جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 18

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج18، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات ]

[تتمة كتاب الحج ]

[ثلاثة أركان ]

[تتمة الركن الأول في المقدمات ]
[المقدمة الثالثة في أقسام الحج ]
اشاره

ج18، ص: 2

المقدمة الثالثة في أقسام الحج و هي ثلاثة: تمتع و قران و إفراد بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1)المتواترة فيه أو القطعية، بل قيل إنه من الضروريات، لكن عن

عمر(2)متواترا أنه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أنا محرمهما و معاقب عليهما: متعة النساء و متعة الحج»

و ظاهره عدم مشروعية المتعة في الحج أصلا بمعنى بقاء الحج عنده كما كان قبل نزول التمتع ما بين إفراد و قران، و قد أخبره بذلك

رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في المروي (3)متواترا عنه في حجة الوداع «أنه جاءه جبرئيل عند فراغه من سعيه


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب أقسام الحج.
2- 2 الغدير للاميني ج 6 ص 209 الى 213.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13 و 24 و 32.

ج 18، ص: 3

فأمره أن يأمر الناس أن يحلوا إلا سائق هدي، فحمد اللَّه و أثنى عليه ثم قال:

إن هذا جبرئيل و أومأ بيده إلى خلفه يأمرني أن آمر من لم يسق هديا بأن يحل و لو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت مثل الذي أمرتكم، و لكن سقت الهدي و لا ينبغي لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله، قال: فقال له رجل من القوم- و هو عمر-: لنخرجن حجاجا و رؤوسنا تقطر، فقال له رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): أما إنك لم تؤمن بعدها أبدا، فقال له سراقة بن مالك بن خثعم الكناني: يا رسول اللَّه علمنا ديننا كأنما خلقنا اليوم، فهذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لما يستقبل و قال له رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): بل هو للأبد إلى يوم القيامة، ثم شبك أصابعه بعضها إلى بعض و قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»

و لكن أولياؤه حملوا ذلك منه على إرادة الانتقال من حج الافراد إلى التمتع، و على كل حال هي مخالفة لرسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على وجه يقتضي الكفر، و كم له و كم له، و كفى بالله حاكما.

[في بيان حج التمتع ]
اشاره

أما حج التمتع فصورته المتفق عليها في الجملة على الإجمال أن يحرم من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج و يتوصل بها اليه من قولهم حبل ماتع أي طويل، و متع النهار طال و ارتفع، أو المنتفع بها بالتحلل بينها و بين الحج، أو بالإحرام للحج من مكة، و إلا لاحتيج إلى الإحرام له من غير مكة، أو بفعلها في أشهر الحج لما يقال من أنه لم يكن تفعل في الجاهلية فيها، أو غير ذلك مما لا يجب التعرض له في النية قطعا، بل يكفي فيها قصد عمرة هذا النوع من الحج ثم يدخل مكة فيطوف لها سبعا بالبيت، و يصلي ركعتيه بالمقام ثم يسعى لها بين الصفا و المروة سبعا و يقصر و ستعرف أن أركان العمرة من هذه: الإحرام و الطواف و السعي، و أما التلبية ففيها خلاف، كمعروفية الخلاف في النية أنها شرط أو ركن ثم ينشئ إحراما للحج من مكة إلا مع النسيان

ج 18، ص: 4

و تعذر الرجوع يوم التروية الثامن من ذي الحجة الذي أمر اللَّه فيه إبراهيم (عليه السلام) أن يروي من الماء على الأفضل، و إلا بقدر ما يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفات ثم يأتي عرفات يوم عرفة فيقف بها من الزوال إلى الغروب مع الاختيار ثم يفيض و يمضي منها إلى المشعر ف يبيت فيه و يقف به مع الاختيار بعد طلوع الفجر، ثم يفيض إلى منى فيحلق بها يوم النحر و يذبح هديه أو ينحر إلا إذا فده، و يأكل منه و يرمي جمرة العقبة مراعيا للترتيب بينها، فيرمي أولا ثم يذبح أو ينحر، ثم يحلق أو يقصر أو يمر الموسى على رأسه إن لم يكن عليه شعر ثم (11) يمضي لكن في المتن هنا إن شاء أتى مكة ليومه أو لغده (12) لعذر أو مطلقا على الخلاف الآتي فيطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه و يسعى سعيه و يطوف طواف النساء و يصلي ركعتين (13) و يأتي تأخير الذبح أو الحلق عن الطواف و السعي ضرورة أو نسيانا، و تقديم الطواف و السعي على الوقوفين ضرورة ثم عاد إلى منى لرمي ما تخلف عليه من الجمار (14) فيبيت بها ليالي التشريق، و هي ليلة الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و يرمي مع الاختيار في أيامها الجمار الثلاث، و لمن اتقى النساء و الصيد في إحرامه كما ستعرف إن شاء اللَّه أن ينفر في الثاني عشر، فيسقط عنه رمي الثالث و المبيت ليلته كما أشار إليه المصنف بقوله و إن شاء أقام بمنى حتى يرمي جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر ثم ينفر بعد الزوال، و إن أقام إلى النفر الثاني (15) و هو الثالث عشر و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا و عاد إلى مكة للطوافين و السعي (16) و في المدارك حكمه بجواز الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين و السعي مناف لما سيذكره في محله من عدم جواز تأخير ذلك عن غده يوم النحر، و كأنه رجوع عن الفتوى، و ربما جمع بين الكلامين بحمله على الجواز هنا على معنى الاجزاء، و هو لا ينافي

ج 18، ص: 5

حصول الإثم بالتأخير، و هو مقطوع بفساده، و الأصح ما اختاره المصنف هنا من جواز تأخير ذلك إلى انقضاء أيام التشريق، للأخبار الكثيرة(1)الدالة عليه و سيجي ء الكلام في ذلك مفصلا، و قد تبع في ذلك جده، قال: «جواز الإقامة بمنى أيام التشريق قبل الطوافين و السعي للمتمتع و غيره، هو أصح القولين، و به أخبار صحيحة، و ما ورد(2)منها مما ظاهره النهي عن التأخير محمول على الكراهة جمعا بينها، و على هذا القول يجوز تأخيرهما طول ذي الحجة، و ربما قيل بجواز تأخير المتمتع عن يوم النحر إلى الغد خاصة، و جمع الشيخ بين الأخبار بحمل أخبار التأخير على غير المتمتع، و أخبار النهي عليه، و ما قدمناه أجود، و اعلم أنه سيأتي في كلام المصنف اختيار المنع عن الغد من غير إشارة إلى خلاف و هنا اختار الجوار كذلك، و كأنه رجوع» إلى آخره، قلت: ستعرف التحقيق في ذلك إن شاء اللَّه، كما تعرف أن أركان الحج من هذه: الإحرام و الوقوفان و طواف الحج و سعيه بمعنى البطلان بترك أحدهما عمدا بل الوقوفين و لو سهوا، إذ قد عرفت أن المراد هنا الذكر على الاجمال.

و كيف كان ف هذا القسم فرض البعيد عن مكة ممن لم يكن قد حج مع الاختيار بإجماع علمائنا، و المتواتر(3)من نصوصنا الذي منه

يظهر وجه الدلالة في الآية(4)أيضا، بل لعله من ضروريات مذهبنا، نعم في تحديد ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت- الحديث 7 و 8 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج.
4- 4 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 6

خلاف بيننا، فعن المبسوط و الاقتصاد و التبيان و مجمع البيان و فقه القرآن و روض الجنان و الجمل و العقود و الغنية و الكافي و الوسيلة و السرائر و الجامع و الإصباح و الإشارة و غيرها هو من كان بين منزله و بين مكة اثنى عشر ميلا فما زاد من كل جانب، و قيل و القائل القمي في تفسيره و الصدوقان و المصنف في النافع و المعتبر و الفاضل في المختلف و التذكرة و التحرير و المنتهى و الشهيدان و الكركي و غيرهم ثمانية و أربعون ميلا بل في المدارك نسبته إلى أكثر الأصحاب، و في غيرها إلى المشهور و إن كنا لم نتحققه، كما أنه لا يخفى عليك ضعف ما عن المصنف من نسبة القول الأول إلى الندرة، و لعل الأول لنص الآية(1)على أنه فرض من لم يكن حاضري المسجد الحرام، و مقابل الحاضر هو المسافر، و حد السفر أربعة فراسخ كما حررناه في محله مؤيدا بإطلاق ما دل (2)على وجوب التمتع خرج منه الحاضر و ما ألحق به مما هو دون ذلك قطعا، فيبقى الباقي، و لعل الثاني ل

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: قول اللَّه عز و جل في كتابه ذلِكَ لِمَنْ - إلى

آخره- فقال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»

و عن القاموس «عسفان كعثمان موضع على راحلتين من مكة، و ذات عرق بالبادية ميقات أهل العراق» و عن التذكرة «ذات عرق على مرحلتين من مكة» و عن المصباح المنير «المرحلة المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم، و الجمع مراحل» و عن كتاب


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 7

شمس العلوم «يقال بينهما مرحلة أي مسيرة يوم» مؤيدا أيضا

بالصحيح (1)عن عبد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي نصر عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل شرف متعة، و ذلك لقول اللَّه عز و جل ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي - إلى آخره-»

و نحوه خبر سعيد الأعرج (2)بناء على ما في المعتبر من أنه معلوم كون هذه المواضع أكثر من اثنى عشر ميلا، بل عن القاموس «إن بطن مر موضع من مكة على مرحلة، و شرف ككتف موضع قريب للتنعيم» لكن عن الواقدي «بين مكة و مر خمسة أميال» و عن النهاية في حديث تزويج

ميمونة بشرف (3)هو بكسر الراء موضع من مكة على عشرة أميال، و قيل أقل و أكثر، و

خبر أبي بصير(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «قلت لأهل مكة متعة قال: لا، و لا لأهل بستان و لا لأهل ذات عرق و لا لأهل عسفان و نحوها»

و في الوافي «البستان بستان ابن عامر قرب مكة مجتمع النخلتين اليمانية و الشامية» و

خبر زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن قول اللَّه عز و جل:

ذلِكَ لِمَنْ - إلى آخره- قال: ذلك أهل مكة، ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و ذات عرق»

و خبر علي بن جعفر(6)«قلت لأخي موسى (عليه السلام): لأهل


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1 و فيه عن عبيد اللَّه الحلبي و سليمان بن خالد و أبي بصير كلهم عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: « ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة. إلخ» كما في التهذيب ج 5 ص 32 الرقم 96.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
3- 3 البحار ج 21 ص 46 الطبع الحديث.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.

ج 18، ص: 8

مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج فقال: لا يصلح أن يتمتعوا لقول اللَّه عز و جل:

ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ »

هذا؛ و لكن في

حسن (1)حريز عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في قول اللَّه عز و جل «ذلِكَ» إلى آخره قال: «من كان

منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها، و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له مثل مر و أشباهه».

و في المدارك «يمكن الجمع بينه و بين صحيح زرارة السابق بالحمل على التخيير بين التمتع و غيره لمن بعد بثمانية عشر ميلا، و التعيين على من بعد بثمانية و أربعين ميلا، لكنه كما ترى لا شاهد له، و في

صحيح حماد بن عثمان (2)عنه (عليه السلام) أيضا في حاضري المسجد الحرام قال: «ما دون المواقيت إلى مكة»

و في

صحيح الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا قال في حاضري المسجد الحرام: «ما دون المواقيت إلى مكة من حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة»

و لا يخفى عليك ما في هذه النصوص من التشويش بل و الاشكال حتى ان المحدث البحراني مع أطنابه فيها قد اعترف بذلك، لأن الثمانية و الأربعين عبارة عن مسيرة يومين كما صرحوا به في مسافة القصر، و حينئذ يلزم الإشكال في خبري زرارة و أبي بصير، بل و كلام الأصحاب الذين صرحوا بأن عسفان و ذات عرق من توابع مكة و داخلة في مسافة الثمانية و الأربعين، و قد سمعت التصريح عن القاموس و العلامة في التذكرة بكونهما على مرحلتين عن مكة، كما انك قد سمعت كون المراد بالمرحلة مسيرة يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج الحديث 4.

ج 18، ص: 9

و حينئذ يكون الموضعان خارجين عن المسافة المزبورة- إلى ان قال-: و لا مناص عن الإشكال إلا بالطعن فيما سمعته من القاموس و التذكرة بكون المكانين ليس على مرحلتين، أو بالطعن فيما سمعته من المصباح و شمس العلوم من عدم كون المرحلة مسيرة يوم، و الكل مشكل» انتهى.

و حاول ابن إدريس رفع الخلاف بين الأصحاب بتقسيط الثمانية و الأربعين على الجوانب، فقال: «و حده من كان بينه و بين المسجد الحرام ثمانية و أربعون ميلا من اربع جوانب البيت من كل جانب اثنى عشر ميلا» و لعله استشعره مما في محكي المبسوط، و هو كل من كان بينه و بين المسجد الحرام اثني عشر ميلا من جوانب البيت، و الاقتصاد من كان بينه و بين المسجد من كل جانب اثني عشر ميلا، و ما عن الحلبي «و اما القران و الافراد ففرض أهل مكة و حاضريها و من كان داره اثني عشر ميلا من اي جهاتها كان» و أصرح من ذلك ما عن التبيان «ففرض التمتع عندنا هو اللازم لكل من لم يكن من حاضري المسجد الحرام، و هو من كان على اثنى عشر ميلا من كل جانب إلى مكة ثمانية و أربعين ميلا» بل عن ابن الربيب موافقته على هذا التنزيل، و جعل من الصريح فيه قول الصدوق:

«و حد حاضري المسجد أهل مكة و حواليها على ثمانية و أربعين ميلا» و نحوه كلامه في الهداية و الأمالي، و ان كان فيه ما فيه، و لكن ذلك كله يؤيد ما قلناه من الرجوع الى إطلاق ما دل على وجوب التمتع مع الاقتصار على الفرد المتيقن من الملحق بالحضور، و هو من الاثنى عشر ميلا فما دون، بل لعل ذلك هو المتعارف في التجوز بالحضور و الموافق لحواليها، بخلاف الثمانية و أربعين ميلا المنافية للحضور حقيقة و تجوزا، فلا يصلح تحديدا على وجه يكون تحقيقا في تقريب على حسب غيره مما جاء التحديد فيه كذلك مثل المسافة و الوجه و الركوع و نحوها، و احتمال المراد شرعا و ان لم يكن من افراد مجاز الحضور كما ترى،

ج 18، ص: 10

بل

قوله (عليه السلام): «دون عسفان و ذات عرق»

الذين قد عرفت انهما على مرحلتين يؤيد الاثنى عشر ميلا، لعدم القائل بغيرها مما هو دون الثمانية و أربعين ميلا، بل يؤيده أيضا خبر الثمانية عشر(1)فإنه أقرب إليها من الثمانية و أربعين بل لعله من الاثنى عشر ميلا التقريبية، كما أنه قد يؤيد ما ذكره ابن إدريس معلومية عدم كون الثمانية و أربعين ميلا من مجاز الحضور فضلا عن حقيقته، فلا ريب في أن الأقوى التحديد بالاثني عشر مع احتمال إرادة التقريبية منها التي يندرج فيها الثمانية عشر فضلا عن كون مبدأ التحديد مكة أو المسجد و ان من كان على رأسها فهو من الداخل أو الخارج، ضرورة أن ذلك كله إنما يجي ء على التحقيقي لا التقريبي الذي يندرج فيه ذلك كله، فتأمل جيدا فان منه يمكن الجمع بين النصوص كلها.

و كيف كان فان عدل هؤلاء إلى القران أو الافراد في حجة الإسلام اختيارا لم يجز بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه و لما عرفت من أنهم مأمورون بغيرهما حاله، كما لا خلاف في أنه يجوز لهم ذلك مع الاضطرار كضيق وقت أو حيض، بل الإجماع أيضا بقسميه عليه مضافا إلى النصوص (2)المستفيضة أو المتواترة في ذلك، و ستسمع جملة منها إن شاء اللَّه، و كذا لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسيميه لمن كان الحج مندوبا بالنسبة إليه لعدم استطاعته، أو لحصول حج الإسلام منه، و النصوص (3)مستفيضة فيه أو متواترة، بل هو من قطعيات مذهب الشيعة، بل في بعضها(4)عن

الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 14.

ج 18، ص: 11

(عليه السلام) «لو حججت ألفي عام ما قدمتها إلا متمتعا»

و لا فرق في ذلك بين أن يحج عن نفسه أو عن غيره، و لا بين من اعتمر في رجب أو شهر رمضان و غيره، بل و لا بين المقيم في مكة منذ عشر سنين و غيره.

[في شرائط حج التمتع ]
اشاره

و لكن شروطه أي حج التمتع سواء كان مندوبا أو واجبا أربعة

[الأول النية]

الأول النية التي قد عرفت اعتبارها في كل عبادة، إلا أنه قيل المراد بها هنا نية الإحرام كما في الدروس، و فيه أن ذكرها فيه حينئذ مغن عنه هنا، على أنه لا فرق بينه و بين باقي أفعال الحج و العمرة في اعتبار النية فيها، فلا معنى لتخصيص الإحرام من بينها بذلك و إن قيل إن الوجه في ذلك كونه معظم الأفعال و كثير الأحكام، لكنه كما ترى، و لعله لذا كان الأولى إرادة نية حج التمتع بجملته، بل في المدارك عن الشارح أن ظاهر الأصحاب و صريح سلار ذلك و إن كان المحكي عن الآخر أنه قال: نية الخروج إلى مكة، بل في كشف اللثام عنه أنه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل و ركوب الراحلة و المسير، إلا أن الظاهر منه إرادة نية النوع المخصوص من الحج و لكن أشكله هو و غيره باقتضائه الجمع بين هذه النية و النية لكل فعل من أفعال الحج على حدة و لا دليل عليه، بل الأخبار خالية عن ذلك، قلت: يمكن أن يكون مستنده

صحيح زرارة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذي يلي المفرد للحج في الفضل فقال: المتعة، فقلت: و ما المتعة؟ فقال: يهل بالحج في أشهر الحج فإذا طاف بالبيت و صلى الركعتين خلف المقام و سعى بين الصفا و المروة قصر و أحل، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج»

إلى آخره، و لا داعي إلى حمله على إرادة العمرة من الحج، مضافا إلى الأمر به جملة و الأمر بكل منها على وجه يظهر منه إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 12

اعتبار النية المستقلة، و أنه لا تكفي فيه النية الأولى، و لا تنافي بين وجوب نية الإجمال و نية التفصيل، و لعل هذا أولى مما في كشف اللثام من أن المراد النية لكل من العمرة و الحج و كل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام و الطواف و السعي و نحوها كما يأتي تفصيلها في مواضعها لا نية الإحرام وحده كما في الدروس، و في الدروس و المراد بالنية نية الإحرام، و يظهر من سلار أنها نية الخروج إلى مكة، و في المبسوط الأفضل أن يقارن بها الإحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل و لعله أراد نية التمتع في إحرامه لا مطلق نية الإحرام، و يكون هذا التحديد بناء على جواز الإحرام المطلق كما هو مذهب الشيخ، أو على جواز العدول إلى التمتع من إحرام الحج أو العمرة المفردة، و هذا يشعر أن النية المعدودة هي نية النوع المخصوص، قلت: فيكون موافقا لما قلناه.

[الثاني وقوعه في أشهر الحج ]

و الثاني وقوعه في أشهر الحج بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد(1): «ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج»

و غيره، فلا يصح وقوع بعض عمرته في غيرها فضلا عنه و هي على الأصح شوال و ذو القعدة و ذو الحجة كما عن الشيخين في الأركان و النهاية و ابني الجنيد و إدريس و القاضي في شرح الجمل، لظاهر الأشهر في الآية(2)و صحيح معاوية بن عمار(3)عن الصادق (عليه السلام) و حسن زرارة(4)عن الباقر (عليه السلام)، و إجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة، بل الطواف و السعي كما ستعرف و قيل كما عن الحسن و التبيان و الجواهر و روض الجنان هي


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 193.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 18، ص: 13

شوال و ذو القعدة و عشرة أيام من ذي الحجة بل عن ظاهر الثاني و الرابع اتفاقنا عليه، لأن أفعال الحج بأصل الشرع تنتهي بانتهاء العاشر و إن رخص في تأخير بعضها و خروج ما بعده من الرمي و المبيت عنها، و لذا لا يفسد بالإخلال بها، و للخبر عن أبي جعفر (عليه السلام)(1)كما عن التبيان و الروض و قيل كما عن الاقتصاد و الجمل و العقود و المهذب الشهران الأولان و تسعة أيام من ذي الحجة لأن اختياري الوقوف بعرفات في التاسع، بل عن الغنية و تسع من ذي الحجة أي تسع ليل، فيخرج التاسع، إلا أن يكون توسع، و من

الكافي و ثمان منه أي ثمان ليال، فيخرج الثامن إلا أن يكون توسع، و قد يكون ختمها بالثامن، لأنه آخر ما شرع في أصل الشرع للإحرام بالحج و إن جاز التأخير رخصة و قيل كما عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع الشهران و إلى طلوع الفجر من يوم النحر لأنه لا يجوز الإحرام بالحج بعده، لفوات اضطراري عرفة، و لكن يدرك اختياري المشعر إلى طلوع شمسه، و لذا حكي عن ابن إدريس اختياره في موضع، بل قيل هو ظاهر جمل العلم و العمل و المصباح و مختصره و مجمع البيان و متشابه القرآن، لأن فيها انها شوال و ذو القعدة و عشرة من ذي الحجة بتأنيث العشر المقتضي لكون التمييز أياما لا لياليا و يحتمل التوسع و كيف كان فالظاهر لفظية الاختلاف في ذلك كما اعترف به غير واحد، للاتفاق على أن الإحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة و كذا عمرة التمتع، و على إجزاء الهدي و بدله طول ذي الحجة و أفعال أيام منى و لياليها، نعم في الدروس أن الخلاف فيها لعله مبني على الخلاف الآتي في وقت فوات المتعة: و فيه انه لا يتم في بعضها، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.

ج 18، ص: 14

و على كل حال ف ضابط وقت الإنشاء لحج التمتع و ابتدائه في هذه المدة ما يعلم انه يدرك المناسك فيه كغيره من الواجبات الموقتة.

[الثالث ان يأتي بالحج و العمرة في سنة واحدة]

و الثالث ان يأتي بالحج و العمرة في سنة واحدة بلا خلاف فيه بين العلماء كما اعترف به في المدارك و غيرها، و هو الحجة إن تم إجماعا مضافا إلى انسياقه من

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1): «دخلت العمرة في الحج هكذا و شبك بين أصابعه»

و

صحيح حماد أو حسنه (2)عن أبى عبد اللَّه (عليه السلام) «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له ان يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه، و إن شاء وجهه ذلك إلى منى، قال: فان جهل و خرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال (عليه السلام): إن رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما، قال: فأي الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته»

و خبر معاوية بن عمار(3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): من اين يفترق المتمتع و المعتمر؟ فقال: إن المتمتع يرتبط بالحج، و

المعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين (عليه السلام) في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 32 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العمرة- الحديث 3.

ج 18، ص: 15

و الناس يروحون إلى منى»

و صحيح صفوان (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إذا دخل المعتمر مكة غير متمتع فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) فليلحق بأهله إن شاء، و قال: انما نزلت العمرة و المتعة لكن المتعة دخلت في الحج و لم تدخل العمرة في الحج»

و مرسل ابان (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج إلى الحج إلا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما، و لا يجاوز إلا على قدر ما لا تفوته عرفة»

و صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الموقف فتلبي إلى ان قال: و ليس لك ان تخرج من مكة حتى تحج»

و صحيحه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتي الموقف فتلبي

بالحج، فإذا اتى مكة طاف و سعى و أحل من كل شي ء و هو محتبس، و ليس له ان يخرج من مكة حتى يحج»

و حسن معاوية(5)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إنهم يقولون في حجة التمتع حجة مكية و عمرته عراقية، قال: كذبوا، أو ليس هو مرتبط بحجته لا يخرج منها حتى يقضي حجه؟»

إذ الظاهر كون المراد بيان خطئهم في ذلك الذي مآله إلى كون حج التمتع حج افراد، و عمرة كذلك بزعمهم لحصول التحلل بينهما، فان الحج إذا كان مرتبطا بالعمرة على وجه لا يجوز له الاقتصار على العمرة لا تكون العمرة مفردة و لا الحج، فما في كشف اللثام- بعد ان ذكر الاستدلال بذلك و زاد ما رواه في المعتبر عن

سعيد بن المسيب(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العمرة- الحديث 5 عن صفوان عن نجية عن أبي جعفر عليه السلام كما في الاستبصار ج 2 ص 325 الرقم 1152.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 2 مع اختلاف في اللفظ.
6- 6 سنن البيهقي ج 4 ص 356.

ج 18، ص: 16

«كان أصحاب رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا»

قال: و دلالة الجميع ظاهرة الضعف، و لكن ظاهر التذكرة الاتفاق عليه- لا يخلو من نظر، خصوصا بالنسبة إلى بعضها الذي هو كالصريح في ان عمرة التمتع مع حجه في تلك السنة كالعمل الواحد، بل ظاهرها انه لا يجوز له

الاقتصار على العمرة و جعلها مفردة بعد ان دخل متمتعا بها، فإنه بذلك يكون مرتبطا و محتبسا بحج تلك السنة معها إلا مع الضرورة كما اعترف به في المدارك حاكيا له عن صريح الشيخ و جمع من الأصحاب، و لو لا ظهور هذه النصوص في ذلك لأشكل إثبات الشرطية المزبورة، إذ الموجود في التذكرة «الثالث ان يقع الحج و العمرة في سنة واحدة، فلو اعتمر ثم حج في السنة القابلة فلا دم عليه سواء أقام بمكة إلى ان حج أو رجع و عاد، لأن الدم انما يجب إذا زاحم العمرة حجه في وقتها و ترك الإحرام بحجه من الميقات مع حصوله بها في وقت الإمكان، و لم يوجد و هذه الشرائط الثلاثة عندنا شرائط في التمتع» و ليس صريحا في الإجماع بل و لا ظاهرا، على ان في الدروس و الاعتبار بالإهلال في أشهر الحج لا بالأفعال أو الإحلال، ثم قال: و لو اتى بالحج في السنة القابلة فليس بمتمتع، نعم لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء، و لو قلنا إنه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج و لما يحل لم يجز، و إن كان فيه أيضا ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، ضرورة ان ما ذكره من كون الاعتبار بالإهلال خلاف ظاهر النص و الفتوى الدال على اشتراط وقوع العمرة في أشهر الحج، فإنها اسم لمجموع الأفعال، فيجب وقوعها فيها، و لا يكتفي بالإهلال، كضرورة منافاة ذلك لما سمعت من خبره الناص على الإتيان بهما في سنة واحدة، إذ من المعلوم عدم وقوع العمرة بتمامها في سنة الحج في الفرض، لأن من أفعالها الإحرام

ج 18، ص: 17

و الفرض وقوعه في السنة الماضية على ان مقتضى

قوله (صلى اللَّه عليه و آله): «دخلت العمرة في الحج»

كون حكمها حكم الحج، فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحج إلى القابل فكذا العمرة، و اللَّه العالم.

[الرابع ان يحرم بالحج له من بطن مكة]

و الرابع ان يحرم بالحج له من بطن مكة مع الاختيار و التذكر بلا خلاف أجده فيه نصا(1)و فتوى، بل في كشف اللثام الإجماع عليه، لكن

قال إسحاق(2): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم يبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات عرق أو الى بعض المعادن قال:

يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه قال: كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج»

و لا صراحة فيه فيما ينافي ذلك.

و لكن أفضل مواضعه منها المسجد اتفاقا كما في المدارك لكونه أشرف الأماكن، و لاستحباب

الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(3)«إذا كان يوم التروية ان شاء اللَّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين إحرامك من الشجرة، و أحرم بالحج»

و في

خبر أبي بصير(4)«إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم إلى أن قال: ثم ائت المسجد الحرام فصل فيه ست


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المواقيت.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المواقيت- الحديث 4.

ج 18، ص: 18

ركعات»

إلى آخره.

و على كل حال لا يتعين الإحرام منه اتفاقا كما عن التذكرة و إن أوهمته بعض العبارات، لكن

سأل عمرو بن حريث (1)الصادق (عليه السلام) «من أين أهل بالحج؟ فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من المسجد و إن شئت من الطريق»

و أفضله المقام ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد(2): «إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج، فان كنت ماشيا فلب عند المقام، و إن كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك»

و عن الصدوق التخيير بينه و بين الحجر، لحسن معاوية(3)السابق، لكن فيه أن اشتراكهما في الفضل بالنسبة إلى سائر الأماكن لا ينافي الأفضلية المزبورة المستفادة من الأمر به خاصة في خبر عمر بن يزيد، و من تعدد الرواية به و من موافقته الأمر به في الآية(4)باتخاذه مصلى، نعم عن الكافي و الغنية و الجامع و النافع و شرحه و التحرير و المنتهى و التذكرة و الدروس التخيير بينه و بين تحت الميزاب في الأفضلية، و في كشف اللثام و كأن المعنى واحد، و اقتصر في محكي الإرشاد و التلخيص و التبصرة على فضل ما تحت الميزاب و لم يذكر المقام، و لم نعثر له على شاهد يقتضي فضله على المقام، و الأمر في ذلك سهل بعد عدم تعين شي ء منهما قطعا لما عرفت، مضافا إلى الأصل، و خصوص

خبر يونس بن يعقوب (5)سأل الصادق (عليه السلام) «من أي المساجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من أي مسجد شئت»

و في كشف اللثام و كأنه إجماع و إن أوهم خلافه بعض العبارات، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 سورة البقرة- الآية 119.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المواقيت- الحديث 3.

ج 18، ص: 19

[في عدم إجزاء العمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج ]

و لو أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز له التمتع بها لما عرفته من اشتراط وقوع حج التمتع في أشهر الحج، و لذا قال في المدارك هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، بل النصوص وافية في الدلالة عليه، كصحيح عمر بن يزيد(1)السابق و غيره (2)و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج خلافا لبعض العامة و إن كان الأكثر خلافا لأبي حنيفة منهم و حينئذ لم يلزمه الهدي الذي هو من توابع التمتع، لكن هل تقع العمرة صحيحة و إن لم يجز التمتع بها كما تشعر به العبارة، بل عن التذكرة و المنتهى التصريح به، بل عنهما التصريح بما هو أبلغ من ذلك من أن من أحرم بالحج في غير أشهره لم ينعقد إحرامه له و انعقد للعمرة مستدلا عليه ب

خبر الأحول (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج قال: يجعلها عمرة»

أو لا تقع كما اختاره في المدارك فإنه بعد أن ذكر ما حكيناه قال: «و الأصح عدم الصحة مطلقا، أما عن المنوي فلعدم حصول شرطه، و أما عن غيره فلعدم نيته، و نية المفيد لا تستلزم نية المطلق كما قررناه مرارا» و تبعه في كشف اللثام، و عن التحرير التردد في ذلك، و فيه أنه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة، و لكن لا بأس بالقول به للخبر المزبور مؤيدا ب

خبر سعيد الأعرج (4)قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل فعليه شاة، و إن تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 20

انما هي حجة مفردة، إنما الأضحى على أهل الأمصار»

و دعوى عدم الدلالة صريحا- لاحتمال أن يكون المراد منها من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحا، بل ينبغي أن يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة- يدفعها أن ذلك لا ينافي الظهور المعلوم كفايته كما هو واضح، هذا.

و ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة أو الثلاثة في حج التمتع، لكن عن بعض الشافعية اشتراط أمر آخر، و هو كون الحج و العمرة عن شخص واحد، فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص و العمرة عن آخر تبرعا مثلا لم يصح، و يمكن أن يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك اتكالا على معلومية كون التمتع عملا واحدا عندهم، و لا وجه لتبعيض العمل الواحد، فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا، و يمكن أن لا يكون ذلك شرطا عندهم لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة معها كالركعة الأولى من صلاة الصبح، و إلا لم تصح عمرته مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج إلى أن مات، بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن، و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن آخر لإطلاق الأدلة، بل لعل

خبر محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) دال عليه، قال «سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم المتعة له و الحج عن أبيه»

و أما الوقوع من شخص واحد فلم أجد في كلام أحد التعرض له بمعنى أنه لو فرض التزامه بحج التمتع بنذر و شبهه فاعتمر عمرته و مات مثلا فهل يجزي نيابة أحد عنه مثلا بالحج من مكة؟ و إن كان الذي يقوى عدم الاجزاء إن لم يكن دليل خاص، و ربما يأتي في الأبحاث الآتية نوع تحقيق له، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 11.

ج 18، ص: 21

[في وجوب استئناف الإحرام لو أحرم من غير مكة]

و كيف كان فقد عرفت و تعرف أن الإحرام لعمرة كان أو لحج من الميقات الذي وقته رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) له مع الاختيار و عرفت أيضا أن مكة ميقات لحج التمتع و حينئذ ف لو أحرم بحج التمتع من غير مكة لم يجزه و لو دخل مكة بإحرامه على الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها اعتبار موافقة الأمر في صحة العبادة و إجزائها و وجب استئنافه منها ليوافق الأمر به، و دخول مكة بالإحرام من غيرها و لو من ميقات العمرة مع عدم تجديده منها لا يجدي في امتثال الأمر به منها، خصوصا بعد فساد الإحرام الأول الحاصل من غير الميقات عمدا، و استدامة النية على ذلك الإحرام عند مروره ليست نية لإنشائه، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل عن التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه عندنا، نعم عن أحمد أنه يحرم للحج من الميقات، و عن الشافعي جواز ذلك له، و ربما أشعرت عبارة المتن بوجود خلاف فيه بيننا، لكن عن شارح ترددات الكتاب إنكار ذلك، بل نقل عن شيخه أن المصنف قد يشير في كتابه بنحو ذلك إلى خلاف الجمهور، أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد من الأصحاب فيظن أن فيه خلافا و بالجملة لا إشكال بل و لا خلاف محقق في فساد الإحرام لحج التمتع من غير مكة مع الاختيار، فلا يجديه حينئذ المرور فيها ما لم يجدد الإحرام منها له، كما هو واضح.

نعم لو تعذر ذلك و لو لضيق الوقت قيل و القائل الشيخ في المحكي من خلافه يجزيه (11) ذلك الإحرام الذي أوقعه في غيرها لعذر من نسيان أو غيره، و تبعه في كشف اللثام حاكيا له عن التذكرة أيضا للأصل و مساواة ما فعله لما يستأنفه في الكون من غير مكة، و في العذر، لأن النسيان عذر و الوجه أنه يستأنفه حيث أمكن و لو بعرفة إن لم يتعمد ذلك (12) عالما بالحال،

ج 18، ص: 22

لأن ما أوقعه أولا لم يوافق أمرا به، فهو فاسد، و من هنا كان مقتضى الأصل الفساد لا الصحة، و أما دعوى المساواة فلا ريب في أنها قياس و الأصل يقتضي العكس، إذ المصحح للإحرام المستأنف انما هو الإجماع على الصحة معه، و ليس النسيان مصححا له حتى يتعدى به إلى غيره، و انما هو مع العذر عذر في عدم وجوب العود، و هو لا يوجب الاجتزاء بالإحرام معه حيثما وقع، بل انما يجب الرجوع إلى الدليل، و ليس هنا سوى الاتفاق، و لم ينعقد إلا على الإحرام المستأنف، و أما السابق فلا دليل عليه، نعم قد يقال بصحة إحرام مصادف العذر واقعا، كما لو نسي الإحرام منها و أحرم من غيرها في حال عدم تمكنه من الرجوع إليها لو كان متذكرا، لمصادفته الأمر به واقعا حينئذ، فتأمل.

هذا كله في المعذور، أما العامد فإن أمكنه استئنافه منها استأنفه، و إلا بطل حجه و لم يفده الاستئناف من غيرها، بل قد يتوهم من نحو إطلاق المتن عدم الفرق بين جاهل الحكم و غيره اللهم إلا أن يدعى إرادة العالم من العامد، و لعله كذلك، لتظافر الأخبار بعذرة إذا أخر الإحرام عن سائر المواقيت،

قال زرارة(1)«عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت و هي لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا بعض الناس فقالوا: تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم منه و كانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر (عليه السلام) فقال: تحرم من مكانها قد علم اللَّه نيتها»

و قال ابن عمار(2): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 6 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 4 من كتاب الحج.

ج 18، ص: 23

إحرام أم لا و أنت حائض، فتركوها حتى دخلت الحرم، فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم»

و قال سورة بن كليب (1)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة و نسينا أن

نأمرها بذلك فقال: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد»

و قال عبد اللَّه (2): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل مر على الوقت الذي أحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج فقال:

يخرج من الحرم فيحرم و يجزيه ذلك»

و قال الكناني (3): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال:

يخرج من الحرم ثم يهل بالحج»

بل أطلق في

خبر الحلبي (4)على وجه يشمل العالم العامد و إن لم نجد به قائلا هنا، بل صرح غير واحد بفوات نسكه حينئذ كما هو مقتضى القواعد، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلاده الذين يحرمون منه فيحرم، و إن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج»

بل في

مرسل جميل (5)عن أحدهما (عليهما السلام) «في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك

كلها و طاف و سعى قال: يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و إن لم يهل»

بل في

صحيح علي بن جعفر(6)عن أخيه (عليهما السلام) الذي استدل به في المدارك على الحكم المزبور


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 18، ص: 24

و إن كان فيه ما فيه- خصوص المتمتع، قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه»

إلا ان الاستدلال به موقوف على القول بمضمونه حتى يستفاد منه حكم المقام بالأولوية، و تسمع إن شاء اللَّه تحقيق القول في ذلك، و احتمال الفرق بين ميقات إحرام حج التمتع و غيره بعيد، بل

قوله (عليه السلام) في بعضها: «قد علم اللَّه نيتها»

مما هو كالتعليل الشامل للمقام.

و على كل حال ف هل يسقط الدم و الحال هذه أي أحرم بالحج من غير مكة للعذر بل في ميقات العمرة أو مر عليه و هو محرم بالحج؟ فيه تردد ينشأ من انه جبران لما فات من

إحرام الحج من الميقات كما عن الشافعي، فيتجه حينئذ سقوطه في الأول المفروض فيه حصوله من الميقات، بل و الثاني في وجه و هو مروره و هو متلبس به عليه، بل قيل هو ظاهر المبسوط، و حينئذ فيسقط عن الأول بطريق الأولى، و من انه نسك مستقل لا مدخلية له في ذلك- كما هو ظاهر الأصحاب، بل و الأدلة بل عن صريح المبسوط و صريح الخلاف انه نسك بل عن صريح الثاني منهما عدم سقوطه عنهما- فالتردد فيه حينئذ واضح الضعف.

[في عدم خروج المتمتع من مكة قبل الحج ]

و لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة حتى يأتي بالحج وفاقا للمشهور على ما في المدارك لأنه صار مرتبطا به كما سمعت المعتبرة المستفيضة به إلا على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة بأن يخرج محرما بالحج باقيا على إحرامه حتى يحصل الحج منه، أو يعود للحج قبل مضي شهر كما في القواعد جمعا بين النصوص السابقة و بين

مرسل موسى بن القاسم (1)عن بعض أصحابنا «انه سأل


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 25

أبا جعفر (عليه السلام) في عشر من شوال فقال: إني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان

المدينة منزلي و مكة منزلي و لي فيهما أهل و بينهما أموال فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل:

فإن لي ضياعا حول مكة و أريد الخروج إليها فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج»

بناء على كون السؤال منه عن إفراد العمرة بعد ان قصد التمتع بها، و إطلاقه الحل خارجا و راجعا مقيد بما إذا رجع قبل شهر، ل

خبر إسحاق بن عمار(1)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق و الى بعض المعادن قال: يرجع الى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج»

و مرسل الصدوق (2)عن الصادق (عليه السلام) «إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا ان يعلم أنه لا يفوته الحج، و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا، و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخل محرما»

و حسن حماد(3)السابق.

لكن فيه أن المرسل الأخير يقتضي الجواز و لو بعد شهر لكن يعود بعمرة جديدة، على أن هذه النصوص غير جامعة لشرائط الحجية، و لا شهرة محققة جابرة لها، بل لم نعرف ذلك إلا للمصنف و الفاضل، بل في كشف اللثام أنه أطلق المنع

في الوسيلة و المهذب و الإصباح و موضع من النهاية و المبسوط، و استثنى ابن حمزة الاضطرار و ان قال الشهيد: لعلهم أرادوا بالخروج المحوج إلى عمرة


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.

ج 18، ص: 26

أخرى كما قاله في المبسوط أو الخروج لا بنية العود، لكن فيه انه لا داعي الى ذلك بل يمكن ان يكون لحرمة الخروج مطلقا عندهم.

و على كل حال فالمتجه الاقتصار في الخروج على الضرورة، و ان لا يخرج معها إلا محرما، لإطلاق النصوص المزبورة، و لاحتمال عدم التمكن بعد ذلك من العود إلى مكة للإحرام بالحج، أو لصدق الاتصال حينئذ بالحج، و لغير ذلك، لكن في كشف اللثام إلا ان يتضرر كثيرا بالبقاء على الإحرام لطول الزمان، فيخرج محلا حينئذ للأصل و انتفاء الحرج، و مرسل موسى بن القاسم المتقدم على وجه، بل قال: و مرسل الصدوق يحتمله و الجهل و فيه ان الأصل مقطوع بإطلاق الأدلة، و عدم الحرج الذي يصلح مقيدا له، كالاحتمال في المرسلين اللذين لا جابر لهما، و دعوى ان الحرمة انما هي لفوات الارتباط بين الحج و عمرته فلا معنى لها مع فرض عدم الافتقار إلى عمرة بالرجوع قبل شهر يدفعها انها كالاجتهاد في مقابلة النصوص السابقة بناء على العمل بها، نعم عن السرائر و النافع و المنتهى و التذكرة و موضع من التحرير و ظاهر التهذيب و موضع من النهاية و المبسوط كراهة الخروج لا حرمته. للأصل و الجمع بين النصوص بشهادة

قوله (عليه السلام): «ما أحب» في خبر حفص(1)

منها، و هو لا يخلو من وجه.

[في التمتع بالعمرة الأخيرة]

و كيف كان ف لو جدد عمرة بخروجه محلا لرجوعه بعد شهر تمتع بالأخيرة و تصير الأولى مفردة، لحسن حماد السابق، و لارتباط عمرة التمتع بحجه، و ظهور الآية(2)في الاتصال، بل في كشف اللثام و لعله اتفاقي


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7 و هو خبر الحلبي.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 27

و الظاهر عدم طواف للنساء عليه و إن احتمله بعضهم، لأنه أحل منها بالتقصير و ربما أتى النساء قبل الخروج، و من البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب، و لو رجع قبل شهر دخل مكة محلا، لكن عن التهذيب و التذكرة ان الأفضل ان يدخل محرما بالحج، لخبر إسحاق بن عمار المتقدم سابقا في الإحرام من مكة الذي قلنا لا صراحة فيه بذلك أي جواز الإحرام لحج التمتع من غير مكة، لجواز حج الصادق (عليه السلام) مفردا أو قارنا، بل في كشف اللثام و كلام الشيخ يحتمله بعيدا، و إعراض الكاظم (عليه السلام) عن الجواب و جواز صورة الإحرام تقية، و أمر الكاظم (عليه السلام) أيضا بها تقية و يمكن القول باستحبابه أو وجوبه تعبدا و ان وجب تجديده بمكة، و يجوز كون الحج بمعنى عمرة التمتع بل العمرة مطلقا، و

يأتي إنشاء اللَّه تمام الكلام فيه كما أنه يأتي الكلام في اعتبار الفصل بالشهر بين العمرتين، و ان ظاهر نصوص المقام اعتبار كون الرجوع في غير شهر عمرته في العمرة الجديدة، لا فصل شهر كما هو ظاهر الأصحاب و صريح بعضهم حتى أنهم اختلفوا في مبدأ حساب الشهر و انه من إخلاله بالعمرة أو غير ذلك، بل ان لم يكن إجماعا أمكن القول ان ذلك البحث إنما هو في الفصل بين العمرتين المفردتين لا في مثل الفرض الذي هو عمرة التمتع التي يجب إكمالها بالحج بعدها، و قد دخلت فيه دخول الشي ء بعضه في بعض كما هو مقتضى تشبيك أصابعه (صلى اللَّه عليه و آله)، فهو حينئذ قبل قضائه في أثناء العمل، فلا وجه لاستئنافه عمرة في أثنائه، و النصوص المزبورة مع عدم جامعية كثير منها شرائط الحجية يمكن حملها على التقية، و لعل ما في النصوص من الخروج محرما تعليم للجمع بين قضاء ضرورته و إيصال حجه بعمرته، نعم لو قلنا بفساد عمرة تمتعه بخروجه و رجوعه بعد شهر أمكن حينئذ القول باستئناف عمرة جديدة، لوجوب الحج عليه بإفساده

ج 18، ص: 28

إلا أنه ليس قولا لأحد من الأصحاب و الحاصل ان المسألة غير محررة في كلام الأصحاب، و التحقيق ما ذكرنا، و ربما يأتي لذلك إنشاء اللَّه تتمة.

و لعله لذا تردد الشهيد في حواشي الدروس في بعض أحكام المسألة قال:

«و هنا فوائد الأولى هل يحرم بهذه العمرة من خارج الحرم أو من ميقات عمرة التمتع؟ نظر. الثانية هل هذه عمرة التمتع حقيقة أو لضرورة الدخول إلى مكة لمكان الإحرام؟ احتمالان، و الفائدة في وجوب طواف النساء فيها، فعلى الثاني يجب، و على الأول لا يجب، و في النية، فعلى الثاني ينوي عمرة الافراد، و على الأول ينوي عمرة التمتع. الثالثة لو عرض في هذه (1)مانع من الإكمال فهل يعدل الى حج الافراد أو لا؟ و تصريح الأصحاب بالتمتع بها يمكن حمله على اتصالها بالحج و إن كانت مفردة، لأن امتثال الأمر حصل بالأولى، و هو يقتضي الإجزاء» قلت: و كان آخر كلامه صريح في ان عمرة التمتع الاولى لا الثانية و ان جوزنا العدول منها الى الحج أيضا باعتبار اتصالها به، و لعله على هذا يحمل الخبر المزبور لا أن الاولى بطلت متعة بالخروج، و المتمتع بها الثانية كما هو ظاهر عبارة المصنف و غيره، و بالجملة المسألة غير محررة حتى بالنسبة إلى اعتبار الشهر، فإنه ان كان لأنه أقل ما يفصل به بين العمرتين فستعرف تحقيق الحال في ذلك، و انه تشرع العمرتان بأقل من ذلك، على ان المسألة خلافية، و لم يشر احد منهم الى بناء ذلك على ذلك الخلاف، و ان كان هو لخصوص هذه الأدلة و ان لم نقل به في غيرها فقد عرفت ان كثيرا


1- 1 في المخطوطة المبيضة« و لو عرض في هذا» و لكن في المسودة« و لو عرض في هذه» و هو الصواب لان« هذه» إشارة إلى العمرة لا الإحرام فإن الكلام في أحكام العمرة.

ج 18، ص: 29

منها غير جامع لشرائط الحجية، فلا ريب في ان الاولى و الأحوط الاقتصار في الخروج من مكة على الضرورة، و انه لا يخرج إلا محرما بالحج، هذا. و ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا بعد شهر و لو آثما، فهل له الإحرام بالحج بانيا على عمرته الأولى أو انها بطلت للتمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر الأول، لعدم الدليل على فسادها، بل هذا مؤيد لما ذكرناه فتأمل و كيف كان فالأولى و الأحوط ما سمعت من الاقتصار، و اللَّه العالم.

[في جواز نقل النية إلى الإفراد لضيق الوقت ]

و لو دخل بعمرة إلى مكة و خشي ضيق الوقت جاز له نقل النية الى الافراد و كان عليه عمرة مفردة بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، و انما الخلاف في حد الضيق، ففي القواعد و عن الحلبيين و ابني إدريس و سعيد يحصل التمتع بإدراك مناسك العمرة و تجديد إحرام الحج و ان كان بعد زوال الشمس يوم عرفة إذا علم إدراك الوقوف بها، و حينئذ فحد الضيق خوف فوات اختياري الركن من وقوف عرفة، و لعله يرجع اليه ما عن المبسوط و النهاية و الوسيلة و المهذب من الفوات بزوال الشمس من يوم عرفة قبل إتمام العمرة بناء على تعذر الوصول غالبا الى عرفة بعد هذا الوقت لمضي الناس عنه، لا أن المراد حتى إذا تمكن و أدرك مسمى الوقوف بعد الزوال، و عن علي بن بابويه و المفيد «ان حد فوات السعة زوال الشمس من يوم التروية» و عن المقنع و المقنعة «أنه غروب الشمس منه قبل الطواف و السعي» و في الدروس عن الحلبي انه قال:

«وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار و المضطر الى ان يبقى ما يدرك عرفة آخر وقتها» و عن ظاهر ابن إدريس و محتمل أبي الصلاح في حجة الإسلام و نحوها مما تعين فيها المتعة لم يجز العدول ما لم يخف فوات اضطراري عرفة.

و الأصل في هذا الاختلاف اختلاف النصوص، إلا أن الكثير منها ينطبق

ج 18، ص: 30

على الأول، ففي

مرسل ابن بكير(1)عن بعض أصحابنا انه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن انه يدرك الناس بمنى»

قلت: أي ذاهبين الى عرفة، و

خبر يعقوب بن شعيب الميثمي (2)«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: لا بأس للمتمتع ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوات الموقفين» و عن بعض النسخ «ان يحرم من ليلة عرفة» مكان «ان لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له»

يعني يحرم متى ما تيسر له، و في

مرفوع سهل (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في متمتع دخل يوم عرفة قال:

متعته تامة الى ان يقطع التلبية»

قلت: الى أن يقطع الناس تلبيتهم و هو زوال الشمس من يوم عرفة، فإنه وقت قطع التلبية أراد (عليه السلام) انه إذا دخل مكة قبل زوال آالشمس أمكن إدراك المتعة تامة، و في

المرسل (4)عن أبي بصير «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال: ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق بالناس فلتفعل»

و في

خبر العقرقوفي (5)قال: «خرجت أنا و حديد فانتهينا الى البستان يوم التروية، فتقدمت على حمار فقدمت مكة فطفت و سعيت و أحللت من تمتعي ثم أحرمت بالحج و قدم حديد من الليل، فكتبت الى


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 3 و هو مسند الى أبي بصير على ما في الوسائل و كذلك في التهذيب ج 5 ص 475 و رواه الشيخ قدس سره في الاستبصار ج 2 ص 311 و التهذيب ج 5 ص 391 و الكليني قده في الكافي ج 4 ص 447 مرسلا عن أبي بصير.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 4.

ج 18، ص: 31

أبي الحسن (عليه السلام) أستفتيه في أمره فكتب الي مره يطوف و يسعى و يحل من متعته و

يحرم بالحج و يلحق الناس بمنى و لا يبيتن بمكة»

و في

خبر الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ما أدرك الناس بمنى»

و في

خبر مرازم بن حكم (2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): المتمتع يدخل ليلة عرفة مكة أو المرأة الحائض متى تكون لهما المتعة؟ فقال: ما أدركوا الناس بمنى»

و صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف فقال: يدع العمرة فإذا أتم حجه صنع كما صنعت عائشة و لا هدي عليه»

و صحيح جميل (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر»

و في

خبر محمد بن سرو أوجزك (5)«كتبت إلى أبي الحسن الثالث


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 14 عن مرازم بن حكيم كما في التهذيب ج 5 ص 171 و الاستبصار ج 2 ص 247 و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 16 عن محمد ابن مسرور، و لكن في التهذيب ج 5 ص 171 و الاستبصار ج 2 ص 247 محمد ابن سرو، و في جامع الرواة: محمد بن سرد في نسخة و اخرى سرو، و ذكر انه الراوي لهذا الحديث، و لكن لم يرد فيه توثيق، و أما محمد بن جزك فهو من أصحاب الهادي عليه السلام ثقة على ما عن الخلاصة و رجال الشيخ قده و قد روى هذا الحديث الشيخ حسن قده صاحب المعالم في المنتقى ج 2 ص 521 عن محمد بن مسرور كالوسائل و ذكر انه هو ابن جزك و الغلط وقع في اسم أبيه من الناسخين.

ج 18، ص: 32

(عليه السلام) ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافي غداة عرفة و خرج الناس من منى إلى عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه، إلى أي وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية؟ فكيف يصنع؟ فوقع (عليه السلام) ساعة يدخل مكة إن شاء يطوف و يصلي ركعتين و يسعى و يقصر و يحرم بحجته و يمضي إلى الموقف و يفيض مع الامام»

و خبر زرارة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج فقال: يقطع التلبية تلبية المتعة، يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر، و يمضي إلى عرفات فيقف مع الناس و يقضي جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه»

و هو كالصريح في خوف فوات اختياري عرفة، إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة

على مشروعية المتعة في ليلة عرفة و يومها، بل إذا كان المراد مما قيد فيها بالزوال نحو ما ذكرناه في كلام المبسوط اتفقت جميعا على مختار المصنف الذي كاد يكون صريحا فيه الخبر الأخير، بل يؤيدها أيضا ما تسمعه في مسألة الحائض إذ الظاهر عدم الفرق بينها و بين غيرها من ذوي الأعذار، نعم لا يبعد القول بأن مشروعيتها بعد الزوال من يوم عرفة للمضطر خاصة، لمزاحمتها حينئذ بعض وقوف عرفة و ان لم يكن الركن منه.

و لا ينافيها

خبر العيص بن القاسم (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.

ج 18، ص: 33

السلام) عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية صلاة العصر تفوته المتعة قال: لا له ما بينه و بين غروب الشمس، و قال: قد صنع ذلك رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

و لا

خبر إسحاق بن عبد اللَّه (1)«سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية فقال: للمتمتع ما بينه و بين الليل»

و لا

خبر عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا قدمت مكة يوم التروية و أنت متمتع فلك ما بينك و بين الليل أن تطوف بالبيت و تسعى و تجعلها متعة»

و لا

المرسل (3)في التهذيب و الاستبصار روى لنا الثقة من أهل البيت عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) أنه قال: «أهل بالمتعة بالحج يريد يوم التروية إلى زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء ما بين ذلك كله واسع»

ضرورة عدم دلالة الجميع على عدم مشروعية غير ذلك إلا بالمفهوم الذي لا يصلح معارضا للنصوص الصريحة التي سمعتها.

نعم ينافيها

خبر زكريا بن عمران (4)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع إذا دخل يوم عرفة قال: لا متعة له، يجعلها عمرة مفردة»

و خبر إسحاق ابن عبد اللَّه (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) «المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليست له متعة يجعلها حجة مفردة، إنما المتعة إلى يوم التروية»

و خبر موسى بن عبد اللَّه (6)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المتمتع يقدم مكة ليلة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج الحديث 13.
4- 4 الاستبصار ج 2 ص 249 الرقم 874 و رواه في الوسائل في الباب 21 من أبواب أقسام الحج- الحديث 8 عن التهذيب ج 5 ص 173 عن زكريا بن آدم.
5- 5 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 10.

ج 18، ص: 34

عرفة قال: لا متعة له، يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة و يخرج إلى منى و لا هدي عليه، إنما الهدي على المتمتع»

و خبر علي ابن يقطين (1)«سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج ثم يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال يجعلانها حجة مفردة، و حد المتعة إلى يوم التروية»

و خبر عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا قدمت مكة يوم التروية و قد غربت الشمس فليس لك متعة امض كما أنت بحجك».

إلا أنها إخبار شاذة نادرة القائل تشبه بعض أخبار المواقيت، بل فيها ما هو كالموضوع نحو

قوله: (عليه السلام) «قد صنع ذلك رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

مع انه لم يتمتع ابدا، اللهم إلا ان يراد صنعه لغيره بأن أمر (صلى اللَّه عليه و آله) به أو أنه كان ذلك لحكمة عدم إرادة معروفية الشيعة في ذلك الوقت بالتخلف عن يوم التروية الذي يخرج الناس فيه إلى منى، بل يلوح من بعضها آثار ما ذكرنا، خصوصا

خبر ابن بزيع (3)منها قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل متى تذهب متعتها؟ قال: كان جعفر (عليه السلام) يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى (عليه السلام) يقول: صلاة الصبح من يوم التروية، فقلت: جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج، فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبي صالح فقال: لا، إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أم تجدد إحرامها للحج؟ فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 14.

ج 18، ص: 35

لا هي على إحرامها، فقلت: فعليها هدي قال: لا إلا أن تحب أن تتطوع، ثم قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل أن نحرم فاتتنا المتعة»

ضرورة أن نقله عن جعفر (عليه السلام) كذا و عن موسى (عليه السلام) كذا- مع أنه مناف لما سمعته من نصوص التوسعة في يوم التروية إلى غروب الشمس، بل في بعضها بعد العشاء- هذا كله دليل على ما ذكرنا، أو على اختلاف أوقات التمكن إلى الوصول إلى عرفات باختلاف الناس، أو على أن المراد بيان تفاوت مراتب أفراد المتعة في الفضل بمعنى أن أفضل أنواع التمتع أن تكون عمرته قبل ذي الحجة، ثم يتلوه ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم

ما يكون قبل ليلة عرفة، ثم ما يمكن معها إدراك الموقفين، ثم من كانت فريضته التمتع يكتفي بإدراك الأخير منها، و من يتطوع بالحج و لم يتيسر له العمرة إلا بعد التروية أو عرفة فالمستفاد من بعض الأخبار أن العدول إلى الافراد أولى له و لو لبعض الأمور التي لا ينافيها أفضلية التمتع بالذات على الافراد، و ربما ظهر من بعض متأخري المتأخرين الجمع بين النصوص بالتخيير بين التمتع و الافراد إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه، و هو جيد إن أراد ما ذكرناه، لا في صورة وجوب حج التمتع المعلوم من مذهب الشيعة وجوبه على النائي إذا تمكن منه من غير استثناء حال من الأحوال، و لذا صرح الشيخ- بعد الجمع بين النصوص المزبورة بإرادة نفي الكمال في المتعة، و بالخيار بينها و بين الافراد على الوجه المزبور- بأن ذلك إذا كان الحج مندوبا لا فيما إذا كان هو الفريضة، بل قد سمعت من ابن إدريس الاكتفاء في الوجوب بإدراك اضطراري عرفة و إن كان الأقوى خلافه.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما قلناه، و عليه استقر المذهب بل ما تسمعه في المسألة الآتية مؤيد لذلك، و هي التي أشار إليها المصنف بقوله:

و كذا الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل و إنشاء الإحرام بالحج

ج 18، ص: 36

لضيق الوقت عن التربص لقضاء أفعال العمرة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في المنتهى الإجماع عليه، قال: «إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت و سعت و قصرت ثم أحرمت بالحج كما يفعل الرجل سواء، فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها أن تطوف بالبيت إجماعا، لأن الطواف صلاة، و لأنها ممنوعة من الدخول إلى المسجد، و تنتظر إلى وقت الوقوف بالموقفين، فان طهرت و تمكنت من الطواف و السعي و التقصير و إنشاء الإحرام بالحج و إدراك عرفة صح لها التمتع، و إن لم تدرك ذلك و ضاق عليها الوقت أو استمر بها الحيض إلى وقت الوقوف بطلت متعتها و صارت حجتها مفردة، ذهب إليه علماؤنا أجمع» قيل و نحوه عن التذكرة، و ليس فيهما إشارة إلى الخلاف السابق في فوات وقت العمرة فهو حينئذ شاهد على المختار هناك، إذ الظاهر عدم الفرق بين الأعذار، و احتمال خروج الحائض من بينها للأدلة الخاصة يدفعه أن من نصوص توقيت المتعة بيوم التروية ما هو في الحائض.

و على كل حال فلا ريب في أن الأصح ما عليه المشهور، ل

صحيح جميل (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية قال:

تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة، ثم تقيم حتى تطهر و تخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة»

قال ابن أبي عمير «كما صنعت عائشة»

و خبر إسحاق (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات قال: تصير حجة مفردة، قلت: عليها شي ء قال:

دم تهريقه و هي أضحيتها»

و صحيح ابن بزيع (3)المتقدم سابقا، و خبر الأعرج (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 86- من أبواب الطواف- الحديث 1.

ج 18، ص: 37

الآتي في المسألة الآتية.

خلافا للمحكي عن الإسكافي و علي بن بابويه و أبي الصلاح من بقائها على متعتها، فتفعل حينئذ غير الطواف من أفعالها و تقصر ثم تحرم بالحج من مكانها ثم تقضي ما فاتها من الطواف بعد أن تطهر و حكاه في كشف اللثام عن الحلبيين و جماعة، كما أنه حكي فيه عن أبي علي التخيير بينهما، و على كل حال فالأول ل

خبر العلاء بن صبيح و البجلي و ابن رئاب و عبد اللَّه بن صالح كلهم (1)يروونه عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت و سعت بين الصفا و المروة و إن لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت و احتشت و سعت بين الصفا و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زارت البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت

طوافا للحج ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم إلا فراش زوجها، فإذا طافت أسبوعا آخر حل لها فراش زوجها»

و خبر عجلان أبي صالح (2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): متمعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: تسعى بين الصفا و المروة و تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و إن لم تطهر فإذا كان يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها، قال: و كنت أنا و عبد اللَّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل عبد اللَّه على أبي الحسن (عليه السلام) فخرج إلى فقال: قد سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رواية عجلان فحدثني بنحو ما سمعنا من عجلان»

و نحوه

خبر درست (3)إلى قوله


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 2 عن درست الواسطي عن عجلان أبي صالح.

ج 18، ص: 38

(عليه السلام): «فراش زوجها» إلا أنه قال: «و أهلت بالحج من بيتها» و زاد بعد قوله (عليه السلام): «و قضت المناسك كلها» «فإذا قدمت مكة طافت بالبيت طوافين و سعت بين الصفا و المروة»

و خبره الآخر(1)أنه سمع أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول:

«إذا اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعي و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء ثم أحلت من كل شي ء»

و كان التخيير المزبور وجه جمع بين النصوص، إلا أنه مع كونه لا شاهد له فرع التكافؤ المفقود في المقام من وجوه.

و من هنا جمع بعض المتأخرين بينها بطريق آخر، و هو الفرق بين من أحرمت و هي طاهر فإنها تقضي طوافها بعد ذلك، و بين من أحرمت و هي حائض فإنها تبطل متعتها و تعدل إلى حج الافراد، و الشاهد على ذلك

خبر أبي بصير(2)قال: «سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها: سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها و قد قضت عمرتها، و إن هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر»

و هو- مع أنه قول لم نعرف لأحد من أصحابنا، بل لا يوافق الاعتبار، ضرورة عدم الفرق بين الحالين بعد عدم اعتبار (عدم ظ) الحيض في السعي و التقصير- لا يتم في بعض (3)النصوص السابقة الذي هو كالصريح في بطلان متعتها في الأول.

و من هنا جمع الشيخ بينها بحمل نصوص قضاء الطواف على من طافت أربعا كما تسمعه في المسألة الآتية و نصوص العدول إلى الافراد على من لم تطف شيئا منه، و جعل الخبر المزبور شاهدا على ذلك باعتبار أنها لو أحرمت و هي حائض قد


1- 1 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 13.

ج 18، ص: 39

علم عدم وقوع شي ء من الطواف منها، بخلاف من أتاها الحيض بعد الإحرام الذي هو موضوع نصوص القضاء، و لا بأس به بعد أن عرفت استحقاقها للطرح باعتبار عدم مقاومتها للأخبار السابقة من وجوه، و أما ما يحكى عن بعض الناس من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به و لا دليله، بل مقتضي القواعد فضلا عن الأدلة خلافه، و كذا ما في بعض النصوص (1)من تأخيرها السعي لو فرض عروض الحيض لها بعد إتمام الطواف لم نعرف قائلا به.

[في حكم المتمتعة التي طافت أربعا ثم حاضت ]

و لو تجدد العذر و قد طافت أربعا صحت متعتها و أتت بالسعي و بقية المناسك التي قد عرفت عدم اشتراط شي ء منها بالطهارة و قضت بعد طهرها ما بقي من طوافها قبل طواف الحج، لتقدم سببه كما في كلام بعض، أو بعده كما في كلام آخر، أو مخيرة كما هو مقتضى إطلاق الأدلة على المشهور بين الأصحاب شهرة

عظيمة، لعموم ما دل (2)على إحراز الطواف بإحراز الأربعة منه، و خصوص النصوص ك

خبر أبي بصير(3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): «إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة فجازت النصف فعلمت ذلك الموضع، فإذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الذي علمته، و ان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوله»

و خبر أحمد بن عمر الحلال (4)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثم اعتلت قال: إذا حاضت المرأة و هي في الطواف بالبيت أو بين الصفا و المروة و جاوزت النصف علمت ذلك الموضع الذي بلغت، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من اوله»

و المراد بمجاوزة النصف


1- 1 الوسائل- الباب- 89- من أبواب الطواف- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 18، ص: 40

بلوغ الأربع فما زاد بقرينة غيره من النص و الفتوى، و ذكر الصفا و المروة معه لا ينافي حجيتهما فيه كما هو واضح، و

خبر إسحاق بياع اللؤلؤ(1)عمن سمع أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: «المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم رأت الدم فمتعتها تامة» و زاد في التهذيب و الاستبصار

«و تقضي ما فاتها من الطواف بالبيت، و بين الصفا و المروة، و تخرج إلى منى قبل ان تطوف الطواف الأخير»

قلت: لعل المراد بالطواف الأخير الطواف المقضي، و

صحيح سعيد الأعرج (2)«سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت قال: تتم طوافها فليس عليها غيره، و متعتها تامة، فلها ان تطوف بين الصفا و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد قضت متعتها و تستأنف بعد الحج»

و زاد في الفقيه (3)بعد ان رواه مرسلا «و إن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج، فإن أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعرانة أو إلى التنعيم فلتعتمر»

بل في

خبر محمد(4)الاكتفاء بثلاثة أشواط أو أقل، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دما قال: تحفظ مكانها، فإذا طهرت طافت منه و اعتدت بما مضى»

بل في الفقيه بهذا الحديث افتي دون الحديث السابق عليه لأن إسناده متصل و مضمونه رخصة و رحمة، بخلاف الأول، و فيه- مع ندرة القول بذلك، بل استقرت الكلمة بعده على خلافه- ان الخبر المزبور هو قد رواه مرسلا، و إلا ففي

التهذيب و غيره مسند، على ان الدليل غير منحصر فيه،


1- 1 الوسائل- الباب- 86- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 86- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 85- من أبواب الطواف- الحديث 3.

ج 18، ص: 41

فلا ريب في عدم مقاومة الخبر المزبور لغيره مما سمعت من وجوه، فمن هنا كان المتجه حمله على طواف النافلة الذي ستعرف فيما سيأتي جواز البناء فيه على الأقل من الأربع.

و ما أبعد ما بينه و بين المحكي عن ابن إدريس من بطلان متعتها بعروض الحيض في أثناء الطواف و لو بعد الأربع، و كأنه مال إليه في المدارك، لامتناع إتمام العمرة المقتضي لعدم وقوع التحلل، و لإطلاق صحيح محمد بن إسماعيل (1)و غيره، إلا انه كما ترى اجتهاد في مقابلة النصوص الخاصة المعتضدة بالنصوص العامة التي لا يعارضها الإطلاق المزبور المنزل على عروض الحيض قبل حصول الطواف، و لقد أطنب في المنتهى في نقل القولين المزبورين و دليلهما، ثم جعل الانصاف التوسط بين القولين، نعم لا تنقيح في كلامهم ان الحكم المزبور مختص بحال الضيق أو الأعم منه و من السعة، فلها حينئذ في الأخير السعي و التقصير و الإحلال ثم قضاء ما عليها من الطواف بعد الإحرام بالحج، أو انها تنتظر الطهر مع السعة باقية على إحرامها حتى تقضي طوافها و صلاته ثم تسعى و تقصر؟ قد يلوح من بعض العبارات خصوصا عبارة القواعد الأول تنزيلا للأربعة منزلة الطواف كله، و لكن لا ريب في ان الأولى و الأحوط الثاني الذي فيه المحافظة على ترتيب العمرة، بل لعل الأولى

ذلك حتى لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف اجمع قبل صلاة ركعتيه، فان متعتها صحيحة، لأولويتها من الصورة الأولى، ل

صحيح الكناني (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل ان تصلي الركعتين قال: إذا طهرت فلتصل ركعتين عند


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 88- من أبواب الطواف- الحديث 2.

ج 18، ص: 42

مقام إبراهيم (عليه السلام) و قد قضت طوافها»

و مضمر زرارة(1)«سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل ان تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتان و قد قضت الطواف»

و ما في المدارك و اتباعها من ان في الدلالة نظرا و في الحكم إشكالا واضح الضعف، نعم لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة ثم الإحلال فيها ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة، فالأحوط حينئذ و الأولى انتظارها الطهر مع السعة، و ربما يأتي فيما بعد لذلك تتمة إن شاء اللَّه.

و على كل حال فلا خلاف و لا إشكال في انه إذا صح حج التمتع الإسلامي سقطت العمرة المفردة التي هي عمرة الإسلام، بل الإجماع بقسميه عليه،

قال الصادق (عليه السلام) في الصحيح (2)«إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير(3): «العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة»

و قال البزنطي (4)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن العمرة أ واجبة هي؟ قال: نعم قلت: فمن تمتع يجزي عنه قال: نعم»

و قال: يعقوب ابن شعيب (5)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): قول اللَّه عز و جل (6):

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ» يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة قال: كذلك أمر رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أصحابه».


1- 1 الوسائل- الباب- 88- من أبواب الطواف الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العمرة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العمرة الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العمرة الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب العمرة الحديث 4.
6- 6 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 43

هذا كله في حج التمتع

[في بيان حج الإفراد]
اشاره

و أما صورة حج الافراد للمختار فهو ان يحرم من الميقات الذي ستعرفه في أشهر الحج ان كان أقرب إلى مكة من منزله أو من حيث يسوغ له الإحرام بالحج و هو منزله إن كان أقرب إلى مكة أو غيره و لو لعذر من نسيان و غيره على وجه لا يتمكن من الرجوع إلى الميقات بعد

ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها ثم إلى المشعر فيقف به ثم إلى منى فيقضي مناسكه بها ثم يأتي مكة فيه أو بعده إلى آخر ذي الحجة ف يطوف بالبيت و يصلي ركعتيه و يسعى بين الصفا و المروة و يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، نعم ستعرف جواز تقديم الطواف و السعي على الموقفين على كراهة، كما انك ستعرف تمام البحث في هذه الأمور جميعها و عليه عمرة مفردة بعد الحج و الإحلال منه إن كانت قد وجبت عليه، و إلا فإن شاء فعلها ثم يأتي بها من ادنى الحل الذي هو الأقرب و الألصق بالحرم، أو أحد المواقيت، و بينهما إشكال أقواه الجواز و أحوطه العدم، و ربما أشعرت العبارة و نظائرها بلزوم العمرة المفردة لكل حاج مفرد، و ليس كذلك قطعا في الحج المندوب و المنذور إذا لم يتعلق النذر بالعمرة كما يدل عليه الأخبار(1)الواردة بكيفية حج الافراد، بل صرح غير واحد من الأصحاب بأن من استطاع الحج مفردا دون العمرة وجب عليه الحج دونها ثم يراعي الاستطاعة لها، و من استطاعها دونه وجبت هي عليه خاصة، و كذا صرح غير واحد من الأصحاب بأن من نذر الحج لا تجب عليه العمرة إلا ان يكون حج التمتع، فتجب حينئذ لدخولها فيه، و بالجملة فالمسألة لا إشكال فيها من هذه الجهة، إنما الكلام فيمن وجبا عليه و كان ممن فرضه الافراد أو القران و حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج.

ج 18، ص: 44

يتعين عليه فعلها بعد الحج كما هو ظاهر بعض العبارات، بل في الرياض ان ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، و في المنتهى و غيره الإجماع عليه، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي التصريح بالإجماع عليه، و في كشف اللثام في بحث العمرة الإجماع عليه فعلا و قولا، لكن ستعرف البحث في ذلك كله عن قريب ان شاء اللَّه و كيف كان فلا إشكال بل و لا خلاف في أنه يجوز وقوعها أي العمرة الواجبة في غير أشهر الحج لإطلاق الأدلة كتابا و سنة السالم عن المعارض، و

صحيح عبد الرحمن (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المعتمر بعد الحج قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن»

لا يدل على التوقيت لكن بمعنى صحتها، و إلا فستعرف البحث في وجوب الفور بها، و عليه يتجه وجوب المبادرة فيها على من وجبت عليه بعد الفراغ من الحج، نعم جوز الشهيد في الدروس تأخيرها إلى استقبال المحرم بناء على عدم منافاة ذلك للفورية و استشكله في المدارك، و هو في محله.

و لو أحرم بها من دون ذلك ثم خرج إلى أدنى الحل لم يجزه الإحرام الأول الذي قد وقع باطلا لوقوعه في الحرم و افتقر إلى استئنافه جديدا، و ستعرف تفصيل هذه المباحث في محالها.

و هذا القسم و القران فرض أهل مكة و من بينه و بينها دون اثنى عشر ميلا من كل جانب

أو ثمانية و أربعين ميلا على القولين السابقين فان عدل هؤلاء إلى التمتع اضطرارا كخوف الحيض المتأخر عن النفر مع عدم إمكان تأخير العمرة إلى ان تطهر أو خوف عدو يصده أو فوات الرفقة جاز العدول حينئذ اليه و لو بعد الشروع حتى في القران بلا خلاف أجده فيه على


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العمرة- الحديث 2.

ج 18، ص: 45

ما اعترف به غير واحد، بل عن بعضهم دعوى الاتفاق عليه، فان تم ذلك كان هو الحجة، و إلا كان مشكلا، و خصوصا في القران الذي استفاضت النصوص (1)بعدم مشروعية العدول فيه، و الاستدلال عليه بإطلاق ما دل على جواز العدول بحج الافراد إلى التمتع- ك

صحيح معاوية بن عمار(2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل لبى بالحج مفردا ثم دخل مكة فطاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة قال: فليحل و ليجعلها متعة إلا ان يكون ساق الهدي فلا يستطيع ان يحل حتى يبلغ الهدي محله»

و غيره- كما ترى، إذ هو- مع انه لا يتم في القران- مساق لأصل بيان مشروعية العدول به إلى المتعة دون القران لا فيمن كان فرضه أحدهما، بل ستعرف عدم مشروعية المتعة له اختيارا، بل مقتضى إطلاق الأدلة الآتية عدم المشروعية مطلقا، و كذا الاستدلال له بأولوية الجواز فيهما معها من الجواز في التمتع الذي هو الأفضل بالنسبة إليهما معا إذ هو-

مع انه قياس لا نقول به بل و مع الفارق، خصوصا بعد ظهور الأدلة في عدم مشروعيته لهم مطلقا- مدفوع بأن الأمر غير منحصر في ذلك، ضرورة إمكان العدول في ذلك إلى العمرة المفردة، و الإحرام بالحج من منزله أو الميقات إن تمكن منه، و ليس فيه إلا تقديم العمرة على الحج، و لا بأس به مع الضرورة بل لا دليل على وجوب تأخيرها عنه مع الاختيار، بل

سئل الصادق (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن عمر اليماني (3)«عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج إلى بلاده قال: لا بأس، و إن حج من عامه ذلك و أفرد الحج


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العمرة- الحديث 2.

ج 18، ص: 46

فليس عليه دم»

و ظاهره الإتيان بعمرة مفردة ثم حج مفرد، و في

مرسل الفقيه (1)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم»

بل منه يستفاد أيضا الاستدلال بإطلاق الأدلة، و في

خبر سماعة(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من حج معتمرا في شوال و من نيته ان يعتمر و

يرجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع، و ان رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة، و ان اعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس بمتمتع، و انما هو مجاور أفرد العمرة فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج، فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها»

و خبر عمر بن يزيد(3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أيضا «من اعتمر عمرة مفردة فله ان يخرج إلى أهله متى شاء إلا ان يدركه خروج الناس يوم التروية»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على جواز تقديم العمرة على حج الافراد. و عدم وجوب تأخيرها عنه، و حينئذ فلا ينحصر الأمر فيهما بالعدول إلى التمتع، و لا يضطرون اليه، و لعله لذلك كله كان المحكي عن ظاهر التبيان و الاقتصاد و الغنية و السرائر العدم في حال الضرورة، بل لعله ظاهر كل من قال إنهما فرضهما من دون استثنائها، و من ذلك يعلم ما في الاتفاق و نفي الخلاف المحكيين سابقا، كما أنه يعلم مما سمعته ما في الرياض من ان ظاهر الأصحاب الاتفاق على تأخير العمرة في حج الافراد و القران


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العمرة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العمرة- الحديث 9.

ج 18، ص: 47

عنهما، و قد مضى عن المنتهى و غيره الإجماع على ذلك، بل في مصابيح العلامة الطباطبائي

التصريح بالإجماع على ذلك، إلا أنه لم نتحققه، و لعله أخذه من ظاهر العبارات التي تعرض فيها لصورة الافراد و القران، إلا انها و إن أوهمت ذلك لكنها في بيان الفرق بينهما و بين التمتع باعتبار تقديم العمرة في الأخير بخلافهما؛ لا ان المراد اعتبار تأخير العمرة عن الحج على كل من وجبا عليه و لو إفرادا أو قرانا، فتأمل جيدا، فإنه إن تم الإجماع المزبور فذاك، و إلا كان للنظر فيه مجال، و اللَّه العالم.

و كيف كان فما ذكرنا يعلم الحال فيما ذكره المصنف من انه هل يجوز لغير النائي ان يؤدي فرضه متمتعا ابتداء أو بعد الشروع اختيارا قيل و القائل الشيخ في أحد قوليه و يحيى بن سعيد فيما حكي عنه نعم يجوز ذلك و قيل: لا يجوز و هو الأكثر قائلا، بل هو المشهور، بل لم نعرف الأول لغير من عرفت، بل عن الغنية الإجماع عليه، لظاهر «ذلِكَ» في الآية(1)المصرح في النصوص (2)بإرادة الإشارة إلى التمتع منه، و للنصوص (3)الكثيرة المتضمنة أنه ليس لأهل مكة و لا لأهل مر و لا لأهل سرف متعة التي قد مر جملة منها في التحديد السالمة عن المعارض، عدا ما يقال من الاستدلال للشيخ بأن المتمتع قد جاء بحج الأفراد، و لا ينافيه زيادة العمرة قبله الذي هو- مع انه لا يتم في غير أهل مكة ممن إحرامه من دويرة أهله أو من الميقات- كما ترى، و

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و عبد الرحمن بن أعين (4)سألا الكاظم (عليه السلام)


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 48

«عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ان يتمتع، فقال: ما أزعم ان ذلك ليس له، و الإهلال بالحج أحب الي، و رأيت من سأل أبا جعفر (عليه السلام) و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له، جعلت فداك اني قد نويت ان أصوم بالمدينة قال:

تصوم إنشاء اللَّه، قال و أرجو ان يكون خروجي في عشر من شوال فقال: تخرج إنشاء اللَّه، فقال له: إني نويت ان أحج عنك أو عن أبيك فكيف أصنع فقال له: تمتع فقال له ان اللَّه تعالى ربما من علي بزيارة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و زيارتك و السلام عليك و ربما حججت عنك و ربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن إخواني أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له: اني مقيم بمكة و أهلي بها فيقول: تمتع»

، و صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت إله أن يتمتع؟ قال: ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحب الي»

و هما كما ترى في غير ما نحن فيه و لذا كان خيرة غير واحد ممن صرح بالمنع في الفرض الجواز فيه كما تسمع الكلام فيه إنشاء اللَّه، على انهما غير صريحين في حجة الإسلام بل و لا ظاهرين بل لعل أولهما ظاهر في غيرها.

نعم قيل: لو لم يكونا في حج الإسلام لم يكن معنى ل

قوله: «و كان الإهلال بالحج أحب إلى»

لمعلومية أفضلية التمتع في الحج المندوب لأهل مكة و غيرهم، و من هنا قال في المدارك و غيرها إن محل الخلاف في حج الإسلام، و أما المندوب


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.

ج 18، ص: 49

فلا إشكال في رجحان التمتع فيه لهم و لغيرهم، و لعله لإطلاق ما دل على أفضليته لكن إن لم يكن إجماعا أمكن المناقشة بظهور النصوص في عدم أصل المشروعية لهم، بل ظاهر جملة منها أو صريحها و هي الواردة في مجاوري مكة تناول المندوب أيضا و حينئذ فلا يتم الاستظهار السابق من الخبرين، و مما ذكرنا يعلم الحال فيما في الدروس قال: و اختلف في جواز التمتع للمكي اختيارا في حج الإسلام باختلاف الروايات، فجوزه الشيخ و جوز فسخ الإفراد إليه محتجا بالإجماع، و تبعه في المعتبر، إذ لم نقف على الروايات المقتضية للجواز إلا ما عرفت، كما انا لم نتحقق ما حكاه من الإجماع، بل لعل المتحقق خلافه.

و على كل حال ف لو قيل بالجواز لم يلزمهم هدي لعدم فوات ميقات الإحرام لهم، لكن قد عرفت انه نسك لا جبران، لإطلاق الأدلة كتابا و سنة، و لعله لذا قطع المصنف به في باب الهدي من غير خلاف، و ستسمع تمام الكلام فيه إن شاء اللَّه.

[في شروط حج القران ]

و شروطه اي حج الإفراد ثلاثة: الأول النية التي قد عرفت البحث فيها سابقا في حج التمتع و الثاني ان يقع بتمامه في أشهر الحج بلا خلاف فيه بيننا، بل في المعتبر عليه اتفاق العلماء، لقوله تعالى(1):

«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» لكن عن أبي حنيفة و احمد و الثوري جواز الإحرام به قبلها، و الثالث ان يعقد إحرامه من ميقاته الذي يمر عليه إن كان أقرب من منزله أو من دويرة اهله ان كان منزله دون الميقات (11) بلا خلاف فيه أيضا بيننا، خلافا لمجاهد فإنه قال: يهل من مكة، إنما الكلام في اعتبار الأقربية إلى مكة كما في أكثر الأخبار(2)أو إلى عرفة، و ستعرف الكلام فيه في محله


1- 1 سورة البقرة- الآية 193.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت.

ج 18، ص: 50

ان شاء اللَّه، و عن المبسوط زيادة رابع، و هو الحج من سنته، قال في الدروس:

«و فيه إيماء إلى انه لو فاته الحج انقلب إلى العمرة، فلا يحتاج إلى قلبه عمرة في صورة الفوات» قلت: يمكن ان يقول بالبطلان

حينئذ، و على كل حال فأهل مكة يحرمون له من مكة قال في التذكرة: «أهل مكة يحرمون للحج من مكة، و للعمرة من ادنى الحل سواء كان مقيما بمكة أو غير مقيم، لأن كل من اتى على ميقات كان ميقاتا له، و لا نعلم في ذلك خلافا» و اللَّه العالم.

[في بيان حج القران ]
[في كيفية حج القران و شروطه ]

و أفعال القارن و شروطه كالمفرد غير انه يتميز عنه بسياق الهدي عند إحرامه وفاقا للمشهور، لنحو

قول الصادق (عليه السلام) في خبر منصور(1): «الحاج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع و حاج مفرد للحج و سائق للهدي»

و السائق هو القارن، و في

خبره الآخر(2)عن الصادق (عليه السلام) «لا يكون القارن قارنا إلا بسياق الهدي، و عليه طوافان بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة كما يفعل المفرد، و ليس بأفضل من المفرد إلا بسياق الهدي»

و في

خبر معاوية(3)«لا يكون قران إلا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف بعد الحج و هو طواف النساء- إلى ان قال-: و اما المفرد للحج فعليه طواف

بالبيت، و ركعتان عند مقام إبراهيم (عليه السلام)، و سعي بين الصفا و المروة، و طواف الزيارة، و هو طواف النساء، و ليس عليه هدي و لا أضحية»

و في

صحيح الحلبي (4)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2 مع اختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 2- من أبواب أقسام الحج الحديث 5 و قطعة منه في الباب 12 منها- الحديث 16 و البقية في الباب 5 منها الحديث 2 و تمامه في التهذيب ج 5 ص 42 الرقم 124.

ج 18، ص: 51

الصادق (عليه السلام) «انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد و ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام، و سعي واحد بين الصفا و المروة، و طواف بالبيت بعد الحج، و قال: أيما رجل قرن بين الحج و العمرة فلا يصلح إلا ان يسوق الهدي قد أشعره أو قلده، و الاشعار أن يطعن في سنامها بحديدة حتى يدميها، و إن لم يسق الهدي فليجعلها متعة»

و صحيح الفضيل بن يسار(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «القارن الذي يسوق الهدي عليه طواف بالبيت، و سعي بين الصفا و المروة: و ينبغي له ان يشترط مع ربه إن لم تكن حجة فعمرة»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في اتحاد أفعال القارن و المفرد و عدم الفرق بينهما إلا بسياق الهدي.

خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من أن القارن معتمر أولا و لا يحل من العمرة حتى يفرغ من الحج، و نزل عليه

أخبار(2)حج النبي (صلى اللَّه عليه و آله) المشتملة على طوافه و صلاة الركعتين و سعيه بين الصفا و المروة حين قدومه مكة و كذا أصحابه و لكن لم يحل هو لأنه سائق و أمر غيره ممن لم يسق بالإحلال، و جعلها عمرة، و قال: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لفعلت كما أمرتكم، و لكني سقت الهدي و ليس لسائق الهدي أن يحل حتى يبلغ الهدي محله و شبك أصابعه بعضها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2 و فيه« عليه طوافان» كما في التهذيب ج 5 ص 43 الرقم 125.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13 و 24 و 32.

ج 18، ص: 52

إلى بعض، و قال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»

و يؤيده خلو النصوص أجمع عن اعتمار النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بعد الحج، بل

روى الصدوق في محكي العلل مسندا إلى فضيل بن عياض (1)أنه سأل الصادق (عليه السلام) «عن الاختلاف في الحج فبعضهم يقول: خرج رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) مهلا بالحج، و قال بعضهم: مهلا بالعمرة، و قال بعضهم: خرج قارنا، و قال بعضهم: ينتظر أمر اللَّه عز و جل، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): علم اللَّه عز و جل أنها حجة لا يحج بعدها، فجمع اللَّه له ذلك كله في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنة لأمته، فلما طاف بالبيت و بالصفا و المروة أمره جبرئيل أن يجعلها عمرة إلا من كان معه هدي فهو محبوس على هديه لا يحل، لقوله عز و جل (2)«حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» فجمعت له العمرة و الحج، و كان خرج على خروج العرب الأول لأن العرب كانت لا تعرف إلا الحج، و هو في ذلك ينتظر أمر اللَّه، و هو (صلى اللَّه عليه و آله) يقول: الناس على أمر جاهليتهم إلا ما غيره الإسلام، و كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، و هذا الكلام من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) انما كان في الوقت الذي أمرهم بفسخ الحج، فقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، و شبك بين أصابعه يعني في أشهر الحج، و قال فضيل:

قلت: أ فيعتد بشي ء من الجاهلية؟ قال: إن أهل الجاهلية ضيعوا كل شي ء من دين إبراهيم (عليه السلام) إلا الختان و التزويج و الحج، فإنهم تمسكوا بها و لم يضيعوها»

بل في

المرسل (3)الإنكار من عثمان على أمير المؤمنين (عليه السلام) بقرنه بين الحج و العمرة، و قوله: «لبيك بحجة و عمرة معا».


1- 1 علل الشرائع ج 2 ص 100 الطبع الحديث مع اختلاف يسير في اللفظ.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.
3- 3 سنن البيهقي ج 4 ص 352.

ج 18، ص: 53

و قد سمعت ما في

صحيح الحلبي (1)السابق الذي منه كان المحكي عن أبي علي أنه قال: «القارن يجمع بين النسكين بنية واحدة، فإن ساق الهدي طاف و سعى قبل الخروج إلى عرفات و لا يتحلل، و إن لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف، و لا تحل له النساء و إن قصر»

و هو كابن أبي عقيل في جعل القارن معتمرا أيضا، بل ظاهر الدروس أن غيره أيضا كذلك، و بسياق الهدي يتميز عنه القارن في المشهور، و قال الحسن: القارن من ساق و جمع بين الحج و العمرة فلا يتحلل منها حتى يحل من الحج، فهو عنده بمثابة المتمتع إلا في سوق الهدي و تأخير التحلل و تعدد السعي، فإن القارن عنده يكفيه سعيه الأول عن سعيه في طواف الزيارة، و ظاهره و ظاهر الصدوقين الجمع بين النسكين بنية واحدة، و صرح ابن الجنيد بأنه يجمع بينهما، فان ساق وجب عليه الطواف و السعي قبل الخروج إلى عرفات، و لا يتحلل، و إن لم يسق جدد الإحرام بعد الطواف، و لا تحل له النساء و إن قصر، و قال الجعفي: «القارن كالمتمتع غير أنه لا يحل حتى يأتي بالحج للسياق» و في الخلاف انما يتحلل من أتم أفعال العمرة إذا لم يكن ساق، فلو كان قد ساق لم يصح له التمتع و يكون قارنا عندنا، و ظاهره أن المتمتع السائق قارن، و حكاه الفاضلان عنه ساكتين عليه.

قلت: لكن لا يخفى عليك ضعفه و إن تعدد القائل به، إذ في

خبر ابن عمار(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) الوارد في حجة الوداع «انه (صلى اللَّه عليه و آله) لبى بالحج مفردا و ساق الهدي»

و في

صحيح الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا الوارد فيها «أهل بالحج و ساق مائة بدنة، و أحرم الناس كلهم بالحج لا ينوون


1- 1 المتقدم في ص 50.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 13.

ج 18، ص: 54

عمرة، و لا يدرون ما المتعة»

و هما كالصريحين خصوصا أولهما في أنه لبى بالحج مفردا له عن العمرة، و لا ينافي ذلك ظهور نصوص حجه (صلى اللَّه عليه و آله) في عدم اعتماره في تلك الحجة، فإنه (صلى اللَّه عليه و آله) كان يعتمر عمرا متفرقة، و حينئذ فما فعله من الطواف و السعي حين قدومه ليس هو إلا للحج إلا أنه أمر غيره بالإحلال و جعل ما فعلوه للحج عمرة، و بقي هو على إحرامه، لأنه لم يكن يسوغ له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله.

و أما خبر العلل (1)فهو- بعد الغض عن بعض ما في متنه مما يدل على كونه من غير الامام- يمكن حمله على إرادة جمع اللَّه الحج و العمرة و لو لأمته لا له نفسه، ضرورة صراحة النصوص الواردة في حجه أنه (صلى اللَّه عليه و آله) لم يطف في البيت طوافين غير طواف النساء كما هو مقتضى الجمع بين الحج و العمرة، بل لعل التأمل في مجموع الخبر المزبور يقتضي ظهوره فيما ذكرناه أو صراحته، و أما المرسل المزبور فالمراد منه أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد أهل بحج التمتع الذي هو في الحقيقة حجة و عمرة، و أنكر عليه عثمان باعتبار مخالفته لرأي عمر، و ليس المراد أنه (عليه السلام) أحرم لهما كما يصنعه العامة، و أما صحيح الحلبي فقد أطنبوا فيه فحمله الشيخ على إرادة اشتراط إن لم يكن حجة فعمرة من القران مستشهدا عليه بصحيح الفضيل السابق و غيره على غير ذلك، و لكن أحسن ما يقال فيه أن «بين» الأولى فيه متعلقة بنسك، فيكون المعنى أن الذي يقرن بحجه نسكه بين الصفا و المروة و غيرهما نسك المفرد لا يفضل عليه إلا بسياق الهدي، فيكون حينئذ كالأخبار السابقة عليه، و قوله (عليه السلام) فيه بعد: «أيما رجل» إلى آخره يراد به أنه لا يصلح القران بجمع الحج و العمرة، إذ ليس القران إلا أن


1- 1 العلل ج 2 ص 100 الطبع الحديث.

ج 18، ص: 55

يسوق الهدي لا كما يصنعه العامة من القران الذي هو الجمع بينهما بإحرام واحد كما حكاه العلامة في التذكرة عن العامة و عن ابن أبي عقيل منا، بل لعل ذلك من معلومات مذهب الإمامية، و من هنا قيل ان مراد ابن أبي عقيل كغيره ممن سمعت بجمعهما العزم على فعلهما و إن كان الإحرام بالعمرة؛ و إن كان هو أيضا كما ترى مناف لما سمعته من النصوص الدالة على اختصاص جواز ذلك بالتمتع دون القسمين الأخيرين و اللَّه العالم.

و على كل حال فيتخير القارن في عقد إحرامه بالتلبية و الاشعار و التقليد وفاقا للمحكي عن الأكثر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية و الاشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير»

و في

خبر جميل (2)«و لا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام، لأنه إذا أشعر و قلد و جلل وجب عليه الإحرام، و هي بمنزلة التلبية»

و نحوه صحيح حريز(3)عنه (عليه السلام) أيضا، و في

صحيح عمر بن يزيد(4)عنه (عليه السلام) أيضا «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير»

خلافا للمحكي عن السيد و ابن إدريس فلم يعقدا الإحرام إلا بالتلبية للاحتياط للإجماع عليها دون غيرها و التأسي، فإنه (صلى اللَّه عليه و آله) لبى بالاتفاق مع

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(5): «خذوا عني مناسككم»

و لكنه يعطي الوجوب لا توقف


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 20 و ليس فيه « و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير» و انما هو مذكور في صحيح عمر بن يزيد كما ذكره في الجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 21.
5- 5 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 18، ص: 56

العقد عليها، و للمحكي عن الشيخ في الجمل و المبسوط و ابني حمزة و البراج فاشترطوا العقد بهما بالعجز عن التلبية جمعا بين النصوص إلا أنه بلا شاهد.

و كيف كان ف إذا لبى استحب له إشعار ما يسوقه من البدن ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار(1): «إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها و يقلدها».

و قال له (عليه السلام) يونس بن يعقوب (2): «إني قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبيك ثم أنخها مستقبل القبلة ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها»

، و نحوه غيره، و في

خبر جابر(3)«انما استحسنوا إشعار البدن لأن أول قطرة تقطر من دمها يغفر اللَّه عز و جل له»

هذا، و في القواعد «لو جمع بين التلبية أو أحدهما كان الثاني مستحبا» لكن في كشف

اللثام في شرح ذلك بعد أن نسبه إلى الشرائع مع أن الفرق بين عبارتيهما واضح، قال:

«و الأقوى الوجوب، لإطلاق الأوامر و التأسي، و هو ظاهر من قبلهما، أما السيد و بنو حمزة و إدريس و البراج و الشيخ في المبسوط و الجمل فحالهم ظاهر مما عرفت» و في المدارك «و أما استحباب الإشعار أو التقليد بعد التلبية فلم نقف له على نص بالخصوص، و لعل إطلاق الأمر بهما كاف في ذلك» قلت: خصوصا بعد

خبر ابن عمار(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل ساق هديا و لم يقلده


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 13 عن الفضل بن يسار و هو سهو فان الموجود في الفقيه ج 2 ص 209 الرقم 954 أيضا الفضيل.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.

ج 18، ص: 57

و لم يشعره قال: قد أجزأ عنه ما أكثر ما لا يشعر و لا يقلد و لا يجلل»

انما الكلام في المستفاد من عبارة القواعد من استحباب التلبية بعد عقد الإحرام بالإشعار و التقليد، و لعل وجهه الاحتياط، و إطلاق الأمر بها في عقده و نحو ذلك مما يكفي في مثله، و أما احتمال الوجوب تعبدا و ان انعقد الإحرام بغيرها كما هو مقتضى ما سمعته من كشف اللثام بل قد يوهم ظاهره وجوب الاشعار و التقليد بعدها أيضا فهو في غاية البعد، خصوصا الأخير، فتأمل جيدا.

[في كيفية الإشعار و التقليد]

و كيفية الاشعار و ما يستحب فيه على ما يستفاد من مجموع النصوص أن يقوم الرجل من الجانب الأيسر و يشق و يطعن سنانه بحديدة من الجانب الأيمن باركا معقولا مستقبلا بها القبلة و يلطخ صفحته بدمه ليعرف أنه هدي، هذا إن لم تكن البدن كثيرة و إن كان معه بدن كثيرة دخل فيما بين اثنين من ها و أشعرها يمينا أولا و شمالا (11) ثانيا،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1): «إذا كانت البدن كثيرة قام فيما بين ثنتين ثم أشعر اليمنى ثم أشعر اليسرى»

و قال أيضا في

صحيح حريز(2): «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعر هذه من الشق الأيمن و هذه من الشق الأيسر»

إلى آخره و (12) يستحب له أيضا التقليد (13) و هو ان يعلق في رقبة المسوق نعلا (14) خلقا قد صلى فيها (15)

قال الصادق (عليه السلام)(3): «ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها»

و الظاهر البناء للمعلوم من فعل الصلاة فيها.

و (16) كيف كان ف الاشعار و التقليد للبدن و يختص البقر و الغنم بالتقليد


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 19.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج الحديث 4.

ج 18، ص: 58

لضعفها عن الاشعار، و في

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «كان الناس يقلدون البقر و الغنم، و انما تركه الناس حديثا، و يقلدون بخيط أو بسير»

و عن ابن زهرة يعلق عليه نعلا أو مزادة، و عن المنتهى و التذكرة نعلا صلى فيها أو خيطا أو سيرا أو ما أشبههما، و لعله للخبر المزبور، و لكن في الدلالة نظر، و الأمر سهل بعد كون التقليد من أصله مندوبا كالاشعار للاتفاق كما في كشف اللثام على عدم وجوب شي ء منهما، و اللَّه العالم.

[في جواز تقديم الطواف للقارن و المفرد]

و لو دخل القارن أو المفرد مكة و أرادا الطواف المندوب قبل الوقوف بعرفات جاز لهما بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الظاهر الاتفاق على جوازه كما في الإيضاح، بل فيه أيضا، و لعله مثله الواجب بنذر و شبهه، قلت: و كان الوجه في ذلك إطلاق ما دل (2)على رجحانه

و قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(3): «الطواف بالبيت صلاة»

و غيره، و هو المراد مما في المدارك من الاستدلال عليه بالأصل السالم عن المعارض، و في الحدائق الاستدلال عليه أيضا ب

حسن معاوية بن عمار(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) سأله «عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال: نعم ما شاء، و يجدد التلبية بعد الركعتين، و القارن بتلك المنزلة، يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية»

و لا بأس به و إن كان خاصا ببعض صور المدعى.

بل لا يبعد ذلك أيضا في المتمتع إذا أحرم بالحج، و إن قيل إن الأشهر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الطواف.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 87 و كنز العمال ج 3 ص 10- الرقم 206.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.

ج 18، ص: 59

المنع، ل

حسن الحلبي (1)«سألته عن الرجل يأتي المسجد الحرام فيطوف بالبيت قال: نعم ما لم يحرم»

لكن الأولى حمله على الكراهة، لقوة إطلاق ما دل على جوازه، بل في

موثق إسحاق بن عمار(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف قبل أن يخرج عليه شي ء فقال: لا»

بناء على ظهوره في إرادة نفي أن يكون عليه شي ء، لا النهي عن الطواف، خصوصا بعد

خبر عبد الحميد بن سعد(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج ثم طاف بالبيت بعد إحرامه و هو لا يرى أن ذلك لا ينبغي، أ ينقض طوافه بالبيت إحرامه؟ فقال: لا، و لكن يمضي على إحرامه»

هذا.

و أما جواز تقديم الطواف الواجب للقارن و المفرد فعن المعتبر أن عليه فتوى أصحابنا، بل عن الغنية الإجماع عليه، لإطلاق الأدلة، و خصوص نصوص حجة الوداع (4)

و خبر زرارة(5)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن المفرد للحج يقدم


1- 1 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الطواف- الحديث 4 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الطواف- الحديث 2 و الباب 13 من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 83- من أبواب الطواف- الحديث 6 عن عبد الحميد ابن سعيد كما في التهذيب ج 5 ص 169- الرقم 564.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13 و 24 و 32.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2 و فيه« فقال: سواء» كما في التهذيب ج 5 ص 45 و 131 و الكافي ج 4 ص 459.

ج 18، ص: 60

طوافه أو يؤخره فقال: هو و اللَّه سواء عجله أو أخره»

و صحيح حماد بن عثمان (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن مفرد الحج أ يعجل طوافه أو يؤخره؟ قال: هو و اللَّه سواء عجله أو أخره»

و إن احتملا إرادة التعجيل بعد مناسك منى قبل انقضاء أيام التشريق و بعده إلا أن

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) لا يحتمل ذلك، قال: «إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة لك، فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة ثم تخرج إلى منى و لا هدي عليك»

و كذا

خبر إسحاق بن عمار(3)سأل الكاظم (عليه السلام) «عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت و بالصفا و المروة أ يعجل طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد أن يأتي من منى»

و خبر موسى بن عبد اللَّه (4)سأل الصادق (عليه السلام) عن مثل ذلك إلا أنه ذكر أنه قدم ليلة عرفة، بل قد يتوقف فيما يأتي للمصنف و الفاضل من الكراهة و إن استدل لها ب

خبر زرارة(5)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن مفرد الحج يقدم طوافه أو يؤخره فقال: يقدمه، فقال رجل إلى جنبه لكن شيخي لم يفعل ذلك كان إذا قدم أقام بفخ حتى إذا راح الناس إلى منى راح معهم، فقلت له:

من شيخك؟ فقال: علي بن الحسين (عليه السلام)، فسألت عن الرجل فإذا هو أخو علي ابن الحسين (عليه السلام) لأمه»

لكنه كما ترى دلالته على عدمها أظهر، خصوصا مع التأييد بحجة الوداع التي عليها بناء المناسك، و فيها

قال النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(6): «خذوا


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
2- 2 لم نعثر على هذا الخبر حتى الآن نعم روى ذلك عبد اللَّه بن موسى عن الصادق عليه السلام كما أشار إليه صاحب الجواهر قده أيضا.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
6- 6 تيسير الوصول ج 1 ص 312.

ج 18، ص: 61

عني مناسككم»

و لعله لذا كان المحكي عن الخلاف و النهاية أن لهما التأخير إلى أي وقت شاءا، و التعجيل أفضل، و هو بإطلاقه يتناول التقديم على الموقفين.

و على كل حال فمن ذلك كله يظهر لك ضعف المحكي عن ابن إدريس من عدم جواز التقديم للأصل الذي هو غير أصيل كما قرر في محله، و للاحتياط للإجماع على الصحبة مع التأخير الذي هو غير واجب مع إطلاق الأدلة، فضلا عما عرفت من خصوصها، قيل: و للإجماع على وجوب التأخير، ورد بأن الشيخ ادعى الإجماع على الجواز، و هو أدرى منه بذلك، لكن في كشف اللثام أنه لم يحك الإجماع على ذلك و انما حكى الإجماع المزبور، و لا الشيخ حكى الإجماع على الجواز و قد يستدل لابن إدريس ب

صحيح ابن أذينة(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أنه قال:

«في هؤلاء الذين يفردون الحج إذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلوا و إذا لبوا أحرموا، فلا يزال يحل و يعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج و لا عمرة»

و صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له: ما أفضل ما حج الناس؟

فقال: عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها، فقلت: فالذي يلي هذا قال: المتعة قلت: و كيف يتمتع؟ فقال: يأتي الوقت فيلبي بالحج فإذا أتى مكة طاف و سعى و أحل من كل شي ء و هو محتبس و ليس له أن يخرج من مكة حتى يحج، قلت:

فما الذي يلي هذا؟ قال: القران، و القران أن يسوق الهدي، قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: عمرة مفردة و يذهب حيث شاء، فإن أقام بمكة إلى الحج فعمرته تامة و حجته ناقصة مكية، قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: ما يفعل الناس اليوم يفردون


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج- الحديث 18.
2- 2 ذكر صدره و ذيله في الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج الحديث 23 و قطعة منه في الباب 5 منها- الحديث 1.

ج 18، ص: 62

الحج، فإذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلوا، و إذا لبوا أحرموا، فلا يزال يحل و يعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج و لا عمرة»

بناء على إرادة بطلان حجهم فيهما بتقديم طوافه المقتضي للتحلل المزبور و إن كان فيه منع كما ستعرف إن شاء اللَّه.

نعم لا يجوز تقديمه في حج التمتع لغير عذر بلا خلاف محقق أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة إجماع العلماء كافة عليه ل

خبر أبي بصير(1)«قلت: رجل كان متمتعا فأهل بالحج قال: لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات، فان هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتد بذلك الطواف»

المنجبر بما سمعت، و بمفهوم

خبر صفوان بن يحيى الأزرق (2)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة و خافت الطمث قبل يوم النحر يصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى، قال: إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت»

و خبر إسحاق بن عمار(3)سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى فقال: نعم، من كان هكذا فليعجل»

بل و

حسن الحلبي و معاوية بن عمار(4)«لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض، قبل ان تخرج إلى منى»

بل

و خبر إسماعيل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4 عن حفص بن البختري و معاوية بن عمار و حماد عن الحلبي جميعا عن أبي عبد اللَّه عليه السلام.

ج 18، ص: 63

ابن عبد الخالق (1)«لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج إلى منى»

و غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى حصول القطع منها باعتبار العذر في جواز التقديم.

