذي هو أعم من الحرمة بل قيل بظهوره في الكراهة حاكيا له عن المتأخرين كافة، بل عن الشيخ في الاستبصار التصريح بصراحته فيها، و حينئذ يكون دليلا للمطلوب لا عليه، و المناقشة المزبورة مجرد دعوى لا شاهد لها، خصوصا في ذوي الأمكنة القريبة و نحوهم ممن لا مشقة عليهم في العود، كل ذلك مضافا الى الانجبار بالشهرة العظيمة إلا انه مع ذلك كله و الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم انه قد يستفاد من نحو إطلاق العبارة عدم اعتبار استمرار النسيان الى أن يرجع الى أهله في الاستنابة المزبورة، بل ينبغي الجزم به مع التعذر أو التعسر قبل ذلك، أما مع عدمهما فلا يبعد ذلك أيضا و إن كان السؤال في النصوص المزبورة مقيدا بالرجوع إلى أهله، و مقتضاه بقاء غيره على أصالة المباشرة، إلا أنه بمعونة إطلاق الفتوى التي بها يخرج المعارض عن المقاومة كي يتجه التقييد خصوصا مع ظهور لفظ «لا يصلح» في الكراهة قد يقوى عدم إرادة التقييد منه، نعم مع فرض القرب من مكة و عدم المانع له يرجع بنفسه.

و على كل حال فظاهر ما سمعته من النص و الفتوى وجوب قضائه و إن كان قد طاف طواف الوداع، مضافا الى كونه مستحبا فلا يجزي عن الواجب، لكن

قال الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق (1)«لو لا ما من الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم و لا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم»

بل عن علي بن بابويه الفتوى بذلك إلا انه قاصر عن المعارضة من وجوه، خصوصا مع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 390

إمكان اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء، و إرادة المنة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارفات، و كون المراد أن الاتفاق على فعل طواف الوداع سبب لتمكن الشيعة من طواف النساء، إذ لولاه لزمتهم التقية بتركه غالبا و على كل حال فلا تحل له النساء بدونه حتى العقد سواء كان المكلف به رجلا أو امرأة، و يحرم حينئذ

عليها تمكين الزوج كما تقدم ذلك كله في أحكام الإحرام، نعم الظاهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم يكن الترك عمدا، أما معه فالأصل يقتضي وجوب الرجوع بنفسه كما صرح به في الدروس.

و كيف كان ف لو مات و لم يقضه بنفسه أو بغيره قضاه وليه بنفسه أو بغيره كما في النافع و محكي النهاية و السرائر وجوبا بلا خلاف أجده فيه، لما سمعته من النص، بل ظاهر صحيح معاوية(1)إجزاء فعل الغير عنه و إن لم يكن باستنابة من الولي، و لا بأس به، لأنه من قبيل الديون، و الله العالم.

[المسألة الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي ]

المسألة الخامسة من طاف كان بالخيار في تأخير السعي ساعة و نحوها بل الى زمان سابق على صدق اسم الغد بلا خلاف أجده فيه، للأصل و

صحيح ابن مسلم (2)سأل أحدهما (عليهما السلام «عن رجل طاف بالبيت فأعيى أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة؟ فقال: نعم»

و صحيح ابن سنان (3)على ما في التهذيب سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل يقدم حاجا و قد اشتد عليه الحر فيطوف بالكعبة أ يؤخر السعي الى أن يبرد؟ فقال: لا بأس به، و ربما فعلته، قال: و ربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل» و رواه في الكافي و الفقيه الى


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الطواف- الحديث- 1.

ج 19، ص: 391

قوله عليه السلام: «و ربما فعلته» و لكن في الثاني منهما و في حديث آخر «الى الليل»

و على كل حال هو دال بناء على ظهوره في دخول الغاية على جواز فعله في الليل الداخل فيه مسماه أجمع حتى يتحقق صدق اسم الغد ثم لا يجوز مع القدرة كما نص عليه في النافع و القواعد و غيرهما و محكي التهذيب و النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع ل

صحيح العلاء بن رزين (1)«سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا»

و صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أ يؤخر الطواف بين الصفا و المروة إلى غد؟ قال: لا»

و هما كما ترى ظاهر ان في عدم الجواز اليه كما صرح به من عرفت، بل لا أجد فيه خلافا إلا من ظاهر المتن و ربما نزل على خروج الغاية، و إلا كان نادرا لا دليل له سوى الأصل المقطوع و الإطلاق المقيد بما عرفت، نعم الظاهر اختصاص المنع بذلك، أما التأخير و لو الى آخر الليل كما أشرنا إليه سابقا فلا بأس به للأصل إن لم يكن ظاهر الإطلاق السابق، هذا كله مع القدرة، أما مع عدمها فلا إشكال في الجواز كما صرح به غير واحد، لاستحالة التكليف بما لا يطاق، و عدم دليل على

مشروعية الاستنابة في الفرض فضلا عن وجوبها، فيصبر حينئذ حتى يضيق الوقت كما تقدم الكلام في مثله سابقا، و الله العالم.

[المسألة السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي ]

المسألة السادسة يجب على المتمتع تأخير الطواف و السعي للحج حتى يقف بالموقفين و يقضي مناسك منى يوم النحر بلا خلاف محقق معتد به أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض أو متواتر، بل في محكي المعتبر و المنتهى و التذكرة نسبته إلى إجماع العلماء كافة، و هو الحجة بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 392

خبر أبي بصير(1)المنجبر بما عرفت «قلت: رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال:

لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات- فان هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف»

و مفهوم الصحيح (2)و الموثق (3)كالصحيح بل الصحيح الآتيين بل و غيرهما، فمن الغريب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين من جواز ذلك مطلقا استنادا إلى إطلاق بعض النصوص، ك

صحيح ابن يقطين (4)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل المتمتع يطوف و يسعى بين

الصفا و المروة قبل خروجه إلى منى قال: لا بأس»

و صحيح حفص بن البختري (5)عنه (عليه السلام) أيضا في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى، فقال: «هما سواء أخر ذلك أو قدمه يعني المتمتع»

و غيرهما المقيد بما أشار إليه المصنف و غيره.

بل لا خلاف معتد به أجده فيه من انه لا يجوز التعجيل إلا للمريض و المرأة التي تخاف الحيض و الشيخ العاجز عن العود أو الزحام و نحوهم من ذوي الأعذار

للموثق أو الصحيح (6)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى قال: نعم من كان هكذا يعجل»

و الخبر(7)كالصحيح عنه عليه السلام أيضا «سألته عن المرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و خافت


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج الحديث- 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج الحديث- 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 393

الطمث قبل يوم النحر أ يصلح لها ان تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى قال: إذا خافت ان تضطر الى ذلك فعلت»

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق (1)عن الصادق عليه السلام «لا بأس ان يجعل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى»

و حسن الحلبي و معاوية بن عمار(2)عنه عليه السلام أيضا «لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى»

بل عن ابن زهرة الإجماع على التقديم على الحلق يوم النحر للضرورة، فما عن ابن إدريس- من عدم جواز التقديم مطلقا للأصل المقطوع بما سمعت، و اندفاع الحرج بحكم الإحصار- واضح الضعف نحو ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين من الجواز مطلقا الذي هو على طرف الإفراط معه، و ربما استظهر أيضا من عبارة التذكرة، قال: «وردت رخصة في جواز تقديم الطواف و السعي على الخروج إلى منى و عرفات، و به قال الشافعي، ل

ما رواه العامة(3)عن النبي صلى الله عليه و آله «من قدم شيئا قبل شي ء فلا حرج»

و من طريق الخاصة

رواية صفوان بن يحيى الأزرق (4)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن امرأة تمتعت»

الى آخرها، إذا ثبت هذا فالأولى التقييد للجواز بالعذر بناء على إرادة الأفضل من الاولى» و لكن فيه منع واضح، خصوصا بعد أن

حكي إجماع العلماء سابقا على عدم الجواز، نعم ما يحكى من عبارة الخلاف

«روى أصحابنا


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4 و هو حسن حفص بن البختري و معاوية بن عمار و حماد عن الحلبي جميعا عن أبي عبد الله عليه السلام.
3- 3 كنز العمال ج 3 ص 59 الرقم 1075.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 394

رخصة في تقديم الطواف و السعي قبل الخروج إلى منى و عرفات، و الأفضل أن لا يطوف طواف الحج الى يوم النحر إن كان متمتعا»

ظاهر في ذلك، لكن عن ابن إدريس احتمالها حال الضرورة، أي الأفضل مع العذر التأخير، و لا بأس به، و إلا كان نادرا محجوجا بما عرفت.

و الظاهر الاجزاء لمن قدمه لخوف العارض ثم بان عدم حصوله لقاعدة الاجزاء كما هو واضح.

و كذا يجوز تقديم طواف النساء للضرورة كما عن الفاضل و غيره التصريح به، بل في كشف اللثام أنه المشهور لفحوى ما تقدم، و خصوص

قول الكاظم عليه السلام في صحيح ابن يقطين (1)أو خبره المنجبر بما عرفت: «لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك لا بأس لمن خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا».

خلافا للحلي أيضا، فلم يجوزه للأصل، و اتساع وقته، و الرخصة في الاستنابة فيه، و خروجه عن أجزاء المنسك، و عموم

قوله عليه السلام لإسحاق بن عمار(2)«إنما طواف النساء بعد أن يأتي منى»

و خصوص

خبر علي بن أبي حمزة(3)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل يدخل مكة و معه نساؤه و قد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال:

إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فإن حدث بها شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث- 5.

ج 19، ص: 395

قضت بقية المناسك و هي طامث، قال: فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟

قال: بلى، قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه، قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى يقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان، قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها و الرفقة قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها».

لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، و العموم مخصص به أيضا، و الخبر المزبور قاصر عن المعارضة سندا و عملا، بل قيل و متنا، لظهوره في قدرتها على الإتيان بطواف النساء بعد الوقوفين و لو بالاستعداء المخالف للأصول بل و الصحيح (1)الوارد في مثل القضية المتقدم سابقا المتضمن لمضيها و انه قد تم حجها، و اتساع الوقت مخالف للفرض الذي هو الضرورة الموجبة لعدم القدرة على الإتيان به مطلقا، و الرخصة إنما هي في صورة النسيان خاصة، و إلحاق الضرورة به قياس فاسد.

و كيف كان فلا خلاف أجده إلا من الحلي أيضا في انه يجوز التقديم للقارن و المفرد بل في محكي المعتبر نسبته الى فتوى الأصحاب، بل عن الشيخ و صريح الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة التي منها نصوص حجة الوداع (2)و منها

صحيح حماد بن عثمان (3)سأل الصادق عليه السلام


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13 و 14 و 31 و 32.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 19، ص: 396

عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره فقال: هو و الله سواء عجله أو أخره»

و منها

موثق زرارة(1)سأل أبا جعفر عليه السلام «عن المفرد للحج يقدم مكة يقدم طوافه أو يؤخره قال: سواء»

و منها

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة ثم تخرج إلى منى و لا هدي عليك»

و خبر إسحاق بن عمار(3)سأل الكاظم (عليه السلام) «عن المفرد بالحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء قال: لا، إنما طواف النساء بعد ان يأتي منى»

و نحوه خبر موسى بن عبد الله (4)سأل الصادق (عليه السلام) عن مثل ذلك إلا انه ذكر انه قدم ليلة عرفة، الى غير ذلك من النصوص التي ينتفي في جملة منها احتمال إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق و بعده، بل أخبار حجة الوداع صريحة في ذلك أيضا، بل ظاهرها- خصوصا مع ملاحظة

قوله صلى الله عليه و آله فيها «خذوا عني مناسككم»

كظهور ما سمعته من التسوية في غيرها- عدم الكراهة أيضا، بل عن الخلاف و النهاية ان اي وقت شاء، و التعجيل أفضل و إن كان هو مطلقا، لكن في المتن و القواعد جواز ذلك

على كراهية و لعلها خروجا عن شبهة الخلاف، أو لما قيل من

خبر زرارة(5)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره قال: يقدمه، فقال رجل الى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك كان


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
2- 2 لم نعثر عليه فيما تتبعناه من كتب الأخبار.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 19، ص: 397

إذا قدم اقام بفخ حتى إذا رجع الناس الى منى راح معهم، فقلت له من شيخك؟

فقال علي بن الحسين (عليهما السلام) فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي بن الحسين (عليهما السلام) لأمه»

إلا انه كما ترى مع ضعفه دلالته على عدم الكراهة أوجه، و لكن الأمر في ذلك سهل بعد معروفية التسامح فيها، و على كل حال فما عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم للأصل المقطوع بما عرفت، و الاحتياط للإجماع على الصحة مع التأخير بخلاف التقديم، و فيه منع الخلاف فيه من غيره، هذا، و قد تقدم البحث في وجوب تجديد التلبية عليهما إذا طافا و عدمه، و التفصيل بين المفرد فيجدد دون المقارن، فلاحظ و تأمل.

