جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام المجلد 15

اشارة

شماره بازيابي : 6-21842

سرشناسه : صاحب جواهر، محمدحسن بن باقر 1200؟ - 1266ق.

عنوان و نام پديدآور : جوااهرالكلام[چاپ سنگي]/محمدحسن نجفي [صاحب جواهر]؛نويسنده متن:علامه حلي؛كاتب:ابوالقاسم خوانساري؛مصحح:موسي طهراني

وضعيت نشر : [بي جا: بي نا]:، 1274ق.

مشخصات ظاهري : [518ص.]،ج1؛قطع:23×37س م

يادداشت : زبان:عربي

آغاز، انجام، انجامه : آغاز:بسمله... الحمدلله الذي ختم الشرايع باسمهما طريقة و اوضحها حقيقة و اظهرها برهانا ... و بعد فيقول العبد القاصر العاثر محمد حسن بن المرحوم باقر احسن الله اليهما ...

انجام:... الاصحاب الثاني و الله اعلم الحمدلله اولا و آخرا و ظاهرا و باطنا علي ما انعم و وفق لاتمام مباحث الطهارة.

انجامه:المكرم من سنة1274ق.و انا الفقير الي الله الغني ابن اسدالله ابوالقاسم خوانساري.

يادداشت استنساخ : تاريخ كتابت:1274ق.

مشخصات ظاهري اثر : نوع و درجه خط:نسخ

نوع و تز ئينات جلد:جلد مقوايي،روكش تيماج قهوه اي،عطف و لچكي ها گالينگور مشكي الحاقي.

خصوصيات نسخه موجود : حواشي اوراق:تصحيحاتي اندك با نشان«صح» و توضيحاتي اندك با نشان«منه»

يادداشت تملك و سجع مهر : يادداشت هاي تملك:يادداشتي با خط تحريري و با مركب مشكي " بسم الله الرحمن الرحيم و قد انتقل ذلك الكتاب مع مجلداته الاخر التي كانت عباره عن ست المجلدات مطبوعه بطبع حاجي موسي ره الي ملكي و هو مالك الملك و الرقاب من البايع المحترم الحاج شمس صاحب المكتبه في شارع ناصر خسرو و قرينا من شمس العملاره من العاصمه تهران صانها ... من الحدثان علي المبلغ الف و خمس مائه تومانا المقابل 1500ريالا و وقع هذا الانتقال في يوم الخامس المطباق با يوم الثاني من شهر جماديا لاولي من سنه اربع مائه بعد الالف من الهجره النبويه المصادف 29/12/1358 و انا الاحقر حسين الصالحي ... النجفي و التهراني المسكن" ( ظهريه صفحه اول)

توضيحات نسخه : نسخه بررسي شد.

نمايه ها، چكيده ها و منابع اثر : منابع ديده شده: ريحانة الادب (3: 358) ، ملي (2: 277) ، ذريعه (59: 24)

معرفي چاپ سنگي : جواهر الكلام كتابي مشروح و استدلالي در فقه شيعه قرن سيزدهم هجري و به زبان عربي است اين كتاب شرح مبسوط كتاب شرايع الاسلام (علامه حلي) است و جامعترين كتاب در موضوع فقه و استنباط و احكام است و همه ابواب فقه را در بر ميگيرد.نسخه حاضر مشتمل بر كتاب الطهاة است،و عناوين مطالب در حاشيه آمده است.

عنوانهاي گونه گون ديگر : جواهر الكلام في شرح شرايع الاسلام.

موضوع : محقق حلي،جعفر بن حسن602-676ق.-شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام--نقد وتفسير

فقه جعفري -- قرن 7ق.

شناسه افزوده : محقق حلي،جعفر بن حسن،602-676ق.شرايع الاسلام في مسائل الحلال و الحرام.شرح

خوانساري،ابوالقاسم،قرن 13ق.كاتب

طهراني،موسي،قرن 13ق.مصحح

حسيني،فروشنده

ج15، ص: 1

[تتمة القسم الأول في العبادات]

اشاره

ج15، ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطيبين الطاهرين.

[كتاب الزكاة]

اشاره

كتاب الزكاة

[في بيان معنى الزكاة]

التي هي لغة الطهارة، و منه «أَ قَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً»(1)«قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها»(2)«ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ»(3)و النمو، و منه «ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَ أَطْهَرُ»(4)لأولوية التأسيس من التأكيد، و عن الشهيد أنها قد تطلق على العمل الصالح، قلت: لعل منه «وَ الزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا»(5)«خَيْراً مِنْهُ زَكاةً»(6)«مِنْ لَدُنَّا وَ زَكاةً»(7)إلا أن الظاهر كون ذلك على جهة المجاز، و شرعا على وجه الحقيقة بناء على الأصح من ثبوتها مطلقا، أو فيها و في أختها و ما شابههما، أو علي جهة المجاز الشرعي اسم لحق يجب


1- 1 سورة الكهف- الآية 73.
2- 2 سورة الشمس- الآية 9.
3- 3 سورة النور- الآية 21.
4- 4 سورة البقرة- الآية 232.
5- 5 سورة مريم ع- الآية 32.
6- 6 سورة الكهف- الآية 80.
7- 7 سورة مريم ع- الآية 14.

ج 15، ص: 3

في المال يعتبر في وجوبه النصاب كما في المعتبر و التذكرة، أو صدقة مقدرة بأصل الشرع ابتداء كما في المسالك و كذا الدروس، أو صدقة متعلقة بنصاب بالأصالة كما في كنز العرفان، أو قدر معين يثبت في المال أو في الذمة للطهارة و النماء كما في البيان، و قيل:

إنها إخراج بعض المال لينمو الباقي بالبركات، و تزيد لصاحبه الدرجات، و يطهر المال من الحرام، و صاحبه من المذام، إلى غير ذلك من تعريفاتهم التي لا فائدة مهمة في استقصائها، و إطالة الكلام في نقضها طردا و عكسا بعد أن لم يكن هذا الاختلاف منهم اختلافا في معناها شرعا، و لا أن المراد منه كشف تمام المعنى الجديد، و إنما المقصود به كشفها في الجملة، و هو حاصل بكل منها، و إن كان أولاها ما في الدروس و المسالك لسلامته من أكثر ما قيل أو يقال، لكن ينبغي أن يعلم أن ما عدا الأخير منها دال على كونها اسما لنفس الحق، و الأخير على أنها الإخراج كالمحكي عن تعريف المبسوط أيضا، و يؤيده قولهم: يستحب الزكاة و تجب إلا أن يكون على تقدير مضاف، و لعله الأظهر كما هو مفاد أكثر التعريفات.

و كيف كان فظاهر المعتبر و غيره ممن ذكر مناسبة النقل أنها منقولة من المعنيين و لعله لا بأس به في النقل التعييني، أما التعيني المسبوق بالمجاز فقد يشكل بأن المعهود في التجوز ملاحظة العلاقة بين معنى واحد حقيقي و مجازي لا معنيين، و احتمال أن المعنى هنا أيضا واحد- لأن الزكاة النمو، و إرادة الطهارة منها باعتبار كونها سببا للنمو، فهو من باب إطلاق اسم المسبب على السبب- خلاف الظاهر، بل المقطوع به من ملاحظة كلماتهم.

نعم قد يحتمل كون المراد من ذكر المناسبتين إرادة بيان قابلية النقل من كل منهما كما يومي إليه ما في البيان، لا أنها منقولة منهما معا، لكن فيه أيضا أنه خلاف الظاهر من كلماتهم، فليس حينئذ إلا التزام جواز مثل هذا التجوز، لصدق كونه

ج 15، ص: 4

استعمالا للفظ في غير ما وضع له للعلاقة، سواء كانت بين المعنى الواحد أو الأزيد.

و على كل حال ففي المعتبر و كذا التذكرة سمي أي ذلك الحق المخصوص زكاة لأنه به يزداد الثواب، و يطهر المال من حق المسلمين، و مؤديها من الإثم، و فيه أنه ينبغي ملاحظة المناسبة بين المعنيين مع قطع النظر عن وجوبها و مشروعيتها، فيقال في مناسبة الطهارة أنها تطهر المال مما فيه من الشبه الواقعية، حتى

ورد(1)«أن من أخرج زكاة ماله و وضعها في موضعها لم يسأل من أين اكتسب ماله»

و تطهر النفس من الأخلاق الردية كالبخل و الشح و القساوة و نحوها، و

عن النبي (صلى الله عليه و آله)(2)«من أدى ما افترضه الله عليه فهو أسخى الناس»

و قال الصادق (عليه السلام)(3): «أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا، و أسخى الناس من أدى زكاة ماله»

و في مناسبة النمو إنها تورث بركة في المال و تنمية كما هي العادة في كل شي ء نظيف مما هو مبني على النمو، و

في الخبر(4)«الصدقة تزيد في المال»

و في آخر(5)«الصدقة تقضي الدين، و تخلف البركة»

قال في البيان: «هي مصدر زكى إذا نما، فان إخراجها يوجب بركة في المال و تنمية، و للنفس فضيلة الكرم، أو من زكى بمعنى طهر، فإنها تطهر المال من الخبث، و النفس من البخل» و في المسالك الزكاة لغة الطهارة و النمو، سميت بذلك الصدقة المخصوصة لكونها مطهرة للمال من الأوزار المتعلقة بسبب تعلق حق الله به، أو للنفوس من أوساخ الأخلاق الرذيلة من البخل و ترك مواساة المحتاج و غيرهما، و لما كان المطهر من شأنه أن يزيل الأوساخ و يصحبها كالماء للنجاسة كانت الزكاة محرمة على بني هاشم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 8 من كتاب الزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 1 من كتاب الزكاة.

ج 15، ص: 5

تشريفا لهم، و لذا

قال صلى الله عليه و آله(1): «إنما هذا المال من الصدقة أوساخ الناس»

و في رواية(2)«غسالات أيدي الناس»

و وجه نسبتها إلى الأيدي في هذا الخبر أن الأموال المعطاة في الأكثر إنما تكون بها و تمر عليها، و أما أخذها من جهة النمو فلأنها تنمي الثواب و تزيده، و كذلك تزيد المال و إن ظنه الجاهل أنه نقص، و قد

قال (عليه السلام)(3): «إن الصدقة تزيد في المال»

و عن الصادق (عليه السلام)(4)«إن الصدقة تقضي الدين و تخلف البركة».

و في كنز العرفان «إن قلت الطهارة من أي شي ء و كذا النماء في أي شي ء قلت: أما الطهارة فمن إثم المنع، أو نقول إذا لم يخرج الزكاة يبقى حق الفقراء في المال فإذا حمله شحه على منعه فقد ارتكب التصرف في الحرام و الاتصاف برذيلة البخل، فإذا أخرجها فقد طهر ماله من الحرام و نفسه من رذيلة البخل، و أما النماء ففي البركة و الثواب» و لعل مراده و مراد المحقق و غيره من النماء في الثواب أن الزكاة توجب مضاعفة للحسنات، لقوله تعالى (5)«وَ ما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» أي الذين يجعلون حسناتهم مضاعفة في زيادة الأجر و الثواب، و الأظهر إرادة الاضعاف في ثواب

الزكاة لا غيرها، لاندراجها في قوله تعالى (6)«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ» و في قوله (7)«مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ» و قوله (8):


1- 1 كنز العمال ج 3 ص 285- الرقم 4703.
2- 2 كنز العمال ج 3 ص 285- الرقم 4701.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 8 من كتاب الزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 1 من كتاب الزكاة.
5- 5 سورة الروم- الآية 38.
6- 6 سورة الحديد- الآية 11.
7- 7 سورة البقرة- الآية 263.
8- 8 سورة الانعام- الآية 161.

ج 15، ص: 6

«مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» و الأمر في ذلك كله سهل.

[في فضل الزكاة]

ثم ليعلم أن الزكاة أخت الصلاة، و قد قرنهما الله تعالى في كتابه مشعرا بعدم قيام الصلاة ممن لم يؤد الزكاة

(1)«و صلاة فريضة خير من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملو ذهبا ينفقه في بر حتى ينفد، فلا أفلح من ضيع عشرين بيتا من ذهب بخمسة و عشرين درهما، فان من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي»

(2)«و بينما رسول الله (صلى الله عليه و آله) في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر، فقال: اخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه و أنتم لا تزكون»(3)

بل

«من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن و لا مسلم و سأل الرجعة عند الموت (4)و هو قوله تعالى (5)«رَبِّ ارْجِعُونِ»

إلى آخره

و «ليمت إن شاء يهوديا و إن شاء نصرانيا»(6)

بل

«ما من ذي زكاة مال نخل أو زرع أو كرم يمنع زكاة ماله إلا قلده الله تربة أرضه يطوق بها من سبع أرضين إلى يوم القيامة»(7)

بل «مانع الزكاة يطوق بحية قرعا تأكل من دماغه و ذلك قوله تعالى (8)سَيُطَوَّقُونَ. إلى آخره»(9)

، بل

«ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من النار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب و ذلك قوله تعالى سَيُطَوَّقُونَ»(10)

و خصوصا مانع زكاة النقدين

فان الله يحبسه يوم القيامة بقاع قفر و سلط عليه شجاعا


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 17.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.
5- 5 سورة المؤمنون- الآية 101.
6- 6 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
7- 7 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 13.
8- 8 سورة آل عمران- الآية 176.
9- 9 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
10- 10 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 7

أقرع- أي ثعبانا لا شعر في رأسه لكثرة سمه- يريده و هو يحيد عنه، فإذا رأى أنه لا يتخلص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل، ثم يصير طوقا في عنقه، و ذلك قوله تعالى «سَيُطَوَّقُونَ» و ما من ذي مال إبل أو غنم أو بقر يمنع زكاة ماله إلا حبسه الله تعالى يوم القيامة بقاع قرقر تطأه كل ذات ظلف بظلفها و تنهشه كل ذات ناب بنابها، و ما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاتها إلا طوقه الله ريعة أرضه إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة(1)

«و إن الله يبعث يوم القيامة ناسا من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة أي قدرها، معهم ملائكة يعيرونهم تعييرا شديدا يقولون هؤلاء الذين منعوا خيرا قليلا من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله في أموالهم»(2)

و «ما ضاع مال في بر و لا بحر إلا بتضييع الزكاة، و لا يصاد من الطير إلا ما ضيع تسبيحه»(3)

و «إنما وضعت الزكاة اختبارا للأغنياء و معونة للفقراء، و لو أن الناس أدوا زكاة أموالهم ما بقي مسلم فقير محتاجا، و لاستغنى بما فرض الله له، و أن الناس ما افتقروا و لا احتاجوا و لا جاعوا و لا عروا إلا بذنوب الأغنياء، و حقيق على الله أن يمنع رحمته ممن منع حق الله في ماله و أقسم بالذي خلق الخلق و بسط الرزق أنه ما ضاع مال في بر أو بحر إلا بترك الزكاة و ما صيد صيد في بر و لا بحر إلا

بتركه التسبيح في ذلك اليوم، و أن أحب الناس إلى الله أسخاهم كفا، و أسخى الناس من أدى زكاة ماله، و لم يبخل على المؤمنين بما افترض الله لهم في ماله»(4).

و أما فضلها فعظيم و يكفيك فيه ما ورد في فضل الصدقة الشاملة لها من

«أن الله


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 19.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 8

يربيها لصاحبها كما يربي الرجل فصيله، فيأتي بها يوم القيامة مثل أحد»(1)

و «أنها تدفع ميتة السوء»(2)

و «تفك من لحى سبعمائة شيطان، و لا شي ء أثقل على الشيطان منها على المؤمن، و تقع في يد الرب قبل أن تقع في يد العبد»(3)

و «صدقة الليل تطفئ غضب الرب، و تمحو الذنب العظيم، و تهون الحساب، و صدقة النهار تنمي المال و تزيد في العمر»(4)

إلى غير ذلك، بل لعل رجحان الصدقة في الجملة من الضروريات بل العقل مستقل في ثبوته.

ثم إن الظاهر عدم وجوب شي ء في المال ابتداء غير الزكاة و الخمس، بل لا خلاف محقق أجده في

غير الضغث بعد الضغث كما ستسمع الكلام فيه، للأصل و العموم و السيرة القطعية التي هي أقوى من الإجماع، بل يمكن دعوى الضرورة فيه، خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من النصوص (5)في فرض الزكاة، و أنه لو علم الله عدم سد حاجة الفقراء بها لافترض غيرها، و نحوها مما سيمر عليك بعضها في تضاعيف المباحث.

نعم يستحب مؤكدا الإنفاق مما أنعم الله به عليه، بل ينبغي أن يلزم نفسه بشي ء معلوم على حسب وسعه و طاقته ينفقه في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر،

قال الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير(6)أو حسنه: «عليكم في أموالكم غير الزكاة، فقلت: و ما علينا في أموالنا غير الزكاة؟ فقال: سبحان الله أما تسمع


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب الصدقة- الحديث 7 من كتاب الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 2 من كتاب الزكاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب الصدقة- الحديث 12 من كتاب الزكاة مع الاختلاف.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب الصدقة- الحديث 2 من كتاب الزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 9

الله عز و جل يقول في كتابه «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ»(1)قلت: فما ذا الحق المعلوم؟ فقال: هو الشي ء يعمله الرجل في ماله فيعطيه في اليوم أو في الجمعة أو في الشهر قل أو كثر غير أنه يداوم عليه»

و قال في خبره الآخر(2): «أ ترون أن ما في المال زكاة وحدها ما افترض الله في المال غير

الزكاة أكثر فيعطى منه القرابة و المفترض يسألك»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر سماعة بن مهران(3): «لكن الله فرض في أموال الأغنياء حقوقا غير الزكاة، فقال: و الذين في أموالهم حق معلوم و الحق المعلوم غير الزكاة هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه و ماله يجب عليه أن يفرضه على قدر طاقته و وسعته، فيؤدي الذي فرض على نفسه إن شاء في كل يوم، و إن شاء في كل جمعة، و إن شاء في كل شهر- إلى أن قال-: و مما فرض الله في المال غير الزكاة قوله عز و جل (4)«الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ» و من أدى ما افترض الله عليه فقد قضى ما عليه و أدى شكر ما أنعم الله به عليه إذا هو حمده على ما أنعم الله عليه فيه مما فضله من السعة على غيره، و لما وفقه لأداء ما فرض الله عز و جل عليه و أعانه عليه»

و سأله (عليه السلام) ابن سنان (5)«في كم تجب الزكاة من المال؟

فقال: الزكاة الظاهرة أم الباطنة؟ فقال: ما هما؟ فقال: أما الظاهرة ففي كل ألف خمسة و عشرون، و أما الباطنة فلا تستأثر على أخيك بما هو أحوج إليه منك»

و في المروي (6)عن تفسير العياشي «سألته عن قول الله عز و جل «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»


1- 1 سورة المعارج- الآية 24 و 25.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4 مع الاختلاف.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2 مع الاختلاف.
4- 4 سورة الرعد- الآية 21.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9 و في الوسائل عن محمد بن سنان عن المفضل قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسأله رجل. إلخ.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 17.

ج 15، ص: 10

فقال: هو مما فرض الله في المال غير الزكاة، و من أدى ما فرض الله عليه فقد قضى ما عليه»

و في

خبر القاسم بن عبد الرحمن (1)عن الباقر (عليه السلام) «أن رجلا جاء إلى أبيه فقال. أخبرني عن قوله تعالى «الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» فقال له: الحق المعلوم الشي ء يخرجه من ماله ليس من الزكاة و لا من الصدقة المفروضتين قال: إذا لم يكن من الزكاة و لا من الصدقة فما هو؟ قال: هو الشي ء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر و إن شاء أقل على قدر ما يملك يصل به رحما، أو يقوي به ضعيفا، و يحمل به كلا، أو يصل به أخا له في الله في نائبة تنوبه».

و من فهم الوجوب من هذه النصوص أو بعضها أو احتمله فليعلم أنه ليس على شي ء، و أنه ممن لا يجوز له التعرض لفهم كلامهم (عليهم السلام) و إفتاء الناس بما يحصل لديه منه، و

الصدوق (رحمه الله) في الفقيه إنما عبر بمضمون كلامهم (عليهم السلام) فقال: «قال الله تعالى «وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ» و الحق المعلوم غير الزكاة، و هو شي ء يفرضه الرجل على نفسه أنه في ماله و نفسه يجب أن يفرضه على قدر طاقته»

فمراده مرادهم (عليهم السلام)، فما عن الذخيرة من أن ظاهر هذه العبارة الوجوب في غير محله كما هو واضح.

بل لعل الحال في الضغث بعد الضغث كذلك خصوصا بعد الأصل و العمومات سيما

قول الباقر (عليه السلام) في خبر معمر بن يحيى(2): «لا يسأل الله عز و جل عبداً عن صلاة بعد الفريضة، و لا عن صدقة بعد الزكاة، و لا عن صوم بعد شهر رمضان»

و بعد

قول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن مترع (3)«في الزرع


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب أحكام شهر رمضان- الحديث 16 من كتاب الصوم.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2 لكن رواه عن معاوية بن شريح و هو الصحيح لأنه لم يوجد أثر لمعاوية بن مترع في كتب التراجم أصلا و الموجود فيها هو معاوية بن ميسرة بن شريح القاضي.

ج 15، ص: 11

حقان حق تؤخذ به و حق تعطيه، أما الذي تؤخذ به فالعشر و نصف العشر، و أما الذي تعطيه فقول الله عز و جل (1)«وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ» يعني من حضرك الشي ء، و لا أعلم إلا أنه قال: الضغث ثم الضغث حتى تفرغ»

و صحيح شعيب العقرقوفي (2)المروي عن تفسير علي بن إبراهيم «سألت أبا عبد الله (عليه

السلام) عن قول الله (3)«وَ آتُوا» فقال: الضغث من السنبل، و الكف من التمر إذا حوصره، قال: و سألته هل يستقيم إعطاؤه إذا أدخله البيت؟ قال: لا، هو أسخى لنفسه قبل أن يدخله في بيته»

و حسن زرارة و محمد بن مسلم و أبي بصير(4)عن الباقر (عليه السلام) في الآية، قال: «هذا من الصدقة يعطي المسكين القبضة بعد القبضة، و من الجذاذ الحفنة بعد الحفنة، و يعطي الحارس أجرا معلوما، و يترك للحارس يكون في الحائط العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إياه»

و حسن أبي بصير(5)عن الصادق (عليه السلام) «لا تصرم بالليل، و لا تحصد بالليل، و لا تضح بالليل، و لا تبذر بالليل، فإنك إن لم تفعل لم يأتك القانع، و هو من يقنع بما أعطيته، و المعتر، و هو الذي يمر بك فيسألك، و إن حصدت بالليل لم يأتك السؤال و هو قوله عز و جل «وَ آتُوا حَقَّهُ» يعني القبضة بعد القبضة إذا حصدت، و إذا خرج فالحفنة بعد الحفنة، و كذلك عند الصرام، و لا تبذر بالليل، لأنك تعطي من البذر كما تعطي من الحصاد»

و في المروي


1- 1 سورة الانعام- الآية 142.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4 و في الوسائل « من التمر إذا خرص».
3- 3 سورة الانعام- الآية 142.
4- 4 فروع الكافي ج 1 ص 565 الطبع الحديث« باب الحصاد و الجذاذ» الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1 مع الاختلاف.

ج 15، ص: 12

عن تفسير علي بن إبراهيم في الصحيح عن مسعد بن سعد(1)عن الرضا (عليه السلام) «إن لم يحضر المساكين و هو يحصد قال: ليس عليه شي ء»

فان عدم التقدير و عدم الوجوب لو لم يحضروا، و عدم المؤاخذة به و التشبيه بالبذر الذي لم يقل أحد بوجوب الإعطاء منه و الاختلاف في الغاية و غير ذلك مشعر بعدم الوجوب كما نسب إلى أكثر العلماء في محكي التذكرة، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل لا مخالف صريح أجده إلا الشيخ في محكي الخلاف، إذ الصدوق و إن عنون له باباً لكن لا صراحة فيه بالوجوب و لا ظهور، و أوضح منه في العدم الكافي، بل ربما استظهر منه موافقة الأصحاب كالمقنعة، نعم في الانتصار بعد أن اختار الاستحباب قال: و لو قلنا بوجوب هذا العطاء في وقت و إن لم يكن مقدرا بل موكولا إلى اختيار المعطي لم يكن بعيدا من الصواب.

فمن الغريب بعد ذلك دعوى الشيخ إجماع الطائفة و أخبارهم على الوجوب، خصوصا بعد عدم اشتهاره مع عموم البلوى به، بل السيرة المستمرة على عدمه، و الآية لا مانع من حملها على الندب بناء على عدم إرادة الزكاة منها كما أومأ إليه بعض النصوص (2)بقرينة النهي عن الإسراف الذي لا وجه له في الزكاة المقدرة، و ظهور يوم حصاده، و غير ذلك، و لفظ الحق لا ينافي إرادة الندب كما هو واضح، بل لعل الإطناب في ذلك من تضييع العمر بالواضحات، ضرورة استقرار الإجماع الآن على عدم الوجوب، و وسوسة بعض المتأخرين المجبولة طباعهم على حب الخلاف غير قادحة و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5 عن سعد بن سعد.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 13

[أقسام الزكاة]

اشاره

و كيف كان ف فيه قسمان:

[القسم الأول في زكاة المال]
اشاره

الأول في زكاة المال التي وجوبها في الجملة من الضروريات المستغنية عن الاستدلال بالآيات و الروايات فيدخل منكره من المسلمين في المليين أو الفطريين على حسب غيره من إنكار الضروري الذي قد أفرغنا الكلام في وجه الكفر بإنكاره في أحكام النجاسات من كتاب الطهارة فلاحظ و تأمل، بل في

خبر أبان بن تغلب (1)عن الصادق (عليه السلام) «دمان في الإسلام حلال من الله لا يقضى فيهما حتى يبعث قائمنا أهل البيت (ع)، فإذا بعثه الله حكم فيهما بحكم الله: الزاني المحصن يرجمه، و مانع الزكاة يضرب عنقه»

و قال أيضا في خبر أبي بصير(2): «من منع قيراطا من الزكاة فليمت إن شاء يهوديا و إن شاء نصرانيا»

و قال أيضا في خبره الآخر(3): «الزكاة ليس يحمد صاحبها، إنما هو شي ء ظاهر، إنما هو شي ء حقن بها دمه، و سمي مسلما»

و نحوه موثقة سماعة(4)بل

في وصية النبي (صلى الله عليه و آله)(5)لعلي (عليه السلام) «كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة- و عد منهم- مانع الزكاة»

إلى غير ذلك مما يجب حمل ما فيه من الكفر على إرادة المبالغة أو على إرادة الترك استحلالا، و أما ما أومأ إليه بعضها من قتال مانعي الزكاة مع وجودها عندهم فهو على مقتضى الضوابط في غاصبي الأموال بناء على أن الزكاة في العين بل و إن قلنا بالذمة، و لذا صرح به هنا غير واحد من الأصحاب، بل لعله من معقد إجماع التذكرة، لكن الأولى مباشرة الإمام (عليه السلام) أو نائبه لذلك، و إن كان قد يقوى جواز مباشرة غيره له أيضاً من الآمر بالمعروف الذي هو هنا المقاتلة مع التوقف عليها، بل لعله واجب مع التمكن و لتحقيق ذلك محل آخر.


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 4- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 14

إنما النظر الآن فيمن تجب عليه الزكاة و ما تجب فيه، و من تصرف اليه،

[النظر الأول في من تجب عليه]
اشاره

أما الأول فتجب الزكاة على البالغ العاقل الحر المالك المتمكن من التصرف بلا خلاف و لا إشكال، إنما الكلام في نفيها عن غيره

[في عدم وجوب الزكاة قبل البلوغ]

ف نقول: لا خلاف محقق في أن البلوغ يعتبر في زكاة الذهب و الفضة بل هو معتبر فيهما

إجماعا بقسميه بل المحكي منه مستفيض أو متواتر كالنصوص (1)و إن كان الموضوع في كثير منها اليتيم إلا أن الإجماع بقسميه أيضا على عدم الفرق بينه و بين غيره، مضافا إلى

خبر محمد ابن الفضيل (2)عن الرضا (عليه السلام) «في صبية صغار لهم مال بيد أبيهم أو أخيهم هل يجب على مالهم الزكاة فقال: لا يجب على مالهم حتى يعمل به، فإذا عمل به وجبت الزكاة، أما إذا كان موقوفا فلا زكاة عليه»

و ترك الاستفصال في

صحيح يونس بن يعقوب(3): «أرسلت إلى أبي عبد الله (عليه السلام) أن لي إخوة صغارا فمتى تجب على أموالهم الزكاة؟ فقال: إذا وجبت عليهم الصلاة وجبت عليهم الزكاة، قلت:

فما لم تجب عليهم الصلاة قال: إذا اتجر به فزكه»

فلا إشكال حينئذ فيه من هذه الجهة.

كما أنه لا إشكال في أن المنساق من النصوص (4)و الفتاوى الدالة على اعتبار الحول كون مبدئه تحقق البلوغ، فلا وجوب لما مضى من الأحوال قبله، و لا للحول الذي بلغ في آخره، للأصل و غيره، و

خبر أبي بصير(5)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ليس على مال اليتيم زكاة «يب» و ليس عليه صلاة و ليس على جميع غلاته من نخل


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3 و 11.

ج 15، ص: 15

أو زرع زكاة «ش»(1)و إن بلغ اليتيم فليس عليه لما مضى زكاة، و لا عليه لما يستقبل حتى يدرك، فإذا أدرك فإنما عليه زكاة واحدة، ثم كان عليه مثل ما على غيره من الناس»

و الظاهر إرادة معنى الواو من «ثم» كما رواه الشيخ به بدلها، ثم إنه إن جعلنا مفعول الإدراك فيه المدلول عليه بما مضى و ما بقي تخلصا من اتحاد معنى الغاية و البداية كان حينئذ دالا على المطلوب من وجهين، و إن جعلنا الإدراك فيه الرشد كان النفي الأول كافيا، بل لو أعرضنا عن هذا الخبر لإجماله كان غيره مما عرفت كافيا، فلا وجه لما عن بعض متأخري المتأخرين من أن المستفاد من الأدلة عدم وجوب الزكاة على الصبي حتى يبلغ، و هو غير مستلزم لعدم الوجوب حين البلوغ بسبب الحول السابق بعضه، إذ لا يستفاد من أدلة اشتراط الحول كونه في زمان التكليف، و اللام في قوله: «فليس عليه» إلى آخره غير واضحة الدلالة على المعنى الشامل للسنة الناقصة، بل المتبادر منه خلافه، و كذا

قوله (عليه السلام): «و لا عليه»

إلى آخره غير واضح في إثبات الفرض المذكور، بل قد نقول في قوله «فإذا» إلى آخره دلالة على خلاف ذلك، إذ هو كما ترى، مضافا إلى ما تسمعه إن شاء الله في تضاعيف المباحث، و في البحث عن اشتراط الحول مما يظهر منه صحة ما ذكرنا من اعتبار الحول عند ابتداء البلوغ فيما يعتبر فيه الحول، كما أنه يعتبر عند التعلق فيما لا يعتبر فيه الحول و كذا غيره من الشرائط.

و على كل حال فلا وجوب قبل البلوغ نعم إذا اتجر له من اليه النظر استحب له إخراج الزكاة من ماله أي الطفل و لا يجب بلا خلاف محقق أجده فيه، بل في المعتبر و محكي المنتهى و نهاية الأحكام و ظاهر الغنية الإجماع عليه، و لعله كذلك، إذ ما في المقنعة- من أنه لا زكاة عند آل الرسول (صلى الله عليه و آله) في صامت أموال


1- 1 لا يخفى أن ما بين لفظة« يب» و حرف« ش» مما اختص به الشيخ قده في روايته عن أبي بصير و أما البقية فاشترك الشيخ و الكليني قدس سرهما في نقلها عن أبي بصير.

ج 15، ص: 16

الأطفال و المجانين من الدراهم و الدنانير إلا أن يتجر الولي لهم أو القيم عليهم بها، فان اتجر بها و حركها وجب عليه إخراج الزكاة منها، فإذا أفادت ريحا فهو لأربابها، و إن حصل فيها ضرر (خسران خ ل) ضمنه المتجر لهم بها، و على غلاتهم و أنعامهم الزكاة إذا بلغ كل واحد من هذين الجنسين الحد الذي يجب فيه الزكاة، و ليس يجري ذلك مجرى الأموال الصامتة على ما جاء عن الصادقين (عليهم السلام)- يمكن حمله على إرادة الندب كما عن التهذيب، بل يشهد له تصريحه في باب زكاة أمتعة التجارة بأنها سنة مؤكدة فيها على المأثور عن الصادقين (عليهم السلام)، و احتمال الفرق بين التجارة بمال الطفل و غيره كما ترى، و أولى بالحمل على ذلك ما عن الصدوقين من أنه ليس على مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فان اتجر به فعليه الزكاة، فصح لنا حينئذ نفي تحقق الخلاف في المسألة، اللهم إلا أن يدعى أن ظاهر القائلين بوجوبها في مال التجارة عدم الفرق بين الأطفال و البالغين، فيكون الوجوب حينئذ قولا لجماعة، لكن فيه بحث أو منع.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى عدم الوجوب، للأصل و إطلاق نفيها عن اليتيم في خبر أبي بصير(1)و خبر محمد بن القاسم (2)و صحيح محمد بن مسلم (3)و صحيح زرارة(4)و صحيحهما(5)الوارد في الغلات و غيرها، بل في

خبر مروان ابن مسلم (6)عن أبي الحسن عن أبيه (عليهما السلام) منها ما يومي إلى حمل ما دل على الوجوب على التقية لأنه قال: «كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم، ليس عليه زكاة».

فاحتمال تقييد الجميع ب

خبر أبي العطارد الحناط(7)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام مال اليتيم يكون عندي فأتجر به، قال: إذا حركته فعليك زكاته»

و خبر سعيد السمان (8)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3 و 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 9.
7- 7 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 17

«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: ليس في مال اليتيم زكاة إلا أن يتجر به، فان اتجر به فالربح لليتيم، و إن وضع فعلى الذي يتجر به»

و خبر أبي شعبة(1)عن أبيه عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سئل عن مال اليتيم فقال: لا زكاة عليه إلا أن يعمله»

و صحيح محمد بن مسلم (2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل على مال اليتيم زكاة؟ قال: لا إلا أن يتجر أو يعمل به»

و صحيح يونس بن يعقوب (3)و خبر محمد بن الفضيل (4)المتقدمين آنفا- بعد الأعضاء عما في سند بعضها، و موهونية الجميع بما عرفت من عدم تحقق القائل بالوجوب، و عدم ظهور بعضها في الوجوب المصطلح، ضرورة دلالة بعضها على ثبوت الزكاة فيها في هذا الحال الذي هو أعم من الوجوب و غيره، و كذا ما دل منها على أن

الزكاة على المال حينئذ، ضرورة إمكان منع دلالته على الوجوب، و أن المراد منه معنى فيها- كما ترى مخالف لمذاق الفقاهة، خصوصا بعد ما تعرف إن شاء الله من عدم الوجوب في مال التجارة على البالغ فضلا عن مال الطفل، و ما أبعد احتمال الوجوب أو القول به من القول بعدم المشروعية أصلا، كما صرح به الحلي في مكاسب السرائر، و تبعه سيد المدارك، لكن الإنصاف أنه إفراط، إذ التصرف في مال الغير و إن كان حراما و خصوصا مال اليتامى لكن لا مناص عن القول بالندب هنا بعد الإجماع المحكي عليه في المعتبر و محكي المنتهى و النهاية و ظاهر الغنية المعتضد بالتتبع، و بالنصوص المزبورة المعتبر سند بعضها المحمولة على ذلك الذي هو أولى من التقية، فيكون إذنا من المالك الحقيقي، بل الظاهر عدم الفرق في استحباب زكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 10 عن أحمد ابن عمر بن أبي شعبة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 18

ماله مع التجارة بين النقدين و غيرهما، لإطلاق النصوص المزبورة، و دعوى انصرافها إلى النقدين ممنوعة، كما أنه أفرط هو و بعض من تقدمه في دعوى كون الخسران على المتجر لهم إذا حصل، و إن كان ربما يشهد له خبر السمان (1)إلا أنه لا مجال للقول به و الخروج عن قاعدة الإحسان و قاعدة من كان الربح له فالخسران عليه، و غير ذلك، فيجب حينئذ حمله على ما لا ينافيها.

و على كل حال فالتحقيق ما ذكرنا من استحباب الزكاة في مال الطفل إذا اتجر به له فأما إن ضمنه و أدخله في ملكه بناقل شرعي كالقرض و اتجر لنفسه و فرض جواز ذلك له بأن كان مليا و فيه مصلحة لليتيم أو كان أبا أو جدا بناء على عدم (2)اعتبار الملائة فيهما كان الربح له سواء ابتاع بعينه أو بالذمة و أداه لأنه نماء ملكه و تستحب الزكاة له حينئذ لأنه كغيره من أموال التجارة بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك إلا في أصل جواز افتراض الولي مال الطفل، فان ظاهر ابن إدريس منعه، و لا ريب في ضعفه كما بيناه في محله.