فمن الغريب وسوسة المحقق الشيخ حسن في المحكي من منتقاه و السيد في مداركه في الحكم المزبور لإطلاق نصوص صحيحة في جوازه محمولة على التفصيل المزبور، و ما أبعد ما بينهما و بين الحلي فلم يجوزه حتى للضرورة اطراحا للأخبار المزبورة، و لا يخفى ضعفهما معا، و كذا ما يحكى عنه من عدم جواز تقديم طواف النساء و لو للضرورة، إذ هو مع أنه مخالف للمشهور أيضا مناف ل

قول الكاظم (عليه السلام) في صحيح ابن يقطين(2): «لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، و كذلك لا بأس لمن خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف و يودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفا»

نعم في

خبر علي بن أبي حمزة(3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل يدخل مكة و معه نساء و قد أمرهن فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهن الحيض فقال: إذا فرغن من متعتهن و أحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل و تهل بالحج من مكانها ثم تطوف بالبيت و بالصفا و

المروة، فإن حدث بها شي ء قضت بقية المناسك و هي طامث، قال: فقلت: أ ليس قد بقي طواف النساء؟ قال: بلى قلت: فهي مرتهنة حتى تفرغ منه قال: نعم، قلت: فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها؟ قال: يبقى عليها نسك واحد أهون عليها من أن تبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب الطواف- الحديث 5.

ج 18، ص: 64

قلت: أبى الجمال أن يقيم عليها و الرفقة قال: ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيموا عليها حتى تطهر و تقضي مناسكها»

و هو مع شدة ضعفه و مخالفة ذيله قواعد المذهب قيل: ليس لابن إدريس الاستدلال به لتجويزه تقديم طواف الحج، و يمكن حمله على إرادة أفضلية التأخير مع العذر أيضا كما حمل عليه قول الشيخ في محكي الخلاف: «روى أصحابنا رخصة في جواز تقديم الطواف و السعي قبل الخروج إلى منى و عرفات، و الأفضل أن لا يطوف طواف الحج إلا يوم النحر إن كان متمتعا» و إن كان ظاهره الجواز مطلقا اختيارا، كما أن ظاهر المحكي من موضع من التذكرة احتمال الجواز و انه قال به الشافعي، قال: «وردت رخصة في جواز تقديم الطواف و السعي على الخروج إلى منى و عرفات، و به قال الشافعي لما رواه

العامة(1)عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «من قدم شيئا قبل شي ء فلا حرج»

و من طريق الخاصة خبر صفوان بن يحيى الأزرق الذي سمعته» إلى آخره، ثم قال: إذا ثبت هذا فالأولى تقييد الجواز بالعذر، و أما عموم

قوله (عليه السلام) لإسحاق ابن عمار: «انما طواف النساء بعد أن تأتي منى»

فمخصوص بما عرفت، فلا ريب في أن الأقوى الجواز مع العذر، و ربما يأتي لذلك كله تتمة إن شاء اللَّه.

و كيف كان فقد ظهر لك ان للقارن و المفرد الطواف مندوبا و واجبا لكن يجددان التلبية عند كل طواف لئلا يحلا على قول محكي عن الشيخ في المبسوط و الخلاف و النهاية و الشهيدين في حاشية الإرشاد و المسالك و الروضة، بل قال الشهيد «إن الفتوى به مشهورة، و دليله ظاهر، و المعارض منتف».

و قيل و القائل الشيخ في محكي التهذيب انما يحل المفرد دون السائق


1- 1 كنز العمال ج 3 ص 59 الرقم 1075.

ج 18، ص: 65

و اختاره في الرياض حاكيا عن الذخيرة انه استظهره، و قيل كما عن المرتضى و المفيد عكس ذلك و ان كنا لم نتحققه.

[في أن المفرد و القارن لا يحلان إلا بالنية]

و الحق عند الحلي و المصنف و الفاضل و ولده انه لا يحل أحدهما إلا بالنية لكن الأولى تجديد التلبية عقيب صلاة الطواف بل في التنقيح نسبته إلى المتأخرين، فتكون الأقوال حينئذ أربعة، لكن يظهر من محكي التذكرة الإجماع على خلاف الشيخ، حيث قال بعد ان حكى قوله المزبور: و أنكر ابن إدريس و كافة العلماء ذلك، كما أن ظاهره الإجماع ممن عدا الشيخ على موافقة ابن إدريس، و كيف كان فالذي عثرنا عليه من النصوص في المقام- مضافا إلى ما تقدم سابقا مما لا يخفى عليك دلالته كحسن معاوية بن عمار(1)و غيره، بل و نصوص حجة الوداع(2)

صحيح ابن الحجاج (3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إني أريد جوار مكة كيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج، فقلت له: كيف أصنع إذا دخلت مكة أقيم بها إلى يوم التروية و لا أطوف بالبيت؟ قال: تقيم عشرة لا تأتي البيت، إن عشرا لكثير، ان البيت ليس بمهجور و لكن إذا دخلت فطف بالبيت و اسع بين الصفا و المروة، فقلت: أ ليس كل من طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل؟ قال: إنك تعقد بالتلبية، ثم قال: كلما طفت طوافا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و 13 و 24 و 32.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أقسام الحج الحديث 1 مع الاختلاف الا ان ما في الجواهر مطابق للكافي ج 4 ص 300 و التهذيب ج 5 ص 46.

ج 18، ص: 66

و صليت ركعتين فاعقد على طوافك بالتلبية»

و خبر أبي بصير(1)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل يفرد فيطوف للحج بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثم يبدو له ان يجعلها عمرة قال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له»

و صحيح معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن رجل أفرد الحج فلما دخل مكة طاف بالبيت ثم أتى أصحابه و هم يقصرون فقصر معهم ثم ذكر بعد ما قصر انه مفرد قال ليس عليه شي ء إذا صلى فليجدد التلبية»

و خبر إبراهيم بن ميمون (3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إن أصحابنا مجاورون بمكة و هم يسألوني لو قدمت عليهم كيف يصنعون، قال: قل لهم: إذا كان هلال ذي الحجة فليخرجوا إلى التنعيم فليحرموا و ليطوفوا بالبيت و بين الصفا و المروة، ثم يطوفوا فيعقدوا التلبية عند كل طواف»

و موثق زرارة(4)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحل، أحب أو كره»

و مرسل يونس بن يعقوب (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) «ما طاف بين هذين الحجرين الصفا و المروة أحد إلا حل إلا سائق الهدي»

و صحيح زرارة(6)«جاء رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) و هو خلف المقام فقال: اني قرنت بين حج و عمرة، فقال له: هل طفت بالبيت قال نعم، فقال هل سقت الهدي؟ قال: لا، قال: فأخذ أبو جعفر (عليه السلام) بشعره


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب التقصير- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.

ج 18، ص: 67

و قال: أحللت و اللَّه»

و حسن معاوية بن عمار(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل لبى بالحج مفردا فقدم مكة و طاف بالبيت و صلى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) و سعى بين الصفا و المروة فقال: فليحل و ليجعلها متعة الا ان يكون ساق الهدي»

و موثق زرارة(2)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من طاف بالبيت و الصفا و المروة أحل، أحب أو كره إلا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدي و أشعره و قلده»

و خبر الفضل (3)المروي في محكي العلل عن الرضا (عليه السلام) «أنهم أمروا بالتمتع إلى الحج لأنه تخفيف- الى ان قال- و ان لا يكون الطواف محظورا لان المحرم إذا طاف بالبيت أحل، فلولا التمتع لم يكن للحاج ان يطوف، لأنه ان طاف أحل و أفسد إحرامه، و خرج منه قبل أداء الحج»

و خبر صفوان (4)«قلت لأبي الحسن علي بن موسى (عليه السلام) ان ابن السراج: روى عنك أنه سألك عن الرجل يهل بالحج ثم يدخل مكة و طاف بالبيت سبعا و سعى بين الصفا و المروة فيفسخ ذلك و يجعلها متعة، فقلت له: لا، فقال: قد سألني عن ذلك و قلت له: لا، و له ان يحل و يجعلها متعة، و آخر عهدي بأبي انه دخل على الفضل بن الربيع و عليه ثوبان و ساج فقال له الفضل: يا أبا الحسن لنا بك أسوة، أنت مفرد للحج و انا مفرد للحج، فقال له أبي: لا ما انا مفرد انا متمتع، فقال له الفضل بن الربيع: فلي الآن ان أتمتع فقد طفت بالبيت؟ فقال له أبي: نعم فذهب بها محمد بن جعفر إلى سفيان بن عيينة و أصحابه فقال لهم: ان موسى بن جعفر (عليه السلام) قال للفضل بن الربيع كذا و كذا يشنع بها على أبي».


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 0- من أبواب أقسام الحج- الحديث 26.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 68

و لا يخفى عليك دلالة كل من هذه النصوص بالنسبة إلى الأقوال السابقة حتى قول المصنف، ضرورة ظهور الخبر الأخير في ان ذلك له إن شاء، بل لعل

قوله (عليه السلام) في حسن معاوية السابق «فليحل و ليجعلها متعة»

كذلك أيضا، بل قد يرشد إليه أيضا مرسل يونس (1)و صحيح زرارة(2)و موثقه (3)و غيرها من

النصوص التي هي كالصريحة في ان القارن لا يحل حتى يبلغ الهدي محله و إن طاف و لم يلب، و لا معارض لها إلا الإطلاق المقيد بها و خصوص حسن ابن عمار السابق الذي جعل فيه القارن بمنزلة المفرد، و يمكن إرادة العازم على الحج و العمرة من القارن فيه كما سمعت التصريح به في صحيح زرارة، مع انه متحد لا يعارض المتعدد المعتضد بالأصل و بغيره.

و من هنا ظهر لك وجه القول الثاني الذي اختاره في الرياض، قلت: إلا أن المتجه حمل الحسن المزبور على الندب، و منه يظهر رجحان قول المصنف، ضرورة حصول الظن بإرادة الندب فيهما، لظهور الخبر المزبور في اتحاد حكمهما و عدم الفرق بينهما، و لذا جمعهما بأمر واحد، فقال: «يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية» كل ذلك مع شدة استبعاد الإحلال قهرا و استبعاد الانقلاب عمرة كذلك، خصوصا في الطواف المندوب الذي قد عرفت جوازه من القارن و المفرد، و خصوصا فيمن كان فرضه ذلك، لأن انقلاب طواف حجه أو زيارته إلى عمرة تمتع قهرا عليه بمجرد ترك التلبية مما لا تصلح لإثباته الأدلة المزبورة، خصوصا بعد معلومية توقف الإحلال على التقصير نصا و فتوى، و احتمال تخصيص ذلك بما هنا ليس بأولى من العكس على معنى أن له الإحلال به إن شاء


1- 1 الوسائل- الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب 5 من أبواب أقسام الحج الحديث 5.

ج 18، ص: 69

في مقام يجوز له العدول إلى العمرة، و هو عين مختار المصنف، إذ الظاهر كما اعترف به في المدارك أن مراده و من قال بمقالته بالنية أنه لا يحل الحاج المقدم طوافه و سعيه إلا بنية العدول بذلك إلى العمرة حيث يسوغ له ذلك، كما إذا كان الحج إفرادا غير متعين عليه، و من ذلك يعلم النظر فيما ذكره المحقق الثاني معترضا به على المصنف بعد أن جعل مراده بالنية نية التحلل بالطواف، قال: «ان اعتبار النية لا يكاد يتحقق، لأن الطواف منهي عنه إذا قصد به التحلل، فيكون فاسدا فلا يعتد به في كونه محللا، لعدم صدق الطواف الشرعي حينئذ و الرواية الواردة بالفرق بين القارن و المفرد ضعيفة، فالأصح عدم الفرق- الى أن قال:- فعلى هذا هل يحتاج إلى طواف للعمرة أم لا؟ فيه وجهان، كل منهما مشكل، اما الأول فلأنه إذا احتيج اليه لم يكن لهذا الطواف تأثير في الإحلال، و هو باطل، و أما الثاني فلأن إجزاءه عن طواف العمرة بغير نية أيضا معلوم البطلان» إذ هو كما ترى، ضرورة أنك قد عرفت إرادة القائل بالنية أن له العدول حيث يجوز له لا مطلقا، فلا يرد شي ء مما ذكره، كما لا إشكال فيما فرعه مما هو مبني على أصل فاسد، إذ مرجع كلام المصنف ان الحكم في هذه المسألة هو حكم المسألة الآتية، و هي جواز العدول للمفرد إلى التمتع حيث يجوز له، و أنه لا انقلاب قهري، و ربما يؤيده انه لا وجه لعقد إحرامه بالتلبية من دون قصد لذلك بعد فرضنا تحقق الإحلال بالطواف كما هو ظاهر النصوص المزبورة، و به جزم في الحدائق، بل في المدارك انه توهمه بعض المتأخرين، و من هنا جعل بعضهم المراد من النصوص توقف بقاء الإحرام السابق على التلبية لا أن التحليل حصل بالطواف و التلبية عاقدة له، لكنه كما ترى مناف لظاهرها و ليس بأولى حينئذ من القول بكون المراد بذلك الكناية عن جواز العدول له و عدمه، فان اختار الأول ترك التلبية و قصر و جعل تلك الأفعال عمرة، و ان

ج 18، ص: 70

شاء بقي ملبيا بحجه و لا يعدل عنه.

و ربما يؤيد قول المصنف أيضا ما ذكروه في توجيه القول بوجوب تجديد التلبية للقارن دون المفرد بأن انقلاب حج المفرد إلى العمرة جائز دون حج القارن، فالمفرد لا بأس عليه إن لم يجددها، فإن غاية امره انقلاب حجته عمرة، و هو جائز بخلاف القارن، فإنه ان لم يجددها لزم انقلاب حجته عمرة و هو لا يجوز، إذ هو كما ترى لا يتم إلا على إرادة ما ذكرناه، و إلا فمع فرض كون الانقلاب قهريا لا فرق بين المفرد و القارن، على انه قد يكون الافراد متعينا عليه، بل قد يكون التمتع غير مشروع له، كما انه لا وجه للوجوب الذي هو مقتضى إطلاق المحكي عن الشيخ على المفرد إذا لم يتعين عليه الإفراد، إذ أقصاه الانقلاب، و لا بأس به إلى غير ذلك مما يظهر بالتأمل على وجه يمكن القطع بفساد دعوى اقتضاء عدم التلبية بعد الطواف الإحلال قهرا و ذكرها العقد كذلك، من غير فرق بين المندوب منه- الذي هو طواف زيارة و يحتاج إلى سعي في جعله عمرة- و الواجب، و بين حج الافراد و القران، بل و التمتع إذا فرض تقديم طواف حجه للضرورة.

كما أنه يظهر لك مما ذكرنا النظر في كثير من كلماتهم في المقام المشوشة غاية التشويش حتى بالنسبة إلى الانقلاب عمرة بعد التحلل بترك التلبية كما عن المبسوط و النهاية التصريح به، بل نسب إلى جماعة، بل ربما ظهر من بعضهم عدم خلاف فيه، كما يظهر من آخر عدم الخلاف في كون الإحرام لا يحل منه إلا بحج أو عمرة، لكن في المدارك ليس في الروايات دلالة على صيرورة الحج مع التحلل عمرة كما ذكره الشيخ و اتباعه، نعم ورد في

روايات العامة التصريح بذلك، فإنهم رووا عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(1)«إذا أهل الرجل بالحج ثم قدم مكة و طاف بالبيت و بين


1- 1 سنن البيهقي- ج 4 ص 356 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 18، ص: 71

الصفا و المروة فقد أحل و هي عمرة»

و في الرياض بعد ان حكى عن المدارك ذلك قال:

«و هو كذلك، نعم في

الموثق (1)السابق «إن كان لبى بعد ما سعى قبل ان يقصر فلا متعة له»

و مفهومه انه ان لم يكن لبى له متعة، و هو نص في ان له المتعة مع النية، أما بدونها

بحيث يحصل الانقلاب إلى العمرة قهرا كما هو ظاهر الجماعة فغير مفهوم من الرواية» قلت: لكن ربما لا تكون المتعة مشروعة له، و على كل حال فهو اعتراف منه بما يؤيد المختار، كما أنه يؤيده أيضا ما سمعته من سيد المدارك من روايات العامة فإن منه يقوى الظن حينئذ بصدور جملة من الروايات المزبورة على وفقها للتقية، و ربما يرشد إليه أيضا اختلافها في ذكر التلبية العاقدة للإحرام بعد الطواف أو صلاته أو بعد السعي على وجه يشعر بكون ذلك للندب أو للتقية، بل الأخذ بإطلاق النصوص المزبورة يقتضي إثبات أحكام غريبة يقطع الفقيه بخروجها عن مذاق الفقه و بعد التزام الأصحاب بها فتأمل جيدا.

[في جواز العدول من الإفراد إلى التمتع ]

و مما ذكرنا يظهر لك ان الأصح رجوع حكم هذه المسألة إلى المسألة الأخرى و هي انه يجوز بل يرجح للمفرد الذي تجوز له المتعة إذا دخل مكة ان يعدل إلى التمتع اختيارا فضلا عن الاضطرار بلا خلاف أجده، بل الإجماع محكي صريحا و ظاهرا عليه في جملة من الكتب كالخلاف و المعتبر و المنتهى و المدارك و غيرها، كما ان النصوص متظافرة أو متواترة فيه و خصوصا أخبار حجة الوداع التي أمر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) فيها من لم يسق هديا من أصحابه بذلك حتى قال: «انه لو استقبلت من امري ما استدبرت لم أسق هديا» و إشكالها بأن الظاهر منها ان هذا العدول على سبيل الوجوب- حيث انه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.

ج 18، ص: 72

نزل جبرئيل (عليه السلام) بوجوب التمتع على أهل الآفاق، و مبدأ النزول كان حين فراغه من السعي، و نزلت الآية في ذلك المقام بذلك، فأمرهم بجعل ما طافوا و سعوا عمرة، حيث ان جملة من كان معه من أهل الآفاق، و ان يحلوا و يتمتعوا بها إلى الحج، فهو ليس مما نحن فيه من جواز العدول و عدمه في شي ء- يدفعه ان امره (صلى اللَّه عليه و آله) جميع أصحابه بذلك مع القطع بأن منهم من أدى حجة الإسلام أوضح شي ء في الدلالة على المطلوب، و لا ينافيه شموله أيضا لمن وجب عليه الحج نعم الظاهر اختصاص الحكم المزبور بمن جازت المتعة في حقه، أما من تعين عليه غيرها بأصل الشرع أو بعارضه فلا يجوز له العدول، للأصل بعد قصور أدلة العدول عن تناول مثل ذلك، و تناول امره (صلى اللَّه عليه و آله) بالعدول لمن وجب عليه الحج في ذلك العام لا يقتضي جوازه لمن لم تشرع المتعة في حقه كحاضري مكة، بل أقصاه العدول إلى التمتع الذي هو فرضهم عند نزول الآية و كان ممكنا لهم لمشروعية العدول، و هو غير جواز العدول في الأثناء لمن لم يشرع التمتع له في الابتداء، كما هو واضح، و حينئذ فلا حاجة الى ما أطنب به في الرياض من الجواب عن ذلك بدعوى كون التعارض بين هذه النصوص و بين ما دل على كون الافراد فرض حاضري مكة من وجه، و لا ترجيح، فالأخذ بالمتيقن واجب، و هو عدم جواز العدول، و حينئذ فما عن المسالك من أن التخصيص بذلك بعبد عن ظاهر النص في غير محله، هذا و في المدارك «لا يخفى ان العدول انما يتحقق إذا لم يكن ذلك في نية المفرد ابتداء، و إلا لم يقع الحج صحيحا من أصله، لعدم تعلق النية بحج الافراد، فلا يتحقق العدول عنه، كما هو واضح» و فيه منع توقف تحقق العدول على ذلك أولا، و منع انحصار عنوان

ج 18، ص: 73

الحكم في العدول ثانيا، على ان في

الموثق و الصحيح (1)المروي عن الكشي عن عبيد بن زرارة «و عليك بالحج ان تهل بالافراد و تنوي الفسخ إذا قدمت مكة و طفت و سعيت فسخت و أهللت به و قلبت الحج عمرة و أحللت إلى يوم التروية، ثم استأنفت الإهلال بالحج مفردا إلى منى- إلى ان قال-: فكذلك حج رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و هكذا أمر أصحابه ان يفعلوا ان يفسخوا ما أهلوا به و يقلبوا الحج عمرة».

و على كل حال فقد عرفت انه لا إشكال و لا خلاف في أصل جواز العدول نصا و فتوى، لكن عن أبي علي اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة، و هو واضح الضعف، نعم قد يقال باشتراطه بعدم وقوع التلبية بعد طوافه كما عنه أيضا بل و عن غيره، للموثق (2)المتقدم في المسألة السابقة المؤيد بما يظهر من غيره من انها عاقدة للإحرام، إلا انك قد عرفت حمل تلك

النصوص على ضرب من التقية أو غيرها، و ان الاعتبار بالنية و القصد كما سمعته من ابن إدريس، و إلا فلا مدخل للتلبية وجودا و عدما، إلا ان يراد بها الكناية عن اختيار عدم العدول أما مع فرض عدم قصده ذلك بذكرها فلا يبعد جواز العدول له بعدها، لإطلاق الأدلة السابقة السالمة عن معارضة الموثق المزبور بعد تنزيله على ما عرفت، فلا تقدح حينئذ لو وقعت بعد الطواف المنوي به العدول بطريق اولى، لسبق النية التي يدور العمل عليها، إذ لو سلم العمل بالموثق المزبور فأقصاه عدم جواز العدول لمن لبى، لا إبطال التلبية للعدول، مع انك قد عرفت تنزيله على ما سمعت،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 11 عن عبد اللَّه بن زرارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 74

فيبقى إطلاق الأدلة حينئذ سالما عن المعارض، حتى أمر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) أصحابه بالعدول بعد تمام السعي مقتصرا في الاستثناء على سوق الهدي، و في الرياض انه عزاه بعض الأصحاب إلى الأكثر، قال: خلافا لظاهر التحرير و المنتهى و تردد الشهيد، و بذلك يظهر لك ما في كتب غير واحد من الأصحاب، فلاحظ و تأمل.

هذا كله في العدول إلى عمرة التمتع، و هل له العدول إلى عمرة مفردة اختيارا؟ احتمال لا يخلو من قوة و إن كان الأحوط عدمه كما في كشف اللثام، و في بعض النصوص جواز العدول بالعمرة المفردة في أشهر الحج إلى التمتع، كما ان منه يظهر لك الوجه فيما في الدروس، قال: و كما يجوز فسخ الحج إلى العمرة يجوز نقل العمرة المفردة إلى المتعة إذا أحل بها في أشهر الحج إلا لمن لبى بعد طوافه و سعيه، فان لبى فلا، و في التلبية بعد النقل تردد، و ابن إدريس لم يعتبر التلبية بل النية، و كذا حكم تلبية فاسخ الحج إلى العمرة، و ابن الجنيد جوز العدولين، و شرط في العدول من الحج إلى المتعة ان يكون جاهلا بوجوب العمرة، و ان لا يكون قد ساق، و لا لبى بعد طوافه و سعيه، و لا يخفى عليك الحال بعد الإحاطة بما ذكرنا و اللَّه العالم.

[في الفرق بين حج التمتع و قسميه ]

و لا يجوز ذلك أي العدول المزبور اختيارا للقارن بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)يمكن دعوى تواترها فيه، بل مقتضى إطلاقها كالفتاوى عدم الفرق بين من تعين عليه القران قبل الإحرام به أم لا، لتعينه عليه بالسياق، نعم إذا عطب هديه قبل مكة و لم يجب عليه الابدال فهل يصير كالمفرد في جواز العدول؟ قد احتمل بعضهم ذلك، لتعليل المنع عنه في الأخبار(2)بأنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله، و لا يخلو من نظر، و قد سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 5- من أبواب أقسام الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج.

ج 18، ص: 75

القول بانتقاله قهرا إلى العمرة مع ترك التلبية بعد الطواف و إن أثم بذلك، لكن قد

عرفت ضعفه و لو لأدلة المقام الظاهرة في ذلك أيضا.

و بذلك و ما تقدم سابقا و غيره مما يأتي يظهر لك أن حج التمتع يمتاز عن قسيميه بأمور:

منها أن العمرة و الحج في التمتع بجميع أفراده مرتبطان لا ينفك أحدهما عن الآخر إجماعا و نصا، بخلافهما فإنه يجوز الإتيان بأحد النسكين دون الآخر في التطوع و في الواجب مع اختصاص السبب الموجب بأحدهما، كما لو استطاع أحدهما دون الآخر، أو نذر أو استؤجر كذلك.

و منها تقدم العمرة على الحج في التمتع و تأخرها عنه في الآخرين بالإجماع فيهما، و النصوص المستفيضة في القران، فما عن ظاهر الصدوق- من جواز التقديم فيهما أيضا

للخبر(1)«أمرتم بالحج و العمرة فلا تبالوا بأيهما بدأتم»

ثم قال:

يعني في العمرة المفردة الضعيف سندا بل القاصر دلالة، بل قيل الظاهر أن المراد منه التخيير بين أنواع الحج للمتطوع- واضح الضعف.

و منها اشتراط وقوع عمرته في أشهر الحج بخلافهما و إن وجب الإتيان بها فورا بعد الفراغ من الحج، لكن الفورية غير التوقيت.

و منها اعتبار كون النسكين في عام واحد في التمتع كما عرفت الكلام فيه مفصلا، بخلافهما فإنه لا يشترط ذلك إلا من قبل المكلف، لإطلاق الأدلة، و ثبوت الفورية فيما يجب منهما بالأصل لا يقتضي التوقيت، و لا فساد الحج بتأخير العمرة عنه، و وقوع الإحلال منه على الوجه الصحيح، قال الشهيدان في اللمعتين:

«يشترط في التمتع جمع الحج و العمرة لعام واحد، فلو أخر الحج عن سنتها صارت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب العمرة- الحديث 6.

ج 18، ص: 76

مفردة، فيتبعها بطواف النساء، أما قسيماه فلا يشترط إيقاعهما في سنة واحدة في المشهور خلافا للشيخ حيث اعتبرها في القران كالتمتع» و في المدارك «لم نقف في هذه المسألة على رواية معتبرة تقتضي التوقيت، لكن مقتضى وجوب الفورية التأثيم بالتأخير، و هو لا ينافي وقوعهما في جميع أيام السنة كما قطع به الأصحاب، نعم

روى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (1)قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المعتمر بعد الحج قال: إذا أمكن الموسى من رأسه فحسن»

و هي لا تدل على التوقيت، إلا أن العمل بمضمونها أولى» و في الدروس «وقت العمرة المفردة الواجبة بأصل الشرع عند الفراغ من الحج و انقضاء أيام التشريق لرواية معاوية

بن عمار(2)السالفة أو في استقبال المحرم، و ليس هذا القدر منافيا للفورية، و قيل يؤخرها عن الحج حتى يمكن الموسى من الرأس، و وقت الواجبة بالسبب عند حصوله، و وقت المندوبة جميع السنة» و هذا الكلام و إن أوهم بظاهره التوقيت لكن

قوله «و ليس هذا القدر»

إلى آخره، و تصريحه بما ينافي ذلك في موضع آخر يقتضي الحمل على التوقيت اللازم من الفورية، و ليس ذلك توقيتا حقيقيا، و من الغريب إشكال ثاني الشهيدين له بوجوب إيقاع الحج و العمرة في عام واحد، قال: «إلا أن يريد بالعام اثنى عشر شهرا» و اعترضه سبطه بإمكان المناقشة في اعتبار هذا الشرط، لعدم وضوح دليله، و قد سمعت التصريح في كلاميهما بعدم اشتراط ذلك عند الأصحاب جميعهم أو بعضهم، و أغرب من ذلك ما عن صاحب المفاتيح من دعوى عدم الخلاف في الشرط المذكور، و ربما أجيب عن ثاني الشهيدين بأن نفي اشتراط الجمع لا ينافي إيجابه له، و عن سبطه بأن مراده المناقشة في الشرط المفهوم من كلام جده، و لكن يبعد الأول قوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العمرة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب العمرة- الحديث 1.

ج 18، ص: 77

«في عام واحد» و الثاني فحوى الكلام، و بالجملة فجملة من العبارات لا تخلو من تشويش و اضطراب، و لعل منشأه التباس الفورية بالتوقيت كما يلوح من بعضها.

هذا كله في العمرة الواجبة بالأصل، و هي عمرة الإسلام، فأما غيرها فالحكم فيها ظاهر، ضرورة جواز ترك المندوبة، و تبعية المنذورة لقصد الناذر، و عدم وجوب أحد النسكين بالشروع في الآخر إلا في التمتع حيث يجب فيه الحج بالشروع في العمرة، لكونهما فيه بمنزلة العبادة الواحدة، قال في الدروس:

و في كلامهم و في الروايات دلالة على وجوب حج التمتع بالشروع في العمرة و إن كانت ندبا، و الظاهر أنه لا خلاف في ذلك عندهم، و لا في اختصاص الحكم المذكور بالتمتع.

و منها أنه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة إلا محرما إلا إذا رجع قبل شهر كما في النصوص (1)و قيل بالكراهة، و يجوز لغيره الخروج منها متى شاء من غير تحريم و لا كراهة كما صنع أبو عبد اللَّه (عليه السلام)(2)حيث خرج من مكة إلى العراق يوم التروية و الناس يخرجون إلى منى.

و منها أن محل الإحرام للحج للمتمتع بطن مكة، و للمفرد و القارن أحد المواقيت أو منزلهما إن كان دون الميقات، نعم لو كان من أهل مكة أحرم منها كالمتمتع، لأنها أقرب إلى عرفات من الميقات، و هي مقصد الحاج، كمكة للمعتمر و لأنها ميقات، و من أتى على ميقات لزمه الإحرام منه، بل عن التذكرة لا نعلم في ذلك خلافا.

و منها أن محل الإحرام بالعمرة للمتمتع من الميقات أو ما في حكمه مطلقا،


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب العمرة- الحديث 3.

ج 18، ص: 78

بخلاف المفرد فإنه انما يجب عليه ذلك لو مر عليها، أما لو كان في الحرم أحرم من ادنى الحل و إن لم يكن من اهله، و لم يجب عليه الخروج إلى الميقات إجماعا على ما قيل.

و منها ان المتمتع يقطع التلبية في العمرة إذا شاهد بيوت مكة، بخلاف المفرد فإنه إنما يقطعها إذا شاهد الكعبة إن كان قد خرج من مكة للإحرام، و إلا فإذا دخل الحرم، و قيل بالتخيير في الأخير، و تعرف الكلام فيه إن شاء اللَّه.

و منها أن طواف النساء لا يتكرر في التمتع بل انما يجب في الحج خاصة دون العمرة كما ستعرف تحقيقه إن شاء اللَّه، و يتكرر في القران و الافراد في كل من النسكين على المشهور، و قيل هما كالمتمتع، و حينئذ لا فرق، و كذا لو قيل بثبوته في عمرة التمتع مثلهما، نعم لو قيل بثبوته في المتمتع بها دون المفردة انعكس الفرق، و لكنه غريب و منها أن المفرد و القارن يجوز لهما تقديم طواف الحج و سعيه على الوقوفين اختيارا على المشهور، و لا يجوز ذلك للمتمتع بلا خلاف يعرف، نعم قيل بالمنع فيهما، و هو شاذ.

و منها أنه يجوز للمفرد و القارن تأخير الطوافين و السعي بينهما عن يومي النحر و النفر فيأتي بهما طول ذي الحجة من غير كراهة، بخلاف المتمتع الذي ورد النهي (1)فيه و إن كان في كونه تحريما أو تنزيها قولان.

و منها أنه يجوز للمفرد و القارن إذا دخلا مكة أن يطوفا ندبا، و في جوازه للمتمتع بعد الإحرام بالحج قولان، بل قيل ان أشهرهما التحريم.

و منها أن عقد الإحرام بالتمتع لا ينعقد إلا بالتلبية، و غيره ينعقد بها و بالاشعار و التقليد مخيرا بينهما على المشهور، فان عقد بأحدهما أو بها و ساقا الهدي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زيارة البيت.

ج 18، ص: 79

كان قارنا، و إلا فمفردا.

و منها وجوب الهدي على المتمتع دون غيره و إن كان قارنا، لأن هدي القران لا يجب بالأصل و إن تعين للذبح بالإشعار أو التقليد، ثم إنه يعتبر فيه السياق و لا يجوز فيه الابدال، و لا يجب فيه الأكل و لا القسمة، و يجزي عن صاحبه لو ضل اتفاقا على ما قيل، و هدي التمتع ليس كذلك.

و منها أن التمتع يعدل اليه و لا يعدل عنه اختيارا عكس الافراد، فإنه يعدل عنه و لا يعدل اليه، و أما القران فلا يعدل عنه و لا اليه، هذا، و مما سمعت ظهر لك الفرق بين القران و الافراد في عقد الإحرام و الهدي و العدول و بين نوعي العمرة في محل الإحرام و قطع التلبية و في طواف النساء.

[في أن المكي إذا بعد عن أهله يحرم من الميقات ]

و كيف كان ف المكي إذا بعد عن أهله و حج حجة الإسلام على ميقات أحرم منه وجوبا بلا خلاف و لا إشكال، لأن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) وقت المواقيت لأهلها و لمن أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة، فلا يجاوز الميقات إلا من علة، بل عن الشيخ و الفاضلين جواز التمتع له حينئذ، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، بل في غيرها إلى المشهور، ل

صحيح عبد الرحمن ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمر ببعض المواقيت أ له أن يتمتع؟ قال: ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل، و كان الإهلال أحب إلى»

و صحيحه الآخر مع عبد الرحمن ابن أعين (2)قالا: «سألنا أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل من أهل مكة خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع في بعض المواقيت التي وقتها رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، إله أن يتمتع؟ فقال ما أزعم أن ذلك ليس له، و الإهلال بالحج أحب إلى، و رأيت


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 80

من سأل أبا جعفر (عليه السلام) و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له: جعلت فداك اني

نويت أن أصوم بالمدينة، قال: تصوم إن شاء اللَّه، فقال: و أرجو أن يكون خروجي في عشر من شوال قال: تخرج إن شاء اللَّه، فقال له: إني قد نويت أن أحج عنك أو عن أبيك فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع، فقال له: إن اللَّه ربما من علي بزيارة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و زيارتك و السلام عليك و ربما حججت عنك و ربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن بعض إخواني أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع، فرد عليه القول ثلاث مرات يقول له: اني مقيم بمكة و أهلي بها فيقول: تمتع، و سأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال: إني أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر يعني شوال فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن أهلي و منزلي بالمدينة و لي بمكة أهل و منزل و لي بينهما أهل و منازل فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: إن لي ضياعا حول مكة و أريد ان اخرج حلالا فإذا كان ابان الحج حججت»

إلا أنهما كما ترى لا صراحة فيهما بحج الإسلام، خصوصا مع بعد عدمه من المكي إلى حال الخروج المزبور، بل لعل ظاهر الثاني منهما الذي هو خبر آخر أورد على اثر الخبر الأول الندب، بل عن المحقق الشيخ حسن في المنتقى الجزم بصراحته في ذلك، قال: و منه يظهر كون المراد بالخبر الأول ذلك أيضا، لبعد عدم حج الإسلام من المكي، اللهم إلا ان يقال انهما لو لم يكونا فيه لم يكن الإهلال بالحج أحب إليه، لفضل التمتع في التطوع مطلقا، لكن قد عرفت المناقشة في ذلك منا، بل في كشف اللثام احتمال كون ذلك للتقية، قال: بل يجوز ان يهل بالحج تقية و ينوي العمرة كما

قال أبو الحسن (عليه السلام) للبزنطي في الصحيح (1): «ينوي العمرة و يحرم بالحج»

و لعله لذا كان


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 81

المحكي عن ابن أبي عقيل عدم الجواز، لإطلاق ما دل على انه لا متعة لأهل مكة من الكتاب (1)و السنة(2)و عن المختلف احتمال الجمع بين القولين بحمل الأول على من خرج من مكة يريد استيطان غيرها، و الثاني على غيره، لكنه كما ترى لا دليل عليه، بل ظاهر الدليل خلافه.

و في المدارك بعد ان حكى قول الحسن و دليله قال: و هو جيد لولا ورود الرواية الصحيحة بالجواز، قلت: لكن قد عرفت عدم دلالتها على حج الإسلام و دعوى انقلاب فرض المكي بخروجه كانقلاب فرض المجاور بمكة سنتين يدفعها حرمة القياس عندنا، مع ان القائل بذلك يقول به على التخيير المنافي لظاهر الأدلة السابقة المقتضي للتعيين في الفرض، و هو التمتع للنائي و القران و الافراد لغيره، و هو مؤيد آخر لابن أبي عقيل، بل في الرياض الميل اليه بناء على عدم صراحة الرواية في الفريضة، قال: القرينة المشعرة بإرادتها مع ضعفها معارضة بمثلها، بل أظهر منها حينئذ، فيكون التعارض بينها و بين الأدلة المانعة تعارض

العموم و الخصوص من وجه يمكن تخصيص كل منهما بالآخر و الترجيح للمانعة بموافقة الكتاب و الكثرة، و على تقدير التساوي يجب الرجوع إلى الأصل، و مقتضاه وجوب تحصيل البراءة اليقينية التي لا تتحقق إلا بغير التمتع، للاتفاق على جوازه فتوى و رواية دونه، فتركه هنا اولى، و قد صرحت به الرواية أيضا كما مضى و إن كان قد يناقش بأن الترجيح للعكس بالشهرة، و انسياق غير الفرض من أدلة المنع و بأن التخيير على تقدير التساوي هو الموافق للأصل، و لإطلاق أدلة وجوب الحج، و من ذلك يعلم قوة قول المشهور، لأنه بعد تسليم قصور


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب أقسام الحج.

ج 18، ص: 82

الخبرين عن الدلالة على كونه حج الإسلام، و قصور تناول ما دل على حكم المكي المشكوك في تناوله و لو للشهرة المزبورة، أو الظاهر في غير الفرض و قصور أدلة النائي عن تناوله أيضا، فلا مفزع حينئذ لمعرفة حكم هذا الموضوع إلا الإطلاق الذي قد عرفت اقتضاءه التخيير، و من هذا يعلم ما في المدارك و غيرها.

[في وجوب التمتع على من أقام بمكة سنة أو سنتين ]

و لو أقام من فرضه التمتع و قد وجب عليه بمكة أو حواليها مما هو دون الحد المزبور سنة أو سنتين أو أزيد من ذلك و لو بقصد الدوام لم ينتقل فرضه الذي قد خوطب به بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل لعله إجماعي، بل قيل انه كذلك للأصل و غيره فما في المدارك من التأمل فيه في غير محله، و كذا لا خلاف أيضا نصا و فتوى في عدم انتقاله عن فرض النائي بمجرد المجاورة و إن لم يكن قد وجب عليه سابقا، بل لعله إجماعي أيضا و كان عليه حينئذ الخروج إلى الميقات إذا أراد حجة الإسلام، و لو لم يتمكن من ذلك خرج إلى خارج الحرم، فان تعذر أحرم من موضعه إنما الكلام في تعيين ميقاته الذي يحرم منه، فعن الشيخ و أبي الصلاح و يحيى بن سعيد و المصنف في النافع و الفاضل في جملة من كتبه أنه ميقات أهل أرضه، لاندراجه فيما دل على حكمهم، إذ لم يخرج بالمجاورة المجردة عن نية الوطن عنهم عرفا، و ل

خبر سماعة(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألت عن المجاور أ له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم يخرج إلى مهل أرضه فليلب إن شاء»

مؤيدا بما دل على وجوب رجوع الناسي و الجاهل اليه بناء على ان ذلك لمكان وجوب الإهلال منه لا للعذر المخصوص، و بما دل على توقيت المواقيت المخصوصة لكل قوم أو من مر عليها من غيرهم، ضرورة عدم خروجه بالمجاورة عنهم.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 83

و ظاهر إطلاق المصنف و غيره كالنهاية و المقنع و المبسوط و الإرشاد و القواعد على

ما حكي عن بعضها، و صريح الدروس و المسالك و الروضة الخروج إلى أي ميقات

للمرسل (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي، فإن أراد ان يحج عن نفسه أو أراد ان يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له ان يحرم من مكة لكن يخرج إلى الوقت، و كلما حول رجع إلى الوقت»

و موثق سماعة(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من حج معتمرا في شوال و في نيته ان يعتمر و رجع إلى بلاده فلا بأس بذلك، و إن هو أقام إلى الحج فهو حج تمتع، لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فمن اعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و إن رجع إلى بلاده و لم يقم إلى الحج فهي عمرة، و من اعتمر في شهر رمضان أو قبله و اقام إلى الحج فليس بمتمتع، و إنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب ان يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بعمرة إلى الحج، فان هو أحب ان يفرد الحج فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها»

الخبر،

و خبر إسحاق بن عبد اللَّه (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المقيم بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى قال: يتمتع أحب الي، و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين»

مؤيدا بأنه لا خلاف نصا و فتوى في الإحرام من الميقات لمن مر عليه و ان لم يكن من أهله، ضرورة صدق ذلك على المجاور إذا اتى ميقاتا غير ميقاته و عن الحلبي الخروج إلى أدنى الحل، و احتمله في المدارك بل عن شيخه أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 20.

ج 18، ص: 84

استظهره ل

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) لأهل مكة ان يتمتعوا قال: لا ليس لأهل مكة ان يتمتعوا، قال: قلت، فالقاطنون؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإن أقاموا شهرا كان لهم ان يتمتعوا، قلت: من اين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من اين يهلون بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس»

و خبر حماد (2): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطنون بها قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع كما يصنع أهل مكة، قلت: فان مكث شهرا قال: يتمتع، قلت: من اين؟ قال: يخرج من الحرم، قلت من اين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس»

و صحيح عمر بن يزيد(3)عنه (عليه السلام) أيضا «من أراد ان يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية و ما أشبههما».

و قد يناقش في الجميع بضعف الخبر الأول سندا بمعلى، و دلالة بقوله:

«إن شاء» مع احتمال كون المراد الاحتراز عن مكة، و بنحوه يجاب عن الصحاح مع ان التعدي عنها قياس، و عدم تعقل الفرق غير تعقل عدم الفرق، و هو المعتبر فيه دون الآخر، و شمول اخبار المواقيت لنحو ما نحن فيه محل مناقشة لعدم تبادره منها بلا شبهة، و بأن المرسل كالخبر في الضعف سندا بل و دلالة لإجمال الوقت فيه المحتمل لإرادة مهل أهل الأرض باحتمال اللام للعهد، و من ذلك يعلم المناقشة في الموثق و الخبر اللذين اقصاهما الإطلاق المنزل على التقييد، و عدم الخلاف في إجزاء الإحرام من غيره بعد المرور به غير المفروض من حكم


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 18، ص: 85

المرور، و بأن الصحيح و الخبر نادران، مع ان خارج الحرم فيهما مطلق يحتمل التقييد بمهل الأرض أو مطلق الوقت، أو صورة تعذر المصير إليهما، للاتفاق على الجواز حينئذ كما ستعرف، فيتعين، حملا للمطلق على المقيد و لو قصر السند، للانجبار هنا بالعمل، لاتفاق من عدا الحلي على اعتبار الوقت و ان اختلفوا في إطلاقه و تقييده، و أما الصحيح الأخير فمحمول على العمرة المفردة كما وردت به المستفيضة(1)مع انه معارض بصريح الموثق المزبور.

و من هنا قال بعض أفاضل متأخري المتأخرين: «إن الواجب حينئذ الرجوع في المسألة إلى ما تقتضيه الأصول الشرعية، لضعف أدلة الأقوال جميعها، و هو هنا البراءة من تعين ميقات عليه إن اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه و وجوب الأخذ بالمبرئ للذمة منها يقينا إن كان ما يوجب عليه شرطا، فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت أ هو أمر تكليفي خاصة أو شرطي؟ و الظاهر الثاني، لما مر من عدم الخلاف في صحة الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه و تصريح بعض من صار إلى اعتبار ادنى الحل بجوازه و صحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة، و عليه فيعود النزاع إلى وجوب الخروج إلى مهل أهل الأرض أم لا بل يجوز إلى اي وقت كان و لو ادنى الحل و الحق الثاني إلا بالنسبة إلى أدنى الحل، فلا يجوز الخروج اليه اختيارا لدلالة الزوايات المعتبرة و لو بالشهرة على وجوب الخروج على غيره، فيتعين، و اما وجوب الخروج إلى مهل الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله و إن كان أحوط، للاتفاق على جوازه».

و فيه بعد الإغضاء عما ذكره دليلا للثاني الذي استظهره انه لا ريب في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب العمرة.

ج 18، ص: 86

رجحان القول الأول من الأقوال، إذ ضعف دليله منجبر بالشهرة المحكية في الحدائق ان لم تكن محصلة، و لا معارض له إلا الإطلاق المنزل عليه، و قوله فيه:

«إن شاء» ظاهر في إرادة التخيير له بين التمتع و غيره، لعدم كونه حج الإسلام، و لا ينافي الاستدلال به عليه ضرورة اقتضاء شرطيته بالنسبة إلى المندوب اشتراطه في الواجب بطريق أولى، أو كون ذلك كيفية مخصوصة لأصل المشروعية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و المندوب،(1)و نصوص الناسي و الجاهل بل و العامد ظاهرة في ان السبب في ذلك مراعاة تكليفه الأصلي على وجه يقتضي عدم الفرق بين الفرض و غيره، و مع الإغضاء عن ذلك كله فلا شبهة في اندراجه في أدلة حكم أهل أرضه، إذ لم يخرج بالمجاورة عنهم عرفا قطعا مع عدم نية الاستيطان و مقتضاه الإحرام من مهلهم، أو يكون مارا على غيره قاصدا إلى مكة، لا إذا كان قصده الخروج منها إلى الإحرام منه، فإنه حينئذ لا يندرج في تلك الأدلة الآمرة بالإحرام لأهل قطر إذا مر على ميقات غيره قاصدا إلى مكة و انه لا يتجاوزه غير محرم.

و من ذلك حينئذ يظهر وجه الشرطية في الإحرام من مهل أرضه على وجه لا يجزيه الإحرام من غيره مع فرض كونه في حال لا يصدق عليه انه مر عليه قاصدا الدخول إلى مكة، كما ان منه يظهر النظر فيما في الحدائق و الرياض من الحكم بجواز ذلك له مطلقا، بل لعل منه يظهر ان إطلاق المصنف و غيره منزل على القول المزبور لحكمهم بالبقاء على فرضه الأول الذي هو ما عرفت، لا ان المراد به الإحرام من أي ميقات و إن لم يكن على الوجه المزبور، فيختص القول الثاني حينئذ بالمصرح به توهما له من هذه الإطلاقات، و اما القول الثالث فلم نتحققه لأحد و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت.

ج 18، ص: 87

حكي عن الحلي، و انما استظهره الأردبيلي و احتمله تلميذه تبعا له، لكنه واضح الضعف، خصوصا بعد وضوح ضعف دليله كما عرفت، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الأول، هذا.

و في المدارك هنا عن الشارح انه اعتبر في وجوب الحج الاستطاعة من البلد إلا مع انتقال الفرض فتنتقل الاستطاعة ثم قال: و لو قيل إن الاستطاعة تنتقل مع نية الدوام من ابتداء الإقامة أمكن لفقد النص المنافي هنا، و ناقشه بأنه لا دليل على اعتبار نية الدوام، إذ المستفاد من الآية الشريفة وجوب الحج على كل متمكن منه، و الأخبار غير منافية لذلك، بل مؤكدة له، إذ غاية ما يستفاد منها اعتبار الزاد و الراحلة مع الحاجة إليهما لا مطلقا، بل قد ورد في عدة اخبار(1)ان حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و

روى معاوية بن عمار(2)في الصحيح قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام):

الرجل يمر مجتازا يريد اليمن أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد، أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟

قال: نعم»

و فيه ما قدمناه من اعتبار أمر شرعي في الاستطاعة، و هو ملك الزاد و الراحلة من بلد، و عرفي كما أوضحنا ذلك في محله، و إلا لزم الاجتزاء بحج المتسكع إذا كان له استطاعة على أداء قدر المناسك مع الرجوع إلى بلاده، أو مطلقا بناء على عدم اعتباره في الاستطاعة، و هو معلوم البطلان، و اللَّه العالم.

[في الانتقال من التمتع إذا دخل في الثالثة]

و كيف كان فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه الى القران أو الافراد كما صرح به جماعة، بل نسبه غير واحد إلى المشهور، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب وجوب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 18، ص: 88

ربما عزي إلى علمائنا عدا الشيخ، ل

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له، فقلت: لأبي جعفر (عليه السلام): أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ قال: فلينظر أيهما الغالب عليه فهو من اهله»

و صحيح عمر بن يزيد(2)عن الصادق (عليه السلام) «المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين، فإذا جاور سنتين كان قاطنا و ليس له ان يتمتع»

و في بعض النسخ «جاوز» بالزاء المعجمة، خلافا للمحكي عن الإسكافي و النهاية و المبسوط و الحلي فاشترطوا ثلاث سنين، و قد اعترف غير واحد بعدم الوقوف لهم على مستند عدا الأصل الذي لم يعين القدر المزبور، على انه مقطوع بما عرفت، إلا ان المحكي في الدروس عن النهاية و المبسوط انتقال الفرض بالدخول في الثالثة، قال: «و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة كما في المبسوط و النهاية، و يظهر من أكثر الروايات انه في الثانية» قلت: الموجود في النهاية «و من جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له ان يتمتع فيخرج إلى الميقات و يحرم بالحج متمتعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع، و كان حكمه حكم أهل مكة و حاضريها» و لم تحضرني عبارة المبسوط و لعلها مثلها، و لا ريب في ظهورها فيما ذكره الشهيد على ان يكون المراد بالمجاورة بها ثلاث سنين الدخول في الثالثة بقرينة قوله أولا: سنة أو سنتين، و إلا لقال: أو ثلاث.

بل من ذلك يظهر ان المصنف قصد بتعبيره كما ذكر تفسير عبارة الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 2.

ج 18، ص: 89

و أن مراده بالمجاورة ثلاثا الدخول في الثالثة، فلا يرد عليه ما اعترضه به في المدارك من أن حكمه بانتقال الفرض بالدخول في الثالثة مناف لما حكم به أولا من أن إقامة السنتين لا توجب انتقال الفرض، فان إقامة سنتين انما يتحقق بالدخول في الثالثة، و أظهر منه في ذلك عبارة القواعد، و حينئذ يتجه الاستدلال له بالصحيحين المزبورين، كما انه يتجه الاستدلال للقول المقابل له و هو الانتقال بالدخول في الثانية الذي يظهر من الشهيد و الفاضل الأصبهاني الميل اليه ب

خبر عبد اللَّه ابن سنان (1)«المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة- قال الراوي: يعني يفرد الحج مع أهل مكة- و ما كان دون السنة فله أن يتمتع»

و مرسل حريز(2)«من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي»

بل و بخبري الحلبي (3)و حماد(4)السابقين المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين بناء على انه لا معنى لذلك إلا على إرادة الدخول في الثانية.

و من هنا بان لك صحة استظهار الشهيد له من أكثر الروايات، بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين عليه و لو بقرينة هذه النصوص التي تصلح مرجحة لإحدى النسختين في أحدهما على الأخرى أيضا التي قيل إنها لا تقبل التنزيل المزبور، بل في كشف اللثام احتمالهما أيضا لسنتي الحج بمضي زمان يسع حجتين؛ و هو سنة كما أن شهر الحيض ثلاثة عشر يوما، و على كل حال فنجتمع نصوص السنة و السنتين و السنة أو السنتين حينئذ على معنى واحد.

نعم تبقى نصوص الستة أشهر أو أكثر، ك

صحيح حفص بن البختري(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 90

عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع إلى مكة بأي شي ء يدخل؟ فقال: إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع، و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتع»

و مرسل الحسين بن عثمان (1)و غيره عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من أقام بمكة ستة أشهر فليس له أن يتمتع» و في بعض النسخ «خمسة أشهر»

و خبر ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «من أقام بمكة ستة أشهر فهو بمنزلة أهل مكة»

و يمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان ستة أشهر، أو الدخول في الشهر السادس، أو على اعتبار مضي ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن و في كشف اللثام أو على إرادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر أو أقل أو أكثر، أو غير ذلك، و بذلك بان لك قوة القول المزبور و إن قل القائل به صريحا، بل لم نعثر عليه،

كما أنه بان لك النظر فيما في المدارك و الرياض و غيرهما.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في صيرورة المجاور بعد المدة المزبورة و إن لم تكن بقصد التوطن كالمكي في نوع الحج، نعم عن بعض الحواشي تقييد ذلك بما إذا أراد المقام بها أبدا، لكن عن المسالك أنه مخالف للنص و الإجماع أما بالنسبة إلى غير ذلك من أحكام الحج فقد احتمله بعضهم، فلا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له و لو الي الرجوع من بلده، بل يكفي فيه استطاعة أهل مكة، لإطلاق الآية و كثير من الأخبار، بل ربما احتمل جريان


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4 و فيه « من أقام بمكة سنة» كما في التهذيب ج 5 ص 476 الرقم 1680.

ج 18، ص: 91

غير أحكام الحج من أحكام أهل مكة حتى الوقوف و النذور و نحوهما، لما سمعته مما في

النصوص (1)«هو من أهل مكة»

و «هو مكي»

و «بمنزلة أهل مكة»

إلا ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن، ضرورة انسياق إرادة نوع الحج خاصة من الجميع، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله، و كذا استصحابها بل و أصل البراءة، و دعوى ان تلك الاستطاعة شرط للتمتع و لا تمتع هنا يدفعها انها شرط وجوب الحج على

النائي مطلقا، و تعين المتعة أمر آخر، مع انه قد يجب عليه الافراد أو القران، نعم الظاهر انه كذلك مع قصد التوطن، لصدق كونه حينئذ من أهلها و إن وجب عليه التمتع قبل السنة أو السنتين للأدلة الشرعية، و من ذلك يظهر ضعف القول بتقييد إطلاق الحكم المزبور في النص و الفتوى بما إذا أراد المفارقة اما مع إرادة المقام ابدا فينتقل فرضه بأول سنة، لصدق كونه حينئذ من أهلها، لكن في الرياض ان كلا من القولين ضعيف، لأن بين إطلاقيهما عموما و خصوصا من وجه، لتواردهما في المجاور سنتين مثلا بنية الدوام، و افتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية، و العكس في المجاور دون السنتين مع النية المزبورة، فترجيح أحدهما على الآخر و جعله المقيد له غير ظاهر الوجه، و لكن مقتضى الأصل و هو استصحاب عدم انتقال الفرض يرجح الأول، قلت:

مضافا إلى تصريح البعض به، و بأنه المراد من إطلاق الفتوى، بل قد يقال بظهوره من صحيح زرارة(2)و لو بقرينة سؤاله بعد ذلك عن ذي المنزلين، بل و من غيره، فتكون مقيدة لتلك النصوص التي قد يدعى ظهورها في غير متجددي


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1 و 9 و الباب 8 منها- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 92

الاستيطان، و لو انعكس الفرض بأن أقام المكي في غيرها لم ينتقل فرضه و لو سنين للأصل و غيره بعد حرمة القياس، إلا ان يكون بنية الاستيطان فينتقل من أول سنة، لصدق النائي عليه حينئذ، كما هو واضح.

[في حكم من كان له منزلان ]

و لو كان له منزلان و وطنان منزل بمكة أو حواليها مما هو دون الحد و منزل في غيرها من البلاد التي هي خارج الحد من غير فرق بين افرادها لزمه فرض أغلبهما عليه بلا خلاف أجده فيه، لصحيح زرارة(1)السابق الذي يمكن استفادة ترجيح أحدهما على الآخر بالغلبة منه، أو ان المراد الغلبة التي يكون معها وطنه عرفا الغالب عليه، و من الأخير ينقدح احتمال عدم اختصاص الحكم بالحج، بل يجري في القصر و التمام و إن كان لم أجد من احتمله هنا.

و على كل حال فان كان الأغلب مكة قبل استطاعة الحج كان عليه الافراد أو القران و إن لم يقم بها سنة أو أقل، و إن كان غيرها فعليه التمتع إلا ان يجاور بمكة المدة المتقدمة متصلة بالاستطاعة. فإنه يكون حينئذ حكمه حكم أهل مكة و إن كان الغالب عليه الآخر كما صرح به في المدارك و كشف اللثام و غيرهما، بل في بعضها ان ذلك اولى بالحكم المزبور من ذي المنزل الواحد، لكن في الحدائق «و لقائل أن يقول: إن هاهنا عمومين قد تعارضا أحدهما ما دل على ان ذا المنزلين متى غلب عليه الإقامة في أحدهما وجب عليه الأخذ بفرضه أعم من ان يكون أقام بمكة سنتين أو لم يقم، فلو فرضنا انه في كل مرة يقيم في المنزل الآفاقي خمس سنين و في المنزل المكي سنتين أو ثلاثا فإنه يجب عليه فرض الآفاقي بمقتضى الخبر المذكور و إن كان قد أقام بمكة سنتين، و ثانيهما ما دل على ان المقيم بمكة سنتين ينتقل فرضه إلى أهل مكة

أعم من ان يكون له منزل ثان أم لا، زادت إقامته فيه أم لا،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 93

و تخصيص احد العمومين بالآخر يحتاج إلى دليل، و ما ادعاه هذا القائل من الأولوية في حيز المنع» و فيه ان المستفاد من الأدلة السابقة كون مجاورة المدة المزبورة جهة مستقلة لانتقال الفرض، و ليست هي من افراد أحد العمومين، فعدم إجراء حكم المنزل عليه من حيث غلبة نزوله في الآخر لا يقتضي انتفاء جريان حكم أهل مكة من حيث المجاورة المزبورة، اللهم إلا ان يدعى اختصاص حكمها بذي المنزل الواحد، لكنه كما ترى مناف لإطلاق النص و الفتوى، خصوصا بعد فرض جعل الغالب هو المنزل شرعا أو عرفا، فهو في الحقيقة ذو منزل واحد.

ثم إن الظاهر إرادة الوطن من المنزل في الفتاوى و من الأهل في النص، فما في المدارك من أنه يستفاد من الصحيح المزبور أن الاعتبار بالأهل لا المنزل و تبعه عليه في الحدائق كما ترى، هذا، و في كشف اللثام- بعد أن ذكر في تفسير ذي المنزلين أنهما اللذان يراد استيطانهما معا اختيارا أو اضطرارا إليهما أو إلى أحدهما لخوف مثلا- قال «و كذا إذا لم يرد استيطان شي ء من المنزلين و لا اضطرارا، بل كان ابدا مترددا أو محبوسا فيهما، و لو كان محبوسا في أحدهما من دون إرادة استيطانه مستوطنا للآخر و لو اضطرارا فالظاهر انه من أهل الآخر، و صحيح زرارة(1)إنما يتناول بظاهره الاستيطان الاضطراري بل الاختياري» إلى آخره، و فيه ما لا يخفى، إذ لا ريب في ان المتردد و المحبوس فيهما بعد فرض كون وطنه غيرهما حكمه حكم أهل وطنه، و لا يجري عليه حكم أغلبهما بل و كذا لو نزل على من لم يكن له وطن بل كان ابدا مترددا بينهما أو محبوسا فيهما فان إجراء حكم الأغلب قياسا على ذي المنزلين المراد منهما الوطنان واضح المنع، بل المتجه فيه التخيير أو التمتع بناء على انه الأصل.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 94

و كيف كان ف ان تساويا و استطاع من كل منهما كان له الحج بأي الأنواع شاء بلا خلاف أجده فيه أيضا سواء كان في أحدهما أو في غيرهما، لعدم المرجح حينئذ، و لاندراجه في إطلاق ما دل على وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين، و لو لظهورهما في غير ذي المنزلين، بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير أيضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين، كالعلم بعدم سقوط الحج عنه، لكن مع ذلك كله و الأولى له اختيار التمتع لاستفاضة النصوص بل تواترها في الأمر به على وجه يقتضي رجحانه على غيره، أو انه الأصل في أنواع الحج، و لعله لذا حكي عن ثاني الشهيدين احتمال تعيينه على من اشتبه حاله فلم يعلم هل هناك أغلب أو لا، مع مساواته للأول فيما قدمناه مما يقتضي

التخيير و لو لأصالة عدم غلبة أحدهما على الآخر بناء على عدم انتفاء التساوي بالأصل كما في نظائره، و لذا افتى به هو و غيره، و لكن مع ذلك فالأولى له التمتع أيضا لما عرفت، بل على القول بجوازه لأهل مكة هو الأحوط.

هذا كله مع الاستطاعة من كل منهما و لو كان في غيرهما، أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام، لعموم الآية و الأخبار، و عن بعض الحواشي حصر التخيير فيما لو استطاع في غيرهما، و فيه ما لا يخفى، و من ذلك بان لك الحال فيما يحكى عن ثاني الشهيدين من الإشكال في حكم استطاعته، من أصالة براءة الذمة من الوجوب حيث لا يتحقق الزائد، و من أن جواز النوع الخاص يقتضي الحكم باستطاعته، و يتوجه على تقدير التخيير أن يكون إيجاب الحج باختيار المكلف لو فرض استطاعته من مكة خاصة، إذ هو كما ترى، بل و كذا ما في المدارك من أن هذا الاشكال منتف بناء على ما قررناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد، و تحققها بمجرد التمكن من موضع الإقامة على الوجه المعتبر، إذ الذي قرره سابقا اعتبار استطاعة الرجوع أيضا.

ج 18، ص: 95

ثم لا فرق في المنزلين بين أن يسكن فيهما أو في أحدهما مكانا مغصوبا أم لا حتى لو كان جميع الصقع الذي يريد استيطانه مغصوبا، لصدق الاستيطان عرفا و إن احتمل في كشف اللثام عدم اعتبار كونه فيه، لكنه كما ترى، و لا بين أن يكون بينهما مسافة القصر أو أقل، نعم يقوى عدم العبرة بأيام عدم التكليف، لعدم صدق الاستيطان عليها عرفا و إن استظهر احتسابها في كشف اللثام، قال: «و إرادة الاستيطان حينئذ تتعلق بالولي قبل التمييز، و به أو بنفسه بعده» لكنه كما ترى، و لا يقاس ذلك على تبعية استيطان الزوجة و المملوك، و كذا لا يخفى عليك حال ما فيه أيضا من الوجهين في طرح أيام السفر بينهما من البين، أو احتساب أيام التوجه إلى كل من الإقامة فيه، ثم قال: و يجوز أن يكون لأحدهما،

قال أحدهما (عليه السلام)(1): «من أقام بمكة ستة أشهر فهو بمنزلة أهل مكة»

إذ هو كما ترى، بل و كذا قوله أيضا: «و إن كان المجاور الذي ينتقل فرضه بالمجاورة يعم من يريد الاستيطان بمكة أبدا كما قيل أو يخص به لم يناف ما هنا، لأنه لما كان أولا يريد الاستيطان بغير مكة ابدا جاز أن لا ينتقل فرضه ما لم يقم بمكة سنتين و إن لم يكن اقام بغيرها إلا أياما قلائل، و لما كان أخيرا يريد الاستيطان بمكة ابدا جاز ان ينتقل فرضه إذا أقام بها سنتين و إن كان اقام بغيرها سنين، و لما كان هذا من أول الأمر يريد الاستيطان تارة بمكة و تارة بغيرها أو مترددا اعتبر الأغلب مع استثناء المجاورة الناقلة كما نقلناه إلا على

اختصاصها بمريد استيطان مكة أبدا، فلا استثناء، فان قلت على المختار من اختصاص هذه المسألة بمن ذكر و ما تقدمها بمن لم يرد استيطان مكة ما حكم من


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 4 و فيه « من اقام بمكة سنة» كما تقدمت الإشارة إلى ذلك أيضا.

ج 18، ص: 96

يريد استيطانها ابدا بعد إن كان متوطنا لغيرها أو لم يكن مستوطنا لمكان؟

قلت: كأنه بإرادة استيطانها ابدا يجب عليه فرض أهل مكة في العام الأول، و يحتمل ان يكون معنى هذه المسألة من كان مستوطنا بغير مكة ابدا فبدا له استيطانها ابدا لحق بالأغلب و تخير مع التساوي و إن تحقق الغلبة أو التساوي قبل سنتين و الاستطاعة بعدهما، و لكنه خلاف ظاهر صحيح زرارة» إذ هو كما ترى قليل المحصول، و ما أدري ما الذي خالجه مع وضوح الفرق بين موضوعي المسألتين حتى احتمل في المقام الاحتمال الأخير المقطوع بعدمه نصا و فتوى، كما ان من المقطوع به إرادة الأعم مما ذكره من موضوع مسألة المقام، ضرورة اندراج من كان مستوطنا لغير مكة أبدا أو لها كذلك ثم بدا له استيطانها أو استيطان غيرها معها فيه قطعا، كما هو واضح، و الغلبة و التساوي انما هما في حال قصد استيطانهما، و لا عبرة بما مضى سابقا، و اللَّه العالم.

[في سقوط هدي التمتع عن القارن و المفرد وجوبا]

و يسقط الهدي أي هدي التمتع عن القارن و المفرد وجوبا بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1)منطوقا و مفهوما نعم لا تسقط عنهما الأضحية استحبابا كغيرهما كما ستعرف تفصيل ذلك كله إن شاء اللَّه

[في عدم جواز القران بين الحج و العمرة بنية واحدة]

و لا يجوز القران بين الحج و العمرة بنية واحدة بلا خلاف أجده في غير القران، بل و فيه بناء على ما سمعته سابقا من إمكان تأويل كلام ابن أبي عقيل و غيره بما لا يرجع إلى ذلك، إلا ان المشهور هنا عده و ابن الجنيد مخالفين في مقابلة المشهور القائلين بالمنع، و قد سمعت المراد من النصوص الموهمة للجواز، و من هنا كان الكلام في المقام مبنيا على الكلام السابق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الذبح- من كتاب الحج.

ج 18، ص: 97

في تفسير القران، و لذا أحال بعضهم الكلام فيه على الكلام السابق، بل هو ظاهر جميع من تعرض للمسألتين أو صريحه، لكن في الرياض- بعد أن حكي عن بعضهم اتحاد المسألتين- قال: «و هو كما ترى، فان مورد هذه المسألة حرمة القران أو جوازه كما عليه الإسكافي و العماني، و تلك أن الفارق بين المفرد و القارن ما هو من غير نظر إلى جواز القران بهذا المعنى و عدمه» قلت: هو كذلك إلا أن لازم تفسير القران بما سمعته منهما- مع معلومية جوازه نصا و فتوى و أنه هو أحد

أقسام الحج- جواز القران بالمعنى المزبور، ضرورة أنه لا معنى لتفسير القران المعلوم جوازه بالقران بالنية بناء على عدم جوازه، و على كل حال فدليل الجواز حينئذ تلك النصوص (1)المستفاد منها تفسير القران بذلك، لاقتضائها جوازه بمعنى الجمع بينهما بنية واحدة مع عدم الإحلال منهما إلا بعد الفراغ من أفعال الحج من دون تجديد إحرام للحج، إلا أنك قد عرفت تفصيل الكلام في ذلك، و مقتضاه عدم الفرق بين الافراد و القران إلا بسوق الهدي و عدمه، و حينئذ فالقران بمعنى الجمع بين الحج و العمرة بنية واحدة خارج عن المراد بحج القران المعلوم شرعيته، فالنظر إلى جوازه و عدمه و إفساده و عدمه إلى ما تقتضيه القواعد الشرعية، و لا ريب في أنه- بعد معلومية كونهما نسكين مستقلين لا مدخلية لأحدهما في الآخر حتى في حج التمتع الذي قد ورد فيه دخول العمرة في الحج نحو دخول الأصابع بعضها في بعض عند التشبيك، لكن قد عرفت تفسير المراد منه بما لا يرجع إلى جزئية العمرة من الحج و صيرورتهما فعلا واحدا، كما هو واضح- لا يجوز الجمع بينهما نية على وجه التشريع و الابداع كما في غيرهما


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2 و الباب 18 منها.

ج 18، ص: 98

من العبادات التي قد تقدم البحث في حرمة ذلك فيها، و في اقتضائه بطلان العبادة المشرع في نيتها، و إن خالف فيهما معا بعض المتأخرين، بل جزم بعدم البطلان على تقدير الإثم بذلك، لكنه واضح الضعف، ضرورة معلومية حرمة التشريع كضرورة اقتضائه فقد العبادة النية المعلوم اعتبارها فيها.

و لعله إلى ذلك يرجع استدلال بعضهم على الحكم في المقام بأنهما عبادتان متباينتان لا يجوز الإتيان بإحداهما إلا مع الفراغ من الأخرى، و لا بد في النية من مقارنتها المنوي، فهو كنية صلاة الظهر و العصر دفعة واحدة، و إلا كان محلا للنظر، و عدم الاجتزاء بهذه النية للآخر ما لم يكن فيها التشريع المزبور انما يقتضي فساد الأخير لا فسادهما معا، كما هو ظاهر كل من حكم بعدم جواز القران على ما اعترف به في محكي المختلف و غيره، و في المسالك «و على المشهور لو قرن بينهما بنية واحدة بطلا، للنهي المفسد للعبادة، كما لو نوى صلاتين» و الظاهر إرادته النهي التشريعي من النهي المذكور في كلامه كما يشعر به التشبيه بنية الصلاتين، مضافا إلى أنا لم نعثر هنا على نهي بالخصوص إلا ما سمعته من بعض النصوص التي استدل بها الخصم في تفسير القران، و قد مر الكلام فيها، و كأن الوجه في اقتضائه الفساد هنا اقتضائه بطلان النية المقتضي لفساد العبادة كما أومأنا اليه.

و بذلك كله ظهر لك أن مدار البطلان و عدمه على التشريع في النية على وجه يقتضي الفساد كغيرها من العبادات، ضرورة عدم خصوصية للمقام، و قد ذكرنا شطرا من ذلك في الوضوء و الغسل و الصلاة و الصوم و غيرها من العبادات، هذا.

و لكن في كشف اللثام- بعد أن ذكر تعليل البطلان بفساد النية لكونها غير مشروعة، و هو يستلزم فساد العمل، و خصوصا الإحرام الذي عمدته النية-

ج 18، ص: 99

قال: «و التحقيق أنه إن جمع في النية على أنه محرم بهما الآن و أن ما يفعله من الأفعال أفعال لهما، أو على أنه محرم بهما الآن و لكن الأفعال متمايزة إلا أنه لا يحل إلا بعد إتمام مناسكهما جميعا، أو على أنه محرم بالعمرة أولا مثلا ثم بالحج بعد إتمام أفعالها من غير إحلال في البين فهو فاسد، مع احتمال صحة الأخير بناء على أن عدم تخلل التحلل غير مبطل، بل يقلب العمرة حجا، و إن جمع بمعنى أنه قصد من أول الأمر الإتيان بالعمرة ثم الإهلال بالحج أو بالعكس فلا شبهة في صحة النية و أول النسكين إلا من جهة مقارنة النية للتلبية إن كانت كتكبيرة الإحرام في الصلاة، فإن جدد للنسك الآخر نية صح أيضا، و إلا فلا، و في الخلاف إذا قرن بين العمرة و الحج في إحرامه لم ينعقد إحرامه إلا بالحج، فان أتى بأفعال الحج لم يلزمه دم، و إن أراد أن يأتي بأفعال العمرة و يحل و يجعلها متعة جاز ذلك، و يلزمه الدم، و بمعناه ما في المبسوط من أنه متى أحرم بهما يمضي في أيهما شاء، و ما في الجامع من أنه من كان فرضه المتعة قضى العمرة ثم حج و عليه دم، و إن كان فرضه الحج فعله و لا دم عليه، و كأنهما أرادا المعنى الأخير، و أن قصده إلى ثاني النسكين عزم لا نية، و لا ينافي صحة الأول و نيته، و إن أرادا أحد المعنيين الأولين- بناء على أن الإحرام بهما إحرام بأحدهما و زيادة فغاية الأمر إلغاء الزائد لا إبطالهما جميعا- فيرد عليهما أنه حينئذ نوى عبادة مبتدعة، كما إذا نوى بركعة من صلاته أنها من صلاتي الظهر و العصر جميعا، و إن أرادا المعنى الباقي احتمل البطلان، لأن الذي قصده من عدم التحلل في البين مخالف للشرع و الصحة بناء على أنه أمر خارج عن النسك، و الواجب انما هو نيته، و لا ينافيها نية خارج مخالف للشرع، بل غايتها اللغو، مع أن عدم التحلل في البين مشروع في الجملة، و لأنه لا يبطل العمرة بل يقلبها حجة» و هو على طوله و جعله له تحقيقا مقابلا لما سمعت لا يخرج عما ذكرناه، على أن بعضه لا يخلو من

ج 18، ص: 100

نظر، خصوصا الأخير، ضرورة عدم مدخلية للدخول و الخروج في المعنى الابداعي و التشريعي المقتضي لفساد النية الذي هو محل البحث من غير مدخلية لوقوع ذلك منه بعد و عدمه، و فرض جوازه خروج عن محل البحث الذي هو نية التشريع و الابداع، و ما وقع من الشيخ و يحيى بن سعيد يمكن أن يكون مبنيا على بحث آخر، و هو وجوب تعيين العمرة و الحج في الإحرام، أو يجزي إيقاعه لهما بمعنى عدم تعيين أحدهما، و في بعض النصوص (1)دلالة على جوازه، و ربما تسمع الكلام فيه إن شاء اللَّه، و هو غير ما نحن فيه، و يؤيده ما عن الشيخ في الخلاف من الإجماع على عدم جواز القران الظاهر في إرادة الفساد فيهما، و اللَّه العالم.

[في عدم جواز إدخال أحدهما على الآخر]

و كذا لا يجوز إدخال أحدهما على الآخر بأن ينوي الإحرام بالحج قبل التحلل من العمرة، أو بالعمرة قبل الفراغ من أفعال الحج، أتم الأفعال بعد ذلك أم لا، لأنه بدعة، و إن جاز نقل النية من أحدهما إلى الآخر اضطرارا أو اختيارا، و حكمنا بانقلاب العمرة حجة مفردة إن أحرم بالحج قبل التقصير، و لعل العمدة في ذلك ما قيل من أن الحكم المزبور كأنه إجماعي، بل عن الخلاف و السرائر دعواه صريحا، و إلا فلا دليل على بطلانهما معا أو أحدهما بذلك مع فرض إتمام الأفعال، و عدم صدور غير النية منه، بل لعل إطلاق الأدلة يقتضي الصحة، و القياس على إحرام العصر مثلا في أثناء الظهر ليس من مذهبنا، على أن البحث في فساد الظهر حينئذ معروف و ان كبر للإحرام للعصر في أثنائها، لعدم كون ذلك زيادة ركن فيها، و توقيفية العبادة لا ينافي الاستدلال على صحتها بالأصل و الإطلاق بناء على الأعمية، و قوله تعالى (2):


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 101

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ» لا يقتضي الفساد بالنية المزبورة، كما أن

صحيح عبد اللَّه بن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) أنه سأله «عن رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج قال: يستغفر اللَّه تعالى»

لا دلالة فيه على ذلك أيضا، خصوصا بعد ما في المدارك في المسألة من أنه متى امتنع الإدخال وقع الثاني فاسدا إلا إذا وقع الإحرام بالحج بعد السعي و قبل التقصير من العمرة فإنه يصح في المشهور، و تصير الحجة مفردة و من الغريب استدلاله بالصحيح الوارد في النسيان المعلوم إرادة الندب من الاستغفار فيه، مع ذكره الحكم المزبور في العمد فضلا عنه، و لكن مما ذكره يعلم كون المراد بعدم الجواز الذي هو معقد الإجماع المذكور الفساد في الداخل لا فيهما معا، فينبغي الاقتصار في الحكم المخالف للإطلاق المتقدم عليه، بل يمكن الاستدلال عليه حينئذ بظهور الأدلة في عدم مشروعية الإحرام جديدا مثل الإحلال من الإحرام الأول إلا في الصورة المزبورة التي ستعرف البحث فيها إن شاء اللَّه، و لعله لما ذكرنا حكي عن الجمهور أجمع جواز إدخال الحج على العمرة، و اختلفوا في العكس، لكن قد عرفت الإجماع منا على عدم الجواز مطلقا، و كفى به دليلا للحكم على الوجه المزبور، و اللَّه العالم.

[في عدم جواز الجمع بين حجتين و لا عمرتين ]

و كذا لا يجوز نية حجتين و لا عمرتين فيه فصاعدا، لأنه بدعة كالقران بين الحج و العمرة الذي قد عرفت انحصار دليل البطلان فيه بالتشريع المشترك بين الجميع و حينئذ ف لو فعل ذلك على وجه يقتضي التشريع في النية بطلا معا كما عن الفاضل التصريح به، و لكن قيل هنا و القائل الشيخ فيما حكي من خلافه تنعقد واحدة منهما مدعيا الإجماع عليه، و به قال الشافعي، و صححهما أبو حنيفة، و أوجب عليه قضاء أحدهما، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 102

أحرم بها و لم يتمها، إلا أن الجميع كما ترى و إن قال المصنف هنا فيه تردد إلا أنه في غير محله مع فرض كون النية على جهة التشريع، و إلا فلا تردد أيضا في صحة الأولى التي قارنتها نيتها، و أما الثانية فإن جمعت شرائطها التي منها مقارنة النية لأول أفعالها صحت أيضا، و إلا فلا، كما هو واضح، و منه يظهر لك النظر فيما ذكره في المسالك من وجهي التردد، و اللَّه العالم.

[المقدمة الرابعة في المواقيت ]
اشاره

المقدمة الرابعة في المواقيت جمع ميقات، و المراد به هنا حقيقة أو توسعا مكان الإحرام و على كل حال ف الكلام الآن في أقسامها و أحكامها و تعدادها، فنقول:

[في أقسام المواقيت ]
اشاره

المواقيت خمسة كما عن المنتهى و التحرير أو ستة كما في القواعد و غيرها بل قيل هو المشهور، أو سبعة كما هو مقتضى بعض العبارات أيضا، أو عشرة كما في الدروس، إذ لكل اعتبار، أما الأول فباعتبار تعيين الأمكنة المخصوصة، كما

قال الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (1): «الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، لا ينبغي لحاج و لا لمعتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها، وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و هو مسجد الشجرة، يصلي فيه و يفرض الحج، و وقت لأهل الشام الجحفة، و وقت لأهل نجد العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل و وقت لأهل اليمن يلملم، و لا ينبغي لأحد ان يرغب عن مواقيت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

و الثاني باعتبار ذكره في التوقيت و إن لم يكن مكانا مخصوصا، كما في

صحيح معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، لا تجاوزها إلا و أنت محرم،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 18، ص: 103

فإنه وقت لأهل العراق- و لم يكن يومئذ عراق- بطن العقيق من قبل العراق، و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و

وقت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة، و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله»

و الثالث باعتبار زيادة الإحرام من مكة، و الرابع زيادة فخ لحج الصبيان، و محاذاة الميقات لمن لم يمر به، و ادنى الحل أو مساواة أقرب المواقيت إلى مكة لمن لم يحاذ ميقاتا، بل يمكن جعلها احد عشر بنوع من الاعتبار أيضا إذا جعل الأخير مغايرا لأدنى الحل، و الأمر في ذلك سهل كسهولة الاختلاف في التعبير عن السادس بدويرة الأهل أو بمكة لحج التمتع، بل في بعض العبارات كالنافع و القواعد ذكرهما معا مع فرضها ستة، فيحتمل كون الزائد عليها منهما دويرة الأهل كما يفهم من بعض، لأن المنزل الأقرب غير محدود، و يفهم من عبارة المصنف كونه الآخر حيث عد من الستة الدويرة بدله، إلى غير ذلك من الكلمات التي لا يترتب عليها ثمرة يعتد بها.

نعم لم أجد من ذكر التنعيم و الجعرانة و الحديبية من المواقيت مع تصريح النصوص بالإحرام للعمرة منها، و لعلها هي أماكن مخصوصة على ادنى الحل، إلا انه يفهم من بعض اختلافها في القرب و البعد.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في الخمسة بل و الستة بل عن جماعة الإجماع عليه بل قيل إنه كذلك عند العلماء كافة إلا من مجاهد في دويرة الأهل، فجعل بدلها مكة، و احمد في إحدى الروايتين في مكة لحج التمتع، فقال: يخرج من الميقات و يحرم منه، و نصوصنا(1)مستفيضة أو متواترة في خلافهما، كاستفاضتها

في توقيت الستة من رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و ما عن بعض العامة من ان العقيق منها لم


1- 1 الوسائل- الباب- 17 و 21- من أبواب المواقيت.

ج 18، ص: 104

يكن بتوقيت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لأنه لم يكن يومئذ مسلم في العراق واضح الفساد و قد سمعت التصريح من الصادق (عليه السلام) بأنه (صلى اللَّه عليه و آله) وقته و لم يكن يومئذ عراق، و لعله لعلمه (صلى اللَّه عليه و آله) بصيرورتهم مسلمين، أو لمن يمر منهم عليه.

[في بيان ميقات أهل العراق ]

و على كل حال ف لأهل العراق و من يمر عليه من غيرهم العقيق إجماعا و نصا، و هو في اللغة كل واد عقه السيل أي شقه فأنهره و وسعه، و سمي به أربعة أودية في بلاد العرب، أحدها الميقات، و هو وادي يندفق سيله في غوري تهامة كما عن تهذيب اللغة و المشهور أن أفضله المسلخ و هو أوله، كما في خبري أبي بصير أحدهما(1)عن الصادق (عليه السلام) و الآخر(2)عن أحدهما (عليهما السلام)، و هو بالسين و الحاء المهملتين واحد المسالح، و هي المواضع العالية، أو بالخاء المعجمة، و هو موضع النزع، لأنه ينزع فيه الثياب للإحرام، فتكون التسمية حينئذ متأخرة عن وضعه ميقاتا، و دليل الأفضلية الأخبار(3)و الإجماع كما في كشف اللثام، لكن ستسمع من

النصوص (4)ما يقتضي كون أوله ما دون المسلخ بستة أميال، و في النصوص (5)أن أوله الأفضل، و لعل الاحتياط في التأخير هذا المقدار جمعا بين النصوص و الاحتمالات و تحصيلا ليقين البراءة، و لذا قطع به الأصحاب و يليه في الفضل أوسطه آ غمرة بالغين المعجمة و الراء المهملة و الميم الساكنة، منهل من مناهل مكة، و هو فصل ما بين نجد و تهامة كما عن الأزهري، و عن فخر الإسلام أنها سميت بها


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المواقيت.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المواقيت.

ج 18، ص: 105

لزحمة الناس فيها، و على كل حال فلم أجد في النصوص ما يقتضي كونها تلي المسلخ في الفضل، بل ستسمع في النصوص ما يقتضي خروجها عن العقيق و إن كان المعروف بين الأصحاب أنها أوسطه، نعم في كشف اللثام يمكن حمل صحيح عمر ابن يزيد(1)و خبر أبي بصير(2)عن أحدهما (عليهما السلام) الآتيين على شدة كراهية تأخير الإحرام عن غمرة، و الأمر سهل.

و آخره ذات عرق جبل صغير، أو قليل من الماء، أو قرية خربت و يجوز الإحرام من جميع مواضعه اختيارا كما هو ظاهر النص و الفتوى، بل عن الناصرية و الخلاف و الغنية الإجماع عليه،

قال الصادق (عليه السلام) في مرسل الصدوق (3): «وقت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لأهل العراق(4)

العقيق، و أوله المسلخ و وسطه غمرة، و آخره ذات عرق، و أوله أفضل»

و نحوه عن كتاب فقه الرضا (عليه السلام)

و قال أيضا في خبر أبي بصير(5): «حد العقيق أوله المسلخ، و آخره ذات عرق»

و كتب

يونس بن عبد الرحمن (6)الى أبي الحسن (عليه السلام) «إنا نحرم من طريق البصرة و لسنا نعرف حد عرض العقيق فكتب (عليه السلام) أحرم من وجرة»

و عن الأصمعي وجرة بين مكة و البصرة، و هي أربعون ميلا ليس فيها منزل، و

قال الكاظم (عليه السلام) لإسحاق بن عمار(7)«كان أبي مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت- الحديث 9.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 8.

ج 18، ص: 106

رجع و بلغ ذات عرق أحرم بالحج»

لكن عن ظاهر الصدوقين و الشيخ في النهاية عدم جواز الإحرام من ذات عرق منه إلا لتقية أو مرض و لعله للجمع بين ما سمعته و بين

صحيح عمر بن يزيد(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «وقت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة»

، و صحيح معاوية بن عمار(2)عنه (عليه السلام) أيضا «أول العقيق بريد البعث، و هو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراق و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان»

و في حسنه الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «آخر العقيق بريد أوطاس، و قال بريد البعث دون غمرة ببريدين»

و في

مرسل ابن فضال (4)عنه (عليه السلام) أيضا «أوطاس ليس من العقيق»

و خبر أبي بصير(5)«حد العقيق ما بين المسلخ إلى عقبة غمرة»

بل قد يرشد إلى حمل الخبرين الأولين على التقية

خبر الحميري (6)المروي عن الاحتجاج فيما كتبه الى صاحب الزمان عجل اللَّه فرجه يسأله «عن الرجل يكون مع بعض هؤلاء و يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخر إحرامه إلى ذات عرق فيؤخر إحرامه لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز ان يحرم إلا من المسلخ؟

فكتب إليه في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره»

و في كشف اللثام لا ريب انه أحوط.

قلت: لعل الوجه في الجمع بين النصوص المزبورة بعد تعارف إحرام العامة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت الحديث 10.

ج 18، ص: 107

من ذات عرق ما عن ابن إدريس من انه وقت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لأهل العراق العقيق، فمن أي جهاته و بقاعه أحرم فيعقد الإحرام منها، إلا ان له ثلاثة أوقات أولها المسلخ، و هو أفضلها عند ارتفاع التقية، و أوسطها غمرة، و هو يلي المسلخ في الفضل عند ارتفاع التقية، و آخرها ذات عرق، و هي أدونها في الفضل إلا عند التقية و الشناعة و الخوف، فذات عرق هي أفضلها في هذا الحال و حينئذ فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل و التقية، على ان بعض النصوص المزبورة لا دلالة فيه على خروج ذات عرق من العقيق الذي قد عرفت إطلاق النصوص كونه ميقاتا لأهل العراق.

ثم لا يخفى عليك وجوب حصول العلم أو ما يقوم مقامه شرعا في معرفة الوقت الذي وقته رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لكن ذكر غير واحد من الأصحاب هنا الاكتفاء في معرفة هذه المواقيت بالشياع المفيد للظن الغالب، و لعله ل

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «يجزيك إذا لم تعرف العقيق أن تسأل الناس و الأعراب عن ذلك»

[في بيان ميقات أهل المدينة]

و لأهل المدينة مسجد الشجرة كما في النافع و القواعد و محكي الجامع و المقنعة و الناصريات و جمل العلم و العمل و الكافي و الإشارة، و فيها انه ذو الحليفة بل عن الناصريات الإجماع على ذلك، و عن المعتبر و المهذب و كتب الشيخ و الصدوق و القاضي و سلار و ابني إدريس و زهرة و التذكرة و المنتهى و التحرير ان ميقاتهم ذو الحليفة، و انه مسجد الشجرة كما في حسن الحلبي (2)السابق، بل عن ابن زهرة منهم الإجماع على ذلك، و في

صحيح ابن رئاب (3)المروي عن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 7.

ج 18، ص: 108

قرب الاسناد عنه (عليه السلام): «وقت لأهل المدينة ذا الحليفة و هي الشجرة»

و في

خبر قرب الاسناد عن علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المروي عنه أيضا «وقت رسول

اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لأهل المدينة ذا الحليفة، و هي الشجرة»

و في

صحيح ابن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء»

و في

المروي (3)عن العلل انه سئل الصادق (عليه السلام) «لأي علة أحرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) من مسجد الشجرة و لم يحرم من موضع دونه؟ فقال: إنه لما أسري به إلى السماء و صار بحذاء الشجرة نودي يا محمد فقال (صلى اللَّه عليه و آله): لبيك، قال: أ لم أجدك يتيما فآويتك و لم أجدك ضالا فهديتك، فقال النبي (صلى اللَّه عليه و آله): إن الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك، فلذلك أحرم من الشجرة دون المواضع كلها»

بل عن شرح الإرشاد للفخر «و يقال لمسجد الشجرة ذو الحليفة و كان قبل الإسلام اجتمع فيه أناس و تحالفوا» و نحوه عن التنقيح، و لعله يرجع إلى ما عرفت ما في اللمعة و محكي الوسيلة من ان الميقات ذو الحليفة كما في جملة من النصوص بناء على ما عرفت انه مسجد الشجرة، نعم في الدروس انه ذو الحليفة، و أفضله مسجد الشجرة، و الأحوط الإحرام منه، بل عن الكركي ان جواز الإحرام من الموضع المسمى

بذي الحليفة و ان كان خارجا من المسجد لا يكاد يدفع، و لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 9 و فيه « و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة. إلخ»
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 13 مع الاختلاف

ج 18، ص: 109

لإطلاق أكثر النصوص.

و لكن فيه ما عرفت من ان مقتضى الجمع بينها تعين المسجد، و حينئذ فلو كان المحرم جنبا أو حائضا فقد صرح جملة من الأصحاب بالإحرام به مجتازين فان تعذر الاجتياز أحرما من خارجه، و لعله لأن ذلك ليس من افراد الضرورة التي يسوغ معها تأخير الإحرام إلى الجحفة، لأنها المشقة لمرض أو ضعف كما ستعرف، كما ان

قول الصادق (عليه السلام) في خبر يونس (1): «و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة»

الوارد في كيفية إحرام الحائض يراد منه عدم اللبث به للإحرام.

نعم قد يقال بمشروعية التيمم حينئذ للجنب و الحائض بعد انقطاع دمها و تعذر الغسل مع فرض تعين الإحرام منه، لعموم ما دل على قيام الصعيد مقام الماء، و لعل مراد القائل بالإحرام من خارج مع فرض تعذر أصل الدخول فيه لغير حدث الجنابة مثلا، كما انه قد يقال بوجوب تأخير الإحرام مع فرض سعة الوقت إلى حين الطهارة، تحصيلا للإحرام من ميقاته، اللهم إلا ان يقال بعدم وجوب الإحرام من نفس المسجد، و انما الواجب منه أو مما يحاذيه لا دونه و لا متجاوزا عنه كما ستسمع احتماله إن شاء اللَّه.

و على كل حال فقد ظهر لك على المختار ان المدار البقعة الخاصة من ذي الحليفة، أو هو ذو الحليفة، و هي معلومة معروفة على وجه لا شك فيها الى زماننا هذا، فان مسجد الشجرة معلوم عند المترددين، فالاطناب في البحث حينئذ عن ذي الحليفة- و انه موضع على ستة أميال عن المدينة، و هو ماء لبني جشم كما عن القاموس، و عن تحرير الندوى (النووي خ ل) على نحو ستة أميال عن


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 110

المدينة، و قيل سبعة و قيل أربعة، و من مكة نحو عشر مراحل، و نحو منه عن تهذيبه، و عن المصباح المنير هو ماء من مياه بني جشم ثم سمي به الموضع، و هو ميقات أهل المدينة نحو مرحلة منها، و يقال على ستة أميال، و يقال على ثلاثة، و يقال على خمسة و نصف، و عن المبسوط و التذكرة انه مسجد الشجرة و انه على عشر مراحل من مكة، و عن المدينة ميل، و وجه بأنه ميل إلى منتهى العمارات في وادي العقيق التي ألحقت بالمدينة، و في

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «من اقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء»

و عن

معاني الاخبار(2)قال أبو جعفر (عليه السلام) لعبد اللَّه بن عطاء: «إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كان من أهل المدينة، و وقته من ذي الحليفة، و إنما كان بينهما ستة أميال»

و عن السمهودي في خلاصة الوفاء «قد اختبرت فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر ألف ذراع و سبعمائة ذراع و اثنان و ثلاثون ذراعا و نصف ذراع»- لا فائدة فيه الآن لما عرفته من معلومية مسجد الشجرة الآن، و اللَّه العالم.

و كيف كان فهذا ميقاتهم مع الاختيار و أما عند الضرورة التي هي المرض و الضعف ف الجحفة كما صرح به غير واحد، بل لا أجد في جوازه معها خلافا، و هي موضع على سبع مراحل من المدينة، و ثلاث عن مكة، و بينها و بين البحر ستة أميال، و قيل ميلان، و لعله لاختلاف البحر باختلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المواقيت- الحديث 5.

ج 18، ص: 111

الأزمنة، و قيل انها كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلا من مكة، و عن المصباح المنير منزل بين مكة و المدينة قريب من رابغ بين بدر و خليص.

و على كل حال فهي كما في جملة من النصوص المهيعة و انما سميت الجحفة لإجحاف السيل بها و بأهلها، و كيف كان فجواز الإحرام منها

في الحال المزبور مع أنه لا خلاف فيه كما عرفت يدل عليه النصوص، ك

خبر أبي بكر الحضرمي (1)عن الصادق (عليه السلام) «اني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا، فجعل أهل المدينة يسألون مني فيقولون لقيناه و غلية ثيابه و هم لا يعلمون و قد رخص رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لمن كان مريضا أو ضعيفا ان يحرم من الجحفة»

و خبر أبي بصير(2)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: خصال عابها عليك أهل مكة قال: و ما هي؟ قلت قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أحرم من الشجرة، فقال: الجحفة أحد الوقتين، و أخذت بأدناهما و كنت عليلا»

و صحيح الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا «من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما»

بل قد يظهر من الخبرين المزبورين جوازه اختيارا كما عن ظاهر الجعفي و ابن حمزة، بل هو مقتضى إطلاق نفي البأس عن الإحرام منها في صحيح آخر(4)و كونها ميقاتا لأهل المدينة في خبر آخر(5)أيضا.

إلا ان الذي يقتضيه الجمع بين ذلك و بين ما يفهم منه الرخصة في خبر أبي بكر الحضرمي بل و

قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «و كنت عليلا»

المؤيدين


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المواقيت الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المواقيت الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المواقيت الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المواقيت الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 5.

ج 18، ص: 112

بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل قد يقوى الظن بإرادة بيان أصل مشروعية الإحرام منها و انها أحد المواقيت في الجملة في النصوص المزبورة، فلا معارضة حينئذ، نعم قد يقال بالتخيير في الحال المزبور بين تأخير الإحرام إليها و بين الإحرام من المسجد مع فعل ما يضطر اليه و الفداء عنه كما نص عليه في المسالك.

ثم لا يخفى عليك ان الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأول و إلا فلو عدل عن طريقه و لو من المدينة في الابتداء جاز و أحرم منها اختيارا لأنها أحد الوقتين، و ما في

خبر إبراهيم بن عبد الحميد(1)سأل الكاظم (عليه السلام) «عن قوم قدموا المدينة فخاف أكثرهم البرد و كثرة الأيام و أرادوا ان يأخذوا منها إلى ذات عرق فيحرموا منها فقال: لا- و هو مغضب- من دخل المدينة فليس له ان يحرم إلا من المدينة»

محمول على ضرب من الكراهة.

بل الظاهر جواز الإحرام منها أيضا لو أخر عنه بعد المرور عليه إلى ميقات آخر اختيارا و إن أثم بذلك، للنهي عن مجاوزة الميقات بلا إحرام من غير علة، وفاقا لصريح جماعة، لصدق الإحرام من الميقات الذي هو وقت لكل من يمر عليه، و إن كان آثما بعدم إحرامه أولا عند المرور على الأول، الا أن ذلك لا يخرجه عن صدق اسم المرور على الثاني، مضافا إلى إطلاق نفي البأس عن الإحرام منه، و تقييد الحكم التكليفي لا يقتضي تقييد الحكم الوضعي المستفاد من ظاهر النصوص، و من هنا قال بعض الناس، انه ينبغي القطع بذلك، فما وقع من بعض المتأخرين من احتمال عدم المشروعية له بل ظاهر آخر الميل إلى العدم في غير محله.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 18، ص: 113

[في بيان ميقات لأهل الشام و لأهل اليمن و لأهل الطائف ]

و لأهل الشام و مصر و المغرب الجحفة أيضا اختيارا ان لم يمروا بذي الحليفة بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى.

و كذا لأهل اليمن جبل أو واد يقال له يلملم و ألملم و يرمرم، و هو على مرحلتين من مكة.

و لأهل الطائف قرن المنازل بفتح القاف و سكون الراء المهملة، خلافا للمحكي عن الجوهري ففتحها، و زعم أن أويس القرني منسوب اليه، و في كشف اللثام اتفق العلماء على تغليطه فيهما، و انما أويس من بني قرن بطن من مراد بخلاف ما نحن فيه، فإنه جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة و يقال له قرن الثعالب و قرن بلا إضافة، و عن بعض ان قرن الثعالب غيره، و انه جبل مشرف على أسفل منى، بينه و بين مسجدها ألف و خمسمائة ذراع، و الأمر في ذلك سهل بعد معلومية المكان المخصوص لدى المترددين، و في بعض رواياتنا(1)و روايات العامة(2)انه وقت أيضا لأهل نجد، إلا ان المعروف في نصوصنا(3)ان وقتهم العقيق، و يجوز ان يكون لنجد طريقان، فلا تنافي حينئذ، و الأمر سهل.

و ميقات من منزله أقرب من الميقات منزله بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه بل عن المنتهى انه قول أهل العلم كافة إلا مجاهدا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك النصوص المستفيضة، ك

صحيح معاوية بن عمار(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله»

و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 26 إلى 29.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 18، ص: 114

التهذيب أنه في حديث آخر(1)«إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله»

و بمعناه

صحيح مسمع (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله»

بناء على أن لا ميقات دونها، و كذا

صحيح عبد اللَّه بن مسكان (3)حدثني أبو سعيد قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة قال: يحرم منه»

إلى غير ذلك من النصوص المتفقة في الدلالة على اعتبار القرب من مكة كما صرح به غير واحد من الأصحاب.

خلافا للمصنف عن موضع من المعتبر فاعتبر القرب إلى عرفات، و لم نقف له على دليل، و إن كان قد يؤيده الاعتبار فيما إذا كان الإحرام بالحج الذي لا يتوقف على الدخول إلى مكة، بخلاف ما إذا كان للعمرة التي لا مدخلية لها بعرفات، و لعله لذا قال في المسالك لولا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة، و في الحج بعرفة، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت بل جزم أول الشهيدين في اللمعة باعتبار القرب إلى عرفات في حج الافراد لغير النائي، فقال: «يحج من منزله، لأنه أقرب إليها من الميقات مطلقا، إذ أقرب المواقيت إلى مكة مرحلتان هي ثمانية و أربعون ميلا، و هي منتهى مسافة حاضري مكة» و أشكله في الروضة بإمكان زيادة منزله بالنسبة إلى عرفات و المساواة، فيتعين الميقات فيهما، و الجميع كما ترى، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص المصرح فيه باعتبار القرب إلى مكة.

نعم يبقى الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور المقتضي للمغايرة، لكن عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر الأكثر الإحرام منها


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت- الحديث 4.

ج 18، ص: 115

بالحج، لإطلاقهم الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو وراءه، بل في الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب قال: بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كما حكاه في الذخيرة عن التذكرة، قلت: و يؤيده

النبوي (1)«فمن كان دونهن فمهله من أهله»

بل و

المرسل (2)«عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: من منزله»

لكن قد سمعت سابقا في الصحيحين (3)الواردين في المجاور أمره بالإحرام بالحج من الجعرانة، و هو بإطلاقه شامل لمن انتقل فرضه إلى فرض أهل مكة أم لا، و يمكن أن يقيد بالأخير، أو يجعل ذلك من خصائص المجاور كما في الحدائق، أو يحمل على الأفضل لبعد المسافة، و حينئذ فالمراد بالإحرام من المنزل رخصة لا عزيمة، و لذا كان المحكي عن الكافي و الغنية و الإصباح أن الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من الميقات، و في كشف

اللثام وجهه ظاهر، لبعد المسافة و طول الزمان.

و كل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه و هو واضح خ ل).

[في كفاية المحاذاة]

و لو حج على طريق لا يقضي إلى أحد المواقيت قيل و القائل جمع من الأصحاب كما في المدارك يحرم إذا غلب على ظنه محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة لأصل البراءة من المسير إلى الميقات و الإحرام من محاذاة الأبعد، و اختصاص نصوص المواقيت في غير أهلها بمن أتاها، و ل

صحيح ابن سنان(4)


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 29.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المواقيت- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5 و الباب 10 منها- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المواقيت- الحديث 3.

ج 18، ص: 116

عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من أقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له أن يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة مسيرة ستة أميال فليحرم منها»

إلا أن الجميع كما ترى لا دلالة فيه على الإحرام من محاذاة الأقرب إلى مكة و لعله لذا فسر ثاني الشهيدين العبارة بغير ذلك، قال في شرحها: «موضع الخلاف ما لو لم يحاذ ميقاتا فإنه يحرم عند محاذاته علما أو ظنا، لصحيحة عبد اللَّه بن سنان عن الصادق (عليه

السلام)، و معنى غلبة الظن بمحاذاة أقرب المواقيت حينئذ بلوغ محل بينه و بين مكة بقدر ما بين مكة و أقرب المواقيت إليها، و هو مرحلتان علما أو ظنا، و وجه هذا القول أن هذه المسافة لا يجوز لأحد قطعها إلا محرما من أي جهة دخل، و انما الاختلاف يقع فيما زاد عليها، فهي قدر متفق عليه، و الوجه الآخر أنه يحرم من أدنى الحل عملا بأصل البراءة من الزائد، و الأول أقوى» و في المدارك «و هذا المعنى بعيد من اللفظ، فان الظاهر من اعتبار محاذاة أقرب المواقيت إلى مكة أنه مع تعدد المواقيت التي يتحقق محاذاتها في الطريق يجب الإحرام من محاذاة أقربها إلى مكة دون الأبعد، و ما ذكره قدس سره خلاف معنى المحاذاة، فتأمل».

قلت: لكن إقامة الدليل عليه حينئذ في غاية الصعوبة، إذ لم نعثر إلا على صحيح ابن سنان، و هو يقتضي خلافه، بل لم نتحقق القائل الذي حكاه حينئذ في ذلك، إذ المحكي عن ابن إدريس أنه أطلق إذا حاذى أحد المواقيت أحرم من المحاذاة، و ابن سعيد أن من قطع بين الميقاتين أحرم بحذاء الميقات، بل عن المبسوط التصريح باعتبار أقرب المواقيت اليه، و هو خيرة الفاضل في المحكي من منتهاه، بل قال: «و الأولى أن يكون إحرامه بحذاء الأبعد من المواقيت من مكة، فإن كان بين ميقاتين متساويين في القرب إليه أحرم من حذو أيهما شاء» و في المدارك بعد أن حكى عن الفاضل ما سمعت قال: «و ما ذكره المصنف أجود

ج 18، ص: 117

اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق» قلت: لا ريب أن مقتضى الصحيح وجوب الإحرام من محاذاة أول المواقيت، بل لعل الظاهر منه بعد إلغاء خصوصية مسجد الشجرة خصوصا على ما رواه في كشف اللثام أن المحاذاة المزبورة لكل ميقات من المواقيت، فيراد حينئذ بالميقات هو تحديد أول الإحرام من ذلك المكان أو ما يحاذيه لا خصوصيته.

و من هنا اتجه للأصحاب إطلاقهم عدم إيجابهم المرور به و إن كان متمكنا من ذلك، إذ لو كان هو شرطا في صحة الإحرام وجب المرور به تحصيلا للإحرام الصحيح، و بذلك ظهر لك أنه لا وجه للمناقشة في الحكم المزبور في المدارك و أتباعها، حتى قال: المسألة قوية الاشكال، و الاحتياط للدين يقتضي المرور على الميقات و الإحرام منه تبعا للمنقول، و تخلصا من الخلاف، بل قيل خصوصا و قال الكليني بعد أن روى الصحيح المزبور:

و في رواية(1)«يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي طريق كان»

قلت: لكنها رواية مرسلة فلا تعارض الصحيح الموافق لظاهر الأصحاب، إذ لم أجد من أفتى بظاهرها، و نسبة الحكم إلى القيل يمكن أن يكون لاعتبار أقرب المواقيت إلى مكة أو لغير ذلك، لا لاعتبار وجوب المرور بالميقات، و رواه في كشف اللثام «ثم بدا له أن يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون بحذاء الشجرة من البيداء» نعم قد يقال إن المتجه

اعتبار العلم بالمحاذاة، لكن صرحوا بكفاية الظن، و لعله للحرج و الأصل و انسياق إرادة الظن في أمثال ذلك بل لا يبعد الاجتزاء به لو تبين فساد ظنه لقاعدة الإجزاء، نعم لو تبين فساد ظنه بتقدم الإحرام على محل المحاذاة و كان لم يتجاوزه أعاد حينئذ، لكن أطلق في


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المواقيت- الحديث 2.

ج 18، ص: 118

الدروس و المسالك الإعادة لو ظهر التقدم، و عدمها لو ظهر التأخر، و هو مشكل إن لم ينزل على ما ذكرناه، لإطلاق قاعدة الاجزاء.

و لو لم يعرف حذو الميقات لا علما و لا ظنا فعن المنتهى و التحرير احتاط و أحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات إلا محرما، و أشكل بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه، و تجديد الإحرام في كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل، لأنه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل و يدفع بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه، بل قد لا ينافيه على الوجوب أيضا بناء على أن النية هي الداعي، إذ لا مشقة في استمرارها في أماكن الاحتمال فتأمل جيدا.

و كيف كان فمن التأمل فيما ذكرناه يستفاد سقوط فرض ما ذكر من انه لو سلك طريقا لم يكن فيه محاذاة لميقات من المواقيت، و إن كان قد عرفت ان فيه الاحتمالين بل القولين: الإحرام من مقدار أقرب المواقيت أو من ادنى الحل، ضرورة انه بناء على اعتبار الجهة المزبورة لا يخلو طريق منها بالنسبة إلى محاذاة ميقات منها، لأنها محيطة بالحرم.

و لعله على ذلك ينزل ما عن ابن إدريس من ان ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدة، بناء على انها تحاذي أحدها لا انها ميقات بخصوصها، و إن كان المصنف قد أشار إلى خلافه بقوله و كذا من حج في البحر في اعتبار المحاذاة المزبورة و كل من حج أو اعتمر على ميقات لزمه الإحرام منه بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى و حينئذ ف الحج قرانا أو إفرادا و العمرة تمتعا و إفرادا يتساويان في ذلك أي في الإحرام من هذه المواقيت لمن قدم مكة حاجا أو معتمرا، و قد عرفت ان مكة ميقات حج التمتع لساكنيها و غيرهم، بل هي ميقات لحج ساكنيها تمتعا كان أو غيره، بل قد عرفت ان ميقات الإحرام

ج 18، ص: 119

لمن كان منزله أقرب من الميقات منزله سواء كان بعمرة تمتع أو إفراد أو حج.

