جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 17

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج17، ص: 1

[العبادات]

[تتمة كتاب الصوم]

[تتمة النظر الثاني في أقسامه]

[تتمة أما الواجب]
[تتمة القول في شهر رمضان]
[الثاني في الشروط]
اشاره

ج17، ص: 2

الثاني في الشروط و هي قسمان

[القسم الأول ما باعتباره يجب الصوم، و هو سبعة]
اشاره

الأول ما باعتباره يجب الصوم، و هو سبعة:

[منها البلوغ و كمال العقل]

البلوغ و كمال العقل فلا يجب على الصبي و لا على المجنون إلا ان يكملا قبل طلوع الفجر فإنه يجب عليهما حينئذ بلا خلاف و لا اشكال و اما لو كملا بعد طلوعه لم يجب الصوم النهار و لم يفطر فبلغ وجب عليه الإتمام الذي يرجع الى ما عن المبسوط إذا بلغ حال الصوم جدد النية و كان صوما صحيحا قال انه خلاف إجماع أصحابنا و انه من فروع المخالفين فلا يلتفت اليه، قلت خصوصا بعد ان كان المحكي عنه في الجمل الاقتصاد و كتابي الصلاة من المبسوط و الخلاف إطلاق ان عليه الإمساك بقية النهار تأديبا لا وجوبا من غير تقييد بتناول المفطر و غيره، بل استدل في الأخير بعد أن نص على عدم وجوب القضاء عليه على عدم وجوب الإمساك بأن أول النهار لم يكن مكلفا فتجب عليه العبادة، و بقية النهار لا يصح صومه، و وجوب

ج 17، ص: 3

الإعادة يحتاج إلى دليل، و الأصل براءة الذمة، و من ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن الاقتصاد من وجوب القضاء بعد القول بعدم وجوب الإمساك، كما انه يعلم حينئذ ضعف الخلاف المزبور و ان حكي عن ابن حمزة القول به، بل أطلق وجوب الصوم عليه إن بلغ في الأثناء و لم يفطر من غير تقييد بالنية، و عن المصنف و في المعتبر انه قواه تمسكا بأن الصوم ممكن في حقه، و وقت النية باق، ثم قال لا يقال لم يكن الصبي مخاطبا لأنا نقول لكنه الآن صار مخاطبا، و لو قيل لا يجب صوم بعض اليوم قلنا متى إذا تمكن من نية يسرى حكمها إلى أول النهار أو إذا لم يتمكن، و ههنا هو متمكن من نية تسرى إلى اوله، و مال إليه في المدارك و فيه منع ما يدل هنا على سريان النية بعد أن لم يكن مكلفا إلا القياس الممنوع عندنا بل المتجه منعه هنا عند غيرنا أيضا لكونه مع الفارق، هذا، و قد تقدم في آخر المواقيت من كتاب الصلاة في مسألة ما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة ما له نفع في المقام في الجملة، فلاحظ و تأمل، و كذا الحال في المجنون.

و كذا المغمى عليه و ان أفاق قبل الزوال و قد سبقت منه النية، لما عرفته فيما تقدم من كون الإغماء مفسدا كالحيض و عرفت أيضا ضعف ما قيل من أنه إن نوى الصوم قبل الإغماء صح صومه و إلا كان فاسدا و عليه القضاء و لا ريب في ان الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، كما أن الأشبه أيضا سقوط القضاء عنه أيضا كما تعرفه في محله ان شاء الله.

[منها الصحة من المرض]

و منها الصحة من المرض لما تقدم سابقا من عدم صحة الصوم من المريض الذي يتضرر به إجماعا بقسميه، و كتابا(1)و نصوصا(2)مستفيضة


1- 1 سورة البقرة- الآية 180.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب من يصح منه الصوم.

ج 17، ص: 4

أو متواترة فإن بري ء قبل الزوال و لم يتناول شيئا يقتضي الإفطار وجب عليه الصوم بتجديد النية على المشهور، لتمكنه منه حينئذ ببقاء وقت النية فيشمله عموم ما دل على وجوب صوم الشهر، لكن قد يناقش بمنع ما يدل على بقاء وقت النية فيه إلا القياس على المسافر و الناسي و الجاهل و نحوهم، و هو معلوم البطلان عندنا، و لعله لذا أطلق ابن زهرة استحباب الإمساك للمريض إذا بري ء، وعد ابن حمزة من الصوم المندوب صوم المريض إذا بري ء و أطلق، و قال و المسافر إذا قدم أهله قبل الزوال و لم يفطر وجب عليه الصوم،

فكأنه فرق بينه و بين المريض للنص، و هو جيد ان لم يقم إجماع على المساواة في ذلك.

و كيف كان ف ان كان قد تناول قبل البرء أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحبابا و لزمه القضاء احتراما لشهر رمضان و تشبيها بالصائمين و أمنه من تهمة من يراه و

قول علي بن الحسين (عليه السلام) في رواية الزهري (1)«و كل من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا و ليس بفرض»

خلافا لظاهر المفيد و المرتضى فاوجباه، و يمكن أن يريدا تأكد الندب، لعدم الدليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه، لكن في الخلاف «القادم من سفره و كان قد أفطر و المريض إذا بري ء و الحائض إذا طهرت و النفساء إذا انقطع دمها يمسكون بقية النهار تأديبا، و كان عليهم القضاء، و قال أبو حنيفة ليس عليهم الإمساك و ان أمسكوا كان أحب إلينا، دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط و لأن هذا اليوم واجب صومه و انما أبيح الإفطار لعذر، و قد زال العذر، و بقي حكم الأصل- ثم قال- إذا بلغ الصبي و الكافر إذا أسلم و المريض إذا بري ء و قد أفطروا أول النهار يمسكون بقية النهار تأديبا و لا يجب ذلك بحال- ثم قال-:

دليلنا إجماع الفرقة و أيضا الأصل براءة الذمة و لا يجب عليهم الا بدليل و ربما جمع


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 17، ص: 5

بينهما بنفي الوجوب أصالة، فلا ينافيه حينئذ تأديبا» قلت و منه ينقدح الشك في دلالة خبر الزهري الا أن الجميع كما ترى لا يصلح لقطع الأصل و غيره، و الله أعلم.

[منها الإقامة عشرا أو ما في حكمها]

و منها الإقامة عشرا أو ما في حكمها من الحضر و المتردد ثلثين يوما و كثير السفر و غير ذلك فلا يجب الصوم على المسافر و لا يصح منه بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه و النصوص (1)بعد الكتاب العزيز(2)مستفيضة أو متواترة فيه و في أنه يلزمه القضاء مضافا الى الكتاب و الإجماع و حينئذ ف لو صام لم يجزه مع العلم قطعا للنهي و (11) غيره نعم يجزيه مع الجهل (12) بكون السفر موجبا للإفطار حتى خرج الوقت بلا خلاف أجده فيه

للصحيح (3)عن ابن أبي شعبة «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل صام في السفر فقال ان كان بلغه أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن ذلك فعليه القضاء، و ان لم يكن بلغه فلا شي ء عليه»

و سأله أيضا عبد الرحمن بن الحجاج (4)في الصحيح «عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال ان كان لم يبلغه أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن ذلك فليس عليه القضاء و قد أجزأ عنه الصوم»

الى غير ذلك من النصوص التي لا ريب في صراحتها بأن الجهل هنا عذر على حسب ما سمعته في القصر و الإتمام، و من هنا لا يخفى عليك جريان كثير مما تقدم هناك فلاحظ و تأمل كي تعلم أن المتجه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من النص و الفتوى، فلا يلحق حينئذ بجاهل الحكم ناسية و ان حكي عن بعضهم ذلك للاشتراك في العذر، و مرجعه الى القياس المعلوم بطلانه عندنا، فيجب عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم.
2- 2 سورة البقرة- الآية 180.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

ج 17، ص: 6

القضاء حينئذ، و من الغريب ما في المسالك من أن الناسي هنا كالجاهل و ان افترقا في الصلاة، إذ لا يتصور إعادة الناسي هنا في الوقت إذا كان مراده أنه مثله في المعذورية المزبورة، ضرورة عدم اقتضاء عدم تصوره ذلك، بل أقصاه أنه يتعين عليه القضاء لو لم يذكر حتى خرج الوقت، و يجب عليه الإفطار مع ذلك لو تذكر قبله كالجاهل الذي يعلم في الأثناء، فإنه لا إشكال في وجوبهما عليه كما هو واضح.

و على كل حال فلا يلحق به المريض لو تكلف الصوم و صام غير عالم بنهي الشارع عنه، لما عرفته من حرمة القياس نعم لو حضر المسافر بلده أو بلدا يعزم فيه على الإقامة عشرا كان حكمه حكم المريض في الوجوب لو كان قبل الزوال و لم يفعل المفطر و عدمه لو كان بعد الزوال أو كان قد فعل المفطر و يستحب له الإمساك بقية يومه بلا خلاف معتد به أجده في شي ء من ذلك، و في

خبر أحمد بن محمد(1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان و لم يطعم شيئا قبل الزوال قال يصوم»

و خبر أبي بصير(2)«سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فقال إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم و يعتد به»

و صحيح يونس بن عبد الرحمن (3)عن الكاظم (عليه السلام) «انه قال في المسافر يدخل أهله و هو جنب قبل الزوال و لم يكن أكل فعليه ان يتم صومه و لا قضاء عليه»

بناء على كون المراد الجنابة عن احتلام و نحوه مما لا يقدح البقاء عليها في الصوم، و من ذلك يعلم بقاء وقت النية بالنسبة كالناسي و الجاهل بكونه شهر رمضان، و ما في الغنية من إطلاق استحباب الإمساك للمسافر إذا قدم أهله يجب تنزيله على ما بعد الزوال كتنزيل الخيار بين الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.

ج 17، ص: 7

و عدمه في

صحيح ابن مسلم (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار فقال: إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام و ان شاء أفطر»

و حسن رفاعة(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار قال: إذا طلع الفجر و هو خارج لم يدخل فهو بالخيار ان شاء صام و إن شاء أفطر»

على ما قبل القدوم، بل يجب تنزيل

صحيح ابن مسلم (3)الآخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا سافر الرجل في شهر رمضان، فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم و يعتد به من شهر رمضان، فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر و هو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم، و ان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه، و ان شاء صام»

و ما في

خبر سماعة(4)«ان قدم بعد زوال الشمس أفطر و لا يأكل ظاهرا، و ان قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ان شاء»

على ما لا ينافي ذلك من ان له الخيار قبل القدوم إذا عرف أنه يقدم قبل الزوال، أو غير ذلك مما هو أولى من الطرح.

و على كل حال فلا ريب في عدم الاجتزاء بالصوم منه إذا قدم بعد الزوال لما سمعته من النصوص، مضافا الى

خبر محمد بن مسلم (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1 و ذيله في الباب- 6- منها الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 10.

ج 17، ص: 8

من الحيض يواقعها فقال لا بأس به»

المعتضدة بفتاوى الأصحاب على وجه يمكن تحصيل الإجماع عليه، فما عن نهاية الشيخ من إطلاق وجوب الصوم عليه و سقوط القضاء عنه إذا قدم أهله و لم يكن قد فعل ما ينقض الصوم يجب تنزيله على ما قبل الزوال، و إلا كان محجوجا بما عرفت بل في محكي السرائر انه مخالف للإجماع نعم عليه أن يمسك بقية يومه استحبابا احتراما لشهر رمضان، كمن أفطر قبل الدخول قبل الزوال و كالمريض، و دعوى الوجوب فيه أضعف من دعواه فيه.

و قد تقدم في كتاب الصلاة ان في حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري و الملاح و شبههما ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة أيام و العاصي بسفره و المتردد ثلاثين يوما في مكان واحد و غير ذلك مما هو مذكور هناك مفصلا.

[منها الخلو من الحيض و النفاس]

و منها الخلو من الحيض و النفاس فلا يجب الصوم عليهما أو لا يصح منهما و عليهما القضاء بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل لإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)مستفيضة أو متواترة فيه.

[القسم الثاني من الشرائط ما باعتباره يجب القضاء]

الثاني من الشرائط ما باعتباره يجب القضاء و ينتفي بانتفائه و هو ثلاثة شروط البلوغ و كمال العقل و الإسلام، فلا يجب على الصبي القضاء لما فاته من الأيام في حال الصبا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى أصل البراءة و غيره و ما عن ابن أبي عقيل من «ان الكافر إذا أسلم و الصبي إذا بلغ و قد مضى بعض رمضان أو بعض يوم منه لم يلزمهما إلا صيام ما يستقبلانه و لو قضيا ما مضى و يومهما كان أحب الي و أحوط» يجب حمله على ضرب من الندب لما عرفت من عدم وجوبه عليه الا اليوم الذي، قد بلغ فيه قبل طلوع فجره


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الحيض و الباب- 6- من أبواب النفاس من كتاب الطهارة.

ج 17، ص: 9

و لم يصمه فإنه يجب عليه قضاؤه قطعا، لإطلاق الأدلة حينئذ حتى لو كان بلوغه قبله في زمن لا يسعه الطهارة من الجنابة مثلا و لو الترابية، ضرورة كونه حينئذ معذورا في ذلك كمن أفاق كذلك، و اما اليوم الذي قد بلغ في أثنائه قبل الزوال و لم يفعل المفطر فقد عرفت البحث فيه، و ان الأصح عدم وجوبه عليه، فلا يلزمه قضاؤه، و لو قارن بلوغه طلوع الفجر قوي القول بوجوب الصوم عليه لشمول الأدلة حينئذ، و لو شك في تقدمه و تأخره بنى على تأخر مجهول التاريخ منهما، و لو جهلا حكم بالاقتران، فيجب الصوم حينئذ، لكن فيه ما أشرنا إليه سابقا في كتابي الطهارة و الصلاة من ان الاقتران حادث أيضا، و الأصل عدمه، فالمتجه الرجوع الي غيرهما من أصل و نحوه، و هو هنا البراءة كما يشهد له جعلهم ذلك شرطا فالشك فيه حينئذ شك في المشروط، بل ربما قيل بنحو ذلك في الصورة الأولى أيضا، لعدم اقتضاء الأصل تأخر المجهول عن المعلوم، بل أقصاه التأخر في نفسه و هو لا يجدي في ثبوت التكليف أو سقوطه، فتأمل جيدا.

و كذا البحث في المجنون الذي هو كالصبي في ذلك و نحوه عند الأصحاب من غير خلاف يعتد به بينهم، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه بل حكاه عليه في الروضة من غير فرق بين ما كان الجنون بفعله على جهة الحرمة و عدمها و بين ما كان بفعل الله تعالى، لإطلاق الأدلة، خلافا للمحكي عن الإسكافي فأوجب القضاء عليه إذا كان بفعله على جهة الحرمة قال: و المغلوب على عقله من غير سبب ادخله على نفسه لا قضاء عليه إذا لم يفق في اليوم كله، فإن أفاق في بعض اليوم و لم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم صام ذلك اليوم و أجزأ، و ان كان من محرم قضى كل ما غم عليه منه، و لعله لاندراجه في الأول تحت

«كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر»(1)

بخلافه في الثاني فإنه هو الذي فوت على نفسه الشرط


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.

ج 17، ص: 10

كالكافر، و ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين، لكن قال: لا فرق بين المحرم و المحلل إذا علم إفضاؤه إلى الإغماء يوم

الصوم في وجوب القضاء كما لا فرق في عدمه إذا لم يعلم الإفضاء ثم قال: و يمكن تنزيل كلام من أطلق نفي القضاء على هذا التفصيل و فيه ان الأدلة مطلقة سيما ما تعرفه ان شاء الله تعالى من نصوص الإغماء التي فيها الصحيح و غيره، نعم يمكن تنزيل كلام الإسكافي على السكران الذي ستعرف الحال فيه، و على كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن الشيخ أيضا من تكليف المجنون بالقضاء إذا أفاق إن لم تتقدم النية على جنونه، و الا كان صومه صحيحا و الله أعلم.

و الكافر الأصلي و ان وجب عليه الصوم، لأنه مكلف بالفروع لكن لا يجب عليه القضاء إجماعا بقسميه إلا ما أدرك فجره مسلما لأن الإسلام يجب ما قبله بناء على منافاة القضاء و ان كان بفرص جديد لجب السابق باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم؛ و تنزيله منزلة ما لم يقع، كالمراد من قوله (1)«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» لا ان المراد جب خصوص العصيان، و ل

صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه قال: ليس عليه الا ما أسلم فيه»

و صحيح العيص (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم أسلموا في شهر رمضان و قد مضى منه أيام هل عليهم ان يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه قال ليس عليهم

قضاء و لا يومهم الذي أسلموا فيه إلا ان يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر»

و خبر الحلبي (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أسلم بعد ما دخل


1- 1 سورة الأنفال الآية 39.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.

ج 17، ص: 11

من شهر رمضان أيام قال: ليقض ما فاته»

محمول على الندب كما سمعته من ابن أبي عقيل أو على من أسلم وفاته ذلك لعارض من مرض و نحوه، أو من أسلم و لم يعلم وجوب الصوم و أفطر، ثم علم الوجوب أو غير ذلك لقصوره عن افادة الوجوب من وجوه.

و من ذلك كله يعلم الحال فيما لو أسلم في أثناء اليوم فان نفي قضائه عنه ظاهر في نفي وجوبه عليه كما هو المشهور شهرة عظيمة، نعم أمسك بقيته استحبابا احتراما للشهر و يصوم ما يستقبله وجوبا، و قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يصوم إذا أسلم قبل الزوال و جدد النية، و كان صومه صحيحا و ان ترك قضى و قواه المصنف في المعتبر لعين ما سمعته سابقا في الصبي، و ظاهر صحيح الحلبي المتقدم آنفا الذي محل الفرض أول ما يدخل فيه بل لعله لا ينافيه صحيح العيص، لاحتمال وجوب صومه أداء و يكون فائدة النص فيه على عدم قضائه لرفع توهم وجوبه معه باعتبار خلو بعض اليوم من شرط الصحة، و فيه ان ما دل على جب الإسلام ما قبله شامل لبعض اليوم أيضا

الذي قد تعمد ترك النية فيه، و لا دليل هنا على سراية النية الأخيرة، و الاستثناء في خبر العيص يأبى التنزيل المزبور المحتاج الى تقييد نفي القضاء فيه بما إذا أدوا الصوم، فالصواب حمل صحيح الحلبي على النصف الأخير الذي حصل الإسلام فيه، فلا يدخل فيه إلا اليوم الذي يدرك فجره مسلما، إذ الناقص مندرج في عموم النفي عنه، فإذا سقط وجوب صوم ذلك البعض أداء و قضاء لم يجب عليه صوم الباقي لأنه لا يتبعض و لذا كان الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده.

[الثالث في ما يلحقه من الاحكام]

الثالث في ما يلحقه من الاحكام (11) و ان بان لك مما تقدم بعضها و هو من فاته شهر رمضان أو شي ء منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه (12) للأصل و غيره، بل عن جواهر ابن البراج و المعتبر و المنتهى و التذكرة

ج 17، ص: 12

الإجماع عليه في الأخير فضلا عن الأولين و كذا ان فاته لإغماء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن ظاهر فقه القرآن للراوندي الإجماع حيث قال: لا قضاء عليه عندنا، و حمل كلام المخالف على الاستحباب، للأصل و قاعدة معذورية ما يغلب الله عليه التي ينفتح منها ألف باب، و

صحيح أيوب ابن نوح (1)قال: «كتبت الى ابى الحسن الثالث (عليه السلام) اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم لا يقضي الصلاة»

و صحيح علي بن مهزيار(2)«سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم و لا يقضي الصلاة»

و مكاتبة القاشاني (3)«كتبت إليه أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته فكتب لا يقضي الصوم»

السالمة عن المعارض سوى دعوى كون الإغماء مرضا فيشمله ما دل (4)على وجوب القضاء الصلاة عليه من الكتاب و السنة، و سوى النصوص (5)الواردة في وجوب قضاء الصلاة عليه بناء على انه لا قائل بالفرق و منع الاولى واضح، و بعد التسليم يتجه تخصيص تلك الأدلة بما هنا، على أنه لا كلام في تخصيصها بما يضر، و مقتضاه تخصيص الإغماء بذلك بناء على اندراجه في المرض، و هو تفصيل لم يقل به احد، و اما الثانية فالمتجه حمل تلك النصوص على الندب، لمعارضتها بالأقوى منها من وجوه كما تقدم بيانه في محله، و لو سلم الفتوى بها اقتصر عليها دون الصوم، لحرمة القياس عندنا، على أنه مع الفارق


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قضاء الصلوات الحديث 18.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
4- 4 سورة البقرة- الآية 180 و الوسائل- الباب 25 من أبواب أحكام شهر رمضان.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات.

ج 17، ص: 13

باعتبار كون الصلاة آكد، و دعوى عدم القول بالفصل على وجه يحصل منه إجماع معتد به على التسوية ممنوعة كل المنع، إذ عدم العلم بالقائل لا يقتضي عدمه كما هو واضح، و

خبر حفص (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يقضي المغمى عليه ما فاته»

مع ضعفه بالإرسال و غيره قاصر عن مقاومة غيره من وجوه.

و من ذلك كله و ما قدمناه سابقا فيمن يصح منه الصوم يظهر لك ضعف ما قيل من انه يقضي ما لم ينو قبل إغمائه فإن نوى صح صومه و لو بقي مغمى عليه تمام الشهر بناء على الاجتزاء بنية واحدة، و ان حكي ذلك عن المفيد و المرتضى و سلار و ابن البارج، قال الأول: «إذا أغمي على المكلف قبل استهلال الشهر و مضى عليه أيام ثم أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام، فإن استهل الشهر عليه و هو يعقل فنوى صيامه و عزم عليه ثم أغمي عليه و قد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه، لأنه في حكم الصائم بالعزيمة على أداء فرض الصيام» و نسبه الفاضلان الى الشيخ، و لعله لظهور و قوله في الخلاف «إذا نوى الصوم من الليل فأصبح مغمى عليه يوما و يومين و ما زاد عليه كان صومه صحيحا، و كذلك إن بقي نائما يوما أو أياما، و كذلك من أصبح صائما و جن في بعضه أو مجنونا فأفاق في بعضه و نوى فلا قضاء عليه» في ان الإغماء كالنوم إن سبقت منه النية صح، و الا كان عليه القضاء، خصوصا بعد قوله أيضا إذا نوى ليلا و أصبح مغمى عليه حتى ذهب اليوم صح

صومه، و لا فرق بين الجنون و الإغماء، بل لعل ظاهر موضع من مبسوطة ذلك أيضا، قال: «و المغمى عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر و نوى الصوم ثم أغمي عليه و استمر به أيام لم يلزمه قضاء شي ء، لأنه بحكم الصائم، و ان لم يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا، و عندي انه لا قضاء عليه أصلا


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب من أبواب يصح منه الصوم- الحديث 5.

ج 17، ص: 14

لان نيته المتقدمة كافية في هذا الباب، و انما يجب ذلك على مذهب من رأى تعيين النية أو مقارنة النية التي هي القربة و لسنا نراعي ذلك» ضرورة ظهوره في كون المسقط للقضاء صحة صومه بتقدم النية و لو على الشهر، فيلزمه وجوب القضاء مع عدمها أصلا، و يكون الفرق بينه و بين المفيد بجواز تقديم النية على الشهر و عدمه و الا فهما متفقان على القضاء، لكن قال قبل ذلك: «و اما إذا زال عقله بفعل الله مثل الإغماء و الجنون و غير ذلك فإنه لا يلزمه قضاء ما يفوته في تلك الأحوال فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان و هو مغمى عليه أو مجنون أو نائم و بقي كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شي ء مما مر به الا ما أفطر فيه، أو طرح في حلقه على وجه المداواة له، فإنه يلزمه حينئذ القضاء لان ذلك لمصلحته و منفعته، سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق، فان الحال لا يختلف فيه» و ظاهره نفيه مطلقا الا في الصورتين.

و على كل حال فلا ريب في أن الأول أظهر لما عرفت من الأصل و النصوص السالمة عن المعارض عدا ما عرفت مما هو واضح الضعف، ك

مرسل حفص بن البختري (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «يقضي المغمى عليه ما فاته»

القاصر عن معارضة غيره من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب، و من الغريب ما في المختلف من الاستدلال عليه ب

خبر حفص بن البختري الآخر(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيام»

الوارد أولا في خصوص الصلاة و في خصوص ثلاثة أيام منها، و قياس الصوم عليها يقضي بكونه كذلك، و لا قائل به و هذا من أقوى الشواهد على حمل تلك النصوص على الندب كما لا يخفى على من لاحظها متأملا لما فيها من الاختلاف بنفي القضاء مطلقا، و إثباته كذلك، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب من أبواب يصح منه الصوم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 7.

ج 17، ص: 15

خصوص بعض الأيام كما تقدم الكلام فيها سابقا، فلاحظ، و تأمل.

و يجب القضاء على المرتد سواء كان عن فطرة أو عن كفر بلا خلاف أجده فيه،

لعموم «من فاتته»

و غيره مما هو دال على وجوب القضاء لكل تارك، و خصوصا العامد الذي محل الفرض منه السالم عن معارضة ما دل (1)على سقوطه عن الكافر بعد ظهوره في الأصلي و لو بمعونة فهم الأصحاب، و لا ينافي ذلك قولنا بعدم قبول توبة المرتد عن فطرة ظاهرا و باطنا، إذ أقصاه عدم التمكن من القضاء كغيره من التكاليف حتى الإسلام، الا ان ذلك غير مانع من تكليفه على وجه يترتب عليه العقاب بعد ان كان ذلك بسوء اختياره، كما حررناه في كتاب الطهارة، و اما المخالف فقد أشبعنا الكلام فيه في باب القضاء من الصلاة و في كتاب الزكاة، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و كذا يجب القضاء على الحائض و النفساء و كل تارك له بعد حصول ما تقدم من شرط وجوبه عليه من البلوغ و العقل، فيدخل حينئذ النائم و نحوه ممن يجب القضاء عليه و ان لم يكن مكلفا بالأداء، نعم انما يجب عليه إذا لم يقم الشارع مقامه غيره كالفدية للشيخ و الشيخة وذي العطاش و الحامل المقرب و من استمر عليه المرض كما ستعرف تفصيل ذلك كله عند تعرض المصنف له.

و اما السكران و نحوه ممن لا يدخل تحت اسم المجنون و المغمى عليه فالمتجه وجوب القضاء عليه، لعموم «من فاتته» كما عن الشيخ و ابن إدريس و الفاضلين و الشهيد القطع به، بل المتجه عدم الفرق بين كون ذلك منه على جهة الحرمة و عدمها كالغافل و المكره و المضطر و نحوهم، خلافا لما يظهر من بعضهم من الفرق بينهما في القضاء و عدمه، و فيه ان الدليل عام و لا معارض له، و الإثم و عدمه


1- 1 المتقدم في ص 10.

ج 17، ص: 16

لا مدخلية له في القضاء و عدمه، لكن استفاضة الفتوى في اعتبار كما العقل في وجوب القضاء ينافي ذلك، اللهم الا ان ينزل على ارادة نفيه عن خصوص المجنون و المغمى عليه من ذلك، كما يومي اليه تفريعهم ذلك عليه لا مطلق زوال العقل، و لو سلم يمكن منع وصوله الى حد الإجماع الذي يرفع العذر، فتأمل جيدا و الله أعلم.

و تستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة و لا تجب إجماعا محكيا عن الناصريات و الخلاف و المختلف ان لم يكن محصلا للأصل و إطلاق الأمر بالقضاء في الكتاب و السنة، و

صحيح سليمان بن جعفر(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أ يقضيها متفرقة قال: لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان انما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و كفارة الدم»

و غيره من النصوص التي سيمر عليك بعضها، نعم يستحب احتياطا للبراءة من احتمال اعتبارها كالمقضي الذي ينبغي ان يكون قضاؤه مثله، و ل

صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا كان على الرجل شي ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة،

فان لم يستطع فليقضه كيف شاء، و ليحص الأيام، فإن فرق فحسن و ان تابع فحسن، قال: قلت: أ رأيت إن بقي عليه شي ء من صوم شهر رمضان أ يقضيه في ذي الحجة قال: نعم»

و صحيح ابن سنان (3)عنه (عليه السلام) أيضا «من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل، و ان قضاه متفرقا فحسن».

و قيل و القائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر بل يستحب


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8 و الأول عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5 و ذيله في الباب 27 منها الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 و الأول عن أبي الحسن الرضا عليه السلام.

ج 17، ص: 17

التفريق للفرق بين الأداء و القضاء، و في المدارك و غيرها انه مال إليه في المقنعة فإنه بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع و التفريق قال: و قد

روي (1)عن الصادق (عليه السلام) «إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم، و كذا إن كان عليه خمسة أيام و ما زاد، فان كان عليه عشرة أو أكثر تابع بين الثمانية ان شاء ثم فرق الباقي»

و الوجه في ذلك أنه ان تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه و بين القضاء، فأوجبت النية الفصل بين الأيام ليقع التفريق بين الأمرين لكنه كما ترى ليس فيه

استحباب التفريق مطلقا، كما أنا لم نجد ما ذكره من الوجه في شي ء مما وصل إلينا من النصوص، و الاعتبار يقضي بأولوية المشابهة لأن من فاتته فريضة يقضيها كما فاتته.

و قيل و القائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر أيضا:

يتابع في ستة و يفرق في الباقي للرواية التي هي

موثق عمار(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و ان كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما، و ليس له ان يصوم أكثر من ستة أيام متوالية، و ان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما»

و رواه الشيخ في الزيادات بهذا السند(3)عنه أيضا «سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ قال: ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما، و ان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين و ان كان عليه شهر فليفطر بينهما أياما، و ليس له ان يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية، و ان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينهما يوما»

إذ لم نجد غيره لكنه كما ترى لا دلالة فيه على استحباب المتابعة في الستة أو الثمانية، بل أقصاه


1- 1 المقنعة ص 57.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7.

ج 17، ص: 18

الرخصة اللهم إلا ان يستدل عليها بإطلاق الأدلة السابقة و

قوله هنا: «إذا كان عليه ثمانية أو عشرة»

الى آخره بناء على كون المراد التفرقة بين الستة أو الثمانية و ما زاد كما يقضي به قوله «بينهما» بصيغة التثنية على ما وجدته فيما حضرني من نسخة التهذيب و ان كان قد كتب عليها «بينها» فوق نسخته، و أيضا لا بد من حمل ذيله على ان ذلك فرد آخر للتفريق، و الا نافاه ما ذكره من الفصل بين الخمسة بأيام و يومين كما في الثاني، و احتمال التعبد في ذلك بعيد، فيكون المتجه حينئذ حمله علي بيان افراد التفريق، و ان الكامل منها فصل كل يومين بيوم، فالخمسة حينئذ تحتاج الى الفرق بأربعة، و دونه الفرق بينها بيومين، و دونه الفرق بين الثمانية و العشرة بيوم، و على هذا يصلح الموثق دليلا للقول السابق من استحباب التفريق بناء على كون المراد ذلك في جميع أيام القضاء على معنى فصل كل يومين منه بيوم، لا ان المراد منه الفرق في الجملة.

و على كل حال فالظاهر هو الذي أشار إليه المفيد بل و المرتضى في المحكي عن جمله، حيث قال: «القاضي مخير بين المتابعة و التفريق، و قد روي انه ان كان عليه عشرة أيام أو أكثر منها كان مخيرا في الثمانية الأول بين المتابعة و التفريق ثم يفرق ما بقي ليقع الفصل بين الأداء و القضاء» بل و ابن الجنيد حيث قال: و قد

روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ليس له ان يصوم أكثر من ثمانية أيام ثم يقطعها»

و في محكي المبسوط و ما لا يراعى فيه التتابع أربعة مواضع الى ان قال: «و صوم قضاء شهر رمضان لمن أفطر لعذر، و ان كان التتابع فيه أفضل فإن أراد الفضل فليصم ستة أيام متعاقبات ثم يفرق الباقي» و نحوه عن النهاية إلا أن فيها «فان لم يتمكن من سرده» و في محكي الوسيلة «فإن صام ثمانية أو ستة متتواليات و فرق الآخر كان أفضل» و هو يشعر بأفضليته من التتابع مطلقا و التفريق مطلقا جميعا و في محكي السرائر و منهم من قال: «ان كان الذي فاته عشرة أيام و ثمانية فليتابع

ج 17، ص: 19

بين ثمانية أو ستة، و يفرق الباقي».

و لا يخفى عليك ان نظر الجميع الى هذا الموثق إذ لم نجد غيره، نعم

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه (عليه السلام) المروي عن قرب الاسناد فرق بين اليومين و غيرهما قال: «سألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما قال: يفصل بينهما بيوم، فان كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية»

و لعله لذا قال في المختلف لا يقال قد اشتهر هذا النقل بين الأصحاب، فإن أكثر علمائنا نقلوا هذا الحديث مرسلا عن الصادق (عليه

السلام) و لولا ثبوته عندهم لما نقلوه كذلك، لأنا نقول: الذي ذكروه انه روي كذا و لم يذكروا على سبيل القطع، قال مع أنها قابلة للتأويل بما قاله الشيخ من ان الأمر بالفصل ليس على الإيجاب بل على جهة التخيير، لئلا يتوهم وجوب التتابع في القضاء كما وجب في الأعداء، و اليه يرجع ما عن المنتهى من انه على جهة التخيير و الإباحة لا على سبيل الإيجاب و لا الندب ليحصل الإرشاد لكن فيه انه يدفع ذلك اشتماله على قوله «ليس له» الى آخره و من هنا قال بعض متأخري المتأخرين: «ان الصواب جعل السؤال في الخبر عن رجل معهود كان يضر به التوالي» و ان كان هو كما ترى أيضا الا انه أولى من طرحه، و ان أبيت إلا ذلك كان حقيقا به باعتبار معارضته لما عرفت، خصوصا مع اشتماله على ما يقتضي كراهة المتابعة، و لا أظن أحدا منا يقول بها بعد الغض عن اضطرابه في نفسه كما سمعت، على ان من ذكره من الأصحاب لا يأتي بتمام ما تضمنه.

و حينئذ فلا ريب في ان الأول أي القول باستحباب المتابعة مطلقا أشبه بل ربما يستفاد كراهة التفريق من المفهوم في

خبر غياث بن إبراهيم (2)عن جعفر عن أبيه عن علي (عليهم السلام) في قضاء شهر رمضان «ان كان لا يقدر


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.

ج 17، ص: 20

على سرده فرقه»

بل و من

قوله (عليه السلام) فيه أيضا «لا يقضي شهر رمضان في عشرة من ذي الحجة»

بناء على كون ذلك للتحرز عن التفريق بالعيد و أيام التشريق، و لعله لذلك قال المصنف أنها أحوط إذ لم نجد قائلا بوجوبها سوى ما يلزم المحكي عن ابى الصلاح من القول بفورية القضاء، مع انه في غاية الضعف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل في محكي الناصريات انه لو كان الأمر بالقضاء هنا على الفور لكان يجب متى أمكنه القضاء ان يتعين الصوم فيه حتى لا يجزي سواه، و لا خلاف في انه يؤخر القضاء، مضافا الى ما سمعته من النصوص و مما ورد في صحيح البختري (1)من تأخير نساء النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) القضاء الى شعبان، نعم انما يحكى القول بوجوب المتابعة عن بعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم.

و كما لا يجب المتابعة لا يجب الترتيب بلا خلاف أجده، للأصل و إطلاق الأدلة، و عدم وجوبه في الأداء، و انما كان فيه من ضرورة الوقت، و حينئذ فلو أخلى النية من التعيين أو عين الأخير أجزأ كما نص عليه بعضهم، نعم في المسالك و غيرها انه أفضل، لكون الأسبق أحق بالمبادرة، مع انه لا يخلو من اشكال كما في الدروس، و لعله لتساوي الأيام في التعلق بالذمة، و كون الترتيب في الأداء من ضرورة الوقت، فالأصل حينئذ لا معارض له، و السبق أعم من ذلك، لكن على كل حال ظاهر من تعرض لهذا الحكم انه يتعين بالتعيين لا أن نيته تقع لغوا باعتبار كون الأمر بالقضاء كالأمر

بصوم عدد معين من الزمان لا جهة لتعيين أحدها، ضرورة وضوح الفرق بين ما نحن فيه و بين ذلك بوجود جهة التعيين هنا، و هو السبق و اللحوق بخلافه هناك، و تظهر الثمرة فيما لو ظهر صحة ذلك اليوم الذي نوى قضاءه، فان المتجه حينئذ عدم وقوعه عن غيره، لعدم نيته، و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4 عن حفص بن البختري.

ج 17، ص: 21

كان الظهور في الأثناء ففي جواز العدول أو التجديد اشكال كالإشكال في جواز العدول بعد التعيين مع عدم الظهور، بل و فيما لو لم يعين في الابتداء ثم أراده بعد الفراغ من الصوم، و كذا لا ترتيب بين أفراد القضاء إذا كان رمضانين فصاعدا لعين ما عرفت، نعم لا يبعد وجوب خصوص الحاضر عند التضيق.

و لا ترتيب أيضا بين القضاء و غيره من أقسام الصوم الواجب كفارة أو غيرها للأصل السالم عن المعارض، خلافا للمحكي عن ابن أبي عقيل من عدم جواز الصوم عن النذر أو الكفارة لمن عليه قضاء عن شهر رمضان حتى يقضيه، و لم نقف على مأخذه.

نعم لا يجوز التطوع بشي ء من الصيام لمن عليه صوم واجب قضاء كان أو غيره كما هو المشهور، ل

قول الصادق (عليه السلام)(1)في صحيح الحلبي و الكناني المروي في الوسائل عن الفقيه «لا

يجوز أن يتطوع الرجل بالصيام أو عليه شي ء من الفرض»

المعتضد بإطلاق النهي عن التطوع لمن عليه شي ء من الفرض، بل فيها عنه أيضا انه قال: قد وردت بذلك الاخبار و الآثار، كما أن المحكي عنه في المقنع انه كذلك وجدته في كل الأحاديث، و خروجنا عنه في الصلاة لقوة المعارض لا ينافي في حجيته هنا، خلافا لسيد المدارك و المحدث البحراني فخصا ذلك بمن عليه قضاء شهر رمضان دون غيره من الواجبات مستظهرا له أولهما من الكليني للأصل المقطوع بما عرفت، و العمومات المخصصة به، و اختصاصه في

صحيح الكناني (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه من شهر رمضان أيام أ يتطوع؟ فقال: لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان»

و صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6.

ج 17، ص: 22

الحلبي (1)«سألته أيضا عن الرجل يكون عليه من شهر رمضان طائفة و يتطوع قال: لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان»

غير مناف للصحيح الأول، بل لعلهما حجة على الإطلاق أيضا بضميمة عدم القول بالفصل المحجوجين به، كما أن قياس الصلاة عليه اي

قضاء شهر رمضان في المنع في صحيحي زرارة(2)المرويين في التهذيب و الحبل المتين المتقدمين في كتاب الصلاة في مسألة النافلة وقت الفريضة لا يقضي بكون المراد منه الكراهة هنا على حسب ما اخترناه هناك، لما تقدم سابقا، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين و لذا فرق بينهما في الدروس و كشف الأستاد، بل ظاهر هذين الصحيحين المفروغية منه هنا و انه كان من الواضحات في ذلك الزمان، فما عن المرتضى (رحمه الله) و جماعة منهم العلامة في القواعد من القول بالجواز مطلقا تمسكا بالإطلاق الواجب تقييده بما هنا واضح الضعف، هذا، و في المدارك «الظاهر ان المنع من التطوع مع اشتغال الذمة بالصوم الواجب عند من قال به انما يتحقق حيث يمكن فعله، فلو كان بحيث لا يمكن كصوم شعبان ندبا لمن عليه كفارة كبيرة جاز صومه» و قد تبع بذلك الشهيد في الدروس حيث قال:

و يشترط فيه كله أي صوم النفل خلو الذمة عن صوم واجب يمكن فعله، فيجوز حيث لا يمكن كشعبان لمن عليه كفارة كبيرة و لم يبق سواه، و جوز المرتضى التنفل مطلقا و الرواية بخلافه، لكن فيه ان الأدلة مطلقة، و يمكن ان يكون المانع نفس اشتغال الذمة بالواجب و ان كان غير متمكن من أدائه لسفر و نحوه.

نعم ينساق منها الواجب عليه لنفسه دون غيره بإجارة أو نذر أو تبرع أو


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب المواقيت الحديث- 3 عن التهذيب و في الوافي« باب كراهة التطوع في وقت الفريضة» عن الحبل المتين و في المستدرك الباب- 20- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4 عن روض الجنان.

ج 17، ص: 23

لكونه وليا أو غير ذلك مع احتماله، كما أن المنساق منه التطوع من حيث كونه تطوعا، فلو وجب عليه بنذر و نحوه جاز له أداؤه، لخروجه عن الوصف المزبور و اندراجه في الواجب من غير فرق بين أن ينذر التطوع على الإطلاق أو أياما مخصوصة يمكن وقوع الواجب قبلها، اما لو نذر أياما مخصوصة لا يمكن وقوعه قبلها ففي صحة نذره إشكال، أقواه الصحة لحصول الرجحان الذاتي الذي يكفي في تعلق النذر به المخرج له حينئذ عن التطوع، و لو نسي الواجب فتطوع و لم يعلم حتى فرغ صح و احتسب له و لو علم في الأثناء قطع، و يحتمل كون الخلو شرطا في الواقع، لأنه الأصل و لو كان مستفادا من النواهي كما حرر في محله.

[في هذا الباب مسائل]
اشاره

و كيف كان ف في هذا الباب مسائل:

[المسألة الاولى من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض]

الاولى من فاته شهر رمضان أو بعضه بمرض فان مات في مرضه لم يقض عنه وجوبا بلا خلاف أجده فيه نصا(1)و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه و لكن استحب القضاء عنه عند الأصحاب على ما في المنتهى، لكن قد ينافيه

خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها قال: هل برئت من مرضها قلت لا، ماتت فيه، قال:

لا يقضى عنها، فان الله لم يجعله عليها، قلت فإني أشتهي أن أقضي عنها و قد أوصتني بذلك قال فكيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها، فان اشتهيت أن تصوم لنفسك فصم»

اللهم إلا أن يكون المراد نفي تأدية القضاء عنها، لعدم ثبوته عليها على حسب النصوص (3)النافية للقضاء عن المريض الذي مات في مرضه، لا الصوم عنها على جهة النيابة بحيث يكون لها، و كأنه واقع منها و هو الذي قد أشار إليه


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان.

ج 17، ص: 24

ب

قوله (عليه السلام) «فان اشتهيت»

الى آخره إذ الظاهر كون المراد الصوم لنفسك عنها أي لا لوصيتها الباطلة لا ان المراد الصوم لنفسك ثم إهداء الثواب إليها و بذلك يظهر لك انه مستند الأصحاب في الاستحباب المزبور، ضرورة عدم إرادتهم استحباب تأدية القضاء عنها لتصريحهم بنفيه عنها، فكيف يتصور تأدية له فضلا عن استحبابه، بل المراد ما ذكرناه و لا بأس بإطلاق اسم القضاء عليها توسعا و ربما يؤيد ذلك استدلاله عليه في

المنتهى بأنه طاعة فعلت عن الميت فوصل اليه ثوابها.

و المناقشة في مشروعيته يدفعها إطلاق ما دل (1)على جواز فعل جميع العبادات عن الأموات، و تنزيل ذلك على إهداء الثواب لا داعي له، فما في المدارك- من انه أي دليل المنتهى ضعيف، إذ ليس الكلام في جواز التطوع بالصوم و إهداء ثوابه الى الميت، بل في قضاء النائب عنه، و الحكم بشرعيته يتوقف على الدليل، لأن الوظائف الشرعية انما تستفاد من النقل، و لم يرد التعبد بذلك، بل مقتضى الأخبار المتقدمة عدم مشروعية القضاء- واضح الضعف خصوصا مع ملاحظة ما يحكى من تعاقد بعض السلف من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) على أن يؤدي الحي منهم عن الميت الصوم و الصلاة، فإن من الواضح عدم كون ذلك من إهداء الثواب بناء على عدم مشروعية التنفل باليومية و الصوم بعنوان ما فات من شهر رمضان، فليس حينئذ إلا لمشروعية النيابة على حسب ما ذكرنا، و الحائض و النفساء في شهر رمضان مع موتهما كالمريض في سقوط وجوب القضاء للنصوص (2)المستفيضة في ذلك و في ثبوت الاستحباب بناء على أن مدركه ما ذكرنا.

و كيف كان ف ان استمر به المرض الى رمضان آخر سقط قضاؤه على


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان.

ج 17، ص: 25

الأظهر الأشهر، بل المشهور و كفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام كما استفاضت بذلك النصوص (1)أو تواترت، و قد رواه محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) و زرارة(3)عن عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبو بصير(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا و الفضل بن شاذان (5)عن الرضا (عليه السلام) و علي بن جعفر(6)عن أخيه موسى (عليه السلام) و عبد الله بن جعفر(7)عن أخيه (عليه السلام) أيضا، بل و أبو الصباح الكناني (8)و عبد الله بن سنان (9)على ما ستعرف، و فيها المكرر، فلا بأس بدعوى تواترها، و الخروج بها عن ظاهر قوله تعالى (10)«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً» الى آخره، على أن التحقيق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد فلا محيص عن العمل بها خصوصا بعد اشتهار الفتوى بها بين الطائفة، و عدم المعارض المعتد به لها، خصوصا بالنسبة إلى الفدية كما اعترف به المصنف في المعتبر، فما عن ابني أبي عقيل و بابويه و الشيخ في الخلاف و ابني زهرة و إدريس و أبي الصلاح و الفاضل في التحرير من تعين القضاء دون الكفارة واضح الضعف، لابتنائه بالنسبة إلى ثبوت القضاء على عدم حجية الخبر الواحد أو عدم تخصيص الكتاب به،

و هما معا باطلان كما حرر في محله، مضافا الى إمكان دعوى التواتر هنا أو القطع و لو بالقرائن، و دعوى الشيخ في الخلاف الإجماع منزلة على غير ذلك، بل ظاهرها


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 10 عن علي بن جعفر.
8- 8 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
9- 9 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
10- 10 سورة البقرة- الآية 180.

ج 17، ص: 26

المسألة الآتية كما لا يخفى على من لاحظه، و الى ما عساه يقال من ظهور ما دل على القضاء بالمرض من الكتاب و السنة في غير الفرض فلا يكون ظاهر الكتاب حينئذ معارضا و ان كان فيه ما فيه، و اما ضعيف

أبي الصباح الكناني (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل قال: عليه أن يصوم و أن يطعم عن كل يوم مسكينا، فان كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه الا الصيام ان صح، فان تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا»

فغير صالح للمعارضة من وجوه، مع احتماله صيام الشهر رمضان الحاضر لا قضاءه أو قضاءه لكن مع عدم استمرار المرض كما ستسمعه من الكاشاني في القسم الأخير، و لذا أدرجه سيد المدارك في نصوص المشهور.

و على كل حال فلا ريب في ضعف القول المزبور كالمحكي عن ابن الجنيد من الاحتياط بجمعهما معا بناء على ارادته الواجب منه، جمعا بين الأدلة التي لا تخصص بخبر الواحد، و ما دل

على وجوب الفدية، و لحصول اليقين بالفراغ بذلك، و فيه ما لا يخفى، فلا ريب في ضعفه و ان نسبه في الدروس إلى الرواية و لعلها

خبر سماعة(2)«سألته عن رجل أدركه رمضان و عليه رمضان قبل ذلك لم يصمه فقال: يتصدق بدل كل يوم من الرمضان الذي عليه بمد من طعام، و ليصم هذا الذي أدرك، فإذا أفطر فليصم رمضان الذي كان عليه، فاني كنت مريضا فمر على ثلاث رمضانات لم أصح فيهن، ثم أدركت رمضان فتصدقت بدل كل يوم مما مضى بمد من طعام، ثم عافاني الله و صمتهن»

لكنها- مع ضعفها و إضمارها و احتمالها عدم الصحة فيهن لا بينهن، و لا ينافي العصمة عدم القضاء، لجواز أن


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.

ج 17، ص: 27

يكون تجدد له من العذر ما منعه من القضاء، سواء خلت أيام من العذر رأسا أم لا، لسعة الوقت المجوزة للتأخير عن أول زمان العذر، و انه (عليه السلام) مرض في رمضان ففدي عن كل يوم بمد ثم عوفي قبل الرمضان الثاني فصامه، و كذا الثالث و يكون السؤال عن رجل عوفي فيما بين الرمضانين و لم يصم ما فاته من الأول- قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب، كما يشهد له

صحيح عبد الله بن سنان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم

أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدق بمد لكل يوم، و أما انا فإني صمت و تصدقت»

بناء على ان المراد منه الاستمرار، و من العذر فيه المرض بقرينة قوله «و هو مريض» الى آخره أو على تساوي المرض مع غيره من الاعذار مع الاتصال، و الله أعلم.

هذا كله فيما إذا استمر المرض الى رمضان آخر و أما ان برئ بينهما و أخره عازما على القضاء مع التمكن منه فاتفق حصول العذر عند الضيق قضاه و لا كفارة و ان كان تركه تهاونا بأن لم يكن عازما على الفعل و لا على الترك في تمام الزمان على فرض قصوره، أو كان عازما على العدم فيه سواء عرض له عذر بعد ذلك منعه من القضاء أو لا أو على العدم عند الضيق خاصة بعد العزم على الفعل قبله، أو على العدم في السعة لكن عرض له بعد ذلك ما منعه عن القضاء، و بالجملة أدركه الرمضان الثاني أو عذر آخر مستمر اليه و هو غير عازم على القضاء قضاه و كفر عن كل يوم من السالف بمد من الطعام بلا خلاف أجده في الأخير بأقسامه السابقة إلا من الحلي في السرائر فاقتصر على القضاء طرحا للنصوص على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد، فيبقى حينئذ أصل


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث- 4.

ج 17، ص: 28

البراءة سالما عن المعارض، ثم قال: و الإجماع غير منعقد على وجوب هذه الكفارة لأن أكثر أصحابنا لا يذهبون إليها و لا يوردونها في كتبهم مثل الفقيه و سلار و السيد المرتضى و غيرهما و لا يذهب إلى الكفارة في هذه المسألة يعني مسألة التواني الا شيخنا المفيد محمد بن محمد بن النعمان في الجزء الثاني من مقنعته، و لم يذكرها في كتاب الصيام فيها و لا في غيرها من كتبه و شيخنا أبو جعفر و من تابعهما و قلد كتبهما و يتعلق باخبار الآحاد التي ليست عند أهل البيت (عليهم السلام) حجة على ما شرحناه و قد يؤيده أيضا

مرسل سعد بن سعد(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن رجل يكون مريضا في شهر رمضان ثم يصح بعد ذلك فيؤخر القضاء سنة أو أقل من ذلك أو أكثر ما عليه في ذلك؟ قال: أحب له تعجيل الصيام، فان كان أخره فليس عليه شي ء»

و هو كما ترى مبني على أصل فاسد، لكن بالغ في الإنكار عليه في المعتبر فقال انه ارتكب ما لم يذهب إليه أحد من فقهاء الإمامية فيما علمت، ثم ذكر رواة الفدية زرارة و محمد بن مسلم و أبو الصباح الكناني و أبو بصير و عبد الله ابن سنان، و قال: هؤلاء فضلاء السلف من الإمامية، و ليس لروايتهم معارض الا ما يحتمل رده الى ما ذكرناه، فالراد لذلك متكلف لما لا ضرورة اليه، و نحو منه عن المنتهى، و في المختلف ان البراءة انما يصار إليها مع عدم دليل الثبوت و شغل الذمة، و قد بينا الأدلة، و عدم ذكر احد من أصحابنا غير الشيخين لهذه المسألة ليس حجة على العدم مع ان الشيخين هما القيمان بالمذهب، و كيف يدعى ذلك و ابنا بابويه رحمهما الله سبقا الشيخين بذكر وجوب الصدقة مطلقا، و لم يفصلا بين التواني

و غيره، و كذا ابن أبي عقيل، و هو أسبق من الشيخين، و هؤلاء عمدة المذهب، و الحديث الذي رواه سعد بن سعد مرسل ضعيف السند.

قلت و مع ذلك كله يمكن دعوى تواتر النصوص فيه أو القطع به منها و لو


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث- 7.

ج 17، ص: 29

بالقرائن كالاعتضاد و نحوه، فلا إشكال حينئذ في ذلك، بل ظاهر المحكي عن الصدوقين و محتمل ابني سعيد و المفيد و ابن زهرة وجوبهما على كل تارك له مع القدرة عليه، سواء عزم على القضاء أو عدمه أم لا، و اختاره الشهيدان و غيرهما كسيِّد المدارك و غيره، بل حكاه فيها عن المصنف في المعتبر على الجزم لإطلاق

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة(1)«فإن كان صح فيما بينهما و لم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر صامهما جميعا و تصدق عن الأول»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي الصباح (2)بل و خبر سماعة(3)المتقدمين سابقا و

قول الرضا (عليه السلام) في صحيح الفضل (4)المروي عن العلل و العيون: «إذا أفاق بينهما أو أقام- أي المسافر- و لم يقضه وجب عليه القضاء و الفداء الى أن قال في ذيله فإن أفاق فيما بينهما و لم يصمه وجب عليه الفداء لتضييعه و الصوم لاستطاعته»

و غيرها من النصوص الظاهرة في ان الحكم هنا على قسمين خاصة، أحدهما الفداء لا غير، و الآخر مع القضاء.

لكن قد يشكل ذلك بما في

صحيح ابن مسلم أو حسنه (5)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «سألتهما عن رجل مرض فلم يصم حتى أدركه شهر رمضان آخر فقال: ان كان بري ء ثم توانى قبل ان يدركه الرمضان الآخر صام الذي أدركه و تصدق عن كل يوم بمد من طعام على مسكين و عليه قضاؤه، و ان كان لم يزل مريضا»

، و في

خبر أبي بصير(6)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «و ان صح فيما بين الرمضانين فإنما عليه أن يقضي الصيام، فإن


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث- 6.

ج 17، ص: 30

تهاون به و قد صح فعليه الصدقة و الصيام جميعا لكل يوم مد إذا فرغ من ذلك الرمضان»

و في

خبره الآخر(1)المروي عن تفسير العياشي «فإن صح فيما بين الرمضانين فتوانى أن يقضيه حتى

حال الرمضان الآخر فان عليه الصوم و يتصدق من أجل انه ضيع ذلك الصيام»

مضافا الى إطلاق نفي الفدية في مرسل سعد السابق و انه مع التهاون مفرط في واجب و تارك للعزم الذي يجب بدل الفعل ما دام موسعا فناسب عقوبة إيجاب الصدقة الذي هو تطهير للذنب، بخلاف عدمه، و لعله لذا و لأصالة براءة الذمة اقتصر المصنف و غيره- بل قيل انه المشهور خصوصا بين المتأخرين كما في المسالك- على القضاء خاصة في غير المتهاون بالمعنى المزبور، إذ لا معارض لهذه النصوص الا تلك المطلقات المقيدة بما هنا من التفصيل المستفاد من تعليق الحكم على التهاون في حسن ابن مسلم و غيره المشعر بالعلية.

لكن قد يدفع ذلك بمنع كون التهاون و التواني ذلك، بل ليس المراد منهما الا عدم القضاء مع التمكن منه تكاسلا و اعتمادا على السعة، و هو أعم منه بالمعنى المزبور، بل ظاهر المقابلة له باستمرار المرض في حسن ابن مسلم و غيره يقتضي إرادة مجرد ترك القضاء منه، فكأنه قال: ان كان بري ء ثم ترك القضاء، و في فوائد الشرائع ان اللائح من الاخبار ان غير المتهاون هو الذي يعرض له ما يمنع الصوم و هو ظاهر كلامه في التذكرة، قلت: لكن قد تكلف الكاشاني و أطنب في دعوى اشتمال خبري أبي الصباح و أبي بصير على تثليث الاقسام كما بقوله المشهور بجعل المذكور في الصدر في الأول القسم الأول، و هو ما تجب به القضاء و الفدية، و قوله «فان كان مريضا» الى آخره القسم الثاني، و هو ما

يجب فيه القضاء خاصة على معنى حدوث المرض فيه بعد ان تمكن من القضاء كما أشار إليه بقوله «ان صح» و قوله «فان تتابع» الى آخره القسم الثالث، و هو الذي تجب به الفدية خاصة، و عكسه


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث- 11.

ج 17، ص: 31

خبر أبي بصير فان القسم الأول فيه ما تجب به الفدية، و القسم الثاني القضاء خاصة بأن يكون المراد من قوله فيه: فإنما عليه ان يقضي الصيام بعد أداء الرمضان الحاضر أي ليس على من فاته شي ء من شهر رمضان لمرض قد صح بعد و تركه الى ان جاء شهر الرمضان الآخر غير متهاون الا القضاء؛ فان كان قد تهاون كان عليه الفدية معه أيضا، و هو القسم الثالث فيه، الا انه كما ترى، اللهم الا ان يكون بملاحظة الشهرة المزبورة و منه يظهر لك قوة القول بكون الأقسام ثلاثة، و لا ينافي ذلك الإطلاقات المزبورة المحمولة على هذا التفصيل، على انه قد يدعى كون الظاهر منها السؤال عمن تعمد ترك القضاء حتى جاء شهر رمضان آخر، فلا تشمل العازم على المبادرة في ثاني أوقات الإمكان ثم عرض له المانع المستمر الى الرمضان الآخر، بل ينبغي القطع بعدم صدق التهاون على ذلك، بل و لا التواني، بل قد يقال بعدم صدق التهاون عرفا بالتأخير في مثل المقام الذي قد حدد فيه الوجوب و ان كان لا على جهة التوقيت و لو الى آخر أزمنة الإمكان كالصلاة بالنسبة إلى وقتها إلا على إرادة التهاون بالواجب من حيث وجوبه أي تعمد تركه في وقته الذي قد خوطب به مع تمكنه منه متهاونا به و عدم مبالاته فيه، و لعل هذا هو المقصود أولا و بالذات من هذه النصوص و ان كان قد يلحق به غيره مما سمعته في صور المشهور، كمن كان عازما على العدم ففاجأه العذر و ان عزم بعد ذلك على القضاء و إذا ارتفع فلم يتيسر له حتى أدركه رمضان آخر الا انه لا يخلو من اشكال، و أشكل منه الخالي عن العزم إذا كان كذلك، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم ان الظاهر عدم الفرق هنا بين الفوات بالمرض و بين غيره من الاعذار كالسفر و الحيض، بل و لا بين العذر و بين غيره كالعامد، ضرورة ظهور الأدلة في ترتب القضاء أو الفدية أو القضاء خاصة على التهاون و عدمه أو على التمكن من القضاء و عدمه، من غير فرق بين أسباب الإفطار في شهر رمضان، لإطلاق أدلة

ج 17، ص: 32

القضاء، و لتعليل الفدية بالتضييع في خبر أبي بصير(1)و صحيح الفضل (2)و إطلاق وجوبها مع القضاء في خبر سماعة(3)بل و غيره، و اشتمال أكثر النصوص على الفوات بالمرض يراد منه المثال بالنسبة الى ما نحن فيه قطعا، نعم قد يفرق بين المرض و السفر في المسئلة

السابقة التي قلنا بوجوب الفدية فيها دون القضاء وفاقا للفاضل في المختلف و ثاني الشهيدين و سبطه و غيرهم باعتبار إطلاق أدلة القضاء الذي يجب الاقتصار في تقييده على المتيقن، و هو ما إذا كان الفوات بالمرض المستمر، و القياس عليه هنا منحصر في المحرم، إذ لا أولوية و لا مساواة بالنسبة الى ذلك، اللهم إلا ان يقال بالجمع استنادا في القضاء للعمومات و في الفدية إلى أولوية السفر من المرض الذي هو أعظم الأعذار، لكن لا أظن قائلا به، مع احتمال منع الأولوية هنا، و ان ذكرها في المختلف فيما لو كان الفوات بغير المرض و أخر القضاء توانيا، للفرق الواضح باعتبار فرض ثبوت القضاء معه دونه، فلعل التكليف بالقضاء الذي هو أشق منها كاف في مرجوحيته بالنسبة إلى المرض، كما اني لا أظن قائلا بكونه كالمرض في الاقتصار عليها، و ان كان هو ظاهر صحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام)، الا انه مع اتحاده و عدم ظهور العمل به قاصر عن معارضة الآية و الرواية، لكن في الدروس هل يلحق غير المريض به كالمسافر؟

توقف فيه المحقق في المعتبر، و تظهر الفائدة في وجوب الفدية على القادر و سقوط القضاء عن العاجز، و كلام الحسن و الشيخ يؤذن بطرد الحكم في ذوي الاعذار و ربما قيل بطرد الحكم في وجوب الكفارة بالتأخير لا في سقوط القضاء بدوام المعذر، و لا يخفى عليك ان الأخير هو الأصح، و المحكي عن الحسن مساواة الطرد


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.

ج 17، ص: 33

في ذوي الأعذار في غير صورة الاستمرار، على ان مذهبه كالشيخ في الخلاف الذي حكي عنه فيه الطرد المزبور وجوب القضاء لا غير في استمرار المرض، و لا خلاف حينئذ، و لعل ما وقع من المصنف في المعتبر و الفاضل في التحرير و المنتهى من النظر و الاشكال فيما حكياه عن الشيخ من إلحاق غير المرض به مبني على الطرد من حيث كونه طردا بحيث يأتي على جميع الأقوال التي منها الاقتصار على الفدية و سقوط القضاء مع الاستمرار، و لا ريب في إشكاله حينئذ، بل الأقوى عدمه إذ الظاهر اختصاص ذلك بالفوات بالمرض المستمر الى الرمضان الآخر دون غيره مع التلفيق و عدمه، و

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «من أفطر شيئا من رمضان في عذر ثم أدركه رمضان آخر و هو مريض فليتصدق بمد لكل يوم»

- مع احتماله كون العذر المرض، كما لعله يشعر به قوله (عليه السلام): «و هو مريض»- قاصر عن تخصيص ما دل على القضاء من الآية و الرواية، خصوصا بعد عدم ظهور العامل به، كصحيح الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام) الذي أشرنا إليه سابقا المحتمل اختصاصه أيضا بالمرض كما لا يخفى على من لاحظه، سيما و قد عرفت أن الشيخ (رحمه الله) يقول بالقضاء في استمرار المرض فضلا عن غيره

فلا وجه لحكاية الخلاف عنه هنا، و منه يعلم حينئذ مهجورية الخبرين، فلا بأس بطرحهما أو حملهما على ما يقتضي الاختصاص بالمرض.

و مقدار الفدية مد عن كل يوم على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل لا خلاف فيه فيما وصل إلينا من النصوص (2)سوى ما عن بعض النسخ في خبر سماعة(3)من المدين، و كأنه اشتباه من قلم النساخ في لفظ «من» كما يشهد له الرسم في «طعام» فما عن النهاية و الاقتصاد و ابني حمزة و البراج- من أنها


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.

ج 17، ص: 34

مدان، فان لم يتمكن فمد، بل قد يحتمله ما عن الجمل و المبسوط انها مدان، و أقله مد، و الترتيب في الفضل- لم نجد ما يشهد له فضلا عن أن يصلح معارضا لما هنا، و القياس على كفارة جزاء الصيد أو على كفارة ذي العطاش و الشيخ الكبير ليس من مذهبنا، على انك ستعرف انها مد أيضا في الأخيرين و ان ورد في صحيح ابن مسلم (1)انها مدان الا انه لمعارضته بما هو أقوى منه كما ستعرف يجب حمله على الندب.

و لا تتكرر الفدية بتكرر السنين من غير فرق بين فدية الاستمرار و فدية التهاون، لصدق الامتثال بالمرة كما صرح به هنا غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا الا من الفاضل في المحكي من تذكرته، فقال تتكرر قياسا على السنة الأولى التي أوجبت المد عن كل يوم، و هو كما

ترى، نعم لا فرق في حكم الاستمرار بين الرمضان الواحد و الأكثر، لإطلاق الأدلة، و خصوص خبر سماعة(2)و خبر أبي بصير(3)المروي عن تفسير العياشي، فما عساه يظهر من المحكي عن الصدوقين من وجوب الفدية للاول و القضاء للثاني الذي قد استمر الى الثالث واضح الضعف بل لم أجد له دليلا، و

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن رجل يتابع عليه رمضانان لم يصم فيهما ثم صح بعد ذلك كيف يصنع؟ قال يصوم الأخير و يتصدق عن الأول بصدقة كل يوم مد من طعام لكل مسكين»

يراد منه الذي قد صح بعد الثاني، بل ربما يحتمل ذلك كلام الصدوقين كما اعترف به في المختلف، بل عن ابن إدريس الجزم به، و حينئذ فلا خلاف، و الأمر سهل.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 9.

ج 17، ص: 35

ثم ان الفدية في مستمر العذر على المختار عزيمة لا رخصة، فلا يجزي القضاء حينئذ عنها، لظاهر التعيين في الأدلة السابقة، لكن عن تحرير الفاضل الاجزاء، و لا ريب في ضعفه، كما هو واضح.

[المسألة الثانية يجب على الولي ان يقضي ما فات عن الميت]

المسألة الثانية يجب على الولي ان يقضي ما فات عن الميت من صيام واجب رمضان كان أو

غيره سواء فات بمرض أو غيره بلا خلاف أجده فيه في أصل الحكم سوى ما عن ابن أبي عقيل من ان المشروع الصدقة عنه عن كل يوم بمد دون القضاء، بل نسب القول به الى الشذوذ، كما انه نسب الصدقة إلى التواتر، و هو من الغرائب، ضرورة كون العكس مظنة التواتر أو القطع و لو بمعونة شهرته بين الإمامية، بل كان من ضروريات مذهبهم وصول جميع ما يفعل عن الميت من صوم أو صلاة اليه، و من ذلك يعلم ما في استدلال المختلف له بقوله تعالى (1):

«لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» و جوابه عنه بأنا نقول بمقتضاها و انه لا ثواب للميت بصوم الحي و ان كان ما فات منه سببا لوجوب الصوم على الولي و سمي قضاء لذلك، و إلا فالثواب للحي خاصة، و نحوه عن الانتصار و الغنية و متشابه القرآن لابن شهرآشوب، حتى انه قال في الأول: فإن قيل فما معنى قولهم صام عنه إذا كان لا يلحقه و هو ميت ثواب و لا حكم لأجل هذا العمل قلنا معنى ذلك انه صام و سبب صومه تفريط الميت، و لانه حصلت به علقمة قيل عنه من حيث كان التفريط المتقدم سببا في لزوم هذا الصوم، ثم احتج له أيضا بما

روي (2)عنه (عليه السلام) «إذا مات المؤمن انقطع عمله الا من ثلاث»

و لم يذكر فيه الصوم عنه، و أجاب بنحو


1- 1 سورة النجم- الآية 40.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الوقوف و الصدقات مع الاختلاف في اللفظ.

ج 17، ص: 36

ما سمعت، و تبعه في الغنية، و هو غريب ضرورة تواتر النصوص (1)في وصول ثواب ما يفعله الحي عن الميت، بل هو من ضروريات مذهب الشيعة، و بذلك تخصص الآية و الرواية إن لم نقل انها منسوخة الحكم، و انها مخصوصة بالأمم السالفة كما روي عن ابن عباس، لقوله تعالى (2)«أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» فرفع درجة الذرية بأعمالهم، بل ربما قيل ان ولده و حميمه و صديقه و كل من تبرع عنه من سعيه أيضا، و أن الصلاة و الصوم من ولده استغفار له، فيندرج في أحد الثلاثة.

و اما

صحيح أبي مريم الأنصاري (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا صام الرجل شيئا من شهر رمضان ثم لم يزل مريضا حتى مات فليس عليه قضاء، و ان صح ثم مرض حتى يموت و كان له مال تصدق عنه، فان لم يكن له مال تصدق عنه وليه»

فهو قاصر عن معارضة غيره من النصوص التي يمكن دعوى تواترها، و سيمر عليك بعضها، على أن الصدوق و الكليني المعلوم كونهما أضبط من غيرهما قد رويا

هذه الرواية «و ان صح ثم مات و كان له مال تصدق عنه مكان كل يوم بمد، فان لم يكن له مال صام عنه وليه».

ثم ان إطلاق النص و الفتوى و ترك الاستفصال في الأول منهما يقتضي عدم الفرق بين أسباب

الفوات و بين العمد و غيره، لكن في الذكرى عن المصنف (رحمه الله) انه قال في مسائله البغدادية المنسوبة إلى جمال الدين بن حاتم المشعري:

«الذي ظهر لي أن الولد يلزمه قضاء ما فات من الميت من صيام و صلاة لعذر


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة و الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات.
2- 2 سورة الطور- الآية- 21.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث- 8.

ج 17، ص: 37

كالمرض و السفر و الحيض لا ما تركه عمدا مع قدرته عليه» ثم قال الشهيد و قد كان شيخنا عميد الدين ينصر هذا القول، و لا بأس به، فان الروايات تحمل على الغالب من الترك، و هو انما يكون على هذا الوجه، و هو اعتبار حسن، قلت:

لا يخفى عليك ما فيه.

و كيف كان ف لا يقضي الولي إلا ما تمكن الميت من قضائه و أهمله إلا ما يفوت بالسفر، فإنه يقضي و لو مات مسافرا على رواية بلا خلاف أجده فيما عدا السفر، فلو مات المريض حينئذ قبل التمكن من القضاء سقط عن الولي اتفاقا كما قيل، بل عن المنتهى نسبته الى العلماء، و قد

سأل أبو حمزة(1)أبا جعفر (عليه السلام) «عن امرأة مرضت في شهر رمضان أو طمثت أو سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان هل يقضى عنها؟ قال: اما الطمث و المرض فلا، و اما السفر فنعم»

و نحوه موثق محمد بن مسلم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، و في

خبر منصور بن حازم (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل سافر في شهر رمضان فيموت قال: يقضى عنه، و ان امرأة حاضت في شهر رمضان فماتت لم يقض عنها، و المريض في شهر رمضان لم يصح حتى مات لا يقضى عنه»

و لأنه لم يجب على الميت حتى يقضيه عنه وليه كما أومأ إليه الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(4)المتقدم في المسألة السابقة في الامرأة التي مرضت في شهر رمضان و ماتت و قد أوصت بالقضاء عنها، و في مرسل ابن بكير(5)تعليل قضاء الولي بأنه قد صح- أي المريض- فلم يقض ما وجب عليه، و لذلك كان خيرة الشيخ في الخلاف و النهاية و الفاضلين في النافع و التحرير و المنتهى و المختلف و ظاهر السرائر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 13.

ج 17، ص: 38

و التبصرة على ما حكي عن بعضهم عدم القضاء عن المسافر إذا لم يتمكن من القضاء و لو بالإقامة في أثناء السفر، فتحمل النصوص المزبورة على الندب، لكن عن التهذيب و جامع ابن سعيد و ظاهر الصدوق في المقنع الوجوب،

للنصوص (1)المزبورة التي فيها الصحيح و غيره الواجب تحكيمها على غيرها، مضافا الى إطلاق

خبر أبي بصير(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل سافر في شهر رمضان فأدركه الموت قبل أن يقضيه قال: يقضيه أفضل أهل بيته»

و ربما كان الفرق بينه و بين المريض حيث لا يكون السفر ضروريا بأن السفر من فعله، و كان يمكنه الإقامة و الأداء الذي هو أبلغ من التمكن من القضاء، بخلاف المرض مثلا الذي هو مما غلب الله عليه فيه، و دعوى حمل نصوص السفر على ما إذا كان معصية و لو لأنه في شهر رمضان بناء على كونه فيه كذلك يدفعها أنها خلاف الظاهر بلا قرينة، كدعوى المناقشة في سندها و منع صحته بحيث يصلح لإثبات الحكم، إذ هي كما ترى، نعم قد يقال انها بعد اعراض المشهور عنها قاصرة عن تقييد الإطلاق المزبور، خصوصا بعد ما أومى إليه في خبر أبي بصير(3)من العجب و أنه كيف القضاء عما لم يجعله الله، إلا أنه و مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم ان ظاهر المعظم نصا و فتوى عدم الفرق في وجوب القضاء على الولي بين من ترك ما يمكن التصدق به عما عليه من الصيام و غيره، بل في السرائر أما الصدقة فلا تجب، لأن الميت ما وجبت عليه كفارة بل صوم لا بدل له، و الولي هو المكلف بقضائه لا يجزيه غيره، و الإجماع منعقد من أصحابنا على ذلك، و لم


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 و 11 و 15 و 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12.

ج 17، ص: 39

يذهب الى ما قاله السيد غيره، خلافا للمرتضى فاشترطه لصحيح أبي مريم السابق (1)على ما رواه الصدوق و الكليني اللذان هما أضبط من غير هما، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، بل في المعتبر ليس ما قاله أي ابن إدريس صوابا مع وجود الرواية الصريحة المشتهرة و فتوى الفضلاء من الأصحاب، و دعوى علم الهدى إجماع الإمامية على ما ذكره، فلا أقل من ان يكون ذلك قولا ظاهرا بينهم فدعوى المتأخر أن محققا لم يذهب اليه تهجم.

قلت لكن لا يخفى عليك قصور الرواية باعتبار اتحادها و ظهور اعراض المعظم عنها و موافقتها للمشهور عن العامة عن تقييد إطلاق غيرها الذي هو كالصريح في هذا الفرد باعتبار غلبة تركه مقدار ذلك من أكثر الناس، فهي حينئذ معارضة لا مقيدة، على أنه ينافيها خبر أبي مريم (2)المروي في التهذيب، و لا مدخلية لضبط الكليني و الصدوق هنا إذ الظاهر انهما خبران له، و مقتضى الجمع بينهما حينئذ التخيير كما تضمنه

صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع (3)عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «قلت له: رجل مات و عليه صوم يصام عنه أو يتصدق قال: يتصدق عنه، فإنه أفضل»

لكن لا يقول به أحد عدا ما عساه يظهر من الشيخ، و قد أعرض الجميع عنه، و لئن سلم الاتحاد فهو مضطرب يشكل العمل به في نحو المقام، و إجماع المرتضى مع موهونيته بمصير المعظم الى خلافه انما ادعاه على الصيام عنه ان لم يتصدق في مقابلة من أنكر الصيام عنه أصلا، لا على ما نحن فيه فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما عليه المشهور، و الله أعلم.

و كيف كان فالمشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا أن الولي هو


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7.
3- 3 الوافي الجزء السابع ص 51- الباب- 55- الحديث- 9 عن الفقيه.

ج 17، ص: 40

أكبر أولاده الذكور لا غير أي من لا ذكر أكبر منه من ولده و إن لم يكن هو الا واحدا و حينئذ ف لو كان الأكبر أنثى لم يجب عليها القضاء لأن المنساق من الولي هنا الولد الذكر، خصوصا مع ملاحظة الشهرة و قوله تعالى (1):

«فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي» و لذا فسره الشيخ به، بل في المختلف منع صدق الولي على غيره، و

مكاتبة الصفار(2)إلى الأخير (عليه السلام) «رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة أيام و له وليان هل يجوز لهما أن يقضيا عنه جميعا، خمسة أيام أحد الوليين و خمسة أيام

الآخر فوقع (عليه السلام) يقضي عنه أكبر ولديه عشرة أيام ولاء ان شاء»

بناء على ما عن الحر العاملي من ان روايته كذلك، و ان كان الموجود فيما عندنا من الأصول «وليه» لا «ولديه».

و على كل حال فمنه يستفاد اعتبار كونه الأكبر، بل لعله المراد من خبر أبي بصير المتقدم آنفا باعتبار كونه هو أفضل أهل البيت بسبب اختصاصه بالحباء بل ظاهر الأصحاب في كتاب الميراث تعليل الحباء بأن عليه القضاء، بل ربما فرعوا عليه حرمان فاسد العقل و نحوه ممن لم يكن صالحا للقضاء من الحبوة، و قد اعترف في الذكرى بأن الأكثر قد قرنوا بين الحبوة و بين قضاء الصلاة، بل قد يقال انه المراد أيضا من

خبر حفص بن البختري (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يموت و عليه صلاة أو صيام قال: يقضي عنه أولى الناس بميراثه، قلت: فان كان أولى الناس بميراثه امرأة فقال: لا إلا الرجال»

و نحوه مرسل حماد بن عثمان (4)عنه (عليه السلام) أيضا بناء على انه هو الأولى من جميع الناس بالميراث باعتبار اختصاصه بالحبوة و لا ينافيه قوله «فإن» الى آخره ضرورة كون المراد انه إذا اتفق اختصاص المرأة


1- 1 سورة مريم عليها السلام الآية- 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6.

ج 17، ص: 41

بالإرث، و حينئذ يكون المراد من اولى الناس فردا معينا لا انه مطلق يدور الحكم مداره في جميع الطبقات، و لئن كان في ذلك نوع تكلف أمكن جبره بالشهرة فإنها صالحة لذلك و نحوه باعتبار حصول الظن بكون ذلك هو المراد دون غيره و إنكار الشهرة، المعتد بها يدفعه التتبع، بل لم أجد من عمل بهذه النصوص على طبقات الإرث، فإن الذي نسب اليه الخلاف هنا المفيد و ابن الجنيد و الصدوقان و ابن البراج، و قد قال الأول منهم: «فان لم يكن له ولد من الرجال قضى عنه أكبر أوليائه من اهله و أولاهم به و ان لم يكن إلا من النساء» و قال الثاني: «و أولى الناس بالقضاء عن الميت أكبر أولاده الذكور أو أقرب أوليائه اليه ان لم يكن له ولد» و هما كما ترى قد اعتبرا نفي الولد في قضاء غيره، و هو غير مدلول الرواية و قال الصدوق في الرسالة:

«من مات و عليه صوم رمضان فعلى وليه ان يقضي عنه، و ان كان للميت وليان فعلى أكبرهما من الرجال، فان لم يكن له ولي من الرجال قضى عنه وليه من النساء» و نحوه ولده في المقنع، و ليس في كلامه تصريح في المراد من الولي، و قال ابن البراج: «على ولده الأكبر من الذكور ان يقضي عنه ما فاته من ذلك و من الصلاة أيضا، فان لم يكن له ذكر فالأولى من النساء» و هو كالأولين في اعتبار نفي الولد، نعم قد اتفقوا على ثبوت الولاية للنساء، و هم محجوجون بصريح الخبرين السابقين و ظاهر غيرهما، و احتمال كون المراد منهما نفيها عنهن مع وجود الرجال كما ترى، فمن الغريب بعد ذلك ما في الدروس من حيث انه حكى عن المفيد ما سمعت ثم قال: «و هو ظاهر القدماء و الاخبار و المختار، و لذا قال في المدارك بعد أن حكاه عنه: «و هو غير جيد، فإن صحيحة حفص و مرسلة حماد صريحتان في اختصاص الوجوب بالرجال، نعم مقتضاهما عدم اختصاص الوجوب بالولد الأكبر بل تعلقه بالأولى بالميراث من الذكور مطلقا و بمضمونهما أفتى ابن الجنيد و ابنا بابويه و جماعة، و لا بأس به» و فيه بعد الغض عما أرسله من جماعة ان كلام هؤلاء

ج 17، ص: 42

الثلاثة صريح في الخلاف ذلك لتصريح الأخيرين بثبوت الولاية للنساء، و اعتبار الأول فقد الولد الأكبر، و مما ذكرنا يظهر لك ان ما في الروضة لا يخلو من خلل فإنه أشار الى ذلك بقوله: و قيل يجب على الولي مطلقا من مراتب الإرث حتى الزوجين و المعتق و ضامن الجريرة، و يقدم الأكبر من ذكورهم فالأكبر ثم الإناث و اختاره في الدروس، و لا ريب انه أحوط إذ لا يخفى عليك عدم تمام انطباقه على ما سمعته من عباراتهم و لئن اغضي عن ذلك كله كان المتجه ما عليه المشهور أيضا، لأن الأصل البراءة، و الواجب الاقتصار في الخروج عنه على المتيقن، و ليس إلا أكبر الأولاد.

و على كل حال فلا يعتبر بلوغ الولي عند الموت، بل و لا عقله، لإطلاق الأدلة التي ليس في شي ء منها ظهور في كون تعلق القضاء بذمة الولي من حين الموت و لا اشعار بكماله حينه، بل هي ظاهرة في كونها من باب الأسباب نحو من أجنب اغتسل، و من أتلف مال غيره فهو ضامن له، و ما شابههما مما لا ينافيه رفع القلم عن الصبي و المجنون، و من ذلك يعلم ما في التمسك لعدم الوجوب باستصحابه، فما في الروضة و المسالك من التردد بل في كشف الأستاد و عن حاشية الإرشاد و الذكرى و الإيضاح الجزم بعدم الوجوب لا يخلو من نظر، كما انه لا يخلو منه ما فيها أيضا من انه لو اختص أحد أولاده بالبلوغ و الآخر بكبر السن فالأقرب تقديم البالغ، لكونه الأولى بالميت، إذ هو كما ترى مناف لإطلاق النص و الفتوى و مقتضاه ذلك أيضا في العاقل و المجنون و نحوهما.

و لو اشتبه الأكبر احتمل السقوط و القرعة و التوزيع، و ان كان الأقوى الأول لأصالة البراءة بالنسبة الى كل منهم، كواجدي المني في الثوب المشترك.

و لا يعتبر في الولي الإرث فعلا للإطلاق، فلو حجب بقتل أو كفر أو رق تعلق به القضاء و ان توقف بعضهم في الأخير لمنع صدق كونه وليا و معارضة حق السيد، بل ربما ينقدح الإشكال في سابقه أيضا، لعدم الولاية

ج 17، ص: 43

له، الا انه لا يخفى عليك دفعهما خصوصا بعد زوال المانع.

و لو كان له وليان أو أولياء متساوون في السن تساووا في القضاء بالتقسيط عليهم و ان قال المصنف هنا فيه تردد لكن الأقوى ذلك وفاقا للأكثر، لعموم الولي و الأولى للواحد و المتعدد، و خبر الأكبر انما يقضي بالتعيين عليه مع وجوده، لا انه يقضي باشتراط وجوده في القضاء، إذ لا ريب في وجوب القضاء عليه مع الاتحاد الذي لا يصدق معه وصف الأكبرية الا على معنى أن لا أكبر منه، و هو هنا متحقق فما عن ابن إدريس من إسقاط القضاء من رأس للأصل المقتصر في الخروج عنه على المتيقن و هو الولد الأكبر واضح الضعف كالمحكي عن ابن البراج من تخيير أيهما شاء قضى، فان اختلفا فالقرعة، و مرجعه عند التأمل إلى الوجوب الكفائي، لصدق الولي على كل منهما، و الظاهر انه يجوز التوزيع مع التراضي، و ربما احتمل العدم، و على كل حال ففيه انه لا وجه للقرعة حينئذ أولا، ضرورة كونه كباقي الواجبات الكفائية المعلوم عدم القرعة فيها لعدم الإشكال حينئذ في شي ء، لتحقق الوجوب على الجميع و ان سقط بفعل البعض، و مع عدمه يعاقب الجميع، فلا إشكال حينئذ، و ثانيا ما قيل من منع صدق اسم الولي على كل منهما، بل هو مجموعهما و إن كان هو ترى، و ثالثا أن المنساق من أمثال ذلك مما هو قابل للتوزيع الاشتراك، نعم هو متجه فيما لا يقبله كاليوم الواحد على ما صرح به الفاضل و الشهيدان و غيرهم، فلهما حينئذ أن يوقعاه معا، و لا ينافي ذلك اتحاده في ذمة الميت، ضرورة عدم توقف البراءة منه على التعيين، و لو أفطرا فيه بعد الزوال و كان قضاء شهر رمضان احتمل وجوب الكفارة عليهما، لصدق القضاء عن رمضان على صوم كل منهما و ان اتحد الأصل و وجوب كفارة واحدة عليهما بالسوية، لكون القضاء في الواقع أحدهما، و حيث لا ترجيح كانت بالسوية، و وجوبها و كونها على الكفاية أيضا كأصل الصوم

ج 17، ص: 44

و سقوطها عنهما، و استقربه في الدروس و استوجهه في المسالك و لم يستبعده في المدارك لانتفاء ما يدل على وجوب الكفارة في القضاء على وجه يتناول ذلك، و فيه أنه يكفي الإطلاق بعد فرض تناول القضاء للنفس و للغير، و إلا جاز الإفطار في المقام و غيره بلا اثم فضلا عن الكفارة، و في الدروس أيضا «و لو أفطر أحدهما فلا شي ء عليه إذا ظن بقاء الآخر، و الا أثم لا غير» و في المدارك «أن مقتضى ذلك جواز الإفطار بعد الزوال مع ظن بقاء الآخر» و يمكن المناقشة فيه بأن صوم كل منهما يصدق عليه انه صوم واجب من قضاء رمضان، فلا يجوز الإفطار فيه بعد الزوال، اللهم إلا ان يناقش في العموم المتناول لذلك كما في الكفارة.

و كيف كان ف لو تبرع ب جميع القضاء بعض الأولياء سقط عن الباقي كالأجنبي، لأنه كالدين كما يومي اليه

المرسل (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) ان رجلا جاء اليه فقال يا رسول الله ان أمي ماتت و عليها صوم شهر فأقضيه عنها، فقال: لو كان على أمك دين كنت تقضيه عنها قال نعم قال: فدين الله أحق أن يقضي»

و خبر أبي بصير(2)المتقدم سابقا المشتمل على وصية الامرأة بالقضاء، و

قول الصادق (عليه السلام)(3)«إذا مات الرجل و عليه صوم شهر رمضان فليقض عنه من شاء من أهله»

و غيرها من النصوص المتفرقة في الحج و غيره، و المناقشة في ذلك كله من بعض الناس لا يصغى إليها، و منه ينقدح جواز استيجار أحد الوليين الآخر على ما يخصه كما صرح به في الدروس، بل و استيجار هما الأجنبي لاتحاد المدرك، و هو انه عمل جاز التبرع به، فجاز الاستيجار


1- 1 صحيح مسلم ج 3 ص 156« باب قضاء الصيام عن الميت» من كتاب الصيام.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.

ج 17، ص: 45

عليه كالعكس، و ان فرق بينهما في الدروس فاستقرب الجواز في الأول و احتمله في الثاني، لكنه في غير محله ضرورة تحقق التلازم بينهما كما هو مفروغ منه في محله، و لا ينافي ذلك وجوبه على الولي، ضرورة ارتفاع موضوع الوجوب بأداء الأجير كما هو واضح، و منه يعلم ضعف ما في المدارك من ان الوجوب تعلق بالولي و سقوطه بفعل غيره يحتاج الى دليل، و من ثم ذهب ابن إدريس و العلامة في المنتهى الى عدم الاجتزاء بفعل المتبرع و ان وقع باذن من تعلق به الوجوب، لأصالة عدم سقوط الفرض عن (على خ ل) المكلف بفعل غيره، و قوته ظاهرة، قلت: بل ضعفه ظاهر كما لا

يخفى على من أحاط بنصوصهم (عليهم السلام) و فهم رموزها و ما ألحنوه له من القول، فإنه لا يستريب في جواز التبرع، و متى جاز جاز الاستيجار و متى جازا معا و وقع الأداء برئت ذمة الولي، لفراغ ذمة الميت حينئذ التي شغلها كان سببا للوجوب عليه على وجه التأدية عنه كالدين، إذ قد عرفت ان التحقيق وقوع ذلك عن الميت و إبراء له من خطاب القضاء، لا انه يقع للولي نفسه كما زعمه بعضهم، و الله هو العالم.

و هل يقضى عن المرأة ما فاتها من الصوم على حسب حال الرجل؟

فيه تردد و خلاف أقواه ذلك وفاقا لظاهر المعظم، بل نسب إلى الأصحاب لقاعدة الاشتراك، و صحيح أبي حمزة(1)و موثق محمد بن مسلم (2)و خبر أبي بصير(3)المتقدمة سابقا في المسافرة و المريضة، بل ظاهر الأخير عدم الفرق في أسباب الفوات، لكن قد يناقش بأن قاعدة الاشتراك في التكاليف على معنى ان الأصل اشتراكهما في التكليف لا في نحو المقام، و بأن غاية ما يستفاد من النصوص السابقة مشروعية القضاء عنها، و هو أعم من الوجوب و من كونه على


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11.

ج 17، ص: 46

الولي على حسب الرجل، و بأن ثبوت القضاء في مقابل الحبوة المنفية هنا، فأصالة البراءة

حينئذ بحالها بلا معارض، و لعله لذا بالغ ابن إدريس في إنكاره، و قال انه ليس مذهبا لأحد من الأصحاب، و الشيخ إنما أورده إيرادا لا اعتقادا، و الإجماع إنما انعقد على قضاء الولد عن والده، و ربما مال اليه الشهيد الثاني في الروضة و يدفع الأول بأن الثابت أصالة الاشتراك في جميع الاحكام من غير فرق بين الوضع و التكليف، و الثاني بأن ظاهر خبر أبي بصير الوجوب، و بأنه يثبت متى ثبتت المشروعية، لعدم القائل بالفصل، كما انه متى ثبتت أو ثبت الوجوب ثبت بالنسبة إلى الولي، ضرورة معلومية عدم الوجوب على جميع الناس، فليس حينئذ إلا الولي و لو بقرينة ثبوته في الرجل، بل قد يقال انه في تلك النصوص من باب المثال على حسب غير المقام، فيكون تلك الأدلة دليلا للمسألة، و من هنا شدد الفاضل في المختلف الإنكار على ابن إدريس، بل قال: إنكاره كونه مذهبا لأحد من أصحابنا جهل منه، و أي أحد أعظم من الشيخ، خصوصا مع اعتضاد قوله بالروايات و الأدلة العقلية، مع ان جماعة قالوا بذلك كابن البراج، و نسبة قول الشيخ إلى أنه إيراد لا اعتقاد غلط منه، و ما يدريه بذلك، مع انه لم يقتصر على قوله بذلك في النهاية بل في المبسوط أيضا.

و لا فرق أيضا بين الحر و العبد في الحكم المزبور، لإطلاق النص و الفتوى السالم عن معارضة اقتضاء نفي الحبوة نفيه، لعدم ثبوت العلة الصالحة لذلك و المراد بأولى الناس بميراثه الاستحقاق ذاتا لولا المانع، فتوقف الفاضل فيه في القواعد بل عن فخر الإسلام الجزم بالعدم في غير محله.

و لو كان الولد خنثى مشكلا فلا قضاء، للأصل بعد الشك في الرجولية التي هي شرط الوجوب، بل لو كان معه ذكر أصغر منه أمكن نفيه عنهما معا أما الخنثى فلما عرفت، و اما الآخر فلعدم ثبوت كونه الأكبر، لاحتمال كون الخنثى ذكرا

ج 17، ص: 47

و الفرض أنها الأكبر، فالأصل براءة الذمة، و يحتمل ثبوته، لصدق الولدية التي هي المرادة من الولاية، و اعتبار الأكبرية انما هو مع التعدد، و لم يعلم و لعله الأقوى.

و ولد الولد ولد، فيتعلق به القضاء مع كونه أكبر أو ليس غيره، إلا انه لا يخلو من اشكال، بل لعل الأقوى خلافه، للأصل بعد انسياق غيره، سيما في بعض الصور، كما لو كان للميت أولاد و له أولاد أكبر من أولاده، فإن تعلق القضاء بهم حينئذ مع عدم الإرث لهم و فراغ ذمة الأولاد الذين هم أولى بالميراث كما ترى، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا لم يكن له ولي]

المسألة الثالثة إذا لم يكن له ولي أصلا لا ذكر و لا أنثى أو كان له إناث خاصة ف الأكبر منهن أنثى حينئذ أو ليس له حينئذ إلا أنثى و اكبريتها على معنى ان لا أكبر منها، و على كل حال متى كان كذلك سقط القضاء عن ورثته و عن غيرهم بناء على المختار من انحصار الولي في الولد الذكر الذي ليس معه ذكرا أكبر منه، للأصل السالم عن المعارض نعم قيل و القائل الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و جماعة بل في صريح المختلف و ظاهر الروضة انه المشهور يتصدق عنه عن كل يوم بمد مطلقا أو مع العجز عن المدين على حسب ما سمعته في صدقة ما بين الرمضانين، و قد نص ما عدا الأولين على انه من أصل تركته الا انه توقف فيه غير واحد من متأخري المتأخرين، بل لعله ظاهر المتن أيضا لعدم الدليل، قلت: قد يستدل له- بعد معلومية قيام هذه الصدقة مقام الصوم من فحوى خبر الوشاء(1)الآتي، بل استفاضت به النصوص (2)في بدلية صيام


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب.

ج 17، ص: 48

الثلاثة من كل شهر، و في بعضها(1)انه أفضل من صوم اليوم، بل في آخر(2)أفضلية إطعام المسلم من صوم الشهر- بخبر أبي مريم (3)المتقدم سابقا المعتضد بمرسل ابن أبي عقيل (4)الذي قد ادعى تواتر مضمونه، و لا ينافيه الخروج عن الإطلاق مع وجود الولي للأدلة السابقة، كما انه لا ينافيه ما في

خبر أبي مريم بعد ذلك من انه «ان لم يكن له مال تصدق عنه الولي أو صام»

إذ أقصاه اقتضاء كون الحكم كذلك على تقدير وجود الولي أيضا، و الخروج عنه فيه بخصوصه لحصول المعارض لا ينافي حجيته في القسم الآخر، على انه يمكن ارادة غير الأكبر من الولي فيه و انه يصوم ندبا عنه مع عدم المال له، و دعوى ظهور القائل هنا بتعيين الصدقة و انه لا يشرع القضاء عنه واضحة الفساد، خصوصا مع ملاحظة صحيح ابن بزيع (5)المتقدم الظاهر في أجزائهما معا عنه، و انما الصدقة أفضل، و من هنا قال في الروضة بعد أن ذكر الحكم المزبور: «هذا إذا لم يوص الميت بقضائه و الا سقطت الصدقة حيث يقضى عنه» و هو صريح في عدم تعين الصدقة و على كل حال فما عن أبي الصباح (الصلاح خ ل) من أنه يستأجر عنه من ماله من يقضي عنه، لأنه صوم وجب عليه و لم يفعله فوجب قضاؤه عنه بالأجرة كالحج فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.
4- 4 الظاهر أن المراد مما أرسله ابن أبي عقيل هو خبر أبي مريم الأنصاري حيث انه حكم بتواتره كما ذكره المحدث الكاشاني قدس سره في تعليقته على الحديث في الوافي الجزء السابع ص 51 الباب- 55- الحديث 7.
5- 5 الوافي« الجزء السابع» ص- 51- الباب- 55- الحديث- 9 عن الفقيه.

ج 17، ص: 49

ما لا يخفى من منافاته للخبر المزبور و غيره ان أراد التعيين على وجه لا تجزي الصدقة، بل في المختلف منع الملازمة و المساواة للحج، فان الحج لا يجب على الولي و الصوم هنا يجب عليه، قلت: و لان الصوم له فداء بخلاف الحج، و لا بأس به ان أراد جواز ذلك للوارث لما عرفت، و كذا ما عن ابن إدريس من إنكار الصدقة بل قال انه لم يقل به احد من أصحابنا المحققين، و على كل حال تخرج الصدقة و الأجرة من أصل ماله، لظاهر الخبر المزبور و مؤيدا بكونه باعتبار انه حق واجب

كالدين، بل قد سمعت ما في المرسل (1)السابق من انه لكونه حق الله أعظم من غيره، و الله أعلم.

و لو كان عليه شهران متتابعان صام الولي شهرا و تصدق من مال الميت عن شهر وفاقا للمشهور كما في الروضة، بل في الدروس انه ظاهر المذهب ل

خبر الوشاء(2)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) المروي في الكافي و التهذيب «سمعته يقول:

إذا مات الرجل و عليه صيام شهرين متتابعين من غير علة فعليه أن يتصدق عن الشهر الأول و يقضي الثاني»

المنجبر ضعفه بسهل مع سهولته بالشهرة، فلا بأس حينئذ بتقييد إطلاق النصوص السابقة به الذي هو ليس بتلك المكانة في التناول لما هنا، فإن أكثر النصوص السابقة أو جميعها في قضاء شهر رمضان، نعم فيها من التعليل ما يفضي بعدم اختصاصه بذلك، و المناقشة بعدم ذكر الولي فيه يدفعها ظهور لفظ «عليه» بالوجوب، و ليس هو إلا على الولي، فاحتمال ارادة الميت توسعا باعتبار الثبوت في الذمة فيتصدق عنه حينئذ عن الأول و يستأجر على


1- 1 صحيح مسلم ج 3 ص 156« باب قضاء الصيام عن الميت» 3 من كتاب الصيام.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1 و فيه« من علية».

ج 17، ص: 50

قضاء الثاني لا داعي اليه و لا قرينة عليه، كاحتمال ارادة الرمضانين المتتابعين بقرينة قوله: «من غير علة» فتخرج حينئذ عن الدلالة

على المشهور، إذ هو كما ترى، فما عن ظاهر المفيد و صريح الحلي و الفاضل و الشهيد و غيرهم من متأخري المتأخرين- من طرح الخبر المزبور، و العمل على إطلاق ما دل على وجوب الصوم على الولي فيقضي الشهرين حينئذ إلا أن يكونا من كفارة مخيرة، فيتخير بين صومهما و بين العتق و الإطعام من مال الميت كما نص عليه ابن إدريس- لا يخلو من ضعف نعم قد يتجه على المختار تعيين الصدقة على الأول و القضاء للثاني كما نص عليه في الدروس لانه مدلول الخبر، فإطلاق المصنف و غيره تسامح أو مبني على عدم وجوب هذه النية، و ليس في الخبر دلالة على تقديم الصدقة، فلا يبعد كون المراد الصدقة عن أحدهما و القضاء عن الآخر، فتأمل و لا يتعدى منه الى غير مدلوله من الزائد على الشهرين أو الأقل، لعدم تنقيح العلة على وجه يخرج عن القياس المحرم، فيبقى حينئذ على إطلاق الأدلة، نعم يقوى في الذهن أن ذلك رخصة لا عزيمة، فيجزيه حينئذ صيام الشهرين كما يجزي لو تبرع بهما متبرع، و تسقط حينئذ الصدقة، ضرورة كونها بدلا عن الصوم الذي قد فرض حصوله، و من ذلك تعرف أنه لو أوصى الميت بقضاء الشهرين عنه سقط عن الولي مع فرض الأداء كما هو واضح، و قد نص عليه بعضهم.

ثم ان الظاهر اختصاص الحكم بالشهرين المعتبر فيهما التتابع لا ما اتفق فيهما كذلك، كما لو فاته رمضانان على التعاقب، بل ان لم يقم إجماع أمكن اختصاص الحكم بما إذا كان التتابع معتبرا فيه بأصل الشرع كالكفارة، فلا يدخل المنذوران كذلك، بل قد يدعى أن المنساق الإشارة إلى الكفارة من ذكر التتابع، إلا ان من تعرض هنا من الأصحاب لذلك لم يفرق بين الكفارة و المنذور، و حينئذ يقوى إرادة الإطلاق المزبور المتناول لذلك، كما أن الأقوى عدم الفرق بين من

ج 17، ص: 51

كان عليه شهران متتابعان عينا و بين من كانا عليه تخييرا لصدق «عليه» و لو على التخيير، الا انه لا يتعين على الولي ذلك، لعدم نقصان الفرع عن أصله، و حينئذ فله التخيير الذي كان للميت، فان اختار الصيام جاز له حينئذ الصدقة عن شهر و صيام الآخر، و لو كان قد تعين على الميت الصوم لعجز عن غيره لم يتعين على الولي، بل له الخيار بينه و بين غيره، كما لو عجز عن الصوم لمرض فإنه لا يتعين على الولي الفردان الآخران، ضرورة عدم كون العجز معينا للتكليف في أصله كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة عدم حرمة الإفطار قبل الزوال في القضاء]

المسألة الرابعة المشهور بين الأصحاب أن القاضي لشهر رمضان مع سعة الوقت لا يحرم عليه الإفطار قبل الزوال لعذر و غيره بل عن العلامة في المدنيات الأولى الإجماع عليه، للمعتبرة المستفيضة، منها

صحيح ابن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «صوم النافلة لك ان تفطر ما بينك و بين الليل متى شئت، و صوم قضاء الفريضة لك ان تفطر الى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك أن تفطر»

و منها

صحيح جميل (2)على ما في التهذيب عنه (عليه السلام) أيضا «في الذي يقضي شهر رمضان انه بالخيار الى زوال الشمس»

و منها

موثق إسحاق بن عمار(3)عنه (عليه السلام) أيضا «الذي يقضي شهر رمضان هو بالخيار في الإفطار ما بينه و بين ان تزول الشمس، و في التطوع ما بينه و بين ان تغيب الشمس»

الى غير ذلك من النصوص التي يقصر عن معارضتها

صحيح ابن الحاج (4)المحمول على الكراهة «سألت عن الرجل يقضي رمضان إله أن يفطر بعد ما يصبح قبل الزوال إذا بدا له؟ قال: إذا كان نوى من الليل و كان من قضاء رمضان فلا يفطر و يتم صومه»


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 6.

ج 17، ص: 52

و موثق زرارة(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل يقضي من شهر رمضان فأتى النساء قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي أصاب في شهر رمضان لأن ذلك اليوم عند الله من أيام رمضان»

المقيد بها مع ارادة التشبيه فيه بأصل الكفارة و إن أيدا بعموم (2)«لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» المخصص بها أو المنزل على الصلاة أو على إرادة إبطالها بالكفر و نحوه كما هو مقتضى العموم فيه، و باقتضاء البدلية ذلك كما أومأ إليه أبو جعفر (عليه السلام)(3)و إلا لكان إتمامه مستحبا، فلا يجزي عن الواجب الذي هو كما ترى، ضرورة منع اقتضاء المعنوية منها ذلك بل المسلم اقتضاء إطلاق اللفظية المشاركة في الأحكام المتعارفة للمبدل، و أقصاها حينئذ الإطلاق الذي يقيده بعض ما عرفت فضلا عن جميعه، فما عن ابن ابى عقيل و أبي الصلاح و ابن زهرة من الحرمة واضح الضعف، و أضعف منه دعوى الأخير منهم الإجماع عليه المعارض بإجماع الفاضل الذي يشهد له التتبع.

و حينئذ فالمختار مظنة الإجماع لا دعواه، نعم يحرم عليه الإفطار بعده إجماعا محكيا في الانتصار و الخلاف و الغنية، و نصوصا قد تقدم بعضها، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه أو القطع به، لعدم المخالف فيه سوى ما عساه يظهر مما في التهذيبين من حمل

خبر عمار(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) الذي رماه بعضهم بالشذوذ «انه سئل عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و يريد ان يقضيها متى يريد ان ينوي الصيام قال: هو بالخيار الى ان تزول الشمس


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.
2- 2 سورة محمد صلى الله عليه و آله- الآية 35.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 10 و ذيله في الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.