و المراد بالملائة ما ذكره

الصادق (عليه السلام) في خبر سالم (3)قال: «سألته فقلت: أخي أمرني أن أسألك عن مال يتيم في حجره يتجر به قال: إن كان لأخيك مال يحيط بمال اليتيم إن تلف أو أصابه شي ء غرمه و إلا فلا يتعرض لمال اليتيم»

بل و

صحيح ربعي (4)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل عنده مال اليتيم فقال: إن كان محتاجا ليس له مال فلا يمس ماله، و إن هو اتجر به فالربح لليتيم، و هو ضامن»

و خبر منصور الصيقل (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مال اليتيم يعمل به فقال:


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.
2- 2 ليس في النسخة الأصلية لفظة« عدم» و الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة لكن روى عن أسباط بن سالم.
4- 4 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 3 من كتاب التجارة.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 19

إذا كان عندك مال و ضمنته فلك الربح، و أنت ضامن للمال، و إن كان لا مال لك و عملت به فالربح للغلام، و أنت ضامن للمال».

و لعله اليه يرجع ما في المسالك من أن المراد بالملائة أن يكون للمتصرف مال بقدر ما للطفل فاضلا عن المستثنيات في الدين، و هو قوت يوم و ليلة له و لعياله الواجبي النفقة، و أشكله في المدارك بأنه قد لا يحصل معه الغرض المطلوب من الملائة، قلت:

قد عرفت خلو النصوص عن هذا اللفظ، و إنما المعتبر ما سمعت، و ربما يكفي عنها وضع الرهن و لو من غيره على المال، بل قد يقال بكفاية الجاه و الاعتبار عن المال فعلا، و إن كان لا يخلو من إشكال، لاحتمال عروض الموت و نحوه، ثم من المعلوم عدم اعتبار اليقين بوجود مال له لو تلف مال الطفل، بل يكفي الاطمئنان العادي بذلك كما هو واضح.

و كيف كان فقد استثنى جماعة بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين الأب و الجد مما يعتبر فيه الملائة، فيجوز حينئذ افتراضهما و إن كانا معسرين، بل عن مجمع البرهان كأنه لا خلاف فيه، و لم أجد له شاهدا بالخصوص في النصوص، نعم قد يشهد له في الجملة إطلاق ما ورد(1)من جواز تقويم الأب جارية ولده على نفسه ثم يطأها، و

خبر سعيد بن يسار(2)عن الصادق (عليه السلام) «أ يحج الرجل من مال ابنه و هو صغير؟

قال: نعم، قلت: حجة الإسلام و ينفق منه، قال: نعم بالمعروف و يحج منه و ينفق منه إن مال الولد لوالده، و ليس للولد أن ينفق من مال والده إلا باذنه»

و خبر ابن أبي يعفور(3)«في الرجل يكون لولده مال فأحب أن يأخذ منه قال: فليأخذ»

و خبر أبي حمزة(4)عن الباقر (عليه السلام) «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) لرجل:

أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): ما أحب أن يأخذ من مال ابنه


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 4 من كتاب التجارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 8 من كتاب التجارة.
4- 4 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 15، ص: 20

إلا ما احتاج، إن اللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ»

و خبر محمد بن مسلم (1)«سألته عن الرجل يحتاج إلى مال ابنه قال: يأكل منه من غير إسراف إذا اضطر اليه، فقلت له: فقول رسول الله (صلى الله عليه و آله) لرجل أتاه فقال له: أنت و مالك لأبيك، فقال: إنما جاء بأبيه إلى النبي (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله هذا أبي قد ظلمني ميراثي من أمي فأخبره أنه قد أنفقه عليه و على نفسه فقال له: أنت و مالك لأبيك و لم يكن عند الرجل شي ء»

و خبر علي بن جعفر(2)عن أخيه (عليه السلام) «سألته عن الرجل يأكل من مال ولده قال: لا إلا أن يضطر إليه فليأكل منه بالمعروف».

إلا أن الجميع كما ترى لا يجسر به على مثل هذا الحكم، و خصوصا في الجد المندرج في قوله تعالى (3)«وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ»* إذ الظاهر صدقه بفقد الأب و إن كان الجد موجودا، و دعوى شمول لفظ الأب في هذه النصوص للجد واضحة المنع، كل ذا مع أن المحكي عن القدماء إطلاق اعتبار المصلحة في التصرف في مال الطفل من غير فرق بين الأب و الجد و غيرهما، بل عن المبسوط «من يلي أمر الصغير و المجنون خمسة: الأب و الجد و وصي الأب و الجد و الامام و من يأمره، فكل هؤلاء الخمسة لا يصح تصرفهم إلا على وجه الاحتياط و الحظ للصغير المولى عليه، لأنهم نصبوا لذلك، فإذا تصرف على وجه لا حظ فيه كان باطلا» نعم حكي عن الشيخ أنه جوز للوالد الاستقراض من مال الولد لحجة الإسلام، و لعله لخبر سعيد المتقدم، و أنه نص على المنع للحج المندوب، و بالجملة فالتوقف في الحكم المزبور في محله، خصوصا مع


1- 1 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 9 و هو خبر الحسين ابن أبي العلاء مع الاختلاف في صدر الرواية أيضا.
2- 2 الوسائل- الباب- 78- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 6 من كتاب التجارة.
3- 3 سورة الأنعام- الآية 153.

ج 15، ص: 21

المفسدة في ذلك، و من هنا استشكله في المدارك بعد أن حكاه عن المتأخرين، و عن القطيفي أنه لم يحضرني دليله، و قد ذكرنا نبذة من الكلام في تصرف الولي في كتاب الرهن من أراده فليلاحظه.

[في وجوب الزكاة في مال اليتيم]

أما إذا كان الولي بحيث لا يجوز له الاقتراض بان لم يكن مليا أو لا مصلحة في اقتراضه فهو كما إذا لم يكن المقترض وليا في عدم الجواز و كان كل منهما ضامنا للمال لو تلف كلا أو بعضا بقيمته أو مثله، لكونهما غاصبين، و لكن أطلق المصنف و الفاضل في بعض كتبه أن لليتيم الربح حينئذ و أنه لا زكاة هنا و عن محكي المبسوط و النهاية موافقتهما في الأول و مخالفتهما في الثاني لكن في غير الولي، كما أن الشهيدين و المقداد و ثاني المحققين و القطيفي على ما حكي عن بعضهم وافقوهما على الأول إذا كان وليا و اشترى بالعين، و اختلفوا في الزكاة، فبعضهم أثبتها و آخر نفاها، و لعل التحقيق في الولي كون الربح لليتيم مع الشراء بالعين، و قصد النفس بعد كون المال للغير المخاطب بإيقاع الشراء له مع المصلحة غير قادح، كما لو اشترى بمال زيد عينا يقصد أنها له، فإنه لا يجدي في عدم (1)تبعية ملك المعوض للعوض إذا كان وكيلا أو أجاز المالك، و قد فرضنا كون المتصرف الولي، فلا يحتاج إلى إجازة، إذ هو حينئذ كالوكيل على الشراء بالعين و قصد نفسه، فإن صحة البيع لا تحتاج إلى إجازة من الموكل في وجه قوي، لأن الوكيل قد فعل ما وكل فيه، و قصده لنفسه لاغ، و ليس الفعل مشتركا تشخصه النية، إذ الفرض أنه وكيل على الشراء بالعين، و هو لا يقع إلا للموكل، فكذا الولي، بل لعله أولى من الوكيل في ذلك، و على هذا يحمل صحيح ربعي (2)و خبر منصور(3)المتقدمان آنفا، و نحوهما

حسن ابن مسلم (4)في مال


1- 1 في النسخة الأصلية شطب على لفظة« عدم» و الصحيح ما أثبتناه.
2- 2 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 75- من أبواب ما يكتسب به- الحديث 2.

ج 15، ص: 22

اليتيم «العامل به ضامن و لليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال، و قال: إن عطب أداه».

و منه يظهر فساد ما ذكره بعض متأخري المتأخرين من احتياج الصحة إلى إجازة من الولي، بل ربما توقف في الصحة معها أيضا، لكون الشراء وقع لنفسه، فلا تنفعه الإجازة و لو قلنا بصحة الفضولي معها، إذ قد ظهر لك مما ذكرنا عدم الاحتياج إلى الإجازة في الصحة، لكونه مكلفا مع الشراء بعين مال الطفل و حصول المصلحة بكون الشراء للطفل لا لنفسه.

نعم ينبغي تقييد ذلك كله بما إذا وقع الشراء بالعين، أما إذا وقع في الذمة فالقاعدة تقتضي كونه للولي، فيكون الربح له و إن كان قد أضمر التأدية من مال الطفل حال الشراء، فإن إضماره ذلك لا يقتضي تبعية الملك له، و تأديته لم تبرأ ذمته، و دعوى أن النص و الفتوى يشملان هذه الصورة، لأنها الغالب، و لصدق الشراء بمال الطفل حينئذ، يمكن منعها، على أن الخروج عن القاعدة المحكمة بإطلاق هذه النصوص ليس أولى من العكس، بل هو أولى.

و لو لم يكن ربح و لا نقصان أمكن الحكم بصحة العقد بناء على اعتبار عدم المفسدة لا المصلحة، أو على أنها معتبرة في رفع الإثم في التصرف دون صحة العقد، فيكفي فيها عدم المفسدة و إن أثم بالإيقاع، و قد يقوى الفساد، لاعتبارها في الصحة كما هو ظاهر الآية(1)و حينئذ يكون كالشراء مع النقيصة الذي حكمه أنه يجب عليه استرجاع مال الطفل مع التمكن، و إلا غرم للطفل ماله، و أخذ ما بيده له مقاصة، و لو كانت المصلحة في المقاصة للطفل اعتبرها له، لأنه عوض ماله، و غرم الباقي له، لكن في وجوب ذلك عليه إشكال، أقواه العدم.

و لو كان أول الشراء ناقصا ثم زاد بعد ذلك فالظاهر البقاء على الفساد، و قد


1- 1 سورة الأنعام- الآية 153.

ج 15، ص: 23

يحتمل انكشاف الصحة قهرا أو مع تجديد الإجازة فيدخل في ملك الطفل لمصادفته المصلحة واقعا، لكنه لا يخلو من ضعف، كما أن الظاهر- فيما إذا كان أول الشراء فيه ربح فنقص بعد ذلك- البقاء على الصحة، فتكون النقيصة حينئذ على الطفل، و قد يحتمل انكشاف الفساد، لكنه أيضا لا يخلو من ضعف كالسابق.

هذا كله إذا كان المتصرف الولي، أما إذا كان غير ولي و قد اشترى بعين مال الطفل بعنوان أنه له و كان فيه ربح فالضوابط تقتضي أنه فضولي لا يدخل في ملك الطفل حتى

يجيز الولي، و الظاهر عدم وجوب الإجازة عليه، لأصالة براءة ذمته من وجوب التكسب عليه، لكن ظاهر المصنف و غيره كونه كالولي في الحكم، و ربما استدل له بإطلاق النصوص السابقة، لكن قد يمنع شمولها لغير الولي، خصوصاً مع اشتمالها على ما يقتضي رفع الضمان إذا كان للعامل مال، و هو لا يتم إلا في الولي، ضرورة ضمان غيره على كل حال، لعدم جواز التصرف له، و من ذلك يظهر لك أن دعوى وجوب إجازة الولي الحقيقي لمثل هذا التصرف إذا صادف المصلحة لا شاهد لها، كما أنه مما قدمنا سابقا يظهر لك أنه لا وجه للتوقف في الصحة مع إجازة الولي، لما عرفت من أن قصد النفس غير قادح.

و أما الزكاة فنفيها عن الولي و إن كان قد قصد الشراء لنفسه متجه، لعدم سلامة الربح له، و في

موثق سماعة(1)«الرجل يكون عنده مال اليتيم يتجر به أ يضمنه؟

قال: نعم، قلت: فعليه زكاة قال: لا، لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان و الزكاة»

لكنه غير صريح فيما نحن فيه، بل و لا ظاهر، اللهم إلا أن يقال: إنه إن لم يحمل عليه لم يوافق ما هو المعلوم من النص و الفتوى من أن الولي إذا ضمن مال الطفل و اتجر به لنفسه كانت الزكاة عليه، و أنه بهذا المعنى تجتمع الزكاة و الضمان، أما إذا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.

ج 15، ص: 24

حمل على ما نحن فيه من كون الضمان فيه لعدم جواز افتراضه لعدم ملائته أو غيرها و كان الاتجار لنفسه يتجه حينئذ نفي الزكاة عنه، لما عرفت من صيرورة الربح للطفل، فمثل هذا الضمان لا يجتمع مع الزكاة، لكنه كما ترى لا يخلو من تكلف.

و على كل حال فنحن في غنية عنه بالنسبة إلى نفيها عنه من ماله، و أما بالنسبة إلى الطفل فلعل عدم الزكاة حينئذ لعدم قصد التكسب له، و إن صرف الشارع الربح له و ستعرف اشتراط زكاة التجارة بذلك، مضافاً إلى أصالة العدم، ضرورة ظهور ما دل على الاستحباب فيما إذا كانت التجارة له، و لو كان المتصرف غير الولي ثم أجازه فقد عرفت القول بعدم الزكاة فيه أيضاً، و أنه لا فرق بينه و بين الولي الذي لم يجز له التصرف، و علل بعدم قصد الطفل عند الشراء، فيكون قصد الاكتساب له طارئا، و استضعفه في المدارك بأنه على تقدير تسليم الشرط إنما هو قصد الاكتساب عند التملك و هو هنا حاصل بناء على ما هو الظاهر من أن الإجازة ناقلة لا كاشفة، ثم حكى عن الشهيدين و المحقق الثاني استحباب إخراج الزكاة من مال الطفل في كل موضع يقع الشراء للطفل و نفى البأس عنه.

قلت: لعل الظاهر ذلك و إن قلنا إن الإجازة كاشفة بناء على ما هو الصحيح من معنى الكشف، فيكفي حينئذ في قصد التكسب للطفل إجازة الولي ذلك الشراء له، و أولى من ذلك ما لو وقع الشراء فضوليا للطفل من أول الأمر فأجازه، فإنه لا إشكال في كونه اتجارا بمال الطفل، فيندرج حينئذ في الأدلة السابقة، لكن الانصاف عدم ترك الاحتياط في كل مقام يقع فيه الاشتباه، لما عرفت من أن الحكم استحبابي لا إيجابي، و الله أعلم.

[في استحباب الزكاة في غلات الطفل و مواشيه]

و كيف كان ف تستحب الزكاة في غلات الطفل و مواشيه كما صرح به

ج 15، ص: 25

الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم و قيل: تجب و القائل الشيخان و بنو زهرة و سعيد و حمزة و التقي و القاضي على ما حكي عنهم، بل حكاه غير واحد عن الشيخين و أتباعهما، بل عن ناصريات المرتضى ذهب أكثر أصحابنا إلى أن الإمام يأخذ الصدقة من زرع الطفل و ضرعه، و الأقوى عدم الوجوب، كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل لعل عليه عامة المتأخرين، بل عن تلخيص الخلاف نسبته إلى أصحابنا بل عن كشف الحق ذهبت الإمامية إلى أن الزكاة لا تجب على الطفل و المجنون، للأصل و إطلاق النصوص (1)المستفيضة غاية الاستفاضة نفي الزكاة عن مال اليتيم الشامل للفرض و خصوص موثق أبي بصير(2)السابق في الغلات الذي لا وجه لحمل النفي فيه على إرادة بيان النفي عن جميع الغلات التي منها ما لا تجب الزكاة فيه، ضرورة عدم قابليته لذلك، لاشتماله على النخل، مع أنه لا وجه معتد به

لاختصاص الطفل حينئذ به، و المناقشة في سنده لو سلمت مدفوعة بالانجبار بالشهرة، كل ذلك مع عدم دليل للوجوب سوى خطابات الوضع التي يمكن منع سوقها لبيان الأعم من المكلف و المكلف به، و لو سلم فلا صراحة فيها بالوجوب، ضرورة صدقها مع الندب، و لو سلم فهي ظاهرة في المالك الكامل، ضرورة أنها تكليف، و التكليف مشروط بالكمال، لرفع القلم عن الصبي و المجنون، فالمراد حينئذ منها وجوب الزكاة في الأعيان على من له أهلية التكليف، و صرف ذلك إلى الولي و إن كان ممكنا إلا أنه خلاف الظاهر من هذه النصوص المنساق منها إرادة المالك، و لو أغضي عن ذلك كله و سلم عمومها للكامل و غيره فالتعارض بينها و بين الإطلاقات السابقة من وجه، و لا ريب في رجحانها عليها من وجوه، منها الأصل و الشهرة و خبر أبي بصير و وضوح الدلالة، و دعوى ترجيحها عليها بأن المنساق من المال


1- 1 الوسائل- الباب- 1 و 2 و 3- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3 و 11.

ج 15، ص: 26

في نصوص النفي الصامت ممنوعة، إذ لا ريب في أن المواشي و الغلات من جملة الأموال بل النعم أكثر أموال العرب، كدعوى ترجيحها ب

صحيح زرارة و محمد بن مسلم عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام)(1)«ليس على مال

اليتيم في العين و المال الصامت شي ء، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة»

الموافق لجمهور العامة، و احتمال إرادة الثبوت من الوجوب الذي لم يثبت كونه حقيقة في المعنى المصطلح كما في المدارك، و إن كان فيه ما فيه، و الذي لم يشتمل على تمام المدعى، و دعوى الإجماع المركب كما عن ابن حمزة يمكن منعها كما ترى، فلا محيص للفقيه عن حمله على الندب حينئذ كما صرح به من عرفت، إلا أنه قد صرح به أيضا في المواشي، و لم نعرف له دليلا سوى دعوى الإجماع المركب على مساواة حكمها للغلات وجوبا أو ندبا، و دون ثبوتها خرط القتاد، خصوصا في نحو المقام الذي لا يتسامح في دليل الندب فيه باعتبار معارضته بدليل حرمة التصرف و خصوصا مع عدم تعرض كثير للندب فيهما معا، بل ربما ظهر من بعض من نفي الوجوب كابن إدريس الحرمة، و به جزم العلامة الطباطبائي في مصابيحه بعد أن ادعى عدم التصريح به قبل الفاضلين، بل ربما كان ظاهر من تقدمهم كالصدوقين و المرتضى و ابن أبي عقيل و غيرهم نفي الندب أيضا، و من ذلك يعلم حينئذ ما في عبارة النافع في الغلات من أن الأحوط الوجوب، فتأمل.

و كيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه لأنه هو الذي له ولاية التصرف في ماله، و لظهور بعض النصوص (2)السابقة في خطابه بذلك، فليس حينئذ للطفل الإخراج بدون إذنه و إن قلنا بشرعية عباداته، و لا لغيره، لكن عن مجمع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2 و فيه« الدين» بدل« العين».
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 27

البرهان أنه على تقدير عدم حضور الولي يمكن التوقف حتى يوجد أو يبلغ الطفل فيقضي و يحتمل جواز الأخذ لآحاد العدول و المستحقين، قلت: لعل وجهه أن هذا الاستحباب ليس تكليفا محضا بل له جهة تعلق بالمال حينئذ، إلا أنه ينبغي أن يكون المتولي لأخذ ذلك الحاكم مع غيبة الولي، بل و مع امتناعه في وجه، و قد سمعت ما حكاه المرتضى عن أكثر أصحابنا.

و كيف كان فلو تعدد الأولياء جاز لكل واحد منهم، فإن تشاحوا و أمكن التوزيع ففي كشف الأستاذ وزع عليهما، قلت: يمكن أن يقدم من تمكن منهم من المال إذ ليس للآخر قهره و منعه، و في الدروس و يتولى الولي الإخراج، فيضمن لو أهمل مع القدرة في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال الطفل، و لولا أن الحكم استحبابي اتجه مطالبته بدليل الضمان في ماله في الندب، كالذي في كشف الأستاذ من أنه إن أتلفا أي الطفل و المجنون شيئا منها مع تفريط الولي كان الضمان عليه، و مع عدمه يكون الضمان عليهما، فيؤدي الولي العوض من مالهما أي و لو على الندب، و قال فيه أيضا: «إذا بلغ الطفل لم يمكنه الولي من دفع زكاته حتى يأنس منه الرشد بالاختبار لأحواله بالتصرف بأمواله» و فيه أنه لا بأس بدفعه من حيث أنه دفع، لكونه مكلفا، و عبادته صحيحة بل لعل الأولى مباشرته لذلك، لأنه هو المخاطب، نعم ينبغي اطلاع الولي على المدفوع إليه، فحينئذ لو دفع شيئا إلى الفقير الجامع للشرائط على وجه التقرب لم يحتج إلى احتساب الولي عليه، و إن كان هو أحوط مع بقاء العين و تلفها، نعم لو سلمها إلى غير الجامع فتلفت في يده كان الضمان عليه، لعدم جواز تناوله منه بدون إذن الولي، فلا غرور منه.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى كون الطفل المولود، فلا يدخل الحمل في شي ء من الأحكام السابقة، بل لعل قوله تعالى (1)«نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا» ظاهر في عدم صدقه


1- 1 سورة الحج- الآية 5.

ج 15، ص: 28

على الحمل كما هو مقتضى العرف أيضا، و أولى من ذلك لفظ اليتيم، و دعوى التنقيح ممنوعة، فالأصل حينئذ بحاله، فما عن بعضهم من احتمال دخول الحمل في الحكم- بل ربما مال اليه بعض الناس، بل تردد فيه في البيان، ثم استقرب أنه مراعي بالانفصال حيا، بل في شرح اللمعة للاصبهاني التحقيق إن لم يثبت الإجماع المنقول في الإيضاح تعميم الحكم له إن كان المستند العمومات، و إلا بني الحكم على دخوله في مفهوم اليتيم- واضح الفساد، بل الأخير لم يأت بشي ء فضلا عن أن يكون تحقيقا، فلا ريب في أن التحقيق ما ذكرنا، خصوصا و ملكه مراعى بسقوطه حيا، و من هنا قطع في المحكي عن التذكرة بالعدم، لعدم التكليف، و عدم الوثوق بحياته و وجوده، بل عن الإيضاح أن إجماع أصحابنا على أنه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله كالميراث لا وجوبا و لا غيره،

و إنما يثبت وجوبا على القول به و استحبابا على المختار بعد الانفصال.

[في عدم الزكاة في مال المجنون]

هذا كله في الصغير و قيل و القائل الأكثر بل المشهور حكم المجنون حكم الطفل في جميع ما تقدم، لكن إن لم يكن إجماعا كما عساه يظهر من بعضهم أشكل إثبات ذلك، لعدم دليل معتد به على هذه التسوية إلا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها، و من هنا قال المصنف و تبعه غيره كثاني المحققين و الشهيدين و أبي العباس و القطيفي و الميسي و غيرهم على ما حكي عن بعضهم الأصح أنه لا زكاة في ماله للأصل إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا للنص،

قال عبد الرحمن بن الحجاج (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة من أهلنا مختلطة أ عليها زكاة؟ فقال: إن كان عمل به فعليها الزكاة، و إن كان لم يعمل به فلا»

و قال موسى بن بكر(2): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن امرأة مصابة و لها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ فقال:

إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة»

هذا، و قد أطلق المصنف المجنون كغيره من


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 29

الأصحاب، بل قيل: إنهم كذلك من المفيد إلى الفاضل من دون تعرض للمطبق منه و الأدواري، بل صرح الفاضل منهم في تذكرته و المحكي من نهايته بأنه لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول، فلو جن في أثنائه سقط و استأنف من حين عوده، بل فيهما أن حكم المغمى عليه حكم المجنون، نعم في التذكرة منهما أنها تجب على الساهي و النائم و المغفل، لكن اعترضه في المدارك بأنه إنما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق أما ذو الأدوار فالأقرب تعلق الوجوب به في حال الإفاقة، إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال، و أن في الفرق بين النوم و الإغماء نظرا، لأنه إن أريد عدم أهلية المغمى عليه للتكليف فمسلم، لكن النائم كذلك، و إن أريد كون الإغماء مقتضيا لانقطاع الحول و سقوط الزكاة كما ذكره في ذي الأدوار طولب بدليله، فالمتجه مساواة الإغماء للنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرهما من التكاليف، و عدم انقطاع الحول بعروض ذلك في الأثناء، و كأنه أشار إليه بقوله في محكي الذخيرة و الكفاية في ذي الأدوار خلاف، و في المغمى عليه خلاف، و الظاهر مساواة الإغماء للنوم، لأنا لم نجد خلافا من غيره في الأول كما اعترف به الأستاذ الأكبر في المحكي من حاشيته على الذخيرة، قال عند قوله في الأدواري خلاف: لم نجد خلافا من الفقهاء في ذلك، و مجرد المناقشة من بعض المتأخرين لا يجعله محل خلاف، لأن الفقهاء ذكروا الشرائط و جعلوا استمرارها طول الحول شرطا، مع أنك عرفت أن حول الحول شرط و أن الحول زمن التكليف، مع أن عدم المانع لا يكفي بل لا بد من المقتضي، لأن الأصل البراءة و العدم، و لم نجد عموما لغويا يشمل هذا الفرد النادر غاية الندرة، إذ في سني و قد بلغت الستين ما رأيته و لا سمعت أن أحدا رآه أو سمع أن أحدا رآه، على أنه لا يصير حال غير المكلف أسوأ، و أن عدم التكليف لا يصير منشئا للتكليف، و إن قال: لا بد من أن يكون أول الحول أيضا في حال الإفاقة فقد عرفت أن اعتبار

ج 15، ص: 30

الحول على نهج واحد، و يؤيده أن كلام الفقهاء في الشرائط على نهج واحد، و أن التمكن من التصرف طول الحول شرط، و أن في بعض الأخبار(1)عدم الزكاة على مال المجنون مطلقا من دون تفصيل و استفصال، و البناء على أنه من الأفراد النادرة فلا يشمله يهدم بنيان دليلهم كما عرفت، فتأمل جدا.

قلت: هو كما ذكر بالنسبة إلى الأدواري، أما المغمى عليه فالأقوى فيه ما ذكره في المدارك مؤيدا بعدم استثناء الأصحاب له، بل اقتصارهم على الطفل و المجنون شاهد على خلافه، و كذا السكران، و ربما تسمع فيما يأتي زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله، كما أنه قد مر في الصبي ما يؤيده، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[في عدم وجوب الزكاة في مال المملوك]

و المملوك لا تجب عليه الزكاة عند أصحابنا في المحكي عن المنتهى و بإجماع العلماء، و لا نعلم فيه خلافا إلا عن عطا و أبي ثور كما في التذكرة، للأصل و الحجر عليه مع عدم الاذن بناء على منعها به، و

الحسن كالصحيح (2)عن الصادق (عليه السلام) «ليس في مال المملوك شي ء و لو كان له ألف ألف، و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا»

و الصحيح (3)عنه (عليه السلام) أيضا «سأله رجل و أنا حاضر في مال المملوك أ عليه زكاة؟ قال: لا و لو كان له ألف ألف درهم»

و الموثق (4)عنه (عليه السلام) أيضا «ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر فيقول: أحللني من ضربي إياك أو من كل ما كان مني إليك أو مما أخفتك و أرهبتك فيحلله و يجعله في حل رغبة فيما أعطاه، ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها فحلال هي؟ قال: لا، فقلت: أ ليس العبد و ماله لمولاه؟ فقال: ليس هذا ذاك


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3.
4- 4 التهذيب ج 8 ص 225- الرقم 808 مع نقصان يسير فيه.

ج 15، ص: 31

ثم قال: فليردها له، فإنها لا تحل له، فإنه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة و القصاص يوم القيامة، فقلت: فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول قال: لا إلا أن يعمل له بها و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا»

و غير ذلك.

بل المتجه عدمها عليه سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك كما هو المشهور نقلا و تحصيلا، لأن خطابه بها مناف لعدم قدرته على شي ء، و خطاب السيد بها بعد أن لم يثبت ولايته شرعا في أمثال ذلك لا دليل عليه، و لإطلاق النصوص المزبورة و محكي الإجماع المعتضد بفتاوى الأصحاب التي لا وجه معتد به لدعوى ابتنائها على عدم الملك ضرورة كونه حينئذ من بيان الواضحات، و إن كان التحقيق عدم ابتنائها على ذلك، و لا على الملك، بل على أن المراد بيان مانعية الملك للزكاة مع قطع النظر عن ذلك، كما يومي اليه ما في الصحيح (1)و الموثق (2)مما هو كالتعليل لعدم الزكاة عليه من أنه لا يعطى من الزكاة شيئا، فما في المعتبر و محكي المنتهى و إيضاح النافع من وجوب الزكاة على تقدير الملك واضح الضعف، بل هو مناف لما ذكروه من عدم الزكاة على المكاتب مع الملكية، فالتحقيق عدم الزكاة عليه مطلقا حتى لو رفع الحجر عنه مولاه و صرفه للإطلاق المزبور، بل هو كصريح الموثق، فما عن القطيفي و الأردبيلي من الزكاة عليه حينئذ فيه ما لا يخفي، و الخطابات الوضعية على فرض شمولها للمقام لا تصلح لمعارضة ما هنا من وجوه.

و من ذلك يظهر لك الوجه في قول المصنف و لو ملكه سيده مالا و صرفه فيه لم تجب عليه الزكاة بناء على إرادة المملوك من الضمير المجرور بالحرف و قيل:

يملك و تجب عليه الزكاة لإطلاق خطاب الوضع الذي قد عرفت رجحان ما هنا عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 التهذيب ج 8 ص 225- الرقم 808.

ج 15، ص: 32

من وجوه، على أنه لم نعرف القائل به، بل و لا القائل بالزكاة على المملوك مع كونه مالكا في غيره أيضا سوى ما استظهر من الوسيلة، حيث أنه لم يذكر الحرية هنا من الشرائط منضما إلى ما يظهر منها في باب العتق من الملكية، و لا ريب في ضعفه على تقديره.

و قيل و القائل المشهور: إنه لا يملك و الزكاة على مولاه فيه و في كل ما في يد العبد مما هو ملك للسيد، بل عن المنتهى نسبته إلى أصحابنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه، لكن في

صحيح ابن سنان (1)«قلت للصادق (عليه السلام): مملوك في يده مال عليه زكاة قال: لا، قلت: فعلى سيده قال: لا، لأنه لم يصل إلى السيد و ليس هو للمملوك»

الذي قيل معناه على تقدير الملكية أنه لم يصل إلى السيد و الحال أنه ليس للمملوك، إذ

قوله (عليه السلام): «ليس هو للمملوك»

ليس كلاما مستأنفا و علة لعدم الزكاة على المملوك، إذ لو كان كذلك لذكر عقيب قوله: «لا» بل هو تتمة عدم الزكاة على السيد، فيصير المعنى أنه وصل إلى السيد و الحال أنه لمملوكه، فمعنى وصوله إلى السيد أن يد مملوكه يده، و الحال أنه ملك للعبد، و أما على تقدير عدم الملكية فواضح، لأن من المعلوم أن يده ليس يد مالكية، فما في يده يكون في يد مولاه قطعا، فكيف يقول لم يصل اليه، فلا بد أن يكون المراد أنه لم يصل اليه وصولا تاما، بل وصل اليه و هو للعبد، بمعنى أنه مختص به و منتفع به و حاله حال المال المعد للضيافة الذي لا يسع صاحبه المنع عن أكله، لمنافاته المروة، فهو حينئذ غير متمكن من التصرف فيه، و فيه تنبيه على أنه لا ينبغي أخذه منه، بل لو جعل

قوله (عليه السلام): «ليس هو للمملوك»

علة لعدم الزكاة على العبد كان المراد من عدم وصوله إلى السيد عدم انتفاعه و هو معلوم، مؤيدا ذلك كله بخلو النصوص السابقة النافية للزكاة على المملوك


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 33

عن بيان أنها على السيد، و بالأصل و بغير ذلك، و ظهور الإجماع السابق ممنوع، إذ لم يتعرض للمسألة إلا بعض.

بل قد يستظهر تحمل عبارة المتن عدم وجوبها على السيد مع القول بعدم الملكية حتى يكون مقابلا لما حكاه أخيرا بلفظ القيل، و فيه أن الصحيح المزبور لا يعارض الإجماع القطعي على وجوبها على البالغ العاقل المالك المتمكن من التصرف، و هو الشاهد على صحة إجماع المنتهى، فلا بد حينئذ من حمله على ما إذا كان المال في يد العبد و لم يتمكن المولى من التصرف فيه لغيبة أو امتناع أو عدم العلم به أو نحو ذلك مما هو مسقط للزكاة في غيره من الأموال، و دعوى أن كل ما في يد العبد كذلك محل منع، كما أنه لا بد من حمل إطلاق النصوص السابقة على نفي الزكاة عليه لا على ما يشمل السيد، نعم يتجه سقوطها عن المولى بناء على ملكية العبد، لانتفاء ملكه و قدرته على الانتزاع، بل و التملك لا توجب الزكاة فتسقط عنه حينئذ لذلك، و عن العبد لما عرفت، و بناء على وجوب الزكاة عليه على تقدير الملك أو مع رفع الحجر عنه فلا يبعد خطاب العبد بها لظاهر الأدلة، و ربما احتمل كون المخاطب المولى كولي المجنون و اليتيم، لكونه محجورا عليه في التصرف، و فيه ضعف، و على كل حال فالمتجه وجوبها على المولى بناء على عدم ملكية العبد، و ربما كان في الصحيح المزبور دلالة عليه إذا وصل إلى يد السيد، بل في

المروي (1)عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) «ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه»

دلالة عليه بناء على إرادة التوكيل له في الإخراج من الاذن فيه، و الله أعلم.

و قد ظهر لك مما ذكرنا عدم الفرق في المملوك بين القن و المدبر و أم الولد بل و

كذا المكاتب المشروط عليه و المطلق الذي لم يؤد شيئا، ضرورة صدق المملوك


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 34

المنفي عنه الزكاة في النصوص السابقة على الجميع، و ملكية المكاتب لما يكسبه لا تنافي اندراجه فيه، خصوصا بعد ما عرفت من عدم الزكاة على غيره من أفراد المملوك على القول بملكيته، للإطلاق المزبور، مضافا إلى ما في التذكرة «المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه، سواء كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤد شيئاً في الذي كسبه و لا عشر أرضه عند علمائنا» بل عن المنتهى أنه قول العلماء عدا أبي حنيفة و أبي ثور، و إلى

خبر أبي البختري (1)عن الصادق (عليه السلام) «ليس في مال المكاتب زكاة»

الظاهر في نفيها حتى عن السيد أيضا، و هو كذلك بناء على أن المال ملك للعبد دون السيد إلا إذا عجز، فينكشف ملكه أو يحصل حينئذ، إذ لا وجه لكون زكاته حينئذ على السيد حتى على الكشف، لعدم التمكن منه قبل العجز، بل و على أن المال ملك له دون العبد، فيزول عنه بعدم العجز، أو ينكشف عدم ملكه له، لإطلاق النص المزبور المنجبر بما عرفت، و لعدم تمكنه منه قبل العجز، إذ ليس له انتزاعه من يد العبد و منعه من التصرف فيه، و بذلك افترق مال المكاتب عن غيره على القول بأن الجميع ملك للسيد في الزكاة على

السيد و عدمها، هذا، و لكن في المدارك نوع ميل إلى الزكاة على المكاتب تبعا للمحكي عن شيخه، استضعافا للرواية، و لا يخفى عليك ما فيه.

و لو كان المكاتب مطلقا و تحرر منه شي ء وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا بلا خلاف أجده: بل عن الحدائق أنه محل اتفاق، لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و دعوى الاندراج في اسم المملوك مع قلة الجزء ممنوعة، و لو سلم فمبناها التسامح العرفي الذي لا يبنى عليه الحكم الشرعي، و ربما ظهر من المفاتيح نوع توقف في أصل الحكم حيث قال: و المبعض يزكي بالنسبة كذا قالوه، هذا، و في كشف الأستاذ «أنه أي العبد كما لا يجوز له الإعطاء لا يجوز له القبول إلا بإذن سيده سابقا أو


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.

ج 15، ص: 35

لاحقا، فإذا قبل كان للسيد و إن كان مأذونا في القبض لنفسه على أصح الوجهين، فيشترط قابلية المولى لأخذها، و لو كان في سبيل الله لا بقصد الملك لم يدخل في ملك المولى، و لو كان مشتركا فان كان مأذونا ملك كل واحد من الموليين من المال بنسبة حصته، و إن كان وكيلا كان بينهم بالسوية، و إن اختلفوا في الاستحقاق و عدمه ملك المستحق مقدار حصته دون غيره» و فيه من الاشكال ما لا يخفى إذا لم يكن قد قصد الدافع السيد، و لا كان العبد وكيلا عنه، خصوصا بعد ما سمعت من نفي إعطائه من الزكاة في الخبرين السابقين (1)و حمله على ما إذا لم يأذن السيد أو على أن المراد بحيث يملكها هو لا شاهد عليه و لا داعي له، فتأمل جيدا.

ثم إن الكلام في اشتراط استمرار الحرية من مبدأ الحول إلى حين التعلق فيما يعتبر فيه الحول و حصولها قبل التعلق مستمرا إلى حينه في غيره هو الكلام في البلوغ و العقل، و الله أعلم.

[في اعتبار تمامية الملك في الزكاة]

و كيف كان ف الملك شرط في الأجناس كلها إجماعا في المحكي عن نهاية الأحكام، بل باتفاق العلماء كما عن المعتبر، بل كافة كما عن المنتهى، و لا ينبغي التأمل فيه إذا أريد عدمها في المباح و نحوه من غير المملوك، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة المنصرف إلى غيره، بل الظاهر ذلك فيما كان الملك فيه بالجهة العامة كالمملوك للفقراء و العلماء و نحوهم، لكن ظاهر ما ذكروه من التفريع إرادة عدم الزكاة على غير المالك من الأشخاص، و لا بأس به أيضا، و الوجوب على الولي و نحوه باعتبار قيامه مقام المالك.