[المسألة السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ]

المسألة السابعة لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي لمتمتع و لا لغيره اختيارا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه، مضافا الى النصوص ك

صحيح معاوية بن عمار(1)«ثم اخرج الى الصفا فاصعد عليه و اصنع كما صنعت يوم دخلت ثم ائت المروة فاصعد عليها و طف بهما سبعة أشواط، تبدأ بالصفا و تختم بالمروة، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء أحرمت منه إلا النساء، ثم ارجع الى البيت و طف به أسبوعا آخر ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام)»

و ثم للترتيب قطعا، و

مرسل احمد بن محمد(2)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى قال:

لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء»

و نحوهما غيرهما نعم يجوز تقديمه مع الضرورة و الخوف من الحيض بلا خلاف أجده فيه أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زيارة البيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 398

بل في المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب لنفي الحرج و فحوى ما تقدم من نظائره، و

موثق سماعة بن مهران (1)عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) «سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل ان يسعى بين الصفا و المروة فقال لا يضره، يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه»

بعد حمله على حال الضرورة جمعا بينه و بين غيره و فحوى صحيح أبي أيوب (2)المتقدم سابقا عن الصادق (عليه السلام) المتضمن الرخصة في ترك طواف النساء للامرأة الحائض التي لم يقم عليها جمالها و لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها، ضرورة أولوية التقديم من الترك، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في ذلك و لو بالاستنابة، لأنه يحتمل عدم الجواز، لأصول عدم الاجزاء مع مخالفة الترتيب، و بقائه في الذمة، و بقائهن على الحرمة، مع ضعف الخبر، و اندفاع الحرج بالاستنابة، و سكوت أكثر الأصحاب على ما في كشف اللثام، و قد سمعت ما عن ابن إدريس من منع تقدمه على الموقفين، و الله العالم.

[المسألة الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا]

المسألة الثامنة من قدم طواف النساء على السعي ساهيا أجزأ كما في النافع و القواعد و غيرهما و محكي النهاية و المبسوط و

المهذب و السرائر و الجامع و الوسيلة، لموثق سماعة(3)المتقدم الذي مقتضاه الاجزاء حتى لو تعمد التقديم و إن كان لا يتم إلا مع الجهل، إذ العالم لا يتصور منه التعبد و التقرب به، و لذا قال المصنف و غيره و لو كان عامدا لم يجز أي إذا كان عالما، أما الجاهل فقد عرفت شمول موثق سماعة له، مضافا الى عموم حديث رفع ذلك عن الأمة، و خصوص ما ورد في الحج من معذورية الجاهل حتى جعله بعض متأخري


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 399

المتأخرين أصلا باعتبار ما تقدم فيه من العموم، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، لاحتمال عدم الإجزاء لأصالة البقاء في الذمة و بقاء حرمة النساء، و الله العالم.

[المسألة التاسعة عدم جواز الطواف و على الطائف برطلة]

المسألة التاسعة قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية لا يجوز الطواف و على الطائف برطلة بضم الموحدة و الطاء المهملة و سكون الراء المهملة بينهما و لام خفيفة أو شديدة، و عن المبسوط و المهذب إطلاق النهي عن لبسها، ل

قول الصادق عليه السلام في خبر يحيى الحنظلي(1): «لا تطوفن بالبيت و عليك برطلة»

و خبر يزيد بن خليفة(2)قال «رآني أبو عبد الله عليه السلام أطوف حول الكعبة و علي برطلة فقال: لي بعد ذلك رأيتك تطوف حول الكعبة و عليك برطلة لا تلبسها حول الكعبة، فإنها من زي اليهود»

لكن لا يخفى عليك عدم جمعهما شرائط العمل بهما على وجه التحريم، بل التعليل في ثانيهما ظاهر في الكراهة التي صرح بها الشيخ في محكي التهذيب بل و محكي السرائر، لكن قال: «إن لبسها مكروه في طواف الحج، و محرم في طواف العمرة».

و اليه أشار المصنف بقوله و منهم من خص ذلك بطواف العمرة نظرا الى تحريم تغطية الرأس فيه بخلاف طواف الحج المتأخر عن الحلق و التقصير اللذين يحل معهما من كل شي ء إلا الطيب و النساء و الصيد، و لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يقدمه، و إلا كان كطواف العمرة في حرمة تغطية الرأس، و لعل تخصيص ابن إدريس ذلك بالعمرة بناء منه على عدم جواز تقديمه كما سمعته سابقا، و على كل حال فالمتجه حرمة لبسها فيهما حال وجوب كشف الرأس في


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الطواف- الحديث 1 عن زياد بن يحيى.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 400

إحرام عمرة أو حج إذا قدم الطواف و لكن الطواف صحيح لو خالف لا لكون النهي عن خارج بناء على المختار من عدم خصوصية للبرطلة و لا للطواف، بل هو من حيث حرمة تغطية الرأس، نعم لو قلنا بالحرمة من حيث لبس البرطلة في

الطواف اتجه البطلان حينئذ للنهي عنه و هي عليه في الخبر المزبور، و بذلك يظهر لك انه لا وجه لإطلاق بعضهم عدم البطلان معللا له بأن النهي لأمر خارج.

هذا كله مع الحرمة للإحرام، أما مع عدمها فيكره ذلك في الطواف للخبرين المزبورين القاصرين عن إثبات الحرمة، دون الكراهة التي يتسامح فيها و مقتضاهما كراهة لبسها فيه مطلقا و إن لم يكن محرما كما في الطواف المندوب، بل قد يستفاد من التعليل في الثاني كراهة لبسها مطلقا، مضافا الى

الصحيح (1)«انه كره لبس البرطلة»

بل قد يظهر من الثاني منهما كراهة لبسها حول الكعبة من غير فرق بين الطواف و عدمه، نعم بناء على ما عرفت ينبغي مراعاة الشدة و الضعف فيها، هذا، و قد تقدم في الصلاة ذكرها أيضا.

و المراد بها على ما في المدارك و غيرها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما، و عن العين و المحيط و القاموس «أنها المظلة الصيفية» و عن الجوالقي «انها كلمة نبطية و ليست من كلام العرب» و عن أبي حاتم عن الأصمعي «أن البربر و النبط يجعلون الظاء المعجمة طاء مهملة، فيقولون الناطور و هو الناظور بالمعجمة فكأنهم أرادوا ابن الظل» و عن ابن جني في سر الصناعة «ان النبط يجعلون الظاء طاء و لهذا قالوا: البرطلة، و انما هو ابن الظل» و عن الأزهري «انها في قول ابن الظلة»

و لكن الجميع كما ترى، و الأول هو المعروف، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 1 من كتاب الصلاة.

ج 19، ص: 401

[المسألة العاشرة من نذر أن يطوف على اربع ]

المسألة العاشرة من نذر أن يطوف على اربع أي يديه و رجليه قيل و القائل الشيخ في التهذيب و محكي النهاية و المبسوط و القاضي في محكي المهذب و ابن سعيد في محكي الجامع و اختاره الشهيد في اللمعة، و نسبه ثانيهما إلى الشهرة.

يجب عليه طوافان ل

خبر السكوني (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قال أمير المؤمنين عليه السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال: تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها»

و خبر أبي الجهم (2)عنه عليه السلام أيضا عن أبيه عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على اربع تطوف أسبوعا ليديها و أسبوعا لرجليها»

و قيل و القائل ابن إدريس و تبعه غيره لا ينعقد النذر لانه نذر هيئة غير مشروعة، و هل الباطل الهيئة الخاصة أو الطواف رأسا؟ و في كشف اللثام «تحتملهما عبارة السرائر و القواعد و غيرهما، و الأول الوجه كما في المنتهى، فعليه طواف واحد على رجليه إلا أن

ينوي عند النذر أنه لا يطوف إلا على هذه الهيئة، فيبطل رأسا» قلت: لا ريب في أن المتجه البطلان مع فرض تقيد المنذور بها و عدم مشروعية الهيئة. إذ هو كمن نذر الصلاة على هيئة غير مشروعة، و كذا لو نذر الطواف على رجل واحدة و نحو ذلك.

و ربما قيل بالأول إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النقل و إن كنت لم أجده لمن تقدم على المصنف، نعم في المنتهى و مع سلامة هذين الحديثين عن الطعن في السند ينبغي الاقتصار على موردهما، و هو المرأة، و لا يتعدى الى الرجل، و قول ابن إدريس أنه نذر غير مشروع ممنوع، إذ الطواف عبادة يصح نذرها، نعم الكيفية غير مشروعة، و لمنع انه يبطل نذر الفعل


1- 1 الوسائل- الباب- 70- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 70- من أبواب الطواف- الحديث- 2.

ج 19، ص: 402

عند بطلان نذر الصفة، و بالجملة فالذي ينبغي الاعتماد عليه بطلان النذر في حق الرجل و التوقف في حق المرأة، فإن صح سند هذين الخبرين عمل بموجبهما، و إلا بطل كالرجل، و لا يخفى عليك ما فيه من التشويش، خصوصا بعد معلومية عدم صحة سند الخبرين، إلا أنهما يمكن الوثوق بهما من جهة القرائن التي منها قبول أخبار السكوني و روايتهما في الكتب المعتبرة، و فتوى من عرفت بهما بل قد سمعت نسبته إلى الشهرة و نحو ذلك، و حينئذ لا وجه للاجتهاد في مقابلتهما بل لعل المتجه التعدية الى الرجل الذي هو أولى بالحكم المزبور من المرأة، خصوصا مع إمكان دعوى الإجماع المركب، إذ التفصيل الذي ذكره المصنف لم نعرفه قولا لأحد، فالقول به حينئذ قوي جدا، اللهم إلا أن يقال إنهما قضية في واقعة يمكن فرضها في نذر المرأة طوافين دفعة، و لا يكون ذلك إلا بالهيئة المزبورة، فأوجب عليه السلام عليها الطوافين ليديها و رجليها.

و كيف كان فظاهر النص و الفتوى عدم إجزاء الهيئة المزبورة في الطواف واجبة و مندوبة مع الاختيار، و لعله لأن المنساق و المعهود غيرها، و حينئذ فلو تعلق نذره بطواف النسك فالأقرب البطلان كما في الدروس، ثم قال:

«و ظاهر القاضي الصحة، و يلزمه طوافان، و أطلق ابن إدريس البطلان، و مال اليه المحقق إن كان الناذر رجلا» و ظاهره فرض محل البحث في تعلق النذر بطواف النسك، و فيه نظر.

هذا كله مع الاختيار، أما لو عجز عن المشي إلا على الأربع فالأشبه كما في الدروس فعله، و يمكن تعين الركوب لثبوت التعبد به اختيارا، و لعل الآخر لما عرفت من ظهور النص و الفتوى في عدم مشروعية الهيئة المزبورة، بخلاف الركوب المشروع في الاختيار فضلا عن الضرورة، و لكن فيه أن الظاهر اختصاص عدم المشروعية فيهما بالمختار دون المضطر، و ربما احتمل في عبارة

ج 19، ص: 403

الدروس، انها مفروضة في الناذر له على اربع، و ان بناء الوجهين على بطلان الهيئة دون الطواف، و هو- مع أنه خلاف ظاهرها من كونها مفروضة في مطلق من عليه طواف- إنما يتجه وجوب ذلك عليه لو كان النذر تعلق به و هو عاجز، أما لو نذر صحيحا فاتفق العجز له إلا عن هذا الحال فالوجهان، و الله العالم.

[المسألة الحادية عشر لا بأس أن يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف ]

المسألة الحادية عشر لا بأس أن يعول الرجل على غيره في تعداد الطواف كما في القواعد و غيرها و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع لأنه أي اخبار الغير كالامارة التي يكتفى بها في مثله، نحو ما سمعته في أجزاء الصلاة و عدد ركعاتها المشبه بها الطواف، و عن المنتهى لأنه يثمر التذكر و الظن مع النسيان، و ل

خبر سعيد الأعرج (1)سأل الصادق عليه السلام «أ يكتفي الرجل بإحصاء صاحبه: قال: نعم»

و خبر الهذيل (2)عنه عليه السلام «في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطواف أ يجزيه عنهما و عن الصبي؟ فقال: نعم، ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صليت خلفه فهو مثله»

و لعل مبنى الخبرين ما أشار إليه المصنف من غلبة حصول الظن باخبار المخبر الذي هو أمارة غالبا، نعم لو لم يحصل منه ظن لم يكن به عبرة و عمل على حكم الشك الذي قد عرفته سابقا و حينئذ فلا يعتبر فيه التعدد و لا الذكورة و لا غير ذلك، إذ المدار على ما عرفت لكن في المدارك- بعد أن ذكر أن إطلاق

النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الحافظ بين الذكر و الأنثى، و لا بين من طلب الطائف منه الحفظ و غيره- قال: «و هو كذلك، نعم شرط فيه البلوغ و العقل، إذ لا اعتداد بخبر الصبي و المجنون، و لا يبعد اعتبار عدالته، للأمر بالتثبت عند خبر الفاسق» و فيه أن خبر المميز و الفاسق قد يفيدان الظن، بل الخبران (3)ظاهران في عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب الطواف- الحديث 1 و 3.

ج 19، ص: 404

اعتبار العدالة، و في كشف اللثام «و هل يشترط العدالة؟ احتمال، للأصل و الاحتياط، و ظاهر التمثيل بالاقتداء في الصلاة، و الاولى الاقتصار على إخلاد الرجل الى الرجل دون المرأة و جواز العكس، اقتصارا على مضمون الخبرين و ما يشبه الائتمام في الصلاة، و الأحوط التجنب عن الإخلاد رأسا، لجهل سعيد و هذيل، نعم إن اكتفينا في كل العبادات عند كل جزء بالظن بالإتيان بما قبله أخلد لذلك كما في الشرائع و المنتهى» و لا يخفى ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي قد يؤيده ان النص و الفتوى قد جعلت الأحكام المذكورة للشك في الطواف على وجه يظهر منه عدم اندراج المظنون معه في الحكم المزبور، و لا ينافيه ما تقدم في بعض

النصوص (1)من قوله عليه السلام: «حتى تثبته» أو «حتى تحفظه»

لإمكان القول بان الظن إثبات له و حفظ له، خصوصا بعد الخبرين المزبورين اللذين قد يقوى اعتبار حكم الصلاة هنا بملاحظة الثاني منهما المذكور فيه الائتمام المشعر باتحاد حال الصلاة مع الطواف زيادة على التشبيه، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط لعدم تعرض كثير لتحرير المسألة.