ج 17، ص: 53

فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم، و ان كان نوى الإفطار فليفطر سئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال:

لا، سئل فإن نوى الصوم ثم أفطر بعد ما زالت الشمس قال: قد أساء و ليس عليه شي ء إلا قضاء ما ذلك اليوم الذي أراد ان يقضيه»

على انه ليس عليه شي ء من العقاب و ان كان عليه القضاء و الكفارة، بخلاف من أفطر في شهر رمضان فعليه العقاب و القضاء و الكفارة و ربما يؤيده

خبر أبي بصير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المرأة تقضي شهر رمضان فيكرهها زوجها على الإفطار قال: لا ينبغي له ان يكرهها بعد الزوال»

للتعبير بلفظ «لا ينبغي» المشعر بالكراهة، و فيه ان حمله على التقية أو على إرادة عدم وجوب أكثر من يوم في قضائه أو غير ذلك

أولى، ضرورة عدم صلاحيته لمعارضة ما دل على الحرمة من الإجماع و النصوص السابقة و غيرها حتى ما دل منها على الكفارة التي من المعلوم كون الأصل فيها أن تكون عن ذنب، فلا ينافي حينئذ ثبوتها في قتل الخطأ و الصيد خطأ و نحو هما للدليل، كما ان الأصل فيها التكفير للذنب و ان جميع الكفارات من سنخ واحد بالنسبة الى ذلك، و حينئذ فإن أراد الشيخ نفي العقاب عنه قبل التكفير فلا وجه حينئذ للكفارة، و ان أراد بعدها فلا فرق بينه و بين رمضان، و خبر أبي بصير و ان كان مشعرا بذلك لكن يجب حمله على إرادة الحرمة هنا، لقوة المعارض، على انه يمكن بناؤه على جواز الإكراه للزوج و إن كان فرضها الامتناع منه على حسب طاقتها عملا لكل منهما على حكمه، إذ الوجوب عليها لا يقتضي حرمة الوطء عليه، بل لعل مثله يأتي في شهر رمضان حيث يكون الزوج مفطرا لعذر و الزوجة صائمة، و لا يفسد صومها بذلك لكونها مكرهة كالموجر في حلقه الماء، فتأمل جيدا، هذا.

و مع ذلك كله فخبر عمار مناف لما في المتن و غيره من انه تجب معه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث- 2.

ج 17، ص: 54

أي الإفطار بعد الزوال الكفارة بل في الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه، بل لعله كذلك، إذ لم أجد فيه خلافا إلا من المحكي عن ابن أبي عقيل حيث أطلق نفيها، و مال إليه في المسالك كما ستعرف، للأصل المقطوع بالنصوص و الإجماع و لأنه زمان لا يتعين صومه كقبل الزوال، و هو اجتهاد في مقابلة النص أو قياس مع الفارق، و للخبر المزبور الشاذ القاصر عن معارضة غيره من النصوص المستفيضة التي سمعت و تسمع جملة منها، فلا وجه للجمع بينه و بينها بحمله على خصوص من جدد النية و حملها على من بيتها من الليل الذي لم نجد له شاهدا، بل هو مخالف للنص و الفتوى، كما لا وجه لحمله في المعتبر على كون الإفطار بترك النية التي لا توجب الكفارة في شهر رمضان، فكذا في قضائه الذي لا يوجبها فيه الا ما يوجبها في شهر رمضان، و كأن الذي دعاه الى ذلك انه حذف في رواية الخبر المزبور جملتي جواب و سؤال، قال: و في

رواية عمار «سئل ان نوى الإفطار يستقيم أن ينوي الصوم بعد ما زالت الشمس قال: لا قد أساء و ليس عليه شي ء»

إلى آخرها، و قد سمعت انه ليس هكذا، فلا يتم فيه الحمل المزبور، على انه يمكن منع عدم ترتب الكفارة بذلك خصوصا في شهر رمضان، ضرورة كون المراد من الإفطار في النصوص إفساد الصوم الواجب الشامل لنحو ذلك كما أشرنا إليه سابقا.

و كيف كان ف هي عنده إطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من طعام، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام ل

خبر بريد العجلي (1)«في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان إن كان اتى أهله قبل الزوال فلا شي ء عليه إلا يوم مكان يوم، و ان

كان أتى أهله بعد الزوال فعليه ان يتصدق على عشرة مساكين فان لم يقدر صام يوما مكان يوم، و صام ثلاثة أيام كفارة لما صنع»

و صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث- 1.

ج 17، ص: 55

هشام بن سالم (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وقع على اهله و هو يقضي شهر رمضان فقال: ان كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شي ء عليه، يصوم يوما بدل يوم، و ان فعل بعد العصر صام ذلك اليوم، و أطعم عشرة مساكين، فان لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك»

و لا ينافيه اشتماله على نفيها قبل صلاة العصر خصوصا بعد تقييده بغيره، و احتمال ابدال الظهر بالعصر سهوا، و كونه مبنيا على اشتراك الوقت بين الظهرين، فأول وقت العصر حينئذ الزوال، و غير ذلك، كما لا ينافي اشتمال سند الاولى على الحرث بن محمد المجهول بعد الانجبار بما عرفت.

خلافا للصدوقين و ابن البراج على ما عن موضع من المختلف فكفارة رمضان و لأبي الصلاح و ابن زهرة فالاطعام أو الصيام مدعيا ثانيهما الإجماع عليه، و لابن حمزة و المحكي عن أبي الفتح الكراجكي و ابن البراج على ما عن موضع من المختلف فكفارة رمضان إن أفطر

استخفافا، كما عن الشيخ في النهاية و كتابي الأخبار احتماله، و إلا فالاطعام أو الصيام، و لابن إدريس فكفارة يمين، إلا انه يمكن ان يريد بها ما عند المشهور بقرينة اختياره له في موضع آخر نحو ما قال المفيد في باب الكفارات: «كان عليه كفارة يمين إطعام عشرة مساكين، فان لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعات» و قال الفاضل في المختلف: «المشهور عند علمائنا ان كفارة من أفطر يوما يقضيه من شهر رمضان بعد الزوال مختارا كفارة يمين، ذهب اليه الشيخان و سلار و أبو الصلاح و ابن إدريس» و استدل له بما سمعت، بل منه يعلم رجوع ما سمعته من أبي الصلاح و ابن زهرة إلى المشهور أيضا، كما يشهد له ما عرفت من دعوى الثاني منهما الإجماع الذي لا وجه لدعواه إلا على ذلك؛ و في المحكي من النهاية «كان عليه كفارة اليمين، فان لم يجد صام ثلاثة أيام».

و الظاهر ان مراده من كفارة اليمين إطعام العشرة مؤيدا ذلك كله بأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث- 2.

ج 17، ص: 56

لم نقف على ما يدل على شي ء من هذه الأقوال عدا الأول منها، فإنه يدل عليه خبر زرارة(1)السابق المطعون في سنده بعلي بن فضال، و

مرسل حفص بن سوقة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يلاعب أهله أو جاريته و هو في قضاء شهر رمضان فيسبقه الماء فينزل

فقال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع في شهر رمضان»

الفاقد شرائط الحجية، مع احتمال الأول الصوم قضاء عن رمضان من غير علم بأنه فيه مؤيد بما فيه من التعليل، و الثاني كون القضاء بمعنى الفعل و الاحتياط المقتضي للوجوب ممنوع كمنع البدلية المقتضية للمساواة، بل جواز الإفطار فيه قبل الزوال ينافيها على ان ما عدا رمضان من الأيام متساوية، فافطار بعضها له بدل مساو بخلاف رمضان، فيبعد تساويهما في العقوبة، بل المناسب انحطاط مرتبة عنه بعد الزوال كانحطاطها قبله، كما يومئ اليه استبعادهم (عليهم السلام) مساواة قضاء رمضان له حتى

قالوا(3)«و أنى له بمثله»

فلو كانت كفارته كفارته لساواه، كل ذلك مع ضعف مقاومة الخبرين المزبورين لما عرفت من وجوه، فلا ريب في ان الأقوى الأول و اما ما في المسالك- من جودة احتمال حمل الكفارة هنا على الاستحباب، لاختلاف تقديرها في الروايات و اختلاف تحديد وقت ثبوتها يعني بالزوال و العصر، و الإطلاق، و قصورها من حيث السند عن إفادة الوجوب- فهو واضح الضعف لما عرفت من النص و الإجماع على الوجوب و ليس نحو هذا الاختلاف الغالب وجود نظيره في النصوص امارة الاستحباب، كما هو ظاهر.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث- 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث- 2.

ج 17، ص: 57

هذا كله في قضاء شهر رمضان، أما غيره من الواجبات المطلقة فقد يشعر ما في المتن و غيره بجواز الإفطار فيها قبل الزوال و بعده، كما صرح به جماعة منهم الفاضل و الشهيد الثاني و غيرهما، للأصل السالم عن المعارض، نعم لو تعين لم يجز الخروج عنه مطلقا قبل الزوال و بعده قضاء رمضان كان أم غيره إلا انه لا كفارة، للأصل السالم عن المعارض، خلافا للمحكي عن بعضهم، فحرم قطع كل واجب معين أو غيره، و لعله الظاهر من المحكي عن أبي الصلاح و ابن زهرة حيث ذكرا في النذر الغير المعين ان كل من أفطر كان مأثوما، و اختاره بعض متأخري المتأخرين عملا بعموم النهي عن إبطال العمل، خرج منه قضاء رمضان بالنص و بقي الباقي، لكنك لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قدمناه هنا و في باب الصلاة من عدم صلاحية الآية لإثبات ذلك، فلا ريب حينئذ في ضعفه، كضعف المحكي عن علي بن بابويه من مساواة قضاء النذر لقضاء رمضان في الحرمة بعد الزوال و الكفارة، و ان كان قد يشهد للحرمة صحيح ابن سنان (1)السابق و

خبر سماعة بن مهران (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الصائم بالخيار الى زوال الشمس قال: ان ذلك في الفريضة، فاما النافلة فله ان يفطر أي ساعة شاء الى غروب الشمس»

إلا انه يمكن دعوى انصراف الفريضة فيهما في عرف الحديث الى الواجب بالأصالة، فلا يشمل

المنذور، على ان المراد من خبر سماعة إخراج النافلة، ثم انه لا دلالة فيهما على الكفارة، و الاستدلال لهما بأن الموجب لهما كونه قد أبطل عبادة فعل أكثرها، و هو متحقق هنا، و باقتضاء البدلية عن المنذور و ذلك لا ينطبق على أصول الإمامية.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 8.

ج 17، ص: 58

ثم انه لا يجب عليه المضي في الصوم مع إفساده بعد الزوال كما يعطيه المحكي عن تحرير ابن فهد، بل لعله ظاهر غيره للأصل السالم عن المعارض، و

قوله (عليه السلام) في صحيح هشام (1)«صام ذلك اليوم»

يراد منه صوم يوم بدل ذلك اليوم بقرينة ما تقدم، و عدم صدق الصوم حقيقة على هذا الإمساك، على انه ان حمل عليه خلا الخبر عن التعرض للقضاء، و خبر زرارة قد عرفت ندرته و شذوذه، على انه لا يقتضي المساواة في جميع الاحكام التي منها الإمساك تعبدا بناء على وجوبه في شهر رمضان الذي ورد انه لا يساويه غيره أبدا، و من الغريب التمسك بالاستصحاب مع ان حقيقة هذا الإمساك مباينة لحقيقة الصوم شرعا فما في الروضة و محكي الدروس من الوجوب و اضح الضعف، و على تقديره فالظاهر عدم وجوب تكرار الكفارة بتكرر السبب، للأصل السالم عن المعارض أيضا و ان قلنا به في شهر رمضان مطلقا أو مع تخلل التكفير، أو اختلاف الجنس أو الجماع خاصة بعد حرمة

القياس عندنا و معلومية الفرق بين شهر رمضان و غيره في عظم الحرمة و غيرها، و قد عرفت ندرة الخبر المزبور و شذوذه و قصوره عن المساواة في ذلك و نحوه، فما في الروضة أيضا من تكررها به كالأصل واضح الضعف أيضا، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة إذا نسي غسل الجنابة و مر عليه أيام أو الشهر كله]

المسألة الخامسة إذا نسي غسل الجنابة و مر عليه أيام أو الشهر كله قيل و القائل الأكثر يقضي الصلاة و الصوم ل

صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل أجنب في شهر رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج شهر رمضان قال: عليه ان يقضي الصلاة و الصيام»

و خبره الآخر(3)الذي هو بهذا المضمون أيضا، و

خبر إبراهيم بن ميمون (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يجنب


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 17، ص: 59

بالليل في شهر رمضان ثم ينوي أن يغتسل حتى يمضي لذلك جمعة أو يخرج شهر رمضان قال: يقضي الصلاة و الصيام»

بل و

مرسل الصدوق (1)«ان من جامع في أول شهر رمضان ثم نسي الغسل حتى خرج شهر رمضان ان عليه ان يغتسل و يقضي صلاته و صومه إلا أن يكون قد اغتسل للجمعة، فإنه يقضي صلاته و صومه الى ذلك اليوم، و لا يقضي ما بعد ذلك»

فان ما فيه من الاستثناء لا ينافي الاستدلال به على المطلوب، كما هو واضح، نعم هي أخبار آحاد يتجه طرحها عند من لم يعمل بها.

و لذلك قيل و القائل ابن إدريس يقضي الصلاة حسب لعدم ثبوت اشتراط الصوم بالطهارة من الأكبر إلا مع العلم، و من ثم لو نام جنبا أولا فأصبح صح صومه و ان تعمد ترك الغسل طول النهار، فههنا أولى، لكن وافقه عليه هنا من لم يوافقه على الأصل المزبور كالمصنف هنا و النافع حيث قال:

و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، بل لعله ظاهر الفاضل في المحكي عن التلخيص، حيث نسب الأولى الى القيل، و في اللمعة الاقتصار على نسبته إلى الأشهر، و لعله لرفع الخطأ و النسيان بناء على ان القضاء من المؤاخذة المرفوعة باعتبار كونها أقرب المجازات بعد نفي الحمل على الحقيقة، و لان الظاهر من إطلاق الفاضل في القواعد و الشهيد في الدروس و اللمعة عدم الفرق عندهم في هذا الحكم بين اليوم و الأيام و جميع الشهر، و اقتصار النصوص المزبورة على الأيام و جميع الشهر تنبيها على الفرد الأخفى، و هو مناف لما ذكر سابقا من عدم قضاء ما نام الجنب فيه حتى

أصبح و ان تعمد ترك الغسل طول النهار، فكيف يقضي مع النسيان.

و من هنا قال في المدارك: «ينبغي تقييد ذلك بما إذا عرض النسيان في


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.

ج 17، ص: 60

الليلة الأولى و انتبه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال لو كان ذاكرا و أصبح في النومة الثانية، أما إذا حصل بعد طلوع الفجر من اليوم الأول و كان قد أصبح في النومة الأولى فينبغي القطع بسقوط قضاء ذلك اليوم، للأخبار(1)الصحيحة المتضمنة لأن الجنب إذا أصبح في النومة الاولى فلا قضاء عليه، أما ما عدا اليوم الأول فلا ريب في وجوب قضائه عملا بالنص الصحيح (2)السالم عن المعارض» و قد أخذ ذلك من جده في المسالك فإنه بعد ان ذكر الاشكال المزبور قال: «و أجيب بحمل ما هنا على الناسي ليلا بعد الانتباه أو على ما عدا اليوم الأول على تقدير النسيان بعد فوات محل الغسل جمعا بين النصوص- ثم قال-:

و لعل مخالفة المصنف في الحكم هنا لأجل ذلك حيث لم يجد قائلا بالتفصيل، و لم يمكن القول بالقضاء مطلقا، لمنافاته ما مر» و في الروضة بعد أن ذكر الاشكال المزبور قال: و ربما جمع بينهما بحمل هذا على الناسي، و تخصيص ذلك بالنائم عالما عازما فضعف حكمه

بالعزم أو بحمله على ما عدا اليوم الأول، و لكن لا يدفع إطلاقهم و انما هو جمع بحكم آخر، و الأول أوفق، بل لا تخصيص لأحد النصين لتصريح ذلك بالنوم عامدا عازما و هذا بالناسي، و يمكن الجمع أيضا بأن مضمون هذه الرواية نسيانه الغسل حتى خرج الشهر، فيفرق بين اليوم و الجميع عملا بمنطوقهما إلا انه يشكل بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض، لاشتراكهما في المعنى إن لم يكن أولى، و نسب المصنف القول إلى الشهرة دون القوة و ما في معناها إيذانا بذلك، فقد رده ابن إدريس و المحقق لهذا أو لغيره، إلا ان الجميع كما ترى خصوصا ما سمعته من ابن إدريس المبنى على أصل فاسد قد فرغنا منه في الأصول.

و أضعف منه الاستدلال بحديث الرفع الذي هو إما مقيد بما هنا أو غير


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.

ج 17، ص: 61

شامل، لمنع كون القضاء مؤاخذة، بل هو تكليف جديد بعبادة، بل أضعف من ذلك دعوى انحصار القضاء في تعمد البقاء، و قد عرفت وجوبه بالنوم بعد الانتباه و لو مع العزم على الغسل قبل الفجر، و هو ليس من التعمد قطعا، بل لا يخفى عليك ان جملة من الكلمات السابقة كونها اجتهاد في مقابلة النص، و دعوى المنافاة لما دل على عدم قضاء ما نام الجنب فيه حتى أصبح يدفعها ظهور تلك النصوص كما لا يخفى على من لاحظها متدبرا لها في كون العذر النوم خاصة، فلا تشمل ما لو نسي و نام الذي يشبه العامد على البقاء على حالته التي هي جنابة في الواقع، ضرورة انه بعد أن نسي جنابته نام عازما على البقاء على ما هو عليه بزعمه المخالف للواقع، فلا تشمله تلك النصوص الظاهرة في أن المانع من الغسل غلبة النوم دون غيره، فمن أجنب ليلا و نسي ثم نام حتى أصبح وجب عليه القضاء للنصوص الصحيحة و لا يحتاج الى الانتباه قبل طلوع الفجر على وجه يمكنه الاغتسال، نعم لو نام متذكرا فأصبح في نومته و لما أصبح نسي الغسل لم يكن عليه القضاء ذلك اليوم قطعا و النصوص لا تشمله، ضرورة ظهورها في نسيانه في وقت الخطاب به لو كان ذاكرا، بخلاف الفرض الذي لو فرض كونه ذاكرا فيه لم يشترط في صحة صوم ذلك اليوم، كما هو واضح، و دعوى عدم تعلق الفرق بين كون العذر في عدم الغسل النوم و بين كونه النسيان واضحة الفساد، بل هي اجتهاد في مقابلة النص، و لا حاجة الى إبداء الفرق بينهما بالعزم على الغسل في الأولى، فضعف حينئذ حكم الجنابة فلم يكن عليه قضاء، بخلافه في النسيان كي يرد عليه بأن العزم قد يتقدم على النسيان الذي فرض انه كالنوم.

كما انه لا حاجة بعد ما عرفت الى الجمع بين النصين بالفرق بين اليوم و الأيام فيخص ما هنا بالأيام كما هو منطوق نصوصه، و الأول باليوم، مع انه قد يرد عليه ان عذرية النوم قد تكون في أيام أيضا فيما لو أجنب في الليل و نام عازما على

ج 17، ص: 62

الغسل فأصبح و ترك ثم جاء الليلة الثانية و نام عازما على الغسل فأصبح و هكذا و دعوى انه يندرج في الليلة الثانية تحت ذي الانتباهتين الذي قد تقدم الكلام فيه سابقا و قلنا انه يجب بها القضاء و في الثالثة تحت ذي الثلاثة التي تجب بها الكفارة يمكن دفعها بظهور تلك النصوص في ذي الانتباهتين في ليلة واحدة و كذا الثلاثة، و أشكله أيضا في الروضة بأن قضاء الجميع يستلزم قضاء الأبعاض لاشتراكهما في المعنى ان لم يكن أولى، و إن كان فيه ما فيه.

بل لا حاجة أيضا الى ما أطنب به الشهيد في المحكي من شرحه في دفع الاشكال المزبور، قال: «و يمكن حله بأن النائم ليس بناس، و قد أبيح له فعل النوم أول مرة إرفاقا، و ليس النوم مظنة التذكر، و اباحته تستلزم اباحة ما يترتب عليه، بخلاف النائم ثانيا، فإنه قد تخلله التذكر، فترك الغسل عقيبه و الاشتغال بالنوم تفريط محض، أما الناسي فإنه مع يقظته في مظنة التذكر، و عدم تذكره مع طول الزمان لا يكون إلا لتفريطه، فافترقا- قال- فان قلت: ما تقول: لو نام أولا ثم انتبه و نسي النسيان المذكور أ يجب عليه قضاء مع إطلاق الأصحاب ان لا قضاء عليه قلت: ان كان انتباهه ليلا و استمر نسيانه فالأجود وجوب القضاء لعين ما ذكرناه و ان لم ينتبه حتى فات وقت الغسل و استمر نسيانه عذر في ذلك اليوم، و إطلاق الأصحاب محمول عليه، و إطلاق الرواية في قضاء الصوم من غير استثناء اليوم الأول محمول على الذاكر ليلا إما عقيب نومته أو لا عقيبها مع طول زمان التذكر ثم ينسى، فان قلت: يلزمك فيما لو انتبه جنبا و طال الزمان عليه مستيقظا ثم نام فأصبح انه يجب عليه القضاء، قلت، ليس ببعيد، و إطلاق الأصحاب يراد به المعتاد من النوم عقيب الانتباه الذي هو في موضع الضرورة، و لو منع القضاء فالفرق عدم صدق النسيان هنا، و التفريط انما هو بالنسيان في مظنة التذكر أو بالنسيان بعد التذكر، و كلاهما منفيان» إذ لا يخفى عليك ان جميع ذلك تكلف لا حاجة

ج 17، ص: 63

اليه، و كفى بالنصوص المعتبرة دليلا للحكم، و لا معارض لها بعد تنزيل تلك النصوص على ما سمعت.

و الظاهر انه لا فرق في نسيان الجنابة بين وقوعها في شهر رمضان و بين وقوعها سابقا عليه فنسيها فيه أو قبله و استمر نسيانه، كما انه لا فرق على الظاهر بين غسل الجنابة و غسل الحيض و النفاس في الحكم المزبور بناء على أنهما شرط في صحة الصوم، إذ الظاهر اتحاد الجميع في كيفية الشرطية، بل قيل إنهما أقوى لأنه لم يرد فيهما ما ورد فيه مما يوهم أن الشرط انما هو تعمد البقاء، و كذا في حكم صوم رمضان النذر المعين و قضاؤه و غيرهما، لعدم الفرق على الظاهر في أقسام الصوم في الاشتراط بالطهارة، و الله أعلم.

[المسألة السادسة إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما]

المسألة السادسة إذا أصبح يوم الثلاثين من شهر رمضان صائما و ثبتت الرؤية في الماضية قبل الزوال أفطر و صلى العيد بلا إشكال، لبقاء الوقت و إن كان بعد الزوال أفطر فقد فاتت الصلاة و لا قضاء عليه على الأصح و المشهور كما تقدم الكلام فيه مفصلا في كتاب الصلاة، و الله أعلم.

[القول في صوم الكفارات]
اشاره

و أما القول في صوم الكفارات فتمام البحث فيه في أبوابها و لكن لما كان الغرض هنا استيفاء أقسام الصوم ناسب التعرض له إجمالا، فنقول:

هو اثنى عشر قسما و عن بعض النسخ ثلاثة عشر قسما، و لعله الأصح، لأنه المنطبق على ما ذكره

[و ينقسم أربعة أقسام]
اشاره

و ينقسم أربعة أقسام.

[القسم الأول ما يجب فيه الصوم مع غيره]

الأول ما يجب فيه الصوم مع غيره، و هو صوم كفارة قتل العمد فان خصالها الثلاث تجب جميعا بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى النصوص المستفيضة، منها

صحيحة ابني سنان و بكير(1)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب القصاص في النفس- الحديث- 1 من كتاب القصاص.

ج 17، ص: 64

أبي عبد الله (عليه السلام) «قال: سئل المؤمن يقتل المؤمن متعمدا إله توبة؟ فقال إن كان قتله لإيمانه فلا توبة له، و إن كان قتله لغضب أو سبب من أمر الدنيا فان توبته ان يقاد منه، و إن لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم، فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية و أعتق نسمة و صام شهرين متتابعين و أطعم ستين مسكينا»

و ألحق بذلك من أفطر على محرم في شهر رمضان عامدا على رواية(1)قد تقدم الكلام فيها مفصلا.

[القسم الثاني ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره]
اشاره

الثاني ما يجب الصوم فيه بعد العجز عن غيره، و هو ستة

[أحدها صوم كفارة قتل الخطأ]

أحدها صوم كفارة قتل الخطأ بلا خلاف معتد به للآية(2)التي في معناها أخبار كثيرة(3)قد عمل بها الأصحاب إلا من شذ ممن هو محجوج بذلك كالمحكي عن ظاهر المفد و سلار من أنها مخيرة

[ثانيها كفارة الظهار]

و ثانيها كفارة الظهار التي نص على ترتيبها الكتاب العزيز، قال الله عز و جل (4)«وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ- الى ان قال- فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»

[ثالثها كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال]

و ثالثها كفارة الإفطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال الذي قد عرفت البحث فيها آنفا

[رابعها صوم الكفارة في اليمين]

و رابعها صوم ال كفارة في اليمين المعلقة في الكتاب العزيز(5)فضلا


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 سورة النساء- الآية- 94.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 و الباب- 10- من أبواب الكفارات- الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات و الباب- 10- من أبواب القصاص في النفس- الحديث 3.
4- 4 سورة المجادلة- الآية- 4.
5- 5 سورة المائدة- الآية 91.

ج 17، ص: 65

عن السنة(1)و الإجماع على عدم الوجدان

[خامسها الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا]

و خامسها الإفاضة من عرفات قبل الغروب عامدا فان الواجب فيها صيام الثمانية عشر يوما بعد العجز عن البدنة،

قال ضريس (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عمن أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس قال:

عليه بدنة تنحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما»

و يأتي إنشاء الله تمام البحث فيها في الحج

[سادسها الصوم في كفارة جزاء الصيد]

و سادسها الصوم في كفارة جزاء الصيد الذي هو النعامة و البقرة الوحشية و الظبي و ما ألحق بها، لكن في المتن هنا فيه تردد من لفظ «أو» في الآية(3)و من دلالة أكثر الاخبار(4)على الترتيب، ثم قال: «و تنزيلها على الترتيب أظهر و يأتي إنشاء الله تحقيق الحال فيها و ألحق بهذه الكفارة المرتبة كفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده، و كفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى أدمته و نتفها شعر رأسها فيه أيضا ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر سدير(5)«و إذا شق زوج على امرأته أو والد على ولده فكفارته كفارة حنث يمين، و لا صلاة لهما حتى


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الكفارات من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة- الحديث 3 من كتاب الحج.
3- 3 سورة المائدة- الآية- 96.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب كفارات الصيد و توابعها من كتاب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الكفارات- الحديث- 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات و هو خبر خالد بن سدير و هو الصحيح كما نقله قده في الجواهر كذلك في أحكام الأموات ج 4 ص 368.

ج 17، ص: 66

يكفرا و يتوبا من ذلك، و إذا خدشت المرأة وجهها أو جزت شعرها أو نتفته ففي جز الشعر عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام

ستين مسكينا، و في خدش الوجه إذا أدمت و في النتف كفارة حنث يمين»

الا انه لضعف الرواية بخالد حتى قيل ان كتابه موضوع حملت على الاستحباب، كما هو المحكي عن ابن إدريس و اختاره غيره، و من هنا جعلها المصنف إلحاقا، و يأتي ان شاء الله تحقيق الحال فيها.

[القسم الثالث ما يكون الصائم مخيرا فيه بينه و بين غيره]

القسم الثالث ما يكون الصائم مخيرا فيه بينه و بين غيره، و هو خمسة:

كفارة من أفطر يوما من شهر رمضان عامدا على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا و كفارة خلف النذر بناء على كونها مثل كفارة شهر رمضان و اما كفارة العهد ففي المدارك المشهور أنها مخيرة أيضا، و قيل انها مرتبة، و قيل انها كفارة يمين، و يأتي تحقيق الحال إن شاء الله و كذا كفارة الاعتكاف الواجب التي هي مثل كفارة شهر رمضان عند الأكثر على ما قيل لخبر سماعة(1)و قيل انها كفارة ظهار، فتكون مرتبة حينئذ لصحيح زرارة(2)و أبي ولاد الخياط(3)و يأتي تحقيق الحال فيها ان شاء الله و كفارة حلق الرأس في حال الإحرام التي نص عليها في الكتاب العزيز بقوله تعالى (4):

«وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» و ألحق بهذه

الكفارة المخيرة كفارة جز المرأة شعر رأسها في المصاب للخبر المزبور(5)و ربما قيل إنها


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.
4- 4 سورة البقرة- الآية 192.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب الكفارات- الحديث- 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 17، ص: 67

مرتبة، و في المدارك الأصح أنها تأثم و لا كفارة، استضعافا للرواية و تمسكا بالأصل، و يأتي تحقيق الحال في ذلك.

[القسم الرابع ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه و بين غيره]

القسم الرابع ما يجب مرتبا على غيره مخيرا بينه و بين غيره، و هو كفارة الواطئ أمته المحرمة بإذنه لأنها كما ستعرف ان شاء الله بدنة أو بقرة أو شاة فإن عجز عن الأولين فشاة أو صيام ثلاثة أيام، فالصيام فيها مرتب على غيره و هو البدنة و البقرة مخيرا بينه و بين غيره، و هو الشاة كما ستعرفه ان شاء الله في محله

[كل الصوم الواجب يلزم فيه التتابع إلا أربعة]
اشاره

و كيف كان ف كل الصوم الواجب يلزم فيه التتابع إلا أربعة لأن ما عداها فالتتابع فيه

اما لازم لتعيين الزمان كشهر رمضان، أو منصوص عليه في الكتاب و السنة، أو في السنة خاصة، نعم في المدارك «انه يمكن المناقشة في وجوب المتابعة في صيام كفارة قضاء رمضان، و حلق الرأس، و صوم الثمانية عشر في بدل البدنة و بدل الشهرين عند العجز عنهما، لإطلاق الأمر بالصوم فيها، فيحصل الامتثال مع التتابع و بدونه» قلت: يمكن دعوى انصراف التتابع من الإطلاق المزبور و لو بقرينة الفتوى به، و كونه كفارة و الغالب فيها التتابع، خصوصا بملاحظة ما ورد(1)من تعليل التتابع في الشهرين منها بأنه كي لا يهون عليه الأداء فيستخف به، لأنه إذا قضاها متفرقا هان و استخف بالأيمان، مضافا الى ما عرفت من ان الصوم في كفارة قضاء رمضان كالصوم في كفارة اليمين، و لذا نص المفيد و الفاضل على انها كفارة يمين مع التصريح بأن خصالها الإطعام أو الصيام دون الكسوة و التحرير، و أما الحلق ففي ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على وجوب التتابع في صومه، و أما صوم الثمانية عشر بدل الشهرين فالظاهر ان المراد الاقتصار على هذا القدر منهما إرفاقا بالمكلف، فتكون حينئذ متتابعة، مضافا الى ما أرسله المفيد في المقنعة بعد تصريحه بالتتابع و غيره إلى مجي ء الآثار عنهم (عليهم السلام) بذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 68

بل الظاهر انها هي المجزية في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات، و ان كان ظاهر الدروس أو صريحها عدم وجوب التتابع فيه، و ربما

يأتي لذلك كله تتمة في محله ان شاء الله، و حينئذ بان أن الكلية المزبورة في محلها في المعظم أو الجميع و لا ينافيها الحصر الإضافي في

خبر الجعفري (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «انما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و القتل و اليمين»

إذ من المعلوم كون المراد منه بقرينة السؤال بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، كمعلومية أن المراد من

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (2)«كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين»

عدم التفرقة و لو على بعض الوجوه الآتية أو غير ذلك.

و على كل حال فالكلية المزبورة تامة في الجميع أو المعظم،

انما الكلام في الأربعة المستثنيات،
[الأول صوم النذر المجرد عن التتابع]

الأول صوم النذر المجرد عن التتابع أو ما يستلزمه و ما في معناه من يمين أو عهد حيث لا يضيق وقته بظن الوفاة أو ظن طرو العذر المانع من الصوم أو العلم، و منه ضيق الوقت، و المشهور كما قيل جواز تفريقه للأصل خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فيمن نذر صوم شهر

و أطلق، فإن ابتدأ بشهر لزمه إكماله، و لابن زهرة و ان لم يشترط الموالاة يعنى من نذر صوم شهر فأفطر مضطرا بنى، و ان كان مختارا في النصف استأنف، و ان كان في النصف الثاني اثم و جاز له البناء، و نحوه المحكي عن ابن البراج، بل و المفيد إلا انه لم يصرح بعدم اشتراط الموالاة فربما يحتمل حمله على ما إذا نذر شهرا متتابعا و كيف كان فحجتهم على ذلك بعد انسياق الاتصال خبرا موسى بن بكير(3)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 و هو على ما في سند الشيخ قدس الله سره موسى بن بكر كما في التهذيب ج 4 ص 285 الرقم 863 و 864.

ج 17، ص: 69

ابى عبد الله (عليه السلام) و الفضيل بن يسار(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) الآتيين لكن قيل إنهما- مع ضعفهما، و احتمال حملهما على شرط التتابع و لو بقرينة أن سائل لا يسأل إلا عن ذلك- انما يدلان على اشتراط قيام النصف و إن كان مضطرا، و لم يقولا به، هذا.

و الانصاف انه يمكن دعوى انصراف الاتصال في جميع من علق نذره على ما ينساق الى الذهن من اللفظ و لم يلحظ المطلق الصادق على المتتابع و غيره كما ذكروه في ثلاثة: الحيض و الاعتكاف و عشرة الإقامة، بل لعله المدرك لهم في اعتبار التتابع في جملة من الكفارات التي ذكروا وجوبه فيها مع عدم دليل غير الإطلاق المزبور، كما في كفارة قضاء شهر

رمضان و الثمانية عشر يوما للمفيض و كفارة الحلق و نحو ذلك، فان لم يقم إجماع كان القول به متجها، بل يمكن حمل ما هنا من كلام الأصحاب على مالا ينافيه من نذر مطلق الصوم، أو الصوم المطلق الذي هو لا فرق في صدق الثلاثة أو الشهر على المتتابع منه و عدمه و ان كان المنساق منها الأول، إلا انه لا مانع من كون المقصود المنذور من حيث الصدق دون الانسياق فتأمل جيدا.

[الثاني صوم القضاء]

و الثاني صوم القضاء أي قضاء الصوم الواجب و لو نذرا معينا للأصل السالم عن المعارض بعد أن كان القضاء بأمر جديد خلافا لأبي الصلاح في قضاء شهر رمضان و قد عرفت ضعفه، و الشهيد في الدروس فاستقرب وجوب التتابع في قضاء ما اشترط فيه ذلك، كنذر ثلاثة أيام متتابعة في رجل مثلا، و تردد فيه العلامة في القواعد من ذلك، و من ان القضاء هو الأداء، و انما يتغايران في الوقت، و هو واضح الضعف، و أضعف منه دعوى ان التتابع منذور، فكما يجب تحصيل الصوم يجب تحصيل تتابعه، إذ المنذور إذا فات وقته انحل، و لو لم يكن دليل على القضاء لم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 70

يجب، و لا دليل على تتابعه، و دعوى ان دليل القضاء و

هو «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته»

يدل عليه، لكون الفائت متتابعا، يدفعها ظهور كون المراد من التشبيه غير ذلك من الكيفيات التي وضعها الشارع كالقصر و الإتمام و الجهر و الإخفات لا ما يشمل مثل ذلك الذي هو كنذر المكان و الأحوال و نحوها مما هو معلوم عدم الالتزام بمراعاتها في القضاء، و الله أعلم.

[ثالثها صوم جزاء الصيد]

و ثالثها صوم جزاء الصيد و لو كان نعامة، لعدم الدليل سوى ما عرفته من انصراف الاتصال من الإطلاق، خلافا للمفيد و المرتضى و سلار فاوجبوه في جزأيها، بل في المختلف المشهوران فيه شهرين متتابعين، و يأتين تحقيق الحال فيه ان شاء الله.

[الرابع صوم السبعة في بدل الهدي]

و الرابع صوم السبعة في بدل الهدي للإطلاق، و

خبر إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): اني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فرغت في حاجة الى بغداد قال: صمها ببغداد قلت: أفرقها قال: نعم»

خلافا لابن أبي عقيل و ابن زهرة و أبي الصلاح فاوجبوه فيها كالثلاثة ل

حسن علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) كما عن المختلف و المنتهى و الصحيح كما عن حج المنتهى و التذكرة قال: «سألته عن صوم

ثلاثة أيام في الحج و السبعة أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة و لا يفرق بينها و السبعة و لا يفرق بينها و لا يجمع السبعة و الثلاثة جميعا»

و خبر الحسين بن يزيد(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الذبح- الحديث 1 من أبواب كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 55- من أبواب الذبح- الحديث 2 من أبواب كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 2 عن الحسين بن زيد.

ج 17، ص: 71

«السبعة الأيام و الثلاثة الأيام في الحج لا تفرق، انما هي بمنزلة الثلاثة الأيام في اليمين»

إلا أنهما- مع ما في سندهما حتى الأول منهما الذي فيه محمد بن أحمد العلوي و لم ينص على توثيقه في كتب الرجال على ما قيل، و ندرة العامل بهما- يمكن ان يكون المراد بهما تجويز المتابعة لا وجوبها الذي من المحتمل كون السؤال عنه و الله أعلم.

[في حكم ما يشترط فيه التتابع]

و كيف كان ف كل ما يشترط فيه التتابع إذا أفطر في أثنائه لعذر كحيض و مرض و نحوهما بنى عند زواله لقاعدة أولوية الله عز و جل بالعذر فيما هو يغلب عليه التي قالوا (عليهم السلام) انه ينفتح منها ألف باب، بل أشير إليها في نصوص المقام،

قال رفاعة(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا و مرض، قال: يبني عليه، الله حبسه، قلت امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت و أفطرت أيام حيضها قال: تقضيها قلت: فإنها قضتها ثم يئست من الحيض قال: لا تعيدها أجزأها ذلك»

و نحوه صحيح محمد بن مسلم(2) عن أبي جعفر (عليه السلام)، و من المعلوم ان المراد بالقضاء البناء بقرينة السؤال الثاني، و

قال سليمان بن خالد(3): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل كان عليه صيام شهرين من متتابعين فصام خمسة و عشرين يوما ثم مرض فإذا بري ء يبني على صومه أم يعيد صومه كله فقال: بل يبني على ما كان صام، ثم قال:

هذا مما غلب الله عز و جل عليه و ليس على ما غلب الله عز و جل عليه شي ء»

فما في

صحيح جميل و محمد بن حمران(4) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل الحر يلزمه صوم شهرين متتابعين في ظهار فيصوم شهرا ثم يمرض قال: يستقبل فان زاد على الشهر الآخر يوما أو يومين بنى على بما بقي» ( 1) الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 10.

و خبر أبي بصير(5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قطع صوم كفارة اليمين و كفارة الظهار


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 6.

ج 17، ص: 72

و كفارة الدم فقال: ان كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول كان عليه ان يعيد الصيام، و ان صام الشهر الأول و صام من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ما فيه العذر فإنما عليه ان يقضي»

يجب حمله على الاستحباب أو على كون المرض غير مانع من الصوم، أو على التقية من المحكي عن الشافعي في أحد قوليه من الفرق بين المرض و الحيض، فخص العذر بالثاني دون الأول، أو على عدم المبادرة بعد ارتفاع المانع، أو غير ذلك، ضرورة قصور هما عن معارضة تلك النصوص المعمول بها بين الأصحاب قديما و حديثا، بل لا أجد فيه خلافا بالنسبة إلى الشهرين، بل في شرح الأصبهاني انه مما اتفقت عليه كلمة الأصحاب فيهما و في الشهر، و لعله كذلك إلا ان الشيخ في النهاية بعد ان ذكر هذا الحكم في الشهرين المتتابعين قال: «و من نذر ان يصوم شهرا متتابعا فصام خمسة عشر يوما و عرض له ما يفطر فيه وجب عليه صيام ما بقي من الشهر، و إن كان صومه أقل من خمسة عشر يوما كان عليه الاستئناف» و ظاهره ذلك مع العذر و لعله ل

خبر موسى بن بكير(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل جعل عليه صوم شهر فصام منه خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال: ان كان صام خمسة عشر يوما فله ان يقضي ما بقي، و ان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز حتى يصوم شهرا تاما»

و خبر الفضيل بن يسار(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل جعل على نفسه صوم شهر فصام خمسة عشر يوما ثم عرض له أمر فقال: جاز له ان يقضي ما بقي عليه، و ان كان أقل من خمسة عشر يوما لم يجز له حتى يصوم شهرا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 و هو عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 73

تاما»

و لانه بدون المتابعة خارج عما تعلق به النذر، فلا يجزي و ان لم يكن عليه اثم للعذر، إلا أنهما- مع ضعفهما، و عدم الجابر لهما بالنسبة الى ذلك، و احتمالهما الأمر الذي لا يؤدي الى الاضطرار، و يكون مما غلب الله عليه- قاصران عن معارضة ما عرفت من النصوص السابقة من وجوه، مضافا الى

خبر علي بن أحمد بن أشيم (1)«كتب الحسين الى الرضا (عليه السلام) جعلت فداك رجل نذر أن يصوم أياما معلومة فصام بعضها ثم اعتل فأفطر أ يبتدئ في صومه أم يحتسب مما مضى، فكتب اليه يحتسب بما مضى»

و دعوى الخروج بذلك مما تعلق به النذر فلا يجزي كأنها اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى، مع ما قيل من انها مبنية على كون صوم الشهر عبادة واحدة منذورة و هو ممنوع، بل الظاهر ان صوم كل يوم عبادة فصوم الشهر ثلاثون عبادة منذورة و التتابع منذور آخر، فإذا صام منها شيئا فقد اتى ببعض المنذورات و قد برأت ذمته مما فعله و لا دليل على فعله مرة أخرى و المتابعة سقطت عنه للضرورة، و ان كان لا يخلو من نظر.

و على كل حال فمن ذلك كله يعلم أن ما في المدارك- من قصر الحكم على الشهرين خاصة، لعدم الدليل على غيرهما، فيبقى المكلف تحت العهدة الى ان يتحقق الامتثال بالإتيان بالمأمور به على وجهه الذي هو المتابعة- في غير محله، ضرورة ان ذلك لا يصلح معارضا للمستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة المذكورة نعم صرح الشهيد في الدروس و اللمعة بأن كل ثلاثة يجب تتابعها تستأنف بالإخلال به سواء كان لعذر أو لغيره إلا ثلاثة دم المتعة في خصوص الفصل بيوم النحر و أيام التشريق، و لعله ظاهر يحيى بن سعيد من غير استثناء، و في القواعد «من أخل بالمتابعة في كفارة اليمين أو قضاء رمضان أو الاعتكاف أعاد مطلقا» و نحوه في المسالك و محكي الاقتصاد و المبسوط لقاعدة عدم الإتيان بالمأمور به على


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 2.

ج 17، ص: 74

وجهه، و

قول الصادق (عليه السلام)(1): «كل صوم يفرق إلا ثلاثة أيام في كفارة اليمين»

و قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر الجعفري(2): «إنما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار و كفارة الدم و كفارة اليمين»

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (3): «صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان، و التتابع ان يصوم شهرا و يصوم من الآخر أياما أو شيئا منه فان عرض له شي ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه، و ان صام شهرا ثم عرض له شي ء فأفطر قبل ان يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع فليعد الصيام، و قال: صيام ثلاثة أيام في كفارة اليمين متتابعات و لا يفصل بينهن»

لكن الأخير انما يدل و لو بقرينة السياق على الفرق بين كفارة اليمين في الظهار و اليمين في غيره بالنسبة إلى تجاوز النصف و عدمه، لا على حكم الفصل للعذر، كما ان الحصر في سابقه إضافي بالنسبة إلى قضاء شهر رمضان، ضرورة عدم حصر ذلك في هذه الثلاثة كضرورة تحقق التفرقة في الأولين للعذر الذي يغلب الله عليه، أو ان المراد هذه و ما ماثلها، و المراد بالتفريق المنفي في كفارة اليمين الاختياري بتجاوز النصف لا ما كان للعذر، ترجيحا للمستفاد من النصوص السابقة على ذلك، خصوصا بملاحظة إطلاق معقد إجماع الانتصار و خصوص إجماع الغنية قال في الأول: «و مما يظن انفراد الإمامية به القول بأن من أفطر لمرض في صوم التتابع بنى على ما تقدم و لم

يلزمه الاستيناف- ثم قال- دليلنا الإجماع المتردد و أيضا فإن المرض عذر ظاهر لسقوط الفروض، و قد علمنا انه لو أفطر بغير عذر للزمه الاستئناف و لم يجز له البناء فلا يجوز ان


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 3.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل- في الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 9 و ذيله في الباب- 10- منها- الحديث 4 مع الاختلاف في صدره.

ج 17، ص: 75

يكون مثل ذلك حكمه مع العذر، لأن المعذور لا بد أن يخالف حكمه حكم من لا عذر له» و قال في الثاني: «و يجب التتابع في كل ذلك يعني صوم كفارة الحلق و كفارة اليمين، فمن فرق مختارا استأنف، و من فرق مضطرا بنى بدليل ما قدمناه أي الإجماع و الاحتياط» و نص ابن حمزة على البناء مع العذر على ثلاثة دم المتعة و غيرها، و أصرح منه الحلبي في الإشارة، كما انه نص عليه في السرائر في ثلاثة اليمين، كل ذلك مضافا الى إطلاق المصنف في كتبه و الفاضل فيما عدا القواعد.

و من ذلك يعلم ان المشهور البناء مع العذر مطلقا، فلا بأس حينئذ بترجيح المستفاد من النصوص المزبورة من القاعدة التي ينفتح منها ألف باب على ما يظهر منه خلاف ذلك، من غير فرق بين الثلاثة و غيرها حتى ثلاثة الاعتكاف، اللهم إلا ان يقال بأن فيه جهة أخرى غير تتابع الصوم، و هي التتابع من حيث الاعتكاف و لم يثبت البناء فيه من هذه الجهة، مضافا الى ظاهر بعض النصوص التي تسمعها في محلها ان شاء الله.

ثم ان المصنف و غيره أطلق تعليق الحكم على العذر و عدمه، كما ان آخر أطلق تعليق الحكم على الاضطرار و الاختيار من غير تعرض للخصوصيات، و لا إشكال كما لا خلاف نصا و فتوى في اندراج المرض الحاصل منه تعالى بل و كذا الحيض، و ان كان اقتصار الصدوق على المرض قد يشعر بعدمه، لكن لا يبعد ارادة المثال منه، بل في الخلاف ان الحامل و المرضع إذا خافتا على الولد حكمهما حكم المريض عندنا، و اختاره في الدروس خلافا له في المبسوط فقوى قطع التتابع بإفطارهما، لكن ينافيه عموم التعليل المزبور كما انه ينافي ما عن يحيى بن سعيد من النص على وجوب الاستئناف لغير المرض و الحيض، بل لعله ظاهر اقتصار الشيخ عليهما في المحكي من جمله و مبسوطة و اقتصاده، ضرورة ظهور النصوص السابقة في

ج 17، ص: 76

تحقق العذر بكل ما غلب الله عليه من غير فرق بين المرض و الحيض و غيرهما، بل لا يبعد ظهور

قوله (عليه السلام): «الله حبسه»

في تناول السفر و ان لم يكن ضروريا باعتبار كونه محبوسا عن الصوم معه، بل هو حينئذ مما غلب الله عليه باعتبار كون منع الصوم فيه منه، فيكون ذلك كناية عن كل ما ينافي الصوم إذا لم يكن من قبل المكلف، بمعنى انه لا ينافي التتابع إلا التعمد للإفطار، فما في الوسيلة و السرائر و ظاهر الخلاف- من ان السفر قاطع للتتابع، بل صرح في الثاني بعدم الفرق بين المضطر في ذلك و المختار، و لعله لعدم صدق غلبة الله له عليه بعد ان كان باختياره مع حرمة قياسه على المرض و الحيض الذين لم نتعرض لغيرهما، فلا مخرج حينئذ عن أصل وجوب التتابع- فيه انه شريكهما في الضرورة، بل لعله شريكهما في حبس الله و غلبته بعد الاذن فيه، لنفي العسر و الحرج في الذين، و لذا جاز وقوعه في شهر رمضان الذي يجب التتابع فيه، بل قد عرفت ان دقيق النظر يقضي بكون المراد من التعليل بالحبس و الغلبة إخراج تعمد الإفطار، فلا يشمل تعمد سبب ما أمر الشارع بالإفطار منه.

و منه يعلم حينئذ انه لا فرق في المرض و الحيض و غيرهما من الأعذار التي يرتفع خطاب الصوم معها بين ان تكون أسبابها من الله عز و جل و بين ان تكون من العبد، فإنها على كل حال تكون أعذارا و قد حبسه الله تعالى عن الصوم معها و غلبه عليها، كما ان منه يعلم حينئذ عدم الفرق بين السفر الضروري و الاختياري كما هو مقتضى إطلاق الشيخ في النهاية عذرية السفر، و ان استحسن الفرق بينهما المصنف في المعتبر، بل قطع به الفاضل بل و الشهيد في الدروس إذا حدث سببه بعد الشروع في الصوم، و هذا و ان كان هو الأحوط، بل أحوط منه قطع التتابع به مطلقا، الا ان الأقوى ما عرفت، و يندرج فيه ما لو نسي النية حتى فات وقتها أو نام عنها كذلك، فان صوم ذلك اليوم باطل، الا انه لا يقطع التتابع للعذرية

ج 17، ص: 77

و دعوى ان النسيان من الشيطان فلا يكون عذرا كما ترى، بل من العذر أيضا ما لو كان ناذرا مثلا قبل تعلق الكفارة ما ينافي التتابع، كصوم كل خميس فيجزيه حينئذ المتابعة فيما عداه، و لا يجب عليه الانتقال لغير الصوم من خصال الكفارة باعتبار تعذر التتابع، نعم لو كان قد نذر صوم الدهر اتجه ذلك.

و كيف كان فالمراد من البناء مع العذر انه لا يخل بالتتابع شرعا باعتبار غلبة الله تعالى عليه، فهو أولى بالعذر، لا أن المراد سقوط التتابع حينئذ معه في جميع الصوم حتى ما بقي باعتبار انقطاعه في الجملة، و حينئذ لا يمكن حصوله، فما في الدروس من القول بسقوطه فيما بقي لذلك واضح الضعف هذا كله ان أفطر لعذر و ان أفطر لغير عذر استأنف في الشهرين إجماعا بقسميه، بل يمكن دعوى التواتر المحكي منهما، بل لا أجد خلافا بين الأصحاب في غير هما أيضا خصوصا في الشهر المنذور تتابعه، و قد اعترف الأصبهاني بقطع الأصحاب في ذلك إلا اني لم أقف له في السنة على ما يدل عليه في غير الشهرين و الشهر، نعم ذكر غير واحد الاستدلال عليه بأنه لم يأت بالمأمور به على وجهه فيبقى في عهدة التكليف، و هو جيد بناء على ان الجميع عبادة واحدة و عمل واحد ضرورة فسادها بالإخلال بالتتابع، إذ هي كالصلاة المركبة من الركعات المعتبر فيها صحة السابق منها بصحة اللاحق إلا انه لا يخفى عليك صعوبة التزام ذلك بعد حصر مفسدات الصوم الشامل لصوم الكفارة و غيره بغير ذلك خصوصا بعد انتهاء اليوم و تمامه المقتضي لاعتبار الكشف عن الفساد لو أخل بالمتابعة المتأخرة كالركعة المتأخرة بالنسبة إلى الركعة السابقة، بل المتجه بناء على ذلك الاجتزاء للجميع بنية واحدة، ضرورة كونه عملا واحدا مركبا، الى غير ذلك مما يصعب التزامه فلا يبعد القول بكون كل الأيام عبادات مستقلة لا ربط لصحة بعضها بالآخر و أوجب الشارع تتابعها في الكفارة حينئذ، فالمتجه حينئذ بناء على ذلك كون المتابعة

ج 17، ص: 78

واجبا تعبديا لا شرطيا، فيأثم بتركها، و الصوم على صحته كالمتابعة في صلاة الجماعة على الأصح، و دعوى كون المتجه على ذلك اعتبار شرطيتها في الكفارة دون الصوم فتكون كالمتابعة الواجبة في القضاء و نحوه بنذر و شبهه يدفعها ان ذلك انما يتم في المتابعة الخارجة عن العمل نفسه، بخلاف ما نحن فيه الذي هو نوع من الصوم، و ليست الكفارية أمرا خارجا عنه، بل لا يتصور القول بصحة الصوم و عدم اجزائه عن الكفارة، ضرورة اقتضاء صحته سقوط الإعادة و دعوى أنه بالإخلال بالمتابعة يبطل كونه صوم كفارة و يصح صوما مطلقا واضحة الفساد، إذ الفرض ان المكلف لم ينوه إلا صوم كفارة، فنقله الى غيرها بلا نية مخالف للضوابط الشرعية، إذ الجنس لا يبقى مع ذهاب الفصل كما هو واضح و أضعف منه دعوى انه صوم كفارة لكنه غير مجز عنها باعتبار فقده للتتابع فيحتاج الى الاستئناف لذلك، إذ عدم اجزائه عنها يقتضي فساده بالنسبة إليها، و الفرض عدم نية غيرها، فلا محيص عن القول بالوجوب التعبدي أو التزام الأمور السابقة من اتحاد العمل و نحوه، كما هو ظاهر وجوب الاستئناف في كلمات الأصحاب و لعله لا بأس بالتزامها بعد مساعدة النص و الفتوى عليها، و ربما فرق بين ما كان دليله نحو «كفارته كذا» و بين ما كان نحو «عليه كذا» فيدخل التتابع في الحقيقة على الأول دون الثاني لكنه كما ترى لا مساعد له من النص و الفتوى بل هما ظاهران في خلافه، هذا و ربما قيل ان المحكي عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد ظاهر في كون المتابعة واجبا تعبديا، قال: «الصوم اما ان يجب فيه التتابع أو لا فان لم يجب فلا بحث، و ان وجب فاما ان يكون شرطا في صحته أولا، و الثاني لا يبطل بترك التتابع، و لا يجب الاستئناف و الأول يجب الاستئناف إلا ما استثني» و فيه انه يمكن أن يريد التتابع الواجب في القضاء و نحوه بنذر و شبهه، فإنه لا ريب في عدم اعتباره في صحة الصوم عن القضاء، ضرورة كونه كنذر الموالاة في وضوء

ج 17، ص: 79

مخصوص فلم يفعلها، فإنه يحنث بالنذر، و الوضوء صحيح ضرورة عدم صلاحية النذر لإثبات شرطية و نحوها مما امره راجع الى الشرع، بل أقصاه الوجوب دون الشرطية كما هو محرر في محله فتأمل جيدا فان المقام غير منقح في كلام الاعلام و المتجه الوقوف على ما هو الظاهر منهم من وجوب الاستئناف بتعمد الإخلال فيما وجب فيه التتابع على وجه يدخل في الصوم إلا في ثلاثة مواضع أحدها من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فصام شهرا و من الثاني و لو يوما فإنه إذا كان كذلك بنى، و لو كان قبل ذلك استأنف بلا خلاف و لا إشكال بخلافه في الأول فإنه يبني و ان أخل بالمتابعة عمدا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما متواتر أو مستفيض، للمعتبرة(1)المتقدم بعضها مضافا الى

خبر سماعة بن مهران (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه صوم شهرين متتابعين أ يفرق بين الأيام؟ فقال إذا صام أكثر من شهر فوصله ثم عرض له أمر فأفطر فلا بأس فإن كان أقل من شهر أو شهرا فعليه ان يعيد الصيام»

و خبر منصور بن حازم (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان و يستأنف الصوم، فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته»

الى غير ذلك مما هو موافق لسهولة الملة و سماحتها و نفي الحرج في الدين و ارادة التخفيف و اليسر، و لا حاجة الى تكلف الاستدلال بما هو محل للنظر، و حينئذ فما في النهاية- من ان من وجب عليه شي ء من هذا

الصيام وجب عليه ان يصومه متتابعا فان لم يتمكن من


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 0 لكن روى الثاني في الوسائل مضمرا الا ان الموجود في التهذيب ج 4 ص 283 الرقم 855 قال: « سألت أبا عبد الله عليه السلام».
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 5 لكن روى الثاني في الوسائل مضمرا الا ان الموجود في التهذيب ج 4 ص 283 الرقم 855 قال: « سألت أبا عبد الله عليه السلام».
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 80

صيامه متتابعا صام الشهر الأول و من الشهر الثاني شيئا، ثم فرق ما بقي عليه» مما يعطي وجوب التتابع في الشهرين، و ان متابعة الشهر الثاني بيوم منه للاول انما يكون مع العجز- واضح الضعف، مع انه قال فيها بعد ذلك: «و من وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أول شعبان فليتركه الى انقضاء شهر رمضان ثم يصوم شهرين متتابعين، فان صام شعبان و الرمضان لم يجزه إلا ان يكون قد صام مع شعبان شيئا مما تقدم من الأيام فيكون قد زاد على الشهر، فيجوز له البناء عليه و يتمم شهرين» و هو يعطي جواز التفريق إذا صام من الثاني يوما و لعل بمعونته يمكن حمل كلامه الأول على إرادة الإثم بالتفريق بعد الشهر و يوم، كما هو مذهبه فيما حكي عن التبيان و كفارات النهاية و ظهار المبسوط، بل هو خيرة المفيد و السيد و ابني إدريس و زهرة، لا وجوب الاستئناف الذي قد عرفت الإجماع و النص عليه، و ان كان الأقوى في هذا أيضا خلاف ما ذكروه و ان (و ممن خ ل) حكى السيدان الإجماع عليه وفاقا لظاهر المحكي عن ابني الجنيد و أبي عقيل و صريح الفاضل و الدروس، لظهور النصوص السابقة في الاذن في التفريق بعد ذلك فيستعقب عدم الإثم، مضافا الى ظهور

قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1)«و التتابع»

الى آخره في حصول التتابع المأمور به بذلك، و لعله لكون المراد تتابع الشهرين أنفسهما دون أيامهما بناء على صدقه بذلك كما تسمع له تتمة ان شاء الله في المسألة الثانية.

فما عساه يقال ان الثابت الشرطية و التكليفية و سقوط الأولى بذلك لا يقتضي سقوط الثانية واضح الضعف ضرورة كونه بعد الإغضاء عما نحن فيه نفسه غير صالح


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 9.

ج 17، ص: 81

لمعارضة ما عرفت، فتأمل، كالمحكي عن ابن إدريس من الاستدلال بأن التتابع ان يصوم الشهرين، و لقد أجاد في محكي المنتهى في رده بقوله: نحن نمنع ذلك لما ثبت في

حديث الحلبي عن الصادق (عليه السلام) «ان حد التتابع»

الى آخره، و حينئذ لا يتوجه الخطاب الى المكلف، و قول الصادق (عليه السلام) أولى بالاتباع من قول ابن إدريس، و هو كما قال إلا ان الاحتياط مع ذلك لا ينبغي تركه، لعدم ثبوت ذلك عن الصادق (عليه السلام) بطريق التواتر، و عدم القطع بكون المراد منه ذلك، نعم هو حجة شرعية للفتوى التي لا تنافي أولوية الاحتياط كما هو واضح، هذا.

و ظاهر الفتاوى بل و معاقد الإجماعات عدم الفرق في الحكم المزبور بين النذر و غيره، لكنه لا يخلو من إشكال باعتبار انسياق غيره من النصوص و شدة مخالفة الحكم فيه للضوابط، خصوصا مع تصريح الناذر بالتتابع ستين يوما بل و مع إطلاقه بناء على ظهوره في ذلك، ضرورة عدم الحقيقة الشرعية لتتابع الشهرين، و كشف النصوص للمراد بالخطابات الشرعية لا تقتضي التعدي إلى الخطابات العرفية التي من المعلوم كون المرجع فيها العرف، و لعله لذا قصر بعض مشايخنا الحكم على غير النذر و نحوه، و هو جيد، اللهم إلا ان يكون الناذر علق مراده بالمراد الشرعي مما وقع فيه ذلك، أو ان الشارع قد كشف كون المراد واقعا بهذا الخطاب ذلك و ان زعم صاحبه خلافه، و الحكم الشرعي يتبع الواقع الذي هو المقصود بالخطاب، و تخيل ذي الخطاب كون الواقع غير ذلك لا مدخلية له بعد ان لم يكن مقصودا له بالخطاب كما حررناه في محله، و حينئذ فيتجه إطلاق الأصحاب، نعم يخرج منه ما لو صرح الناذر بتتابع الأيام، و لعله غير مندرج في كلامهم فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و الله اعلم.

ج 17، ص: 82

و الموضع الثاني من وجب عليه صوم شهر متتابع بنذر فصام خمسة عشر يوما ثم أفطر لغير عذر فضلا عنه لم يبطل ما مضى من صومه و بنى عليه، و لو كان قبل ذلك استأنف على المشهور بين الأصحاب، بل في السرائر الإجماع عليه، لخبري موسى بن بكير(1)و الفضيل بن يسار(2)المتقدمين سابقا المنجبرين سندا و دلالة بذلك، و لا حاجة هنا الى تجاوز النصف بيوم كما في الشهرين ضرورة عدم احتمال التتابع هنا غير اتصال الأيام، فليس الاجتزاء بالخمسة عشر إلا للدليل بخلافه في الشهرين، فان من المحتمل فيه إرادة تتابع الشهرين دون الأيام كما أومأت إليه النصوص، و في السرائر بعد أن ذكر الفرق بينهما بذلك قال: و هذا فرق تواترت به الاخبار عن أئمة آل محمد الاطهار (عليهم السلام)، و من ذلك كله يعلم انه لا وجه للمناقشة في هذا الحكم من أصله، كما لا وجه لما في الوسيلة من عدم الفرق بين الشهر و الشهرين في اعتبار مجاوزة النصف في البناء، إذ هو كما ترى خارج عن الأدلة المزبورة و عن مراعاة الضوابط مع فرض عدم العمل بها هنا مضافا الى حرمة القياس و كونه مع الفارق و كذا لا وجه معتد به لما في الغنية من الفرق بين الشهر الذي شرط تتابعه في النذر و الذي أطلق، فحكم بالاستئناف في الأول على كل حال إذا أفطر مختارا و في الثاني بأنه ان كان في النصف الأول استأنف، و إلا فلا، و لعله لعدم تقييد الخبرين بالتتابع، و فيه مضافا الى ترك الاستفصال فيهما انه لا فرق بين ذكر القيد و عدمه إلا بالصراحة و الظهور، بناء على انسياق التتابع من المطلق، و الا خرجا

عن موضوع المسألة، و لا ينطبق ما فيهما من الحكم عليه، فالتدبر فيهما يقضي بعدم الفرق بينهما، و منه يعلم ما في إشارة السبق، قال في صوم النذر و العهد:


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 عن موسى بن بكر كما تقدم الإشارة إليه سابقا.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 83

«و متى شرط فيهما التتابع لم يجز التفريق- الى ان قال- و لو اضطر إلى تفرقة صومهما بنى و لم يلزمه استئناف إلا مع الاختيار، و إذا لم يشترط متابعة و لا ألجأت ضرورة إلى غيرها فلا بناء إلا بعد الإتيان بالنصف و ما زاد عليه، و إلا فالاختيار لإفطاره فيه قبل بلوغه يوجب الاستئناف» إذ هو- مع انه فرق بما سمعته من ابن زهرة بل و ابن حمزة، اللهم إلا أن يريد معنى «أو» من قوله «و ما زاد» بقرينة قوله «قبل بلوغه» المعلوم ارادة قبل بلوغ النصف منه- ظاهر في عدم الفرق في ذلك بين الشهر و الشهرين و ما زاد أو نقص، و هو تعد عن الأدلة بلا شاهد بعد حرمة القياس عندنا، و كونه مع الفارق في بعض الصور، فالمتجه الاقتصار على مضمونها بعد مخالفة الحكم للضوابط كما هو واضح، فما عن الشيخ من طرد الحكم في السنة لا يخلو من منع و إن كان هو أعلم بما قال كما في الدروس و الله أعلم و الموضع الثالث التفريق في صوم الثلاثة الأيام عن الهدي المعلوم وجوب التتابع فيها نصا(1)و فتوى بل إجماعا إلا

لمن صام يوم التروية و عرفة ثم أفطر يوم النحر فإنه جاز له ان يبني بعد انقضاء أيام التشريق إجماعا محكيا عن المختلف ل

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر»

و خبره الآخر(3)أيضا عن أبي الحسن (عليه السلام) «كان أبو جعفر (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 2 و 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح الحديث- 1 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح الحديث 4 و فيه« كان جعفر عليه السلام يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج» و أما ذيله فليس من الخبر و انما هو عبارة الشيخ قدس الله سره في التهذيب ج 5 ص 231 المطبوع بالنجف الأشرف.

ج 17، ص: 84

يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحرم، و من صام يوم التروية و يوم عرفة فإنه يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»

و خبر يحيى الأزرق (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي فصام يوم التروية و يوم عرفة قال: يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»

لكن في المدارك «أنها إخبار ضعيفة، و في مقابلها أخبار صحيحة السند دالة على خلاف ما تضمنته و سيجي ء تحقيق ذلك في كتاب الحج» قلت: و يأتي تحقيق غيره أيضا، و هو ما إذا فاتت الثلاثة قبل النحر فلم يصمها و لا

اليومين منها يصومها أيام التشريق كما عن ابن الجنيد،

لخبري إسحاق بن عمار(2)و عبد الله بن ميمون القداح (3)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق، فان ذلك جائز له»

الشاذين المعارضين بالأصح سندا و الأكثر عددا، مضافا الى العمل،

قال ابن سنان (4)في الصحيح: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع فلم يجد هديا قال: فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق»

و نحوه خبر ابن مسكان (5)عنه (عليه السلام) أيضا، نعم في صدر

خبر ابن الحجاج (6)المتقدم عن أبي الحسن (عليه السلام) الذي نص فيه على صوم الثالث منها بعد أيام التشريق قال: «فان فاته ذلك- أي صوم الثلاثة- يصوم صبيحة يوم الحصبة و يومين بعد ذلك»

و في

صحيح صفوان (7)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «ذكر ابن البراج انه كتب إليه يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك يصوم

ثلاثة أيام بمنى، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال:

أما أيام منى فإنها أيام أكل و شرب لا صيام فيها، و سبعة أيام إذا رجع الى أهله»


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب الذبح- الحديث 2 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 4.
7- 7 الوسائل- الباب- 51- من أبواب الذبح- الحديث 3.

ج 17، ص: 85

فان اقتصاره على إنكار أيام منى ظاهر في الإقرار بالآخر، و هو الصوم صبيحة الحصبة و اليومين بعدها، بل عن الصدوق و والده و الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن إدريس الفتوى بذلك، الا ان الصدوق قال: «تسحر ليلة الحصبة و هي ليلة النفر و أصبح صائما» و في النهاية فسر يوم الحصبة بيوم النفر، و مقتضى ذلك ابتداء الصوم في ثالث أيام التشريق، لانه هو يوم النفر، مع انهم صرحوا بعدم جواز الصوم فيها، اللهم إلا ان يكون المراد عدم جواز تمام الثلاثة فيها، لكنه كما ترى مناف لإطلاق دليل الحرمة فيها، و يمكن ان يكون المراد في الخبرين بصبيحة الحصبة اليوم الذي بعدها، بل قيل انه المتبادر، فهو حينئذ الرابع عشر، و ليس من أيام التشريق، و تكلف ارادة ذلك في كلامهم يأباه تصريح بعضهم، فليس حينئذ إلا الحكم بضعف قولهم، كضعف قول ابن الجنيد و ان الأصح الصوم بعدها، و هذا كله خارج عما نحن فيه، إذ الكلام فيمن صام يومين قبل النحر.

و على كل حال فالتفريق انما هو في هذه الصورة، ف لو كان أقل من ذلك بأن صام يوما استأنف صومه و كذا لو فصل بين اليومين و الثالث بإفطار غير العيد كما لو صام قبل التروية بيوم و يوم التروية و أفطر يوم عرفة استأنف أيضا لإطلاق ما دل على اشتراط التتابع فيها، و لعل إطلاق الشيخ في المحكي من مبسوطة و جمله و اقتصاده جواز البناء إذا صام يومين منزل على ذلك، نعم صرح ابن حمزة بجواز الفصل بيوم عرفة، و نفى البأس عنه في المختلف لمطلوبية التشاغل بالدعاء للشارع، و لا يخفى ما فيه.

بقي شي ء و هو ان الظاهر من النص و الفتوى عدم الفرق في ذلك بين علمه بتخلل العيد و عدمه فيكون هذا مستثنى من الكلية الآتية أيضا، لكن في المسالك «يظهر من بعض ان البناء مشروط بما لو ظهر العيد و كان ظنه يقتضي خلافه، و الا استأنف» قلت: صرح به الشيخ على ما في حاشية الكتاب هنا و ان كان المحكي

ج 17، ص: 86

عنه في الحج الأول، و هو الأقوى، للإطلاق الذي أظهر أفراده العلم بالعيد.

ثم ان ظاهر المتن عدم الاستئناف بهذا التفريق و لو تعمد تأخير صوم اليوم عن أيام التشريق بناء على كون هذه المسألة كالمسألتين السابقتين، لكن صرح بعضهم بأن التتابع يسقط في الثالث الى انقضاء أيام التشريق، و في شرح الأصبهاني ان المبادرة بالصوم بعد أيام التشريق و ان لم يصرح به في فتوى و لا خبر عثرنا عليه الا انه المتبادر من كلام الأصحاب و بعض الاخبار، و يدل عليه ان التتابع واجب فيها، و انما اغتفر الفصل بالعيد و أيام التشريق، للعذر بحرمة الصوم فيها و لا عذر فيما بعدها، فلا وجه لاغتفار التأخير بعدها، كما إذا أفطر في النصف الأول من الشهر أو الشهرين لعذر ثم يزول العذر، و مقتضى ذلك أن هذا التفريق للعذر، و هو خلاف ظاهر الاستثناء الذي قد يستدل له بإطلاق البعدية، اللهم إلا ان يقال بانصراف أول إفرادها منه، و لا ريب في انه أحوط، و يأتي ان شاء الله في كتاب الحج له تتمة.

و كيف كان فقد ألحق الشيخ و يحيى بن سعيد و الفاضل فيما عدا المنتهى على ما قيل به أي الشهر المنذور من وجب عليه صوم شهر في كفارة قتل الخطأ أو الظهار لكونه مملوكا و كفارته نصف كفارة الحر، مستدلا عليه في المختلف بأن التنصيف كما يكون في العدد كذا يكون في الوصف، و كما أجزأ تتابع الشهرين بيوم كذا النصف يحصل به التتابع، لان الشهرين في معرض النقصان فلو أوجبنا تتابع ستة عشر يوما لزدنا على حكم الشهرين، فاكتفي بتتابع خمسة عشر يوما التي تزيد على نصف الناقص بنصف يوم، و بأنه لا يزيد على النذر المتتابع، و قد أجزأ فيه تتابع خمسة عشر يوما، فيثبت الحكم في الأضعف بطريق الاولى، و بأن الجعل الذي في الخبرين قد يكون بالنذر و قد يكون بفعل ما يوجب ذلك من إفطار أو ظهار أو نحوهما، و الجميع كما ترى، و من هنا قال

ج 17، ص: 87

المصنف و فيه تردد من ذلك و من وجوب الاقتصار على المتيقن في مخالفة القواعد، و دعوى القطع بالأولوية من المنذور واضحة المنع.

و من ذلك تعلم ان الاولى الجزم بالعدم دون التردد، كما انه يعلم مما قدمنا ان كل من وجب عليه صوم متتابع لا يجوز ان يبتدئ زمانا يعلم انه لا يسلم له التتابع فيه بتخلل عيد أو شهر رمضان أو غير ذلك مما لا يجوز صومها عنه، لتوقف امتثال الأمر على اجتناب ذلك، و حينئذ فمن وجب عليه شهران متتابعان لا يصوم شعبان إلا أن يصوم قبله و لو يوما و في

صحيح منصور بن حازم (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) انه قال: «في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه شهر رمضان قال: يصوم شهر رمضان و يستأنف الصوم فان صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته»

إلا انه كما ترى لا يدل على إتمام الكلية، و لذا اقتصر على مضمونه في النهاية و لم أتحقق إجماعا عليها، بل ربما ظهر من بعضهم خلافها، و لعله لانه انقلاب تكليف، فتشمله روايات العذر، و ربما كان في تكليف المرأة بها و عدم انتظار زمان يأسها مع غلبة عدم سلامتها من الحيض شهرا و يوما (عسر و حرج ظ) و الصحيح المزبور معارض بنصوص الثلاثة التي يفصل بينها بالعيد، و قد ظهر من ذلك كله ان هذه الكلية ان لم يتحقق إجماع عليها أمكن المناقشة فيها، خصوصا فيما لو صام و اتفق العذر الشرعي من مرض و نحوه في أيام الفصل التي هي شهر رمضان أو أيام العيد و التشريق

و نحو ذلك، بل ينبغي الجزم بالصحة في الفرض مع الغفلة، بل و ان لم يتفق العذر فيها و يكفي كونها عذرا مع الغفلة، لكن في الدروس و لا يعذر بفجأة مثل رمضان أو العيد سواء علم أو لا، بخلاف فجأة الحيض و النفاس، و كيف كان فيستفاد من المثال في المتن ان البدأة بالصوم في أثناء الشهر لا يوجب كونه ثلاثين متصلة، و إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.

ج 17، ص: 88

لم يتم الحكم إلا بتقدير كون شعبان تاما ليسلم له أحد و ثلاثون، و كذا يستفاد انه لا فرق في اليوم الزائد على الشهر بين سبقه عليه و لحوقه به، و لعله كذلك و ان كان الذي ينساق الى الذهن تعقيب الشهر بيوم، الا ان التدبر يقضي بكون المراد صوم شهر و يوم كيفما كان.

و على كل حال لا يجوز لمن كان عليه شهران متتابعان أن يصوم شوالا مع يوم من ذي القعدة و يقتصر على ذلك و كذا الحكم في ذي الحجة مع يوم آخر من المحرم ضرورة نقصان الشهر بالعيد، فلا يحصل المطلوب باليوم، نعم لو صام يومين اتجه الاجزاء، لحصول الشهر و يوم كما هو واضح و قيل و القائل الشيخ و الصدوق في المحكي عن مقنعه و ابن حمزة: ان القاتل في أشهر الحرم يصوم شهرين متتابعين منها و ان دخل فيهما العيد و أيام التشريق لرواية زرارة(1)

عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن رجل قتل رجلا خطأ في الشهر الحرام قال: و يغلظ عليه الدية، و عليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم، قلت: فإنه يدخل في هذا شي ء قال: و ما هو قلت:

يوم العيد و أيام التشريق، قال: يصوم فإنه حق لزمه»

و نحوه حسن زرارة الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا، لكن في المعتبر «و هي نادرة مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها و مخصصة لها، و لا يقوى الخبر الشاذ على تخصيص العموم المعلوم على انه ليس فيه تصريح بصوم العيد، و الأمر المطلق بالصوم في الأشهر الحرم ليس بصريح في صوم عيدها، و أما أيام التشريق فلعله لم يكن بمنى، و نحن لا نحرمها الا على من كان بمنى» و نحوه في المختلف، بل في التذكرة «ان في طريقه سهل ابن زياد، و هو ضعيف، و مع ذلك فهو مخالف للإجماع» و نحوه عن المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 2.

ج 17، ص: 89

و من ذلك يعلم الحال في

الحسن عن زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت له رجل قتل رجلا في الحرم قال: عليه دية و ثلث دية، و يصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم، و يعتق رقبة، و يطعم ستين مسكينا، قال: قلت: يدخل في هذا شي ء قال: و

ما يدخل؟ قلت: العيدان و أيام التشريق، قال: يصومه فإنه حق لزمه»

بل ارادة صوم الشهرين و انه لا يضر هذا الفصل بالتتابع أظهر من الأول لاتحاد ضمير «يصومه» و المتقدم فيه العيدان، مع انه ليس في هذه الأشهر إلا الأضحى الا ان يريد بالآخر يوم الغدير و ان لم يحرم صومه.

و كيف كان فلا ريب في ان الأول أظهر و أصح لقوة ما دل على تحريم الصوم في هذه الأيام بحيث لا يصلح ذلك لمعارضتها، كما هو واضح.

هذا كله في الواجب

[أما الندب من الصوم]
اشاره

و أما الندب من الصوم على وجه يشمل المكروه، أو على ارادة ما عداه كالمحرم ف قد لا يختص وقتا كصيام أيام السنة فإنه جنة و سترة من النار لتسبيبه العفو عما يوجبها، و تقدم في أول الصوم ما يعلم منه ذلك و قد يختص وقتا معينا و هو كثير و لكن المؤكد منه أربعة عشر قسما بل أزيد من ذلك،

[الأول صوم ثلاثة أيام من كل شهر]

الأول صوم ثلاثة أيام من كل شهر أول خميس منه و آخر خميس و أول أربعاء في العشر الثاني فإن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) قد صام (2)حتى قيل ما يفطر، ثم أفطر حتى قيل ما يصوم، ثم صام صوم داود يوما و يوما لا، ثم قبض على صيام هذه الثلاثة التي تذهب المواظبة على صومها و جر الصدر و وسوسته، و تعدل صوم الدهر باعتبار عدل كل يوم منها

عشرة أيام، لأن من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، و قد كان من قبلنا من الأمم إذا نزل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث- 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.

ج 17، ص: 90

على أحدهم العذاب نزل في هذه الأيام، و الذي يظهر من مجموع ما وصل إلينا من النصوص أن الأفضل ما ذكره المصنف و غيره من الكيفية المزبورة في صومها و ان كان لها كيفيات أخر كصوم الخميسين بينهما أربعاء في العشرات الثلاثة لإطلاق الأمر بذلك في بعض النصوص (1)الذي لا يعارضه المقيد في غيره (2)بعد حمله على شدة الاستحباب كما حرر في محله بالنسبة إلى المندوبات من غير ملاحظة الأول و الأخير، أو ذلك في شهر و أربعاء و خميس و أربعاء في شهر آخر ل

خبر أبي بصير(3)«سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر، فقال: في كل عشرة أيام يوم الخميس و أربعاء و خميس، و الشهر الذي يليه أربعاء و خميس و أربعاء»

، أو الأربعاء و الخميس و الجمعة، أو الخميس بين أربعاءين، ل

خبر إسماعيل بن داود(4)قال:

«سألت الرضا (عليه السلام) عن الصيام فقال ثلاثة أيام في الشهر الأربعاء و الخميس و

الجمعة فقلت: ان أصحابنا يصومون أربعاء بين خميسين، فقال لا بأس بذلك، و لا بأس بخميس بين أربعاءين»

، أو الاثنين و الأربعاء و الخميس، أو في كل عشرة يوما، ل

خبر أبي بصير(5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن صوم السنة فقال:

صيام الثلاثة أيام من كل شهر الخميس و الأربعاء و الخميس، و ان شاء الاثنين و الأربعاء و الخميس و ان شاء في كل عشرة يوما، كان ذلك ثلاثين حسنة، و ان أحب أن يزيد على ذلك فليزد»

بل الظاهر الاكتفاء في أصل الاستحباب بصيام ثلاثة أيام


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 5 و 8 و 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 23.

ج 17، ص: 91

من الشهر متوالية أو متفرقة من أوله أو آخره،

قال عمار بن موسى (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عليه الثلاثة أيام من الشهر هل يصلح له أن يؤخرها أو يصومها في آخر الشهر قال: لا بأس، قلت: يصومها متوالية أو يفرق بينها قال: ما أحب ان شاء متوالية و ان شاء فرق بينها»

و سأل علي بن جعفر(2)أخاه (عليه السلام) «عن صيام الثلاثة أيام في كل شهر تكون على الرجل

يصومها متوالية أو يفرق بينها قال: أي ذلك أحب»

و حمل ذلك على خصوص القضاء لا داعي اليه.

و قد يظهر لك من ذلك كيفيات متعددة لصوم الثلاثة و ان كان آكدها ما في المتن، و لا ينافيه

مرسل الفقيه (3)«انه سئل العالم خميسان يتفقان في آخر العشر فقال: صم الأول فلعلك لا تلحق الثاني»

و ان حكي عن ابن أبي عقيل الفتوى به لإمكان حمله على كون الثاني يوم الثلاثين من الشهر، و حينئذ فيستحب صوم الأول، لاحتمال النقص في الشهر، مع ان المحكي عن ابن إدريس ان الخميس الأخير هو المؤكد صومه، فان جاء الشهر ناقصا فلا شي ء عليه، و لعله لكثرة ما دل (4)على أفضلية الخميس الأخير في العشر الأخير، و الأول في العشر الأول و علي كل حال فقد اقتصر في الدروس على ذكر بعض الكيفيات، قال: و يتأكد أول خميس في العشر الأول و أول أربعاء في العشر الثاني و آخر خميس في العشر الآخر، و روي خميس بين أربعاءين ثم أربعاء بين خميسين كقول ابن الجنيد، و روي مطلق الخميس و الأربعاء في الأعشار الثلاثة، و الأمر سهل حيث كان الأمر مستحبا و كيف كان فيكره له فيها المجادلة و الجهل و الإسراع إلى الحلف و الايمان بالله، كما انه يستحب له احتمال من يجهل عليه، كل ذلك ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر الفضيل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب.

ج 17، ص: 92

ابن يسار(1): «إذا صام أحدكم الثلاثة أيام من الشهر فلا يجادلن أحدا، و لا يجهل و لا يسرع الى الحلف و الأيمان بالله، و ان جهل عليه احد فليحتمل».

و المشهور بل لا أجد فيه خلافا ان من أخرها يستحب له القضاء ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (2)«و لا يقضي شيئا من صوم التطوع إلا الثلاثة الأيام التي كان يصومها من كل شهر، و لا يجعلها بمنزلة الواجب، إلا أني أحب لك ان تدوم على العمل الصالح»

و غيره، الا انه ظاهر في مشروعية قضائها بمطلق الفوات كما أفتى به في الدروس و غيرها، لكن في المدارك «و لو كان الفوات لمرض أو سفر لم يستحب قضاؤها، لما رواه

الكليني في الصحيح عن سعد ابن سعيد الأشعري (3)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الشهر هل فيه قضاء على المسافر؟ قال: لا»

و إذا سقط القضاء على المسافر سقط عن المريض بطريق أولى، لأنه أعذر منه» قلت: يمكن حمله على عدم التأكد أو الوجوب، ل

خبر عذافر(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أصوم هذه الثلاثة الأيام في الشهر فربما سافرت و ربما أصابتني علة فيجب علي قضاؤها، فقال لي انما يجب قضاء الفرض و اما غير الفرض فأنت فيه بالخيار في السفر و المرض، قال و قال:

المرض قد وضعه الله عز و جل عنك و السفر ان شئت فاقضه، و ان لم تقضه فلا جناح عليك»

و ضعف سنده غير قادح هنا، و لعل نفيه في المرض محمول على إرادة التأكيد أيضا، ل

خبر داود بن فرقد(5)عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر فقال: ان كان من مرض فإذا برأ فليقضه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب آداب الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.

ج 17، ص: 93

و ان كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد»

هذا، و في الروضة انه ان قضاها في مثلها من الأيام أحرز فضيلتهما أي الأداء و القضاء، و لم أره لغيره، قيل:

و لعله لما عرفت من ان العلة في استحباب صومها عرض الاعمال و هو صائم، أو استدفاع العذاب، لكنه كما ترى لا يصلح قاطعا لأصالة عدم تداخل الأسباب فهو حينئذ مشكل، كالمحكي عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام الصائم لرمضان أو

النذر المعين إذا كان فيه أحد الأيام الثلاثة التي يستحب ان يصومها من كل شهر و أيام البيض يحصل له ثواب الواجب و المندوب معا، و كفت نية الواجب عن المندوب و دخل المندوب ضمنا، و كذا لو صام قضاء شهر رمضان أو النذر المعين أو الكفارات أو أي صوم كان من الواجبات في الأيام المندوبات، فإنه يحصل له ثواب الصوم الواجب و المندوب معا، و يكفي فيه نية الواجب و المندوب، اللهم إلا ان يقال ان المستفاد من الأدلة رجحان وجود طبيعة الصوم فيها واجبا أو غيره و مثله ليس من التداخل في شي ء، لكن الكلام في استفادته، و لعله لما ورد من التعليل في صومها المنطبق على ذلك، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و كيف كان فلا خلاف أيضا نصا و فتوى في انه يجوز تأخيرها اختيارا من الصيف الى الشتاء

قال الحسن بن أبي حمزة(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): صوم ثلاثة أيام في الشهر أؤخره في الصيف الى الشتاء فإني أجده أهون علي؟ قال: نعم فاحفظها»

و نحوه غيره، بل قد يستفاد من

خبر الحسن ابن راشد(2)جواز تعجيلها، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أو لأبي الحسن (عليه السلام) الرجل يتعمد الشهر في الأيام القصار يصومه لسنة قال:

لا بأس»

الا اني لم أجد من ذكره، بل في المدارك الاستدلال به على التأخير


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.

ج 17، ص: 94

المزبور الذي هو في الحقيقة من القضاء.

و على كل حال ف ان عجز عن صومها لكبر أو نحوه أو شق عليه ذلك و اشتد استحب له ان يتصدق عن كل يوم بدرهم أو مد من طعام كما استفاضت به النصوص (1)بل قد يستفاد منها استحباب هذا الفداء لترك صومها على كل حال، و لذا خير بينه و بين القضاء في الدروس، و هو جيد و إن كان ما في سؤال كثير منها المشقة و الشدة و نحو هما، إلا ان خصوص المورد لا يخصص الوارد، بل

خبر يزيد بن خليفة(2)ظاهر في غير ذلك أيضا، قال: «شكوت الى أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت: إني أصدع إذا صمت هذه الثلاثة الأيام و شق علي قال: فاصنع كما أصنع، فإني إذا سافرت تصدقت عن كل يوم بمد من قوت أهلي الذي أقوتهم به»

كما انه يستفاد من

خبر عمر بن يزيد(3)كراهة ترك الصوم مع القدرة و العدول الى الفداء، قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) ان الصوم أشد علي فقال لي: الدرهم تصدق به أفضل من صيام يوم، ثم قال:

و ما أحب ان تدعه»

و لا ينافي ذلك ما استفاض في النصوص (4)ان الصدقة بدرهم أفضل من صيام يوم بعد إمكان إرادة مطلق اليوم منه لا أحد الثلاثة و من ذلك كله يظهر لك شدة الندب في صيام هذه الثلاثة، و انها دون الوجوب بيسير، و الله أعلم.

[الثاني صوم أيام الليالي]

و الثاني صوم أيام الليالي البيض و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر عند العلماء كافة كما عن المنتهى و التذكرة للمروي في محكي


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 5 و 6.

ج 17، ص: 95

العلل بسنده الى ابن مسعود(1)«سمعت النبي (صلى الله عليه و آله) يقول: ان آدم لما عصى ربه ناداه مناد من لدن العرش يا آدم اخرج من جواري، فإنه لا يجاورني أحد عصاني، فبكى و بكت الملائكة، فبعث الله عز و جل جبرئيل فأهبطه إلى الأرض مسودا، فلما رأته الملائكة ضجت و بكت و انتحبت و قالت: يا رب خلقا خلقته و نفخت فيه من روحك و أسجدت له ملائكتك، بذنب واحد حولت بياضه سوادا، فنادى مناد من السماء ان صم لربك اليوم، فصام فوافق يوم صومه يوم ثلاثة عشر من الشهر، فذهب ثلث السواد، ثم نودي يوم الرابع عشر ان صم لربك اليوم فصام فذهب ثلثا السواد، ثم نودي في يوم خمسة عشر بالصيام فصام

فأصبح و قد ذهب السواد كله، فسميت أيام البيض للذي رد الله عز و جل فيه على آدم من بياضه، ثم نادى مناد من السماء يا آدم هذه الثلاثة أيام جعلتها لك و لولدك من صامها في كل شهر فكأنما صام الدهر»

الا انه قال الصدوق: هذا الخبر صحيح و لكن الله تبارك و تعالى فوض الى نبيه محمد (صلى الله عليه و آله) أمر دينه فقال عز و جل (2)«ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» فسن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مكان أيام البيض خميسا في أول الشهر و أربعاء في وسط الشهر و خميسا في آخر الشهر، و ذلك صوم السنة، من صامها كان كمن صام الدهر، لقول الله عز و جل (3)«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» قال في المدارك و مقتضاه ان صوم هذه الأيام منسوخ بصوم الخميس و الأربعاء، و ربما كان في بعض الروايات (4)المتضمنة صومها اشعار


1- 1 ذكره في الوسائل مقطعا في الباب- 12- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 و تمامه مذكور في علل الشرائع ج 2 ص 67 المطبوعة عام 1378.
2- 2 سورة الحشر- الآية 7.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 161.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب الحديث 16.

ج 17، ص: 96

بذلك، قلت: لكن فيه- مع عدم المنافاة بين استحبابها و استحباب تلك الثلاثة- ان الإجماع بقسميه على خلافه، نعم في الدروس انه يشعر خبر الزهري (1)بعدم تأكدها، و لعله لأنه عدها من المخير ان شاء صام و ان شاء أفطر، و فيه انه لم يذكر فيه الصوم المندوب قسما و المخير فيه قسما آخر حتى يكون فيه اشعار

بذلك و انما اقتصر فيه على المخير و عد منه هذه الأيام، فليس المراد منه الا عدم الوجوب و الحرمة، هذا. و قد اعترف الفاضل و غيره بعدم العثور على نص من طرقنا يدل على استحبابها عدا خبر الزهري و الخبر المزبور.

قلت: لكن في

قرب الاسناد عن الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان (2)عن جعفر (عليه السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان ينعت صيام رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: صام رسول الله (صلى الله عليه و آله) الدهر كله ما شاء الله ثم ترك ذلك و صام صيام داود يوما لله و يوما له ما شاء الله ثم ترك ذلك فصام الاثنين و الخميس ما شاء الله ثم ترك ذلك و صام البيض ثلاثة أيام من كل شهر فلم يزل ذلك صيامه حتى قبضه الله اليه»

و في المحكي عن

الدروع الواقية لابن طاوس (3)عن كتاب تحف العقول تأليف عبد الرحمن بن محمد الحلواني عن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أتاني جبرئيل فقال قل لعلي: صم من كل شهر ثلاثة أيام يكتب لك بأول يوم تصوم عشرة آلاف سنة و الثاني ثلاثون ألف سنة و الثالث مأة ألف سنة، قلت يا رسول الله (صلى الله عليه و آله): لي ذلك خاصة أم للناس عامة؟ فقال: يعطيك الله ذلك و لمن عمل مثل ذلك، فقلت: ما هي يا رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟ قال: الأيام البيض من

كل شهر، و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر»

و قال أيضا وجدت في

تاريخ نيسابور في ترجمة الحسن بن


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 و الثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 و الثاني عن الدروع الواقية نقلا من كتاب تحفة المؤمن.

ج 17، ص: 97

جعفر(1)بإسناده الى الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال:

«سئل رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن صوم أيام البيض فقال: صيام مقبول غير مردود»

و دعوى ان المراد بأيام البيض الثلاثة الأيام أي الخميسان بينهما أربعاء للمحكي عن ابن أبي عقيل «فأما السنة من الصيام فصوم شعبان و صيام البيض و هي ثلاثة في كل شهر متفرقة أربعاء بين خميسين: الخميس الأول من العشر الأول و الأربعاء الآخر من العشر الأوسط و خميس من العشر الأخير» كما ترى لا تنطبق على ما جاء في وجه التسمية في اللغة و الخبر و غيرها، و الظاهر الاجتزاء بما كان منها أول أربعاء عنها و عن ثاني الثلاثة، و ليس من التداخل في شي ء، بل من اجتماع عنوان الأمرين، و الله أعلم.

[الثالث صوم يوم الغدير]

و الثالث صوم يوم الغدير و هو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة الذي نصب فيه رسول الله (صلى

الله عليه و آله) أمير المؤمنين (عليه السلام) اماما للناس و علما لهم (2)و قد

قال الصادق (عليه السلام) في خبر الحسن بن راشد(3): «ان صومه يعدل ستين شهرا»

و زاد في آخر(4)«من أشهر الحرم»

بل قال في

خبر العبدي(5): «انه يعدل مأة حجة و مأة عمرة مبرورات متقبلات»

و قال أيضا في

خبر المفضل ابن عمران (6): «صومه كفارة ستين سنة»

و في خبره الآخر(7): «من صامه كان أفضل من عمل ستين سنة»

الى غير ذلك مما ورد في فضله و في ذكر من صامه من الأنبياء و الأوصياء الذين نصبوا فيه، و في ذكر ما وقع فيه في الأزمنة السابقة مما فيه قوة الدين و كسر شوكة الكافرين و المنافقين، و من أعجب ما اتفق فيه نصب رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمير المؤمنين (عليه السلام) علما للعباد و قد خذلوه الى أن


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 8.
7- 7 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 7.

ج 17، ص: 98

قتل عثمان فيه و بايع الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) في ذلك اليوم و تمام، التعرض لشرح هذا اليوم ليس هذا محله، فليطلب من مظانه.

[الرابع صوم يوم مولد النبي (صلى الله عليه و آله)]

و الرابع صوم يوم مولد النبي (صلى الله عليه و آله) و هو سابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور ل

خبر إسحاق بن عبد الله (1)عن أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) في حديث «ان الأيام التي يصام فيها اربع: يوم مولد النبي (صلى الله عليه و آله) يوم سابع عشر من شهر ربيع الأول»

و في المصباح (2)روي عنهم (عليهم السلام) «انهم قالوا من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول كتب الله له صيام سنة»

و في

خبر العريضي (3)«ركب أبي و عمومتي الى أبي الحسن (عليه السلام) و قد اختلفوا في الأيام التي تصام في السنة و هو مقيم بقرية قبل مسيره إلى سر من رأى فقال لهم: جئتم تسألون عن الأيام التي تصام في السنة فقالوا: ما جئناك إلا لهذا فقال: اليوم السابع عشر من ربيع الأول و هو اليوم الذي ولد فيه رسول الله

(صلى الله عليه و آله) و اليوم السابع و العشرون من رجب، و هو اليوم الذي بعث فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) و اليوم الخامس و العشرون من ذي القعدة، و هو اليوم الذي دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة، و اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، و هو يوم الغدير»

و عن المفيد في مسار الشيعة اليوم السابع عشر من ربيع الأول كان مولد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و لم يزل الصالحون من آل محمد (صلى الله عليه و آله) على قديم الأوقات يعظمونه و يعرفون حقه


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1 عن إسحاق بن عبد الله أيضا إلا انه سهو فان الموجود في التهذيب ج 4 ص 305 الرقم 922 عن أبي إسحاق بن عبد الله كما هو كذلك في الوسائل في الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 و الباب- 15- منها الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.

ج 17، ص: 99

و يرعون حرمته و يتطوعون بصيامه،

قال: و روي (1)عن أئمة الهدى (عليهم السلام):

انهم قالوا: «من صام يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول و هو مولد سيدنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) كتب الله له صيام سنة»

و قال في المقنعة: «

ورد الخبر(2)عن الصادقين (عليهم السلام) بفضل صيام أربعة أيام في السنة: يوم السابع عشر من ربيع الأول، و هو اليوم الذي ولد فيه رسول الله (صلى الله عليه و آله) الى ان قال: و يوم السابع و العشرين من رجب، و هو اليوم الذي بعث فيه، فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة، و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة

دحيت الأرض، و يوم الغدير نصب رسول الله (صلى الله عليه و آله) أمير المؤمنين (عليه السلام) اماما»

و في المحكي عن روضة الواعظين

روى (3)«ان يوم السابع عشر من ربيع الأول يوم مولد النبي (صلى الله عليه و آله) فمن صامه كتب الله له صيام ستين سنة»

فما عن الكليني- من انه يوم الثاني عشر منه كما عن المشهور (الجمهور ظ) بل عن حاشية القواعد للشهيد الثاني و لعله اثبت- غير واضح.

[الخامس يوم مبعثه]

و الخامس يوم مبعثه و هو اليوم السابع و العشرين من رجب للخبر السابق (4)و

خبر الحسن بن راشد(5)عن الصادق (عليه السلام) «لا تدع صيام سبعة و عشرين من رجب، فإنه هو اليوم الذي أنزلت فيه النبوة على محمد (صلى الله عليه و آله) و ثوابه مثل ستين شهرا لكم»

بل

قال (عليه السلام) في خبر عبد الله بن طلحة(6): «من صام يوم سبعة و عشرين من رجب كتب الله له صيام سبعين سنة»

و قال أيضا في خبر كثير النواء(7)«في اليوم السابع و العشرين منه أي رجب نزلت النبوة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6 مع الاختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.

ج 17، ص: 100

على رسول الله (صلى الله عليه و آله) من صام هذا اليوم كان ثوابه من صام ستين شهرا»

كقول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في مرسل سهل بن زياد(1)الى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها ما في

خبر الحسن بن بكار الصيقل (2)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «بعث الله محمدا (صلى الله عليه و آله) لثلاث ليال مضين من رجب و صوم ذلك اليوم كصوم سبعين عاما»

بعد ما حكي عن سعد انه قال كان مشايخنا يقولون إن ذلك غلط من الكاتب، و انه لثلاث بقين من رجب.

[السادس يوم دحو الأرض]

و السادس يوم دحو الأرض من تحت الكعبة، و هو اليوم الخامس و العشرين من ذي القعدة الذي في ليلته ولد إبراهيم (عليه السلام) و ولد عيسى (عليه السلام) و في

خبر الوشاء(3)«و فيها دحيت الأرض من تحت الكعبة، من صام ذلك اليوم كان كمن صام ستين شهرا»

و أرسل الصدوق (4)عن موسى بن جعفر (عليهما السلام) انه قال: «في خمس و عشرين من ذي القعدة أنزل الله الكعبة البيت الحرام، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة سبعين سنة، و هو أول يوم انزل الله فيه الرحمة من السماء على آدم (عليه السلام)

و في مرسل سهل بن زياد(5)عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) في حديث قال: «و في خمس و عشرين من ذي القعدة وضع البيت، و هو أول رحمة وضعت على وجه الأرض، فجعله الله عز و جل مَثابَةً لِلنَّاسِ وَ أَمْناً، من صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا»

و قال محمد بن عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 و في النسخة الأصلية«. من رجب و ورد صوم ذلك اليوم بصوم سبعين عاما».
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.

ج 17، ص: 101

الصيقل (1): «خرج علينا أبو الحسن الرضا (عليه السلام) في يوم خمس و عشرين من ذي القعدة فقال: صموا فإني أصبحت صائما، قلنا: جعلنا فداك أي يوم هو؟ قال: يوم نشرت فيه الرحمة و دحيت فيه الأرض و نصبت فيه الكعبة و هبط فيه آدم»

و عن عبد الله بن عباس (2)قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) في خلال حديث:

«انزل الله الرحمة لخمس ليال بقين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم كان كصوم ستين سنة»

و عن ابن طاوس بسنده الى عبد الرحمن السلمي (3)عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس و عشرين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم و قام تلك الليلة فله عبادة سنة صام نهارها و قام ليلها»

و عنه انه قال في رواية(4)«خمس و عشرين ليلة من ذي القعدة أنزلت الرحمة من السماء، و انزل تعظيم الكعبة على آدم، فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شي ء بين السماء و الأرض»

و في

خبر إسحاق بن عبد الله (5)عن أبي الحسن علي بن محمد (عليه السلام) في حديث قال: «الأيام التي يصام فيهن أربعة- الى ان قال- و يوم الخامس و العشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض»

الى غير ذلك من النصوص، و حينئذ فلا إشكال في تأكد صومه.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 8 عن عبد الله بن مسعود و فيه « كان كصوم سبعين سنة»
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 7 و في الأول « عبادة مائة سنة».
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 9 و في الأول « عبادة مائة سنة».
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6 هكذا في الوسائل الا ان الصحيح أبو إسحاق بن عبد الله كما تقدم الإشارة إليه في ص 98.

ج 17، ص: 102

نعم في المحكي من حاشية القواعد لثاني الشهيدين دحو الأرض بسطها و المراد هنا بسطها من تحت الكعبة، و هو يقتضي خلق الكعبة قبل بسط الأرض و الموجود في الرواية(1)انه في اليوم الخامس و العشرين من ذي القعدة، و في بعض الروايات (2)دحو الكعبة لا الأرض، و كلها ضعيفة جدا و الحكم بها مشكل لما علم من ان الله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، و ان المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة، و هو يقتضي خلق السموات قبل ذلك، فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة، مع ان

ابن بابويه روى (3)ان الكعبة أنزلت يوم التاسع و العشرين من ذلك الشهر،

و إثبات مثل هذه الاحكام المتناقضة بالأخبار الضعيفة بعيد و ان اشتهرت، فرب مشهور لا أصل له، و قد يدفع بأن دحوها غير خلقها، لقوله تعالى (4)«بَعْدَ ذلِكَ دَحاها» و اما دحو الكعبة فبمعنى دحو الأرض من تحتها، أو على ظاهره و لا منافاة، فإن الأرض قبل الدحو انما كانت موضع الكعبة، فدحوها هو دحو الأرض بعينه، و أما رواية(5)نزول الكعبة في يوم التاسع و العشرين فالمراد بها الياقوتة أو الدرة التي كانت هناك قبل الطوفان كما ورد في الاخبار(6)و بفهم منها انها الكعبة و القطعة من الأرض موضعها، فالمراد بها في اخبار

النزول هي الجوهرة، و في اخبار الدحو موضعها، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
4- 4 سورة النازعات- الآية 30.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
6- 6 البحار المجلد 22 ص 14 و 15 من طبعة الكمپاني.

ج 17، ص: 103

[السابع صوم يوم عرفة]

و السابع صوم يوم عرفة و هو اليوم التاسع من ذي الحجة لمن لم يضعفه الصوم عما عزم عليه من الدعاء كما و كيفا و يحقق الهلال على وجه لا يقع في صوم العيد، ل

خبر سليمان الجعفري (1)«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف، و يأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه الحر»

و أرسل الصدوق (2)عن الصادق انه قال:

«صوم يوم التروية كفارة سنة، و صوم يوم عرفة كفارة سنتين»

بل قال:

روي (3)«ان في تسع من ذي الحجة نزلت توبة داود، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة»

و في

صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) «انه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: أنا أصومه»

و في

خبر عبد الرحمن (5)عن أبي الحسن (عليه السلام) «صوم يوم عرفة يعدل السنة»

الى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها وقوع ترك صومه من بعضهم (عليهم السلام) المحتمل كونه للضعف عن الدعاء، و مخافة الوقوع في صوم العيد، و مخافة الناسي به، فيكون واجبا، كما نص عليه

الحسين (عليه السلام) في خبر سالم (6)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «اوصى رسول الله (صلى الله عليه و آله) الى علي (عليه السلام) وحده، و اوصى علي (عليه السلام) الى الحسن و الحسين (عليهما السلام) جميعا، فكان الحسن امامه، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن (عليه السلام) و هو يتغدى و الحسين (عليه السلام) صائم، ثم جاء بعد ما قبض الحسن (عليه السلام) فدخل على الحسين (عليه السلام) يوم عرفة و هو يتغدى و علي بن الحسين (عليه السلام) صائم ثم دخلت عليك و أنت مفطر، فقال: ان الحسن (عليه السلام) كان إماما فأفطر


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 13.