و إنما الكلام فيما ذكره المصنف و الفاضل و الشهيد من أنه لا بد أن يكون تاما بل أشدهم إشكالا المصنف هنا، لذكره التمكن من التصرف شرطا آخر، بخلافهما


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1 و 6.

ج 15، ص: 36

في البيان و القواعد، فإن الأول قد ذكر التمام خاصة، ثم قال: و النقص بالمنع من التصرف، و الموانع ثلاثة: أحدهما الشرع كالوقف و منذور الصدقة و الرهن غير المقدور على فكه، ثم ذكر فروعا في البين، و قال: المانع الثاني القهر، فلا تجب في المغصوب و المسروق إلى آخره، الثالث الغيبة، فلا زكاة في الموروث حتى يصل إليه أو إلى وكيله و لا في الضال و المدفون مع جهل موضعه إلى آخر كلامه، و قال في الثاني: الرابع كمالية الملك، و أسباب النقص ثلاثة: الأول منع التصرف، فلا تجب في المغصوب و لا الضال و لا المجحود بغير بينة إلى آخره، الثاني تسلط الغير عليه، فلا تجب في المرهون و إن كان في يده، و لا الوقف لعدم الاختصاص، و لا منذور التصدق به، إلى آخره، الثالث عدم قرار الملك، فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبول و القبض و لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة و القبول، إلى آخره، و إن أمكن مناقشتهما من وجه آخر، أما المصنف و من عبر كتعبيره فقد يشكل بأنه إن أريد به عدم تزلزل الملك كما ذكره بعض المحققين لم يتفرع عليه جريان المبيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد، و لا جريان الموهوب فيه بعد القبض، و إن أريد به كون المالك متمكنا من التصرف في النصاب كما عن المعتبر الإيماء اليه لم يتجه هنا لتصريح المصنف به بعد ذلك و إن أريد به حصول تمام السبب المقتضي للملك كما عن بعضهم لم يكن فيه زيادة على اعتبار الملك، اللهم إلا أن يقال: إن المراد به عدم نقص الملك لا من حيث عدم التمكن من التصرف بل من جهة مانع آخر كالغنيمة و النذر و نحوهما، و عدم التمكن من التصرف قد يجامع تمام الملك كما في المغصوب و المفقود و نحوهما فلا يجتزى به عنه، كما أنه لا يجتزى بالعكس من حيث انسياق إرادة إخراج مثل الغصب و نحوه مما هو تام الملك من التمكن من التصرف، ضرورة انسياق التام من الملك فناسب حينئذ الجمع بينهما و الأمر سهل بعد ذكر التحقيق في كل ما فرعوه في المقام، فان المتبع الدليل لا التعبير،

ج 15، ص: 37

إذ ليس في شي ء مما عثرنا عليه من النصوص لفظ التمامية، بل و لا لفظ التمكن.

[في حكم ما لو وهب لشخص نصاب]

ف نقول لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض بلا خلاف أجده فيه بناء على عدم حصول الملك قبله، كما أنه لا خلاف في جريانه فيه بعده من حينه، و الوجه فيهما معا واضح، ضرورة عدم تناول خطاب الزكاة له في الأول، لعدم الملك و عدم جواز التصرف له فيه، بخلاف الثاني، فإن جميع الأدلة شاملة له، و تسلط الواهب على الفسخ في بعض الأحوال غير مانع من تمامية الملك، فلا يشك في شمول الأدلة له حينئذ، كما أنه لا يشك في شمولها للواهب في الأول، لعدم الخروج عن الملك فتجب الزكاة عليه حينئذ، نعم قد يتجه وجوب الزكاة قبل القبض بناء على اعتباره في اللزوم دون الملك، إلا أنه يعتبر حينئذ التمكن منه بناء على اشتراطه كما ستعرف، هذا، و في المسالك «لا فرق في توقف جريان الموهوب في الحول على القبض بين أن نقول: إنه ناقل أو أنه كاشف عن سبقه بالعقد، لمنع المتهب من التصرف في الموهوب قبل القبض على التقديرين» و في المدارك «أنه غير جيد، لأن هذا الخلاف غير واقع في الهبة» و في مفتاح الكرامة «و لقد تتبعت فوجدت الأمر كما ذكره في المدارك لكن لم أسبغ التتبع» قلت: قال في شرح الأستاذ: إن القبض على القول بكونه شرطا للزوم في الهبة يكون شرطا لتمامية الملك حينئذ، إذ ليس معناه أنه بمجرد الهبة ينتقل الموهوب إلى المتهب، إذ الهبة من العقود الجائزة قطعا، و ليس القبض من ملزماتها جزما، إذ بعد القبض يجوز عند الكل رجوع الواهب إلا المواضع الخاصة التي ذكروها و عينوها، و لم يجعل أحد ممن له فهم مجرد القبض من الملزمات بلا شك و لا شبهة، و لا يخفى على من له أدنى درية، و صرح المحققون بأن مرادهم من كون القبض شرطا في اللزوم في الهبة ليس المعنى المعروف لما عرفت من وجهه، بل قالوا: معناه أن العقد يوجب ملكيته

ج 15، ص: 38

مراعاة تتحقق بالقبض، فان تحقق اعتبر (أثمر خ ل) من حين العقد، و صرحوا أيضا بأن الإجماع واقع على أنه ما لم يتحقق القبض لا تتحقق الثمرة عند الكل، فجعلوا لمحل النزاع ثمرات خاصة، و لم يجعل أحد كون الثمرة أنه بمجرد العقد تتحقق الملكية التامة، غاية الأمر أنه يجوز له أن يفسخ، و أنه إلى حين الفسخ كان ملكا تاما للمتهب، و أن القبض رفع جواز الفسخ، فيكون الهبة حينئذ من العقود اللازمة، إذ لا شك في كونه فاسدا، و هو صريح فيما ذكره في المسالك، إلا أنه لا يخفى عليك عدم ثمرة معتد بها هنا في تحقيق ذلك، و من هنا كان تأخير الأمر إلى محله أليق.

و لو رجع الواهب قبل الحول سقطت الزكاة قولا واحدا كما عن المنتهى الاعتراف به، و إن كان بعد الحول و إمكان الأداء وجبت الزكاة، و لا يضمنها المتهب لجريان استحقاق الفقراء إياها مجرى الإتلاف، بل لم يقيد في محكي المنتهى بإمكان الأداء بخلافه في محكي التذكرة و كشف الالتباس، بل صرحا بأنه لو رجع الواهب قبل إمكان الأداء فلا زكاة على المتهب و لا على الواهب، و إن رجع بعد الحول و إن كان الرجوع قبل الأداء مع التمكن منه قدم حق الفقراء، و لعل إطلاق المنتهى أجود، لعدم اعتبار التمكن من الأداء في الوجوب، و ما لا يعتبر فيه حول الحول كالغلات يشترط في وجوب زكاته على المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب و لم يرجع به الواهب حتى بلغ محل تعلق الزكاة عنده، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كذا لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة و القبول لأنه وقت انتقال الموصى به إلى ملك الموصى له إن قلنا إن القبول ناقل، و أما على الكشف فهو و إن حصل الملك قبله إلا أنه لم يكن الموصى به اليه عالما به بل و لا متمكنا منه، فلا يجري في الحول أيضا عليه إلا بعده، خصوصا إذا قلنا إن المراد بالكشف أنه بالقبول يحصل الملك سابقا لا أنه يحصل العلم به خاصة و المؤثر للملك غيره، نعم لا يكفي ذلك في الجريان

ج 15، ص: 39

في الحول قبل التمكن منه كما عن جماعة التصريح به، و إطلاق المصنف و غيره اعتماداً على الظهور، و لأن الكلام هنا من حيث شرط تمامية الملك، بل الموروث لا يجري في الحول بموت مورثه، بل من حين التمكن منه و إن كان وقت الانتقال اليه الموت، كما هو واضح.

[في حكم ما لو اشترى نصابا من الحيوان]

و لو اشترى نصابا من الحيوان جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة لأن الانتقال يحصل بالعقد لا بعدها، و خيار المشتري غير منقص للملكية، خلافا للشيخ فبعدها، فلا يجري في الحول إلا بانقضائها و منه يعلم الحال فيما لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة فإنه يبني على القول بانتقال الملك، و الوجه أنه من حين العقد فيجري حينئذ في الحول من حينه، لكن قد يشكل بنقصان الملك بناء على عدم جواز التصرفات المنافية لخيار البائع كالبيع و الهبة و نحوهما، و من هنا قال في فوائد الشرائع: و لقائل أن يقول: أين تمامية الملك و المشتري ممنوع من كثير من التصرفات.

و في المسالك لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة اتجه قول الشيخ أي و إن لم يكن المنشأ ما ذكره من عدم الانتقال، و بنحو ذلك صرح في المدارك و شرح الأستاذ للمفاتيح، و احتمال إرادة من تعرض لذلك الرد على الشيخ ينفيه ملاحظة كلماتهم بل صرح غير واحد بوجوب الزكاة بعد الحول و إن كان الخيار باقيا، بل في المحكي عن الموجز و شرحه أنه لو زاد عن حول و رجع فالزكاة على المشتري، فان أخرج من غيره و إلا أسقط البائع من الثمن مقابل الفريضة.

و مقتضاهما أن ضمان الزكاة على المشتري، و كأنه لاقتضاء الخيار رجوع المبيع تاما أو عوضه، و لذا يرجع عليه بالقيمة لو تلف في يد المشتري و لو من غير تفريط، و يقرب من ذلك ما في المحكي عن التذكرة من أنه إذا أقبض المشتري الثمن عن السلم أو غير المقبوض و حال عليه الحول فالزكاة على البائع، فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو

ج 15، ص: 40

تعذر المسلم فيه وجب رد الثمن، و الزكاة على البائع، ضرورة إجرائه الانفساخ مجرى الفسخ، و على كل حال فملاحظة كلماتهم تنفي الاحتمال المزبور قطعا، بل حملها على منع عدم جواز التصرف للمشتري مع خيار البائع و أن خياره يرجع فسخه لو فسخ إلى القيمة أو إلى نفس التصرف الواقع من المشتري أولى، و إن كان في المسألة بحث ذكرناه في باب الخيار، و إلا كانت المسألة محلا للنظر بناء على اشتراط تمامية الملكية، اللهم إلا أن يمنع عدم تناول أدلة الزكاة لمثل هذا الملك المؤثر تبعية في النماء و غيره، فيتجه حينئذ ما ذكروه، و تعليل اشتراط التمامية بأنه يمتنع عليه الدفع من نفس العين لعدم استقرار ملكه و لا دليل على وجوب الدفع من غيره يدفعه منع عدم جواز الدفع من العين، بل له الدفع، و إذا فسخ البائع كان مضمونا عليه بالقيمة كما لو تلف في يده، فتأمل جيدا فإن المسألة من المشكلات، و لا تحرير لها في كلام الأصحاب، و الله أعلم.

و كذا لو استقرض مالا و عينه باقية جرى في الحول من حين قبضه الذي هو وقت الانتقال كما هو المشهور، لا التصرف كما قيل، و قد ذكرنا ضعفه بما لا مزيد عليه في باب القرض، أو أنه راجع إلى المشهور الذي قد ورد به مع ذلك صحيح يعقوب بن شعيب (1)و حسن زرارة(2)كما أوضحنا ذلك كله مفصلا في باب القرض، فلاحظ، و الله المسدد.

[في عدم جريان الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة]

و لا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة لأنها لا تملك بالحيازة، و إنما تملك بها عند المشهور على ما في المسالك، و لا يشكل بأنها حينئذ مال بلا مالك، لا مكان القول بأنها ملك للمسلمين كباقي أموال الكفار، إلا أن الغانمين أحق بها من غيرهم، و ربما يؤيده

تصريح غير واحد باختصاص بعض الغانمين بالغنيمة مع إسقاط الباقين


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 41

و إعراضهم الذي لا يزيل ملك العين لو كان، بل و تصريح الفاضل بأن للإمام قسمتها بينهم قسمة تحكم، لو كانت أجناسا متعددة، فيخص بعضهم ببعضها دون الباقي، لكن قد يناقش بمنع السقوط بالإسقاط، و إنما المصرح به السقوط بالاعراض، و هو يزيل ملك العين، و بمنع أن للإمام القسمة قسمة تحكم، بل ربما ظهر من المحكي عن خلاف الشيخ الإجماع عليه، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعي قال: و هو غير صحيح عندنا، لأن له في كل جنس نصيبا، فليس للإمام منعه، على أن الفاضل في المحكي عن منتهاه و تذكرته و نهايته قد صرح بأنهم يملكون بالحيازة، و لكن لم يجر ذلك في الحول لعدم تمامية الملك و ضعفه معللا له بما عرفت في بعضها، بل هو في المنتهى قد صرح بأن الغانمين يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحيازة، فإذا بلغ حصة الواحد منهم نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة، و هل يتوقف الحول على القسمة؟ الوجه ذلك، لأنه قبل القسمة غير متمكن نحو قوله في المحكي من تحريره: الغانم يملك بالحيازة، و الأقرب ابتداء الحول من القسمة، و ظاهره تمامية الملك و أن المانع عدم التمكن، فلا تنافي عنده بين الملك بالحيازة و قسمة التحكم، و هو كذلك عند التأمل، و كأنه لحظ بما ذكره من تعليل عدم الزكاة مع قوله بالملك بالحيازة التعريض بما في الخلاف، فإنه قال أولا: إنها تجري في الحول من حين الحيازة، ثم قال: و لو قلنا لا تجب الزكاة عليه لأنه غير متمكن من التصرف فيه قبل القسمة لكان قويا، و ظاهره اختيار الأول كالمحكي عن ظاهر المعتبر.

و لكن على كل حال قد ظهر لك من ذلك كله انحصار الخلاف فيهما بعد أن لم يفرقوا جميعهم بين كون الغنيمة جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة إلا ما في محكي التحرير، حيث قال: لو قيل بوجوبها في الجنس الواحد دون المتعدد كان وجها، و محكي المنتهى فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعي قال: و هو قوي، قلت: قد يقال إن المتجه وجوب الزكاة أيضا في المال و إن لم يعين المالك، لإطلاق الأدلة، اللهم إلا أن يدعى

ج 15، ص: 42

قصورها عن تناول مثله.

و كيف كان فالتحقيق عدم الجريان في الحول إلا بعد القسمة بناء على ما سمعته من المسالك، أما على القول بالملك بالحيازة و أنه كباقي الأموال المشتركة كما هو الأقوى لإطلاق ما دل على الملك بالاغتنام من الآية و غيرها فقد يشكل دعوى عدم تناول أدلة الزكاة لمثله لضعفها، بل مقتضى إطلاق الأدلة الشمول حتى لو قلنا بأن للإمام قسمة التحكم ضرورة رجوعها حينئذ إلى أن للإمام التحكم في الملك، فهو مزيل له عند حصوله، أما قبله فالملك متحقق، نعم ينبغي مع ذلك اعتبار التمكن بناء على اشتراطه، و ظاهر المدارك حصوله بالتمكن من القسمة، و ظاهر غيره بل صريحه توقف حصوله على القبض منه أو وكيله أو الإمام من غير فرق بين حالي الحضور و الغيبة، بل في القواعد و البيان و محكي التذكرة و النهاية أنه لا يكفي عزل الامام (عليه السلام) بغير قبض الغانم، و لعله لعدم التمامية بدونه، و لأن له الإعراض حينئذ، نعم لو قبض له الامام صار ملكا له حقيقة، فيجري حينئذ في الحول كما عن جامع المقاصد التصريح به، و قد يشكل بعدم منافاة التسلط على الاعراض التمامية بعد فرض حصول الملك قبله كالخيار.

و لعله لذا قال في المتن و محكي المنتهى و التحرير و الموجز و شرحه: إنه لو عزل الامام قسطا جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا، و إن كان غائبا فعند وصوله اليه و يمكن أن يكون ذلك منهم ليس لحصول تمام الملك بنفس العزل بل المراد القبض عنه مع ذلك، إلا أن الفرق بين الحاضر و الغائب التمكن و عدمه الذي يمكن إرادة الأولين له، فلا يكون في المسألة خلاف من هذه الجهة حينئذ، و تمام التحقيق في هذه المسائل في باب الجهاد إن شاء الله.

[في انقطاع الحول لو نذر أن يتصدق بعين النصاب]

و لو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب تمامه أو بعضه نذرا غير موقت و غير معلق على شرط انقطع الحول بلا خلاف أجده فيه لتعينه للصدقة

ج 15، ص: 43

و عدم جواز التصرف فيه بما ينافي النذر، فيكون ملكه غير تام، فلا تشمله أدلة الزكاة خصوصاً بعد معارضتها بأدلة النذر المفروض تعلقه قبلها، فيرجح عليها قطعا، كما أنه لا خلاف و لا إشكال في تقدمها عليه لو كان بعد تعلقها، فتخرج حينئذ أولا ثم يوفى بالنذر، و أولى من ذلك في سقوط الزكاة ما لو جعله صدقة أو ضحايا كما ذكره غير واحد من الأصحاب بناء على خروجه بذلك عن الملك، بل في المدارك أنه قطع به الأصحاب و إن كان لنا فيه نظر، و الإجماع المحكي عن الإيضاح أن النذر لا يخرج النصاب عن الملك محمول على الصورة الأولى، و على كل حال فوجه الأولوية واضح، إذ يكون النذر حينئذ مانعا للسبب الذي هو الملك، بخلاف الأول، فإنه مانع الشرط، و هو التمكن و إن كان مملوكا.

و لو نذر الصدقة بعين النصاب نذرا موقتا بما قبل الحول و وفى بالنذر فلا إشكال كما إذا لم يف و قلنا بوجوب القضاء، و إلا ففي شرح اللمعة للاصبهاني وجبت الزكاة بلا شبهة، و فيه أن الحول قد انقطع بمجرد النذر الذي قد عصى به، نعم ينبغي استئناف حول من حين العصيان.

و لو وقته بما بعد الحول ففيه أيضا أنه إن كان الوجوب لا يتعلق إلا بإتيانه احتمل وجوب الزكاة ثم التصدق بالباقي إذا أتى الوقت، و عدم وجوب الزكاة نظرا إلى نقص الملكية و التصرف، و إن كان يتعلق بمجرد صيغة النذر تعين العدم، لما قلناه و على الأول إن أخر أداء الزكاة إلى وقت التصدق بالمنذور فيه كان أحوط، و فيه بعد الإغضاء عما في ذيله أنه لا ينبغي التأمل في تعلق النذر به حال الصيغة بالصدقة به في ذلك الوقت، و عليه يبنى عدم جواز إتلافه قبل الوقت، و ليس هو كالواجب الموقت في جواز إتلاف مقدماته قبل الوقت لو قلنا به، لعدم الوجوب، كما لا يخفى على من لاحظ العرف، بل ينبغي الجزم بالسقوط عند من قال به في المعلق على الشرط المحتمل،

ج 15، ص: 44

ضرورة كون الفرض من المقطوع به لا المحتمل، فتردده في غير محله، و كذا ما فيه أيضا من أنه إن كان النذر في الحول و تعلق ببعض لا يدخله شي ء من القدر الواجب في الزكاة و كان مطلقا غير موقت فقد قطع الشيخ في الخلاف و المحقق في المعتبر بالعدم، قال الشيخ: لزوال الملك، و قال المحقق: لنقصه، و لعله المراد بالأول، و فيه ما عرفت إلا أني لم أظفر فيه بخلاف أو تردد من أحد، و إن كان موقتا بما بعد الحول و قلنا يتعلق بمجرد النذر أو بما قبله و لم يف به و أوجبنا عليه القضاء كان يحكم المطلق، و إن و في فلا إشكال، إذ فيه ما لا يخفى بعد فرض كون متعلق النذر البعض الذي لم يدخله شي ء من القدر الواجب، نعم هو كذلك في البعض الزكوي، و لعله المراد، إلا أن النسخة غير سليمة من الغلط، خصوصا و قد ذكر قبل ذلك أنه إن تعلق النذر ببعض خارج عن القدر الواجب إخراجه في الزكاة لزمه الأمران، لكن قد ينافيه أنه حينئذ لا وجه لتردده فيما حكاه عن قطع الشيخ و المصنف، ضرورة كون الوجه فيه كالكل، فتأمل جيدا.

هذا كله في غير المعلق على شرط، أما هو فعن نهاية الأحكام احتمال الوجوب إذا حال الحول قبل الشرط، لأنه مال مملوك حال عليه الحول، و عدمه لمنعه من التصرف فيه، و هو الأقوى كما في محكي الإيضاح و الموجز و الكشف و جامع المقاصد و ظاهر القواعد و اللمعة و محكي التذكرة التردد، و كأنه لما سمعته من النهاية، و يمكن أن يكون للتردد في المنع من جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط، إذ المحكي عن ثاني الشهيدين في باب العتق جواز التصرف، و لعله لأصالة عدم الشرط، و استصحاب الجواز السابق و نحو ذلك، و التحقيق يأتي في محله إن شاء الله تعالى، و عن ابن المتوج أنه إن حصل الشرط قبل الحول سقط، و بعده لا يسقط، و إن حصلا معا أخرج الزكاة و تصدق بالباقي، و لقائل أن يقول: إنه لا وجه للتردد بعد البناء على عدم جواز

ج 15، ص: 45

التصرف له بما ينافي النذر، و إن التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة، إذ هو حينئذ كالنذر المطلق، فينبغي حينئذ الجزم بالسقوط لذلك، لا لما عن الإيضاح من أن اجتماع انعقاد الحول الموجب لوجوب الزكاة و صحة العذر و استمراره يقتضي استلزام المحال، فإنهما لو اجتمعا فحال الحول و حصل الشرط تعلق بعين واحدة حقا النذر و الزكاة جميعا، و هما متضادان، إذ هو كما ترى لا يقتضي ترجيح النذر على الزكاة، و لذا أورد عليه الشهيد في المحكي من حواشيه على القواعد بالمنع من تعلق النذر بما تعلق به الزكاة إذا قلنا بأنه لا يتعلق حكمه إلا بعد تحقق الشرط، بل يكون مثل التالف فيما تعلق به النذر، فاما أن يسقط أو يجب مثله أو قيمته، فالوجه حينئذ ما ذكرناه، و اليه يرجع ما في المدارك من أن المتجه منع المالك من التصرفات المنافية للنذر كما في المطلق، فان ثبت أن ذلك مانع من وجوب الزكاة كما ذكر الأصحاب انقطع الحول بمجرد النذر و إلا وجبت الزكاة مع تمامه، و كان القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور، و تجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط، و هو جيد جدا.

لكن في شرح اللمعة للاصبهاني- بعد أن حكى ما سمعته من الإيضاح و الإيراد عليه- قال: «و التحقيق أن الشرط إما مطلق أو موقت بما في الحول أو بما بعده، و على الأول فالنذر إما مطلق أو موقت بما في الحول أو بما بعده، و على الثاني أيضا إما مطلق أو موقت بوقت الشرط أو بما بعده في الحول أو بما بعده، و على كل حال فالنذر إما أن يتعلق بجميع النصاب أو ببعضه، و فرض الأصحاب في نذر الجميع و إطلاق الشرط و النذر، فان تعلق بالبعض و باقي القيود بحالها فلا شبهة في أنه لا يجري فيه ما ذكره فخر الإسلام من لزوم إمكان المحال، و إن كان الشرط موقتا بما في الحول و النذر مطلقا و لم تجب المبادرة إلى الوفاء عند حصول الشرط كان كالنذر الغير المشروط في مسمى التعلق بجميع النصاب و بعضه، فيتعين السقوط في الأول، و في الثاني إن أسقطناها بالمنع

ج 15، ص: 46

من التصرف، و إن كانت المسألة بحالها و النذر موقتا بما في الحول أو وجبت المبادرة فإن و في بالنذر فلا إشكال، و إن لم يف به إلى تمام الحول و أوجبنا عليه القضاء و تعلق النذر بالجميع فلا إشكال في السقوط، و إن تعلق بالبعض فكذلك إن اعتبرنا المنع من التصرف، و إن كانت المسألة بحالها و النذر موقتا بما بعد الحول كان كمشروط بشرطين أحدهما في الحول و الآخر بعده، بل كمشروط بموقت بما بعده إن جعلنا الوقت شرطا و إلا كان في توقف تعلق النذر على حضوره و عدمه أيضا تردد كالشرط، و إن كان الشرط موقتا بما بعد الحول فان لم يتوقف تعلق النذر على تحقق الشرط سقطت الزكاة قطعا إن تعلق النذر بالجميع، و كذا إن تعلق بالبعض و اعتبرنا المنع من التصرف، و إن توقف وجبت الزكاة بلا شبهة ثم التصدق إما بالباقي إن كان تعلق بالكل، أو بالبعض المتعلق به النذر، و على التعلق بالكل إن أخر الزكاة إلى حصول الوقت كان أحوط كما مر، و إن كان حصول الشرط و الوقت الموقت به النذر مطلقا أو مشروطا متفقا مع تمام الحول و قلنا بعدم تعلق النذر إلا بحصول الشرط أو الوقت فإشكال إن لم نقل بالتداخل، أو كان النذر مما لا يتداخل مع الزكاة كالهبة ممن لا يستحق الزكاة، و الأولى إن أوجبنا على من تلف متعلق نذره مثله أو قيمته الجمع بين الأمرين، و إن لم نوجبه احتمل ترجيح الزكاة للدخول في العمومات و ترجيح النذر، كما أن من المعلوم اشتراط التمكن من التصرف عند تمام الحول كاشتراط التمكن منه في أثنائه، و هو هنا منفي للنذر، و فيه أن انتفاءه إنما يكون إذا رجحنا النذر، فالتمسك يستلزم الدور، و اختار بعض الأصحاب القرعة مطلقا، و احتمل سقوط الزكاة بناء على كون وجوبها تكليفا يحتاج إلى الموجب الواضح، و فيه أنه يكفي العمومات موجبة لها» و هو على طوله لم يأت بشي ء نافع فيما نحن فيه، و إنما هي مجرد أقسام واضحة الوجه، بل يعرف كثير منها مما تقدم، فالتحقيق حينئذ ما ذكرناه سابقا، فلاحظ و تأمل.

ج 15، ص: 47

و لو تعلق النذر بأحد ما عنده من النصب غير معين فالظاهر سقوط الزكاة من أحدها، و التعيين إلى الناذر.

و لو تعلق النذر بالذمة لم تسقط الزكاة بلا خلاف أجده فيه، لأنه دين، و هو لا يمنع منها، نعم عن الشهيد في البيان أنه ألحق بالمنذور كونه صدقة الذي قلنا أنه يخرج عن الملك بالصيغة ما لو نذر مطلقا ثم عين له مالا مخصوصا، و هو لا يخلو من بحث، إذ لا دليل على تشخص مورد النذر هنا بمجرد التعيين.

و لو استطاع الحج بالنصاب و كان مضي الحول متأخرا عن أشهر الحج وجب الحج بلا إشكال، فلو عصى و لم يحج حتى تم الحول وجبت الزكاة و استقر الحج في ذمته و إن ذهبت استطاعته بتقصيره، أما إذا كان الحول قبل مضي أشهر الحج وجبت الزكاة و سقط الحج كما أشار إليه في محكي البيان «و لو استطاع بالنصاب فتم الحول قبل سير الغافلة وجبت الزكاة، فلو خرج بدفعها عن الاستطاعة سقط وجوب الحج في عامه و هل يكون تعلق الزكاة كاشفا عن عدم وجوب الاستطاعة أو تنقطع الاستطاعة حين تعلق لزكاة؟ إشكال، و تظهر الفائدة في استقرار الحج، فعلى الأول لا يستقر، و على الثاني يمكن استقراره إذا كان قادرا على صرف النصاب في جهازه، لأنه بالإهمال جرى مجرى المتلف ماله بعد الاستطاعة» و إن كان كلامه لا يخلو من مناقشة، و في محكي الموجز «لو استطاع الحج بالنصاب ثم تم الحول قبل انقضاء أشهر الحج قدمها عليه و إن سقط» و كشفه «إن تم الحول قبل خروج الغافلة قدمها و إن سقط الحج، و إن خرج الوفد قبل تمام الحول وجب الحج و سقطت» إلى غير ذلك من كلماتهم القريبة مما ذكرنا فلعل إطلاق القواعد «و لو استطاع بالنصاب و وجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة» منزل عليها.

و الخمس كالزكاة لا يمنعه الحج إذا كان مستقراً قبل عام الاستطاعة، نعم

ج 15، ص: 48

لو ربح في عامها و استطاع سقط الخمس في ذلك العام، ضرورة اعتبار خروج المئونة في وجوبه، و الحج في تلك السنة منها، و إذا اجتمع الزكاة و الدين في التركة قدمت الزكاة إذا كانت في العين، و كذا الخمس دون غيرهما من الحقوق كالكفارة و نحوها مما لا تعلق لها بالعين، فإنها كباقي الديون التي توزع التركة عليها مع القصور، و كذا الخمس و الزكاة مع ذهاب العين و انتقالهما للذمة، خلافا لبعض العامة فقدمهما على الديون على كل حال،

للنبوي (1)«فدين الله أحق بالقضاء»

عكس ما عن آخر منهم أيضا فقدم حق الآدمي مطلقا، و عن الشهيد أنه قواه، و عن ثالث التقسيط، و عن الفاضل أنه لا بأس به، و الأصح ما ذكرناه، هذا، و عن جامع المقاصد «أنه إذا اجتمع الزكاة و الحج فالزكاة مقدمة مع بقاء العين سواء كان وجوبهما معا أو وجوب أحدهما كان سابقاً، و مع ذهابها فهما متساويان» قلت: هو كذلك في الأول، أما الأخير ففيه بحث تسمعه إن شاء الله في كتاب الحج.

[في اعتبار التمكن من التصرف في وجوب الزكاة]

و كيف كان فقد ذكر المصنف و جماعة من الأصحاب أن التمكن من التصرف في النصاب معتبر في وجوب الزكاة في الأجناس كلها بل في المدارك نسبته إلى القطع به في كلام الأصحاب، بل في الحدائق نفي الخلاف فيه، بل في الغنية الإجماع على اعتبار الملك و التصرف فيه، و في الخلاف الإجماع على أنها لا تجب في المغصوب و المجحود و المسروق و الغريق و المدفون في موضع نسيه، ثم نفى الخلاف عن ذلك، و الظاهر إرادته الأعم من ذلك، فيدخل الضال و نحوه كالفاضل في التذكرة، فإنه بعد أن ذكر اعتبار عدم المنع من التصرف قال: «فلا تجب في المغصوب و لا الضال و المجحود بغير بينة و لا المسروق و لا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع» و في


1- 1 كنز العمال- ج 3 ص 56- الرقم 1037 و ص 57 الرقم 1045.

ج 15، ص: 49

محكي المنتهى «التمكن من التصرف شرط، فلا تجب الزكاة في المال المغصوب و المسروق و المجحود و الضال و الموروث عن غائب حتى يصل إلى الوارث أو وكيله و الساقط في البحر حتى يعود إلى مالكه و يستقبل به الحول، و عليه فتوى علمائنا» و في محكي كشف الالتباس لا تجب في المغصوب و لا الضال و لا المجحود بغير بينة إجماعا، و في

خبر سدير الصيرفي (1)«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن

المال فيه مدفون فلم يصبه، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين، ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال: يزكيه لسنة واحدة، لأنه كان غائبا عنه و إن كان احتبسه»

و موثق إسحاق بن عمار(2)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو و مات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال: يعزل حتى يجي ء، قلت: فعلى ماله زكاة قال: لا حتى يجي ء، قلت: فإذا هو جاء يزكيه فقال: لا حتى يحول عليه الحول في يده»

و موثقه الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا قال: «سألته عن رجل ورث مالا و الرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقدم، قلت: أ يزكيه حين يقدم؟

قال: لا حتى يحول عليه الحول و هو عنده»

و موثق زرارة(4)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال «في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال: فلا زكاة عليه حتى يخرج، فإذا خرج زكاة لعام واحد، و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه زكاة لكل ما مر به من السنين»

و صحيح عبد الله بن سنان (5)عنه (عليه السلام) أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7 في الوسائل عن عبد الله بن بكير عمن رواه عن زرارة و لكن ليس في التهذيب و الاستبصار« عن زرارة».
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 50

«لا صدقة على الدين و لا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك»

و صحيح إبراهيم (1)«قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): الرجل يكون له الوديعة و الدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟ قال: إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي»

إلى غير ذلك من النصوص التي منها خبر عبد الله بن سنان (2)المتقدم سابقا في زكاة مال المملوك المشتمل على تعليل نفيها عن السيد بعدم الوصول إلى يده، و منها ما تسمعه إن شاء الله، خصوصا صحيح زرارة(3)الوارد في القرض المستفاد منه أن الزكاة على من كان المال في يده، و بالجملة لا يكاد ينكر استفادة اعتبار الشرط المزبور من النصوص خصوصا مع ملاحظة ما في بعضها من التعليل صريحا و آخر ظاهرا، و خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من معاقد الإجماعات التي هي صالحة للدلالة في نفسها فضلا عن أن تكون متممة، فلا بأس حينئذ بدعوى التنقيح من جهتها منضمة إلى دعوى عدم القول بالفصل بين أفراد التمكن من التصرف، فيتم حينئذ الاستدلال بنصوص المفقود(4)و نحوه و إن لم يكن فيها ما يقتضي العموم.

كما أن من ذلك يظهر لك ما في توقف سيد المدارك فإنه بعد أن ذكر الشرط المزبور و القطع به في كلام الأصحاب و الاستدلال عليه

بصحيح ابن سنان و صحيح إبراهيم و موثق زرارة قال: «و هذه الروايات إنما تدل على سقوط الزكاة في المال الغائب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه لا على اعتبار التمكن من التصرف، فلا يتم الاستدلال بها على سقوط الزكاة في المبيع المشتمل على خيار البائع و نحو ذلك، نعم يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة.

ج 15، ص: 51

الاستدلال عليه بأنه لو وجبت الزكاة في النصاب مع عدم التمكن من التصرف فيه عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره، و هو معلوم البطلان، فإن الزكاة إنما تجب في العين، إلا أن ذلك إنما يقتضي اعتبار التمكن من التصرف وقت الوجوب لا توقف جريانه في الحول عليه، و المسألة محل إشكال و للنظر فيها مجال» و أنت إذا أحطت خبرا بما قلناه عرفت خلو المسألة عن الاشكال، و أنه ليس للنظر فيها مجال، على أنه قد يناقش فيما ذكره من التعليل بعدم التلازم بين وجوب الزكاة في المال بمعنى ثبوته و بين وجوب الإخراج من غيره مع تعذره، بل أقصاه تحقق شركة الفقراء له فيه كالمال المتجدد تعذره عليه بعد الحول قبل التمكن من الأداء الذي صرح المصنف و غيره بعدم اعتباره في الوجوب و إن كان معتبرا في الضمان.

فقال و إمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب بل عن المنتهى الإجماع عليه في الأول كما في المدارك، و عن التذكرة الإجماع عليه في الثاني، و هما الحجة بعد أصل البراءة و إطلاق الأدلة من غير فرق بين المطالبة بها و عدمها، خلافا لأبي حنيفة فاعتبر المطالبة بها مع ذلك في الضمان، و ربما ظهر من كشف الحق الإجماع على خلافه و حينئذ فلو لم يتمكن حتى تلفت بتلف جميع النصاب أو كانت معزولة أو تلف بعض النصاب لم يضمن، لأن الزكاة في العين لا في الذمة، فهي حينئذ في يده كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط، نعم لو أتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء وجبت الزكاة عليه سواء قصد بذلك الفرار أم لا، كما أنها لا تسقط بموته كذلك سواء تمكن من الأداء أم لا، و التمكن من الدفع إلى الامام أو النائب تمكن من الأداء، فهو ضامن و إن لم يطالباه، و لو دفعها إلى الساعي فتلفت فلا ضمان كما سيأتي.

[في عدم وجوب الزكاة في المال المغصوب]

و كيف كان فقد بان لك مما قدمناه من النصوص و غيرها أنه لا تجب الزكاة في المال المغصوب الذي هو من معقد الإجماعات السابقة، بل إطلاقهم فيه و في

ج 15، ص: 52

غيره يقتضي عدم الفرق بين كونه مما يعتبر فيه الحول كالأنعام، أو لا يعتبر فيه ذلك كالغلات كما صرح به في المسالك و غيرها، لكن في المدارك «هو مشكل جدا، لعدم وضوح مأخذه، إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة أن المغصوب إذا كان مما يعتبر فيه الحول و عاد إلى مالكه يكون كالمملوك ابتداء، فيجري في الحول من حين عوده، و لا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه، و لو قيل بوجوب الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف في النصاب لم يكن بعيدا» قلت: قد يدفعه ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات و غيرها الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص، كما هو واضح، بل قد يناقش ما فيها أيضا و البيان و الروضة- من أنه إنما تسقط الزكاة في المغصوب و نحوه إذا لم يمكن تخليصه و لو ببعضه، فيجب فيما زاد على الفداء، بل زاد في الثالث الاستعانة و لو بظالم، و إن تردد فيه في البيان فقال: و في إجراء إمكان المصانعة مجرى التمكن نظر، و كذا الاستعانة بظالم، أما الاستعانة بعادل فتمكن- بأنه مناف لإطلاق الأدلة، ضرورة صدق كونه مغصوبا على كل حال، اللهم إلا أن يقيد ذلك ب

قوله (عليه السلام) في الموثق (1): «و إن كان يدعه متعمدا و هو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين»

و هو مع أنه في المال الغائب قال الأستاذ الأكبر في شرحه للمفاتيح: الظاهر منه القدرة على الأخذ و المال بحاله، لا أن يرفع اليد عن بعضه و يضيعه على نفسه إلا أن يكون أولى من تضييع الكل عليه عقلا و شرعا حالا و عاقبة.