و كيف كان ف لو شكا جميعا عولا على الأحكام المتقدمة للشك من البناء أو الاستئناف، و إن شك أحدهما دون الآخر كان لكل حكم نفسه كما يرشد اليه

خبر صفوان (2)المتقدم سابقا «عن ثلاثة دخلوا في الطواف فقال واحد منهم: احفظوا الطواف، فلما ظنوا انهم قد فرغوا قال واحد منهم: معي سبعة أشواط و قال الآخر معي ستة أشواط، و قال الثالث معي خمسة أشواط


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 1 و الباب 33 منها الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 405

فقال: إن شكوا كلهم فليستأنفوا، و إن لم يشكوا و علم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوا»

و ربما احتمل ان المراد البناء على الأمر المشترك كما إذا شك أحدهما بين خمسة و ستة،

و الآخر بين ستة و سبعة فيبنوا على الستة نحو ما تقدم في شك الامام و المأموم، و كان بينهما رابطة، لكنه كما ترى، و في كشف اللثام «لو صح خبر هذيل أمكن القول بان لا يعتبر شكه إذا حفظ الآخر كصلاة الجماعة» و قد عرفت ان المدار على حصول الظن بالعدد فان كان أخذ به، و إلا عمل على مقتضى حكم الشك السابق، و الله العالم.

[المسألة الثانية عشر طواف النساء واجب في الحج ]

المسألة الثانية عشر طواف النساء واجب في الحج بجميع أنواعه إجماعا بقسميه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص، ففي

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف بالبيت و سعيان بين الصفا و المروة، فعليه إذا قدم مكة طواف بالبيت و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام و سعي بين الصفا و المروة ثم يقصر و قد أحل، هذا للعمرة و عليه للحج طوافان و سعي بين الصفا و المروة و يصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام»

و صحيح منصور بن حازم (2)عنه عليه السلام أيضا «على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة أطواف، و يصلي لكل طواف ركعتين، و سعيان بين الصفا و المروة»

و نحوه خبر أبي بصير(3)عنه عليه السلام أيضا،

و صحيح الحلبي (4)عنه عليه السلام أيضا «إنما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحج»

و حسن معاوية بن عمار(5)عنه عليه السلام أيضا «المفرد عليه طواف بالبيت،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.

ج 19، ص: 406

و ركعتان عند مقام إبراهيم عليه السلام و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة، و طواف النساء، و ليس عليه هدي و لا أضحية»

الى غير ذلك من النصوص المتفق على العمل بها.

و كذلك هو واجب في العمرة المفردة المسماة بالمبتولة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة، ك

خبر إسماعيل بن رياح (1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن مفرد العمرة عليه طواف النساء قال: نعم»

و صحيح محمد بن عيسى (2)قال: «كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي الى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة على صاحبها طواف النساء و عن التي يتمتع بها الى الحج فكتب أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء، و أما التي يتمتع بها الى الحج فليس على صاحبها طواف النساء»

و خبر إبراهيم بن عبد الحميد(3)عن عمر بن يزيد أو غيره عن أبي عبد الله عليه السلام «المعتمر يطوف و يسعى و يحلق و لا بد له بعد الحلق من طواف آخر»

و هو و إن عم المتمتع بها إلا انه مخصص بما عرفت و تعرف إن شاء الله، الى غير ذلك من النصوص المجبور ضعف السند في بعضها بما سمعت.

خلافا للمحكي في الدروس عن الجعفي من عدم وجوبه، ل

صحيح معاوية(4)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع و طاف بالبيت و صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة فيلحق بأهله إن شاء»

الذي هو غير صريح في وحدة الطواف، إذ يحتمل انه طاف


1- 1 الوسائل- الباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب العمرة- الحديث 2.

ج 19، ص: 407

ما يجب عليه و صلى لكل واحد ركعتين، بل ربما قيل إن ظاهره ذلك، و

صحيح صفوان بن يحيى (1)قال: «سأله عليه السلام أبو الحرث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و طاف و سعى و قصر هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى»

المحتمل لإرادة إنما طواف النساء عليه، و

مرسل يونس (2)الذي لا جابر للعمل به «ليس طواف النساء إلا على الحاج»

المخصص بما عرفت المحتمل لإرادة ما يشمل المعتمر من الحاج، و

خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين (3)سأل أبا الحسن عليه السلام «عن مفرد العمرة عليه طواف النساء فقال: ليس عليه طواف النساء»

الذي هو غير جامع لشرائط الحجية المحتمل لمن أراد التمتع بعمرته المفردة، فمن الغريب ميل بعض متأخري المتأخرين إلى العمل بهذه النصوص القاصرة عن معارضة غيرها من وجوه، و ترك المعتبرة الأولى التي عليها العمل قديما و حديثا المعتضدة مع ذلك بأصالة بقاء حرمة النساء و غيرها.

نعم هو واجب فيها بجميع أنواعها دون المتمتع بها فإنه لا يجب فيها بلا خلاف محقق أجده فيه، و إن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب، و أسنده في الدروس الى النقل، لكن

لم يعين القائل و لا ظفرنا به و لا احد ادعاه سواه، بل في المنتهى لا أعرف فيه خلافا، بل عن بعض الإجماع على عدم الوجوب، و لعله كذلك، فإنه قد استقر المذهب الآن عليه، بل و قبل الآن، مضافا الى النصوص التي منها ما تقدم، و لا يقدح في بعضها الإضمار، لأن مضمرات الأجلاء حجة عندنا، و لا جهالة السائل و لا المكاتبة، و منها

صحيح زرارة(4)


1- 1 الوسائل- 2 لباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- 2 لباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 10 عن يونس و هو سهو فان الموجود في الاستبصار ج 2 ص 232 الرقم 806 عن يونس عمن رواه.
3- 3 الوسائل- 2 لباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 19، ص: 408

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كيف التمتع قال: تأتي الوقت فتلبي بالحج، فإذا دخلت مكة طفت بالبيت و صليت ركعتين خلف المقام و سعيت بين الصفا و المروة و قصرت و أحللت من كل شي ء، و ليس لك أن تخرج من مكة حتى تحج»

و صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا فرغت من سعيك، و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم أظفارك و أبق منهما لحجك، و إذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي ء يحل منه المحرم و أحرمت منه، و طف بالبيت تطوعا ما شئت»

و منها

خبر عبد الله بن سنان (2)عنه عليه السلام أيضا قال: «سمعته يقول: طواف المتمتع ان يطوف

بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة و يقصر من شعره، فإذا فعل ذلك فقد أحل»

و منها

خبر عمر بن يزيد(3)عنه عليه السلام أيضا «ثم ائت منزلك فقصر من شعرك و حل لك كل شي ء»

و منها

حسن الحلبي (4)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام) جعلت فداك اني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم اقصر قال:

قلت اني لما أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلما غلبتها قصرت بعض شعرها بأسنانها قال: رحمها الله كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شي ء»

و منها

خبر الحلبي (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة متمتعة عاجلها زوجها قبل ان تقصر فلما تخوفت ان يغلبها أهوت إلى قرونها فقرضت منه بأسنانها و قرضت بأظافيرها هل عليها شي ء؟ قال: لا، ليس كل احد يجد المقاريض»


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التقصير- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التقصير- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب التقصير- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التقصير- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب التقصير- الحديث 4.

ج 19، ص: 409

كل ذلك مع أنا لم نجد دليلا للقول المزبور إلا

خبر سليمان بن حفص المروزي (1)عن الفقيه عليه السلام «إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شي ء ما خلا النساء، لان عليه لنحلة النساء طوافا و صلاة»

الشاذ الضعيف سندا و لا جابر المخالف لما عرفت، بل قال الشيخ:

ليس فيه ان الطواف و السعي اللذين ليس له الوطء بعدهما إلا بعد طواف النساء انهما للعمرة أو الحج، و إذا لم يكن في الخبر ذلك حملناه على من طاف و سعى للحج، و إن كان فيه ان المفروض في الخبر وقوع التقصير من المتمتع بعد الطواف و السعي، و ليس ذلك إلا في العمرة، إذ لا تقصير بعدهما في الحج، و أيضا قوله عليه السلام «إذا حج الرجل» الى آخره كالصريح في ان المراد بدخولها هو القدوم الأول دون الرجوع إليها من منى، فلا وجه للمناقشة فيه من هذه الجهة، كما انه لا وجه لها أيضا فيه بأنه قد دل على توقف حل النساء على الصلاة و الطواف معا، و هو خلاف المعهود في مثله، فان التحليل في الحج و العمرة المفردة إنما يحصل بنفس الطواف من غير توقف على الصلاة في ظاهر النص و الفتوى، و لو توقف عليها كانت هي المحلل دونه، و توقفها عليه لا يصحح نسبة التحليل إليها، و إلا لجاز إسناده الى ما قبل ذلك من الأعمال أيضا، لأنه بعد تسليم ذلك- إذ قد عرفت البحث فيه سابقا- قد يقال بأن إيجاب الطواف للتحلل يقتضي إيجاب الصلاة له بواسطة الطواف، فإنها من لوازمه، و علة الملزوم

علة اللازم، و حينئذ فلا يلزم التحليل بالصلاة و لا بالمجموع، على أنه يمكن التزام أحد الأمرين هنا تبعا للنص و إن لم يكن في غيره كذلك، و لا محذور في ذلك، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 82- من أبواب الطواف- الحديث 7.

ج 19، ص: 410

و كيف كان ف هو أي طواف النساء لازم للرجال و النساء و الصبيان و الخصيان و الخناثى بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه في الجملة، مضافا الى صحيح ابن يقطين و غيره كما تقدم الكلام في ذلك و غيره مفصلا عند قول المصنف: «و مواطن التحلل ثلاثة» فلاحظ و تأمل.

[القول في السعي ]
اشاره

القول في السعي

[في مقدمات السعي و كلها مندوبة]
اشاره

و مقدماته عشرة: و في الدروس أربعة عشر، و المستفاد من النصوص أزيد من ذلك، نعم في كون بعضها مقدمة له نظر، و إنما ورد الأمر به بعد الفراغ من الطواف، فيمكن ان يكون مستحبا برأسه، و الأمر سهل، فان كلها مندوبة

[منها الطهارة]

منها الطهارة من الأحداث وفاقا للمشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا به، بل هي كذلك، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا من العماني، ل

قول الكاظم عليه السلام في خبر ابن فضال (1)«لا يطوف و لا يسعى إلا على وضوء»

و صحيح الحلبي (2)سأل الصادق عليه السلام «عن المرأة تطوف بين الصفا و المروة و هي حائض قال: لا، لان الله تعالى (3)يقول إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ »

المحمولين على ضرب من الندب و الكراهة، ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(4): «لا بأس بأن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف، فان فيه صلاة، و الوضوء


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السعي- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السعي- الحديث 3.
3- 3 سورة البقرة- الآية 153.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 411

أفضل»

و صحيحه الآخر(1)أيضا سأله «عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى قال: تسعى، و سأله عن امرأة طافت بين الصفا و المروة فحاضت بينهما قال: تتم سعيها»

و خبر يحيى الأزرق (2)سأل الكاظم عليه السلام «رجل سعى بين الصفا و المروة ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء فقال:

لا بأس، و لو أتم مناسكه بوضوء كان أحب الي»

و غير ذلك مما هو معتضد بالأصل و بالشهرة العظيمة و غير ذلك مما لا إشكال في قصور المعارض بالنسبة إليه، فيجب حمله على ضرب من الكراهة، بل صرح جماعة أيضا باستحباب الطهارة من الخبث فيه و إن كان لم يحضرني الآن ما يشهد له سوى مناسبة التعظيم، و كون الحكم ندبيا يكتفى في مثله بنحو ذلك.

[منها استلام الحجر و الشرب من زمزم و الصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر]

و منها استلام الحجر و الشرب من زمزم و الصب على الجسد من مائها من الدلو المقابل للحجر

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(3): «إذا فرغت من الركعتين فائت الحجر الأسود فقبله أو استلمه أو أشر إليه فإنه لا بد من ذلك، و قال: إن قدرت أن تشرب من ماء زمزم قبل أن تخرج الى الصفا فافعل، و تقول حين تشرب: اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم، قال: و بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه و آله قال حين نظر الى زمزم:

لو لا أن أشق على أمتي لأخذت منه ذنوبا أو ذنوبين»

و قال الصادق عليه السلام في حسن الحلبي (4): «إذا فرغ الرجل من طوافه و صلى ركعتيه فليأت زمزم فليستق ذنوبا أو ذنوبين فيشرب منه و ليصب على رأسه و ظهره و بطنه، و يقول:


1- 1 الوسائل- الباب- 89- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب السعي- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السعي- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السعي- الحديث- 2.

ج 19، ص: 412

اللهم اجعله علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم، ثم يعود الى الحجر الأسود»

و قال هو أيضا و الكاظم (عليهما السلام) في صحيح حفص و عبيد الله الحلبي(1): «يستحب أن يستقى من ماء زمزم دلوا أو دلوين فتشرب منه و تصب على رأسك و جسدك، و ليكن ذلك من الدلو الذي بحذاء الحجر».

و ظاهر هذا الخبر و غيره ما في الدروس من استحباب الاستقاء بنفسه، كما أن ظاهر خبر الحلبي السابق ما فيها أيضا من الاستلام بعد إتيان زمزم، نحو ما في

خبر ابن سنان (2)المشتمل على حج النبي صلى الله عليه و آله قال: «فلما طاف بالبيت صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه السلام و دخل زمزم فشرب منها، و قال: اللهم إني أسألك علما نافعا و رزقا واسعا و شفاء من كل داء و سقم، فجعل يقول ذلك و هو مستقبل الكعبة، ثم قال لأصحابه: ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر، فاستلمه ثم خرج الى الصفا»

و لا ينافي ذلك خبر معاوية المتقدم الذي ليس فيه إلا بيان تأكد استحباب الاستلام، نعم ينافيه

قول الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي (3)المروي عن العلل في حج النبي صلى الله عليه و آله «ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم استلم الحجر ثم أتى زمزم فشرب منها»

و يمكن القول باستحباب استلامه قبل الشرب و بعده و خصوصا عند إرادة الخروج، كما أنه يمكن القول باستحباب إتيان زمزم عقيب الركعتين و إن لم يرد السعي،

قال ابن مهزيار(4)«رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام ليلة الزيارة طاف طواف النساء و صلى خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر الأسود و شرب و صب على بعض جسده ثم اطلع في زمزم مرتين، و أخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السعي- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث- 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب السعي- الحديث- 3.

