جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 16

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج16، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

اشاره

ج16، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

و صلى الله على محمد و آله

[كتاب الخمس]

اشاره

كتاب الخمس و هو حق مالي فرضه الله مالك الملك بالأصالة على عباده في مال مخصوص له و لبني هاشم الذين هم رؤساؤهم و سواسهم، و أهل الفضل و الإحسان عليهم عوض إكرامه إياهم بمنع الصدقة و الأوساخ عنهم، كإكرامه تعالى لهم بجعله ذلك من شرائط الايمان و بقرنه و بتشريكه ذاته تعالى معهم في ذلك مبالغة في نفي احتمال الصدقة و الوسخية التي تنزه عنها تلك الذات الجامعة لجميع صفات الكمالات، و تعظيما و إجلالا لهم بإظهار هذه الشركة، و إلا فحقه تعالى لوليه كما أشار إليه

الصادق (عليه السلام) بقوله في خبر معاذ(1): «إن الله لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من حاجة به إلى ذلك، و ما كان لله من حق فإنما هو لوليه»

إلى آخره إكراما منه له، و إلا فوليه (عليه السلام) أيضا لا يحتاج إلى ما في أيدي الناس بل

قال الصادق (عليه السلام) أيضا في مرفوعة الحسين بن محمد(2): «من زعم


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 537« باب صلة الإمام عليه السلام» الحديث 3.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 537« باب صلة الإمام عليه السلام» الحديث 1.

ج 16، ص: 3

ان الامام (عليه السلام) يحتاج إلى ما في أيدي الناس فهو كافر، إنما الناس يحتاجون ان يقبل منهم الامام (عليه السلام) قال الله عز اسمه (1)«خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِها»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر ابن بكير(2): «إني لآخذ من أحدكم الدرهم، و اني لمن أكثر أهل المدينة مالا ما أريد بذلك إلا ان تطهروا».

على انه قد تظافرت الأخبار و شهد له التدبر و الاعتبار بأن الدنيا بأسرها لهم (عليهم السلام) كما يومي اليه (3)تسمية ما جعله الله لهم من الأنفال فيئا، إذ هو بمعنى الرجوع اي انه كان في أيدي الكفار ثم أرجعه الله إليهم، و في

خبر ابن الريان (4)«كتبت إلى العسكري (عليه السلام) جعلت فداك روي لنا ان ليس لرسول الله (صلى الله عليه و آله) من الدنيا إلا الخمس،

فجاء الجواب ان الدنيا و ما عليها لرسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و في مرسل محمد بن عبد الله المضمر(5)«الدنيا و ما فيها لله و لرسوله و لنا، فمن غلب على شي ء منها فليتق الله و ليؤد حق الله و ليبر إخوانه، فان لم يفعل ذلك فالله و رسوله و نحن براء منه»

و في آخر(6)عن الباقر (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

خلق الله تعالى آدم و اقطعه الدنيا قطيعة فما كان لآدم فلرسول الله (صلى الله


1- 1 سورة التوبة- الآية 104.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
4- 4 أصول الكافي ج 1 ص 409« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام»- الحديث 6.
5- 5 أصول الكافي ج 1 ص 408« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام» الحديث 2 عن أحمد بن محمد بن عبد الله.
6- 6 أصول الكافي ج 1 ص 409« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام»- الحديث 7.

ج 16، ص: 4

و ما كان لرسول الله (ص) فهو للأئمة من آل محمد (ع)»

و في

خبر أبي بصير(1)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: أ ما على الإمام زكاة؟ فقال: أحلت يا أبا محمد، أ ما علمت ان الدنيا و الآخرة للإمام (عليه السلام) يضعها حيث يشاء و يدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله، إن الامام (عليه السلام) يا أبا محمد لا يبيت ليلة أبدا و لله في عنقه حق يسأله عنه»

إلى غير ذلك.

خصوصا الأراضي كما استفاضت به الأخبار(2)أيضا، و الأنهار الخمسة بل الثمانية التي خرقها جبرئيل (عليه السلام) بإبهامه بأمر الله تعالى منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ و الخشوع و هو نهر الشاش بلد وراء النهر و مهران و هو نهر الهند و نيل مصر و دجلة و فرات، فقد

قال الصادق (عليه السلام) في خبر المعلى ابن خنيس (3): «إن ما سقت هذه أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا و ليس لعدونا منه شي ء إلا ما غصب عليه و إن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه- يعني بين السماء و الأرض- ثم تلا هذه الآية(4)«قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» المغصوبين عليها خالصة لهم يوم القيامة بلا غصب»

بل عن السندي بن الربيع عن ابن أبي عمير حمل هذه الأخبار على ظاهرها لا باطنها، قال: إنه اي ابن أبي عمير لم يكن يعدل بهشام بن الحكم شيئا، و كان لا يغب إتيانه ثم انقطع عنه و خالفه، و كان سبب ذلك ان أبا مالك الحضرمي كان احد رجال هشام وقع بينه و بين ابن أبي عمير ملاحاة في شي ء من الإمامة، قال ابن


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 408« باب ان الأرض كلها للإمام عليه السلام» الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 17.
4- 4 سورة الأعراف- الآية 30.

ج 16، ص: 5

أبي عمير الدنيا كلها للإمام على جهة الملك، و انه اولى بها من الذين هي في أيديهم و قال أبو مالك كذلك أملاك الناس لهم إلا ما حكم الله به للإمام من الفي ء و الخمس و المغنم، فذلك له، و ذلك أيضا قد بين الله للإمام أين

يضعه و كيف يصنع به، فتراضيا بهشام بن الحكم و صارا اليه فحكم هشام لأبي مالك على ابن أبي عمير، فغضب ابن أبي عمير و هجر هشاما بعد ذلك، مع احتمال عدم إرادته أي ابن أبي عمير ما عساه ينساق إلى الذهن من المحكي من كلامه مما ينافي ضرورية الحكم المذكور و بداهته و إن ساعده ظاهر الأخبار السابقة المقطوع بعدم إرادته منها، و إن كان شرح ذلك بإظهار باطنها و بإبطال ظاهرها محتاجا إلى إطناب لا يسعه المقام، و على كل حال فالخمس في الجملة مما لا ينبغي الشك في وجوبه بعد تطابق الكتاب و السنة و الإجماع عليه بل به يخرج الشاك عن المسلمين و يدخل في الكافرين كالشك في غيره من ضروريات الدين نعم يقع البحث فيه من غير هذه الجهة

[فيه فصلان]

[الفصل الأول فيما يجب فيه]
[في سبعة أشياء يجب فيه الخمس]
اشاره

بحسب استقراء الأدلة الشرعية منحصر في سبعة على الأصح كما ستعرف فيما يأتي.

[الأول غنائم دار الحرب]

الأول من غير خلاف فيه كما في ظاهر الغنية أو صريحها غنائم دار الحرب بين المسلمين و الكافرين كفرا تستحل به أموالهم و تسبي به نساؤهم و أطفالهم، كأن يكون بإنكار و لو عنادا للملك الجبار أو النبي المختار (صلى الله عليه و آله) أو المعاد أو شك في ذلك في غير فسحة النظر، أو إثبات إليه أو نبي آخر، لا غيره من أقسام الكفر مما لا يجري فيه ذلك كالمرتدين بغير النصب ملة أو فطرة و إن شاركوا الكفار في القتل و نجاسة السؤر و حرمة الذبائح و النكاح و نحوها، كما هو واضح، كوضوح وجوب الخمس في الأول في الجملة، بل الظاهر الإجماع عليه، بل في الرياض دعواه صريحا، كما في المدارك حكايته عن المسلمين عليه بل على تمام ما في المتن، و هو الحجة معتضدا بعدم الخلاف في الغنية بعد الأخبار

ج 16، ص: 6

الكثيرة(1)بل في الرياض أنها متواترة، و الآية(2)سواء قلنا بكون الغنيمة في الآية و النصوص حقيقة في المفروض كما لعله الظاهر عرفا بل و لغة كما قيل، أو في الأعم منه و من غيره مما أفاد الناس كما يومي اليه إدراج السبعة فيها في البيان، بل هو كصريح جهاد التذكرة و غيره، بل ظاهر كنز العرفان، و عن مجمع البيان نسبته إلى أصحابنا.

بل يشهد له- مضافا الى المحكي من فقه الرضا (عليه السلام)(3)و ظاهر صحيحة ابن مهزيار(4)الطويلة-

خبر حكيم مؤذن بني عبس (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوله عز و جل «وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ» فقال بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده، ثم قال: هي و الله الإفادة يوما بيوم، إلا ان أبي جعل شيعته في حل ليزكيهم»

و غيره و إن كان عليه يلزم زيادة تخصيص في الآية بل لعله مناف للعرف و اللغة كما اعترف به في الرياض، بل ظاهر مقابلة الأصحاب لها بباقي السبعة ذلك أيضا.

لكنه عليه بل و على الأول يتجه تعميم المصنف بل و غيره من الأصحاب كالشيخ و الحلي و ابن حمزة و العلامة و الشهيدين و المقداد و غيرهم، بل لا اعرف فيه خلافا لما حواه العسكر و ما لم يحوه من ارض و غيرها بل هو من معقد إجماع المدارك، كما انه مندرج في

خبر أبي بصير(6)عن الباقر (عليه السلام) قطعا، قال: «كل شي ء قوتل عليه على شهادة ان لا إله إلا الله و ان محمدا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس.
2- 2 سورة الأنفال- الآية 42.
3- 3 المستدرك- الباب- 6- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
5- 5 أصول الكافي ج 1 ص 544« باب الفي ء و الأنفال»- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 7

رسول الله (صلى الله عليه و آله) فان لنا خمسه، و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا»

بل و غيره أيضا مما سيمر عليك، بل لعل

خبر عمر بن يزيد(1)يشهد له في الجملة أيضا، قال: «رأيت مسمعا بالمدينة و قد كان حمل الى أبي عبد الله (عليه السلام) تلك السنة ما لا فرده عليه، فقلت له:

لم رده عليك؟ فقال: إني قلت له حين حملت اليه المال: إني و ليت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئتك بخمسها ثمانين ألف درهم و كرهت ان احبسها عنك أو أعرض لها و هي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا، فقال:

أو ما لنا من الأرض و ما اخرج الله منها إلا الخمس، يا أبا سيار ان الأرض كلها لنا فما اخرج الله منها من شي ء فهو لنا، فقلت له: و انا أحمل إليك المال كله. فقال:

يا أبا سيار قد طيبناه لك و أحللناك منه، فضم إليك مالك، و كل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيجيبهم طسق ما كان في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم، و اما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة».

و منه بل و غيره من الأخبار يستفاد إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم حقهم في الأرض معتضدا ذلك بالسيرة القطعية على عدم إخراج الخمس من هذه الأراضي من غير فرق بين أسهم الخمس الستة، و لا استبعاد في تسلطهم على ذلك بالنسبة للأسهم الثلاثة أيضا بعد ان كان أهلها عيالهم و اتباعهم، و نقصهم عليهم،

كما ان زيادة حقهم لهم، بل هو و سائر الناس و جميع ما في أيديهم ملك لهم، كما سمعته من الأخبار السابقة، فلا إشكال حينئذ فيما يأخذه الشيعة في هذا الزمان من


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 408« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام» الحديث 3.

ج 16، ص: 8

الأرض المفتوحة عنوة من حاكم الجور و إن كان فيها الخمس، بل لعل استفاضة الأخبار(1)بل تواترها بتحليل نحو ذلك لنا معللا بطيب مولدنا و نحوه يراد به ما كان لهم في مثل هذه الأراضي، ضرورة أنه المحتاج اليه، بل به قوام الشيعة و ان كان مثله أيضا ما فتح بغير إذنهم مما حكم الله تعالى به لهم خاصة، بل و سائر الأنفال أيضا، بل و سائر غنائم دار الحرب و إن كان عن فتح سابق بإذنهم كما صرح بذلك كله الأستاذ في كشفه، فتشعر حينئذ هذه الأخبار أيضا بوجود الخمس في الأراضي المغتنمة أيضا مضافا الى ما سمعت.

فما في الحدائق- من الإطناب بإنكار ذلك على الأصحاب و انه لا دليل عليه سوى ظاهر الآية(2)التي يمكن تخصيصها بظاهر ما ورد من الأخبار في هذا المضمار من قصر الخمس على ما يحول و ينقل من الغنائم دون غيره من الأراضي و المساكن كصحيح ربعي (3)و غيره مما اشتمل على القسمة أخماسا و أسداسا عليهم و على الغانمين الذي لا يتصور بالنسبة للأرض، ضرورة عدم استحقاق الغانمين ذلك في الأرض، إذ هي للمسلمين كافة إلى يوم القيامة، و أمرها بيد الامام (عليه السلام) بل ملاحظة هذه

الأخبار الواردة في بيان أحكام الأرض المفتوحة عنوة خصوصا ارض خيبر و بيان حكم الخراج مما يشهد لذلك أيضا، لخلوها جميعها عن التعرض فيها للخمس مع تعرض بعضها للزكاة- مما لا ينبغي ان يلتفت اليه.

و من العجيب دعواه ظهور سائر الأخبار في قصر الحكم على ذلك مع انا لم نقف على خبر منها كذلك، نعم ظاهر بعضها الوارد في كيفية القسمة غير الأرض لكن لا على جهة الحصر و التخصيص، كما ان تلك الأخبار الواردة في المفتوحة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
2- 2 سورة الأنفال- الآية 42.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 3.

ج 16، ص: 9

عنوة و انها ملك للمسلمين و كيفية خراجها لا تأبى التقييد بما هنا من كون ذلك بعد الخمس، كما صرح به الشيخ في نهايته، بل هو ظاهر الأصحاب، بل كأنه من المسلمات عندهم، نعم قد يشعر به خمس المقنعة فلاحظ و تأمل.

فالوجه حينئذ وجوب الخمس في سائر ما يغنم من دار الحرب لكن ينبغي استثناء صفايا الامام منه من فرس و جارية و نحوهما، كما نص عليه غير واحد من الأصحاب، ل

صحيح ربعي (1)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له، ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز و جل لنفسه، ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي

القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل، يعطي كل واحد منهم جميعا، و كذلك الامام (عليه السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن صفو المال قال: الامام (عليه السلام) يأخذ الجارية الروقة و المركب الفارة و السيف القاطع و الدرع قبل ان تقسم الغنيمة، فهذا صفو المال.».

بل لعل منه قطائع الملوك أيضا، ل

مضمر سماعة(3)«سألته عن الأنفال فقال: كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام) ليس للناس فيها سهم»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن فرقد(4): «قطائع الملوك كلها للإمام (عليه السلام) ليس للناس فيها شي ء»

كما انه في جهاد الكتاب و اللمعة و الروضة التصريح بإخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها يحفظ و حمل و رعي و نحوها قبله، بل و هو الأقوى في النظر و الموافق للعدل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 6.

ج 16، ص: 10

المناسب لغيره مما يتعلق فيه الخمس، بل هو قضية ما تسمعه فيما يأتي من عموم ما دل (1)على تأخر الخمس عن المئونة الشامل لما هنا

في وجه، خلافا للمحكي عن بعضهم، فقدم الخمس عليها، و هو ضعيف.

بل في الأخير كالأول التصريح بإخراج الجعائل أيضا أي ما يجعله الامام (عليه السلام) على فعل مصلحة من مصالح المسلمين، و هو قوي أيضا، بل لا يبعد عدم وجوبه على المجعول له من هذه الحيثية و إن تعلق به من حيث الاكتساب مع اجتماع شرائطه بل عن الشيخ إخراج السلب أيضا، بل هو خيرة جهاد الكتاب، إذ هو من قبيل الجعائل بناء على عدم استحقاق القاتل إياه بدون شرط الامام، و إن فارقها باندراجه تحت اسم الغنيمة بالمعنى الأخص بالنسبة للسالب دونها، فيمكن القول حينئذ بوجوب الخمس عليه و إن قدم بالنسبة إلى أصل القسمة للغنيمة بمعنى إخراج الخمس من الغنيمة بدون ملاحظته، لا انه يجعل من حصة الغانمين خاصة، لكن ظاهر التذكرة عدم الخمس فيه على السالب أيضا حاكيا له عن بعض علمائنا و علله بأنه قضى (عليه السلام) بالسلب للقاتل و لم يخمس السلب، و هو لا يخلو من بحث.

بل في جهاد الكتاب أيضا كما عن الشيخ تقديم الرضائخ للنساء و العبيد و نحوهم ممن لا حق لهم في الغنيمة أيضا، بل عن ابن الجنيد ذلك في النفل أيضا، و هو العطاء لبعض الغانمين، و هو لا يخلو من قوة، بل لا يجب أيضا على من رضخ لهم، لعدم اندراجهم في آية الغنيمة بالمعنى الأخص، و دعوى إرادة الأعم منها كما سمعته سابقا فيجب الخمس حينئذ فيها بل و جميع ما تقدم بعد التسليم يدفعها اتفاق الأصحاب على الظاهر إلا النادر على عدم إرادة غير السبعة منها على تقدير ذلك، هذا.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس.

ج 16، ص: 11

و تمام البحث في ذلك كله في باب الجهاد، بل و في غير ذلك من المباحث التي لها نوع تعلق بالمقام و إن أشار إليها بعضهم هنا، منها تقييد الغنيمة هنا الواجب فيها الخمس بإذن الإمام لإخراج المأخوذ بغير إذنه، و بالقهر و الغلبة لإخراج المأخوذ باذنه بغيرهما كالسرقة و الغيلة و الدعوى الباطلة و الربا و نحوها، إذ الأول للإمام (عليه السلام)، و الثاني لآخذه، كما يشهد للأول

خبر الوراق (1)عن رجل سماه عن الصادق (عليه السلام) «إذا غزا قوم بغير إذن الامام (عليه السلام) فغنموا كانت الغنيمة كلها للإمام (عليه السلام) و إذا غزا قوم بأمر الإمام (عليه السلام) فغنموا كان للإمام (عليه السلام) الخمس»

و للثاني بعد الأصل مفهوم خبر حكيم المتقدم (2)سابقا،

كآخر أيضا(3)«الخمس من خمسة أشياء- إلى ان قال-: و المغنم الذي يقاتل عليه»

لكن في الروضة ان هذا التقييد للإخراج عن اسم الغنيمة بالمعنى المشهور، لأن الأول للإمام (عليه السلام) خاصة، و الثاني لآخذه، نعم هو غنيمة بقول مطلق فيصح إخراجه منها، و هو واضح الفساد بالنسبة للأول بعد تسليم أنه للإمام (عليه السلام) كما هو صريح كلامه،

إذ هو حينئذ كالأنفال التي لا يتعلق فيها خمس ان لم يكن منها، بل خبر أبي بصير(4)السابق يشعر بعدم تعلق الخمس في سائر أمواله.

نعم في كون ذلك للإمام (عليه السلام) مطلقا كما هو المشهور- بل عن الحلي الإجماع عليه، أو هو كالمأذون فيه للغانمين عدا الخمس كما عن المنتهى قوته بل في المدارك انه جيد، بل يشهد له

حسنة الحلبي (5)عن الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 8 من كتاب الخمس.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 11.
4- 4 أصول الكافي ج 1 ص 408« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام» الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 12

«في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال:

يؤدي خمسا و يطيب له»

أو التفصيل بين ما يغنمه المخالفون على وجه الجهاد و التكليف بالإسلام نحو ما يقع من خلفاء الجور فللإمام (عليه السلام)، و ما أخذ جهرا و غلبة و غصبا لا بذلك العنوان فليس كما اختاره في الحدائق، بل فيها اني لم أعلم قائلا بالإطلاق، و لا دليل له، إذ مرسلة الوراق موردها ما سمعت- بحث يأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له، و إن كان يقوى الآن في النظر الأول، لا طلاق النص و الفتوى و الإجماع المحكي، و ما سمعته من الحدائق لا ينبغي ان يصغى اليه، و جيد بالنسبة للثاني فيما اندرج منه تحت اسم الغنيمة عرفا دون الربا

و نحوه، و إن اختاره الأستاذ في كشفه مطلقا، خلافا للدروس و غيره لا

للصحيح عن ابن البختري (1)عن الصادق (عليه السلام) «خذ مال الناصب حيث ما وجدته و ادفع إلينا الخمس»

و عن أبي بكر الحضرمي (2)عن المعلى قال:

«خذ من مال الناصب حيث ما وجدت و ابعث (و ادفع خ ل) إلينا الخمس»

إذ هو مبني على إرادة الحربي من الناصب بمعنى الناصب للحرب، و لا شاهد له بناء على معروفية غير ذلك منه، أو على الأولوية أو المساواة منه، و قد يمنعان بعد تسليم ذلك في الناصب و انه كالحربيين فيه، و إلا فلو قلنا: إنه كالمرتدين في حرمة المال و نحوه- كما هو صريح الحلي، بل هو الذي دعاه الى تفسير الناصب في الخبرين بالمعنى الأول، إذ هو في الثاني قد اعتصم بالإسلام، و إن رده في الحدائق بأنه خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفا و خلفا من الحكم بكفر الناصب، و جواز أخذ ماله و قتله- لم نحتج حينئذ إلى منعهما، بل لا طلاق الآية و النصوص إذ دعوى اشتراطه المقاتلة في اسم الغنيمة واضحة المنع، و من ذلك يظهر لك ما في إخراجها، بل و إخراج المغتنم بغير إذن الامام (عليه السلام) أيضا عنها بالمعنى


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.

ج 16، ص: 13

المشهور كما سمعته من الروضة.

و منها إلحاق البغاة بالمشركين في وجوب الخمس في المغتنم من أموالهم مما حواه العسكر كما صرح به بعضهم، بل في الروضة نسبته للأكثر، و استشكله في الحدائق بأنه لا دليل عليه بل ظاهر الأدلة كتابا و سنة خلافه، نعم تباح أموالهم للمسلمين من غير فرق بين ما حواه العسكر و غيره، و هو جيد فيما لا يدخل منهم ببغيه تحت اسم الناصب، و إلا أمكن الاستدلال عليه بالخبرين السابقين بناء على إرادة الناصب فيهما بالمعنى المعروف.

و منها تقييد المغتنم ب ما لم يكن غصبا من مسلم أو ذمي أو معاهد و نحوهم من محترمي المال، و وجهه واضح، نعم لا فرق فيما كان في يد المحاربين بين أموالهم و أموال غيرهم من أهل الحرب أيضا و إن لم يكن الحرب معهم في تلك السرية، لا طلاق الأدلة كتابا و سنة، كما انه لا فرق فيما يجب فيه من المغتنم قليلا كان أو كثيرا وفاقا لصريح جماعة و ظاهر آخرين، بل لا اعرف فيه خلافا سوى ما يحكى عن ظاهر غرية المفيد من اشتراط بلوغ مقدار عشرين دينارا و هو ضعيف جدا لا نعرف له موافقا و لا دليلا، بل هو على خلافه متحقق كما عرفت.

و من الغنيمة عرفا فداء المشركين و ما صولحوا عليه وفاقا للدروس و الروضة و كشف الأستاذ، فيجب فيه الخمس، بل هو منها قطعا بالمعنى الأعم و إن كان في وجوب الخمس فيه حينئذ بحث، لمنع إرادة ما عدا السبعة منه فتأمل.

و ليس الجزية من أحدهما و لا من الملحق به قطعا و إن حكى الأول من الكتب السابقة الأخير عن ابن الجنيد، لكنه ضعيف.

[الثاني المعادن]

الثاني من السبعة الواجب فيها الخمس المعادن إجماعا محصلا

ج 16، ص: 14

و منقولا صريحا في الخلاف و السرائر و المنتهى و التذكرة و المدارك و غيرها، و ظاهرا في كنز العرفان و عن مجمع البحرين و البيان، بل في ظاهر الغنية نفي الخلاف بين المسلمين عن معدن الذهب و الفضة، كما ان ظاهره فيها أو صريحه الإجماع على غيرهما من أفراده أيضا و كتابا بناء على إرادة الأعم من الغنيمة، و سنة مستفيضة عموما و خصوصا، منها

صحيح الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) «عن الكنز كم فيه؟ قال: الخمس، و عن المعادن كم فيها؟ قال: الخمس و كذلك الرصاص و الصفر و الحديد، و كل ما كان من المعادن يؤخذ منها ما يؤخذ من الذهب و الفضة»

و محمد(2)عن الباقر (عليه السلام) انه سئل «عن معادن الذهب و الفضة و الحديد و الرصاص و الصفر فقال: عليها الخمس»

كصحيحه الآخر المروي (3)في غير الفقيه «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الملاحة فقال:

و ما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا، فقال:

هذا المعدن فيه الخمس، فقلت: فالكبريت و النفط يخرج من الأرض قال:

فقال: هذا و أشباهه فيه الخمس» بل و الفقيه أيضا و ان كان الموجود فيه بعد قول «يصير ملحا» «هذا مثل المعدن»

الي آخره، و

صحيح زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال: كل ما كان ركازا ففيه الخمس، و قال: ما عالجته بمالك ففيه ما اخرج الله سبحانه من حجارته مصفى الخمس»

بناء على إرادة المعادن من الركاز كما هو المناسب للسؤال بل و للسائل لما في المغرب و عن ابن الأثير من انه كذلك عند أهل العراق، أو الأعم منها و غيرها من المال المدفون و ما فيه و عنه أيضا من انه عند الحجاز الكنوز المدفونة، فهو و ان كان يناسب إرادته المسؤول إلا ان الظاهر منه ما قلناه، الى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.

ج 16، ص: 15

غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي كادت تكون متواترة.

و منها مع التأمل و التدبر يستفاد تعميم المعدن لغير منبت الجواهر من الذهب و الفضة

و نحوها و ان فسره به في القاموس، بل مال اليه الفاضل المعاصر في رياضة مدعيا انه المتبادر منه عرفا، بل فيه ان العموم مخالف لبعض النصوص (1)السابقة المتضمن لكون الملاحة مثل المعدن لا نفسه، لكنه كما ترى ممنوع، بل لعل العرف على خلافه، كما ان ذلك البعض من النصوص- مع ان الموجود في غير رواية الفقيه ما عرفت- لا صراحة فيه. بل لعل مثله مما يقال فيما يراد به المعدن نفسه أيضا، على انه من جملة مسمى المعدن، خصوصا بعد ان عرفت ان العرف على الأعم من ذلك بل و اللغة كما عن ابن الأثير انه ما يخرج من الأرض و يخلق فيها من غيرها مما له قيمة، بل في التذكرة المعادن كلما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة، سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص و الصفر و النحاس و الحديد أو مع غيره كالزئبق، أو لم يكن منطبعا كالياقوت و الفيروزج و البلخش و العقيق و البلور و الشبه و الكحل و الزاج و الزرنيخ و المغرة و الملح، أو كان مائعا كالقير و النفط و الكبريت عند علمائنا اجمع» كما انه قال في المنتهى أيضا: «و يجب الخمس في كل ما يطلق عليه اسم المعدن سواء كان منطبعا بانفراده كالرصاص و النحاس و الحديد أو مع غيره كالزيبق، أو غير منطبع كالياقوت و الفيروزج و البلخش و العقيق، أو مائعة كالقار و النفط و الكبريت ذهب إليه علماؤنا أجمع» بل صرح بهذا التعميم أو ما يقرب منه كثير من الأصحاب كالشيخ في جمله و خلافه و نهايته، و ابن حمزة في وسيلته و ابن زهرة في غنيته، بل ذكر فيها الموميا و العنبر كالسرائر في الأول و الشهيد الأول في

دروسه، بل زاد فيها المغرة و الجص و النورة و طين الغسل ذا العلاج، كما انه في


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4.

ج 16، ص: 16

بيانه بعد تعداد جملة منها قال: «و ألحق به حجارة الرحى و كل ارض فيها خصوصية يعظم الانتفاع بها كالنورة و المغرة» و الثاني في روضته بل و مسالكه، قال فيهما:

«المعدن بكسر الدال ما استخرج من الأرض مما كانت أصله ثم اشتمل على خصوصية يعظم الانتفاع بها كالملح و الجص و طين الغسل و حجارة الرحى و الجوهر من الزبرجد و العقيق و الفيروزج و غيرها» و الأستاذ في كشفه، الى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة بل الصريحة في ذلك التعميم، و في دوران الحكم مدار التسمية الشاملة لذلك كله، و لذا قال في السرائر «انه يجب في كل ما يتناوله اسم المعدن على اختلاف ضروبه سميناه و ذكرناه أو لم نذكره، و قد حصر بعض أصحابنا و هو شيخنا أبو جعفر الطوسي في جمله و عقوده، فقال: «الخمس يجب في خمسة و عشرين جنسا» و هذا غير واضح و حصر ليس بحاصر، و لم يذكر في جملة ذلك الملح و لا الزمرد و لا المغرة و لا النورة» إلى آخره، و إن كان ما حضرني من عبارة الجمل لا حصر فيها كما ذكر، و إن أكثر من الأمثلة كالوسيلة بل و غيرها، و إلا فهو صرح في النهاية بأن المدار التسمية.

فظهر من ذلك كله انه لا إشكال عندنا في وجوب الخمس في المعادن كلها سواء كانت منطبعة بانفرادها كالذهب و الفضة و الرصاص و النحاس أو مع غيرها كالزيبق أو غير منطبعة كالياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الكحل، أو مائعة كالقير و النفط و الكبريت نعم توقف في المدارك كما عن غيره، بل استجوده في الرياض في المغرة و الجص و النورة و طين الغسل و حجارة الرحى، للشك في تناول اسم المعدن لها، و عدم الدليل عليها بالخصوص، و هو جيد خصوصا في مثل الجص لولا ما عرفت من ظهور اتفاق الأصحاب على التعميم السابق فضلا عن محكيه، سيما بالنسبة إلى المغرة التي هي من معقد إجماع التذكرة

ج 16، ص: 17

المتجه مع ملاحظته التعميم لسائر الأفراد المشكوك في صدق اسم المعدن عليها، بل في الرياض «انه ينبغي القطع بوجوب الخمس فيها اي هذه الأفراد المشكوك فيها بناء على عموم الغنيمة لكل فائدة، و الكل منها بلا شبهة، و وجوبه فيها من هذه الجهة غير وجوبه فيها من حيث المعدنية، و تظهر الثمرة في اعتبار مئونة السنة فتعتبر على جهة الفائدة لا على المعدنية، و لعل هذا أحوط» انتهى، لكن فيه انه قد يقال لا تلازم بين البناء على عموم الغنيمة و القول بوجوب الخمس فيها ان لم نقل إنها من المعدن، لظهور اتفاق الأصحاب عدا النادر على عدم وجوبه في غير السبع منها، و ظاهر حصر الخمس في خمسة في بعض النصوص، اللهم إلا ان يدعى اندراجه في الخامس منها كما تعرفه إن شاء الله، و كذا لا تلازم بين القول بوجوب الخمس فيها لا من جهة المعدنية و بين كونه متأخرا عن مئونة السنة حينئذ حتى يكون ذلك ثمرة، إذ لعل الظاهر من اخبار المئونة غيرها، فيبقى إطلاق الآية و غيره من غير معارض، أو لعله ملحق بالمعادن و إن لم نقل إنه منها كما عساه يومي اليه عبارة البيان السابقة، بل و كشف الأستاذ، لظاهر الصحيح (1)السابق على رواية الفقيه له، بل لعل توسعهم في المعدن هنا حتى أدرجوا فيه ما عرفت لذلك على معنى إرادة المعدن و ما في حكمه و إن توسعوا في العبارة لا ان المراد اندراج سائر الأفراد السابقة في موضوعه، خصوصا مع ملاحظة ما وقع لهم في غير المقام من عدم هذه التوسعة في المعدن بل لعل أخذ الغير في تعريفي النهاية و التذكرة يقتضي إخراج جملة مما سمعت عن المعدن، بل هو مضاد لما سمعته من الروضة في تفسيره، اللهم إلا ان يراد بالغير ما كان أصله منها إلا انه صار غيرها بالاستحالة لا انه غيرها أصلا، و لكن خلق فيها على ما عساه يوهمه ظاهر العبارة كما انه يراد بما في الروضة انه المخرج من الأرض مما كان أصله منها لكنه خرج


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4.

ج 16، ص: 18

عنها و صار غيرها، فحينئذ يتحد التفسيران من هذه الجهة، و إن كان قد يشكل تعريف الروضة بعدم اعتبار كون الأصل من الأرض في

المعدن، بل لعل القير و نحوه من المعلوم انه ليس كذلك و بدخول مثل الكماة و نحوه فيه، و كان هذا التسامح و الاجمال في المعدن لما عرفت، أو لإرادة الإيكال إلى العرف، و لعله الأقوى لكن فيما سلب عنه الاسم عرفا و لعل منه الجص و نحوه و الكماة و نحوها كما يشهد له السيرة المستقيمة، اما ما شك فيه و كان مندرجا فيما سمعته من التفسير له فيحتمل وجوب الخمس فيه، لعدم تحقق معارضة العرف اللغة فيه، و عدمه للأصل، فتأمل جدا.

و كيف كان ففي صريح الخلاف و السرائر و ظاهر غيرهما بل في الدروس نسبته إلى الأكثر انه يجب فيه الخمس بعد المئونة و إن قل من غير اعتبار نصاب، بل في ظاهر الأول أو صريحه كصريح الثاني الإجماع عليه لا طلاق الأدلة و قيل و القائل الشيخ في نهايته و عن مبسوطة و ابن حمزة في وسيلته، و وافقهما جماعة من المتأخرين، بل في المدارك نسبته إلى عامتهم لا يجب حتى يبلغ ما يخرج منه قيمة عشرين دينارا و لو في معدن الذهب، لكن لا تجزي القيمة القديمة، بل لا بد من اعتبار القيمة وقت الخروج، فمتى خرج من الصفر و نحوه ذلك وجب الخمس، فما عن الشهيد من الاجتزاء بالقيمة التي كانت في صدر الإسلام لا يخلو من نظر و على كل حال فبلوغ النصاب المذكور هو المروي

صحيحا عن أبي الحسن (عليه السلام) سأله ابن أبي نصر(1)«عما اخرج من المعدن قليل أو كثير هل فيه شي ء؟ فقال: ليس فيه شي ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا».


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 19

و قيل كما عن أبي الصلاح اختياره، و الفقيه و

المقنع روايته (1)مرسلا «لا يجب حتى يبلغ قيمته دينارا واحدا»

لخبر ابن أبي نصر(2)عن محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن (عليه السلام) أيضا «سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة هل فيه زكاة؟

فقال: إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس»

و الأول أكثر قائلا من القدماء، إذ هو مع انه صريح من عرفت ظاهر غيره، بل حكي عن المفيد و الإسكافي و العماني و غيرهم، بل قد عرفت دعوى الإجماع عليه و الثاني أكثر قائلا من المتأخرين، بل قد عرفت حكايته عن عامتهم، بل هو الأقوى في النظر، لوجوب تقييد الإطلاق بالصحيح المعتضد بالأصل و بالشهرة المتأخرة التي قد يدعى اقوائيتها من المتقدمة، خصوصا هنا باعتبار صراحة الفتوى بذلك منهم دون الأول، على انها أعظم منها بل في الرياض انها كادت تكون إجماعا، بل لعلها إجماع في الحقيقة، و الخروج عن الإجماع المذكور بعد موهونيته باعراض المتأخرين و بعض القدماء عنه، بل و حاكيه الأول في نهايته و عن مبسوطة، و عدم صراحة أولهما فيما نحن فيه بل و لا ظهوره عند التأمل كما لا يخفى على من

لاحظه، كعدم صراحة ثانيهما بالإجماع المصطلح، بل ظاهره إرادة نفي الخلاف منه الموهونة بثبوته ممن عرفت ممن تقدم على حاكيه و قصور الخبر سندا عن مقاومة ذلك الصحيح الذي رواه ابن أبي نصر من غير واسطة أصلا فضلا عن ان تكون مجهولة، بل و دلالة، لعدم تناوله غير معدن الذهب و الفضة أولا، و احتماله الجواب عن غيرهما و الاستحباب ثانيا.

نعم لا يعتبر في النصاب المذكور الإخراج دفعة وفاقا لظاهر جماعة و صريح آخرين، لإطلاق الأدلة، بل لا فرق بين تحقق الاعراض بين الدفعات و عدمه، وفاقا لظاهر بيان الشهيد الأول و صريح مسالك الثاني و المدارك و غيرها لذلك أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 20

و خلافا للفاضل في المنتهى فاعتبر عدم الإهمال في الانضمام المزبور، و لم نعرف له مأخذا معتدا به.

و كذا لا فرق قطعا بين اتحاد المستخرج للمعدن و تعدده بحيث اشتركوا في حيازته إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب، اما إذا لم يبلغ فقد صرح غير واحد بعدم الوجوب على احد منهم، بل لا اعرف من صرح بخلافه، لكن قد يقال بظهور صحيح ابن أبي نصر السابق بل و غيره من الأخبار بخلافه، كما اعترف به الشهيد في بيانه، و هو أحوط إن لم يكن اولى، بل قد يدعى ظهور الصحيح المذكور في عدم اعتبار ذلك في المتعددين غير الشركاء أيضا و إن كان بعيدا جدا إن لم يكن ممتنعا.

نعم لا فرق في الظاهر بين ما يخرج من معدن واحد أو معادن متعددة إذا بلغ مجموع الخارج منها نصابا كما صرح به الأستاذ في كشفه تبعا للشهيد في مسالكه و سبطه في مداركه في وجه فيهما، لا طلاق الأدلة، إلا ان الانصاف عدم خلوه عن الإشكال، للأصل و انسياق المتحد من الأدلة السابقة، خصوصا صحيح النصاب (1)على انه صرح في السرائر و المنتهى بعدم الخمس فيما لو وجد ركازا دون النصاب ثم وجد ركازا آخر دون النصاب و اجتمعا نصابا، و لم أجد الفرق بينه و بين ما نحن فيه، بل يحتمل قويا إرادة من عدا الأستاذ وجوب الضم بالنسبة لما يخرج من المعدن الواحد عرفا، فإنه لا إشكال في وجوب الخمس إذا بلغ منضما كما صرح به بعد ذلك في المنتهى، قال: إذا اشتمل المعدن على جنسين كالذهب و الفضة ضم أحدهما إلى الآخر، و كذا ما عداهما، خلافا لبعض الجمهور فلا يضم في الذهب و الفضة خاصة، بل كاد يكون كلام المدارك نصا في إرادة ذلك، فينفرد الأستاذ في كشفه بما سمعت لولا ان الظاهر من الدروس ذلك أيضا.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 21

ثم من المعلوم انه بعد إحراز النصاب المزبور يجب الخمس فيه و فيما زاد و إن قل، لظاهر الأدلة السابقة، و لا يجزي في الخمس إخراج خمس تراب المعدن مثلا لجواز اختلافه في الجوهر، اما لو علم التساوي أو الزيادة ففي المسالك و المدارك إجزاؤه، لكن قد يشكل بظهور ذيل صحيح زرارة(1)السابق في أول البحث

في تعلق الخمس بعد التصفية و ظهور الجوهر، بل قد يدعى ظهور غيره في ذلك أيضا، بل لعله المتعارف المعهود، و لذا صرح الأستاذ في كشفه بعدم الإجزاء فتأمل.

و لو لم يخرج الجوهر من المعدن حتى عمله دراهم أو دنانير أو حليا أو نحو ذلك من الآلات فزادت قيمته اعتبر في الأصل الذي هو المادة الخمس، و في الزائد حكم المكاسب، فيقوم حينئذ سبيكة و يخرج خمسه، كما هو واضح، و به صرح في المسالك و المدارك، لكن قال في الأول بعد ذلك بلا فاصل: «و كذا لو اتجر به قبل إخراج خمسه» و قد يشكل بأن المتجه وجوب الخمس في الثمن أيضا بناء على تعلق الخمس بالعين، و على تعلق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه- كما صرح به في التذكرة و المنتهى مستشهدا له في الأخير بما رواه

الجمهور(2)- بل و الشيعة و إن كان بتفاوت يسير بينهما لكنه غير قادح- عن أبي الحرث المزني «انه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: رد علي البيع فقال: لا افعل، فقال: لآتين عليا (عليه السلام) فلأسعين بك، فأتى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: إن أبا الحرث أصاب معدنا فأتاه علي (عليه السلام) فقال: اين الركاز الذي أصبت؟ قال: ما أصبت ركازا إنما


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
2- 2 ذكر ذيله في كنز العمال ج 3 ص 306 الرقم 5118.

ج 16، ص: 22

اصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال له علي (عليه السلام): ما ارى الخمس إلا عليك»

و كأنه (رحمه الله) فهم البائع من الضمير، و هو كذلك لما في

المروي (1)في الكافي و التهذيب من نقل هذه «انه قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لصاحب الركاز: إن الخمس عليك، فإنك أنت الذي وجدت الركاز، و ليس على الآخر شي ء، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه»

و يدفع بأنه و إن كان متعلقا بها و جاز له بيعه و كان الخمس عليه لكن له ضمانه على ان يؤديه من مال آخر، فيتجه حينئذ تعلق الوجوب بالأصل خاصة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرح به في المنتهى و التذكرة أيضا معللا له بأن الخمس تعلق بالعين لا بالثمن، نعم يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه، هذا.

و في كشف الأستاذ «لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فأخذه فلا خمس» و لعله لظهور الأدلة في اعتبار الإخراج و إن كان للنظر فيه مجال، بل قد يدعى تناول الأدلة لمثله مع فرض مطروحيته مباحا بأن كان المخرج له حيوانا مثلا، و قد يشهد له في الجملة ما صرح به غير واحد من الأصحاب من ان المعدن إن كان في ملك مالك فأخرجه مخرجه كان المعدن لصاحب الأرض، و عليه الخمس، بخلاف

الأرض المباحة، فإنه لمخرجه، إذ لا فرق عند التأمل بين المطروح و بين ذلك.

كما ان ما في الكشف المذكور- من ان لوجوب الخمس فيما يحتاج إلى العمل من التراب كالتربة الحسينية و الظروف و آلات البناء وجها- محل للنظر أيضا إذ لا نعرف وجه الوجه سوى احتمال الاندراج في بعض تفاسير المعدن أو ما ألحق به باعتبار الخصوصية التي يعظم الانتفاع بها، لكنه كما ترى، للقطع بعدم إرادة نحو ذلك من الخصوصية المذكورة، كالقطع بعدم عد قابلية الأرض للظروف


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 23

و الآلات من الخصوصية المعدنية أو الملحق بها، ضرورة قبول أكثر الأرض لذلك، و إن أريد بالخصوصية المعنى الحاصل بعد العمل من حيث العمل نفسه كما هو ظاهر العبارة فهو أوضح نظرا نعم ما فيه- من انه لو حصل شي ء قليل من المعدن في مكان فاستنبطه مرة بمقدار النصاب ثم انقطع ففي دخوله في حكم المعادن إشكال- في محله و إن كان الأقوى في النظر وجوبه، لا طلاق الأدلة المقتضي دخول ذلك كاقتضائه عدم الفرق بين افراد المستنبطين بعد تحقق الملك للمستنبط نفسه أو سيده كما لو كان عبدا.

بل و لا بين المسلم و الكافر و إن حكي عن الشيخ، بل هو ظاهر البيان انه يمنع الذمي من العمل في المعدن، لكن صرح الأول بأنه لو خالف و عمل ملك و كان عليه الخمس لإطلاق الأدلة، نعم اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على دليل يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن، و هو كذلك بالنسبة إلى غير ما كان في ملك الامام (عليه السلام) من الأراضي الميتة و نحوها، أو المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة، و اما فيها فقد يقال بعدم ملكه أصلا فضلا عن منعه فقط، لعدم العلم بتحقق الاذن من الامام (عليه السلام) لهم في الأول، و عدم كونه من المسلمين في الثاني، كما انه قد يقال ببقاء المعادن على الإباحة الأصلية لسائر بني آدم نحو الحطب و الماء و إن كانت في الأراضي المذكورة، أو يقال بالفرق بين ما كان للإمام (عليه السلام) و المسلمين، فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الأول، لعموم إذنه (عليه السلام) الحاصل من

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «من أحيى أرضا ميتة فهي له»

أو يفرق بين الذمي و غيره بإمكان التزام معاملة الذمي لذمته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره، لكن يتجه على الأول حينئذ بل و على الأخير استثناء ذلك من إطلاق الحكم بملكية المعدن لمالك الأرض، بل لعله من


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب إحياء الموات- الحديث 5.

ج 16، ص: 24

اللازم في الجملة، للقطع بملك المجيز من المسلمين له إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة، مع انها ملك لسائر المسلمين، و لعله لأنه بنفسه في حكم الموات و إن كان في أرض

معمورة منها بغرس أو زرع و لتمام الكلام محل آخر.

و كذا لا فرق بين المكلف و غيره كما صرح به في البيان، و إن كان لم يخاطب هو بإخراج الخمس إلا انه يثبت في المال نفسه ذلك، لإطلاق الأدلة، بل ظاهرها ان الحكم المذكور من الوضعيات الشاملة للمكلفين و غيرهم.

[الثالث الكنوز]
اشاره

الثالث من السبعة الواجب فيها الخمس الكنوز جمع الكنز المسمى في جملة من عبارات الأصحاب منها التذكرة و المنتهى بالركاز من الركز بمعنى الخفاء بلا خلاف فيه في الخلاف و الحدائق و ظاهر الغنية أو صريحها، بل مع زيادة «بين أهل العلم» في المنتهى، بل «إجماعا» في الخلاف و التذكرة و ظاهر الانتصار أو صريحه، بل في المدارك اجمع العلماء كافة على وجوب الخمس فيه للآية بناء على عموم الغنيمة فيها، خصوصا له

للمروي (1)عن الفقيه و الخصال في وصية النبي (صلى الله عليه و آله) لعلي (عليه السلام) «يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام- إلى ان قال-: و وجد كنزا فأخرج منه الخمس و تصدق به فأنزل الله وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ.»

الآية و عموم السنة، منها

خبر سماعة(2)سأل أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: «في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»

و خصوص

صحيح الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) «عن الكنز كم فيه؟ فقال: الخمس»

و صحيح زرارة(4)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.

ج 16، ص: 25

المتقدم سابقا في المعادن بناء على إرادة الكنز أو الأعم منه و من المعادن من الركاز فيه، و غير ذلك.

و الكنز هو كما في التنقيح بل و التذكرة بل و المنتهى و البيان و الروضة و المسالك كل مال مذخور تحت الأرض مع زيادة «قصدا» في الأخيرين، و لعل الذخر يغني عنه إن قلنا باعتباره في مسماه كما صرح به في الأخير قال: فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع، بل يلحق باللقطة، و يعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء، و إلا كانت زيادته مفسدة، لعدم الفرق في الظاهر نصا و فتوى في وجوب الخمس بالكنز بين ما علم قصد الذخر فيه و عدمه بل لو علم عدمه كما في بعض المدن المغضوب عليها من رب العالمين، و لعله لذا قال الأستاذ في كشفه: «مذخورا بنفسه أو بفعل فاعل» اللهم إلا ان يلتزم إلحاق نحوه بالكنز لا الدخول في مسماه أو

منع جريان الحكم في مثله كالمذخر في جدار أو في بطن شجرة أو خباء من بيوت أو خشب أو تحت حطب فإنه صرح الأستاذ المذكور بعدم الخمس فيه، و إن كان هو لا يخلو من إشكال في البعض إن لم يكن الكل، بل منع لإمكان دعوى التنقيح، سيما مع ملاحظة إلحاقهم الموجود في جوف الدابة و السمكة به بالنسبة للخمس بعد تسليم الشك، أو عدم الصدق و عدم إرادة المثال من الأرض لما يشمل مثل بعض ذلك و عدم إمكان الاستدلال بعموم الكتاب و السنة.

ثم إن ظاهر تعريف الأصحاب للكنز و الركاز المجعول في كلام بعضهم معقدا لنفي الخلاف و للإجماع من آخر بعد تفسيره منهم بما سمعت عدم الفرق بين النقدين و غيرهما مما يعد مالا، بل صرح في التذكرة و المنتهى و الدروس و البيان بذلك، بل قد تشعر عبارة الأولين بعد التأمل فيها بالإجماع عليه عندنا، لكن في كشف الأستاذ ان الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين، و غيره يتبع حكم اللقطة، بل لعله

ج 16، ص: 26

ظاهر السرائر أيضا، و ربما يشهد له- بعد الأصل و فهم النوع من صحيح النصاب (1)الآتي و إن حكى في الرياض الاتفاق على إرادة المقدار منه لا النوع- صحة سلب اسمه عن أكثر ما عداهما بل جميعه، إلا انه قد يقال- بعد الإغضاء عن عموم الآية و السنة كما عرفت- منشأ التعميم المزبور صدق اسم الركاز الموجود في صحيح زرارة(2)السابق المفسر في

المصباح المنير و غيره بالمال المدفون، و في القاموس بما ركزه الله في المعادن أي أحدثه، و دفين أهل الجاهلية و قطع الذهب و الفضة من المعدن فلا يقدح سلب اسمه عنه حينئذ، بل الظاهر من ملاحظة كلام الأصحاب خصوصا التذكرة و المنتهى و البيان إرادة الركاز من الكنز هنا و لعله لذا فسره المصنف و غيره هنا بما سمعت مما هو معنى الركاز دونه، فتأمل جيدا و يعتبر في وجوب الخمس فيه النصاب بلا خلاف أجده فيه و إن أطلق بعض القدماء بل في الخلاف و الغنية و السرائر و ظاهر التذكرة و المنتهى و المدارك الإجماع عليه، بل في معقد الأربعة المتأخرة أنه عشرون دينارا، كما ان معقد الأول بلوغ نصاب يجب في مثله الزكاة للأصل و

صحيح البزنطي (3)عن الرضا (عليه السلام) «سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس»

و لعله

المروي (4)في المقنعة مرسلا و إن كان هو أصرح منه بالنسبة إلى إرادة المقدار و غيره، قال: «سئل الرضا (عليه السلام) عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس فقال: ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس، و ما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه»

لكن في الغنية انه بلوغ قيمة دينار فصاعدا بدليل الإجماع، و هو غريب، بل دعواه الإجماع عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6.

ج 16، ص: 27

أغرب إذ لم نعرف له موافقا و لا دليلا نعم كان على بعض الأصحاب أو أكثرهم عدم الاقتصار على العشرين دينارا نصاب الذهب الظاهر في اعتبار ذلك حتى في الفضة بحيث لا يجزي الأقل منه و لو مائتا درهم المساوية له في صدر الإسلام، بل كان ينبغي ذكر المائتي درهم نصاب الفضة معه للصحيح السابق و معقد إجماع الخلاف بل في المسالك «انه ينبغي القطع به» إلى آخره فيقال حينئذ يعتبر بلوغ العشرين في الذهب و المائتين في الفضة، و أيهما كان في غيرهما كما صرح به في المنتهى و التذكرة و غيرهما لا انه يجزي في الذهب مثلا مائتا درهم لو فرض قلتها عن العشرين، أو في الفضة العشرون لو فرض قلتها عن المائتين، و إن أمكن تخريجه من لفظ مثله في الصحيح المزبور خصوصا مع ملاحظة تناوله لغير النقدين، بل قد يوهمه عبارتا البيان و المسالك إلا ان المنساق إلى الذهن منه ما ذكرنا، و لعل ذلك الاقتصار للمساواة المزبورة، أو لإرادة المثالية أو لدعوى إرادة ذلك من الصحيح المذكور بقرينة الصحيح (1)المتقدم سابقا في المعادن المشتمل على تفسير نحو العبارة فيه

بالعشرين دينارا، سيما مع تقارب المسؤول عنه و اتحاد الراوي و المروي عنه فيهما.

ف يتجه حينئذ ما في المتن و غيره من انه إذا بلغ الكنز عشرين دينارا و كان في أرض دار الحرب أو دار الإسلام و ليس عليه أثره وجب فيه الخمس و على كل حال فلا نصاب له غير ذلك، فيجب حينئذ في بالغه و الزائد عليه و إن قل الخمس كما هو ظاهر الأصحاب، بل كاد يكون صريحهم، بل هو صريح بعضهم كالعلامة في المنتهى و التذكرة و الشهيد في الدروس و البيان و غيرهما، لكن في المدارك يشكل بأن مقتضى الصحيح السابق مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول، إلا اني لا اعلم بذلك مصرحا، و يدفع


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 28

بظهوره- بعد ان عرفت إرادة السؤال عن المقدار فيه بالاتفاق المحكي في مساواة الخمس للزكاة- في مبدأ تعلق الوجوب لا المساواة في النصب ليكون ما بين النصابين عفوا كالزكاة، خصوصا مع ملاحظة المرسل السابق في المقنعة، لا أقل من الشك، فتبقى الأخبار السابقة على إطلاقها اقتصارا على القدر المتيقن خروجه منه.

كما انها هي كذلك بالنسبة إلى اعتبار الحول، فلا يعتبر فيه حول حينئذ قطعا كما صرح به غير واحد، كالقطع بعدم اعتبار بلوغ النصاب فيه بضمه إلى مال آخر زكاتي أو غيره و إن حكي عن الشافعي ذلك، نعم في إجزاء حصوله بضم بعض الكنوز إلى بعض وجه و قول تقدم نظيره في المعادن، مع ان المصرح به هنا في السرائر و المنتهى و التذكرة عدمه بل لعله لا يخلو من قوة، و ليس هو كالاخراج دفعات من كنز واحد ضرورة، بل و لا كالمال المذخور في ظروف متعددة في مكان واحد أو كالواحد، فإن أجزاء الضم فيهما لا يخلو من قوة لا عدمه، بل ينبغي القطع به في الأول، كما هو واضح و تقدم نظيره في المعدن فلاحظ و تأمل.

ثم الكنز إن وجد في أرض الحرب و إن كانت ملكا لواحد خاص منهم بل و دار الإسلام إذا كانت مباحة أو لم تكن ملكا لواحد من المسلمين بالخصوص كالمعمور من المفتوح عنوة و كان لا أثر للإسلام من سكة و نحوها عليه فلا خلاف أجده في وجوب الخمس على واجده، لا طلاق الأدلة السابقة المستفاد منها ملكيته لواجده المنفي عنها الخلاف في الحدائق على البت في الأول، و الظهور في الثاني، بل فيها الاتفاق عليه حكاه في الفائدة الثالثة من الفوائد التي ذكرها فيها، بل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه و على سابقه أيضا، و المقطوع بها بين الأصحاب في المدارك في الأول، كما انه قد تشعر عبارته بعدم الخلاف في الثاني

ج 16، ص: 29

و هو كذلك، ضرورة انسياقه إلى الذهن من خطابه بتخميسه أو لزومه له كما اعترف به في الحدائق بل قد يستفاد أيضا في الجملة من

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «سألته عن الورق توجد في دار فقال: إن كان الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها، و إن كانت خربة فأنت أحق بما و جدت»

كصحيحه الآخر(2)عن الصادق (عليه السلام)، مضافا إلى ما في المدارك من ان الأصل في الأشياء الإباحة و التصرف في مال الغير انما يحرم إذا ثبت كون المال لمحترم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما، و الكل هنا منتف، و إن كان في اقتضاء ذلك- بعد تسليمه ملكية الواجد المتوقفة على ذكر الشارع سببا ينقطع به استصحاب عدمها للواجد و ثبوتها للأصيل- نظر واضح.

بل و كذا الموجود في دار الإسلام السابقة و كان عليه أثر الإسلام أيضا على الأقوى، وفاقا للخلاف و السرائر و المدارك و كشف الأستاذ، بل لعله ظاهر ما عن المفيد و المرتضى و الحسن من الإطلاق أيضا، بل لعله ظاهر ابن زهرة في غنيته، بل تحتمل عبارته دعواه الإجماع عليه، و خلافا للفاضلين و الشهيدين في البيان و المسالك و المقداد و عن المبسوط فلقطة، بل في التنقيح ان عليه الفتوى لما سمعته سابقا من إطلاق وجوب الخمس و غيره المؤيد بإشعار صحيحة عبد الله ابن جعفر(3)الواردة في الموجود في جوف الدابة التي ستسمعه فيما يأتي و السالم عن معارض معتد به، إذ هو إما أصالة احترام مال المسلم المتوقف الاستدلال بها على ثبوت كونه مالا لمسلم، و هو في حيز المنع، لأعمية أثر

الإسلام و الأرض منه، على انهما لا يفيدان إلا ظنا لا دليل على حجيته هنا، و إما تناول تعريف


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 2 لكن الثاني عن أبى جعفر عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 لكن الثاني عن أبى جعفر عليه السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 16، ص: 30

اللقطة له الذي هو مال ضائع عليه اثر ملك إنسان و وجد في دار الإسلام، و هو كذلك في حيز المنع أيضا، لظهور الضائع في عدم قصد صاحبه الذخر بخلاف المكنوز، و اما

قول الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس (1)«قضى علي (عليه السلام) في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها، فان وجد من يعرفها و إلا تمتع بها»

فهو مع معارضته بصحيحتي ابن مسلم المتقدمتين لا دلالة فيه على التفصيل المزبور، و الجمع بينهما و بينه بذلك لا شاهد عليه، و ليس بأولى من الجمع بحمله على كون الخربة لمالك معروف، أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز و حمل الصحيحين على المكنوز، نعم لو علم و لو من القرائن المفيدة قطعا بالعادة كونه من الكنوز الإسلامية اتجه الحكم بعدم اندراجه فيما نحن فيه، للقطع بكونه لمحترم المال، بل هو إما لقطة يعرف بها، أو انه يرجع امره إلى حاكم الشرع، أو من مجهول المالك فيتصدق به، لظهور اتفاق الأصحاب على إرادة غير المعلوم كونه لمسلم من الكنز هنا كما يومي اليه التفصيل بأثر الإسلام و عدمه، و إن لم نجنح

إلى ذلك التفصيل لكن لأعمية الأثر من ذلك لا مع تسليم دلالته.

و من هنا كان لا وجه لاحتمال التمسك بإطلاق الأخبار كون الخمس في الكنز الشامل لمثل المفروض، و لعل من ذلك ما يوجد الآن من بعض الكنوز العباسية أو الأموية أو نحوهما من الدول الإسلامية، بل الظاهر تعين الوجهين الأخيرين فيه بل قد يومي إلى الثاني منهما موثق إسحاق (2)الآتي، و اما احتمال اللقطة الواجب تعريفها في مثله فبعيد جدا، بل لعل مثله ليس من المال الضائع كما عرفت سابقا بل قد يظهر منهم في كتاب اللقطة انه لواجده، و هو متجه إن لم يكن إجماعا، و لكن الانصاف عدم خلو المسألة عن إشكال لا طلاق النصوص، بل قد يقوى جريان حكم الخمس عليه، و كيف كان فما ذكرنا يظهر أولوية جريان الحكم المزبور


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 16، ص: 31

في المكنوز في أرض الإسلام المغنومة من الكفار التي يعلم عدم استعمال المسلمين لها بعد الفتح في كنز و نحوه، أو الأرض التي لا يد للمسلمين و الكفار عليها، بل و كذا الأرض المملوكة لمسلم خاص إلا انها خربت بخلوها عن أهلها و انجلائهم و إعراضهم عنها، فصارت مباحة، فيكون الموجود فيها كالموجود في الأرض المباحة، كما هو مضمون صحيحي ابن مسلم السابقين، بل و كذا ما وجده في أرضه المملوكة له بإحياء كما صرح به في المدارك،

بل حكاه في الحدائق عن جمع، فيملكه و يخرج خمسه إن لم يكن عليه أثر إسلام، و إلا جرى فيه الخلاف السابق الذي قد عرفت قوة كونه كذلك أيضا، اما لو كانت مملوكة بابتياع أو هبة أو نحوهما مما لا يحصل بسببه ملك للكنز و كان عليه أثر الإسلام ففي المنتهى و التذكرة و المسالك و غيرها عرفه البائع، فإن عرفه و إلا فالمالك الذي قبله و هكذا، بل لا أجد فيه خلافا بيننا، لوجوب الحكم به له مع دعواه إياه إجماعا في المنتهى، قضاء لظاهر يده السابقة، بل قد يدعى انه محكوم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه لذلك من غير حاجة إلى دعواه إياه، كما عساه يومي اليه في الجملة صحيحتا ابن مسلم السابقتان، فيجب تعريفه إياه حينئذ قطعا، بل هو اولى من اللقطة في ذلك بناء على انه ليس منها، فما في المدارك حينئذ- من انه يمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه، لأصالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم- لا ينبغي ان يصغى اليه كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة للفقه، و إن قال في الحدائق: إنه لا يخلو من قرب، بل فيها انه يؤيده صحيحة عبد الله بن جعفر(1)المتضمنة لحكم الموجود في جوف الدابة التي ستسمعها فيما يأتي، و هو كذلك، لكن قد يقال بإرادة المثال من البائع فيها، أو يفرق بظهور

المدفون في الدار انه لصاحبها الأول بخلاف الدابة، نعم لو علم انتفاءه عن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 16، ص: 32

بعض الملاك و لو ببعض القرائن المفيدة له عادة لم يجب تعريفه له، لانتفاء فائدته كانتفاء فائدته بالنسبة للمالك السابق على البائع بعد دعوى معرفة البائع إياه لتقديمه عليه إذا تداعياه، كما هو مقتضى الترتيب السابق في التعريف، بل صرح به في المسالك و إن كان لا يخلو من تأمل باعتبار تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف، كمساواتهم فيها قبله، و قرب زمان يد أحدهم من يد المعرف لا يقتضي ترجيحه على غيره، و لعله لذا أطلق في البيان وجوب تعريفه من كل من جرت يده على المبيع من غير ذكر الترتيب، و إن لم يعرفه جميع من أمكنه تعريفه إياه من الملاك السابقين فالمتجه بل صرح به بعضهم صيرورته حينئذ كالموجود في أرض المسلمين يجري فيه الخلاف السابق اما إذا لم يكن عليه أثر للإسلام فقضية إطلاق لقطة الكتاب بل كاد يكون صريح الشهيدين في الدروس و المسالك مساواته للأول في وجوب التعريف أيضا و ترتيبه، بل قد يظهر من الغنية الإجماع على تعريفه من البائع، كصريحه على انه إن لم يعرفه احد كان لواجده بعد إخراج الخمس، و ظاهر التذكرة و المنتهى بل صريحهما اختصاص التعريف فيما عليه أثر للإسلام دون ما لا اثر له عليه، فإنه لواجده على احد قولي الشيخ، أو لقطة على الثاني، و فيه بحث، لاشتراك الجميع في المقتضي للتعريف السابق.

نعم ينبغي التفصيل بعده إذا أنكروه بأنه للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام، و إلا جرى فيه الخلاف السابق، لا انه مطلقا للواجد كما عساه يوهمه لقطة الكتاب، كإطلاقه هنا ذلك أيضا حيث قال و لو وجده في ملك له مبتاع عرفه البائع، فإن عرفه فهو أحق به، و إن جهله فهو للمشتري و عليه الخمس اللهم إلا ان يريد بالضمير الكنز الذي لا أثر للإسلام عليه، لكن

ج 16، ص: 33

لا يكون كلامه حينئذ مشتملا على حكم القسمين، و الظاهر إرادته الجنس من البائع لا البائع القريب خاصة، أو المثالية منه، و إلا فلا فرق بينه و بين الواهب و المصالح و غيرهما، بل في المسالك و وارث كل واحد منهم، و لا بأس به، و لو تعددوا ورثة كانوا أو غيرهم و اتفقوا على نفيه أو ثبوته فلا إشكال، كما انه كذلك لو تنازعوا فيه، لرجوعه حينئذ إلى حكم التداعي، اما لو ادعاه بعضهم و نفاه الآخر عن نفسه اختص به في غير صورة الإرث على إشكال تعرفه فيما يأتي بل و فيها إذا صرح بأن سبب ملكه غير الإرث، أو أطلق دعوى ملكيته من غير تعرض للسبب كما صرح به في المسالك، لثبوت يد له سابقا، و عدم معارض له في دعواه، و إن كان لا يخلو من إشكال، لعدم ثبوت يدله غير يد الشركة، ففي الزائد على حصته يكون كدعوى الأجنبي الموقوف قبولها على البينة، كما هو ظاهر تخصيص التعريف بالبائع و نحوه في كلام الأصحاب اما لو صرح بأن سبب ملكه الإرث فليس له إلا حصته قطعا، و هل يملك الباقي الواجد لعدم مدع له و لا تلازم بين الحكم ظاهرا بحصة منه لذلك المدعي و بين ثبوت كون الباقي لمسلم محترم المال، لاحتمال كذبه، أو هو كاللقطة خصوصا عند من اعتبر عدم أثر الإسلام في ملكية الكنز، إذ ليس هو أقوى أمارة من ظهور مدع بعضه بسبب يقتضي الشركة بينه و بين غيره من باقي الورثة و إن نفوه هم عن أنفسهم، أو كمجهول المالك يتصدق به؟ احتمالات، بل يحتمل تسليمه حاكم الشرع أو إيقافه حتى يدعوه لكن أول الاحتمالات لا يخلو من قوة، كما انه لا يخلو من قوة أيضا احتمال وجوب دفع الباقي إلى من يدعيه من الملاك السابقين على مورث هذا الوارث، فيشترك فيه الطبقتان أو الطبقات.

و في إلحاق المستأجر و المستعير و نحوهما بالمالك في سائر ما تقدم وجه، بل اختاره الأستاذ في كشفه مصرحا فيه بتقديم المالك عليه عند التعارض، و عدم

ج 16، ص: 34

شاهد حال لأحدهما كما عن أحد قولي الشيخ، بل عن معتبر المصنف اختياره، و هو جيد إن أريد بالمالك المؤجر، لفرعية يده عن يده، و إلا فتقديم السابق عليه لا يخلو من نظر بل منع، و قيل- كما عن مختلف الفاضل اختياره، بل قربه الشهيد في بيانه-: يقدم المستأجر، لثبوت يده حقيقة و يد المالك حكما، و لاستبعاد إجارة دار فيها كنز، كما انه جزم في الأخير بالعمل بقرينة الحال لمن وجدت له مع اليمين، بل قد يظهر من الأستاذ في كشفه اختياره أيضا، و هو لا يخلو من وجه، فتأمل جيدا فيه و في جميع ما تقدم ليظهر لك وجه جملة من الفروع التي تركنا التعرض لها لذلك أو لغيره، منها مساواة الأرض المنتقلة إليه بإرث للمبتاعة في أكثر ما تقدم أو جميعه، فتأمل.

بل منه يظهر الحال أيضا في الموجود من الكنز في ملك الغير، إذ الحكم فيه كما صرح به في المدارك كالحكم في الأرض المملوكة للواجد، بل في المنتهى و التذكرة و البيان و غيرها التصريح أيضا بتعريفه صاحب الدار، لكن في الأولين انه إن لم يعترف به فهو لأول مالك من دون تعرض للتعريف و لاشتراط الاعتراف و لا لحكمه بعده إذا لم يعترف به بناء على اشتراطه، و في الثالث انه ان لم يعترف به فهو لواجده، فيخمسه من غير تعرض لتعريفه المالك السابق على من في يده وقت الوجود، بل استغرب في الحدائق حكمه في مثله بأنه لواجده، و عليه الخمس من غير تفصيل بين أثر الإسلام و عدمه مع تفصيله بذلك في الموجود في الأرض المباحة، و هو في محله، بل هو أولى في الحكم بكونه لقطة حتى فيما لا أثر للإسلام عليه من السابق، ل

موثق إسحاق بن عمار(1)سأل أبا إبراهيم (عليه السلام) «عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 3.

ج 16، ص: 35

لعلهم يعرفونها، قلت: فان لم يعرفوها؟ قال: يتصدق بها»

من حيث ظهوره بذلك كما اعترف به في الحدائق و إن كان قد يمنع عليه و يدعى ظهوره في انه من مجهول المالك، لكن لما كان لا تفصيل فيه بظهور أثر الإسلام و عدمه- مع انه يمكن تحصيل الإجماع على ملكية الواجد الثاني إذا لم يعترف به المالك، مضافا الى إطلاق الأدلة السابقة- ضعف الركون الى إطلاقه بالنسبة إليه، بل و بالنسبة للثاني لما عرفته سابقا، فالأولى تنزيله على معلومية كونه لمسلم، فيتجه امره حينئذ بالصدقة، كما انه يحتمل تنزيل ما في الخلاف- من انه إذا وجد ركازا في ملك مسلم أو ذمي في دار الإسلام لا يتعرض له إجماعا- على ذلك أو على إرادة حرمة التعرض، و إن كان الحكم فيه لو تعرض ما سمعت أو نحو ذلك مما ينزل عليه صحيحا ابن مسلم (1)المتقدمان في أول المبحث الظاهر ان أيضا في ملكية صاحب الدار ما فيها، فتأمل جيدا، فإن المسألة لا تخلو من بحث، و

قد ذكرنا التحقيق فيها في كتاب اللقطة، و هو مناف لما هنا، فلاحظ و تدبر.

و كذلك يجب تعريف البائع لو اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا له قيمة فإن عرفه و إلا فهو للمشتري، و عليه الخمس، ل

صحيح عبد الله بن جعفر(2)قال: «كتبت إلى الرجل اسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر لمن يكون ذلك؟ فوقع (عليه السلام) عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي ء لك رزقك الله إياه»

لكن ظاهره تعريف البائع خاصة، اللهم إلا ان يريد المثال أو علم نفيه عن غيره كما ان ظاهره عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام أولا، بل لعله ظاهر في الأول، و هو مما يؤيد المختار، ضرورة مساواته للأرض المبتاعة، بل ظاهره عدم الخمس


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من كتاب اللقطة- الحديث 1 و 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.

ج 16، ص: 36

أيضا كما هو مقتضى الأصل أيضا، لكن في المدارك انه قد قطع به الأصحاب، و ظاهره كالكفاية و الحدائق الاتفاق عليه، لكن فيها بعد ذلك «ان ظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز، و هو بعيد، نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح».

قلت: بل جزم في الحدائق بذلك، و ببطلان اندراجه في الكنز، و هو جيد بالنسبة

للثاني، بل لم أعرف أحدا من الأصحاب صرح بخلافه، نعم قد يظهر من بعضهم إلحاقه به تنقيحا، و هو موقوف على الدليل، فان ثبت إجماعا كان أو غيره تعين القول به، و إلا كان محل منع و الظاهر انه كذلك، لعدم وصول شي ء منها إلينا، كما ان الظاهر عدم اندراجه في قسم الأرباح، ضرورة كونه بمعزل عنه، إذ ليس هو مما أعد أو أخذ للتعرض له، نعم إن قلنا بعموم الغنيمة لكل فائدة اتجه وجوبه فيه على ان يكون قسما مستقلا غير السبعة، و لعله لذا قال في السرائر في باب اللقطة ما لفظه: «و كذلك إذا ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة و ذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا أقل من مقدار الدرهم أو أكثر عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه، فان عرفه أعطاه إياه، و إن لم يعرفه اخرج منه الخمس بعد مئونة طول سنته، لأنه من جملة الغنائم و الفوائد و كان له الباقي، و كذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك، لأن البائع باع هذه الأشياء و لم يبع ما وجده المشتري، فلذلك وجب عليه تعريف البائع، و شيخنا أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) لم يعرف بائع السمكة الدرة، بل ملكها المشتري من دون تعريف البائع، و لم يرد بهذا خبر عن أصحابنا، و لا رواه عن الأئمة (ع) احد منهم، و الفقيه سلار في رسالته يذهب إلى ما اخترناه، و هو الذي يقتضيه أصول مذهبنا» انتهى. و هو صريح في عدم اندراج ذلك في الكنز و في عدم الفرق في التعريف بين السمكة و الدابة، كما انه كاد يكون صريحا في عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام و غيره.

ج 16، ص: 37

لكن قد يشكل اعتبار إخراج مئونة سنته منه بعد فرض عدم اندراجه في الأرباح اللهم إلا ان يقال بعموم ما دل على اعتبارها للأرباح و غيرها إلا ما خرج من الكنز و المعادن و نحوهما، كما انه يشكل إطلاقه و إطلاق غيره بما في المسالك من انه إنما يتم مع عدم أثر الإسلام و إلا فلا يقصر عما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق، و الأصل عدم زواله، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر، و إلا كان لقطة في الموضعين، إلا ان ذا قد يدفع بالصحيح السابق (1)إذ لعله الفارق، مع ان التحقيق عندنا عدم الفرق كما عرفت، بل لعل كلامهم هنا مؤيد لما سمعت.

بل يشكل أيضا بظهور الفرق بين الدابة و السمكة، ضرورة كون الموجود في الأولى كالموجود في الأرض المملوكة، بخلاف الثانية فكالمباحة أو المملوكة التي يعلم عدم كون ما فيها لمالكها، و من هنا وجب تعريف البائع فيها دونها، بل القطع حاصل غالبا بعدم كون ما في جوف السمكة للبائع، فلا فائدة في التعريف، بل قد يقال إن ما وقع من مال المسلم في البحر و وصل إلى جوف السمكة صار كالمعرض عنه، فيجوز أخذه لمن وجده كما يومي اليه ما ذكر في السفينة المنكسرة(2)و إن خدشة في المسالك بأن الحكم في السمكة

غير مقصور على المأخوذة من البحر بل هو متناول للمملوكة بالأصل، كما لو كانت في ماء محصور مملوك للبائع بحيث يكون منشؤها فيه، فتكون كالدابة، و مع ذلك فالأصل ممنوع، لكنه كما ترى واضح المنع بظهور انصراف كلام الأصحاب إلى الأفراد المتعارفة، فلا يقدح فيه الالتزام بالمساواة للدابة في الفرض المذكور، كما انه لا يقدح فيه التزام مساواة الدابة للمسكة في عدم التعريف و نحوه إذا فرض لاصطيادها و حيازتها كالغزال


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من كتاب اللقطة.

ج 16، ص: 38

و نحوه و علم تقدم ما وجد في جوفها على يد البائع كالسمكة، نعم حكي عن التذكرة الميل إلى مساواة السمكة للدابة مطلقا في التعريف للبائع من حيث ان القصد إلى حيازة السمكة يستلزم القصد إلى حيازة جميع اجزائها و ما يتعلق بها، و فيه ان المتجه حينئذ الحكم بملكية الصياد لما في جوفها لا تعريفه إياه، و الظاهر إن لم يكن المقطوع به خلافه.

بل قد يظهر ذلك من الأخبار أيضا، ك

خبر أبي حمزة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا- إلى ان قال-:

فأخذ غزلا فاشترى به سمكة، فوجد في بطنها لؤلؤة، فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل: ادخل، فقال له: خذ احد الكيسين، فأخذ أحدهما و انطلق، فلم

يكن أسرع من ان دق السائل الباب فقال له الرجل:

ادخل، فدخل فوضع الكيس مكانه، ثم قال: كل هنيئا مريئا، إنما أنا ملك من ملائكة ربك أراد ربك ان يبلوك، فوجدك عبدا شاكرا، ثم ذهب»

و خبر حفص بن غياث (2)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الراوندي في قصص الأنبياء قال: «كان في بني إسرائيل رجل و كان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق، فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو الفان من حرام؟ فقال: درهمان من حل فقال: تحت رأسك فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه، فأخذهما و اشترى بدرهم سمكة و اقبل إلى منزله، فلما رأته امرأته أقبلت عليه كالأئمة و أقسمت ان لا تمسها، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم»

و المروي (3)عن أمالي الصدوق عن علي بن الحسين (عليهما السلام) حديثا يشتمل على ان رجلا شكا إليه الحاجة فدفع اليه قرصتين، قال له: خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف بهما عنك،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 4.

ج 16، ص: 39

إلى ان قال-: «فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فباع اللؤلؤتين بمال عظيم، فقضى منه دينه و حسنت بعد ذلك حاله»

قيل: و نحوه المروي (1)في تفسير العسكري (عليه السلام).

و من ذلك كله ظهر لك حال ما في المتن من انه لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا اخرج خمسه و كان له الباقي و لا يعرف البائع من غير فرق بين أثر الإسلام و عدمه كما ظهر لك وجه ذلك كله، كظهور الوجه في الخمس أيضا، إذ هو كالدابة على ما اعترف به في المدارك و غيرها، بل لم أجد أحدا فصل بينهما فيه، بل و ظهر مما تقدم أيضا وجه ما ذكره هنا بقوله

[تفريع]

تفريع:

إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام فان لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أي قديمة، كأنه نسبة إلى عاد قوم هود اخرج خمسه و كان له الباقي، و إن كان عليه أثر سكة الإسلام قيل يعرف كاللقطة، و قيل يملكه الواجد و عليه الخمس و قد بينا ان الثاني لا الأول أشبه فلاحظ و تأمل.

[الرابع كلما يخرج من البحر بالغوص]
اشاره

الرابع مما يجب فيه الخمس كلما يخرج من البحر بالغوص مما اعتيد خروجه منه بذلك

كالجواهر و الدرر و نحوهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الحدائق، بل في ظاهر الانتصار و صريح الغنية و المنتهى الإجماع عليه، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة للآية بالتقريب السابق، و

صحيحي الحلبي (2)سأل الصادق (عليه السلام) «عن العنبر و غوص اللؤلؤ فقال: عليه الخمس»

كخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله (3)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عما


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من كتاب اللقطة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 40

يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و عن معادن الذهب و الفضة ما فيه قال: إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس»

و مرسل حماد(1)عن العبد الصالح (عليه السلام) «الخمس من خمسة أشياء من الغنائم و الغوص و من الكنوز و من المعادن و الملاحة»

و ابن أبي عمير(2)عن غير واحد عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الخصال و المقنع «الخمس من خمسة أشياء: الكنوز و المعادن و الغوص و الغنيمة و نسي ابن أبي عمير الخامس»

و احمد بن محمد(3)عن بعض أصحابنا «الخمس من خمسة أشياء الكنوز و المعادن و الغوص و المغنم الذي يقاتل عليه و لم يحفظ الخامس»

إلى غير ذلك مما هو مستغن بصحة سنده و وضوح دلالته عن الانجبار، و ما هو منجبر بالإجماع المحكي إن لم يكن محصلا خصوصا بالنسبة إلى عدم الفرق في أنواع ما يخرج فما في المدارك من الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي الأولى ثم المناقشة فيها بقصورها عن إفادة التعميم كما ترى.

نعم يجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته دينارا فصاعدا كما هو المشهور نقلا و تحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا، بل في التذكرة و المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل في الثاني لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا، بل لو زاد قليلا أو كثيرا و جب الخمس فيه، كما انه في التنقيح اتفق الأصحاب على اعتبار دينار، و في الحدائق «اتفق الأصحاب قديما و حديثا على نصاب الدينار في الغوص» إلى آخره، مضافا إلى الأصل و مفهوم الخبر السابق، بل الإجماع بقسميه بالنسبة إلى عدم الخمس في الناقص عن ذلك، و إلى إطلاق الأدلة و منطوق ذلك الخبر المعتضد و المنجبر بما عرفت بالنسبة للوجوب في الزائد عليه، فما عن غرية المفيد من اعتبار


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 11.

ج 16، ص: 41

عشرين دينارا فيه ضعيف لا نعرف له مأخذا معتدا به، كما اعترف به غير واحد.

و مما تقدم سابقا في المعدن و الكنوز يظهر لك البحث هنا في اعتبار اتحاد الإخراج و المخرج و النوع و تعدد الشركاء و نحو ذلك ضرورة تساوي الجميع في جهة البحث، كما اعترف به في الرياض و غيره، لكن في الروضة ان الأجود اعتبار اتحاد النوع في الكنز و المعدن دون الغوص وفاقا للعلامة (ره) و عليه بيان الفرق.

ثم إنه لا يراد بوجوب الخمس في المذكور باعتبار ذاته، بل المراد خروجه بالغوص و إلا ف لو أخذ منه شي ء و كان خارجا لنفسه على الساحل و نحوه من غير غوص لم يجب الخمس قطعا للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة الظاهرة في غيره عدا خبر الدينار(1)بل و هو أيضا بناء على انصرافه إلى المتعارف، بل ظاهر المشتمل (2)على العدد منها عدمه فيه أيضا، و كذا المخرج بالآلات من غير غوص، لكن في البيان انه لو أخذ منه شي ء بغير غوص فالظاهر انه كحكمه و لو كان مما ألقاه الماء على الساحل، و لعله للخبر(3)السابق المحتاج إلى جابر في ذلك، و ليس، بل الموهن متحقق على الظاهر.

كما انه في المسالك جزم بإلحاق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج في الماء بالغوص، و فيه منع، كمنع ما في الوسيلة من تعلق الخمس بما يؤخذ على رأس الماء في البحر إن أراد غير جهة الربح كما هو ظاهره، نعم قد يقوى تعلق الخمس فيما لو غاص و شده بآلة مثلا ثم اخرج بل هو من افراد

الغوص على الظاهر، كما انه يقوى وجوب الخمس فيما ذكره الأولان مع دخوله في قسم الأرباح


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4 و 11 و الباب 3 منها- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 42

و لا ينافيه إطلاق العبارة نفيه فيه بعد ظهوره في إرادة ذلك من جهة الغوص، إذ لا ينافي نفيه من جهة ثبوته من اخرى و لو من جهة بلوغ النصاب و عدمه، كما لو فرض اجتماع جهتي الخمس أو جهاته فبلغ نصاب إحداها دون الأخرى تعلق به الخمس من هذه الجهة قطعا كما لو فرض معدن تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فأخرج منه شي ء لا يبلغ نصاب المعدن و يبلغ نصاب الغوص و جب فيه الخمس حينئذ بناء على تعلقه بمثل ذلك مما يخرج بالغوص، فتأمل.

ثم الخمس على الغواص إن كان أصيلا، و إن كان أجيرا فعلى المستأجر، و المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إلا إذا تناول و هو غائص مع عدم نية الأول الحيازة على إشكال فيه، للشك في اندراجه في إطلاق الأدلة، كالشك في اندراج ما لو غاص من غير قصد فصادف شيئا، و إن جزم بهما الأستاذ في كشفه.

و لا يجب الخمس فيما يخرج بالغوص من الأموال الغارقة في البحر و إن كانت لآلي و نحوها، للأصل و ظهور النصوص و الفتاوى في غيرها، و إن استشكل فيه في الحدائق، بل هو لآخذه بعد إعراض صاحبه و انقطاع رجائه، ل

خبر الشعيري و السكوني (1)«في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص و اخرج البحر بعض ما غرق، فقال: أما ما أخرجه البحر فهو لأهله، الله أخرجه، و أما ما اخرج بالغوص فهو لهم، و هم أحق به»

و إن كان يشكل انطباق تفصيلهما على القواعد الشرعية، ضرورة اتحاد إباحتهما مع الاعراض، و عدمها مع عدمه، اللهم إلا ان يقال بعدم اعتبار الاعراض فيما يخرج بالغوص، بل يكفي في ملك آخذه انقطاع رجاء صاحبه عن حصوله و تركه التعرض لخروجه كما هو المتعارف بين غريقي البحر، لا الاعراض و الإباحة لكل احد، فلو أخرجه البحر حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و 1.

ج 16، ص: 43

فهو على ملك مالكه اقتصارا فيما خالف الأصل و استصحاب الملك على المتيقن، فتأمل جيدا.

و كذا لا يجب في الحيوان و نحوه مما هو من غير المعادن المعتاد خروجها بالغوص، للأصل و غيره، فما حكاه الشهيد في بيانه عن بعض من عاصره من جعله من قبيل الغوص ضعيف جدا بل باطل قطعا، كالمحكي عن الشيخ في التذكرة و المنتهى من تعلق الخمس به لو أخذ غوصا أو أخذ قفيا.

نعم لو غاص فأخرج حيوانا بغوصه فظهر في بطنه شي ء من المعدن فالأحوط بل الظاهر كما في كشف الأستاذ تعلق الخمس به، مع انه لا يخلو من إشكال أيضا إذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلا لذلك.

و الأنهار العظيمة كفرات و دجلة و النيل حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها إذا فرض تكون مثل ذلك فيها كالبحر، لا طلاق الأدلة التي لا يحكم عليها ذكر البحر في الخبر السابق (1)بعد خروجه مخرج الغالب، نعم قد يقال بانصراف الإطلاق إلى ما يخرج من البحر خاصة لأنه المتعارف، لكن لعل ذلك من ندرة الوجود لا الإطلاق، إلا ان ظاهر الأستاذ انه من الثاني حيث أطلق مساواة ما يخرج منها لما يغرق في البحر، فتأمل.

و لو غاص قاصدا للمعدن فأخرج معه مالا آخر فهل يوزع المصرف عليهما لما ستعرف إن شاء الله من عدم تعلق الخمس بالغوص إلا بعد إخراج مئونته منه أو يختص بالمعدن؟ وجهان أقواهما الثاني و أحوطهما الأول، كما انه يقوى عدم احتساب المصرف عليه لو كان المقصود غيره فاتفق الإتيان به، اما لو شركهما بالقصد فالوجه التوزيع.

و لو غاص غوصات متعددة فأصاب ببعضها في مقام واحد قوي أخذ


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 44

مصارف الجميع منه، بخلاف ما إذا اختلف الزمان أو المكان، لكن و مع ذلك فقد أجاد الأستاذ في كشفه بقوله: لا بد من الاحتياط الكامل في مثل هذه المسائل الفاقدة للأقوال و الدلائل.

[تفريع]

تفريع: لا يجب في المسك خمس إذا لم يدخل في قسم الأرباح عند أهل العلم كافة إلا في رواية عن احمد و عمر بن عبد العزيز كما في التذكرة و المنتهى، و هو مع الأصل الحجة، بل و لا في شي ء من أنواع الطيب عدا العنبر فإنه يجب فيه بلا خلاف أجده بل في المدارك و الحدائق الإجماع عليه، كظاهر الغنية أو صريحها، لصحيح الحلبي المتقدم (1)سابقا، لكن هل لا نصاب له كما هو ظاهر النهاية و الوسيلة بل و السرائر، بل قد يظهر من الأخير الإجماع عليه إن لم يكن صريحه، لا طلاق الصحيح، و مال إليه في المدارك و الحدائق، بل استقر به في الكفاية، أو ان له حكم المعادن مطلقا فيعتبر فيه العشرون كما عن غرية المفيد، لأنه منها أو ملحق بها، لأصالة البراءة في الناقص عنه، أو ان له حكم الغوص مطلقا كما هو ظاهر جمع الحلبي لهما في السؤال أو يفصل بأنه إذا خرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار لاندراجه في الخبر السابق (2)الذي لا يقيده ما بعد «من» البيانية بعد إرادة المثال و إن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن لأصالة البراءة في الناقص عنه كما صرح به في المنتهى و التذكرة و غيرهما بل في المدارك و الكفاية و الحدائق نسبته إلى الأكثر؟

أقوال سوى الثالث- فلم أجد قائلا به و لا من نسب اليه ذلك عدا ظاهر الأستاذ في كشفه أو صريحه هنا و إن قوى نصاب المعادن فيه- أحوطها أولها بل أقواها في غير الخارج

بالغوص منه، بل و فيه على تأمل، لعدم تحقق الجاب ر للخبر(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 45

المذكور حتى يحكم على إطلاق الصحيح (1)السابق بعد تسليم عدم ظهور البيان فيه لما لا يشمل ذلك و إن كان المراد منه المثال، فتأمل.

و العنبر معروف، لكن عن القاموس انه روث دابة بحرية، أو نبع عين فيه، و عن المبسوط و الاقتصاد انه نبات في البحر، و في السرائر عن كتاب الحيوان للجاحظ «انه يقذفه البحر إلى جزيرة، فلا يأكل منه شي ء إلا مات، و لا ينقره طير بمنقاره إلا نصل فيه منقاره، و إذا وضع رجليه عليه نصلت أظفاره» و فيها أيضا عن منهاج البيان لابن جزلة المتطيب «انه من عين في البحر» و في البيان «قال أهل الطب: هو جماجم تخرج من عين في البحر، أكبرها وزنه ألف مثقال» و في الحدائق عن كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان «العنبر المسموم قبل ان يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته، فيقذفه رجيعا، فيطفو على الماء، فيلقيه الريح إلى الساحل» و الأمر سهل، إذ لا مدخلية لجميع ذلك فيما نحن فيه من تعلق الخمس به.

[الخامس في أرباح المكاسب]

الخامس مما يجب فيه الخمس ما يفضل عن مئونة السنة على الاقتصاد له و لعياله من أرباح التجارات و الصناعات و الزراعات بلا خلاف

معتد به أجده فيه، بل في الخلاف و الغنية و التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، بل في ظاهر الانتصار و السرائر أو صريحهما ذلك، بل أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضا، بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به، و هو الذي استقر عليه المذهب و العمل في زماننا هذا، بل و غيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة (عليهم السلام)، فما عن ظاهر القديمين- من عدمه أو العفو عنه في هذا القسم، للأصل المعلوم انقطاعه بغير واحد من


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 46

الأدلة القطعية، و حصر الخمس في غير هذا القسم في

خبر عبد الله بن سنان (1)عن الصادق (عليه السلام) «ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة»

الواجب تقييده بما عرفت أيضا إن لم نقل بشمول لفظ الغنائم له كما دلت عليه الأخبار(2)المعتبرة المتقدمة سابقا- باطل قطعا، بل في البيان دعوى انعقاد الإجماع على خلافه في الأزمنة السابقة لزمانهما، مع ان المحكي من عبارة الإسكافي منهما بل قيل و العماني لا ظهور فيها بذلك، بل ظاهرها التوقف في حصول العفو منهم (عليهم السلام) عنه و عدمه، لاختلاف الرواية في ذلك.

بل ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين، ل

خبر حكيم مؤذن بني عبس (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قلت له: و اعلموا انما غنمتم- إلى آخرها- قال: هي و الله الإفادة يوما بيوم إلا ان أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا»

و صحيح حرث بن المغيرة النضري (4)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: إن لنا أموالا من غلات و تجارات و نحو ذلك و قد علمنا ان لك فيها حقا، قال:

فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من و الى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب»

و خبر يونس بن يعقوب (5)قال:

«كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال:

جعلت فداك يقع في أيدينا الأموال و الأرباح و التجارات نعلم ان حقك فيها ثابت و انا عن ذلك مقصرون، فقال (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم»

و أبي خديجة(6)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «قال له رجل


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 8 و الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5 و 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال الحديث 4.

ج 16، ص: 47

و أنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: ليس يسألك أن

يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه فقال: هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم و الغائب و الميت منهم و الحي و ما توالد منهم إلى يوم القيامة، فهو لهم حلال، أما و الله لا يحل إلا لمن أحللنا له، و لا و الله ما أعطينا أحدا ذمة و ما لأحد عندنا عهد و لا لأحد عندنا ميثاق»

و عبد الله بن سنان (1)قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة (عليها السلام) و لمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا و حرم عليهم الصدقة، حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا ليطيب لهم به الولادة، انه ليس شي ء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا، انه ليقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب سل هؤلاء بما نكحوا»

إلى غير ذلك، مضافا إلى ما دل على إباحة مطلق الخمس لشيعتهم فضلا عن خصوص هذا القسم منه.

بل يظهر من الخبر الأخير و غيره و سؤال الثاني و الثالث ان خمس هذا القسم من الخمس لهم خاصة، ك

خبر علي بن مهزيار أو صحيحه (2)قال: «قال لي أبو علي ابن راشد قلت له: أمرتني بالقيام

بأمرك و أخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك، فقال لي بعضهم: و أي شي ء حقه فلم أدر ما أجيبه، فقال: يجب عليهم الخمس، فقلت: ففي أي شي ء؟ فقال: في أمتعتهم و ضياعهم، قلت: فالتاجر عليه و الصانع بيده فقال: ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم»

كصحيحه الآخر(3)عن علي بن محمد بن شجاع النيشابوري سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن رجل أصاب من


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 2.

ج 16، ص: 48

ضيعته من الحنطة مائة كر- إلى ان قال-: فوقع (عليه السلام) لي منه الخمس مما يفضل عن مئونته»

بل و غيرها من الأخبار السابقة و نحوها المتضمنة لإباحة خمس هذا القسم، ضرورة ظهور ذلك في انه لهم، إذ لا معنى لإباحة مال غيرهم، فيندرج حينئذ فيما دل من الأخبار التي تأتي إن شاء الله في محلها على إباحة حقهم و ما لهم لشيعتهم.

و من ذلك كله قال في المدارك: إن الأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة جدا، و إنما الإشكال في مستحقه و في العفو عنه في زمن الغيبة و عدمه، فان في بعض الروايات دلالة على ان مستحقه مستحق خمس الغنائم و في بعض آخر إشعارا باختصاص الامام (عليه السلام) بذلك، و رواية علي بن مهزيار

مفصلة كما بيناه، و في الجميع ما عرفت، و مقتضى صحيحة الحرث بن المغيرة النضري (1)و صحيحة الفضلاء(2)و ما في معناهما إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم حقوقهم من هذا النوع فان ثبت اختصاصهم بخمس ذلك وجب القول بالعفو عنه مطلقا كما أطلقه ابن الجنيد، و إلا سقط استحقاقهم من ذلك خاصة و بقي نصيب الباقين، و المسألة قوية الاشكال، و الاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال، بل يظهر من الخراساني في كفايته الميل أو الجزم باختصاصه به و إباحته، بل احتمل تنزيل كلام المتقدمين و الأخباريين المبيحين للخمس على ذلك أيضا.

لكن لا يخفى عليك ان هذا و سابقه منهما من غرائب الكلام، ضرورة عدم الإشكال في ان مستحقه مستحق الخمس من غيره من الأقسام، و إن حكي عن المنتقى تشييده أو اختياره كالذخيرة، لكنه ضعيف جدا، بل ظاهر الأصحاب كافة أو صريحهم خلافه كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، بل هو ظاهر الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 1.

ج 16، ص: 49

أيضا التي سيمر عليك في بيان قسمته و غيره من المباحث طرف منها، و إلا فهي أكثر من ان تحصى، بل لعلها من قسم المتواتر، خصوصا ما ورد منها في كون المراد بالغنيمة في الآية الشريفة ما هو أعم من غنائم دار الحرب، منها

الصحيح الطويل (1)«فأما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى (2)«وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ»- إلى آخرها، إلى أن قال-: فالغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء، و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله».

فتدل الآية حينئذ بناء على ذلك مضافا إلى الأخبار(3)على اشتراك هذا القسم من الخمس بين الأصناف كغيره من الأقسام و المناقشة فيها- بعد التسليم باختصاصها، لاشتمالها على خطاب المشافهة بالحاضرين، و إلحاق غيرهم بهم بالإجماع الممنوع دعواه هنا كما ترى، لمنع حصول شرطه من توافق الحاضرين و غيرهم في سائر الشرائط، إذ لا ريب في اختلاف الزمانين بحضور المعصوم و عدمه، و بعد التسليم فلا بد من تخصيصها أو حملها على بيان المصرف لا الملكية و الاختصاص جمعا بينها و بين ما دل على الإباحة من الأخبار- واضحة الفساد، إذ مقتضاها أولا صيرورته مختصا بهم (عليهم السلام) بالعرض دون الأصالة، و هو كما ترى، بل مخالف لما استشعره من تلك الأخبار التي هي الأصل في هذا الوهم هنا، و ابتناؤها ثانيا على منع إمكان الاستدلال بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع و غيره، لعدم إحراز التوافق من كل وجه المعلوم بطلانه، ضرورة عدم قدح مثل هذه الاحتمالات الفاقدة لشهادة إمارة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
2- 2 سورة الأنفال- الآية 42.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس.

ج 16، ص: 50

من الامارات، و القاضية ببطلان الاستدلال في أكثر المقامات بسبب قيام احتمال شرطيته بشي ء من المقارنات لنزول تلك الخطابات، كما هو واضح.