و من ذلك يظهر لك الكلام في المجحود، فإنه كما عرفت قد صرح غير واحد بسقوط الزكاة فيه لكن قيدوه بما إذا لم يكن عنده بينة، و مقتضاه الوجوب معها، و عن المحقق الثاني أنه مشكل إن كان المراد وجوب انتزاعه و أداء الزكاة، و إن كان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 53

المراد الوجوب بعد العود بجميع نمائه فهو متجه إذا كانت البينة بحيث يثبت بها و هناك من ينتزعه، و مرجعه إلى ما ذكرنا، و أشكل من ذلك دعوى حصول التمكن بالقدرة على الحلف الذي قد ورد(1)المدح على تركه و النهي عن فعله، كالخصومة التي يحضرها الشيطان، و بالجملة دعوى تحقق الشرط بذلك في غاية الاشكال، و أقصاه التمكن من التمكن كاستطاعة الاستطاعة، و من ذلك يعرف ما في كشف الأستاذ من أن الظاهر اعتبار التمكن مما في يد الغاصب مجانا أو بالعوض اليسير في وجه قوي، و لو أمكنه الغاصب من التصرف مع بقاء يد الغصب فلا زكاة و إن كان في يده، و لو أمكن أخذه سرقة و نحوها من غير عسر ففي كشف الأستاذ دخل في التمكن على إشكال، قلت:

تعرفه مما تقدم، إنما الكلام فيما ذكره هو أيضا متصلا بذلك، قال: و لا يخرج عن التمكن بعروض شي ء من قبله كإغماء أو جنون أو نذر أو عهد أو نحوها من الموانع الشرعية الاختيارية المانعة عن التصرف في وجه قوي،

أما ما يتعلق بالمخلوق كأن يشترط عليه في عقد لازم ألا يتصرف حيث يصح فالظاهر الحكم بانقطاع الحول به و استئنافه بعد ارتفاع المانع، إذ قد عرفت أنه لا إشكال في خروجه عن التمكن بذلك و إن كان من قبله.

[في عدم وجوب الزكاة في المال الغائب]

و كيف كان ف لا تجب أيضا في المال الغائب إذا لم يتمكن من التصرف فيه بنفسه و لم يكن في يد وكيله أو وليه بلا خلاف أجده، للنصوص (2)المستفيضة التي قد مر جملة منها، أما ما تمكن من التصرف فيه بنفسه أو بوكيله فالزكاة واجبة فيه، للإطلاق السالم عن المعارض بعد دلالة النصوص من وجوه متعددة على اعتبار العجز من التصرف في سقوط الزكاة عن الغائب، إذ ليس مجرد الغيبة موجبا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من كتاب الأيمان.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة.

ج 15، ص: 54

للسقوط، كما أنه ليس عدمها موجبا للزكاة، ضرورة سقوطها عمن في يده المال مع عدم التمكن من التصرف عقلا أو شرعا، و وجوبها على المتمكن من التصرف فيه و إن كان غائبا عنه، و نصوص النفقة(1)مع احتمال خروجها بالخصوص عن ذلك كما تعرفه إن شاء الله عند تعرض المصنف لذلك معارضة لما هنا من وجه، فالترجيح للمقام من وجوه، و عبارة المصنف و غيرها كناية عما ذكرناه من التمكن من التصرف، فلا خلاف حينئذ في المسألة كما عن

ظاهر الخلاف نفيه عنها، و إن توهمه بعض متأخري المتأخرين بل ربما مال إليه في الكفاية، قال: إن استفادة رجحان عدم وجوب الزكاة في مال الغائب مطلقا من الروايات غير بعيد، فلو قيل به لم يكن بعيدا، فتأمل جيدا كي يظهر لك ذلك، كما أنه به ظهر لك أن المدار في التمكن من التصرف على العرف و إن لم يكن هذا اللفظ بخصوصه موجودا، لكن قد عرفت أن الموجود فيها ما يرادفه، و حينئذ فلا عبرة بالعجز عن بعض التصرفات مع صدقه، كما لا عبرة بالتمكن من البعض مع صدق سلبه، و مع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل بعد قاعدة الشك في الشرط شك في المشروط، و ربما احتمل الوجوب للإطلاق، و رجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط، و الأول أظهر، و الله أعلم.

[في عدم وجوب الزكاة في المال المرهون]

و كذا لا تجب الزكاة في الرهن على الأشبه الأشهر، بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا إذا كان غير متمكن من فكه لتأجيل الدين أو للعجز إذ لم أجد فيه خلافا سوى ما عن المبسوط حيث قال: لو رهن النصاب قبل الحول وجبت الزكاة، فإن كان موسرا كلف إخراج الزكاة، و إن كان معسرا تعلق بالمال حق الفقراء يؤخذ منه، لأن حق المرتهن في الذمة، مع أن المحكي عن موضع آخر


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 55

منه خلافه، قال: «لو استقرض ألفا و رهن ألفا لزمه زكاة الألف لقرض دون الرهن لعدم تمكنه من التصرف في الرهن» كالمحكي عنه في الخلاف «لو كان له ألف و استقرض ألفا غيرها و رهن هذه عند المقترض فإنه يلزمه زكاة الألف التي في يده إذا حال الحول دون الألف التي هي رهن» نعم قال بعد ذلك: «و لو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة الألفين كان قويا، لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة أنه يلزمه زكاتها، و الألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها، و المال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف» و هو غير محل البحث، ضرورة صراحته في المتمكن من فكه الذي يظهر من الدروس و البيان و المسالك و الروضة و محكي نهاية الأحكام و حواشي القواعد و الموجز و كشفه و الميسية وجوب الزكاة فيه، لصدق التمكن من التصرف فيه، بل هو صريح بعضها، بل في المسالك و الروضة أن التمكن يحصل بإمكان بيعه، نعم في النهاية أنه لا يخرجها من النصاب، لتعلق حق المرتهن به تعلقا مانعا من تصرف الراهن.

قلت: مع فرض تعلق الزكاة بعينه يخرج عن ملك المالك و يكون ملكا لغيره فالمتجه حينئذ ما سمعته من المبسوط من أخذ الفقراء حقهم منه، اللهم إلا أن يقال:

إن حاله كحال المال المرهون الذي مات راهنه و انتقل إلى ورثته، فإنه لا يبطل حق الرهانة بذلك.

و على كل حال فلا يخفى عليك مما قدمناه أن الأقوى عدم الزكاة مطلقا، وفاقا لظاهر بعض و صريح آخر، لعدم صدق التمكن معه و إن قدر على الفك الذي يحصل بعده صفة التمكن، كما هو واضح بأدنى تأمل، و أولى منه بالسقوط الرهن المستعار و إن تمكن المستعير من الفك، فلا تجب حينئذ الزكاة على المالك كما عن جماعة- منهم الشهيدان- التصريح به.

ج 15، ص: 56

[في عدم وجوب الزكاة في الوقف]

و كذا لا تجب الزكاة في الوقف بلا خلاف كما عن الكفاية و الحدائق و لا إشكال سواء كان الوقف عاما أو خاصا، بل و لا في نماء الأول منهما، لعدم ملكه لمعين إلا بالقبض حتى لو اتفق انحصار فرده في الخارج، و في محكي التذكرة و الحواشي «لو كان على غير منحصرين لم يجب عليهم و لو حصل لواحد أكثر من نصاب لأنه غير معين و إنما يملكه بالقبض» كما عن الحدائق «لو كان الوقف على جهة عامة فلا زكاة فيه كما لا زكاة في بيت المال بلا خلاف و لا إشكال، نعم يتجه وجوبها في نماء الثاني منهما إذا بلغ حصة كل منهم النصاب على ما صرح به جماعة» بل عن وقف التذكرة «إذا كان الوقف شجراً فأثمر أو أرضا فزرعت و كان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل من الثمرة و الحب نصاب وجبت فيه الزكاة عند علمائنا» و اليه يرجع ما عن المبسوط من أنه لو ولدت الغنم الموقوفة و بلغ الأولاد نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة إلا أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم و ما يتولد منها وقفا، و إنما للموقوف المنافع من اللبن و الصوف، و هو جيد إن ثبت صحة اشتراط ذلك، لكن في المدارك فيه نظر، و لعله من جهة المعدومية، و فيه أنها غير قادحة في التبعي، و لذا حكي عن التذكرة و التحرير التصريح بصحة الشرط المزبور، و لعله الظاهر من غيرهما أيضا، و الله أعلم.

[في عدم وجوب الزكاة في الحيوان الضال و من المال المفقود]

و كذا لا تجب في الحيوان الضال و لا في غيره من المال المفقود لما عرفته سابقا، و كان المصنف ذكره بالخصوص مقدمة لما بعده، هذا، و في المسالك «و يعتبر في مدة الضلال و الفقد إطلاق الاسم، فلو حصل لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع» و في المدارك هو جيد، بل ينبغي إناطة السقوط بحصول الغيبة التي لا يتحقق معها التمكن من التصرف، و تمام البحث في هذه المقامات و غيرها يعرف مما قدمناه، فلا حاجة إلى الاطناب فيها و لا في غيرها مما ذكره الأصحاب، و الله أعلم.

ج 15، ص: 57

و كيف كان فان مضى عليه سنون و عاد زكاه لسنة واحدة استحبابا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك، بل في التذكرة أنه مستحب عندنا، بل في محكي المنتهى إذا عاد المغصوب أو الضال إلى ربه استحب له أن يزكيه لسنة واحدة، ذهب إليه علماؤنا، لموثق زرارة(1)و] خبر سدير(2)السابقين المحمول ما فيهما عليه، للأصل و ما سمعته مما يدل على اشتراط التمكن من الإجماع السابق و غيره، و إطلاق صحيح إبراهيم (3)و غيره، فما عن بعض متأخري المتأخرين من الوجوب كما عن بعض العامة بل ربما استظهر ذلك من نهاية الأحكام واضح الضعف، نعم ربما ظهر من المنتهى عدم اعتبار مضي السنين في الاستحباب كالمبسوط، و نفي البأس عنه في المدارك و يكفي حينئذ مضي السنتين كما هو صريح البيان و محكي جامع المقاصد و المفاتيح، بل قيل:

إنهم حملوا عبارات الأصحاب على ذلك، و لعلهم بنوه على تناول الجمع لهذا الفرد، كما أنه قد يدل عليه إطلاق موثق زرارة، بل قد يقال بدلالته على كفاية الغيبة عاما فصاعدا نعم تلفيق العام من الضلال و الوجدان لا دليل على الاستحباب فيه، و التسامح لا يصلح لأن يكون مقتضيا لذلك، و الله أعلم.

[في عدم وجوب الزكاة في الدين]

و كيف كان ف لا تجب في القرض حتى يرجع إلى صاحبه بل على المستقرض بلا خلاف كما عن الخلاف و السرائر و غيرهما، بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، و لعله كذلك بشهادة التتبع لكلمات الأصحاب، فإني لا أجد فيها خلافا في ذلك كالنصوص (4)نعم في

صحيح منصور بن حازم (5)


1- 1 المتقدم في ص 49 التعليقة 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 58

منها عن الصادق (عليه السلام) «في رجل استقرض مالا فحال الحول عنده فقال:

إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض»

و حمل على صورة شرط المستقرض الزكاة على المقرض، و فيه مع عدم قابليته لذلك أن القول بصحة هذا الشرط خلاف المشهور بين الأصحاب، و إن اختلفوا في كونها حينئذ على المستقرض كما عن التذكرة و المنتهى و التحرير و التلخيص و الإيضاح و ظاهر البيان، و لعله لفساد الشرط خاصة، أو على المقرض إن تمكن من التصرف، و إلا سقط عنهما كما عن الدروس و حواشي القواعد و الموجز و شرحه، لبطلان القرض أيضا ببطلان الشرط، و أطلق جماعة عدم صحة الشرط، و هو محتمل لهما، و لعل الأول هو الأظهر.

و على كل حال فالمشهور عدم صيرورة الزكاة على المقرض بذلك مع صحة القرض خلافا للمحكي عن المبسوط و قرض النهاية من وجوبها حينئذ على المقرض دون المستقرض لكن مع ما عن موضع آخر من الأول نسبة ذلك إلى الرواية، كما أن الثاني منهما أطلق كون الزكاة على المستقرض دون المقرض في باب الزكاة، بل ربما حكي عن الشيخ في أكثر كتبه موافقة المشهور، بل في

المختلف أنه كذلك في باب الزكاة من النهاية، و الخلاف فيه أن الزكاة من العبادات الواجبة على صاحب المال، فلا يجوز اشتراطها على الغير كسائر العبادات، و جواز التبرع بها كما هو مقتضى إطلاق صحيح منصور بن حازم و غيره و أفتى به جماعة من غير اعتبار إذن المالك إنما يقتضي صحة اشتراط الإلزام بها و التأدية عنه على أن يكون المقترض مشغول الذمة بها، و لكن يستحق التأدية بالاشتراط، فان و في له و إلا فهو مشغول الذمة، و هذا غير ما يظهر من الشيخ من براءة ذمة المقترض بالاشتراط، اللهم إلا أن يكون الشيخ أراد بما ذكره ذلك، فيكون حينئذ هو الصحيح، و الله أعلم، و ربما يأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

و كذا لا تجب الزكاة على الدين الذي لم يكن تأخيره من قبل

ج 15، ص: 59

صاحبه بل لأنه مؤجل، أو لكونه على معسر أو نحو ذلك بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافا إلى الأصل و عدم إمكان التصرف و غيره، نعم قد يستفاد من خبر عبد الحميد بن سعد(1)الاستحباب في المؤجل على الملي الثقة بعد القبض لكل ما مر به من السنين، فضلا عن سنة الخروج التي يدل على الاستحباب فيها غيره من النصوص (2)فلاحظ و تأمل.

ف أما إن كان تأخيره من جهة صاحبه ف قيل و القائل الشيخان في المقنعة و الخلاف و المبسوط و الجمل و العقود و المرتضى على ما حكي تجب الزكاة على مالكه، و قيل و القائل المشهور شهرة عظيمة، بل عليه إجماع المتأخرين لا تجب الزكاة و الأول و إن كان أحوط إلا أن الثاني أقوى للأصل و ظهور النصوص (3)في كون مورد الزكاة غير الكلي في الذمة، و خصوصا أدلة الحول عند المالك، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح ابن سنان (4)«لا صدقة على الدين»

و قال له عليه السلام الحلبي في الصحيح (5)أيضا: «ليس في الدين زكاة فقال: لا»

و موثق ابن عمار(6)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الدين عليه زكاة قال: لا حتى يقبضه، قلت:

فإذا قبضه أ يزكيه؟ قال: لا حتى يحول عليه الحول في يده»

و خبر أبي بصير(7)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فيحل عليه زكاة قال: يزكي العين و يدع الدين، قلت: فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر قال: يزكيه حين اقتضاه»

و خبر علي بن جعفر(8)المروي عن كتابه و قرب الاسناد للحميري «سأل أخاه


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث 15.

ج 15، ص: 60

(عليه السلام) عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال: لا حتى يقبضه و يحول عليه الحول».

و لا يعارض ذلك بإجماع الخلاف الموهون بمصير من عرفت إلى خلافه، و

خبر عبد العزيز(1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له الدين أ يزكيه؟

قال: كل دين يدعه، و هو إذا أراد أخذه فعليه زكاته، و إن كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة»

و خبر عمر بن يزيد(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه»

و خبر الكناني (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«في رجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال: يزكيه و لا يزكي ما عليه من الدين، فإنما الزكاة على صاحب المال»

و شموله لغير المطلوب غير قادح بعد التفصيل في النصوص المزبورة، لوجوب حمل المطلق على

المقيد، و نحوه جار في نصوص الخصم أيضا، لأنه لا يخفى عليك اعتبار المقاومة في حمل المطلق على المقيد، و لا ريب في انتفائها هنا، لما سمعت، مضافا إلى موافقة ما دل على ثبوتها في الدين لجم غفير من العامة، و إلى ما سمعته من خبر الحميري الذي لم يقبل التقييد، فالمتجه حينئذ طرحها أو حملها على الاستحباب أو التقية أو على زكاة التجارة، و ربما كان في موثق سماعة(4)و غيره إيماء إليه، خصوصا ما في ذيل الأول، فإنه كاد يكون صريحا في ذلك، فلاحظ و تأمل.

و لو كان الدين حيوانا فأولى بعدم وجوب الزكاة، لعدم صدق السوم، و لعله لذا صرح بنفيها في محكي المبسوط الذي قد سمعت القول منه بالوجوب فيه، لكن قد


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 61

يقال: إنهم قد ذكروا في السلم في اللحم التعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة، و إذا جاز أن يثبت بالذمة لحم راعية جاز أن يثبت راعية، و لا فرق في ذلك بين جعل مفهوم السوم عدميا و هو عدم العلف و بين جعله وجوديا و هو أكلها من مال الله المباح، اللهم إلا أن يدعى انسياق كون المملوك مشخصا سائما من أدلة السوم، كانسياق النقد من نصوص الدين، و الأمر سهل عندنا بعد ما عرفت من عدم ثبوته في الدين مطلقا، و من هنا كان الأولى الاعراض عن كثير مما يتفرع في المقام، نعم قد قيد في البيان عدم الزكاة في الدين بما إذا لم

يعينه المديون و يمكنه منه في وقته، و إليه يرجع ما عن الكركي و الميسي و القطيفي من تقييده بما إذا لم يعينه و يخلي بينه و بينه، فان امتناعه حينئذ لا ينفي ملكه حتى لو تلف كان تلفه منه، و عن حواشي الشهيد تقييده بما إذا لم يعينه في وقته، و يحمله إلى الحاكم أو يبقيه على حاله بعد عزله في يده مع تعذر الحاكم، و فيه أن حصول الملك بمجرد العزل محل نظر أو منع، بل و مع قبض الحاكم إذا لم يكن معه امتناع من المالك، بل ربما توقف في الملك مع الامتناع من المالك، و لتحرير المسألة محل آخر، و قد ذكرنا جملة من الكلام فيها في القرض و غيره، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[في وجوب الزكاة على الكافر]

و الكافر تجب عليه الزكاة بلا خلاف معتد به فيه بيننا، لأنها من الفروع التي قد حكي الإجماع في كتب الفروع و الأصول على خطابه بها، للعموم و غيره، و خصوص قوله تعالى (1)«وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ» و غيره مما هو محرر في محله، و تسقط عنه بالإسلام كما نص عليه غير واحد، بل لم نجد فيه خلافا و لا توقفا قبل الأردبيلي و الخراساني و سيد المدارك، بل ليس في كلام الأول على ما قيل سوى قوله: كان ذلك للإجماع و

النص (2)مثل «الإسلام يجب ما قبله»

و هو


1- 1 سورة فصلت- الآية 5 و 6.
2- 2 الخصائص الكبرى ج 1 ص 249.

ج 15، ص: 62

خال عن التوقف فضلا عن الخلاف، فانحصر ذلك فيهما، نعم في المحكي عن نهاية الأحكام لو أسلم قبل الحول بلحظة وجبت الزكاة، و لو كان الإسلام بعد الحول و لو بلحظة فلا زكاة، سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط أو غير تفريط، و لكن هو في استيناف الحول حين الإسلام الذي قد صرح به غير واحد، بل يمكن كونه مجمعا عليه، و منه يستفاد ما صرح به جماعة من سقوطها بالإسلام و إن كان النصاب موجودا لأن الإسلام يجب ما قبله المنجبر سنداً و دلالة بعمل الأصحاب الموافق لقوله تعالى(1):

«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» بل يمكن القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي (صلى الله عليه و آله) لأحد ممن تجدد إسلامه من أهل البادية و غيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية، بل ربما كان ذلك منفرا لهم عن الإسلام، كما أنه لو كان شي ء منه لذاع و شاع، كيف و الشائع عند الخواص فضلا عن العوام خلافه.

فمن الغريب ما في المدارك من التوقف في هذا الحكم لضعف الخبر المزبور سنداً و متنا، و للصحاح (2)المتضمنة لحكم المخالف إذا استبصر، و أنه لا يجب عليه إعادة شي ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة، فإنه لا بد أن يؤديها، فيمكن إجراؤه

في الكافر أيضا، إلى أن قال: «و بالجملة فالوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به، على أنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادات، لامتناع أدائها في حال الكفر و سقوطها بالإسلام، إلا أن يقال: إن متعلق الوجوب إيصالها إلى الساعي و ما في معناه في حال الكفر، و ينبغي التأمل في ذلك» قلت: هو كذلك، لأن إيصالها إلى الساعي إن كان بعنوان الدفع فهو أداء للزكاة، و قد صرح


1- 1 سورة الأنفال- الآية 39.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 15، ص: 63

غير واحد بعدم صحته منه، بل في المدارك أنه لا إشكال فيه، و هو كذلك لمعلومية اعتبار الايمان في جميع العبادات.

و لذلك قال المصنف كغيره من الأصحاب بعد ذكر الوجوب لكن لا يصح منه أداؤها و مناقشة بعض فيما ذكره بعض من تعليل ذلك بعدم صحة نية القربة منه ليست خلافا كما هو واضح، و إن كان بعنوان التوكيل فهو فرع الصحة من الموكل، نعم قد يقال: إنه لا مانع من التكليف بالزكاة و إن كان لا تصح منه إلا بالإسلام المسقط لها، لكن المانع منه الكفر السابق الحاصل بسوء اختياره، فلا يقدح حينئذ تعذره في جواز التكليف، و تظهر الثمرة في جواز القهر عليها، و لا يعتبر نية القربة من الامام و نحوه ممن قهره لتعذرها في المقهور، و امتناع الثواب بناء على عدم حصوله إلا بالجنة المحرمة عليه كما عن جماعة الإجماع عليه على ما في المدارك، و يدفعها حينئذ بلا نية قربة، لكن ستسمع التصريح به من المسالك، و لعله للتقرب في أصل دفع الزكاة لا لقرب من وجبت عليه، فتأمل جيدا، و من الغريب ما يظهر منه من المفروغية من عدم التكليف بقضاء العبادة لما ذكره، مع أن الأمر بالعكس، و ما ذكره غير قادح بعد التأمل، خصوصا بعد ما ذكرنا، و أغرب منه تشكيكه في الدليل المعتد به على السقوط بعد الإجماع و الخبر المنجبر به.

و كيف كان ف قد صرح الفاضل و الشهيد و غيرهما بأنه إذا تلفت منه لا يجب عليه ضمانها و إن أهمل مفرعين له على ما سمعت سابقا من عدم صحة الأداء منه، فهو حينئذ غير متمكن، فالتلف معه غير مقتض للضمان حتى يكون إسلامه مسقطا لكن في المدارك «هذا الحكم مشكل لعدم وضوح مأخذه» قلت: هو كذلك، ضرورة عدم ظهور فائدة لهذا الحكم مع الإسلام الذي قد عرفت أنه يجب ما قبله، و أنه به تسقط الزكاة مع وجود المال فضلا عن تلفه، بل إنما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام عليه السلام

ج 15، ص: 64

أو الساعي أخذ الزكاة منه قهرا، و مقتضى ذلك عدم الجواز كما هو صريح المسالك، قال: «إنه يشترط فيه أى القهر بقاء النصاب، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزكاة و إن كان بتفريطه، و لو تلف بعضه سقط عنه منها بحسابه، و لو وجده تاما أخذهما كما يأخذها من المسلم الممتنع من أدائها، و يتولى النية عند أخذها منه و دفعها إلى المستحق» انتهى، و للنظر فيه مجال، لعدم الدليل على ما ذكره من الشرط كما اعترف بعدم الوقوف عليه في المدارك، بل لولا ظهور الإجماع على عدم الضمان مع الإسلام إذا كان هو المتلف لتوجه الضمان، لعدم ثبوت جب الإسلام الخطاب بما في ذمته من أموال الناس، فتأمل جيدا في ذلك و فيما ذكره من النية، بل و ما في المحكي عن المنتهى من أنه لو أخذ الإمام أو الساعي الزكاة في حال كفره ثم أسلم سقطت عنه، أما لو أخذها غيرهما فلا تسقط، و لعل مراده الرجوع بالمأخوذ مع بقاء العين، فتأمل، و الله أعلم.

هذا كله في الكافر و أما المسلم ف إذا لم يتمكن من إخراجها و تلفت لم يضمن للأصل و غيره و لو تمكن أو فرط ضمن لقاعدة الأمانة، و خصوص حسن ابن مسلم (1)و غيره مما تعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

و المجنون و الطفل لا يضمنان ما يتلف إذا أهمل الولي على القول بالوجوب في الغلات و المواشي بلا خلاف و لا إشكال، إنما الكلام في ضمان الولي، و لا يبعد تضمينه لخطابه بالإخراج، فيجري مجرى المالك، و قد تقدم بعض الكلام في ذلك على تقدير الندب، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 65

[النظر الثاني في بيان ما تجب فيه و ما تستحب]
اشاره

النظر الثاني في بيان ما تجب فيه و ما تستحب

[في انحصار الزكاة في تسعة أشياء]

تجب الزكاة في الأنعام: الإبل و البقر و الغنم، و في الذهب و الفضة، و الغلات الأربع: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب بناء على أنهما محل الزكاة لا البسر و الحصرم بلا خلاف أجده فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل هو من ضروريات الفقه إن لم يكن من ضروريات الدين و النصوص به مع ذلك متواترة كتواترها في أنه لا تجب فيما عدا ذلك ففي

صحيح الفضلاء(1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال، و سنها رسول الله (صلى الله عليه و آله) في تسعة أشياء، و عفا عما سواهن، في الذهب و الفضة و الإبل و البقر و الغنم و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و عفا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما سوى ذلك»

و نحوه خبر الحضرمي (2)عن الصادق (عليه السلام) و زرارة(3)عن أحدهما (عليهما السلام) و الحلبي (4)عن الصادق (عليه السلام) و خبر الحسن بن شهاب (5)عنه (عليه السلام) أيضا و خبر عبد الله بن سنان(6)

و قال زرارة(7)أيضا: «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن صدقات الأموال فقال: في تسعة

أشياء ليس في غيرها شي ء، في الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم و السائمة، و هي الراعية»

الحديث، و

روي في الصحيح (8)أيضا عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «ليس في شي ء مما أنبتت الأرض من الأرز و الذرة و الحمص و العدس و سائر الحبوب و الفواكه غير هذه الأربعة الأصناف و إن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 11.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 10.
6- 6 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9.
8- 8 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9.

ج 15، ص: 66

يكنزه»

إلى آخره.

و قال الطيار(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عما يجب فيه الزكاة فقال: في تسعة أشياء: الذهب و الفضة و الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الإبل و البقر و الغنم، و عفا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما سوى ذلك، فقلت:

أصلحك الله فان عندنا حبا كثيرا قال: فقال: و ما هو؟ قلت: الأرز قال: نعم ما أكثره، فقلت: فيه الزكاة قال: فزبرني ثم قال: أقول لك: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) عفا عما سوى

ذلك و تقول لي: إن عندنا حبا كثيرا فيه الزكاة»

و يقرب منه خبر جميل (2)عنه (عليه السلام) أيضا، و في

مرسل القماط(3)«أنه سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الزكاة فقال: وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) الزكاة على تسعة، و عفا عما سوى ذلك: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب و الفضة و البقر و الغنم و الإبل، فقال السائل: فالذرة فغضب (عليه السلام) ثم قال: كان و الله على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) دائماً السماسم و الذرة و الدخن و جميع ذلك فقال:

إنهم يقولون: إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و إنما وضع في تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك، فغضب و قال: كذبوا، فهل يكون العفو إلا عن شي ء قد كان، و لا و الله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا، فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر»

إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع و غيرها.

و قال علي بن مهزيار(4): «قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: وضع رسول الله (صلى الله عليه و آله) الزكاة على تسعة أشياء: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الذهب


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 12.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 13.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.
4- 4 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6 و ذيله في الباب 9 منها- الحديث 1.

ج 15، ص: 67

و الفضة و الغنم و البقر و الإبل، و عفا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عما سوى ذلك، فقال له القائل: عندنا شي ء كثير يكون بأضعاف ذلك فقال: ما هو؟ قال: الأرز فقال أبو عبد الله (عليه السلام): أقول لك: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) وضع الزكاة على تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك، و تقول: عندنا أرز و عندنا ذرة، و قد كانت الذرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فوقع (عليه السلام) كذلك هو، و الزكاة في كل ما كيل بالصاع، و كتب عبد الله و روى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله عن الحبوب فقال: ما هي؟ فقال: السمسم و الأرز و الدخن، و كل هذه غلة كالحنطة و الشعير فقال أبو عبد الله (عليه السلام): في الحبوب كلها زكاة و روي أيضا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب قال:

فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز و ما أشبهه من الحبوب الحمص و العدس زكاة؟ فوقع صلوات الله عليه صدقوا، الزكاة في كل شي ء كيل».

و منه يعلم وجه الجمع بين النصوص السابقة و بين غيرها مما ظاهره المنافاة لها كالمرسلين اللذين تضمنتهما الكتابة المزبورة،

و خبر محمد بن إسماعيل (1)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): إن لنا رطبة و أرزا فما الذي علينا فيها؟ فقال: أما الرطبة فليس عليك فيها شي ء، و أما الأرز فما سقت السماء العشر و ما سقي بالدلو فنصف العشر في كل ما كلت بالصاع أو قال: و كيل بالمكيال»

و خبر أبي مريم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ قال: البر و الشعير و الذرة و الأرز و السلت و العدس كل هذا مما يزكى، و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 68

الزكاة»

و خبر محمد(1)«سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال: البر و الشعير و الذرة و الدخن و

الأرز و السلت و العدس و السمسم، كل هذا يزكى و أشباهه»

و نحوه

صحيح زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «و قال: كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه زكاة، قال: و جعل رسول الله (صلى الله عليه و آله) الصدقة في كل شي ء أنبتته الأرض إلا الخضر و البقول و كل شي ء يفسد من يومه»

و خبر الآخر(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في الذرة شي ء قال لي: الذرة و العدس و السلت و الحبوب فيها مثل ما في الحنطة و الشعير، و كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة»

و خبر أبي بصير(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل في الأرز شي ء؟

فقال: نعم، ثم قال: إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال، و لكنه قد حصل فيه كيف لا تكون فيه و عامة خراج العراق منه»

و غيرها بإرادة الوجوب من الأولى و الندب من الثانية، و يجمعهما صدق الزكاة فيهما كما أومى إليه في المكاتبة السابقة، و لعله أولى من الجمع بحمل النصوص الثانية على التقية كما عن المرتضى (رحمه الله) و إن كان يشهد له بعض النصوص السابقة، لكن لا تنافي بين الندب و الاجمال في الجواب للتقية، فلا ريب في أولوية ما ذكرنا منه، خصوصا بعد فتوى الأصحاب بالندب، و عن الغنية الإجماع

عليه، و في المحكي عن المقنعة تعليل الندب بأنه قد ورد آثار عن الصادقين (عليهم السلام) في زكاة سائر الحبوب مع ما ورد عنهم في حصرها في التسعة، و قد ثبت أن أخبارهم لا تتناقض، فلم يكن لنا طريق إلى الجمع بينهما إلا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه، و حمل ما اختلفوا فيه على السنة المؤكدة، إذ كان الحمل لهما على الفرض تتناقض به الألفاظ الواردة فيه، و إسقاط أحدهما إبطال الإجماع، و إسقاط الآخر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 4 و فيه« سألته عن الحبوب. إلخ».
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 10.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 11.

ج 15، ص: 69

إبطال لإجماع الفرقة المحقة على المنقول في معناه، و ذلك فاسد، و على كل حال فالمتجه ما قلناه، نعم لا يخفى ظهورها جميعا و صراحة بعضها في خلاف المحكي عن يونس في الكافي من أن معنى قوله (عليه السلام): إن الزكاة في تسعة أشياء و عفا عما سوى ذلك إنما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فيها سبع ركعات، و كذلك الزكاة وضعها و سنها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب، و إن كان ربما ظهر من الكافي موافقته، اللهم إلا أن يريد الندب من الوضع الحادث، و كذا المحكي عن ابن الجنيد من أنه تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخل القفيز من حنطة و شعير و سمسم و أرز و دخن و ذرة و عدس و سلت و سائر الحبوب، و من التمر و الزبيب عملا بالنصوص السابقة المجردة عن التقييد بأرض العشر المعلوم قصورها عن معارضة غيرها من وجوه، منها اتفاق الأصحاب عدا من عرفت على عدم الوجوب في غير التسع، و لذا نسبه في الدروس إلى الشذوذ، و هو كذلك، كقوله بالوجوب في الزيت و الزيتون إذا كانا في الأرض العشرية، و في العسل المأخوذ من أرض العشر لا في الخراجية كما في الدروس لما سمعته من نفي الزكاة فيما عدا التسع في النصوص السابقة المعتضدة بالأصل و فتاوى الأصحاب، بل المسألة من القطعيات التي لا ينبغي فيها الاطناب.

[في استحباب الزكاة في كل ما تنبت الأرض]

و لكن قد ظهر لك مما ذكرنا أنها تستحب الزكاة في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن جمعا بين ما في صحيح زرارة(1)و ما في غيره و إن كان بينهما تعارض العموم من وجه، لكن لا يخفى ظهور النصوص في كون محل الزكاة ما جمع الوصفين، و من هنا اتجه تخصيص كل من العامين بالآخر، و في كشف الأستاذ أنه لو اختلفت البلدان فيها لحق كل واحدة حكمها، و لعله لا يخلو من تأمل.


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 70

[في عدم استحباب الزكاة في الثمار]

و على كل حال ينبغي تخصيصهما بما عدا الخضر و البقول كالقت و الباذنجان و الخيار و ما

شاكله مما هو موزون في العادة، لما في صحيح زرارة السابق من استثنائها من المراد به الأعم من الواجب و المندوب، مضافا إلى خبر محمد بن إسماعيل (1)السابق و

موثق سماعة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ليس على البقول و لا على البطيخ و أشباهه زكاة».

و صحيح ابن مسلم (3)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سئل عن الخضر فيها زكاة و إن بيعت بالمال العظيم فقال: لا حتى يحول عليه الحول»

و صحيح الحلبي (4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما في الخضر؟ قال: و ما هي؟ قلت: القضب و البطيخ و مثله من الخضر، قال: ليس عليه شي ء إلا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة، و عن العضاة من الفرسك و أشباهه فيه زكاة قال:

لا، قلت: فثمنه قال: ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه»

و خبر زرارة(5)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «إنهما قالا: عفا رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن الخضر، قلت: و ما الخضر؟ قالا: كل شي ء لا يكون له بقاء: البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد، قال زرارة: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): هل في القضب شي ء؟ قال: لا»

إلى غير ذلك معتضدا ذلك كله بفتاوى الأصحاب، بل في محكي المنتهى نفي الخلاف فيه، و في محكي المقنعة «لا خلاف بين آل الرسول (صلى الله عليه و آله) و بين كافة شيعتهم من أهل الإمامة أن الخضر كالقضب و البطيخ و القثّاء و الخيار و الباذنجان و الريحان و ما أشبه ذلك مما لا بقاء له لا زكاة فيه و لو بلغت قيمته ألف دينار و مائة ألف دينار، و لا زكاة على ثمنه بعد البيع حتى يحول عليه الحول،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 9.

ج 15، ص: 71

و هو على كمال حد ما تجب فيه الزكاة» و عن المنتهى «لا شي ء في الأزهار كالعصفر و الزعفران، و لا فيما يجب كالقطن و الكتان، و عليه علماؤنا أجمع» هذا كله مع فرض شمول عموم الندب لأكثرها بناء على دخول الكيل أو الوزن له، أما على العدم كما عساه يظهر من الأستاذ في كشفه فلا حاجة إلى التخصيص، قال: «و لا يستحب الزكاة فيما لا يدخله الكيل و الوزن من البقول و الخضروات و إن عرض ذلك لها في مثل هذه الأيام» لكنه كما ترى.

و كيف كان فلا ينبغي التوقف في الحكم المزبور، بل قد يستفاد من خبر زرارة(1)السابق عدمها أيضا في الثمار، لصحيحه (2)المتقدم آنفا المشتمل على عطف كل شي ء يفسد من يومه على الخضر و البقول، بل و صحيح الحلبي (3)إذ المراد بالعضاه- كما في الوافي

جمع عضة، و أصلها عضهة، فردت الهاء في الجمع- كل شجر له شوك، كأنه أراد بها الأشجار التي تحمل الثمار كائنة ما كانت، و الفرسك كزبرج: الخوخ أو ضرب منه أحمر، بل يمكن إرادة الثمار أيضا من

خبر علي بن جعفر(4)سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن البستان لا تباع غلته و لو بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة؟

قال: لا إذا كانت تؤكل»

و صحيح محمد بن مسلم (5)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال فيه الصدقة قال: لا»

لكن لم أجد من أفتى به صريحا عدا الأستاذ في موضع من كشفه، نعم في الدروس و الروضة نسبته إلى الرواية، فقال: في الأول روي سقوطها عن العض كالفرسك، و هو الخوخ


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 72

و شبهه، و عن الأشنان و القطن و الزعفران و جميع الثمار، و احتمال إرادة نفي الزكاة الواجبة من النص يدفعه ظهور خبري زرارة في كونها كالخضر في السقوط، بل قد عرفت إدراجه تحت مفهوم الخضر في أحدهما، فلا بأس حينئذ بتخصيص تلك العمومات بذلك، أما القطن و الأشنان و الزعفران ففي

خبر عبد العزيز بن المهتدي (1)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن القطن و الزعفران عليهما زكاة قال: لا»

و

خبر يونس (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الأشنان فيه زكاة قال: لا»

لكن يمكن إرادة نفي الواجبة منهما، خصوصا الأول، فيبقى العموم حينئذ دالا على الندب بحاله، و يؤيده اقتصار الأصحاب على الخضر.