ج 17، ص: 104

لئلا يتخذ صومه سنة و ليتأسى به الناس، فلما قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي»

و لعله على ذلك ينزل

خبر محمد بن مسلم (1)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان»

و على ان المراد لم يصمه بعنوان الوجوب، أو لأنه يضعفه عن الدعاء، فإن الذي يظهر من النصوص ان الدعاء فيه أفضل من صومه

قال محمد بن مسلم (2)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صوم يوم عرفة فقال:

من قوي عليه فحسن ان لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء و مسألة فصمه و ان خشيت ان تضعف عن ذلك فلا تصمه»

و قال سدير(3)«سألته أيضا عن صوم يوم عرفة فقلت: جعلت فداك انهم يزعمون انه يعدل صوم السنة قال: كان أبي لا يصومه، قلت: و لم ذاك جعلت فداك؟ قال: انه يوم دعاء و مسألة، و أتخوف أن يضعفني عن الدعاء و اكره أن أصومه، و أتخوف ان يكون يوم عرفة يوم اضحى و ليس بيوم صوم»

و منه يعلم الوجه في اعتبار تحقق الهلال في استحباب صومه؛ كما انه يمكن ان يكون الترك من بعض أئمتنا (عليهم السلام) لصومه لغلبة كونه عيدا في تلك الأزمنة كما

عن الصادق (عليه السلام)(4)«انه لما قتل الحسين (عليه السلام) أمر الله ملكا ينادي

أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم و لا فطر»

و في حديث آخر(5)«لا وفقكم الله لفطر و لا اضحى»

بل مقتضاه كالخبر السابق كراهية صومه في الحالين المزبورين المنزل عليهما


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6.
4- 4 الفقيه ج 2 ص 54- الرقم 236.
5- 5 الفقيه ج 2 ص 54- الرقم 237.

ج 17، ص: 105

خبر زرارة(1)عن الصادقين (عليهما السلام) «لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكة و لا في المدينة و لا في وطنك و لا في مصر من الأمصار»

و الله أعلم.

[الثامن صوم يوم عاشوراء]

و الثامن بلا خلاف أجده فيه، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه صوم يوم عاشوراء و هو اليوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه أبو عبد الله (عليه السلام) لا التاسع كما عن ابن عباس في أحد النقلين عنه، ل

خبر أبي همام (2)عن أبي الحسن (عليه السلام) «صام رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم عاشوراء»

و خبر عبد الله بن ميمون القداح (3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «صيام يوم عاشوراء كفارة سنة»

و خبر مسعدة بن صدقة(4)عن الصادق عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) قال:

صوموا العاشوراء التاسع و العاشر فإنه يكفر ذنوب سنة»

و خبر كثير النواء(5)عن الباقر (عليه السلام) «لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح من معه من الجن و الإنس أن يصوموا ذلك اليوم».

لكن قيده المصنف و جماعة بأن يكون على وجه الحزن لمصاب سيد شباب أهل الجنة (عليه السلام) و ما جرى عليه في ذلك اليوم مما ينبغي لوليه ان يمنع نفسه عن الطعام و الشراب طول عمره فضلا عن ذلك اليوم، لا أن يكون على جهة التبرك و الشكر كما يصنعه بنو أمية و اتباعهم، و بذلك جمع الشيخان و غير هما بين ما سمعت و بين النصوص المتضمنة للنهي عن صومه، ك

صحيح زرارة و محمد بن مسلم (6)«سألا الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم تاسوعاء و عاشوراء من شهر المحرم فقال (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2 و هو خبر أبان عن عبد الملك.

ج 17، ص: 106

تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين (عليه السلام) و أصحابه بكربلاء، و اجتمع عليه خيل أهل الشام و أناخوا عليه، و فرح ابن مرجانة و

عمر بن سعد بتوافر الخيل و كثرتها و استضعفوا الحسين (عليه السلام) و أصحابه كرم الله وجوههم، و أيقنوا ان لا يأتي الحسين (عليه السلام) ناصر و لا يمده أهل العراق، بابي المستضعف الغريب، ثم قال: و اما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين (عليه السلام) صريعا بين أصحابه، و أصحابه صرعى حوله، أ فصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا و رب البيت الحرام ما هو يوم صوم و ما هو إلا يوم حزن و مصيبة دخلت على أهل السماء و أهل الأرض و جميع المؤمنين، و يوم فرح و سرور لابن مرجانة و آل زياد و أهل الشام غضب الله عليهم و على ذرياتهم، و ذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلاف بقعة الشام، فمن صام أو تبرك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب و مسخوطا عليه، و من اذخر فيه الى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقا في قلبه الى يوم يلقاه، و انتزع البركة عنه و عن أهل بيته و ولده، و شاركه الشيطان في جميع ذلك»

و خبر جعفر بن عيسى (1)«سألت الرضا (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء و ما يقول الناس فيه، فقال: عن صوم ابن مرجانة تسألني، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين (عليه السلام) و هو يوم يتشأم به آل محمد (صلى الله عليه و آله) و يتشأم به أهل الإسلام، و اليوم الذي يتشأم به لا يصام و لا يتبرك به، و يوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه (صلى الله عليه و آله)، و ما أصيب آل محمد (صلى الله عليه و آله) إلا يوم الاثنين، فتشأمنا

منه و تبرك به عدونا، و يوم عاشوراء قتل فيه الحسين (عليه السلام) و تبرك به ابن مرجانة و تشأم به آل محمد (صلى الله عليه و آله) فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك و تعالى ممسوخ القلب، و كان محشره مع الذين سنوا صومهما و التبرك بهما»

و خبر يزيد النرسي (2)قال: «سمعت عبيد بن زرارة


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4 عن زيد النرسي.

ج 17، ص: 107

يسأل الصادق (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال: من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة و آل زياد، قال: قلت و ما كان حظهم من ذلك قال:

النار أعاذنا الله من النار و من عمل يقرب من النار»

و خبر نجية بن الحرث العطار(1)«سألت الباقر (عليه السلام) عن صوم يوم عاشوراء فقال: صوم متروك بنزول شهر رمضان، و المتروك بدعة قال: نجية فسألت الصادق (عليه السلام) من بعد أبيه فأجابني بمثل جواب أبيه، ثم قال: أما انه صوم يوم ما نزل به كتاب و لا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين (عليه السلام)»

و منه يعلم ان صومه كان واجبا خلافا لأبي حنيفة، و

خبر زرارة(2)عن الباقر (عليه السلام) أيضا «لا تصم في يوم عاشوراء و لا عرفة بمكة»

و قد تقدم، و

خبر الحسين بن أبي منذر(3)عن أبيه عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن صوم عرفة فقال: عيد من أعياد المسلمين و يوم دعاء و مسألة، قلت: فصوم عاشوراء قال: ذلك يوم قتل فيه الحسين (عليه السلام) فان كنت شامتا فصم، ثم قال: ان آل أمية نذروا انذرا ان قتل الحسين (عليه السلام) ان يتخذوا ذلك عيدا لهم، فيصومون شكرا و يفرحون، فصارت آل سفيان سنة الى اليوم، فلذلك يصومونه و يدخلون على عيالاتهم و أهاليهم الفرح ذلك اليوم، ثم قال ان الصوم لا يكون للمصيبة، و لا يكون إلا شكرا للسلامة، و ان الحسين (عليه السلام) أصيب يوم عاشوراء، فان كنت فيمن أصيب به فلا تصم و ان كنت ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا لله».

بل جزم بعض متأخري المتأخرين بالحرمة ترجيحا لهذه النصوص و حملا لتلك على التقية، و أن صوم رسول الله (صلى الله عليه و آله) انما كان قبل نزول شهر رمضان


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 7 و هو عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه.

ج 17، ص: 108

لا على الوجه المزبور الذي قد ينافيه

قول الصادق (عليه السلام)(1)«ان الصوم لا يكون للمصيبة»

الى آخره. لكن فيه- مع انه مناف لظاهر اتفاق الأصحاب و معلومية حصر الحرمة في غيره- ان أقصى ما يستفاد من هذه النصوص الكراهة خصوصا بعد جمعه مع الاثنين و مع يوم عرفة، كمعلومية أن المذموم و المنهي عنه اتخاذه كما يتخذه المخالفون و التبرك به و إظهار الفرح و السرور فيه، لا أن المنهي عنه مطلق صومه و انه كالعيد و أيام التشريق و إلا لم يكن ليخفى مثل ذلك على زرارة و محمد بن مسلم حتى يسألا عنه، ضرورة حينئذ كونه كصوم العيدين، نعم قد يقال بنفي التأكد عنه لمشاركته في الصورة لأعداء الله و ان اختلفت النية، بل لعل ذلك انما يكون إذا لم يتمكن من إفطاره و لو للتقية، فينوي فيه الوجه المزبور لا مطلقا، خصوصا مع ملاحظة

خبر عبد الله بن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن، و دموعه تنحدر كاللؤلؤ المتساقط، فقلت يا بن رسول الله (صلى الله عليه و آله) مم بكاؤك لا ابكى الله عينيك، فقال لي: أو في غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين (عليه السلام) أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ قال لي صمه من غير تبييت و أفطره من غير تشميت، و لا تجعله صوم يوم كملا، و ليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء، فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل الرسول (صلى الله عليه و آله) و انكشف الملحمة عنهم»

و خصوصا بعد ما روي (3)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 7.
2- 2 المستدرك- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 9.
3- 3 علل الشرائع- ج- 1- الباب 162- الحديث 3- ص 217 الطبع الحديث.

ج 17، ص: 109

ميثم التمار في حديث طويل مما يدل على كذب ما ذكروا وقوعه فيه من خروج يونس من بطن الحوت، و استواء سفينة نوح على الجودي، و قبول توبة داود و توبة آدم، و يوم فلق الله البحر لبني إسرائيل، و به يظهر ضعف خبر كثير النواء(1)الذي روى ذلك، مضافا الى ما قيل فيه (2)من أنه بتري عامي قد تبرأ الصادق (عليه السلام) منه في الدنيا و الآخرة، و على كل حال فلا ريب في جواز صومه سيما على الوجه الذي ذكره الأصحاب، و ما في المسالك من أن مرادهم بصومه على جهة الحزن الإمساك إلى العصر كما في الخبر المزبور واضح الضعف، بل يمكن القطع بفساده بأدنى ملاحظة، و الله أعلم.

[التاسع صوم يوم المباهلة]

و التاسع صوم يوم المباهلة بأمير المؤمنين (عليه السلام) و زوجته و ولديه (عليهما السلام) و هو اليوم الرابع و العشرين من ذي الحجة، قيل و هو الذي تصدق فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه في ركوعه (3)فنزل قوله تعالى (4)«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ

الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ» و أظهر الله فيه نبيه (صلى الله عليه و آله) على خصمه (5)كما أنه ظهر فيه قرب سيدنا علي (صلوات الله عليه) من ربه و أنه نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم)(6)فهو حينئذ أشرف الأيام الذي ينبغي فيه الصيام


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
2- 2 راجع رجال الكشي في ترجمة كثير النواء.
3- 3 البحار- ج 35 ص 190 الطبع الحديث.
4- 4 سورة المائدة- الآية 60.
5- 5 إرشاد المفيد ص 78 و البحار المجلد 6- الباب 62 ص 639 و المجلد 9 الباب 7 من طبعة الكمپاني و ص 257 من ج 35 الطبع الحديث.
6- 6 البحار- ج 35 ص 257 الطبع الحديث.

ج 17، ص: 110

شكرا لهذه النعم الجسام و المنن العظام.

[العاشر و الحادي عشر صوم كل خميس و كل جمعة]

و العاشر و الحادي عشر صوم كل خميس لانه اليوم الذي تعرض فيه الاعمال و كل جمعة ل

خبر الزهري (1)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «و أما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الخميس و الجمعة و الاثنين»

و قول الرضا (عليه السلام) في المحكي عن العيون (2)بسنده اليه «من صام يوم الجمعة صبرا و احتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرر زهر لا تشاكل أيام الدنيا»

و خبر هشام (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يريد أن يفعل شيئا من الخير مثل الصدقة و الصوم و نحو هذا قال: يستحب أن

يكون ذلك يوم الجمعة، فإن العمل يوم الجمعة يضاعف»

و قال عبد الله بن سنان(4): «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) صائما يوم الجمعة فقلت له: جعلت فداك ان الناس يزعمون انه يوم عيد، فقال:

كلا انه يوم خفض و دعة»

و للمحكي من فعله في

خبر محمد بن مروان (5)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصوم حتى يقال لا يفطر، و يفطر حتى يقال لا يصوم، ثم صام يوما و أفطر يوما، ثم صام الاثنين و الخميس، و كان (عليه السلام) يقول: ذلك صوم الدهر»

، و في

خبر أنس بن مالك (6)المروي في المقنعة عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من صام من شهر حرام الخميس و الجمعة و السبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة»

لكن عن ابن الجنيد ان صوم الاثنين و الخميس منسوخ، و صوم السبت منهي عنه عن النبي (صلى الله عليه و آله)، و فيه كما في المختلف و كذا الدروس انه لم يثبت عندنا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5 مع الاختلاف.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الصوم المندوب الحديث 4.

ج 17، ص: 111

شي ء من ذلك، و لم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك، نعم روى جعفر بن عيسى (1)عن الرضا (عليه السلام) ما سمعته سابقا في صوم عاشوراء، فان صح كان صوم الاثنين مكروها لا منسوخا، و إلا فلا، و كذا ما حكي عنه أيضا من انه لا يستحب إفراد يوم الجمعة بصيام، فان تلا به ما قبله أو استفتح جاز، نحو ما رواه

الجمهور عن أبي هريرة الكذاب (2)عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده»

و روايتهم (3)«انه سأل رجل جابر بن عبد الله و هو يطوف فقال له: سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) نهى عن صيام يوم الجمعة قال: نعم و رب الكعبة»

و في شرح الأصبهاني انه ان صح يمكن حمله على كراهيته لمن يضعفه عن الفرائض و نوافل الجمعة و الأدعية و أداء صلاتها على وجهها و السعي، و هو كما ترى انما يحتمل في الأخير دون الأول الموافق

للمروي (4)عن العيون بسنده الى آدم بن فضة عن الرضا (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) «لا تفرد الجمعة بصوم»

كما أن ما في الوسائل- من احتمال الأول النسخ، و التأويل بإرادة نفي الوجوب، و كون الاستثناء منقطعا، أو الكراهة، أو نفي تأكد

الاستحباب قال: و هما متقاربان- لا يخفى عليك ما فيه، فليس حينئذ إلا الطرح أو نحوه للقصور، خصوصا بعد اعتضاد الأول بفتوى الأصحاب، أو يحمل على الزيادة في التأكد كما أومأ إليه الشيخ في المصباح، قال: روي الترغيب في صومه إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
2- 2 صحيح مسلم ج 3 ص 154« باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا» 3 من كتاب الصيام.
3- 3 صحيح مسلم ج 3 ص 154« باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا» 1 من كتاب الصيام.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3 عن دارم بن قبيصة.

ج 17، ص: 112

ان الأفضل ان لا ينفرد بصومه الا بصوم يوم مثله قبله، و الأمر سهل.

[الثاني عشر أول ذي الحجة]

و الثاني عشر أول ذي الحجة ل

مرسل سهل (1)عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) «في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام) فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا»

و لا ينافيه ما في

خبر الوشاء(2)عن الرضا (عليه السلام) المتقدم «ليلة خمس و عشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم (عليه السلام)»

لاحتمال كونه ابن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و

مرسل (3)ابن بابويه و غيره عن موسى بن جعفر (عليه السلام) «من صام أول يوم من ذي الحجة

كتب الله له صوم ثمانين شهرا، فان صام التسع كتب الله له صوم الدهر»

بل قال في المحكي عنه في كتاب ثواب الأعمال انه

روي (4)«من صامه كان كفارة تسعين سنة»

كما انه

روي (5)فيه مسندا إلى عائشة «ان شابا كان صاحب سماع و كان إذا أهل هلال ذي الحجة أصبح صائما، فارتفع الحديث الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فأرسل إليه فدعاه فقال: ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ فقال: بأبي أنت و أمي يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أيام المشاعر و أيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم، قال: فان لك بكل يوم تصومه عدل عتق مأة رقبة و مأة بدنة و مأة فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم التروية فلك عدل ألفي رقبة و ألفي بدنة و ألفي فرس يحمل عليها في سبيل الله، فإذا كان يوم عرفة فلك عدل ألفي رقبة و ألفي بدنة و ألفي فرس يحمل عليها في سبيل الله، و كفارة ستين سنة قبلها و ستين سنة بعدها».


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب الصوم المندوب الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
4- 4 لم نجد ذلك في كتاب ثواب الاعمال و انما رواه في الوسائل عن الفقيه في الباب- 18- من أبواب الصوم المندوب الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصوم المندوب الحديث 6.

ج 17، ص: 113

[الثالث عشر و الرابع عشر صوم رجب و كذا شعبان]

و الثالث عشر و الرابع عشر صوم رجب كله أو بعضه و لو يوما منه أولا أو آخرا أو وسطا و كذا شعبان بالضرورة من المذهب أو الدين، بل لا يمكن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سنة سيد المرسلين و عترته الهادين، كما لا يمكن إحصاء ما وعد الله على ذلك إلا لرب العالمين، بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب و أصحابه وجوبه، و جعلوا على إفطاره كفارة، و لعله لذا ترك كثير من الأئمة (عليهم السلام) صيامه مظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب لعنه الله، بل يستفاد مما ورد فيهما أحكام أخر متعلقة بهما كالاستغفار و الصدقة(1)و نحوهما، كما يستفاد من النصوص ثبوت التأكد في غير ذلك أيضا كالنيروز(2)و أول يوم من المحرم و ثالثه و سابعه (3)و التاسع و العشرين من ذي القعدة(4)و ستة أيام بعد العيد(5)لكن في الدروس و فيها بحث ذكرناه في القواعد، و روي صحيحا(6)كراهة صيام ثلاثة بعد الفطر بطريقين، و صوم داود (عليه السلام) يوم و يوم لا(7)و يوم التروية(8)و ثلاثة أيام للحاجة


1- 1 الوسائل- الباب- 27 و 30- من أبواب الصوم المندوب.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب الصوم المندوب.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1 و 2 و 9 و 10 و في الحديث الأخير « فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما».
4- 4 الوسائل- الباب- 17- من أبواب الصوم المندوب.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المحرم و المكروه.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب الصوم المندوب.
8- 8 الوسائل- الباب- 18- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 4 و 6.

ج 17، ص: 114

بالمدينة(1)و يوم النصف من جمادى الأولى (2)و غير ذلك لكن قد سمعت ما في الدروس في الستة الأيام بعد الفطر، و الأولى صومها بعد مضي الثلاثة ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر زياد بن أبي الجلال (3): «لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام و لا بعد الفطر ثلاثة أيام، إنها أيام أكل و شرب»

و سأله (عليه السلام) أيضا عبد الرحمن بن الحجاج (4)عن اليومين بعد الفطر فقال له: «اكره لك ان تصومهما»

كما ان

حريز(5)روى عنهم (عليهم السلام) «إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاثة يمضين»

و ان اقتصر المصنف منه على هذه الأربعة عشر، و الله أعلم.

هذا كله في الصوم المندوب و أما صوم التأديب فقد عرفت فيما تقدم أنه يستحب الإمساك تأديبا و إن لم يكن صوما شرعا، و هو المراد بصوم التأديب كما في خبر الزهري (6)في سبعة مواطن: المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرا فما زاد بعد الزوال أو قبله و قد أفطر، و كذا المريض إذا بري ء بعده أو قبله و قد تناول و تمسك الحائض و النفساء إذا طهرتا في أثناء النهار، و الكافر إذا أسلم، و الصبي إذا بلغ، و المجنون إذا أفاق، و كذا المغمى عليه من غير فرق فيها بين ما قبل الزوال و بعده كما تقدم الكلام فيها مفصلا و لا يجب عندنا صوم النافلة بالدخول فيه إلا في الاعتكاف على


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار من كتاب الحج.
2- 2 مصباح المتهجد ص 554.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1 عن زياد بن أبي الحلال.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2 عن أبي الحسن عليه السلام على ما في الكافي.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 23- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 17، ص: 115

قول يأتي للأصل، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1)في الذي يقضي شهر رمضان: «إنه بالخيار إلى زوال الشمس، و إن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار»

و قوله (عليه السلام) في صحيح عبد الله بن سنان (2): «صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك و بين الليل متى شئت، و صوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فليس لك ان تفطر»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا أجد خلافا في الفتوى بمضمونها، بل الإجماع بقسميه عليه، فالنهي عن إبطال العمل في الآية(3)يجب تنزيله على غير ذلك بناء على شموله له و حينئذ ف له الإفطار في أي وقت شاء و لكن يكره بعد الزوال ل

خبر مسعدة بن صدقة(4)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليه السلام) المحمول على ذلك أو نحوه لقصوره عن معارضة ما دل على الجواز من وجوه لا تخفى، قال: «إن عليا (عليه السلام) قال: الصائم تطوعا بالخيار ما بينه و بين نصف النهار، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم»

و المناقشة بأنه انما يدل على تأكد الندب بعد التجوز بلفظ الوجوب لا الكراهة يدفعها ان المفهوم الأول يقضي بكون المراد من الوجوب مجازا الراجح الفعل المكروه الترك، على انه قد يحتج لها ب

خبر معمر بن خلاد(5)عن أبي الحسن (عليه السلام) «قلت له: النوافل ليس لي ان أفطر فيها بعد الظهر قال: نعم»

و المناقشة باحتمال كون المراد من «نعم» أن لك أن تفطر نحوها في قوله:

أ ليس الليل يجمع أمر عمروو إيانا فذاك بنا تداني

نعم و أرى الهلال كما تراه و يعلوه النهار كما علاني


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 9.
3- 3 سورة محمد صلى الله عليه و آله الآية 35.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب وجوب الصوم الحديث 5.

ج 17، ص: 116

يدفعها انه لا ينافي الظهور الذي يكفي في غيرها من الأحكام فضلا عن الكراهة المبنية على التسامح، نعم ينبغي تقييدها بالإفطار اقتراحا لا الأعم الشامل من دعي إلى طعام، فإنه لا كراهة فيه، بل ربما كره له المضي على الصوم كما ستعرف.

[صوم المكروه]
اشاره

و أما القسم الثالث من الصوم ف المكروه على حسب كراهة غيره من العبادات، و قد ذكر المصنف منه أربعة:

[الأول صوم عرفة لمن خشي أن يضعفه عن الدعاء]

الأول ما عرفته سابقا من صوم عرفة لمن خشي أن يضعفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم و كذا يكره مع الشك في الهلال و لو لوجود غيم و نحوه مما يفيد التخوف أن يكون يوم أضحى، لصحيح محمد بن مسلم (1)و خبر سدير(2)المتقدمين سابقا.

[الثاني صوم النافلة في السفر]

و الثاني ما تقدم سابقا من صوم النافلة في السفر عند المصنف و جماعة عدا ثلاثة أيام

بالمدينة للحاجة و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك، فلاحظ و تأمل.

[الثالث صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه]

و (11) الثالث صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه (12) كما في القواعد و الدروس و المحكي عن سلار، و يقرب منه ما في الغنية من انه يستحب أن لا يصوم إلا باذنه، و نحوه ما في الوسيلة و المنتهى و التذكرة ل

خبر الزهري (3)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «و الضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، قال


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 4 و في الأول النهي عن الصوم مع خوف الضعف فقط، و أما الخوف عن كونه يوم أضحى فهو في خبر سدير كما تقدم في ص 104.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 6 و في الأول النهي عن الصوم مع خوف الضعف فقط، و أما الخوف عن كونه يوم أضحى فهو في خبر سدير كما تقدم في ص 104.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.

ج 17، ص: 117

رسول الله (صلى الله عليه و آله): من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم»

المحمول على ذلك، لعدم صلاحيته سندا لتقييد أصالة الجواز و عدم الاشتراط المستفادة من إطلاق الأمر بالصوم الذي هو جنة من النار

كالنهي (1)في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) التي أكثرها من ذلك، أو المستحب «يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، و لا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه، و لا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه»

خصوصا بعد إشعار «لا ينبغي» مع التعليل في

خبر الفضيل بن يسار(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) بها، قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم، و لا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشي ء فيفسد عليهم، و لا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم، فيشتهي الطعام فيتركه لهم»

بل لعلها تفوح أيضا من

قول الصادق (عليه السلام) في خبر هشام بن الحكم (3)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه، و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه، و من صلاح العبد و طاعته أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه و أمره، و من بر الولد أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه و أمر هما، و إلا كان الضيف جاهلا و كانت المرأة عاصية و كان العبد فاسقا و كان الولد عاقا»

و زاد في

المروي (4)عن العلل في الأخير «و لا يحج تطوعا، و لا يصلي تطوعا»

ضرورة كون المقصود منها المبالغة في تحقق الأوصاف المزبورة، لا ان المراد بيان

المصداق، فإطلاق الشيخين و جماعة النهي عن الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 3.

ج 17، ص: 118

بدون الاذن منزل على ذلك أو محجوج به كالذي في المعتبر و السرائر و النافع و الإرشاد و التلخيص و التبصرة من انه لا يصح، بل و زاد في الثاني يكون مأزورا لا مأجورا بل في الأول الإجماع عليه، و هو مع معارضته بإجماع الغنية الذي يشهد له التتبع و يعضده ما عرفت واضح الضعف بعد مصيره نفسه إلى خلافه هنا، اللهم إلا ان ينزل على النهي فيكون كقوله في المتن و الأظهر انه لا ينعقد مع النهي و هو القول الثالث المفصل بين عدم الاذن فيكره، و بين النهي فلا ينعقد، و فيه ان الأدلة المزبورة قد اعتبرت عدم الاذن الشامل للنهي و عدمه، فلا دليل حينئذ على التفصيل المزبور، اللهم إلا ان يقال بدلالة خبر هشام عليه باعتبار عدم تحقق العقوق و العصيان في الزوجة و العبد إلا بالنهي، و كذا الجهل فان المراد به الجهل بحق المضيف و ما يجب رعايته من جانبه، فان صام بدون إذنه و لا علمه لم يحصل له انكسار قلب إلا إذا قدم ما يتناوله، فيمتنع منه، و هو غير لازم، فلا جهل بالصوم من غير علمه، و انما يكون إذا نهي فلم ينته، و هو كما ترى، فان الجهل لا يتعين ان يكون بالمعنى المذكور، و لو سلم فاقتضاؤه الفساد ممنوع، و أغرب من ذلك الاستدلال عليه بفحوى كراهة استدامة الصوم إذا دعي إلى طعام، فإنها تقتضي مرجوحية الابتداء عند نهي المضيف، و لا تقع العبادة مرجوحة فإنه لا يليق وقوعه من محصل، كما لا يليق بالخريت الماهر المتدبر العارف بأساليب كلامهم (عليهم السلام) و ما يلحنون به من خطاباتهم و يرمزون به فهم غير الكراهة من هذه النصوص القاصرة عن إفادة غيرها سندا و دلالة، كما هو واضح.

و على كل حال فقد قيل: إن الحكم باشتراط الاذن في الصوم صحة أو فضلا ثابت و إن جاء نهارا فلا يتمه إلا بالإذن، لإطلاق النص و الفتوى ما لم تزل الشمس، فان زالت لم يشترط، لإطلاق النص و الفتوى بكراهة الإفطار بعده، و فيه أن بين الإطلاقين تعارض العموم من وجه، و دعوى ظهور الإطلاقات هنا في

ج 17، ص: 119

ابتداء الصوم دون استدامته يمكن معارضتها أولا بظهور ذلك الإطلاق في الاشتراط من حيث الصوم نفسه لا من حيث الضيافة، و ثانيا بأنها منافية لتعميم الاشتراط لما قبل الزوال، و لولا أن الكراهة مما يتسامح بها أمكن القول بعدمها في الفرض للأصل، أما على الحرمة مطلقا أو مع النهي فالمتجه ذلك، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كذا يكره صوم الولد و إن نزل في احتمال من غير إذن والده و إن علا كذلك كما في القواعد و كذا المنتهى و التذكرة لعين ما سمعته في الضيف خلافا للنافع و الإرشاد و التلخيص و التبصرة و الدروس و شرح الإرشاد لفخر الإسلام على ما حكي عن بعضها، فلم يصح لخبر هشام (1)المتقدم الدال على اعتبار إذن الوالدين معا، قيل: و يمكن حمل الوالد في كلام الأصحاب على الجنس الشامل للذكر و الأنثى و الواحد و المتعدد، و هو كما ترى، فلا عامل به حينئذ على ظاهره، و هو مضعف آخر للعمل به، مضافا إلى ضعف سنده و غيره مما عرفت سابقا، و من ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الصحة، بل لعله كذلك حتى مع النهي، لعدم ما يدل على وجوب طاعته في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك من حيث الشفقة التي لا فرق بين الوالد و الوالدة معها، و هو خارج عن محل البحث، و الله أعلم.

[الرابع الصوم ندبا لمن دعي إلى طعام]

و الرابع الصوم ندبا لمن دعي إلى طعام كما ذكره الفاضل و الشهيد، لكن في المدارك و غيرها انه لم نقف على ما يدل عليها من النصوص، و انما تدل على أفضلية القطع التي حكى الاتفاق عليها في المعتبر، قال

علي بن حديد(2):


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 7 عن علي ابن حديد عن عبد الله بن جندب.

ج 17، ص: 120

«قلت لأبي الحسن الماضي (عليه السلام): أدخل على القوم و هم يأكلون و قد صليت العصر و

أنا صائم فيقولون: أفطر فقال: أفطر فإنه أفضل»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر داود(1): «لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من الصيام سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا»

و الترديد من الراوي، أو تقسيم من الامام (عليه السلام) بحسب تفاوت الاخوة و الأغراض و الدواعي، و

قال أبو جعفر (عليه السلام)(2): «من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر و ليدخل عليه السرور، فإنه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيام، و هو قول الله عز و جل (3)مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح جميل (4): «من دخل على أخيه و هو صائم فأفطر عنده و لم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة»

و لعله لذا قيد ابن إدريس الأفضلية بعدم الاعلام، و فيه ان ذلك مستحب في مستحب، و يمكن ان يكون مراده إلى غير ذلك من النصوص التي لا تدل إلا على أفضلية القطع من الصوم، و الاكتفاء بذلك لإثبات الكراهة و إن كانت في العبادة غير واضح.

نعم قد يستدل عليها مضافا إلى فتوى المصنف و غيره بها بما دل على النهي عن معارضة المؤمن و ترك إجابته، بل

قال الصادق (عليه السلام) في خبر سماعة بن مهران (5): «إذا دخلت إلى منزل أخيك فليس لك معه أمر»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر الحسين بن حماد(6): «إذا قال أخوك: كل و أنت صائم فكل و لا تلجئه إلى ان يقسم عليك»

و كفى بذلك دليلا لمثلها.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 6 و في الثالث« قال أبو عبد الله عليه السلام. إلخ».
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 1 و في الثالث« قال أبو عبد الله عليه السلام. إلخ».
3- 3 سورة الأنعام- الآية 161.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 4 و في الثالث« قال أبو عبد الله عليه السلام. إلخ».
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 14 و في الثالث« قال أبو عبد الله عليه السلام. إلخ».
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 11 و في الثالث« قال أبو عبد الله عليه السلام. إلخ».

ج 17، ص: 121

و كيف كان فقد قيل أيضا: إن مقتضى إطلاق النص و الفتوى انه لا فرق بين من هيأ له طعاما و غيره، و بين من يشق عليه المخالفة و غيره، قلت: لكن قد يومي ما في بعضها مما هو كالتعليل لذلك بإدخال السرور و نحوه إلى خلاف ذلك بل في

خبر الحسين بن حماد(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أدخل على رجل و أنا صائم فيقول لي: أفطر فقال: إن كان ذلك أحب إليه فأفطر».

و على كل حال فقد نص الفاضلان و غير هما على اشتراط كونه مؤمنا، و لعله لكونه المتبادر من الأخ، و لأنه الذي رعايته أفضل من الصوم.

ثم إن الحكمة في الإفطار ليست من حيث الأكل بل من حيث إجابة دعاء المؤمن و عدم رد قوله، و انما يتحقق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك و نحوه من إدخال السرور و غيره لا بمجرده؛ لأنه عبادة يتوقف ثوابها على النية، فتأمل جيدا.

و ظاهر المصنف و غيره عدم الفرق في ذلك بين الصوم المندوب و غيره من الواجب الموسع كالقضاء، لإطلاق النص و التعليل بإدخال السرور، و

خبر عبد الله الخثعمي (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره أ يفطر؟ قال: إن كان تطوعا أجزأه و حسب له، و إن كان قضاء فريضة قضاه»

و الله أعلم.

[أما الصوم المحظور]
اشاره

و أما الصوم المحظور ف تسعة:

[الأول و الثاني صوم يومي العيدين]

الأول و الثاني صوم يومي العيدين بإجماع علماء الإسلام و النصوص المستفيضة(3)نعم قد استثنى الشيخ من ذلك خصوص القاتل في أشهر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب آداب الصائم- الحديث 2 عن صالح بن عبد الله الخثعمي.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المحرم و المكروه.

ج 17، ص: 122

الحرم فإنه يصوم شهرين منها و إن دخل فيهما العيد و أيام التشريق، و قد عرفت ضعفه فيما تقدم.

[الثالث و الرابع و الخامس أيام التشريق]

و الثالث و الرابع و الخامس أيام التشريق لمن كان بمنى و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة بلا خلاف معتد به أجده فيه، بل عن الغنية و المعتبر و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و في

خبر الزهري (1)«و أما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر و يوم الأضحى و ثلاثة أيام من أيام التشريق»

و في

خبر زياد بن أبي الجلال (2)عن الصادق (عليه السلام) «لا تصم بعد الأضحى ثلاثة أيام، و لا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل و شرب»

و في

صحيح أبي أيوب (3)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة و دخل عليه ذو الحجة كيف يصنع؟ قال: يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق في منى، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام»

إلى غير ذلك من النصوص التي هي و إن كانت مطلقة كبعض الفتاوي لكن يجب تنزيلها على من كان بمنى، ل

صحيح معاوية بن عمار(4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الصيام أيام التشريق فقال: أما بالأمصار فلا بأس، و أما بمنى فلا»

و للإجماع في الروضة على عدم الحرمة لمن لم يكن بمنى، و ربما لحظ المطلق أن جمعها كاف عن تقييد كونها بمنى لأن أقل الجمع ثلاثة، و أيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1 عن زياد بن أبي الحلال.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.

ج 17، ص: 123

أما في غيرها فيومان لا غير، إذ لا يجزي التضحية بعد اليومين و لا يستحب أو يجب التكبير إلا فيهما، و حينئذ يرتفع الخلاف في البين، و لا يكون قول المصنف هنا:

على الأشهر إشارة إلى هذا الخلاف و إن كان قد يشهد له ما في المعتبر، بل هو إشارة إلى ما سمعته سابقا من خلاف الشيخ في خصوص القاتل في أشهر الحرم كما يشهد لذلك عبارته في النافع، فلاحظ و تأمل، و قد عرفت ضعفه فيما تقدم كما انك قد عرفت و تعرف إن شاء الله ضعف ما عن ابن الجنيد من جواز صيامها بدل كفارة الهدي، و ما عن غيره من جواز صوم الثالث منها في ذلك، إذ الجميع كما ترى مناف لإطلاق النص و الفتوى، هذا.

و في المسالك انه يمكن أن يعود قيد «على الأشهر» إلى ما دل عليه إطلاق تحريم صوم هذه

الأيام لمن كان بمنى، فيكون إشارة إلى خلاف من خص التحريم بالناسك أي بحج أو عمرة، قلت: لكن فيه إنا لم نجده لأحد قبل المصنف، نعم هو للفاضل في القواعد و الإرشاد و إن استشكل فيه في التحرير و التذكرة، و قد رده غير واحد بإطلاق النص و الفتوى، اللهم إلا ان يدعى انسياق ذلك منهما فيبقى إطلاق ما دل على الندب بحاله، لكنه لا يخلو من بحث، و يمكن على تكلف إرجاع القيد إلى جميع ذلك، و الأمر في ذلك كله سهل، هذا، و في كشف الأستاذ أن صومها محرم لمن كان بمنى أو بمكة على الأقوى، منذورة أو لا، قضاء أو لا مبعضة كأن يخرج منها أو يدخلها قبل الزوال أو لا، و أما في غير هما فلا بأس، و لا يخلوا من بحث في البعض، و الله أعلم.

[السادس صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض]

و السادس صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض أي رمضان لورود النهي عنه، و لأنه تشريع، و قد تقدم تفصيل الكلام فيه.

[السابع صوم أيام مطلقة مثلا أو مخصوصة بعنوان الوفاء]
اشاره

و السابع صوم أيام مطلقة مثلا أو مخصوصة بعنوان الوفاء عن نذر المعصية بفعل محرم أو ترك واجب شكرا أو زجرا عن فعل الواجب أو

ج 17، ص: 124

ترك المحرم لا زجرا عن العكس، فإنه يصح حينئذ، و المائز النية، و لا خلاف أجده في حرمة الصوم، بل نسبه بعضهم إلى قطع الأصحاب، و

قال علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري (1): «و صوم نذر المعصية حرام»

كقول النبي (صلى الله عليه و آله) في وصيته (2)لعلي (عليه السلام) فيما رواه الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في خبر حماد بن عمرو و أنس بن محمد عن أبيه جميعا عنه (عليه السلام)، كما انه لا ينبغي الإشكال في حرمة النذر إذا أوقعه بعنوان التقرب به، ضرورة كونه حينئذ تشريعا، و ليس هو كنية المعصية التي يعفو الله عنها إذا لم تقع المعصية كما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين، و ربما كان في

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة الثمالي (3)إشارة اليه، قال: «من صام شعبان كان طهرا له من كل زلة و وصمة قال: قلت: و ما الوصمة؟ قال: اليمين في المعصية، و النذر في المعصية»

كصحيح محمد بن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) «انه سئل عن امرأة جعلت مالها هديا، و كل مملوك لها حرا إن كلمت أختها أبدا، قال: تكلمها و ليس هذا بشي ء إنما هذا و شبهه من خطرات الشياطين»

بل ربما ظهر من الأصبهاني و غيره أن مبنى الحرمة في الصوم التي يتبعها الفساد التشريع أيضا، و اليه يرجع ما في المدارك

من انه لا ريب في عدم انعقاد هذا النذر و تحريم الصوم على هذا الوجه، لأن الصوم يفتقر إلى القربة، و هذا مما لا يمكن التقرب به، قلت: لا يخفى عليك أن المتجه بناء على ذلك تعميم الحكم لكل صوم نذر لم ينعقد إذا جاء على هذا الوجه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الايمان- الحديث 2.

ج 17، ص: 125

من غير فرق بين المعصية و غيرها، و هو مشكل باعتبار كون النهي لأمر خارج عن حقيقة الصوم المأمور به لنفسه قبل النذر، و انما أفاده النذر إلزاما، فيمكن أن يقال بالصحة بعد فرض نية التقرب بالصوم و إن لاحظ مع ذلك حيثية النذر، نعم خرج من ذلك للنص و الفتوى صوم نذر المعصية، و يبقى غيره على الأصل، بل قد يقال بالاقتصار على خصوص الصوم دون الصلاة و نحوها من العبادات، فتأمل جيدا.

[في حرمة صوم الصمت]

و صوم الصمت في شرعنا عند علمائنا أجمع كما في محكي التذكرة و المنتهى و غيرهما، و

قال علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري (1): «و صوم الصمت حرام»

كقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيما رواه أبو جعفر (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (2): «لا صمت يوما إلى الليل»

كقوله (صلى الله عليه و آله) أيضا(3)في الوصية لعلي (عليه السلام) بالإسناد السابق: «و لا صمت يوما إلى الليل- إلى ان قال-:

و صوم الصمت حرام»

و قال (صلى الله عليه و آله) أيضا في خبر زيد بن علي عن أبيه عن علي (عليهم السلام) المروي عن معاني الأخبار(4)«ليس في أمتي رهبانية و لا سياحة و لا ذم يعني سكوت»

إلى غير ذلك، و انما يحرم بأن ينوي الصوم ساكتا و لو في بعض اليوم، لا الصوم ساكتا و لو في تمام اليوم بدون جعله وصفا للصوم بالنية، فإنه من المباحات، بل لو صمت ناويا بعد الصوم فإنما المحرم التشريع بذلك إن لم يتعلق به غرض صحيح دون الصوم الذي صمت فيه، و أما صوم الصمت بمعنى نية الصوم عن الكلام خاصة فهو غير مراد هنا، ضرورة كون المراد بيان أنواع الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 4.

ج 17، ص: 126

بالمعنى المعروف دون هذا المعنى و إن كان هو حراما أيضا إذا لم يتعلق به غرض صحيح يوجبه أو ندبه.

و كيف كان ففي المدارك ظاهر الأصحاب ان الصوم على هذا الوجه يقع فاسدا لمكان النهي، و يحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية، و توجه النهي إلى الصمت المنوي و نيته، و هو خارج عن حقيقة

العبادة، و فيه أنه إن كان مبنى الفساد النص و معقد الإجماع فلا إشكال في ظهورهما في توجه النهي إلى نفس الصوم على هذا الوجه، و إن كان مبناه التشريع فالتحقيق الفساد أيضا مع الإدخال في العمل على وجه التشخيص للمأمور به من حيث تعلق الأمر ضرورة عدم حصول الامتثال حينئذ لعدم أمر كذلك، و الفرض عدم ملاحظة غيره مما هو ثابت، و أما التشريع في أثناء العمل أو في ابتدائه لكن لا على الوجه المزبور بل على ضم الصمت إلى المفطرات فالأصح عدم إبطاله، لعدم الدليل، لأنه أمر خارج عن العبادة، لكن قد ينافي ذلك حينئذ عدم اختصاص صوم الصمت بالحكم المزبور، فلا ينبغي الاقتصار عليه، اللهم إلا أن يكون تبعا للنص، و لأن الثابت في شرع بني إسرائيل الصوم عن الكلام كالصوم عن الطعام، بل ربما فسر به قوله تعالى (1)«فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» فلذلك ناسب ذكره بالخصوص.

[في حرمة صوم الوصال]

و كذلك البحث في صوم الوصال الذي قد حكي الإجماع على حرمته أيضا في محكي التذكرة و المنتهى و غيرهما، و

قال علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري(2): «و صوم الوصال حرام»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة(3):


1- 1 سورة مريم عليها السلام- الآية 26 و 27.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 1 و فيه الثاني « لا وصال في صيام»

ج 17، ص: 127

«لا صيام في وصال»

و في

صحيح منصور بن حازم (1): «لا وصال في صيام»

كقول النبي (صلى الله عليه و آله) في الوصية لعلي (عليه السلام)(2): «لا وصال في صيام» و «كان يواصل و يقول: إني لست كأحدكم، إني أظل عند ربي فيطعمني و يسقيني»(3)

و قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(4)المروي عن المستطرفات: «و لا قران بين صومين»

الى غير ذلك من النصوص التي جعل في الوسائل منها من تقدم في بعض أخبار المسألة تقديم الصلاة على الإفطار أنه قد حضرك فرضان فابدأ بأفضلهما، و أفضلهما الصلاة، و إن كان فيه ما فيه، فما عساه يظهر من ابن الجنيد من جواز الوصال لا ريب في فساده، قال: لا يستحب الوصال الدائم في الصيام، لنهي النبي (صلى الله عليه و آله) عن ذلك، و لا بأس بما كان منه يوما و ليلة و يفطر في السحر، و يكره أن يصل الليلة التي من أول الشهر باليوم الذي هو آخر الشهر، مع احتمال إرادته عدم الجواز من نفي الاستحباب بقرينة الاستدلال عليه

بالنهي المفيد للحرمة، و ان العبادة لا تكون إلا راجحة، و يكون قوله: «لا بأس» إلى آخره خلافا في المراد بالوصال كما ستعرف، و مرجعه حينئذ إلى كلام ابن إدريس، و يحتمل أيضا إرادته صوم الدهر عدا يومي العيدين من الوصال الدائم، و الكراهة من نفي الاستحباب للنصوص الدالة عليها، و ما في المختلف من احتمال المنع فيه واضح الضعف، و حينئذ فلا يكون في كلامه تعرض للوصال بالمعنى الذي تسمعه من ابن إدريس، و أما قوله: «و يكره» إلى آخره فقد يناسبه في الجملة

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر عمر بن خالد(5): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يصوم شعبان و شهر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 12.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 5.

ج 17، ص: 128

رمضان يصلهما، و ينهى الناس أن يصلوهما»

خصوصا إذا أريد منه العموم لا خصوص ذلك، و كيف كان فخلافه غير محقق أو غير معتد به في تحصيل الإجماع على ذلك كما اعترف به في المختلف.

و انما الكلام في موضوعه، ففي المتن و النافع و الإرشاد و المختلف و غيرها هو أن ينوي صوم يوم و ليلة إلى السحر بل في المدارك نسبته إلى الشيخ في النهاية و أكثر الأصحاب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي(1): «الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره»

و قوله في الصحيح أيضا عن حفص ابن البختري(2): «المواصل في الصيام يصوم يوما و ليلة و يفطر في السحر»

و فيما أرسل (3)عن الصدوق أيضا «الوصال الذي نهي عنه أن يجعل الرجل عشاءه سحوره»

مضافا إلى قوله تعالى (4)«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ».

و قيل و القائل ابن إدريس حاكيا له عن اقتصاد الشيخ و لم نتحققه، و الفاضل في محكي التلخيص هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما ل

خبر محمد بن سليمان عن أبيه (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) سأله «عن صوم شعبان و رمضان لا يفصل بينهما، قال: إذا أفطر من الليل فهو فصل، قال: و انما قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

لا وصال في صيام، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين في غير إفطار، و قد يستحب للعبد أن لا يدع السحور»

و ربما أشعر به خبر المستطرفات (6)أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 5.
4- 4 سورة البقرة- الآية 183.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 12.

ج 17، ص: 129

بل لعله المفهوم من الوصال، ضرورة كون المنساق منه وصال اليومين بالصوم، و قوله تعالى «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» لا دلالة فيه إلا على عدم وجوب الصيام بعد الليل دون الحرمة، و ظاهر المحكي عن اقتصاد الشيخ في المختلف ان صوم الوصال جعل عشائه سحوره أو طي يومين، و يقرب منه ما في الروضة من انه أن ينوي صوم يومين فصاعدا بحيث لا يفصل بينهما بفطر، أو صوم يومين إلى وقت متراخ عن الغروب، و منه ان يجعل عشاءه سحوره بالنية، و لعله كذلك بناء على أن مبنى الحرمة فيه التشريع، ضرورة اشتراك الجميع فيه على هذا التقدير، نعم تظهر ثمرة الخلاف بناء على كونه محرما لنفسه و إن خلاف عن التشريع، و لعل الأقوى حينئذ ما في الاقتصاد من كونه الأعم من الأمرين جمعا بين النصوص، و على الأول يتجه عدم الحرمة إذا أخر الإفطار بغير النية، أو تركه رأسا ليلا، لعدم التشريع حينئذ، بل يظهر من الفاضل و غيره أنه لا وصال مع عدم النية، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، قيل: لأن تناول المفطر أمر مباح لا دليل على وجوبه، و لا ظهور للنصوص و لا كلام الأصحاب في الإطلاق، فإن الظاهر منهما ملاحظة النية التي هي معتبرة في مفهوم الصيام شرعا، فبمجرد ترك الإفطار لا يصدق صيام يومين مثلا، و كذا لو نوى ترك الإفطار أو تأخيره في الليل أو في أثناء النهار من غير أن يجعل ذلك في نية الصوم لم يؤثر فيه فسادا و لا حرمة، قلت: لكن في المدارك أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك، إذ المستفاد من الرواية تحقق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقا، و ربما يؤيده قوله (عليه السلام) فيما تقدم في مسألة تأخير الإفطار عن الصلاة انه قد حضر فرضان فابدأ بأفضلهما و أفضلهما الصلاة، و ما في المحكي من نكاح المبسوط ان من خصائص النبي (صلى الله عليه و آله) إباحة الوصال، قال: و هو أن يطوي الليل بلا أكل و شرب مع صيام النهار لا أن يكون صائما، لأن الصوم في الليل لا ينعقد، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا

ج 17، ص: 130

بلا خلاف، و نحوه عن نكاح التذكرة أيضا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[الثامن أن تصوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها أو مع نهيه لها]
اشاره

و الثامن أن تصوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها أو مع نهيه لها ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(1): «ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها»

و قوله (عليه السلام) في خبره الآخر أيضا(2): «جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فسألت ما حق الزوج على المرأة؟ فقال: أن

تطيعه و لا تعصيه، و لا تتصدق من بيته إلا باذنه، و لا تصوم تطوعا إلا باذنه، و لا تمنعه نفسها و إن كانت على ظهر قتب»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر عمرو بن حبيب العرزمي(3): «جاءت امرأة إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقالت: يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟

فقال: هو أكثر من ذلك، فقالت: أخبرني بشي ء من ذلك، فقال: ليس لها أن تصوم إلا باذنه»

و في

خبر الزهري (4)عن علي بن الحسين (عليهما السلام) «و أما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها، و العبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه»

و مرسل قاسم بن عروة(5)«لا يصلح للمرأة ان تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها»

كل ذلك مضافا إلى ما تقدم سابقا من النصوص (6)في الولد و الضيف المشتملة على ذلك و على العبد أيضا، و إلى ما في المعتبر من الإجماع عليه أيضا كالإجماع عليه بالنسبة إلى العبد.

[في عدم صحة صوم المملوك بدون الإذن]

و لذا قال المصنف و كذا المملوك الذي حكى في المدارك الإجماع على


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 1 و الثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 3 و الثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المحرم و المكروه الحديث 4 و الثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المحرم و المكروه.

ج 17، ص: 131

عدم انعقاد صومه بدون الاذن فضلا عن النهي، و إلى ما ذكره غير واحد من الأصحاب من ملك المولى و الزوج من منافعهما ما ينافي الصوم، و لا سيما في المرأة و الأمة، لكن عن علم الهدى و جماعة منهم سلار و ابن حمزة التصريح بالكراهة، و يقرب من ذلك ما عن ابن زهرة من استحباب أن لا يصوما بدون الاذن حاكيا عليه الإجماع، بل لعله هو الذي يعطيه ما عن النهاية في المرأة، قال: «و أما صوم الاذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، فان صامت من غير إذن جاز له أن يفطرها و يواقعها» اللهم إلا ان يكون المراد منها ما في السرائر «و أما صوم الاذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها، فان صامت من غير إذنه فلا ينعقد صومها و لا يكون شرعيا، و له مواقعتها فيه و إلزامها الإفطار، و يجب عليها مطاوعته» فترجع حينئذ إلى ما في محكي المبسوط، و أما التفصيل بين عدم الاذن و النهي فيكره في الأول و يحرم في الثاني فلم أجد به قائلا هنا سوى ما يظهر من الشهيد في اللمعة، كما اني لا أعرف له دليلا سوى ما عرفته سابقا في حكم الضيف و الولد، و سوى ما عساه يقال من حمل جميع ما في هذه النصوص على الكراهة بقرينة «لا يصلح» في المرسل المزبور، و ضمهما مع الولد و الضيف اللذين قد عرفت الحال فيهما، و غير ذلك مما عرفته فيما تقدم، مضافا إلى ضعف سند جملة منهما، و إلى

خبر علي بن جعفر(1)المروي في المحكي من كتابه عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن المرأة تصوم تطوعا بغير إذن زوجها قال: «لا بأس»

و دعوى الملكية للمنفعة على وجه تمنع من الصوم بدون الإذن واضحة المنع، خصوصا بعد تجويز الاستمتاع للزوج و ان الصوم لا يمنعه، و خصوصا بعد تجويز ما لا ينافي منافع السيد من العبادات الشرعية كالذكر و التفكر و نحوهما، بل قد يمنع وجوب طاعة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 5.

ج 17، ص: 132

السيد في نحو ذلك لو صرح بالنهي، لإطلاق أدلة شرعيتها الشامل للعبد و الحر، فإنه و إن كان بينه و بين ما دل على وجوب طاعة السيد تعارض العموم من وجه إلا انه قد يمنع تحكيمه، على أن ذلك إن سلم في العبد فلا يسلم في الزوجة المعلوم عدم وجوب طاعتها للزوج في ذلك و نحوه مما لا ينافي الاستمتاع، و مقتضى ذلك صحة الصوم مع النهي فضلا عن عدم الاذن، اللهم إلا ان ينعقد إجماع عليه، فاني لا أجد خلافا فيه، إذ من ذكرنا عنهم الخلاف انما هو منهم في عدم الاذن و احتمال إرادتهم منه ما يشمل النهي بعيد، فيبقى حينئذ هو مظنة الإجماع، أما مع عدمه فلا يخلو القول بالصحة من قوة، لما عرفت، خصوصا مع غيبة

الزوج و نشوزه و مرضه و نحو ذلك مما لا معارضة فيه لحقه، و سيما في الطفل و نحوه بل قد يشك في تناول تلك النصوص له، ضرورة ظهورها في كون الزوج ممن له أهلية الاذن، و دعوى الانتقال إلى وليه كما ترى، و من الغريب ما في المدارك هنا لظهوره في أن الحكم بعدم الصحة في الزوجة و العبد من المسائل المفروغ عنها و المسألة الواضحة، خصوصا في العبد حيث انه لم ينقل فيها خلافا و لا ترددا، و قد ظهر لك حقيقة الحال، و لكن الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك بل في سائر الأفعال المندوبة التي تنافي الاستمتاع في الجملة أو الخدمة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[التاسع صوم الواجب سفرا عدا ما استثني]

و التاسع صوم الواجب سفرا عدا ما استثني من المنذور سفرا و حضرا و ثلاثة الهدي و الثمانية عشر بدل البدنة كما عرفت الحال فيه مفصلا، و أما صوم الدم (1)فإنه و إن روى الزهري (2)في خبره عن علي بن الحسين (عليهما السلام) حرمته فيه، كالوارد في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام)(3)لكن قيل:


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح« و أما صوم الدهر».
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 3.

ج 17، ص: 133

إن المراد به مع صوم الأيام المحرمة، أما بدونها فلا، إجماعا على الظاهر إلا من بعض

متأخري المتأخرين، و يمكن إرادة الكراهة من الحرمة فيهما كما أفتى بها الشهيد في الدروس، و

قال الصادق (عليه السلام) لما سأله زرارة(1)عنه: «لم يزل مكروها»

و في

خبر آخر له (2)أيضا «لم نزل نكرهه»

و قال سماعة(3): «سألته عنه فكرهه، و قال: لا بأس بأن يصوم يوما و يفطر يوما»

و احتمال العكس يدفعه ما عرفت من اتفاق الأصحاب على الظاهر، بل ربما أشعر التشبيه به في نصوص (4)بعض الأيام المستحبة بأنه أفضل الأفراد، و

في كتاب الملهوف لابن طاوس (5)«ان زين العابدين (عليه السلام) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله»

و الله أعلم.

[النظر الثالث في اللواحق]

اشاره

النظر الثالث في اللواحق، و فيه مسائل:

[المسألة الأولى المرض الذي يجب معه الإفطار]

الأولى المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف منه الزيادة بالصوم، و يبني في ذلك على ما يعلمه في نفسه أو يظنه لامارة كقول عارف بل قد عرفت فيما تقدم الاكتفاء بالخوف الذي يتحقق بالاحتمال المعتد به و إن لم يصل إلى حد الظن كما سمعت تفصيل الكلام في ذلك و فيما لو صام مع تحقق الضرر متكلفا قضى

[المسألة الثانية حكم صوم المسافر]

و في غيره مما يتعلق بهذه المسألة، بل و المسألة الثانية التي هي ان المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب عليه ذلك في الصوم و الصلاة و حينئذ ف لو صام عالما بوجوبه أي القصر لم يجزه ذلك و وجب عليه قضاؤه المأمور به في الكتاب و السنة و الفتاوى نعم إن كان جاهلا


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 5 و 8 و 15 و غيرها.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصوم المحرم و المكروه- الحديث 6.

ج 17، ص: 134

بالوجوب أجزأه ذلك و لم يقضه نحو ما سمعته في الصلاة، و لا يلحق به الناسبي كما قدمنا الكلام فيه آنفا، بل و تقدم في كتاب الصلاة ما له نفع في المسألة هنا، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في الصوم]

المسألة الثالثة لا خلاف أجده في أن الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم للاشتراك في الأدلة، بل و يزيد الصوم على ذلك عند الشيخ و ابني حمزة و البراج و الفاضلين في المعتبر و الكتاب و النافع و التلخيص باعتبار تبييت النية للسفر، فان لم يبيتها أتم صومه، بل في خلاف الأول منهم الإجماع عليه، كما انه في السرائر نفي الخلاف عن الإفطار مع التبييت أي وقت خرج بعد طلوع الفجر، نعم قال في النهاية: «و متى بيت نيته للسفر من الليل و لم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار، و عليه القضاء» و نحوه عن الاقتصاد و الجمل، و قال في المبسوط: «و من سافر عن بلده في شهر رمضان و كان خروجه قبل الزوال فان كان يبيت نية السفر أفطر و عليه القضاء، و إن كان بعد الزوال لم يفطر، و متى لم ببيت النية للسفر و انما تجددت له أتم ذلك اليوم و لا قضاء عليه» فان أراد من عدم الإفطار الإمساك تعبدا كان نحو ما سمعته من النهاية، و إلا كما عساه يومي اليه التعبير بالإفطار- كان قولا آخر، كما و أظهر منه في ذلك ما في الخلاف من إطلاق حرمة الإفطار على من تلبس بالصوم أول النهار ثم سافر آخره محتجا عليه بالإجماع و بالاستصحاب و بقوله تعالى «أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» ضرورة ظهوره في الاجتزاء بهذا الصوم و إن كان قد بيت النية، كظهور ما في كتابي الأخبار من التخيير للمسافر بعد الزوال بين الصوم و الإفطار، و أفضلية الأول في ذلك أيضا، مع احتمال الجميع إرادة الإمساك، فيتفق ما في كتبه جميعها، و على كل حال فقد اشترط في جميعها على ما حكي عن بعضها التبييت في جواز الإفطار و قيل و القائل المفيد

ج 17، ص: 135

و الإسكافي و أبو الصلاح و الفاضل في أكثر كتبه و الشهيدان و غيرهم لا يعتبر ذلك بل يكفي في جواز إفطاره خروجه قبل الزوال و إن لم يكن مبيتا للسفر إلا أن أبا الصلاح منهم أوجب الإمساك تعبدا مع القضاء لو خرج بعد الزوال و قيل و القائل علي بن بابويه و اختاره في السرائر لا يعتبر ذلك أيضا، بل يجب القصر و لو خرج قبل الغروب و لم يكن مبيتا للسفر، فتكون الأقوال حينئذ ستة أو سبعة.

و الأول منها أشبه عند المصنف و من عرفت، ل

مضمر أبي بصير المرسل (1)«إذا خرجت بعد طلوع الفجر و لم تنو السفر من الليل فأتم الصوم و اعتد به من شهر رمضان»

و بخبر علي بن يقطين (2)عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) «في الرجل يسافر في شهر رمضان أ يفطر في منزله؟ قال: إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله، و إن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه»

و خبر رفاعة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال: يتم صومه ذلك»

و خبر سليمان بن جعفر الجعفري (4)«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما

يصبح قال: إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا ان يدلج دلجة»

و خبر أبي بصير(5)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر و عليك قضاء ذلك اليوم»

و صحيح صفوان (6)عن الرضا (عليه السلام) في حديث، قال: «و لو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 13.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 11.

ج 17، ص: 136

و جائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا و الإفطار، فإن هو أصبح و لم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر و لم يفطر يومه ذلك»

و للأمر بالإتمام في الآية(1)الشامل للخارج قبل الزوال خرج منه المبيت بالإجماع، فيبقى ما عداه، و لاستصحاب صحة صومه المعتضد بظاهر قوله تعالى (2)«وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» ضرورة انه إذا كان السفر بدون تبييت فهو حاصل بعد انعقاد الصوم، بخلاف ما إذا كان مبيتا، فإنه لم ينو الصوم فلم ينعقد، بل في المعتبر و لو قيل يلزم على ذلك لو لم يخرج ان يقضيه التزمنا ذلك، فإنه صامه من غير نية إلا ان يجدد ذلك قبل الزوال.

إلا ان الجميع كما ترى، إذ النصوص فيه- مع ضعف السند في أكثرها و ضعف الدلالة في بعضها، و مخالفتها لما سمعته من الشيخ من القضاء، و عدم الاعتداد به من شهر رمضان، مع عدم دلالتها على تمام الدعوى، و موافقتها كما في الحدائق للمحكي عن الشافعي و أبي حنيفة و الأوزاعي و أبي ثور و النخعي و مكحول و الزهري- معارضة بما هو أصح منها سندا و أقوى دلالة، ك

صحيح الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر و هو صائم، فقال: إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر و ليقض ذلك اليوم، و إن خرج بعد الزوال فليتم يومه»

و صحيح محمد بن مسلم (4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم


1- 1 سورة البقرة- الآية 183.
2- 2 سورة محمد صلى الله عليه و آله- الآية 35.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 17، ص: 137

و يعتد به من شهر رمضان»

و حسن زرارة أو صحيحه (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر، قال: إن خرج قبل الزوال فليفطر و إن خرج بعد الزوال فليصم»

و موثقه (2)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام، فإذا خرج قبل الزوال أفطر»

و الجمع بينها باعتبار التبييت و الخروج قبل الزوال في الإفطار يقتضي الاعتداد بالصوم و وجوبه مع فقدهما أو أحدهما، و هو خلاف ما سمعته من صريح النهاية و محتمل غيرها، بل لم أتحقق قائلا به ممن اعتبر التبييت أو أنه نادر كما عرفت، على انه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه و قد أشرنا إلى بعضها، فلا بأس حينئذ بطرح ما لا يقبل التقييد منها بهذه إن كان، و تقييد الباقي بها، كل ذلك مضافا إلى ما في عدم الدلالة في بعضها كخبر الادلاج (3)بل قيل: إنه لم يقل به أحد، ضرورة ظهوره في عدم الاكتفاء بالتبييت، بل لا يبعد ان يكون مبنى هذا الخبر على حرمة السفر في شهر رمضان من بعد الفجر إذا لم تدع حاجة إليه، لاستلزامه إبطال الصوم الواجب، فلذلك كان عليه إتمام الصوم، بخلاف ما إذا أدلج، فإنه لم يقطع صومه و إن لم يضطر إلى السفر، بل قيل: إنه يجوز ان يكون تبييت النية في النصوص المزبورة كناية عن السفر المضطر اليه بناء على الغالب، كما انه قيل:

يحتمل في خبر علي بن يقطين (4)منها عدم السفر أصلا، إلى غير ذلك مما قيل أو يقال فيها على حسب غيرها من النصوص التي ثبت رجحان غيرها عليها، و استصحاب الصوم و الأمر بالإتمام و النهي عن الابطال بناء على شمولها لمثل المقام يجب الخروج عنها بنصوص الزوال.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3 عن عبيد بن زرارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 4 عن عبيد بن زرارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 10.

ج 17، ص: 138

و دعوى عدم النية مع التبييت مع عدم جريانها في المتردد يدفعها منع المنافاة بين نية الصوم و نية السفر، ضرورة الاكتفاء في تحقق الأولى بأصالة عدم وقوعه منه و إن بيت نيته، إذ ذلك أعم من وقوعه، و ليس السفر من المفطرات كي يجب العزم على عدمه في أصل نية الصوم، و انما هو مناف له بمعنى انه يرتفع وجوب الصوم عند تحققه، فلا يقدح حينئذ العزم عليه في نية الصوم في حال عدم وقوعه الذي هو الموافق للأصل العقلي، و كذا المتردد في وقوعه، و استوضح ذلك في منافيات الصوم القهرية كالحيض و نحوه مع فرض التردد في حصولها أو الظن فإنه لا إشكال في تحقق النية لذويها اعتمادا على ذلك الأصل الشرعي الذي لا يتفاوت جريانه بين الاختياري و الاضطراري، و من هنا يمكن دعوى الإجماع على خلاف ما التزمه المصنف، إذ كلام الشيخ الذي هو الأصل في المذهب المزبور صريح في اعتبار الخروج مع التبييت في الإفطار و وجوب القضاء، و انه لا يكفي الثاني عن الأول، فمن حكى عنه ذلك كان مخطئا بالحكاية، و إن كان أول عبارته في النهاية قد يعطي ذلك، إلا ان آخرها صريح فيما قلناه.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما اختاره المفيد و جماعة لصحة دليله و صراحته، و أما ما ذهب اليه علي بن بابويه فلم نجد له دليلا بعد إطلاق الآية المنزل على التفصيل المزبور، كإطلاق ما دل على التلازم بين القصر و الإفطار سوى

مضمر عبد الأعلى مولى آل سام (1)«في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال:

يفطر و إن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل»

الضعيف سندا بل و دلالة بما قيل من احتمال كون «حرج» فيه بالحاء المهملة، فيكون الظرف فيه متعلقا بقوله:

«يفطر» و المعنى حينئذ ان على المسافر في شهر رمضان أن يتناول مفطرا و لو قبل


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 14.

ج 17، ص: 139

مغيب الشمس و إن كان يعسر عليه ذلك، إجراء للسنة؛ و مخالفة للمنافقين الذين يصومون في السفر، و على كل حال فمثله لا يصلح معارضا لتلك النصوص، كما ان

صحيح رفاعة بن موسى-(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال: إذا أصبح في بلده ثم خرج فان شاء صام و إن شاء أفطر»-

كذلك، لعدم قائل بمضمونه، نعم احتمل العلامة في المختلف العمل به فيما بعد الزوال، قال: و انما قيدنا بذلك للجمع بين الأخبار، و في المدارك هذا الحمل بعيد نعم لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا، و بذلك يحصل الجمع بين الأخبار، قلت:

بل هو أبعد من ذلك، بل لعل التأمل في النصوص فضلا عن الفتاوى يورث القطع بعدم ذلك، و منه يعلم ضعف ما سمعته من الشيخ من التخيير للمبيت لو خرج بعد الزوال، لعدم دليل معتد به له، كعدم دليل له فيما ذكره هو و غيره من وجوب الإمساك عليه تعبدا، ضرورة بطلان إرادة ذلك من لفظ الصوم في تلك النصوص، خصوصا مع التصريح في بعضها بالاعتداد به من شهر رمضان، و قد بان لك بحمد الله ضعف الجميع، و أن الأقوى التفصيل بين ما قبل الزوال و بعده من غير مدخلية للتبييت و عدمه، و إن كان الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه، و هو هنا يحصل بالتبييت مع الخروج قبل الزوال دون غيره، لدوران الأمر بين وجوب الصوم و حرمته فيما عداه، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان ف كل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم فيه و بالعكس اللغوي، أي كل سفر يجب قصر الصوم فيه يجب قصر الصلاة فيه، لا الاصطلاحي الذي هو العكس المستوي بقرينة قوله إلا لصيد التجارة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 7.

ج 17، ص: 140

على قول ضرورة كون الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل، و هو يقضي بكون المستثنى منه موجبة كلية، فلا يكون من المصطلح، على أن ذلك هو مقتضى أدلة المقام من النصوص و غيرها،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب(1) : «هما واحد إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت»

كخبر سماعة(2)عنه (عليه السلام) «ليس يفترق التقصير و الإفطار، فمن قصر فليفطر»

أي و من أفطر فليقصر مضافا إلى كون المناط فيهما معا السفر، قال في

صحيح عمار بن مروان (3): «من سافر قصر و أفطر إلا ان يكون رجلا سفره في الصيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصي الله أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين»

و قال أبو جعفر (عليه السلام) في خبر تغلب (4): «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا و قصروا»

الخبر، و قال المرتضى (رحمه الله) في الانتصار:

«لا خلاف بين الأمة في ان كل سفر أسقط فرض الصيام و رخص في الإفطار فهو بعينه موجب لقصر الصلاة» و نحوه في الغنية.

فما عن الشيخ في النهاية و المبسوط و ابن حمزة- من الفرق بينهما فيما إذا كانت المسافة أربعة فراسخ و لم يرد الرجوع ليومه بتحتم الصوم و التخيير في الصلاة بين القصر و الإتمام، إلا ابن حمزة اشتراط في التخيير المزبور إرادة الرجوع من الغد- واضح الضعف،

خصوصا بعد إطلاق الآية(5)القضاء في الصوم بمطلق


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6 عن أبان بن تغلب.
5- 5 سورة البقرة- الآية 181.

ج 17، ص: 141

السفر، ك

قول الصادق (عليه السلام)(1): «إذا خرج الرجل في شهر رمضان مسافرا أفطر»

و قوله (عليه السلام) في صحيح ليث (2): «إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر»

و كذا ما فرقناه بينهما في كثير السفر إذا أقام في بلده خمسة أيام بالتقصير في صلاة النهار دون الصوم و صلاة الليل، و وافقهما عليه ابن البراج أيضا على ما قيل، و لا ريب في ضعفه، و أضعف من ذلك القول الذي أشار إليه المصنف و إن حكى ابن إدريس الإجماع عليه، إلا أنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، و هو قول الشيخ في النهاية و المبسوط بالفرق بينهما في صيد التجارة بالإتمام في الصلاة و القصر في الصوم، إذ لا دليل عليه، فضلا عن مخالفته للأدلة، و

خبر زرارة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يتصيد اليوم و اليومين و الثلاثة أ يقصر الصلاة؟ قال: لا إلا أن يشيع الرجل أخاه في الدين، و ان التصيد مسير باطل لا تقصر الصلاة فيه»

صريح فيما لا يقوله الخصم من كون التصيد مسير باطل فلا ينبغي أن يفطر فيه أيضا، ضرورة عدم كون الصيد للتجارة من ذلك، و إلا لم يكن للإفطار فيه وجه، و هو واضح، ك

خبر عبيد ولده (4)«سألته أيضا عن الرجل يخرج إلى الصيد أ يقصر أو يتم؟ قال: يتم لأنه ليس بمصير حق»

نعم في

مرسل عمران بن محمد بن عمران القمي (5)عنه (عليه السلام) «قلت: الرجل يخرج إلى الصيد مسيرة يوم أو يومين يتم أو يقصر؟ فقال: إن خرج لقوته و قوت عياله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 7 و هو خبر ابن بكير كما تقدم في كتاب الصلاة ج 14 ص 258.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 5.

ج 17، ص: 142

فليفطر و يقصر، و إن خرج لطلب الفضول فلا و لا كرامة»

و في

خبر حماد بن عثمان (1)عنه (عليه السلام) في قول الله عز و جل (2)«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ»* قال: «الباغي باغي الصيد، و العادي السارق، ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرا إليها، هي حرام عليهما، ليس هي عليهما كما

هي على المسلمين، و ليس لهما أن يقصرا في الصلاة»

و فيه أن المراد بالفضول في الأول صيد اللهو لا صيد التجارة الداخل في صيد القوت للعيال، على أن ظاهره القصر فيهما معا لا خصوص الصوم و انه الذي لا تحل له الميتة صائد المعصية لا التجارة التي لو كانت منهما لم يكن وجه للفرق بين الصوم و الصلاة، و يمكن قراءة الأخير بكسر الصاد بمعنى الملوك الصيد المتكبرين، و الباغي منهم الخارج على الامام كما فسر به، و العادي باللص في مرسل البزنطي (3)و غيره، لكن في

خبر حماد بن عثمان (4)عنه (عليه السلام) «الباغي طالب الصيد و السارق ليس لهما أن يقصرا من الصلاة و ليس لهما إذا اضطرا إلى الميتة أن يأكلاها، و لا يحل لهما ما يحل للناس»

و في المحكي عن

معاني الأخبار و روي (5)«ان العادي اللص، و الباغي الذي يبغي الصيد لا يجوز لهما التقصير في السفر و لا أكل الميتة في الاضطرار»

إلا أنهما كما ترى ظاهران في صيد اللهو، و لذلك لم يكن محلا للرخصة الشرعية التي منها الإفطار في السفر،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2 و فيه «قال: الباغي الصيد و العادي السارق. إلخ»
2- 2 سورة البقرة- الآية 168.
3- 3 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 5 من كتاب الأطعمة و الأشربة.
4- 4 المستدرك- الباب- 6- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 56- من أبواب الأطعمة المحرمة- الحديث 4 من كتاب الأطعمة و الأشربة.

ج 17، ص: 143

لا صيد التجارة الذي هو محل البحث، كما هو واضح، فبان لك من ذلك كله ضعف القول المزبور و غيره مما فرق فيه بين الصلاة و الصوم، مضافا إلى ما تقدم في كتاب الصلاة مما له نفع في هذه المسائل، و لقد أطنب الفاضل في المختلف في الاستدلال على فساد القول المزبور، لكنه بما لا ينطبق على أصول الإمامية و قواعدها، و لا ينافي ثبوت الحكم للدليل لو كان، فلاحظ و تأمل.

نعم ربما فرق بينهما في الأماكن الأربعة التي يخير فيها في الصلاة بين القصر و الإتمام، بل الإتمام أفضل، بخلاف الصوم، فان الظاهر عدم جوازه فيها، و في المسالك انه يمكن تكلف الغناء عن استثنائها من الكلية في المتن و نحوه بالتزام كون القصر فيها واجبا تخييريا بينه و بين التمام، لأن الواجب و هو الصلاة لا تتأدى إلا بأحدهما، فيكون واحد منهما موصوفا بالوجوب كالجهر و الإخفات في بسملة القراءة الواجبة الإخفاتية، و حينئذ ينطبق على الكلية المزبورة في المتن و غيره، قلت: و يمكن أن يقال إن المراد منها كون السفر الموجب للإفطار موجبا للقصر و ورود أحد الأماكن ليس من السفر في شي ء، و أما الفرق بينهما في المسألة السابقة و هي فيما لو سافر بعد الزوال فقد يقال بعدم اندراجه في الكلية، لأنه باعتبار كونه بعد الزوال كالذي قد فرغ منه، فلا يؤثر السفر فيه، كما يومي اليه حكم القادم من السفر، فإنه قبل الزوال يصوم إذا لم يكن قد تناول شيئا، بخلافه بعد الزوال، بل و ناسي النية و نحوه مما يشعر يكون الزوال المنتهى الخطاب بالصوم، فلا يندرج حينئذ في الكلية، أو يلتزم تخصيصها بذلك للأدلة السابقة و الله أعلم.

[المسألة الرابعة في الملازمة بين إتمام الصلاة و الصوم]

و الأمر سهل بعد وضوح الحكم كوضوح الحكم في المسألة الرابعة التي هي أن الذين يلزمهم إتمام الصلاة سفرا يلزمهم الصوم، و هم الذين سفرهم أكثر من حضرهم ما لم يحصل لأحدهم إقامة عشرة أيام في بلده أو غيره بلا خلاف

ج 17، ص: 144

أجده في شي ء من ذلك، و لا إشكال كما عرفته في كتاب الصلاة و لكن في المتن هنا قيل: يلزمهم الإتمام مطلقا عدا المكاري و لم نظفر بقائله كما اعترف به في المدارك، و عن بعض شراح النافع و لعل المصنف سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنف.

[الخامسة إفطار المسافر بعد تواري الجدران و خفاء الأذان]

و الخامسة أيضا، و هي لا يفطر المسافر حتى يتوارى عنه جدران بلده أو يخفى عليه أذانه بعد الإحاطة بما قدمناه في كتاب الصلاة فيها و في غيرها من الفروع المتعلقة في المقام فلو أفطر قبل ذلك كان عليه مع القضاء الكفارة بلا خلاف و لا إشكال، و انما الكلام في ظهور سقوطها لو استمر على السفر حتى خفي عليه ذلك، و قد قدمنا تحقيق الحال فيها و في نظائرها، و الله أعلم.

[المسألة السادسة الهم و الشيخ و المرأة الكبيرة و ذو العطاش]

المسألة السادسة الهم و الشيخ و المرأة الكبيرة و ذو العطاش بضم العين، و هو داء لا يروى صاحبه ذكر أو أنثى يفطرون في رمضان بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه من غير فرق بين عجزهم عنه و بين كونه شاقا عليهم مشقة لا تتحمل، نعم يتصدقون عن كل يوم بمد من طعام وفاقا للصدوقين و بني أبي عقيل و الجنيد و البراج و سعيد و الشيخ و الفاضل و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، ل

صحيح ابن مسلم (1)«سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: الشيخ الكبير و الذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام، و لا قضاء عليهما، فان لم يقدرا فلا شي ء عليهما»

و نحوه

صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2 عن أبي عبد الله عليه السلام.

ج 17، ص: 145

إلا انه قال: «و يتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمدين من طعام»

و جمع بينهما الشيخ في محكي التهذيب و النهاية و المبسوط بالفداء بمدين، فان لم يقدرا فبمد و لا شاهد له، و أولى منه ما في الاستبصار من الجمع بالندب، لأصالة البراءة من الزائد، و لأنه مقتضى التخيير بين الأقل و الأكثر الذي هو مقتضى الأمر بهما في الخبرين، مضافا إلى قصور الخبر المزبور عن تقييد غيره مما تضمن المد من الصحيح الأول و

الصحيح الآخر(1)أيضا في قول الله عز و جل (2)«وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ» قال: «الشيخ الكبير و الذي يأخذه العطاش»

بناء على أن طعام المسكين» مد، و

خبر عبد الملك بن عتبة الهاشمي (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الشيخ الكبير و العجوز الكبيرة التي تضعف عن الصوم في شهر رمضان فقال: تصدق في كل يوم بمد من حنطة»

و صحيح عبد الله بن سنان (4)أو حسنه «سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان قال:

يتصدق كل يوم بما يجزي من طعام مسكين»

و مرسل ابن بكير(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى «وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ» قال:

«الذين يطيقون الصوم فأصابهم كبر أو عطاش أو شبه ذلك فعليهم لكل يوم مد»

و خبر أبي بصير(6)المروي عن تفسير العياشي سألته عن قول الله عز و جل: «وَ عَلَى الَّذِينَ» إلى آخره، قال: «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع و المريض»

و خبر رفاعة المروي (7)عنه أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية أيضا، قال:

«المرأة تخاف على ولدها و الشيخ الكبير»

و صحيح الحلبي (8)عن أبي عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة- الآية 180.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 9.

ج 17، ص: 146

(عليه السلام) سألته «عن رجل كبير يضعف عن صوم شهر رمضان فقال: يتصدق بما يجزي عنه من طعام مسكين لكل يوم مد»

و خبر الكرخي (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): شيخ لا يستطيع القيام إلى الخلاء لضعفه و لا يمكنه الركوع و السجود فقال: ليؤم برأسه- إلى ان قال-: قلت: فالصيام قال: إذا كان في ذلك الحد فقد وضع الله عنه، فان كانت له مقدرة فصدقة مد من طعام بدل كل يوم أحب إلى، و إن لم يكن له يسار فلا شي ء عليه»

و خبر أبي بصير(2)المروي عن نوادر ابن عيسى، قال أبو عبد الله (عليه السلام): «أيما

رجل كبر لا يستطيع الصيام أو مرض من رمضان إلى رمضان ثم صح فإنما عليه لكل يوم أفطر فيه فدية طعام، و هو مد لكل مسكين»

و خبر الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: الشيخ الكبير لا يقدر أن يصوم فقال: يصوم عنه بعض ولده، قلت: فان لم يكن له ولد، قال:

فأدنى قرابته، قلت: فان لم يكن له قرابة، قال: يتصدق بمد في كل يوم، فان لم يكن عنده شي ء فليس عليه»

و خبر داود بن فرقد عن أبيه (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فيمن ترك الصيام قال: إن كان من مرض فإذا بري ء فليقضه، و إن كان من كبر أو عطش فبدل كل يوم مد»

و هي- مع اشتمالها جميعا على المد- دالة على أصل الحكم، و ما في الأخير منها- من صيام الولد أو غيره من ذوي القرابة عن الشيخ- لم أجد عاملا بما يظهر منه من وجوب ذلك في زمن حياته، نعم حمله الشيخ كالشهيد في الدروس على الندب، و لا بأس به و إن كان مستغربا.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1 و فيه« فيمن ترك صوم ثلاثة أيام في كل شهر. إلخ».

ج 17، ص: 147

ثم على كل حال إن أمكن القضاء بعد ذلك وجب كما نص عليه الفاضل و غيره

لعموم «من فاتته»

و لأن بعض أفراد ذي العطاش أو جميعها من المرض الواجب قضاء ما فات به في الآية و الرواية، لكن قد يشكل ذلك فيما لو صام عنه ولده أو ذو قرابته بناء على مشروعيته، فتأمل و إلا سقط و لا ينافي ذلك نفيه في صحيح ابن مسلم (1)السابق بعد انصرافه حتى في ذي العطاش الذي هو كانقلاب المزاج لحرارة في الكبد أو غيره إلى الغالب من عدم التمكن من القضاء، اللهم إلا ان يقال إن نفيه ظاهر في حال التمكن منه لا عدمه، و فيه أنه يمكن ان يكون المراد منه بيان أن حالهما عدم القضاء كالأداء أو بيان عدم القضاء عنهما لو ماتا أو نحو ذلك، فتأمل، بل الظاهر وجوب الفدية أيضا مع ذلك كما نص عليه في الدروس، لإطلاق ما دل عليهما، و ليس ذلك جمعا بين العوضين، إذ يمكن بل لعله الظاهر كون الفدية كفارة عن صورة تعمد إفطار اليوم لا قضائه، فلا ينافيه حينئذ غلبة عدم التمكن من القضاء حتى ينزل إطلاقها عليه، مع أنه لا دليل عليه و لا داعي إليه، فتأمل، اللهم إلا أن يقال إن لفظ الاجزاء في صحيح الحلبي (2)و حسن ابن سنان (3)ظاهر في إرادة الاجزاء عن الصوم و كونه بدلا عنه، و فيه ان مقتضاه الاكتفاء بالصدقة و سقوط القضاء لا العكس الذي هو محل البحث، فتأمل جيدا.

و على كل حال فقد بان لك الدليل على أصل الحكم و فروعه و لكن و مع ذلك قيل و القائل المفيد و علم الهدى و سلار و ابنا زهرة و إدريس و الفاضل في المختلف إن عجز الشيخ و الشيخة سقط التكفير كما يسقط الصوم،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.

ج 17، ص: 148

و إن أطاقاه بمشقة كفرا بل حكى الثاني و الرابع منهم الإجماع عليه للأصل، و مناسبة الفدية لكون المفدي مقدورا عليه في الجملة، و صحيح ابن مسلم (1)المتقدم في تفسير الآية الظاهر في كون الشيخ الكبير و ذوي العطاش يطيقان الصوم و من المعلوم أن منهما من لا يطيقه، فلا بد من حمله على تخصيص الفدية بمن أطاقه منهما دون من لا يطيقه، و ظهور جملة مما دل عليها في المطيق كالمتضمن لفظ «يضعف» و «لا حرج» و نحوهما، إلا أن الجميع كما ترى، ضرورة انقطاع الأصل ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه، و منع المناسبة المزبورة أو عدم صلاحيتها دليلا، و معارضة صحيح ابن مسلم بغيره من الأخبار الواردة في تفسير الآية التي ادعى بعضهم أنها منسوخة، فتخرج حينئذ عما نحن فيه، و عدم انحصار الدليل في الخبر الظاهر في ذلك بعد تسليم ظهوره، و أما الإجماع المحكي فهو موهون بما عرفت، و من الغريب الاستدلال ب

قوله (عليه السلام): «فان لم يقدرا» في صحيح ابن مسلم(2)

و قوله (عليه السلام): «فان كانت له قدرة» في خبر الكرخي(3)

بتخيل كون المراد القدرة على الصوم، و هو كما ترى، إذ لا ريب في ظهورهما أو صراحتهما خصوصا خبر الكرخي في إرادة القدرة على الصدقة، كما هو واضح.

و من هنا قال المصنف و الأول أظهر لكن ظاهره أن القول المزبور انما هو في الشيخين دون ذي العطاش، و ليس كذلك، فان سلار على ما حكي عنه قد نفى الفدية عنه مع اليأس من برئه، و عن ابن حمزة التوقف فيها و إن كانا محجوجين بما عرفت، بل قطع المحقق الشيخ علي بعدم القضاء و الفدية على المأيوس من برئه فاتفق أنه بري ء، و اختاره المقداد في التنقيح، كما أن الفاضل في محكي التلخيص نفى الفدية عنه و اقتصر على القضاء في المأيوس الذي بري ء، و قطع في


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 10.

ج 17، ص: 149

جملة من كتبه تبعا للمفيد و علم الهدى و ابن إدريس بعدم الفدية عليه إذا كان مرجو الزوال، خلافا لما عن الشيخ و سلار و ابني حمزة و البراج، لأنه مريض، فيجري عليه حكم غيره من المرضى، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، قال:

لأن صحيحي ابن مسلم (1)باشتمالهما على نفي القضاء ظاهران في المأيوس من برئه، و خبري ابن بكير(2)و أبي بصير(3)ضعيفان مع الإرسال و الإضمار، و خبر داود(4)مع ضعفه ربما يظهر

منه أيضا عدم التمكن من القضاء، فيبقى حينئذ على حكم المرضى الذي هو القضاء خاصة مع البرء دون الفداء، و منه يعلم ما في كلام المحقق الشيخ علي، فان العطاش مرض، و قد دل النص و الإجماع على أن المريض إذا بري ء وجب عليه القضاء من غير مدخلية لليأس و عدمه، و خبرا محمد بن مسلم لا يصلحان لاستثنائه من الأمراض، كما أن خبر داود لا يدل على خروجه عن إطلاق المرض، و في الروضة الأقوى أن حكمه كالشيخين يسقطان عنه مع العجز رأسا، و انما تجب الفدية مع المشقة، و فيه أن إطلاق النصوص المزبورة يدفع ذلك كله، ضرورة اقتضائه وجوب الفدية عليه على كل حال، و أما القضاء فإنه و إن نفي في صحيحي ابن مسلم إلا أنه محمول على ما إذا لم يتمكن رأسا، فلا ينافي ما دل على وجوبه من

عموم «من فاتته»

و «فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً»(5)و نحوه بناء على أن العطاش منه، و لا بأس باختصاص هذا المرض من بين الأمراض بوجوب الفداء، و لو قيل بعدم اندراجه في إطلاق المرض كما عساه يشعر به خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
5- 5 سورة البقرة- الآية 180.

ج 17، ص: 150

داود لم يكن إشكال في الحكم أصلا، إذ وجوب الفداء لهذه النصوص، و وجوب القضاء

لعموم «من فاتته»

الذي لا يحكم عليه ما في الصحيحين المتقدمين بعد أن عرفت الحال فيه، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن الحكم في المقام و نظائره من العزائم لا الرخص، ضرورة كون المدرك فيه نفي الحرج و نحوه مما يقضي برفع التكليف، مضافا إلى لفظ الوضع و نحوه في

خبر الكرخي، فما عساه يظهر من قوله: «لا جناح»

و نحوه من ارتفاع التعيين خاصة لا بد من إرجاعه إلى ما ذكرنا، سيما مع عدم ظهور خلاف فيه من أحد من أصحابنا عدا ما عساه يظهر من المحدث البحراني، فجعل المرتفع التعيين خاصة، تمسكا بظاهر قوله تعالى (1)«وَ عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ» إلى قوله «وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ» بعد كون المراد منه الشيخ و ذا العطاش، لكنه كما ترى، إذ الآية- مع فرض كونها غير منسوخة بقوله (2)«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» و قد عرفت ما ورد فيها من النصوص، مضافا إلى ما رواه علي بن إبراهيم (3)في المحكي من تفسيره بسنده إلى الصادق (عليه السلام) من تفسيرها بمن مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء رمضان فعليه أن يقضي و يتصدق لكل يوم بمد من طعام- يمكن حملها على استقلال قوله:

«وَ أَنْ تَصُومُوا» عن الأول، لبيان كون الصوم خيرا من السفر المقتضي للإفطار، أو أن المراد كونه خيرا في نفسه، فلا ينافي وجوبه، أو غير ذلك مما لا ينافي ما ذكرنا، و الله أعلم.

هذا و التحقيق أن المراد بالشيخ و الشيخة من توقف بقاء صحة مزاجهما


1- 1 سورة البقرة- الآية 180.
2- 2 سورة البقرة- الآية 181.
3- 3 تفسير علي بن إبراهيم ص 56.

ج 17، ص: 151

على تعدد الأكل و الشرب في أزمنة متقاربة للاستبانة لا لمزيد الهضم، و لا ريب في منافاته للصوم، بل هما حينئذ كذي العطاش بعد عدم تمكنهما من الأكل دفعة و لو لضعف في الهاضمة، و لا من عدم الأكل مطلقا، و ليس المراد من الشيخ الذي ذكره في القاموس من استبانت فيه السن، أو من خمسين أو إحدى و خمسين إلى آخر عمرة أو إلى الثمانين المعلوم بلوغ أكثر الناس هذا السن مع وجوب الصوم عليهم، بل المراد منه ما ذكرنا كما يعرف ذلك من كلام الأطباء، و به يعرف وجه حكمة الشرع في إفطارهما، بل و إلحاق ذي العطاش بهما، و الله العالم.

[المسألة السابعة حكم الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن]

المسألة السابعة لا خلاف في أن الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن يجوز لهما الإفطار في رمضان مع التضرر بالصوم، لعموم أدلة نفي الحرج و الضرار و إرادة الله تعالى اليسر و سهولة الملة و نحو ذلك، و خصوص

صحيح ابن مسلم (1)«سمعت الباقر (عليه السلام) يقول: الحامل المقرب و المرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان،

لأنهما لا يطيقان الصوم، و عليهما أن يتصدق كل واحد منهما في كل يوم يفطران بمد من طعام، و عليهما قضاء كل يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد»

و غيره مع الإجماع بقسميه و لكن من الصحيح المزبور- مع

عموم «من فاتته»

و غيره مما قيل من أولويته من المرض و إن كان فيه ما فيه- يستفاد أنهما تقضيان وجوبا، مضافا إلى

مكاتبة ابن مهزيار(2)المروية عن المستطرفات، قال: «كتبت إليه أسأله يعني علي بن محمد (عليه السلام) ان امرأة ترضع ولدها و غير ولدها في شهر رمضان فيشتد عليها الصيام و هي ترضع حتى غشي عليها و لا تقدر على الصيام ترضع و تفطر و تقضي صيامها إذا أمكنها أو تدع الرضاع و تصوم، فان كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من يرضع ولدها فكيف تصنع؟ فكتب


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.

ج 17، ص: 152

إن كان يمكنها اتخاذ ظئر استرضعت لولدها و أتمت صيامها، و إن كان ذلك لا يمكنها أفطرت و أرضعت ولدها و قضت صيامها متى ما أمكنها»

المنجبرة بعمل المعظم، بل في الروضة القطع به.

فما عن علي بن بابويه و سلار- من عدم وجوب القضاء، بل لعله الظاهر من عدم تعرض الصدوق و علم الهدى له أيضا- لا وجه له، بل يجب مع القضاء الصدقة عن كل يوم بمد من طعام إذا كان الخوف على الولد بلا خلاف أجده فيه، للصحيح المتقدم، اما إذا كان الخوف على النفس خاصة فمن ظاهر الأكثر كما في شرح الأصبهاني، و المشهور كما في المسالك و غيرها عدم وجوب الفدية حينئذ، بل في الدروس ما يقضي بكونه ظاهر الأصحاب، قال: لو خافت المرأة على نفسها دون ولدها ففي وجوب الفدية وجهان، و الرواية مطلقة، و لكن الأصحاب قيدوا بالولد، و إن كان قد يناقش فيه بأن المحكي عنه التصريح بذلك فخر الإسلام في شرحي الإرشاد و القواعد و بعض من تأخر عنه، مع ان المحكي عن الصدوقين و ابن حمزة و الفاضلين في المعتبر و التذكرة و المنتهى و التحرير القطع بتساوي الخوفين في وجوب الفدية، كما في ان المصنف هنا و في النافع و عن الشيخ في الخلاف و الفاضل في الإرشاد و التلخيص و التبصرة ذكروا الإطلاق الشامل لهما، و لعله لا يخلو من قوة، لإطلاق الصحيح المزبور، بل قد يشعر قوله فيه:

«لا يطيقان» بكون الخوف على النفس، و دعوى انسياق الخوف عن الولد من قلة اللبن ممنوعة، لإمكان كون ذلك داعيا لشدة ضعفها، مع انها لا تتم في الحامل و مكاتبة ابن مهزيار لا دلالة فيها على نفي الفداء مع كون الخوف على النفس خاصة على وجه يصلح لتقييد الإطلاق المزبور، و إن ظنه بعض متأخري المتأخرين، و عدم الفداء في الذي يخشى على نفسه المرض أو زيادته المندرج فيه ما نحن فيه

ج 17، ص: 153

للأصل، لا لأن ذلك يقتضي عدم الفداء، ضرورة انه إنما يقتضي الإفطار خاصة فلا بأس حينئذ بالفرق بين أفراده في وجوب الفدية مع القضاء و عدمه، و ليس فيه تخلف المعلول عن العلة، كما هو واضح، إذ لا مانع من عدم وجوب الفداء في ذلك- بخلاف ما نحن فيه- عقلا و لا شرعا، و دعوى ان عدمه في الأقوى يقتضي عدم وجوبه في الأدنى الذي هو محل البحث واضحة المنع، ضرورة عدم مجال للعقل في إدراك ذلك هنا بحيث يصلح لرفع اليد عن ظاهر الدليل الشرعي، كدعوى أن الظهور يرفعه إعراض المشهور عنه، لما عرفت من عدم تحقق الشهرة بل لعل المتحقق خلافها، على أنها بنفسها هنا لا تصلح لذلك، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى و الأحوط وجوب الفداء مطلقا.

نعم قد يقال باختصاصه فيما إذا كان الخوف على النفس أو الولد للجوع أو العطش أو نحو هما، لا لغير ذلك كمرض الولد و إشرافه على المرض المحوج إلى شرب دواء و نحوه، فإنه و إن وجب الإفطار و القضاء حينئذ، لكن لا فدية للأصل مع عدم شمول الخبر له، لكنه مع ذلك لا يخلو من نظر في الجملة.

و لا فرق في المرتضع بين كونه ولدا من النسب و الرضاع، و لا في المرضعة بين المستأجرة و المتبرعة، لكن في الروضة لو قام غيرها مقامها متبرعا أو أخذ مثلها أو أنقص امتنع الإفطار، و قد تبع في ذلك الدروس قال: لا فرق بين المستأجرة و المتبرعة إلا أن يقوم غيرها مقامها، ثم قال: لو قام غير الأم مقامها روعي صلاح الطفل، فان تم بالأجنبية فالأقرب عدم جواز الإفطار، هذا مع التبرع أو لتساوي الأجرتين، و لو طلبت الأجنبية زيادة لم يجب تسليمة إليها و جاز الإفطار، و هل يجب هذا الإفطار عليها؟ الظاهر نعم مع ظن الضرر بتركه، و انه لا يدفعه إلا ارتضاعها، و مبنى ذلك كله وجوب المقدمة التي لا تقتضي ضررا أو قبحا و المكاتبة المزبورة، بل جزم في الحدائق بوجوب الاستيجار و إن زادت

ج 17، ص: 154

الأجرة على المثل مع الإمكان لإطلاق المكاتبة، و لقائل أن يقول بعدم وجوب الاستيجار مطلقا، بل عدم وجوب إجابة المتبرع، تمسكا بإطلاق الصحيح (1)المزبور الذي تقصر المكاتبة المزبورة عن تقييده سندا و غيره، خصوصا مع اعتضاده بإطلاق الفتوى، و لا استبعاد في الرخصة شرعا لخصوص المرتضعة كائنة ما كانت في ذلك، بل ربما يؤيده تصريح هؤلاء بعدم الفرق بين الأم و المتبرعة، مع أن مقتضى ذلك عدم جواز التبرع لها مع اقتضائه الإفطار حتى الأم إذا كان للولد أب.

و على كل حال فالفدية من مالهما و إن كان لهما زوج و كان الولد له، لأنها بدل إفطارهما و إن كان بسبب الولد، و لأن لذلك هو مقتضى قوله (عليه السلام): «عليهما» في النص كما هو واضح، هذا، و قد ذكرنا سابقا

أن هذا الإفطار الذي منشأه الضرر و نحوه عزيمة لا رخصة كما صرح به في الروضة تبعا لما سمعت التصريح به في الدروس.

[المسألة الثامنة من نام في رمضان و استمر نومه]

المسألة الثامنة من نام في رمضان و استمر نومه فان كان نوى الصوم فلا قضاء عليه، و إن لم ينو فعليه القضاء، و المجنون و المغمى عليه لا يجب على أحدهما القضاء سواء عرض ذلك أياما أو بعض يوم، و سواء سبقت منهما نية أو لم تسبق و سواء عولج بما يفطر أو لم يعالج على الأشبه كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا.

[المسألة التاسعة من يسوغ له الإفطار]

المسألة التاسعة قد قطع الأصحاب كما في المدارك بأن من يسوغ له الإفطار كالمريض و المسافر و غيرهما في شهر رمضان يكره له التملي من الطعام و الشراب بل في المسالك نفي الخلاف عنه في غير ذي العطاش احتراما لشهر رمضان، و اقتصارا في الرخصة على مقدار الضرورة،

قال ابن سنان (2):


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.

ج 17، ص: 155

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان و معه جارية له أفله أن يصيب منها بالنهار؟ فقال: سبحان الله أما يعرف هذا حرمة شهر رمضان، ان له في الليل سبحا طويلا، قلت: أ ليس له أن يأكل و يشرب و يقصر؟ فقال:

إن الله تبارك و تعالى قد رخص للمسافر في الإفطار و التقصير رحمة و تخفيفا لموضع التعب و النصب و وعثاء السفر، و لم يرخص له في مجامعته النساء في السفر بالنهار في شهر رمضان، و أوجب عليه قضاء الصوم و لم يوجب عليه قضاء تمام الصلاة إذا آب من سفره، ثم قال: و السنة لا تقاس، و اني إذا سافرت في شهر رمضان ما آكل إلا القوت و لا أشرب كل الري»

خلافا للمحكي عن أبي الصلاح من عدم الجواز و لغيره في خصوص ذي العطاش، ل

خبر عجلان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يصيبه العطش حتى يخاف على نفسه قال: يشرب بقدر ما يمسك رمقه، و لا يشرب حتى يروى»

المحمول على الكراهة عند الأكثر لإطلاق الرخصة في الإفطار، و ليس هو بحكم الصائم كي يقتصر على مقدار الضرورة التي هي بحكم الإيجار الذي من الواضح الفرق بينه و بين المقام المتحقق فيه الاختيار، فلا فرق حينئذ في الحكم المزبور بين أفراد من يسوغ له الإفطار.

و كذا لا فرق بين الجماع و بين الأكل و الشرب في الجواز؛

قال عمر بن يزيد(2)في الصحيح: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يسافر في شهر رمضان إله أن يصيب من النساء؟ قال: نعم»

و قال عبد الملك (3)في الصحيح أيضا: «سألت أبا الحسن يعني موسى (عليه السلام) عن الرجل يجامع أهله في


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1 و هو خبر عمار.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.

ج 17، ص: 156

السفر و هو في شهر رمضان قال: لا بأس به»

و نحوه خبر سهل بن زياد(1)عن أبيه، و خبر أبي العباس (2)و خبر داود بن الحصين (3)و خبر علي بن الحكم (4)و صحيح محمد بن مسلم (5)و غيرها من النصوص التي لا ينبغي التأمل في حمل ما ظاهره المعارضة لها- كالخبر السابق (6)و

صحيح محمد بن مسلم (7)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا سافر الرجل في شهر رمضان فلا يقرب النساء بالنهار في شهر رمضان فان ذلك محرم عليه»

- على الكراهة باعتبار منافاته لحرمة شهر رمضان كما أومأ إليه

خبر ابن سنان (8)أيضا، قال: «سألته عن رجل أتى جاريته في شهر رمضان بالنهار في السفر فقال: ما عرف هذا حق شهر رمضان ان له في الليل سبحا طويلا».

و حينئذ فما قيل و القائل الشيخ إنه يحرم للمسافر أن يجامع نهارا إلا عند الحاجة، و عن أبي الصلاح انه لا يجوز لمن يسوغ له الإفطار الجماع مختارا ما لم يخف فسادا في الدين واضح الضعف و لا سيما مع أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، كوضوح الضعف فيما حكي عن أبي الصلاح أيضا من انه إذا دخل الشهر على حاضر لم يحل له السفر مختارا لظاهر قوله تعالى:

«فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» و قوله تعالى «ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» و ل

خبر أبي بصير(9)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخروج في شهر رمضان قال: لا إلا فيما أخبرك به خروج إلى مكة أو غزوة في سبيل الله أو مال تخاف هلاكه أو أخ


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2 عن محمد بن سهل عن أبيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 13- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 6.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.

ج 17، ص: 157

تريد وداعه»

و لإطلاق ما دل على وجوبه، إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة الأصل، و ظاهر قوله تعالى (1)«وَ مَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيحة عمار بن مروان(2): «من سافر قصر و أفطر»

و صحيح محمد بن مسلم (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سئل عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان و هو مقيم و قد مضى منه أيام فقال: لا بأس بأن يسافر و يفطر و لا يصوم»

و نحوه خبر أبان بن عثمان (4)عن الصادق (عليه السلام)، و في

الصحيح عن الوشاء عن حماد بن عثمان (5)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل من أصحابي جاءني خبره من الأعراض (الأعوص خ ل) و ذلك في شهر رمضان أتلقاه و أفطر؟ قال: نعم، قلت: أتلقاه و أفطر أو أقيم و أصوم؟ قال: تلقاه و أفطر»

و المرسل (6)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «سئل عن الرجل يخرج ليشيع أخاه مسيرة يومين أو ثلاثة فقال: إن كان في شهر رمضان فليفطر، قال: أيهما أفضل يصوم أو يشيعه قال: يشيعه، إن الله عز و جل وضع الصوم عنه إذا شيعه»

و فحوى ما دل (7)على استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) في شهر رمضان المتوقف امتثاله

للنائي على السفر، و غير ذلك مما يظهر منه أن السفر كالموانع الاضطرارية، و ان الصوم لا يجب إلا على الحاضر، و انه لا يجب عليه ان يحضر حتى يكون مكلفا، بل هو باق على إباحة السفر له، بل لعل ذلك كذلك في كل صوم قد تعين كقضاء شهر رمضان عند مجي ء الأشهر الأخر، و صوم الكفارة لو تعين، و صوم النذر،


1- 1 سورة البقرة- الآية 181.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 10- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 53- من أبواب المزار من كتاب الحج.