لإطلاق الأدلة، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب اعتبار الخروج إلى أدنى الحل في العمرة المفردة للقارن و المفرد بعد الحج، بل في كشف اللثام لا نعلم في ذلك خلافا، بل حكي عن المنتهى نفي الخلاف في ذلك أيضا، و لكن يستحب ان يكون من الجعرانة أو من الحديبية أو من التنعيم منه، للنصوص (1)السابقة و عن التذكرة ينبغي الإحرام من الجعرانة، فإن النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(2)اعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، لأنه (صلى اللَّه عليه و

آله) أمر عائشة(3)بالإحرام منه، فمن فاته فمن الحديبية، و الأمر سهل و إن كان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا تخلو من إشكال.

و على كل حال لا يجب من واحد منها بلا خلاف أجده و لا من احد المواقيت كما عساه يتوهم من محكي المراسم و إن كان الظاهر الجواز، بل لعله أفضل لطول المسافة و الزمان، و حينئذ فأدنى الحل رخصة لا عزيمة، نعم لا يجوز الإحرام بها من مكة أو الحرم، بل لو لا الإجماع ظاهرا على اختصاص العمرة المزبورة بذلك لأمكن القول باعتبار ذلك في كل عمرة، لإطلاق بعض النصوص(4)

[في تجريد الصبيان من فخ ]

و تجرد الصبيان من فخ و هو بئر معروف على فرسخ من مكة، و ما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2 و الباب 21 منها- الحديث 2 و الباب 22 من أبواب المواقيت.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب العمرة.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 و سنن النسائي ج 5 ص 178 و سنن البيهقي ج 5 ص 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.

ج 18، ص: 120

عن القاموس من انه موضع بمكة دفن فيه ابن عمر يمكن إرجاعه إلى ذلك، نحو ما عن النهاية الأثيرية من انه موضع عند مكة، و عن السرائر انه موضع على رأس فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن علي بن أمير المؤمنين (عليه السلام) يعني الحسين بن علي ابن الحسن بن الحسن بن الحسن بن أمير المؤمنين (عليه السلام).

و على كل حال فدليله

صحيح ابن الحر(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الصبيان من اين نجردهم؟ فقال كان أبي يجردهم من فخ»

و نحوه صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه موسى (عليه السلام)، انما الكلام في ان ذلك كناية عن جواز إحرامهم منه كما صرح به بعضهم، بل ربما نسب إلى الأكثر، بل في الرياض يظهر من آخر عدم الخلاف فيه، أو ان إحرامهم من الميقات، و لكن رخص لهم في لبس المخيط إلى فخ، فيجردون منه كما عن السرائر و المقداد و الكركي قولان، أقواهما الثاني، لعموم نصوص المواقيت و النهي عن تأخير الإحرام عنها، و عبادة الصبي شرعية أو تمرينية إذا جاء بها على نحو ما يجي ء به المكلف، و ليس في الخبرين إلا التجريد الذي لا ينافي ذلك، على ان فخ انما هو على طريق المدينة، أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرح في النص (3)بأن الإحرام من غيره كالصلاة أربعا في السفر، و احتمال حمل ادنى الحل من سائر الطرق على فخ الذي هو أدناه في طريقها بل قيل انه يعطيه كلام التذكرة واضح الضعف، و تخصيص أدلة لزوم الكفارة على الولي بما دل على الرخصة في

اللبس إلى فخ متحقق على القولين، إذ لا كلام و لا خلاف في جواز


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المواقيت- الحديث 3.

ج 18، ص: 121

الإحرام بهم من الميقات.

و أما

الصحيح (1)عن الصادق (عليه السلام) «قدموا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو إلى بطن مرثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يسعى بهم»

فقد استدل به بعضهم على المختار بناء على أن بطن مر غير خارج عن الميقات، لكن في الرياض أنه على خلافه أظهر، و لعله لخروج بطن مر عن الميقات، ثم قال: و المسألة قوية الاشكال، و حيث أن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات بل و أفضليته و أن التأخير إلى فخ انما هو على سبيل الجواز كان الإحرام بهم من الميقات أولى و أحوط، قلت مضافا إلى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخ ضعف الأطفال عن البرد و الحر و نحوهما، و ستعرف أنه متى كان ذلك في المكلف أحرم من الميقات، و جاز له اللبس للضرورة، فالمتجه حينئذ هنا ذلك أيضا، و في

خبر يعقوب (2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إن معي صبية صغارا و أنا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟

فقال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة ثم قال: فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة»

و هو ظاهر في مراعاة الميقات و لو ميقات الاضطرار، و لعل التخيير بين الجحفة و بطن مر و غيرهما لاختلاف الأزمنة و اختلاف حال الصبيان، كما أنه قد يطلق الإحرام بهم من غير الميقات على إرادة التجريد مجازا، و اللَّه العالم.

[و أما أحكامها]
اشاره

و أما أحكامها ففيه مسائل:

[المسألة الأولى حكم الإحرام قبل الميقات ]

الأولى لا خلاف بيننا بل الإجماع منا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3 مع الاختلاف، و ليس فيه« و يسعى بهم» كما تقدم في ج 17 ص 235.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.

ج 18، ص: 122

بقسميه عليه و النصوص (1)به مستفيضة في أن من أحرم قبل هذه المواقيت لم ينعقد إحرامه

قال ميسرة(2): «دخلت على أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا متغير اللون فقال لي: من أين أحرمت بالحج؟ فقلت: من موضع كذا و كذا فقال:

رب طالب خير يزل قدمه، ثم قال: أ يسرك إن صليت الظهر في السفر أربعا؟

قلت: لا، قال: فهو و اللَّه ذاك»

فما عن العامة من جواز ذلك معلوم الفساد إلا لناذر الإحرام قبل الميقات، فان عليه الإحرام منه حينئذ كما صرح به كثير، بل المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا للمعتبرة و لو بالشهرة، ك

صحيح الحلبي (3)المروي عن الإستبصار «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل جعل للَّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة، قال: فليحرم من الكوفة و ليف لله تعالى بما قال»

و خبر علي بن أبي حمزة(4)«كتبت إلى أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أسأله عن رجل جعل لله عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال: يحرم من الكوفة»

و خبر أبي بصير(5)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سمعته يقول: لو أن عبدا أنعم اللَّه تعالى عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم»

و المناقشة في السند لو سلمت في الجميع مدفوعة بالشهرة، و في الدلالة باحتمال إرادة المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان أو نحو ذلك كما ترى، على أنها لا تنافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المواقيت.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المواقيت- الحديث 5 عن ميسر إلا أن الموجود في الكافي ج 4 ص 322 ميسرة.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المواقيت الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المواقيت الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المواقيت الحديث 3.

ج 18، ص: 123

خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر في نفسه التي يجب الخروج عنها بما عرفت، سيما مع وجود النظير الذي قد مر في الصوم، فالاستناد إليها كما عن الحلي و الفاضل في المختلف بل عن المصنف الميل إليه في المعتبر بل في كشف اللثام أنه الأقوى كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم الظاهر صحة النذر بشرط أن يقع الحج و عمرة التمتع له في أشهره أي الحج إن كان نذر الإحرام لهما، لما عرفته من الإجماع على عدم جواز وقوعهما في غيرها، مضافا إلى قوله تعالى (1)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ» و النصوص المزبورة إنما جوزت الإيقاع قبل الوقت المكاني، و ذلك لا يقتضي وقوعهما في غير الوقت الزماني، و حينئذ فلو بعدت المسافة بحيث لو أحرم في أشهر الحج لم يمكنه إتمام النسك لم ينعقد النذر بالنسبة إلى المهل إن نذر الحج في ذلك العام.

أما لو كان النذر للإحرام للعمرة المفردة مثلا صح و إن لم يكن في أشهر الحج، لإطلاق الأدلة المزبورة، و لكن مع ذلك كله و الاحتياط بالإحرام أيضا من الميقات لا ينبغي تركه، خصوصا في مثل الحج الواجب و العمرة الواجبة، كما هو واضح، هذا.

و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر وجه استظهره في المسالك، لشمول النصوص لهما، لكن لا يخفى عليك أن معقد الفتاوي النذر، بل

قد يدعى أنه المنساق من النص، بل الظاهر عدم دخول اليمين فيه، كل ذا مع مخالفة المسألة للقواعد، و ينبغي الاقتصار فيها على المتيقن، و اللَّه العالم.

أو إلا لمن أراد العمرة المفردة في رجب و خشي تقضيه إن أخر


1- 1 سورة البقرة- الآية 193.

ج 18، ص: 124

الإحرام إلى الميقات، فإنه يحرم حينئذ قبله لإدراك إحرامها في رجب و إن وقع بقية أفعالها في شعبان بلا خلاف أجده فيه، بل عن المعتبر «عليه اتفاق علمائنا» و المنتهى «و على ذلك فتوى علمائنا» و في المسالك «هو موضع نص و وفاق» مضافا إلى

صحيحة معاوية بن عمار(1)«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول:

ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إلا أن يخاف فوت الشهر في العمرة»

و صحيح إسحاق بن عمار(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق أ يحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب، أو يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟

قال: يحرم قبل الوقت لرجب، فان لرجب فضلا»

و لكن الاحتياط المزبور لا ينبغي تركه أيضا، لما قيل من أنه لم يتعرض له كثير من الأصحاب، كما أنه ينبغي له تأخير الإحرام إلى آخر الشهر اقتصارا في تخصيص العمومات على موضع الضرورة و إن كان الأقوى الجواز فيه مطلقا مع خوف الفوات، لما سمعته من الأدلة، لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب، و الصحيح الأول و إن كان مطلقا إلا أنه لم أجد به عاملا في غير رجب، و لعله للعلة التي أشار الإمام (عليه السلام) إليها في الصحيح الآخر، مضافا إلى

ما روي (3)من أن العمرة الرجبية تلي الحج في الفضل،

و يكفي في إدراكها إدراك إحرامها فيه كما دل عليه الصحيح.

[المسألة الثانية حكم تأخير الإحرام عن الميقات ]

و على كل حال فمما ذكرنا يظهر لك الحال في المسألة الثانية و هي إذا أحرم قبل الميقات لم ينعقد إحرامه بلا خلاف أجده فيه، و النصوص (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب العمرة- الحديث 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المواقيت.

ج 18، ص: 125

وافية في الدلالة عليه و حينئذ ف لا يكفي مروره فيه ما لم يجدد الإحرام فيه من رأس بإنشاء نيته و عقده بالتلبية و غير ذلك مما

تسمعه في كيفية ابتداء الإحرام، كما هو واضح.

و كذا لا يجوز تأخير الإحرام اختيارا إجماعا بقسميه و نصوصا(1)نعم لو أخره عن الميقات لمانع من مرض و نحوه جاز على ما صرح به الشيخ في محكي النهاية، قال فيها: إن من عرض له مانع من الإحرام جاز له أن يؤخر عن الميقات، فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه، و لعله للحرج و

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل المحاملي(2): «إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم»

و ما مر من

قول الرضا (عليه السلام) في الصحيح لصفوان بن يحيى (3): «فلا يجاوز الميقات إلا من علة»

لكن عن ابن إدريس أن المراد من ذلك تأخير الصورة الظاهرة للإحرام من التعري و لبس الثوبين دون غيرهما، فان المرض و التقية و نحوهما لا تمنع النية و التلبية، و إن منعت التلبية كان كالأخرس، و إن أغمي عليه لم يكن هو المتأخر، قال: و إن أراد و قصد شيخنا غير ذلك فهذا يكون قد ترك الإحرام متعمدا من موضعه، فيؤدي إلى إبطال حجه بغير خلاف، و ارتضاه الفاضل في التحرير و المختلف و المنتهى على ما حكي عنه، و لعله ل

حديث (4)«الميسور لا يسقط بالمعسور»

و الخبر(5)المتقدم سابقا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المواقيت- الحديث 2 و 3 و 9 و الباب 16 منها.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب المواقيت- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المواقيت- الحديث 1.
4- 4 المروي في غوالي اللئالي.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المواقيت- الحديث 10.

ج 18، ص: 126

فيمن مر على المسلخ مع العامة و لم يمكنه إظهار الإحرام تقية المتضمن للإحرام من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه، و إذا بلغ ميقاتهم أظهره، و نفي عنه البأس في الرياض، قال: لقوة دليله مع قصور الخبرين بعد إرسال أحدهما عن التصريح بخلافه، و في المدارك بعد أن حكى ذلك عن الشيخ و الحلي قال: و فصل المصنف (رحمه اللَّه) في المعتبر تفصيلا حسنا، فقال: و من منعه مانع عند الميقات فان كان عقله ثابتا عقد الإحرام بقلبه، و لو زال عقله بإغماء و شبهه سقط عنه الحج، و لو أحرم عنه رجل جاز، و لو أخر و زال المانع عاد إلى الميقات إن تمكن و إلا أحرم من موضعه.

قلت: لا يخفى عليك ظهور كلامه أولا في موافقة ابن إدريس إلا أنه قد ينافيه ما ذكره أخيرا موافقا لما هنا من أنه لو أخره لمانع ثم زال المانع عاد إلى الميقات، فان تعذر جدد الإحرام حيث زال، و لو دخل مكة خرج إلى الميقات، فان تعذر خرج إلى خارج الحرم، و لو تعذر أحرم من مكة بل ذكر ذلك غير واحد أيضا مرسلين له إرسال المسلمات، بل في المدارك اما وجوب العود إلى الميقات مع المكنة فلا ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، و اما الاكتفاء بتجديد الإحرام من محل زوال

العذر مع تعذر العود إلى الميقات فلأن تأخيره لم يكن محرما، فكان كالناسي، و سيأتي ان الناسي يحرم من موضع الذكر مع تعذر العود إلى الميقات، إلى غير ذلك من كلماتهم، إذ لا يخفى عليك عدم انطباق الحكم المزبور على ما سمعته من ابن إدريس من كون المتأخر الصورة الظاهرة، ضرورة وقوع الإحرام من الميقات، و الأمر يقتضي الإجزاء، اللهم إلا ان يقال انه مراعي بعدم زواله مع التمكن من الرجوع، و إلا لم يجزه، لكنه لا يخلو من نظر، و لو فرض انه تعمد التأخير حتى للنية و التلبية أشكل الاجتزاء بإحرامه من زوال العذر بما ستعرفه من عدم الاجتزاء بذلك للعامد، و ان كان الحكم

ج 18، ص: 127

المزبور مبنيا على ما سمعته من الشيخ من تأخير الإحرام نفسه للعذر فقد عرفت ان ظاهر الشيخ بل و دليله اي الخبرين المزبورين الاجتزاء بالإحرام من محل زوال العذر و ان تمكن من الرجوع إلى الميقات الذي لا دليل على توقف الواجب عليه في الحال المزبور و إن تمكن، و القياس على الجاهل و الناسي ليس من مذهبنا و من ذلك يظهر لك النظر في جملة من الكلمات، و لعل الأقوى ما سمعته من ابن إدريس و أنه لا عود عليه إلى الميقات بعد زوال العذر، و انما عليه أن يأتي بما تركه من التعري و نحوه.

هذا كله إذا لم يكن في طريقه ميقات آخر، و إلا لم يجب عليه الرجوع أيضا على كل حال بناء على ما تقدم من الاجتزاء بالإحرام منه مع الاختيار فضلا عن العذر، ثم لو وجب العود عليه فتعذر ففي المدارك في وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق وجهان، أظهرهما العدم للأصل و ظاهر الروايات (1)المتضمنة لحكم الناسي، قلت: قد يشهد للآخر

صحيح معاوية بن عمار(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فقالوا: لا ندري أ عليك إحرام و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها الحج فتحرم».

بقي الكلام فيمن كان عذره الإغماء و نحوه ممن لا نية له و لا تلبية، و قد سمعت ما عن المعتبر من جواز إحرام رجل عنه مستدلا له ب

مرسل جميل (3)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 4 و الباب 55 من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 128

أحدهما (عليهما السلام) «في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف قال:

يحرم عنه رجل»

ثم قال: «و الذي يقتضيه الأصل أن إحرام الولي جائز لكن لا يجزي عن حجة الإسلام، لسقوط الفرض بزوال عقله، نعم إذا زال العارض قبل الوقوف أجزأه» و في القواعد «و لو لم يتمكن من نية الإحرام لمرض أو غيره أحرم عنه وليه و جنبه ما يجتنبه المحرم» بل حكاه في كشف اللثام عن الأحمدي و النهاية و المبسوط و المهذب و الجامع ثم قال: و هل يجديه هذا الإحرام شيئا؟

ففي النهاية و الجامع تم إحرامه، و في المبسوط ينعقد، و ظاهرها أنه يصير بذلك محرما، و نص المعتبر و المختلف و التحرير و التذكرة و المنتهى أنه إن لم يفق حتى فاته الموقفان انكشف أنه لم يكن وجب عليه، و إن أفاق قبل الوقوف أجزأ عن حجة الإسلام، لأنه يقبل النيابة و تعذر عنه بنفسه، ثم قال: و فيه أن النيابة خلاف الأصل، و انما تثبت في موضع اليقين، و قد مر أن النيابة عن الحي انما تصح باذنه، على أن هذا ليس نيابة إلا في النية، و الإحرام بالغير انما ثبت في الصبي، و هذا الخبر واحد مرسل، و غايته مشروعية هذا الإحرام، أما الاجزاء فكلا، على أنه انما تضمن الإحرام عنه، و هو يحتمل النيابة عنه، كما يحرم عن الميت و هو غير الإحرام به، و أنكر ابن إدريس هذا الإحرام، لأن الإغماء أسقط عنه النسك، و استحسن تجنبه المحرمات، و الأولى عندي أن يحرم به و يجتنب به المحرمات، فإن أفاق في الحج قبل الوقوف و أمكنه الرجوع إلى الميقات رجع فأحرم منه، و إلا فمن أدنى الحل إن أمكنه، و إلا فمن موضعه، و إن كان ميقات حجة مكة رجع إليها إن أمكنه، و إلا فمن موضعه، كل ذلك إن كان وجب عليه و إلا فوجوبه بالمرور على الميقات و خصوصا مع الإغماء غير معلوم، و كذا بهذا الإحرام، و إن أحرم به في العمرة فإن كانت مفردة انتظر به حتى يفيق، فإذا أفاق

ج 18، ص: 129

و قد أدخل الحرم رجع إلى أدنى الحل أو الميقات إن أمكنه، فأحرم إن كانت وجبت عليه و أمكنه الرجوع، و من موضعه إن لم يمكنه و ضاق وقته بأن اضطر إلى الخروج، و إن كانت عمرة التمتع فأفاق حيث يمكنه إدراكها مع الحج فعلها بإحرام نفسه، و إلا حج مفردا بإحرام نفسه كما قلنا إن كان وجب عليه حج الإسلام أو غيره، ثم اعتمر إن وجبت عليه، و إن لم يكن وجب عليه شي ء منهما تخير بينه و بين إفراد العمرة كذلك، و في كشف اللثام «و ظاهر كلامهم أنه إن كان ممن عليه حج التمتع حج الإسلام فلم يفق من الميقات إلى الموقف أحرم به و جنب المحرمات و طيف به و سعي به، ثم بعد التقصير أحرم به للحج و أجزأه ذلك و لم يجب عليه بعد الإفاقة عمرة، كما ليس عليه إحرام بنفسه، و قد مر الكلام فيمن بلغ أو أعتق قبل الوقوف، و يمكن تنزيل كلامهم على أنه ليس عليه شي ء فيما فاته من الإحرام من الميقات و إن وجب عليه بعد الإفاقة الإحرام بنفسه- ثم قال-: و على ما عرفت سابقا من أن الفرض إيقاع المناسك و الاجتناب عن المحرمات و أن النية في الإحرام انما وجبت بدليل فيقتصر على ما دل عليه فيه من التجنب، ثم إيقاعه المناسك بنفسه إذا أفاق، فيتجه ظاهر كلامهم إلا ما يعطيه ظاهر كلام الفاضلين من إيقاع أفعال عمرة التمتع به و إجزائه عنه» قلت: قد تقدم في مسألة من بلغ أو أعتق قبل الوقوفين ما يستفاد منه تحقيق الحال في ذلك كله، فلاحظ و تأمل، و منه يعلم عدم انحصار الدليل في المرسل المزبور، كما أن منه يعلم محال النظر في كلام الفاضل المذكور، و اللَّه العالم.

هذا كله في التأخير لعذر من مرض و نحوه و كذا الكلام لو ترك الإحرام ناسيا فإنه يجب عليه العود إلى الميقات مع المكنة، فإن تعذر جدده حيث زال العذر إلا أن يكون قد تجاوز الحرم، فيجب عليه الخروج إلى خارجه مع الإمكان، و إلا أحرم من مكانه بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى

ج 18، ص: 130

ففي

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل نسي الإحرام حتى دخل الحرم قال: يخرج إلى ميقات أهل أرضه، فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج فليخرج»

و في

صحيح عبد اللَّه بن سنان (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل مر على الوقت الذي

يحرم منه الناس فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة فخاف إن رجع إلى الوقت أن يفوته الحج قال:

يخرج من الحرم، و يحرم و يجزيه ذلك»

و هو و إن كان مطلقا كغيره إلا انه يجب تقييده بما دل عليه غيره من الرجوع إلى الميقات مع الإمكان، و بذلك تتفق النصوص حينئذ على المعنى المزبور، بل صريح صحيح المذكور و غيره إلحاق الجاهل بالناسي في الحكم المزبور، و لا بأس به، بل لا أجد فيه خلافا، نعم عن

بعض الأخبار(3)المنقولة عن قرب الاسناد الوارد في الجاهل «ان كان جاهلا فليبين مكانه و ليقض، فان ذلك يجزيه إن شاء اللَّه، و ان رجع إلى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده فإنه أفضل»

و هو و ان كان كالصريح بل صريح في جواز الإحرام من غير الميقات مع التمكن من الرجوع اليه إلا أن سنده غير واضح، و قاصر عن معارضة غيره من وجوه، خصوصا مع عدم القائل به، هذا.

و عن الفاضل في التذكرة و المنتهى أن من نسي الإحرام يوم التروية بالحج حتى حصل بعرفات فليحرم من هناك، مستدلا عليه ب

صحيح علي بن جعفر(4)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول اللهم

على كتابك و سنة نبيك (صلى اللَّه عليه و آله) فقد تم إحرامه»

و لا بأس به، بل لعل اقتصاره على عرفات موافقة للصحيح المزبور، و إلا فله


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 1 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت الحديث 8.

ج 18، ص: 131

تجديد الإحرام بالمشعر كما عن الشهيدين الجزم به لفحوى النصوص المزبورة و إن كان خلاف ما تشعر به بعض العبارات، سيما عبارة المصنف السابقة في الكافر إذا أسلم، إلا ان الأقوى ما ذكرنا، بل في

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) الاجتزاء مع تركه يوم التروية أصلا جهلا، قال: «سألته عن رجل كان متمتعا خرج إلى عرفات و جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلاده ما حاله؟ قال: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه»

بل قد يؤيده أيضا

مرسل جميل (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى قال: تجزيه نيته، إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و إن لم يهل»

بناء على إن المراد نية الحج بجميع أجزائه جملة لا نية الإحرام لتعذرها من الجاهل، و ستسمع تمام الكلام في ذلك إن شاء اللَّه، هذا. و ربما ظهر من المحكي عن الشيخ في النهاية

اعتبار العزم السابق على محل الإحرام، لأنه قال: فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه و لا شي ء عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام، و لعله فرض المسألة في خصوص الناسي.

و على كل حال فما ذكرنا ظهر لك إن الحكم المزبور إذا ترك الإحرام جاهلا أو ناسيا بل أو لم يرد النسك و إن مر على الميقات، لعدم وجوب الإحرام عليه لدخولها، كالحطاب و نحوه ممن يتكرر دخوله، أو دخلها لقتال ثم أراد النسك، أو لعدم ارادة دخولها بل أراد حاجة فيما سواها، فإنه لا يجب عليه الإحرام حينئذ بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك إجماع العلماء عليه، و قد اتى النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بدرا مرتين، و مر على ذي الحليفة و هو محل، و بالجملة فالمراد


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 1.

ج 18، ص: 132

من كان غير مريد النسك ممن لا يجب عليه الإحرام بالمرور على الميقات ممن عرفت بخلاف من وجب عليه ذلك، فإنه متعمد الترك، فلا يجزيه إلا الرجوع الى الميقات كما ستعرف، اما الأول فلا خلاف أجده في مساواته للناسي في الحكم المزبور، لفحوى النصوص الواردة فيه و في الجاهل، بل هو أعذر من الناسي و انسب بالتخفيف، مضافا إلى

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم فقال: يرجع إلى ميقات أهل بلده الذي يحرمون

منه، و إن خشي إن يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم»

المندرج فيه محل البحث، فما عن بعض العامة من القول بالإحرام من موضعه مطلقا واضح الضعف، ضرورة وجوب العود عليه مع التمكن منه، لإطلاق ما دل على اعتبارها في صحة الإحرام، و الفرض تمكنه من إتيان المأمور به على وجهه كما هو ظاهر.

هذا كله في الناسي و الجاهل و غير مريد النسك و كذا المقيم بمكة إذا كان فرضه التمتع كما عرفت الكلام فيه مفصلا سابقا اما لو أخره عامدا مريدا للنسك لم يصح إحرامه للحج حتى يعود إلى الميقات و حينئذ ف لو تعذر لم يصح إحرامه وفاقا للأكثر بل المشهور، بل ربما يفهم من غير واحد عدم خلاف فيه بيننا، مؤاخذة له بسوء فعله، و لا طلاق ما دل على اعتبار الوقت في صحة الإحرام المقتصر في تقييده على من عرفت، بخلاف الفرض، و إطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له كما اعترف به بعضهم، و دعوى تنزيل إطلاق دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض، بل هو اولى من وجوه، فحينئذ لا يصح إحرامه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 7.

ج 18، ص: 133

من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيفا، لما عرفت، خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين، بل قيل انه يحتمله إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره.

و على كل حال فلو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان حجه فاسدا و وجب عليه قضاؤه، بل في المسالك حيث يتعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه و يجب عليه قضاؤه و إن لم يكن مستطيعا للنسك، بل كان وجوبه بسب ارادة دخول الحرم، فان ذلك موجب للإحرام، فان لم يأت به وجب قضاؤه كالمنذور، نعم لو رجع بعد تجاوز الميقات و لم يدخل الحرم فلا قضاء عليه و إن أثم بتأخير الإحرام، و ادعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه، لكن في المدارك هو غير جيد، لأن القضاء فرض مستأنف، فيتوقف على الدليل، و هو منتف هنا، و الأصح سقوط القضاء كما اختاره في المنتهى مستدلا عليه بالأصل، و إن الإحرام مشروع لتحية البقعة، فإذا لم يأت به سقط كتحية المسجد و هو حسن، قلت: يمكن إن يريد الشهيد وجوب القضاء على تارك الإحرام من الميقات، و مع ذلك قد دخل الحرم حاجا و لو بإحرام من دونه، و الأمر سهل.

ثم إن ظاهر المتن و القواعد و غيرهما بطلان الإحرام منه و لو للعمرة المفردة و حينئذ فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات، بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك، لكن قد يقال إن المراد بطلانه للإحرام للحج لا العمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري و إن أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات، بل قيل إن الأصحاب انما صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا، و يمكن صرف ظاهر المتن و غيره اليه، و لعله الأقوى، و اللَّه العالم.

[المسألة الثالثة لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أكمل مناسكه ]

المسألة الثالثة لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أكمل مناسكه قيل و القائل ابن إدريس يقضي اي يؤدي ما كان يريد الإحرام له من حج أو

ج 18، ص: 134

عمرة إن كان واجبا، و قيل و القائل المشهور شهرة عظيمة، بل في الدروس نسبته إلى الأصحاب عدا الحلي يجزيه و هو المروي في مرسل جميل (1)عن أحدهما (عليهما السلام) السابق المنجبر سنده بما عرفت، بل و في صحيح جميل (2)بناء على ارادة ما يعم النسيان من الجهل فيه، أو انه ملحق به في الحكم، و على عدم الفرق بين إحرام الحج و غيره، مؤيدا ذلك كله بالعسر و الحرج في وجوب القضاء بالنسيان الذي هو كالطبيعة الثانية للإنسان، و يكون الإحرام كباقي الأركان التي لا يبطل الحج بفواتها سهوا إجماعا عدا نسيان الموقفين كما صرح به في المسالك، و بذلك يخرج عما يقتضي البطلان من إطلاق ما دل على اعتبار الإحرام أو عمومه على وجه يقتضي عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه مع عدمه، نعم قد سمعت التقييد في المرسل المزبور بما إذا كان قد نوى ذلك، و قد يقال إن المراد به نية الحج بجميع اجزائه، و قد سمعت أيضا عبارة النهاية.

إنما الكلام في المراد بالإحرام، فعن الشهيد أنه حكي عن ابن إدريس انه عبارة عن النية و التلبية، و لا مدخل للتجرد و لبس الثوبين فيه، و عن ظاهر المبسوط و الجمل انه أمر واحد بسيط، و هو النية، ثم قال: «و كنت قد ذكرت في رسالة إن الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة إلى إن يأتي بالمناسك، و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة- الى إن قال- فعلى هذا يحقق نسيان الإحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية» و عن الفاضل في المختلف انه ماهية مركبة من النية و التلبية و لبس الثوبين، و حينئذ فينتفي بأحد أجزائه، و عن المحقق الثاني إن المنسي إن كان نية الإحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المواقيت- الحديث 2 و هو صحيح علي بن جعفر.

ج 18، ص: 135

لم يجز، و إن كان المنسي التلبيات أجزأ، و ربما قيل انه المستفاد من المرسل المتقدم، و انه الموافق لقاعدة الاقتصار فيما خالف الأصل الآتي على المتيقن من النص و الفتوى، و هو ما عدا النية و إن كان قد يستفاد من المرسل و غيره من الاخبار الصحيحة إن المراد بالإحرام هو التلبية كما ستعرف ذلك في بحثها، بل و لقاعدة الاحتياط في المجمل، إذ قد عرفت الاختلاف في معناه، و حينئذ يتجه الفساد بترك كل ما يحتمل كونه إحراما خرج منه ما عدا النية فتوى و رواية، لاتفاقهما على الصحة في تركه، و يبقى تركها على مقتضى الفساد، إلا ان الجميع كما ترى، ضرورة إن مقتضى الرواية صحة الحج مع ترك الإحرام جهلا أو نسيانا، و الظاهر من حال الجاهل بوجوب الإحرام و الناسي له انه لم يأت بالنية و لا التلبية و لا التجرد و لا لبس الثوبين، و إذا ثبت صحة الحج مع الإخلال بذلك كله فمع البعض اولى، بل الظاهر دخول النية في الإحرام على جميع الأقوال و انما الكلام في الزيادة، فلا إشكال حينئذ في دخول تركها في الصحيح، و التقييد بما في المرسل كما ترى، إذ هو لا جابر له هنا، لخلو فتوى الأكثر عن ذلك، و انما ذكره الشيخ في النهاية، مع إن ظاهره ارادة العزم السابق لا النية المقارنة للعمل، و قد بان لك من ذلك كله تحقيق الحال، و تسمع له إن شاء اللَّه زيادة كما انه قد بان لك ضعف المحكي عن الحلي و دليله، خصوصا ما حكي عنه من الاستدلال بأنه لا عمل إلا بنية فكيف يصح الإحرام بدونها، و هو كما ترى لا يكاد يظهر له وجه، ضرورة إن مفروض المقام عدم الإحرام رأسا لا صحته بلا نية، بل إن كان المراد التعريض بما سمعته من الشيخ ففيه انك قد عرفت أن المحكي عن الشيخ أنه نية بلا عمل لا عمل بلا نية، كما انه لو أراد عدم نية بقية المناسك ففيه كون المفروض حصولها أجمع بنية، و لكن بدون إحرام. و دعوى فساد نياتها من دونه واضحة المنع بعد ما عرفت و اللَّه العالم.

ج 18، ص: 136

[الركن الثاني في أفعال الحج ]
اشاره

الركن الثاني في أفعال الحج

[تعداد الواجبات في الحج إجمالا]

و الواجب منها اثنا عشر: الإحرام، و الوقوف بعرفات، و الوقوف بالمشعر، و نزول منى و الرمي و الذبح و الحلق بها أو التقصير، و الطواف، و ركعتاه، و السعي و طواف النساء و ركعتاه على الأصح في الرمي و الحلق أو التقصير كما تعرفه في محله إن شاء اللَّه إلا إن منها ما هو ركن يبطل الحج بتركه عمدا لا سهوا إلا الوقوفين معا، فان تركهما معا و لو سهوا مبطل، و منها ما هو واجب غير ركن، و قد ذكر المصنف إن الركن منها خمسة الإحرام بالحج، و الوقوف بعرفة، و الوقوف بالمشعر، و طواف الحج و سعيه، و الشهيد في الدروس ثمانية بإضافة النية و التلبية و الترتيب مصرحا بإرادة نية الإحرام من النية، و فيه انه ينبغي أن يكون نية كل ركن لعدم الفرق، على إن البطلان حينئذ جاء من قبل فوات الركن لا منها.

و كذا الكلام في الترتيب و التلبية، بل في المسالك «و أيضا فقد تقدم إن الإحرام ليس أمرا زائدا على النية مطلقا، أو على التوطين الملزوم لها. و في ركنية التلبية خلاف و يقوى ركنيتها إن أوجبنا مقارنتها للنية و جعلنا الانعقاد موقوفا عليها كتكبيرة الإحرام، و التقريب ما تقدم في نية الإحرام، و صحيحة معاوية بن عمار(1)مشعرة بركنيتها حيث جعل تحقق الإحرام موقوفا عليها أو على الإشعار أو التقليد، و تعليق الحكم

على الوصف يقتضي عدمه عند عدمه، و الإخلال بالإحرام مبطل إجماعا» قلت: ستعرف الكلام في ذلك كله مفصلا إن شاء اللَّه بل و فيما قيل هنا أيضا من الفرق بين الركن و الفعل في الحج بأنه إذا ترك الركن ناسيا وجب إن يعود له بنفسه، فان تعذر استناب، و فسر التعذر هنا


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 20.

ج 18، ص: 137

بمعنيين: أحدهما المشقة الكثيرة و ثانيهما بنقيض الاستطاعة المعهودة، و الفعل إذا ترك نسيانا جاز أن يستنيب فيه و إن تمكن من العود، و ترك الركن عمدا يبطل، و ترك الفعل عمدا لا يبطل إذا لم يترتب عليه غيره من الأركان، فيبطل الحج من حيث ترك الركن المترتب على غيره مع ترك ذلك الغير عمدا، و إن لم يترتب على الفعل المذكور ركن لا يبطل الحج بتركه عمدا كرمي الجمار و طواف النساء، و لكن في هذا يحرم عليه النساء حتى يأتي به بنفسه، و لو كان الترك نسيانا جاز أن يستنيب اختيارا، و يحرم عليه النساء حتى يأتي به النائب.

[فيما يستحب في الحج ]
اشاره

و على كل حال فينبغي أن يعلم أولا أنه يستحب أمام التوجه إلى سفر الحج بل كل سفر الاستخارة من اللَّه تعالى في عافية على الكيفية المذكورة في محلها، و الوصية، لما في السفر من الخطر، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن أبي عمير(1): «من ركب راحلته فليوص»

و ينبغي له حينئذ قطع العلائق بينه و بين معامليه، قيل و يستحب له الغسل أيضا، و قد تقدم في الأغسال المندوبة ما يعلم منه ذلك.

و يستحب له أيضا الصدقة فقد

«كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا أراد الخروج إلى بعض أمواله اشترى السلامة من اللَّه عز و جل بما يتيسر له، و يكون ذلك إذا وضع رجله في الركاب، و إذا سلمه اللَّه تعالى فانصرف حمد اللَّه عز و جل و شكره و تصدق بما تيسر له»(2)

بل في الحدائق يستحب أن يقول عند التصدق:

«اللهم اني اشتريت بهذه الصدقة سلامتي و سلامة ما معي اللهم احفظني و احفظ ما معي، و سلمني و سلم ما معي، و بلغني و بلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل».


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.

ج 18، ص: 138

بل هي تدفع نحوسة السفر في الأيام المكروهة،

قال الصادق (عليه السلام)(1): «تصدق و اخرج أي يوم شئت»

و قال له (عليه السلام) حماد بن عثمان (2): «أ يكره السفر في شي ء من الأيام المكروهة مثل الأربعاء و غيره؟ فقال (عليه السلام):

افتح سفرك بالصدقة و اخرج إذا بدا لك و اقرأ آية الكرسي و احتجم إذا بدا لك»

و عن أحدهما (عليهما السلام)(3)«كان أبي إذا خرج يوم الأربعاء من آخر الشهر و في يوم يكرهه الناس من محاق و غيره تصدق ثم خرج».

بل هي تدفع نحوسة اليوم في الحضر أيضا،

قال الصادق (عليه السلام)(4): «من تصدق بصدقة إذا أصبح رفع اللَّه عنه نحس ذلك اليوم»

و قال ابن أبي عمير(5): «كنت أنظر في النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فيدخلني من ذلك شي ء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) فقال: إذا وقع في نفسك شي ء فتصدق على أول مسكين، ثم امض فإن اللَّه تعالى يدفع عنك».

بل قد ورد(6)في الصدقة انها تدفع البلاء و قد أبرم إبراما.

بل هي كذلك بعد الموت فضلا عن حال الحياة.

و ربما استفيد مما سمعت استحبابها مرتين: إحداهما عند إنشاء السفر، و الأخرى عند وضع رجله في الركاب مثلا، و يمكن إن يكون المراد صدقة واحدة، و لا ريب في إن تكثيرها اولى، و قد تعارف الآن الصدقة عند الخروج من باب الدار، و اخرى عند وضع رجله في الركاب، بل مقتضى الخبر الأول استحبابها بعد المجي ء سالما أيضا، و لا بأس به، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصدقة من كتاب الزكاة.

ج 18، ص: 139

و يستحب أيضا صلاة ركعتين

فعن أبي عبد اللَّه (1)عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) «ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى سفر، و يقول: اللهم إني أستودعك نفسي و أهلي و مالي و ذريتي و دنياي و آخرتي و أمانتي و خاتمة عملي إلا أعطاه اللَّه ما سأل»

و أفضل من ذلك ما عن

أمان الأخطار(2)لابن طاوس رحمه اللَّه عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) «ما استخلف العبد في أهله من خليفة إذا هو شد ثياب سفره خيرا من اربع ركعات يصليهن في بيته، يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و قل هو اللَّه أحد و يقول: اللهم إني أتقرب إليك بهن فاجعلهن خليفتي في أهلي و مالي»

بل في

صحيح الحلبي (3)«كان أبو جعفر (عليه السلام) إذا أراد سفرا جمع عياله في بيت ثم قال: اللهم إني أستودعك الغداة نفسي و مالي و أهلي و ولدي الشاهد منا و الغائب، اللهم احفظنا و احفظ علينا، اللهم اجعلنا في جوارك، اللهم لا تسلبنا نعمتك، و لا تغير ما بنا من عافيتك و فضلك».

و كذا يستحب ان يقف على باب داره ان كان، و إلا فعلى الجهة التي يريد إن يتوجه منها و يقرأ فاتحة الكتاب أمامه و عن يمينه و عن شماله و آية الكرسي كذلك

قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر الحذاء(4)المروي في الفقيه و موضع من الكافي: «لو كان الرجل منكم إذا أراد سفرا قام على باب داره تلقاء وجهه الذي يتوجه له فقرأ الحمد أمامه و عن يمينه و عن شماله و آية


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب آداب السفر- الحديث 2 عن بريد بن معاوية العجلي.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.

ج 18، ص: 140

الكرسي أمامه و عن يمينه و عن شماله ثم قال: اللهم احفظني و احفظ ما معي، و سلمني و سلم ما معي و بلغني و بلغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل حفظه اللَّه و حفظ ما معه، و بلغه و بلغ ما معه، و سلمه و سلم ما معه، اما رأيت الرجل يحفظ و لا يحفظ ما معه، و يسلم و لا يسلم ما معه، و يبلغ و لا يبلغ ما معه؟»

و رواه في الكافي في موضع آخر بزيادة قراءة المعوذتين و التوحيد أيضا أمامه و عن يمينه و عن شماله كل ذلك مضافا إلى ما ورد في آية الكرسي، و

منه (1)«ان لكل شي ء ذروة و هي ذروة القرآن، و من قرأها مرة صرف اللَّه عنه ألف مكروه من مكاره الدنيا و ألف مكروه من مكاره الآخرة،

أيسر مكاره الدنيا الفقر، و أيسر مكاره الآخرة عذاب القبر، و إني لأستعين بها على صعود الدرجة».

و إلى ما ورد أيضا في «إنا أنزلناه» و

منه (2)«لو إن رجلا حج ماشيا فقرأ إنا أنزلناه ما وجد ألم المشي، و انه ما قرأ أحد إنا أنزلناه حين يركب دابته إلا نزل منها سالما مغفورا له، و لقارئها أثقل على الدواب من الحديد»

و «لو كان شي ء يسبق القدر لقلت قارئ إنا أنزلناه حين يسافر و يخرج من منزله(3)»

و غير ذلك مما يتعذر أو يتعسر إحصاؤه، و اللَّه العالم.

و كذا يستحب ان يدعو بكلمات الفرج

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(4): «إذا خرجت من بيتك تريد الحج و العمرة إن شاء اللَّه فادع دعاء الفرج، و هو لا إله إلا اللَّه الحليم الكريم، لا إله إلا اللَّه العلي العظيم


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب السفر- الحديث 4 و فيه« من منزله سيرجع».
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.

ج 18، ص: 141

سبحان اللَّه رب السماوات السبع و رب الأرضين السبع، و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم، و الحمد لله رب العالمين».

و بالأدعية المأثورة عنهم (عليهم السلام) التي منها ما في

الصحيح المزبور، قال فيه بعد ما سمعت: «ثم قل: اللهم كن لي جارا من كل جبار عنيد و من كل شيطان رجيم، ثم قل: بسم اللَّه دخلت، و بسم اللَّه خرجت، و في سبيل اللَّه، اللهم إني أقدم بين يدي نسياني و عجلتي بسم اللَّه ما شاء في سفري هذا ذكرته أو نسيته، اللهم أنت المستعان على الأمور كلها، و أنت الصاحب في السفر و الخليفة في الأهل، اللهم هون علينا سفرنا، و اطو لنا الأرض و سيرنا فيها بطاعتك و طاعة رسولك، اللهم أصلح لنا ظهرنا، و بارك لنا فيما رزقتنا و قنا عذاب النار، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، و كآبة المنقلب، و سوء المنظر في الأهل و المال و الولد، اللهم أنت عضدي و ناصري، بك أحل و بك أسير اللهم إني أسألك في سفري هذا السرور و العمل لما يرضيك عني، اللهم اقطع بعده و مشقته، و أحجني فيه، و اخلفني في أمتي بخير، و لا حول و لا قوة إلا باللَّه العلي العظيم، اللهم إني عبدك، و هذا حملاؤك، و الوجه وجهك، و السفر إليك، و قد اطلعت على ما لم يطلع عليه أحد غيرك، فاجعل سفري هذا كفارة لما قبله من الذنوب، و كن عونا لي عليه، و اكفني دعته و مشقته، و لقني من القول و العمل رضاك، فإنما أنا عبدك و بك و لك، فإذا جعلت رجلك في الركاب فقل: بسم اللَّه الرحمن الرحيم بسم اللَّه و اللَّه أكبر، فإذا استويت على راحلتك أو استوى بك محملك فقل: الحمد للَّه الذي هدانا للإسلام، و من علينا بمحمد (صلى اللَّه عليه و آله)، سبحان اللَّه، سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين، و إنا إلى ربنا لمنقلبون، و الحمد لله رب العالمين، اللهم أنت الحامل على الظهر، و المستعان على الأمر، اللهم بلغنا ما نبلغ به إلى مغفرتك و رضوانك، اللهم لا طير إلا طيرك، و لا خير إلا

ج 18، ص: 142

خيرك، و لا حافظ غيرك»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي حمزة(1): «إن الإنسان إذا خرج و قال حين يخرج: اللَّه أكبر اللَّه أكبر ثلاثا، بالله أخرج و بالله أدخل و على اللَّه أتوكل ثلاث مرات، اللهم افتح لي في وجهي هذا بخير، و اختم لي بخير، و قني شر كل دابة أنت آخِذٌ بِناصِيَتِها، إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ لم يزل في ضمان اللَّه عز و جل حتى يرده إلى المكان الذي كان فيه»

و في المرسل (2)«كان الصادق (عليه السلام) إذا أراد سفرا قال: اللهم خل سبيلنا، و أحسن سيرنا، و أعظم عافيتنا».

بل يستحب له الدعاء بالمأثور عند الخروج من المنزل و إن لم يكن في سفر،

قال علي بن الحسين (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(3): «إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان، فإذا قال: بسم اللَّه تعالى قال له الملكان: كفيت، فإذا قال:

آمنت بالله قالا له: هديت، فإذا قال: توكلت على اللَّه تعالى قالا له: وقيت، فتتنحى الشياطين

فيقول بعضهم لبعض: كيف لنا بمن هدي و وقي و كفي، ثم قال:

يا أبا حمزة إن تركت الناس لم يتركوك، و إن رفضتهم لم يرفضوك، قلت: فما أصنع؟ قال: أعطهم من عرضك ليوم فقرك و فاقتك»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية(4): «إذا خرجت من منزلك فقل: بسم اللَّه توكلت على اللَّه لا حول و لا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك خير ما خرجت له، و أعوذ بك من شر ما خرجت له، اللهم أوسع علي من فضلك، و أتمم علي نعمتك، و استعملني في طاعتك، و اجعل رغبتي فيما عندك، و توفني على ملتك و ملة رسولك (صلى اللَّه عليه و آله)»

و قال الرضا (عليه السلام) لابن أسباط(5): «إذا خرجت من منزلك في سفر أو حضر


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 6.

ج 18، ص: 143

فقل: بسم اللَّه آمنت بالله توكلت على اللَّه ما شاء اللَّه لا حول و لا قوة إلا بالله، فتلقاه الشياطين فتضرب الملائكة وجوهها و تقول: ما سبيلكم عليه و قد سمى اللَّه تعالى و آمن به و توكل على اللَّه تعالى و قال: ما شاء اللَّه لا حول و لا قوة إلا بالله»

و قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1)المروي في الفقيه: «من قال حين يخرج

من باب داره: أعوذ بالله مما عاذت منه ملائكة اللَّه من شر هذا اليوم و من شر الشياطين و من شر من نصب لأولياء اللَّه و من شر الجن و الأنس و من شر السباع و الهوام و من ركوب المحارم كلها أجير نفسي بالله من كل شر غفر اللَّه له و تاب عليه، و كفاه اللهم، و حجزه عن السوء و عصمه من الشر»

و نحوه

في الكافي عنه (عليه السلام) أيضا إلا انه قال: «من شر هذا اليوم الجديد الذي إذا غابت شمسه لم يعد من شر نفسي و من شر غيري و من شر الشياطين»

إلى غير ذلك مما ورد من نحو ذلك.

و كيف كان فقد ظهر مما سمعته في صحيح معاوية وجه استحباب ان يقول إذا جعل رجله في الركاب: بسم اللَّه الرحمن الرحيم بسم اللَّه و بالله و اللَّه أكبر، فإذا استوى على راحلته دعا بالدعاء المأثور و

قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر إبراهيم بن عبد الحميد(2): «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إذا ركب الرجل الدابة فسمى ردفه ملك يحفظه حتى ينزل، و إن ركب و لم يسم ردفه شيطان فيقول له: تغن، فان قال له لا أحسن قال: تمن، فلا يزال يتمنى حتى ينزل و قال: من قال إذا ركب الدابة: بسم اللَّه و لا حول و لا قوة إلا باللَّه، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ - الآية(3)-


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
3- 3 سورة الأعراف- الآية 41.

ج 18، ص: 144

سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (1)حفظت له نفسه و دابته حتى ينزل»

و في

خبر علي بن ربيعة(2)المروي عن مجالس محمد بن الشيخ الطوسي «ركب علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم اللَّه، فلما استوى على الدابة قال: الحمد لله الذي أكرمنا، و حملنا في البر و البحر، و رزقنا من الطيبات، و فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا، سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين، ثم سبح اللَّه ثلاثا و حمده ثلاثا، ثم قال: رب اغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم قال: كذا فعل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

لكن في

خبر الأصبغ ابن نباتة(3)قال: «أمسكت لأمير المؤمنين (عليه السلام) الركاب و هو يريد ان يركب فرفع رأسه فتبسم (عليه السلام)، فقلت له: يا أمير المؤمنين رأيتك رفعت رأسك و تبسمت فقال: نعم يا أصبغ أمسكت لرسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كما أمسكت لي، فرفع رأسه و تبسم فسألته كما سألتني، و سأخبرك كما أخبرني، أمسكت لرسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) الشهباء فرفع رأسه و تبسم فقلت: يا رسول اللَّه رفعت رأسك و تبسمت فقال: يا علي ليس

من احد يركب الدابة مما أنعم اللَّه به عليه ثم يقرأ آية السخرة(4)ثم يقول: استغفر اللَّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه، اللهم اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إلا قال السيد الكريم: يا ملائكتي عبدي يعلم انه لا يغفر الذنوب غيري، اشهدوا اني قد غفرت له ذنوبه».

و في مرسل الصدوق (5)«كان الصادق (عليه السلام) إذا


1- 1 سورة الزخرف- الآية 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر الحديث 6 عن مجالس الحسن بن محمد الطوسي و هو الصحيح.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر الحديث 3.
4- 4 سورة الزخرف- الآية 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر الحديث 5.

ج 18، ص: 145

وضع رجله في الركاب يقول: سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و يسبح اللَّه سبعا و يحمده سبعا و يهلله سبعا»

و في

خبر عبد اللَّه بن عطاء(1)«قدم لأبي جعفر (عليه السلام) حمارا و أمسك له بالركاب فركب فقال: الحمد لله الذي هدانا بالإسلام و علمنا القرآن و من علينا بمحمد (صلى اللَّه عليه و آله)، الحمد للَّه الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين، و إنا الى ربنا لمنقلبون، و الحمد لله رب العالمين»

و قال أبو الحسن (عليه السلام) في خبر أسباط(2): «فإن خرجت برا فقل: الذي قال اللَّه سبحانه سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَ ما كُنَّا لَهُ

مُقْرِنِينَ، وَ إِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ ، فإنه ليس من عبد يقوله عند ركوبه فيقع من بعير أو دابة فيضره شي ء بإذن اللَّه، و إذا خرجت من منزلك فقل: بسم اللَّه آمنت بالله توكلت على اللَّه لا حول و لا قوة إلا بالله»

الى غير ذلك من النصوص التي لا ريب في رجحان قول جميع ما فيها، بل لعله اولى من الاقتصار على بعضه.

و من المأثور أيضا إذا خرجت في السفر التأسي بما يفعله رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في سفره من التسبيح في الهبوط، و التكبير و التهليل في الصعود(3)ب

ل قال (صلى اللَّه عليه و آله)(4): «و الذي نفس أبي القاسم بيده ما هلل مهلل و لا كبر مكبر على شرف من الأشراف إلا هلل اللَّه ما خلفه و كبر ما بين يديه بتهليله و تكبيره حتى يبلغ مقطع التراب».


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب آداب السفر- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 و ليس فيه« التهليل».
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.

ج 18، ص: 146

و يستحب له أيضا(1)ان يقول عند ذروة كل جسر بسم اللَّه ليرحل الشيطان الذي عليها.

و أن يقول

(2)إذا دخل مدخلا يخافه: رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ، وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ

سُلْطاناً نَصِيراً، و إذا عاين ما يخافه قرأ آية الكرسي.

و أن يقول لدفع ضرر الأسد (3): أعوذ برب دانيال و الجب من شر هذا الأسد ثلاث مرات.

و أن يسبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) و إن يقرأ آية الكرسي بعد العشاء الآخرة عند وضع جنبه على الفراش(4)

. و من المأثور أيضا ما في

خبر أبي سعيد المكاري (5)عن الصادق (عليه السلام) «اللهم اني خرجت في وجهي هذا بلا ثقة مني بغيرك، و لا رجاء آوي اليه إلا إليك، و لا قوة اتكل عليها و لا حيلة ألجأ إليها إلا طلب فضلك و ابتغاء رزقك، و تعرضا لرحمتك، و سكونا إلى حسن عادتك، و أنت اعلم بما سبق لي في علمك في سفري هذا مما أحب و اكره، فإن ما أوقعت علي يا رب من قدرك فمحمود فيه بلاؤك، و متضح عندي فيه قضاؤك، و أنت تمحو ما تشاء و تثبت، و عندك أم الكتاب اللهم فاصرف عني مقادير كل بلاء، و مقتضى كل لأواء، و ابسط علي كنفا من رحمتك، و لطفا من عفوك، و سعة من رزقك، و تماما من نعمتك، و جماعا من معافاتك، و أوقع علي فيه جميع قضائك على موافقة جميع هواي في


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 22- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.

ج 18، ص: 147

حقيقة أحسن أملي و دفع ما أحذر فيه و ما لا أحذر على نفسي و ديني و مالي مما أنت أعلم به مني، و اجعل ذلك خيرا لآخرتي و دنياي مع ما أسألك يا رب أن تحفظني فيما خلفت و رأيي من أهلي و ولدي و مالي و تعبئتي و حزانتي و قرابتي و إخواني بأحسن ما خلفت به غائبا من المؤمنين، و في تحصين كل عورة، و حفظ كل مضيعة، و تمام كل نعمة، و كفاية كل مكروه، و شر كل سيئة، و صرف كل محذور، و كمال كل ما يجمع لي الرضاء و السرور في جميع أموري، و افعل ذلك بي بحق محمد و آل محمد صلى اللَّه على محمد و آل محمد، و السلام عليه و عليهم و رحمة اللَّه و بركاته»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر عيسى بن عبد اللَّه القمي (1)قل: «اللهم إني أسألك لنفسي اليقين و العفو و العافية في الدنيا و الآخرة، اللهم أنت ثقتي، و أنت رجائي، و أنت عضدي، و أنت ناصري، بك أحل و بك أسير»

الى غير ذلك من النصوص الدالة زيادة على ما سمعته من آداب السفر الذي لا ينبغي إن يقع من عاقل إلا في ثلاث: تزود لمعاد، و مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم.

نعم لا يصلح للمسلم إن يسيح في الأرض، أو يترهب في بيت لا يخرج منه

و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)(2): «ليس في أمتي رهبانية و لا سياحة و لا رم «يعني سكوت»

«يا علي سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيع جنازة، و سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخا في اللَّه تعالى، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم و عليك بالاستغفار»(3)

و «سافروا تصحوا و جاهدوا تغنموا و حجوا تستغنوا»(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب السفر- الحديث- 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب آداب السفر- الحديث- 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.

ج 18، ص: 148

و لا بأس في السفر للرزق،

فان اللَّه إذا سببه للعبد في أرض جعل له فيها حاجة(1)

و «ما من مؤمن يموت في أرض غربة يغيب عنها بواكيه إلا بكته بقاع الأرض التي كان يعبد اللَّه عز و جل عليها، و بكته أثوابه، و بكته أبواب السماء التي كان يصعد فيها عمله، و بكاه الملكان الموكلان به»(2)

و «موت الغربة شهادة»(3)

و «الغريب إذا حضره الموت التفت يمنة و يسرة و لم ير أحدا رفع رأسه فيقول اللَّه عز و جل: الى من تلتفت؟ الى من هو خير لك مني؟ و عزتي و جلالي لئن أطلقتك من عقدتك لأصيرنك

إلى طاعتي، و لئن قبضتك لأصيرنك إلى كرامتي»(4)

و ضمن أمير المؤمنين (عليه السلام) لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات، و رجل خرج يعود مريضا فمات، و رجل خرج مجاهدا في سبيل اللَّه فمات، و رجل خرج حاجا فمات، و رجل خرج إلى الجمعة فمات، و رجل خرج في جنازة فمات(5).

[في الأيام الميمونة و المنحوسة]

و ينبغي اختيار يوم السبت من الأسبوع للسفر قال اللَّه عز و جل(6) :

«فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ» الى آخره

«الصلاة يوم الجمعة، و الانتشار يوم السبت»(7)

و «من أراد سفرا فليسافر فيه، فلو إن حجرا زال عن جبل فيه لرده اللَّه عز و جل إلى مكانه»(8)

و قال الصادق (عليه السلام)(9): «أف للرجل المسلم لا يفرغ نفسه في الأسبوع يوم الجمعة لأمر دينه فيسأل عنه»

و قال (عليه السلام)(10)أيضا:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
6- 6 سورة الجمعة- الآية 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 عن الخصال.
10- 10 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.

ج 18، ص: 149

«لا تخرج في يوم الجمعة في حاجة، فإذا كان يوم السبت و قد طلعت الشمس فاخرج في حاجتك»

و في النبوي (1)«اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها»

و في غير واحد من النصوص (2)«السبت لنا، و الأحد لبني أمية»

لكن عن

الصادق (عليه السلام)(3)«انه قال لرجل من مواليه: يا فلان مالك لم تخرج؟ قال قلت: جعلت فداك اليوم يوم الأحد، قال: و ما للأحد؟

قال الرجل: للحديث الذي جاء من النبي (صلى اللَّه عليه و آله) احذروا حد الأحد فإن له حدا مثل حد السيف، قال: كذبوا كذبوا، ما قال ذلك رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، كان الأحد اسما من أسماء اللَّه عز و جل»

و لعل المراد كذبهم في التفسير المذكور، أو محمول على التقية، أو على بيان الجواز، أو غير ذلك من انه ليس هو غير مبارك على الإطلاق، فإنه قد ورد فيه (4)انه لشيعتنا، و انه يوم غرس و بناء و غير ذلك.

و لا تسافر يوم الاثنين الذي هو يوم بني أمية و يوم قتل الحسين (عليه السلام) و لا تطلب فيه الحوائج، و أي يوم أعظم شؤما منه، فقدنا فيه نبينا (صلى اللَّه عليه و آله) و ارتفع الوحي عنا و ظلمنا فيه حقنا، و كذب

من قال ولد فيه رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و لكن قد ورد(5)فيه انه يوم سفر و انه يستسقى فيه كما ذكرنا ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 2 و 5 و الباب 52 من أبواب صلاة الجمعة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب السفر.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 و 4 و الباب 2 من أبواب صلاة الاستسقاء من كتاب الصلاة.

ج 18، ص: 150

في صلاة الاستسقاء، فلاحظ.

و من تعذرت عليه الحوائج فليلتمس طلبها يوم الثلاثاء، فإنه اليوم الذي ألان اللَّه تعالى فيه الحديد لداود (عليه السلام)(1)

و هو يوم سهل، و قد أمر فيه بالخروج في غير واحد من النصوص (2)

و عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام)(3)«من أحب إن يقيه اللَّه شر يوم الاثنين يقرأ في أول ركعة من الغداة هل أتى على الإنسان، ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) فوقاهم اللَّه شر ذلك اليوم و لقاهم نضرة و سرورا».

كما انه

قال الصادق (عليه السلام) في خبر عبد اللَّه بن سنان(4): «يكره السفر و السعي في الحوائج يوم الجمعة من أجل الصلاة، فاما بعد الصلاة فجائز يتبرك به»

و قال (عليه السلام) أيضا: في خبر إبراهيم بن يحيى المدائني (5)«لا بأس بالخروج في السفر ليلة الجمعة».

و أما يوم الأربعاء فيوم نحس مستمر، و هو يوم بني العباس و فتحهم،

من احتجم فيه خيف عليه إن تحضر محاجمه و من تنور فيه خيف عليه البرص(6)

و خصوصا آخر أربعاء من الشهر، و في

خبر العلل و العيون و الخصال مسندا الى الرضا (عليه السلام)(7)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث «ان رجلا قام اليه فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن يوم الأربعاء و تطيرنا منه و أي أربعاء هو؟

فقال: آخر أربعاء في الشهر، و هو المحاق، و فيه قتل قابيل هابيل أخاه، و يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب السفر الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب السفر.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب آداب السفر الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.

ج 18، ص: 151

الأربعاء ألقي إبراهيم (عليه السلام) في النار، و يوم الأربعاء وضعوه في المنجنيق و يوم الأربعاء أغرق فرعون، و يوم الأربعاء جعل اللَّه قرية لوط عاليها سافلها، و يوم الأربعاء أرسل الريح على قوم عاد، و يوم الأربعاء أصبحت كالصريم، و يوم الأربعاء سلط اللَّه على نمرود البقة، و يوم الأربعاء طلب فرعون موسى

ليقتله، و يوم الأربعاء خر عليهم السقف من فوقهم، و يوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان، و يوم الأربعاء خرب بيت المقدس، و يوم الأربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود (عليه السلام) بإصطخر من كورة فارس، و يوم الأربعاء قتل فيه يحيى بن زكريا، و يوم الأربعاء أخذ قوم فرعون أول العذاب، و يوم الأربعاء خسف اللَّه بقارون، و يوم الأربعاء ابتلى اللَّه أيوب بذهاب ماله و ولده و يوم الأربعاء دخل يوسف السجن، و يوم الأربعاء قال اللَّه تعالى (1)«أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ» و يوم الأربعاء أخذتهم الصيحة، و يوم الأربعاء عقروا الناقة، و يوم الأربعاء أمطر عليهم حجارة من سجيل، و يوم الأربعاء شج النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و كسرت رباعيته، و يوم الأربعاء أخذت العمالقة التابوت».

و الظاهر ارادة ما عدا الأول في مطلق الأربعاء لا خصوص الأخيرة مع احتماله، نعم

عن الصدوق (2)«انه كتب بعض البغداديين إلى أبي الحسن الثاني (عليه السلام) يسأله عن الخروج يوم الأربعاء لا يدور فكتب (عليه السلام) من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافا على أهل الطيرة وقي من كل آفة، و عوفي من كل عاهة، و قضى اللَّه له حاجته»

و عن الصادق (عليه السلام)(3)عن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) «لا طيرة»

و «كفارة الطيرة التوكل»(4)

بل في


1- 1 سورة النمل الآية 52.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.

ج 18، ص: 152

النبوي (1)أيضا «إذا تطيرت فامض»

و لعل ذلك و نحوه محمول على من بلغ حقيقة التوكل المشار اليه بقوله (2)«وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» أو على غير ما ورد النهي عنهم فيه بالخصوص كالتطير من بعض ما هي متعارف عند الناس الذي ذكره

أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) في صحيح سليمان بن جعفر الجعفري (3)«الشؤم للمسافر في طريقه سبعة الغراب الناعق عن يمينه، و الكلب الناشر لذنبه، و الذئب العاوي الذي يعوي في وجه الرجل و هو مقع على ذنبه ثم يعوي ثم يرتفع ثم ينخفض ثلاثا، و الظبي السانح من يمين إلى شمال، و البوم الصارخة، و المرأة الشمطاء تلقى فرجها، و الأتان العضباء يعني الجدعاء، فمن أوجد في نفسه منهن شيئا فليقل: اعتصمت بك يا رب من شر ما أجد في نفسي فاعصمني من ذلك، قال: فيعصم من ذلك»

بناء على ان المراد منه كون الشؤم عند الناس ذلك لا الشرع، بل قيل ان الأدعية في ذلك كثيرة، منها

«اللهم لا طير إلا طيرك، و لا خير إلا خيرك»

إلى آخره، و منها «حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ» و غير ذلك، لكن هذا لا يتم فيما سمعته من الخبر الوارد في خصوص الأربعاء لا يدور الذي سبب التطير فيه مما ورد من الشرع لا تطير العامة فتأمل جيدا و اما يوم الخميس فهو يوم يحبه اللَّه تعالى و ملائكته و رسوله،

و «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يسافر فيه و يقول: فيه ترفع الاعمال و تعقد فيه الألوية»(4)

و قال (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا(5): «اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس»

و في آخر(6)«يوم سبتها


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.
2- 2 سورة الطلاق الآية 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.

ج 18، ص: 153

و خميسها»

و في ثالث (1)«بورك لأمتي في بكورها يوم سبتها و خميسها»

بل

ورد(2)فيه انه ألان اللَّه فيه الحديد لداود (عليه السلام)

و إن كان المشهور انه يوم الثلاثاء، و لعله لا تنافي، نعم قد سمعنا من بعض مشايخنا انه

سمع من غيره كراهة السفر فيه إذا كان عند معصوم، و ان الملائكة ترميه بالحجارة، هذا كله من حيث الأسبوع.

اما من حيث الشهر

فعن الصادق (عليه السلام)(3)«اتق الخروج إلى السفر يوم الثالث من الشهر و الرابع منه، و الحادي و العشرين منه و الخامس و العشرين منه»

و كان أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)يكره ان يسافر الرجل أو يتزوج و القمر في المحاق، و لعل ما عد الرابع لأنها من السبعة المشهورة بالنحوسة للسفر و غيره المروي فيها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) المسماة بالكوامل، و هي الثالث، و الخامس، و الثالث عشر، و السادس عشر، و الحادي و العشرون، و الرابع و العشرون، و الخامس و العشرون، بل في خبر يونس بن حنان (5)المروي مسندا في المحكي عن الدروع الواقية للسيد رضي الدين بن طاوس، و المرسل (6)عن مكارم الأخلاق للحسن بن الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي ، و الزوائد(7)لولد السيد علي بن طاوس عن الصادق (عليه السلام) أيضا المشتمل على تفصيل أيام الشهر ما يؤكد ذلك(8).


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب السفر- الحديث 11.
3- 3 مكارم الأخلاق ص 276- 277 المطبوعة بطهران عام 1376.
4- 4 مكارم الأخلاق ص 276- 277 المطبوعة بطهران عام 1376.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب آداب السفر- الحديث 2 عن يونس بن ظبيان.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 21- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
8- 8 روى ذلك بالطرق الثلاثة في البحار ج 59 ص 56 الطبع الحديث.

ج 18، ص: 154

ف

في الأول «ان اليوم الأول يوم مبارك خلق اللَّه فيه آدم، و هو محمود لطلب الحوائج و طلب العلم و التزويج و السفر و البيع و الشراء و الدخول على السلطان و اتخاذ الماشية»

و في الثاني «سعد يصلح لطلب الحوائج و الشراء و البيع و الزراعة و السفر»

و في الثالث «يوم مبارك محمود سعيد لطلب الحوائج و البيع و الشراء».

و في الأول عنه (عليه السلام) أيضا «ان اليوم الثاني يصلح للتزويج و السفر و طلب الحوائج و فيه خلقت حواء من آدم و زوجه اللَّه تعالى بها، و يصلح لبناء المنازل و كتب العهد و الاختيارات»

و في الثاني عنه (عليه السلام) «يصلح للسفر و طلب الحوائج»

و في الثالث عنه (عليه السلام) أيضا «يوم محمود يصلح للتزويج و التحويل و الشراء و البيع و طلب الحوائج».

و اليوم الثالث في الأول «يوم نحس مستمر فاتق فيه البيع و الشراء و طلب الحوائج و المعاملة، و فيه سلب آدم (عليه السلام) و حواء لباسهما، و أخرجا من الجنة، و اجعل شغلك صلاح أمر منزلك، و إن أمكن أن لا تخرج من دارك فافعل»

و في الثاني «روي لا يصلح لشي ء جملة»

و في الثالث «يوم نحس فيه قتل هابيل لا تسافر فيه، و لا تعمل عملا، و لا تلق أحدا».

الرابع في الأول «يوم صالح للزرع و الصيد و البناء، و يكره فيه السفر، فمن سافر فيه خيف عليه القتل و السلب أو بلاء يصيبه، و فيه ولد هابيل، و يستحب فيه اتخاذ البناء و الماشية، و من هرب فيه عسر تطلبه و لجأ إلى من يحصنه»

و في الثاني «يوم صالح للتزويج، و يكره فيه السفر»

و في الثالث «يوم متوسط صالح لقضاء الحوائج، و لا تسافر فيه فإنه مكروه».

الخامس في الأول «يوم نحس مستمر، فلا تعمل فيه عملا، و لا تخرج من منزلك، و تعاهد من في منزلك، و انظر في إصلاح الماشية، و فيه ولد قابيل الشقي، و فيه قتل أخاه»

و في الثاني «ردي نحس»

و في الثالث «يوم نحس،

ج 18، ص: 155

و هو يوم نكد عسير لا خير فيه، فاستعذ بالله من شره».

السادس في الأول «يوم صالح للتزويج، و من سافر فيه في بر أو بحر يرجع إلى أهله بما يحسبه، و هو جيد لشراء الماشية»

و في الثاني «يصلح للتزويج و طلب الحوائج»

و في الثالث «يوم صالح يصلح للحوائج و السفر و البيع و الشراء».

السابع في الأول «يوم صالح لجميع الأمور، فاعمل فيه ما شئت، و عالج ما تريد من عمل الكتابة، و من بدأ فيه بالعمارة و الغرس و النخل حمد أمره في ذلك»

و في الثاني «مبارك مختار يصلح لكل ما يراد و يسعى فيه»

و في الثالث «يوم سعيد مبارك فيه ركب نوح السفينة، فاركب البحر و سافر في البر و اعمل ما شئت، فإنه يوم عظيم البركة، محمود لطلب الحوائج و السعي فيها».

و الثامن في الأول «يوم صالح لكل حاجة من بيع أو شراء، و يكره فيه ركوب البحر و النظر (و السفر خ ل) في البر، و يكره فيه ركوب السفن في الماء، و يكره فيه أيضا السفر و الخروج إلى الحرب و كتب العهود، و من هرب فيه لم يقدر عليه إلا بتعب»

و في الثاني «يصلح لكل حاجة سوى السفر، فإنه يكره فيه»

و في الثالث «يوم صالح للشراء و البيع، و لا تعرض فيه للسفر، فإنه يكره فيه سفر البر و البحر».

التاسع في الأول «يوم خفيف صالح لكل أمر تريده، فابدأ فيه بالعمل، و من سافر فيه رزق مالا و رأى خيرا، فابدأ فيه بالعمل، و اقترض فيه، و ازرع و اغرس، و من حارب فيه غلب، و من هرب فيه لجأ إلى سلطان يمنع منه»

و في الثاني «يصلح لكل ما يريده الإنسان، و من سافر فيه رزق مالا و يرى في سفره كل خير»

و في الثالث «يوم صالح محمود مبارك يصلح للحوائج و جميع الأعمال»

و في رواية أخرى «و من سافر فيه رزق و لقي خيرا».

العاشر في الأول «ولد فيه نوح، يصلح للبيع و الشراء و السفر، و يستحب

ج 18، ص: 156

للمريض فيه أن يوصي و يكتب العهود، و من هرب منه ظفر به و حبس»

و في الثاني «يوم صالح لكل حاجة سوى الدخول على السلطان، و هو جيد للشراء و البيع»

و في الثالث «صالح لابتداء العمل، يوم محمود، رفع اللَّه تعالى فيه إدريس مكانا عليا»

و في رواية أخرى «يصلح للبيع و الشراء».

و الحادي عشر في الأول «صالح لابتداء العمل في البيع و الشراء و السفر، ولد فيه شيث، و تجنب فيه الدخول على السلطان»

و في الثاني «يصلح للشراء و البيع و لجميع الحوائج و للسفر ما خلا الدخول على السلطان»

و في الثالث «يوم صالح للشراء و البيع و المعاملة و القرض».

الثاني عشر في الأول «صالح للتزويج و فتح الجوائز و ركوب البحر، و يتجنب فيه الوساطة بين الناس»

و في الثاني «يوم صالح مبارك فاطلبوا فيه حوائجكم و اسعوا فيها، فإنها تقضى»

و في الثالث «يوم مبارك فيه قضى موسى الأجل، و هو يوم التزويج و البيع و الشراء».

الثالث عشر في الأول «يوم نحس فاتق فيه المنازعة و الخصومة و لقاء السلطان و غيره و كل أمر، و لا يدهن فيه الرأس، و لا يحلق فيه الشعر، و من ظل أو هرب فيه سلم»

و في رواية أخرى «يوم نحس لا تطلب فيه حاجة»

و في الثاني «يوم نحس فاتق فيه جميع الأعمال»

و في الثالث «يوم نحس، و هو يوم مذموم في كل حاجة، فاستعذ بالله من شره».

الرابع عشر في الأول «يوم صالح لكل شي ء، و هو جيد لطلب العلم و البيع و الشراء و السفر و ركوب البحر و الاستقراض و القرض، و من هرب فيه يؤخذ»

و في الثاني «جيد للحوائج و لكل عمل»

و في الثالث «يوم صالح لما تريده من قضاء الحوائج و طلب العلم، و يصلح للبيع و الشراء و ركوب البحر».

الخامس عشر في الأول على ما في الحدائق نقلا عن البحار «يوم صالح

ج 18، ص: 157

لكل الأمور إلا من أراد أن يستقرض أو يقرض» لكن فيما عندنا من الوسائل نقلا عن الدروع «يوم محذور في كل الأمور إلا من أراد أن يستقرض أو يقرض أو يشاهد ما يشتري، و من هرب فيه ظفر به»

و في الثاني «صالح لكل حاجة تريدها، فاطلبوا فيه حوائجكم، فإنها تقضى»

و في الثالث «يوم صالح لكل عمل و حاجة، فاعمل فيه ما بدا لك، فإنه يوم سعيد»

و عن روضة الواعظين «أنه يوم صالح لكل عمل و حاجة و لقاء الأشراف و العظماء و الرؤساء، فاطلب فيه حوائجك، و الق سلطانك، و اعمل ما بدا لك، فإنه يوم سعد».

السادس عشر في الأول «يوم نحس لا يصلح لشي ء سوى الأبنية، و من سافر فيه هلك»

و في الوسائل عنه «يوم نحس، من سافر فيه هلك، و يكره فيه لقاء السلطان، و يصلح للتجارة و البيع و الخروج إلى البحر، و يصلح للأبنية و وضع الأساس»

و في الثاني «ردي مذموم لكل شي ء»

و في الثالث «يوم نحس ردي مذموم لا خير فيه، فلا تسافر فيه، و لا تطلب حاجة، و توق ما استطعت و تعوذ بالله من شره».

السابع عشر في الأول «يوم متوسط، و احذر فيه المنازعة، و هو يوم ثقيل، فلا تلتمس فيه حاجة»

و في رواية أخرى «يوم صالح» و في الوسائل عنه «متوسط الحال يحذر فيه المنازعة، و من أقرض فيه شيئا لم يرده اليه، و إن رده فبجهد، و من استقرض فيه لم يرده»

و في الثاني «صاف مختار، فاطلبوا فيه ما شئتم، و تزوجوا و بيعوا و اشتروا و ازرعوا»

و في الثالث «يوم صالح مختار محمود لكل عمل و حاجة، فاطلب فيه الحوائج و اشتر و بع»

و في رواية أخرى «متوسط تحذر فيه المنازعة و القرض».

الثامن عشر في الأول «أنه يوم سعيد صالح لكل شي ء من بيع أو شراء أو زرع أو سفر» و في الوسائل عنه «و من خاصم فيه عدوه خصمه و ظفر به، و من

ج 18، ص: 158

اقترض قرضا رده إلى من اقترضه منه»

و في الثاني «مختار صالح للسفر و طلب الحوائج»

و في الثالث «يوم مختار للسفر و التزويج و لطلب الحوائج».

التاسع عشر في الأول «أنه يوم سعيد، و هو صالح للسفر و المعاش و الحوائج»

و في الوسائل عنه «يوم سعيد ولد فيه إسحاق بن إبراهيم (عليهما السلام) و هو صالح للسفر و المعاش و الحوائج و تعلم العلم و شراء الرقيق و الماشية، و من ضل أو هرب فيه قدر عليه»

و في الثاني «مختار صالح لكل عمل»

و في الثالث «يوم مختار مبارك صالح لكل عمل تريد»

و في رواية أخرى «يصلح للسفر و المعاش و لطلب العلم».

العشرون في الأول «أنه يوم متوسط صالح للسفر و قضاء الحوائج»

و في الوسائل عنه «متوسط الحال، صالح للسفر و الحوائج و البناء و وضع الأساس و حصاد الزرع و غرس الشجر و الكرم و اتخاذ الماشية، و من هرب فيه كان بعيد الدرك»

و في الثاني «جيد مختار للحوائج و السفر»

و في الثالث «يوم جيد صالح مسعود مبارك لما يؤتى»

و في رواية أخرى «يوم متوسط يصلح للسفر و الحوائج»

الحادي و العشرون في الأول «أنه يوم نحس ردي، فلا تطلب فيه حاجة و من سافر فيه خيف عليه»

و في الوسائل عنه «يوم نحس لا تطلب فيه حاجة، و يتقى فيه السلطان، و من سافر فيه لم يرجع، و خيف عليه، و هو يوم ردي لسائر الأمور»

و في الثاني «يوم نحس مستمر»

و في الثالث «يوم نحس مذموم فاحذره و لا تطلب فيه حاجة، و لا تعمل فيه عملا، و اقعد في منزلك، و استعذ بالله من شره».

الثاني و العشرون في الأول «أنه يوم صالح لقضاء الحوائج و البيع و الشراء و المريض فيه يبرأ سريعا، و المسافر فيه يرجع معافي» و زاد في الوسائل «ان الصدقة فيه مقبولة، و من دخل فيه على سلطان يصيب حاجته»

و في الثاني «مختار

ج 18، ص: 159

صالح للشراء و البيع و السفر و الصدقة»

و في الثالث «يوم سعيد مبارك مختار لما تريد من الأعمال، فاعمل ما شئت فإنه مبارك».

الثالث و العشرون في الأول «أنه يوم صالح لطلب الحوائج و التجارة و التزويج، و من يسافر فيه غنم و أصاب خيرا» و زاد في الوسائل «أنه ولد فيه يوسف (عليه السلام)، و يوم خفيف يدخل فيه على السلطان»

و في الثاني «مختار جيد خاصة للتزويج و التجارات كلها»

و في الثالث «يوم سعيد مبارك لكل ما تريد، للسفر و التحويل من مكان إلى مكان، و هو جيد للحوائج».

الرابع و العشرون في الأول «أنه يوم نحس ولد فيه فرعون فلا يطلب فيه أمر من الأمور»

و في الثاني «يوم مشوم»

و في الثالث «يوم نحس مستمر، مكروه لكل حال و عمل، فاحذره، و لا تعمل فيه عملا، و لا تلق فيه أحدا، و اقعد في منزلك، و استعذ بالله من شره»

الخامس و العشرون في الأول «أنه يوم نحس ردي، فاحفظ نفسك فيه، و لا تطلب فيه حاجة، فإنه يوم شديد البلاء»

و في الثاني «ردي مذموم تحذر فيه من كل شر»

و في الثالث «يوم نحس مكروه ثقيل نكد، فلا تطلب فيه حاجة و لا تسافر فيه، و اقعد في منزلك، و استعذ بالله من شره».

السادس و العشرون في الأول «أنه يوم صالح للسفر و لكل أمر يراد إلا التزويج»

و في الوسائل عنه «ضرب فيه موسى البحر بعصاه فانفلق، و صالح للسفر و لكل أمر يراد إلا التزويج، فان من تزوج فيه فرق بينهما، و لا تدخل إذا وردت من سفرك فيه إلى أهلك»

و في الثاني «صالح لكل حاجة سوى التزويج و السفر و عليكم بالصدقة فيه»

و في الثالث «يوم صالح، متوسط للشراء و البيع و السفر و قضاء الحوائج».

السابع و العشرون في الأول «أنه يوم صالح لكل أمر»

و في الثاني «جيد

ج 18، ص: 160

مختار للحوائج و في كل ما يراد»

و في الثالث «يوم صاف مبارك من النحوس، صالح للحوائج إلى السلطان و إلى الاخوان و للسفر إلى البلدان، فاتق فيه من شئت، و سافر فيه إلى حيث ما أردت».

الثامن و العشرون في الأول «أنه يوم صالح لكل أمر»

و في الثاني «ممزوج»

و في الثالث «يوم مبارك سعيد».

التاسع و العشرون في الأول «أنه يوم صالح لكل أمر، و من سافر فيه أصاب مالا جزيلا» و في الوسائل عنه «صالح خفيف لسائر الأمور و الحوائج و الأعمال، و من سافر فيه يصيب مالا كثيرا، و لا يكتب فيه وصية فإنه يكره ذلك»

و في الثاني «مختار جيد لكل حاجة»

و في الثالث «يوم مبارك سعيد قريب الأمر، يصلح للحوائج و التصرف فيها»

و في رواية أخرى «المسافر فيه يصيب مالا كثيرا».

الثلاثون في الأول «يوم جيد للبيع و الشراء و التزويج»

و في رواية أخرى «يوم سعيد مبارك يصلح لكل حاجة تلتمس»

و في الوسائل عنه «جيد للبيع و الشراء و التزويج، و لا تسافر فيه، و لا تتعرض لغيره إلا المعاملة، و من هرب فيه أخذ، و من اقترض فيه شيئا رده سريعا»

و في الثاني «مختار جيد لكل شي ء و لكل حاجة»

و في الثالث «يوم مبارك ميمون مسعود مفلح منجح مفرح، فاعمل فيه ما شئت، و الق فيه من أردت، و خذ و أعط و سافر و انتقل و بع و اشتر فإنه صالح لكل ما تريد، موافق لكل ما تعمل».

و لا ريب في أن المنساق من ذلك و نحوه الأشهر العربية، و لذا جعل العنوان في محكي البحار باب سعادة أيام الشهور العربية و نحوستها، ثم نقل الأخبار المزبورة فما عن الكاشاني في رسالته تقويم المحسنين من أنها من الشهور الفارسية بل ربما

ج 18، ص: 161

حكي عن العلامة الطباطبائي و إن كنا لم نتحققه خلاف الظاهر بلا داع.

كما أنه لا ريب في عدم المنافاة بين ما سمعته من أيام الأسبوع و أيام الشهر بعد انسياق تعدد الجهة من ذلك و نحوه على معنى أنه جيد من حيث الأسبوع ردي من حيث الشهر كما هو واضح.

و من هنا ينبغي أيضا اجتناب أيام السنة المروية

عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)«ان في السنة أربعة و عشرين يوما نحسات، في كل شهر منها يومان: ففي المحرم الحادي عشر و الرابع عشر، و في صفر الأول منه و العشرون، و في ربيع الأول العاشر و العشرون، و في ربيع الثاني الأول و الحادي عشر، و في جمادى الأولى العاشر و الحادي عشر، و في جمادى الثانية الأول و الحادي عشر، و في رجب الحادي عشر و الثالث عشر، و في شعبان الرابع، و العشرون، و في شهر رمضان الثالث، و العشرون، و في شوال السادس و الثامن، و في ذي القعدة السادس و العاشر، و في ذي الحجة الثامن، و العشرون»

بل عن الصادق (عليه السلام)(2)«ان في السنة اثنى عشر يوما من اجتنبها نجا، و من وقع فيها هوى، فاحفظوها، في كل شهر منها يوم: ففي المحرم الثاني و العشرون، و في صفر العاشر، و في ربيع الأول الرابع، و في ربيع الثاني الثامن و العشرون، و في جمادى الأولى الثاني و العشرون، و في جمادى الثانية الثاني عشر، و في رجب الثاني عشر، و في شعبان السادس و العشرون و في شهر رمضان الرابع و العشرون، و في شوال الثاني، و في ذي القعدة الثامن و العشرون، و في ذي الحجة الثامن».


1- 1 تقويم المحسنين للفيض الكاشاني قدس سره ص 32 و 33.
2- 2 تقويم المحسنين للفيض الكاشاني قدس سره ص 34 و فيه « و في جمادى الأولى الثامن و العشرون»

ج 18، ص: 162

و حينئذ فالذي ينبغي لمن أراد أن يخرج اليوم الذي يريده لسفر أو غيره ملاحظة حاله في الأسبوع و في مطلق الشهر و في خصوص كل شهر ملاحظا للروايتين المزبورتين، بل ينبغي أيضا ملاحظة الأشهر الفارسية تخلصا مما سمعته من الكاشاني.

بل ينبغي مع ذلك ملاحظة عدم كون القمر في المحاق كما أشير إليه في بعض النصوص (1).

بل

و العقرب (2)الذي إن سافر أو تزوج و القمر فيه لم ير الحسنى.

[فيما ينبغي للمسافر رعايته في السفر]

و ينبغي للمسافر و غيره استصحاب شي ء من تربة الحسين (عليه السلام) التي هي أمان من كل خوف و شفاء من كل داء(3)و خصوصا(4)

إذا أخذ السبحة من تربته و دعا بدعاء المبيت على الفراش ثلاث مرات ثم قبلها و وضعها على عينه، و قال:

«اللهم إني أسألك بحق هذه التربة و بحق صاحبها و بحق جده و أبيه و أمه و أخيه و بحق ولده الطاهرين اجعلها شفاء من كل داء، و أمانا من كل خوف، و حفظا من كل سوء»

ثم وضعها في جيبه، فإنه من فعل ذلك في الغداة فإنه لا يزال في أمان اللَّه حتى العشاء، و إن فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان اللَّه حتى الغداة و إن خاف من سلطان أو غيره و خرج من منزله و استعمل ذلك كان حرزا له.

و استصحاب

خاتم من عقيق أصفر(5)على أحد جانبيه «ما شاء اللَّه لا قوة


1- 1 مكارم الأخلاق ص 277 المطبوعة بطهران عام 1376.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 70- من أبواب المزار- من كتاب الحج.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب آداب السفر.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.

ج 18، ص: 163

إلا باللَّه أستغفر اللَّه» و على الجانب الآخر «محمد و علي»

فإنه أمان من النطع، و أتم للسلامة، و أصوب للدين.

و خاتم فيروزج (1)نقشه في أحد جانبيه «اللَّه الملك» و على الجانب الآخر «الملك للَّه الواحد القهار»

فإنه أمان من السباع، و ظفر في الحروب.

و استصحاب عصا من لوز مر، ف

في الفقيه (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «من خرج في سفر و معه عصا من لوز مر و تلا هذه الآية(3)«وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ» إلى قوله تعالى «وَ

اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ» آمنه اللَّه من كل سبع ضار، و من كل لص عاد، و من كل ذات حمة حتى يرجع إلى أهله و منزله و كان معه سبعة و سبعون من المعقبات يستغفرون له حتى يرجع و يضعها»

قال(4): «و قال (عليه السلام): من أراد أن تطوى له الأرض فليتخذ النقد من العصا و النقد عصا لوز مر» و رواه في ثواب الأعمال مسندا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)

و كذا الذي قبله

قال(5): و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «إنه ينفي الفقر و لا يجاوره شيطان»

قال (6): و قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «مرض آدم (عليه السلام) مرضا شديدا فأصابته وحشة فشكا ذلك إلى جبرئيل (عليه السلام) فقال له: اقطع واحدة منه و ضمها إلى صدرك ففعل ذلك فأذهب عنه الوحشة»

، و الأولى

أن يكتب (7)في رق «سلهملس (سلمهلمس خ ل) و 5 برلهويا 5 اللَّه باوبر صاف 5 معسار ربره»

و يحفر رأس العصا


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب السفر الحديث 1.
3- 3 سورة القصص- الآية 21- 29.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب السفر الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب السفر الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب آداب السفر الحديث 4.
7- 7 البحار- المجلد 22 ص 4 الطبعة الكمپاني مع الاختلاف.

ج 18، ص: 164

و يضعه فيه، و في الدروس و يستحب استصحاب العصا و خصوصا اللوز المر، و نحوه عن المنتهى، و ظاهرهما حصول الاستحباب بمطلق العصا و إن تأكد باللوز المر، و لكن لم أجد ما يدل عليه في خصوص المسافر، نعم في 15062

الفقيه (1)بإسناده «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): حمل العصا ينفي الفقر و لا يجاوره شيطان، و قال:

تعصوا فإنها من سنن إخواني النبيين، و كانت بنو إسرائيل الصغار و الكبار يمشون على العصا حتى لا يختالوا في مشيهم»

و لعلهما أخذاه من ذلك، كما أن ما فيها أيضا من تخصيص بعض ما سمعته في خصوص سفر الحج كذلك أيضا، قال: «درس يستحب لمن أراد الحج أن يقطع العلائق بينه و بين معامليه، و يوصي بما يهمه، و أن يجمع أهله، و يصلي ركعتين، و يسأل اللَّه الخيرة في عافية، و يدعو بالمأثور، فإذا خرج وقف على باب داره تلقاء وجهه و قرأ الفاتحة ثم يقرؤها عن يمينه و يساره و كذا آية الكرسي، و يدعو بالمنقول، و يتصدق بشي ء، و ليقل بحول اللَّه و قوته أخرج، ثم يدعو عند وضع رجله في الركاب، و عند الاستواء على الراحلة، و يكثر من ذكر اللَّه تعالى في سفره، و يستحب الخروج يوم السبت أو الثلاثاء، و استصحاب العصا، و خصوصا اللوز المر» إلى آخره، و لا يخفى عليك بعد

الإحاطة بما ذكرناه ما يدل على ما ذكره و غيره.

و يستحب له أيضا التحنك، فان

الكاظم (عليه السلام)(2)قال: «أنا ضامن ثلاثا لمن خرج يريد سفرا معتما تحت حنكه أن لا يصيبه السرق و لا الغرق و لا الحرق»

بل

قال الصادق (عليه السلام)(3): «من خرج في سفر و لم يدر العمامة تحت حنكه


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب لباس المصلي- الحديث 5 من كتاب الصلاة.

ج 18، ص: 165

فأصابه ألم لا دواء له فلا يلومن إلا نفسه»

و «من خرج من منزله معتما تحت حنكه يريد سفرا لم يصبه في سفره سرق و لا حرق و لا مكروه (1)»

بل

عن الرضا (عليه السلام)(2)قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): «لو أن رجلا خرج من منزله يوم السبت معتما بعمامة بيضاء قد حنكها تحت حنكه ثم أتى إلى جبل ليزيله من مكانه لأزاله».

و في المرسل (3)عنه (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا «من شرف الرجل أن يطيب زاده إذا خرج في سفر»

و عن الصادق (عليه السلام)(4)أيضا «إذا سافرتم فاتخذوا سفرة و تنوقوا فيها»

و «ما من نفقة أحب إلى اللَّه من نفقة قصد، و يبغض اللَّه الإسراف إلا في حج أو عمرة(5)»

و في الفقيه (6)«كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا سافر إلى مكة للحج تزود من أطيب الزاد من اللوز و السكر و السويق المحمص و المحلى».

و ينبغي أن يكون حلقة السفرة من حديد لا صفر و نحوه حتى لا يقرب شيئا مما فيها شي ء من الهوام.

نعم ينبغي استثناء زيارة الحسين (عليه السلام) من ذلك، لما

عن الصادق (عليه السلام)(7)«بلغني أن قوما إذا زاروا الحسين (عليه السلام) حملوا معهم


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب لباس المصلي- الحديث 3 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 42- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 42- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 41- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.

ج 18، ص: 166

السفرة فيها الجداء و الأخبصة و أشباهه، و لو زاروا قبور آبائهم ما حملوا معهم هذا»

و في آخر(1)قال لبعض أصحابه: «أ تأتون قبر أبي عبد اللَّه الحسين (عليه السلام)؟

فقال له: نعم، قال: تتخذون لذلك سفرة قال: نعم، قال: أما لو أتيتم قبور آبائكم و أمهاتكم لم تفعلوا ذلك، فقلت: فأي شي ء نأكل؟ قال: الخبز و اللبن»

و في الحدائق لا يبعد اختصاص ذلك بأهل البلدان القريبة كبغداد و الحلة و المشهد و نحوها، دون أصفهان و خراسان و نحوهما.

و عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله)(2)«الرفيق ثم الطريق»

أي السفر، بل

قال(3): «أ لا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى يا رسول اللَّه، قال: من سافر وحده و منع رفده و ضرب عبده»

و قال (صلى اللَّه عليه و آله)(4): «يا علي لا تخرج في سفر وحدك، فان الشيطان مع الواحد، و هو من الاثنين أبعد، يا علي ان الرجل إذا سافر وحده فهو غاو، و الاثنان غاويان، و الثلاثة نفر»

بل عنه (صلى اللَّه عليه و آله)(5)أيضا «أنه لعن الآكل زاده وحده، و النائم في البيت وحده، و الراكب في الفلاة وحده»

و في المرسل (6)عنه (صلى اللَّه عليه و آله) أيضا «لا تسافروا حتى تصيبوا لمة»

أي رفقة،

قال إسماعيل بن جابر(7): «كنت عند أبي عبد اللَّه (عليه السلام) بمكة إذ جاء رجل من أهل المدينة فقال: من صحبك؟ فقال: ما صحبت أحدا، فقال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): أما لو كنت تقدمت إليك لأحسنت أدبك، ثم قال: واحد شيطان، و اثنان شيطانان، و ثلاثة صحب، و أربعة رفقاء»

و لو اتفق الاضطرار


1- 1 المستدرك- الباب- 60- من أبواب المزار- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب آداب السفر- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب آداب السفر- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب آداب السفر- الحديث 7.
6- 6 نهاية ابن الأثير: مادة« لمه».
7- 7 الوسائل- الباب- 30- من أبواب آداب السفر- الحديث 8.

ج 18، ص: 167

إلى السفر وحده فليقل: «ما شاء اللَّه لا حول و لا قوة إلا بالله اللهم آنس وحشتي و أعني على وحدتي و أد غيبتي»(1).

و ينبغي أن تصحب من تتزين به و لا تصحب من يتزين بك

فإنه ما اصطحب اثنان إلا كان أعظمهما أجرا و أحبهما إلى اللَّه أرفقهما بصاحبه

(2)بل عن أمير المؤمنين (عليه السلام)(3)«لا تصحبن في سفر من لا يرى لك من الفضل عليه كما ترى له عليك».

و ليصحب الإنسان نظيره حتى لا يذل و لا يذل غيره إلا مع طيب نفس المبذول له بذلك(4)

و «من السنة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم فان ذلك أطيب لأنفسهم و أحسن لأخلاقهم»(5).

و يستحب أيضا تشييع المسافر و توديعه كما فعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بأبي ذر(6)و أن يقول كما

قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)(7)إذا ودع المؤمنين:

«زودكم اللَّه التقوى، و وجهكم إلى كل خير، و قضى لكم كل حاجة، و سلم لكم دينكم و دنياكم، و ردكم سالمين إلى سالمين»

و في آخر(8)عن أبي جعفر (عليه السلام) «كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) إذا ودع مسافرا أخذ بيده ثم قال: أحسن اللَّه لك الصحابة، و أكمل لك المعونة، و سهل لك الحزونة، و قرب لك البعيد، و كفاك


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب آداب السفر- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب آداب السفر.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 28- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 29- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 29- من أبواب آداب السفر- الحديث 2.

ج 18، ص: 168

المهم، و حفظ لك دينك و أمانتك و خواتيم عملك، و وجهك لكل خير، عليك بتقوى اللَّه استودع اللَّه نفسك، سر على بركة اللَّه عز و جل»

و قد تقدم في الأذان ما يعلم منه حكم الأذان خلفه.

و ينبغي أن يخلف في أهله و ماله، و خصوصا إذا كان في سفر الحج، فقد

قال علي بن الحسين (عليهما السلام)(1): «من خلف حاجا في أهله و ماله كان له كأجره حتى كأنه يستلم الحجر».

و ينبغي للمسافر المحافظة على ما حكاه

الصادق (عليه السلام) في خبر حماد ابن عيسى (2)من وصية لقمان لابنه «يا بني إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك و أمورهم، و أكثر التبسم في وجوههم، و كن كريما على زادك، و إذا دعوك فأجبهم، و إذا استعانوا بك فأعنهم، و استعمل طول الصمت و كثرة الصلاة و سخاء النفس بما معك من دابة أو ماء أو زاد، و إذا استشهدوك على الحق فاشهد لهم، و اجهد رأيك إذا استشاروك، ثم لا تعزم حتى تثبت و تنظر، و لا تجب في مشورة حتى تقوم فيها و تقعد و تنام و تأكل و تصلي و أنت مستعمل فكرتك و حكمتك في مشورتك، فان من لم يمحض النصح لمن استشاره سلبه اللَّه رأيه، و نزع منه الأمانة، و إذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، و إذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، و إذا تصدقوا و أعطوا قرضا فأعط معهم، و اسمع لمن هو أكبر منك سنا، و إذا أمروك بأمر و سألوك شيئا فقل: نعم، و لا تقل لا


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب آداب السفر- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب آداب السفر- الحديث 1 و ذكر ذيله في الباب 43 منها- الحديث 1.

ج 18، ص: 169

فان لا عي و لؤم، و إذا تحيرتم في الطريق فانزلوا، و إذا شككتم في القصد فقفوا و تآمروا، و إذا رأيتم شخصا واحدا فلا تسألوه عن طريقكم و لا تسترشدوه، فان الشخص الواحد مريب لعله يكون عين اللصوص، أو يكون هو الشيطان الذي حيركم، و احذروا الشخصين أيضا إلا ان تروا ما لا أرى، فإن العاقل إذا أبصر بعينه شيئا عرف الحق منه، و الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، يا بني إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخرها لشي ء، صلها و استرح منها، فإنها دين، و صل في جماعة و لو على رأس زج، و لا تنامن على دابتك فان ذلك سريع في دبرها، و ليس ذلك من فعل الحكماء إلا ان تكون في محمل يمكنك التمدد لاسترخاء المفاصل، و إذا قربت من المنزل فانزل عن دابتك، و ابدأ بعلفها، فإنها نفسك، و إذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لونا، و ألينها تربة، و أكثرها عشبا، فإذا نزلت فصل ركعتين قبل ان تجلس، و إذا أردت قضاء حاجتك فأبعد المذهب في الأرض، و إذا ارتحلت فصل ركعتين، ثم ودع الأرض التي حللت بها و سلم عليها و على أهلها، فإن لكل بقعة أهلا من الملائكة، و ان استطعت أن لا تأكل طعاما حتى تبدأ فتصدق منه فافعل، و عليك بقراءة كتاب اللَّه ما دمت راكبا، و عليك بالتسبيح ما دمت عاملا عملا، و عليك بالدعاء ما دمت خاليا، و إياك و السير من أول الليل، و سر في آخره، و إياك و رفع الصوت في سيرك يا بني سافر بسيفك و خفك و عمامتك و حبالك و سقائك و خيوطك و مخرزك، و تزود معك من الأدوية ما تنتفع به أنت و من معك، و كن لأصحابك موافقا إلا في معصية اللَّه عز و جل»

و قال الصادق (عليه السلام) أيضا في خبر صفوان (1): «كان أبي (عليه السلام) يقول: ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إذا لم يكن فيه ثلاث خصال، خلق يخالق به من صحبه، و حلم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 5.

ج 18، ص: 170

يملك به غضبه، و ورع يحجزه عن محارم اللَّه»

و هو معنى ما رواه

محمد بن مسلم (1)عنه (عليه السلام) «قل ما يعبأ بمن يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي اللَّه، و حلم يملك به غضبه، و حسن الصحبة لمن صحبه»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «وطن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت و في حسن خلقك، و كف لسانك، و اكظم غيظك، و أقل لغوك، و تفرش عفوك، و تسخي نفسك»

إلى غير ذلك مما يستفاد من رواياتهم من مكارم الأخلاق و غيرها في السفر و الحضر و خصوص سفر الحج التي يتعذر أو يتعسر استقصاؤها خصوصا مع ملاحظة ما فيها من تعليل

البركة بولادة أحد الأنبياء أو وقوع نعمة عظيمة فيه، و الشؤم بوقوع أمر سي ء فيه من موت نبي أو وصي أو نوع من غضب اللَّه تعالى أو نحو ذلك، و قد تكفل ابن طاوس و المجلسي و الكاشاني و الحر في الوسائل بجمعها أو أكثرها.

[تعداد الواجبات في الحج تفصيلا]
[الأول القول في الإحرام ]
اشاره

و كيف كان ف القول الأول في الإحرام منها و يقع النظر في مقدماته و كيفيته و أحكامه و خاتمته،

[النظر في مقدمات الإحرام ]

أما المقدمات ف كلها مستحبة، و هي أمور، منها توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع، و يتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه وفاقا للمشهور شهرة عظيمة و خصوصا بين المتأخرين، بل لعل كافتهم عليه، إذ ابن إدريس و ان حكي عنه الخلاف لظهور أول كلامه فيه لكن كما قيل صرح بعد ذلك بالندب، بل لم أجد فيه خلافا من غيرهم أيضا إلا من الشيخين في المقنعة و النهاية و الاستبصار، مع ان الأول منهما انما قال: «إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه» و الثاني في الأول «إذا أراد الإنسان


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 2.

ج 18، ص: 171

ان يحج متمتعا فعليه ان يوفر شعر رأسه و لحيته من أول ذي القعدة، و لا يمس شيئا منها» و نحوه في الثاني، و لا صراحة بذلك في الوجوب، خصوصا بعد معلومية التسامح من مثلهم بإطلاق لفظه و إرادة الندب، فضلا عن التعبير المزبور و على تقديره فلا ريب في ضعفه، فان النصوص و إن كان ظاهر الأمر و نحوه فيها ذلك-

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسكان(1): «لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج من ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة»

و في صحيح معاوية بن عمار(2)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شوال و ذو القعدة و ذو الحجة فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر إلى هلال ذي القعدة، و من أراد العمرة وفر شهرا»

و في صحيح عبد اللَّه بن سنان (3)«اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة، و للعمرة شهرا»

و في خبر سعيد الأعرج (4)«لا يأخذ الرجل إذا رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا من لحيته»

و في موثق ابن مسلم (5)«خذ من شعرك إذا أزمعت الحج شوال كله إلى غرة ذي القعدة»

و أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(6)«لا تأخذ من رأسك و أنت تريد الحج في ذي القعدة، و لا في الشهر الذي تريد الخروج فيه للعمرة»

و سأل الصادق (عليه السلام) أيضا الحسين بن أبي العلاء في الحسن (7)«عن الرجل يريد الحج أ يأخذ من شعر رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: لا بأس ما لم ير الهلال»

و يزيد الكناسي (8)«عن الرجل يريد الحج أ يأخذ من شعره في أشهر الحج؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحرام- الحديث 4 عن أبي الصباح الكناني.

ج 18، ص: 172

لا و لا من لحيته، و لكن يأخذ من شاربه و أظفاره، و ليطل ان شاء»-

إلا ان روائح الندب منه ظاهرة، خصوصا بعد ملاحظة الشهرة المزبورة،

و صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم قال: لا بأس»

و موثق سماعة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الحجامة و حلق القفا في أشهر الحج قال: لا بأس و السواك و النورة»

و احتمال ارادة خصوص شوال من أشهر الحج كما ترى، و

خبر محمد بن خالد الخزاز(3)«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكة للإحرام»

بل و

خبر إسماعيل بن جابر(4)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): كم أوفر شعري؟ قال: إذا أردت هذا السفر أعفه شهرا»

بناء على إرادة الأعم من العمرة من السفر فيه، إذ هو حينئذ أقل من التوفير من أول ذي القعدة، بل لعل الاعفاء فيه و في غيره من النصوص السابقة مشعر بالندب أيضا، و في

خبر جميل بن دراج (5)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة قال: إذا كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و ان تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه»

و نحوه مرسله (6)الآخر إلا انه ذكر الناسي مع الجاهل في المعذورية، و بمضمونها ما حكي من عبارة الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام)(7)و ظاهره


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التقصير- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التقصير- الحديث 1.
7- 7 المستدرك- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 173

معروفية الثلاثين في التوفير لا غرة ذي القعدة.

و منه تقوى دلالة الخبر السابق عليه، فيجب الجمع بينهما بتفاوت مراتب الندب، كما فهمه المشهور الذي قد يؤيده أيضا

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه المروي عن قرب الاسناد «من أراد الحج فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوال»

المعلوم عدم إرادة الحرمة منه، بل لم أعثر على مفت فيه بالكراهة عدا الحر في الوسائل.

و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور عملا بالأمر و النهي المزبورين في النصوص السابقة مقتصرا على ذكر موثق سماعة في المعارضة طاعنا فيه في السند بل و الدلالة باعتبار إمكان إرادة ذي القعدة من أشهر الحج فيه في غير محلها، لما عرفت من الشهرة العظيمة و صحيح علي بن جعفر و غير ذلك ثم انه يمكن ارادة ما يشمل اللحية من الرأس في المتن و نحوه كما عن الشيخ و بني إدريس و سعيد و البراج و الفاضل في جملة من كتبه التصريح به، لخصوص خبر سعيد الأعرج بل و إطلاق شعرك و شعر رأسه في النصوص المزبورة بناء على ما في كشف اللثام من ان الرأس قد يشمل الوجه، فشعره يشمل شعره، و إن كان الظاهر انسياق غيرها منه، و أما ما سمعته من المفيد فلم أجد ما يدل عليه سوى خبر جميل (2)السابق المطعون في سنده بعلي بن حديد، و حمله بعضهم على الندب، و آخر على وقوع ذلك بعد الإحرام، لتقييد السؤال بكونه بمكة مع تقييد الجواب به، لعود الضمير فيه إلى المسؤول عنه، و من

هنا قيل انه ساقط، لكونه ضعيف السند، متهافت المتن، فلا يصلح لإثبات حكم شرعي،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب التقصير- الحديث 5.