بقي شي ء لم أعثر على تحريره في كلمات الأصحاب، و هو أن الزكاة المستحبة كالواجبة في التعلق بالعين و ملك الفقراء لها و لو على جهة التزلزل، يحتمل ذلك، لظهور النصوص المزبورة، ك

قوله (عليه السلام)(3): «في الحبوب كلها زكاة»

و نحوه في اتحاد كيفية تعلق الواجبة و المندوبة، إلا أن إجراء لوازم الملك عليه في غاية الصعوبة، و إخراجه عن حكم الأملاك محتاج إلى الدليل المعتبر، و من هنا قد يقوى أن الاستحباب تكليفي محض لا مدخلية له في ملك المالك، و المسألة بعد محتاجة إلى تأمل، و الله أعلم.

[في استحباب الزكاة في مال التجارة]

و في مال التجارة التي يأتي الكلام في المراد منها و في جملة مما يتعلق بها قولان أحدهما الوجوب و عن جماعة نسبته إلى قوم من أصحابنا، و عن الحسن بن عيسى نسبته إلى طائفة من الشيعة، لكن لم نتحققه إلا من المحكي عن ظاهر ابني بابويه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 73

للأمر بها و شبهه في صحيح ابن مسلم و حسنه (1)و خبر أبي الربيع الشامي (2)و خبر سعيد الأعرج (3)و خبر الكرخي (4)و خبر العلاء(5)و خبر أبي بصير(6)و موثق سماعة(7)إلا أنه مع ذلك كله و الاستحباب أصح و أشهر، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الانتصار نسبته إلى الإمامية كما هو الظاهر من الغنية، لأنه المراد من الأمر المزبور، لأصالة عدم الوجوب، و النصوص السابقة الحاصرة للواجب في غيره، و

خبر إسحاق (8)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام): الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد، و هو يريد بيعها، أعلى ثمنها زكاة؟ قال: لا حتى يبيعها، قلت: فإذا باعها يزكي ثمنها قال: لا حتى يحول عليه الحول و هو في يده»

و خبر ابن بكير و عبيد و جماعة من أصحابنا(9)قالوا: «قال أبو عبد الله (عليه السلام): ليس في المال المضطرب به زكاة، فقال له إسماعيل ابنه: يا أبه جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال: أي بني حق أراد الله أن يخرجه فخرج»

و صحيح زرارة(10)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: «الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول و لم يحركه»

و صحيحه الآخر(11)قال: «كنت قاعداً عند أبي جعفر (عليه السلام) و ليس عنده غير ابنه جعفر (عليه السلام) فقال: يا زرارة إن أبا ذر و عثمان تنازعا على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال عثمان: كل مال من ذهب أو فضة يدار و يعمل به و يتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، فقال أبو ذر: أما ما اتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة، إنما الزكاة فيها إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة،


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3 و 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9.
6- 6 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.
7- 7 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 4.
9- 9 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 5.
10- 10 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 3.
11- 11 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 1.

ج 15، ص: 74

فاختصما في ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال: القول ما قال أبو ذر، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبيه: ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم

و مساكينهم، فقال أبوه (عليه السلام): إليك عني لا أجد منها بدا»

إلى غير ذلك من النصوص المعلوم رجحانها على الأولى بالأصل و العمل و مخالفة العامة و غير ذلك، فاتجه حينئذ حملها على الندب.

بل ربما توقف فيه بعضهم، لظهور هذه النصوص في خروج تلك مخرج التقية، لكن فيه أنه بعد التسليم لا تنافي بين ذلك و بين الندب على أن تكون التقية حينئذ بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجية، و مراعاة للجمع بين التقية و الواقع، و دعوى أن المراد من ذلك الأمر الوجوب تقية فلا دليل على الندب حينئذ يدفعها أصالة حجية قول المعصوم (عليه السلام)، و أنه في بيان حكم شرعي واقعي، و كما أن التقية يقتصر فيها على أقل ما يندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم (عليه السلام) يقتصر فيه على أقل ما يمكن من إرادة التقية منه، و من ذلك ما نحن فيه ضرورة إمكان كون التقية في ذلك التعبير الذي ذكرناه، فيبقى الأمر حينئذ على قاعدة إرادة الندب منه بعد معلومية عدم إرادة الوجوب، كما هو واضح، و الله أعلم.

[في استحباب الزكاة في الخيل الإناث]

و كذا تستحب في الخيل الإناث إجماعا محصلا و محكيا في الخلاف و الغنية و التذكرة، و هو المراد من

صحيح محمد بن مسلم و زرارة(1)عنهما (عليهما السلام) قالا: «وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البرازين دينارا»

و صحيح زرارة(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): في البغال شي ء فقال: لا، فقلت: كيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟ فقال: لأن البغال لا تلقح، و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 75

الذكورة شي ء، قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شي ء».

بعد نفي الوجوب بالأصل و نصوص الحصر، بل في

خبر زرارة(1)عن أحدهما (عليهما السلام) «ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم»

و الإجماع و غير ذلك.

[في عدم الزكاة في البغال و الحمير و الرقيق]

و تسقط الزكاة وجوبا و ندبا عما عدا ذلك إلا ما سنذكره ف حينئذ لا زكاة في البغال و

الحمير و الرقيق للأصل و الخبر السابق في الأولين، و في

موثق سماعة(2)«ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغي به التجارة، فإنه من المال الذي يزكى»

أما صحيحه الآخر و

صحيح محمد بن مسلم (3)«إن أبا جعفر و أبا عبد الله (عليهما السلام) سئلا عما في الرقيق فقالا: ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول، و ليس في ثمنه شي ء حتى يحول عليه الحول»

فيمكن إرادة زكاة الفطرة منه على أن يكون ليلة الفطر مرادة من حول الحول فيه، و الله أعلم.

و لو تولد حيوان بين حيوانين أحدهما زكوي روعي في إلحاقه بالزكاتي إطلاق اسمه بلا خلاف أجده إذا كان الزكوي الأم، بل و إن لم يكن، و إن قال في محكي المبسوط: المتولد بين الظباء و الغنم إن كانت الأمهات ظباء فلا خلاف في عدم الزكاة، و إن كانت الأمهات غنما فالأولى الوجوب، لتناول اسم الغنم له، و إن قلنا لا لعدم الدليل و الأصل براءة الذمة كان قويا، و الأول أحوط، إذ الظاهر أن مختاره الأول، بل المحكي عنه في آخر كلامه التصريح بذلك، نعم يحكى عن الشافعي الخلاف في ذلك، بل و فيما إذا كان الزكوي الأم، و لا ريب في ضعفه بعد فرض صدق الاسم الذي عليه المدار حتى لو تولد من حيوانين غير زكويين، بل و إن كانا محرمين، و لا استبعاد في القدرة

فالحكم حينئذ في الصور التسعة واحد، لكن في المسالك «الضابط أنه متى كان أحد


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 76

أبويه زكويا و هو ملحق بحقيقة زكوي سواء كان أحد أبويه أم غيرهما نظرا إلى قدرة الله تعالى وجبت فيه الزكاة، و إن لم يكن على حقيقة زكوي فلا زكاة، و لو لم يكونا زكويين فان كانا محللين أو أحدهما و جاء بصفة زكوي وجبت أيضا، و إلا فلا، مع احتمال تحريمه لو كانت أمه محرمة. و إن جاء بصفة المحلل فلا زكاة، و إن كانا محرمين و جاء بصفة الزكوي احتمل حله و وجوب الزكاة، و عدم الحل فتنتفي الزكاة، و إن جاء غير زكوي فلا زكاة قطعاً، و في حله لو جاء بصفة المحلل الوجهان، و الوجه تحريمه فيهما لكونه فرع محرم» و هو كما ترى خصوصا بعد قوله سابقا: «نظرا إلى قدرة الله تعالى» ضرورة عموم القدرة للجميع، و دعوى أنه و إن اندرج في اسم الزكوي إلا أنه محرم و لا زكاة فيه لكونه نتيجة محرم واضحة الفساد بعد تعليق الحل و الزكاة على الاسم المفروض تحققه، كدعوى أن ذلك شكل صوري، و إلا فهو مختلف الحقيقة، إذ مرجع ذلك إلى قصر القدرة، أو نحو ذلك مما لا يسمع من مدعيه، و الله أعلم.

[القول في زكاة الأنعام]
اشاره

القول في زكاة الأنعام و تمام الكلام فيه في الشرائط و الفريضة و اللواحق،

[أما الشرائط فأربعة]
اشاره

أما الشرائط فأربعة:

[الأول اعتبار النصب]

الأول اعتبار النصب إذ لا تجب الزكاة قبلها إجماعا بل ضرورة في المذهب إن لم يكن الدين و هي في الإبل اثنا عشر نصابا، خمسة كل واحد منها خمس بلا خلاف أجده بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص إن لم تكن متواترة فيه فمستفيضة فإذا صارت ستا و عشرين صارت كلها نصابا على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في الخلاف و الغنية و غيرهما الإجماع عليه، بل حكى غير واحد الإجماع على أنها اثنا عشر نصابا، بل يمكن تحصيل الإجماع و إن خالف فيه القديمان فيما حكي عنهما، فقال الحسن منهما: «إن الواجب في الخمس و عشرين بنت مخاض إلى الستة

ج 15، ص: 77

و ثلاثين» و قال أبو علي ذلك أيضا لكن زاد «إن لم تكن فابن لبون، فان لم يكن فخمس شياه» و لم يجعلا الست و عشرين نصابا مستقلا و إن أوجبا بنت مخاض نحو المشهور أيضا، إلا أنه كباقي أفراد العفو، فان خلافهما خاصة غير قادح فيه، سيما مع انحصار الخلاف فيهما فيما أجد و إن نسبه المصنف في محكي المعتبر إلى جماعة من محققي الأصحاب، مع أنا لم نجد ما يشهد له من النصوص سوى

حسن الفضلاء(1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: «في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا و عشرين، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و ثلاثين، فإذا بلغت خمسا و ثلاثين ففيها ابنة لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمسا و أربعين، فإذا بلغت خمسا و أربعين ففيها حقة طروقة الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ ستين، فإذا بلغت ستين ففيها جذعة، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ خمساً و سبعين، فإذا بلغت خمساً و سبعين ففيها ابنتا لبون، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل، ثم ليس فيها شي ء حتى تبلغ عشرين و مائة، فإذا بلغت عشرين و مائة ففيها حقتان طروقتا الفحل، فإذا زادت واحدة على عشرين و مائة ففي كل خمسين حقة، و في كل أربعين ابنة لبون، ثم ترجع الإبل على أسنانها، و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء».

و هو- مع اشتماله على ما لا يقول به أحد من الأصحاب من جعل المائة و عشرين نصابا، و بإضافة الواحد نصابا آخر- قال في الوسائل: إنه رواه

الصدوق في معاني الأخبار على ما في بعض النسخ الصحيحة «فإذا بلغت خمسا و عشرين فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض- إلى أن قال-: فإذا بلغت خمسا و ثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون، ثم قال:

فإذا بلغت خمسا و أربعين و زادت واحدة ففيها جذعة، ثم قال: و إن بلغت خمسا


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 6.

ج 15، ص: 78

و سبعين و زادت واحدة ففيها ابنتا لبون، فإذا بلغت تسعين و زادت واحدة ففيها حقتان»

إلى آخره، و منه يعلم قوة ما ذكره الشيخ فيه من إضمار «و زادت واحدة» اعتمادا على فهم المخاطب، و إن كان أقرب منه الحمل على التقية، فإن ذلك مذهب العامة و لذا

قال عبد الرحمن بعد أن روى عن الصادق (عليه السلام) في الصحيح (1)في ست و عشرين بنت مخاض إلى خمس و ثلاثين: «هذا فرق بيننا و بين الناس»

و كأنه عليه السلام في هذا الحسن أراد الجمع بين بيان الواقع و التقية التي قالوا (عليهم السلام): إن الإنسان على نفسه بصيرة فيها، فقال: في الخمس و عشرين بنت مخاض حسب ما عندهم، ثم ذكر باقي النصب التي لم يخالفونا فيها تاركا فيها ذكر الواحدة حتى يفهم السامع إرادتها في الجميع، لأن الكل على مذاق واحد، كل ذلك مع معارضته للمعتبرة المستفيضة المعمول بها كصحيح عبد الرحمن (2)و خبر أبي بصير(3)و صحيح زرارة(4)و موثقه الآخر(5)فلا بأس حينئذ في حمله على ما ذكرنا، و ربما حمل على الندب، أو على دفع ذلك على سبيل القيمة للخمس شياه، أو غير ذلك، و على كل حال فلا ينبغي التأمل في ضعف القول

المزبور، و لقد أجاد في نسبته إلى الشذوذ في الدروس.

فهذه ست نصب ثم ست و ثلاثون ثم ست و أربعون ثم إحدى و ستون بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه ثم ست و سبعون على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا، بل هي كذلك تحصيلا فضلا عن النقل للمعتبرة المستفيضة(6)خلافا للمحكي عن الصدوقين فأبدلاه بالثمانين، و إنه إذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين، و لم نقف لهما على شاهد سوي المحكي عن الفقه


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 79

المنسوب للرضا (عليه السلام)(1)الذي لم نتحققه كي يصلح معارضا لما سمعت، فلا ريب حينئذ في ضعف القول المزبور و أن النصاب العاشر ست و سبعون ثم إحدى و تسعون، فإذا بلغت مائة و إحدى و عشرون فأربعون أو خمسون أو منهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة خلافا للمحكي عن انتصار المرتضى من عدم تغير الفرض من إحدى و تسعين إلا ببلوغ مائة و ثلاثين، و قال فيه مما انفردت به الإمامية و قد وافقها غيرها أنها إذا بلغت مائة و عشرين ثم زادت فلا شي ء في زيادتها حتى تبلغ مائة و ثلاثين، فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة و ابنتا لبون، و أنه لا شي ء في

الزيادة ما بين العشرين و الثلاثين، ثم ادعى الإجماع على ذلك، و هو عجيب بعد دعواه نفسه في محكي الناصرية الإجماع على خلافه، كمحكي الخلاف و السرائر، و في التذكرة «أنها إذا زادت على المائة و عشرين واحدة وجب في كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون- إلى أن قال-: و على هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا» و كذا عن المنتهى و في كشف الحق نسبته إلى الإمامية، و في المفاتيح إلى علمائنا كافة، إلى غير ذلك من كلماتهم و معاقد إجماعاتهم المتفقة على خلاف ما سمعته منه كنصوصهم، بل لم أجد في شي ء مما وصل إلينا من نصوص أهل البيت (عليهم السلام) ما يشهد له، فلا ريب في ضعفه و لذا نسبه في الدروس إلى الشذوذ أيضا.

و من ذلك كله يظهر لك أيضا أن ما في اللمعة «ثم إحدى و تسعون، ثم ففي، كل خمسين حقة، و في كل أربعين بنت لبون» لا يخلو من نظر، ضرورة شمول إطلاقه النصاب الكلي بعد الإحدى و تسعين ما دون المائة و واحدة و عشرين، و لم يقل أحد بالتخيير قبله، فان من جملته ما لو كانت مائة و عشرين، فعلى إطلاقه فيها ثلاث بنات لبون و إن لم تزد الواحدة، و لم يقل بذلك أحد من الأصحاب، و هو نقل في الدروس


1- 1 المستدرك- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 80

و البيان أقوالا نادرة، و ليس من جملتها ذلك، بل اتفق الكل على أن النصاب بعد الإحدى و تسعين لا يكون أقل من مائة و إحدى و عشرين، و إنما الخلاف فيما زاد عنه و اعتذر له في الروضة بأن الزائد على النصاب الحادي عشر لا يحسب إلا بخمسين كالمائة و ما زاد عليها، و مع ذلك فيه حقتان، و هو صحيح، و إنما يتخلف في المائة و العشرين و المصنف توقف في البيان في كون الواحدة الزائدة جزءا من الواجب أو شرطا من حيث اعتبارها في العدد نصا و فتوى، و من إيجاب بنت اللبون في كل أربعين يخرجها فتكون شرطا لا جزءا، و هو الأقوى، فتجوز هنا و أطلق عده بأحدهما أي من دون تعرض لذكر الشرط اعتمادا على معلوميته، و فيه أن مقتضي الإطلاق الحساب بمجرد الزيادة على الإحدى و تسعين، اللهم إلا أن يصرف ذلك بمعلومية عدم نقصان ما فوق النصاب عنه، و على كل حال فلا ريب في أن إطلاقه ليس بجيد كما هو واضح، هذا.

و قد قال المحقق الثاني و الشهيد الثاني: إن التقدير بالأربعين و الخمسين ليس على التخيير، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب، فإن أمكن بهما تخير، و إلا وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء، فيجب حينئذ تقدير المائة و الإحدى و عشرين بالأربعين، و المائة و الخمسين بالخمسين، و المائة و سبعين بهما، و يتخير في المائتين و في الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما و بكل واحد منهما، بل قيل: إن ذلك خيرة المبسوط و الخلاف و الوسيلة و السرائر و التذكرة و المنتهى و نهاية الأحكام و التحرير بقرينة ما ذكروه بعنوان التمثيل، بل لعله الظاهر من المصنف خصوصا مع قوله فيما يأتي:

«و لو أمكن في عدد» إلى آخره. بل لعله ظاهر القواعد أيضا، حيث قال: «و يتخير المالك لو اجتمعا» بل هو المحكي صريحا عن إيضاح النافع و تعليقه و كفاية الطالبين و كشف الالتباس و الميسية و الموجز الحاوي، كما أنه يشهد له- مع أنه الموافق للاحتياط

ج 15، ص: 81

و فيه مراعاة لحق الفقراء- الاتفاق عليه ظاهرا في البقر، و صحيح الفضلاء(1)فيه أيضا لكن المحكي عن ظاهر المقنع و المقنعة و النهاية و المراسم و الإشارة و النافع و الإرشاد و التبصرة و التلخيص و البيان و اللمعة و المفاتيح التخيير مطلقا، كما هو صريح المدارك و المحكي عن مجمع البرهان و فوائد القواعد لثاني الشهيدين ناسبا له فيها إلى ظاهر الأصحاب كالرياض لإطلاق الأدلة، و لم يثبت أولوية مراعاة الفقراء من المالك، بل ظاهر النصوص العكس على أنه قد يكون الشارع لاحظ جبر التفاوت الحاصل بحذف بعض الكسور و العفو بزيادة السن في التقدير الآخر، بل يدل عليه صريحا النصوص (2)المشتملة على التخيير في المائة و الواحد و عشرين، بل اقتصر في بعضها على حسابها بالخمسين.

و الذي يقوى في النظر في الجمع بين هذه النصوص و صحيح الفضلاء الوارد في البقر المتفق على مضمونه فيه ظاهرا كما قيل- بعد

ظهور اتحاد الحكم في الجميع، و عدم الفرق بين الإبل و البقر في ذلك من النص بل و الفتوى مع التأمل و التدبر- وجوب مراعاة المطابق منهما، بل لو لم يحصل إلا بهما لوحظا معا، و يتخير مع المطابقة بكل منهما أو بهما، حتى أن له حساب البعض بأحدهما و الباقي بالآخر، و كذا يتخير مع عدم المطابقة بشي ء، و لا يجب حينئذ مراعاة الأقل عفوا للنصوص الواردة في المائة و الإحدى و عشرين، و ليس في صحيح الفضلاء إلا المطابق، فلا ينافي ذلك حينئذ، نعم قد يقال بوجوب مراعاة الأقل في خصوص المائتين و ستين. للقطع بأن الزيادة إن لم تزد الواجب أو لا لم تنقصه، كما تعرف زيادة تحقيق لذلك كله فيما يأتي إن شاء الله، و لكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى اعتبار كون الزيادة واحدة، فلو كانت جزءا من بعير لم يتعين به الفرض قطعا، بل في محكي التذكرة إجماعا، و المنتهى لا نعلم فيه خلافاً


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 82

إلا من الإصطخري، فما عن بعض العامة من تعين الفرض به واضح الفساد، كما أن ظاهرهما أيضاً كون الواحدة جزءا من النصاب لا شرطا لاعتبارها في العدد فيهما، و ظهورهما في أن هذا النصاب كغيره بالنسبة إلى الواجب و إن كان حسابه بأحد الأمرين و هو المحكي عن الفاضل في النهاية معللا له بأن تغير الواجب بها يقتضي تعلق الوجوب بها كالعاشرة و غيرها، قال: فلو تلفت الواحدة بعد الحول و قبل إمكان الأداء سقط من الواجب جزء من مائة و إحدى و عشرين جزءا، خلافا لجماعة من المتأخرين منهم ثاني الشهيدين و المحققين، فجعلوها شرطا، بل ربما قيل: إنه المشهور بينهم، لخروجها عما به الحساب على التقديرين، و فيه أنه أعم من الشرطية، قالوا: فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي ء، كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن تبلغ تسعة عشر، و فيه أنه مبني على تعلق الزكاة بما عدا العفو، و فيه بحث تسمعه فيما يأتي إن شاء الله، و الله أعلم.

و في البقر الذي منه الجاموس بلا خلاف نصابان كليان ثلاثون و أربعون دائما أي كل ثلاثين و كل أربعين لا الأولان فقط، و منه ما لو اجتمعا كالسبعين، فلا حاجة إلى جعل النصب فيها ثلاثا شخصيين و هما الثلاثون و الأربعون، و كليا و هو كل ثلاثين و كل أربعين كما عن بعضهم، أو أربعة بزيادة الستين على الأولين كما عن المنتهى، أو خمسة بزيادة السبعين بعد الستين، ضرورة الاستغناء بما ذكرنا عن ذلك كله، و إن كان النظر فيه إلى صحيح الفضلاء الآتي فينبغي زيادة النصب على ذلك كله، لاشتماله عليها و على غيرها، إلا أن الظاهر كون المراد منه التمثيل للنصاب الكلي، و على كل حال فقد أجاد في المسالك بجعل هذا الاختلاف لفظيا، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب، و معلومية عدم الزكاة في الأنقص من الثلاثين إجماعا بقسميه و نصا، و عدمها أيضا كذلك في الزائد على الثلاثين حتى يبلغ الأربعين، و المنساق من الإطلاق

ج 15، ص: 83

نصا و فتوى البقر الانسي، فيبقى الوحشي على الأصل كما عن بعض التصريح به، و ستسمع تمام الكلام إن شاء الله في وجوب ملاحظة المطابق من النصابين و عدمه، و ستسمع تمام الكلام إن شاء الله في وجوب ملاحظة المطابق من النصابين و عدمه، و الله أعلم.

و في الغنم خمسة نصب أولها بإجماع كل من يحفظ عنه العلم كما عن المنتهى أربعون، و فيها شاة فلا يجب فيها شي ء قبل ذلك بلا خلاف نصا و فتوى، كما أنه لا خلاف في عدم اعتبار زيادة الواحدة في وجوب الشاة إلا من الصدوقين فيما حكي عنهما و الإجماع المحكي في المنتهى صريحا كما سمعت و التذكرة و المفاتيح و ظاهرا في الخلاف و الغنية و الرياض و صحيح الفضلاء(1)و غيره حجة عليهما، مع أنه لا شاهد لهما فيما نجد إلا ما يحكى من الفقه (2)المنسوب إلى الرضا (عليه السلام)، و هو غير حجة عندنا فضلا عن أن يعارض غيره ثم مائة و إحدى و عشرون، و فيها شاتان، ثم مائتان و واحدة، و فيها ثلاث شياه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، بل في الكتب السابقة الإجماع أيضا صريحا و ظاهرا ثم ثلاثمائة و واحدة و هو النصاب الرابع فإذا بلغت ذلك قيل و القائل ابن أبي عقيل و الجعفي و المفيد في أحد النقلين و الصدوق و ابن إدريس و الفاضل في بعض كتبه و ولده يؤخذ من كل مائة شاة و ربما نسب ذلك إلى ابن حمزة، و الموجود في وسيلته «النصاب

فيها أربعة، و العفو كذلك، و الفريضة جنس واحد، و هو في كل نصاب واحد من جنسه، و باختلاف الغنم في البلد لا يتغير الحكم، و النصاب الأول أربعون، و الثاني مائة و واحد و عشرون، و الثالث مائتان و واحدة، و الرابع ثلاثمائة و واحدة، فإذا زاد على ذلك تغير هذا الحكم، و كان في كل مائة شاة» و ظاهره وجوب الأربع في الرابع، و أنه بالزيادة عليه ينتقل إلى المائة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 5- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 84

و كأنه مخالف للقولين، نعم هو كالمحكي عن إشارة السبق، قال: «في ثلاثمائة و واحدة أربع، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار و أخرج من كل مائة شاة» و كذا ابن زهرة في الغنية، اللهم إلا أن يريدوا جميعا بالزيادة بلوغ المائة بقرينة معلومية عدم نقصان الفريضة بالزيادة، و أما ما يحكى عن سلار من قوله: إنه ينتقل بزيادة ثمانين في الثالث إلى ثلاث شياه ثم ينتقل بزيادة مائة إلى أن يخرج من كل مائة شاة فالظاهر أن الناقل أبدل الثاني بالثالث سهوا، بل هو المقطوع به، و الله أعلم.

و قيل: بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فيؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ، و هو الأشهر بل المشهور، بل في الخلاف و ظاهر الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد صحيح الفضلاء الموافق للاحتياط الذي ربما قيل بوجوب مراعاته هنا، لتوقف يقين البراءة عليه، و المخالف للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها، إذ الأول محكي عن الفقهاء الأربعة، بل حكاه في الخلاف عن جميع الفقهاء ما عدا النخعي و الحسن ابن حي، و من ذلك يظهر لك رجحانه على

صحيح محمد بن قيس (1)الذي هو دليل الأول بعد الغضاء عن ترجيحه عليه سندا أيضا بل و دلالة، إذ الموجود فيه «فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه من الغنم إلى ثلاثمائة، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة»

و يمكن إرادة الأربعمائة من الكثرة فيه، فيكون النصاب الرابع و هو الثلاثمائة و واحدة متروكا فيه، و يؤيده عدم صدق الكثرة بالواحدة، فاحتمال إرادتها منها و لو على جهة البدأة لا يخلو من شي ء، و إن كان قد أريد منها ذلك في نصوص الإبل، لكن القرينة كانت فيها واضحة بخلاف ما هنا، و لذلك قال بعض الأفاضل: «لا تعارض بين الصحيحين، لخلو صحيح ابن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على ثلاثمائة، فإن

قوله (عليه السلام): «فان زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة»

يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.

ج 15، ص: 85

كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه و في غيره من الأخبار المتضمنة نصب الإبل و الغنم، و الكلام الذي بعده يقتضي

إناطة الحكم بثبوت وصف الكثرة، و فرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي ء، فلا يتناوله الحكم حتى يقع التعارض، بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على بيان حكم لم يتعرض له في الصحيح المزبور لحكمة، و لعلها التقية» و أيده بعضهم بأن المعصوم (عليه السلام) بعد أن جعل الغاية نفس الثلاثمائة لا بلوغها و لا أولها كان المعنى إلى منتهى عدد ثلاثمائة، فإذا انتهى لا جرم يكون الزائد داخلا في الأربعمائة، لكنه عليه السلام لم يقل فإذا زادت واحدة ففي كل مائة شاة كما كان دأبه القول كذلك في النصب الأخر و في جميع النصب في غير هذه الصحيحة، بل عدل عنه إلى قوله (عليه السلام): «فإذا كثرت» إلى آخره، و ما ذاك إلا لنكتة جزما، و معلوم أن الزائد على الثلاثة كثير، بل الثلاثة أيضا و جميع المراتب بالنسبة اليه على حد سواء، و كون انقضاء ثلاثمائة قرينة معينة لإرادة زيادة واحدة بعدها من لفظ «كثرت» لعله يمنعه العدول إلى عبارة «كثرت» المتوغلة في الإبهام من دون نكتة أصلا، لأن الثلاثمائة و الأنقص منها كثيرة أيضا كثرة كاملة بالغة من دون تفاوت بينها و بين ما إذا زادت واحدة فقط حتى يعبر المعصوم عنها بعبارة «إذا كثرت» مع عدم تعبيره أصلا فيما نقص عن زيادة خصوص الواحدة في هذه المرتبة بلفظ الكثرة أصلا، و غير خفي على الذوق السليم أن الوجه في مثل ذلك إنما هو التقية كما هو دأبهم (عليهم السلام) المعلوم في مواضع كثيرة، كل ذلك مضافا إلى اشتماله على ما لا نقول به من

قوله (عليه السلام): «إن يشأ المصدق»

و من قوله (عليه السلام): «و لا يفرق بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق»

إلا إذا أريد الاجتماع في الملك و الافتراق فيه أو نحو ذلك، و من

قوله (عليه السلام): «يعد صغيرها و كبيرها»

إلى غير ذلك.

ج 15، ص: 86

و معارضة هذا كله باعتضاد صحيح ابن قيس بالأصل الذي هو مع معلومية انقطاعه معارض بالاحتياط، و بخبر زرارة(1)المروي في المنتهى و] خبر الأعمش (2)و فقه الرضا (عليه السلام)(3)مضافا إلى اشتمال صحيح الفضلاء على ما لا يقول به أحد من الأصحاب في النصاب الثاني يدفعها عدم ثبوت الخبر المزبور، بل لا يخفى على من تأمل أن زيادته التي فيه و هي محل الاعتضاد من الصدوق لا من الخبر، فلاحظ و تأمل.

و كذا لا شهادة يعتد بها في خبر الأعمش، و أما اشتمال صحيح الفضلاء على ما ذكره فإنما

هو في بعض نسخ التهذيب دون البعض الآخر و دون الكافي و غيره.

و كيف كان فلا ينبغي للفقيه التأمل في رجحان صحيح الفضلاء على صحيح ابن قيس، فيتعين الفتوى به، إنما الكلام في الفائدة على هذا التقدير في جعل الأربعمائة نصابا مع أن الواجب بها ما وجب بالثلاثمائة و واحدة، و نحوه يجري على القول الآخر بالنسبة إلى الثلاثمائة و واحدة و النصاب الذي قبلها، فإنهما أيضاً متحدان في وجوب الثلاث، و يمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النص، أو أن الاتحاد في الفريضة مع فرض كون النصاب الثاني كليا ذا أفراد متعددة ينفرد عن الأول في غالب أفراده غير قادح، و ما حاله إلا كحال النصاب في الإبل إذا بلغت مائة و إحدى و عشرين خمسين، مع أن الواجب في أول الأفراد ما وجب في الأحد و تسعين، ضرورة كون النصاب هنا إذا بلغت أربعمائة كل مائة شاة، و إن اتحد مع الأول في هذا الفرد، لكنه ينفرد عنه بالخمسمائة فصاعدا، و كذلك في الثلاثمائة و واحدة على القول الآخر، و يجري في


1- 1 المنتهى ص 489- المسألة- 4- من البحث الرابع من كتاب الزكاة و هو ما ذكره في الفقيه ج 2 ص 14 و الظاهر أنه من كلام الصدوق قده.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 المستدرك- الباب- 5- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 87

الواحدة الزائدة على الثلاثمائة حينئذ ما سمعته في الزائدة على العشرين في الإبل بالنسبة إلى شرطيتها و جزئيتها، هذا.

و لكن المصنف قال و تبعه عليه غيره تظهر الفائدة في الوجوب و في الضمان أي تظهر الفائدة بذلك في جعل الأربعمائة نصابا و الثلاثمائة و واحدة نصابا مع اتحاد موجبهما بمعنى أنه يكون في الأول الأربعمائة، و في الثاني الثلاثمائة و واحدة، و كذلك الثلاثمائة و واحدة و المائتين و واحدة على القول الآخر، إلا أن الكلام في الواحدة الزائدة على الثلاثمائة هو الكلام في واحدة الإبل التي قد مضى البحث فيها، و منه يعلم الحال في الضمان الذي هو الفائدة في الحقيقة، و إن ذكر المصنف و غيره أنه فائدة ثانية، و الأمر سهل بعد وضوح المراد، و وجه ظهور الفائدة به أنه إذا تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة، و لو كانت ناقصة عن الأربعمائة و لو واحدة و تلف منها شي ء لم يسقط من الفريضة شي ء ما دامت الثلاثمائة و واحدة، لوجود النصاب و الزائد عفو، و الفريضة إنما تتعلق به لا مع العفو، و كذلك القول في مائتين و واحدة و ثلاثمائة و واحدة على القول الآخر، و لو تلف واحدة من الثلاثمائة و واحدة شاة سقط على قول الشيخ جزء من ثلاثمائة جزء و جزء من الأربع شياه، و من الأربعمائة جزء من أربعمائة جزء منها، و المراد بالجزء أربعة أجزاء كما صرح به فخر المحققين، فقال: «لو تلفت الواحدة من غير تفريط بعد الحول و قبل إمكان الأداء فعلى القول بوجوب الأربع تقسط على ثلاثمائة جزء و جزء واحد، و يسقط منه جزء واحد، و هو أربعة أجزاء من ثلاثمائة جزء و جزء واحد من شاة، فيبقى الواجب عليه ثلاث شياه و مائتا جزء و سبعة و تسعون جزءا من ثلاثمائة جزء و جزء من شاة، و أما على القول الآخر فلا يسقط الثلاث التالف على الثلاثمائة جزء و جزء، لأن الواحدة الزائدة شرط لا جزء من محل الوجوب».

ج 15، ص: 88

قلت: هو كذلك على أحد الاحتمالين، و على كل حال اليه يرجع ما في المدارك و إن اختلف الطريق، قال: «و لو تلفت الشاة من الثلاثمائة و واحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة و سبعين جزء من شاة إن لم نجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب، و إلا كان الساقط جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء من شاة» و إن كان في قوله:

«إن لم نجعل الشاة» إلى آخره تأمل، إذ مقتضاه حينئذ عدم سقوط شي ء من الفريضة المفروض تعلقها فيما عداها كما سمعته من الفخر، على أنه بناء على وجوب الأربع في الثلاثمائة و واحدة لا يأتي احتمال الشرطية في الواحدة، ضرورة كون الحساب بمائة مائة إنما يكون في الأربعمائة لا قبلها، فهي في الثلاثمائة و واحدة جزء قطعا، لأنه نصاب مستقل لا يعتبر (لا يغير خ ل) بغيره، كما هو واضح.

و كيف كان ما ذكره من الطريق كأنه أخذه من الشهيد في غاية المراد، قال على ما حكي عنه: إذا تلف واحدة من ثلاثمائة و واحد سقط منه جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء، و مرجع الجميع إلى واحد عند التأمل و إن اختلف طريق التوزيع، و الأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أمرين: أحدهما ما يظهر من غير واحد بل هو صريح الفاضل في التذكرة و غيرها و غيره من اختصاص متعلق الوجوب في النصاب دون العفو، و لعلهم أخذوه مما في النصوص من أنه لا شي ء فيه، لكنه قد يشكل بناء على أن الزكاة في العين بأن إشاعة النصاب تستلزم الإشاعة في الجميع، فينبغي حينئذ توزيع التالف على الجميع، كما أنه ينبغي تبعية النماء للجميع و إن كان قد حصل من الزائد على النصاب، إلا أنه لعدم تعيينه يتجه الاشتراك فيه على مقتضى ما ذكرناه من الإشاعة، و من هنا قال في المدارك تبعا للمحكي عن مجمع البرهان: «إنه يمكن المناقشة في عدم سقوط شي ء

ج 15، ص: 89

من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة، لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين و إن كان الزائد على النصاب عفوا، إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل» و تبعه عليه في الذخيرة، و هو جيد جداً، اللهم إلا أن يقوم إجماع أو نحوه مما يصلح به الخروج عن مقتضي الضوابط في الملك الخارجي الذي ليس هو كصفة الوجوب و نحوه مما لا يقدح فيه عدم تعيين المحل، لكن إلى الآن لم أتحققه و إن أرسله جماعة إرسال المسلمات، بل ربما وقع من الفاضل نسبته إلينا مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

بل ربما فسر العفو بذلك، و أنه المراد للمصنف و غيره من قوله و الفريضة تجب في كل نصاب من نصب هذه الأجناس، و ما بين النصابين لا يجب فيه شي ء لكن يمكن كون المراد من ذلك في النص و الفتوى عدم وجوب شي ء غير ما وجب بالنصاب به و إن كان محل ما أوجبه النصاب الجميع، و لعله لذا لم يشكل هذه العبارة بالمناقشة السابقة، بل ظاهره أو صريحه عدم جريان المناقشة السابقة فيها، قال: أما أن الفريضة تتعلق بكل واحدة من هذه النصب فلأن ذلك معنى تقدير النصب، و أما أن ما بين النصابين لا يجب فيه شي ء فلأن ذلك فائدة التقدير، و يدل عليه

قوله عليه السلام في حسنة الفضلاء(1): «و ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء»

و هو كما ترى صريح فيما ذكرنا، بل عبارة المصنف الآتية كذلك في عدم الدلالة على المطلوب، قال:

و قد جرت العادة من الفقهاء بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا، و من البقر و قصا بالتحريك فيهما و من الغنم عفوا، و معناه في الكل واحدة ضرورة إرادة غير النصاب منه (فتأمل خ ل) فالتسع من الإبل نصاب و شنق، فالنصاب خمس و الشنق أربع بمعنى أنه لا يسقط من الفريضة شي ء و لو تلفت الأربع قبل تعلق الوجوب، لحصول النصاب الذي هو سبب الوجوب بدونها، فلا


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 90

يكون حينئذ في هذه العبارة و ما أشبهها دلالة على ما نحن فيه و كذا التسعة و الثلاثون من البقر فإنها نصاب و وقص، فالفريضة يتحقق وجوبها من الثلاثين و الزائد وقص حتى تبلغ الأربعين، و كذا المائة و عشرون من الغنم فان نصابها أربعون، و

الفريضة فيه، و عفوها ما زاد حتى تبلغ مائة و إحدى و عشرين، و كذا ما بين النصب التي قد عددناها فتأمل جيدا، فان بعض متأخري المتأخرين قد أطنب في بيان تحقق الإشاعة في النصاب دون العفو، لكنه لم يأت بشي ء معتد به.