ج 17، ص: 158

و لا تجب له الإقامة، فيكون الحاصل من مجموع الأدلة وجوب الصوم على من كان حاضرا و عدمه على المسافر إلا ما خرج بالدليل.

نعم يستفاد من صحيح الحلبي(1)

و خبر أبي بصير(2)أفضلية الإقامة في شهر رمضان، قال في الأول: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يدخل في شهر رمضان و هو مقيم لا يريد براحا ثم يبدو له بعد ما يدخل شهر رمضان أن يسافر فسكت، فسألته غير مرة فقال: يقيم أفضل إلا أن يكون له حاجة لا بد من الخروج فيها، أو يتخوف على ماله»

و قال في الثاني أيضا: «جعلت فداك يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية في زيارة قبر أبي عبد الله (عليه السلام) فأزوره و أفطر ذاهبا و جائيا أو أقيم حتى أفطر و أزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين فقال: أقم حتى تفطر، قلت له: جعلت فداك فهو أفضل قال: نعم، أما تقرأ في كتاب الله فمن شهد منكم الشهر فليصمه»

بل في المختلف أن المشهور كراهة السفر إلى أن يمضي ثلاثة و عشرون يوما منه فتزول الكراهة و لعله ل

مرسل ابن أسباط(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا دخل شهر رمضان فلله فيه شرط، قال الله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ» فليس للرجل إذا دخل شهر رمضان أن يخرج إلا في حج أو في عمرة أو مال يخاف تلفه أو أخ يخاف هلاكه، و ليس له أن يخرج في إتلاف مال غيره، فإذا مضت ليلة ثلاثة و عشرين فليخرج حيث شاء»

و قد بان لك الحال من ذلك كله، و أن المراد من الآية وجوب صوم الشهر جميعه على من شهده أي كان حاضرا، و أن المراد الكراهة من النهي في خبر أبي بصير القاصر سندا و دلالة، و إطلاق ما دل على وجوبه يقيد بما إذا لم يكن مسافرا كما عرفت، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6.

ج 17، ص: 159

[كتاب الاعتكاف]

اشاره

كتاب الاعتكاف و يقع الكلام في ماهيته و أقسامه و أحكامه

[الكلام في ماهية الاعتكاف]

اشاره

أما الأول ف الاعتكاف لغة هو الاحتباس، و منه اللبث الطويل الذي هو أحد أفراد لزوم الشي ء و حبس النفس عليه برا كان أو غيره، قال الله تعالى (1)«ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها

عاكِفُونَ» أي لازمون لها و حابسون أنفسكم عليها، نحو قوله (2)«يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ» و شرعا على وجه النقل أو المجاز الشرعي هو اللبث المتطاول للعبادة و في المنتهى «لبث مخصوص للعبادة» و في الدروس «لبث في مسجد جامع مشروط بالصوم ابتداء» إلى غير ذلك من تعريفاتهم التي لا فائدة مهمة في استقصائها و المناقشة في طردها و عكسها و ذكر الشروط و نحوها فيها بعد معلومية كون المراد منها الكشف في الجملة الحاصل بذلك و نحوه، كغيره من الموضوعات الشرعية و المتشرعية التي تعرضوا لها، مع احتمال ملاحظة من ذكر الشروط كونه اسما للصحيح لا الأعم منه و الفاسد، كما أن المراد من قوله: «للعبادة» كون اللبث على وجه التعبد به


1- 1 سورة الأنبياء- الآية 53.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 134.

ج 17، ص: 160

نفسه، فلا يتوهم شموله اللبث لعبادة خارجية كقراءة قرآن و نحوها، بل لا يتوهم أن المعتبر في الاعتكاف قصد كون اللبث لعبادة خارجة عنه بحيث لا يجزي الاقتصار على قصد التعبد به خاصة، ضرورة ظهور النصوص و الفتاوى في مشروعيته لنفسه من غير اعتبار ضم قصد عبادة أخرى معه، ففي

خبر السكوني (1)بإسناده إلى الصادق عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «اعتكاف عشر في شهر رمضان يعدل حجتين و عمرتين»

لكن ظاهر ما يأتي من التذكرة اعتبار ذلك، بل جزم به شيخنا الأكبر في رسالته و كشفه.

و على كل حال فالإجماع من المسلمين بقسميه على مشروعيته على وجه الندب و ربما كان في قوله تعالى (2)«طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ» دلالة عليه، كقوله (3)«وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» و أما النصوص (4)الدالة على مشروعية و لو بتضمنها فعل النبي (صلى الله عليه و آله) فهي متواترة، نعم في المنتهى ان أفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان مستدلا برواية السكوني المتقدمة و هو كما ترى، و لعل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي العباس (5): «اعتكف رسول الله (صلى الله عليه و آله) في شهر رمضان في العشر الأولى، ثم اعتكف في الثانية في العشر الوسطى، ثم اعتكف في الثالثة في العشر الأواخر، ثم لم يزل (صلى الله عليه و آله) يعتكف في العشر الأواخر»

أظهر دلالة، ك

قوله (عليه السلام) في خبر الحلبي (6)في حديث: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة- الآية 119.
3- 3 سورة البقرة- الآية 183.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف الحديث 1.

ج 17، ص: 161

و ضربت له قبة من شعر و شمر المئزر و طوى فراشه»

بل

قوله (عليه السلام) في خبر داود ابن سرحان (1): «لا اعتكاف إلا في العشر الأواخر من شهر رمضان» على ما رواه في التهذيب، و في الكافي «إلا في العشرين»

أظهر منهما، و الأمر في ذلك سهل.

و كيف كان ف لا يصح إلا من مكلف مسلم لما قدمناه سابقا من اشتراط الايمان في صحة العبادة فضلا عن الإسلام، لاعتبار نية القربة فيها المعلوم عدم قابلية غير المؤمن- الذي لا يقربه من ربه شي ء بعد فقد الايمان- لها على أنك قد عرفت كون الاعتكاف اللبث المنافي لوجوب خروج الكافر من المسجد بل الظاهر اعتبار ذلك ابتداء و استدامة لما عرفت، فلو ارتد في الأثناء بطل اعتكافه و إن رجع كالصوم، بل أولى هنا للنهي حينئذ عن اللبث في المسجد، خلافا للمحكي عن المبسوط فلا يبطل وفاقا للشافعي، و أما التكليف فلا ريب في اعتباره من حيث العقل، لمعلومية عدم وقوعها من فاقده حتى السكران و لو بالأثناء أما من حيث البلوغ ففيه البحث السابق في عبادة الصبي بالنسبة إلى الشرعية و التمرينية، فمن الغريب جزم المصنف هنا بعدم الصحة مع حكمه بها سابقا، في الصوم اللهم إلا أن يريد بالتكليف ما لا يشمله اتكالا على ما ذكره سابقا، أو يريد نفي الصحة الشرعية هنا و إثبات الصحة التمرينية هناك كما اختاره في

المسالك و أومأ إليه في التذكرة، قال: «و يصح اعتكاف الصبي المميز كما يصح صومه، و هل هو مشروع أو تأديب إشكال» أو غير ذلك.

[شرائط الاعتكاف ستة]
اشاره

و كيف كان ف شرائطه ستة:

[الشرط الأول النية]

الأول النية المعلوم اعتبارها في جميع العبادات التي منها الاعتكاف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف- الحديث 5.

ج 17، ص: 162

بلا خلاف، لأصالتها في كل مأمور به، و البحث في حقيقتها و اعتبار الوجه و غير ذلك من مباحثها قد تقدم سابقا و قد ذكرنا هناك أنه انما يجب في نحوه نية القربة خاصة، و حينئذ فلا إشكال هنا من سائر الوجوه كما اعترف به ثاني الشهيدين في المحكي من فوائده على القواعد، قال: «و لو لم يعتبر الوجه كما هو الوجه استرحنا من الإشكالات، و كان معنى وجوب الثالث على القول به ترتب الثواب على فعله و العقاب على تركه بخلاف غيره» و هو كما ترى في غاية الجودة، إلا أن ظاهره اختصاص ذلك في القول بعدم اعتبار الوجه، أما عليه فلا، و هو ظاهر عبارة المتن، و لذا قال المصنف بناء على ما اختاره من اعتبار نية الوجه:

ثم إن كان منذورا مثلا نواه واجبا، و إن كان مندوبا نوى الندب، فان مضى له يومان وجب الثالث على الأظهر و جدد نية الوجوب ضرورة ظهوره في وجوب التجديد، لكن في المدارك بناء على اعتبار الوجه إن كان منذورا نوى الوجوب، و إن كان مندوبا و قلنا إن المندوب لا يجب بالدخول فيه و لو مضى اليومان نوى الندب، و إن قلنا إنه يجب بالشروع أو بمضي اليومين نواه على هذا الوجه، بمعنى أن يكون الجزء الأول منه أو اليومان الأولان على وجه الندب و الباقي على وجه الوجوب، و لا يتوجه عليه ما ذكره الشارح من تقدم النية على محلها، لأن محلها أول الفعل، غاية الأمر ان يقع على وجهين مختلفين، فيجب بنيتهما كذلك، و لو اقتصر على نية اليومين الأولين ندبا ثم جدد نية الثالث على وجه الوجوب كما هو ظاهر عبارة المصنف كان جيدا، و لا يرد عليه ما ذكره بعضهم من أن الثلاثة أقل ما يتحقق به هذه العبادة، و هي متصلة شرعا، و من شأن العبادة المتصلة أن لا يفرق النية على أجزائها بل يقع بنية واحدة، لأنا نقول إنه لا دليل على امتناع التفريق، بل قد اعترف الأصحاب بجوازه في الوضوء و نحوه فليكن هنا كذلك، و أما ما قيل- من أن الاعتكاف لما كان الأصل فيه الندب،

ج 17، ص: 163

و الوجوب لا يتعلق به إلا لأمر عارض جاز أن ينوي فيه أجمع ما هو مقتضى الأصل، و هو الندب- فضعيف جدا، إذ لا معنى لإيقاع الفعل الواجب على وجه الندب، كما هو واضح. قلت: بل هو قوي جدا، ضرورة كون اعتكاف الثلاثة عبادة واحدة، و لا توصف قبل الوقوع إلا بالندب، فهو حينئذ وجهها، و الوجوب الحاصل بعد مضي اليومين أو بالشروع انما هو من أحكام تلك العبادة المندوبة لا من وجوه أمرها، ضرورة كونه بأمر آخر غير الأمر بأصل الاعتكاف لا يعتبر في صحته أصل النية فضلا عن نية الوجه، و من هنا لو أتم المكلف الفعل بالاستدامة على مقتضى الأمر الأول غير عالم بالأمر الثاني صح فعله قطعا، و من ذلك وجوب إتمام النافلة بعد الشروع فيها بناء على حرمة القطع، و لو سلم فالمتجه التجديد كما ذكره المصنف، إذ لا معنى لقصد امتثاله قبل تحقق الخطاب به ضرورة عدم الوجوب إلا بعد مضي اليومين، كما أن المتجه على التجديد وقوع النية عند الغروب من اليوم الثاني على وجه لا تنافي المقارنة عرفا من غير اعتبار التقدم اليسير و التأخر، لكن في الروضة ظاهر الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان المعين كالوقوف بعرفة يكون بعد تحققه لا قبله، و ربما نوقش بخلو جزء من الزمان حينئذ من النية، فالأولى تقدمها بما لا ينافي المقارنة عرفا مع فرض تعذر المقارنة حقيقة، و فيه أنه مناف لاعتبار المقارنة المستفادة من الأدلة، و دعوى صدق تحققها عرفا في نحو ما نحن فيه بذلك لا تختص بالتقدم، و من هنا كان التحقيق ما قدمناه، و لعل ذلك كله بناء على أن النية الاخطار، أما على الداعي فالأمر سهل بل يمكن استمراره على وجه تحصل به المقارنة حقيقة، لكن في رسالة شيخنا انه يكفي التبييت هنا على الأقوى، و هو مشكل، كما أن ما فيها من أنه يجوز نيته عن الميت و الأموات دون الأحياء لا يخلو من إشكال أيضا، بل الأقوى جوازه، و لا يقدح ما فيه من النيابة في الصوم التبعي كالصلاة للطواف و نحوها

ج 17، ص: 164

نعم ما فيها- من أنه لا يجوز العدول بالنية عن اعتكاف إلى غيره مع اختلافهما في الوجوب و الندب و اتحادهما، و لا عن نيابة ميت إلى غيره إلا إذا نوى واجبا فبان عدم وجوبه، فإن الأقوى جواز العدول إلى الندب، و لا يخلو من إشكال- جيد جدا، و الله أعلم، و لا يخفى عليك جريان هذا البحث في نية أصل الاعتكاف أيضا، بل في كل عبادة مستغرقة للزمان.

[الشرط الثاني الصوم]

الشرط الثاني الصوم، فلا يصح بدونه بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (1)و غيره:

«لا اعتكاف إلا بصوم»

و هو المراد من الوجوب في

قول علي بن الحسين (عليهما السلام) في خبر الزهري(2): «و صوم الاعتكاف واجب»

بل النصوص (3)بذلك في غاية الاستفاضة إن لم تكن متواترة، فلا حاجة إلى الاستدلال عليه مضافا إلى ذلك بما في التذكرة من أن الاعتكاف لبث في مكان مخصوص فلم يمكن بمجرده قربة كالوقوف بعرفة، فاحتاج إلى اشتراط الصوم، لأنه بمجرده لا يكون عبادة، إذ هو كما ترى، نعم الظاهر أن شرطية الصوم له كشرطية الطهارة للصلاة لا يعتبر فيه الوقوع له، بل يكفي في صحة الاعتكاف وقوعه معه و إن لم يكن له سواء كان الصوم واجبا أو ندبا رمضان كان أو غيره بلا خلاف أجده فيه، بل عن المعتبر أن عليه فتوى علمائنا، و يدل عليه مضافا إلى ذلك في الجملة وقوعه من النبي (صلى الله عليه و آله) في شهر رمضان (4)لكن في التذكرة بعد أن ذكر نحو ذلك قال: و لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب عليه الصوم بالنذر، لأن ما لا يتم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الاعتكاف الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الاعتكاف الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من كتاب الاعتكاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الاعتكاف.

ج 17، ص: 165

الواجب إلا به يكون واجبا، و أشكل إطلاقه في المدارك بأن النذر المطلق يصح إيقاعه في صوم شهر رمضان أو واجب غيره، فلا يكون نذر الاعتكاف مقتضيا لوجوب الصوم، كما أن من نذر الصلاة فاتفق كونه متطهرا في الوقت الذي تعلق به النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة، نعم لو كان الوقت معينا و لم يكن صومه واجبا اتجه وجوب صومه للنذر أيضا، فلو نذر المعتكف صياما و صام تلك الأيام عن النذر أجزأ، و فيه أن المراد بقرينة كلامه سابقا و

لاحقا الوجوب و لو تخييرا أو عند توقف الواجب عليه، و لذا قال بعد ذلك:

«لو نذر اعتكافا و أطلق فاعتكف في أيام أراد صومها استحبابا جاز» و هو كالصريح فيما قلناه، لكن جزم في المسالك بالمنع من جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا، للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب و جواز قطع الصوم المندوب، و في المدارك هو جيد إن ثبت وجوب المضي في المطلق الاعتكاف الواجب و إن كان مطلقا، لكنه غير واضح كما ستقف عليه، أما بدون ذلك فيتجه جواز إيقاع المنذور المطلق في الصوم المستحب، أما المعين فلا ريب في امتناع وقوعه كذلك، لما ذكره من التنافي بين وجوب المضي فيه و جواز قطع الصوم، و فيه انه لا منافاة بين الاستحباب الذاتي و الوجوب الغيري، فيتجه حينئذ وقوع المعين فيه فضلا عن المطلق بعد اختلاف الجهة كالفريضة في المسجد و نحوها، و هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك أن الاعتكاف لا يصح إلا في زمان يصح فيه الصوم ممن يصح منه الصوم فان اعتكف في العيدين مثلا لم يصح، و كذا لو اعتكفت الحائض و النفساء بل و المسافر بناء على عدم مشروعية الصوم منه، لكن في المختلف عن ابن بابويه و الشيخ و ابن إدريس استحباب الاعتكاف في السفر محتجين عليه بأنه عبادة مطلوبة للشارع لا يشترط فيها الحضر، فجاز

ج 17، ص: 166

صومها في السفر، و فيه أنه يكفي في اشتراط الحضر فيه اشتراطه في شرطه، و هو الصوم، فلا وجه للاستدلال بإطلاق مشروعيته على جواز الصوم له سفرا، ضرورة أنه لا يتوقف أحد في اعتبار استفادة ذلك من نحو

قوله (عليه السلام):

«لا اعتكاف إلا بصوم»

و قوله (عليه السلام)(1): «ليس من البر الصيام في السفر»

الذي هو بمعنى قوله: «لا صيام إلا في الحضر» و احتمال العكس بأن يقال لا اعتكاف إلا بصيام، و الاعتكاف للإطلاق مشروع سفرا و حضرا فالصوم له كذلك كما ترى، و لا أقل من أن يكون ذلك من التعارض من وجه، و لا ريب في كون الترجيح لما ذكرنا لوجوه، و الله أعلم.

[الشرط الثالث العدد]

الشرط الثالث العدد لا يصح الاعتكاف إلا ثلاثة أيام بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2)و موثق عمر بن يزيد(3): «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام»

كقوله (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان(4): «الاعتكاف ثلاثة أيام يعني السنة»

و أبو جعفر (عليه السلام) في خبر أبي عبيدة(5): «من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام»

إلى غير ذلك، و حينئذ فمن نذر مثلا اعتكافا مطلقا وجب عليه أن يأتي بثلاثة لأنها أقل ما يتحقق به المطلق المزبور، و له أن يأتي بالأزيد، و ليس من الأقل المتحقق في ضمن الأكثر الذي لا يتصور امتثاله بالزائد عليه بعد حصوله بالأقل، ضرورة عدم الامتثال في الفرض


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف الحديث 3.

ج 17، ص: 167

بالأقل الذي صار بعد فرض قصد المكلف بالزائد جزءا كاليوم من الثلاثة، و لا ينافيه وجوب القضاء له خاصة لو أفسده، بل قد يحتمل عدم اعتبار القصد أخيرا له بعد القصد الأول، لعدم الدليل على مشروعيته كذلك و كذا إذا وجب عليه قضاء يوم من اعتكاف اعتكف ثلاثة بضم يومين ندبا له ليصح له قضاء ذلك اليوم و إن كان هو مخيرا في جعله أولا أو أخيرا أو وسطا على إشكال في الأخير و الوسط دون الأول، لكن ستعرف دفعه.

و المراد باليوم لغة و عرفا من طلوع الفجر إلى غروب الحمرة المشرقية، فلا تدخل الليلة الأولى في الثلاثة فضلا عن الأخيرة كما بيناه غير مرة، و ربما يشهد له في الجملة قوله تعالى (1)«سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً» فالنية حينئذ عنده لا عندها، و إن كان الأحوط الجمع بينهما، خلافا للمحكي عن الفاضل و إن كنا لم نتحققه، و لثاني الشهيدين فأدخلا الليلة الأولى فيها، و جعلاها محل النية قياسا على الليلتين في الأثناء، و فيه أن دخولهما لا لكونهما من مسمى اليوم، بل لظهور النص و الفتوى في استمرار حكم الاعتكاف، و انه لا انقطاع فيه، و لذلك دخلا، فهو قياس مع الفارق، و من ذلك يعلم أن الاعتكاف بدونهن يبطل، فلو نذره كذلك كان باطلا، خلافا لما ستعرفه من الشيخ، و أضعف منه القول بدخول الليلة الرابعة التي يشهد اللغة و العرف بخلافها، بل خبر عمر بن يزيد(2)المتقدم في كتاب الصوم صريح في نسبة هذا القول للمغيرية و أنهم كذبوا فيه، نعم له إدخالها في الاعتكاف، لأنه لأحد لأكثره، أما بعضها


1- 1 سورة الحاقة- الآية 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 7 إلا أنه لم يتقدم ذكره.

ج 17، ص: 168

أو بعض اليوم ففي بغية شيخنا الميل فيه إلى العدم، و عليه إبداء الفرق، و هل يجزي التلفيق في صدق الثلاثة؟ وجهان بل قولان، أقواهما نعم كما في غير المقام وفاقا للفاضل في المختلف للصدق عرفا، و خلافا

للمحكي عن المبسوط و غيره، و لو نذر اعتكاف شهر معين أو غير معين دخل فيه الليلة الأولى، لأنها من مسماه، و يجزيه ما بين الهلالين، تم أو نقص و يقوى الاجتزاء بالعدد أيضا إن شاء، لصدق الامتثال بكل منهما عرفا، كما انه يجزيه التتابع و التفريق ثلاثة في الشهر المطلق و الأيام للصدق كما في الصوم، إلا أنه لا يخلو من نظر لما تقدم في نذر الصوم، بل صرح شيخنا في بغيته بوجوب التتابع في نذر الشهر، إلا أن ظاهرهم في المقام عدمه، بل في المختلف أن له التفريق يوما فيوما على ان يضم لكل يوم من النذر يومين ندبا، قال: لا يقال: لا يصح الصوم تطوعا ممن عليه صوم واجب لأنا نقول: نمنع أولا ذلك على ما اختاره المرتضى، سلمنا لكن نذر الاعتكاف لا يستلزم نذر الصوم، فجاز ان يعتكف في نهار رمضان فينوي أول نهار من اعتكاف المنذور و باقية ندبا أو بالعكس، اما لو كان نذره اعتكاف شهر معين وجب مراعاة التوالي، لتوقف الصدق عليه، فلو أفطر يوما منه بعد مضي ثلاثة مثلا أثم و أتم ما بقي و قضى ما فات كما ستعرفه عند تعرض المصنف له.

و كذا تعرف الحكم في من ابتدأ اعتكافا مندوبا و أن مختار المصنف و جماعة بل هو المشهور أنه كان بالخيار في المضي فيه و في الرجوع، فان اعتكف يومين وجب الثالث، و كذا لو اعتكف ثلاثة ثم اعتكف يومين بعدها وجب السادس و قد عرفت الحال فيما لو دخل في الاعتكاف قبل العيد بيوم أو يومين أي أنه لم يصح لما تقدم من أنه لا اعتكاف إلا بصوم، و هو محرم في العيد أما لو دخل في اعتكاف خامسة العيد مثلا أو نذره ففي صحة ما عدا العيد و بطلانه

ج 17، ص: 169

وجهان، هذا و قد عرفت الحال فيما لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون لياليها و أنه غير جائز لكن قيل و القائل الشيخ في المحكي عن خلافه:

يصح ذلك، قال: «إذا قال: لله علي ان أعتكف ثلاثة أيام لزمه ذلك، فان قال: متتابعا لزمه بينها ليلتان، و إن لم يشترط المتابعة جاز أن يعتكف نهار ثلاثة أيام بلا لياليهن» و قال في هذا الكتاب أيضا قبل ذلك: «لا يكون الاعتكاف بأقل من ثلاثة أيام و ليلتين» و قال في المحكي عن مبسوطة: «إن نذر أياما بعينها لم يدخل فيها لياليها إلا أن يقول العشر الأواخر و ما يجري مجراه، فيلزمه حينئذ الليالي، لأن الاسم يقع عليه» ثم قال في موضع آخر منه: «و إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام وجب عليه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر من أول يوم إلى بعد الغروب من ذلك اليوم، و كذلك اليوم الثاني و الثالث، هذا إذا أطلقه، و إن شرط التتابع لزمه الثلاثة الأيام بينها ليلتان».

و قيل و القائل المشهور بل لا أجد فيه خلافا إلا ممن عرفت لا يصح لأنه بخروجه عن قيد الاعتكاف في الليل يبطل اعتكاف ذلك اليوم لكونه حينئذ اعتكافا أقل من ثلاثة أيام، قيل: و إلى ذلك يرجع ما في المختلف من الاستدلال على المطلوب بأن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام، و مفهوم ذلك دخول الليالي، لكن قد يناقش بأنه لا يتم في الزائد على الثلاثة، فالأولى حمل كلامه على إرادة فهم الاتصال على وجه يدخل فيه الليالي المتوسطة من أمثال هذا التركيب في إقامة العشر و الثلاثة الحيض و غيرهما، كما أن الأولى الاستدلال عليه أيضا بما يأتي من النصوص (1)الدالة على وجوب الكفارة على من جامع ليلا و هو معتكف، ضرورة عدم الداعي إلى حملها على اشتراط التتابع، كل ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف.

ج 17، ص: 170

مضافا إلى إمكان دعوى الإجماع على المطلوب، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا يجب التوالي فيما نذره من الزيادة على الثلاثة بل له ذلك و التفريق، لصدق الامتثال بكل منهما؛ و إن كان في التفريق لا بد أن يعتكف ثلاثة ثلاثة فما زاد لما عرفت من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة، بل قد سمعت ما في المختلف من التفريق يوما يوما، و إن كان هو خروج عن محل البحث، ضرورة إرادة التفريق في المنذور نفسه من غير ضم غيره معه، و مثله يأتي في نذر الثلاثة كما صرح به شيخنا في بغية الطالب، لعدم تصور الفرق بينها و بين العشرة في ذلك، هذا.

و لا يخفى عليك أنه لا يجب عليه التوالي إلا إذا نذر مثلا على وجه يظهر منه كما إذا اشترط التتابع لفظا بأن قال عشرة أيام متتابعة أو معنى كما لو نذر شهر رجب أو العشرة الأخيرة منه أو من شهر رمضان مثلا و نحو ذلك مما يتوقف صدق الاسم عليه، فإنه حينئذ يجب مراعاته، فلو أخل به لعذر احتمل البناء لما تقدم في الصوم، و احتمل العدم اقتصارا على المتيقن، و إن كان عمدا استأنف على الأقوى، مع احتمال البناء كما تعرف الحال فيه إن شاء الله عند تعرض المصنف له، و الله أعلم.

[الشرط الرابع المكان]

الشرط الرابع المكان، فلا يصح الاعتكاف إلا في مسجد إجماعا بقسميه و نصوصا(1). مستفيضة أو متواترة، إنما الكلام في تعيينه، فعن ابن أبي عقيل أنه كل مسجد، قال: «الاعتكاف عند آل رسول الله (صلى الله عليه و آله) لا يكون إلا في المساجد، و أفضله المسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) و مسجد الكوفة، و سائر الأمصار مساجد الجماعات» و عن جماعة أنه لا يكون


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف.

ج 17، ص: 171

إلا في جامع و هو ظاهر في المصنف بل و المفيد و إن عبر بالمسجد الأعظم إلا أن الظاهر إرادة الجامع منه في مقابلة مسجد السوق و القبيلة و نحوهما من المساجد التي لم يجتمع فيها المعظم من أهل البلد، و لا

أعدت لذلك، و لو فرض تعدد الجامع في البلد الواحد جاز في كل واحد منها، و ليس له التشريك بينها في الاعتكاف الواحد مع عدم الاتصال، أما معه بالباب مثلا ففي بغية الأستاذ لا تبعد الصحة، و فيه أن ذلك غير مجد بعد فرض ظهور الأدلة في اعتبار الوحدة المفروض عدم تحققها بذلك في المفروض، و قال في محكي المنتهى: «لو فصل الجامع الذي يجوز الاعتكاف فيه بحاجز جاز أن يعتكف بكل منهما، لأنه بعضه، و ليس له أن يخرج عن أحدهما إلا لضرورة أو حاجة من حر أو برد أو غير ذلك، أما لو كان أحد الموضعين ملاصقا للآخر بحيث لا يحتاج إلى المشي في غيرهما جاز أن يخرج من أحدهما إلى الآخر» قلت: المدار على صدق الوحدة عرفا كما لا يخفى، و لو تعذر المكث في محل النية فالأقوى البطلان مع احتمال الاكتفاء بجامع آخر.

و قيل و القائل الأكثر كما في الدروس لا يصح إلا في المساجد الأربعة: مسجد مكة و مسجد النبي (صلى الله عليه و آله) و مسجد الجامع بالكوفة و مسجد البصرة بل في محكي المنتهى أنه المشهور، بل عن المرتضى و الشيخ و ابن زهرة و الطبرسي الإجماع عليه و قائل و هو علي بن بابويه جعل موضعه أي الأخير مسجد المدائن الذي روي (1)ان الحسن (عليه السلام) صلى فيه، و فيه أن المتجه حينئذ ضمه مع الأربعة كما عن المقنع لا إبداله و ذلك لأن ضابطه عندهم كل مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي جماعة و من المعلوم أن الأربعة قد تحقق

فيها ذلك، و الخامس على فرض صحة الرواية المزبورة يلحق بها


1- 1 مرآة العقول ج 3 ص 246.

ج 17، ص: 172

و كذا مسجد براثا، بل منهم كالشيخ في المبسوط و المرتضى في الانتصار على ما قيل من قال باعتبار كون الجماعة في جمعة و لم يتحقق ذلك في غير الأربعة، بل لعل المتحقق خلافه، و ربما قيل: إن هذا فائدة الخلاف في اعتبار الجماعة و الجمعة.

و على كل حال فالأقوى الثاني، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح الحلبي (1): «لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع»

و قوله (عليه السلام) في خبر ابن سنان (2): «لا يصلح العكوف في غيرها يعني مكة إلا ان يكون مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) أو في مسجد من مساجد الجماعة»

و

قوله عن أبيه (عليهما السلام) في خبر علي ابن غراب(3): «المعتكف يعتكف في المسجد الجامع»

و مثله خبر علي بن عمران(4)و في

خبر أبي الصباح (5)عنه (عليه السلام) أيضا «انه سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر

الأواخر قال: إن عليا (عليه السلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) أو في مسجد جماعة»

و في

حسن الحلبي أو صحيحه (6)انه سئل أيضا «عن الاعتكاف فقال: لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) أو مسجد الكوفة أو مسجد جماعة، و تصوم ما دمت معتكفا»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر داود بن سرحان(7): «لا أرى الاعتكاف إلا في مسجد الحرام و مسجد الرسول (صلى الله عليه و آله) أو في مسجد جامع»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر يحيى بن العلاء الرازي(8): «لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة»

بل لعله يرجع إلى ذلك

المرسل (9)عن المقنع أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 10.
8- 8 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2.

ج 17، ص: 173

روي «لا اعتكاف إلا في مسجد يصلي فيه الجمعة بإمام و خطبة»

و المرسل (1)عن ابن الجنيد انه «روى ابن سعيد يعني الحسين عن أبي عبد الله (عليه السلام) جواز الاعتكاف في كل مسجد صلى فيه إمام عدل صلاة الجمعة جماعة، و في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة بإمام و خطبة»

ضرورة كونه هو الجامع غالبا، كمعلومية كونه المراد من مسجد الجماعة، إذ لم يقل أحد باعتبارها في الاعتكاف، و هي جميعا كما ترى متفقة على خلاف المحكي عن ابن أبي عقيل، و أما

موثق عمر بن يزيد(2)الذي هو دليل المشهور «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة، و لا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة و البصرة و مسجد المدينة و مسجد مكة»

فيمكن إرادة الأعم من المعصوم من الامام العدل فيه، بل لعله على التوصيف ظاهر في غيره، و كان وجه اعتبار صلاة العدل فيه جماعة ان السائل سأل عن مساجد بغداد، و هي ليست مساجد أهل الحق، إلا انه يجري عليها الحكم إذا اتخذها أهل الحق لصلاتهم و جوامع لهم، فيكون المراد انه لا عبرة بمسجد الجماعة لهم إذا لم يصل فيها إمام عدل جماعة على وجه يكون جامعا لهم و لغيرهم، للشك في الاكتفاء بغير ذلك و إن سمي جامعا باعتبار اتخاذ غير أهل الحق كذلك، و على كل حال فهو مع اتحاده و كونه من قسم الموثق و احتماله ما عرفت قاصر عن معارضته لما تقدم،

سيما بعد اعتضاده بظاهر الآية(3)بناء على دلالتها على مشروعيته بكل مسجد، و دعوى المرتضى و الشيخ و غيرهما الإجماع لم نتحققها، بل لعل المتحقق خلافه، فلا ريب في ان الأقوى ما قلناه.


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 14.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب الاعتكاف- الحديث 8.
3- 3 سورة البقرة- الآية 183.

ج 17، ص: 174

و يلحق بالمساجد حيطانها التي من جانبها و آبارها التي فيها و سطوحها و منائرها و منابرها و محاريبها و سراديبها، كبيت الطشت في الكوفة و نحو ذلك مما هو مبني على الدخول ما لم يعلم الخروج، بلا خلاف سنائدها و نحوها مما هو مبني على الخروج ما لم يعلم دخولها، و الإضافات إلى الجوامع حكمها حكمها مع اتخاذها اتخاذها، و قبر مسلم بن عقيل (عليه السلام) و هاني و نحوهما ليس من المسجد على الظاهر، و ما في الدروس من تحقق الخروج عن المسجد بالصعود على السطح لعدم دخوله في مسماه واضح الضعف، نعم لو فرض قصد المعتكف الاعتكاف في الأسفل دونه جاء فيه البحث السابق الذي قد ذكرنا فيه عدم الدليل على وجوب اعتبار ذلك و لو قصده، و لعله لذا قطع في محكي المنتهى بعدم الفرق بين السطوح و غيرها من غير نقل خلاف فيه، بل حكاه عن الفقهاء الأربعة، و استحسنه في المدارك، و هو كذلك، و لو اعتكف فبان عدم المسجدية أو الجامعية بطل اعتكافه، و لا يصلحه لحوقهما.

و لو تعذر إتمام اللبث في المكان الذي اعتكف فيه لخروجه عن قابلية اللبث فيه بأحد الأسباب احتمل الاكتفاء باللبث في غيره، بل ربما قيل به، و هو مشكل و لو زال المانع احتمل البناء، و الأقوى الاستئناف مع فرض الوجوب.

و تعلم الجامعية بالبينة و الشياع و حكم الحاكم و نحو ذلك، بل يمكن الاكتفاء بخبر العدل.

و كيف كان ف يستوي في ذلك الرجل و المرأة بلا خلاف أجده بيننا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه كما ادعاه في الحدائق، لأصالة الاشتراك، و ظاهر بعض النصوص (1)في وجه، من غير فرق بين المكان الذي أعدته للصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1 و 2.

ج 17، ص: 175

في بيتها و غيره عندنا، نعم خالف بعض العامة في ذلك فجوز لها الاعتكاف في مسجد بيتها، و لعله لذلك نبه المصنف على التسوية المزبورة.

و الحضرات المشرفة و إن كانت أفضل من الجوامع لا تلحق بها هنا، و كذا رواقها و إن كان متخذا للعبادة لا لاحكام البناء، و جميع بقاع جامع الاعتكاف على حد سواء للمعتكف، بل لا يبعد عدم اعتبار خصوص بعضها و إن خصصه المعتكف، نعم قد يقال باعتباره لو خصصه الولي كحاكم الشرع على إشكال فيه ينشأ من عموم ولايته على هذا النحو، و الله أعلم.

[الشرط الخامس إذن من له ولاية]
اشاره

الشرط الخامس إذن من له ولاية على المنع من الاعتكاف كالمولى لعبده مدبرا كان أو أم ولد أو غيرهما و الزوج لزوجته بلا خلاف أجده فيه معللين له بملكية السيد و الزوج منافعهما، فلا يجوز صرفهما لها بغير الاذن، بل في الدروس إضافة الولد و الأجير و الضيف لهم، و لم نعثر هنا على دليل بالخصوص نعم قد تقدم في الصوم المندوب ما له مدخلية في المقام مع فرض الاعتكاف فيه، و إن كان هو أخص من المقام، ضرورة أعمية الاعتكاف من ذلك حتى في الصوم المندوب الذي يفرض حصول الاذن فيه، فليس للمسألة مدرك على الظاهر سوى الملكية المزبورة على الوجه المزبور التي يمكن تسليمها في العبد و في الأجير دون الزوجة و دون الولد، و لذا لم يعتبر اذنه بعض مشايخنا، لكن اعتبر عدم منعه، و كذا الوالدة، و فيه أيضا بحث، و أما الضيف فليس مبنى المنع فيه إلا حيثية الصوم قطعا، فينبغي أن يدور الاعتكاف مدارها، و بالجملة قد تقدم في الصوم ما له نفع في المقام، و منه يعلم الحال في الاعتكاف الواجب المعين و المطلق، و اعتبار الاذن فيه و عدمها.

و على كل حال ف إذا أذن من له ولاية كان له المنع قبل الشروع للأصل السالم عن المعارض و بعده ما لم يمض يومان بناء على وجوبه حينئذ

ج 17، ص: 176

أو يكون واجبا بنذر و شبهه و قلنا بوجوب إتمامه بالشروع، لعدم طاعة المخلوق في معصية الخالق، و لو قلنا بوجوب الاعتكاف بالشروع مطلقا لم يكن له الرجوع معه، و لعله لهذا أطلق الشيخ في المحكي عن مبسوطة و خلافه عدم جواز الرجوع مع الاذن، و إلا كان واضح الفساد.

[فروع]
اشاره

فرعان بل فروع:

[الأول المملوك المبعض]

الأول المملوك المبعض إذا هاياه مولاه جاز له الاعتكاف في أيامه التي تسع أقل الاعتكاف و إن لم يأذن له مولاه لعدم السلطان له فيها، نعم قيده بعضهم بما إذا لم يضعفه في نوبة السيد، و زاد آخر و لم يكن الاعتكاف في صوم مندوب إن منعنا المبعض من الصوم بغير إذن المولى و هو جيد في الأخير، أما الأول فيمكن المناقشة فيه بإطلاق ما دل على أن له الانتفاع في أيامه، و لذا لم يعتبر في نوبة السيد التقييد بما إذا لم يضعفه في نوبته، فتأمل جيدا.

[الثاني إذا أعتق العبد في أثناء الاعتكاف]

الثاني إذا أعتق العبد في أثناء الاعتكاف الذي لم يؤذن فيه لم يلزمه المضي فيه إلا أن يكون شرع باذن المولى و حصل سبب الوجوب، خلافا للمحكي عن الشيخ فأوجب الإتمام عليه فيه و إن لم يكن أصله مأذونا فيه، و هو غريب.

[الثالث المكاتب الذي لم يتحرر منه شي ء]

الثالث المكاتب الذي لم يتحرر منه شي ء حكمه حكم القن في عدم جواز الاعتكاف بغير الإذن، للأصل و غيره، نعم لو كان اعتكافه اكتسابا اتجه عدم اعتبار الإذن حينئذ، لأنه مقتضى الكتابة، فما عن الشافعي من عدم اعتبارها مطلقا واضح الضعف، كإطلاق المحكي عن الشيخ من اعتبارها، و المتجه ما ذكرناه.

[الشرط السادس استدامة اللبث]
اشاره

الشرط السادس استدامة اللبث بنفسه قائما أو جالسا أو مضطجعا أو راكبا مستقرا أو مضطربا في المسجد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع

ج 17، ص: 177

بقسميه عليه، بل في المدارك و غيرها نسبته إلى العلماء كافة، لأنه معنى الاعتكاف و ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن سرحان (1)في حديث: «و لا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد الجامع إلا لحاجة لا بد منها، ثم لا يجلس حتى يرجع، و المرأة مثل ذلك»

و زاد في

صحيح الحلبي (2)«و لا يخرج في شي ء إلا لجنازة أو يعود مريضا، و لا يجلس حتى يرجع»

و قال له (عليه السلام) أيضا داود بن سرحان (3)في خبره الآخر: [14091] «كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله

(عليه السلام): إني أريد أن أعتكف فما ذا أقول؟ و ماذا أفرض على نفسي؟ فقال:

لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها، و لا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك»

و قال أيضا في خبر ابن سنان (4): «لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة»

و في صحيحه (5)أيضا «ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط»

بل

خبر ميمون بن مهران (6)ظاهر في معلومية منافاة الاعتكاف للخروج في ذلك الزمان، قال: «كنت جالسا عند الحسن بن علي (عليهما السلام) فأتاه رجل فقال له: يا بن رسول الله إن فلانا له علي مال و يريد أن يحبسني فقال: و الله ما عندي مال فأقضي عنك، فقال: فكلمه، فلبس (عليه السلام) لعله فقلت له: يا بن رسول الله أنسيت اعتكافك؟ فقال له: لم أنس و لكني سمعت أبي يحدث عن جدي رسول الله (صلى الله عليه و آله) انه قال: من سعى في حاجة أخيه المسلم فكأنما عبد الله عز و جل تسعة آلاف سنة صائما نهاره قائما ليله»

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما سمعت.

و حينئذ فلو خرج لغير الأسباب المبيحة بطل اعتكافه ضرورة ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 4.

ج 17، ص: 178

جميع ما عرفت في الشرطية التي ينعدم بانعدامها المشروط، بل جزم المصنف هنا و محكي المعتبر بأنه لا فرق في ذلك بين أن يكون طوعا خرج أو كرها مستدلا عليه في الأخير بأن الاعتكاف لبث في المسجد، فيكون الخروج منافيا له لكن قد يناقش بظهور الأدلة في كون المنافي له شرعا الأول، خصوصا بملاحظة ما دل على الرخصة في الخروج فيه للحاجة و نحوها مما هو أسهل من الإكراه بمراتب و لذا قال الفاضل في تذكرته: «انما يبطل بالخروج اختيارا، و أما إذا خرج كرها فلا إلا مع طول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا» و نفى عنه البأس في المدارك للأصل و حديث رفع القلم، و عدم توجه النهي إلى هذا الفعل، و في المختلف قال الشيخ في المبسوط: «لو أخرجه السلطان ظلما لم يفسد اعتكافه، و انما يقضي ما يفوته، و إن أخرجه لإقامة حد أو استيفاء دين يقدر على قضائه بطل، لأنه أحوج إليه، فكان مختارا في خروجه» و قال في موضع آخر: «كل من خرج من الاعتكاف لعذر أو غير عذر وجب عليه قضائه، و متى خرج قبل أن يمضي ثلاثة استأنف، و هذا هو الأقرب إن طال الزمان، أما مع عدمه فلا، لنا أن الاعتكاف هو اللبث، و لا يتحقق ماهيته مع الخروج، احتج بأنه عذر فلا ينافي الاعتكاف كاليسير، و الجواب أن اليسير لا عبرة به إذا كان لعذر بخلاف المتطاول» قلت: لا صراحة في كلام الشيخ في المتطاول الماحي للصورة التي لا تفاوت فيه بين العذر و غيره، فيرجع إلى ما ذكرنا، كالمحكي عن المنتهى، و كذا ينساق من الأدلة أن المنافي الخروج بجملته لا بعضو من أعضائه، و به قطع المصنف و الفاضل في محكي المعتبر و المنتهى من غير نقل خلاف مستدلا عليه في الأخير بما رواه

الجمهور(1)عن عائشة «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا اعتكف يدني إلى رأسه


1- 1 سنن أبي داود ج 1 ص 574« باب المعتكف يدخل بيته لحاجته» الحديث 1.

ج 17، ص: 179

فأرجله»

و هو مع عدم كونه من طرقنا لا ظهور فيه بخروج رأسه من المسجد، و التحقيق أن المدار على صدق اللبث فيه، فما عن المسالك من منافاة خروج الجزء له كالكل كما ترى، نعم ليس له أن ينوي الاعتكاف ببعض بدنه، و من الاضطرار الكون في الخارج لغبار و نحوه، و الجهل بالحكم ليس عذرا بخلاف الموضوع.

و كيف كان فان لم تمض ثلاثة أيام التي هي أقل الاعتكاف قبل خروجه الاختياري بطل الاعتكاف من أصله و إن مضت فهي صحيحة إلى حين خروجه، و لو كان قد نذر اعتكاف أيام معينة كالعشر الأواخر من شهر رمضان و نحوها ثم خرج قبل إكمالها بطل الجميع إن شرط التتابع و يستأنفها بأن يقضيها متتابعة في وجه، لعدم الإتيان بالمأمور به على الوجه المطلوب شرعا و لو بسبب النذر الذي لم يخرج

عن عهدته بذلك كما عن المبسوط و الدروس، لكن في المختلف «و لقائل أن يقول: لا يجب الاستيناف و إن وجب عليه التمام متتابعا و كفارة خلف النذر، لأن الأيام التي اعتكفها متتابعة و قعد على الوجه المأمور به، فيخرج بها عن العهدة، و لا يجب عليه استينافها، لأن غيرها لم يتناوله النذر، بخلاف ما إذا أطلق النذر و شرط التتابع فإنه هنا يجب الاستيناف، لأنه أخل بصيغة النذر، فوجب عليه استئنافه من رأس، بخلاف صورة النزاع، و الفرق بينهما بتعين الزمان هناك و إطلاقه هنا لكل صوم متتابع، فأي زمان كان الإطلاق يصح أن يجعله المنذور، و أما مع التعيين فلا يمكنه البدلية» و وافقه ثاني الشهيدين في المحكي عن مسالكه، و فيه أن التتابع في البعض غير كاف في الامتثال بعد أن فرض اعتباره في الجميع في صيغة واحدة، و عدم إمكان استئنافها نفسها باعتبار تعيينها لا ينافي وجوب القضاء، كما إذا لم يأت بها أجمع، و كما إذا نذر صوم يوم بعينه، فالمتجه حينئذ ما ذكره المصنف، نعم ظاهره اعتبار اشتراط التتابع لفظا، و عدم الاكتفاء عن ذلك بتعين الأيام الذي يلزمه التتابع كما هو صريح

ج 17، ص: 180

الدروس، و هو كذلك، ضرورة كون التتابع فيه كالتتابع في صوم شهر رمضان لا يفسد ما سبق، و لا ينافي ما يأتي، و انما يجب قضاؤه نفسه، هذا.

[في جواز الخروج للأمور الضرورية]

و قد ظهر لك من النصوص السابقة مضافا إلى الإجماع بقسميه أنه يجوز له الخروج في الجملة للأمور الضرورية شرعا أو عقلا أو عادة كقضاء الحاجة من بول أو غائط، نعم عن الأصحاب أنهم أوجبوا تحري أقرب الطرق إلى موضع قضاء الحاجة، و نحوه يجري في غيره، و في محكي المنتهى «لو كان إلى جانب المسجد سقاية خرج إليها إلا أن يجد بها غضاضة بأن يكون من أهل الاحتشام، فيجد المشقة بدخولها لأجل الناس، فيعدل عنها حينئذ إلى منزله و إن كان أبعد» بل قال: «و لو بذل له صديق منزله و هو قريب من المسجد لقضاء حاجة لم يلزمه الإجابة، لما فيه من المشقة بالاحتشام، بل يمضي إلى منزله» و ربما ظهر من جماعة الميل اليه، و استشكله في الحدائق بأنه تقييد لإطلاق النص بغير دليل، و ما ذكره من التعليل لا يصلح لتأسيس الأحكام الشرعية مشيرا بذلك إلى الغضاضة و نحوها كما صرح به بعد ذلك، و فيه أن مرجع هذا التعليل و نحوه إلى ما علم من نفي الحرج في الدين و سهولة الملة و سماحتها و نحو ذلك، و لا فرق بين البعيد و القريب ما لم يخرج عن مسمى الاعتكاف.

و منها أيضا الاغتسال من الجنابة و الاستحاضة و نحوهما مما هو فيها واجب، نعم في الحدائق «لا يجوز الخروج للغسل المندوب» و استحسنه في المدارك بعد أن حكاه عن التذكرة، و قد يناقش بعموم ما دل على الحث عليه في الجمعة(1)و نحوها، و إن كان بينهما تعارض العموم من وجه، لكن قد يؤيد ذلك بما دل على الخروج للحاجة المتعلقة به و بغيره، ضرورة إطلاق الأدلة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الأغسال المسنونة من كتاب الطهارة.

ج 17، ص: 181

جواز الخروج لها، و لا داعي إلى تخصيصها بالغير، بل ظاهر المحكي عن ثاني المحققين عدم الفرق بينهما، و لذا احتمل في عبارة المتن إرادة مطلقها، قال: فيدخل فيه حاجة نفسه و حاجة غيره من المؤمنين، لاستثناء ذلك، بل كما انه لا حاجة إلى إرادة خصوص الغائط و البول منها، و إن جنح إليه في المدارك حتى أنه توقف في جواز الخروج لقضاء حاجة الغير مستدلا عليه بخبر ميمون بن مهران (1)ثم قال: لكنه قاصر من حيث السند، فلا يصلح لتخصيص الأخبار المتضمنة لإطلاق المنع من الخروج، و فيه ما لا يخفى، بل يمكن دعوى الإجماع على خلافه.

و لو أمكن الغسل في المسجد على وجه لا يتعدى إليه النجاسة ففي المدارك قد أطلق جماعة المنع من ذلك، لما فيه من الامتهان المنافي للاحترام، و يحتمل الجواز كما في الوضوء و الغسل المندوب، و فيه انه مستلزم للبث المحرم، و به يفرق بينه و بين الوضوء و الغسل المندوب، على أنه قد ورد النهي عن الوضوء في المسجد من البول و الغائط.

و منها شهادة الجنائز للحمل و الصلاة عليها و دفنها، و في محكي المنتهى قال علماؤنا: يجوز أن يخرج لتشييع الجنازة و عيادة المريض، و قد سمعت ما في صحيح الحلبي (2)و

صحيح ابن سنان (3)من غير فرق بين تعين ذلك عليه و عدمه، لإطلاق النص، لكن في التذكرة اعتبار الأول، و فيه ما لا يخفى.

و منها عود المريض بلا خلاف أجده، بل في التذكرة أنه قول علمائنا أجمع، و هو الحجة، مضافا إلى صحيح الحلبي (4)و إمكان اندراجه في الحاجة، و إلى ما دل (5)على استحبابه في نفسه.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة.

ج 17، ص: 182

و منها تشييع المؤمن كما ذكره الفاضل و غيره إلا اني لم أعثر على نص فيه بالخصوص.

و كذا قوله و إقامة الشهادة إلا أنهما مندرجان في الحاجة التي قد عرفت إطلاقها، و تقييدها بعدم البد منها يمكن إرادة التي لا يمكن الجمع بينها و بين الاعتكاف، و تفوت بعدم الخروج إليها، أو إرادة ما يشمل ذلك و نحوه، على أن إقامة الشهادة مع تعينها حاجة لا بد منها، بل و تحملها مع التعين كذلك أيضا، مضافا إلى كون التعارض بين ما دل على عدم خروج المعتكف و بين ما دل على وجوب إقامتها تعارض العموم من وجه، و الترجيح للثاني من وجوه، بل لعله كذلك مع عدم التعين، خلافا للفاضل في بعض كتبه، خصوصا مع ملاحظة ما ورد في الجنازة و عود المريض من الرخصة، و لعل هذا هو الوجه في كثير مما ذكره الأصحاب في المقام و عدم النص بالخصوص عليه، و كأنهم فهموا المثال مما ذكر فيها،

فلذا لم يقتصروا عليه، و أكثرهم توسعة شيخنا في بغيته، قال:

«و يجوز الخروج للضرورية الشرعية و العقلية و العادية و للأكل و الشرب و الغسل و الإقامة للشهادة و التحمل و لمقدماتها مع التوقف عليها، ورد الضال و إعانة المظلوم و إنقاذ المحترم و عيادة المريض و تشييع المؤمن الحي و جنازة الميت و صلاتها و حضور دفنها و سننه و استقبال المؤمن و غسل النجاسات و القذارات و الاستحمام لشديد الحاجة و لصلاة الجمعة و العيدين بناء على جواز صومه للقائل في أشهر الحرم، بل لمطلق الصلاة في مكة، و خوف ضيق وقتها، و قضاء حاجة المؤمن و إعانة بعض خصوصا المعتكفين على مطالبه، و الخروج معه دفعا لخوف أو ردا لماله الضائع، و الشارد و المسروق، أو قياما بحقه، و انتظاره لدفع خوفه، و فعل ما فيه غضاضة في المسجد، و إخراج الريح خارج المسجد- إلى ان قال-: و ما تعلق بمصالح نفسه من الإتيان بماء أو حطب أو علفا لدابته أو نحو ذلك لا بأس به، و لا يلزم

ج 17، ص: 183

الاستيجار و الاستعانة و إن كان واجدا و مطاعا، و يشكل في واجد المملوك و الأجير، و من الحاجة امتثال أمر المالك و الوالدين و الخادم لمخدومه و المتعلم لمعلمه و المنعم لصاحب نعمته، و معرفة الوقت و التأذين و جهاد العدو و مصاحبة المحرم الامرأة الجميلة أو الخادم المشخص أو الجليلة و القوي للشيخ الضعيف و المريض للاعتماد عليه، و من الحوائج طلب الاحتياط في غسل أو إزالة نجاسة و نحوها ما لم يدخل في الوسواس، فان دخل فسد الاعتكاف، و منها ما لو احتاج إلى مسألة و المجتهد خارج المسجد، أو احتاج الى قرآن و كتاب دعاء أو شي ء مما تتوقف عليه العبادة، و لو أضربه الشعر و لم يسعه الحلق في المسجد خرج له، و مثله طلي النورة و الحجامة و الفصادة و نحوها من الأعذار، و مظنة تمام الاعتكاف فتبين خلافه بعد خروجه أو نية فراغه» بل في المختلف عن المبسوط يجوز للمعتكف صعود المنارة و الأذان فيها سواء كان داخل المسجد أو خارجه، لأنه من القربات، و إذا خرج الى دار الوالي و قال: حي على الصلاة أيها الأمير بطل اعتكافه، و فيه أيضا عن الخلاف يجوز للمعتكف ان يخرج فيؤذن في منارة خارج الجامع و ان كان بينه و بين الجامع فضاء و لا يكون في الرحبة، لما روي من الحث على الأذان و لم يفصلوا، و استشكله بأنه مستحب يمكنه فعله في المسجد فيكون الخروج له لا لضرورة، فلا يجوز، على أنه معارض بالحث على الأمر بالصلاة، فكما يبطل الخروج له فكذا هو، و نحوه عن التذكرة و المنتهى، نعم زاد فيهما «اما لو فرض أن يكون هو المؤذن و قد اعتاد الناس صلاته و يبلغ من الاستماع ما لا يبلغ لو أذن في المسجد لم أستبعد قول الشيخ» الى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على الزيادة على المنصوص في الجملة، و كان مبناه فهم المثالية مما في النصوص، لكن ينبغي الاقتصار حينئذ على ما علم فيه المماثلة أو ظن ظنا معتبرا شرعا، أو مبناه في جملة منه تعميم لفظ الحاجة له، لأنها أعم مما تتعلق بالنفس أو

ج 17، ص: 184

الغير إلا انه مع عدم شموله لجميع ما ذكر لعدم صدق الحاجة أو الشك قد عرفت تقييدها في النصوص بعدم البد منها الذي يجب حمل المطلق عليه، و لا أقل من الشك في جملة من الأمور أنها، من الحوائج التي لا بد منها أو أن مبناه ما أشرنا إليه من كون التعارض في أكثرها أو جميعها من وجه، و الترجيح لها بفتوى جماعة من الأصحاب بل جميعهم في الجملة، و بأنه كالواجبات في هذا التعارض، فكما يخرج لما يطرأ من الواجبات مع أن التعارض بينها من وجه أيضا فكذا هذه المندوبات، و باشتمال النصوص على بعضها المحتمل أو المظنون أو المعلوم فيه المثالية، و بأن ظاهر استدلال الحسن بن علي (عليهما السلام) ترجيح كل ما كان من هذا القبيل على الاعتكاف، أو غير ذلك.

إلا أنه لا يخفى عليك بعد ذلك كله رجحان الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة في كل ما هو غير منصوص و لم يعلم إلحاقه به، كما انه لا يخفى عليك تقييد ذلك كله بما إذا لم يستلزم محو صورة الاعتكاف، و إلا بطل على كل حال، و لذا وجب خروج المرأة من المسجد لو حاضت في أثناء الاعتكاف، و المريض الذي لا يسعه اللبث، و كذا غيرهما من ذوي الأعذار التي ينمحي صورة الاعتكاف معها، و يجب عليهم حينئذ استئناف الاعتكاف مع وجوبه، و إلا فلا و عليه ينزل إطلاق بعض الأصحاب وجوب العود الى الاعتكاف، كإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن الحجاج (1): «إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا بري ء و يصوم»

و قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2): «في المعتكفة إذا طمثت قال: ترجع الى بيتها، فإذا طهرت


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الاعتكاف- الحديث 3.

ج 17، ص: 185

رجعت فقضت ما عليها»

جمعا بين ذلك و بين ما دل على عدم وجوب الاعتكاف بمجرد الشروع، و انه انما يجب بالنذر أو مضي يومين كما ستعرف تفصيل الكلام فيه.

و على كل حال فظاهر الخبرين استئناف الاعتكاف، لكن في المنتهى تردد فيه من ذلك و من حيث حصول العارض المقتضي للضرورة، فكان كالخروج للحاجة، بل قال: الأقرب عدم الاستئناف، و فيه ما لا يخفى بعد فرض محو الصورة حتى في المقيس عليه، فلا ريب حينئذ في وجوب الاستئناف، ثم إن كان الاعتكاف واجبا

و لم يمض ثلاثة وجب القضاء من أصله، و إلا فالمتروك خاصة، نعم لو كان المتروك ثالث المندوب مثلا وجب قضاؤه بإضافة يومين اليه، لما عرفت من أن الاعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة.

[في عدم جواز المشي تحت الظلال للمعتكف]

و كيف كان ف إذا خرج المعتكف لشي ء من ذلك لم يجز له الجلوس تحت ظلال بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، كما أن صحيح الحلبي (1)و خبري داود بن سرحان (2)دالة عليه، بل لا تقييد في الأول و أحد الأخيرين بكونه تحت الظلال، و لذا أطلق النهي عنه بعضهم، لكن في الحدائق أنهما مقيدان بالخبر الأخير لداود، و من هنا خص الشيخان و الفاضلان و المرتضى و سلار و أبو الصلاح و ابن إدريس و غيرهم تحريمه بذلك، لكن قد يناقش بأن التقييد مبني على حجية مفهوم المكان، و يمكن منعها و أنها كمفهوم اللقب، و قال جماعة منهم الشيخ و المصنف و الفاضل و غيرهم و لا المشي تحت الظلال بل عن المرتضى «ليس للمعتكف إذا خرج عن المسجد أن يستظل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1 و 3.

ج 17، ص: 186

بسقف حتى يعود اليه» ثم استدل عليه بالإجماع و طريقة الاحتياط، و لعله الحجة مضافا إلى ما دل (1)عليه في المحرم بناء على أصالة مساواته له في ذلك حتى يعلم الخلاف، و إلى

احتمال إلغاء خصوصية الجلوس، و كون المانع منه تحت الظلال، فلا فرق بينه و بين المشي و الوقوف، و في الوسائل أنه قد تقدم ما يدل على عدم جواز الجلوس و المرور تحت الظل للمعتكف، و إلى قاعدة الشك في الشرط بناء عليها، و إلى غير ذلك، هذا كله مع الاختيار، أما مع الاضطرار فلا بأس كما صرح به غير واحد، و لعله لإطلاق ما دل على الجواز المقتصر في تقييده بما هو المنساق من حال الاختيار.

[في جواز إتيان الصلاة للمعتكف خارج المسجد إلا بمكة]

و كذا لا يجوز للمعتكف الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه مع عدم الضرورة، لإطلاق الأدلة السابقة إلا بمكة، فإنه يصلي المعتكف بمسجدها أين شاء من بيوتها بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان(2): «المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها»

و في

صحيح منصور بن حازم (3)«المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، و المعتكف بغيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه»

و قال ابن سنان (4)أيضا: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها- إلى أن قال-: و لا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة، فإنه يعتكف بمكة حيث شاء، لأنها كلها حرم الله»

قال الشيخ: انما يريد بقوله (عليه السلام):


1- 1 الوسائل- الباب- 64- من أبواب تروك الإحرام- من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الاعتكاف الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الاعتكاف الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من كتاب الاعتكاف الحديث 3.

ج 17، ص: 187

«يصلي» صلاة الاعتكاف، كما يقضي به سياق الكلام و النصوص السابقة.

[في عدم بطلان الاعتكاف بالخروج من المسجد سهوا]

و لو خرج أي المعتكف من المسجد ساهيا لم يبطل اعتكافه بلا خلاف للأصل و حديث رفع القلم، و انصراف ما دل على الشرطية إلى غيره و لو لاشتماله على النهي المتوجه إلى غيره، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يطل حتى انمحت الصورة كما اعترف به غير واحد، ضرورة رجوعه حينئذ إلى انتفاء الحقيقة الذي لا فرق فيه بين العمد و السهو و الاضطرار و غيره، هذا. و قد زاد بعض مشايخنا شرطا آخر للاعتكاف، و هو إباحة اللبث، فلو وجب عليه الخروج لجنابة أو لعارض يخافه على نفسه أو عرضه أو غيره مما يوجب الخروج فمكث فسد اعتكافه، ثم قال بعد ذلك: «كل من حرم عليه اللبث لخوف على نفسه أو عرضه أو أمر يلزمه حفظه فلبث بطل اعتكافه، و هو كذلك، و كأن الأصحاب تركوا التعرض له لوضوحه، و لأنه

المنشأ لما ذكروه من الشرط الخامس الذي هو إذن من له ولاية كالزوج و السيد، ضرورة كون ذلك لحرمة اللبث عليهم من دون الاذن، فيعم حينئذ كل من حرم عليه اللبث، على أن من الواضحات عدم اجتماع الأمر و النهي في شي ء واحد، نعم ينبغي أن يخص ذلك بما إذا كان محرما في نفسه لا من حيث الضدية لأداء دين و نحوه، فإنه الأقوى حينئذ الصحة لما حققناه في محله من أن الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص- ثم قال-: و لو غصب مكانا من المسجد أو جلس على فراش مغصوب فالأقوى البطلان، و أما اللباس و المحمول فلا يبعث على الفساد على الأقوى، و لو وضع في المسجد تراب أو فراش مغصوب و لا يمكن نقله فلا مانع من الكون عليه، و لو جلس في المغصوب أو عليه مجبورا أو جاهلا بالغصب فليس عليه شي ء- و كأنه أراد بغصب المكان دفع من سبق اليه قهرا أو نحو ذلك كما يومي اليه قوله متصلا بذلك-: و من سبق إلى مكان فهو أحق به حتى يفارقه أو يطيل المكث غير مشغول حتى يخل بعبادة

ج 17، ص: 188

المتعبدين، و لو فارقه و له فراش أو شي ء يعتد به بقي اختصاصه إن كان خروجه لغرض صحيح لا يقتضي البطء المفرط، و وضع الخيط و العود و الخرقة كلا وضع و أما ما يسجد عليه و المسبحة فمما يلحظ في الوضع، و حد الانتظار إلى أن يحصل خلل في نظم الصلاة و نحوها كلزوم الفرج في الجماعة بعد قول: «قد قامت الصلاة» و السابق للحجرة أولى بها في السكنى، و لكن ليس له منع الشريك ما لم يحصل ضرر بخلاف المدرسة، و تجري الوكالة في الاختصاص حيث يجلس الوكيل في مكان الموكل و مالها أعمال خاصة من بقاع المسجد يقدم مريد الأعمال على غيره» انتهى لكن أكثره لا يخلو من نظر حتى الفرق بين اللباس و المحمول و غيرهما في الأول فضلا عما في الأخير من تقدم مريد الأعمال، و عن دعوى جريان حكم الغصب على كل من نافى أولوية السبق، و عن الفرق بين المسبحة و غيرها، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[فروع]
اشاره

فروع يمكن استفادة حكمها مما تقدم

[الأول إذا نذر اعتكاف شهر معين و لم يشترط التتابع]

الأول إذا نذر اعتكاف شهر معين و لم يشترط التتابع فاعتكف بعضه و أخل بالباقي صح ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعدا و قضى ما أهمل، و لو تلفظ فيه بالتتابع استأنف كما عرفته في شرح قول المصنف: «و لو نذر اعتكاف أيام معينة» إلى آخره، و في المدارك بناء على ما سلف له هناك، بل الأصح عدم بطلان ما فعل إذا كان ثلاثة فصاعدا مع التلفظ بالتتابع و بدونه، إذ المفروض تعيين الزمان، و قد عرفت أن التلفظ بالتتابع لا يفيد مع تعيين الزمان إلا مجرد التأكيد لإفادة تعيين التتابع المعنوي و قد بينا ذلك فيما سبق، قلت: قد عرفت ما فيه أيضا سابقا من وضوح الفرق.

[الثاني إذا نذر اعتكاف شهر معين و لم يعلم به حتى خرج]

الثاني إذا نذر اعتكاف شهر معين و لم يعلم به حتى خرج كالمحبوس و الناسي قضاه بلا خلاف، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، لكن ربما استشكل بعدم ما يدل على قضائه، و يدفع- مضافا إلى احتمال تناول

ج 17، ص: 189

«من فاتته» له، و إلى أنه مشتمل على الصوم الذي قد ثبت القضاء للواجب منه- بأنه قد ثبت القضاء في الحائض و المريض و غيرهما مما قد اشتملت عليه النصوص و الفتاوى مع عدم القول بالفصل، نعم عن الشهيد أنه لو غمت عليه الشهور توخى و إلا تخير كما في الصوم، و أشكله بعضهم بأنه لا دليل عليه هنا، و القياس محرم، و قد يدفع بأن مبناه في الصوم على القاعدة التي لا تفاوت فيها بين المقامين، و هي أصالة بقاء التكليف، و قبح تكليف ما لا يطاق، فليس حينئذ إلا التوخي، و مع عدمه فالتخيير، لأنهما أقرب طرق الامتثال، على أنه شهر معين قد وجب صومه و لو للاعتكاف، و لا خصوصية لشهر رمضان، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[الثالث إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل بيوم قضاه]

الثالث إذا نذر اعتكاف أربعة أيام فأخل بيوم قضاه لكن يفتقر إلى أن يضم اليه آخرين ليصح الإتيان به و المراد بالقضاء الإتيان به ليتناول المنذور المطلق و المعين، ضرورة عدم اختصاص الحكم بالقضاء، بل هو لكل من وجب عليه اعتكاف يوم كما أشار إليه المصنف فيما سبق و فيما يأتي، و الظاهر التخيير بين التقديم و التأخير و التوسيط، لكن عن جماعة من المتأخرين أن الزائد على الواجب إن تأخر عن الواجب لم يقع واجبا، و إن تقدم جاز أن ينوي به الوجوب من باب مقدمة الواجب، و الندب لعدم تعين الزمان له، و في المدارك و ربما يشكل بما إذا كان الواجب يوما واحدا، فان اعتكاف اليومين بنية الندب يوجب الثالث فلا يكون مجزيا عما في ذمته، و بأن الاعتكاف يتضمن الصوم، و هو لا يقع مندوبا ممن في ذمته واجب، و يدفع بأن غاية ما يستفاد من الأدلة الشرعية أن من اعتكف يومين يتعين عليه اعتكاف الثالث، و هو لا ينافي وجوبه من جهة أخرى، و عن الثاني بأن الممتنع انما هو وقوع النافلة ممن في ذمته قضاء رمضان لا مطلق الواجب كما بيناه فيما سبق، قلت: و لو أراد زوال الإشكال الأول من أصله نوى بالأول الندب و جعل ما في ذمته وسطا على انهما هما واجبان من باب المقدمة،

ج 17، ص: 190

فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، و كيف كان فلو كان المنذور خمسة في المدارك وجب أن يضم اليه سادسا سواء أفرد اليومين أو ضمهما إلى الثلاثة، لما بيناه فيما سبق من أن الأظهر وجوب كل ثالث قلت: ستعرف تحقيق الحال فيه.

[الرابع إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد]

الرابع إذا نذر اعتكاف يوم لا أزيد لم ينعقد قطعا، لما عرفت من أن أقل الاعتكاف ثلاثة، فلا يكون مشروعا و لو نذره لا بهذا القيد أو نذر اعتكاف ثاني قدوم زيد مثلا صح و يضيف اليه آخرين كما هو واضح.

هذا كله في حقيقته و شرائطه،

[الكلام في أقسام الاعتكاف]

و أما الكلام في أقسامه فإنه ينقسم إلى واجب و ندب ضرورة كونه عبادة، و هي منحصرة فيهما فالواجب ما وجب بنذر و شبهه من العهد و اليمين و الإجارة و أمر السيد و نحوها و المندوب ما تبرع به عن نفسه أو عن غيره فالأول يجب بالشروع بلا خلاف أجده إذا كان معينا، بل هو واجب قبله، اما غيره فهو و إن كان مشهورا فيه كما قيل إلا انه يصعب إقامة الدليل عليه كغيره من الاعتكاف الواجب توسعا، و من هنا قال في المدارك: إنه لو قيل بمساواته للمندوب في عدم وجوب المضي فيه قبل اليومين لم يكن بعيدا، و هو كذلك، و النهي عن إبطال العمل بعد تسليم إرادة الابطال منه بغير الارتداد و نحوه خاص في الصلاة كما يشهد له الاستقراء و غيره، فالوجوب حينئذ بالشروع لا يخلو من نظر، اللهم إلا أن يكون مستنده ما تسمعه من دليل الوجوب بالشروع في المندوب الذي هو أضعف من الواجب بمراتب، فتأمل. و الثاني مع عدم الشرط لا يجب المضي فيه حتى يمضي يومان (11) كاملان إجماعا عن القائلين بهذا القول فيجب الثالث (12) وفاقا للإسكافي و ابن البراج و الشيخ في النهاية و جمع من المتأخرين و متأخريهم،

ج 17، ص: 191

للأصل و

صحيح محمد بن مسلم (1)«إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله أن يخرج و يفسخ اعتكافه، فإن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يخرج و يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام»

و صحيح أبي عبيدة(2)عن الباقر (عليه السلام) «من اعتكف في ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء ازداد أياما أخر، و إن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يستكمل ثلاثة أيام»

بل قد يظهر من الأخير وجوب كل ثالث بعد اليومين، فيجب السادس لمن اعتكف خمسة، و التاسع لمن اعتكف ثمانية، و هكذا، و المناقشة في سندهما بعلي بن الحسن بن فضال يدفعها أنهما في طريق الكافي في أعلى مراتب الصحة، على أنه هو قد ذكر في الخلاصة «و أنا أعتمد على رواية علي بن الحسن بن فضال و إن كان مذهبه فاسدا» فحكى عن النجاشي و الكشي و الشيخ و غيرهم توثيقه و قربه من الإمامية، فلا وجه حينئذ لحملهما على شدة الاستحباب بعد جمعهما لشرائط الحجية و عدم المعارض لهما سوى الأصل الذي يقطعه أقل من ذلك.

و حينئذ فما قيل من أنه لا يجب الثالث أيضا كما هو خيرة المرتضى و ابن إدريس و

الفاضلين في المعتبر و المنتهى و المختلف و التذكرة و القواعد واضح الضعف، بل القول بالوجوب بمجرد الشروع كما عن المبسوط و أبي الصلاح أقرب منه، لإمكان الاستدلال له- مضافا إلى النهي عن إبطال العمل؛ و إلى أنه كتعين الكلي بالفرد- بالنصوص (3)الدالة على وجوب الكفارة على المعتكف إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف.

ج 17، ص: 192

أبطل اعتكافه بالجماع، و بخبري محمد بن مسلم (1)و أبي بصير(2)المتقدمين سابقا الدالين على وجوب إعادة المريض و الحائض الاعتكاف بعد البرء و الطهارة، و إن أجيب عن الأولى بأنها مطلقة لا عموم فيها، و تصدق بالجزء و الكل، فيكفي في العمل بها تحققها في بعض الصور، فلا يكون حجة في الوجوب، على أنه لو سلمنا عمومها لم يلزم من ذلك الوجوب، لاختصاصها بجماع المعتكف كما ستقف عليه، و لا امتناع في وجوب الكفارة بذلك في الاعتكاف المستحب، و بنحو ذلك عن الثانية، و إن كان قد يناقش أولا بأن الإطلاق حجة كالعموم، و بأن الكفارة على ما عهد من الشرع انما تجب في مقام الوجوب المستلزم مخالفته للعقوبة، فتكون الكفارة لدفع تلك العقوبة، و هذا لا يعقل في المستحب الذي لا يترتب فيه على تركه عقوبة، و انما غاية ذلك

عدم الثواب عليه، و كيف يمكن القول بوجوب الكفارة في الاعتكاف المستحب.

و لكن مع ذلك كله فلا ريب في أن الأول أظهر لصراحة الصحيحين (3)السابقين الحاكمين على غيرهما، و إن كان الأخير أحوط، بل لا يخلو من قوة، و الله أعلم.

هذا كله مع عدم الشرط في الاعتكاف و النذر و أما لو شرط في حال نذره الرجوع إذا شاء و قلنا بصحة هذا الشرط فيه كان له ذلك في


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1 و هو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج كما تقدم في ص 184.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الاعتكاف- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1 و 3.

ج 17، ص: 193

أي وقت شاء عملا ب

قولهم (عليهم السلام)(1): «المؤمنون عند شروطهم»

و لا قضاء للأصل السالم عن المعارض من غير فرق بين المعين و غيره، و بين منذور التتابع و غيره و لو لم يشترط بل كان مطلقا وجب استئناف ما نذره إذا قطعه و كان مشروط التتابع أو لم يمض منه ثلاثة أيام على التفصيل الذي عرفته سابقا، انما الكلام في صحة الشرط المزبور، و لعله موقوف على صحته في الاعتكاف، و ربما يدل عليها فيه- مضافا إلى

عموم «المؤمنون عند شروطهم»

إلى آخره و نحوه-

قول أبي جعفر (عليه السلام)(2): «إذا اعتكف يوما و لم يكن اشترط فله ان يخرج و يفسخ الاعتكاف، و إن أقام يومين و لم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى يمضي ثلاثة أيام»

ضرورة ظهوره في أن له الفسخ مع الشرط بعد اليومين أيضا، و

قال أبو ولاد في الصحيح (3): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم و هي معتكفة بإذن زوجها فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها فتهيأت لزوجها حتى واقعها فقال: إن كانت خرجت من المسجد قبل ان تمضي ثلاثة أيام و لم يكن اشترطت في اعتكافها فان عليها ما على المظاهر»

و هو ظاهر أيضا في عدم الكفارة عليها مع الشرط، لكن يظهر من الحدائق تبعا للمدارك التوقف في صحة هذا الشرط في عقد النذر، لأن نصوص المقام انما دلت عليه في الاعتكاف دون النذر، و فيه ان جوازه في الاعتكاف يقضي بجوازه في النذر، ضرورة كون مورد النذر حينئذ هذا القسم من الاعتكاف، فيشمله أدلة النذر، فالبحث إن كان حينئذ فهو في جوازه في الاعتكاف


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الخيار- الحديث 7 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.

ج 17، ص: 194

و ربما خص جوازه فيما لو كان الشرط عروض العارض لا مطلقا، بل حكي ذلك عن جماعة من

الأصحاب منهم الفاضل في التذكرة، حيث قال: انما يصح اشتراط الرجوع مع العارض، فلو شرط الجماع في اعتكافه أو الفرجة أو التنزه أو البيع و الشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز، و عن ثاني الشهيدين القطع به، نعم ينبغي أن يراد بالعارض ما هو أعم من العذر، كما يدل عليه صحيحة أبي ولاد، إذ حضور الزوج ليس من الأعذار المسوغة للخروج من الاعتكاف، و انما هو من جملة العوارض، فيختص الشرط حينئذ بعروض العارض لا مطلقا، و يؤيده

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق(1): «إذا اعتكف العبد فليصم و قال: لا يكون اعتكاف أقل من ثلاثة أيام، و اشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط عند إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة نزلت بك من أمر الله»

و قوله (عليه السلام) في قوى أبي بصير(2): «لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام، و من اعتكف صام، و ينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما اشترط المحرم».

بل ربما قيل باختصاص الجواز في اشتراط العذر الذي يسوغ معه الفسخ بلا شرط، للموثق الأول، و ان فائدة الشرط مجرد التعبد، و إن كان قد يدفعه ظهور النص و الفتوى بخلافه، بل ظاهر الأكثر أو صريحه جواز الاشتراط مطلقا من

غير تخصيص بالعارض كما اعترف به في الحدائق، و ليس في صحيح أبي ولاد


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 2- من كتاب الاعتكاف- الحديث 9 و قطعة منه في الباب 4 منه- الحديث 5 و ذيله في الباب 9 منه- الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 4- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2 و وسطه في الباب 2 منه- الحديث 7 و ذيله في الباب 9 منه- الحديث 1.

ج 17، ص: 195

منافاة لذلك، بل لا يخلو من تأييد، كما انه ليس في الموثق و القوي ذلك أيضا، ضرورة عدم ظهورهما في حصر الجواز بذلك، فلا ينافي المطلق الدال على الجواز حينئذ مما عرفت.

نعم قد يخص الندب بالشرط على حسب شرط المحرم، لأنه المأمور به في الخبرين المزبورين، فالأقوى حينئذ جواز الشرط مطلقا، كما ان الأقوى أن له الرجوع على حسب ما اشترط إن خاصا فخاصا، و إن مطلقا فمطلقا، و لا ينافي ذلك ما نفاه الفاضل من عدم جواز اشتراط الجماع و نحوه، ضرورة كونه من اشتراط منافيات الاعتكاف الذي يبطل به أصل الاعتكاف نحو الشرط الفاسد من (في ظ) العقد على الأصح كما صرح به في الدروس مع قوله بجواز الشرط مطلقا و ليس هو كاشتراط فسخه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و لكن ينبغي أن يعلم أن تفصيل الحال على ما ذكرنا أن الشرط إن كان في النذر و قد اعتكف مشترطا كان له على مقتضى ما شرط من غير فرق بين المعين و غيره و المتتابع و غيره، و لا قضاء عليه و لا إعادة كما سمعته من المصنف، و إن كان الشرط في الاعتكاف دون النذر فلا أثر له مع فرض كونه معينا، و انما حكمه كما إذا لم يشترط، و إن كان غير معين اتجه حينئذ إجراء الشرط فيه على حسب جريانه في المندوب، و يأتي بغير ذلك الفرد مع إبطاله، و مرجع فائدة الشرط حينئذ إلى نفس الاعتكاف دون النذر، فلا يلتزم بمضي اليومين كالشرط في الاعتكاف المندوب، و لا ينافي ذلك قولهم هناك: إنه يجب الاعتكاف بمضي اليومين بعد أن عرفت تنزيله على غير المشروط فيه الرجوع.

و بذلك ظهر انه لا يجدي الاشتراط في الاعتكاف مع فرض الإطلاق في النذر كما صرح به شيخنا في رسالته و غيره، و لو كان واجبا بنذر و شبهه فان أخذ الشرط حين إجراء الصيغة فلا قضاء، و إلا لزم، و في محكي المنتهى

ج 17، ص: 196

«الاشتراط انما يصح في عقد النذر، أما إذا أطلقه من الاشتراط على ربه فلا يصح له الاشتراط عند إيقاع الاعتكاف» و نحوه عن المعتبر، و في الدروس «و لو شرط الرجوع متى شاء اتبع و لم يتقيد بالعارض، و لو جعل الشرط في نذره أو عهده أو يمينه فكذلك، و لو خلى النذر من الشرط فلا عبرة بالشرط عند الشروع في الاعتكاف» إلى غير ذلك من عباراتهم المطابقة لما ذكرنا و للقواعد المعلومة.

فما في الحدائق- من أن محل هذا الاشتراط وقت الدخول في الاعتكاف، و نيته أعم من أن يكون متبرعا به أو منذورا لأن ذلك مدلول نصوص المقام، و ليس في نصوص الباب تعرض للاعتكاف على وجه النذر فضلا عما يدل على إيقاع هذا الشرط فيه، إلى ان قال: و لم أر من تنبه لذلك إلا السيد السند في المدارك حيث قال: لم أقف على رواية تدل على ما ذكروه من مشروعية اشتراط ذلك في عقد النذر، و انما يستفاد من نصوص المقام أن محل ذلك نية الاعتكاف، و لو قيل بجواز اشتراطه في نية الاعتكاف المنذور إذا كان مطلقا لم يكن بعيدا، خصوصا على ما أشرنا إليه سابقا من مساواته المندوب في عدم وجوب المضي فيه إلا بمضي يومين، و لو قلنا إن اشتراط الخروج انما يسوغ عند العارض و فسرناه بالضروري جاز اشتراطه في المنذور المعين أيضا- كما ترى واضح الفساد، ضرورة أنه لا أثر لهذا الشرط في الاعتكاف المنذور مطلقا، و نصوص المقام مساقة لبيان أصل حكم الاشتراط في الاعتكاف من غير مدخلية للنذر الذي هو يلزم ما شرع على حسب ما شرع، فلا حاجة إلى دليل خاص يدل على المشروعية في النذر، بل يكفي فيها ثبوته في الاعتكاف كما هو واضح.

نعم قد يقال بوجوب الاشتراط في الاعتكاف أيضا مع الاشتراط في عقد النذر الذي مرجعه الالتزام بالاعتكاف المشتمل على الشرط، فلا يجري عليه حينئذ حكم الاعتكاف المشروط بدون ذكر الشرط فيه، مع احتماله، اكتفاء بالإتيان به

ج 17، ص: 197

وفاء عن النذر المفروض ذكر الاشتراط فيه، و إن كان الأول أحوط و أولى.

و كيف كان فقد عرفت الحكم في صور الاشتراط في النذر الأربعة، كما أنك قد عرفت الحكم في الأربعة الفاقدة للشرط، لأن مجموع الصور ثمانية، إذ النذر إما أن يقع على معين أو لا، و على التقديرين إما أن يشترط فيه التتابع أو لا، و على الأربعة إما أن يشترط الرجوع متى شاء أو لا، فالصور ثمانية قد علم حكمها مما قدمناه آنفا و سابقا، لكن عن المسالك في حكم صور الشرط أن له الرجوع مع العارض، ثم إن كان الزمان معينا لم يجب قضاء ما فات في زمن العارض سواء اشترط التتابع أم لا، و إن كان مطلقا و لم يشترط التتابع ففي وجوب قضاء ما فات أو الجميع إن نقص ما فعله عن ثلاثة قولان، أجودهما القضاء، وفاقا للمصنف في المعتبر، و لو شرط التتابع فالوجهان، و كذلك اختاره في الروضة، و في الدروس «و إذا خرج للشرط في الاعتكاف المندوب فلا قضاء؛ و إن كان في الواجب المعين فكذلك، و إن كان غير معين ففي القضاء نظر» و قطع في المعتبر بوجوبه، و قال ابن إدريس: «إذا اشترط التتابع و لم يعين الزمان و شرط على ربه فخرج فله البناء و الإتمام دون الاستئناف، و إن لم يشترط استأنف» و لعله أراد به أنه شرط على ربه في التتابع لا في أصل الاعتكاف، و في محكي المنتهى «الخامس لم يعين زمانا لكن شرط المتابعة و اشترط على ربه فعند العارض يخرج ثم يأتي ما بقي عليه عند زواله إن كان قد اعتكف ثلاثة، و إن كان أقل استأنف- إلى أن قال-: السابع لم يعين و اشترط على ربه و لم يشترط التتابع، فإنه يخرج مع العارض ثم يستأنف إن كان قد اعتكف أقل من ثلاثة أيام، و إلا بنى إن كان الواجب أزيد و أتى بالباقي إن كان ثلاثة فما زاد، و إلا فثلاثة» و مثله عن التذكرة إلى غير ذلك من عباراتهم المنافية لما ذكرناه من عدم وجوب القضاء و الاستئناف في صورة الاشتراط.

ج 17، ص: 198

اللهم إلا أن يكون وجه ذلك أن المفروض في هذه العبارات الخروج عند المعارض الذي هو أعم من العذر الشرعي المسوغ للخروج عن المسجد لا عن أصل الاعتكاف و إن خرج عنه في بعض الأحوال المقتضية له بطول المكث و نحوه مما يبطل به أصل الاعتكاف، بخلاف العارض المشترط الخروج عنده هنا، قال:

«فان المراد به اشتراط الخروج عن الاعتكاف معه، فلا ينافي بقاء وجوب الاعتكاف معه الذي هو مقتضى النذر في غير وقت العارض، فيعتكف حينئذ ما بقي إن كان قد اعتكف ثلاثة فصاعدا، أو يأتي بالجميع إن نقص اعتكافه عن ثلاثة كالمطلق الذي لم يشترط فيه» إلا أن الظاهر إتيان البحث السابق في مشروط التتابع، و قد قلنا هناك بقوة وجوب مراعاته، فيأتي حينئذ بعدد متتابع فيه، كما أن المتجه حينئذ في المعين وجوب اعتكاف ما بقي منه بعد زوال العارض، نعم يسقط قضاؤه مع فرض استيفائه (استيعابه ظ) مع احتمال وجوبه أيضا، لأن الشرط انما سوغ الخروج عند العارض، فهو حينئذ كالعذر الطاري المسوغ لقطع الاعتكاف الذي لا ينافي وجوب القضاء، اللهم إلا أن يقال إن مقتضى اشتراطه في عقد النذر وجوب الاعتكاف المتزلزل عليه، فمتى اختار الفسخ لم يكن خطاب عليه، و الفرض استيعاب العارض الوقت، فتأمل جيدا فإن المسألة من المشكلات التي هي غير محررة في كلام الأصحاب.

و كيف كان فقد عرفت أن المختار أن للمعتكف الاشتراط المزبور من غير فرق بين تعليقه على العارض و غيره، و إن لم يعلقه (إلا ظ) على المشيئة، و هو حينئذ كاشتراط الخيار في العقد، و لذا عامله هذه المعاملة شيخنا في رسالته، فقال: يستحب أن يشترط الفسخ متى أراده أو إذا حصل صاد أو مانع، و لو اشترط أمرا مخصوصا و إن لم يكن مانعا أو مانعا لذلك أو في يوم مخصوص أو وقت مخصوص من ليل أو نهار عمل عليه، و يندفع عنه حينئذ قضاء الوجوب

ج 17، ص: 199

و وجوب الإتمام و لو كان واجبا بنذر و نحوه، فإن أخذ الشرط حين إجراء الصيغة فلا قضاء، و إلا لزم، و يعتبر المقارنة في الشرط لعقد النية، فلا أثر للمتقدم و المتأخر المنفصل، و في اعتباره قبل الدخول في الثالث وجه، و الأقوى خلافه، و لو شرط ثم أسقط حكم شرطه فكمن لم يشترط، و لا فرق في المعارض بين الإلهي و غيره إلى غير ذلك من الأحكام التي تعرف جريانها هنا بأدنى ملاحظة لأحكام اشتراط الخيار في العقد، كما انه يعلم أيضا بأدنى نظر انه لا يجوز التعليق في الاعتكاف، فمتى علقه بطل إلا إذا كان شرطا مؤكدا، كقوله: إن كان راجحا أو كان المحل مسجدا و نحو ذلك على حسب ما قيل أو احتمل في العقد أيضا، فتأمل جيدا.

نعم الظاهر انه لا يصح له اشتراط الفسخ في اعتكافه لاعتكاف عبده أو ولده أو اعتكاف آخر له كما صرح به شيخنا أيضا في رسالته، و إن كان ربما يحتمل بناء على جواز مثله في الخيار المشترك معه في أن مدركه

عموم «المؤمنون عند شروطهم»

الذي هو المنشأ في كثير من الأحكام السابقة و غيرها، فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا فرق في جواز الرجوع مع الشرط بين اليوم الثالث و غيره لما عرفته من إطلاق النص و الفتوى، خلافا للمحكي عن الشيخ فلم يجوز الرجوع مع الشرط في اليوم الثالث، لأنه واجب من قبل الله، فلا يفيد الشرط جواز الرجوع فيه، و لا ريب في ضعفه، للإطلاق السابق الذي لا ينافيه كون الوجوب من قبل الله بعد أن كان الرجوع به من الله أيضا، كما هو واضح.

[و أما أحكامه فقسمان]

اشاره

و أما أحكامه فقسمان:

[القسم الأول انما يحرم على المعتكف ستة]

الأول انما يحرم على المعتكف ستة: النساء لمسا بشهوة و تقبيلا كذلك و جماعا في الفرجين إجماعا بقسميه في الأخير

ج 17، ص: 200

و كتابا(1)و سنة(2)مستفيضة أو متواترة على المشهور في الأولين، بل لا أجد فيه خلافا سوى

ما عساه تشعر به عبارة التهذيب فإنه- بعد أن

روى (3)عن الصادق (عليه السلام) في الحسن «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد و ضربت له قبة من شعر و شمر المئزر و طوى فراشه فقال بعضهم: و اعتزل النساء فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أما اعتزال النساء فلا»

- قال: فإنه أراد بذلك مخالطتهن و مجالستهن و محادثتهن دون الجماع، و الذي يحرم على المعتكف من ذلك الجماع دون غيره، مع احتمال إرادته الحصر الإضافي، فلا يشمل اللمس و التقبيل بشهوة، و لعله لذا نسبه في المدارك إلى قطع الأصحاب الذي بملاحظته يقوى إرادة ما يعم ذلك من المباشرة في الآية، كما أنه يقوى حينئذ إرادة الإبطال أيضا من النهي فيها لا التحريم خاصة، و إن اختاره الفاضل في المختلف و غيره، لأنه هو معنى النهي، و لا تنافي بين التحريم و الصحة هنا، لكن فيه أنه و إن لم يكن منافاة عقلا ضرورة كون النهي عن أمر خارج في العبادة لكن الفهم العرفي كاف في ذلك، كالنهي عن التكفير في الصلاة و نحوها على أن تأديتهما مع الجماع الذي لا إشكال في البطلان به بعبارة واحدة أمارة أخرى على أن الجميع من سنخ واحد، كما أن حكمهم بالبطلان به- و ليس في الآية و لا في السنة تصريح به، بل أقصاهما النهي و الكفارة، و هما أعم من البطلان- لا وجه له إلا الفهم العرفي المشترك بين الجميع الحاصل بملاحظة أن الشارع في أمثال ذلك معظم نظره

بيان الصحة و الفساد، بل قد لا يكون مقصوده إلا ذلك و إن


1- 1 سورة البقرة- الآية 183.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الاعتكاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من كتاب الاعتكاف- الحديث 2.

ج 17، ص: 201

أداه بلفظ النهي و نحوه، كما هو واضح بأدنى تأمل، و من هنا كان مختار الإسكافي و الشيخ في الخلاف البطلان بهما، بل هو مختاره أيضا، بل في محكي المنتهى مع زيادة الجماع في غير الفرجين أنزل أو لم ينزل، بل عن الإسكافي زيادة اتباع النظر للنظر بشهوة من محرم، و ربما كان ظاهر تحريم الاستمتاع بالنساء في الدروس، ضرورة كونه أعم من المباشرة، لكنه لا يخلو من بحث، لكون المنهي عنه في الآية المباشرة، اللهم إلا أن يراد منها ما يعم ذلك، و له وجه ينبغي عدم ترك الاحتياط له.

و الظاهر أن حكم المرأة في ذلك حكم الرجل، فيبطل اعتكافها بمسها و تقبيلها بشهوة و جماعها، لأصالة الاشتراك و لبعض النصوص (1)في الجماع، و للاتفاق ظاهرا على ذلك، بل الظاهر عدم الفرق في الجماع بين المرأة و الذكر بل و غيرهما كالدابة، بل يمكن تعميم اللمس و التقبيل بشهوة لذلك أيضا، و بالجملة كل جماع و كل لمس و تقبيل و نحوهما بشهوة و لذة من الرجل و المرأة و غيرهما محرم و مبطل، لكنه يصعب إقامة الدليل عليه، إذ ليس هو إلا التنبيه بما دل على النهي عن ذلك في النساء اليه، و هو مشكل جدا خصوصا بالنسبة إلى بعض الأفراد و إن كان هو الموافق للاحتياط، نعم قد صرح في المنتهى بأن الجماع

فضلا عن غيره انما يبطل مع العمد دون السهو، و إن كان للنظر فيه مجال إن لم ينعقد إجماع عليه، أما اللمس و نحوه بغير شهوة فلا بأس به، للأصل السالم عن المعارض، بل في المنتهى لا نعرف فيه خلافا، و فيه أيضا انه ثبت (2)ان النبي (صلى الله عليه و آله) كان يلامس


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.
2- 2 لم نجد ما يدل على لمس النبي صلى الله عليه و آله بعض نسائه في الاعتكاف و انما ورد مباشرته صلى الله عليه و آله لبعضهن و هو صائم كما رواه البخاري في صحيحه- كتاب الصوم باب المباشرة و القبلة للصائم- و مسلم في صحيحه أيضا- كتاب الصوم باب القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته-.

ج 17، ص: 202

بعض نسائه في الاعتكاف.

و كذا يحرم عليه شم الطيب على الأظهر الأشهر بل المشهور، ل

صحيح أبي عبيدة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «المعتكف لا يشم الطيب و لا يتلذذ بالريحان و لا يماري و لا يشتري و لا يبيع»

بل مقتضاه حرمة التلذذ بالريحان أيضا كما نسب في المدارك حرمة شمه إلى الأكثر أيضا، فما عن مبسوط الشيخ من عدم حرمة شم الطيب واضح الضعف، بل هو اختار خلافه في المحكي من جمله و نهايته و خلافه، بل و عن الأخير دعوى الإجماع عليه، و لعله كذلك خصوصا بين المتأخرين، لكن ينبغي أن يعلم أن المنساق إلى الذهن من شم الطيب التلذذ به ففاقد حاسة الشم خارج، بل قد يومي إلى ذلك في الجملة

قوله (عليه السلام) في الصحيح:

«و لا يتلذذ».

و اما استدعاء المني فقد ذكر المصنف حرمته في الاعتكاف تبعا للشيخ، لكن لم نقف على نصف فيه بالخصوص كما اعترف به في المدارك و غيرها، نعم علله فيها بأولويته من اللمس و التقبيل في منافاة الاعتكاف إلا انه كما ترى.

و يحرم عليه أيضا البيع و الشراء بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة، مضافا إلى صحيح أبي عبيدة السابق، بل في المنتهى كلما يقتضي الاشتغال في الأمور الدنيوية من أصناف المعاش فينبغي القول بالمنع منه عملا بمفهوم النهي عن البيع و الشراء، ثم حكى عن المرتضى المنع عن التجارة و البيع و الشراء، و قال: التجارة أعم، بل قال: الوجه تحريم الصنائع المشغلة عن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.

ج 17، ص: 203

العبادة كالخياطة و شبهها إلا ما لا بد منه، بل عن ابن إدريس التعدي إلى كل مباح لا يحتاج اليه، و إن كان لا يخفى عليك ما فيه بل و ما في سابقه حتى إلحاق الصلح و الإجارة و نحوهما بذلك، و إن كان وجه القياس فيها واضحا، إلا أنه محرم عندنا على كل حال، فالاقتصار عليهما حينئذ هو الوجه، بل الظاهر استثناء ما تمس الحاجة إليه مما يضطر اليه من مأكوله و مشروبه و نحوهما، و إن كان مما ينبغي تقييد ذلك بما إذا تعذر التوكيل و النقل بغير البيع، لعدم الضرورة حينئذ، و إلى ذلك أومأ الشهيد في الجملة حيث قيده بما إذا تعذر المعاطاة، لكنه مبني على أنها ليست بيعا، و هو خلاف التحقيق، و الأمر سهل، و على كل حال ففي بطلان البيع و صحته لو وقع وجهان بل قولان كالبيع وقت النداء، أقواهما الصحة لعدم انصراف الذهن إلى إرادة الفساد من النهي عنه في أمثال ذلك، و الله أعلم.

و كذا يحرم المماراة بلا خلاف أجده، للصحيح المزبور(1)و في المسالك المراد بها هنا المجادلة على أمر دنيوي أو ديني لمجرد إثبات الغلبة و الفضيلة، كما يتفق لكثير من المتسمين بالعلم، و هذا النوع محرم في غير الاعتكاف و قد ورد التأكيد في تحريمه في النصوص (2)و إدخاله في محرمات الاعتكاف إما بسبب عموم مفهومه، أو لزيادة تحريمه في هذه العبادة كما ورد(3)تحريم الكذب على الله و رسوله في الصيام، و على القول بفساد الاعتكاف بكل ما حرم فيه تتضح فائدته، و لو كان الغرض من الجدال في المسألة العلمية مجرد إظهار الحق ورد الخصم عن الخطأ كان من أفضل الطاعات، فالمائز بين ما يحرم منه و ما يجب و يحرم


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الاعتكاف- الحديث 1.
2- 2 البحار- ج 1 الباب 17 من كتاب العلم.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 17، ص: 204

و يستحب النية، فليتحرز المكلف من تحويل الشي ء من الوجوب إلى جعله من أكبر القبائح، و هو جيد، و الكلام في إبطاله على حسب ما عرفت، و عن الشيخ هنا أنه و السباب لا يفسد الاعتكاف، لأنه لا يفسد الصوم، و هو كما ترى،

و عن المنتهى و الدروس زيادة تحريم الكلام الفحش في الاعتكاف و لم نقف له على دليل، بل قيل و القائل الشيخ في المحكي من جمله و ابنا حمزة و البراج:

يحرم عليه ما يحرم على المحرم و في محكي المبسوط

روي (1)«انه يجتنب ما يجتنب»

و لم يثبت فالأصول حينئذ بحالها، بل في التذكرة بعد أن حكى ذلك عن بعض علمائنا قال: و ليس المراد بذلك العموم، ف انه لا يحرم عليه لبس المخيط و لا إزالة الشعر و لا أكل الصيد و لا عقد النكاح فلا خلاف حينئذ، و لعله إلى ذلك أومأ المصنف ب

قوله: «و لم يثبت»

أي لم يثبت القول بذلك لأحد، و على كل حال فلا ريب في ضعفه إن كان، بل لعل المعهود من سيرة النبي (صلى الله عليه و آله) و أصحابه و غيرهم خلافه.

و كذا المعهود منها أنه يجوز له النظر في معاشه و الخوض في المباح المحتاج اليه و غيره، و ما سمعته من ابن إدريس قد عرفت فساده، و انه لا دليل عليه، كدعوى أن الاعتكاف اللبث للعبادة، فلا يجوز فيه غيرها، إذ قد عرفت أن المراد من هذه العبارة كون الاعتكاف اللبث الذي هو عبادة لإخراج اللبث الذي لم يكن كذلك، على أنه لو سلم إرادة العبادة الخارجة عنه فأقصى ما يمكن أن يسلم

العبادة في الجملة، لا انه لا يقع في زمن الاعتكاف إلا العبادة، كما هو واضح.

و كيف كان ف كلما ذكرناه من المحرمات عليه نهارا يحرم عليه


1- 1 المبسوط- كتاب الاعتكاف« فصل فيما يمنع الاعتكاف منه و ما لا يمنع».

ج 17، ص: 205

ليلا لكونه معتكفا فيهما، فتشمله الأدلة في الحالين عدا الإفطار لأن الصوم محله النهار و من مات قبل انقضاء اعتكافه الواجب عليه بالشروع على القول به أو بمضي اليومين أو بنذر أو عهد أو نحو ذلك قيل: يجب على الولي القيام به، و قيل: يستأجر من يقوم به، و الأول أشبه عند المصنف و الفاضل، و الأصل في ذلك ما في المبسوط على ما حكاه عنه في المختلف، قال: من مات قبل انقضاء مدة اعتكافه في أصحابنا من يقول يقضي عنه وليه، أو يخرج من ماله من ينوب عنه قدر كفايته، لعموم ما

روي (1)«ان من مات و عليه صوم واجب وجب على وليه أن يقضي عنه، أو يتصدق عنه»

قال في المختلف: و هذا يشعر بعدم وجوب قضائه عليه، عملا بالأصل الدال على البراءة، و بأن إيجاب الصوم لا يستلزم إيجاب الاعتكاف، و حجة الآخرين أنه قد ورد ورودا مشهورا وجوب القضاء عن الميت، و لا يمكن الإتيان بمثل هذا الصوم إلا على هيئته، و هو هيئة الاعتكاف،

فكان الاعتكاف واجبا، و هذا كما ترى لا دلالة فيه، على أن القول المزبور مختار الشيخ، و في المدارك في شرح عبارة المتن «هذان القولان حكاهما الشيخ في المبسوط و استدل لهما بما روي» إلى آخره، و قال في المعتبر و ما ذكره (رحمه الله) انما يدل على وجوب قضاء الصوم، أما الاعتكاف فلا، و هو جيد، و في المسالك «أطلق الشيخ وجوب قضاء الولي ذلك، لعموم ما روي» إلى آخره. و يجب تقييده بما إذا كان قد استقر في ذمته قبل ذلك أو تمكن من قضائه فلم يفعل كما هو المعتبر في الصوم، و إلا لم يتجه الوجوب على الولي، إذ ليس للاعتكاف نص على الخصوص إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تنطبق على ما وصل إلينا من عبارة الشيخ التي


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان.

ج 17، ص: 206

سمعتها حتى عبارة الدروس فإنه قال: و لو مات قبل القضاء بعد التمكن وجب على الولي قضاؤه عند الشيخ، و الرواية لا دلالة فيها إلا على قضاء الصوم، و جوز الفاضل الاستنابة فيه للولي.

و كيف كان فلا إشكال في عدم وجوب قضاء ما فاته من الاعتكاف المتلبس به على الولي، إذ لا يزيد على الصوم، انما الكلام فيما سمعته من عنوان الدروس و الحق عدم وجوبه أيضا، للأصل السالم عن المعارض بعد ما عرفت سابقا من أن وجوب الاعتكاف لا يقضي بوجوب الصوم، بل أقصاه أنه لا يصح بدونه و فرق واضح بين المقامين، ضرورة الاكتفاء بوقوعه في شهر رمضان و نحوه من الصوم الواجب بغير الاعتكاف، نعم قد يتم فيما لو نذر الصوم معتكفا ففاته بعد أن تمكن من قضائه، فإنه قد يتجه الوجوب حينئذ على الولي و يتبعه الاعتكاف من باب المقدمة، فيجري فيه حينئذ ما سمعته سابقا في كتاب الصوم من جواز الاستنابة، و وجوبه على الأولياء المتعددين، و كون المنكسر كفرض الكفاية، و غير ذلك من الأحكام السابقة، و من ذلك ظهر أن الأشبه عدم الوجوب لا ما اختاره المصنف و غيره.