و أوضح منه فسادا ما في آخرها من لا بدية تخصيصها أو حملها على ما سمعت المتوقفين على معارض مقاوم لمقابله الظاهر من أكثر النصوص و سائر الفتاوى، خصوصا الثاني منهما، لشدة مخالفته ظاهر الآية من عدم تساوي المعطوف و المعطوف عليه منها من الأصناف، و ليس إلا ظاهر تلك الخطابات و الإضافات في الأخبار السابقة المطعون في أسانيد أكثرها، و المعارضة بالأقوى منها من وجوه تقدمت الإشارة إلى بعضها، فلا محيص عن حمل تلك الإضافات و الخطابات على إرادة ولاية التصرف و القسمة، خصوصا و هم في الحقيقة عياله و أطفاله، و مع انها غير مساقة لبيان الاختصاص و الملكية له دونهم، بل و لا دلالة في بعضها كاباحته إياه على اختصاصه به، ضرورة تسلطهم على أموال سائر بني آدم و أبدانهم فضلا عن عيالهم من أيتامهم و مساكينهم و من إذا أعوزهم خمسهم كان الإتمام عليهم لهم من أموالهم، على ان بعض المعتبرة كالصحيح (1)المتضمن لحكاية صالح الواقفي و استباحته الخمس و غيره من صحيح ابن مهزيار(2)الطويل ظاهر أو صريح في ان لهم إباحة حصصهم و حصص غيرهم من الأصناف، لظهور كون غالب ما في أيديهم في ذلك الوقت من

الخمس من هذا القسم، فلا ريب حينئذ في إرادة ما عرفت من نحو هذه الخطابات، سيما بعد معارضتها بما سمعت من ظهور أكثر النصوص و كافة الفتاوي بخلافها المعتضد أيضا بما دل من النصوص الكثيرة التي منها بعض أخبار الخصم السابقة على حكمة تحريم الصدقة على بني هاشم، و انه وجب الخمس عوضا عنها، إكراما لهم و صيانة لهم عن الأوساخ، و كفا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 51

لوجوههم عن السؤال لرعيتهم و خدامهم و عبيدهم، و انه لو علم احتياجهم إلى أزيد من ذلك لأوجب لهم غيره.

و من الواضح البين ان خمس ما عدا الأرباح قليل التحقق في هذه الأزمان بل و غيرها، فلو فرض اختصاص ذلك بالإمام (عليه السلام) بقت يتامى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و مساكينه و أبناء السبيل منهم حيارى في شدة الضيق و العسر، بل من هذا الأخير ينقدح لك وضوح بطلان الإشكال في الثاني أيضا ضرورة منافاة إباحة مثل هذا القسم من الخمس في عام زمان الغيبة، لما عرفت من حكمة أصل مشروعية الخمس. مضافا الى ظهور النصوص و الفتاوى بل و صريح إجماع البيان بل و الكتاب أيضا بخلافه، نعم في خصوص حقه (عليه السلام) منه بحث يأتي تفصيله عند تعرض المصنف له ان شاء الله، فما ورد منهم (عليهم السلام) مما هو ظاهر في إباحة الخمس مطرح أو منزل على حصة خاصة، أو خصوص ذلك الوقت من خصوص زمان ذلك الامام (عليه السلام) بخصوصه، إذ أمر خمس كل زمان راجع الى إمام ذلك الزمان (عليه السلام)، بل قد يمنع تسلط إمام زمان على اباحة ما يتجدد في زمان إمام آخر، إلا ان يكون ذلك منه عن أمر مالك الخلائق لا إباحة منه جارية على نحو إباحة الملاك و أهل الولاية لأموالهم و ما لهم الولاية عليه، و إلا فهي لا تشمل ما يتجدد في غير زمانه مما يتعلق به الخمس، فتأمل.

و على كل حال فلا ينبغي الإشكال في شي ء من الأمرين السابقين إنما البحث في متعلق الخمس من هذا القسم، فان النصوص و معاقد إجماعات الأصحاب فضلا عن عباراتهم لا تخلو من اختلاف فيه في الجملة، ففي المقنعة و القواعد و الإرشاد و معقد إجماع الانتصار كالمتن، بل اليه يرجع ما في النافع و اللمعة و البيان و التنقيح و التذكرة و ان كان في الأول الاقتصار على أرباح التجارات

ج 16، ص: 52

كالثاني، لكن مع إبدالها بالمكاسب، و في الثالث و الرابع كمعقد إجماع الخامس حاصل أنواع التكسبات من التجارة و الصناعة و الزراعة، بل و كذا معقد إجماع الخلاف أيضا جميع المستفاد من أرباح التجارات و الغلات و الثمار، و في السرائر تارة كالتحرير و معقد إجماع المنتهى أرباح التجارات و المكاسب و ما يفضل من الغلات و الزراعات على اختلاف أجناسها، و اخرى سائر الاستفادات و الأرباح و المكاسب و الزراعات كالنهاية جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات و الزراعات و غير ذلك، بل و كمعقد إجماع الغنية أيضا كل مستفاد من تجارة و زراعة و صناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة اي وجه كان.

و أما النصوص ففي خبر حكيم مؤذن بني عبس (1)و علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (2)و عبد الله بن سنان (3)و صحيح ابن مهزيار(4)المتقدمة سابقا ما عرفت، ك

خبر محمد بن الحسن الأشعري (5)قال: «كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل و كثير من جميع الضروب و على الصناع؟ و كيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المئونة»

و موثق سماعة(6)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمس فقال: في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير»

و مكاتبة يزيد(7)المتضمنة للسؤال عن الفائدة، فقال: «الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها و حرث بعد الغرام أو جائزة»

و المروي (8)في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب «كتبت إليه في الرجل يهدي اليه مولاه و المنقطع اليه هدية تبلغ إلى ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيه الخمس فكتب الخمس في ذلك، و عن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
8- 8 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 10.

ج 16، ص: 53

الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشي ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب أما ما أكل فلا، و أما البيع فنعم هو كسائر الضياع»

و خبر الريان بن الصلت (1)قال: «كتبت إلى أبي محمد (عليه السلام) ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي و في ثمن سمك و بردي و قصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس»

و عن الرضوي (2)بعد ذكر الآية قال: «و كل ما أفاد الناس غنيمة، لا فرق بين الكنوز و المعادن و الغوص- إلى ان قال-: و ربح التجارة و غلة الضيعة و سائر الفوائد و المكاسب و الصناعات و المواريث و غيرها، لأن الجميع غنيمة و فائدة»

و في

مكاتبة ابن مهزيار في الصحيح (3)الطويلة المشتملة على إباحة نوع من الخمس للشيعة في بعض السنين، قال فيها: «و انما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب و الفضة التي قد حال عليها الحول، و لم أوجب ذلك عليهم في متاع و لا آنية و لا دواب و لا خدم و لا ربح ربحه في تجارته و لا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي و منا مني

عليهم، لما يغتال السلطان من أموالهم و لما ينوبهم في ذاتهم، و أما الغنائم و الفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام، قال الله تعالى:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ»- إلى آخرها- فالغنائم و الفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها، و الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن، و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب، و ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة، فقد علمت ان أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي، فمن كان عنده شي ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي، و من كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله و لو بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 9.
2- 2 المستدرك- الباب- 6- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 54

حين، فإن نية المؤمن خير من عمله، فأما الذي أوجب من الضياع و الغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته، و من كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس و لا غير ذلك».

و خبر الحسين ابن عبد ربه (1)قال: «سرح الرضا (عليه السلام) بصلة الى أبي و كتب إليه أبي هل علي فيما سرحت إلى خمس، فكتب اليه لا خمس فيما سرح به صاحب الخمس»

و المستفاد من التأمل في النصوص و الفتاوى و بعض معاقد الإجماعات تعلقه بكل استفادة

تدخل تحت مسمى الكسب حتى حيازة المباحات، بل و إن لم يكن من الأمور الاختيارية في وجه كالنماء الحاصل بالتولد و نحوه مما لا خمس فيه من المأخوذ هبة أو المنتقل ميراثا كما ستعرف، و لا ينافيه نحو ما في المتن بعد احتمال أو ظهور إرادة ذلك مما ذكر فيه، و منه أو ملحق به عندهم فاضل الزراعات و الغلات لا الهبة و المواريث و الصدقات و نحوها إلا إذا نمت مثلا، فإنه يجب في نمائها الخمس كما نص عليه في البيان، و يقتضيه إطلاق غيره، و إن كان قد يشكل في النماء الذي لا يدخل تحت مسمى الاكتساب كالتولد و نحوه، لكن قد يدفع بظهور جملة من عبارات الأصحاب كالسرائر و الغنية و النهاية التي بعضها معقد إجماع فيما هو أعم من الاكتساب عرفا، بل لعل فاضل الغلات و الزراعات من ذلك، بل ما نحن فيه حينئذ كالمال الخمس الذي قد يزداد بعد تخميسه زيادة متصلة أو منفصلة فإنه يجب الخمس حينئذ في الزائد كما صرح به في الروضة و المسالك سواء اخرج الخمس من العين أو القيمة، و سواء نما المخرج خمسا أيضا بقدر تلك الزيادة أولا، إذ هي زيادة في ملك المستحق، فلا تحتسب خمسا لغيره، بخلاف نماء مال المالك فإنه ربح جديد، فيجب خمسه كما صرح به في المسالك، بل قد يقال إن المتجه وجوب خمس تلك الزيادة و إن لم يكن قد اخرج الخمس مثلا انتظارا به لتمام الحول


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.

ج 16، ص: 55

كما لو ربح مثلا مقدار مائة فلم يخرج خمسة ثم اتجر بذلك الربح غير ضامن لمقدار الخمس منه، أو قلنا ليس له ضمانه، أو كان ممن ليس له ذلك فربح، فإنه يجب إخراج خمس الربح الأول، و يتبعه نماؤه من الربح الثاني لكونه نماء مال الغير ضرورة اشتراك ذوي الخمس معه و إن كان له تأخير الأداء الى تمام الحول، ثم يجب عليه إخراج خمس الربح الثاني، فلو ربح أولا مثلا ستمائة و كانت مئونته منها مائة و قد أخذها فاتجر بالباقي مثلا من غير فصل معتد به فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتين و ثمانين، مائة من الربح الأول، و يتبعها نماؤها من الربح الثاني، و هو مائة أيضا، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة، و خمسها ثمانون، فيكون المجموع مائتين و ثمانين كما ذكرنا، فتأمل جيدا.

و كيف كان فعبارات الأصحاب السابقة لا تخلو من نوع إجمال بالنسبة إلى تعلق الخمس في النماء الحاصل من المال المنتقل بارث و نحوه بناء على عدم الخمس فيه إذا فرض حصول ذلك النماء بما لا يدخل به تحت مسمى الكسب كالتولد و نحوه، بل لعل ظاهر كثير من عبارات الأصحاب خلافه، و ان كان الأحوط الإخراج، لظهور جملة منها كما عرفت في إرادة الأعم من ذلك إن لم يكن الأقوى لكن على كل حال ما عن الشيخ في مبسوطة من عدم الخمس في المن و العسل الذي يؤخذ من الجبال للأصل محجوج بجميع ما عرفت، بل هما حينئذ كغيرهما من الترنجبين و الصمغ و الشيرخشت و نحوها.

و من الاكتساب قطعا الاستئجار على الأعمال عبادات كانت أو غيرها، فما في

خبر ابن مهزيار(1)«كتبت اليه رجل دفع اليه مال ليحج به فعلى ذلك المال حين يصير اليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج فكتب ليس عليه الخمس»

مطرح أو محمول على إرادة نفيه بالنسبة للقسم الأول من السؤال،


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 56

ضرورة وجوب إخراج ما يحتاجه نفس العمل و إن لم يرد إيقاعه في تمام الإجارة، إذ هو حينئذ كرأس المال و مئونة السنة أولا ثم يجب الخمس في الباقي أو على غير ذلك، إذ لم نعرف أحدا من الأصحاب توقف في ذلك، بل و لا في النصوص عداه إشارة اليه، بل عمومها و إطلاقها قاض بخلافه.

بل قد يستفاد من معقد إجماع الغنية و بعض العبارات و خبر الأشعري (1)و موثق سماعة(2)و مكاتبة يزيد(3)و خبر السرائر(4)و الرضوي (5)و صحيح ابن مهزيار(6)بل و مفهوم خبر ابن عبد ربه (7)و إن كنا لم نجد عاملا بظاهره من التفصيل تعلقه بنحو الهبات و الهدايا و الجوائز بل و المواريث و غيرها، إلا ان ظاهر الأصحاب عدمه، نعم حكي عن أبي الصلاح تعلقه بالهبة و الهدية و الميراث و الصدقة، و أنكره عليه ابن إدريس، فقال: إنه لم يذكره

احد من أصحابنا غيره و لو كان صحيحا لنقل أمثاله متواترا، و الأصل براءة الذمة، لكن لا يخفى عليك قوته من جهة الأدلة، بل مال إليه في اللمعة، فالاحتياط لا ينبغي ان يترك بل قد يدعى دخول نحو الهبة في الاكتساب، كما لعله الظاهر من الروضة، لأن قبولها نوع منه، و من ثم يجب حيث يجب كالاكتساب للنفقة، و ينتفي حيث ينتفي كالاكتساب للحج، بل كثيرا ما يذكر الأصحاب ان قبول الهبة و نحوها اكتساب، و حيث نقول بتعلق الخمس بها ففي كشف الأستاذ «لا يجوز لمالكها الرد إذا تعلق و إن كانت هي في نفسها مما يصح فيه ذلك، لخروج بعضها عن الملك


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 10.
5- 5 المستدرك- الباب- 6- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.

ج 16، ص: 57

الذي هو أقوى من التصرف، نعم لو اعتبر في تعلق الخمس استقرار الملك اتجه حينئذ جواز الرد قبله، لعدم الخروج حينئذ، و كذا البحث في المنتقل بوجه الجواز كالذي فيه الخيار، فليس له الرد حينئذ بعد ظهور الربح، لتبعض الصفقة» انتهى. و فيه بحث لسبق تعلق حق جواز الرجوع عليه.

ثم لا فرق في الربح بين النماء و التولد و ارتفاع القيمة و لو للسوق كما صرح به في الروضة و غيرها، لصدق الربح و الفائدة، لكن في المنتهى و استجوده في الحدائق «لو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة، أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه و لم يبعه لم يجب عليه» و كذا في التحرير إلا انه لم يقيده بعدم البيع، و نظر فيه في المسالك فقال: «و لو زاد مالا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد. و في الزيادة لارتفاع السوق نظر» و قطع العلامة في التحرير بعدم الوجوب فيه، بل جزم بخلافه في الروضة، فقال: الرابع أرباح المكاسب من تجارة- إلى ان قال-: و لو بنماء و تولد و ارتفاع قيمة و غيرها، خلافا للتحرير حيث نفاه في الارتفاع، قلت: قد يريد بقرينة قيده في المنتهى الغرس الذي يراد الاكتساب بنمائه دون أصوله، فإنه لا خمس فيها حينئذ و ان ارتفعت قيمتها كما صرح به الأستاذ في كشفه، بل و بعدمه أيضا في زيادة أعيانه إذا لم يقصد الاكتساب بها، بل قال أيضا: إن ما لم يقصد الاسترباح به و لا بفوائده و انما الغرض الانتفاع بها فالظاهر انه كسابقه و فوائده كفوائده أي يتعلق الخمس بها دون أعيانه، و لعله لإطلاق خبر السرائر(1)المتقدم و غيره.

و كيف كان فخمس هذا القسم و إن شارك غيره في توقف تعلقه شرعا على إخراج سائر الغرامات التي حصل بسببها النماء و الربح لعدم صدق اسم الفائدة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 10.

ج 16، ص: 58

و الغنيمة بدونه و مكاتبة يزيد(1)و خبر الأكرار(2)المتقدمين سابقا و غيرهما لكنه يزيد باختصاص تعلقه بالفاضل عن مئونة السنة له و لعياله، كما صرح به أكثر الأصحاب، بل في المدارك نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه، كنسبته في المنتهى و التذكرة إلى

علمائنا، بل في السرائر دعواه صريحا عليه غير مرة، كظاهر إجماع غيرها، و هو بعد شهادة التتبع له و الأصل الحجة، مضافا إلى خبري ابن مهزيار(3)و الأشعري (4)المتقدمين سابقا و

صحيح ابن أبي نصر(5)«كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة»

و

خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (6)ان من توقيعات الرضا (عليه السلام) اليه «ان الخمس بعد المئونة»

، و هي و ان أطلق فيها لفظ المئونة لكن بمعونة ما عرفت و ظاهر خبر السرائر و ذيل خبر ابن مهزيار الطويل بل و الآخر يجب إرادة ما عرفت من المئونة فيها، بل قد يشعر قوله في

الخبر الأخير(7)«فأما الغنائم و الفوائد»

إلى آخره بتحديد ذلك بالسنة التي هي معقد الإجماع السابق، بل لعله المتعارف المعهود من إطلاق هذا اللفظ كما اعترف به غير واحد، كما انه يستفاد من خبر السرائر إرادة مئونة عياله مع مئونته، بل هو من مئونته المستفاد اعتبارها من خبر ابن مهزيار، بل هو صريح

خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (8)المروي عن ابن مهزيار في التهذيب أيضا، قال:

«كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك فيما أوجبه على صاحب الضياع نصف السدس من بعد المئونة و انه ليس على من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس و لا غير ذلك، و اختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا:


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
8- 8 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4.

ج 16، ص: 59

يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة و خراجها لا مئونة الرجل و عياله، فكتب (عليه السلام) بعد مئونته و مئونة عياله و بعد خراج السلطان»

فليست الأخبار حينئذ خالية عن الإشارة إلى المراد بالمئونة، بل و لا عن تحديدها بالسنة، نعم هي خالية عن تفصيل المئونة و بيانها كخلوها عن بيان العيال و أجبى النفقة أو الأعم منهم و مندوبيها، و هو في محله في كل منهما سيما الأول، لعدم إمكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه، خصوصا مع ملاحظة الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و غيرها.

فالأولى إيكاله إلى العرف كايكال المراد بالعيال إليه، إذ ما من أحد إلا و عنده عيال، و له مئونة، و لعله لا فرق فيه على الظاهر بين واجبي النفقة و غيرهم مع صدق اسم العيلولة عليه عرفا، كما صرح به في

المسالك و المدارك و الرياض و إن أطلق بعضهم، بل اقتصر في السرائر و عن غيره على الأول، لكن لا صراحة فيه بعدم اندراج غيره معه، كما انه لا فرق في تناول المئونة بين ما يحتاجه لنفس المأكل و المشرب و الملبس و المسكن و نحوها و بين ما يحتاجه لزياراته و صدقاته و جوائزه و هداياه و أضيافه و غيرها مما هو جار على نسق العرف و العادات بحيث لا يعد من السرف و السفه و المستنكر عادة مع ملاحظة حال الشخص بالنسبة إلى ما يناسبه من جميع ذلك، و بالجملة إيكال المئونة و العيال إلى العرف اولى من التعرض لبيانهما و تفصيلهما، و إن قال في المسالك و الروضة و تبعه عليه غيره: المراد بالمئونة هنا ما ينفقه على نفسه و عياله الواجبي النفقة و غيرهم، كالضيف و الهدية و الصلة لإخوانه و ما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا، و الحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة و مئونة التزويج و ما يشتريه لنفسه من دابة و أمة و ثوب و نحوها و يعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة، و زاد في الأخير و المدارك و الرياض ما يغرمه في أسفار الطاعات من حج مندوب أو زيارات، بل لم يستبعده في المسالك أيضا

ج 16، ص: 60

و قال في كشف الأستاذ: «ما يفضل عن مئونة السنة لنفسه و نفقة عياله الواجبي النفقة و مماليكه و خدامه و أضيافه و غيرهم و عطاياه و زياراته و حجاته فرضا أو ندبا و نذوره و صدقاته و مركوبه و مسكنه و كتبه و جميع حوائجه مما يناسب حاله» ثم قال بعد ذلك: «و يدخل في المئونة دار تناسبه و زوجة كذلك و ما يحتاج من ظروف و أسباب و غلمان و جوار و خيل و فراش و غطاء و لباس و مراكب و نحوها مما يليق بحاله» و في البيان «مئونة سنة له و لعياله، و منها قضاء ديونه و حجه و غزوة و ما ينوبه من ظلم أو مصادرة» إلى غير ذلك من العبارات التي لا استقصاء فيها لتمام ذلك، لعدم انحصار أنواع الاحتياج و أفراده الذي هو معنى المئونة.

بل قد يندرج فيه حلي نسائه و بناته و ثياب تجملهم مما يليق بحاله، بل و ما يحتاجه لتزويج أولاده و اختتانهم و مرضهم أو مرض أحد من عياله غيرهم، بل و ما تعارف في مثل هذا الزمان من المصارف عند موت احد منهم و غير ذلك مما لا يمكن عده و لا حصره، و من هنا ترك التعرض له في النصوص و أكثر الفتاوى نعم لو شك في شي ء بالنسبة لاحتسابه من المئونة احتمل عدم اعتباره، لا طلاق الأدلة في وجوب الخمس الواجب الاقتصار معها على المتيقن، مع احتمال الاعتبار و إن بعد للأصل، و تقييد الإطلاق بدليل المئونة المحتمل اندراج ذلك فيها، فهي كالمجمل حينئذ بالنسبة اليه و إن تيقن في بعض الأشياء انه منها، لا انه تمام المراد بها، كما انه قد يشك أيضا في اعتبار بعض ما تقدم من المئونة أو يستظهر عدمه، إما لأنه من مئونة السعة، ضرورة اختلاف مراتب المئونة بالنسبة للشخص الواحد، و المعتبر الوسط المعتاد الذي لا يعد بتركه مقترا و إن كان بفعله لا يعد سرفا، لأنه الذي ينصرف إليه الإطلاق كما في أمثاله أو لأنه من غير المعتاد، كما لو اتفق انه ظلم أو غصب منه شي ء أو أنكر عليه بعض من له في ذمته

ج 16، ص: 61

ممن لا يستطيع إثباته عليه أو سرق منه أو نحو ذلك، فان احتساب ذلك كله من المئونة و إن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع.

و من هنا صرح في المسالك و الروضة و الدروس و غيرها بعدم جبر تلف أو خسران غير مال التجارة بالربح و إن كان في عامه، بل قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى، خصوصا إذا فرض تعقب الربح للخسارة، ضرورة مراعاة مؤن الحول من حين حصوله، فلا يخرج منه الخسارة السابقة، بل و لا التجارة الواحدة في الوقتين، إذ هي في الحقيقة كالتجارتين، سيما أيضا لو كان الربح في الوقت الثاني، بل و لا هي في وقت واحد أيضا إذا فرض التلف بسرقة و نحوها لا بتغير السعر و نحوه مما يحصل به الخسران في التجارة، نعم قد يقوى الجبر لخسران بعض مال التجارة بربح الآخر في الحول الواحد كما لو فرض انه بيع بعض أعيان التجارة الواحدة بأنقص من رأس المال ثم تغير السعر فباعه بأضعافه، لعدم صدق الربح و الغنيمة عرفا بدون ملاحظة خروجه، لكن في الروضة و في جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه قطع به المصنف في الدروس إلا انه لعله يريد ما ذكرنا، و إلا كان محلا للنظر و التأمل، كما ان ما في كشف الأستاذ كذلك أيضا حيث قال فيه: «و لا يجبر خسران غير مال التجارة بالربح منها، و الأحوط ان لا يجبر خسران تجارة بربح اخرى، بل يقتصر على التجارة الواحدة» انتهى. فظهر حينئذ ان إطلاق بعض الأصحاب عد ما يأخذه الظالم قهرا أو مصانعة منها قد ينزل على ما هو المتعارف و المعتاد من الظلم كالخراج و نحوه لا الاتفاقي، بل قد يستفاد من

قوله (عليه السلام) في خبر ابن مهزيار(1)الطويل: «تخفيفا مني عن موالي و منا مني عليهم»

إلى آخره خروج جميع ما يغتاله السلطان في أموالهم عنها حتى يلائم التخفيف و الامتنان


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 62

و كذا الإشكال في احتساب أروش جناياته و قيم متلفاته العمدية منها بخلاف الخطائية، و إن كان قد يدفع بأنه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المئونة، بل هي مما يحتاجه الناس في كثير من الأوقات، بل هو من أعظم مؤنهم، لكن يعتبر في ذلك و في الديون و في النذور و الكفارات و نحوها. سبقها أو مقارنتها لحول الربح مع الحاجة، بل قد لا تعتبر الحاجة في الدين السابق مثلا لصيرورة وفائه بعد شغل الذمة به من الحاجة و إن لم يكن أصله كذلك دون المتجدد منها بعد مضي الحول، فإنه لا يزاحم الخمس في ربح ذلك العام الماضي، بل سائر المؤن السابقة كذلك أيضا، كما صرح به بعضهم، بل هو ظاهر الأصحاب

جميعهم على ما اعترف به في الكفاية حتى استطاعة الحج فإنها من المئونة بالنسبة إلى عام الاستطاعة، اما لو استطاع من فضلات أحوال متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، و كانت مئونة الحج في ذلك العام من جملة مئونة السنة إذا صادف سير الرفقة حول تلك الفضلة، و إلا فكالفضلة المتقدمة، كما لو كان حول فضلة سنة الوجوب رمضان فمضى شعبان المكمل لحولها قبل سير القافلة للحج و قد تكمل ما يكفي الحج، فإنه يجب الخمس في تلك الفضلة و إن كانت الاستطاعة للحج حصلت في تلك السنة.

نعم لو لم يسافر مع تيسر الرفقة عصيانا بقي الخمس على سقوطه، إذ هو كالتقتير حينئذ المصرح باحتساب ما قتر فيه له في البيان و المسالك و الروضة و المدارك و الكفاية، بل لا أعرف فيه خلافا، بل لعله ظاهر معقد إجماع الغنية و السرائر و المنتهى و التذكرة. لصدق كونه من المئونة التي لا يتعلق الخمس إلا بالزائد عليها و إن لم يصرفه فعلا فيها، مع انه نظر فيه في الأخير بالنسبة إلى ترك الحج عصيانا، و لعله لا يخلو من وجه أو قوة فيه و في سائر التقتيرات، لانصراف المئونة عرفا إلى ما يتلفه في حوائجه و مآربه إرفاقا من الشارع بالمالك، خصوصا

ج 16، ص: 63

بالنسبة إلى بعض الأشياء التي لا يعد تركها نقصا في حقه من شراء كتب و مراجعة أطباء و صنعة و لائم و نحوها و إن كانت هي لو فعلها من مؤنة، إذ لا تلازم بين كونها منها و عدم النقص في تركها، ضرورة أعمية المئونة من ذلك، و لعله لذا قال الأستاذ في كشفه: «لو اقتصر في قوت أو لباس أو آلات مساكن أو أوضاع و لم يفعل ما يناسبه لم يحسب التفاوت من المئونة على الأقوى» بل ظاهره ذلك حتى فيما يحتمل النقص بتركه، فلو فضل من مئونته حينئذ بسبب التقتير مما لم يتخذ للقنية كالحبوب وجب الخمس فيه، و أولى منه الفاضل لا للتقتير.

أما لو أسرف وجب عليه خمس الزائد قطعا كما صرح به جماعة، بل لا أعرف فيه خلافا، بل لعله لذلك أوله و لسابقه أشير بتقييد المئونة بالاقتصاد في معقد إجماع الغنية و السرائر و المنتهى و التذكرة، و منه يعلم وجه ما في الدروس مستجودا له في الكفاية من انه لو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة لم يسقط ما وجب من الخمس حينئذ.

و لو كان عنده مال آخر لا خمس فيه أو أخرج خمسه ففي إخراج المئونة منه خاصة أو من الربح كذلك أو بالنسبة بمعنى انه لو كانت المئونة مائة و الأرباح مائتين و المال الآخر ثلاثمائة مثلا بسطت المئونة عليهما أخماسا، فيسقط من الأرباح خمسها، و يخمس الباقي، و هو مائة و ستون؟ وجوه كما في الروضة و المسالك و غيرهما، أحوطها الأول، و أعدلها الأخير، و أقواها الثاني وفاقا للكفاية و الحدائق و ظاهر الروضة، للأصل، و ظاهر النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات خصوصا في مثل رأس المال المحصل للربح، فان كلامهم كالصريح في عدم احتساب شي ء منه في المئونة، و إن أطلق في الدروس، فقال: «و المئونة مأخوذة من تلاد المال في وجه و من طارفه في وجه، و منهما بالنسبة في وجه» لكن قد يريد غيره، فتأمل، و خلافا لمجمع البرهان فالأول للاحتياط الذي لا يجب مراعاته

ج 16، ص: 64

عندنا، و إطلاق أدلة الخمس المحكوم عليها بما دل على اعتبار المئونة مما عرفت الذي لا يقدح فيه عدم صحة السند على تقدير تسليمه بعد انجباره بما سمعت، و عدم انحصار الدليل فيه، كما انه لا شاهد لتنزيله على غير ذلك ممن لا مال له آخر غيره إلا دعوى تبادر المئونة في ذلك الممنوعة على مدعيها و لزوم عدم الخمس في نحو أرباح أموال السلاطين و الأكابر و زراعاتهم مما ينافي أصل حكمة وجوب الخمس الذي لا بأس بالتزامه.

نعم قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار و عبد و نحوه مما هو من المئونة إن لم يكن عنده من الأرباح، لظهور المئونة في الاحتياج و إرادة الإرفاق فمع فرض استغنائه عن ذلك و لو بسبب انتقال بارث و نحوه مما لا خمس فيه و قد بنى على الاكتفاء به يتجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المئونة، بل قد يتجه مثله في ربح مال من قام غيره بمئونته لوجوب شرعي كالزوجة أو تبرع قد رضي المتبرع له به، كما ان المتجه الاكتفاء بما بقي من مؤن السنة الماضية مما كان مبنيا على الدوام كالدار و العبد و نحوهما بالنسبة إلى السنة الجديدة، فليس له حينئذ احتساب ذلك و أمثاله من الربح الجديد، نعم لو تلفت أو انتقلت ببيع و نحوه اتجه احتسابه لكن مع إدخال ثمن المبيع منها في ما يريد ان يستجده، فان نقص أكمل، و إن اتفق انه ربح به دخل في الأرباح التي يجب إخراج خمسها، و كذا في كل ما اتخذه للقنية إذا أراد بيعه، فتأمل.

نعم قد يقال ان ظاهر تقييد المئونة في السنة(1)يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل و غيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك إلا المناكح و المساكن، فإنها إذا أخذت من ربح سنة لا يجب إخراج


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصواب« تقييد المئونة بالسنة».

ج 16، ص: 65

خمسها بعد السنة، بخلاف غيرهما فإنه يجب إخراج خمس الجميع بعد السنة، و لعله لهذا استثنيت المناكح و المساكن كما ستسمع الكلام فيهما دون غيرهما لا طلاق أدلة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقن، و هو مئونة السنة، و الله العالم.

[السادس مما يجب فيه الخمس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم]

السادس مما يجب فيه الخمس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس عند ابني حمزة و زهرة و أكثر المتأخرين من أصحابنا، بل في الروضة نسبته إلى الشيخ و المتأخرين أجمع، بل في المنتهى و التذكرة نسبته إلى

علمائنا، بل في الغنية الإجماع عليه، و هو بعد اعتضاده بما عرفت الحجة، و إن كان قيل إنه لم يذكر الخمس في ذلك جماعة من القدماء كابن أبي عقيل و ابن الجنيد و المفيد و سلار و التقي، إذ هو مع عدم منافاته لحجية الإجماع المنقول عندنا أعم من الحكم بالنفي، مضافا إلى المروي في

التهذيب عن أبي عبيدة الحذاء(1)بسند صحيح بل قيل أعلى درجات الصحة، قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس»

بل في الحدائق انه رواه المفيد في المقنعة عن الحذاء أيضا و المحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب، بل قال: إنه روى الشيخ المفيد في باب الزيادات من

المقنعة عن الصادق (عليه السلام)(2)مرسلا «الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس»

و بذلك كله ينقطع الأصل، و يقيد مفهوم حصر الخمس في الكنوز و المعادن و في الغنائم إن لم نقل إنها منها كما ادعاه في المنتهى، فما عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد من الميل إلى عدم الخمس فيها استضعافا للرواية ضعيف جدا، إذ هي مع اعتضادها بما سمعت في أعلى مراتب الصحة كما عرفت، فما في الروضة تبعا لما عن المختلف انها من الموثق ليس في محله، على انه حجة عندنا أيضا.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى قصر الحكم على الشراء خاصة، للأصل، لكن


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.

ج 16، ص: 66

في البيان و اللمعة و الروضة عمومه له و لغيره، بل ظاهرها مطلق الانتقال من مسلم و لو بغير عقد معاوضة تنقيحا للمناط، و فيه تأمل بل منع بالنسبة إلى غير عقود المعاوضة، و لذا اقتصر عليها الأستاذ في كشفه. و لعله لدعوى إرادة مطلق الانتقال بعوض من الشراء، و كذا ظاهر النص و الفتوى بل هو صريح جماعة عدم الفرق بين ارض المزرع و المسكن و غيرهما، خلافا لما عن المعتبر فخصها بالمزرع دون المسكن، و تبعه عليه في المنتهى بعد اعترافه بأن إطلاق الأصحاب يقتضي العموم، و استجوده في المدارك، و لعله لا يخلو من وجه، للأصل، و دعوى تبادر ذلك من الأرض و تعارف التعبير عن غيرها بالدار و المسكن، إلا ان فيهما معا تأملا خصوصا إن أرادا حتى الأرض المتخذة للمسكن.

فالأولى ثبوت الخمس سواء كانت مزرعا أو مسكنا بل و سواء كانت مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة حيث يصح بيعها، كما لو باعها إمام المسلمين في مصالحهم أو باعها أهل الخمس، إذ قد عرفت ثبوته في الأراضي من الغنائم أو غير ذلك، بل قد يقال به في المبيع منها تبعا لآثار التصرف فيها وفاقا للمحكي عن جمع من المتأخرين بناء على حصول الملك للمتصرف بذلك، و إن كان هو يزول بزوال تلك الآثار، لكنه لا يمنع تناول النص و الفتوى له فتأمل الأردبيلي في هذا التعميم من المصنف و غيره معللا له بعدم جواز بيع المفتوحة عنوة لعدم ملك احد بالخصوص لها و لزوم تكرار إخراج الخمس فيها حينئذ في غير محله، و إن تبعه تلميذه في المدارك في خصوص البيع لآثار التصرف، لما عرفت، و عدم وضوح بطلان اللازم، بل الظاهر صحته لاختلاف جهتي الخمس فيهما، فتأمل.

أو كانت ليس مما فيه الخمس كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا بل و سواء باعها الذمي من ذمي آخر أولا لتعلق الخمس فيها، نعم أرباب الخمس بالخيار بين الرجوع على البائع و الرجوع على المشتري، فيرجع

ج 16، ص: 67

على البائع بما قابل خمسها من الثمن إن لم يختر الفسخ، لتبعض الصفقة، بل و كذا لو باعها لمسلم و إن كان الأصلي، بل و كذا لا يسقط لو ردها إليه بالإقالة و إن احتمله في البيان و المسالك، بل قد يقال به أيضا فيما لو ردها بخيار كان له بشرط أو غيره، لا طلاق الأدلة، و إن كان لا يخلو من تأمل، لإمكان دعوى ظهور اللازم المستقر من الشراء، لكن عليه يكون هو المستقر في ذمته الخمس، بل قد يكون ليس له الرد بدون رضى الناقل بناء على تعلق الخمس بالعين و لم نكتف بضمانه للزوم تبعض الصفقة عليه حينئذ.

و كذا لا يسقط الخمس بإسلامه بعد صيرورة الأرض في ملكه، بخلاف ما لو أسلم قبله و إن كان بعد العقد قبل القبض الذي يتوقف عليه الملك، و لو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل الإقباض أخذ من الذمي الخمس في وجه قوي، و على كل حال فليس للذوي الخيار مع عدم لزوم الضرر في أخذ الخمس منه، بل و معه على الأقوى، لأنه حكم شرعي من غير قبل المالك، و لو اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو من مسلم آخر ثم اشتراها كان عليه خمس الأصل مع خمس الأربعة الأخماس و هكذا حتى تفنى قيمتها، و لو اشترى الخمس في جميع الدفعات أخذ منه خمسه، و لو كرر الشراء مرتين فخمسا الخمسين، و لو شراها و شرط نفي الخمس أو تحمله بطل الشرط بل و العقد على الأقوى.

و مصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس كما هو ظاهر النص و الفتوى بل كاد يكون صريحهما، بل هو كذلك و إن لم نقل بالحقيقة الشرعية، ضرورة كفاية المتشرعية الواجب حمل الفتاوى و مثل هذا النص عليها فيه، لكن في المدارك و عن المنتقى احتمال إرادة تضعيف العشر الذي هو الزكاة على الذمي من النص تبعا للمحكي عن مالك من القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية، و انه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب الخمس، بل في الأخير احتمال صدور

ج 16، ص: 68

هذا الخبر تقية منه، فان مدارها على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم، و معلوم ان رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر (عليه السلام)، فينقدح حينئذ ما في التمسك به لا ثبات هذا الحكم، و ليس بمظنة بلوغ الإجماع ليغني عن طلب الدليل، فان جمعا منهم لم يذكروه، كما عن آخر التوقف فيه، و هو منهما بعد ما سمعت مما تقدم عجيب، كالعجب في التوقف في متعلق الخمس هنا بعد ظهور النص و الفتوى في كون الأرض كغيره مما ثبت فيه الخمس.

نعم يتخير من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض و بين ارتفاعها من إجارة و حصة مزارعة و نحوهما كما صرح به غير واحد، لكن في الحدائق ان الأقرب التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء، و إلا تعين الأخذ من الارتفاع، و طريقه ان تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة، و توزع الأجرة على ما للمالك و على خمس الأرض، فيأخذ الإمام (عليه السلام) أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة، قلت: قد يقال إن له أخذ خمس الرقبة هنا أيضا و إن كان ليس له قلع الغرس و البناء اللذين في حصة الخمس، بل عليه إبقاؤه بالأجرة، كما ان له أخذ القيمة لو بذلت له، فتقوم الأرض حينئذ مشغولة بالغرس أو البناء بالأجرة، ثم يأخذ خمس تلك القيمة، و لذا أطلق في البيان فقال: «و يجوز الأخذ من الرقبة و من الارتفاع» و في المسالك «و يتخير الامام (عليه السلام) أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع» و في الروضة بعد ان اختار عموم الحكم لأرض المزرع و المسكن قال: «و طريق معرفة الخمس ان تقوم مشغولة بما فيها بأجرة للمالك- ثم قال-: و يتخير الحاكم بين أخذ خمس العين و الارتفاع» كما ان الأستاذ في كشفه بعد ان اختار ذلك قال: «و طريق الأخذ في هذا القسم ان يقوم مشغولا بما فيه بأجرة للمالك» و قال الشهيد الأول في المنسوب اليه من حواشي القواعد: «و يتخير الامام (عليه السلام) بين خمس أصلها و حاصلها» و في حاشية

ج 16، ص: 69

على الإرشاد مدونة أظن أنها لولد المحقق الثاني «و الظاهر ان المراد أرض الزراعة كما صرح به بعض أصحابنا، فيتخير بين إخراج الخمس من رقبتها أو ارتفاعها» إلى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة فيما ذكرنا عدا الأخيرتين منها، بل يمكن إرادة ذلك أيضا من أوليهما بل و ثانيتهما، فتأمل.

و مقصودهم بقولهم: «مشغولة» إلى آخره مراعاة ذلك في التقويم احترازا عن دخول النقص لمن له الخمس لو قوم بدون ملاحظة الأجرة، بل لولاه لأحاط بالقيمة كما اعترف به في المسالك، و عن دخوله لمن عليه لو لم يلاحظ استحقاق بقاء المشغولية، فتأمل جيدا.

و لا حول و لا نصاب هنا للإطلاق، بل و لا نية على الذمي قطعا، بل و لا على غيره حين الأخذ و الدفع لا طلاق الدليل، خلافا لما عن الدروس فأوجبها عند الأخذ و الدفع عن الآخذ و الدافع لا عن الذمي، و لعله ظاهر المسالك حيث قال:

«و يتوليان أي الحاكم و الامام (عليه السلام) النية عند الأخذ و الدفع وجوبا عنهما لا عنه، مع احتمال سقوط النية هنا، و به قطع في البيان، و الأول خيرة الدروس» انتهى، غير ظاهر الوجه بالنسبة للآخذ بعد فرض كون النية عن الآخذ لا الذمي، و الأمر سهل.

و يلحق بالذمي و المسلم في ذلك كله ما هو في حكم أحدهما من صبيانهم و مجانينهم و غيرهم كما في غيره من الأحكام، بل في كشف الأستاذ «و في دخول المنتحل للإسلام الخارج عنه في الحقيقة وجهان» لكن ستعرف فيما يأتي ان بعضهم استوجه اشتراط التكليف في وجوب الخمس، و الله أعلم.

[السابع مما يجب فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام]

السابع مما يجب فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام، و لا يتميز صاحبه أصلا حتى في عدد محصور و لا قدره أيضا أصلا و لو على الإشاعة مما اختلط معه وجب فيه الخمس وفاقا للنهاية و الغنية و الوسيلة و السرائر و النافع

ج 16، ص: 70

و القواعد و التذكرة و المنتهى و الإرشاد و التحرير و اللمعة و البيان و حواشي البخارية و التنقيح و الروضة و حاشية الإرشاد و الحدائق و الرياض و غيرها، بل في المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا، و المفاتيح إلى المشهور، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه، و هو بعد شهادة التتبع له في الجملة الحجة، مضافا إلى ما في البيان من دعوى اندراجه في الغنيمة» و إلى ما في

صحيح ابن مهزيار(1)السابق «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، و مثل مال يؤخذ لا يعرف له

صاحب، و ما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة»

إلى آخره، و إلى

خبر ابن زياد(2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إن رجلا أتى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال:

يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال له: اخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز و جل قد رضي من المال بالخمس، و اجتنب ما كان صاحبه يعلم»

و نحوه

خبر السكوني (3)الذي رواه المشايخ الثلاثة أيضا بل و عن المفيد روايته مرسلا أيضا، بل و عن البرقي روايته عن النوفلي عن الصادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) «انه أتاه رجل فقال: إني كسبت مالا أغمضت في طلبه حلالا و حراما، و قد أردت التوبة و لا أدري الحلال منه و الحرام و قد اختلط علي، فقال (عليه السلام): تصدق بخمس مالك، فان الله رضي من الأشياء بالخمس، و سائر المال لك حلال»

كمرسل الصدوق (4)في الفقيه «جاء رجل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال (عليه السلام):

ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه»


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث 3.

ج 16، ص: 71

و بسنده المروي عن الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (1)«سمعت أبا الحسن (عليه السلام) يقول فيما يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس».

بل ربما استدل عليه أيضا

بالموثق (2)عن الصادق (عليه السلام) «انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال: لا إلا ان لا يقدر على شي ء يأكل و لا يشرب و لا يقدر على حيلة. فإن فعل فصار في يده شي ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت (عليهم السلام)»

بل في مجمع البرهان إمكان الاستدلال عليه

بصحيح الحلبي (3)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم و يكون معهم فيصيب غنيمة فقال: يؤدي خمسا و يطيب له»

لكنهما كما ترى و إن كانا لا يخلوان من نوع تأييد، خصوصا بعد انجبارهما كقصور غيرهما سندا و دلالة بما عرفت.

فما في مجمع البرهان- من التأمل في ذلك، بل مال إلى خلافه تلميذه في المدارك و تبعه عليه الكاشاني بل و الخراساني في الظاهر بل ربما استظهر أيضا من ترك جماعة من القدماء

التعرض له، فأوجب عزل ما تيقن انتفاؤه عنه، و التفحص عن مالكه إلى ان يحصل اليأس من العلم به، فيتصدق به على الفقراء كغيره من مجهول المالك الذي قد ورد بالتصدق به نصوص (4)كثيرة مؤيدة بالإطلاقات


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 6 و فيه قال:« سمعت أبا عبد الله عليه السلام. إلخ».
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من كتاب اللقطة- الحديث 2 و 7 و 13 و الباب 7 منه.

ج 16، ص: 72

المعلومة و الاعتبارات العقلية- في غير محله، بل هو مع مخالفته الاحتياط في المصرف بل و المال في بعض الأحوال اجتهاد في مقابلة النصوص، خصوصا مع ظهور تلك الروايات في غير ما نحن فيه من الممتزج المجهول قدرا و صاحبا، و لقد أجاد في رده في الحدائق بأن طرح هذه النصوص المتكررة في الأصول المتفق عليها بين الأصحاب مما لا يجترئ عليه ذو مسكة، و كذا المناقشة منه و من غيره في مصرف هذا القسم من الخمس بأنه لا دلالة في هذه النصوص على مساواته لغيره من الخمس في ذلك، بل ظاهر الأمر بالتصدق في خبر السكوني و إعطائه إياه في مرسل الفقيه و ما ورد في حكم مجهول المالك خلافه، إذ يدفعها- بعد موافقة الاختصاص للاحتياط كما صرح به بعضهم، بناء على اختصاص الصدقة المحرمة عليهم بالزكاة المفروضة و نحوها- ظهور لفظ الخمس في النصوص و الفتاوى في ذلك بل لعله حقيقة شرعية فيه، بل ينبغي القطع بالمتشرعية التي تحمل عليها الفتاوى و بعض النصوص، خصوصا بعد ذكر الأصحاب له في هذا الباب، و من هنا

اعترف في البيان ان ظاهر الأصحاب ذلك، على ان خبر الخصال كالصريح فيه، بل و صحيح ابن مهزيار، بل و خبري السكوني و ابن زياد بمعونة التعليل السابق فيهما، بل الموثق السابق صريح فيه بناء على ظهوره فيما نحن فيه، و الأمر بالصدقة بعد وقوع التعبير بمثله عن الخمس مستدلا عليه بآية التطهير و التزكية لا دلالة فيه كإعطائه إياه إن سلم رجوع الضمير فيه إلى الخمس بعد ما سمعت ان للإمام (عليه السلام) التصرف فيه يفعل به ما يشاء، بل لعل قوله (عليه السلام) فيه: «ائتني» مشعر بالمختار، و أخبار مجهول المالك مع ظهورها في غير ما نحن فيه يجب الخروج عنها بما هنا.

نعم لو علم قدر المال و الصاحب سقط الخمس و وجب الدفع اليه كغيره من

ج 16، ص: 73

الشركاء من غير إشكال بل و لا خلاف، و إن كان ظاهر ترك الاستفصال في بعض الأخبار السابقة يقتضي خلافه، لكن الضرورة و خبر الخصال و صحيح ابن مهزيار كاف فيه، بل لعل الظاهر أيضا سقوطه لو علمه في عدد محصور، فيجب التخلص من الجميع بالصلح و نحوه كما صرح به في المدارك و الروضة و لو إجبارا بمعنى التوزيع عليهم حتى لو ظنه خصوص واحد منه، إذ هو لا يجدي و لا يغني كما في سائر الشبه المحصورة، بل و كذا لا عبرة به لو ظن ان زيدا مثلا صاحبه في غير المحصور، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد في إعطائه إياه وجهان، بل ظاهر بل عبارته فيها جريانه مجرى العلم في تعبد المكلف به هنا، و هو لا يخلو من نظر بل منع، و إن كان يوافقه الاحتياط في بعض الأحوال.

فالأقوى حينئذ انه كما لو لم يظن له صاحبا أصلا يتصدق به على من يشاء من الفقراء بعد اليأس كما صرح به في الحواشي المذكورة و البيان و الروضة و المدارك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو انقص، لإطلاق الأمر بالتصدق بمجهول المالك، و لأنه أقرب الطرق إيصالا إلى صاحبه، لكن في الحدائق- بعد ان حكى ذلك عن المدارك و مستنده و القول بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد عن غيرها- اعترض الأول بأن ظاهر تلك الأخبار المال المتميز في حد ذاته لا المشترك الموقوف صحة قسمته على رضا الشريكين الذي هو صلح عن استحقاق كل منهما في المقسوم بالآخر أو كالصلح، و الثاني بذلك أيضا بالنسبة إلى الصدقة بالزائد، ثم قال: «و بما ذكرنا يظهر ان الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة- أي أخبار الخمس- و انه لا دليل على إخراجها» و فيه- مع عدم ثبوت ما ذكره من القول الثاني لأحد من الأصحاب و إن حكاه في المدارك عن التذكرة و جماعة لكن الموجود فيها في الفرض وجوب الإخراج سواء قل عن الخمس أو كثر، نعم قال بعد ذلك: «و كذا لو عرفه بعينه، و لو عرف انه أكثر

ج 16، ص: 74

من الخمس وجب إخراج الخمس و ما يغلب على الظن في الزائد» و هو مع انه لا ظهور فيه بوجوب إخراجه خمسا، بل لعل ظاهر العطف خلافه، إلا ان يدعى إيجابه صرف الزيادة في مصرف الخمس أيضا كما فهمه منه في البيان على الظاهر، بل حكى في الكفاية عن بعضهم احتماله، و إن كان لا دليل عليه حينئذ، بل ينبغي الصدقة بها كما في الروضة، و غير(1)ما نحن فيه، إذ يمكن دعوى وجوب الخمس فيه دونه كما هو ظاهر الروضة بل صريحها، لصدق عدم معرفة المقدار و عدم التمييز فيه و إن علم مقدارا إجماليا انه أكثر من الخمس مثلا، فيندرج تحت إطلاق تلك الأدلة، بل لو علم انه أقل من الخمس أوجب في الروضة دفع ما يتيقن البراءة به خمسا في وجه، و إن كان قد استظهر قبل ذلك كونه صدقة- انه لا شمول في أكثر نصوص المقام لذلك، سيما المشتمل على التعليل برضا الله في التطهير بالخمس، إذ ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عينا و قدرا، على انه لو اكتفى بإخراج الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه، كما انه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذلك ما له الخالص له، و أما مانع الشركة فهو مشترك الإلزام على الصدقة و الخمس، فان استند إلى اقتضاء الأمر بإخراج خمسه قيام من في يده المال مقام المالك الأصلي في ذلك كنا اولى بتقرير ذلك أيضا في الصدقة به، مع إمكان التخلص

باستئذان حاكم الشرع الذي هو ولي الغائب و غيره.

نعم في المدارك «ان الاحتياط يقتضي دفع الجميع إلى الأصناف الثلاثة من الهاشميين، لان هذه الصدقة لا تحرم عليهم قطعا» قلت: هو كذلك، لكن قد يظهر من البيان خلافه حيث قال هنا: «تصدق به على مصارف الزكاة» أما لو علم الصاحب و جهل قدر المال إجمالا و تفصيلا وجب الصلح كما صرح


1- 1 الظاهر زيادة حرف الواو في قوله:« و غير ما نحن فيه» لأنه خبر لقوله« و هو».

ج 16، ص: 75

به جماعة، و كان مرادهم و لو إجبارا، لكن في الرياض «وجوب مصالحته بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت الذمة به بيقين» و هو جيد، و عنده حينئذ يتجه إجبار الحاكم له على الصلح، و في التذكرة «انه ان أبى دفع اليه خمس المال، لأن هذا القدر جعله الله مطهرا للمال» و هو لا يخلو من وجه، خصوصا مع ملاحظة التعليل السابق، و ان استشكله بعضهم بظهور النصوص السابقة سيما خبر الخصال في خلافه من مجهولية المالك، ثم قال: «فالاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة من يقين الشغل، و لا يبعد الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه، لأصالة براءة الذمة عن الشغل بغيره، قلت: لعل الصلح و لو إجبارا بما يرضى به ما لم يزد اولى منه هنا، للقطع بكون بعض الأعيان المختلطة له فلا يجوز التصرف في ذلك المال إذا لم يأذن، نعم ما ذكره متجه بالنسبة للديون، فتأمل.

و لو علمه إجمالا أي أكثر من الخمس أو الثلث مثلا دفع اليه ما تيقنه، بل و ما يحصل به يقين البراءة احتياطا ان لم يصالحه، و في المدارك في نحو الفرض يحتمل قويا الاكتفاء بإخراج ما يتيقن انتفاؤه عنه، و وجهه ما عرفت، و لا فرق في ذلك كله بين المختلط بكسبه أو من ميراث كما صرح به جماعة، و إن كان ظاهر جملة من النصوص الأول.

و لو تبين المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة ففي الضمان و عدمه وجهان بل قولان، من إطلاق

قوله (ص)(1): «على اليد ما أخذت حتى تؤدي»

و من انه تصرف باذن المالك الأصلي فلا يستعقب ضمانا، و لعل الأقوى الأول وفاقا للروضة و البيان و كشف الأستاذ، لمنع اقتضاء الاذن رفع الضمان، بل أقصاها رفع الإثم و بعد التسليم فاقتضاؤها إياه إن لم يكن هناك دليل عليه، لا انها بحيث تعارضه،


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 و كنز العمال ج 5 ص 257 الرقم 5197.

ج 16، ص: 76

فالجمع حينئذ بينهما بالضمان و عدم الإثم هو المتجه.

و لو كان خليط الحرام مما فيه الخمس أيضا لم يكف خمس واحد لهما كما صرح به بعضهم، لتعدد الأسباب المقتضي لتعدد المسببات، فيجب حينئذ بعد إخراج خمس التطهير خمس آخر، فما في الحواشي البخارية من الاكتفاء به ضعيف جدا، كدليله من الإطلاق الذي لم يسق لبيان

ذلك، و لو علم زيادة الحرام عن الخمس بعد إخراجه منه تصدق بها، لكن في البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع، فان لم يمكن أجزأ و تصدق بالزائد بل في الكشف احتمال الاكتفاء بالسابق، و هما كما ترى أولهما مبني على حرمة مثل هذه الصدقة على بني هاشم، كما ان ثانيهما مستلزم لحلية معلوم الحرمة.

و لو خلط الحرام بالحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام، و ليجتمع شرائط الخمس فيجتزئ بإخراجه عصى بالفعل، و أجزأه الإخراج، و يحتمل قويا تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاما له بأشق الأحوال و لظهور الأدلة في غيره و لو تملك شيئا بمقابلة ذلك المخلوط أمكن الرجوع في الخمس إلى الناقل و المنقول اليه، لكن يختص ذلك في المال المختلط دون ما أخذ في مقابلته إلا إذا جهل صاحبه، بل و إن جهل فإنه يجب إخراج خمسه حينئذ عن صاحبه صدقة لا خمسا، لمعلومية قدره الباقي على ملكه.

و لو تصرف في المختلط بحيث صار الحرام منه في ذمته لم يسقط الخمس، فان لم يعرف مجموع ذلك المختلط حتى يخرج خمسه وجب عليه دفع ما يحصل به يقين البراءة في وجه، و في آخر دفع ما ينتفي معه يقين الشغل، و في ثالث وجوب الصلح مع الامام (عليه السلام) أو من يقوم مقامه، لكونه من معلوم الصاحب أو كمعلومه، بل الامام (عليه السلام) ممن يستحقه معلوم قطعا، بل قد يقال إن عليه الصلح بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت ذمته به، كما عرفته.

ج 16، ص: 77

سابقا في نظيره، لكن قد يفرق بينهما بوجود الأعيان المختلطة هناك المحتاج تصرفه فيها إلى الصلح دونه هنا، فالوجه حينئذ الصلح مع إمكانه، و إلا فدفع ما يحصل به يقين البراءة، أو ما ينتفي معه يقين الشغل في وجه قوي.

أما لو تصرف بالحرام قبل اختلاطه ثم اشتبه عليه مقدار ما ثبت في ذمته كان له حكم مجهول المالك يتصدق بما يحصل به اليقين احتياطا، أو يرتفع به اليقين لكن في كشف الأستاذ انه يعالج بالصلح ثم الصدقة، و لا ريب ان الأحوط الأول و إن كان هو أحوط من الأخير.

و لو كان الاختلاط من أخماس أو زكوات فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي، و في الكشف ان الأقوى كونه كالسابق.

و لو كان الاختلاط مع الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي.

و لو حصل الاشتباه بين الثلاثة أو أحدها و بين غيرها أو بينها بعضها مع بعض فالأقوى فيه الرجوع إلى الحكم السابق، و هو إخراج الخمس إلا في اختلاط الأوقاف، فإن علاجها الصلح، ثم قال: «و لو كان ما فيه الواجب مشتركا فامتنع أحد الشركاء عن القسمة أدى غير الممتنع سهمه و حل التصرف بمقدار أربعة أخماس حصته، و لو أمكن جبره على القسمة أجبر» انتهى، و هو جيد، لكن المتجه فيما ذكره بل و في غيره من الفروع المتصورة هنا التي يصعب إرادتها من ظاهر النصوص مراعاة الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة، بل قد يقوى في النظر عدم اندراج نحو اختلاط الزكاة مثلا فيما نحن فيه من اختلاط الحلال و الحرام الذي يجب إخراج خمسه للذرية، بل ينبغي القطع به، فتأمل جيدا، و الله اعلم.

[فروع]
[الفرع الأول الخمس يجب في الكنز]

الأول الخمس يجب في الكنز لما عرفت من الأدلة السابقة، بل ظاهرها

ج 16، ص: 78

ذلك سواء كان الواجد له حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا كما في التحرير و القواعد و المنتهى و التذكرة و البيان و المسالك و غيرها، بل هو قضية إطلاق الباقين بل سواء كان مجنونا أو عاقلا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا كما صرح به أيضا في بعض هذه الكتب، للأدلة السابقة الظاهرة في انه من أحكام الوضع و الأسباب التي لا تفاوت فيها بين

المكلف و غيره، نعم يكلف و لي الطفل و المجنون و مولى العبد إن لم يكن مكاتبا، و إلا كان عليه إخراج الخمس بل و كذا المعادن و الغوص كما في القواعد لعين ما سمعت أيضا، لكن ما في المتن كالقواعد قد يشعر باعتبار التكليف و الحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة، و استشكله في المدارك بالنسبة للثاني بأن مال المملوك لمولاه، فيتعلق به خمسه، كما انه استوجهه بالنسبة للأول، و قضيته عدم الخمس في أرباح تجاراته أو ماله المختلط بالحرام، بل و أرضه المشتراة له لو كان ذميا و غنيمته، و في غير الأخير منه نظر و تأمل إن لم ينعقد إجماع عليه، خصوصا الثاني منه الذي إخراج الخمس فيه لتطهير المال، بل و الأول لمساواة بعض أدلتهما السابقة بعض أدلة الثلاثة السابقة في إفادة تعلق الخمس بالمال نفسه، و إن لم يكن صاحبه مكلفا كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم منها، و لا ينافيه الخطابات التكليفية في البعض الآخر، كما لم ينافه في الثلاثة المتقدمة، ضرورة ظهور موردية المكلف فيه لا شرطيته كي يحصل التنافي، فلاحظ و تأمل جيدا، بل قد يؤيده إطلاق الفتاوى و معاقد الإجماعات.

[الفرع الثاني لا يعتبر الحول في وجوب شي ء من الخمس مما تقدم عدا الأرباح]

الفرع الثاني لا يعتبر الحول في وجوب شي ء من الخمس مما تقدم عدا الأرباح بلا خلاف أجده فيه، بل في المدارك الإجماع عليه، بل فيها عن المنتهى انه قول العلماء كافة إلا من شذ من العامة، بل في الرياض نسبته إلى إجماعنا الظاهر المصرح به في كلام جماعة، بل في التذكرة نسبته في المعدن إلى عامة أهل العلم، و هو الحجة بعد إطلاق الأدلة السابقة كتابا و سنة المعتضد به و بإطلاق

ج 16، ص: 79

الفتاوى و معاقد الإجماعات، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه، بل و على وجوبه فورا زيادة على ذلك أيضا، لأنه حق للغير المطالب به حالا إن لم يكن قولا، مع انه يكفي في عدم جواز إبقائه عدم الاذن من مستحقه، إذ هو من قبيل الأمانة الشرعية عنده.

بل و كذا لا اعتبار للحول في الأرباح أيضا على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن السرائر من اعتباره، مع ان عبارتها ليست بتلك الصراحة، بل و لا ذلك الظهور كما اعترف به بعضهم، بل قد وقع لمثل العلامة في المنتهى- ممن علم ان مذهبه عدم اعتبار ذلك- بعض العبارات الظاهرة في بادئ النظر في عدم الوجوب إلا بعد الحول المراد منها بعد التروي التضيق كعبارة السرائر، خصوصا بعد دعواه الإجماع فيها ظاهرا على ذلك، ضرورة كون مظنته التضييق لا أصل الوجوب، على انه محجوج بإطلاق الأدلة حتى معاقد الإجماعات، بل فيما حضرني من نسخة المفاتيح الإجماع عليه أيضا و استثناء المئونة لا دلالة فيه على تأخر الوجوب بعد إرادة إخراج قدرها تخمينا منها، لصدق اسم المئونة به لا المصارف الفعلية كي يستلزم تأخر الوجوب عنها، لعدم تعقل تعقب وجوبه عليها قبل حصولها، و لعل ذا هو الذي ألجأ الحلي إلى الخلاف إن كان، إلا انه كما ترى.

فالأقوى حينئذ اتحاد جميع محال الخمس في عدم اعتبار الحول و لكن يؤخر جوازا خصوص ما يجب في أرباح التجارات كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافا، بل الظاهر الإجماع عليه، بل قد يشعر به صحيح ابن مهزيار(1)الطويل المتقدم سابقا احتياطا للمكتسب و إرفاقا به، لإمكان تجدد مؤن له لم يكن قد دخلت في تخمينه، بل في البيان «و للمستحق، لاحتمال


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 80

نقصان المئونة» لكن قد يشكل بأن تعجيل الإخراج عن الزائد المعلوم لا يسقط الوجوب فيما تجدد و علم زيادته، إذ التقديم مبني على التخمين و الظن فمتى فضل شي ء من المئونة وجب إخراج خمسه سواء كان بسبب نقص النفقة أو بغيره، فتعجيل الإخراج مما علم زيادته أغبط للمستحق على التقديرين، و لو عورض ذلك بمثله في المكتسب فان له الرجوع على المستحق لو ظهر له نقص ما قدره عن المئونة دفع بالمنع مع تلف العين و عدم علم المستحق، لأنه هو الذي سلطه عليه باختياره، بل و مع العلم أيضا و بقاء العين في وجه قوي، كما استوجهه في المسالك فضلا عن أحدهما، لاحتمال كون المعتبر عند إرادة

التعجيل تخمين المئونة و ظنها و إن لم تصادف الواقع، على انه بعد تسليمه و لو في الجملة لا يرفع الاحتياط للمكتسب، لما فيه من تكلف المطالبة، و احتمال عدم الحصول له معها أيضا، و غير ذلك، هذا. و قد يشعر تعليل المصنف و غيره التأخير بالاحتياط و تخصيص فائدته به بل ظاهر غيره حصرها فيه بعدم جواز التصرف و الاكتساب بالخمس، و هو كذلك لكونه مال الغير، نعم لو ضمنه و جعله في ذمته جاز له ذلك، لكن ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان ان له ضمانه مطلقا أو بشرط الملاءة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء أو غير ذلك، بل لا تعرض فيها لأصل الضمان، و جواز التأخير أعم من ذلك، بل هو أمانة في يده يجري عليه حكم الأمانات، فتأمل.

ثم المراد بالحول في معقد الإجماعات و غيرها هنا تمام الاثنى عشر كما صرح به بعضهم، لأصالة الحقيقة، فلا يكفي الطعن في الثاني عشر قياسا على الزكاة، و مبدئه كما في المسالك و الروضة ظهور الربح، بل فيهما انه لو حصل له ربح في أثناء الحول لوحظ له حول آخر بانفراده، نعم كانت مئونة بقية الحول الأول معتبرة منهما، و يختص هو بالباقي إلى زمان حصوله، كما انه اختص الأول بالمدة السابقة عليه،

ج 16، ص: 81

و هكذا، و نحوهما في ذلك كشف الأستاذ حيث قال: «و لكل ربح عام مستقل، و القدر المشترك بينهما يوزع عليهما، و عليه يتجه حينئذ سقوط الخمس عمن كان له ربح قام ببعض مئونة سنته نصفها مثلا ثم حل له ربح آخر عند انقضاء مئونة الأول قام بالنصف الآخر من سنته و زاد لكن لا يحملها إلى زمان أول حصوله و هكذا و إن كان قد حصل له تمام مئونة سنة من الربح و زاد، بل و عمن يحل له في كل يوم ربح ككثير من أرباب الصنائع و الحرف، لكن لا يقوم كل واحد منها بمئونته إلى أول حصوله و لو مع ملاحظة توزيع المشترك بينهما من المدة عليهما سواء أريد بإخراج مئونة المشترك منهما التوزيع على حسب النسبة أو غيره» و هو و إن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى لكن كأنه معلوم العدم من السيرة و العمل، بل و إطلاق الأخبار، بل

خبر عبد الله بن سنان (1)المتقدم سابقا المشتمل على قوله (عليه السلام): «حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق»

كالصريح بخلافه و إن كان هو مقيدا بأخبار المئونة، و لعله لذا قال في الدروس و الحدائق «و لا يعتبر الحول في كل تكسب، بل يبتدئ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه، فإذا تم خمس ما فضل» و هو جيد لا يرد عليه ما سمعت موافق للاحتياط، بل و للاقتصار على المتيقن خروجه عن إطلاق الأدلة بل قد يدعى القطع به في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوما فيوما أو ساعة بعد اخرى، تنزيلا لها باعتبار إحرازها قوة منزلة الربح الواحد الحاصل في أول السنة، و لذا

كان يعد صاحبها بها غنيا، بل لعل بعض الحرف مثلها فيما ذكرنا أيضا، فتأمل.

لكن قد يناقش بأنه لا دليل على احتساب المئونة السابقة على حصول الربح مع فرض تأخر حصوله عن أول زمان التكسب، إذ هو حينئذ كالزمان


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 82

السابق على التكسب، بل المنساق من النصوص و الفتاوى احتساب مئونة السنة من أول حصول الربح، إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس، و من هنا مال في المدارك و الكفاية لما في الدروس لكن جعل أول السنة ظهور الربح في أولهما، فقال بعد ان نظر في استفادة ما سمعته عن جده من الأخبار: و لو قيل باعتبار الخول من حين ظهور شي ء من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول و إخراج الخمس من الفاضل عن مئونة ذلك الحول كان حسنا و الله أعلم.

[الفرع الثالث إذا اختلف المالك للدار مثلا و المستأجر لها في الكنز]

الفرع الثالث إذا اختلف المالك للدار مثلا و المستأجر لها في الكنز فان اختلفا في ملكه بأن قال كل منهما انه لي فالقول قول المالك المؤجر مع يمينه لأصالة يده، و فرعية يد المستأجر عنها، و قيل قول المستأجر، لفعلية يده، و مخالفة دعوى المؤجر الظاهر المتعارف من عدم إجارة داره و فيها كنز، و قد تقدم البحث في ذلك و نظائره مفصلا و ان اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر المنكر للزيادة الموافق بإنكاره أصالة البراءة و غيرها كما ان القول قول المالك لو فرض إنكاره الزيادة، بأن ثبت مثلا انه للمستأجر فادعى على المالك مقدارا أنكره عليه فالقول قوله أيضا لعين ما عرفت، فالضابط انه يقدم قول من نسب إلى الخيانة بيمينه، و تخصيص المصنف المستأجر، بناء منه على تقديم قول المالك في السابق و تعارف إنكار الزيادة من المستأجر حينئذ إذ لا وجه لا دعاء غير المالك الزيادة و المالك النقصان، كما هو واضح.

[الفرع الرابع الخمس يجب بعد إخراج المئونة]

الفرع الرابع الخمس يجب بعد إخراج المئونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز و المعدن و الغوص و نحوها من آلات و حفر و سبك و غيره بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح، بل في المدارك نسبة ما في المتن إلى القطع به في كلام الأصحاب، كما انه في الخلاف الإجماع عليه، و لعله كذلك، بل يمكن تحصيله في الجميع و إن سمعت الخلاف فيه في الغنيمة، مضافا

ج 16، ص: 83

إلى إشعار

قوله (عليه السلام) في مكاتبة يزيد(1)السابقة: «و حرث بعد الغرام»

إلى آخره، و خبر علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (2)المتقدم آنفا المشتمل على السؤال عن الضيعة و ما حصل منها من الأكرار التي صرف منها ثلاثون كرا على عمارة الضيعة إلى آخره بذلك بعد إلغاء الخصوصية و عدم القول بالفصل، بل قد يقال بإمكان تحميل لفظ المئونة الوارد خروجها قبل الخمس في النصوص السابقة لذلك أيضا على ان يراد منها الأعم من مئونة العيال، على ان اسم الغنيمة و الفائدة و نحوهما الظاهر من الأدلة اعتبارهما في جميع أنواع الخمس لا يتحقق قبل خروجها، بل هو الموافق للعدل و المناسب للطف الذي يقرب العبد إلى الطاعة.

نعم هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع الخمس قبلها أو بعدها؟ وجهان في المدارك أقواهما في النظر الثاني، للأصل و ظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع الأدلة وفاقا للمنتهى و التذكرة و البيان و الدروس، بل ظاهر الأولين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي و أحمد، بل في المسالك نسبته إلى تصريح الأصحاب أيضا، بل قال: إنهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مئونة زكاة الغلات.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.

ج 16، ص: 84

[الفصل الثاني من فصلي كتاب الخمس في قسمته]
اشاره

الفصل الثاني من فصلي كتاب الخمس في قسمته و المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون

إجماعا بل هي كذلك في صريح الانتصار و ظاهر الغنية و كشف الرموز أو صريحهما انه

[في بيان مصرف الخمس و هو ستة أقسام]
اشاره

يقسم ستة أقسام، ثلاثة منها للنبي (صلى الله عليه و آله) و هي

[ثلاثة منها سهم الله و سهم رسوله و سهم ذي القربى]

سهم الله و سهم رسوله و سهم ذي القربى كما صرح به في القواعد و غيرها، بل كأنه مفروغ منه، و لعله لأن المراد بذي القربى الامام (عليه السلام) كما ستعرفه، و هو الإمام في حياته، فيأخذ الثلاثة حينئذ سهم له بالأصالة و سهم الله، لأن ما كان له فهو لوليه و سهم ذي القربى باعتبار أنه الإمام (عليه السلام) حال حياته، و لا إمام غيره، و حينئذ فإطلاق المصنف كون الثلاثة للنبي (صلى الله عليه و آله) على هذا الوجه و لو لأنه لم يعرف في ذلك خلاف و إن كان ظاهر الآية و غيرها من النصوص خلافه، و كذا لم يعرف خلاف أيضا في ان سهم الله عز و جل ملك للنبي (صلى الله عليه و آله) حقيقة يتصرف به كيف يشاء كغيره من أملاكه، بل هو قضية إجماع المرتضى كما في الحدائق دعواه عليه، و في

خبر معاذ صاحب الأكسية(1)عن الصادق (عليه السلام) «ان الله تعالى لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 537« باب صلة الإمام عليه السلام» 3.

ج 16، ص: 85

حاجة به الى ذلك، و ما كان لله من حق فهو لوليه»

و في

خبر البزنطي (1)عن الرضا (عليه السلام) «انه قيل له: فما كان لله- من الخمس- فلمن هو؟ فقال (عليه السلام):

لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما كان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فهو للإمام»

إلى آخره، و في

مرسل ابن بكير(2)عن أحدهما (عليهما السلام) في تفسير آية الغنيمة «خمس الله عز و جل للإمام (عليه السلام) و خمس الرسول (صلى الله عليه و آله) للإمام (عليه السلام)، و خمس ذي القربى لقرابة الرسول الامام و اليتامى يتامى آل الرسول و المساكين منهم و أبناء السبيل منهم، فلا يخرج منهم إلى غيرهم»

و في

مرسل أحمد المرفوع (3)«فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم:

سهم لله و سهم للرسول و سهم لذوي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لابن السبيل، فالذي لله فلرسول الله فرسول الله أحق به،

فهو له و الذي للرسول هو لذوي القربى و الحجة في زمانه، فالنصف له خاصة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد (عليهم السلام) الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس، هو يعطيهم على قدر كفايتهم، فان فضل منهم شي ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان»

الى غير ذلك من الأخبار الدالة على المطلوب صريحا و ضمنا المعتضدة بفتاوى الأصحاب و محكي الإجماع بل و محصله على الظاهر.

فما في

خبر زكريا بن مالك الجعفي (4)عن الصادق (عليه السلام) «انه سأله عن آية الغنيمة فقال: أما خمس الله فللرسول يضعه في سبيل الله، و أما خمس الرسول فلأقاربه، و خمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، و اليتامى يتامى أهل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 2.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب قسمة الخمس- الحديث 9 و ذيله في الباب 3 منها- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 86

بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم، و أما المساكين و أبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة و لا تحل لنا، فهي للمساكين و أبناء السبيل»

يجب تأويله أو طرحه، سيما مع ملاحظة اشتماله على غير ذلك مما هو مخالف للمعلوم من المذهب كما ستعرف.

و المراد بذي القربى في الكتاب و السنة هو الامام (عليه السلام) بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا، بل الظاهر الإجماع عليه، بل هو من معقد إجماع الانتصار و الغنية، كما انه في التذكرة نسبته إلى علمائنا، و في المنتهى عن الشيخ الإجماع عليه للمرسلين السابقين، و

مرسل ابن عيسى (1)عن العبد الصالح «الخمس على ستة أسهم: سهم لله و سهم لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و سهم لذي القربى و سهم لليتامى و سهم للمساكين و سهم لأبناء السبيل، و سهم الله و سهم رسوله لأولي الأمر من بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) وراثة، فله ثلاثة أسهم، سهمان وراثة، و سهم مقسوم له من الله، و له نصف الخمس كملا، و نصف الخمس الباقي بين أهل بيته»

إلى آخره، إلى غير ذلك من المعتبرة الصريحة فيه و الظاهرة و غير الممتنع إرادته منها حتى ما جاء فيها بلفظ الجمع بالحمل على إرادة مجموع الأئمة عليهم الصلاة و السلام مضافا إلى ما في المنتهى و المختلف و عن المعتبر من أن لفظ ذي القربى في الآية مفرد لا يتناول أكثر من واحد، فينصرف إلى الامام، لأن القول بأن المراد منه واحد هو غير الإمام منفي بالإجماع، لكن قد يناقش باحتمال إرادة الجنس منه كابن السبيل، و إن كان قد يفرق بينهما بأنه مجاز صير إليه في الثاني

للقرينة، إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه دون الأول، فإنه لا قرينة، بل قد عرفت مما تقدم وجودها بخلافه، بل لعل عطف اليتامى و المساكين و ابن السبيل مع أن المراد منهم أقرباؤه أيضا يعين إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 87

الامام من الأول، فتأمل، فما عن بعض علمائنا- و الظاهر انه ابن الجنيد كما حكاه عنه في المختلف من عدم هذا السهم للإمام بل هو لأقارب النبي (صلى الله عليه و آله) من بني هاشم كالمحكي عن الشافعي بزيادة المطلب مع هاشم- ضعيف جدا، و إن كان قد يشم من المدارك الميل اليه لظاهر بعض الأخبار(1)التي منها خبر زكريا السابق القاصرة عن مقاومة ما تقدم من وجوه، بل لا تأبى الحمل عليه، لكنه في غير محله قطعا، بل كاد يكون مخالفا للمقطوع به من المذهب.

و مما سمعت ظهر لك أن ما كان للنبي (صلى الله عليه و آله) من سهمه و سهم الله ينتقل بعده للإمام (عليه السلام) القائم مقامه فيكون حينئذ الآن نصف الخمس كملا لصاحب الأمر روحي له الفداء و نفسي لنفسه الوقاء، سهمان بالوراثة، و سهم بالأصالة كما هو مضمون الأدلة السابقة المعتضدة بإجماع الانتصار و غيره، بل هو محصل على الظاهر، فما عن الشافعي من انتقاله بعد موت النبي (صلى الله عليه و آله) الى المصالح كبناء القناطر و عمارة المساجد و أهل العلم و القضاة و

أشباه ذلك و أبي حنيفة من السقوط أصلا غلط عندنا قطعا، و أوضح منه غلطا ما عن الثاني خاصة من سقوط سهم ذي القربى بموت النبي (صلى الله عليه و آله) إذ هو اجتهاد منشأه هوى النفس و الشيطان في مقابلة الكتاب و السنة إن لم يكن الضرورة، و لا غرو في حرمان الورثة غير الامام السهمين المذكورين بعد أن كان الظاهر أن استحقاقهما سيما سهم الله عز و جل بمقام النبوة المساوي لمقام الإمامة، أو أعلا منه بمرقاة، بل قيل بعلو مقام الإمامة منه.

نعم ما كان قد قبضه النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) من الأسهم السابقة ينتقل إلى وارثه ضرورة صيرورته حينئذ كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث، و احتمال اختصاص الامام (عليه السلام) به


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس.

ج 16، ص: 88

أيضا لقبض النبي (صلى الله عليه و آله) له مثلا بمنصب النبوة أيضا باطل قطعا، إذ هو و إن كان كذلك لكنه صار ملكا من أملاكه بقبضه و إن كان سببه منصب النبوة، و فرق واضح بينه و بين انتقال الاستحقاق السابق للإمام بعد أن علم ملاحظة الوصف فيه الذي لا يشاركه فيه غير الامام، بخلاف المقبوض فإنه قد صار خصوصية الذات لها مدخلية، و ما في خبر زكريا السابق من أن خمس الرسول لأقاربه مطرح أو يراد به الأئمة بعد موت النبي (صلى الله عليه و آله) على إرادة الخمس المستحق لا المقبوض، أو ورثته على إرادة الثاني، و إلا فهو على ظاهره غير مطابق للمعلوم من المذهب و لذا قال في الحدائق: ان أريد حال الحياة فلا قائل به، و لا دليل عليه، بل الإجماع و الأخبار على خلافه، و ان أريد بعد موته فلا قائل به أيضا هنا مع دلالة الأخبار على خلافه، لدلالتها على كونه للإمام (عليه السلام) و ابن الجنيد و ان خالف في سهم ذوي القربى إلا انه لم يخالف في سهم الرسول، و الأمر سهل بعد وضوح الحال، و من ذلك كله علم مصرف الثلاثة من الأسهم الستة.

[و أما الثلاثة الأخرى فهي للأيتام و المساكين و أبناء السبيل]

و أما ال ثلاثة الأخرى فهي للأيتام و المساكين و أبناء السبيل كتابا و سنة مستفيضة جدا بل متواترة و إجماعا بقسميه عليه، بل و على أن المراد بهم أقارب النبي (صلى الله عليه و آله) لا مطلقا، و ان حكي عن ابن الجنيد ذلك مع استغناء ذي القربى، لكن خلافه غير قادح في محصل الإجماع فضلا عن محكيه، خصوصا بعد استفاضة الأخبار التي مرت و سيمر عليك بعضها في ذلك، و في أن ما زاد من الخمس عليهم للإمام، و أنه لا يحل الخمس لغير بني هاشم، جعله الله لهم عوض تحريم الزكاة، فمن تحل له الزكاة يحرم عليه الخمس و بالعكس، و بعد أن لم لعثر له على مستند، إذ إطلاق الآية و بعض الأخبار

ج 16، ص: 89

مقيد عندنا بالسنة و الإجماع بقسميه، و عنده و إن كان بغير دليل، كما ان خبر زكريا بن مالك المتقدم يجب حمله على إرادة ما ذكرنا أو غيره، و إلا فهو لا يتم أيضا عندنا و عنده كما هو واضح.

و قيل و لم نعرف قائله منا كما اعترف به في المسالك و غيرها، نعم هو محكي عن الشافعي و أبي حنيفة بل يقسم الخمس خمسة أقسام بحذف سهم الله تعالى و إن افتتح به في الآية تيمنا و تبركا، و إلا فالأشياء كلها له، فالمراد حينئذ ان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) خمسة، أو المراد ان من حق الخمس ان يكون متقربا به إلى الله تعالى لا غير، و ان قوله «وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى» من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها، كقوله تعالى (1)«وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ» إلى غير ذلك من اللغو الذي لا يستحق أن يسطر، نعم قد يظهر من المدارك الميل إلى هذا القول مستدلا عليه بأصح رواية وصلت اليه، و هي

صحيحة ربعي (2)عن الصادق (عليه السلام) «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس و يأخذ خمسه، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز و جل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى و اليتامى و المساكين و أبناء السبيل، يعطي كل واحد منهم جميعا، و كذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و هي- مع أنها حكاية فعل محتمل لرفع يده (صلى الله عليه و آله) عن حقه توفيرا


1- 1 سورة البقرة- الآية 92.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 3.

ج 16، ص: 90

لغيره، و مشتملة على حذف سهمه (صلى الله عليه و آله) لا سهم الله تعالى الذي هو مذهب ذلك القائل- قاصرة عن معارضة ما تقدم من محكي الإجماع بل و محصله على الظاهر و ظاهر الكتاب و المعتبرة المستفيضة جدا، بل ما اشتمل منها على ثبوت سهم الله متواتر على الظاهر.

و منه يعلم حينئذ أن الأول مع كونه أشهر أقوى و أصح بل لا شهرة و لا قوة و لا صحة في غيره، إذ هو و إن كان لمجهول النسب القادح في تحصيل الإجماع على بعض الطرق إلا انه حيث يكون له جهة صحة، لا إذا كان موافقا للعامة و مخالفا للكتاب و المستفيض من السنة أو المتواتر و محكي الإجماع المعتضد بتتبع فتاوى الأصحاب و غير ذلك، فلا ريب في إمكان تحصيل الإجماع حينئذ بخلافه حتى على الطريق المذكور كما هو واضح، فتأمل.

و يعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا شيئا من الخمس على الأظهر الأشهر، بل عليه عامة أصحابنا كما اعترف به في الرياض عدا المرتضى (رحمه الله) و ابن حمزة على ما حكي عنهما، مع ان فيما حضرني من نسخة وسيلة الثاني موافقة المشهور، و يؤيده نسبة غير واحد من الأصحاب ذلك للمرتضى خاصة، نعم وافقه عليه المحدث البحراني في حدائقه حاكيا فيها عن المسالك نقله أيضا في ميراث أولاد الأولاد عن الحلي و معين الدين المصري، و في بحث الوقف عن المفيد و القاضي أيضا، بل و عن رسالة لبعض أفاضل العجم صنفها في اختيار مذهب السيد، نقله عن القطب الراوندي و الفضل بن شاذان و ابن أبي عقيل و أبي الصلاح و الشيخ في الخلاف و ابني زهرة و الجنيد، بل و عن كتاب الميراث من كنز العرفان عن الراوندي أيضا و الشيخ احمد بن المتوج البحراني، ثم قال: و نقل عن المقدس الأردبيلي الميل اليه، و هو مختار المدقق مير محمد باقر الداماد و المولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول

ج 16، ص: 91

و السيد نعمة الله الجزائري و الشيخ عبد الله بن صالح البحراني، لكن قد عرفت انهم هنا لم ينسبوا الخلاف إلا للمرتضى (رحمه الله) و كأنه لأن مبناه في المقام ليس صدق اسم الولد حقيقة و عدمه، حتى انه يلزم مدعي الصدق في غيره موافقة المرتضى هنا كما استفاده هذا المحدث، و جعل مدار المسألة ذلك وجودا و عدما، حتى انه نسبه لبعض من عرفت من هذه الجهة، بل هو صريح المرسل الطويل (1)عن العبد الصالح المروي في كتب المحمدين الثلاثة الذي يكفي اتفاقهم على روايته جبرا لإرساله فضلا عن شهادة النظر في متنه و التأمل فيه و فيما اشتمل عليه من الأحكام المخالفة لمن جعل الله الرشد في خلافهم، و عن

عمل كافة الأصحاب عداه به و إن ذكر في بعض الكتب مستندا غيره الذين فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات، و عن اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله الله طريق السلامة خصوصا فيما اشتغلت الذمة به بيقين، و بإمكان دعوى انصراف اسم الولد إلى غيره و إن كان هو حقيقة فيه سيما المضاف منه، كإمكان دعوى منع دخوله بذلك و إن سلم كونه حقيقة أيضا تحت اسم القبيلة و العشيرة التي حرم الله عليها الصدقة معوضا لها عنها بالخمس، و لان دخل بذلك فدخوله من جهة الأب تحت اسم القريشي مثلا الذي أحل الله له الصدقة و جرم عليه الخمس أولى حينئذ من وجوه.

و دعوى ان الموجود في اخبار الخمس لفظ الآل و الذرية و العترة و ذوي القرابة و أهل بيت النبي (صلى الله عليه و آله) و نحو ذلك من الألفاظ التي لا كلام في دخول المفروض فيها، دون لفظ الابن و اسم القبيلة، خصوصا بعد تفسير الآل في رواية(2)بالذرية، و أخرى (3)بمن حرم نكاحه على محمد (صلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.
2- 2 معاني الأخبار ص 94« باب معنى الآل و الأهل و العترة و الأمة» الحديث 2.
3- 3 معاني الأخبار ص 94« باب معنى الآل و الأهل و العترة و الأمة» الحديث 1.

ج 16، ص: 92

عليه و آله) و نص الكتاب العزيز(1)على ان عيسى من ذرية إبراهيم، و ليس إلا من جهة الأم، يدفعها- بعد منع دخوله عرفا في أكثر هذه الألفاظ أو جميعها عدا الذرية- انه لا ينبغي التوقف في كون المفهوم من أخبار

المقام و أخبار تحريم الصدقة ان موضوع الخمس و حرمة الصدقة الهاشمي أو نحوه-

قال الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة(2): «لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهما»

- مما لا يدخل فيه المفروض عرفا بل و لا في بني هاشم و بني عبد المطلب و إن كان ابنا حقيقة، إذ المصاديق العرفية للتراكيب لا تدور مدار نحو ذلك، فتأمل إلى غير ذلك من العواضد و الجوابر و المبعدات لقول المرتضى إذ قضيته تحليل الخمس لسائر الفرق حتى الأموية، إذ قل ما يخلو أحد من كون احد جداته من امه أو أبيه و إن علت علوية، فيشارك حينئذ بني هاشم سائر الناس في خمسهم، و هو معلوم البطلان، بل قد يدعى السيرة القطعية بخلافه، مع انه لو كان كذلك لشاع و ذاع حتى خرق الأسماع، فكيف و الشائع خلافه، كما ان المروي عن أئمتنا كذلك، قال في

المرسل المزبور(3)بعد ان ذكر ان نصف الخمس للإمام بعد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و النصف الآخر بين أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «و هؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى الله عليه و آله) الذين ذكرهم الله تعالى، فقال(4):

«وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم و الأنثى، ليس

فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب احد، و لا فيهم و لا منهم في هذا


1- 1 سورة الأنعام- الآية 84 و 85.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.
4- 4 سورة الشعراء- الآية 214.

ج 16، ص: 93

الخمس من مواليهم، و قد تحل صدقات الناس لمواليهم، و هم و الناس سواء، و من كانت امه من بني هاشم و أبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له، و ليس له من الخمس شي ء، لأن الله تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ».

و إلا فقد توافق المرتضى (رحمه الله) و غيره في كونه ابنا حقيقة كما يظهر من جماعة من الأصحاب في غير المقام، بل قد يظهر من المحكي عن ابن إدريس في كتاب المواريث الإجماع عليه، كما عن المرتضى فيه أيضا نفي الخلاف فيه، بل و كذا المحكي عن خلاف الشيخ في باب الوقف و الميراث، بل ظاهره فيهما إجماع الأمة على ذلك، فلاحظ، لكثرة استعماله في الحسن و الحسين (عليهما السلام) بل و باقي الأئمة كثرة يبعد معها إرادة المجاز، خصوصا في المقام الذي أريد منه الافتخار و الاستظهار على الغير، كبعد احتمال الخصوصية في الأئمة (عليهم السلام) و إن كان قد يحتمل، لأنهم من طينة واحدة طابت و طهرت بعضها من بعض بل لم يعلم حقائقهم و كيفية خلقهم سوى خالقهم، إلا ان الظاهر مما ستسمع خلافه، و لمعلومية حرمة زوجة ابن البنت بقوله تعالى (1)«وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ» و حرمة بنت ابن

البنت بقوله (2)«وَ بَناتُكُمْ» و حرمة زوجة الجد بقوله (3)«ما نَكَحَ آباؤُكُمْ» و حلية إراءة الزينة لابن البنت و ابن بنت البعل، و حجب الأبوين عما زاد من السدس و الزوج إلى الربع و الزوجة إلى الثمن بقوله (4)«إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ» و ل

خبر أبي الجارود(5)قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن و الحسين (عليهما السلام)؟ قلت: ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: فبأي شي ء احتججتم عليهم؟ قلت: احتججنا عليهم


1- 1 سورة النساء- الآية 27.
2- 2 سورة النساء- الآية 27.
3- 3 سورة النساء- الآية 26.
4- 4 سورة النساء- الآية 12.
5- 5 البحار ج 10 ص 66 من طبعة الكمباني.

ج 16، ص: 94

بقول الله عز و جل (1)في عيسى بن مريم (عليهما السلام) وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ إلى قوله وَ عِيسى، قال: فأي شي ء قالوا لكم؟ قلت: قالوا: قد يكون ولد الابنة من الولد و لا يكون من الصلب، قال: فبأي شي ء احتججتم عليهم قلت: بقول الله تعالى (2)لرسوله «فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ» قال:

فأي شي ء قالوا لكم؟ قلت قالوا: قد يكون في كلام العرب أبناء رجل و يقول آخر:

أبناؤنا، قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله عز و جل (3)حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ إلى ان انتهى إلى قوله وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ، فسلهم يا أبا الجارود هل كان لرسول الله نكاح حليلتهما؟

فان قالوا نعم كذبوا و فجروا، و إن قالوا لا فهما ابناه لصلبه».

و صحيح ابن مسلم (4)عن أحدهما (عليهما السلام) «لو لم يحرم على الناس أزواج النبي (صلى الله عليه و آله) بقول الله عز و جل (5)وَ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَ لا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ حرم على الحسن و الحسين (عليهما السلام) بقول الله عز و جل (6)وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ، و لا يصلح للرجل ان ينكح امرأة جده».

و المروي (7)عن عيون الأخبار و احتجاج الطبرسي في حديث طويل يتضمن


1- 1 سورة الأنعام- الآية 84 و 85.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 54.
3- 3 سورة النساء- الآية 27.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 1 من كتاب النكاح.
5- 5 سورة الأحزاب- الآية 53.
6- 6 سورة النساء- الآية 26.
7- 7 عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 81 الى 85- الحديث 6 من الباب 7.

ج 16، ص: 95

ذكر ما جرى بينه و بين الرشيد لما أدخل عليه، و موضع الحاجة منه انه قال له الرشيد: «لم جوزتم للعامة و الخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و

يقولون: يا ابن رسول الله و أنتم من علي (عليه السلام) و إنما ينسب المرء إلى أبيه و فاطمة انما هي وعاء، و النبي (صلى الله عليه و آله) جدكم من قبل أمكم، فقلت:

يا أمير المؤمنين لو ان النبي (صلى الله عليه و آله) نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال: سبحان الله لم لا أجيبه بل افتخر على العرب و قريش بذلك، فقلت: لكنه لا يخطب إلى و لا أزوجه، فقال: و لم؟ فقلت:

لأنه و لدني و لم يلدك، فقال: أحسنت يا موسى، ثم قال: كيف قلتم إنا ذرية النبي (صلى الله عليه و آله) و النبي لم يعقب، و انما العقب للذكر لا الأنثى، و أنتم ولد لابنته و لا يكون لها عقب- ثم ساق الخبر إلى ان قال- فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم و من ذريته داود و سليمان و أيوب و يوسف- إلى ان قال- و عيسى، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال: ليس لعيسى أب فقلت: إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم و كذلك ألحقنا بذراري النبي (صلى الله عليه و آله) من قبل أمنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) و كذلك أزيدك يا أمير المؤمنين قال: هات قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فمن حاجك فيه- الآية- و لم يدع أحد أنه أدخله النبي (صلى الله عليه و آله) تحت الكساء إلا علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) فالأبناء هم الحسن و الحسين، و النساء هي فاطمة، و أنفسنا و أنفسكم إشارة إلى علي بن أبي طالب».

و المروي (1)عن كتاب الاختصاص للمفيد في حديث طويل عن الكاظم (عليه السلام) مع الرشيد أيضا، قال فيه: «و اني أريد أن أسألك عن مسألة فإن أجبتني اعلم انك قد صدقتني و خليت عنك و وصلتك و لم اصدق ما قيل فيك


1- 1 الاختصاص- ص 55 و 56.

ج 16، ص: 96

فقلت: ما كان علمه عندي أجبتك فيه، فقال: لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله و أنتم ولد علي، و فاطمة انما هي وعاء، و الولد ينسب إلى الأب لا الأم، فقلت: إن رأى أمير المؤمنين ان يعفيني عن هذه المسألة فعل، فقال:

لست افعل أو تجيب، فقلت: فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي ء فقال: لك الأمان، فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم و وهبنا له إسحاق- إلى ان قال- و عيسى، فمن أبو عيسى؟ فقال: ليس له أب إنما خلق من كلام الله عز و جل و روح القدس، فقلت: إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم، و ألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي (عليه السلام) فقال: أحسنت أحسنت يا موسى زدني من مثله، فقلت: اجتمعت الأمة برها و فاجرها ان حديث النجراني حين دعاه النبي (صلى الله عليه و آله) إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) فقال الله تبارك

و تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ: تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ، فكان تأويل أبناءنا الحسن و الحسين (عليهما السلام) و نساءنا فاطمة، و أنفسنا علي (عليه السلام) فقال: أحسنت».

و المروي (1)عن الكافي عن بعض أصحابنا، قال: «حضرت أبا الحسن الأول (عليه السلام) و هارون الخليفة و عيسى بن جعفر و جعفر بن يحيى بالمدينة، و قد جاءوا إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال هارون لأبي الحسن: تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم و قام ناحية، فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن: تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم و وقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن (عليه السلام):


1- 1 فروع الكافي ج 2 ص 55 الطبع الحديث.

ج 16، ص: 97

تقدم فأبى فتقدم جعفر و سلم و وقف مع هارون فتقدم أبو الحسن (عليه السلام) و قال: السلام عليك يا أبة أسأل الله الذي اصطفاك و اجتباك و هداك و هدى بك ان يصلي عليك فقال هارون لعيسى: سمعت ما قال؟ قال: نعم، فقال: أشهد أنه أبوه حقا».

و المروي (1)عن المشايخ الثلاثة بطرق عديدة و متون متقاربة عن عابد الأحمسي، قال «دخلت على أبي عبد الله و أنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت: السلام عليك يا ابن رسول الله

فقال: و عليك السلام إي و الله إنا لولده، و ما نحن بذوي قرابته».

و المروي عن كتاب مطالب السؤل (2)في مناقب آل الرسول لمحمد ابن طلحة الشامي الشافعي قال: «قد نقل ان الشعبي كان يميل إلى آل الرسول و كان لا يذكرهم إلا و هو يقول: هم أبناء رسول الله و ذريته، فنقل عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف و تكرر ذلك منه و كثر نقله عنه، فأغضبه ذلك من الشعبي و نقم عليه، فاستدعاه الحجاج يوما و قد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة و البصرة و علماؤهما و قراؤهما، فلما دخل الشعبي لم يهمش له و لا وفاه حقه من الرد عليه، فلما جلس قال له: يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك قال:

ما هو يا أمير؟ قال: أ لم تعلم ان أبناء الرجل هل ينسبون إلا اليه و الأنساب لا يكون إلا بالآباء، فما بالك تقول عن أبناء علي انهم أبناء رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ذريته، و هل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمة، و النسب لا تكون بالبنات و انما يكون بالأبناء، فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الإنكار عليه و قرع إنكاره مسامعه و الشعبي ساكت، فقال: يا أمير ما أراك إلا


1- 1 فروع الكافي ج 1 ص 487« باب النوادر»- الحديث 3.
2- 2 ص 4 المطبوعة عام 1287 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 16، ص: 98

متكلما بكلام من يجهل كلام الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله) أو يعرض عنهما فازداد الحجاج

غضبا منه، و قال: المثلي تقول هذا يا ويلك، قال: نعم، هؤلاء قراء المصرين حملة الكتاب العزيز أ ليس قد قال الله تعالى يا بَنِي آدَمَ*- يا بَنِي إِسْرائِيلَ* و عن إبراهيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ. عِيسى، و هل كان اتصال عيسى بالثلاثة إلا بأمه، و قد صح النقل عن رسول الله هذا ابني سيد، فخجل الحجاج و عاد يتلطف الشعبي».