ثانيهما ما عساه يقال على القول بأن تلف الواحدة من الأربعمائة يوجب سقوط جزء من مائة جزء من أن المتجه عدم السقوط، لكفاية الثلاثمائة و واحدة في وجوب الأربع حينئذ، فيقوم هذا النصاب مقامه، و قد يدفع ذلك في المقام و نظائره بأن النصاب الذي يدخل في نصاب آخر يسقط ملاحظته و يكون هو السبب في وجوب الفريضة، و قيام أحدهما مقام الآخر لو فرض التلف قبل الحول لا يقتضي كونه كذلك بعده، و لم أعثر على محرر للمسألة، نعم عن كشف الرموز أنه قال: «فائدة إذا وجب في المال رأسان أو أزيد فهل يخرج من الكل أو لكل نصاب رأس؟ الذي يظهر من الروايات هو الأول، و قال شيخنا دام ظله: الثاني أقوى، و ثمرة الخلاف إذا تلف من النصب شي ء بعد الحول بغير تفريط، فعلى الأول ينقص من الواجب في النصب بقدر التالف، و على الثاني يوزع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف، و إلا سقط ذلك النصاب» و في المحكي عن غاية المراد قيل في الفائدة: إنه لو تلف مائة بغير تفريط بعد الحول احتمل وجوب شاتين، لانعقاد الحول على وجوب شاة في كل مائة، و يحتمل ثلاثا(1)لملكيته مائتين و واحدة حولا و لا تأثير للزائد لعلمه تعالى بانتفاء شرط

وجوبها ورد بسقوط السابق بالكلية عند وجود اللاحق، و أجيب بأنه لو تلف واحدة قبل


1- 1 ليس في النسخة الأصلية لفظ« ثلاثا» و الصحيح ما أثبتناه.

ج 15، ص: 91

الحول بلحظة لوجب الثلاث في السابق، فلو انتفى اعتباره لم يكن كذلك، فحال التلف يكشف عن اعتبار السابق، و قال أيضا في المحكي عنه: و قيل في الفائدة: إنه إذا تلف واحدة من ثلاثمائة و واحدة سقط من جزء من خمسة و سبعين جزء و ربع جزء بناء على أخذ ما وجب في السابق، و يقسط الزائد على الزائد، و لو تلف من أربعمائة تسع و تسعون لم يسقط من الفريضة شي ء، لوجود النصاب تاماً، ورد بأن الأربعمائة ليست عبارة عن النصب الماضية و زيادة، بل مجموعها إما نصاب واحد أو أربعة نصب، كل نصاب مائة، قلت: قد عرفت التحقيق في المسألة و أن المفهوم من النصوص انحصار التسبيب في النصاب الأخير دون غيره، و الله أعلم، فتأمل جيداً فإنهم و إن أكثروا الكلام في بيان ذكر الفائدة إلا أنه لا فائدة معتد بها فيه، و لولا مخافة الإطالة لذكرنا جملة من عباراتهم كالتنقيح و كشف الرموز و غيرهما، و كشفنا عنها، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لا يضم مال إنسان إلى غيره و إن اجتمعت شرائط الخلطة و العشرة بالاشتراك في أربعين شاة مثلا أو كان لكل واحد عشرون و كانا في مكان واحد مثلا بأن اتحد المسرح و المراح و المشرب و الفحل و الحالب و المحلب بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص (1)واضحة الدلالة عليه، فلا يجزي حينئذ بلوغ النصاب منهما في وجوب الفريضة بل يعتبر في مال كل واحد منهما بلوغ النصاب و لو بتلفيق الكسور و كذا لا خلاف بيننا في أنه لا يفرق بين مالي المالك الواحد و لو تباعد مكانهما بل الإجماع أيضا بقسميه عليه، و النصوص واضحة الشمول له سواء كان بينهما مسافة القصر أو لا، و إنما خالف فيه و في سابقه بعض العامة التي جعل الله الرشد في خلافها، و

قوله (عليه السلام)(2): «لا يفرق


1- 1 الوسائل- الباب- 2 و 4 و 6 و 11 من أبواب زكاة الأنعام و الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 92

بين مجتمع و لا يجمع بين متفرق»

يمكن إرادة الاجتماع و الافتراق في الملك منه لا المكان، و يمكن إرادة النهي عن الفرق و الجمع بمعنى أن لا ينقل بعض الشياه أو أهلها من منزل إلى آخر، بل صدقتها في أماكنها، و ربما يأتي ما يؤيد هذا المعنى في آداب المصدق، و الله أعلم.

[الشرط الثاني السوم]

الشرط الثاني السوم فلا تجب الزكاة في المعلوفة إجماعا بقسميه، بل في محكي المعتبر أنه قول العلماء كافة إلا مالكا، و

محكي المنتهى لا خلاف فيه بين المسلمين، و عليه علماء الإسلام في الحدائق، و في

صحيح الفضلاء(1)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) في حديث زكاة الإبل «و ليس على العوامل شي ء، إنما ذلك على السائمة الراعية»

و في صحيحهم (2)الآخر عنهما (عليهما السلام) أيضا في حديث زكاة البقر «ليس على النيف شي ء، و لا على الكسور شي ء، و لا على العوامل السائمة شي ء، إنما الصدقة على السائمة الراعية»

و في

صحيح زرارة(3)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

هل على الفرس تكون للرجل يركبها و البقر شي ء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء»

إلى غير ذلك من النصوص.

و منها استفيد أنه لا تجب في السخال إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي لعدم صدق السوم قبله، فيعتبر حينئذ حولها من حينه لا حين النتاج كما هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه، و الشهيد في اللمعة، و الكركي و القطيفي و الصيمري على ما حكي عن بعضهم، لكن المحكي عن أبي علي و المبسوط و ظاهر الخلاف و الميسي اعتباره من حين النتاج، و

اختاره ثاني الشهيدين، بل في مسالكه و المختلف أنه المشهور، بل


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2 مع الاختلاف اليسير.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 93

عن ظاهر الخلاف الإجماع و إن كنا لم نتحقق الشهرة فضلا عن الإجماع، نعم تشهد له جملة من النصوص، ك

صحيح زرارة(1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «ليس في صغار الإبل شي ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج»

و موثقه الآخر(2)عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث «ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل و البقر و الغنم فليس فيها شي ء حتى يحول عليها الحول منذ يوم تنتج»

قيل: و نحوه خبر آخر لزرارة(3)أيضا و روايتان (4)للقاسم بن عروة، مضافا إلى

المرسل عن زرارة(5)عن أبي جعفر (عليه السلام) «ليس في صغار الإبل و البقر و الغنم شي ء إلا ما حال عليه الحول عند الرجل، و ليس في أولادها شي ء حتى يحول عليها الحول»

و إن كان التعارض بينه و بين ما دل على اعتبار السوم من وجه، إلا أنه أرجح منه و لو للاعتضاد بالنصوص السابقة على أنه يمكن إرادة من حين الولادة منه، فيكون موافقا

للأخبار السابقة، و ربما يؤيده اتحاد الراوي بل و المروي عنه، بل يمكن أن يقال: إنه الظاهر منه بقرينة عدم ما يصلح بدايته للغاية التي فيه غيره، فيخص حينئذ أخبار السوم بها.

و ما في المختلف من المناقشة في السند و من أن كون الحول غاية لا يدل على عدم غاية أخرى حتى ينافي ما دل على السوم واضح الضعف، ضرورة كون السند في غاية الاعتبار، و ابتداء الحول من حين النتاج ينافي اعتباره من حين السوم، كما هو واضح لكن فيما حضرني من المختلف

روى خبر زرارة بإسقاط قوله (عليه السلام): «من يوم»

إلى آخره. و كأنه لذا ذكر الاحتمال المزبور، مع أنك قد عرفت ظهور خلافه في المرسل


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 4.
3- 3 الاستبصار ج 2 ص 20 الرقم 58 طبع النجف.
4- 4 لم نعثر على هاتين الروايتين و الظاهر أنهما روايتا زرارة المتقدمتان باعتبار أن القاسم بن عروة واقع في سندهما.
5- 5 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 5.

ج 15، ص: 94

المجرد عن ذلك، و احتمال كون المراد من نصوص الإنتاج نفي شي ء فيها من يوم النتاج لا أنه بداية للحول فيبقى حينئذ على إطلاقه صالحا للتقييد بنصوص السوم في غاية السقوط لمخالفته المنساق، و قرب المتعلق و اقتضائه ما هو كالتعقيد و عدم ذكر بداية الغاية و غير ذلك مما لا ينبغي، فلا ريب حينئذ في قوة ما ذكرنا، نعم قد يقوى ما في البيان من التفصيل بين المرتضعة من سائمة فحولها من حين النتاج و بين المرتضعة من معلوفة فحولها من حين السوم، لعدم زيادة الفرع على أصله، و موافقته لمقتضى الحكمة في السوم و العلف و انسياق الأولى من هذه النصوص، خصوصا من نحو

قولهم (عليهم السلام) فيها:

«و ما كان من هذه الأصناف»

مشيرا بها إلى ما تعلقت بها الزكاة منها، بل لعل ذلك هو المراد من عبارات الأصحاب أيضا، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل و ما دل على اعتبار السوم، بل ربما قيل بصدق اسم كل من الأمهات على سخالها، لكن في كشف الأستاذ الظاهر إلحاق الصغار المتغذية باللبن بالسائمة دون الكبار، فيكون حولها من حين النتاج من غير فرق بين أن ترضع من سائمة أو معلوفة أو منهما، و لا بين استمرار الرضاع تمام السنة و التركيب منه و من السوم، و لا بين كون الرضاع بعوض أو لا من الثدي أو لا على تأمل في الأصل أو في بعض الأقسام، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

و كيف كان ف لا بد من استمرار السوم جملة الحول، فلو علفها بعضا و لو كان يوما استأنف الحول عند استأنف السوم كما في القواعد و محكي نهاية الأحكام و الموجز و كشفه، و كذا النافع و التبصرة و التلخيص و الإرشاد بل و إيضاح النافع، لصحيح زرارة السابق (1)الذي صرح فيه باعتبار السوم في الحول و ظاهر غيره، نعم في المنتهى و الإرشاد و نهاية الأحكام و الدروس و البيان و الموجز و كشفه و غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 95

على ما حكي عن بعضها التصريح بأنه لا اعتبار في اللحظة عادة بل ربما ظهر من محكي المنتهى المفروغية من ذلك، بل فيه و في الدروس أنه لا عبرة باليوم في السنة، بل في الأخير في الشهر تردد أقربه بقاء السوم للعرف، فإن أراد أنه لا عبرة باليوم في الشهر كالمحكي عن فوائد الشرائع و غيرها كان له وجه، بل لا يخلو من وجه إن أراد الشهر في السنة مفرقا، أما مع الاتصال فلا ريب أن الأقرب خلافه، بل لعله كذلك أيضا في المنفصل، بل و في اليوم في الشهر، بل في اليوم في السنة كما سمعته من المصنف و غيره، لعدم صدق السوم تمام الحول إلا على التسامح العرفي الذي لا يبنى عليه الحكم الشرعي، و ما في محكي المنتهى من أنه لو كان كذلك للزم أن لو اعتلف لحظة واحدة أن يخرج عن اسم السوم و ليس كذلك يدفعه وضوح الفرق بينهما، ضرورة كونه حينئذ كالرعي لحظة للمعلوفة، و من هنا ينقدح احتمال كون المراد ذلك لمن جعل المدار على العرف كالكركي و ثاني الشهيدين و غيرهما، بل ربما نسب إلى أكثر المتأخرين، بل إلى المشهور إلا من صرح منهم بعدم العبرة باليوم.

فينحصر الخلاف حينئذ فيه و فيما قيل من أنه يعتبر في اجتماع السوم و العلف الأغلب كما عن أبي علي و الخلاف و المبسوط، قال في الأخير: فإن تساويا فالأحوط إخراج الزكاة، و إن قلنا: إنه لا يجب فيها زكاة كان قويا، لأنه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع، و الأصل براءة الذمة، و قد عرفت ضعف الأول منهما، و أنه فرق بينه و بين اللحظة، بل قد يفرق بين العلف يوما و ترك السوم يوما و نحوه لمانع مثلا، فإنها لا تخرج عن الاسم بذلك، اللهم إلا أن يدعى تساويهما في العرف على غير وجه التسامح، فتأمل. و أما الثاني فهو في غاية الضعف، بل في محكي السرائر أنه أضعف و أوهى من بيت العنكبوت، ضرورة انتفاء صدق اسم السوم العام بذلك، و القياس على السقي في الغلات ليس من مذهبنا، مع أنه مع الفارق، إذ نظيره ما لو

ج 15، ص: 96

فرض الامتزاج في اليوم بالسوم و العلف إن كان الحكم فيه أيضا كذلك، لعدم صدق السوم، و لا ينافيه عدم صدق العلف بعد تعليق الوجوب عليه لا النفي خاصة على العلف كما هو واضح. و من هنا قال المصنف الأشبه بأصول المذهب الأول.

و منه يعلم الحال أيضا فيما لو اعتلفت من نفسها بما يعتد به في الخروج عن الاسم، ضرورة أنها متى كانت كذلك بطل حولها لخروجها عن اسم السوم به و إن كان لم يعلفها أحد، و احتمال تعلق الزكاة لعدم المئونة على المالك واضح الضعف كما تسمع نظيره فيما يأتي و كذا الحكم لو منع السائمة مانع كالثلج و نحوه فعلفها المالك أو غيره من ماله أو من مال المالك بإذنه أو بغير إذنه للخروج بالجميع عن الاسم، خلافا للتذكرة و محكي الموجز و كشفه فيما لو علفها الغير بغير إذن المالك، فتلحق بالسائمة، و احتمله في البيان، و في المسالك لا يخلو من وجه، إذ لا مئونة على المالك فيه، و نحوه يأتي فيما لو علفها من مال المالك بغير إذنه، لوجوب الضمان عليه، لكن الجميع كما ترى لا ينطبق على ما عندنا من عدم حجية العلة المستنبطة، و السوم لغة: الرعي و وصف السائمة بالراعية في النص للكشف، و لا مدخلية للمئونة فيه و عدمها، و لذا صدق عليها الاسم و إن صانع المالك الظالم على رعيها في الكلأ بالكثير، بل و كذا لو استأجر أرضا للرعي، بل قال بعض مشايخنا: إنه كذلك حتى لو اشترى لها مرعى، قال:

لأن الظاهر أن الرعي في المرعى سوم ملكا كان أو غيره، كما هو مقتضى اللغة و العرف و لعدم ظهور فرق بين شراء المرعى و استيجاره الأرض للرعي، و احتماله لكون الغرامة في مقابلة الأرض دون الكلإ إذ مفهوم الأجرة لا يتناوله غير واضح بعد ما عرفت من عدم كون المدار على الغرامة و عدم المئونة، و لا على ملك العلف و غيره، بل على صدق الاسم في النص و الفتوى، فاعتبار الملك في العلف و عدمه في السوم كما في فوائد الشرائع

ج 15، ص: 97

في غير محله، و في البيان «إذا اشترى مرعى في موضع الجواز فان كان مما يستنبته الناس كالزرع فعلف و إن كان غيره فعندي فيه تردد، نظرا إلى الاسم و المعنى» و فيه ما قد عرفت من كون المدار على الاسم، و قال أيضا: «لا يخرج من النصاب أجرة الراعي، و لا الإصطبل» قلت: هو كذلك، لإطلاق الأدلة، و كيف كان فالمدار على الاسم، و الظاهر عدمه في الرعي من نبات الدار و البستان و إن احتمله في كشف الأستاذ، خصوصا مع سعتها، و الأمر سهل بعد ما عرفت من أن المدار ذلك الذي يعلم منه عدم الزكاة في بهائم إيران و خراسان و آذربيجان إلا ما شذ و ندر منها، لأنها على ما قيل تعلف الشهرين و الثلاثة لا تخرج إلى المرعى، و عدمها أيضا في المعلوف ليلا و السائم نهارا و الأمر واضح في ذلك كله، و الله أعلم.

[الشرط الثالث الحول]

الشرط الثالث الحول، و هو يعتبر في الحيوان و النقدين مما تجب فيه الزكاة إجماعا بقسميه، بل عند أهل العلم كافة إلا ما حكي عن ابني عباس و مسعود في محكي المنتهى، بل لا خلاف بين العلماء فيه و في اعتباره في زكاة التجارة في محكي التذكرة، بل في شرح المفاتيح أنه ضروري، و النصوص فيه إن لم تكن متواترة فهي في غاية الاستفاضة، كصحيحي الفضلاء و غيرهما و كذا يعتبر في مال التجارة و الخيل مما يستحب بلا خلاف أجده فيه أيضا نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، و قد سمعت معقد نفي الخلاف في التذكرة، و في المدارك هو موضع وفاق بين العلماء و كيف كان ف حده بالنسبة إلى تعلق الخطاب بالزكاة أن يمضي أحد عشر شهرا هلاليا مع عدم الانكسار ثم يهل الثاني عشر، فعند هلاله تجب و لو لم تكمل أيام الحول الذي هو الاثنى عشر بلا خلاف أجده، بل الإجماع بقسميه عليه، و إن كان الأصل في ذلك

حسن زرارة(1)الذي هو كالصحيح، «قلت لأبي جعفر (عليه السلام):


1- 1 فروع الكافي ج 1 ص 526 الطبع الحديث.

ج 15، ص: 98

رجل كان له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر، فقال: إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول و وجبت عليه فيها الزكاة».

إنما الكلام في استقرار الوجوب به أو توقفه على تمام الثاني عشر بحيث لو اختل أحد الشروط فيه انكشف عدم الوجوب، قيل: و على الأول يحتسب الثاني عشر من الثاني، و على الثاني يحتسب من الأول، قولان أولهما للمدارك و الإيضاح و الموجز و كشفه و حاشيتي القاضي ملا سراب و غيرها على ما حكي عن بعضها، بل هو ظاهر الأصحاب كما اعترف به في محكي الكفاية و الذخيرة و الرياض، بل كاد يكون صريح بعضهم كالفاضل في الإرشاد و غيره، و ثانيهما للشهيدين و الكركي و الميسي و غيرهم، و في التذكرة إشكال و الأقوى الأول، لظاهر الحسن المذكور المعتضد بظاهر الفتوى و ظاهر معاقد الإجماعات و ما في المسالك- من أن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن ذلك، لكن

في طريقه كلام فالعمل على الثاني متعين- واضح الضعف، ضرورة معلومية قبول هذا الحسن هنا، للإجماع على العمل به في الجملة، على أنه ليس في طريقه سوى إبراهيم بن هاشم، و هو بمرتبة من العدالة، بل يمكن أن يكون عدم نصهم على توثيقه لكونه أجل من ذلك، مضافا إلى عمل الأصحاب به في غير المقام، بل هو نفسه قد عمل به أيضا، فلا ينبغي التوقف في ذلك من هذه الجهة، كما أنه لا ينبغي التوقف في المختار لاقتضائه الحقيقة الشرعية في لفظ الحول، و هو مع أنا لم نجد له استعمالا في غير هذا الحسن لا يتم على ما ذكروه لها من العنوان بما كان حقيقة في لسان المتشرعة، و من المعلوم عدمه هنا، إذ يمكن عدم اقتضائه ذلك، بل و لا المجاز الشرعي في لفظ الحول، بل التجوز في حولان الحول على أن يكون المراد تمام الأحد عشر الذي لا يتحقق إلا بدخول الثاني عشر، فالحول حينئذ باق على معناه اللغوي و العرفي أي الاثنى عشر شهرا، إلا أن

ج 15، ص: 99

المعتبر في وجوب الزكاة وجوبا مستقرا مضي الأحد عشر و الدخول في الثاني عشر، لا مضي الجميع، و هو المقصود من

قولهم (عليهم السلام)(1): «كل ما لم يحل الحول عليه عند ربه فلا زكاة فيه»

بل لعل

قوله (عليه السلام) في الحسن المزبور: «فقد حال الحول»

مشعر بذلك باعتبار إرادة الحول المعهود في الذهن المتعارف، و أنه بالدخول في الثاني عشر يتحقق و لو شرعا حولان الحول، و لعل ذلك أولى من التجوز في لفظ الحول في الحسن و غيره من النصوص الذي هو بمنزلة لفظ الاثنى عشر و السنة في آخر و العام في ثالث، بل ربما يؤيده تعارف إطلاق بلوغ الخمس سنين مثلا على من دخل في الخامسة و هكذا و لو مجازا، و لم يتعارف إطلاق الحول و السنة و العام على العشرة أشهر مثلا و إن وقع في بعض الأحيان على ضرب من التسامح، و بالجملة لا ينبغي التأمل في أولوية المجاز المزبور من التجوز في لفظ الحول و إن كان المطلوب يتم بهما و بالحقيقة الشرعية أيضا، و أما ما يقال من أن الحسن المزبور و إن كان ظاهرا في الوجوب المستقر بالدخول في الثاني عشر إلا أن ما دل على اشتراط الشروط الأخر طول الحول يقتضي خلافه بناء على إرادة المعنى الحقيقي من الحول فيها، لعدم ما يصلح قرينة لعدمه، فالجمع بينهما حينئذ يقتضي التزلزل كما هو الشأن في الواجبات المشروطة بشرائط حيث يرد وجوبها في آية أو خبر مطلقا غير مشروط بشرط أصلا أو ببعض الشروط، فيحمل الحسن حينئذ على الوجوب المتزلزل، و ما دل على تلك الشرائط على الوجوب المستقر مع إبقاء لفظ الحول فيها على حقيقته.

و دعوى أن الشرائط المذكورة إنما هي شرائط وجوب الزكاة، فإذا تحقق الوجوب فلا معنى لكون الشرائط لتحقق الوجوب بعد تحققه و انقضاء وقته، و إلا لزم


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 و الباب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.

ج 15، ص: 100

كون الشرط متأخرا و من شأنه التقدم، يدفعها منع وجوب تقدم الشرط مطلقا، فان بقاء الحياة مع التمكن من الصلاة بشرائطها إلى آخر الصلاة شرط في وجوبها، و المرأة يجب عليها الصوم مثلا و إذا اتفق أنها حاضت في الأثناء انكشف عدم الوجوب، إلى غير ذلك مما هو من هذا القبيل، فقد يجاب بظهور ما ذكرنا في إرادة الدخول في الثاني عشر من حول الحول في كل ما اعتبر فيه ذلك، و لذا منعه من الفرار فيه، و أنه كالفرار بعد الاثنى عشر بالهبة و نحوها، و من ذلك لا ينبغي إنكار ظهور الحسن في أن جميع ما يعتبر في وجوب الزكاة حده الدخول في الثاني عشر، لا أنه بالنسبة إلى تعلق الوجوب خاصة و إن بقي شرطية الشرائط مستمرة إلى تمام الاثنى عشر، بل هو عند التأمل تفكيك في النصوص لا يرتكبه فقيه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يقال: لا دلالة في الحسن على احتساب الثاني عشر من الحول الثاني بإحدى الدلالات، فيمكن القول باحتسابه من الأول، و إن حصل الاستقرار بالأحد عشر جمعا بين الحسن المزبور و ما دل على أن الزكاة في كل سنة مرة، فيحتسب حينئذ الثاني عشر من الأول و إن استقر الوجوب قبله، و لا يأبى ذلك جملة من كلمات الأصحاب بل عن الأردبيلي التصريح بذلك، فتأمل فإنه جيد، و عليه يحمل أخبار منادي النبي (صلى الله عليه و آله)(1)و خبر الكرخي(2)

و غيره مما يدل على احتساب الاثنى عشر و من ذلك و ما قدمنا يعلم ما في كلام جملة من الأعلام في المقام خصوصا الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح، فإنه أطنب في المقام، لكنه لم يأت بشي ء يعتد به، و من الغريب ما فيه ظنه من أن الأصحاب يقولون: إن الحول أحد عشر و جزء من الثاني عشر، فأخذ يعترض عليهم بأن ذلك يقتضي أمرا غريبا، ضرورة أن هذا الجزء لو


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 101

قدر بساعة مثلا فالحول الثاني يقتضي ساعتين و هكذا، و فيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت، على أنه لو قلنا بكون الحول حقيقة شرعية أو مجازا فهو في الأحد عشر خاصة و ما في بعض العبارات من ظهور دخول الجزء إنما هو لتحقيقها لا لدخوله في مسمى الحول أو المراد منه، كما هو واضح لدى كل من تصفحها، مع أن بعضها كالإرشاد قد اقتصر على الأحد عشر، و ظني أنه هو مراد الجميع و إن صدر بعض ما يوهم خلافه من بعضهم، بل وقع فيه ما هو أغرب من ذلك، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف لو اختل أحد شروط وجوبها في أثناء الحول الشرعي أو اللغوي بناء على عدم استقرار الوجوب إلا به بطل الحول، مثل أن نقصت عن النصاب فأتمها أو لم يتمكن من التصرف فيها أو نحو ذلك مما عرفت اشتراطه بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك أو عاوضها بغير جنسها أو بجنسها و نوعها كغنم سائمة

ستة أشهر مثلا بغنم كذلك أو مثلها مما هو مساويها في الحقيقة كالضأن بالضأن أو أخص من ذلك كالأنوثة و الذكورة على الأصح الأشهر، بل المشهور، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه إذا لم يقصد الفرار، بل في المفاتيح أن المخالف شاذ، و لعله كذلك، إذ لم نجده إلا للشيخ في المحكي عن مبسوطة فأوجب الزكاة بإبدال النصاب الجامع للشرائط بالجامع لها، و ربما ظهر من فخر المحققين و فاقة كما ستعرف، و قال في السرائر: إن إجماعنا على خلاف ما ذهب اليه فيه، و مع ذلك لم نجد له دليلا معتدا به عدا المرسل في محكي شرح الإرشاد للفخر، و هو غير حجة، و أن من عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة كذلك صدق عليه أنه ملك أربعين سائمة طول الحول، و هو واضح الضعف، ضرورة أن كلا منهما لم يحل عليه الحول، فلا ريب أن الأصح سقوط الزكاة لانقطاع الملك، و

قولهم (عليهم السلام) في عدة

ج 15، ص: 102

روايات(1) : «كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي ء عليه».

و كيف كان فلا خلاف في غير ذلك حتى من الشيخ، قال فخر المحققين على ما حكي عنه في شرح الإرشاد: «إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط بغير جنسه و هو زكوي أيضا كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الاثنين انقطع الحول، و

ابتداء الحول الثاني من حين تملكه، و إن عاوضه بجنسه و قد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط لم ينقطع الحول، بل بني على الحول الأول، و هو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه للرواية(2)و إنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعاً، و كذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر لم تجب الزكاة إجماعاً، بل ينبغي أن تكون أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة مدة ستة أشهر، و متى اختل أحد الشروط لم تجب الزكاة إجماعا، و كذا لو عاوض نصابا من الذهب بنصاب منه و كان المأخوذ منه طفلا أو مجنونا لم تنعقد الزكاة إجماعا، لأنه لم ينعقد عليه حول إجماعا، و كذا لو عاوض ببعض النصاب» انتهى.

و قيل و القائل المرتضى في المحكي من انتصاره و الشيخ أيضا في المحكي من جمله و تهذيبه إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة، و قيل و القائل المشهور نقلا و تحصيلا لا تجب، و هو الأظهر لانقطاع الملك أيضا، و إطلاق الأدلة الشامل لصورتي الفرار و عدمه، و خصوص ما ورد في جواز الفرار من خبر علي بن يقطين (3)عن


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 و الباب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 و الباب 15 من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 103

أبي إبراهيم (عليه السلام) و حسن عمر بن يزيد(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) و حسن زرارة(2)و حسن هارون بن خارجة(3)و غير ذلك مما هو وارد في سبك الدراهم و الدنانير الذي يدل على ما نحن فيه بطريق أولى، فلا ريب حينئذ في الحكم المذكور، خصوصا مع أنا لم نجد ما يشهد للقول الآخر سوى ما حكاه المرتضى من الإجماع المتبين خلافه، و موثقي محمد بن مسلم (4)و إسحاق بن عمار(5)و خبر معاوية بن عمار(6)الواردة في الحلي و إبدال الدراهم بالدنانير أو بالعكس، كالمحكي عن فقه الرضا (عليه السلام)(7)و هي مع أن خبرين منها في غير ما نحن فيه محمولة على الندب أو على الفرار بعد الحول أو على التقية أو غير ذلك مما تعرفه في محله إن شاء الله عند ذكر المصنف له في النقدين.

و لا تعد السخال أي الأولاد مطلقا و إن كان السخل اسما لولد الغنم إلا أن المراد هنا مطلق الأولاد من الأصناف الثلاثة و لو تغليبا، و على كل حال لا تعد مع الأمهات إذا فرض كونها نصابا مستقلا عنها و غير مكملة لنصاب آخر إذا أضيفت إليها و لا كان زمان الملك فيها متحدا بل لكل منهما حول بانفراده بلا خلاف أجده، بل الإجماع في محكي الخلاف و المنتهى و الانتصار و غيرها عليه، مضافا إلى ظهوره من النصوص السابقة في مسألة ابتداء

حولها، و من إطلاق الأدلة الشامل لذلك و لغيره من متفاوت الملك زمانا و إن لم يكن بالولادة، فلو ولدت خمس من الإبل خمسا أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين التي هي نصاب قبل الأربعين فكذا بعدها كان لكل حول


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 6.
7- 7 المستدرك- الباب- 6- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.

ج 15، ص: 104

بانفراده يؤدي فريضته، و كذا لو ملك ذلك في الزمان المختلف، ضرورة عدم الفرق بين تجدد الملك بالولادة و غيرها، و لا ينافي ذلك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر محمد بن قيس (1)في الغنم: «و يعد صغيرها و كبيرها»

ضرورة إمكان كون المراد عد كل منهما مستقلا بعد بلوغ النصاب في كل منهما و حول الحول أو غير ذلك مما لا ينافي ما تقدم.

أما إذا لم تكن نصابا مستقلا و لا مكملة لنصاب فلا شي ء فيها قطعا، للأصل و ظاهر النصوص، و لعل من ذلك ما إذا ولدت له أربعون من الغنم أربعين، لعدم كون الأربعين بعد الأربعين نصابا مستقلا و لا مكملة لنصاب آخر، لأن الثمانين من الغنم ليست نصابا كما عرفت، فليس فيها حينئذ إلا شاة وفاقا للفاضل في منتهاه و تذكرته و قواعده و تحريره و نهايته و ثاني الشهيدين و سيد المدارك و غيرهم على ما حكي عن بعضهم و ربما قيل بوجوب شاة لها أيضا، و احتمله في محكي المعتبر و جعله في الدروس وجها ل

قوله (عليه السلام)(2): «في كل أربعين شاة»

و لأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد فكذا مع الانضمام، و فيه أن المراد من الأول النصاب المبتدأ، إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا، و أن الفرق واضح بين صورتي الانضمام و الانفراد، فلا يقاس أحدهما على الآخر، خصوصا بعد

قوله (عليه السلام)(3): «ليس في الغنم بعد الأربعين شي ء حتى تبلغ مائة و أحد و عشرين»

الشامل لما نحن فيه.

أما إذا لم تكن نصابا مستقلا و لكن كانت مكملة للنصاب الآخر للأمهات كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر أو ثمانون من الغنم اثنين و أربعين أو ملكها كذلك


1- 1 الاستبصار ج 2 ص 23 الرقم 62 طبع النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 105

بغير الولادة ففي سقوط اعتبار الأول و صيرورة الجميع نصابا واحدا أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله، فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع أو شاة، و عند مضي سنة من تلك شاتان أو مسنة، أو يجب فريضة الأول عند حوله، فإذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصها من فريضة نصاب المجموع، فإذا جاء الحول الثاني للأمهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة و هكذا، فيخرج في مثال البقر في الحول الأول للأمهات تبيع، و للعشر عند حولها ربع مسنة، فإذا جاء الحول الآخر للأمهات يخرج ثلاثة أرباع مسنة، و يبقى هكذا دائما، أو عدم

ابتداء حول الزائد حتى ينتهي الحول الأول ثم استئناف حول واحد للجميع أوجه، أوجهها الأخير وفاقا للفخر و الشهيدين و أبي العباس و المقداد و الكركي و الصيمري و سيد المدارك و الخراساني و الفاضل البهبهاني و الأستاذ في كشفه و المولى في الرياض و المحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم، لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله، لوجود المقتضي، و هو اندراجه في الأدلة، و انتفاء المانع و متى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضما إلى غيره في ذلك الحول، للأصل، و

قوله صلى الله عليه و آله (1): «لا ثني في صدقة»

و

قول أبي جعفر عليه السلام (2): «لا يزكي المال من وجهين في عام واحد»

و لظهور أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض.

و منه يعلم أنه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة، و إلى أكثر ذلك يرجع ما في الروضة و غيرها و إن كانت العبارة لا تخلو من قصور، قال: «أما لو كان غير مستقل ففي ابتداء حوله مطلقا أو مع إكماله للنصاب الذي بعده أو عدم ابتداء حوله حتى يكمل الأول فيجزي الثاني لهما أوجه، أوجهها الأخير، فلو كان


1- 1 نهاية ابن الأثير مادة« ثني» و« ثنى» على وزن« إلى».
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1 عن أبي عبد الله عليه السلام و هو الصحيح كما يأتي في المسألة الثانية من أحكام مال التجارة.

ج 15، ص: 106

عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شي ء أي على الأخيرين، و على الأول فشاة، أو ثمانون فولدت اثنين و أربعين فشاة للأولى خاصة ثم يستأنف حول الجميع بعد تمام الأول، و على الأولين تجب أخرى عند تمام حول الثانية» فإن أقصى ما يمكن أن يقال فيها: إن المراد بغير المستقل ما ليس بنصاب في حالي الانضمام و عدمه، ليشمل ما لو كان نصابا في حال الانفراد، فيتجه حينئذ تمثيله بالأربعين الوالدة أربعين، فإن السخال ليست نصابا مستقلا في حالة الانضمام و لا مكملة للنصاب الآخر للأمهات، فليس فيها شي ء على الأخيرين، و فيها شاة على الأول الذي ابتدئ الحول له مطلقا مع كونه نصابا و لو في حال الانفراد، و يكون حينئذ ذلك إشارة إلى ما سمعته من محتمل المعتبر و الدروس و غيرهما، و الوجه الثاني أنه لا يبتدأ له حول إلا إذا كان مكملا للنصاب الذي بعده، فيلغي حينئذ ما مضى للأمهات، و يحسب النصاب الأخير من حين الولادة و الوجه الثالث أنه لا يبتدأ له حول حتى يكمل حول الأمهات ثم يستأنف حول للجميع إلا أن مقتضى ذلك إعطاء شاتين على الوجه الثاني لا شاة واحدة، كما هو الظاهر، اللهم إلا أن يريد احتساب حول للأمهات و يعطى زكاته، ثم إذا تم حول الزيادة يعطي زكاة النصاب الثاني لكن لا تعطى تامة فرارا من تثنية الصدقة، و لأن بعض النصاب مزكى، فيعطى شاة واحدة تكون هي مع ما مضى من شاة الأمهات تمام فريضة النصاب الثاني، فتأمل جيدا، و من ذلك كله يظهر لك قصور العبارة و عدم حسن التأدية، بل لا تخلو من نظر، و لذا اعترضها غير واحد من المحشين، و تكلف لها الفاضل الهندي بما يعلم عدم دلالة العبارة عليه، بل و عدم إرادة المصنف له، فلاحظ و تدبر، و الأمر سهل بعد وضوح الحال لديك.