ثم إن الظاهر عدم الفورية في قضاء الاعتكاف حيث يقضى، لعدم اقتضاء الأمر إياها، فما عن المبسوط و المعتبر من وجوبه على الفور واضح الضعف، و في الدروس بعد أن حكى ذلك عنهما «و الظاهر أنه من فروع الفورية في الأمر المطلق لا من خصوصيات الاعتكاف» قلت: قد حققنا عدم اقتضاء الأمر المطلق الفور في محله، هذا، و قد تقدم سابقا ما يعلم منه الوجه فيما ذكره في الدروس هنا من أنه لو بقي من الاعتكاف أي الواجب أقل من ثلاثة أو نذر الأقل أكمله ثلاثة و وجب الجميع، و لو عين ثلاثة فجاء الثالث العيد بطل من أصله، و يجي ء على القول بقضاء صومه وجوب ثلاثة غيرها، و لو فرق الاعتكاف المنذور في أثناء

ج 17، ص: 207

اعتكاف آخر بحيث لا يحصل الخروج عن مسمى الاعتكاف قيل صح، أما توزيع الساعات فلا، بل و ما في المنتهى من أنه إن أغمي على المعتكف أياما ثم أفاق لم يلزمه قضاؤه، لأنه لا دليل عليه، و الوجه وجوب القضاء إن كان واجبا غير معين بزمان، إذا عرفت هذا فإذا فسد الاعتكاف وجب قضاؤه إن كان واجبا، و إن كان ندبا استحب قضاؤه، و على قول الشيخ يجب قضاؤه مطلقا، لأنه يجب بالدخول فيه، قال (رحمه الله): «و متى كان خروجه من الاعتكاف بعد الفجر كان دخوله في قضائه قبل الفجر، و يصوم يومه، و لا يعيد الاعتكاف ليله، و إن كان خروجه ليلا كان قضاؤه من مثل ذلك الوقت إلى آخر مدة الاعتكاف المضروبة و إن كان خروج وقته من مدة الاعتكاف بما فسخه به ثم عاد اليه و قد بقيت مدة من التي عقدها تمم باقي المدة و زاد في آخرها مقدار ما فاته من الوقت» إذ لا يخفى عليك الحال في جميع ذلك بعد الإحاطة بما قدمناه سابقا في النذر المعين و المطلق و غيرهما، و الله أعلم.

[القسم الثاني فيما يفسده، و فيه مسائل]
اشاره

القسم الثاني فيما يفسده، و فيه مسائل:

[المسألة الأولى كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف]

الأولى لا إشكال و لا خلاف في أن كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف لما تقدم من اشتراطه به، و المشروط عدم عند عدم شرطه من غير فرق بين ما هو مفسد للاعتكاف في نفسه كالجماع و بين غيره ك الأكل و الشرب و الاستمناء و نحوها من المفطرات، و يفسده عندنا أيضا غير ذلك من باقي ما نهي عنه فيه، لما عرفته مفصلا، و ربما ظهر من المتن اختصاص مفسدة في ذلك و في الجماع، و لكن التحقيق خلافه.

و على كل حال فمتى أفسده بأن أفطر في اليوم الأول أو الثاني لم تجب به كفارة إلا أن يكون واجبا معينا، أما المطلق ففيه البحث السابق في أنه لا يجب إلا بمضي اليومين أو بالشروع، فعلى الأول يكون كالمندوب،

ج 17، ص: 208

و على الثاني كالمعين و إن أفطر في الثالث وجبت الكفارة على كل حال لوجوبه إلا أن يكون مشروطا على وجه يرتفع وجوبه، فيكون كاليومين الأولين و منهم و هو الشيخ و من تبعه بل في المدارك نسبته إلى أكثر المتأخرين من خص الكفارة بالجماع حسب الذي لا أجد خلافا في ثبوتها به، و النصوص (1)به مستفيضة، و فيها الصحيح و غيره و اقتصر في غيره من المفطرات على القضاء، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة عدم الدليل على وجوبها بغيره عدا القياس عليه، و هو محرم عندنا، نعم قد يلحق به استدعاء المني بناء على فساد الاعتكاف به، كما أنه قد يقال إن مقتضى ترك الاستفصال في النصوص وجوب الكفارة به مطلقا من غير فرق بين المندوب منه و الواجب معينا و مطلقا في اليومين الأولين و في غيرهما، و لا ينافي ذلك الندبية و التوسعة في المطلق، كما لا ينافيان حرمة وقوعه فيهما و إن جوزنا له الخروج، و أنه يخرج به و بغيره، لكن ليس له فعله، و هو باق على الاعتكاف مستمر عليه فمتى فعل كذلك

أثم و كفر، اللهم إلا أن يقال إن تعليق الكفارة على عدم الاشتراط في صحيح أبي ولاد(2)المتقدم يومي إلى عدم وجوبها مع عدم تعين الاعتكاف حتى في اليوم الثالث إذا فرض الاشتراط فيه على وجه يرفع وجوبه، مضافا إلى أصل البراءة و نحوه، و هو قوي جدا؛ فيكون المدار حينئذ في وجوبها بالجماع و عدمه بتزلزل الاعتكاف و عدمه، فتجب في الثاني دون الأول.

و على كل حال فيما ذكرنا يظهر لك الحال في جملة من عبارات الأصحاب، منها عبارة الدروس «و يفسد الاعتكاف نهارا مفسد الصوم و مطلق الاستمتاع


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف- الحديث 6.

ج 17، ص: 209

بالنساء- إلى أن قال-: ثم إن أفسده و كان معينا و لو بمضي يومين كفر إن كان بجماع أو إنزال و غيره من مفسدات الصوم» و نقل عن الشيخ أن ما عدا الجماع يوجب القضاء خاصة، و الظاهر أنه يراد به مع عدم التعيين، فلو أفسده بالخروج أو باستمتاع لا يفسد الصوم أو سبب يوجب قضاء الصوم خاصة فكفارة خلف النذر أو العهد، و منها ما في المنتهى، قال: «كل ما يفسد الصوم يفسد الاعتكاف و قد مضى، و هل يجب فيه الكفارة؟ قال السيد المرتضى و المفيد:

الكفارة بكل مفطر في رمضان، و لا أعرف المستند، و الوجه عندي التفصيل، فان كان الاعتكاف في شهر رمضان وجبت الكفارة بالأكل و الشرب و غيرهما مما عددناه في شهر رمضان، و إن كان في غيره فان كان منذورا معينا وجبت الكفارة أيضا، لأنه بحكم رمضان، أما لو كان الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير متعين بزمان لم تجب الكفارة بغير الجماع مثل الأكل و الشرب و غيرهما، و هذا غير لائق من السيد، لأنه لا يرى وجوب الاعتكاف بالدخول فيه مطلقا، أما على قول الشيخ في المبسوط من وجوب المندوب في الاعتكاف بالشروع فيه فإنه يجب به الكفارة، و كذا اليوم الثالث على قول الشيخين، أما على قولنا و قول السيد المرتضى فلا تجب الكفارة، لأن له الرجوع متى شاء، فان تمسكوا بعموم الأحاديث الدالة على وجوب الكفارة قلنا إنما وردت في الجماع، فحمل غيره عليه قياس محض، و إن كان الصوم يفسد به، و يفسد الاعتكاف بفساد الصوم، لكن الكفارة لا تتبع هنا بجواز الرجوع» و نحوه عن التذكرة، و لا يخفى عليك حقيقة الحال بعد الإحاطة بجميع ما ذكرناه.

و منه يعلم أيضا انه يجب كفارة واحدة للاعتكاف إن جامع ليلا، و كذا إن جامع نهارا في غير رمضان إذا لم يكن في إفطاره كفارة كقضاء رمضان و لو كان فيه أو في قضائه لزمه كفارتان لأصالة تعدد

ج 17، ص: 210

المسببات بتعدد الأسباب، و كذا لو كان الصوم منذورا مثلا، و إطلاق ما دل على وجوب الكفارتين من خبر عبد الأعلى (1)و مرسل الصدوق (2)في المعتكف إذا جامع نهارا منزل على رمضان و نحوه مما يقتضي إفطاره كفارة أيضا، كإطلاق بعض الأصحاب، بل لعله الظاهر من

خبر عبد الأعلى، قال فيه: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل وطأ امرأته و هو معتكف في شهر رمضان قال: عليه الكفارة، قال: قلت: فإن وطأها نهارا قال: عليه كفارتان»

خصوصا بعد ملاحظة الإجماع على الظاهر على عدم اقتضاء الاعتكاف إلا كفارة واحدة من غير فرق بين الليل و النهار، كما هو واضح، و حينئذ فمدار تعدد الكفارة و اتحاده تعدد السبب و اتحاده، فربما اجتمع خمس كفارات و ربما اتحدت، و هو على الضوابط غير محتاج إلى الدليل.

ثم إن الأقوى وفاقا للمشهور بل نسبه الفاضل إلى الأصحاب تارة و إلى فتوى علمائنا أخرى مشعرا بدعوى الإجماع عليه كون كفارة الاعتكاف مخيرة مثل كفارة شهر رمضان كما نص عليه في

موثق سماعة(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن معتكف واقع أهله قال: عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا»

و لا ينافي ذلك ما في صحيح زرارة(4)و غيره من أن على المعتكف إذا جامع ما على المظاهر بعد وجوب حمله على إرادة التشبيه بوجوب أصل الكفارة أو على أفضلية مراعاة الترتيب، بل

هو مقتضى الجمع بين هذين الخبرين و ما شابههما.

[المسألة الثانية هل الارتداد مبطل أم لا]

المسألة الثانية قد عرفت فيما تقدم أن الارتداد في أثناء


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 1.

ج 17، ص: 211

الاعتكاف موجب للخروج من المسجد و حينئذ يبطل به الاعتكاف الذي قد عرفت اشتراطه باللبث في المسجد، مضافا إلى إبطاله استدامة النية هنا و قيل: لا يبطل، و إن عاد إلى الإسلام بنى على اعتكافه و الأول أشبه بل لا ريب في فساد الثاني كما قدمنا الكلام فيه مفصلا.

[المسألة الثالثة كفارة من أكره امرأته على الجماع]

المسألة الثالثة قيل و القائل الإسكافي و المرتضى و الشيخ و بنو حمزة و البراج و إدريس و غيرهم إذا أكره امرأته على الجماع و هما معتكفان نهارا في شهر رمضان لزمه أربع كفارات اثنتان عنه و اثنتان عن زوجته، بل في الدروس أنه المشهور لا نعلم فيه مخالفا سوى المعتبر، بل في المختلف نفي ظهور الخلاف، و في المسالك أن العمل على ما ذكره الأصحاب متعين، و نحوه عن المحقق الثاني و قيل و لم نعرف القائل قبله يلزمه كفارتان، و هو الأشبه عند المصنف للأصل السالم عن المعارض، و فيه أن المتجه على مختاره سابقا ثلاث، لأنه صرح بالتحمل بالنسبة إلى الصوم، و انما ناقش هنا في المعتبر في إلحاق الاعتكاف به، لعدم الدليل عليه بعد حرمة القياس، اللهم إلا أن يكون قد عدل هنا عن اختياره هناك، فحكم بعدم التحمل مطلقا، و حينئذ لم يكن عليه إلا كفارتان، لكن لا يخفى عليك ما فيه بالنسبة إلى الصوم، لما تقدم من الخبر(1)المعمول به بين الأصحاب، بل قد يقوى ذلك في الاعتكاف بحمل ما فيه من الصوم على المثال للاعتكاف، أو ان الكفارتين هنا للصوم أيضا و إن كان التعدد بسبب الاعتكاف، إلا أن المتجه على ذلك عدم التحمل لو جامعها ليلا، فالأول أولى، و حينئذ فهو لا الثاني أشبه، ضرورة صلاحية مثل هذا الاتفاق من الأصحاب للشهادة على إرادة ما يعم نحو المقام من الخبر المزبور، فتأمل جيدا، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 17، ص: 212

[المسألة الرابعة إذا طلقت المعتكفة رجعية]

المسألة الرابعة قال في التذكرة إذا طلقت المعتكفة رجعية خرجت إلى منزلها عند علمائنا أجمع، و هو بعد شهادة التتبع له العمدة في هذا الحكم لا الآية(1)التي يمكن المناقشة في استفادة الحكم منها هنا إذا كان الاعتكاف واجبا معينا عليها و لم تكن قد اشترطت، و لذا قال في المسالك بعد ذكر الحكم المزبور: «إن ذلك يتم مع كون الاعتكاف مندوبا أو واجبا غير معين أو مع اشتراط

الحل عند العارض، و لو كان معينا من غير شرط فالأقوى اعتدادها في المسجد، فان دين الله أحق أن يقضى» و في الدروس «و لو طلقت اعتدت في منزلها مع عدم تعيين الزمان، و إلا ففي المسجد» و هو جيد لولا الإجماع المحكي المعتضد بكلمات المعظم ثم إذا خرجت من العدة قضت واجبا إن كان واجبا معينا بنذر و نحوه أو مضى يومان فتعين الثالث، و إن كان واجبا مطلقا أتت به أداء، و يمكن أن يراد من القضاء ما يشمله و إلا اعتكفت ندبا إن شائت، و قد يظهر من المصنف مشروعية قضاء الاعتكاف المندوب و فيه بحث أو منع، و لعله يريد أيضا من قضائه نحو ما ذكرنا، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود.

[المسألة الخامسة حكم البيع و الشرى]

المسألة الخامسة قد عرفت الحال فيما إذا باع أو اشترى و أن التحقيق أنه يبطل اعتكافه بذلك عملا بما يفهم من النهي عنه في مثله عرفا و قيل (11) و القائل جماعة يأثم و لا يبطل (12) لكون النهي عن خارج من العبادة و هو (13) ضعيف كما عرفت، و الأول الأشبه

[المسألة السادسة التفريق في الاعتكاف]

(14) كما أنك قد عرفت الحال في المسألة السادسة (15) أيضا، و هي إذا اعتكف ثلاثة متفرقة (16) على معنى اعتكاف النهار دون الليل قيل (17) و القائل الشيخ يصح، لأن التتابع لا يجب


1- 1 سورة الطلاق- الآية 1.

ج 17، ص: 213

إلا بالاشتراط، و قيل و القائل غيره لا يصح و هو الأصح و كذا عرفت الحال في التفريق بمعنى التلفيق من الأيام المنكسرة الذي أفتى العلامة في المختلف بصحته، و قد ينساق من العبارة أن المراد بالتفريق اعتكاف الأيام المتفرقة في ضمن الشهر مثلا على أن يكون يوم في أوله، و آخر في وسطه، و ثالث في آخره و لو بضم الليل معه، و حاصله عدم اعتبار الاتصال في الأيام و إن كان هو عبادة واحدة، كالتفريق في أجزاء الغسل، لكن ذلك ليس خلافا محررا في كلام الأصحاب، و لا عرفنا القائل بصحته، ضرورة انصراف الاتصال من الثلاثة التي هي أقل الاعتكاف، و على كل تقدير فلا يخفى عليك التحقيق في الجميع، و الله هو العالم و المعين، و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا على تواتر آلائه و وفور نعمائه، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.

ج 17، ص: 214

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين الغر الميامين هداة الخلق و أعلام الحق.

[كتاب الحج]

اشاره

كتاب الحج

[في فضل الحج]

الذي هو من أعظم شعار الإسلام، و أفضل ما يتقرب به الأنام إلى الملك العلام، لما فيه من إذلال النفس و إتعاب البدن، و هجران الأهل و التغرب عن الوطن، و رفض العادات و ترك اللذات و الشهوات، و المنافرات و المكروهات، و إنفاق المال و شد الرحال، و تحمل مشاق الحل و الارتحال و مقاساة الأهوال، و الابتلاء بمعاشرة السفلة و الأنذال، فهو حينئذ رياضة نفسانية و طاعة مالية، و عبادة بدنية، قولية و فعلية، و وجودية و عدمية، و هذا الجمع من خواص الحج من العبادات التي ليس فيها أجمع من الصلاة، و هي لم تجتمع فيها ما اجتمع في الحج من فنون الطاعات، و من هنا

ورد «أن الحج المبرور لا يعدله شي ء و لا جزاء له إلا الجنة»(1)

و «أنه أفضل من عتق سبعين رقبة»(2)

بل

قال


1- 1 و هو مضمون ما رواه في الوسائل في الباب 41 من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 و ما رواه في المستدرك في الباب 24 منها- الحديث 22 و 24.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 215

أبو الحسن (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (1): «من قدم حاجا حتى إذا دخل مكة دخل

متواضعا، فإذا دخل المسجد قصر خطأه من مخافة الله عز و جل فطاف بالبيت طوافا و صلى ركعتين كتب الله له سبعين ألف حسنة، و حط عنه سبعين ألف سيئة و رفع له سبعين ألف درجة، و شفعه في سبعين ألف حاجة، و حسب له عتق سبعين ألف رقبة، قيمة كل رقبة عشرة آلاف درهم»

و في

خبر معاوية ابن عمار(2)عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) لقيه أعرابي فقال: يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني و أنا رجل مميل فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج فالتفت اليه رسول الله (صلى الله عليه و سلم) فقال: انظر الى أبي قبيس، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج، ثم قال: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا و لم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا و المروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه، قال: فعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) كذا و كذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج، قال أبو عبد الله (عليه السلام): و لا

تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر و تكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة»

و «الدرهم فيه أفضل من ألفي ألف درهم فيما سواه


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج- الحديث- 1.

ج 17، ص: 216

من سبيل الله تعالى»(1)

و انه أفضل من الصيام و الجهاد و الرباط

بل من كل شي ء إلا الصلاة، و

في الحديث (2)«اما انه ليس شي ء أفضل من الحج إلا الصلاة، و في الحج هنا صلاة، و ليس في الصلاة قبلكم حج»(3)

بل

فيه (4)«انه أفضل من الصلاة و الصيام لأن المصلي يشتغل عن أهله ساعة، و ان الصائم يشتغل عن أهله بياض يوم، و ان الحاج ليشخص بدنه و يضحي نفسه و ينفق ماله و يطيل الغيبة عن أهله لا في مال يرجوه و لا في تجارة»

و قد تطابق العقل و النقل (5)على أن أفضل الأعمال أحمزها، و ان الأجر على قدر المشقة.

بل يستحب إدمان الحج و الإكثار منه و احتجاج العيال و لو بالاستدانة أو تقليل النفقة كما دلت عليه المعتبرة المستفيضة(6)و ليس ذلك إلا لعظم هذه العبادة، و يكفي لفاعلها انه يكون كيوم ولدته امه في عدم الذنب.

نعم ينبغي المحافظة على صحة هذه العبادة المعظمة أولا بتصحيح النية، لأن الحج موضوع على الإعلان، و معدود في هذه الأعصار من أسباب الرفعة


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 و 13.
2- 2 و هو مضمون ما رواه في الوسائل في الباب- 41- من أبواب وجوب الحج الحديث 7 و الباب 38 منها الحديث 5 و الباب 44 و الباب 41 الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.
5- 5 نهاية ابن الأثير في مادة« حمز» و في الكافي- ج 4 ص 199 في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام قال:« و كلما كانت البلوى و الاختبار أعظم كانت المثوبة و الجزاء أجزل».
6- 6 الوسائل- الباب- 45 و 46 و 5 و 53- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 217

و الافتخار و الأبهة و الاعتبار، بل هو مما يتوصل به إلى التجارة و الانتشار و مشاهدة البلدان و الأمصار، و الاطلاع على أحوال الأماكن و الديار، فيخشى عليه من تطرق هذه الدواعي الفاسدة المبطلة للعمل في بعض الأحوال، و لا خلاص من ذلك إلا بالإخلاص، و لا إخلاص إلا بالخلوص من شوائب العجب و الرياء، و التجرد عن حب المدح و الثناء، و تطهير العبادات الدينية عن التلويث بالمقاصد الدنيوية، و لا يكون ذلك إلا بإخراج حب الدنيا من القلب، و قصر حبه على حب الله تعالى، و يكون ذلك هو الداعي إلى العمل، و هو ملاك الأمر و مدار الفضل، و الطريق العلمي

إليه واضح مكشوف، و لكن عند العمل تسكب العبرات و تكثر العثرات، و لاستدامة الفكر في أحوال الدنيا و مآلها و مزاولة علم الأخلاق الذي هو طب النفس و علاجها نفع بين في ذلك و تأثير ظاهر، و الله الموفق.

كما انه ينبغي التفقه في الحج، فإنه كثير الأجزاء جم المطالب وافر المقاصد و هو مع ذلك غير مأنوس و غير متكرر، و أكثر الناس يأتونه على ضجر و ملالة سفر، و ضيق وقت و اشتغال قلب، مع ان الناس لا يحسنون العبادات المتكررة اليومية مثل الطهارة و الصلاة مع الفهم لها و مداومتهم عليها و كثرة العارفين بها، حتى ان الرجل منهم يمضي عليه الخمسون سنة و أكثر و لا يحسن الوضوء فضلا عن الصلاة، فكيف بالحج الذي هو عبادة غريبة غير مألوفة، لا عهد للمكلف بها مع كثرة مسائلها و تشعب أحكامها و أطولها ذيلا، و خصوصا مع انضمام الطهارة و الصلاة إليها، لشرطية الأولى و جزئية الثانية، فإن الخطب بذلك يعظم،

قال زرارة(1): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلني الله فداك أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتيني؟ فقال: يا زرارة بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفتي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب وجوب الحج- الحديث 12.

ج 17، ص: 218

مسائله في أربعين عاما»

إلا أنه يلوح من الخبر المزبور عدم اعتبار استقصاء مسائله، بل هو غير مقدور، و لكن لا بد من معرفة فروض المناسك.

و على كل حال فللحج أسرار و فوائد لا يمكن إحصاؤها و إن خفيت على الملحدين كابن أبي العوجاء و أشباهه، لأن من أضله الله و أعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه، و صار الشيطان وليه و ربه، يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره إذ من الواضح أن الله تعالى سن الحج و وضعه على عباده إظهارا لجلالة و كبريائه و علو شأنه و عظم سلطانه، و إعلانا لرق الناس و عبوديتهم و ذلهم و استكانتهم، و قد عاملهم في ذلك معاملة السلاطين لرعاياهم، و الملاك لمماليكهم، يستذلونهم بالوقوف على باب بعد باب، و اللبث في حجاب بعد حجاب، لا يؤذن لهم بالدخول حتى تقبل هداياهم، و لا تقبل منهم الهدايا حتى يطول حجابهم، و ان الله تعالى قد شرف البيت الحرام و أضافه إلى نفسه، و اصطفاه لقدسه، و جعله قياما للعباد و مقصدا يؤم من جميع البلاد، و جعل ما حوله حرما، و جعل الحرم أمنا، و جعل فيه ميدانا و مجالا، و جعل له في الحل شبها و مثالا فوضعه على مثال حضرة الملوك و السلاطين، ثم أذن في الناس بالحج ليأتوه رجالا و ركبانا من كل فج، و أمرهم بالإحرام و تغيير الهيئة و اللباس شعثا غبرا متواضعين مستكينين رافعين أصواتهم بالتلبية و إجابة الدعوة، حتى إذا أتوه كذلك حجبهم عن الدخول، و أوقفهم في حجبه يدعونه و يتضرعون اليه حتى إذا طال تضرعهم و استكانتهم و رجموا شياطينهم بجمارهم و خلعوا طاعة الشيطان من رقابهم أذن لهم بتقريب قربانهم و قضاء تفثهم ليطهروا من الذنوب التي كانت هي الحجاب بينهم و بينه، و ليزوروا البيت على طهارة منهم، ثم يعيدهم فيه بما يظهر معه كمال الرق و كنه العبودية، فجعلهم تارة يطوفون بيته و يتعلقون بأستاره، و يلوذون بأركانه، و أخرى يسعون بين يديه مشيا و عدوا ليتبين لهم عز الربوبية و ذل العبودية،.

ج 17، ص: 219

و ليعرفوا أنفسهم و يضعوا الكبر من رؤوسهم، و يجعل نير الخضوع في أعناقهم و يستشعروا شعار المذلة، و ينزعوا ملابس الفخر و العزة، و هذا من أعظم فوائد الحج، مضافا إلى ما فيه من التذكر بالإحرام و الوقوف في المشاعر العظام لأحوال المحشر و أهوال يوم القيامة، إذ الحج هو المحشر الأصغر، و إحرام الناس و تلبيتهم و حشرهم إلى المواقف و وقوفهم بها ولهين متضرعين راجين إلى الفلاح أو الخيبة و الشقاء أشبه شي ء بخروج الناس من أجداثهم و توشحهم بأكفانهم و استغاثتهم من ذنوبهم و حشرهم إلى صعيد واحد إما إلى نعيم أو عذاب أليم، بل حركات الحاج في طوافهم و سعيهم و رجوعهم و دعوتهم يشبه أطوار الخائف الوجل المضطرب المدهوش الطالب ملجأ و مفزعا نحو أهل المحشر في أحوالهم و أطوارهم، و إلى ما فيه من اختبار العباد و طاعتهم و انقيادهم إلى أوامره و نواهيه، كما شرحه أمير المؤمنين (عليه السلام) في المروي (1)عنه في نهج البلاغة.

[في أركان الحج]

اشاره

و كيف كان ف هو يعتمد على ثلاثة أركان:

[الركن الأول في المقدمات]
اشاره

الركن الأول في المقدمات و هي أربع:

[المقدمة الأولى]
[في تعريف الحج]

المقدمة الأولى الحج بفتح الحاء المهملة و قد تكسر و إن كان في اللغة هو القصد أو كثرته إلى من يراد تعظيمه، و الكف و القدوم و الغلبة بالحجة و كثرة الاختلاف و التردد فقد صار في الشرع على وجه الحقيقة بناء على ثبوتها فيه أو المجاز فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب وجوب الحج- الحديث 11 و 21.

ج 17، ص: 220

و الحقيقة عند المتشرعة اسما لمجموع المناسك المؤداة في المشاعر المخصوصة أو لقصد البيت الحرام لأداء مناسك مخصوصة عنده، أو مع زيادة متعلقة بزمان مخصوص، و في الدروس يلزم على الأول النقل، و على الثاني التخصيص، و هو خير من النقل، و في المسالك الإيراد على طرده بالعمرة و بكل عبادة مقيدة بمكان مخصوص، و على عكسه بأن الآتي بالبعض التارك للبعض الذي لا مدخل له في البطلان

يصدق عليه اسم الحاج، فلا يكون الحج اسما للمجموع، كما أن المصنف أورد على الثاني بأنه يخرج عنه الوقوف بعرفة و المشعر، لأنهما ليسا عند البيت الحرام مع كونهما ركعتين من الحج إجماعا، إلى غير ذلك مما لا فائدة معتد بها لطول البحث فيها بعد ما ذكرناه غير مرة من أن الغرض من أمثال هذه التعاريف الكشف في الجملة، فهي أشبه شي ء بالتعاريف اللغوية، و حينئذ فالأمر فيها سهل.

و على كل حال ف هو فرض على كل من اجتمعت فيه الشرائط الآتية من الرجال و النساء و الخناثي كتابا(1)و سنة(2)و إجماعا من المسلمين بل ضرورة من الدين يدخل من أنكره في سبيل الكافرين، بل لعل تأكد وجوبه كذلك فضلا عن أصل الوجوب، كما هو واضح و لذا سمى الله تعالى تركه كفرا في كتابه العزيز(3)نعم لا يجب بأصل الشرع إلا مرة واحدة إجماعا بقسميه من المسلمين فضلا عن المؤمنين، مضافا إلى الأصل، و اقتضاء إطلاق الأمر في الكتاب و السنة ذلك كما حقق في محله، و إلى غير ذلك من النصوص (4)الكثيرة جدا الدالة صريحا و ظاهرا على اختلاف دلالتها، و ستسمع


1- 1 سورة آل عمران- الآية 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب وجوب الحج.
3- 3 سورة آل عمران- الآية 92.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 221

بعضها، فما عن الصدوق في العلل- من أن الذي اعتمده و أفتي به أن الحج على أهل الجدة في

كل عام فريضة- واضح الضعف، و في محكي المنتهى «قد حكي عن بعض الناس الوجوب في كل سنة مرة، و هي حكاية لم تثبت، و مخالفة للإجماع و السنة» إلى آخره، أو محمول على ما حمل عليه بعض النصوص الموهمة لذلك- ك

خبر علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) «ان الله تعالى فرض الحج على أهل الجدة في كل عام، و ذلك قول الله عز و جل (2)«وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ» قال: قلت:

من لم يحج منا فقد كفر قال: لا، و لكن من قال: ليس هكذا فقد كفر»

و خبر حذيفة بن منصور(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الحج فرض على أهل الجدة في كل عام»

و مرسل التميمي (4)عنه (عليه السلام) أيضا «ان في كتاب الله عز و جل فيما أنزل الله وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ في كل عام مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»

- من إرادة الوجوب على البدل، بمعنى أن من وجب عليه الحج فلم يفعل في السنة الأولى وجب عليه في الثانية، و هكذا في كل عام، أو الندب أو تأكده أو غير ذلك، لأن ظاهرها مخالف لإجماع المسلمين كما اعترف به في المعتبر و غيره، لما عرفت من عدم الوجوب إلا مرة، فليس هو بعدها إلا مستحبا.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 91 و 92.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2 و 5 مع الاختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الحج- الحديث 7 و هو مرفوع عبد الله بن الحسين الميثمي.

ج 17، ص: 222

و من الغريب ما في الوسائل من حمل هذه النصوص على الوجوب كفاية و إن جعله الوجه بعض الأفاضل مؤيدا له بما دل من النصوص (1)التي فيها الصحيح و غيره على جبر الامام الناس على الحج إذا تركوه، و إلا استحقوا العقاب و لم ينظروا، إذ هو مخالف لإجماع المسلمين على الظاهر أيضا، فلا بد من طرحها أو تنزيلها على ما عرفت و نحوه، و نصوص الجبر خارجة عما نحن فيه، ضرورة عدم اختصاصها بأهل الجدة كما يومي اليه اشتمال الصحيح (2)منها على أنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال، بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند البيت و على زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) و المقام عنده، و لعلنا نقول به كما أومأ إليه في الدروس، قال فيها: «و يستحب للحاج و غيرهم زيارة رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالمدينة استحبابا مؤكدا، و يجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه، لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الأذان، و منع ابن إدريس ضعيف، ل

قوله صلى الله عليه و آله (3): «من أتى مكة حاجا و لم يزرني إلى المدينة فقد جفوته يوم القيامة، و من أتاني زائرا وجبت له شفاعتي، وجبت له الجنة»

و في المختلف «قال الشيخ: إذا ترك الناس الحج وجب على الامام أن يجبرهم على ذلك، و كذلك إذا ترك الناس الحج وجب على الامام أن يجبرهم على ذلك، و كذلك إذا تركوا زيارة النبي (صلى الله عليه و آله) كان عليه إجبارهم عليها أيضا، و قال ابن إدريس لا يجب الإجبار، لأنها غير واجبة، و احتج الشيخ بأنه يستلزم الجفاء، و هو محرم» و على كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة


1- 1 الوسائل- الباب- 4 و 5- من أبواب وجوب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المزار- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 17، ص: 223

منهم مؤديا لواجب و لو كان مع من لم يحج منهم، و قد صرحت النصوص بأن ما عدا المرة التطوع، ك

قول الصادق (عليه السلام) للأقرع بن حابس (1)إذ سأله:

«في كل سنة مرة واحدة، و من زاد فهو تطوع»

بل هو مقتضى

قوله (عليه السلام) أيضا في خبر هشام بن سالم (2)المروي عن المحاسن و الخصال: «و كلفهم حجة واحدة و هم يطيقون أكثر من ذلك»

و قول الرضا (عليه السلام) في علل الفضل (3): «إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة»

و نحوه في علل ابن سنان(4).

و كيف كان فهذه الحجة الواجبة بأصل الشرع هي الحجة التي هي أحد أركان الإسلام، إذ

في كثير من الأخبار(5)«انه بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية»

و بهذا الاعتبار أطلق عليها حجة الإسلام في النص و الفتوى.

[في فورية وجوب الحج]

و تجب بعد فرض إحراز الشرائط على الفور اتفاقا محكيا عن الناصريات و الخلاف و شرح الجمل للقاضي، و في التذكرة و المنتهى إن لم يكن محصلا، و ربما يومي اليه ما نص فيه من الأخبار(6)على نهي المستطيع عن الحج نيابة، و

سأل الشحام (7)الصادق (عليه السلام) «التاجر يسوّف الحج قال: ليس


1- 1 المستدرك- الباب- 3- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4 و هو قول النبي صلى الله عليه و آله له، لأن الأقرع بن حابس انما كان في زمانه صلى الله عليه و آله.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب مقدمة العبادات.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6.

ج 17، ص: 224

له عذر»

و قال (عليه السلام) أيضا في صحيح الحلبي(1): «إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك و

ليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام»

بل قد تدل عليه النصوص (2)الكثيرة التي فيها الصحيح و غيره الدالة على أن من وجب عليه ثم سوفه العام و العام الآخر ثم مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام، و انه المراد بقوله تعالى (3)«وَ مَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَ أَضَلُّ سَبِيلًا» و من قوله تعالى (4)«وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى» باعتبار أن الوعيد مطلقا دليل التضييق كما اعترف به في المنتهى و المدارك.

بل الظاهر أن التأخير مع الشرائط عن عام الاستطاعة معصية كبيرة موبقة و مهلكة كما صرح به غير واحد و إن حج بعد ذلك، لكونه كذلك في نظر أهل الشرع، و لما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان (5)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) انه كتب إلى المأمون تفصيل الكبائر، و من جملتها الاستخفاف بالحج الصادق بالتأخير عن عام الاستطاعة، مضافا إلى ما قيل من أنه قد يصادف الترك أصلا الذي لا إشكال في أنه كبيرة، بل في الكتاب و السنة إطلاق اسم الكفر عليه المعلوم انه من الكبائر في النصوص و الفتاوى و لو الكفر بمعنى الخروج عن الطاعة الشامل لما نحن فيه، كما يشهد له

الصحيح (6)«سألت


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج.
3- 3 سورة الإسراء- الآية 74.
4- 4 سورة طه- الآية 124.
5- 5 الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد النفس- الحديث 33.
6- 6 الوسائل- الباب- 46- من أبواب جهاد النفس- الحديث 4 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 17، ص: 225

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الكبائر فقال: هي في كتاب علي (عليه السلام) سبع: الكفر بالله عز و جل و عقوق الوالدين و أكل الربا بعد التنبه و أكل مال اليتيم و الفرار من الزحف و التعرب بعد الهجرة، قلت: فهذه أكبر المناهي قال: نعم، قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت:

ما عددت ترك الصلاة في الكبائر فقال: أي شي ء أول ما قلت لك، قال: قلت:

الكفر، قال: فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علم»

فإنه ظاهر في إرادة ما يشمل المقام من الكفر المعدود في الكبائر، بل لو قلنا إن الحج أعظم من الصلاة أو أن المراد من الصلاة ما يشمل صلاة الطواف كانت الدلالة ظاهرة، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه، ضرورة أن ذلك في الترك لا في التأخير عن عام الاستطاعة و إن حج بعده في العام الآخر الذي هو مفروض البحث دون الترك أصلا، بل دون تكرار التأخير إصرارا بلا تخلل توبة، فإنه لا صغيرة مع الإصرار فالعمدة حينئذ ما ذكرناه أولا، أما الترك أصلا فكونه من الكبائر مفروغ منه بل يمكن دعوى كونه ضروريا.

ثم المراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة، و إلا ففيما يليه و هكذا، و لو توقف على مقدمات من سفر و غيره تعين الإتيان بها على وجه يدركه كذلك.

و لو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل وجب المسير في أولها، فإن أخر عنها و أدركه مع التالية، و إلا كان كمؤخره عمدا في استقرار الحج، و به قطع في الروضة، و جوز في الدروس التأخر عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها، و استحسنه في المدارك، قال: بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر التالية، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى، و أطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب،

ج 17، ص: 226

و ينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج و قبل تضييق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه، لأنه الأصل، و لا مقتضي للخروج عنه، قلت: لعل المقتضي تحقق الخطاب بالمقدمات، و الأصل عدم مقدمة أخرى تقوم مقام هذه المتيسرة، و خصوصا إذا كان المظنون عدم حصولها، فهو في الحقيقة كإتلاف الطهورين بعد الوقت مع عدم العلم بحصول غيرهما، فاكتفاؤه بمجرد الاحتمال كما ترى.

نعم قد يقال إن له التأخير مع الوثوق الذي ذكره في الدروس، مع أن الظاهر استقرار الحج بالتمكن من الرفقة الأولى، كمن وجبت عليه الصلاة و مضى وقت يمكن أن يفعلها و لم يفعلها و مات مثلا، فإنه لا إشكال في تحقق وجوب القضاء عليه بذلك، على أنه في الفرض مندرج في جميع النصوص الدالة(1)على أن من استطاع الحج و لم يحج و مات فان شاء أن يموت يهوديا أو نصرانيا و نحوها، فمن الغريب اكتفاء السيد المزبور بما سمعت، و دعواه القطع بالجواز فيما عرفت، و إطلاق التذكرة يمكن تنزيله على ما لا يشهد له من غلبة التأخير مع الوثوق، على أن كلامه مفروض في حج النائب على ما صرح به، و حكم الأجير يتبع رضي المستأجر، و معلوم منه عادة المضايقة في التأخير مع عدم الوثوق، و لو سلم جواز التأخير في حق النائب فلا يلزم منه الجواز لغيره، إذ الفورية فيه تتبع العقد، و في غيره تثبت بمقتضى الدليل، و مع اختلافهما في المدرك لا يجب توافقهما في الحكم.

ثم إن ما ادعاه من القطع انما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق الخطاب المنجز، و هو باطل، و إلا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 227

الحج مع الانحصار، و عدم استقرار الحج في الذمة بالتمكن من الخروج قبلها، و سقوطه عن البعيد إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة، و اللوازم كلها باطلة، فكذا الملزوم، فتجب إناطة التكليف بالخطاب المعلق، و لا يختلف الحال بدخول أشهر الحج و عدمه كما هو ظاهر، ضرورة كونه حينئذ كباقي أفراد الواجب الموسع الذي يتضيق بخوف

الفوات، و منه محل الفرض باعتبار عدم الوثوق برفقة أخرى، فيجب التقديم، و هو المطلوب، على أن اشتغال الذمة يقينا يوجب الإتيان بما يعلم معه حصول الامتثال، و لا يتحقق ذلك في محل الفرض إلا بالخروج مع الوفد الأول، ضرورة انتفاء العلم فيه مع التأخير، فكذا ما يقوم مقامه من الظن، و مجرد الاحتمال لا عبرة به، إذ لا أقل من الظن فيما الأصل فيه اليقين، و حينئذ فلا ريب في عصيانه بالتأخير مع التمكن من الرفقة الأولى من دون الوثوق بغيرها، إذ هو لا يخلو إما أن يتأتى له الخروج بعدها أم لا، أما الثاني فظاهر، لأنه تأخير للحج من عام إلى آخر مع التمكن، و أما الأول فإن قلنا ببدلية العزم في الواجب الموسع فكذلك، لاستحالة العزم على الفعل مع عدم الوثوق بالتمكن من مقدماته، و إلا فالعصيان ثابت له من حيث التعرض للمعصية و الجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الأولى مع عدم الوثوق بالثانية و إن تبين له الخلاف بعد ذلك، و التمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء السابق، و لا فرق في المجتري بين المصادف للتمكن و غيره مما يتعلق بالاختيار، و القول بعصيان أحدهما دون الآخر تحكم ظاهر، و لذا يتوجه عليه الذم على التقديرين، و ما يقال من أن العزم على المعصية ليس بمعصية فعلى تقدير تسليمه انما هو في العزم الذي يبقى معه الاختيار لا في مطلق العزم.

ثم إن الوفد الخارجين إلى مكة إما أن يكونوا متوافقين في الخروج زمانا أو مختلفين متقاربين، أو متباعدين في أشهر الحج، أو قبلها، أو خروج أحدهم

ج 17، ص: 228

فيها و الآخر قبلها، و على كل حال فاما أن يكون أحد الوفدين مثلا موثوقا به خروجا و سلامة و إدراكا دون الآخر، أو يكون كلاهما موثوقا به مع التساوي أو الأوثقية في الكل أو البعض مع التساوي الباقي أو اختلافه، كما لو كان السابق أوثق خروجا و اللاحق أوثق سلامة و إدراكا، و الاختلاف من غير جهة الوثوق لا تأثير له في الحكم، و أما باعتباره فان كان في أصل الوثوق تعين المسير مع المعتمد منهم و إن لم يكن سابقا، و إلا فالأولى الخروج مع الأوثق، و مع التساوي أو اختلاف الجهات المتساوية فالمكلف بالخيار، و المراد بالإدراك إدراك التمتع الذي هو فرض البعيد بأركانه الاختيارية، فلو ضاق وقت التأخير عن ذلك وجب الخروج مع السابق، فلو أخر عصى و صح حجه و إن علم فوات التمتع أو اختياري أحد الموقفين بالتأخير، لصدق الاضطرار المسوغ للعدول بذلك و إن كان منشأه سوء الاختيار كما في نظائره.

و كيف كان ف قد يجب الحج بالنذر و ما في معناه من العهد و اليمين و بالإفساد على ما ستعرفه و بالاستيجار للنيابة و نحو ذلك و حينئذ ف يتكرر الوجوب بتكرر السبب و تعدده من جنس واحد أو أجناس مختلفة و ما خرج عن ذلك و نحوه فهو مستحب إن لم يعرض ما يقتضي تحريمه أو كراهته و مع عدم ذلك فلا خلاف نصا و فتوى في أنه يستحب لفاقد الشرائط، كمن عدم الزاد و الراحلة إذا تسكع سواء شق عليه السعي أو سهل، و كالمملوك إذا أذن له مولاه (11) و واجدها المتبرع به بعد أداء الواجب، و الله العالم.

ج 17، ص: 229

[المقدمة الثانية في القول في الشرائط]
اشاره

المقدمة الثانية في القول في الشرائط و النظر في حجة الإسلام، و ما يجب بالنذر و ما في معناه و في أحكام النيابة،

[القول الأول في حجة الإسلام]
اشاره

القول الأول في حجة الإسلام، و

[شرائط وجوبها خمسة]
اشاره

شرائط وجوبها خمسة:

[الشرط الأول كمال العقل و البلوغ]

الأول كمال العقل و البلوغ، فلا يجب الحج على الصبي المميز و غيره و لا على المجنون المطبق و الأدواري الذي تقصر نوبته عن أداء تمام الواجب أومأ في حكمه إجماعا بقسميه، و نصوصا(1)و حينئذ فلو حج الصبي و لو قلنا بشرعية عبادته أو حج عنه الولي أو عن

المجنون على الوجه الذي تعرفه إن شاء الله لم يجز عن حجة الإسلام إجماعا بقسميه، و

قال الصادق (عليه السلام) في خبر مسمع (2): «لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم ك انت عليه فريضة الإسلام»

و سأل إسحاق بن عمار(3)أبا الحسن (عليه السلام) «عن ابن عشر سنين يحج قال: عليه حجة الإسلام إذا احتلم، و كذا الجارية عليها الحج إذا طمثت»

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت و بالأصل و غيره، نعم لو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ندبا ثم كمل كل واحد منهما و أدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام على المشهور بين الأصحاب، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 3 و 4- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 12 و 13 من أبواب وجوب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 230

التذكرة و محكي الخلاف الإجماع عليه في الصبي، قال في الأول: «و إن بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا أو معتقا و فعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام، و كذا لو بلغ أو أعتق و هو واقف عند علمائنا أجمع» و هو الحجة، مضافا إلى تظافر الأخبار(1)بأن من أدرك المشعر أدرك الحج كما تسمعها إن شاء الله فيما يأتي في حكم الوقوفين بعرفة و المشعر، و خصوص المورد فيها لا يخصص الوارد، بل

المستفاد منها و مما ورد(2)في العبد هنا و نحو ذلك عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الإدراك بالكمال و غيره، و من هنا استدل الأصحاب بنصوص العبد على ما نحن فيه مع معلومية حرمة القياس عندهم، فليس مبنى ذلك إلا ما عرفته من عموم الحكم المستفاد من النصوص المزبورة، مضافا أيضا إلى ما يأتي من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه، فالوقت صالح لإنشاء الإحرام، فكذا لانقلابه أو قلبه، مع أنهما قد أحرما من مكة و أتيا بما على الحاج من الأفعال، فلا يكونان أسوأ حالا ممن أحرم من عرفات مثلا و لم يدرك إلا المشعر، بل في كشف اللثام «إن كملا قبل فجر النحر و أمكنهما إدراك اضطراري عرفة مضيا إليها، و إن كان وقفا بالمشعر قبل الكمال ثم كملا و الوقت باق وجب عليهما العود ما بقي وقت اختياري المشعر» و في الدروس «و لو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه، و كذا لو فقد التمييز و باشر به الولي فاتفق البلوغ و العقل، و لو بلغ بعد الوقوف و الوقت باق جدد النية و أجزأ».

لكن في المتن كالمحكي عن المعتبر و المنتهى الاجزاء عن حجة الإسلام


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الوقوف بالمشعر.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 231

على تردد بل عن ظاهر النافع و صريح الجامع العدم، للأصل و منع الإجماع و دلالة الأخبار،

فإنها إنما دلت على إدراك الحج بإدراك المشعر، و لكن انما يدرك الحج الذي نواه و أحرم به، و صلاحية الوقت للإحرام لا يفيد إلا إذا لم يكن محرما، أما المحرم فليس له الإحرام ثانيا إلا بعد الإحلال أو العدول (1)إلى ما دل عليه الدليل، و لا دليل هنا، و لا الاستطاعة ملجأه اليه، و لا مفيدة للانصراف إلى ما في الذمة، فإنا نمنع وجوب الحج عليه بهذه الاستطاعة، لاشتغال ذمته بإتمام ما أحرم له، مع أن صلاحية الوقت إذا فاتت عرفة ممنوعة، و الحمل على العبد إذا أعتق قياس، لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، و لا وجه لمنع الإجماع الذي نقله الثقة العدل و شهد له التتبع، كما لا وجه لمنع دلالة الأخبار إن كان المراد منها ما ورد في العبد، فإنها صريحة في الاجزاء عن حجة الإسلام، بل هو المنساق من إطلاق أن إدراك المشعر إدراك الحج لا الحج الذي نواه و أحرم به، فإنه مدرك له قبل حصول هذه الصفة، و صلاحية الوقت انما ذكرت استيناسا لما نحن فيه لا أنها دليل، ضرورة وضوح الفرق بين نفس الموضوعين، و منع الوجوب بهذه الاستطاعة لما عرفت مصادرة، كما أن الحمل على العبد ليس قياسا بعد ما عرفت من الإجماع و ظهور نصوص العبد في عدم الخصوصية له.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى الاجزاء عن حجة الإسلام إنما الكلام في وجوب تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام و للوجوب كذلك في

الوقوف، سيما على تقدير اعتبار الوجه من آن الإدراك، لأنه لا عمل إلا بنية،


1- 1 هكذا في المخطوطة المبيضة و لكن في المسودة« و لا العدول إلا إلى ما دل عليه الدليل» و هو الصواب.

ج 17، ص: 232

و الفرض عدم نية حجة الإسلام سابقا، و عدمه للأصل و انعقاد الإحرام و انصراف الفعل إلى ما في الذمة إذا نوى عينه و إن غفل عن خصوصيته و لم يتعرض لها في النية و لا للوجوب في نية الوقوف، و لعله الأقوى تمسكا بإطلاق النص في العبد و الفتوى فيه و في المقام، فهو إجزاء شرعي، و تظهر الثمرة فيمن بلغ قبل فوات المشعر و لم يعلم حتى فرغ منه أو من باقي المناسك، فما عن الخلاف من وجوب تجديد نية الإحرام و المعتبر و المنتهى و الروضة من إطلاق تجديد نية الوجوب و الدروس من تجد النية محل للنظر بل المنع، كما أن الأقوى عدم اعتبار الاستطاعة بعد الكمال من البلد أو الميقات في الاجزاء عن حجة الإسلام للإطلاق المزبور، بل هو كالصريح بالنسبة إلى العبد، و لا استبعاد في استثناء ذلك مما دل على اعتبارها فيها، بل في التذكرة «لو بلغ الصبي و أعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته و أمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك، لأن الحج واجب على الفور و لا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر، خلافا للشافعي، و متى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين، لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه، فلم يسقط بفوات القدرة بعده» و في كشف اللثام من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال، لكن الإتمام لما جامع الاستطاعة التي للمحكي غالبا و كانت كافية في الوجوب هنا و إن كانا نائيين كما مرت الإشارة اليه لم يشترطوها، و لذا قال في التذكرة إلى آخر ما سمعت، ثم قال: و من اشترط استطاعة النائي لمجاورة مكة اشترطها هنا في الاجزاء، فما في الدروس و الروضة و غيرهما- من اعتبار سبق الاستطاعة و بقائها، لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط، فالإجزاء من جهته- محل للنظر، إذ لو سلم أن التعارض بين ما هنا و بين ما دل على اعتبار الاستطاعة

ج 17، ص: 233

من وجه أمكن الترجيح لما هنا من وجوه، خصوصا بملاحظة نصوص العبد، و لذا قال في الروضة بعد أن حكم بما عرفت: و يشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه، و ربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق، أما اللاحقة فتعتبر قطعا.

و كيف كان فالمنساق من المتن و غيره اعتبار إدراك اختياري المشعر، فلا يجزيه اضطرارية و إن وجب عليهما ما أمكنهما من اضطراري عرفة، و لعله كذلك اقتصارا على المتيقن، نعم لا فرق في الحكم المزبور بين حج المتمتع و الافراد و القران للإطلاق، فلو كان قد اعتمر عمرة التمتع ثم أتى بحجة و كان فرضه عند الكمال التمتع بقي على التمتع، و كفاه لعمرته ما فعل منها قبل الكمال، كما نص عليه في محكي الخلاف و التذكرة، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الفتوى، فما في كشف اللثام- من أنه لم يساعده الدليل إن لم يكن عليه إجماع، فإن إدراك أحد الموقفين الاختياريين يفيد صحة الحج، و العمرة فعل آخر مفصول منه وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر، فلا جهة للاكتفاء بها، و لذا قيل بالعدم، فيكون كمن عدل إلى الافراد اضطرارا، فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده- فيه أن إطلاق متن الإجماع المعتضد بظاهر الفتوى و إطلاق نصوص العبد كاف في إثبات ذلك، بل لعله المنساق من ظاهرهما، و لا حاجة إلى ما قيل من انه يأتي بعد التمام بعمرة أخرى للتمتع في ذلك العام إن كانت أشهر الحج باقية؛ و يسقط الترتيب بين عمرة التمتع و حجه للضرورة، و إن لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل، و هل يجب عليه فيه حجة أخرى؟ وجهان، من الأصل، و من دخول العمرة في الحج، و وجوب الإتيان بهما في عام واحد على المتمتع، و أما إن كان فرضه الافراد أو التمتع و كان الذي أتى به الافراد فالأمر واضح، و يأتي بعد الإتمام بعمرة مفردة، و على الأخير يكون عادلا عن فرضه إلى الافراد ضرورة، و من ذلك تعرف الحال فيما في

ج 17، ص: 234

الدروس من انه لو حج العبد الأفقي أي غير المحكي أو المميز كذلك قرانا أو إفرادا أو حج الولي بغير المميز أو المجنون كذلك و كملوا قبل الوقوف ففي العدول إلى التمتع مع سعة الوقت نظر، من الأمر بإتمام النسك، و الأقرب العدول للحكم بالاجزاء مطلقا، و مع عدم القول بالعدول أو لم يمكن العدول ففي إجزاء الحج هنا نظر، من مغايرته فرضهم، و من الضرورة المسوغة لانتقال الفرض، و هو قوي، قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك، و أما إن كان فرضه الافراد و الذي أتى به التمتع فهل يبقى عليه و يجزي عن الافراد أو يعدل بنيته اليه أو ينقلب حجه مفردا و إن لم ينوه وجوه، أوجهها أحد الأخيرين، و حينئذ فعليه عمرة مفردة، قيل: و على ما في الخلاف و التذكرة الظاهر الأول، و هو مشكل جدا، و الاحتياط في جميع ذلك لا ينبغي تركه، ضرورة انسياق الاكتفاء بأحد الموقفين للمتلبس بما هو فرضه لو كان كاملا من الأدلة، فالمتجه الاقتصار عليه و عدم ترك الاحتياط في غيره، هذا، و في نصوص العبد و معقد إجماع التذكرة و جملة من العبائر الاكتفاء في إدراك الحج بإدراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر كما في المتن و بعض العبارات، و لعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة، فالاجتزاء بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الإدراك، و لو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر فلا يبعد عدم الإجزاء، ضرورة ظهور النص و الفتوى في أن كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه، و ربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في العبد.

و على كل حال فلا إشكال في أنه يصح إحرام الصبي المميز و إن لم يجب عليه بناء على شرعية عبادته، نعم لا بد من إذن الولي بذلك لاستتباعه المال في بعض الأحوال، فليس هو عبادة محضة، مع احتمال العدم لعدم كونه تصرفا ماليا أولا و بالذات إن لم يكن إجماعا، كما هو ظاهر نفي الخلاف فيه بين

ج 17، ص: 235

العلماء من محكي المنتهى و التذكرة، أما البالغ فالأقوى عدم اعتبار إذن الأب في المندوب منه فضلا عن الأم ما لم يكن مستلزما للسفر المؤدي إلى إيذائهما باعتبار مفارقته أو سبق نهيهما عنه في وجه، خلافا للفاضل في القواعد فاعتبر إذن الأب بل عن ثاني الشهيدين في المسالك أنه قوى توقفه على إذن الأبوين، لكن قال في الروضة: «إن عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم يكن الحج مستلزما للسفر المشتمل على الخطر، و إلا فالاشتراط أحسن».

و على كل حال ف يصح أن يحرم عن غير المميز وليه ندبا و كذا المجنون فيستحق الثواب حينئذ عليه، و تلزمه الكفارة و الأفعال و التروك على الوجه الذي ستعرفه بلا خلاف أجده في أصل مشروعية ذلك للولي، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه مضافا إلى دلالة النصوص الكثيرة عليه، ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(1): «انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة أو إلى بطن مر و يصنع

بهم ما يصنع بالمحرم، و يطاف بهم و يرمى عنهم، و من لا يجد الهدي فليصم عنه وليه»

و سأله عبد الرحمن بن الحجاج (2)في الصحيح «إن معنا صبيا مولودا فقال (عليه السلام): مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها، فأتتها فسألتها فقالت: إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه و جردوه و غسلوه كما يجرد المحرم، وقفوا به المواقف، و إذا كان يوم النحر فارموا عنه و احلقوا رأسه ثم زوروا به البيت، و مري الجارية ان تطوف به بالبيت و بين الصفا و المروة»

و قال أحدهما (عليهما السلام) في خبر زرارة(3): «إذا حج الرجل بابنه و هو صغير فإنه يأمره أن يلبي و يفرض الحج


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج الحديث 5.

ج 17، ص: 236

فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه و يطاف به و يصلى عنه، قال زرارة: ليس لهم ما يذبحون فقال (عليه السلام): يذبح عن الصغار و يصوم الكبار و يتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب و الطيب، فان قتل صيدا فعلى أبيه»

إلى غير ذلك مما هو واضح الدلالة عليه، خلافا لأبي حنيفة فأنكره من أصله، و لا ريب في ضعفه.

كما أن ظاهر النص و الفتوى كون الإحرام بالصبي على معنى جعله محرما بفعله لا أنه ينوب عنه في الإحرام، و من هنا صرح غير واحد بأنه لا فرق في الولي بين كونه محلا أو محرما، فما عن الشافعية في وجه من كون الإحرام عنه واضح الضعف.

و على كل حال فكيفيته أن ينوي الولي الإحرام بالطفل بالعمرة أو الحج، فيقول: اللهم إني أحرمت بهذا إلى آخر النية، و في الدروس أنه يكون حاضرا مواجها له و يلبسه ثوبي الإحرام و يجنبه ما يجنب المحرم، و يلبي عنه إن لم يحسنها و إلا أمره، بل في القواعد و غيرها «ان كل ما يتمكن الصبي من فعله من التلبية و الطواف و غيرهما فعله، و إلا فعله الولي عنه» و لعل خبر زرارة(1)فيه إشارة إلى ذلك، و ليكونا في الطواف متطهرين و إن كانت الطهارة من الطفل صورية، و في الدروس «يحتمل الاجتزاء بطهارة الولي» و في كشف اللثام و على من طاف به الطهارة كما قطع به في التذكرة و الدروس و هل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون؟

وجهان كما في الدروس و ظاهر التذكرة من أنها ليست طهارة مع الأصل، و من أنه طوافه، لأنه طواف بالمحمول، و في التذكرة «و عليه أن يتوضأ للطواف و يوضأه، فان كانا غير متوضئين لم يجز الطواف، و إن كان الصبي متطهرا و الولي محدثا لم يجزه أيضا، لأن الطواف بمعونة الولي يصح، و الطواف لا يصح إلا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 17، ص: 237

بطهارة، و ان كان الولي متطهرا و الصبي محدثا فللشافعية وجهان، أحدهما لا يجزي» قلت: لا ريب في أن الأحوط طهارتهما، معا، لأنه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل، و ان كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي كما يومي اليه ما في خبر زرارة(1)من الاجتزاء بالصلاة عنه، و لعله فرق بين أفعال الحج نفسها و شرائطها، فيجب مراعاة الصوري منه في الأول دون الثاني، فتأمل جيدا.

و لو أركبه دابة فيه أو في السعي ففي التذكرة و الدروس وجب كونه سائقا أو قائدا، إذ لا قصد لغير المميز، و هو حسن، و في المدارك أنه ينبغي القطع بجواز الاستنابة في الطواف، لإطلاق الأمر بالطواف به، و لقول حميدة في

صحيح ابن الحجاج(2): «مري الجارية»

إلى آخره، قلت: بل لا يبعد جواز الاستنابة في غيره أيضا كما عساه يلوح من النص و الفتوى، و أما الصلاة فقد سمعت ما في خبر زرارة، لكن في الدروس «و على ما قاله الأصحاب من أمر ابن ست بالصلاة يشترط نقصه عنها، و لو قيل: يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن» و كأنه اجتهاد في مقابلة النص.

و كيف كان فإن أحرم به بالحج ذهب إلى الموقفين، و نوى الوقوف به، ثم يحضره

الجمار و يرمي عنه، و هكذا إلى آخر الأفعال، و في القواعد و محكي المبسوط «انه يستحب له ترك الحصى في يد غير المميز ثم يرمي الولي أي بعد أخذها من يده» و لكن لم نظفر له بمستند، و في محكي المنتهى «و إن وضعها في يد الصغير و يرمي بها فجعل يده كالآلة كان حسنا» قلت: هو كذلك محافظة على الصورة منه، لأن الرمي من أفعال الحج، و ربما يأتي لذلك كله تتمة عند تعرض المصنف له و لغيره من الأحكام.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 238

و المراد ب الولي هنا من له ولاية المال كالأب و الجد للأب و الوصي بلا خلاف أجده في الأولين، بل في التذكرة الإجماع عليه، و أما الوصي ففي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، و يشهد له إطلاق الولي في النصوص، بل منه يستفاد ولاية الحاكم التي بها صرح الشيخ في المحكي عنه، بل عن مبسوطة «أن الأخ و ابن الأخ و العم و ابن العم إن كان وصيا أو له ولاية عليه وليها فهو بمنزلة الأب، و إن لم يكن أحدهم وليا و لا وصيا كانوا كسائر الأجانب» و نحوه عن السرائر، قال في التذكرة: و هذا القول يعطي أن لأمين الحاكم الولاية كما في الحاكم، لأن قوله: «أو له ولاية» إلى آخره، لا مصرف له إلا ذلك، و حكى عن الشافعي في توكيل كل من الوصي و أمين الحاكم وجهان، قلت:

الأقوى ذلك، بل عن الشهيد الثاني التصريح بجواز التوكيل من الثلاثة، لأنه فعل تدخله النيابة كما أومأنا إليه، بل عن الشيخ أن غير الولي إن تبرع عن الصبي انعقد إحرامه، و لعله لإطلاق أكثر الأخبار، و احتمال الولي فيما تضمنته المتولي لإحرامه و احتماله كأبيه الجريان على الغالب أو التمثيل.

و لكن لا ريب في ضعفه، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن المعتضد بظاهر النص و الفتوى، نعم قيل و القائل المبسوط أيضا و الخلاف و المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف و الدروس، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر:

للأم ولاية الإحرام بالطفل ل

خبر عبد الله بن سنان أو صحيحه (1)عن الصادق (عليه السلام) «ان امرأة قامت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و معها صبي لها فقالت:

يا رسول الله أ يحج بمثل هذا؟ قال: نعم و لك أجره»

ضرورة اقتضاء الأمر لها(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 هكذا في المخطوطة المبيضة و لكن في المسودة« الأجر لها» و هو الصواب لمطابقته للخبر أي« و لك أجره».

ج 17، ص: 239

كونها محرمة به أو آمرة لغيرها و غير وليها أن يحرم به، و حينئذ فتلتزم لوازم الإحرام كالولي، و لعله الأقوى، خلافا لظاهر المتن و القواعد و محكي السرائر و غيرها للأصل

المقطوع بما عرفت، خصوصا بعد التسامح في المستحب.

و كيف كان ف نفقته الزائدة على نفقة الحضر مثل آلة سفره و أجرة مركبة و جميع ما يحتاج إليه في سفره مما كان مستغنيا عنه في حضره تلزم الولي في ماله دون الطفل بلا خلاف أجده، لأنه هو السبب، و النفع عائد إليه، ضرورة عدم الثواب لغير المميز بذلك، و عدم الانتفاع به في حال الكبر، و لأنه أولى من فداء الصيد الذي نص عليه في خبر زرارة(1)فما عن الشافعي في أحد الوجهين من الوجوب في مال الصبي كأجرة المعلم واضح الضعف، خصوصا بعد وضوح الفرق بأن التعلم في الصغر يغنيه عنه في الكبر، و لو فاته لم يدركه بخلاف الحج و العمرة، نعم قد يتوقف في الحكم المزبور فيما إذا توقف حفظ الصبي و كفالته و تربيته على السفر، و كانت مصلحته في ذلك، و لعل إطلاق الأصحاب منزل على غير ذلك، و أما الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحج فكأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه، و قد صرح به في صحيح زرارة(2)بل صرح فيه أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه، و به أفتى الأكثر في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف في حالتي العمد و الخطأ، خلافا للفاضل في محكي التذكرة فعلى الصبي الفداء لوجوبه بجنايته، فكان كما لو أتلف مال غيره، و كأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر، نعم قد يقال ذلك فيما يختلف حكمه في حال العمد و السهو في البالغ كالوطي و اللبس إذا اعتمد الصبي، فعن الشيخ أنه قال:

«الظاهر أنه تتعلق به الكفارة على وليه، و ان قلنا إنه لا يتعلق


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 17، ص: 240

به شي ء- لما

روي (1)عنهم (عليهم السلام) «ان عمد الصبي و خطأه واحد»

و الخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين- كان قويا» و استجوده في المدارك لو ثبت اتحاد عمد الصبي و خطأه على وجه العموم، لكنه غير واضح لأن ذلك انما ثبت في الديات خاصة، قلت: و هو كذلك، لبطلان سائر عباداته من صلاة و وضوء و نحوهما بتعمد المنافي، و من هنا قيل بالوجوب تمسكا بالإطلاق و نظرا الى أن الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات، و لو كان عمده خطأ لما وجب عليه المنع، لأن الخطأ لا يتعلق به حكم، فلا يجب المنع، فما في المدارك- من أن الأقرب عدم الوجوب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص و هو الصيد- واضح الضعف، ضرورة عدم الفرق بين الصيد و غيره في حال العمد كما عرفت، فتشمله الخطابات التي هي من قبيل الأسباب، و مقتضاها و إن كان الوجوب على الصبي بعد البلوغ أو في ماله إلا أنه قد صرح في صحيح زرارة(2)بكونه على الأب باعتبار أنه هو السبب.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكي عن الشيخ من أنه يتفرع على الوجهين ما لو وطأ

قبل أحد الموقفين متعمدا، فان قلنا إن عمده و خطأه سواء لم يتعلق به حكم فساد الحج، و إن قلنا إن عمده عمد أفسد حجه و لزمه القضاء، ثم قال:

«و الأقوى الأول، لأن إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلف، و هذا ليس بمكلف» و في المدارك و هو جيد، ثم إن قلنا بالإفساد فلا يجزيه القضاء حتى يبلغ فيما قطع به الأصحاب، و لا يجزي عن حج الإسلام إلا أن يكون بلغ في الفاسد قبل


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب العاقلة- الحديث 2 من كتاب الديات.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج- الحديث 5.

ج 17، ص: 241

الوقوف بالمشعران اجتزأنا بذلك، إذ لا يخفى عليك أن المتجه بناء على ما عرفت فساد حجه بتعمده، و حينئذ يترتب عليه القضاء بعد البلوغ كالغسل بالجنابة الصادرة منه، و ربما يأتي لذلك تتمة عند تعرض المصنف له، و الله أعلم.

[الشرط الثاني الحرية]

الشرط الثاني الحرية، فلا يجب الحج و لا العمرة على المملوك و إن أذن له مولاه و تشبث بالحرية و بذل له الزاد و الراحلة، للأصل و الإجماع بقسميه منا و من غيرنا، و

قول أبي الحسن موسى (عليه السلام) في الموثق (1): «ليس على المملوك حج و لا عمرة حتى يعتق»

و قوله (عليه السلام) في خبر آدم بن علي(2): «ليس على المملوك حج و لا جهاد، و لا يسافر إلا بإذن مالكه»

قيل: و لعدم الاستطاعة، لأنه لا يملك شيئا و لا يقدر على شي ء، و فيه أنه يمكن تحققها ببذل و نحوه، فالعمدة في الدليل ما سمعت.

و منه يعلم أنه لو تكفله باذن مولاه صح حجه لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه منا و من غيرنا أيضا، و

قول الكاظم (عليه السلام)(3)في صحيح أخيه: «المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج»

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4): «إن المملوك إذا حج و هو مملوك ثم مات قبل أن يعتق أجزأه ذلك الحج، فإن أعتق أعاد الحج»

و قوله (عليه السلام)(5)في الصحيح الآخر: «المملوك إذا حج و هو مملوك أجزأه إذا مات قبل أن يعتق، فإن أعتق أعاد الحج»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر مسمع (6): «لو أن عبدا حج عشر حجج كانت عليه حجة الإسلام إذا استطاع إلى ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.

ج 17، ص: 242

سبيلا»

و خبر إسحاق بن عمار(1): «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن أم الولد تكون للرجل قد أحجها أ يجزي ذلك عنها من حجة الإسلام؟ قال: لا، قلت: لها أجر في حجتها قال: نعم»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها

خبر حكم ابن حكيم الصيرفي (2)سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «أيما عبد حج به مواليه فقد أدرك حجة الإسلام»

الذي أجمعت الأمة على خلافه، فمن الواجب طرحه أو حمله على إدراك ثواب حجة الإسلام ما دام مملوكا كما أومأ إليه لفظ الاجزاء في الصحيح المزبور(3)، و يشهد له

خبر أبان بن الحكم(4): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الصبي إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يكبر، و العبد إذا حج به فقد قضى حجة الإسلام حتى يعتق»

أو على إدراك الموقفين معتقا أو غير ذلك.

ف لا إشكال كما لا خلاف في الحكم المزبور، نعم إن حج باذن مولاه و أدرك الوقوف بعرفة و المشعر أو بالمشعر معتقا أجزأه ذلك عن حجة الإسلام بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في محكي المنتهى لو حج باذن مولاه ثم أدركه العتق فان كان قبل الوقوف في الموقفين أجزأه الحج سواء كان قد فعل الإحرام أو لا، و لا نعلم خلافا في أنه لو أعتق قبل إنشاء الإحرام بعرفة فأحرم أنه يجزيه عن حجة الإسلام عندنا أيضا، ذهب إليه علماؤنا مضافا إلى

صحيح معاوية بن عمار(5)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): مملوك أعتق يوم عرفة فقال: إذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»

و زاد فيما رواه في


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 17- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 243

المعتبر «و إن فاته الموقفان فقد فاته الحج، و يتم حجه و يستأنف حجة الإسلام»

و صحيح شهاب (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل أعتق عشية عرفة عبدا له قال:

يجزي عن العبد حجة الإسلام، و يكتب لسيده أجران: ثواب الحج و ثواب العتق»

و نحوه في الاجزاء خبره الآخر(2)و غيرها من النصوص الظاهرة أو الصريحة في إدراك حجة الإسلام بذلك و إن لم يكن مستطيعا كما هو

الغالب في محل الفرض، خصوصا بناء على استحالة ملكه.

لكن في الدروس اشتراط تقدم الاستطاعة و بقائها، و تعجب منه في المدارك، لاستحالة ملك العبد عنده، و من هنا قال هو: و ينبغي العطع بعدم اعتبار الاستطاعة هنا مطلقا، لإطلاق النص خصوصا السابقة، و قد تقدم تحقيق الحال في ذلك و في التجديد للنية و غيرهما من المباحث التي لا يخفى عليك جريانها في المقام الذي هو الأصل لذلك المقام.

كما انه لا يخفى عليك الحال فيما ذكروه من الفروع هنا، كعدم جواز رجوع السيد بالاذن بعد التلبس، ضرورة وجوب الإتمام على العبد به، لإطلاق أدلته المعلوم تحكيمه على ما دل (3)على وجوب طاعة العبد و لو بملاحظة النظائر و حينئذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل لو رجع السيد قبل التلبس و لم يعلم العبد به حتى أحرم وجب الاستمرار في أقوى الوجهين، لأنه دخل دخولا مشروعا، فكان رجوع المولى كرجوع الموكل قبل التصرف و لم يعلم الوكيل، فما عن الشيخ من أنه يصح إحرامه و للسيد أن يحله واضح الضعف، و إن استشكله في القواعد بل اختاره في المختلف لعموم حق المولى، و عدم لزوم الاذن، خصوصا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
3- 3 البحار- الجزء الرابع من المجلد الخامس عشر ص 41 الطبعة الكمپاني.

ج 17، ص: 244

و قد رجع قبل التلبس، و لكن فيه أن صحة الإحرام انما هي لبطلان رجوع المولى، فكأنه لم يرجع، فيشمله قوله تعالى (1)«وَ أَتِمُّوا

الْحَجَّ» الآية و غيره و الإحرام ليس من العبادات الجائزة، و انما يجوز الخروج منه في مواضع مخصوصة و لم يثبت أن هذا منها، و لعل احتمال عدم صحة الإحرام لعدم حصول الشرط في الواقع الذي هو كالوضوء للصلاة- فالاستصحاب انما هو لجواز الإقدام في الظاهر و متى بان فساده انكشف البطلان- أقوى من ذلك، و لذا تردد في الصحة و عدمها المصنف في المحكي من معتبره و غيره، و إن كان فيه منع الشرطية على الوجه المزبور لعدم ما يدل عليها كذلك، بل أقصاه أنها كاشتراط طهارة الثوب للصلاة، فتأمل جيدا، نعم لو رجع قبل التلبس و علم العبد بذلك لم يكن له إحرام، و في الاكتفاء بالعدل الواحد هنا وجه قوي.

و للمولى بيع العبد في حال الإحرام قطعا، بل في المدارك إجماعا، للأصل السالم عن المعارض بعد كون الإحرام لا يمنع التسليم، و عدم جواز التحليل للثاني للوجوب على العبد بإذن الأول لا يقضي بفساد البيع، بل أقصاه الخيار مع عدم قصر الزمان بحيث لا يفوته شي ء من المنافع، لحديث نفي الضرر و الضرار(2).

و لو جنى العبد في إحرامه بما يلزم فيه الدم كاللباس و الطيب لزمه دون السيد للأصل السالم عن المعارض المعتضد بظاهر قوله تعالى (3)«وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»* نعم عن الشيخ «أنه يسقط الدم إلى الصوم، لأنه عاجز، ففرضه


1- 1 سورة البقرة- الآية 192.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3 و 4 و 5.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 164 و سورة الإسراء- الآية 16 و سورة الفاطر- الآية 19 و سورة الزمر- الآية 9.

ج 17، ص: 245

الصوم و لسيده منعه منه، لأنه فعل موجبه بدون إذن مولاه» قلت: فهو حينئذ عاجز عنهما، فالمتجه حينئذ بقاء الدم في ذمته يتبع به بعد العتق، فان عجز عنه صام، و لا يقال إن ذلك من الأحكام الشرعية المترتبة عليه من دون مراعاة إذن المولى كقضاء الصلاة و نحوها، لأنا نقول ما دل على ملكية العبد للسيد و أنه ليس له التصرف بنفسه إلا بإذنه أرجح مما دل على الكفارة من وجوه، فالجمع حينئذ بين الخطابين القول بمضمون كل منهما، و ينتج تبعيته به بعد العتق، كضمان ما يتلفه من مال الغير.

و من ذلك كله يظهر لك ضعف ما عن المفيد من وجوب الفداء في الصيد على السيد و إن كان قد يشهد له

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(1): «كلما أصاب العبد و هو محرم في إحرامه فهو على السيد إذا أذن له»

لكن يعارضه مضافا إلى ما سمعت-

خبر عبد الرحمن بن أبي نجران (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن عبد أصاب صيدا و هو محرم على مولاه شي ء من الفداء فقال: لا شي ء على مولاه»

و حمله كما عن الشيخ على من أحرم بغير إذنه يدفعه ظهور الخبر في كون العبد محرما، و لا يكون ذلك الا مع إذن السيد، و إلا لم يكن له إحرام، و ربما جمع بينهما بأن الفداء على السيد إن كان قد أذن له السيد في الجناية أيضا، و يأمره بالصوم إن عجز هو عنه، و على العبد إن كان الاذن في الإحرام خاصة، فيتعين عليه الصوم لعجزه، و فيه- مع أن صوم العبد غرامة للسيد أيضا- انه جمع بلا شاهد، و لا ينتقل اليه من نفس اللفظ، كالجمع بينهما بأن الاذن إن كان في الإحرام لزم السيد، و إن كان العبد مأذونا مطلقا إحراما و غيره لزمه دون


1- 1 الوسائل- الباب- 56- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 1 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب كفارات الصيد- الحديث 3 من كتاب الحج.

ج 17، ص: 246

السيد، فليس حينئذ إلا ترجيح أحد الخبرين على الآخر، فقد يرجح الأول بصحته و كونه ناقلا عن الأصل، و ب

خبر جميل بن دراج (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أمر مملوكه أن يتمتع قال: فمره فليصم، و إن شئت فاذبح عنه»

و فيه أن الصحة بعد إعراض جماعة من الأصحاب أو الأكثر لا تجدي، و الخبر المقرر أولى من الناقل، لاعتضاده بحجة أخرى، و خبر جميل إن لم يشهد للعكس فلا شهادة له عليه، ضرورة أمره بالأمر بالصوم، و تعليق الذبح على المشية، مع انه خارج عما نحن فيه، ضرورة كون الذبح هناك من توابع الاذن لا أنه وجب

كفارة، و لذلك أوجبه على المولى بعضهم، و ستسمع إن شاء الله في باب الذبح تمام البحث فيه، و أن المصنف قد اختار تخيير المولى بين الذبح عنه و بين أمره بالصوم للرواية المزبورة، لكن الانصاف مع ذلك مراعاة الاحتياط، و على كل حال فقد بان لك مما ذكرنا ضعف المحكي عن أبي الصلاح من التفصيل بين الإحرام بالاذن و عدمه، فتجب الكفارة في الأول على السيد، و في الثاني على المملوك، لكنه يصوم لعدم تمكنه من الهدي و الإطعام إذ قد عرفت فساد الإحرام مع عدم الاذن، فلا يترتب به على كل منهما شي ء كما هو واضح.

و كيف كان ف لو أفسد العبد حجه بالجماع قبل الوقوف بالمشعر وجب عليه المضي فيه و بدنة و قضاؤه، لأنه كالحر في ذلك، ضرورة دخوله في الإحرام على الوجه الصحيح، فيترتب عليه أحكامه، و في وجوب تمكين السيد إياه منه و عدمه وجهان بل قولان ينشئان من أن الاذن في الحج تقتضي الالتزام بجميع ما يترتب عليه شرعا، و منه ذلك، بل ربما قيل بتناول ما دل على التزام


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الذبح- الحديث 1.

ج 17، ص: 247

السيد بكل ما أصابه العبد في حال إحرامه لذلك، و من ان القضاء عقوبة دخلت عليه بسوء اختياره لا مدخلية للاذن السابقة فيه بوجه من الوجوه، بل ربما أدى ذلك إلى الاحتيال بتعطيل العبد نفسه عن منافع سيده بحيث يحصل عليه الضرر بذلك، و لعل ذلك هو الأقوى، خصوصا بعد ما سمعت في الكفارة و نحوها، و ربما بني القولان على ان القضاء هو الفرض و الفاسد عقوبة، فيتجه الأول حينئذ، لتناول الاذن له، و قد لزم بالشروع، فيلزمه التمكين منه، أو بالعكس فيتجه الثاني، لعدم تناول الاذن له، و فيه ان من المعلوم عدم تناول الاذن للحج ثانيا و إن كان هو الفرض، لأنها انما تعلقت بالأول.

هذا كله إذا كان لم يعتق، فإذا أفسده قبل الوقوف ثم أعتق مضى في الفاسد أيضا لما دل على وجوب إتمامه و عليه بدنة أو بدلها و قضاه كالحر لما عرفت و أجزأه عن حجة الإسلام سواء قلنا إن الإكمال عقوبة و الثانية حجة الإسلام أم بالعكس، أما على الأول فظاهر، لوقوع حجة الإسلام في حال الحرية التامة، و أما على الثاني فلما سبق من أن العتق على هذا الوجه يقتضي إجزاء الحج عن حج الإسلام.

و إن أفسده قبل الوقوف و أعتق بعد فوات الموقفين وجب الإكمال و القضاء و لم يجزه عن حجة الإسلام فتجب عليه حينئذ إذا أحرز شرائطها، بل لو فرض شغل ذمته بها وجب عليه ان يقدمها على القضاء كما في القواعد و محكي الخلاف و المبسوط لفوريتها دونه، و لأنه آكد، لوجوبها بنص القرآن، و حينئذ فلو قدم القضاء لم يجز عن أحدهما، اما القضاء فلكونه قبل وقته و أما حجة الإسلام فلأنه لم ينوها، خلافا للمحكي عن الشيخ فصرفه إلى حجة الإسلام، لكن عن مبسوطة احتمال البطلان قويا، و استجوده في المدارك بناء على مسألة الضد، و إلا اتجه صحة القضاء و إن أثم بتأخير حجة الإسلام،

ج 17، ص: 248

قلت: بل في كشف اللثام الأظهر عندي تقديم القضاء لسبق سببه، و عدم الاستطاعة لحجة الإسلام إلا بعده، قلت: هو كذلك مع فورية القضاء، بل و مع عدمه في وجه.

و لا فرق في المملوك بين القن و المدبر و أم الولد و المكاتب بقسميه و المبعض في عدم وجوب حجة الإسلام عليهم التي قد عرفت اشتراطها بالحرية المفقودة في الجميع، نعم للمبعض لو تهايا مع مولاه الحج ندبا في نوبته من دون إذن من المولى إذا لم يكن تغرير بنفسه في السفر، و من الغريب ما ظنه بعض الناس من وجوب حجة الإسلام عليه في هذا الحال، ضرورة منافاته الإجماع المحكي من المسلمين الذي يشهد له التتبع على اشتراط الحرية المعلوم عدمها في المبعض، و الله أعلم.

[الشرط الثالث الزاد و الراحلة]
اشاره

الشرط الثالث ان يكون له ما يتمكن به من الزاد و الراحلة لأنهما من المراد بالاستطاعة التي هي شرط في الوجوب بإجماع المسلمين، و النص (1)في الكتاب المبين، و المتواتر(2)من سنة سيد المرسلين (صلى الله عليه و آله)، بل لعل ذلك من ضروريات الدين كأصل وجوب الحج، و حينئذ فلو حج بلا استطاعة لم يجزه عن حجة الإسلام لو استطاع بعد ذلك قطعا، كالقطع بكون الراحلة من المراد بالاستطاعة، فيتوقف الوجوب على حصولها و إن تمكن بدونها بمشي و نحوه، للإجماع المحكي عن الناصريات و الغنية و التذكرة و المنتهى، و النصوص المستفيضة


1- 1 سورة آل عمران- الآية 91.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 249

التي فيها الصحيح و غيره، فقد

سأل جعفر الكناسي (1)في الصحيح أبا عبد الله (عليه السلام) «عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- ما يعنى بذلك؟ قال:

من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة فهو ممن يستطيع- أو قال-:

ممن كان له مال، فقال له حفص: فإذا كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة و لم يحج فهو ممن يستطيع الحج قال: نعم»

و صحيح هشام أو حسنه (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- ما يعنى بذلك؟

قال: «من كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة»

و خبر السكوني (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سأله رجل من أهل القدر فقال: يا بن رسول الله أخبرني عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- أ ليس قد جعل لهم الاستطاعة؟

فقال: و يحك إنما يعني بالاستطاعة الزاد و الراحلة ليس استطاعة البدن»

و خبر الفضل بن شاذان (4)المروي عن العيون عن الرضا (عليه السلام) في كتابه إلى

المأمون «و حج البيت فريضة على من استطاع اليه سبيلا، و السبيل الزاد و الراحلة مع الصحة»

و خبر الأعمش (5)المروي عن الخصال عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا، و هو الزاد و الراحلة»

إلى غير ذلك و في كون الزاد كالراحلة بالنسبة إلى ذلك وجهان ينشئان من ظاهر النصوص المزبورة، و من اقتصار الفتاوى أو أكثرها على الراحلة خاصة، فيبقى الزاد كغيره


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4 عن حفص الكناسي و هو الصحيح كما يشهد له جملة« فقال له حفص» أيضا.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.

ج 17، ص: 250

على صدق الاستطاعة، و لعله لا يخلو من قوة، و على كل حال فقد وسوس سيد المدارك و تبعه صاحب الحدائق في الحكم بالنسبة إلى الراحلة فضلا عن الزاد من ظهور لفظ الاستطاعة في الآية في الأعم من ذلك الشامل للمستطيع بالمشي و نحوه من غير مشقة لا تتحمل كما اعترف به الأصحاب في حق القريب و دل عليه

صحيح معاوية بن عمار(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عليه دين أ عليه ان يحج؟ قال: نعم، إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين و لقد كان من حج مع النبي (صلى الله عليه و آله) مشاة، و لقد مر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بكراع الغميم

فشكوا اليه الجهد و العناء فقال: شدوا أزركم و استبطنوا ففعلوا ذلك فذهب عنهم»

و قال أبو بصير(2)لأبي عبد الله (عليه السلام): «قول الله عز و جل:

«وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- قال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده، قلت: لا يقدر على المشي قال: يمشي و يركب، قلت: لا يقدر على ذلك أعني المشي قال:

يخدم القوم و يخرج معهم»

و صحيح محمد بن مسلم (3)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

قول الله تعالى «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- قال: يكون له ما يحج به، قلت: فان عرض عليه الحج فاستحى قال: هو ممن يستطيع الحج و لم يستح و لو على حمار أجدع أبتر، فقال: إن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل»

و نحوه صحيح الحلبي (4)عنه (عليه السلام) أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 8- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 و ذيله في الباب- 10 منها- الحديث 1.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 8- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 5.

ج 17، ص: 251

و فيه أن من المعلوم ضرورة عدم الوجوب بمجرد الاستطاعة العقلية التي تحصل بالخدمة و نحوها كما تضمنه خبر أبي بصير منها، و لا يلتزمه هذا المتوقف، كما أن من المعلوم

قصورها عن مقاومة ما عرفت من وجوه، فلا معنى لحمل تلك النصوص من جهتها على إرادة بيان ما لو توقف الحج على الزاد و الراحلة كما هو الغالب، أو على التقية أو غير ذلك، نعم لا بأس بالعكس لذلك، فتحمل هي على كون المراد من هذه النصوص بيان فضل الحج على المندوب و الترغيب فيه، و أنه لا بأس بتحمل هذه المشاق نحو ما ورد في زيارة الحسين (عليه السلام) و غيره من الأئمة (عليهم السلام) و كون ذلك وقع تفسيرا للآية غير مناف بعد أن فسرت النصوص استطاعة الواجب بما عرفت، و استطاعة المندوب بذلك، فيكون المراد من الآية القدر المشترك، أو ان المراد بيان حكم من استقر الوجوب في ذمته سابقا أو غير ذلك، و إن أبيت فليس لها إلا الطرح في مقابلة ما عرفت من الإجماع و النصوص السابقة، بل يمكن دعوى تحصيله، كدعوى ضرورية عدم كفاية مطلق الاستطاعة في الوجوب، و من هنا ظن بعض مشايخنا أن المراد بالاستطاعة المتوقف عليها وجوب الحج معنى شرعي مجمل، فكل ما شك في اعتباره فيها توقف الوجوب عليه، لأن الشك في الشرط شك في المشروط، و إن كان قد يناقش فيه بأنا و إن علمنا عدم كفاية مطلق الاستطاعة في الوجوب إلا ان النصوص كشفت ما اعتبره الشارع فيها، فيبقى غيره على المراد بالاستطاعة، ضرورة كون ذلك من قبيل الشرط الشرعي لها، و حينئذ فما شك في اعتباره فيها زائدا على ما ثبت في الشرع ينفى بأصل العدم نحو غيرها من ألفاظ المعاملة، فليس حينئذ لها حقيقة شرعية، بل و لا مراد شرعي مجمل. كما لا يخفى على من لاحظ النصوص و الفتاوى في المقام، و انما التحقيق ما ذكرناه.

و منه يعلم الوجه فيما ذكره غير واحد من أن هما معتبران فيمن

ج 17، ص: 252

يفتقر الي هما في قطع المسافة و إن قصرت عن مسافة القصر، خلافا للمحكي عن العامة فشرطوا ذلك، لا مثل القريب الذي يمكنه قطع المسافة بالمشي من دون مشقة يعتد بها، بل لا أجد فيه خلافا، بل في المدارك نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، و إن كان الذي وقفنا عليه الشيخ في محكي المبسوط و الفاضل في القواعد و التذكرة و المنتهى، و عن التحرير و المصنف أنه لا يشترط الراحلة للمكي، و لعلهما يريدان أيضا ما يشمل ذلك، فيتفق الجميع حينئذ، لكن في كشف اللثام يقوى عندي اعتبارها أيضا للمكي للمضي إلى عرفات و أدنى الحل و العود، و لذا أطلق الأكثر و منهم الشيخ في غير المبسوط و الفاضل في الإرشاد و التبصرة و التلخيص و المحقق في النافع، قلت: قد يقال إنه ينقدح الشك من ذلك كله في تناول دليل الشرط المزبور لمثل الفرض، فيبقى اعتبار صدق اسم الاستطاعة بالنسبة إليه خاليا عن المعارض، و انما يبقى تقييده بنفي الضرر و الحرج و نحوهما، و يكون حينئذ المدار عليها كما فيما لم يدل دليل على اعتبار أمر شرعي من الاستطاعة بالنسبة إليه لما سمعته من التحقيق السابق.

و كيف كان ف لاتباع ثياب مهنته بالفتح و الكسر أي ما يبتذله من الثياب، لأن المهنة الخدمة و عدم بيعها في حج الإسلام لا أجد فيه خلافا، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع على استثناء ثياب بدنه التي يدخل فيها ثياب التجمل اللائقة بحاله زمانا و مكانا فضلا عن ثياب المهنة، كإطلاق الثياب في الدروس و محكي التحرير، و هو الحجة مضافا إلى ما فيه من العسر و الحرج، و أن الشارع استثناها في دين المخلوقين الذي هو أعظم من دين الخالق، و إلى فحوى ما تسمعه من خبر أبي الربيع الشامي (1)الذي فسر السبيل فيه بالسعة بالمال.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 253

بل و من ذلك كله يعلم أنه لا يباع خادمه و لا دار سكناه للحج أيضا كما صرح به غير واحد، بل عن المعتبر و المنتهى و التذكرة الإجماع عليه، بل في الأخير دعواه على استثناء فرس ركوبه، و إن قال في كشف اللثام:

لا أرى له وجها، فان فرسه إن صلح لركوبه إلى الحج فهو من الراحلة، و إلا فهو في مسيره إلى الحج لا يفتقر اليه، و انما يفتقر إلى غيره، و لا دليل على أنه حينئذ لا يبيعه في

نفقة الحج إذا لم يتم إلا بثمنه، لكن لعل وجهه ما عرفت، خصوصا بعد استثنائه في الدين، نعم في الدروس و عن الشيخ إلحاق حلي المرأة بحسب حالها في زمانها و مكانها بالثياب، و هو مشكل لعدم الدليل، كالإشكال في استثناء كتب العلم على الإطلاق، و إن كان هو متجها في التي لا بد له منها فيما يجب عليه تحصيله أو العمل به، لأن الضرورة الدينية أعظم من الدنيوية، و منه يعلم ما في إطلاق ابن سعيد و التحرير، فعن الأول أنه قال: «لا يعد في الاستطاعة لحج الإسلام و عمرته دار السكنى و الخادم، و يعتبر ما عدا ذلك من ضياع و عقار و كتب و غير ذلك» و الثاني انه أطلق بيع ما عدا المسكن و الخادم و الثياب من ضياع أو عقار أو غيرهما من الذخائر، و من هنا قيد ذلك في محكي المبسوط و المنتهى و التذكرة بما له منه بد، و لعله لنفي الحرج و الضرر و العسر و سهولة الملة و إرادة الله اليسر و غير ذلك، و اليه أومأ في المدارك حيث انه- بعد أن ذكر عن المنتهى إجماع العلماء على استثناء المسكن و الخادم و انه فيه ألحق بذلك فرس الركوب و كتب العلم و أثاث البيت من فراش و بساط و آنية و نحو ذلك- قال: و لا ريب في استثناء جميع ما تدعو الضرورة إليه من ذلك، لما في التكليف ببيعه مع الحاجة الشديدة إليه من الحرج المنفي، و نحوه غيره ممن تأخر عنه، فما في الدروس من التوقف في استثناء ما يضطر اليه من أمتعة المنزل و السلاح و آلات الصنائع لا يخلو من نظر، و لو زادت أعيانها عن قدر الحاجة

ج 17، ص: 254

وجب بيعها قطعا كما في الدروس و غيرها، بل الأقوى وجوب البيع لو غلت و أمكن بيعها و شراء ما يليق به من ذلك بأقل من ثمنها كما صرح به في التذكرة و الدروس و المسالك و غيرها، لما عرفت من ان الوجه في استثنائها الحرج و نحوه مما لا يأتي في الفرض، لا النص المخصوص كي يتمسك بإطلاقه، فما عن الكركي من عدم وجوب الاستبدال إذا كانت لائقة بحاله لا يخلو من نظر مع فرض كون الأدون لائقا أيضا، و ان احتمله في كشف اللثام و محكي التذكرة، لأنه كالكفارة، و لعدم زيادة العين عن الحاجة، و أصالة عدم وجوب الاعتياض و الحرج، و الجميع كما ترى، مع انه قد يفرق بين الكفارة و الحج بأن العتق فيها له بدل بخلاف ما هنا، فتأمل جيدا.

و من لم يكن له هذه المستثنيات استثني له أثمانها كما في الدروس و المسالك و غيرهما، و استجوده في المدارك إذا دعت الضرورة اليه، و هو كذلك، أما مع الاستغناء عنها أو عن بعضها باستئجار و نحوه و وثق بحصوله عادة و لم يكن عليه في ذلك مشقة فمشكل، و إن كان الأقوى عدم وجوب بيعها لو كان يمكنه الاعتياض عنها بالأوقاف العامة و شبهها، بل في الدروس القطع بذلك، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين، لكن لو فعل احتمل تحقق الاستطاعة، و الله العالم.

و المراد بالزاد قدر الكفاية من القوت و المشروب له و لمن يتبعه من الناس و الدواب ذهابا و عودا إلى وطنه إن أراده و إن لم يكن له به أهل و لا له فيه مسكن مملوك، خلافا للشافعية فلا عبرة بالإياب مطلقا في قول، و إن لم يملك به مسكنا في آخر، و إن لم يكن له به أهل في ثالث، للحرج بالتكليف بالإقامة في غير وطنه، و استحسنه في المدارك مع تحقق المشقة به، أما مع انتفائها كما إذا كان وحيدا لا تعلق له بوطن أو كان له وطن و لا يريد العود اليه فيحتمل قويا عدم اعتبار كفاية العود في حقه، لإطلاق الأوامر، و المراد بالتمكن

ج 17، ص: 255

منه القدرة عليه بحمل من بلده أو بالشراء له في منازله، قال في المنتهى: «الزاد الذي يشترط القدرة عليه هو ما يحتاج اليه من مأكول و مشروب و كسوة، فإن كان يجد الزاد في كل منزل لم يلزمه حمله، و أما الماء و علف البهائم فإن كانت توجد في المنازل التي ينزلها على حسب العادة لم يجب حملها، و إلا وجب مع المكنة و مع فقدها (عدمها خ ل) يسقط الفرض» لكن في الدروس و يجب حمل الزاد و العلف و لو كان طول الطريق، و لم يوجب الشيخ حمل الماء زيادة عن مناهله المعتادة، و لعل الشهيد يريد وجوب الحمل مع الحاجة إليه، كما ان الشيخ يريد عدم الوجوب مع عدم التوقف عليه، لكن عن التذكرة و التصريح بالفرق بين الزاد و الماء، فأوجب حمل الأول إذا لم يجده في كل منزل بخلاف الثاني و علف البهائم، فإنهما إذا فقدا من الموضع المعتاد لهما لم يجب حملهما من بلده و لا من أقرب البلدان إلى مكة من طرف الشام، و يسقط إذا توقف على ذلك، و هو مشكل، و المتجه عدم الفرق في وجوب حمل الجميع مع الإمكان، و سقوطه مع المشقة الشديدة، و يمكن أن يريد الفاضل ذلك كما يومي اليه ما في التذكرة من التعليل بما فيه من عظم المشقة و عدم جريان العادة، و لا يتمكن من حمل الماء لدوابه في جميع الطريق، و نحو ذلك عن موضع من المنتهى أيضا، و لعله لذا اقتصر في الدروس على نسبة الخلاف في ذلك للشيخ خاصة، و إن أبيت عن ذلك كله ففيه ما لا يخفى، و كيف كان فالأمر في ذلك سهل، ضرورة وضوح الحال في حكمه و في المراد منه، كوضوح الحال في وجوب حمل المحتاج اليه من الأواني و الأوعية التي يتوقف عليها حمل المحتاج اليه من ذلك و غيرها من أسباب السفر،

قال علي (عليه السلام) في المروي (1)عنه في الخصال بسنده إليه: «إذا أردتم الحج فتقدموا في


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج- الحديث 8.

ج 17، ص: 256

شراء ما يقويكم على السفر، فان الله تعالى (1)يقول وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً».

و أما المراد بالراحلة ف راحلة مثله كما في القواعد، و ظاهرهما اعتبار المثلية في القوة و الضعف و الشرف و الضعة كما عن

التذكرة التصريح به، لكن في كشف اللثام الجزم بها في الأولين دون الأخيرين، لعموم الآية و الأخبار، و خصوص

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح أبي بصير(2): «من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع»

و نحوه غيره و لأنهم (عليهم السلام) ركبوا الحمير و الزوامل، و اختاره في المدارك لذلك أيضا، بل هو ظاهر الدروس، قال: و المعتبر في الراحلة ما يناسبه و لو محملا إذا عجز عن القتب، و لا يكفي علو منصبه في اعتبار المحمل و الكنيسة فإن النبي (صلى الله عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) حجوا على الزوامل، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن الاشكال مع النقص في حقه، إذ فيه من العسر و الحرج ما لا يخفى، و حجهم (عليهم السلام) لعله كان في زمان لا نقص فيه في ركوب مثل ذلك، و الأمر في المحمل و الكنيسة كذلك، فعلى الأول يعتبر القدرة عليه ان افتقر اليه لحر أو برد أو ضعف، و لا عبرة به مع الغنى عنه و لو كان امرأة، خلافا لبعض الشافعية فاشترطه لها مطلقا، و لعله للستر، و فيه أنه يحصل بالملحفة و نحوها، و المعتبر القدرة على المحمل بشقيه إن لم يوجد شريك و أمكن الركوب بدونه بوضع شي ء يعادله في الشق الآخر، أو شق محمل مع وجود شريك للشق الآخر، أو إمكان حمله على


1- 1 سورة التوبة- الآية 46.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج- الحديث 7.

ج 17، ص: 257

ظهر المطية وحده، كل ذلك للاستطاعة، فما عن التذكرة- من أنه إن لم يجد شريكا و تمكن من المحمل بتمامه احتمل الوجوب للاستطاعة، و العدم لأن بذل المال خسران لا مقابل له، و ظاهره التوقف- في غير محله، نعم لو تعذر الشريك و تعذر الركوب بدونه سقط الفرض، لعدم الاستطاعة، و إن لم يكفه المحمل اعتبر في حقه الكنيسة كذلك، فان تعذرت سقط الفرض، هذا كله مع مراعاة الحاجة للضعف أو الحر أو البرد أو نحوها، أما الشرف و الضعة ففي اعتبارهما البحث السابق، و الله أعلم.

و كيف كان فلو لم يجد عين الزاد و الراحلة و غيرهما مما يتوقف عليه السفر يجب عليه شراؤهما و لو كثر الثمن مع وجوده لأن الحج و إن كان مشروطا بالاستطاعة إلا أنه بعد حصولها يصير وجوبه مطلقا، فتجب حينئذ مقدماته.

و قيل و القائل الشيخ إن زاد عن ثمن المثل لم يجب للأصل و الضرر و السقوط مع الخوف، و ضعف الفرق بأن العوض هنا على الناس و هناك على الله و الأول أشهر و أصح بل هو المشهور شهرة عظيمة سيما بين المتأخرين، نعم عن التذكرة إن كانت الزيادة تجحف بماله لم يجب الشراء على إشكال كشراء الماء للوضوء، بل عن الشهيد الثاني و المحقق الثاني تقييده أيضا بعدم الإجحاف، و لعل المراد أن وجوب مقدمة الواجب مقيد بما إذا لم يستلزم ضررا لا يتحمل، و قبحا يعسر التكليف به، لأنه أحد الأدلة الذي قد يعارضه غيره و يرجح عليه كما هنا، فان ذلك كما لا يخفى على من لاحظ كلمات الأصحاب في غير المقام ليرجح على الخطابات الأصلية فضلا عن التبعية، و لذا تسقط الصلاة من قيام الى القعود مثلا، و الوضوء الى التيمم، و لا فرق في الضرر الذي لا يتحمل مثله بين المالي منه و البدني، فتأمل جيدا فإنه نافع في غير المقام، و لعل ذلك هو

ج 17، ص: 258

المنشأ في سقوط وجوب المقدمة في الشبهة الغير المحصورة، فالمتجه حينئذ دوران الحكم على ذلك، و هو غير ما ذكره الشيخ، فتأمل جيدا.

و لو كان له دين حال و هو قادر على اقتضائه بنفسه أو وكيله و لو بواسطة حاكم الشرع بل و حاكم الجور مع عدم الضرر في وجه بل و معه في آخر وجب عليه لأنه مستطيع بذلك، و إن كان قد يقوى في النظر عدمها مع التوقف على حاكم الجور، للنهي عن الركون اليه و الاستعانة به و إن حملناه على الكراهة مع التوقف عليه، ترجيحا لما دل على الجواز بالمعنى الشامل للوجوب من دليل المقدمة و غيره، و مثله لا يتحقق به الاستطاعة بعد فرض أن الجواز المزبور كان بعد ملاحظة المعارضة بين ما دل على المنع و ما دل على خلافه من المقدمة و غيرها، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع و مقتضاه حينئذ أن من ترك الاستعانة بالظالم على تحصيل ماله المتوقف استطاعة الحج عليه لم يثبت في ذمته حجة الإسلام.

و كيف كان فان منع منه لغصب أو إعسار أو تأجيل و ليس له سواه سقط الفرض لعدم الاستطاعة، و لا يجب عليه الاستدانة تحصيلا لها، لكن في المدارك و يحتمل قويا الوجوب إذا كان بحيث يمكنه الاقتضاء بعد الحج، كما إذا كان عنده مال لا يمكنه الحج به، و فيه منع صدق اسم الاستطاعة بذلك، و لو كان مؤجلا و بذله المديون قبل الأجل ففي كشف اللثام وجب الأخذ لأنه بثبوته في الذمة و بذل المديون له بمنزلة المأخوذ، و صدق الاستطاعة و وجدان الزاد و الراحلة عرفا بذلك، و فيه أنه يمكن منع ذلك كله، نعم لو أخذ صار به مستطيعا قطعا و لو كان له مال و عليه دين حال بقدره خمس أو زكاة أو كفارة أو نذر أو لآدمي لم يجب الحج لعدم الاستطاعة باعتبار سبق وجوب الوفاء بما عنده على وجوب الحج إلا أن يفضل عن دينه ما يقوم

ج 17، ص: 259

بالحج فيجب حينئذ لصدقها، بل في المنتهى و القواعد و الدروس سواء كان الدين حالا أو مؤجلا معللا له في الأول بأنه غير مستطيع مع الحلول، و الضرر متوجه عليه مع التأجيل، فيسقط الفرض، قلت: و لتعلق الوجوب به قبل وجوب الحج و إن وجب أو جاز التأخير إلى أجله، لكنه لا يخلو من نظر أو منع و لذا حكي عن الشافعية في المؤجل وجه بالوجوب، بل مال إليه في المدارك، بل و في الحال مع عدم المطالبة، قال: و لمانع أن يمنع توجه الضرر في بعض الموارد كما إذا كان الدين مؤجلا أو حالا لكنه غير مطالب به و كان للمديون وجه للوفاء بعد الحج، و متى انتفى الضرر و حصل التمكن من الحج تحققت الاستطاعة المقتضية للوجوب، و قد

روى الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل عليه دين أ عليه أن يحج؟ قال: نعم إن حجة الإسلام واجبة على من أطاق المشي من المسلمين»

بل لم يعتبر في كشف اللثام وجود وجه للمديون للوفاء، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعية قال: «و لا يخلو من قوة سواء كان ما عليه من حقوق الله كالمنذور و شبهه أو من حقوق الناس، لأنه قبل الأجل غير مستحق عليه، و عند حلوله إن كان عنده ما يفي به أداه، و إلا سقط عنه مطلقا أو إلى ميسرة، و كما يحتمل التضييع بالصرف في الحج يحتمل فوت الأمرين جميعا باهماله، خصوصا و الأخبار(2)وردت بأن الحج أقضى للديون، و يؤيده ما مر من صحيح معاوية إن لم يحمل على من استقر عليه الحج سابقا» و هو جيد في المؤجل دون الحال و إن لم يطالب به صاحبه الذي قد خوطب المديون بوفائه قبل الخطاب بالحج، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 260

و كيف كان ف لا يجب الاقتراض للحج قطعا، بل لو فعل لم يكن حج إسلام إلا أن يكون له مال بقدر ما يحتاج إليه في الحج زيادة عما استثنيناه من الأمور السابقة، فإنه يجب حينئذ الاقتراض عينا إذا كان لا يمكنه صرف ماله في الزاد و الراحلة، و يكون حج إسلام ثم يؤديه من ماله، و إلا وجب تخييرا لصدق الاستطاعة، و

قول الصادق (عليه السلام)(1)لجفير: «مالك لا تحج؟

استقرض و حج»

بل قد يستفاد من وجوب الاستدانة عينا إذا تعذر بيع ماله انه لو كان له دين مؤجل يكفي للحج و أمكن اقتراض ما يحج به كان مستطيعا، لصدق التمكن من الحج كما جزم به في المدارك، و من هنا يظهر أن ما ذكره في المنتهى- من أن من كان له مال فباعه قبل وقت الحج مؤجلا إلى بعد فواته سقط عنه الحج، لأنه غير مستطيع- غير جيد على إطلاقه، قال: و هذه حيلة يتصور ثبوتها في إسقاط فرض الحج عن الموسر، و كذا لو كان له مال فوهبه قبل الوقت أو أنفقه فلما جاء وقت الحج كان فقيرا لا يجب عليه، و جرى مجرى من أتلف ماله قبل حلول الأجل، و ينبغي أن يريد بالوقت وقت خروج الوفد الذي يجب الخروج معه، و قد تقدم الكلام فيه، كما أومأ إلى ذلك في الدروس بقوله: و لا ينفع الفرار بهبة المال أو إتلافه أو بيعه مؤجلا إذا كان عند سير الوفد.