ج 18، ص: 174

لكن في كشف اللثام قد استدل به على تأكد الندب عند هلال ذي الحجة الذي ذكره المصنف و تبعه الفاضل، ثم قال: و يحتمل اختصاصه بمتمتع دخل مكة، و هو حينئذ محرم، و ألزمه المفيد الدم بالحلق بعد هلال ذي القعدة، و هو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه، لكن ابن سعيد وافقه فيه مع انه قال: ينبغي لمن أراد الحج توفير شعر رأسه و لحيته، قلت: و من هنا قلنا لا صراحة في كلامه بالمخالفة و إن قلنا بوجوب الدم، مع إمكان إرادته الندب منه أيضا، نعم لا يخفى عليك عدم دلالته على التأكد المزبور، بل في الرياض في كل من الاستدلال به على ذلك و الاحتمال المذكور نظر، و إن كان في النظر في الأخير نظر، ضرورة احتمال الخبر المزبور لذلك على أن يكون المراد بيان حكم المتمتع الذي دخل مكة في شوال و في غيره، فلا بأس بالحلق فيه بعد الإحلال من عمرة التمتع لبقاء زمان توفير الشعر فيه للحج، بخلاف ما إذا كان في ذي القعدة مثلا، و حينئذ يراد من الثلاثين فيه الثانية الكناية عن شوال التي بمضيها تحل الثلاثون التي يوفر فيها الشعر للحج، ف

قوله (عليه السلام): «التي يوفر فيها الشعر للحج»

كالوصف للأيام المستفادة من قوله (عليه السلام): «بعد» و هي أيام ذي القعدة، و لعل هذا أولى مما في الحدائق من تقدير بعد دخول الثلاثين لا مضيها ردا على صاحب المدارك، ضرورة كون المنساق من قوله «بعد» معنى المضي لا الدخول، لكن ما ذكرناه أحسن، و على التقديرين تصلح دلالة الخبر المزبور، إلا ان الانصاف مع ذلك كله عدم وضوح دلالة الخبر على وجه يصلح لإثبات الوجوب كما سمعته من المفيد، نعم لا بأس بالقول باستحباب إهراق الدم بذلك.

ثم لا يخفى عليك إطلاق النصوص المزبورة، إلا أن المصنف تبعا للشيخ و ابن حمزة قيده بالمتمتع، و تبعه الفاضل في كثير من كتبه، و لا ريب أن الأول أولى، و أولى منه ذكر استحباب توفيره للعمرة المفردة شهرا، كما صرح به في

ج 18، ص: 175

الدروس، لما سمعته من النص (1)بل و التحرير و إن قال من أول الشهر الذي يريد العمرة فيه، لما سمعته من النص (2)أيضا، و جعل في الوسائل المستحب أحدهما، و يمكن كون المراد بأحدهما عين الآخر، و على كل حال لم يذكر أحد منهم الخلاف فيها، لاقتصار عبارة الشيخين على الحج لكن فيه أن النصوص متحدة الدلالة فيهما معا، و بذلك يظهر لك أيضا قوة الندب، فالتحقيق حينئذ الندب فيهما معا كما عرفت، و اللَّه العالم.

و منها أن ينظف جسده من الأوساخ و يقص أظفاره و يأخذ من شاربه و يزيل الشعر من جسده و إبطيه مطليا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل النصوص فيما عدا الأول مستفيضة:

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(3): «إذا انتهيت إلى العقيق من قبل العراق أو إلى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام إن شاء اللَّه فانتف إبطيك، و قلم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك، و لا يضرك بأي ذلك بدأت، ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك، و ليكن فراغك من ذلك إن شاء اللَّه عند زوال الشمس، فان لم يكن عند زوال الشمس فلا يضرك»

و في صحيحه الآخر(4): «إذا انتهيت إلى بعض المواقيت التي وقت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فانتف إبطيك، و احلق عانتك، و قلم أظفارك، و قص شاربك، و لا يضرك بأي ذلك بدأت»

و في

حسن حريز(5)«السنة في الإحرام تقليم الأظفار، و أخذ الشارب، و حلق العانة»

و سأله في صحيحه الآخر(6)«عن التهيؤ للإحرام فقال: تقليم الأظفار، و أخذ


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 176

الشارب، و حلق العانة»

و أما الأول فقد يومي اليه- مضافا إلى استحباب الطهور للمؤمن مطلقا، و لذا علل التنوير به في النصوص (1)و إلى طول منعه منه- اختصاص الإحرام بالغسل له المرشد اليه، بل قد يومي النص على الأمور المزبورة إلى كونه كالجمعة المستحب فيها ذلك، بل ينبغي غير ذلك من قطع الرائحة الكريهة عن إبطيه مثلا و غيره مما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، فما في اللمعة و الدروس من إبدال الواو بالباء لعدم دليل عليه بالخصوص في غير محله، لما عرفت من رجحان التنظيف بنفسه لا أنه بخصوص قص الأظفار و نحوه، نعم الظاهر إلحاق حلق العانة و غيرها بطليها، لما سمعته من النص و ان صرح في الدروس بكونه أفضل.

و لو كان قد أطلى مثلا أجزأه ما لم يمض خمسة عشر يوما لعموم (2)تحديد ما بين الطليتين بها، و خصوص

خبر علي بن أبي حمزة(3)قال:

«سأل أبو بصير أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و أنا حاضر فقال: إذا أطليت للإحرام الأول فكيف أصنع بالطلية الأخيرة؟ و كم بينهما؟ قال: إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل»

و لكن في

خبره الآخر(4)«لا بأس أن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما»

و هو دال على الاجتزاء به و لو مضت خمسة عشر يوما و يمكن حمله على إرادة بيان أصل الجواز، أو يراد منها التقريبية لا التحقيقية، أو غير ذلك، و

سأله (عليه السلام) معاوية بن عمار(5)أيضا «عن الرجل يطلي


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب آداب الحمام من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 177

قبل أن يأتي الوقت بست ليال قال: لا بأس، و سأله عن الرجل يطلي قبل أن يأتي مكة بسبع أو ثمان ليال قال: لا بأس»

إلا أن الجميع حتى المفهوم من الأول منها المحمول على إرادة عدم التأكد كما ترى لا ينافي استحباب إعادة الإطلاء و إن مضى له أقل من ذلك كما عن الشيخ و الفاضل التصريح به، لإطلاق الأدلة السابقة، و خصوص

خبر ابن أبي يعفور(1)قال: «كنا بالمدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه، قلت: حلقه أفضل، و قال زرارة نتفه أفضل، فاستأذنا على أبي عبد اللَّه (عليه السلام) فاذن لنا و هو بالحمام يطلي قد طلى إبطيه فقلت لزرارة يكفيك فقال: لا لعله فعل هذا لما لا يجوز لي أن أفعله، فقال: فيم أنتما، فقلت: ان زرارة لاحاني في نتف الإبط و حلقه، فقلت:

حلقه أفضل و قال زرارة: نتفه أفضل، فقال: أصبت السنة و أخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه، ثم قال لنا اطليا، فقلنا فعلنا منذ ثلاث، فقال: أعيدا فإن الإطلاء طهور»

بل قال (عليه السلام) في خبر آخر لأبي بصير(2): «تنور فقال: انما تنورت أول من أمس و اليوم الثالث، فقال: أما علمت أنها طهور فتنور»

بل لعله ليس في عبارة المصنف ما ينافي ذلك، لعدم المنافاة بين الاجزاء و الفضل، بل قد يناقش في دلالة النصوص السابقة على إجزائه عن إعادته


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 85- من أبواب آداب الحمام الحديث 4 و ذيله في الباب- 32- منها الحديث 5 إلا أنه قال عند ذكره الذيل عن عبد اللَّه بن أبي يعفور عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديث أنه قال له و لأبي بصير اطليا. إلخ و هو سهو فان الموجود في الكافي ج 4 ص 327 و التهذيب ج 5 ص 62 كالجواهر.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب آداب الحمام- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 18، ص: 178

للإحرام مع مضي الأقل بيسير، و خصوصا ما عد الأول منها، بل و الأول المراد منه أن ذلك نهاية الفصل بينهما، فلا ينافي استحباب الإعادة قبل ذلك، خصوصا للإحرام الذي إذا وقع مثلا قبل مضيها بيوم مثلا قد يستمر إلى غيره أياما تزيد على مدة الفصل، و منه ينقدح أن للإحرام خصوصية أخرى، و خبر أبي بصير الدال على الاجزاء له و إن مضى خمسة عشر يوما قد عرفت أنه محمول على إرادة بيان الجواز لا الاجزاء في الفضل، و اللَّه العالم.

و منها الغسل للإحرام للأمر به في النصوص (1)المستفيضة أو المتواترة المحمول عليه

إجماعا محكيا عن التذكرة و التحرير إن لم يكن محصلا، بل عن المنتهى لا نعرف فيه خلافا، و كأنه لم يعتد بما حكاه في المختلف عن الحسن من الوجوب، و قد تقدم الكلام فيه في الأغسال المسنونة.

و قيل و القائل الشيخ و ابن البراج في محكي المبسوط و المهذب، بل في المسالك حكايته عن الشيخ و جماعة، بل قال بعد ذلك انه اختاره جماعة من الأعيان إن لم يجد ماء تيمم له لإطلاق ما دل (2)على تنزيل التراب منزلة الماء، و انه يكفيك عشر سنين، من غير فرق بين الطهارة و غيرها، كما أنه لا فرق بين عدم الوجدان و بين غيره من الأعذار، و هو معنى ما عن التذكرة من تعليله بأنه غسل مشروع فناب عنه التيمم كالواجب لكن في كشف اللثام هنا «و ضعفه ظاهر» و في المدارك «هو ضعيف جدا» قلت: و ربما أشعر بضعفه أيضا نسبة المصنف له إلى القيل، و قد تقدم تحقيق الحال في ذلك في كتاب الطهارة.

و لو اغتسل و أكل أو لبس ما لا يجوز للمحرم أكله و لا لبسه أعاد الغسل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب التيمم من كتاب الطهارة.

ج 18، ص: 179

استحبابا ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«إذا لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه، أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله فأعد الغسل»

و في

صحيح عمر ابن يزيد(2)«إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب و لا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل»

و أبي جعفر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (3)«إذا اغتسل الرجل و هو يريد أن يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبي فعليه الغسل»

بل خبر علي بن أبي حمزة(4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم لبس قميصا قبل أن يحرم قال: قد انتقض غسله»

و إن كان الظاهر إرادة استحباب الإعادة من النقض لا البطلان من رأس، و إن كان ربما يقال به مؤيدا بدعوى إشعار الإعادة في النص به، لكنه خلاف ظاهر الفتوى، بل مقتضى صحيح عمر استحباب اعادته للتطيب أيضا كما في الدروس، نعم لا دلالة في شي ء منها على استحباب إعادته بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام، اللهم إلا أن يجعل ما فيها مثالا لغيره، لكن في

مرسل جميل (5)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل اغتسل للإحرام ثم قلم أظفاره قال:

يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل»

و سأله ابن أبي يعفور(6)«ما تقول في دهنة بعد الغسل فقال: قبل و بعد و معه ليس به بأس»

و إن أمكن إرادة بيان عدم التأكد و يجوز له أي المحرم تقديمه أي الغسل على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذخيرة و الرياض


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الإحرام- الحديث 2 و هو مرسل جميل عن أبي جعفر عليه السلام كما في الكافي ج 4 ص 328 و التهذيب ج 5 ص 66.
6- 6 الوسائل- الباب- 30- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 180

و غيرهما، بل في المدارك الإجماع عليه لكن في النافع «و قيل يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء، و يعيد لو وجده» مشعرا بتمريضه، و فيه أن النصوص دالة عليه، ففي

صحيح هشام بن سالم (1)«أرسلنا الي أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و نحن جماعة بالمدينة انا نريد ان نودعك، فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف ان يعز عليكم الماء بذي الحليفة، فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني- الى أن قال- فلما أردنا أن نخرج قال: لا عليكم أن تغتسلوا إذا وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة»

و قال أبو بصير(2)«سألته عن الرجل يغتسل بالمدينة لإحرامه أ يجزيه ذلك عن غسل ذي الحليفة؟ قال: نعم»

و نحوه صحيح الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام)، و في

صحيح معاوية بن وهب (4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و نحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام فقال: أطل بالمدينة و تجهز بكل ما تريد و اغتسل، و إن شئت اشتملت بقميصك حتى تأتي مسجد الشجرة»

إلى غير ذلك من النصوص التي ظاهرها عدا الأول منها جواز التقديم مع عدم خوف إعواز الماء كما مال اليه سيد المدارك و الفاضل الأصبهاني و صاحب الذخيرة، مضافا إلى إطلاق أدلة الغسل، لكن في التنقيح بعد أن اعترف باقتضاء الإطلاق ذلك قال: «و الشيخ قيده بالخوف و هو جيد، إذ العمل بالإطلاق لم يقل به قائل» و فيه أن عدم القائل لا ينافي وجوب العمل بالخبر الجامع لشرائط الحجية، إلا أن يكون ذلك عن إجماع على العدم، و في دعواه هنا منع، و التنظير بغسل الجمعة الذي يقدم يوم


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 181

الخميس للخوف لا يقتضي ذلك، فمن الغريب ما في الرياض من جعل ما في التنقيح إجماعا منقولا و قيد به النصوص، بل تردد في تناول إطلاق النصوص لصورة عدم الخوف، إذ لا يخفى عليك ما فيه، نعم قد يقال إن التعليل في الصحيح الأول مؤيدا بذلك يقتضي التقييد المزبور، إلا أن الانصاف قصوره عن ذلك على

وجه يقتضي عدم المشروعية لزيادة التنظيف، فالجزم بذلك كما في الرياض لا يخلو من منع.

بل ربما احتمل في عبارة المصنف في النافع ان يكون التمريض الذي أشعر به لفظ القيل راجعا إلى التقييد بالخوف الذي مقتضى النصوص عدمه، لا لمطلق التقديم المصرح به في النص و الفتوى، أو يكون راجعا إلى الحكم الأخير و هو لو وجده في الميقات استحب له الإعادة لعدم دليل واضح عليه عدا قوله (عليه السلام) في ذيل الصحيح السابق «و لا عليكم» إلى آخره الذي لا دلالة فيه على الندب الذي هو أخص من نفي البأس، و لكن فيه معلومية اعتبار الرجحان في العبادة متى شرعت، كما هو واضح، بل لا فرق في استحباب الإعادة معه بين لبس ثوبي الإحرام حين الغسل و عدمه.

ثم لا يخفى عليك أن الصحيح الأول (1)ظاهر في استحباب لبس ثوبي الإحرام عند الغسل و إن تأخر الإحرام لوقته، فيجوز حينئذ له عدم اللبس كما في صحيح ابن وهب (2)و حكي التصريح به عن النهاية و المبسوط، هذا، و عن التحرير و المنتهى و التذكرة تقييد جواز التقديم بان لا يمضي عليه يوم و ليلة، و نفي عنه البأس في كشف اللثام، و لعله لما تسمعه عن قريب ان شاء اللَّه.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 182

و كيف كان فلا خلاف أجده في أنه يجزي الغسل في أول النهار ليومه إذا أراد الإحرام فيه و

في أول الليل لليلته ما لم ينم بل قيل إنه مقطوع به في كلام الأصحاب ل

خبر أبي بصير(1)«أتاه رجل و أنا عنده، فقال: اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى فقال: يعيد الغسل، يغتسل نهارا ليومه ذلك، و ليلا لليلته»

و صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله إلى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل و من اغتسل ليلا كفاه غسله إلى طلوع الفجر»

و خبر سماعة بن مهران (3)عنه (عليه السلام) أيضا «من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله، و من اغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأه غسله»

بناء على أن المراد عند طلوع الفجر من قوله قبله فيه، و في وافي الكاشاني كان المراد بالاستحمام تنظيف البدن، بل في

صحيح جميل (4)عنه (عليه السلام) أيضا أنه قال:

«غسل يومك يجزيك لليلتك و غسل ليلتك يجزيك ليومك»

و نحوه خبر حسين الخراساني (5)عن أحدهما (عليهما السلام) المروي عن مستطرفات السرائر

و أفتى به جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن المقنع، و نفى عنه البأس في الرياض، قال: «و لكن الأفضل الإعادة لصريح بعض الأخبار السابقة المؤيد بلفظ الاجزاء في هذه الرواية» قلت: قد يشعر لفظ الاجزاء في عبارة المشهور بان ذلك أقل المجزي، و لولاه لأمكن الجمع بين النصوص بما ذكره على معنى تفاوت مراتب الإجزاء مؤيدا باستبعاد عدم إجزائه مثلا لليل أو للنهار مع فرض وقوعه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام الحديث 4 عن عثمان بن يزيد كما في التهذيب ج 5 ص 64 إلا أن الموجود في الطبع الحديث من الوسائل عن عثمان عمر بن يزيد.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الإحرام الحديث 6.

ج 18، ص: 183

في آخر جزء منهما، اللهم إلا أن يراد تقدير زمان الليل أو النهار من كل منهما، و ربما يومي إلى ما ذكرناه في الجملة ما سمعته في خبر سماعة الذي لا يخفى بعد حمل ما قبل الفجر فيه على ما بعده، كبعد حمل اللام في الخبرين على معنى «الى» ليوافق النصوص السابقة المعتضدة بشهرة الأصحاب، و لعل الفاضل فيما مضى من تقييد التقديم بما سمعت نظر إلى الخبرين المزبورين، و لكن عليه كان الأولى التقييد بما سمعته من المشهور، بل الظاهر ان هذه المسألة غير تلك المسألة التي يراد فيها التقديم لخائف الإعواز و إن تأخر أياما، فتأمل جيدا، كما ان الانصاف عدم خلو القول بمضمون الخبرين المزبورين و إن كان هو دون ذلك في الفضل من وجه.

بقي الكلام في تقييد ذلك بعدم النوم، و يدل عليه

صحيح النضر بن سويد(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال: عليه اعادة الغسل»

و خبر علي بن أبي حمزة(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم قال:

عليه اعادة الغسل»

مؤيدا ذلك بما دل عليه فيمن اغتسل لدخول مكة أو الطواف

كالصحيح (3)«عن الرجل يغتسل لدخول مكة ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أ يجزيه ذلك أم يعيد؟ قال: لا يجزيه ذلك، لأنه إنما دخل بوضوء»

و لكن مقتضى الجمع بينهما و بين

صحيح العيص بن القاسم-(4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين ثم ينام قبل أن يحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الإحرام الحديث 3.

ج 18، ص: 184

قال: ليس عليه غسل»

- استحباب الإعادة لا انتقاض الغسل، و احتمال كون المراد من صحيح العيص عدم مشروعية الإعادة كما عن ابن إدريس مقتض لطرح ما سمعته من النص المؤيد بأنها مبالغة في

التنظيف، فالأولى حمله على ارادة عدم النقض على معنى أن ليس عليه ذلك كمن لم يغتسل، و لعله أولى من حمله على عدم التأكد كما في المدارك و مما حمله الشيخ عليه من نفي الوجوب المنافي لمقتضى سوقه من أن سقوطه للاعتداد بالغسل المتقدم لا لكونه غير واجب، هذا.

و في القواعد «و لو أحدث بغير النوم فإشكال ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى، و من عدم النص» بل و في الدروس «الأقرب ان الحدث كذلك» و نفى عنه في المسالك البأس، و لعله لكونه مساويا له أو أقوى باعتبار تلويثه للبدن، بل في كشف اللثام الظاهر ان النوم إنما صار حدثا لأن معه مظنة الأحداث فحقائقها حينئذ أولى، بل في المختلف تعليل الإعادة للنوم بأنه يبطل الطهارة الحقيقية فالوهمية أولى، بل في المسالك «الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقا و الخلاف فيه على بعض الوجوه» إلا أن ذلك كله كما ترى لا يصلح دليلا و إن قلنا بالتسامح على أن دعوى الاتفاق المزبور لا تخلو من نظر أو منع.

نعم في

الموثق (1)«عن غسل الزيارة يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد قال: يجزيه إن لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوء فليعد غسله»

و لا صراحة فيه بانتقاضه بذلك و إن ادعاها في الرياض، كدعواه دلالة صحيح مكة(2)على مشاركة النوم غيره من الأحداث في نقض الغسل، مع انه على


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زيارة البيت- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب مقدمات الطواف- الحديث 1.

ج 18، ص: 185

ما سمعته لا إشعار فيه بذلك، فالتحقيق عدم النقض هنا بالنوم فضلا عن غيره بل الظاهر قصر استحباب الإعادة في الإحرام عليه دون غيره، لحرمة القياس، بل لعل إطلاق الاجتزاء بالغسل في أول اليوم و الليلة مع غلبة تخلل الحدث مما يقتضي عدمه، بل لعله بملاحظة الغلبة المزبورة في الليل يتقوى عدم الانتقاض بالنوم أيضا كما ذكرناه، و لعله لذا كان خيرة الفخر و الكركي و سيد المدارك و الأصبهاني قصر الحكم على النوم، و قد تقدم في الأغسال المندوبة بعض الكلام في ذلك، و الظاهر مساواة غسل الزيارة و غيره من أغسال الأفعال لغسل الإحرام في الاجتزاء به من أول اليوم و الليل لبقيتهما، بل قد سمعت الموثق الدال على الاجتزاء به لليل أيضا، و اما انتقاضه بالنوم و غيره من مطلق الحدث أو استحباب إعادته فقد سمعت دعوى الاتفاق هنا، لكن لم نتحققه، و قد تقدم في كتاب الطهارة تحقيق الحال.

و لو أحرم بغير غسل أو صلاة يأتي استحباب الإيقاع عقيبها ناسيا ثم ذكر أو عامدا عالما أو جاهلا تدارك ما تركه و أعاد الإحرام استحبابا على المشهور بين الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا بناء على استحبابهما بل و لا وجها، ضرورة عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوبا، و قول الشيخ في النهاية «من أحرم من غير صلاة و غير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة و غسل» لا صراحة فيه بالوجوب، خصوصا بعد قوله في المبسوط «كان إحرامه منعقدا غير أنه يستحب له إعادة الإحرام بصلاة و غسل» نعم ما يحكى عن أبي علي «ثم اغتسل و لبس ثوبي الإحرام و صلى لإحرامه لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض، فإنها تحرم بغير صلاة- قال- و لا ينعقد الإحرام إلا في الميقات بعد الغسل و التجرد و الصلاة» ظاهر في وجوب الغسل و الصلاة و حينئذ يتجه وجوب الإعادة.

ج 18، ص: 186

و على كل حال فالأصل في ذلك

صحيح الحسن بن سعيد(1)«كتبت إلى العبد الصالح أبي الحسن (عليه السلام) رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه في ذلك؟ و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب (عليه السلام) يعيده»

بعد حمل الأمر فيه على الندب لما عرفت، مؤيدا بما قيل من إشعار قوله في السؤال «و كيف ينبغي له أن يصنع» الذي يقتضي مطابقة الجواب له به و إن نوقش فيه، و لكن العمدة ما ذكرناه، بل الظاهر المفروغية منه بين الأصحاب، نعم قال ابن إدريس على ما في المختلف بعد أن حكى ذلك عن الشيخ إن أراد أنه نوى الإحرام و أحرم و لبى من دون صلاة و غسل فقد انعقد إحرامه، فأي إعادة تكون عليه، و كيف يتقدر ذلك، و إن أراد أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية و التلبية فيصح ذلك و يكون لقوله وجه، و رده في المختلف بأنه انما قصد الشيخ انه إذا عقد إحرامه بالتلبية و النية و لبس الثوبين

التي هي أركان الإحرام و أجزاؤه من غير غسل و لا صلاة استحب له إعادة التلبية و لبس الثوبين و النية، عملا برواية الحسن بن سعيد الصحيحة، و لا استبعاد في استحباب اعادة الفرض لأجل النفل كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل المصلي فيها متعمدا بغير أذان و لا إقامة، فإنه يستحب له إعادتها، و قد استظهر منه في المسالك الحكم ببطلان الأول، و تبعه في المدارك ثم أورد عليه في الأول بما حاصله وضوح الفرق بين المقامين، فإن الصلاة تقبل الابطال بفعل منافياتها و لو نية الابطال، بخلاف الإحرام الذي لا يقبله إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر.

قلت لعل ابن إدريس فهم من عبارة الشيخ في النهاية وجوب الإعادة المقتضية لبطلان الأول بترك ما لا يقتضيه من المستحب، فأنكر عليه ذلك و رده


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 187

الفاضل بأنه لا مانع من الإعادة بترك المستحب للدليل كما في الصلاة بترك الأذان و الإقامة، و ليس مقصوده من التشبيه البطلان أيضا كما عساه يتوهم، بل المراد أن اعادة الصحيح تكون بترك المستحب و إن لم يكن الأول باطلا، و كان الأولى تشبيهه بإعادة الصلاة جماعة بعد أن صليت فرادى، و يقع له خيرهما من غير بطلان في الأولى، و لعله لذا قال في الدروس: و لو نسي الغسل أو النافلة أعاد الإحرام بعدهما مستحبا خلافا لابن إدريس، إذ نفى الإعادة مع صحة الإحرام، و المعتبر هو الأول، ثم كتب في الحاشية التي كتب تحتها انها منه المعتبر في الاجزاء الأول، و في الكمال الثاني، و من ذلك أخذ الأصبهاني ما في كشفه حيث انه بعد أن ذكر استحباب الإعادة و دليلها قال: «و أنكره ابن إدريس إلا أن يراد صورة الإحرام من التجرد و لبس الثوبين من غير نية، فإنه إذا نواه انعقد و لم يمكنه الإحلال إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه إذا صد أو أحصر، و ليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها و بالنية، فلا يتجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحب إعادتها إذا نسي الأذان و الإقامة، و الجواب أن الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال، لم لا يجوز أن يستحب تجديد النية و تأكيدها للخبر، و قد ينزل عليه ما في المختلف» انتهى.

و على كل حال فان كان مراد ابن إدريس الرد على الشيخ في الوجوب المقتضي لبطلان الأول أو تعبدا كان في محله، و إلا كان محلا للنظر إلا أن يكون مبناه عدم العمل بخبر الواحد و إن كان صحيحا، و قد عرفت ضعفه في محله، هذا، و في الرياض بعد أن حكى ما سمعته من كشف اللثام قال: «و هو حسن ان تم منع افتقار الإعادة إلى الابطال، و فيه نظر لتبادره منها عرفا، و قد صرح في الأصول بأنها عبارة عن الإتيان بالشي ء ثانيا بعد الإتيان به أولا، لوقوعه على نوع خلل، قالوا كتجرده عن شرط معتبر، أو اقترانه بأمر مبطل،

ج 18، ص: 188

فتدبر. و لعله لذا لم يجب عن الحلي أحد من المتأخرين إلا بابتناء مذهبه هنا على مذهبه في أخبار الآحاد من عدم حجيتها، و هو ضعيف، و على هذا فالمعتبر من الإحرامين ثانيهما كما هو ظاهر المختلف و المنتهى و غيرهما، خلافا للشهيدين فأولهما، قال ثانيهما: «إذ لا وجه لإبطال الإحرام بعد انعقاده، فلا وجه لاستئناف النية، بل ينبغي أن يكون المعاد هو التلبية و اللبس خاصة» انتهى و فيه ما عرفت من ظهور النص في الابطال من جهة لفظ الإعادة المفهوم منه ذلك عرفا و عادة، هذا مضافا إلى ما ذكره بعض المحدثين في الجواب عنه بأن النية الأولى انما كانت معتبرة بمقارنة اللبس و التلبية مثل نية الصلاة المقارنة للتكبير، فإذا بطل تكبيرة الإحرام بطلت النية الأولى، فكذا هنا».

قلت لا يخفى عليك ما فيه، بل هو من غرائب الكلام، ضرورة أن ما ذكره من الإعادة اصطلاح لأهل الأصول لا يحمل عليه ما في النصوص، على ان قولهم: «كاخلال بشرط» إلى آخره قاض بخلافه هنا، ضرورة عدمه، على أنه بعد حمل الأمر بالإعادة على الندب لا يتم ما ذكره من الظهور المزبور، الفرض أنه قد اعترف أولا بالاستحباب، على أن مقتضاه حصوله بالإعادة نفسها و لم يسمع من أحد كونه من مبطلات الإحرام، و ما حكاه عن بعض المحدثين لا نعرف له حاصلا، إذ لم يقل أحد ببطلان اللبس و التلبية المستلزمين لبطلان النية قياسا على تكبيرة الإحرام، و انما ذكر ثاني الشهيدين بعد الحكم بصحة الإحرام الأول أن الإعادة التي لا تقتضي بطلانه تتحقق بابتداء التلبية و اللبس من غير حاجة إلى تجديد نية، فأقصى ما فيه إمكان تحقق الإعادة التامة بدونها لا أنه يقول ببطلان التلبية و اللبس دونها، و بالجملة هذا الكلام كله لا يسطر.

بقي الكلام في قول الفاضل في القواعد بعد أن حكم بالإعادة أي ندبا:

«و أيهما المعتبر إشكال، و تجب الكفارة بالمتخلل بينهما» فان ظاهره المفروغية من

ج 18، ص: 189

الكفارة التي مقتضاها صحة الأول، فلا يناسبه الإشكال في المعتبر منهما، و في كشف اللثام لعل استشكاله هنا لاحتمال الإحلال هنا بخصوصه للنص، و أما وجوب الكفارة بالمتخلل فلاعتبار الأول ما لم يحل، و في الرياض بعد ان ذكر الخلاف و رجح البطلان بما سمعت قال: «و تظهر ثمرة الخلاف في وجوب الكفارة للمتخلل بين الإحرامين، و احتساب الشهر بين العمرتين، و العدول إلى عمرة التمتع لو وقع الثاني في أشهر الحج، لكن ظاهر القواعد خروج الأول من البين، و وجوب الكفارة على القولين، فان تم إجماعا و إلا فهو منفي على المختار قطعا، و كذا مع التردد بينه و بين مقابلة عملا بالأصل السالم عن المعارض، إلا أن يمنع باستصحاب بقاء الإحرام الأول الموجب للكفارة بالجناية فيه، و الإعادة لا تقطعه بناء على الفرض، و فيه نظر».

قلت لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه المقتضي لعدم الإشكال في وجوب الكفارة للمتخلل، لبقاء صحة الإحرام الأول و ان استحب الإعادة التي لا تبطله، بل هو حكم تعبدي شرعي لتدارك الفضيلة نحو إعادة الصلاة جماعة، و يحسب له في الواقع أفضلهما نحو ما ورد في الصلاة جماعة، و ان بقيت الأحكام الظاهرية على الأول المحكوم بصحته ظاهرا، و لعل اشكال الفاضل في المعتبر منهما بالنسبة إلى الكمال بمعنى انه الأول و ان لحقه ما يقتضي كماله، أو انه الثاني و ان بقيت الأحكام للاول، فتأمل جيدا.

ثم ان ظاهر قول المصنف «ثم ذكر» فرض المسألة في الناسي كما صرح به بعضهم، لكن فيه أن الصحيح (1)المزبور في الجاهل و العالم من دون تعرض للناسي، اللهم إلا ان يفهم لحوقه بالفحوى، كما ان المفروض فيه ترك الغسل أو


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 190

الصلاة فيكفي فيه ترك أحدهما، فما سمعته من النهاية من اعتبار تركهما معا في غير محله، كالمحكي عن بعضهم من الاقتصار على الأول منهما، فتأمل جيدا، و اللَّه العالم.

و منها- كما ذكره المصنف و غيره ان يحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة غيرها و ان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات و أوسطه أربع ركعات و اقله ركعتان يقرأ في الأولى الحمد و قل يا أيها الكافرون و في الثانية الحمد و

قل هو اللَّه أحد و فيه رواية أخرى (1)بالعكس، و المراد بقرينة قوله بعد ذلك: «و يوقع» إلى آخره انه مع حضور الفريضة يصلي نافلة الإحرام ثم الفريضة ثم يحرم عقيبها، و مع عدم الفريضة يحرم عقيب النافلة لا انه مع الفريضة تسقط نافلة الإحرام كما ادعى في المسالك انه ظاهر العبارة، قال: «و ليس كذلك، و انما السنة أن يصلي ستة الإحرام أولا» إلى آخر ما ذكرناه، ثم قال: «و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا» و قد سبقه إلى ذلك الكركي في حاشيته على الكتاب لكن قد يقال لا قصور في نحو عبارة المتن بعد ملاحظة القرينة التي ذكرناها كالمحكي من عبارة المبسوط، قال «و أفضل الأوقات التي يحرم فيها عند الزوال و يكون ذلك بعد فريضة الظهر، فان اتفق ان يكون في غير هذا الوقت جاز، و الأفضل أن يكون عقيب فريضة، فان لم يكن فريضة صلى ست ركعات من النوافل و أحرم في دبرها، فان لم يتمكن من ذلك أجزأه ركعتان- الى ان قال- و يجوز ان تصلى صلاة الإحرام أي وقت كان من ليل أو نهار ما لم يكن وقت فريضة قد تضيق، فان تضيق الوقت بدأ بالفرض ثم الإحرام، و إن كان أول الوقت بدأ بصلاة الإحرام ثم بصلاة الفرض» و نحوه عبارة النهاية، و لا ريب ان التدبر فيهما يقتضي ما قلناه.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2 من كتاب الصلاة.

ج 18، ص: 191

و من هنا قال ابن إدريس في المحكي من سرائره: «أفضل الأوقات التي يحرم فيها

الإنسان بعد الزوال، و يكون ذلك بعد فريضة الظهر، فعل هذا تكون ركعتا الإحرام المندوبة (المندوبتان ظ) قبل فريضة الظهر بحيث يكون الإحرام عقيب صلاة الظهر» ثم ساق الكلام على نحو ما ذكره الشيخ، و هو صريح فيما ذكرناه، و قال في المقنعة: «و إن كان وقت فريضة و كان متسعا قدم نوافل الإحرام، و هي ست ركعات، و يجزي منها ركعتان، ثم صلى الفريضة و أحرم في دبرها فهو أفضل، و إن لم يكن وقت فريضة صلى ست ركعات» و قال في التحرير «يستحب له أن يحرم بعد الزوال عقيب صلاة الظهر، يبدأ بصلاة الإحرام، و هي ست ركعات، فان لم يتمكن فركعتان، ثم يصلي الظهر ثم يحرم عقيب صلاة الظهر، و إن لم يتفق وقت الزوال استحب ان يكون عقيب فريضة، فان لم تتفق صلى ست ركعات ثم أحرم عقيبها، فان لم يتمكن من ذلك صلى ركعتين يقرأ في الأولى الحمد و قل يا ايها الكافرون، و في الثانية الحمد و التوحيد مستحبا» و مثله قال في التذكرة إلا انه عكس القراءة في الركعتين، ثم قال: «فإذا فرغ منهما أحرم عقيبهما- الى أن قال- فإذا ثبت هذا فإن صلاة الإحرام تفعل في كل وقت و إن كان أحد الأوقات المكروهة، و أصح الوجهين عند الشافعية الكراهة في الأوقات المكروهة و هل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام؟ يحتمل ذلك، و هو قول الشافعي، و لكن المشهور تقديم نافلة الإحرام على الفريضة ما لم يتضيق وقت الفريضة، و ذلك يدل على عدم الاكتفاء بالفريضة في الاستحباب» و كذلك صرح في القواعد بتقديم نافلة الإحرام على الفريضة، و نحوه عن المنتهى، و قال في الدروس:

«و يستحب صلاة سنة الإحرام، و هي ست ركعات أو أربع أو ركعتان، ثم الفريضة، و الأفضل إحرامه عقيب الظهر، ثم الفريضة مطلقا، و لو لم يكن وقت فريضة، فالظاهر إن الإحرام عقيب فريضة مقضية أفضل، فان لم يكن فعقيب

ج 18، ص: 192

النافلة، و يقرأ في الركعتين الجحد في الاولى و التوحيد في الثانية» و قال ابن الجنيد: «لا ينعقد الإحرام بدون الغسل و التجرد و الصلاة» إلى غير ذلك من عباراتهم التي لا قصور فيها.

نعم استشعر الفاضل مما حكاه عن الإسكافي تقديم الفريضة على نافلة الإحرام ثم الإحرام بعدها، كما انه حكي عنه وجوب صلاة الإحرام و الغسل و اللبس.

و على كل حال هو أمر آخر غير ما نحن فيه، لكن مع ذلك كله قال في المدارك ان مقتضى العبارة عدم الاحتياج إلى نافلة الإحرام مع صلاة الفريضة و انها انما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو نافلة أو فريضة، و على ذلك دلت الأخبار الصحيحة ثم ذكر صحيحتي معاوية بن عمار الآتيتين، إلى ان قال:

و من هنا يظهر إن ما ذكره الشارح من أن المراد ان السنة ان يصلي سنة الإحرام إلى آخره غير جيد، و من العجب قوله: و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا، إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على المعنى الذي ذكره فإن الأخبار ناطقة بخلافه كما بيناه، و قد ظهر لك مما ذكرناه تصريح كلمات الأصحاب بذلك و حكاية الشهرة من الفاضل و كشف اللثام و غيرهما عليه، بل لم أعرف أحدا من الأصحاب أفتى بذلك، و انما ذكره الفاضل احتمالا بعد ان حكاه عن الشافعي.

إنما الكلام فيما يدل عليه من النصوص و أظهره ما عن

الفقه المنسوب (1)إلى مولانا الرضا (عليه السلام) «فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة و روي ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها ليكون أفضل»

و ربما يدل عليه أيضا

قول الصادق (عليه السلام) في


1- 1 المستدرك- الباب- 13- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 193

صحيح معاوية بن عمار(1): «خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت، و إذا أردت أن تحرم»

و في

خبر أبي بصير(2)أيضا «خمس صلوات يصليها في كل وقت، منها صلاة الإحرام»

بل لعل إطلاق

قوله (عليه السلام) أيضا في خبره الآخر(3)«يصلي للإحرام ست ركعات يحرم في دبرها»

دال على ذلك أيضا، فإنه شامل لمن صلاهن في وقت الفريضة و أحرم بعدهن قبل الفريضة، ك

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح عمر بن يزيد(4)«و اعلم أنه واسع لك أن تحرم في دبر فريضة أو نافلة أو ليل أو نهار»

بل قد يستفاد من التدبر في

صحيح الحلبي (5)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) أحرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ليلا أم نهارا؟ فقال: بل نهارا، فقلت: أي ساعة؟ قال: صلاة الظهر فسألته متى ترى أن تحرم؟ قال: سواء عليكم، إنما أحرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) صلاة الظهر لان الماء كان قليلا، كان في رؤوس الجبال فيهجر الرجل إلى مثل ذلك من الغد و لا يكادون يقدرون على الماء، و انما أحدثت هذه المياه حديثا»

منضما إلى

المرسل (6)عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السلام) انهما قالا «إذا صلى الرجل الركعتين و قال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض على نفسه الحج و عقد عقدة الحج، و قالا: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) حيث صلى في مسجد الشجرة صلى و عقد الحج و لم يقولا صلى و عقد الإحرام،»

بناء على إرادة صلاة الركعتين من صلاة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لا صلاة الظهر،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 194

خصوصا بعد

المرسل (1)في التذكرة أنه روى العامة «أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) صلى بذي الحليفة ركعتين ثم أحرم»

فتأمل جيدا.

و كان المراد من

قوله (عليه السلام): «سواء عليكم»

بيان الجواز، و إلا فلا ريب في كون الفضل عند الزوال، ل

قول الصادق (عليه السلام)(2): «لا يضرك بليل أحرمت أو نهار، إلا أن أفضل ذلك عند زوال الشمس»

و لعله لأنه قد فعله رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و إن كان لقلة الماء.

و على كل حال فليس في

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(3): «صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة»

دلالة على سقوط نافلة الإحرام، و كذا

قوله في صحيحه الآخر(4)«لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و إن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما»

الى آخره، بل لعل الأصحاب أخذوا التأليف المزبور الذي هو صلاة نافلة الإحرام ثم الفريضة ثم الإحرام من الأمر به عقيب المكتوبة في الصحيح المزبور مع إطلاق الأمر بنافلة الإحرام، مضافا إلى ما يشعر به

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(5)أيضا «إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرهما»

بناء على كون المراد من مفهومه و لو بقرينة الشهرة و غيرها مما عرفت انه و إن كان في وقت فريضة صليت الركعتين ثم الفريضة و أحرمت عقيبها، لا أن المراد سقوطها


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 37.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 195

بالفريضة إذا كان وقت فريضة و الاجتزاء بفعل الفريضة.

بل لعل التأمل في

خبر إدريس بن عبد اللَّه (1)يقضي بذلك أيضا، قال:

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم إلى المغرب، قلت فان أبي جماله أن يقيم عليه قال:

ليس له ان يخالف السنة، قلت: إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به، و لكن أكره للشهرة، و تأخير ذلك أحب الي، قلت: كم أصلي إذا تطوعت؟

قال: أربع ركعات»

بناء على كون المراد ان تأخير التطوع للإحرام بعد ذلك أحب الي، لا أن المراد تأخير الإحرام عقيب المغرب حتى يسقط التطوع للإحرام أحب الي، و الظاهر اتحاد المراد من الخبر المزبور مع

خبر ابن فضال (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) المروي في الفقيه «في الرجل يأتي ذا الحليفة أو بعض الأوقات بعد صلاة العصر أو في غير وقت صلاة قال: ينتظر حتى تكون الساعة التي يصلي فيها»

و انما قال ذلك مخافة الشهرة، إذ الظاهر أن قوله «و انما» الى آخره من كلام الصدوق أو الراوي.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا كراهة في نافلة الإحرام في جميع الأوقات للنصوص السابقة، و لأنها ليست من النوافل المبتدأة، بل هي من ذوات الأسباب، كما أنه ظهر لك عدم حرمتها في وقت فريضة، لإطلاق النصوص المعتضدة بالفتوى، بل مقتضى ما دل على كون الإحرام في وقت الفريضة ذلك، ضرورة فهم تبعية النافلة له في ذلك، إلا ان ذلك كله على طريق الندب، خلافا لما سمعته من الإسكافي المقتضي لوجوب نافلة الإحرام إذا لم تتفق في وقت فريضة، بل و للمحكي عن الجمل و العقود و المهذب و الإشارة و الغنية و الوسيلة من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 196

تقديم الفريضة على النافلة، بل في كشف اللثام انه يشعر به كلام الحسن، قال:

و هو أظهر، لأن الفرائض تقدم على النوافل إلا الرواتب قبلها، إذ لا نافلة في وقت فريضة، و لم أظفر بما يدل على استحباب نافلة الإحرام مع إيقاعه بعد فريضة إلا الذي سمعته الآن عن الرضا (عليه السلام)، و لذا قال في التذكرة و هل تكفي الفريضة عن ركعتي الإحرام؟ يحتمل ذلك، و هو قول الشافعي، لكن لا يخفي عليك مجال النظر في كلامه بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا بعد ان كان المختار جواز التطوع في وقت الفريضة كما ذكرناه في محله.

و أما كيفية القراءة فلم أقف فيها إلا على

خبر معاذ بن مسلم (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا يدع أن يقرأ قل هو اللَّه احد و قل يا ايها الكافرون في سبعة مواطن: في الركعتين قبل الفجر و ركعتي الزوال، و ركعتين بعد المغرب، و ركعتين في أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام، و الفجر إذا أصبحت بها، و ركعتي الطواف»

لكن في التهذيب بعد ان أورد ذلك

قال: و في رواية اخرى (2)«انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللَّه أحد، و في الركعة الثانية بقل يا ايها الكافرون إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ بقل يا ايها الكافرون، ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو اللَّه احد»

و الأمر في ذلك سهل بعد كون الحكم ندبيا.

بل ظهر لك أيضا الوجه في قول المصنف و يوقع نافلة الإحرام تبعا له و لو كان وقت فريضة مقدما للنافلة ما لم تتضيق الحاضرة بل قوله «تبعا» مشعر بان دليل ذلك ما أشرنا إليه سابقا من فهم تبعية النافلة للإحرام في المشروعية


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب القراءة في الصلاة- الحديث 2.

ج 18، ص: 197

التي مقتضى النصوص كونها كذلك في ليل أو في نهار في وقت فريضة أو غيرها من الأوقات المكروهة و غيرها، و من الغريب ما عن شارح الترددات من جعل الضمير في قوله «له» عائدا إلى الغسل اي يوقع النافلة تبعا للغسل لا

يتراخى عنه، إذ هو- مع أنه كما ترى- لا دليل عليه، بل الدليل على خلافه قائم كما سمعته من النصوص السابقة.

بقي الكلام فيما ذكره غير واحد من استحباب الإحرام عقيب الفريضة و لو مقضية، إذ قد عرفت ان المستفاد من النصوص السابقة استحبابه عقيب الظهر، و إلا فمطلق المكتوبة المنساق منها الحاضرة، نعم في بعض النصوص (1)السابقة الفريضة لكن لا دلالة فيه على الندب، فتأمل.

و قد ظهر لك مما ذكرناه من النصوص أن مقتضى العمل بها صلاة الست، و دونه الأربع، و دونه الركعتان، و ضعف خبر الست بعد الانجبار، بعمل الأصحاب كما في كشف اللثام، و كون الحكم ندبيا غير قادح، كما انه لا يقدح في ذلك عدم ذكر الست في محكي الهداية و المقنع و جمل السيد.

هذا كله في مقدمات الإحرام

[النظر في كيفية الإحرام فتشتمل على واجب و مندوب ]
اشاره

و أما كيفيته فتشتمل على واجب و مندوب لكن ينبغي أن يعلم أولا أنه ذكر بعض الأفاضل مقدمة قبل ذلك، قال: ما حاصله الإحرام هنا كالإحرام في الصلاة، و من المعلوم أن معنى الإحرام فيها الدخول فيها على وجه يحرم معه الكلام و الضحك و نحوهما مما هو مبطل للصلاة، أو الدخول فيها على وجه يكون مصليا و إن لزمه الأول، كما أن الأول يستلزم الثاني و على كل حال يتحقق ذلك بتكبيرة الإحرام، بل

سميت بذلك لذلك و إن لم تكن هي السبب في الإحرام بل التكبيرة المقارنة للنية السبب فيه، إلا أنه لما كانت الجزء الأخير من العلة نسب إليها الإحرام، و حينئذ فالإحرام بالعمرة و الحج هو


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 198

الدخول فيهما و صيرورة الشخص معتمرا أو حاجا، أو دخوله في حالة يحرم عليه معها ما يحرم على أحدهما ما لم يتحلل، و ذلك إما هو إيقاع التلبية المقارنة لنية العمرة أو الحج و لو حكمية، أو غيره من النية الفعلية لأحدهما الواقعة في الموضع المعين، أو هي مع لبس الثوبين: أي اللبس المقارن لها، و أما مجموع التلبية و النية و اللبس فهو راجع إلى الأول، لأن المعلول ينسب إلى الجزء الأخير من العلة، و الأول هو الذي صرح به الشيخ في التهذيبين، بل هو ظاهر كلام الأكثر المصرحين بعدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية، بل عليه الإجماع عن الانتصار و الخلاف و الجواهر و التذكرة و المنتهى و غيرها، مضافا إلى المعتبرة(1)المستفيضة المصرحة بجواز فعل كل ما يحرم على المحرم قبل التلبية و إن نوى، بل هو أيضا ظاهر المعتبرة(2)المستفيضة المصرحة بأن الإحرام بعد فرض الحج في المسجد و الصلاة و نحوها من المقدمات، منها

صحيح معاوية بن وهب (3)«عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول:

لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج».

و لكن ينافي ذلك نصوص أخر(4)مستفيضة مصرحة بمغايرة الإحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 5 و الباب 34 منها الحديث 3 و الباب 1 من أبواب المواقيت الحديث 4.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 3 و ذيله في الباب 40 منها الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام.

ج 18، ص: 199

للتلبية و أنه قبلها، بل و ما صرحوا به من وجوب الإحرام من الميقات و عدم جواز تأخيره عنه مع تصريح تلك النصوص بجواز تأخير التلبية عنه، بل و قولهم و لو عقد الإحرام و لم يلب لم يلزمه كفارة لما فعل، بل و كذا عدهم التلبية من واجبات الإحرام بل و كذا حكمهم بوجوب النية للإحرام المعلوم عدم وجوبها للتلبية كعدم وجوبها لتكبيرة الصلاة، و من هنا كان الثاني هو ظاهر الأكثر المستفاد من جميع ما مر من منافيات كون التلبية وحدها الإحرام، و إن كان ينافيه ما سمعته سابقا مما دل عليها، و ربما رجح الأول بالجمع بينه و بين منافياته بأن ما يجوز تأخيره من التلبية هو الإجهار بها و رفع الصوت بها، كما أنه يمكن ترجيح الثاني

بالجمع بينه و بين منافياته بأن المراد عدم انعقاد الإحرام إلا بالتلبية، بل لذلك أطلق الإحرام عليها، بمعنى أنه لا كفارة على المحرم قبلها لو تناول محرمات الإحرام من النساء و غيرها إلى آخر ما أطنب به إلا أنه كما ترى لا حاصل معتد به له، بل لا وجه لاحتمال كون الإحرام نفس إيقاع التلبية، ضرورة كون الإحرام عبارة عن النسك المخصوص، و أغرب من ذلك نسبته إلى الشيخ و ظاهر الأكثر، بل لا يخفى عليك وضوح الفرق بين إحرام الصلاة و بين المقام الذي معظمه تروك، و ليس له أول يتلبس به نحو التكبير الذي هو أول أفعال الصلاة، كما انه لا يخفى عليك عدم فائدة معتد بها لما ذكره بعد اتفاق الجميع على وجوب النية و اللبس في الميقات و عدم التجاوز عنه بدونهما و انه لا تحرم المحرمات إلا بالتلبية التي ستعرف الكلام في جواز تأخيرها عن الميقات و عدمه

[في أن الواجب في الإحرام ثلاثة أشياء]
اشاره

و كيف كان فالواجبات ثلاثة:

[الأول النية]

الأول النية بلا خلاف محقق فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض، مضافا إلى عموم الأدلة و خصوصها كما ستمر عليك، نعم عن الشافعي وجهان، و في محكي المبسوط «الأفضل أن تكون مقارنة للإحرام، فإن فاتت جاز تجديدها إلى وقت التحلل» و في المختلف «فيه

ج 18، ص: 200

نظر فإن الأولى إبطال ما لم يقع بنية لفوات الشرط» و عن الشهيد حمل ذلك على نية خصوص التمتع بعد نية الإحرام المطلق بناء على ما يأتي، أو الإحرام بعمرة مفردة أو حج مفرد بناء على جواز العدول عنهما إلى التمتع، قال: و عقل بعضهم من قوله ذلك تأخير النية عن التلبية، و في كشف اللثام قلت: و قد يكون نظر إلى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النية، و لما اجمع على اشتراط الإحرام بها كالصوم قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة إذ لا دليل على أزيد من ذلك و لو لم يكن في الصوم نحو

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(1)«لا صيام لمن لم يبيت الصيام»

قلنا فيه بمثل ذلك، و انما كان الأفضل المقارنة لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك، و فيه ان الدليل من إجماع أو غيره على اعتبارها فيه على نحو اعتبارها في غيره من العبادات المعلوم اعتبار المقارنة فيها، فلا بد من حمل العبارة المزبورة على الخلاف، أو على إرادة جواز تأخيرها عن إنشاء الإحرام على الوجه الذي تسمعه، و المراد بقوله «فان فاتت» بيان حكم اتفاق فواتها لا العمد إلى تركها.

و كيف كان فقد ذكر غير واحد أنها هي أن يقصد بقلبه إلى أمور أربعة ما يحرم به من حج أو عمرة متقربا الى اللَّه تعالى شأنه و نوعه من تمتع أو قران أو افراد و صفته من وجوب أو ندب و ما يحرم له من حجة الإسلام أو غيرها و لكن قد عرفت في كتاب الطهارة و الصلاة حقيقة النية، و أنها الداعي، و أنه لا يجب فيها أزيد من قصد القربة بمعنى امتثال الأمر، و التعيين مع التعدد في المأمور به و منه يعلم ما في المسالك من أنه لا ريب في


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 1 من كتاب الصوم.

ج 18، ص: 201

اعتبار إحضار الفعل الموصوف بالصفات الأربعة بالبال ليتحقق القصد اليه، بل و يعلم أيضا أنه لا شي ء من الأربعة بداخل في النية، و انما هي مشخصات المنوي، إذ النية عبارة عن القصد، و هو شي ء واحد لا يقع التعدد إلا في معروضه، فيحتاج إلى التعيين حينئذ، لتوقف الامتثال عليه كما حققناه في محله.

و ربما كان في نصوص المقام دلالة عليه ك

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة و نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و إن كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرها، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد اللَّه تعالى و أثن عليه و صل على النبي (صلى اللَّه عليه و آله)، و قل اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن استجاب لك، و آمن بوعدك، و اتبع أمرك، فإني عبدك و في قبضتك، لا أوقى

إلا ما وقيت، و لا آخذ إلا ما أعطيت، و قد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك و سنة نبيك، و تقويني على ما ضعفت، و تسلم مني مناسكي في يسر منك و عافية، و اجعلني من وفدك الذي رضيت و ارتضيت و سميت و كتبت، اللهم اني خرجت من شقة بعيدة، و أنفقت مالي ابتغاء مرضاتك، اللهم فتمم لي حجتي و عمرتي، اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك، فان عرض لي شي ء يحبسني فحلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعري و بشري و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الطيب و الثياب، أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة، قال: و يجزيك أن تقول هذا مرة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة، فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب»

و صحيح حماد بن عثمان (2)عنه (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 202

«قلت له: إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج كيف أقول؟ قال تقول:

اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك (صلى اللَّه عليه و آله)، و إن شئت أضمرت الذي تريد»

و صحيح عبد اللَّه بن سنان (1)عنه (عليه السلام):

أيضا «إذا أردت الإحرام و التمتع فقل: اللهم اني أريد ما أمرت من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر لي ذلك، و تقبله مني، و اعني عليه، و حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي أحرم لك شعري و بشري من النساء و الطيب و الثياب، و إن شئت فلب حين تنهض، و إن شئت فأخره حتى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل»

و خبر إسحاق بن عمار(2)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): إن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج، فيقول بعض أحرم بالحج مفردا فإذا طفت بالبيت و سعيت بين الصفا و المروة فأحل و اجعلها عمرة، و بعضهم يقول: أحرم و انو المتعة بالعمرة إلى الحج، أي هذين أحب إليك؟ قال انو المتعة»

و صحيح البزنطي (3)عن أبي الحسن (عليه السلام): «سألته عن رجل تمتع كيف يصنع؟ قال:

ينوي العمرة و يحرم بالحج»

الى غير ذلك من النصوص المتضمنة ذكر التعيين الذي يؤكده مع ذلك ما سمعته من مسألة العدول، ضرورة انه لو لم يعتبر التعيين لم يحتج إلى العدول المعتبر فيه ما عرفت، لأن الفرض مشروعية النية على الإطلاق بل كان هو الأحوط لئلا يفتقر إلى العدول إذا اضطر اليه، و لا يحتاج إلى اشتراط إن لم تكن حجة فعمرة.

لكن عن المنتهى و التذكرة مع اعتبار نية الأمور الأربعة «و لو نوى الإحرام مطلقا و لم

ينو حجا و لا عمرة انعقد إحرامه، و كان له صرفه إلى أيهما شاء»


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 203

و لا يخفى عليك التدافع بين الكلامين كما اعترف به غير واحد، نعم عن المبسوط و المهذب و الوسيلة الصحة و التخيير بين الحج و العمرة في أشهر الحج، و الانصراف إلى عمرة مفردة في غيرها، بل مال جماعة من متأخري المتأخرين إلى عدم اعتبار التعيين، بل في كشف اللثام هو الأقوى، لأن النسكين في الحقيقة غايتان للإحرام غير داخلين في حقيقته، و لا تختلف حقيقة الإحرام نوعا و لا صنفا باختلاف غاياته كالوضوء و الغسل، فالأصل عدم وجوب التعيين بعد حمل أخباره على الغالب أو الفضل، و كذا أخبار(1)العدول و الاشتراط، و لأن الإحرام بالحج يخالف غيره من إحرام سائر العبادات، لأنه لا يخرج منه بالفساد، و إذا عقد عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه، فجاز أن ينعقد مطلقا، و لما يأتي (2)من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) أهل إهلالا كإهلال النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و لم يكن يعرف إهلاله، و ل

ما روته العامة(3)من انه (صلى اللَّه عليه و آله) خرج من المدينة لا يسمي حجا و لا عمرة

ينتظر القضاء فنزل عليه القضاء بين الصفا و المروة».

إلا ان الجميع كما ترى، ضرورة إمكان منع كون النسكين غايتين للإحرام بل هو جزء من كل منهما كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى أو صريحهما، و إن كان المتجه بناء على ذلك الاكتفاء بنية كل منهما عن نيته كما في غيره من اجزاء العبادات إلا أنه يمكن القول باعتبارها لظاهر النص و الفتوى، و لا ينافي ذلك جزئيته كالطواف و ركعتيه و السعي و الوقوفين و غيرها، و ربما قيل إن المراد من نية


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج و الباب 23 من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 6.

ج 18، ص: 204

تعيينه نية النسك، بل يمكن حمل النص و الفتوى عليه إن لم يكن ظاهرهما، و إن كان هو واضح الفساد، ضرورة صراحة الفتاوى باعتبار نية مخصوصة للإحرام كغيره من أجزاء النسك.

و على كل حال فلا داعي حينئذ إلى حمل اخبار التعيين و العدول و الاشتراط على ما عرفت، بل لعل الداعي إلى خلافه متحقق، و من الواضح حينئذ اعتباره لتوقف صدق الامتثال عليه، و مخالفة الإحرام لغيره من إحرام العبادات لا تقتضي صحة وقوعه مطلقا، و دعوى انه إذا عقده عن غيره أو تطوعا وقع عن فرضه لم يحضرني دليل لها الآن و ان أرسلها هذا المستدل إرسال المسلمات، نعم قد ذكرنا سابقا أن من تعين عليه الحج لا يجوز له الحج عن غيره تبرعا لا أنه إن أوقعه عن غيره مثلا يقع عن فرضه قهرا، فإنه لا دليل عليه، و ان حكي عن الشيخ و لكن الذي يقتضيه الدليل بطلانه عن كل منهما، فلاحظ و تأمل.

و خبر علي بن جعفر(1)المروي عن قرب الاسناد مع انه غير جامع لشرائط الحجية غير صريح و لا ظاهر في ذلك، بل ربما كان ظاهره الغلط اللفظي لا القصدي، و لذا استدل به عليه، و ما عن أمير المؤمنين (عليه السلام)- بعد تسليم كونه كذلك، و لذا منع في المختلف عدم معرفة أمير المؤمنين (عليه السلام) ما أهل به النبي (صلى اللَّه عليه و آله)، و لعله لما في

صحيح معاوية بن عمار(2)من «ان عليا (عليه السلام) قد جاء بأربعة و ثلاثين بدنة أو ستا و ثلاثين»

فيكون المراد حينئذ ب

قوله (عليه السلام): «إهلالا كإهلال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)»

الحج قارنا- يمكن حمله على اختصاصه بالحكم المزبور، كما عساه يشعر به افتخاره به على غيره، على أنه غير ما نحن فيه من كون الإحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 205

مطلقا، ضرورة كونه معينا، إلا انه لا يعلم خصوصه، و ما روته العامة غير ثابت، بل الثابت خلافه، و دعوى أن الأصل عدم اعتبار

التعيين و كذا إطلاق الأدلة واضحة المنع، بل الأصل يقتضي خلافه بعد ما عرفت من توقف الامتثال عليه، لكون الإحرام جزء النسك المفروض تعلق (تعدد خ ل) الخطاب به، و ليس في الأدلة إطلاق يقتضي ذلك، بل قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه، فالتحقيق حينئذ اعتبار التعيين كغيره من العبادات كما صرح به الفاضل في القواعد و غيره بل لا يبعد اعتبار التعيين في حال تعين النسك على المكلف كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى، و ان استقرب الانصراف إليه في محكي التذكرة و المنتهى لكن فيه أنه لا تصرفه إلا النية مع فرض عدم الصارف شرعا كما في صوم يوم شعبان فبان انه من شهر رمضان، و كونه متعينا عليه لا يقتضي الانصراف مع فرض عدم ملاحظته من هذه الحيثية، و إلا كان ضربا من التعيين، اما مع عدمه فالمتجه البطلان، لعدم صدق الامتثال بعدم موافقة الأمر على ما هو عليه، ضرورة الاكتفاء في التعدد بالخطإ و الغلط و تعمد الغير و نحو ذلك، و يمكن حمل كلام القائل بالاكتفاء على صورة وقوعه ملاحظا كونه المكلف به، فإنه حينئذ تعيين و ان لم يشخصه في ذلك الحال لجهل أو غيره. و اللَّه العالم.

و لو نوى نوعا و نطق بغيره عمدا أو سهوا عمل على نيته بلا خلاف بل و لا إشكال، ضرورة كون المدار في الأعمال على النيات، بل في بعض النصوص (1)السابقة التصريح بذلك مضافا إلى

خبر علي بن جعفر(2)المروي عن قرب الاسناد «سأل أخاه عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة فقال (عليه السلام): ليس عليه شي ء فليعتد بالإحرام

ج 18، ص: 206

بالحج»

و لو لم ينطق بشي ء صحت و صح الإحرام و لم يكن عليه شي ء كما نص عليه نحو صحيح حماد بن عثمان (3)عن الصادق (عليه السلام) المتقدم سابقا، بل ستعرف ان الإضمار أفضل و لو أخل بالنية أي لم يأت بها أصلا عمدا أو سهوا لم يصح إحرامه بلا خلاف فيه كما في المدارك لكونها جزءا منه أو شرطا فيه، ففواتها على كل حال مخل به و

سأل الحلبي (4)في الحسن الصادق (عليه السلام): «عن رجل لبى بحجة و عمرة و ليس يريد الحج، قال: ليس بشي ء، و لا ينبغي له ان يفعل»

و لا يشكل ذلك بعدم اعتبار النية في الإحرام بناء على انه جزء من النسك الذي يكفي نيته عن نية خصوص الإحرام ضرورة بناء الحكم هنا على اعتبار النية فيه و إن قلنا بجزئيته كما عرفت الكلام فيه، أو على ان المراد فوات نية النسك نفسه الذي يبطل معه الإحرام، و ان

كان هو خلاف ظاهر الأصحاب أو صريحهم من اعتبار نية للإحرام بخصوصه كباقي اجزاء الحج، و لا يكفي نية العمرة أو الحج عن نيته له، فالأولى حينئذ الجمع بين نية النسك و بين التفصيل للاجزاء و لا تكفي الأولى عن الثانية، نعم يمكن الاكتفاء بالعكس مع فرض الإتيان بالاجزاء على انها أجزاء النسك المخصوص، و الأولى الجمع.

ثم لا يخفى أن الحكم ببطلان الإحرام بفوات نيته عمدا أو جهلا أو سهوا لا يقتضي بطلان الحج بفواته كما عرفت الكلام فيه مفصلا في مسألة نسيان الإحرام أصلا، أو تركه جهلا فضلا عن نيته خاصة، نعم ظاهر العبارة و غيرها عدم كون الإحرام هو النية، ضرورة مغايرة النية للمنوي، و قد تقدم الكلام فيه أيضا سابقا.


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الإحرام- الحديث 8.
3- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 207

و لو أحرم بالحج و العمرة لم يقع لهما، لأنهما لا يقعان بنية واحدة و في إحرام واحد، بل عن الشيخ في الخلاف الإجماع على عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد، و لكن هل هي فاسدة لفساد المنوي و إن كان في أشهر الحج كما قربه الفاضل، أو انه متى فعل ذلك و كان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما و إلا كان للمتعين و ان كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة المفردة كما عن الخلاف و المبسوط، بل في كشف اللثام «هو قوي على ما ذكرناه، فإنهما إذا لم يدخلا في حقيقة الإحرام فكأنه نوى ان يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين، و ليس فيه شي ء و ان عزم على إيقاعهما في هذا الإحرام و ان لم يكن في أشهر الحج» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، بل لا ينبغي التأمل في البطلان مع فرض ملاحظة المعية التي لا أمر بها.

و من هنا قال المصنف لو قيل بالبطلان في الأول و لزوم تجديد النية كان أشبه بأصول المذهب و قواعده، إلا ان ظاهره الصحة في الثاني، و لعله لأن الحج لما لم يمكن في غيرها لم يكن التعرض له إلا لغوا محضا بل خطأ، و فيه ان اللغوية أو الخطائية لا تنافي حصول البطلان باعتبار عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، اللهم إلا ان يفرض ملاحظة امتثال أمر كل منهما من غير ملاحظة الاجتماع، فيتجه الصحة في الثاني باعتبار عدم منافاة الضم لصحة المضموم اليه، بخلاف الأول الفاقد للتعيين باعتبار صلاحية الوقت لكل منهما، هذا، و في المسالك نسبة القول بالصحة في الأول إلى ابن أبي عقيل و جماعة تبعا للكركي، و فيه أن ابن أبي عقيل و إن قال بصحة الإحرام بالحج و العمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدي لكن لا يقول بالتخيير، بل يقول بوجوب العمرة أولا ثم الحج، و انه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها و انما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج.

و على كل حال فليس في

خبر يعقوب بن شعيب (1)دلالة على جواز


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 208

الإحرام بهما، قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) فقلت كيف ترى لي ان أهل؟ فقال: ان شئت سميت، و ان شئت لم تسم شيئا، فقلت: كيف تصنع أنت؟ قال: اجمعهما فأقول لبيك بحجة و عمرة معا، ثم قال: اما اني قلت لأصحابك غير هذا»

لان الظاهر ارادة حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه إلى يوم القيامة، و ظاهر آخره انه قال لأصحابه ما يوافق التقية، و أوضح منه

صحيح الحلبي (1)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «ان عثمان خرج حاجا فلما خرج إلى الايواء أمر مناديا ينادي في الناس اجعلوها حجة و لا تتمتعوا، فنادى المنادي فمر المنادي بالمقداد بن الأسود فقال: اما لتجدن عند القلائص رجلا ينكر ما تقول فلما انتهى المنادي إلى علي (عليه السلام) و كان عند ركائبه يلقمها خبطا و دقيقا، فلما سمع النداء تركها و مضى إلى عثمان، و قال: ما هذا الذي أمرت به؟

فقال: رأي رأيته، فقال: و اللَّه لقد أمرت بخلاف رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ثم أدبر موليا رافعا صوته لبيك بحجة و عمرة معا لبيك، و كان مروان بن الحكم يقول بعد ذلك: فكأني انظر إلى بياض الدقيق مع خضرة الخبط على ذراعيه»

و قد سمعت

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح ابن أبي نصر(2)في المتمتع أنه ينوي العمرة و يحرم بالحج،

و في

خبر إسماعيل الجعفي (3)قال: «خرجت انا و ميسر و أناس من أصحابنا فقال لنا زرارة: لبوا بالحج، فدخلنا على أبي جعفر (عليه السلام) فقلنا له:

أصلحك اللَّه انا نريد الحج و نحن قوم صرورة أو كلنا صرورة فكيف نصنع؟

فقال: لبوا بالعمرة، فلما خرجنا قدم عبد الملك بن أعين فقلنا له أ لا تعجب من زرارة قال لنا: لبوا بالحج و ان أبا جعفر (عليه السلام) قال لنا: لبوا بالعمرة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 209

فدخل عبد الملك بن أعين فقال له: إن أناسا من مواليك أمرهم زرارة أن يلبوا بالحج عنك و أنهم دخلوا عليك و أمرتهم أن يلبوا بالعمرة فقال أبو جعفر (عليه السلام):

يريد كل إنسان منهم أن يسمع على حدة، أعدهم علي، فدخلنا فقال: لبوا بالحج، فان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لبى بالحج»

و في

خبر أبان بن تغلب (1)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): بأي شي ء أهل؟ قال: لا تسم حجا و لا عمرة و أضمر في نفسك المتعة، فإن أدركت كنت متمتعا، و إلا كنت حاجا»

و في

خبر حمران ابن أعين (2)قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقال لي: بم أهللت؟ فقلت:

بالعمرة، فقال: أ فلا أهللت بالحج و نويت المتعة فصارت عمرتك كوفية و حجتك مكية، و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحج كانت حجتك و عمرتك كوفيتين»

و كأنه (عليه السلام) فهم منه العمرة المفردة، و حينئذ فالمراد أن ما صنعه يكون عمرة كوفية باعتبار الإهلال، و حجة مكية باعتبار الإحرام بها من مكة، بخلاف ما لو نوى المتعة، فإنهما معا يكونان كوفيتين، لأن حج التمتع الذي هو كوفي مركب منهما.

و على كل حال فالى بعض ذلك أشار الشهيد في الدروس قال: و

روى زرارة(3)«ان المتمتع يهل بالحج، فإذا طاف و سعى و قصر أهل بالحج»

و في صحيح الحلبي (4)عن الصادق (عليه السلام) «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة»

و روى (5)إسحاق بن عمار نيته المتعة، و

روى الحلبي (6)«ان عليا (عليه السلام) قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 7.

ج 18، ص: 210

لبيك بحجة و عمرة معا»

و ليس يبعد إجزاء الجميع، إذ الحج المنوي هو الذي دخلت فيه العمرة، فهو دال عليها بالتضمن، و نيتهما معا باعتبار دخول الحج فيها و الشيخ بالغ في الاقتصار على نية المتعة و الإهلال بها، و تأويل الأخبار المعارضة لها، قلت: لا ريب في أن المتجه جواز الجميع عملا بجميع النصوص المراد منها جميعا الإشارة إلى نية حج التمتع، و لكن بعبارات متعددة، منها الإهلال بالحج مضمرا التمتع و منها الإهلال بعمرة التمتع، و منها الإهلال بحجة و عمرة معا، و لعل الإضمار أفضل،

قال منصور بن حازم (1): «أمرنا أبو عبد اللَّه (عليه السلام) أن نلبي و لا نسمي شيئا، و قال: أصحاب الإضمار أحب إلى»

و سأل إسحاق بن عمار(2)أبا الحسن موسى (عليه السلام) فقال: «أصحاب الإضمار أحب إلى، فلب و لا تسم شيئا».

بقي الكلام في شي ء، و هو ما لو نوى نسيانا غير المتعين عليه فهل يصح للمتعين أو يقع

باطلا لهما و يحتاج إلى تجديد النية؟ الأقوى الثاني بناء على ما عرفت من عدم الدليل على الصرف شرعا قهرا كما ذكرنا الكلام فيه، و اللَّه العالم.

و لو قال ناويا أحرم كإحرام فلان و كان عالما حين النية بما ذا أحرم صح بلا خلاف و لا إشكال، لوجود المقتضي من النية و التعيين و عدم المانع و إن كان جاهلا قيل و القائل الشيخ و الفاضل في محكي المنتهى و التذكرة يصح، إما بناء على أن الإبهام لا يبطله فضلا عن مثل الفرض، أو ل

صحيح الحلبي و حسنه (3)عن الصادق (عليه السلام) في حجة الوداع «انه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: يا علي بأي شي ء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهل به النبي (صلى اللَّه عليه و آله)»

و صحيح معاوية بن عمار(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.

ج 18، ص: 211

عنه (عليه السلام) «انه قال: قلت: إهلالا كإهلال النبي (صلى اللَّه عليه و آله)»

لكن قد عرفت الكلام في الإبهام، بل قد عرفت أنهما غير صريحين بل و لا ظاهرين في جهله بما أحرم به النبي (صلى اللَّه عليه و آله)، و لا في أنه نوى كذلك، لاحتمالهما أن يكون نوى حج القران كما نواه النبي (صلى اللَّه عليه و آله)،

بل لعل «قلت» في الأخير بمعنى لفظت أو نويت، بل ربما قيل: الظاهر أن «إهلالا» مفعوله، بل قد سمعت ما في بعض النصوص (1)من أنه (عليه السلام) قد كان سائقا أربعا أو ستا و ثلاثين بدنة، نعم عن

أعلام الورى (2)للطبرسي (رحمه اللَّه) «أنه قال: يا رسول اللَّه لم تكتب إلى بإهلالك، فقلت: إهلالا كإهلال نبيك»

و نحوه عن روض الجنان للرازي بل في

خبري الحلبي (3)«ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) كان ساق مائة بدنة، فأشركه في الهدي و جعل له سبعا و ثلاثين بدنة»

و هو ظاهر في عدم سوقه المانع من نية القران، بل

في الفقيه (4)«و كان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) ساق معه مائة بدنة، فجعل لعلي (عليه السلام) منها أربعا و ثلاثين، و لنفسه ستا و ستين، و نحرها كلها بيده- إلى أن قال- و كان علي (عليه السلام) يفتخر على الصحابة و يقول: من فيكم مثلي و أنا شريك رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في هديه، من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) هديي بيده»

إلا ان اختلاف النصوص فيما سمعت- و احتمال اختصاصه (عليه السلام) كما يومي اليه

افتخاره به، خصوصا مع احتماله (عليه السلام) نزول حكم جديد و كان متعذرا عليه حصول


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 31.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 24 إلا أنه لم يذكر ذيله و ذكره في الفقيه ج 2 ص 153 الرقم 665.

ج 18، ص: 212

اليقين بما هو مكلف به، بخلاف من يعلم شغل ذمته بنوع- كاف في عدم الخروج فيها عما يقتضي اليقين، خصوصا بعد ملاحظة عدم صدق القران في الفرض إذا فرض كون زيد مثلا قارنا، اللهم إلا أن يقرن حينئذ و لو في مكة، و عد مثله حج قران كما ترى، و من هنا كان الأقوى البطلان وفاقا لجماعة، و لكن على الصحة فإن بان له الحال قبل الطواف كما اتفق لعلي (عليه السلام) عمل على مقتضاه و قرن حينئذ، و فيه ما عرفت.

و إن استمر الاشتباه لموت أو غيبة قال الشيخ يتمتع احتياطا للحج و العمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق، و إن كان غيره فالعدول منه جائز، و فيه ان العدول انما يسوغ في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه، على أن العدول على خلاف القواعد، و الثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيته، و لعله لذا حكي عن بعض البطلان في الفرض، لتعذر معرفة ما أحرم به، فيكون من المجمل الذي لا يجوز الخطاب به مع عدم طريق لامتثاله و ربما احتمل التخيير كما في حالة الإطلاق و نسيان ما أحرم به، و الجميع كما ترى شك في شك.

و لكن على كل حال قول المصنف: «و إن كان جاهلا قيل: يتمتع احتياطا» ليس بجيد، لما عرفت من أن القول بالتمتع مع استمرار الاشتباه لا مطلقا.

و لو بان أن فلانا لم يحرم انعقد مطلقا و كان مخيرا بين الحج و العمرة كما عن الشيخ و الفاضل التصريح به.

و لو لم يعلم هل أحرم أم لا كان بحكم من لم يحرم.

و لو طاف قبل التعين لم يعتد بطوافه، لأنه لم يطف في حج أو عمرة، و لا يخفى عليك ما في الجميع بعد فرض أن دليل الصحة في المفروض ما وقع من علي (عليه السلام)؛ ضرورة كون المتجه حينئذ الاقتصار عليه فيما خالف قاعدة وجوب التعيين

ج 18، ص: 213

و لا ريب في عدم تناوله لأمثال ذلك، كما هو واضح.

و لو نسي بما ذا أحرم كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يلزمه أحدهما و إلا صرف اليه كما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم، لأنه كان له الإحرام بأيهما شاء إذا لم يتعين عليه أحدهما، فله صرف إحرامه إلى أيهما شاء، لعدم الرجحان، و عدم جواز الإحلال بدون النسك إلا إذا صد أو أحصر، و لا جمع بين النسكين في إحرام، أما إذا تعين عليه أحدهما صرف إليه، لأن الظاهر من حال المكلف الإتيان بما هو فرضه، خصوصا مع العزم المتقدم على الإتيان بذلك الواجب، و فيه ان التخيير في الابتداء لا يقتضي ثبوته بعد التعيين، ضرورة تغير الموضوع المانع من جريان الاستصحاب، و كذا عدم الرجحان، و عدم جواز الإحلال بدون النسك، و دعوى اقتضاء العقل التخيير لإجمال المكلف به و عدم طريق إلى امتثاله يدفعها أن المتجه حينئذ ارتفاع الخطاب به فيبطل، لا التخيير و لو فرض توقف التحليل على اختيار أحدهما ليحصل به الطواف المقتضي للتحليل و إلا كان محرما أبدا فهو ليس من التخيير على نحو الابتداء، ضرورة عدم تحقق خطاب به، بل هو طريق لتحليله وافق أو خالف، كما انه لا دليل على اعتبار الظهور المزبور مع تعين أحدهما عليه، و أصالة الصحة لا تقتضي التشخيص في وجه كما عساه يرشد إلى ذلك في الجملة ما ذكروه من البطلان في مسألة الشك في أنه هل نوى ظهرا أو عصرا إذا لم يكن قد حفظ ما قام اليه، و إلا عمل عليه للنص (1)على ان الصحة أعم من الانصراف إلى ما تعين عليه، إذ الظاهر حصولها مع الجهل أو النسيان أو الغفلة أو غير ذلك، نعم هو متجه بناء على الصرف شرعا نحو الصوم في شهر رمضان، و لكن لا دليل عليه هنا كما أسلفناه و ان ادعاه بعضهم، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية من كتاب الصلاة.

ج 18، ص: 214

أرسله إرسال المسلمات، نعم قد يقال بتشخيص أصل الصحة إذا كان الفعل لا يصح إلا للمعين و ان وقع غفلة لغيره، بل و إن صح مع الغفلة أيضا في وجه قوي باعتبار أن الأصل عدم الغفلة، و مسألة الشك في الظهر و العصر مع

فرض مخالفتها لذلك فهي للنصوص (1)فتأمل جيدا، هذا.

و عن الشيخ في الخلاف «يجعله عمرة، لأنه إن كان متمتعا فقد وافق، و إن كان غيره فالعدول منه إلى غيره جائز- قال-: و إذا أحرم بالعمرة لا يمكنه ان يجعلها حجة مع القدرة على أفعال العمرة، فلهذا قلنا يجعلها عمرة على كل حال» و عن المنتهى و التحرير انه حسن، و هو المحكي عن احمد، و عن الشافعي في القديم «يتحرى لأنه اشتباه في شرط العبادة كالاناءين المشتبهين» و لا يخفي عليك ما في الأصل و فرعه، نعم ما ذكره الشيخ قوي بناء على ان له ذلك على كل حال و ان حكم العدول يشمله، و إلا كان المتجه البطلان بمعنى سقوط الخطاب به بعد عدم الطريق إلى امتثاله و لو بالاحتياط بفعل كل محتمل، فإنه و إن كان ليس هذا جمعا بين النسكين بل هو مقدمة ليقين البراءة إلا ان فعل أحدهما يقتضي التحليل لاشتماله على الطواف، و لعل مرادهم بالتخيير هذا المعنى، لا أن خطابه ينقلب إلى التخيير كما في الابتداء.

و من ذلك يعلم لك الحال فيما ذكروه من الفروع في المقام، منها لو تجدد الشك بعد الطواف ففي التذكرة و التحرير جعلها عمرة متمتعا بها، و في الدروس هو حسن ان لم يتعين عليه غيره، و إلا صرف اليه، و منها لو شك هل أحرم بهما أو بأحدهما معينا انصرف إلى ما عليه إن كان معينا، و إلا تخير بينهما و لزمه أحدهما و إن كان الأصل البراءة و كان الإحرام بهما فاسدا، فإن الأصل الصحة،


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النية من كتاب الصلاة.

ج 18، ص: 215

و كذا لو شك هل أحرم بهما أو بأحدهما مبهما أو معينا، اما إذا علم انه إما أحرم بهما أو بأحدهما مبهما فهو باطل بناء على اشتراط التعيين، و عن المبسوط «ان شك هل أحرم بهما أو بأحدهما فعل أيهما شاء» و هو أعم على مختاره من أحدهما معينا و مبهما، فتأمل جيدا فان المقام غير منقح في كلامهم، و لعل التحقيق ما عرفت من البطلان، أو التخيير على الوجه الذي ذكرناه، و الانصراف إلى المعين إن كان خصوصا مع عدم صحة غيره و لو غفلة لما عرفت، و اللَّه العالم.

[الثاني من واجباته التلبيات الأربع ]

الثاني من واجباته التلبيات الأربع بلا خلاف في أصل وجوبها في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1)التي سيمر عليك بعضها، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع على عدم وجوب الزائد، بل عن الأول منهما انه إجماع أهل العلم، لكن عن الاقتصاد «تلبي فرضا واجبا، فتقول:

لبيك اللهم لبيك، لبيك، إن الحمد و النعمة لك، و الملك، لا شريك لك، لبيك بحجة و عمرة، أو بحجة مفردة، تمامها عليك، لبيك، و ان أضاف إلى ذلك ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل» و ظاهره وجوب الخمس، بل عن المهذب البارع «أن فيها قولا آخر، و هو الست» و إن

كنا لم نتحققه، كما أنا لم نتحقق القول بالخمس إلا لمن عرفت، مع انه محجوج بما سمعت من الإجماع بقسميه و ما تسمعه من النصوص، نعم في بعض النصوص (2)الزيادة على ذلك إلا انها محمولة بقرينة ما عرفت على ضرب من الندب كما صرح به في بعضها(3)نعم لهم خلاف في صورتها، و ستعرف البحث فيه ان شاء اللَّه.

و كيف كان ف لا خلاف في أنه لا ينعقد الإحرام لمتمتع بعمرة


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 216

أو حجة و لا لمفرد معتمر و لا حاج إلا بها بل الإجماع محصلا و محكيا في الانتصار و الغنية و الخلاف و الجواهر و التذكرة و المنتهى و غيرها على ما حكي عن بعضها عليه بمعنى عدم الإثم و الكفارة في ارتكاب المحرمات عليه قبلها،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(1): «لا بأس أن يصلي الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد أن يقوله، و لا يلبي ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه فيه شي ء»

و في

صحيح ابن الحجاج (2)«في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب قال: ليس عليه شي ء»

و في صحيحه مع حفص ابن البختري (3)«ان الصادق (عليه السلام) صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام فأتي بخبيص فيه زعفران فأكل منه»

و قال أحدهما (عليهما السلام) في مرسل جميل (4)«في رجل صلى في مسجد الشجرة و عقد الإحرام و أهل بالحج ثم مس الطيب و أصاب طيرا أو وقع على أهله قال (عليه السلام): ليس بشي ء حتى يلبي»

و في مرسله الآخر(5)عن أحدهما (عليهما السلام) أيضا «في رجل صلى الظهر في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم مس طيبا أو صاد صيدا أو واقع أهله قال (عليه السلام):

ليس عليه شي ء ما لم يلب»

و في خبر ابن سنان (6)المروي عن مستطرفات السرائر «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الإهلال بالحج و عقدته قال: هو التلبية، إذا لبى و هو متوجه فقد وجب عليه ما يجب على المحرم»

و في صحيح حريز(7)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أيضا «في الرجل إذا تهيأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب»

و في خبر زياد بن مروان (8)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): ما تقول


1- 1 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 15.
7- 7 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 14 من أبواب الإحرام- الحديث 10.

ج 18، ص: 217

في رجل تهيأ للإحرام و فرغ من كل شي ء الصلاة و جميع الشروط إلا أنه لم يلب؟

إله أن ينقض ذلك و يواقع النساء؟ قال: نعم»

و في خبر الحسين بن سويد(1)عن بعض أصحابه، قال: «كتبت إلى أبي إبراهيم (عليه السلام) رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبي أن ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب (عليه السلام) نعم و لا بأس به»

و في صحيح حفص بن البختري (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «فيمن عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبي قال: ليس عليه شي ء»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك.

بل في التهذيب «المعنى في هذه الأحاديث أن من اغتسل للإحرام و صلى و قال ما أراد من القول بعد الصلاة لم يكن في الحقيقة محرما، و انما يكون عاقدا للحج و العمرة، و انما يدخل في أن يكون محرما إذا لبى، و الذي يدل على هذا المعنى ما رواه موسى بن القاسم (3)عن صفوان عن معاوية بن عمار و غير معاوية ممن روى صفوان عنه هذه الأحاديث يعني الأحاديث المتقدمة، و قال: هي عندنا مستفيضة

عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه (عليهما السلام) أنهما قالا: إذا صلى الرجل ركعتين و قال الذي يريد أن يقول من حج أو عمرة في مقامه ذلك فإنه إنما فرض


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 12 عن النضر بن سويد.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 4 و 5 و في الوسائل جعل هذا الخبر روايتين حيث انه أضاف حرف الواو بعد قوله مستفيضة فقال:« و عن أبي جعفر و أبي عبد اللَّه عليهما السلام» إلا ان الموجود في الاستبصار ج 2 ص 189- الرقم 634 و كذلك في التهذيب ج 5 ص 83 كما ذكر في الجواهر.

ج 18، ص: 218

على نفسه الحج و عقد عقد الحج، و قالا: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) حيث صلى في مسجد الشجرة صلى و عقد الحج،

و لم يقل صلى و عقد الإحرام، فلذلك صار عندنا أن لا يكون عليه فيما أكل مما يحرم على المحرم، و لأنه قد جاء في الرجل يأكل الصيد قبل أن يلبي و قد صلى و قد قال الذي يريد أن يقول و لكن لم يلب، و قالوا: قال ابان بن تغلب عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام): يأكل الصيد و غيره، فإنما فرض على نفسه الذي قال فليس له عندنا ان يرجع حتى يتم

إحرامه، فإنما فرضه عندنا عزيمة حين فعل ما فعل لا يكون له ان يرجع إلى أهله حتى يمضي، و هو مباح له قبل ذلك، و له ان يرجع متى شاء، و إذا فرض على نفسه الحج ثم أتم بالتلبية فقد حرم عليه الصيد و غيره، و وجب عليه في فعله ما يجب على المحرم، لأنه قد يوجب الإحرام أشياء ثلاثة: الاشعار و التلبية و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم، و إذا فعل الوجه الآخر قبل أن يلبي فلبي فقد فرض» و لا يخفي عليك ما فيه، ضرورة صراحة النصوص في عقد الإحرام لا الحج المراد منه و لو بالقرينة إنشاء نيته و غيره مما ذكر فيه إلا انه لم يلب، كما أنها ظاهرة أو صريحة في ان له نقض الإحرام و رفع اليد منه و إن كان قد نواه ما لم يلب، لعدم انعقاد الإحرام على وجه يجب إكماله فيما ذكره، و ما حكاه عن ابان فالظاهر انه اجتهاد منه لا انه من قول الصادق (عليه السلام)، و لا ريب في مخالفته لظاهر النصوص بل و للفتاوى، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، كما أن من المعلوم شذوذ

خبر احمد بن محمد(1)قال: «سمعت أبي يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثم يواقع اهله قبل ان يهل بالإحرام قال: عليه دم»

و عن الاستبصار حمله على الاستحباب و لا بأس به.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 14.

ج 18، ص: 219

و كيف كان فلا إشكال في ظهور النصوص المزبورة في عدم اعتبار مقارنة النية

للتلبية الذي هو مقتضي الأصل أيضا- كما هو مفروغ منه في محله- و ظاهر المعظم بل الجميع إلا من ستعرف، مضافا إلى

صحيح معاوية بن عمار(1)المتقدم سابقا في البحث عن النية «اللهم إني أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك- إلى ان قال-: و يجزيك ان تقول هذا مرة واحدة حين تحرم، ثم قم فامش هنيئة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب»

و صحيح عبد اللَّه بن سنان (2)«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول: إن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لم يكن يلبي حتى يأتي البيداء»

و صحيح حفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج جميعا(3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة ما يقول المحرم، ثم قم فامش حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء، فإذا استوت بك فلب، و إن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام، و أفضل من ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء و تلبي قبل ان تصير إلى الأبطح»

و صحيح منصور بن حازم (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش»

و صحيح هشام بن الحكم (5)عنه (عليه السلام) أيضا «إن أحرمت من


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 35- من أبواب الإحرام- الحديث 3 و ذيله في الباب- 46- منها- الحديث 1 عن حفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعا.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 35- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 220

غمرة أو بريد البعث صليت و قلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، و إن شئت لبيت من موضعك، و الفضل أن تمشي قليلا حتى تلبي»

و حسن معاوية بن عمار(1)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة، و اخرج بغير تلبية حتى تصعد أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك، فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب»

و قال زرارة(2)لأبي جعفر (عليه السلام): «متى ألبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى، ثم قال: إذا جعلت شعب الدب عن يمينك و العقبة عن يسارك فلب للحج»

و صحيح معاوية(3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام فقال في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل، فتحرمون كما أنتم في محاملكم، تقول: لبيك اللهم لبيك»

الحديث إلى غير ذلك من النصوص الدالة على تأخير التلبية عن نية الإحرام.

و لعله لذا قال في الدروس: «يظهر من الرواية و الفتوى جواز تأخير التلبية عنها» و في المدارك صرح كثير منهم بعدمه حتى قال

الشيخ في التهذيب: «و قد رويت رخصة في جواز تقديم التلبية في الموضع الذي يصلى فيه، فان عمل الإنسان بها لم يكن عليه فيه بأس» و في الروضة «كثير منهم لم يعتبر المقارنة بينهما مطلقا و النصوص خالية عن اعتبارها، بل بعضها صريح في عدمها» إلى غير ذلك من كلماتهم المتضمنة للاعتراف بظهور النص و الفتوى في عدم اعتبارها، و احتمال إرادة تأخير النية أيضا من النصوص و يكون الألفاظ العزم على الإحرام دون نيته في غاية البعد، بل كاد يكون بعضها صريحا في خلافه، نعم قد يقال


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 221

في خصوص اخبار البيداء بإرادة تأخير الجهر بها لا أصل التلفظ بها و لو بقرينة ما دل من النصوص (1)على عدم تجاوز الميقات إلا محرما كما جزم به الفاضل في المنتهى في الجمع بينهما، إذ الفرض أن بين البيداء و ذي الحليفة الذي هو الميقات ميلا، بل في

صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إن كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد، و إن كنت راكبا فإذا علت راحلتك البيداء»

بل الشيخ قد جعله شاهد جمع بين النصوص على التفصيل بين الماشي و الراكب، فيستحب للأول التلبية من المسجد، و الثاني من البيداء، و

إن كان فيه ان ذلك بالنسبة إلى الإظهار لا أصل التلبية، لما فيه من المحذور السابق.

و من الغريب ان بعض المحدثين مال إلى وجوب تأخير التلبية إلى البيداء في هذا الميقات عملا بالأوامر المزبورة، و لم أعرفه قولا لأحد، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافا إلى بعض النصوص (3)المصرحة بالتلبية من المسجد، و ظاهر الكليني المفروغية من ذلك، و أغرب منه جمعه بينها و بين ما دل على عدم تجاوز الميقات إلا محرما بأن المراد من الأخير عدم التهيؤ له و النية و قول ما يقوله المحرم و نحو ذلك مما لا بعد في إطلاق اسم المحرم عليه، إذ هو كما ترى يقتضي جواز تأخير التلبية عن المواقيت أجمع مع التهيؤ فيها، و يمكن تحصيل الإجماع على خلافه إن لم تكن الضرورة، و لو انه قصر الاحتمال المزبور على خصوص هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب المواقيت و الباب- 1- منها الحديث 2 و 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب الإحرام- الحديث 1 و الباب 35 منها- الحديث 2 و الباب 40 منها- الحديث 3.

ج 18، ص: 222

الميقات لمكان النصوص المزبورة لكان له وجه في الجملة، و إن كان هو أيضا مخالفا لظاهر الأصحاب بل صريحهم، فليس إلا ما ذكرناه من الوجه المزبور، و هو و إن كان ينافي الاستدلال بها حينئذ على عدم اعتبار المقارنة إلا ان الدليل غير منحصر بها كما عرفت.

و على كل حال فما في اللمعة و التنقيح و محكي السرائر و غيرها- من اعتبار المقارنة نحوها في تكبيرة الإحرام للصلاة، بل حكي عن

ابني حمزة و سعيد و إن كنا لم نتحققه، لقول الأول منهما: «إذا نوى و لم يلب أو لبي و لم ينو لم يصح الإحرام» و الثاني «انه يصير محرما بالنية و التلبية أو ما قام مقامها» و ليس في شي ء منهما اعتبار المقارنة- واضح الضعف و إن استدل له بقاعدة الشغل المعلوم فسادها في محلها، مضافا إلى ما سمعته من الأدلة في خصوص المقام، و بنصوص عدم تجاوز الميقات إلا محرما التي من الواضح عدم دلالتها، ضرورة عدم اقتضاء ذلك المقارنة المزبورة، فإن التراخي بينهما في الميقات واضح التصور، و من الغريب أن بعض الأفاضل بعد ان ذكر القولين جعل أدلة الطرفين نصوص البيداء و نصوص عدم تجاوز الميقات إلا محرما، ثم ذكر الجمع بينها بوجهين: أحدهما ما ذكرناه من الإجهار، و رده بأنه لا يتم في خبر الخبيص و نحوه منها، و الثاني ما سمعته من الشيخ في التهذيب ثم مال اليه، و هو من غرائب الكلام، لما عرفته من عدم دلالة نصوص عدم تأخير الإحرام عن الميقات على المقارنة المزبورة، كعدم مدخلية خبر الخبيص في ذلك، إذ ليس فيه إلا جواز فعل المنافي قبل التلبية و لو في الميقات، و أغرب من ذلك ميلة إلى الجمع بما سمعته من الشيخ الذي يمكن دعوى الضرورة على خلافه كما أوضحناه سابقا، فالمسألة حينئذ بحمد اللَّه خالية من الاشكال و ان أكثر فيها بعض الناس الكلام، على ان ذلك واضح الثمرة بناء على ان النية هي الاخطار، اما بناء على الداعي كما هو التحقيق فلا ثمرة غالبا، ضرورة

ج 18، ص: 223

عدم انفكاكه عن التلبية المقصود بها عقد الإحرام، هذا.

و في الروضة «قد أوجب المصنف (رحمه اللَّه) و غيره النية للتلبية أيضا، و جعلوها متقدمة على التقرب بنية الإحرام بحيث يجمع النيتين جملة ليتحقق المقارنة بينهما كتكبيرة الإحرام لنية الصلاة، و انما وجبت النية للتلبية دون التحريمة، لأن أفعال الصلاة متصلة حسا و شرعا، فتكفي نية واحدة للجملة كغير التحريمة من الأجزاء، بخلاف التلبية فإنها من جملة أفعال الحج، و هي منفصلة شرعا و حسا فلا بد لكل واحد من نية، و على هذا فكان إفراد التلبية عن الإحرام و جعلها من جملة الأفعال أولى كما صنع في غيره، و بعض الأصحاب جعل نية التلبية عين نية الإحرام و إن حصل بها فصل» و لا يخفى عليك خلو هذا الكلام عن التحصيل بل هو خلاف ظاهر النص و الفتوى، ضرورة اقتصارهما في بيان كيفية الإحرام على ذكر نيته و أن يقول: لبيك و لبس الثوبين، و إن كان هو سهلا على الداعي و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط بفعل جميع ذلك.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا انه لا ينعقد إحرام المتمتع و المفرد إلا بالتلبية أو بالإشارة للأخرس مع عقد قلبه بها كما هو المشهور، ل

قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في خبر السكوني (1)المنجبر بالعمل «إن عليا (عليه السلام) قال: تلبية الأخرس و تشهده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه»

و لعل عدم ذكر عقد القلب فيه كما عن الأكثر للاكتفاء عنه بالإشارة بالإصبع التي لا يتحقق مسماها بدونه، بل الظاهر كون المراد منه بيان انها منه على حسب ما يبرز غيرها من مقاصده كما أوضحناه في كتاب الصلاة، و لذا تركها أبو علي فاقتصر على عقد القلب، قال فيما حكي عنه: «يجزيه تحريك


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 224

لسانه مع عقده إياها بقلبه- ثم قال-: و يلبي عن الصبي و الأخرس و المغمى عليه» و استدل له ب

خبر زرارة(1)«ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبي فاستفتي له أبو عبد اللَّه (عليه السلام) فأمر ان يلبي عنه»

مؤيدا بقبول أفعال الحج و العمرة النيابة، و فهم منه في كشف اللثام وجوب الأمرين، قال: «و لا ينافيه قوله أولا «يجزيه» إذ لعل المراد إجزاؤه عما يلزمه مباشرته من تحريك اللسان و نحوه، فلا مخالفة حينئذ بين الخبر(2)المعمول به بين الأصحاب و بين خبر زرارة» و لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة إمكان دعوى القطع بكون المراد من النص و الفتوى اجتزاء الأخرس بالإشارة كما في غير المقام من غير حاجة إلى استنابة، لأن إشارته قائمة مقام النطق من غيره كما هو واضح، نعم قد يقال بمشروعية النيابة عنه إذا فرض خرسه على وجه يتعذر عليه الإشارة، لعدم فهم

معناها بالصمم و نحوه، إذ هو حينئذ كالصبي و نحوه ممن لا تحصل منه الإشارة.

و لو تعذر على الأعجمي التلبية قال الشهيد: ففي ترجمتها نظر، و روي (3)أن غيره يلبي عنه، و في كشف اللثام «لا يبعد عندي وجوب الأمرين، فالترجمة لكونها كاشارة الأخرس و أوضح، و النيابة لمثل ما عرفت» و فيه ما تقدم سابقا فلا يبعد القول بوجوب ما استطاع منها، و إلا اجتزى بالترجمة التي هي أولى من إشارة الأخرس، و يحتمل الاستنابة عملا بخبر زرارة، و لعله إلى ذلك أو إلى سقوطها عنه يرجع ما عن التذكرة و المنتهى من أنها لا تجوز بغير العربية مع القدرة، خلافا لأبي حنيفة فأجازها بغيرها كتكبيرة الصلاة، بل و إطلاق التحرير


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 3.

ج 18، ص: 225

عدم الجواز بغير العربية المعلوم تقييده بالقدرة، و عن ابن سعيد من لم يتأت له التلبية لبي عنه غيره، و هو يشمل الأخرس و الأعجمي، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرناه، و اللَّه العالم.

هذا كله في المتمتع و المفرد و أما القارن فهو بالخيار إن شاء عقد إحرامه بها، و إن شاء قلد أو أشعر على الأظهر الأشهر، بل المشهور، للمعتبرة المستفيضة، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(1): «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية

و الاشعار و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم»

و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح عمر بن يزيد(2): «من أشعر بدنته فقد أحرم و إن لم يتكلم بقليل و لا كثير»

و قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية الآخر(3): «تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها، و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية»

و قوله (عليه السلام) أيضا في حسن معاوية أو صحيحه (4)في قول اللَّه عز و جل (5)«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»: «الفرض التلبية و الاشعار و التقليد، فأي ذلك فعل فقد فرض الحج، و لا يفرض الحج إلا في هذه الشهور»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر جميل (6): «و إذا كانت البدن كثيرة قام بين اثنين منها ثم أشعر اليمنى ثم اليسرى، و لا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام لأنه إذا أشعر و قلد و جلل وجب عليه الإحرام، و هو بمنزلة التلبية»

و نحوه صحيح حريز(7)إلى غير ذلك من النصوص، فما عن السيد و ابن إدريس- من


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 20.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 21.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
5- 5 سورة البقرة- الآية 193.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 19.

ج 18، ص: 226

عدم الجواز إلا بالتلبية، لأنها الفرد المتيقن بعد الاعراض عن النصوص المزبورة بناء على أصلهما المفروغ من فساده في محله، خصوصا مثل المقام الذي يمكن فيه دعوى القطع بمضمون النصوص المزبورة- واضح الفساد، بل المرتضى منهما غير محقق الخلاف، و كذا ما عن الشيخ و ابني حمزة و البراج من اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها جمعا بين النصوص التي لا تعارض بينها، كما هو واضح.

و كيف كان ففي القواعد و غيرها و بأيهما أي التلبية أو الاشعار و التقليد بدأ كان الآخر مستحبا و لكن قد اعترف غير واحد بعدم العثور على نص له، و فيما حضرني من نسخة المدارك «و لعل إطلاق الأمر بكفاية كل من الثلاثة كاف في ذلك» و فيه انه لا يقتضي استحباب الآخر، و لعل الأولى الاستدلال بعد التسامح بما دل على ان التلبية شعار المحرم (1)و أنها هي التي أجاب الناس بها نداء إبراهيم (عليه السلام) في أصلاب الرجال و أرحام النساء(2)و ما دل (3)على أن الاشعار يغفر اللَّه لفاعله بأول قطرة منه، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص التي يمكن استفادة الندب في جملة من الصور منها، هذا، و في كشف اللثام بعد أن ذكر الندب عن الفاضلين قال: و الأقوى الوجوب، لإطلاق الأوامر و التأسي، و هو ظاهر من قبلهما، أما السيد و بنو حمزة و إدريس و البراج و الشيخ في المبسوط و الجمل فحالهم ظاهرة مما عرفت، و في المبسوط أيضا «و لا يجوز لهما يعني القارن و المفرد قطع

التلبية إلا بعد الزوال من يوم عرفة» و نحوه في النهاية أيضا، و فيها أيضا «فرائض الحج الإحرام من الميقات و التلبيات الأربع و الطواف


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 15.

ج 18، ص: 227

بالبيت، إن كان متمتعا ثلاثة أطواف: طواف للعمرة و طواف للزيارة و طواف للنساء، و إن كان قارنا أو مفردا طوافان» و في المقنعة و المراسم «فأما القران فهو أن يهل الحاج من الميقات» الى آخره، و الإهلال هو رفع الصوت بالتلبية إلا أن يريدا به الإحرام، ثم انهما في باب صفة الإحرام ذكرا الدعاء الذي بعده النية و عقباها بالتلبيات، ثم قالا: و إن كان يريد الاقران قال: «اللهم إني أريد الحج قارنا فسلم لي هديي و أعني على مناسكي، أحرم لك جسدي» إلى آخره، و ظاهره دخول التلبيات و وجوبها، ثم ذكر سلار مراسم الحج و انها فعل و ترك و عدد الأفعال، ثم قال: «و هذه الأفعال على ضربين واجب و ندب، فالواجب النية و المسير و الإحرام و لبس ثيابه و الطواف و السعي و التلبية و سياق الهدي للمقرن و المتمتع» و هو صريح في وجوب التلبية على الثلاثة، و فيه ان ذلك كله لا يدل على أزيد من وجوب التلبية في نفسه الذي يمكن استفادته أيضا من إطلاق الأمر بها، و المراد هنا عقد الإحرام بمعنى انه لا يجب عقده بالأخير بعد عقده بأحدهما فتأمل جيدا.

و في

موثق يونس (1)الأمر بالتلبية بعد الاشعار، قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟ فقال: انطلق حتى تأتي مسجد الشجرة فأفض عليك من الماء و البس ثوبيك، ثم أنخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصل ثم افرض بعد صلاتك ثم اخرج إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم قل: بسم اللَّه اللهم منك و لك، اللهم فتقبل مني، ثم انطلق حتى تأتي البيداء فلبه»

و في صحيح معاوية بن عمار(2)الأمر بالتقليد بعد الاشعار، قال: «يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها»

و في


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 17.

ج 18، ص: 228

خبر السكوني (1)عن جعفر (عليه السلام) «سألته ما حال البدنة؟ فقال: تقلد و تشعر، قال: أما النعل لتعرف أنها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و أما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان ان يمسها»

و قال الفضل بن يسار(2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل أحرم من الوقت و مضي ثم

اشترى بعد ذلك بيوم أو يومين بدنة فأشعرها و قلدها، فقال: إن كان ابتاعها قبل أن يدخل الحرم فلا بأس، قلت: فإنه اشتراها قبل ان ينتهي إلى الوقت الذي يحرم منه فأشعرها و قلدها أ يجب عليه حين فعل ذلك ما يجب على المحرم؟ قال: لا و لكن إذا انتهى إلى الوقت فليحرم ثم يشعرها و يقلدها».

ثم إن «لبيك» نصب على المصدر، و أصله لبا لك أي إقامة أو إخلاصا من لب بالمكان إذا أقام به، أو من لب الشي ء و هو خالصة، و ثني تأكيدا أي إقامة بعد إقامة، أو إخلاصا بعد إخلاص، هذا بحسب الأصل و قد صار موضوعا للإجابة، و هي هاهنا للنداء الذي أمر اللَّه تعالى به إبراهيم (عليه السلام) بأن يؤذن في الناس بالحج فقيل: و أجابه من الناس من هو في أصلاب الرجال و أرحام النساء، فجعله اللَّه تعالى شعارا لهم، و يجوز كسر «ان» على الاستئناف، و فتحها بنزع الخافض، و هو لام التعليل، و في الأول تعميم فكان أولى، و أما الاشعار و التقليد فقد تقدم الكلام في كيفيتهما في محلهما، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد اختلف كلام الأصحاب في صورتها اي التلبيات الأربع الواجبة، ففي النافع و بعض نسخ المقنعة أن يقول لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك و لعله ظاهر التحرير و محكي المنتهى، بل هو خيرة الكركي


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 22 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أقسام الحج- الحديث 13.

ج 18، ص: 229

و سيد المدارك و الأصبهاني و غيرهم و قيل كما عن رسالة علي بن بابويه و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الأمالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف يضيف إلى ذلك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لما تسمعه من

صحيح معاوية ابن عمار(1)و صحيح عاصم بن حميد(2)المروي عن قرب الاسناد للحميري «ان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) لما انتهى إلى البيداء حيث الميل قربت له ناقته فركبها، فلما انبعثت به لبى بالأربع، فقال: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك، ثم قال: هاهنا يخسف بالأخابث».

و قيل كما في القواعد و الإرشاد و التبصرة و محكي الجامع بل يقول:

لبيك اللهم لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك و كذا عن جمل السيد و شرحه و المبسوط و السرائر و الكافي و الغنية و الوسيلة و المهذب لكن بتقديم «و الملك» على «لك» و عن النهاية و الإصباح ذكره بعده و قبله جميعا.