ج 19، ص: 413

ذلك فعل مثل ذلك»

و عن ابن الجنيد التصريح بان استلام الحجر من توابع الركعتين، و كذا إتيان زمزم على الرواية عن النبي صلى الله عليه و آله.

[منها أن يخرج من الباب المحاذي للحجر]

و منها أن يخرج من الباب المحاذي للحجر بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى و التذكرة

الاعتراف به أيضا تأسيا بالنبي صلى الله عليه و آله

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)«إن رسول الله صلى الله عليه و آله حين فرغ من طوافه و ركعتيه قال: ابدأوا بما بدأ الله عز و جل به من إتيان الصفا، إن الله عز و جل يقول إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ قال أبو عبد الله (عليه السلام) ثم اخرج الى الصفا من الباب الذي خرج منه رسول الله صلى الله عليه و آله، و هو الباب الذي يقابل الحجر الأسود حتى تقطع الوادي و عليك السكينة و الوقار»

و قال عبد الحميد بن سعيد(2)«سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الباب الذي يخرج منه الى الصفا، قلت: إن أصحابنا قد اختلفوا فيه، بعضهم يقول: الذي يلي السقاية، و بعضهم يقول الذي يلي الحجر، فقال: هو الذي يلي الحجر، و الذي يلي السقاية محدث صنعه داود أو فتحه داود»

نعم الظاهر دخول الباب المزبور في صحن المسجد لما وسعوه: لكن هو الآن معلم بأسطوانتين معروفتين، فليخرج من بينهما، قال الشهيد: و الظاهر استحباب الخروج من الباب الموازي لهما.

[منها ان يصعد الصفا]

و منها ان يصعد الصفا للتأسي و النصوص (3)و الإجماع إلا ممن أوجبه الى حيث يرى الكعبة من بابه، و الظاهر انه من غيرنا، فإنه عن الخلاف و القاضي و غيرهما الإجماع على عدم

الوجوب و في محكي التذكرة و المنتهى إجماع أهل العلم على عدم وجوب الصعود إلا من شذ ممن


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السعي- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب السعي- الحديث- 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4 و 5- من أبواب السعي.

ج 19، ص: 414

لا يعتد به، و لكن في الدروس و الاحتياط الترقي إلى الدرج، و يكفي الرابعة و لعله لما ستعرفه إن شاء الله، و على كل حال فلا إشكال في ندبه،

قال الصادق عليه السلام في حسن معاوية(1): «فاصعد على الصفا حتى تنظر الى البيت»

و يكفي فيه كما في المسالك و كشف اللثام و غيرهما الصعود على الدرجة الرابعة التي قيل انها كانت تحت التراب، فظهرت الآن حيث أزالوا التراب، و لعلهم إنما كانوا جعلوا التراب تيسرا للنظر إلى الكعبة على المشاة و للصعود على الركبان، و لعله لما كانت الدرجات الأربع مخفية في التراب ظن في المدارك أن النظر إلى الكعبة لا يتوقف على الصعود، و أن معنى الخبر استحباب كل من الصعود و النظر، قال: و الظاهر ان المراد بقوله (عليه السلام) «فاصعد» الى آخره، الأمر بالصعود و النظر الى البيت و استقبال الركن لا الصعود الى أن يرى البيت، لأن رؤية البيت لا تتوقف على الصعود، و ل

صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن النساء يطفن على

الإبل و الدواب أ يجزيهن أن يقفن تحت الصفا و المروة؟ قال: نعم بحيث يرين البيت»

و بما ذكرناه أفتى الشيخ في النهاية، فقال: «إذا صعد على الصفا نظر الى البيت و استقبل الركن الذي فيه الحجر و حمد الله تعالى» و ذكر الشارح أن المستحب الصعود الى الصفا بحيث يرى البيت، و ان ذلك يحصل بالدرجة الرابعة و هو غير واضح، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، خصوصا دعواه كون المراد بالخبر ما ذكره مع ظهوره في خلافه، و كيف كان فظاهر المصنف و غيره إطلاق استحباب الصعود، إلا أن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 415

الفاضل خصه بالرجال، و لعله لما سمعته من خصوص صحيح ابن الحجاج و مناسبة عدمه لهن من حيث الستر.

[منها أن يستقبل الركن العراقي ]

و منها أن يستقبل الركن العراقي ذي الحجر حال كونه على الصفا و يحمد الله عز و جل و يثني عليه و ان يطيل الوقوف على الصفا و يكبر الله سبعا و يهلله سبعا، و يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت بيده الخير و هو على كل شي ء قدير ثلاثا و يدعو بالمأثور كل ذلك و غيره ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية السابق(1): «فاصعد على الصفا حتى تنظر البيت، و تستقبل الركن الذي فيه الحجر

الأسود، فاحمد الله تعالى و أثن عليه و اذكر من بلائه و آلائه و حسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثم كبر الله تعالى سبعا، و هلله سبعا، و قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت و هو حي لا يموت، و هو على كل شي ء قدير ثلاث مرات، ثم صل على النبي صلى الله عليه و آله و قل: الله أكبر الحمد لله على ما هدانا، و الحمد لله على ما أبلانا، و الحمد لله الحي القيوم، و الحمد لله الحي الدائم ثلاث مرات، و قل: أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و اشهد ان محمدا عبده و رسوله، لا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين و لو كره المشركون ثلاث مرات: اللهم إني أسألك العفو و العافية و اليقين في الدنيا و الآخرة ثلاث مرات، اللهم آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّارِ ثلاث مرات، ثم كبر الله مائة مرة، و هلل الله مائة مرة، و احمد الله مائة مرة، و سبح الله تعالى مائة مرة، و تقول لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، و نصر عبده، و غلب الأحزاب وحده، فله الملك و له الحمد وحده وحده، اللهم بارك لي في


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 416

الموت و في ما بعد الموت، اللهم إني أعوذ بك من ظلمة القبر و وحشته، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، و أكثر من ان تستودع ربك دينك و نفسك و أهلك، ثم تقول: استودع الله الرحمن الرحيم الذي لا تضيع ودائعه ديني و نفسي و أهلي اللهم استعملني على كتابك و سنة نبيك، و توفني على ملته و أعذني من الفتن، ثم تكبر ثلاثا، ثم تعيدها مرتين، ثم تكبر واحدة ثم تعيدها، فان لم تستطع هذا فبعضه-

و روي غير ذلك،

و انه ليس فيه شي ء موقت (1)

-

و قال أبو عبد الله (عليه السلام): ان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يقف على الصفا بقدر ما يقرأ سورة البقرة مترسلا،

قال الصدوق فيمن لا يحضره الفقيه بعد ان أورد نحوا من ذلك: ثم انحدر وقف على المرقاة الرابعة حيال الكعبة، و قل اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر و فتنته و غربته و وحشته و ظلمته و ضيقه و ضنكه، اللهم أظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك،

و عن محمد بن عمر بن يزيد(2)عن بعض أصحابه قال: «كنت في ظهر أبي الحسن موسى (عليه السلام) على الصفا و على المروة و هو لا يزيد على حرفين: اللهم إني أسألك حسن الظن بك في كل حال، و صدق النية في التوكل عليك»

و في مرفوع علي بن النعمان (3)«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) إذا صعد الصفا استقبل الكعبة ثم يرفع يديه ثم يقول: اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته قط، فان عدت فعد علي بالمغفرة فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم افعل بي ما أنت أهله فإنك إن تفعل بي ما

أنت أهله ترحمني، و إن تعذبني فأنت غني عن عذابي، و انا محتاج الى رحمتك، فيا من انا محتاج


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السعي- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السعي- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السعي- الحديث 3.

ج 19، ص: 417

الى رحمته ارحمني، اللهم لا تفعل بي ما أنا أهله، فإنك إن تفعل بي ما أنا أهله تعذبني و لم تظلمني، أصبحت أتقي عدلك و لا أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمني»

و في خبر المنقري (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إن أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا»

نحو ما في

المرفوع (2)عنه عليه السلام أيضا «من أراد أن يكثر ماله فليطل الوقوف على الصفا و المروة»

و قال جميل (3)لأبي عبد الله عليه السلام «هل من دعاء موقت أقوله على الصفا و المروة فقال: تقول إذا وقفت على الصفا: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك و له الحمد يحيي و يميت، و هو على كل شي ء قدير»

الى غير ذلك من النصوص المستفاد منها ما ذكره المصنف و غيره، و في الدروس و يستحب أيضا قراءة القدر و الوقوف على الدرجة

الرابعة حيال الكعبة و الدعاء ثم ينحدر عنها كاشفا ظهره، و يسأل الله العفو، و ليكن وقوفه على الصفا في الشوط الثاني أقل منه في الشوط الأول، و الله العالم.

[في كيفية السعي ]
[في واجبات السعي ]
اشاره

و أما الواجب فيه ف أربعة و في الدروس عشرة ضاما لها بعض ما تسمعه في الأحكام و المقارنة و نحو ذلك، و على كل حال فالواجب فيه

[الأول النية]

النية بلا خلاف و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه على حسب ما سمعته في الطواف و غيره من الأفعال من كونها الداعي، و لا يجب فيها نية الوجه و لا غيره عدا القربة و التعيين لنوعه من كونه سعي حج الإسلام أو غيره من عمرة الإسلام أو غيرها، و إن كان الأحوط اشتمالها مع ذلك على تصور معنى السعي المتضمن للذهاب من الصفا إلى المروة و العود و هكذا سبعا، و الوجه و استحضار


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السعي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب السعي- الحديث 4.

ج 19، ص: 418

مقارنتها لأوله مستداما حكمها الى آخره إن أتى به متصلا الى الآخر، فان فصل ففي كشف اللثام كالطواف عندي أنه يجددها ثانيا فيما بعده، و فيه أنه لا دليل عليه، بل إطلاق الأدلة على خلافه، فيكفي العود بنية إتمام العمل السابق، بل قد يقال بكفاية تمامه و إن غفل عن الاولى حين الشروع ثم تنبه بعد ذلك، و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، و الله العالم.

[الثاني و الثالث البدأة بالصفا و الختم بالمروة]

و الثاني و الثالث البدأة بالصفا و الختم بالمروة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (1)المتقدم بعضها، و ما عن الحلبي و السنة فيه الابتداء بالصفا و الختم بالمروة ليس خلافا مع إرادته الوجوب بالسنة، و ما عن أبي حنيفة من جواز الابتداء بالمروة مسبوق بالإجماع و ملحوق به، و حينئذ فلو عكس بأن بدأ بالمروة أعاد عامدا كان أو ناسيا، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، و ل

صحيح معاوية بن عمار(2)«من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا قبل المروة»

و في

خبر الآخر(3)عنه عليه السلام أيضا «و إن بدأ بالمروة فليطرح ما سعى و يبدأ بالصفا»

و سأله عليه السلام أيضا علي بن أبي حمزة(4)«عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء»

و في خبر علي الصائغ (5)قال: «سئل أبو عبد الله عليه السلام و أنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال:

يعيد، أ لا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي و الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 3 و 13 و 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السعي الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السعي الحديث- 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السعي الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب السعي الحديث- 5.

ج 19، ص: 419

على شماله»

قلت و مقتضى التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان قد بدأ بالمروة ثم بالصفا و لا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديدا كما صرح به بعض الناس، و إن كان هو أحوط، بل ربما أمكن دعوى ظهور النصوص السابقة فيه، هذا.

و قد عرفت سابقا عدم وجوب الصعود على الصفا، فيكفي حينئذ أن يجعل عقبه ملاصقا له، لوجوب استيعاب المسافة التي بينه و بين المروة، نعم قد يحتمل الاكتفاء بأحد القدمين، و لكن الأحوط جمعهما، ثم إذا عاد ألصق أصابعه بموضع العقب حتى يحصل الاستيعاب المزبور الذي عليه المدار في الظاهر و إلا فلا دليل على وجوب السعي منتهيا الى خصوص قدم الابتداء، بل لعل إطلاق الأدلة يقضي بخلافه، فإنه ليس فيها إلا السعي بينهما الذي يتحقق بذلك و بالانتهاء الى ما يحاذي الابتداء، بل مقتضى الإطلاق المزبور نصا و فتوى عدم وجوب كون السعي بالخط المستقيم،

ضرورة صدق السعي بينهما به و بغيره، بل نصوص (1)السعي راكبا في الرجال و النساء كالصريحة بخلافه، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الفرد المتيقن الذي عليه العمل، بل فيما حضرني من بعض الكتب نسبة الكيفية المزبورة أولا إليهم (عليهم السلام)، بل فيه أنه قيل الظاهر اتفاق الأصحاب عليه و إن كنا لم نتحقق شيئا من ذلك، نعم في الرياض «لو لا اتفاق الأصحاب في الظاهر على وجوب إلصاق العقب بالصفا و الأصابع بالمروة لكان القول بعدم لزوم هذه الدقة و الاكتفاء بأقل من ذلك مما يصدق معه السعي بين الصفا و المروة عرفا و عادة لا يخلو من قوة كما اختاره بعض المعاصرين، لما ذكره من أن المفهوم من الاخبار أن الأمر أوسع من ذلك، فإن السعي على الإبل


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب السعي.