و لو كان معه قدر ما يحج به فنازعته نفسه إلى النكاح لم يجز صرفه في النكاح و إن شق عليه تركه كما في القواعد و محكي المبسوط و الخلاف و التحرير و كان عليه الحج لصدق الاستطاعة المقتضية لوجوب الحج الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 عن حفية حقبة و لكن في التهذيب ج 5 ص 441 و الاستبصار ج 2 ص 329 عقبة.

ج 17، ص: 261

لا يعارضه النكاح المستحب، بل في الثلاثة الأخيرة «و إن خاف العنت» خلافا لبعض العامة في الأخير، بل في محكي التحرير «أما لو حصلت المشقة العظيمة فالوجه عندي تقديم النكاح» و نحوه في الدروس و محكي المنتهى، بل في المدارك عنه تقديمه في المشقة العظيمة التي لا تتحمل مثلها في العادة، و في الخوف من حدوث مرض أو الوقوع في الزنا، و هو جيد، كما هو خيرة السيد المزبور وجده و الكركي و غيرهم على ما قيل، لما تقدم من نفي الضرر و الضرار و الحرج و نحو ذلك، و لا يخفى أن تحريم صرف المال في النكاح انما يتحقق مع توجه الخطاب بالحج و توقفه على المال، فلو صرف فيه قبل سير الوفد الذي يجب الخروج معه أو أمكنه الحج بدونه انتفى التحريم قطعا.

[في وجوب الحج بالبذل]

و كيف كان ف لو بذل له زاد و راحلة و نفقة له بأن استصحب في الحج و أعطي نفقة لعياله إن كانوا، أو قيل له حج و علي نفقتك ذهابا و إيابا و نفقة عيالك، أو لك هذا تحج به و هذا لنفقة عيالك، أو أبذل لك استطاعتك للحج، أو نفقتك للحج و للإياب و لعيالك، أو لك هذا لتحج بما يكفيك منه و تنفق بالباقي على عيالك، و نحو ذلك وجب عليه الحج من حيث الاستطاعة إجماعا محكيا في الخلاف و الغنية و ظاهر التذكرة و المنتهى و غيرهما إن لم يكن محصلا، و هو الحجة بعد النصوص المستفيضة أو المتواترة، ففي

صحيح محمد بن مسلم (1)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام)- في حديث-: فان عرض عليه الحج فاستحيى قال: هو ممن يستطيع الحج و لم يستحي و لو على حمار أجدع أبتر، قال:

فان كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليفعل»

و صحيح معاوية بن عمار(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل لم يكن له مال فحج به رجل من إخوانه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 262

أ يجزي ذلك عن حجة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة»

و قال (عليه السلام) أيضا(1)في خبره الآخر: «فان كان دعاه قوم أن يحجوه فاستحيى فلم يفعل فإنه لا يسعه إلا أن يخرج و لو على حمار أجدع أبتر»

و في

صحيح الحلبي (2)عنه (عليه السلام) أيضا في حديث «قلت له: فان عرض عليه ما يحج به فاستحيى من ذلك أ هو ممن يستطيع اليه سبيلا؟ قال: نعم، ما شأنه يستحيي و لو يحج على حمار أجدع أبتر، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا و يركب بعضا فليحج»

و خبر أبي بصير(3)سمعته أيضا يقول: «من عرض عليه الحج و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فأبى فهو مستطيع للحج»

و خبره الآخر(4)قلت له (عليه السلام) أيضا:

«رجل كان له مال فذهب ثم عرض عليه الحج فاستحيى فقال: من عرض عليه الحج فاستحيى و لو على حمار أجدع مقطوع الذنب فهو ممن يستطيع الحج»

إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع و غيرها.

و لا ينافي ذلك ما في بعضها من الأمر بمشي بعض و ركوب بعض، خصوصا بعد ما في كشف اللثام من احتمال كون الأمر بذلك بعد ما أستحيي فلم يحج أي لما استطاع بالبذل فلم يقبل و لم يحج استقر عليه، فعليه أن يحج و لو مشيا، فضلا عن مشي بعض و ركوب بعض، و احتمال كون المعنى إن بذل له حمار أجدع أبتر فيستحيي أن يركبه فليمش و ليركبه إذا اضطر إلى ركوبه، و كذا لا ينافيه ما فيها من الحمار الأجدع الأبتر، سيما بعد ابتنائه على عدم اعتبار مناسبة الراحلة شرفا و ضعة كما هو خيرة من عرفت، أو أن ذلك في خصوص البذل، أو تطرح بالنسبة إلى ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج الحديث 8.

ج 17، ص: 263

و كيف كان فظاهرها كمقاعد أكثر الإجماعات تحقق الوجوب بمجرد البذل من غير فرق بين كونه على وجه التمليك أم لا، و لا بين كونه

واجبا بنذر و شبهه أم لا، و لا بين كون الباذل موثوقا به أم لا، و لا بين بذل عين الزاد و الراحلة و بين أثمانهما، لكن عن ابن إدريس اعتبار التمليك في الوجوب و مرجعه إلى عدم الوجوب بالبذل بناء على عدم وجوب القبول المقتضي للتمليك، لأنه اكتساب فلا يجب، و من هنا في المختلف بعد أن حكى ذلك عنه قال: «إن فتاوى أصحابنا خالية عنه، و كذا الروايات، بل لو وهب المال لم يجب القبول» قلت: اللهم إلا أن يلتزم وجوب القبول في خصوص المقام، و كذا الكلام فيما ذكره في التذكرة فإنه بعد أن حكى كلامه قال: «التحقيق هنا أن البحث هنا في أمرين: الأول هل يجب على الباذل بالبذل الشي ء المبذول له أم لا، فان قلنا بالوجوب أمكن وجوب الحج على المبذول له، لكن في إيجاب المبذول بالبذل إشكال، أقربه عدم الوجوب، و إن قلنا بعدم وجوبه ففي أجاب الحج إشكال، أقربه العدم، لما فيه من تعليق الواجب بغير الواجب» بل هو أوضح في رجوعه إلى عدم الوجوب بالبذل، بل هو غير قابل لما ذكرناه من الاحتمال، و حينئذ يكون مخالفا للنص و الفتوى و معاقد الإجماعات، بل و كذا ما في الدروس، قال: «و يكفي البذل في الوجوب مع التمليك أو الوثوق به، و هل يستقر الوجوب بمجرد البذل من غير قبول؟ إشكال، من ظاهر النقل، و عدم وجوب تحصيل الشرط، و لو حج كذلك أو في نفقة غيره أجزأ بخلاف ما لو تسكع، فإنه لا يجزي عندنا، و فيه دلالة على أن الاجزاء فرع الوجوب، فيقوى الوجوب بمجرد البذل لتحقق الاجزاء، إلا أن يقال الوجوب هنا لقبول البذل، و لو وهبه زاد أو راحلة لم يجب عليه القبول، و في الفرق نظر، و ابن إدريس قال: لا يجب الحج بالبذل حتى يملكه المبذول، و جنح اليه الفاضل» بل في حاشيته في الهامش على قوله:

ج 17، ص: 264

«و هل» إلى آخره كتب في آخرها انها منه «فيه تنبيه على قاعدتين: إحداهما إجزاء حج من حج بمجرد البذل، ثانيتهما عدم إجزاء حج من حج متسكعا، و لا فرق بينهما معقولا سوى أن المتسكع حج لا مع الوجوب، و المبذول له حج مع الوجوب، فيلزم من ذلك أن الاجزاء لا ينفك عن سبق الوجوب، و لما كان الاجزاء حاصلا مع البذل دل على سبق الوجوب الاجزاء، و ذلك يستلزم الوجوب بمجرد البذل، فانتفى الإشكال في الاستقرار بمجرد البذل من غير قبول قولا، إلا أن يقال إشارة إلى جواب هذا الكلام و تقريره صحة المقدمات إلا قولكم:

«و ذلك يستلزم الوجوب بمجرد البذل» و سند منع صحتها أن ضروريات الاجزاء الوجوب على الإطلاق لا الوجوب بمجرد البذل، و نحن نقول: الاجزاء مستند إلى قبول البذل إما قوليا كقبلت، أو فعليا كاستمراره مع البذل على ذلك الممكن، و هذا لا تردد فيه، و لا يلزم منه وجوب القبول الذي فيه النزاع، فالإشكال باق بحاله، و هذا كلام بين لا يدفعه إلا ظاهر الرواية، و ابن إدريس اختار هذا أعني عدم وجوب القبول، و قد أشار إليه الفاضل في التذكرة، و لا بأس به» انتهى.

و هو كالصريح في عدم وجوب القبول نحو ما سمعت من الفاضل الذي قد خالف بذلك النص و الفتوى، بل ما ذكره هو أولا في التذكرة من معقد نسبته إلى علمائنا فضلا عن معقد إجماع غيره، بل و معقد إجماعه في غيرها كالمنتهى، قال فيها: «و لو لم يكن له زاد و راحلة أو كان و لا مئونة له لسفره أو لعياله فبذل له باذل الزاد و الراحلة و مئونته و مئونة عياله مدة غيبته وجب الحج عليه عند علمائنا، سواء كان الباذل قريبا أو بعيدا لأنه مستطيع» و في المنتهى «و لو بذل له زاد و راحلة و نفقة له و لعياله وجب عليه الحج مع استكمال الشروط الباقية

ج 17، ص: 265

و كذا لو حج به بعض إخوانه، ذهب إليه علماؤنا، خلافا للجمهور» و هو كما ترى لا يتم بناء على ما عرفت من عدم وجوب القبول الذي هو واضح الفساد، و كونه منة لا تتحملها النفوس و لم يكلف الشارع معها بشي ء من التكاليف يدفعه أن المالك الحقيقي يلحظ ذلك في خصوص الحج الذي يراد به وجه الله تعالى، بل ذلك في الحقيقة كأنه اجتهاد في مقابلة النص، فلا ريب في وضوح فساده، كوضوح فساد ما سمعته من ابن إدريس، بل هو مخالف لظاهر النص و الفتوى، خصوصا في آخر الفصل الآتي، و دعوى أنه لا معنى لتعليق الواجب بغير الواجب يدفعها مع أنها اجتهاد في مقابلة النص أن غاية ذلك عدم استقرار الوجوب، و لا بأس به، ضرورة كونه حينئذ كالمستطيع بنفسه الواجب عليه السير مع احتمال زوال الاستطاعة، و الاكتفاء بالاستصحاب مشترك بينهما، على أن الدعوى المزبورة انما تقتضي وجوب البذل على الباذل للمبذول له بنذر و شبهه لا اعتبار خصوص التملك، و من هنا حكي عن الفاضل ذلك، بل جزم به الكركي، قال فيما حكي عنه في شرح عبارة المتن: هذا انما يستقيم إذا كان البذل على وجه لازم، كما لو نذر له مال ليحج به، أو نذر له ما يكفيه لمئونة الحج، أما لو نذر له لا على هذا الوجه فإنه لا يجب القبول، و لو نذر لمن يحج و أطلق ثم بذل لمعين ففي وجوب الحج نظر، لأنه لا يصير مالكا إلا بالقبض، و لا يجب عليه الاكتساب للحج بالقبض، و كذا لو أوصى بمال لمن يحج فبذل لمعين، و في كشف اللثام بعد أن اختار ما قدمناه قال: و قد يقال بوجوب القبول إذا وجب البذل، و قد يقال بوجوبه إذا وجب عينا لا تخييرا، حتى لو نذر أو أوصى به لمن يحج مطلقا فبذل له لم يجب القبول.

لكن لا يخفى عليك ما في الجميع من مخالفته للنص و الفتوى و معاقد الإجماعات، و أن تعليق الواجب على الجائز لا يقتضي إلا عدم الاستقرار، نعم

ج 17، ص: 266

قد يقال باعتبار الطمأنينة بالوفاء أو بعدم الظن بالكذب حذرا من الضرر و الخطر عليه، و للشك في شمول أدلة الوجوب له إن لم تكن ظاهرة في خلافه، بل لعل ذلك كذلك و إن وجب على الباذل، بل هو في الحقيقة خارج عما نحن فيه، ضرورة أن محل البحث الوجوب من حيث البذل من دون نظر إلى الموانع الخارجية التي قد تنتفي الاستطاعة معها، كما هو واضح، و لا ريب في أن المتجه ما قلنا عملا بإطلاق النص و الفتوى و معاقد الإجماعات، مضافا إلى تحقق الاستطاعة بذلك.

كما أن المتجه لذلك كله أيضا ما صرح به غير واحد من الأصحاب من عدم الفرق في الوجوب بين بذل عين الزاد و الراحلة و بين بذل أثمانهما، خلافا لثاني الشهيدين فلم يوجبه في الثاني، و لعله لأن القبول لها شرط لحصول الاستطاعة التي هي شرط للوجوب، فلا يجب تحصيله، و فيه أنه لا فرق في تحقق الاستطاعة عرفا ببذل كل منهما، فيجب القبول حينئذ و غيره من المقدمات، ضرورة صيرورة الوجوب حينئذ مطلقا، فيجب حينئذ جميع مقدماته من شراء الآلات و نحوها ضرورة عدم كون ذلك من شرائط صدق الاستطاعة، بل فهي مما يتوقف عليها فعل الحج من المستطيع، فصدق الاستطاعة حينئذ حاصل بدونها، و كفى فيه القدرة على شرائطها مثلا، كما هو واضح بأدنى تأمل، كل ذلك مضافا إلى ما في النصوص السابقة مما هو كالصريح في التعميم المزبور، بل ربما ادعي معروفية بذل الأثمان في البذل دون عين الزاد و الراحلة.

و كذا لا فرق في الوجوب بين بذل الجميع للفاقد و بين بذل البعض لمن كان عنده ما يملكه، ضرورة أولويته من الأول في الحكم.

و لا يمنع الدين الوجوب بالبذل و إن منعه في غيره، بل إن لم يقم إجماع على اعتبار بذل مئونة العيال في الوجوب أمكن منعه في المعسر عنها حضرا،

ج 17، ص: 267

للإطلاق المزبور، و ليس المبذول من أملاكه المطلقة له كي يجب عليه إعطاء ما يلزمه منه، و من هنا قلنا لا يمنعه الدين، و من ذلك من وهب له مال اشترط الحج به عليه كما صرح به في الدروس.

ثم لا يخفى ظهور النص و الفتوى أو صراحتهما خصوصا صحيح معاوية ابن عمار(1)المتقدم منه في أن حج المبذول له حج إسلام، فلا يجب عليه حينئذ غيره و إن أيسر بعد ذلك، لما عرفته سابقا من وجوبه في العمر مرة واحدة، خلافا للشيخ فأوجبه في الاستبصار الذي لم يعده للفتوى، ل

خبر الفضل بن عبد الملك (2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لم يكن له مال فحج به أناس من أصحابه أقضى حجة الإسلام قال:

نعم، فإن أيسر بعد ذلك فعليه أن يحج، قلت: هل تكون حجته تلك تامة أو ناقصة إذا لم يكن حج من ماله؟

قال: نعم قضي عنه حجة الإسلام و تكون تامة ليست بناقصة، و إن أيسر فليحج و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج»

القاصر سندا و دلالة عن معارضة غيره من وجوه، فلا بأس بحمله على الندب كما عن المشهور، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6. و ينتهي خبر الفضل بن عبد الملك بقوله عليه السلام:« و إن أيسر فليحج» على ما في الاستبصار ج 2 ص 143- الرقم 467 و التهذيب ج 5 ص 7- الرقم 18 و له ذيل طويل على ما في الكافي ج 4 ص 274 إلا أنه ليس فيه« و كذلك الناصب إذا عرف فعليه الحج و إن كان قد حج» و انما هو مذكور في ذيل خبر أبي بصير المروي في التهذيب ج 5 ص 9- الرقم 22 و الكافي ج 4 ص 273 و الفقيه ج 2 ص 260- الرقم 1265 و ذكره في الاستبصار مستقلا ج 2 ص 145- الرقم 474.

ج 17، ص: 268

لعله الظاهر عند التأمل، خصوصا بعد ملاحظة حكم الناصب فيه المعلوم كونه كذلك، و قد يحتمل كما في كشف اللثام أن يحج عن غيره و عدم بذل الاستطاعة فإن الحج به انما يستلزم استصحابه أو إرساله في الحج، و هو أعم، و لا يأبى عنه تسميته حج الإسلام، و لا بأس به و إن كان بعيدا.

هذا كله في البذل المستفاد من

«عرض عليه الحج»(1)

و نحوه في النصوص الظاهر في إباحة أكل الزاد و ركوب الراحلة أو الإباحة المطلقة الشاملة للإذن في التملك ان أراده و نحو ذلك مما لم يعتبر في جواز التصرف فيه الملك كالهبة و بيع المحاباة و نحوهما، ضرورة عدم صدق الاستطاعة بذلك قبل القبول الذي به يتم

العقد المسبب للتمليك، فلا إباحة قبله و لا ملك، و من هنا قال المصنف و الفاضل و غيرهما و لو وهب له مال لم يجب عليه قبوله من غير فرق بين الهبة مطلقا و لخصوص الحج، و بين هبة نفس الزاد و الراحلة و أثمانهما، فما في الدروس- من النظر في الفرق بين الهبة و البذل، بل في المدارك و غيرها الجزم بعدم الفرق- واضح الضعف، كوضوح الفرق بينهما بما عرفت، لا لأن البذل يفيد التمليك بلا قبول بخلاف الهبة، إذ هو كما ترى واضح المنع، كوضوح فساد الإيراد عليه بأن الهبة قربة إلى الله تعالى لا يعتبر في تملكها القبول، و انما التحقيق ما سمعت و لا ينافيه ما قدمناه في صور البذل التي لم يدخل فيها ما نحن فيه مما أريد منه التملك بعقد الهبة فصدر منه الإيجاب بقصد الإنشاء الذي لا يؤثر أثرا حتى يتعقبه القبول، و بدونه يكون فاسدا لا يجوز التصرف فيه، فتأمل جيدا.

انما الكلام في وجوب الحج على من أبيح له المال على وجه الإطلاق الشامل للحج و غيره على وجه لو أراد الحج استطاعة بالإباحة المزبورة، فقد يقال به

.


1- 1 أي: هذا كله في البذل المستفاد من قولهم عليهم السلام:« عرض عليه الحج».

ج 17، ص: 269

لصدق الاستطاعة الذي قد استدل به على الوجوب في المبذول له لخصوص الحج و لو بالإباحة المزبورة، و قد يقال بعدمه اقتصارا فيما خالف ما دل على عدم الوجوب في غير الحج من التكاليف كالوضوء و الغسل و لباس الصلاة و مكانها على المتيقن من النصوص المزبورة، بل هو الظاهر منها أو صريحها، و لعله الأقوى، بل قد يقوى أيضا عدم الوجوب على من استطاعة براحلة موقوفة و نحوها و زاد مبذول لا لخصوص الحج، بل إن لم ينعقد إجماع على وجوبه للمبذول لهم الحج على جهة الإطلاق من دون خصوصية كأن يقال بذلت الزاد و الراحلة لكل من يريد الحج مثلا أمكن القول بعدمه، للأصل و غيره، و بالجملة المدار في المسألة أن وجوب الحج على المبذول له لصدق الاستطاعة المتحقق في ذلك و أمثاله، أو أنه لمكان الأدلة المخصوصة، لعدم الاكتفاء بهذه الاستطاعة المشتملة على المنة التي سقط لها و نحوها أكثر التكاليف، و لعل الأخير لا يخلو من قوة، فتأمل جيدا فإنه نافع في المقام.

[في وجوب الحج بالاستئجار للمعونة و سقوط الفرض به]

و لو استؤجر للمعونة على السفر و شرط له الزاد و الراحلة أو بعضه و كان بيده الباقي مع نفقة أهله وجب عليه و أجزأه عن الفرض إذا حج عن نفسه كما في القواعد و غيرها، و هو المراد مما في التذكرة «و لو طلب من فاقد الاستطاعة إيجار نفسه للمساعدة في السفر بما تحصل به الاستطاعة لم يجب القبول، لأن تحصيل شرط الوجوب ليس بواجب، نعم لو آجر نفسه بما تحصل به الاستطاعة أو ببعضه إذا كان مالكا للباقي وجب عليه الحج، و كذا لو قبل مال الهبة، لأنه الآن مالك للاستطاعة، كما أن المراد مما في المتن و غيره الاستيجار بما يقتضي الاستطاعة أو شرطه أو نحو ذلك مما لا إشكال في عدم وجوب القبول عليه فيه، لأنه تحصيل لشرط الوجوب فلا يجب، كما لا إشكال في الوجوب عليه بعد القبول لتحقق الاستطاعة حينئذ.

ج 17، ص: 270

نعم قد يشكل ذلك بأن الوصول إلى مكة و المشاعر قد صار واجبا على الأجير بالإجارة، فكيف يكون مجزيا عن حجة الإسلام، و ما الفرق بينه و بين ناذر الحج في سنة معينة إذا استطاع في تلك السنة لحجة الإسلام، حيث حكموا بعدم تداخل الحجتين، و يدفع بأن الحج الذي هو عبارة عن مجموع الأفعال المخصوصة لم تتعلق به الإجارة، و انما تعلقت بالسفر خاصة، و هو غير داخل في أفعال الحج، و انما الغرض منه مجرد انتقال البدن إلى تلك الأمكنة ليقع الفعل حتى لو تحققت الاستطاعة فانتقل ساهيا أو مكرها أو على وجه محرم ثم أتى بتلك الأفعال صح الحج، و لا يعتبر وقوعه لأجل الحج قطعا، سواء قلنا بوجوب المقدمة أو لا، و هذا بخلاف نذر الحج في السنة المعينة، فإن الحج نفسه يصير واجبا بالنذر، فلا يكون مجزيا عن حجة الإسلام، لاختلاف السببين كما سيجي ء بيانه إن شاء الله، و قد

سأل معاوية بن عمار(1)الصادق (عليه السلام) «عن الرجل يمر مجتازا يريد اليمين أو غيرها من البلدان و طريقه بمكة فيدرك الناس و هم

يخرجون إلى الحج فيخرج معهم إلى المشاهد أ يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ فقال: نعم»

و سأله (عليه السلام) أيضا(2)«عن حجة الجمال تامة هي أو ناقصة؟ فقال: تامة»

و في خبر الفضل بن عبد الملك (3)انه (عليه السلام) سئل «عن الرجل يكون له الإبل يكريها فيصيب عليها فيحج و هو كري يغني عنه حجه أو يكون يحمل التجارة إلى مكة فيحج فيصيب المال في تجارته أو يضع تكون حجته تامة أو ناقصة، أو لا تكون حتى يذهب إلى الحج و لا ينوي غيره أو يكون ينويهما جميعا أ يقضي ذلك حجته؟

قال: نعم حجته تامة»

فظهر لك من ذلك كله أنه لا تنافي بين وقوع حجة الإسلام


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.

ج 17، ص: 271

و وجوب قطع المسافة عليه بالإجارة مثلا في الفرض، و انه غير مانع من صدق اسم الاستطاعة، ضرورة عدم منافاة وجوب القطع المزبور لها بعد ما عرفت من إمكان الجمع بينهما، كما هو واضح.

[في عدم سقوط حجة الإسلام عمن حج عن غيره]

هذا كله فيمن استطاع بالإجارة على قطع الطريق و أما لو كان عاجزا عن الحج فحج

متسكعا أو حج عن غيره لم يجزه عن فرضه قطعا و إن كان قد استطاع بهذه النيابة و كان عليه الحج إن وجد الاستطاعة بعد ذلك و لو باستمرار بقائها إلى السنة القابلة لو فرض حصولها بعوض النيابة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، مضافا إلى وضوح وجهه، و إلى

قول أبي الحسن (عليه السلام) في خبر آدم بن علي (1)المنجبر بما عرفت: «من حج عن إنسان و لم يكن له مال يحج به أجزأت عنه حتى يرزقه الله تعالى ما يحج به، و يجب عليه الحج»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(2): «لو ان رجلا موسرا أحجه رجل كانت له حجة فان أيسر بعد ذلك كان عليه الحج»

بناء على أن المراد من الإحجاج فيه النيابة عن رجل لا البذل، و إلى تناول ما دل على الوجوب له، و إلى غير ذلك مما لا يصلح لمعارضته ما في

صحيح جميل (3)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل ليس له مال حج عن رجل أو أحجه غيره ثم أصاب مالا هل عليه الحج؟ قال: يجزي عنهما جميعا»

خصوصا بعد احتمال عود الضمير فيه إلى المنوب عنهما فيمن حج عنه تبرعا و من أحجه غيره بقرينة تثنية الضمير في الجواب، و يكون حينئذ غرض السائل السؤال عن إجزاء حج الصرورة نيابة و احتمال عود الضمير إلى

النائب و المنوب على معنى الاجزاء عن النائب فيما عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب وجوب الحج الحديث 6.

ج 17، ص: 272

من النيابة، كقوله (عليه السلام) أيضا في

صحيح معاوية بن عمار(1): «حج الصرورة يجزي عنه و عمن حج عنه»

و أما حسنه (2)سأله (عليه السلام) «عن رجل حج عن غيره يجزيه عن حجة الإسلام قال: نعم»

فيحتمل الاجزاء عن المنوب عنه، و كون المراد الحج المندوب في حالة الإعسار دون حال اليسار، و غير ذلك، و كذا

خبر عمرو ابن الياس (3)قال: «حج بي أبي و أنا صرورة فقلت لأبي: إني أجعل حجتي عن أمي فقال: كيف يكون هذا و أنت صرورة و أمك صرورة، قال: فدخل أبي على أبي عبد الله (عليه السلام) و أنا معه فقال: أصلحك الله اني حججت بابني هذا و هو صرورة و ماتت امه و هي صرورة فزعم انه يجعل حجته عن امه فقال: أحسن هي عن امه أفضل، و هي له حجة»

على انه معارض ب

صحيح ابن مهزيار(4)قال:

«كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) ان ابني معي و قد أمرته ان يحج عن أمي يجزي عنها حجة الإسلام؟ فكتب لا و كان ابنه صرورة و كانت امه صرورة»

و لا وجه للجمع بينهما إلا ما قلناه من كون المراد بحج الإسلام في الأول المندوب، و في الثاني الواجب، و إن أبيت فلا بد من الطرح في مقابلة ما عرفت، كما اعترف به في المدارك مع اختلال طريقته و ما هو إلا لأن المسألة من القطعيات التي لا يقبل


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 21- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
3- 3 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 21- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 و تمامه في التهذيب ج 5 ص 8 الرقم 21.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 4 عن علي بن مهزيار عن بكر بن صالح و هو الصحيح كما في الاستبصار ج 2 ص 321 و التهذيب ج 5 ص 412.

ج 17، ص: 273

فيها أمثال ذلك، فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين كصاحب الذخيرة في الحكم بعد ذلك لهذه النصوص التي لا دلالة معتدا بها في شي ء منها إلا صحيح جميل الذي قد عرفت الحال فيه، بل قيل: إنه باعتبار عدم انطباق الجواب فيه إلا عن أول الأمرين في السؤال- مع أن إصابة المال قد ذكرت بعد الثاني- مضطرب و مظنة لعدم الضبط في حكاية الجواب، فيشكل حينئذ لذلك فضلا عن غيره الالتفات إليه في مثل هذا الحكم المخالف للأصل و الفتاوى و غيرها، كما هو واضح

[الشرط الرابع أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع]

الشرط الرابع أن يكون له ما يمون به عياله حتى يرجع فاضلا عما يحتاج اليه، فلو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه الحج بلا خلاف أجده، بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه، للأصل و عدم تحقق الاستطاعة بدونه. خصوصا بعد أن اعتبر الشارع فيها ما هو أسهل منه، ضرورة وجوب الإنفاق عليه، فهو حينئذ سابق على وجوب الحج، فلا استطاعة مع عدمه. و ل

خبر أبي الربيع الشامي (1)الذي رواه المشايخ الثلاثة «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ»- إلى آخره- فقال: ما يقول الناس؟ قال:

فقيل: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذا لئن كان لمن كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا إذا، فقيل له:

فما السبيل؟ فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا يقوت به عياله أ ليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم» بل رواه المفيد في المقنعة أيضا إلا انه زاد بعد قوله: و يستغنون به عن الناس «يجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا»

ثم ذكر تمام


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 274

الحديث، و قال فيه: «يقوت به نفسه و عياله»

و خبر الأعمش (1)المروي عن الخصال بسنده اليه عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث

شرائع الدين، قال: «و حج البيت واجب على من استطاع اليه سبيلا، و هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه بعد حجه»

بل عن

الطبرسي في مجمع البيان (2)أنه قال في قوله «وَ لِلَّهِ» إلى آخره المروي عن أئمتنا (عليهم السلام): «إنه الزاد و الراحلة و نفقة من يلزمه نفقته، و الرجوع إلى كفاية إما من مال أو ضياع أو حرفة مع صحة في النفس و تخلية الدرب من الموانع و إمكان المسير»

المؤيد ذلك كله ب

خبر عبد الرحيم القصير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «سأله حفص الأعور و أنا أسمع عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- فقال: ذلك القوة في المال و اليسار، قال: فان كانوا موسرين فهم ممن يستطيع قال: نعم»

إلى غير ذلك.

لكن في المنتهى و المدارك «أن المراد من وجبت نفقته عليه من العيال و بالمئونة ما يتناول الكسوة و غيرها حيث يحتاجون إليها، أما من يستحب فلا، لأن الحج فرض، فلا يسقط بالنفل» قلت: قد يشكل ذلك بظهور النص فيمن يعول به عرفا، و ليس هو من معارضة المستحب للواجب، بل من توقف حصول الخطاب بالواجب عليه، و فرق واضح بين المقامين، بل الظاهر استثناء ما يحتاج اليه من مئونة أضيافه و مصانعاته و غيرها من مؤنة له، ضرورة كون

المراد بالاستطاعة على ما يظهر من هذه النصوص و ما تقدم في المسكن و الخادم و نحوهما وجدان ما يزيد على ما يحتاجه من أمثال ذلك اللازمة له أولا و بالذات أو ثانيا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.

ج 17، ص: 275

و بالعرض، كالحفظ لعرضه و دفع النقص عنه أو ظلم الجائر أو نحو ذلك، و هو الذي رمز إليه

الإمام (عليه السلام) بقوله: «اليسار في المال»

بل قد يندرج التكليف بالحج مع عدم ملاحظة ذلك في الحرج و الضرر و العسر المنفية عقلا و آية و رواية، فهي حينئذ الدليل له كنظائره مما تقدم سابقا في استثناء المسكن و الخادم و نحوهما فلاحظ و تأمل جيدا.

و كيف كان فالحج من الواجبات التي يعتبر فيها المباشرة التي هي الأصل في كل العبادات المطلوب فيها الخضوع و إظهار العبودية و حينئذ فالمستطيع لو حج عنه غيره م من يطيق الحج لم يسقط عنه فرضه، سواء كان النائب واجدا للزاد و الراحلة أو فاقدهما و كذا لو تكلف الحج مع عدم الاستطاعة بلا خلاف أجده بيننا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه و على عدم الاجزاء لو حج بنفسه غير مستطيع أو أحج نائبا عنه ثم استطاع كما تقدم، لعدم إجزاء المندوب عن الواجب، و لأنه مع قصد الاجتزاء به عنه كالصلاة قبل الوقت و الزكاة قبل الوجوب، إذ الأصل عدم إجزاء المندوب و المتبرع به قبل الوجوب عن الواجب، كأصالة عدم إجزاء فعل الغير عما اعتبر فيه المباشرة المتمكن منها، فما عن العامة من الاجتزاء بتقديم الحج قبل الاستطاعة واضح الفساد، و لا يخفى عليك ما في عبارة المتن من عدم حسن التأدية، و لعلها هي بالبناء للمجهول من دون اتصال الضمير بحرف الجر، بل المجرور فيها به «من» و اشتبه النساخ فيها و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

و على كل حال ف لا يجب على الولد بذل ماله لوالده في الحج و لا يجوز للوالد فضلا عن أن يجب عليه أخذ ما يستطيع به من مال ولده الصغير و لا يجب عليه الالتهاب من الكبير على الأشهر بل المشهور، للأصل و قول

ج 17، ص: 276

أبي جعفر (عليه السلام) في خبر الثمالي (1)قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للرجل: أنت و مالك لأبيك، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): و ما أحب له أن يأخذ من مال ابنه إلا ما يحتاج اليه مما لا بد منه، ان الله عز و جل لا يُحِبُّ الْفَسادَ»

و خبر الحسين بن أبي العلاء أو حسنه (2)على ما رواه في معاني الأخبار سأل الصادق (عليه السلام) «ما يحل للرجل من مال ولده قال: قوته بغير سرف إذا اضطر اليه، قال: فقلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) للرجل الذي أتاه فقدم أباه فقال: أنت و مالك لأبيك، فقال:

انما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و على نفسه فقال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شي ء، أ فكان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يحبس الأب للابن»

و خبر علي بن جعفر(3)سأل أخاه (عليه السلام) «الرجل يأكل من مال ولده قال: لا إلا أن يضطر إليه، فليأكل منه بالمعروف»

و خبر ابن سنان (4)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ماذا يحل للوالد من مال ولده؟ فقال: أما إذا أنفق عليه ولده بأحسن النفقة فليس له أن يأخذ من ماله شيئا، فإن كان لوالده جارية للولد فيها نصيب فليس له أن يطأها إلا ان يقومها قيمة تصير لولده قيمتها عليه، قال: و يعلن ذلك، قال:

و سأله عن الوالد يرزأ- أي يصيب- من مال ولده قال: نعم، و لا يرزأ الولد من مال والده شيئا إلا بإذنه، فإن كان للرجل ولد صغار لهم جارية فأحب أن يعتقها فليقومها على نفسه قيمة ثم يصنع بها ما شاء، إن شاء وطأ و إن شاء باع»

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم الجواز إلا مع الحاجة.

خلافا للمحكي عن النهاية و الخلاف و التهذيب و المهذب، إلا ان في الأولين


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث 2 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث 9 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث 6 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 17، ص: 277

النص على الوجوب، و في الأخير على الجواز، و أجمل في التهذيب انه يأخذ من مال الولد، و في محكي المبسوط روى أصحابنا انه إذا كان له ولد و له مال وجب عليه أن يأخذ من ماله ما يحج به، و يجب عليه إعطاؤه، و كأنه أشار بذلك الى

صحيح سعيد بن يسار(1)سأل الصادق (عليه السلام) «الرجل يحج من مال ابنه و هو صغير قال: نعم يحج منه حجة الإسلام قال: و ينفق منه قال: نعم، ثم قال:

إن مال الولد لوالده، إن رجلا اختصم هو و والده إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقضى أن المال و الولد للوالد»

و في محكي الخلاف «روى الأصحاب إذا كان له ولد و له مال وجب عليه أن يأخذ من مال ولده قدر ما يحج به، و يجب عليه إعطاؤه، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، دليلنا الأخبار المروية في هذا المعنى من جهة الخاصة و قد ذكرناها في الكتاب الكبير، و ليس فيها ما يخالفها، فدل على إجماعهم على ذلك» قلت: لم نعرف من وافقه على ذلك غير المفيد، كما انك عرفت ما يخالف الرواية المزبورة القاصرة بالاعراض و غيره عن إثبات مثل هذا الحكم، و إن أمكن تأييدها بما دل على جواز أكل الأب من مال ولده، و بما في

صحيح ابن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) في كتاب علي (عليه السلام) «ان الولد لا يأخذ من مال والده شيئا إلا باذنه، و الوالد له

أن يأخذ من مال ابنه ما شاء، و له ان يقع على جارية ابنه إن لم يكن الابن وقع عليها، و ذكر أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال لرجل: أنت و مالك لأبيك»

و خبر الحسين بن علوان (3)عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليهم


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 67- من كتاب العتق- الحديث 1.

ج 17، ص: 278

السلام) قال: «أتى النبي (صلى الله عليه و آله) رجل فقال: يا رسول الله إن أبي عمد إلى مملوك لي فأعتقه كهيئة المضر بي، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنت و مالك من هبة الله تعالى لأبيك أنت سهم من كنانته، يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً، وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ،. وَ يَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً، جازت عتاقة أبيك، يتناول والدك من مالك و بدنك، و ليس لك أن تتناول من ماله و لا من بدنه شيئا إلا باذنه»

و خبر محمد ابن سنان (1)عن الرضا (عليه السلام) المروي عن العيون و العلل انه كتب اليه فيما كتب من جواب مسائله «و علة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد لأن الولد موهوب للوالد في قول الله عز و جل (2)يَهَبُ لِمَنْ»

إلى آخره مع انه المأخوذ بمئونته صغيرا أو كبيرا، و المدعو له لقوله عز و جل (3)«ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» و ل

قول النبي (صلى الله عليه و آله): «أنت و مالك لأبيك»

و ليس للوالدة مثل ذلك، و لا تأخذ شيئا من ماله إلا بإذنه أو إذن الأب، لأن الوالد مأخوذ بنفقة الولد، و لا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها»

و خبر علي بن جعفر(4)سأل أخاه (عليه السلام) «عن الرجل يكون لولده الجارية أ يطأها؟ قال: إن أحب، و إن كان لولده مال و أحب أن يأخذ منه فليأخذ، و إن كانت الأم حية فلا أحب أن تأخذ منه شيئا إلا قرضا».

إلا ان العمدة هي، إذ هذه النصوص و إن دلت على جواز تناول الأب لكن يمكن أن يكون ذلك مع الحاجة إليه، كما دل عليه ما تقدم، بل هو المتجه


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 10 من كتاب التجارة.
2- 2 سورة الشورى- الآية 48.
3- 3 سورة الأحزاب- الآية 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 11 من كتاب التجارة.

ج 17، ص: 279

جميعا بين الأدلة، على أنه لو سلم الجواز مطلقا فوجوب الحج بذلك محل نظر أو منع يعرف مما قدمنا في الوجوب على من أبيح له المال على جهة الإطلاق، و من هنا لم يذكروا في المقام إلا خبر سعيد المزبور، بل في كشف اللثام كان الشيخ في الخلاف أراد بالأخبار المروية في التهذيب خبر سعيد وحده، لأنه

رواه فيه بطرق ثلاثة، في الحج بطريقين: أحدهما طريق موسى بن القسم، و الآخر طريق أحمد ابن محمد بن عيسى، و في المكاسب بطريق ثالث هو طريق الحسين بن سعيد، قلت: و بهذا الاعتبار حينئذ أطلق عليه الأخبار، أو انه يريد ما ذكرناه من النصوص، لكنك قد عرفت ما في الاستناد إليها، بل الصحيح المزبور محتمل للاقتراض كما عن الاستبصار واجبا أو مستحبا كما عن التحرير و التذكرة إذا كان مستطيعا بغيره، و لمساواة نفقته في الحج لها في غيره مع وجوب نفقته على الولد كما في كشف اللثام، و إن كان قد يناقش في وجوب الحج عليه بذلك، و حينئذ فقصور الصحيح المزبور عن إثبات ذلك واضح، فوسوسة الفاضل الخراساني كما قيل في الحكم المزبور لذلك في غير محلها، خصوصا بعد ما في الحدائق من احتمال النصوص السابقة الحمل على التقية، كما يشعر به مزيد التأكيد في خبر الحسين بن علوان الذي جميع رجاله من العامة، على أن العمدة فيها النبوي الذي قد ذكر حاله في خبر ابن أبي العلاء(1)بل و صحيح الثمالي (2)الذي قد ذكر فيه أولا ثم قال: ما يقتضي خلافه مؤميا بذلك إلى عدم صحته، فلاحظ و تأمل، و الله العالم

[الشرط الخامس إمكان المسير]

الشرط الخامس إمكان المسير بلا خلاف أجده فيه، بل في محكي المعتبر و المنتهى اتفاقنا

عليه، و هو الحجة، مضافا إلى عدم تحقق الاستطاعة


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 9 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 17، ص: 280

بدونه، و إلى نفي الحرج و العسر و الضرر و الضرار، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ذريح (1): «من مات و لم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا»

و قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(2)في قوله «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- «هذه لمن كان عنده مال و صحة»

كقوله (عليه السلام) في صحيح هشام بن الحكم(3): «إن كان صحيحا في بدنه مخلى سربه له زاد و راحلة»

و غير ذلك مما يدل على اعتبار ذلك و لو بالنسبة إلى بعض أفراده، إذ هو يشتمل على اعتبار الصحة و تخلية السرب بفتح السين المهملة و قد تكسر و إسكان الراء الطريق و الاستمساك على الراحلة و سعة الوقت لقطع المسافة و غير ذلك مما يتوقف الإمكان عليه كله فلو كان مريضا بحيث يتضرر بالركوب الذي يتوقف عليه الحج و لو بالمشقة التي لا تتحمل، أو صحيحا يتضرر به كذلك لكبر أو

زيادة ضعف أو نحو ذلك لم يجب الحج لما عرفت بلا خلاف أجده فيه، بل عن المنتهى كأنه إجماعي، بل عن المعتبر اتفاق العلماء عليه، نعم لو كان المرض يسيرا لا يشق معه الركوب و لا يضره لم يسقط الحج قطعا، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما دل بإطلاقه على اعتبار الصحة في الاستطاعة بعد انصرافه إلى الأول، خصوصا بملاحظة الوصف في صحيح ذريح، و من هنا قال المصنف كغيره:

و لا يسقط الحج باعتبار المرض مع إمكان الركوب بل لا أجد


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب وجوب الحج- الحديث 7.

ج 17، ص: 281

فيه خلافا بينهم، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه، و كذا لو تمكن من المشي وجب عليه و إن تضرر بالركوب ما لم يشق عليه مشقة لا تتحمل دون المشقة اليسيرة التي لا ينفك عنها السفر غالبا، و الدواء في حق غير المتضرر مع الحاجة إليه كالزاد، و الطبيب المحتاج الى استصحابه كالخادم، و ليس الأعمى من المريض عرفا، فيجب عليه الحج عندنا، لعموم الأدلة حتى نصوص الصحة التي لا ريب في تناولها له و للأعرج و الأصم و الأخرس و نحوهم، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجبه على الأعمى، نعم لو افتقر إلى قائد و تعذر لفقده أو فقد مئونته سقط، و كذلك السفيه سفها موجبا للحجر عليه ليس مريضا، فيجب عليه الحج و إن وجب على الولي إرسال حافظ معه عن التبذير إلا أن يأمنه عليه إلى الإياب أو لا يجد حافظا متبرعا، و يعلم أن أجرته و مئونته تزيد على ما يبذره، و النفقة الزائدة للسفر إلى الإياب في مال المبذر، و أجرة الحافظ جزء من الاستطاعة إن لم يجد متبرعا، كما هو واضح.

و لو منعه عدو عن المسير أو كان معضوبا لضعف أو زمانة لا يستمسك على الراحلة أو عدم المرافق مع اضطراره اليه سقط الفرض بلا خلاف و لا إشكال فيه في الجملة، و لو عجز عن الاستمساك على القتب مثلا و أمكنه الاستمساك في المحمل و تمكن منه وجب، كما هو واضح، و يأتي تمام الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى و انما الكلام الآن في أنه هل تجب الاستنابة مع عروض المانع من مرض أو ضعف و هرم و عدو قبل الاستقرار قيل و القائل الإسكافي و الشيخ و أبو الصلاح و ابن البراج و الحسن في ظاهره و الفاضل في التحرير نعم و مال إليه في المنتهى، بل لعله ظاهر قول المصنف هنا و هو المروي مشيرا بذلك إلى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح

ج 17، ص: 282

الحلبي أو حسنه(1): «و إن كان مؤسرا حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره الله تعالى فيه فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له»

و إلى مضمر ابن حمزة(2)الذي هو نحو ذلك، و

قول أمير المؤمنين (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم (3): «لو أن رجلا أراد الحج فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطع الخروج فليجهز رجلا من ماله ثم ليبعثه مكانه»

و صحيح ابن سنان (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) أمر شيخا كبيرا لم يحج قط و لم يطق الحج لكبره أن يجهز رجلا يحج عنه»

و هو الحجة بعد الإجماع المحكي في الخلاف عليه، مضافا إلى معلومية قبوله للنيابة، فتجوز حينئذ، و إذا جازت وجبت هنا للدخول في الاستطاعة الموجبة للحج، إذ ليس في الآية إلا أن على المستطيع الحج، و هو أعم من الحج بنفسه و غيره.

إلا ان الأخير كما ترى، و الإجماع المحكي موهون بمصير ابني إدريس و سعيد و المفيد في ظاهره و الفاضل في القواعد و المختلف و غيرهم إلى خلافه، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله و قيل: لا يجب، و النصوص المزبورة محمولة على من استقر في ذمته الحج ثم عرض المانع الذي لم يرج زواله، فإن الاستنابة حينئذ واجبة قولا واحدا كما في الروضة و عن المسالك، أو على الندب بقرينة

خبر عبد الله ابن ميمون القداح (5)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام)

قال لرجل كبير لم يحج قط: إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك»

و خبر أبي سلمة


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 7 مضمر ابن أبي حمزة كما يأتي الإشارة إليه في ص 287.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 8 عن أبي جعفر عن أبيه عليهما السلام و هو سهو فان الموجود في الكافي ج 4 ص 272 كالجواهر.

ج 17، ص: 283

عن أبي حفص (1)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) «ان رجلا أتى عليا (عليه السلام) و لم يحج قط فقال: إني كنت كثير المال قد فطرت في الحج حتى كبر سني قال:

فتستطيع الحج قال: لا، فقال علي (عليه السلام): إن شئت فجهز رجلا ثم ابعثه يحج عنك»

و لا ينافي ذلك ما فيه من لفظ التفريط المقتضي بظاهره الاستقرار، لوجوب حمله على إرادة التفريط من حيث القدرة المالية على معنى الاستطاعة بها منذ سنين مع ترك الحج بنفسي و بغيري، ضرورة عدم انطباق الجواب الظاهر في التخيير إلا على ذلك، و دعوى إرادة الوجوب من هذا التخيير مع أنها تقتضي إخراج الخبر المزبور حينئذ عما نحن فيه كما ترى، فما في الحدائق من تعارف التعبير عن الوجوب بذلك حتى استدل بهذا الخبر و سابقه على الوجوب لا يصغى اليه و في محكي المقنعة عن

الفضل بن عباس (2)قال: «أتت امرأة من خثعم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقالت: إن أبي أدركته فريضة الحج و هو شيخ كبير لا يستطيع أن يلبث على دابة فقال لها رسول الله (صلى الله عليه و آله): فحجي عن أبيك» ضرورة منافاة أمر الغير كالتخيير الوجوب، على أن المروي في كشف اللثام أن متن الأخير بعد قوله: «دابة» «فهل ترى أن أحج عنه؟ فقال: نعم، فقالت: هل ينفعني ذلك؟ قال: نعم كما لو كان على أبيك دين فقضيته عنه نفعه»

و هو مع ذلك غير ظاهر في حياة الوالد، على أن الصحيحين (3)الأولين قد


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3 عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عليه السلام ان رجلا. إلخ. و ما في الجواهر و الوسائل كلاهما سهو فان في التهذيب عن سلمة أبي حفص عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام ان رجلا. إلخ.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2 و 5.

ج 17، ص: 284

اشتملا على منع المرض الذي هو أعم من مرجو الزوال و عدمه، بل لعل الظاهر منه الأول، و قد صرح غير واحد بأن الوجوب على تقدير القول به انما هو فيما لم يرج زواله، أما ما يرجى زواله فلا تجب الاستنابة فيه، بل عن المنتهى الإجماع عليه، و ربما يشهد له التتبع، بل في المدارك «لو حصل له اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا فلا يجزي عن الواجب، و لو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه، لعدم حصول شرطه الذي هو استقرار الحج أو اليأس من البرء» و هذا جميعه صريح في عدم الوجوب قبله.

نعم قد يظهر من الدروس الوجوب مطلقا، فإنه قال: «الأقرب ان وجوب الاستنابة فوري إن يئس من البرء، و إلا استحب الفور» و اختاره في الحدائق تمسكا بظاهر الأخبار المزبورة التي كما لم يفرق فيها بين المأيوس منه و غيره في الوجوب و عدمه لم يفرق فيها بينهما في الفورية و عدمها، على ان سيد المدارك قد جزم بظهورها في المأيوس، و قال: إنه لو وجبت الاستنابة مع المرض مطلقا لم يتحقق اعتبار التمكن من المسير في حق أحد من المكلفين، إلا أن يقال باعتبار ذلك في الوجوب البدني خاصة، و إن كان هو كما ترى، و من ذلك يظهر لك قوة القول بالندب، بل الصحيح (1)الأول الذي هو العمدة لهم ظاهر فيه، لمعلومية الإحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لا أنه نائب عنه، مضافا إلى ما عدم وجوب استنابة الصرورة الذي لا مال له، بل الذي يقوى كون المراد الإحجاج في مثل هذا الشخص بدل تركه الحج لا أنه نائب عنه، مضافا إلى ما عن غير واحد منهم كالشيخين و الحلبي و القاضي و ابن سعيد و الفاضل في التحرير و أبي علي في ظاهره على ما قيل- بل عن ظاهر التذكرة أنه لا خلاف فيه بين علمائنا- من التصريح بالوجوب عليه بعد ذلك مع بقاء الاستطاعة لو بري ء من غير


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 285

فرق بين أن يكون الحج عنه مع رجاء الزوال و عدمه، و ما ذاك إلا للأمر الأول الذي لم يقم مقامه الأمر الثاني، لعدم وجوبه، و إلا لاقتضى الاجزاء كما هو مقرر في الأصول، إلا أن يكون

هناك دليل على خلافه، فيرجع البحث حينئذ إلى أن الحج يجب بالبدن و المال، فان تعذر الأول وجب في المال خاصة، فإن تمكن منه بعد ذلك ببدنه وجب، لعدم إسقاط الواجب في المال الواجب في البدن لكن لم نعرف ما يدل على ذلك، بل هي دعوى مجردة عن الدليل، بل الدليل يقضي بخلافها، و جميع ذلك شاهد عند التأمل على الندب الذي قد اعترفوا به في غير المأيوس، و أنكر الدليل عليه في الحدائق، و قال: «ليس إلا هذه النصوص الظاهرة في الوجوب مطلقا» قلت: يمكن أن يكون دليله ما دل (1)على استحباب النيابة في الحج للصحيح و المريض و غيرهما، و لا إشكال من هذه الجهة بناء على ما قلناه من الاستحباب مطلقا، فيكون متأكدا في خصوص موضوع المسألة.

لكن و مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، و عليه لو لم يجد الممنوع مالا لم يجب عليه الاستنابة قطعا، و لو بذل له لم يجب عليه قبوله، للأصل السالم عن المعارض بعد حرمة القياس على الصحيح، و كذا لو وجد المال و لم يجد من يستأجره، فإنه يسقط فرضه إلى العام المقبل، و لو وجد من يستأجره بأكثر من أجرة المثل وجب مع المكنة على الأقوى، و لا يلحق بحج الإسلام في وجوب النيابة حج النذر و الإفساد، للأصل السالم عن المعارض، خلافا للدروس فجعلهما كحج الإسلام في ذلك، بل أقوى، و هو مشكل، و عليه فلو اجتمع على الممنوع

حجتان جاز له استنابة اثنين في عام واحد، لعدم الترتيب بينهما كما في قضاء الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب النيابة في الحج.

ج 17، ص: 286

و لو زال عذر الممنوع قبل التلبس بالإحرام انفسخت النيابة فيما قطع به الأصحاب على ما في المدارك، و لو كان بعد الإحرام احتمل الإتمام و التحلل، و على الأول فإن استمر الشفاء حج ثانيا، و إن عاد المرض قبل التمكن فيحتمل الاجزاء، بل في المدارك أنه الأقرب، هذا.

و قد ظهر لك مما قدمناه أنه إن أحج نائبا عنه و استمر المانع فلا قضاء عنه بعد موته قطعا و إن زال المانع و تمكن وجب عليه ببدنه عندهم كما عرفت، لإطلاق ما دل على وجوبه و حينئذ ف لو مات بعد الاستقرار و لم يؤد قضي عنه كغيره ممن هو كذلك، لكن قد عرفت الإشكال في الوجوب عليه بناء على وجوب النيابة، و من هنا حكى في المدارك عن بعض الأصحاب احتمال عدم الوجوب كما لو لم يبرأ، للأصل، و لأنه أدى حج الإسلام بأمر الشارع، فلم يلزمه حج ثاني كما لو حج بنفسه، بل في المدارك ان هذا الاحتمال غير بعيد، إلا ان الأول أقرب، و تبعه عليه في الحدائق و قد عرفت ان التحقيق استحباب النيابة، فيتجه حينئذ الوجوب عليه بعد زوال المانع و بقاء الاستطاعة، و الله العالم.

و لو كان لا يستمسك خلقة قيل سقط الفرض عن نفسه و عن ماله و قيل: يلزمه الاستنابة و اختاره في المدارك و الحدائق و الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، أما على المختار من الندب في العارضي فضلا عنه فواضح، و أما على الوجوب فيه فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل، بل صحيح ابن مسلم (1)منها كالصريح في ذلك، و خبر ابن عباس (2)ظاهر في عدم الاستقرار، بل و عدم الوجوب، بل غير


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.

ج 17، ص: 287

ظاهر في حياة الوالد كما عرفت، و دعوى ظهور صحيح الحلبي (1)و خبر ابن أبي حمزة(2)في العموم و كذا صحيح ابن سنان (3)ممنوعة، كدعوى ان القول بعدم الوجوب فيه إحداث قول ثالث، على ان التحقيق عدم البأس في إحداثه إذا لم ينعقد إجماع على خلافه كما حرر في محله، فلا ريب في أن الأشبه الأقوى ما ذكره المصنف و إن كان الأحوط الثاني.

و لو احتاج في سفره إلى حركة عنيفة للالتحاق بالحج لضيق الوقت مثلا أو الفرار من العدو فضعف عنها لمرض أو خلقة أو شقت عليه مشقة لا تتحمل سقط عنه الوجوب في عامه، و توقع المكنة في المستقبل فان حصلت و هو مستطيع حج و لو مات قبل التمكن و الحال هذه لم يقض عنه و الظاهر وجوب الاستنابة عند القائل بها مع انحصار الطريق بحركة عنيفة لا يستطيعها خلقة أو لعارض أيس من برئه، لشمول الأدلة السابقة له.

و على كل حال فلو تكلف هذا و شبهه الحج لم يجز عن حجة الإسلام على الظاهر من إطلاق الأصحاب ذلك، و كذا المريض و الممنوع بالعدو، لعدم تحقق الاستطاعة التي هي شرط الوجوب، فكان كما لو تكلفه الفقير، و به صرح الفاضل في المحكي من تذكرته و غيره، لكن في الدروس- بعد أن ذكر الشرائط و إطلاق الأصحاب عدم الاجزاء لو حج فاقدها- قال: «و عندي لو تكلف المريض المعضوب و الممنوع بالعدو و يضيق الوقت أجزأ، لأن ذلك من باب تحصيل الشرط، فإنه لا يجب، و لو حصله وجب و أجزأ، نعم لو أدى ذلك إلى إضرار بالنفس يحرم إنزاله و قارن بعض المناسك احتمل عدم الاجزاء» و في


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج الحديث 6.

ج 17، ص: 288

كشف اللثام كما في الدروس، و كأنه يشير بذلك إلى أن هذه الشروط تنقسم إلى ما ليس فيه اختيار للعبد كالبلوغ و العقل و الحرية، و هذه لا يمكن تحصيلها و لا يتصور إجزاء الحج بدونها، و إلى ما ليس كذلك كالشرائط الباقية، و هي خمسة، و قد تقدم أن الزاد و الراحلة منها لا يجب تحصيله، و لو حصله وجب الحج و أجزأ، و لا يكفي التسكع عنه، لعدم حصول شرط الوجوب، و في حكم الزاد و الراحلة مئونة عياله، و أما الثلاثة الباقية و هي الصحة من المرض و تخلية السرب من العدو و التمكن من المسير و يعبر عن الثلاثة بإمكان المسير فإطلاق الأصحاب عدم الاجزاء لمن حج غير مستكمل للشرائط يدخل فيه الشرط المزبور، لكن فيه نظر أو منع إذا كان لا يؤدي إلى ارتكاب منهي عنه مضاد للمأمور به، فإنه حينئذ يكون في معنى الزاد و الراحلة يتوقف الوجوب عليهما، و لا يجب تحصيلهما، و لو حصلهما وجب الحج، و اليه أشار بقوله: «لأنه من باب تحصيل الشرط» أي ليس عدم هذه الثلاثة مانعا من صحة الحج إذا تكلفها، فيحمل كلام الأصحاب على أحد أمرين، إما على انه لا يجب تحصيل هذه الشرائط، و إما على ما يؤدي تحصيلها إلى ارتكاب منهي عنه مضاد للمأمور به، و اليه أشار بقوله: «و قارن بعض المناسك» كما لو كان في أثناء الإحرام تحمل المرض أو دافع العدو مع غلبة العطب فان ذلك يرجع إلى قاعدة اجتماع الأمر و النهي، أما مع عدم هذين الأمرين فالاجزاء متحقق مع تكلف تلك المشاق التي لا يجب تكلفها، بل ظاهر قوله: «احتمل عدم الاجزاء» احتمال الإجزاء أيضا، و لعله لأن النهي هنا عن وصف خارج عن المنسك، فلم يتحد متعلق الأمر و النهي، بل ربما قيل: إن في ذلك قوة، و لذلك جعل عدم الاجزاء احتمالا و إن اختاره في كشف اللثام، و جعل الاجزاء احتمالا ضعيفا، و في المدارك بعد أن حكى عن الدروس ما سمعت قال:

ج 17، ص: 289

«و في الفرق نظر، و المتجه أنه إن حصلت الاستطاعة الشرعية قبل التلبس بالإحرام ثبت الوجوب و الاجزاء، لما بيناه من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد و إن حصل التلبس قبل تحقق الاستطاعة انتفى الأمران معا، سواء كان عدم تحقق الاستطاعة بعدم القدرة على تحصيل الزاد و الراحلة، أو بالمرض المقتضي لسقوط الحج، أو لخوف الطريق، أو غير ذلك، لأن ما فعله لم يكن واجبا، فلا يجزي عن الواجب، كما لا يجزي فعل الواجب الموقت قبل دخول وقته» و في الحدائق «أن مرجع ذلك إلى ما اختاره الشهيد، لأنه متى كان الاعتبار بالاستطاعة من الميقات فلو تحمل المشقة و ارتكب الخطر الذي لم يكلف به بل نهي عنه حتى وصل إلى الميقات وجب عليه الحج و أجزأ، و هو خلاف كلام الأصحاب كما صرح به في التذكرة، و هو ظاهر غيره، لما صرحوا به في الزاد و الراحلة، و ما ذكره من عدم اعتبار الاستطاعة من البلد فإنما هو في صورة ما لو اتفق له الوصول إلى الميقات بأي نحو كان، فإنه لا يشترط في حقه ملك الزاد و الراحلة في بلده كما ذكره الأصحاب، لا بمعنى أن من كان بعيدا لا يمكنه المسير إلا بهذه الشرائط المذكورة فإن استطاعته انما تحصل باعتبار الميقات، فإنه باطل قطعا، بل الاستطاعة في هذه الصورة مشروطة من البلد، فان استطاع بحصول هذه الشروط الخمسة المعدودة وجب عليه الحج و المسير، و إلا فلا، نعم يحصل الشك هنا في أن المتكلف للحج بالمشقة الموضوعة عنه في عدم إمكان المسير هل هو من قبيل المتسكع الذي لم يملك زادا و لا راحلة فلا يجزي عنه كما هو المفهوم من كلام الأصحاب، أو من قبيل تكلف تحصيل الزاد و الراحلة و إن لم يجب عليه تحصيلهما، فحجه يكون صحيحا مجزيا عن حجة الإسلام كما هو ظاهر شيخنا الشهيد؟ إشكال» قلت: الإشكال في محله، و لا يقال إنه بذلك ينكشف كونه مستطيعا و إن لم يكن عالما بذلك، لأنا نقول أولا لا يتم فيمن وقع فيما خاف منه من جرح أو

ج 17، ص: 290

نهب مال أو نيل عرض أو نحو ذلك، و ثانيا أنه ينكشف بذلك سلامته لا استطاعته، و فرق واضح بين المقامين، ضرورة توقف صدق الأولى على إحراز السلامة بالطريق المعتد به شرعا، و لا يكفي فيها عرفا حصول السلامة في الواقع نعم قد يقال بحصول وصف الاستطاعة له لو تكلف المشاق المزبورة ثم ارتفع المانع على وجه كان يتمكن معه من المسير بعد ارتفاعه، و لعله إلى ذلك لمح سيد المدارك فيما ذكره من التفصيل لا ما سمعته من المحدث البحراني الذي لا يرجع إلى حاصل عند التأمل، و الله العالم.

و كيف كان فلا ريب في أنه يسقط فرض الحج لعدم ما يضطر اليه من الآلات كالقرب و أوعية الزاد و غيرها مما يحتاج إليه، ضرورة عدم صدق الاستطاعة بدونه، كما انه لا ريب في وجوب شراء ذلك كله أو استيجاره بالعوض المقدور و إن زاد عن أجرة المثل على حسب ما عرفته سابقا، و لو تعددت الطرق تخيير مع التساوي في الأمن و إدراك النسك و اتساع النفقة، و إلا تعين المختص بذلك، و في كشف اللثام إلا أن يختص الخوف بالمال، و خصوصا غير المجحف، و ستعرف وجهه مما يأتي.

و على كل حال ف لو كان له طريقان فمنع من أحدهما سلك الآخر سواء كان أبعد أو أقرب مع فرض سعة النفقة و الوقت للأبعد، أما لو قصرت أو قصر الوقت عنه سقط الحج إذا انحصر الطريق فيه، كما هو واضح، خلافا للشافعية فلم يوجبوا سلوك الأبعد مطلقا، و هو واضح الفساد، كوضوح فساد ما عن احمد من استقرار الوجوب على واجد الزاد و الراحلة و إن لم يأمن بمعنى وجوب الحج عنه لو مات، و وجوبه عليه متسكعا لو افتقر ثم أمن، لا أنه يجب عليه الحج بنفسه و هو غير آمن، إذ لا يخفى عليك ما فيه من المخالفة للكتاب و السنة و الإجماع، ضرورة توافقها جميعا على اعتبار تخلية السرب في الاستطاعة

ج 17، ص: 291

المعلوم اشتراط وجوب الحج بها، فيسقط الحج حينئذ مع الخوف على النفس قتلا أو جرحا من عدو أو سبع أو غيرهما، أو على البضع، أو على المال جميعه أو ما يتضرر به، للحرج و صدق عدم الاستطاعة و عدم تخلية السرب، و ظاهر الحدائق نفي الخلاف فيه، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه، قال في الأول: «لا خلاف نصا و فتوى في أن أمن الطريق من الخوف على النفس و البضع و المال شرط في وجوب الحج» و قال في الثاني: «لو كان في الطريق عدو يخاف منه على ماله سقط فرض الحج عند علمائنا، و به قال الشافعي و أحمد في إحدى الروايتين: لأن بذل المال تحصيل لشرط الوجوب، و هو غير واجب، فلا يجب ما يتوقف عليه، و في الرواية الأخرى أنه لا يسقط فرض الحج عنه، و يجب أن يستنيب».

قلت: قد عرفت ما في وجوب الاستنابة في المريض و نحوه، فضلا عن ذلك و نظائره ممن لم يخل له السرب، بل ربما ظهر من معقد ظاهر إجماع التذكرة و نفي الخلاف في الحدائق عدم الفرق في المال بين القليل و الكثير و المضر و غيره و إن كان هو مشكلا مع القلة و عدم الضرر، بل في كشف اللثام «لا أعرف للسقوط وجها و إن خاف على كل ما يملكه إذا لم نشترط الرجوع إلى كفاية و لم نبال بزيادة أثمان الزاد و الآلات و أجرة الراحلة و الخادم و نحوهما و لو أضعافا مضاعفة- بل قال-: و على اشتراط الرجوع إلى كفاية و عدم الزيادة على ثمن المثل و أجرة المثل أيضا نقول: إذا تحققت الاستطاعة المالية و أمن في المسير على النفس و العرض أمكن أن لا يسقط خوفه على جميع ما يملكه فضلا عن بعضه، لدخوله بالاستطاعة في العمومات، و خوف التلف غير التلف، و لم أر من نص على اشتراط الأمن على المال قبل المصنف، و غاية ما يلزمه أن يؤخذ ماله فيرجع» و فيه منع صدق اسم الاستطاعة في الفرض عرفا أو شرعا، بل لعله في بعض أحوال الفرض يكون مخاطرا على النفس بالعارض لذهاب راحلته أو زاده أو نحو ذلك

ج 17، ص: 292

مما يخشى مع فقده التلف، نعم لو كان المال قليلا غير مضر و غير مجحف اتجه الوجوب حينئذ، و كان ذلك كزيادة أثمان الآلات على الأقوى.

و من ذلك يظهر لك الحال فيما لو كان في الطريق عدو لا يأخذ المال قهرا إلا أنه لا يندفع إلا بمال ضرورة أولوية عدم السقوط به من الأول، لأن الدفع فيه بصورة الاختيار بخلافه، لكن ينبغي تقييد المال بما عرفت، فما قيل كما عن الشيخ و جماعة من أنه يسقط الحج حينئذ و إن قل المال واضح الضعف، كاستدلاله بصدق عدم تخلية السرب، و بأنه من تحصيل شرط الوجوب فلا يكون واجبا، و بأنه إعانة على الظلم فلا يكون جائزا، و بأنه كأخذ المال قهرا، إذ لا يخفى عليك ما في الأخير بعد ما عرفت الحكم في المشبه به، بل و ما في سابقه، ضرورة عدم كونه إعانة عرفا، بل هو من باب تحمل الظلم لأداء الواجب و مصانعة الظالم لتحصيل الحق، فهو من مقدمات الواجب المطلق كزيادة الأثمان و نحوها، و مع فرض القدرة عليها على وجه لا ضرر فيه و لا قبح يجب، و يكون مخلى السرب كما هو واضح.

و من هنا قال المصنف و لو قيل: يجب التحمل مع المكنة كان حسنا نحو قوله في المعتبر: و الأقرب إن كان المطلوب مجحفا لم يجب، و إن كان يسيرا وجب بذله و كان كأثمان الآلات، بل عن التحرير و المنتهى أنه استحسن نحوه و مما يؤيد ذلك كله استمرار الطريقة في هذه الأزمان على وجه لم يكن فيه شك بين الأعوام و العلماء على وجوب الحج، و قلما ينفك الطريق فيها على نجد و نحوه عن ذلك و نحوه، بل لا ينفك عن بذل المال المجحف المضر، بل عن الأخذ قهرا إن لم يدفع بالاختيار، اللهم إلا أن يكون وجهه التمكن من السير على طريق لم يكن فيه ذلك، و حينئذ ينبغي اعتبار الاستطاعة على غير الطريق المزبور في كونه حج إسلام، مع أن ظاهر السيرة التي ذكرناها احتساب الحج فيه حج إسلام مع

ج 17، ص: 293

الاستطاعة فيه خاصة، كما هو واضح بأدنى ملاحظة، و التحقيق ما ذكرناه من وجوب الدفع للمقدمة ما لم يعارضها ما يقتضي سقوطها من أدلة الحرج و نحوه، كما أومأنا إليه سابقا في أثمان الآلات، و من ذلك يعرف الحال فيما في كشف اللثام من أن المناسب لعدم اشتراط الرجوع إلى كفاية عدم الفرق بين المجحف و غيره إلا الإجحاف الرافع للاستطاعة، إذ لا يخفى عليك وجه الفرق بينهما كما أومأنا إليه سابقا و لاحقا، هذا كله إذا كان قبل الإحرام، و إلا كان من الصد الذي ستعرف البحث فيه إن شاء الله.

و لو بذل له أي العدو باذل فارتفع منعه وجب عليه الحج بلا خلاف و لا إشكال لزوال المانع، نعم لو قال الباذل له اقبل و ادفع أنت للعدو لم يجب القبول للأصل و المنة، و لأنه تكسب و تحصيل لشرط الوجوب، و حمله على بذل الزاد و الراحلة قياس، فما عساه يظهر من الدروس- من التوقف فيه، بل في المدارك لم يستبعد الوجوب لأن الشرط التمكن من الحج، و هو حاصل بمجرد البذل، و لشمول

قوله (عليه السلام)(1): «إن عرض عليه ما يحج به فاستحى فهو مستطيع»

- ليس في محله كما لا يخفى، فالمتجه حينئذ سقوط الحج إذا لم يكن عنده ما يريده العدو، أو قلنا بعدم وجوب الدفع له و إن استطاعة، و لو وجد مجيرا من العدو بأجرة و تمكن منها على وجه لا ضرر فيه و لا قبح وجب، لما عرفته سابقا في المال المبذول للعدو، ضرورة كونه أولى لأنها أجرة بإزاء عمل، فهي كأجرة الخادم و الجمال و الراحلة، فما في القواعد- من أن الأقرب هنا عدم الوجوب مع قوله هناك: «في السقوط نظر» و نحوه عن التذكرة- في غير محله.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 294

و على كل حال ف طريق البحر كطريق البر في جميع ما ذكرناه و حينئذ فإن غلب ظن السلامة على وجه لم يكن خوف معتد به عند العقلاء وجب الحج و إلا سقط إذا انحصر الطريق فيه، و لو أمكن الوصول بالبر و البحر فان تساويا في غلبة السلامة المعتد بها عند العقلاء كان مخيرا في سلوك أيهما شاء و ان اختص أحدهما و استطاعة تعين، و لو تساويا في رجحان العطب سقط الفرض كما هو واضح، لكن في المدارك «مقتضى العبارة أن طريق البحر انما يجب سلوكه مع غلبة ظن السلامة، فلا يجب مع اشتباه الحال، و لم يعتبر الشارح ذلك بل اكتفى بعدم ترجيح العطب، و هو حسن» قلت: بل عن الشارح أنه بعد أن اختار ذلك قال: «هذا

هو الذي يقتضيه ظاهر النص و فتوى الأصحاب» و هو جيد إلا أن الفاضل في القواعد قال: «و لو افتقر أي في السير إلى القتال فالأقرب السقوط مع ظن السلامة» و في محكي الإيضاح «أن المراد بالظن هنا العلم العادي الذي لا يعد العقلاء نقيضه من المخوفات، كإمكان سقوط جدار سليم قعد تحته، لأنه مع الظن بالمعنى المصطلح عليه يسقط إجماعا، و بالسلامة هنا السلامة من القتل و الجرح و المرض و الشين، لأنه مع ظن أحدها بالمعنى المصطلح عليه في لسان أهل الشرع و الأصول يسقط بإجماع المسلمين» و قد يناقش في معقد إجماعه الأول المقتضي بظاهره السقوط مع عدم الظن بالمعنى المزبور بأنه لا وجه له إذا لم يصل الاحتمال إلى حد الخوف المعتد به عند العقلاء، ضرورة تناول الإطلاقات و العمومات له، كما انه قد يناقش فيما في القواعد من السقوط مع الافتقار إلى الفتال مع فرض ظن السلامة بالمعنى المزبور ضرورة صدق الاستطاعة معه، و منع عدم صدق تخلية السرب مع تضمن السير أمرا بمعروف و نهيا عن منكر و إقامة لركن من أركان الإسلام، و لذا حكي عنه القطع بعدم السقوط في المنتهى و التحرير من غير فرق في ذلك بين كون العدو

ج 17، ص: 295

كافرا أو مسلما، و دعوى عدم وجوب قتال الأول إلا للدفع أو الدعاء إلى الإسلام و الثاني إلا للدفع أو النهي عن المنكر، و لم يفعله، و ليس الفرض منه، يدفعها بعد كون الوجوب هنا بالعارض أن ذلك من الدفاع أيضا و من النهي عن المنكر و على كل حال فقد عرفت ان التحقيق كون المدار على الخوف المعتد به عند العقلاء، هذا، و في المدارك انما يسقط الحج مع الخوف إذا حصل في ابتداء السير أو في أثنائه، و الرجوع ليس بمخوف، أما لو تساويا مع المقام في الخوف احتمل ترجيح الذهاب لحصول المرجح فيه بالحج، و السقوط كما لو حصل ابتداء لفقد الشرط، و لعل الأول أقرب، و نحوه في الدروس من غير ترجيح، قلت:

قد يرجح الثاني بصدق عدم تخلية السرب و الخوف و عدم الاستطاعة، و اشتراك الرجوع و المقام معه في ذلك غير مناف، كما انه لا ينافيه ارتفاع الإثم عنه في ذهابه لتساوي الأحوال بالنسبة إليه، فإنه ليس المدار على سقوط الحج عنه بالخوف الذي يكون معه السير معصية، بل يكفي فيه صدق عدم تخلية السرب و الخوف و عدم الاستطاعة، فجواز المسير حينئذ هنا لا يقتضي الوجوب، فلا يكون حينئذ حج إسلام يجب عليه إنفاذه فتأمل جيدا.

و من حج و مات بعد الإحرام و دخول الحرم برئت ذمته بلا خلاف أجده فيه كما في المدارك و الحدائق و غيرهما، بل عن المنتهى الإجماع عليه، ل

صحيح بريد العجلي (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل خرج حاجا و معه جمل و له نفقة و زاد فمات في الطريق، قال: إن كان

صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجة الإسلام، و إن كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله و زاده و نفقته في حجة الإسلام، و إن فضل من ذلك شي ء فهو للورثة


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 296

إن لم يكن عليه دين قلت: أ رأيت إن كانت الحجة تطوعا ثم مات في الطريق قبل ان يحرم لمن يكون جمله و نفقته و ما معه قال: يكون جميع ما معه و ما ترك للورثة إلا ان يكون عليه دين فيقضي، أو يكون قد أوصى بوصية فينفذ ذلك لمن اوصى له، و يجعل ذلك من ثلثه»

و صحيح ضريس (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق فقال: إن مات في الحرم فقد أجزأت عن حجة الإسلام، و إن كان مات دون الحرم فليقض عنه وليه حجة الإسلام».

و قيل و القائل الشيخ و ابن إدريس في المحكي عنهما يجتزى بالإحرام و لا دليل له سوى ما قيل من انه يشعر به مفهوم

قوله (عليه السلام) في صحيح بريد:

«و إن كان مات قبل أن يحرم»

إلى آخره، و هو- مع معارضته بمفهوم الجزء الأول من الخبر و هو

قوله: «إن كان صرورة ثم مات في الحرم»

إلى آخره- معارض بما في

صحيح ضريس «و ان كان مات قبل الحرم»

بل و ب

صحيح زرارة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قلت: فان مات و هو محرم قبل ان ينتهي إلى مكة قال: يحج عنه إن كانت حجة الإسلام و يعتمر، انما هو شي ء عليه»

و بالمرسل (3)عن المقنعة عن الصادق (عليه السلام) «إن خرج حاجا فان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، و إن مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه»

فالمتجه الجمع بكفاية أحدهما في السقوط أو مشروعية القضاء، و به يتم المطلوب.

و من هنا كان الأول أظهر اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.

ج 17، ص: 297

اليقين، نعم مقتضاهما اعتبار الموت في الحرم، لكن في المدارك و الحدائق «إطلاق كلام المصنف و غيره يقتضي عدم الفرق في ذلك بين أن يموت في الحل أو الحرم محرما و محلا، كما لو مات بين الإحرامين» بل في الثاني «و به قطع المتأخرون، و لا بأس به» قلت: قد صرح بذلك في الدروس أيضا، لكن لا يخفى عليك ما

فيه من الاشكال بعد مخالفة الحكم للأصول التي يجب الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن، و هو الموت في الحرم، اللهم إلا أن يكون إجماعا كما هو مقتضى نسبته في الحدائق إلى الأصحاب، لكنه كما ترى، و من الغريب نسبته إلى إطلاق الأخبار فيها أيضا، نعم الظاهر عدم الفرق بين حج الافراد و القران و التمتع، و انه يجزي ذلك عن النسكين، بل ظاهر المدارك و الحدائق كون العمرة المفردة كذلك، بل ذلك من معقد نسبته إلى إطلاق المصنف و غيره في الأول، و الأصحاب و الأخبار في الثاني، و لعله لصدق اسم الحج، و لفحوى الاجتزاء به في عمرة التمتع.

ثم إن مقتضى الأمر بالقضاء فيهما كون موردهما من استقر في ذمته الوجوب، فيستفاد منه حينئذ الاجزاء في غيره ممن هو في عام الاستطاعة بالأولى و من هنا قال في المتن و إن كان قبل ذلك أي قبل الإحرام أو دخول الحرم قضيت عنه إن كانت مستقرة، و سقطت إن لم تكن كذلك اللهم إلا ان يقال بوجوب القضاء عليه أيضا، كما عن ظاهر المقنعة و النهاية و المبسوط، فيتجه حينئذ شمولهما لهما، لكن فيه منع واضح، ضرورة انكشاف عدم الاستطاعة بذلك، و ربما قيل بحمل الأمر فيهما على الندب، و لا بأس به، إلا أنه يبقى الاجزاء عمن استقر عليه بلا دليل، اللهم إلا أن يرشد اليه ما تسمعه إن شاء الله في حكم النائب من الاجتزاء بذلك فيه، و لعل الأولى تعميم الصحيحين (1)لهما،


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 و 2.

ج 17، ص: 298

و استعمال الأمر بالقضاء فيهما في القدر المشترك بين الندب و الوجوب، و من ذلك يعلم حينئذ اتحاد من استقر عليه الوجوب مع غيره في الاجتزاء بذلك عن النسكين أي الحج و العمرة، لظهور النصوص فيه، لكن في كشف اللثام في النفس منه شي ء، خصوصا في الافراد و القران، لاحتمال الصحيحين غير المستقر عليه، و غيرهما الاجتزاء عن النسك الذي أحرم به، و التحقيق ما عرفت، بل عن الشهيد القطع به فيه بل و في النائب أيضا، و الله العالم.

و كيف كان فلا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى في أنه يستقر الحج في الذمة إذا استكملت الشرائط فأهمل حتى فات، فيحج في زمن حياته و إن ذهبت الشرائط التي لا ينتفي معها أصل القدرة، و يقضى عنه بعد وفاته،

قال محمد بن مسلم (1): «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل مات و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها تقضى عنه قال: نعم»

و سماعة بن مهران (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص بها و هو موسر قال: يحج عنه من صلب ماله، لا يجوز غير ذلك»

إلى غير ذلك.

انما الكلام فيما به يتحقق الاستقرار، فالمشهور نقلا و تحصيلا تحققه بمضي زمان يتمكن فيه الإتيان بجميع أفعال الحج مختارا مستجمعا للشرائط على حسب ما مر في استقرار وجوب الصلاة من غير فرق بين الأركان و غيرها، ضرورة اشتراط صحة التكليف بسعة الوقت لتمام ما كلف به، و إلا كان تكليفا بما لا يطاق، و لا بد من ملاحظة حال الاختيار في ذلك، فلا يجزي مضي وقت يسع فعل المضطر في استقرار الوجوب على المختار، فما عن العلامة من احتمال الاجتزاء فيه بمضي زمان يتمكن فيه من الإحرام و دخول الحرم في غير محله،


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.

ج 17، ص: 299

بل و كذا ما عن الشهيد من احتمال الاجتزاء بمضي زمان تتأدى به الأركان خاصة و هو مضي جزء من يوم النحر يمكن فيه الطوافان و السعي و ان حكي عن المهذب اختياره، ضرورة اختصاص ما دل على الاجتزاء بذلك و نحوه بمن تلبس بالفعل و صارت حاله هكذا، لا أن ذلك يكفي في تقدير تحقق الخطاب ابتداء، و قد تقدم في مباحث الطهارة و الصلاة تمام التحقيق في نظير المسألة من الفرق بين ابتداء الخطاب و غيره، و الفرق بين أول الوقت و آخره، و استقرار الخطاب لمن أدرك ركعة من آخره في ابتداء التكليف و عدمه، فلاحظ و تأمل.

و منه يعلم ما في المدارك، فإنه بعد ان ذكر خلو ما وقف عليه من الأخبار عن لفظ الاستقرار فضلا عما يتحقق به قال: «و انما اعتبر الأصحاب ذلك بناء على ان وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء، و انما يتحقق وجوبه بمضي زمان يمكن فيه الحج مستجمعا للشرائط، و يشكل بما بيناه مرارا من ان وجوب القضاء ليس تابعا لوجوب الأداء، و بأن المستفاد من كثير من الأخبار ترتيب القضاء على عدم الإتيان بالأداء مع توجه الخطاب به ظاهرا كما في صحيحي بريد و ضريس المتقدمين» إذ لا يخفى عليك ما فيه من عدم بناء ذلك على ذلك، بل للقاعدة العقلية و النقلية، و هي عدم صحة التكليف بفعل يقصر الوقت عن أدائه، و أما تبعية القضاء للأداء فالتحقيق فيها ان القضاء محتاج إلى أمر جديد، و لا يكفي في وجوبه خطاب الأداء كما هو محرر في محله، إلا ان الأصل في موضوع القضاء تدارك ما فات على المكلف بعد ان تحقق سبب وجوبه عليه، كما أومى إليه في

موثق أبي بصير(1)المتقدم في كتاب الصوم، قال: «سألته عن امرأة مرضت في شهر رمضان فماتت في شوال فأوصتني أن أقضي عنها قال: هل برئت


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 12.

ج 17، ص: 300

من مرضها؟ قلت: لا، ماتت فيه، قال: لا يقضى عنها فان الله لم يجعله عليها، قلت: فإني أشتهي ان أقضي عنها و قد أوصتني بذلك فقال: كيف تقضي شيئا لم يجعله الله عليها».

و خروج قضاء الحائض الصوم و نحوها عن ذلك بدليل خاص لا ينافي القاعدة المقتضية سقوط القضاء هنا عمن مات قبل الإحرام أو قبل دخول الحرم في عام الاستطاعة، ضرورة انكشاف عدم الوجوب عليه، فلا قضاء، و احتمال القول به هنا للخبرين السابقين ممكن لولا اعراض المعظم عنهما بالنسبة الى ذلك و حملهما على الندب، بل لم يحك العمل بمضمونهما إلا عن ظاهر نادر ممن عرفت، بل قيل: إنهما فيمن استقر الحج في ذمته كما دل عليه الحكم بالاجزاء عن حجة الإسلام ان مات في الحرم، و بقضاء الولي عنه ان مات دون الحرم، و من هنا قطع الأصحاب على ما اعترف به في المدارك بأن من حصل له الشرائط و تخلف عن الرفقة ثم مات قبل حج الناس لا يجب القضاء عنه، لتبين عدم استقرار الحج في ذمته بظهور عدم الاستطاعة، لكن في الحدائق «هذا موضع شك، حيث ان ترك الحج لم يقع بعذر شرعي، فيمكن ان يكون بتعمد التأخير مع وجوب ذلك عليه يستقر الحج في ذمته و ان لم يمض الزمان الذي يقع فيه المناسك، كما لو أفطر عمدا في شهر رمضان ثم سافر لإسقاط الكفارة و رفع الإثم، فإنه لا يوجب رفع الإثم و لا سقوط الكفارة» قلت: لا يخفى عليك ما فيه من كون الأمر ظاهريا، لمعلومية انتفاء الأمر في الواقع بانتفاء شرطه، و الإثم انما هو للإقدام على المخالفة، و اما القضاء و الكفارة المترتبان على مخالفة الأمر في الواقع فلا ريب في ان المتجه سقوطهما من هذه الجهة، نعم لو جاء دليل بالخصوص عليهما أو على أحدهما اتجه الحكم بوجوبهما كما هو واضح، و لمراعاة القاعدة المزبورة جزم الفاضل في المحكي من تذكرته بأن من تلف ماله قبل عود الحاج و قبل مضي إمكان عودهم

ج 17، ص: 301

لم يستقر الحج في ذمته، لأن نفقة الرجوع لا بد منها في الشرائط، و لكن أشكله في المدارك باحتمال بقاء المال لو سافر، و بأن فوات الاستطاعة بعد الفراغ من أفعال الحج لم يؤثر في سقوطه قطعا، و إلا لوجب اعادة الحج مع تلف المال في الرجوع أو حصول المرض الذي يشق معه السفر، و هو معلوم البطلان، قلت: قد يمنع معلومية بطلانه بناء على اعتبار الاستطاعة ذهابا و إيابا في الوجوب و الكافر يجب عليه الحج عندنا بل الإجماع بقسميه عليه، لشمول خطاب أدلة الفروع له خلافا لأبي حنيفة و لكن لا يصح منه ذلك ما دام كافرا كسائر العبادات و ان اعتقد وجوبه و فعله كما يفعله المسلم، لكون الإسلام شرطا في الصحة، و كذا لا يصح القضاء عنه لو مات، لعدم كونه أهلا للإبراء من ذلك و الإكرام، و عموم الأدلة له ممنوع، فيبقى أصل عدم مشروعية القضاء عنه سالما، نعم لو أسلم وجب عليه الإتيان به إذا استمرت الاستطاعة، و إلا لم يجب أيضا و ان فرض مضي أعوام عليه مستطيعا في الكفر، لأن الإسلام يجب ما قبله، لكن في المدارك يجب عليه ذلك في أظهر الوجهين، ثم قال:

و اعتبر العلامة في التذكرة في وجوب الحج استمرار الاستطاعة إلى زمان الإسلام، و هو غير واضح، قلت: بل الوجوب غير واضح، ضرورة كونه كالقضاء الذي يثبت عليه بفوات الفريضة، فإنه بالإسلام أيضا يسقط عنه، فكذلك وجوب الحج، و مرجعه الى الخطاب به حال كفره على وجه يتحقق به العقاب لو مات عليه، اما لو أسلم سقط عنه، لما عرفته من جب الإسلام ما قبله فإنه قد كان في حال أعظم من ذلك، فإذا غفره الله له غفر له ما دونه، و من ذلك يعلم انه لو فقد الاستطاعة قبل الإسلام أو بعده قبل وقته و مات قبل عودها لم يقض عنه، و لو أحرم لم يعتد بإحرامه حال كفره، كما لا يعتد بغيره من عباداته.

ج 17، ص: 302

فلو أحرم ثم أسلم في الأثناء أعاد الإحرام من الميقات، لفساد الأول، و لو لم يتمكن من العود الى الميقات أحرم من موضعه و لعله الى ذلك يرجع ما عن الخلاف من ان عليه الرجوع الى الميقات و الإحرام منه، فان لم يفعل و أحرم من موضعه و حج تم حجه، لا ان المراد عدم الوجوب، أو تحقق الإثم خاصة بعدم العود اليه مع الإمكان و لو أحرم بالحج كافرا و أدرك الاختياري من الوقوف بالمشعر مسلما لم يجزه إلا ان يستأنف إحراما آخر و لو فيه كما في القواعد و المسالك مع فرض عدم التمكن و في كشف اللثام ان قول المحقق و ان ضاق الوقت أحرم و لو بعرفات كأنه اقتصارا على حال من يدرك جميع الأفعال، و في المسالك كان حق العبارة و لو بالمشعر، لأنه أبعد ما يمكن فرض الإحرام منه، فيحسن دخول «لو» عليه بخلاف عرفة، و ان كان الإحرام منها جائزا، بل اولى به، و في المدارك هو جيد ان ثبت جواز استيناف الإحرام من المشعر، لكنه غير واضح كما سيجي ء تحقيقه، قلت: ستعرف وضوحه ان شاء الله.

ثم إن كان الحج إفرادا أو قرانا أتم حجه ثم اعتمر بعده، و إن كان فرضه التمتع و قد قدم عمرته ففي الاجتزاء بها أو العدول إلى الافراد وجهان، و في المدارك و جزم الشارح بالثاني منهما هنا، و قال: إن هذا من مواضع الضرورة المسوغة للعدول من التمتع إلى قسيميه، قلت: لكن ظاهر النصوص الأول، فالمتجه الجزم بالأول منهما كما عرفته في نظير المقام، بل عرفت غير ذلك أيضا مما يأتي هنا، فلاحظ و تأمل.

و لو حج المسلم ثم ارتد بعده ثم تاب لم يعد على الأصح للأصل بعد تحقق الامتثال، و عدم وجوب حج الإسلام في العمر إلا مرة، و قد حصلت، خلافا للمحكي عن الشيخ بناء منه على أن الارتداد يكشف عن عدم

ج 17، ص: 303

الإسلام في السابق، لأن الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم، و فيه أنه مخالف للوجدان، و لظواهر الكتاب و السنة، و آية الإحباط(1)انما تدل على عدم قبول عمل الكافر حال كفره لا ما عمله سابقا حال إسلامه، و مع التسليم فهو مشروط بالموافاة على الكفر كما هو مقتضى

الجمع بينها و بين الآية(2)الأخرى الدالة على ذلك، هذا كله مضافا إلى

قول أبي جعفر (عليه السلام) في خبر زرارة(3): «من كان مؤمنا فحج ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب يحسب له كل عمل صالح عمله و لا يبطل منه شي ء»

و نحوه غيره.

و لو لم يكن مستطيعا حال إسلامه فصار كذلك في حال ردته و لو عن فطرة بأن استصحبه غيره و حمله إلى مكة و المواقف وجب عليه الحج لاجتماع شرائطه و صح منه حج إسلام إذا تاب و لو كان عن فطرة بناء على قبولها منه، سواء استمرت استطاعته إلى ما بعد التوبة أو لا، إجراء له مجرى المسلم في ذلك لتشرفه بالإسلام أولا، و معرفة أحكامه التي منها الحج، و خبر الجب (4)انما هو في غيره، بل في القواعد «أنه لو مات أي المرتد بعد الاستطاعة أخرج من صلب تركته ما يحج به عنه و إن لم يتب على إشكال» لكن فيه ما عرفت من عدم براءة ذمته من ذلك، و عدم تأهله للإكرام، و دعوى شمول أدلة القضاء له و كون الحج كالدين يمكن منعها أيضا، فلعل الأقوى عدم


1- 1 سورة المائدة- الآية 7.
2- 2 سورة البقرة- الآية 214.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1.
4- 4 المستدرك- الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 و الخصائص الكبرى ج 1 ص 249.

ج 17، ص: 304

القضاء عنه، بل يقوى ذلك أيضا فيما لو كان مستطيعا قبل الارتداد ثم أهمل ثم ارتد و مات عليه، فتأمل.

و لو أحرم مسلما ثم ارتد ثم تاب لم يبطل إحرامه على الأصح لما عرفته في الحج من الأصل و غيره بعد عدم دخول الزمان في مفهومه كالصوم كي يتجه بطلانه بمضي جزء منه و لو يسيرا، و عدم ثبوت اشتراط الاتصال فيه كالصلاة كي يتجه بطلانه حينئذ بحصول المنافي للارتباط، بل هو أشبه شي ء بالوضوء و الغسل و نحوهما مما لا تبطل الردة ما وقع من أجزائهما إذا حصلت في أثنائهما، فإذا عاد إسلامه بنى حينئذ ما لم يحصل مبطل خارجي كالجفاف و نحوه كما تقدم تحقيق ذلك في محله، خلافا للمحكي عن الشيخ هنا أيضا، و قد عرفت ما فيه، بل ألزم هو نفسه هنا بأن المتجه على ذلك عدم لزوم قضاء ما فاته من الصلاة و الصوم مثلا حال الارتداد لو تاب، لكونه حينئذ من الكافر الأصلي، فلا قضاء عليه، لجب الإسلام ما قبله.

هذا كله في الكافر و المرتد و أما المخالف إذا استبصر فالمشهور أنه لا يعيد ما فعله من الحج على وفق مذهبه، للمعتبرة(1)المستفيضة التي قد ذكرنا شطرا منها في قضاء الصلاة؛ و شطرا آخر في الزكاة التي يجب حمل ما ظاهره الوجوب منها على الندب، لضعفها عن المعارضة من وجوه، و حينئذ فما عن ابني الجنيد و البراج من وجوب الإعادة عليه واضح الضعف، نعم في المتن و القواعد و الدروس و محكي المعتبر و المنتهى و التحرير إلا أن يخل بركن منه


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة و الباب 23 من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 305

بل في المدارك نسبته إلى الشيخ و أكثر الأصحاب، و هو متجه إذا كان المراد عندهم، ضرورة عدم الإتيان بالحج الذي هو شرط في سقوط الإعادة، فإن المنساق من النصوص المسقطة لذلك إذا كان قد جاء بالحج على وفق ما عندهم، و أما إذا كان المراد عندنا كما صرح به في الكتب السابقة فمشكل جدا كما اعترف به غير واحد من متأخري المتأخرين، خصوصا بعد عدم كون الحكم في الصلاة كذلك، و الفرق بينهما في غاية الإشكال، مضافا إلى مخالفة ما هنا لإطلاق النصوص الذي به قد خرجنا عن قاعدة الإعادة و إن كان الفعل فاسدا كما تقدم ذلك في قضاء الصلاة.

لكن قد يقال هنا إن المراد بتقييد الركن عندنا الصحة لو أخل بما هو ركن عندهم لا عندنا كالحلق، لا أن المراد وجوب الإعادة بالإخلال بركن عندنا و إن لم يكن ركنا عندهم، إذ الظاهر ركنية كل ما كان ركنا عندنا عندهم كما اعترف به في الذكرى، فلا يمكن حينئذ فرض ذلك، و حينئذ يكون المراد تكثير ما يحكم بصحته من فعلهم لا تقليله كي يتجه عليه الإشكال بأن إطلاق النصوص يقتضي الصحة و إن أخل بالركن عندنا، كما أنه يكون حينئذ لا فرق بينه و بين الصلاة، فإن الظاهر سقوط القضاء إذا جاء بها تاركا فيها لما يفسد تركه عندهم و لا يفسد عندنا إذا فرض وقوعها منه على وجه لا ينافي التقرب و ان فقدت النية المفسد تركها عند الجميع، فيرتفع الإشكال حينئذ من أصله.

و لعل الذي دعاهم إلى هذا التقييد هنا دون الصلاة هو ما عرفته من أن كل ركن عندنا ركن عندهم و لا عكس، بخلاف الصلاة فإن وجوه المخالفة بيننا في التروك و الأفعال متكثرة، و قد أرادوا بذلك بيان سقوط الإعادة هنا عنه إذا كان قد جاء بالفعل و قد ترك ما هو ركن عندهم لا عندنا، و الفرض انه استبصر، لا أن المراد ثبوت الإعادة عليه بتركه ما هو ركن عندنا و ليس ركنا عندهم كي

ج 17، ص: 306

يتجه عليه الإشكال بأن إطلاق النصوص يقتضي الصحة في هذا الفرد، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع.

بل قد ينقدح منه قوة القول بصحة عبادة المستبصر التي قد جاء بها قبل استبصاره على وفق ما عند الشيعة إذا فرض كونها على وجه لا ينافي التقرب، بل يدعى القطع، ضرورة أولويته من سقوط القضاء و الإعادة عنه بالفعل المخالف لهم الذي هو فاسد في الواقع، و التردد الذي وقع من بعضهم انما هو في عبادة المخالف الباقي على خلافه إذا جاء بها على وفق ما عند أهل الحق و فرض كونها على وجه لا ينافي النية منه من كونه مكلفا بالفروع و قد جاء بتكليفه فيتحقق امتثاله و من كون الايمان شرطا فيعتبر في الصحة وقوع ذلك الفعل به لا له أم زمانه (1)فلا تجزيه الإصابة الاتفاقية، و إلا لاستحق الثواب الأخروي على فعله بمقتضى الوعد

المعلوم حرمانه منه بالضرورة من المذهب، فتأمل جيدا.

ثم إن هذا السقوط عنه لانكشاف صحة فعله بالايمان المتأخر أو أنه تفضل من الله تعالى، قد أطنب في الحدائق تبعا للمدارك في ترجيح الثاني مستدلين عليه بما دل (2)على بطلان عبادة المخالف، و انها هي الهباء المنثور، و الرماد الذي اشتدت به الريح، و السراب الذي يحسبه الظمآن ماء، و غير ذلك مما ورد فيهم، و فيه ان القائل بالأول لا يلتزم صحة عباداتهم مع بقائهم على خلافهم إلى الموت، بل المراد صحة خصوص من تعقبه الايمان منهم، فيكون الشرط في الصحة حينئذ حصوله مقارنا أو متأخرا، و لما كان علم الله تعالى بما يكون كعلمه بما كان


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لعل الصواب« وقوع ذلك الفعل بدلالة إمام زمانه».
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 1 و المستدرك- الباب- 27 منها- الحديث 61 و 64 و تفسير البرهان- سورة النور الآية 39.

ج 17، ص: 307

و قد علم تعقبه للايمان فهو صحيح من أول وقوعه و إن كنا نحن لم نعلم به لجهلنا بحصول الشرط، و يؤيد ذلك ما في نصوص المقام (1)من أنه إذا استبصر يؤجر على عمله الذي عمله حال خلافه، فإن الأجر عليه يقتضي صحته، و لا استبعاد في الحكم بصحته في هذا الحال و إن كان هو على خلاف ما عليه أهل الحق، كالفعل الموافق للتقية، و هو قوي جدا، بل هو المحكي عن الفاضل في المختلف و خيرة الفاضل الطباطبائي.

كما أنه يقوى بملاحظة النصوص و اشتمالها على الناصب و الحرورية و نحوهم من الفرق المحكوم بكفرها لغلوها أو لكونها من الخوارج عدم الفرق في الحكم المزبور بين جميع فرق المسلمين و إن كان بعضهم كافرا بل و إن كان مرتدا عن فطرة، فما عن العلامة من قصر الحكم على من لم يكن كافرا منهم في غير محله، لا لشمول المخالف لهم نصا و فتوى، فإنه قد يقال بكون المنساق منه من حيثية الخلاف لا إذا انضمت اليه حيثية الكفر، بل لما سمعته من النصوص السابقة.

نعم ينبغي قصر الحكم على خصوص هذه الفرق، فلا يلحق بهم المحق الجاهل إذا وقع حجه مثلا على وفق أهل الخلاف ثم بان له بعد ذلك الواقع، و إن تردد فيه في الدروس ظنا منه أن ذلك أولى من صحة عبادة المخالف المخالفة للواقع مع مخالفة اعتقاد الفاعل، لكنه كما ترى قياس لا نقول به، ضرورة عدم وصول العقل إلى هذه الأولوية، و ليس في النصوص إشارة إلى علة يمكن جريانها في الفرض كما هو واضح، فيتجه حينئذ بقاؤها على مقتضى القواعد، و دعوى اقتضائها الصحة لقاعدة الاجزاء قد فرغنا من بيان فسادها في الأصول.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة و الباب 23 من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 308

و كيف كان ف هل الرجوع إلى كفاية للمعيشة من صناعة أو مال أو حرفة أو ضيعة أو نحو ذلك شرط في وجوب الحج؟ قيل و القائل الشيخان و الحلبيان و ابنا حمزة و سعيد و جماعة نعم يشترط، بل عن الخلاف و الغنية الإجماع عليه ل لأصل و الحرج و رواية أبي الربيع

الشامي (1)«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ»- الآية- فقال: ما يقول الناس؟ قال: فقيل: الزاد و الراحلة، قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): قد سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن هذا فقال: هلك الناس إذا لئن كان من كان له زاد و راحلة قدر ما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس ينطلق إليهم فيسلبهم إياه لقد هلكوا، فقيل له: فما السبيل؟ قال: فقال: السعة في المال إذا كان يحج ببعض و يبقى بعضا يقوت به عياله، أ ليس قد فرض الله الزكاة فلم يجعلها إلا على من يملك مائتي درهم» و عن بعض النسخ «ينطلق اليه» كما عن المقنعة روايته «هلك الناس إذا كان من له زاد و راحلة لا يملك غيرهما أو مقدار ذلك مما يقوت به عياله و يستغني به عن الناس فقد وجب عليه أن يحج بذلك ثم يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا، فقيل له: فما السبيل عندك؟

فقال: السعة في المال، و هو أن يكون معه ما يحج ببعضه و يبقى بعض يقوت به نفسه و عياله»

و خبر الأعمش (2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا في تفسير السبيل «هو الزاد و الراحلة مع صحة البدن، و أن يكون للإنسان ما يخلفه على عياله و ما يرجع اليه من حجه»

و غيرهما من بعض (3)الأخبار المرسلة.

و قيل و القائل المرتضى و ابن إدريس و ابنا أبي عقيل و الجنيد


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.

ج 17، ص: 309

و المتأخرون لا يشترط، بل نسبه غير واحد إلى الأكثر، بل الشهرة عملا بعموم الآية و النصوص لصدق اسمهما بدونه لغة و عرفا و هو الأولى و بذلك ينقطع الأصل، كما أن من الواضح عدم الحرج خصوصا بعد ملاحظة ما ضمنه الله من الرزق، و منع الإجماع سيما مع ملاحظة ذهاب من عرفت إلى خلافه، و عدم دلالة الخبر بعد الطعن في سنده، بل لعله على عكس ذلك أدل حتى على زيادة المقنعة، و دعوى ظهور إرادة ذلك من قوت نفسه باعتبار معلومية إرادة ما بعد رجوعه- ك

قوله (عليه السلام): «يرجع فيسأل الناس بكفه»

أو دعوى إرادة ما يستمر تحصيل القوت منه لا مقدار ذهابه و إيابه، بل لعله المراد من كل رواية اشتملت على اعتبار ذلك، أو دعوى ظهور

قوله (عليه السلام): «أ ليس قد فرض الله»

إلى آخره، في اعتبار بقاء شي ء زائد على ما يكفيه للحج ذهابا و إيابا، و ليس هو إلا ما عند الخصم للإجماع على عدم غيره- كما ترى، إذ لا دلالة في الأول و الأخير على اعتبار ما ذكروه من مقدار الكفاية الظاهر بعد عدم التقييد بسنة أو بما دونها في إرادة الدوام و الاستمرار عادة بأن تكون له صنعة أو عقار يكفيه نماؤه أو نحو ذلك مما يتخذه الإنسان معاشا، و من المعلوم عدم استفادة ذلك من الخبر المزبور، و تتميمه بالإجماع كما هو مقتضى الدعوى الثالثة ليس بأولى من طرحه، لاشتماله على ما لا يقول به الجميع، ضرورة أن تحميله إرادة مقدار الكفاية بالمعنى المزبور مما فيه مما يكاد يقطع بعدمه، فلا يصلح حينئذ لتقرير الاستدلال به، فتأمل.