و لا ريب في أن الأول أظهر ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار و صحيحه(3): «و التلبية ان تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك- الى قوله-: و اعلم انه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام و هي الفريضة، و هي التوحيد، و بها لبى المرسلون»

فإنه انما أوجب التلبيات


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الإحرام- الحديث 6 مع الاختلاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 230

الأربع، و هي تتم بلفظ لبيك الرابع، و في

صحيح عمر بن يزيد(1)«إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج، لبيك لبيك بحجة تمامها عليك، و أجهر بها كلما ركبت، و كلما نزلت، و كلما هبطت واديا أو علوت أكمة أو لقيت راكبا و بالأسحار»

بضميمة الإجماع السابق على عدم وجوب ما زاد على الأربعة، و لعل مبنى القول الثاني جعل الإشارة بالتلبيات الأربع في حسن معاوية و صحيحه إلى ما قبل الخامسة، و ما سمعته من صحيح عاصم بن حميد(2)مضافا إلى ما عن

الفقه المنسوب (3)الى الرضا (عليه السلام) «ثم تلبي سرا بالتلبيات الأربع و هي المفترضات، تقول: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك لا شريك لك، هذه الأربعة مفروضات»

و إلى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الأعمش (4)المروي عن الخصال «و فرائض الحج الإحرام و التلبيات الأربع، و هي لبيك اللهم لبيك،

لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك»

إلا ان ذلك كله لا يعارض صريح صحيح عمر بن يزيد(5)المتقدم المعتضد بالأصل، و لكن الاحتياط الإضافة إما كذلك كما في هذه النصوص و صحيح ابن سنان (6)عن الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
3- 3 ذكر صدره في المستدرك في الباب 23 من أبواب الإحرام- الحديث 2 و قطعة منه في الباب 27 منها- الحديث 5 و تمامه في فقه الرضا عليه السلام ص 27.
4- 4 الخصال- ج 2 ص 153 الطبع القديم.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 231

أو بتأخير «لبيك» الثالثة، كما

قال (عليه السلام) في خبر يوسف بن محمد بن زياد و علي بن محمد بن بشار عن أبويهما(1)عن الحسن العسكري (عليه السلام) «فنادى ربنا عز و جل يا أمة محمد (صلى اللَّه عليه و آله) فأجابوه كلهم و هم في أصلاب آبائهم و أرحام أمهاتهم لبيك اللهم، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد و النعمة لك و الملك، لا شريك لك لبيك، قال: فجعل اللَّه تعالى تلك الإجابة شعار الحج»

و مرسل الصدوق (2)عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «جاء جبرئيل (عليه السلام) الى النبي (صلى اللَّه عليه و آله) فقال له: إن التلبية شعار المحرم، فارفع صوتك بالتلبية لبيك اللهم لبيك»

إلى آخر ما ذكر في ذلك الخبر.

و أما القول الثالث على كثرة القائل به- بل في الدروس انه أتم الصور و إن كان الأول مجزيا و الإضافة إليه أحسن- فلم أظفر له بخبر كما اعترف به غير واحد لا من الصحيح و لا من غيره في الكتب الأربعة و لا في غيرها، لا بتقديم «لك» على «الملك» و لا تأخيره و لا ذكره مرتين قبله و بعده، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، و في الدروس انه يستحب فيها الطهارة و التتالي بغير تخلل كلام إلا ان يرد السلام و الصلاة على النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عند فراغها، و الدعاء بعدها، و لا بأس به و إن لم يحضرني الآن من النص ما يفيد ذلك كله.

و على كل حال فقد ظهر لك مما ذكرنا سابقا من النصوص و معاقد الإجماعات أنه لو عقد نية الإحرام و لبس ثوبيه ثم لم يلب و فعل ما لا يحل


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 5 و فيه علي ابن محمد بن سيار إلا ان الموجود في الفقيه ج 2 ص 211 الرقم 967 و علل الشرائع ج 2 ص 102 علي بن محمد بن يسار مع الاختلاف في لفظه أيضا.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 232

للمحرم فعله لم يلزمه بذلك كفارة إذا كان متمتعا أو مفردا لعدم انعقاد إحرامه و كذا لو كان قارنا و لم يشعر و لم يقلد بل ربما ظهر منها انه لا يجب عليه استئناف النية بعد ذلك كما هو مقتضى الأصل بل و إطلاق النص و الفتوى، فيكفي الإتيان بالتلبية من دون تجديد، و حينئذ يكون المنوي عند عقد الإحرام اجتناب ما يجب على المحرم اجتنابه من حين التلبية نحو نية الصوم عن المفطرات من الفجر، فلا يقدح فعل شي ء منها بعدها قبله، لكن عن المرتضى وجوب الاستئناف، و لعله لانتقاض الإحرام بفعل المنافي، و ربما دل عليه مرسل سويد(1)من النصوص السابقة، و فيه ان فعل المنافي لا يقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية و الخبر مع إرساله يمكن حمل النقض في سؤاله على ضرب من المجاز، نعم لو أراد إبطال النية الأولى برفع اليد من أصل الإحرام بناء على ما ذكرناه من أن له ذلك قبل التلبية احتيج إلى تجديدها لانتقاضها.

ثم لا يخفى عليك ظهور عبارة المتن في عدم اعتبار مقارنة النية للتلبية كما عرفت تحقيقه فيما تقدم، بل و لا لشد الإزار كما حكاه في الدروس عن بعض الأصحاب، و ان كنا لم نتحققه، للأصل و إطلاق الأدلة السابقة، و يمكن حمله على ارادة عدم جواز عقد الإحرام إلا و هو لابس للثوبين، و إن كان لا يفسد الإحرام بذلك على الأصح كما ستسمع تحقيقه ان شاء اللَّه، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، و اللَّه العالم.

[الثالث لبس ثوبي الإحرام ]

الثالث لبس ثوبي الإحرام، و هما واجبان بلا خلاف أجده فيه كما


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الإحرام- الحديث 12 و هو مرسل ابن سويد كما تقدم في ص 217.

ج 18، ص: 233

اعترف به في المنتهى و المدارك، بل في التحرير الإجماع على ذلك، بل قصر الشيخ و بنو حمزة و البراج و زهرة و سعيد الإحرام في

ثوب على الضرورة، بل عن القاضي منهم التصريح بعدم جواز الإحرام في ثوب إلا لضرورة، كل ذلك مضافا الى الأمر بلبس الثوبين في المعتبرة المستفيضة، كصحيحي ابني عمار(1)و وهب (2)و صحيح هشام بن الحكم (3)و غيرها و إن كان هو في سياق غيره مما علم ندبه، خصوصا بعد ملاحظة ما سمعته من الإجماع و إلى التأسي بالنبي (صلى اللَّه عليه و آله) و أئمة الهدى (عليهم السلام) فإن ثوبي رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) اللذين أحرم فيهما كانا يمانيين عبري و أظفار، و فيهما كفن على ما رواه

ابن عمار(4)عن الصادق (عليه السلام)، و في مرسل (5)الحسن بن علي عن بعضهم (عليهم السلام) «أحرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في ثوبي كرسف»

فما في كشف اللثام- من ان لبس الثوبين إن كان على وجوبه إجماع كان هو الدليل، و إلا فالأخبار التي ظفرت بها لا تصلح مستندا له، مع أن الأصل العدم، و كلام التحرير و المنتهى يحتمل الاتفاق على حرمة ما يخالفهما، و التمسك بالتأسي أيضا ضعيف، فان اللبس من العادات إلى ان يثبت كونه من العبادات و فيه الكلام- لا يخفى عليك ما فيه، نعم في الدروس بعد أن أوجب لبس الثوبين فيه قال: «و لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو توشح أجزأ» و فيه مضافا إلى

منافاته لما ذكره أولا عدم صدق لبس الثوبين عليه، اللهم إلا ان يراد بهما الكناية عن تغطية المنكبين و ما بين السرة إلى الركبة، و هو لا يخلو من


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 234

وجه و إن كان الأولى و الأحوط التعدد، و الأمر في ذلك سهل.

انما الكلام في اعتبار ذلك في صحة الإحرام و عدمه، قال في الدروس:

و هل اللبس من شرائط الصحة حتى لو أحرم عاريا أو لابسا مخيطا لم ينعقد؟ نظر و ظاهر الأصحاب انعقاده حيث قالوا: لو أحرم و عليه قميص نزعه و لا يشقه، و لو لبسه بعد الإحرام وجب شقه و إخراجه من تحت كما هو مروي (1)و ظاهر ابن الجنيد اشتراط التجرد، و في كشف اللثام قلت: كلامهم هذا قد يدل على عدم الانعقاد، فان الشق و الإخراج من تحت للتحرز عن ستر الرأس، فلعلهم لم يوجبوه أولا لعدم الانعقاد، نعم الأصل عدم اشتراط الانعقاد به، و قد يفهم من خبري عبد الصمد بن بشير(2)و خالد بن محمد الأصم (3)الفارقين بين جاهل الحكم و عالمه إذا لبسه قبل التلبية، و قال أبو علي: «و ليس ينعقد الإحرام إلا من الميقات بعد الغسل و التجرد و الصلاة» و في المدارك «و لو أخل باللبس ابتداء فقد ذكر جمع من الأصحاب انه لا يبطل إحرامه و ان أثم، و هو حسن» و نحوه عن الكركي و ثاني

الشهيدين، و لعله الأقوى وفاقا لمن عرفت، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا ما سمعته من الإسكافي، و لا ريب في ضعفه، فإن الأمر باللبس بعد إطلاق ما دل على حصول الإحرام بالنية و التلبية لا يدل على أزيد من الإثم، كالنهي في

صحيح معاوية(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره و لا تدرعه، و لا تلبس سراويل إلا ان لا يكون لك إزار، و لا الخفين إلا ان لا يكون لك نعلان»

مضافا إلى

صحيح معاوية بن عمار و غير


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 35- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 235

واحد(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل أحرم و عليه قميصه فقال:

ينزعه و لا يشقه، و إن كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه»

و في

صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك»

و نحوه حسنه الآخر(3)و في

حسنه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا لبست ثوبا في إحرامك لا يصلح لك لبسه فلب و أعد غسلك، و ان لبست قميصا فشقه و أخرجه من تحت قدميك».

و على كل حال فلا إشكال في ظهور الأول منها و غيره في صحة الإحرام، ضرورة انه لو كان مثل ذلك مانعا لانعقاده كما سمعت احتماله من الأصبهاني بل مال اليه بعض المحدثين لوجب تجديد النية و التلبية، و النص و الفتوى كادا يكونان صريحين في خلافه، و الحسن الآخر محمول على ضرب من الندب، و إلا لما أمره بالشق للقميص و الإخراج من تحت القدمين.

بل ينبغي الجزم به في صورة الجهل، ل

خبر خالد بن محمد الأصم (5)قال:

«دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فأقبل الناس عليه يشقون قميصه و كان صلبا، فرآه أبو عبد اللَّه (عليه السلام) و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له: كيف صنعت؟ فقال: أحرمت هكذا في قميصي و كسائي فقال: انزعه من رأسك، ليس ينزع هذا من رجليه، انما جهل فأتاه غير ذلك، فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزعه من رأسه»


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و هو حسن بسند الكليني رحمه اللَّه.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 236

و خبر عبد الصمد بن بشير(1)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «جاء رجل يلبي حتى دخل

المسجد الحرام و هو يلبي و عليه قميصه فوثب اليه الناس من أصحاب أبي حنيفة فقالوا: شق قميصك و أخرجه من رجليك، فإنه عليك بدنة، و عليك الحج من قابل، و حجك فاسد، فطلع أبو عبد اللَّه (عليه السلام) فقام على باب المسجد فكبر و استقبل الكعبة فدنا الرجل من أبي عبد اللَّه (عليه السلام) و هو ينتف شعره و يضرب وجهه، فقال: اسكن يا عبد اللَّه، فلما كلمه و كان الرجل أعجميا فقال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): ما تقول؟ قال: كنت رجلا أعمل بيدي فاجتمعت لي نفقة فجئت أحج لم أسأل أحدا عن شي ء، فأفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و أنزعه من قبل رجلي، و ان حجي فاسد، و ان علي بدنة، فقال له: متى لبست قميصك؟ أبعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل ان ألبي، قال: فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك بدنة، و ليس عليك الحج من قابل، اي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعا، و صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) واسع بين الصفا و المروة، و قصر من شعرك، فإذا كان يوم التروية فاغتسل و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس»

و ربما فهم منهما خصوصا الأخير عدم الانعقاد مع عدم الجهل، إلا انه لا دلالة فيهما، بل إطلاق الصحيح الأول يقتضي خلافه.

و اما كيفية لبسهما فظاهر الأصحاب الاتفاق على الاتزار بأحدهما كيف شاء، بل صرح في الدروس بجواز عقده بخلاف الرداء، لكن في

خبر أبي سعيد


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3 إلا انه أسقط في الوسائل صدره و قد ذكر الشيخ قده تمامه في التهذيب ج 5 ص 72- الرقم 239.

ج 18، ص: 237

الأعرج (1)عن الصادق (عليه السلام) نهى عن عقده في عنقه،

و كذا خبر علي ابن جعفر(2)المروي عن كتاب مسائله ، و عن

قرب الاسناد للحميري (3)عن أخيه (عليه السلام) قال: «المحرم لا يصلح له ان يعقد إزاره على رقبته، و لكن يثنيه و لا يعقده»

و عن

الاحتجاج (4)للطبرسي «ان محمد بن عبد اللَّه بن جعفر الحميري كتب إلى صاحب الزمان (عليه السلام) يسأله هل يجوز ان يشد عليه مكان العقد تكة؟ فأجاب (عليه السلام) لا يجوز شد المئزر بشي ء سواه من تكة أو غيرها، و كتب أيضا يسأله هل يجوز ان يشد المئزر على عنقه بالطول أو يرفع من طرفيه إلى حقويه و

يجمعهما في خاصرته و يعقدهما و يخرج الطرفين الآخرين بين رجليه و يرفعهما إلى خاصرته و شد طرفه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما هناك، فإن المئزر الأول كنا نتزر به إذا ركب الرجل جمله انكشف ما هناك و هذا أستر، فأجاب (عليه السلام) جائز ان يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض و لا إبرة يخرجه عن حد المئزر، و غرزه غرزا و لم يعقده و لم يشد بعضه ببعض، و إذا غطى السرة و الركبة كليهما، فإن السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة و الركبة، و الأحب إلينا و الأكمل لكل أحد شده على السبيل المعروفة المألوفة للناس جميعا ان شاء اللَّه تعالى».

و اما الثاني فعن جماعة انه يتردى به اي يلقيه على عاتقيه جميعا و يسترهما به


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1- 5- 5 و الأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج 2 ص 221 الرقم 1023 و هو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص 238.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1- 5- 5 و الأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج 2 ص 221 الرقم 1023 و هو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص 238.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1- 5- 5 و الأول عن سعيد الأعرج كما في الفقيه ج 2 ص 221 الرقم 1023 و هو الصحيح كما يأتي نقله عنه في ص 238.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4 و 3 مع الاختلاف.

ج 18، ص: 238

و عن بعض يتوشح به، و عن آخرين أو يتوشح به، اي يدخل طرفه تحت إبطه الأيمن، و يلقيه على عاتقه الأيسر كالتوشح بالسيف على ما عن الأزهري و غيره بل صرح غير واحد منهم بأنه نحو ما يفعله المحرم، إلا ان الظاهر عدم وجوب شي ء من الهيئتين، للأصل، فيجوز حينئذ التوشح بالعكس و غيره من الهيئات و لعل من اقتصر على الارتداء أو التخيير بينه و بين التوشح يريد التمثيل، و ان كان التردي اولى الهيئات، للتعبير في النصوص عنه بالرداء المنساق منه التردي به على حسب المتعارف، ففي

صحيح ابن سنان (1)«و التجرد في إزار و رداء أو عمامة بعضها على عاتقه لمن لم يكن له رداء»

و في

خبر محمد بن مسلم (2)«يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء»

بل ربما مال إلى تعينه بعض المحدثين، لكنه في غير محله، نعم صرح في الدروس بعدم جواز عقده الرداء كالمحكي عن الفاضل و غيره بخلاف الإزار، و لعله ل

موثق سعيد الأعرج (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يعقد رداءه في عنقه قال: لا».

و اما الإزار فلا بأس به للأصل، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر القداح (4): «ان عليا (عليه السلام) كان لا يري بأسا بعقد الثوب إذا قصر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج- الحديث 14 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و فيه« إزاره» بدل« رداءه» و هو الصحيح كما ذكره في ص 237.
4- 4 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 عن الصادق عليه السلام كما في الكافي ج 4 ص 347.

ج 18، ص: 239

ثم يصلي فيه و إن كان محرما»

لكن قد سمعت ما في مكاتبة الحميري، فالأولى تركه ما أمكن أيضا.

و على كل حال فقد ذكر غير واحد انه يعتبر في الإزار ستر ما بين الركبة و السرة، و في الرداء كونه مما يستر المنكبين، بل في الرياض نفي الاشكال عن ذلك بإبدال الستر في الثاني بالوضع، و فيه انه لا دليل على ذلك، بل مقتضى الأصل و إطلاق النص و الفتوى خلافه، و

قوله (عليه السلام) في خبر الاحتجاج: «فإن السنة»

إلى آخره، ظاهر في الندب، و لعله لذا قال في المدارك: و يمكن الرجوع فيه إلى العرف، و لعله الأقوى، هذا.

و قد ظهر لك مما سمعته من النص و الفتوى ان محل اللبس قبل عقد الإحرام بل هو من جملة الأشياء التي يتهيأ بها للإحرام على وجه يكون حاصلا حال عقده الإحرام، و من هنا قال الفاضل في محكي المنتهى: «إذا أراد الإحرام وجب عليه نزع ثيابه و لبس ثوبي الإحرام بأن يتزر بأحدهما و يرتدي بالآخر» و نحوه غيره نعم لا يجب استدامة اللبس ما دام محرما كما قطع به في المدارك للأصل بعد صدق الامتثال بالطبيعة.

و كيف كان ففي المبسوط و النهاية و المصباح و مختصره و الاقتصاد و المراسم و الكافي و الغنية و النافع و القواعد و غيرها على ما حكي عن بعضها انه لا يجوز الإحرام فيما لا يجوز لبس جنسه في الصلاة كالثوب المنسوج كلا أو بعضا من شعر ما لا يؤكل لحمه فضلا عن جلده الذي هو ليس بثوب عرفا، فلا يصح في المأكول منه فضلا عن غيره على إشكال، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن حريز و صحيحه(1) : «كل ثوب يصلى فيه فلا بأس بالإحرام فيه»


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 240

بناء على إرادة المنع من البأس في مفهومه و لو بقرينة ما سمعته من الفتاوى، بل عن الكفاية انه المعروف بين الأصحاب، بل في المفاتيح يشترط فيهما كونهما مما تجوز به الصلاة بلا خلاف، بل ربما استظهر ذلك من المنتهى و غيره ممن عادته نقل الخلاف، بل و بقرينة ما دل على رجحانية دوام لبسهما و التكفن بهما و الطواف بهما و نحو ذلك مما يدل على قابليتهما للصلاة التي لا ينفك المكلف عنها فضلا عن الطواف و صلاته.

بل يستفاد منه حينئذ اعتبار عدم نجاسته بغير المعفو عنه كما صرح به في الدروس و المسالك و غيرهما مؤيدا بما في

حسن معاوية بن عمار و صحيحه (1)أيضا سأله «عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة قال: لا يلبسه حتى يغسله، و إحرامه تام»

بل في كشف اللثام و لنحو هذين الخبرين نص ابن حمزة على عدم جواز الإحرام في الثوب النجس، و في المبسوط «و لا ينبغي إلا

في ثياب طاهرة نظيفة» و في النهاية «و لا يحرم إلا في ثياب طاهرة نظيفة» و نحوه السرائر و غيرها مما تأخر عنها، و لكن فيه انهما يدلان على عدم جواز لبس النجس حال الإحرام مطلقا، إلا انه قال في المدارك: و يمكن حمله على ابتداء اللبس، إذ من المستبعد وجوب الإزالة عن الثوب دون البدن، إلا ان يقال بوجوب إزالتها عن البدن أيضا للإحرام، و لم أقف على مصرح به، و إن كان الاحتياط يقتضي ذلك، و فيه انه غير قابل لإرادة حال الابتداء خاصة منه، نعم هو دال عليها و لو بدعوى ظهوره في اعتبار طهارتهما حال الإحرام ابتداء و استدامة، فيقتصر على الأول لاعتضاده بالفتاوى دون غيره الباقي على حكم الأصل، مؤيدا ذلك ب

حسن معاوية بن عمار


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 241

أو صحيحه (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و غيرها التي أحرم فيها قال: لا بأس بذلك ان كانت طاهرة»

بناء على ارادة الجمع من المقارنة فيه، فيتم التأييد به على الوجه المزبور، نعم لا يبطل الإحرام بذلك و ان أثم كغيره مما يعتبر فيهما، لما عرفته من عدم شرطية أصل اللبس فيه فضلا عن صفات الملبوس.

و على كل حال فقد يندرج في المفهوم المزبور بناء على ما ذكرنا عدمه في الحرير للرجال الذي صرح به غير واحد، بل لا أجد خلافا فيه، مضافا إلى

خبر أبي بصير(2)قال: «سئل أبو عبد اللَّه (عليه السلام) عن الخميصة سداها إبريسم و لحمتها من غزل، قال: لا بأس ان يحرم فيها، انما يكره الخالص منه»

و نحوه خبر أبي الحسن النهدي (3)لمعلومية إرادة الحرمة من الكراهة فيهما و لو لان لبسهما محرم، و من هنا يتجه الاستدلال زيادة على ذلك بأن وجوب اللبس بناء على ما عرفته لا يجتمع مع النهي عنه.

و منه يعلم عدم الجواز في المغصوب و في جلد الميتة و في المذهب للرجال، بل لو قلنا بشرطية لبسهما في الإحرام اشترط إباحته أيضا و لو لان دليل الشرطية لا يشمل المحرم، فلا يجوز حينئذ في الحرير للرجال، و لا في جلد الميتة و المغصوب و المذهب، و بذلك كله يظهر لك فساد ما في كشف اللثام من المناقشة في اعتبار جميع ما يشترط في ثوب الصلاة، إذ لا دليل له إلا الخبران في الطهارة و ظاهرهما مبادرة المحرم إلى التطهير كلما ينجس وجوبا أو استحبابا، و مفهوم خبر حريز، و هو بعد التسليم لا ينص على الحرمة، و لو سلمت لم يفهم العموم خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 242

المتنجس الذي عرض له المانع من الصلاة، إذ لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، نعم لو لم نقل بوجوب اللبس لا شرطا و لا شرعا فحرمة المغصوب و الحرير و المذهب و الميتة عامة للمحرم و غيره لا تفتقر إلى دليل خاص، و ما عداها على الحل، لكن قد عرفت الدليل على الوجوب شرعا، و عدم تعرض الشيخ في الجمل و ابني إدريس و سعيد لاعتبار ما قلناه فيهما لا يقتضي الجواز، كاقتصار السيد في الجمل على الإبريسم، و ابن حمزة على النجس، و المفيد على الديباج و الحرير و الخز و المغشوش بوبر الأرانب و الثعالب، بل قد يقال للمفهوم السابق المعتضد بما عرفت باعتبار عدم كون الإزار حاكيا للعورة كما جزم به في الدروس، بل جعل اعتبار ذلك في الرداء أحوط، و ان قال في المدارك: إطلاق عبارات الأصحاب يقتضي جواز الإحرام فيهما مطلقا، إذ قد يمنع في نحو عبارة المصنف و ما شابهها الذي هو معقد نفي الخلاف و غيره، بل استحباب التكفن بهما تأسيا بالنبي (صلى اللَّه عليه و آله) مشعر بذلك.

و هل يجوز الإحرام في الحرير للنساء؟ قيل و القائل المفيد في كتاب أحكام النساء و ابن إدريس في محكي السرائر و الفاضل في القواعد و غيرهم، بل نسب إلى أكثر المتأخرين نعم، لجواز لبسهن له في الصلاة فيندرج في خبري (1)حريز السابقين، مضافا إلى الأصل، و

صحيح يعقوب بن شعيب (2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): المرأة تلبس القميص تزره عليها و تلبس الحرير و الخز و الديباج فقال: نعم لا بأس به، و تلبس الخلخالين و المسك»

و عن النهاية المسكة بالتحريك السوار من الذبل، و هي قرون الأوعال، و قيل: جلود دابة بحرية، و على كل


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 243

حال فلا ريب في ظهورها في حال الإحرام، فلا وجه للمناقشة فيها من هذه الجهة و

خبر النضر بن سويد(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين، و لا حليا تتزين به لزوجها، و لا تكتحل إلا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب»

و القفاز كرمان شي ء يعمل لليدين و يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد، أو ضرب من الحلي لليدين و الرجلين، و الفرند بكسر الفاء و الراء ثوب معروف.

و قيل و القائل الشيخ و الصدوق لا يجوز، بل هو ظاهر ما سمعته سابقا من عبارتي المفيد و السيد، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح العيص (2): «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين»

و خبر أبي عيينة(3)سأله (عليه السلام) أيضا «ما يحل للمرأة ان تلبس و هي محرمة؟

فقال: الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير، قال: أ تلبس الخز؟ قال:

نعم، قلت: فان سداه إبريسم و هو حرير فقال: ما لم يكن حريرا خالصا فلا بأس»

و خبر إسماعيل بن الفضل (4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المرأة هل يصلح لها ان تلبس ثوبا حريرا و هي محرمة؟ قال: لا، و لها ان تلبسه في غير إحرامها»

و موثق ابن بكير(5)عن بعض أصحابنا عنه (عليه السلام) أيضا «النساء تلبس


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 10 عن إسماعيل بن الفضيل و هو سهو فان الموجود في الكافي ج 4 ص 346 أيضا إسماعيل بن الفضل.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب لباس المصلي- الحديث 3.

ج 18، ص: 244

الحرير و الديباج إلا في الإحرام»

و خبر سماعة(1)سأله «عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خليط فيه، فأما الخز و العلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه و هي محرمة، و إن مر بها رجل

استترت منه بثوبها، و لا تستتر بيدها من الشمس، و تلبس الخز، أما انهم يقولون: إن في الخز حريرا و انما يكره الحرير المبهم»

و في

موثقه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض و هي محرمة، فأما في الحر و البرد فلا بأس»

و خبر جميل (3)المروي عن نوادر البزنطي سأله «عن المتمتع كم يجزيه؟ قال: شاة، و عن المرأة تلبس الحرير قال: لا»

و خبر جابر(4)المروي عن الخصال عن أبي جعفر (عليه السلام) «و يجوز للمرأة لبس الحرير و الديباج في غير صلاة و إحرام»

و خبر أبي بصير(5)«سألته عن القز تلبسه المرأة في الإحرام قال: لا بأس، إنما يكره الحرير المبهم»

و خبر أبي الحسن الأحمسي (6)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن العمامة السابري فيها علم حرير تحرم فيها المرأة قال: نعم، انما كره ذلك إذا كان سداه و لحمته جميعا حريرا، ثم قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): قد سألني أبو سعيد الأعرج عن الخميصة سداها إبريسم و كان وجد البرد فأمرته أن يلبسها».

و لا ريب في أن الاجتناب هو الأحوط و إن كان التدبر في النصوص و لو بملاحظة «لا ينبغي» و

«لا يصلح» و لفظ الكراهة و نحو ذلك يقتضي الحمل على الكراهة جمعا بين النصوص، بل هي فيه أشد منها في


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب لباس المصلي- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب لباس المصلي- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 11:« قد سألني أبو سعيد عن الخميصة» كما أن الموجود في الكافي ج 4 ص 345 كذلك أيضا.

ج 18، ص: 245

الصلاة، و هو أولى من الجمع بينها بحمل نصوص الجواز على الممتزج، و نصوص المنع على الخالص من وجوه.

و هل يلحق الخنثى في ذلك بالرجل أو بالمرأة؟ نظر كما في المسالك من تعارض الأصل و الاحتياط، بل الإشكال في أصل جواز لبسه لها، و إن كان قد يقوى الأول، لأن الاحتياط ما لم يكن واجبا للمقدمة لا يعارض الأصل، فتأمل.

ثم إن الظاهر عدم وجوب لبس ثوبين لخصوص الإحرام للامرأة تحت ثيابها و إن احتمله بعض الأفاضل، بل جعله أحوط، و لكن الأقوى ما عرفت، خصوصا بعد عدم شمول النصوص السابقة للإناث إلا بقاعدة الاشتراك التي يخرج عنها هنا بظاهر النص و الفتوى، و اللَّه العالم.

و لا خلاف، كما لا إشكال في أنه يجوز أن يلبس المحرم أكثر من ثوبين للأصل، و حسن معاوية بن عمار(1)المتقدم المشتمل على السؤال عن قرن المحرم ثياب غير الإحرام معها، و

حسن الحلبي أو صحيحة(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يتردى بالثوبين قال: نعم و الثلاثة إن شاء، يتقي بها الحر و البرد»

و نحوه خبره (3)عنه (عليه السلام) أيضا، و ما عن الشيخ و جماعة منهم الفاضل في المنتهى و التحرير و التذكرة من الاقتصار على مضمونه ليس خلافا محققا، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، للأصل الذي لا ينافيه الخبر المزبور، مضافا إلى الحسن الأول، و لعله لذا عبر المصنف و غيره بما سمعت.

و كذا يجوز له أن يبدل ثياب إحرامه للأصل، و ل

قول


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الإحرام الحديث 1.

ج 18، ص: 246

الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي أو صحيحه (1): «لا بأس بأن يحول المحرم ثيابه قلت: إذا أصابها شي ء قال: نعم، و ان احتلم بها فليغسلها»

و في خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن المحرم يحول ثيابه فقال: نعم، و سألته يغسلها إن أصابها شي ء قال: نعم، و إذا احتلم فيها فليغسلها»

و قوله (عليه السلام) أيضا في حسن معاوية(3): «لا بأس بأن يغير المحرم ثيابه، و لكن إذا دخل مكة لبس ثوبي إحرامه اللذين أحرم فيهما، و كره أن يبيعهما»

و بحمل الأمر فيه على الندب كما عن ظاهر المتأخرين قال المصنف و غيره فإذا أراد الطواف فالأفضل أن يطوف فيهما و إن قيل قد يوهم الوجوب عبارة الشيخ و جماعة، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأول أقوى.

و إذا لم يكن مع الإنسان ثوبا الإحرام و كان معه قباء جاز لبسه مقلوبا بأن يجعل ذيله على كتفيه بلا خلاف أجده في أصل الحكم، بل عن ظاهر التذكرة و المنتهى انه موضع وفاق، بل ادعاه صريحا غير واحد من متأخري المتأخرين، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(4): «إذا اضطر المحرم إلى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا و لا يدخل يديه في يدي القباء»

و صحيح عمر بن يزيد(5)«يلبس المحرم الخفين إذا لم يجد نعلين، و إن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباه بعد أن ينكسه»

و حسن معاوية بن عمار و صحيحه (6)«لا تلبس ثوبا له أزرار و أنت محرم إلا أن تنكسه، و لا ثوبا


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 35- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 247

تدرعه و لا سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان»

و خبر علي بن أبي حمزة(1)«ان اضطر المحرم إلى أن يلبس قباء من برد و لا يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء»

و خبر مثنى الحناط(2)«من اضطر إلى ثوب و هو محرم و ليس معه إلا قباء فلينكسه، و ليجعل أعلاه أسفله و يلبسه»

و في رواية أخرى (3)«يقلب ظهره بطنه إذا لم يجد غيره»

و «في رجل هلكت نعلاه و لم يقدر على نعلين قال: له أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك، و ليشقه من ظهر القدم، و إن لبس الطيلسان فلا يزره عليه، و ان اضطر إلى قباء من برد و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء(4)»

و خبر محمد بن مسلم (5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال: نعم، و لكن يشق ظهر القدم، و يلبس المحرم القباء إذا لم يكن له رداء، و يقلب ظهره لبطنه».

و الظاهر من الأخير و صحيح عمر بن يزيد الاكتفاء في جواز لبسه بفقد الرداء خاصة كما هو مفاد غير واحد من النصوص، و صريح الدروس و غيرها، خلافا لما عساه يظهر من المصنف من اعتبار فقدهما، بل في كشف اللثام أنه نص

كثير منهم و من الأخبار، قال: و زادت الاضطرار إلا ما سمعته من خبري عمر


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و وسطه في الباب 36 منها الحديث 4 و ذيله في الباب- 44- منها الحديث 5.
5- 5 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5 و ذيله في الباب- 44- منها الحديث 7.

ج 18، ص: 248

ابن يزيد و محمد بن مسلم، فليس فيهما اضطرار و لا فقد غير الرداء، و وافقهما الشهيد و هو غير بعيد على القول بوجوب لبس الثوبين مع الإمكان، مع احتمال أن لا يكون الواجب إلا الثوبين المعهودين، و هما غير المخيطين، إذ لو سلم الاتفاق فعليهما، و الأحوط عندي التجنب لغير ضرورة، و منها أن لا يكون له ثوب أو إلا رداء لا يمكنه الاتزار به، فيتزر إما بقباء أو سراويل أو نحوهما، فهذه المسألة و ما يأتي من فقد الإزار مسألة واحدة، و لعله غير مخالف لما قلناه، نعم قد يظهر من بعض النصوص الاكتفاء به عن الثوبين إذا لم يكن غيره، و على كل حال فالأقوى ما عرفت، بل في المسالك الاكتفاء في جواز لبسه بفقد أحدهما، و مقتضاه جواز لبسه مع فقد الإزار خاصة، و لا يخلو من تأمل، اللهم إلا ان يريد الاتزار بالرداء حينئذ، و لبس القباء عوضا عنه، أو ما سمعته من كشف اللثام من الاتزار بالقباء، و لكن فيه انه خلاف المستفاد من النصوص المزبورة إلا مع دعوى استفادة ذلك من نصوص السراويل (1)بناء على أنها مثال لمطلق المخيط مع فقد الإزار، و هو لا يخلو من وجه.

و كيف كان فالتحقيق جواز لبس القباء مع فقد الرداء، بل الظاهر وجوبه حينئذ كما صرح به في المسالك و غيرها عملا بظاهر الأمر هنا، مضافا إلى الأمر بلبس الثوبين اللذين هذا بدل أحدهما، و يمكن حمل الجواز في المتن على ما يشمل الوجوب، كما أن المراد بالاضطرار حينئذ ما يشمل عدم وجود ثوب غيره أو الحاجة و نحوه، فاحتاج إلى لبسه و لو مع الإضافة إلى رداء الإحرام.

ثم إن المحكي عن ابن إدريس التصريح بأن المراد من النكس جعل الذيل


1- 1 الوسائل- الباب- 35 و 50- من أبواب تروك الإحرام.

ج 18، ص: 249

على الكتفين، و تبعه الشهيد و الفاضل في القواعد، و يحتمله تعبير جماعة باللبس مقلوبا، و يشهد له مضافا إلى بعده عن صدق اسم اللبس بعض (1)الأخبار السابقة و عن آخر تفسيره بجعل الباطن ظاهرا، و يشهد له بعض آخر(2)من النصوص، و لعله لذا اكتفى الفاضل بكل من الأمرين جمعا بينها بالتخيير كما عن ابن سعيد، و لعل الأولى منه الجمع بين الأمرين لعدم المنافاة، بل يمكن حمل عبارة المتن عليه، و لم أجد من صرح بوجوبه، بل في المسالك الإجماع على الاجتزاء بالأول، و مقتضاه عدم قائل بتعيين الهيئة الأخرى، بل قد يناقش فيما ذكروه من الجمع بأن ظاهر بعض (3)ما دل عليه و لو بقرينة

قوله (عليه السلام): «و لا يدخل يده في يده»

إرادة عدم النكس الذي لا يحتاج معه إلى النهي عن ذلك، فيكون الهيئتان حينئذ متنافيتين، و لهذا جمع بينهما بالتخيير، اللهم إلا ان يراد من النهي المزبور بيان حكم نفسه لا حكم المقلوب على الهيئة المزبورة، و على كل حال فلا إشكال في إجزاء الجمع بل و النكس خاصة بناء على ما سمعته من الإجماع المزبور.

ثم إن الظاهر عدم الفدية مع اللبس على الوجه المزبور كما صرح به غير واحد منهم الفاضل في محكي التذكرة و المنتهى و التحرير، بل عن الشيخ نفي الخلاف فيه إذا توشح به، و لعل الأمر بالقلب و النكس و النهي عن إدخال اليدين لذلك، نعم هي عليه لو لبسه لا على الوجه المزبور، بل لو أدخل يديه في يديه كان عليه ذلك و إن كان مقلوبا، هذا، و في المسالك المشهور اختصاص الحكم بالقباء، و في

رواية عمر بن يزيد(4)عن الصادق (عليه السلام) «إن لم يكن معه رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه»

و اختاره في الدروس قلت: و هو الأقوى حملا


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 44- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 250

لما في النص من القباء على المثال، و منه يظهر قوة ما سمعته من كشف اللثام.

ثم إن صريح النص و الفتوى ستر الكتفين به نحو الرداء، لكن في محكي الخلاف يتوشح به و لا يدخل كتفيه، للاحتياط، خلافا لأبي حنيفة، و لا اعرف مستنده، بل ظاهر الأدلة خلافه، و اللَّه العالم.

[النظر في أحكامه ]
اشاره

و أما أحكامه فمسائل:

[المسألة الأولى حكم من أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا]

المسألة الأولى لا يجوز لمن أحرم بنسك أن ينشئ إحراما آخر بمثله أو بغيره حتى يكمل أفعال ما أحرم له بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى النصوص (1)المشتملة على كيفية حج التمتع المصرحة بأن إهلال الحج بعد التقصير المحلل لإحرام العمرة، و إلى الأمر بإتمام العمرة و الحج الظاهر في عدم جواز ما يقع قبل الإتمام، بل و صحته، و حينئذ فلو أحرم قبل السعي عامدا أو قبل إكماله للعمرة كان مشرعا، و إحرامه الثاني باطلا، و يجب عليه إكمال العمرة، بل و كذا لو كان ناسيا و إن لم يكن آثما.

ف أما لو أحرم متمتعا و دخل مكة و أحرم بالحج قبل التقصير ناسيا لم يكن عليه شي ء من دم أو قضاء التقصير أو غير ذلك، و كانت عمرته صحيحة و إحرامه للحج صحيحا بلا خلاف محقق أجده في صحتهما كما اعترف به غير واحد بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، بل هو صريح الفاضل في محكي المختلف على تمامية العمرة، مع انه حكي فيه و في محكي التحرير

و المنتهى قولا لبعض الأصحاب ببطلان الإحرام الثاني، و البقاء على الإحرام الأول، قال في الأول: لو أخل بالتقصير ساهيا و أدخل إحرام الحج على العمرة سهوا لم يكن عليه إعادة الإحرام و تمت عمرته إجماعا و صح إحرامه، ثم نقل الخلاف في وجوب الدم خاصة.

و على كل حال فهو الحجة مضافا إلى المعتبرة المستفيضة المعتضدة بما سمعت


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج.

ج 18، ص: 251

كصحيح ابن سنان (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج قال: يستغفر اللَّه و لا شي ء عليه و تمت عمرته»

و صحيح ابن الحجاج (2)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحل و نسي أن يقصر حتى خرج إلى عرفات، قال: لا بأس به يبني على العمرة و طوافها، و طواف الحج على أثره»

و صحيح معاوية بن عمار(3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل بالحج قال: يستغفر اللَّه تعالى و لا شي ء عليه و تمت عمرته»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا معارض لها سوى خبر أبي بصير(4)الآتي القاصر عن المعارضة من وجوه، فيحمل على صورة العمد أو يطرح.

و لكن قيل و القائل الشيخ و بنو زهرة و البراج و حمزة و الفاضل في الإرشاد على ما حكي عن بعضهم عليه دم ل

موثق إسحاق بن عمار(5)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج قال: عليه دم يهريقه»

الذي يخص به ما في الصحاح السابقة بناء على حجيته و لكن حمله على الاستحباب أظهر كما عن الصدوق و الحلي و الديلمي و أكثر المتأخرين، بل هو المشهور بينهم، فيرجح حينئذ على مجاز التخصيص،


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام- الحديث 1 و ليس فيه «و لا شي ء عليه و تمت عمرته» كما ليس ذلك في الكافي ج 4 ص 440 الطبع الحديث و كذلك الفقيه ج 2 ص 237- الرقم 1129 و الاستبصار ج 2 ص 175 الرقم 577.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام الحديث 6.

ج 18، ص: 252

خصوصا بعد شدة ظهور تلك الصحاح في عدم وجوب شي ء عليه، إلا أنه مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، كما لا ينبغي تركه في كون الدم شاة كما عن الغنية و المهذب و الإشارة و إن كان الخبر مطلقا، بل عن ابن حمزة إدراجه فيما فيه دم مطلقا، اللهم إلا أن يدعى انصرافه فيه و في الفتاوى إلى الشاة.

هذا كله مع النسيان و ان فعل ذلك عامدا قيل و القائل الشيخ و ابنا حمزة و سعيد و الفاضل في جملة من كتبه، بل في الدروس و

المسالك نسبته إلى الشهرة بطلت عمرته و صارت حجته مبتولة

لموثق أبي بصير(1)بل في المنتهى و المختلف و المسالك و الروضة صحيحه عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «المتمتع إذا طاف و سعى ثم لبى قبل أن يقصر فليس له أن يقصر، و ليس له متعة»

و خبر محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل (2)«سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل ان يقصر قال: بطلت متعته، و هي حجة مبتولة».

و قيل و القائل ابن إدريس و الفاضل في التلخيص و الشهيد في الدروس:

يبقى على إحرامه الأول و كان الثاني باطلا للنهي عنه المقتضي لفساده، ضرورة عدم جواز إدخال الحج على العمرة قبل إتمام مناسكها و التقصير منها على الأصح، لظهور النصوص (3)المتضمنة بيان كيفية العمرة في ان التقصير منها بل هو من معقد إجماع المنتهى فعل من أفعال العمرة، بل هو أيضا ظاهر غيره، فما في المسالك من خروجه عنها و كونه محللا واضح الضعف، فان حصول التحليل به لا ينافي كونه من أفعالها مثل التسليم في الصلاة على الأصح، و حينئذ فالإحرام قبله كالإحرام قبل السعي من أفعالها منهي عنه أو غير مأمور به، على أنه لو كان


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- و غيره من أبواب التقصير.

ج 18، ص: 253

الإحرام صحيحا باعتبار كون التقصير خارجا عن العمرة لاتجه حينئذ صحة العمرة لا بطلانها و صيرورة الحج مبتولا كما هو مقتضى النص و الفتوى، فلا محيص حينئذ عن القول ببطلان الإحرام، مضافا إلى وقوع خلاف ما نواه ان نوى حج التمتع و عدم صلاحية الزمان ان ادخل غيره، و الخبران قاصران عن إثبات حكم مخالف للأصل مع عدم الصراحة، لاحتمال الحمل على متمتع عدل عن الافراد ثم لبى بعد ما سعى كما في الدروس، بل قال: لأنه روي التصريح بذلك في رواية أخرى، و لعله أراد

الموثق (1)«رجل يفرد بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة ثم يبدو له أن يجعلها عمرة فقال: إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصر فلا متعة له»

الذي مر في مسألة جواز الطواف للمفرد و القارن قبل المضي إلى عرفات.

و لكن ذلك جميعه كما ترى، و لذا كان ظاهر المصنف الميل إلى غيره بقوله:

و الأول هو المروي ضرورة كون الخبر من الموثق أو الصحيح الصالح للخروج به عن الأصل بناء على أن التقصير من أجزاء العمرة، و إلا فبناء على خروجه عنها و انه محلل كما في المسالك يمنع مخالفته حينئذ للأصل، لعدم كونه حينئذ إدخالا للحج على العمرة، اللهم إلا ان يقال إن ظاهر الأدلة وقوع الحج بعد التقصير و إن قلنا بخروجه عن العمرة، و على كل حال فالخبر المزبور صالح للخروج به عن

ذلك كله، خصوصا بعد الاعتضاد بالشهرة و الخبر الآخر، و بعد احتمال الحمل المزبور أو فساده، ضرورة كون مفروض المسألة في المتمتع الذي هو حقيقة في المتلبس بالمبدإ أو الأعم منه و الماضي، و العادل عن الافراد إلى التمتع متمتع مجازا، فالمتجه العمل به، و لكن في الاجتزاء به عن فرضه الذي هو التمتع


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 254

إشكال باعتبار أنه عدول اختياري و لم يأت بالمأمور به على وجهه، و لذا كان خيرة ثاني الشهيدين و سبطه العدم و ان احتملا الإجزاء أيضا، لخلو الخبر الوارد في مقام الحاجة عن الأمر بالإعادة، و لا ريب في أن الأول أحوط إن لم يكن أقوى.

و الجاهل كالعامد للإطلاق المقيد بخصوص الناسي لما عرفت، نعم الظاهر قصر الحكم المزبور على خصوص مضمون الخبر، أما غيره فيبقى على مقتضى الأصل الذي سمعته من الحلي.

بقي شي ء و هو أن الخبرين المزبورين لم يتعرضا لاستئناف إحرام جديد لحج الإفراد، إذ الاجتزاء بالإحرام المزبور بعد ان لم يكن مأمورا به بل منهيا عنه باعتبار إدخاله على العمرة لا وجه له، كالاجتزاء بإحرام العمرة الذي كان منويا به غيره، مع

قوله (عليه السلام) فيهما: «بطلت متعته»

المراد به بطلان عمرة تمتعه التي من أفعالها الإحرام، إلا اني لم أجد تصريحا بتجديد الإحرام لحج الافراد من ميقاته في مفروض المسألة، نعم في الذخيرة بعد ذكر الخبرين قال: و مقتضاهما بطلان المتعة، و ليس فيهما خصوصا المعتبرة منهما تصريح بعدم الحاجة إلى تجديد الإحرام كما هو مذهب الجماعة، و كيف كان فلعل عدم تجديد الإحرام لظهور الخبرين- و لو من جهة قوله (عليه السلام): «مبتولة» و الخلو عن ذكره في مقام البيان و غير ذلك- في انقلاب فعله إلى حج الافراد و إن كان ذلك باختياره بل و إثم فيه إلا أنه كالانقلاب القهري الذي يجتزى فيه بالإحرام الأول، و دليل ذلك الخبران ففيهما حينئذ مخالفة للأصول من هذه الجهة أيضا، و اللَّه العالم.

[المسألة الثانية حكم تبديل نية الإفراد بالعمرة]

المسألة الثانية قد تقدم الكلام مفصلا في أنه لو نوى الافراد ثم دخل مكة جاز أن يطوف واجبا للحج و يسعى و يقصر و يجعلها عمرة ف يتمتع بها ما لم يلب، فان لبى انعقد إحرامه و ليس له العدول حينئذ

ج 18، ص: 255

و قيل كما عن ابن إدريس لا اعتبار بالتلبية، و انما هو بالقصد فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة حكم إحرام الولي بالصبي ]

بل و تقدم أيضا الكلام في المسألة الثالثة و هي إذا أحرم الولي بالصبي جرده من فخ على معنى أنه يحرم به من الميقات، و لكن لا يجرده عن المخيط إلا من فخ، أو أنه لا يحرم به إلا من فخ كما تقدم تحقيق ذلك، و لعل ظاهر المصنف هنا الأول، و لكن مقتضى قوله و فعل به ما يجب على المحرم و جنبه ما يتجنبه عدم الاقتصار على نزع المخيط، بل غيره من تروك المحرم، و لم أجد به تصريحا لأحد، بل مقتضى

صحيح معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)- «انظروا إلى من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة، أو الى بطن مر و يصنع به ما يصنع بالمحرم و يطاف به و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي منهم فليصم عنه وليه»

و صحيح زرارة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج، فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه و يطاف به و يصلي عنه، قلت: ليس لهم ما يذبحون عنه قال: يذبح عن الصغار و يصوم الكبار، و يتقى ما يتقى المحرم من الثياب و الطيب، فان قتل صيدا فعلى أبيه»

- خلافه، فالمتجه الاقتصار على خصوص نزع المخيط مع الإحرام بهم من الميقات دون غيره من تروك المحرم، نعم لو قلنا إن ابتداء الإحرام بهم من فخ لم يكن إشكال حينئذ في جريان حكم الإحرام حينئذ منه، كما هو واضح.

و كيف كان ف لو فعل الصبي ما تجب به الكفارة أو الفداء على المكلف لزم ذلك الولي في ماله كما في القواعد و محكي الكافي و النهاية، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 18، ص: 256

قيل و التهذيب و إن كان لا صراحة بل و لا ظهور في عبارته، لعدم خطاب الصبي بالاجتناب، خصوصا غير المميز منه، و انما الواجب على الولي أن يجنبه، فهو غرم أدخله هو عليه بالإحرام به كالنفقة الزائدة، و لصحيح زرارة(1)السابق، لكن فيه قتل الصيد خاصة، مع أن ظاهر المصنف و الفاضل في الإرشاد و غيرهما عدم الفرق بين ما يوجب الكفارة عمدا و سهوا كالصيد و ما في معناه و ما يوجب الكفارة عمدا لا سهوا، إلا أن المحكي عن الشيخ و أكثر الأصحاب كما في المدارك و الذخيرة اختصاص الحكم بالأول، قال في المدارك: اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص، و هو الصيد، أي و ما في معناه مما يوجبها عمدا و سهوا، إذ لا قائل بالوجوب فيه خاصة، بل لعل الإجماع المركب على خلافه، فيختص الوجوب بما يوجبها عمدا و سهوا دون ما لا يوجبها إلا عمدا، للقاعدة المزبورة التي لا يعارضها كون الولي المخاطب، فان ذلك لا يوجب الكفارة عليه بعد الأصل، و عدم تناول دليلها له كما اختاره في المدارك، و لكن قد ناقشناه سابقا بأن الولي هو السبب شرعا في ترتب ذلك، و كون عمد الصبي خطأ انما هو في الديات، و خطاب الكفارات و الفداء أشبه شي ء بخطاب الأسباب، و بظهور كون الصيد على الأب و الذبح عليه و الصوم عليه و غير ذلك مما

عساه يظهر منه ترتب هذه الأحكام للإحرام عليه دون الصبي، خصوصا غير المميز.

و بذلك كله يظهر لك شدة ضعف ما عن ابن إدريس من عدم الوجوب مطلقا، لأن عمد الصبي خطأ، فلا يجب عليه ما يعتبر العمد في وجوبه، كما أن قاعدة الاقتصار تقتضي عدم وجوبها أيضا فيما يجب على العامد و الناسي، لأن


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 18، ص: 257

الوجوب على الناسي على خلاف الأصل، و انما وجب هنا بالنص و الإجماع، و الخطاب الشرعي انما يتوجه على المكلفين، خصوصا دعوى أن عمده خطأ حتى في المقام، ضرورة كون المسلم منه ما في الديات.

و بذلك ظهر لك أن الأقوال ثلاثة، قيل و الرابع و الخامس التفصيل بإيجاب الفداء في مال المولى عليه، لأنه مال وجب بجنايته، كما لو أتلف مال غيره، و هو خيرة التذكرة، و محتمل المبسوط، و الكفارة على الولي، و لا يجب على أحد و التردد فيهما محكي عن صريح المبسوط و ظاهر التذكرة، و لا يخفى عليك ما فيهما بعد الإحاطة بما ذكرناه خصوصا في الصيد، فالتحقيق حينئذ ما هو ظاهر المصنف من ترتب الكفارة و الفداء على الولي مطلقا.

هذا كله فيهما، و أما بالنسبة إلى غيرهما كما لو عقد له على امرأة كان باطلا بل عن المختلف إن جامعها حرمت عليه، و لو جامع في الفرج عمدا قبل الوقوف بعرفات ففي القواعد وجب عليه دون الولي، بل لعله لا خلاف في عدم وجوبه على الولي للأصل و غيره، و أما الوجوب عليه فلعله لعموم دليله، لكن المحكي عن المبسوط و الخلاف و السرائر و الجواهر العدم، أفسد به الحج لتعمده الجماع كما عن الجواهر نافيا للخلاف فيه، أو لا لكون عمده خطأ، و لأن الخطاب انما يتوجه إلى المكلف، و دعوى أن ذلك من باب الأسباب فيخاطب به بعد بلوغه لا حال صباه و كذا المجنون متوقفة على الدليل، و عليه ففي وجوب مئونة القضاء على الولي نظر، أقربه الوجوب عند الشهيد قدس سره، و لعله لأنه السبب في وجوبه عليه، و فيه أنه حين القضاء كامل وجب عليه كحجة الإسلام، و المباشر أقوى من السبب، و لذا وجب عليه في صورة البذل دون من بذل.

و كيف كان فإذا قضى لم يجزه القضاء عن حجة الإسلام، فتجب حينئذ عليه إلا إذا كان قد كمل في الفاسد قبل المشعر، بناء على أنه كالمندوب الذي قد

ج 18، ص: 258

عرفت البحث فيه، و لو وجب القضاء و حج الإسلام أخر القضاء و إن تقدم، بل قيل: لو نواه بطل و انصرف إلى حجة الإسلام؛ بل لو جوزنا القضاء له في الصغر فشرع فيه و بلغ قبل الوقوف انصرف إلى حجة الإسلام، فتأمل، و قد تقدم جملة من الكلام في هذه المسائل و غيرها، فلاحظ و تأمل.

و كلما يعجز عنه الصبي يتولاه الولي من تلبية و طواف و سعي و غير ذلك لما سمعته من النص، مضافا إلى

صحيح ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و كنا تلك السنة مجاورين و أردنا الإحرام يوم التروية فقلت: إن معنا مولودا صبيا فقال: مروا أمه فلتأت حميدة فلتسألها كيف تفعل بصبيانها، قال: فأتتها فسألتها فقالت لها: إذا كان يوم التروية فجردوه و غسلوه كما يجرد المحرم، ثم أحرموا عنه ثم قفوا به في المواقف، و إذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه، ثم زوروا به البيت، ثم مروا الخادم أن يطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة، و إذا لم يكن الهدي فليصم عنه وليه إذا كان متمتعا»

و غيره من النصوص.

و يجب على الولي الهدي من ماله أيضا لأنه كالنفقة الزائدة، أو الصوم عنه إذا لم يجده كما سمعته في صحيح معاوية(2)و في

خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللَّه (3)عن الصادق (عليه السلام) «يصوم عن الصبي وليه إذا لم يجد هديا و كان


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1 عن الكافي مع الاختلاف اليسير في الألفاظ إلا أنه لم يذكر صدر الحديث في الوسائل و قد ذكره في التهذيب ج 5 ص 410 الرقم 1425 و من قوله: « و إذا لم يكن الهدي» إلى آخره ليس من تتمة الحديث و إنما هو من كلام الشيخ قده.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبح- الحديث 1- 2 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبح- الحديث 1- 2 من كتاب الحج.

ج 18، ص: 259

متمتعا»

كقول الباقر (عليه السلام) في خبر عبد الرحمن بن أعين (1): «الصبي يصوم عنه وليه إذا لم يجد هديا»

و في خبره الآخر(2)«تمتعنا فأحرمنا و معنا صبيان فأحرموا و لبوا كما لبينا، و لم نقدر على الغنم قال: فليصم عن كل صبي وليه»

و في موثق إسحاق (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن غلمان لنا دخلوا معنا بعمرة و خرجوا معنا إلى عرفات بغير إحرام قال: قل لهم: يغتسلون ثم يحرمون، و اذبحوا عنهم كما تذبحون عن أنفسكم»

بناء على إرادة الصبيان من الغلمان، و قد سمعت ما في صحيح زرارة(4)السابق المراد من الكبار فيه على ما صرح به غير واحد المميزون، و منه يستفاد الاجتزاء بصوم المميز منهم.

و لعله إليه أشار المصنف بقوله و روي إذا كان الصبي مميزا جاز أمره بالصيام عن الهدي، و لو لم يقدر على الصيام صام عنه وليه مع العجز عن الهدي بضميمة ما في غيره من النصوص من صيام الولي عنه، و إلا فهو ليس كما ذكره، بل لم نعثر على خبر بالمضمون المزبور، نعم استدل له بعضهم على ذلك أيضا ب

موثق سماعة(5)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن رجل أمر غلمانه أن يتمتعوا قال: عليه أن يضحي عنهم، قلت: فإنه أعطاهم دراهم

فبعضهم ضحى و بعضهم أمسك الدراهم و صام قال: قد أجزأ عنهم، و هو بالخيار إن شاء تركها، قال: و لو أنه أمرهم فصاموا أجزأ عنهم»

و فيه أن الظاهر إرادة المماليك من الغلمان فيه، على أنه ليس تمام المضمون المزبور، بل قد يناقش في إرادة المميزين من الكبار في


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبح- الحديث 5- 4 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الذبح- الحديث 5- 4 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث 8 من كتاب الحج.

ج 18، ص: 260

الخبر المزبور، فيتعين على الولي الذبح أو الصوم إذا لم يجد، و لو سلم فالمتجه التخيير جمعا بعد عدم تحققنا ما أرسله المصنف فيما وصل إلينا من النصوص من ترتب صوم الولي على عجز الصبي عن الصوم، بل مقتضى إطلاق الأمر في صحيحي معاوية(1)و ابن الحجاج (2)و غيرهما خلافه، و لعله لذا في كشف اللثام بعد أن ذكر وجوب الهدي على الولي من ماله قال: فان فقده صام أو أمر الصبي بالصوم، و قد نطقت الأخبار بجميع ذلك و إن كنا لم نتحقق غير ما عرفت، فالأولى و الأحوط ذبح الولي، فان لم يجد صام من غير فرق بين المميز و غيره، و أما ما عساه يظهر من صحيح معاوية من اعتبار عدم وجدان الصبي الهدي في صوم الولي فلم نجد به قائلا، بل ظاهر الأصحاب على خلافه، فيجب حمله على إرادة معنى «عنهم» من قوله: «منهم» فيه، و اللَّه العالم.

[المسألة الرابعة إذا اشترط في إحرامه أن يحله ]

المسألة الرابعة إذا اشترط في إحرامه أن يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل بلا إشكال و لا خلاف نصا و فتوى و لكن الكلام في أنه هل يسقط الهدي؟ قيل و القائل المرتضى و الحلي و الحلبي و يحيى بن سعيد و الفاضل في حصر التحرير و التذكرة و المنتهى و صد القواعد على ما حكي عن بعضهم:

نعم يحل بمجرد الإحصار من غير أن يحتاج إلى الهدي، و هو حينئذ فائدة الشرط، بل في انتصار الأول منهم الإجماع عليه، بل قال فيه: لا فائدة لهذا الشرط إلا ذلك، و إطلاق الآية(3)محمول على من لم يشترط، و هو الحجة بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 3.
2- 2 التهذيب ج 5 ص 410 الرقم 1425 و قد تقدمت الإشارة إلى أن الذيل الدال على وجوب الصوم من كلام الشيخ قده و ليس من تتمة الحديث.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 261

صحيح ذريح المحاربي (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر اللَّه تعالى؟

فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه، إن اللَّه تعالى أحق من وفى ما اشترط عليه، فقلت: فعليه الحج من قابل قال: لا»

و صحيح البزنطي (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن محرم انكسرت ساقه ما حاله أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء، فقلت:

من النساء و الثياب و الطيب فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، و قال: أو ما بلغك قول أبي عبد اللَّه (عليه السلام): و حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي»

و لو بقاعدة تأخير البيان عن وقت الحاجة لو كان واجبا، بل من الأخير يستفاد الاستدلال بكل ما دل على مشروعية الشرط المزبور بناء على إفادته ذلك.

و قيل و القائل الإسكافي و الشيخ في محكي الخلاف و المبسوط و المصنف في النافع و الفاضل في المختلف و غيرهم لا يسقط و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها الأصل و عموم الآية و غيرها و الاحتياط و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عامر بن عبد اللَّه بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب «في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق و هو محرم قال:

ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع إلى رحله و لا يقرب النساء، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 1.

ج 18، ص: 262

و إن كان قد اشترط فليس عليه ان يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر، و يجب أن يعود للحج الواجب المستقر و للأداء إن استمرت الاستطاعة في قابل، و العمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل، و ان كانا متطوعين فهما بالخيار»

مؤيدا بما تسمعه من صحيح معاوية(1)في حصر الحسين (عليه السلام).

و حينئذ ف فائدة الاشتراط جواز التحلل كما عن المبسوط و الخلاف و المهذب في المحصور و الوسيلة في المصدود أي عند الإحصار كما عن التحرير و التذكرة و المنتهى بمعنى أنه من غير تربص كما في النافع و كشفه و المحكي من شرح ترددات الكتاب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «ان الحسين بن علي (عليه السلام) خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا (عليه السلام) و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض، فقال: يا بني ما تشتكي؟ قال:

رأسي، فدعا (عليه السلام) ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده إلى المدينة»

بناء على أنه كان قد اشترط باعتبار كونه مستحبا، فلا يتركه الحسين (عليه السلام) فيدل حينئذ بالتأسي، و بأنه متى شرع النحر تحليلا نافى السقوط، إذ احتمال سقوط الوجوب خاصة لم نعرفه قولا لأحد، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه و نحوه صحيح رفاعة(3)عنه (عليه السلام) لكن فيه أنه (عليه السلام) كان ساق بدنة فنحرها و حلق رأسه، و حينئذ يكون خارجا عما نحن فيه، إذ الظاهر عدم خلاف معتد به في عدم سقوط الهدي عنه، بل عن الإيضاح أن عليه إجماع الأمة، فيحمل النحر فيه على البعث للنحر في محله، ثم الحلق بعده، و إن كان بعيدا، بل يمكن دعوى القطع بفساده، و ليس هو أولى من حمل سوق البدنة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 2.

ج 18، ص: 263

فيه على سوقها لا على كونها حج قران، فيكونان حينئذ معا دالين على المطلوب نعم لا إشكال في أن حكم القارن البعث و ان اشترط،

لصحيحي محمد بن مسلم (1)و رفاعة(2)عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) «القارن يحصر و قد قال و اشترط فحلني حيث حبستني يبعث بهديه، قلت: هل يتمتع من قابل؟ قال:

لا، و لكن يدخل في مثل ما خرج عنه»

و ما عن الفقيه من عدم البعث فيه أيضا واضح الضعف، أو أنه من تحريف النساخ.

و على كل حال فيكون فائدة الشرط تعجيل التحليل في المحصور، و بدونه لا يجوز ما لم يبلغ الهدي محله كما هو مقتضي الآية المحمول إطلاقها على غير صورة الشرط، و إجماع المرتضى لم نتحققه، بل لعل المتحقق خلافه، و الصحيحان لا صراحة فيهما بعدم الهدي بل و لا ظهور بحيث يعارض خبر عامر و صحيح معاوية(3)و قاعدة تأخير البيان مع منع تحقق موضوعها

في المقام يمكن أن يكون ترك بيانه للاتكال على الآية و غيرها، نعم هما دالان على التعجيل الذي هو المختار و إن كان مع الهدي، لما سمعته من دليله، بل قد يقال ان الشرط لا يدل على أزيد من ذلك، فان المراد عدم لزوم البقاء على الإحرام بعد الحصر، و أنه يتحلل من إحرامه بمحلله الشرعي، لا أنه يثبت به تحليل خاص لا يحتاج معه إلى هدي و لا غيره، بل ربما ظهر من بعض العبارات عدم الاحتياج معه إلى النية، و يمكن القطع بعدمه، فظهر لك من ذلك كله أن الأقوى كون فائدة الشرط التعجيل المزبور لا سقوط الهدي و لا غيره من الفوائد التي تسمعها.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 3.

ج 18، ص: 264

و أما ما في المتن من أنه قيل: يجوز التحلل من غير شرط فلم يظهر لي لمن أشار بالقول المزبور، فإن أصل التحليل للمحصور لا إشكال فيه و لا خلاف للآية و الرواية، و ان أراد به جواز التعجيل من غير شرط فلم أعرفه لأحد من أصحابنا، و يمكن أن يريد به الإشارة إلى أن الشرط وجوده كعدمه و لا يترتب عليه إلا الثواب كما هو المشهور بين العامة، و اختاره ثاني الشهيدين، و ربما كان ظاهر المبسوط و الخلاف و المهذب، و إن كان ستعرف ضعفه ان شاء اللَّه.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول و هو القول بأن فائدته التعجيل أظهر مما سمعته من المرتضى، بل من القول بأنه لا فائدة فيه أصلا سوى ترتب الثواب، و مما في الإيضاح، فإنه- بعد أن ذكر قول والده في القواعد: و فائدة الشرط جواز التحلل على رأي- قال: «ان معني كلام المصنف ليس المنع من التحلل إذا لم يشترط، بل معناه أن التحلل ممنوع منه، و مع العذر و عدم الاشتراط يكون جواز التحلل رخصة، و مع الاشتراط يصير التحلل مباح الأصل، و سبب إباحته بالأصالة الاشتراط و العذر- قال-: و الفائدة تظهر فيما لو نذر أن يتصدق كلما فعل رخصة بكذا، و في التعليق» و هو كما ترى مرجعه في الحقيقة إلى عدم الفائدة للشرط في خصوص المشترط فيه من الحج و العمرة، فيكون حينئذ تعبدا محضا كما عن أكثر العامة، مضافا إلى عدم الفائدة أيضا في ذكر خصوص الحصر، اللهم إلا أن يراد منه ما يعم الصد، و إلى ظهور عبارة الفاضل و المصنف في كون الفائدة نفس التحلل لا كونه أصليا في مقابل الرخصة و ان أمكن ذلك على ضرب من التجوز، لكن لا يخفى عليك بعده.

و كيف كان فقد استدل له بعموم الآية(1)و ما يحكى من فعل النبي (صلى اللَّه عليه و آله)


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.

ج 18، ص: 265

في المصدود(1)و ب

خبر حمزة بن حمران (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني قال: هو حل حيث حبسه قال: أو لم يقل»

و حسن زرارة(3)عنه (عليه السلام) أيضا «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط»

و فيه أن الآية- مع انها مساقة لبيان حكم أصل الحصر لا خصوص المشترط- مقيدة بما عرفت، و فعل النبي (صلى اللَّه عليه و آله) بعد إن كان مصدودا لا محصورا خارج عما نحن فيه و خبرا حمزة و زرارة- مع عدم صحة سند الأول منهما، و موافقتهما للعامة، و احتمال كونهما في المصدود- لا دلالة فيهما إلا على ثبوت أصل التحلل مع الشرط و عدمه، و ان اختص الأول بأمر زائد على ذلك كما سمعت التصريح به في النص مضافا إلى استبعاد الأمر بالشرط المزبور مع عدم فائدة به، و من الغريب انه على ضعفه أو فساده وافقه عليه الشهيد في الدروس و المحقق الثاني في حاشية الكتاب في تفسير عبارة المصنف و ما شابهها، قال في الأول: «و حكمهما اي الممتنع و غيره في استحباب الاشتراط أيضا واحد، و فائدته جواز أصل التحلل عند العارض كقول ابن حمزة و الشرائع، أو جواز التعجيل للحصر كقول النافع، أو سقوط الهدي عن المحصر و المصدود غير السائق كقول المرتضى، أو سقوط قضاء الحج لمتمتع فاته الموقفان كقول الشيخ في التهذيب لرواية ضريس بن عبد الملك الصحيحة(4)» و قال في الثاني: «قول المصنف: و فائدة الاشتراط إلى آخره،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2 عن ضريس بن أعين كما في التهذيب ج 5 ص 296- الرقم 1001 و هو الصحيح كما يشهد لذلك نقل الحديث عنه فيما يأتي في ص 266.

ج 18، ص: 266

جواب عن سؤال مقدر يرد على عدم سقوط الهدي عن المشترط، صورته أنه حينئذ لا فرق بين المشترط و غيره في وجوب الهدي إذا أحصر، فلا

فائدة للشرط حينئذ، و جوابه ان فائدته كون التحليل مستحقا بالأصالة بعد إن كان رخصة، و من فوائده انه عبادة فيترتب عليه الثواب» و الجميع كما ترى، فإن العبارة كادت تكون صريحة، خصوصا بملاحظة كلامه في النافع في ان الفائدة تعجيل التحليل بخلاف غير المشترط الذي يجب عليه الانتظار حتى يبلغ الهدي محله، بل لعل ذلك هو مراد كل من عبر بأنه يتحلل مع الشرط كما عن المبسوط و الخلاف و المهذب و غيرها، ضرورة ثبوت أصل التحليل للمحصور من غير شرط، فليس المراد إلا تعجيله.

ثم لا يخفى عليك أن ما ذكره الشهيد في الدروس أخيرا هو الرابع من الأقوال في الفائدة، و قد ذكره الشيخ في موضع من التهذيب مستدلا عليه ب

صحيح ضريس بن أعين (1)«سألت أبا عبد اللَّه ( (عليه السلام) عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حين يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة و يحلق رأسه و ينصرف إلى اهله إن شاء، قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه، فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من قابل»

و هو مع احتمال كون القائل ضريسا لا الامام (عليه السلام) يشكل بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في القابل بمجرد الاشتراط بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في محكي المنتهى، قال: الاشتراط لا يفيد سقوط

الحج في القابل لو فاته، و لا نعلم فيه خلافا بل و لا إشكالا كما سيذكره المصنف، و إن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، فالوجه إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.

ج 18، ص: 267

شدة الندب فيه لمن ترك الاشتراط، كل ذلك مضافا إلى ما فيه من المشقة بناء على ما قيل من كون المراد منه البقاء على إحرامه إلى قابل ليحج به، و إن كان فيه منع واضح.

و الخامس ما في المسالك فإنه بعد ان ذكر الفوائد المزبورة عدا ما سمعته من الفخر قال: «و كل واحدة من هذه الفوائد مما لا تأتي على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط، أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق، إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط، و أما تعجيل التحليل فمخصوص بالمحصر دون المصدود، و أما كلام التهذيب فمخصوص بالمتمتع، و ظاهر أن ثبوت التحليل بالأصل و العارض لا مدخل له في شي ء من الأحكام، و استحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج و من الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه من النصوص المصرحة بفائدة الشرط و الفتاوى و غيرهما، على أنه موافق لكثير من العامة الذين جعل اللَّه الرشد في خلافهم، كطاوس و سعيد بن جبير و الزهري و مالك، بل ابن عمر منهم كان ينكر ذلك، و يقول: حسبكم سنة نبيكم، و لأنه عبادة واجبة بأصل الشرع لا يفيد الاشتراط فيها كالصوم و الصلاة، و هو كما ترى مجرد قياس و افتراء على النبي (صلى اللَّه عليه و آله)، فالتحقيق ما عرفت.

و ربما احتمل أو قيل كون الفائدة التحلل من كل شي ء حتى النساء كما سمعته في صحيح البزنطي (1)بل ربما احتمل إرادة الفاضل و من عبر كعبارته ذلك أيضا و لكن يدفعه

صحيح معاوية بن عمار(2)المتقدم في حديث حصر الحسين (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحصار و الصد- الحديث 3.

ج 18، ص: 268

سأل الصادق (عليه السلام) «أ رأيت حين بري ء من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، قال: فما بال النبي (صلى اللَّه عليه و آله) حين رجع إلى المدينة حل له النساء و لم يطف؟ فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي (صلى اللَّه عليه و آله) كان مصدودا و الحسين (عليه السلام) كان محصورا»

و يمكن قطع النظر فيه عن الشرط و كون السؤال عن المحصور إذا أحل هل يحل له النساء كالمصدود، كما يمكن بعيدا تقييد خبر البزنطي بما إذا طيف عنه، و تسمع تحقيق الحال فيه في محله إن شاء اللَّه، هذا.

و في الإيضاح حكاية قول سادس أو سابع، و هو أن فائدته سقوط الهدي عن المصدود و جواز

تحلل المحصور، أما الأول فلأنه يجوز له التحلل شرط أو لم يشترط لخبري زرارة(1)و حمزة بن حمران (2)و لا يراد فيهما المحصور للآية، فلو لم يسقط الهدي لم يكن له فائدة، و أما الثاني فلما

روي (3)«ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) دخل على ضباعة بنت الزبير، فقال لها: لعلك أردت الحج فقالت: و اللَّه ما أجد في إلا وجعة، فقال لها: حجي و اشترطي و قولي: اللهم تحلني حيث حبستني»

و في رواية(4)«قولي: لبيك اللهم لبيك، و تحلني من الأرض حيث حبستني، فإن لك على ربك ما استثنيت، و لكن انما يتحلل بهدي يبعثه و يتوقع بلوغه المحل للآية، و إن لم يشترط لم يحل حتى يدرك الحج أو العمرة»

و فيه- مضافا إلى عدم معرفة القائل بذلك، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه- ان الآية مطلقة لم تقيد بالاشتراط، بل لعلها ظاهرة في صورة عدم الشرط، و سقوط التربص


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 سنن البيهقي ج 5 ص 221.
4- 4 كنز العمال ج 3 ص 19 الرقم 425.

ج 18، ص: 269

فائدة و لا بأس بانتفاء الفائدة في الصد، هذا.

و في المدارك بعد نقل الأقوال قال: «و الذي يقتضيه النظر أن فائدته سقوط التربص عن المحصر كما يستفاد من

قوله (عليه السلام): «و حلي حيث حبستني»

و سقوط الهدي عن المصدود لما ذكرناه من الأدلة، مضافا إلى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط كما سنبينه في محله إن شاء اللَّه، بل لا يبعد سقوط الهدي مع الحصر أيضا كما ذهب اليه المرتضى و ابن إدريس (رحمهما اللَّه) و لا ينافي ذلك

قوله (عليه السلام) في حسنة زرارة(1): «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط»

لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين، و نحن نقول به، و لا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط، و لزومه بدونه» و تبعه على ذلك بعض من تأخر عنه، و لا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا مواضع النظر فيه، و ما ندري الأدلة التي ذكرها على سقوط الهدي في المصدود.

و التحقيق عدم سقوط الهدي مطلقا سيما القارن لما عرفت، و سقوط التربص في المحصور مع الشرط، و المصدود مطلقا، أما في الأول فلما سمعته من النصوص و أما في المصدود فللاتفاق في المسالك على جواز التعجيل له من غير شرط، و لا يضر عدم الفائدة للشرط فيه بعد الاتفاق المزبور، كما لا يضر أيضا في القارن و إن لم يعجل، و بذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن ابن إدريس الذي قد كفانا مئونته الفاضل في المختلف حيث قال: «و أما ابن إدريس فلم يزد في الاستدلال على ما قاله السيد إلا تعجبه من الشيخ و استطراف كلامه في الخلاف، و توهم لجهله بالأحكام مناقضة الشيخ

نفسه في مسألتين متتاليتين، فقال: إن الشيخ قال: مسألة يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 270

للمحرم ان يشترط و يكون ذلك صحيحا، و يجوز أن يتحلل إذا عرض له عارض إلى أن قال: و قال بعض الشافعية: لا تأثير لهذا الشرط، و وجوده كالعدم، إلى آخره، ثم قال: مسألة إذا شرط على ربه في حال الإحرام ثم حصل الشرط و أراد التحلل فلا بد من نية التحلل و الهدي، و للشافعي قولان، دليلنا عموم الآية و الاحتياط، قال ابن إدريس: الشيخ يناظر و يخاصم في المسألة الأولى، من قال: إن الشرط لا تأثير له و وجوده كعدمه، و أنه لا يفيد شيئا، ثم يستدل على صحته و تأثيره، و في الثانية يذهب إلى ان وجوده كعدمه، و لا بد من الهدي و ان اشترط، و يستدل بعموم الآية، و هذا عجب طريف فيه ما فيه، أقول: أي عجب فيما ذكره الشيخ، و اي استطراف فيه، و لعله توهم ان الشيخ حيث أوجب الهدي جعل وجود الشرط كعدمه، و لم يتفطن ان التحلل انما يجوز مع الاشتراط، و انه لولاه لم يجز التحلل، و هل هذا إلا جهل منه و قلة تأمل لفتاوى الفقهاء، و عدم مزيد لتحصيل مقاصدهم» قلت: هو كذلك مع فرض ان مراد الشيخ بالتحليل التعجيل لا أصله.

ثم إن الشرط انما يصح و تترتب عليه الفائدة التي ذكرناها إذا كان على وفق ما يثبت شرعا، مثل ان يقول: حيث حبستني أو إن عرض لي شي ء أو نحو ذلك مما جاء في النصوص، نعم الظاهر صحته أيضا مع ذكر التفصيل، كما لو قال:

إن مرضت أو منعني عدو أو قلت نفقتي أو ضاق الوقت أو نحو ذلك كما صرح به الفاضل و غيره، و لا ينافي ذلك ذكر المحصور في كلامهم، لإمكان إرادة الأعم من المريض، قال في الصحاح: كل من امتنع عن شي ء فلم يقدر عليه فقد حصر عنه و لهذا قيل حصر في القراءة و حصر عن اهله ثم حكى عن أبي عمير الشيباني ان حصرني الشي ء و أحصرني أي حبسني، أو ان المراد من الشرط المشروع الأعم

ج 18، ص: 271

من الحصر بمعنى المرض، و قد سمعت ما في صحيح ضريس بن أعين (1)المشتمل على ضيق الوقت، فلاحظ، أو ان المراد من مشروعية الشرط مطلق المانع الشامل للمرض و غيره، نعم يختص المصدود بعدم الفرق فيه بين الشرط و غيره، و يمكن إرادة الأصحاب من الحصر المثال.

و على كل حال فلا يصح اشتراط حلني حيث شئت بعد عدم مشروعيته، فلا تترتب عليه الفائدة المزبورة، و لعل من ذلك اشتراط التحلل بحدوث العذر اي من غير نية للتحلل و لا هدي، و ذلك لأن الإحلال بغير إتمام لما أحرم له و سقوط الدم خلاف الأصل و لو بالشرط، فيقتصر فيه على محل النص و الإجماع، و المتيقن

منهما الإحلال بالنية و الهدي على حسب ما عرفت، و اللَّه العالم.

[المسألة الخامسة إذا تحلل المحصور أو المصدود لا يسقط عنه الحج ]

المسألة الخامسة إذا تحلل المحصور أو المصدود لا يسقط عنه الحج في القابل إن كان واجبا مستقرا في ذمته، أو بقيت استطاعته، و كذا العمرة بلا خلاف معتد به كما سمعته من المنتهى و لا إشكال، للأصل و العمومات و خبر المشيخة الذي قد سمعته سابقا نعم يسقط إن كان ندبا شرط أو لم يشترط، إذ هو ليس من الفاسد الذي يوجب الحج من قابل، فيبقى حينئذ على حكم الندب الذي مقتضى الأصل عدم وجوبه، بل لعل التعبير بالسقوط باعتبار ما يقال إنه يجب المضي بالنسك إذا أحرم به، مضافا إلى ما سمعته من الخبر المروي عن كتاب المشيخة، و عموم صحيح ذريح المحاربي (2)نعم يبقى البحث في حرمة النساء على المحصور إلى ان يطاف عنه مطلقا أو إلا مع الشرط، و يأتي البحث فيه إن شاء اللَّه.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الوقوف بالمشعر- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 272

هذا كله في كيفيته الواجبة و أحكامه

[تتمة النظر فى كيفية الإحرام ]
[أما المندوبات ]

و أما المندوبات ف رفع الصوت بالتلبية للرجال كما هو المشهور، بل في كشف اللثام الإجماع في الظاهر و لعله كذلك، إذ ما في

التهذيب من انه واجب مع القدرة و الإمكان محمول على شدة الندب، خصوصا بعد قوله في محكي الخلاف لم أجد من ذكره فرضا، لكن عن المصباح و مختصره و في أصحابنا من قال: الإجهار فرض إلا انا لم نتحققه و إن مال اليه بعض متأخري المتأخرين، للأمر به في النصوص (1)المحمول على الندب بقرينة الشهرة و غيرها، و خصوصا في

صحيح عمر بن يزيد(2)«و اجهر بها كلما ركبت و كلما نزلت و كلما هبطت واديا أو علوت اكمة أو لقيت راكبا و بالأسحار»

و إلا وجب تكريرها في كل ذلك، و هو مقطوع بعدمه، و في

مرفوع حريز(3)عن الصادقين (عليهما السلام) «لما أحرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال له: مر أصحابك بالعج و الثج، و العج رفع الصوت بالتلبية، و الثج نحر البدن»

قال: و

قال جابر بن عبد اللَّه: «ما بلغنا الروحاء حتى بحت أصواتنا»

إلى غير ذلك من النصوص المشتملة على الأمر به المحمول عليه على ما عرفت، نعم في

خبر أبي عبد اللَّه (عليه السلام)(4)«و ليس على النساء جهر بالتلبية»

و في مرسل فضالة(5)عنه (عليه السلام) أيضا «أن اللَّه تعالى وضع عن النساء أربعا: الجهر بالتلبية، و السعي بين الصفا و المروة، و دخول الكعبة، و استلام الحجر»

و من هنا خصه المصنف بالرجال، مضافا إلى مناسبته للستر.


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 38- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 273

و يستحب تكرارها خصوصا عند نومه و استيقاظه و عند علو الآكام و نزول الأهضام و بعد كل صلاة و بالأسحار و ملاقاة راكب، لأنها شعار المحرم، و إجابة لندائه تعالى، و ذكر و تذكير للآخرة، و في

مرسل ابن فضال (1)«من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا أشهد اللَّه تعالى له ألف ألف ملك ببراءة من النار، و براءة من النفاق»

و في مرسل الصدوق (2)«ما من محرم يضحى ملبيا حتى تزول الشمس إلا غابت ذنوبه معها»

و للتأسي، قال جابر بن عبد اللَّه: ما سمعته سابقا، و قد سمعت صحيح عمر بن يزيد(3)و في

صحيح ابن سنان (4)عنه (عليه السلام) أيضا «كان (صلى اللَّه عليه و آله) يلبي كلما لقي راكبا أو علا اكمة أو هبط واديا و في آخر الليل و في أدبار الصلوات»

و في صحيح معاوية بن عمار(5)«تقول هذا في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بعيرك، و إذا علوت شرفا أو هبطت واديا، أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار، و أكثر ما استطعت»

إلى غير ذلك من النصوص، بل عن المنتهى و التذكرة استحباب ذلك بإجماع العلماء إلا مالكا، فلا يستحبه عند اصطدام الرفاق، نعم لم نجد فيما وصل إلينا من النصوص خصوص النوم كما اعترف به في المدارك، بل في كشف اللثام لم أر لمن قبل الفاضلين التعرض للنوم، و يمكن ان يكون وجهه ما يظهر من النصوص من استحباب تكريرها عند كل حادث كالنوم و الاستيقاظ و ملاقاة غيره، و لعله لذا عبر به الفاضل في القواعد، و جعل الأحوال المزبورة مثالا، و إن قال في كشف اللثام لم أره لمن قبله، بل لعل من


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 274

ذلك أيضا ما عن المقنعة و المقنع و المراسم و الفقيه من استحبابها أيضا عند صعود الدابة و النزول منها، أو لصحيح عمر بن يزيد السابق، خصوصا بعد التسامح في أدلة

السنن، و خصوصا مثل هذه السنة التي هي ذكر في نفسها، و اللَّه العالم.

و كيف كان فان كان حاجا مفردا أو قارنا استمر على تكرارها الى يوم عرفة عند الزوال ل

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس»

و صحيح عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا زاغت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية»

و نحوه صحيح معاوية بن عمار(3)عنه (عليه السلام) أيضا، و ظاهرها الوجوب كما عن نص الخلاف و الوسيلة، و حكي عن علي بن بابويه و الشيخ، و استحسنه بعض لظاهر الأمر، و لا ريب في أنه أحوط.

و إن كان معتمرا بمتعة فإذا شاهد بيوت مكة كما صرح به غير واحد بل قيل إنه مقطوع به في كلام الأصحاب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (4): «المتمتع إذا نظر إلى بيوت مكة قطع التلبية»

و في حسن معاوية(5)«إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم

يكن، فاقطع التلبية، و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللَّه عز و جل ما استطعت»

و قولهما (عليهما السلام) في خبر سدير(6): «إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية»

الى غير ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب إحرام الحج- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 44- من أبواب الإحرام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 5.

ج 18، ص: 275

من النصوص التي ظاهرها الوجوب، بل عن الخلاف الإجماع عليه، و لا بأس به، لكن في

خبر زرارة(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته متى يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح»

و هو مع ضعفه يمكن حمله على إرادة الأشراف، كما انه يمكن حمل

ضعيف زيد الشحام (2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم»

على إرادة الجواز كما عن الفقيه و الاستبصار على معنى عدم تأكد استحباب فعلها قبل (بعد ظ) دخوله، و

قال أبان بن تغلب (3)في الحسن: «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في ناحية من المسجد و قوم يلبون حول الكعبة فقال: أ ترى هؤلاء

الذين يلبون و اللَّه لأصواتهم أبغض إلى اللَّه من أصوات الحمير»

و لعله لأنهم كانوا من العامة الذين لا حج لهم.

انما الكلام فيما سمعته في ذيل حسن معاوية بن عمار من أن حد بيوت مكة قبل اليوم عقبة المدنيين، و في

خبر الفضيل بن يسار(4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة المدنيين، قلت: فأين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصارين»

و في

خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين (5)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عمن أحرم من حوالي مكة من الجعرانة و الشجرة من اين يقطع التلبية قال: يقطع التلبية عند عروش مكة، و عروش مكة ذو طوى»

و يحتمل غير عمرة التمتع، بل لعله ظاهر في ذلك، و في

صحيح البزنطي (6)عن الرضا (عليه السلام) «أنه سئل عن المتمتع متى يقطع


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 43- من أبواب الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 276

التلبية؟ قال: إذا نظر إلى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة قال:

نعم»

و لعله لذا قال في الدروس: «و حدها عقبة المدنيين و عقبة ذي طوى» و نحوه في اللمعة و شرحها، و لكن قيد الأول بما إذا دخلها من أعلاها، و الثاني بما إذا دخلها من أسفلها، و عن السيد و الشيخ الجمع بينهما بأن الأول لمن أتى على طريق المدينة، و الثاني لمن اتى على طريق العراق، و تبعهما الحلي و الديلمي، و عن الصدوقين و المفيد تخصيص الثاني بمن اتى على طريق المدينة، و عن ابن أبي عقيل «و حد بيوت مكة عقبة المدنيين و الأبطح» و في المختلف بعد ان حكي عن الجميع ما عرفت قال: «و لم نقف لأحدهم على دليل» و عن الغنية و المهذب «حد بيوت مكة من عقبة المدنيين إلى عقبة ذي طوى» و عن المصباح المنير «و ذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم، و يعرف الآن بالزاهر» و نحو منه عن تهذيب الأسماء، إلا انه قال: «موضع بأسفل مكة» و لم يحدد ما بينهما بفرسخ أو غيره.

قلت: لا يخفى عليك كون الأحوط قطعها في جميع ما هو مظنة ذلك أو محاذ له مع فرض عدم معلوميته في هذه الأزمنة بالخصوص باعتبار كون التكرار مستحبا، و القطع واجبا، و إن كان المتجه عدم وجوب القطع إلى حصول اليقين على ان عقبة المدنيين معروفة في هذا الزمان على ما جزم به بعض المترددين على طريق المدينة، بل ذكر أن القطع به من شعار الشيعة يعرفه المخالف منهم، فلا بأس بالعمل حينئذ بما تضمنه من النصوص المعتبرة، و أما وادي طوى فالظاهر انه على غير الطريق المعروف في المدينة، و لذا ذكر الشهيدان و السيد ما سمعت، و يمكن ان يكون ما وقع من المفيد و الصدوقين بطريق آخر من المدينة غير المتعارف، و على كل حال فالأمر في ذلك هين، هذا. و قد سمعت من النص ما يدل

ج 18، ص: 277

على الإكثار من التكبير و التحميد و التهليل و الثناء بعد قطع التلبية كما نص عليه بعضهم.

هذا كله في عمرة التمتع فان كان بعمرة مفردة قيل و القائل الصدوق و تبعه المصنف في النافع كان مخيرا في قطع التلبية عند دخول الحرم أو مشاهدة الكعبة جمعا بين ما سمعته- من خبر الفضيل (1)بناء على أنه في العمرة المفردة و

خبر يونس بن يعقوب (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال: إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية»

و مرسل المفيد(3)«انه سئل عن الملبي بالعمرة المفردة بعد فراقه من الحج متى يقطع التلبية؟ قال: إذا رأى البيت»

و المرسل (4)في الكافي «روي انه يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكة»

و خبر ابن أبي نصر(5)المروي عن قرب الاسناد «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من اين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن (عليه السلام) يقول: يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة»

- و بين

صحيح عمر بن يزيد(6)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم»

و خبر معاوية بن عمار(7)عنه (عليه السلام) أيضا «و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم»

و مرسل زرارة(8)عن أبي جعفر (عليه السلام) «تقطع تلبية المعتمر إذا دخل الحرم»

و حسن مرازم (9)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم».


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 12.
6- 6 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 5 عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام.
9- 9 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 278

و قيل و القائل المشهور على ما في كشف اللثام إن كان ممن خرج من مكة للإحرام فإذا شاهد الكعبة، و إن كان ممن أحرم من خارج فإذا دخل الحرم تنزيلا للنصوص المزبورة على ذلك، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر معاوية بن عمار(1): «من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر إلى المسجد»

و في

صحيح عمر بن يزيد(2)«من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة»

و من هنا أنكر الشيخ على الصدوق القول بالتخيير الذي من شرطه التنافي، و الفرض عدمه، فان ما تضمن قطعها عند عقبة المدنيين محمول على من جاء من طريق المدينة، و ما تضمن قطعها عند ذي طوى محمول على من جاء من طريق العراق، و ما تضمن قطعها عند النظر إلى الكعبة محمول على من خرج من مكة، و فيه مع انه خلاف المشهور أيضا يمكن ان يكون مراد الصدوق ما ذكره المصنف بقوله و الكل جائز عملا بجميع النصوص و إن اختلفت أفرادها، و لا بأس به بناء على عدم وجوب القطع، أما عليه فلا ريب في ان الأولى مراعاة الاحتياط.

و يستحب له أيضا أن يرفع صوته بالتلبية إذا حج على طريق المدينة إذا علت راحلته البيداء، و إن كان راجلا فحيث يحرم لما عرفته من ان ذلك أولى الوجوه المذكورة في الجمع بينها كما سمعت الكلام فيه مفصلا، فلاحظ و تأمل.

و يستحب التلفظ بما يعزم عليه من حج مفرد أو تمتع أو عمرة مفردة أو متمتع بها، فيقول: لبيك بعمرة أو بحج أو بعمرة إلى الحج أو بحج متعة أو عمرة متعة أو بحج و

عمرة كما صرح به غير واحد، للأمر به في النصوص السابقة


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الإحرام- الحديث 8.

ج 18، ص: 279

منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1)«تقول: لبيك بمتعة بعمرة إلى الحج»

و في

صحيح عمر بن يزيد(2)«تقول: لبيك بحجة تمامها عليك»

و منها ما سمعته من

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(3): «لبيك بحجة و عمرة»

و سأله (عليه السلام) يعقوب بن شعيب (4)في الصحيح [16466] «كيف ترى أن أهل؟ فقال: إن شئت سميت، و إن شئت لم تسم شيئا فقال: كيف تصنع؟

قال: أجمعهما فأقول: لبيك بحجة و عمرة معا»

الى غير ذلك من النصوص التي يستفاد من الأخير و نحوه منها عدم وجوب ذلك، مضافا إلى الأصل و إن كان قد يوهمه المحكي عن عبارة المصباح و مختصره بل و الاقتصاد إلا أنه في غير محله، كما ان ما عن الحلبيين و الفاضل من النهي عن الإهلال بهما لعدم تعلق الإحرام

بهما معا يشبه أن يكون من الاجتهاد في مقابلة النص، خصوصا بعد معلومية كون المراد التمتع بالعمرة إلى الحج، و إن اختلفت العبارات في تأديته كما أشرنا الى ذلك سابقا، بل و أشرنا سابقا إلى أولوية الإضمار و الاسرار بذلك عند التقية، بل قد يجب كما أومأت اليه النصوص (5)و صرح به الأصحاب، بل هو مقتضي عمومات التقية أيضا، لكن من المعلوم ان ذلك من حيث الجهر بها كذلك لا أصل قول ذلك على وجه لا يسمعه المخالف، و الأمر في ذلك سهل، هذا.

و ربما يستفاد من العبارة و نحوها استحباب التلفظ بها في غير التلبية كما


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الإحرام- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 5 و 6 و الباب 21 منها- الحديث 4.

ج 18، ص: 280

يومي اليه ما في بعض

النصوص (1)أيضا من الأمر بقول: «اللهم اني أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك (صلى اللَّه عليه و آله) فأقبلها»

و اللَّه العالم.

و يستحب أيضا اشترط أن يحله حيث حبسه سواء أحرم بعمرة مفردة أو تمتع أو غيرهما و في خصوص الحج يقول إن لم تكن حجة فعمرة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، نعم أنكره جماعة من العامة، بل لعل كثرة ذكره في النصوص المعتبرة للإشارة إلى خلافهم، منها

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل بن يسار(2): «المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربه ان يحله حيث حبسه، و مفرد الحج يشترط على ربه إن لم تكن حجة فعمرة»

و في

صحيح ابن سنان (3)«إذا أردت الإحرام بالتمتع فقل:

اللهم اني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فيسر ذلك و تقبله و أعني عليه، و حلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت علي»

و في

صحيح ابن عمار(4)«تقول: اللهم إني أسألك- إلى قوله-: فان عرض لي شي ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي اللهم ان لم تكن حجة فعمرة»

إلى غير ذلك من النصوص التي تقدم جملة منها، و ظاهرها كون الشرط في خلال النية على وجه يكون انعقاد الإحرام على ذلك، و يمكن الاكتفاء بذكره في التلبيات، و في حاشية الكركي المفهوم من الأخبار ان موقع الاشتراط قبيل النية، لأنه مذكور


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الإحرام- الحديث 2 و ليس فيه« فأقبلها».
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 281

في الدعاء الذي يستحب عند إرادة الإحرام، و في بعض الاخبار(1)ما يدل على ذكره في التلبية، و ليس من طرقنا، و يمكن ذكره في خلال النية، كما في الشرط في الاعتكاف المندوب، و الظاهر إجزاء الجميع، فإن التلبية هي التي يعقد بها الإحرام و هو جيد إلا ما ذكره أولا من كون المفهوم، الى آخره، ضرورة كون ذلك من النية لا أنه دعاء خارج عنها، و إلا فلو فرض خروجه و الفصل بينه و بين النية أشكل الاكتفاء به للأصل و غيره، فان المتيقن من النص و الفتوى كون الشرط في الإحرام، بمعنى انه في خلال نيته أو خلال عاقده لا قبله، اللهم إلا ان يراد بالنية على حسب ما ذكر، و ربما كان المراد من قوله قبيل النية ما يصدق معه الاتصال عرفا، و كونه شرطا في الإحرام، و لو نوى الاشتراط و لم يتلفظ به فالظاهر عدم الاعتداد به، لعدم صدقه عليه، و كونه خلاف المأثور، مضافا إلى أصالة عدم ترتب ما سمعته من الفائدة إلا على الشرط المذكور لفظا، ضرورة كون الأصل عدم التحليل من الإحرام إلا بإتمام فعل ما أحرم به، و احتمال كونه تابعا للإحرام و هو ينعقد بالنية فتكفي هي حينئذ في اشتراطه كما ترى، خصوصا بعد ما سمعت انعقاده بالتلبية دونها.

و يستحب أيضا أن يحرم في الثياب القطن بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعض الأفاضل إلى قطع الأصحاب، و كفى بذلك حجة لمثله، مضافا إلى التأسي به (صلى اللَّه عليه و آله)، لما عرفت من

انه أحرم (صلى اللَّه عليه و آله) في ثوبي كرسف (2)و قد سمعت

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن عمار(3): «كان ثوبا رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) اللذان أحرم فيهما يمانيين، عبري و أظفار، و بهما كفن»

بل قيل و إلى


1- 1 كنز العمال ج 3 ص 19 الرقم 425.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 282

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «البس القطن فإنه لباس رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و هو لباسنا»

و في

خبر أبي بصير و ابن مسلم (2)المروي عن خصال الصدوق «البسوا ثياب القطن فإنها لباس رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، و هو لباسنا، و لم يكن يلبس الشعر و الصوف إلا من علة».

و أفضلها البيض التي تظافرت الأخبار(3)بالأمر بلبسها، و كونها خير الثياب و أحسنها و أطيبها و أطهرها، و لكن فيه أيضا الإشكال السابق لولا ما في

خبر الدعائم (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «يتجرد المحرم في ثوبين نقيين أبيضين، فان

لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو طيب، و كذلك المحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ».

و يستحب له أيضا إذا أحرم بالحج من مكة رفع صوته بالتلبية إذا أشرف على الأبطح كما صرح به غير واحد من المتقدمين و المتأخرين، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار(5): «إذا كان يوم التروية إن شاء اللَّه فاغتسل ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب أحكام الملابس- الحديث 4 من كتاب الصلاة و الخصال ج 2 ص 157 الطبع القديم.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب أحكام الملابس من كتاب الصلاة.
4- 4 ذكر صدره في المستدرك في الباب 29 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و ذيله في الباب 31 منها الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 283

و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة. ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، فأحرم بالحج ثم امض و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب، فإذا انتهيت إلى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية»

الذي يمكن ان يرجع اليه

قوله (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي و عبد الرحمن بن الحجاج و معاوية بن عمار و حفص بن البختري جميعا(1): «إن أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت فلب خلف

المقام، و أفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء، و تلبي قبل أن تصير إلى الأبطح»

و عبر في محكي الهداية بمضمون الصحيح الأول، و أورد عليه في الرياض بأنه مناف لما ذكره من اعتبار مقارنة التلبية للنية، إذ الخبر صريح في خلافها، إلا ان يكون لم يعتبرها هنا و ان اعتبرها ثمة، كما هو ظاهر المحكي عن السرائر و المنتهى و التذكرة حيث أنهم عبروا عن المستحب هنا في إحرام الحج بما حكي عن المبسوط و النهاية و الجامع و الوسيلة من انه إن كان ماشيا لبى من موضعه الذي صلى فيه، و إن كان راكبا لبى إذا نهض به بعيره، فإذا انتهى إلى الردم و أشرف على الأبطح رفع صوته بالتلبية، و حينئذ فينبغي القطع بعدم اعتبارها هنا، خلافا لشيخنا في المسالك حيث قال: «و الكلام في التلبية التي يعقد بها الإحرام كما مر فيلبي سرا بعد النية و يؤخر الجهر إلى الأبطح» قلت: لا ينبغي التأمل في اتحاد مسألة المقارنة في المقام و غيره، ضرورة اتحاد كيفية عقد الإحرام في الجميع، و قد عرفت بناء على أنها الداعي ان لا دلالة في شي ء من هذه النصوص بل و لا الفتاوى على عدم اعتبارها لحصوله عند إرادة عقد الإحرام بها، كما انك قد عرفت هناك عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 284

تأخير تلبية العقد عن الميقات الذي لا يجوز تجاوزه غير محرم، و لكن ذلك لا يقتضي المقارنة على نحو مقارنة نية الصلاة لتكبيرها، و لا صراحة في الخبر المزبور بتأخير تلبية العقد، إذ يمكن استحباب تلبية اخرى سرا عند الرقطاء، و الجهر بها عند الاشراف على الأبطح، بل مقتضي قوله: «فأحرم بالحج» الى آخره الأمر بعقد الإحرام و لو بتلبيته سرا، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على ان الرقطاء خارجة عن مكة، فإنه قيل قد فتشنا تواريخ مكة فلم نجد الرقطاء اسم موضع منها نعم بناء على ان الرقطاء اسم موضع بمكة جاز تأخير التلبية للعقد إليها، لأنها من الميقات حينئذ، و الفرض عدم اعتبار المقارنة نحو تكبيرة الإحرام، بل المراد عدم الخروج عن الميقات قبل وقوعها.

و بذلك و مما تقدم سابقا ظهر لك ان الأمر هنا نحو ما سمعته هناك، و عن شرح القاضي للجمل إذا أحرم بالحج يوم التروية فلا يلبي بعد عقد إحرامه حتى ينتهي إلى الردم، و هو ظاهر في أنها تلبية أخرى بعد عقد الإحرام، و لعل ذلك هو مراد الكتب السابقة أيضا، بل في كشف اللثام إضافة التحرير إليها و روض الجنان، قال: إلا انه زاد قوله: و يسر بالتلبيات الأربع المفروضة قائما أو قاعدا على باب المسجد أو خارجه مستقبل الحجر الأسود، و هذه الزيادة صريحة أو ظاهرة فيما قلناه.

و كيف كان فعن التهذيب و الاستبصار الماشي يلبي من الموضع الذي يصلي فيه، و الراكب يلبي عند الرقطاء أو عند شعب الدب، و لا يجهران بالتلبية إلا عند الاشراف على الأبطح جامعا به بين

خبري زرارة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) متى تلبي بالحج؟ قال: إذا خرجت إلى منى- ثم قال-: إذا جعلت


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 285

شعب الدب عن يمينك و العقبة عن يسارك»

و أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت»

مستشهدا لهذا الجمع ب

خبر عمر بن يزيد(2)عنه (عليه السلام) «فان كنت ماشيا فلب عند المقام و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك»

قيل و نحوهما المصباح و مختصره، لكن ليس فيهما شعب الدب، و فيه ما لا يخفى في الشاهد و المشهود عليه، كما انه لا يخفي عليك ظهور خبر أبي بصير فيما قلناه، بناء على كون المراد حين الإحرام فيه، و عن الكافي «ثم يلبي مستسرا، فإذا نهض به بعيره أعلن بالتلبية، و إن كان ماشيا فليجهر بها من عند الحجر الأسود» و في المقنعة بعد الدعاء و لفظ النية «ثم ليلب حتى ينهض به بعيره و يستوي به قائما، و إن كان ماشيا فليلب من عند الحجر الأسود، و يقول: لبيك لبيك بحجة تمامها عليك، و يقول و هو متوجه إلى منى:

اللهم إياك أرجو، و إياك أدعو، فبلغني أملي و أصلح لي عملي، فإذا انتهى الى الرقطاء دون الردم و أشرف على الأبطح فليرفع صوته بالتلبية حتى يأتي منى» و هو صريح في أنها غير التلبيات الأربع، كما أن ما قبله وجه آخر للجمع بين النصوص، إلا ان ذلك كله ظاهر في غير تلبية العقد كما لا يخفى على المتأمل، و لا ريب في ان الأحوط مقارنة التلبية للنية في المسجد، بل إن لم يقارن بها فلا يؤخرها إلى الرقطاء، لاحتمال خروجها عن الميقات، هذا، و الردم موضع بمكة يرى من الكعبة كما عن تهذيب الأسماء، و مضاف إلى بني جمح، و هو لبني فزارة كما عن القاموس، و قيل انه مكان قد يدعو به الجائي من الأبطح قبل الوصول إلى الكعبة تشريفا لها، و كانت فيه عمارة فردمت و صارت تلا، و اللَّه العالم.

[فيما يلحق بذلك متروكات الإحرام و هي إما محرمات أو مكروهات ]
اشاره

و كيف كان ف يلحق بذلك تروك أي متروكات الإحرام


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 286

و هي إما محرمات أو مكروهات،

[فالمحرمات ]
اشاره

فالمحرمات عند المصنف هنا عشرون شيئا و في الدروس ثلاثة و عشرون، و في الإرشاد ثمانية عشر، و في النافع و التبصرة أربعة عشر، و لكل وجه تعرفه إن شاء اللَّه

[منها مصيد البر]

مصيد البر كما في بعض النسخ، منها نسخة ثاني الشهيدين، و في أخرى «صيد» بمعنى المصيد لقوله اصطيادا و أكلا و لو صاده محل، و إشارة و دلالة لصائده المحل و المحرم و إن ضمناه معا في الثاني على ما في المسالك، بخلاف العكس فإنه يضمنه المحرم و إن دله عليه المحل لكنه يأثم، بناء على انه من الإعانة على الإثم، و على كل حال لا يجوز الدلالة بل مطلق الإعانة و لو بإعارة السلاح أو مناولته، بل في المنتهى نسبة تحريمها الى العلماء و إغلاقا عليه حتى يموت أو يصيده غيره و ذبحا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم و إن كان المحكي عن الثوري و إسحاق الخلاف في الثاني، و عن الشافعي و أبي حنيفة الخلاف في أكل ما صاده المحل و ذبحه من دون أمر و لا دلالة و لا إعانة، إلا ان خلاف مثل هؤلاء غير قادح، و حينئذ فهو الحجة بعد قوله تعالى (1)«لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ» و قوله (2)«حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» الدال على حرمة اصطياده و أكله، بل يمكن إرادة مطلق المدخلية في صيده و لو بمعونة ما سمعته من الإجماع، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(3): «لا تستحلن شيئا من الصيد و أنت حرام، و لا و أنت حلال في الحرم، و لا تدل عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر اليه فيستحل من أجلك، فإن فيه الفداء عن تعمده»

ضرورة كونه تعليلا شاملا لمطلق المدخلية


1- 1 سورة المائدة- الآية 96.
2- 2 سورة المائدة- الآية 97.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 287

في اصطياده، و في

صحيح منصور بن حازم (1)«المحرم لا يدل على الصيد، فان دل عليه فقتل فعليه الفداء»

و قال أيضا في خبر عمر بن يزيد(2): «و اجتنب في إحرامك صيد البر كله، و لا تأكل ما صاده غيرك، و لا تشر اليه فيصيده غيرك»

و في

صحيح معاوية بن عمار(3)«لا تأكل من الصيد و أنت حرام و ان كان اصابه محل، و ليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد، فان عليك الفداء فيه بجهل كان أو عمد»

و حسنه أو صحيحه الآخر(4)«ما وطأته أو وطأه بعيرك و أنت محرم فعليك فداؤه، و قال: اعلم انه ليس عليك فداء شي ء أتيته و أنت جاهل به و أنت محرم في حجك، و لا في عمرتك إلا الصيد، فان عليك فيه الفداء بجهالة كان أو تعمد»

و سأله (عليه السلام) الحلبي (5)«عن لحوم الوحش تهدي للرجل و هو محرم لم يعلم بصيده و لم يأمر به أ يأكله؟ قال: لا»

و سأل البزنطي (6)الرضا (عليه السلام) في الصحيح «عن المحرم يصيب الصيد بجهالة قال:

عليه كفارة، قلت: فإن أصابه خطأ قال: و أي شي ء الخطأ عندك؟ قلت:

يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى قال: نعم هذا الخطأ و عليه الكفارة، قلت:

فإن أخذ طيرا متعمدا فذبحه و هو محرم قال: عليه الكفارة، قلت: أ لست قلت إن الخطأ و الجهالة و العمد ليسوا سواء، فبأي شي ء ينفصل المتعمد عن الخاطي؟

قال: إنه أثم و لعب بدينه»

الى غير ذلك من النصوص التي يمكن دعوى القطع بمضمونها ان لم تكن متواترة اصطلاحا.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 31- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.