بل هو من الآل أيضا، و المروي عن

تفسير العياشي عن أبي عمر و الزبيري (1)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد هم أهل بيته؟ قال: قول الله تبارك و تعالى (2)«إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ» و آل محمد، هكذا نزلت عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، و لا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم، و قال اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ».

و المروي (3)عن العيون و المجالس عن الرضا (عليه السلام) في مجلس له مع المأمون- إلى ان قال-: «و أما العاشرة فقول الله عز و جل (4)«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ» الآية، أخبروني هل كانت ابنة أحدكم يصلح ان يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا: نعم، قال: ففي هذا بيان اني من آله و لستم من آله، و لو كنتم من آله لحرم بناتكم عليه كما حرم عليه بناتي، لأني من آله و أنتم من أمته، فهذا فرق بين الآل و الأمة، لأن الآل منه و الأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه، و أما


1- 1 تفسير العياشي ج 1 ص 169 سورة آل عمران- الحديث 35.
2- 2 سورة آل عمران- الآية 30.
3- 3 عيون أخبار الرضا ع ج 1 ص 239 و 240 المطبوعة عام 1377.
4- 4 سورة النساء- الآية 27.

ج 16، ص: 99

الحادية عشر فقوله عز و جل (1)في سورة المؤمن:- و ساق الكلام إلى ان قال- و كذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله (صلى الله عليه و آله) بولادتنا منه». و قال أيضا في الخبر المذكور ردا على من ادعى ان الآل هم الأمة «أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا: نعم، قال: فتحرم على الأمة قالوا:

لا، قال: هذا فرق بين الآل و الأمة».

بل قد يستظهر من هذا الأخير ما نحن فيه، إذ المنتسب بالأم داخل في الآل لما ورد من تفسيره بالذرية في خبر(2)و بمن حرم نكاحه على رسول الله (صلى الله عليه و آله) في آخر(3)فتحرم عليه الصدقة بنص الخبر المذكور، و إذا حرم عليه ذلك حل له الخمس، لأنه لمن حرمت عليه، فيعارض المرسل (4)السابق المصرح بحلية الصدقة له، على أنه مع موافقته للعامة مشتمل على التعليل بالآية الكريمة الظاهرة في إرادة التقريب منه لا التحقيق، و إلا فهي بمعزل عما نحن فيه، حيث ان سبب نزولها ما كان معتادا في الجاهلية من تبني اليتيم و جعله كالولد الحقيقي في سائر الأحكام حتى انهم عابوا على النبي (صلى الله عليه و آله) لما تزوج بزينب زوجة زيد بن حارثة، لأنه كان تبناه صغيرا حتى كان يدعى

زيد بن محمد (صلى الله عليه و آله) فنزلت الآية ردا عليهم، لا انها لنفي بنوة ابن البنت الذي هو المطلوب، كما ان قول الشاعر:

بنونا بنو أبنائنا و بناتنابنوهن أبناء الرجال الأباعد

مع انه قول أعرابي جاهل لا يعارض الكتاب و السنة محتمل لإرادة المتعارف


1- 1 سورة المؤمن- الآية 29.
2- 2 معاني الأخبار ص 94« باب معنى الآل و الأهل و العترة و الأمة» الحديث 2.
3- 3 معاني الأخبار ص 94« باب معنى الآل و الأهل و العترة و الأمة» الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 100

المعتاد في جلب المنافع الدنيوية و دفع المضار بالأولاد و أولادهم دون أولاد البنات فكانوا كالأباعد بالنسبة إلى ذلك، بل لعل ظهور إرادة هذا الشاعر المجاز و المبالغة في النفي شاهد على العكس، إذ من البعيد إرادته بيان الوضع و اللغة، فتأمل، ك

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «أنت و مالك لأبيك»

إذ المراد منه نوع من المجاز قطعا لا ما نحن فيه.

و القول ان الولد مخلوق من ماء الأب، و الأم ظرف و وعاء كما في

خبر عبد الله ابن هلال (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل تزوج ولد الزنا فقال:

لا بأس، انما يكون مخافة العار، و انما الولد للصلب، و انما المرأة وعاء»

من غرائب الكلام بعد ما عرفت من الأخبار(3)المتضمنة لرد عين هذه الدعوى من المخالفين بل قوله تعالى (4)«يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَ التَّرائِبِ» أي صلب الرجل و ترائب المرأة، و قوله (5)«نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ» أي نخلطه من مائهما أقوى شاهد على رده أيضا، مضافا إلى الأخبار الدالة على ذلك.

و كذا القول انه يصح سلب اسم الولدية عنه عرفا، إذ فيه انه إن سلم فالمراد نفيه بلا واسطة كولد الولد، بل قد يناقش في العمل بالمرسل المذكور بعدم حجيته في نفسه، بل و عدم قابلية الشهرة لجبره أيضا بعد ظهور كون مستندها


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 1 من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 8 من كتاب النكاح.
3- 3 المتقدمة في ص 95 و 96.
4- 4 سورة الطارق- الآية 7.
5- 5 سورة الدهر- الآية 2.

ج 16، ص: 101

عندهم عدم صدق اسم الولد حقيقة لا هذا المرسل حتى يكون عملهم به طريق تبين و من هنا كان الاحتياط في ترك أخذه الخمس و الزكاة و إن كان الأقوى في النظر ما عرفت، لإمكان دفع جميع ذلك بأدنى تأمل و نظر، خصوصا بعد تحرير الطريقة و وضوحها، لكن المحدث المزبور قد بالغ في اختيار ذلك لاختلال طريقته مشددا للإنكار على الأصحاب بتسجيع شنيع و خطاب فظيع حتى انه تجاوز ما

يجب عليه من الآداب مع حفظة السنة و الكتاب، و نسأل الله تعالى ان يغفر له ذلك، كما انه أوضح الان له المسالك و المدارك، و الله اعلم.

و كيف كان ففي المدارك و عن الذخيرة المعروف من مذهب الأصحاب انه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز كما انه يجوز البسط عليهم متفاوتا، بل عن غيرهما نفي الخلاف فيه، بل قد يفهم من المنتهى الإجماع عليه، للأصل و إرادة الجنس من الجمع المعرف في الكتاب و السنة كابن السبيل، بل هو و آية الزكاة(1)قرينة عليه في الأولين، لعدم القول بالفصل، و كون الخمس زكاة في المعنى، و للموثق بل

الصحيح (2)في الكافي عن الرضا (عليه السلام) «سئل عن قول الله:

«وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ» الآية، فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: لرسول الله (صلى الله عليه و آله) و ما كان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فهو للإمام (عليه السلام) فقيل له: أ فرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر و صنف أقل ما يصنع به؟ قال: ذاك إلى الامام (عليه السلام) أ رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) كيف يصنع إنما كان يعطي على ما يرى و كذلك الامام»

و تعسر الاستيعاب بل تعذره في أغلب الأحوال و الأوقات


1- 1 سورة التوبة- الآية 60.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 102

خصوصا بعد انتشار الذرية الطاهرة في سائر الأماكن، على ان خمس الشخص نفسه غالبا لا قابلية فيه للاستيعاب، بل ينبغي القطع به حينئذ مع العسر أو التعذر لقلة الخمس أو تشتت المستحقين، و عدم التوقف فيه بوجه من الوجوه.

نعم قد يشكل عدم الإيجاب فيما لو فرض التمكن من الاستيعاب و في القدر الممكن منه بأنه الموافق للاحتياط في البراءة عما اشتغلت الذمة به بيقين، و بمنع إرادة الجنسية من الجمع المزبور، لكونه حقيقة في الاستغراق، و سقوط الوجوب في المتعذر و المتعسر لا يستلزم إرادة الجنسية منه التي هي معنى مجازي له كما ان إرادتها في الزكاة لدليل و قرينة لا تستلزم ذلك هنا، و بعدم ظهور الصحيح المزبور فيما نحن فيه من عدم وجوب الاستيعاب المذكور، بل أقصاه عدم وجوب تساوي القسمة في الأصناف الثلاثة بحيث يجب ان يكون لكل صنف ثلث تام و إن كان المستحق قليلا، على أنه أو كل الأمر فيه إلى الامام (عليه السلام) و هو عند التأمل خارج عن البحث، إذ الإمام (عليه السلام) يراد منه كفاية الجميع و لو من نصيبه فلا ضير إن فاوت أو منع، انما الكلام فيمن أراد إيصال الخمس بنفسه، خصوصا في مثل هذه الأوقات، و إلا فالإمام (عليه السلام) و لي الجميع، و الوصول اليه وصول إليهم جميعهم، و هو العالم بالمصالح و المفاسد و قدر حاجاتهم، لا يتهم بميل نفس أو شيطان أو أغراض دنيوية أو صداقات و محبات أو توصل إلى بعض الفوائد النفسانية بخلاف غيره، و بأنه المنساق من أخبار المقام، خصوصا

مرسلة حماد بن عيسى (1)عن العبد الصالح المتقدمة سابقا المشتملة على كيفية القسمة، قال فيها: «فسهم ليتاماهم و سهم لمساكينهم و سهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب و السنة- إلى ان قال-: ان فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد، و جعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 103

الناس و صدقات النبي (صلى الله عليه و آله) و ولي الأمر، فلم يبق فقير من فقراء الناس و لم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول إلا و قد استغنى»

، بل و غيرها من الأخبار أيضا، بل لعل بعضها أظهر منها، على انه هو الموافق لحكمة الخمس و الغرض الباعث لوجوبه، و إلا فلو خص به بعض الطائفة بقيت أطفال رسول الله (صلى الله عليه و آله) أو مساكينه أو أبناء سبيله حيارى.

و لعله من ذلك كله مال في الحدائق إلى القول بوجوب الاستيعاب، بل صرح بضعف المشهور، كما انه في السرائر قال: «و الظاهر يقتضي انه يفرق في جميع من تناوله الاسم في بلد الخمس كان أو في غيره من البلاد قريبا كان أو بعيدا إلا ان ذلك يشق، و الأولى

ان نقول يخص به من حضر البلد الذي فيه الخمس» لكن قال بعد ذلك: «و متى حضر الثلاثة الأصناف ينبغي ان لا يخص به قوم دون قوم بل الأفضل تفريقه في جميعهم» و ظاهره الاستحباب، كما انه لعله المفهوم من عبارة المبسوط المحكية و إن نسب اليه الخلاف أيضا، نعم قال في الدروس: «و في اعتبار تعميم الأصناف نظر، أما الأشخاص فيعم الحاضر» و لقد أجاد المعاصر في الرياض حيث قال: «إن الاحتياط في تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة، بل استيعابها أيضا إلا ان يشق ذلك فيقتصر على من حضر البلد، و يبسط عليهم مع الإمكان كما عن ظاهر السرائر و الدروس و إن ضعفه من تأخر عنهما معربين عن عدم خلاف في فساده كما مضى، فان تم إجماعا و إلا فما فيهما قوي جدا و إن كان خيرة المتأخرين لعله أقوى» انتهى. و هو و إن كان في كلامه السابق على ذلك ما عساه ينافي ما وقع له هنا، لكنه جيد جدا مناقشة و اختيارا، خصوصا مع ملاحظة السيرة في الأمصار و الأعصار، بل لعل القول بالاستيعاب ساقط في هذه الأزمان، لإفضائه إلى تعطيل جميع الذرية، و شدة الحاجة لقلة ما يحصل من الناس، بحيث لو روعي فيه

ج 16، ص: 104

الاستيعاب لم يحصل لأحد منهم فائدة يعتد بها، بل لا يحصل ما يملأ الجوف في غالب الأوقات، نعم لو أمكن جمع ما في أيدي الناس من الخمس اتجه القول به حينئذ، لإمكانه هذا، و ربما يأتي في البحث عن جواز التخصيص بطائفة ماله نفع في المقام إن شاء الله، و الله أعلم.

[هنا مسائل]
اشاره

و هنا مسائل:

[المسألة الأولى في مستحق الخمس]

الأولى في مستحق الخمس و هو من انتسب إلى هاشم جد النبي (صلى الله عليه و آله) بنسب صحيح أو كالصحيح لا الزنا و نحوه، و ذريته محصورة فيمن ولده عبد المطلب الذي قيل ان له عشرة أسماء غير اسمه المشهور الذي تعرفه العرب و ملوك العجم و ملوك الحبشة و ملوك القياصرة به منها: عامر، و شيبة الحمد، و سيد البطحاء، و ساقي الحجيج، و ساقي الغيث، و غيث الوادي في العام الجدب، و حافر بئر زمزم، و أبو السادة العشرة:

عبد الله و أبي طالب و العباس و حمزة و الزبير و أبي لهب و ضرار و الغيداق، و ربما سمي حجل، و مقوم و الحارث، و هو أسنهم، لكن ربما قيل إنهم أحد عشر بجعل حجل غير الغيداق، بل اثني عشر بإضافة قشم مع ذلك، إلا ان نسله منهم قد انحصر في الخمسة الأولى، بل الأربعة منهم، إذ عبد الله ليس له إلا النبي (صلى الله عليه و آله) المنحصر نسله في فاطمة، فدخل في نسل أبي طالب.

و انحصر الخمس حينئذ فيمن كان نسل عبد المطلب منهم و هم بنو أبي طالب و العباس و الحارث و أبي لهب الذكر و الأنثى بل لم يعرف منهم اليوم إلا المنتسب إلى الأولين، بل لم يبارك الله إلا في ذرية الأول منهما، و إن كان لا خلاف في استحقاق الجميع الخمس، بل الإجماع محصل و منقول عليه، كما انه المفهوم من المعتبرة المستفيضة إن لم تكن المتواترة، فما عساه يظهر من بعض الأخبار من تخصيصه بذرية رسول الله (صلى الله عليه و آله) أو آله و أهل بيته غير مراد

ج 16، ص: 105

قطعا إن لم نقل إن الجميع من آله و أهل بيته عرفا، نعم في الدروس «ينبغي توفير الطالبيين على غيرهم، و ولد فاطمة على الباقين» و لا بأس به خصوصا الثاني منه، بل و لا بما في كشف الأستاذ «ليس بالبعيد تقديم الرضوي ثم الموسوي ثم الحسيني و الحسني، و تقديم كل من كان علاقته بالأئمة (ع) أكثر» لكن قال فيه بعد ذلك: «إنه يصدق مدعي النسب إن لم يكن متهما كمدعي الفقر» و فيه بحث لعدم صدق الامتثال قبل إحراز مصداق الموضوع، و أصالة صحة دعوى المسلم فيما لا يعارضها فيها احد لا تكفي قطعا في فراغ ذمة الدافع، بل أقصاها عدم الحكم بفسق الآخذ لو اتفق، و القياس على الفقر مع انه مع الفارق لا نقول به.

و دعوى عموم بعض ما ذكر مستندا له هناك للمقام- إذ عمدته أصالة صحة قول المسلم و دعواه التي لا معارض لها المستفادة من جملة من المعتبرة، كخبر الكيس المطروح (1)الذي ادعاه واحد من عشرة، و صحيح (2)تصديق الامرأة في عدم الزوج لها، و في أنها جحشت إذا أراد زوجها مراجعتها، و غير ذلك- يدفعها منع كون

العمدة ذلك، بل لعله الأصل في غير المسبوق بالغنى، أو الاتفاق المحكي إن لم يكن محصلا، أو السيرة القطعية المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار، أو العسر و الحرج في تكليف البينة، أو ما يفهم من خصوص بعض الأخبار(3)المتجبرة، أو غير ذلك، و إلا فهي لا تتأتى في جملة من أبواب الفقه التي لا تخفى على الخبير الماهر، فتأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 23 و 25- من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح و الباب- 11- من أبواب أقسام الطلاق- الحديث 1 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل- الباب- 22- من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

ج 16، ص: 106

نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدعي بأن يوكله من عليه الحق في الدفع إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها، فإنه يكفي في براءة ذمته و إن علم انه هو قبضه، لأن المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف لكن الإنصاف انه لا يخلو من تأمل أيضا.

و كيف كان ف في استحقاق بني المطلب أخي هاشم خلاف و تردد ينشأ من أصالة عدم الاستحقاق، و توقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية، و

المرسل (1)عن العبد الصالح «و هؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي (صلى الله عليه و آله) الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ»(2)و هم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم و الأنثى، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش و لا من العرب أحد- إلى ان قال-: و من كانت أمه من بني هاشم و

أبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له، و ليس له من الخمس شي ء، لأن الله تعالى يقول ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ»

إلى آخره.

و يستفاد من ذيله كغيره من الأخبار بل هو معلوم غير محتاج إلى الدليل ان الخمس لمن حرمت عليه الصدقة، و لا ريب في ظهور ما ورد من النصوص في ذلك و لو بانضمام قرائن خارجية كما لا يخفى على من لاحظها في ان المحرم عليهم الصدقة بنو هاشم، خصوصا نحو

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن سنان (3): «لا تحل الصدقة لولد العباس و لا لنظرائهم من بني هاشم»

و في

خبر ابن خنيس (4)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.
2- 2 سورة الشعراء- الآية 214.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3 من كتاب الزكاة.
4- 4 الوافي ج 2 ص 28- الباب- 18- من أبواب زكاة المال- الحديث 4 و فيه« من ولد عبد المطلب».

ج 16، ص: 107

«لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس و لا لأحد من ولد علي (عليه السلام) و لا لنظرائهم من بني هاشم»

إذ هو و إن كان لا صراحة فيه في نفي الحرمة عن غيرهم لكن اقتصاره عليهم كغيره من الأخبار على كثرتها مع ان بعضها في مقام

المدح أو غيره المقتضي بيان من حرمت الصدقة عليهم كالصريح في الاختصاص، بل قد يدعى انه المنساق إلى الذهن من سير أخبار الخمس أيضا سيما ما اشتمل منها على النسبة و نحوها إليهم (عليهم السلام) أو إلى محمد (صلى الله عليه و آله) إلى غير ذلك مما ستسمع بعضه.

و من الاقتصار على المتيقن خروجه من عموم الكتاب و السنة، و هو من عدا بني هاشم و المطلب، و

قول الصادق (عليه السلام) في خبر زرارة(1): «لو كان عدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة»

لكن أظهره المنع وفاقا للمشهور بين الأصحاب، بل هو ظاهر معقد إجماع الانتصار و غيره، بل لعله كذلك، إذ لا نعرف فيه خلافا و لا حكي إلا عن الإسكافي الذي لا يقدح خلافه فيه عندنا، و غرية المفيد خصوصا بعد وضوح ضعف مستندهما مما عرفت، إذ التمسك بعموم الفقراء المعلوم إرادة الخاص منهم الذي لم يتيقن منه إلا بنو هاشم دخول للدار من غير الباب، و الخبر المذكور مع قصوره عن المقاومة باعراض المشهور و غيره و موافقته لظاهر

المروي (2)من طرق العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم عن النبي (صلى الله عليه و آله) انه قال: «أنا و بنو المطلب لم تفترق في جاهلية و لا إسلام، و شبك بين أصابعه و قال: بنو هاشم و بنو المطلب شي ء واحد»

محتمل لإرادة النسبة إلى عبد المطلب بحذف أول الجزءين كغيره من النسبة


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 من كتاب الزكاة.
2- 2 كنز العمال ج 7 ص 140- الرقم 1237.

ج 16، ص: 108

إلى المركب و إن كان ذلك مقتضيا لجعله من العطف التفسيري الذي لا تأسيس فيه و الله أعلم.

[المسألة الثانية هل يجوز ان يخص بالنصف من الخمس طائفة]

المسألة الثانية هل يجوز ان يخص ب النصف من الخمس الذي هو لغير الامام (عليه السلام) طائفة قيل بل هو المشهور نقلا و تحصيلا خصوصا بين المتأخرين، بل نسب إلى الفاضلين و من تأخر عنهما نعم للأصل و الصحيح (1)السابق، و اتفاق عدم قابلية الخمس للقسمة أثلاثا، و السيرة و الطريقة و ظاهر الكتاب بناء على إرادة بيان المصرف كما في الزكاة، إذ الخمس زكاة في المعنى، بل هو مقتضى وجوبه عوضا عنها و بدلا و قيل كما عن ظاهر المبسوط و أبي الصلاح لا و نظر فيه في الدروس و اختاره في الحدائق للشغل، و ظاهر اللام و العطف في الآية و ما ماثلها من السنة، بل لو أريد المصرف منها لجاز تخصيص أحد الأصناف الستة بجميع الخمس، و هو معلوم العدم، إذ يجب دفع نصف الامام له، و للتأسي بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) و صريح ما دل على قسمة الخمس ستة أقسام من مرسل ابن عيسى (2)المتقدم آنفا و غيره و لا يب في انه هو الأحوط و إن كان الأول أقوى، بل لعله لا خلاف معتد به فيه، لعدم ظهور عبارة من حكي عنه ذلك فضلا عن

صراحتها فيه، للاكتفاء في البراءة عن الشغل بالمستفاد من ظاهر الأدلة، و منع ظهور اللام و العطف بذلك بعد ما سمعت من احتمال المصرف في خصوص هذا النصف المؤيد بفهم المشهور و ظاهر الصحيح و غيرهما، و أعمية فعل النبي (صلى الله عليه و آله) من الوجوب حتى يثبت التأسي بناء على اعتبار معرفة الوجه فيه، فلا يعارض القول و غيره من الأدلة السابقة، و احتمال الندب فيما دل على التسديس كما أشار إليه الحلي في عبارته السابقة، أو إرادة قسمة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 109

تمام الخمس لا كل شي ء يحصل منه و إن قل، إذ ربما قيل إن الآية و نحوها و إن سلم دلالتها على الملك و الاشتراك لكن بالنسبة إلى خمس جملة الغنائم، و إن كان لا يخلو من نظر، و قد تقدم سابقا ما يفيدك ملاحظته هنا، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثالثة يجب إيصال جميع الخمس إلى الامام (عليه السلام) حال حضوره]

المسألة الثالثة يجب إيصال جميع الخمس إلى الامام (عليه السلام) حال حضوره كما هو المفهوم من النصوص (1)و الفتاوى، بل يشهد له الاعتبار أيضا، فيأخذ نصفه له يصرفه فيما يشاء كما عرفت، و يقسم أي الإمام (عليه السلام) النصف الآخر منه على الطوائف كلها الحاضر و الغائب قدر الكفاية مقتصدا من غير إسراف و لا تقتير فان فضل منه شي ء كان ملكا

له و إن أعوز و نقص أتم من نصيبه على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المسالك نسبته إلى أجلاء الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا من الحلي، و إن توقف فيه في المختلف، بل و المنتهى، فلم يوجب إتمام الناقص، و لم يجوز تناول الزائد، بل بالغ في إنكار الأول و أطنب حتى انه ربما أساء في بعض كلماته الأدب محتجا بما حاصله من ان الأصل براءة الذمة و حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا و شرعا، و انه لا يخرج عنهما إلا بدليل، و ليس، بل ظاهر اللام و التفصيل القاطع للشركة خلافه، و انه لم يعرف عيال للإمام (عليه السلام) يجب نفقتهم عليه غير عياله، و لا سمع استحقاق أحد لماله، نعم يصرف عليهم مع فرض الإعواز من بيت المال، لأن لهم حظا فيه كسائر الناس، و ليس هو مختصا بأرباب الزكاة، و هو جيد على أصوله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد المسندة صحيحا فضلا عن المرسلة، إذ لم نعثر على ما يوجب الخروج عما ذكر و إن كان بعضه محلا للنظر في نفسه إلا على

مرسلة حماد بن عيسى (2)المجمع على تصحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 1.

ج 16، ص: 110

ما يصح عنه المقتضي لعدم قدح من علم فسقه ممن تأخر عنه في وجه فضلا عن غير المعلوم عن العبد الصالح (عليه السلام) قال فيها: «فسهم ليتاماهم، و سهم لمساكينهم، و سهم لأبناء

سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف و السعة ما يستغنون به في سنتهم، فان فضل عنهم شي ء فهو للوالي، و إن عجز و نقص عن استغنائهم كان على الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به، و انما صار عليه ان يمونهم لأن له ما فضل عنهم»

و مرسلة أحمد المضمرة(1)قال فيها: «فالنصف له خاصة، و النصف لليتامى و المساكين و أبناء السبيل من آل محمد (صلى الله عليه و آله) الذين لا تحل لهم الصدقة و لا الزكاة، عوضهم الله تعالى مكان ذلك بالخمس، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم، فان فضل منهم شي ء فهو له، و إن نقص عنهم و لم يكفهم أتمه لهم من عنده، كما صار له الفضل لزمه النقصان»

لكن يتعين العمل بهما عندنا، لانجبارهما بفتوى الأصحاب، و احتمال إرادتهم بكون الفاضل له ولايته و حفظه و القيام به كما في السرائر مع ضعفه بل بطلانه يدفعه الفقرة الثانية لهم، بل قد يشهد لصحتهما زيادة على ذلك الاعتبار، و ملاحظة متنيهما، خصوصا الأولى منهما، بل في المعتبر ردا على الطعن فيهما «ينبغي اتباع ما نقله الأصحاب و أفتى به الفضلاء و لم يعلم من باقي العلماء رد له من كون الإمام يأخذ ما فضل، و يتم ما أعوز، و إذا سلم النقل عن المعارض و المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فانا نعلم مذهب أبي حنيفة و الشافعي و إن كان الناقل عنه واحدا، بل ربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل، و إن علمنا نقل المتأخرين له، و ليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب

المقالة، فلو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام و لا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا كان متجاهلا، و كذا مذهب أهل البيت (ع) ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 2.

ج 16، ص: 111

ما يعارضه، و لا رده الفضلاء منهم» انتهى.

و كيف كان فمدار البحث هنا على قبول هاتين المرسلتين و ردهما، فكثرة البحث حينئذ كما وقع من بعض متأخري المتأخرين تطويل من غير طائل، نعم يمكن الاحتجاج بالآية على بعض المطلوب بل جميعه في وجه، لكنه لا يخلو من سماجة بعد تفصيل النصوص ما يراد منها، و الأمر سهل، بل في الحدائق ما يظهر منه سقوط البحث في ذلك الآن، قال: «إن المفهوم من الأخبار إيصال جميع الخمس إلى الامام (عليه السلام) حال وجوده، و أما ان الواجب عليه فيه ماذا فنحن غير مكلفين في البحث عنه، بل ربما كان ذلك سوء أدب في حقه، إذ هو المرجع في سائر الأحكام و الأعرف بالحلال و الحرام» لكن فيه ان ثمرة البحث عنه دفع حصة الإمام (عليه السلام) في هذا الزمان إلى السادة للإتمام كما عن المحقق الثاني الاعتراف به مفرعا له عليه، و إن أشكله في الرياض بأنه قد توقف جماعة في المسألة، و مع ذلك ذهبوا إلى صرف حصته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتميم كالفاضل في التحرير و المختلف و صاحب الذخيرة، إلا انه يدفعه احتمال غفلتهم عن ذلك، أو هو وارد عليهم، نعم قد يشكل بأن وجوب التتميم على الامام (عليه السلام) حيث يقصر نصيبهم من تمام الخمس لا انه إذا كان بتقصير من العباد في الدفع كما في مثل هذا الزمان، إذ من الواضح فرض المسألة السابقة في قسمة الخمس جميعه لا الحاصل منه و لو بعضا كما أومأ إليه الشهيد في بيانه، حيث قال: «و مع حضور الامام (عليه السلام) يدفع اليه جميع الخمس، فيقسم على الأصناف بحسب احتياجهم فالفاضل له و العوز عليه للرواية عن الكاظم (عليه السلام)» إلى آخره، فيكون البحث السابق حينئذ علميا محضا، خصوصا بعد ما

ورد(1)«ان الله تعالى لم يبق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8 و الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الزكاة.

ج 16، ص: 112

فقيرا من السادة بالخمس، كما لم يبق فقيرا من غيرهم بالزكاة، و لو علم عدم كفايتهما لشرع غيرهما»

إذ هو حينئذ كالصريح في سقوط ثمرة ذلك البحث من هذه الحيثية، و إن كان قد يقال إنه يتفرع عليه كما عن المحقق الثاني الاعتراف به عدم جواز إعطاء الفقير من الذرية زائدا على مئونة السنة، لكن فيه ان ذلك و إن كان هو الأقوى في النظر وفاقا للدروس و المسالك و غيرهما، بل لا أجد فيه خلافا و إن جعل الجواز وجها في المسالك لا طلاق الأدلة و حصول الوصف حين القبض، إذ الفرض الدفعة لا التدريج، و ما تقدم في الزكاة، إلا انه قد يمنع تفريعه عليه، ضرورة

عدم التلازم بين عدم جواز إعطاء الزائد للمرسلين المنجبرين بفتوى المشهور و بين كون الفاضل للإمام (عليه السلام) بل هو متجه حتى على مذهب الحلي، إذ لعله يوجب حفظه لحوائجهم و نوائبهم المستقبلة أو صرفه في مصارف بيت المال أو غيرها، كما هو واضح، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر]

المسألة الرابعة ابن السبيل بمعنى المسافر فعلا سفر طاعة أو غير معصية على الأقوى لا العازم على السفر و إن لم يفعل لا يعتبر فيه الفقر في بلده بلا خلاف أجده فيه، بل في المنتهى الإجماع عليه، لا طلاق الأدلة كتابا و سنة، و مقابلته بالفقراء فيها بل يكفي في استحقاقه الخمس الحاجة في بلد التسليم و لو كان غنيا في بلده بل ربما استظهر من إطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا، فيعطى و إن كان غير محتاج، بل لعله كاد يكون صريح السرائر، لكن اعترف الشهيد في روضته بأن ظاهرهم عدم الخلاف في اشتراط ذلك فيه، و لعله لأنه المنساق إلى الذهن منه، و المتيقن في براءة الذمة و ظاهر المرسلين السابقين، بل في أولهما مواضع للدلالة على المطلوب، كما لا يخفى على من لاحظه بتمامه في الأصول، و غير ذلك، فالتمسك حينئذ بإطلاق الآية بل

ج 16، ص: 113

بمقابلته للفقير فيها لعدم الاشتراط ضعيف، على انه يكفي في المقابلة عدم اعتبار فقره في بلده، و تمام الكلام فيه و في موضوعه بل و بعض الأحكام الأخر المتعلقة به من شرطية عجزه عن الاستدانة و بيع ماله في بلده في استحقاقه و عدمها و غير ذلك في باب الزكاة، ضرورة اتحادها مع المقام في جميع ذلك و هل يراعى ذلك أي الفقر في اليتيم بمعنى الطفل الذي لا أب له قيل بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا نعم للشغل و بدلية الخمس عن الزكاة المعتبر فيها ذلك و كونه المنساق إلى الذهن من الأدلة و المرسلين السابقين، بل في أولهما مواضع للدلالة على المطلوب لا تخفى على الملاحظ له بتمامه، تركنا التعرض لها خوف الإطالة، بل قيل: و لأنه لو كان له أب لم يستحق شيئا قطعا، فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى، إذ هو أنفع له من الأب، و لتقسيم الامام الخمس بينهم على قدر كفايتهم و الفاضل له و العوز عليه، فمع فرض الكفاية انتفى الصيب، بل في المدارك الجزم بتعين ذلك بناء على القول بالصرف قدر الكفاية، لكن الأول كما ترى اعتبار محض، و الثاني إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من ظهور المرسلين في ذلك فيه نظر بين، كما في الروضة، إذ هو أعم من اعتبار الفقر، إذ قد يدعى استحقاقهم الكفاية من الخمس خاصة و ان كان عندهم مال يمكن اكتفاؤهم به، كما هو واضح، و منه يعرف ما في جزم المدارك بما عرفت.

و قيل كما في السرائر و عن المبسوط لا يعتبر، فيعطى اليتيم و إن كان غنيا، لا طلاق الأدلة، و المقابلة للفقير كتابا و سنة، و لأنه ليس من الصدقات بل هو من حق الرئاسة و الامارة، و لذا يأخذه الإمام (عليه السلام) و إن كان غنيا، بل جعله الله تعالى شأنه له حقا فيه و لذا توقف فيه في الدروس كظاهر المتن و غيره.

لكن الأول مع كونه أحوط بل لا بد من عمل المتوقف به

ج 16، ص: 114

تحصيلا للبراءة اليقينية أصح و أقوى، لوجوب الخروج عن الأول ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه، و عدم اقتضاء هذه المقابلة المباينة، إذ لعل النص على الذكر للتأكيد و الاهتمام كالصلاة الوسطى بالنسبة إلى مطلق الصلاة، و دفع احتمال ظهور الفقير في البالغ، أو لإرادة التخصيص بسهم مستقل غير سهم الفقراء البالغين رأفة بهم بناء على المحكي عن ظاهر بعض من إرادة الاشتراك لا المصرف بل و على المختار من إرادة المصرف، لكنه لا يخلو من رجحان قطعا و لو للخروج عن شبهة الخلاف، و عدم التلازم بين الأخير و استحقاق اليتيم له و إن كان غنيا إذ لعله و إن لم يكن من الصدقات خصه الله بالفقراء، و لذا منعه الأغنياء غير اليتامى

[المسألة الخامسة حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل و عدمه]

المسألة الخامسة حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل و عدمه مع وجود المستحق و عدمه و إلى الضمان و عدمه حكم الزكاة، لاتحاد الطريق و التنقيح، فمن منع نقل الزكاة إلى غير البلد- للإجماع المحكي و منافاة الفورية و التغرير و غير ذلك- قال هنا أيضا لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق و من قال بالجواز هناك- للأصل و المعتبرة(1)و منع الفورية المنافية، أو ان النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافيا، كالقسمة مع التمكن من إيصالها إلى شخص واحد، و اندفاع التغرير بالضمان المحكي عليه الإجماع عن المنتهى مضافا إلى ما ورد به من المعتبرة(2)- قال به هنا أيضا و منه يعلم حينئذ أنه لو حمل الخمس و الحال هذه أي ان المستحق موجود ضمن كالزكاة، بل و مما تقدم في باب الزكاة يعلم عدم الإشكال حينئذ في أنه يجوز حمل الخمس مع عدمه و لا إثم و لا ضمان لما عرفت من اتحادهما بالنسبة إلى ذلك، فراجع و تأمل


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.

ج 16، ص: 115

[المسألة السادسة شرائط مستحق الخمس]

المسألة السادسة صرح جماعة بأن الإيمان معتبر في المستحق بل لا أجد فيه خلافا محققا كما اعترف به بعضهم، بل في الغنية الإجماع عليه، للشغل المقتضي للاقتصار على المتيقن، و كون الخمس كرامة و مودة لا يستحقهما غير المؤمن المحادد لله، و لأنه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعا في المدارك و

غيرها، لكن في المتن كالنافع الحكم باعتباره على تردد لإطلاق الكتاب و السنة الذي لم يسق لبيان سائر الشرائط، مع ان من الواجب الخروج عنه بما عرفت، بل قد يدعى ان المنساق منه الى الذهن خصوصا إطلاق السنة المؤمن، و عن المحقق الثاني ان من العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أمية، فيشترط الايمان لا محالة.

و كيف كان فليس هو ك العدالة إذ هي لا تعتبر فيه على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك و الرياض بعد نسبته في أولهما إلى مذهب الأصحاب، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، و السيرة المستمرة خصوصا في غير معلوم الفسق، لكن قد يوهم ما في المتن الخلاف فيه، بل لعله من المرتضى لما حكي عنه من اعتبارها في الزكاة مستندا لما يشمل المقام من النهي كتابا و سنة عن معونة الفساق و العصاة، بل قد يقال بلزوم اعتبارها هنا لاعتبارها فيها مع قطع النظر عن ذلك، بل لبدلية الخمس عن الزكاة و عوضيته عنها بل قيل إنه زكاة في المعنى، و إن كان ذلك كله كما ترى لا يجوز الاعتماد على مثله في إثبات الأحكام الشرعية، نعم هو صالح للتأييد، و لقد أجاد في المدارك حيث قال: و القول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل، و لا ريب في ضعفه.

[يلحق بذلك و هو مقصدان]

اشاره

و إذ فرغ من البحث في كتاب الخمس شرع فيما يلحق بذلك و هو مقصدان:

[المقصد الأول في الأنفال]

الأول في الأنفال جمع نفل ساكنا و محركا بمعنى الغنيمة في المصباح بل و عن القاموس و إن عطف عليها الهبة فيه، نعم عن الأزهري النفل ما كان زيادة

ج 16، ص: 116

عن الأصل، سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم، و سميت صلاة التطوع نافلة لأنها زيادة عن الفرض، و قال الله تعالى (1)«وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ نافِلَةً» أي زيادة على ما سأله و كيف كان ف هي هنا ما يستحقه الامام (عليه السلام) من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبي (صلى الله عليه و آله) سميت بذلك لأنها هبة من الله تعالى له زيادة على ما جعله له من الشركة في الخمس، إكراما له و تفضيلا له بذلك على غيره و هي عند المصنف و من تابعه خمسة: الأرض التي تملك من غير قتال و لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب سواء انجلى عنها أهلها أو سلموها للمسلمين طوعا و هم فيها بلا خلاف أجده، بل الظاهر أنه إجماع، ل

قول الصادق (عليه السلام) في الموثق(2): «الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم، أو قوم صولحوا و أعطوا بأيديهم، و ما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفي ء، و الأنفال لله و للرسول، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب»

كقوله (عليه السلام) في صحيح حفص أو حسنه(3): «الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم، و كل أرض خربة و بطون الأودية فهو لرسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هو للإمام (عليه السلام) من بعده يضعه حيث شاء»

و قول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في مرسل حماد بن عيسى(4): «و له بعد الخمس الأنفال، و الأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها، و كل أرض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب و لكن صولحوا عليها و أعطوا بأيديهم على غير قتال، و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام، و كل أرض ميتة لا رب لها، و له صوافي الملوك مما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن


1- 1 سورة الأنبياء- الآية 72.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4.

ج 16، ص: 117

الغصب كله مردود، و هو وارث من لا وارث له»

الى آخره إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا، بل ظاهر بعضها كالصحيح المتقدم أن كل ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر المصنف و غيره من الأصحاب.

و الأرضون الموات عرفا، و لعلها التي لا ينتفع بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها، أو استيجامها، أو استيلاء الماء عليها، أو التراب أو الرمل، أو ظهور السبخ فيها، أو غير ذلك من موانع الانتفاع سواء ملكت ثم باد

أهلها، أو لم يجر عليها ملك لمسلم كالمفاوز لإطلاق المعتبرة(1)المستفيضة التي منها ما تقدم المعتضدة بظاهر اتفاق الأصحاب، نعم قد يظهر من المتن و غيره كمفهوم بعض الأخبار من المرسل السابق و غيره ان ما كان لها مالك معروف ليست من الأنفال، و به صرح في المدارك، و جعل الضابط اختصاصه بالموات الذي لا مالك له، لكن في

صحيح الكابلي (2)بعد أن ذكر ان الأرض كلها لهم (عليهم السلام) «فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها و ليؤد خراجها إلى الامام (عليه السلام) من أهل بيتي، و له ما أكل منها، فان تركها أو أخربها و أخذها رجل من المسلمين، من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها، يؤدي خراجها إلى الامام (عليه السلام) من أهل بيتي، و له ما أكل منها»

إلى آخره، بل نسبه في الحدائق إلى تصريح جملة من الأصحاب.

و منه يستفاد حينئذ ان من ملك موات الأرض المفتوحة عنوة بالاحياء المأذون فيه منه (صلوات الله عليه) يزول ملكه عنها برجوعها مواتا كما هو أحد القولين في المسألة، نعم لا دلالة فيه على زوال الملك إذا كان بغير الاحياء بل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من كتاب إحياء الموات- الحديث 2.

ج 16، ص: 118

بالإرث أو الشراء أو الفتح أو نحوها برجوعها مواتا، فالمتجه حينئذ بقاؤها على الملك إلا إذا باد أهلها، فترجع للإمام (عليه السلام) و تكون من الأنفال، لأنه وارث من لا وارث له، و لعله على هذا يحمل التقييد في المرسل السابق و غيره ببواد الأهل لا على ما يشمل المتقدم.

و من ذلك يعلم ان عمار المفتوحة عنوة لو مات بعد الفتح ليس من الأنفال في شي ء، لأن له مالكا معلوما، و هو المسلمون، و إطلاق بعض الأصحاب و

الأخبار(1)«ان الموات له (عليه السلام)»

منزل على غيره قطعا، نعم لا يعتبر فيما له (عليه السلام) من الموات بقاؤه على صفة الموت، للأصل و ظاهر صحيح الكابلي السابق، فلو اتفق حينئذ إحياؤه كان له (عليه السلام) أيضا من غير فرق بين المسلمين و الكفار إلا مع إذنه، و إطلاق الأصحاب و الأخبار ملكية عامر الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين يراد به ما أحياه الكفار من الموات بعد (قبل ظ) ان جعل الله الأنفال لنبيه (صلى الله عليه و آله)، و إلا فهو له أيضا و إن كان معمورا وقت الفتح، نعم المدار على الموات من حين نزول آية الأنفال لا قبلها و كان معمورا حينها، و احتمال اختصاص الأنفال بالموات الذي تتسلط عليه يد المسلمين و يدخل تحت سلطانهم- لأن المراد بها ما يختص به الامام (عليه السلام) من الغنائم زيادة على غيره، أو لغير ذلك- مناف لعموم الأدلة، كاحتمال انه و إن كان له

لكنه إن أحياه الكفار ثم فتحه المسلمون عنوة دخل في ملكهم، لإطلاق ما دل على ملكيتهم لعامر الأرض المفتوحة عنوة، إذ بدفعه قوة عموم أدلة المقام، ضرورة عدم سوق ذلك الإطلاق لبيان مثله، على انه من المعلوم إرادة العامر من المفتوحة عنوة غير المغصوب كسائر باقي أموال الغنائم، فكونه حينئذ للمسلمين موقوف على كونه إحياء صحيحا مفيدا ملكيته للكفار، فإذا فتحوا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 17.

ج 16، ص: 119

انتقل منهم للمسلمين، فلا يستدل به عليه حينئذ، نعم لو ثبت عموم إذن الامام (عليه السلام) في تمليك المحيي للموات و إن كان كافرا أمكن حينئذ القول بانتقاله للمسلمين كباقي العامر، على انه قد يناقش أيضا في جريان سائر أحكامه، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و ذكر المصنف من الأنفال سيف البحار بالكسر أي ساحلها كما عن الجوهري، لكن يحتمل عطفه في كلامه على المفاوز، فيكون مثالا للأرض الموات التي لم يجر عليها ملك، و على أول الخمسة، فيكون قسما آخر غيرها إلا انه قد يخدش الأول بأنه لا يشمل حينئذ شطوط الأنهار العظيمة من دجلة و الفرات و غيرهما قديمها و متجددها، لعدم كونها من الموات، بل لا يحتاج أغلب أنواع الانتفاع بها إلى كلفة عظيمة من حيث قربها إلى الماء، كما انه يخدش الثاني احتياجه إلى دليل حينئذ غير دليل الأولين يدل على كونها من الأنفال، و ليس، و قد يدفع الأول بأنها قبل بروزها و جفاف الماء عنها من الموات، ضرورة تعطيلها عن الانتفاع بغلبة الماء عليها، فهي ملك للإمام (عليه السلام) حينئذ و إن برزت بعد ذلك و كان يمكن الانتفاع بها، نعم ما كان بارزا منها سابقا على آية الأنفال ليس للإمام (عليه السلام) حينئذ بناء على ذلك، إلا ان يقال بمنع اختصاص الأنفال بالموات و المنتقل من يد الكفار بغير قتال، بل هو أعم منه و من كل أرض لا رب لها و إن لم تكن مواتا، ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر أبي بصير(1)المروي عن المقنعة «لنا الأنفال، قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام، و كل أرض لا رب لها و كل أرض باد أهلها فهو لنا»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(2)المروي عن تفسير علي بن إبراهيم بعد ان سأله عن الأنفال، فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 28.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20.

ج 16، ص: 120

أهلها، فهي لله و للرسول (صلى الله عليه و آله)، و ما كان للملوك فهو للإمام (عليه السلام)، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها».

بل قد يشمله عموم جملة من الأخبار ان من الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب و إن كان الظاهر منه سيما مع ملاحظة جملة أخرى منها ما كان في يد الكفار ثم استولى عليه

من دون ان يوجف عليه بخيل و لا ركاب لا مطلق ما لم يوجف عليه و إن لم يكن في يد أحد، إلا ان في الأول غنية عن ذلك، مضافا الى ما دل (1)على ان الأرض كلها لهم (ع) الذي لا ينافيه خروج بعض الأفراد منها و منه يعلم الجواب عن الخدش الثاني على تقدير العطف المزبور، لكن الإنصاف انه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في اختصاص الأنفال بالموات و ما كان عليه يد الكفار ثم استولى عليه من دون ان يوجف عليه بخيل و لا ركاب، اما غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه و منه ما نحن فيه فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال، بل ظاهره العدم، فيكون من المباحات الأصلية حينئذ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب.

و منها رؤوس الجبال و ما يكون بها مما هو منها و كذا بطون الأودية و الآجام بالكسر و الفتح مع المد جمع أجمة بالتحريك و هو الشجر الكثير الملتف كما عن القاموس، و نحوه ما في المصباح، لكن فيه ان الجمع أجم مثل قصبة و قصب، و الآجام جمع الجمع، إلا انه على كل حال ما في الرياض تبعا للروضة من ان الأجمة الأرض المملوة من القصب و نحوه ليس في محله إلا ان يريدا


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 407 الطبع الحديث.

ج 16، ص: 121

ما ذكرناه، و الأمر سهل، ل

قول العبد الصالح في مرسل حماد بن عيسى(1): «و له رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام»

، كقول أبي الحسن الأول (عليه السلام) في خبر الحسن بن راشد(2)

و الصادق (عليه السلام) في خبر داود بن فرقد(3)المروي عن تفسير العياشي قلت: «و ما الأنفال؟ قال:

بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام»

الخبر، و

الباقر (عليه السلام) في خبر محمد بن مسلم (4)المروي في المقنعة بعد أن سئل عن الأنفال أيضا، فقال: «كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك و بطون الأودية و رؤوس الجبال»

و في

خبر أبي بصير(5)المروي عن تفسير العياشي بعد ان قيل له أيضا و ما الأنفال؟ فقال:

«منها المعادن و الآجام»

بل في صحيح ابن مسلم و موثقه (6)و صحيح حفص (7)عد بطون الأودية منها، و هي كافية في إثبات المطلوب بعد تتميمها بعدم القول بالفصل إن قطعنا النظر عن الأخبار السابقة لضعفها، و إلا فمع النظر إليها لانجبار ذلك

الضعف بإطلاق الأكثر و صريح بعضهم كانت المسألة من الواضحات، بل إطلاقها حينئذ قاض بعدم الفرق في الثلاثة بين ما كان منها في أرض الإمام أو غيره خلافا للروضة في الآجام و عن الحلي في الثلاثة فخصاها بالأول، للأصل المنقطع بما سمعت، بل رده في البيان بعد ان حكى خلاف الحلي في الأولين من


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4.
2- 2 التهذيب ج 4 ص 128 الرقم 366 عن الحسن بن راشد قال: حدثنا حماد بن عيسى قال: حدثنا بعض أصحابنا ذكره عن أبى الحسن الأول ع. إلخ.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 32.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 22.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 28.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 10 و 12 من كتاب الخمس.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 1.

ج 16، ص: 122

الثلاثة بأنه يفضي إلى التداخل و عدم الفائدة في ذكر اختصاصه بذلك، لكن في المدارك بعد ذكره ما في البيان «انه جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه (عليه السلام) بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم، إلا انها ضعيفة السند، فيتجه المصير إلى ما ذكره الحلي قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق» و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما تقدم.

بل قد يقال بملكية الامام لرؤوس الجبال و إن فرض انها نفسها ليست من الموات و كذا بطون الأودية، للإطلاق السابق، بل و إن كانت من المفتوحة عنوة، تحكيما للإطلاق المزبور على ما دل على ملكية المسلمين لعامرها و لو بترجيحه عليه، بناء على تعارض العموم من وجه بينهما، بل قد يقال بندرة ترتب ثمرة على الخلاف المزبور بالنسبة للأولين، لأغلبية الخراب و الموات فيهما، فيدخلان حينئذ في القسم السابق على كل حال، و احتمال تبعيتهما في الملك للأرض التي يكونان فيها و إن كانا هما مواتا فتظهر الثمرة حينئذ فيه بعيد لا دليل عليه.

نعم لو اتفق صيرورة الأرض المملوكة جبلا أو بطن واد بعد أن كانت معمورة و مملوكة أمكن القول ببقاء ملكية الأرض استصحابا، مع انه قد عرفت فيما مضى ان الحق التفصيل بين ما كان ملكها بالاحياء و غيره، فيزول الأول بمجرد الموت دون الثاني، و ما نحن فيه من أفراد تلك المسألة عند التأمل، أما بالنسبة للآجام فالثمرة في كمال الوضوح و الغلبة بخلاف الأولين، بل قد يقال بعدم الخلاف فيهما من الحلي، لأن عبارة السرائر ليست بتلك الصراحة، قال فيها: «و رؤوس الجبال و بطون الأودية و الآجام التي ليست في أملاك المسلمين، بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض، و المعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه، و كذلك رؤوس الجبال، فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين و يد مسلم عليه فلا يستحقه (عليه السلام)، بل ذلك في أرض المفتتحة عنوة، و المعادن التي في بطون الأودية

ج 16، ص: 123

مما هي له» انتهى، نعم هي كالصريحة بالنسبة للآجام، و لعل منشأه تبعية نبات الأرض لها في الملك، لأنه نماؤها، بل هو في الحقيقة منها، إذ هي أصله، فالآجام التي في أرض المسلمين حينئذ لهم كالذي في عامر المفتوحة عنوة لو مات فاستوجم مثلا و التي في أرضه له و اليه أشار في المتن بقوله: و رؤوس الجبال و ما يكون بها. لكن قد عرفت ان إطلاق الأدلة يقتضي أعم من ذلك، فلا مانع حينئذ من كون الأرض ملكا لغير الامام (عليه السلام) و الآجام ملكا له، إلا أنه لا يخفى عليك أن مقتضى النبعية المزبورة كون جميع نبات أرض الإمام (عليه السلام) ملكا له و إن لم يكن من الآجام لا أنه من المباحات الأصلية كما أن جميع نبات أرض غير الإمام الذي ليس بآجام ملك لأربابها، إذ قد عرفت تضمن النصوص عد الآجام من الأنفال دون غيرها، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب مع احتياجها اليه، و السيرة المستمرة في جميع الأعصار و الأمصار على معاملة النباتات من آجام و غيرها في أرض المسلمين كالمفتوحة عنوة أو الإمام (عليه السلام) خاصة كمواتها معاملة المباحات الأصلية كالماء الجاري فيهما و نحوه تملك بالحيازة من غير فرق في المحيز بين الشيعة و غيرهم، و قد يأتي إن شاء الله في أول المقصد الثاني ما له نوع تعلق في المقام، خصوصا ما تسمعه فيه من كلام الشهيد في الحواشي، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و إذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع أراضي و صفايا فهي من الأنفال التي للنبي (صلى الله عليه و آله) ثم للإمام (عليه السلام) بعده بلا خلاف أجده فيه، للمعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح و غيره، منها

صحيحة داود بن فرقد(1)عن الصادق (عليه السلام) «قطائع الملوك كلها للإمام (عليه السلام)، و ليس للناس فيها شي ء»

و موثقة سماعة بن مهران (2)«سألته


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 8.

ج 16، ص: 124

عن الأنفال فقال: كل أرض خربة أو شي ء يكون للملوك فهو خالص للإمام (عليه السلام) ليس للناس فيه سهم»

و مرسلة حماد بن عيسى (1)عن العبد الصالح (عليه السلام)- إلى ان قال-: «و له صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب، لأن الغصب كله مردود»

و خبر الثمالي (2)عن الباقر (عليه السلام) المروي عن تفسير العياشي «ما كان للملوك فهو للإمام»

إلى غير ذلك، بل طاهر بعضها اندراج سائر ما للملوك فيها صفايا و قطائع كان أو غيرهما من الأموال المعتادة الاقتناء، كما هو قضية الضابط الذي في المدارك، بل و المنتهى و الحدائق من أن كل أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختص به ملكهم فهو للإمام، اللهم إلا ان يريدوا بالاختصاص خصوص المصطفى من الأموال لا غيره، و لعله المنساق من الأخبار السابقة المعاضدة للأصل.

نعم هي له إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد ممن كان محترم المال للأصل، و الاقتصار على المتيقن، و المرسل السابق.

و كذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس جواد أو ثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف فاخر ماض أو غير ذلك ما لم يجحف فيكون من الأنفال عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ربعي (3): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه و كان ذلك له- إلى ان قال-: و كذلك الامام (عليه السلام) يأخذ كما أخذ رسول الله (صلى الله عليه و آله)»

و في

خبر أبي بصير(4)بعد أن سأله عن صفو المال «الامام (عليه السلام) يأخذ الجارية الروقة و المركب الفاره و السيف القاطع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 31.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 15.

ج 16، ص: 125

و الدرع قبل أن يقسم الغنيمة، فهذا صفو المال»

و في

موثق أبي الصباح (1)«نحن قوم فرض الله طاعتنا، لنا الأنفال و لنا صفو المال»

و كأنه من عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه (عليه السلام) به ردا على العامة القائلين بسقوط ذلك بعد الامام (عليه السلام)(2)و

قول العبد الصالح في مرسل حماد(3)«و للإمام (عليه السلام) صفو المال ان يأخذ من هذه الأموال، صفوها الجارية الفارهة و الدابة الفارهة و الثوب و المتاع مما يحب و يشتهي، فذلك له قبل القسمة و قبل إخراج الخمس»

لكن في المدارك أن قيد الإجحاف مستغنى عنه، بل كان الأولى تركه و لعله لإطلاق الأدلة، بل قد يقضي بأن له ذلك و إن كان هو الغنيمة لا غير، إلا انك قد عرفت اشتراطه في معقد إجماع المنتهى المعتضد بالأصل، و الاقتصار على المتيقن و إطلاق ما دل على استحقاق الغانمين الغنيمة، بل و بإمكان دعوى انه المنساق من النصوص، بل قد يدعى ظهورها في نفي الأخير، كظهور أكثرها و المتن بل و غيره في ان هذا القسم من الأنفال موقوف ملكيته على أخذ الإمام (عليه السلام) و اصطفائه لا قبله كغيره من الأنفال التي حصل تمليك الله تعالى له إياه قهرا، و إن كان له تعلق باستحقاق الاصطفاء، فان لم يأخذ حينئذ و لم يصطف كان من الغنيمة، و يجري عليه حكمها لا حكم مال الامام (عليه السلام)، إلا أن موثق أبي الصباح بل و غيره ظاهر في انه كغيره من الأنفال الداخلة في ملكه (عليه السلام) قهرا، و يؤيده بعد انفراد هذا القسم عنها بذلك، خصوصا بعد قوله تعالى(4):


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأنفال- الحديث 2.
2- 2 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح« بعد النبي ص».
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الأنفال- الحديث 4.
4- 4 سورة الأنفال- الآية 1.

ج 16، ص: 126

«يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ» إذ الظاهر إرادة تمليك الأعيان و انها هي الأنفال، و عليه فهل المدار على وجود المصطفى في حد ذاته و نفسه أو بحسب نسبة الغنيمة؟ وجهان، أقواهما الأول، بل هو الظاهر من الأخبار، كما انه على الأول هل يختص جواز أخذه و اصطفائه بما لو كان في المال مصطفى أولا فله حينئذ أخذ ما يريد و يحب و يشتهي و إن لم يكن من الأشياء المصطفاة في حد ذاتها و نفسها كما عساه يشعر به ذيل خبر أبي بصير و عبارة المتن و غيرها؟

وجهان، لا يبعد في النظر الأول، لأنه المتيقن المنساق من النصوص السابقة، فيقتصر عليه في الخروج عن الأصل، و إطلاق استحقاق الغانمين الغنيمة، و الله اعلم و ما يغنمه المقاتلون في سرية أو جيش بغير إذنه (عليه السلام) فهو من الأنفال له (عليه السلام) على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل نسبه غير واحد إلى الشيخين و المرتضى و أتباعهم، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب، كما في الروضة نفي الخلاف عنه، و في بيع المسالك أن المعروف من المذهب مضمون المقطوعة(1)الآتية لا نعلم فيه مخالفا، بل عن الحلي الإجماع عليه، و هو الحجة و إن ناقشه فيه في المعتبر، فقال: «و بعض المتأخرين يستلف صحة دعواه مع إنكاره العمل بخبر الواحد، فيحتج

لقوله بدعوى إجماع الإمامية و ذلك مرتكب فاحش، إذ هو يقول: إن الإجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الامام (عليه السلام) في الجملة، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه، فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم» إذ هي كما ترى مآلها إلى إنكار حجية الإجماع المنقول المفروغ منها في محلها، فلا بأس حينئذ بجعله الحجة لنا هنا، خصوصا مع شهادة التتبع له و اعتضاده ب

قول الصادق (عليه السلام) في مرسل الوراق (2)المنجبر به و بالشهرة العظيمة «إذا غزا قوم بغير أمر الإمام (عليه السلام) فغنموا كانت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 16.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 16.

ج 16، ص: 127

الغنيمة كلها للإمام (عليه السلام)، فإذا غزوا بأمر الإمام (عليه السلام) فغنموا كان للإمام (عليه السلام) الخمس»

بل و بمفهوم

قوله (عليه السلام) أيضا في حسن معاوية بن وهب (1)بإبراهيم بن هاشم أو صحيحه المروي عن باب الجهاد من كتاب الوافي بعد أن سأله عن السرية يبعثها الامام (عليه السلام) فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال: «إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام (عليه السلام) اخرج منها الخمس لله تعالى و للرسول (صلى الله عليه و آله) و قسم بينهم ثلاثة أخماس، و إن لم يكونوا

قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام (عليه السلام) يجعله حيث أحب».

فما عساه يظهر من نافع المصنف- من التوقف في هذا الحكم، بل في المنتهى قوة قول الشافعي الذي هو المساواة للمأذون فيها، بل في المدارك أنه جيد لإطلاق الآية الواجب تقييده كإطلاق غيرها من الأخبار بما عرفت، مع انها من خطاب المشافهة، و خصوص

حسنة الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال: يؤدي خمسا و يطيب له»

الواجب حمله بسبب ما تقدم علي التحليل منه (عليه السلام) لذلك الشخص أو الاذن منه (عليه السلام) له في تلك الغزوة، إذ الغالب عدم صدور أصحابهم إلا بإذنهم، خصوصا في مثل ذهاب الأنفس، أو غير ذلك من التقية و نحوها- ضعيف جدا، و إن أمكن تأييده زيادة على ما سمعت ب

صحيحة علي بن مهزيار(3)الطويلة المتقدمة سابقا عن أبي جعفر (ع) المشتملة على عداد ما يجب فيه الخمس إلى ان قال فيها: «و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله»

لكن في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 128

الحدائق ان الظاهر منها إرادة المخالف لا الكافر المشرك، و بما عساه يظهر من بعض

أخبار التحليل (1)الآتية من إباحة نصيبهم لشيعتهم من الفي ء و الغنائم التي من المعلوم أن موردها زمان استيلاء الجور و ظهور كلمة أهل الباطل، إذ لا ريب في إشعار ذلك بعدم استحقاقهم (عليهم السلام) الجميع، بل هو كصريح

المروي (2)عن العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) منها «انه قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله): قد علمت يا رسول الله أنه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم و يبيعونه، و لا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه شيئا من شيعتي»

إلى آخره، فتأمل جيدا.

ثم إنه كان على المصنف ذكر ميراث من لا وارث له غير الامام (عليه السلام) هنا من الأنفال، إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما في المنتهى، ل

قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(3): «من مات و ليس له وارث من قبيل قرابته و لا مولى عتاقه و لا ضامن جريرته فماله من الأنفال»

و الصادق (عليه السلام) في خبر أبان بن تغلب (4)«من مات و لا مولى له و لا ورثة فهو

من أهل هذه الآية يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَ الرَّسُولِ»

و العبد الصالح في مرسل حماد بن عيسى (5)المتقدم آنفا «و هو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له»

إلى غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 20.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ولاء ضمان الجريرة- الحديث 1 من كتاب الإرث.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ولاء ضمان الجريرة- الحديث 8 من كتاب الإرث.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4.

ج 16، ص: 129

بل كان عليه التعرض لحكم المعادن هنا أيضا، إذ قد اختلف الأصحاب فيها فبين من أطلق كونها من الأنفال و انها للإمام (عليه السلام) كالمفيد و عن الكليني و الشيخ و الديلمي و القاضي و القمي في تفسيره، و اختاره في الكفاية كما عنه في الذخيرة، بل هو ظاهر الأستاذ في كشفه أيضا من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها، و بين الظاهرة و الباطنة،

للموثق المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (1)عن الصادق (عليه السلام) بعد أن سئل عن الأنفال فقال: «هي القرى التي قد خربت و انجلى أهلها، فهي لله و للرسول (صلى الله عليه و آله)، و ما كان للملوك فهو للإمام (عليه السلام)، و ما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، و كل أرض لا رب لها، و المعادن منها، و من مات و ليس له مولى فما له من الأنفال»

و خبر أبي بصير(2)المروي عن تفسير العياشي عن الباقر (عليه السلام) «لنا الأنفال، قلت: و ما الأنفال؟ قال: منها المعادن و الآجام و كل أرض لا رب لها»

، و خبر داود بن فرقد(3)المروي فيه أيضا عن الصادق (عليه السلام) في حديث «قلت: و ما الأنفال؟ قال: بطون الأودية و رؤوس الجبال و الآجام و المعادن و كل أرض لم يوجف عليها بخيل»

إلى آخره و بين من أطلق كون الناس فيها شرعا سواء كما في النافع و البيان، بل حكاه في الروضة عن جماعة للأصل و السيرة، و إشعار إطلاق أخبار(4)الخمس في المعادن، ضرورة أنه لا معنى لوجوبه على الغير، و هي ملك للإمام (عليه السلام).

و بين من فصل بين أرضه و غيرها كالحلي و الفاضل في المنتهى بل و التحرير


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 28.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 32.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس.

ج 16، ص: 130

و الشهيد في الروضة و غيرهم، فيختص بالأول تبعا للأرض، بل هي منها، فما دل على ملكها له دال على ذلك دون غيره، للأصل السالم عن معارض معتبر صالح لقطعه فيما تقدم من الأخبار عدا الموثق (1)منها، لعدم تحقق الشهرة الجابرة لغيره، بل في الدروس ان الأشهر مساواة الناس فيها، و أما هو فمع

إبدال «منها» فيه عن بعض النسخ بفيها فيخرج حينئذ عن الإطلاق الشاهد للأول غير واضح الدلالة، لاحتمال عود الضمير فيه إلى الأرض، سيما مع قربها اليه، بل في الرياض تأييده زيادة على ذلك باستلزامه لو رجع إلى الأنفال استئناف الواو التي الأصل فيها العطف، خصوصا و هو مغن عن قوله «منها» هنا و إن كان قد يخدش بأنها للعطف أيضا، لكنه عطف الجمل دون المفردات، بل لعله منه أيضا بجعل منها خبرا عن المعادن و ما قبلها من الأرض الخربة و التي لا رب لها، بل لعله الظاهر من متن الخبر بقرينة ما قبله و ما بعده.

نعم. قد يؤيد بخلو الأخبار المروية في الأصول المعتمدة على كثرتها المتعرض فيها للمعادن عن ذلك، بل و بما مرت إليه الإشارة آنفا من إشعار المعتبرة المستفيضة الدالة على وجوب الخمس على من اخرج المعدن بعدمه أيضا، إذ لا معنى لوجوبه فيما له (عليه السلام) على الغير، و إن كان قد أجاب بعضهم عن ذلك و يفهم من آخر بأنه يجوز ان يكون الحكم في المعادن ان من أخرجه بإذنه (عليه السلام) يكون خمسه له و الباقي لمخرجه، فتحمل حينئذ أخبار الخمس في المعادن على ما إذا كانت باذنه (عليه السلام) و لو في حال الغيبة باعتبار تحليله (عليه السلام) ذلك، لكن فيه أولا انه يقتضي اختصاص هذا الخمس به، لكونه عوضا عن التصرف في ماله، لا انه كغيره من الخمس يوزع على الأصناف كما هو ظاهر النصوص و الفتاوى، و إن كان يحتمل ان يقال إنه حكم شرعي مترتب على إخراج المعدن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 20.

ج 16، ص: 131

المأذون فيه، و ثانيا انه يقتضي ملكية الإمام (عليه السلام) له جميعه لو أخرج في حال وجوده و عدم إذنه مع ظهور بعض (1)تلك الأخبار أو صراحتها في خلافه، و ثالثا أنه يقتضي حصر هذا الحكم في زمن الغيبة فيمن حلل لهم من الشيعة دون غيرهم، فمن أخرجه منهم كان جميعه حينئذ للإمام (عليه السلام)، و رابعا انه يتمشى هذا الجواب على تقدير ثبوت كونه له (عليه السلام) فيرتكب جمعا، و إلا فلا ريب انه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن من تلك الأخبار عند فقد الدليل.

نعم قد يجاب عن ذلك بإمكان تنزيل أخبار الخمس على المعادن المملوكة لمالك خاص تبعا للأرض، أو بالإحياء، فإن ظاهر الشهيد في الروضة خروجها عن محل النزاع، و انه لا كلام في انها ليست من نقل الامام (عليه السلام) لكنه لا يخلو من تأمل و نظر، خصوصا الثاني، لإطلاق جماعة ممن عرفت ان المعادن من الأنفال، فتأمل جيدا فإن المسألة غير سالمة الاشكال، و الاحتياط الذي جعله الله ساحل بحر الهلكة فيها مطلوب، هذا، و قد عد في المقنعة من الأنفال البحار و المفاوز، كما عن أبي الصلاح الأول، و لم نقف له على دليل فيما لم يرجع إلى الأراضي السابقة من المفاوز، و لا لهما في البحار كما اعترف به غير واحد، اللهم إلا ان يكونا أخذاه مما دل من الأخبار(2)على أن الدنيا و ما فيها للإمام (عليه السلام) و على

ان جبرئيل قد كرى برجله الأنهار الخمسة أو الثمانية، و ان ما سقت و ما استقت للإمام (عليه السلام)، خصوصا

خبر حفص بن البختري (3)عن الصادق (عليه السلام) قال: «إن جبرئيل (عليه السلام) كرى برجله خمسة أنهار، و لسان الماء يتبعه الفرات و دجلة و نيل مصر و مهران و نهر بلخ، فما سقت أو سقي


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يجب فيه الخمس.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 407« باب ان الأرض كلها للإمام عليه السلام».
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 18.

ج 16، ص: 132

منها فللإمام (عليه السلام)، و البحر المطيف بالدنيا و هو أفسيكون»

و ما عساه يظهر من خبر مسمع بن عبد الملك (1)الآتي المشتمل على حكاية توليته الغوص و إتيان خمس ما حصل له.

و كذا زاد في كشف الأستاذ و في الأنفال ما لم نقف له على دليل، فقال:

«منها ما يوضع له من السلاح المعد له و الجواهر و القناديل من الذهب و الفضة و السيوف و الدروع، و منها ما يجعل نذرا للإمام (عليه السلام) بخصوصه على أن يستعمله بنفسه الشريفة، أو يصرفها على جنده من الدراهم و الدنانير و جميع ما يطلب للجيوش، و منها المعين للتسليم اليه ليصرفه على رأيه» و هو كما ترى لا يتجه و لا يتم سواء فرض إرادة الإمام الحلي منه (عليه السلام) أو

الميت، إذ المراد بالأنفال ما اختص بأصل ملكيتها بمعنى عدم صحة ملك غيره لها بوجه من الوجوه إلا منه (عليه السلام)، و ما ذكره (رحمه الله) مع الإغضاء عن صحة بعضه في نفسه بحيث يدخل في ملكه (عليه السلام) خصوصا لو فرض إرادة غير القائم (عليه السلام) منه كما هو الموجود في زماننا بالنسبة إلى ما يأتون به للحضرات المشرفات من الأسلحة و غيرها لا يختص به (عليه السلام)، بل لو فرض غير الامام (عليه السلام) و أعد له أو نذر له أو اعطي ما لا ليصرفه اختص به أيضا و لعل مراده بالأنفال مطلق المال الذي يرجع اليه.

و من هنا قال: إن هذه الثلاثة من الأنفال لا يجوز التصرف فيها بل يجب حفظها و الوصية بها، و لو خيف فساد شي ء منها بيع و جعل نقدا و حفظ على النحو السابق، و لو أراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوي جوازه، و لو وقف عليه واقف كان للمجتهد أو نائبه و إلا فعدول المسلمين قبضه عنه، و لو خاف من التلف مع بقاء العين أقرضها من ملي تقي، و مع تعدد المجتهدين يجوز لكل منهم التوجه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 12.

ج 16، ص: 133

لذلك، و لو اختلف آراؤهم عول على قول الأفضل و لو ظهرت خيانة الأمين أو خيف عليه من التلف عند شخص انتزعه الحاكم و جعله عند غيره، و كذا لو كان قرضا و خشي من إفلاس المقترض أو من وارثه، و لو احتاجت بعض الأمور المختصة به إلى إصلاح و توقف على بذلك المال أخذ من ماله الآخر من قناديل أو سلاح أو فرش و نحوها مقدار ما يصلحه، و يتولى ذلك المجتهد أو وكيله أو مأذونه، فان لم يكن أحدهم قام عدول المسلمين مقامهم، و إلا فحكم الأنفال الإباحة زمن الغيبة عنده و عند غيره من الأصحاب كما ستعرف تحرير ذلك إن شاء الله، نعم ما ذكره (رحمه الله) من هذه الأحكام و إن كان بعضها مستفادا من أصول المذهب و قواعده لكن جملة منها محل للتوقف و النظر، كما ان حكم أصل موضوعها من بعض الأمور الثلاثة كذلك أيضا، فتأمل.

ثم إنه لا كلام في كون الأنفال ملكا للنبي (صلى الله عليه و آله) كما يدل عليه الكتاب و السنة و الإجماع، ثم من بعده للقائم مقامه، فما في

خبر محمد بن مسلم (1)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: و سئل عن الأنفال فقال:

كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز و جل نصفها يقسم بين الناس و نصفها لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فما كان لرسول الله (صلى الله عليه و آله) فهو للإمام (عليه السلام)»

كخبر حريز(2)المروي عن تفسير العياشي عنه أيضا يجب تأويله بإرادة القسمة تفضلا أو حمله على التقية كما في الحدائق أو طرحه لما عرفت، و احتمال تأييده بأن آية الأنفال تقتضي التشريك بينه و بين الله تعالى فيها فيصرف سهم الله في سبيله و الآخر يختص به (عليه السلام) لا يصغى إليه في مقابلة ما عرفت،

سيما بعد ما ورد أيضا ان ما كان لله فهو لوليه (3)زيادة على المستفاد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 25.
3- 3 أصول الكافي ج 1 ص 537« باب صلة الإمام عليه السلام» 3.

ج 16، ص: 134

هنا من الأخبار المتواترة من اختصاصه (عليه السلام) بها، فلا يجوز التصرف بشي ء منها حينئذ بدون إذنه في زمن الحضور و الغيبة

[المقصد الثاني في كيفية التصرف في مستحقه]
اشاره

كما أشار إليه المصنف بقوله:

المقصد الثاني من المقصدين الملحقين بكتاب الخمس في كيفية التصرف في مستحقه من الأنفال و الخمس و فيه مسائل:

[المسألة الأولى لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه]

الأولى لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه عقلا و شرعا بل ضرورة من الدين كغيره من الأملاك و لو تصرف متصرف كان غاصبا ظالما مأثوما و لو حصل له فائدة تابعة للملك شرعا لا التابعة لغيره من البذر و نحوه كانت للإمام (عليه السلام) كما هو قضية أصول المذهب و قواعده في جميع ذلك من غير فرق بين زمني الحضور و الغيبة، و تحليل الأنفال منهم (عليهم السلام) للشيعة في الثاني خروج عن موضوع المسألة، إذ هو إذن، فما في المدارك- من تخصيص ما في المتن بعد ان جعل ذلك فيه إشارة للأنفال تبعا لجده في المسالك بالحضور حاكيا له عن

نص المعتبر- في غير محله، قال: «أما حال الغيبة فالأصح إباحة الجميع كما نص عليه الشهيدان و جماعة للأخبار(1)الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم (عليهم السلام) لشيعتهم في حال الغيبة، قال في البيان: و هل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث، أما غيره فلا، و أقول: إن مقتضى العمومات عدم اشتراط ذلك مطلقا، نعم ورد في الميراث (2)رواية ضعيفة ربما تعطي اعتبار ذلك، و لاستقصاء البحث فيه محل آخر» انتهى. و ظاهره بل صريحه عدم اختصاص الإباحة بالمناكح و المساكن و المتاجر، بل هو صريح جده في المسالك و الروضة أيضا بل نسبه في الأخيرة إلى المشهور، قال فيها: «و المشهور أن هذه الأنفال مباحة حال الغيبة، فيصح التصرف في الأرض المذكورة بالاحياء و أخذ ما فيها من شجر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ولاء ضمان الجريرة- الحديث 10.

ج 16، ص: 135

و غيره، نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت و جيرانه للرواية، و قيل بالفقراء مطلقا، لضعف المخصص، و هو قوي، و قيل مطلقا كغيره» انتهى بل هو صريح الشهيد الأول في دروسه بل و بيانه، قال في الأولى: «و الأشبه تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات و الآجام و ما يكون بها من معدن و شجر و نبات لفحوى رواية يونس (1)و الحارث (2)نعم لا يباح الميراث إلا

لفقراء بلد الميت» و قال في البيان في حكم الأنفال: «و مع وجوده لا يجوز التصرف في شي ء من ذلك بغير إذنه، فلو تصرف متصرف أثم و ضمن، و مع غيبته فالظاهر إباحة ذلك لشيعته، و هل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث، أما غيره فلا» بل هو ظاهر المحكي من عبارة سلار في المختلف و اختاره في الكفاية و الحدائق، لكن ظاهر نهاية الشيخ و سرائر الحلي و قواعد الفاضل بل و تحريره و منتهاه و تذكرته تخصيص الإباحة بالثلاثة المذكورة أو الأول منها، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور، قال فيها:

ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح و المساكن و المتاجر خاصة، و ان ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف الذي في الخمس، بل قد يظهر من المحكي عن أبي الصلاح في المختلف تحريم الثلاثة أيضا، قال: و يلزم من تعين عليه شي ء من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه من تشطير الخمس، لكونه جميعا حقا للإمام (عليه السلام) فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس و حق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه و مستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد و آجل العقاب، لكونه مخلا بالواجب عليه لأفضل مستحق، و لا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها، لأن فرض الخمس و الأنفال ثابت بنص القرآن و الإجماع من الأمة و ان اختلفت فيمن يستحقه، فإجماع آل محمد دال على ثبوته


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 9.

ج 16، ص: 136

و كيفية استحقاقه، و حمله إليهم و قبضهم إياه، و مدح مؤديه و ذم المخل به، و لا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار، انتهى.

و الأقوى في النظر الأول، بل ينبغي القطع به في الأراضي المحياة، بل في المدارك انه أطبق عليه الجميع، كما انه في الكفاية تارة الظاهر لا خلاف بينهم في إباحة التصرف للشيعة في زمن الغيبة في أراضي الموات و ما يجري مجراها، و أخرى انهم صرحوا بأن المحيي يملك الأرض الموات في زمان الغيبة، بل ادعى بعض المتأخرين إطباق الأصحاب عليه إلى آخره، و لعله كذلك كما يشهد له ملاحظة كلامهم في باب إحياء الموات، مضافا إلى السيرة القطعية و الأخبار المعتبرة

كالصحيح عن عمر بن يزيد(1)قال: «رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة و قد كان حمل إلى أبي عبد الله (عليه السلام) مالا في تلك السنة فرده أبو عبد الله (عليه السلام)، فقلت له: و لم رد عليك أبو عبد الله (عليه السلام) المال الذي حملته اليه؟ فقال: إني قلت له حين حملت المال اليه: إني كنت و ليت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم و قد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم إليك و كرهت ان احبسها عنك و أعرض لها، و هي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا. فقال: أو ما لنا من الأرض و ما أخرجه الله منها إلا الخمس يا أبا سيار؟

ان الأرض كلها لنا. فما أخرج الله منها من شي ء فهو لنا، فقلت له: و أنا أحمل إليك المال كله فقال: يا أبا سيار قد طيبناه لك و أحللناك منه، فضم إليك مالك و كلما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون، يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم، و يترك الأرض في أيديهم


1- 1 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 12 و تمامه في أصول الكافي ج 1 ص 408« باب أن الأرض كلها للإمام عليه السلام» 3.

ج 16، ص: 137

و أما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا (عليه السلام) فيأخذ الأرض من أيديهم و يخرجهم عنها صغرة- قال عمر بن يزيد-: فقال لي أبو سيار: ما أرى أحدا من أصحاب الضياع و لا من يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك».

و خبر يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال: إن الله تعالى بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان و جيحان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر و دجلة و فرات فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدونا منه شي ء إلا ما غصب عليه، و إن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه و ذه يعني بين السماء و الأرض، ثم تلا هذه

الآية(2)قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا المغصوبين عليها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا غصب»

و صحيح عمر بن يزيد(3)قال: «سمعت رجلا من أهل الجبال يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها، فعمرها و أكرى أنهارها و بنى فيها بيوتا و غرس فيها نخلا و أشجارا قال: فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول:

من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له، و عليه طسقها يؤديه للإمام (عليه السلام) في حال الهدنة، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه»

إلى غير ذلك من الأخبار(4)الواردة في خصوص الأراضي التي ليس ذا محل إحصائها فضلا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 17.
2- 2 سورة الأعراف- الآية 30.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الأنفال- الحديث 4 و 17 و 20 و 28 و 32.

ج 16، ص: 138

عن التعليل الوارد في أخبار(1)تحليل الخمس و غيره من حقوقهم لشيعتهم التي سيمر عليك بعضها بطيب الولادة المراد منه بحسب الظاهر حل المأكل و المشرب اللذين يتكون منهما نطفة الولد الحاصل بسببه الزكاة و طيب الولادة، و هو لا يحصل إلا بإباحة حقوقهم (عليهم السلام) من الأراضي حتى الخمس المشترك بينهم و بين غيرهم في الأرض المفتوحة عنوة

على ما عرفت سابقا، و إباحة قبالتنا من يد غيرهم و مقاسمتنا إياه، و عطاياه و أقطاعه في الأراضي المشتركة بين المسلمين أيضا التي أمرها إلى الامام (عليه السلام)، لشدة الاحتياج إليها، بل لا يمكن التعيش بدونها، بل لعل التكليف باجتنابها مما لا يطاق، إذ فيه من العسر و الحرج مالا يتحمل، كما هو واضح.

و فضلا عن إطلاق كثير من الأخبار تحليل حقهم (عليهم السلام) الشامل للأرض و غيرها من الأنفال، ك

صحيحة الحرث النضري (2)عن الصادق (عليه السلام) قلت له: «إن لنا أموالا و تجارات و نحو ذلك و قد علمت أن لك فيها حقا، قال: فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم، و كل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا، فليبلغ الشاهد الغائب»

و صحيح الفضلاء(3)عن الباقر (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «هلك الناس في بطونهم و فروجهم، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا، ألا و إن شيعتنا من ذلك في حل و آباءهم في حل» و عن الصدوق روايته «و أبناءهم»

و صحيح ابن مهزيار(4)قال: «قرأت في كتاب لأبي جعفر (عليه السلام) إلى رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله و مشربه من الخمس، فكتب (عليه السلام) بخطه من أعوزه شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 2.

ج 16، ص: 139

من حقي فهو في حل»

و الحسن عن سالم بن مكرم (1)عن الصادق (عليه السلام) قال: «قال له رجل و أنا حاضر: حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له رجل: ليس يسألك أن يعترض الطريق، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه، فقال: هذا لشيعتنا حلال، الشاهد منهم و الغائب الميت منهم و الحي و ما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال، أما و الله لا يحل إلا لمن حللنا له، و لا و الله ما أعطينا أحدا ذمة و ما عندنا لأحد عهد، و لا لأحد عندنا ميثاق»

و الموثق عن الحرث بن المغيرة النضري (2)قال: «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه، فأذن له، فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال: جعلت فداك اني أريد أن أسألك عن مسألة، و الله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له، فاستوى جالسا فقال: يا نجية سلني، فلا تسألني اليوم عن شي ء إلا أخبرتك به، قال: جعلت فداك ما تقول في فلان و فلان؟ قال: يا نجية ان لنا الخمس في كتاب الله، و لنا الأنفال، و لنا صفو المال، و هما و الله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله، و أول من حمل الناس على رقابنا، و دماؤنا في أعناقهما إلى يوم

القيامة بظلمنا أهل البيت، و ان الناس ليتقلبون في حرام الى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت، فقال نجية: إنا لله و إنا إليه راجعون ثلاث مرات، هلكنا و رب الكعبة، قال: فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعناه في آخر دعائه، و هو يقول: اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا قال: ثم أقبل إلينا بوجهه فقال: يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا و غير شيعتنا»


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 4.
2- 2 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب 4 من أبواب الأنفال- الحديث 14 و تمامه في التهذيب ج 4 ص 145 الرقم 405.

ج 16، ص: 140

و خبر أبي حمزة(1)عن الباقر (عليه السلام) في حديث قال: «إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء- إلى ان قال-: فنحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا»

و خبر داود الرقي (2)عن الصادق (عليه السلام)، قال: «سمعته يقول: الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا، إلا انا أحللنا شيعتنا من ذلك»

و خبر الفضيل (3)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لفاطمة (عليها السلام):

أحلي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):

إنا قد أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»

و المروي (4)عن العسكري (عليه السلام) عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) «انه قال لرسول الله (صلى الله عليه و آله): قد علمت يا رسول الله انه سيكون بعدك ملك عضوض و جبر فيستولي على خمسي من السبي و الغنائم، و يبيعونه و لا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه، و قد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي، لتحل لهم منافعهم من مأكل و مشرب، و لتطيب مواليدهم، و لا يكون أولادهم أولاد حرام، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما تصدق أحد أفضل من صدقتك، و قد تبعك رسول الله في فعلك، أحل للشيعة كلما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي، و لا أحلها أنا و أنت لغيرهم»

إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يقدح في الاستدلال بما فيها من التعليل و التعميم لسائر حقوقهم اشتمال بعضها على تحليل تمام الخمس الذي لا نقول به.

على انه قد يدعى ظهوره في إرادة الأموال التي في أيدي مخالفينا مما لم يخرجوا منها الخمس و لا غيره من حقوقهم (عليهم السلام)، بمعنى إباحة سائر


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 20.

ج 16، ص: 141

التصرفات لنا فيها من مأكل و مشرب و لباس و بيع و غيره و إن كان محرما عليهم، لا إرادة إباحة الخمس المتعلق في أموال الشيعة بسبب

اكتساب أو عثور على كنز أو نحو ذلك من أسبابه المتقدمة، و كيف و قد أكدوا صلوات الله عليهم وجوبه و شددوا النكير على من ترك إخراجه، بل في بعض الأخبار لعنه كما سيأتي إن شاء الله ذكر جملة منها، و بذلك حينئذ يجمع بين أخبار الإباحة و أخبار الحث على إخراجه و إيصاله إلى اهله، و إن أشكل ذلك على كثير من الأصحاب حتى وقعوا من جهته في كمال الاضطراب على ما ستعرف إن شاء الله.

و كيف كان فسير هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب و السر الغريب يشرف الفقيه على القطع باباحتهم (ع) شيعتهم زمن الغيبة، بل و الحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد و عدم بسطها سائر حقوقهم (عليهم السلام) في الأنفال، بل و غيرها مما كان في أيديهم، و أمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين، ثم صار في أيدي غيرهم من أعدائهم كما نص عليه الأستاذ في كشفه، و لقد أجاد حيث قال بعد تعداده الأنفال: «و كل شي ء يكون بيد الامام (عليه السلام) مما اختص أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات و المعاوضات و الإجارات، لأنهم أحلوا ذلك للإمامية من شيعتهم» إلى آخره، من غير فرق بين الفقير منهم و الغني نعم في خصوص ميراث من لا وارث له الخلاف السابق الذي ليس ذا محل تحريره أما غير الشيعة فهو محرم عليهم أشد تحريم و أبلغه، و لا يدخل في أملاكهم شي ء منها، كما هو قضية أصول المذهب بل ضرورته، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد عند قول العلامة: «و لا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه، و الفائدة حينئذ له» قال: «و لو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصح انه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة و تملك الذمي الخمر و الخنزير، فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه

ج 16، ص: 142

المخالف من ذلك كله، و كذا ما يؤخذ من الآجام و رؤوس الجبال و بطون الأودية لا يحل انتزاعه من آخذه و إن كان كافرا، و هو ملحق بالمباحات المملوكة بالنية لكل متملك، و آخذه غاصب تبطل صلاته في أول وقتها حتى يرده» انتهى و فيه بحث لإمكان منع شمول ما دل على وجوب مجاراتهم على اعتقادهم و دينهم لمثل ذلك من استباحة تمليك الأموال و نحوه، خصوصا بالنسبة للمخالفين، و إن

ورد(1)«ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»

على ان ذلك لا يقضي بصيرورته كالمباح الذي يملك بالحيازة و النية لكل احد حتى من لم يرد أمر باجرائهم و معاملتهم على ما عندهم من الدين، و كيف و ظاهر الأخبار بل صريحها أنه في أيدي غير الشيعة من الأموال المغصوبة، نعم قد يوافق على ما ذكره من حيث التقية و عدم انبساط العدل، و لعله مراده و إن كان في عبارته نوع قصور.

كما انه يوافق في الجملة في المعنى المزبور بالنسبة للشيعة خاصة، ضرورة عدم إرادة

إباحة التصرف لهم التي لا يترتب عليها ملك أصلا، كإباحة الطعام للضيف، بل المراد زيادة على ذلك رفع مانعية ملكهم (عليهم السلام) عن تأثير السبب المفيد للملك في نفسه و حد ذاته كالحيازة و الشراء و الاتهاب و الاحياء و نحو ذلك، فلا يرد حينئذ لزوم تبعيض التحليل في نحو الجواري المغتنمة من دار الحرب بغير إذن الامام إن قلنا بمساواته للمأذون فيه، أو جواز النكاح بغير عقد التحليل إن قلنا بأنها جميعا للإمام، و لا غير ذلك مما لا يترتب خلافه شرعا على الإباحات المحضة، لما عرفت أن المراد بالتحليل منهم (عليهم السلام) المعنى المذكور المفيد للملك، فيكون الوطء حينئذ بملك اليمين كالعتق و الوقف و نحوهما من التصرفات الأخر، أو يقال بتنزيل إباحتهم (عليهم السلام) لشيعتهم منزلة الإباحة الأصلية


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب مقدمات الطلاق- الحديث 5 و 6 من كتاب الطلاق و الباب 3 من أبواب ميراث المجوس- الحديث 2 من كتاب الإرث.

ج 16، ص: 143

التي يملك بسببها المباح بالحيازة، فيكون حينئذ شراؤها من يد المخالفين للفك من أيديهم، لا انه شراء حقيقة مفيد للملك، بل المملك الاستيلاء المتعقب لذلك الشراء الصوري، أو يقال بما في الدروس بل حكي عن جماعة ممن تأخر عنه على ما قيل، قال-: بعد ان حكم بحل المناكح في زمن الغيبة ممثلا له بالأمة المسبية-:

«و ليس من باب التحليل، بل تمليك الحصة أو الجميع من الامام» مشيرا بالترديد إلى القولين السابقين، و قد يشهد له في الجملة خبر العسكري (عليه السلام)(1)المتقدم سابقا، أو يقال إن هذه العقود التي تقع من الشيعة مع مخالفيهم مأذون فيها من المالك الذي هو الامام (عليه السلام) و إن كان من في يده معتقدا انها له، و لم يوقع العقد عن تلك الاذن، بل بنية أنه المالك، لكن ذلك لا يؤثر فسادا في العقد الجامع لشرائط الصحة واقعا التي منها الاذن، فينتقل حينئذ ملك الامام (عليه السلام) إلى الثمن المدفوع عن العين يطالب به الغاصب أو القيمة لو كانت أزيد منه، كما انه ينتقل إليها لو كان العقد مجانا نحو الهبة و غيرها، لأن تصرفه ناش عن اعتقاد انه ملكه و ماله، فيكون الاذن في الحقيقة للمتهب مثلا دون الواهب، و لا بأس في ترتب الملك و حصوله على عقد يحرم على الموجب دون القابل، فتأمل.

إلا ان الانصاف خروج ذلك كله عن مقتضى القواعد الفقهية، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان، فلا حاجة حينئذ إلى شي ء من هذه التكلفات، بل يقال إنها إباحة محضة أجرى الشارع عليها حكم سائر الأملاك، و إلا فهي ملك للإمام لا تخرج عنه، نعم ما ذكرناه أخيرا لو لم نقل بصيرورة تمام القيمة في العقود المجانية مثلا في ذمة الغاصب كالزائد منها على الثمن في عقود المعاوضة و انه غاصب ظالم في خصوص تصرفه من بيع أو هبة و إن كان لشيعي أمكن انطباقه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 20.

ج 16، ص: 144

حينئذ على القواعد، و لكن التزامه في غاية البعد، بل مخالف للمعلوم من المذهب و ان أمكن في نفسه.

و كيف كان فهل يترتب الملك و يحصل لو استولت يد الشيعي على ما استولت عليه يد المخالف بغير الأسباب الشرعية المملكة كالبيع و نحوه بل كان بسرقة و نحوها؟ ظاهر ما سمعته من كلام الشهيد في حواشيه العدم، بل هو الذي نسمعه مشافهة من بعض مشايخنا، لكن إطلاق أدلة الإباحة ينافيه، و لعله لما ذكره الشهيد من شبهة الاعتقاد أو للتقية بمعنى استعداد الزمان في نفسه للتقية الموجبة خفاء المعصوم (عليه السلام)، فلا يجدي حينئذ فرض عدم الضرر من كل جهة.

أما ما لم يكن في يد المخالفين من الأنفال كميراث من لا وارث له أو غيره فيحتمل فيها الرجوع أيضا إلى سلطان الجور، لقيامه زمان التقية مقام سلطان العدل، و الأقوى عدمه، لإطلاق الأدلة، و عدم عموم يقتضي إقامته مقامه فيما يشمل ذلك، و الغنائم من أهل الحرب و الفتوحات التي تحصل لبعض سلاطين الشيعة كسلطان الفرس في زماننا هذا الذي لا يد لسلطان المخالفين عليه بوجه من الوجوه بل لعل اليد له عليه خمسها للإمام (عليه السلام) و قبيلة إن لم نعتبر الاذن، أو اعتبرناها و قلنا بقيام إذن حاكم الشرع مقامها و كان قد حصلت، و إلا كان الجميع للإمام (عليه السلام)، لكن هو مباح للشيعة منهم يملكونه بحيازتهم و استيلائهم عليه، إذ هو من الأنفال التي قد عرفت الحكم فيها، أما على تقدير أن الخمس منها له و لقبيلة فهل هو مباح كذلك، أو حقه منها خاصة، أو لا يباح شي ء منه أو يباح خصوص المناكح، أو هي و المساكن و المتاجر، أو أن الحكم فيه كالحكم في غيره من خمس الأرباح و نحوه مما سيتعرض له المصنف؟ وجوده قد تسمع فيما

ج 16، ص: 145

يأتي إن شاء الله ما يرجح بعضها، و إن كان يقوى في النظر الآن الأول منها، خصوصا بالنسبة للمناكح و المساكن، إلا ان الحزم عدم ترك الاحتياط في كثير مما سمعت من المسائل، لعدم تحريرها في كلام أحد من العلماء هنا، و عدم وضوح أدلتها من الكتاب و السنة، فتأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا قاطع الامام (عليه السلام) أحدا على شي ء من حقوقه]

المسألة الثانية إذا قاطع الامام (عليه السلام) أحدا على شي ء من حقوقه بقليل أو كثير حل له أي للمقاطع ما فضل عن القطعية التي هي ربع حاصل الأرض أو ثلثه و وجب عليه الوفاء بلا خلاف أجده في شي ء منه، بل و لا إشكال، ضرورة مساواة الإمام (عليه السلام) في ذلك لغيره، بل أجاد في المدارك حيث قال: إن ترك التعرض لذلك أقرب إلى الصواب.

[المسألة الثالثة إباحتهم (ع) المناكح و المساكن و المتاجر في حال الغيبة]

المسألة الثالثة صرح جماعة بأنه ثبت شرعا إباحتهم (عليهم السلام) المناكح و المساكن و المتاجر في حال الغيبة كما نطق بعين ذلك

المرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن غوالي اللئالي، بل اختص هو من بين أخبار الباب بهذا الجمع و هذا اللفظ، قال: «سأله بعض أصحابه فقال: يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم و استتر قائمكم؟ فقال (عليه السلام):

ما أنصفناهم إن و اخذناهم، و لا أجبناهم إن عاقبناهم، نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم، و نبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم، و نبيح لهم المتاجر ليزكو أموالهم»

و المراد كما صرح به أيضا الإباحة و إن كان ذلك بأجمعه للإمام (عليه السلام) كأرض الموات و غنائم دار الحرب بغير إذنه على الأصح، التي منها الجواري المسبية أو بعضه كالمغتنم باذنه مثلا، فإنه مباح أيضا و لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه (11) و إن كان في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح هل هو الأنفال، أو الخمس، أو الأعم، بل و في انه المناكح خاصة


1- 1 المستدرك- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 3.

ج 16، ص: 146

أو هي و المتاجر و المساكن؟ ففي المقنعة- بعد ذكر الخمس و الأنفال و أخبار التحليل و التشديد- قال: «و اعلم أرشدك الله تعالى ان ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس و التصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة، للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة (عليهم السلام) لتطيب ولادة شيعتهم، و لم يرد في الأموال و ما أخرته عن المتقدم

مما جاء في التشديد في الخمس و الاستبداد به فهو يخص الأموال» انتهى. و بذلك نفسه جمع بين الأخبار في الاستبصار حاكيا له عنه مستوجها إياه، و في النهاية «فأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم (عليهم السلام) مما يتعلق بالأخماس و غيرها مما لا بد لهم من المناكح و المتاجر و المساكن، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال».