و ما عن بعض المراسيل (1)من التنصيص على ذلك لا جابر له، كما أنه لا ظهور في خبر المقام في إرادة الاستمرار مما فيه من اعتبار التقوت و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.

ج 17، ص: 310

هو محتملا، لكن لا يخفى عليك أن مجرد الاحتمال لا يكفي في الاستدلال، خصوصا في مثل المقام المخالف لإطلاق الكتاب و السنة، على أنه من المستبعد جدا عدم وجوب الحج على من يملك جملة وافرة من أعيان الدراهم التي لا يزيد نماؤها على مقدار كفايته، و إن كان لو أراد صرفها عينها تقوم به و بحجه سنين و كذا من عنده عقار كذلك، كما أنه من المستبعد عدم ذكر ذلك في المستثنيات السابقة التي لا ينكر ظهور كلامهم في ذلك المقام في الاقتصار على مستثنيات الدين على إشكال في بعضها، بل من المستبعد أيضا اشتراط الغنى في وجوب الحج الذي هو مقتضى هذا الشرط، بل فيه زيادة على الغنى، مع أن مقتضى النصوص أعم من ذلك، فرب

فقير لا يملك قوت سنته يجب عليه الحج، لاستطاعته، و رب غني يملكها لا يجب عليه؛ لعدم استطاعته له إلا بإنفاق ما يجب عليه مما عرفت استثناءه، و لعل هذا هو المراد بخبر أبي الربيع على معنى عدم كفاية نفس الغنى في الوجوب، بل لا بد من اعتبار ما يزيد على ذلك، ضرورة تحققه بملك قوت السنة فعلا أو قوة، و مثل ذلك قد لا يكفي في وجوب الحج، كما هو واضح.

و كيف كان فلا خلاف كما لا إشكال نصا و فتوى في أنه لو اجتمعت الشرائط فحج متسكعا أو حج ماشيا أو حج في نفقة غيره أجزأه عن الفرض بل الإجماع بقسميه عليه، ضرورة صدق الامتثال، و عدم وجوب صرف المال إلا للتوقف عليه، و بذلك يفرق بينه و بين من حج متسكعا قبل حصول الشرائط، لعدم الأمر حينئذ، فلا امتثال، بل هو كالصلاة قبل وقتها.

و على كل حال ف من وجب عليه الحج أو ندب فالمشي للحج خضوعا و خشوعا و طلبا للأحمز من حيث كونه مشيا أفضل له من الركوب من حيث كونه ركوبا، وفاقا للمشهور بين الأصحاب، ل

قول الصادق (عليه السلام) في

ج 17، ص: 311

خبر ابن سنان (1)و غيره: «ما عبد الله بشي ء أشد من المشي و لا أفضل»

و المراد إلى بيته، ل

قوله (عليه السلام) في مرسل أبي الربيع (2)المروي عن كتاب ثواب الأعمال: «ما عبد الله بشي ء مثل الصمت و المشي إلى بيته»

و مرسل الفقيه (3)«روي انه ما تقرب العبد إلى الله عز و جل بشي ء أحب إليه من المشي إلى بيته الحرام على القدمين»

و قد

سئل أبو عبد الله (عليه السلام)(4)«عن فضل المشي فقال:

إن الحسن بن علي (عليهما السلام) قاسم ربه ثلاث مرات حتى نعلا و نعلا و ثوبا و ثوبا و دينارا و دينارا، و حج عشرين حجة ماشيا»

و قال أيضا في خبر أسامة(5): «خرج الحسن بن علي (عليهما السلام) إلى مكة ماشيا فورمت قدماه، فقال له بعض مواليه: لو ركبت لسكن عنك هذا الألم، فقال: كلا»

الحديث. و في

خبر أبي المنكدر(6)عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال ابن عباس:

ما ندمت على شي ء صنعته ندمي على أن لم أحج ماشيا، لأني سمعت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقول: من حج بيت الله ماشيا كتب الله له ستة آلاف حسنة من حسنات الحرم، قيل: يا رسول الله و ما حسنات الحرم؟ قال: حسنة بألف ألف حسنة، و

قال: فضل المشاة في الحج كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم، و كان علي بن الحسين (عليهما السلام) يمشي إلى الحج و دابته تقاد وراءه».


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج الحديث 6 مرسل الربيع بن محمد المسلمي.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج- الحديث 8 و هو عن أبي أسامة كما في أصول الكافي ج 1 ص 463.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب وجوب الحج- الحديث 9 مع الاختلاف فيه.

ج 17، ص: 312

أما المشي لا لذلك بل ليكون أقل لنفقته فلا ريب في ان الركوب أفضل منه مع يساره، ل

قول أبي عبد الله (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1): و قد سئل عن المشي أفضل أو الركوب: «إن كان الرجل موسرا فيمشي ليكون أقل لنفقته فالركوب أفضل»

و لعله دفعا للشح و صرفا للمال في طريق الحج و عدم الثواب في المشي في الفرض أصلا، كما انه قد يقترن الركوب بما يترجح به على المشي كالقوة على العبادة و العجلة إليها، أو دفع النقص عنه بتخيل الشح و القلة من الأعداء و الحساد و نحو ذلك، كما أومأ إليه

خبر هشام بن سالم (2)قال: «دخلنا على أبي عبد الله (عليه السلام) أنا و عنبسة بن مصعب و بضعة عشر رجلا من أصحابنا فقلت:

جعلني الله فداك أيما أفضل المشي أو الركوب؟ فقال: ما عبد الله بشي ء أفضل من المشي، فقلنا: أيما أفضل يركب إلى مكة فيعجل فيقيم بها إلى ان يقدم الماشي أو يمشي؟ فقال: الركوب أفضل»

و خبر عبد الله بن بكير(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا نريد الخروج إلى مكة مشاة فقال: لا تمشوا و اركبوا، فقلت: أصلحك الله بلغنا ان الحسن بن علي (عليهما السلام) حج عشرين حجة ماشيا، فقال: إن الحسن بن علي (عليهما السلام) كان يمشي و تساق معه محامله و رجاله»

و خبر سيف التمار(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنا كنا نحج مشاة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج- الحديث 10.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 32- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2 و ذيله في الباب 33 منها- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5 مع الاختلاف في اللفظ، و رواه في التهذيب ج 5 ص 478 الرقم 1690 بعين ما ذكر في الجواهر.

ج 17، ص: 313

فبلغنا عنك شي ء فما ترى؟ فقال: إن الناس يحجون مشاة و يركبون، قلت:

فليس عن هذا أسألك فقال: فعن أي شي ء سألت؟ قلت: أيهما أحب إليك ان نصنع؟ قال: تركبون أحب إلى، فان ذلك أقوى لكم في الدعاء و العبادة».

و إلى هذا الأخير أومأ المصنف بقوله إذا لم يضعفه أي المشي و مع الضعف الركوب أفضل نحو ما سمعته في صوم عرفة، و لا يتوهم من ذلك أفضلية الركوب من حيث كونه ركوبا، و ذلك حكمة له، بل المراد ضم مرجح له، بل لعل ما ورد في جملة من النصوص (1)من أفضليته على المشي معللة له بأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قد ركب محمول على ذلك، بمعنى أن من

ركب ملاحظا للتأسي برسول الله (صلى الله عليه و آله) قد يترجح ركوبه على مشيه، و بذلك يتضح لك عدم التعارض بين النصوص، و أنه لا حاجة إلى ما أطنبوا به من تعدد صور الجمع، حتى ذهب إلى كل بعض، ضرورة معلومية رجحان المشي من حيث كونه مشيا، بل لعله ضروري، و أن المراد بما دل على رجحان الركوب عليه من النصوص انما هو من حيث اقتران بعض المرجحات به، فهو من باب دوران المستحبات و ترجيح بعضها على بعض، لا أن الركوب من حيث كونه ركوبا أفضل من المشي من حيث كونه مشيا، فان ذلك مقطوع بفساده، بل لا ينبغي للفقيه احتماله، و مثله الكلام في المشي إلى المشاهد، خصوصا (مشهد ظ) سيدي و مولاي أبا عبد الله الحسين (عليه السلام)، و الله العالم.

[مسائل أربع]
اشاره

مسائل أربع:

[المسألة الأولى إذا استقر الحج في ذمته ثم مات]

الأولى إذا استقر الحج في ذمته ثم لم يفعله- و المراد به ما يعم النسكين و أحدهما، فقد تستقر العمرة وحدها، و قد يستقر الحج وحده و قد يستقران- فعله متى تمكن منه على الفور و لو متسكعا بلا خلاف أجده فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 و 2 و 4 و 8.

ج 17، ص: 314

و لا إشكال، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص دالة عليه، بل لعله المراد من

خبر أبي بصير(1)الذي سأل الصادق (عليه السلام) فيه عن قول الله عز و جل «وَ لِلَّهِ»- إلى آخره- فقال: يخرج و يمشي إن لم يكن عنده مال، قال: لا يقدر على المشي قال: يمشي و يركب، قال: لا يقدر على ذلك يعني المشي قال: يخدم القوم و يخرج معهم»

فان لم يفعل حتى مات و لو لعدم تمكنه قضي عنه أي فعل عنه من أصل تركته كسائر الديون لا من الثلث بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه أيضا، خلافا لأبي حنيفة و مالك و الشعبي و النخعي،

قال الصادق (عليه السلام) في حسن الحلبي (2): «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله»

و سئل (عليه السلام) أيضا في خبر سماعة(3)«عن الرجل يموت و لم يحج حجة الإسلام و لم يوص أيضا و هو موسر قال: يحج عنه من صلب ماله لا يجوز غير ذلك»

فان كان عليه دين و لو خمس أو زكاة مثلا و وقت التركة بالجميع فلا إشكال و إن ضاقت أي التركة قسمت على الدين، و أجرة المثل بالحصص كما تقسم في الديون، لاشتراك الجميع في الثبوت و في التعلق بالمال، لاتفاق النص و الفتوى على كونه دينا أو بمنزلته، فما عن الشافعي- من تقديم الحج في قول، بل عن الجواهر احتماله، و في آخر تقديم الدين- في غير محله و إن مال إلى الأول في الحدائق

للحسن عن معاوية بن عمار(4)«قلت له:

رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة و عليه حجة الإسلام و ترك ثلاثمائة درهم


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 21- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 من كتاب الزكاة.

ج 17، ص: 315

و أوصى بحجة الإسلام و أن يقضى عنه دين الزكاة قال: يحج عنه من أقرب ما يكون و يرد الباقي في الزكاة»

قال: و مثلها ما رواه

الشيخ في التهذيب (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «في رجل مات و ترك ثلاثمائة درهم و عليه من الزكاة سبعمائة درهم فأوصى أن يحج عنه قال: يحج عنه من أقرب المواضع و يجعل ما بقي في الزكاة»

و فيه- بعد إعراض الأصحاب عنهما و قصور سند الثاني منهما و اختصاصهما بالزكاة- أنه يمكن كون ما ذكره فيهما مقتضى التوزيع أيضا، فلا إشكال حينئذ.

و لو كان قد استقر عليه كل من النسكين و وسع النصيب خصوص أحدهما صرف فيه، و إن وسع كل منهما تخير للتساوي في الاستقرار، و يحتمل تقديم الحج لكونه أهم في نظر الشارع، و تقديمه ممن عليه الافراد و القران خاصة، و تقديم العمرة ممن عليه التمتع خاصة، و

التخيير ممن عليه أحد الأنواع مخيرا، و قد يحتمل سقوطهما عمن عليه التمتع لدخول العمرة في حجه، و إن لم يف النصيب بشي ء من النسكين صرف في الدين لا فيما بقي به من الأفعال من طواف و وقوف لعدم التعبد بشي ء منها وحدها عدا الطواف، و احتمال إثبات مشروعية ذلك بقاعدة الميسور و «ما لا يدرك» قد بينا فساده في محله، على أن الظاهر قصر الاستدلال بها على ما يعضدها فيه كلام الأصحاب، لقصور سندها و عدم ثبوت كونها قاعدة، و كلام الأصحاب على الظاهر بخلافها هنا، بل لعل ظاهره كون الطواف أيضا كذلك، لإطلاقهم رجوع النصيب ميراثا بمجرد قصوره عن الحج أو العمرة، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان فقد ظهر لك ان تعلق الحج بالتركة على نحو تعلق الدين بها


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من كتاب الوصايا- الحديث 1.

ج 17، ص: 316

الذي تعرف البحث فيه إن شاء الله في محله على تقديري الاستيعاب و عدمه، كما انه يأتي أيضا إن شاء الله كيفية تعلق حق الوارث بالتركة، و انه مخالف لقواعد الشركة فيما لو أقر الوارث بوارث آخر، فان النص و الفتوى كما تسمعه إن شاء الله في كتاب الإقرار و غيره متطابقان على دفع الفاضل مما في يده إن كان لمن أقر له، لا انه يشاركه فيما في يده و إن كان مساويا له في الإرث، كما إذا أقر بأخ له و أنكره الآخر و كان الإرث لهما فإنه يدفع له ثلث ما في يده، و هو تكملة حصة المقر له الباقية عند المنكر، اما إذا لم يكن له في يده شي ء كما لو أقر الأخ لأم بأخ لأب فلا شي ء له، و كذا لو أقر لأخ آخر من الأم فإن لهما الثلث، و ليس في يد المقر إلا السدس، و هو نصيبه مع فرض الموافقة، فليس في يده أزيد من نصيبه كي يدفعه إلى من أقر له، و لا ريب في مخالفة ذلك لقواعد الشركة التي مقتضاها التساوي في الحاصل و التالف لهما و عليهما، كما لو أقر أحد الشريكين في دار مثلا لآخر بالشركة معهما على السوية و أنكر الآخر و قاسم المقر بالنصف كان النصف بينهما بالسوية، تنزيلا للإقرار على الإشاعة، بخلافه في الإقرار بالوارث، و قد تجشمنا وجها للفرق بينهما في غير المقام، إلا ان الانصاف كون الفارق النص و الفتوى.

و نحو ذلك في مخالفة القواعد إقرار الوارث بالدين و إنكار شركائه، فإنه لا يمضي إلا على مقدار حصته و إن استوعبها، كما لو ترك الميت ابنين و بنتا و ألفا مثلا و أقر أحد الولدين بألف دينا فإنه يدفع جميع ما في يده من الألف و هو أربعمائة للمقر له، لأنه لا إرث له باعترافه، اما إذا أقر بخمسمائة فإنه يدفع مما في يده مائتين، لأنه الذي تعلق بنصيبه من الدين الذي هو موزع على ما في يده و يد أخيه و أخته بلا خلاف محقق معتد به أجده في شي ء من ذلك عندنا نصا و فتوى، نعم يحكى عن الشافعي وجوب دفع جميع ما في يده في الدين، لأنه

ج 17، ص: 317

لا إرث إلا بعده، و لا ريب في بطلانه، و مثل ذلك يأتي في الحج الذي قد عرفت كونه من الدين أيضا.

لكن ذلك كله في إقرار الوارث بوارث أو دين، أما إذا أقر الديان لآخر بدين و إرثا كان أو غيره و فرض استيعابه للتركة على تقدير موافقة الشريك و كذا لو أقر بحج أيضا فالذي تقتضيه قاعدة تنزيل الإقرار على الإشاعة قسمة الحاصل في يد المقر من دينه على حسب دينهما معا، و ربما يشهد له ما رواه

الصدوق في الفقيه عن محمد بن أبي عمير متصلا بالحكم بن عتيبة(1)قال: «كنا على باب أبي جعفر (عليه السلام) و نحن جماعة ننتظر أن يخرج إذ جاءت امرأة فقالت:

أيكم أبو جعفر؟ فقال لها القوم: ما تريدين منه؟ فقالت: أسأله عن مسألة، فقالوا لها: هذا فقيه أهل العراق فاسأليه، فقالت: إن زوجي مات و ترك ألف درهم و كان لي عليه من صداقي خمسمائة درهم، فأخذت صداقي و أخذت ميراثي ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له، قال الحكم: فبينما أنا أحسب إذ خرج أبو جعفر (عليه السلام) فقال: ما هذا الذي أراك تحرك به أصابعك يا حكم؟ فقلت:

إن هذه المرأة ذكرت أن زوجها مات و ترك ألف درهم و أن لها عليه من صداقها خمسمائة درهم و أخذت ميراثها ثم جاء رجل فادعى عليه ألف درهم فشهدت له، قال الحكم: فو الله ما أتممت الكلام حتى قال: أقرت بثلثي ما في يدها و لا

ميراث لها قال الحكم: فما رأيت و الله أفهم من أبي جعفر (عليه السلام) قط»

قال ابن أبي عمير:

و تفسير ذلك انه لا ميراث لها حتى تقضي الدين، و انما ترك ألف درهم و عليه من الدين ألف و خمسمائة درهم لها و للرجل، فلها ثلث الألف، لأن لها خمسمائة درهم


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من كتاب الوصايا- الحديث 8 مع الاختلاف في الألفاظ و رواه في الفقيه ج 4 ص 166 الرقم 579 بعين ما ذكر في الجواهر.

ج 17، ص: 318

و للرجل ألف درهم، فله ثلثاها، و هو صريح فيما ذكرناه مما هو موافق للقاعدة المزبورة التي مقتضاها أن تركة الميت نحو مال المفلس في كونها أسوة الغرماء، و كذا رواه الشيخ في بعض نسخ التهذيب، بل مقتضى ذلك عدم الفرق بين كون الدين مستوعبا أم لا، و إن كان له الرجوع فيما قبضته حينئذ إرثا على مقدار ما يخصه من الدين، بخلاف ما قبضته من الدين، فإنه يقسم بين المقر و المقر له على حسب دينهما، لكن رواه في الكافي في كتاب الوصايا و كتاب المواريث «أقرت بثلث ما في يدها» حاكيا في الأول منهما ما سمعته من تفسير ابن أبي عمير و في الثاني منهما أيضا عن الفضل بن شاذان (1)ما نصه «و تفسير ذلك ان الذي على الزوج صار ألفا و خمسمائة درهم، للرجل ألف، و لها خمسمائة، و هو ثلث الدين و انما جاز إقرارها في حصتها، فلها مما ترك الميت الثلث، و للرجل الثلثان،

فصار لها مما في يدها الثلث، و يرد الثلثان على الرجل، و الدين استغرق المال كله، فلم يبق شي ء يكون لها من ذلك الميراث، و لا يجوز إقرارها في حق غيرها» و هما كما ترى لا يتمان خصوصا الثاني منهما إلا على كون الرواية ثلثي ما في يدها لا ثلث، و من هنا قال في الدروس- بعد أن روى الخبر المزبور كما سمعته من الصدوق قدس سره ثم حكى عن الكليني ما سمعته من الفضل:- قلت: «هذا مبني على أن الإقرار يبنى على الإشاعة و ان إقراره لا ينفذ في حق الغير، و الثاني لا نزاع فيه، و اما الأول فظاهر الأصحاب أن الإقرار انما يمضى على قدر ما زاد عن حق المقر بزعمه، كما لو أقر بمن هو مساو له، فإنه يعطيه ما فضل عن نصيبه و لا يقاسمه فحينئذ يكون قد أقرت بثلث ما في يدها، أعني خمسمائة، لأن لها بزعمها و زعمه ثلث الألف الذي هو ثلثا خمسمائة، فيستقر ملكها عليه، و يفضل معها ثلث خمسمائة


1- 1 الكافي ج 7 ص 168 الطبع الحديث.

ج 17، ص: 319

و إذا كانت أخذت شيئا بالإرث فهو بأسره مردود على المقر له، لأنه بزعمها ملك له، و الذي في التهذيب نقلا عن الفضل «لقد أقرت بثلث ما في يدها» رأيته بخط مصنفه، و كذا في الاستبصار، و هذا موافق لما قلناه، و ذكره

الشيخ (قدس سره) بسند آخر عن غير الفضل و عن غير الحكم متصلا بالفضل بن يسار(1)عنه (عليه السلام) «أقرت بذهاب ثلث مالها، و لا ميراث لها، تأخذ المرأة ثلثي خمسمائة، و ترد عليه ما بقي»

قلت: هو كذلك فيما حضرني من نسخ التهذيب المعتبرة و إن كان كتب في الهامش نسخة الثلث التي ينفيها خبر الفضل بن يسار المصرح بما سمعت مع زيادة، لأن إقرارها على نفسها بمنزلة البينة، لكن قد يقال إن هذا الخبر غير نقي السند بمحمد بن مروان، و الأول مع كون الراوي الحكم الذي هو من العامة في التهذيب عن السعدي عنه، و في الفقيه زكريا ابن يحيى السعدي، و في الكافي زكريا بن يحيى الشعيري، مضافا إلى ما سمعته من اختلاف متنه في الثلث و الثلثين، و ما ذكره الفضل و ابن أبي عمير في تفسيره و لا جابر إلا ما سمعته من النسبة إلى ظاهر الأصحاب التي لم نتحققها، إذ لم أعثر على من تعرض لمفروض المسألة و لا الخبر المزبور عداه قدس سره، نعم هو كذلك في الإقرار بوارث أو دين كما سمعت تفصيل الكلام فيه، و دعوى اتحاد الفرض مع ذلك واضحة المنع، فالمتجه حينئذ مراعاة قاعدة تنزيل الإقرار على الإشاعة نحو ما سمعته في إقرار أحد الشريكين، ضرورة اتحاد كيفية تعلق دين كل منهما بالتركة، كما ان الزعم من كل منهما متحد في استحقاق الثلث و الثلثين من الألف في مفروض الخبر، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط، و الله تعالى العالم.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من كتاب الوصايا- الحديث 9 عن الفضيل ابن يسار كما في التهذيب ج 9 ص 169 الرقم 691.

ج 17، ص: 320

[المسألة الثانية يقضى الحج من أقرب الأماكن]

المسألة الثانية يقضى الحج من أقرب الأماكن عند الأكثر، بل المشهور بل عن الغنية الإجماع عليه، و المراد به كما في المدارك «أقرب المواقيت إلى مكة إن أمكن الاستيجار منه، و إلا فمن غيره مراعيا الأقرب فالأقرب، فإن تعذر الاستيجار من احد المواقيت وجب الاستيجار من أقرب ما يمكن الحج منه إلى الميقات» و في القواعد «من أقرب الأماكن إلى الميقات» و مزجها في كشف اللثام قال: «و انما يجب أي الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مكة من بلده إلى الميقات فإن أمكن من الميقات لم يجب إلا منه، و إلا فمن الأقرب إليه فالأقرب، و لا يجب من بلد موته أو بلد استقراره عليه» قلت: الظاهر اتحاد المراد، و هو الحج عنه من أقرب الأماكن إلى مبدإ نسك الحج، فلو فرض عدم التمكن من ذلك إلا من بلده وجب، و لا يشكل ذلك بمنافاته لحق الوارث بعد إيجاب الشارع الحج من جميع ماله، و قد فرض توقفه على ذلك فيجب، بل الظاهر تقديمه على ما لو تمكن من الحج عنه من أدنى الحل أو من مكة مثلا أو نحو ذلك من مواقيت الاضطرار بمعنى دوران الأمر بين الحج عنه من بلده و بين مواقيت الاضطرار، فإنه يقدم الأول، كما هو واضح، بل الظاهر مراعاة مزاحمته للدين على هذا الوجه أيضا، إذ الاضطرار بالنسبة إلى الميت قصور ماله، و الفرض سعته، و تكون حينئذ الأجرة خارجة من الأصل على جميع الأقوال، و إلى هذا أومأ في المدارك بقوله:

«فلو اوصى بالحج من البلد فان قلنا بوجوبه كذلك من دون وصية كانت أجرة المثل لذلك خارجة من الأصل، و إن قلنا الواجب الحج من الميقات، كان ما زاد على أجرة ذلك محسوبا من الثلث إن أمكن الاستيجار من الميقات، و إلا وجب الإخراج من حيث يمكن، و كانت أجرة الجميع من الأصل كما هو واضح» فان المراد بقوله: «و إلا» إلى آخره ما أشرنا إليه، فمن الغريب إنكاره عليه في

ج 17، ص: 321

الحدائق و أطنابه في ذلك، و قوله: إني لا أفهم لهذه العبارة معنى صحيحا، فلاحظ و تأمل، نعم لو فرض عدم سعة ماله إلا للحج عنه من أدنى الحل أو من مكة وجب، لإطلاق الأدلة و خصوص

خبر علي بن يزيد صاحب السابري (1)قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بتركته أن أحج بها فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها، فقال (عليه السلام): ما صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها، فقال: ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان»

و الله العالم، و على كل حال فهذا أحد الأقوال في المسألة.

و قيل و القائل الشيخ و ابن إدريس و يحيى بن سعيد و غيرهم يستأجر من بلد الميت، و

قيل: إن اتسع المال فمن بلده و إلا فمن حيث أمكن و اختاره في الدروس، قال: «يقضى من أصل تركته من منزله، و لو ضاق المال فمن حيث أمكن و لو من الميقات على الأقوى» بل في المدارك إرجاع القول الأول إليه، قال: الموجود في كلام الأصحاب حتى في كلام المصنف في المعتبر أن في المسألة قولين، و قد جعل المصنف هنا الأقوال ثلاثة، و لا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين إلا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني، و لا نعرف بذلك قائلا، مع انه مخالف للروايات كلها، و تبعه على ذلك في الحدائق، لكن قد يناقش بإمكان عدم التزام سقوط الحج بل ينتقل إلى الحج من الميقات، و لا يجب الاستيجار من حيث أمكن كما هو مقتضى جملة من الروايات، و بذلك يتحقق الفرق بين القولين، أو يقال بوجوب التكميل من الولي مع القصور أو الحج عنه بنفسه كما يقتضيه إطلاق الوجوب، و كذا


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من كتاب الوصايا- الحديث 2.

ج 17، ص: 322

وجوب اختيار المتبرع بالحج عنه للنيابة حينئذ و إن وجب الحج من الميقات مع التعذر مطلقا.

و كيف كان ف الأول أشبه للأصل و محكي الإجماع و عدم اشتراط الحج بالمسير إلا عقلا، فهو على تقدير وجوبه واجب آخر لا دليل على وجوب قضائه، و لذا لو سار المستطيع في بلده إلى أحد المواقيت لا بنية الحج ثم أراده فأحرم صح و إن أساء بتأخير النية، و كذا لو أفاق المجنون عند الميقات بل لو قلنا بتبعية القضاء للأداء لم يجب هنا، ضرورة أن القول بذلك انما هو لتوهم تحليل الخطاب المتعلق بالأداء إلى إيجاب مطلق الفعل و إيجابه أداء، و من المعلوم أن دليل وجوب المقدمة لا يصلح لذلك، إذ هو انما يعقل في شأن المكلف بالأداء، على أن التبعية المزبورة على تقدير تسليمها انما تقتضي الوجوب من بلد الاستطاعة دون بلد المنزل و الموت، و لا ريب في بطلانه، اللهم إلا أن يقال إن ذلك كذلك إن لم ينتقل إلى ما هو أقرب منه إلى الميقات، و إلا وجب القضاء منه، إلا أن الجميع كما ترى شك في شك، و التحقيق ما عرفت، مضافا إلى إطلاق ما دل من المعتبرة المستفيضة(1)على وجوب القضاء من دون تقييد بناء على عدم انصرافه إلى خصوص البلد، بل قد يؤيد أيضا ب

صحيح حريز(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجة»

لو كان الطريق معتبرا لم ينف البأس عن ذلك، فان قوله: «من الكوفة» إن جعل متعلقا بقوله: «يحج عنه» كان من مسألة من استؤجر على طريق فحج على


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب وجوب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 323

غيره، و ستسمع الخلاف فيها، و مبنى الصحة على عدم اعتبار الطريق في الحج، و إن جعل صفة لرجل كان وجه الاستدلال فيه أنه لو كان الطريق معتبرا لوجب ملاحظة بلد من عليه الحج و إن أطلق في الإجارة، لانصراف ذلك اليه.

بل أيد أيضا ب

صحيح علي بن رئاب (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الإسلام فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهما قال: يحج عنه من بعض المواقيت التي وقتها رسول الله (صلى الله عليه و آله) من قرب»

باعتبار عدم استفصاله عن إمكان الحج بذلك من البلد أو غيره مما هو أبعد من الميقات، و إن كان قد يناقش بإمكان كون ذلك لظهور السؤال في قصور الخمسين عن الأزيد من الميقات و لو باعتبار العرف و العادة، بل لا بد من ارتكاب ذلك فيها، ضرورة كون السؤال في الوصية التي يعترف هذا المؤيد بتنزيلها على البلد، و إلا فمن حيث يمكن كما تسمعه في

خبر محمد بن أبي عبد الله (2)، و بخبر زكريا بن آدم (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل مات و أوصى بحجة أ يجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه فقال: ما كان دون الميقات فلا بأس»

و فيه أنه أيضا في الوصية، فيجب حمله على عدم سعة المال الموصى به للحج، ك

خبر عمر بن يزيد(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل أوصى بحجة فقال: تجزي من دون الميقات»

بقرينة

خبره الآخر(5)قال: «قلت له أيضا: رجل أوصى بحجة فلم تكفه قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3 عن محمد بن عبد الله كما في الكافي ج 4 ص 308 و هو الصحيح كما يأتي نقله كذلك في ص 327.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 6 مع الاختلاف في لفظهما.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 7 مع الاختلاف في لفظهما.

ج 17، ص: 324

فيقدمها فيحج من دون الميقات»

و خبر أبي سعيد(1)عمن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة قال: يحج بها رجل من حيث تبلغه»

بل لعله على ذلك يحمل

خبر محمد بن أبي عبد الله (2)«سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن رجل يموت فيوصي بالحج من أين يحج عنه؟ قال: على قدر ماله، إن وسعه ماله فمن منزله، و إن لم يسعه من منزله فمن الكوفة، و إن لم يسعه ماله من الكوفة فمن المدينة»

و صحيح الحلبي (3)عنه (عليه السلام) أيضا «و إن اوصى أن يحج عنه حجة الإسلام و لم يبلغ ماله ذلك فليحج عنه من بعض المواقيت».

لكن في المدارك بعد أن أوردهما دليلا للقائل باعتبار البلد أجاب عنهما بأنهما إنما تضمنا الحج من البلد مع الوصية، و لعل القرائن الحالية كانت دالة على إرادة الحج من البلد كما هو الظاهر من الوصية، عند الإطلاق في زماننا، فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية، و فيه إمكان منع فرق العرف بين قول الموصى: حجوا عني و بين قول الشارع: حجوا عنه في الانصراف إلى البلد و عدمه، فالمتجه الجواب عنهما بأن أخبار الوصية متدافعة على الظاهر، فمنها كخبر زكريا و غيره ما يقتضي الاجتزاء فيها بالحج من الميقات، و منها كهذين الخبرين ما يقتضي الحج


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب النيابة في الحج- الحديث 3 عن محمد بن عبد الله كما في الكافي ج 4 ص 308 و هو الصحيح كما يأتي نقله كذلك في ص 327.
3- 3 ذكره الشيخ في التهذيب في ذيل صحيح الحلبي المروي في ج 5 ص 405 الرقم 1410 و الظاهر أنه ليس من الصحيحة بل هو كلام الشيخ قدس سره فراجع.

ج 17، ص: 325

من البلد، و إلا فمن حيث يسع المال، و حمل الأخبار السابقة على عدم سعة المال ليس بأولى من حمل هذه الأخبار على الوصية بمال معين للحج، و لا أقل من تساوي الاحتمال، فيبطل الاستدلال بكل من القسمين على شي ء من الطرفين، و يرجع إلى القاعدة التي قد عرفت اقتضاءها الحج من الميقات، على انه لو سلم ترجيح الحمل الأول كان مقتضاه ذلك في خصوص الوصية، و لعله تعبد شرعي لا لفهم من العبارة المساوية لعبارة الشارع التي

مقتضاها الصدق بالحج من الميقات في الوصية و غيرها، على ان مفهوم صحيح الحلبي لا يدل إلا على عدم وجوب الحج من الميقات مع السعة في المال، بل يمكن حمل الأمر في المنطوق على الندب باعتبار وروده في مظنة الحظر، و بذلك ظهر لك أن الاستدلال بهذه النصوص على ما يقوله الخصم في غير محله، كالاستدلال عليه

بالمروي (1)عن مستطرفات السرائر من كتاب المسائل بسنده عن عدة من أصحابنا، قالوا: «قلنا لأبي الحسن (عليه السلام) يعني علي بن محمد (عليهما السلام): إن رجلا مات في الطريق و أوصى بحجته و ما بقي فهو لك، فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت، فهو أوفر للشي ء ان يبقى، و قال بعضهم: يحج عنه من حيث مات، فقال (عليه السلام):

يحج عنه من حيث مات»

إذ هو- مع انه يأتي فيه ما عرفت أيضا- يمكن فهم ذلك من وصيته بقرينة الحال، إذ الظاهر إرادة موته في طريق الحج، بل لعل الخبر أوصى بحجته أي بإتمام حجته.

و أغرب من ذلك كله الاستدلال عليه بالأخبار(2)السابقة في النيابة عمن لا يستطيع الحج بنفسه باعتبار اشتمالها على الأمر بتجهيز رجل يحج عنه الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 326

في إرادة الحج من البلد، إذ هو المناسب للتجهيز، و انه لا فرق بين النواب، و فيه بعد حرمة القياس ما عرفت من حمل تلك الأوامر على الندب، مع انها غير مساقة لبيان مثل ذلك.

و أغرب منه الاستدلال بأنه لما ثبت الوجوب عليه باستطاعته له بزاد و راحلة و غيرهما مما يتوقف عليه وجب القضاء عنه ميتا على الوجه الذي ثبت في ذمته، إذ هو كما ترى، ضرورة كون الوجوب عليه حيا كذلك للمقدمة لا أنه وجه للمأمور به، و هو الحج، و لذا لو وقع على وجه محرم أجزأه، و دعوى تعلق نفقة الطريق من البلد بعد موته بماله كالدين واضحة المنع، بل هي مصادرة، كوضوح فساد الاستدلال على اعتبار الطريق بمجموع هذه النصوص على وجه يبطل ما ذكرناه من القاعدة، فإنه كما ترى.

و من ذلك كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق و تعجب مما جاء به من التحقيق، حتى قال بعد الفراغ منه: و عليك بالتأمل الدقيق في هذا التحقيق الرشيق فإنه حقيق بأن يكتب بالتبر على الحداق لا بالحبر على الأوراق، إلا أن الألف بالمشهور سيما إذا زخرفت بالإجماعات شنشنة أخزمية، و طريقة لا تخلو من العصبية، فإنك إذا أحطت خبرا بما ذكرناه تعرف أن ذلك كله عجب بلا عجب، و هزء بلا سبب، نسأل الله تعالى العفو عنا و عنه، كما أنك تعرف فساد ما عن ابن إدريس من دعوى تواتر الأخبار بذلك، و لذا جزم المصنف في المعتبر بأنه غلط، قال: فانا لم نقف بذلك على خبر شاذ فضلا عن المتواتر، كل ذلك مضافا إلى إمكان الطعن في أسانيد النصوص المزبورة عدا صحيح الحلبي منها الذي عرفت الحال في دلالته، بل لو أغضينا عن ذلك كله باعتبار احتمال التأويل في أخبار الطرفين أمكن ترجيح أخبار المشهور بالإجماع المنقول و الأصل و غير ذلك.

و كيف كان فالمراد بالبلد على تقدير اعتباره بلد الاستيطان، لأنه المنساق

ج 17، ص: 327

من النص و الفتوى خصوصا من الإضافة فيهما، سيما خبر محمد بن عبد الله (1)لكن في المدارك الظاهر أن المراد بالبلد الذي يجب عليه الحج منه على القول به محل الموت حيث كان كما صرح به ابن إدريس، و دل عليه دليله، و هو و إن كان يؤيده أنه البلد التي هي منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه، ضرورة كونه مكلفا به من ذلك المكان، فيناب عنه منه، إلا أن ما حكاه عن ابن إدريس لم نتحققه، بل المحكي من عبارته يقتضي بلد الوطن و كذا دليله، بل لم نتحققه لغيره من أصحابنا، نعم ربما حكي عن بعض العامة، بل قد يناقش فيما ذكرناه توجيها بأنه لا تلازم بين خطابه به في ذلك المكان الذي كان من اتفاقيات الخطاب لا أنه ملاحظة في أصل الخطاب و بين قضائه منه، و انما الملاحظ في أصل خطابه بلد استيطانه، و لذا كان عليه مدار الاستطاعة، فالأقوى حينئذ اعتباره لا بلد الموت بل و لا بلد اليسار التي حصل وجوب الحج عليه فيها و ان احتمل أيضا، بل عن بعض العامة القول به.

و لو كان له موطنان كان الواجب من أقربهما كما عن التذكرة التصريح به، للصدق الذي يجمع به بين حق الوارث و الميت مثلا، و الظاهر كون المراد أن بلد الاستيطان أقل المجزي، و إلا فلو استؤجر عنه مما هو أبعد منه أجزأ قطعا نعم في اعتبار المرور عليه إشكال، و لعل صحيح حريز(2)يشهد للعدم، كما انه قد يشهد للاجزاء لو قضي عنه من الميقات بناء على القول بالوجوب من البلد و إن أثم الوارث حينئذ، و احتمال عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه يدفعه منع كونه وجها له بحيث يقتضي عدم الاجزاء عنه، و هل يملك حينئذ الوارث الزائد؟


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 328

وجهان، أقواهما العدم عند بعض الأفاضل، لأنه حق تعلق بالعين بمنزلة الدين، فلا يملكه الوارث، و فيه أن ذلك بمنزلة ما لو تبرع عنه متبرع بالحج أو بوفاء الدين، و من هنا اختاره في محكي الدروس، ثم على تقدير العدم لا تبرأ ذمة الوارث بالقضاء عنه ثانيا، لسقوط حجة الإسلام عنه، و لو لم يكن له مال أو كان و لم يخرج منه فتبرع عنه وليه أو غيره فحج عنه أجزأ بلا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى، بل ربما أشعر المحكي عن ابن الجنيد بوجوب ذلك على الولي، لإطلاق الأمر المحمول على الندب قطعا، ضرورة كونه لا يزيد على الدين كما صرح به في بعض النصوص، فيجري حينئذ فيه ما يجري فيه من براءة الذمة لو

وقع من الولي أو غيره، و عدم وجوبه على الولي إذا لم يكن للميت مال، و الله العالم.

[المسألة الثالثة من وجب عليه حجة الإسلام لا يحج عن الغير]

المسألة الثالثة من وجب عليه حجة الإسلام و كان متمكنا منها لا يحج عن غيره تبرعا أو ب اجارة بل و لا يحج تطوعا بلا خلاف أجده في الأول منهما، لا لأن الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضده على وجه يقتضي الفساد، فان التحقيق خلافه، و لا لكونه موقتا على وجه لا يصح فيه غيره كشهر رمضان، فان التحقيق عدم اقتضاء الفورية أصل التوقيت فضلا عن التوقيت على هذا الوجه، و ما عن المبسوط هنا من انه لو حج ندبا انقلبت حجة إسلام مقطوع بفساده، بل هو ل

خبر سعد بن أبي خلف (1)«سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الرجل الصرورة يحج عن الميت قال: نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به عن نفسه، فان كان له ما يحج به عن نفسه فليس يجزي عنه حتى يحج من ماله، و هي تجزي عن الميت إن كان للصرورة مال أو لم يكن له مال»


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 329

و صحيح سعيد(1)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الصرورة أ يحج عن الميت؟ فقال:

نعم إذا لم يجد الصرورة ما يحج به، و إن كان له مال فليس له ذلك حتى يحج من ماله، و هو يجزي عن الميت كان له مال أو لم يكن له مال»

لكن في المدارك «قد قطع الأصحاب بفساد التطوع و الحج عن الغير مع الاستطاعة و عدم الإتيان بالواجب، و هو انما يتم إذا ورد فيه نهي على الخصوص أو قلنا باقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن ضده الخاص، و ربما ظهر من صحيح سعد بن أبي خلف خلاف ذلك، و المسألة محل تردد» و لعله حمل

قوله (عليه السلام): «و هو يجزي»

إلى آخره على إرادة بيان الاجتزاء بنيابة الصرورة مطلقا سواء كان له مال أو لم يكن و إن كان يأثم على الأول الذي قد بينه (عليه السلام) بقوله: «إذا لم يجد» إلى آخره. و فيه أنه خلاف ظاهر قوله (عليه السلام): «لا يجزي عنه» و خلاف قاعدة اقتضاء النهي الفساد، بل هو عند التأمل تفكيك في الخبر، بل يقطع بعدم إرادته، و من هنا احتمل بعض المتأخرين كون المراد بقوله (عليه السلام): «و هو» إلى آخره إرادة بيان الاجتزاء بنيابته بعد الحج عن نفسه بماله، و لا ينافيه إطلاق الصرورة باعتبار ما كان عليه سابقا، و هو و إن تم به الاستدلال على المطلوب على هذا التقدير إلا أنه خلاف الظاهر، و لعل الأولى حمله على إرادة بيان الأحوال الثلاثة للنائب التي ستسمع تعرض الأصحاب لها، و هي عدم جواز النيابة مع خطابه بحجة الإسلام و تمكنه منها، و الجواز مع عدم خطابه أصلا أو مع خطابه و عدم تمكنه منها لتلف ماله مثلا، فالأول هو الذي أشار إليه بقوله (عليه السلام): «فان وجد» إلى آخره، و الثاني و الثالث أشار إليهما بقوله (عليه السلام): «و هو يجزي» إلى آخره، و المراد جواز نيابته و إن كان له مال في السابق و وجب عليه حج الإسلام إلا أنه لم يجده


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 330

حال النيابة، أو حمله على إرادة الجزء الأول من الحديث بالضمير دفعا لتوهم الراوي أن نيابته غير جائزة، و عود الضميرين المجرورين في آخر الحديث إلى الميت، يعني سواء كان على الميت حج واجب أو لم يكن، و حج عنه ندبا أو غير ذلك مما لا ينافي دلالته على المطلوب، و هو النهي عن النيابة مع اشتغال الذمة بحجة الإسلام و التمكن منها، و لعل ذلك هو المنشأ لاتفاق الأصحاب ظاهرا على ذلك، بل يمكن استفادة عدم جواز التطوع منه أيضا باعتبار إطلاق النهي عن النيابة التي منها تطوع الحج أيضا، كما لو كان متبرعا، على أن المنع منها يستلزم ذلك، كما أن جواز التطوع يستلزم جوازها، لأن كلما جاز للمكلف فعله جازت النيابة فيه إلا ما خرج بالدليل، فما عن خلاف الشيخ من أنه يأثم و يصح حجه في غير محله، بل قد يستفاد منه و لو بمعونة كلام الأصحاب بناء على إرادة المثال مما فيه عدم الفرق بين حج الإسلام و غيره من أفراد الحج الواجبة فورا بإجارة أو عهد أو يمين أو غيرها، و لذا قال المصنف و كذا من وجب عليه أي الحج بنذر مقتض للفورية أو إفساد و نحوهما مما كان وجوبه على الوجه المزبور، فلا يكون مدركه مسألة الضد التي هي محل خلاف، مع أن المسألة هنا وفاقية على الظاهر، فتأمل جيدا.

[المسألة الرابعة في توقف حج المرأة على المحرم و عدمه]

المسألة الرابعة قد عرفت سابقا أنه لا فرق في وجوب الحج بين الذكر و الأنثى و الخنثى بعد حصول سببه، ف لا يشترط حينئذ في وجوب الحج وجود المحرم في النساء مع عدم الحاجة إليه بل يكفي غلبة ظنها بالسلامة على نفسها و بعضها للرفقة مع ثقات و كونها مأمونة أو غير ذلك بلا خلاف أجده فيه بيننا، لصدق الاستطاعة بعد جواز خروجها مع عدم الخوف نصا و فتوى بدونه،

قال صفوان الجمال (1)لأبي عبد الله (عليه السلام): «قد عرفتني بعملي تأتيني


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 331

المرأة أعرفها بإسلامها و حبها إياكم و ولايتها لكم ليس لها محرم قال: إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها فإن المؤمن محرم المؤمنة، ثم تلا هذه، وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ(1)»

و قال الصادق (عليه السلام) في صحيح سليمان بن خالد(2): «في المرأة تريد الحج ليس معها محرم هل يصلح لها الحج؟ قال: نعم إذا كانت مأمونة»

و سأله معاوية بن عمار(3)أيضا «عن المرأة تحج بغير ولي فقال: لا بأس تخرج مع قوم ثقات»

و في خبره الآخر(4)«لا بأس و إن كان لها زوج أو أخ أو ابن أخ فأبوا أن يحجوا بها و ليس لهم سعة فلا ينبغي لها ان تقعد، و لا ينبغي لهم أن يمنعوها»

إلى غير ذلك من الأخبار.

نعم لو فرض توقف حجها عليه للخوف بدونه اعتبر حينئذ و إن لم يجب عليه الإجابة، و لو اقترح أجرة أو نحوها وجب عليها مع استطاعتها لذلك و إن كان أزيد من أجرة المثل، و إلا لم يجب الحج عليها، ضرورة كونه حينئذ كغيره من المقدمات التي فرض توقف الحج عليها و هل يجب عليها تحصيل أصل المحرم حال توقف الحج عليه فيجب عليها التزويج مثلا؟ إشكال، و لو ادعى الزوج الخوف عليها و أنكرت ذلك ففي الدروس عمل بشاهد الحال أو بالبينة، فإن انتفيا قدم قولها، و الأقرب أنه لا يمين عليها، و قال أيضا: و لو زعم الزوج انها غير مأمونة على نفسها و صدقته فالظاهر الاحتياج إلى المحرم، لأن في

رواية أبي بصير(5)و عبد الرحمن (6)«تحج بغير محرم إذا كانت مأمونة»

و إن اكذبته فأقام بينة بذلك أو شهدت به القرائن فكذلك، و إلا فالقول قولها، و هل يملك الزوج محقا منعها باطنا؟ نظر، و تبعه على ذلك كله في المدارك و الحدائق، لكن قد يشكل عدم اليمين عليها


1- 1 سورة التوبة- الآية 72.
2- 2 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 58- من أبواب وجوب الحج- الحديث 6.

ج 17، ص: 332

بعموم

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «البينة على المدعي و اليمين على من أنكر»

و دفعه بعدم الحق له عليها في هذا الحال فلا يمين له عليها يقتضي الإشكال في أصل سماع دعواه في ذلك باعتبار كونها هي المكلفة، و قد رفع الشارع سلطنته عنها مع حصول شرائط استطاعتها عندها، و كذا الإشكال في النظر الأخير بالنسبة إلى عدم جواز منعها باطنا، إذ مقتضى أحد وجهيه عدم جواز ذلك له و إن كان محقا في دعواه واقعا، و ما ذاك إلا لعدم السلطنة له و إن كانت غير مأمونة، و لو فرض الخلل في عرضه من ذلك سار معها حفظا لعرضه لا أنه يمنعها عن أداء تكليفها، على أن العرض مشترك بينه و بين غيره من أرحامها، و ظاهرهم اختصاص الدعوى بين الزوج و زوجته في ذلك، و لعله لأن حق البضع مختص به دون غيره، إلا ان ذلك يقتضي جواز المنع له باطنا، و يقتضي توجه اليمين له عليها، و دعوى كون

المراد من ذلك كله إثبات عدم استطاعتها- فليس لها الخروج بدون إذنه، لما ستعرفه من اختصاص سقوط السلطنة بالحج الواجب- يدفعها عدم اختصاص ذلك في المقام، مع أن ظاهرهم ذلك دونه بالنسبة إلى المال و نحوه من شرائط الاستطاعة و إن كان المتجه أن له ذلك باعتبار تعلق حق الاستمتاع و غيره فيها، لكن ينبغي حينئذ جريان حكم باقي الدعاوي عليها من اليمين مع الإنكار و المنع باطنا مع عدم الإثبات و نحو ذلك، كما ان المتجه عدم سماع دعواه لو أراد بها ما يقتضي عدم ائتمانها في نفسها على بعضها مثلا، فان ذلك انما يقتضي سيره معها لا انه يتسلط على منعها من الحج، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف لا يصح حجها تطوعا إلا بإذن زوجها إجماعا محكيا عن التذكرة، بل في المدارك نسبته إلى علمائنا أجمع، بل فيها عن المنتهى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 17، ص: 333

لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، و هو الحجة، مضافا إلى

موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: «سألته عن الامرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني مرة أخرى، إله أن يمنعها؟ قال: نعم، يقول لها: حقي عليك أعظم من حقك علي في ذا»

و منه يعلم الوجه في التوقف على الاذن، ضرورة تعلق حقه فيها بالاستمتاع و نحوه،

فليس لها فعل ما ينافي حقه من دون إذنه على حسب غيره من الحقوق، و اليه يرجع ما عن بعضهم من الاستدلال على المطلوب بأن حق الزوج واجب، فلا يجوز لها تفويته بما ليس بواجب، فما في المدارك- من المناقشة فيه بأنه انما يقتضي المنع من الحج إذا استلزم تفويت حق الزوج، و المدعى أعم- في غير محلها، ضرورة اقتضاء علقة الزوجية سلطنته على ذلك، كما يومي اليه قوله تعالى (2)«الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ» و الخبر المزبور، بل يومي اليه أيضا حق الإسكان الذي تعيينه إلى الزوج على أن الإحرام و الطواف و صلاته و السعي و نحوها منافية للاستمتاع الذي هو حقه، بل السفر نفسه منقص له و إن صاحبها، بل الظاهر ثبوت حقه في ذلك على وجه له المنع و إن كان ممنوعا من فعل الاستمتاع بمرض أو سفر أو إحرام أو نحو ذلك، و من هنا أطلق المنع في النص و الفتاوى و معقد الإجماع، و هذا، و في كشف اللثام بعد أن حكى عن التذكرة الإجماع على توقف حجها على الاذن قال:

«و لكن توقف سفرها على إذن الزوج يحتمل أن يكون لعلقة الزوجية الموجبة للسلطنة، و ان يكون لحق الإسكان الذي تعيينه إلى الزوج، و أن يكون لحق الاستمتاع، فعلى الأولين له منعها من مصاحبته في السفر، و احتمل على الثالث


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 سورة النساء- الآية 38.

ج 17، ص: 334

أيضا، لتطرق النقص إليه في السفر، و عليه دون الثاني له منع المتمتع بها، و على الأول

احتمال، قيل: لو سافر للحج ففي منع المتمتع بها ضعف لبقاء التمكين و تحقق بذل العوض، قيل: فهل له منعها عن الإحرام ندبا نظر، فان كان غير محرم فالظاهر له منعها تحصيلا لغرضه، و إن كان محرما فالظاهر لا يتحقق المنع من طرفه و ينسحب في المريض المدنف على ضعف، لإمكان إفاقته، مع تخيل مثل ذلك في المحرم، لإمكان صده أو حصره فيتحلل، و لكن ينبغي أن يحرما معا أو تحرم بعده، و أما الإحلال فيجوز تقدمها قطعا، و الظاهر جواز المقارنة، و هل لها تأخيره بتأخير المحلل أو المعد للتحلل؟ وجهان من فوات حق الزوج، و من ارتفاع حقه باحرامها الصحيح» قلت: قد عرفت التحقيق في ذلك و أن له التسلط على المنع، بل ليس لها الفعل إلا بالإذن مطلقا، لمنافاة نفس الفعل لحقه، و للآية و الخبر و غيرهما مما سمعت، فلا حاجة حينئذ إلى ما ذكره من التفريع و الترديد.

نعم لها ذلك في الواجب المضيق كيف كان لعدم الطاعة للمخلوق في معصية الخالق، و المعتبرة التي منها

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن امرأة لها زوج و هي صرورة لا يأذن لها في الحج قال: تحج و إن لم يأذن لها»

بل فيما رواه

الصدوق عن عبد الرحمن (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«تحج و إن رغم أنفه»

و في

صحيح معاوية بن وهب (3)«لا طاعة له عليها في حجة الإسلام و لا كرامة، تحج إن شاءت»

و في

صحيح محمد بن مسلم (4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن امرأة لم تحج و لها زوج و أبى ان يأذن لها في الحج فغاب زوجها هل لها ان تحج؟ فقال: لا طاعة له عليها في حجة الإسلام»

بل


1- 1 الوسائل- الباب- 59- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 59- من أبواب وجوب الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 59- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 59- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.

ج 17، ص: 335

ظاهر إطلاق المصنف و غيره و صريح المدارك عدم الفرق في الواجب بين المضيق و الموسع، و إن كان قد يشكل في الأخير بعد ظهور النصوص المزبورة في غيره بعدم الدليل على ترجيح الواجب الموسع على حقه المضيق، بل لعل مقتضى الأدلة خلافه، و من هنا حكى في المدارك عن بعضهم ان له المنع فيه الى محل التضييق، و لكن استضعفه، لأصالة عدم سلطنته عليها في ذلك و فيه انه يكفي فيه إطلاق أدلة وجوب الطاعة و تضييق حق الاستمتاع بها.

و كذا الكلام لو كانت في عدة رجعية في الحج المندوب و الواجب مضيقة و موسعة، لأنها بحكم الزوجة،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح منصور بن حازم (1): «المطلقة ان كانت صرورة حجت في عدتها، و ان كانت حجت فلا تحج حتى تنقضي عدتها»

و عليه يحمل إطلاق

صحيحة معاوية بن عمار(2)عنه (عليه السلام) أيضا «لا تحج المطلقة في عدتها»

و خبره (3)أيضا «المطلقة تحج في عدتها ان طابت نفس زوجها»

نعم في البائنة لها المبادرة في الحج المندوب في عدتها من دون إذنه لانقطاع عصمة الزوجية، فهي حينئذ كالمعتدة من الوفاة التي استفاضت النصوص في جواز حجها في العدة، ففي

موثق داود بن الحصين (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن المتوفى عنها زوجها قال:

تحج و ان كانت في عدتها»

و موثق زرارة(5)عنه (عليه السلام) أيضا سأله «عن التي


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 60- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب العدد- الحديث 2 من كتاب الطلاق.
4- 4 الوسائل- الباب- 61- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 61- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2 و ليس فيه قوله:« في عدتها» و هو موجود في الفقيه ج 2 ص 269 الرقم 1312.

ج 17، ص: 336

يتوفى عنها زوجها أ تحج في عدتها؟ قال: نعم»

و خبر أبي هلال (1)عنه (عليه السلام) أيضا فيها «تخرج إلى الحج و العمرة و لا تخرج التي تطلق، ان الله تعالى يقول وَ لا يَخْرُجْنَ(2)»

فما عن احمد بن حنبل من عدم الجواز للمتوفى عنها زوجها واضح الضعف، كاحتمال عدم جوازه للمطلقة بائنا، لإطلاق النصوص السابقة المحمولة عند الأصحاب على الرجعية، كما عساه يشعر به الخبر الأخير(3)و الله العالم.

[القول الثاني في شرائط ما يجب بالنذر و اليمين و العهد]
اشاره

القول في شرائط ما يجب بالنذر و اليمين و العهد في الجملة، إذ تفصيل ذلك في محله

[شرائطها اثنان]
اشاره

و شرائطها اثنان إذ لا يشترط في الواجب بها ما يشترط في حج الإسلام، بل يكفي فيه التمكن منه كما هو واضح.

[الشرط الأول كمال العقل]

الأول كمال العقل في الناذر فلا ينعقد نذر الصبي و لا المجنون بلا خلاف فيه كما في المدارك، لارتفاع القلم عنهما، و سقوط حكم عبارتهما، و لا المغمى عليه و لا الساهي و

الغافل و لا النائم بل و لا السكران و إن أخذ بما يجنبه أو يتركه من الواجب بسبب اختياره شرب المسكر، و لا مدخلية هنا لشرعية عبادة الصبي و تمرينيتهما، كما لا فرق بين بلوغه عشرا و عدمه.

[الشرط الثاني الحرية]

الشرط الثاني الحرية، فلا يصح نذر العبد إلا بإذن مولاه لأنه مملوك العين و المنافع، و لذا لا يقدر على شي ء، و في

صحيح منصور بن حازم (4)عن الصادق (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لا يمين لولد مع والده، و لا لمملوك مع


1- 1 الوسائل- الباب- 60- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
2- 2 سورة الطلاق- الآية 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 60- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الايمان- الحديث 2.

ج 17، ص: 337

مولاه، و لا للمرأة مع زوجها»

و في صحيحه الآخر(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «لا رضاع بعد فطام، و لا وصال في صيام، و لا يتم بعد احتلام، و لا صمت يوما إلى الليل، و لا تعرب بعد هجرة، و لا هجرة بعد الفتح، و لا طلاق قبل نكاح، و لا عتق قبل ملك، و لا يمين لولد مع والده، و لا لمملوك مع مولاه، و لا للمرأة مع زوجها، و لا نذر في معصية، و لا يمين في قطيعة رحم»

و خبر عبد الله بن ميمون القداح (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا يمين للولد مع والده، و لا للمرأة مع زوجها، و لا للملوك مع سيده»

إلا أن مورد هذه النصوص جميعها اليمين لكن الأصحاب جزموا باتحاد حكم الجميع، و هو الظاهر، خصوصا بعد

خبر الحسين بن علوان (3)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا (عليه السلام) كان يقول: ليس على المملوك نذر إلا أن يأذن سيده»

بل و خصوصا بعد معلومية اتحاد الثلاثة في المعصية و قطيعة الرحم مع اقتصاره في الأول على النذر، و في الثاني على اليمين، بل يمكن دعوى القطع بكون المنشأ في ذلك الزوجية و الوالدية و السيدية لا كونه يمينا، و حينئذ فالمناقشة في المقام و ما ألحق به من الزوجة و الولد بأن الوارد اليمين فإلحاق النذر و العهد به قياس ممنوع عندنا و إن اشترك الجميع في بعض الأحكام ضعيفة لما عرفت، مؤيدا بإطلاق اليمين على النذر في

الخبر المروي (4)عن الكاظم (عليه السلام) لما سئل «عن جارية حلف عليها سيدها أن لا يبيعها فقال: لله علي أن لا أبيعها فقال (عليه السلام): ف لله


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب الأيمان- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب الأيمان- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من كتاب النذر و العهد- الحديث 2.
4- 4 التهذيب ج 8 ص 310 الرقم 1149.

ج 17، ص: 338

بنذرك»

و في

موثق سماعة(1)«إنما اليمين الواجبة التي ينبغي لصاحبها أن يفي بها ما جعل الله عليه في الشكر إن هو عافاه من مرضه أو عافاه الله تعالى من أمر يخافه أو رد عليه ماله أو رده من سفره أو رزقه الله رزقا فقال: لله علي كذا و كذا شكرا فهذا الواجب على صاحبه الذي ينبغي له أن يفي به»

بل في الحدائق الاستدلال على ذلك ب

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): «ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق و لا صدقة و لا تدبير و لا هبة و لا نذر في مالها إلا بإذن زوجها إلا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة قرابتها»

و إن كان هو كما ترى خصوصا بعد عدم القائل بمضمونه.

و على كل حال ف لو أذن له مولاه في النذر فنذر وجب لعموم أدلته و جاز له المبادرة مع السعة و لو نهاه لكن فيه الاشكال السابق كما اعترف به هنا في كشف اللثام، نعم لا إشكال في ذلك مع الضيق، بل في محكي المنتهى و التحرير يجب عليه الحمولة مع الحاجة، لأنه السبب في شغل ذمته و إن كان لا يخلو من نظر أو منع، بل لعله كذلك أيضا في وجوب تمكينه

من تحصيل ما يتوقف عليه الحج الواجب باستئجار على عمل و نحوه، و إن جعله في المدارك وجها قويا، هذا.

و قد ظهر لك مما ذكرنا أنه كذلك الحكم في ذات البعل بلا خلاف أجده فيه لا لما قيل من توقف حجها تطوعا على الاذن من الزوج، فإنه غير الاذن في النذر، بل لما سمعت من النص في اليمين الملحق به النذر و العهد بغير القياس الممنوع فيتوقف حينئذ صحة الثلاثة على الاذن منه، و معها ليس له المنع في


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من كتاب النذر و العهد- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من كتاب النذر و العهد- الحديث 1.

ج 17، ص: 339

الضيق، و في السعة على الاشكال السابق، و لو كانت أمة مزوجة توقف صحة نذرها على إذن المولى و الزوج، ثم إن الاذن المعتبرة يكفي في الصحة لحوقها في وجه قوي.

و يلحق بالزوجة و المملوك الولد على ما ذكره جماعة، لاشتراكه معهما في الأدلة السابقة، لكن في القواعد بعد اعتبار الاذن في الزوجة و العبد قال:

للأب حل يمين الولد، و ظاهره عدم اعتبار الاذن في الصحة، و انما له حلها، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور، بل ظاهره أو صريحه كون الشهرة على ذلك في الزوجة و العبد أيضا، و في كشف اللثام يأتي للمصنف استقرابه عدم اشتراط انعقاد نذر أحد من الثلاثة باذن أوليائهم، و انما لهم الحل متى شاءوا، و إذا لم يأذنوا فإن زالت الولاية عنهم قبل الحل استقر المنذور في ذممهم، و فيه أن الفرق بينهما و بين الولد واضح، لمملوكية منافعهما دونه، نعم قد عرفت اتحاد كيفية دلالة الدليل في الجميع، و لعله ظاهر في اعتبار الاذن، بل قد عرفت التصريح به في خبر الحسين بن علوان (1)الذي به يستكشف المراد مما في غيره، مضافا إلى ظهور إرادة نفي الصحة في غيره مما تضمنه باللفظ المزبور، و لعله لذا كان المحكي عن ثاني الشهيدين اعتبار الاذن في الثلاثة، و وافقه عليه بعض من تأخر عنه، و أما المناقشة باختصاص الدليل باليمين و لذا اقتصر عليه بعضهم في كتاب الأيمان و ساوى هنا بينه و بين العهد و نظر في النذر فقد عرفت الجواب عنها، و أن الظاهر اتحاد حكم الجميع و يأتي إن شاء الله تمام الكلام في ذلك في كتاب النذور و الأيمان، كما يأتي تمام الكلام فيما ذكره بعضهم هنا من أنه لو نذر الكافر أو عاهد لم ينعقد، لتعذر نية القربة منه و إن استحب له الوفاء، و لو حلف انعقد على رأي.


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من كتاب النذر و العهد- الحديث 2.

ج 17، ص: 340

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث:

[الأولى إذا نذر الحج مطلقا فمنعه مانع]

الأولى إذا نذر الحج مطلقا غير مقيد بوقت فمنعه مانع أخره حتى يزول المانع و لا يبطل النذر بذلك ما لم يكن مانعا عنه في جميع الأوقات التي تدخل تحت الإطلاق إلى الموت، فان المعروف بين الأصحاب- حتى نسبه في المدارك

إلى قطعهم، و حكى عن جده نفي الخلاف فيه- ان النذر المطلق يجوز تأخيره إلى ظن الوفاة، لكن في كشف اللثام عن التذكرة أن عدم الفورية أقوى، فاحتمل الفورية إما لانصراف المطلق إليها كما قيل في الأوامر المطلقة، أو لأنا إن لم نقل بها لم يتحقق الوجوب لجواز الترك ما دام حيا، أو لضعف ظن الحياة هنا، لأنه إذا لم يأت به في عام لم يمكنه الإتيان به إلا في عام آخر، أو لإطلاق بعض (1)الأخبار الناهية عن تسويف الحج، قلت: و لذلك جعل بعضهم الغاية في الأوامر المطلقة الوصول إلى حد التهاون عرفا، و قد يقال باستحقاقه العقاب بالترك تمام عمره مع التمكن منه في بعضه و إن جاز له التأخير إلى وقت آخر بظن التمكن منه، فان جواز ذلك له بمعنى عدم العقاب عليه لو اتفق حصول التمكن له في الوقت الثاني لا ينافي استحقاق عقابه لو لم يصادف بالترك في أول أزمنة التمكن و تمام تحرير ذلك في غير المقام.

و لعله لذا لو تمكن من أدائه ثم مات قضي عنه من أصل تركته كما هو مقطوع به في كلام أكثر الأصحاب على ما في المدارك، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطعهم و إن قال للنظر فيه مجال، للأصل و افتقار وجوبه إلى أمر جديد تبعا لما في المدارك حيث أنه بعد ان حكى عنهم الاستدلال له بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل المال كحج الإسلام قال: و هو استدلال ضعيف، للأصل بعد احتياج القضاء إلى أمر جديد كما في حجة الإسلام، و لمنع


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 341

كونه واجبا ماليا، فإنه عبارة عن أداء المناسك، و ليس بذل المال داخلا في ماهيته و لا من ضرورياته، و توقفه في بعض الصور كتوقف الصلاة عليه على بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استيجار المكان و الساتر مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة.

و ذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث، و مستنده غير واضح، و بالجملة النذر انما تعلق بفعل الحج مباشرة، و إيجاب قضائه من الأصل أو الثلث يتوقف على الدليل، و تبعه على ذلك أيضا في كشف اللثام، فإنه- بعد أن حكى قضاءه من الأصل عن الفاضلين و ظاهر الشيخين، لأنه دين كحجة الإسلام- قال: و عليه منع ظاهر، ثم حكى عن أبي علي و الشيخ في النهاية و التهذيب و المبسوط و ابني سعيد في المعتبر و الجامع الإخراج من الثلث للأصل و كونه كالمتبرع به و

صحيح ضريس (1)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن رجل عليه حجة الإسلام، و نذر نذرا في شكر ليحجن رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و من قبل أن يفي بنذره مات قال: إن ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال، و أخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد و في بالنذر، و إن لم يترك مالا إلا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك، و يحج عنه وليه حجة النذر، انما هو مثل دين عليه»

و صحيح ابن أبي يعفور(2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل نذر لله إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت الله الحرام فعافى الله الابن و مات الأب فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قلت: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه فقال:

هي واجبة على الأب من ثلثه، أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه»

فإن إحجاج


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 342

الغير ليس الا بذل المال لحجة، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى، قلت: قد يقال بعد الاتفاق ظاهرا على القضاء عنه أن الخطاب بالحج من الخطابات الدينية على معنى ثبوته في الذمة على نحو ثبوت الدين فيها لا أنه مثل خطاب السيد لعبده يراد منه شغل الذمة بإيجاده في الخارج و إن لم يثبت في الذمة ثبوت دين، و من هنا وجب في حج الإسلام إخراج قيمة العمل من أصل التركة، و بهذا المعنى كان واجبا ماليا لا من حيث احتياجه إلى المقدمات المالية التي لم تخرج من أصل التركة ما لم يوص بها على الأصح، بل لعل خطاب النذر الذي هو نحو الخطاب بالإجارة أولى من الخطاب الأصلي بذلك، على أن متعلق النذر الحج على

حسب مشروعيته، و قد عرفت أنها على الوجه المزبور، بل

قوله (عليه السلام): «انما هو مثل دين عليه»

رمز إلى ما ذكرنا، بل إيجاب المال في نذر الإحجاج في الصحيحين السابقين من ذلك أيضا، و كذا

الصحيح (1)عن مسمع بن عبد الملك «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): كانت لي جارية حبلى فنذرت لله تعالى إن هي ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه فقال: إن رجلا نذر لله في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه فمات الأب و أدرك الغلام بعد فأتى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسأله عن ذلك فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يحج عنه مما ترك أبوه».

و بذلك اتجه ما سمعته من الأصحاب من وجوب أصل القضاء و كونه من أصل المال، لأنه واجب ديني بالمعنى الذي عرفت، و من هنا حمل في محكي المختلف الصحيحين السابقين على النذر في مرض الموت، لمخالفتهما للضوابط، ضرورة عدم الوجه لخروجه من الثلث بعد كونه واجبا ماليا، بل و مع فرض كونه واجبا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من كتاب النذر و العهد- الحديث 1.

ج 17، ص: 343

بدنيا انما يجب من الثلث مع الوصية به لا بمجرد النذر، و دعوى سقوط وجوب النذر بالموت مما اتفق النص (1)و الفتوى على بطلانها، و عن منتقى الجمان حملهما على

الندب المؤكد الذي قد يطلق عليه لفظ الوجوب، و لعله لعدم ظهورهما في الموت بعد التمكن من النذر الذي هو مفروض المسألة، بل لعل الأول منهما ظاهر في خلافه، فلا بأس بحملهما حينئذ على ضرب من الندب بعد ما عرفت من التحقيق الذي لا محيص عنه، و منه يعلم ما في الحدائق من الاطناب المشتمل على كمال الاضطراب، و لا ينافي ذلك اعتبار تعذر المباشرة في جواز الاستنابة بعد دلالة الدليل عليه، كما لا ينافيه عموم ما دل (2)على منع التصرف فيما عدا الثلث من مال الميت بعد ما عرفت من كونه من قسم الدين و شبهه، و لا إطلاق ما دل على الإخراج من الثلث فيما عدا حجة الإسلام، ك

صحيح معاوية بن عمار(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل مات و أوصى ان يحج عنه قال: إن كان صرورة حج عنه من وسط المال، و إن كان غير صرورة فمن الثلث»

و حسنه (4)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل توفي و أوصى ان يحج عنه قال: إن كان صرورة فمن جميع المال، إنه بمنزلة الدين الواجب، و إن كان قد حج فمن ثلثه»

بعد انصراف غير المفروض منه، كاختصاص حجة الإسلام بالقضاء من صلب المال في

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح(5): «يقضى عن الرجل حجة الإسلام من جميع ماله».

ثم إنه لو مات و كان عليه حجة الإسلام و النذر فان اتسع المال لاخراجهما


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 10 و 11- من كتاب الوصايا.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب وجوب الحج الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب وجوب الحج الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب وجوب الحج الحديث 3.

ج 17، ص: 344

فلا إشكال فيه، و لو لم يتسع إلا لأحدهما فبناء على القول بخروج المنذورة من الثلث يتجه تقديم حجة الإسلام و إن تأخر سببها، فإنها كالدين، فلا تعارضها المنذورة المفروض كونها كالوصية، نعم على المختار يتجه التقسيط بناء على تساويهما في الخروج من الأصل، لأنهما معا حقان ماليان، و لا ترجيح لأحدهما على الآخر خلافا لبعض فأوجب تقديم حجة الإسلام، لأن وجوبها ثابت بأصل الشرع، و لأنه كان تجب المبادرة فيها فيجب الابتداء بإخراجها قضاء، و هما كما ترى، نحو الاستدلال من بعضهم على ذلك بصحيح ضريس (1)الذي فيه إخراج المنذور من الثلث، و هو غير المفروض، لكن ذلك كله إذا فرض قيام القسط بكل منهما، و إلا فالظاهر التخيير مع احتمال تقديم ما تقدم سببه، هذا، و لا يخفى عليك كون الأمر بقضاء الولي عنه في صحيح ضريس للندب، كما يدل عليه الصحيح الآخر(2)فما عن ابن الجنيد من الوجوب واضح الضعف.

و كيف كان ف لا يقضى عنه إذا مات قبل التمكن منه بلا خلاف أجده فيه، للأصل السالم عن معارضة خطاب النذر الذي انكشف عدم تعلقه بعدم التمكن منه، نعم في كشف اللثام بعد شرح ما في القواعد من نحو المتن قال: و يشكل الفرق بينه و بين الصوم المنذور إذا عجز عنه مع حكمه بقضائه في الأيمان، و إن فرق بوجود النص على قضائه إذا اتفق عيدا لزمه القول بقضائه حينئذ، مع أنه يقوى عدمه، و هو ليس إشكالا لأصل الحكم.

هذا كله مع الإطلاق في النذر فان عين الوقت ف ان أخل به مع القدرة قضى عنه وجب عليه الكفارة و القضاء بلا خلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 345

أجده فيه، بل هو مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به في المدارك لما سمعت فان مات و لم يقضه قضي عنه من الأصل على الأصح لما عرفت و إن منعه عنه عارض كمرض أو عدو حتى مات لم يجب قضاؤه عنه إجماعا في المدارك، كما انه لم يجب عليه القضاء بعد الوقت للأصل السالم عن المعارض، لكن عن الفاضل في الأيمان أنه قطع بسقوط القضاء إذا صد، و استشكله إذا تعذر بمرض، و هو كما ترى، و في المدارك بعد حكاية الإجماع المزبور قال: «و لا يخفى أن طرو المانع من فعل المنذور في وقته لا يقتضي بطلانه، لوقوعه صحيحا ابتداء و إن سقط الواجب بالعجز عنه، و هذا بخلاف نذر غير المقدور ابتداء كالطيران و نحوه، فان النذر يقع فاسدا من أصله، كما هو واضح» قلت: لا فرق بينهما إلا بالعلم بفساد الثاني ابتداء بخلاف الأول، فإنه بعد ذلك يعلم، نعم لا مانع من مجي ء الدليل بقضائه في بعض الأفراد لوقوع صورة صيغة النذر، و الله العالم.

و لو نذر الحج أو أفسد حجه و هو معضوب حال النذر و الإفساد قيل و القائل الشيخ و أتباعه فيما حكي عنهم يجب أن يستنيب، و هو حسن في الثاني بناء على أن الثانية حجة الإسلام التي قد عرفت سابقا استنابة المعضوب فيها، لأن الحج واجب بدني و مالي، فإذا تعذر الأول تعين الثاني، و أما في النذر فقد يشكل بسقوط الواجب بالعجز عنه، و اختصاص الروايات (1)المتضمنة لوجوب الاستنابة بحج الإسلام، و بأن النذر إذا وقع حال العضب فان كان مقيدا بوقت معين و استمر المانع إلى ذلك الوقت بطل النذر، و إن كان مطلقا توقع المكنة، و مع اليأس يبطل، و لا تجب الاستنابة في الصورتين، نعم لو لاحظ في نذره الاستنابة وجب قولا واحدا، و لو حصل العضب بعد النذر


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب وجوب الحج.

ج 17، ص: 346

و التمكن من الفعل ففي المدارك قد قطع الشارح و غيره بوجوب الاستنابة، و نحن نطالبهم بدليله، و للإشكال المزبور فسر الأصبهاني في كشفه عبارة القواعد التي هي كعبارة المتن بما سمعته من الشارع، قال: و السبب في ذلك ان عبارة المبسوط ليست نصا و لا ظاهرة في الوجوب على من نذر معضوبا، لأنها كذا «المعضوب إذا وجبت عليه حجة بالنذر أو

بإفساد وجب عليه أن يحج عن نفسه رجلا، فإذا فعل فقد أجزأه» و على هذا فلا إشكال أصلا، و ما في المدارك من المطالبة بدليله يدفعها ما سمعته سابقا من كون الحج واجبا ماليا بالمعنى المذكور إلا ان الانصاف ظهور عبارة المبسوط في النذر معضوبا، و لعل وجهه فحوى ثبوتها في حجة الإسلام كذلك بتقريب أن مشروعيته على الوجه المزبور، فنذره ملزم به على حسبما هو مشروع، بل قد يقال بانصراف النذر شرعا إلى الاستنابة و إن لم يقصدها، لأصالة الصحة، و إطلاق ما دل على وجوب الوفاء بالنذر، فلا يحكم ببطلانه حينئذ إلا إذا قصد المباشرة فعلا، و الفرض اليأس منها، و لو تكلف المعضوب للسير لحجة الإسلام فشرع فهل ينويها و تجزيه إن أتمها، و يستقر إذا أفسد؟ احتمال قوي، لأنها انما سقطت عنه نظرا له و رخصة، فإذا تكلفها كانت أولى بالإجزاء من فعل النائب، و يحتمل العدم، لأن فرضه الاستنابة، فحجه كحج غير المستطيع، و الله العالم.

[المسألة الثانية إذا نذر الحج]

المسألة الثانية إذا نذر الحج فان نوى حجة الإسلام و كانت واجبة عليه و قلنا بانعقاده لأن أسباب الشرع معرفات، و تظهر الثمرة في الكفارة و غيرها تداخلا أي لم يجب به غيرها قطعا، بل في كشف اللثام اتفاقا، و إن لم يكن حين النذر مستطيعا توقعها، فان كان موقتا و قد أتى وقته و لم يستطع حتى انقضى انحل و إن نوى غيرها لم يتداخلا قطعا و اتفاقا في كشف اللثام أيضا نعم لو كان مستطيعا لها و نذر غيرها في عامه لغى إلا أن يقصد الفعل إن زالت

ج 17، ص: 347

الاستطاعة فزالت، بل في المدارك احتمال الصحة لو خلي عن القصد حملا للنذر على الوجه الصحيح، أما لو أطلق في نذره أو قيده في سنة غير سنة الاستطاعة صح و قدم حجة الإسلام، و لو كان نذره حال عدم الاستطاعة وجب الإتيان بالنذر مع القدرة و إن لم تحصل الاستطاعة الشرعية كما في غيره من الواجبات، إذ هي شروط في وجوب حج الإسلام للدليل دون غيره، لكن في الدروس و الظاهر أن استطاعة النذر شرعية لا عقلية، فلو نذر الحج ثم استطاع صرف ذلك الى النذر، فان أهمل و استمرت الاستطاعة إلى العام القابل وجبت حجة الإسلام أيضا، و ظاهر الأصحاب تقديم حجة الإسلام مطلقا، و صرف الاستطاعة بعد النذر إليها إلا أن يتعين سنة للنذر، فيصرف الاستطاعة فيها إلى حج النذر و أشكله في المدارك بأن الاستطاعة بهذا المعنى انما ثبت اعتبارها في حج الإسلام و غيره من الواجبات مراعى فيه التمكن من الفعل خاصة، و بأن النذر المطلق موسع و حجة الإسلام مضيقة، و المضيق مقدم على الموسع، و حينئذ فلو اتفق حصول الاستطاعة قبل الإتيان بالحج المنذور قدمت حجة الإسلام إن كان النذر مطلقا أو مقيدا بما يزيد عن تلك السنة أو بمغايرها، لأن وجوبها على الفور بخلاف المنذورة على هذا الوجه، و إلا قدم النذر لعدم تحقق الاستطاعة في تلك السنة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي، و حينئذ فيراعى في وجوب حج الإسلام بقاء الاستطاعة إلى السنة الثانية، و قد يقال إن مراد الشهيد بقرينة تفريعه عدم وجوب حجة الإسلام بحصول الاستطاعة في عام النذر المطلق، إلا أن تبقى إلى السنة الثانية، لصيرورة الحج بالنذر و إن كان مطلقا كالدين، فيعتبر في وجوب حجة الإسلام حينئذ وفاؤه، و ليس المراد منه عدم وجوب الحج بالنذر إلا بملك الزاد و الراحلة نحو حج الإسلام، ضرورة أنه لا دليل عليه، و من المستبعد جزم الشهيد به.

ج 17، ص: 348

و على كل حال ف ان أطلق في النذر أى لم يعين حجة الإسلام و لا غيرها قيل و القائل الشيخ في محكي النهاية و الاقتصاد و التهذيب: تداخلا و أجزأت حجة واحدة عنهما، ل

صحيح رفاعة(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله الحرام هل يجزيه ذلك عن حجة الإسلام؟ قال: نعم»

و نحوه صحيح ابن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام)، و لعله لذلك كان المحكي عن النهاية أنه إن حج و نوى النذر أجزأ عن حجة الإسلام، و ان نوى حجة الإسلام لم يجز عن النذر مضافا الى ما قيل من أن العام لما كان عام حج

الإسلام انصرفت النية اليه و ان نوى النذر، بخلاف حج النذر، فلا دليل على انصراف نية غيره اليه إلا أن يتعين في عامه، و لكن فيه ان الصحيحين انما يدلان على نذر المشي، و هو لا يستلزم نذر حج فيمشي اليه للطواف و الصلاة و غيرهما، فكأنهما سألا أن هذا المشي إذا تعقبه حج الإسلام هل يجزي أم لا بد له من المشي ثانيا و ظاهر أنه يجزى، أو سألا أنه إذا نذر حجة الإسلام فينوي بحجه المنذور دون حجة الإسلام.

و من هنا قيل و القائل المشهور لا تجزي إحداهما عن الأخرى بل عن الناصريات الإجماع عليه و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها قاعدة تعدد المسبب بتعدد سببه المبني عليها كثير من مسائل الفقه في الكفارات و غيرها و إن قلنا ان أسباب الشرع معرفات، و من الغريب ما وقع من بعض متأخري المتأخرين حتى سيد المدارك من هدم هذه القاعدة، و دعوى صدق الامتثال بواحد في جميع مواردها، لكن يهون الخطب اختلال طريقتهم في كثير من المسائل، و الله العالم و الهادي.


1- 1 الوسائل- الباب- 27- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 27- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 349

[المسألة الثالثة إذا نذر الحج ماشيا]

المسألة الثالثة إذا نذر الحج ماشيا وجب في الجملة بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه، لعموم دليل وفاء النذر(1)و خصوص

صحيح رفاعة(2)و غيره، لكن في أيمان قواعد الفاضل «لو نذر الحج ماشيا و قلنا المشي أفضل انعقد الوصف، و إلا فلا»

و في محكي إيضاح ولده «انعقد أصل النذر إجماعا، و هل يلزم القيد مع القدرة؟ فيه قولان مبنيان على ان المشي أفضل من الركوب أو العكس» و فيه ان المنذور الحج على هذا الوجه، و لا ريب في رجحانه و إن كان غيره أرجح منه، و ذلك كاف في انعقاده، إذ لا يعتبر في المنذور كونه أفضل من جميع ما عداه، فلا وجه حينئذ لدعوى عدم الانعقاد على هذا التقدير أيضا، كما أن ما في كشف اللثام من حمله على حال أفضلية الركوب من المشي لبعض الأمور السابقة كذلك أيضا، ضرورة عدم اقتضاء ذلك ذلك كما هو واضح، خصوصا بعد ما عرفته من ان اقتران الركوب ببعض الأمور لا يصير سببا لعدم رجحان المشي أصلا، بل أقصاه ترجيحه على المشي على نحو ترجيح قضاء حاجة المؤمن على النافلة أو بالعكس، فهو من ترجيح المندوبات بعضها على بعض، فلا إشكال في المسألة حينئذ، و

صحيح الحذاء(3)سأل أبا جعفر (عليه السلام) «عن رجل نذر أن يمشي إلى مكة حافيا فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) خرج حاجا فنظر إلى امرأة تمشي بين الإبل فقال: من هذه؟

فقالوا: أخت عقبة بن عامر نذرت أن تمشي إلى مكة حافية، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا عقبة انطلق إلى أختك فمرها فلتركب، فان الله غني عن مشيها و حفاها»

حكاية حال كما عن المعتبر و المنتهى، و لعله (صلى الله عليه و آله) علم منها العجز، كما لعله يومي اليه


1- 1 سورة الحج- الآية 30.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.

ج 17، ص: 350

مشيها بين الإبل، و يفهم منه حينئذ جواب السائل بأنه قد لا يجب وفاء هذا النذر أو أن المراد عدم الانعقاد من حيث الحفاء الذي من الغالب عسره على وجه يسقط التكليف به، خصوصا في بعض الأزمنة، هذا.

و الظاهر من اللفظ مع قطع النظر عن القرائن أن مبدأ وجوب المشي في نحو الفرض من حين الشروع في أفعال الحج، ضرورة كونه حالا من فاعل «أحج» فيكون وصفا له، و انما يصدق حقيقة بتلبسه به، كما أن منتهاه آخر الأفعال، و هو رمي الجمار،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح جميل (1): «إذا حججت ماشيا و رميت الجمرة فقد انقطع المشي»

و هو الذي حكاه عنه (عليه السلام)

الرضا (عليه السلام) في صحيح إسماعيل بن همام (2)«في الذي عليه المشي في الحج إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا و ليس عليه شي ء»

فما في المتن في النذور و الدروس من أن آخره طواف النساء بل قيل إنه المشهور في

غير محله، كالقول بأن المبدأ من بلد النذر كما في الكتاب و القواعد في كتاب النذور و محكي المبسوط و التحرير و الإرشاد، أو بلد الناذر لأن الحج هو القصد، و قد أريد هنا القصد إلى بيت الله، و ابتداء قصده بالسفر اليه، و لأنه السابق إلى الفهم عرفا من نحو قولهم: حج ماشيا، بل بلد النذر هو بلد الالتزام فهو كبلد الاستطاعة، بل قيل: إن بلد الناذر هو المتبادر، إلا أن الجميع كما ترى، و قيل: من أقرب البلدين إلى الميقات، لأصل البراءة، بل في كشف اللثام يمكن القول بأنه من أي بلد يقصد فيه السفر إلى الحج، لتطابق العرف و اللغة فيه بأنه حج ماشيا، و ذلك كله يقتضي عدم تنقيح العرف في الإطلاق، فالمتجه بقاؤه على حقيقته إلا مع القرائن المقتضية لغيره من بلد النذر أو الناذر أو أقرب البلدين أو غير ذلك، و على ذلك يحمل المفهوم من


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب وجوب الحج- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 35- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 351

سياق النصوص خصوصا ما تضمن منها القيام في المعبر من كون المشي في الطريق ضرورة كون المفروض فيها نذر المشي إلى بيت الله لا الحج ماشيا، و بينهما فرق و تبادر بعض الأفراد إلى الذهن غير مجد إذا لم يكن على وجه ينتفي الظن بعدم إرادة الغير.

و كيف كان ففي المتن و القواعد و غيرهما أنه يقوم في مواضع العبور المضطر إليها كالسفينة و نحوها، بل في الحدائق انه المشهور، ل

خبر السكوني (1)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «ان عليا (عليه السلام) سئل عن رجل نذر أن يمشي إلى البيت فمر في المعبر قال: فليقم في المعبر قائما حتى يجوز»

و لأن المشي يتضمن القيام و الحركة، و لا يسقط الميسور منهما بالمعسور، لكن في محكي المعتبر و المنتهى و التحرير و التذكرة و أيمان الكتاب و القواعد الاستحباب، لضعف الخبر عن إثبات الوجوب دونه، و انصراف نذر المشي إلى ما يمكن فيه ذلك دون ما لا يمكن، فيبقى أصل البراءة، و منع دخول القيام في المشي، لأنه السير راجلا، بل الحركة أولى منه بالوجوب، و عدمه فيها و انتفاء الفائدة مشترك بينهما، و كونه تعظيما للمشاعر و طريقها خروج عما نحن فيه، و لو اضطر إلى ركوب البحر من بلده إلى مكة سقط القيام قطعا للحرج، و الخروج عن لفظ النص و الفتوى، لكن في كشف اللثام أنه يمكن القول به إن أمكن الارساء عند الإعياء، و نحوه ركوبه أو ركوب نهر أياما، و لو تعارض العبور في سفينة و جسر تعين الثاني إذا لم يحصل مانع يسقط معه التكليف.

و على كل حال فان ركب ناذر المشي المتمكن منه جميع طريقه قضى مع فرض تعين السنة بالنذر، بل يكفر عن النذر، و إلا أعاد، لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 352

صدق امتثاله، بل في المدارك أنه يستفاد من ذلك فساد الحج، لعدم وقوعه عن المنذور

للمخالفة و لا غيره لعدم النية، لكن في كشف اللثام أنه احتمل في المعتبر و المنتهى و التحرير و المختلف سقوط قضاء المعين، لأن المشي ليس من أجزاء الحج و لا صفاته و لا شروطه، و قد أتى به، و انما عليه لإخلاله بالمشي الكفارة، بل لعله الظاهر من أيمان القواعد و التحرير و الإرشاد، بل في الكشف هو قوي إلا ان يجعل المشي في عقد النذر شرطا، كما فصل في المختلف بل قال أيضا:

«إنه يجري ما ذكر في المطلق، لأنه لما نوى بحجة المنذور وقع عنه، و انما أخل بالمشي قبله و بين أفعاله، فلم يبق محل للمشي المنذور ليقضي إلا ان يطوف أو يسعى راكبا، فيمكن بطلانهما، فيبطل الحج حينئذ إن تناول النذر المشي فيهما» و يقرب من ذلك ما في المدارك، فإنه بعد ان حكى ما سمعته عن المعتبر قال: و هو انما يتوجه إذا كان المنذور الحج و المشي غير مقيد أحدهما بالآخر و المفهوم من نذر الحج ماشيا خلاف ذلك، و التحقيق صحة الفعل مطلقا سواء كان المنذور الحج ماشيا أو المشي فيه، و سواء كان معينا أو مطلقا، ضرورة عدم صلاحية النذر لإثبات الشرطية التي هي حكم وضعي، كعدم صلاحيته للتنويع، و قصد الوفاء بالفعل عنه لا ينافي قصد القربة به، و ليس النذر إلا كالإجارة، نعم تجب الكفارة في بعض الأفراد، كما أنه يبقى المكلف به بالنذر في الذمة في بعض آخر و قد أوضحنا جميع أطراف المسألة في نذر الموالاة في الوضوء من كتاب الطهارة فلاحظ و تأمل.

هذا كله إن ركب جميع طريقه و أما إن ركب بعضا ف قيل و القائل الشيخان و جماعة يقضي و يمشي موضع ركوبه لأن الواجب عليه قطع المسافة ماشيا، و قد حصل بالتلفيق، فيخرج عن العهدة، إذ هو انما نذر

ج 17، ص: 353

حجا يكون بعد المشي في جميع طريقه، و قد حصل، و لأنه أخل بالمنذور فيما ركب فيه فيقضيه و قيل و القائل ابن إدريس بل يقضي ماشيا لإخلاله بالصفة المشترطة، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده في الجملة، لعدم الصدق بدون ذلك، ضرورة كونه نذر المشي إلى الحج في جميع طريقه، و لم يحصل في شي ء من الحجين، لكن في المدارك «هو جيد إن وقع الركوب بعد التلبس بالحج، إذ لا يصدق على من ركب في جزء من الطريق بعد التلبس بالحج انه حج ماشيا، بخلاف ما إذا وقع الركوب قبل التلبس بالحج مع تعلق النذر بالمشي من البلد لأن الواجب قطع تلك المسافة في حال المشي و إن فعل في أوقات متعددة و هو يحصل بالتلفيق، إلا أن يكون المقصود قطعها كذلك في عام الحج» و فيه ما لا يخفى، كما انه لا يخفى عليك جريان ما تقدم من الكلام في صحة الحج و فساده هنا، فان الجميع من واد واحد، و على كل حال فما في

خبر إبراهيم بن عبد الحميد ابن عباد بن عبد الله البصري (1)سأل الكاظم (عليه السلام) «عن رجل جعل لله نذرا على نفسه المشي إلى بيت الله الحرام فمشى نصف الطريق أو أقل أو أكثر قال:

ينظر ما كان ينفق من ذلك الموضع فليتصدق به»

لا بد من حمله على استحباب ذلك للعاجز.

و كيف كان ف لو عجز أي الناذر للمشي سقط عنه إجماعا بقسميه و نصوصا(2)و لعدم التكليف بما لا يطاق، نعم قيل و القائل الشيخ و جماعة على ما حكي يركب و يسوق بدنة ل

صحيح الحلبي (3)«قلت لأبي عبد الله


1- 1 الوسائل- الباب- 21- من كتاب النذر و العهد- الحديث 2 و فيه عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: سأله عباد بن عبد الله البصري.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج- الحديث 0.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 354

(عليه السلام): رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله و عجز أن يمشي قال: فليركب و ليسق بدنة، فان ذلك يجزي إذا عرف أنه من الجهد»

و صحيح ذريح المحاربي (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل حلف ليحجن ماشيا فعجز عن ذلك فلم يطقه قال: فليركب و ليسق الهدي»

و لما في محكي الخلاف من الاستدلال عليه بالاحتياط و إجماع الطائفة و أخبارهم، لكن في كشف اللثام «أن كلامه يحتمل الوجوب على من ركب قادرا على المشي ثم عجز عن القضاء» و قيل و القائل المفيد و ابن الجنيد و يحيى بن سعيد و الشيخ في نذور الخلاف، بل في كشف اللثام «أنه يحتمله كلام الشيخين و القاضي و نذر النهاية و المقنعة و المهذب» يركب و لا يجب عليه أن يسوق لانتفاء القدرة على المنذور، فلا يستوجب جبرا، و لذا تركه في

صحيح رفاعة بن موسى (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

رجل نذر أن يمشي إلى بيت الله قال: فليمش، قلت: فإنه تعب فقال: إذا تعب ركب»

و صحيح ابن مسلم (3)سأل أحدهما (عليهما السلام) «عن رجل جعل عليه مشيا إلى بيت الله تعالى فلم يستطع قال: يحج راكبا»

و كذا غيرهما، بل في

خبر عنبسة(4)التصريح بعدم وجوبه، قال: «نذرت في ابن لي إن عافاه الله تعالى أن أحج ماشيا فمشيت حتى بلغت العقبة فاشتكيت فركبت ثم وجدت راحة فمشيت فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال: أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة، فقلت: معي نفقة و لو شئت أن أذبح لفعلت و علي دين فقال: إني أحب إن كنت موسرا أن تذبح بقرة، فقلت: شي ء واجب أفعله فقال: لا، من جعل


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من كتاب النذر و العهد- الحديث 5.

ج 17، ص: 355

لله عليه شيئا فبلغ جهده فليس عليه شي ء»

و رواه ابن إدريس في المحكي من مستطرفات سرائره نحو ذلك و قيل و القائل ابن إدريس في أحد النقلين عنه:

إن كان النذر مطلقا توقع المكنة من الصفة فان لم تحصل سقط و إن كان النذر معينا بوقت سقط فرضه من أصله لعجزه كما في غيره من النذور، لكن المحكي من عبارة ابن إدريس خلاف ذلك، قال:

«و من نذر أن يحج ماشيا ثم عجز عنه فليركب و لا كفارة عليه، و لا يلزمه شي ء على الصحيح من المذهب، و هو مذهب شيخنا المفيد في المقنعة» إلى آخره، و قيل كما عن الفاضل في المختلف «إن كان النذر معينا ركب و لا شي ء عليه، و إن كان مطلقا توقع المكنة» فتكون الأقوال حينئذ أربعة، بل ما سمعته من المدارك يكون خامسا.

و كيف كان فقد عرفت ان المروي في الصحيحين الأول و لكن الذي يقوى أن السياق فيهما ندب (11) لما عرفته من خبر عنبسة و غيره، و ما في المدارك- من عدم التنافي بين ما دل على الوجوب و بين صحيح رفاعة و ابن مسلم، لأن عدم الذكر أعم من ذلك، و أما خبر عنبسة فهو ضعيف السند، لأن راويه واقفي- في غير محله، إذ عدم الذكر في مقام البيان لا ينكر ظهوره في عدم الوجوب، و خبر عنبسة من قسم الموثق الذي هو حجة عندنا، و كذا ما فيها أيضا من أن «المعتمد ما ذهب اليه ابن إدريس إن كان العجز قبل التلبس بالإحرام، و إن كان بعده اتجه القول بوجوب إكماله و سياق البدنة و سقوط الفرض بذلك عملا بظاهر النصوص المتقدمة، و التفاتا إلى إطلاق الأمر بوجوب إكمال الحج و العمرة مع التلبس بهما، و استلزام إعادتهما هنا المشقة الشديدة» ضرورة عدم هذا التفصيل في النصوص، بل يمكن القطع بعدمه فيها، و الأمر بإتمام الحج و العمرة أعم من الاجتزاء به عن النذر، و لذا لم يجزيا عن حج

ج 17، ص: 356

الإسلام لو فساد و إن وجب إتمامهما أيضا كما هو واضح، فلا ريب في أن الأقوى الثاني، عملا بالنصوص المستفيضة من غير فرق بين النذر المطلق و المعين، و بين من عرف من نفسه العجز عن المشي قبل الشروع و بين من عرض له ذلك في الأثناء و بين العجز المأيوس من ارتفاعه و غيره حتى لو علم التمكن في عام آخر في وجه، و خروج جملة من ذلك عن القواعد غير قادح بعد صلاحية المعتبرة لذلك سندا و دلالة و عملا، فيكون حاصلها أن ذلك كيفية حاصلة للحج المنذور، بل قد يلحق به غيره من زيارة أحد المشاهد و نحوها، نعم قد يقال بوجوب مقدار ما يستطيعه من المشي كما يومي اليه صحيح رفاعة(1)و غيره، بل في

خبر سماعة و حفص (2)المروي عن نوادر ابن عيسى «سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نذر أن يمشي

إلى بيت الله حاجا قال: فليمش، فإذا تعب فليركب»

و مرسل حريز(3)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «إذا حلف الرجل أن لا يركب أو نذر أن لا يركب فإذا بلغ مجهوده ركب».

[القول الثالث في النيابة في الحج]
اشاره

القول الثالث في النيابة في الحج

[شرائط النائب ثلاثة الإسلام و كمال العقل و أن لا يكون عليه حج واجب]

و لا خلاف بين المسلمين في أصل مشروعيتها، بل لعله من ضروريات الدين، نعم لها شرائط منها ما يتعلق ب النائب و عن بعض النسخ «النيابة» و لعلها ألصق بتمام التفريع في العبارة، و الأمر سهل، و على كل حال فهي ثلاثة: الإسلام و كمال العقل و أن لا يكون عليه حج واجب، فلا تصح


1- 1 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب وجوب الحج الحديث 12.

ج 17، ص: 357

نيابة الكافر إجماعا بقسميه، لعدم صحة عمله، و لعجز بعض أفراده عن نية القربة و اختصاص أجره في الآخرة بالخزي و العقاب دون الأجر و الثواب اللازمين لصحة العمل، بل

الظاهر مساواة المخالف بل غير الإمامي للكافر في ذلك، فلا تصح نيابته أيضا، لعدم صحة عمله، و عدم وجوب إعادته عليه لو استبصر تفضل كالكافر لو أسلم، نحو التفصيل علينا بإجراء جملة من أحكام المسلمين عليه في الدنيا لا لأن عمله صحيح، و لو سلم فغاية ذلك الصحة بشرط موافاة الايمان، و البحث في عدم صحة نيابته من حيث كونه مخالفا، على أنه قد تمنع الصحة في نحو ذلك حتى لو استبصر، لظهور النصوص (1)التي خرجنا بها عن القواعد في غيره.

و كذا لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر لما عرفت من عدم انتفاعه بذلك، و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، و النهي عن الاستغفار(2)له و الموادة(3)لمن حاد الله تعالى، و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه و نحوه يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة و نحوه لصحة العمل و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه، مع إمكان منع قابليته له أيضا في عالم الآخرة، كما يومي اليه نصوص (4)تعجيل جزاء بعض أعماله في الدنيا التي هي


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات و الباب 3 من أبواب المستحقين للزكاة و الباب 23 من أبواب وجوب الحج.
2- 2 سورة التوبة- الآية 81 و 85.
3- 3 سورة المجادلة- الآية 22.
4- 4 البحار- ج 67 ص 233 و 242- الباب- 12- الحديث 48 و 77 الطبع الحديث.

ج 17، ص: 358

جنته كالانظار لإبليس و نحوه، و ما في بعض النصوص (1)- من انتفاع الميت بما يفعل عنه من

الخير حتى أنه يكون مسخوطا فيغفر له، أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه- في غيره من المؤمنين، نعم في بعضها(2)أنه إن كان ناصبا نفعه ذلك بالتخفيف عنه إلا أنه مع اشتماله على الناصب معارض بغيره مما دل كتابا(3)و سنة(4)على عدم نفعه أي المخالف، و أنه ما له في الآخرة من نصيب، و أنه يجعل الله أعماله هباء منثورا، و أنهم أشد من الكفار نارا، و كذا احتمال كون الحج عنه مع فرض استطاعته له و تقصيره فيه من الواجبات المالية- لأنه كالدين، فيتعلق بماله بعد موته، و يؤدى عنه و إن لم ينتفع به كالزكاة و الخمس، فينوي القربة مباشر الفعل من حيث مباشرته نحو ما سمعته في الزكاة- مدفوع بمنع كون الحج كذلك و إن ورد فيه انه كالدين، و قلنا بخروجه من أصل المال، لكنه في سياق غير ذلك.

بل لا تجوز نيابته عن المسلم المخالف الذي هو كافر في الآخرة فيجري فيه نحو ما سمعته من غير فرق فيه بين الناصب منه و غيره، بل و المستضعف منهم و غيره و الأب و غيره، خلافا للمحكي عن الجامع و المعتبر و المنتهى و المختلف


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الاحتضار من كتاب الطهارة و الباب 12 من أبواب قضاء الصلوات من كتاب الصلاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 8 من كتاب الصلاة.
3- 3 سورة الشورى- الآية 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات و المستدرك الباب 27 منها- الحديث 61 و 64.

ج 17، ص: 359

و الدروس فجوزوها عن غير الناصب مطلقا لكفره و إسلام غيره و صحة عباداته، و لذا لا

يعيدها لو استبصر، و للشيخ فلم يجوزها مطلقا إلا أن يكون أب النائب كالفاضلين هنا و القواعد، ل

صحيح وهب بن عبد ربه أو حسنه (1)سأل الصادق (عليه السلام) «أ يحج الرجل عن الناصب؟ فقال: لا، قال: فان كان أبي قال: إن كان أباك فنعم»

و ربما ألحق به الجد للأب و إن علا دونه للأم، و للشهيد في المحكي من حواشي القواعد فجوزها للمستضعف، لكونه كالمعذور، و في الأول ما عرفت، و الثاني مع معارضته بالإجماع المحكي عن ابني إدريس و البراج قاصر عن مقاومة ما دل على المنع، و أنه في الآخرة أعظم من الكفار الذين لا يجوز لهم الاستغفار و لو كانوا آباء، كما يومي اليه اعتذاره (2)تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه بأنه كان عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ، و أنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، بل نهى النبي (صلى الله عليه و آله)(3)عن الاستغفار للمنافقين الذين لا ريب في اندراج المخالفين فيهم حتى قال الله تعالى (4)«إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ» بل ما ورد(5)في كيفية الصلاة على المنافق كاف في إثبات حاله في ذلك العالم، مضافا إلى قطع علقة الأبوة و النبوة بين المسلم و غيره، كما يومي اليه قوله تعالى (6)«إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ» هذا.

و في كشف اللثام أنه يمكن أن يكون الفرق بين الأب و غيره تعلق الحج


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.
2- 2 سورة التوبة- الآية 115.
3- 3 سورة التوبة- الآية 85.
4- 4 سورة التوبة- الآية 81.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصلاة الجنازة- الحديث 1 و 9 و الباب 5 منها- الحديث 1 و 5 و 18 و 25 من كتاب الطهارة.
6- 6 سورة هود عليه السلام- الآية 48.