ج 18، ص: 288

نعم الظاهر اختصاص الحكم بما هو المنساق من النص و الفتوى من كون الإشارة و الدلالة مسببة للصيد، فلا تحرم دلالة من يرى الصيد بحيث لا يفيده ذلك شيئا و لا دلالة من لا يريد الصيد كما صرح به غير واحد، للأصل و غيره، بل قد يمنع كون مثله من الدلالة التي هي على ما قيل أعم من الإشارة باعتبار تحققها بالكتابة و غيرها، بخلاف الإشارة المختصة بأجزاء البدن، و إن كان لا يخلو من نظر، و لو ضحك أو تطلع اليه ففطن غيره فصاده فان تعمد ذلك للدلالة عليه أثم، و إلا فلا، للأصل في الأخير، بخلاف الأول الذي هو تسبيب فان المراد منه هنا مطلق المدخلية في اصطياده

أو إتلافه و لو على جهة الشرطية كما أومى إليه ب

قوله (عليه السلام): «و لا تشر اليه فيستحل من أجلك».

و كيف كان ف لو ذبحه أي المحرم كان ميتة حراما على المحل و المحرم كما صرح به الشيخ و الحلي و القاضي و يحيى بن سعيد و الفاضلان و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل هو المشهور شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف فيه بعض من عادته نقله و إن ضعف، بل في المنتهى و عن التذكرة الإجماع عليه، بل هو المراد أيضا مما في النهاية و المبسوط و التهذيب و الوسيلة و الجواهر على ما حكي عن بعضها أنه كالميتة، بل في الأخير الإجماع عليه أيضا، كل ذلك مضافا إلى

خبر وهب بن وهب (1)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) «إذا ذبح المحرم الصيد لم يأكله الحرام و الحلال، و هو كالميتة، و إذا ذبح الصيد في الحرم فهو ميتة، حلال ذبحه أو حرام»

و خبر إسحاق (2)عن جعفر (عليه السلام) أيضا «ان عليا (عليه السلام) كان يقول: إذا ذبح المحرم الصيد في غير الحرم فهو


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

ج 18، ص: 289

ميتة لا يأكله محل و لا محرم، و إذا ذبح المحل الصيد في جوف الحرم فهو ميتة لا يأكله محل و لا محرم»

المنجبرين بما عرفت المؤيدين بأخبار الأمر بدفنه، ك

مرسل ابن أبي عمير(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «قلت له: المحرم يصيب الصيد فيفديه أ يطعمه أو يطرحه؟ قال: إذا يكون عليه فداء آخر، قلت: فما يصنع به؟

قال: يدفنه»

و حسنة معاوية بن عمار(2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا أصاب المحرم الصيد في الحرم و هو محرم فإنه ينبغي له أن يدفنه و لا يأكله أحد، و إذا أصابه في الحل فان الحلال يأكله و عليه هو الفداء»

و بأن التذكية انما تتحقق بذكر اللَّه على ذبحه، و لا معنى لذكره على ما حرمه، فيكون لغوا، و بأخبار(3)تعارض الميتة و الصيد للمحرم المضطر، سيما ما رجح (4)منها الميتة على الصيد، و إن كان قد يناقش بإيماء الأول إلى جواز إطعامه و ان أوجب فداء آخر، و باشتمال الآخر على لفظ ينبغي المشعر بالندب و على التفصيل المنافي للمطلوب، و بأنه لا منافاة بين الذكر(5)و الحرمة كتذكية المغصوب، و بأن الأظهر ترجيح الصيد على الميتة، و ليس

إلا لعدم كونه ميتة، و إلا لكان العكس، ضرورة عدم الحرمة الصيدية فيه، بل في بعض النصوص (6)المرجحة له التعليل بأنه ماله، لأنه يعطيه فداءه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 8 و 11 و 12.
5- 5 في المخطوطة المبيضة« الذكاة» و لكن في المسودة« الذكر» و هو الصواب لأنه جواب عما تقدم من قوله: « لا معنى لذكره على ما حرمه».
6- 6 الوسائل- الباب- 43- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 5 و 6 و 7.

ج 18، ص: 290

بخلاف الميتة، و هو كالصريح في كونه مذكى، و إلا لم يكن مالا، و ستسمع إن شاء اللَّه زيادة تحقيق لذلك عند تعرض المصنف له، بل يأتي له تتمة إن شاء اللَّه في كتاب الأطعمة.

و على كل حال فلا دلالة فيها على المطلوب، فالعمدة ما عرفته أولا، لكن عن الفقيه و المقنع و المختصر الأحمدي «أنه إن ذبحه في الحل جاز للمحل أن يأكله» بل في الأول «أنه لا بأس أن يأكل المحل ما صاده المحرم، و على المحرم فداؤه» نحو المحكي عن المفيد و المرتضى أيضا، لكن يمكن إرادة عدم حرمة عين صيد المحرم على المحل على معنى أن له تذكيته و أكله، لا أن المراد الأكل مما ذكاه المحرم بصيده.

و على كل حال فقد مال اليه بعض متأخري المتأخرين للطعن في سند الخبرين الأولين، فلا يصلحان معارضين لما دل على الحل من العموم، و

صحيح معاوية ابن عمار(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل أصاب صيدا و هو محرم أ يأكل منه الحلال؟ فقال: لا بأس، إنما الفداء على المحرم»

و صحيح حريز(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن محرم أصاب صيدا أ يأكل منه المحل؟ قال: ليس على المحل شي ء، إنما الفداء على المحرم»

و صحيح منصور بن حازم (3)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): رجل أصاب صيدا و هو محرم آكل و أنا حلال قال: أما أنا كنت فاعلا قلت: فرجل أصاب مالا حراما فقال: ليس هذا مثل هذا يرحمك اللَّه»

و حسن الحلبي أو صحيحه (4)عنه (عليه السلام) أيضا «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 291

و يتصدق بالصيد على مسكين»

و حسن معاوية بن عمار(1)المتقدم سابقا المراد بالإصابة فيه القتل بقرينة الأمر بالدفن في صدره، فيتعدى إلى الذيل بشهادة السياق، و هو لا يخلو من قوة، خصوصا بملاحظة ما في بعض النصوص المرجحة له على الميتة عند الاضطرار التي أشرنا إليها، و حينئذ فيكون المراد من كونه ميتة بالنسبة للمحرم لا المحل، إلا أن الشهرة العظيمة و الإجماعات المحكية الجابرة للخبرين المزبورين ترجح القول الآخر عليه و إن صحت أخباره، خصوصا بعد عدم الصراحة في دلالة البعض، لاحتمال إرادة غير القتل من الإصابة، فيكون المحل هو

المذكي له و إن كان الذي رماه المحرم، و كون الباء في «بالصيد» للسببية و «الصيد» المصدرية أي يتصدق لفعله الصيد على مسكين أو مساكين، خصوصا بعد ضعف القرينة المزبورة باختلاف النسخة في قوله: «يدفنه» على ما قيل، فان بدلها في أخرى «يفديه» أو المراد جزاء الصيد أو غير ذلك، بل عن الشيخ احتمال التفصيل بين الذبح و التذكية بالرمي، فالأول ميتة، بخلاف الثاني الذي يمكن حمل النصوص عليه، بل قيل إنه ظاهر اختيار المفيد في المقنعة، لكن يمكن دعوى الإجماع على كون المراد مطلق تذكية المحرم من الذبح نصا و فتوى، هذا.

و قد قيل: إن الظاهر جريان جميع أحكام الميتة عليه، فلا تجوز الصلاة في جلده و لا غيرها من الاستعمالات و خصوصا المائعات، و الفاضل في التحرير و إن استشكل فيه للإشكال في أنه ميتة أو كالميتة أو لاحتمال أن يكون لحمه كلحم الميتة لا جلده لكنه استقرب بعد ذلك عدم الجواز، و إن كان لا يخفى عليك أن في النفس منه شيئا، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من نصوص الترجيح له على الميتة و التعليل المزبور فيها و العمومات، و عدم معروفية اشتراط كونه محلا في التذكية


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 292

بل ظاهر تلك الأدلة خلافه، فلا بعد في إرادة معنى كالميتة من قوله فيها، فينصرف إلى حرمة الأكل لا غيره، فتأمل جيدا.

هذا كله في ذبح المحرم، أما ذبح المحل للصيد في الحرم فقد صرح غير واحد بحرمته أيضا، و كونه كالميتة، بل في الحدائق اتفاق الأصحاب عليه، و هو الحجة بعد خبري وهب (1)و إسحاق (2)المتقدمين المجبورين بذلك المؤيدين ب

صحيح منصور بن حازم (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في حمام ذبح في الحل قال:

ما يأكله محرم، و إذا أدخل مكة أكله المحل بمكة، و إذا أدخل الحرم حيا ثم ذبح في الحرم فلا تأكله لأنه ذبح بعد أن دخل مأمنه»

و خبر شهاب بن عبد ربه (4)«قلت له أيضا: إني أتسحر بفراخ اوتي بها من غير مكة، فتذبح في الحرم، فأتسحر بها، فقال: بئس السحور سحورك، أما علمت أن ما دخلت به الحرم حيا فقد حرم عليك ذبحه و إمساكه»

و صحيح الحلبي (5)عنه (عليه السلام) أيضا «انه سئل عن الصيد يصاد في الحل ثم يجاء به إلى الحرم و هي حي؛ فقال: إذا أدخله الحرم حرم عليه أكله و إمساكه، فلا تشترين في الحرم إلا مذبوحا قد ذبح في الحل ثم أدخل الحرم، فلا بأس به للحلال»

و صحيح معاوية(6)انه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم، فقال: لا يمس، ان اللَّه عز و جل (7)يقول وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»

و غير ذلك من النصوص.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 مع الاختلاف في اللفظ.
6- 6 الوسائل- الباب- 36- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1.
7- 7 سورة آل عمران- الآية 91.

ج 18، ص: 293

نعم لو ذبحه المحل في الحل جاز أكله في الحرم للمحل حتى لو كان صيده بدلالة المحرم عليه و إعانته بدفع سلاح و نحوه بلا خلاف و لا إشكال، للأصل و المعتبرة(1)المستفيضة التي تقدم بعضها، بل لا يبعد جواز أكله مع الجهل بحاله إذا كان في يد مسلم لقاعدة الحل، لكن في

صحيح منصور بن حازم (2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أهدي لنا طير مذبوح فأكله أهلنا، فقال: لا يرى أهل مكة به بأسا، قلت: فأي شي ء تقول أنت؟ قال: عليهم ثمنه»

و يمكن حمله على معلومية ذبحه في الحرم، و سيأتي إن شاء اللَّه التعرض في كلام المصنف لذلك و غيره من أحكام الحرم و أحكام الصيد و المراد به، و غير ذلك، و اللَّه العالم.

[منها فرخ الحرم و بيضه ]
اشاره

و كذا يحرم فرخه و بيضه أكلا و إتلافا مباشرة و دلالة و إعانة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى انه قول كل من يحفظ عنه العلم، مضافا إلى المعتبرة(3)المستفيضة حد الاستفاضة التي تسمعها إن شاء اللَّه في الكفارات، نعم لا يحرم البيض الذي أخذه المحرم أو كسره على المحل في الحل للأصل و عدم اشتراط حله بنحو تذكيته أو بشي ء فقد هنا، خلافا للمحكي عن المبسوط، و اللَّه العالم.

[في إلحاق الجراد بالصيد البري ]

و الجراد في معنى الصيد البري عندنا، بل في المنتهى و عن التذكرة أنه قول علمائنا و أكثر العامة، و في المسالك لا خلاف فيه عندنا، خلافا لأبي سعيد الخدري و الشافعي و أحمد في رواية،

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (4): «مر علي (عليه السلام) على قوم يأكلون جرادا و هم محرمون فقال: سبحان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب كفارات الصيد.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 294

اللَّه و أنتم محرمون، فقالوا: انما هو من صيد البحر، فقال: ارمسوه بالماء أذن»

أي لو كان بحريا لعاش فيه، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «الجراد من البحر، و كل شي ء أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم أن يقتله، فان قتله فعليه الفداء، كما قال اللَّه تعالى»

و في صحيحه الآخر(2)«ليس للمحرم ان يأكل جرادا و لا يقتله، قال: قلت: ما تقول في رجل قتل جرادة و هو محرم؟ قال: تمرة خير من جرادة، و هو من البحر، و كل شي ء يكون أصله من البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي

للمحرم ان يقتله، فان قتله متعمدا فعليه الفداء كما قال اللَّه تعالى»

و قال له أيضا في الصحيح (3): «الجراد يكون في الطريق و القوم محرمون كيف يصنعون؟ قال: ينكبونه ما استطاعوا، قال:

فان قتلوا منه شيئا ما عليهم؟ قال: لا بأس عليهم»

أي مع عدم الاستطاعة كما في

خبر حريز(4)عنه (عليه السلام) أيضا «على المحرم ان يتنكب الجراد إذا كان على طريقه، فان لم يجد بدا فقتل فلا بأس»

و في

خبر أبي بصير(5)«سألته عن الجراد يدخل متاع القوم فيدوسونه من غير تعمد لقتله، أو يمرون به في الطريق فيطؤونه قال: إن وجدت معدلا فاعدل عنه، و إن قتل غير متعمد فلا بأس»

بناء على ارادة المحرمين منه، و في

حسن معاوية(6)عنه (عليه السلام) أيضا «اعلم انه ما وطأت من الدبا أو وطأه بعيرك فعليك فداؤه»

إلى غير ذلك من


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب كفارات الصيد الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب كفارات الصيد الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 38- من أبواب كفارات الصيد الحديث 8.

ج 18، ص: 295

النصوص التي تسمعها إن شاء اللَّه في الكفارات.

[في عدم حرمة صيد البحر]

لكن في محكي التهذيب ان منه بريا و منه بحريا و مقتضاه حل البحري منه. لأنه لا يحرم على المحرم صيد البحر بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن المنتهى دعوى إجماع المسلمين عليه، و انه لا خلاف فيه بينهم، مضافا إلى قوله تعالى (1)«أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَ طَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَ لِلسَّيَّارَةِ» و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(2)و معاوية(3)في التهذيب، و

المرسل (4)في الكافي و الفقيه «لا بأس بصيد المحرم السمك، و يأكل طريه و مالحه و يتزود، قال اللَّه تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ . إلخ» قال: مالحه الذي تأكلون، و فصل ما بينهما كل طير يكون في الآجام يبيض و يفرخ في البر فهو من صيد البر، و ما كان من الطير يكون في البحر و يفرخ في البحر فهو من صيد البحر»

و منه يستفاد أن صيد البحر هو ما يبيض و يفرخ في الماء و إن كان هو في البر، بل في المنتهى انه لا يعلم فيه خلافا إلا من عطاء، و حينئذ فالميزان لما يعيش من الطيور في البر و البحر البيض و الفرخ و ان ارتزق في أحدهما و مرسل ابن سماعة عن غير واحد عن

أبان عن الطيار(5)«لا يأكل المحرم طير الماء»

محمول على المرتزق فيه و لكن يبيض و يفرخ في البر، و ربما حمل على المشتبه و فيه اشكال، خصوصا بعد

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(6): «كل شي ء يكون أصله في البحر و يكون في البر و البحر فلا ينبغي للمحرم ان يقتله فان قتله فعليه الفداء كما قال اللَّه عز و جل»

و قد يدفع بأن المحرم صيد البر لا مطلق


1- 1 سورة المائدة- الآية 97.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 296

الصيد، فيبقى غيره على الإباحة، اللهم إلا ان يقال ان غير الآية المزبورة و الرواية مطلقة في حرمة الصيد المقتصر في الخروج منه على صيد البحر، لا ان المحرم خصوص صيد البر الذي هو و ان وجد في الآية لكنه موافق للمطلق، فلا يصلح مقيدا، فتأمل جيدا.

و بذلك يتجه حرمة كل صيد إلا صيد البحر، بل و منه المتولد بين الصيد و غيره إذا انتفى عنه الاسمان، اما إذا لحقه أحدهما تبعه في الحكم دون ما إذا انتفى عنه الاسمان و كان ممتنعا، فإنه صيد محرم بناء على عدم اختصاص التحريم للمحرم بالستة الأنواع المشهورة، و إلا اعتبر في ذلك الإلحاق بأحدها، و لو اختلف جنس الحيوان كالسلحفاة فإن منها برية و منها بحرية فلكل حكم نفسه، و مع الاشتباه فالمتجه الحرمة بناء على ما حررناه في الأصول من ان فائدة العموم دخول الفرد المشتبه.

ثم ان الظاهر إلحاق حكم التوالد بحكم البيض و الفرخ، بل لعله اولى، بل يمكن ارادة ما يشمله من قوله: «و يفرخ» و حينئذ فالمدار في كونه من صيد البر و البحر في مثل الطير و نحوه ذلك، كما ان مقتضى

قوله (عليه السلام)(1)«ارمسوه في الماء»

ان كل ما لا يعيش في الماء (من البر البتة، و حينئذ يفهم منه (2)كون ذلك من البري أيضا، و كذا مقتضى الحقيقة في

قوله: «يبيض و يفرخ في الماء»

كون ذلك في نفس الماء لا في حواليه و لا في الآجام و نحوهما،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 ما بين القوسين ليس في النسخة المخطوطة المسودة و لا حاجة إليه أيضا و إن كان موجودا في المبيضة.

ج 18، ص: 297

و ربما يؤيد ذلك تصريح البعض بكون البط من صيد البر، بل في المنتهى انه قول عامة أهل العلم مع أنه غالبا يبيض و يفرخ حول الماء لا في الماء نفسه، و حينئذ فغالب الطيور المائية يكون من صيد البر، لأنا لا نعرف ما يبيض و يفرخ في نفس الماء، كما أنه بناء على هذا الميزان لا ينبغي الالتفات إلى الحكم بكونه من صيد البحر عرفا تقديما للاعتبار الشرعي عليه، و لكن لم نجد ذلك منقحا في كلامهم، إذ من المحتمل كون ذلك ميزانا لغير المحكوم بكونه من صيد البحر عرفا، بل من المحتمل الاكتفاء في كونه صيد بحر بالبيض و

الفرخ في حوالي الماء أو في الآجام التي فيه أو نحو ذلك، إلا أن الاحتياط يقتضي اجتنابه.

و المراد بالبحر ما يعم النهر قطعا بل عن التبيان أن العرب تسمي النهر بحرا، و منه قوله تعالى (1)«ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ» و اللَّه العالم.

[منها النساء]
اشاره

و النساء وطءا قبلا و دبرا بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى قوله تعالى (2)«فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» و الرفث هو الجماع بالنص

الصحيح عن الصادق و الكاظم (عليهما السلام) قال الأول (عليه السلام) في صحيح ابن عمار(3): «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللَّه و ذكر اللَّه و قلة الكلام إلا بخير، فإن إتمام الحج و العمرة أن يحفظ لسانه إلا من خير، كما قال اللَّه تعالى:

«فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» و الرفث هو الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل: لا و اللَّه و بلى و اللَّه»

و قال الثاني (عليه السلام) بعد أن سأله أخوه علي في الصحيح (4)أيضا «عن الرفث


1- 1 سورة الروم- الآية 40.
2- 2 سورة البقرة- الآية 193.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب 32 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 3 من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 4.

ج 18، ص: 298

و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ الرفث جماع النساء، و الفسوق الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل: لا و اللَّه و بلى و اللَّه، فمن رفث فعليه بدنة ينحرها، و إن لم يجد فشاة، و كفارة الفسوق يتصدق به إذا فعله و هو محرم»

و لعله سقط من الخبر شي ء كما احتمله في الوافي، و عن

قرب الاسناد للحميري (1)«و كفارة الجدال و الفسوق شي ء يتصدق به»

فيمكن كون الساقط هنا «شي ء» و عن المنتقى أنه تصحيف يستغفر ربه، و هو كما ترى، و إلى ما يستفاد من نصوص الدعاء(2)المشتملة على إحرام الفرج.

و كذا تحرم عليه النساء لمسا بشهوة، ل

قول الصادق (عليه السلام)(3)في حسن أبي سيار الذي ستسمعه: «و إن مس امرأته بيده و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة»

بل و عقدا لنفسه أو لغيره بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض إن لم يكن متواترا كالنصوص، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحاح ابن سنان (4): «ليس للمحرم أن يتزوج و لا يزوج، فان تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل»

و زاد في أحدها(5)«و إن رجلا من الأنصار تزوج و هو محرم فأبطل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نكاحه»

كما أن

في آخر(6)«ليس ينبغي»

المراد به التحريم قطعا، و في

خبر أبي بصير(7)


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 17- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و فيه « المحرم يطلق و لا يتزوج» كما يأتي نقله كذلك في الجواهر أيضا.

ج 18، ص: 299

«للمحرم أن يطلق و لا يزوج، فان نكاحه باطل»

و في مضمر ابن عمار(1)«لا يتزوج و لا يزوج، فان نكاحه باطل»

و في

خبر محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)(2)«قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل ملك بضع امرأة و هو محرم قبل أن يحل أن يخلى سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئا، فإذا

أحل خطبها إن شاء، و إن شاء أهلها زوجوه، و إن شاؤوا لم يزوجوه».

إلا أنه ظاهر في عدم حرمتها أبدا عليه بالعقد، و هو محمول على الجاهل جمعا بينه و بين

قول الصادق (عليه السلام) في خبري الخزاعي (3)و إبراهيم بن الحسين (4)«إن المحرم إذا تزوج و هو محرم فرق بينهما و لا يتعاودان أبدا»

بشهادة

خبر زرارة و داود بن سرحان (5)عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «و المحرم إذا تزوج و هو يعلم أنه حرام لم يحل له أبدا»

المعتضد بالنسبة إلى علمائنا في محكي التذكرة و المنتهى، بل هو مفروغ منه في كتاب النكاح كما تعرفه إن شاء اللَّه، فوسوسة بعض الناس في غير محلها، كما أن ما عن أبي حنيفة و الثوري و الحكم من جواز نكاحه لنفسه فضلا عن غيره من جملة إحداثهم في الدين.

بل الظاهر عدم الفرق في الحرمة في الأول بين المباشرة و التوكيل كما عن الشيخ و غيره التصريح به، بل لو كان قد وكل حال الحل لم يجز للوكيل العقد له حال الإحرام، أما لو وكل حال الإحرام محلا على العقد له حال الإحلال صح بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 عن إبراهيم بن الحسن.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 1 من كتاب النكاح.

ج 18، ص: 300

على عدم اعتبار إمكان وقوع الموكل فيه من الموكل حال الوكالة، لأن التوكيل ليس نكاحا، و ستسمع تحقيقه في التفريع الذي ذكره المصنف، و كذا بين الفضولي و الوكالة و الولاية في الثاني، بل قد عرفت صراحة النصوص في بطلان العقد كما هو معقد محكي صريح الإجماع في الخلاف و الغنية و التذكرة، و ظاهره في غيرها.

نعم في القواعد الأقرب جواز توكيل الجد المحرم محلا أي في تزويج المولى عليه، بل مقتضاه الصحة و ان أوقعه الوكيل و الولي محرم، و لعله لأنه و المولى عليه محلان، و التوكيل ليس من التزويج المحرم بالنص و الإجماع، و فيه ما لا يخفى عليك فيما لو أوقعه الوكيل حال الإحرام، إذ الوكيل نائب الموكل، و لا نيابة فيما ليس له فعله من التزويج المنهي عنه في النصوص الذي يشمل التوكيل، و لذا قطعوا بحرمة توكيل المحرم على التزويج لنفسه و بطلان العقد، و لعله من هنا كان خيرة محكي الخلاف عدم الجواز مدعيا عليه الإجماع، على أنه لا وجه لتخصيص الجد بالذكر.

و الظاهر إلحاق المنقطع بالدائم هنا، مع احتمال العدم، و إجازة الفضولي حال الإحرام كالمباشرة لو وقعت منه حال الإحرام أيضا بل لا تؤثر لو وقعت منه بعد الحل أي للعقد الواقع فضولا حال الإحرام بناء على الكشف، كما لا تؤثر إجازة الغير للعقد الصادر من المحرم فضولا، بل لا تؤثر إجازته في حال الإحرام للعقد الفضولي الواقع حال الحل في وجه من وجهي الكشف، بل يحتمل مطلقا بناء على أنه نوع تعلق في النكاح ممنوع منه كما تسمع الإشارة إليه في مرسل أبي شجرة(1)و يحتمل الجواز لأنه ليس تزويجا حال الإحرام بناء على الكشف و الأحوط الأول و إن كان الثاني لا يخلو من قوة.

نعم الظاهر عدم إلحاق التحليل بالنكاح في الحكم المزبور على إشكال، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8.

ج 18، ص: 301

[في حرمة الشهادة على عقد النكاح على المحرم ]

و كذا تحرم عليه شهادة على العقد أي عقد النكاح للمحلين و المحرمين و المفترقين بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن محتمل الغنية الإجماع عليه، بل عن الخلاف دعواه صريحا، لقول الصادق (عليه السلام) في مرسل ابن فضال (1)المنجبر بما عرفت

«المحرم لا ينكح و لا ينكح و لا يخطب و لا يشهد النكاح، و ان نكح فنكاحه باطل»

و في

مرسل أبي شجرة(2)«في المحرم يشهد نكاح المحلين قال: لا يشهد، ثم قال: يجوز للمحرم أن يشير بصيد على محل»

المراد منه على الظاهر الإنكار و التنبيه على أنه إذا لم يجز ذلك فكذلك لا تجوز الشهادة، كما انه يستفاد منه الشهادة على غير المحلين بالأولوية، و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين فيه لضعف الخبرين في غير محلها بعد ما عرفت، و خلو المقنع و المقنعة و جمل العلم و العمل و الكافي و الاقتصاد و المصباح و مختصره و المراسم عن ذلك لا يقتضي الخلاف فيه، نعم في المدارك «ينبغي قصر الحكم على حضور العقد لأجل الشهادة، فلو اتفق حضوره لا لها لم يكن محرما» و فيه أن الشهادة الحضور، فيحرم عليه و إن لم يحضر لها كما عن الجامع التصريح به.

و كذا تحرم عليه إقامة أي إقامتها على العقد كما عن المبسوط و السرائر، بل في الرياض نسب إلى المشهور، بل في الحدائق ظاهرهم الاتفاق عليه لاحتمال دخولها في الشهادة المنهي عنها في الخبرين و الفتاوى، و فيه منع واضح، لأن شهادته غير الشهادة عليه، و لفحوى الإنكار المتقدم في أحد الخبرين، و لكن في القواعد الإشكال في ذلك، و لعله مما عرفت، و من عموم أدلة النهي عن الكتمان


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8.

ج 18، ص: 302

و توقف ثبوت النكاح شرعا عليها، و وقوع مفاسد عظيمة إن لم تثبت بخلاف إيقاعه، إذ لا يتوقف عليها عندنا، و لذا يصح العقد و إن حضره، قيل و لأنها أخبار لا إنشاء، و الخبر إذا صدق و لم يستلزم ضررا لم يحسن تحريمه، و لأنها أولى بالإباحة من الرجعة التي هي إيجاد للنكاح في الخارج، على أنه لا جابر للخبرين المزبورين في إرادة ذلك من الشهادة فيهما، و النسبة إلى الشهرة لم نتحققها، على أنك قد عرفت ظهور الخبرين في حضور العقد لا الفرض، و مرسل الإنكار مع أنه لا جابر له أيضا لم يعلم إرادة ما يشمل الفرض منه، و لعله أولى و إن كان الأول أحوط، بل ربما يومئ النهي عن شهادته إلى عدم إقامتها.

ثم على التحريم قيل تحرم الإقامة حاله و لو تحملها محلا أو كان بين محلين، لانتفاء المخصص و إن تأكد المنع إذا تحملها محرما، أو كان على محرمين، بل قيل: لا تسمع، لخروجه به عن العدالة، فلا يثبت بشهادته، و فيه أنه ممنوع لجواز الجهل و الغفلة و التوبة، و سماع العقد اتفاقا، بل يمكن القول بقبولها لو أداها محرما لغفلة و نحوها، و في محكي التذكرة «و لو قيل إن التحريم مخصوص بالعقد الذي أوقعه المحرم كان وجها» بل قال: «إن ذلك معنى كلام الأصحاب» على ما حكاه عنه ولده، و في المدارك لا بأس به قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم، و إلا اتجه عدم التحريم مطلقا، و فيه انه يمكن المنع بناء على أنه نوع تعلق في النكاح.

و لو خاف المحرم من ترك إقامتها وقوع الزنا ففي المدارك وجب عليه تنبيه الحاكم على أن عنده شهادة، ليوقف الحكم على إحلاله، و لو لم يندفع إلا بالشهادة وجب إقامتها قطعا، و فيه أنه لا دليل على وجوب التنبيه المزبور، و لا على وجوب إقامتها بعد فرض إطلاق دليل المنع.

و كيف كان ف لا بأس به بعد الإحلال كما صرح به الفاضل

ج 18، ص: 303

و غيره على معنى ثبوت النكاح بإقامتها بعده و ان علم تحملها محرما، لإطلاق الأدلة و ما عرفت من عدم خروجه بذلك عن العدالة، خلافا للمحكي عن المبسوط من عدم ثبوتها إذا كان التحمل في حال الإحرام، إما لفسقه، و فيه ما عرفت، أو لأن هذه الشهادة شهادة مرغوب عنها شرعا فلا تعتبر و ان وقعت جهلا أو سهوا أو اتفاقا، و هو مجرد دعوى لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، و اللَّه العالم.

[في حرمة تقبيل النساء على المحرم ]

و كذا يحرمن عليه تقبيلا بشهوة أو لا بها كما هو صريح بعض و ظاهر آخر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن أبي سيار(1): «يا أبا سيار ان حال المحرم ضيقة، ان قبل امرأته على غير شهوة و هو محرم

فعليه دم شاة، و إن قبل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور و يستغفر اللَّه، و ان مس امرأته و هو محرم على شهوة فعليه دم شاة، و من نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور، و إن مس امرأته أو لازمها من غير شهوة فليس عليه شي ء»

بناء على اقتضاء ذلك الحرمة، و

خبر علي بن أبي حمزة(2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قبل امرأته و هو محرم قال: عليه بدنة و ان لم ينزل، و ليس له ان يأكل منها»

و حسن الحلبي أو صحيحه (3)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن المحرم يضع يده من غير شهوة على امرأته قال: نعم يصلح عليها خمارها و يصلح عليها ثوبها و محملها، قلت: أ فيمسها و هي محرمة؟ قال: نعم، قلت: المحرم يضع يده بشهوة قال: يهريق دم شاة، قلت: فان قبل قال: هذا أشد ينحر بدنة»

و خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 4.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2 و ذيله في الباب 18 منها الحديث 1.

ج 18، ص: 304

العلاء بن الفضيل (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل و امرأة تمتعا جميعا فقصرت امرأته و لم يقصر فقبلها قال: يهريق دما، و

إن كان لم يقصرا جميعا فعلى كل واحد منهما أن يهريق دما».

و بذلك كله يظهر لك المناقشة فيما في الذخيرة من أن الظاهر تقييد حرمة التقبيل بالشهوة و ان تبعه في الرياض حاكيا له عن جماعة، للأصل المقطوع بما سمعت، و

خبر الحسين بن حماد(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يقبل أمه قال: لا بأس به، هذه قبلة رحمة، إنما يكره قبلة الشهوة»

المحمول على إرادة إنما يكره ما يحتمل الشهوة، بخلاف الام و غيرها من المحارم المستفاد جواز تقبيلها من التعليل المزبور، و الأصل، و اختصاص النصوص السابقة بقبلة امرأته و ان كان الظاهر إرادة الأعم منها و من الأجنبية كما هو مقتضي الفتاوى، هذا.

و لكن قد يقال ان المنساق من إطلاق تقبيل الامرأة كونه على وجه الاستمتاع و الالتذاذ المقابل لتقبيل الرحمة، و

قوله (عليه السلام) في الخبر الأول: «من غير شهوة»

محمول على إرادة عدم الامناء بقرينة المقابلة، لا كونه تقبيل رحمة و نحوه مما لم يكن استمتاعا و التذاذا بالامرأة الذي يمكن دعوى ظهور النصوص في كون المدار عليه في منع المحرم، كما تسمعه في المس و الملازمة و الحمل و نحوها، و بذلك يقوى إرجاع القيد في

نحو عبارة المتن إليه أيضا، و لكن الأحوط الإطلاق.

نعم الظاهر تقييد جواز قبلة المحارم بما إذا كان لا عن شهوة، لكونه أشد حرمة، و لفحوى التعليل المزبور.


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 5.

ج 18، ص: 305

[في حرمة النظر بشهوة على المحرم ]

و كذا يحرمن عليه نظرا بشهوة كما صرح به غير واحد، و إن قيل خلا كتب الشيخ و الأكثر عن تحريمه مطلقا، لما سمعته من كون المستفاد حرمة الالتذاذ بالنساء من النصوص، بل ربما استدل عليه ب

حسن معاوية بن عمار(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى و هو محرم قال: لا شي ء عليه لكن ليغتسل و يستغفر ربه، و ان حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى فلا شي ء عليه، و ان حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم، و قال في المحرم: ينظر إلى امرأته و ينزلها بشهوة حتى ينزل قال: عليه بدنة»

و خبر أبي سيار(2)السابق، و فيه انه انما يدل على حرمة النظر بشهوة حتى ينزل أو يمذي لا مطلقا، اللهم إلا ان يقال إن من المعلوم عدم مدخلية الإمذاء في الكفارة، فليس إلا النظر بشهوة، فينتظم حينئذ في الدلالة على المطلوب التي منها فحوى ما دل من النصوص

على حرمة المس و الحمل إذا كان بشهوة لا بدونها كصحيح ابن مسلم (3)و

خبره (4)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن الرجل يحمل امرأته أو يمسها فأمنى أو أمذى فقال: إن حملها أو مسها بشهوة فأمنى أو لم يمن أو أمذى أو لم يمذ فعليه دم شاة يهريقه، و ان حملها أو مسها بغير شهوة فليس عليه شي ء أمنى أو لم يمن، أمذى أو لم يمذ»

و غيره من النصوص حتى نصوص الدعاء عند التهيؤ للإحرام (5)المشتملة على تحريم الاستمتاع عليه بالنساء.

بل لعله لا خلاف فيه في الأول كما اعترف به في كشف اللثام، و المصنف


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1 مع الاختلاف.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6 مع الاختلاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 6 مع الاختلاف.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام.

ج 18، ص: 306

و ان تركه هنا لكن ذكر في الكفارات ان كفارته شاة، بل ربما كان مقتضى إطلاق بعض العبارات حرمته مطلقا، كاقتضاء بعض آخر حرمة النظر كذلك أيضا و إن كان هو واضح الضعف للأصل و ما سمعته من النص، كضعف القول بجواز النظر إلى امرأته بشهوة المحكي عن الصدوق، بل مال إليه في كشف اللثام للأصل المقطوع بما عرفت، و

الموثق (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى قال: ليس عليه شي ء»

القاصر عن معارضة غيره من وجوه الذي حمله الشيخ على حال السهو دون العمد، بل نفي الشي ء عليه لا يدل على نفي الحرمة ك

حسن علي بن يقطين (2)سأل الكاظم (عليه السلام) «عن رجل قال لامرأته أو جاريته بعد ما حلق و لم يطف و لم يسع بين الصفا و المروة: اطرحي ثوبك و نظر إلى فرجها قال: لا شي ء عليه إذا لم يكن غير النظر»

الخالي عن التقييد بالشهوة مع ذلك الذي قد عرفت جوازه، بل الظاهر جوازه أيضا في الأمة للسوم و الحرة المخطوبة بل الأجنبية في النظرة الأولى، بناء على جوازها، بخلاف ما إذا كان بشهوة فإنه يحرم في الجميع، و في المسالك لا فرق في تحريم النظر بشهوة بين الزوجة و الأجنبية بالنسبة إلى النظرة الأولى ان جوزناها و النظر إلى المخطوبة، و إلا فالحكم مخصوص بالزوجة، قيل و كان وجه الاختصاص عموم تحريم النظر إلى الأجنبية على هذا التقدير، و عدم اختصاصه بحالة الشهوة، و تبعه في كشف اللثام، و فيه أن ذلك لا ينافي اختصاص التحريم الإحرامي بالشهوة، كما هو مقتضى الفتاوى،

قال أبو بصير(3)في الموثق: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل محرم نظر إلى ساق


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 2 مع الاختلاف.

ج 18، ص: 307

امرأة فأمنى قال: إن كان موسرا فعليه بدنة، و إن كان بين ذلك فبقرة، و إن كان فقيرا فشاة، أما اني لم أجعل ذلك عليه من أجل الماء لكن من أجل أنه نظر إلى ما لا يحل له»

و في

حسن معاوية بن عمار(1)«في محرم نظر إلى غير أهله فأمنى قال: عليه دم، لأنه نظر إلى غير ما يحل له، و ان لم يكن أنزل فليتق اللَّه و لا يعد، و ليس عليه شي ء»

و اللَّه العالم.

[في حرمة الاستمناء على المحرم ]

و كذا في الحرمة على المحرم الاستمناء الذي هو استدعاء المني بلا خلاف أجده فيه، ل

صحيح ابن الحجاج (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الرجل يعبث بامرأته حتى يمني و هو محرم من غير جماع، أو يفعل ذلك في شهر رمضان فقال: عليهما جميعا الكفارة مثل ما على الذي يجامع»

و خبر إسحاق بن عمار(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «قلت: ما تقول في محرم عبث بذكره فأمنى قال:

أرى عليه مثل ما على من اتى اهله و هو محرم بدنة و الحج من قابل»

و غيرهما من النصوص التي تقدم بعضها، و يأتي آخر في الكفارات إن شاء اللَّه.

بل الظاهر عدم الفرق بين أسبابه من الملاعبة و التخيل و الخضخضة و غير ذلك كما صرح به غير واحد حتى السيد في الجمل، قال: على المحرم اجتناب الرفث، و هو الجماع، و كل ما يؤدي إلى نزول المني من قبلة و ملامسة و نظر بشهوة، بناء على ارادته ما يقصد به الامناء كما في شرحها للقاضي، قال: فأما الواجب فهو أن لا يجامع و لا يستمني على أي وجه كان من ملامسة أو نظر بشهوة أو غير ذلك بل عن بعضهم إدراج اللواط و وطء الدواب، و إن كان فيه منع واضح، و لذا قال


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب كفارات الاستمتاع- الحديث 1.

ج 18، ص: 308

في كشف اللثام: انهما يدخلان في الرفث و ان لم ينزل، و إن كان فيه انه جماع النساء في الصحيح (1)عن الكاظم (عليه السلام) الذي يرجع اليه مطلق الجماع في الصحيح الآخر(2)مع أنه المنساق منه، فلا يبعد القول ببقائه على الحرمة السابقة على الإحرام، اللهم إلا ان يقال انه يستفاد من التأمل في النصوص شدة التحريم في حال الإحرام في كل ما حرم الجائز منه للإحرام، فان الاستمناء في العبث بالزوجة كان جائزا و لكنه حرم عليه في الإحرام، ففي الأجنبية أشد، و هكذا بقية الاستمتاعات كما أومى إليه في النصوص السابقة.

و على كل حال فالظاهر أنه لا إشكال في الحرمة من جهة الإحرام في الفرض مع ارادة الاستمناء بذلك، لكن بشرط خروج المني منه به، كما في غيره من أفراد الاستمناء المدلول عليه بالصحيح السابق و غيره، و إلا فالمقدمات من دون إنزال لا يترتب عليها كفارة الاستمناء للأصل و غيره، و ان اقتضاه ظاهر التعبير، كما أن الظاهر عدم شي ء عليه فيما لو سبقه المني من غير استمناء منه كما سمعته في النصوص السابقة، مضافا إلى الأصل و إلى

خبر أبي بصير(3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل سمع كلام امرأة من خلف حائط و هو محرم فتشاها حتى أنزل قال: ليس عليه شي ء»

و مرسل ابن أبي نصر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «في محرم استمع على رجل مجامع أهله فأمنى قال: ليس عليه شي ء»

و خبر سماعة(5)«في المحرم تنعت له المرأة الجميلة الخلقة فيمني قال: ليس عليه شي ء»

و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب كفارات الاستمتاع الحديث 1.

ج 18، ص: 309

[تفريعان ]
اشاره

تفريعان:

[الأول في اختلاف الزوجين في وقوع العقد حال الإحرام ]

الأول قد عرفت بطلان عقد النكاح الواقع في حال الإحرام فيسقط ما اقتضاه من المهر قبل الدخول مع اتفاقهما على ذلك، سواء كانا عالمين، أو جاهلين، أو مختلفين، اما مع الدخول فلها مهر المثل مع جهلها بما استحل من فرجها، اما مع علمها فلا مهر لها، لأنها بغية حينئذ، هذا كله مع اتفاقهما على وقوع العقد حال الإحرام، و أما إذا اختلفا أي الزوجان في العقد فادعى أحدهما وقوعه في الإحرام، و أنكر الآخر فالقول قول من يدعي الإحلال ترجيحا لجانب الصحة المحمول فعل المسلم عليها في صورة النزاع و غيره من أحوال الشك في العقد المفروض اتفاقهما على وقوعه كما في غير المقام من صور مدعي الصحة و الفساد التي من الواضح كون مدعيها موافقا لأصلها، على ان مدعي الفساد يدعي وصفا زائدا يقتضي الفساد، و هو وقوع العقد حال الإحرام فالقول قول المنكر بيمينه لأنه منكر للمفسد كما صرح بذلك الكركي في حاشيته و ثاني الشهيدين في المسالك، لكن في المدارك المناقشة في الأول بأنه انما يتم إذا كان المدعي لوقوع الفعل في حال الإحرام عالما بفساد ذلك، أما مع اعترافهما بالجهل فلا وجه للحمل على الصحة، و في الثاني بان كلا منهما مدع و صفا ينكره الآخر، فتقديم أحدهما يحتاج إلى دليل، و فيه أن أصل الصحة في العقد و نحوه لا يعتبر فيه العلم، لإطلاق دليله، نعم أصل عدم وقوع المعصية من المسلم يعتبر فيه العلم، و هو غير أصل الصحة التي هي بمعنى ترتب الأثر كما هو واضح، و أن مدعي الفساد المعترف بحصول جميع أركان العقد المحمول إقراره على الصحة يدعي وقوع العقد حال الإحرام، و الآخر ينكره و إن كان يلزمه كونه واقعا حال الإحلال، و لا ريب في أن الأصل عدم مقارنة العقد للحال المزبور، و ذلك كاف في إثبات صحته من غير حاجة إلى إثبات كونه في حال الإحلال، بل يكفي احتماله، فلا يكون مدعيا كالأول، كل ذلك مضافا إلى ملاحظة كلام الأصحاب

ج 18، ص: 310

و حكمهم بتقديم مدعي الصحة على مدعي الفساد فيما هو أعظم من ذلك، كدعوى عدم البلوغ، و كون المبيع خنزيرا أو شاة مثلا، و غير ذلك مما يرجع بالأخرة إلى أوصاف أركان العقد فضلا عن المقام، فما ادري ما الذي اختلجه في خصوص ما نحن فيه، ثم انه قال في صورة الجهل: يحتمل تقديم قول من يدعي تأخير العقد مطلقا، لاعتضاد دعواه بأصالة عدم التقدم، و يحتمل تقديم قول من يدعي الفساد لأصالة عدم تحقق الزوجية إلى أن تثبت شرعا، و المسألة محل تردد، و فيه أنه خلاف مفروض المسألة الذي هو مجرد دعوى الفساد بوقوعه في الإحرام و دعوى الصحة بعدم كونه كذلك من غير تعرض للتقديم و التأخير، و أنه لا وجه لاحتمال تقديم مدعي الفساد فيما فرضه مع فرض كون مدعي الصحة يدعي تأخيره عن حال الإحرام الذي هو مقتضى الأصل، اللهم إلا أن يكون ذلك من الأصول المثبتة، ضرورة عدم اقتضائه التأخر عنه، لكن مقتضى ذلك مجهولية التقدم و التأخر بعد الاتفاق على عدم الاقتران، و المتجه فيه جريان أصل الصحة لا الفساد، فتأمل جيدا، فان كلام الأصحاب في المقام و غيره مطلق بالنسبة إلى الحكم بالصحة من غير التفات إلى مسألة التاريخ.

هذا و في كشف اللثام- بعد أن حكم بتقديم قول مدعي الصحة في مفروض المسألة و إن كان المدعي يدعي إحرام نفسه- قال: و كذا ان وجه الدعوى إلى تاريخ الإحرام مع الاتفاق على تاريخ العقد، فادعى أحدهما تقديم الإحرام عليه لذلك و لأصل التأخر و ان ادعى إحرام نفسه إلا ان يتفقا على زمان و مكان يمكن فيهما الإحرام فيمكن ان يقال القول قوله، لأنه أبصر بأفعال نفسه و أحواله، أما ان اتفقا على تاريخ الإحرام و وجه الدعوى إلى تاريخ العقد فادعى تأخره أمكن ان يكون القول قوله للأصل، بل لتعارض أصلي الصحة و التأخر الموجب للفساد و تساقطهما، فيبقى أصل عدم الزوجية بلا معارض، و فيه ان البصيرة بأفعال نفسه لا يقتضي

ج 18، ص: 311

إثبات حق على الآخر، خصوصا مع إمكان الاطلاع على أحواله بإقرار و غيره مما يعلم منه انه كاذب في دعوى الإحرام، و التعارض انما هو في افراد وقوعه لا بين أصالة التأخر و أصل الصحة كي يتجه ما ذكر، بخلاف ما قلناه، فان المتجه فيه الصحة لبقاء أصلها بلا معارض، فتأمل جيدا.

و كيف كان فقد ظهر لك ان القول قول مدعي الصحة في مفروض المسألة و نظائره، و لكن ان كان المنكر المرأة ففي محكي المبسوط كان لها نصف المهر ان لم يدخل بها لاعترافه بما يمنع من الوطء فيكون كالطلاق قبل الدخول، أو لأن العقد إنما يملك نصف المهر، و مملك النصف الآخر هو الوطء أو الموت، إلا ان الجميع كما ترى، ضرورة كون الأول قياسا، كضرورة اقتضاء العقد ملكها تمام المهر، و إنما ينصف بالطلاق لدليله و من هنا يظهر لك انه لو قيل لها المهر كله و ان لم يكن دخل بها بل جزم به كل من تأخر عنه كان حسنا بل ربما احتمل كون مراد الشيخ النصف بعد الطلاق، و أطلق بناء على الغالب من اختيار الزوج ذلك تخلصا من غرامة الجميع، و لا يقدح دعواه الفساد المقتضية لكون الطلاق لغوا، إذ هو و إن كان كذلك لكنه في حقها باعتبار دعواها الصحة مؤثر لسقوط مطالبتها بالجميع إن لم تكن قد قبضته، و موجب لرد النصف إن كان قد قبضته، و لكن في كشف اللثام- بعد ان حكم بان لها المهر كاملا دخل بها أم لا- قال: «إلا ان يطلقها قبل الدخول باستدعائها، فإنه يلزم به حينئذ، و إن كان بزعمه في الظاهر لغوا و يكون طلاقا صحيحا شرعيا، فإذا بعدم الدخول يتنصف المهر، و اما إذا لم تستدع الطلاق و صبرت فلها المهر كاملا و ان طلقها قبل الدخول، فإنه بزعمه لغو، و العقد الصحيح مملك لها المهر كاملا» و فيه ان استدعاءها و عدمه لا مدخلية له في ذلك إذ الطلاق إن كان صحيحا ممن يدعي الفساد في حق مدعي الصحة يترتب عليه

ج 18، ص: 312

حكمه، و إلا فلا، كما هو واضح، هذا. و في الدروس «و ظاهر الشيخ انفساخ العقد حينئذ، و وجوب نصف المهر إن كان قبل المسيس، و جميعه بعده» و فيه ان الاختلاف في الصحة و الفساد لا يقتضي الانفساخ في حق مدعي الصحة لا في المقام و لا في غيره، و على تقديره هنا فلا دليل على إلحاقه بالطلاق.

هذا كله إذا كانت هي المنكرة، و لو كان هو المنكر للفساد فليس لها المطالبة بشي ء من المهر قبل الدخول مع عدم القبض، كما أنه ليس له المطالبة برد شي ء منه مع قبضه، أخذا لهما بإقرارهما، و أما بعد الدخول و إكراهها أو جهلها بالفساد أو الإحرام فلها المطالبة بأقل الأمرين من المسمى و مهر المثل، لأنه المستحق لها عليه ظاهرا قطعا بعد دعواها الفساد التي تقدمت عليها دعوى الصحة دون غيره، و لعل إطلاق

خبر سماعة(1)«لها المهر إن كان دخل بها»

منزل على ذلك.

و على كل حال فظاهر الأصحاب في المقام مؤاخذة كل منهما ظاهرا بإقراره في لوازم الزوجية و عدمها، و أما في الواقع فعلى كل منهما حكمه في نفس الأمر يفعله مع التمكن منه، فعليها ان تخلص نفسها منه مع دعواها الفساد ببذل على الفراق و نحوه، و عليه أن يخلص نفسه من لوازم الزوجية المستحقة عليه ظاهرا مع دعواه الفساد بطلاق و نحوه، و ليس لأحد منهما المخالفة في حق الآخر في الظاهر بعد الحكم بصحة العقد، و لعل هذا هو مراد

ثاني الشهيدين في المسالك و إن كان في عبارته بعض القصور، فإنه قال: «حيث تكون المرأة المنكرة للفساد يلزم الزوج حكم البطلان فيما يختص به، فيحكم بتحريمها عليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 313

لعموم إقرار العقلاء، و لأن الزوج يملك الفرقة، فإذا اعترف بما يتضمنها قبل و لا يقبل قوله في حقها فلها المطالبة بحق الاستمتاع و النفقة، فما يمكن فعله منه كأداء النفقة يكلف به، و ما لا يمكن كالوطء فإنه بزعمه محرم يتعارض فيه الحقان فلا يكلف به، بل ينبغي التخلص من ذلك بإيقاع صيغة الطلاق و لو معلقة على شرط، مثل إن كانت زوجتي فهي طالق- إلى ان قال-: و ما يختص بها من الأحكام المترتبة على دعواها يلزمها قبل الطلاق، فلا يحل لها التزوج بغيره، و لا الأفعال المتوقفة على إذنه بدونه، و يجوز له التزويج بأختها و خامسة و نحو ذلك من لوازم الفساد، هذا بحسب الظاهر، و أما فيما بينهما و بين اللَّه تعالى فيلزمهما حكم ما هو الواقع في نفس الأمر، و لو انعكست الدعوى و حلف الزوج استقر له النكاح ظاهرا و عليه النفقة و المبيت عندها، و يحرم عليه التزوج بالخامسة و الأخت، و ليس لها المطالبة بحقوق الزوجية من النفقة و المبيت عندها، و يجب عليها القيام بحقوق الزوجية ظاهرا، و يجب عليها فيما بينها و بين اللَّه تعالى أن تعمل ما تعلم أنه الحق بحسب الإمكان و لو بالهرب، أو استدعاء الفرقة- إلى ان قال-: و انما جمعنا بين هذه الأحكام المتنافية مع ان اجتماعها في الواقع ممتنع جمعا بين الحقين المبنيين على المضايقة المحضة، و عملا في كل سبب بمقتضاه حيث يمكن» و نحوه في حاشية الكركي، و فيه أنه إذا كان لا يكلف هو بوطئها لأنه حرام بزعمه في الصورة الأولى ينبغي أن لا تكلف هي بتمكينه من نفسها في الصورة الثانية، لأنه حرام بزعمها، و أيضا له التزويج بأختها و بالخامسة إن كان صادقا فيما بينه و بين اللَّه تعالى، و لكن لا يمكن منه في الظاهر بعد الحكم شرعا بصحة العقد المانع من ذلك، و في المدارك بعد ان حكى عن قطع الأصحاب ما سمعت «ان إثبات هذه الأحكام مشكل جدا للتضاد، خصوصا جواز تزويجه بأختها مع دعواه الفساد، إذ اللازم منه جواز تزويجها بغيره إذا ادعت ذلك، و هو معلوم البطلان، و الذي يقتضيه النظر انه حكم بصحة

ج 18، ص: 314

العقد شرعا متى ترتبت عليه لوازمه، فيجوز لها المطالبة بحقوق الزوجية ظاهرا و إن ادعت الفساد، و لا يجوز له التزويج بأختها و إن ادعى ذلك، لحكم الشارع بصحة العقد ظاهرا، و أما في نفس الأمر فيكلف كل منهما بحسب ما يعلمه من حاله لكن لو وقع منهما أو من أحدهما حكم مخالف لما ثبت في الظاهر وجب الحكم ببطلانه كذلك» و هو جيد إلا قوله «فيجوز لها المطالبة» إلى آخره ضرورة كونه منافيا لإقرارها الذي هو ماض عليها بالنسبة إلى حقها، و غير ماض في حق الغير فليس لها الامتناع مع طلب الاستمتاع بها، و ليس لها مطالبته بذلك، و على هذا يكون المدار فيها و فيه كما عرفت، و اللَّه العالم و الموفق و المؤيد و المسدد.

[الثاني إذا و كل محرم في حال إحرامه على عقد نكاح ]

الثاني إذا وكل محرم في حال إحرامه محلا أو محل محلا على عقد نكاح ثم أحرم الموكل فأوقع الوكيل فان كان قبل إحلال الموكل بطل بلا خلاف بل و لا إشكال بعد ما سمعت من النص و الفتوى على انه لا يتزوج و لا ينكح الصادق على الفرض، و خصوصا ما في صحيح محمد بن قيس (1)عن أبي جعفر عن أمير المؤمنين (عليه السلام) المتقدم المشتمل على ملك المحرم بضع امرأة و ان احتمل فيه انه قضية (قضاء خ ل) في واقعة كان الملك له فيها بنفسه لا بالتوكيل، إلا انه كما ترى و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(2): «لا ينبغي للرجل الحلال ان يزوج محرما و هو يعلم أنه لا يحل له، قال: فان فعل فدخل بها المحرم فقال: إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة، و على المرأة إن كانت محرمة بدنة، و إن لم تكن محرمة فلا شي ء عليها إلا أن تكون قد علمت أن الذي تزوجها محرم، فان كانت علمت ثم تزوجته فعليها بدنة»

بل لا يخفى على المتأمل في النصوص ظهورها في منافاة الإحرام لحصول النكاح حاله مباشرة أو توكيلا أو ولاية، فليس لولي الطفل و المجنون العقد لهما


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 10.

ج 18، ص: 315

مباشرة و توكيلا و إن كانا محلين حال إحرامهما، و اللَّه العالم.

و إن كان قد أوقع العقد بعده أي الإحلال صح بلا خلاف أيضا و لا إشكال، لإطلاق أدلة الوكالة(1)و عمومها السالمين عن المعارض حتى لو كانت الوكالة في حال الإحرام، إذ لا دليل على بطلانها، قيل إلا أن يكون في حال إحرام الوكيل، و لعله لعدم قابليته لإيقاعه حال التوكيل، و لكن لا يخلو من نظر أو منع، خصوصا بعد ان اعترف بصحة التوكيل محرما على النكاح، و حينئذ فالصور الأربع صحيحة مع عدم تقييد الإيقاع حال الإحرام، و تخلل عدم الصحة في زمان الإحرام لا ينافي صحة الوكالة على الفعل بعده، فلا أقل من بقاء الإذن الكافي في صحة النكاح لو سلم بطلان عقد الوكالة، ضرورة كونه كالبطلان بالشرط الفاسد، و ليس هو كالجنون و نحوه الرافع لأصل الإذن باعتبار انتقال الولاية لغير الموكل كما أوضحناه في محله، و به جزم هنا في المنتهى في صورة ما لو وكل المحرم الحلال على التزويج، و إن كان لنا نظر في بطلان الوكالة المزبورة ضرورة كونه من المانع على نحو المانع في الموكل فيه كالحيض في طلاق الزوجة و نحوه، و اللَّه العالم.

و كيف كان فلا إشكال و لا خلاف في أنه يجوز للمحرم حال إحرامه مراجعة المطلقة الرجعية المحرمة فضلا عن غيرها و شراء الإماء في حال الإحرام بلا خلاف كما عن التذكرة و المنتهى الاعتراف به، بل و لا إشكال بعد عدم تناول النهي المزبور لمثله، فيبقى على الأصل و العموم الذي منه قوله تعالى (2)«وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» من غير فرق بين المطلقة تبرعا و التي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الوكالة و الباب 10 من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح.
2- 2 سورة البقرة- الآية 228.

ج 18، ص: 316

رجعت ببذلها، مضافا إلى

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «المحرم يطلق و لا يتزوج»

و خبر حماد بن عثمان (2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن المحرم يطلق قال: نعم»

و صحيح سعد بن سعد(3)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألته عن المحرم يشتري الجواري و يبيع قال: نعم»

و غيره، بل الظاهر الصحة حتى لو كان القصد التسري و إن حرم عليه المباشرة لهن حال الإحرام، بل الظاهر صحة الشراء و إن قصد المباشرة حاله حين الإحرام و إن أثم بالقصد المزبور، لكنه لا يقتضي فساد العقد و إن احتمله في التذكرة، لحرمة الغرض الذي وقع العقد له، كمن اشترى العنب لاتخاذه خمرا، لكن فيه أنه إن تم ففيما إذا شرط ذلك في

متن العقد لا في الفرض الذي لم يكن الشراء فيه منهيا عنه بخصوصه، و لا علة في المحرم أعني المباشرة، فلا يكون تحريمها مستلزما لتحريمه، كما هو واضح.

و يجوز له مفارقة النساء بالطلاق و الفسخ أو غيرهما بلا خلاف و لا إشكال للأصل و النصوص (4)و محكي الإجماع.

و تكره للمحرم الخطبة كما في القواعد و محكي المبسوط و الوسيلة للنهي عنه في

النبوي (5)«لا ينكح المحرم و لا ينكح و لا يشهد و لا يخطب»

و المرسل (6)السابق المحمول عليها بعد القصور عن إثبات الحرمة مؤيدا بأنها تدعو إلى المحرم كالصرف الداعي إلى الربا، فما عن ظاهر أبي علي من الحرمة واضح الضعف،


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 16 و 17- من أبواب تروك الإحرام.
5- 5 سنن البيهقي ج 5 ص 65 و ليس فيه« و لا يشهد».
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.

ج 18، ص: 317

بل الظاهر عدم الفرق في الكراهة بين كونها لنفسه أو لغيره من المحلين لإطلاق الخبرين، هذا.

و الظاهر ثبوت الأحكام المزبورة للمرأة المحرمة كالرجل، ضرورة عدم كونه من خواص الرجل، بل لا يبعد إرادة الجنس من المحرم في نحو

قوله (صلى اللَّه عليه و آله):

«لا ينكح و لا ينكح»

قال في المنتهى: «لا يجوز للمحرم أن يزوج و لا يتزوج و لا يكون وليا في النكاح و لا وكيلا فيه، سواء كان رجلا أو امرأة، ذهب إليه علماؤنا أجمع، و به قال علي (عليه السلام)(1)» و في القواعد و كشفها «و لو كانت المرأة محرمة و الرجل محلا فالحكم كما تقدم من حرمة نكاحها و تلذذها بزوجها تقبيلا أو لمسا أو نظرا أو تمكينا له من وطئها و كراهة خطبتها و جواز رجعتها و شرائها و مفارقتها» بل في الأخير الاتفاق على ذلك، مضافا إلى عموم الأدلة الصالح لتناول مثل ذلك، أما غيره فالعمدة فيه الإجماع المزبور، و ما يستفاد من الأدلة من حرمة الاستمتاع للمحرم رجلا و امرأة، و حرمة مباشرة عقد النكاح له و لغيره، و إلا فقاعدة الاشتراك لا تأتي في مثل ما ورد من النهي عن تقبيل الرجل امرأته، و لا دليله شامل للمرأة، فليس حينئذ إلا ما عرفت، فيثبت عدم جواز تقبيلها لزوجها مثلا و هي محرمة و على هذا القياس، و اللَّه العالم.

[منها الطيب ]

و الطيب إجماعا في الجملة بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل النصوص متواترة فيه، بل في المتن و القواعد و غيرهما هو على العموم وفاقا للمقنعة و جمل العلم و العمل و المراسم و السرائر و المبسوط و الكافي و غيرها على ما حكي عن بعضها، كما حكي عن الحسن بل و المقنع و الاقتصاد و إن كان المحكي عن أولهما انه نص على النهي عن مس

شي ء من الطيب، لكن عقبه بقوله: «و انما يحرم عليك


1- 1 كنز العمال ج 3- ص 56- الرقم 1032 و 1033.

ج 18، ص: 318

من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران» فهو إما تفسير للطيب أو تصريح بأن النهي يعم الكراهة، و عن ثانيهما انه قال: «و ينبغي ان يجتنب في إحرامه الطيب كله و أكل طعام يكون فيه طيب» بل في الذخيرة نسبته إلى أكثر المتأخرين، بل في المنتهى إلى الأكثر، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة العظيمة، ل

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «من أكل زعفرانا متعمدا أو طعاما فيه طيب فعليه دم، فان كان ناسيا فلا شي ء عليه، و يستغفر اللَّه و يتوب اليه»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «لا تمس شيئا من الطيب و لا من الدهن في إحرامك، و اتق الطيب في طعامك، و أمسك على أنفك من الرائحة الطيبة، و لا تمسك عليه من الريح المنتنة، فإنه لا ينبغي للمحرم ان يتلذذ بريح طيبة، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فعليه غسله، و ليتصدق بقدر ما صنع، و انما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك و العنبر و الورس و الزعفران غير انه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح»

و صحيح حريز(3)«لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا من الريحان، و لا يتلذذ به، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه من الطعام» و في الكافي بقدر سعته،

و حسن الحلبي (4)«المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيبة و لا يمسك على أنفه من


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8 إلا ان صدره لم يطابق هذا الحديث و انما يتفق مع الحديث الخامس من هذا الباب.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 319

الريح الخبيثة»

و نحوه في

صحيح هشام (1)مع زيادة «لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا و المروة من ريح العطارين، و لا يمسك على أنفه»

و قال له (عليه السلام) أيضا الحسن بن زياد(2): «الأشنان فيه الطيب أغسل به يدي و أنا محرم قال:

إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم و اعزلوا الذي لا تحتاجون اليه، و قال:

تصدق بشي ء كفارة للأشنان الذي غسلت به يدك»

و في

خبر سدير(3)«قلت 4 لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في الملح فيه زعفران؟ قال: لا ينبغي

للمحرم ان يأكل شيئا فيه زعفران، و لا يطعم شيئا من الطيب»

و في

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) في قول اللَّه عز و جل (5)«ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ» «حفوف الرجل من الطيب»

و في

خبر الحسين بن زياد(6)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): وضأني الغلام و لم اعلم بدستشان فيه طيب، فغسلت يدي و أنا محرم قال: تصدق بشي ء من ذلك»

و قال الصدوق(7): «كان علي بن الحسين (عليهما السلام) إذا تجهز إلى مكة قال لأهله: إياكم ان تجعلوا في زادنا شيئا من


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل- الباب- 20- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و ذكر تمامه في الكافي ج 4 ص 354.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 13.
5- 5 سورة الحج- الآية 30.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 4 و في الوسائل الحسن بن زياد إلا ان الموجود في الفقيه ج 2 ص 223 الرقم 1047 الحسين بن زياد.
7- 7 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 18.

ج 18، ص: 320

الطيب و لا الزعفران نأكله أو نطعمه»

و في

خبر النضر بن سويد(1)عن الكاظم (عليه السلام) «ان المرأة المحرمة لا تمس طيبا»

و سأل الصادق (عليه السلام) حماد بن عثمان (2)«أنه جعل ثوبا إحرامي مع أثواب جمرت فأخذا من ريحها فقال: فانشرها في الريح حتى تذهب ريحها»

و ما نص (3)على ان الميت المحرم لا يمس شيئا من الطيب، و خصوصا ما

روي (4)«ان محرما وقصت به ناقته فقال النبي (صلى اللَّه عليه و آله): لا تقربوه طيبا فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا»

، و النبوي (5)«الحاج أشعث أغبر»

المنافي للتطيب، و تعليل عدم البأس بالفواكه الطيبة انها ليست بطيب (6)الى غير ذلك من النصوص الدالة منطوقا و مفهوما التي لا يقدح ما في سند بعضها بعد الاعتضاد و الانجبار بما عرفت، كما لا يقدح التعبير بلفظ «لا ينبغي» في بعضها، خصوصا إذا قلنا بأنها للقدر المشترك بين الحرمة و الكراهة، ضرورة توجه الجمع حينئذ بينها و بين غيرها بإرادة الحرمة المستفادة من النهي في غيره، بل يمكن القول بظهورها في إرادة الحرمة هنا للإجماع على حرمة الطيب في الجملة المانع عن إرادة الكراهة منه، و خصوصا بعد التعبير به في الزعفران الذي لا خلاف في حرمته، و دعوى كونها المرادة إلا ما خرج كما ترى، نحو دعوى إرادة القدر المشترك و لو بقرينة ما تسمعه من


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة.
4- 4 صحيح مسلم ج 1 ص 457.
5- 5 سنن البيهقي ج 5 ص 58.
6- 6 الوسائل- الباب- 26- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 321

المعارض، ضرورة توقف ذلك على رجحانه على احتمال الحرمة منها، و تأويل المعارض بما ستعرف إن شاء اللَّه: بل هو أرجح من وجوه كما تسمع إن شاء اللَّه و اشتمال صحيح حريز على الريحان بعد تسليم كراهته لا ينافي الحرمة في الطيب، خصوصا بعد استقلاله بنهي آخر بناء على أن قوله «و لا نهي» لا زائدة، إذ أقصاه كونه كالعام المخصوص حينئذ، فتأمل جيدا.

نعم قد استثنى المصنف و غيره من ذلك فقال ما خلا خلوق الكعبة و هو ضرب من الطيب مائع فيه صفرة كما عن المغرب و المعرب، و عن النهاية «انه طيب معروف مركب من الزعفران و غيره من أنواع الطيب، و تغلب عليه الحمرة و الصفرة» و عن ابن جزلة المتطبب في منهاجه «ان صفته زعفران ثلاثة دراهم، قصب الذريرة خمسة دراهم، اشنه درهمان قرنفل و قرفد من كل واحد درهم، يدق ناعما و ينخل و يعجن بماء ورد و دهن ورد حتى يصير كالرهشي في قوامه، و الرهشي هو السمسم المطحون قبل ان يعصر و يستخرج دهنه» و على كل حال فقد استثناه غير واحد، بل في المنتهى و محكي الخلاف الإجماع عليه، لنحو

صحيح حماد بن عثمان (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن خلوق الكعبة و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام قال: لا بأس به، هما طهوران»

و سأله أيضا ابن سنان (2)في الصحيح «عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم قال: لا بأس، و لا يغسله فإنه طهور»

و لعله لهما زاد ابن سعيد خلوق القبر، و لا بأس به، بل في التهذيب و النهاية و السرائر و التحرير و المنتهى و التذكرة زيادة زعفرانها أيضا، لاشتمال الخلوق عليه و ل

صحيح يعقوب بن شعيب (3)سأله (عليه السلام) «عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و فيه « عن المحرم يصيب ثوبه الزعفران من الكعبة قال: لا يضره و لا يغسله» و ما ذكر له في الجواهر من الذيل انما هو من صحيح حماد بن عثمان الذي يرويه في الوسائل بعد صحيحة يعقوب بن شعيب.

ج 18، ص: 322

الكعبة، و خلوق القبر يكون في ثوب الإحرام فقال: لا بأس بهما، هما طهوران»

و خبر سماعة(1)سأله (عليه السلام) أيضا «عن الرجل يصيب ثوبه زعفران الكعبة و هو محرم فقال: لا بأس و هو طهور، فلا تتقه ان يصيبك»

بل في التذكرة و المنتهى جواز الجلوس عند الكعبة و هي تجمر حملا على الخلوق، و لكن في الدروس عن الشيخ لو دخل الكعبة و هي تجمر أو تطيب لم يكن له الشم، و إن كنا لم نتحققه، بل في كشف اللثام الذي ظفرت به حكايته له في الخلاف عن الشافعي، ثم قال فيه أيضا:

و أجاد صاحب المسالك حيث حرم غير الخلوق إذا طيبت به الكعبة بالتجمير أو غيره اقتصارا على المنصوص، قال: لكن لا يحرم عليه الجلوس فيها و عندها حينئذ، و انما يحرم الشم، و لا كذلك الجلوس في سوق العطارين و عند المتطيب، فإنه يحرم، و فيه ان زعفرانها منصوص، بل يشم منه و من غيره- خصوصا نفي البأس عن الريح الطيبة بين الصفا و المروة الذي سمعته- ان مطلق ما يطيب به الكعبة بالتجمير و غيره لا بأس به، و لعله لعسر تجنبه أو منافاة القبض على الأنف لاحترامها بل لعل الاذن في ذلك فيها مع عدم الأمر بالاجتناب و الإمساك على الأنف و التحفظ عن إصابة الثياب ظاهر في عدم البأس، بل لعل قوله (عليه السلام): هو طهور مع إشعاره بالتعليل يشم منه انه من التطهير الذي أمر اللَّه تعالى به إبراهيم و إسماعيل (عليهما السلام) للطائفين و غيرهم، و ليس استثناء الجلوس عندها و فيها بخلاف الجلوس في سوق العطارين و المتطيب بأولى مما ذكرناه، و ما ذكره من


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 323

حصر التحريم في الشم يقتضي عدم الفرق بينها و بين السوق و المتطيب كما هو واضح بل يمكن ان يكون ذلك من الضرورة التي لا خلاف في الجواز معها، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، لنفي العسر و الحرج في الدين، و

صحيح إسماعيل بن جابر(1)«و كانت عرضت له ريح في وجهه من علة أصابته و هو محرم قال: فقلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): إن الطبيب الذي يعالجني وصف لي سعوطا فيه مسك فقال: اسعط به»

و في

خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن السعوط للمحرم و فيه طيب فقال: لا بأس»

المحمول على حال الضرورة جمعا.

و كيف كان فقد بان لك وجوب اجتناب المحرم الطيب شما و تطيبا و أكلا و لو في الطعام لعموم الأدلة و إطلاقها، مضافا إلى خصوص بعض النصوص السابقة، بل في التذكرة نسبته إلى إجماع علماء الأمصار، لكن ينبغي اعتبار عدم استهلاكه فيه على وجه يعد انه آكل له و مستعمل إياه و لو ببقاء رائحته التي هي المقصد الأعظم منه، كما ان المقصد الأعظم من الزعفران لونه أيضا، اما إذا استهلك على وجه لم يبق شي ء من صفاته لم يحرم، للأصل بعد عدم صدق اكله و استعماله، و ربما يؤيده في الجملة

صحيح عمران الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن المحرم يكون به الجرح فيداوي بدواء فيه الزعفران فقال:

إن كان الزعفران الغالب على الدواء فلا، و إن كانت الأدوية الغالبة فلا بأس»

فما عن الخلاف و التحرير و المنتهى و موضع من التذكرة من حرمة أكل ما فيه طيب و إن زالت أوصافه لعموم النهي عن أكل ما فيه طيب أو زعفران أو مسه واضح الضعف بعد ما عرفت من منع تناول العموم له، و لم نجد في النصوص المعتبرة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 69- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 324

ما يدل على حرمة ما فيه طيب على وجه يتناول المستهلك، و من الغريب دعوى الإجماع في المنتهى على ذلك مع أنه مظنة العكس، و لا فرق عندنا بين ما مسته النار و غيره، خلافا لمالك و أصحاب الرأي فأباحوا ما مسته النار بقيت أوصافه أم لا.

و التحقيق ما عرفت من حرمة أكله إذا لم يكن مستهلكا، نعم لو اضطر إلى أكل ما فيه طيب أو لمس الطيب خاصة قبض على أنفه تقديرا للضرورة بقدرها، و عملا بالنصوص (1)كما أنه لو اضطر إلى شمه خاصة اقتصر عليه دون أكله، و الاستعاط السابق من جملة الضرورة التي لا ينبغي التأمل في الجواز معها و إن كان قد يشعر به نسبة ذلك في التحرير إلى الصدوق، لكنه في غير محله، كما لا تأمل في الحرمة بدونها، و إن قال في المنتهى و التذكرة ان الوجه المنع مشعرا باحتمال الجواز، إلا أنه أيضا في غير محله.

و على كل حال فقد قيل و القائل الشيخ في النهاية و ابن حمزة في الوسيلة انما يحرم على المحرم المسك و العنبر و الزعفران و العود و الكافور و الورس بل عن الخلاف الإجماع على أنه لا كفارة في غيرها، و عن الجمل و العقود و المهذب و الإصباح و الإشارة حصره في خمسة بإسقاط الورس، بل في الغنية نفي الخلاف عن حرمتها و قد يقتصر بعض كما سمعته من الصدوق في المقنع على أربعة: المسك و العنبر و الزعفران و الورس بل هو المحكي عن التهذيب و ابن سعيد لصحيح معاوية(2)السابق ،

و خبر عبد الغفار(3)عنه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 24 و 26- من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 16 و ليس فيه« و خلوق الكعبة لا بأس به» و انما هو من كلام الشيخ قده كما يظهر بمراجعة التهذيب ج 5 ص 299.

ج 18، ص: 325

أيضا «الطيب المسك و العنبر و الزعفران و الورس، و خلوق الكعبة لا بأس به»

و منه يعلم كون المراد منه ذلك بالنسبة للمحرم، لا أن المراد حصر الطيب في نفسه، بل في

صحيح معاوية(1)الآخر عنه (عليه السلام) أيضا «الرجل يدهن بأي دهن شاء إذا لم يكن فيه مسك و لا عنبر و لا زعفران و لا ورس قبل أن

يغتسل للإحرام، غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح»

و بذلك يظهر لك أنه لا وجه لإسقاط الورس ممن سمعت و ان

قال الصادق (عليه السلام) في خبر ابن أبي يعفور(2): «الطيب المسك و العنبر و الزعفران و العود»

فان المتجه في الجمع بينها الحكم بحرمة الخمسة التي نفي الخلاف فيها في محكي الغنية، بل ينبغي إضافة الكافور إليها، لفحوى ما دل (3)على منع الميت المحرم منه ، فالحي أولى، بل لعل الحصر المزبور في النصوص المذكورة فيما عداه باعتبار قلة استعمال الأحياء له، كما أنه يجوز كون ترك العود في نصوص الأربعة لاختصاصه غالبا بالتجمير، و كونها مما يستعمل لنفسه، و بما ذكرنا ظهر لك حجة القول بالستة و الخمسة و الأربعة، و على كل حال فيخص أو يقيد ما دل (4)على حرمة مطلق الطيب أو يحمل على الكراهة كما عساه يشعر بها ما عرفت من قول «ينبغي» و نحوه.


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 إلا أنه لم يذكر فيه قوله عليه السلام:« غير أنه يكره للمحرم الأدهان الطيبة الريح» و انما ذكر ذلك في ذيل حديثه الآخر المروي في الباب 18 من أبواب تروك الإحرام الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب غسل الميت من كتاب الطهارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 0.

ج 18، ص: 326

و لكن مع ذلك الأول أظهر من ذلك كله: خصوصا القول بالأربعة الذي هو في غاية الندرة، حتى أن الشيخ الذي قال به في التهذيب قد رجع عنه في المبسوط إلى العموم، و في الخلاف إلى

الستة، و منه يعلم المناقشة في الحصر في الصحيح بالأربعة المشتمل على ما لا يقول به أحد من الكفارة بأنه لا بد من صرفه عن ظاهره بالنسبة إلى الكافور و العود لما عرفت، فيكون مجازا بالنسبة إلى ذلك، و هو ليس بأولى من إبقاء العموم على حاله و حمله على ما هو أغلظ تحريما أو المختص بالكفارة، بل لعله أولى و إن كان التخصيص بالترجيح أحرى من المجاز حيث ما تعارضا، فان ذلك حيث لا يلزم إلا أحدهما، و اما إذا لزم المجاز على كل تقدير فلا ريب في أن اختيار فرد منه يجامع العموم أولى من الذي يلزم معه التخصيص كما لا يخفى، و العمدة كثرة النصوص المزبورة مع عمل المشهور بمضمونها، و اشتمال بعضها على التعليل بأنه لا ينبغي للمحرم التلذذ بذلك المناسب لمعنى الإحرام، و لما ورد(1)في دعائه من إحرام الأنف و غيره، فيكون الظن بها أقوى، و إجماع الخلاف على نفي الكفارة فيما عدا الستة لا ينافي الحرمة بعد تسليمه، كما أن إجماع ابن زهرة لا ينافي حرمة غيرها، كل ذلك مضافا إلى معلومية عدم الحصر المزبور مع فرض إرادة ما يشمل الدهن من الطيب، ضرورة المفروغية من حرمته، قال في المنتهى «أجمع علماؤنا على أنه يحرم الادهان في حال الإحرام بالادهان الطيبة كدهن الورد و البان و الزيبق، و هو قول عامة أهل العلم، و يجب به الفدية إجماعا» و مقتضى ذلك كون النزاع هنا في

الطيب غير الادهان الذي سيتعرض له المصنف، اللهم إلا أن يكون المراد هناك خصوص الادهان دون الشم و الأكل، فإنه من مفروض البحث هنا، و يأتي إن شاء اللَّه تمام الكلام فيه، و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 327

كان قد عرفه في التذكرة بأنه ما تطيب رائحته و يتخذ للشم كالمسك و العنبر و الكافور و الزعفران و ماء الورد و الأدهان الطيبة كدهن البنفسج و الورس، و المعتبر أن يكون معظم الغرض منه التطيب أو يظهر فيه هذا الغرض، و قال الشهيد:

«يعني به كل جسم ذي ريح طيبة بالنسبة إلى معظم الأمزجة أو إلى مزاج المستعمل له غير الرياحين» و في المسالك «هو الجسم ذو الريح الطيبة المتخذة للشم غالبا غير الرياحين، كالمسك و العنبر و الزعفران و ماء الورد و الكافور» هذا.

و قد قيل: ذكر الفاضل أن أقسام النبات الطيب ثلاثة: الأول ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كالشيخ و القيصوم و الخزامى و الفواكه كلها من الأترج و التفاح و السفرجل و أشباهها، و هذا كله ليس بمحرم، و لا يتعلق به كفارة إجماعا،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(1): «لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم»

16766

و سأله (عليه السلام) عمار الساباطي (2)«عن المحرم يتخلل قال: نعم لا بأس به، قلت له: أ يأكل الأترج؟ قال: نعم، قلت:

فان له ريحة طيبة قال: إن الأترج طعام و ليس هو من الطيب»

و منه و غيره يعلم أن الأمر بالإمساك عنه في

مرسل ابن أبي عمير(3)عن بعض أصحابه عنه (عليه السلام) أيضا لضرب من الندب، قال: «سألته عن التفاح و الأترج و النبق و ما طاب ريحه قال: يمسك عن شمه و يأكله»

الثاني ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي و المرزنجوش و النرجس، و قد اختلف الأصحاب في


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 92- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3 و ذيله في الباب- 26- منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 328

حكمه، فقال الشيخ: إنه غير محرم، و لا تتعلق به كفارة، و استقرب العلامة في التحرير تحريمه، و الظاهر كونه من الرياحين التي ستعرف الكلام فيها، الثالث ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورد و النيلوفر، و قد وقع الاختلاف في حكمه أيضا، و استقرب الفاضل أيضا حرمته، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه، فكذا في أصله، و في محكي المبسوط الطيب على ضربين أحدهما تجب فيه

الكفارة و هي الأجناس الستة التي ذكرناها: المسك و العنبر و الكافور و الزعفران و العود و الورس، و الضرب الآخر على ثلاثة أضرب، أولها ينبت للطيب و يتخذ منه الطيب مثل الورد و الياسمين و الجبزي (و الخبزي خ ل) و الكازي و النيلوفر، فهذا يكره، و لا يتعلق باستعماله كفارة إلا ان يتخذ منه الأدهان الطيبة، فيدهن بها، فيتعلق بها كفارة، و ثانيها لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الفواكه كالتفاح و السفرجل و النارنج و الأترج و الدارصيني و المصطكا و الزنجبيل و الشيح و القيصوم و الإذخر و حبق الماء و السعد و نحو ذلك، و كل ذلك لا تتعلق به كفارة و لا هو محرم بلا خلاف، و كذلك حكم أنوارها و أورادها، و كذلك ما يعتصر منها من الماء، و الاولى تجنب ذلك للمحرم، الثالث ما ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب مثل الريحان الفارسي، و لا تتعلق به كفارة، و يكره استعماله، و فيه خلاف، و هو نحو ما سمعته من التذكرة إلا ما عرفت من الحرمة في مثل الورد.

و على كل حال فلا يخفى عليك عدم عد شي ء منها من الطيب عرفا، كما أن الرياحين أيضا كذلك و إن كان قد يظهر من استثناء محكي المصباح و مختصره الفواكه من الطيب و كذا الإرشاد و التلخيص مع زيادة الرياحين دخولها في الطيب، إلا أنه في غير محله، و يمكن إرادة المنقطع من الاستثناء.

و حينئذ يتخلص من ذلك كله أن ما كان من الطيب من الأدهان لا إشكال

ج 18، ص: 329

في حرمته على المحرم كما عرفت و تعرف، كما أن الأقوى حرمة مطلق الطيب من غيرها كالمسك و العنبر و العود و الزعفران و قصب الذريرة و غيرها مما هو طيب عرفا و يتطيب به عادة و لو للطعام، كالزعفران الذي يمكن كونه في القديم يتطيب به، خصوصا الأربعة، و خصوصا العود منها، و خصوصا الكافور، و أما غيره مما هو طيب الرائحة و ليس من الطيب عرفا فقد عرفت إباحة ما كان منه طعاما كالتفاح و السفرجل و الأترج و نحوها، و كذا ما كان نبتا بريا طيب الرائحة كالشيح و القيصوم و نحوهما، خصوصا بعد اندراجها في الرياحين و قلنا بالجواز فيها، و أما غير ذلك مما هو طيب الرائحة و ليس طعاما و لا ريحانا و لا مثل الشيح و القيصوم فالظاهر جوازه أيضا للأصل و غيره،

كصحيح العلاء(1)سأل الصادق (عليه السلام) «انه حلق و ذبح أ يطلي رأسه بالحناء و هو متمتع؟ قال: نعم من غير أن يمس شيئا من الطيب»

و سأله (عليه السلام) ابن سنان (2)في الصحيح «عن الحناء فقال: إن المحرم ليمسه و يداوي به بعيره و ما هو بطيب، و ما به بأس»

و في مرسل الصدوق (3)«انه يجوز أن يضع الحناء على رأسه، إنما يكره المسك و ضربه، إن الحناء ليس بطيب»

بل خبر عمار(4)المتقدم كالصريح في أن المحرم الطيب لا مطلق ذي الرائحة الطيبة التي قد يعسر اجتنابها أوقات الربيع في الحرم و غيره، و خصوصا الرياحين


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الحلق و التقصير- الحديث 5 إلا أن الموجود في الفقيه ج 2 ص 302 الرقم 1503« السك» بالضم بدل« المسك» و هو نوع من الطيب.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 330

منها، بل لعل السيرة القطعية على خلافه، و كذا الفواكه، و إن قال في الدروس:

«إنه اختلف فيها» إلا انه لم نتحققه، و يمكن أن يريد ما سمعته من الاختلاف في الرواية، و حينئذ فيحمل الأمر بإمساك الأنف عن الرائحة الطيبة على القدر المشترك إذا كان المراد ما يشمل الطيب و غيره.

و كيف كان فما في كشف اللثام من الوجوه التسعة في الأجسام الطيبة الريح لا نعرف بها قائلا بل و لا مأخذا لبعضها، فإنه- بعد أن استظهر من المصنف و الفاضل و الشهيد خروج الرياحين من الطيب، و من الشيخ في المصباح دخول الفاكهة فيه لاستثنائها منه و كذا في الإرشاد و التلخيص مع زيادة استثناء

الرياحين- قال: «الأول حرمتها مطلقا، و الثاني حرمتها إلا الفواكه، و الثالث حرمتها إلا الرياحين، و الرابع حرمتها إلا الفواكه و الرياحين، و الخامس حرمتها إلا الفواكه و الرياحين، و ما لا ينبت للطيب، و لا يتخذ منها الطيب، و هي نبات الصحراء و الإذخر و الأبازير خلا الزعفران، و السادس حرمتها إلا الفواكه و الأبازير غير الزعفران، و ما لا يقصد به الطيب و لا يتخذ منه، و السابع إباحتها إلا ستة، و الثامن إباحتها إلا أربعة، و التاسع إباحتها إلا خمسة، و في الأربعة وجهان» و لعله لذلك كتب فيما حضرني من نسخة كتبها بيده في الحاشية عوضا عن ذلك على الظاهر «و بالجملة فلا كلام في حرمة الأربعة، و الورس منها أظهر من العود، و فيما زاد أقوال، منها حرمة خمسة، و منها حرمة ستة، و منها حرمة الطيب مطلقا، و في شموله الفواكه وجهان، و كذا في شموله الرياحين، و في شموله الأبازير كالقرنفل و الدارصيني و كذا في شموله أو شمول الرياحين لما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه الطيب كالحناء و العصفر و نبات البر كالإذخر و الشيح» ثم ذكر النصوص الدالة على جواز الحناء للمحرم التي ذكرناها و هو و إن كان في جملة منه نظر واضح أيضا إلا انه أولى من كلامه السابق، و على كل حال فالتحقيق ما عرفت.

ج 18، ص: 331

ثم إنه لا إشكال في جواز اجتياز المحرم في موضع يباع فيه الطيب مثلا، أو يجلس عند متطيب إذا لم يكتسب جسده و لا ثوبه من ريحه و كان قابضا على أنفه كما صرح به غير واحد، للأصل بعد عدم صدق عنوان النهي من المس و الأكل و الاستعمال، و في

صحيح ابن بزيع (1)«رأيت أبا الحسن (عليه السلام) كشف بين يديه طيب لينظر اليه و هو محرم فأمسك بيده على أنفه من رائحته»

و حينئذ فلا بأس ببيعه و شرائه و غيرهما مما لا يندرج في عنوان النهي، نعم يجب الامتناع عن شمه بقبض الأنف و نحوه لحرمة ذلك عليه، و للخبر المزبور المعتضد بالأمر في النصوص السابقة بذلك عن الرائحة الطيبة، خلافا للمحكي عن ظاهر المبسوط و الاستبصار و السرائر و الجامع فلا يجب، للأصل بعد منع اندراج إصابة الرائحة في الطريق في موضوع النهي، بخلاف الشم و المباشرة و الأكل المؤديين له و لما سمعته من

خبر هشام بن الحكم (2)«لا بأس بالريح الطيبة»

الى آخره، و هو كما ترى، ضرورة انقطاع الأصل بما عرفت، و اختصاص الخبر المزبور في المكان المخصوص للضرورة أو غيرها، بل لعل تعمد الاجتياز في الطريق المزبور مثلا كالمباشرة و التناول و غيرهما المؤدي إلى الشم.

هذا كله في الرائحة الطيبة، أما الرائحة الكريهة فالمشهور حرمة إمساك الأنف عن شمها، بل عن ابن زهرة نفي الخلاف فيه للنهي عنه فيما سمعته من النصوص المعتبرة التي منها

صحيح ابن سنان (3)عن الصادق (عليه السلام) «المحرم إذا مر على جيفة فلا يمسك على أنفه»

فلا وجه للمناقشة باحتمال ارادة نفي الوجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 332

في مقابل ريحة الطيب بعد ما سمعته من نفي الخلاف و الشهرة.

و يجب أن يزيل ما أصابه منه فورا كما صرح به الفاضل، لحرمة الاستدامة كالابتداء، و في الدروس «أمر الحلال بغسله أو غسله بآلة» و لكن في محكي التهذيب و التحرير و المنتهى التصريح بجواز إزالته بنفسه، و لعله ل

قول أحدهما (عليهما السلام) في مرسل ابن أبي عمير(1): «في محرم أصابه طيب لا بأس أن يمسحه بيده أو يغسله»

و لانه مزيل للطيب تارك له لا متطيب، كالغاصب إذا خرج من الدار المغصوبة بنية تركها، و لظاهر

قوله (صلى اللَّه عليه و آله)(2)لمن رأى عليه طيبا: «اغسل عنك الطيب»

كخبر إسحاق بن عمار(3)«عن المحرم لمس الطيب و هو نائم لا يعلم قال: يغسله و ليس عليه شي ء، و عن المحرم يدهنه الحلال بالدهن الطيب و المحرم لا يعلم ما عليه قال: يغسله أيضا، و ليحذر».

لكن لا ريب في أن الأحوط ما سمعته من الدروس، بل يمكن القول بتعينه بعد معلومية حرمة مسه بالإجماع بقسميه و النصوص (4)و لو بالباطن كباطن الجرح و الاكتحال و الاحتقان و الاستعاط على وجه لا يخرج عنه بمثل النصوص المزبورة، و يمكن حملها على حال الضرورة، بل لعل

قوله (عليه السلام) في الأخير: «يغسله و ليحذر»

إشارة منه إلى مسه.

و لو كان معه ماء لا يكفيه لغسل الثوب و الطهارة و لم يمكن قطع رائحة الطيب بشي ء غير الماء ففي المدارك صرفه لغسله، و تيمم للطهارة، قال: «لأن للطهارة المائية بدلا، و لا بدل للغسل الواجب» بل في الدروس «و صرف الماء


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 صحيح مسلم ج 4 ص 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام.

ج 18، ص: 333

في غسله أولى من الطهارة و إزالة النجاسة، فيتيمم» و هو صريح في عدم الفرق بين الحدث و الخبث الذي لا بدل له أيضا، و احتمل في المدارك وجوب الطهارة به، لان وجوبها قطعي، و وجوب الإزالة و الحال هذه مشكوك فيه، لاحتمال استثنائه للضرورة كما في الكعبة و المسعى، و الاحتياط يقتضي تقديم الغسل على التيمم، لتحقق فقد الماء حالته، قلت: لا يخفى عليك ما في ذلك كله، و المتجه التخيير، هذا.

و قد عرفت سابقا وجوب اجتنابه في مطلق استعماله للتطيب و لو بحمل ما فيه طيب من غير أن يمس ثوبه و لا بدنه و لكن تظهر رائحته عليه بحمله، و كذا التبخر أو لبس ثوب مطيب بصبغ فيه أو غمس أو ذر أو غير ذلك مما يكون به مطيبا، بل عن التذكرة إجماع علماء الأمصار على حرمة ثوب فيه طيب، لخبر حماد بن عثمان (1)السابق ، و مفهوم

خبر الحسين بن أبي العلاء(2)«عن ثوب المحرم يصيبه الزعفران ثم يغسل قال: لا بأس به إذا ذهب ريحه»

و خبر إسماعيل ابن الفضل (3)«عن المحرم يلبس الثوب قد أصابه الطيب فقال: إذا ذهب ريح الطيب فلا بأس فيلبسه»

و غير ذلك.

و كذا يحرم الجلوس عليه أو في حانوت عطار مثلا فتشبث به الرائحة لذلك كما أومى إليه في خبر حماد بن عثمان السابق المشتمل على اكتساب ثوبي الإحرام من الثياب المجمرة الذي أمر فيه بنشرها حتى يذهب ريحها، بل في محكي التذكرة و المنتهى و التحرير «لو داس بنعله طيبا فعلق بنعله أثم و كفر» و ما عن الخلاف- من أنه يكره للمحرم أن يجعل الطيب في خرقة و يشمها، فان فعل فعليه الفداء-


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 334

يراد به الحرمة بقرينة الفداء، كما أن ما عنه و التذكرة- من كراهة القعود عند العطار الذي يباشر العطر، فان جاز عليه أمسك على أنفه، و عن المبسوط زيادة و يكره الجلوس عند الرجل المتطيب إذا قصد ذلك غير أنه لا يتعلق به فدية، و نحوه عن الوسيلة في الحكم بكراهة الجلوس إلى متطيب أو مباشر للطيب- محمول على غير المكتسب لذلك و غير الشام، و لذا قال في محكي التذكرة، و لا يجوز الجلوس عند رجل متطيب و لا في سوق العطارين، لأنه يشم الطيب حينئذ، نعم لو فرش فوق ثوب مطيب ثوبا يمنع رائحته ثم جلس أو نام عليه لم يأثم، للأصل بعد عدم اندراجه في موضوع النهي، بل يمكن القول بالاكتفاء بثيابه مع عدم العلوق به خلافا للاصبهاني فقال: لا يكفي حيلولة ثياب بدنه، و في محكي التذكرة استعمال الطيب عبارة عن شمه أو إلصاق الطيب بالبدن أو الثوب أو تشبث الرائحة بأحدهما قصدا للعرف قال: «فلو تحقق الريح دون العين بجلوسه في حانوت عطار أو في بيت يجمره ساكنوه وجبت الفدية ان قصد تعلق الرائحة به، و إلا فلا، و الشافعي أطلق القول بعدم وجوب الفدية، و لو احتوى على مجمرة لزمت الفدية عندنا و عنده أيضا، و قال أبو حنيفة: لا تجب الفدية، و لو مس جرم العود فلم تتعلق به رائحته فلا فدية، و للشافعي قولان، و لو حمل مسكا في فأرة مضمومة الرأس فلا فدية إذا لم يشمها، و به قال الشافعي، و لو كانت غير مضمومة فللشافعية وجهان و قال بعضهم: إن حمل الفأرة تطيب» و لا يخفى عليك منافاة بعضه لبعض ما ذكرناه كما أن ما عن الخلاف من أنه إن كان الطيب يابسا مسحوقا فان علق ببدنه منه شي ء فعليه الفدية، فان لم يعلق بحال فلا فدية، و إن كان يابسا غير مسحوق كالعود و العنبر و الكافور فان علق ببدنه رائحته فعليه الفدية، و نحوه عن المبسوط إلا أنه ليس فيه ذكر المسحوق، و عن غيره زيادة و ان لم يعلق فلا شي ء عليه، و نحوهما الورس كذلك في الجملة أيضا، و التحقيق ما عرفت، ضرورة كون المدار

ج 18، ص: 335

في المنع على ما يندرج في عنوان النهي من اللمس و التطيب و الأكل و الشم، و فاقد حاسة الشم ترتفع عنه حرمة الشم دون غيرها، و اللَّه العالم.

[منها لبس المخيط للرجال ]

و لبس المخيط للرجال بلا خلاف أجده فيه كما عن الغنية و المنتهى و التحرير و التنقيح و المفاتيح و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل عن التذكرة و موضع آخر من المنتهى إجماع العلماء كافة عليه، بل عن الأخير منهما عن ابن عبد البر أنه لا يجوز لبس شي ء من المخيط عند جميع أهل العلم، و في الأول عن ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن المحرم يمنع من لبس القميص و العمامة و السراويل و الخف و البرنس، لما

روى العامة(1)«ان رجلا سأل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) ما يلبس المحرم من الثياب؟ فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): لا يلبس القميص و لا العمائم و لا السراويلات و لا البرانس و لا الخفاف إلا أحدا لا يجد النعلين، فليلبس الخفين، و ليقطعهما أسفل من الكعبين»

و في الدروس يجب تركه على الرجال و إن قلت الخياطة في ظاهر كلام الأصحاب، و ربما استدل له بما تسمعه من نزع أزرار الطيلسان الذي هو كما ستعرف لا خياطة فيه إلا بالأزرار، فليس حينئذ إلا لأن الخياطة و إن قلت مانعة، و لكن ستسمع ما فيه، نعم ما سمعته من معاقد الإجماعات كاف في جعل العنوان لبس المخيط و إن لم أجده في شي ء مما وصل إلينا من النصوص الموجودة في الكتب الأربعة و غيرها كما اعترف به غير واحد حتى الشهيد في الدروس حيث قال: لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط، انما نهي عن القميص و القباء و السراويل، و هو كذلك، فان النصوص المتقدمة سابقا في ثوبي الإحرام و في جواز لبس القباء مقلوبا و لبس السراويل مع الضرورة و في المقام انما تدل على النهي عن ثوب تزره أو تدرعه، و عن لبس السراويل


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 49.

ج 18، ص: 336

و الخفين و القميص، بل في

صحيح زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عما يكره للمحرم أن يلبسه فقال: يلبس كل ثوب إلا ثوبا يتدرعه»

و في

صحيح معاوية و حسنه (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا تلبس و أنت تريد الإحرام ثوبا تزره، و لا تدرعه و لا تلبس سراويل إلا أن لا يكون لك إزار، و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان»

و في

صحيح الحلبي (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في المحرم يلبس الطيلسان المزرور فقال: نعم في كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره، و قال: انما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل، فأما الفقيه فلا بأس بأن يلبسه»

و في

صحيح يعقوب بن شعيب (4)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور قال: نعم، و في كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس طيلسانا حتى تنزع أزراره، فحدثني أبي انه انما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل»

و هي كما ترى ظاهرة في كون المانع الادراع و الزر لا كونه مخيطا، و ربما يرشد اليه ما تقدم سابقا من طرح القميص على العاتق أن لم

يكن له رداء، و لبس القباء منكوسا من غير إدخال اليدين في الكمين، و لعله لذلك لم يذكر في المقنعة اجتناب المحرم المخيط، و انما ذكر أنه لا يلبس قميصا.

بل قد ينقدح الشك من صحيحي الطيلسان فيما سمعته من الدروس من دعوى ظهور كلام الأصحاب في حرمة المخيط و ان قلت الخياطة، ضرورة ظهورهما في الجواز و إن كان فيه أزرار مخيطة، بل قد يدعى انصراف المخيط إلى غير ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 36- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 337

خصوصا بناء على استفادة حرمته و لو بمعونة الإجماع المزبور مما ورد من الثوب الذي يدع و القميص و السراويل و الخف و نحو ذلك، بناء على أنها مثال لكل مخيط نحوها دون الخياطة القليلة في الإزار و الرداء، بل قد يدعى انسياق الموضوع على الخياطة مما شابه الأشياء المزبورة، بل لعل إطلاق الإزار و الرداء يشمل المخيطين و غيرهما، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط في اجتناب مطلق المخيط.

نعم قد يشك في اندراج ما يستعمل لكف نزول الريح في الأنثيين من المخيط المسمى في الفارسية بالباد فتح من حيث عدم كونه من اللباس المعتاد المخيط الذي هو نحو الأشياء المزبورة، بل لعل إلحاقه بالهميان المشدود على الوسط و المنطقة و عصابة القروح أولى من إلحاقه بالخفين، فالأقوى جوازه اختيارا، و الأحوط تركه.

و كيف كان فلا يعتبر في حرمة المخيط كونه محيطا بالبدن، لإطلاق الأدلة المزبورة، خلافا للمحكي في الدروس عن ظاهر ابن الجنيد من اشتراطه حيث قيد المخيط بالضام للبدن، قال في الدروس: فعلى الأول يحرم التوشح بالمخيط و التدثر و فيه أنه يمكن عدمها عليه أيضا باعتبار عدم صدق اللبس على الثاني، فإنه العنوان في معقد الإجماع لا حرمة المخيط مطلقا، و لذا صرح هو بجواز افتراشه، و ظهور قوله (عليه السلام): «يدرعه» في كون المحرم الادراع به لا التوشح و نحوه، و لعله لذا نفي الكفارة فيه الفاضل في القواعد على إشكال، فتأمل جيدا فإنه قد يقال إن مثله لبس، هذا.

و في المدارك ألحق الأصحاب بالمخيط ما أشبهه كالدرع المنسوج وجبة اللبد و الملصق بعضه ببعض، و قال في التذكرة و قد ألحق أهل العلم بما نص النبي (صلى اللَّه عليه و آله) ما في معناه، فالجبة و الدراعة و شبههما ملحق بالقميص، و التبان و الران و شبههما

ج 18، ص: 338

ملحق بالسراويل، و القلنسوة و شبهها مساو للبرنس، و الساعدان و القفازان و شبههما مساو للخفين، قال: «إذا عرفت هذا فيحرم لبس الثياب المخيطة و غيرها إذا شابهها كالدرع المنسوج، و المعقود كجبة اللبد، و الملصق بعضه ببعض حملا على المخيط، لمشابهته له في المعني من الترفه و التنعم» و في المدارك و غيرها أن الأجود الاستدلال عليه بالنصوص المزبورة المتناولة بإطلاقها لهذا النوع، إذ ليس فيها المخيط حتى يكون إلحاق غيره به خروجا عن المنصوص، و هو جيد في خصوص المتخذ منها على وجه يصدق عليه الثوب و القباء و السراويل بناء على عدم انصراف المخيط منها، أما إذا لم تكن كذلك و أراد الإحرام بها فينبغي الجواز، ضرورة عدم صدق الدرع و القميص و السراويل حينئذ عليها، فإن أراد الملحق المنع في خصوص الأشياء المزبورة اتجه ذلك، و إلا فلا مناص عن دعوى كون هذا التلبد و إلصاق البعض بالبعض ملحقا بالخياطة، و حينئذ إن تم إجماعا فذاك، و إلا كان للمنع فيه مجال، نعم قد يقال بحرمة لبس غير المنسوج منها في الإحرام بناء على انصراف الأمر بلبس ثوبي الإحرام إلى المنسوج دون غيره، فيمنع حينئذ لذلك لكن فيه أن المتجه حينئذ جواز لبسه معهما، لعدم المانع و إن لم يكتف بهما في ثوبي الإحرام، و لعله لا يخلو من قوة، ضرورة عدم صدق المخيط على شي ء منها و عدم معلومية الإجماع على إلحاق مطلق التلبيد و الإلصاق و إن لم تكن على هيئة المخيط، و انما المسلم منه ما كان على هيئة المخيط و لكن بالنسج و التلبيد و الإلصاق و نحو ذلك على وجه يكون قميصا و قباء و سراويل وجبة و شبهها، لا أن مطلق التلبيد و الإلصاق ملحق بالخياطة و إن لم يكن على هيئة شي ء مما عرفت، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط، فان عباراتهم لا تخلو من تشويش بالنسبة إلى ذلك.

ثم إنك قد عرفت سابقا تصريح الفاضل و الشهيد بحرمة عقد الرداء و دليله بل عن الأول منهما هنا حرمة زره و تخليله، و يدل على الأول منهما النهي عن زر

ج 18، ص: 339

الثوب الذي يدخل فيه الرداء بالأولوية، كما أنه يدل على الثاني منهما أنه خياطة أو ملحق بها، بل في المسالك أنه يلحق بالخياطة ما أشبهها من العقد و الزر و الخلال للرداء، و إن كان فيه ما لا يخفى، و أما الإزار فقد صرح الفاضل و غيره أيضا بجواز عقده لما سمعته سابقا من بعض النصوص (1)المعتضد بالأصل، و بالاحتياج اليه لستر العورة، فيباح كاللباس للمرأة، لكن قد سمعت النهي عنه أيضا في مكاتبة الحميري (2)و كذا صرح الفاضل و الصدوق و ابن حمزة و يحيى بن سعيد و الشهيد و غيرهم بجواز لبس المنطقة و شد الهميان للأصل و إن كانا مخيطين، ل

صحيح يعقوب بن شعيب (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يصر الدراهم في ثوبه قال: نعم، و يلبس المنطقة و الهميان»

و خبر يعقوب بن سالم (4)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): تكون معي الدراهم فيها

تماثيل و أنا محرم و أجعلها في همياني و أشده في وسطي فقال: لا بأس، أو ليس هي نفقتك و عليها اعتمادك بعد اللَّه عز و جل؟»

و خبر يونس بن يعقوب (5)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) المحرم يشد الهميان في وسطه فقال: نعم، و ما خيره بعد نفقته»

و صحيح أبي بصير(6)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يشد على بطنه العمامة قال: لا، ثم قال: كان أبي (عليه السلام) يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته، يستوثق منها فإنها من تمام حجه»

و خبره الآخر(7)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يشد على بطنه المنطقة التي فيها نفقته قال: يستوثق منها فإنها تمام حجه»

بل في المنتهى و التذكرة أن جواز لبس الهميان قول جمهور العلماء، و كرهه ابن عمر و نافع، و أنه تشتد الحاجة إليه،


1- 1 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 340

فلو لم يجز لزم الحرج، نعم في أولهما أيضا «انه لو أمكن إدخال سيور الهميان بعضها في بعض و عدم عقدها فعل، لانتفاء الحاجة إلى العقد، و لو لم يثبت بذلك كان له عقده» و فيه أن النص مطلق، بل قد يمنع اندراجه في

لبس المخيط، هذا، و ظاهر صحيح أبي بصير(1)حرمة شد العمامة، لكن في

صحيح عمران الحلبي (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «المحرم يشد على بطنه العمامة، و إن شاء يعصبها على موضع الإزار، و لا يرفعها إلى صدره»

إلا ان الأحوط مع ذلك اجتنابه.

هذا كله في الرجال و اما في النساء ففيه خلاف و لكن الأظهر و الأشهر الجواز اضطرارا و اختيارا بل هو المشهور شهرة عظيمة بل لا يبعد دعوى الإجماع معها، لندرة المخالف الذي هو الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار، و معروفية نسبه، على أنه قد رجع عنه في ظاهر محكي المبسوط في القميص، بل عن موضع آخر منه مطلق المخيط، بل عبارته فيها غير صريحة، قال: و يحرم على المرأة في حال الإحرام من لبس الثياب جميع ما يحرم على الرجل و يحل لها جميع ما يحل له ثم قال بعد ذلك: و قد وردت رواية(3)بجواز لبس القميص للنساء، و الأفضل ما قدمناه، و أما السراويل فلا بأس بلبسه لهن على كل حال، بل لعل قوله: «و الأفضل ما قدمناه» صريح في الجواز، لكن عن بعض النسخ «و الأصل ما قدمناه» كل ذلك مضافا إلى الإجماع صريحا في التذكرة و المنتهى و السرائر و المختلف و التنقيح على ما حكي عن بعضها فضلا عن ظاهره


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 72- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 341

المستفاد من غير واحد، قال في الأول: «يجوز للمرأة لبس المخيط إجماعا، لأنها عورة، و ليست كالرجال» و كذا المنتهى، بل قال: «لا نعلم فيه خلافا إلا قولا شاذا للشيخ لا اعتداد به» و هو كالصريح في انعقاد الإجماع بعد الشيخ و عن موضع آخر منه أيضا و قال بعض منا شاذ لا تلبس المخيط، و هو خطأ محض و لعله لذا استدل في المختلف بالإجماع على جوازه مع نقل خلافه، و في محكي السرائر الأظهر عند أصحابنا أن لبس الثياب المخيطة غير محرم على النساء، بل عمل الطائفة و فتواهم و إجماعهم على ذلك، و كذلك عمل المسلمين، إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة و الصريحة في معلومية الحكم، كل ذلك مضافا إلى خصوص المعتبرة(1)المستفيضة المتقدمة في مسألة جواز لبس الحرير لهن، و بذلك تخص قاعدة الاشتراك و المحرم في بعض النصوص بناء على إرادة الجنس منه الشامل لهن.