و في التهذيب «فان قال قائل: إذا كان الأمر في أموال الناس مما ذكرتموه من لزوم الخمس فيها، و في الغنائم ما وصفتم من وجوب إخراج الخمس منها، و كان أحكام الأرض ما بينتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة (عليهم السلام) إما لأنها مما يخصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأنفال و الأرضين التي ينجلي أهلها عنها، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل و التضمين لهم، مثل أرض الخراج و ما يجري مجراها، فيجب ان لا يحل لكم منكح و لا يتخلص لكم متجر و لا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه، و سبب من الأسباب، قيل له: إن الأمر و إن كان على ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة (عليهم السلام) بالتصرف في هذه الأشياء، فإن لنا طريقا إلى الخلاص مما ألزمتموناه، أما الغنائم و المتاجر و المناكح و ما يجري مجراها مما يجب للإمام (عليه السلام) فيها الخمس فإنهم قد أباحوا ذلك لنا، و سوغوا لنا التصرف فيه، و قد قدمنا فيما مضى ذلك، و يؤكده أيضا ما رواه- إلى ان قال بعد ان ذكر بعض أخبار التحليل-: فأما الأرضون فكل أرض تعين لنا انها مما قد أسلم أهلها عليها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم و المعاوضة و ما

ج 16، ص: 147

يجري مجراها، و أما أراضي الخراج و أراضي الأنفال و التي قد انجلى أهلها عنها فانا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام (عليه السلام) مستترا، فإذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه، فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين، و قد قدمنا ما يدل على ذلك، و الذي يدل عليه أيضا ما رواه- إلى ان قال بعد ان ذكر بعض الأخبار الدالة عليه-: فان قال قائل: إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين، و لم يدل على انه يصح لكم تملكها بالشراء و البيع، فإذا لم يصح الشراء و البيع فما يكون فرعا عليه لا يصح أيضا كالوقف و النحلة و الهبة و ما يجري مجرى ذلك قيل له: إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على أقسام ثلاثة:

أرض يسلم أهلها عليها، و هي تترك في أيديهم، و هي ملك لهم، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها و بيعها، و أما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها و بيعها لأن لنا في ذلك قسما، لأنها أراضي المسلمين و هذا القسم أيضا يصح الشراء و البيع فيه على هذا الوجه، و أما الأنفال و ما يجري مجراها فليس يصح تملكها بالشراء و البيع، و إنما أبيح لنا التصرف حسب» ثم ذكر بعض الأخبار الدالة على بعض ذلك، انتهى.

و في السرائر- بعد ان ذكر الأنفال و انها للنبي (صلى الله عليه و آله) ثم للقائم مقامه- قال: «فأما في حال الغيبة و زمانها و استتاره (عليه السلام) من أعدائه خوفا على نفسه فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس و غيرها مما لا بد لهم منه من المناكح و المتاجر، و المراد بالمتاجر ان يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم (عليهم السلام) و يتجر في ذلك، فلا يتوهم متوهم انه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس، فليحصل ما قلناه، فربما اشتبه و المساكن، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال» إلى آخره و تبعهم في هذا التعبير و هذا الإجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم، ففي المتن

ج 16، ص: 148

ما عرفت، و في النافع «لا يجوز التصرف فيما يختص به الامام (عليه السلام) مع وجوده إلا باذنه، و في حال الغيبة لا بأس بالمناكح، و ألحق الشيخ المساكن و المتاجر به» و في القواعد بعد ذكر الأنفال «و أبيح لنا خاصة حال الغيبة المناكح و المساكن و المتاجر، و هي ان يشتري الإنسان ما فيه حقهم (عليهم السلام) و يتجر فيه، لا إسقاط الخمس من ربح ذلك المتجر» و في التحرير «أباح الأئمة (عليهم السلام) لشيعتهم المناكح في حال ظهور الامام (عليه السلام) و غيبته، و ألحق الشيخ المساكن و المتاجر و إن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه و لا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه، قال ابن إدريس: المراد بالمتاجر» إلى آخر ما سمعته في كلامه، و في المنتهى «مسألة و قد أباح الأئمة حالتي ظهور الامام و غيبته، و عليه علماؤنا أجمع، لأنه مصلحة لا يتم التخلص من المآثم بدونها، فوجب في نظرهم (عليهم السلام) فعلها، و الاذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقهم (عليهم السلام) منه لا على ان الواطئ يطأ الحصة بالإباحة، إذ قد ثبت انه يجوز إخراج القيمة في الخمس، فكان الثابت قبل الإباحة ملكها الواطئ ملكا تاما فاستباح وطأها بالملك التام» إلى آخره، و نحوه في التذكرة إلا انه لم يحك الإجماع فيها، و زاد تفسير المتاجر بما سمعته من السرائر، و في الدروس بعد ذكر الأنفال «و في الغيبة يحل المناكح كالأمة المسبية، و لا يجب إخراج خمسها، و ليس من باب التحليل بل تمليك الحصة أو للجميع من الامام (عليه السلام) و الأقرب أن مهور النساء من المباح و إن تعددن لرواية سالم (1)ما لم يؤد إلى الإسراف، كاكثار التزويج و التفريق، و تحل المساكن، إما من المختص بالإمام (عليه السلام) كالتي انجلى عنها الكفار، أو من الأرباح بمعنى انه يستثنى من الأرباح مسكن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 4.

ج 16، ص: 149

فما زاد مع الحاجة، و أما المتاجر فعند ابن الجنيد على العموم، لرواية يونس بن يعقوب (1)و عند ابن إدريس ان يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمس، فلا يجب عليه إخراج الخمس إلا ان يتجر فيه و يربح» إلى آخره، و في البيان «و رخص في حال الغيبة المناكح و المساكن و المتاجر أي جلب الأمة المسبية و إن كانت للإمام (عليه السلام)، و سقوط الخمس في المهر و في المسكن و فيما يشترى ممن لا يخمس إلا إذا نمى فيجب في النماء، و قول ابن الجنيد: بأن الإباحة انما هي من صاحب الحق في زمانه فلا يباح في زماننا ضعيف، لأن الروايات ظاهرها العموم، و عليه إطباق الإمامية» الى غير ذلك من العبارات، كعبارة المختلف و الإرشاد و المسالك المشترك كثير منها في الإجمال بالنسبة إلى إرادة الإباحة في الأنفال أو في الأعم منها و الخمس، و الى المراد بالمناكح و المتاجر و المساكن، و الى إرادة الإباحة لكل أحد أو لمن في يده و الى غير ذلك و إن أطنب العلامة في المختلف بنقل العبارات و الأدلة معللا ذلك بأنها من أمهات المسائل.

لكن في حاشية الشهيد على القواعد «للمناكح تفسيران: الأول إسقاط الخمس من السراري المغنومة حال الغيبة، الثاني إسقاط مهور الزوجات، لأن ذلك من جملة المؤن، و للمساكن تفسيرات: الأول مسكن يغنم من الكفار فيجوز تملكه و لا يجب إخراج الخمس منه، الثاني مسكن الأرض المختصة بالإمام (عليه السلام)

كرؤوس الجبال، الثالث المراد بالمسكن مطلق المنزل و إن كان من غير ذين، كما لو حصل بكسب من ربح تجارة أو زراعة أو صناعة، فإنه يخرج منه الخمس بعد المئونة التي من جملتها دار السكنى، و للمتاجر تفسيرات: الأول ما يشترى من الغنائم الحربية حال الغيبة، فإنها بأسرها أو بعضها للإمام (عليه السلام) و هي مباح لنا لا بمعنى إسقاط الخمس من مكسبها بل عن أصلها، الثاني ما يكتسب من


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 6.

ج 16، ص: 150

الأرض و الأشجار المختصة به (عليه السلام) و لو ألحق هذا بالمكاسب المطلقة كان أقوى، الثالث ما يشترى ممن لا يخرج الخمس استحلالا أو اعتقادا لتحريمه، فإنه يباح التصرف و ان كان بعضه للإمام (عليه السلام) و ذويه (1)و هذه التفسيرات كلها حسنة، و قد علل الأئمة (عليهم السلام) ذلك بحل الصلاة و المال و طيب الولادة» انتهى. و قد تبعه في أكثر ذلك جماعة منهم الشهيد في مسالكه، قال فيها: «المراد بالمناكح السراري المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة، فإنه يباح لنا شراؤها و وطؤها و ان كانت بأجمعها للإمام (عليه السلام) على ما مر، أو بعضها على القول الآخر، و ربما فسرت بالزوجات و السراري التي يشتريها من كسبه الذي يجب فيه الخمس، فإنه حينئذ لا يجب إخراج خمس الثمن و المهر، و هذا التفسير راجع الى المئونة المستثناة، و قد تقدم الكلام فيها، و انه مشروط بحصول

الشراء و التزويج في عام الربح، و كون ذلك لائقا بحاله، و المراد بالمساكن ما يتخذه منها في الأرض المختصة به (عليه السلام) كالمملوكة بغير قتال و رؤوس الجبال، و هو مبني على عدم إباحة مطلق الأنفال في حال الغيبة، و فسرت أيضا بما يشتريه من المساكن بمال يجب فيه الخمس كالمكاسب، و هو راجع الى المئونة أيضا كما مر، و بالمتاجر ما يشتري من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة و ان كانت بأسرها أو بعضها للإمام، أو ما يشتري ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف مع وجوب الخمس فيها، و قد علل إباحة هذه الثلاث في الأخبار بطيب الولادة و صحة الصلاة و حل المال» انتهى، مضافا الى ما سمعته سابقا من الدروس و البيان و غيرهما لكن قد يناقش في التفسير الأول للمناكح بأنه و ان كان يدل عليه بعض الأخبار السابقة بل و

خبر الفضيل (2)عن الصادق (عليه السلام) «من وجد برد


1- 1 و في النسخة الأصلية« و دونه» بدل« و ذويه».
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 10.

ج 16، ص: 151

حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم، قلت: جعلت فداك ما أول النعم؟

قال: طيب الولادة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): قال أمير المؤمنين (عليه السلام)

لفاطمة (عليها السلام): أحلي نصيبك من الفي ء لآباء شيعتنا ليطيبوا، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا»

و خبر ضريس الكناسي (1)قال: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): أ تدري من اين دخل الناس الزنا؟ فقلت: لا ادري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم»

و غيرهما، إلا انه فيه ما عرفت من حل سائر التصرفات في سائر الأنفال حال الغيبة لا خصوص النكاح منه، فلا يناسبه هذا التخصيص الموهم، على انه لا تلائمه بعض العبارات بل و الأخبار الظاهرة في ان متعلق التحليل الخمس و الجواري المغتنمة من دار الحرب بغير إذنه التي كلها للإمام لا الخمس خاصة له و لقبيلة، بل و لا يلائمه ظهور بعض الأخبار في إباحة ذلك حالتي ظهور الامام و غيبته كما صرح به بعضهم، بل قد عرفت أنه معقد إجماع المنتهى إلا ان يدفع الثاني بإرادة الأعم من الحالين من الغيبة(2)تنزيلا للظهور الذي لا بسط فيه لليد منزلتها، كما انه قد يدفع الأول بأنه مبني على مساواة المغتنم بغير إذنه له معها في استحقاق الخمس أو حيث يكون فيه الخمس، كما لو كان مع الاذن كما في بعض فتوح الثاني، أو خصوص من أذن لهم من الشيعة بأن يكونوا معهم تحت لوائهم، أو في نحو المأخوذ سرقة بناء على تعلق الخمس فيه، لكونه من الاكتساب أو لأن الخمس يجب في كل فائدة أو غير ذلك.

و أما التفسير الثاني لها الذي قد عرفت التصريح من غير واحد برجوعه الى المئونة المستثناة- بل قد يظهر من المدارك أولويته من التفسير الأول بالنسبة الى


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 3.
2- 2 متعلق بالإرادة: أي المراد بالغيبة الأعم من الحالين.

ج 16، ص: 152

عبارة المتن- ففيه انه لا يناسب ذكرهم له بالخصوص بعد ذكرهم المئونة و انه منها بل و لا يناسب تخصيصه بالشيعة و لا زمن الغيبة، بل و لا إطلاق الإباحة، إذ هو مستثنى من خمس الأرباح خاصة في خصوص عام الربح مع اشتراط مناسبة الحال فيه على انه ليس من حقوق الأئمة (عليهم السلام) كي يستثنى أو يباح منهم، ضرورة عدم تعلق حقهم (عليهم السلام) به إلا بعد المئونة التي هو منها، بل و لا يناسبه التعليل بطيب الولادة، ضرورة عدم مدخلية حرمة المهر فيه، لعدم اشتراطه في صحة النكاح.

و من ذلك كله يظهر لك المناقشة أيضا في التفاسير الأخر للقسمين الأخيرين فلا ريب في إجمال عبارات الأصحاب في هذا المقام و سماجتها و عدم وضوح المراد منها، أو عدم صحته، بل يخشى على من أمعن النظر فيها مريدا إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشي ء، و ظني أنها كذلك مجملة عند كثير من أصحابها و إن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن لا يعلمون مراده، وليتهم تركونا و الأخبار فإن المحصل من المعتبر منها أوضح من عباراتهم، إذ هو إباحتهم حقوقهم التصرفية و المالية كالأنفال مطلقا، سواء كان ابتداء حصولها في أيدينا أو انتقلت إلينا من يد غيرنا ممن خالفنا في الدين حتى ما يحصل للشيعة من الغنائم مع سلاطين الجور مناكح و غيرها، و إن كان في حسنة الحلبي (1)عن الصادق (عليه السلام) المتقدمة سابقا أمر مثله بتأدية الخمس و انه يطيب له بعده، لكن قد يراد به بالنسبة إلى خصوص ذلك الوقت من زمان ذلك الامام (عليه السلام) لا زمان غيره و لو زمان الغيبة، كأمره (عليه السلام) مواليه بالخمس مما صار في أيديهم من أموال الخرمية الفسقة في صحيحة ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 153

مهزيار(1)الطويلة، و كذا حقوقهم من الأخماس التي لهم و قبيلهم مما حصل و ثبت استحقاقهم إياه في يد غيرنا ممن خالفنا من سائر الفرق تشبثوا بصورة الإسلام أولا، فأباحوا لنا سائر التصرفات بما في أيديهم من مأكل و مشرب و منكح و متجر و مسكن و استيهاب و هدايا و عطايا و ميراث و غير ذلك، و إن علمنا ثبوت حقوقهم (عليهم السلام) فيها، للحكمة التي أشاروا (عليهم السلام) لها في المتواتر من أخبارهم، و هي تزكية شيعتهم و طيب ولادتهم حيث علموا عليهم السلام انه لا بد لشيعتهم من الاختلاط معهم و البيع و الشراء منهم و غير ذلك، و انه لا يمكنهم اعتزالهم عنهم بوجه من

الوجوه، بل لعل خصوص خبر سالم بن مكرم (2)المتقدم في المسألة ظاهر في ذلك كله إن لم يكن صريحا عند التأمل، كما ان

خبر الثمالي (3)مشعر بذلك أيضا، قال: «سمعته يقول: من أحللنا له شيئا أصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال، و ما حرمناه من ذلك فهو حرام»

بل و

خبر عبد العزيز بن نافع (4)قال: «طلبنا الاذن على أبي عبد الله (عليه السلام) و أرسلنا إليه (عليه السلام) فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين، فدخلت أنا و رجل معي، فقلت للرجل: أحب ان تستأذنه المسألة، فقال: نعم، فقلت له: جعلت فداك ان أبي ممن كان سباه بنو أمية و قد علمت ان بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا و لا يحللوا و لم يكن لهم مما في أيديهم قليل و لا كثير، و إنما ذلك، لكم، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد علي عقلي ما أنا فيه، فقال له: أنت في حل مما كان من ذلك، و كل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك»

إلى آخره، إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بإرادة الحل من


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 18.

ج 16، ص: 154

نحو ذلك الذي من الواضح عسر التعيش و حرجه بدونه، لا حقوقهم (عليهم السلام) من الأخماس

التي تثبت في الأموال التي بيد الشيعة بسبب اكتساب أو وجدان كنز أو غوص أو غير ذلك، و إن كان قد يشعر به بعض الأخبار لكنه معارض بما هو أقوى منه مما ستعرفه في المسألة الرابعة من غير فرق في ذلك بين نصف الخمس الذي لقبيلهم و النصف الذي لهم، و إن ظهر من صاحب المدارك الميل إلى عموم إباحتهم (عليهم السلام) ما لهم من الأنفال و من نصف الخمس الذي في أيدي الشيعة أو انتقل إليهم من يد غيرهم ممن خالفهم، لإطلاق كثير من الأدلة إباحة حقوقهم الشامل لذلك كله، إلا أنك ستعرف فيما يأتي ضعفه، و وجوب تنزيله على ما ذكرنا من حقوقهم، لمكان قوة المعارض، فإن أكثرها لا يأباه عند التأمل حتى

قول الصادق (عليه السلام) في خبر حكيم مؤذن بني عبس (1)في تفسير الغنيمة: «هي و الله الإفادة يوما بيوم إلا ان أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا»

على ان يراد به الحل مما يقع في أيديهم ممن و جب عليه عليه ذلك من غير الشيعة، أو يحمل هو و نظيره على إرادة التحليل من خصوص ذلك الامام (عليه السلام) في خصوص ذلك الزمان، أو غير ذلك كما ستعرف إن شاء الله، هذا.

و يمكن ان يراد باستثناء المناكح و المساكن انه لا بأس باتخاذهما من الربح في أثناء السنة و إن تعلق به الخمس، و انه لا يجب إحراجه بعد السنة بخلاف غيرهما من المؤن،

فإنه لا يستثنى له إلا مقدار السنة، و يجب عليه الخمس فيها بعد السنة كما أشرنا إليه في بحث المئونة، بل لعل هذا مراد من سمعت تفسيره إياها بذلك فلا يرد عليه انهما كغيرهما من المؤن، ضرورة ظهور الفرق حينئذ بينهما و بين غيرهما، بل يمكن إرادة ما يشترى من الربح في أثناء السنة للتجارة و إن كان الخمس فيه من المتاجر على معنى ان له في أثناء السنة الشراء للتجارة و لو بعد أن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 8.

ج 16، ص: 155

يربح و تعلق الخمس به و إن استلزم ذلك التأخير سنين، و لا يجب عليه بتمام السنة إخراج خمس المال مع عدم ظهور ربح فيه باعتبار أن ثمنه كان من ربح تلك السنة و تعلق فيه الخمس، و إن كان الأحوط له إخراج الخمس من ثمنه، فإذا تجدد له ربح كان من ربح السنة الثانية، و إن كان يقوى جواز إبقائه، و تلحقه حصته من الربح المتجدد مضافا إلى ما فيه من خمس السنة الأولى، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و الله العالم.

[المسألة الرابعة لزوم إيصال الخمس إلى الإمام (ع) حين حضوره (ع)]

المسألة الرابعة ما يجب من الخمس بأحد الأسباب السابقة يجب صرفه اليه مع وجوده و حضوره (عليه السلام) كما هو ظاهر الأكثر و صريح البعض كالفاضل في قواعده و غيره، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته، ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله، أما حصة قبيله فالظاهر انها كذلك أيضا، خصوصا خمس الغنائم وفاقا لمن عرفت، تحصيلا للفراغ اليقيني، و لأنه الواقع و المأثور، بل كان و كلاؤهم (عليهم السلام) على قبض الخمس في كثير من النواحي حتى في الغيبة الصغرى، و لظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم (ع) و تحليلهم (عليهم السلام) بعض الناس منه، و غير ذلك مما يومي إلى ان ولاية التصرف و القسمة إليه (عليه السلام)، و للأمر بإيصاله إلى وكيله (عليه السلام) في صحيحة ابن مهزيار(1)الطويلة، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في ان الخمس جميعه للإمام (عليه السلام) و إن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله، و لذا لو زاد كان له (عليه السلام)، و لو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه، و حللوا منه من أرادوا.

خلافا للفاضل في المنتهى و التحرير و التذكرة فاجتزى بإيصالها إلى أهلها


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.

ج 16، ص: 156

في غير خمس الغنائم على إشكال فيه أيضا في الأولين، بل عن المصنف الاجتزاء بالإيصال إلى الأصناف مطلقا في الغنائم و غيرها، لاقتضاء

امتثال إطلاق الأمر الاجتزاء، و لا ريب في ضعفه، خصوصا و كثير من الأخبار كالكتاب مشتمل على مجرد ثبوته في المال بأحد الأسباب السابقة مما هو حكم و ضعي لا تكليفي كي يستدل بإطلاقه، فما في المدارك من الإشكال في إطلاق وجوب صرف الخمس كله للإمام (عليه السلام) مع حضوره ليس بتلك المكانة، لكن قال: إن الأمر فيه هين، و فيه انه و إن كان كذلك ظاهرا من حيث أنا في زمن الغيبة إلا انه قد تترتب عليه قوة القول بمساواة حصة قبيله حصته في وجوب صرفها في هذا الزمان إلى يد الفقيه العادل الذي هو وكيل الامام (عليه السلام) و منصوبه العام و المتولي لكل ما يتولاه، كما عن المجلسي الميل اليه أو القول به لا حصته فقط.

و أما مع غيبته (عليه السلام) التي عبر عنها المصنف ب عدمه مخالفا للحسن المأنوس غير المستبشع من التعبير، بل للصحيح منه الموافق للأدب ف قيل و القائل الديلمي و تبعه صاحب الذخيرة، و لا ثالث لهما فيما أجد، نعم حكاه في المقنعة و النهاية و غيرهما قولا من دون تعيين القائل، و في الحدائق عن جملة من معاصريه، بل قال: إنه مشهور بينهم، و عن المحدث عبد الله بن صالح البحراني يكون الخمس بأجمعه مباحا للشيعة و ساقطا عنهم، فلا يجب إخراجه عليهم، للأخبار المتقدم سابقا في أول مسائل الأنفال أكثرها مع زيادة

خبر يونس بن يعقوب (1)قال: «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) فدخل عليه رجل من القماطين فقال: جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح و الأموال و التجارات، و نعرف ان حقك فيها ثابت، و إنا عن ذلك مقصرون، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم»

و خبر ضريس


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 6.

ج 16، ص: 157

الكناسي (1)قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): «أ تدري من اين دخل على الناس الزنا؟ فقلت: لا أدري، فقال: من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين، فإنه محلل لهم و لميلادهم»

و خبر محمد بن مسلم (2)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول:

يا رب خمسي، و قد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم و لتزكوا أولادهم»

و صحيح زرارة(3)عن الباقر (عليه السلام) قال: «إن أمير المؤمنين (عليه السلام) حللهم يعني الشيعة من الخمس لتطيب مواليدهم»

و خبر أبي حمزة(4)عنه (عليه السلام) في حديث، قال: «إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت

سهاما ثلاثة في جميع الفي ء، ثم قال تبارك و تعالى (5)«وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» فنحن أصحاب الخمس و الفي ء، و قد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا، و الله يا أبا حمزة ما من ارض تفتح و خمس يخمس فيضرب على شي ء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا»

و المرسل (6)المروي عن تفسير العياشي عن الصادق (عليه السلام) قال:

«إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال: يا رب خمسي، و إن شيعتنا من ذلك في حل».

و المناقشة فيها و فيما تقدم من الأخبار أيضا بإرادة تحليل إمام ذلك العصر (عليه السلام) خاصة في حقه خاصة، فلا يتناول نحو زماننا، و لا النصف الآخر الذي هو لغيره، لأنه ليس له إلا تحليل ما يملكه فقط دون ملك غيره كما عن ابن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 15.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 19.
5- 5 سورة الأنفال- الآية- 42.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 22.

ج 16، ص: 158

الجنيد التصريح به، يدفعها ظهور أكثر الأخبار في إرادة دوام التحليل و استمراره و عموميته لتمام الخمس، سيما المشتمل منها على التعليل بطيب الولادة، بل كاد يكون صريح بعضها، فيعلم منه أنه (عليه السلام) له

الولاية على ذلك، و أنه مأمور من الله مالك الملك بذلك كما هو واضح، و أشير إليه في

مضمر أبي خالد الكابلي (1)قال: «قال: إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي ء، فإنه إنما يعمل بأمر الله»

مضافا الى ما علم من وقوع تحليله لبعض الناس في زمانه (عليه السلام) من تمام الخمس سهمه و سهم قبيله الذين هم عياله و أولى بهم من أنفسهم، بل هو كذلك بالنسبة إلى سائر المؤمنين فضلا عنهم فما سمعته عن ابن الجنيد مما لا ينبغي الالتفات اليه، بل كاد يكون مخالفا للمعلوم المقطوع به من المذهب، كما اعترف به في الحدائق، لتواتر التحليل بالنسبة إلى غير حق المحلل في الجملة، و لذلك أعرض عنه كل من تأخر عنه، على انه أباح صاحب الزمان (عليه السلام) أيضا روحي لروحه الفداء الخمس لشيعته في

التوقيع المروي عن كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب (2)أنه ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان (عليه السلام) «أما ما سألت عنه من أمر المنكرين- الى ان قال-:

و أما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران، و أما الخمس فقد أبيح لشيعتنا و جعلوا منه في حل الى ان يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم و لا تخبث».

نعم قد يناقش فيها بقصور أسانيد جملة منها عن إثبات المطلوب، سيما بعد إعراض المشهور عنها، بل و دلالة جملة أخرى منها بسبب ظهورها في إباحة حقه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 16.

ج 16، ص: 159

(عليه السلام) خاصة من الخمس لا تمامه، و حتى باقي الأئمة (عليهم السلام) و باقي الذرية، بل في الرياض «ليس في شي ء منها تصريح بإباحة الأخماس كلها، بل و لا ما يتعلق بالأئمة (عليهم السلام) جميعا، و إنما غايتها إفادة إباحة بعضهم شيئا منها أو للخمس مطلقا، لكن كونه ما يتعلق بالجميع أو به خاصة فلا، مع ان مقتضى الأصول تعين الأخير- بل قال-: و ليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة و التصريح بدوامها و إسنادها بصيغة الجمع في جملة دلالة على تحليل ما يتعلق بالأصناف الثلاثة بل و لا ما يتعلق بمن عدا المحلل من باقي الأئمة (عليهم السلام)، لظهور أن ليس المقصود من الأول تطيبها من كل محرم، و إلا لاستبيح بذلك أموال الناس كافة و هو مخالف للضرورة، فيحتمل طيبها من مال المحلل خاصة أو ما يتعلق بجميعهم (عليهم السلام) من الأمور الثلاثة المتقدمة، كما نزلها عليه جمهور الأصحاب و إرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام و الإباحة بصيغة الجمع، فلا دلالة في شي ء منها على عموم التحليل و الكلية، مع ان «حللنا» بالإضافة الى من يأتي مجاز قطعا و كما يمكن ذلك يمكن التعبير عن المحلل أو مع من سبقه خاصة، و الترجيح لا بد له من دليل، و ليس، إن لم نقل بقيامه على الأخير، و لذا في المدارك لم يجعل هذه القرائن إمارة على إباحة الأخماس مطلقا، و انما استند إليها لا ثباتها بالإضافة إلى حقوقهم (عليهم السلام) خاصة، و لكن فيه أيضا ما عرفته» انتهى.

و ان كان فيه من المنع ما لا يخفى ان أراد إنكار الظهور فضلا عن أصل الدلالة، و كيف و في بعضها التصريح بالتحليل الى يوم القيامة، و في آخر «فليبلغ الشاهد الغائب» و في ثالث «شيعتنا و أبناءهم» و في رابع «الى ان يظهر أمرنا» الى غير ذلك من القرائن الكثيرة، بل إنكار ظهور التعليل بذلك مكابرة واضحة كإنكار ظهورها في إرادة تمام الخمس، خصوصا المصرح فيها بلفظه، إذ احتمال إرادة الحق منه لا دليل عليه فيها، بل قد يدعى ظهور ارادة تمامه من المشتمل

ج 16، ص: 160

على التعبير بحقي منها، فضلا عن الذي هو بصيغة الجمع منها كما لا يخفى على من لاحظها بتمامها بعين الانصاف، بل و لا يخفى أيضا ظهورها في إباحة الأعم من الثلاثة التي ادعى تنزيل الأصحاب لها عليها، بل هو كصريح بعضها، بل هي جميعها تأبى التنزيل على ارادة النكاح منها بالتفسير الثاني له، بل هو: لا يناسبه التعليل، ضرورة عدم خبث الولادة بحرمة مهر الزوجة كما تقدمت الإشارة إليه سابقا، الى غير ذلك مما في كلامه و ان كان قد سبقه ببعضه أو أكثره المحدث البحراني في حدائقه.

نعم هي بأسرها قاصرة عن مقاومة ما دل على وجوب إخراج الخمس سهمهم و سهم قبيلهم، و عدم إباحة شي ء منه، ك

خبر محمد بن زيد الطبري (1)قال:

«كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) يسأله عن الاذن في الخمس، فكتب اليه بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب، و على الخلاف العذاب، لا يحل مال إلا من وجه أحل الله، ان الخمس عوننا على ديننا و على عيالاتنا و على موالينا، و ما نبذل و نشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته، فلا تزووه عنا، و لا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه، فان إخراجه مفتاح رزقكم، و تمحيص ذنوبكم، و ما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم، و المسلم من يفي بما عهد اليه، و ليس المسلم من أجاب باللسان و خالف بالقلب، و السلام».

و خبره الآخر(2)قال: «قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس، فقال: ما أمحل هذا، تمحضونا المودة بألسنتكم، و تزوون حقا جعله الله لنا و جعلنا له، و هو الخمس،


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 3.

ج 16، ص: 161

لا نجعل أحدا منكم في حل».

و الحسن (1)كالصحيح «كنت عند أبي جعفر الثاني (عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل و كان يتولى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها، فقال له: أنت في حل، فلما خرج صالح قال أبو جعفر (عليه السلام): أحدهم يثب على أموال آل محمد و يتاماهم و مساكينهم و فقرائهم و أبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي ء فيقول: اجعلني في حل، أ تراه ظن اني أقول لا افعل، و الله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا».

و خبر أبي بصير(2)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما أيسر ما يدخل به العبد النار، قال: من أكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم»

و صحيحة علي ابن مهزيار(3)الطويلة المتقدمة في الأبحاث السابقة، و المحكي من عبارة الفقه الرضوي (4)المشتملة على المبالغة في التشديد بإخراجه.

و

خبر الحسين بن حمدان (5)المروي عن الخرائج و الجرائح في حديث عن صاحب الزمان (عليه السلام) «انه رآه و تحته بغلة شهباء و هو

متعمم بعمامة خضراء يرى منه سواد عينيه، و في رجله خفان حمراوان، فقال: يا حسين كم ترزأ على الناحية و لم تمنع أصحابي من خمس مالك- ثم قال-: إذا مضيت إلى الموضع الذي تريد أن تدخله عفوا و كسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه، قال: قلت: السمع و الطاعة- ثم ذكر في آخره- أن العمري أتاه و أخذ خمس


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الأنفال- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
4- 4 المستدرك- الباب- 1- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 8.

ج 16، ص: 162

ماله بعد ما أخبره بما كان».

و خبر أبي الحسن الأسدي (1)عن أبيه المروي عن الإكمال، قال: «ورد على توقيع من محمد بن عثمان العمري ابتداء لم يتقدمه سؤال، بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على من استحل من ما لنا درهما- إلى ان قال-: فقلت: في نفسي إن ذلك في كل من استحل محرما، فأي فضيلة في ذلك للحجة، فو الله لقد نظرت بعد ذلك التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين على كل من أكل من ما لنا درهما حراما، قال الخزاعي: و أخرج إلينا أبو علي الأسدي هذا التوقيع حتى نظرنا فيه و قرأناه».

و خبر محمد بن جعفر الأسدي (2)قال: «كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب

الدار (عليه السلام) و أما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا و يتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون و نحن خصماؤه فقد قال النبي (صلى الله عليه و آله): المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني و لسان كل نبي مجاب، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا، لعنة الله عليه، يقول الله عز و جل (3)«أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ» إلى ان قال-: و أما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها و أداء الخراج منها و صرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر و تقربا إليكم فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيرنا بغير إذنه فكيف يحل ذلك في ما لنا، انه من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه، و من أكل من ما لنا شيئا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 6.
3- 3 سورة هود ع- الآية 21.

ج 16، ص: 163

فإنما يأكل في بطنه نارا، و سيصلى سعيرا»

إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي مر في أثناء الأبحاث السابقة شطر منها من خبر الريان بن الصلت (1)و صحيح ابن مهزيار(2)عن أبي علي بن راشد، و خبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري (3)و غيرها مما لا يمكن الإحاطة بها، و لقد أجاد بعض مشايخنا في دعوى تواترها.

و مع ذلك فهي معتضدة بالاعتبار المستفاد من جملة من الأخبار(4)المشتملة على بيان حكمة مشروعية الخمس للذرية، و انه عوض عن الزكاة صيانة لهم من الأوساخ، و كفا لماء وجوههم، بل و معتضدة بالمعلوم من سبر أخبار غير المقام بل و بعض أخباره (5)من أن لهم (عليهم السلام) وكلاء في الأطراف على قبض الأخماس، خصوصا في الغيبة الصغرى التي هي نيف و سبعون سنة، فان النواب الأربعة كانوا يقبضون فيها الأخماس و يعملون بها بأمره كما اعترف به المجلسي و غيره، بل قيل: و بظاهر الكتاب أيضا، و ما كان مثله من السنة أيضا كأخبار كيفية القسمة(6)و غيرها، و إن كان قد يقال لا دلالة فيها على عدم التحليل و الإباحة، بل أقصى ما يستفاد منها حكم و ضعي هو ثبوت الخمس الذي لا ينافيه ورود التحليل منهم بل يؤكده، اللهم إلا ان يدعى إرادة التكليفي منه الذي هو أداؤه إلى مستحقيه، فينافيه حينئذ أخبار الإباحة، و يحتاج تقديمها إلى مرجح و ليس، بل هو على العكس قائم بسبب الاعتضاد بالأصول و أخبار الباب و غيرها من حرمة التصرف بمال الغير و نحوها، مضافا إلى الاعتضاد بفتاوى الأصحاب، إذ القائل بتحليل تمام الخمس في غاية الندرة، بل لعله لا يقدح في تحصيل الإجماع على خلافه.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس.

ج 16، ص: 164

و المناقشة في دلالة الآية باختصاصها بالغنائم المختصة بحال الحضور دون الغيبة. و بأنها من خطاب المشافهة المحتاج تعديه

إلى غيره إلى الإجماع، و هو انما يتم مع التوافق في الشرائط الممنوع في محل البحث في غاية الضعف، كما أشرنا إليه فيما تقدم من البحث في خمس أرباح المكاسب، كالمناقشة في دلالتها و دلالة ما ماثلها من الأخبار على استحقاق الأصناف و ملكيتهم نصف الخمس لينافي التحليل من الامام (عليه السلام) له، و إن أطنب في بيانها في الذخيرة كما أنه أطنب في الحدائق و الرياض في رده لكن ليس للجميع ثمرة يعتد بها، لتناهي أصل المناقشة في الوهن بحيث لا تحتاج إلى شد حيزوم أو تشمير ساعد.

و بالجملة لا ريب في مرجوحية أخبار التحليل بالنسبة إلى ما دل على عدمه من وجوه كثيرة، فلا وجه للجمع بينهما بتقييد الثانية بأخبار التحليل الذي لا يقبله كثير منها، إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا، أو بحمل الأولى على زمن الغيبة و الثانية على الحضور الذي يأباه كل منهما، ضرورة ظهور أخبار التحليل أو صراحتها في الحضور أو في الأعم منه و من الغيبة، كظهور مقابله فيه أيضا، بل لعل بعضها في الغيبة أظهر منه في الحضور، خصوصا ما تضمن حكمة مشروعية الخمس و تعويضهم عنه بدل الزكاة، و إرادة كف وجوه ذرية رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن السؤال و الذل و المسكنة، و انه لو يعلم الله عدم كفايته لهم لشرع لهم غيره، أو بغير ذلك من أوجه الجمع التي يقطع بفسادها بأدنى نظر و تأمل، و لقد أجاد في السرائر في رد هذا القول بعد ان حكاه عن قوم بأنه لا يجوز العمل عليه و لا يلتفت اليه و لا يعرج عليه، لأنه ضد الدليل و نقيض الاحتياط و أصول المذهب و تصرف في مال الغير بغير إذن قاطع، فلا يجوز العمل به على حال، إلى آخره، و نحوه غيره من أساطين الأصحاب، على انه لم يظهر لنا مراد قائله هل هو سقوط الخمس بحيث لو أخرجه من كان في يده على انه خمس و تناوله أحد منه كان

ج 16، ص: 165

أكل مال بالباطل، أو عدم وجوبه عليه و إن كان لو أخرجه صح لأهله تناوله، أو أن المراد الإباحة لغير من في يده من الشيعة، و إلا فهو يجب عليه إخراجه، و إن كان الظاهر إرادته الوسط، بل قد يقطع بعدم إرادته الأخير، لكن على كل حال ضعف هذا القول في غاية الوضوح.

و من هنا قيل على ما حكاه غير واحد من أجلاء الأصحاب بأنه يجب عزله و حفظه ثم يوصى به إلى ثقة عند ظهور إمارة الموت و هكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر (عليه السلام) روحي لروحه الفداء، إلا اني لم أعرف قائله بالخصوص و إن نسبه بعضهم إلى المفيد في المقنعة، لكن ظني انه و هم كما لا يخفى على من تدبر عبارتها تماما، فإنه و إن كان قد حكى القول بالسقوط و بالدفن و باستحباب صلة الذرية و فقراء الشيعة و القول بالوصية به، و قال: «إن هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق وجب لصاحبه (عليه السلام) لم يرسم ما يصنع فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء اليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه و التمكن من إيصاله اليه» إلا انه قال بعد ذلك بلا فاصل: «و إن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام (عليه السلام) و جعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد (صلى الله عليه و آله) و أبناء سبيلهم و مساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابة الحق في ذلك، بل كان على صواب» و ظاهره اختيار الأخير، و نحوه في ذلك الحلي في سرائره، بل هو أصرح فيما قلناه.

و كيف كان فلم نقف له على دليل سوى ما أشار إليه من كون الخمس حقا لإمام لم يأمرنا ما نصنع فيه، فيجب حفظنا له كما في سائر الأمانات الشرعية، و فيه- مع ما في الإيداع من التغرير بالمال و تعريضه للتلف سيما في مثل هذه الأوقات- منع كونه تماما للإمام (عليه السلام) إن أراد الملكية و الاستحقاق كما بيناه سابقا، و دلت عليه الآية و أخبار القسمة و غيرها، و إن ناقش فيه بعض

ج 16، ص: 166

متأخري المتأخرين بما لا ينبغي الإصغاء اليه، و لكن أطنب في رده بعض الناس بل و كذا إن أراد ولاية التصرف و القسمة المقتضيين تسليمه بيده (عليه السلام) ليعطي من يشاء كيف يشاء و يمنع من يشاء، لعدم ظهور دليلها في الأعم من حالتي الظهور و الغيبة، و كيف و قد ناقش بعضهم في وجوبها حال الحضور، فجوز دفع نصف الخمس إلى أهله لمن كان في يده تمسكا بالأصل و إطلاق أدلة استحقاقهم له و وجوبه على من كان في يده كما تقدم البحث فيه سابقا، و إن كان الأصح عندنا وجوب الدفع للإمام (عليه السلام) حال الظهور، لما عرفت.

إلا ان الانصاف عدم ظهور في الأدلة السابقة فيما يشمل مثل هذا الزمان، بل قد يظهر من بعضها خلافه، خصوصا ما دل منها على حكمة مشروعية الخمس السابقة، بل في

المروي عن كتاب الطرائف لابن طاوس بإسناده عن عيسى بن المستفاد(1)عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) تصريح بخلافه، قال: «إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال لأبي ذر و سلمان و المقداد: أشهدوني على أنفسكم بشهادة ان لا إله إلا الله- إلى ان قال-: و أن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصي محمد (صلى الله عليه و آله) و أمير المؤمنين و أن طاعته طاعة الله و طاعة رسوله، و الأئمة من ولده (عليهم السلام) و أن مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن و مؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها، و إخراج الزكاة من جلها، و وضعها في أهلها، و إخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتى يدفعه إلى ولي المؤمنين و أميرهم، و من بعده من الأئمة (ع) من ولده فمن عجز و لم يقدر إلا على اليسير من المال فليدفع ذلك الى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة (عليهم السلام)، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس و لا يريد بهم إلا الله تعالى- الى ان قال-: فهذه شروط الإسلام»


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 21.

ج 16، ص: 167

فيبقى حينئذ ما دل على استحقاقهم النصف و ملكهم إياه المقتضيين تسليمه إياهم كما هو الموافق لأصول المذهب على حاله سالما عن

المعارض، مقتصرا في الخروج عنه على المتيقن، و هو حال الظهور دون غيره، كالزكاة التي الخمس بدل عنها، فإنها لا تسقط و لا يوصى بها إجماعا في هذه الأزمان و ان كان يجب تسليمها للإمام (عليه السلام) عند الظهور، اللهم إلا أن يفرق بينهما بظهور أشدية تعلق حق الامام (عليه السلام) بالخمس دونها، و لذا لو زاد كان له.

بل ربما قيل أو يقال انه بأجمعه له، كما يومي اليه إضافته إلى نفسه و تصرفه به بالتحليل و غيره و إن كان يجب ان يصرف منه على الأصناف الثلاثة ما يكفيهم بل و عن غيره لو نقص عنهم، ففي الحقيقة جعلهم الله عيالا له، و أوجب له في رقاب الناس ذلك مقابلة هذه العيلولة، إلا أن التحقيق ما قدمناه سابقا الذي ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه، و مع الإغضاء عن ذلك كله فيندفع جميع ما تقدم بتسليمه الى الفقيه المأمون الذي هو وكيله على كل ما كان يفعله من القسمة و نحوها، إذ احتمال قصر وكالته على خصوص القضاء و الفتوى كما في الحدائق ضعيف جدا مناف لما عليه الأصحاب في سائر الأبواب، بل و للمعلوم من ضرورة المذهب.

و على كل حال فهذا القول في غاية السقوط، و أولى منه بذلك ما حكاه الشيخان و الحلي و غيرهم، بل أشار إليه المصنف بقوله قيل من انه يجب ان يدفن تمام الخمس، إذ هو- مع انه مجهول القائل مناف للاحتياط و الاعتبار و الكتاب و السنة و فتاوى الأصحاب و الأصول العقلية و الشرعية- لم نقف له على دليل سوى ما أرسل (1)من ظهور الكنوز عند قيام القائم (عليه السلام)، و هو- مع انه ليس بحجة في نفسه فضلا عن أن يعارض تلك الحجج، بل أقصاه


1- 1 البحار المجلد 13 ص 177« باب خروجه عليه السلام و ما يدل عليه» الطبعة الكمباني.

ج 16، ص: 168

ظهور الكنوز التي تصادف قيامه (عليه السلام)، و إلا فقد تتلف أو تلتقط قبل ذلك- لا دلالة فيه على الاذن بذلك فضلا عن الأمر به، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

و أما ما قيل من انه يصرف النصف إلى مستحقيه و يحفظ ما يختص به بالوصاية أو الدفن فهو جيد جدا بالنسبة للشق الأول منه موافق للمشهور بين الأصحاب قديما و حديثا نقلا و تحصيلا إن لم يكن المجمع عليه، و للأصول و الكتاب و السنة التي قد علمت قصور أخبار التحليل عن مقاومتها، بل يجب تنزيلها على ما ذكره غير واحد ناقلا له عن الأصحاب من إباحة المناكح أو هي و القسمين الآخرين معها، و إن كان لا يساعده سياق كثير منها كما تقدمت الإشارة إليه سابقا، أو على ما حكي عن المجلسي في بعض حواشيه على التهذيب و الكافي من إرادة الإباحة و التحليل قبل إخراج الخمس بمعنى ان له ضمانه في ذمته ثم يتصرف بما فيه عين الخمس في المناكح و المساكن و المتاجر لا سقوط الخمس و براءة الذمة منه، و إن كان فيه من العجب ما لا يخفى، بل هو مخالف للمجمع عليه بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، ضرورة معلومية الإباحة في الأمور الثلاثة بالتفاسير المتقدمة، بمعنى

سقوط الخمس منها كما مر الكلام فيه مفصلا، أو على إرادة الإباحة من حقوقهم (عليهم السلام) خاصة في زمانهم لا الإباحة الشاملة لحق الأصناف و حق الصاحب (عليه السلام) في زمانه، إذ من المعلوم انه في الغيبة الصغرى و هي نيف و سبعون ستة كان الوكلاء الأربعة المشهورون يقبضون حقه بل سائر الخمس من الشيعة و يعملون به بأمره (عليه السلام)، و إن كان أيضا لا يلائمه ما في جملة منها من إرادة دوام الإباحة منها و عمومها، على انه ورد منه (عليه السلام) في التوقيع السابق الإباحة، أو على ما أشرنا إليه غير مرة من إرادة

ج 16، ص: 169

تحليل ما تعلق فيه الخمس في يد غيرنا من المخالفين و غيرهم منكحا كان أو مسكنا أو متجرا أو غيرها، و لو فرض فيها ما يأبى ذلك و كان معتبر السند أمكن حمله على إباحة خصوص ذلك الامام (عليه السلام) في ذلك الزمان أو غير ذلك.

و اما الشق الثاني منه فهو و إن كان مال إليه في المقنعة و اختاره في النهاية لما سمعته في وجهي القولين السابقين لكن في الدفن الذي هو أحد فردي التخيير منه ما عرفت، و من هنا اقتصر في السرائر بعد اختياره له على الفرد الأول منه مصرحا بعدم جواز الثاني، كالمحكي من عبارة ابن البراج و أبي الصلاح بل في السرائر «أن هذا القول هو الذي يقتضيه الدين و أصول المذهب و أدلة العقول و أدلة الفقه و أدلة الاحتياط، و اليه يذهب و عليه يعول جميع محققي أصحابنا المصنفين المحصلين الباحثين عن مأخذ الشريعة و جهابذة الأدلة و نقاد الآثار بغير خلاف بينهم» الى آخره، لكن قد يناقش فيه أيضا بأنه يتم حيث لا دليل يدل على وجوب دفعه الى قبيلة من الأصناف الثلاثة كما ادعاه فيها بل حكى عن سائر المحصلين التصريح بعدم نص فيه معين، و أطنب بنقل عبارات بعض من صرح بذلك أو يظهر منه كالمفيد و المرتضى و الشيخ، و هو ممنوع، إذ قد يستدل عليه- مضافا إلى الفحوى المورثة علما برضاه في الدفع إلى أقاربه و عياله المحتاجين الحيارى ذكورا و أناثا الذين لا يعلمون كيف يفعلون و لا يدرون اين يتوجهون خصوصا مع عداوة أكثر الناس لهم، و إرادتهم إراقة دمائهم بغضا و حسدا لآبائهم، بل قد يقطع من ذلك و نحوه بعدم رضاه في المنع فضلا عن إذنه بالجواز و كيف و قد كانوا يبيحون ما هو أعظم من ذلك للأجانب عنهم مع حاجتهم اليه فضلا عن أقاربهم و غناهم عنه، و إلى معرضية للتلف إن لم يدفع، بل لعل ذلك من الإحسان المحض الذي لم يجعل الله سبيلا على فاعله، و إلى ظاهر خبر عيسى بن

ج 16، ص: 170

المستفاد(1)المروي عن كتاب الظرائف لابن طاوس الذي قدمناه آنفا- ما سمعته سابقا من وجوب إتمام الناقص من الخمس عن مئونة الأصناف على الامام (عليه السلام) من ماله و أخذه الزائد للمرسلين (2)السابقين المنجبرين

بما عرفت، و إن بالغ الحلي في إنكار ذلك و أطنب على ما أشرنا إليه سابقا، بل استظهر من نفي المفيد و غيره النص في هذه المسألة و إيجابهم الوصية به و نحوها عدم اعتمادهم على هذين المرسلين لكن فيه انه لعلهم لم يعثروا عليهما أو غفلوا عنهما أو لم يتنبهوا لتفريع ذلك على ما فيهما، أو غير ذلك.

و من هنا قيل: لا يوصى به و لا يدفن بل يجب أن تصرف حصته (عليه السلام) إلى الأصناف الموجودين أيضا، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية، و كما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبدا، بل اختاره المصنف فقال:

و هو الأشبه وفاقا للتحرير و ظاهر المحكي من عبارة غرية المفيد و زاد المعاد للمجلسي و كشف الأستاذ و المنقول في الرياض عن الديلمي و جمع من متأخري المتأخرين و إن كنا لم نتحققه، خصوصا الأول، إذ المحكي عنه في المختلف الإباحة لسائر الخمس، و مع التسليم فلم يبلغوا حد الشهرة الجابرة للمرسلين بالنسبة إلى ذلك كي يصح العمل بهما فيه، بل هي بسيطة و مركبة على خلافه، إذ الظاهر من مقنعة المفيد و المحكي من جواب مسائل له في السرائر و نهاية الشيخ و عن مبسوطة بل و غيره من كتبه و سرائر الحلي و ما عن ابن البراج و أبي الصلاح و غيرهم وجوب الوصية به و نحوها لا جواز الدفع إليهم فضلا عن وجوبه، و في الوسيلة «أنه يقسم بين مواليه و العارفين بحقه من أهل الفقه و الصلاح و السداد» و أما المتأخرون


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الأنفال- الحديث 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 1 و 2.

ج 16، ص: 171

فالمصنف في النافع و الفاضل في المختلف و الإرشاد و القواعد و ظاهر المنتهى و الشهيدان في الدروس و البيان و اللمعة و ظاهر الروضة و غيرهم على جواز الدفع و التخيير بينه و بين الوصية و نحوها لا وجوبه، بل نسبه إلى المشهور في الروضة و إلى كثير في الرياض، بل ظاهر موضع آخر من الثاني انه الذي استقر عليه رأي المتأخرين، و في المدارك و المفاتيح و الوافي و الحدائق سقوطه في زمن الغيبة، فأي شهرة يمكن أن تدعى حينئذ على الوجوب، بل هي على الخلاف متحققة إن لم يكن إجماع، بل لا صراحة في المتن و التحرير و المحكي من عبارة الغرية بإرادة الوجوب و إن كان ما ذكر دليلا للحكم في الأولين من إيجاب الإتمام ظاهرا في ذلك أو صريحا، و من العجيب ذكره ذلك في المختلف و المنتهى بل و غيرهما دليلا للجواز مع اقتضائه الوجوب، فتأمل.

و كيف كان فالعمل بالمرسلين السابقين غير موافق لأصول المذهب بعد ما عرفت، و احتمال عدم احتياج العمل بهما بالنسبة إلى ذلك إلى جابر- إذ ليس هو مدلولهما بل هو لازم ما تضمناه من قسمة الامام (عليه السلام) الخمس بينهم قدر الكفاية، فإن أعوز كان عليه، و إن زاد كان له الذي قد عرفت انجباره بعمل الأصحاب هناك، بل لا خلاف فيه إلا من الحلي كما قدمنا البحث فيه سابقا- يدفعه انه عمل بهما، و ذلك لاستفادة وجوب الإتمام عليه في هذا الزمان منهما المقتضي استحقاقهم أخذ حقه و وجوب دفع الوكيل الذي هو الفقيه إياه إليهم تفريغا لذمة الإمام (عليه السلام) كما أومأ إليهم تعليل غير واحد منهم بعدم سقوط الوجوب بالغيبة، على أنه لو سلم ذلك كله لأمكن المناقشة في دلالتهما بما ذكرناه سابقا في محله من ظهور هما في كيفية قسمة تمام ما شرعه الله تعالى من الخمس حال انبساط يد الامام (عليه السلام) و ظهور سلطانه و تساوي الغريب و البعيد اليه و القوي و الضعيف المقتضي لجلب تمام ما يحصل من الخمس اليه، فيقسمه هذه القسمة

ج 16، ص: 172

المسطورة نحو ما يقسم ما يحصل من الزكاة كذلك،

قال في المرسل المزبور(1)المشتمل على قسمة الخمس كما عرفت في حاصل الأرض المفتوحة عنوة «بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا، و نصف العشر مما سقي بالدوالي و النواضح، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله على ثمانية أسهم لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ ثمانية أسهم، تقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق و لا تقتير، فان فضل من ذلك

شي ء رد إلى الوالي، و إن نقص من ذلك شي ء و لم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا»

إلى آخره، و في

المرسل المزبور أيضا(2)«و هو وارث من لا وارث له، يعول من لا حيلة له»

إلى غير ذلك مما هو ظاهر في أن ذلك عند بسط يد الامام (عليه السلام) لا في مثل زمن الغيبة أو نحوه مما كان فيه الامام (عليه السلام) بهذا الحال، فإنه لا يجب عليه قطعا- لو اتفق حصول الجزء اليسير في يده الذي هو كالعدم بالنسبة إلى الخمس كله- إعطاؤه تماما للأصناف و دفعه إليهم، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان، خصوصا مع خلو الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) عن فعل أحد منهم شيئا من ذلك مع انه كان لهم و كلاء في البلدان على قبض ما يحصل من ذلك و غيره، بل ظاهر ما ورد عنهم قبض حقهم لهم مما اتفق حصوله منه و إباحة من أرادوا إباحته، و لو كان الأمر كما سمعت لاختص ذلك بالأصناف، ضرورة كثرتهم و شدة حاجتهم و قلة ما يحصل من الخمس من بعد وفاة النبي (صلى الله عليه و آله) الذي هو أول زمان الابتلاء، و من المعلوم خلافه، كما انه من المعلوم عدم وجوب ذلك على الامام (عليه السلام) في مثل هذا الزمان المشرد فيه عن الأوطان، و الذي لم يستطع ان يرى فيه أحدا من أفراد الإنسان، و كيف


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 541- 542 الطبع الحديث.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 541- 542 الطبع الحديث.

ج 16، ص: 173

و سائر لوازم الإمامة ساقطة في هذه الأوقات المشحونة بالمحن و الابتلاءات، و دعوى توكيل الفقيه المأمون في القيام بما يمكن من ذلك عنه ممنوعة كل المنع، كدعوى القيام حسبة و إن لم يوكله كالولايات و نحوها في وجه.

و بالجملة فدعوى وجوب دفع حق الامام (عليه السلام) للأصناف الآن من حيث وجوب الإتمام عليه حتى في هذا الزمان للمرسلين السابقين مما لا تستأهل أن يسود بها قرطاس أو يستعمل فيها يراع و في

خبر المعلى بن خنيس (1)المروي في أصول الكافي في باب سيرتهم (عليهم السلام) في أنفسهم إذا أظهر أمرهم، قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) يوما: جعلت فداك ذكرت آل فلان و ما هم فيه من النعم، فقلت: لو كان هذا لكم لعشنا معكم، فقال (عليه السلام):

هيهات هيهات يا معلى أما و الله ان لو كان ذلك ما كان إلا سياسة الليل و سياحة النهار و لبس الخشن و أكل الجشب، فزوي ذلك عنا، فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله نعمة إلا هذه»

و هو كالصريح في سقوط هذه التكاليف عنهم عند قصور اليد، و أما الاستناد إلى إذن الفحوى بالطريق المتقدم ففيه منع حصول العلم بالرضا بذلك، إذ المصالح و المفاسد التي في نظر الامام (عليه السلام) مما لا يمكن إحاطة مثلنا به، خصوصا من لم تزهد نفسه في الدنيا منا، فقد يكون صلة واحد من شيعته أو

إطفاء فتنة بينهم أو فعل أمور لها مدخلية في الدين أولى من كل شي ء في نظره، كما يومي اليه تحليلهم بعض الأشخاص و أقاربهم في شدة الحاجة فكيف يمكن القطع برضاه فيما يفعله غيرهم، خصوصا مع عدم خلوص النفس من الملكات الردية كالصداقة و القرابة و نحوهما من المصالح الدنيوية، فقد يفضل على البعض لذلك و يترك الباقي في شدة الجوع و الحيرة، بل ربما يستغني ذلك البعض بقبض ما حصل له فيحتال في قبض غيره إلى تمليك زوجته أو ولده ما عنده


1- 1 أصول الكافي ج 1 ص 410 الطبع الحديث.

ج 16، ص: 174

كي يبقى فقيرا فيقبض ما يشاء، و كيف يمكن ان يقاس هذا بفعل أمير المؤمنين (عليه السلام)(1)مع عقيل الذي فر منه لعدم صبره على تلك المئونة، و يومي إلى جملة مما ذكرنا من عدم الاعتماد على نحو هذه الفحوى في أموالهم (عليهم السلام) ذيل توقيع العمري (2)الذي ذكرناه سابقا، بل كاد يكون صريحا في بعضه، ضرورة انه سأله عما يقطع في نظرنا و خيالنا بأنه إحسان محض و أنه يرضى به المالك و مع ذلك نهاه عنه.

و لو أغضينا عن ذلك كله و تكلفنا الجواب عنه كما لعله مقتضى الانصاف لاتجه منع اقتضاء الفحوى وجوب حصره في الأصناف الثلاثة بحيث لا يجوز صرفه في غيره من الوجوه و لا حفظه و الوصية به إلى أن يصل إلى يده (عليه

السلام)، كما هو واضح، و من هنا لم يوجبه كثير بل المشهور كما عرفت، فخيروا بينه و بين الوصية به، بل في القواعد خير بينهما في تمام الخمس، فقال: «و مع الغيبة يتخير المكلف بين الحفظ بالوصية به إلى ان يسلم اليه و بين صرف النصف إلى أربابه و حفظ الباقي و بين قسمة حقه على الأصناف» و إن كان فيه منع واضح بالنسبة إلى حصة الأصناف يعرف مما تقدم، و لذا اقتصر غيره على هذا التخيير في حق الامام (عليه السلام) خاصة جمعا بين ما دل على حكم الأمانة و بين ما دل على جواز دفعه للسادة من إذن الفحوى المستفادة مما عرفت، و مما ورد من الحث على إعانتهم و إكرامهم و سد فقرهم، سيما في مثل هذه الأزمان المقتضي للرضا بدفع ذلك إليهم بطريق أولى، لكن فيه ما سمعت من عدم انحصار ذلك فيهم خاصة، بل قد يتفق بعض مصارف يقطع الإنسان بأنها أولى


1- 1 البحار- ج 40 ص 347 الطبع الحديث- الباب 98 من المجلد التاسع الحديث 29 الطبعة الكمباني.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الأنفال- الحديث 6.

ج 16، ص: 175

من إعانة بعض السادة، خصوصا من لم يكن منهم في غاية الفقر و لا غاية التقوى و الصلاح، و من هنا لم يخصه ابن حمزة بهم كما سمعته، بل قال: «إنه ينقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر و الصلاح و السداد».

خلافا للحر العاملي في وسائله فجعل الدفع إلى غيرهم مرتبة ثالثة مشروطة بعدم حاجة الأصناف، و استوجهه في الرياض حيث قال: «و هل يجوز دفعه إلى الموالي كالذرية كما استحسنه ابن حمزة و نفى عنه البعد المفيد في غير الغرية أم لا؟

الوجه التفصيل بين وجود المستحق من الذرية فلا، و مع فقده فلا بأس به، لما مر من الاعتبار القطعي و أنه إحسان محض ليس شي ء على فاعله» انتهى، إلا أنك خبير بما فيه من عدم الدليل المعتبر القاطع للعذر في ذلك، كما انك خبير بأن ما سمعته من ابن حمزة ليس قولا بإباحة حقه (عليه السلام) لشيعته التي ذهب إليها الكاشاني في مفاتيحه، و مال إليها في المدارك تمسكا بما ورد من أخبار التحليل و الإباحة بعد حملها على إرادة حقهم (عليهم السلام) من ذلك و إن جاء بعضها بلفظ الخمس التي قد عرفت إعراض أكثر الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك، بل حملوها على ما تقدمت الإشارة اليه أو غيره، ضرورة اقتضاء ذلك عدم وجوب إخراجه و إفرازه على من و جب عليه من الشيعة، بخلاف الأول فإنه يوجب إخراجه بل و إيصاله إلى المجتهد على الظاهر و إن جوز له صرفه على من عرفت، لكن في الحدائق- بعد اختياره الإباحة في زمن الغيبة مصرحا بموافقة الكاشاني له و إن اختلف معه في مدرك ذلك- نقل قول ابن حمزة و قال: إنه عين ما اخترناه نعم اعترضه بأنه لا دليل على ما ذكره من التخصيص و إن كان أولى، و أولى منه صرفه على السادة المستحقين، و فيه ما عرفت، بل لعل مبنى اعتراضه أن مدركه في التحليل و الإباحة ليس إذن الفحوى كي يحتاج في إحرازها إلى هذه الأوصاف و لا أخبار التحليل الواردة من غير صاحب الأمر (عليه السلام)، لأنها منزلة

ج 16، ص: 176

على التحليل منهم في زمانهم لمن أرادوا تحليله، فلا يفيد بالنسبة إلى زماننا، بل هو خصوص التوقيع من صاحب الزمان (عليه السلام) الذي قدمناه سابقا في أخبار التحليل المشتمل على تحليل الخمس تمامه للشيعة الى ان يظهر أمرهم لتطيب ولادتهم و لا تخبث، إلا أنه يجب الخروج عنه في غير حقه لمكان المعارض دونه فيراد حينئذ منه تحليل حقه من الخمس لا غير، و فيه أن هذا التوقيع- مع معارضته بالتوقيعين و خبر الحسين عن الحجة (عليه السلام) أيضا المتقدمة في أخبار التحريم مقابل أخبار التحليل، بل و عدم اشتهاره بين أساطين الأصحاب من المفيد و الشيخ و غيرهما، بل قد سمعت ما في المقنعة من الاعتراف بعدم النص و شدة التحير و المحنة، و احتماله كثيرا من الوجوه التي ذكرناها في غيره من أخبار التحليل- انه لا يجوز الاعتماد عليه في قطع الأصول و الأدلة كتابا و سنة، لاشتمال سنده على المجاهيل الذين لا يجوز الركون إلى أخبارهم قبل التبين، فكيف مع تبين العدم.

و من ذلك كله يظهر لك سر ما ذكره المفيد من المحنة و الحيرة، لعدم وضوح مأخذ قاطع للعذر لشي ء من الأقوال المذكورة، كما يومي اليه ظهور الاضطراب في هذه المسألة من أساطين الأصحاب في تمام الخمس فضلا عن حق الامام (عليه السلام) منه، منهم المفيد في مقنعته كما عرفت، و الشيخ في نهايته فإنه- بعد أن اعترف بعدم النص المعين فيه، و حكى القول بالإباحة و الوصاية و الدفن و التفصيل بين حق الامام (عليه السلام) و غيره- قال: و هذا- مشيرا إلى الأخير- مما ينبغي أن يكون العمل عليه، ثم قال بعد أن ذكر مستند ذلك: «و لو أن إنسانا استعمل الاحتياط أو عمل على احد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن و الوصاية لم يكن مأثوما» و نحوه عن مبسوطة.

ج 16، ص: 177

لكن قد عرفت بحمد الله تعالى وضوح السبيل في مصرف حق غير الامام، و إن اضطرب فيه من عرفت، و اما حقه (عليه السلام) فالذي يجول في الذهن أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة، بل و لا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح على بعضها و إن كان هم أولى و أولى عند التساوي، أو عدم وضوح الرجحان، بل لا يبعد في النظر تعين صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه، إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه و إذهابه من غير فائدة قطعا، بل هو إتلاف له.

و أقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء، إذ معرفة المالك باسمه و نسبه دون شخصه لا تجدي، بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول اليه للجهل به، فيتصدق به حينئذ نائب الغيبة عنه، و يكون ذلك وصولا اليه على حسب غيره من الأموال التي يمتنع إيصالها إلى أصحابها، و الله أعلم بحقائق أحكامه.

[المسألة الخامسة أن الحاكم يتولى صرف سهم الإمام (ع)]

المسألة الخامسة صرح غير واحد بأنه يجب أن يتولى صرف حصة الإمام (عليه السلام) في الأصناف الموجودين بناء على أن الحكم فيه ذلك في زمن الغيبة من اليه الحكم ممن جمع شرائط الفتوى بحق النيابة التي جعلها الشارع له خاصة في أمثال ذلك، فيصرفه مؤديا به ما على الامام (عليه السلام) من الإتمام للخمس كما يتولى أداء ما يجب على الغائب غير الامام بل في الرياض نسبته إلى المتأخرين، و في المسالك الى كل من أوجب صرفه بذلك، و في المحكي عن زاد المعاد الى أكثر العلماء، لانحصار ولاية ذلك و أمثاله فيه. خلافا لما عساه يظهر من المحكي عن غرية المفيد من جواز صرفه لمن

ج 16، ص: 178

في يده، و مال إليه في الحدائق محتاجا بأنا لم نقف على دليل يوجب صرف الأموال و نحوها اليه لا عموما و لا خصوصا، بل أقصاه نيابته بالنسبة للترافع و الأخذ بحكمه و فتاواه، و قياسه على النواب الذين ينوبونهم (عليهم السلام) حال وجودهم لذلك أو لما هو أعم منه لا دليل عليه، و هو و إن كان كما ذكر خصوصا بالنسبة الى ما يخص الامام (عليه السلام) من الأموال- إذ دعوى ولايته عن الغائبين حتى الامام و حتى في ذلك كما ترى، و إلا كان من الواجب دفع تمام الخمس و الزكاة اليه على حسب ما كان حال ظهور الامام (عليه السلام) كما اعترف به المجلسي في المحكي عنه من زاد المعاد، حيث قال:

«و أكثر العلماء قد صرحوا بان صاحب المحكي عنه من زاد المعاد، حيث قال:

«و أكثر العلماء قد صرحوا بان صاحب الخمس لو تولى دفع حصة الإمام (عليه السلام) لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها الى الحاكم، و ظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس» انتهى. اللهم إلا أن يفرقوا بينهما بظهور الأدلة في ولاية الإمام (عليه السلام) على الخمس و الزكاة و نحوهما حال ظهوره، فيقتصر عليها في الخروج عن ظاهر الخطابات المقتضى الاجزاء بتولي المكلفين بهما صرفهما لا ما يشمل زمان الغيبة، فتسقط حينئذ ولايته فيه لا أنها باقية حتى يتولاها الحاكم عنه، و فيه بحث، على ان ذلك لو سلم لا يجدي فيما نحن فيه من دعوى عموم ولاية الحاكم حتى لمثل المقام الموقوفة على دليل، و ليس، لكن ظاهر الأصحاب عملا و فتوى في سائر الأبواب عمومها، بل لعله من المسلمات أو الضروريات عندهم.

بل صرح غير واحد منهم هنا بعدم براءة الذمة لو صرفه غيره و بضمانه، بل في الكفاية عن الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب الصرف للأصناف على الضمان، لكن في كشف الأستاذ «ان للمجتهد الإجازة و إن كان الأحوط الإعادة» كما ان فيه أيضا «لو دفع الى من ظنه مجتهدا فظهر خلافه فان بقيت العين استرجعت

ج 16، ص: 179

منه، و إن تلفت و كان عالما بأنه حق الصاحب (ع) ضمن، و إن تعذر إرجاعها و كان الدافع معذورا فلا ضمان عليه، و إلا ضمن» الى غير ذلك من الأحكام المذكورة هنا المبنية على المفروغية مما عرفت من ولايته و نصبه، بل في زماننا هذا من يصالح عن حقه بمقدار يحتمل نقيصته و زيادته في ذمة المصالح بمراتب، و لا يكلف بالدفع حتى يتيقن البراءة أو لا يتيقن بقاء الشغل، و بالجملة يجرونه مجرى حضور الامام (عليه السلام) بالنسبة الى جميع ذلك، و منه عدم جواز تولي غيره صرفه، نعم في كشف الأستاذ «جوازه لعدول المسلمين إذا تعذر الوصول اليه و لم يمكن حفظ المال حتى يصل الخبر» كما أن فيه و في غيره التصريح بجواز التوكيل فيه، إلا انه لا يخفى عليك عدم جرأة المتورع على بعض هذه الاحكام، لعدم وضوح مأخذها خصوصا بعد ان شرع له العقل و الشرع طريق الاحتياط.

ثم إن ظاهر بعضهم ان إيجاب الدفع المزبور للحاكم إنما هو حيث نقول بأن الحكم فيه الصرف و إلا فبناء على وجوب حفظه لأنه أمانة أو التخيير بينه و بين الدفع و اختار المكلف الحفظ مثلا لا يجب، و قد يشكل بأن مقتضى ولاية المجتهد و منصوبيته وجوب تسليمه إليه لأن وصوله اليه وصول الى مالكه، ثم هو يرى رأيه فيه من دفع للأصناف أو حفظ أو غيرهما كما هو ظاهر الروضة أو صريحها، و قد يدفع بمنع الولاية له على حفظ مال الغائب الذي هو في يد أمين و لو شرعي مكلف بحفظه حتى يوصله الى مالكه بل قد يشكل وجوب الدفع اليه و لو للصرف بناء على ان تصرفه فيه باذن الفحوى و نحوها لا لتأدية واجب عن الامام (عليه السلام) ضرورة جواز التصرف لمن تحصل له و ان لم يكن الحاكم إذ ليس له خصوصية حينئذ، بل لا يجب دفعه اليه و ان كانت الفحوى حاصلة له أي الحاكم دونه، بل لعله لا يجوز له في وجه، اللهم إلا أن يكون دفعه اليه لتشخيص كونه مالا له، ضرورة عدم طريق الى تعينه غير قبض النائب في

ج 16، ص: 180

زمن الغيبة، إذ ليس هو كقبض المستحق في الزكاة و نصف الخمس، لكونه مال شخص مخصوص لا يتعين بعد إشاعته في المال إلا بقبضه أو من يقوم مقامه كما هو واضح، فتأمل جيدا فان كثيرا من مباحث المقام غير محرر في كلام الأصحاب كما أشرنا إلى بعضه فيما تقدم و منها ما نحن فيه من ولاية الحاكم على نحو ما عرفت، فلم يحرروا أن ذلك له من باب الحسبة أو غيرها، و على الأول ما وجه تقديمها على ولاية عدول المؤمنين، و على الثاني فهل هي إنشاء ولاية و نصب له من الله تعالى على لسان الإمام، أو بعنوان النيابة عنه و الوكالة، و إلا فالولاية له، و على الأخير فهل هي على الإطلاق بحيث له عزل وكيل مجتهد آخر، و له الوكالة عن الامام (عليه السلام) لا عنه فلا ينعزل بموته أو جنونه أو غيرهما مما ينعزل بها الوكيل عن وكالته، أو ليس له شي ء من ذلك بل يوكل عن نفسه خاصة، لكن على تقديره فهل إطلاق توكيله ينصرف إلى الأول أو الثاني و ان كان الظاهر في هذا الأخير الثاني، كما أن الظاهر قصر وكالة الحاكم عن الامام (عليه السلام) على مناصب الإمامة و الولايات العامة لا ما يشمل أموره المختصة به من ضياعه و جواريه و غير ذلك إلا من حيث الولاية على الغائب اما لو أريد إدخال شي ء الآن مثلا في ملك القائم (عليه السلام) متوقف على قبول و نحوه لم يكن له القبول بناء على عدم عموم ولايته عن الغائبين في أمثال ذلك، بل هي خاصة في حفظ أموالهم و تأدية ما يجب عنهم، ثم ان جملة من هذه المباحث يأتي تحقيقها في القضاء و الله اعلم. و الحمد لله أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا على تواتر آلائه و وفور نعمائه، و صلى الله على محمد و آله ذوي الأيادي العظيمة و المنن الجسيمة التي منها توفيقنا ببركاتهم لا تمام كتاب الخمس ضحوة يوم الخميس تاسع عشر من عاشوراء من السنة الحادية و الثلاثين بعد الالف و المائتين.

ج 16، ص: 181

بسم الله الرحمن الرحيم و به ثقتي

[كتاب الصوم]

اشاره

كتاب الصوم الذي هو من أشرف الطاعات و أفضل القربات، و لو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حطيط النفس البهيمية إلى ذروة الشبه بالملائكة الروحانية لكفى به منقبة و فضلا، على انه قد ورد فيه من الاخبار ما ظهر بها علو مرتبته ظهور الشمس في رابعة النهار، ضرورة اشتمالها على انه احد الخمسة التي بني الإسلام عليها

(1)و انه جنة من النار

(2)و انه به يدخل العبد الجنة

(3)و ان نوم الصائم عبادة، و نفسه و صمته تسبيح، و عمله متقبل، و دعائه مستجاب

(4)و انه ليرتع في رياض الجنة و تدعو له الملائكة حتى يفطر

(5)و ان له فرحتين فرحة حين يفطر و فرحة حين يلقى الله

(6)و انه في عبادة ما لم يغتب مسلما

(7)و لا يجري عليه القلم حتى يفطر ما لم يأت بشي ء ينقض صومه

(8)و ان خلوق فم الصائم عند الله أحب من ريح المسك

(9)و انه زكاة الأبدان

(10)و ان من صام يوما لله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 17 و 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 38.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 16.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 12.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 34.
9- 9 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 16.
10- 10 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.

ج 16، ص: 182

عز و جل في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه و يبشرونه بالجنة حتى إذا أفطر، قال الله جل جلاله ما أطيب ريحك و روحك، يا ملائكتي اشهدوا اني قد غفرت له

(1)و انه الذي يستعان به على النازلة و الشدة من الفقر و غيره

(2)و غلبة الشهوة(3)و إذهاب البلغم و الحفظ و صحة البدن (4)

و انه يباعد الشيطان كتباعد المشرق و المغرب، و يسود وجهه

(5)و أن لله ملائكة موكلين بالصائمين و الصائمات يمسحونهم بأجنحتهم، و يسقطون عنهم ذنوبهم و أن لله ملائكة قد و كلهم بالدعاء للصائمين و الصائمات لا يحصي عددهم إلا الله

(6)و لم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب فيه

(7)و ان من صام يوما تطوعا لو اعطي ملأ الأرض ذهبا ما و في أجره دون يوم الحساب

(8)و كل أعمال بني آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلا الصبر فإنه لي و أنا أجزي

به، فثواب الصبر مخزون في علم الله، و الصبر الصوم

(9)و كأن وجه اختصاصه تعالى بالصوم كما في غيره من الاخبار المروية عند الطرفين انه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه لغير الله تعالى، بخلاف غيره كالحج و الصلاة، و لما في الصوم من ترك الشهوات و الملاذ في الفرج و البطن الموجب لصفاء العقل و الفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية و قوة القوى العقلية، فيصل بسببهما الى دقائق الحكمة و الى كمال


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب الصوم المندوب.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب الصوم المندوب.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 14 و المستدرك الباب 1 منها الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 36.
7- 7 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 32.
9- 9 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصوم المندوب الحديث 33.

ج 16، ص: 183

المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية، و من جرب ذلك و اختبره بأن راض نفسه باستعماله مع ترك اللغو في أفعاله و أقواله و كان من العارفين المتنبهين عرف استغناءه عن إقامة الأدلة و البراهين، بل و الفرق بينه و بين غيره من سائر العبادات، و إن كان كل منها فيه قرب الى رب العالمين.

و على كل حال فما ورد في فضل الصوم و فوائده أكثر مما يحصى فضلا عما ورد في خصوص صوم شهر رمضان (1)منه و رجب (2)و شعبان (3)و يوم الغدير(4)و أيام البيض (5)و ستة شوال (6)و كل خميس و جمعة(7)و اثنين (8)و ثلاثة أيام من

كل شهر أول خميس و آخر خميس و وسط أربعاء(9)و غير ذلك، على ان فيه من الحكم العجيبة و الأسرار الغريبة من معرفة عظم فضل الله في المأكل و المشرب و المنكح و شدة ألم الجوع و العطش كي يرأف الغني بالفقير و غير ذلك مما لا يخفى على من كان مسرح عقله الخوض في حكم الله و مراعاة إسراره على تفاوت الناس في هذه المرتبة حتى ينتهي الى أهل العصمة صلوات الله و سلامه عليهم، فإنهم يعرفون ما فيه من الاسرار ما لا يعرفه غيرهم،

فعن الحسن بن أمير المؤمنين (عليهما السلام)(10)«انه جاء نفر من اليهود الى رسول الله (صلى الله


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب الصوم المندوب.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب الصوم المندوب.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب الصوم المندوب.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصوم المندوب.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
8- 8 الوسائل- الباب- 5- من أبواب الصوم المندوب- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 7- عن أبواب الصوم المندوب.
10- 10 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.

ج 16، ص: 184

عليه و آله) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله انه قال له: لأي شي ء فرض الله عز و جل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما، و فرض على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): إن آدم لما أكل من الشجر بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع و العطش و الذي يأكلونه بالليل فضل من الله عز و جل عليهم، و كذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمتي، ثم تلا هذه الآية(1)«كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ»

قال اليهودي: صدقت يا محمد، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي (صلى الله عليه و آله): ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك و تعالى له سبع خصال أولها يذوب الحرام من جسده، و الثانية يقرب من رحمة الله عز و جل، و الثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه، و الرابعة يهون الله عليه سكرات الموت، و الخامسة أمان من الجوع و العطش يوم القيامة، و السادسة يعطيه الله براءة من النار، و السابعة يطعمه الله من طيبات الجنة، قال: صدقت يا محمد»

الى آخره.

و على كل حال ف النظر فيه يقع في أركانه و اقسامه و لواحقه

[النظر الأول في أركان الصوم]

اشارة

و أركانه أربعة:

[الركن الأول الصوم]
اشاره

الأول الصوم لغة الإمساك و شرعا على ما عرفه المصنف هو الكف عن المفطرات مع النية و قد عرفه غيره بغير ذلك، و لا يكاد ينطبق شي ء منها على خواص التعريف الحقيقي، فيعلم منه عدم إرادتهم من ذلك ذلك بل المراد مجرد التصوير في الجملة، إذ عرف المتشرعة واف في معرفته كغيره من ألفاظ العبادات، فلا وجه للإطالة في ذكر التعاريف و ما يرد عليها


1- 1 سورة البقرة- الآية 179.

ج 16، ص: 185

طردا و عكسا و ما لا يرد، كما ان الظاهر عدم وجوب معرفة أنه الكف أو الترك، و إلا لزم بطلان صوم أكثر الناس ان لم يكن جميعهم، و انما هو بحث علمي، بل الظاهر عدم وجوب علم المفطرات على التفصيل، فلو نوى الإمساك عنها أو عن جملة أشياء تدخل هي فيها لم يبعد الصحة، نعم قد يشكل فيما لو نوى الإمساك عن بعضها دون الآخر بتخيل انه ليس منها و ان كان لم يفعله، لعدم حصول نية الصوم الشرعي، مع ان الصحة لا تخلو من وجه، بل هي الظاهر فيما إذا لم يلاحظ عدم الإمساك عنه في النية، فتأمل جيدا و الله العالم.

و كيف كان فهي أي النية في الصوم كما تقدم في الصلاة إما ركن فيه و إما شرط في صحته و قد تقدم هناك انها هي بالشرط أشبه بل هنا أولى، لوقوعها ليلا، و احتمال تعلقها ببعض الصوم بعيد كاحتمال وقوع بعض أجزاء الصوم ليلا و كيف كان فالظاهر جريان جملة مما سمعته سابقا في المقام، كاعتبار نية الوجه و القضاء و الأداء و الأصالة و التحمل، لعدم تعقل الفرق كما لا يخفى، فما عساه يتوهم من المتن و الشيخ من الفرق حيث اجتزيا هنا بنية القربة بخلاف الصلاة في غير محله، و لعل ذلك منهما في معرض عدم وجوب التعيين لما تقدم من أن التحقيق عندنا عدم اعتبار شي ء من ذلك، فلو لم ينوها أو نوى شيئا منها في محل ضده على وجه لا ينافي التعيين و لا يقتضي تغير النوع صح، كما لو نوى صفة خارجة، و التشريع مقتض للعقاب دون الفساد بلا معارض للأصل، نعم لو توقف التعيين على شي ء من المذكورات أو غيرها وجب مقدمة لحصول التعيين الذي يتوقف الامتثال عليه كما حرر في محله إلا انه يحتاج اليه مع تعدد نوع المأمور به، إذ مع اتحاده لا اشتراك كي يحتاج الى التعيين ف يكفي في رمضان حينئذ على المختار من عدم اعتبار نية الوجه ان ينوي أنه يصوم غدا متقربا الى الله تعالى من غير حاجة الى التعرض لكونه من رمضان، لعدم

ج 16، ص: 186

صحة غيره فيه، فقصد امتثال الأمر بالصوم غدا مثلا لا يكون إلا للأمر المتعلق به فتعينه مجز عن تعيينه، على أنه عند التحليل تعيين، و لم اعرف خلافا في ذلك، بل عن الغنية و التنقيح الإجماع عليه، نعم في الذخيرة عن بعض الأصحاب اعتبار نية التعيين فيه أيضا من غير ان يذكر اسمه، و في غيرها نسبته إلى العلامة.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه، لما عرفت خصوصا مع عدم مستند له سوى ما قيل من قاعدة الشك، و من ان امتثال الأمر فرع تعقل المكلف ان الآمر امره بذلك، فإذا لم يعتقد ان الصوم غدا مما أمر الشارع به لم يكن ممتثلا للتكليف بالصوم غدا و إن كان ممتثلا للتكليف بالصوم المطلق، فالامتثال يتوقف على اعتقاد انه الصوم الذي تعلق به غدا، و نحن لا نعني بالتعيين سوى هذا إذ به يتعين كونه من رمضان، و في الأول منع جريان قاعدة الشك، خصوصا في نحو النية التي عرفت كون التحقيق فيها انها من الشرائط، و خصوصا في الصوم الذي يمكن منع إجماله بملاحظة النصوص الآتية في محلها، و في الثاني أن القائل بعدم التعيين لا يكتفي بقصد امتثال الأمر بالصوم و ان لم يعلم انه مأمور به غدا كي يتجه عليه ما ذكره، بل أقصاه- كما سمعت التصريح به في الاستدلال- الاكتفاء بقصد امتثال الأمر المتعلق بصوم غد عن تعيين كونه من رمضان، لعدم تعدد الأمر به، فمع فرض قصد الأمر المتعلق به حينئذ يتعين كونه شهر رمضان، و حينئذ فمرجع القولين الى قول واحد، و لو سلم اكتفاؤه بذلك لم يعتبر التعيين أيضا بعد فرض عدم قابلية الزمان إلا لشخص خاص من الصوم، فتعينه كاف عن تعيينه.

نعم قد يقال بأنه يعتبر فيه عدم قصد المكلف الإطلاق الذي ينافي التشخص بأن يكون مراده الكلية من حيث الكلية، فإن ذلك حينئذ كنية الخلاف، بل يكفي مصداق الإطلاق الذي يجامع التشخص، و على كل

ج 16، ص: 187

حال فلا وجه الى رده في الذخيرة بأن مبنى دليل عدم التعيين على ان الصوم عبارة عن الإمساك المخصوص بنية التقرب الى الله تعالى و حينئذ فإذا نوى الصوم متقربا الى الله تعالى فقد حصل الامتثال، سواء قصد كونه صوم شهر رمضان أو لم يقصد و بالجملة لا ريب في حصول الفعل ممتثلا لأمر الآمر به مطلقا و إن لم يحصل الفعل قاصدا به امتثال الأمر الخاص، و إثبات ان الاجزاء يستدعي حصول الفعل بالقصد المذكور يحتاج الى دليل، نعم إتمام هذا الاستدلال يتوقف على إثبات ان النية خارجة عن حقيقة الصوم، و أنه حقيقة شرعية في مهية الإمساك المعين من غير اعتبار استجماع شرائط الصحة في معناه الحقيقي حتى إذا انتفى بعض شرائط الصحة صدق الصوم حقيقة، إذ المتجه حينئذ الاحتياج الى دليل في إثبات اعتبار الأمر الزائد على القدر المسلم بخلافه على التقديرين الآخرين ضرورة توقف يقين الفراغ من يقين الشغل على الإتيان بالفرد المعلوم حصول الامتثال به ثم قال: «و حيث كان إثبات الأمرين المذكورين لا يخلو عن عسر كانت البراءة اليقينية من التكليف الثابت تقتضي اعتبار قصد التعيين، لكن عند انتفائه لا يلزم الحكم بوجوب القضاء، لان القضاء بتكليف جديد منوط بفوات الفعل أداء، و لم يثبت في موضع البحث فتدبر» و ظاهره الميل الى اعتبار التعيين لكن على الوجه الذي ذكره.

و فيه أولا ما عرفت من انه لا ريب في ظهور تعلق النية بالصوم و وقوعها ليلا في خروجها عنه، إذ القول بتعلقها ببعض الصوم أو وقوع بعض اجزاء الصوم ليلا كما ترى، و ثانيا عدم فهم اعتبار الخصوصية في النية و عدم دلالة الدليل عليه كاف في الحكم بالامتثال بمقتضى الآية، فإذا أمسك المكلف عن المفطرات من طلوع الصبح الى غروب الشمس مع نية القربة في هذا الإمساك عالما بأن الإمساك في هذا اليوم مما طلبه الشارع صدق عليه في عرف فرق الإسلام انه

ج 16، ص: 188

صام، و لا يفهم أحد من قوله فليصمه أمرا زائدا على ما يعبر عنه في عرف فرق الإسلام بالصوم، كما ان اعتبار النية الذي ظهر من خارج لا يدل على أزيد من اعتبار نية القربة في هذا الإمساك، فالآتي بهذا الإمساك آت بما يفهم من هذا الأمر و هو دليل الاجزاء.

نعم قد يقال بوجوب نية التعيين لو كان المكلف جاهلا بعدم وقوع غير شهر رمضان فيه، فجوز صلاحية الزمان له و لغيره، و بوجوبها أيضا كما قواه في البيان في المتوخي لشهر رمضان، كالمحبوس الذي لا يعلم الأهلة لأنه زمان لا يتعين فيه الصوم، و لانه معرض للقضاء، و القضاء يشترط فيه التعيين مع احتمال العدم فيه. لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان، و احتمل اشتراط التعيين على تقدير عدم وجوب التحري عليه، بل يجوز له الصوم في أي وقت شاء، و الا لم يجب و نفى عنه البأس في المدارك و لا ريب في ضعفه، إذ لا فرق بينهما من حيث صيرورته بذلك شهر رمضان في حقه، فان كان ذلك مجزيا عن التعيين ففيهما معا و إلا فلا، نعم قد يفرق بينهما بان المتجه إحداث نية التعيين لشهر رمضان للمتوخي على الأول، و هي غير نية التعيين لصوم كل يوم، و التحقيق عدم وجوب التعيين عليه على كل حال بعد صيرورة مظنونه أو مختاره شهر رمضان بالنسبة إليه، بل قد يناقش في وجوب التعيين في الأول، و التعدد الذي منشؤه الجهل لا ينافي صدق امتثال الأمر المتحد في الواقع، فتأمل جيدا.

و على كل حال فلا ريب في ان نية التعيين في الجميع أحوط، بل في الدروس و في المبسوط فسر نية القربة ان ينوي صوم شهر رمضان، و في البيان و لو أضاف التعيين إلى القربة و الوجوب في شهر رمضان فقد زاد خيرا، و الأقرب استحبابه ثم قال: و اما التعرض لرمضان هذه السنة فلا يستحب و لا يضر، و لو تعرض لرمضان سنة معينة في غيرها ففي البيان ان كان غلطا لغى، و ان تعمد فالوجه

ج 16، ص: 189

البطلان، و ناقشه في المدارك بحصول الإمساك مع نية التقرب، فيحصل الامتثال و يلغو الزائد مع ان هذه لا معنى لها، فإنها انما تقع على سبيل التصور لا التصديق قلت: لكن تكون سببا لعدم قصد امتثال خصوص الأمر المتعلق به في هذه السنة، و هو كاف في البطلان، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف هل يكفي ذلك في النذر المعين و أخويه و ما يشبههما قيل قال المرتضى و ابن إدريس نعم و قواه الفاضل في المنتهى لانه زمان تعين بالنذر للصوم، فكان كشهر رمضان، و اختلافهما بأصالة التعيين و عرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم و قيل: ذهب جماعة منهم الشيخ إلى أنه لا يكفي و هو الأشبه وفاقا للفاضل في جملة من كتبه و الشهيدين و المقداد و غيرهم، بل في المسالك انه المشهور لانه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم و لا بالنذر على وجه لا يصح وقوع غيره فيه حتى مع السهو و النسيان و الجهل و نحوها إذ لا دليل عليه بالنسبة الى ذلك، و الالتزام بالنذر أعم من رفع الصلاحية، بل ربما احتمل صحة وقوع غيره فيه مع العمد و ان أثم بترك إيقاع النذر فيه و ان كان فيه ما فيه، بل يمكن منع وقوع غيره فيه حتى مع السهو و الجهل فضلا عن غيره لاختصاصه بالنذر فيه، بل ظاهر ما يأتي في المدارك المفروغية من ذلك و ان كان خلاف ما حكاه فيها عن المنتهى بل في الدروس الإجماع عليه فالإنصاف حينئذ انه ان تم ذلك كان الإلحاق بشهر رمضان متجها، و إلا كان المتجه العدم، و من ذلك يظهر لك ما في المدارك و الذخيرة و غيرهما من عدم الفرق بين شهر رمضان و النذر المعين سواء كان تعيينه في أصل النذر الذي هو السبب في وجوبه و بين ما كان مطلقا بالأصل ثم تعين بنذر آخر مثلا، و احتماله بدعوى ان الثاني صالح للوقوع في سائر الأزمنة و انما أفاد النذر فوريته خاصة فهو كالنذر للواجب المطلق كما ترى، و أوضح منه فسادا ما قيل من ان مبنى الوجهين على تفسير

ج 16، ص: 190

المعين فان فسر بأنه الفعل الذي إذا فات محله صار قضاء لم يكن معينا، و ان فسر بأنه الفعل الذي لا يجوز تأخيره عن ذلك الزمان الذي تعلق به كان معينا، ضرورة عدم دوران الحكم على هذا اللفظ كي يرجع الى تفسيره، بل ظاهرهما عدم الفرق أيضا بين ذلك و بين قضاء شهر رمضان عند تضييق الوقت في عدم وجوب التعيين بل و ان لم يتضيق إذا لم يكن في ذمة المكلف صوم واجب سواه، و قلنا بامتناع المندوب لمن في ذمته واجب، و في الجميع ما عرفت، و امتناع تعمد الندب لمن عليه قضاء لا يمنع من الصحة لو وقع نسيانا و نحوه مما افترق به عن شهر رمضان، فلا ريب في ان الأحوط و الأقوى اعتبار التعيين في غيره، لكن في المسالك انه يلزم القائل بوجوب التعيين هنا القول بوجوب التعرض للوجوب أيضا لاقتضاء دليله له، و هو ان الزمان بأصل الشرع غير معين، و انما تعين بالعارض، و ما بالأصل لا يزيله ما بالعارض، فلا بد من نية التعيين، و هذا بعينه آت في الوجوب، و مقتضى كلام المصنف الاكتفاء في النذر المعين بالقربة و التعيين، و فيه سؤال الفرق بين الأمرين، اللهم الا ان يحمل نية القربة على ما يعم الوجوب كما سيأتي مثله عن جماعة، و في المدارك بعد ان حكى ذلك عنه قال: و هو غير جيد لعدم الملازمة كما اعترف هو به في مواضع من كتبه، قلت: و هو كذلك إذ الوجوب و الندب حال عدم توقف التعيين عليهما من الصفات الخارجية اللاحقة للفعل على كل حال سواء نوى أو لم ينو بخلاف نية التعيين التي قد عرفت عدم تحقق الامتثال بدونها، لعدم انصراف الفعل في القابل للوجوه الى المكلف به في نفسه، كما هو واضح، و الله اعلم.

و لا بد فيما عداهما اى شهر رمضان و النذر بناء على الإلحاق من نية التعيين و هو القصد الى الصوم المخصوص كالكفارة و النذر المطلق و نحوهما بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به، بل عن المعتبر نسبته الى فتوى الأصحاب

ج 16، ص: 191

مشعرا بدعوى الإجماع. بل في التحرير دعواه صريحا فلو اقتصر على نية القربة و ذهل عن تعيينه لم يصح لعدم تميز المنوي و تشخصه مع صلوحه لوجوه متعددة، فلا يقع حينئذ لشي ء منها، و لا أمر بالصوم المطلق حتى يصح له، فليس حينئذ إلا الفساد، نعم ألحق الشهيد في البيان بالواجب المعين المندوب المعين كأيام البيض، بل حكى عنه ثاني الشهيدين في الروضة انه ألحق به في بعض تحقيقاته مطلق المندوب، لتعينه شرعا في جميع الأيام إلا ما استثني، فيكفي نية القربة و استحسنه هو، و تبعه في الذخيرة، و في المدارك لا بأس به خصوصا مع براءة ذمة المكلف من الصوم الواجب، و هو ظاهر في الاجتزاء بذلك و ان كانت ذمته مشغولة بواجب، الا انه لا يخفى ما فيه بل و ما في الجميع ضرورة عدم صلاحية أمثال ذلك للاستغناء عن نية التعيين التي أوجبها العقل في بعض الأحوال فضلا عن الشرع و توقف عليها صدق الامتثال باعتبار عدم انصراف الفعل الى احد الخصوصيات بدونها كما هو و اضح فتأمل، هذا.

و قد ظهر من تفسير المصنف نية التعيين انه لا يستغنى بها عن نية القربة كما عن المبسوط ضرورة مغايرتها له حينئذ فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما اعترف به المصنف في المحكي عن معتبره، و المراد بالخصوصية في التفسير المزبور ما تفيد تعيين الصوم الواقع على وجه تشخصه، فلا يجب التعرض لخصوص الكفارة مثلا بل يكفي القصد الى ما في ذمته مع فرض اتحاده و ان لم يعلم كونه قضاء أو كفارة كما صرح به شيخنا في كشفه، و دعوى أنها أوصاف داخلة في حقيقة المكلف به فيجب حينئذ قصدها واضحة المنع، فتأمل هذا.

و على كل حال فان كان الصوم معينا ف لا بد من خطورها أي النية عند أول جزء من الصوم كغيره من الاعمال تحصيلا للمقارنة

ج 16، ص: 192

المفهوم اعتبارها من نحو

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «إنما الأعمال بالنيات»

و غيره، لكن لما كان تحصيل ذلك متعسرا ان لم يكن متعذرا- ضرورة عدم العلم بطلوع الفجر إلا بعد الوقوع، فتقع النية بعده، و ذلك غير المقارنة المعتبرة فيها بالنسبة الى غير الصوم من الاعمال- اجتزى الشارع عن ذلك في الصوم المعين فضلا عن غيره بوقوعها في الليل، و هو الذي أشار إليه المصنف بقوله أو تبييتها في أي جزء من الليل، خلافا لبعض العامة فخصها بالنصف الأخير و لا ريب في ضعفه، كضعف ما عساه يظهر من المحكي عن المرتضى من كون النية قبل طلوع الفجر الى الزوال إذا أريد منه ما لا يشمل جميع الليل الذي لا ينبغي التأمل في جواز وقوع النية في أي جزء من اجزائه، بل لا تبطل بعد وقوعها بفعل ما ينافي الصوم بعدها قبل طلوع الفجر سواء في ذلك الجماع و غيره لا طلاق دليل الاجزاء، خلافا لما عن البيان من الجزم بعدم جوازها بالتناول ثم قال: «و في الجماع و ما

يبطل الغسل تردد من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم، فيزيل حكم النية، و من حصول الشرط و زوال المانع بالغسل» لكن لا يخفى عليك ما فيه، بل في المدارك انه دعوى خالية عن الدليل، قلت بل الدليل على خلافها، ضرورة ان الصوم المنوي من طلوع الفجر، فلا مدخلية لاجزاء الليل التي يقع فيها المفطر.

و كيف كان فلا إشكال في إجزاء تبييتها ليلا إلا انه يعتبر فيه كونه مستمرا على حكمها غير ناقض لها بما ينافيها من نية أخرى أو غيرها جاعلا له المصنف قسيما للخطور من غير خلاف يعرف فيه، بل الإجماع بقسميه عليه بل السيرة التي هي أعظم من الإجماع عليه، بل يمكن دعوى صدق كون الصوم بالنية


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات الحديث 10.