ج 19، ص: 420

الذي دلت عليه الأخبار و أن النبي صلى الله عليه و آله كان يسعى على ناقته لا يتفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في الابتداء و أصابعه يلصقها بالمروة موضع العقب بعد العود فضلا عن ركوب الدرج، بل يكفي فيه الأمر العرفي، و لكن الأحوط ما ذكروه» قلت: قد عرفت أن مقتضى إطلاق الأدلة السعي بينهما، و يمكن فهم الاستيعاب منها، خصوصا مع ملاحظة صدق البدأة و الختم، نعم هو في الراكب و الراجل كل بحسب حاله عرفا، لكن كونه على الوجه المزبور محل نظر بل منع، و

ليس في كلامهم ظهور في ذلك، و إنما ذكره بعض متأخري المتأخرين، بل لعل إطلاق الفتاوى بخلافه، هذا.

و في محكي التذكرة و المنتهى أن من أوجب الصعود أوجبه من باب المقدمة لأنه لا يمكن استيفاء ما بينهما إلا به، كغسل جزء من الرأس في الوضوء و صيام جزء من الليل، ثم قال: و هذا ليس بصحيح، لان الواجبات هنا لا تنفصل بمفصل حسي يمكن معه استيفاء الواجب دون فعل بعضه، فلهذا أوجبنا غسل جزء من الرأس و صيام جزء من الليل بخلاف المقام، فإنه يمكنه أن يجعل عقبه ملاصقا للصفا، قلت: عن الفقيه و الهداية و المقنع و المراسم و المقنعة أنها تحتمل وجوب الصعود، و قد سمعت ما في الدروس من أن الأحوط الترقي إلى الدرج و تكفي الرابعة، و لعله للأمر بصعوده في بعض (1)النصوص السابقة، و لما

روي (2)انه صلى الله عليه و آله صعده في حجة الوداع

التي

قال فيها(3): «خذوا عني


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
3- 3 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 19، ص: 421

مناسككم»

و أما كفاية الرابعة فلما

روي (1)انه صلى الله عليه و آله رقى قدر قامة حتى رأى الكعبة،

و عن الغزالي في الاحياء أن بعض الدرج محدثة، فينبغي أن لا يخلفها وراء ظهره، فلا يكون متمما للسعي.

و كيف كان فالصفا أنف من جبل أبي قبيس بإزاء الضلع الذي بين الركن العراقي و اليماني، و عن تهذيب النووي «أن ارتفاعه الآن إحدى عشرة درجة و فوقها أزج كايوان، و عرصة فتحة هذا الأزج نحو خمسين قدما» و في كشف اللثام و الظاهر من ارتفاعه الآن سبع درج، و ذلك لجعلهم التراب على أربع منها كما حفروا الأرض في هذه الأيام فظهرت الدرجات الأربع، و عن الأزرقي أن الدرج اثنتا عشرة، و قيل إنها أربع عشرة، قال القاسي: و سبب هذا الاختلاف ان الأرض تعلو بما يخالطها من التراب، فتستر ما لاقاها من الدرج، قال:

و في الصفا الآن من الدرج الظواهر تسع درجات منها خمس درجات يصعد منها الى العقود التي بالصفا، و الباقي وراء العقود، و بعد الدرج التي وراء العقود ثلاث مساطب كبار على هيئة الدرج، و يصعد من يصعد من الاولى الى الثانية منهن بثلاث درجات في وسطها، و المروة أنف من جبل قيقعان كما عن تهذيب النووي، و عن أبي عبيد البصري أنها في أصل جبل قيقعان، و عن النووي هي درجتان، و عن القاسي أن فيها الآن درجة واحدة، و عن الأزرقي و البكري انه كان عليها خمس عشرة درجة، و عن ابن جبير ان فيها خمس درج، و عن

النووي و عليها أيضا أزج كايوان، و عرصتها تحت الأزج نحو أربعين قدما، فمن وقف عليها كان محاذيا للركن العراقي، و تمنعه العمارة من رؤيته، و حكى جماعة من المؤرخين حصول التغيير في المسعى في أيام المهدي العباسي و أيام الجراكسة


1- 1 سنن النسائي ج 5 ص 240 و سنن البيهقي ج 5 ص 94.

ج 19، ص: 422

على وجه يقتضي دخول المسعى في المسجد الحرام، و ان هذا الموجود الآن مسعى مستجد، و من هنا أشكل الحال على بعض الناس باعتبار عدم إجزاء السعي في غير الوادي الذي سعى فيه رسول الله صلى الله عليه و آله، كما أنه أشكل عليه إلحاق أحكام المسجد لما دخل منه فيه، و لكن العمل المستمر من سائر الناس في جميع هذه الأعصار يقتضي خلافه، و يمكن ان يكون المسعى عريضا قد ادخلوا بعضه و أبقوا بعضا كما أشار إليه في الدروس، قال: و روي (1)ان المسعى اختصر و كيف كان فلا يجب صعود المروة أيضا كما سمعته في الصفا بلا خلاف محقق أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف الإجماع عليه إلا ممن لا يعتد به، و يظهر من محكي التذكرة و المنتهى أيضا، و لكن الاحتمال في الكتب السالفة آت هنا خصوصا مع ملاحظة فعله صلى الله عليه و آله له في حجة الوداع التي

قال فيها: «خذوا عني مناسككم»

و الأمر سهل بعد إن كانت النية الداعي عندنا، فلا بأس حينئذ بالترقي مستمرا على الداعي حتى ينزل و يسعى، و الله العالم.

[الرابع أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا و عوده آخر]

و الرابع أن يسعى سبعا يحسب ذهابه شوطا و عوده آخر فإتيانه من الصفا إلى المروة و منها اليه شوطان لا شوط واحد بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى النصوص (2)المستفيضة أو المتواترة أو المقطوع بمضمونها،

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(3): «فطف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة»

فما عن بعض العامة من عدهما معا شوطا


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6 و 11- من أبواب السعي و الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 423

واحدا واضح الفساد، و يجب في السعي الذهاب بالطريق المعهود، فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز، بل في الدروس و كذا لو سلك سوق الليل، و يجب فيه أيضا استقبال المطلوب بوجهه، فلو اعترض أو مشى القهقرى لم يجز كما في الدروس و غيرها، لأنه خلاف المعهود، فلا يتحقق به الامتثال، نعم لا يضر فيه الالتفات بالوجه قطعا، كما هو واضح.

[في مستحبات السعي ]
اشاره

و المستحب فيه أمور ذكر المصنف منها أربعة

[الاولى أن يكون ماشيا]

الاولى ان يكون ماشيا لأنه أحمز و ادخل في الخضوع، و

قد ورد(1)«ان المسعى أحب الأراضي الى الله، لانه تذل فيه الجبابرة»

و لو كان راكبا لا لعذر جاز بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى المعتبرة المستفيضة، منها

صحيح معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت له:

المرأة تسعى بين الصفا و المروة على دابة أو على بعير قال: لا بأس بذلك، قال:

و سألته عن الرجل يفعل ذلك قال: لا بأس به، و المشي أفضل»

و صحيح ابن الحجاج (3)المتقدم سابقا، و

حسن الحلبي (4)عنه عليه السلام أيضا «سألته عن الرجل يسعى بين الصفا و المروة على الدابة قال: نعم و على المحمل»

الى غير ذلك من النصوص

[الثاني و الثالث المشي على طرفيه ]

و الثاني و الثالث المشي على طرفيه أي أول السعي و آخره أو طرفي المسعى و الهرولة اي الرمل ما بين المنارة و زقاق العطارين ماشيا كان أو


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب السعي- الحديث 14 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب السعي- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السعي- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب السعي- الحديث- 1.

ج 19، ص: 424

راكبا بلا خلاف معتد به أجده في أصل الحكم، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا الى المعتبرة، منها

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية(1)«انحدر من الصفا ماشيا إلى المروة و عليك السكينة و الوقار حتى تأتي المنارة، و هي طرف المسعى فاسع ملأ فروجك، و قل: بسم الله و الله أكبر و صلى الله على محمد و أهل بيته، اللهم اغفر و ارحم و تجاوز عما تعلم فإنك أنت الأعز الأكرم، حتى تبلغ المنارة الأخرى، قال: و كان المسعى أوسع مما هو اليوم و لكن الناس ضيقوه، ثم امش و عليك السكينة و الوقار فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت، فاصنع عليها كما صنعت على الصفا، ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا و تختم بالمروة» و رواه في الكافي كذلك إلا انه قال: «حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها فقل: يا ذا المن و الفضل و الكرم و النعماء و الجود اغفر لي ذنوبي، انه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم امش»

و ذكر بقية الخبر، و

قوله عليه السلام أيضا في حسنه (2)الآخر: «ليس على الراكب سعي، و لكن ليسرع شيئا»

و المراد بالسعي فيه الهرولة نحو

قوله عليه السلام في الموثق(3): «و إنما السعي على الرجال و ليس على النساء سعي»

و في خبر أبي بصير(4)«ليس على النساء جهر بالتلبية و لا استلام الحجر و لا دخول البيت و لا سعي بين الصفا و المروة يعني الهرولة».

و قد ظهر لك ان المراد من الهرولة السعي ملأ الفرج، لكن عن الصحاح و العين و المحيط و المجمل و المقاييس و الأساس و غيرها تفسير الرمل بها، و فيما سوى


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب السعي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب السعي- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 425

الصحاح و الأساس منها انها بين المشي و العدو، و عن الديوان و غيره انها ضرب من العدو، و تردد الجوهري بينهما، و ربما احتمل كون المعنى واحدا كما قد يرشد اليه ما عن نظام الغريب من أنه نوع من العدو السهل، و عن تهذيب الأزهري رمل الرجل يرمل رملانا إذا أسرع في مشيه، و هو في ذلك ينزو، و في الدروس و محكي تحرير النووي و تهذيبه أنه إسراع المشي مع تقارب الخطأ دون الوثوب و العدو و هو الجنب، و عن النووي أنه قال الشافعي في مختصر المزني: الرمل هو الجنب، و عن الرافعي و قد غلط الأئمة من ظن أنه دون

الجنب، قلت قد سمعت ما في الحسن المزبور، اللهم إلا أن يراد به أمر زائد على الهرولة، و لكن لم نجد من ذكر استحباب غيرها، و الفروج جمع فرج و هو ما بين الرجلين، يقال: الفرس ملأ فروجه و ملأ فرجه إذا عدا و أسرع، و منه سمي فرج الرجل و المرأة، لأنه ما بين الرجلين، و على كل حال فالسعي ملأ الفروج أزيد من الهرولة التي هي عرفا بين العدو و المشي، و الأمر في ذلك سهل بعد أن كان ذلك مستحبا عندنا، و ربما نسب وجوبه إلى الحلبي لقوله: و إذا سعى راكبا فليركض الدابة بحيث تجب الهرولة، و لا صراحة فيها بل و لا ظهور نعم عن المفيد في كتاب أحكام النساء و تسقط عنهن الهرولة بين الصفا و المروة، و لا يسقط ذلك مع الاختيار عن الرجال، و يحتمل إرادته تأكد الاستحباب، و إلا كان محجوجا بما عرفت، مضافا الى الأصل و

خبر سعيد الأعرج (1)سأل الصادق عليه السلام «عن رجل ترك شيئا من الرمل في سعيه بين الصفا و المروة قال:

لا شي ء عليه»

بل عن التذكرة و المنتهى الإجماع على الاستحباب، بل صرح الفاضل و غيره باختصاص ذلك بالرجال للأصل و عدم مناسبته لضعفهن و سترهن،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 426

و خبري سماعة(1)و أبي بصير(2)السابقين، لكن عن المفيد في كتاب أحكام النساء و لو خلا موضع السعي للنساء فسعين فيه لم يكن به بأس، و هو مطالب بدليله إن أراد استحباب ذلك لهن.

و على كل حال فمحل الهرولة ما سمعته في المتن موافقا لما في النافع و القواعد و محكي المراسم و الجامع و الإصباح، و اليه يرجع ما عن الوسيلة من أنه بين المنارتين، و الإشارة من أنه بين الميلين، و قد سمعت قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية(3)بل ربما علل بأنه شعبة من وادي محسر الذي عرفت استحباب الهرولة فيه، و لكن عن الفقيه و الهداية و المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و الكافي و الغنية الى ان يجاوز زقاق العطارين، و لم نجد ما يشهد له، و إن قال في كشف اللثام ل

قول الصادق عليه السلام في حسن معاوية(4)نحوا من ذلك الى قوله «حتى تبلغ المنارة الأخرى، فإذا جاوزتها»

الى آخر ما سمعته مما لا يخفى عليك عدم دلالته على شي ء من ذلك، و إنما هو دال على السعي بين المنارتين، و عن الغنية «حتى يبلغ المنارة الأخرى و يتجاوز سوق العطارين فيقطع الهرولة» و نحوها ما عن الكافي، و فيه ما عرفت أيضا، و أغرب من ذلك ما عن النهاية و المبسوط فإذا انتهى الى أول زقاق عن يمينه بعد ما يتجاوز الوادي إلى المروة

سعى، فإذا انتهى اليه كف عن السعي و مشى مشيا، و إذا جاء من عند المروة بدأ من عند الزقاق الذي وصفناه فإذا انتهى الى الباب قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي كف عن السعي و مشى مشيا» إذ هي واضحة القصور كما عن الفاضل


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب السعي- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 2.