و لو كانت الزيادة مع كونها مكملة للنصاب مشتملة على نصاب مستقل كما لو ملك عشرين من الإبل ثم في أثناء الحول ملك سبعة أخرى بالولادة أو بغيرها فيحتمل أن

ج 15، ص: 107

يكون أبدا في العشرين أربع شياه و في الست شاة، و يحتمل أن يسقط حكم العشرين من حين ملك الست فلا يجب حينئذ إلا بنت مخاض إذا حال حول السبع (الست خ ل) و يحتمل أن يكون الواجب أولا في العشرين أربع شياه و في السبع ستة أجزاء من ستة و عشرين جزءا من بنت مخاض، ثم يجب في المجموع بنت مخاض و لكن بالتوزيع بأن يكون إذا كمل حول العشرين وجب عشرون جزء من بنت مخاض، و إذا تم حول الست وجب ستة أجزاء منها، و يحتمل أن يكون الواجب إذا تم حول العشرين أربع شياه ثم إذا تم حول الست بنت مخاض إلا ما وقع بإزائه من الأربع شياه في الجزء من الحول الأول الذي ملك فيه الثاني، مثلا إذا ملك الست في منتصف الحول فالعشرون في النصف الأول من الحول أربعة نصب، و في النصف الثاني جزء من النصاب السادس، فإذا تم الحول الأول أدي أربع شياه، فإذا تم حول الست ظهر أن نصف الأربع شياه للنصب الأربعة و النصف الآخر للنصاب السادس، فهو بإزاء نصف ما يتوزع عليها من أجزاء بنت مخاض، و هي العشرون، فشاتان بإزاء عشرة أجزاء من ستة و عشرين جزء من بنت مخاض، و لكن الأقوى الأول الذي هو مقتضى إطلاق الأصحاب أن لها حولا بانفرادها إذا كانت نصابا مستقلا، و كذا الكلام فيمن ملك خمسا أولا ثم ملك عشرين.

و منه يعلم ما في المحكي عن المنتهى «من أنه لو ملك أربعين شاة ستة أشهر مثلا ثم ملك تمام النصاب الثاني و زيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأولى شاة، و هل يحصل ابتداء انضمام النصاب الأول إلى النصاب الثاني عند ملك الثاني أو عند أخذ الزكاة من الأول؟ الأقرب الأول، لأنه يصدق عليه وقت ابتداء الملك أنه ملك مائة و إحدى و عشرين، فحينئذ إذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجبت عليه شاتان فيجب عليه في سنة و نصف ثلاث شياه، إلا أنه يبقى فيه إشكال من حيث أن النصاب

ج 15، ص: 108

الأول أخرج عنه الزكاة منفردة فلا يجوز اعتباره منضما مع الغير في ذلك الحول، و لو قيل بسقوط حكم اعتبار النصاب الأول عند ابتداء ملك تمام النصاب و صيرورة الجميع نصابا واحدا كان حسنا، أما لو ملك تمام النصاب الثاني بغير زيادة- مثلا ملك إحدى و ثمانين بعد مضي ستة أشهر على أربعين- لم يجب عليه عند تمام سنة الزيادة شي ء، لنقصان النصاب عند استحقاق الفقراء من الأربعين» و نحوه عن التحرير أيضا، و في شرح الفاضل الأصبهاني «أنه لو أوجب عند تمام الأول شاة و عند تمام الثاني شاة و نصفا لم يلزم ضرر على المالك أو المستحق».

قلت: لا تساعد عليه الأدلة، كما أنها لا تساعد على ما ذكره من الأقرب، ضرورة صدق ملك الأربعين حولا عليه في أثناء حول الزيادة، فالمتجه ملاحظة حول لكل منهما، قال في الدروس: و لو ملك مالا آخر في أثناء الحول من جنس ما عنده فان كان نصابا مستقلا كخمس من الإبل بعد خمس و كأربعين بقرة و عنده ثلاثون أو مائة و أحد و عشرين من الغنم و عنده أربعون فلكل حول بانفراده، و لو كان غير مستقل كالأشناق استأنف الحول للجميع عند تمام الحول الأول على الأصح، و لو ملك إحدى و عشرين بعد خمس فالشاة بحالها، و كذلك إلى خمس و عشرين، و لو ملك ستا و عشرين جديدة ففيها بنت مخاض عند تمام حولها و في أربعين من الغنم بعد أربعين و ثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب، و قيل: لو ملك بعد الأربعين إحدى و ثمانين فلكل حول، و رد بثلم النصاب بمستحق المساكين، مشترط زيادة واحدة، و هو سهو و لو قلنا بأن الزكاة في الذمة على القول النادر، قلت: كله يرد على ما في القواعد أيضا حيث قال: «و لو ملك خمسا من الإبل نصف حول ثم ملك أخرى ففي كل واحدة عند كمال حولها شاة، و لو تغير الفرض بالثاني بأن ملك إحدى و عشرين فالشاة عند تمام حول نصابها، و أحد و عشرون جزء من ستة و عشرين جزء من بنت مخاض عند

ج 15، ص: 109

حول الزيادة، و لو ملك ثلاثين بقرة و عشرا بعد ستة أشهر فعند تمام حول الثلاثين تبيع أو تبيعة، و عند تمام حول العشر ربع مسنة، فإذا تم حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنة، فإذا حال الآخر على العشر فعليه ربع مسنة و هكذا، و يحتمل التبيع و ربع المسنة دائما، و ابتداء حول الأربعين عند تمام حول الثلاثين» و عن فخر المحققين أنه قال: «لما سألت والدي عن ذلك و أنه لا تتحقق هذه المسائل على القول بأن الزكاة في العين لحصول النقص بما يخرج أولا من النصاب قال: إنه يمكن تأويلها على قول الشيخ بتقديم الزكاة معجلة، و لا ينقص بها النصاب» و الأمر في ذلك كله سهل كسهولة معرفة الحال فيما سمعت من الفروع بعد الإحاطة بما ذكرنا، بل و غيرها من الفروع المذكورة في التذكرة و النهاية و المنتهى و التحرير و البيان و شرح اللمعة للاصبهاني و إن أطنبوا فيها و في ذكر الوجوه المبنية على توزيع الفريضة و غيرها مما لم تساعد عليه الأدلة، فلاحظ و تأمل و تدبر، و الله أعلم.

و لو حال الحول فتلف من النصاب شي ء فان فرط المالك و لو بتأخير الأداء مع التمكن منه من دون مسوغ شرعي ضمن، و إن لم يكن فرط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب بلا خلاف و لا إشكال في ذلك كله، ضرورة كونه بعد حول الحول، و فرض الزكاة في العين أمانة في يده، فيجري عليه حكمها حينئذ، و لو تلف النصاب كله لم يكن عليه شي ء مع عدم التفريط، و هو المراد من

المرسل (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يكون له إبل أو بقر أو غنم أو متاع فيحول عليه الحول فتموت الإبل و البقر و الغنم و يحترق المتاع قال: ليس عليه شي ء»

بل لعل الظاهر من الفاء فيه وقوع ذلك بعد حول الحول بلا فصل يعتد به، فلا تأخير فيه للأداء.


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.

ج 15، ص: 110

و إذا ارتد المسلم عن فطرة قبل الحول لم تجب الزكاة لانقطاع الملك و استأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم، إذ الردة كالموت في ذلك و إن كان الارتداد بعده وجبت الزكاة لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، و تولى إخراجها الإمام أو القائم مقامه و إن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول لبقاء الملك و وجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا لأنه مكلف، و المنع من التصرف في المال بتقصير منه، مع أنه متمكن منه بالإسلام، و يتولى إخراجها الإمام أو من يقوم مقامه، لعدم صحتها منه و إن كان مكلفا بها، كما هو

واضح، لكن عن المبسوط «أنه إن كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد و لحق بدار الحرب و لا يقدر عليه زال ملكه و انتقل المال إلى ورثته إن كان له ورثة، و إلا فإلى بيت المال، فان كان حال عليه الحول أخذ منه الزكاة، و إن لم يحل لم يجب عليه شي ء» و ربما ظهر من بعضهم التردد فيه، بل وافقه الفاضل في المحكي عن منتهاه و تحريره، و الصيمري في كشفه، و هو مع مخالفته للأصل لم نجد له شاهدا يعتد به، بل الشواهد على خلافه، و لتحرير المسألة مقام آخر، و على كل حال يتولى الإخراج عنه الامام عليه السلام أو نائبه، لعدم صحتها منه، و لو عاد إلى الإسلام كان المأخوذ مجزيا، بخلاف ما إذا أداها بنفسه، و لو كانت العين باقية أو كان القابض عالما بالحال جدد النية و أجزأت حينئذ، هذا كله في الرجل، أما المرأة فلا ينقطع الحول بردتها مطلقا، لعدم انقطاع ملكها بذلك كما هو معلوم في محله، و الله أعلم.

[الشرط الرابع أن لا تكون عوامل]

الشرط الرابع أن لا تكون عوامل و لو في بعض الحول فإنه ليس في العوامل زكاة و لو كانت سائمة بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)المعتبرة دالة عليه أيضا، فما في الموثقين (2)و الخبر(3)من أن عليها زكاة مطرح أو محمول على الندب أو التقية أو على إرادة العارية من الزكاة فيها، و الكلام


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 8.

ج 15، ص: 111

في صدق العوامل كالكلام في السائمة حتى أن خلاف الشيخ هناك يأتي مثله هنا، فلاحظ و تأمل، و ظاهر المصنف و غيره بل هو صريح جماعة عدم اعتبار أمر آخر غير ذلك، خلافا للمحكي عن سلار فاعتبر الأنوثة، و هو متروك كما اعترف به في الدروس، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عن ظاهر النصوص، مع أنا لم نجد له شاهدا معتدا به، و ما يقال: إن

قوله (عليه السلام)(1): «في خمس من الإبل شاة»

يشهد باعتبار تذكير العدد بدفعه- مع أنه في الإبل خاصة و لا يتم في العشرين و الأربعين و نحوهما- ما صرح به في بعض كتب اللغة كما قيل من أن الإبل شامل للمذكر و المؤنث و إن جرى عليه حكم التأنيث كغيره من الألفاظ التي يستوي فيها التذكير و التأنيث، و الله أعلم.

[و أما الفريضة]
اشاره

و أما الفريضة فقد تقدم ذكرها في الغنم، و أما في غيرها فيقف بيانها على مقاصد،

[المقصد الأول الفريضة في الإبل و البقر]

الأول الفريضة في الإبل شاة في كل خمسة حتى تبلغ خمسا و عشرين، فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض و قد سمعت خلاف القديمين في

ذلك و ضعفه فإذا زادت عشراً كان فيها بنت لبون، فإذا زادت عشراً أخرى كان فيها حقة، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة، فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا لبون، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقتان، فإذا بلغت مائة و إحدى و عشرين طرح ذلك و كان في كل خمسين حقة و في كل أربعين بنت لبون كما نطق بذلك كله صحيح البجلي (2)عن الصادق (عليه السلام) و خبر أبي بصير(3)عنه (عليه السلام) أيضا و صحيح زرارة(4)عن أبي جعفر (عليه السلام) و موثقه (5)الآخر عنه و

عن


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام الحديث 3.

ج 15، ص: 112

أبي عبد الله (عليهما السلام) لكن اقتصر في الأولين و في الأخير(1)على قوله عليه السلام:

«في كل خمسين حقة» و زاد في الأخيرين «في كل أربعين بنت لبون»

و من الجميع يستفاد في الجملة خلاف ما صرح به جماعة منهم المحقق الثاني و الشهيد الثاني و الشيخ و ابنا إدريس و حمزة و الفاضل و أبو العباس و الميسي و القطيفي و الصيمري و غيرهم على ما حكي عن بعضهم، بل في شرح اللمعة للاصبهاني أنه صرح به الأصحاب من غير نقل خلاف و في محكي الخلاف نسبة

المثال المنطبق على ذلك إلى اقتضاء المذهب، و عن السرائر بعد أن حكى عن الخلاف ذلك قال: هذا هو الصحيح المتفق عليه المجمع، لكن قد عرفت اقتضاء النصوص خلاف ذلك في الجملة من وجوب مراعاة المطابق منهما حتى لو كان الجمع بينهما هو المطابق حسب بهما معا كالمائة و الأربعين، و لو حصلت المطابقة بكل منهما تخير، و إلا وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء، فيجب الحساب حينئذ بالأربعين في المائة و الواحد و العشرين، و المائة و خمس و ستين، و يتخير في الأربعمائة بين حسابها جميعاً بخمسين خمسين، فيخرج ثمان حقائق، و أربعين أربعين فيخرج عشر بنات لبون، و بين حساب مائتين بالأول و مائتين بالثاني، فيخرج أربع حقائق و خمس بنات لبون، ضرورة تطابق الجميع على جواز حساب المائة و أحد و عشرين بكل خمسين، مع أن احتسابها بالأربعين هو الأقل عفوا، لعدم زيادة غير الواحدة فيه، بخلاف الأول الذي يزيد فيه تمام الواحد و عشرين، فكأن ذلك منهم كالاجتهاد في مقابلة النص المبني على حكمة لا نعرفها، و لعل التفاوت في السن بين الحقائق و بنات اللبون يقوم مقام التعدد في الأخير، فالحقتان مثلا يقومان مقام ثلاث بنات لبون.

و لعلهم أخذوا ذلك من

صحيح الفضلاء(2)الوارد في البقر عن الصادقين


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و الصحيح إسقاط لفظ« و في الأخير».
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 113

(عليهما السلام) «قالا: في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي، و ليس في أقل من ذلك شي ء و في أربعين بقرة بقرة مسنة، و ليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي ء حتى تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، و ليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي ء، فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع و مسنة إلى الثمانين، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات، فإذا بلغت عشرين و مائة ففي كل أربعين مسنة»

بل قيل:

لا خلاف في ذلك في البقر، و منها استفادوا أن النصاب فيها ثلاثون و أربعون باعتبار حساب ما فرضه المعلوم إرادة المثال منه بذلك، و قد لاحظ فيه المطابقة حتى في صورة الجمع بينهما كالسبعين، و عدم تعرضه لحساب المائة بالأربعين و الستين غير مناف، إذ لا يجب الاستقصاء في الأمثلة، كما أن اقتصاره على الأربعين في الأخير كذلك بعد ما تكرر من الاحتساب بالثلاثين في المطابق له، فرجع الحاصل منه إلى أن النصاب في البقر كل ثلاثين و كل أربعين كما هو معقد إجماع محكي الخلاف و التذكرة على التخيير، لكن هذا الصحيح- مع اشتماله على كثير مما لا نقول به، و هو وارد في البقر- يمكن أن يكون المراد منه بيان المثال لا تعين ذلك و وجوبه، على أنه في خصوص المطابق، و لا دلالة فيه على وجوب مراعاة الأقل عفوا، بل تلك النصوص في الإبل صريحة في خلافه، فلعل المتجه في الاقتصار على المستفاد من مجموع ما ورد في البقر و الإبل مراعاة المطابقة خاصة دون الأقل عفوا، لكن على كل حال هو خلاف إطلاق جماعة من الأصحاب التخيير، بل هو صريح البعض، بل عن فوائد القواعد و الرياض نسبة التخيير مطلقا إلى ظاهر الأصحاب و إن كان فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت سابقا.

بل ربما استفيد ممن عقب إطلاقه كالمصنف بقوله و لو أمكن في عدد فرض كل واحد من الأمرين كان المالك بالخيار في إخراج أيهما شاء اختيار القول الأول

ج 15، ص: 114

باعتبار ظهوره في اختصاص التخيير بذلك، بخلاف ما إذا كان المطابق أحدهما خاصة، نعم لا دلالة فيه على اعتبار الأقل عفوا إذا كان كل منهما غير مطابق، بل لعل المصرح بذلك قليل، فيمكن أن يقال باعتبار المطابق منهما و لو مجموعهما، و يتخير مع مطابقتهما معا و عدم مطابقتهما معا، لكن لا ريب أن الأولى تحري الأقل عفوا، بل قد يقال بتعينه في المائتين و ستين مثلا، فيحسب ما فوق المائتين بالخمسين فيعطى حقة، و إلا لزم اقتضاء زيادة العشر على الخمسين نقصانا في الحق لو حسب بالأربعين و أعطي بنت لبون لوجوب الحقة قبلها، و كيف كان فالتخيير حيث يكون للمالك كما صرح به جماعة- بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا، بل عن التذكرة الإجماع عليه، و لعله المنساق من الأدلة فضلا عن تحقق الامتثال بأحدهما فلا تسلط لغير المالك عليه، و فضلا عما ورد من النصوص في آداب المصدق، خلافاً للمحكي عن الخلاف و المبسوط فقال: «يتخير الساعي» و لا دليل عليه، بل ظاهر الدليل خلافه، بل ربما احتمل من احتجاج الأول منهما موافقته للمشهور، فلاحظ و تأمل، هذا كله في الإبل.

و في كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة، و في كل أربعين مسنة لصحيح الفضلاء(1)المتقدم و إن كان غير مشتمل على التخيير بين التبيع و التبيعة إلا أنه رواه في المعتبر كذلك، قال: و من طريق الأصحاب

ما رواه (2)زرارة و محمد بن مسلم و أبو بصير و الفضيل عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قال: «في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، و ليس في أقل من ذلك شي ء حتى تبلغ ستين، ففيها تبيعان أو تبيعتان، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة و مسنة و في تسعين ثلاث تبايع»

و لعله عثر عليه فيما عنده من الأصول كذلك كما هو مظنة ذلك، بل أرسل في الخلاف أخبارا بذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 المعتبر ص 260 مع نقصان في الجواهر.

ج 15، ص: 115

على أنه في

الصحيح المزبور(1)على ما رواه الكليني و الشيخ في المرتبة الرابعة، قال:

«فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات»

مضافا إلى دعوى أولوية التبيعة من التبيع، لكونها أكثر نفعا، بل عن المنتهى لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين للأحاديث (2)و لأنها أفضل بالدر و النسل، بل لعل ظاهر الغنية و التذكرة و المنتهى و المدارك و المفاتيح الإجماع على ذلك على ما حكي عن بعضها، بل كاد يكون صريحها أو بعضها مؤيدا ذلك كله بالشهرة المحكية في المختلف و غيره، بل و المحصلة، بل لم نجد مخالفا صريحا، إذ لعل اقتصار ابن أبي عقيل و الصدوقين و المفيد في كتاب الأشراف فيما حكي على التبيع اعتمادا على الأولوية المزبورة، و إن كان تنقيحها على وجه تجزي على أنها فريضة لا على وجه القيمة لا يخلو من نظر.

و منه يعلم وجه الإشكال في إجزاء المسنة عنها و إن ادعى الإجماع عليه بعضهم، نعم قد يقال: إن الصدوق في الفقيه و المقنع و إن اقتصر في الثلاثين على ذكر التبيع الحولي لكن في الستين قال: تبيعتان، و في السبعين تبيعة و مسنة، و في التسعين ثلاث تبايع، و ما ذاك إلا لعدم الفرق بينهما عنده، كل ذلك مع ما قيل من أن التبيع لغة ولد البقر ذكرا كان أو أنثى، بل ربما كان ذلك ظاهر ابن الأثير في نهايته، و كيف كان فلا ينبغي التأمل في التخيير المذكور، نعم تتعين المسنة في الأربعين، و لا يجزي المسن منها

قطعا، للأصل و الصحيح المذكور و محكي الإجماع و غير ذلك، و مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في ذلك بين كون البقر الذي عنده ذكورا أو أناثا أو مختلطة خلافا للمحكي عن المنتهى فاجتزى بالمسن إذا لم يكن عنده إلا ذكورا معللا له بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب ما تجب فيه الزكاة و الباب 3 من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 116

الزكاة مواساة، فلا يكلف غير ما عنده، و هو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص يقتضي إجزاءه في غير الفرض إذا لم يكن عنده مسنة، و هو معلوم البطلان كما لا يخفى، و كذا لا يجزى التبيعان أو التبيعتان عنها إلا على وجه القيمة، كما أنها هي لا تجزي عن التبيع أو التبيعة إلا على هذا الوجه، و لعله ينزل عليه ما عن التحرير و المنتهى من الإجماع على إجزائها عن أحدهما.

بقي الكلام في شي ء و هو أنه حيث يكون الخيار للمالك في الفريضة و لو باعتبار الخيار في الحساب ما الذي يثبت للفقير في العين بناء على أن الزكاة فيها قبل حصول الاختيار منه، إذ ملك أحدهما لا على التعيين في الأعيان الخارجية غير معهود بل غير معقول، و دعوى أن المملوك معين في علم الله تعالى، لأنه يعلم بما يختاره يدفعها أنه قد لا يختار، اللهم إلا أن يقال: إن الله يعلم مختاره لو اختار، لكنه كما ترى، و لعل الأولى التزام أحد أمرين إما أن الزكاة غير جارية على حكم الأملاك المعروفة كما يؤيده ما سمعته سابقا منهم من إشاعة الفريضة في النصاب دون العفو، و إما القول بأن الفريضة في نظر الشارع بقيمة واحدة، فالتبيع و التبيعة سواء، و كذا الحقتان مثلا مع بنات اللبون الثلاثة، فإن التعدد يقوم مقام التفاوت في السن، فالذي يتعلق بالمال حينئذ ما يقابل أحدهما، فلا إبهام و لا ترديد حينئذ، فتأمل جيدا، فإنه دقيق، و الله أعلم.

[المقصد الثاني في الأبدال]

المقصد الثاني في الأبدال، من وجبت عليه بنت مخاض و ليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل عن التذكرة أنه موضع وفاق، و في خبري زرارة(1)و

خبر أبي بصير(2)و اللفظ لأحد الأولين «فان لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر»

بل في القواعد و غيرها الاجتزاء به اختياراً، بل في


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 و 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.

ج 15، ص: 117

التنقيح الفتوى على الاجزاء مطلقا اختيارا و اضطرارا، و عن إيضاح النافع أنه المشهور و عن الغنية «عندنا أن بنت المخاض يساويها في القيمة ابن اللبون الذكر» خلافا لظاهر جماعة و صريح أخرى فلا يجزي إلا إذا لم يكن عنده بنت مخاض» لكن الأول لا يخلو من قوة، لقيام علو السن مقام الأنوثة، و لذا لم يكن فيه جبران إجماعا كما عن التذكرة بخلاف دفع بنت

اللبون، و به صرح في الخبر الآتي (1)و لانسياق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النص، و إلا لاقتضى عدم إجزائها عنه إذا لم تكن موجودة حال الوجوب و إن وجدت بعده، بناء على أن الشرط عدم كونها عنده حينه لا حال الأداء مع معلوميته، بل صرح في المدارك بتعين إخراجها حينئذ.

بل لعل قولهم- عدا النادر بل قيل: إن ظاهر الفاضلين كونه موضع وفاق-:

و لو لم يكونا عنده كان مخيرا في ابتياع أيهما شاء مما يرشد إلى التخيير في الفرض، ضرورة أن المتجه على تقدير كون الشرط حقيقة وجوب شرائها لإطلاق دليل الإلزام بها، و لم يخرج منه إلا صورة عدم وجودها عنده و وجود ابن اللبون كما هو المنساق من النص، بل صرح به فيما تسمعه من صحيح زرارة(2)و خبر سبيع (3)فيبقى حينئذ ما عداها مندرجا تحت الإطلاق، بل لو سلم عدم شمول النص لهذه الصورة أيضا كان المتجه أيضاً وجوبها مقدمة لحصول يقين البراءة، و لعله لذا عين شراءها في البيان، و مال إليه في مجمع البرهان كما قيل، و ما يقال في توجيه إجزائه عنها في الفرض من أنه بشرائه يصير واجداً له فاقداً لها- نعم لو اشتراها تعينت ما لم يسبق إخراجه على شرائها- يدفعه أن البحث في الواجب عليه قبل شرائه ماذا، كما هو واضح.


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2 عن محمد بن مقرن ابن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه.

ج 15، ص: 118

و كيف كان من وجبت عليه سن من الإبل و ليست عنده و عنده أعلى منها بسن دفعها و أخذ شاتين أو عشرين درهما، و إن كان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في الغنية و المنتهى و التذكرة و مجمع البرهان و المدارك و المفاتيح و الذخيرة و الحدائق الإجماع عليه، و في

خبر سبيع (1)عن أبيه عن جده عن جد أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) «كتب له في كتابه الذي كتب بخطه حين بعثه على الصدقات من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة و ليس عنده جذعة و عنده حقة فإنه يقبل منه الحقة، و يجعل معها شاتين أو عشرين درهماً، و من بلغت عنده صدقة الحقة و ليست عنده الحقة و عنده جذعة فإنه يقبل منه الجذعة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته حقة و ليست عنده حقة و عنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون و تعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده حقة فإنه يقبل منه الحقة و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة لبون و ليست عنده ابنة لبون و عنده ابنة مخاض فإنه يقبل منه ابنة مخاض و يعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من بلغت صدقته ابنة مخاض و ليست عنده ابنة مخاض و عنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون و يعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما، فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها و عنده ابن

لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون و ليس معه شي ء».

و مثله

روى زرارة في الصحيح (2)عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث زكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2 عن محمد بن مقرن ابن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 119

الإبل، قال: «و كل من وجبت عليه جذعة و لم تكن عنده و كانت عنده حقة دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقة و لم تكن عنده و كان عنده جذعة دفعها و أخذ من المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه حقة و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و دفع معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده حقة دفعها و أعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة لبون و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة مخاض دفعها و أعطى معها شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كانت عنده ابنة لبون دفعها و أعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما، و من وجبت عليه ابنة مخاض و لم تكن عنده و كان عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون و ليس يدفع معه شيئاً»

فما عن الصدوقين و الجعفي- من أن التفاوت بين بنت المخاض و اللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها مع أنه نادر كما قيل- مخالف لجميع ما عرفت بلا شاهد نعم قد يقوى ما في التذكرة و المسالك و محكي الميسية من جواز الاكتفاء بشاة و عشرة دراهم، حملا لما في الخبرين المزبورين على المثال، و إلا كان جمودا مستهجنا.

ثم إن ظاهر النص و الفتوى عدم اختصاص الحكم المزبور بما إذا كان القابض الساعي أو الإمام عليه السلام دون الفقير و الفقيه، لكن عن الموجز و كشفه ذلك، لأنه نوع معاوضة فتتوقف على الوالي، و فيه- مع أن الفقيه كذلك- منع كونه معاوضة موقوفة على ذلك، بل هي حكم شرعي و لذلك كان الخيار في ذلك اليه لا إلى العامل كما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب، فإذا دفع الناقص مع الجبر فقد دفع ما وجب عليه كالقيمة، و صرح غير واحد أيضا بأن الحكم كذلك سواء كانت القيمة السوقية مساوية لذلك أو ناقصة عنه أو زائدة عليه بل لا أجد فيه خلافا، لإطلاق الدليل، نعم استشكل الفاضل و الكركي و ثاني الشهيدين و سبطه و بعض من تأخر فيما إذا نقصت

ج 15، ص: 120

قيمة المدفوع من المالك عن الشاتين و العشرين درهما أو ساوته من إطلاق النص، و من أنه كأنه لم يؤد شيئا، بل استوجه سيد المدارك و البهبهاني في شرحه عدم الاجزاء، حملا للرواية على ما هو المتعارف و الغالب في ذلك الزمان، و فيه أن مقتضى ذلك مراعاة القيمة وقت الدفع، فان ساوت قيمة الواجب أجزأ و إن نقصت أتمها بما يكملها زادت التكملة على الشاتين أو العشرين درهما أو نقصت، و إن زادت أخذ التفاوت كذلك، و هو كما ترى مخالف لظاهر النص و الفتوى، و المتجه اعتبار ذلك على حسب هذا التقدير الشرعي الذي مبناه بحسب الظاهر ملاحظة الحال في ذلك الزمان، فلا عبرة بالتفاوت في غيره زيادة و نقصا، فلو فرض كون الأدنى سنا أزيد قيمة من الواجب أو مساويا لم يكن للمالك دفعها بلا جبر، للنص، و من ذلك و ما تقدم يعلم أنه ليس على حسب المعاوضات المعتبر فيها التراضي و نحوه، نعم لو أراد المالك عوض المقدر شرعا أو أزيد منه اعتبر التراضي حينئذ بينه و بين الامام عليه السلام أو وكيله العام أو الخاص أو الفقير، هذا. و في المسالك إن كان المالك هو الدافع أوقع النية على المجموع، و إن كان الآخذ ففي محل النية إشكال، ثم استقرب إيقاع النية على المجموع و اشتراط المالك على الساعي أو الفقير ما يجبر به الزيادة، فيكون نية و شرطا لا نية بشرط، قلت: كأن الإشكال لأن إيقاع النية على ما عدا الجابر يشكل باحتمال نقص المدفوع عن الجابر أو مساواته له، فلا يبقى شي ء، و جعل التراضي على جزء ما من المدفوع مقابل للجابر و إيقاع النية على ما عداه يشكل بعدم لزوم التراضي، فليس حينئذ إلا الطريق المزبور، فتأمل جيدا.

و لو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي و رجع في التقاص إلى القيمة السوقية على الأظهر الأشهر، بل المشهور نقلا و تحصيلا بل في المدارك أنه قطع به في المعتبر من غير نقل خلاف اقتصاراً فيما خالف الضوابط

ج 15، ص: 121

من وجوه على المتيقن نصا و فتوى، خلافا للمحكي عن التقي و الجعفي و المبسوط و الغنية و التذكرة و المختلف، بل في الغنية الإجماع عليه، لكن علله بأن أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة، فلعله غير مخالف، بل قيل: إن عبارة المبسوط يلوح منها ذلك، فينحصر الخلاف حينئذ في الثلاثة، و يكون نادرا. مع أنا لم نقف له على شاهد سوى ما قيل من أن بنت المخاض مع الجبر مساوية لبنت اللبون، و هي مع الجبر مساوية للحقة، فبنت المخاض مع الجبرين مساوية للحقة، لأن المساوي للمساوي مساو و المقدمات الثلاثة قطعية، فلا يكون قياسا، و فيه منع المساواة من كل وجه، لعدم الدليل عليه، إذ لا إطلاق فيه يستند اليه و لا غيره، فلا يجوز التعدي عن (إلى ظ) غير المنصوص و سوى إجماع الغنية الذي عرفت حاله، و مع التسليم موهون بمصير من عرفت إلى خلافه، و سوى دعوى إرادة المثال من النصوص، و هي مجرد احتمال لا دليل عليه و لقد أجاد في السرائر حيث أنه- بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه إن كان بينهما درجتان فأربع شياه، و إن كان ثلاثة درج فست شياه أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم- قال: «و هذا ضرب من الاعتبار و القياس، و المنصوص من الأئمة (عليهم السلام) و المتداول من الأقوال و الفتيا بين أصحابنا أن هذا الحكم فيما يلي السن الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها».

و كذا لا يجزي ما فوق الجذع من الأسنان عنه مع أخذ الجبر بلا خلاف أجده فيه، بل في البيان الإجماع عليه و كذا لا يجزي هذا التقدير في ما عدا أسنان الإبل كالبقر بلا خلاف كما عن التذكرة، بل في البيان الإجماع عليه أيضا نعم يجزي ذلك كله بملاحظة القيمة السوقية، بل الظاهر عدم إجزاء ما فوق الجذع من الأسنان كالرباع و الثني عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر و إن احتمله بعضهم، لكونه غير الواجب، و لا دليل على البدلية، و دعوى استفادة ذلك من الأولوية فيكون

ج 15، ص: 122

الواجب حينئذ ذلك فما فوق يدفعها منع الأولوية، لعدم تنقيح العقل و النقل لها، و خبر الجبر لا دلالة فيهما على ذلك، بل ربما يدلان على العكس، فتأمل جيدا.

و كذا لا تجزي بنت المخاض عن الخمس شياه و إن أجزأت عن الست و العشرين بل لا تجزي عن الشاة إلا على وجه القيمة، لكن في الدروس و البيان «أنه يجزي فرض كل نصاب أعلى عن الأدنى» و زاد في الأول «و في إجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان» قلت: قد عرفت أن أقواهما العدم، و أما الأول فهو متجه فيما إذا لم يكن عنده الفرض و كان علو الأعلى بدرجة، ضرورة إجزائه في هذا الحال مع أخذ الجبر، فبدونه أولى، على أن الجبر حق للمالك فله إسقاطه، بل يمكن القول بإجزائه في حال وجود الفرض و إن كان ظاهر النصوص و الفتاوى في بادئ النظر اعتبار عدم الفرض في الاجزاء، بل صرح به بعضهم، إلا أن التأمل الجيد يقتضي بعدم إرادة الشرط حقيقة من ذلك، و أن المراد بيان قيام هذا الفرد مقام الفرض، و أن المالك بالخيار، لجريان هذا الشرط مجرى الشرط الغالب في عدم إرادة المفهوم منه، و أن مثل هذا الكلام يقال في مقام التخيير، خصوصا إذا كان الفرد الأول أهم و أفضل، لا أن المراد الترتيب في الوجوب، و حينئذ يكون الحال في ذلك نحو ما سمعته منا في إجزاء ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض، بل العارف بلسان الشرع يعلم أن الشارع لم يقصد الوجوب الترتيبي حقيقة من ذلك، بل لا يعلق الوجوب على الوجود عنده و إن كان متمكنا من الشراء، و لم يبين أن المدار على زمان الخطاب أو إلى حال الأداء و لا غير ذلك مما لا يخفى على ذي اللسان و العارف بلحن خطابهم عدم تساهلهم على تقدير الوجوب فيه، فتأمل جيدا، و حينئذ يتجه الاجزاء من غير أخذ جبر، لأولويته منه معه، و في المحكي عن المبسوط لو كانت عنده بنت مخاض إلا أنها سمينة و جميع إبله مهازيل لا يلزمه إعطاؤها، و لعل فيه استئناسا لما قلناه، كما أنه قد يستأنس له بما صرح به

ج 15، ص: 123

بعضهم من أنه لو فقد الأصيل و البدل تخير بين شراء الفريضة و بين شراء الأدنى، و دفعها مع الجبر أو الأعلى و دفعها و أخذ الجبر بالتقريب الذي سمعته في ابن اللبون، و أما إجزاء الأعلى بدرجتين حال عدم الفريضة فضلا عن حال وجودها كما يقتضيه إطلاقه فغير متجه بناء على المختار من عدم إجزائه مع الجبر، و أنه ليس إلا ملاحظة القيمة كما عرفت الحال فيه.

[المقصد الثالث في أسنان الفرائض]

المقصد الثالث في أسنان الفرائض المعلوم الرجوع فيها هنا إلى اللغة بعد انتفاء الشرعية و العرفية بنت المخاض بفتح الميم اسم جمع للنوق الحوامل، واحدتها خلفة، و لا واحد لها من لفظها هي التي لها سنة و دخلت في الثانية أي أمها ماخض بمعنى حامل و لو بالمنشئية على معنى أن أمه لحقت بالحوامل و إن لم تكن حاملا، و حاصل المراد أنه وضعتها أمها في وقت و قد حملت النوق التي وضعن معها و إن لم تكن هي منها، فنسبتها حينئذ إلى الجماعة لذلك، و إلا فهو ابن ناقة لا نوق متعددة، و وجه التسمية ما قيل من أن العرب كانت تحمل الفحول على الإناث بعد وضعها سنة، فتحمل في السنة، و الأمر سهل.

و بنت اللبون بفتح اللام هي التي لها سنتان و دخلت في الثالثة أي أمها ذات لبن و لو بالصلاحية و إن لم تكن كذلك فعلا. و الحقة بكسر الحاء المهملة هي التي لها ثلاث سنين و دخلت في الرابعة فاستحقت أن يطرقها الفحل كما عن بعضهم في وجه التسمية أو يحمل عليها كما عن آخر، و الأولى تعليلها بهما، و على كل حال لا يعتبر فيها ذلك فعلا قطعا، و ما في حسنة الفضلاء(1)و كلام ابني الجنيد و أبي عقيل و الصدوق فيها (أنها خ ل) حقة طروقة الفحل محمول على ذلك، و يؤيده ما عن الخليل في العين و العالي من الكلام الطروقة المقلوصة التي بلغت الضراب و الجذعة بفتح الجيم و الذال


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 6.

ج 15، ص: 124

المعجمة هي التي لها أربع و دخلت في الخامسة و لعله المراد مما في المجمل من أنها ما أتى لها خمس سنين، و كذا ما تسمعه عن المقاييس و عن المعتبر و المنتهى سميت بذلك لأنها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه لكن لم نجد لذلك فيما حضرنا من كتب اللغة أثرا، نعم يظهر من بعضها أنها سميت بذلك لحداثة سنها و شبابها، بل قد صرح الجوهري بأن هذا السن لا ينبت فيه سن و لا يسقط، و في المحكي عن المقاييس الجيم و الذال و العين ثلاثة أصول أحدهما يدل على حدوثة السن و طراوته، فالجذع من الشاة ما أتى له سنتان و من الإبل الذي أتى له خمس سنين، و فيه و في المجمل أيضا الجذع الدهر الأزلم، لأنه جديد أبدا، و يقال: فلان في هذا الأمر جذع إذا أخذ فيه حديثا.

و على كل حال ف هي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة بلا خلاف معتد به أجده في ذلك، بل و لا في شي ء مما تقدم، و عن الصدوق أنه ذكر أسنان الإبل فقال: «أول ما تطرحه أمه حوار إلى تمام السنة فابن مخاض إلى تمامها، فابن لبون إلى الرابعة، فإذا دخل فيها سمي الذكر حقاً، و الأنثى حقة، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعاً، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته و سمي رباعياً فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية و سمي سديسا، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه و سمي باذلا، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، و ليس له بعد هذا الاسم اسم».