ج 16، ص: 193

على ذلك، إذ نية كل شي ء بحسب حاله لكن قد يقال إن المتجه حينئذ عدم ذكر الفرد الأول من الفردين لعدم الفائدة فيه، اللهم إلا ان يكون ذلك لبيان الاجتزاء به إذا اتفق ردا على المحكي عن ابن أبي عقيل من إيجاب وقوع النية ليلا الظاهر في عدم إجراء المقارنة المزبورة، إلا إذا حمل على ارادة تعذرها أو تعسرها كما عرفت، أو يمنع إرادة المقارنة المزبورة في نحو عبارة المصنف بل ما يشمل حصولها بعد تحقق الفجر، كما يشهد له ما في الروضة هنا من ان ظاهر الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان المعين تكون بعد تحققه لا قبله لتعذره و ممن صرح به المصنف في الدروس في نيات أعمال الحج كالوقوف بعرفة، فإنه جعلها مقارنة لما بعد الزوال، فيكون هنا كذلك، و حينئذ يتجه ذكر المصنف له فردا مقابلا للتبييت، لكن بناء عليه يقع جزء من الزمان بلا نية حينئذ، و هو خلاف المعلوم من الشرع.

و لعل من ذلك كله ينقدح لك قوة ما قلناه سابقا من أن النية عبارة عن الداعي الذي لا ريب في تصور مقارنة خطوره، ضرورة إمكان استمراره مما قبل الفجر الى ما بعده، كما انه يكفي وجوده في الليل مستمرا على حكمه في صدق استناد الصوم إلى النية عرفا، و حينئذ فلا حاجة في جواز تقديم النية ليلا الى دليل خاص، اللهم إلا أن يقال انه و إن قلنا بأن النية الداعي لكن لا نقول بالاكتفاء بخطوره آنا ما قبل الشروع في الفعل و ان غاب حاله كما في نحو المقام إذ لا ريب في صحة صوم من نواه من أول الليل ثم نام الى ما بعد طلوع الفجر على انه لا يعقل فرق بين ذلك و بين الوقوع قبل الليل حتى أجزأ الأول دون الثاني، خلافا لابن الجنيد فاجتزي بهما معا، و نحوه ما تسمعه من الشيخ الذي سيشير اليه المصنف، لكن لا ريب في ضعفهما، و حينئذ فلا بد من الاستناد الى دليل خاص في ذلك كله، اللهم إلا أن يدعى ان للصوم خصوصية، فيصدق

ج 16، ص: 194

مع وجود الداعي و ان غاب بالنوم و نحوه انه بنية دون غيره، كما أن له خصوصية في هذا الصدق بالنسبة إلى الليل و النهار.

و كيف كان فلا يجوز تأخير النية عن الفردين في الواجب المعين و لو للعارض، بل قد يظهر من إطلاق المتن عدم الفرق في ذلك بين المعين و غيره و إن كان هو بالنسبة الى الثاني واجبا شرطيا، لكن- مع انه قد ينافيه لفظ النسيان في الجملة- مقتضى ذلك عدم جواز تجديد النية قبل الزوال في القضاء و الكفارة و النذر المطلق لمن لم ينو الصيام من الليل مختارا، و لم اعرف به قائلا من الأصحاب، بل المنسوب في المدارك و غيرها الى قطعهم استمرار وقت النية فيه من الليل الى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا، ل

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)عن أبي الحسن (عليه السلام): «في الرجل يبدو له بعد ما يصبح و يرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان و إن لم يكن نوى ذلك من الليل قال: نعم فليصمه و يعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا»

و الصحيح عن محمد بن قيس (2)عن أبي جعفر عن علي (عليهما السلام) «إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا و لم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام و إن شاء أفطر»

و سئل الصادق (عليه السلام) في موثق الساباطي (3)«عن الرجل يكون عليه الأيام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها متى يريد ان ينوي الصيام؟ فقال: هو بالخيار الى أن تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم، و إن كان نوى الإفطار فليفطر، و سئل

فإن كان نوى الإفطار يستقيم الصوم بعد ما زالت الشمس فقال: لا»

، و قال له الحلبي(4): «إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أ يصوم؟ قال: نعم»

كقوله (عليه السلام) في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 1.

ج 16، ص: 195

خبر عبد الله بن سنان (1)«إن بدا له ان يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم، فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها»

و قال صالح بن عبد الله (2)لأبي إبراهيم (عليه السلام): «رجل جعل الله عليه الصيام شهرا فيصبح و هو ينوي الصوم ثم يبدو له فيفطر، و يصبح و هو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم فقال: هذا كله جائز».

بل إطلاق المحكي عن ابن الجنيد يقتضي جواز تجديد النية بعد الزوال، و لعله للأصل و إطلاق بعض النصوص السابقة بل ترك الاستفصال فيه، و

صحيح عبد الرحمن (3)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن الرجل يصبح و لم يطعم و لم يشرب و لم ينو صوما و كان عليه يوم من شهر رمضان إله أن يصوم ذلك اليوم و قد ذهب عامة

النهار؟ قال: نعم له أن يصوم و يعتد به من شهر رمضان»

و مرسل ابن أبي نصر(4)«قلت للصادق (عليه السلام): الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان و يصبح فلا يأكل إلى العصر أ يجوز ان يجعله قضاء شهر رمضان؟ قال: نعم»

و صحيح هشام بن سالم (5)قال للصادق (عليه السلام):

«الرجل يصبح و لا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال:

إن هو نوى الصوم قبل ان تزول الشمس حسب له يومه، و إن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى»

و هو لولا ندرته لكان في غاية القوة، لعدم المعارض إلا موثق عمار(6)المنفي فيه الاستقامة الذي يمكن إرادة الكمال منه كما أومأ إليه صحيح هشام (7)بل هو كالصريح في إرادة نحو ذلك، و يرجع اليه ما في المسالك من انه إن أوقع النية قبل الزوال أثيب على الصوم لجميع النهار، و إن نوى بعده حسب له من الوقت الذي نوى فيه إلى آخر النهار، و الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 9.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 6- 9- 8- 10- 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 8.

ج 16، ص: 196

صحيح على التقديرين، و حمل العامة الخبر الأول على ما قبل الزوال كما ترى، و أضعف

منه حمل الخبر الثاني على الناوي صوما مطلقا مع نسيان القضاء فأراد صرفه بعد العصر إليه، إذ هو مع انه خلاف ظاهر الخبر أو صريحه لا دليل على المنزل عليه، بل ظاهر الأدلة خلافه، و أضعف منهما استدلاله في المحكي عن المعتبر بأن الصوم الواجب يجب ان يأتي به من أول النهار أو بنية تقوم مقام الإتيان به من اوله و قد روى إلى آخر صحيح هشام السابق، إذ هو واضح الضعف، فليس حينئذ إلا الندرة، خصوصا و الخبر الثاني الذي هو العمدة في إثبات الدعوى مرسل لا جابر له، بل قد عرفت الاعراض عنه، و خصوصا مع مخالفة الحكم القواعد المحكمة و العمومات المعمول بها.

نعم لا بأس بالقول به في المندوب المتسامح فيه وفاقا للمرتضى و الشيخ و ابن إدريس و الفاضل و الشهيدين و غيرهم، بل عن المنتهى نسبته إلى الأكثر، بل عن الانتصار و الغنية و السرائر الإجماع عليه للأصل و إطلاق بعض النصوص، حتى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح هشام(1): «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يدخل إلى أهله فيقول: عندكم شي ء و إلا صمت، فان كان عندهم شي ء أتوا به، و إلا صام»

و خصوص موثق أبي بصير(2)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال: هو بالخيار ما بينه و بين العصر، و ان مكث حتى العصر ثم بدا له ان

يصوم و إن لم يكن نوى ذلك فله ان يصوم ذلك اليوم إن شاء»

و غير ذلك متمما بعدم القول بالفصل، و ان المراد بالعصر فيه بقاء زمان يصلح لتجديد نية الصيام كما صرح غير واحد باعتبار ذلك، و خلافا للمحكي عن الأكثر فجعلوه كالواجب في عدم جواز التجديد بعد الزوال للأصل الذي قد


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 1.

ج 16، ص: 197

عرفت انقطاعه، كما عرفت ان المراد من صحيح هشام بن سالم تفاوت الفضل، فلا ريب أن الأقوى حينئذ ذلك.

و قد ظهر من ذلك كله ان الأولى حمل ما في المتن على الواجب المعين بالأصل أو بالعارض، فإنه هو المتجه فيه وجوب الاستحضار أو التبييت باعتبار توقف الصحة حال الاختيار عليهما، إذ لا دليل عليها بدونهما و إن جدد قبل الزوال حتى في القضاء المنذور تعيينه مثلا و إن كان مقتضى استصحاب حكمه قبل النذر ذلك إلا أنه لما كان الحكم مخالفا للقواعد وجب الاقتصار فيه على المتيقن من النصوص من الواجب غير المعين، بل لا ريب في ظهورها لاشتمالها على لفظ البدو و غيره فيه، و ربما كان ذلك من حيث توسعته و حينئذ يتجه قول المصنف: ف لو نسيها أي النية ليلا و في الدروس أو كان جاهلا بوجوب ذلك اليوم جددها نهارا في ما بينه أي الليل و بين الزوال من المدة على معنى أنه يجددها حالة الذكر على الفور في هذه المدة لئلا يخلو جزء من النهار من النية اختيارا لا أن له التراخي بها إليه، فإن فعل حينئذ بطل و ان جددها قبل الزوال كما صرح به في المسالك إذ لا خلاف يعتد به في ان ذلك حكم الناسي في المعين، بل قيل: إن ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى انه موضع وفاق، و لعله كذلك عدا ما عساه يظهر من المحكي عن ابن أبي عقيل في المختلف من عدم الفرق بين العامد و الناسي في بطلان الصوم مع الإخلال بالنية من الليل، و هو و إن كان مقتضى القواعد إلا أنه يجب الخروج عنها بما سمعت من ظهور الاتفاق المعتضد بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض و المسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال و بنبوي الرفع، و

بالمروي (1)عن النبي (صلى الله عليه و آله) «ان ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي اليه فشهد برؤية الهلال فأمر النبي (صلى الله عليه و آله) مناديا


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 212 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 16، ص: 198

ينادي من لم يأكل فليصم، و من أكل فليمسك»

بتقريب أنه إذا جاز مع العذر و هو الجهل بالهلال جاز مع النسيان كما في التذكرة و غيرها، و إن كان هو كما ترى كأصل الاستدلال بالمرسل المزبور، و أضعف منه الاستدلال في المدارك بأصالة عدم اعتبار تبييت النية مع النسيان، كما هو واضح، و عدا ما عساه يظهر من إطلاق ما يحكى عن المرتضى من ان وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى وقت الزوال من جواز تأخير النية

اختيارا، و ابن الجنيد و يستحب للصائم فرضا و غير فرض أن يبيت الصيام لما يريده به، و جائز ان يبتدئ و قد بقي بعض النهار و يحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام، و لو جعله تطوعا كان أفضل من التأخير إلى ما بعد الزوال، إلا أنه لا ريب في ضعفهما معا، بل يجب حمل الأول على إرادة تحديد الوقت الاختياري و الاضطراري، كما انه يجب حمل الثاني على ذلك أو غير المعين من الواجب.

و على كل حال فعبارة المتن في المعين لكن فيما حضرني من النسخة تعقيب ذلك بقوله فلو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم أو ندبا، و قيل:

يمتد وقتها إلى الغروب كصوم النافلة، و الأول أشهر و كأنه مناف لحمل العبارة السابقة على الواجب المعين الذي لم نعرف قائلا بامتداد وقتها فيه إلى الغروب عدا ما سمعته من عبارة ابن الجنيد السابقة، كما انه لا يستقيم التعميم السابق مع قوله:

كصوم النافلة الظاهر في المفروغية منه، و احتمال إرادة المعين من الندب و المطلق من النافلة يدفعه انه لا فرق عند الأصحاب بين أفراد الندب في الحكم المزبور، و يمكن حمل العبارة الأخيرة على إرادة بيان منتهى وقت النية الاختياري و الاضطراري في الواجب و الندب، و لا ينافيه كون العبارة السابقة في الواجب المعين، و الأمر سهل بعد ما عرفت تفصيل الحال في أفراد المسألة الذي منه انه إذا ترك النية في المعين عمدا حتى أصبح لم يجزه تجديد النية قبل الزوال لعدم الدليل

ج 16، ص: 199

فيبقى على مقتضى القواعد، لكن في البيان جعل الاجزاء وجها، و أقرب منه العدم، و في الكتاب فيما يأتي و لو قيل بانعقاده كان أشبه، و لا ريب في ضعفه، فيجب عليه حينئذ القضاء.

بل لا يبعد وجوب الكفارة وفاقا للمحكي عن أبي الصلاح، بل في البيان ان به كان يفتي بعض مشايخنا المعاصرين، لأن فوات الشرط أو الركن أشد من فوات متعلق الإمساك، بل ما نحن فيه أشد قطعا، ضرورة انه من أفراده العاصي الذي قصد عدم الامتثال و عزم عليه إلا انه اتفق إمساكه عن المفطرات لعارض في بدنه أو غيره، و من ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الكفارة و ان قطع به الفاضل في المحكي من المنتهى و قواه في المدارك لا صالة البراءة المقطوعة بما يظهر من نصوص الكفارة الآتية.

و لو نوى من الليل صوما غير معين ثم نوى الإفطار و لم يفطر كان له تجديد النية بعد ذلك بناء على ان ذلك مفسد للصوم، كما لو أصبح بنية الإفطار ثم جدد النية بعد ذلك، و يحتمل العدم لفساد الصوم بذلك كما هو المفروض، فلا يكون له التجديد، و لا ريب في ضعفه، هذا، و في المدارك تبعا لما سمعته من المسالك في الجملة «و لو جدد النية في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية، أو من ابتداء النهار، أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال أو قبله؟ أوجه أجودها الأخير لصحيح هشام بن سالم» قلت: قد عرفت إرادة تفاوت الفضل من الصحيح لا أصل الثواب المترتب على صدق اسم الصيام الشامل لما نحن فيه بالأدلة الشرعية التي لا معنى لاستبعاد تأثير النية فيما مضى بعدها هنا على ان معنى تأثيرها احتساب اليوم بجميعه يوم صيام، فالإمساك المتأخر أشبه شي ء بإجازة الفضولي في التأثير في السابق، لا انه ينوي التقرب فيما مضى من إمساكه، لعدم معقوليته على وجه الحقيقة، كما هو واضح، و الله اعلم.

ج 16، ص: 200

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك ابتداء وقت النية و انتهائه، فما قيل من انه يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه و انه لو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية كما هو خيرة النهاية و المبسوط و الخلاف واضح البطلان، قال في الأول: «إن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر و ذكر في بعض النهار جدد النية و قد أجزأه، فان لم يذكرها و كان من عزمة قبل حضور الشهر صيام الشهر إذا حضر فقد أجزأه أيضا، فان لم يكن في عزمه ذلك وجب عليه القضاء» و في الثاني «نية القربة يجوز ان تكون متقدمة، فإنه إذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثم دخل عليه الشهر و لم يجددها لسهو لحقه أو نوم أو إغماء كان صومه صحيحا، فان كان ذاكرا فلا بد من تجديدها» و في الثالث «و أجاز أصحابنا في نية القربة في شهر رمضان خاصة ان تتقدم على الشهر بيوم أو أيام» و حاصلها بعد رجوع بعضها إلى بعض الاجتزاء بذلك للناسي مثلا خاصة، فأما الذاكر فلا يجتزى به إجماعا في المختلف بل في البيان قولا واحدا، و هو شي ء غريب، بل لا يوافق ما ذكر دليلا له من ان مقارنة النية ليست شرطا في الصوم، فكما جاز ان تتقدم من أول ليلة الصوم و إن تعقبها النوم و الأكل و الشرب و الجماع جاز أن تتقدم على تلك الليلة بالزمان المتقارب كاليومين و الثلاث إذ هو- مع انه قياس و مع الفارق اعتبارا و دليلا من الإجماع بقسميه و النصوص التي منها خبر التبييت- يقتضي الاجتزاء بذلك مع الذكر أيضا، و يكفي ذلك في ضعف هذا القول و سقوطه، و الله اعلم.

و كذا قيل: تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله لكن القائل هنا الشيخان و المرتضى و أبو الصلاح و سلار و ابن زهرة و غيرهم، بل عن المنتهى نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلاف، بل في المحكي عن الرسية للمرتضى

ج 16، ص: 201

و الانتصار و الخلاف و الغنية الإجماع عليه صريحا و لا استبعاد في ذلك، ضرورة إمكان تأثير النية فيه للدليل و إن طال و تخلل الفصل، كما أثرت في أجزاء اليوم الواحد و في النهار مع وقوعها في أول الليل، فلا مانع حينئذ من ان يكون الثلاثون يوما بالنسبة إلى ذلك كالعمل الواحد بعد اقتضاء الدليل، و ليس المراد من ذلك القياس كي يرد انه ممنوع أولا، و مع الفارق ثانيا، و لا ان المراد أنه عمل واحد حقيقة كاليوم الواحد كي يرد عليه ان صوم كل يوم مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله و ما بعده شرعا و عرفا، و لذلك تتعدد الكفارة بتعدده، و لا يبطل صوم الشهر ببطلان بعض أيامه كالصلاة، و لا غير ذلك مما هو واضح المنع، بل المراد التنظير بعد دلالة الدليل، إلا انه في المقام منحصر في الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة القديمة، فمع القول بحجيته لا محيص عنه هنا، و عدم الاطلاع عليه من غير جهة النقل غير قادح في حجيته، كعدم العمل به من جماعة ممن تأخر، بل ربما قيل إنه المشهور بينهم، ضرورة معارضته بعمل من تقدم و اشتهاره بينهم، و عدم الصيام لمن لم يبيت الصيام بعد تسليم اعتبار ما دل عليه مخصوص بغير الفرض، أو يراد من التبييت فيه ما يشمل المقام الذي وقعت النية فيه من أول ليلة، كما ان دليل المقارنة يجب تخصيصه أو تنزيله على نحو ذلك و قاعدة الشغل بعد تسليم جريانها في نحو المقام يجب الخروج عنها بالدليل المزبور على انه قد اعترف في الذخيرة هنا بعدم اقتضائها القضاء لو خالفها، و لعله لعدم صدق الفوات به، فتأمل جيدا.

و من ذلك كله مال في الرياض و غيره إلى القول به، بل فيه انه مال إليه في المعتبر أيضا، إلا انه لا ريب في ان الأولى تجديد النية لكل يوم عملا بالاحتياط قال في محكي المنتهى: «و لو قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف» و نحوه عن الغنية، و هما صريحان في جواز تفريق النية في المقام عند

ج 16، ص: 202

القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة و إن منعوه منه في غير المقام، فما وقع من ثاني الشهيدين- من إشكاله بأن القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة للشهر يجعله عبادة واحدة، و من شأن العبادة الواحدة ان لا يجوز تفريق النية على أجزائها- في غير محله، إذ لو سلم امتناع التفريق في غير المقام، إلا ان ظاهر القائل الجواز هنا بل قد سمعت ما في الغنية و المنتهى، و لعله لما عرفت من انه ليس عبادة واحدة عندهم كي يتأتى عليه إشكال التفريق، بل حكمها حكمها من هذه الحيثية الخاصة، و إلا فلا ريب في عدم ارتباط صوم يوم بآخر كما هو واضح.

نعم في الذخيرة «انه لا يبعد القول بأن كل واحد من الأيام عبادة مستقلة و المجموع أيضا عبادة مستقلة، فلو قيل بذلك لم يبعد أن يقال المجموع أيضا يحتاج إلى نية، كما أن الأجزاء تحتاج إليها، لكن لا أعرف أحدا صرح بهذا» قلت: لوضوح بطلانه باعتبار وضوح عدم مدخلية الاجتماع في العبادة.

و من ذلك يظهر لك ان المتجه بناء على هذا القول الاجتزاء بنية واحدة لبعض الشهر إذا فاته النية للبعض الآخر لعذر أو غيره، ضرورة أولوية الاجتزاء بها للبعض منه للجميع، لكن عن البيان «ان الأوجه عدم الاكتفاء بذلك، لأن شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة، فلا يجوز ان يجعله قسما آخر» و في المدارك «ان ضعفه ظاهر، إذ المفروض كونه عبادة واحدة، فلا وجه لتفريق النية، لكن العبادة الواحدة لا يمتنع الإتيان ببعضها لفوات البعض الآخر، و متى وجب الإتيان به تعين باعتبار النية فيه على هذا الوجه» قلت: مضافا إلى ما قد عرفت من ان المراد من الوحدة فيه الاجتزاء بالنية الواحدة لا غير.

و كيف كان فهذا الحكم مختص بشهر رمضان، اما غيره فيجب فيه تجديد النية لكل يوم يوم بلا خلاف أجده فيه، بل في الدروس الإجماع عليه من غير فرق بين نذر شهر معين أو أيام معينة متتابعة و بين غيرهما، للقاعدة السالمة عن

ج 16، ص: 203

المعارض هنا، لكن عن المنتهى تعليله بأنه عندنا لعدم النص، و عندهم للفرق بين صوم لا يقع فيه غيره و بين صوم يجوز ان يقع فيه سواه، و في المدارك و كان مراده جواز الوقوع لولا النذر، إذ لا ريب في امتناعه بعده، و اما تعليله بعدم النص فهو مشترك بين صوم شهر رمضان و غيره، و الأمر سهل بعد وضوح المقصود و على كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا انه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجبا أو مندوبا، من المكلف بصومه و غيره كالمسافر و نحوه، بل هو المعروف في الشريعة، بل كاد يكون من قطعيات أربابها إن لم يكن من ضرورياتها، لكن عن مبسوط الشيخ «لو كان مسافرا سفر القصر فصام بنية رمضان لم يجزه، و إن صام بنية التطوع كان جائزا، و إن كان عليه صوم نذر معين و وافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر و هو حاضر وقع عن رمضان، و لا يلزمه القضاء لمكان النذر، و إن كان مسافرا وقع عن النذر و كان عليه القضاء لرمضان، و كذا إن صام و هو حاضر بنية صوم واجب عليه عن رمضان وقع عن رمضان و لم يجزه عما نواه، و إن كان مسافرا وقع عما نواه» و هو غريب، خصوصا بعد

مرسل الحسن بن بسام (1)قال: «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر فقال: إن ذلك تطوع و لنا ان نفعل ما شئنا، و هذا فرض و ليس لنا ان نفعل إلا ما أمرنا»

و كأنه أومأ بذيله إلى ما استدل به هنا غير واحد من أصحابنا من ان العبادة وظيفة متلقاة من الشارع فتتوقف على النقل، و لم يثبت التعبد في شهر رمضان بصوم سوى الصوم الواجب منه بالأصالة، فيكون فعله بدعة محرمة، و زاد في المختلف الاستدلال بقوله


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 5.

ج 16، ص: 204

تعالى (1)«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً» إلى آخره، فإن إيجاب العدة يستلزم إيجاب الإفطار، و ب

قوله (عليه السلام)(2): «ليس البر الصيام في السفر»

إلى ان قال في الجواب عما ذكر دليلا للجواز من انه زمان لا يجب صومه عن رمضان فأجزأه عن غيره كغيره من الأزمنة التي لا يتعين الصوم فيها، قال: الفرق ان هذا الزمان لا ينفك عن وجوب الصوم عن رمضان و وجوب الإفطار، بخلاف غيره من الأزمنة، و لا يجب إفطاره في السفر فأشبه العيد في عدم صحة صومه، و الانصاف ان جميع ذلك محل للنظر، بل بعضه مصادرة، فالعمدة حينئذ معلومية عدم وقوع غير رمضان فيه في الشريعة.

و أنه لو نوى غيره فيه واجبا كان أو ندبا لم يقع عما نواه قطعا إذا كان ممن يصح منه شهر رمضان، و في الدروس إجماعا فيه و في غيره من المعين لو نوى فيه غيره، نعم قد سمعت ما في المبسوط من انه إن نوى ذلك أجزأه عن رمضان دون ما نواه و نحوه عن المرتضى و معتبر المصنف، و في المختلف انه لا يخلو من قوة، بل هو صريح التذكرة، لحصول نية القربة، و الزائد عليها باعتبار عدم إمكان وقوعه لغو لا عبرة به، و لذا لم يحتج إلى نية التعيين التي يحتاج إليها للتمييز بين المنوي و غيره، و هذا لا يقتضي عدم إيجاب النية أصلا، ضرورة أعمية وقوع الإمساك من الصوم و غيره، كما انه لا يرد ان المتجه حينئذ عدم وجوب نية التعيين لو تضيق وقت الصلاة باعتبار عدم وقوع غيرها فيه، إذ هو- مع ندرة فرضه، و عدم تعين الوقت للصلاة، لإمكان وقوعها قبله مثلا- قد يجاب عنه بمنع كون التعيين فيه كشهر رمضان بحيث لا يصلح وقوع غيره فيه كائنا ما كان كما هو واضح، و قد ظهر من ذلك حينئذ أن


1- 1 سورة البقرة- الآية 180.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 11.

ج 16، ص: 205

الصوم المأمور به وقع على وجهه و بشرطه، فكان مجزيا، و لأنه لا فرق عند التأمل بين الجاهل بكونه شهر رمضان و الناسي و بين العالم، و الظاهر الاتفاق على الاجزاء في الأول فكذا الثاني، قال في التذكرة: «لو نوى الحاضر في رمضان صوما مطلقا وقع عن رمضان إجماعا، و لو نوى غيره مع الجهل فكذلك، للاكتفاء بنية القربة في رمضان و قد حصلت، فلا تضر الضميمة» و في المدارك أما الوقوع عن رمضان مع الجهالة بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق كما اعترف به بعض الأصحاب في يوم الشك، و الفرق بينهما بارتفاع حكم الخطاب عنهما دونه كما ترى غير صالح لقاعدة تبعية الأفعال للنيات، لكن قد يناقش بأن إلغاء الزائد على نية التقرب إنما هو بالنسبة إلى وقوع ما نواه، لا انه لغو بحيث يكون كما لو نوى الصوم المطلق الذي ينصرف إلى شهر رمضان، ضرورة انه لا دليل على ذلك، بل معلومية تضاد جزئيات الكلي و ان إرادة أحدها تنافي إرادة الآخر تقتضي خلافه، فلا ريب في اقتضاء القواعد حينئذ البطلان في الفرض باعتبار خلو الفعل عن النية بالخصوص، و بالإطلاق المنصرف اليه، و لا يقع عما نواه لعدم صلاحية الزمان، فدعوى وقوع الصوم المأمور به على وجهه و بشرطه فيكون مجزيا كما ترى.

نعم لو كان الفرض انه نوى صوم شهر رمضان و انه قضاء عما في ذمته مثلا أمكن فيه تقرير ذلك لا انه انما نوى من أول الأمر القضاء مثلا، و عدم الفرق بين الجاهل و غيره مسلم من حيث القاعدة، لكن خرجنا عنها فيه للإجماع و لنصوص يوم الشك، خصوصا خبر الزهري (1)منها الطويل المشتمل على أقسام الصوم، و عن المقنعة انه

ثبت (2)عن الصادقين (عليه السلام) «انه لو ان رجلا تطوع شهرا و هو لا يعلم انه من شهر رمضان ثم تبين له من بعد صيامه انه كان


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 13.

ج 16، ص: 206

من شهر رمضان أجزأ ذلك عن فرض الصيام»

فلا يقاس عليه العالم الذي قد نهي عن نية غير رمضان فيه، و من هنا كان مختار الحلي و الشهيدين و جماعة عدم الاجزاء عنهما في العالم، بل الظاهر انه لا يجزي و إن جدد النية قبل الزوال، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي الاجزاء بعد بطلان القياس عندنا على الاجتزاء بالتجديد لناسي النية و نحوه، أما الجاهل و نحوه فقد عرفت الاجتزاء فيه عن رمضان، و ألحق في الدروس الواجب المعين في رمضان بذلك، فقال: «و يتأدى رمضان بنية النفل مع عدم علمه، و الأقرب سريانه في غيره من الواجبات المعينة- ثم قال-: و يتأدى رمضان و كل معين بنية الفرض غيره بطريق

الأولى» و ظاهره الفرق في رمضان و غيره بين نية النفل و غيره، و لعله لنصوص يوم الشك و اتحاد صنف الواجب بخلاف المندوب، نعم قد يتوقف في أصل الحكم بتأدي المعين غير رمضان بنية النفل أو فرض آخر غيره، لعدم الدليل، و حرمة القياس، فتأمل جيدا، و حكم تجديد النية بعد الانكشاف ما تسمعه في يوم الشك، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا يجوز ان يردد نية صومه بين الواجب و الندب قطعا بناء على اعتبار نية الوجه بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا بل و على تقدير عدم اعتبار نية الوجه إذا لم يذكر القربة، بل ذكرهما مرددا بينهما أما إذا ذكرها فلا بأس، لأن هذه الضميمة غير منافية للتقرب، فلا تكون مبطلة بل لو قلنا بصحة العبادة و إن اشتملت على الوجه الذي لا يطابق الواقع فنوى الوجوب في مقام الندب و بالعكس كان الحكم بالصحة هنا أولى، كما هو واضح، و دعوى انه مع التعرض للوجه يتعين قصد أحدهما و إن لم نقل بوجوب التعرض عارية عن الدليل، بل إطلاق الاكتفاء سابقا في رمضان بنية أنه يصوم متقربا إلى الله تعالى مناف لذلك، و احتمال إرادة ما يتناول الطاعة بالفعل و الوجه الذي

ج 16، ص: 207

يقع عليه من القربة كما ترى، نعم يمكن ان يريد المصنف وجوب التعيين مع تعدد ما على المكلف من الواجب و المندوب، فان من الواضح حينئذ عدم جواز الترديد له بل لا بد من التعيين، لا ان المراد وجوب التعيين في صوم اليوم المشخص الذي لم يرد من المكلف غيره، فإنه غير متجه بناء على عدم اعتبار نية الوجه قطعا، كما هو واضح، و الله أعلم.

و لو نوى الوجوب أي وجوب شهر رمضان في صوم آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما على المشهور بين الأصحاب، بل في الرياض نسبته إلى عامة من تأخر، بل عن المبسوط نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه، لبطلانه بالنهي عنه المقتضي للفساد في العبادة و لو كان لشرطها،

قال الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة(1): «إنما يصام يوم الشك من شعبان، و لا يصومه من شهر رمضان، لأنه قد نهي ان ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك، و انما ينوي من الليل انه يصوم من شعبان، فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه بفضل الله عز و جل و بما وسع على عباده، و لو لا ذلك لهلك الناس»

و في

خبر الزهري (2)«سمعت علي بن الحسين (عليهما السلام) يقول: يوم الشك أمرنا بصيامه و نهينا عنه، أمرنا أن يصومه الإنسان على انه من شعبان، و نهينا ان يصومه على انه من شهر رمضان و هو لم ير الهلال»

و في

صحيح هشام (3)عن الصادق (عليه السلام) «يوم الشك من صامه قضاه و إن كان كذلك يعني من

صامه على انه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه و إن كان يوما من شهر رمضان، لأن السنة جاءت في صيامه على انه من شعبان، و من خالفها كان عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 4- 8 مع الاختلاف في الثاني.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 4- 8 مع الاختلاف في الثاني.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 5.

ج 16، ص: 208

القضاء»

و في

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان، فقال (عليه السلام): عليه قضاؤه و إن كان كذلك»

و قال الصادق (عليه السلام) في خبر الأعشى (2): «نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن صوم ستة أيام: العيدين و التشريق و الذي يشك فيه من رمضان»

و قال له عبد الكريم(3): «إني جعلت على نفسي ان أصوم حتى يقوم القائم (عليه السلام) فقال: لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيام التشريق و لا اليوم الذي يشك فيه»

و عن المقنع روايته بزيادة من شهر رمضان.

و على كل حال فالمراد ما في النصوص السابقة من النهي عن صومه على انه من شهر رمضان، إذ صوم يوم الشك لا بهذه النية بل نية انه من

شعبان مندوب اليه بلا خلاف فيه بيننا إلا من المفيد فيما حكي عنه، فكرهه على بعض الوجوه، و هو شاذ، بل على خلافه النصوص و الإجماع في محكي الانتصار و الغنية و الخلاف و ظاهر غيرها كالتنقيح و الروضة، بل هو أولى من حمل النهي عن صومه فيما سمعت على التقية، لأنه مذهب جماعة من العامة، و إن كان يشهد له بعض

المعتبرة(4)«عن اليوم الذي يشك فيه فان الناس يزعمون ان من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان فقال: كذبوا، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له، و إن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام»

كل ذلك مضافا إلى ما فيه من التشريع المقتضي لعدم تحقق الامتثال، خلافا لابني أبي عقيل و الجنيد فاجتزيا بها عن شهر رمضان لو صادف، و عن خلاف الشيخ اختياره محتاجا عليه بإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 7.

ج 16، ص: 209

الفرقة و أخبارهم على ان من صام يوم الشك أجزأ عن رمضان و لم يفرقوا، و هو كما ترى، ضرورة تحقق الفرق في النص و الفتوى، و الأولى الاستدلال عليه بصحيح معاوية(1)و موثق سماعة(2)الآتيين.

و المناقشة في بعض الأدلة السابقة- كصحيح هشام باحتمال قوله: «يعني» إلى آخره من

الراوي لا الامام (عليه السلام) فلا يكون حجة، و صحيح محمد ابن مسلم و ما شابهه باحتمال تعلق الجار بيشك بل هو أولى من «يصوم» لقربه و الإجماع على ترك العمل به على هذا التقدير لا يقتضي حمله على المعنى الذي يصلح لأن يكون حجة، إذ لا دليل يعتد به على ذلك، على أن أقصاه أولوية ذلك من الابطال، و هي لا تصلح لجعل ذلك المعنى حجة على الدعوى، و لو سلم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الأدلة غير منحصر فيما ذكر لاحتمال الورود مورد التقية، و هو معنى جيد يصح أن يحمل عليه أخبار أهل العصمة، بل في الذخيرة احتمال الجمع بين هذه النصوص و النصوص (3)الدالة على نفي القضاء عمن صام يوم الشك بحمل الأولى على الندب و الأخرى على نفي الوجوب، و التشريع إنما يقتضي الحرمة دون الفساد- واضحة الدفع بعدم جريانها في البعض الآخر من النصوص التي سمعتها الذي هو الشاهد لإرادة ذلك في باقي النصوص بل هو الشاهد على أن قوله: «يعني» إلى آخره من الامام (عليه السلام) على أن كونه من الراوي المشافة بالخطاب كاف في المطلوب، و تعلق الجار بيشك غير قادح بعد أن كشفت النصوص الحال عن صوم يوم الشك و أنه إن صام بنية أنه من رمضان كان عليه قضاؤه، و إن صام بنية أنه من شعبان أجزأ، فوجب حينئذ حمل النصوص المطلقة على هذا التفصيل، فلو سلم تعلقه بيشك كان دالا على المطلوب، و لا يعارضه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم.

ج 16، ص: 210

حسن معاوية(1)أو صحيحه قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): «الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال: هو شي ء وفق له»

و موثق سماعة(2)«سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري هو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان فقال: هو يوم وفق له و لا قضاء عليه» بعد التنزيل على التفصيل المزبور. خصوصا و قد روى الأخير في الكافي «صامه فكان من شهر رمضان»

و هو أضبط من غيره، و كون التشريع يقتضي الحرمة دون الفساد إذا لم يكن في ابتداء النية و لم يخرج الفعل به عن قصد امتثال الأمر المتعلق به، و ما نحن فيه من ذلك.

و كذا المناقشة باحتمال هذه النصوص النهي عن صومه محتسبا له من شهر رمضان و إن لم يظهر كونه كذلك، فتكون كالنصوص المتضمنة لذلك، ففي

خبر محمد بن الفضيل (3)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «في اليوم الذي يشك فيه- إلى أن قال-: لا يعجبني أن يتقدم احد بصيام يوم»

و في

المرسل (4)«كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: لأن أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن أصوم يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان

«و في

خبر سهل بن سعد(5)«سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: الصوم للرؤية و الفطر للرؤية، و ليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية و أفطر قبل الرؤية للرؤية، قلت: يا ابن رسول الله فما ترى في صوم يوم الشك؟

فقال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر رمضان»

إلى غير ذلك، ضرورة صراحة بعض النصوص السابقة بعدم العبرة


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب وجوب الصوم الحديث 9.

ج 16، ص: 211

به و إن بان أنه من شهر رمضان، لكن و مع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال، و من هنا كان ما عليه المشهور قويا باعتبار موافقته للاحتياط، هذا. و في المدارك و غيرها «لا يخفى أن نية الوجوب مع الشك إنما تتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة، أما العالم بانتفائه شرعا فلا يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصور، و هي غير النية فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد كما هو واضح» قلت: هذا جار في غير المقام مما كان من التشريع، و لعل الصورة كافية في ثبوته و ترتب الحكم عليه.

و كيف كان فيوم الشك لو نوى المكلف صومه مندوبا لأنه من شعبان أجزأ عن رمضان إذا

انكشف انه منه بلا خلاف أجده فيه، بل ربما ظهر من المصنف و الفاضل نفيه بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا كالنصوص (1)التي فيها الصحيح و غيره المتضمنة لبيان وجه الاجزاء من أنه يوم وفق له و قد سمعت أن في خبر الزهري منها التعليل بأن الفرض انما وقع على اليوم بعينه، و منه بل و من التأمل في غيره يستفاد الاجزاء به عن شهر رمضان و إن لم ينوه ندبا بل نواه عن قضاء أو نذر أو نحوهما، و بالجملة العنوان أنه صامه على أنه من شعبان فبان كونه من رمضان، و قد سمعت التصريح به في الدروس و انه أولى من الاجتزاء بالمندوب و إن ناقشه فيها في المدارك، لكنه في غير محله نعم قد يتوجه عليه ما ذكرنا سابقا فلاحظ و تأمل.

ثم إن إطلاق النص و الفتوى يقتضي الاجتزاء بذلك و إن لم يجدد النية إذا بان انه من رمضان في أثناء النهار، لكن في الدروس «و لو نوى الندب و ظهر الوجوب جدد نية الوجوب و أجزأ و إن كان بعد الزوال، و كذا لو نوى


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم.

ج 16، ص: 212

الوجوب عن سبب فظهر استحقاق صوم اليوم لغيره جدد التعيين، و هنا يجب التعيين في رمضان» و عن المعتبر أيضا التصريح بوجوب التجديد، إلا انه قال في المدارك: «انما يتم إذا اعتبرنا ذلك في صوم رمضان، نعم لا بأس باعتبار التعيين هنا و إن لم يفتقر اليه

صوم رمضان، لتعلق النية بغيره، فلا ينصرف اليه بغير نية» و فيه انه قد يقال: إن الصرف هنا شرعي لا مدخلية للنية فيه، و منه يعلم عدم وجوب التجديد للإطلاق المزبور.

و قد تبين من ذلك كله حكم صوم يوم الشك بنية انه من رمضان أو من شعبان ندبا أو قضاء و نحوه، أما لو صامه على انه إن كان من شهر رمضان كان واجبا و إلا كان مندوبا ف قيل و القائل الشيخ في الخلاف و المبسوط و العماني و ابن حمزة و الفاضل في المختلف و الشهيد في جملة من كتبه:

يجزي عن رمضان إذا صادفه و قيل و القائل الشيخ في باقي كتبه و ابن إدريس و المصنف و أكثر المتأخرين لا يجزي عنه و عليه الإعادة، و هو الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لأن صوم هذا اليوم انما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النص، ففعله على خلاف ذلك لا يتحقق به الامتثال، و دعوى انه نوى الواقع فوجب ان يجزيه، و انه نوى العبادة على وجهها فوجب ان يخرج عن العهدة، و ان نية القربة كافية و قد نواها، يدفعها منع الأولين بعد ان عرفت كون الوجه المعتبر الندب خاصة بمقتضى الحصر الوارد في الرواية، و لا ينافيه كون ذلك اليوم من رمضان، فان الوجوب انما يتحقق إذا ثبت دخوله لا بدونه، و الوجوب في نفس الأمر لا معنى له، و أما الثالث فيدفعه انه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة الصحة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به بل على الوجه المنهي عنه، و أيضا فإن نية التعيين تسقط فيما علم انه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم، هذا حاصل ما في المدارك

ج 16، ص: 213

و الرياض و الذخيرة، نعم في الأخير بعد أن ذكر التشريع دليلا لعدم الاجزاء قال: «و يرد عليه ان غاية ما يستفاد من ذلك تحريم بعض خصوصيات النية، و لا يلزم منه فساد الصوم، و الحق ان إثبات وجوب القضاء لو صامه على الوجه المذكور في غاية الإشكال» قلت: يقوى في النظر عدم وجوب القضاء إذا كان قد نوى القربة المطلقة، و الترديد انما هو في الشي ء في نفسه و في حد ذاته لا انه ترديد في النية، إذ هو كالترديد لاحتمال طرو العارض من حيض أو سفر الذي صرح بصحة الصوم معه، و انه ليس من الترديد في النية، و لعله بذلك يمكن رجوع النزاع هنا إلى لفظ، ضرورة ان من المستبعد القول بالصحة مع فرض كون الترديد في النية، و ما في الدروس- من انه يشترط الجزم مع علم اليوم، و في يوم الشك بالتردد قول قوي- يجب حمله على ما ذكرنا، لقوله في التذكرة لو نوى انه يصومه عن رمضان أو نافلة لم يصح إجماعا، كما ان من المستبعد القول بالعدم إذا كان بالفرض الذي ذكرنا، و دعوى توقف الصحة على نية الندب المقابل للوجوب و على كونه من شعبان يمكن منعها، إذ المسلم البطلان مع نية انه من شهر رمضان خاصة، فتأمل جيدا، هذا. و لا يخفى ان موضوع هذه المسألة أخص من موضوع المسألة السابقة يعني قوله: «و لا يجوز أن يردد» إلى آخره لاختصاص هذه بصوم يوم الشك و إطلاق تلك، فما عن بعض الشارحين من اتحاد المسألتين و انها مكررة ليس بجيد.

و لو أصبح في يوم الشك بنية الإفطار ثم بان انه من الشهر جدد النية إذا كان لم يفعل ما يقتضي الإفطار و اجتزأ به كغيره من أفراد الجاهلين و الناسين بلا خلاف أجده فيه، بل لعل الإجماع بقسميه عليه كما عرفته سابقا، إذ المسألة من واد واحد و إن كان ذلك بعد الزوال أمسك وجوبا بلا خلاف، بل عن ظاهر المنتهى انه لم يخالف فيه أحد من علمائنا إلا النادر

ج 16، ص: 214

من العامة و عن الخلاف الإجماع عليه، و هو الحجة بعد اعتضاده بما عرفت، و بما قيل من عموم عدم سقوط الميسور بالمعسور بناء على أن الواجب عليه الصوم مع النية فإذا فاتت لم يفت، و إن كان هو كما ترى، و المعروف بين الأصحاب عدم الاجتزاء بهذا الإمساك و ان عليه القضاء لعدم كونه صوما معتبرا باعتبار فوات وقت النية منه، إذ ما بعد الزوال ليس منه كما عرفت، و وجوب الإمساك أعم من كونه صوما معتبرا، خلافا للإسكافي فساوى بين ما قبل الزوال و بعده، فيجدد النية و يجزي به، و لا ريب في ضعفه كما تقدم سابقا، فلاحظ و تأمل.

[فروع]
اشاره

بقي في المقام فروع كثيرة ذكر المصنف منها ثلاثة

[الفرع الأول تجديد نية الإفطار قبل الزوال]

الأول ما تقدمت الإشارة إليه سابقا من أنه لو نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثم تاب ف جدد النية قبل الزوال فالمعروف بين الأصحاب كما في المدارك و إن نسبه المصنف إلى ال قيل مشعرا بتمريضه انه لا ينعقد و عليه القضاء لأن الإخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فساد ذلك الجزء لفساد شرطه، و يلزم منه فساد الكل، لأن الصوم لا يتبعض، فيجب قضاؤه، و دليل التجديد المخالف للقواعد غير شامل لما نحن فيه قطعا، بل قد عرفت فيما تقدم القول بوجوب الكفارة بذلك فضلا عن القضاء و (11) أن قول المصنف لو قيل بانعقاده كان أشبه (12) في غاية الضعف، و في المسالك انما يتجه على القول بالاجتزاء بالنية الواحدة للشهر كله مع تقدمها، أو على القول بجواز تأخير النية إلى ما قبل الزوال، و فيه أن القول الثاني غير متحقق، و اللازم على الأول عدم اعتبار تجديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة.

[الفرع الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار و لم يفطر ثم جدد النية]

الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار و لم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا (13) وفاقا للأكثر في الذخيرة، و للمشهور في المدارك استصحابا للصحة

ج 16، ص: 215

السابقة بعد السلامة عن المعارض، لحصر الناقض للصوم في

صحيح ابن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء»

و لأن نية الإفطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم إجماعا، و لأن النية لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا، فلا تتحقق المنافاة، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فجزم بالفساد بذلك، بل جعله موجبا للقضاء و الكفارة، و إن خالفه فيه الفاضل في المختلف للأصل السالم عن المعارض بعد أن وافقه على الأول لفوات الشرط الذي هو النية التي كان مقتضى الأصل اعتبارها في جميع أجزاء العبادة، إلا انه للمشقة و الحرج اعتبر فيما عدا الابتداء حكمها المفسر بأن لا يأتي بنية تخالفها و لا ينوي قطعها، فمع أحدهما تفوت النية حينئذ حقيقة و حكما، فيبطل الفعل خصوصا في نحو الصوم الذي لا يتبعض، فإذا فسد جزء منه بفوات النية فسد جميعه، كما هو واضح.

و مرجع الجميع من الطرفين الى اعتبار استمرار النية في الصحة و عدمه، و التحقيق حصول البطلان بنية القطع التي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عما تلبس به من الصوم على نحو إنشاء الدخول فيه، ضرورة خلو الزمان

المزبور عن النية، فيقع باطلا، و دعوى تأثير النية الأولى فيه و إن كان بهذا الحال واضحة المنع، و أما نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك و إن لم يتحقق الإنشاء المزبور و كذا نية القاطع فقد يقوى عدم البطلان بهما، استصحابا للصحة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها، إذ الواقع عند التأمل يؤكدها، و دعوى كون المعتبر في الصحة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف لها مستندا و إن كان مقتضى الاقتصار على المتيقن ذلك، و التردد في الأثناء


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 216

مناف للجزم المعتبر في النية كالابتداء.

نعم في كشف الأستاذ «أن التردد في الأثناء إن كان للتوقف على السؤال فلا إشكال» و فيه انه يمكن أن يكون ذلك خارجا عما نحن فيه، ضرورة بقاء عزمه السابق على الصوم إلا أن تردده في حصول المنافي، فتأمل، و قال فيه أيضا: «إنه لو نوى الابطال لزعم الاختلال فبان عدم الاشكال فلا إشكال، و كذا لو زعم رجحان ترك الصيام فبان الرجحان» قلت: يمكن أن لا يكون ذلك أيضا مما نحن فيه من نية القطع، ضرورة تحقق الفساد بها بناء عليه من غير فرق في أسباب حصولها، فليس في الحقيقة إنشاء عدم الصوم في الفرض، بل أقصاه انه تخيل البطلان فعزم على ما ينافي الصوم لو كان معتبرا، فتأمل جيدا.

و على كل حال فتجديد النية الذي ذكره المصنف في المتن بل ربما قيل: إنه كاد يكون صريح المنتهى و أنه إذا لم يجدد لا إشكال يعتد به في البطلان لا مدخلية له فيما نحن فيه، ضرورة كون المقتضي للبطلان النية المزبورة، فإن ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان بها و إلا وجب القول بالصحة كذلك، كما أطلقه في المحكي عن المعتبر، و الله أعلم بحقيقة الحال و مما ذكرنا يعلم ما في كلام جماعة من الأصحاب و إطلاقهم حتى الدروس، قال: و يجب استمرار حكمها، فلو نوى الإفطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد فالمشهور الاجزاء و إن أثم، و كذا لو كره الامتناع من المفطرات يأتم و لا يبطل، أما الشهوة لها مع بقاء إرادة الامتناع و الاستمرار عليها حكما فلا إثم، و لو تردد في الإفطار أو في كراهة الامتناع فوجهان مرتبان على الجزم، و أولى بالصحة هنا، و الوجه الإفساد بالجميع، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[الفرع الثالث نية الصبي المميز و صومه]

الفرع الثالث قد تقدم البحث في أن نية الصبي المميز صحيحة

ج 16، ص: 217

أولا و صومه شرعي أو تمريني، لكن في المسالك هنا «لا إشكال في صحة صومه، لأن الصحة من خطاب الوضع، و هو غير متوقف على التكليف و إن كان صومه تمرينيا» و فيه ان الصحة و البطلان اللذين هما موافقة الأمر و مخالفته لا تحتاج إلى توقيف من الشارع، بل يعرف بمجرد العقل لكونه مؤديا للصلاة و تاركا لها، فلا يكونان من حكم الشرع في شي ء، بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب و غيره.

[الفرع الرابع لا يجوز العدول من فرض مع تعيين الزمان]

الفرع الرابع مقتضى أصول المذهب و قواعده انه لا يجوز العدول من فرض مع تعيين الزمان للأول بل و لو صلح الزمان لهما، أما لو كان بعد الزوال في قضاء رمضان لم يجز قطعا، بل و كذا لو عدل من فرض غير متعين إلى نفل، لكن في الدروس وجهان مرتبان و إن قال إنه أولى بالمنع، نعم فيها يجوز العدول من نفل إلى نفل ما دام محل النية باقيا، و لا ريب في ان الأحوط إن لم يكن الأقوى العدم في الجميع، و الله أعلم.

[الركن الثاني في ما يمسك عنه الصائم]
اشاره

الركن الثاني في ما يمسك عنه الصائم، و فيه مقاصد:

[المقصد الأول يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان أو غير معتاد]
اشاره

الأول يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان كالخبر و الفواكه أو غير معتاد كالحصى و البرد، و عن كل مشروب و لو لم يكن معتادا كمياه الأنوار و عصارة الأشجار بلا خلاف أجده في المعتاد منهما بيننا، بل بين المسلمين بل لعله من الضروريات المستغنية عن ذكر ما دل عليه من الكتاب المبين و سنة سيد المرسلين، فيفسد حينئذ في تعمده الصوم و يجب القضاء و الكفارة، إنما الكلام في غير المعتاد، و المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا انه كالمعتاد في الحكم شهرة عظيمة، بل لم يحك الخلاف إلا عن الإسكافي و المرتضى فلم يفسد الصوم بابتلاع غير المعتاد كالحصاة و نحوها، و عن بعض أصحابنا و إن كنا لم نعرفه، فأوجب القضاء فيه خاصة دون الكفارة، و هو موافق في الإفساد به مخالف في خصوص الكفارة

ج 16، ص: 218

التي لا ينبغي التوقف فيها بعد تسليم تحقق صدق الإفطار له المقتضي لوجوب القضاء، ضرورة شمول أدلة وجوبها حينئذ لمثله، فالأخير حينئذ مع كونه مجهول القائل واضح الضعف، بل و كذا سابقه الذي لم نتحقق كونه مذهب المرتضى، بل المحكي عنه في مسائل الناصرية لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمده انه يفطره مثل الحصاة و الخرزة و ما لا يؤكل و لا يشرب، و انما خالف في ذلك الحسن بن صالح، و قال: إنه لا يفطر، و روي نحوه عن أبي طلحة، و الإجماع متقدم و متأخر عن هذا الخلاف، فسقط حكمه، و كفى به خصما لنفسه مع فرض خلافه، مضافا إلى تناول النهي عن الأكل و الشرب في الكتاب و السنة لذلك، و عدم اعتياد المأكول و المشروب لا يقتضي عدم صدق الأكل و الشرب، بل و لا يقتضي ندرة في إطلاقهما على ازدرادهما، ضرورة عدم التلازم بينهما، فالمعتاد حينئذ و غير المعتاد سواء في صدق الأكل و الشرب، كما هو واضح بأدنى تأمل، و منه يظهر ما في الاستدلال بانصراف الأكل و الشرب إلى المعتاد كغيره من المطلقات، فيكون حينئذ مختلفا باختلاف الأزمنة و الأمكنة، فيكون مفطرا في أحدهما دون الآخر، و هو مقطوع بعدمه في الشرع هنا، و أما

قول الباقر (عليه السلام)(1): «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب، و النساء، و الارتماس في الماء»

كقول الصادق (عليه السلام)(2): «الصيام من الطعام و الشراب»

فيمكن إرادة ما يشمل غير المعتاد من الطعام و الشراب فيهما كما جزم به في المختلف حتى جعل الخبرين من أدلة المطلوب، لكنه لا يخلو من نظر، خصوصا بعد

خبر مسعدة بن صدقة(3)عن جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) «ان عليا (عليه السلام) سئل عن الذباب يدخل في حلق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 39- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.

ج 16، ص: 219

الصائم فقال: ليس عليه قضاء، انه ليس بطعام»

ضرورة ظهوره في عدم عموم الطعام لكل مطعوم، بل هو دال على ان الذي يوجب القضاء المعتاد من الطعام خاصة لا مطلقا بحيث يشمل غير

المعتاد، اللهم إلا ان يقال إن خبر مسعدة خال عن شرائط الحجية بحيث يصلح مقيدا للإطلاق في الكتاب و السنة، و الخبران الأولان لو سلم إرادة خصوص المعتاد من الطعام و الشراب فيهما فليسا بمساقين لنحو المقام قطعا، كما لا يخفى على من لاحظهما متأملا، فأصالة صحة الصوم حينئذ مقطوعة بالإطلاق المزبور بعد تسليم صدق اسم الصوم على الإمساك عن خصوص المعتاد، و إلا لم يثبت أصل الصوم فضلا عن استمراره، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و يجب فيه الإمساك أيضا عن الجماع المتحقق بدون الانزال قطعا في القبل للمرأة إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين بقسميه، مضافا إلى الكتاب و السنة، بل و يجب الإمساك عن الجماع في دبر المرأة و الغلام و البهيمة و قبلها على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل في الخلاف الإجماع على بعضه، قال: «إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء و الكفارة، دليلنا إجماع الفرقة و طريقة الاحتياط، ثم قال: إذا اتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء و الكفارة، فإن أو لج و لم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص، لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء، لأنه لا خلاف فيه، و أما الكفارة فلا تلزمه، لأن الأصل براءة الذمة» و إن كان قد يناقش بأن دليل القضاء دليل الكفارة، فالمتجه نفيهما أو إثباتهما، و من هنا قال ابن إدريس: لما وقفت على كلامه كثر تعجبي، و الذي دفع به الكفارة به يدفع القضاء مع قوله: لا نص لأصحابنا فيه و إذا لم يكن فيه نص مع

قولهم (1): «اسكتوا كما سكت الله»

فقد كلفه القضاء


1- 1 ذكر مضمون الحديث في تفسير الصافي في سورة المائدة ذيل الآية 101 و البحار- الباب- 23- من أبواب كتاب العلم- الحديث 5.

ج 16، ص: 220

من غير دليل، و أي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء، بل أصول المذهب تقتضي نفيه، و هي براءة الذمة، و الخبر المجمع عليه، لكن مقتضاه اختيار عدم القضاء و الكفارة فيه، فلا يكون مفسدا للصوم، بل عن ظاهر الشيخ نوع تردد في الفساد بالوطء في دبر المرأة فضلا عن غيرها، قال: «يجب القضاء و الكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل، سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة و على كل حال على الظاهر من المذهب، و قد روي ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه، و ان المفعول به لا ينقض صومه بحال و الأحوط الأول» قلت: كأنه أشار بالرواية إلى ما رواه

احمد بن محمد(1)في الصحيح عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يأتي المرأة في دبرها و هي صائمة قال: لا ينقض صومها، و ليس عليها غسل»

و علي ابن الحكم في الصحيح (2)عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا اتى الرجل المرأة

في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها، و ليس عليها غسل»

لكن المحكي عنه في تهذيبه انه اعترف بعدم العمل بهما.

و إلى كثير مما ذكرنا أشار المصنف بقوله و يجب الإمساك أيضا عن الجماع في دبر المرأة على الأظهر، و يفسد صوم المرأة، و في فساد الصوم بوطء الغلام و الدابة تردد و إن حرم، و كذا الكلام في فساد صوم الموطوء و الأشبه انه يتبع وجوب الغسل كما ان منه يعرف عدم المحيص للفقيه عن القول بالفساد بالوطء في دبر المرأة وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، بل قد عرفت دعوى الإجماع الذي يشهد له التتبع في المقام، فالإجماع لا بأس بدعواه، و كفى به دليلا،


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الجنابة- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الجنابة- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 16، ص: 221

مضافا إلى آية المباشرة(1)بناء على إرادة ما يشمله من الاذن في المباشرة فيها كي يكون المنهي عنه في الصوم المباشرة في القبل و الدبر، و متى كان محرما فيه أفسد إجماعا، بل لو سلم إرادة خصوص الوطء في القبل من إباحة المباشرة بناء على حرمة الوطء في الدبر في نفسه أمكن دعوى استفادة حرمة أخرى من جهة الصوم للوطء فيه، و بها يتم المطلوب، لكن لا يخفى عليك بعده، و الأمر سهل بعد عدم انحصار الدليل في ذلك، بل قد عرفت الإجماع و غيره، مضافا إلى

صحيح ابن الحجاج (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع»

كمرسل ابن سوقة(3)و غيره الدال على تحقق الفساد بصدق الجماع الذي لا ريب في تحققه في الوطء بالدبر، اللهم إلا ان يدعى انه خلاف المنساق هنا، و مضافا إلى ما دل على وجوب الغسل به في باب الجنابة بناء على التلازم بينه و بين الإفطار إذا كان بالاختيار، كما أومأ إليه المصنف و الفاضل و غيرهما و إن ناقشه فيه في المدارك و الذخيرة، لكن اعترف أولهما بأنه يلوح ذلك من الأخبار، قلت:

منها ما دل (4)على تعمد البقاء على الجنابة من الليل أو بعد الانتباه مرتين كما تسمع إن شاء الله، كل ذلك مضافا إلى الفتاوى، بل يمكن دعوى الإجماع المركب، و في معقد إجماع الغنية عد في عداد ما يوجب القضاء و الكفارة أن يحصل جنبا في نهار الصوم مع تذكر للصوم عن عمد و اختيار، سواء كان ذلك


1- 1 سورة البقرة- الآية 183.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم و الباب 15 منها- الحديث 2.

ج 16، ص: 222

بجماع أو غيره، و سواء كان مبتدئا بذلك فيه أو مستمرا عليه من الليل.

و من ذلك يظهر لك الوجه في الفساد بوطء البهيمة، مضافا إلى ما سمعته من نفي الخلاف من الشيخ الذي لا ينافيه ما ذكره أولا من عدم

معرفته النص لأصحابنا بعد إرادة الخبر منه لا الفتوى، بل مقتضاه الفساد به و إن لم يجب الغسل به كما هو المحكي عنه أيضا، و لعله لقاعدة الشغل بناء عليها أو لصدق الجماع عليه، و اشتراط الغسل بالتقاء الختانين فلا يجب الغسل به، لعدمه فيه، و إن فسد به الصوم لصدق الجماع، أو لأنه المراد من نفي الخلاف الإجماع، فيكون حينئذ هو الحجة في الفساد به تعبدا و إن لم يجب الغسل به، نعم يتجه عليه ما قدمناه سابقا من وجوب الكفارة أيضا، لاتحاد الدليل كما تسمع لذلك تتمة إن شاء الله.

و لا فرق في الموطوء بين الحي و الميت، بل و لا الواطي، فلو أدخلت المرأة مثلا ذكر ميت في فرجها أو دبرها أفطرت، لاتحاد المدرك في الجميع.

و كذا لا فرق بعد تحقق اسم الوطء و الجماع بين الصغير و الكبير، خصوصا بناء على التلازم بين الغسل و الإفطار، فلو أولج في صغير أو صغيرة من إنسان أو حيوان أفسد صومه، و لو أولج الصغير في الكبير أو الكبيرة فسد صوم الموطوء، نعم قد يستشكل في إدخال آلة الطفل الصغير قبل نشوه كما في كشف الأستاذ، كما انه يستشكل في الفساد بإدخال ذكر البهيمة للإشكال في الغسل و ربما ظهر من بعض البطلان أيضا، و هو لا يخلو من وجه ينشأ من احتمال التلازم بين حكم الواطئية و الموطوئية، و منه ينقدح وجوب الغسل و إن كان قد تقدم لنا في باب الغسل ما ينفيه.

و يتحقق الجماع عرفا بغيبوبة الحشفة، و لعله الذي كشف عنه الشارع بالتقاء الختانين، و منه يتجه اعتبار دخول مقدارها من المقطوع، فلو دخل

ج 16، ص: 223

بجملته ملتويا و لم يبلغ الحد و لو أرسل بلغ فلا فساد.

كما انه لا فساد أيضا مع النسيان و القهر المانع عن الاختيار و الشك في الأصل أو في غيبة الحشفة و الإيلاج في غير الفرجين بلا إنزال و إدخال غير الذكر من إصبع و غيره و لو طعن بزعم غير الفرج فدخل فيه من غير قصد فلا شي ء عليه، بل و كذا العكس بناء على عدم اعتبار نية القاطع، و لو ارتفع القهر و النسيان أو طلع الصبح بعد إدخاله فنزعه من حينه فلا بأس، و لو تراخى فسد الصوم كما هو واضح، هذا.

و في كشف الأستاذ «ان جماع الخنثى لمثله مشكلا أولا قبلا أو دبرا يقضي الفساد على الأقوى» و فيه ما لا يخفى مع عدم الانزال، خصوصا مع عدم الاشكال، و التحقيق فساد صومها بموطوئيتها دبرا من الرجل، و بوطئها للمرأة مع وطء الرجل إياها، و إن كان لا يحكم بفساد صوم كل من الرجل و الامرأة بخلافها هي، اما لو وطئت كل من الخنثى الأخرى فلا قطع بفساد صومهما، ضرورة احتمال كونهما امرأتين، و لا جماع بالنسبة إليهما، و المساحقة لا تفسد ما لم يكن معها إنزال، و بذلك يظهر لك ما في عبارة الأستاذ من الاجمال، و الله العالم بحقيقة الحال.

و كذا يجب الإمساك في الصوم عن الكذب على الله و رسوله و الأئمة عليهم السلام بلا خلاف أجده فيه كما في الرياض، بل قال:

و لا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب بل مطلق المحرمات، و إنما الخلاف في إيجابه الفساد و الإفطار الموجب للقضاء و الكفارة، كقول المصنف بعد الحكم بوجوب الإمساك عنه و هل يفسد الصوم بذلك؟ قيل: نعم، و قيل: لا، و هو الأشبه مما هو مشعر بمعلومية وجوب الإمساك عنه، و هو كذلك بالنسبة إلى نفسه كغيره من المحرمات، أما حرمة أخرى من حيث الصوم على وجه تخصه

ج 16، ص: 224

دون باقي المحرمات فقد يمنع عدم الخلاف فيه، بل يمكن نفي الخلاف في عدمه، و ستسمع ما يأتي للمصنف في المقصد الثاني، و لكن الأمر في ذلك سهل، نعم هو متجه على القول بالفساد، فيكون حينئذ محرما من جهتين كما هو المحكي عن الشيخين و القاضي و التقي و السيدين في الانتصار و الغنية و غيرهم، كالأستاذ في كشفه و الفاضل في الرياض، بل في الخلاف نسبته إلى الأكثر، بل في الدروس إلى المشهور، بل في الأخيرين الإجماع عليه، و هو الحجة، مضافا إلى

موثق سماعة(1)«سألته عن رجل كذب في رمضان فقال: قد أفطر و عليه قضاؤه، فقلت:

ما كذبته؟ قال: يكذب على الله و رسوله»

و موثقه الآخر(2)و

خبر أبي بصير(3)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: الكذبة تنقض الوضوء و تفطر الصائم قال: قلت: هلكنا قال: ليس حيث تذهب، انما ذلك الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة (عليهم السلام)»

كخبره الآخر(4)عنه (عليه السلام) أيضا «ان الكذب على الله و رسوله و على الأئمة (عليهم السلام) يفطر الصائم»

و كذا خبره المروي عن نوادر ابن عيسى (5)و في

المرفوع (6)إلى الصادق (عليه السلام) المروي عن الخصال «خمسة أشياء تفطر الصائم: الأكل و الشرب و الجماع و الارتماس في الماء و الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة (عليهم السلام)»

و نحوه المحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(7).

إلا أنه مع ذلك كله صار أكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم إلى عدم الفساد به، كما هو المحكي عن المرتضى في الجمل أيضا و العماني، للأصل و حصر


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 7.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.
7- 7 المستدرك- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 225

المفطر في غيره في الصحيح (1)بعد موهونية الإجماع بمصير أكثر المتأخرين كما عرفت إلى خلافه، بل في المعتبر دعواه مكابرة، بل المرتضى الذي هو العمدة في حكاية ابن زهرة له كما لا يخفى على الماهر قد سمعت قوله بخلافه، و الشهرة المحكية في الدروس لم نتحققها، و بعد الطعن في النصوص سندا و اشتمالا على ما لا يقول به الخصم من نقض الوضوء و احتمال القراءة بالصاد المهملة، فيكون المراد منه نحو المراد من غيره،

كالمروي (2)عن عقاب الأعمال عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) «من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه و نقض و ضوؤه»

إلى آخره، ك

وصيته صلى الله عليه و آله لعلي عليه السلام المروية(3)عن تحف العقول لابن شعبة «يا علي احذر الغيبة و النميمة، فإن الغيبة تفطر، و النميمة توجب عذاب القبر»

و قول الباقر عليه السلام في خبر محمد بن مسلم (4)المروي عن الخصال «و الغيبة تفطر الصائم و عليه القضاء»

و في كتاب الإقبال (5)رأيت في أصل من كتب أصحابنا «سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:

إن الكذب يفطر الصائم و النظرة بعد النظرة و الظلم كله قليله و كثيره»

بل قد يقال: إن المراد بنصوص المقام التعريض بها في قضاة العامة و رواتهم و أتباعهم بقرينة اشتمالها على نقض الوضوء بالكذب، فيكون المطلوب حينئذ بيان حال صومهم و صلاتهم أي انه لا صوم لهم و لا صلاة بسبب ذلك.

و على كل حال فلا ريب ان الأحوط الأول و إن كان الثاني لا يخلو من قوة، بل المتجه مراعاة الكفارة أيضا كما هو المعروف بين من قال بكونه مفطرا، لعموم ما دل على وجوبها بالإفطار المفروض تحققه، و خلو نصوص المقام عنها أعم من عدم وجوبها، و تسمع إن شاء الله فيما يأتي التحقيق في نظائر المسألة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 9.

ج 16، ص: 226

و ان المستفاد من النصوص ان الأصل وجوب الكفارة في كل ما تحقق به اسم الإفطار إذا كان على جهة العمد و الاختيار لا خصوص المتعارف من أكل المفطرات كالأكل و نحوه.

و كيف كان فالأولى إلحاق الزهراء و باقي الأنبياء و الأوصياء (عليهم السلام) لرجوع الكذب عليهم إلى الكذب على الله، خصوصا بناء على ما في كشف الأستاذ من كون المراد الكذب في نسبة الأحكام الشرعية مستفادة من قول أو فعل أو تقرير دون الأمور العادية و الطبيعية، نعم قال: الاحتياط في تسرية

الأحكام إليها و إلى القضاء و الفتوى، و إن كان قد يناقش بأن من الفتوى ما يكون إخبارا، فمع فرض كونها باطلا كانت كذبا، و بإطلاق النصوص الظاهر في تناول الأعم من الأحكام الشرعية، و في التحرير لا فرق بين الدنيا و الدين بناء على الإفطار به، كظهوره في عدم الفرق بين الرجوع عن الكذب و الاخبار من حينه بالصدق و عدمه مع التوبة و عدمها و الجهل بالحكم و عدمه، أما لو نقل قول الكاذب عليهم أو قصد الهزل أو قصد الكذب فبان صدقا بناء على عدم الفساد بلية القطع أو الصدق فبان كذبا أو كان ناسيا للصوم فلا فساد، و في كشف الأستاذ أو أفاد المعنى بفعل أو تقرير أو في مقام تقية أو دون البلوغ أي لا فساد، لكن قد يناقش باحتمال إرادة ما يشمل الأول من الكذب، خصوصا إذا كان المقصود من الفعل الاخبار، و التقية عنده ترفع الإثم لا انها ترفع حكم الإفطار من القضاء و المفطر لا فرق فيه بين ما قبل البلوغ و عدمه، و دعوى ان الإفطار بما هنا من جهة الإثم المفقود في الصبي يمكن منعها، كما انه قد يناقش في بعض ما ذكره بقوله: لو حدث بحكم صادق ثم قال: كذبت، أو كاذب فقال: صدقت أو أخرج الخبر الكاذب إلى الإنشاء بعهد أو يمين أو نحوهما أو أخبر بخبر عن إمام

ج 16، ص: 227

عليه السلام مسند إلى واسطة، أو كذب ليلا فقال: نهارا ما أخبرت به البارحة صدق أو أخبر صادقا في الليل فقال في النهار خبري ذاك كذب، أو سأله سائل هل قال النبي صلى الله عليه و آله كذا؟ فقال: نعم في مقام لا أولا في مقام نعم، أو أفاد المعنى بإشارة أو كناية ترتب الفساد، فلاحظ و تأمل، و لا فرق بين أقسام الصوم و لا بين اللغات، نعم يشترط فيه قصد الافهام، فلو تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى احد أو موجها له إلى من لا يفهم معنى الخطاب فلا فساد، و الله اعلم.

و كذا يجب الإمساك عن الارتماس على المشهور بين الأصحاب بل قيل: إنه إجماع، ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر يعقوب ابن شعيب (1)«لا يرتمس المحرم في الماء و لا الصائم»

كقوله في صحيح الحلبي (2)«لا يرتمس الصائم و لا المحرم رأسه في الماء»

و في مرسل ابن زياد(3)«أن الحسن الصيقل قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال: لا و لا المحرم، قال: و سألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال: لا»

و قال الباقر ع في خبر ابن مسلم (4): «الصائم يستنقع في الماء و يصب على رأسه و يتبرد بالثوب و ينضح المروحة و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء».

و قيل و القائل المرتضى في المحكي من احد قوليه و ابن إدريس و غيرهما:

لا يحرم للأصل بل يكره حملا للنهي في النصوص المزبورة عليه بقرينة

قول الصادق عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان (5): «يكره للصائم أن يرتمس في الماء»

و التعبير به فيه و في لبس الثوب المبلول المعلوم أنه للكراهة في خبر الصيقل


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 8 عن حماد عن حريز.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.

ج 16، ص: 228

و فيه ان الأصل مقطوع بما سمعت مما لا يقبل حمله على الكراهة، كمحكي الإجماع بل خبر ابن مسلم كالصريح في نفيها عند التأمل، مضافا إلى عدم المقتضي، و خبر ابن سنان بعد الطعن في سنده يمكن إرادة الحرمة من الكراهة فيه، بل هو أولى من حمل النهي في النصوص السابقة عليها، و الجمع بينه و بين الثوب المبلول بلفظ النهي في خبر واحد أعم من الكراهة بعد استقلال كل منهما بنهي.

و بالجملة لا محيص للفقيه عن القول الأول بل هو أشبه و استبعاد كون خصوص غمس الرأس من البدن مفطرا مع فرض عدم دخول شي ء من الماء في شي ء من المنافذ اجتهاد في مقابلة النص، كالقول بأنه محرم و لكن لا يوجب قضاء و لا كفارة و إن اختاره المصنف لقوله و هل يفسد الصوم بفعله؟

الأشبه لا تبعا للمحكي عن استبصار الشيخ و تبعه عليه غيره كالفاضل و ولده و المحقق الثاني و ثاني الشهيدين و غيرهم، للأصل بعد

خلو النصوص عن التعرض لهما حتى حكي عن الشيخ انه قال: لا أعرف حديثا في إيجاب القضاء و الكفارة أو أحدهما به، و اقتصارها على النهي المراد منه حقيقة الحرمة التي هي أعم منهما بعد فرض تعلقها بخارج عن العبادة، لكنه كما ترى هدم للمستفاد في سائر الأبواب من الأحكام الوضعية في أمثال هذه النواهي كالأوامر بقرينة كون المقصد الأهم للشارع بيان الصحة و الفساد، حتى صار ذلك من تفاهم أهل العرف في خطاب المتعلق بعبادة أو معاملة مما يوصف بالصحة و الفساد، و عليه بنوا كثيرا من الشرائط و الموانع كما لا يخفى على المتتبع، و دعوى النهي هنا للاحتياط عن دخول الماء المنافذ لا لأنه مفطر اجتهاد لا دليل عليه، كل ذلك مضافا إلى ظهور خبر الخصال (1)المتقدم في المسألة السابقة في انه من المفطرات


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.

ج 16، ص: 229

و انه كالأكل و الشرب، بل صراحته في ذلك، بل و

صحيح ابن مسلم (1)«لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس في الماء»

و غير ذلك مما هو دال على كونه مفطرا بعد قطع النظر عن محكي الإجماع المؤيد بالشهرة العظيمة، و

خبر إسحاق بن عمار(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم قال: ليس عليه قضاء و لا يعودن»

قاصر عن المعارضة سندا و دلالة من وجوه.

بل المتجه إيجاب الكفارة مع القضاء بناء على ما ستعرف من ظهور الأدلة في وجوبها بكل مفسد للصوم، بل هي من معقد محكي الإجماع، فالقول بوجوب القضاء فيه خاصة كما عن أبي الصلاح للأصل ضعيف أيضا لما عرفت، و خلو النصوص عن التعرض غير قادح بعد ظهور نصوص أخر فيه، على أن عدها إياه هنا مع الأكل و الشرب في الصحيح و غيره لا يخلو من إشعار باتحاد الحكم فيها، و لعله لذا قال في المحكي عن المبسوط: إن وجوب القضاء و الكفارة به أظهر في الروايات.

و كيف كان فالمراد من الارتماس هنا غمس الرأس خاصة لا جميع البدن كما صرح به غير واحد، بل لا أجد فيه خلافا بل و لا ترددا عدا ما سمعته من الدروس لتعلق النهي به فيما سمعت من النص (3)الذي لا ينافيه إطلاق الارتماس في آخر(4)فيكفي حينئذ في ترتب الحكم غمسه و إن كان البدن كله خارجا، و الظاهر أن المراد غمسه دفعة للغسل أو للتبريد. فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2 و 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 230

الحكم و إن احتمله في المدارك، لكن لا ريب في ضعفه، نعم لو غمسه تدريجا حتى انتهى إلى حصول تمام رأسه تحت الماء حينا ترتب الحكم، و على كل حال فما في الدروس بعد أن ذكر المفطرات الثمانية التي منها الارتماس و لو غمس رأسه دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر، نعم لو سبق الماء إلى حلقه قضى و لو سبق في الأغسال الواجبة أو المستحبة فلا شي ء، و في التبرد احتمال لا يخلو من نظر بل منع و إن كان هو ظاهر المتن و غيره ممن عبر بالارتماس الظاهر في ارتماس البدن جميعه، لكن قد عرفت أن ظاهر الأدلة خلافه.

ثم إن المنساق إلى الذهن من الرأس هنا تمام ما فوق الرقبة، و في المدارك لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة و إن كانت منابت الشعر خارجة من الماء، و فيه أنه مبني على كون منشأ الحكم الاحتياط في عدم إدخال الماء المنافذ، و ليس في شي ء من النصوص إشعار به، نعم لا يقدح في الصدق خروج الشعر وحده من الماء، كما انه لا بأس بالإفاضة و نحوها مما لا يسمى ارتماسا و إن كثر الماء، بل لا بأس برمس بعضه في الماء و إن كان ما فيه المنافذ، و لو شك في التمام بنى على الصحة، و خبر العدل فضلا عن العدلين بدخوله تماما يقوم مقام العلم على الأقوى، و في كشف الأستاذ «أما سد المنافذ و إدخال الرأس في مانع من وصول الماء اليه متصلا به فلا يرفع حكم الغمس، و في المنفصل يقوى رفعه» و في الأول نظر واضح، ضرورة كون الرأس اسما للبشرة، و ذو الرأسين يبطل بغمسهما معا ما لم يكن أحدهما زائدا، فيكون المدار على الأصلي، مع أن طريق الاحتياط أسلم، و ما كان منه عن نسيان أو قهر أو سقوط من غير اختيار أو إلقاء نفسه زاعما أن الإلقاء لا يسبب انغماس الرأس بالماء لا يبعث على فساد، فحينئذ الناسي لا يفسد صومه و لا غسله، كما أن العامد يفسدان معا بالنسبة اليه، و لو ارتمس في المغصوب أو فيما كان في آنية من أحد النقدين ناسيا للصوم بطل غسله دون صومه، و لو توقف

ج 16، ص: 231

خروج نفس محترمة أو مال كذلك عليه صح الغسل و فسد الصوم، و كذا إذا كان الصوم نافلة أو واجبا موسعا، و في المدارك احتمال حرمته تعبدا بناء على أنه محرم غير مفسد كالتكفير في النافلة، قال: «إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة و النافلة، ثم إن قلنا: إنه مفسد جاز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات، و إن قلنا بالتحريم خاصة كما هو الظاهر احتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في الصلاة المندوبة، و الإباحة إما لقصور الأخبار المانعة عن إفادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز فعل ما هو مظنة له بطريق أولى» قلت: هذا كله يؤيد ما قلناه من إرادة الفساد من نحو هذا النهي، ضرورة إطلاق الصوم في النصوص، و إرادة الحرمة منه خاصة في النافلة بل الواجب الموسع مع جواز الابطال فيهما كما ترى لا يقبله ذوق فقيه، و كذا التكفير، فتأمل جيدا، هذا.

و في المسالك بعد أن حكم أن الأصح الحرمة من غير إبطال قال: «و تظهر فائدة التحريم فيما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض أجزائه المقتضي للفساد في العبادة، و لو كان ناسيا ارتفع حدثه، لعدم توجه النهي اليه، و الجاهل عامد» و في المدارك «أنه جيد إن وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب و المحرم في الشي ء الواحد اما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء، فإنه يجب الحكم بصحته، لأن ذلك واجب محض لم يتعلق به نهي أصلا، فينتفي المقتضي للفساد» و في الذخيرة بعد أن حكاه عن المدارك «هو حسن إن كان الغسل يتحقق بإخراج البدن من الماء، لكن لي في ذلك تأمل، لأن المتبادر من الغسل المأمور به في الأخبار غير ذلك، و بالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل» قلت:

قد بينا في محله أن المراد من الغسل ما يشمل ذلك، فلاحظ.

ج 16، ص: 232

ثم لا يخفى أن مراد الشهيد التفريع على الحرمة خاصة، و إلا فعلى البطلان لا ينبغي التأمل في الصحة بكل ما يصدق معه الارتماس في حال المكث أو الخروج أو غيرهما بعد حصول المبطل منه للصوم، و حينئذ فالمتجه الحرمة بالارتماس و المكث و الخروج بناء على أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار، فهو كالداخل في الدار المغصوبة، فإنه يأثم بخروجه منها و إن كلف به كما تقرر في محله، فيتجه بناء على ذلك ما أطلقه الشهيد، بل منه يظهر أيضا ما في المدارك من أن الأظهر مساواة الجاهل للناسي في الصحة، لاشتراكهما في عدم توجه النهي و إن أثم الجاهل بتقصيره في التعلم، ضرورة إمكان منعه عليه، و أنه لا مانع من توجه النهي إليه بعد أن كان التقصير بسوء اختياره، و الأمر سهل، هذا.

و ألحق بعضهم كالشهيد الثاني و غيره غير الماء من المائعات به في حكم الارتماس، بل قال في المسالك: «في حكم الماء مطلق المائع و إن كان مضافا كما نبه عليه بعض أهل اللغة و الفقهاء» قلت: قد يشكل بأن الموجود في النصوص التقييد بالماء، اللهم إلا أن يقال إنه غير مناف للمطلق، فلا يتقيد به، نعم قد يمنع انسياق المطلق لما يشمل الارتماس بكل مائع، بل أقصى ما يسلم منه الماء المضاف و نحوه، و لعله لذا قال الأستاذ في كشفه و يقوى عدم إدخال باقي المائعات في حكم الرمس إلا ما كان من المياه المضافة و نحوها في وجه قوي، و لكن مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله أعلم.

و في إيصال الغبار الغليظ من الدقيق و التراب أو غيرهما إلى ما يحكم معه بالإفطار من الحلق خلاف و الأظهر التحريم و فساد الصوم وفاقا للمشهور، بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد و غيره إلا من المصنف في المعتبر فتردد فيه، كما اعترف بذلك الفاضل في الرياض، بل ظاهر

ج 16، ص: 233

الغنية و التنقيح و صريح السرائر و محكي نهج الحق الإجماع عليه، و من ذلك يعلم ما في قول المصنف: «خلاف» اللهم إلا أن يريد المرتضى و من تبعه على القول باختصاص المفطر بالمعتاد، لكن كان عليه حينئذ تقييد الغبار بذلك، أو المفيد لقوله فيما حكي عنه: «و يجتنب الصائم الرائحة الغليظة و الغبرة التي تصل إلى الجوف، فان ذلك نقص في الصوم» بناء على أن مراده نقص فضيلة الصوم، لكن فيه أن من المحتمل القراءة بالضاد المعجمة، بل هو متعين، لقوله في موضع آخر على ما حكي عنه: «و إن تعمد الكون في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة غليظة و له غناء عن الكون فيه فدخل حلقه شي ء من ذلك وجب عليه القضاء».

و كيف كان فلم نتحقق ما ذكره المصنف من الخلاف، نعم هو متحقق بالنسبة إلى القضاء خاصة أو مع الكفارة، و هو شي ء آخر، مع أن الأقوى فيه وجوبهما معا به بناء على ما عرفت و تعرف من وجوبهما بكل مفطر مع العمد و الاختيار لا خصوص الأكل و نحوه، مضافا إلى خصوص

خبر المروزي (1)الذي هو دليل الأصحاب في المقام على أصل الإفطار به، قال: «سمعته يقول:

إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين، فان ذلك له مفطر كالأكل و الشرب و النكاح»

و إضماره- بعد معلومية عروضه من تقطيع الأخبار لا من أصل الرواية كما بين في محله- غير قادح، فلا جهة للمناقشة فيه بذلك، و أنه لا يجدي في دفعه الانجبار بالشهرة، ضرورة عدم ثبوت كونه خبرا حتى تجبره الشهرة، كما انه لا يقدح فيه اشتماله على ما لا نقول به من الإفطار من شم الرائحة و المضمضة و الاستنشاق بعد أن تبين في محله كون الخبر الواحد و إن كان نحو المقام مما كان الجواب فيه متحدا عن الجميع بمنزلة الأخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 234

المتعددة، مع أنه يمكن فرضها جميعا على وجه يوجب ذلك و ان كان بعيدا، بل نحن في غنية عنه بناء على اندراج نحوه في الإطلاقات، لعدم اعتبار الاعتياد في المفطر، مضافا إلى محكي الإجماع و غيره، فما في المعتبر- من أن هذه الرواية فيها ضعف، لأنا لا نعلم القائل، و ليس الغبار كالأكل و الشرب و لا كابتلاع الحصى و البرد- واضح الضعف، و إن كان يشهد له

الموثق (1)عن الرضا عليه السلام «سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه قال: لا بأس و سألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال: لا بأس»

المؤيد بالأصل، و صحيح الحصر(2)في غيره الواجب تقييدهما بما سمعت، كوجوب حمل الموثق المزبور بعد ما عرفت من قصوره عن المقاومة من وجوه، منها ما قيل من موافقته العامة على دخول الغبار لا إيصاله اليه و لو بفعل باعث عليه، و المفطر عندنا الثاني لا الأول الذي هو ما يوصله الهواء من دون قصد، بل في كشف الأستاذ «انه لا يلزم سد الفم و الأنف من غبار الهواء، و يلزم عما يحدث بكنس أو نسفه أو تقليب طعام أو حفر أرض و نحوها» و ظاهره الفرق بين ترك التحفظ من الهواء و بين تركه من الكنس و نحوه سواء كان منه أو من غيره كما صرح به قبل ذلك، قال: «ثالثها وصول الغبار الغليظ إلى الجوف بإيصاله اليه أو بفعل باعث عليه منه أو من غيره» و هو مشكل بناء على أن الإفطار به لإطلاق النصوص باعتبار دخول الأجزاء الجوف لا لخصوص الخبر المزبور، و إلا كان المتجه الاقتصار على ما إذا كان الباعث منه خاصة لا الأعم منه و من غيره عدا الهواء و نحوه، و في تعليق الإرشاد الإيصال تمكينه من الوصول بأن لا يتحفظ مع التمكن منه، بل قد يشكل بناء على ما ذكرنا تقييده بالغليظ كما وقع من الأستاذ و غيره، بل نسب إلى الأكثر


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 235

و مال اليه بعض متأخري المتأخرين معللا له بالاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن و فرع عليه في الكشف عدم البطلان بالشك- في دخول الغليظ و الوصول إلى الجوف، و خروج آثار الغبار بنخامته و بضاقه لا يدل على غلظه، إذ

قد يحصل من استمرار الخفيف، لكن لا يخفى عليك أن المتجه الإفطار به و إن لم يكن غليظا، بناء على أن المدارك الإطلاق، بل و لو قلنا الخبر المزبور، إذ هو مطلق أيضا، و لقد أجاد في المدارك و الذخيرة حيث قال: «إن الاعتبار يقتضي عدم الفرق» لكن في الرياض «أن التقييد لا يخلو من قوة لا للجمع لعدم شاهد عليه، بل لعدم دليل على الابطال على الإطلاق سوى الرواية، و هي لقطعها و عدم معلومية المسؤول عنه فيها لا تصلح للحجية و إن حصلت معها الشهرة، لأنها انما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة، و لا إجماع على الإطلاق، لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ مع شهرة التقييد به كما عرفته» و فيه أن القطع غير قادح بعد ما ذكرناه في محله، و معقد بعض الإجماع مطلق أيضا، مضافا إلى ما يظهر من الفاضل و غيره من أن مدرك الإفطار به الإطلاقات و أنه كابتلاع غير المعتاد لا خصوص الخبر، و في المسالك لم يقيد المصنف الغبار بكونه غليظا كما فعله جماعة و ورد في بعض الأخبار، و الظاهر أن عدم القيد أجود لأن الغبار المتعدي إلى الحلق نوع من المتناولات و إن كان غير معتاد، فيحرم و يفسد الصوم و يجب به الكفارة سواء في ذلك الغليظ و الرقيق، بل الحكم فيه أغلظ من المأكول إذا كان غبار ما يحرم تناوله، و هو جيد جدا، نعم ينبغي أن يستثنى ما يعسر التحرز منه، كما أنه ينبغي أن يعلم انه مطلقا غير مفطر مع النسيان و القهر إلا إذا خرج إلى فضاء الفم بهيئة الطين فابتلعه، فإنه يفسد حينئذ و يأتم.

و على كل حال فعن أكثر المتأخرين إلحاق الدخان الغليظ به الذي يحصل منه جزء يتعدى إلى الحلق، بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين، و قد يشكل

ج 16، ص: 236

بمنافاته للأصل و غيره، و لذا مال إلى العدم في المدارك و الذخيرة، و في كشف الأستاذ «انه غير مفطر إلا لمن اعتاده و تلذذ به، فقام عنده مقام القوت، فإنه أشد من الغبار، و كذا البخار غير مفطر إلا مع الغلبة و الاستدامة، فإنه إذا فقد الماء قد يقوم هذا مقامه، و الأحوط تجنب الغليظ منها مطلقا» و فيه ما لا يخفى مما لا يرجع إلى دليل معتبر، نعم قد يقال بالإفطار به بناء على شمول الإطلاقات للغبار باعتبار كونه أجزاء وصلت إلى الجوف بالحلق، و المفروض عدم اعتبار الاعتياد بالمفطر، و مثله يجري في الدخان الذي هو أشد من الغبار في بعض الأحوال، فالقول بكونه مفطرا خصوصا بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يستعملون التنباك لا يخلو من قوة، بل يجب معه القضاء و الكفارة كالغبار، لما عرفت، و لسلب الاسم معه في عرف المتشرعة، و خبر الدخنة(1)يمكن حمله على

اتفاق الدخول لا المقصود منه، أو على الحلق دون الجوف، أو نحو ذلك، و الله أعلم.

و يجب أيضا الإمساك عن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك في الخلاف و الوسيلة و الغنية و السرائر و ظاهر التذكرة كالمحكي عن الانتصار و ظاهر المنتهى أيضا، بل هو إن لم يكن محصلا يمكن دعوى تواتره، كالنصوص (2)التي فيها الصحيح و غيره القريبة من التواتر، بل لعلها كذلك كما في الرياض، خصوصا إذا لوحظ معها ما دل من النصوص على فساد الصوم بتعمد الجنابة في النهار بتقريب ان ذلك ليس إلا لمنافاة تعمد الجنابة للصوم بل ما نحن فيه اولى بالبطلان باعتبار سبق انعقاد الصوم و عدمه، كما صرح بذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 237

في المختلف و محكي المنتهى و أومأ إليه في المعتبر، بل عن الانتصار «ليس لهم ان يقولوا إن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة انه قد يحتلم نهارا و يؤخر اغتساله و لا فساد، لأنا لم نوجب ذلك للمنافاة بين الجنابة و الصوم، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنبا في نهار الصوم، و ليس كذلك من احتلم نهارا أو استمر على حاله، لأن كونه جنبا في هذا الحال من غير اعتماد، و لأن بقاءه على الجنابة الواقعة بالاحتلام ليس بأكثر من حصول الجنابة في النهار، و أما الجنابة الواقعة في الليل و

تمكن من إزالتها فقد اعتمد أن يكون جنبا في النهار، فاختلف الموضوعان.

و على كل حال فالحكم من القطعيات، بل لم أتحقق فيه خلافا، و رواية

الصدوق في المقنع خبر حماد بن عثمان (1)قال: «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل إلى ان يطلع الفجر فقال له: قد كان رسول الله صلى الله عليه و آله يجامع نساءه من أول الليل و يؤخر الغسل إلى ان يطلع الفجر، و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه»

أعم من العمل به، و كونه لا يروي إلا ما يعمل به غير ثابت، على انه محجوج بما عرفت من الإجماعات و النصوص التي لا يعارضها غيرها، إذ هو بين مطلق غير مساق لذلك يجب تقييده بها، كقوله تعالى (2)«أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ» و قوله (3)«فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ» إلى «حَتَّى يَتَبَيَّنَ» و بين ما يجب تأويله إلى ذلك و إن بعد، لقصوره عن المقاومة من وجوه، ك

صحيح العيص (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى يطلع الفجر قال: يتم يومه و لا شي ء عليه»

المحمول على غير العمد،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
2- 2 سورة البقرة- الآية 183.
3- 3 سورة البقرة- الآية 183.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.

ج 16، ص: 238

أو الفجر الكاذب أو كاد ان يطلع أو الضرورة لإعواز الماء أو التقية، لأن العدم مذهب الجمهور كما في المعتبر و التذكرة، و يؤيده النسبة إلى عائشة، و لا ينافيه النسبة إلى الأقشاب في خبر الحماد المحمول على التأكيد في التقية بقرينة ما فيه من انه كان يجامع نساءه من أول الليل و يؤخر الغسل حتى يطلع الفجر و يفوته وقت الفضيلة التي لا ينبغي ان ينسب إلى من له أدنى رابطة في الدين، فضلا عمن هو أساسه و نظامه و المتأسي بأفعاله و أقواله، مع ظهور «كان» في استمرار ذلك منه، مع أن صلاة الليل واجبة عليه اتفاقا بعد الإغضاء عن حرمة شهر رمضان و نوافله و إحياء ليلة بالعبادة فلا يشك من له أدنى ممارسة لكلماتهم في أن ذلك منهم خارج مخرج التقية، أو التعريض بهم على نحو الاستهزاء و السخرية بهم و بعائشة التي روت لهم ذلك، و كذا

صحيح حبيب الخثعمي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر»

و رواية إسماعيل بن عيسى (2)قال:

«سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شي ء عليه؟ قال: لا يضره هذا و لا

يفطر و لا يبالي، فان أبي عليه السلام قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه و آله أصبح جنبا من جماع من غير احتلام»

و نحوه خبر سعد بن إسماعيل (3)بل و

صحيح القماط(4)سئل الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.
3- 3 ليس لسعد بن إسماعيل رواية عن الإمام ع بهذا المضمون نعم روى في الاستبصار ج 2 ص 85- الرقم 266 نحو ذلك عن سعد بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل بن عيسى و أشار إليه في الوسائل أيضا.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1 و ليس فيه« أو على غير العمد».

ج 16، ص: 239

عليه السلام «عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح قال: لا شي ء عليه، و ذلك أن جنابته كانت في وقت حلال أو على غير العمد»

و كذا

خبر سليمان (1)بن أبي زينبة «كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر فكتب إلى بخطه أعرفه مع مصادف يغتسل من جنابته و يتم صومه و لا شي ء عليه».

و بالجملة لا بد من طرحها و تأويلها، لقصورها عن المقاومة من وجوه، منها إعراض الأصحاب، و للعلم أو الظن المتاخم له بأنها صدرت غير مراد منها ظاهرها كما هو واضح، بل المتجه وجوب الكفارة مع القضاء فيه، لإطلاق ما دل على وجوبها في فساده، و خصوص

خبر سليمان بن جعفر المروزي (2)عن الفقيه عليه السلام قال: «إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل و لا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم، و لا يدرك فضل يومه»

و خبر إبراهيم بن عبد الحميد(3)عن بعض مواليه «سألته عن احتلام الصائم فقال: إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل، و إن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتى يغتسل، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة، أو إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و يتم صيامه و لم يدركه أبدا»

و موثق أبي بصير(4)عن الصادق عليه السلام «في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال: يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، قال: و قال: إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا»

لكن في المدارك أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند، فيشكل التعويل عليها في إثبات


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.

ج 16، ص: 240

حكم مخالف للأصل، و من هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن أبي عقيل و المرتضى من ان الواجب بذلك القضاء دون الكفارة، أما الحائض و المستحاضة و النفساء فينبغي للقطع بعدم ترتب ذلك عليهن مع الإخلال بالغسل تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض، و فيه- مع أنا لم نتحقق حكايته عن المرتضى، بل المنقول عنه في المختلف مذهب المشهور، كما أن المحكي عنه الخلاف في المسألة ابن أبي عقيل خاصة- أن خلافه- بعد اتفاق من عداه من الأصحاب على العمل بالأخبار المزبورة، بل في الخلاف و الغنية و عن ظاهر الانتصار الإجماع عليه- غير قادح، بل لا يضر معه ضعف السند، على أن فيها الموثق و غيره، مضافا إلى ما دل على وجوب القضاء للإفساد الذي ستعرف أصالة وجوب الكفارة معه، فحينئذ الأصل يقتضيها لا ينفيها، و اقتصار بعض النصوص أو أكثرها على القضاء لا ينافي وجوبها بالنصوص المزبورة حتى ما تسمعه من صحيح الاستغفار و إن كان فيه كمال الاشعار، و لو سلم فهي أقوى منها دلالة قطعا، و لو سلم فهي أرجح منها من وجوه أخر.