ج 19، ص: 427

و الشهيد الاعتراف بذلك، و الظاهر انه أراد التعبير عما في

رواية زرعة(1)عن سماعة «سألته عن السعي بين الصفا و المروة فقال: إذا انتهيت الى الدار التي على يمينك عند أول الوادي فاسع حتى تنتهي إلى أول زقاق عن يمينك بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة، فإذا انتهيت اليه فكف عن السعي و امش مشيا، و إذا جئت من عند المروة فابدأ من عند الزقاق الذي وصفت لك، فإذا انتهيت الى الباب الذي قبل الصفا بعد ما تجاوز الوادي فاكفف عن السعي و امش مشيا»

و لكن سقط من القلم بعض ذلك، إلا ان الرواية ضعيفة السند و مضمرة، و عمل المشهور على خلافها، على انها يمكن ان تكون في حال سابق للمسعى،

كالمرسل (2)عن مولى للصادق عليه السلام من أهل المدينة قال: «رأيت أبا الحسن عليه السلام يبتدأ السعي من دار القاضي المخزومي قال و يمضي كما هو الى زقاق العطارين»

و قال أبو جعفر عليه السلام في خبر غياث بن إبراهيم (3): «كان أبي يسعى بين الصفا و المروة ما بين باب ابن عباد الى ان رفع قدميه من الميل لا يبلغ زقاق آل أبي حسين»

و كيف كان فالعمل على ما سمعته أولا من الهرولة في المكان المخصوص الذي به يذل الجبارون لذلك، و يستحب المشي هونا في الطرفين كما هو صريح غير واحد، و ظاهره للأمر بالمشي على سكينة و وقار في غير المكان المخصوص، و الله العالم.

و لو نسي الهرولة رجع القهقرى ماشيا الى الخلف من غير التفات بالوجه و هرول موضعها كما صرح به جماعة، بل في المسالك نسبته إلى الأصحاب ل

قول الصادقين (عليهما السلام)(4)فيما أرسل عنهما الصدوق


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب السعي- الحديث 2.

ج 19، ص: 428

و الشيخ: «من سهى عن السعي حتى يصير من المسعى على بعضه أو كله ثم ذكر فلا يصرف وجهه منصرفا، و لكن يرجع القهقرى الى المكان الذي يجب فيه السعي»

و من هنا كان المتجه الاقتصار عليها تبعا للنص و الفتوى و إن حكي إطلاق العود عن القاضي، بل في المسالك احتمال إرادة الأصحاب الندب كالأصل، ثم قال: «و على كل حال لو عاد

بوجهه أجزأ، و انما الكلام في الإثم» و فيه نظر أو منع، بل ينبغي التخصيص بما إذا ذكرها في الشوط الذي نسيها فيه، لانه المنساق من النص و الفتوى سيما الأول، فلا يرجع بعد الانتقال الى شوط آخر، بل الأحوط ان لا يرجع مطلقا حذرا من الزيادة، و لعله لذا نسبه في محكي المنتهى الى الشيخ مشعرا بنوع توقف في العمل به.

[الرابع الدعاء في سعيه ماشيا و مهرولا]

و الرابع الدعاء في سعيه ماشيا و مهرولا بما سمعته في خبري معاوية(1)و غيرهما، و الله العالم.

و لا بأس ان يجلس في خلال السعي للراحة على الصفا أو المروة بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، و بينهما على المشهور، للأصل و

صحيح الحلبي (2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يطوف بين الصفا و المروة أ يستريح؟

قال: نعم إنشاء جلس على الصفا و إن شاء جلس على المروة و بينهما فليجلس»

و صحيح ابن رئاب (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الرجل يعي في الطواف أ له أن يستريح؟ قال: نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة و غيرها، و يفعل ذلك في سعيه و جميع مناسكه»

و عن الحلبيين انهما منعا من الجلوس بين


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب السعي- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب السعي- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 429

الصفا و المروة إلا مع الإعياء، و لعله ل

قول الصادق عليه السلام في صحيح عبد الرحمن (1)«لا تجلس بين الصفا و المروة إلا من جهد»

المحمول على الكراهة بعد قصوره عن معارضة غيره من وجوه، منها ما قيل من اعتضاده بعموم ما دل على جواز السعي راكبا، فإنه ملازم للجلوس غالبا، و هو عام لحالتي الاختيار و الاضطرار إجماعا، و اليه الإشارة في

الصحيح (2)«عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة يجلس عليهما قال: أو ليس هو ذا يسعى على الدواب»

و هو و إن كان مورده الجلوس عليهما و لا خلاف فيه إلا ان قوله عليه السلام «أو ليس» الى آخره في قوة الجواب له بنعم مع تعليله بما يعم الجلوس بينهما، بل التعليل انسب بهذا، بل لعله حينئذ ظاهر في جوازه بينهما و لو لغير الاستراحة كما في السعي راكبا، و إن كان الظاهر كراهته حينئذ لما مضى، كل ذلك مع بناء الاستدلال بالصحيح على إرادة بلوغ منتهى الطاقة من الجهد، و يمكن منعه، و الله العالم.

[و يلحق بهذا الباب مسائل ]
اشاره

و يلحق بهذا الباب مسائل:

[المسألة الأولى السعي ركن ]

الأولى السعي ركن، من تركه عامدا بطل حجه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما صريحا و ظاهرا مستفيض كالنصوص التي منها

قول الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(3): «من ترك السعي متعمدا فعليه الحج من قابل»

مضافا الى قاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، نعم يحكى عن أبي حنيفة انه واجب غير ركن، فإذا تركه كان عليه دم، و عن أحمد في رواية انه مستحب، و لا ريب في فسادهما لما عرفت، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين العمرة و الحج، و تحقق الترك على حسب ما سمعته في الطواف، بل الظاهر أيضا عدم الفرق بين تركه


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب السعي- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب السعي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب السعي- الحديث 2.

ج 19، ص: 430

رأسا و بين نقصه عمدا حتى خرج وقت التدارك، لاتحاد المقتضي، و الله العالم.

و لو كان ناسيا لم يبطل حجه و لا عمرته بل وجب عليه الإتيان به و لو بعد خروج ذي الحجة فإن خرج عاد بنفسه ليأتي به، فان تعذر عليه أو شق استناب فيه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن الغنية الإجماع عليه، مضافا الى الأصل و رفع الخطأ و النسيان و الحرج و العسر، و

حسن معاوية بن عمار(1)و عن الصادق عليه السلام قال: «قلت:

رجل نسي السعي بين الصفا و المروة قال: يعيد ذلك، قلت: فاته ذلك حتى خرج قال: يرجع فيعيد السعي»

و صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة قال: يطاف عنه»

و خبر الشحام (3)عن أبي عبد الله عليه السلام: «سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا و المروة حتى يرجع الى أهله فقال: يطاف عنه»

المتجه الجمع بينها و لو بملاحظة الفتاوى و الإجماع المحكي و قاعدة المباشرة في بعض الأفراد، و نفي الحرج و قبوله للنيابة في آخر بما عرفت.

و لا يحل من أخل بالسعي مما يتوقف عليه من المحرمات كالنساء حتى يأتي به كملا بنفسه أو نائبه، بل الظاهر لزوم الكفارة لو ذكر ثم واقع، لفحوى ما ستعرفه من الحكم بوجوبها على من ظن إتمام حجه فواقع ثم تبين النقص، و في إلحاق الجاهل بالعامد أو الناسي وجهان أحوطهما إن لم يكن أقواهما الأول كما اختاره في المسالك و غيرها، خصوصا مع ملاحظة إطلاق الأصحاب العامد الشامل للجاهل و العالم، مضافا الى الأصل الذي لم يثبت انقطاعه بثبوت قاعدة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السعي- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب السعي- الحديث 2.

ج 19، ص: 431

معذورية الجاهل في الحج و إن تضمنها بعض النصوص (1)المعتبرة، إلا إن ظاهر الأصحاب الإعراض عنها، و الله العالم.

[المسألة الثانية لا تجوز الزيادة على سبع ]

المسألة الثانية لا تجوز الزيادة على سبع بلا خلاف أجده فيه، لأنه تشريع كزيادة الركعة في الصلاة و حينئذ ف لو زاد عالما عامدا بطل لانه لم يأت بالمأمور به على وجهه على نحو ما سمعته في الطواف،

قال أبو الحسن عليه السلام في خبر عبد الله بن محمد(2): «الطواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة إذا زدت عليها فعليك الإعادة، و كذلك السعي»

و في

صحيح معاوية(3)عن الصادق عليه السلام «ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و يطرح ثمانية، و إن طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و يستأنف السعي»

بناء على ما قيل من كونه في العمد، و أن البناء على الواحد في الأول باعتبار البطلان بالثمانية، فيبقى الواحد ابتداء سعي، اما إذا كان ثمانية فليس إلا البطلان باعتبار كون

الثامن ابتداؤه من المروة فلا يصلح البناء عليه، و إن كان هو لا يخلو من إشكال أو منع كما ستعرف.

و كيف كان فلا إشكال في البطلان بتعمد الزيادة، و ما وقع من سيد المدارك من المناقشة في الخبر الأول المذكور سندا له بما يشعر بنوع توقف فيه في غير محله، نعم قد تقدم في الطواف البحث في عدم تحقق الزيادة إلا بقصدها على أنها من السعي، و مثله آت هنا، و لذا جزم بذلك في المدارك، قال:

«و الزيادة إنما تتحقق بالإتيان بما زاد على سبعة على انه من جملة السعي المأمور به» فلو تردد في أثناء الشوط أو رجع لوجهه ثم عاد لم يكن ذلك قادحا في الصحة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية كفارات الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السعي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 432

قطعا، و تبعه في الرياض، و قد تقدم الكلام في ذلك، فلاحظ و تأمل.

و لا يبطل بالزيادة سهوا بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد الأصل و النصوص (1)فيتخير حينئذ بين إهدار الشوط الزائد فما زاد و البناء على السبعة و بين الإكمال أسبوعين كما سمعته في الطواف جمعا بين الأمر بهما في النصوص، ففي

صحيح ابن الحجاج (2)عن أبي إبراهيم عليه السلام «في رجل سعى بين الصفا و المروة

ثمانية أشواط ما عليه؟ فقال: إن كان خطأ طرح واحدا و اعتد بسبعة»

و صحيح جميل بن دراج (3)قال: «حججنا و نحن صرورة فسعينا بين الصفا و المروة أربعة عشر شوطا فسألنا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: لا بأس سبعة لك، و سبعة تطرح»

و صحيح هشام بن سالم (4)قال:

«سعيت بين الصفا و المروة أنا و عبد الله بن راشد قلت له تحفظ فجعل يعد ذاهبا و جائيا شوطا واحدا، فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال: زادوا على ما عليهم، ليس عليهم شي ء»

و صحيح معاوية أو حسنه (5)عنه عليه السلام أيضا «من طاف بين الصفا و المروة خمسة عشر شوطا طرح ثمانية و اعتد بسبعة، و إن بدأ بالمروة فليطرح و يبتدئ بالصفا»

و في صحيح محمد بن مسلم (6)


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السعي.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السعي- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السعي- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السعي- الحديث 1 و فيه عبيد الله ابن راشد.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 13- من أبواب السعي- الحديث 4 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الطواف- الحديث 10.

ج 19، ص: 433

عن أحدهما (عليهما السلام) «ان في كتاب علي عليه السلام إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية أضاف إليها

ستا و كذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستا».

و من هنا جمع الأصحاب بينها بالتخيير، و ما عن ابن زهرة من الاقتصار على الثاني منهما ليس خلافا، خصوصا بعد الحكم بجوازه و كونه مندوبا، فإنه يجوز القطع قطعا، نعم لو قلنا بكون الثاني الفريضة حرم، و هو محتمل كما سمعته في الطواف، قال في الدروس، و يحتمل انسحاب الخلاف في ناسي الطواف هنا إلا أن يستند وجوب الثاني في الطواف الى القران، و لكن أشكل التخيير المزبور في الحدائق بأن السعي ليس كالطواف و الصلاة يقع واجبا و مستحبا فانا لم نقف في غير هذا الخبر على ما يدل على وقوعه مستحبا، قال في المدارك «و لا يشرع استحباب السعي إلا هنا، و لا يشرع ابتداء مطلقا» و بان اللازم من الطواف ثمانية كون الابتداء بالثامن من المروة، فكيف يجوز أن يعتد به و يبني عليه سعيا مستأنفا مع اتفاق الاخبار و كلمة الأصحاب على وجوب الابتداء في السعي من الصفا، و انه لو بدأ من المروة وجب عليه الإعادة عمدا كان أو سهوا و بالجملة فالظاهر بناء على ما ذكرناه هو العمل بالأخبار الأولة من طرح الزائد و الاعتداد بالسبعة الأولة، و اما العمل بهذا الخبر فمشكل، و العجب من سيد المدارك حيث لم يتنبه لذلك و جمد على موافقة الأصحاب في هذا الباب، قلت هو كما ترى كالاجتهاد في مقابلة النص بعد تسليم ظهوره مع الفتاوى في ذلك، و لا استبعاد في مشروعية هذا السعي من المروة و تخصيص تلك الأدلة به بعد جمعه لشرائط الحجية و العمل به، كما لا استبعاد في استحباب السعي هنا و إن كان لم يشرع استحبابه ابتداء.