نعم في جملة منها(2)فيها الصحيح و غيره النهي لهن عن القفازين الذي حقيقته الحرمة المحكي عليها الإجماع في صريح الخلاف و الغنية و ظاهر المنتهى و التذكرة، فاحتمال بعض متأخري المتأخرين إرادة الكراهة من النهي المزبور- لأنهما اما من جنس الثياب بناء على تفسيرهما بأنهما شي ء يعمل لليدين يحشى بقطن و يكون له أزرار تزر على الساعدين من البرد تلبسه المرأة في يديها، و عن الأزهري قال شمر: القفازان شي ء تلبسه نساء الاعراب في أيديهن يغطي اصابعهن و

أيديهن مع الكف، يعني كما يلبسه حملة الجوارح من البازي و نحوه كما قاله النووي و غيره، و عنه أيضا عن خالد بن جنبة القفازان تقفزهما المرأة إلى كعوب المرفقين فهو سترة لها، و إذا لبست برقعها و قفازيها و خفها فقد تكننت، و القفاز يتخذ من القطن فيحشى له بطانة و ظهارة من الجلود و اللبود، إلى غير ذلك مما


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام.

ج 18، ص: 342

يدل على انه من الثياب التي دلت الأدلة على جوازها لهن، أو من جنس الحلي لليدين و الرجلين كما عن بني دريد و فارس و عباد، فيتحد حكمهما معه و هو جواز اللبس لغير الزينة- واضح الضعف، ضرورة تقديم الخاص على العام، بل هو أرجح من الجمع بالكراهة من وجوه كما هو محرر في محله، و خصوصا في المقام، و لفظ الكراهة بدل النهي في بعض الاخبار(1)لا يصلح قرينة عليها بالمعني المصطلح لكونه في الاخبار للأعم منها و من الحرمة، و لو سلم فيكفي الإجماعات المزبورة قرينة على إرادة الحرمة منه، و بقاء النهي على حقيقته، ثم ان في خبر أبي عنبسة(2)عن الصادق (عليه السلام) النهي لهن عن البرقع مع القفازين، و في

خبر يحيى بن أبي العلاء(3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «انه كره للمحرمة البرقع و القفازين»

بل أفتى به في التذكرة مستدلا عليه بالخبر الثاني بناء منه على إرادة الحرمة من الكراهة فيه و لو بقرينة كونها كذلك في القفازين، و لكن لم يحضرني الآن موافق له على تحريم ذلك، بل لعل ظاهر اقتصار غيره على القفازين خلافه و لعله للأصل بعد عدم اجتماع شرائط الحجية في الخبرين المزبورين، سيما بعد ظهور الاقتصار على القفازين من غير واحد في خلافه، و اللَّه العالم.

و أما الغلالة بكسر الغين ثوب رقيق يلبس تحت الثياب للحائض فجائز لها أي لبسها إجماعا كما اعترف به في التذكرة و المنتهى، و لعله لأن الشيخ في النهاية و إن منع المخيط لهن كالرجال لكن قال فيها: و يجوز للحائض أن تلبس تحت ثيابها غلالة تتقي ثيابها من النجاسات، كل ذلك مضافا


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 3 عن أبي عيينة كما في الكافي ج 4 ص 345.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 343

إلى الأصل، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (1): «تلبس المرأة الحائض تحت ثيابها غلالة».

و كذا لا خلاف أيضا في جواز لبس السراويل لهن كما اعترف به في المنتهى فان الشيخ في

النهاية صرح بجوازها لهن كما سمعته سابقا في كلامه، و في

الصحيح عن محمد بن علي الحلبي (2)انه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن المرأة إذا أحرمت تلبس السراويل فقال: نعم، انما تريد بذلك الستر».

و أما الخنثى المشكل فقد صرح الفاضل و غيره بالجواز لها للأصل بعد عدم العلم بكونها رجلا، و فيه انه يمكن إرادة الجنس من المحرم في النصوص، فيشمل الخنثى حينئذ، و تختص المرأة بالخروج، و لكن يمكن منعه، كمنع اقتضاء قاعدة الشغل بعد القول بالأعم.

و كذا لا خلاف أيضا في انه يجوز لبس السراويل للرجل إذا لم يجد إزارا كما اعترف به في المنتهى و المدارك و الذخيرة، بل في التذكرة إجماع العلماء عليه، لصحيح معاوية بن عمار و حسنه (3)المتقدمين آنفا، و

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر حمران (4): «المحرم يلبس السراويل إذا لم يكن معه إزار»

و في محكي الخلاف نفي الفدية عليه، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا، بل في المنتهى اتفق عليه العلماء إلا مالكا و أبا حنيفة، و هو الحجة، لا خلو أخبار المقام عنه، و لا الأصل الذي يمكن قطعه بما دل على وجوبها مع الضرورة، ك

صحيح ابن مسلم (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 35- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 344

عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن المحرم يحتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها فقال (عليه السلام): لكل صنف منها فداء»

و خبر العيص (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يلبس القميص متعمدا قال: عليه دم، و من اضطر الى لبس ثوب يحرم عليه مع الاختيار جاز له لبسه، و عليه دم شاة»

بل ذيله بناء على أنه من الصادق (عليه السلام) أوضح من غيره في شمول الفرض، بل و

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي ء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»

اللهم إلا أن يقال إنه عند الضرورة ينبغي له لبسه، لكن يضعفه

قوله (عليه السلام): «ففعل ذلك ناسيا»

و لعل خلو أخبار المقام للاتكال على وجوده في غيرها، فما في المدارك- من أنه لا ريب في بطلان القول بوجوب الفدية لأنه إثبات شي ء لا

دليل عليه- لا يخفى عليك ما فيه، اللهم إلا أن يمنع تناول النص للمفروض باعتبار ظهوره في المحرم دون المقام الذي هو من أول الأمر فاقد الإزار و فيه أنه أعم من ذلك، نعم ظاهر النصوص بل صريحها كالفتاوى و معقد نفي الخلاف و الإجماع عدم وجوب فتقه، فما عن الغنية و الإصباح من أنه عند قوم من أصحابنا لا يلبس حتى يفتق و يجعل كالمئزر و أنه أحوط واضح الضعف، مع


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 8- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2 عن سليمان بن العيص و الظاهر أن الذيل ليس من الخبر كما أنه ليس في التهذيب ج 5 ص 384 الرقم 1339.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 345

انا لم نعرف القوم المزبورين، بل لا حاجة معه حينئذ إلى قيد الاضطرار، و لا إلى احتمال الفدية، ضرورة خروجه عن كونه مخيطا، اللهم إلا أن يراد فتقه في الجملة و اللَّه العالم.

و كذا يجوز له لبس طيلسان له أزرار كما صرح به الصدوق و الشيخ و الفاضل و الشهيد و غيرهم، بل ظاهر الجميع جوازه اختيارا، بل كاد يكون صريح التذكرة و المنتهى و الدروس، و خصوصا الأخير، و لكن في الإرشاد و لا يزر الطيلسان لو اضطر اليه، و قد يشعر باشتراط الضرورة، و فيه أنه مناف لإطلاق ما سمعته من النصوص المعتضدة بظاهر الفتاوى، بل ظاهرها و ظاهر خبري معاوية ابن عمار المتقدمين عدم وجوب نزع أزراره و لكن لا يزره على نفسه كما هو ظاهرها أيضا أو صريحها، بل في المسالك و منه يستفاد بالإيماء عدم جواز عقد ثوب الإحرام الذي يكون على المنكبين، و لو زره أو عقد الثوب فالظاهر انه كلبس المخيط، فتجب الفدية، و لكن فيه نظر أو منع، و على كل حال فهو خارج عن حكم المخيط بناء على انه منه و لو لقلة الخياطة فيه، أو عن الثوب الممنوع على المحرم في النصوص، أو عن حكم الملحق به، و إن كان هو لا خياطة فيه، لأنه على ما في المسالك «ثوب منسوج محيط بالبدن» و عن مغرب المطرزي و معربة و تهذيب الأسماء أنه معرب «تالشان» و عن المطرزي «هو من لباس العجم مدور أسود» قال: «و عن أبي يوسف في قلب الرداء في الاستسقاء أن يجعل أسفله أعلاه، فإن كان طيلسانا لا أسفل له أو خميصة اي كساء يثقل قلبها حول يمينه على شماله» قال: «و في جمع التفاريق الطيالسة لحمتها قطن و سداها صوف» و عن مجمع البحرين «هو ثوب محيط بالبدن، ينسج للبس، خال عن التفصيل و الخياطة، و هو من لباس العجم، و الهاء في الجمع للعجمة؛ لأنه فارسي معرب تالشان» و اللَّه العالم.

ج 18، ص: 346

[منها الاكتحال بالسواد]

و الاكتحال بالسواد على قول للمفيد و الشيخ و سلار و بني حمزة و إدريس و سعيد و غيرهم، للمعتبرة المستفيضة التي منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود إلا من علة»

و في

صحيح حريز و حسنه (2)«لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، ان السواد زينة»

و سأله الحلبي (3)في الحسن كالصحيح «عن الكحل للمحرم قال: أما بالسواد فلا، و لكن بالصبر و الحضض»

بل ظاهر التعليل المزبور حرمته و إن لم يقصد الزينة باعتبار كونه زينة في نفسه و إن لم يقصد، مؤيدا ذلك

بالنبوي (4)«الحاج أشعث أغبر»

لكن في الاقتصاد و الجمل و العقود و الخلاف و الغنية و النافع على ما حكي عن بعضها انه مكروه، بل عن الشيخ دعوى إجماع الفرقة عليه للأصل بعد حمل النهي المزبور عليها، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر هارون بن حمزة(5): «لا يكحل المحرم عينيه بكحل فيه زعفران، و ليكحل بكحل فارسي»

بناء على إرادة الإثمد منه، و فيه منع، مع انه لا مقاومة له لمعارضة النصوص المزبورة من وجوه، فالتأويل فيه أولى، و أما

صحيح (6)فضالة و صفوان عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس أن يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه، فأما للزينة فلا»

فأقصاه العموم اللازم تخصيصه بما سمعت، كما ان أقصاه الحرمة للزينة، فلا ينافي الحرمة و إن لم يقصدها، مع احتمال إرادة ما يسبب لها

و إن لم يقصدها، فيوافق السابق، و كذا ما في

خبر أبي بصير(7)عنه (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 58.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 عن فضالة و صفوان عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه عليه السلام كما أشار إلى مضمونه في ص 347 بعنوان صحيح معاوية.
7- 7 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 13.

ج 18، ص: 347

«تكتحل المرأة المحرمة بالكحل كله إلا كحل أسود لزينة»

كما عن الفقيه و المقنع بلام واحدة، و إن قيل هو أظهر في التخصيص حينئذ، بل قيل يمكن إرادة الحرمة من الخلاف، فيقل المخالف حينئذ، و على كل حال ففي المسالك لا فدية فيه على القولين، و لعله للأصل، كما انه صرح في محكي المنتهى بجواز الاكتحال بما عدا الأسود من أنواع الكحل إلا ما فيه طيب بلا خلاف.

قلت: قد يقال بكراهته، ل

حسن الكاهلي (1)عن الصادق (عليه السلام) قال:

«سأله رجل و أنا حاضر فقال: اكتحل إذا أحرمت، قال: لا، و لم تكتحل؟

قال: إني ضرير البصر، فإذا اكتحلت نفعني، و إذا تركته ضرني، قال: اكتحل قال: فإني أجعل مع الكحل غيره قال: ما هو؟ قال: آخذ خرقتين فأربعهما فأجعل على كل عين خرقة، و أعصبهما

بعصابة إلى قفاي، فإذا فعلت ذلك نفعني، و إذا تركته ضرني، قال: فاصنعه»

و منه يستفاد الجواز للضرورة و إن كان بالأسود،

قال الصادق (عليه السلام)(2): «لا بأس للمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا كافور إذا اشتكي عينه»

و اللَّه العالم.

أو بما فيه طيب كما هو المشهور، بل في التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد عموم المنع عن استعمال الطيب، و خصوص المعتبرة المستفيضة التي منها صحيح معاوية(3)المتقدم، و

صحيح عبد اللَّه بن سنان (4)عن الصادق (عليه السلام) «يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران»

و مرسل أبان (5)عنه (عليه السلام) أيضا المنجبر بما عرفت «إذا اشتكي المحرم عينه فليكتحل بكحل ليس فيه مسك و لا طيب»

فما عن الإسكافي و الشيخ في الجمل و القاضي في المهذب


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.

ج 18، ص: 348

و شرح جمل العلم و العمل من الكراهة واضح الضعف، و ان احتج له بالأصل بعد زعم خروجه

عن استعمال الطيب عرفا، لاختصاصه بالظواهر، إلا انه كما ترى، ضرورة انك قد عرفت الإجماع بقسميه على حرمة مسه و لو بالباطن، على انه لو سلم فالنص الخاص هنا كاف، فلا إشكال حينئذ في الحكم المزبور، بل قيل قد تعطي النهاية و المبسوط الحرمة و ان اضطر اليه، و لعله لما سمعته من النصوص الناهية عنه مع الحاجة منطوقا و مفهوما، و إن كان هو واضح الضعف أيضا، لعموم ما دل على الإباحة معها على وجه لا يخرج عنه بمثل ذلك، و النصوص المزبورة محمولة على الاندفاع بغير ذلك، ثم ان فديته فدية الطيب على الظاهر كما صرح به في المسالك، و هل يعتبر في الحرمة وجود الرائحة في الطيب كما هو مقتضي الحسن المزبور، بل أفتى به في الذخيرة، بل ربما يؤيده إمكان منع صدق اسم الطيب مع ذهاب الرائحة، أو لا يعتبر لصدق المسك و الزعفران على فاقدها؟ وجهان لا يخلو أولهما من قوة، و قد تقدم نحوه فيما مزجه بالطعام، و اللَّه العالم.

و على كل حال ف يستوي في ذلك الرجل و المرأة بلا خلاف و لا إشكال، بل في النصوص السابقة(1)ما يدل عليه.

[منها النظر في المرآة]

و كذا لا يجوز لهما في حال الإحرام النظر في المرآة على الأشهر كما عن الصدوق و الشيخ و

أبي الصلاح و ابني إدريس و سعيد، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد(2): «لا تنظر في المرآة و أنت محرم فإنه من الزينة»

و في

صحيح حريز(3)«لا تنظر في المرآة و أنت محرم لأنه من الزينة»

و في

حسن معاوية(4)«لا ينظر المحرم في المرآة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 349

لزينة، فإن نظر فليلب»

و منه يستفاد استحباب التلبية بعد الإجماع على عدم الوجوب، و على كل حال فلا إشكال في الحرمة، و لكن عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و الغنية انه مكروه كالمصنف في النافع، بل قيل و الخلاف، و لكن يحتمل إرادة الحرمة منها للاستدلال عليها بالإجماع و طريقة الاحتياط، فيكون حجة أخرى للحرمة، مضافا إلى النصوص المزبورة و غيرها التي لا داعي إلى حمل النهي فيها على الكراهة، نعم في الذخيرة ينبغي تقييد الحكم بما إذا كان النظر للزينة جمعا بين الأخبار المطلقة و

المقيدة، و فيه أنه لا منافاة كما سمعته في الكحل، و لا بأس بما يحكي الوجه مثلا من ماء و غيره من الأجسام الصقيلة، بل لا بأس بالنظر في المرآة في غير المعتاد فعله للزينة، و اللَّه العالم.

[منها لبس الخفين ]

و لبس الخفين و كل ما يستر ظهر القدم اختيارا كما في الاقتصاد و الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب و النافع و القواعد و الإرشاد و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل في الذخيرة نسبته إلى قطع المتأخرين، بل في المدارك إلى الأصحاب بل في الغنية نفي الخلاف، قال فيها: و ان يلبس ما يستر ظاهر القدم من خف أو غيره بلا خلاف، بل ظاهره نفيه بين المسلمين فضلا عن إرادة الإجماع منه، للمعتبرة المستفيضة التي منها

صحيح معاوية(1)السابق عن الصادق (عليه السلام) المشتمل على قوله (عليه السلام): «و لا خفين إلا أن لا يكون لك نعلان»

و صحيح الحلبي (2)«أي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك، و الجوربين يلبسهما إذا اضطر إلى لبسهما»

و الخبر(3)«عن المحرم يلبس الجوربين قال: نعم، و الخفين إذا اضطر إليهما»

إلا انها جميعها


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 350

مختصة بالخف و الجورب، و لذا اقتصر عليهما في محكي المقنع و التهذيب، بل في كشف اللثام و في النهاية على الخف، و في المبسوط و الخلاف و الجامع عليه و على الشمشك، و لم يتعرض لشي ء من ذلك في المصباح و مختصره، و لا في الكافي و لا في جمل العلم و العمل و لا في المقنعة و لا في المراسم و لا في الغنية، لكن قد سمعت ما في الغنية مع سابقيه الذي أقله الشهرة العظيمة في التعدية عنهما إلى غيرهما مما يكون لبسه ساترا لظهر القدم، خصوصا مع قوة احتمال خروجهما في النص و الفتوى مخرج الغالب في استعمالهما، و خلو الكتب المزبورة عنه لا ظهور فيه في الخلاف، نعم الظاهر اختصاص الحرمة بما كان لباسا ساترا لظهر القدم بتمامه، فلا يحرم الساتر لبعضه، و إلا لم يجز النعل، و دعوى ان حرمة الجميع تقتضي حرمة البعض ممنوعة بعد أن كان العنوان في الحرمة المجموع الذي لا يصدق على البعض، و حينئذ فما في الروضة من أن الظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين واضح الفساد، خصوصا بعد ما في كشف اللثام و لا يحرم عندنا إلا ستر ظهر القدم بتمامه باللبس مشعرا بالإجماع عليه، و هو كذلك بملاحظة فتاوى الأصحاب، و حينئذ فلا يحرم ستر بعضه كما ذكرنا، و لا ستره جميعه بغير اللبس كالجلوس و إلقاء طرف الإزار و كونه تحت الغطاء في النوم، للأصل بعد الخروج عن النص و الفتوى، بل ان لم يكن إجماعا أمكن الاختصاص بما شابه الخف و الجورب من لباس القدم ذي الساق دون غيره، لأنه المناسب لكونهما مثالا لغيرهما، بل يمكن اعتبار ستر الظاهر و الباطن فيه، لان الغالب فيهما ذلك، إلا أني لم أجد من اعتبر شيئا من ذلك، بل لعل ظاهر الأصحاب خلافه، كما أن ظاهرهم حرمة ذلك على المحرم بخصوصه خارجا عن مسألة المخيط، و لذا يذكرونه مستقلا عنه، و لولاه لأمكن القول بأنه منه على معنى كون المحرم الخف لما فيه من الخياطة،

ج 18، ص: 351

و يلحق به ما شابهه و ان لم تكن فيه خياطة كالجورب و نحوه، بل في المنتهى الاستدلال عليه بذلك.

و حينئذ يتجه اختصاصه بالرجال لما عرفت من جوازه لهن كما جزم به الشهيد هنا حاكيا له عن الحسن، خلافا لما عن ظاهر النهاية و المبسوط من عموم المنع، و أظهر منهما الوسيلة لعموم الاخبار و الفتاوى و قاعدة الاشتراك، و لكن فيه ما لا يخفى بناء على ما ذكرناه من كونه من مسألة المخيط التي قد عرفت البحث فيها مع الشيخ أيضا، بل لعل المنع منه هنا بناء على منعه المخيط على النساء، مؤيدا ذلك بالأصل، و فحوى تعليل اباحة السراويل بالستر، قيل: بل يشمله قوله في

صحيح العيص (1): «تلبس ما شاءت من الثياب»

بناء على أن الخف منه، مضافا إلى ما دل من النصوص (2)على ان إحرامها في وجهها و إن كان فيه أن ذلك غير مناف نحو

قوله (عليه السلام)(3): «إحرام الرجل في رأسه»

و على كل حال فلا اشكال و لا خلاف كما اعترف به في المنتهى في انه إذا اضطر اليه جاز له لبسه، بل الإجماع محصل و محكي في كشف اللثام و محكي السرائر و المختلف عليه، و هو الحجة بعد النصوص (4)المصرحة بذلك في الخف و الجورب الملحق بهما غيرهما كالشمشك و نحوه، بل قيل، هو أولى، لكن عن المبسوط و الوسيلة عدم جواز الشمشك مع الضرورة أيضا، و إن كان هو كما ترى، ضرورة قوة عموم أدلة الضرورة و خصوصها في المقام، و ان قال في كشف اللثام: و كأنهما يريدان بدون الشق، إذ ذلك لا يجدي في اختصاص الشمشك بذلك، كما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام.

ج 18، ص: 352

واضح، هذا. و في المسالك و لا فدية في لبس الخفين عند الضرورة عند علمائنا نص عليه في التذكرة، و لعله لإطلاق الأدلة، و عدمها في نظائره، و لكن عن بعضهم وجوبها، و لعله لكون الخف من المخيط الذي تسمع وجوبها في لبسه و لو للضرورة إلا فيما عرفت من

السراويل و القباء، و لا ريب في انه أحوط و إن كان الأول أقوى.

و كيف كان ف ان اضطر جاز بلا خلاف و لا اشكال و لكن قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط و ابنا حمزة و سعيد في الوسيلة و الجامع و الفاضل في محكي المختلف و الشهيدان في الدروس و المسالك و الكركي في حاشية الكتاب: يجب عليه أن يشقهما حينئذ، و لعله ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1)«في المحرم يلبس الخف إذا لم يكن له نعل قال: نعم و لكن يشق ظهر القدم»

و المرسل (2)عن بعض الكتب «لا بأس للمحرم إذا لم يجد نعلا و احتاج أن يلبس خفا دون الكعبين»

و الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(3)«في رجل هلكت نعلاه فلم يقدر على نعلين قال له ان يلبس الخفين إذا اضطر إلى ذلك و يشقه من ظهر القدم»

و النبوي العامي (4)«فان لم يجد نعلين فليلبس خفين و ليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين»

و للاحتياط، و حرمة لبس ما يستر ظهر القدم بلا ضرورة، و لا ضرورة إذا أمكن الشق.

و هو مع قول المصنف: انه قول متروك مشعرا بالإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
2- 2 المستدرك- الباب- 41- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
4- 4 سنن البيهقي ج 5 ص 51.

ج 18، ص: 353

على خلافه، بل عن ابن إدريس الإجماع صريحا على ذلك- لا جابر لخبريه الموافقين لأكثر العامة، و منهم أبو حنيفة على وجه يصلحان مقيدين لإطلاق النصوص المزبورة الواردة في مقام البيان المعتضدة بإطلاق فتوى المقنع و النهاية و التهذيب و المهذب على ما حكي عنها، و صريح غيرها كالمحكي عن السرائر، و بما رواه الجمهور عن علي (عليه السلام) من عدم الشق، بل

رووا أنه قال: «قطع الخفين فساد يلبسهما كما هما»

بل ربما كان ذلك منه إشارة إلى أنه إتلاف مال و إضاعة له يدخل به تحت الإسراف و التبذير، ضرورة عدم فائدة في ذلك بعد حرمة اللبس اختيارا معه أيضا، و بما

رووا عن عائشة(1)أيضا من ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) رخص للمحرم أن يلبس الخفين و لا يقطعهما، بل عن صفية(2)«كان ابن عمر يفتي بقطعهما، فلما أخبرته بحديث عائشة رجع»

بل عن بعضهم الظاهر أن القطع منسوخ، و ذلك لأن حديث ابن عمر الذي روى فيه القطع كان بالمدينة، و الحديث الآخر قد كان في عرفات، الى غير ذلك من المؤيدات لما ذكرناه، فلا

بأس بحمل النصوص المزبورة على ضرب من الندب.

ثم إن ظاهر المنتهى و التذكرة كون الشق هو القطع حتى يكونا أسفل من الكعبين الذي رواه العامة و أفتى به الشيخ في محكي الخلاف و الإسكافي، بل عن الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى و التذكرة القطع بوجوب هذا القطع، و عن موضع آخر من المنتهى أنه أولى خروجا من الخلاف و أخذا بالتقية، و قال


1- 1 سنن أبي داود ج 1 ص 425 المطبوعة عام 1371- إلا أن فيه « رخص للنساء في الخفين»
2- 2 سنن الدارقطني- ج 2 ص 272- الرقم 170.

ج 18، ص: 354

ابن حمزة: شق ظاهر القدمين و إن قطع الساقين كان أفضل، و هو صريح في المغايرة و قد سمعت المرسل عن الباقر (عليه السلام) في بعض الكتب، فالمتجه التخيير بينهما، و إن كان الأحوط الجمع بين القطع المزبور و شق ظهر القدم، و لا إسراف و لا تبذير و لا إضاعة، مع كون ذلك للاحتياط الذي هو من أغراض العقلاء.

و على كل حال فالظاهر أن القطع أو الشق واجب أو مندوب في حال الضرورة، لا أنه طريق لجواز اللبس باعتبار عدم كونه حينئذ ساترا لتمام الظهر، فان اسم الخف و الجورب باق معهما، و المراد كونه لباسا ساترا قوة أو من شأنه و ان لم يكن ساترا فعلا، فهما حينئذ نحو قلب القباء و لبسه منكوسا في حال الضرورة، لا أنه شي ء يقتضي الجواز اختيارا.

و من هنا نص في محكي الخلاف و التذكرة و المنتهى و التحرير على أنه مع وجود النعلين لا يجوز لبس الخفين، و لا مقطوعين إلى ظهر القدم، لكونه حينئذ كالجورب و الشمشك، و في كشف اللثام و كذا إذا وجب الشق فوجد نعلين لم يجز لبس خفين مشقوقين، إذ لم يجز في الشرع لبسهما إلا اضطرارا مع إيجاب الشق نعم إن لم يجب الشق كان النعل أولى كما في الدروس لا متعينة، و الموجود في الدروس بعد أن أوجب الشق قال: و لو وجد نعلين فهما أولى من الخف المشقوق و الظاهر إرادة الأولوية الواجبة، لتصريح النصوص (1)باشتراط جواز لبس الخفين- أي و لو مشقوقين- بعدم النعل، بل مقتضي إطلاقها عدم الفرق في النعل بين المخيطة و غيرها، و لا بأس باستثناء ذلك من المخيط.

و على كل حال فما ذكرنا ظهر لك أنه لا وجه لدعوى وجوب الشق مقدمة للتخلص من حرمة ستر ظهر القدم، ضرورة كون المراد مما في الفتاوى حرمة لباس


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب تروك الإحرام.

ج 18، ص: 355

الساتر شأنا، فلا يجوز لبسه و لو على وجه لا يكون به ساترا، على أنه لا يكفي شقه عن ظهر القدم في جواز لبسه اختيارا، فتأمل جيدا، و اللَّه العالم.

[منها الفسوق ]

و الفسوق بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص (1)مضافا إلى الكتاب (2)و انما الكلام

في المراد به، ففي المتن و تفسير علي بن إبراهيم و المقنع و النهاية و المبسوط و الاقتصاد و السرائر و الجامع و النافع و ظاهر المقنعة و الكافي على ما حكي عن بعضها هو الكذب و رواه

الصدوق في معاني الأخبار عن زيد الشحام (3)قال: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرفث و الفسوق و الجدال قال: أما الرفث فالجماع، و أما الفسوق فهو الكذب، ألا تسمع لقوله تعالى (4)«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ» و الجدال هو قول الرجل: لا و اللَّه، و بلى و اللَّه، و سباب الرجل الرجل»

و العياشي (5)في تفسيره عن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) في قول اللَّه عز و جل «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ (6)فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب، و الجدال قول الرجل:

لا و اللَّه و بلى و اللَّه»

و عن الفقه المنسوب (7)الى الرضا (عليه السلام) «و الفسوق الكذب، فاستغفر اللَّه منه، و تصدق بكف من طعام»

و في كشف اللثام أنه رواه العياشي (8)في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن (عليه السلام) و عن محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 0.
2- 2 سورة البقرة- الآية 193.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.
4- 4 سورة الحجرات- الآية 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 9.
6- 6 سورة البقرة- الآية 193.
7- 7 المستدرك- الباب- 2- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 10.

ج 18، ص: 356

ابن مسلم (1)و في التبيان و مجمع البيان و روض الجنان أنه رواية أصحابنا، و في فقه القرآن للراوندي أنه رواية بعض أصحابنا، و بذلك يجبر السند المحتاج إلى جبر، و في جمل العلم و العمل و المختلف و الدروس أنه الكذب و السباب، و اليه يرجع ما عن الحسن من أنه الكذب و البذاء و اللفظ القبيح، و إن كان قد جعل في ذيل صحيح معاوية(2)من جملة التفث الكلام القبيح كما ستسمعه، إلا أنه يمكن ارادة غير السب منه الذي هو فسوق أيضا، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(3): «إذا أحرمت فعليك بتقوى اللَّه تعالى و ذكر اللَّه تعالى و قلة الكلام إلا بخير، فان تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه إلا من خير، كما قال اللَّه تعالى، فان اللَّه تعالى يقول «فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ» فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل: لا و اللَّه و بلى و اللَّه»

مؤيدا بما

في الخبر(4)من أن سباب المسلم فسوق،

بل لعل اليه يرجع ما في صحيح علي بن جعفر(5)عن أخيه (عليه السلام) من انه الكذب و المفاخرة، بناء على ان المفاخرة لا تنفك عن السباب، لأنها انما تتم بذكر فضائل لنفسه و سلبها عن خصمه، و سلب رذائل عن نفسه و إثباتها لخصمه، و هو معنى السباب.

و عن الجمل و العقود أنه الكذب على اللَّه، و عن الغنية و المهذب و الإصباح


1- 1 تفسير العياشي ج 1 ص 96 الرقم 260.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 158- من أبواب أحكام العشرة- الحديث 3 و فيه « سباب المؤمن فسوق»
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 357

و الإشارة أنه الكذب على اللَّه تعالى و رسوله (صلى اللَّه عليه و آله) أو أحد الأئمة (عليهم السلام) بل في الأول منها انه عندنا كذلك، و هو مع كونه منافيا لما سمعته من النصوص لم نعثر لهم على دليل سوى إشعار الإجماع المزبور المتحقق خلافه، و كونه المبطل للصوم لا يقتضي كونه المراد من الفسوق، و كذا ما عن التبيان من أن الأولى حمله على جميع المعاصي التي نهي المحرم عنها، و عن الراوندي في فقه القرآن متابعته، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النصوص المعتبرة و الفتاوى، بل عن الشيخ انه غلط من خصه بما يحرم على المحرم لا حرامه و يحل له لو لم يكن محرما بأنه تخصيص بلا دليل، و ما أدري ما السبب الداعي إلى الاعراض عن النصوص التي يمكن الجمع بينها بأنه عبارة عن جميع ما ذكر فيها من الكذب و السباب و المفاخرة على

الوجه المحرم، بناء على أنها غير السباب الذي هو و ان جعل في رواية الصافي (1)من الجدال، إلا انه يمكن وقوعه على وجوه، منها ان يجتمع فيه الجدالية، فلا مانع من ان يكون فسقا و جدالا بل و كذا المفاخرة التي جعلت من التفث في صحيح معاوية المفسر فيه الفسوق بالكذب و السباب، فإنه بعد ذلك بفاصلة قال: و اتق المفاخرة إلى آخر ما تسمعه إن شاء اللَّه، إذ هي أيضا تارة تكون فسوقا إذا كانت على وجه السب، و أخرى لا تكون كذلك، و احتمال تفسير الفسوق بها خاصة- مع انه لا قائل به و إن قيل: إنه حكاه الشهيد في بعض حواشيه- لا شاهد له، فان الصحيح المزبور لم يشتمل على تفسير الفسوق بها.

و من الغريب ما في المدارك من ان الجمع بين الصحيحتين يقتضي المصير إلى أن الفسوق هو الكذب خاصة، لاقتضاء الاولى نفي المفاخرة، و الثانية نفي السباب


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8 و هو رواية معاني الأخبار كما تقدم.

ج 18، ص: 358

ضرورة عدم كون ذلك جمعا، إذ هو طرح لكل منهما، و الجمع ما ذكرناه من تحكيم منطوق كل منهما على مفهوم الأخرى، فيكون الفسوق عبارة عن الكذب و السباب و المفاخرة، و فيها أيضا بعد ان حكى الإجماع على تحريم الفسوق في الحج و غيره و ان الأصل فيه الآية قال: و يتحقق الحج بالتلبس بإحرامه، بل

بالتلبس بإحرام عمرة التمتع لدخولها في الحج، و فيه ان المستفاد من الفتاوى و معاقد الإجماعات بل و بعض النصوص (1)كونه من محرمات الإحرام و لو للعمرة المفردة و لا منافاة بين الحرمة فيه و كونه محرما في نفسه، كما هو واضح.

ثم ان الظاهر كونه كغيره من المحرمات فيه التي لا تقتضي فساده، فما عن المفيد من كون الكذب مفسدا للإحرام واضح الضعف، و إن كان قد يستأنس له بملاحظة

الصحيح (2)عن قول اللَّه عز و جل (3)«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ» قال: «إتمامهما أن لا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج»

و نحوه آخر(4)إلا ان من المعلوم عدم إرادة الفساد من عدم الإتمام، كما هو واضح.

و على كل حال فلا كفارة فيه، لما رواه

الحلبي و محمد بن مسلم في الصحيح (5)«انهما قالا لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أ رأيت إن ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال:

لم يجعل اللَّه تعالى له حدا، يستغفر اللَّه تعالى»

و لكن قد سمعت ما عن فقه الرضا (عليه السلام)(6)و عن الحسن أنه لا كفارة في الفسوق سوى الكلام الطيب في الطواف و السعي، و في

ذيل صحيح معاوية بن عمار(7)المشتمل على تفسير


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الفقيه ج 2 ص 212 الرقم 968.
6- 6 المستدرك- الباب- 2- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

ج 18، ص: 359

الفسوق بالكذب و السباب «و اتق المفاخرة، و عليك بورع يحجزك عن المعاصي فإن اللَّه عز و جل (1)يقول «ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ، وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): من التفث أن تتكلم في إحرامك بكلام قبيح، فإذا دخلت مكة فطفت بالبيت تكلمت بكلام طيب، فان ذلك كفارة لذلك»

، و قد سمعت صحيح علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) الذي ذكرناه في حرمة وطء النساء، و كيف كان فلا فائدة مهمة في البحث عن المراد بالفسوق بعد القطع بتحريمه على جميع التفاسير، و عدم وجوب كفارة فيه سوى الاستغفار، و عدم بطلان الإحرام به إلا في النذر و أخويه و نحو ذلك من الأمور النادرة، و اللَّه العالم.

[منها الجدال ]

و الجدال كتابا(3)و سنة(4)و إجماعا بقسميه و هو على ما في أكثر كتب الأصحاب أو جميعها

و أكثر النصوص التي تقدم جملة منها قول لا و اللَّه و بلى و اللَّه و منها

صحيح معاوية بن عمار(5)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل يقول: لا لعمري و هو محرم فقال: ليس بالجدال، انما الجدال قول الرجل: لا و اللَّه و بلى و اللَّه، و اما قوله: لاها فإنما طلب الاسم، و قوله:

يا هناه فلا بأس به، و أما قوله، لا بل شانيك فإنه من قول الجاهلية»

و في صحيحه الآخر(6)عنه (عليه السلام) أيضا «و الجدال هو قول الرجل: لا و اللَّه و بلى


1- 1 سورة الحج- الآية 30.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- 3 سورة البقرة- الآية 193.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 0.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 360

و اللَّه، و اعلم أن الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه و يتصدق به، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدق به».

و في صحيحه الآخر(1)«ان الرجل إذا حلف بثلاث أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به»

و في صحيح ابن مسلم (2)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن الجدال في الحج فقال: إن

زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم، فقيل له الذي يجادل و هو صادق فقال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة»

و في صحيحه الآخر(3)و

صحيح الحلبي (4)عنه (عليه السلام) أيضا «من ابتلى بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل يوما مرتين فعلى المصيب دم يهريقه شاة، و على المخطئ بقرة»

و نحوه غيره، و في

خبر ابان بن عثمان (5)عن أبي بصير على ما في التهذيب قال: «إذا حلف الرجل ثلاث أيمان و هو صادق و هو محرم فعليه دم يهريقه، و إذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم يهريقه»

و رواه في

الكافي عن أبي بصير(6)عن أحدهما (عليهما السلام) «إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات»

إلى آخره، و

خبر أبي بصير الآخر(7)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا جادل الرجل و هو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور»

و في خبره (8)الثالث «سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2 عن الصادق عليه السلام.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.

ج 18، ص: 361

صاحبه: و اللَّه لا تعمله، فيقول: و اللَّه لأعملنه، فيحالفه مرارا أ يلزمه ما يلزم صاحب الجدال؟ قال: انما أراد بهذا إكرام أخيه، انما ذلك ما كان فيه معصية»

و في

خبر يونس بن يعقوب (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يقول:

لا و اللَّه و بلى و اللَّه و هو صادق عليه شي ء قال: لا»

الى غير ذلك من النصوص المتفقة كالفتاوى على اعتبار اليمين في الجدال الذي لا ريب في تحققه عرفا بدونه ضرورة كونه الخصومة لا خصوص المتأكدة باليمين.

و لكن في كشف اللثام و كأنه لا خلاف عندنا في اختصاص الحرمة بها، و حكى السيدان الإجماع عليه، و يؤيده مع ذلك أصالة البراءة من غيره، بل في الغنية و الجدال و هو عندنا قول: لا و اللَّه و بلى و اللَّه بدليل إجماع الطائفة و طريقة الاحتياط، و قول المخالف: ليس في لغة العرب ان الجدال هو اليمين ليس بشي ء، لأنه ليس بممتنع أن يقتضي العرف الشرعي ما ليس في الوضع اللغوي كما تقوله في لفظ الغائط، بل ظاهر الأخير منها بل و سابقه اعتبار الكذب، أو كونه في معصية مع ذلك،

فلو جادل صادقا لم يكن عليه شي ء، مؤيدا ذلك بأصل البراءة و بنفي الضرر و الحرج في الدين، و بأنه ربما وجب عقلا و شرعا، إلا ان عموم النص و الفتوى و خصوص نص (2)الكفارة على الصادق بخلافه، و لعله لذا قال الجعفي على ما في الدروس: الجدال فاحشة إذا كان كاذبا أو في معصية، فإذا قاله مرتين فعليه شاة، بل في القواعد و في دفع الدعوى الكاذبة اي بالصيغتين اشكال، بل في كشف اللثام هو- اي عدم الحرمة- الأقوى، و لا ينافيه وجوب الكفارة، و في الدروس «لو اضطر إلى اليمين لإثبات حق أو نفي باطل فالأقرب جوازه، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.

ج 18، ص: 362

الكفارة تردد، أشبهه الانتفاء» و قال ابن الجنيد: «يعفى عن اليمين في طاعة اللَّه و صلة الرحم ما لم يدأب في ذلك» و ارتضاه الفاضل، و تبعه الكركي و ثاني الشهيدين و سبطه و غيرهم.

و الانصاف عدم خلو ذلك عن إشكال أو منع مع عدم الوصول إلى حد الضرورة التي يباح لها مثله، و خصوصا نفي الكفارة المصرح بخلافه في النصوص المعتبرة التي منها يستفاد عدم جوازه من حيث الجدال في الإحرام، لأن الأصل فيها عدم وجوبها فيما لا معصية فيه، نعم قد يشك في ثبوتها مع الضرورة المزبورة مع احتماله، لأنها من باب الأسباب، و لا ريب في انه أحوط، و كذا الاشكال فيما في الدروس أيضا، فإنه بعد ان حكى عن بعض الأصحاب تخصيص

الجدال بهاتين الصيغتين قال: و القول بتعديتها إلى ما يسمى يمينا أشبه، ضرورة كونه بعد حمل المطلق في النصوص على المقيد كالاجتهاد في مقابلة النص الحاصر للجدال فيهما، و المصرح بعدم كون قول: لعمر اللَّه و نحوه جدالا، و المعتضد بأصل البراءة و نحوه و بالفتاوى و معقد الإجماع المزبور، و يقرب منه ما عن الانتصار و جمل العلم و العمل من انه الحلف بالله الذي هو أعم من الصيغتين، بل ربما أيد بعموم لفظ الجدال لكل ما كان في خصومة، و احتمال الحصر في الأخبار الإضافية و التفسير باللفظين التخصيص بالرد المؤكد بالحلف بالله لا بغيره، و قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(1)المتقدم و نحوه، إلا ان الجميع كما ترى، ضرورة ظهور النص و الفتوى و معقد الإجماع في اختصاص الجدال بما سمعت، و مجرد الاحتمال لا ينافي حجية الظهور، و المراد من إطلاق النصوص المزبورة اليمين التي هي جدال، و انما أطلقت لأن المقصود فيها بيان ما يوجب الكفارة منها و الفصل بين الصادقة و الكاذبة


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 363

و بذلك يظهر لك ما في الرياض فإنه بعد ان ذكر عن الأكثر تفسيره بالصيغتين قال: «و في الغنية الإجماع عليه، و لكن يحتمل رجوعه إلى تفسير الجدال بالخصومة المؤكدة باليمين بمثل الصيغتين لا إليهما، و عن المرتضى الإجماع عليه أيضا و بمثل ذلك يمكن الجواب عن الصحاح المستفيضة و غيرها المفسرة

للجدال بهما بإرادة الرد بذلك على من جعل الجدال مطلق الخصومة لا الخصومة المؤكدة باليمين و لو مطلقها، و ربما يستفاد ذلك من

الصحيح (1)«عن المحرم يريد العمل فيقول له صاحبه: و اللَّه لا تعمله»

الى آخره، فان تعليل نفي الجدال بذلك دون فقد الصيغتين أوضح شاهد على انه لولا ارادة الإكرام لثبت الجدال بمطلق و اللَّه كما هو فرض السؤال، و على هذا فيقوى القول بأنه مطلق الحلف بالله تعالى و ما يسمى يمينا كما عليه الماتن هنا و الشهيد في الدروس» الى آخره، إذ قد سمعت عبارة الغنية التي يبعد فيها الاحتمال المزبور ان لم يكن ممتنعا، و على تقديره فهو احتمال لا يصلح للاستدلال على ما ذكره، و التعليل في الصحيح المزبور لا ينافي وجود علة أخرى، على انه قد فقد لفظ لا أو بلى، و يمكن عدم اعتبارهما، فلا يثبت به مطلق ما يسمى يمينا، على انك قد سمعت ما في الغنية من كونه وضعا شرعيا، فلا يبعد اعتبار خصوصه، نعم لا يعتبر لفظ لا و بلى نحو

قوله (عليه السلام)(2): «انما الطلاق أنت طالق»

فإن صيغة القسم هو قول و اللَّه، و اما لا و بلى فهو المقسوم عليه، فلا يعتبر خصوص اللفظين في مؤداه و لو بشهادة الصحيح المزبور، بل يكفي الفارسية و نحوها فيه و ان لم تكف في لفظ الجلالة، فتأمل جيدا.


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 3 من كتاب الطلاق.

ج 18، ص: 364

بل قد يشكل ما عن ظاهر الدروس و المنتهى و التذكرة من العموم لما يكون خصومة و غيره بعدم صدق الجدال بدونها، بل لعل قوله: لا و اللَّه و بلى و اللَّه إشارة إلى ذلك، فان المراد النفي من واحد و الإثبات من آخر، و من هنا جزم في الدروس بأنه لا كفارة في اللغو من ذلك، لأنه كالساهي.

ثم ان الظاهر عدم اعتبار وقوع الأمرين في تحقق الجدال، فيكفي أحدهما وفاقا لجماعة منهم الفاضل الأصبهاني حاكيا له عن المنتهى و التذكرة، بل قال:

و به قطع في التحرير، و لعله للصدق عرفا بعد معلومية إرادة ما ذكرناه منهما، لا ان قولهما معا من الواحد أو من الاثنين معتبر في الجدال، فتلخص مما ذكرنا كون الجدال الحلف بالله بالصيغة المخصوصة لا مطلق اليمين و لا غيرها، و لا مطلق الحلف بالله و ان لم يكن بالصيغة المزبورة، و بقي الكلام في الكفارة و يأتي البحث عنها ان شاء اللَّه، و اللَّه العالم.

[منها قتل هوام الجسد]

و قتل هوام الجسد و دوابه كما في النافع و القواعد و ان كانت على ثوبه حتى القمل الذي عن الأكثر النص عليه، و الصئبان و نحوها مباشرة أو تسبيبا بالزئبق و نحوه، وفاقا للمشهور، نقلا في المدارك و الذخيرة و ان كنا لم نتحققها في العنوان المزبور، كما لم نتحققه في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، نعم في

صحيح حماد بن عيسى (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها قال: يطعم مكانها طعاما»

و نحوه صحيح ابن مسلم (2)عنه (عليه السلام) أيضا، و ستسمع ما في صحيح حريز(3)و غيره في


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 365

جواز إزالة الشعر للقمل، و

قال هو (عليه السلام) أيضا في حسن ابن أبي العلاء(1): «في المحرم لا ينزع القملة من جسده و لا من ثوبه متعمدا، و من فعل شيئا من ذلك خطأ فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده»

اللهم إلا ان يقال ان القتل اولى من الإلقاء و النزع، و في كشف اللثام «و إذا وجبت الكفارة بالقتل خطأ ففي العمد أولى» و فيه ان الموجود في نسخة معتبرة «و ان فعل» بالعين المهملة، و الأمر سهل أو يستند إلى

خبر أبي الجارود(2)المنجبر بالشهرة المزبورة سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) «عن رجل قتل قملة و هو محرم قال: بئسما صنع، قال:

فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها»

متمما بعدم القول بالفصل بينها و بين غيرها، و أوضح منه

صحيح زرارة(3)«سألته عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، و لا بأس بأن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا، فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من الاحتلام»

الظاهر في إرادة القمل و نحوه من الدابة فيه.

و منه حينئذ يتجه الاستدلال ب

صحيح معاوية(4)عنه (عليه السلام) أيضا المحكي عن المقنع الفتوى بمضمونه، قال: «إذا أحرمت فاتق قتل الدواب كلها إلا الأفعى و العقرب و الفأرة»

مؤيدا ذلك كله بمنافاته لعدم الترفه المراد من المحرم الذي هو


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 73 من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 75 منها الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 81- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و فيه« ثم اتق» إلا أن الموجود في الكافي ج 4 ص 363 الطبع الحديث كما في الجواهر.

ج 18، ص: 366

أشعث أغبر، بل لعل ما عن النهاية و السرائر من انه لا يجوز قتل شي ء من الدواب يشملها أيضا، و كذا ما عن الكافي «ان مما يجتنبه المحرم قتل شي ء من الحيوان عدا الحية و العقرب و الفأرة و الغراب ما لم يخف شيئا منه» بل عن المبسوط «لا يجوز له قتل شي ء من القمل و البراغيث و ما أشبههما» و لكن مع

ذلك كله جوز ابن حمزة قتل القمل إذا كان على البدن مع تحريم إلقائه عنه، و لعله للأصل و

صحيح معاوية(1)سأل الصادق (عليه السلام) «ما تقول في محرم قتل قملة؟

قال: لا شي ء عليه في القمل، و لا ينبغي ان يتعمد قتلها»

بناء على إرادة الكراهة من قوله: «لا ينبغي» فيه، مضافا إلى عموم لا شي ء فيه للعقاب أيضا، و

صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس بقتل القملة في الحرم و غيره»

و مرسل ابن فضال (3)«لا بأس بقتل البرغوث و القملة و البقة في الحرم»

بعد منع أولوية القتل من الإلقاء المصرح به في النصوص المزبورة، و على تقديرها فهي معارضة بالنصوص المزبورة التي مقتضاها جواز الإلقاء بطريق اولى، خصوصا بعد ما في

خبر مرة مولى خالد(4)انه سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يلقي القملة فقال: ألقوها أبعدها اللَّه غير محمودة و لا مفقودة»

و ظهور الصحيح الأخير في كون المستثنى منه من جنس المستثنى، فلا يشمل محل النزاع، كل ذلك مضافا إلى موافقة نصوص الحرمة للعامة بخلاف نصوص الجواز.

و فيه أن الأصل مقطوع بظاهر خبر أبي الجارود و صحيح زرارة المنجبر سند أولهما بما عرفت، بل لهما يتعين حمل «لا ينبغي» في الصحيح الأول على إرادة الحرمة، و إرادة عدم الكفارة من لا شي ء فيه بناء على استحبابها، كما ان لهما


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 84- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

ج 18، ص: 367

أيضا ينبغي تخصيص الآخر و المرسل بغير المحرم، خصوصا بعد معلومية شذوذ خلاف ابن حمزة الذي قد سمعت اشتراطه الجواز بما إذا كان على البدن، مع أن مقتضى النصوص المزبورة الجواز مطلقا فهي أيضا شاذة لا عامل بها على إطلاقها كما أن قوله: «شاذ» لا مستند له بخصوصه، و الأولوية المزبورة واضحة الوجه ضرورة عدم النهي عن الإلقاء إلا للتعريض لتلفها، أو لاقتضائه الترفه أو لنحو ذلك مما هو متحقق في القتل، و لا ينافيها الفرق في الكفارة إن قلنا به، كوضوح منع المعارضة المزبورة، خصوصا بعد ظهور اتفاق الأصحاب على حرمة الإلقاء، بل عن ابن زهرة نفي الخلاف عنه، مضافا إلى النصوص السابقة المصرحة بذلك و بوجوب الفداء، و الآتية على وجه لا يعارضها الخبر المزبور المحتمل لصورة الإيذاء، بل قيل يمكن أن يكون ألفوها بالفاء من الألفة أي لا تلقوها و إن كان بعيدا، و دعوى ظهور كون المستثنى منه بجنس المستثنى على وجه يقتضي تخصيص العام واضحة المنع أيضا خصوصا بعد ما عرفت من إطلاق الدابة في الصحيح الآخر على ما يشمل القمل، و الخلاف للعامة لا يجدي في مقابلة عمل الخاصة.

و بذلك يظهر لك حرمة قتل القمل و إلقائه، و اقتصار جماعة من القدماء على الثاني لا يقتضي إباحتهم الأول، بل يمكن اكتفاؤهم بذكره عنه، بل الظاهر إلحاق غيره به لمفهوم صحيح زرارة السابق و غيره في القتل، أما الإلقاء فقد يشكل إن لم يفهم بالفحوى منه بما تسمعه من النص الصريح في جوازه عموما(1)في الدواب و خصوصا(2)في بعضها، اللهم إلا ان يقال إن حرمة إلقاء القمل لأنها من الجسد كما تسمع التصريح به في صحيح معاوية(3)و غيره، و غالب هوام الجسد كذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 79- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.

ج 18، ص: 368

لكن قد يتوقف في الصؤاب الذي هو بيض القمل باعتبار أنه ليس دابة، اللهم إلا أن يقال إنه من التابع للقمل في كونه من الجسد.

نعم يقوى عدم كون البرغوث منها، خلافا لبعضهم، و عن القاضي حرمة قتله و البق و ما أشبه ذلك إذا كان في الحرم، و جوزه في غيره، و عن ابن زهرة يحرم عليه أن يقتل شيئا من الجراد و الزنابير مع الاختيار، فأما البق و البراغيث فلا بأس أن يقتل في غير الحرم، و عن ابن سعيد لا يقتل المحرم البق و البرغوث في الحرم، و لا بأس به في الحل، مع إطلاقه قبل ذلك حرمة قتل القمل و

البرغوث عليه و لعل الأقوى حل قتله مع قصده إياه أو إيذائه له كما دل عليه

خبر زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا أراده قال: نعم»

و عن نسخة «إذا رآه» و

الصحيح (2)المروي عن آخر السرائر «عن المحرم يقتل البقة و البرغوث إذا آذاه قال: نعم»

أما إذا لم يؤذه فالأحوط ان لم يكن أقوى عدم قتله، و خصوصا إذا كان في الحرم، للعموم في الصحيح السابق الذي لا يقاومه المرسل المزبور على وجه يخصص به.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال في أنه يجوز نقله اي هوام الجسد من القمل و نحوه من مكان إلى آخر من جسده مساو للأول أو أحرز منه، للأصل و

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح (3): «المحرم يلقي عنه الدواب كلها إلا القملة فإنها من جسده، فإذا أراد أن يحوله من مكان إلى مكان فلا يضره»

بل مقتضى إطلاقه عدم اشتراط كون المنقول اليه كالمنقول عنه أو أحرز كما صرح


1- 1 الوسائل- الباب- 79- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 78- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 369

به بعضهم، و إن كان هو أحوط، نعم قد يقال باعتبار تحويله إلى مكان غير معرض فيه للسقوط، لأنه في معنى الإلقاء، و اللَّه العالم.

و كذا يجوز إلقاء القراد و الحلم بفتح الحاء و اللام جمع حلمة كذلك، و هو القراد العظيم كما عن الجوهري، و في كشف اللثام عن الأصمعي أول ما يكون القراد يكون قمقاما، ثم جمنانا، ثم قرادا، ثم حلما، و لكن ستسمع ما في الخبر من المنافاة لذلك.

و على كل حال فيجوز إلقاؤهما عن نفسه بلا خلاف و لا إشكال، للأصل بعد ان لم يكونا من هوام الجسد للصحيح السابق و

صحيح ابن سنان (1)سأل الصادق (عليه السلام) «أ رأيت إن وجدت علي قرادا أو حلمة أطرحهما فقال: نعم و صغار لهما، أنهما رقيا في غير مرقاهما».

بل و عن بعيره في القراد كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا للأصل و الأخبار الكثيرة التي لا معارض لها، منها

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(2): «إن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس، و لا يلقي الحلمة»

و في

حسن حريز(3)«ان القراد ليس من البعير، و الحلمة من البعير بمنزلة القملة من جسدك فلا تلقها، و الق القراد»

و خبر عمر بن يزيد(4)قال: «لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك و لا ترم الحلمة»

و منها يستفاد عدم جواز إلقاء الحلمة كما عن الشيخ و جماعة، خلافا للمحكي عن الأكثر فيجوز، للأصل المقطوع بما عرفت، و الصحيح الأول الظاهر في النفس، بل قيل ظاهر التعليل فيه يقتضي المنع


1- 1 الوسائل- الباب- 79- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 80- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 80- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 80- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 370

عنه في البعير، بل في الرياض و ربما يستفاد منه المنع عن إلقاء كل ما يرقى في الجسد من نحو البرغوث، و لعله المراد عن هوام الجسد في نحو المتن، فيتضح له المستند و لا يضر تخالف حكم المتن و النص في الإطراح و القتل، لاحتمال التعدي من أحدهما إلى الآخر بفحوى الخطاب كما صرح به جمع، و فيه أن المراد من التعليل عدم اعتياد الجسد لذلك غالبا، بخلاف القمل و نحوه، فلا وجه حينئذ لاستفادة كون البرغوث أيضا من هوام الجسد باعتبار كونه يرقى، و إلا لكان البق منه أيضا، فلا ريب في خروج البرغوث عن ذلك كما عرفت الكلام فيه.

نعم قد يظهر من تعليل الفرق بين القراد و الحلمة عدم إلقاء ما يتكون من الجسد و إن كان لم يظهر لنا وجه الحكمة فيه، لكن

أبا عبد الرحمن (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يعالج دبر الجمل فقال: يلقي عنه الدواب و لا يدميه»

و يمكن حمله على صورة المعالجة و خوف الضرر من البقاء، كما يمكن حمل كلام الأكثر على الحلم الذي هو من القراد، لإطلاق الأدلة، لا المتكون من جسد البعير الذي قد صرحت به النصوص المزبورة، و اللَّه العالم.

[منها لبس الخاتم للزينة]

و يحرم لبس الخاتم للزينة كما قطع به الأكثر على ما في كشف اللثام بل في الذخيرة في شرح قوله في الإرشاد: «و لبس الخاتم للزينة لا للسنة» قال:

لا اعرف خلافا بين الأصحاب في الحكمين المذكورين و إن كان فيه ما ستعرف، ل

خبر مسمع (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة»

المنجبر بما عرفت، و المعتضد بالتعليل في صحيحي حماد(3)و حريز(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 80- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 371

المتقدمين سابقا في الاكتحال بالسواد و النظر في المرآة،

و بالمرسل (1)في الكافي «لا يلبسه للزينة»

و بما ورد من كون الحاج أشعث أغبر و غير ذلك مما يدل على عدم الترفه للحاج المنافي للزينة.

نعم لا خلاف أجده في أنه يجوز لغير الزينة كالسنة و نحوها للأصل و المفهوم السابق، و إطلاق

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر نجيح (2): «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم»

المقتصر في تقييده على خصوص ما كان للزينة، بل في

صحيح ابن بزيع (3)«رأيت العبد الصالح (عليه السلام) و هو محرم و عليه خاتم و هو يطوف طواف الفريضة»

الذي ينبغي حمله على غير الزينة، و على كل حال فلا ريب في أن ذلك اولى من احتمال الجمع بين النصوص بالكراهة كما هو خيرة المصنف في النافع، بل هو المحكي عن الجامع أيضا من وجوه، منها الموافقة للشهرة بين الأصحاب، هذا، و في الذخيرة الظاهر أن المرجع في التفرقة بين ما كان للسنة أو للزينة إلى القصد كما قاله جماعة من الأصحاب، إذ ليس هاهنا هيئة تختص بإحداهما دون الأخرى، و نحوه في المسالك و حاشية الكركي، و لا بأس به، و لا ينافي ذلك تعليل الكحل المقتضي حرمة كل زينة و إن لم تكن مقصودة بعد تخصيصه بالمفروض لقوة دلالته و انجباره بفتوى الأصحاب، نعم يمكن دعوى الحرمة في المشترك مع قصد الزينة و إن قصد معها غيرها على وجه الضم، بل و على وجه الاستقلالية

أيضا، اما إذا كانا معا العلة فقد يقال بالجواز، للأصل بعد عدم صدق اللبس للزينة، و اللَّه العالم.

و لبس المرأة الحلي و لو المعتاد للزينة كما صرح به غير واحد،


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 46- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 46- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 18، ص: 372

بل لعله المشهور، بل في المدارك نفي الاشكال فيه، و لعله للمفهوم السابق المعتضد بما سمعت، و بمفهوم

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «المحرمة تلبس الحلي كله إلا حليا مشهورا للزينة»

و حسن الكاهلي (2)عنه (عليه السلام) أيضا «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلا القرط المشهور و القلادة المشهورة»

بناء على أن الزينة لا تكون إلا بالمشهور اي الظاهر، و إلا أشكل الاستدلال بهما على تمام المقصود، بل الأولى منافية له، ضرورة اقتضائها التقييد للمقيد، فيكون الممنوع خصوص المشهور للزينة لا غيره، إلا أنه يسهل الخطب عدم قائل بذلك، فوجب حمله على ما لا ينافي ما دل على تحريمه مطلقا للزينة، معتضدا- مضافا إلى ما عرفت- ب

خبر النضر بن سويد(3)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المرأة المحرمة أي شي ء

تلبس من الثياب؟ قال: تلبس الثياب كلها إلا المصبوغة بالزعفران و الورس، و لا تلبس القفازين، و لا حليا تتزين به لزوجها، و لا تكتحل إلا من علة، و لا تمس طيبا، و لا تلبس حليا و لا فرندا، و لا بأس بالعلم في الثوب»

و بغير ذلك.

و أما عدم لبسها ما لم يعتد لبسه منه ففي المتن على الاولى و لعله يرجع إلى ما في النافع و محكي الاقتصاد و الاستبصار و التهذيب و الجمل و العقود و الجامع من أنه مكروه، و في القواعد و عن النهاية و المبسوط و السرائر الحرمة، بل في المسالك أنه المشهور، لمفهوم

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(4): «إذا كان للمرأة حلي لم تحدثه للإحرام لم ينزع عنها»

و قوله (عليه السلام) في حسن الحلبي (5): «المحرمة لا تلبس الحلي و لا المصبغات إلا صبغا لا يردع»


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 373

كإطلاق

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر النضر: «لا تلبس حليا»

و ما عساه يشعر به صحيح ابن الحجاج الآتي(1).

و لعل الكراهة مع فرض عدم قصد الزينة للأصل و إطلاق ما دل على جواز لبسها الحلي، و خصوص

خبر مصدق بن صدقة(2): «تلبس المحرمة الخاتم من ذهب»

و صحيح يعقوب بن شعيب (3)«تلبس المسك و الخلخالين»

سيما بعد انسياق قصد الزينة في غير المعتاد من مفهوم الأول و ما تسمعه من كراهة المصبغات في الثاني، و لعل التحقيق حرمته عليها إذا كان زينة عرفا و إن لم تقصده، لما سمعته من مفهوم تعليل الكحل و المرآة، و لا ينافيه

قوله (عليه السلام)(4): «تتزين به لزوجها»

بناء على ظهوره في القصد، إذ هو بعد تسليمه يكون أحد الافراد، و لا مفهوم له معتد به يصلح للمعارضة، و حينئذ يكون المحرم عليها كلما قصدت به الزينة حال الإحرام و لو المعتاد، و كلما كان زينة في نفسه و ان لم تقصده.

و كيف كان ف لا بأس بما كان معتادا لها و لم تقصد به الزينة بلا خلاف أجده فيه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، و في

صحيح ابن الحجاج (5)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»

و لكن يدل على أنه يحرم عليها إظهاره لزوجها كما هو صريح الفاضل و ظاهر المحكي عن الشيخ و الحلي، و لعله


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5 عن مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 49- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 374

لما سمعته في خبر النضر، إلا انه لا ينافي إطلاق الصحيح المزبور الشامل له و لغيره من الرجال و لو الخادم، و لا بأس به و إن كان هو محرما قبل الإحرام، نعم هو دال على عدم البأس في إحرامها بما كانت لابسة له و إن كان من الزينة، إلا أن الممنوع بمقتضى صحيح حريز السابق إحداث الزينة في حال الإحرام لا الإحرام حالها، و كونه كذلك في غيره من الموانع لا يقتضي كونه كذلك هنا بعد النصوص المزبورة التي لا ينافيها تعليل الكحل أيضا الذي هو إحداث زينة أيضا بل و لا صحيح ابن مسلم و حسن الكاهلي الذين يمكن ارادة التزين بما تلبسه من الحلي لزوجها من الشهرة فيهما لا نفس لبس الحلي و ان لم تحصل به زينة، لستره مثلا بشي ء أو غيره، و على كل حال يكون الحاصل حرمة إحداث الزينة لها حال

الإحرام و حرمة إظهار ما كانت متزينة به قبل الإحرام للرجال في مركبها و مسيرها، و ربما يرجع إلى ذلك ما في اللمعة، قال: «و التختم للزينة و لبس المرأة ما لم تعتده من الحلي و إظهار المعتاد منه للزوج» فتأمل جيدا فإن المسألة في غاية التشويش في كلامهم، و اللَّه العالم.

[منها استعمال دهن فيه طيب ]

و استعمال دهن فيه طيب فإنه محرم بعد الإحرام بلا خلاف و لا إشكال بل في المنتهى أجمع علماؤنا على انه يحرم الادهان في حال الإحرام بالأدهان الطيبة كدهن الورد و البان و الزيبق، و هو قول عامة أهل العلم، و تجب له الفدية إجماعا و يمكن حمل كلام المصنف و غيره على إرادة الادهان مما ذكروه من الاستعمال، خصوصا بعد اقتصار النصوص هنا على الادهان، فيبقى الشم حينئذ خارجا عن البحث هنا، و حينئذ فالبحث فيه على ما عرفت سابقا من عموم الطيب و خصوصه و يحتمل خروج الادهان كما أشرنا إليه سابقا، و لعل الأول أولى.

و على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في حرمة الادهان به بعده بل أو قبله إذا كان ريحه يبقى إلى الإحرام كما في القواعد و محكي النهاية و السرائر

ج 18، ص: 375

بل في المدارك نسبته إلى الأكثر، لحرمة الطيب للمحرم ابتداء و استدامة، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي و صحيحه (1): «لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل»

و خبر علي بن أبي حمزة(2)«سألته عن الرجل يدهن بدهن فيه طيب و هو يريد أن يحرم فقال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك، و لا عنبر يبقى ريحه في رأسك بعد ما تحرم، و ادهن بما شئت حين تريد أن تحرم قبل الغسل و بعده، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحل»

خلافا للمحكي عن الجمل و العقود و الوسيلة و المهذب من الكراهة، لجوازه ما دام محلا، غايته وجوب الإزالة فورا بعد الإحرام، و هو كالاجتهاد في مقابلة النص.

نعم لا بأس بغير المطيب قبل الإحرام، بل عن التذكرة الإجماع عليه، بل و لا به إذا لم تبق رائحته للأصل و النصوص، بل ظاهرها كالفتاوى عدم الفرق بين ما تبقى عينه و غيره، فما عن بعضهم من احتمال المنع في الأول قياسا على المطيب واضح الضعف، ثم لا يخفى عليك أن تحريم الادهان بالمطيب الذي يبقى أثره انما يتحقق مع وجوب الإحرام و تضيق وقته، و إلا لم يكن الادهان محرما و ان حرم إنشاء الإحرام قبل زوال أثره كما هو واضح.

و كذا لا يجوز للمحرم الادهان ب ما ليس بمطيب من الدهن اختيارا بعد الإحرام وفاقا

للمشهور، بل عن ظاهر الخلاف الإجماع عليه، لما سمعته من النهي عنه في النصوص المزبورة، مضافا إلى ما تقدم سابقا من

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(3): «لا تمس شيئا من الطيب و أنت


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 376

محرم و لا من الدهن»

و غيره من كون الحاج أشعث أغبر و نحوه خلافا لصريح المفيد و ظاهر المحكي عن الجمل و العقود و الكافي و المراسم للأصل المقطوع بما سمعت

و صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن محرم تشققت يداه فقال: يدهنهما بزيت أو بسمن أو إهالة»

و صحيح هشام (2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «إذا خرج بالمحرم الجراح أو الدمل فليبطه و ليداوه بسمن أو زيت»

الظاهرين في حال الاضطرار الذي أشار إليه المصنف بقوله و يجوز اضطرارا بل لا أجد فيه خلافا بل الإجماع بقسميه عليه، و لما نص من الأخبار على جواز الادهان بعد الغسل قبل الإحرام، ك

صحيح الحسين بن أبي العلاء(3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن الرجل المحرم يدهن بعد الغسل قال: نعم، قال:

فأدهنا عنده بسليخة بان، و ذكر أن أباه كان يدهن بعد أن يغتسل للإحرام، و أنه يدهن بالدهن ما لم يكن فيه غالية أو دهنا فيه مسك أو عنبر»

و صحيح هشام (4)سأله (عليه السلام) «عن الدهن بعد الغسل للإحرام فقال: قبل و بعد و مع ليس به بأس»

بناء على كون الظاهر بقاؤه عليه إلى الإحرام و تساوي الابتداء و الاستدامة، و هما معا ممنوعان، نعم قد تستفاد الكراهة من

صحيح ابن مسلم (5)قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام): «لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام و بعده، و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى».

هذا كله في الادهان بغير المطيب، أما أكله فلا إشكال في جوازه اختيارا


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 30- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 18، ص: 377

للأصل، بل الإجماع بقسميه، و لا فدية بالادهان به و إن أثم للأصل، بخلاف المطيب فتجب و إن اضطر اليه على ما ذكره الفاضل و غيره، بل قد سمعت دعوى الإجماع منه على أصل وجوبها، ل

صحيح معاوية(1)«في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج قال: إن كان فعله بجهالة فعليه إطعام مسكين، و إن كان تعمدا فعليه دم شاة»

و يأتي إن شاء اللَّه تمام الكلام فيه.

[منها إزالة الشعر]

و إزالة الشعر قليله و كثيره حتى الشعرة و نصفها عن الرأس أو اللحية أو الإبط أو غيرها بالحلق أو القص أو النتف أو النورة أو غيرها بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في التذكرة و المنتهى إجماع العلماء، مضافا الى كون بعض أفراده ترفها، و إلى قوله تعالى (2)«وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» و إلى مفهوم قوله تعالى (3)أيضا «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» و إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(4): «من حلق أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم»

و نحوه

صحيحه الآخر(5)عنه (عليه السلام) أيضا، و الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(6)«إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم»

و في

حسن الحلبي (7)«ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 5.
2- 2 سورة البقرة- الآية 192.
3- 3 سورة البقرة- الآية 192.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 16- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 9.

ج 18، ص: 378

فعليه أن يطعم مسكينا في يده»

بناء على اقتضاء وجوب الفدية الإثم بالفعل، و في

صحيح معاوية(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم كيف يحك رأسه؟

قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر»

و في

صحيح الحلبي (2)«سألته (عليه السلام) أيضا عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم»

و في

خبر عمر بن يزيد(3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر، و يحك الجسد ما لم يدمه».

و غير ذلك من النصوص، نعم مع الضرورة من أذية قمل أو قروح أو صداع أو حر أو غير ذلك لا إثم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و عموم أدلتها و إلى

نفي العسر و الحرج و الضرر و الضرار و الآية(4)و

صحيح حريز(5)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «مر رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على كعب بن عجزة الأنصاري و القمل يتناثر من رأسه فقال: أ تؤذيك هوامك؟ فقال: نعم، فنزلت الآية، فأمره رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) بحلق رأسه و جعل عليه الصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين مدان، و النسك شاة- و قال أبو عبد اللَّه (عليه السلام)-: و كل شي ء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما شاء، و كل شي ء في القرآن فان لم يجد كذا فعليه كذا فالأول الخيار»

اي هو المختار، و ما بعده عوض عنه مع عدم إمكانه، و

في الفقيه (6)


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
4- 4 سورة البقرة- الآية 192.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 379

«مر النبي (صلى اللَّه عليه و آله) على كعب بن عجرة الأنصاري و هو محرم و قد أكل القمل رأسه و حاجبيه و عينيه فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): ما كنت أرى أن الأمر يبلغ ما أرى فأمره فنسك عنه نسكا، و حلق رأسه يقول اللَّه تعالى «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ» الآية فالصيام ثلاثة أيام؛ و الصدقة على ستة مساكين، لكل مسكين

صاع من تمر، و النسك شاة لا يطعم منها أحدا إلا المساكين»

و خبر عمر بن يزيد(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «قال اللَّه تعالى في كتابه «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ» الآية، فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى بما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيام، و الصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام، و النسك شاة يذبحها فيأكل و يطعم، و انما عليه واحد من ذلك»

الى غير ذلك من النصوص.

لكن في المنتهى لو كان له عذر من مرض أو وقع في رأسه قمل أو غير ذلك من أنواع الأذى جاز له الحلق إجماعا للآية و للأحاديث السابقة، ثم ينظر فان كان الضرر اللاحق به من نفس الشعر فلا فدية عليه، كما لو نبت في عينيه أو نزل شعر حاجبيه بحيث يمنعه الإبصار، لأن الشعر أضر به، فكان له إزالة ضرره كالصيد إذا صال عليه، و إن كان الأذى من غير الشعر لكن لا يتمكن من إزالة الأذى إلا بحلق الشعر كالقمل و القروح برأسه و الصداع من الحر بكثرة الشعر وجبت الفدية، لأنه قطع الشعر لازالة ضرره عنه، فصار كما لو أكل الصيد للمخمصة، لا يقال القمل من ضرر الشعر، و الحر سببه كثرة الشعر، فكان الضرر منه أيضا لأنا نقول: ليس القمل من الشعر، و انما لا يمكنه القيام إلا بالرأس ذي الشعر، فهو محله لا سبب، و كذلك الحر من الزمان، لأن الشعر يوجد في البرد و لا يتأذى به، فقد ظهر أن الأذى في هذين النوعين ليسا من الشعر.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 380

و في الدروس «لو نبت في عينه شعر أو طال حاجبه فغطى عينه فإزالة فلا فدية، و لو تأذى بكثرة الشعر في الحر فإزالة فدى، و الفرق لحوق الضرر من الشعر في الأول، و من الزمان في الثاني، و في إزالته لدفع القمل الفدية، لأنه محل المؤذي لا مؤذ» و في كشف اللثام بعد أن ذكر جواز الإزالة للضرورة قال:

و لكن لا يسقط بشي ء من ذلك الفدية للنصوص إلا في الشعر النابت في العين و الحاجب الذي طال فغطى العين، ففي المنتهى و التحرير و التذكرة و الدروس أن لا فدية لازالتهما، لأن الضرر بنفس الشعر، فهو كالصيد الصائل، هذا، و لكن في المدارك بعد أن حكى ما سمعته من المنتهى قال: و هو غير واضح، و المتجه لزوم الفدية إذا كانت الإزالة بسبب المرض أو الأذى الحاصل في الرأس مطلقا، لإطلاق الآية(1)الشريفة دون ما عدا ذلك، لأن الضرورة مسوغة لإزالته، و الفدية منتفية بالأصل، و نوقش بأن مورد الأخبار الموجبة لجواز الحلق مع الضرورة انما هو التضرر بالقمل أو الصداع كما في رواية المحصر(2)و عليه يحمل إطلاق الآية و يبقى ما عداه خارجا عن محل البحث، و يدفع بأن أخصية المورد لا توجب تقييد المطلق، لعدم التعارض بينهما بوجه، و في الرياض نعم يمكن الجواب عن الإطلاق بعدم عموم فيه يشمل غير المورد، لعدم انصرافه بحكم الغلبة إليه، فتدبر، و لعله أشار بالتدبر إلى إمكان منع عدم الانصراف، ضرورة صدق الأذى

على الجميع، بل لعل الظاهر عدم الفرق بين الرأس و غيره من الأعضاء، بل قد سمعت ما في خبر عمر بن يزيد(3)الشامل للرأس و غيره، انما الكلام فيما ذكره الفاضل و الشهيد


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الإحصار و الصد.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 381

من عدم الفدية بالضرر الناشئ من نفس الشعر، و لعل القول بوجوبها أيضا أقوى لصدق الأذى، و خصوصا إذا كان حاصلا بنفس نبات الشعر كما يتفق لبعض الأمزجة، فتأمل جيدا.

و لو قطع عضوا مثلا كان عليه شعر أو ظفر لم يتعلق بزوالهما شي ء كما في التذكرة و المنتهى، لخروجه عن مفهوم إزالتهما عرفا فضلا عن القص و القلم و الحلق و النتف، و ما ثبت في القصاص من صدق قطع الإصبع بقطع الكف أو بعضه فلدليله فما في الدروس- من التردد فيه لقوله: لو قلع جلدة عليها شعر قيل لا يضمن- في غير محله.

ثم إن الظاهر عدم الخلاف بل و لا إشكال في عدم جواز إزالة المحرم شعر محرم غيره، بل في المدارك الإجماع عليه، و لعله كذلك، مضافا إلى ما يفهم من الأدلة من عدم جواز وقوع ذلك من اي مباشر كان، و الظاهر أن مثله قتل الهوام أما شعر المحل فعن الشيخ في الخلاف جوازه، و لا ضمان للأصل، و عن التهذيب لا يجوز له ذلك، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا يأخذ الحرام من شعر الحلال»

و لعله الأقوى، نعم قد يشك في الفدية التي مقتضى الأصل عدمها بعد ظهور الأدلة في غير ذلك.

ثم إن الظاهر كون المحرم الإزالة المستفادة من الحلق و النتف و نحوهما، فلا بأس بالحك الذي لم يعلم ترتبها عليه، و لا قصدها به، و وجوب الفداء على الشعر الساقطة بمس اللحية إن قلنا به كوجوبها على الناسي و الغافل عند القائل به و لعل

قوله (عليه السلام): «لا بأس بالحك ما لم يدم أو يقطع الشعر»

ظاهر فيما ذكرنا،


1- 1 الوسائل- الباب- 63- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و فيه« لا يأخذ المحرم. إلخ».

ج 18، ص: 382

و حينئذ فلا بأس بالتسريح الذي لا طمأنينة بحصول القطع معه و ان اتفق، إلا أن الأولى و الأحوط اجتنابه، خصوصا مع كونه ترفها منافيا للإحرام و غالب السقوط، فالأولى تمييزه بيده كما ورد(1)في الرأس، و لو سقطت شعرة بمماسة اللحية مثلا و علم كونها منسلة فلا شي ء، و لو شك في كونها نابتة أو لا ففي الدروس الأقرب الفدية، و فيه نظر للأصل، هذا، و يأتي إن شاء اللَّه تمام البحث في أطراف المسألة في الكفارات، و اللَّه العالم.

[منها تغطية الرجل الرأس ]

و تغطية الرجل الرأس بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن التذكرة و المنتهى إجماع العلماء عليه، بل النصوص فيه مستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة، منها

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر القداح (2): «إحرام المرأة في وجهها، و إحرام الرجل في رأسه»

و الصادق (عليه السلام) في حسن عبد اللَّه بن ميمون (3)«المحرمة لا تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها و إحرام الرجل في رأسه»

و صحيح ابن الحجاج (4)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في أذنيه يغطيهما قال: لا»

و صحيح ابن سنان (5)«سمعت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) يقول لأبي و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال:

أ ترى أن أستتر بطرف ثوبي قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك»

و صحيح زرارة(6)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي


1- 1 الوسائل- الباب- 75- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 59- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 383

وجهه من الذباب قال: نعم و لا يخمر رأسه، و المرأة المحرمة لا بأس أن تغطي وجهها كله»

و صحيح حريز(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن محرم غطى رأسه ناسيا قال: يلقي القناع عن رأسه و يلبي و لا شي ء عليه»

و غير ذلك من النصوص الظاهر بعضها في عدم الفرق بين الكل و البعض كما صرح به الفاضل و الشهيد و غيرهما، نعم لا بأس بعصام القربة اختيارا كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا، ل

صحيح ابن مسلم (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى قال: نعم»

و كذا عصابة الصداع ل

قول الصادق (عليه السلام) أيضا في صحيح معاوية(3): «لا بأس أن يعصب المحرم رأسه من الصداع»

و نحوه حسن يعقوب بن شعيب (4)بل في كشف اللثام عمل بهما أي صحيحي العصابتين الأصحاب، ففي المقنع تجويز عصابة القربة، و في التهذيب و النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى تجويز التعصيب لحاجة، و أطلق ابن حمزة

التعصيب، و إن كان قد يناقش بعدم دليل على التعميم المزبور، بل ظاهر

قوله (عليه السلام): «لا بأس ما لم يصب رأسك»

خلافه، إلا أن يدعى ذلك في خصوص التعصيب، و لكن إن لم يصل إلى حد الضرورة فيه منع واضح.

نعم ربما ظهر من التذكرة و المنتهى التردد في الأذنين، لكن في التحرير الوجه دخولهما، و لعله لصحيح ابن الحجاج السابق إن لم نقل إن الرأس اسم للعضو المخصوص كاليد، و إن اختص بعض أجزائه باسم آخر، و إلا كان خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 57- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 70- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 70- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 384

الأذن (1)مؤكدا للدخول، و دعوى أن المراد به هنا منابت الشعر حقيقة أو حكما لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، و إن استوجهها ثاني الشهيدين و فرع عليها خروج الأذنين، بل في المدارك حكايتها عن جمع من الأصحاب، لكن قد عرفت تصريح النص بخلافها، فلا يقدح حينئذ شهادة

قوله (عليه السلام):

«إحرام المرأة في وجهها، و الرجل في رأسه»

أو العرف أو غير ذلك، فان جميع ذلك لا يعارض النص الصريح، نعم يجدي تحقيق ذلك بالنسبة إلى غيرهما مما هو خارج عن المنبت، و لم يقم دليل على جواز تغطيته، فان مقتضى الأول

حينئذ وجوبه، بخلافه على الدعوى الثانية، إلا أني لم أجد من ذكر وجوب غير الأذنين زائدا على المنابت، بل لعل السيرة أيضا على خلافه.

ثم لا فرق في حرمة التغطية بين جميع أفرادها كالثوب و الطين و الدواء و الحناء و حمل المتاع أو طبق و نحوه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بل عن التذكرة نسبته إلى علمائنا، نعم في المدارك هو غير واضح، لأن المنهي عنه في الروايات المعتبرة تخمير الرأس و وضع القناع عليه و الستر بالثوب و نحوه لا مطلق الستر، مع أن النهي لو تعلق به لوجب حمله على المتعارف منه، و هو الستر بالمعتاد و تبعه في الذخيرة، و فيه- مضافا إلى

قوله (عليه السلام): «إحرام الرجل في رأسه»

و غيره من الإطلاقات، و استثناء عصام القربة و غير ذلك- أن النهي عن الارتماس في الماء و إدخال الرأس فيه- بناء على أنه من التغطية أو بمعناها و لذا لا يختص ذلك بالماء- ظاهر في عدم اعتبار المتعارف من الساتر، و كذا ما تسمعه من منع المحرمة تغطية وجهها بالمروحة، بناء على أنها من غير المتعارف، و على


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 385

تساويهما في ذلك و ان اختلف محل إحرامهما بالوجه و الرأس و غير ذلك، و لعله لذا و نحوه كان الحكم مفروغا منه عند الأصحاب، بل ظاهر بعضهم الإجماع عليه بيننا.

نعم للعامة خلاف في الخضاب الرقيق، و آخر في الطين، و ثالث في العسل و اللبن الثخين، و رابع فيما يحمله على رأسه من متاع و نحوه، و عن المبسوط من خضب رأسه أو طينه لزمه الفداء كمن غطاه بثوب بلا خلاف، هذا، و في التحرير و المنتهى جواز التلبيد بأن يطلي رأسه بعسل أو صمغ ليجتمع الشعر و يتلبد، فلا يتخلله الغبار، و لا يصيبه الشعث، و لا يقع فيه الدبيب،

و قال: روى ابن عمر(1)قال: «رأيت رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يهل ملبدا»

و حكاه في التذكرة عن الحنابلة، قلت: قد يشعر

صحيح زرارة(2)بمعروفية ذلك سابقا، سأل الصادق (عليه السلام) في الصحيح «عن المحرم هل يحك رأسه أو يغتسل بالماء؟ قال:

يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة، و لا بأس أن يغتسل بالماء و يصب على رأسه ما لم يكن ملبدا، فان كان ملبدا فلا يفيض على رأسه الماء إلا من احتلام»

بل عن المقنع و الدروس الفتوى بمضمونه، و إن كان هو غير صريح في جوازه مطلقا فضلا عنه اختيارا، و لعل منع الملبد عن الصب احترازا عن سقوط الشعر، و على كل حال فلا ريب في ان الأحوط ان لم يكن أقوى اجتنابه إذا كان بحيث يستر بعض الرأس.

نعم لا بأس بالتوسد و لو العمامة كما صرح به الفاضل و الشهيد و غيرهما، و لعله لصدق انه مكشوف الرأس، مع انه من لوازم النوم الذي هو من الضروريات


1- 1 صحيح مسلم ج 4 ص 8.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 و ذيله في الباب 75 منها- الحديث 3.

ج 18، ص: 386

و إن كان الحكم غير مقيد بها، و عن المبسوط و في المنتهى و التذكرة جواز الستر باليد، و لعله لأن الستر بما هو متصل به لا يثبت له حكم الستر، و لذا لو وضع يديه على فرجه لم يجزه في الصلاة، و لأنه مأمور بمسح رأسه في الوضوء، و لما سمعته من النص على جواز حك رأسه بيده، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و قال:

لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض»

لكن في الدروس و ليس صريحا في الدلالة فالأولى المنع، و فيه أن الظهور كاف، هذا، و في المسالك و المفهوم من الغطاء ما كان ملاصقا، فلو رفعه عن الرأس بآلة بحيث يستر عنه الشمس و لم يصبه فالظاهر جوازه، و فيه أنه يحرم حينئذ من حيث التظليل الذي ستعرف حكمه لا التغطية، و يمكن أن يريد الجواز من حيث التغطية، لعدم صدقها.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه في معناه إي التغطية الارتماس بالماء بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(2): «لا يرتمس المحرم في الماء»

و في صحيح ابن سنان (3)«لا تمس الريحان و أنت محرم، و لا تمس شيئا فيه زعفران و لا تأكل طعاما فيه زعفران، و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك»

و غيرهما من النصوص، بل قد يستفاد من الصحيح الأخير أن المراد هنا بالارتماس إدخال الرأس في الماء، بل لا فرق بينه و بين غيره من المائعات بعد إن كان المانع التغطية


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 10 و ذيله في الباب 58 منها الحديث 1.

ج 18، ص: 387

بل مقتضى ذلك انه لا يجوز رمس بعض رأسه حينئذ فضلا عن جميعه.

نعم لا إشكال و لا خلاف في جواز غسل رأسه بإفاضة الماء عليه، بل عن التذكرة الإجماع عليه، لأنه ليس تغطية و لا في معناها، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(1): «إذا اغتسل المحرم من الجنابة صب على رأسه الماء، و يميز الشعر بأنامله بعضه من بعض»

و سأله (عليه السلام) أيضا يعقوب بن شعيب (2)في الصحيح «عن المحرم يغتسل فقال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه»

و لصحيح زرارة(3)السابق من غير فرق بين الواجب و المندوب، بل يجوز له الغسل بفتح الغين كذلك لما عرفت.

هذا كله في تغطية الرأس، و أما الوجه فالمشهور جوازه، بل عن الخلاف و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، للأصل و النصوص السابقة، و تخمير وجه المحرم إذا مات دون رأسه، و لقطع التفصيل الشركة في

قوله (عليه السلام): «إحرام الرجل في رأسه و إحرام المرأة في وجهها»

و خبر منصور بن حازم (4)«رأيت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) و قد توضأ و هو محرم ثم أخذ منديلا فمسح وجهه»

و خبر عبد الملك القمي (5)سأله (عليه السلام) «عن الرجل المحرم يتوضأ ثم يجلل وجهه بالمنديل يخمره كله قال: لا بأس»

و خبر أبي البختري (6)المروي عن قرب الاسناد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «المحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 75- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 75- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 59- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و في الطبع الحديث من الوسائل« ثم يخلل» و هو سهو فان الموجود في الكافي ج 4 ص 349 كما في الجواهر.
6- 6 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8.

ج 18، ص: 388

يغطي وجهه عند النوم و الغبار إلى طرار شعره»

نعم في

صحيح معاوية(1)عن الصادق (عليه السلام) «يكره للمحرم أن يجوز بثوبه فوق أنفه»

و في

صحيح حفص و هشام (2)عنه (عليه السلام) أيضا «يكره للمحرم أن يجوز بثوبه انفه من أسفل، و قال (عليه السلام): أضح لمن أحرمت له»

فما عن ابن أبي عقيل من عدم جوازه و ان فيه كفارة إطعام مسكين واضح الضعف، و إن كان ربما يشهد له مضمر الحلبي (3)الآتي بناء على أن الأصل فيما وجبت له الكفارة الحرمة، إلا انه غير ناهض بمعارضة ما عرفت من وجوه، بل يمكن القطع ببطلانه إن أراد البعض أيضا للسيرة القطعية، و عن تهذيب الشيخ الجواز مع الاختيار غير أنه تلزمه الكفارة بل قال: و متى لم ينو الكفارة لم يجز له ذلك، و لعله ل

صحيح الحلبي المضمر(4)«المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكينا في يده، قال: و لا بأس أن ينام على وجهه على راحلته»

الذي هو مع أنه غير دال على تمام مدعاه حمله غير واحد على الندب، و لا بأس به بعد خلو تلك النصوص الواردة في مقام البيان عنه، و بعد الأصل و ظاهر الفتاوى.

و على كل حال فلا إشكال في اقتضاء النصوص و الفتاوى حرمة تغطية المحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 61- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1، إلا أن الموجود في الطبع الجديد« المحرم إذا غطى رأسه. إلخ» و ذيله في الباب 60 من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1، و قد ذكر صدر الحديث صحيحا في الوسائل في الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 عن الصادق عليه السلام إلا أنه سهو أيضا، حيث أن الحديث مضمر كما في التهذيب ج 5 ص 308- الرقم 1054.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1، إلا أن الموجود في الطبع الجديد« المحرم إذا غطى رأسه. إلخ» و ذيله في الباب 60 من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1، و قد ذكر صدر الحديث صحيحا في الوسائل في الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4 عن الصادق عليه السلام إلا أنه سهو أيضا، حيث أن الحديث مضمر كما في التهذيب ج 5 ص 308- الرقم 1054.

ج 18، ص: 389

رأسه حتى عند النوم، بل صحيح زرارة السابق صريح فيه، فما في

خبر زرارة(1)الذي لم يجمع شرائط الحجية عن أحدهما (عليهما السلام) «في المحرم له أن يغطي رأسه و وجهه إذا أراد أن ينام»

مطرح أو محمول على حال التضرر بالتكشف، أو على التغطية التي هي تظليل أو غير ذلك، و اللَّه العالم.

و كيف كان ف لو غطى رأسه ناسيا ألقى الغطاء واجبا بلا خلاف و لا إشكال، لما عرفت من حرمة الابتداء و الاستدامة و جدد التلبية استحبابا لصحيح حريز(2)السابق، و

صحيح الحلبي (3)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يغطي رأسه نائما أو ناسيا فقال: يلبي إذا ذكر»

إلا أنهما كما ترى مقتضاهما الوجوب الذي به ينقطع الأصل، لكن في المدارك و غيرها لا قائل به، و إن كان فيه أنه حكي عن ظاهر الشيخ و ابني حمزة و سعيد، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأول أقوى.

و على كل حال فلا خلاف في أنه يجوز ذلك أي تغطية الرأس للمرأة بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة بعد الأصل و النصوص التي منها صحيح زرارة(4)السابق الفارق بين الرجل و المرأة بتغطية الوجه كله المستلزم لستر بعض الرأس، و منها

قوله (عليه السلام)(5): «إحرام المرأة في وجهها، و إحرام الرجل في رأسه»

و لكن عليها أن تسفر عن وجهها فلا يجوز لها تغطيته بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى أنه قول


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 55- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 390

علماء الأمصار، و هو الحجة بعد ما سمعت من أن إحرامها في وجهها، و في

حسن الحلبي (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «مر أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة و هي محرمة، فقال: أحرمي و أسفري و ارخي ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال له رجل: الى أين ترخيه؟ فقال: تغطي عينها، قال: قلت: يبلغ فمها قال: نعم»

و في

خبر احمد بن محمد(2)عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: «مر أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة و قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها»

و في

خبر أبي عيينة(3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) ما يحل للمرأة أن تلبس من الثياب و هي محرمة؟ قال:

الثياب كلها ما خلا القفازين و البرقع و الحرير»

كخبر ابن أبي العلاء(4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) أيضا عن أبيه (عليه السلام) «انه كره للمحرمة البرقع و القفازين»

بناء على إرادة الحرمة من الكراهة، مثل ما في

صحيح العيص (5)عنه (عليه السلام) أيضا «انه كره النقاب، و قال: تسدل الثوب على وجهها، قلت: حد ذلك إلى أين؟ قال: إلى طرف الأنف قدر ما تبصر»

إلى غير ذلك من النصوص المستفاد من أولها و غيره ما ذكره غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق في التحريم بين أن تغطيه بثوب و غيره نحو ما سمعته في رأس الرجل، ضرورة اتحاد الوجه معه بالنسبة إلى ذلك، لكن في المدارك

هو مشكل نحو ما سمعته منه هناك، و قد عرفت ما فيه.

نعم يجوز لها وضع اليدين عليه كما يجوز لها نومها عليه، نحو ما سمعته في


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 391

الرجل بالنسبة إلى رأسه، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة(1): «و لا تستتر بيدها من الشمس»

محمول على ضرب من الكراهة، و كذا لا فرق في حرمة التغطية بين الكل و البعض، لما سمعته في الرأس، و لصحيح المنع من النقاب، بل يجب عليها كشف بعض الرأس مقدمه لكشف الوجه، كما يجب على الرجل كشف بعض الوجه مقدمة للرأس.

نعم لو تعارض ذلك في المرأة في الصلاة ففي المنتهى و التذكرة و الدروس قدمت ستر الرأس لا لما في المدارك من التمسك بالعمومات المتضمنة لوجوب ستره السالمة عما يصلح للتخصيص، ضرورة إمكان معارضته بمثله، بل لترجيحه بما قيل من ان الستر أحوط من الكشف لكونها عورة، و لأن المقصود إظهار شعار الإحرام بكشف الوجه بما تسمى به مكشوفة الوجه، و هو حاصل مع ستر جزء يسير منه، و ان أمكن المناقشة فيه أيضا بتعارض الاحتياط بالنسبة إلى الصلاة و الإحرام، و كونها عورة في النظر لا مدخلية له في ذلك، و كما يصدق أنها مكشوفة الوجه مع ستر الجزء اليسير منه يصدق أنها مستورة الرأس مع كشف الجزء

اليسير منه، فالمتجه حينئذ التخيير ان لم ترجح الصلاة بكونها أهم و أسبق حقا و نحو ذلك، نعم قد يقال إذا جاز السدل و خصوصا إلى الفم أو الذقن أو النحر فلا تعارض إلا مع وجوب المجافاة، فإنه يتعسر الجمع حينئذ في السجود، لكن يمكن فرض المسألة في حال تعذر السدل، فالإشكال حينئذ بحاله.

و على كل حال ف لو أسدلت قناعها على رأسها إلى طرف أنفها جاز بلا خلاف أجده كما عن المنتهى الاعتراف به، بل في المدارك نسبته إلى إجماع الأصحاب و غيرهم نحو ما عن التذكرة من انه جائز عند علمائنا اجمع، و هو قول


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 10.

ج 18، ص: 392

عامة أهل العلم، بل قد يجب بناء على وجوب ستر الوجه عليها من الأجانب و انحصر فيه، بل في كشف اللثام بعد ان أوجبه للستر قال: اما جواز السدل بل وجوبه فمع الإجماع لأنها عورة يلزمها الستر من الرجال الأجانب، و للأخبار ك

قول الصادق (عليه السلام) لسماعة(1): «إن مر بها رجل استترت منه بثوبها»

و إن كان هو منافيا للخلاف المعروف في كتاب النكاح في جواز النظر إلى وجه الأجنبية، بل ربما كان المشهور الجواز و إن كان الأصح خلافه.

و كيف كان فلا إشكال في جواز السدل هنا لما عرفت و لما سمعته من صحيح زرارة(2)و العيص (3)مضافا إلى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(4): «تسدل المرأة ثوبها على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة»

و في

صحيح زرارة(5)«المحرمة تسدل ثوبها إلى نحرها»

و في

صحيح حريز(6)«المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن»

و في المرسل (7)عن عائشة «كان الركبان يمرون بنا و نحن محرمات مع رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، فإذا جاؤونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا كشفنا»

الى غير ذلك من النصوص المستفاد من بعضها جوازه إلى النحر الذي هو الموافق للستر، بل مقتضى إطلاقها كالمتن و نحوه جوازه اختيارا بدون غرض الستر و نحوه، بل مقتضاهما جوازه مماسا للوجه، خصوصا مع ملاحظة غلبة ذلك مع عدم إشارة في


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
7- 7 سنن البيهقي ج 5 ص 48.

ج 18، ص: 393

شي ء منها إلى التحرز منه مع انها في مقام البيان، و لعله لذا كان خيرة الفاضل في المنتهى ذلك، و تبعه غير واحد ممن تأخر عنه، خلافا للمحكي عن المبسوط و الجامع من عدم الجواز، فلا بد أن تمنعه بيدها أو بخشبة من أن يباشر وجهها، و اختاره في القواعد بل في الدروس انه المشهور، بل عن الشيخ وجوب الدم مع تعمد المباشرة، و ظاهره ذلك حتى إذا زال أو أزالته بسرعة، خلافا لبعض العامة فلا شي ء، بل في الدروس و عن غيرها حكايته عن الشيخ أيضا، و ان كنا لم نتحققه كما انه لم نتحقق الشهرة المزبورة.

و على كل حال فلم نجد له دليلا على شي ء من ذلك سوى دعوى الجمع بين صحاح السدل و النصوص المانعة من التغطية بحمل الأولى على غير المصيبة للبشرة بخلاف الثانية، بل لعل المرتفعة ليست من التغطية، و فيه- مع أن الدليل خال عن ذكر التغطية و إنما فيه الإحرام بالوجه و الأمر بالاسفار عن الوجه- ان السدل بمعنييه تغطية عرفا، و انها غير سافرة الوجه معه إلا ما خرج عنها إلى حد التظليل و نحوه، على ان الجمع بإخراج السدل بقسميه عن ذلك كما كاد يكون صريح النصوص المزبورة بل و الفتوى اولى من وجوه، و لا يقتضي ذلك اختصاص الحرمة حينئذ بالنقاب كما في المدارك و الذخيرة و غيرهما، بل في الأول لا يستفاد من الأخبار أزيد من ذلك، ضرورة تعدد أفراد التغطية بغير السدل كالشد و نحوه، و خصوصا مع ملاحظة اللطوخ و نحوه، و من هنا تردد المصنف فيما يأتي في كراهة النقاب، بل افتى به الفاضل في الإرشاد مع الجزم بحرمة التغطية، بل في الدروس عد النقاب محرما مستقلا عن حرمة التغطية و إن كان قد علله بها، فالتحقيق استثناء السدل من ذلك بقسميه، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، نعم قد سمعت ما في صحيح زرارة من جواز تغطية المحرمة وجهها كله في النوم، بخلاف الرجل فإنه يغطي وجهه و لا يخمر رأسه، و لم أقف على راد له كما اني لم أقف على

ج 18، ص: 394

من استثناه من حكم التغطية، و يمكن إرادة التغطية بما يرجع إلى السدل أو ما يقرب منه، فتدبر هذا.

و في الدروس و الخنثى تغطي ما شاءت من الرأس أو الوجه، و لا كفارة، و لو جمعت بينهما كفرت، و تبعه في المسالك، و فيه أن المتجه وجوب كشفهما مقدمة لحصول اليقين بالامتثال و إن كان لا كفارة إلا مع الجمع، و اللَّه العالم.

[منها تظليل الرجل المحرم عليه سائرا]

و تظليل الرجل المحرم عليه سائرا بأن يجلس في محمل أو قبة أو كنيسة أو عمارية مظللة أو نحو ذلك على المشهور نقلا في الدروس و غيرها، و تحصيلا، بل عن الانتصار و الخلاف و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، بل لعله كذلك، إذ لم يحك الخلاف فيه إلا عن الإسكافي، مع أن عبارته ليست بتلك الصراحة، قال: «يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه، لأن السنة بذلك جرت، فان لحقه عنت أو خاف من ذلك فقد روي عن أهل البيت (عليهم السلام) جوازه، و روي أيضا انه يفتدي عن كل يوم بمد، و روي في ذلك أجمع دم، و روي لا حرام المتعة دم، و لا حرام الحج دم آخر» و يمكن ان يريد بالمستحب ما لا ينافي الواجب و إن كان يشهد له مضافا إلى الأصل

صحيح الحلبي (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يركب في القبة قال: ما يعجبني ذلك إلا ان يكون مريضا»

و صحيح علي بن جعفر(2)«سألت أخي (عليه السلام) أظلل و انا محرم فقال:

نعم و عليك الكفارة، قال: فرأيت عليا إذا قدم مكة ينحر بدنة لكفارة الظل»

و صحيح جميل (3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس بالظلال للنساء، و قد رخص فيه للرجال»

إلا ان الأصل مقطوع بما عرفت و تعرف، و الأول غير صريح في


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام الحديث 10.

ج 18، ص: 395

الجواز، كما ان الثاني يحتمل الضرورة التي هي في الثالث أظهر بقرينة لفظ الرخصة مضافا إلى موافقتها للعامة، و إلى قصورها عن معارضة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بما سمعت، ك

صحيح ابن المغيرة(1)«قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام):

أظلل و انا محرم قال: لا، قلت: فأظلل و أكفر قال: لا، قلت: فان مرضت قال:

ظلل و كفر، ثم قال: أما علمت أن رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) قال: ما من حاج يضحي ملبيا حتى تغيب الشمس إلا غابت ذنوبه معها»

و صحيح هشام بن سالم (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يركب في الكنيسة فقال: لا، هو للنساء جائز»

و صحيح ابن مسلم (3)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن المحرم يركب القبة فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة قال: نعم»

و صحيح سعد بن سعد الأشعري (4)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألته عن المحرم يظلل على نفسه قال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حر الشمس و هو محرم فقال: هي علة يظلل و يفدي»

و موثق إسحاق بن عمار(5)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن المحرم يظلل عليه و هو محرم قال: لا إلا مريضا أو من به علة و الذي لا يطيق الشمس»

و صحيح حريز(6)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)

و موثق عثمان بن عيسى الكلابي (7)«قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): إن علي بن شهاب

يشكو رأسه و البرد شديد و يريد ان يحرم فقال: إن كان كمن تزعم فليظلل فأما أنت


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 65- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 13.

ج 18، ص: 396

فاضح لمن أحرمت له»

و خبر عبد الرحمن (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل المحرم كان إذا أصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها فقال: هو اعلم بنفسه، إذا علم انه لا يستطيع ان تصيبه الشمس فليستظل منها»

و خبر إسماعيل ابن عبد الخالق (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) هل يستتر المحرم من الشمس؟ قال: لا إلا ان يكون شيخا كبيرا أو قال ذا علة»

و خبر محمد بن منصور(3)عنه (عليه السلام) «سألته عن الظلال للمحرم قال: لا يظلل إلا من علة مرض»

و خبر جعفر بن المثنى (4)قال: قال لي محمد: «إلا أسرك؟ قلت:

بلى، فقمت اليه فقال: دخل هذا الفاسق آنفا فجلس قبالة أبي الحسن (عليه السلام) ثم اقبل عليه فقال: يا أبا الحسن ما تقول في المحرم يستظل على المحمل قال لا، قال: فليستظل في الخباء فقال له: نعم، فأعاد عليه القول شبه

المستهزئ يضحك يا أبا الحسن فما فرق بين هذين؟ قال: يا أبا يوسف إن الدين ليس بقياس كقياسكم أنتم تلعبون، إنا صنعنا كما صنع رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله)، كان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يركب راحلته فلا يستظل عليها و تؤذيه الشمس فيستر بعض جسده ببعض، و ربما يستر وجهه بيده، و إذا نزل استظل بالخباء في البيت و بالجدار»

و خبر محمد بن الفضل (5)قال: «كنا في دهليز يحيى بن خالد بمكة و كان أبو الحسن (عليه السلام) و أبو يوسف فقام إليه أبو يوسف و تربع بين يديه فقال: يا أبا الحسن جعلت فداك المحرم يظلل قال: لا، قال: فيستظل بالجدار و المحمل و يدخل البيت و الخباء


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 عن محمد بن الفضيل و هو الصحيح كما يشير إليه في ص 400.

ج 18، ص: 397

قال: نعم، قال: فضحك أبو يوسف شبه المستهزئ، فقال له أبو الحسن (عليه السلام):

يا أبا يوسف ان الدين لا يقاس كقياسك و قياس أصحابك، ان اللَّه عز و جل أمر في كتابه بالطلاق و أكد فيه بشاهدين و لم يرض بهما إلا عدلين، و أمر في كتابه بالتزويج و أهمل بلا شهود، فآتيتم بشاهدين فيما أبطل، و أبطلتم شاهدين فيما أكد اللَّه عز و جل، و أجزتم طلاق المجنون و السكران، حج رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فأحرم و لم يظلل و دخل البيت و الخباء و

استظل بالمحمل و الجدار ففعلنا كما فعل رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) فسكت»

و مرسل عثمان بن عيسى (1)المروي عن العيون «قال أبو يوسف للمهدي و عنده موسى بن جعفر (عليهما السلام): أ تأذن لي ان أسأله عن مسائل ليس عنده فيها شي ء؟ فقال: نعم، فقال له: أسألك قال له: اسأل، قال:

ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال: لا يصلح، قال: فيضرب الخباء في الأرض و يدخل البيت قال: نعم، قال: فما الفرق بين هذين؟ قال أبو الحسن (عليه السلام):

ما تقول في الطامث أ تقضي الصلاة؟ قال: لا، قال: فتقضي الصوم قال: نعم، قال: و لم؟ قال: هكذا جاء، فقال أبو الحسن (عليه السلام): و هكذا جاء هذا فقال المهدي لأبي يوسف: ما أراك صنعت شيئا؟ قال: رماني بحجر دامغ»

و الأصل في ذلك ما عن أبي حنيفة قال للصادق (عليه السلام): على ما في

صحيح البزنطي (2)المروي عن قرب الاسناد «أيش فرق بين ظلال المحرم و الخباء؟

فقال له أبو عبد اللَّه (عليه السلام): إن السنة لا تقاس»

و مرسل الطبرسي (3)في محكي الاحتجاج و إرشاد المفيد بتفاوت يسير، قال: و اللفظ للأول «سأل محمد بن الحسن أبا الحسن موسى (عليه

السلام) بمحضر من الرشيد و هم بمكة، فقال له: أ يجوز للمحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

ج 18، ص: 398

ان يظلل عليه محمله؟ فقال له موسى (عليه السلام): لا يجوز له ذلك مع الاختيار فقال محمد بن الحسن أ فيجوز له ان يمشي تحت الظلال مختارا؟ فقال له: نعم، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك، فقال له أبو الحسن (عليه السلام): أ تعجب من سنة رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) و تستهزئ بها ان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) كشف ظلاله في إحرامه و مشى تحت الظلال و هو محرم، ان أحكام اللَّه يا محمد لا تقاس، فمن قاس بعضها على بعض فقد ضل سواء السبيل، فسكت محمد بن الحسن لا يرجع جوابا»

و خبر أبي بصير(1)«سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال و هي محرمة قال: نعم، قلت: فالرجل يضرب عليه الظلال و هو محرم قال: نعم إذا كانت به شقيقة يتصدق بمد لكل يوم»

الى غير ذلك من النصوص المنجبر ضعف بعضها بالشهرة و ما عرفت من الإجماع و غيره.