ثم إن ظاهر المشهور كما اعترف به في الحدائق عدم الفرق في الفساد بالبقاء عمدا على الجنابة بين شهر رمضان و غيره من أفراد الصوم الواجب معينا أو غيره و المندوب، ضرورة عدهم له في سلك غيره من المفطرات التي لا يختلف فيها أفراد الصوم، ثم حكى بعضهم الإجماع على ما هو من جملتها من دون إيماء إلى التفريق بينه و بين غيره، لكن في المعتبر «و لقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام» قلت: كأنه أخذه من اختصاص نصوص المقام على كثرتها فيه، و لا قياس يقتضي التعدية، بل قيل: إن

صحيح الحلبي (1)منها مشعر بذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 241

قال: «قال أبو عبد الله عليه السلام في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من اهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح قال: يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان و يستغفر ربه»

و إن كان قد يمنع، إذ المراد منه القضاء بعد أن يفرغ من شهر رمضان، فليس هو حينئذ إلا كغيره من النصوص في الاختصاص المحتمل للأهمية، و لأنه الواقع مكررا من الناس، و من هنا كثر السؤال عنه و عن قضائه دون غيره من أفراد الصوم، بل لعل جملة من المفطرات إنما وردت فيه بالخصوص، إلا ان الأصحاب عدوها منه إلى غيره، مع انه قد يؤيد ذلك هنا

صحيح ابن سنان (1)الوارد في قضائه لا فيه، قال: «كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه السلام و كان يقضي شهر رمضان فقال: إني أصبحت بالغسل

و أصابتني جنابة و لم اغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا اليوم و صم غدا»

و صحيحه الآخر(2)قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى ان الفجر قد طلع قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره»

و موثق سماعة(3)«سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال:

عليه أن يتم صومه و يقضي يوما آخر، فقلت: إذا كان ذلك من الرجل و هو يقضي رمضان قال: فليأكل يومه ذلك و ليقض، فإنه لا يشبه رمضان شي ء من الشهور»

و مراده بعدم الشبه انه يجب فيه الإمساك حرمة له و إن فسد الصوم لا انه من جهة لحوق قضائه بأدائه في الحكم، فيختصان بذلك، و يبقى غيره من الصوم المندوب و الواجب الموسع و المضيق على أصالة عدم البطلان بذلك كما اختاره في المدارك و الذخيرة و الرياض بعد ان حكى الأخير منهم التردد عن المنتهى من


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.

ج 16، ص: 242

النصوص و من الفتاوى، و عن المعتبر الميل إلى الاختصاص، قال: و هو الأظهر وفاقا لجملة ممن تأخر، لما مر من عدم بلوغ فتوى الأصحاب

بالإطلاق الإجماع، مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان كابن زهرة و الشيخ في الخلاف و غيرهما، مضافا إلى جملة من المعتبرة المصرحة بالعدم في التطوع، و فيها الصحيح و الموثق و غيرهما، و يلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مر من الدليل، و يستثنى منه قضاء رمضان للصحيحين و الموثق.

و فيه أولا انه لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب إطلاقها على وجه يظهر منه عدم الاختصاص، و من هنا نسب القول بالبطلان في الندب الكركي في تعليقه على الكتاب إلى الشيخ و الأصحاب قال: و عليه الفتوى، و كذا النذر المطلق و ما جرى مجراه و منه يعلم ما في نسبته إلى خلاف الشيخ، مع ان الموجود فيما حضرني من نسخته و نسخة الغنية لا ظهور فيهما في الاختصاص بل و لا إشعار، ضرورة أعمية ذكر القضاء و الكفارة من ذلك، كما هو واضح، و ثانيا ان الذي عثرنا عليه مما ورد في صوم التطوع

خبر حبيب الخثعمي (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن التطوع و عن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم اني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم قال: صم»

و موثق ابن بكير(2)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار»

و خبره الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا، قال: «سئل عن رجل طلعت عليه الشمس و هو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل و مضى من النهار ما مضى قال: يصوم إنشاء و هو بالخيار إلى نصف النهار»

و وصفها بالمعتبرة بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.

ج 16، ص: 243

فرض إعراض المعظم عنها غير لائق على انه لو عمل بها في خصوص التطوع لم يتعد منه إلى غيره، ضرورة معلومية التسامح فيه بما لا يتسامح في غيره، كما في صلاة التطوع بالنسبة إلى صلاة الفريضة، و لعله لذا ظهر من الدروس العمل بها في خصوص التطوع، قال: «و لو أصبح جنبا و لم يعلم انعقد المعين خاصة، و في الكفارة و ما وجب تتابعه وجهان، و إن كان نقلا ففي رواية ابن بكير(1)صحته و إن علم بالجنابة ليلا، و في رواية كليب (2)إطلاق الصحة إذا اغتسل، و يحمل على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان (3) و كذا ثاني الشهيدين في المسالك عند قول المصنف: «و لو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه قيل و لا ندبا» قال: «نسبته إلى القول ساكتا عليه يشعر بتوقفه فيه، و وجه عدم الجواز انه غير معين فلم يصح صومه كقضاء رمضان، و ان الجنب غير قابل للصوم في

تلك الحال و الصوم لا يتبعض، و مستند الجواز رواية عبد الله بن بكير عن الصادق (عليه السلام) إلى آخرها، و في رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل، و حملها الشهيد على المعين أو الندب، و هو يشعر بتجويزه ذلك، و يؤيده أيضا جواز تجديد النية للعازم على الإفطار خصوصا بعد الزوال، و هو أيضا مناف للصوم، و عدم قابلية الصوم للجنب انما يمنع منه حال الجنابة، أما بعد الغسل فلا يمنع عدم تبعض الصوم مطلقا، كيف و قد تقدم النص الصحيح بأن الناوي بعد الزوال انما له من الصوم ما بعد النية، و هذه الأدلة و إن ضعف بعضها إلا انها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا، و قد عمل بها المصنف و الجماعة


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
2- 2 لم نعثر على هذه الرواية كما انه ذكر في الحدائق انه لم يقف عليها بعد التتبع في كتب الأخبار.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 244

تساهلا بأدلة السنن، و خبر(1)من بلغه شي ء من اعمال الخير يشملها» و هو كما ترى صريح في الاقتصار على التطوع، خصوصا بعد قوله آنفا في شرح قول المصنف: «و لو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه» لا فرق في ذلك بين من علم بالجنابة ليلا و تعمد البقاء عليها و من لم يعلم بها حتى أصبح، لإطلاق النهي في الخبر، و لأن القضاء موسع، نعم لو تضيق برمضان أمكن جواز القضاء للثاني، كما ينعقد مع ذلك كل صوم معين، و في حكم القضاء النذر المطلق و

الكفارة قبل التلبس بها و لو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان، أجودهما عدم صحة الصوم، و لا يقطع التتابع لعدم التقصير، و ظاهر الذخيرة موافقته في جميع ذلك أو أكثره.

فظهر من ذلك كله ان القول باختصاص التطوع بالصحة دون باقي أقسام الصوم أولى من التعدي منه إلى غيره المرجوح بالنسبة إلى التعدي فيما دل على بطلان الصوم في شهر رمضان و قضائه إلى غيرهما كما أومأنا اليه سابقا، فتأمل، بل الواجب الموسع يفسده الإصباح بالجنابة و إن لم يكن عالما بها، أو كان قد نسيها أو غير ذلك من صور الاضطرار حتى فيما يشترط فيه التتابع مع الوقوع في الأثناء، و إن كان يقوى عدم بطلان التتابع به، لعدم التقصير كما سمعته من الشهيد.

و على كل حال فمن البقاء على الجنابة عمدا إحداث سببها في وقت لا يسع الغسل بعد حصوله و لا التيمم، و لو وسع التيمم فقط عصى و صح الصوم على إشكال، و تارك التيمم مع فقد الماء حتى يصبح كتارك الغسل لعموم المنزلة، و ما في المدارك من أن الأصح عدم وجوب التيمم مبني على أصل فاسد قد ذكرناه


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 16، ص: 245

في كتاب الطهارة، و عدم الأمر به هنا في صحيح ابن مسلم (1)و خبر ابن عيسى (2)لابتناء السؤال ظاهرا على تخيل سعة الوقت، لا أقل من

احتمال ذلك فيهما، فيبطل الاستدلال، كما انه يبقى عموم المنزلة سالما، فتأمل جيدا.

و الأحوط بل الأقوى وجوب البقاء معه مستيقظا حتى يصبح فيه، خلافا له أيضا، قال: لأن انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلا بعد تحققه، و بعده يسقط التكليف، لاستحالة تكليف الغافل، و هو كما ترى، و كذا الكلام في كل ما يصح فيه الصوم بالتيمم عوضا عن الغسل.

و لو تيقظ بعد الصبح محتلما فان علم سبق الجنابة عليه ليبس المني مثلا دخل في حكم البقاء غير متعمد حتى يصبح، و إلا فهو كمن أجنب بالنهار من ذوي الأعذار، فلا يفرق فيه بين الموسع و غيره، و الله أعلم.

و الظاهر أن حدث الحيض و النفاس كحدث الجنابة في الإبطال، بل هو أشد، ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهرا، فليس هو إلا للمنافاة بينه و بين الصوم، فالبقاء حينئذ متعمدا حتى الصبح مبطل للصوم، كما أومأ إليه

موثق أبي بصير(3)عن الصادق عليه السلام «إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت ان تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم»

و على كل حال فالتردد في أصل الحكم كما هو ظاهر المعتبر و محكي الذكرى- بل عن نهاية الفاضل الميل إلى العدم، بل قيل إنه الذي يعطيه كلام الجمل و المبسوط- في غير محله قطعا، بل لعل المتجه وجوب الكفارة مع القضاء و إن لم ينص عليها في الخبر، إلا أنك ستعرف أصالة وجوبها في تعمد الإفطار، و

تنتقل إلى التيمم عند حصول موجبه و لو كان الضيق


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 21- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 246

بسوء الاختيار الموجب للإثم، بل تبقى مستيقظة إلى الصبح معه كالجنب.

نعم لو حصل النقاء حيث لم يبق مقدار فرصة الغسل أو بدله أو اشتغلت بالغسل أو بدله في وقت تظن سعته له ففاجأها الصبح أو لم تعلم بنقائها في الليل حتى دخل النهار صح صومها المعين، و في كشف الأستاذ أو المندوب دون الموسع و هو مبني على ان المندوب بالنسبة إليها كالمندوب بالنسبة إلى الجنب، و فيه بحث يعرف مما قدمناه سابقا، بل هو قال بعد ذلك: لا فرق في الواجب الموسع بين تعمد الإصباح و عدمه في الإفساد، و في التطوع لا بأس به مطلقا على إشكال.

و أما حدث الاستحاضة فقد تقدم في كتاب الطهارة تفصيل البحث فيها خصوصا عند شرح قولهم: و إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر، و في الحدائق في المقام تارة المشهور بين الأصحاب توقف صوم المستحاضة على الأغسال، و أخرى ان الحكم متفق عليه بينهم، و في المدارك «ان المتأخرين قيدوا ذلك بالأغسال النهارية و حكموا بعدم توقف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة و ترددوا في توقف صوم اليوم الآتي على غسل الليلة الماضية» قلت: يظهر لك التحقيق في ذلك كله بملاحظة ذلك المقام الذي العمدة فيه بعد كلام الأصحاب

صحيح ابن مهزيار(1)«كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت و صامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صلاتها و صومها أم لا؟ فكتب تقضي صومها و لا تقضي صلاتها. فان رسول الله صلى الله عليه و آله كان يأمر فاطمة (عليها السلام) و المؤمنات من نسائه بذلك»

و إن كان فيه من الإشكال بنفي قضاء الصلاة ما لا يخفى، فلاحظ و تأمل كي تعرف شرطية ما له مدخلية في الصوم من أفعالها أو انه الغسل خاصة بل الغسل النهاري منه دون الليلي، لعدم


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 247

تعقل تأخر الشرط، و تعرف أيضا أن الصغرى حينئذ لا مدخلية لشي ء من أفعالها في الصوم، لعدم الغسل فيها، أو أن أفعالها لها مدخلية كما هو مقتضى مفهوم قوله: «و إذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر» و تعرف غير ذلك أيضا حتى ما في شرح اللمعة للفاضل الأصبهاني في المقام أن الوجوه ستة: الأول اشتراط صومها بكل ما عليها كما هو ظاهر الشيخ و ابن إدريس، الثاني عدم اشتراطه بشي ء كما يظهر من المبسوط و المنتهى حيث أشعر كلامهما بالتوقف في القضاء إن أخلت بالأغسال، و الثالث اشتراطه بالغسل النهاري خاصة و هو اختيار الدروس و البيان و الرابع اشتراطه

بالغسل الفجري و عدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجددت الكثرة في اليوم، و هو الذي احتمله العلامة في النهاية مع وجوب تقديمه على الصوم بناء على أنه لا يكون مشروطا إلا بما تقدمه، و السادس اشتراطه بما قارنه أو تقدم عليه لا بما تأخر عنه، و هو الذي اختاره ثاني الشهيدين، و يحتمله كلام أولهما في اللمعة، و ربما يحتمل وجوب القضاء مع صحة صومها، لأن القضاء أمر جديد ورد به النص، و أفتى به الأصحاب، و لم يقم على الفساد دليل، و إيجاب القضاء لا يدل عليه، و الله أعلم.

هذا كله في تعمد البقاء على الجنابة إلى الصبح و أما لو أجنب فنام غيرنا و للغسل و لا لعدمه بل كان ذاهلا أو مترددا و اتفق انه استمر نومه فطلع الفجر فسد الصوم كما عن الفاضل و غيره، بل عن منتهى الأول أن عليه مع ذلك القضاء، ذهب إليه علماؤنا، و ظاهره الإجماع عليه، و يعضده تعبير كثير من غير خلاف يعرف بينهم، و منهم المصنف في المعتبر، إلا أنه استدل عليه بأنه مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم، و يعود كالمتعمد على البقاء على الجنابة، و فيه أنه لا يلزم من انتفاء نية الغسل تحقق العزم على ترك الاغتسال

ج 16، ص: 248

لجواز الذهول عن كل منهما، و من هنا جعل في الرياض مراده صورة النوم مع العزم على الترك، قال: و إلا لما توجه الاستدلال و ورد عليه ذلك، مع أن مورد الاستدلال ما هو الغالب، ضرورة ندرة الذهول، إلى أن قال: و حينئذ يمكن تنزيل باقي إطلاق عبارات القوم على ذلك، و مال إلى عدم القضاء لعدم الدليل و إن كان أحوط، و اما الاستدلال عليه ب

صحيح احمد بن محمد(1)عن أبي الحسن عليه السلام قال: «سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو اصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال: يتم ذلك اليوم، و عليه قضاؤه»

و الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام المتقدم آنفا، ففيه ما سمعته من ان الظاهر من تعمد النوم منهما العزم على البقاء على الجنابة أيضا، فتنتفي الدلالة على وجوب القضاء في حال الذهول، و لذلك كله قال في المدارك: إن وجوب القضاء في هذه الصورة غير واضح، لكنها نادرة، قلت: بعد الإغضاء عن المناقشة في دلالة الصحيحين المزبورين يمكن دعوى دلالة خبر سليمان المروزي (3)و خبر إبراهيم بن عبد الحميد(4)المتقدمين آنفا في الكفارة على متعمد البقاء، بل منهما يتجه القول بوجوبها في المقام مع القضاء كما هو الأصل في كل مفطر فعل عمدا، بل في المسالك انما يصح النومة الأولى بعد الجنابة مع نية الغسل ليلا، و إلا لم يصح النوم، و لا بد مع ذلك من احتمال الانتباه، و إلا كان كمتعمد البقاء، و شرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياده الانتباه، و إلا كان كتعمد البقاء على الجنابة، و لا بأس به، لكن في المدارك انه

مشكل جدا، خصوصا على القول بأن غسل الجنابة انما يجب لغيره


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.

ج 16، ص: 249

مع انه لا معنى لتحريم النوم، لسقوط التكليف معه، و لعل المراد تعلق الحرمة بالتوجه اليه و الأخذ في مقدماته، و كيف كان فلا ريب في تحريم العزم على ترك الاغتسال، و أما تعلق الحرمة بالنوم فغير واضح، خصوصا مع اعتياد الانتباه قبل طلوع الفجر، قلت: قد يدل عليه صحيح معاوية بن عمار(1)الآتي على حرمة النوم في الجملة، و أولى منه خبر إبراهيم بن عبد الحميد المتقدم سابقا، و الأمر سهل.

و لو كان الجنب النائم قد نوى الغسل فاتفق انه استمر إلى ان أصبح صح صومه المعين، لصحيح العيص (2)و غيره من النصوص (3)بل لا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع، لكن في موضع من المعتبر «و لو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم، و عليه قضاؤه، و عليه أكثر علمائنا» ثم استدل عليه بصحيح ابن أبي يعفور(4)الآتي و صحيح ابن مسلم (5)و هو عجيب، ضرورة ان المعروف بين الأصحاب ما ذكرناه، بل هو قال في موضع آخر من المعتبر: «من أجنب و نام ناويا للغسل فطلع الفجر فلا شي ء عليه، لأن نومه سائغ و لا قصد له في بقائه، و القاعدة مترتبة على التفريط و

الإثم و ليس أحدهما مفروضا، أما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء، لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة، و لا كذا المرة الأولى، لأن في المنع منها تضييقا على المكلف» ثم استدل بصحيحي ابني عمار(6)و أبي يعفور(7)و هو صريح فيما ذكره الأصحاب، فلا بد من حمل كلامه الأول على صورة الانتباهة


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.

ج 16، ص: 250

أو غير ذلك أو يكون قد عدل عنه، و إطلاق صحيحي أحمد(1)و الحلبي (2)و خبر أبي بصير(3)و صحيح ابن مسلم (4)و موثق سماعة بن مهران (5)في القضاء يجب تقييده بمن لم ينو الغسل، بل لعل المراد من التعمد فيها ذلك على معنى تعمد النوم إلى الصبح، أو بما إذا نام بعد الاستيقاظ، أو نحو ذلك مما لا بأس به للجمع بين الفتاوى و باقي النصوص التي هي كالمقيدة لهذه المطلقات، فما عن المنتهى- من انه لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر و لم يستيقظ فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الإفساد و القضاء- في غير محله، إذ لا ريب في ان مراده الإطلاق المزبور الذي عرفت وجوب الخروج عنه للنص و الفتوى و محكي الإجماع صريحا و ظاهرا، و أما احتمال الفرق بين الجنابة مستيقظا مثلا و بينها

محتلما- فيجب القضاء في الأول بالنومة الأولى لأنه كالمنتبه ثم نام، بخلاف المحتلم في نومه، و الفرض عدم علمه حتى الصبح فإنه لا قضاء عليه، لعدم التقصير بوجه، و استيقاظ المحتلم ثم نومه كنوم الجنب مستيقظا، فينبغي تساوي الحكم فيهما- فهو تهجس في النصوص و الفتاوى، ضرورة صراحتهما معا في خلافه، فلاحظ و تأمل كي تعرف ذلك و تعرف ما في الذخيرة من الاحتمالات في الجمع بين النصوص.

هذا كله في غير المنتبه و لو كان قد انتبه ثم نام ناويا للغسل أولا فأصبح نائما فسد صومه و عليه قضاؤه ل

صحيح معاوية بن عمار(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 251

«قلت للصادق عليه السلام في الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال: ليس عليه شي ء، قلت: فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال: فليقض ذلك اليوم عقوبة»

و صحيح ابن أبي يعفور(1)عنه (عليه السلام) أيضا «قلت له: الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال: يتم صومه و

يقضي يوما آخر، فان لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه و جاز له»

و غيرهما معتضدة بالشهرة العظيمة، بل في المدارك «لا اعلم فيه مخالفا، بل عن الخلاف الإجماع» هذا، و في المسالك أيضا هنا «قد تقدم ان النومة انما تصح مع العزم على الغسل و إمكان الانتباه و اعتياده، فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا حرم عليه النوم ثانيا و إن عزم على الغسل و اعتاد الانتباه، لكن لو خالف و أثم فأصبح نائما وجب عليه القضاء خاصة و نوقش بعدم وضوح مأخذ الحرمة، و ربما كان قوله (عليه السلام): «عقوبة» بناء على انها انما تكون على فعل المحرم، و فيه ان ترتب مثل هذه العقوبة لا يقتضي تحريمه، و الأصح إباحة النومة الثانية بل و الثالثة أيضا و إن ترتب عليهما القضاء كما هو ظاهر المحكي عن منتهى الفاضل، للأصل السالم عن المعارض» قلت: خبر إبراهيم بن عبد الحميد واضح الدلالة على الحرمة، للنهي فيه صريحا عن النوم حتى يغتسل، و الأمر سهل، ضرورة كون المفروض الصوم المعين الذي يجب على المكلف حفظه من كل ما يقتضي إبطاله، و منه البقاء جنبا إلى الصبح.

و أما لو انتبه في الفرض بعد ذلك أيضا فسيأتي التعرض له في كلام المصنف و المشهور فيه وجوب القضاء و الكفارة فيكون حاصل ما عند الأصحاب في النوم مع نية الغسل انه على ثلاثة أقسام: الأول لا يوجب شيئا، و هو الذي استمر


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2 مع الاختلاف.

ج 16، ص: 252

إلى الصبح، و الثاني الذي حصل معه انتباهه، و هو موجب للقضاء خاصة، الثالث ما حصل معه انتباهتان، و هو موجب للقضاء و الكفارة، لكن قد يناقش في عدم الكفارة في الثاني إن لم يكن إجماعا بناء على ما أومأنا إليه غير مرة من أصالة ترتبها على كل مبطل مقصود، و اقتصار النصوص هنا على القضاء أعم من عدمها، كما انه ينبغي ان يعلم ان الفاضل الأصبهاني حكى عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد انه قال: الانتباه من الاحتلام و في حال الجماع لا يعد من الانتباهتين بل المعتبر انتباهه بعد نومة جنبا، ثم أيده هو بالنصوص من الأصحاب و الأخبار فإن الحكم انما علق على النوم ثلاثا يتخللها انتباهتان بعد الجنابة، قال: و لو أجنب في النوم و لم ينتبه بالاحتلام ثم انتبه فالظاهر انه أيضا غير معدود، و انما المعدود ما بعد العلم بالجنابة كما هو نص الشارع، قلت: قد أومأنا سابقا إلى بعض ذلك و قلنا إن الانتباه من الاحتلام كالجنابة مستيقظا، و لا ريب في عدم عد تلك اليقظة عندهم انتباهه، فكذلك هذه، لعدم صدق انه نام جنبا ثم استيقظ، و هو المدار نصا و فتوى، إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه بحال، و الله اعلم.

و ستسمع تمام البحث عند تعرض المصنف لحكم الانتباهتين، كما انك تعرف فيما يأتي تمام الكلام فيما ذكره هنا من انه لو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه لكن ينبغي ان يعلم ان المراد بالاستمناء هنا طلب الامناء بغير الجماع مع حصوله لا مطلق طلبه و إن كان محرما أيضا، إلا انه لا يترتب عليه حكم سوى الإثم، بخلاف الأول فإنه لا خلاف أجده في حصول الإفطار به، بل في المعتبر «و يفطر بإنزال الماء بالاستمناء و الملامسة و القبلة اتفاقا» و محكي المنتهى «الانزال نهارا مفسد للصوم مع العمد سواء أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة بلا خلاف» و في المدارك «قد أجمع العلماء كافة على ان الاستمناء مفسد للصوم» و في شرح الأصبهاني للمعة إفساده مما أطبق عليه الأصحاب و نصت به الأخبار،

ج 16، ص: 253

و في

صحيح ابن الحجاج (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال: عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع»

و خبر سماعة أو موثقه (2)«سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل قال: عليه إطعام ستين مسكينا مدا لكل مسكين»

و خبر أبي بصير(3)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل وضع يده على شي ء من جسد امرأته فأدفق فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستين مسكينا، أو يعتق رقبة»

بل في

صحيح ابن مسلم (4)انه سأل أبا جعفر عليه السلام «هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان فقال: إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق ان لا يسبقه منيه»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في الإفطار و إن لم يكن قد قصد بذلك الامناء و لا كان من عادته كما هو مقتضى إطلاق الفاضلين و غيرهما، مع انه لا يخلو من إشكال، خصوصا إذا كان الملموسة حلالا، بل في المدارك الأصح ان ذلك انما يفسد إذا تعمد الانزال، و ربما يؤيده انه المناسب للجمع بين إطلاق الأخبار السابقة و بين

مرسل المقنع (5)عن علي (عليه السلام) «لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي ء»

و تسمع تمام الكلام في ذلك إن شاء الله فيما يأتي.

و لو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه من غير فرق بين أقسام الصوم، بل لا يجب عليه البدار في الغسل، و في المدارك لا أعلم فيه خلافا أيضا، و خبر إبراهيم بن عبد الحميد(6)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
6- 6 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.

ج 16، ص: 254

المتقدم آنفا محمول على ضرب من الندب، نعم لو ترك الغسل لليوم الثاني فهو من متعمد البقاء على الجنابة، بل لو كان ناسيا قضى

في المعين على ما تسمع الكلام فيه إن شاء الله، كما انه لو كان جاهلا كذلك، بل المتجه في الأخير الكفارة إلا إذا كان معذورا بعدم خطور السؤال بباله فعليه القضاء خاصة و الله أعلم و كذا لا يفسد الصوم لو نظر إلى امرأة حلال أو حرام فأمنى على الأظهر عند المصنف أو استمع فأمنى للأصل و غيره، خلافا للشيخ فعليه القضاء إذا كان المنظورة لا تحل له بشهوة، و لأبي الصلاح فإنه حكي عنه انه قال: لو اصغى إلى حديث أو ضم أو قبل فأمنى فعليه القضاء، نعم قد يشكل فيما إذا لم يكن مقصوده الامناء و لا من عادته، و من هنا قال في المدارك: الأصح ان ذلك غير مفسد إلا إذا كان من عادته الامناء، و كذا القول في النخيل لو ترتب عليه الانزال فلا بأس به، و ستسمع تحقيق الحال في ذلك، بل و في الحقنة و ان الأقوى كونها بالجامد جائزة و بالمائع محرمة، و يفسد بها الصوم لكن على تردد عند المصنف و خلاف تعرف تمام الكلام فيه إن شاء الله.

[مسألتان]
اشاره

و هنا مسألتان:

[المسألة الأولى كلما ذكرنا انه يفسد الصيام إذا كان عن عمد]

الأولى كلما ذكرنا انه يفسد الصيام غير البقاء على الجنابة إنما يفسده إذا وقع عمدا لا بدونه كالذباب يطير إلى الحلق و الغبار الذي يدخل من غير قصد، فإنه لا يفسد الصوم بأقسامه قولا واحدا و نصوصا(1)بخلاف الأول فإنه يفسده بأقسامه أيضا سواء كان عالما (11) بكونه مفطرا أو جاهلا (12) به على تردد عند المصنف في الجاهل- لا الأول الذي لا ريب في فساد الصوم معه- ينشأ من الخلاف فيه، فان المحكي عن الأكثر بل هو المشهور فساد صومه كالعالم، فيجب عليه القضاء و الكفارة، لإطلاق ما دل على وجوبهما،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 255

و عن الشيخ في التهذيب و ابن إدريس انه إذا جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم لم يجب عليه شي ء و ظاهرهما سقوطهما معا كما عن المنتهى احتماله لسقوط القلم عنه، و في المعتبر «الذي يقوى عندي فساد صومه و وجوب القضاء دون الكفارة» و في المدارك «و إلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين، و هو المعتمد».

قلت: فيكون حاصل الأقوال ثلاثة، و ربما كان التفصيل بين الجاهل المقصر في السؤال فيجب عليه القضاء و الكفارة و بين غير المقصر لعدم تنبهه، فلا يجب عليه الكفارة خاصة، و اختاره بعض مشايخنا قولا رابعا، إذ دعوى كون محل البحث الأول دون الثاني محل منع، اللهم إلا ان يقال إن الكفارة انما هي عقوبة، و لا وجه لها مع عدم الإثم، لأن المفروض عدم تنبهه بحيث يصح عقابه، و فيه ان إطلاق بعض أدلة الكفارة شامل للجميع، فيمكن حينئذ منع اعتبار الإثم في وجوبها، و سقوطها في النسيان و نحوه للدليل أعم من ذلك، إلا ان

الانصاف عدم خلوه من الاشكال، بل الذي يقوى في النفس من ملاحظة النصوص و الفتاوى حتى في غير المقام اعتبار الإثم في الكفارة، لا أقل من الشك و الأصل البراءة.

و من ذلك يظهر لك حينئذ قوة القول الأخير، أما القضاء فلا طلاق أدلته الذي لا يعارضه

موثق زرارة و أبي بصير(1)«قالا: سألنا أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى اهله و هو محرم و هو لا يرى إلا ان ذلك حلال له قال: ليس عليه شي ء»

بعد ظهوره في غير المتنبه من الجاهل، و ان المراد حينئذ من نفي الشي ء عليه فيه نفي الكفارة، و هو كذلك بناء على ما قدمناه بل هو شاهد له عند التأمل كالنصوص الدالة على عذر الجاهل، ك

قول الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 12.

ج 16، ص: 256

(عليه السلام) في صحيح عبد الصمد(1)«أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه»

و غيره (2)بناء على إرادة عدم الإثم و المؤاخذة، و احتمال إرادة الأعم من ذلك يدفعه ان التعارض بين الأدلة حينئذ من وجه، و لا ريب في كون الرجحان لأدلة القضاء من وجوه، منها الشهرة، و منها ظهور جملة من

أدلة القضاء في الجاهل كما لا يخفى على من لاحظ المقام و غيره.

و أما الكفارة فلا طلاق موثقي سماعة(3)و صحيح ابن الحجاج (4)و خبر عبد السلام بن صالح الهروي (5)و غيرها مما رتب فيها الكفارة على الجماع و نحوه مما لا ريب في شموله للجاهل و العالم، فما في المدارك- من انه لا دلالة في شي ء من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل، إذ الحكم فيها وقع معلقا على تعمد الإفطار، و هو انما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم، فان من اتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه أنه تعمد الإفطار و إن صدق عليه أنه تعمد لذلك الفعل، بل رواية ابن سنان (6)التي هي الأصل في هذا الباب انما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا من غير عذر، و الجهل بالحكم من أقوى الأعذار، كما يدل عليه

صحيح عبد الرحمن


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 12 و 13.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 257

ابن الحجاج (1)المتضمن لحكم تزويج المرأة في عدتها، حيث قال: «قلت:

فأي الجهالتين أعذر جهالته أن ذلك محرم عليه أم جهالته انها في عدة؟ فقال:

إحدى الجهالتين أهون من الأخرى، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه، و ذلك انه لا يقدر على الاحتياط معها، فقلت: في الأخرى هو معذور قال: نعم»

لا يخفى ما فيه، بل قد يمنع عليه عدم تناول تعمد الإفطار للجاهل، ضرورة صدقه على من أكل المفطر في الواقع و إن لم يعلم انه كذلك، و لو أنه يعتبر فيه ذلك لم يتجه له الحكم بأن عليه القضاء، لما في الحدائق من ان روايات القضاء قد علق الحكم فيها على من أفطر عامدا، و الفرض عدم صدقه على الجاهل، فالتفرقة حينئذ بينه و بين الكفارة في غير محلها و دعوى ان مطلق الجهل عذر واضحة المنع، و خبر ابن سنان لا صراحة فيه في ذلك بل و لا ظهور، بل لعل الظاهر منه غير المتنبه من الجاهل، لأنه الذي لا يقدر على الاحتياط، بخلاف المتنبه فإنه يستطيع السؤال فالاستدلال له به على ذلك في غير محله، كالاستدلال بموثق زرارة و أبي بصير(2)المتقدم سابقا الذي حملناه على غير المتنبه من الجاهل، و بذلك كله ظهر لك ما في بقية الأقوال، خصوصا نفيهما معا مطلقا و إن اختاره المحدث البحراني، و الله هو العالم.

هذا كله فيمن تناول المفطر جهلا و أما لو كان سهوا عن الصوم لم يفسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو ندبا فلا يترتب عليه قضاء فضلا عن الكفارة بلا خلاف أجده فيه، كما عن المنتهى الاعتراف بذلك، قال: لا خلاف بين

علمائنا في أن الناسي لا يفسد صومه و لا يجب عليه قضاء و لا


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما يحرم بالمصاهرة- الحديث 4 من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 12.

ج 16، ص: 258

كفارة بفعل المفطر ناسيا، و في

صحيح الحلبي (1)أنه سئل «عن رجل نسي فأكل و شرب ثم ذكر قال: لا يفطر، انما هو شي ء رزقه الله تعالى فليتم صومه»

و نحوه غيره مما لا فرق في إطلاقه كالفتوى بين أقسام الصوم الواجب و المندوب و المعين و غيره و لا بين أفراد المفطرات، نعم قد عرفت في الجملة و تعرف ما (فيما ظ) يأتي حكم نسيان الجنابة حتى يطلع الفجر، و الله اعلم.

و كذا في عدم فساد الصوم لو أكره على الإفطار بأن توعد على تركه بما يكون خطرا له في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به، و شهادة القرائن بأن يفعله به لو لم يفعل أو وجر في حلقه بلا خلاف أجده في الأخير، لعدم صدق الاختيار الظاهر اعتباره في الإفطار من الأدلة عليه كما هو واضح، أما الأول فعن الأكثر انه كذلك للأصل و حديث الرفع (2)و مشاركة الناسي في عدم الإثم بالتناول، و لا ينافيه ترتب القضاء على المريض بعد اختصاصه بالدليل، و المحكي عن مبسوط الشيخ الفساد لصدق الاختيار معه، و ضعفه في المدارك بأنه ليس بمفطر اختيارا، و قال: «نعم يمكن الاستدلال على هذا

القول بعموم ما دل على كون الإتيان بتلك الأمور المخصوصة مفسد للصيام، لكن في إثبات العموم على وجه يتناول المكره نظر» قلت: الأول الاستدلال بما دل على حكم اليوم الذي يفطر للتقية، إذ هو في معنى الإكراه، ك

مرسل رفاعة(3)عن الصادق عليه السلام انه قال: «دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذلك إلى الامام إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام علي بالمائدة فأكلت


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.

ج 16، ص: 259

معه و أنا أعلم و الله انه من شهر رمضان، فكان إفطاري يوما و قضاؤه أيسر علي ان يضرب عنقي و لا أعبد الله»

و في آخر(1)«أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن يضرب عنقي»

حيث أطلق عليه اسم الإفطار، مؤيدا ذلك كله بما عساه يظهر من تتبع النصوص (2)الواردة في المتسحر في رمضان بعد الفجر قبل المراعاة و غيره من التنافي بين الأكل و نحوه و الصوم بحيث لم يجتمعا و إن كان الأكل جائزا شرعا، و لذا أمر المتسحر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاء عن رمضان مطلقا و لو كان للفجر مراعيا، على ان حقيقة الصوم ليست إلا

الإمساك عن المفطرات، و هو غير متحقق لغة و عرفا قطعا بل و شرعا، إذ ليس هو إلا ما عند المتشرعة، و لا ريب انه الإمساك و عدم وقوع المفطر باختيار المكلف أصلا، و هو منتف، و لذا صح سلب الصوم و الإمساك عنه، و أطلق عليه الإفطار في الخبر المزبور، و ليس هو إلا للفساد، فيجب القضاء، لعدم قائل بالفرق بينهما كل هذا مع ضعف دليل الخصم، ضرورة انقطاع الأصل و إرادة رفع المؤاخذة من حديث الرفع لا القضاء، و عدمه في الناسي لدليل مخصوص لا له، و المشاركة للناسي في عدم الإثم لا توجب المشاركة في عدم القضاء بعد حرمة القياس عندنا فحينئذ قول الشيخ في غاية القوة كما مال اليه شيخنا في الرياض و اختاره في المسالك و ستسمع تردد المصنف فيه فيما يأتي، و منه علم حال اليوم الذي يفطر للتقية، قيل و منه الذي يفطر قبل الغروب.

قلت: قد يفرق بإمكان إدراجه في التقية التي هي دين باعتبار ذهابهم إلى ان الغروب ذهاب القرص، فلا يستعقب قضاء، بخلاف الأول، اللهم إلا ان يدعى رجوعه أيضا إلى ذلك باعتبار اكتفائهم بالبينة و إن لم تكن عادلة، و حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 44- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 260

منه ينقدح الفرق بين مسألة الإكراه و التقية، و يضعف خبر القضاء فيها بالإرسال و يختص دليل القضاء حينئذ في الإكراه غير التقية بما ذكرناه مؤيدا، و الأحوط سلك الجميع من واد واحد، للشك في شمول دينية التقية لمثل ذلك الذي مرجعه في الحقيقة إلى موضوع مصداقا أو مفهوما لا إلى حكم، و لتفصيل الحال في شقوقها محل آخر.

و على كل حال فيكفي فيها و في الإكراه مطلق ظن الضرر بل خوفه كما هو المستفاد من النص و الفتوى، خلافا لما عساه يظهر من الدروس فخصه بخوف التلف و لعله للمرسلين (1)السابقين اللذين لا دلالة فيهما على التخصيص، فلا يعارضان المطلقات،

نحو «التقية في كل ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين تنزل به (2)»

و نحو «التقية في كل شي ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله تعالى(3)»

هذا، و في المسالك و حيث ساغ الإفطار للإكراه و التقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة، فلو زاد عليه كفر، و مثله ما لو تأدت بالأكل فشرب أو بالعكس، و هو جيد بالنسبة إلى وجوب الاقتصار، لكن قد يناقش في وجوب الكفارة بناء على ما اختاره، و هو من فساد الصوم، إذ الكفارة تختص بما يحصل به الإفطار و يفسد به الصوم، و الفرض حصولهما بالمباح مما وقع عليه الإكراه، فلا فساد حينئذ، و لا إفطار بالزائد، فلا تتعلق به الكفارة و إن كان محرما تعبدا احتراما لشهر رمضان مثلا، و الله العالم.

[المسألة الثانية لا بأس بمص الخاتم و مضغ الطعام و ذوق المرق]

المسألة الثانية لا بأس بمص الخاتم و مضغ الطعام للصبي و زق الطائر و ذوق


1- 1 الوسائل- الباب- 57- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 1 من كتاب الأمر بالمعروف.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب الأمر و النهي- الحديث 2 من كتاب الأمر بالمعروف.

ج 16، ص: 261

المرق و نحوها مما لا يتعدى إلى الحلق، للأصل و إطلاق

الصحيح (1)«لا يضر الصائم»

و خصوص

صحيح الحلبي (2)عن أبي عبد الله عليه السلام «سئل عن المرأة يكون لها الصبي و هي صائمة فتمضغ الخبز و تطعمه قال: لا بأس، و الطير إن كان لها»

و صحيح عبد الله بن سنان (3)عنه عليه السلام أيضا «في الرجل يعطش في شهر رمضان قال: لا بأس ان يمص الخاتم»

و صحيح حماد بن عثمان (4)قال: «سأل عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه السلام و أنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في أذنيه قال: نعم و يذوق المرق و يزق الفرخ»

إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بصدق اسم الصوم مع عدم الابتلاع، و لا ينافيه

خبر سعيد الأعرج (5)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يذوق الشي ء و لا يبلعه فقال: لا»

بعد حمله على الكراهة التي هي أولى من جمع الشيخ بينها بحمله على من لا يكون به حاجة إلى ذلك، قال: «و الرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي، أو الطباخ الذي يخاف فساد طعامه، أو من عنده طائر إذا لم يزقه هلك، فأما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له ان يذوق الطعام» ضرورة قصوره عما دل على الجواز من العموم و الخصوص المعتضدين بالفتاوى، فلا يجسر على هذا الحكم بمثله، بل لو مضغ شيئا فسبق منه شي ء إلى الحلق بغير اختياره لم يفسد صومه على الأصح للإذن و صدق عدم التعمد، لكن عن المنتهى «انه لو أدخل في فيه شيئا و ابتلعه سهوا فان كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه، و إلا وجب القضاء» و لا يخلو من نظر


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 40- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.

ج 16، ص: 262

بعد ما عرفت، و الله أعلم.

و كذا لا بأس ب الاستنقاع في الماء للرجال بلا خلاف أجده فيه، للأصل و إطلاق بعض النصوص (1)و خصوص

خبر ابن راشد(2)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحائض تقضي الصلاة قال: لا، قلت: تقضي الصوم قال:

نعم، قلت: من اين جاء هذا؟ قال: أول من قاس إبليس، قلت: فالصائم يستنقع في الماء قال: نعم، قلت: فيبل ثوبا على جسده قال: لا قلت: من اين جاء هذا؟ قال: من ذاك»

و خبر حنان بن سدير(3)عن أبي عبد الله عليه السلام أيضا قال: «سألته عن الصائم يستنقع في الماء قال: لا بأس و لكن لا يغمس رأسه، و المرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها»

بل مقتضاهما عدم الكراهة في ذلك بعد حمل النهي في الأول عن بل الثوب و في الثاني للامرأة عليها، كما هو كذلك كما ستعرف، و الله اعلم.

و يستحب السواك للصائم باليابس بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و بالرطب عند الأكثر، بل عن المنتهى انه قول علمائنا أجمع إلا ابن أبي عقيل فكرهه، قلت: و مقتضاه انه لا خلاف بين الجميع في الجواز، لكن في المختلف حكى عنه المنع، و على كل حال فضعفه واضح، إذ لا دليل عليه سوى

حسن الحلبي (4)«سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستاك قال: لا بأس به و قال: لا يستاك بسواك رطب»

و حسن ابن سنان (5)عنه (عليه السلام) أيضا «انه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب، و قال: لا يضر أن يبل سواكه بالماء


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 0.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 11.

ج 16، ص: 263

ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي ء»

و موثق الساباطي (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في الصائم ينزع ضرسه قال: لا، و لا يدمي فاه و لا يستاك بعود رطب»

و نحوها. و على تقدير أن قوله المنع يجب حمل الكراهة في الحسن عليه، كما انه على الكراهة يجب حمل النهي عليها، لكن في الأول انه قاصر عن مقاومة الأصل و العمومات و الإطلاقات- خصوصا

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (2): «يستاك الصائم أي ساعة من النهار أحب»

و غيره، و خصوص

صحيح الحلبي (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) أ يستاك الصائم بالماء و بالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال: لا بأس به»

- من وجوه لا تخفى، منها الاعتضاد بالشهرة العظيمة، بل سمعت إجماع المنتهى، و أما الثاني فإنه و إن حكي عن الشيخ و ابن زهرة و جماعة من المتأخرين للتسامح في الكراهة فينبغي حمل النصوص السابقة عليها، لكن لعل الأولى منه جمعا باعتبار مراعاة كلام الأصحاب إرادة الأقل رجحانا لا عدمه بالمرة، أو الحمل على التقية، خصوصا بعد

المروي (4)عن قرب الاسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال: «قال علي (عليه السلام): لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار و آخره، فقيل لعلي (عليه السلام) في رطوبة السواك فقال: المضمضة بالماء أرطب منه، فقال علي (عليه السلام): فان قال قائل: لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قيل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل»

و خبر موسى بن أبي الحسن الرازي (5)عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال: جائز، فقال بعضهم: إن السواك يدخل رطوبته في الجوف فقال: الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب، فان قال قائل


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.

ج 16، ص: 264

لا بد من»

إلى آخر ما تقدم في الخبر السابق، و كيف كان فالأمر سهل إن كان الخلاف في الكراهة و عدمها، و عن الشيخ في التهذيب أن الكراهة في هذه الأخبار انما توجهت إلى من لا يضبط فيبصق ما يحصل في فيه من رطوبة العود أما من يتمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال، و كأنه جمع آخر لكن لا شاهد له، و الأمر سهل بعد كون النزاع في الكراهة و عدمها، و الله اعلم

[المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك]
اشاره

المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك، و فيه مسائل قد تقدم الكلام في حكم

[المسألة الأولى منها، و هي يجب مع القضاء الكفارة]

الأولى منها، و هي يجب مع القضاء الكفارة بسبعة أشياء: الأكل و الشرب المعتاد و غيره، و الجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها، و تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر، و كذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر و الاستمناء، و إيصال الغبار الغليظ إلى الحلق بل و في غير ذلك مما عرفته مفصلا فلاحظ و تدبر.

[المسألة الثانية لا تجب الكفارة إلا في صوم شهر رمضان]
اشاره

الثانية لا تجب الكفارة إلا في صوم شهر رمضان و قضائه بعد الزوال، و النذر المعين، و في صوم الاعتكاف إذا وجب بلا خلاف فيما عدا الثاني من ابن أبي عقيل فلم يوجبها فيه و إن أثم بالإفطار كما في المدارك، لكن هو قد نقل

عنه انه قال: «من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم و عليه القضاء و لا كفارة عليه»

و مقتضى إطلاقه خلافه في النذر المعين أيضا، بل حكى في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ثم قال: و هو شاذ.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه للمعتبرة المستفيضة في خصوص قضاء شهر رمضان بعد الزوال، كخبر بريد العجلي (1)و صحيح هشام بن سالم (2)و موثق


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.

ج 16، ص: 265

زرارة(1)و مرسل حفص (2)و إن اختلفت في كيفيتها، و بها ينقطع الأصل، و يطرح

موثق الساباطي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان و يريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال: هو بالخيار إلى ان تزول الشمس، فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصيام ثم أفطر بعد ما زالت الشمس قال: قد أساء، ليس عليه شي ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي يريد أن يقضيه»

لقصوره عن المعارضة بوجوه، أو يحمل على النقية، لا على ما عن الشيخ من إرادة ليس عليه شي ء من العقاب، لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب و إن أفطر بعد الزوال و لزمته الكفارة، إذ هو- مع انه مناف لقوله عليه السلام فيه: «أساء» و للتفصيل بين قبل الزوال و بعده- مخالف للمعلوم من أن الكفارة لا تكون إلا مع الذنب، كما انه من المعلوم نصا و فتوى التحديد بالزوال فما في

صحيح هشام من التحديد بالعصر مطرح أو محمول على إرادة دخول الصلاتين بالزوال إلا أن هذه قبل هذه، أو أن الوهم من النساخ بإبدال الظهر بالعصر أو نحو ذلك، لا أنه يجمع بينها بالإثم بالإفطار بالزوال و الكفارة بما بعد العصر، لعدم المقاومة و الشهرة العظيمة على الخلاف، بل لعل الفقيه الماهر يمكنه القطع بفساد ذلك، فميل بعض متأخري المتأخرين تبعا لاحتمال بعض المتقدمين اليه لا يلتفت إليه.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 56- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم الحديث 10 و ذيله في الباب 29 من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4 مع الاختلاف اليسير في اللفظ.

ج 16، ص: 266

و للمعتبرة أيضا في صوم النذر، منها

صحيح على بن مهزيار(1)قال:

«كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب و قرأته لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صوم في سفر و لا مرض إلا ان تكون نيت ذلك، فان كنت أفطرت ذلك من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى»

و للمعتبرة أيضا في صوم الاعتكاف كموثق سماعة(2)و خبر زرارة(3)و عبد الأعلى بن أعين (4)و ان اختلفت في كيفيتها، إذ الكلام الآن في أصل وجوبها، و يأتي إن شاء الله في مظانها البحث عنها، فخلاف ابن أبي عقيل في ذلك مع أنا لم نجد له شاهدا في الأخيرين مما

لا يصغى اليه، سيما مع شهرة الأصحاب شهرة عظيمة، بل لا بأس بدعوى الإجماع معها.

نعم ما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارات و النذر الغير المعين و المندوب و إن فسد الصوم بلا خلاف أجده، بل عن المنتهى أنه قول العلماء كافة، بل لا يبعد جواز الإفطار قبل الزوال و بعده كما عن العلامة و غيره التصريح به، لكن في المدارك و ربما قيل بتحريم قطع كل واجب، لعموم النهي عن إبطال العمل، و هو ضعيف لما ذكرناه في بطلان الاستناد إلى عموم الآية(5)لوجوه، و الله اعلم

[تفريع من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر]

تفريع من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه و عليه القضاء بلا خلاف و لا إشكال و في وجوب الكفارة تردد كما في كل جاهل للحكم، إذ ما نحن فيه من أفراده و قد قدمنا سابقا أن الأشبه الوجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من كتاب الاعتكاف الحديث 4.
5- 5 سورة محمد ص- الآية 35.

ج 16، ص: 267

فيه إلا إذا كان جهلا بحيث يرتفع الإثم معه، فلاحظ و تدبر.

و كذا قد تقدم الكلام في حكم ما لو و جر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار و أنه لم يفسد صومه قطعا و أما لو خوف فأفطر وجب القضاء على تردد عند المصنف و لا كفارة قطعا، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد أطلق المصنف و غيره عدم البطلان بالإكراه الرافع

للاختيار مع أن من صوره الإغماء و الجنون و نحوهما، و عدم البطلان بهما لا يخلو من إشكال، اللهم إلا أن يكون ذلك مستثنى باعتبار أنه فعل الغير، أو يحمل كلامهم على إرادة رفع الاختيار لا على هذا الوجه، قال المحقق الثاني في حواشي المتن:

«و ينبغي أن يكون كذلك أي كالايجار ما لو اكره على الإفطار حتى ارتفع قصده و ذهب اختياره كما لو قهره ذو شوكة بضرب شديد و نحوه أو تخويف عظيم و تهديد بليغ حتى لم يملك أمره و لم يكن له بد من إيقاع الفعل، أما لو خوف تخويفا لا يرفع القصد لكن حصل بسببه الخوف و شهدت القرائن بأنه إن خالف أوقع به إلا ان قصده لم يذهب و اختياره لم يرتفع ففي إفساد صومه قولان» إلى آخره، و كذا في المسالك، و ظاهرهما عند التأمل أن المراد برفع الاختيار ما لا يحصل معه زوال العقل، و أن الفرق بينه و بين القسم الثاني انه وقع به الفعل، بخلاف الثاني بالخوف من وقوعه، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة كفارة شهر رمضان]

المسألة الثالثة المشهور بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه أن الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك للأصل و

صحيح ابن سنان (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال: يعتق نسمة أو يصوم

شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فان لم يقدر تصدق بما


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 268

يطيق»

و خبر أبي بصير(1)«سألت الصادق عليه السلام عن رجل وقع يده على شي ء من جسد امرأة فأدفق فقال: كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة»

و موثق سماعة(2)المروي عن النوادر «سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا قال: عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين و قضاء ذلك اليوم، و من أين له مثل ذلك اليوم»

و صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال: عليه خمسة عشر صاعا، لكل مسكين مد»

و نحوه حسن جميل (4)في الأمر بالصدقة الدال على عدم الترتيب، و إلا لم يناسب إطلاق الأمر بها المحمول على أنها أحد الخصال بقرينة النصوص السابقة.

و قيل و القائل ابن أبي عقيل و المرتضى في أحد قوليه على ما حكي عنهما ليست على

التخيير بل هي على الترتيب بمعنى العتق أولا، فان لم يجد فالصيام فان لم يستطع فالاطعام، ل

خبر عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري (5)عن أبي جعفر عليه السلام «ان رجلا أتى النبي صلى الله عليه و آله فقال: هلكت و أهلكت، فقال: و ما أهلكك قال: أتيت امرأتي في شهر رمضان و أنا صائم، فقال النبي صلى الله عليه و آله: أعتق رقبة قال: لا أجد فقال: صم شهرين متتابعين، قال: لا أطيق فقال: تصدق على ستين مسكينا، قال: لا أجد فأتي النبي صلى الله عليه و آله بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر، فقال له: خذ هذا فتصدق به، فقال: و الذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فقال: خذه فكله أنت و أهلك فإنه كفارة لك»

و هو- مع اتحاده و قصوره سندا، و عدم صراحته في الترتيب بل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 5.

ج 16، ص: 269

و لا ظهوره (1)و إن وقع الترتيب في الذكر، و اشتماله على كون الصدقة به على أهله كفارة له- قاصر عن معارضة النصوص السابقة المعمول بها بين الأصحاب، و لو وضحت دلالته لاتجه حمله على الندب لذلك،

كالمروي (2)عن كتاب علي بن جعفر أنه سأل أخاه «عن رجل نكح امرأته و هو صائم في رمضان ما عليه؟ قال:

عليه القضاء و عتق رقبة، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، فان لم يجد فليستغفر الله»

أو التقية من المحكي عن أبي حنيفة و الثوري و الشافعي و الأوزاعي على معنى أن أبا جعفر عليه السلام نقل الخبر الأول على حسب ما رووه تقية، و أن الكاظم عليه السلام ذكر الحكم على ما عندهم.

و قيل و القائل الصدوق: إنه يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات و بالمحلل كفارة واحدة على التخيير فيكون مخالفا للمشهور في الشق الأول، و إطلاق النصوص السابقة حجة عليه، و احتمال تقييدها ب

خبر عبد السلام بن صالح الهروي (3) - «قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات، و روي عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ؟ قال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة و صيام شهرين متتباعين و إطعام ستين مسكينا، و قضاء ذلك اليوم، و إن نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة، و قضاء ذلك اليوم، و إن كان ناسيا فلا شي ء عليه»

مؤيدا بإطلاق موثق سماعة(4)السابق على ما رواه الشيخ بالواو لا «أو» و بما في الفقيه


1- 1 و في النسخة الأصلية« و لا ظهور» بدون الضمير.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.

ج 16، ص: 270

من ان الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم أو بطعام محرم عليه، لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي (1)فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري انتهى. و الظاهر اتصال ذلك بالناحية، لأنه من و كلائها التي لا ينطق إلا عنها- فرع المقاومة المفقودة بقلة القائل بل شهرة القائل بالخلاف شهرة عظيمة و في المحكي عن معتبر المصنف ان هذه الرواية لم يظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها، و ربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر مضافا إلى ما في المدارك من ان في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة، و هو غير موثق بل و لا ممدوح مدحا يعتد به، و عبد السلام بن صالح الهروي، و فيه كلام، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل، و إن أمكن مناقشته بأن العلامة في المحكي عن تحريره قد حكم بصحتها، و في المختلف أن عبد الواحد بن عبدوس النيشابوري لا يحضرني الآن حاله، فان كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها، و ظاهره عدم التوقف فيها إلا من عبد الواحد الذي هو

من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث، و قد أكثر في الرواية عنه في كتبه، كما ان ابن قتيبة قد قيل إنه من مشايخ الكشي و قد أكثر النقل عنه في كتابه، فلا أقل من ان يكونا هما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم كما قيل على عدم احتياجهم (إلى ظ) التوثيق، و أما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال و لا خلاف فيه، و أما عبد السلام فقد وثقه النجاشي، و قال: إنه صحيح الحديث و ما ذكره الشيخ في كتب الرجال من انه عامي فهو و هم، و قد أورد الكشي روايات تدل على انه من فضلاء الشيعة، و بالجملة يمكن تصحيح الخبر المزبور بناء على الظنون الاجتهادية، إلا انه مع ذلك لا يخلو من دغدغة، و العمدة ما ذكرناه


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.

ج 16، ص: 271

سابقا و منه قد ظهر لك مع كون الأول أكثر قائلا انه أظهر دليلا فلا مناص للفقيه عنه، إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه، و أما الكلام في باقي أحكام الكفارة فيأتي في محله إن شاء الله، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين]

المسألة الرابعة إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء بلا خلاف و لا إشكال نصا و فتوى و كفارة كبرى مخيرة كشهر رمضان عند المشهور بين الأصحاب، بل عن الانتصار الإجماع عليه، ل

خبر عبد الملك بن عمير(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «من جعل لله عليه أن لا يركب محرما فركبه قال:

و لا أعلمه إلا قال: فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا»

و خبر القاسم بن فضيل (2)قال: «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما لله فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب يصوم يوما بدل يوم و تحرير رقبة مؤمنة»

و نحوه مكاتبة علي بن مهزيار(3)و الاقتصار فيهما على التحرير محمول على التخيير بقرينة الخبر السابق و عدم القائل به خصوصا.

و قيل و القائل الصدوق كفارة يمين ل

صحيح الحلبي (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا و لا يسميه قال: إن سميت فهو ما سميت، و إن لم تسم شيئا فليس بشي ء، فإن قلت: لله علي فكفارة يمين»

و صحيح علي بن مهزيار(5)«كتب بندار مولى إدريس يا سيدي إني


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الكفارات- الحديث 7 من كتاب الإيلاء و الكفارات عن عبد الملك بن عمرو و هو الصحيح.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الحديث 3 عن القاسم الصيقل.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من كتاب النذر و العهد- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث 4.

ج 16، ص: 272

نذرت أن أصوم كل سبت، و إن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب و قرأته لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صوم في سفر و لا مرض إلا ان تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين»

و الأول أظهر عند المصنف و غيره، خلافا لسيد المدارك فالثاني لصحة السند بخلاف راوي خبر الأول، فإنه غير موثق و لا ممدوح مدحا يعتد به و جهالة القاسم بن فضيل، و إضمار الثالث الذي في طريقه علي بن محمد بن جعفر الرزاز، و هو غير موثق أيضا، مع تضمن الأخيرتين الأمر بالتحرير خاصة، و لم يقل به احد، و الجمع بالتخيير بينه و بين باقي خصال الكبرى ليس بأولى من الجمع بالتخيير بينه و بين كفارة اليمين، و تحمل الرواية الأولى حينئذ على الاستحباب، قلت: لا ريب في ان الأحوط الأول و تحقيق الحال يأتي إن شاء الله في محله و إن كان جميع ما ذكره واضح الدفع، و الله اعلم.

[المسألة الخامسة الكذب على الله و رسوله (ص) و الأئمة (ع)]

و أما المسألة الخامسة التي ذكرها المصنف هنا- و هي ان الكذب على الله و على رسوله و على الأئمة عليهم السلام حرام على الصائم و غيره و إن تأكد على الصائم لكن لا يجب به قضاء و لا كفارة على الأشبه.

[السادسة و هي أن الارتماس حرام]

و السادسة و هي أن الارتماس حرام على الأظهر، و لا يجب به كفارة و لا قضاء و قيل يجبان به و الأول أشبه فقد عرفت الكلام فيهما مفصلا و منه تعرف ما في كلام المصنف، فلاحظ و تأمل و تدبر، و الله أعلم.

[المسألة السابعة لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح]

المسألة السابعة لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح وفاقا للإسكافي و الشيخ و ابن إدريس و جماعة من المتأخرين بل و معظمهم، للأصل، و حصر ما يضر الصائم (1)في غيره، و كثير مما تسمعه في التقطير في الإحليل و مما يصل إلى الجوف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 273

من غير الحلق و غير ذلك. و خصوص

صحيح علي بن جعفر(1)سأل أخاه عليه السلام «عن الرجل و المرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء و هما صائمان؟ فقال:

لا بأس»

و موثق ابن فضال (2)«كتب إلى أبي الحسن عليه السلام ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان و هو صائم؟ فكتب لا بأس بالجامد»

بل لا أجد فيه خلافا قبل الفاضلين في المعتبر و المختلف فحرمها الأول خاصة و أوجب بها

الثاني القضاء خاصة، نعم أطلق ابن بابويه عدم الجواز، و المفيد الفساد، و المرتضى في المحكي عن جمله عن قوم من أصحابنا وجوب القضاء و الكفارة، و عن آخرين القضاء خاصة، و عن ناصرياته و أما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر، و في الغنية وجوب القضاء بها خاصة كالمحكي عن أبي الصلاح، و يمكن إرادة الجميع المائع كما هو المنساق من الاحتقان، فينحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت، و ضعفه واضح، لابتنائه على عدم حجية الموثق كي يصلح لتقييد

صحيح البزنطي (3)سأل أبا الحسن عليه السلام «عن الرجل يحتقن يكون به العلة في شهر رمضان فقال: الصائم لا يجوز له أن يحتقن»

مؤيدا بما عن

فقه الرضا عليه السلام (4)«لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا و لا يسعط و لا يحتقن»

و فيه- مضافا إلى ما تحرر في الأصول من حجية الموثق سيما مع اعتضاده بما سمعت- أنه يمكن دعوى انسياق المائع من الصحيح المزبور كما اعترف به في المدارك و غيرها، فيبقى غيره على مقتضى الأصل.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2 هكذا في المطبوع من الوسائل و لكن الموجود في الكافي و التهذيب و الاستبصار« التلطف».
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
4- 4 المستدرك- الباب- 6- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1 و الباب 5 منها- الحديث 2.

ج 16، ص: 274

و من ذلك كله ظهر لك أنه لا ينبغي التوقف في أنه يحرم الاحتقان بالمائع و إن حكي عن ابن الجنيد إطلاق استحباب الامتناع من الحقنة،

لأنه يصل إلى الجوف، بل عن جمل المرتضى «أن قوما قالوا بأن الحقنة تنقص الصوم و لا تبطله، و هو الأشبه» لكن لا يخفى عليك أن الصحيح (1)المزبور و ما سمعته من الناصريات و محتمل إجماع الغنية حجة عليهم، بل و على معتبر المصنف لا لما في المختلف من ان تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية- فيكون بين الصوم و الاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة، و ثبوت احد المتنافيين يقتضي عدم ثبوت الآخر، و ذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان الذي أورد عليه في المدارك و غيرها بأن نقيض المعلول انما هو جواز الاحتقان لا نفسه و اللازم من ذلك انتفاء الصوم عند جواز الاحتقان لا عند حصوله و إن كان محرما، كما هو واضح، و إن أمكن مناقشته فيه، بل مقتضاه البطلان و لو جاز الاحتقان لمرض و نحوه- بل لظاهر انسياق البطلان عرفا من نحو هذه النواهي في العبادة لا الحرمة خاصة كما هو محرر في محله.

و حينئذ ف يجب به القضاء على الأظهر خلافا لمن عرفت، بل الأقوى إن لم ينعقد إجماع كما حكاه في المختلف عن السيد وجوب الكفارة به، لاندراجه فيمن أفطر متعمدا، اللهم إلا أن يدعى انسياق غيره منها، و فيه بحث فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من انه لو لا اشتهار القول بالتحريم بالمائع- بل عدم الخلاف فيه إلا من المرتضى حتى انه يستفاد من الناصرية و الغنية الإجماع على الإفطار به و القضاء- لكان القول بالجواز غير بعيد، لما

مر من الأدلة في السعوط، مع قوة احتمال الجمع بين أخبار المسألة بالحمل على الكراهة، سيما الرضوي المتضمن للنهي عن السعوط بكلمة «لا يجوز» الداخلة على كلتيهما،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.

ج 16، ص: 275

و هي بالإضافة إلى السعوط للكراهة، فليكن بالإضافة إلى الاحتقان كذلك، لئلا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة و المجاز، إذ هو كما ترى جمع لا شاهد عليه و لا داعي إليه، نعم ما ذكره غير واحد من الأصحاب من كراهة الاحتقان بالجامد لم أقف فيه على خبر بالخصوص، إلا أنه لا بأس به للتسامح فيها و كراهة بعض النظائر و الاحتياط و نحو ذلك، بل قد يتكلف له بدعوى إرادة الأعم من الحقيقة و المجاز من النهي في الصحيح بقرينة ما في الموثق و غيره مما دل على الجواز في الجامد بعد إرادة الأعم من المائع من الاحتقان، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة من أجنب و نام ناويا للغسل قبل الفجر]

المسألة الثامنة من أجنب و نام ناويا للغسل قبل الفجر ثم انتبه ثم نام كذلك ثم انتبه و نام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر لزمته مع القضاء الكفارة على قول مشهور بل في الخلاف و الغنية و الوسيلة و جامع المقاصد الإجماع عليه و هو الحجة مع خبر المروزي (1)و مرسل عبد الحميد(2)بعد تقييدهما بما دل على القضاء خاصة في الانتباهة الواحدة، و لأنه كتعمد البقاء على الجنابة، لندرة الانتباه قبل الفجر زائدا على ذلك و لكن مع ذلك كله فيه تردد عند المصنف، بل جزم بعدم الكفارة في المعتبر و تبعه الفاضل في المنتهى و بعض متأخري المتأخرين للأصل و قصور سند الخبرين بل و دلالتهما، لا طلاقهما الكفارة على تارك الغسل حتى الصبح، و تقييدهما بما إذا تعمد الترك كما في خبر أبي بصير(3)ممكن، أو أولى من التقييد المزبور، و البحث في مثل هذا الإجماع معلوم، و فيه أن الأصل مقطوع، و القصور مجبور، بل في الدلالة ممنوع، ضرورة إمكان التقييد بهما معا، و لو سلم فهو أولى للشهرة و غيرها مما عرفت، و البحث هنا ضعيف، لشهادة التتبع له قبل المصنف، و أضعف منه البحث في أصل الحجية،


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3 و الثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4 و الثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2 و الثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد.

ج 16، ص: 276

و الذاهل عن نية الغسل في الانتباهتين أو إحداهما أولى بالوجوب، و الظاهر أنه لا إثم عليه في النوم و إن زاد على الثالث مع احتمال الانتباه احتمالا معتدا به، للأصل، و لا تلازم بين الكفارة و الإثم.

[المسألة التاسعة يجب القضاء بتسعة أشياء]
اشاره

المسألة التاسعة يجب القضاء خاصة في الصوم الواجب المعين كشهر رمضان بتسعة أشياء عند المصنف،

[الأول فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة]

الأول فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة تمسكا بالاستصحاب ثم ظهر سبق طلوعه بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل في صريح الانتصار و الخلاف و ظاهر الغنية الإجماع عليه، مضافا إلى عموم الفوات في وجه الصادق بعدم إمساك تمام اليوم، سواء كان ظانا لبقاء الليل أو شاكا فيه أو ظانا عدمه، لاشتراك الجميع في جواز الإقدام لقاعدة اليقين و للآية الكريمة(1)الظاهرة في عدم اعتبار الأمر بإمساك النهار واقعا كي يحتج بباب المقدمة المقتضية للصوم مع ظن البقاء أيضا فضلا عن الشك، مع انه لا خلاف في جواز تناول المفطر فيه كما اعترف به بعضهم، و في نفي الكفارة بالأصل السالم، فما توهمه بعض العبارات من وجوبها على الشاك فضلا عن الظان للعدم واضح المنع.

و المعروف بين الأصحاب بل في الرياض لا خلاف أجده فيه انه لا قضاء على العاجز عن المراعاة كالمحبوس و الأعمى بلا خلاف أجده، للأصل و جواز التناول له، مع اختصاص النص و الفتوى بحكم التبادر و غيره بصورة القدرة كما لا يخفى على من تدبرهما، لكن قد يناقش بانقطاع الأصل

بعموم (2)«من فاتته»

بناء على صدق اسمه عليه بعدم الإمساك في بعض اليوم في أي حال يكون إلا ما علم عدم البأس فيه كالنسيان، و من هنا كان تناول المفطر في غير شهر رمضان


1- 1 سورة البقرة- الآية 183.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب قضاء الصلوات- الحديث 1.

ج 16، ص: 277

بعد طلوع الفجر مفسدا للصوم واجبا كان أو مندوبا مع المراعاة و بدونها كما عن العلامة و غيره التصريح به، و قد رواه الحلبي (1)عن الصادق عليه السلام في غير رمضان و إسحاق بن عمار(2)و علي بن أبي حمزة(3)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في قضاء شهر رمضان، لكن في المدارك ينبغي تقييد ذلك بغير الواجب المعين، أما هو فالأظهر مساواته لصوم شهر رمضان، و هو لا يخلو من نظر تعرفه فيما يأتي و بأن جواز التناول له للاستصحاب ل ينافي ثبوت القضاء عليه، و بمنع اختصاص النص بما في القادر، فالاحتياط لا ينبغي تركه، و مراعاة غير العارف كعدمها، و في معاملته حينئذ معاملة العاجز أو تكون مراعاته رجوعه إلى غيره- فيكون هو المدار حينئذ في القضاء و عدمه وجهان، أقواهما الأول.

[الثاني الإفطار إخلادا إلى من أخبر]

و الثاني الإفطار إخلادا إلى من أخبر كالجارية و نحوها أن الفجر لم يطلع مع

القدرة على عرفانه و يكون طالعا بلا خلاف أجده فيه أيضا بل في الغنية الإجماع عليه، لأصالة عدم الكفارة و عموم الفوات في القضاء في وجه، و

قال معاوية بن عمار(4)للصادق (عليه السلام): «آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول: لم يطلع بعد فآكل ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت، فقال: تتم يومك و تقضيه، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه»

و صريحه كالموثق سقوط القضاء مع المراعاة بنفسه، مع انه لا خلاف فيه، بل في صريح الانتصار و ظاهر المحكي عن المنتهى و غيره الإجماع عليه، بل ظاهر النص و الفتوى سقوطه مع المراعاة و إن كان شاكا أو ظانا بالفجر ثم تبين انه تناول بعده، لكن قد يشكل بإطلاق ما دل على القضاء بتناول المفطر، و بأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 278

اولى بذلك من الظان ببقاء الليل بإخبار الجارية و الاستصحاب، و من هنا مال إليه في الرياض، و هو أحوط إن لم يكن أقوى، نعم ظاهرهما اي الصحيح و الموثق كالفتاوى اعتبار المباشرة في ذلك، فلا يجدي غيره و إن كانوا عدولا متعددين، و اختصاص السؤال في صدره بالجارية لا ينافي العموم المستفاد من الجواب، خلافا لثاني المحققين و الشهيدين و غيرهما فأسقطوا القضاء بالعدلين، لكونهما

حجة شرعية، بل عن غيرهما الاكتفاء بالعدل الواحد بناء على ان المقام من الاخبار لا الشهادة، فيكون الواحد فيه حجة شرعية، و هما معا كما ترى، ضرورة انه ليس المدار في سقوطه على كون التناول بحجة شرعية و إلا لكفى الاستصحاب بل على مباشرة المراعاة، فبدونها يبقى مندرجا تحت إطلاق ما دل على القضاء بذلك من خبر علي بن أبي حمزة(1)و غيره، و حجية العدلين أو العدل الواحد لا تنافي ثبوت القضاء، و إلا وجب تخصيص ما دل عليها بما هنا.

يجب القضاء خاصة

[الثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه]

و الثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه أي الفجر و البقاء على ما كان عليه من الإفطار لظنه إرادة المخبر كذبه للسخرية و نحوها بلا خلاف أجده، بل في ظاهر المدارك و عن غيرها الإجماع عليه، بل هو أولى قطعا من الأولين في وجوب القضاء، و

سأل عيص بن القاسم (2)الصادق (عليه السلام) «عن رجل خرج في شهر رمضان و أصحابه يتسحرون في بيت، فنظر إلى الفجر فناداهم فكف بعضهم و ظن بعضهم انه يسخر فأكل فقال: يتم صومه و يقضي»

أما الكفارة بالجميع مشترك في نفيها بالأصل، و لا فرق بين تعدد المخبر و اتحاده و عدالته

و فسقه، خلافا لجماعة فاستقربوا الكفارة باخبار العدلين، و لعلهم يريدون إذا لم يظن السخرية بأخبارهما، فإن جواز التناول حينئذ مع أخبارهما بل إخبار


1- 1 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 279

العدل الواحد و ترك المراعاة اعتمادا على الاستصحاب الذي يشك في حجيته مع هذا الفرض لا يخلو من نظر، بل لعل المتجه الكفارة، لانقطاع الأصل بالخبر، فهو كالمتعمد، نعم لو أخبر العدلان أو العدل الواحد فراعى فلم يتبين له ذلك ساغ له التناول سواء ظن الخطأ أو لا، بناء على جواز التناول له حال الشك، و في

الموثق (1)«عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما: هو ذا، و قال الآخر: ما أرى شيئا، قال: فليأكل الذي لم يتبين له الفجر و قد حرم على الذي زعم انه رأى الفجر، ان الله عز و جل يقول كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ. إلخ»

و من ذلك بان أن الأحوال ثلاثة و لعل التقييد بما في المتن بظن الكذب إشارة إليها أو إلى قسمين منها، كما ان نصوص نفي الشي ء على من راعى بنفسه فأخطأ شاملة بإطلاقها لمثل المقام، و إن كان المخبر عدلا أو عدلين، و الظاهر اختصاص هذا الحكم و سابقيه بشهر رمضان دون غيره من الواجب و المندوب المضيق و الموسع المعين و غيره بلا إشكال في شي ء منه إلا في المضيق و المعين، خصوصا بعد ما

ورد من استيناف يوم آخر و إفطار ذلك اليوم في قضاء رمضان الذي هو أولى من غيره بالإلحاق، بل قد يدعى أن مقتضى إطلاق خبري ابن أبي حمزة(2)و إسحاق بن عمار(3)ذلك و إن تضيق بدخول رمضان، بل في الثاني منهما التعليل بأنك أكلت مصبحا فيؤخره حينئذ إلى ما بعده كما انه أطلق في صحيح الحلبي (4)الإفطار ان تسحر في غير شهر رمضان، مضافا إلى أنه الموافق للضوابط، ضرورة ظهور الأدلة ك

قول الباقر (عليه السلام) في صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 280

ابن مسلم (1): «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس»

و نحوه مما أطلق فيه اعتبار الاجتناب عن ذلك في اعتبار الصوم اللغوي في الشرع إلا ما خرج بالدليل من النسيان و نحوه، بل خبر(2)أبي بصير و سماعة في المسألة الآتية كالصريح في ذلك، بل منه يظهر دلالة قوله تعالى (3)«ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ» عليه فلاحظ و تدبر.

و حينئذ فهو في الفرض مفطر لا يصلح للامتثال به لأمر الصوم، فان كان مما له بدل انتقل

إلى بدله، و إلا سقط، و دعوى أن صحيح معاوية بن عمار(4)بل و موثق سماعة(5)كالصريحين في إطلاق الصحة مع المراعاة من غير فرق بين شهر رمضان و غيره بل ربما قيل إن الصحيح منهما عام بترك الاستفصال فيه يدفعها معارضتها بإطلاق نصوص الإفطار في قضاء رمضان و ترك الاستفصال فيها مع رجحانها عليها بظهور الصحيح و تصريح الموثق بكون ذلك في شهر رمضان، و من ذلك بان ضعف إلحاق المعين فضلا عن غيره به، و إن كان قد يحتج للأول بعدم معلومية الفساد شرعا، لأعمية فساد الصوم لغة منه كما في الناسي، و مع احتمال ذلك يجب إمساكه تحصيلا لامتثال الأمر القطعي، فلا يجب القضاء، لأنه بأمر جديد، و لا فوات معلوم بعد عدم التقصير في الاجتهاد، نعم هذا مختص بالواجب المعين، لأنه الذي يفرض فيه القضاء المتوقف على أمر جديد المنفي


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 سورة البقرة- الآية 183.
4- 4 الوسائل- الباب- 46- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 48- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 281

فيما نحن فيه و لا كذلك الواجب المطلق، لأن أمره لعدم توقيته بوقت باق فلا بد من الخروج عن عهدته، و لا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحته و فساده، و من هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه، و يذب عن النصوص بأنها مع ضعف السند في بعضها بين مختص برمضان موردا فلا يعارض، و وارد في قضائه مما لا يجري فيه الأصل المذكور، و منساق منه عدم المراعاة، لكن الجميع كما ترى، خصوصا بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في اعتبار الإمساك لغة عن

المفطرات في الصوم شرعا إلا ما ثبت فيه خلافة كالناسي و نحوه، و مقتضاه الإفطار في الجميع، إذ حقيقة الصوم ليست إلا عبارة عن الإمساك عن المفطرات و هو في المقام لم يتحقق قطعا لا لغة و لا عرفا و لا شرعا، إذ ليس معناه عنده إلا ما هو المتبادر عند المتشرعة من الإمساك، و عدم وقوع المفطر باختيار المكلف أصلا، و هو منتف، و لذا يصح سلب اسم الصوم و الإمساك عنه، كما يصح إطلاق لفظ الإفطار عليه، و منه ينقدح الاستدلال عليه أيضا بما في بعض نصوص القضاء من ظهور دورانه على تحقق الإفطار، و أنه متى ثبت ثبت القضاء بل لا يخفى على من تتبع النصوص خصوصا الواردة منها فيما تقدم من المسألتين غاية وضوحها في التنافي بين فعل المفطر و الصوم بحيث لا يجتمعان و إن كان التناول جائزا شرعا لاستصحاب و نحوه.

و كذا يجب القضاء خاصة في الرابع من التسعة و هو الإفطار تقليدا لمن أخبر أن الليل دخل حيث يجوز له التقليد لعمى و شبهه، أو قلنا بجواز التعويل فيه على العدل الواحد أو العدلين ثم تبين فساد الخبر ضرورة عدم منافاة الجواز شرعا للقضاء الذي قد عرفت ظهور النصوص في ثبوته بمطلق فعل المفطر إلا ما قام الدليل عليه، بل هو أولى بالقضاء من التناول في الليل باخبار المخبر ببقائه المعتضد باستصحابه، و حجية البينة أو خبر العدل ليست

ج 16، ص: 282

أزيد من ذلك، فلا يستلزم شي ء منها سقوط القضاء المترتب على ما عرفت، مع ان في الخلاف و الغنية الإجماع على القضاء خاصة على من أفطر شاكا في دخول الليل و كان غير داخل، و يندرج فيه بعض أفراد المقام، بل لو أريد من الشك ما يشمل الظن- كما هو معناه لغة، و يفهم من كثير من الأخبار الواردة في بحث الخلل في الصلاة بل و فتاوى الفقهاء- اندرج فيه جميع أفراده، إذ لا يحصل من الخبر نفسه و لو كان شهادة أزيد من الظن المفروض اندراجه في الشك.

و أما الكفارة فالأصل عدمها بعد عدم الإثم في التناول و الجواز شرعا، نعم لو تناول باخبار المخبر و كان لا يجوز له التقليد اتجه وجوبها مع القضاء، لصدق الإفطار عمدا حتى لو كان جاهلا بعدم جواز التقليد في وجه، بل في بعض النصوص (1)الصحيحة ما يقتضي وجوبها مطلقا من غير تقييد بالعمد، بل هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصة، فلا يصلح مقيدا لما أطلق من أخبارها، و حينئذ فالأصل وجوبها مطلقا إلا ما قام الدليل فيه على العدم و ليس منه ما نحن فيه و بعض الأخبار(2)الدالة على اشتراط التعمد بالنسبة إليها بل و القضاء أيضا ضعيف السند بل و الدلالة، و من ذلك كله يظهر لك محل النظر فيما في جملة من كتب الأصحاب، خصوصا الرياض و المدارك و الذخيرة بل و جامع المقاصد، و أن دعوى ظهور المتن فيمن لا يجوز له التقليد- إذ لا إشكال في سقوط القضاء عمن يجوز له كالأعمى و نحوه، كما انه لا كفارة

على من لا يجوز له التقليد للأصل- واضحة النظر من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا، اللهم إلا ان يقوم إجماع على بعضها، كسقوط القضاء عمن جاز له التقليد، و عمن أخذ بخبر العدل أو العدلين بناء على جواز ذلك، و دون ثبوته خرط القتاد، فتأمل جيدا، و الله


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 283

العالم بحقيقة الحال.

[الخامس الإفطار للظلمة الموهمة]

و الخامس الإفطار للظلمة الموهمة اي الموجبة لحصول الوهم بالمعنى المصطلح ل دخول الليل أو الشك كما هو لفظ النهاية مقابلا له في صورة القضاء بغلبة الظن، و حينئذ لا خلاف و لا إشكال في وجوب القضاء، بل الإجماع بقسميه عليه، لعموم ما دل عليه مما عرفت، لكن قد يشكل عدم الكفارة حينئذ بما سمعت مما يقتضي وجوبها، بل هو هنا من العالم العامد و لو بملاحظة الأصل الشرعي، و عدم جواز الاقدام له حتى لو استمر الاشتباه، و دعوى اعتبار العلم بالإفطار بالنهار في وجوبها بحيث لا يكفي الأصل و نحوه واضحة المنع كما عرفته سابقا، و إجماع الغنية و محتمل إجماع الخلاف على سقوطها عمن تناول شاكا في الليل كما هو صريح المختلف متبين خلافه، نعم قد يقال بانتفائها مع جهله بعدم جواز الاقدام بذلك بناء على سقوطها عن الجاهل بالحكم، و به أيضا مع مصادقة الواقع للأصل، مع ان في فوائد الشرائع و حاشية الإرشاد الإشكال في الأخير كنظائره من الإفطار معتقدا انه من رمضان فظهر انه عيد و نحوه، لكن قال بعد ذلك في الأول: و الذي ينساق اليه النظر حصول الإثم دون الكفارة، و إن أريد من الوهم الظن كما هو أحد إطلاقاته بل ينبغي إرادة غير الغالب هنا بقرينة قوله فلو غلب على ظنه لم يفطر فلم يقض ففيه ان سقوط القضاء به حينئذ دون الثاني مذهب ابن إدريس خاصة، و لم يساعد عليه شي ء من الأدلة، ضرورة عدم الفرق فيها بين مراتب الظن حيث يجوز التعويل عليه أو لا يجوز، بل لعل دعوى استفادة سقوطهما معا عن الغالب و الكفارة خاصة عن غيره من الأدلة و لو بدعوى أنه مقتضى الجمع الذي لا شاهد له بين النصوص من الغرائب، و لذا شدد النكير عليه في المختلف، و جعل منشأ خياله هذا ما توهمه من كلام شيخنا أبي جعفر مما هو ليس مقصودا له، و مثله في الغرابة ما عن الشهيد من تفسير الوهم على هذا

ج 16، ص: 284

التقدير بترجيح احد الطرفين لامارة غير شرعية، و الآخر الترجيح لها، مع ما في الروضة من أنه غير تام أيضا، لأن الظن المجوز للإفطار لا يفرق فيه بين الأسباب المثيرة له، لكن الإنصاف أن تفسير المتن و ما شابهه بالأول أي إرادة الشك من الوهم أو الطرف المرجوح بعيد أيضا جدا، بل قد عرفت ما فيه من إشكال عدم الكفارة.

و لعل الأولى إرادة الخطأ منه بمعنى ان الظلمة أوقعت الصائم في الخطأ فيها حتى تخيل انها ليل، و مثله يتجه فيه وجوب القضاء، للإطلاق السابق، و خصوص موثق سماعة(1)هنا، بخلاف ما لو علم أن في السماء علة من سحاب و نحوه و ظن دخول الليل معه، فإنه لا يقضي لا للرخصة له شرعا، إذ قد عرفت أعميتها من سقوط القضاء، و انها لا تنافي إطلاق ما يقتضيه، بل لأن

أبا الصباح الكناني (2)سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت و في السماء غيم فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: قد تم صومه و لا يقضيه»

و الشحام (3)روى عنه عليه السلام أيضا «في رجل صائم ظن ان الليل قد كان و ان الشمس قد غابت و كان في السماء سحاب فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب، فقال: تم صومه و لا يقضيه»

و الباقر عليه السلام قال لزرارة(4): «وقت المغرب إذا غاب القرص، فإن رأيته بعد ذلك و قد صليت أعدت الصلاة و مضى صومك و تكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا»

و بها يقيد إطلاق ما دل على القضاء.

كما انك قد عرفت ان دليل القضاء على الأول بناء على ما ذكرناه من


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 51- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 51- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 285

التفسير مضافا إلى الإطلاق

موثق سماعة(1)«سألته عن قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فظنوا أنه ليل فأفطروا ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس، فقال: على الذي أفطر صيام ذلك اليوم، إن الله تعالى يقول ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه، لأنه أكل متعمدا»

و هو كالصريح فيما ذكرنا، بل من علم أن نظر الأصحاب في تعبيرهم إلى النصوص و أنهم كالناقلين بالمعنى يقطع بكون المراد ما في هذا الخبر، و هو ظاهر أو صريح في تخيلهم كون السحاب الليل، و المراد من الظن حينئذ القطع نحو قوله (2)«الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ» لمعلومية عدم جواز الاعتماد عليه مع عدم العلة، و المناقشة في دلالته على القضاء- باحتمال إرادة وجوب إتمام صيام ذلك اليوم، و الاستدلال بالآية لا ينافيه بل يؤكده، كقوله عليه السلام:

«فمن أكل» إلى آخره إذ التعمد في الأكل الموجب للقضاء انما يتصور بعد الانجلاء، لأنه إفطار حينئذ لا قبله، إذ هو تعمد للأكل كناسي الصوم لا للإفطار- كما ترى، إذ هو مخالف للظاهر من وجوه، خصوصا بعد فهم معظم الأصحاب منه ذلك، و التعبير عنه بالإفطار، و ظهور الاستدلال فيه بقرينة تتمته بقوله (عليه السلام): «فمن» إلى آخره في إرادة بيان قضاء ذلك اليوم، كما هو واضح.

نعم لا وجه للاستدلال به كما عن المعظم على القضاء على من أفطر بظن الدخول و لو للعلة في السماء، مؤيدا بإطلاق ما دل عليه، و

الطعن في سند المعارض و في دلالة الصحيح منه بأن مضي الصوم لا يستلزم عدم القضاء، و شذوذ العمل بإطلاقه الشامل لصورتي الوهم و الشك، و لا قائل بهما قطعا، كالظن مع التمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 سورة البقرة- الآية 43.

ج 16، ص: 286

من العلم بالمراعاة و نحوها الذي لم يقل احد بسقوط القضاء به إلا ما يحكى عن صاحب الذخيرة لهذا الصحيح الذي يمكن تخصيصه بهذه الصورة توفيقا بينه و بين الأصول المقتضية اعتبار حصول العلم بدخول الليل المؤيدة بما دل من النصوص (1)على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص و الحمرة، مع دلالة بعضها(2)كما قيل على انه مع عدم القدرة لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة الفرص أو زوال الحمرة، كل ذا مع ندرة القائل بأصل المعارض أو شذوذه، إذ لم يعرف القول به بحيث لم يرجع عنه بعد ذلك إلا من الصدوق، لرجوع الشيخ عما سمعته منه في النهاية إلى القضاء في المبسوط، و عبارة الغنية و الخلاف و في الرياض و ابن البراج على ما في المختلف- و إن كان لا يوافق ما حضرني من نسخته- الشك المحتمل إرادة المعنى الشامل للظن منه، بل قيل إنه المعروف منه لغة، و يكونون من القائلين بالقضاء معه حينئذ، بل في الأخيرين الإجماع عليه، و

الفاضل قد رجع عنه في المختلف و مال إلى القضاء.

إذ لا يخفى عليك سقوط ذلك كله بناء على تفسير الصحيح بما ذكرناه، ضرورة خلو نصوص السقوط حينئذ عن المعارض إلا الإطلاق المقيد بها، و الطعن في السند ممنوع، بل لعل جميعها صحاح كما يعلم من البحث في الرجال، و الندرة ممنوعة بعد فتوى الصدوق و الشيخ و القاضي و المصنف هنا و النافع و الفاضل في الإرشاد و القواعد و غيرهم، بل يمكن إرادة المثبت للقضاء مع الظن ما لا يجوز التعويل عليه منه، فان المتجه فيه ذلك، بل و الكفارة مع العلم بعدم الجواز، بل و مع عدم العلم بالجواز في وجه يعلم مما تقدم، بل لعل المفيد الذي هو أصل الخلاف في المقام بنى ذلك على ما يظهر من كلامه من عدم جواز التعويل على


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

ج 16، ص: 287

الظن بحال، بل يجب الصبر إلى حصول اليقين، و لعل غيره ممن وافقه كالمرتضى و أبي الصلاح و غيرهما كذلك، كما ان ظاهر المحكي عن ابن إدريس بناء إيجابه القضاء على من أفطر بالظن الضعيف على عدم جواز عمله بالظن المزبور.

و من ذلك كله ظهر لك ما في نفي الخلاف في المدارك عن جواز العمل بالظن عند تعذر العلم، بل عن الذخيرة أن ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح، فإن أكثر عباراتهم خال عن التصريح به، و في التذكرة ما يشير إلى وجود الخلاف في ذلك، فلاحظ و تأمل، و قد ظهر لك مما ذكرنا الحكم في جميع الصور حتى لو أفطر بالاعتقاد الجازم حيث لا يكون في السماء علة ثم بان الخلاف، و أن المتجه وجوب القضاء عليه، للإطلاق، و صحيح زرارة غير معلوم شموله لمثله كي يقيد به، و الأولوية من الظن حيث يعمل به ممنوعة، و على كل حال فالأمر حينئذ في المراد من المتن و نحوه سهل بعد معرفة الحكم في شقوق المسألة، و الله اعلم.

[السادس تعمد القي ء]

و السادس تعمد القي ء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل إجماع من المتأخرين، بل في الخلاف و ظاهر الغنية و المحكي عن المنتهى الإجماع عليه، و قد رواه الحلبي (1)في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) كالصحيح المروي عن كتاب على بن جعفر(2)و أرسله ابن بكير(3)أيضا عن بعض أصحابنا عنه عليه السلام و أضمره سماعة(4)في الموثق إلى غير ذلك من النصوص المقتصرة في مقام البيان على بيان القضاء خاصة، بل في بعضها(5)بعد الأمر بالإعادة التعرض لاثمه، و انه إن شاء الله عذبه، و إن شاء غفر له، و هو كالصريح في عدم الكفارة التي يفزع إليها في تكفير الذنب، و إطلاق الصحيح (6)في أحد طريقيه الإفطار منزل على ما في غيره مما أطلق فيه ذلك ثم عقب بما هو


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 288

كالبيان للمراد منه من وجوب القضاء عليه، كل ذلك مضافا إلى صريح إجماع الخلاف و ظاهر غيره المؤيد بالتتبع، بل لم نعرف القائل بوجوبهما معا عليه منا، و انما حكي عن المرتضى إرساله، كما أنه لا دليل عليه سوى إطلاق نصوص الكفارة(1)فيمن أفطر عمدا الذي يجب الخروج عنه بما عرفت، بل قيل إن المتبادر من الإفطار الإفساد بالأكل و الشرب، و أن إطلاق الوصف عليه في نصوص المقام أعم من الحقيقة و المجاز أولى من الاشتراك، و إن كانت المناقشة فيه واضحة حتى لو سلم تبادر الأكل من الإفطار في نصوص الكفارة، لكن التجوز بإطلاقه عليه هنا يقتضي الاشتراك في وجوه الشبه و المنزلة، اللهم إلا أن يدعى تبادر الإثم و القضاء منها خاصة، و فيه منع واضح، نعم قد يقال به في خصوص المقام لما عرفت، كوضوح منع مجازية إطلاق الإفطار عليه بعد وجوب القضاء به المتوقف على الفساد، ضرورة سقوطه بصحيح العبادة عند الفقهاء.

و ما أبعد ما بين هذا القول و القول بعدم وجوب شي ء به أصلا كما عن المرتضى للأصل المقطوع بما سمعت، و أن الصوم الإمساك عما يدخل الجوف لا ما يخرج منه الذي هو اجتهاد في مقابلة النص، و حصر الباقر (عليه السلام) في

صحيح ابن مسلم (2)«ما يضر الصائم»

في أربع خصال: الطعام و الشراب و النساء و الارتماس الذي إن لم نقل باندراج ذلك في الطعام فيه بناء على إرادة الأعم من ابتلاعه أو إخراجه منه وجب تقييده بما سمعت، و أما

قول الصادق (عليه السلام) في الصحيح أو الموثق (3): «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 8.

ج 16، ص: 289

و الاحتلام و الحجامة»

إن لم يحمل على نفي الكفارة فالمراد منه ما هو الغالب، و أشار إليه المصنف و غيره من أنه إن ذرعه القي ء و سبقه قهرا لم يفطر الذي لا خلاف أجده فيه نصا و فتوى سوى ما عن ابن الجنيد من وجوب القضاء به إذا كان من محرم، بل إذا استكثر الكفارة أيضا، و لا ريب في ضعفه و عدم الدليل عليه بعد البناء على عدم البطلان بابتلاع المحرم، للأمر بقيئه الذي هو مفطر كما عرفت كما هو ظاهر كلام الإسكافي، و إلا لم يحتج حينئذ في وجوب القضاء إلى ذرع القي ء، فتأمل.

[السابع ما تقدم الكلام فيه من الحقنة بالمائع]

و السابع ما تقدم الكلام فيه من الحقنة بالمائع و

[الثامن دخول الماء إلى الحلق للتبرد]

الثامن دخول الماء إلى الحلق للتبرد بالمضمضة و غيرها فغلبه و دخل الجوف، و المراد(1)دخول الماء الفم فغلب و دخل ما يبطل به الصوم من الحلق، و على كل حال فالمراد واحد و الحكم لا خلاف فيه أجده، بل هو من معقد النسبة إلى علمائنا في المحكي عن المنتهى بل عليه الإجماع في الانتصار و الخلاف و الغنية، و رواه سماعة(2)في موثقه لكن مضمرا، بل في خبر ابن الصلت (3)عن يونس إطلاق الإعادة للدخول بالحلق بالمضمضة في غير وقت الفريضة للتبرد و غيره، إلا ان الظاهر كونه من كلام يونس، كما أومأ إليه بنسبة ذيله إليه في الدروس و غيرها، و أولويته من القضاء بدخول الماء الحلق في الوضوء لصلاة النافلة كما في الصحيح (4)عن الصادق عليه السلام يمكن منعها أولا، و أصل الحكم ثانيا كما ستعرف، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على قطع الأصل و عموم حديث الرفع و نحو ذلك مما يقضي بعدم القضاء على ما عرفت الذي يجب بملاحظته تنزيل ما عن الصادق عليه السلام في موثق


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الظاهر إبدال حرف الواو بأو أي« أو المراد».
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 290

الفطحية(1)من انه ليس على المتمضمض إذا دخل حلقه الماء شي ء إذا لم يتعمد ذلك في الأولى و الثانية و الثالثة على غير مضمضة التبرد، كما هو واضح.

و لا يلحق به في القضاء ما لو ابتلع لنسيانه الصوم بعد الوضع في الفم مثلا لا طلاق دليله العفو عنه بعد انسياق غيره من أدلة المقام، خلافا لظاهر المعتبر أو صريحه فأوجبه، و هو ضعيف، نعم صريح بعضهم إلحاق العبث بالتبرد، بل هو في معقد إجماع المنتهى، و في معقد إجماع الانتصار التمضمض لغير الطهارة من التبرد و غيره، و لعله لأولويته من المضمضة للعطش و صلاة النافلة، و خبر يونس و المفهوم في موثق سماعة و انتفاء حقيقة الصوم به، و خروج النسيان مثلا لا يقضي بخروجه، و الإجماع المحكي، لكن في الجميع نظر، إذ لعل العطش جزء سبب في دخوله الحلق، و لذا فرق المصنف بينه و بين العبث فيما تسمعه في الفروع، على أن النافلة فيها البحث الآتي، و يونس لا حجة في قوله، و المراد من المفهوم في موثق سماعة مضمضة العطش لا مطلق مضمضة غير الوضوء، و الإجماع المحكي لا يجسر هنا على رفع اليد عن تلك الأدلة به، و يمنع انتفاء حقيقة الصوم شرعا به إلا ان الاحتياط مع ذلك كله لا ينبغي تركه، و كذا لو أدخل غير الماء فمه عبثا أو لغرض صحيح فدخل جوفه لا دليل على القضاء به إلا دعوى التنقيح، و فيها منع واضح، كوضوح المنع أيضا في إلحاق الاستنشاق للتبرد بها بناء على أن الدخول في الأنف كالدخول في الفم، و إن كان هو صريح الدروس بل من معقد إجماع الغنية، بل في الرياض بعد أن حكاه قولا إنه أحوط إن لم نقل بكونه المتعين هذا كله في دخول الماء للتبرد و نحوه دون التمضمض به للطهارة فإنه لا قضاء لو دخل و كان في وضوء الفريضة المؤداة بلا خلاف نصا و فتوى، بل الإجماع في الانتصار و الخلاف و محكي المنتهى عليه، بل معقد الأول منها التمضمض


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.