ج 17، ص: 360

بالمال، فيجب على الولي الإخراج عنه أو الحج عنه بنفسه، و لفظ الخبر لا يأبى الشمول لهما، و بالجملة فليس لأثابه المنوب عنه، و يمكن أن يكون سببا لخفة عقابه و انما خص الأب به مراعاة لحقه، و عن

إسحاق بن عمار(1)أنه سأل الكاظم (عليه السلام) «عن الرجل يحج فيجعل حجته أو عمرته أو بعض طوافه لبعض أهله و هو عنه غائب ببلدة أخرى فينقص ذلك من أجره، قال: لا، هي له و لصاحبه، و له أجر سوى ذلك بما وصل، قال: و هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له، أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، قال: فيعلم هو في مكانه إن عمل ذلك لحقه قال: نعم، قال: و إن كان ناصبا ينفعه ذلك قال:

نعم يخفف عنه»

و فيه أن الحج و إن كان له شبه بالماليات في الإخراج من الأصل و نحوه كالزكاة و الخمس لكن من المعلوم ان دينيته لله وحده لا شريك له، فلا يمكن قضاؤه عنه إلا مع صلاحية أدائه عنه، بخلاف حق الزكاة و الخمس فإن الدينية فيه لله و للناس، فإذا أدى من ماله حصل ردا لمظلمة إلى أهلها، و بقي العقاب عليه بالنسبة إلى حق الله، فلا ريب في عدم خروج الحج

الواجب من أصل المال في الكافر و المخالف، لعدم انتفاعه به، و احتمال وجوبه لأن يحج به الناس عقوبة و إن لم يكن عنه لا دليل عليه، بل لعل ظاهر الأدلة خلافه، حتى ما دل على خروج الحج من المال، ضرورة ظهورها فيمن يحج عنه بعد موته، كما هو واضح، و تخفيف العقاب بفعل الخير عن الميت لم يثبت في غير المؤمن، و الخبر المزبور قاصر عن معارضة ما دل من الكتاب و السنة على خلاف ذلك، فيبقى حينئذ جميع ما شك فيه على الأصل الذي هو مقتضى قوله تعالى(2):


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 5.
2- 2 سورة النجم- الآية 40.

ج 17، ص: 361

«وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» فالتحقيق حينئذ اعتبار الايمان في النائب و المنوب عنه، و الله العالم.

و مما يتفرع أيضا على اعتبار كمال العقل أنه لا تصح نيابة المجنون مطبقا أو أدوارا حال دوره لانغمار عقله بالمرض المانع عن القصد المعتبر، فلا يكون فعله صحيحا و كذا الصبي غير المميز و إن حج به الولي و هل تصح نيابة المميز؟ قيل: لا تصح لاتصافه بما يوجب رفع القلم فلا وثوق بفعله و قوله، إذ ذلك لا ينافي مشروعية أصل النيابة، بل لأن عبادته تمرينية فلا تقع لنفسه فضلا عن غيره، أو للشك في تناول دليل النيابة له و إن قلنا بشرعية عبادته و قيل: نعم تصح لأنه قادر على الاستقلال بالحج ندبا بناء على شرعية عباداته، و لا شك في شمول دليل النيابة له، و حيث كان المختار عندنا صحة

عمله لكن على وجه التمرين لا على كيفية أمر المكلف بالنافلة مثلا- لاختصاص ما عدا ذلك بالمكلفين، لأن الحكم الشرعي خطاب الله المتعلق بأفعالهم من غير فرق بين خطاب الوجوب و الحرمة و الندب و الكراهة، بل لا يبعد إلحاق خطاب الإباحة بها، و ان عدم مؤاخذة الصبي لارتفاع القلم عنه كالمجنون، لا لأنه مخاطب بالخطاب الإباحي، نعم لما أمر الولي بأمره بالعبادة و كان الظاهر من هذا الأمر إرادة التمرين كان هو أيضا مأمورا بما أمر به الولي من التمرين بناء على ان الأمر بالأمر أمر لكن على جهة ذلك الأمر، فيكون عمله على جهة التمرين مشروعا- كان المتجه عدم صحة نيابته عن الغير، ضرورة اختصاص جهة التمرين به و ان استحق هو عليه الثواب من هذه الجهة، بل يجوز إهداؤه إلى الغير بإذن الولي أو مطلقا كما هو الأقوى، لاختصاص دليل الحجر في غير ذلك، لكن لا يقع منه بعنوان النيابة عن الغير المخاطب بالفعل لنفسه وجوبا أو ندبا، و أوضح من ذلك لو قيل بأن التمرين فيه نحو تمرين الحيوانات على بعض الأعمال، فإنه

ج 17، ص: 362

لا مشروعية لفعله من حيث نفسه أصلا، و انما يستحب للولي تمرينه و امره بذلك بل ربما قيل بعدمها مطلقا بناء على الشرعية التي هي على نحو شرعية الندب للمكلف باعتبار الشك في تناول إطلاقات النيابة لمثله، فيبقى حينئذ على مقتضى أصل عدم الجواز الموافق لقوله تعالى «لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى» و إن كان هو كما ترى لوضوح منع الشك، فتأمل جيدا.

[في وجوب نية النيابة و تعيين المنوب عنه]

و لا بد في الأفعال المفتقرة إلى النية من نية النيابة و تعيين المنوب عنه بلا خلاف أجده فيه، لاشتراك الفعل بين وجوه لا يتشخص لأحدها إلا بالنية، كما أنه لا يتشخص لأحدهم مع تعددهم إلا بتعيينه، أما مع اتحاده فيكفي قصد النيابة عنه، و المراد ب تعيينه القصد بما يشخصه في نفس الأمر من اسم أو غيره و لو بقصد من له في ذمته مع فرض اتحاده.

ثم لا يخفى عليك أن نية الإحرام و الطواف عن فلان مثلا هي نية النيابة عنه، و كذا الإحرام بحج فلان مثلا، و على كل حال فالواجب قصد ذلك، و ما في

صحيح ابن مسلم (1)«ما يجب على الذي يحج عن الرجل قال: يسميه في المواطن و المواقف»

محمول عليه أو على إرادة الاستحباب من الوجوب فيه، لعدم وجوب ذلك اتفاقا، و ل

صحيح البزنطي (2)«ان رجلا سأل الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه فقال: إن الله لا تخفى عليه خافية»

و خبر المثنى ابن عبد السلام (3)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها فقال: إن شاء

فعل و إن شاء لم يفعل، الله يعلم أنه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها»

نعم الظاهر رجحان ذلك كما


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 4.

ج 17، ص: 363

سيصرح به المصنف و غيره خصوصا في الأضحية، ل

حسن ابن معاوية(1)قيل للصادق (عليه السلام): «أ رأيت الذي يقضي عن أبيه أو أمه أو أخيه أو غيرهم أ يتكلم بشي ء؟ قال: نعم يقول عند إحرامه: اللهم ما أصابني من نصب أو شعث أو شدة فآجر فلانا فيه و آجرني في قضائي عنه»

و سأله الحلبي أيضا(2)عن مثل ذلك فقال: «نعم يقول بعد ما يحرم: اللهم ما أصابني في سفري هذا من تعب أو بلاء أو شعث فآجر فلانا فيه و آجرني في قضائي عنه»

و قد سمعت صحيح ابن مسلم (3)السابق، و المناقشة في عبارة المتن بإغناء قصد تعيين المنوب عن النيابة باردة، إذ يكفي عدم إغناء النيابة عنه.

[في صحة نيابة المملوك باذن مولاه]

و تصح نيابة المملوك باذن مولاه بلا خلاف بل و لا إشكال، لعموم الأدلة و إطلاقها، و ما عن بعض الجمهور من المنع لعدم إسقاطه فرض الحج عن نفسه فضلا عن غيره واضح الفساد.

[في عدم صحة النيابة لمن وجب عليه الحج]

و لا تصح نيابة من وجب عليه الحج و استقر بتقصيره بعدم فعله عام الاستطاعة الذي قد عرفت وجوب فعل الحج عليه مع تمكنه و لو مشيا، و من هنا لا تصح نيابته لما عرفته سابقا مفصلا إلا مع العجز عن الحج و لو مشيا فإنه يسقط عنه حينئذ، و تصح نيابته، حتى لو اتفق حصول التمكن له في الأثناء لم تنفسخ الإجارة، كما لا تنفسخ بتجدد الاستطاعة لحج الإسلام، بل لا يجب إلا مع بقائها إلى العام القابل، كما هو واضح.

[في عدم صحة الحج تطوعا ممن يجب عليه الحج]

و كذا لا يصح حجه تطوعا لما عرفته و حينئذ ف لو تطوع يقع باطلا، و لكن قيل و القائل الشيخ في محكي مبسوطة يقع عن حجة


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 3 حسن معاوية بن عمار.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 1.

ج 17، ص: 364

الإسلام قهرا و هو تحكم واضح بعد عدم دليل عليه صالح للخروج به عن مقتضى القواعد و لو حج عن غيره لم يجز عن أحدهما لما عرفت.

و لمن حج واجبا فضلا عن غيره أن يعتمر عن غيره إذا لم تجب عليه العمرة، و كذا لمن اعتمر واجبا أن يحج عن غيره إذا لم يجب عليه الحج للعمومات السالمة عن المعارض، و تلبسه بأحد النسكين لا يمنع نيابته في النسك الآخر المفروض عدم خطابه به، إذ قد عرفت أنه لا تجوز نيابة من كان مكلفا به فورا متمكنا منه، للاتفاق عليه ظاهرا، و للنص الذي سمعت الكلام فيه، كما هو واضح، و الله العالم.

[في كراهة نيابة الصرورة]

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله انه لا إشكال في انه يصح نيابة من لم يستكمل الشرائط أي شرائط وجوب الحج و إن كان صرورة لإطلاق الأدلة، و خصوص جملة من النصوص (1)من غير فرق في ذلك بين الرجل و المرأة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة فيجوز أن تحج المرأة عن الرجل و عن المرأة و بالعكس لإطلاق دليل النيابة و خصوص الامرأة،

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح رفاعة(2): «المرأة تحج عن أخيها و أختها، و قال:

تحج عن أبيها»

و سأله معاوية بن عمار(3)أيضا «عن الرجل يحج عن المرأة و المرأة تحج عن الرجل فقال: لا بأس»

إلى غير ذلك، خلافا لما عن النهاية و التهذيب و المبسوط و المهذب من عدم جواز حج المرأة الصرورة عن غيرها، و الاستبصار من عدم جوازه عن الرجال، و لعل الأول ل

خبر سلمان بن جعفر(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب النيابة في الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3 عن سليمان بن جعفر كما في الاستبصار ج 2 ص 323 الرقم 1144.

ج 17، ص: 365

«سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة قال: لا ينبغي»

بناء على إرادة الحرمة منه كما في الحدائق، و الثاني ل

خبر شحام (1)عن الصادق (عليه السلام) «سمعته يقول: يحج الرجل الصرورة عن الرجل الصرورة، و لا تحج المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة»

و خبر مصادف (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أ تحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجت، رب امرأة خير من رجل»

و موثق عبيد بن زرارة(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزي عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان، قال: إنما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل، و قال: لا بأس أن يحج الرجل عن المرأة»

و فيه منع إرادة الحرمة من «لا ينبغي» خصوصا في المقام الذي قد عرفت قوة دليله من النصوص المنجبرة بالعمل على وجه يقصر غيرها عن معارضتها سندا و دلالة، فالمتجه حينئذ حمله على الكراهة لمكان كونها صرورة.

بل لعل نيابة الرجل الصرورة لا تخلو منها و إن كانت الامرأة أشد، ل

مكاتبة بكر بن صالح (4)إلى أبي جعفر (عليه السلام) «ان ابني معي و قد أمرته أن يحج عن أمي أ يجزي عنها حجة الإسلام؟ فقال: لا، و كان ابنه صرورة و كانت امه صرورة»

و مكاتبة إبراهيم بن عقبة(5)اليه (عليه السلام) يسأله «عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط يجزي كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أولا؟ بين لي ذلك يا سيدي إن شاء الله، فكتب لا يجزي ذلك»

بل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 366

خبر بشير النبال (1)أوضح من ذلك دلالة على إرادة رجحان نيابة الرجل عليها قال: «سألته ان والدتي توفت و لم تحج فقال: يحج عنها رجل أو امرأة، قال:

أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحب إلى»

بل قد يستفاد من التأمل في جميع النصوص صريحها و ظاهرها و إشعارها كموثق عبيد بن زرارة و غيره أن للراجحية و المرجوحية جهتين: التساوي في الذكورة و الأنوثة و الصرورة و غير الصرورة، و النهاية في المرجوحية نيابة المرأة الصرورة عن الرجل الصرورة، لاجتماع الجهتين فيها، و كذا نياب

الرجل الصرورة عن المرأة الصرورة إلا انها أقل باعتبار خفة صرورة الرجل بالنسبة إلى صرورة المرأة، و أما نيابة الرجل الصرورة عن الرجل ففيه جهة الصرورية فقط كالامرأة الصرورة عن الامرأة الصرورة، و كذا غير الصرورة مع المخالفة ليس فيه إلا جهة المخالفة، و الجامع للجهتين كالرجل غير الصرورة عن الرجل و الامرأة غير الصرورة عن الامرأة فيه الفضل، و خال عن جهة المرجوحية، نعم هذا كله من حيث نفس الذكورة و الأنوثة، و إلا فقد تحصل بعض المرجحات في خصوص بعض أفراد أحدهما على بعض افراد الآخر كما أشار إليه ب

قوله (عليه السلام): «رب امرأة خير من رجل»

بل ربما ظهر من

قوله (عليه السلام) في خبر بشير: «رجل أحب إلى»

ان الرجل غالبا خير من المرأة (عليه السلام) حتى مع فرض تساويهما في الأداء أو كون المرأة خيرا منه، و إلا لنافى ما سمعته في موثق عبيد، فتأمل جيدا.

[في النائب الذي مات بعد الإحرام و دخول الحرم]

و كيف كان ف من استؤجر مثلا و مات في الطريق فإن أحرم و دخل الحرم فقد أجزأت عمن حج عنه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 8.

ج 17، ص: 367

بقسميه عليه، لما سمعته سابقا من الخبرين (1)الذين و إن (2)كان موردهما الحج عن نفسه إلا ان الظاهر و لو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصة في الحج نفسه سواء كان عن نفسه أو عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر أو غيره، فالمناقشة في ذلك من بعض متأخري المتأخرين في غير محلها لما عرفت، خصوصا بعد ان كان فعل النائب فعل المنوب عنه، و الفرض أجزاؤه في الثاني فيجزي في الأول، مضافا إلى

موثق إسحاق بن عمار(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه فيموت قبل ان يحج قال: إن مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضي مناسكه فإنه يجزي عن الأول»

المحمول و لو بقرينة ما عرفت على إرادة ما بعد الإحرام و دخول الحرم، و عدم العمل بما دل عليه مما هو أزيد من ذلك للمعارض الذي هو أقوى منه لا يقدح في العمل به فيما نحن فيه.

و منه يعلم وجه الاستدلال بغيره من النصوص (4)مما هو نحوه في الدلالة حتى

مرسل المفيد(5)في المقنعة «من خرج حاجا فمات في الطريق فإنه إن كان مات في الحرم

فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه»

فلا إشكال في المسألة من هذه الجهة.


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 و 2.
2- 2 العبارة غير مستقيمة فلا بد من إسقاط« الذين» أو إسقاط« و ان» حتى تكون صحيحة.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1 رواه مضمرا كما في الكافي ج 4 ص 306 و التهذيب ج 5 ص 417 الرقم 1450.
4- 4 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.

ج 17، ص: 368

كما انه لا إشكال في عدم استحقاق المستأجر رد ما قابل المتخلف من الأجرة بعد الإجماع المحكي من جماعة على ذلك و نفي الخلاف من آخر، بل نسبه بعضهم إلى دلالة النصوص أيضا، مع إمكان القول بأن عقد الإجارة انما يقتضي تأدية الحج من الأجير على حسب تكليفه من نسيان و سهو و إجزاء و غير ذلك، فيكون ما وقع منه في الفرض من أفراد العمل المستأجر عليه حقيقة، نحو المستأجر على صلاة مثلا فنسي فيها ما لا يبطلها، فإنه لا إشكال في استحقاق الأجير تمام الأجرة ضرورة كون محل البحث حال الإطلاق المجرد عن التصريح بالتوزيع مع اتفاق النقصان و عن عدمه لو اتفق عدمه، و الظاهر ما ذكرناه في هذا الحال و إن كان الحاضر في ذهن الأجير و المستأجر الإتيان بكمال الأفعال، لكن لا على وجه تقسيط الأجرة، بل كان لأنه أول الأفراد في الاجزاء، فالمناقشة حينئذ من بعض متأخري المتأخرين في عدم استحقاق المستأجر رد ما قابل المتخلف بأنه و إن حصل المبرئ للذمة لكنه ليس تمام ما استؤجر عليه- فيستحق حينئذ رد المقابل للمتخلف و إن حصل المبرئ للذمة الذي ليس هو تمام المستأجر عليه- في غير محلها، خصوصا مع ملاحظة ما حكي من الإجماعات المعتضدة بعدم الخلاف و غيره.

[في حكم النائب الذي مات قبل الإحرام]

نعم لو مات قبل ذلك لم يجز ما وقع منه قبل الإحرام قطعا بل إجماعا بقسميه و إن ورد جملة من النصوص (1)بأنه يعطى المنوب حجة النائب إن كان قد حج سابقا، و إلا كتبه الله له حجة مع فرض عدم مال للنائب يستأجر به عما في ذمته، لكن المراد منها- بعد حملها على تقصير النائب في الأداء و إتلاف الأجرة في غير الحج أو نحو ذلك- بيان وصول عوض للمنوب بدل دراهمه،


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب النيابة في الحج.

ج 17، ص: 369

و ان الله تعالى شأنه لا يضيع ماله إذا فرض وقوع ذلك و لم يعلم الولي بل استأجره و اعتمد على أصالة عدم تقصير المسلم فيما يجب عليه، لا ان المراد منها الإجزاء حقيقة بحيث لو علم الولي بذلك و أمكنه الاستيجار عنه ثانيا و ثالثا لم يجب عليه فإنه من المقطوع ببطلانه، ضرورة عدم فراغ المنوب عنه بمجرد الاستيجار، بل لا بد من الفعل معه كما هو واضح، فما وقع من بعض متأخري المتأخرين من العمل بهذه النصوص غير مستأهل للالتفات، كغيره من مخالفاته الناشئة عن اختلال الطريقة، نعوذ بالله منه.

و من هنا قال المصنف: في الفرض عليه أن يعيد من الأجرة ما قابل المتخلف من الطريق ذاهبا و عائدا مع فرض اشتراط المباشرة في الحج كي يتجه انفساخ الإجارة حينئذ بموته، فيحتاج إلى التقسيط المزبور وفاقا لجماعة من الأصحاب، بل ينبغي القطع به مع فرض دخول قطع المسافة كذلك في العمل المستأجر عليه، ضرورة اقتضاء قاعدة الإجارة ذلك على ما أوضحناه فيها، لكن ينبغي حينئذ تعيين المسافة، و إلا بطلت الإجارة للجهالة، ضرورة شدة اختلافها فمع فرض ذكرها في عقد الإجارة كي يتجه التقسيط الذي لا وجه له مع فرض عدم ذكرها في العمل المستأجر عليه لا بد من تعينها، و إلا كان فيه من الغرر ما لا يخفى، و من ذلك يعلم ما في إطلاقهم، و هل يجزي غير المعين عنه مع رضاء المستأجر على وجه يلحقه التقسيط أيضا؟ وجهان.

و على كل حال فلا إشكال بل ينبغي القطع بعدم التوزيع مع التصريح بإرادة نفس العمل على وجه لا يستحق الأجير على مقدمات العمل شيئا إذا فرض صحة نحو ذلك، و انما الإشكال فيما لو أطلق الإجارة على الحج فهل يدخل فيها قطع المسافة ذهابا و إيابا على وجه يقتضي التوزيع و التقسيط أو لا يدخل و انما يراد نفس العمل، فلا تستحق المقدمات حينئذ شيئا، نعم يختص التوزيع على فعل

ج 17، ص: 370

بعض العمل كما لو أحرم مثلا و مات قبل دخول الحرم؟ خيرة جماعة منهم الأول، و آخرين الثاني، و التحقيق أن المقدمات ملحوظة لكن في زيادة قيمة العمل نحو ملاحظة الأوصاف في المبيع، لا على جهة التوزيع في الأجرة و الثمن، فإذا فرض وقوع بعض العمل لوحظت قيمة ذلك البعض على وجه يحتاج إلى تلك المقدمة، فالتوزيع حينئذ بهذا المعنى في محله، و أما لو فرض وقوع المقدمات خاصة فقد يتجه استحقاق أجرة المثل فيها، لأصالة احترام عمل المسلم، الذي لم يقصد التبرع به بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه فلم يتيسر له ذلك بمانع قهري، و عدم فائدة المستأجرة به- مع إمكان منعه بأن فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته لا من البلد الذي تختلف الأجرة باختلافه- غير قادح في استحقاق الأجرة عليه نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه كبعض الصلاة و نحوه نعم قد يحتمل في الفرض أن المستحق أكثر الأمرين من أجرة المثل و ما يقتضيه التقسيط أو أقلهما، و لكن الأقوى أجرة المثل، لعدم صحة التقسيط من أصله بعد فرض عدم اندراجها في عقد الإجارة على وجه تقابل بالأجرة كما هو واضح، و من ذلك يعلم ما في كلام كل من الطرفين، اللهم إلا ان يريدوا ما ذكرناه، و الله العالم.

هذا كله على المختار من عدم الاجزاء إذا مات قبل الإحرام أو بعده قبل دخول الحرام و من الفقهاء كالشيخ (رحمه الله) من اجتزأ بالإحرام و إن لم يدخل الحرم، بل ادعى انه منصوص عليه بين الأصحاب لا يختلفون فيه بل ربما استدل له بإطلاق خبر إسحاق (1)المتقدم المنزل على ذلك، و إلا فهو شامل لمن مات قبل الإحرام و لم يقل به أحد، فيجب حمله على ما ذكرنا لقاعدة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 371

و الاقتصار و بذلك كله بان لك أن الأول أظهر كما عرفت الكلام فيه مفصلا، إذ المسألة من واد واحد على ما سمعت، و أما إذا مات قبل الإحرام فقد عرفت أنه لا خلاف في عدم إجزائه، بل الظاهر الإجماع عليه، مضافا إلى الأصل، خصوصا بعد أن كان كذلك في المنوب عنه الذي فعل النائب قائم مقامه و إلى عموم قول الصادق (عليه السلام) في مرسل المفيد(1)نعم في

المرسل (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل أعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث فقال:

إن كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول، و إلا فلا»

و الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل أعطى رجلا مالا يحج به فمات قال: إن مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزي عنه، و إن مات في الطريق فقد أجزأ»

إلا أنهما مع إرسالهما لم أجد قائلا بهما، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافهما، فيجب طرحهما أو حملهما على ما عرفت، و اما احتمال اختصاص النائب بذلك فهو مقطوع بعدمه، و الله العالم.

[في وجوب الإتيان بما شرط على النائب]

و يجب أن يأتي بما شرط عليه من تمتع أو قران أو إفراد لقاعدة

«المؤمنون»(4)

و للأمر بالوفاء بالعقد(5)فلا يجزي حينئذ غير المعين عنه و إن كان أفضل، و في

الحسن المضمر(6)«في رجل أعطى رجلا دراهم يحج بها حجة


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الخيار- الحديث 7 من كتاب التجارة.
5- 5 سورة المائدة- الآية 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2 و فيه عن الحسن بن محبوب عن علي عليه السلام إلا ان الشيخ قده قال بعد ذكره الخبر في التهذيب ج 5 ص 416 الرقم 1447 انه حديث موقوف غير مسند إلى احد من الأئمة عليهم السلام.

ج 17، ص: 372

مفردة قال: ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج، لا يخالف صاحب الدراهم»

و لكن روي عن أبي بصير(1)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه إذا أمر أن يحج مفردا أو قارنا فحج متمتعا جاز لعدوله إلى الأفضل

قال: «في رجل أعطى رجلا دراهم يحج عنه حجة مفردة أ يجوز له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، انما خالف إلى الفضل»

و عن الشيخ و جماعة الفتوى بمضمونها، نعم مقتضى التعليل الواقع فيها اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع كالمتطوع و ذي المنزلين المتساويين في الإقامة بمكة و ناء و ناذر الحج مطلقا، لأن التمتع لا يجزي مع تعين الافراد فضلا عن ان يكون أفضل منه.

و لكن قال المصنف هذا يصح إذا كان الحج مندوبا أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل لا مع تعلق الغرض بالقران أو الافراد و في محكي المعتبر و المنتهى الاقتصار على المندوب، و في محكي المنتهى و التحرير ذلك أيضا مع العلم بقصد المستنيب الأفضل، و لذا قال في المدارك لم يستجود ما ذكره المصنف، قال: لأن مقتضاه ان كلا من نذر الحج أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل مصحح للحكم المذكور، و لا بد من اعتبارهما معا، و مع ذلك فتخصيص الحج بكونه مندوبا لا يظهر له وجه، فان ما ذكرناه من افراد الواجب مساو للندب في هذا المعنى و في القواعد و شرحها للاصبهاني و لو عدل النائب إلى التمتع عن قسميه و علم انه تعلق الغرض أي غرض المستنيب بالأفضل بأن يكون مندوبا أو منذورا مطلقا أو كان المنوب ذا منزلين متساويين فيتخير أي علم ان الأفضل مطلوب له أيضا،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 373

و بالجملة التخيير أجزأ وفاقا للمعظم، إذ ما على المحسنين من سبيل، و لخبر أبي بصير(1)السابق، خلافا لظاهر الجامع و النافع و التلخيص و علي بن رئاب قصرا على النوع المأذون، و الجواب ان غيره في حكم المأذون، لفرض العلم بقصد التخيير و ان ذكر ما ذكر انما هو للرخصة في الأدنى، و إلا يعلم تعلق غرض بالأفضل فلا يجزي وفاقا للمعتبر و التحرير، لأنه غير ما استنيب فيه حقيقة و حكما، خلافا لظاهر أبي علي و الشيخ و القاضي فأطلقوا جواز العدول إلى الأفضل و يمكن إرادتهم التفصيل، و يؤيده ان غيره انما يكون أفضل إذا جاز فعله للمنوب و النائب، إلى غير ذلك من كلماتهم المتفقة على جواز العدول مع فرض التخيير و قصد المنوب الأفضل، لكن قد يناقش بما ظاهرهم الاتفاق عليه من كون المتمتع و القران و الافراد أنواعا للحج مختلفة، و انه يجب في الإجارة تعيين أحدهما، لاختلافها في الكيفية و الأحكام، و إلا لزم الغرر كما اعترف به في المدارك في صدر البحث، و حينئذ فالتخيير للمنوب عنه لكونه مندوبا أو لغير ذلك مع العلم بإرادة المستأجر الأفضل لا يجدي بعد تعيين الفرد بالإجارة، و دعوى أنه ذكر للرخصة في الأدنى لا يقتضي صحة الإجارة مع إرادة التخيير فيها، للغرر و الإبهام نعم لو قلنا بعد تعيين الفرد بالعقد باجزاء غيره عنه مع رضاء المستأجر نحو الوفاء بغير الجنس أمكن

الاجزاء حينئذ لذلك، لا لأنه مقتضى عقد الإجارة، بل نحوه يجري في العدول إلى غير الأفضل عنه أيضا، و بذلك يظهر لك النظر في جميع تلك الكلمات التي مبناها العلم بإرادة التخيير في العمل المستأجر عليه كما لا يخفى على من لاحظها، و حملها على ذلك يأباه ظاهر بعضها و صريح آخر، و على تقديره فمرحبا بالوفاق، نعم يمكن حمل خبر أبي بصير عليه حتى ما فيه من التعليل بناء على


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 374

إرادة استفادة العلم برضا المستأجر بذلك باعتبار كون المعدول إليه أفضل، بل يمكن فرضه لا على طريق الفحوى بل بالقرائن حال الإجارة على رضاه بوقوع الأفضل عوضا عن المستأجر عليه، و كيف كان فمع عدم الاذن بذلك و لو فحوى بناء على الاجتزاء بها لو عدل لم يستحق عوضا، لكونه متبرعا حينئذ و إن وقع عن الميت باعتبار نية النائب، و ما عن التحرير و المنتهى من الإشكال في ذلك في غير محله، و إن وجه بأنه أتى بالعمرة و الحج و قد استنيب فيهما، و انما زادهما كمالا و فضلا، إلا أنه كما ترى، و الله العالم.

[لو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض]

و لو شرط الحج على طريق معين لم يجز العدول إن تعلق بذلك غرض وفاقا للمشهور، لعموم «أَوْفُوا»

و «المؤمنون»

و قيل و القائل الشيخ في محكي المبسوط يجوز العدول مطلقا ل

صحيح حريز(1)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة فقال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه»

و لعله لذا أطلق في محكي التهذيب الاجزاء إذا استؤجر للحج من بلد فحج من آخر، و في محكي النهاية و المهذب و السرائر جواز العدول من طريق استؤجر ليحج منه، و عن الجامع نفي البأس عنه، إلا أن الجميع كما ترى، و لا ظهور في الصحيح المزبور في جواز المخالفة حتى مع الغرض، و انما دل على صحة الحج و ان هذه المخالفة لا تفسده، و هو المراد بنفي البأس، و ذلك غير محل البحث، بل في كشف اللثام ظاهره عدم تعلق الغرض بالطريق، و في محكي التذكرة الأقرب أن الرواية إنما تضمنت مساواة الطريقين إذا كان الإحرام من ميقات واحد، أما مع اختلاف الميقاتين فالأقرب المنع، لاختلافهما قربا و بعدا و اختلاف الأغراض، و تفاوت الأجر بسبب تفاوتهما


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 375

بل في المدارك و كشف اللثام احتمال أن الكوفة صفة لرجل لا صلة ليحج، بل لعل المتجه للعموم المذكور عدم جواز العدول إلا مع العلم بانتفاء الغرض، بل في المدارك الأولى

وجوب الوفاء بالشرط مطلقا، و إن كان قد يناقش بأن المراد بعدم الغرض الكناية عن عدم إرادة الإلزام بما ذكر من الشرط، و انما المراد هو أو غيره، فهو كالإجارة المطلقة التي لم يذكر فيها اشتراط طريق، و لا ريب في تخيير الأجير حينئذ.

كما أنه لا إشكال بل و لا خلاف في صحة الحج من حيث أنه حج لو خالف و حج على غير الطريق المشترط و إن استلزم الإحرام من غير ميقاته، بل حتى لو كان ابتداء الطريق المشترط من ميقات مخصوص، انما الكلام في صحته من حيث الإجارة، و قد قطع المصنف و غيره على ما اعترف به في المدارك بصحته كذلك، لأنه بعض العمل المستأجر عليه و قد امتثل بفعله، و لكن أشكله فيها بأن المستأجر عليه الحج المخصوص، و هو الواقع عقيب قطع المسافة المعينة و لم يحصل الإتيان به نعم لو تعلق الاستئجار بمجموع الأمرين من غير ارتباط لأحدهما بالآخر اتجه ما ذكروه، و في محكي التذكرة الأقرب فساد المسمى و الرجوع إلى أجرة المثل، و لم نجده لغيره بل ظاهر الجميع و صريح البعض تقسيط الأجرة ورد ما قابل الطريق أو بعضه منها، و ربما احتمل رد التفاوت بين الطريقين إن كان ما سلكه أسهل، و إلا لم يرد شيئا، لكنه واضح الضعف، و إن جزم به أيضا في محكي التذكرة إذا لم يتعلق غرض بالطريق، إلا أنك قد عرفت استحقاق الأجرة كاملة مع عدم تعلق الغرض على الوجه الذي ذكرناه.

و التحقيق أنه إن أريد بالشرطية في كلامهم الجزئية على معنى أنه ذكر الطريق على وجه الجزئية لما وقع عليه عقد الإجارة اتجه التقسيط، ضرورة كونه كتبعض الصفقة في المبيع حينئذ، بل لا يبعد تسلط المستأجر على الخيار، فله

ج 17، ص: 376

الفسخ حينئذ و دفع أجرة المثل عما وقع منه، و إن كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به فقد يتخيل في بادئ النظر عدم استحقاق شي ء كما سمعته من سيد المدارك، لعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ، لكن الأصح خلافه، ضرورة صدق كونه بعض العمل المستأجر عليه و ليس هو صنفا آخر، و ليس الاستئجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلا بأولى منه بذلك، بناء على عدم الفرق بين التخلف لعذر و غيره في ذلك و ان اختلفا في الإثم و عدمه، لأصالة احترام عمل المسلم، بل لو شرط عليه عدم استحقاق أجرة مع عدم الإتيان به على الوجه المخصوص أشكل صحة الإجارة، لأن تشخيص العمل على وجه لا يصدق عليه أنه بعض العمل المستأجر عليه لا يتبع شرط المستأجر، و انما هي تابعة لمشخصاته الخارجية، و الفرض صدق الإتيان ببعض العمل المستأجر عليه و إن خالف التشخيص الذي صدر من المستأجر، فيرجع الشرط المزبور حينئذ إلى استئجار على عمل بلا أجرة، اللهم إلا أن يفرض الشرط على وجه يقتضي إسقاطه لما استحقه بعقد الإجارة من التقسيط، و هو غير ما نحن فيه، و إن أريد بشرطية الطريق في كلامهم معنى الشرطية التي هي في العقود التزام بأمر خارجي عما قوبل بالعوض في العقد فلا محيص عن القول باقتضاء التخلف الخيار في الفسخ و دفع أجرة المثل، و عدمه و دفع الأجرة تماما نحو الشرط في البيع و غيره من عقود المعاوضة، إذ ليس للشرط قسط من الثمن على وجه التوزيع، و دعوى أن نحو هذا الشرط في خصوص الإجارة كذلك لا دليل عليها، و انما أوجبنا أجرة المثل في الفرض مع الفسخ لوصول العمل إلى المستأجر مع عدم صدق التبرع به، فيبقى على مقتضى أصالة احترام عمل المسلم الذي كان مقابلا بمقتضى عقد الإجارة بشي ء من الأجرة، فمع الفسخ يرجع إلى قيمته.

ج 17، ص: 377

و بذلك كله ظهر لك المراد مما في جملة من عبارات الأصحاب و النظر في جملة أخرى، و خصوصا ما أطنب به الأصبهاني في شرحه من كثرة التشقيقات و الاحتمالات الظاهرة في صدورها منه قبل أن يعض على العلم بضرس قاطع، و من ذلك ما ذكره في صورة إرادة الشرطية المقابلة للجزئية- و كون المراد بالطريق ما قبل الميقات لا منه- من أنه «إن نوى الشرطية بمعنى عدم استحقاق الأجرة على تقدير المخالفة لم يستحق الأجير حينئذ شيئا اتحد الميقات أو لا، تعلق غرض بالطريق أم لا، و إلا فإن تعلق غرض بالطريق فاما أن يتحقق الغرض أو أفضل منه مع المخالفة- كأن يكون الغرض التأدي إلى ميقات مخصوص فخالف الطريق و سار إلى ذلك الميقات أو أفضل منه أو مساوية- فيجزيه ما فعله و يستحق به الأجرة كاملة، و إما أن يفوت الغرض ففيه الأوجه التي عرفتها: فساد المسمى و استحقاق أجرة المثل- و عدم الفساد مع رد التفاوت أو لا معه، و وجه رابع هو عدم استحقاق شي ء لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و خامس و هو التفصيل بأنه إن كان الغرض شيئا متعلقا بما استؤجر له كالميقات و الاحتياط للوجوب من باب المقدمة لم يستحق شيئا، أو استحق أجرة المثل، أو المسمى مع الرد، و إلا كالمرور على أخ أو ضيعة استحق المسمى كاملا، و إن لم يتعلق به غرض استحق المسمى كاملا أو مع الرد» إذ هو جميعه كما ترى، و قس على هذا ما تركناه من كلامه، فإنه أيضا كذلك، و من الغريب عدم فرقه بين الشروط في عقود المعاملة و الشروط الشرعية لمشروط التي يجري فيها قاعدة انتفاء المشروط بانتفاء شرطه، و التحقيق ما عرفت، و لا ينافيه ما في كلام الأصحاب هنا من رد التفاوت بعد أن حملنا كلامهم على إرادة الجزئية من الشرطية لا معناها الذي ذكرناه، و هو متجه على قواعد الإجارة.

[في حكم من استؤجر لمباشرة حجة في سنة معينة]

و إذا استؤجر ل مباشرة حجة في سنة معينة لم يجز أن يؤجر

ج 17، ص: 378

نفسه لمباشرة أخرى في تلك السنة قطعا، لعدم القدرة على التسليم، فتبطل الثانية حينئذ، و لو فرض اقترانهما بطلتا معا، بل قد يقال يكون الحكم كذلك مع عدم اعتبار المباشرة، فإنه و إن تمكن من الإتيان بهما بالاستنابة لكن يعتبر في الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه، فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن على إرادة الاستنابة، ففي الفرض لا يجوز الإجارة الثانية للحج في تلك السنة و إن كان المراد بها أو بالأولى أو بهما ما يعم الاستنابة، و لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحة، و لو كانت الإجارة الأولى مطلقة فعن الشيخ إطلاق عدم جواز الإجارة لأخرى حتى يأتي بالأولى، و قال المصنف و الفاضل في محكي المنتهى يمكن أن يقال بالجواز إن كان لسنة غير الأولى بل عن المعتبر الجزم به، و هو كذلك، لإطلاق الأدلة السالمة عن المعارض، بل في المدارك يحتمل قويا جواز الاستئجار للسنة الأولى إذا كانت الإجارة الأولى موسعة، إما مع تنصيص الموجر على ذلك أو القول بعدم اقتضاء الإطلاق التعجيل قال: و نقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته أنه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل، فيجب المبادرة بالعمل بحسب الإمكان، و مستنده غير واضح، و هو كذلك أيضا بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور، و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك، بل إن لم يكن إجماع فهو في الحج كذلك و إن صرح باقتضاء الإطلاق التعجيل فيه جماعة، اللهم إلا أن يفرض اقتضاء التعارف فيه ذلك، ثم على تقدير التعجيل المزبور فالظاهر صحة الإجارة الثانية المطلقة مع فرض علم المستأجر الثاني بالإجارة الأولى، ضرورة كون المراد به التعجيل بحسب الإمكان، أما مع عدم علمه فالظاهر أن له الخيار مع احتمال البطلان و عن المنتهى القطع بالجواز مع إطلاق الاجارتين، و في كشف اللثام و كأنه لدلالة سبق الأولى على تأخير الثانية.

ج 17، ص: 379

و على كل حال فالتعجيل على القول به ليس توقيتا، و حينئذ فإن أهمل لم تنفسخ الإجارة و إن أثم بالتأخير، و يستحق الأجرة التامة، لكن في الدروس «و لو أطلق اقتضى التعجيل، فلو خالف الأجير فلا أجرة له» و ضعفه واضح، بل هو مناف لقوله فيها متصلا بذلك: «و لو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوي، و لو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة» و إن كان هو أيضا لا دليل عليه بحيث يعارض أصالة لزوم العقد، اللهم إلا أن يكون بنى ذلك على فهم اشتراط التعجيل، فيثبت الخيار حينئذ لفوات الشرط و إن كان مضمرا و إن كان هو كما ترى.

نعم تنفسخ الإجارة بفوات الزمان الذي عين للحج فيها سواء كان بتفريط أو لا، خلافا لأحد وجهي الشافعية بناء على كونه كتأخير الدين عن محله، و له وجه مع فرض كون التعيين المزبور بعنوان الشرطية، و لكن يثبت الخيار حينئذ، و لو قدمه عن السنة المعينة فعن التذكرة الأقرب الجواز، لأنه زاد خيرا، و هو المحكي عن الشافعي، و في المدارك في الصحة وجهان، أقربهما ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين، و فيه أنه يرجع إلى عدم إرادة التعيين من الذكر في العقد، و حينئذ لا إشكال في الاجزاء، انما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين، و لا ريب في عدم الاجتزاء به عن الإجارة إلا إذا كان بعنوان الشرطية لا التشخيص للعمل، و الله العالم.

[في حكم إحصار الأجير و صده]

و لو أحصر أو صد الأجير على الذهاب إلى الحج و فعله في سنة معينة قبل الإحرام و دخول الحرم استعيد من الأجرة بنسبة المتخلف بلا إشكال بل و لا خلاف إذا لم يضمن الحج من قابل، لانفساخ العقد، و احترام ما وقع من العمل و ما بقي، فيستحق كل منهما ما يخصه من المسمى كما في غير المقام مما استؤجر عليه من الأعمال، بل لو ضمن أي الأجير الحج في

ج 17، ص: 380

المستقبل لم يلزم المستأجر إجابته للأصل و غيره، خلافا لما قيل من أنه يلزم إجابته، لوضوح ضعفه و إن نسب إلى ظاهر المقنعة و النهاية و المهذب، بل ربما قيل انه ظاهر المبسوط و السرائر و غيرها، و لذا حمله غير واحد على إرادة ما إذا رضي المستأجر بضمان الأجير بمعنى استئجاره ثانيا بالمتخلف من الأجرة و لو معاطاة، فإنه حينئذ لا إشكال فيه، كما لا إشكال في استحقاق الحج عليه سنة أخرى لو فرض إطلاق الإجارة، ضرورة عدم انفساخها بتعذر أحد أفرادها، بل الظاهر عدم الخيار لأحدهما في ذلك، للأصل و غيره، خلافا لما عن الشهيد من أنه يملكانه في وجه قوي، إلا أنه كما ترى.

أما لو صد بعد الإحرام و دخول الحرم أو بعد الإحرام فإنه و إن كان الحكم فيه كالأول أيضا من انفساخ الإجارة و الرجوع بما قابل المتخلف في المختار إلا أن فيه خلافا، فإن المحكي عن الخلاف ان الإحصار بعد الإحرام كالموت بعده في خروج الأجير عن العهدة، و عدم وجوب رد شي ء عليه، و إن كان لا يخفى ضعفه، لعدم الدليل، و الاتفاق على عدم الاجزاء إذا حج عن نفسه فكيف أجزأ عن غيره، و اختصاص نص الاجزاء(1)بالموت، فحمله عليه قياس، لكنه (ره) نظمه مع الموت في سلك، و استدل عليه بإجماع الفرقة مع أن الحكم فيما نحن فيه منصوص لهم لا يختلفون فيه، و من هنا قال في كشف اللثام: «ظني أن ذكر الإحصار من سهو قلمه الشريف أو قلم غيره، و على كل حال فيمكن أن يكون تقييد المصنف بذلك إشارة إلى هذا الخلاف لا لاختياره الاجزاء كما ظن، و لعل هذا أولى مما عن المسالك من أنه يمكن أن يكون فائدة التقييد بقبلية الإحرام و دخول

الحرم الاحتراز عما لو كان بعدهما، فإنه لا يتحقق استعادة الأجرة مطلقا، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج.

ج 17، ص: 381

يبقى على الاحكام إلى أن يأتي بقية المناسك مع الإمكان- إلى أن قال- إلا أن قيد دخول الحرم لا مدخل له في ذلك، بل مجرد الإحرام كاف فيه، لإمكان مناقشته بما في المدارك من أنه إن أراد بقوله: «مع الإمكان» إمكان الإتيان ببقية المناسك في ذلك العام فهو آت مع الصد قبل الإحرام، و إن أريد به ما هو أعم من ذلك لم يكن مستقيما؛ إذ المصدود يتحلل بالهدي، و لو صابر ففاته الحج تحلل بالعمرة كما سيجي ء بيانه إن شاء الله، و لا أجرة له عليها، لأنه فعلها متحللة» و إن كان قد تدفع بأن مراده ما أشار إليه الكركي في فوائده على الكتاب من أن المحرم في بعض الأحوال يبقى على إحرامه حتى يأتي بالمناسك، لعدم تمكنه من الهدي أو العمرة التي يتحلل بها، و مثله قد يقال بعدم استعادة الأجرة فيه و إن استمر على ذلك إلى السنة القابلة و كان أجيرا على الحج في السنة الماضية، و ذلك لأنه بتلبسه بالحج في هذه السنة كان كمن حج فيها، و إن انتقل تكليفه اضطرارا إلى السنة القابلة ببقية المناسك، إذ هو حينئذ كمن أدرك اضطراري الحج و من فاته بعض الأجزاء التي تقضى بعد فوات الوقت، و كيف كان فمتى انفسخت الإجارة و كان الاستئجار واجبا استأجر من موضع الصد مع الإمكان، إلا أن يكون بين الميقات و مكة فمن الميقات، لوجوب إنشاء الإحرام منه.

[في حكم من استؤجر فقصرت الأجرة أو زادت]

و إذا استؤجر فقصرت الأجرة عن نفقة الحج لم يلزم المستأجر الإتمام للأصل السالم عن المعارض و كذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل لذلك أيضا، و لأن من كان عليه الخسران كان له الجبران، من غير فرق في ذلك بين أن يكون قد قبض الأجرة أو لا، فيطالب بها جميعا أو بعضها مع عدم القبض، و يجب على المستأجر الدفع اليه، و كان تعرض المصنف و غيره لذلك مع وضوحه و عدم الخلاف فيه بيننا نصا و فتوى لتعرض النصوص له

ج 17، ص: 382

و للتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبني على ما زعمه من بطلان الإجارة، فلا يجب حينئذ على المستأجر الدفع للأجير، نعم عن النهاية و المبسوط و المنتهى استحباب الإتمام في الأول، لكونه من المعاونة على البر و التقوى، و التذكرة و المنتهى و التحرير و غيرها استحباب الرد في الثاني تحقيقا للإخلاص في العبادة، بل

عن المقنعة أنه قد جاءت رواية أنه «إن فضل مما أخذه فإنه يرده إن كانت نفقته واسعة، و إن كان قتر على نفسه لم يرده»

ثم قال: و على الأول العمل، و هو أفقه، و لعله أشار بذلك إلى

خبر مسمع (1)قال للصادق (عليه السلام): «أعطيت الرجل دراهم يحج بها عني ففضل منها شي ء فلم يرده علي فقال: هو له، لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة»

إلا أنه كما ترى ضعيف الدلالة على ذلك، خصوصا مع ملاحظة

خبر محمد بن عبد الله القمي (2)قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعطي الحجة يحج بها فوسع على نفسه فيفضل منها أ يردها عليه؟ قال: لا، هو له»

هذا، و في كشف اللثام أنه «إن شرطا في العقد الإكمال أو الرد لزم» و فيه أنه يمكن منع صحة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة للجهالة، كما هو واضح، و الأمر سهل.

[في عدم جواز النيابة في الطواف الواجب للحاضر إلا مع العذر]

و على كل حال ف لا يجوز النيابة في الطواف الواجب للحاضر للأصل و

مرسل ابن أبي نجران (3)عن الصادق (عليه السلام) «سئل: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة قال: لا، و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب»

و لأن المريض المستمسك طهارته إذا لم يستقل بالمسير حمل و طيف به كما

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(4): «الكسير يحمل و يطاف به، و المبطون يرمي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 6.

ج 17، ص: 383

و يطاف عنه و يصلى عنه»

و سأل صفوان (1)أبا الحسن (عليه السلام) «عن المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت و لا أن يأتي بين الصفا و المروة قال: يطاف به محمولا يخط الأرض برجليه حتى يمس الأرض قدميه في الطواف، ثم يوقف به في أصل الصفا و المروة إذا كان معتلا».

فظهر من ذلك أنه لا يستنيب إلا مع العذر المانع من الطواف به أيضا للاجهاز عليه مثلا، أو لكونه كالإغماء و البطن و ما شابههما مما لا يمكن معه الطواف و لو بالحمل لعدم الطهارة فيجوز حينئذ، للمعتبرة المستفيضة ك

صحيح حبيب الخثعمي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن يطاف عن المبطون و الكسير»

و صحيح حريز(3)عنه (عليه السلام) أيضا «المريض المغلوب و المغمى عليه يطاف عنه و يرمى عنه»

بل الظاهر جواز الاستنابة عن المغمى عليه فيهما من غير إذن منه و لا استنابة كما في سائر الإحياء لعدم قابليته، إلا أن يراد أنه يستنيب قبل الإغماء لظهور أماراته، و الإطلاق ينفيه، نعم ينبغي تقييد ذلك بما إذا لم يرج البرء أو ضاق الوقت و إلا انتظر ل

خبر يونس (4)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سأله أو كتب اليه عن سعيد بن يسار انه سقط من جمله فلا يستمسك بطنه أطوف عنه و أسعى فقال: لا، و لكن دعه فإن برأ قضى هو و إلا فاقض أنت عنه»

هذا.

و لكن في كشف اللثام «ان المغمى عليه لم أر من تعرض له بخصوصه ممن قبل المصنف و ابني سعيد، نعم أطلقوا النيابة عمن لا يستمسك الطهارة- ثم


1- 1 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الطواف- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب الطواف- الحديث 4.

ج 17، ص: 384

قال-: و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح حريز(1): «المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف به»

و الفرق بينهما أن الطواف فريضة و الرمي سنة» قلت: لعل ذلك اتكالا على ذكر المبطون الذي لا يستمسك طهارته، فان المغمى عليه أولى بعدم طهارة له و لو اضطرارية، و أما ما ذكره من الصحيح المزبور فالموجود فيما

حضرني من نسخة التهذيب المعتبرة «و يطاف عنه» كما ذكرناه سابقا، نعم كتب عليها نسخة «و يطاف به» و الظاهر ان المعتبرة الأولى فإنه لا وجه للطواف به مع عدم طهارة له، بل لعل ذلك هو المدار في نحوه من غير فرق بين من لا يستمسك طهارته لبطن مثلا و غيره، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: «و ما شابههما» بل قد يقال باندراج الحائض في ذلك، ضرورة عدم تمكنها من الطهارة كالمبطون بل في كشف اللثام التصريح به، قال: و من أصحاب الأعذار أو الغيبة الحائض إذا ضاق الوقت أو لم يمكنها المقام حتى تطهر، و لا يكون لها العدول إلى ما يتأخر طوافه، كما يحمل عليه

صحيح أبي أيوب الخزاز(2)قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله ان معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء و يأبى الجمال ان يقيم عليها قال: فأطرق و هو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن أصحابها و لا يقيم عليها جمالها ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضي فقد تم حجها»

و هي داخلة فيمن لا يستمسك الطهارة إذا ضاق الوقت، و إلا لم تستنب للطواف إلا إذا غابت، فلا يطاف عنها ما دامت حاضرة و إن علمت مسيرها قبل الطهر،


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب الطواف- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 84- من أبواب الطواف- الحديث 13 و الفقيه ج 2 ص 245 الرقم 1176.

ج 17، ص: 385

و في الدروس و في استنابة الحائض عندي تردد، قلت: لعله من ذلك و من عدم قابليتها

لوقوع الطواف الذي هو كالصلاة منها، فكذا نائبها، و من بطلان متعتها و عدولها إلى حج الافراد لو قدمت إلى مكة حائضا و قد تضيق وقت الوقوف، إذ لو كانت النيابة في الطواف مشروعة في حقها لصحت متعتها، و من هنا قال في المدارك: إن الحيض ليس من الأعذار المسوغة للاستنابة في الطواف، نعم حكى فيها عن جده جواز استنابة الحائض في طواف الحج و طواف النساء مع الضرورة الشديدة اللازمة بانقطاعها عن أهلها في البلاد البعيدة، ثم قال: و هو غير بعيد، بل قوى الجواز في طواف النساء، بل قال: إن مقتضى صحيح أبي أيوب السابق جواز تركه و الحال هذه، قلت: هو و إن كان كذلك إلا أنه بقرينة عدم القائل به يجب حمله على الاستنابة، و لعله لا بأس به إذا فعلت ذلك بعد غيبتها و طهارتها لا أنه يطاف عنها مع حضورها حال حيضها، بل جعل المدار على ذلك في صحة الاستنابة عنها في الطواف متجه.

و كيف كان فظاهر المتن جواز الاستنابة للغائب مطلقا، بل هو صريح الدروس و القواعد و محكي الجامع و غيره، بل في كشف اللثام كأنه لا خلاف فيه حيا كان أو ميتا، و الأخبار به (1)متظافرة، و يؤيده جواز الحج و العمرة عنه بل لعل ظاهر الإطلاق ذلك و إن تمكن من الحضور، و إن كان لا يخلو من إشكال في بعض الأفراد، كما أن ما عن ابن سعيد من تحديد

الغيبة بعشرة أميال لا يخلو منه أيضا و إن شهد له

مرسل ابن أبي نجران (2)عن الصادق (عليه السلام) «سئل كم


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب النيابة في الحج و الباب 51 من أبواب الطواف.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 386

قدر الغيبة فقال: عشرة أميال»

ضرورة ظهور الاستنابة فيه في المندوب بدون ذلك.

و كيف كان فلا إشكال في أنه أي الحاضر يجب أن يتولى ذلك بنفسه مع جامعيته لشرائط التكليف بمعنى نيته له و إن طيف به على دابة و نحوها و حينئذ فلا ينافي ما في المتن و غيره من أنه لو حمله حامل فطاف به أمكن أن يحتسب لكل منهما طوافه عن نفسه فينوي الحامل بحركته الذاتية الطواف لنفسه، و المحمول بحركته العرضية كذلك:

قال الهيثم بن عروة التميمي (1)للصادق (عليه السلام): «إني حملت امرأتي ثم طفت بها و كانت مريضة في البيت في طواف الفريضة و بالصفا و المروة و احتسبت بذلك لنفسي فهل تجزيني؟ فقال:

نعم»

فما عن الشافعي من عدم جواز ذلك لاستلزامه النية بفعل واحد طواف شخصين واضح الفساد،

لمنع الملازمة أولا، و منع بطلان اللازم ثانيا، لجواز حمل اثنين فصاعدا له، بل من ذلك يظهر أن المحمول إذا كان مغمى عليه أو صبيا جاز للحامل نية طوافه مع طواف نفسه كما نطق به

صحيح حفص بن البختري (2)عن الصادق (عليه السلام) «في المرأة تطوف بالصبي و تسعى به هل يجزي ذلك عنها و عن الصبي؟ فقال: نعم»

و ما عن الإيضاح- من أنه انما يجوز على القول بجواز ضم نية التبرد إلى نية الوضوء- في غير محله، ضرورة صدق الطواف على كل منهما، بل الظاهر جواز احتساب الحامل و المحمول ذلك لهما و إن كان الحمل بأجرة، و استحقاق الحمل عليه في حال طوافه لا ينافي احتسابه له، إذ هو كما لو استؤجر لحمل متاع فطاف و هو يحمله، فان الطواف به لا معنى له إلا الحمل، لكن عن أبي علي منعه، لاقتضاء الاستئجار استحقاق هذه الحركة عليه لغيره، فلا يجوز


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الطواف- الحديث 2- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الطواف- الحديث 2- 3.

ج 17، ص: 387

له صرفها إلى نفسه كالاستئجار للحج، بل عن الفاضل في المختلف استحسانه، إلا انه قال: «و التحقيق أنه إن استؤجر للحمل في الطواف أجزأ عنهما، و ان استؤجر للطواف لم يجز عن الحامل» و لعله لأنه على الثاني كالاستئجار للحج، و لكن الظاهر انحصاره في الطواف بالصبي و المغمى عليه، فان الطواف بغيرهما انما هو بمعنى الحمل، نعم ان استأجره غيرهما للحمل في غير طوافه لم يجز الاحتساب،

بل قد يناقش في الأولين أيضا بأنه إذا جاز تبرعا الطواف بهما مع احتساب طوافه لنفسه كما أومأ إليه صحيح حفص جاز الإجارة عليه، و ليس هو كالاستئجار للحج بل أقصاه اشتراك الطوافين بمقدمة واحدة، و هو حركته المخصوصة التي تكون سببا لحصول الطواف من كل منهما، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

[في براءة ذمة الميت بالحج تبرعا]

و لو تبرع إنسان بالحج عن غيره بعد موته برئت ذمته إن كانت مشغولة، و أعطي ثواب الحج إن لم تكن بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص (1)مستفيضة أو متواترة فيه، من غير فرق في الميت بين أن يكون عنده ما يحج به عنه أم لا، و بين إيصائه به و عدمه، و بين قرب المتبرع للميت و عدمه، و بين وجود المأذون من الميت أو وليه و عدمه كل ذلك لإطلاق النصوص و معاقد الإجماعات، و ثبوت مشروعية النيابة عنه مع تعذر الاذن عنه، و ان الحج مع شغل الذمة به كالدين الذي لا إشكال في جواز التبرع به مع النهي فضلا عن عدم الاذن، و أصل عدم اشتراط حصولها منه حال حياته، و عدم تعلق الغرض بما يقابلها من ماله، خلافا لمالك و أبي حنيفة فأسقطا فرضه إن مات بلا وصية، و أخرجاه من الثلث إن اوصى.


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و الباب 25 من أبواب النيابة في الحج.

ج 17، ص: 388

أما الحي فلا تجوز النيابة عنه باذنه فضلا عن التبرع في الواجب مع تمكنه منه عندنا للأصل و غيره، نعم تجوز عنه في المندوب مع التبرع فضلا عن الاذن عندنا خلافا للشافعي و لأحمد في رواية سواء كان قادرا أو عاجزا بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص به (1)مستفيضة أو متواترة، بل لا فرق عندنا بين من كان عليه حج واجب مستقرا كان أو لا و غيره، تمكن من أدائه ففرط أو لم يفرط، بل يحج الآن بنفسه واجبا و يستنيب غيره في التطوع، خلافا لأحمد فلم يجز الاستنابة فيه ما اشتغلت ذمته بالواجب، إذ لا يجوز له فعله بنفسه، فالاستنابة أولى، و فيه ان عدم جواز فعله له لا خلاله بالواجب، و لذا لو أخلت الاستنابة به لقصور النفقة و نحوه لم يجز عندنا أيضا لا أن عدم جوازه لعدم مشروعيته في حقه كي تمنع النيابة فيه، بل لا بأس بتشريك الكثيرين بحجة واحدة كما دل عليه صحيحا هشام (2)و محمد بن إسماعيل (3)و غيرهما، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحي و الميت، و ما في

خبر علي بن جعفر(4)المروي عن قرب الاسناد سأل أخاه (عليه السلام) «عن رجل جعل ثلث حجته لميت و ثلثيها لحي فقال: للميت، فأما للحي فلا»

محمول على غير ذلك، أو معارض بما هو أقوى منه، و كذا لا بأس بتعدد النواب في المندوب

في سنة واحدة، فقد أحصي عن علي بن يقطين في عام واحد ثلاثمائة ملبيا و مائتان و خمسون و خمسمائة و خمسون، هذا، و لكن عن المنتهى التصريح بعدم جواز الحج ندبا عن الحي إلا باذنه، و لعله حمل النصوص على إهداء الثواب لا على وجه النيابة، إلا أنه واضح الضعف كما لا يخفى على من لاحظها.


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النيابة في الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 9.

ج 17، ص: 389

انما الكلام في جواز التبرع عن الحي في الواجب في حال جواز النيابة عنه لعضب و نحوه للأصل السالم عن معارضة ما دل على مشروعيتها عنه بإذنه، ضرورة أعمية ذلك من جواز التبرع، فيبقى حينئذ أصل بقاء شغل ذمته و أصل وجوب الاستنابة عليه سالما عن المعارض بعد حرمة القياس على الميت، و عدم ثبوت كونه في هذا الحال كالدين الذي يقضى عن صاحبه مع نهيه، و

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «دين الله أحق ان يقضى»

انما هو في الميت، فالأحوط حينئذ إن لم يكن الأقوى الاقتصار في النيابة عنه حينئذ على الاذن.

[كلما يلزم النائب من كفارة ففي ماله]

و كلما يلزم النائب من كفارة في الجنابة في الإحرام و الهدي في التمتع و القران ففي

ماله دون المنوب عنه بلا خلاف أجده بيننا كما اعترف به بعضهم بل عن الغنية الإجماع عليه في الكفارة، مضافا إلى ان ذلك عقوبة على فعل صدر منه، فهو كما لو قتل نفسا أو أتلف مالا لأحد، و إلى دخول الهدي في العمل المستأجر عليه، و هو واضح.

[في حكم النائب الذي أفسد الحج]

و لو أفسده أي الحج الذي ناب فيه حج من قابل بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه و انما الكلام في انه هل يعاد بالأجرة عليه أو لا؟ قال في المتن يبنى ذلك على القولين أي القول بأن الفرض الأول و الإعادة عقوبة، أو الثاني و إتمام الأول عقوبة، و لم يقيد ذلك بكون الإجارة معينة، و التحقيق ان الفرض الثاني لا الأول الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوى، و احتمال أن هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه بل هو مناف لجميع ما ورد في بيان المبطلات في النصوص من أنه قد فاته الحج، و لا حج له و نحو ذلك مما يصعب ارتكاب المجاز فيه، بل مقتضاه أن الحج لا يبطله


1- 1 كنز العمال ج 3 ص 56 الرقم 1037 و ص 57 الرقم 1045.

ج 17، ص: 390

شي ء أصلا، و انما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم، و الإعادة عقوبة، و هو كما ترى، و خبر

المقام اللذان (1)ستسمعهما و إن كانا ظاهرين في أن الفرض الأول إلا انه يجب حملهما على إرادة إعطاء الله تعالى للمنوب حجة تامة تفضلا منه و إن قصر النائب في إفسادها و خوطب بالإعادة، فلا محيص حينئذ عن القول بأن الفرض الثاني، كما لا محيص حينئذ بناء على ذلك عن القول بانفساخ الإجارة إذا فرض كونها معينة، و عود الأجرة لصاحبها، و انه يجب على النائب الإعادة للحج من قابل بنية النيابة من غير عوض، لأنه هو الحج الذي أفسده و خوطب بإعادته، فيجزي حينئذ عن المنوب مع فرض وقوعه منه، و إلا استأجر الولي من يحج عنه بخلاف الإجارة المطلقة، فإن الظاهر عدم انفساخها، كما ان الظاهر الاجتزاء بالحج من قابل عن الحج ثانيا و يستحق به الأجرة، أما الأول فلأنه الأصل في كل إجارة معينة لم يأت بها المستأجر فيما عين له من الزمان، و دعوى ان ذلك من الاضطرار الشرعي كقضاء بعض الأشواط و نحوه مما لا يقدح في التعيين واضحة الفساد، فتعاد الأجرة حينئذ لانفساخ ما أوجبها من العقد، و لا ينافي ذلك وجوب الحج عليه من قابل عن المنوب بخطاب شرعي من غير عوض، و أما الثاني فلأن الفرض كون الإجارة مطلقة، ففساد الفرد لا يقتضي انفساخها و إن قلنا بوجوب التعجيل فيها، لكنه لا على وجه يتعين به المستأجر عليه بحيث إذا فات تنفسخ الإجارة لفوات المحل، نعم عن الشهيد احتمال تسلط المستأجر على الفسخ لفوات التعجيل، مع

أنه مناف لأصالة اللزوم و غيرها، و لذا صرح بعدمه الفاضل في القواعد، و حينئذ فالمتجه بقاء لزوم العقد هنا، و يعيد الحج من قابل، بل الظاهر أنه يكتفي به عن خطاب الإجارة و خطاب الإفساد كالمستطيع إذا أفسد حجه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1 و 2.

ج 17، ص: 391

فإنه يحج من قابل و يكتفى به عن خطاب الاستطاعة و الإفساد، و ليس من التداخل المحتاج إلى الدليل المخصوص بل هو من التداخل المفهوم من دليل السببين و دعوى أن الحج بإفساده له انقلب لنفسه، لأنه غير المستأجر عليه مثلا، فهو كما إذا اشترى الوكيل في شراء شي ء بصفة ما هو على خلاف الصفة فيكون القضاء عن نفسه، يدفعها منع انقلابه اليه نفسه، كمنع ذلك في المشبه به، و كذا دعوى أن سبب وجوب الإعادة الإفساد لا الاستئجار، و الأصل عدم التداخل فإنه يدفعها أيضا ان الإفساد انما أوجب ما أوجبته الإجارة، كتعقب بعض أسباب الحدث بعضا آخر، و حينئذ فما في القواعد و محكي المبسوط و الخلاف و السرائر من إيجاب حجة ثالثة في المطلقة في غير محله.

و بذلك كله يظهر لك ما في أقوال المسألة و وجوهها، فان محصلها مع المختار ثمانية: أحدها انفساخ الإجارة مطلقا إن كان الثاني فرضه، و هو ظاهر المتن، الثاني انفساخها مع التعيين دون الإطلاق، و وجوب حجة ثالثة نيابة كما هو خيرة الفاضل في القواعد و المحكي عن الشيخ و ابن إدريس، الثالث عدم الانفساخ مطلقا و لا يجب حجة ثالثة و هو خيرة الشهيد، الرابع إن كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا و لا عليه حجة ثالثة، و إن كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة، و عليه حجة ثالثة، و هو على ما قيل خيرة التذكرة و أحد وجهي المعتبر و المنتهى و التحرير، الخامس كذلك و ليس عليه حجة ثالثة مطلقا، و هو محتمل المعتبر و المنتهى، السادس انفساخها مطلقا مطلقة كانت أو معينة، كان الثاني عقوبة أو لا، لانصراف الإطلاق إلى العام الأول و فساد الحج الأول و إن كان فرضه، السابع عدم انفساخها مطلقا كذلك، قيل: و يحتمله الجامع و المعتبر و المنتهى و التحرير ل

مضمر إسحاق بن عمار(1)قال: «قلت: فان ابتلى بشي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 392

يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: فإن الأجير ضامن للحج قال: نعم»

و في خبره (1)الآخر سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة قال: هي للأول تامة، و على هذا ما اجترح»

الثامن المختار، و هو محتمل محكي المختلف، و هو الأصح لما سمعت، و ليس في الخبرين منافاة له بعد ما عرفت.

[إذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل]

و إذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل كما عن المبسوط و السرائر و الجامع و القواعد، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكل إجارة مطلقة و إن قيل إن دليله غير واضح، إلا على القول باقتضاء إطلاق الأمر المبادرة الذي قد علم فساده في محله، بل في كشف اللثام منع جريان ذلك هنا و إن سلم هناك، و لعله لذا كان مقتضى محكي المعتبر العدم حيث جوز أن يؤجر الأجير نفسه لآخر إن استأجره الأول مطلقا، و عن المنتهى احتمال، بل عنه أنه قطع بالجواز إذا أطلقت الإجارتان، و كأنه لدلالة سبق الأولى على تأخير الثانية، و على كل حال فليس التعجيل بناء عليه توقيتا، و لذا صرح في القواعد بعد الفتوى به بأنه إن أهمل لم تنفسخ الإجارة، بل في كشف اللثام أنه ليس للمستأجر الفسخ أيضا إلا على ما احتمله الشهيد، و كان ذلك كله بناء على أن وجوب التعجيل تعبدي مستفاد من دليل مستقل، لا أنه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ أو التسلط على الفسخ، إلا أن ذلك كما ترى، إذ لم نعثر على دليل صالح لذلك، و من هنا يمكن تنزيل عبارة المصنف و غيره على إرادة بيان اقتضاء الإطلاق


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 393

الحلول، بمعنى كون الأعمال كالأموال، فكما أن إطلاق العقد المقتضي لإثبات:

مال في الذمة ينزل على ذلك فكذلك عقد الإجارة المقتضي لإثبات عمل في الذمة، فالمراد حينئذ أنه يتسلط المستأجر على مطالبته في الحال، و ليس للأجير التأخير تمسكا بإطلاق العقد المنزل على الحلول على حسب عقد البيع و شبهه، و حينئذ فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك، لا أن المراد بيان خصوصية للحج، نعم يجب التعجيل مع طلب ذي الحق صريحا أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك، فتأمل جيدا، و على كل حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل، فإنه يصح عندنا العامين و الأزيد خلافا للشافعي إلا في الواجب المضيق مع إمكان استئجار من يبادر إليه، فإنه لا يجوز التأجيل حينئذ كما هو واضح.

[في عدم صحة نيابة شخص واحد عن اثنين]

و لا يصح أن ينوب نائب واحد عن اثنين في حج واجب ل عام واحد بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لعدم ثبوت مشروعية ذلك، بل الثابت خلافه، فلو وقع الحج كذلك بطل، لامتناعه لهما، لعدم قابليته للتوزيع، و لا لواحد بخصوصه، لعدم الترجيح، و لا له لعدم نيته له فليس حينئذ إلا البطلان، نعم الظاهر صحة التشريك في الحج المندوب بمعنى نيابته عنهما مثلا فضلا عن إهداء الثواب لهما، بل لو نذر جماعة الاشتراك في حج استنابوا فيه، كما أنه يجوز للشخصين فصاعدا استئجار رجل واحد للحج عنهما ندبا، ضرورة كونه كاستئجار الواحد له على الحج عن أبيه و أخيه مثلا، نعم لو كان قد استأجره شخص للحج عنه ندبا مثلا لم يجز له أن يؤجر نفسه لآخر على ذلك، لاستحقاق الأول له، و أما لو كان استئجاره لإدخاله في نية الحج لم يكن بأس في استئجاره ثانيا لإدخاله معهم في النية، كما هو واضح.

و على كل حال ف لو استأجراه في الواجب لعام صح الأسبق و بطل المتأخر، لاشتغال الذمة بالأول، بل الظاهر كونه كذلك و إن أجاز الأول

ج 17، ص: 394

إذ ليس هو من الأجير الخاص الذي إذا آجر نفسه و أجاز المستأجر له وقع العقد له، لأنه من الفضولي، ضرورة كون المستحق عليه النيابة عن شخص بعينه و هي لا يتصور فيها الفضولية على الوجه المزبور بعد فرض كون الواقع ثانيا النيابة عن شخص آخر.

و لو اقترن العقدان و زمان الإيقاع للمستأجر عليه بطلا لخروج فعلهما عن القدرة، و عدم المرجح، نعم لو استأجراه للحج عامين مختلفين صحا معا إن لم تجب المبادرة إلى الأخير لندبه، أو تقييد وجوبه بالعام المتأخر، أو اتساعه أو فقد أجير غيره، و إلا فالأقرب بطلان المتأخر كما عن الدروس.

[إذا أحصر النائب تحلل بالهدي و لا قضاء عليه]

و إذا أحصر النائب تحلل بالهدي و لا قضاء عليه مع تعيين الإجارة، لانفساخها حينئذ، و الأصل البراءة، و لا حرج في الدين، بل في القواعد لا قضاء عليه و إن كانت الإجارة مطلقة على إشكال، بل في كشف اللثام انه قضية كلام الأكثر، لكنه كما ترى، إذ الحج واجب عليه مطلقا بعد فرض إطلاق الإجارة كحجة الإسلام و إن لم يجب على المستأجر، فلا يبرأ إلا بفعله كما عن التذكرة و المنتهى التصريح به، و هو متجه.

و من وجب عليه حجان مختلفان كحجة الإسلام و النذر أو غيرهما و منعه عارض جاز ان يستأجر أجيرين لهما في عام واحد بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، خلافا لبعض الشافعية، لأنهما فعلان متباينان غير مترتبين، بل المندوبان و المختلفان كذلك أيضا، بل الظاهر صحة الحجين و إن تقدم إحرام حجة غير حجة الإسلام و لو المندوبة، لوقوعهما في عام واحد و انما يبطل المندوب أو المنذور أو ينصرف إلى الفرض إذا أخل بالواجب، خلافا للمحكي عن أحمد فصرف السابق إلى حجة الإسلام و إن نوى الندب أو النذر، بل ربما نسب ذلك إلى قضية كلام الشيخ إلا انه في غير محله، لنصه على العدم هنا

ج 17، ص: 395

كما قيل، نعم عن الشهيد احتمال وجوب تقديم حجة الإسلام بناء على وجوب ذلك على الحاج عن نفسه، مع انه لا يخفى ما فيه أيضا، ثم إنه على الانصراف فهل له المسمى كما عن الشهيد انه الأقرب لإتيانه بما استؤجر له و القلب من فعل الشارع، بل قال: و حينئذ تنفسخ إجارة الآخر، أو لا يستحق شيئا، لأنه غير المستأجر عليه و إن أبرئ ذمة المستأجر عن حجة الإسلام، لكن ذلك بقلب من الشارع لا منه كي يستحق عوضه، خصوصا إذا تعمد التقدم على إحرام نائب حجة الإسلام، و الأمر سهل بعد البناء على عدم الانصراف كما عرفت، بل الظاهر ذلك حتى لو بطل حج نائب الإسلام أو لم يحج.

[في استحباب ذكر النائب المنوب عنه في المواطن]

و يستحب ان يذكر النائب من ينوب عنه باسمه في المواطن و عند كل فعل من أفعال الحج و العمرة خصوصا عند ذبح الأضحية، ل

صحيح ابن مسلم (1)سأل أبا جعفر (عليه السلام) في الصحيح «ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال:

يسميه في المواطن و المواقف»

و المراد منه تأكد الندب، لعدم الوجوب اتفاقا محكيا في كشف اللثام إن لم يكن محصلا، و ل

صحيح البزنطي (2)«ان رجلا سأل الكاظم (عليه السلام) عن الرجل يحج عن الرجل يسميه باسمه فقال: ان الله تعالى لا تخفى عليه خافية»

و

خبر المثنى بن عبد السلام (3)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها فقال: ان شاء فعل و ان

شاء لم يفعل، الله يعلم انه قد حج عنه، و لكن يذكره عند الأضحية إذا ذبحها»

بل لا يبعد عدم وجوب نية أصل النيابة في الحج و العمرة إلا عند الإحرام لهما، فلا يجب تحديدها عند الطواف و الوقوف و السعي و غيرها من الأفعال و ان أوجبنا


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب النيابة في الحج الحديث 4.

ج 17، ص: 396

نية القربة فيها، إلا انها مع ذلك إجزاء للحج أو العمرة التي فرض نية النيابة في ابتدائهما، فتكفي حينئذ في كل مركب، بل لا يبعد الاجتزاء بها في حج التمتع عند إحرام العمرة خاصة، فلا تجدد عند إحرام الحج حينئذ فضلا عن أفعاله و أفعال العمرة التي أدخلها الله في حج التمتع و جعلها من أجزائه، هذا، و لكن الاحتياط في جميع ذلك لا ينبغي تركه.

[في استحباب أن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه]

و كذا يستحب أن يعيد ما يفضل معه من الأجرة بعد حجه سيما إذا لم يكن ذلك الفاضل بتقتير على نفسه في النفقة كما عرفته فيما تقدم و ان يعيد المخالف حجه إذا استبصر للنص (1)و الفتوى و ان كانت الأولى مجزية كما تقدم الكلام فيه و في انه يكره ان تنوب المرأة إذا كانت صرورة فلاحظ و تأمل.

[مسائل ثمان]
اشاره

مسائل ثمان:

[المسألة الأولى إذا اوصى ان يحج عنه و لم يعين الأجرة]

الأولى إذا اوصى ان يحج عنه و لم يعين الأجرة انصرف ذلك إلى أجرة المثل فنازلا، لكونه كالتوكيل في ذلك و تخرج من الأصل إذا كانت واجبة إسلامية، لما عرفته سابقا من كونها كالدين، و انما الخلاف في كونها من البلد أو الميقات، و قد عرفت الحال فيه، كما انك قد عرفت الحال في الواجبة غير الإسلامية بالنسبة إلى الخروج من الأصل أو الثلث و البلد و الميقات، نعم لا اشكال بل و لا خلاف في خروجها من الثلث إذا كانت ندبا (11) كغيرها من الوصايا، و لو فرض توقف وجودها على بذل الثلث كملا و كان زائدا على أجرة المثل ففي بذله لذلك إشكال، من إمكان تنفيذ الوصية، و من مراعاة الاحتياط في جانب الوارث الذي دل الكتاب (2)و السنة(3)على انتقال


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب وجوب الحج.
2- 2 سورة النساء- الآية من 8 إلى 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب موجبات الإرث من كتاب الإرث.

ج 17، ص: 397

المال اليه بموت مورثه عدا ما أوصى به، و قد فرض انصرافه في المقام إلى أجرة المثل، فلا يضايق بالزائد، بل ينتظر إلى وقت الإمكان، اللهم إلا ان يقال إن أجرة المثل مع فرض الانحصار هي مقدار الثلث، بل لعل ذلك كذلك و إن كان من جهة فورية امتثال أمر الوصية مع إمكانه، و منه ينقدح وجوب بذل المال كله في حج الإسلام مثلا مع فرض توقف أدائه عليه و لو من جهة فورية التأدية.

و كيف كان فلا خلاف في أنه يستحقها أي الأجرة الأجير بالعقد بمعنى ملكه لها لأنه مقتضى العقد، فلو فرض كونها عينا و نمت كان النماء له، نعم إذا لم يكن ثم تعارف و لا قرينة لم يجب تسليمها إلا بعد العمل كما أوضحنا الكلام فيه في محله، بل لو فرض كون المستأجر وصيا أو وكيلا و دفع مع فرض عدم القرينة على الاذن له في ذلك كان ضامنا، لكونه تفريطا، هذا، و لكن في الدروس «إذا توقف حج الأجير على دفع الأجرة و لم يدفعها المستأجر فالأقرب أن له الفسخ» و هو كما ترى إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في كونه المتجه فيه انتظار وقت الإمكان، نعم لو علم عدم التمكن مطلقا اتجه القول بجواز الفسخ لهما للضرر.

و على كل حال انما يستحق الأجرة المسماة إذا جاء بالعمل المستأجر عليه فان خالف ما شرط عليه مما هو معين للعمل المراد لم يستحقها قطعا، لكن قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة كان له أجرة المثل و هو كما ترى، و لذا قال المصنف و الوجه أنه لا أجرة له ضرورة كونه من المتبرع بل يمكن عدم خلاف الشيخ، لأنه إنما قال في المبسوط: فان تعدى الواجب رد إلى أجرة المثل، و يجوز أن يريد من استؤجر على الحج و اشترط عليه طريق مخصوص و نحوه على وجه لا يقتضي تشخيص العمل فخالف رد إلى أجرة المثل في المشروط، و أما الشرط الذي خالف فيه، فلا أجرة له، نعم يبقى عليه ما قيل من

ج 17، ص: 398

أن المتجه على هذا التقدير مراعاة التوزيع لا الرجوع إلى أجرة المثل و إن كان فيه ما عرفت سابقا، فتأمل جيدا.

[المسألة الثانية من اوصى أن يحج عنه و لم يعين المرات]

المسألة الثانية من اوصى أن يحج عنه و لم يعين المرات فان لم يعلم منه إرادة التكرار اقتصر على المرة التي تحصل بها الطبيعة الموصى بها كما في قواعد الفاضل و غيرها، نحو ما لو أمر السيد عبده على ما حقق في محله، لأصالة البراءة و غيرها، بل يمكن دعوى دلالة اللفظ على إرادة ذلك، فلا وصية حينئذ بالزائد كمالا أمر به، بل لو سلم دعوى صدق تحقق الوصية بالحج بتعدد الحج عنه في سنة واحدة، إلا أن فيه مزاحمة لحق الوارث المقتضي لوجوب الاقتصار على أقل ما يتحقق به الوصية إلا مع رضاه لو فرض انحصار الوصية في اللفظ المزبور كما في نظائره.

و إن علم إرادته التكرار المستوعب لماله حج عنه حتى يستوفى الثلث من تركته بلا خلاف و لا إشكال مع عدم إجازة الوارث، لعدم تسلطه على غيره كما حرر في محله، و على ذلك يحمل

خبر محمد بن الحسن الأشعري (1)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): جعلت فداك إني سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك فلم أجد عندهم جوابا و قد اضطررت إلى مسألتك و ان سعد بن سعد اوصى إلى فأوصى في وصيته حجوا عني مبهما و لم يفسر فكيف أصنع؟ قال: يأتيك جوابي في

كتابك، فكتب إلى يحج عنه ما دام له مال يحمله»

و خبر محمد بن الحسين (2)قال لأبي جعفر (عليه السلام): «جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك فقال: هات، فقلت: سعد بن سعد اوصى حجوا عني مبهما و لم يسم شيئا و لا ندري كيف


1- 1 الاستبصار ج 4 ص 137- الرقم 513.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 399

ذلك؟ فقال: يحج عنه ما دام له مال»

و خبر محمد بن الحسين بن أبي خالد(1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اوصى أن يحج عنه مبهما فقال: يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء»

لكن عن الشيخ و جماعة العمل بما في هذه النصوص و إن لم يعلم إرادة التكرار و اختاره في الحدائق تحصيلا ليقين البراءة، و فيه أنه لا يقين بالشغل بأزيد من المرة، و ما أبعد ما بينه و بين الأصبهاني حيث اقتصر على الخبرين الأخيرين، ثم قال: و يمكن أن يكونا بمعنى أنه يحج عنه إن بقي من ثلثه شي ء بعد وصيته مقدمة عليه، بمعنى أنه يخرج من الثلث، فلا يفهم التكرار أصلا، و لكنه كما ترى، و اقتصر في المدارك في الاستدلال على التكرار المزبور على الخبر الأخير، ثم قال: و لا يخفى أن ذلك انما يتم إذا علم منه إرادة التكرار على هذا الوجه، و إلا اكتفي بالمرتين لتحقق التكرار بذلك كما يكفي

المرة مع الإطلاق، و فيه أن من المعلوم عدم كون لفظ التكرار عنوانا للوصية كي يكون المدار على تحقق مفهومه، و انما الكلام فيما إذا كان عنوانها اللفظ المزبور في النصوص، و قد يقال إن محل فرضه بعد العلم بالوصية بثلثه كما عساه يومي اليه

قوله في الخبر الأول:

«أوصى إلى»

و لكن اقتصر على ذكر المصرف المزبور فهل يحج عنه مرة و يصرف الباقي في غيره من وجوه البر أو يحمل على صرفه أجمع فيه، لأن تكراره بر أيضا، و يحتمل إرادته؛ بل لعل ظاهر الوصية بالثلث مع الاقتصار على المصرف المخصوص يقتضي إرادة صرف الجميع فيه، بل قد يدعى ظهور الاقتصار في الوصية بالحج عنه في إرادة الوصية بالثلث، و أنه يصرف في ذلك و إن لم يوص بالثلث بغير اللفظ المزبور، نحو ما لو قال: اخرجوا رد المظالم أو تصدقوا عني و نحو ذلك، و لعل مراد الشيخ و من تبعه ذلك لا الحمل على التكرار تعبدا و إن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 400

كان ظاهر اللفظ خلافه، ضرورة استبعاد مثل ذلك في مثله، هذا كله إذا لم يكن في الحج الموصى به حج إسلام، و إلا احتسب من الأصل ثم تكرر الحج بقدر الثلث، كما هو واضح، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة إذا أوصى أن يحج عنه كل سنة بقدر معين]

المسألة الثالثة إذا أوصى أن يحج عنه كل سنة بقدر معين من غلة بستان و نحوها ف اتفق أنه قصر ذلك القدر عن قيمة الحج جمع نصيب سنتين و استؤجر به لسنة، و كذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، و في كشف اللثام نسبته إلى عملهم، ل

خبر علي بن محمد الحضيني (1)«كتب إلى أبي محمد (عليه السلام) أن ابن عمي أوصى أن يحج عنه بخمسة عشر دينار في كل سنة و ليس يكفي، ما تأمرني في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) تجعل حجتين في حجة، فان الله تعالى عالم بذلك»

و خبر إبراهيم بن مهزيار(2)«كتب اليه (عليه السلام) أعلمك يا مولاي أن مولاك علي بن مهزيار أوصى أن يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة بعشرين دينارا و أنه قد انقطع طريق البصرة فتضاعفت المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك أوصى عدة من مواليك في حجهم فكتب (عليه السلام) تجعل ثلاث حجج في حجتين إن شاء الله»

و ضعفهما منجبر بما عرفت بل قيل: إنهما صحيحان في طريق الفقيه، و قد يقال إنهما مبنيان على معلومية إرادة الموصى صرف ذلك في الحج، أو ظهور الوصية فيه، و أن القدر المخصوص


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1 لكن رواه مضمرا إلا أن الصدوق قده رواه في الفقيه ج 2 ص 272 من غير إضمار كالجواهر و كذلك في الكافي ج 4 ص 310.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2 لكن رواه مضمرا إلا أن الصدوق قده رواه في الفقيه ج 2 ص 272 من غير إضمار كالجواهر و كذلك في الكافي ج 4 ص 310.

ج 17، ص: 401

انما كان لأنه يفي به كما يومي اليه قوله في الخبر الثاني: «و انه قد انقطع» إلى آخره، فمع فرض قصوره يصرف غيره من الأقدار فيه عملا بالوصية التي لم يعتبر في إنفاذها كون الحج بقدر مخصوص، بناء على ما عرفت، أما إذا علم ذلك ففي الحج مما يمكن، أو العود ميراثا، أو الصرف في وجوه البر إن لم يرج إمكان إنفاذ الوصية فيما يأتي من السنين و إلا انتظر وجوه قد ذكرنا تحريرها في كتاب الوصية، و حينئذ فلا وجه لما في المدارك من إمكان المناقشة بأن انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها، و لهذا وقع الخلاف في أنه إذا قصر المال الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا فيمكن إجراء مثل ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية، و المسألة محل تردد و إن كان المصير إلى ما ذكره الأصحاب لا يخلو من قرب، ضرورة أن ذلك في غير المفروض و لو فضل من الجميع إن حصر السنين في عدد كعشرة و نحوها فضلة لا تفي بالحج ففي كشف اللثام عاد ميراثا أو صرف في غيره من الميراث، قلت: قد يقال بوجوب دفعها أجرة في بعض السنين و إن زادت عن أجرة المثل مع فرض الوصية فلا فضلة حينئذ، نعم لو أمكن فرضها جرى فيها الوجهان، بل يتعين الثاني منهما مع فرض الوصية بها، و أنه ذكر ذلك مصرفا لها فاتفق تعذره، كما انها يتعين الأول إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة التي قد فرض تعذرها، فتأمل و لاحظ ما كتبناه في الوصية في مثل ذلك، هذا و في كشف اللثام أيضا الظاهر أنه إن لم يكف نصيبه حجة لها من البلد و كفى له من غيره استؤجر من حيث يمكن، و لا يصرف فيها ما لأخرى و إن نص في الوصية على الاستئجار من البلد، و لكن الخبر الأخير(1)قد يوهم الخلاف، و يمكن تنزيله على عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 2.

ج 17، ص: 402

إمكانه من الميقات، قلت: لا داعي إلى هذا الاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب مع أنه تبديل للوصية أيضا، و المحافظة على كونه في كل سنة و إن خالف في أنها من البلد ليس بأولى من المحافظة على الأخير و إن خالف الوصية في الأول، بل هو أولى بعد ظهور النص و الفتوى في ذلك، و على كل حال فما في المدارك- من أن القول باعتبار الحج من البلد أو الميقات كما مر- مخالف لظاهر الخبر المزبور في كون الوصية به من البلد.

[المسألة الرابعة لو كان عند إنسان وديعة و مات صاحبها و عليه حجة الإسلام]

المسألة الرابعة لو كان عند إنسان وديعة و مات صاحبها و عليه حجة الإسلام و علم أن

الورثة لا يؤدونها عنه جاز و عن المهذب عليه أن يقتطع منها قدر أجرة الحج حسبة من البلد أو من الميقات إن لم يوص على الأصح، و المسمى إن أوصى و خرج الزائد من الثلث أو أجاز الوارث فيستأجر به من يؤديها عنه أو يحج هو لأنه خارج عن ملك الورثة بناء على بقاء ما قابل الدين على ملك الميت، و ل

صحيح بريد العجلي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده علم بشي ء و لم يحج حجة الإسلام قال: حج عنه، و ما فضل فأعطهم»

لكن لا دلالة فيه على عدم اعتبار استئذان الحاكم الذي هو الولي لمثل ذلك و إن تمكن منه، لاحتمال الأمر منه لبريد الاذن به فيه، فلا إطلاق فيه، حينئذ يدل على خلافه، فما عن الشهيد- من استبعاده بعد أن حكاه قولا، بل في الحدائق الجزم بمنافاته لإطلاق الصحيح- في غير محله ضرورة انه من خطاب المشافهة، و المتيقن من تعديته إلى غير المشافة ذلك، نعم لو لم يتمكن منه استقل هو بذلك حسبة إن كان من عدول المسلمين، لأن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، و ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد اعتبار العلم


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 403

بعدم أداء الوارث، لكن عن النهاية و المبسوط و المهذب و السرائر اعتبار الظن الغالب، و يمكن شمول العلم له.

و على كل حال فمع عدمه يستأذنهم، و استجوده في المدارك، قال: «لأن مقدار أجرة الحج و إن كان خارجا عن ملك الورثة إلا أن الوارث مخير في جهات القضاء، و له الحج بنفسه و الاستقلال بالتركة، و الاستئجار بدون أجرة المثل، فيقتصر في منعه من التركة على موضع الوفاق» و فيه أن الصحيح (1)أعم من ذلك، و قد يكون الوارث طفلا أو لا يطمئن بتأديته لو دفع له الوديعة أو أقر بها له، و ربما أنكر وجوب الحج على مورثه، بل قد يشكل الدفع مع العلم بالأداء من دون استئذان الحاكم، لتعلق دين الحج به، كما في تركة المديون المتوقف دفعها للوارث على الاذن، و التخيير في جهات القضاء لا يسقط الحق المزبور، و إن كان قد يدفع بأن حق الدين و إن تعلق بالعين لكن المخاطب به الوارث، فمع فرض العلم بتأديته لم يجز منعه عنه، بل لعله كذلك مع عدم العلم بحاله فضلا عن حال العلم، و لعله لذا قيدوا الصحيح بما سمعت، بل عن التذكرة اعتبار الأمن من الضرر على نفسه أو ماله مع ذلك، و هو حسن، بل عن بعضهم أنه إذا تمكن من إثبات وجوب الحج عليه ببينة مثلا لم يكن له الاستقلال، و له وجه، و بالجملة ليس للأصحاب كلام منقح في جميع أطراف المسألة، و قد ذكرنا في الوصايا طرفا منه.

ثم إن مورد الرواية الوديعة، و لكن ألحق بها غيرها من الحقوق المالية حتى الغصب و الدين؛ و لعله لأن مبنى ما ورد في الوديعة الحسبة التي لا فرق فيها بين الجميع؛ إلا أن اعتبار إذن الحاكم هنا أقوى من الأول، خصوصا في الدين


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1.

ج 17، ص: 404

الذي لا يتعين إلا بقبض من هو له أو من يقوم مقامه، و من هنا يتجه ما عن بعضهم أيضا من إلحاق غير حجة الإسلام بها، بل إلحاق غير الحج من الحقوق المالية كالخمس و الزكاة و الديون و نحوها به في الحكم المزبور، خلافا لبعضهم، بل قد يتجه ما صرح به بعضهم من الضمان بالدفع إلى الوارث المتمكن من منعه مع عدم الأداء منه.

و لو تعدد الودعي و علموا بالحق و علم بعضهم ببعض توازعوا الأجرة، و يمكن وجوب القضاء عليهم كفاية، و لو قضوا جميعا قدم السابق و غرم الباقون على تردد للشهيد فيه مع الاجتهاد، لعدم التفريط، و لو اتفقوا سقط عن كل منهم ما يخصه خاصة، قال الشهيد: «و لو علموا بعد الإحرام أقرع بينهم و تحلل من لم تخرج القرعة له».

[المسألة الخامسة إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه]

المسألة الخامسة إذا عقد الإحرام عن المستأجر عنه مثلا ثم نقل النية إلى نفسه لم يصح بلا خلاف و لا إشكال فلا يترتب له ثواب و لا غيره، نعم عن الخلاف و المبسوط و الجواهر و المعتبر و الجامع و المنتهى و التحرير انه إذا أكمل الحج وقعت عن المستأجر عنه و يستحق الأجرة و لعله لاستحقاق المنوب عنه أفعالها بالإحرام عنه، فلا يؤثر العدول بعد أن صار كالأجير الخاص الذي استحقت منفعته الخاصة، بل ربما ظهر من

خبر أبي حمزة(1)عن الصادق (عليه السلام) «في رجل أعطى رجلا مالا ليحج عنه فحج عن نفسه قال: هي عن صاحب المال»

أن ذلك كذلك حتى لو أحرم لنفسه، و في الدروس بعد أن حكى ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب النيابة في الحج- الحديث 1 عن ابن أبي حمزة و الحسين عن أبي عبد الله عليه السلام كما في التهذيب ج 5 ص 461 الرقم 1605.

ج 17، ص: 405

عن الشيخ قال: «بناء على أن نية الإحرام كافية عن نية باقي الأفعال و ان الإحرام يستتبع باقي الأفعال، و أن النقل فاسد لمكان النهي» إلى أن حكى مضمون خبر أبي حمزة، ثم قال: «و هذا أبلغ من الأول».

و كيف كان ففي المتن يظهر لي انها لا تجزي عن أحدهما و حينئذ لا أجرة، و وافقه الفاضل في القواعد و بعض متأخري المتأخرين، لأن الأعمال بالنيات، فلا تقع عن النائب بعد كون الإحرام لغيره، لعدم صحة النقل اتفاقا كما في المدارك، و أما عن المنوب عنه فلانتفاء النية في باقي الأفعال، و الرواية ضعيفة متروكة الظاهر محتملة لإرادة الثواب له، و فيه ان عدم النية بعد الاستحقاق عليه شرعا و صيرورته كالأجير الخاص غير قادح بناء على ملك المستأجر له ما يقع منه من العمل، خصوصا إذا كان الواقع العمل المستأجر عليه، و نية القربة بعد فرض حصولها لا تنافي المعنى المعاملي، و حينئذ فالرواية المزبورة مع تنزيلها على المعنى المزبور

ليست متروكة الظاهر، على أنها منجبرة في خصوص الفرض بفتوى من عرفت، و الله العالم.

[المسألة السادسة إذا أوصى أن يحج عنه و عين الأجير و المبلغ]

المسألة السادسة إذا أوصى أن يحج عنه و عين الأجير و المبلغ و قلنا بظهور إرادة البلد من ذلك فان كان بقدر ثلث التركة أو أقل صح و تعينا واجبا كان أو مندوبا لعموم الوصية و إن كان لا يجب على الأجير القبول و إن كان أزيد و كان الحج واجبا و لم تجز الورثة كانت أجرة المثل من الميقات في قول، و من البلد في قول آخر من أصل المال و الزائد من الثلث، و إن كان ندبا حج عنه من بلده بناء على ظهوره من إطلاقه ان احتمل الثلث، و إن قصر حج عنه من بعض الطريق، و إن قصر عن الحج حتى لا يرغب فيه أجير صرف في وجوه البر، و قيل يعود ميراثا هذا، و لكن في المدارك قد جعل صور المسألة ثمانية فقال: الأولى أن يعين الأجير و الأجرة معا

ج 17، ص: 406

و يكون الحج واجبا، و يجب إيقاع ما عينه الموصى، ثم إن كانت الأجرة المعينة مقدار أجرة المثل أو أقل نفذت من الأصل، و إن زادت كانت أجرة المثل من الأصل و الزيادة من الثلث إن لم تجز الورثة، و لو امتنع الموصى له من الحج بطلت الوصية و استؤجر غيره بأقل ما يوجد من يحج به عنه، و فيه بعد تنزيل إطلاقه الخروج من الأصل على الميقات أو على القول الآخر أنه لا وجه لبطلان الوصية إذا لم يظهر منها تقييد المبلغ المعين بخصوصية الأجير المخصوص، بل ينفذ وصيته بالمبلغ المعين لغيره المساوي له، و من ذلك يعلم النظر فيما ذكره في الثانية، و هي الصورة بحالها و الحج مندوب، قال: و يجب إخراج الوصية من الثلث إلا مع الإجازة، فينفذ من الأصل، و لو امتنع الموصى له من الحج فالظاهر بطلان الوصية، لأنها انما تعلقت بذلك المعين، فلا يتناول غيره، نعم لو تعلق غرض الموصى بالحج مطلقا وجب إخراجه، لأن الوصية على هذا التقدير تكون في قوة شيئين، فلا يبطل أحدهما بفوات الآخر، ضرورة ان ذلك مقتضى الوصية إلا أن يعلم إرادة التقييد، لا أن التعيين مقتضاها حتى يعلم الإطلاق مع فرض كون الوصية على وجه لا يظهر منها أحد الأمرين، فتأمل، و لو عين الأجير خاصة و الحج واجب استأجر بأجرة المثل من الأصل، بل لا يبعد وجوب إعطائه أجرة مثله ان امتنع و ان خرج ما زاد منها على اجرة المثل من الثلث، بل احتمل وجوب إجابته إلى ما طلب مطلقا مع اتساع الثلث تنفيذا للوصية، إلا انه خلاف المنساق من إطلاقها، و في القواعد «و لو عين النائب و أطلق القدر استؤجر بأقل ما يوجد ان يحج عنه به مثله إن لم يزد على الثلث» و عن المبسوط و التحرير و المنتهى ترك مثله، و التحقيق ما عرفت، و لو امتنع الموصى له استأجر غيره، و لو كان الحج مندوبا كانت الأجرة أجمع من الثلث، و لو امتنع الموصى له ففي المدارك سقطت الوصية إلا إذا علم تعلق غرض الموصى بالحج مطلقا، فتأمل، و لو عين الأجرة

ج 17، ص: 407

خاصة و الحج واجب و كانت مساوية لأجرة المثل ففي المدارك صرفها الوارث الى من شاء ممن يقوم بالحج، و كذا ان نقصت، و ان كانت أزيد كان ما يساوي أجرة المثل من الأصل و الزائد من الثلث، و هو حسن، لكن ولاية ذلك الى الحاكم ان لم يكن له وصي على ذلك لا الى الوارث، و لو كان الحج مندوبا فالأجرة كلها من الثلث إلا مع اجازة الوارث، و لو لم يعين أجرة و لا أجيرا و كان الحج واجبا حج عنه من أصل المال بأقل ما يوجد من يحج به عنه من الميقات على الأصح، و لو كان الحج مندوبا خرجت الأجرة من الثلث إلا مع اجازة الوارث، و قد تقدم سابقا ما يعلم منه التفصيل في كثير من هذه الأحكام، كما أنه قد ذكرنا في الوصية ما يعلم منه صرف مثل ذلك في وجوه البر أو عوده ميراثا و ان ناقش الأول هنا في المدارك بعد أن نسبه الى المشهور، بل مال الى عوده ميراثا، ثم حكى عن المحقق الثاني التفصيل بين قصوره ابتداء فيعود ميراثا، و بين طرو القصور فيصرف في وجوه البر، و ان الشارح استحسنه، ثم قال: و لعل القول بعوده ميراثا مطلقا أقرب، و فيه ما لا يخفى في الوصية التي صحت و اتفق تعذر مصرفها كما أوضحنا تفصيل ذلك في كتاب الوصية،

[المسألة السابعة و هي إذا أوصى في حج و غيره]

بل ذكرنا فيه أيضا ما يعلم منه الكلام في المسألة السابعة و هي إذا أوصى في حج و غيره قدم الواجب على غيره فان كان الكل واجبا كحج و زكاة و خمس و كفارة و نحو ذلك و قصرت التركة قسمت على الجميع بالحصص و عن بعض أصحابنا تقديم الحج لأولويته، و لا ريب في ضعفه، بل ربما كان احتمال تقديم غيره من الحق المالي الصرف للناس أولى.

[المسألة الثامنة من كان عليه حجة الإسلام و نذر أخرى ثم مات]

المسألة الثامنة من كان عليه حجة الإسلام و نذر أخرى ثم مات بعد حصول الاستقرار لهما بحصول التمكن منهما فلم يفعل فعن أبي علي و الشيخ و يحيى بن سعيد بل المصنف في المعتبر أخرجت حجة الإسلام من

ج 17، ص: 408

الأصل و المنذورة من الثلث لأنه كالمتبرع به، و

صحيح ضريس بن أعين (1)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الإسلام و نذر في شكر ليحجن رجلا فمات الرجل الذي نذر قبل أن يحج حجة الإسلام و قبل أن يفي لله بنذره فقال:

إن كان ترك مالا حج عنه حجة الإسلام من جميع ماله، و يخرج من ثلثه ما يحج به عنه للنذر،

و إن لم يكن ترك مالا إلا بقدر حجة الإسلام حج عنه حجة الإسلام مما ترك و حج عنه وليه النذر، فإنما هو مثل دين عليه»

و صحيح ابن أبي يعفور(2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن رجل نذر لله إن عافى الله ابنه من وجعه ليحجنه إلى بيت الله الحرام، فعافى الله الابن و مات الأب، فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال:

هي واجبة على الأب من ثلثه أو يتطوع ابنه فيحج عن أبيه»

فإن إحجاج الغير ليس إلا بذل المال لحجة، فهو دين مالي محض بلا شبهة، فإذا لم يجب إلا من الثلث فحج نفسه أولى و بذلك يظهر لك ما في مناقشة سيد المدارك في الاستدلال بهما، كما أن منه أيضا يظهر انه لو ضاق المال إلا عن حجة الإسلام اقتصر عليها، و يستحب ان يحج عنه للنذر نعم لما كان ذلك مخالفا للأصول و لم يعلم العمل به من الأصحاب و لا استقرار ذلك عليه حمله في محكي المختلف على النذر في مرض الموت، فيسقط الاستدلال به حينئذ.

و لعله لذا منهم أي الأصحاب كابن إدريس بل قيل انه مقتضى إطلاق المقنعة و الخلاف من ساوى بين المنذورة و حجة الإسلام في الإخراج من الأصل، و القسمة مع قصور التركة، و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 3.

ج 17، ص: 409

ضرورة كون كل منهما دينا، و احتمال سقوط المنذورة بالموت لأنه واجب بدني كما في المدارك مناف لما يظهر من الأدلة من كونه واجبا ماليا، سواء تعلق به خطاب الأصل أو خطاب النذر كما أوضحنا ذلك سابقا، نعم قد يشكل القسمة بينهما في حال القصور مع فرض عدم حصول كل منهما بما يخصه بعدم الفائدة في التقسيم المزبور، و بإمكان ترجيح حج الإسلام بوجوبها بأصل الشرع، و التفريط في تأخيرها لوجوب المبادرة بها، و ما سمعته من صحيح ضريس، و لكن يستحب قضاء المنذورة عنه للخبرين (1)و عن ظاهر أبي علي الوجوب، و لعله لذا جزم في القواعد بخروج المنذورة من الأصل كحج الإسلام، و بقسمة التركة بينهما أي مع سعتها لهما، ثم قال: و لو اتسعت لأحدهما خاصة قدمت حجة الإسلام، بل حكاه شارحه عن النهاية و المبسوط و السرائر و الجامع و الإصباح، بل و عن المصنف في الكتاب، بل قال: «لا فرق بين تقدم النذر على استقرار حجة الإسلام و تأخره عنها، و كذا إن وجبتا من البلد و اتسعت التركة لأحدهما منه و للأخرى من الميقات أخرجت حجة الإسلام من البلد و المنذورة من الميقات، إلا أن يدخل السير من البلد في النذر، فيقوى العكس، لأصالة وجوبه حينئذ فيها، و في حجة الإسلام من باب المقدمة» قلت: لكن ظاهر المصنف عدم ترجيح إحداهما على الأخرى، فتوزع التركة عليهما و لو لبعض الأفعال فيهما، كما أن ظاهره عدم

العمل بالصحيح المزبور فيما تضمنه حيث انه- بعد ان أشار إليه بقوله و في الرواية إذا نذر أن يحج رجلا و مات و عليه حجة الإسلام أخرجت حجة الإسلام من الأصل و ما نذره من الثلث قال و الوجه التسوية، لأنهما دين كما صرح به في ذيل الخبر المزبور، و منه يظهر نوع اضطراب فيه، هذا، و قد تقدم سابقا ما له نفع في المقام، فلاحظ و تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب وجوب الحج- الحديث 1 و 3.

ج 17، ص: 410

إلى هنا تم الجزء السابع عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و قد بذلنا الجهد غايته في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف نور الله ضريحه و قد خرج بعون الله و لطفه خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء الثامن عشر في أقسام الحج إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.