و من الغريب موافقته له في الرياض، فإنه بعد ان حكى التخيير عن أكثر

ج 19، ص: 434

الأصحاب قال: «و الاولى و الأحوط الاقتصار على الأول كما هو ظاهر المتن لكثرة ما دل عليه من الأخبار و صراحتها، و عدم ترتب إشكال عليها، بخلاف الثاني فإن الصحيح الدال عليه- مع وحدته، و احتماله ما سيأتي مما يخرجه عما نحن فيه- يتطرق إليه الإشكال لو أبقي على ظاهره من كون ابتداء الأشواط الثمانية من الصفا و الختم بها أن الأسبوع الثاني المنضمة إلى الأولى يكون مبدؤها المروة دون الصفا، و قد مر الحكم بفسادها مطلقا و لو نسيانا أو جهلا، و تقييده ثمة بالسعي المبتدأ دون المنضم كما هنا ليس بأولى من حمل الصحيح هنا على كون مبدإ الأشواط فيها بالمروة دون الصفا، و يكون الأمر بإضافة الست إنما هو لبطلان السبعة الأولى، لوقوع البدأة فيها بها، بخلاف الشوط الثامن، لوقوع البدأة فيه من الصفا» إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، و أغرب منه دعوى عدم أولوية الاحتمال الأول من الاحتمال الثاني مع ظهور الصحيح فيه و عمل الأصحاب به و الأصل في ذلك ما في كشف اللثام، قال: «ثم إضافة ست كما في الخبر و النهاية و التهذيب و السرائر يفيد ابتداء الأسبوع الثاني من المروة، و من عبر بإكمال أسبوعين كالمصنف أو سعيين كابن حمزة أو أربعة عشر كالشيخ في المبسوط يجوز أن يريد إضافة سبعة أشواط، و الخبر يحتمل يقين الثمانية و هو على المروة، و يأتي البطلان، و لا بعد في الصحة إذا نوى في ابتداء الثامن أنه يسعى من الصفا إلى المروة سعي العمرة أو الحج قربة الى الله تعالى مع الغفلة عن العدد، أو مع تذكر أنه الثامن، أو زعمه السابع، فلا مانع من مقارنة النية لكل شوط، بل لا يخلو الإنسان منها غالبا، و لذا أطلق إضافة ست إليها، فلم يبق مستند في المسألة، نعم

قال الصادق عليه السلام في صحيح معاوية(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 435

«ان طاف الرجل بين الصفا و المروة تسعة أشواط فليسع على واحد و ليطرح ثمانية و ان طاف بين الصفا و المروة ثمانية أشواط فليطرحها و ليستأنف السعي»

و هو مستند صحيح لإكمال أسبوعين من الصفا، و إلغاء الثامن لكونه من المروة، و ظاهره كون الفريضة هي الثاني، و العموم للعامد كما فعله الشيخ في التهذيب أو خصه به، لانه ذكر أن من تعمد ثمانية أعاد السعي، و إن سعى تسعة لم تجب عليه الإعادة و له البناء على ما زاد و استشهد بالخبر، و في الاستبصار تبع الصدوق في حمله على من استيقن أنه سعى ثمانية أو تسعة و هو على المروة، فيبطل

سعيه على الأول لابتدائه من المروة، دون الثاني لابتدائه من الصفا، و هو كما عرفت غير متعين».

و فيه مضافا الى ما عرفت بعد الاحتمال المزبور جدا فضلا عن أن يكون مساويا للاحتمال الآخر الذي هو ظاهر النص و الفتوى، و أما الإشكال في النية من جهة عدم تحققها في الابتداء و مقارنتها فهو مشترك الورود بين الاحتمالين، على انه اجتهاد أيضا في مقابلة النص المعمول به الظاهر في الاكتفاء بها بعد تعقبها بنية الإكمال كما في الطواف، نعم ينبغي الاقتصار في إضافته على مورد النص، و هو إكمال الشوط كما صرح به ثاني الشهيدين و غيره، بل حكي التصريح به عن ابن زهرة أيضا، لما عرفت من مخالفته الأصول من وجهين: أحدهما من جهة النية، و ثانيهما من جهة الابتداء بالمروة، فالمتجه حينئذ الإلغاء خاصة إذا ذكر في أثناء الشوط، فان نصوص الإلغاء و إن كانت في إتمام الشوط أيضا لكن تدل بالفحوى على إلغاء ما دونه، بخلاف صحيح البناء فإنه إذا دل على الإكمال معه لا يقتضي مشروعيته أيضا في الأثناء كما هو واضح.

لكن في كشف اللثام «ثم الاخبار و إن اختصت بمن زاد شوطا كاملا أو شوطين أو أشواطا كاملة لكن إذا لم يبطل بزيادة شوط أو أشواط سهوا

ج 19، ص: 436

فأولى أن لا يبطل بزيادة بعض شوط، و إذا ألغينا الثامن و أجزنا له إكمال أسبوعين بعده قبل الشروع في التاسع جاز في أثنائه من غير فرق، و كذا إذا أجزناه له بعد إكمال التاسع فالظاهر جوازه له في أثنائه، و كذا إذا لم نلغ الثامن و أجزنا له الإكمال بعده فالظاهر الجواز في أثنائه لصدق الشروع في الأسبوع الثاني على التقديرين، و يعضده إطلاق الأصحاب، و يحتمل الاختصاص بما إذا أكمل الثامن إذا لم نلغه، و هو عندي ضعيف مبني على فهم خبر الست كما فهمه الشيخ، و يقتضي ابتداء الأسبوع الثاني من المروة و على إلغاء الثامن فالخبر المتضمن لإكمال أسبوعين إنما هو صحيح معاوية، و هو يتضمن إكمالهما قبل الشروع في التاسع و بعد إكماله، فعدم الجواز في أثنائه ضعيف جدا».

و فيه منع واضح سيما فيما ذكره أخيرا من الظاهرين، و من الغريب تعليله الثاني بصدق الشروع في الأسبوع الثاني مع انه ليس عنوانا في شي ء من النصوص و أغرب منه دعوى أنه يعضده إطلاق الأصحاب مع أنه فيمن زاد شوطا لا بعضه و بالجملة فكلامه مبني على كلامه السابق الذي قد عرفت ما فيه.

بقي الكلام في صحيح معاوية السابق المذكور في صدر المسألة الذي لم نجد عاملا به على ظاهره، و لذا اختلف في تنزيله، فقيل إنه في العمد، و فقهه حينئذ ما عرفت، و هو المحكي عن ظاهر التهذيب، و قيل إنه في النسيان و انه محمول على من استيقن الزيادة و هو على المروة لا الصفا، فيبطل سعيه على الأول لابتدائه من المروة، دون الثاني لابتدائه التاسع من الصفا، و هو المحكي عن الصدوق في الفقيه و الشيخ في الاستبصار، إلا انهما معا كما ترى، ضرورة الإشكال في الصحة على الأول لإطلاق النص و الفتوى بكون الزيادة عمدا مبطلة، كاطلاقهما أيضا اعتبار النية في ابتداء كل عبادة، و نية العامد في أول الأسبوع الثاني على انه جزء لا عبادة مستقلة، و الا لم تكن زيادة بل هي عبادة مستقلة باطلة ان

ج 19، ص: 437

لم يشرع السعي ابتداء كما صرح به الأصحاب، و ان كان في رواية عبد الرحمن ابن الحجاج (1)في المحرم بالحج يطوف بالحج و يسعى ندبا و يجدد التلبية إلا أنه لم أجد عاملا بها صريحا، و لو سلم مشروعيته ابتداء كانت عبادة صحيحة لا زيادة في عبادة، مع أن الصحيح المزبور صريح أو كالصريح في كون ذلك زيادة على العبادة و جاء بها ثمانية أو تسعة، لا أنه نوى الثامن أو التاسع عبادة مستقلة كما هو واضح، و أما الثاني فهو مناف لما عرفته في النص و الفتوى من الحكم بالصحة مع زيادة الثامن سهوا، و أنه مخير بين طرح الثامن و البناء على السبعة و بين الإكمال أسبوعين على حسب ما عرفت، فالصحيح المزبور غير واضح الوجه، فالمتجه الاعراض عنه و التعويل على غيره المعتضد بعمل الأصحاب في صورتي العمد و السهو، هذا، و ظاهر صحيحي جميل (2)و هشام (3)السابقين

إلحاق الجاهل بالناسي في الحكم بالصحة مع الزيادة، و لعله ظاهر غيرهما أيضا، و قد عمل بهما غير واحد من الأصحاب كالكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما، بل لعله ظاهر أول الشهيدين أيضا، بل لم أجد لهما رادا فالمتجه العمل بهما، و الله العالم.

و من تيقن عدد الأشواط و شك فيما به بدأ في ابتداء الأمر قبل الالتفات الى حاله فان كان في المزدوج أي الاثنين أو الأربعة أو الستة و هو على الصفا أو متوجه اليه فقد صح سعيه ل لعلم ب انه حينئذ بدأ به ضرورة عدم كونه اثنين أو أربعة أو ستة إلا مع البدأة بالصفا، و إلا لم يكن كذلك و إن كان على المروة أو متوجها إليها و علم بالازدواج


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب السعي- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 438

أي الاثنين أو الأربعة أو الستة أعاد سعيه لانه لا يكون كذلك إلا مع البدأة بالمروة التي قد عرفت البطلان به عمدا أو سهوا في ابتداء الطواف و ينعكس الحكم مع انعكاس الفرض بان علم الافراد واحدا أو ثلاثة أو خمسة أو سبعة و هو على الصفا أعاد سعيه، ضرورة انه لا يكون كذلك إلا مع الابتداء بالمروة الذي قد عرفت البطلان به، و إن علمه و هو على المروة صح سعيه، لعدم كونه كذلك إلا مع الابتداء بالصفا، كما هو واضح، و به صرح في النافع قال: «و من تيقن عدد الأشواط و شك فيما بدأ به فان كان في الفرد على الصفا أعاد، و لو كان على المروة لم يعد، و بالعكس لو كان سعيه زوجا» لكن في حاشية الكركي على الكتاب «المراد بانعكاس الفرض بان تيقن ما بدأ به و شك في العدد، و المراد بانعكاس الحكم البطلان إن كان على الصفا، و الصحة إن كان على المروة، و ذلك فيما إذا شك في الزيادة و عدمها، فإنه إذا كان على المروة يقطع و لا شي ء عليه، لأن الأصل عدم الزائد، و إن كان على الصفا لم تتحقق البراءة، و لا يجوز الإكمال حذرا من الزيادة، فتجب الإعادة» و فيه من البعد ما لا يخفى، على انه إنما يتم إذا وقع الشك بعد إكمال العدد، و موضوع المسألة أعم، مع ان حكم الشك في العدد قد ذكره المصنف بعد هذه المسألة بغير فصل، فلا وجه لحمل العبارة عليه، و الله العالم.

[المسألة الثالثة من لم يحصل عدد سعيه ]

المسألة الثالثة من لم يحصل عدد سعيه بمعنى انه شك فيه و هو في الأثناء و لم يكن بين السبعة فما زاد اعاده كما في النافع و القواعد و محكي الاقتصاد و الوسيلة و الجامع و المهذب و غيرها مصرحا في الأخير بما ذكرناه من التقييد بالأثناء، لأنه من القواعد المفروغ منها عدم العبرة بالشك بعد الفراغ

ج 19، ص: 439

للحرج و الاخبار(1)بخلاف ما إذا كان في الأثناء، فإنه لا خلاف بل و لا إشكال في

البطلان، لتردده بين محذوري الزيادة و النقيصة اللتين كل منهما مبطل، و أصالة الشغل المحتاجة إلى يقين الفراغ الذي لا دليل على حصوله بالاعتماد على أصالة الأقل، بل الدليل على خلافه،

قال سعيد بن يسار(2)في الصحيح:

«قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل متمتع سعى بين الصفا و المروة ستة أشواط ثم رجع الى منزله و هو يرى أنه قد فرغ منه و قلم أظافيره و أحل ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط فقال لي يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد و ليتم شوطا و ليرق دما، فقلت: دم ماذا؟ قال: بقرة، قال:

و إن لم يكن حفظ أنه سعى ستة أشواط فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة»

فإن ذيله كالصريح في ذلك.

نعم لو تيقن أنه أتم سبعة و لكن شك في الزائد على وجه لا ينافي البدأة بالصفا كما لو شك بينها و بين التسعة و هو على المروة صح، لأصالة عدم الزيادة و عدم إفسادها سهوا، أما لو تيقن النقص و لكن لا يدري ما نقص أو شك بينه و بين الإكمال فالمتجه الفساد لما عرفت، و احتمال البناء على الأقل فيهما لم أجد به قائلا و إن احتمله بعض الناس، بل ادعى احتمال الصحيح المزبور له، و لكنه في غير محله، و الله العالم.

و من تيقن النقيصة اتى بها سواء كانت شوطا أو أقل أو أكثر و سواء ذكرها قبل فوات الموالاة أو بعدها، لعدم وجوبها فيه إجماعا كما عن التذكرة،


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الوضوء- الحديث 2 و 6 و الباب- 23- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة- الحديث 1 و 3 و الباب 27 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 440

و لا نعرف فيه خلافا كما عن المنتهى، بل مقتضى إطلاق المتن و القواعد و الشيخ في كتبه و بني حمزة و إدريس و البراج و سعيد على ما حكي عن بعضهم عدم الفرق بين تجاوز النصف و عدمه، و لعله للأصل و ما يأتي من القطع للصلاة بعد شوط، و للحاجة بعد ثلاثة أشواط، خلافا لما عن المفيد و سلار و أبي الصلاح و ابن زهرة من اعتبار مجاوزة النصف في البناء نحو ما سمعته في الطواف، بل عن الغنية الإجماع عليه، ل

قول أبي الحسن عليه السلام لأحمد بن عمر الحلال(1): «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بالصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله»

و نحوه قول الصادق عليه السلام في خبر أبي بصير(2)و لكن في سندهما ضعف و لا جابر، مع عدم عمومهما لافراد المسألة، و معلومية عدم قطع الحيض للسعي، و اختصاص الذيل بالطواف المحتمل إرادة خصوص ما كان في البيت منه، و غير ذلك، فلا يصلحان معارضا لما مر من الأصل

و غيره، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة التي منها يعلم الوهن في الإجماع المزبور، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

و لو كان متمتعا بالعمرة و ظن أنه أتم السعي فأحل و واقع النساء ثم ذكر ما نقص من سعيه كان عليه دم بقرة على رواية عبد الله بن مسكان (3)و يتم النقصان

قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة ستة أشواط و هو يظن أنها سبعة فذكر بعد ما أحل و واقع النساء


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السعي- الحديث 2.

ج 19، ص: 441

أنه إنما طاف ستة أشواط فقال: عليه بقرة يذبحها و يطوف شوطا آخر»

و عن الشيخين و ابني إدريس و سعيد و جماعة منهم الفاضل في جملة من كتبه العمل بها.