ج 16، ص: 291

للطهارة، و الأخيرين المضمضة للصلاة نافلة كانت أو فرضا و هو أخص من الأول لاندراج الكون على الطهارة و نحوه فيه، و احتمال أخصية الأول منه أيضا باندراج التجديد فيه بخلافه لعدم كونه طهارة بعيد، و الطهارة من الأكبر مندرجة فيهما معا، و هذا التعميم هو الموافق للأصل و حديث الرفع و موثق الفطحية و ما أرسله من أخبار الطائفة في الخلاف و الإجماع المحكي و غير ذلك، فما في صحيح حماد(1)عن الصادق عليه السلام من أن عليه القضاء إن كان وضوؤه لصلاة نافلة بناء على إرادة المضمضة له و أنها مستفادة بالأولى ينبغي حمله على الندب، لضعفه عن مقاومة غيره عموما و خصوصا من وجوه، منها الموافقة لظاهر الفتاوى إلا أنه و مع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه، سيما مع ما حكي عن جماعة من القول به أو الميل اليه.

و التمضمض للتداوي و إزالة النجاسة لا قضاء فيه أيضا لا للإلحاق بالصلاة الذي يمكن منعه، بل لاتحاد الجميع في أصالة عدم القضاء خرج المضمضة و نحوها للتبرد، فيبقى غيره عليه، خصوصا مع جواز المضمضة له شرعا حتى للتبرد، للأصل و مرسل حماد(2)عن الصادق عليه السلام و موثق الفطحية(3)و غيرها، نعم في

خبر الشحام (4)عن الصادق عليه السلام «لا يبلع المتمضمض ريقه حتى يبزق ثلاث مرات»

كما أن في

مرسل حماد(5)عنه أيضا «في الصائم يستنشق و يتمضمض فقال: نعم و لكن لا يبلغ»

و اليه أومأ في الدروس بذكره كراهة المبالغة فيه للصائم، و لولاه لأمكن قراءتها بالعين المهملة، و الأمر سهل بعد أن كان الحكم أدبا، و المراد انه لا إشكال في الجواز، خلافا للمحكي عن كتابي الحديث


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.

ج 16، ص: 292

للشيخ فمنع عنه للتبرد في الاستبصار و في التهذيب «إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفارة و القضاء» و لا نعرف له في الأول موافقا و لا دليلا معتدا به بل يمكن إرادة رجحان الترك من عدم الجواز فيه، كما هو مقتضى المحكي من استدلاله بما في

خبر ابن الريان عن يونس (1)«و الأفضل للصائم أن لا يتمضمض»

و كذا الثاني حتى في نحو التبرد الذي أوجبنا القضاء فيه أيضا، للأصل المؤيد بخلو نصوص بيان الحاجة عنها و الفتاوى، و إيجاب صيام الشهرين بالتمضمض و الاستنشاق و شم الرائحة الغليظة و دخول الغبار الأنف و

الحلق بكنسه في خبر المروزي (2)الضعيف جدا الذي لا قائل بإطلاقه، لشموله ما إذا لم يتعد الحلق فينبغي تقييده بما إذا تعمد الازدراد جمعا، و تقييده بصورة التعدي خاصة فيه اطراح لما مر من الأدلة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[التاسع معاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر]
اشاره

و التاسع معاودة أي رجوع الجنب باحتلام أو جماع أو غيرهما إلى النوم ثانيا حتى يطلع الفجر الصادق ناويا للغسل لاجماعي الخلاف و الغنية الشاهد فيهما التتبع، و الرضوي (3)بناء على حجيته، و بصحيحتي ابني معاوية(4)و أبي يعفور(5)عن الصادق عليه السلام المحتاج دلالتهما على عدم الكفارة إلى قبح التأخير عن وقت الحاجة و نحوه، أما إذا لم ينتبه من النومة


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3 عن ريان بن الصلت عن يونس و هو الصحيح كما تقدم في ص 289.
2- 2 الوسائل- الباب- 22- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 10- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1 عن معاوية بن عمار.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.

ج 16، ص: 293

الأولى أو نام ناويا لعدم الغسل فقد مر تفصيل البحث فيه، فلاحظ، و الذاهل أولى بالقضاء من الناوي، و الظاهر عدم الإثم عليه بالنوم مطلقا، للأصل، و العقوبة في صحيح ابن عمار أعم من الإثم قطعا، خلافا لبعضهم فحرمه بعد الانتباه، و لا ريب في ضعفه، بل ستعرف

انه لا إثم عليه بالزيادة على الثلاث فضلا عنها.

و أما من نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى فقد قيل إن عليه القضاء بل هو خيرة الشهيد و المحكي عن المفيد و المبسوط و سلار و غيرهم للنهي و قيل لا يجب، و هو الأشبه عند المصنف وفاقا للسيدين و الفاضلين و الشهيدين و القاضي و الحلي، للأصل المعتضد بما في الخلاف و محكي الناصرية من الإجماع، و لا نهي مقتضي للفساد و كذا لو كانت محللة لم يجب القضاء أيضا، بل هو أولى، نعم لو كان من عادته الامناء بذلك و قد قصده وجبت الكفارة عليه فضلا عن القضاء، لاندراجه حينئذ فيما دل عليهما(1)في الاستمناء، إذ لا فرق فيه بين اللعب و النظر و النخيل و غيرها من أسبابه، و كأنه لا خلاف فيه كما اعترف به في الرياض، بل في المختلف و اللمعة وجوبهما معا بالقصد خاصة كما ان في الروضة ذلك بالاعتياد خاصة و إن كان دخول الثاني في الاستمناء بسبب اعتياده مع أنه غير مقصود لا يخلو من نظر، كما أن إيجاب الكفارة بالقصد بدعوى الاندراج كذلك، خصوصا و الموجود في نصوص الكفارة(2)الملاعبة و اللزق بالأهل و نحوهما مما لا يشمل ذلك، و الإلحاق يقضي بالكفارة و لو مع عدم القصد كما هو المشهور في الملحق به، و لا قائل به.

نعم قد يقوى وجوب القضاء خاصة بكل منهما، بل و بكل إنزال غير مقصود حصل من النظر و الاستماع بشهوة لغلام أو امرأة محللة أو محرمة، وفاقا للفاضل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 294

في المختلف و الشهيد في اللمعة لما يفهم من فحاوي نصوص (1)اللمس و التقبيل و ما فيها من التعليل بخوف الانزال و عدم الأمن منه و إن بدو القتال اللطام و نحو ذلك مما هو ظاهر في البطلان لو وقع، و لذا حسن التحرز عنه، نعم إن كان معتاد الانزال حرم عليه هذه المقدمات، و إلا كان تركها(2)مستحبا و إن اشترك الجميع في البطلان مع الانزال، و من ذلك ظهر لك أنه لا فرق بين المحلل و المحرم ضرورة عدم مدخلية الإثم بالنظر في فساد الصوم كما هو واضح، و الله أعلم.

[فروع]
اشاره

فروع قد تقدم ما يعرف به

[الفرع الأول منها و هو لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا]

الأول منها و هو لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه، و لو فعل ذلك عبثا قيل عليه القضاء، و قيل لا، و هو الأشبه.

[الفرع الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه]

الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه و لو بمخرج يحرم ابتلاعه للصائم بل و لغيره إذا صار من الخبائث فإذا ابتلعه عمدا

وجب عليه القضاء قولا واحدا عندنا، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجبه، و المناقشة بعدم تسميته أكلا و بما رواه

عبد الله بن سنان (3)عن الصادق عليه السلام «في الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي ء أ يفطره ذلك؟ قال: لا، قلت: فان ازدرده بعد أن صار على لسانه قال: لا يفطره ذلك»

واهية، لمعلومية إرادة ما يشمل مثل ذلك من الأكل الممنوع منه في الصوم، و بالفرق بين محل البحث و ما في الصحيح المحتمل أصل اللسان المتصل بالحلق، أو كون الازدراد بغير اختياره كما هو الغالب، فان المراد بالقلس كما في

موثق سماعة(4)الجشأة التي يرتفع الطعام بها من جوف


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 ليس في النسخة الأصلية كلمة« تركها» و الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 30- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.

ج 16، ص: 295

الرجل من غير أن يكون تقيؤا، و قد سأله عن ذلك فقال: «لا ينقض وضوءه و لا يقطع صلاته و لا يفطر صيامه»

و في مختصر النهاية و الصحاح أنه خروج الطعام من الجوف مل ء الفم أو دونه، و ليس بقي ء، فإن عاد فهو القي ء، و حكاه في الصحاح عن الخليل بعد أن فسره فيه بالقذف، و لولا اعتبار مل ء الفم أمكن إرجاع الجميع إلى شي ء واحد، و سئل أبو عبد الله عليه السلام في

الموثق الآخر(1)«عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم رجع إلى جوفه و هو صائم فقال: ليس بشي ء»

و سئل الباقر عليه السلام عن القلس أيضا في صحيح ابن مسلم (2)«أ يفطر الصائم؟ فقال: لا»

على انه لا أجد عاملا بما في صحيح ابن سنان، نعم في النهاية و عن القاضي الاقتصار على القضاء فيمن ابتلع ما حصل في فيه من ذرع القي ء، و عن ابن الجنيد «و القلس لا يفطر، فان تحصل في الفم ثم عاد إلى جوف الصائم فالأحوط القضاء، و إن تعمد أفطر» و في المختلف و الظاهر أنه يريد بذلك وجوب الكفارة، فيكون المراد مما حكاه عن المبسوط من انه إن تعمد أفطر، و التحقيق وجوبهما معا في ابتلاع ما تخلف في الفم من القي ء أو القلس عمدا كما عن ابن إدريس التصريح به، لاندراجه فيما دل عليهما، خلافا لصريح الغنية فالقضاء خاصة، بل ظاهره الإجماع عليه، و لا ريب في ضعفه، لصدق تناول المفطر، و إلا لم يجب به القضاء عمدا كما هو المفروض عليه، و أما القلس عمدا من دون تخلف ما يبتلعه عمدا منه فلا شي ء فيه إذا لم يصل الطعام فيه إلى الفم، و لو وصل و لكن سبقه رجوعه و لم يبتلعه اختيارا فوجوب القضاء به لتفريطه بالتسبيب لا يخلو من قوة، بل هو من القي ء، فيشمله حينئذ ما دل عليه، و نصوص المقام محمولة على ما إذا حصل القلس قهرا أو لم يصل به الطعام إلى الفم


1- 1 الوسائل- الباب- 30- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 30- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 296

و من ذلك كله ظهر لك أن الأشبه القضاء و الكفارة أيضا في ابتلاع الخارج من الغذاء من بين الأسنان في العمد، بل لا أجد فيه خلافا صريحا، إذ إيجاب القضاء عليه ردا على أبي حنيفة من غير تعرض للكفارة لا يقتضي نفيها و أما في السهو ف لا شي ء عليه قطعا إن لم يكن قصر في التخليل، أما معه فجرى الريق ببقية طعام في خلل الأسنان ففي فوائد الشرائع الأقرب وجوب القضاء خاصة، لتعريضه صومه للإفطار بتهاونه في تخليل الأسنان، و للنظر فيه مجال، و الله اعلم.

[الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق]

الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق من منافذ البدن المعلومة عدا ما عرفت البحث فيه من الحقنة بالمائع لصدق اسم الصوم معه شرعا، لكون المعتبر فيه عدم الوصول إلى الجوف بما يسمى أكلا و شربا لا مطلق الواصل و الموصول اليه كيف ما كان، و أصالة الصحة فيما لو كان ذلك طارئا بعد الانعقاد، و فحوى ما تعرفه من كراهة الكحل و السعوط و الاحتقان بالجامد و التقطير بالأذن و إيصاله الماء من منافذ الشعر ببل الثوب أو الجسد و نحو ذلك و نحوها، و حصر الباقر عليه السلام ما يضر الصائم في أربع : الطعام و الشراب و الجماع و الارتماس، بل في

آخر(1)عن الصادق عليه السلام «الصيام من الطعام و الشراب»

كما أن في جملة من النصوص (2)تعليل عدم الفطر بالكحل و الذباب بأنه ليس بطعام، و الغالب فيما يصل بغير الحلق من منافذ البدن لا يسمى طعاما و لا شرابا، نعم لو فرض منفذ و لو بالعارض لهما في البدن أفطر به قطعا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.

ج 16، ص: 297

إن كان مما يصل به الغذاء، أما لو كان في مكان لا يتغذى بالوصول منه لسفله عن المعدة مثلا ففيه وجهان، أقواهما عدم الإفطار.

و حينئذ فما قيل من ان صب الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده كما حكاه في المختلف عن المبسوط قال: قال: و إن كان يابسا لم يفطر، و اختاره هو فيه كما حكى عن جماعة مستدلا بأنه قد أوصل جوفه مفطرا بأحد المسلكين، فإن المثانة تنفذ إلى الجوف، فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة- في غاية الضعف، خصوصا مع إمكان منع نفوذ المثانة إلى الجوف، و انه انما يرشح لها رشحا أو معلوميته و أضعف من ذلك ما حكاه عنه أيضا فيه مع اختياره له أيضا من الإفطار بطعنه نفسه أو أمره به فوصل إلى جوفه، بخلاف ما لو طعنه غيره الذي هو كما لو أوجر في حلقه، لكن لا كفارة للأصل، بل استقرب فيه أيضا مستظهرا له عن المبسوط الإفطار بوصول دواء الجرح إلى جوفه، و الجميع كما ترى مع انه مخالف للأدلة مخالف للمشهور بين الأصحاب، بل الشيخ نفسه صرح في الخلاف بعدم الإفطار بالتقطير في الذكر، و لا بوصول الدواء إلى

جوفه من جرحه، و لا بوصول الرمح مثلا اليه رطبا كان أو يابسا، استقر في الجوف أو لا باختياره أو لا مقتصرا في حكاية الخلاف في ذلك على العامة، و من ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف و فيه تردد.

و لو وضع الشي ء في المنفذ و لم يعلم وصوله إلى الجوف فلا إفطار قطعا، بل و كذا لو وصل و كان غير مقصود و لا معتادا، و احتمال الإفطار بهذا التعريض في غاية الضعف، فمحل البحث حينئذ في الموضوع بقصد الإيصال فوصل أو كان معتاد الوصول بالوضع، و قد عرفت أن الأقوى فيه العدم أيضا، و الله أعلم.

[الرابع لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة]

الرابع لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة و هي في مختصر النهاية «البزقة التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة» و في الصحاح «التخامة

ج 16، ص: 298

النخاعة و بالعكس» لكن في المختصر المزبور «النخامة البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع» و عن الدروس «أنها النخامة أو ما يخرج من الصدر أو الخيشوم» و المغرب «ما يخرج من الخيشوم عند التنخع» و على كل حال فلا يفسد ابتلاعها و لا اجتلابها.

و لا البصاق المجموع في الفم أولا و لو كان عمدا ما لم ينفصل عن الفم بل في التذكرة نسبة الثاني إلى علمائنا، قال: «سواء جمعه في فمه ثم ابتلعه أو لم يجمعه» و في الخلاف نفي الخلاف فيه، بل ظاهره ذلك في النخامة أيضا للأصل في الجميع و السيرة في بعض، و الحرج فيه و في آخر حتى أثر النخامة المتخلف بعد البصق، و

قول الصادق عليه السلام في الموثق (1): «لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته»

و إطلاق

قوله عليه السلام في خبر عبد الله بن سنان (2): «من نخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته»

و فحوى بعض نصوص الفلس (3)و غير ذلك مما لا فرق فيه بين الوصول إلى فضاء الفم و عدمه، و بين جلبها و عدمه، و احتمال أن الثاني من قبل القي ء كما عن بعض العامة- و مقتضاه الإفطار به و لو ردها به، كدعوى مساواة فضاء الفم للخارج عنه كما اختاره أول الشهيدين و ثاني المحققين و غيرهما- في غاية الضعف، إذ لا شاهد لهما بل عليهما متحقق كما عرفت، نعم لو انفصلا عنه ثم ابتلعهما أفسدا كما لو كانا من أجنبي، بل في التذكرة «لو ترك في فمه حصاة و شبهها و أخرجها و عليها بلة من الريق ثم أعادها و ابتلع الريق أفطر، و إن كان قليلا فإشكال ينشأ من أنه لا يزيد


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب أحكام المساجد- الحديث 1 من من كتاب الصلاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 299

على رطوبة المضمضة، و من أنه ابتلع ريقا منفصلا عن فمه فأفطر به كالكثير» و فيها أيضا «لو بل الخياط الخيط بالريق أو الغزال المغزل بريقه ثم يرده إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل فان لم يكن عليه رطوبة تنفصل فلا بأس، و إن كانت و ابتلعها أفطر عندنا، و هو قول أكثر الشافعية» و إن كان في جميع ما ذكره منع واضح متى استهلك بما في الفم بحيث يعد ابتلاع ريقه لا غيره، و عليه تحمل نصوص (1)ذوق المرق و غيره و مضغ الطعام و نحوه، و

سئل الرضا عليه السلام في خبر أبي الحسن الرازي (2)«عن السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق فقال:

الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب»

بل و خبر أبي بصير(3)و علي بن جعفر(4)في امتصاص ريق أحد الزوجين الآخر، مع أنه أعم من الابتلاع، كما أن النبوي العامي (5)من مصه صلى الله عليه و آله لسان عائشة كذلك، مع انه أعم من رطوبته أيضا، بل و

خبر أبي ولاد الحناط(6)الذي قال للصادق عليه السلام: «إني أقبل بنتا لي صغيرة و أنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي ء فقال له: لا بأس ليس عليك شي ء»

و لعله أولى من حمله في الدروس على عدم القصد، و على كل حال فمتى استهلك لم يكن به بأس، بل كان كما لو أخرج لسانه ثم رده و ابتلع ما عليه الذي صرح غير واحد بعدم البطلان به، بل في التذكرة «عندنا».

و أما ما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل و تعدى الحلق


1- 1 الوسائل- الباب- 37- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4 عن موسى بن أبي الحسن الرازي.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
5- 5 سنن البيهقي ج 4 ص 234.
6- 6 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 300

من غير قصد لم يفسد الصوم بلا خلاف و لا إشكال و لو تعمد ابتلاعه أفسد كما في الإرشاد، و في الدروس و غيرها إن صار في فضاء الفم، و ربما حد كما في فوائد الشرائع بما بعد الحاء المهملة، و الأقوى كونه كالأول لا يبطل مطلقا، وفاقا لجماعة، بل المشهور على الظاهر لأكثر ما سمعت أو جميعه حتى خبر النخامة(1)بناء على شمولها للخارج من الجوف و الرأس كما في الذخيرة بل لو سلم وجوب الاجتناب مطلقا أو إذا وصل إلى فضاء الفم تحصيلا ليقين البراءة مع فرض الشك فيها بدونه أمكن القول بعدم القضاء معه أيضا في

أحد الوجهين، بل جزم به في الذخيرة و الرياض في مواضع، لعدم العلم بتحقق سببه من الإفطار و نحوه بذلك إذ الفرض احتمال كونه مفطرا، و إن كان قد يناقش بإمكان تحقيق سببه بأصالة عدم وقوع المراد و المطلوب من المكلف، فيندرج فيما دل على القضاء إذا لم يفعل و كيف كان فعلى الفساد تجب الكفارة مع القضاء، بل ربما قيل بوجوب كفارة الجمع بناء على حرمة ابتلاعه و وجوبها فيه، و فيهما معا منع، نعم لو خرج من فمه مثلا دم فابتلعه أمكن وجوب ذلك بناء عليه، و قد يحتمل عدم الإفطار به لأنه من الريق و إن حرم ابتلاعه، لأنه دم، و لو شك في الفضلة أنها من الرأس أو الصدر بناء على الفرق بينهما كان له ابتلاعه للأصل، و لو اشتبهت محصورة لا يجوز له الابتلاع، إلا انه إذا ابتلع لا قضاء و لا كفارة عليه في وجه قوي.

[الخامس حكم ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه]

الخامس ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه من غير انفصال أجزاء منه كالعلك و نحوه قيل و القائل كما قيل الشيخ في النهاية و الإسكافي:

يفسد الصوم و إن كان الذي عثرت عليه في الأولى نفي جواز العلك للصائم و إلا فلم يعده في موجبات القضاء و لا مفسدات الصوم فيمكن إرادة الكراهة منه و المحكي عن ابن الجنيد فيما حضرني من المختلف غير صريح فيه و قيل و القائل


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 301

الأكثر أو المشهور لا يفسده، و هو الأشبه للأصل و حصر الباقر عليه السلام «ما يضر الصائم» في غيره و مضغه عليه السلام العلك و هو صائم في صحيح ابن مسلم (1)إلا انه حذره منه لأنه قد وجد في نفسه منه شيئا، و

خبر أبي بصير(2)سأل الصادق عليه السلام «عن الصائم يمضغ العلك قال: نعم إن شاء»

لكن عن الشيخ انه غير معمول عليه، و لعل المراد ظهوره أو إشعاره في عدم الكراهة لا في الرخصة فيه، نعم هو مكروه كما يستفاد من التحذير السابق، و الجمع بين ما عرفت و

حسن الحلبي أو صحيحه (3)قال للصادق عليه السلام: «الصائم يمضغ العلك فقال: لا»

فالقول بعدم الجواز لذلك و لامتناع انتقال الأعراض، فوجود الطعم لا يكون إلا بتحلل أجزاء ذي الطعم، و ابتلاعها مفسد، و فيه منع التحلل أولا، و لعل الطعم المزبور بالمجاورة، و عن المنتهى قد قيل من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه و لا يفطره إجماعا، و منع الإفطار بمثل هذه الأجزاء التي لا تدرك بالحس، و انما يعلم وجودها بوجود بعض الأعراض الحالة فيها ثانيا، نعم لو كان مفتتا فوصل منه شي ء إلى الجوف بطل صومه كما لو وضع سكرة في فمه و ابتلع الريق بعد ما ذابت فيه، و الله اعلم.

[السادس إذا طلع الفجر و في فيه طعام لفظه]

السادس إذا طلع الفجر و في فيه طعام لفظه، و لو ابتلعه فسد صومه، و عليه مع القضاء الكفارة إجماعا، بل في المدارك أنه موضع وفاق بين العلماء كما أنه معلوم من نصوص المذهب (4)و احتمال إلحاق ما في الفم بما في الجوف فيجوز ابتلاعه حينئذ لا ينبغي الالتفات اليه.

[السابع المنفرد برؤية هلال شهر رمضان]

السابع المنفرد برؤية هلال شهر رمضان يجب عليه الصوم ف إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 36- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 36- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 36- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

ج 16، ص: 302

أفطر عليه القضاء و الكفارة لتناول الأدلة له، خلافا لما عن بعض العامة فيصوم مع جماعة الناس، و أبي حنيفة فلا تجب الكفارة و إن وجب القضاء.

[المسألة العاشرة جواز الجماع لو بقي بمقدار إيقاعه و الغسل وقت]

المسألة العاشرة لا إشكال و لا خلاف في انه يجوز الجماع في ليلة الصيام حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه و الغسل فان عصى و لم يغتسل كان عاصيا بذلك لا بجماعة و لو تيقن

ضيق الوقت عن الجماع و الغسل فواقع و طلع الفجر عليه و هو جنب أثم قطعا و فسد صومه و كان عليه الكفارة مع القضاء بناء على ما عرفت من وجوبهما بذلك، و في الخلاف الإجماع عليه، نعم لو قيل بمشروعية التيمم بدله للضيق عنه كالصلاة أمكن القول بصحة صومه و عدم الكفارة و إن كان قد أثم بنقله حال الاختيار إلى الاضطرار و لو فعل ذلك ظانا سعته فبان عدمها فان كان مع المراعاة لم يكن عليه شي ء كما في الأكل، إذ لا فرق بين سائر المفطرات في ذلك، فالدليل حينئذ متحد، و به يخرج عن ظهور ما يقتضي القضاء من النصوص بحصول ما ينافي الإمساك و (11) حينئذ ف ان أهمل (12) المراعاة فعليه القضاء (13) خاصة، لأصالة عدم الكفارة، و إطلاق الأدلة في القضاء فدغدغة سيد المدارك و فاضل الذخيرة فيه بأنه لا دليل عليه سوى باب التشبيه بوجوب القضاء بالأكل قبل المراعاة و هو متوقف على ثبوت التعليل في الأول و فيه تأمل في الثاني في غير محلها بعد ما سمعت من احتياج عدم القضاء إلى المخرج لا القضاء.

[المسألة الحادية عشر تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين]
اشاره

المسألة الحادية عشر تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة (14) من شهر واحد فضلا عن الشهرين إجماعا منا بقسميه من غير فرق بين تخلل التكفير و عدمه، و اتحاد جنس الموجب و عدمه، و الوطء و غيره، لصدق الإفطار المعلق عليه الكفارة، خلافا للمحكي عن احمد و الزهري فواحدة، و أبي حنيفة إن لم يكفر في إحدى الروايتين، و في الأخرى كالأول

ج 16، ص: 303

و إن كان تكرر الموجب في يوم واحد قيل تتكرر الكفارة مطلقا كما عن المرتضى في إحدى الروايتين، و في الأخرى الوطء خاصة و ثاني المحققين بل و ثاني الشهيدين و إن قال: إن لم ينعقد الإجماع على خلافه، بل صرح الأول بتعدده في الأكل و الشرب بتعدد الازدراد، و في الجماع بالعود بعد النزع، و كذا الثاني منهما، لكن قال: يتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله و إن طال، للعرف و قيل إن تخلله التكفير و إلا فلا مطلقا كما عن الإسكافي، و قيل إن اختلف الجنس أو تخلل التكفير، و اختاره الفاضل في المختلف، و في اللمعة و الدروس بالوطء مطلقا، و مع تخلل التكفير أو تغاير الجنس في غيره، لكن في الدروس منهما في الأخير على الأحوط، و قال فيها: و مع اتحاده فلا تكرار قطعا و في الروضة عن المهذب إجماعا و قيل لا تتكرر مطلقا كما هو خيرة الشيخ و ابن حمزة و المصنف و الفاضل في المحكي عن منتهاه و غيرهم و هو الأشبه في غير الوطء سواء كان من جنس واحد أو مختلفا تخلل التكفير أولا للأصل و ما تسمعه من خبر العيون (1)و تعليقها في أكثر النصوص على الإفطار و نحوه المتحقق بالأول، بل سياق جميع النصوص ذلك حتى النادر منها الذي علق فيها في كلام السائل على العبث بالأهل حتى أمنى، ضرورة إرادة المفطر

منه لا فعله مطلقا حتى ممن لا يجب عليه صيام السفر و نحوه، خصوصا بعد عدم استفصاله، كعدم استفصاله عن الإفطار مع غلبة تعدده إن كان بالأكل بناء على حصوله بتعدد الازدراد، و كعدم أمره بالتعدد للجماع الذي هو في الغالب الاستمناء مع إدخال الفرج في الجماع، و هما سببان بل المأمور به له كفارة واحدة.

أما الوطء فقد يقال بالتعدد لتعدده، لما رواه

الصدوق في العيون و المحكي


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 304

عن الخصال بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني (1)«انه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن رجل واقع امرأة في رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات قال: عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة، فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد»

و ما في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال: ذكر أبو الحسن زكريا ابن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب عنهم (عليهم السلام) أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء و الكفارة، و إن عاد إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة، و في

المعتبر لا ريب أن قول الشيخ ليس لأصحابنا فيه نص و هم، و إلا فقد

روي (2)عن الرضا عليه السلام ان الكفارة تتكرر بتكرر الوطء

، و اختاره المرتضى، و عن المنتهى بعد نقلها في حجة السيد أنه يحتمل أن يكون قول الشيخ قبل وقوفه على هذه الرواية، لكن أجاب عنها بأنه لم يحضرني الآن حال رواتها، و بالجملة القول بالتكرار في خصوص ذلك غير بعيد لا مطلقا، فإنه لا دليل عليه سوى أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب، و فيه منع السببية بعد أن كان المعلق عليه الإفطار، و سوى دعوى وجوبها للإمساك بعد الإفطار كالإمساك قبله، و فيه ان الأول صوم يصدق على إبطاله اسم الإفطار بخلاف الثاني، بل لا ينكر ظهور النصوص أو صراحتها في كون الأول سببا للكفارة، لا الأعم منه و من الأخير، و لا مع شي ء من التفاصيل السابقة، إذ لا أثر لاختلاف الجنس، و الاستدلال في المختلف بأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات، فمع الاجتماع لا يسقط الحكم، و إلا لزم خروج الماهية عن مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها، فلا يكون تلك الماهية تلك الماهية، و هذا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.

ج 16، ص: 305

خلف، يدفعه- مع انه يمكن تقريره في غير المختلف جنسا- ما عرفت من صدق السبب حالة الانفراد دون الاجتماع، فلا تغير للماهية التي

هي الإفطار و ليس لها حالة اجتماع و انفراد كما هو واضح، و لا أثر أيضا لتخلل التكفير بعد ما عرفت من أن السبب صدق الإفطار الذي لا تفاوت فيه بين التكفير و عدمه، و من الغريب الاستدلال عليه في المختلف بأن الثاني مؤثر كالأول، لاشتراكهما في الصدق، فاما أن يكون أثره الأول و يلزم تحصيل الحاصل، أو غيره و هو المطلوب، و اما إذا لم يكفر فلأن الحكم معلق على الإفطار، و هو أعم من المتحد و المتعدد، و الأصل براءة الذمة، إذ فيه- مع انه مخالف لدعوى تعليقها على اسم التناول لا الإفطار في السابق إن تخلل التكفير- غير مجد على كل حال، و إن أردت تمام العجب فالحظ ما في المختلف.

و من ذلك كله يظهر لك أيضا انه لا كفارة في إفساد ما وجب قضاؤه من الصوم بترك مراعاة و نحوه من الأسباب السابقة، لأنه إمساك لا صوم صحيح، و إلا كان مسقطا للقضاء، و احتمال كون وجوب صوم آخر غيره حكما شرعيا لا لأنه باطل و هذا تدارك له يدفعه إطلاق النص و الفتوى عليه اسم القضاء، كإطلاق اسم الإفطار على فعله.

و كذا لا تجب الكفارة بإفطار الصوم الذي عرض له مشكوك المانعية مثلا بناء على ان إتمامه عند أهل هذه القاعدة لتوقف يقين البراءة عليه، و إلا فهو غير معلوم كونه صوما صحيحا و لا فاسدا، فلا يجب قضاؤه بعروض المشكوك مثلا، لعدم العلم بالفوات، و إلا وجب عليه اجتناب ذلك، للاحتياط الواجب، فلو تناول مفطرا في مثل هذا اليوم الذي قد فرض سبق عروض المشكوك قبل تناوله لم تجب عليه الكفارة، لعدم العلم بكونه إفطارا، لاحتمال تحققه قبله بعروض ذلك الذي لم يكن متعمدا له، و أنه به تحقق الإفطار، فتأمل جيدا.

ج 16، ص: 306

[فرع من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر]

فرع من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر قهري أو حيض أو جنون و شبهه قيل تسقط الكفارة و اختاره الفاضل في جملة من كتبه إن لم يكن فعل المسقط للتخلص منها، و قيل كما في فوائد الشرائع تسقط إن لم يكن المسقط اختياريا كسفر و نحوه و إن كنت لم أتحقق قائله و قيل لا تسقط مطلقا كما هو خيرة الأكثر، بل في الخلاف الإجماع عليه و هو الأشبه لذلك لا لصدق الإفطار، إذ التحقيق انتفاء الأمر بالمشروط مع العلم بانتفاء شرطه، نعم يمكن أن يكون مبنى الكفارة و لو بمعونة الإجماع السابق المعتضد بفتوى الأكثر التكليف ظاهرا الذي به يحصل هتك الحرمة بالجرأة، بل قد يظهر ذلك أيضا من صحيح زرارة و محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) الوارد في الفرار من الزكاة بعد تعلقها، و انه كالفار من الكفارة بالإفطار بالسفر في آخر النهار، و إلا فهو دال على بعض الدعوى، و هو ما إذا كان المسقط من فعل المكلف مقصودا به إبطال الكفارة، و إن حكي عن بعض المتأخرين ان موضع الخلاف في غيره، و لعله لأنه لو لم يكن كذلك لصار عذرا لسائر

العصاة المتناولين للمحرمات، و سيأتي من المصنف الجرم بوجوب الكفارة على من أفطر من المسافرين قبل بلوغ محل الترخص و إن سافر بعد ذلك حتى بلغه، و لعله يخرجه عن موضوع النزاع أيضا، كما ان ظاهر الفاضل و غيره خروج سقوط الكفارة عمن أفطر آخر الشهر ثم بان انه من شوال عن ذلك أيضا و انه من المسلمات، و لا بأس به إن كان إجماعا، أو قلنا إن مدار وجوبها على إفطار شهر رمضان واقعا، و إلا فبناء على ان مدار الكفارة التكليف شرعا ظاهرا يتجه حينئذ وجوبها فيه أيضا، كما لو طرأ الحيض و تبين عدم الخطاب


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2 عن أبى عبد الله عليه السلام.

ج 16، ص: 307

بالصوم واقعا حتى يتحقق إفطار.

[المسألة الثانية عشر من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا]

المسألة الثانية عشر من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا فان كان مستحلا فهو مرتد لإنكاره الضروري لو كان بأكل و شرب، و

قال الباقر عليه السلام في صحيح بريد(1): «في رجل شهد عليه انه أفطر شهر رمضان ثلاثة أيام يسأل هل عليك في إفطارك إثم فان قال: لا فان على الامام أن يقتله، و إن قال: نعم فان عليه ان ينهكه ضربا»

و اليه أشار المصنف و غيره بقوله عزر مرة، فإن عاد كذلك عزر ثانيا لكن قد يستفاد من الخبر(2)في المسألة الآتية تقدير تعزيره

بخمسة و عشرين سوطا بناء على مساواة الجماع لغيره، و إن كان ظاهر الفتاوى هنا عدم التقدير، كما انك سمعت ما في الصحيح المزبور، و على كل حال فان عاد قتل عند أكثر الأصحاب بل قيل إنه المشهور، و رواه سماعة(3)و قيل يقتل في الرابعة

للمرسل (4)عنهم (عليهم السلام) «إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة»

و هو و إن كان معارضته للأول بالتعميم و التخصيص، بل هذا المرسل معارض

بالصحيح (5)«أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة»

إلا انه أحوط خصوصا في الدماء، و خصوصا بعد الطعن في سند الخبرين معا، و لتمام الكلام في المسألة محل آخر، و على كل حال ففي التذكرة «انما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رفع في كل مرة إلى الامام و عزر، أما إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
4- 4 المبسوط للشيخ قده- كتاب المرتد- حكم تارك الصلاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب حد المسكر- الحديث 2 من كتاب الحدود.

ج 16، ص: 308

لم يرفع فعليه التعزير خاصة» و هو جيد.

[المسألة الثالثة عشر من وطأ زوجته في شهر رمضان و هما صائمان]

المسألة الثالثة عشر من وطأ زوجته في شهر رمضان و هما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان و تعزيران مجموعهما خمسون سوطا، و لا قضاء عليها إن كان برفع الاختيار، بل و

بغيره في المشهور، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه و على كل حال لا كفارة عليها، فان طاوعته فسد صومهما، و على كل واحد منهما كفارة عن نفسه، و يعزران أي كل منهما بخمسة و عشرين سوطا كل ذلك ل

قول الصادق عليه السلام في خبر المفضل بن عمر(1)«في رجل أتى امرأته و هو صائم و هي صائمة فقال: إن كان استكرهها فعليه كفارتان، و إن كانت طاوعته فعليه كفارة و عليها كفارة، و إن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد، و إن كانت طاوعته ضرب خمسة و عشرين سوطا و ضربت خمسة و عشرين سوطا»

و لا يقدح ضعفها في إثبات حكم مخالف لأصالة عدم التحمل عن الغير و عدم الكفارة على المتحمل عنه للإكراه بعد انجبارها بفتوى المشهور شهرة عظيمة، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكاه في المختلف عن ظاهر العماني، مع ان ما حكاه من عبارته فيه يمكن منع ظهورها فيه، بل في ظاهر المعتبر و غيره و صريح الخلاف الإجماع عليه، بل في المعتبر و عن المنتهى و التنقيح أن علماءنا ادعوا الإجماع على ذلك، و مع ظهور القول بها و نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم السلام) يجب العمل بها، و تعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة (عليهم السلام) باشتهارها بين ناقلي مذهبهم، كما تعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم و ان استندت في الأصل إلى آحاد من الضعفاء، و هو جيد جدا، و المناقشة فيه في المدارك و الذخيرة واهية، فلا ينبغي حينئذ التوقف في الحكم المزبور، خصوصا بعد

مخالفته للجمهور، و إمكان تقريبه من الاعتبار بأنه بإكراهه صار كأن الفعلين


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 309

منه، فيجب بهما مسببهما.

نعم ينبغي الاقتصار عليه، فلا يلحق بالجماع غيره و لو للزوجة، و لا إكراهها إياه، و لا إكراه الأجنبي لهما على الفعل، أو على اكراه الآخر، و لا النائمة، خلافا للشيخ، و لا المدلس عليها، و لا تندرج الأمة في المرأة المضافة إليه كما عثرنا عليه في رواية الخبر المزبور في كتب الفروع و الأصول، بل لم نعثر على نسخة بالتجريد من الإضافة، على أن اندراجها في المرأة فيه ما فيه، كدعوى الإلحاق و ان لم تكن مندرجة، خلافا للفاضل فاستقرب الكفارتين بإكراهها أيضا، و قد يجتمع في حالة واحدة الإكراه و المطاوعة ابتداء و استدامة، و حينئذ يلزمه حكمه و يلزمها حكمها كما في الروضة و المدارك و الرياض، و لعله لظهور النص في استمرار الإكراه إلى الفراغ، فيبقى غيره على مقتضى الضوابط، فلا حاجة حينئذ إلى دعوى الاندراج في المطاوعة في النص الواضح منعها.

نعم قد يقال فيما لو أكرهها ابتداء أنه وجب عليه الكفارتان بأول مصداق الجماع، و مطاوعتها بعد ذلك سبب آخر لوجوب الكفارة عليها باعتبار صدق الإفطار عليها عمدا ان لم تكن قد أفطرت بالإكراه الأول ان كان رافعا للاختيار أو قلنا بعدم الإفطار به مطلقا، و إلا فلا كفارة عليها، لأنها قد طاوعته بعد أن أفطرت، اللهم إلا أن يدعى ظهور النص المزبور في كون الموجب للكفارتين الإكراه بتمام الوطء، حتى أنه لو ارتفع صدق الإكراه في الأثناء بنوم و نحوه بحيث كان وقوع تمام الفعل لا للإكراه الأول لم تجب الكفارتان، و فيه بحث.

و لو كان مفطرا بسفر و نحوه و هي صائمة فأكرهها فعن بعضهم وجوب الكفارة عنها لا عنه، و قد يحتمل كما في القواعد السقوط لكونه مباحا غير مفطر لها، لانتفاء المقتضي للتحريم، و هو فساد الصوم، إذ المفروض أن صومها لا يفسد بذلك، لكن في المدارك أن الأصح التحريم، لأصالة عدم جواز إجبار

ج 16، ص: 310

المسلم على غير الحق الواجب عليه، و فيه بحث، و الله أعلم.

و التقييد في المتن بشهر رمضان خال عنه النص، فيمكن طرد الحكم في كل ماله كفارة من الصوم الواجب عليهما أو في خصوص قضاء الصوم عند تعينه، اللهم إلا ان يدعى انسياق شهر رمضان، و الحكم مخالف للقواعد، و منه يعلم ما في قول المصنف و كذا تجب الكفارتان لو كان الإكراه لأجنبية حاكيا له عن بعضهم بقرينة قوله و قيل لا يتحمل هنا، و هو الأشبه لما عرفت، و غلظ الذنب لا يفيد أولوية، إذ لا يقبل التكفير لعظمه كما في تكرار الصيد عمدا، إلا أن الانصاف قوة القول بها في جملة مما سمعت، فالاحتياط لا ينبغي تركه، خصوصا فيما لو أكرهها على انها زوجته ثم بان أنها أجنبية إذ لا عظم فيه للذنب حينئذ، كما انه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا ما يمكن تصوره من الفروع و ان كثرت، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة عشر كل من يجب عليه شهران متتابعان]

المسألة الرابعة عشر كل من يجب عليه شهران متتابعان في نذر أو كفارة مرتبة أو مخيرة كذا قيل، و يمكن دعوى انسياق المعنيين من المتن و ما شابهه، بل المتجه في المخير الانتقال الى الفرد الآخر من التخيير، كما ان المتجه عدم عنوان الحكم المستفاد من الخبرين الآتيين به بمثل هذه العبارة الظاهرة في المباينة لها باعتبار اشتراط تعذر الخصال الثلاث في الانتقال إلى الثمانية عشر، و لعله لذا عبر في الدروس بما يفيد ذلك، فقال: و لو عجز عن الخصال الثلاث صام ثمانية عشر يوما متتابعا على الأشبه، و قد يظهر من الأول من الخبرين أن الذي ينبغي مراعاته من الثلاث عند التعذر الإطعام، لأنه أخفها، و مع فرض التخيير انما يطالب المكلف به لأنه أدنى ما يمتثل به، فلو عجز صام، و لعل صحيحي الصدقة(1)بما يطيق يوميان إلى ذلك، و إلى قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1 و 3.

ج 16، ص: 311

و على كل حال ف لو عجز صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام و لو عجز عن الصوم أصلا ففي النافع في باب الكفارات بل في معقد ما حكي من شهرة المسالك و ما حكي

أيضا في الرياض عن الشيخ و جماعة تصدق بمد عن كل يوم من الستين أو الثمانية عشر على اختلاف الوجهين كما في الرياض، و فيه نظر يعرف مما مر و يأتي، و إلا استغفر الله، فهو كفارته إلا انه لم أقف في الأدلة على ما يدل على ذلك، نعم في

الموثق (1)«عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق و لا ما يتصدق و لا يقوى على الصيام قال: يصوم ثمانية عشر يوما»

و خبر أبي بصير و سماعة(2)إذ سألا أبا عبد الله عليه السلام «عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام و لم يقدر على العتق و لم يقدر على الصدقة قال: فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام»

و هما معا كما ترى غير دالين على تمام ذلك و مقتضاهما كما في المدارك الانتقال إلى الثمانية عشر بعد العجز عن الخصال الثلاثة و إن كان ما ذكره لا يخلو من نظر، بل الأول منهما في خصوص الظهار، و في الرياض ان سياق الثاني صدرا و ذيلا اختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفارة خاصة، فهذا القسم خارج عن موردها البتة، لكن قد يناقش فيه بظهور السؤال في الأعم، و لا ينافيه ذكر العجز عن العتق و الصدقة، لإمكان إرادة التكفير بهما لو عجز

عن أداء النذر أيضا، فتأمل جيدا، فالأولى التعميم بالنظر إلى هذا الحكم.


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب الكفارات- الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1 و فيه عن ابى بصير إلا ان الموجود في الاستبصار ج 2 ص 97- الرقم 314 عن ابى بصير و سماعة بن مهران مع الاختلاف في لفظه.

ج 16، ص: 312

نعم قد يقال إن مقتضى الجمع بينهما و بين

الصحيحين (1)«في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال: يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا، فان لم يقدر تصدق بما يطيق»

التخيير في البدل كما في المختلف و الدروس لا انه الصوم خاصة كما عن المشهور، لاقتضائه طرح الصحيحين، و لا التصدق المزبور المقتضي طرح المعتبرين و لو بالعمل، و لا دليل على الجمع بينهما بالترتيب بمعنى انه إن عجز عن الصوم تصدق بما يطيق، فلم يبق إلا التخيير، و ما في المدارك بعد ان حكى عن جده القطع به- من انه جيد لو تكافأ الدليلان، و ليس لضعف سند الأولين و صحة الأخيرين- فيه ما لا يخفى من وضوح معادلة الصحة بالعمل، و في اشتراط التتابع في الثمانية عشر قولان ينشئان من الإطلاق، و من انه بدل عن صوم يعتبر فيه التتابع، لكن قد يمنع الثاني بظهور الخبر المزبور في ان ذلك بدل عن الإطعام، إلا انه الأحوط إن لم يكن المنساق من الإطلاق كما اختاره في الدروس، و لو حصل العجز بعد صوم شهر ففي المدارك «احتمل وجوب تسعة، لأن الثمانية عشر بدل عن الشهرين، فيكون نصفها بدلا عن الشهر، و السقوط، لصدق صيام الثمانية عشر، و وجوب الثمانية عشر بعد الفجر، لأن الانتقال إلى البدل لا يكون إلا

بعد العجز عن المبدل، و ما صامه أولا انما كان محسوبا من المبدل، فلا يجزي عن البدل، و هذا الاحتمال لا يخلو من قوة» قلت: قد يتجه بناء على المختار السقوط و التصدق بما يطيقه الذي كان يجزيه من العجز أولا.

و لو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من الصوم و الإطعام، و في الدروس أن فيه وجها مخرجا، و هو الإتيان بالممكن منهما ابتداء حتى لو أمكن الشهران


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1 و 3.

ج 16، ص: 313

متفرقين وجب، و لو قدر على صيام الأكثر من ثمانية عشر ففي الشرائع في الوجوب نظر، قلت: ظاهر الأدلة عدمه، كما ان ظاهرها عدم الأقل لو قدر عليه خاصة، و أما الاستغفار فلم أجد في النصوص تعميم بدليته أيضا، نعم قال الصادق عليه السلام في

خبر أبي بصير(1): «كل من عجز عن الكفارة التي يجب عليه صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار»

و الباقر عليه السلام في الموثق (2)في كفارة اليمين لما قيل له فان عجز عن ذلك قال: «فليستغفر الله عز و جل و لا يعود»

و هما غير عامين لجميع صور تعذر الشهرين، بل في أولهما التصريح بخروج يمين الاستظهار ثم إن المعتبر منه كما في الرياض مرة واحدة بالنية عن الكفارة، مضافا إلى اللفظ الدال على الندم على ما فعل، و العزم على عدم العود إن كان عن ذنب قلت: إن لم ينعقد إجماع كما عساه يظهر من المدارك حيث قال: هذا الانتقال مع العجز عن الصوم إلى الاستغفار مقطوع به في كلام الأصحاب، بل ظاهرهم انه موضع وفاق، فان تم و إلا أمكن إرادة سقوط الكفارة من الخبرين ما دام عاجزا، و الاجتزاء بالتوبة لا على انها بدل عن الكفارة، و ربما يومي اليه ما في الموثق (3)في المظاهر أنه يستغفر و يطأ، فإذا وجد الكفارة كفر، و عن الشيخ العمل به في التهذيبين، إذ لو كان بدلا لأجزأ و إن تمكن و في الدروس و لو قدر بعد الاستغفار فإشكال، إذ لا تجب الكفارة على الفور، و من الامتثال، أما لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن منها فلا شي ء، و لعل فيه شهادة على بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الكفارات- الحديث 1 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الكفارات- الحديث 6 من كتاب الإيلاء و الكفارات.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب الكفارات- الحديث 4 من كتاب الإيلاء و الكفارات.

ج 16، ص: 314

ما ذكرنا، و تمام الكلام في المسألة في باب الكفارات إن شاء الله.

[المسألة الخامسة عشر لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة]

المسألة الخامسة عشر لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة جاز و إن

كان حيا، لاقتضاء تنزيل نحوه من النصوص منزلة الذين، ذلك مضافا إلى ابتناء حق الله على التخفيف لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين الصوم و غيره كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ، و اختاره في المختلف لا انه يراعى في خصوص الصوم الوفاة كما اختاره المصنف، و إن كان قد يوجه بأن الصوم كالصلاة لا يؤدى عن الحي أصالة و إن أذن، و فيه بحث إن لم ينعقد إجماع على خلافه، و الأقوى عدم التبرع عن الحي مطلقا وفاقا لجماعة، بل لعله المشهور للأصل، أما الميت فالمعروف بين الأصحاب صحة التبرع عنه مطلقا، لكن ظاهر الدروس ترتب الاجزاء و عدمه في الحي على القولين في الميت قال: و أولى بالمنع لعدم إذنه، و لتحقيق الحال في ذلك محل آخر، و الله اعلم.

[المقصد الثالث فيما يكره للصائم و هو تسعة أشياء]
اشاره

المقصد الثالث فيما يكره للصائم و هو عند المصنف تسعة أشياء:

[الأول مباشرة النساء تقبيلا و لمسا و ملاعبة]

الأول مباشرة النساء تقبيلا و لمسا و ملاعبة مع ظن عدم الامناء لمن تتحرك شهوته بذلك إجماعا عن المنتهى، و في الخلاف «يكره القبلة للشاب إذا كان صائما، و لا يكره للشيخ، دليلنا إجماع الفرقة» و في التذكرة أجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة، و

سأل الحلبي (1)الصادق عليه السلام «عن مس الصائم شيئا من المرأة أ يفسده أم ينقضه؟ فقال له: إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني»

و سماعة(2)أيضا «عن الالتصاق بالأهل فقال: ما لم يخف على نفسه فلا بأس»

و منصور بن حازم (3)«عن تقبيل الجارية و المرأة فقال: أما الشيخ الكبير مثلي و مثلك فلا بأس، و أما الشاب الشبق فلا، فإنه لا يؤمن،


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.

ج 16، ص: 315

و القبلة إحدى الشهوتين»

، و زرارة(1)الباقر عليه السلام «عن المباشرة و التقبيل فقال له: فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق ان لا يسبقه منيه».

و من ذلك كله قيد إطلاق الكراهة بما عرفت جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان و الشهيدان و غيرهم، لكن فيه ان التسامح و ما تحقق في الأصول من عدم حمل المطلق على المقيد في أمثال المقام، و احتمال ان منشأ الكراهة التلذذ كما ورد(2)في كراهة شم الريحان لا خوف الوقوع في المبطل، بل قد يومي اليه

قول النبي صلى الله عليه و آله (3)لما سئل «عن قبلة الرجل امرأته و هو صائم: هل هي إلا ريحانة يشمها»

بقرينة ما ستسمعه من كراهة شم الرياحين للصائم يقتضي الجمع بين ذلك و بين ما يستفاد منه إطلاق الكراهة- كترك الاستفصال في

خبر الأصبغ (4)قال: «جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أقبل و أنا صائم فقال: عف صومك، فان بدو القتال اللطام»

و قال (عليه السلام أيضا(5): «أ ما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل، انه كان يقال إن بدو القتال اللطام»

و صحيح ابن مسلم (6)سأل الباقر عليه السلام «عن الرجل يجد البرد أ يدخل مع أهله في لحاف و هو صائم فقال له: يجعل بينهما ثوبا»

- بالشدة و الضعف، و لعله لذا أطلق جماعة الكراهة منهم المصنف هنا و في النافع، بل هو مقتضى ما في التهذيب انه روى عبد الله بن سنان (7)رخصة للشيخ في المباشرة، و من إطلاق اسم الرخصة، بل

سأل رفاعة(8)أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل لامس جارية في شهر


1- 1 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 13 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 15 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
6- 6 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 7 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
7- 7 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 8 لكن الأول عن محمد ابن مسلم و زرارة.
8- 8 الوسائل- الباب- 55- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.

ج 16، ص: 316

رمضان فأمذى فقال: إن كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود ابدا و يصوم يوما مكان يوم، و إن كان من حلال فليستغفر الله، و لا يعود و يصوم يوما مكان يوم»

و لكن نسبه في التهذيبين إلى الشذوذ و مخالفته لفتوى أصحابنا كلهم، ثم إلى و هم الراوي، لأنه شرع فيه ليفرق بين الحلال و الحرام ثم سوى بينهما في الحكم، و لعل حمله على الاستحباب كما عن موضع آخر من التهذيب أولى، و في الوافي أن التقييد بالأبد الظاهر في إرادة رمضان و غيره في الأول دون الثاني يرفع التسوية المزبورة، و ظاهره الفرق بين رمضان و غيره في الحلال، و قد يشهد له

خبر أبي بصير(1)سأل أبا عبد الله عليه السلام «عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان و هو صائم فقال: ليس عليه شي ء، و إن أمذى فليس عليه شي ء، و المباشرة ليس بها بأس و لا قضاء يومه، و لا ينبغي أن يتعرض لرمضان».

و كيف كان فلا إشكال في أصل الجواز، خصوصا بعد ما روى أبو بصير(2)عن الصادق عليه السلام نفي البأس عن وضع الرجل يده على جسد امرأته و هو صائم و عن تقبيلها و عن مصها لسانه، و علي بن جعفر(3)عن أخيه موسى (عليه السلام) نفي البأس عن مص كل منهما لسان

الآخر، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد الانزال بذلك و لا كان من عادته، و إلا حرم في الصوم المعين، لأنه كتعمد الابطال، اللهم إلا أن يدعى توقفها على حصول الانزال، و إلا فلا كما عرفته سابقا، و أما إذا لم يغلب على ظنه ذلك ففي التذكرة ان الأقرب الكراهة لا الحرمة، لأن التعريض للإفساد مشكوك فيه، و لا يثبت التحريم بالشك، قلت:


1- 1 الوسائل- الباب- 55- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 16 و الباب 34 منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 34- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.

ج 16، ص: 317

قد يومي إليها إيجاب الكفارة بناء على ملازمتها للإثم، إلا أن يعلم العدم على اللازق بأهله فأنزل في الموثق (1)الشامل لمحل الفرض كمعاقد الإجماعات عليها و إن لم يكن من قصده الانزال، قال هو في التذكرة في المقام: إذا عرفت هذا فلو قبل لم يفطر إجماعا، فإن أنزل وجب القضاء و الكفارة عند علمائنا، و به قال أحمد و مالك، بل قد يقال بإرادة الحرمة من تلك النصوص المقيدة حتى ما ورد بلفظ الكراهة منها بناء على انها للأعم منها و من المصطلح في العرف القديم.

و منه ينقدح وجه آخر للجمع بينها غير ما ذكرناه من الشدة و الضعف، إلا أنه ينافي ذلك حكم الأصحاب هنا بالكراهة إما مطلقا أو لخصوص من تتحرك شهوته و لا يملك إربه الشامل لصورة الظن قطعا، فيمكن ان يكون هذا منهم مع ضميمة ما ذكروه سابقا من الكفارة لو أنزل بالملامسة و التقبيل و إن لم يكن من قصده، لعدم التلازم عندهم بين الكفارة و

الإثم كما أومأنا إليه في السابق، فوجوبها حينئذ بذلك لا ينافي الكراهة في مقدمة الانزال، كما هو صريح نهاية الشيخ أو كصريحها، فتأمل جيدا، و الله اعلم.

[الثاني الاكتحال بما فيه صبر]

و الثاني الاكتحال بما فيه صبر و نحوه مما يجد طعمه أو مسك بلا خلاف أجده، و هو المراد من البأس في مفهوم

مضمر سماعة(2)«إذا كان كحلا ليس فيه مسك و ليس له طعم في الحلق فلا بأس»

و قول أحدهما (عليهما السلام) في صحيح ابن مسلم (3): «إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في الحلق فلا بأس»

لا الحرمة إجماعا محكيا صريحا و ظاهرا ان لم يكن محصلا، مضافا الى نفي البأس عن مطلق الكحل في خبر ابن مسلم (4)و ابن أبي العلاء(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 7.

ج 16، ص: 318

و ابن أبي يعفور(1)و القداح (2)معللا بأنه ليس بطعام و لا شراب، و عن خصوص ما فيه مسك في خبر ابن أبي غندر(3)الذي منه يعلم بطلان احتمال الجمع بينها بالإطلاق و التقييد كما في الذخيرة، على انك قد عرفت الإجماع على الكراهة، نعم قد يحتمل الجمع بين هذه

النصوص و بين النهي عن الكحل بالذرور و شبهه في موثق ابن فضال (4)و عن الكحل في صحيح الحلبي (5)معللا بأنه يخاف ان يدخل رأسه، و عن الذرور في صحيح سعد بن سعد(6)بالرخصة فيه مطلقا مع الكراهة، و شدتها فيما فيه مسك أو يجد طعمه في الحلق مؤيدا بالتسامح فيها، و قاعدة عدم حمل المطلق على المقيد في نحوه، هذا، و قد يتوهم من التعليل بتخوف دخول الرأس الإفطار لو علمه و ليس بمراد، لما عرفته سابقا من عدمه بوصول مثل ذلك مما ليس بطعام و شراب من غير الحلق، فهو كالتعليل المستفاد من التقييد بما إذا لم يجد طعمه مما لا إفطار به قطعا، و ان وجده كما عرفت يراد منه الكراهة في الواصل و فيما يخاف منه، أو الشدة في الأول، فتأمل جيدا، و الله اعلم

[الثالث إخراج الدم المضعف]

و الثالث إخراج الدم المضعف أي يخشى منه الضعف بحجامة و غيرها و ان كان مورد النصوص (7)الأولى، إلا ان التعليل فيها بتخوف الغشيان أو ثوران المرة و الضعف يقتضي التعميم، بل لغير إخراج الدم مما يورث شيئا من ذلك من غير فرق بين شهر رمضان و غيره للإطلاق، و

قول الصادق عليه السلام في صحيح ابن سنان (8): «لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان، فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا ان لا يخاف على نفسه»

محمول على الشدة فيه، كما ان نفي


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 11.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 26- من أبواب ما يمسك عنه الصائم.
8- 8 الوسائل- الباب- 26- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 12.

ج 16، ص: 319

البأس عن الاحتجام للصائم في موثق الساباطي (1)و أن لا ينبغي للحجام أن يحجم و هو صائم محمول على الرخصة في الأول و شدة الكراهة في الثاني، نعم تطابقت نصوص المقام على نفي البأس مع عدم الخوف، و هو كذلك، كما ان في خبر القداح (2)منها عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) التصريح بأن الحجامة لا تفطر الصائم و انه قد احتجم النبي صلى الله عليه و آله و هو صائم، مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه، لكن قد يقيد ذلك في الصوم المعين بما إذا لم يعلم حصول الغشيان لحرمة الإبطال به، كما هو واضح.

[الرابع دخول الحمام كذلك]

و الرابع دخول الحمام كذلك أي ما يخاف معه الضعف و نحوه لما عرفت من التعليل المزبور، مضافا إلى قول الباقر عليه السلام في

صحيح ابن مسلم (3)و قد سئل عنه: «لا بأس ما لم يخش ضعفا»

و به يقيد إطلاق نفي البأس في خبر أبي بصير(4)عن الصادق (عليه السلام) أو يحمل على مطلق الرخصة للإجماع على عدم العزيمة.

[الخامس السعوط بما لا يتعدى]

و الخامس السعوط بما لا يتعدى إلى ما يحصل به الإفطار من الحلق كما في كثير من عبارات المتأخرين، ل

قول الباقر (عليه السلام) في خبر غياث (5): «لا بأس بالكحل للصائم، و كره السعوط للصائم»

و سأل ليث المرادي (6)الصادق (عليه السلام) «عن الصائم يحتجم و يصب في أذنه الدهن


1- 1 الوسائل- الباب- 26- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 13.
2- 2 الوسائل- الباب- 26- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 27- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 320

فقال: لا بأس إلا السعوط فإنه يكره»

لكن لا تقييد فيهما بما في المتن كالخلاف و النهاية و محكي الجمل و الاقتصاد و المرتضى للأصل، و حصر ما يضر الصائم في صحيح ابن مسلم (1)في غيره، و ما سمعته من تعليل نفي البأس عن الكحل بأنه ليس بطعام و لا شراب، و فحوى كراهة الاكتحال بذي الطعم، و ما تقدم في الفرع الثالث، خلافا للمحكي عن المفيد و سلار و إن كان مقنعة الأول غير صريحة في ذلك، فأوجبا القضاء و الكفارة به، و عن المرتضى نسبته إلى قوم من أصحابنا، و في الفقيه «لا

يجوز» لكن قد يريد الكراهة بقرينة ما عن المقنع «لا بأس» و كيف كان فلا دليل عليه سوى دعوى إرادة الحرمة من لفظ الكراهة في الخبرين المزبورين، و سوى أنه أوصل إلى جوفه أو دماغه المفطر، و فيه أولا منع لزوم السعوط الوصول إليهما، فتعمده أعم من تعمد الوصول، و حصوله من دونه لا يوجب القضاء فضلا عن الكفارة، و منقدع ح الأول (الثاني ظ) منهما و لذا لم يفطر التقطير في الأذن بلا خلاف أجده فيه حتى من المفيد إلا من أبي الصلاح، و خبر ليث (2)] و صحيح حماد و حسنه(3)و إطلاق غيرهما و الأصل حجة عليه، و قد عرفت المراد من تعليل الكحل في صحيح الحلبي (4)بل منع قدح الثاني (الأول ظ) أيضا بعد ما عرفت في الفرع الثالث، و منه يعلم منافاة تقييد المصنف هنا إطلاقه السابق، كما أن منه يعلم ما في المحكي عن أبي الصلاح و ابن البراج من إيجاب القضاء به خاصة، بل و ما في المختلف من انه إن تعمد


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 24- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1 و 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.

ج 16، ص: 321

الوصول إلى الحلق قضى و كفر، و إلا فلا، و ما أبعد ما بين هؤلاء و ما عن ابن الجنيد و مقنع الصدوق من عدم الكراهة، لا طلاقهما نفي البأس، لكن قد يريدان مطلق الجواز، و الله أعلم.

[السادس شم كل نبت طيب الريح]

و السادس شم كل نبت طيب الريح، و عن نص أهل اللغة تسميته ب الرياحين بلا خلاف أجده، بل عن المنتهى الإجماع عليه، للنهي عنه في خبري ابن راشد(1)و خبر الصيقل (2)و المرسل (3)معللا في بعضها بأنه لذة و يكره للصائم التلذذ، نحو ما

ورد(4)عن الصادق عليه السلام لما سئل عن تركه شم الريحان إذا صام فقال: «أكره أن أخلط صومي بلذة»

و في آخر(5)بأنه بدعة للصائم، بخلاف الطيب فإنه سنة، و منه- مضافا إلى الإجماع المزبور، و خبر أبي بصير(6)و صحيح البجلي (7)و خبر سعد بن سعد(8)و إشعار التعليل و غير ذلك- يعلم إرادة الكراهة من النهي كما هو مقتضى الجمع بينها و إن ضعف سند نصوص النهي، فدغدغة سيد المدارك في الكراهة المتسامح فيها كظاهر المقنعة فيما عدا النرجس منها في غير محله.

نعم تتأكد الكراهة في النرجس للنهي عنه بالخصوص في خبر ابن رئاب (9)معللا بأنه ريحان الأعاجم، و

في الكافي (10)«أخبرني بعض أصحابنا ان الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا، و قالوا إنه يمسك الجوع»

و في الاستبصار «كان للمجوس يوم يصومونه، فلما كان ذلك اليوم كانوا يشمون النرجس»

و مراد الجميع ما في المقنعة من ان النهي عنه خلافا لهؤلاء و تنزها عن الشبه بهم، و من الجميع علم شدة الكراهة، ضرورة زيادته على علة كراهة


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 7 و 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 15.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 14.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 10.
9- 9 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
10- 10 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.

ج 16، ص: 322

الريحان من التلذذ و نحوه بذلك.

هذا كله في خصوص الريحان و خصوص النرجس، و إلا ففي

خبر ابن راشد(1)«كان أبو عبد الله عليه السلام إذا صام تطيب، و يقول: الطيب تحفة الصائم»

و في المرسل السابق ما سمعت من الفرق بينهما بالسنة و البدعة، و

في آخر(2)ان «من تطيب أول النهار و هو صائم لم يكن يفقد عقله»

نعم عن الحلي و ابن زهرة إلحاق خصوص المسك منه بالرياحين، بل عن العلامة إلحاقه بالنرجس منه، لكن لا دليل عليه، إذ

خبر غياث (3)عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «ان عليا عليه السلام كره المسك ان يتطيب به الصائم»

دال على الأول مؤيدا بما تقدم من كراهة الاكتحال بالكحل فيه المسك، و بغلظ رائحته التي في النهاية، و عن ابن البراج وجوب القضاء و الكفارة بشمها حتى تصل إلى الحلق ل

مضمر المروزي (4)«إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه و حلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين»

و بأن الرائحة عرض و انتقاله بدون محله محال، فوصولها إلى الجوف دال على وصول محلها، و هو موجب للإفطار، و إن كان فيه من الضعف ما لا يخفى، سيما مع معارضته ما يقتضي الصحة من الأصل و الحصر في صحيح ابن مسلم (5)و غيره، و فحوى

موثق عمر ابن سعيد(6)عن الرضا عليه السلام سأله «عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 16.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 32- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 11 عن عمرو بن سعيد و هو الصحيح.

ج 16، ص: 323

الدخنة في حلقه فقال: لا بأس»

و غير ذلك.

[السابع الاحتقان بالجامد]

و السابع الاحتقان بالجامد على ما تقدم من الكلام فيه.

[الثامن بل الثوب و لبسه على الجسد]

و الثامن بل الثوب و لبسه على الجسد بلا خلاف أجده فيه،

قال ابن راشد(1)للصادق عليه السلام: «الحائض تقضي الصلاة قال: لا، قلت:

تقضي الصوم قال: نعم، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: أول من قاس إبليس، قلت: فالصائم يستنقع في الماء قال: نعم، قلت: فيبل ثوبا على جسده قال: لا، قلت: من أين جاء هذا؟ قال: من ذاك»

و سأله الصيقل (2)«عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال: لا»

و سمعه عبد الله بن سنان (3)يقول: «لا تلزق ثوبك إلى جسدك و هو رطب و أنت صائم حتى تعصره»

لكن الأخير يقضي برفع الكراهة بالعصر مع انه لا يرتفع اسم البلل به، فاما ان يراد منه ما قبل العصر أو التخفيف به جمعا بين الأدلة، كما أن خبر الصيقل يقضي بكراهة لبسه و إن لم يكن على الجسد، و لا ينافيه سابقه و لا حقه، لعدم المعارضة، بل و لا

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم(4): «الصائم يستنقع في الماء و يصب على

رأسه و يتبرد بالثوب و ينضح بالمروحة و ينضح البوريا تحته، و لا يغمس رأسه في الماء»

بعد إرادة الرخصة منه، و كيف كان فالمراد الكراهة من النهي المزبور قطعا، للأصل و الإجماع في الظاهر، و الحصر في الصحيح المزبور المنساق بل الثوب من التبرد به فيه أو أنه شامل له مضافا إلى ضعف نصوص النهي، و الله اعلم

[التاسع جلوس المرأة في الماء]

و التاسع جلوس المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، للنهي في موثق حنان (5)عنه معللا بأنه تحمله بقبلها، و هو- مضافا إلى الشهرة العظيمة و الأصل و الحصر في الصحيح و غيره و إطلاق الرخصة في استنقاع


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 6.

ج 16، ص: 324

الصائم في الماء و عدم الوصول إلى الجوف قطعا، بل لعل الاستنجاء أعظم منه، و غير ذلك مما لا يخفى- شاهد على إرادة الكراهة من النهي لا الحرمة الموجبة للقضاء خاصة كما عن الحلبي أو مع الكفارة كما عن القاضي و ابن زهرة و مدعيا عليه ثانيهما الإجماع الموهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه الذي هو مظنة الإجماع لا ما ذكره، فمن العجيب ميل سيد الرياض إليه في الجملة، نعم هو أحوط و يلحق بالماء غيره من المائعات كما ألحق في

اللمعة بالمرأة الخنثى و الخصي الممسوح لمساواتهما لها في العلة، و الله اعلم.

[الركن الثالث في الزمان الذي يصح فيه الصوم و هو النهار دون الليل]

الركن الثالث من أركان الصوم في الزمان الذي يصح فيه الصوم و هو النهار دون الليل إجماعا بل ضرورة من المذهب بل الدين و حينئذ ف لو نذر الصيام ليلا لم ينعقد، و كذا لو ضمه إلى النهار لعدم مشروعيته، و النذر انما يلزم المشروع لا انه يشرعه، من غير فرق بين ضم النهار معه و عدمه بل الظاهر عدم انعقاده نفسه أيضا كما عن التذكرة التصريح به، و استحسنه في المدارك، لكونه حينئذ بعضا من غير المشروع الذي لم ينعقد بالنذر.

و كذا لا يصح صوم العيدين بحال إجماعا من المسلمين و حينئذ ف لو نذر صومهما لم ينعقد خلافا لما عن بعض العامة من انعقاد النذر و أن عليه قضاءه، بل قال: إنه لو صامه أجزأ عن النذر و سقط القضاء، و هو كما ترى، بل لا فرق فيما ذكرنا بين جهل الناذر و علمه، فلو نذره جاهلا أنه عيد لم ينعقد إجماعا، بل لم يكن عليه قضاؤه، ضرورة عدم مدخلية الجهل بالحكم أو الموضوع في المشروعية، فلو نذر العيد للجهل بكونه عيدا أو بحرمة الصوم فيه لم ينعقد، و لم يكن عليه قضاء قطعا، بل و كذا لو نذر يوم السبت المخصوص مثلا و كان هو العيد و اما لو نذر يوما معينا باسم مخصوص فاتفق (11) كونه أحد العيدين (12) كما لو جعل لله عليه صوم كل سبت

ج 16، ص: 325

مثلا فاتفق يوم مخصوص اجتمع فيه الوصفان بعد أن افترق كل منهما بمصداق آخر لم يصح صومه قطعا و إجماعا، ترجيحا لما دل على حرمته على ما دل على الوفاء بالنذر و لكن هل يجب قضاؤه لصدق اسم الفوات الذي يكفي فيه حصول عنوان الوجوب و إن منع الوصف الآخر من التأدية الذي هو كالحيض و السفر و المرض و نحوها مما يمنع صحة الصوم، لا انه يكشف عن بطلان تعلق النذر، و ل

مكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصيقل (1)اليه (عليه السلام) «يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها، و تصوم يوما بدل يوم إن شاء الله»

و صحيح ابن مهزيار(2)قال:

و كتب إليه يعني أبا الحسن (عليه السلام) «يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفر أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها، و يصوم يوما بدل يوم إن شاء الله».

قيل و القائل الصدوق و الشيخ و ابن حمزة نعم يجب قضاؤه و قيل و القائل الشيخ في

موضع آخر من المبسوط و ابنا البراج و إدريس و أبو الصلاح و الفاضلان و ثاني الشهيدين و غيرهم لا يجب قضاؤه، للأصل و لظهور عدم تعلق النذر لتخصيص عموم الوفاء بالنذر بما دل على حرمة صوم العيد، و القضاء و إن قلنا انه بفرض جديد لكن لا بد فيه من حصول سبب


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من كتاب النذر و العهد- الحديث 1.

ج 16، ص: 326

الأداء، و ليس، ضرورة كونه كنذر السنة الخارج عنها يوما العيد و نحوها، و العامان من وجه بعد تحكيم أحدهما على الآخر يكونان كالعام و الخاص المطلقين في خروج محل التخصيص عن حكم العام، و الفرق بين المقام و بين السفر و المرض و الحيض واضح، ضرورة كون الزمان هنا غير صالح، فلا وجه للقضاء الذي هو تدارك مصلحة الأداء، بخلاف الثلاثة، فإن الزمان صالح إلا أن المكلف منعه مانع، فتأمل جيدا، و ضعف المكاتبة الأولى لجهل الكاتب و المكتوب اليه، و تعليق القضاء فيها على المشيئة بلفظة «إن» التي هي للمحتمل، فتحمل حينئذ على الندب، و اشتمال الثانية على ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين.

و من هنا كان هذا هو الأشبه عند المصنف و غيره، لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت، و منع ظهور عدم تعلق النذر بعد أن كان عنوانه موجودا، نعم لما تعارضت الأدلة كان متقضى الجمع بينها ترجيح دليل الحرمة باعتبار إمكان تدارك الواجب بالقضاء دونها، و كذا بالنسبة للحيض و السفر و المرض، إذ لا فرق بين يوم العيد و يوم الحيض مثلا في جميع ذلك، و كون المنع في الأول في التكليف و الثاني في المكلف غير مجد، و الضعف في المكاتبة بعد معلومية منعه بالنسبة إلى الإضمار خصوصا في المقام المشتمل على ما لا يقع منهم مع غير الامام (عليه السلام) غير قادح بعد المكاتبة الصحيحة المصرح فيها باسمه (عليه السلام) و اشتمالها على يوم الجمعة غير قادح، على أنه في خصوص رواية التهذيب لها دون الكافي، و التعليق على المشية معلوم إرادة التبرك منه، ضرورة عدم الفرق بين الواجب و الندب في عدم التعليق عليها، على أنه لا خلاف في وجوب القضاء بالنسبة إلى ما اشتملت عليه من السفر و المرض، و خبر زرارة(1)


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.

ج 16، ص: 327

و غيره المشتمل على نفيه في السفر مطرح، فلا وجه حينئذ للإشكال فيها من هذه الجهة، كما لا إشكال في عدم صحة حملها على الندب، و من هنا كان الأحوط إن لم يكن الأقوى وجوب القضاء.

و كذا البحث في أيام التشريق و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة باعتبار أن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تقدد، أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس، للإجماع في المعتبر على تحريم صومها لمن كان بمنى فيكون حكمها حكم يومي العيدين كما اشتمل عليه المكاتبتان، و إن كان لتمام البحث في

اعتبار الكون بمنى في الحرمة و للنسك مقام آخر، و الله أعلم.

[الركن الرابع من يصح منه الصوم، و هو العاقل المسلم، فلا يصح صوم الكافر]

الركن الرابع من يصح منه الصوم، و هو العاقل المسلم، فلا يصح صوم الكافر إجماعا و إن وجب عليه بناء على خطابه بالفروع كما هو المعروف عندنا، بل لو ارتد في الأثناء فسد صومه و إن عاد إلى الإسلام بعده، خلافا للمصنف و محكي المبسوط و الحلي و يحيى بن سعيد، وفاقا للفاضل و الشهيد و غيرهما لبطلان جزء منه بفوات استدامة النية، و الصوم لا يتبعض، و لا دليل على سراية تجديد النية لو جددها و كان قبل الزوال فضلا عن غير ذلك، مضافا إلى قوله تعالى (1)«لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» و دعوى اشتراط ذلك بالموت على الشرك منافية لإطلاق الآية، فلا ريب حينئذ في كون الإسلام في مجموع النهار شرطا، بل قد عرفت فيما سبق أن الايمان شرط في صحة العبادات التي منها الصوم فضلا عن الإسلام، فلا تصح عبادة المخالف و إن جاء بها جامعا للشرائط عندنا، نعم قد أشرنا سابقا إلى احتمال الصحة مع جمعها للشرائط عندهم إذا تعقب الايمان مع أن التحقيق خلافه، و ان عدم التدارك لما فعله غير الزكاة تفضلا من الله تعالى.


1- 1 سورة الزمر- الآية 65.

ج 16، ص: 328

و لا يصح صوم المجنون الذي رفع الله القلم عنه مطبقا أو أدواريا، مستغرقا للوقت أو بعضه،

لفوات الأمر المعتبر بقاؤه في صحة العبادة و لا صوم المغمى عليه و غيره ممن فقد العقل الذي هو شرط في التكليف المعتبر في صحة العبادة ضرورة كونه حينئذ كالمجنون، و إلى ذلك أشار في محكي المنتهى في الاستدلال على ذلك بأنه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا و ندبا، فلا يصح منه الصوم مع سقوطه، و زاد بأن كلما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون و الحيض، و بأن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم، و الأول ثابت على ما يأتي، فيتحقق الثاني، لكن مع ذلك كله في المقنعة «فإن استهل عليه الشهر و هو يعقل فنوى صيامه و عزم عليه ثم أغمي عليه و قد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه، لأنه في حكم الصائم بالنية و العزيمة على أداء الفرض» و نحوه في الخلاف.

و إلى ذلك أشار المصنف بقوله و قيل إذا سبقت من المغمى عليه النية كان بحكم الصائم بل في المدارك أنه نقل عن ظاهر الشيخ في الخلاف أيضا أنه ساوى بين الجنون و بين الإغماء في الصحة مع سبق النية، قال: و لا يخلو من قرب، و ناقش في جميع ما تقدم بمنع الملازمة، فإن النائم غير مكلف قطعا، مع أن صومه لا يفسد بذلك إجماعا، و بالمنع من كون الإغماء مفسدا للصوم مع سبق النية، بل ذلك محل النزاع، فكيف يجعل دليلا، و بأن سقوط القضاء يجامع صحة الأداء و فساده، كما أن وجوبه يجامع وجوب الأداء و عدمه، لأنه فرض مستأنف، فيتوقف على الدليل، و ينتفي بانتفائه، فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء، ثم قال: و الحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم

ج 16، ص: 329

المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان، و ان اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء، لأنه لا يوصف بوجوب و لا ندب، و يلزم من فساده فساد الكل، لأن الصوم لا يتبعض، إلا أن ذلك منفي بالأصل، و منقوض بالنائم، فإنه غير مكلف قطعا، مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا، و فيه ما لا يخفى من وضوح الفرق بين النوم و الغفلة و بين الجنون و الإغماء و لو من حيث الأدلة الشرعية، و من ان المراد من الدليل الثاني اقتضاء الصحة في الجنون و نحوه الذي لا ينبغي لفقيه التزامه، ضرورة معلومية عدم الاكتفاء في الصوم بالنية و اتفاق الإمساك و لو مع عدم أهلية القصد، و إلا لزم صحته من الميت و نحوه، إذ لا فرق بينه و بين الجنون في رفع التكليف، بل لعل المتجه بناء على ما ذكره الصحة و لو مع عدم الإمساك، ضرورة عدم الإفطار بما يقع منه حينئذ كالغافل و الناسي و النائم، و من ذلك ظهر لك ما في كلامه الأخير الذي ظاهره فيه الميل إلى الشق الأول من الشقين، مضافا إلى القطع بعدم كفاية ذلك بعد ظهور النصوص في اعتبار مصاحبة النية لتمام العمل، و هذا من جملة المؤيدات لكونها هي الداعي الذي يمكن دعوى مصاحبته لتمام العمل، بخلاف الاخطار، و الصحة مع زواله في الأثناء في النائم و الغافل للدليل غير قادحة في ذلك مع انه يمكن دعوى عدم زواله في الغافل، و انه انما زال الالتفات اليه، بل ربما ادعي ذلك في النائم أيضا، لكنه بعيد، فتأمل، و من ان المراد من الدليل الثالث أن سقوط القضاء دليل على سقوط الأداء، و إلا لصدق عليه اسم الفوات الذي علق عليه القضاء، فليس حينئذ هو إلا كالصبي و نحوه مما لم يصدق عليه اسم الفوات، فتأمل جيدا.

و بذلك كله ظهر لك أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده

ج 16، ص: 330

إذ لا ريب في عدم صدق الصائم على المجنون و المغمى عليه و السكران بخلاف النائم و نحوه، و لعل مراد الشيخين من كونه بحكم الصائم بالنسبة إلى سقوط القضاء لا الصحة بمعنى امتثال الأمر، و كان الذي دعاهما إلى التعبير المزبور فرقهما في القضاء و عدمه في المغمى عليه بذلك، فأوجباه على من لم تسبق منه النية، بخلاف من سبقت منه، فوجب حينئذ التعبير عنه بصحة صومه، و انه بحكم الصائم من هذه الجهة، لأنها عند الفقهاء بمعنى إسقاط القضاء، و من هنا تقل ثمرة الخلاف في الفرض بناء على سقوط القضاء عنه كما ستعرف الحال فيه.

و على كل حال ف يصح صوم الصبي المميز مع جمعه لما عدا البلوغ من الشرائط صحة شرعية يترتب عليها الثواب بناء على ما سلف لنا سابقا من كون عباداته شرعية كذلك لا تمرينية، و لا انها صحيحة بمعنى جواز وصفها بها باعتبار كونها من أحكام الوضع التي لا يعتبر فيها البلوغ، فيكون حينئذ معنى صحتها ترتب الأثر عليها لو لا أن تفقد الأمر، و لعل هذا هو المراد مما حكي عن ثاني الشهيدين من ان الصحة لا تستلزم كون صومه شرعيا، لأنها من خطاب الوضع، و هو لا يتوقف على التكليف، و إن كان هو كما ترى، و في المدارك انه غير جيد، و قد تقدم تفصيل الحال في ذلك، و الله اعلم.

و أما النائم فلا خلاف و لا إشكال في صحة صومه إذا سبقت منه النية و لو استمر إلى الليل بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله من الضروريات المستغنية عن الاستدلال بالإجماع و الروايات، و ما في السرائر من ان النائم غير مكلف بالصوم و ليس صومه شرعيا محمول على إرادة أن الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب و لا ندب، لعدم الأمر حينئذ، فلا يوصف بالصحة التي هي بمعنى موافقته، بخلاف الصحة التي هي بمعنى إسقاط القضاء، فما في المختلف من تغليطه في ذلك قائلا إنه بحكم الصائم و إنه لا يسقط عنه التكليف بذلك لزوال

ج 16، ص: 331

عذره سريعا في غير محله خصوصا قوله أخيرا: «و انه لا يسقط» إلى آخره و إن أراد منه ما أطال به ثاني الشهيدين في مسالكه حيث قال: «إن تكليف النائم و الغافل و غيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء به بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف بالفعل، و أمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب، و قد ينظر فيه من حيث الاستدامة بمعنى انه لو شرع في الفعل قبل النوم و الغفلة أو غيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء، و القسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق، من غير فرق فيه بين أنواع الغفلة، و هذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين و غيرهم امتناعه، كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه و إن أطلقوا الكلام فيه، لأنهم احتجوا عليه بأن الإتيان بالفعل لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه فان هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا، إذ لا يتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه إن شاء الله تعالى، و أما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب و التهيؤ له أصلا كالجنون و الإغماء على أصح القولين و هذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه، و قد لا يخرج عن ذلك كالنوم و السهو و النسيان مع بقاء التعقل، و هذه المعاني و إن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع استدامته إذا وقع على وجهه» إذ هو أيضا كما ترى مخالف لإطلاق كلامهم في امتناع تكليف الغافل و حديث رفع القلم، و لصريح الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناعه من كونه قبيحا عقلا، لجريانه مجرى تكليف البهائم و الجمادات من غير فرق بين الابتداء و الاستدامة، و إلا كان آثما بالإخلال بها، و هو باطل بالضرورة، نعم لا بأس بدعوى إجراء الشارع إياه مجرى الصحيح في استحقاق الثواب و في إسقاط القضاء و في نحو ذلك، فان كان المراد بالاستدامة ذلك على

ج 16، ص: 332

معنى اكتفاء الشارع في المركبات بالنية أولا ثم وقوع الفعل جامعا للشرائط ثانيا فمرحبا بالوفاق، و إلا كان محلا للمنع، كمنع دعوى مساواة الجنون و الإغماء للنوم و الغفلة، ضرورة وضوح الفرق بينها و لو باعتبار سرعة زوالهما و كونهما كالطبيعة الثانية للإنسان، بل لا يمكن تعيشه بدون النوم، و لعله لذا فرقت الأدلة بينها، و كفى بها فارقة.

نعم لو لم يعقد صومه بالنية مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما و استمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء بلا خلاف و لا إشكال، لفساد الأداء بفوات النية التي هي شرط فيه، بل المتجه بناء على ما قدمناه سابقا وجوب الكفارة عليه أيضا مع تعمد الترك في صوم شهر رمضان مثلا، خلافا لسيد المدارك.

و كذا لا خلاف و لا إشكال في انه لا يصح صوم الحائض و النفساء بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)متواترة في الحائض المتحد حكم النفساء معها على ما بيناه في محله سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر و كذا لا إشكال و لا خلاف في أنه يصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل و غيرهما، و انما الكلام في بطلان صومها إذا أخلت بذلك أو بالأغسال خاصة أو النهاري منه خاصة بالنسبة إلى يوم الصيام، بخلاف اليوم الذي بعده، فإنه يخل فيه الإخلال بغسل ليلته، و قد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في باب الحيض و غيره، فلا حظ و تأمل.

و كيف كان فالمشهور نقلا و تحصيلا أنه لا يصح الصوم الواجب صوم شهر رمضان و غيره من مسافر يلزمه التقصير إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي و ثمانية عشر يوما في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا، و النذر المشترط سفرا و حضرا على قول مشهور بلا خلاف معتد به، للنصوص التي


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب من يصح منه الصوم.

ج 16، ص: 333

يمكن دعوى تواترها، منها

قول أبي جعفر عليه السلام (1): «ليس من البر الصيام في السفر»

كقول الصادق عليه السلام في خبر الساباطي (2): «لا يحل الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم في السفر معصية»

و قوله عليه السلام في صحيح عمار بن مروان (3): «من سافر قصر و أفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعص الله عز و جل أو طلب عدو و شحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين»

و قال سماعة(4): «سألته عن الصيام في السفر فقال:

لا صيام في السفر، قد صام أناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله فسماهم العصاة إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عز و جل في الحج»

و قال محمد بن حكيم (5): «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه»

إلى غير ذلك من النصوص.

نعم يستثنى من ذلك صوم الثلاثة دون السبعة للآية(6)و الإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، و الخبر المزبور، و

خبر يونس (7)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل متمتع لم يكن معه هدي قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فقلت له: إذا دخل يوم التروية و هو لا ينبغي أن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 10 و هو قول أبى الحسن عليه السلام كما في التهذيب ج 4 ص 218 الرقم 622.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 9.
6- 6 سورة البقرة- الآية 192.
7- 7 الوسائل- الباب- 11- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.

ج 16، ص: 334

يصوم بمنى أيام التشريق قال: فإذا رجع إلى مكة صام، قال: قلت: فإن أعجله أصحابه و أبوا أن يقيموا بمكة قال: فليصم في الطريق، قال: فقلت: يصوم في السفر قال: هو ذا يصوم في عرفة، و أهل عرفة هم في السفر»

و لا ينافي ذلك

صحيح ابن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) «الصوم الثلاثة أيام إن صامها فآخرها عرفة، و إن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله و لا يصومها في السفر»

بعد القطع بإرادة الرخصة منه و انه لا يجب عليه ان يصومها في السفر كما عساه يوهمه ظاهر الآية على ما أومأ إليه بنفي الأمر فيما أرسله المفيد(2)

قال:

«سئل عمن لم يجد هديا و جهل ان يصوم الثلاثة أيام كيف يصنع؟ فقال عليه السلام:

أما انني لا آمره بالرجوع إلى مكة و لا أشق و لا آمر بالصيام في السفر و لكن يصوم إذا رجع إلى اهله».

و صوم الثمانية عشر يوما أيضا ل

صحيح ضريس (3)عن أبي جعفر عليه السلام «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس عامدا قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله»

لكن ظاهر الاقتصار في الاستثناء على غيره في المحكي عن المرتضى في الجمل و الشيخ في الاقتصاد و سلار و الراوندي و ابني حمزة و زهرة يقتضي عدم جوازه، للإطلاق المقيد بما عرفت، و عن الصدوقين جواز صومها أي الثمانية عشر سفرا في جزاء الصيد و سيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

و اما النذر المقيد به فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه، إلا اني


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب الذبح- الحديث 10 من كتاب الحج.
2- 2 الوسائل- الباب- 47- من أبواب الذبح- الحديث 5 من كتاب الحج.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب الإحرام بالحج و الوقوف بعرفة الحديث 3.

ج 16، ص: 335

لم أجده لأحد من أصحابنا كما اعترف به بعضهم، ل

صحيح علي بن مهزيار(1)«كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام و قرأته لا تتركه إلا من علة، و ليس عليك صومه في سفر و لا مرض إلا ان تكون نويت ذلك، و إن كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين»

و لا يقدح جهالة الكاتب بعد قراءة علي و لا إضمار المكتوب اليه بعد العلم بكونه الامام عليه السلام كما هو محرر في محله، و لا

اشتماله على كون كفارة النذر الصدقة على سبعة، و كون المرض كالسفر مع احتمال رفع الأخير بدعوى تخصيص الإشارة في السفر، و لا احتمال كون المراد نوى الصوم ثم سافر فيخرج عن الدلالة على المطلوب، ضرورة عدم منافاته للظهور الذي مناط الاستدلال في أكثر الأحكام عليه، فهو حينئذ جامع لشرائط الحجية، خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت، فما في المعتبر- من انه لمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا مما يشعر بتوقفه فيه و تبعه بعض متأخري المتأخرين- في غير محله قطعا، كما ان من الواجب حينئذ تقييد

خبر إبراهيم ابن عبد الحميد(2)عن أبي الحسن عليه السلام به، قال: «سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال: يصومه أبدا في السفر و الحضر»

سيما بعد معارضته ب

خبر كرام (3)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني جعلت على نفسي ان أصوم حتى يقوم القائم عليه السلام فقال: صم و لا تصم في السفر و لا العيدين و لا أيام التشريق و لا اليوم الذي يشك فيه انه من شهر رمضان»

و خبر القاسم بن أبي القاسم الصيقل (4)قال: «كتبت اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب بقية الصوم الواجب- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.

ج 16، ص: 336

فيوافق ذلك يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها، و تصوم يوما بدل يوم إن شاء الله»

و خبر زرارة(1)«إن أمي جعلت عليها نذرا إن رد الله عليها بعض ولدها من شي ء كانت تخافه عليه ان تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أ تصوم أو تفطر؟ فقال: لا تصوم، وضع الله عز و جل حقه عنها و تصوم هي ما جعلت على نفسها»

و خبر معاوية بن عمار(2)عن أبي عبد الله عليه السلام «في الرجل يجعل لله عليه ان يصوم شهرا أو أكثر من ذلك فيعرض له أمر لا بد أن يسافر أ يصوم و هو مسافر؟ قال: إذا سافر أفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره»

المعتضدة بعموم ما دل على النهي عن الصوم في السفر من النصوص الكثيرة(3).

فما عن المفيد و المرتضى و سلار- من الاكتفاء بإطلاق النذر لتناوله السفر و لعموم الوفاء بالنذر- واضح الضعف، ضرورة اشتراط قصده خصوصا منفردا أو منضما إلى الحضر، فلا يكفي قصد ما يشمله على الاجمال و العموم المزبور،

مع ان التعارض بينه و بين ما دل على النهي عن الصوم في السفر من وجه، و الرجحان لما هنا من وجوه يجب تخصيصه بما عرفت، و لا غرابة بعد الدليل في عدم مشروعيته مع إطلاق النذر و إن قلنا بجواز صوم الندب في السفر، كما لا غرابة


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 8 عن عمار الساباطي مع الاختلاف في اللفظ.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من يصح منه الصوم.

ج 16، ص: 337

في مشروعيته بالنذر عليه خصوصا و إن قلنا بحرمة الصوم ندبا في السفر، كما هو واضح، و أضعف من ذلك ما عن المفيد أيضا من جواز مطلق الصوم الواجب عدا شهر رمضان في السفر، لإطلاق ما دل على وجوبه الذي يجب الخروج عنه ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه، و لأن الإفطار في السفر رخصة من الله للناس و هدية لهم فيما أوجبه هو عليهم، فلا ينبغي ان ترد هديته، لا فيما أوجبوه هم على أنفسهم بسبب من الأسباب كما أومأ إليه بعض النصوص ك

خبر الحسن بن أسباط(1)عن رجل، قال: «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر، فقال: إن ذلك تطوع، و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا»

و نحوه خبر إسماعيل بن سهل (2)عنه (عليه السلام) أيضا، إلا أنه كما ترى لا يصلح بمثل ذلك الخروج عن تلك النصوص الدالة على خلاف ذلك نصا و ظاهرا التي يمكن دعوى تواترها، بل خبر كرام (3)المتقدم يدل على خلاف ما ذكره و انه إذا سقط الصوم الذي ابتدأ الله بإيجابه عليه فأولى بالسقوط ما أوجبه المكلف على نفسه، و في

خبر محمد بن مسلم (4)عن أبي عبد الله عليه السلام «و إن ظاهر و هو مسافر أفطر حتى يقدم»

مضافا إلى ما تقدم و غيره من النصوص الدالة على خلافه بالخصوص، فضلا عن العموم المقطوع بعدم إرادة خصوص شهر رمضان منه، هذا، و ربما قيل إن خلاف المقيد ليس بمطلق الواجب


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5 و الأول عن الحسن بن بسام الجمال و هو الصحيح كما يأتي في ص 339.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4 و الأول عن الحسن بن بسام الجمال و هو الصحيح كما يأتي في ص 339.
3- 3 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصحيح خبر زرارة كما هو الظاهر.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 16، ص: 338

كما حكاه عنه الفاضلان و الشهيد و غيرهم، بل انما هو في خصوص المتعين و لو بالشروع فيما يجب فيه التتابع، و قد يؤيده صدر عبارته المحكية عنه، لكن ذيلها و ما فيها من التعليل يشهد للأول، فلاحظ و تأمل، و على كل حال ضعفه بمكانة من الوضوح، كضعف المحكي عن الصدوقين من جوازه سفرا في كفارة جزاء الصيد و ربما يأتي إن شاء الله التعرض له، و الله اعلم.

هذا كله في الواجب و هل يصوم مندوبا؟ قيل و القائل الصدوقان و ابنا البراج و إدريس و غيرهم على ما حكي عن بعضهم لا يجوز، بل نسبه الأخير إلى جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصلين و قيل و القائل ابن حمزة:

نعم يجوز بلا كراهة و قيل و القائل الأكثر على ما في شرح الأصبهاني:

يكره، و هو الأشبه عند المصنف و جماعة جمعا بين ما دل على المنع من الإطلاقات و العمومات و خصوص

صحيح زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) «لم يكن رسول الله صلى الله عليه و آله يصوم في السفر في شهر رمضان و لا غيره»

كخبر محمد بن مسلم (2)المروي عن تفسير العياشي عنه (عليه السلام) أيضا «انه لم يكن رسول الله صلى الله عليه و آله يصوم في السفر تطوعا و لا فريضة»

و صحيح البزنطي (3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصيام بمكة و المدينة و نحن في سفر قال:

فريضة قلت: لا و لكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال: تقول: اليوم و غدا قلت: نعم فقال: لا تصم»

و خبر الساباطي (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا سافر فليفطر، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره، و الصوم


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 8.

ج 16، ص: 339

في السفر معصية»

و بين ما دل على الجواز من

مرسل ابن سهل (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «خرج أبو عبد الله (عليه السلام) من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان و هو في السفر فأفطر فقيل له أ تصوم شعبان و تفطر في شهر رمضان؟ فقال: نعم شعبان إلى إن شئت صمت و إن شئت لا، و شهر رمضان عزم من الله عز و جل علي الإفطار»

و خبر الحسن بن بسام الجمال (2)قال: «كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة و المدينة في شعبان و هو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلت له: جعلت فداك أمس كان من شعبان و أنت صائم و اليوم من شهر رمضان و أنت مفطر فقال:

إن ذلك تطوع، و لنا أن نفعل ما شئنا، و هذا فرض و ليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا»

و فحوى ما دل على جواز نذره الظاهر في ثبوت مشروعيته قبله، و ما عساه يشعر به استفصال أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح البزنطي (3)المتقدم، و المناقشة في سندهما يدفعها الانجبار بما عرفت، و في دلالتهما باحتمال الإمساك بلا نية أو نذر الصوم فيه أنه خلاف

الظاهر منهما إن لم يكن المقطوع به، فلا بأس بالعمل بهما لا للتسامح في أدلة السنن كي يرد عليه أنه هنا دائر بين الوجوب و الحرمة الذاتية كصوم يوم العيد و مستلزم لتخصيص أدلة الحرمة بل لجمعهما شرائط الحجية و لو بملاحظة الانجبار بالشهرة، و الاعتضاد بإطلاق ما دل على صوم التطوع الذي بينه و بين ما دل على حرمة الصوم تعارض العموم من وجه.