نعم لو اضطر لم يحرم بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه و هو الحجة، مضافا إلى ما سمعته من النصوص التي يظهر من بعضها عدم الاكتفاء فيها بمطلق الأذية من حر أو برد ما

لم تصل إلى حد لا يتحمل مثلها على وجه يسقط التكليف معها،

قال زرارة(2): «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم أ يتغطى؟ فقال: اما من الحر أو البرد فلا»

و لعله لذا كان المحكي عن الشيخين و كذا ابن إدريس اعتبار الضرر العظيم بناء على ارادة ما يسقط معه التكليف من العظيم كما في غير المقام، إذ لا دليل على اعتبار أزيد منه، كما انه لا دليل على الاكتفاء بالأقل منه بعد انسياق النصوص إلى ما ذكرنا و اجتماعها عليه، و حينئذ فإطلاق بعض النصوص الاكتفاء بمطلق الأذية كصحيح سعد بن سعد(3)السابق


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 399

و

صحيح ابن بزيع (1)عن الرضا (عليه السلام) «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى أو مطر أو شمس و انا اسمع فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى» و رواه الصدوق بزيادة «أو قال من علة» قبل قوله: «فأمره» و زيادة «و قال: نحن إذا أردنا ذلك ظللنا و فدينا»

و خبر إبراهيم (2)«قلت للرضا (عليه السلام):

المحرم يظلل على محمله و يفدي إذا كانت الشمس و المطر يضران به، قال: نعم، قلت: كم الفداء؟ قال: شاة»

و خبر علي بن محمد(3)كتب اليه «المحرم هل يظلل على نفسه إذا آذته الشمس أو المطر أو كان مريضا أم لا، فان ظلل هل يجب عليه الفداء أم لا، فكتب (عليه السلام) يظلل على نفسه و يهريق دما إن شاء اللَّه»

محمول على ما ذكرنا، خصوصا بعد استصحاب عدم الجواز الذي لا يكفي في ارتفاعه التزام الكفارة مع عدم الضرورة كما هو مقتضى إطلاق النص و الفتوى، بل هو صريح صحيح ابن المغيرة السابق (4)فما عن المقنع من انه لا بأس ان يضرب على المحرم الظلال و يتصدق بمد لكل يوم بناء على ظهوره في المختار واضح الضعف و ان قال في الدروس روى علي بن جعفر(5)جوازه مطلقا و يكفر لكن إن كان مراده ما سمعت من صحيحه السابق فقد عرفت احتماله الضرورة، نعم قد يلوح ذلك من صحيح ابن بزيع (6)السابق و نحوه، و لكن لا يجترئ بمثله على ذلك بعد ما عرفت.

هذا كله في التظليل عليه بالقبة و نحوها مما يكون على رأسه، إما الاستتار سائرا بالثوب و نحوه عن الشمس مثلا على وجه لا يكون على رأسه فعن الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 400

و المنتهى جوازه بلا خلاف، بل في الأخير نسبته إلى جميع أهل العلم، قال:

«و إذا نزل جاز ان يستظل بالسقف و الحائط و الشجرة و الخباء و الخيمة، فإن نزل تحت شجرة طرح عليها ثوبا يستتر به، و ان يمشي تحت الظلال، و ان يستظل بثوب ينصبه إذا كان سائرا و نازلا لكن لا يجعله فوق رأسه سائرا خاصة لضرورة أو غير ضرورة عند جميع أهل العلم» و عن ابن زهرة «يحرم عليه ان يستظل و هو سائر بحيث يكون الظلال فوق رأسه» و تبعهم غير واحد ممن تأخر و لعله للأصل بعد كون المورد في أكثر النصوص الجلوس في القبة و الكنيسة و المحمل و نحوها مما لا يشمل الفرض، و

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: سمعته يقول لأبي: و شكا اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به و قال: أ ترى ان استتر بطرف ثوبي؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك»

و لكن فيه انه يعارضه عموم نحو

قول الصادق (عليه السلام) في خبر المعلى (2): «لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس ان يستر بعضه ببعض»

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق (3)و محمد بن الفضيل (4)السابقان، بل و خبر عبد اللَّه بن المغيرة المتقدم (5)ضرورة انه لو كان الاستتار بما لا يكون فوق الرأس جائزا لبينه له، و خلو اخبار التكفير(6)مع التظليل للضرورة عما لا يكون فوق الرأس إذ لو كان

جائزا اختيارا وجب الاقتصار عليه إذا اندفعت به الضرورة، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 11.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب بقية كفارات الإحرام.

ج 18، ص: 401

المتجه حمل ذلك كله على الكراهة كما يومي اليه

خبر قاسم الصيقل (1)قال: «ما رأيت أحدا كان أشد تشديدا في الظل من أبي جعفر (عليه السلام) كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين إذا أحرم»

فإن التشديد ظاهر في الزيادة على الواجب، و هذا و إن كان من الراوي إلا أنه ظاهر في معلومية الحكم عندهم سابقا، و هو شاهد على صحة الإجماع المزبور الذي يقيد به المطلقات المذكورة، و أخبار التكفير انما جاءت لبيان ثبوت الكفارة في المحرم من التظليل للمختار إذا اقتضته الضرورة، و هو ما فوق الرأس.

بل قد يشهد لما ذكرناه ما في

خبر سعيد الأعرج (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده قال: لا إلا من علة»

لما عرفت من جواز الاستتار باليد الذي فعله رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) على وجه يقصر عن معارضته، فلا بد من حمله على ضرب من الكراهة، و لكن مع ذلك كله الاحتياط لا ينبغي تركه، و في الدروس «فرع هل التحريم في الظل لفوات الضحى أو لمكان الستر؟

فيه نظر، ل

قوله (عليه السلام): «اضح لمن أحرمت له»

و الفائدة فيمن جلس في المحمل بارزا للشمس، و فيمن تظلل به و ليس فيه» و في كشف اللثام يعني يجوز الأول على الثاني دون الأول، و الثاني بالعكس، ثم قال فيهما، و في الخلاف لا خلاف أن للمحرم الاستظلال بثوب ينصبه ما لم يمسه فوق رأسه، و عن نسخة «ما لم يكن» و قضيته اعتبار المعنى الثاني، قلت: يمكن كون التظليل محرما لنفسه و إن لم يفت معه الضحى للشمس، اي البروز بما أحرم به لها كما إذا كانت في وجهه، و لذا حرم حيث لا تكون شمس، و إن أبيت ذلك فليس إلا الاحتمال الأول، ضرورة أن


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 402

الستر لا أثر له في النصوص سوى بعض المطلقات في النهي عن الاستتار المحمولة على الستر المخصوص، و أما الأول- أي الاضحاء- فقد عرفت تكرار الأمر به في النصوص المزبورة على وجه يظهر منه كون العلة في حرمة التظليل فوات الاضحاء المراد به كما في المنتهى البروز للشمس، و عن النهاية الأثيرية ضحى ظله- اي مات- يقال ضحى الظل- اي صار شمسا- فإذا صار شمسا فقد بطل، و منه حديث الاستسقاء اللهم ضاحت بلادنا و اغبرت أرضنا- اي برزت للشمس و ظهرت- لعدم النبات فيها، الى إن قال: و منه أيضا حديث ابن عمر(1)رأي محرما قد استظل

فقال: أضح لمن أحرمت- اي أظهر و اعتزل- و لكن يقال:

ضحيت للشمس و أضحيت أضحى (إضحاء ظ) إذا أبرزت لها و ظهرت، و من هنا جزم في الحدائق بكونه العلة في التحريم، بل شدد الإنكار على احتمال كون العلة في التحريم الستر، و فرع عليه حرمة التظليل و إن لم يكن فوق الرأس، و لكن فيه أن الأمر بالأضحاء قد جاء في

صحيح حفص و هشام (2)عن الصادق (عليه السلام) على نحو التعليل للمكروه، قال: «يكره للمحرم أن يجوز بثوبه انفه من أسفل، و قال (عليه السلام): اضح لمن أحرمت له»

فلا يبعد القول بالكراهة فيما نافى الاضحاء من التستر بما لا يكون فوق الرأس، و الحرمة بما كان فوقه، هذا.

و في المسالك يتحقق التظليل بكون ما يوجب الظل فوق رأسه كالمحمل، فلا يقدح فيه المشي في ظل المحمل و نحوه عند ميل الشمس إلى احد جانبيه و إن كان قد يطلق عليه التظليل لغة، و انما يحرم حالة الركوب، فلو مشى تحت الظل


1- 1 سنن البيهقي ج 5 ص 70.
2- 2 الوسائل- الباب- 61- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 403

كما لو مر تحت الحمل و المحمل جاز، و في الروضة في شرح قول الشهيد: «و التظليل للرجل الصحيح سائرا» قال: فلا يحرم نازلا إجماعا و لا ماشيا إذا مر تحت المحمل و نحوه، و المعتبر منه ما كان فوق رأسه، فلا

يحرم الكون في ظل المحمل عند ميل الشمس إلى احد جانبيه، و أطلق في القواعد، و ما سمعته من المنتهى جواز المشي تحت الظلال، كمحكي النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و الجامع.

و على كل حال فصريح ثاني الشهيدين اختصاص حرمة التظليل بحال الركوب دون المشي، و فيه منع واضح، لإطلاق الأدلة التي لا ينافيها النهي عنه حال الركوب الذي هو أحد الأفراد، نعم في

صحيح ابن بزيع (1)«كتب إلى الرضا (عليه السلام) هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب نعم»

و في خبر الاحتجاج (2)«يجوز له المشي تحت الظلال»

إلا أنه يمكن دعوى انسياقه إلى إرادة المشي في ظله لا الكون تحت الحمل و المحمل، و حينئذ فلا يختص بالماشي، بل يجوز للراكب ذلك أيضا، على أنه لو سلم كان ينبغي الاقتصار عليه لا تخصيص الحرمة بحال الركوب على وجه يجوز له المشي مع التظليل بشمسية و نحوها مما يكون فوق رأسه، بل لعل ما سمعته من إجماع المنتهى دال عليه، فان السائر أعم من كونه راكبا، و لا ينافيه ما ذكره قبل ذلك من جواز المشي تحت الظلال المحمول على حال النزول أو الظلال المستقر لا السائر معه، فإنه قد يقال بجوازه للأصل بعد قصور النصوص عن تناوله، ضرورة عدم صدق التظليل به، بل ربما يؤيده دخول المحرمين مكة الذي لا ينفك

عن مرورهم تحت ظل من باب و نحوه، اللهم إلا أن يكون ذلك من الضرورة، و فيه منع بالنسبة إلى بعض الأفراد،


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 66- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 404

خصوصا مع عدم إشارة في شي ء من النصوص إلى ذلك و لا إلى كونه من حال النزول الذي لا يتم حال وقوعه للحج من مكة أو من المسجد، و لعله لذا حكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد القطع بأن المحرم عليه سائرا انما هو الاستظلال بما ينتقل معه كالمحمل، أما لو مر تحت سقف أو ظل بيت أو سوق أو شبهه فلا بأس، بل يمكن حمل ما في خبر الاحتجاج السابق عليه، لكن في كشف اللثام بعد أن حكى عن الفخر ما سمعت قال: «أكثر هذه تدخل في الضرورة، و أما جواز المشي في الطريق في ظل المحامل و الجمال و الأشجار اختيارا ففيه كلام خصوصا تحتها، و لم يتعرض لذلك الأكثر، و منهم المصنف في غير الكتاب و المنتهى و الشيخ في غير الكتابين، بل أطلقوا حرمة التظليل أو إلى النزول» قلت: و لا ريب في ظهوره في غير الفرض كالنصوص، و بذلك كله يظهر لك النظر فيما في المدارك من وجوه، قال: و يجوز للمحرم المشي تحت الظلال كما نص عليه الشيخ و غيره، و قال الشارح (رحمه اللَّه) إلى آخره، و يدل على الجواز صريحا ما رواه الشيخ في الصحيح (1)عن محمد بن إسماعيل بن

بزيع إلى آخره، و قال العلامة في المنتهى إنه يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل و أن يستظل إلى آخره، و مقتضى ذلك تحريم الاستظلال في حال المشي بالثوب إذا جعله فوق رأسه، و ربما كان مستنده صحيح إسماعيل بن عبد الخالق (2)المتضمن لتحريم الاستتار من الشمس إلا أن المنساق منه حال الركوب، و المسألة محل تردد و إن كان الاقتصار في المنع من التظليل على حالة الركوب كما ذكره الشارح لا يخلو من قرب، فإنك بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و هو مروي بطريق الكليني قده.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.

ج 18، ص: 405

الإحاطة بما ذكرناه لا يخفى عليك ما فيه، بل و ما في كشف اللثام فإنه بعد أن حكى جواز المشي تحت الظلال عمن سمعت قال: و هل معنى ذلك أنه إذا نزل المنزل جاز له ذلك كما جاز جلوسه في الخيمة و البيت و غيرهما لا في سيره، أو جوازه في السير أيضا حتى أن حرمة الاستظلال يكون مخصوصا بالراكب، كما يظهر من المسالك، أو المعنى المشي في الظل سائرا لا بحيث يكون ذو الظل فوق رأسه؟

أوجه، ففي المنتهى إذا نزل إلى قوله: و ان يمشي تحت الظلال ثم قال: و هو يفيد الأول، و هو أحوط، لإطلاق كثير من الأخبار النهي عن التظليل، ثم الأحوط من الباقين هو الأخير، ثم حكى ما سمعته من الفخر، و هو كما ترى مجرد تشكيك، بل لعله ترك فيه ما هو الأقوى من ذلك، و هو كون المراد جواز المشي تحت الظلال

الذي لا ينتقل معه، لما عرفته من الأصل بعد ظهور النصوص في غيره.

هذا كله في الرجل، أما المرأة فيجوز لها التظليل بلا خلاف محقق أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى ما سمعته من النصوص (1)المصرحة بذلك، و إلى كونها عورة يناسبها الستر؛ و ضعيفة عن مقارفة الحر و البرد و نحوهما نعم عن نهاية الشيخ أن اجتنابه أفضل، و عن المبسوط أنه يحتمله، قيل و كأنه لإطلاق المحرم و الحاج في كثير من الأخبار و بعض الفتاوى كفتوى المقنعة و جمل العلم و العمل، بل و الشيخ في جملة من كتبه و سلار و القاضي و الحلبيين، و إن كان فيه أن الظاهر إرادة الرجل المحرم منه فيهما.

كما أنه لا خلاف في جوازه للرجل حال النزول، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا إلى النصوص السابقة، و بذلك يقيد إطلاق غيرها، نعم قد يتوقف في


1- 1 الوسائل- الباب- 64 و 65 و 68- من أبواب تروك الإحرام.

ج 18، ص: 406

تظليل يسير معه راكبا أو ماشيا للتردد في المنزل و نحوه، فالأحوط إن لم يكن أقوى اجتنابه، و في كشف اللثام بعد الجزم بجواز التظليل جالسا في المنزل قال:

و هل الجلوس في الطريق لقضاء حاجة أو إصلاح شي ء أو انتظار رفيق أو نحوها كذلك؟ احتمال، و مقتضاه احتمال عدم الجواز أيضا فيه، و إن كان التحقيق خلافه، إلا أنه الأحوط.

و كذا لا بأس بالتظليل على الصبيان لما سمعته في صحيح حريز(1)السابق الذي افتى به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، و لعله لضعفهم عن مقارفة الحر و البرد.

و لو زامل الصحيح عليلا أو امرأة اختص العليل و المرأة بجواز التظليل بلا خلاف محقق أجده فيه، لإطلاق الأدلة، و خصوص خبر بكر بن صالح أو

صحيحه (2)«كتبت إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أن عمتي معي، و هي زميلتي، و يشتد عليها الحر إذا أحرمت أ فترى أن أظلل علي و عليها؟ قال: ظلل عليها وحدها»

و لا يعارضه

مرسل العباس بن معروف (3)عن الرضا (عليه السلام) «سألته عن المحرم له زميل فاعتل فظلل على رأسه أ له أن يستظل؟ قال: نعم»

لقصوره عن ذلك من وجوه، بل عن الشيخ احتمال عود الضمير في قوله: «أ له» إلى المريض، و اولى من ذلك احتمال إرادة الاستظلال بما يحدث من ظلال العليل الذي قد عرفت جوازه باعتبار عدم كونه على الرأس.

ثم إن الظاهر عدم صدق الاستظلال بالخشب الباقية في المحمل و العمارية و نحوهما بعد رفع الظلال، و يؤيده التوقيع المروي عن الاحتجاج في جواب

محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 65- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 68- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 68- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 407

ابن عبد اللَّه بن جعفر الحميري (1)«كتب إلى صاحب الزمان (عليه و على آبائه آلاف التحية و السلام) يسأله عن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب العمارية أو الكنيسة و يرفع الجناحين أم لا؟ فكتب (عليه السلام) في الجواب لا شي ء عليه في ترك رفع الخشب»

و لا ينافي ذلك ما تقدم في خبر الصيقل (2)من أن أبا جعفر (عليه السلام) كان يأمر بقلع القبة و الحاجبين بعد حمله على الندب، و اللَّه العالم.

[منها إخراج الدم ]

و يحرم على المحرم إخراج الدم في الجملة إلا عند الضرورة كما في المقنعة و جمل العلم و العمل و النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و الاقتصاد و الكافي و الغنية و المراسم و السرائر و المهذب و الجامع على ما حكي عن بعضها، ل

خبر الصيقل (3)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) سأله «عن المحرم يحتجم قال: لا إلا أن يخاف التلف و لا يستطيع الصلاة، و قال: إذا آذاه الدم فلا بأس به و يحتجم و لا يحلق الشعر»

و حسن الحلبي (4)سأله (عليه السلام) أيضا «عن المحرم يحتجم فقال: لا إلا أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم»

و خبر ذريح (5)سأله (عليه السلام) أيضا «عن المحرم يحتجم قال: نعم إذا خشي الدم»

و خبر زرارة(6)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا يحتجم المحرم إلا أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة»

إلى غير ذلك من النصوص.

و قيل و القائل الشيخ في محكي الخلاف يكره الاحتجام، و تبعه المصنف في النافع، و عن المصباح و مختصره كراهيته و الفصد، و لعله للجمع بين ما


1- 1 الوسائل- الباب- 67- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 408

سمعت و بين

صحيح حريز(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «لا بأس بأن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»

و خبر يونس بن يعقوب (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يحتجم قال: لا أحبه»

المؤيدين ب

مرسل الفقيه (3)«احتجم الحسن (عليه السلام) و هو محرم»

و هو لا يخلو من وجه لو لا الشهرة المزبورة التي ترجح الجمع بين النصوص بالتقييد بالضرورة، على أن الأخيرين غير جامعين لشرائط الحجية، بل قيل: لا ظهور في قوله: «لا أحبه» في الكراهة نحو «لا ينبغي».

و كذا الكلام على ما قيل في حك الجلد المفضي إلى إدمائه الذي اقتصر عليه في محكي الاقتصاد و الكافي ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر عمر بن يزيد(4): «و يحك الجسد ما لم يدمه»

و صحيح معاوية بن عمار(5)سأله (عليه السلام) «عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر».

و كذا الكلام في السواك المفضي إلى الإدماء الذي عن القاضي الاقتصار عليه و على الحك، كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع ذكرهما مع الاحتجام خاصة، و عن المقنعة معه و الاقتصاد و عن جمل العلم و العمل ذكر الاحتجام و الاقتصاد و حك الجلد حتى يدمي، و في

صحيح الحلبي (6)«سألت أبا عبد اللَّه


1- 1 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.

ج 18، ص: 409

(عليه السلام) عن المحرم يستاك قال: نعم و لا يدمي»

و لكن في

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن المحرم هل يصلح له أن يستاك قال: لا بأس و لا ينبغي أن يدمي»

بناء على إشعاره بالكراهة، مضافا إلى

صحيح معاوية ابن عمار(2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): المحرم يستاك قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك قال: نعم هو من السنة»

بل و

صحيحه الآخر(3)سأله (عليه السلام) «عن المحرم يعصر الدمل و يربط عليها الخرقة فقال: لا بأس به»

و موثق عمار(4)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه قال: يحكه، و إن سال منه الدم فلا بأس».

و لعله لذا مضافا إلى الأصل كانت الكراهة فيهما أظهر عند المصنف كما عن الجمل و العقود و الوسيلة، لكن فيه أن موثق الجرب ظاهر في الضرورة بناء على انسياقها من الأذية فيه، فيبقى ما دل على حرمة الحك مع

الإدماء بلا معارض، و صحيح السواك متروك الظاهر، لدلالته على أنه من السنة مطلقا حتى في الصورة المفروضة، و لا قائل بها، للإجماع على الكراهة، فينبغي طرحه أو حمله على صورة عدم العلم بالإدماء، و حينئذ يبقى ما دل على المنع بلا معارض، نعم قد يقال إن مقتضى الأصل جواز إخراج الدم بغير ما عرفت كعصر الدمل و قلع الضرس و غير ذلك مما لا يدخل في النصوص المزبورة، مضافا إلى

خبر الصيقل (5)أنه سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) «عن المحرم يؤذيه ضرسه أ يقلعه؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 73- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 92- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 70- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 71- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 95- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 410

نعم لا بأس به»

و إن كان يمكن حمله على الضرورة، إلا أنه يكفي في الجواز الأصل بعد عدم ما يدل على حرمة مطلق الإدماء إلا ما تسمعه إن شاء اللَّه، و لكن مع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط.

و على كل حال فلا إشكال و لا خلاف في الجواز مع الضرورة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و على عدم الفدية معها، مضافا إلى الأصل و النصوص السابقة، بل الظاهر عدم الفدية مع الاختيار على الحرمة، للأصل بعد خلو النصوص المذكورة في مقام البيان، لكن في الدروس و فدية إخراج الدم شاة ذكره بعض أصحاب

المناسك، و قال الحلبي في حك الجسم حتى يدمي مد طعام مسكين، قلت:

لا ريب في أنه أحوط و إن لم يحضرني دليله بالخصوص، نعم في

المرسل (1)«أن مسألة وقعت في الموسم و لم يكن عند مواليك فيها شي ء، محرم قلع ضرسه فكتب يهريق دما»

و اليه أشار في الدروس قال: الثالث و العشرون قلع الضرس، و فيه دم، و الرواية مقطوعة، و قال ابن الجنيد و ابن بابويه: لا بأس مع الحاجة و لم يوجبا شيئا، و ظاهره التردد في الفدية لا في الحرمة، لكن قد عرفت الحال فيه و لعله بناء على حرمة مطلق إخراج الدم، قال فيها: العشرون الحجامة إلا مع الحاجة في الأظهر لرواية الحسن الصيقل (2)و قال في المبسوط: «لا يجوز للمحرم أن يحتجم و يفتصد» و قال في الخلاف و تبعه ابن حمزة: يكره و هو في صحيح حريز، و في حكم الحجامة الفصد و إخراج الدم و لو بالسواك أو حك الرأس، و تبعه عليه في المسالك و غيرها، و لكن قد عرفت عدم دليل على العموم، اللهم إلا أن يكون قد فهم من ذلك المثال لمطلق الإدماء، خصوصا بعد ملاحظة ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 62- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.

ج 18، ص: 411

الصحيح (1)السابق المشتمل على الرخصة في علاج دبر الجمل و إلقاء الدواب عنه و لكن لا يدميه، و لا ريب في أنه أحوط و إن كان إثبات

الحرمة بمثل ذلك كما ترى، سيما بعد ما عرفت من اختلاف كلام الأصحاب بالنسبة إلى الاقتصار على بعض دون بعض على وجه يعلم منه عدم إرادة مطلق إخراج الدم، و إلا كان ينبغي التعبير به، بل قد سمعت تعبير المصنف به أولا ثم اختار الكراهة في الأخيرين على احد الوجهين في عبارته، و اللَّه العالم.

[منها قص الأظفار]

و كذا يحرم عليه قص الأظفار بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المنتهى و التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، و هو الحجة بعد

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «من قلم أظافيره ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي ء عليه، و من فعله متعمدا فعليه دم»

و موثق إسحاق بن عمار(3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقلم أظفاره و هو عند إحرامه قال: يدعها، قلت: فان رجلا من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره و يعيد إحرامه ففعل، فقال: عليه دم يهريقه»

بل و

موثقه الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل أحرم و نسي أن يقلم أظفاره قال:

فقال: يدعها، قال: قلت: طوال قال: و إن كانت، قلت: فان رجلا أفتاه أن يقلمها و أن يغتسل و يعيد إحرامه ففعل قال: عليه دم».

و منه يستفاد عدم قدح طولها في الوضوء كما يحكى عن بعض أفاضل العصر


1- 1 الوسائل- الباب- 80- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 77- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 412

بناء على أنه حاجب لما يجب غسله من السطح المعتاد.

و على كل حال فهو دال على المطلوب مضافا إلى غيره من النصوص المستفاد من القلم فيها الأعم من القص المعبر به في الفتاوى بناء على إرادة خصوص القطع بالمقص- اي المقراض- فيكون المدار على مطلق الإزالة.

و لو انكسر ظفره و تأذى ببقائه أذية يسقط معها التكليف- بل يكفي تحقق مسماها- فله إزالته، بل عن المنتهى و التذكرة نفي الخلاف فيه، مضافا إلى

صحيح معاوية(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن المحرم تطول أظفاره أو ينكسر بعضها قال: لا يقص منها شيئا ان استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام»

إلا أن قوله: «إن استطاع» ظاهر في بلوغه إلى حد الضرورة، لكن قد يقال إن المراد بالاستطاعة فيه الأذية بقرينة قوله: «فإن». إلخ، نعم قد يقال: إن المنساق من الأذية فيه و في معقد نفي الخلاف الوصول إلى حد الضرورة التي يسقط معها التكليف، خصوصا بعد عدم معروفية غيرها في سائر المقامات، و موافقته

للاحتياط، بل منه يستفاد أيضا عدم الفرق بين الكل و البعض كما صرح به غير واحد.

كما أنه لا إشكال في جواز قصه لو احتاج إلى مداواة قرحة مثلا و لا يمكن إلا بقص ظفره، نعم فرق بعض بين ذلك و بين الضرر فيه نفسه فأوجب الفدية في الأول دون الثاني، و يأتي البحث فيه إن شاء اللَّه في محله.

[منها قطع الشجر و الحشيش ]

و يحرم على المحرم و غيره قطع الشجر و الحشيش من الحرم الذي هو بريد في بريد كما تسمعه في الصحيح (2)بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 77- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 413

بقسميه عليه، بل في المنتهى و عن التذكرة نسبته إلى علماء الأمصار، و هو الحجة بعد المعتبرة المستفيضة، ك

صحيح حريز و حسنه (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «كل شي ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلا ما أنبته أنت أو غرسته»

و صحيح معاوية(2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحل فقال: حرم فرعها لمكان أصلها، قلت: فإن أصلها في الحل و فرعها في الحرم قال:

حرم أصلها لمكان فرعها، و كل شي ء ينبت في الحرم فلا يجوز قلعه على وجه»

و منه يعلم حرمة النابت في غير الحرم إذا كان فرعه فيه كما صرح به بعضهم و إن لم يعد أنه من نبات الحرم،

و حسن سليمان بن خالد(3)سأله (عليه السلام) أيضا «عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة قال: عليه ثمنه يتصدق به و لا ينزع من شجر مكة شيئا إلا النخل و شجر الفواكه»

و نحوه موثقه (4)و مرسل عبد الكريم (5)و

حسن حريز(6)عنه (عليه السلام) أيضا؛ قال: «لما قدم


1- 1 الوسائل- الباب- 86- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 90- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و ليس في ذيله « و كل شي ء ينبت. إلخ» كما انه ليس في الفقيه ج 2 ص 165 الرقم 717 و الكافي ج 4 ص 231 و انما ذكر في التهذيب بعد الحديث ج 5 ص 379 الرقم 1321 و الظاهر انه من كلام الشيخ قده لا من الحديث.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 18- من أبواب بقية كفارات الإحرام الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.
6- 6 ذكر ذيله في الوسائل- الباب- 88- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و تمامه في الكافي ج 4 ص 225.

ج 18، ص: 414

رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) مكة يوم افتتحها فتح باب الكعبة فأمر بصور في الكعبة فطمست ثم أخذ بعضادتي الباب فقال: لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، صدق وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده، ماذا تقولون و ما ذا تظنون؟ قالوا: نظن خيرا و نقول خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم و قد قدرت، قال: فإني أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر اللَّه لكم و هو ارحم الراحمين، إلا ان اللَّه تعالى قد حرم

مكة يوم خلق السماوات و الأرض، فهي حرام بحرم اللَّه الى يوم القيامة، لا ينفر صيدها، و لا يعضد شجرها، و لا يختلى خلاها، و لا تحل لقطتها إلا لمنشد، فقال العباس: يا رسول اللَّه إلا الإذخر فإنه للقبر و البيوت

- و في آخر «فإنه للقبر و لسقوف بيوتنا» (1)

و في ثالث «لصاغتنا و قبورنا»(2)

و في رابع «فإنه لقينهم و لبيوتهم» (3)- فقال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله): إلا الإذخر»

و في الدعائم (4)روينا عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «ان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) نهى أن ينفر صيد مكة، و أن يقطع شجرها، و أن يختلى خلاها و رخص في الإذخر و عصا الراعي»

و فيها

عنه (عليه السلام) أيضا(5)«من أصبتموه اختلى الخلا أو عضد الشجر أو نفر الصيد يعني في الحرم فقد حل لكم سلبه و أوجعوا ظهره بما استحل في الحرم»

و صحيح زرارة و موثقه (6)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 88- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
2- 2 مسند احمد ج 4 ص 75 الرقم 2279.
3- 3 مسند احمد ج 4 ص 321 الرقم 2898.
4- 4 ذكر صدره في المستدرك في الباب 68 من أبواب تروك الإحرام الحديث 2 و ذيله في الباب 69 منها- الحديث 2.
5- 5 المستدرك- الباب- 68- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4 و 7.

ج 18، ص: 415

أبي جعفر (عليه السلام) «حرم اللَّه حرمه بريدا في بريد أن يختلى خلاه، و يعضد شجره إلا الإذخر أو يصاد طيره، و حرم رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) من المدينة ما بين لابتيها صيدها، و حرم حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها، و يعضد شجرها إلا عودي الناضح»

قال الجوهري: «الخلا مقصورا الحشيش اليابس، تقول: خليت الخلا و اختليته اي جززته و قطعته» و لكن في القاموس «الخلا مقصورا الرطب من النبات أو كل بقلة قلعتها» و عن النهاية «الخلا مقصورا النبات الرقيق ما دام رطبا، و اختلاؤه قطعه» و عن مجمع البحرين «اي لا يجتز نبتها الرقيق ما دام رطبا، و إذا يبس سمي حشيشا» و

صحيح جميل أو المرسل (1)اليه قال: «رآني علي بن الحسين (عليهما السلام) و أنا أقلع الحشيش من حول الفساطيط فقال: يا بني ان هذا لا يقلع»

و صحيح ابن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) «قلت له: المحرم ينزع الحشيش من غير الحرم فقال: نعم، قلت: فمن الحرم؟ قال: لا»

الى غير ذلك من النصوص التي سيمر عليك بعضها أيضا الظاهرة فيما ذكرناه من عدم الفرق بين المحرم و المحل في ذلك.

نعم لا إشكال و لا خلاف في جواز قطعهما ذلك من الحل، بل و في عدم الفرق بين القلع و القطع و النزع و غير ذلك مما اشتملت عليه النصوص التي لا تعارض فيها بالنسبة إلى ذلك، بل و في عدم الفرق بين الورق و الأغصان و الثمر و غير ذلك بل و في عدم الفرق بين الرطب و اليابس عدا خبري الخلا(3)بناء على أنه الرطب


1- 1 الوسائل- الباب- 86- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و فيه عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللَّه عليه السلام قال: رآني علي بن الحسين عليهما السلام . إلخ.
2- 2 الوسائل- الباب- 85- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4 و 7.

ج 18، ص: 416

و على تقديره فهو غير معارض لغيره، لكن عن التذكرة و التحرير و في الدروس و المسالك و غيرها جواز قطع اليابس، بل في الأخير منها و إن كان متصلا بالأخضر لأنه كقطع أعضاء الميتة من الصيد، و هو لا يوافق أصولنا، و عن الأول منها نعم لا يجوز قلعه، فان قلعه فعليه الضمان، لأنه لو لم يقلع لنبت ثانيا، ذكره بعض الشافعية، و لا بأس به، و ظاهره الفرق بين القلع و القطع، لكن عن المنتهى لا بأس بقلع اليابس من الشجر و الحشيش، لأنه ميت، فلم تبق له حرمة، و هو مناف لما سمعته منه في التذكرة إلا أن يحمل على يابس لا ينبت.

على كل حال لا يخفى عليك ما فيه بعد ما سمعته من النصوص التي منها صحيح حريز و

حسنه المشتملان على كل شي ء ينبت في الحرم، نعم ما عنهما و في غيرهما- من جواز أخذ الكماة و الفقع من الحرم للمحرم و غيره- في محله في الأول للأصل بعد عدم تناول النصوص المزبورة له، و تفسير تحريم مكة بتحريم قطع ما نبت فيها فيما سمعته من النصوص، بخلاف الكماة التي تخلق في الأرض فهي كالتمرة الملقاة عليها، و أما الثاني فالذي نعرفه شي ء ينبت في الأرض و يكون له ساق فيندرج في صحيحة حريز.

و كذا يجوز الانتفاع بالغصن المكسور و الورق الساقط بغير فعل آدمي له أيضا بعد ظهور النصوص في كون المحرم القطع، بل عن التذكرة القطع بذلك، بل عنها و عن المنتهى الإجماع عليه، بل الظاهر ذلك حتى إذا كان بفعل آدمي و إن كان هو الجاني، للأصل المزبور بعد حرمة القياس على الصيد المذبوح في الحرم مع وضوح الفرق بوجود النص في الصيد و افتقار حله إلى أهلية الذابح و ذبحه بشروط، نعم قد يقال بتناول التحريم في صحيح حريز السابق و حسنه لمثل الاستعمال المزبور.

ج 18، ص: 417

لكن الذي يظهر و لو بقرينة الفتاوى و غيرهما من النصوص إرادة تحريم القطع و القلع للنبات و الشجر إلا أن ينبت في ملكه فإنه يجوز حينئذ قطعه بل قلعه كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا محققا لو كان في داره أو منزله، ل

خبر حماد بن عثمان أو قويه (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في الشجرة يقلعها الرجل من منزله في الحرم فقال: إن بنى المنزل و الشجرة فيه فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها»

و صحيحه الآخر أو خبره عنه (عليه السلام)(2)أيضا «سألته عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار أو يتخذ المضرب فليس له أن يقلعها، و إن كانت طرأت عليه فله قلعها»

و خبر إسحاق أو حسنه (3)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يدخل مكة فيقطع من شجرها قال: اقطع ما كان داخلا عليك، و لا تقطع ما لم يدخل منزلك»

و في التهذيب بعد أن روى صحيح حريز الذي ذكرناه في أول المسألة قال متصلا بقوله: «إلا ما أنبته أو غرسته»: و كل ما دخل على الإنسان فلا بأس بقلعه، فان بنى هو في موضع يكون فيه نبت لا يجوز له قلعه، فيحتمل أن يكون ذلك من تتمة الصحيح، و إلا كانت فتوى منه مستظهرا لها من الخبرين الأولين اللذين هما و إن كانا مشتملين على خصوص الشجر إلا أنه لا قائل بالفرق بينه و بين غيره، بل لعل ظاهر النصوص كون المدار على النبات سابقا و لاحقا، و لعله لذا ذكر الحشيش في محكي الجمل و العقود، قال:

و لا تقلع شجرا نبت في الحرم إلا شجر الفواكه و الإذخر، و لا حشيشا إذا لم ينبت في ملك

الإنسان، كما أن الظاهر عدم الفرق بين المنزل و غيره، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام الحديث 6.

ج 18، ص: 418

بعد

قوله (عليه السلام) في الصحيح (1)«مضربه»

بل في الأخير اقطع ما كان داخلا عليك، و إن ذكر فيه المنزل بعد ذلك، فما في الرياض- بعد منع عدم القول بالفصل قال: فإذا الأجود الاقتصار على مورد الخبرين ان عملنا بهما بزعم انجبار ضعف سندهما بفتوى الجماعة، و إلا يشكل هذا الاستثناء- لا يخلو من نظر، خصوصا بعد صحة الخبر الأول، و كذا ما عن التهذيب و التحرير و المنتهى من الاقتصار على المنزل، بل عن الأول منها الاختصاص بالدار من مدر أو غيره، و هي المنزل، بل عن النهاية و المهذب و السرائر و الجامع و التلخيص و النزهة الاقتصار عليها إن أرادوا عدم الجواز في غيرها، بل قد يقال بعدم اعتبار الملك الذي ذكره المصنف و غيره أيضا لما سمعت، بل ظاهر النصوص المزبورة جواز قطع ما أنبته اللَّه في ذلك، كما عن المبسوط و التذكرة النص عليه فضلا عما أنبته هو، فما عن الغنية و الإصباح من الاقتصار على ما غرسه الإنسان في ملكه في غير محله إن أراد عدم جواز غيره، خصوصا بعد ما سمعته من صحيح زرارة(2)الظاهر في جواز قطع ما أنبته و غرسه و إن لم يكن في ملكه كما عن النهاية و المبسوط و السرائر و النزهة و المنتهى و

التذكرة، فما عن ابني زهرة و البراج و الكيدري من التقييد بملكه في غير محله.

بل الظاهر عدم الفرق بين أن يكون من الجنس الذي من شأنه أن ينبته الآدميون كشجر الفواكه و عدمه، بل لا يبعد اندراج ما يخرج مع الزرع الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الصواب« صحيح حريز» حيث انه لم يتقدم في صحيح زرارة ما يدل على جواز قطع ما أنبته أو غرسه و انما هو مذكور في صحيح حريز المتقدم في ص 413.

ج 18، ص: 419

بذره بسقيه و عمله و إن لم يكن بذره منه، لصدق أنه أنبته، بل لو غصب بذرا أو شجرا و غرسه في الحرم كان له قلعه من هذه الحيثية.

و بذلك ظهر لك أن عبارة المصنف و ما شابهها لا تفي بما ذكرناه، حتى لو جعل «ملكه» فيها مصدرا على معنى كون النبات في ملكه، فإنه و إن عمم الأمرين: ما نبت في أرض مملوكة له، و ما أنبته في أرض مباحة، إذ هما مملوكان له، لكنه لا يشمل المغصوب و نحوه، فالتعبير حينئذ بما في الخبر كما سمعته من الفتاوى السابقة أولى.

ثم إن الظاهر عدم الفرق بين قلعه نفسه لما أنبته أو غرسه و بين غيره، لإطلاق الدليل المراد منه عدم الحرمة لذلك باعتبار عدم كونه من نبات الحرم، و اللَّه العالم.

و كذا يجوز قلع شجر الفواكه من الحرم بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه غير واحد إلى قطع الأصحاب، كما عن ظاهر المنتهى الاتفاق عليه بل عن الخلاف الإجماع على نفي الضمان عما جرت العادة بغرس الآدمي له نبت بغرسه أولا، كل ذلك مضافا إلى ما تقدم من خبر سليمان بن خالد(1)و مرسل عبد الكريم (2)المنجبرين بذلك.

و كذا يجوز قطع الإذخر و النخل بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به غير واحد، بل عن المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، و هو الحجة بعد ما سمعته من النص على الإذخر و النخل، مضافا إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(3): «رخص رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) في قطع عودي المحالة، و هي البكرة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب بقية كفارات الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 87- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 420

التي يستقى بها من شجر الحرم و الإذخر»

و إلى هذه أشار المصنف بقوله:

و عودي المحالة على رواية بل في التهذيب و عن الجامع الفتوى بها، بل تبعهما غير واحد من المتأخرين، لكن فيها جهل و إرسال، و لا جابر لها على وجه يعتد أو يخص بها ما سمعت، بل عن الحلبي إطلاق حرمة قطع شجر الحرم و اختلاء خلاه من غير استثناء، و إن كان فيه ما عرفت، ثم على تقدير الجواز ينبغي الاقتصار على خصوص البكرة العظيمة المسماة بالمحالة اقتصارا على خصوص المنصوص و ما في صحيح زرارة السابق من عودي الناضح انما هو في نبات حرم المدينة، مع احتمال كونه المحالة

أيضا، و على كل حال يمكن الاستدلال به على أصل المسألة بناء على عدم القول بالفصل بين حرم المدينة و مكة بالنسبة إلى ذلك، و ستعرف الحال فيه إن شاء اللَّه، و على كل حال فلا ريب في أن الأحوط الاجتناب.

و أما استثناء عصا الراعي فلم أجده في نص و لا فتوى إلا في خبر الدعائم (1)الذي سمعته سابقا، نعم لا بأس أن يترك المحرم فضلا عن غيره إبله ترعى في الحشيش مثلا و إن حرم عليه قطعه، للأصل بعد عدم تناول النصوص لذلك، و السيرة القطعية التي هي فوق الإجماع، و

صحيح حريز(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «يخلي عن البعير يأكل في الحرم ما شاء»

بل في المدارك لو قيل بجواز نزع الحشيش للإبل لم يكن بعيدا، للأصل و

صحيح جميل و محمد بن حمران (3)قالا:


1- 1 المستدرك- الباب- 69- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 89- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 89- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 و هو عن جميل و عبد الرحمن بن أبي نجران عن محمد بن حمران قال:« سألت أبا عبد اللَّه عليه السلام. إلخ» كما في التهذيب ج 5 ص 380 الرقم 1328.

ج 18، ص: 421

«سألنا أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن النبت الذي في أرض الحرم أ ينزع؟ فقال: أما شي ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنتزعه»

و لكن فيه انهما منافيان لما سمعت من إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع، و لعله لذا قال في التهذيب قوله (عليه السلام):

«ليس به» الى آخره- يعني الإبل- فإنه يخلي عنها ترعى كيف شاءت مستشهدا عليه بما في الصحيح الأول (1)فلا وجه لإيراده عليه في المدارك بأنه لا تنافي بين الروايتين يقتضي المصير إلى ما ذكره من التأويل، إذ الداعي له إعراض الأصحاب عنهما، فتأويلهما خير من طرحهما، نعم عن الإسكافي لا اختار الرعي، لان البعير ربما جذب النبت من أصله، فأما ما حصده الإنسان منه و بقي أصله في الأرض فلا بأس، و كأنه اجتهاد في مقابلة ما عرفت، هذا. و لا فرق في الشجر بين المؤذي منه كالشوك و شبهه و غيره كما عن الفاضل التصريح به للإطلاق المزبور، خلافا للمحكي عن الشافعي و جماعة من الجواز قياسا على الحيوان المؤذي، و اللَّه العالم.

[منها تغسيل المحرم لو مات و تحنيطه بالكافور]

و كذا يحرم تغسيل المحرم لو مات و تحنيطه بالكافور بلا خلاف أجده فيه، للمعتبرة المستفيضة التي منها

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «عن المحرم إذا مات كيف يصنع به؟ قال: يغطى وجهه و يصنع به كما يصنع بالحلال غير أنه لا يقربه طيبا»

بل مقتضاه كغيره حرمة الطيب عليه مطلقا كافور و غيره في الغسل و الحنوط و غيرهما

كما هو معقد إجماع التذكرة، و الظاهر أنه غسل تام بالنسبة إليه، فلا يجب بمسه بعده غسل على الماس و إن احتمل، بل قيل به، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 89- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 83- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 422

[منها لبس السلاح لغير ضرورة]

و يحرم عليه أيضا لبس السلاح لغير ضرورة على المشهور كما في كشف اللثام و غيره، ل

صحيح ابن سنان (1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: إذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح»

و صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «المحرم إذا خاف لبس السلاح»

و خبر زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا بأس أن يحرم الرجل و عليه السلاح إذا خاف العدو»

بل في

صحيح الحلبي (4)عنه (عليه السلام) أيضا «المحرم إذا خاف العدو فلبس السلاح فلا كفارة عليه»

و ظاهره ثبوتها عليه إذا لبسه مع عدم الخوف، إلا أنه لم نجد قائلا به كما اعترف به غير واحد، اللهم إلا أن يحمل على ما يغطي الرأس كالمغفر، أو يحيط بالبدن كالدرع، و

لكن حرمتهما حينئذ لذلك لا لكونهما من السلاح الذي قد يشك في شموله لهما، و ان كانت هي مع الترس من لامة الحرب، نعم هو شامل لمثل الدبوس و نحوه، بل قد يقال بشموله لمثل بعض الآلات التي تتخذ للحرب و إن لم يكن فيه نصل و لا محددة كالعصا ذات الرأس و غيرها، كما عساه يومي اليه ما ذكروه في المحارب الذي هو من شهر السلاح للاخافة، نعم لا يعد مثله و مثل حمل الرمح و آلة البندق و نحوها لبسا عرفا، و من ذلك يعلم كون المراد من اللبس هنا ما يشمل نحو ذلك مما هو داخل في الحكم قطعا، و ربما يشير اليه الجواب عن الحمل في السؤال باللبس المشعر باتحادهما و أن المراد كون الرجل مسلحا.

و على كل حال فقد قيل و لكن لم نعرف القائل قبل المصنف:

انه يكره نعم هو خيرة الفاضل في المحكي عن جملة من كتبه و المصنف بقوله:


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.

ج 18، ص: 423

و هو الأشبه و تبعهما غيرهما للأصل المقطوع بما عرفت، و ضعف دلالة المفهوم الذي هو مفهوم شرط متفق على حجيته، و دعوى أنه كذلك لكن إذا لم يظهر للتعليق وجه سوى نفي الحكم عما عدا محل الشرط، و هنا ليس كذلك، إذ لا يبعد أن يكون باعتبار عدم الاحتياج إلى لبس السلاح عند عدم الخوف كما ترى لا تستأهل جوابا، ضرورة عدم اندفاع الظهور بمثل هذا الاحتمال، خصوصا بعد فهم المشهور، فالأصح حينئذ الحرمة، بل عن الحلبيين تحريم اشتهاره أيضا و ان لم يكن معه لبس و لا حمل يصدق معه أنه متسلح، بل كان معلقا على دابة و نحوها، بل عن التقي منهما حمله، و لعله لأنه حينئذ كاللابس له، و ل

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر الأربعمائة المروي (1)عن الخصال: «لا تخرجوا بالسيوف إلى الحرم»

كما أن الأول ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن حريز(2): «لا ينبغي أن يدخل الحرم بسلاح إلا أن يدخله في جوالق أو يغيبه»

و في

خبر أبي بصير(3)«لا بأس أن يخرج بالسلاح من بلده، و لكن إذا دخل مكة لم يظهره»

و لا ريب في أنه أحوط و إن كان الأقوى عدم الحرمة كما عساه يشعر به قول: «لا ينبغي» الذي يكون قرينة على المراد في الخبر الثاني، خصوصا بعد ندرة القول بذلك، كندرة القول بحرمة الحمل على وجه لا يعد به متسلحا، و الخبر المزبور- مع ظهوره في الحرم دون المحرم و لم نعرف قائلا به بل السيرة القطعية على خلافه- محمول على ضرب من الكراهة، و اللَّه العالم.

هذا كله في المحرمات

[أما المكروهات ]
اشاره

و أما المكروهات ف عشرة عند المصنف

[منها الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد]

الإحرام في الثياب المصبوغة بالسواد ل

موثق الحسين بن المختار(4)«قلت


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب مقدمات الطواف الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 424

لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): يحرم الرجل في الثوب الأسود قال: لا يحرم في الثوب الأسود و لا يكفن به الميت»

الظاهر في إرادة الكراهة و لو بقرينة التكفين المجمع على جوازه به، فهو في نفسه حينئذ غير صالح لإثبات الحرمة فضلا عن أن يخص به ما دل على جواز الإحرام في كل ثوب يصلى فيه مع الإجماع بقسميه على جواز الصلاة في الثياب السود المؤيد بتظافر النصوص بالنهي عن لبس السواد ك

قول أمير المؤمنين (عليه السلام)(1): «لا تلبسوا السواد فإنه لباس فرعون»

و قول الصادق (عليه السلام)(2): «يكره السواد إلا في ثلاثة: الخف و العمامة و الكساء»

المحمول على الكراهة إجماعا و إن كان لا دلالة في ذلك على كراهة الإحرام بخصوصه، فما

عن المبسوط و النهاية و الخلاف و الوسيلة لا يجوز الإحرام فيه واضح الضعف أو محمول على الكراهة، كما عن ابن إدريس حمله على ذلك، و اللَّه العالم.

أو ب العصفر و هو شي ء معروف و شبهه مما يفيد الشهرة و لو زعفرانا أو ورسا بعد زوال ريحهما، ل

خبر ابان بن تغلب (3)«سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) أخي و أنا حاضر عن الثوب يكون مصبوغا بالعصفر ثم يغسل ألبسه و أنا محرم فقال: نعم ليس العصفر من الطيب، و لكن أكره ان تلبس ما يشهرك به الناس»

و نحوه خبر عبيد اللَّه بن هلال أو صحيحه (4)عنه (عليه السلام) أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب لباس المصلي- الحديث 5 من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب لباس المصلي- الحديث 1 من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 40- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2 عن عبد اللَّه بن هلال كما في الكافي ج 4 ص 342.

ج 18، ص: 425

و لكنهما لا يدلان على مطلق الصبغ به بناء على عدم الشهرة إلا بالمشبع منه، و لعله لذا خص الكراهة به في محكي المنتهى و التذكرة، بل في الأول لا بأس بالمعصفر من الثياب، و يكره إذا كان مشبعا، و عليه علماؤنا، بل في التذكرة و لا يكره إذا لم يكن مشبعا عند علمائنا، و لا ينافي ذلك ما تسمعه من صحيح علي بن جعفر(1)المحمول على الجواز الذي لا ينافي الكراهة بما يفيد شهرة المؤيدة بما في

خبر عامر بن جذاعة(2)سأل أبا عبد اللَّه (عليه السلام) أيضا «عن مصبغات الثياب يلبسها المحرم قال: لا بأس به إلا المقدمة المشهورة»

و حسن الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا تلبس المحرمة الحلي و لا الثياب المصبغات إلا ثوبا لا يردع» و فيما حضرني من نسخة التهذيب «إلا صبغا لا يردع»

و في القاموس الردع الزعفران أو لطخ منه أو من الدم أو أثر الطيب في الجسد، و ثوب مردوع مزعفر، و رداع و مردع كمعظم فيه أثر طيب، و في وافي الكاشاني لا يردع أي لا ينفض أثره على ما يجاوره يقال به ردع من زعفران أو دم اي لطخ و أثر و ردعه فارتدع اي لطخه به فتلطخ و لعل هذا هو المراد من الخبر المزبور، و

صحيح الحسين بن أبي العلاء(4)سأله (عليه السلام) أيضا «عن الثوب يصيبه الزعفران ثم يغسل فلا يذهب أ يحرم فيه؟ قال: لا بأس إذا ذهب ريحه، و لو كان مصبوغا كله إذا ضرب إلى البياض و غسل فلا بأس»

و عن أبي حنيفة تحريم الإحرام بالمعصفر لزعمه كون المعصفر طيبا، و لعل في الخبر المزبور تعريضا للرد عليه، و في

صحيح علي بن جعفر(5)سأل أخاه (عليه السلام) «يلبس المحرم الثوب المشبع بالعصفر فقال: إذا لم يكن فيه طيب فلا بأس»

و يمكن أن


1- 1 الوسائل- الباب- 40- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 40- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 43- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 40- من أبواب تروك الإحرام الحديث 4.

ج 18، ص: 426

يكون المراد من قوله (عليه السلام) في الخبر الأول: «ما يشهرك» إلى آخره، أي المعرفة بأنه من الشيعة المخالفين لأبي حنيفة، و عن ابن حمزة كراهة الإحرام بالثياب المقدمة و المصبوغة بطيب غير محرم عليه- اي غير الزعفران و الورس و المسك و العنبر و العود و الكافور و الأدهان الطيبة- و لم نقف على ما يشهد له، كما أن

خبر خالد بن أبي العلاء(1)قال: «رأيت أبا جعفر (عليه السلام) و عليه رداء اخضر و هو محرم»

و خبر أبي بصير(2)عن أبي جعفر (عليه السلام)- قال: «سمعته و هو يقول: كان علي (عليه السلام) محرما و معه بعض صبيانه و عليه ثوبان مصبوغان، فمر به عمر بن الخطاب فقال:

يا أبا الحسن ما هذان الثوبان؟ فقال له علي (عليه السلام): ما نريد أحدا يعلمنا بالسنة، انما هما ثوبان صبغا بالمشق، يعني الطين»

اي المقر، و يقال ثوب ممشق مصبوغ به- يدلان على عدم الكراهة في نحو ذلك، مع أن الممشوق ربما يكون مقدما بل قد سمعت ما في خبر الحلبي من نهي المحرمة عن لبس كل المصبوغات إلا صبغا لا يردع، و مقتضاه عدمها في الصبغ

غير المردع، و حينئذ فلا دليل على كراهة مطلق الصبغ، بل مقتضى الأدلة خلافه.

و كيف كان فقول المصنف و تتأكد أي الكراهة في السواد لم نقف على ما يدل عليه، إذ لم يحضرنا إلا ما سمعته من الخبر المزبور الدال على أصل الكراهة الزائدة على أصل اللبس، كما أن ما في الدروس من الكراهة في مطلق المصبوغ و تتأكد في الأسود كذلك لما عرفت، إلا أن الحكم مما يتسامح به و في

خبر الدعائم (3)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: «يتجرد المحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في المستدرك في الباب- 29- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1 و ذيله في الباب 31 منها الحديث 1.

ج 18، ص: 427

في ثوبين أبيضين، فان لم يجد فلا بأس بالصبغ ما لم يكن بزعفران أو ورس أو طيب، و كذلك المحرمة لا تلبس مثل هذا من الصبغ»

فإنه يفيد البأس مع وجود الأبيضين، و لا أقل من الكراهة، بل لا قائل باشتراطها بعدم وجود الأبيض، و اللَّه العالم.

و كذا يكره النوم عليها اي الثياب المزبورة نحو ما عن ابن حمزة من كراهة النوم على ما يكره الإحرام فيه، و عن النهاية و المبسوط و التهذيب و الجامع و التذكرة و التحرير و المنتهى كراهة النوم على الفرش المصبوغة و لكن لم نظفر إلا

بخبر أبي بصير(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «يكره للمحرم أن ينام على الفراش الأصفر و المرفقة الصفراء»

اي المخدة، و نحوه خبر المعلى بن خنيس (2)عن الصادق (عليه السلام) و عن المقنع الاقتصار عليه، و في المدارك استفادة السواد بالأولوية، و فيه بحث، على أنه لا يتم في المقدم الذي هو شديد الحمرة المتقدم كراهة الإحرام فيه، اللهم إلا أن يكون ذلك من الترفه الذي لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر.

[منها الإحرام في الثياب الوسخة]

و يكره أيضا الإحرام في الثياب الوسخة و إن كانت طاهرة ل

صحيح ابن مسلم (3)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن الرجل يحرم في ثوب وسخ قال: لا، و لا أقول إنه حرام و لكن تطهيره أحب إلى، و طهوره غسله»

و لو عرض له الوسخ في الأثناء أخر غسله إلى أن يحل، ل

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) أيضا «لا يغسل الرجل ثوبه الذي يحرم فيه حتى يحل و إن توسخ إلا أن تصيبه جنابة أو شي ء فيغسله»

بل ظاهره المنع عن ذلك كما عن


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 38- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 38- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 428

ظاهر الدروس إلا أن الأولى الكراهة كما صرح بها غير واحد.

[منها لبس الثياب المعلمة]

و لبس الثياب المعلمة ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(1): «لا بأس أن يحرم الرجل في الثوب المعلم، و تركه أحب إلى إذا قدر على غيره»

و لعل وجه الكراهة فيه يظهر مما سمعته من صحيح ابن مسلم السابق الذي أجاب فيه بالنهي أولا ثم ذكر بعد ذلك أن تطهيره أحب، فيفهم منه الكراهة في كل شي ء يكون غيره أحب، لا أن المراد منه ما يراد من افعل التفضيل المقتضي لكونه محبوبا أيضا، بل لعل العرف أيضا يساعد على ذلك، و لا ينافيه

صحيح الحلبي (2)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الرجل يحرم في ثوب له علم فقال: لا بأس به»

إذا أقصاه الجواز، نعم

صحيح ليث المرادي (3)سأله (عليه السلام) أيضا «عن الثوب المعلم هل يحرم فيه الرجل؟ قال: نعم، انما يكره الملحم»

دال على نفي الكراهة عنه، و يمكن ارادة شدتها، و عن المبسوط تقييد المعلم بالإبريسم، و في كشف اللثام يمكن أن يكون للتنبيه بالأعلى على الأدنى، لإمكان توهم حرمة المعلم به، و فيه أنه يقضي حينئذ بعدم حرمة غيره من المعلم لا كراهته، قيل: و المراد بالمعلمة بالبناء للمجهول المشتملة على لون يخالف لونها حال عملها كالثوب المحوك من لونين أو بعده بالطرز و الصبغ، و اللَّه العالم.

[منها استعمال الرجل الحناء للزينة]

و استعمال الرجل الحناء للزينة عند الأكثر كما في المدارك و كشف اللثام و غيرهما، ل

صحيح ابن سنان (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1 و في الوسائل الطبع الحديث « انما يحرم الملحم» إلا أن الموجود في الكافي ج 4 ص 342 و الفقيه ج 2 ص 216 الرقم 987 كما في الجواهر.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 429

«سألته عن الحناء فقال: إن المحرم ليمسه، و يداوي به بعيره، و ما هو بطيب و ما به بأس»

و لكن أقصاه الجواز الذي هو مقتضى الأصل في مقابل القول بالحرمة المحكية عن المقنعة و الاقتصاد و هي خيرة الفاضل في المختلف لمفهوم تعليل المنع عن الكحل بالسواد و النظر في المرآة بأنه زينة، بل مقتضاه الحرمة و إن لم يقصد الزينة، لما سمعته من عدم توقف صدقها على القصد، و لعله لذا كان خيرته في المختلف ذلك إلا أن فيه أن مفهوم

التعليل يخرج عنه بإطلاق نفي البأس بها، بل و بإطلاق المس الذي هو أخص منه أو أرجح بناء على العموم من وجه و لو بالشهرة المزبورة، و أغلبية الزينة فيها، و عدم العمل بعموم المفهوم في الخاتم و الحلي و غيرهما مما يحصل به الزينة إن لم يقصدها، نعم لم يحضرني نص بالخصوص في الكراهة إلا

خبر الكناني (1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن امرأة خافت الشقاق فأرادت أن تحرم هل تخضب يدها بالحناء قبل ذلك؟ قال: ما يعجبني أن تفعل»

بناء على مساواة الرجل و المرأة و ما قبل الإحرام لما بعده، و أولوية الزينة المقصودة من خوف الشقاق المنزل على عدم وصوله إلى حد الضرورة، و إلا لم يكن مكروها، و حينئذ يكون ظاهرا في كراهة ذلك باعتبار كونه زينة و إن لم تكن مقصودة، و هو خلاف ما صرح به غير واحد من كون المدار على القصد، بل هو ظاهر تقييد المتن و محكي الخلاف و التذكرة، بل لم أجد قائلا صريحا بالكراهة على الوجه المزبور، نعم ربما كان ظاهر إطلاق القواعد و محكي النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع كراهة استعمالها الحناء قبل الإحرام على وجه يبقى أثره بعده إلا أنه غير شامل لباقي الصور، و لعل الأولى التعميم، لما عرفت، مضافا إلى جهة الحرمة التي يمكن إرادة الكراهة مما سمعت من دليلها بالنسبة إلى ذلك بمعونة فتوى المشهور مع التسامح.


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 430

و بذلك كله يظهر لك الحال فيما ذكره المصنف بقوله و كذا للمرأة و لو قبل الإحرام إذا قارنته لكن في المدارك- بعد أن حكى عن جده في المسالك عدم الفرق بين الواقع بعد نية الإحرام و بين السابق عليه إذا كان يبقى بعده، و أنه جزم في الروضة بتحريم الحناء قبل الإحرام إذا بقي أثره إليه- قال:

«و الرواية قاصرة عن إفادة ذلك، و يستفاد منها أن محل الكراهة استعماله عند إرادة الإحرام، و على هذا فلا يكون استعماله قبل ذلك محرما و لا مكروها» و فيه أن دليله على الحرمة ما سمعته من تعليل الزينة التي لا فرق فيها بين الإحرام معها أو فعل الإحرام بعدها كالطيب و المخيط و نحوهما، و إن كان فيه ما عرفت، كما أن ما عن الشيخ و الحلي و يحيى بن سعيد و الفاضل في بعض كتبه- من اختصاص الكراهة بالمرأة، لاختصاص النص بها، و غلبة استعمالها، و قوة تهييجه الشهوة فيها- غير واضح بعد قاعدة الاشتراك، فالأقوى عدم الفرق بينهما فيها، و عدم الفرق بين ما بعد الإحرام و ما قبله مع بقاء الأثر الذي يكون زينة بعده قصد أو لم يقصد، و اللَّه العالم.

[منها النقاب ]

و النقاب للمرأة على تردد من

صحيح العيص (1)عن الصادق (عليه السلام) «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين، و كره النقاب»

بل و قيل و

خبر يحيى بن أبي العلاء(2)عنه (عليه السلام) أيضا «انه كره للمحرمة البرقع و القفازين»

بناء على ارادته من البرقع، و إن كان فيه منع واضح، و من النهي عنه في المعتبرة المستفيضة التي منها ما تقدم سابقا في حرمة


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 33- من أبواب الإحرام الحديث 9 و ذيله في الباب 48 من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب الإحرام- الحديث 6.

ج 18، ص: 431

تغطية وجهها(1)بل في بعضها(2)تعليل النهي عنه بأن إحرام المرأة في وجهها و منه يعلم منافاته لما وجب عليها من الكشف بغير المستثنى، إذ قد سمعت الإجماع بقسميه بل المحكي منهما في التذكرة و المنتهى عن العلماء كافة على حرمة تغطية وجهها، و تخصيص ذلك كله بما عدا النقاب- للخبرين المزبورين الذي قد عرفت الحال في الثاني منهما مع احتمال إرادة الحرمة من الكراهة فيهما، بل لعله الظاهر بملاحظة القرائن، بل و فتوى الأصحاب بحرمته التي اعترف في المدارك بعدم خلاف فيها، و إن كان قد يناقش بأن كراهته ظاهر المحكي عن المقنع و الجمل و العقود بل صريح الفاضل في القواعد- كما

ترى، بل لا وجه للتردد فيه من دون ترجيح ضرورة قصور المخصص عن التخصيص من وجوه، فلا يناسب التردد فيه من ذلك و في كشف اللثام احتمال كون المراد منه الذي يسدل على الوجه من غير أن يمسه بقرينة ما في المقنع من التصريح بكراهة النقاب، ثم فيه بعده بعدة أسطر و لا يجوز للمرأة أن تتنقب، لأن إحرام المرأة في وجهها، و إحرام الرجل في رأسه، و في التذكرة التردد المزبور مع نقل الإجماع فيها على حرمة تغطية وجهها، بل في موضع آخر منها القطع بحرمة النقاب عليها، و فيه مضافا إلى عدم صدق النقاب على ذلك عرفا أنه لا وجه للتردد في الكراهة في الفرض إن أريد بها في مقابل الحرمة، لما عرفته من الإجماع بقسميه مع النصوص على جوازه، و إن أريد بالنسبة إلى عدمها فلا دليل أيضا يقتضي الكراهة، و عبارة المقنع يمكن حملها على إرادة الحرمة، و انما أعاده لإرادة بيان علته المنصوصة باللفظ الذي ذكره، و أما التذكرة فهي كثيرة الاشتمال على نحو ذلك، فالتحقيق حينئذ حرمته بلا تردد، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.

ج 18، ص: 432

[منها دخول الحمام ]

و كذا يكره للمحرم دخول الحمام بلا خلاف أجده فيه ل

خبر عقبة بن خالد(1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «سألته عن المحرم يدخل الحمام قال: لا يدخل»

المحمول عليها للإجماع بقسميه على عدم الحرمة، و ل

صحيح معاوية بن عمار(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا بأس أن يدخل المحرم الحمام و لكن لا يتدلك».

و كذا يكره للمحرم تدليك الجسد فيه اي الحمام، و كذا في غيره لما سمعته من النهي المزبور، و ل

صحيح يعقوب بن شعيب (3)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن المحرم يغتسل قال: نعم يفيض الماء على رأسه و لا يدلكه»

بعد الإجماع على الجواز إذا كان بحيث لا يدمي و لا يسقط شعرا.

[منها تلبية من يناديه ]

و كذا يكره له تلبية من يناديه لأنه في مقام التلبية لله تعالى شأنه الذي لا ينبغي أن يشرك غيره معه فيها، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حماد(4): «ليس للمحرم أن يلبي من دعاه حتى يقضي إحرامه، قال:

قلت: كيف يقول؟ قال: يقول: يا سعد»

و المرسل (5)«إذا نودي المحرم فلا يقول لبيك، و لكن يقول يا سعد»

بعد الشهرة أو الإجماع على الجواز الموافق للأصل، و

للمرسل (6)عن الصادق (عليه السلام) «يكره للرجل أن يجيب


1- 1 الوسائل- الباب- 76- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 76- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 75- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 91- من أبواب تروك الإحرام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 91- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 91- من أبواب تروك الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 433

بالتلبية إذا نودي و هو محرم»

و في آخر(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «لا بأس أن يلبي المجيب»

المنجبر بما عرفت، فما عن ظاهر التهذيب من التحريم واضح الضعف أو غير مراد، و اللَّه العالم.

[منها استعمال الرياحين ]

و كذا يكره استعمال الرياحين أو شمها كما في النافع و القواعد و عن الإسكافي و النهاية و الوسيلة، بل و الحلي و إن كنا لم نتحققه، لأنه ترفه و تلذذ لا يناسب المحرم الأشعث الأغبر، و ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية(2): «لا ينبغي للمحرم أن يتلذذ بريح طيبة»

و في

صحيح ابن سنان (3)«لا تمس ريحانا و أنت محرم»

المحمول على ما يشعر به الأول جمعا بينه و بين

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية(4): «لا بأس أن تشم الإذخر و القيصوم و الخزامى و الشيح و أشباهه و أنت محرم»

و النصوص (5)الدالة على استحباب مضغ الإذخر، و ما عن

الفقيه عن إبراهيم بن أبي سفيان (6)«انه كتب الى أبي الحسن (عليه السلام) المحرم يغسل يده بأشنان فيه إذخر فكتب لا أحبه لك»

مضافا إلى ما عساه يفهم من

خبر الساباطي (7)عن الصادق (عليه السلام)- «عن


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب الإحرام- الحديث 2 و فيه« لا بأس أن يلبي الجنب» كما في الفقيه ج 2 ص 211 الرقم 963.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب مقدمات الطواف.
6- 6 الوسائل- الباب- 27- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 3 عن إبراهيم بن سفيان كما في الفقيه ج 2 ص 224 الرقم 1048.
7- 7 الوسائل- الباب- 26- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.

ج 18، ص: 434

المحرم يأكل الأترج قال: نعم، قلت: فان ريحه طيبة فقال: إن الأترج طعام ليس من الطيب»

- من كون المحرم الطيب، بل و صحيح ابن سنان (1)السابق المسؤول فيه عن الحناء، و

إلى عسر الاجتناب عنه في أيام الربيع و نحوه، و لذا استثنى نبت الحرم من حرمة شم الرياحين في المختلف كخلوق الكعبة، و ما بين الصفا و المروة من الاعطار، لكن فيه انه لا إشارة في شي ء من النصوص الى استثناء ذلك كما في الخلوق و ما بين الصفا و المروة، فليس حينئذ إلا لعدم الحرمة خلافا للفاضل في المنتهى و التذكرة و التحرير و المختلف فالحرمة، و في الرياض نسبته إلى المفيد و جماعة، و في كشف اللثام أنه تحتمله عبارتا المقنعة و السرائر، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(2): «لا يمس المحرم شيئا من الطيب و لا الريحان، و لا يتلذذ به، فمن ابتلى بشي ء من ذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه يعني من الطعام»

و نحو منه حسنه (3)مضافا إلى الاحتياط و إلى النهي عن مسه في صحيح ابن سنان السابق، مع إمكان دعوى انه لا تعارض بين صحيحي معاوية و حريز لعدم نفي البأس في الأول عن مطلق الريحان حتى يتحقق التعارض بينه و بين المانع تعارضا كليا، ليكون صريحا في الجواز، فيتقدم على النهي الظاهر في التحريم تقدم النص على الظاهر، و انما غايته نفي البأس عن أمور معدودة يمكن استثناؤها من أخبار المنع على تقدير تسليم صدق الريحان عليها حقيقة، و لا مانع من ذلك فلا موجب للجمع بالكراهة سوى تضمنه لفظ «أشباهه» و هو كما يحتمل المشابهة في إطلاق

اسم الريحان عليه كذا يحتمل ما هو أخص مما يشبهه من نبت البراري،


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 6 مرسل حريز.

ج 18، ص: 435

بل في المدارك الظاهر أن المراد به مطلق نبات الصحراء، فيكون المراد بالرياحين المحرمة ما يستنبته الآدميون من ذلك، و يحتمل أن يراد به ما هو أخص من ذلك.

و على كل حال يكون استثناؤه لكونه كما قال في المختلف: إن نبت الحرم يتعسر الاحتراز عنه، و معه لا يمكن صرف النهي عن ظاهره، مضافا إلى عدم إمكانه من وجه آخر، و هو أن النهي عن مس الريحان في الصحيح الماضي انما هو بلفظ النهي عن الطيب بعينه، و هو للتحريم قطعا، فلا يمكن حمله بالإضافة إلى الريحان على الكراهة، للزوم استعمال اللفظ الواحد في الاستعمال الواحد في الحقيقة و المجاز، و هو خلاف التحقيق، و صرفه إلى المجاز الأعم يعني مطلق المرجوحية مجاز بعيد، و لا يخفى عليك ما في ذلك كله بعد الإحاطة بما ذكرناه، خصوصا دعوى الالتزام باستثناء الأمور المخصوصة التي يمكن دعوى الإجماع المركب على خلافها و إن اختاره في المسالك و تبعه بعض من تأخر عنها، و كذا ما سمعته من احتمال كون المراد بالمشابهة خصوص نبت البراري، بل و كذا دعوى الاستبعاد في عموم المجاز الغالب الاستعمال في النصوص، خصوصا في المقام المتكرر فيه لفظ «لا» بناء على أنها غير عاطفة، و بالجملة الأولى الكراهة شما بل و استعمالا.

و المراد بالرياحين ما هو المتعارف منها، و عن العين الريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح، قال: «و الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليه أوائل النور» و عن ابن الأثير «هو كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم» و عن كتابي المطرزي «عند الفقهاء الريحان ما لساقه رائحة طيبة كما لورده، و الورد ما لورقه رائحة طيبة كالياسمين» و في القاموس «نبت معروف طيب الرائحة أو كل نبت كذلك، أو أطرافه أو ورقه، و أصله ذو الرائحة، و خص بذي الرائحة الطيبة، ثم بالنبت الطيب الرائحة، ثم بما عدا الفواكه و الأبازير، ثم بما عداها و نبات الصحراء، و من الأبازير الزعفران، و هو المراد هنا، ثم بالمعروف بأسهم»

ج 18، ص: 436

و في التذكرة «ان النبات الطيب ثلاثة أقسام: الأول ما لا ينبت للطيب و لا يتخذ منه كنبات الصحراء من الشيخ و القيصوم و الخزامى و الإذخر و الدارصيني و المصطكا و الزنجبيل و السعد و حبق الماء بالحاء المفتوحة غير المعجمة و الباء المنقطة تحتها نقطة المفتوحة و القاف، و هو الحندقوقي، و قيل الفودنج، و الفواكه كالتفاح و السفرجل و النارنج و الأترج، و هذا كله ليس بمحرم، و لا تتعلق به كفارة إجماعا، و كذا ما أنبته الآدميون لغير قصد الطيب كالحناء و العصفر- إلى ان قال-: الثاني ما ينبته الآدميون للطيب و لا يتخذ منه طيب كالريحان الفارسي و المرزجوش و النرجس و البرم، قال الشيخ: فهذا لا تتعلق به الكفارة، و يكره استعماله، و به قال ابن عباس و عثمان بن عفان و الحسن و مجاهد و إسحاق و مالك و أبو حنيفة، لأنه لا يتخذ للطيب فأشبه العصفر، و قال الشافعي في الجديد تجب به الفدية و يكون محرما، و به قال جابر و ابن عمر و أبو ثور، و في القديم لا تتعلق به الفدية، لأنه لا يبقى له رائحة إذا جفت، و عن احمد روايتان، لأنه يتخذ للطيب فأشبه الورد، الثالث ما يقصد شمه و يتخذ منه الطيب كالياسمين و الورد و النيلوفر، و الظاهر أن هذا يحرم شمه و تجب فيه الفدية، و به قال الشافعي، لأن الفدية تجب فيما يتخذ منه، فكذا في أصله، و قال مالك و أبو حنيفة: لا تجب» و نحو ذلك في المنتهى إلا أن فيه القطع بعدم الفدية في الثاني، و لم يتعرض فيه لحرمة أو كراهة، و كذا عن التحرير لكنه استقرب فيه تحريم الثاني أيضا، و نص على عدم الفدية في الريحان لفارسي، و لا يخفى عليك ما في ذلك كله مما لا يرجع إلى حاصل، بل و فيما ذكروه من حرمة الثالث إذا لم يكن مندرجا في الطيب و لا في اسم الريحان، فالعمدة حينئذ تحقيق ذلك و تحقيق الحكم فيه، هذا.

و في الدروس كراهة غسل الرأس بالسدر و الخطمي و خطبة النساء و المبالغة في السواك، و في ذلك الوجه و الرأس في الطهارة، و الهذر من الكلام، و الاغتسال

ج 18، ص: 437

للتبرد، بل عن الحلبي تحريمه، و الاحتباء في المسجد الحرام و المصارعة، و لا بأس به بل يستفاد من النصوص غير ذلك، بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر حماد بن عثمان (1): «يكره الاحتباء للمحرم، و يكره في المسجد الحرام»

بل في

خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «يكره رواية الشعر للصائم و المحرم و في الحرم و في يوم الجمعة، و أن يروي بالليل، قال: قلت: و إن كان شعر حق قال: و إن كان شعر حق»

بل

خبر علي بن جعفر(3)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن المحرم يصارع هل يصلح له؟

قال: لا يصلح مخافة أن يصيبه جراح أو يقع بعض شعره»

دال على كراهة كل ما يخاف منه ذلك، بل أو غيره مما لا ينبغي وقوعه في الإحرام، و اللَّه العالم و الموفق و المؤيد و المسدد.

[خاتمة]

خاتمة كل من دخل مكة وجب أن يكون محرما بلا خلاف أجده فيه؛ بل في المدارك و محكي الخلاف الإجماع عليه و إن دخل في السنة مرتين أو ثلاثا كما عن المقنع، و في

خبر علي بن أبي حمزة(4)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا، و إذا خرج فليخرج محلا»

و في

صحيح ابن مسلم (5)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال: لا إلا مريضا أو من به بطن»


1- 1 الوسائل- الباب- 93- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 96- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 94- من أبواب تروك الإحرام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 438

و في

صحيحه الآخر(1)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته هل يدخل الرجل الحرم بغير إحرام؟ قال: لا إلا أن يكون مريضا أو به بطن»

و صحيح عاصم بن حميد(2)«قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام): أ يدخل احد الحرم إلا محرما؟

قال: لا إلا مريض أو مبطون»

و ظاهرهما عدم جواز دخول الحرم إلا محرما فضلا عن دخول مكة كما عن التذكرة و الجامع، و في الوسائل التصريح به، و لكن قد عرفت

سابقا عدم وجوب الإحرام على من لم يرد النسك بل أراد حاجة في خارج مكة، بل في المدارك إجماع العلماء عليه، و حينئذ فيمكن حملهما على داخل الحرم لإرادة دخول مكة الذي لا إشكال في وجوب الإحرام فيه لما عرفت، مضافا إلى

حسن معاوية بن عمار(3)قال: «قال رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) يوم فتح مكة: إن اللَّه حرم مكة يوم خلق السماوات و الأرض، و هي حرام إلى أن تقوم الساعة، لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي، و لم تحل لي إلا ساعة من نهار»

بناء على أن المراد من تحريمها عدم جواز الدخول إليها إلا بإحرام، و به يتضح حينئذ دلالة

صحيح سعيد الأعرج (4)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) على المطلوب قال: «إن قريشا لما هدموا الكعبة وجدوا في قواعده حجرا فيه كتاب لم يحسنوا قراءته حتى دعوا رجلا قرأه فإذا فيه أنا اللَّه ذو بكة حرمتها يوم خلقت السماوات و الأرض، و وضعتها بين هذين الجبلين، و حففتها بسبعة أملاك حفا»

و حسن كليب الأسدي (5)عنه (عليه السلام) أيضا «ان رسول اللَّه (صلى اللَّه عليه و آله) استأذن اللَّه عز و جل في مكة ثلاث مرات من الدهر، فأذن له فيها ساعة من النهار ثم جعلها حراما ما دامت السماوات و الأرض»

و خبر بشر النبال (6)عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 12.

ج 18، ص: 439

(عليه السلام) أيضا في حديث فتح مكة «ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) قال: ألا إن مكة محرمة بتحريم اللَّه، لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار إلى أن تقوم الساعة، لا يختلى خلاها، و لا يقطع شجرها، و لا ينفر صيدها، و لا تحل لقطتها إلا لمنشد، قال: و دخل مكة و عليه السلاح، و دخل البيت و لم يدخله في حج و لا عمرة، و دخل وقت الصلاة فأمر بلالا فصعد الكعبة فأذن»

إلى غير ذلك من النصوص.

بل في

خبري رفاعة بن موسى (1)عدم جواز ذلك حتى للمريض، قال:

«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن رجل به بطن و وجع شديد يدخل مكة حلالا قال لا يدخلها إلا محرما، و قال: يحرمون عنه»

و في خبره الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل يعرض له المرض الشديد قبل أن يدخل مكة قال: لا يدخلها إلا محرما»

و إن كان الظاهر الحمل على الندب حتى في الإحرام عنه إذا كان المرض على وجه لا يتمكن من نية الإحرام معه كالجنون و نحوه، لما عرفت من الرخصة للمريض في الإحلال في المعتبرة التي أفتى بمضمونها الشيخ و يحيى بن سعيد و غيرهما، بل لا أجد فيه خلافا بينهم، هذا.

و في المدارك «و الظاهر أنه انما يجب الإحرام لدخول مكة إذا كان الدخول إليها من خارج الحرم، فلو خرج احد من مكة و لم يصل إلى خارج الحرم ثم عاد إليها دخل بغير إحرام» و ظاهره المفروغية من ذلك، فان كان إجماعا أو سيرة قاطعة فذاك، و إلا كان منافيا لإطلاق النص و الفتوى أو عمومهما، و لا ينافي ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 3 إلا أن ذيله لم يذكر في الوسائل و قد ذكر في التهذيب ج 5 ص 165 الرقم 552.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 8.

ج 18، ص: 440

كون الميقات ادنى الحل، ضرورة انه بناء على الوجوب يجب عليه أن يخرج اليه مع التمكن، و إلا أحرم من مكانه كغيره ممن يجب عليه الإحرام، نعم قد يقال إن النصوص الدالة على حرمة مكة يراد بها ما يشمل حرمها، و لذا ذكر فيها عدم تنفير الصيد و غيره مما هو من أحكام الحرم، فمع فرض عدم الخروج عنه لا يجب عليه إحرام، بخلاف ما لو خرج عنه ثم أراد الدخول بقصد الدخول في مكة، فإنه يجب عليه الإحرام حينئذ مع فرض مضي الشهر الذي ستعرف الكلام فيه، ثم قال فيها أيضا: «و يجب على الداخل فيها أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة، لأن الإحرام عبادة و لا يستقل بنفسه، بل إما أن يكون بحج أو عمرة، و يجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام» و فيه أنه إن كان إجماعا فذاك و إلا أمكن الاستناد في مشروعيته نفسه إلى إطلاق الأدلة في المقام و غيرها، و كونه جزء منهما لا ينافي مشروعيته في نفسه، و في

مرسل الفقيه (1)«روي عن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) أنه وجب الإحرام لعلة الحرم»

و في مرسل العباس بن معروف (2)المروي عن العلل عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال:

«حرم المسجد لعلة الكعبة، و حرم الحرم لعلة المسجد، و وجب الإحرام لعلة الحرم»

و في

خبر أبي المعزى (3)عنه (عليه السلام) أيضا «كانت بنو إسرائيل إذا قربت القربان تخرج نار تأكل قربان من قبل منه، و إن اللَّه جعل الإحرام مكان القربان»

و خبر جابر(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «أحرم موسى بن عمران من رملة مصر، قال: و مر بصفاح الروحاء محرما يقود ناقته بخطام من


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحرام الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحرام الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحرام الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الإحرام الحديث 2.

ج 18، ص: 441

من ليف عليه عباءتان قطوانيتان يلبي و تجيبه الجبال»

إلى غير ذلك مما يمكن الاستدلال به على مشروعيته في نفسه.

لكن قد يقال إن ما دل (1)على عدم حصول الإحلال له إلا بإتمام النسك كاف في عدم ثبوت استقلاله، إذ دعوى أنه يحل بالوصول إلى مكة أو بالتقصير أو بغير ذلك لا دليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، بل يمكن بعد التأمل في النصوص استفادة القطع بتوقف الإحلال من الإحرام في غير المصدود و نحوه مما دل عليه الدليل على إتمام النسك، و ليس هو إلا أفعال عمرة أو حجة.

ثم لا يخفى أن الإحرام إنما يوصف بالوجوب إذا وجب الدخول، و إلا كان شرطا غير واجب كوضوء النافلة.

و لو أخل الداخل بالإحرام أثم و لم يجب عليه قضاؤه كما في التذكرة و حاشية الكركي و المسالك و المدارك و غيرها حاكيا له في الأولى عن الشافعي للأصل، و قال أبو حنيفة: «عليه أن يأتي بحج أو عمرة، فان اتى في سنته بحج الإسلام أو منذورة أجزأه ذلك عن عمرة الدخول استحسانا، و إن لم يحج من سنته استقر القضاء» و فيه أنه لا دليل على القضاء مع فرض عدم وجوبها عليه، و لا إبطال كي يتجه الوجوب عليه، فإنه انما يتحقق بفعل المنافي لما تلبس به، بخلاف الفرض الذي أثم بعدم

الإتيان به لا بإبطاله، لكن قد تقدم سابقا في مسألة تارك الإحرام عمدا ما في المسالك من الجزم بالقضاء، بل عن التذكرة الإجماع عليه، فلاحظ و تأمل.

ثم إن المحكي عن الشيخ و جماعة استثناء العبيد، فجوزوا لهم دخولها من غير إحرام، و هو مناف لما سمعته من إطلاق الأدلة و عمومها، لكن استدل له


1- 1 الوسائل- الباب- 13 و 14- من أبواب الحلق و التقصير.

ج 18، ص: 442

في المنتهى بأن السيد لم يأذن لهم بالتشاغل في النسك عن خدمته، و إذا لم يجب عليهم حج الإسلام لذلك فعدم وجوب الإحرام لذلك اولى، و نفي البأس عنه في المدارك، مع انه كما ترى لا يرجع إلى حاصل صالح لتخصيص الأدلة المزبورة، كاستثنائه البريد أيضا، لكن قال على إشكال، و لعله لأنه أجير لعمل قد ينافيه الإحرام مع سبق حق المستأجر، و فيه أن مقتضى العموم استثناؤه كالصلاة و نحوها من الواجبات الشرعية عليه، و كون العبد لا يقدر على شي ء من دون إذن مولاه انما هو في غير الواجبات الشرعية، و على ذلك فالمتجه صحة إحرامه للدخول و ان لم يأذن له مولاه، بل و إن كان آبقا، و لا ينافي ذلك ما تقدم من توقف صحة إحرام العبد على إذن مولاه بعد تنزيله على غير الفرض، و قد يقال في مثل الآبق الداخل مكة بعدم صحة إحرامه و إن كلف به، لأنه هو الذي أوقع نفسه في ذلك، و هو غير مفروض البحث الذي هو أمر السيد له بالدخول محلا، فتأمل جيدا، و اللَّه العالم.

و كيف كان ففي المتن و القواعد و محكي الجامع وجب ذلك إلا أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضي شهر قيل اي من عمرته، و لعله لإطلاق ما دل (1)على اعتبار الفصل بشهر بين العمرتين، و ل

حسن حماد(2)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) قال: «من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضي الحج، فان عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج، فلا يزال على إحرامه، فإن رجع إلى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس إلى منى، قلت: فان جهل فخرج الى


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب العمرة.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 6.

ج 18، ص: 443

المدينة أو نحوها بغير إحرام ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج أ يدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال: إن رجع في شهره دخل بغير إحرام، و إن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس التي وصلت بحجته»

بناء على إرادة شهر العمرة من قوله: «في شهره» بل و

موثق إسحاق (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال: يرجع إلى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لأن لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحج، قال: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه، فقال: كان أبي (عليه السلام) مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء، فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج، و دخل و هو محرم بالحج»

لأن مفهومه أن لا يرجع بعمرة إن كان في شهر العمرة و قد عرفت أن الإحرام بحج التمتع انما يكون بمكة، فلم يبق إلا ان يدخل محلا، و لا ينافي ذلك السؤال الثاني، لأنه عن الدخول في شهر الخروج الذي قد يشكل بأن حج التمتع ميقاته من مكة، و لكن قد يدفع بإرادة العمرة من الحج فيه بناء على جواز عمرتين في شهر، أو بإرادة التعبد هنا بالإحرام به من غيرها ثم تجديده بها كما أشار إليه في الدروس، قال: و لو رجع في شهره دخلها محلا، فإن أحرم فيه من الميقات بالحج فالمروي (2)عن الصادق (عليه السلام) أنه فعله من ذات عرق و كان قد خرج من مكة إليها، و في التذكرة «لو خرج من مكة بغير إحرام و عاد في الشهر الذي خرج فيه استحب له أن يدخلها محرما بالحج، و يجوز له أن يدخلها بغير إحرام على ما تقدم» إلى آخره، أو بالعدول إلى الافراد أو القران، أو


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج- الحديث 8.

ج 18، ص: 444

بجواز أن لا يكون السؤال عن المتمتع، بل عمن خرج فعاد في شهر خروجه على أن يعود ضمير «فإنه» الى الرجل و نحوه، بل قيل يجوز أن يريد بشهر الخروج شهر العمرة الذي خرج فيه للعمرة أو بعدها، فاما أن يكون (عليه السلام) اعرض عن الجواب أو أجاب بأن له الإحرام بعمرة بناء على جواز عمرتين في شهر و إن كان أبوه (عليه السلام) أحرم بحج أو أحرم (عليه السلام) أيضا بعمرة تمتع أو غيره، فعبر عنها بالحج اوله الإحرام بحج التمتع و إن كان عليه التجديد بمكة أو العدول إلى الافراد أو القران، و إن كان هو كما ترى، و كذا احتمال كون المراد السؤال عن دخول المتمتع في شهر خروجه من مكة إما في غير شهر عمرته أو مطلقا، فأجاب بأن أباه (عليه السلام) رجع في شهر خروجه محرما، فليرجع هذا أيضا إذا رجع في شهر خروجه محرما بعمرة، و إن كان (عليه السلام) أحرم بالحج، و على كل حال فالخبر دال بالمفهوم على المطلوب الذي هو جواز الدخول حلالا إذا كان قد رجع قبل مضي شهر من إحرام عمرته الاولى، و كأن الوجه في تخصيص ذلك بإحرام العمرة ما ذكره في كشف اللثام من أن الذي دلت عليه الدلائل جواز الدخول محلا مع سبق الإحرام بعمرة قبل مضي شهر، فالصواب القصر عليه كما في الجامع، فلو كان سبق إحرامه بحج لم يدخل إلا محرما بعمرة، و ان لم يمض شهر ففي الأخبار العمرة بعد الحج إذا أمكن الموسى من الرأس، و استحسنه في الرياض قال: و يعضده عموم أخبار النهي عن الدخول محلا مع سلامته عن المعارض كما مر، و فيه أولا أنه ينبغي حينئذ الاقتصار على إحرام عمرة التمتع أيضا، لأنه الذي دل عليه الخبران المزبوران، و ثانيا أن الدليل غير منحصر فيهما، ففي

مرسل حفص و ابان (1)عن أبي عبد اللَّه (عليه السلام) «في الرجل يخرج في الحاجة


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 445

من الحرم قال: إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، و إن دخل في غيره دخل بإحرام»

و في

صحيح جميل (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يخرج إلى جدة في الحاجة فقال: يدخل مكة من غير إحرام»

و في

مرسله الآخر(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «في الرجل يخرج من الحرم إلى بعض حاجته ثم رجع من يومه قال: لا بأس بأن يدخل بغير إحرام»

و في

خبر ميمون القداح (3)«انه خرج مع أبي جعفر (عليه السلام) و معه عمر بن دينار و أناس من أصحابه إلى أرض بطيبة ثم دخل (عليه السلام) مكة و دخلوا معه بغير إحرام»

و في

موثق ابن بكير(4)عن غير واحد من أصحابنا عنه (عليه السلام) أيضا «انه خرج إلى الربذة يشيع أبا جعفر ثم دخل مكة محلا»

اللهم إلا أن يقال إنه قد تقدم منه إحرام في دخول مكة، لكن فيه بعد تسليمه أنه لم يعلم كونه إحرام حج أو عمرة، بل ظاهر هذه النصوص عدم اعتبار تقدم إحرام في الدخول محلا لو رجع قبل شهر و إن كان هو ظاهر المتن و غيره، بل لا أجد خلافا فيه، و حينئذ فقاطنوا مكة مثلا لو خرج منهم أحد إلى خارج الحرم وجب عليه الإحرام للدخول و إن عاد قبل مضي شهر، بل في يومه كما صرح بذلك في الحدائق، بل هو مقتضى ظاهر غيرها أيضا، فإن تم إجماعا فذاك، و إلا أمكن النظر فيه للنصوص الدالة بإطلاقها على جواز الدخول حلالا إذا رجع قبل شهر، سواء كان محرما سابقا بعمرة تمتع أو إفراد أو حج أو لم يكن محرما أصلا، نعم قد يقال يكفي الإعراض عنها في عدم العمل بها، خصوصا بعد عدم الجابر لسندها، فيبقى عموم عدم جواز الدخول حلالا بحاله.


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الإحرام- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الإحرام- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الإحرام- الحديث 5.

ج 18، ص: 446

ثم ظاهرها كون المراد الرجوع في شهر خروجه لا شهر نسكه السابق كي يستشكل فيه أنه من حين الإهلال أو من حين الإحلال كما عن الأكثر و دل عليه الموثق، حتى أن الفاضل في القواعد تردد في ذلك و ان قيل انه من احتمال الأخبار و الفتاوى لهما، و اقتضاء أصل البراءة الأول، و الاحتياط الثاني، بل ربما أيد الأول بما في الأخبار من كون العمرة محسوبة لشهر الإهلال دون الإحلال، و لذا شرع الإحرام بها في رجب قبل الميقات، و الثاني بأنه لو بقي على إحرامه أزيد من شهر فخرج و هو محرم ثم عاد لم يجب عليه تجديد إحرام، إلا أن ذلك كله كما ترى بعد ظهور النصوص المزبورة فيما ذكرناه حتى حسن حماد(1)المتقدم، إذ دعوى إرادة شهر العمرة من شهره فيه في غاية البعد، و نحو مرسل الصدوق (2)الذي فيه النص على شهر الخروج، مضافا إلى النصوص السابقة كما سمعت إلا

الموثق (3)المزبور الذي قد عرفت إجماله، مضافا إلى إجمال قوله فيه أيضا:

«و هو مرتهن بالحج»

فإنه يحتمل كونه تعليلا للمفهوم بأنه لما كان مرتهنا بالحج لم يكن عليه إحرام بعمرة إلا بعد مضي شهر فيعتمر و يجعل الأخيرة عمرة التمتع، و يحتمل كونه تعليلا للمنطوق، بأنه لما ارتهن بالحج لزمه البقاء على حكم عمرته بأن لا يخرج من مكة أو يجددها إذا دخل، بل

لعله عند التأمل غير مناف لما ذكرنا فتأمل جيدا.

و أما الفتاوى فهي و إن كان بعضها مجملا لكن في النافع «و لو خرج بعد إحرامه ثم عاد في شهر خروجه أجزأ عنه، و ان عاد في غيره أحرم ثانيا» و في النهاية في المتمتع «فان خرج من مكة بغير إحرام ثم عاد، فان كان عوده في الشهر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج الحديث 8.

ج 18، ص: 447

الذي خرج فيه لم يضره ان يدخل مكة بغير إحرام، و ان دخل في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما بالعمرة إلى الحج، و تكون عمرته الأخيرة» و نحوه ما في المقنعة و المنتهى و التذكرة، و في

الفقه (1)المنسوب إلى مولانا الرضا (عليه السلام) «فإذا أراد المتمتع الخروج من مكة إلى بعض المواضع فليس له ذلك لأنه مرتبط بالحج حتى يقضيه إلا ان يعلم انه لا يفوته الحج، فان علم و خرج ثم رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكة محلا، و ان رجع في غير الشهر الذي خرج فيه دخلها محرما»

و ما في الرياض- من ان مقتضى الإطلاق المزبور شمول ما إذا كان شهر الخروج بعد الإحرام المتقدم بأزيد من شهر، و لا أظنهم يقولون به و لا صرح به احد و انما ثمرة النزاع تظهر على ما صرح به بعضهم في صورة العكس، و هي ما لو خرج آخر شهر و دخل أول آخر فيدخل

محرما على هذا القول، و لا حتى يمضي ثلاثون يوما على قول الأكثر، و لعله الأظهر- لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة عدم بدع بالتزام ذلك الذي هو مقتضى إطلاق ما سمعته من النصوص التي فيها الصحيح و غيره المعتضدة بفتوى من عرفت، و تصريح بعضهم بكون ذلك ثمرة النزاع بين القولين الأولين لا ينافي وجود ثمرة أخرى على القول الثالث الذي هو اعتبار الشهر من يوم الخروج لا الإهلال و لا الإحلال.

و بذلك كله يظهر لك النظر في جملة من الكلمات هنا خصوصا بعد ملاحظة ما تسمعه إن شاء اللَّه من عدم اعتبار الشهر في الفصل بين العمرتين، و هو مضعف آخر للموثق المزبور، بل يمكن القطع بعدم بناء المسألة على تلك المسألة، و إلا لأشار أحد منهم إليها، و بعد ملاحظة ما تقدم لنا سابقا في المتمتع إذا قضى متعته و أراد الخروج لبعض حوائجه ثم الرجوع للحج، هذا.


1- 1 المستدرك- الباب- 18- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 18، ص: 448

و الظاهر أن المراد مما في الحسن و الموثق بيان طريق لخروج المتمتع المرتهن بالحج بعد قضاء متعته، و صعوبة الإحرام عليه بالحج و الخروج محرما، و صعوبة البقاء عليه في مكة لتعلق أغراض له باعتبار جواز ذلك لغيره، لا أن الحكم مختص به، بل و لا بذي العمرة المفردة أو الحج، بل هو حكم لكل من خرج من مكة و حرمها بعد أن كان محرما ثم أراد الرجوع إليها، فإن كان لم يمض عليه شهر جاز له الدخول حلالا، و إلا أحرم بالعمرة و دخل.

و كيف كان فلا إشكال في أصل الحكم إلا ما احتمله في كشف اللثام في عبارة القواعد التي هي «يجب على كل داخل مكة الإحرام إلا المتكرر كالحطاب و من سبق له إحرام قبل مضي شهر من إحرامه أو إحلاله على إشكال» من رجوع الإشكال إلى استثناء من سبق له إحرام، قال: «لما أشرنا إليه من عموم النهي عن الدخول محلا، فيعارض عموم فصل شهر بين عمرتين، مع معارضته بأخبار فصل عشرة أيام و غيرها كما يظهر إن شاء اللَّه، و احتمال شهرة في خبر حماد لشهر الخروج، و ضعف خبر إسحاق مع كون دلالته بالمفهوم، و خلو كلام أكثر الأصحاب عنه» و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه، على أن الخبر المزبور من قسم الموثق، و المفهوم فيه من مفهوم الشرط، و لا عبرة بخلو كلام أكثر الأصحاب عنه لو سلم بعد قيام الدليل، و مع الإغضاء عن ذلك كله و فرض التعارض المفقود فيه الترجيح يجب الرجوع إلى حكم الأصل، و هو عدم حرمة الدخول محلا، لانتفاء المانع بحكم التعارض المفروض، كما هو واضح، و اللَّه العالم.

و بالجملة فالخارج الداخل قبل الشهر يدخل بغير إحرام أو كان ممن يتكرر دخوله كالحطاب و الحشاش فان له الدخول حلالا أيضا بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر المبسوط و السرائر الاتفاق عليه، للحرج

ج 18، ص: 449

و ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة(1): «إن الحطابة و المجتلبة أتوا النبي (صلى اللَّه عليه و آله) فسألوه فأذن لهم أن يدخلوا حلالا»

بل ظاهر المصنف و غيره ان ذلك مثال لكل من يتكرر دخوله و إن لم يكن من المجتلبة و الحطابة كالحشاش و غيره، كما ان الظاهر عدم اعتبار تكرر دخولهم قبل انقضاء شهر، فلو فرض أن بعض المجتلبة يحتاج إلى فصل أزيد من شهر دخل حلالا و لا شي ء عليه، لكن في كشف اللثام «إلا المتكرر دخوله كل شهر بحيث يدخل في الشهر الذي خرج كالحطاب و الحشاش و الراعي و ناقل الميرة و من له ضيعة يتكرر لها دخوله و خروجه إليها، للحرج و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة» الى آخره. ثم ذكر مرسل حفص و غيره من النصوص التي ذكرناها سابقا، و لم أجده لغيره، بل لعل ذكر الأصحاب ذلك مستثنى بخصوصه كالصريح في خلافه، اللهم إلا أن يكون من جهة اعتبار سبق الإحرام في السابق دونهم.

و كيف كان فقد قيل و القائل الشيخ و ابن إدريس فيما حكي عنهما، بل في المدارك أنه قول مشهور بين الأصحاب من دخلها لقتال مباح جاز أن يدخلها محلا بل عن المبسوط و السرائر كما دخل النبي (صلى اللَّه عليه و آله) عام الفتح و عليه المغفر على رأسه بلا خلاف، و لكن في كشف اللثام احتمال إرادة نفيه عن كونه على رأسه لا الإباحة، بل قال: هو الوجه لخلاف أبي حنيفة و إن كان هو كما ترى، هذا. و في التذكرة أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) دخل و عليه المغفر و كذا أصحابه كما في بعض

النصوص عن أمير المؤمنين (عليه السلام) كذلك، و عن المنتهى

«ان النبي (صلى اللَّه عليه و آله) دخلها عام الفتح و عليه عمامة سوداء»(2)

و على كل حال فلا يخفى


1- 1 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الإحرام- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 5 ص 177.

ج 18، ص: 450

عليك ما في ذلك بعد ما سمعت من النصوص الدالة على أن مكة حرام لم تحل لأحد قبلي و لا تحل لأحد بعدي، و انما حلت لي ساعة من نهار، و ما في المنتهى- من احتمال كون المعنى حلت لي و لمن هو في مثل حالي بقرينة ما سمعته في التذكرة- بعيد، خصوصا بعد عدم إشارة في شي ء من النصوص المزبورة إلى أن ذلك قد كان منه لمكان القتال الذي يمكن مجامعته للإحرام كما عرفته في لبس المحرم السلاح للضرورة، على أن النبي (صلى اللَّه عليه و آله) دخل مكة مصالحا لا لقتال، إلا أنه لما كان الصلح مع أبي سفيان و لم يثق بهم و خاف غدرهم حل له ذلك، اللهم إلا أن يقال إنه إذا جاز لخوف القتال فله اولى، و فيه أنه على كل حال لا يستفاد منه الجواز لمطلق القتال، ضرورة احتمال خصوصية فيما وقع من النبي (صلى اللَّه عليه و آله) باعتبار كونه منه و جهادا للمشركين و غير ذلك من الخصوصيات التي لا توجد في غيره، و لعله لذلك كله و الاحتياط نسبه المصنف إلى القيل مشعرا

بضعفه، ضرورة بقاء العموم حينئذ بلا معارض، بل عن الشيخ في غير المبسوط انه لم يستثن إلا المرضى و الحطابة، نعم قد يقال بالجواز إذا وصل الأمر إلى حد الضرورة، لعموم أدلتها، و فحوى نصوص المرض (1)مع احتمال وجوب الإحرام حينئذ و ارتفاع بعض احكامه لها لا أصل الإحرام، بل هو الوجه، و اللَّه العالم.

و إحرام المرأة كإحرام الرجل إلا فيما استثنيناه من جواز لبس المخيط و الحرير على الأصح، و التظليل سارا، و ستر الرأس، و وجوب كشف الوجه، و عدم استحباب رفع الصوت بالتلبية، و نحو ذلك مما خرج عن قاعدة الاشتراك و غيرها مما يقتضي اتحادهما في كيفية الإحرام كالصحيح (2)الآتي في الحائض و نحوه


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الإحرام.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الإحرام- الحديث 4.

ج 18، ص: 451

و حينئذ ف لو حضرت المرأة الميقات جاز لها أن تحرم و لو كانت حائضا و لكن لا تصلي صلاة الإحرام بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، ضرورة اقتضاء عموم الأدلة عدم مانعيته عنه و خصوصها قال

معاوية بن عمار(1)في الصحيح: «سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن الحائض تحرم و هي حائض قال: نعم تغتسل و تحتشي و تصنع كما يصنع المحرم و لا تصلي»

و قال منصور بن حازم (2)في الصحيح «قلت له (عليه السلام) أيضا: المرأة الحائض تحرم و هي لا تصلي قال: نعم، إذا بلغت الوقت فلتحرم»

و قال العيص ابن القاسم (3): «سألته (عليه السلام) أيضا أ تحرم المرأة و هي طامث فقال:

نعم تغتسل و تلبي»

إلى غير ذلك من النصوص، بل صريح الأول و الأخير منها عدم سقوط الغسل عنها، مضافا إلى عموم أدلته خلافا للمحكي عن بعض، و لا ريب في ضعفه لما عرفت، على أن هذا الغسل ليس طهارة منافية لوجود الحيض، بل هو مستحب تعبدا، نعم تسقط الصلاة عنها لعموم الأدلة و خصوص الصحيح المزبور، و لو كان الميقات مسجد الشجرة أحرمت منه مجتازة مع التمكن، و إلا أحرمت من خارجه، و على ذلك يحمل النهي عن دخول المسجد في الموثق أو على الدخول مع المكث أو على الكراهة.

و لو تركت الإحرام ظنا منها أنه لا يجوز رجعت إلى الميقات و أنشأت الإحرام منه بلا خلاف و لا إشكال، لتوقف صحة الإحرام عليه، و ما في خبر علي بن جعفر المتقدم في مسألة الجاهل من جواز الإحرام من مكانه و أن الأفضل العود له من الميقات قد عرفت قصوره عن المعارضة من وجوه


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الإحرام الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الإحرام الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 48- من أبواب الإحرام الحديث 5.

ج 18، ص: 452

نعم لو منعها مانع من الرجوع أحرمت من موضعها إن لم تكن قد دخلت الحرم و لو دخلته أو دخلت مكة خرجت إلى أدنى الحل، و لو منعها مانع أحرمت من موضع الإحرام و لو مكة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بل و لا إشكال، لنفي الحرج و فحوى ما تقدم في الجاهل و الناسي، و خصوص

صحيح معاوية(1)«سألت أبا عبد اللَّه (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم فقال: إن كان عليها مهلة فلترجع إلى الوقت فلتحرم منه، و إن لم يكن عليها وقت فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها»

إلا أن مقتضاه وجوب العود إلى ما أمكن من الطريق مع فرض تعذر الميقات كما عن الشهيد الفتوى بذلك، و ربما يؤيده عدم سقوط الميسور بالمعسور، و في المدارك احتمال الحمل على الندب، لعدم وجوب ذلك على الجاهل و الناسي مع الاشتراك في العذر، و ل

موثق زرارة(2)«عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا إلى الوقت و هي لا تصلي فجهلوا أن مثلها ينبغي أن تحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال، فسألوا الناس فقالوا:

تخرج إلى بعض المواقيت فتحرم فيه و كان إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر (عليه

السلام) فقال: تحرم من مكانها، و قد علم اللَّه نيتها»

و فيه أنها ظاهرة أو مقيدة بصورة عدم الإمكان، خصوصا مع صحة سند الأول دون الثاني، و موافقته للاحتياط، و على كل حال فظاهر الخبرين حال عدم التقصير، أما معه بترك السؤال مع التنبه له فالظاهر كونها كتارك الإحرام عمدا الذي قد تقدم الكلام فيه سابقا، كما أنه قد تقدم الحال في الترك لعذر و الجاهل و الناسي و غير مريد النسك، فلاحظ و تأمل، و اللَّه العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المواقيت- الحديث 6.

ج 18، ص: 453

إلى هنا تم الجزء الثامن عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد اللَّه و منه المشتمل على أقسام الحج و المواقيت و الإحرام و تروكه، و قد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور اللَّه ضريحه، و قد خرج بعون اللَّه و لطفه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر، و يتلوه الجزء التاسع عشر في الوقوف بعرفات إن شاء اللَّه تعالى عباس القوجاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.