و كذا قيل و القائل الشيخ و جمع من الأصحاب على ما في المدارك لو قلم أظفاره أو قص شعره لصحيح ابن يسار(1)السابق الذي ليس فيه إلا تقليم الأظفار، و لذا اقتصر عليه في محكي التبصرة، و عن التهذيب و النهاية التعبير بقوله: قصر و قلم أظفاره، و يمكن إرادته منهما معنى واحدا و عن المبسوط التعبير بقوله: قصر أو قلم أظفاره، و نحوه الفاضل في محكي التذكرة و التحرير و كذا الإرشاد، بل و في القواعد، لكن قال: أو قصر شعره

كالمتن هنا، إلا أن الخبر الأول ضعيف و إطلاقه مناف لما دل على (2)وجوب البدنة على من جامع قبل طواف النساء متذكرا، قيل: و من هنا قيد المصنف و الفاضل الحكم بعمرة التمتع كالمحكي عن النزهة و ابن إدريس في الكفارات، لكن يمكن منع تناول الخبر لكل من القبلية و التذكر، كما يمكن جبر ضعف الخبر بعمل من عرفت، و عن المصنف في النكت احتمال أن يكون طاف طواف النساء ثم واقع لظنه إتمام السعي، بل عن المختلف احتمال أن يكون قدم طواف النساء على السعي لعذر، كل ذلك لظهور الخبر المزبور في كون الكفارة المزبورة من حيث عدم إتمام السعي إما لكونه في عمرة التمتع التي لا يجب فيها طواف النساء، أو لأنه قد فعله، أو لأن كفارته حينئذ مع ذلك بدنة، فيجبان معا، إحداهما لكون الجماع قد وقع قبل طواف النساء، و الثانية لكونه وقع قبل تمام السعي كما عساه يظهر من محكي نكت المصنف، بل احتمله بعض الأفاضل من متأخري


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب كفارات الاستمتاع.

ج 19، ص: 442

المتأخرين، نعم قد يشكل بعدم وجوب الكفارة على الناسي في غير الصيد، و لذا حمله بعض على الاستحباب، و لعله من هنا كان ظاهر المصنف و غيره التوقف للأصل و عدم الإثم و ضعف الخبر، بل قيل إن القاضي و الشيخ أطرحاه و قالا:

إنه لا شي ء عليه، كاشكال الثاني و إن كان صحيحا مع ذلك بان الواجب في تقليم مجموع الأظفار شاة لا بقرة.

و لكن قد يدفع الثاني أنه في غير المقام، لصحة الخبر و قابليته للتخصيص و الأول بما عن ابن إدريس من أنه إنما وجبت عليه الكفارة لأجل انه خرج من السعي غير قاطع و لا متيقن إتمامه، بل خرج عن ظن منه، و ها هنا لا يجوز له ان يخرج مع الظن، بل مع القطع و اليقين، قال: و هذا ليس بحكم الناسي، أو بما في المسالك من ان الناسي و إن كان معذورا لكن هنا قد قصر حيث لم يلحظ النقص، فان من قطع السعي على ستة أشواط يكون قد ختم بالصفا، و هو واضح الفساد، فلم يعذر، بخلاف الناسي غيره فإنه معذور، و لعل هذا أولى من حيث انسياق إرادة القطع بالفراغ من الظن، و اندراج الأول في العامد المتجه فيه فساد السعي مع العلم، إلا إذا فرض بحال يعذر فيه و يكون كالناسي، فلا يترتب عليه حينئذ كفارة، على أن ذلك كله مماشاة، و إلا فالشارع عليه السلام أدرى بعد أن لم يكن في العقل ما يأبى ذلك، و فرض قبول الخبر لإفادة ذلك و لو للانجبار بعمل من عرفت، فتخص القواعد حينئذ به كما صرح به جماعة، لكن ذكر بعض الناس أنه يجب الاقتصار على مورد النص، و هو المتمتع كما في الصحيح (1)بل و كذا الأخير بناء على ما يفهم من جماعة منهم المصنف هنا و الفاضل في القواعد، بل هو صريح الحلي، و فيه ما لا يخفى عليك


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 443

من عدم إشعار في الخبر بالمتمتع الذي هو في سؤال الصحيح، و الاشكال من حيث طواف النساء الذي تجب البدنة بالجماع قبله مع التذكر قد عرفت الجواب عنه، فالمتجه بناء على العمل بالخبر المزبور وجوب البقرة بالجماع قبل السعي بظن الإتمام من هذه الحيثية، و لا أقل من الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، نعم ينبغي الاقتصار على الستة بظن أنها سبعة لا غير ذلك، و إن كان يوهمه إطلاق المصنف، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لو دخل وقت الفريضة و هو في السعي ]

المسألة الرابعة لو دخل وقت الفريضة و هو في السعي في أي شوط كان قطعه ندبا أو رخصة مع سعة الوقت و صلى ثم أتمه، و كذا لو قطعه لحاجة له أو لغيره وفاقا للمشهور، بل عن المنتهى و التذكرة أنه لا يعرف في جواز القطع للصلاة خلافا، ل

صحيح معاوية(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة و قد دخل وقت الصلاة أ يخفف أو يقطع و يصلي ثم يعود أو يثبت كما هو على حاله حتى يفرغ؟ قال: لا بل يصلي ثم يعود، أو ليس عليهما مسجد»

أي موضع صلاة، و قيل المراد به المسجد الحرام، و كونه عليهما كناية عن قربه و ظهوره للساعين، و لا يخفى بعده، و

خبر الحسن بن علي بن فضال (2)قال: «سأل محمد بن علي أبا الحسن عليه السلام فقال له:

سعيت شوطا واحدا ثم طلع الفجر فقال: صل ثم عد فأتم سعيك»

و موثق محمد بن فضيل (3)عن محمد بن علي الرضا عليه السلام، قال له: «سعيت شوطا ثم طلع الفجر قال: صل ثم عد فأتم سعيك»

و خبر يحيى بن عبد الرحمن الأزرق(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 444

«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا و المروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو الى الطعام قال:

إن أجابه فلا بأس»

و زاد في الفقيه (1)«و لكن يقضي حق الله عز و جل أحب الي من ان يقضي حق صاحبه»

و لذا قال القاضي فيما حكي عنه: و لا يقطعه إذا عرضت له حاجة بل يؤخرها حتى يفرغ منه إذا تمكن من تأخيرها، و لكن سمعت في الطواف الأمر بالقطع، فلعل الاختلاف لاختلاف الحاجات، بل قد تقدم سابقا أيضا جواز الجلوس في

أثنائه للاستراحة، و قطعه لتدارك صلاة الطواف، ل

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «سأله عن الرجل يطوف بالبيت ثم ينسى ان يصلي الركعتين حتى يسعى بين الصفا و المروة خمسة أشواط أو أقل من ذلك قال: ينصرف حتى يصلي الركعتين ثم يأتي مكانه الذي كان فيه فيتم سعيه»

و صحيح معاوية(3)عن أبي عبد الله عليه السلام انه قال: «في رجل طاف طواف الفريضة و نسي الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثم ذكر قال: يعلم ذلك المكان ثم يعود فيصلي الركعتين ثم يعود الى مكانه»

مضافا الى الإجماع عن التذكرة على عدم وجوب الموالاة فيه، و مقتضى ذلك كله جواز القطع اختيارا، و عدم الفرق بين مجاوزة النصف و عدمه، خلافا لما سمعته من المفيد و سلار و الحلبيين فجعلوه في القطع لحاجة و نحوها كالطواف في افتراق مجاوزة النصف عن عدمها في الحكم لعموم الطواف و الأشواط فيما تقدم من الاخبار لا لحمل السعي على الطواف كما عن المختلف ليرد انه قياس مع الفارق، لأن حرمة الطواف أكثر من حرمة السعي، و إن كان في الأول أيضا انه ظاهر في غير السعي


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب السعي- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الطواف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 19، ص: 445

خصوصا بعد ما سمعته من الأدلة، و قد تقدم الكلام في خبر احمد بن عمر الحلال (1)و عن

الآخرين انه كالطواف لكنهما ذكرا في الطواف جواز القطع لفريضة ثم البناء و لو على شوط، بخلاف المفيد و سلار فإنهما أطلقا افتراق مجاوزة النصف و عدمها في الطواف و مشابهة السعي له.

و على كل حال لا ريب في ضعف الجميع لما عرفت و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، بل قيل لو لا اتفاق المتأخرين على عدم اعتبار المجاوزة عن النصف في هذه الصور كلها و جواز البناء مطلقا و لو كان ما سعى شوطا واحدا لكان القول بما قاله الحلبيان قويا للتأسي و قاعدة الاقتصار على المتيقن السالمين عن المعارض صريحا بل و ظاهرا ظهورا يعتد به إلا الموثق (2)و غيره (3)الواردين في القطع للصلاة، فإنهما صريحان في البناء و لو على شوط، و نحن نقول فيه بمضمونهما بل مر نقل عدم الخلاف فيه عن التذكرة و المنتهى، و لا موجب للتعدي الى ما عداه من الصورة سوى الأخبار الباقية و الإجماع على عدم وجوب الموالاة، و الاخبار ليست بواضحة الدلالة إلا على الأمر بالعود الى المكان الذي قطعه فيه خاصة كما في بعضها(4)و مع الأمر بإتمام السعي كما في آخر(5)منها، و ربما خلا بعضها(6)عن الأمر بالعود أيضا و إنما فيه رخصة القطع خاصة، فاوضحها دلالة الصحيح الأول (7)و ليس فيه تصريح بالبناء على الأقل، بل ظاهره الإطلاق، و لما سيق


1- 1 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الطواف- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 77- من أبواب الطواف- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 19- من أبواب السعي- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب السعي- الحديث 1.

ج 19، ص: 446

لبيان حكم آخر غير ما نحن فيه و هو حكم ركعتي الطواف إذا نسيهما و ذكرهما في أثناء السعي صار فيه مجملا، و إنما ذكر الحكم فيه تبعا فيشكل التعويل على مثل هذا الإطلاق جدا في الخروج عن مقتضى الدليلين اللذين قدمناهما سيما بعد اعتضادهما بما ذكر مستندا للمفيد و من تبعه سابقا، و الإجماع المنقول على عدم وجوب الموالاة غايته نفي الوجوب الشرعي بمعنى أنه لا يؤاخذ بتركها شرعا، لا الشرطي، فلا ينافي وجوبها شرطا في محل النزاع، بمعنى انه لو لم يوال يفسد سعيه و يتوقف صحته على إعادته و إن لم يكن ترك الموالاة إثما، و بالجملة التمسك بنحو هذا الإجماع المنقول و الاخبار لا يخلو من اشكال و إن كان لا يخفى عليك ما فيه من وجوه، بل بعضه من غريب الكلام الذي لا ينبغي ان يسطر، و الله العالم.

[المسألة الخامسة لا يجوز تقديم السعي على الطواف ]

المسألة الخامسة لا يجوز تقديم السعي على الطواف لا في عمرة و لا في حج اختيارا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل يمكن دعوى القطع به بملاحظة النصوص المشتملة على بيان الحج قولا و فعلا، مضافا الى

صحيح منصور بن حازم (1)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا و المروة قبل أن يطوف بالبيت فقال يطوف بالبيت ثم يعود الى الصفا و المروة فيطوف بينهما»

بل صرح الفاضل و الشهيد و غيرهما بأنه لو عكس عمدا أو جهلا أو سهوا أعاد سعيه، للأصل بل الأصول و ترك الاستفصال في الصحيح المزبور، مضافا الى غيره من النصوص، نعم لو لم يمكنه الإعادة استناب كما سمعت.

و على كل حال ف كما لا يجوز تقديم السعي على الطواف لا يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 19، ص: 447

تقديم طواف النساء على السعي اختيارا بلا خلاف أجده فيه أيضا كما اعترف به غير واحد للنصوص المتضمنة لكيفية الحج فعلا و قولا و خصوص

مرسل احمد بن محمد(1)«قلت: لأبي الحسن عليه السلام جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ثم طاف طواف النساء ثم سعى فقال: لا يكون سعي إلا قبل طواف النساء»

و غيره.

و حينئذ فإن قدمه عمدا طاف ثم أعاد السعي حتى يكون آتيا بالمأمور به على وجهه، نعم لو قدمه ساهيا أجزأه كما عرفت الكلام فيه و

في تقديمه أيضا للضرورة و الخوف من الحيض، فلاحظ و تأمل، بل و كذا تقدم الكلام أيضا فيما لو ذكر في أثناء السعي نقصانا من طوافه فان كان قد تجاوز النصف في الطواف بالبيت قطع السعي و أتم الطواف ثم أتم السعي و إلا استأنف الطواف من رأس ثم استأنف السعي، و لعل إطلاقه هنا منزل على كلامه السابق، و من هنا فسره به في المسالك على وجه يظهر منه المفروغية من ذلك، و قد عرفت سابقا ما يشهد له، فلا وجه لوسوسة بعض الناس فيه قائلا ان ظاهر النافع و الشرائع و التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و التذكرة البناء على الطواف بالبيت و ان لم يكن متجاوز النصف، بل لعل التفصيل في الموثق (2)السابق كالصريح فيه أيضا، و لكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا، و هو التفصيل المزبور المنسوب الى المشهور، بل لعله كذلك بل يمكن دعوى عدم الخلاف المحقق لإمكان تنزيل الإطلاق في بعض العبارات على ما يفهم منهم في غير المقام من كون المدار على التفصيل، و الله العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 63- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 19، ص: 448

الى هنا تم الجزء التاسع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه المشتمل على الوقوف بعرفات و المشعر و نزول منى و الطواف و السعي، و قد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه، و قد خرج بعون

الله و لطفه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر، و يتلوه الجزء العشرون في الأحكام المتعلقة بمنى بعد العود ان شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.