و على كل حال فيستثنى من الكراهة أو الحرمة صوم الثلاثة الأيام للحاجة بالمدينة بلا خلاف أجده فيه، ل

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.

ج 16، ص: 340

ابن عمار(1)«إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء و تصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة، و هي أسطوانة التوبة التي كان ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء، و تقعد عندها يوم الأربعاء، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى الله عليه و آله ليلتك و يومك، و تصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى الله عليه و آله و مصلاه ليلة الجمعة، فتصلي عندها ليلتك و يومك و تصوم يوم الجمعة، و إن استطعت أن لا تتكلم بشي ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك

منه، و لا تخرج من المسجد إلا لحاجة، و لا تنام في ليل و لا نهار، فان ذلك مما يعد فيه الفضل، ثم احمد الله في يوم الجمعة و أثن عليه وصل على النبي صلى الله عليه و آله و سل حاجتك، و ليكن فيما تقول: اللهم ما كان لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها و التماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه و آله نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها و كبيرها، فإنك أحرى أن تقضى حاجتك إن شاء الله».

و ألحق بها المفيد في المقنعة باقي المشاهد: قال فيها: «و لا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا و لا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة الأيام، و من كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام، و صوم النذر إذا نواه في الحضر و السفر معا، أو علقه لوقت من الأوقات، و صوم ثلاثة أيام للحاجة أربعاء و خميس و جمعة متواليات عند قبر النبي صلى الله عليه و آله أو في مشهد من مشاهد الأئمة (عليهم السلام) و قد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام، و جاءت أخبار بكراهة ذلك، و انه

ليس من البر الصيام في السفر،

و هي أكثر، و عليها العمل عند فقهاء العصابة، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع، و من عمل على أكثر الروايات و اعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المزار- الحديث 1 من كتاب الحج.

ج 16، ص: 341

كل وجه سوى ما عددناه كان أولى بالحق» و فهم ابن إدريس منها حرمة صوم التطوع، و لعل ذلك هو الظاهر من أولها، بل يمكن إرادة الحرمة من الكراهة في آخرها، إلا ان قوله: «فمن أخذ» إلى آخره ينافي ذلك، بل هو نص في الجواز، بل يؤيده ما حكي عنه قبل ذلك من جواز صوم الواجب عدا شهر رمضان في السفر فضلا عن المندوب، و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك، و أما سلار فالمحكي عنه أنه بعد ما عد صوم الواجب في السفر من المحرمات و صوم النافلة فيه من المكروهات قال: «و لا يصوم المسافر تطوعا و لا فرضا إلا صوم الثلاثة الأيام لدم المتعة، و صوم النذر إذا علقه بوقت حضر و سفر، و صوم الثلاثة أيام للحاجة أربعاء و خميس و جمعة، و قد روي جواز صوم التطوع في السفر» قيل:

لعله أراد بنفي الصيام في السفر ما يعم التحريم و الكراهة، و بالجواز انتفاء الكراهة، و هو كما ترى، و قال ابن حمزة: «و أما صيام النفل فضربان: مستحب و جائز، فالأول صيام ثلاثة أيام عند قبر النبي صلى الله عليه و آله لصلاة الحاجة، و الثاني ما سوى ذلك، و روي كراهية الصوم في السفر، و الأول أثبت» قيل: و هو يعطي جواز المندوب غير الثلاثة بالمعنى الأخص المرادف للمباح، و فيه ان الصوم الشرعي لا يكون إلا عبادة، و العبادة لا تقع إلا راجحة، فيمكن ان يكون المراد بالاستحباب المتأكد منه، و بالجواز غير المتأكد، و الأمر سهل بعد أن عرفت حقيقة الحال.

هذا كله في الصوم في السفر الموجب للتقصير، أما المنقطع فلا إشكال في صحة الصوم فيه و حينئذ ف يصح ممن له حكم المقيم في وطنه كناوي الإقامة عشرا و المتردد ثلاثين يوما و العاصي بسفره و كثير السفر و غيرهم مما تقدم تفصيله في الصلاة بلا خلاف أجده فيه،

قال الصادق عليه السلام(1): «هما- يعني


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب صلاة المسافر- الحديث 17.

ج 16، ص: 342

التقصير و الإفطار- واحد، إذا قصرت أفطرت، و إذا أفطرت قصرت»

كما هو واضح، هذا.

و قد تقدم الكلام في انه لا يصح صوم شهر رمضان و لا غيره من الصوم الواجب من الجنب إذا ترك الغسل عامدا مع القدرة حتى يطلع الفجر و أما لو استيقظ بعد طلوع الفجر جنبا فالمعروف بين الأصحاب أنه لم ينعقد صومه قضاء عن شهر رمضان ل

صحيح عبد الله بن سنان (1)«كتب أبي إلى ابى عبد الله عليه السلام و كان يقضي شهر رمضان و قال: إني أصبحت بالغسل فأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا اليوم و صم غدا»

و ما رواه هو أيضا

عنه عليه السلام في الصحيح (2)انه سأله «عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أول الليل و لا يغتسل حتى يجي ء آخر الليل و هو يرى أن الفجر قد طلع قال: لا يصوم ذلك اليوم و يصوم غيره»

و في المدارك ان إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في ذلك بين من أصبح في النومة الأولى أو الثانية، و لا في القضاء بين الموسع و المضيق، و فيه منع إطلاق في النص يقتضي الأخير، خصوصا بعد قوله عليه السلام: «و صم غدا» بل قد يمنع شمول إطلاق الفتوى لذلك، نعم هما مطلقان بالنسبة إلى الأول، و من هنا استدل في المسالك على أصل الحكم مضافا إلى إطلاق الخبر بأن القضاء موسع، و مقتضاه ان المقتضي لعدم الانعقاد كونه موسعا، ثم قال: نعم لو تضيق برمضان أمكن جواز القضاء للثاني، كما ينعقد مع ذلك كل صوم معين، و في المدارك انه يحتمل مساواته لصوم رمضان، فيصح إذا أصبح في النومة الأولى خاصة، و فيه أنه لا دليل على المساواة المزبورة على وجه يخرج عن القياس المحرم، فلا يبعد الحكم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.

ج 16، ص: 343

بصحته مطلقا تمسكا بالإطلاق المقتصر على تقييده بالإصباح عمدا، بخلاف الفرض الذي هو بحكم الجنابة في النهار نسيانا و نحوه، بل إن لم ينعقد إجماع على البطلان في الموسع

أمكن ذلك فيه أيضا، و يحمل الصحيح المزبور على الإصباح عمدا، بل قد يدعى ظهوره في ذلك، و من هنا حكي عن الذخيرة الاعتراف بعدم وضوح الدلالة على البطلان و عدم الانعقاد، و لو سلم فينبغي قصر الحكم عليه خاصة. لكن في المسالك ان في حكم القضاء النذر المطلق و الكفارة قبل التلبس بها، بل في ظاهر حاشية الكركي على الكتاب نسبة إلحاق ذلك و الندب إلى الشيخ و الأصحاب، و ان عليه الفتوى، و لعل الوجه فيه ان مبنى البطلان في القضاء التوسعة المشتركة بين الجميع، لكن قد يمنع ذلك، و من هنا قال في المدارك انه يمكن المناقشة في إلحاق النذر المطلق و صوم الكفارة بالقضاء، لعدم وضوح مستنده، قلت: و يؤيده إطلاق الأصحاب في أول الكتاب ان المفطر تعمد البقاء على الجنابة الظاهر في عدم الفطر بغيره، و في عدم الفرق بين صوم شهر رمضان و غيره و في المسالك أيضا انه لو كان ذلك في أثناء الكفارة حيث يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان، أجودهما عدم صحة الصوم، و لا يقطع التتابع لعدم التقصير، و ناقشه في المدارك بأن عدم التقصير انما يقتضي انتفاء الإثم لا تحقق الامتثال مع عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، قلت: يمكن ان يكون مستنده ما تسمعه في محله إن شاء الله من عدم قطع التتابع بما يقع قهرا كالمرض و الحيض و نحوهما، نعم تتجه المناقشة في حكمه بفساد الصوم بما عرفت، بل هنا أولى بالصحة، لأنه كالمعين.

و من ذلك كله يعرف الوجه فيما يشعر به قول المصنف قيل: و لا يصح الصوم أيضا ندبا في الفرض من تمريض هذا القول، و إن نسبه الكركي إلى الشيخ و الأصحاب كما سمعت، إذ مبني البطلان فيه الإلحاق بالقضاء

ج 16، ص: 344

لعدم التعيين فيه، و لأن الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال، و الصوم لا يتبعض لكن قد عرفت ان الإلحاق بعد عدم الدليل عليه لا يخرج عن القياس كما اعترف به في المدارك مع أن

عبد الله بن بكير(1)قد روى عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أ يصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال: أ ليس هو بالخيار ما بينه و بين نصف النهار»

و حبيب الخثعمي (2)عنه (عليه السلام) أيضا في الصحيح «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن التطوع و عن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم اني أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم؟ قال: صم»

بل مقتضى الخبر الأول الجواز في القضاء أيضا باعتبار توسعة الأمر في نيته، لكن خرج للأدلة السابقة، فيبقى غيره على الجواز، و في الدروس و إن كان الصوم نفلا ففي رواية ابن بكير صحته و لو علم بالجنابة ليلا، و في رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل، و يحمل

على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية عبد الله بن سنان (3)لكن في الحدائق أن ما أسنده إلى رواية كليب هو مضمون رواية ابن بكير، و الرواية التي ذكرها لم أقف عليها في كتب الأخبار بعد الفحص و التتبع، قلت: لكن حمله الرواية على ما ذكره ظاهر في المفروغية من الجواز في المعين و الندب، و في المسالك أنه يؤيده أيضا جواز تجديد النية في الندب للعازم على الإفطار خصوصا بعد الزوال، و هو أيضا مناف للصوم، و عدم قابلية الصوم للجنب انما يمنع منه حال الجنابة، أما بعد الغسل فلا، و يمنع عدم تبعض الصوم مطلقا، كيف و قد


1- 1 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب ما يمسك عنه الصائم- الحديث 1.

ج 16، ص: 345

تقدم النص الصحيح (1)بأن الناوي بعد الزوال انما له من الصوم ما بعد النية، و هذه الأدلة و إن قصر بعضها إلا انها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا و قد عمل المصنف و جماعة بها تساهلا بأدلة السنن، و خبر من بلغه شي ء من اعمال الخير يشملها، و ناقشه في المدارك و إن وافق على الجواز فيما عدا شهر رمضان و قضائه للأصل و صحيح الخثعمي، و من ذلك كله يظهر لك الحال في الإلحاق المزبور، و ان الأقوى الصحة مع تعمد الإصباح جنبا في الندب فضلا عن حال عدم التعمد إن لم ينعقد إجماع على الخلاف، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف ان كان في رمضان فصومه صحيح، و كذا في النذر المعين بلا خلاف و لا إشكال، كما لا خلاف و لا إشكال في انه يصح الصوم من المريض ما لم يستضر به لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة إطلاق ما دل على الإفطار للمريض من الآية(2)و الرواية(3)بعد معلومية كون المراد منه خصوص المتضرر به منه نصا و فتوى لا مطلق المرض، و على ذلك ينزل

خبر عقبة بن خالد(4)عن الصادق عليه السلام «في رجل صام و هو مريض قال: يتم صومه و لا يعيد يجزيه»

ضرورة عدم جواز الصوم للمريض الذي يتضرر بالصوم بزيادة مرضه أو بطوء برئه أو حدوث مرض آخر أو مشقة لا تتحمل أو نحو ذلك، و انه إذا تكلفه مع ذلك لم يجزه، بل كان آثما بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (5)مستفيضة فيه أو متواترة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 8.
2- 2 سورة البقرة- الآية 180.
3- 3 الوسائل- الباب- 18 و 20- من أبواب من يصح منه الصوم.
4- 4 الوسائل- الباب- 22- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 20 و 22- من أبواب من يصح منه الصوم.

ج 16، ص: 346

مضافا إلى قوله تعالى (1)«فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» بل لا يبعد البطلان مع الغفلة عن المرض كما ستعرف، و المدار في معرفة الضرر إليه، لأن الإنسان عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ،

قال سماعة(2): سألته ما حد المرض الذي يجب على صاحبه فيه الإفطار كما يجب عليه في

السفر؟ فقال: هو مؤتمن عليه مفوض إليه، فإن وجد ضعفا فليفطر، و إن وجد قوة فليصم، كان المرض ما كان»

و قال عمر بن أذينة(3): «كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله ما حد المرض الذي يفطر فيه صاحبه و المرض الذي يدع صاحبه فيه الصلاة من قيام؟

قال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، و قال: ذاك اليه هو أعلم بنفسه»

و نحوهما غيرهما، و يكفيه الظن بالضرر قطعا من أمارة أو تجربة أو قول عارف أو نحو ذلك بل قد يقوى الاكتفاء بالخوف الذي لا يعتبر في صدقه عرفا حصول الظن كما هو مقتضى تعليق الحكم على الخوف في إطلاق المحكي عن الأكثر، بل لعله المراد من الظن في القواعد و الدروس و اللمعة، نعم نص شارح الأخير على عدم كفاية مجرد الاحتمال، فأوجب الصوم مع اشتباه الحال، لثبوته في الذمة فيستصحب ما لم يعلم مسقطة، و هو العلم بالضرر أو ظنه، و فيه ان الأصل براءة الذمة إلى ان يحصل القطع، و صوم كل يوم عبادة متجددة، و التمسك بإطلاق أدلة الصوم ليس بأولى من التمسك بإطلاق الآية و النصوص، مضافا إلى تعليق الحكم على الخوف في

صحيح حريز(4)عن الصادق عليه السلام «الصائم إذا خاف على عينه من الرمد أفطر»

و دعوى إرادة الظن منه لا شاهد عليها، كما أنه


1- 1 سورة البقرة- الآية 180.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 19- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.

ج 16، ص: 347

لا مقتضي لها، بل منافية لنفي الحرج في الدين، و إرادة الله بالناس اليسر دون العسر، و سهولة الملة و سماحتها، نعم يعتبر فيه كونه خوفا معتدا به لا نحو الناشئ من الأوهام السوداوية، و كذا الكلام في غير المقام المشترك معه في كون المدرك حسن التجنب عن كل ما فيه خوف، بل ربما كانت النفوس مجبولة عليه من غير اعتبار للظن، بل ربما لا يمكن حصوله في كثير من المقامات، كما هو واضح، و الله العالم.

و على كل حال فإذا بان عدم الضرر لم يكن عليه إثم في إفطاره لتعبده بظنه انما الكلام في الصحة لو صام بزعم عدم الضرر فبان خلافه، فيحتمل عدمها، لعدم الأمر له في الواقع به و إن تخيل هو الأمر، ضرورة كونه حينئذ كالحائض التي لم تعلم بحيضها، و المسافر الذي لم يعلم بسفره، و دعوى ان الفساد هنا للنهي عن التغرير بالنفس مثلا، و ليس في الفرض، لتخيل عدم الضرر، يدفعها منع كون الفساد لذلك، بل لظهور أدلة المقام في إخراج هذا الموضوع عن الأوامر بل و إدخاله في المنفي عنه الصوم واقعا، و يحتمل الصحة، لتعليق الحكم في صحيح حريز(1)على الخوف المفروض انتفاؤه، فيكون حينئذ مأمورا، و الأمر يقتضي الاجزاء، و تعليقه في غيره على الضرر المنصرف إلى الواقع لا يجدي بعد الصحيح المزبور الذي هو بمنزلة المقيد له، و يكون الحاصل حينئذ من

المجموع انه إذا خاف الضرر وجب الإفطار عليه، و لعل ذا لا يخلو من قوة.

و كيف كان فقد ظهر لك أن المدار في الإفطار على خوف الضرر من غير فرق بين المريض و الصحيح في ذلك، لإطلاق

قوله عليه السلام (2): «كل ما أضر به الصوم فالإفطار له واجب»

و لأنه المناسب لمقتضى سهولة الملة و سماحتها، و إرادة


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 20- من أبواب من يصح منه الصوم- الحديث 2.

ج 16، ص: 348

الله اليسر بالناس دون العسر، و لظهور النصوص في أن المبيح للفطر في المريض الضرر، فلا يتفاوت بين الصحيح و المريض معه، لكن تردد في المنتهى في الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام من ذلك، و من عموم الأمر بالصوم السالم عن معارضة المرض، و فيه ما لا يخفى خصوصا بعد ما عرفت من عدم مدخلية المرض، و إلا لأبيح له الإفطار مع عدم الضرر، و هو معلوم البطلان نصا و فتوى بل المدار على الضرر الذي لا تفاوت فيه بين الصحيح و المريض الذي من أقسامه من يخشى حدوث مرض آخر بالصوم الذي هو كالصحيح الذي يخاف المرض بالصوم و بالجملة فالعمدة اشتراك الصحيح و المريض في معظم المدارك المسوغة للإفطار كما هو واضح، و الله أعلم.

[مسألتان]

مسألتان:

[المسألة الأولى البلوغ الذي تجب معه العبادات]

الأولى البلوغ الذي تجب معه العبادات و تصح معه المعاملات الاحتلام أي خروج المني من الذكر و الأنثى في اليقظة أو النوم بالجماع أو غيره أو الإنبات للشعر الخشن على العانة أو بلوغ خمس عشرة سنة في الرجال على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرة عظيمة، خلافا لابن الجنيد فاكتفى ببلوغ الأربع عشر و لا ريب في ضعفه و ضعف غيره من الأقوال المحكية في المقام على فرض ثبوتها، أو بلوغ تسع سنين في النساء كما بينا ذلك كله و غيره على وجه لم نسبق إليه في كتاب الحجر مفصلا عند تعرض المصنف له، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الثانية يستحب للولي أن يمرن الصبي و الصبية على الصوم]

المسألة الثانية يستحب للولي أن يمرن الصبي و الصبية على الصوم و غيره من العبادات قبل البلوغ و يعودا عليه سواء قلنا بشرعية عبادتهما أولا عند تمييزهما على وجه يمكن حصول الصورة منهما، و في المتن و محكي القواعد و التحرير و غيرهما و يشدد عليهما لسبع مع الطاقة (11) و مقتضاه حصول التمرين قبلها، و هو جيد إذا فرض حصول التميز و الطاقة قبلها، و في المعتبر و يؤخذ الصبي

ج 16، ص: 349

بالصوم إذا بلغ ست سنين و أطاق الصوم استحبابا، و في

صحيح زرارة و الحلبي و حسنهما(1)عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل «عن الصلاة على الصبي متى يصلى عليه؟ فقال: إذا عقل الصلاة، قلت: متى تجب الصلاة عليه؟ قال: إذا كان ابن ست سنين، و الصيام إذا أطاقه»

و خبر سماعة(2)«سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال: إذا قوي على الصيام»

لكن في اللمعة و النافع أنه يمرن الصبي لسبع، و لعله ل

حسن الحلبي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فان كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش أفطروا حتى يتعودوا الصيام و يطيقونه فمروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطش أفطروا»

و فيه- مع اشتماله على التفرقة بين صبيانهم (عليهم السلام) و صبيان غيرهم الذين هم محل البحث، و لذا و

المرسل (4)عن الصادق عليه السلام «الصبي يؤخذ بالصيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فإن أطاق إلى الظهر أو بعده صام إلى

ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع و العطش أفطر»

علق التمرين في النهاية كالمحكي عن ابني بابويه على الطاقة و التسع- انه يمكن أن يكون ذلك مبنيا على ما هو الغالب من الفرق بين صبيانهم (عليهم السلام) و صبيان غيرهم في شدة التمييز و الطاقة الذين هما المدار في التمرين، و يشتد باشتدادهما، و ربما كان في المحكي عن المبسوط نوع إيماء إلى ذلك، قال: «و يستحب أخذه أي الصبي بذلك إذا أطاقه، و حد ذلك بتسع سنين فصاعدا، و ذلك بحسب حاله في الطاقة» هذا كله


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب صلاة الجنازة- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 11.

ج 16، ص: 350

بناء على تفرقة الرواية بين صبيانهم (عليهم السلام) و صبيان غيرهم، أما على كونها بالسبع فيهما كما رواها في المختلف فهي دالة على استحباب التمرين للسبع، كما سمعته من بعضهم.

و على كل حال فالتحقيق الذي يجتمع عليه الأدلة ما ذكرنا، و لا ينافيه

صحيح معاوية بن وهب (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصيام؟ فقال: ما بينه و بين خمس عشرة سنة و أربع عشرة سنة، فان هو صام قبل ذلك فدعه، و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته»

ضرورة عدم المنافاة بين الأخذ في هذا الوقت و بين الأمر به قبل هذا الوقت، مع احتمال

كون المراد الأخذ الشرعي دون التمريني على أن يكون المراد أنه يؤخذ به إذا بلغ، و يحصل البلوغ بالاحتلام و نحوه في إحدى السنتين غالبا، فتأمل جيدا، و من الغريب ما عن الشارح من أن مقتضى هذه الرواية عدم تحديد مبدأ وقت التمرين، إذ فيه أنه لو كان كذلك لم يبق ل

قوله عليه السلام: «فان هو صام قبل ذلك فدعه»

و كذا

قوله (عليه السلام): «و لقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته»

فائدة و أما ما رواه

السكوني (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا أطاق الغلام صوم ثلاثة أيام متتابعة فقد وجب عليه صيام شهر رمضان»

فلم أجد من افتى به سوى ما يحكى عن المقنعة من انه يؤخذ الصبي بالصيام إذا بلغ الحلم أو قدر على صيام ثلاثة أيام متتابعات قبل ان يبلغ الحلم، و لعل المتجه حمله على شدة التشديد عليه إذا كان كذلك.

و قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا فرق في استحباب التمرين بين الصبي و الصبية على الوجه الذي ذكرنا، ضرورة اشتراكهما في حكمته التي أومأ إليها حسن الحلبي


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب من يصح منه الصوم الحديث 5.

ج 16، ص: 351

و في المدارك أنه قطع الأصحاب باستحباب تمرينها قبل البلوغ، و التشديد عليها للسبع، لكن قال: «و لا ريب في استحباب التمرين إلا أن تعيين مبدئه يتوقف على الدليل» قلت: قد يعرف الحال فيها مما سمعته في الصبي.

و على كل حال فقد قيل إنه يتخير في الصوم الواجب و غيره من كل عبادة واجبة يمرن عليها بين نية الوجوب و الندب، فالوجوب لأن الغرض التمرين على الفعل الواجب، و الندب لعدم وجوبه عليه، و في الروضة انه قد ذكر ذلك المصنف و غيره، قلت: لكن في البيان رجح الوجوب، قال: «و ينوي الصبي الوجوب، و لو نوى الندب جاز» و في الذكرى «و هل ينوي الوجوب أو الندب؟

الأجود الأول ليقع التمرين موقعه» و قال: «و يكون المراد بالوجوب في حقه ما لا بد منه يعني و لو تمرينا، أو المراد به الواجب على المكلف، و يمكن الثاني لعدم وجه الوجوب في حقه» و في الروضة «أن الندب أولى» و عن العلامة انه اقتصر عليه و اختاره بعض المتأخرين، لأنه لا معنى لأفعل شيئا لوجوبه على غيره، و لا معنى للوجوب التمريني إلا الأولوية المتحققة في الندب أو الوجوب العقلي، لقبح مخالفة الأمر من والد و نحوه عقلا، و لا عبرة به إذا خالف الشرع و لا يجدي كون الغرض التمرين على فعل الواجب، فان التمرين عليه لا يستلزم التمرين على إيقاعه لوجهه، على أن الغرض من التمرين تسهيل التكليف عليه لتعوده به، و لا صعوبة في النية ليمرن عليها، بل الأولى أن لا ينوي إلا القربة، فإن الندب أيضا لا معنى له في حقه، فإن الأحكام الشرعية كلها متساوية في انتفائها من غير المكلف، فكما لا وجوب عليه شرعا لا ندب بالنسبة اليه، إلا أن يمنع عدم خطاب المميز بالمندوبات، فإنها باعتبار ما ليست مكلفا بها، و معنى رفع القلم انما هو رفع قلم الإيجاب و رفع المؤاخذة، فإن من البين كونه يثاب بفعل الطاعات بل ذلك متعين بناء على شرعية عبادات الطفل على جهة الندبية، و لا ينافيه كون

ج 16، ص: 352

الحكمة في ذلك التمرين، ضرورة كون المراد منه التمرين على نفس الأفعال لا نياتها كما هو واضح، نعم بناء على التمرينية قد يتجه ذلك، لكون الأتم فيه نية الوجوب في الواجب، و الندب في المندوب، و دعوى أنه لا معنى للوجوب التمريني إلا الأولوية المتحققة في الندب أو الوجوب العقلي، لقبح مخالفة الأمر من والد و نحوه عقلا، و لا عبرة به إذا خالف الشرع، يدفعها بعد الإغضاء عما فرضه من مخالفة الشرع لما حكم العقل بقبح مخالفته أن المراد منه التشبه بالبالغين بابراز الصورة الصادرة منهم، كما هو واضح، و الله اعلم.

[النظر الثاني في أقسامه]

اشاره

النظر الثاني في أقسام الصوم أي مطلق الصوم الشامل للصحيح و الفاسد و هي أربعة: واجب و ندب و مكروه كراهة عبادة و محظور و لو للتشريع،

[أما الواجب]
اشاره

أما الواجب ف ستة باستقراء الأدلة الشرعية، و الإجماع بقسميه، الأول صوم شهر رمضان و الثاني صوم الكفارات التي سيأتي تفصيلها إن شاء الله و الثالث صوم بدل دم المتعة في الحج و الرابع صوم النذر و ما في معناه (11) من العهد و اليمين و نحوهما و (12) الخامس صوم الاعتكاف على وجه (13) كالنذر و اعتكاف يومين الموجب لاعتكاف ثالث و (14) السادس صوم قضاء الواجب.

[القول في شهر رمضان]
اشاره

القول في شهر رمضان (15) و الكلام في علامته و شروطه و أحكامه،

[أما الأول في علامته]

أما الأول ف (16) لا إشكال و لا خلاف بيننا في أنه يعلم الشهر برؤية الهلال (17) و حينئذ فمن رآه وجب عليه الصوم و لو انفرد، و كذا لو شهد فردت شهادته، و كذا يفطر لو انفرد ب (18) رؤيته هلال شوال (19) كل ذلك لصدق الرؤية المأمور بالصوم و الإفطار لها، و صدق شهادة الشهر، و للسنة المستفيضة أو المتواترة، و الإجماع بقسميه، خلافا لما عن بعض العامة من عدم صوم المنفرد و فطرة إلا في جماعة الناس، و هو محجوج بالكتاب و السنة و الإجماع

ج 16، ص: 353

و أما من لم يره ف لا يجب عليه الصوم للأصل و ظاهر كثير من النصوص إلا أن يمضي من شعبان ثلاثون يوما فيجب الصوم حينئذ إجماعا أو ضرورة من الدين أو يرى رؤية شائعة على وجه تفيد العلم الذي هو مدار التكاليف، فيجب الصوم حينئذ بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة عدم اعتبار الزائد على ذلك، نعم إن لم يكن الشياع على الوجه المزبور بل كان مفيدا للظن كان المتجه عدم الاجتزاء به، للأصل السالم عن المعارض، و ظاهر النصوص، خلافا للفاضل في التذكرة فاكتفى به، لمساواة الظن الحاصل من شهادة العدلين، بل حكاه في المدارك عن الشارح و غيره، قال:

و احتمل في موضع من الشرح اعتبار زيادة الظن على ما يحصل منه بقول العدلين ليتحقق الأولوية المعتبرة في مفهوم الموافقة، إلا أن ذلك كله كما ترى، ضرورة توقفه على كون الحكم بقبول شهادة العدلين معللا بإفادتها الظن ليتعدى إلى ما يحصل به ذلك، و ليتحقق الأولوية المذكورة، و ليس في النص ما يدل على هذا التعليل، و انما هو مستنبط، فلا عبرة به، مع أن اللازم من اعتباره الاكتفاء بالظن الحاصل من القرائن إذا ساوى الظن الحاصل من شهادة العدلين أو كان أقوى، و هو باطل إجماعا، فلا دليل له حينئذ سوى معلومية الاكتفاء بالعلم في جميع التكاليف، فيكون الأمر دائرا مداره، و ما أطنب به في الحدائق- من الاستدلال عليه لصحيح محمد بن مسلم (1)و موثق عبد الله بن بكير(2)و خبر أبي

العباس (3)و خبر إبراهيم بن عثمان الخزاز(4)التي سيمر عليك بعضها المشتملة على تفسير الصوم للرؤية بما يؤل إلى الشياع- لا دلالة فيه على غير المفيد للعلم كما اعترف هو به، لعدم ذكر لفظ الشياع فيه نفسه حتى يستند إلى صدقة بدعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 12.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 10.

ج 16، ص: 354

شموله للأعم، و كذا الاستدلال عليه بخبر سماعة(1)المشتمل على الأمر بالصوم إذا رآه أهل المصر و كانوا خمسمائة، و خبر عبد الحميد الأزدي (2)و خبري أبي الجارود(3)المشتملة على الأمر بذلك و بالصوم بصوم الناس و الفطر بفطرهم إن لم نحملها على إرادة الصوم بصوم العامة و الإفطار بفطرهم للتقية، و على كل حال لا دلالة فيها على غير ما عرفت، و حينئذ لا ينحصر المخبرون في عدد، و لا يفرق في ذلك بين خبر المسلم و الكافر و الصغير و الكبير الذكر و الأنثى كما قرر في حكم التواتر، ضرورة كون المدار على حصول العلم الذي تدور معه التكاليف.

و كيف كان فان لم يتفق ذلك و شهد شاهدان عدلان قيل و لكن لم نعرف القائل لا تقبل، و قيل و القائل الصدوق و الشيخ و بنو زهرة و حمزة و البراج و أبو الصلاح تقبل مع العلة خاصة، و مع عدمها يعتبر الخمسون، نعم في

عباراتهم خلاف بالنسبة إلى داخل المصر و خارجه، ففي المختلف عن المقنع «و اعلم انه لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و يجوز شهادة رجلين عدلين إذا كانوا من خارج البلد، أو كان بالمصر علة» و مقتضاه قبول شهادتهما مع الخروج عن البلد مطلقا، لكن في شرح الأصبهاني للمعة أن الموجود فيما عندنا من نسخ المقنع بالواو، ثم قال: و لعلها أوضح، لأن الظاهر أنه أفتى بلفظ خبر حبيب الجماعي (4)و قد ذكره تماما من غير تغيير، و قال في محكي المبسوط ما حاصله: «إنه مع العلة تقبل شهادتهما من


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5 و المستدرك- الباب- 9- منها- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 13.

ج 16، ص: 355

البلد و خارجه، و بدونها لا يقبل إلا شهادة القسامة خمسين رجلا من البلد أو خارجه» و نحوه عن ابني زهرة و حمزة، و قال في محكي الخلاف: «لا يقبل في هلال رمضان إلا شهادة شاهدين، فأما الواحد فلا تقبل منه، هذا مع الغيم، فأما مع الصحو فلا يقبل فيه إلا خمسون قسامة أو اثنان من خارج البلد» و قال في محكي النهاية: «إن كان في السماء علة لم يثبت إلا بشهادة خمسين رجلا من أهل البلد أو عدلين من خارجه، و إن لم يكن هناك علة و طلب فلم ير لم يجب الصوم إلا أن يشهد خمسون من خارج البلد أنهم رأوه» و كذا عن ابن البراج، لكن من المعلوم إرادتهم اعتبار الخمسين إذا لم يحصل الشياع بالأقل، و إلا أجزأ قطعا، كما هو واضح.

و قيل و القائل المشهور تقبل مطلقا سواء كان في السماء علة أو لا و هو الأظهر سواء كانا من البلد أو خارجه لا طلاق ما دل على قبولهما، و خصوص المعتبرة المستفيضة، ك

صحيح الحلبي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «ان عليا عليه السلام كان يقول: لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»

و صحيح منصور ابن حازم (2)عنه عليه السلام أيضا أنه قال: «صم لرؤية الهلال و أفطر لرؤيته، فإن شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه»

و صحيح عبد الله الحلبي (3)عنه عليه السلام أيضا، قال علي عليه السلام: «لا تقبل شهادة النساء في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»

و صحيح الشحام (4)عنه عليه السلام أيضا سأله عن الأهلة فقال: «هي أهلة الشهور، فإذا رأيت الهلال فصم، و إذا رأيته فأفطر، فقلت:

أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم قال: لا إلا أن تشهد


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.

ج 16، ص: 356

لك بينة عدول، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم»

إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بغيرها التي لا معارض لها سوى

خبر إبراهيم بن عثمان الخزاز(1)عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قلت له: كم يجزي في رؤية الهلال؟ فقال: إن شهر رمضان فريضة من فرائض الله فلا تؤدوه بالتظني، و ليس رؤية الهلال أن تقوم عدة، فيقول واحد: قد رأيته و يقول الآخرون لم نره، إذا رآه واحد رآه مائة، و إذا رأوه مائة رآه ألف، و لا يجوز في رؤية الهلال إذا لم يكن في السماء علة أقل من شهادة خمسين، و إذا كان في السماء علة قبلت شهادة رجلين يدخلان و يخرجان من مصر»

و خبر حبيب الجماعي (2)قال:

أبو عبد الله عليه السلام: «لا تجوز الشهادة في رؤية الهلال دون خمسين رجلا عدد القسامة، و انما تجوز شهادة رجلين إذا كانا من خارج المصر و كان بالمصر علة فأخبرا أنهما رأياه، و أخبرا عن قوم صاموا للرؤية»

الذين ردهما في المعتبر بأن اشتراط الخمسين لم يوجد في حكم سوى قسامة الدم، ثم لا يفيد اليقين بل قوة الظن، و هي تحصل بشهادة العدلين إلى ان قال: «و بالجملة فإنه مخالف لعمل المسلمين كافة، فكان ساقطا» و في محكي المنتهى بالمنع من صحة السند، و لعله لما قيل من أن في طريق الأولى العباس بن موسى و هو غير معلوم الحال و إن كان الظاهر أنه الوراق الثقة الذي هو من أصحاب يونس بقرينة روايته عنه هنا، و في يونس كلام، و جهالة

حبيب في سند الثانية، و في محكي المختلف بالحمل على عدم عدالة الشهود، و حصول التهمة في أخبارهم، و ظني و الله اعلم انهما تعريض لما في يد العامة من الاجتزاء بشهادة رجلين في الصحو مع القطع بكذبهما باعتبار عدم العلة في الرائي و المرئي و كثرة المتطلعين و غير ذلك.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 13.

ج 16، ص: 357

و على كل حال فلا ريب في سقوطهما في مقابلة ما عرفت، لكن أطنب في الحدائق و ظن انه قد جاء في الباب بما لم يلم به احد من الأصحاب، و هو الجمع بين هذين الخبرين و بين غيرهما من النصوص الدالة على الاجتزاء بشهادة الشاهدين بأنه لا بد من العلم مع عدم العلة من الغيم و نحوه، و لا يجزي التظني و إن كان من شهادة العدلين، و هذا هو الذي أشاروا (عليهم السلام) اليه ب

قولهم (1): إذا رآه الواحد رآه عشرة، و إذا رآه مائة،

و ليس معنى رؤيته ان يقوم واحد من العشرة فيقول: رأيته يقول التسعة لم نره، نعم لو كان هناك غيم أو نحوه اجتزي بالشاهدين، لإمكان اختصاصهما حينئذ بالرؤية دون غيرهما، بل لعل اعتبار كونهما من خارج البلد جريا مجرى الغالب، لأنهما لو كانا قد رأياه و هما من أهل البلد لرآه غيرهما أيضا بخلاف الخارجين، كما ان اعتبار الخمسين في

الخبرين ليس إلا لإرادة حصول العلم، و نصوص الاجتزاء بالشاهدين ليس فيها إلا الإهمال المتحقق في حال الغيم، و على تقدير الإطلاق فهو مقيد بالخبرين المزبورين، إلا أن ذلك جميعه كما ترى، إذ هو مع إمكان تحصيل الإجماع المركب بخلافه واضح الضعف من وجوه، خصوصا بعد ما عرفت من أن مبنى تلك النصوص الإنكار على ما هو متعارف عند العامة من الشهادة على الهلال زورا، و انه يجي ء الواحد منهم فيقول: رأيته من بين الجم الغفير، بل ربما ادعى رؤيته في غير إمكانها كما لا يخفى على من له علم بأحوالهم و فساد مذهبهم فخرجت هذه النصوص مخرج الإنكار عليهم لا لبيان عدم الاجتزاء بالشاهدين العدلين اللذين قد اكتفى الشارع بهما في جميع الموضوعات التي فيها ما هو أعظم من رؤية الهلال بمراتب كالدماء و نحوها، فلا ينبغي التوقف في ذلك و لا الإطناب في فساد ما يخالفه.


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 10 و 11.

ج 16، ص: 358

و الظاهر من النص و الفتوى الاجتزاء بهما من غير اعتبار لحكم الحاكم بشهادتهما، بل لكل من قامت الشهادة عنده الصوم و الإفطار بعد فرض إحراز العدالة تمسكا بإطلاق الأدلة، بل قال الصادق عليه السلام في

صحيح منصور بن حازم (1)«فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه»

و في

صحيح الحلبي (2)و قد قال له: «أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم:

قال: لا، إلا ان تشهد لك بينة عدول، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم»

بل الظاهر من إطلاقهما الاجتزاء بهما و إن ردهما الحاكم لعدم تحقق عدالتهما أو نحو ذلك مما لم يكن كذلك عند غيره ممن شهدوا عنده.

و لو اختلف الشاهدان في صفة الهلال بالاستقامة و الانحراف و نحو ذلك مما يقتضي اختلاف المشهود عليه بطلت شهادتهما، و لا كذلك لو اختلفا في زمان الرؤية مع اتحاد الليلة، و لو شهد أحدهما برؤية شعبان الاثنين و شهد الآخر برؤية رمضان الأربعاء احتمل القبول لاتفاقهما في المعنى، و عدمه لأن كل واحد يخالف الآخر في شهادته، و لم يثبت أحدهما، و لعل الأول أقوى، هذا، و في المدارك لا يكفي قول الشاهد اليوم الصوم أو الفطر، بل يجب على السامع الاستفصال، لاختلاف الأقوال في المسألة، فيجوز استناد الشاهد إلى سبب لا يوافق مذهب السامع، نعم لو علمت الموافقة أجزأ الإطلاق كما في الجرح و التعديل، و قد يناقش بأن مقتضى شهادته كونه كذلك واقعا، و هو لا اختلاف فيه، و لذا لم يجب استفصاله في الشهادة بالملك و الغصب و النجاسة و نحوها مما هي مختلفة الأسباب أيضا، و كذلك الجرح و التعديل و إن ظهر منه المفروغية من وجوب استفصال الشاهد بهما، و لعل الأمر بالعكس كما يشهد له الاكتفاء بما


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 9.

ج 16، ص: 359

يذكره علماء الرجال فيهما، بل السيرة من العلماء و غيرهم على عدم استفصال الشاهد إذا شهد بالفسق أو العدالة، و ما ذاك إلا لما ذكرناه، فتأمل جيدا.

ثم إن الظاهر ثبوت الهلال بالشهادة على الشهادة، لإطلاق أو عموم ما دل على قبولها، و لأن الشهادة حق لازم الأداء، فيجوز الشهادة عليه كسائر الحقوق خلافا للفاضل في المحكي عن تذكرته فلم يثبته بها بل أسنده فيها إلى علمائنا مستدلا عليه بأصالة البراءة، و اختصاص مورد القبول بالأموال و حقوق الآدميين و فيه بعد انقطاع الأصل بما عرفت ان اختصاص مورد القبول بذلك لا يقتضي تخصيص العموم، كما أن الظاهر ثبوته بحكم الحاكم المستند إلى علمه، لإطلاق ما دل على نفوذه و أن الراد عليه كالراد عليهم (ع) من غير فرق بين موضوعات المخاصمات و غيرها كالعدالة و الفسق و الاجتهاد و النسب و نحوها، و في المدارك و لأنه لو قامت عنده البينة فحكم بذلك وجب الرجوع إلى حكمه كغيره من الأحكام و العلم أقوى من البينة، و لأن المرجع في الاكتفاء بشهادة العدلين و ما يتحقق به العدالة قوله، فيكون مقبولا في جميع الموارد، و مقتضاه المفروغية من الثبوت بحكمه المستند إلى شهادة العدلين، و حينئذ يتجه الاستدلال به في المقام، ضرورة كون المستند في الثبوت عند الغير في المشبه به ليس إلا حكمه الحاصل في الفرض، إذ شهادة الشاهدين عنده ليس شهادة عند غيره، و الحصر في

قوله عليه السلام (1): «لا أجيز في رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين»

مراد منه بالنسبة إلى الشهادة بمعنى اني لا أجيز في الشهادة على رؤية الهلال إلا شهادة رجلين عدلين لا فاسقين أو مجهولين كما هو عند العامة، و لا عدل واحد لا أن المراد عدم ثبوته إلا بذلك ضرورة ثبوته بالشياع و بالحكم بالبينة و بغير ذلك، فاحتمال العدم حينئذ للخبر المزبور- الذي هو بعد الإغضاء عما ذكرناه معارض لما (بما ظ) دل على قبول حكمه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.

ج 16، ص: 360

من وجه، و لا ريب في رجحانه عليه من وجوه- في غاية الضعف، و أضعف منه الاستناد إلى عدم ثبوت عموم حكم الحاكم لما يشمل ذلك، انما المسلم منه في خصوص موضوعات المخاصمة دون غيرها، إذ هو كما ترى مناف لإطلاق الأدلة، و تشكيك فيما يمكن تحصيل الإجماع عليه، خصوصا في أمثال هذه الموضوعات العامة التي هي من المعلوم الرجوع فيها إلى الحكام، كما لا يخفى على من له خبرة بالشرع و سياسته، و بكلمات الأصحاب في المقامات المختلفة، فما صدر من بعض متأخري المتأخرين من الوسوسة في ذلك من غير فرق بين حكمه المستند إلى علمه أو البينة أو غيرهما لا ينبغي الالتفات اليه، لما عرفت من ثبوت الهلال بذلك، بل الظاهر عدم الفرق في ذلك بين الحاكم الآخر و غيره،

فيجب الصوم أو الفطر على الجميع، نعم لو قال: اليوم الصوم أو الفطر من غير تصريح بكونه لرؤية أو شهادة ففي الدروس في وجوب استفساره على السامع ثلاثة أوجه، ثالثها إن كان السامع مجتهدا استفسره، قلت: قد يقوى في النظر عدم وجوب استفساره، ضرورة كون ذلك منه حكما، فيجب اتباعه به، لإطلاق ما دل عليه.

و كيف كان ف إذا رؤي الهلال في البلاد المتقاربة كالكوفة و بغداد و نحوهما مما لم تختلف فيه المطالع وجب الصوم على ساكنيها اجمع بلا خلاف و لا إشكال بعد

قول الصادق عليه السلام في صحيح منصور(1): «فان شهد عندك شاهدان مرضيان بأنهما رأياه فاقضه»

و في

صحيح هشام (2)فيمن صام تسعة و عشرين يوما «إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤيته قضى يوما»

و غيرهما من النصوص دون البلاد المتباعدة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 13.

ج 16، ص: 361

كالعراق و خراسان و نحوهما مما علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل، فلا يجب الصوم و لا القضاء بل يلزم حيث رؤي للأصل بعد انصراف النصوص إلى غير الفرض، لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون، إما لعدم كروية الأرض بل هي مسطحة، فلا تختلف المطالع حينئذ، و إما لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء، و ربما يومي إلى ذلك- مضافا إلى الإطلاق المزبور، خصوصا صحيح هشام المشتمل على النكرة الشائعة المتناولة للجميع على البدل-

قوله عليه السلام في الدعاء(1): «و جعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا»

و عدم اتفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقية و الغربية في ذلك، و لعله لذا قال في الدروس بعد نسبة ما في المتن إلى قول الشيخ: و يحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية و إن تباعدت، للقطع بالرؤية عند عدم المانع، بل ظاهر المحكي عن المنتهى اختياره في أول كلامه، لكن قال في آخره: و بالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع و عدم طلوعه في بعضها للتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو أحكامهما، أما بدون ذلك فالتساوي هو الحق، و استجوده في المدارك، و يمكن أن لا يكون كذلك، ضرورة عدم اتفاق العلم بذلك عادة، فالوجوب حينئذ على الجميع مطلقا قوي، و

حينئذ يسقط ما ذكره في الدروس من التفريع بما لو رأى الهلال في بلد و سافر إلى آخر يخالفه إلى (في ل ظ) حكمه انتقل حكمه إليه، فيصوم زائدا أو يفطر على ثمانية و عشرين يوما، حتى لو أصبح معيدا ثم انتقل أمسك، و لو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل ففي جواز الإفطار نظر، أي لو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر إلى بلد بعيدة مشرقية قد رؤي الهلال فيها ليلة السبت أو بالعكس صام في الأول أحد و ثلاثين يوما، و يفطر في الثاني على ثمانية و عشرين يوما، و لو أصبح


1- 1 و هو من جمل دعاء السمات.

ج 16، ص: 362

معيدا ثم انتقل ليومه و وصل قبل الزوال أمسك بالنية و أجزأه، و لو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء، و لو أصبح صائما للرؤية احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم، و عدمه لتحقق الرؤية، و سبق التكليف بالصوم، ضرورة سقوط ذلك كله على المختار، لكن في الدروس انه لو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى، و في المدارك انه لا ريب في ذلك، لأن المسألة قوية الإشكال، قلت:

لكن يسهل الخطب ندرة وقوع شي ء من الفروض السابقة، و الله أعلم.

و لا يثبت الهلال بشهادة الواحد على الأصح خلافا لسلار فاجتزأ في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم دون حلول الأجل و نحوه بشهادة العدل الواحد، ل

قول أبي جعفر عليه السلام في خبر محمد بن قيس (1)قال أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل، و إن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم أفطروا»

لكن مع ندرة خلافه، بل يمكن دعوى استقرار الإجماع بعده بل و قبله على ذلك، و كون خبره في شوال، مضافا إلى الطعن في سنده باشتراك محمد بن قيس بين الثقة و الضعيف، و إن كان قد يدفع بأنه هنا البجلي الثقة بقرينة كون الراوي عنه يوسف بن عقيل، و في دلالته بصحة إطلاق لفظ العدل على الواحد فما زاد، لأنه مصدر يقع على القليل و الكثير، فيقال رجل عدل و رجلان عدل و رجال عدل، و اضطرابه لأن الشيخ رواه في الاستبصار بطريقين أحدهما ما سمعت، و الثاني «إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه بينة عدل من المسلمين» و في التهذيب بطريقين أيضا، أحدهما ما سمعت، و الثاني «إذا رأيتم الهلال فأفطروا و أشهدوا عليه عدولا من المسلمين» و قصوره عن معارضة المعتبرة المستفيضة لعدم الاكتفاء بما دون العدلين من وجوه لا ينبغي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.

ج 16، ص: 363

الالتفات اليه، كما هو واضح.

و كذا لا يثبت بشهادة النساء منفردات و منضمات إلى الرجال إجماعا بقسميه و نصوصا(1)و كذا لا اعتبار في ثبوته بالجدول الذي هو

حساب مخصوص عند المنجمين مأخوذ من مسير القمر و اجتماعه مع الشمس، لاستفاضة النصوص (2)في عدم ثبوت دخول الشهر إلا بالرؤية أو مضي ثلاثين يوما من الشهر السابق، على ان أكثر أحكام التنجيم من الحدس الذي خطأه أكثر من صوابه، بل هم لا يثبتون أول الشهر على وجه لزوم الرؤية بذلك و انما هو على معنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب و غيرها، و يعترفون بأنه لا يمكن رؤيته، و انما يظنون في بعض الأحوال مقارنة الرؤية للتأخر المفروض، فقد يخطئ و قد يصيب، فضبط الحساب المزبور و كونه كأيام الأسبوع عندنا و أنه من القطعيات و ليس من أحكام المنجمين لا تقتضي تحقق الرؤية به التي يظنها المنجم بسبب التأخر المزبور و حينئذ فما عن بعض الجمهور و شاذ منا لم نتحققه- من الثبوت به، لقوله تعالى (3)«وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ» و بأن الكواكب و المنازل يرجع إليها في القبلة و الأوقات التي هي أمور شرعية- واضح الضعف، ضرورة تحقق الاهتداء بالنجم بمعرفة الطرق و مسالك البلدان و معرفة الأوقات و نحو ذلك، و ان الذي يرجع إليه في الوقت و القبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في أكثر الأوقات الذين مما

ورد(4)فيهم «من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان.
3- 3 سورة النحل- الآية 16.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.

ج 16، ص: 364

(صلى الله عليه و آله)»

و كذا لا اعتبار بالعدد المراد به هنا ما صرح به المصنف في المحكي عن معتبره من عد شعبان ناقصا ابدا و شهر رمضان تاما ابدا الذي يكذبه الوجدان، و النصوص الصحيحة الصريحة، ك

قول الصادق عليه السلام في صحيح حماد بن عثمان(1): «شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان»

و قال له عليه السلام الحلبي (2)في الصحيح أيضا: «أ رأيت إن كان الشهر تسعة و عشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال: لا إلا ان تشهد لك بينة عدول، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم»

و قال أبو جعفر عليه السلام في صحيح ابن مسلم (3): «إذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها غيرها من النصوص (4)المنسوبة إلى أهل البيت (ع) التي جميعها أو أكثرها لا يخلو من ضعف و إن تكثر عددها و اشتملت على القسم بالله، خصوصا بعد إعراض الأصحاب عنها، بل في محكي المعتبر أن عمل المسلمين على خلافها، بل لو ص ح سندها لوجب تأويلها بما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار أو بغيره أو طرحها بعد منافاتها للوجدان و المشاهد بالعيان، فما

عن قوم من الحشوية كما في المعتبر من العمل بها لا ينبغي أن يلتفت اليه، و لعل المراد بها- سيما المشتمل منها على القسم بالله على ان شهر رمضان لا ينقص- التعريض بما يستعمله المخالفون في هذه الأزمنة من نقصان يوم أو يومين بدعوى رؤية الهلال على وجه هم يعلمون كذبها، و لذلك لم يوفقوا لعيد فطر و لا لأضحى ابدا،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 9.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 24 إلى 30.

ج 16، ص: 365

فمن الغريب ما عن المفيد في بعض كتبه من القول بالعدد، اللهم إلا ان يريد به عند غم الشهور الذي ستعرف الحال فيه، و أغرب منه ما في من لا يحضره الفقيه حيث انه- بعد ان ذكر جملة من الروايات الدالة على ذلك المشتركة في الضعف كما في المدارك- قال: «من خالف هذه الأخبار و ذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقي كما يتقي العامة و لا يتكلم إلا بالتقية كائنا من كان إلا ان يكون مسترشدا فيرشد و ببين له، فإن البدعة إنما تمات و تبطل بترك ذكرها، و لا قوة إلا بالله» و كأنه إليه أشار المصنف ببعض الحشوية، لكن لا ينبغي ترك الأدب معه، لأنه من أجلاء الطائفة و من خزان آل محمد صلى الله عليه و آله، فهو أعلم بما قال و إن صدر منه ما هو أعظم من ذلك من القول بجواز السهو على المعصومين (ع) و وقوعه الذي من ضرورة مذهب الشيعة خلافه، و نسأل الله العفو و العافية و المغفرة لنا و له، فإنه الغفور الرحيم الرؤف الحليم العليم الحكيم.

و كذا لا اعتبار بغيبوبة الهلال في ليلة الرؤية بعد الشفق في ثبوت كونه لليلة السابقة، لما عرفته من النصوص (1)المعتضدة بالعمل بل لعل الوجدان على انه قد يكون كذلك فيما هو معلوم انما هو هلال ليلته إذا كان الشهر تاما، خلافا للصدوق أيضا في المحكي من مقنعه، قال فيه: «اعلم ان الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة، و إن غاب بعد الشفق فهو لليلتين، و إن رؤي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال» و لعله ل

قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسماعيل بن الحر(2)«إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة، و إن غاب بعد الشفق فهو لليلتين»

الذي هو مع ضعفه معلوم القصور عن معارضة غيره من وجوه، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، مضافا إلى ما سمعته من دعوى


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.

ج 16، ص: 366

الوجدان الذي لا تصلح هذه الأخبار لمعارضته، و الله أعلم.

و كذا لا اعتبار برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال في ثبوت أنه لليلة الماضية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن تحصيل الإجماع معها، و لذا نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا إلا من شذ منهم، بل في الغنية دعواه على ذلك معللا له بأن من خالف من أصحابنا لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا اجمع من دون

إشارة إلى شذوذ المخالف و في الخلاف نسبته إلى الرواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) و ابن عمر و أنس، ثم قال: و لا مخالف لهم، فدل على انه إجماع الصحابة، و على كل حال فذلك هو الحجة بعد الأصل، و

خبر محمد بن عيسى (1)المعتضد بما عرفت، قال: «كتبت اليه جعلت فداك ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان فيرى من الغد الهلال قبل الزوال، و ربما رأيناه بعد الزوال، فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا كيف تأمر في ذلك؟ فكتب (عليه السلام) يتم إلى الليل، فإنه إن كان تاما رؤي قبل الزوال»

و المناقشة في سندها و جهالة المكتوب إليه واضحة السقوط بعد الانجبار بما عرفت، و معلومية كون المكتوب اليه هنا الامام (عليه السلام) و لو بالقرائن الموجودة في نفس الخبر المزبور، كسقوط دعوى طرحها باعتبار اضطرابها لكون المفروض في السؤال وقوع الاشتباه في شهر رمضان، و انه انما رؤي في غد تلك الليلة، و هو يوم الثلاثين من شعبان، و على هذا فالحكم بصوم ذلك اليوم يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال، و قول السائل فترى ان نفطر إلى آخره كالتعليل في الجواب يدل على ان الاشتباه في هلال شوال، و انه لا اعتبار برؤيته قبل الزوال في الحكم به لليلة الماضية، لأنه قد يتفق رؤية هلال الليلة اللاحقة قبل الزوال إذا كان الشهر تاما، فتكون مضطربة ساقطة في نفسها فضلا عن النظر


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.

ج 16، ص: 367

إلى معارضتها لغيرها، ضرورة كون المراد بهلال شهر رمضان هلال شوال توسعا و لو بقرينة ذيل الرواية، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة، و أغرب من ذلك دعوى دلالتها على الاعتبار بحمل

قوله (عليه السلام): «إن كان تاما»

إلى آخره على ان المراد الشهر المستقبل تاما رؤي هلاله قبل الزوال، إذ لا يخفى عدم مدخلية تمام الشهر المستقبل و نقصانه في رؤية الهلال قبل الزوال و عدمها، فقد يرى هلاله و إن كان ناقصا باعتبار تمامية الشهر الماضي كما هو واضح.

و

خبر جراح المدائني (1)عن الصادق (عليه السلام) «من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صيامه»

و المناقشة في سنده مدفوعة بما عرفت، و في دلالته بكونه مطلقا يحمل على المقيد و هو ما تسمعه مما دل على التفصيل يدفعها معلومية اعتبار المقاومة في الحمل المزبور، و هي مفقودة هنا من وجوه، و

المرسل (2)المروي عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس، كان ذلك في أول النهار أو في آخره،

و قال: لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية الهلال أو بشهادة شاهدين عدلين أنهما رأياه»

بل لا يخفى عليك ما فيه من الإشعار بأن المراد من إطلاق الرؤية الرؤية في الليل، و حينئذ تكون النصوص (3)المستفيضة أو المتواترة كما قيل الدالة على ان الصوم و الإفطار للرؤية دالة على المطلوب، ضرورة ظهورها أو صراحتها في حصر الطريق بذلك، على ان الأمر بالصوم فيها انما يكون قبل دخول وقت الصوم، إذ لو أمر به بعد مضي جزء من وقته فاما ان يتوجه إلى مجموع الوقت، أو إلى الليلة المستقبلة من النهار،


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.
2- 2 دعائم الإسلام ج 1 ص 333.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام شهر رمضان.

ج 16، ص: 368

و الأول باطل، لانتفاء المقدرة عليه، و كذا الثاني، لعدم كونه صوما شرعيا، فتعين كون المراد الأمر بصوم يوم ليلة الرؤية و إفطار يوم ليلتها.

و المناقشة في ذلك بأن ظهور لفظ الرؤية في الرؤية الشائعة المتعارفة لا يدل على عدم إرادة غيرها من اللفظ، و انما يقتضي ذلك القطع بإرادتها منه، و يتوقف إرادة الغير و عدمها على دليل يدل عليه، و مع فرضه لا يكون ذلك معارضا له، إذ كما لا يدل اللفظ على إرادة الرؤية الغير الشائعة فكذا لا يدل على عدم إرادتها، و ليس الظهور هنا بمنزلة ظهور اللفظ في المعنى الحقيقي، إذ ذاك يقتضي إرادته خاصة حذرا من لزوم المجاز، بخلافه هنا، فان المفروض دلالة اللفظ حقيقة عليهما

معا، إلا انه ينساق الى الذهن منهما الشائع المتعارف، فمع فرض دليل يدل على إرادة الآخر معه لا يكون منافيا له، فظهر لك ان المعنى الظاهر من اللفظ قسمان: أحدهما الموضوع له اللفظ، و ثانيهما الفرد الشائع من المعنى الموضوع له اللفظ، و الأول هو الذي يقتضي عدم إرادة غيره، بخلاف الثاني الذي ما نحن فيه منه، فإنه لا يعارض ما يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال و بأن المراد من الأمر بالصوم بعد مضي جزء من الوقت هو الإمساك في البقية المستقبلة على وجه الاعتداد به، كما ورد استعماله في ذلك في كثير من الأخبار الواردة في الصوم المندوب إذا أراده في أثناء النهار و لم يكن قد تناول مفطرا، كصحيحي عبد الرحمن (1)و موثق أبي بصير(2)و غيرهما.

يدفعها أولا اقتضاؤها اعتبار الرؤية قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن صلاحية الرؤية في الليلة السابقة، إلا أنه اتفق المانع من غيم أو أخطأه المتطلع


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 2 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب وجوب الصوم- الحديث 1.

ج 16، ص: 369

أو نحو ذلك، و حينئذ يمكن دعوى الضرورة على خلافه و ان المعتبر انما هو الرؤية في الليل دون النهار بالمعنى المزبور، و ثانيا انه- بعد تسليم ظهور تلك النصوص في إرادة الحصر، و تسليم كون المنساق إلى الذهن الرؤية الليلية- يكون المعنى لا تصوموا إلا للرؤية الليلية، و لا تفطروا إلا لها، فتعارض حينئذ

ما دل على اعتبارها قبل الزوال، كما هو واضح بأدنى تأمل، و أن إطلاق الأمر بالصوم على الإمساك في البقية في بعض النصوص (1)للقرينة الدالة عليه لا ينافي ظهوره مع عدمها فيما قلناه.

و بالجملة لا يكاد ينكر منصف ظهور تلك النصوص في عدم اعتبار غير الرؤية الليلية، كظهور النصوص الواردة في إفطار يوم الشك بمجرد الاستهلال في ليلته و عدم رؤيته فيها إذا كانت مصحية من غير تعرض للاستهلال في النهار، كصحيح هارون بن خارجة(2)و خبر الربيع بن ولاد(3)و خبر محمد بن مسلم (4)و خبر عبيد بن زرارة(5)و دعوى كون المراد منها عدم الرؤية في جميع زمن اعتبارها الذي منه قبل الزوال مخالفة لظاهرها أو صريحها كما لا يخفى على من لاحظها، كدعوى دفع ذلك كله أو أكثره بأن الرؤية قبل الزوال كاشفة عنها في الليل و لكن اتفق خطأ المتطلع أو حصول المانع أو نحو ذلك، إذ هي واضحة المنع إن أريد كشفها على جهة العلم، بل لا يدعيها الخصم، و لئن ادعاها كان


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب وجوب الصوم.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 10.

ج 16، ص: 370

ردها عليه مفروغا منه و داخلة تحت التظني التي قد استفاضت النصوص (1)أو تواترت في عدم الاعتبار به هنا إن أريد كشفها على جهة الظن

بعد التسليم، و دعوى خروج خصوص هذا الظن للدليل القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه كما ترى، إذ ليس هو إلا نصوص قد وردت على حسب غيرها مما ورد(2)في العمل بالجدول و العدد و التطوق و نحوها مما هو مطروح عند الأصحاب، لمعارضة المتواتر من غيرها كما اعترف به الشيخ في التهذيب مكررا، أو محمول على بعض الوجوه التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه، منها

الحسن كالصحيح (3)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية، و إذا رأوه بعد الزوال فهو لليلته المستقبلة»

و منها

موثق عبيد بن زرارة(4)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا رأوا الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، و إذا رأوا بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان»

و منها

صحيح محمد بن قيس (5)عن أبي جعفر عليه السلام قال:

«قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين، و إن لم تروا الهلال إلا من وسط

النهار أو آخره فأتموا الصيام، و إن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا»

و منها

موثق إسحاق بن عمار(6)عن أبي عبد الله عليه السلام «سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع و عشرين من شعبان فقال: لا تصم إلا أن تراه، فان شهد أهل بلد آخر فاقضه، و إذا رأيته وسط


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب أحكام شهر رمضان.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 و 3 و الباب 9 من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.

ج 16، ص: 371

النهار فأتم صومه إلى الليل»

و منها

خبر داود الرقي (1)عن أبي عبد الله عليه السلام «إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو ههنا هلال جديد رؤي أو لم ير»

و منها

المرسل (2)عن أبي جعفر عليه السلام «إذا أصبح الناس صياما و لم يروا الهلال و جاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا و ليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم، و إذا رؤي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال، و إذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان».

لكن لا يخفى عليك شذوذ هذه النصوص الفاقد بعضها بعض شرائط الحجية، و أنها كغيرها من نصوص العدد و الجدول و التطوق و غيرها، و قد ألقتها الطائفة و أعرضت عنها و استقر عملها قديما و حديثا على نصوص الرؤية، فالواجب حينئذ طرحها أو حملها على بعض الوجوه و لو بعيدا، لكونه أولى من الطرح، و لذا حمل الشيخ الأولين منها اللذين هما العمدة في هذا المقام، و لذا اقتصر عليهما بعض على اعتبارها مع شهادة الشاهدين بالرؤية في الليل في الصحو الذي يعتبر فيه لولاها الخمسون، إلا أنه كما ترى مع بعده في نفسه و لا يتم على القول باعتبار الشاهدين مطلقا مناف لظاهرها و ظاهر ما دل على اعتبار الخمسين و ما دل على حكم الشاهدين، و لا بد حينئذ من ارتكاب التخصيص في الأولين كما لا يخفى، و لعل الطرح أولى من هذا الحمل، أو يحملان على إرادة بيان كون ذلك أمارة يستفاد منها الظن، و ربما تفيد إذا انضمت مع غيرها كشهادة الواحد أو المتعدد ممن لا يعتبر شهادته حصول القطع، و لعل ذلك هو الوجه في ذكرها، أو أن المراد منها بيان ذلك ليظن السامع ممن يتقى منه الاجتزاء بها و إن لم تكن هي كذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 6 من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 2 و تمامه في الفقيه ج 2 ص 110 الرقم 468.

ج 16، ص: 372

فتندفع التقية بذلك مع عدم التصريح بالاعتبار، و كون المحكي عن الشافعي و أبي حنيفة و مالك و غيرهم عدم اعتبار ذلك- بل قيل إنه المشهور بينهم فتوى و رواية- لا ينافي وجودها من غيرهم، كأبي ثور و أبي يوسف اللذين هما في زمن الصادق (عليه السلام) و غيرهما، بل حكاه المرتضى عن ابن مسعود و ابن عمر و أنس و قال: إنه لا مخالف لهم، بل الظاهر أن استفاضة النصوص بعدم العمل هنا بالشك و الظن و أن شهر رمضان فريضة من فرائض الله لا يؤدى بهما تعريضا في الرد عليهم و أن المشهور بين رواتهم و محدثيهم ذلك.

و أما صحيح محمد بن قيس فقد يقال بدلالته على المطلوب باعتبار كون المراد من الوسط فيه ارتفاع النهار، و تخصيص ذلك لكونه المظنة في ابتداء رؤية الهلال نهارا بخلاف أول طلوع الشمس أو قبلها، لا أقل من الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال، و دعوى كون المراد من الوسط ما بعد الزوال فيدل بالمفهوم على خلاف المطلوب لا شاهد لها، بل لعل اشتراك الوسط فيما بين قبل الزوال و بعده ينافيها، و تكلف تخصيص خصوص الأخير منها لاقتضاء إلغاء المفهوم في الوسط على تقدير دخول جزء مما قبل الزوال لا داعي له، مع احتمال كون الفائدة في الاقتصار كون ذلك ابتداء مظنة الرؤية نهارا كما أومأنا إليه، فتأمل جيدا، و لعله لذلك و نحوه جعله بعضهم دليلا للمشهور، و كذا موثق إسحاق أيضا بناء على كون المراد من الوسط فيه ما عرفت، فيكون المراد الأمر بإتمام صومه على انه من شعبان كما فهمه الراوي حيث قال (عليه السلام) يعني أتم صومك إلى الليل على أنه من شعبان دون أن ينوي انه من رمضان، لا أن المراد منه ما قبل الزوال، لحمل الأمر فيه بالإتمام على الوجوب، و لا يكون ذلك إلا للحكم بكونه لليلة الماضية للرؤية قبل الزوال، إذ هو كما ترى، و لا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال.

ج 16، ص: 373

و أما خبر داود الرقي فالظاهر كون المراد الحكم بطلوعه في الليلة المستقبلة بمجرد عدم الرؤية في المشرق فيما قبل تلك الليلة عند الفجر، و هو حينئذ خارج عما نحن فيه و إن كان أيضا لا عبرة بذلك كما أومأ إليه في الدروس بقوله: «و لا عبرة بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود الرقي» بل و اللمعة حيث قال: «و لا عبرة بالخفاء ليلتين في الحكم به بعدها» بناء على قراءتها بالثاء المنقطة من فوق ثلاثا، فيكون عين ما في الدروس، و ربما يؤيده انه ليس في نص و لا فتوى اعتبار خفاء الليلتين حتى يكون إشارة اليه، اللهم إلا ان يكون إشارة إلى ما يشعر به

المرسل (1)عن الصادق (عليه السلام) «قد يكون الهلال لليلة و ثلث، و ليلة و نصف، و ليلة و ثلثين، و ليلتين، و لا يكون و هو لليلة»

من ان منتهى الخفاء ليلتين، و على كل حال لا عبرة بذلك لما نراه بالوجدان من الخفاء أزيد من ليلتين.

و أما مرسل الصدوق فهو مع عدم كونه حجة كخبر داود الرقي يجري فيه بعض ما ذكرنا.

و قد بان لك من ذلك كله انه لا يليق بالفقيه العارف بقواعد الفقه و لسانه الركون إلى

هذه النصوص، و الاعراض عن تلك النصوص التي ادعي تواترها، و الموافقة مع ذلك لقوله (2)«لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» بناء على إرادة الثلاثين منها مع قيام نحو هذه الامارات على ما أشار إليه بعض النصوص، و لقوله تعالى (3):

«أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ» كما أشار إليه بعض آخر، و للأصل و الإجماع المحكي و غيرها، فما عن المرتضى (رحمه الله) في الناصريات من اعتبار ذلك حيث أنه


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 و في ذيله« و لليلتين إلا شي ء و لليلة» كما في المقنع ص 58 الطبع الحديث.
2- 2 سورة البقرة- الآية 181.
3- 3 سورة البقرة- الآية 183.

ج 16، ص: 374

بعد أن ذكر قول الناصر: «إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية» قال: «هذا هو الصحيح، و هو مذهبنا، بل قال: إن عليا (عليه السلام) و ابن مسعود و ابن عمر و أنسا قالوا به و لا مخالف لهم» و قد سمعت ما حكاه الشيخ في الخلاف عن هؤلاء، و ربما استظهر ذلك أيضا من الصدوق و الكليني باعتبار إيرادهما رواية التفصيل في الفقيه و الكافي، خصوصا الأول الذي ذكر في أوله انه ما يورد فيه إلا ما يعتقد انه حجة بينه و بين ربه، لكن من تتبع كتابه المزبور يعلم عدوله عن ذلك، كما ان من تتبع الكافي يعلم انه قد يورد فيه ما لا يعمل به فانحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت، نعم مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين، إلا أن منشأه اختلاف الطريقة، لكن من غرائب الاتفاق خيرة العلامة الطباطبائي له في

مصابيحه مع استقامة طريقه، و أما ما ذهب إليه العلامة في المختلف من التفصيل بين الصوم و الفطر فيعتبر في الأول دون الثاني فكأنه ليس قولا في المسألة ضرورة ان منشأه الاحتياط، بل قال في آخر المبحث: لو رأى الهلال في أول الشهر قبل الزوال و لم ير ليلة أحد و ثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكنا، أو حصلت علة، لأن الاحتياط للصوم متعين، فلا يجوز الاقدام على الإفطار بناء على مثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها، و منه يعلم ان المراد بالاحتياط تأكد الصوم في الأول بنية الندب لا بنية أنه رمضان، و انه يقوى بذلك احتمال تقدم الهلال، فلا وجه حينئذ لمناقشته بأن الاحتياط في الصوم في الأخير معارض بحرمته في العيد، و بأنه مناف لنية كونه من رمضان نعم قد يقال إن الحكم فيما ذكره من الفرع كذلك مع قطع النظر عن الاحتياط إذ من الواضح كون ذلك عند القائل أمارة يجوز تخلفها، فهو حينئذ كما لو ثبت بشهادة العدلين، و مما يؤيد ان ما في المختلف ليس قولا في المسألة وضوح عدم الفرق، بل و لا بين سائر الأهلة في الامارة المزبورة، خصوصا مع إطلاق بعض

ج 16، ص: 375

الأدلة، اللهم إلا ان يقال باختصاص الشهرين اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن لكنه كما ترى.

و كذا لا يعلم بتطوقه بظهور النور في جرمه مستديرا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك عدا ما عساه يظهر من الصدوق في الفقيه، حيث روى فيه الصحيح الدال عليه بناء على ما ذكره في صدره من انه لا يورد فيه إلا ما يعمل عليه، و ربما مال إليه الخراساني في الذخيرة، لصحة الخبر الدال عليه، و هو

صحيح مرازم (1)عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «إذا تطوق الهلال فهو لليلتين، و إذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال»

و كون نسبته إلى ما يعارضه نسبة المقيد إلى المطلق الذي هو ما دل على وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضي ثلاثين يوما، و ما دل على عدم وجوب قضاء يوم الشك إلا مع قيام البينة بالرؤية في الليلة السابقة، و فيه ان الشرط في حمل المطلق على المقيد المكافاة المفقودة في المقام قطعا من وجوه بعد الإغضاء عن سنده الذي منع صحته في التذكرة، و عن احتماله الاختفاء تحت الشعاع لليلتين أو ثلاث كاحتمال خبر الغيبوبة(2)قبل الشفق و بعده ذلك أيضا، بل يقوى في الظن أن المشار إليه في نصوص النهي عن العمل بالشك و التظني هنا هو ذلك و نحوه مما عرفت و تعرف، و من الغريب ما في التهذيب فإنه- مع مبالغته للعمل بأمثال هذه النصوص حتى جعلها مخالفة للمعلوم من الأدلة بالتواتر و غيره- قال هنا بعد ان أورد هذا الصحيح و خبر إسماعيل بن الحر(3)المتقدم آنفا الوجه في

هذين الخبرين و ما يجري مجراهما مما هو في معناهما أن ذلك انما يكون أمارة على اعتبار دخول


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 عن محمد بن مرازم عن أبيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 3.

ج 16، ص: 376

الشهر إذا كان في السماء علة من غيم أو ما يجري مجراه، فجاز حينئذ اعتباره في الليلة المستقبلة بتطوق الهلال و غيبوبته قبل الشفق و بعد الشفق، و لعله يريد ما ستسمعه منه في النصوص الآتية من الاعتبار الاحتياطي بمعنى انه ينبغي له الاحتياط مع ذلك، لقوة الظن بكون اليوم السابق من شهر رمضان، و إلا فلا فرق بين العلة و عدمها في عدم كون ذلك علامة، بل هو قول حينئذ بما هو خارج عن النصوص جميعا، و احتمال الاكتفاء هنا بالظن كالوقت بالنسبة إلى الفريضة خلاف ظاهر النصوص و الفتاوى أو صريحها، و إن كان هو متجها من حيث القياس المعلوم بطلانه عند الإمامية.

و كذا لا عبرة بعد خمسة أيام من أول الهلال في السنة الماضية و صوم يوم الخامس و إن كان موافقا للعادة، بل في المحكي عن عجائب المخلوقات للقزويني قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا، و به

خبر عمران الزعفراني (1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن السماء تطبق علينا بالعراق اليوم و اليومين و الثلاثة فأي يوم نصوص؟ قال:

أفطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية و صم اليوم الخامس»

و خبره الآخر(2)أيضا «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

إنا نمكث في الشتاء اليوم و اليومين لا نرى شمسا و لا نجما فأي يوم نصوم؟ قال:

أفطر اليوم الذي صمته من السنة الماضية، و عد خمسة أيام و صم اليوم الخامس»

و مرسل الصدوق (3)عنه عليه السلام «إذا كان شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام، و صم يوم الخامس»

و خبر


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3 مع الاختلاف في لفظ الأول.
2- 2 فروع الكافي ج 2 ص 81 الطبع الحديث.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 4 مع الاختلاف في لفظ الأول.

ج 16، ص: 377

محمد بن عثمان الخدري (1)عن بعض مشايخه عنه صلوات الله عليه «صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت عام الأول»

و خبر عاصم بن حميد(2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «عدوا اليوم الذي تصومون فيه و ثلاثة أيام بعده و صوموا يوم الخامس، فإنكم لن تختلفوا»

و خبر غياث (3)الذي هو نحوه، نعم قيد ذلك بعضهم بغير السنة الكبيسة، أما فيها فيعد ستة أيام،

لخبر السياري (4)قال: «كتب محمد بن الفرج إلى العسكري عليه السلام يسأله عما روي من الحساب في الصوم عن آبائك (عليهم السلام) في عد خمسة أيام بين أول السنة الماضية و السنة الثانية التي تأتي فكتب صحيح، و لكن عد في كل اربع سنين خمسا، و في السنة الخامسة ستا فيما بين الأولى و الحادث، و ما سوى ذلك فإنما هو خمسة خمسة، قال السياري: و هذه من جهة الكبيسة، قال: و قد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحا، قال: و كتب اليه محمد بن الفرج في سنة ثمان و ثلاثين و مائتين هذا الحساب لا يتهيأ لكل إنسان يعمل عليه، انما هذا لمن يعرف السنين، و من يعلم متى كانت السنة الكبيسة، ثم يصح له هلال شهر رمضان أول ليلة، فإذا صح الهلال لليلته و عرف السنين صح له ذلك إن شاء الله»

و لعل هذا من كلام الكليني و ان قوله «قال» ثانيا يراد منها بيان تاريخ الكتابة الأولى التي رواها أولا، و حينئذ يكون ذلك وجها للنصوص المزبورة جميعها، و انها خاصة فيمن عرف ذلك، و الظاهر اختصاص هذه المعرفة على وجهها القطعي بأهل البيت (ع) خاصة، أو تحمل النصوص المزبورة على إرادة بيان الأمر بصوم يوم الخامس لا على أنه من شهر رمضان بل من شعبان ليحصل الاجزاء به لو بان انه من شهر رمضان، أو على ما قيل من اختصاص الاعتبار بها مع غم الشهور و إذا كانت في


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2.

ج 16، ص: 378

السماء علة بناء على الاجتزاء بالظن حينئذ، و إن كان الأقوى عدم اعتبارها مطلقا لقصورها عن معارضة غيرها و لو بالتقييد من النصوص المزبورة التي ادعي تواترها و لعلها كذلك المفتي بمضمونها على وجه يمكن تحصيل الإجماع عليه، خصوصا مع ملاحظة المحكي منه على لسان جماعة، و خصوصا مع تصريح غير واحد بكون هذه النصوص و ما جرى مجراها مما لا يفيد بالنسبة إلينا إلا الظن من الشواذ المهجورة المطرحة التي خرجت منهم (عليهم السلام) مخرج التقية، أو لخصوص العالم بها على وجه يحصل له القطع دون الظن و التخمين، أو يراد منها الاحتياط لكونها من الامارات المفيدة للظن أو غير ذلك، و إن أبيت فليس لها إلا الطرح و ردها إلى علمهم (عليهم السلام) بها هذا.

و في اللمعة بعد أن ذكر مثل ما هنا من عدم العبرة بشي ء من الأمور السابقة قال: و الخفاء لليلتين في الحكم به بعدها خلافا لما روي في شواذ الأخبار من اعتبار ذلك كله، و هو جيد، لكني لم أقف على من أفتى باعتبار الخفاء ليلتين في الحكم بخروج الهلال بعدهما، و لا على خبر دال عليه، اللهم إلا أن يكون أشار به إلى ما رواه

الصدوق في المحكي عن مقنعه مرسلا(1)عن أبي عبد الله عليه السلام «قد يكون الهلال لليلة و

ثلث، و ليلة و نصف، و ليلة و ثلثين، و ليلتين، و لا يكون و هو لليلة»

باعتبار إشعار الاقتصار على ليلتين أنه لا يكون لثلاث، و إلى

خبر داود الرقي (2)عنه صلوات الله عليه «إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هنا هلال جديد رؤي أو لم ير»

إلا أنهما كما ترى مع ضعفهما و شذوذهما غير ظاهرين في شي ء من ذلك، و من هنا قد يحتمل في عبارته


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 2 و في ذيله« و لليلتين إلا شي ء و لليلة» كما في المقنع ص 58 من الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 4.

ج 16، ص: 379

لثلثين بالثائين المثلثتين، و يكون متعلقا بجميع ما ذكره سابقا، أي لا عبرة بشي ء من ذلك لكون الهلال لليلة الثلاثين، و يكون المراد بالخفاء ما في خبر داود المزبور، كما قال في الدروس: «و لا عبرة بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود» و لعل ذلك أولى، لأن الخفاء ليلتين مما لم يذكره أحد ممن وصل إلينا كلامه، و الله أعلم.

و قد بان لك من ذلك كله انه لا يحكم بشي ء من ذلك عدا الرؤية نعم يستحب صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب بلا خلاف معتد به نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، بل و على انه إن انكشف من الشهر أجزأ مضافا إلى النصوص(1)

و أما لو صامه بنية رمضان لامارة قيل: يجزيه و قيل: لا يجزيه و هو الأشبه كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا هذا كله فيما لو صامه فإن أفطره فأهل شوال ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان قضاه قطعا، لانكشاف خروجه قبل ذلك، ضرورة عدم نقصان الشهر عن تسعة و عشرين و كذا لو قامت بنية برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان بلا خلاف نصا و فتوى و لا إشكال، أما إذا كان هلاله ليلة التاسع و العشرين من هلال رمضان ببينة ففي وجوب القضاء و عدمه وجهان، أقواهما الأول إجراء للبينة مجرى اليقين.

و (11) حيث بان عدم العبرة بشي ء من الأمور السابقة كان المتجه في كل شهر تشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين (12) و يحكم به من غير فرق بين شهر رمضان و غيره، لأصالة بقاء الشهر ببقاء القمر في المحاق السالمة عن معارضته عادة و نحوها فيما لو كان الاشتباه في شهر أو شهرين على وجه لا تقضي العادة بنقصانهما، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب وجوب الصوم.

ج 16، ص: 380

صحيح محمد بن قيس (1)«كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: و إن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا»

و في

صحيح محمد بن مسلم (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «و إذا كان ذا علة فأتم شعبان ثلاثين»

و نحوهما غيرهما و أما لو غمت شهور السنة كلها فالأكثر كما في المسالك عد كل شهر منها ثلاثين أيضا، للأصل المزبور أيضا، لكن أشكله في المسالك بأن ذلك خلاف الواقع في جميع الأزمان و بمنع كون التمام هو الأصل، إذ ليس للشهر شرعا وظيفة معينة حتى يكون خلافها خارجا عن الأصل، و انما المعتبر شرعا الأهلة، و هي محتملة للأمرين و أجاب بأن معنى الأصل أن الشهر المعين كشعبان مثلا واقع ثابت، فالأصل استمراره إلى ان يتحقق زواله، و لا يتم ذلك إلا بمضي ثلاثين، و كذا القول في غيره، أو تقول إذا حصلت الخفية للهلال و هو المحاق فالأصل بقاؤها، و عدم إمكان الرؤية إلى ان يتحقق خلافه بمضي الثلاثين، و لكن ذلك يتوجه في الشهرين و الثلاثة، أما في جميع السنة كما هو المفروض ففيه إشكال، لبعده و عدم وجود نظيره، و من ثم قال جماعة من الأصحاب منهم العلامة و الشهيد في الدروس بالرجوع إلى رواية الخمسة(3)و لا بأس به عملا بالرواية و قضاء العادة، لكن يبقى الاشكال فيما لو غم بعض السنة خاصة كما هو الواقع، و حينئذ فعد الثلاثين للشهرين أقوى، و فيما زاد نظر، ثم ذكر خبر الزعفراني (4)و قال: و عمران مجهول و الرواية مرسلة في طريق، و ضعيفة في آخر، و غير مقيدة بغمة الجميع، و محتاجة إلى تقييد الخمسة بغير السنة الكبيسة، و فيها ستة عملا بالعادة و مقتضى الحساب


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 0.
4- 4 الوسائل- الباب- 10- من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث 3.

ج 16، ص: 381

قلت و لعله لذلك قيل ينقص منها لقضاء العادة بالنقيصة لكن في المدارك ان القول باحتساب بعضها ناقصا مجهول القائل مع جهالة قدر النقص و جهالة خصوص الناقص و من هنا قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة، و الفاضل في المحكي من جملة من كتبه، و الشهيدان في الدروس و الروضة يعمل في ذلك برواية الخمسة و في المختلف ان المعتمد في ذلك العادة لا الرواية، و فيه منع اطراد العادة بالنقيصة على هذا الوجه، كمنع صلاحية الرواية للعمل بها كذلك و حينئذ فلا ريب في أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده مع كون المراد تنقيح حال شهر أو شهرين بل و أزيد من ذلك مع تعدد المكلف و اتحاده، ضرورة إمكان جريان الأصل حينئذ بلا معارض، أما إذا كان محل التكليف تمام السنة كما لو نذر عبادة مثلا في سنة هلالية و اتفق غم الشهور كلها أشكل حينئذ وجوبها في جميعها على ثلاثين للأصل المعلوم عادة انقطاعه، فالمتجه حينئذ فعلها فيما لم يتيقن بمقتضى العادة نقصانه، و كذا كل ما كان من هذا القبيل، بخلاف ما لو كان محل التكليف شهرا بخصوصه أو شهرين و نحو ذلك، و لا يخفى عليك ان العادة لا تعارض حكم الثلاثين في الشهرين فما زاد ضرورة عدم الحكم بتمامها واقعا كي يلزمه نقصان ما بعدها، بل هي تامة بمقتضى الأصل الذي هو حجة في مقتضاه خاصة دون لازمه، كما هو واضح، فتأمل جيدا فإنه لا يخلو من دقة، و منه يعلم كون المدار على ثلاثين إلا مع العلم عادة بالنقصان و لو على الوجه المزبور، و الله اعلم.

و من كان بحيث لا يعلم الشهر شهر رمضان بخصوصه كالأسير و المحبوس صام شهرا تغليبا له على غيره إذا كان قد تحرى فغلب هو على ظنه انه شهر رمضان دون غيره من الأشهر، إذ احتمال وجوب السنة تماما عليه للمقدمة مناف لنفي الضرر و العسر في الشريعة، و صوم غير المظنون مناف لتعبد المرء بظنه

ج 16، ص: 382

و حينئذ فإن استمر الاشتباه فهو بري ء، و ان اتفق في شهر رمضان أو بعده أجزأه، و ان كان قبله قضاه بلا خلاف أجده، بل الإجماع في محكي التذكرة و المنتهى عليه، ل

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: رجل أسرته الروم و لم يصم شهر رمضان و لم يدر أي شهر هو قال: يصوم شهرا يتوخاه و يحسب، فان كان الشهر الذي صامه قبل شهر رمضان لم يجزه، و ان كان بعد رمضان أجزأه»

و لا يشكل ذلك بأن شرط صحة القضاء نية التعيين، و هو لم ينو القضاء و انما نوى الأداء، إذ هو مع انه اجتهاد في مقابلة النص و الفتوى يمكن التخلص منه بما قيل من أنه ينوي الوجوب عما في ذمته، فان كان ذلك الشهر شهر رمضان أجزأه ذلك، لما عرفت من الاكتفاء فيه بنية القربة، لأنه لا يقع فيه

غيره، و ان كان ما بعده تعين كونه قضاء، لأنه هو الثابت في الذمة، و قد تبين في محله عدم وجوب التعرض لنية الأداء و القضاء، و ان كان قد يناقش فيه بأنه غير جازم بكونه في ذمته بعد فرض احتمال التقدم على شهر رمضان.

و على كل حال فقد صرح غير واحد من الأصحاب بأنه يلحق ما ظنه حكم الشهر في وجوب الكفارة في إفساد يوم منه ان لم يتبين تقدمه، و إلا كان فيه الوجهان فيمن فعل موجبا للكفارة ثم سقط فرض الصوم عنه بحيض أو مرض أو نحوهما، و كذا إن تبين تأخره كان في وجوب كفارة الإفطار في رمضان أو كفارة الإفطار في قضائه وجهان، و في وجوب متابعته و إكماله ثلاثين لو لم ير الهلال في الطرفين، فان رآه فيهما لم يكن عليه إلا صوم شهر هلالي، نعم لو تبين مخالفته لرمضان و كان رمضان تاما كان عليه قضاء يوم إن لم يكن الشهر الذي


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 1 عن عبد الرحمن بن أبى عبد الله.

ج 16، ص: 383

صامه شوالا أو ذا الحجة، و إلا فصيام يومين أو أكثر، لمكان العيدين و أيام التشريق، نعم لو كان رمضان ناقصا و قد صام شوالا و كان تاما لم يكن عليه قضاء، و يلحقه أيضا أحكام العيد من الصلاة و الفطرة و حرمة الصوم و غير ذلك من أحكام الشهر واجباته و مندوباته، لكن قد يشكل ذلك بأنه ليس في النص الذي هو العمدة في المقام ما يقتضي ذلك من إطلاق منزلة و نحوها، و مجرد وجوب الصوم للظن أعم من ذلك. و لو سلم فجريان الوجهين فيما لو بان التقدم بل و التأخر في غاية الإشكال، ضرورة ظهور عدم إفطاره شهر رمضان، إذ هو حينئذ كمن زعم يوما من شهر رمضان فأفطره ثم بان أنه ليس منه، و أشكل من ذلك كله ما ذكروه أيضا من غير خلاف فيه بينهم- بل ربما ظهر من بعضهم الإجماع عليه- من انه إن لم يظن شهرا تخير في كل سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين في سنتين بأن يكون بينهما أحد عشر شهرا لا أزيد و لا أنقص، و إلا كان أحد الشهرين على اليقين غير رمضان، ثم يجري عليه الأحكام السابقة، و فيه أولا انه لا دليل على هذا التخيير، و دعوى انحصار الامتثال فيه بعد العلم و لو بالإطلاقات و الاستصحاب و نحوهما ببقاء التكليف يدفعها منع العلم ببقاء التكليف، بل لعل العلم بسقوطه لعدم الطريق إلى امتثاله متحقق، و التخيير لم يثبت كونه طريقا شرعا، و الانتقال اليه من مجرد فرض الخطاب بالصوم ممنوع، سيما مع تعدد الطرق الممكن تكليف الشارع بها في هذا الحال من القرعة و غيرها، ثم بعد الإغضاء عن ذلك كله إجراء أحكام شهر رمضان عليه كما ترى، مع ان العلامة في التذكرة لم يقطع بذلك بالنسبة إلى التتابع في الصورة الأولى فضلا عن الثانية، قال: «فإذا توخى شهرا فالأولى وجوب التتابع فيه و إن كان له ان يصوم قبله و بعده» و لعله لذلك كله و غيره مال بعض المحققين من مشايخنا إلى سقوط الأداء عنه، و يتعين عليه القضاء، و لو حصل له العلم بعدم التقدم لو صام أمكن القول

ج 16، ص: 384

بوجوب صومه ناويا ما في ذمته من الأداء أو القضاء، فتأمل جيدا، ثم إنه إذا اختار شهرا فهل يتعين ذلك في حقه بحيث لا يجوز له العدول عنه إلى شهر آخر؟

وجهان؟ أقواهما العدم، كما ان الظاهر العدول في المظنون لو تجدد له ظن بغير الشهر الذي ظنه أولا.

و كيف كان ف وقت الإمساك عن المفطرات طلوع الفجر الثاني بلا خلاف بين علماء الإسلام، بل إجماعهم بقسميه عليه، و قد قال الله تعالى (1)«كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ» نعم في المدارك و غيرها «انه يستثنى من ذلك الجنابة، فيجب الإمساك عنها قبل طلوع الفجر إذا لم يتسع الزمان لها و للاغتسال، لبطلان الصوم بتعمد البقاء على الجنابة» و هو كذلك مع فرض قصور الوقت عن الغسل و التيمم أما إذا كان عن الأول خاصة فقد يقال بصحة صومه و إن أثم بالجنابة، كتعمد البقاء عليها حتى ضاق الوقت، و الإثم بذلك أعم من البطلان، نحو من أراق الماء بعد دخول الوقت، لكن الانصاف عدم خلو ذلك هنا من الاشكال باعتبار عدم دليل يعتد به في قيام التيمم مقام الغسل، خصوصا بعد ان لم يرد هنا نحو ما ورد في الصلاة من

عدم سقوطها بحال و نحوه كما أشرنا إلى ذلك سابقا، و الله اعلم.

و وقت الإفطار غروب الشمس بلا خلاف أيضا كذلك و انما الكلام في حده و التحقيق أنه ذهاب الحمرة من المشرق كما أشبعنا فيه البحث في كتاب الصلاة، خلافا لجماعة منا و كثير من العامة، فلاحظ و تأمل.

و يستحب له تأخير الإفطار حتى يصلي المغرب إلا ان تنازعه نفسه


1- 1 سورة البقرة- الآية 183.

ج 16، ص: 385

أو يكون من يتوقعه للإفطار ل

صحيح الحلبي (1)«سئل أبو عبد الله عليه السلام عن الإفطار قبل الصلاة أو بعدها فقال: إن كان معه قوم يخاف ان يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم، و إن كان غير ذلك فليصل ثم ليفطر»

و مرسل عبد الله بن بكير(2)عنه عليه السلام أيضا «يستحب للصائم إن قوي على ذلك أن يصلي قبل أن يفطر»

و موثق زرارة و فضيل (3)عن الباقر عليه السلام «في رمضان تصلي ثم تفطر إلا ان تكون مع قوم ينتظرون الإفطار، فإن كنت معهم فلا تخالف عليهم و أفطر ثم صل، و إلا فابدأ بالصلاة، قلت: و لم ذلك؟ قال: لأنه حضرك فرضان الإفطار و الصلاة فابدأ بأفضلهما، و

أفضلهما الصلاة، ثم قال: تصلي و أنت صائم فتكتب صلاتك تلك و تختم بالصوم أحب إلى»

و لعل المراد كما قيل انه تكتب صلاتك مختومة بالصوم بمعنى كتابتها صلاة الصائمين، و رواه

في المقنعة(4)عنهما عنه عليه السلام «تقدم الصلاة على الإفطار إلا ان تكون مع قوم يبتدئون بالإفطار، فلا تخالف عليهم و أفطر معهم و إلا فابدأ بالصلاة، فإنها أفضل من الإفطار، و تكتب صلاتك و أنت صائم أحب إلى»

هذا.

و في المدارك «انه ربما ظهر من العبارة عدم استحباب تأخير الإفطار إذا نازعته نفسه في تقديم الصلاة، و لم أقف على رواية تدل عليه، و ربما كان وجهه استلزام تقديم الصلاة على هذا الوجه فوات الخشوع و الإقبال المطلوب في العبادة و عندي أن الأولى تقديم الصلاة في هذه الصورة، لإطلاق النصوص المتقدمة، و مخالفة النفس في الميل إلى خلافه، فان الخير عادة» قلت:

في المقنعة(5)روى أيضا في ذلك «انك إذا كنت تتمكن من الصلاة و تفعلها و تأتي على حدودها قبل ان تفطر فالأفضل أن تصلي قبل الإفطار، و إن كنت ممن تنازعك نفسك


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب الصائم الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب الصائم الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب الصائم الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب الصائم الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب آداب الصائم الحديث 5.

ج 16، ص: 386

للإفطار و تشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة، غير أن ذلك مشروط بأن لا يشتغل بالإفطار قبل الصلاة إلى ان يخرج وقت الصلاة»

و ربما توهم كون ذلك بعد الفتوى به من المصنف و غيره كافيا في إثباته للتسامح، و فيه انه هنا مقتض لرفع مستحب آخر، فيشكل جريان دليل التسامح فيه، إذ الظاهر اختصاصه بما إذا كان المقابل احتمال الإباحة، على أنه قد يمنع استحباب الإفطار في الفرض بدعوى كون الظاهر من النص و الفتوى عدم استحباب تقديم الصلاة حينئذ لا استحباب الإفطار، و الأمر و إن ورد به لكنه في مقام توهم ترك الأولى، فلا يراد منه إلا بيان عدم كونه كذلك حينئذ لكنها كما ترى خصوصا مع ملاحظة الموثق، و قد يلحق به منازعة النفس على التنباك و القهوة و الترياك و نحوها إن لم يدخل تحت المراد من الإفطار.

و على كل حال فالظاهر عدم اختصاص الحكم في شهر رمضان، لإطلاق الأدلة، و عدم اعتبار كون المنتظر قوما و إن كان هو الموجود في النصوص المزبورة و الممسك أدبا خارج عن أصل المسألة، ضرورة ظهور النص و الفتوى في الصوم المعتبر شرعا، نعم ظاهر صحيح الحلبي الاجتزاء في ثبوت الندب في المستثنى بمخافة حبس القوم عن عشائهم، هذا، و في الحدائق الظاهر أن المراد بالصلاة المأمور بتقديمها في هذه النصوص هي صلاة المغرب وحدها محافظة على وقت فضيلتها لضيقه، فيكفي في تأدي السنة تقديمها خاصة، و فيه ان ذلك و إن كان ظاهر المصنف أيضا إلا انه قد ينكر ظهور النصوص في ذلك، خصوصا مع ملاحظة تعليل الختم بالصوم، و منه يعلم منع كون الحكمة في ذلك المحافظة على وقت الفضيلة، بل لو أفطر بما لا ينافي المحافظة على وقت الفضيلة فإنه المستحب كما هو واضح، كما انه قد يعلم من التأمل في بعض النصوص المزبورة خصوصا الموثق المزبور كون المراد هنا أفضلية الإفطار في المستثنى لا أن الاستحباب مخصوص

ج 16، ص: 387

فيه بمعنى انه لو لم يفطر و قدم الصلاة في الفرض المزبور لم يترتب به شي ء من الثواب، بل المراد انه في هذا الحال الأولى مراعاة المنتظر، و كذلك العكس، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

إلى هنا تم الجزء السادس عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه، و قد بذلنا غاية جهدنا في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة المصححة بقلم المصنف طاب ثراه و قد خرج بعون الله تعالى خاليا عن الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء السابع عشر في شروط الصوم إن شاء الله تعالى عباس القوچاني

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.