و التبيع عند الأصحاب على ما في شرح اللمعة للاصبهاني هو الذي يتم له حول إلى تمام السنتين، و كأنهم أخذوه من وصفه في حسن الفضلاء(1)بالحولي بل عن المغرب تفسيره به، لكن قد يقال: إنه لا يتعين الحولي لما كمل له حول كما اعترف به الأصبهاني في شرحه للمعة، بل قال: إنه في أكثر ما رويناه من كتب اللغة ولد البقر في أول سنة، و هو لا يعطي كمال سنة بل خلافه، و صرح الثعالبي في فقه اللغة و ابن قتيبة


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 125

في أدب الكاتب بأنه قبل الجذع، و في المبسوط قال أبو عبيدة: تبيع لا يدل على سن و قال غيره: إنما سمي تبيعا لأنه يتبع أمه في الرعي، و منهم من قال: لأن قرنه يتبع أذنه حتى صارا سواء، فإذا لم يدل اللغة على

معنى التبيع و التبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع و

النبي (صلى الله عليه و آله) قد بين (1)و قال: «تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة»

و قد فسره أبو جعفر و أبو عبد الله (عليهما السلام) بالحولي (2)قلت: عن ظاهر العين و المجمل و المقاييس و المفردات للراغب موافقة أبي عبيدة، إلا أنه قد يقوى ما عند الأصحاب ل

صحيح ابن حمران (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «التبيع ما دخل في الثانية»

و وصفه بالحولي في الحسن (4)و دعوى أنه أعم كما في شرح اللمعة للاصبهاني يدفعها تبادر خلافه، و إطلاق السواد الحولي في هذا الزمن على الأعم من ذلك غير معتد به في كشف المعني الحقيقي، كما هو واضح، بأدنى تدبر.

و كيف كان فقد قيل في وجه التسمية أنه سمي بذلك لأنه يتبع قرنه أذنه أو يتبع أمه في الرعي و الأولى التعليل بهما. و أما المسنة ف هي الثنية أي التي كمل لها سنتان و دخلت في الثالثة و عن المبسوط قالوا: هي التي تم لها سنتان و هو الثني في اللغة، فينبغي أن يعمل عليه، و

روي عن النبي (صلى الله عليه و آله)(5)أنه قال: «المسنة هي الثنية فصاعدا»

و الأمر في ذلك سهل.

و إنما الكلام في قوله و يجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 99.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب الذبح- الحديث 7 من كتاب الحج و فيه« أسنان البقر تبيعها و مسنها في الذبح سواء» و ليس فيه الجملة المذكورة و إنما هي مذكورة في الوافي بيانا للحديث.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
5- 5 المبسوط- كتاب الزكاة- فصل زكاة البقر.

ج 15، ص: 126

و من العين أفضل، و كذا في سائر الأجناس و تفصيل البحث في ذلك أنه لا خلاف معتد به في الاجتزاء بإخراج القيمة في غير الأنعام، بل في المعتبر و التذكرة و المفاتيح و ظاهر المبسوط و إيضاح النافع و الرياض على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه، و في

صحيح علي بن جعفر(1)عن أخيه موسى (عليه السلام) «سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير و عن الدنانير دراهم بالقيمة يحل ذلك له، قال: لا بأس»

و صحيح البرقي (2)عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) «كتبت اليه هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة و الشعير و ما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي ء ما فيه؟ فأجابه (عليه السلام) أيما تيسر يخرج»

و هو ظاهر في عموم جواز كل ما تيسر الشامل إذا تيسرا معا، ضرورة الصدق حينئذ على كل منهما أنه تيسر، فلا وجه للمناقشة في دلالته على الاجزاء مطلقاً، إلى غير ذلك مما يدل على الاجزاء، فما عن أبي علي من منع إخراج القيمة مطلقا في غير محله بعد ما عرفت، مع أن المحكي عنه في شرح اللمعة للاصبهاني التصريح بموافقة المشهور، إنما الإشكال فيها في الأنعام، و المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا ذلك أيضا، بل في الخلاف و الغنية و عن ظاهر الانتصار و الاقتصاد و السرائر الإجماع عليه، بل قيل:

إنه قد يظهر ذلك من المبسوط أيضا و يلوح من التنقيح لفحوى ما سمعته في غيرها، بل قيل: إنها أولى بالجواز، بل قد يظهر من

قوله (عليه السلام): «أيما تيسر»

أن المدار على الميسور، بل ربما يدعى العموم فيه للجميع و إن كان أول السؤال خاصاً، بل لا ريب في عدم ظهوره بالخصوصية، بل لعل الظاهر منه عدمها.

بل قد يومي أخبار الجبر(3)في الجملة لذلك أيضا، بل في الغنية بعد ذكر الجبر


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الأنعام و المستدرك- الباب 11 منها.

ج 15، ص: 127

المشهور قال: و على هذا الحساب يؤخذ ما هو أعلى و أدنى بدرجتين أو ثلاث بدليل الإجماع المشار إليه، فإن أصحابنا لا يختلفون في

جواز أخذ القيمة في الزكاة، مضافا إلى ترك الاستفصال في بعض النصوص، كالمروي عن

قرب الاسناد(1)«عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم فقال:

لا بأس»

و غيره مؤيدا ذلك كله بما يظهر من حسنة يزيد بن معاوية(2)و غيرها من النصوص من إرادة المسامحة للمالك، و أنها مواساة، فلا يكلف بالشاق، و بأن القيمة غالبا تكون أنفع للفقير، و بأن المقصود من الزكاة رفع الخلة و سد الحاجة و نحو ذلك مما يحصل بالقيمة و العين، بل ربما يكون دفع العين في بعض الأوقات ضررا على الفقير لحاجته إلى السياسة العاجز عنها، و ربما حصل ضرر عليه بذلك حتى لو أراد لم تحصل بيده، بخلاف دفع القيمة من الراغب فيها و ربما صعب عليها فراقها لشدة أنسه بها و شدة تعبه عليها، فهي عنده بمكانة ليست عند غيره، و بما دل على أن للمالك التخيير في العين و التغيير، و بأن الساعي مأمور ببيع الأنعام، و أن المالك أحق من غيره، حتى ورد في

خبر محمد بن خالد(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) في أدب الساعي إلى أن قال:

«فإذا أخرجها فليقومها فيمن يريد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها، و إن لم يردها فليبعها»

بل قيل: إنما يكون أحق بها لو جاز له العدول إلى القيمة، و إن كان قد يناقش بإمكان منع ذلك، بل أخذ العين منه أولا ثم بيعها منه قد يدل على عدم جواز دفع القيمة، لكن قد يقال: إن أخذ العين للتقويم بزيادة حتى تقف على ثمن، فيكون ذلك لتعرف القيمة، بل قد يدعى ظهور الخبر المزبور في ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المستحقين الزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 لكن روى عن يزيد بن معاوية.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 128

لا أن المراد أخذها زكاة ثم أخذ القيمة، إذ ذاك كأنه من اللغو و العبث، و

قول علي (عليه السلام)(1): «لا تباع الصدقة حتى تعقل»

أي تؤخذ و تدرك و تقبض، محمول على ذلك أو نحوه مما لا ينافي المطلوب، و لعل الداعي إلى هذا التعرف و التقويم في الأنعام دون الغلات و النقدين عدم معروفية القيمة فيها بخلافهما، و من هنا احتاج إلى هذا التعرف فيها بخلافهما.

و بالجملة لا يكاد يخفى على من تصفح النصوص في الباب- حتى ما ورد من المقاصة بها عن الدين و دفع الكفن منها و نحو ذلك، و قد رزقه الله معرفة لسانهم و لحن خطابهم- ظهور اجتزاء الشارع بالقيمة لو دفعها المالك، و أنه لا يكلف دفع العين، بل قد يظهر من خبر قرب الاسناد(2)و معقد إجماع الخلاف و الغنية عدم تعيين القيمة بالدراهم و الدنانير، بل يجزي دفعها من أي جنس يكون كما هو ظاهر

المتن أو صريحه، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب، قال تصريحا من بعض و تلويحا من آخر، بل في البيان لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة، و تسليمها بتسليم العين، و يحتمل المنع لأنها تحصل تدريجا، و لو آجر الفقير نفسه أو عقاره ثم احتسب مال الإجارة جاز و إن كان معرضا للفسخ، لكن في المدارك «أن جواز احتساب مال الإجارة جيد، و كونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا، أما جواز احتساب المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الإشكال إلى إخراج القيمة ما عدا النقدين» قلت: لا ريب في انصراف القيمة إليهما، بل ربما يؤيده

خبر سعيد بن عمرو(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «قلت: يشتري الرجل من الزكاة الثياب و السويق و الدقيق و البطيخ و العنب فيقسمه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المستحقين الزكاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.

ج 15، ص: 129

قال: لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمره الله تعالى»

و في الوافي هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم و الدنانير دون غيرهما، إلا أنك قد سمعت معقد إجماع الخلاف و غيره، و مقتضاه جواز دفع المنفعة عن ذلك بعد أن كان قبض العين قبضا لها و الوفاء شي ء مستقل بنفسه لا دليل على اعتبار كون المدفوع عينا فيه، بل ربما ظهر من خلاف الشيخ أن اعتبار ذلك هنا من أقوال العامة،

فلاحظ و تأمل، و الخبر بعد الإغضاء عن سنده لم يعلم الزكاة فيه أنها عن المشتري، أو كان قابضا لها عن الغير دراهم و دنانير، و لكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه، بل لا ينبغي تركه في دفعها في الأنعام إذا لم يعدم الإنسان تخلصا من خلاف المفيد، و ربما مال إليه في المعتبر و المدارك و الذخيرة و الحدائق و غيرها على ما حكي عن بعضها، لكنه في غاية الضعف إذا كان المدفوع إليه الإمام (عليه السلام) أو وكيله العام أو الخاص، ضرورة ولايتهم على الفقير فلهم المعاوضة عن ماله، فإذا أراد قبض القيمة من أي جنس يكون عنه لم يكن إشكال في الجواز، و دعوى عدم جواز ذلك لهم واضحة الفساد، نعم قد يكون للمنع وجه لو كان المدفوع إليه أخذ الفقراء، مع أن الأقوى خلافه لما عرفت.

و كيف كان فالمعتبر في القيمة وقت الإخراج، لأنها إنما أجزأت بدلا و ليست واجبة بالأصالة عندنا، فهي من قبيل العوض، فالمعتبر فيه وقت الإخراج، لكن في التذكرة إنما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوم الزكاة على نفسه، فلو قومها على نفسه و ضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد و الناقص و إن كان قد فرط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع، أما لو لم يقوم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج، و فيه أنه بعد تنزيل التقويم على إرادة المعاوضة عليها لا دليل على ولايته بحيث يكون له المعاوضة على الزكاة على وجه يكون الواجب عليه في الذمة القيمة لا العين، فالمتجه وجوب العين

ج 15، ص: 130

و ملاحظة القيمة وقت الإخراج، و لو انخفض السوق يكون حاله كحال الغاصب إذا كان التأخير بتفريطه و الظاهر عدم ضمانه تفاوت السوق ما لم يكن لتفاوت في العين، و الله أعلم.

و الشاة التي تؤخذ في الزكاة فريضة في الإبل و الغنم فريضة أو جبرا قيل و القائل الشيخ و بنو حمزة و زهرة و إدريس و الفاضل و الشهيدان و العليان و المقداد و القطيفي على ما حكي عن بعضهم أقلها الجذع من الضأن و الثني من المعز بل هو المشهور نقلا على لسان جماعة و تحصيلا، بل في الرياض ليس فيه مخالف يعرف، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه و قيل ما تسمى شاة لكن عن جماعة أنه لم يعرف القائل بذلك و لعله كذلك و إن اختاره جماعة من متأخري المتأخرين، و ربما كان في المحكي عن المنتهى و التحرير نوع ميل اليه و على كل حال ف الأول أظهر للإجماع المحكي المعتضد بما عرفت، و

خبر سويد بن عقلة(1)«أتانا مصدق رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قال: نهينا أن نأخذ المراضع، و أمرنا أن نأخذ الجذعة و الثنية»

و كونه من طرق العامة غير قادح بعد نقل الأصحاب له، و استدلالهم به، و موافقته للشهرة العظيمة التي هي طريق تبين له، نعم

ليس فيه دلالة على تمام المطلوب، و أوضح منه دلالة

المرسل عن غوالي اللئالي عنه (صلى الله عليه و آله) «أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن و الثني من المعز، قال: و وجد ذلك في كتاب علي (عليه السلام)»

و يمكن أن يكون ذلك إشارة إلى الخبر المزبور، فيكون نوع تبين له و كاشفا عن إجماله، بل لعل

موثق إسحاق ابن عمار(2)«عن السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال: إذا أجذع»

محمول على ذلك


1- 1 سنن النسائي ج 5 ص 30 و سنن أبي داود ج 2 ص 137 عن سويد بن غفلة قال:« أتانا مصدق النبي ص فأتيته فجلست اليه فسمعته يقول: إن في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن. إلخ» و ليس فيه الجملة الثانية و إنما ذكر مضمونها في خبر مسلم بن شعبة المروي في سنن أبي داود ج 2 ص 138.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 131

أيضا بقرينة الإجماع على عدم اعتبار ذلك في حول الزكاة، و إنما المعتبر النتاج أو السوم كما عرفته سابقا، فيكون المراد منه حينئذ الأخذ في الزكاة لا العد، مؤيدا ذلك كله بأنه لو كان مسمى الشاة مجزياً على وجه يشمل السخل حال ولادته أو قيمته لاشتهر ذلك تمام الاشتهار، و توفرت الدواعي على نقله، مع أن الأمر بالعكس، بل المنع من أخذ المريضة و الهرمة و ذات العوار و نحوها يقضي بخلافه، بل لا يبعد دعوى انصراف إطلاق الشاة في النصوص إلى خلاف ذلك، بل لعل الفتوى أيضا كذلك، و يشهد له أمر السيد لعبده بشراء شاة، على أن الإطلاق الصادر

فيهما إنما هو في مقام إظهار حد النصب و تمييز نصب الشاة عن نصب الإبل، و لا أقل من ذلك كله ينقدح الشك في المراد من الإطلاق المزبور، فيبقى قاعدة توقف يقين الشغل على يقين البراءة بحالها، فمن الغريب الاستناد إليه في مقابلة جميع ما عرفت.

و المراد بالجذع من الضأن ما كمل له سبعة أشهر، و الثني من المعز ما كملت له سنة كما في الدروس و البيان و التنقيح و فوائد الشرائع و إيضاح النافع و تعليقه و تعليق الإرشاد و الميسية و المسالك و الروضة و كذا السرائر على ما حكي عن بعضها، بل عن غير موضع أنه المشهور، بل عن بعض محشي الروضة أنه لا يعرف قولا غيره، بل في ظاهر الغنية الإجماع على الثني في بحث الهدي، بل و الجذع و إن قال: إنه الذي لم يدخل في السنة الثانية، و عن بعضهم في الثني أنه روي في بعض الكتب (1)عن الرضا (عليه السلام) لكن في حج الكتاب أنه يجزي في الهدي من الضأن الجذع لسنته، بل في شرح الأصبهاني للروضة أنه اقتصر الصدوقان و الشيخان في المقنعة و النهاية و المصباح و علم الهدى في الجمل و سلار و ابنا زهرة و حمزة و الفاضلان في النافع و الإرشاد و فخر الإسلام على ذلك، قلت:


1- 1 المستدرك- الباب- 9- من أبواب الذبح- الحديث 2 من كتاب الحج و فيه« لستة» و لكن في فقه الرضا عليه السلام ص 28« لسنة».

ج 15، ص: 132

يمكن إرجاعه إلى السابق و إن كان لا يخلو من تكلف، و المحكي عن أكثر أهل اللغة أن الجذع ما دخل في السنة الثانية، نعم عن المغرب و

الأزهري الجذع من المعز لسنة، و من الضأن لثمانية أشهر، و أرسل بعضهم عن ابن الأعرابي إلا جذاع وقت و ليس بسن فالعناق يجذع لسنة، و ربما أجذعت قبل تمامها للخصب، فتسمن و يسرع أجذاعها، فهي جذعة، و من الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر أو إلى سبعة، و إذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية إلى عشرة، و في الصحاح و قيل في ولد النعجة: إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر، و لم أر له موافقا، و لعل لفظ تسعة من تصحيفات النساخ و في محكي المبسوط بعد ما ذكر أسنان المعز و ذكر أن السخلة منه إذا دخل في الثانية فهي جذعة، و الذكر جذع، قال: و أما الضأن فالسخلة منه مثل ما في المعز سواء، ثم هو حمل للذكر و للأنثى دخل إلى سبعة أشهر، فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي: إن كان بين شابين فهو جذع، و إن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل سنة، فإذا دخل في الثانية فهو ثني و ثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها، و إنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر و أجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو و ضراب، و المعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية، فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز، و في شرح الأصبهاني أنه قطع في الحج بما حكاه عن ابن الأعرابي و الفاضل في التذكرة اقتصر هنا على ذكر كلام ابن الأعرابي، و في المنتهى على نقل ما في المبسوط، قال: و قطع في النهاية و القواعد و الشهيد في البيان و ابن إدريس بأنه ما كمل سبعة أشهر، و نسب في الدروس كونه ابن ثمانية إن كان ابن الهرمين إلى القيل، و في حج المنتهى و التذكرة و التحرير أنه ابن ستة أشهر، و قيل: إن كان ابن ثني و ثنية فابن ستة أشهر، و إن كان ابن هرمين فابن ثمانية، و إن كان ابن ثني و هرمة فابن سبعة، إلى غير ذلك من كلماتهم.

ج 15، ص: 133

هذا كله في الجذع، و أما الثني من المعز فقد عرفت التصريح بأنه الداخل في الثانية، و في شرح الأصبهاني نسبته مع ذلك إلى الصدوقين و الشيخين و علم الهدى و سلار و ابني زهرة و إدريس و الفاضلين، قال: و هو الموافق للمفردات للراغب، و نسبه ابن الأثير في النهاية إلى أحمد بن حنبل، لكن المشهور عند اللغويين أنه الداخل في الثالثة و به صرح في محكي المبسوط في أسنان الغنم و التذكرة إلا أنه يقوى في النظر ما سمعته من الفقهاء، لقوة الظن الحاصل من كلامهم، خصوصا و كلام أهل اللغة بمرأى منهم و مسمع، و خصوصا مع احتمال كون المراد منه ذلك في الزكاة، و إن كان اسم الثني في اللغة للداخل في الثالثة فيجزي حينئذ ذلك في زكاة الغنم و الإبل و الجبران، و احتمال مراعاة المماثلة في الأولى لقاعدة الشركة يدفعه إطلاق الأدلة، مضافا إلى ما سمعته و تسمعه من كيفية الشركة، فلاحظ و تأمل.

بل منه يندفع ما أشكل على بعض الأعلام في إجزاء الجذع في زكاة الغنم بناء على كونه دون الحول بأن الشركة في العين يقتضي كون الفريضة أحد النصاب الذي حال عليه الحول، فكيف تكون جذعا، حتى أن الفاضل البهبهاني في شرحه على المفاتيح قد أطنب كمال الإطناب في ذلك، و إن كان قد سبقه إليه في الجملة الأردبيلي، و لم يتخلص منه إلا بأحد أمرين إما اختصاص إجزاء الجذع المزبور في غير زكاة الغنم، و إما بأن الجذع ما كمل له حول، لكن ستعرف ضعف هذا الإشكال، لأن المراد بالشركة المزبورة على نحو زكاة الإبل من كون الفريضة مشاعة في مجموع النصاب حتى أن كل واحد منه للفقير فيه جزء، فلا بأس حينئذ بتقديرها بالجذع و غيره، ضرورة رجوع الحاصل (إلى ظ) أن الفقير يملك ما يقابل الجذع من النصاب كالتبيع في البقر و الشاة و بنت المخاض مثلا في الإبل، إذ من المعلوم عدم اختصاص وجوب الزكاة فيما لو وجد مسمى الفريضة في النصاب، بل لو وجد لا يتعين على المالك إعطاؤه، كما أنه من المعلوم

ج 15، ص: 134

عدم اختلاف كيفية الوجوب في حصول مسمى الفريضة في النصاب و عدمه، بل و عدم الفرق في كيفيته في نصاب البقر و الغنم و الإبل، و كان منشأ الاشتباه (الاشكال ظ) عدم تصور خلو نصاب الغنم عن مصداق مسمى الفريضة أي الشاة التي أقلها الجذع، بخلاف غير الغنم من النصب.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحية مثل ذلك للفرق، بل قد يقطع الفقيه بأدنى تأمل باتحاد المراد من خطاب الزكاة في جميع هذه الموارد بل و غيرها كما تسمع زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله، فلا إشكال حينئذ في ذلك من هذه الجهة، نعم قد يشكل كون سن الجذع من الضأن ذلك، بخلو كلام أهل اللغة عنه كما عرفت، بل و جماعة من الفقهاء بل المعظم بناء على ما تقدم، و ربما يقوى في النظر ما سمعته من ابن الأعرابي من كون الجذوعة حالا لا سنا، و لعله الأوفق بعبارة الجذع لسنة ممن تقدم النقل عنهم و على كل حال فالمراد أن أقل المجزي ذلك لا أنه لا يجزي غيرهما، فحينئذ الأعلى منهما سنا أولى بالاجزاء، و إذا دفع كان فريضة، فما في الدروس من أنهما لو فقدا أي الجذع و الثني في غنمه دفع الأقل و أتم القيمة، أو الأكثر و استرد الزائد في غير محله بالنسبة إلى الأخير، كما أنك قد عرفت عدم الفرق بين شاة الإبل و الغنم و الجبران، لإطلاق الأدلة، فما عن بعضهم من الفرق فتعتبر المماثلة في الوسط دون الطرفين في غير محله، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا تؤخذ المريضة من النصاب السليم و لا الهرمة من نصاب الفتيات و لا ذوات العوار من نصاب الصحيح عند الأصحاب كما عن بعضهم، بل عن آخر نفي الخلاف فيه، بل قيل: قد نقل على ذلك الإجماع في مواضع و في شرح اللمعة للاصبهاني الاتفاق كما يظهر في الأخيرين، و حكي عن المنتهى أنه لا يعلم

ج 15، ص: 135

في الأولى و الأخيرة مخالفا، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح محمد بن قيس (1): «و لا يؤخذ هرمة و لا ذوات عوار إلا أن يشاء المصدق»

و لعل المريضة تندرج في ذات العوار، لأنه بفتح العين و ضمها بل و كسرها مطلق العيب، على أنه لا قائل بالفصل بين الثلاثة، بل لعل النهي عن أخذ الربى كما ستعرف يومي إليها أيضاً فيها بناء على أن ذلك للنافس الذي هو مرض، مضافا إلى قوله تعالى (2)«وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» و عموم الخبيث لغير ذلك غير قادح بعد الخروج بالدليل، كل ذلك بعد الإغضاء عن قاعدة الشركة في العين التي لا ينافيها الإطلاق المقتضي تخيير المالك بعد الشك في شموله لما هنا و لو لما عرفت، و على كل حال فالحكم مما لا إشكال فيه، لكن استثناء المشية للمصدق بالكسر أي أخذ الصدقة غير موافق لقاعدة اعتبار المصلحة في الولي أو عدم المفسدة، اللهم إلا أن يحمل على ما إذا كان في القبول بالقيمة مصلحة للفقراء، فيقبل بها، أو على ما إذا تمكن من بيعه بقيمة الصحيح، أو المراد قبوله في سهم نفسه، أو غير ذلك كي لا ينافي القواعد، إذ الخروج بمثله عنها كما ترى، و إن حكي ذلك عن المقنع و المفاتيح.

هذا كله إذا لم يكن النصاب جميعه كذلك أو بعضه، و إلا أجزأت و لو على النسبة كما

ستعرف الحال عند تعرض المصنف له، ثم إن الظاهر من الفتاوى و معاقد الإجماعات عدم الفرق في ذلك بين الأنعام جميعها كما هو مقتضى بعض ما ذكرنا من الأدلة و إن كان النص في الغنم.

و كيف كان ف ليس للساعي التخيير من دون رضى المالك قطعا، بل إجماعا للأصل و قاعدة الشركة و ظاهر النصوص (3)التي منها

الصحيح (4)المشتمل


1- 1 الاستبصار ج 2 ص 23 الرقم 62 طبع النجف.
2- 2 سورة البقرة- الآية 269.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 136

على وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لمصدقه الذي أرسله إلى بادية الكوفة، قال فيه:

«إذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له، فقل له: يا عبد الله أ تأذن لي في دخول مالك فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه و لا عنف به، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم اصدع البقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله، فإذا بقي ذلك فاقض حق الله منه، فان استقالك فأقله ثم اخلطهما و اصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله فيما له».

و

قال الصادق (عليه السلام) لمحمد بن خالد عامل المدينة(1)في حديث: «مر مصدقك إذا دخل المال فليقسم الغنم نصفين، ثم يتخير صاحبها أي القسمين شاء، فإذا اختار فليدفعه اليه ثم ليأخذ منه صدقته، فإذا أخرجها فليقومها فيمن يريد».

إنما الكلام في أن للمالك الخيار في أي فرد بحيث ليس للساعي معارضته و منازعته و اقتراح القرعة عليه أولا قولان، المشهور الأول، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه، لأنه المخاطب بإيتاء الزكاة، فيدفعها على مقتضى ما خوطب به يتحقق امتثاله، و ظهور الخبرين المزبورين و غيرهما، خلافا للشيخ و جماعة فالقرعة مع المشاحة، و اليه أشار المصنف بقوله فان وقعت المشاحة قيل يقرع حتى يبقى السن التي يجب فيها بل عن بعضهم لزومها ابتداء، إلا أنه في غاية الضعف، لظهور النصوص في أخذها بدونها، بل يمكن دعوى القطع من ملاحظة ما ورد(2)في دفع المالك الزكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3 مع الاختلاف فيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 4 و الباب 36 من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 15، ص: 137

و صرفها على الفقراء بنفسه و شرائه لهم ما يحتاجون و غير ذلك بخلاف ذلك، بل يمكن دعواه أيضا منها بأن الخيار له، و أنه ليس لأحد منازعته و معارضته، فيعطي منها ما يشاء لمن يشاء من غير فرق بين زكاة الأنعام و غيرها، بل لعل السيرة القطعية على ذلك، خصوصا في

أمثال هذه الأوقات التي ليس للزكاة فيها سعاة، بل كأنه من ضروريات المذهب بل الدين، و بذلك أو بعضه يخرج عن قاعدة الشركة كما خرج عنها في الإعطاء من غير العين و إعطاء القيمة و التصرف في النصاب بعد الضمان و نحو ذلك، و لعله لذا حمل القول بها على الندب في محكي التذكرة و البيان، فقال في الأول: و قيل يقرع، و هو على الندب، و قال في الثاني: و قيل يقرع، و هو على الندب، مع أنه لولا التسامح و الخلوص من شبهة الخلاف لكان الندب محل بحث أيضا.

فمن الغريب ما أطنب به بعض فضلاء متأخري المتأخرين من اعتبارها في المقام مراعيا قاعدة الشركة. فقال بعد دعوى الإجماع عليها من الخصم و غيره: «إن قسمة المال المشترك تكون بالقرعة عندهم إلا ما شذ، لأنها نوع معاوضة عن حق كل من الشريكين بالآخر على وجه اللزوم الثابت عندهم بالقرعة، للإجماع، و لأنها لكل أمر مشكل، و مجرد التراضي بدونها إنما يفيد إباحة التصرف، فالمراد حينئذ من وجوبها اعتبارها في اللزوم نحو ما ذكروه في المعاملات بالنسبة إلى صيغها بعد تجويز المعاطاة» و هو من غرائب الكلام، ضرورة ظهور النصوص بل صراحتها في عدم توقف الملكية عليها، خصوصا

خبر سماعة(1)منها «إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما شاء»

و لو كان لزوم القسمة منحصرا في القرعة لكان الواجب على الشارع إظهاره في مقام من

المقامات فضلا عن أن يظهر عكسه، و دعوى أن هذه النصوص كنصوص البيع في الخلو عن التعرض للصيغة التي يحصل بها اللزوم- و لو أن مثل هذا الخلو يقضي


1- 1 الوسائل- الباب- 41- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 138

بعدم الاحتياج إلى القرعة لاتجه عدم اعتبارها في جملة من المشتركات التي خلت نصوصها عن التعرض لها في قسمتها كالفتاوى، و من المعلوم خلافه، و أنه ليس إلا اتكالا على ما ذكروه في باب القسمة- كما ترى لا ينبغي أن يصغى إليها بعد تصريح المشهور هنا بعدم اعتبارها، و ظهور النصوص أو تصريحها بذلك على ما عرفت، نعم قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه اسم الفريضة في المقام و غيره، فلا يكلف الأعلى، و لا يجزيه الأدنى لأنه المنساق إلى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف إرادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع و الشاة و بنت المخاض و غيرها من الفرائض فيها، لا أن المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب، بل ليست فيه قطعا في الخمس من الإبل و نحوه، و لا يوافق ما تسمعه إن شاء الله من تحقيق كون الزكاة في العين على جهة الشركة مشاعة في جميع النصاب، فلا ريب حينئذ في الانصراف إلى الوسط كما في جميع ما ورد من نظائر ذلك، و مما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جملة من الأعلام حتى من قال بالمختار منهم، فإنه استند إلى اقتضاء ذلك ذلك، و فيه أن مقتضاهما الأخذ من الجيد و الردي و الوسط، لا أن أقل الواجب عليه الوسط، فلاحظ و تأمل.

[و أما اللواحق]
اشاره

و أما اللواحق

[في تعلق الزكاة بالعين]

فهي أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة على المشهور نقلا و تحصيلا، بل في شرح المفاتيح للبهبهاني «كاد يكون إجماعا» بل في موضع من التذكرة «نسبته إلى أصحابنا» و في آخر «عندنا» و في ثالث «نفي الخلاف عنه» و في كشف الحق «نسبته إلى الإمامية» بل في محكي المنتهى «هو مذهب علمائنا أجمع حيواناً كان أو غلة أو أثمانا، و به قال أكثر أهل العلم» و في السرائر «أنهم (عليهم السلام) أوجبوا الزكاة في الأعيان دون غيرها من الذمم» و في محكي الانتصار «أنه الذي يقتضيه أصول الشريعة» و في محكي مجمع البرهان «أنه المفهوم من الأخبار، و لعله لا خلاف فيه عند أصحابنا» و عن بعض أن القائل بالذمة مجهول، و آخر نسبته إلى الشذوذ من أصحابنا

ج 15، ص: 139

و في البيان عن ابن حمزة أنه نقله عن بعض الأصحاب، قيل: و لعله في الواسطة، إذ ليس لذلك في الوسيلة أثر، و أرسل القول به في محكي المبسوط، و لعله يريد بعض العامة كما نسبه إليه في محكي المعتبر.

و كيف كان فلا ريب في تعلقها بالعين في الغلات الوارد فيها العشر و نصفه و نحوهما مما هو حصة مشاعة في العين الخارجية، بل و في غيرها كالنقدين و الأنعام الوارد فيها بلفظ «في» التي هي حقيقة في الظرفية، ك

قوله (عليه السلام)(1): «في مائتي درهم خمسة»

و «في أربعين شاة شاة»(2)

و نحوها، خصوصا بعد ما ورد(3)من النصوص بلفظ الشريك بين الفقراء و الأغنياء في أموالهم، و أنه فرض الله لهم فيها كذا و كذا، و ما ورد(4)في آداب المصدق و غيره مما هو ظاهر أو صريح في ذلك، و ما ورد(5)من تلف الزكاة بتلف المال من غير تفريط، و من تبعية الساعي العين لو باعها المالك، و غير ذلك مما لا يبقى للفقيه معه ريب في تعلقها بالعين، مضافا إلى ما حكي من الاتفاق على تقدمها على الدين إذا قصرت التركة و كانت عين النصاب باقية، و سقوطها بتلف النصاب من غير تفريط، و تبعية الساعي العين لو باعها المالك و لم يؤد الزكاة، و غير ذلك مما لا يتم بمقتضى الضوابط إلا على تعلقها بالعين.

فما يقال بعد ذلك كله- من أن المراد من لفظ «في» التسبيب نحو قولهم في القتل خطأ الدية، و في العين نصف الدية، و نحوها مما هو شائع معروف مؤيدا ذلك بعدم تعقل الظرفية حقيقة في نحو

قوله (عليه السلام): «في خمس من الإبل شاة»


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3 و 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.

ج 15، ص: 140

و نحوه مما كانت الفريضة فيه ليست من جنس النصاب، فيعلم أن باقي الخطابات كذلك لأن الجميع من مذاق واحد، و بأنه لو كانت في العين لم يجز للمالك الإعطاء من غير العين حتى القيمة، مع أن الإجماع المحكي عن جماعة على جوازه، بل يمكن تحصيله، مضافا إلى ما دل على إعطاء القيمة، و صحيح عبد الرحمن (1)الآتي المشتمل على تأدية الزكاة من غير العين أيضا- في غير محله، ضرورة معلومية المجازية في استعمال «في» في السبب و كثرته بعد التسليم غير مجدية، بل لو سلم مساواته للحقيقة أمكن ترجيح الظرفية بما عرفت من النصوص و غيرها، فيجب حينئذ ارتكاب التجوز في نحو

قوله (عليه السلام):

«في خمس من الإبل شاة»

بإرادة أن له في الإبل الخمسة مقدار نسبة الشاة إليها، و يكون المراد حينئذ من ذكر الشاة ضبط الحصة المشاعة، بل الظاهر إرادة ذلك في جميع خطابات الزكاة التي لم ينص عليها بالحصة المشاعة كالغلات، لكون الجميع باعتراف الخصم على مذاق واحد، فقوله: في الست و عشرين بنت مخاض مثلا أي فيها ما يقابل بنت المخاض ضرورة عمومية الخطاب للتي فيها بنت مخاض و لغيرها مما لا يمكن كون المراد منه فيها نفس بنت المخاض، بل التي

فيها لا تتعين زكاة عند القائلين بتعلقها بالعين، ضرورة كونها جزء النصاب الذي تعلق الزكاة بجميعه، فليس المراد من الجميع حينئذ إلا ضبط الحصة المشاعة بذلك، حتى

قوله (عليه السلام)(2): «في أربعين شاة شاة»

و يرجع الجميع إلى معنى ما ذكروه في الغلات المصرح فيها بالحصة المشاعة، فلا حاجة حينئذ إلى التفصيل بين كون الفريضة من جنس النصاب و عدمه، فالأول الزكاة منه في العين بخلاف الثاني، إذ قد عرفت أن الجميع من واد واحد، و لعل الداعي إلى ذكرها بهذا الطريق بعد كونه أحد الطريقين أنه قد تنتهي الحصة إلى ما لا تضبطه الكسور المعروفة من


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 141

العشر فنازلا، كما أن الداعي إلى ضبطها بالشاة و بنت المخاض و نحوها دون القيم سهولة معرفة ذلك بالنسبة إليهم في ذلك الوقت و تيسره لهم، و لذلك خير في الجبر بين الشاتين و العشرين درهما، مضافا إلى احتمال التفاوت بين الحصة المقدرة بمقابلة الشاة و بين الحصة المقابلة بقيمتها المحمولة على الدراهم و الدنانير، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و إعطاء البدل غير العين أو القيمة غير مناف بعد أن كان ذلك بدليل شرعي معتبر مبني على الإرفاق بالمالك، كما يومي اليه خبر المصدق (1)على أن ذلك

معارض بتخلف لوازم كونها في الذمة كما عرفت، و رفع اليد عن القولين باعتبار تخلف اللازمين مع بعد تسليم إمكانه إحداث قول ثالث، كما هو واضح.

و على كل حال فقد ظهر لك من ذلك اندفاع ما عساه يقال من أنه على تقدير العين يلزم استعمال اللفظ في حقيقته و مجازه في نحو

قوله (عليه السلام)(2): «في الست و عشرين بنت مخاض»

بالنسبة إلى ما إذا كانت جزءا منه و ما لم تكن بإرادة العين في الأول و ما يقابل القيمة في الثاني، لما عرفت من اتحاد المراد في الجميع، و كذا اندفاع الإشكال الذي استعظمه جملة من الفضلاء- على قول من سمعت من الأصحاب بأن أقل الفريضة في الغنم الجذع، و هو ما كمل له سبعة أشهر، بأن الفريضة جزء من النصاب، فلا بد من حول الحول عليها كالنصاب، فكيف تكون سبعة أشهر، إذ قد عرفت أن ذلك التقدير للفريضة التي هي حقيقة الحصة الشائعة في مجموع النصاب، بل هي على النسبة في كل جزء جزء من النصاب، و لا فرق فيما به التقدير بين السبعة أشهر و الأقل و الأكثر، كما هو واضح، و إطلاق اسم الفريضة على ما به التقدير باعتبار انطباقه عليها في حال الإخراج و أن الشارع اعتبر تقدير الفريضة، بل لعله المراعى في التقويم دون الحصة و نحو ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 4.

ج 15، ص: 142

لا أنه الفريضة أولا و بالذات، بل ظهر مما ذكرنا كيفية تعلقها بالعين، و أنها على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب كما هو الظاهر من كلام الأصحاب على ما اعترف به في المدارك، بل عن إيضاح الفخر نسبته إليهم، لا أنه تعلق رهانة و المال في الذمة أو ليس فيها، و لا أرش جناية كذلك، لما سمعته من الأدلة الظاهر بعضها إن لم يكن جميعها أو الصريح في نفي هذين الاحتمالين، لكن في التذكرة بعد البناء على أنها في العين قال:

«و هل يصير أهل السهمين بقدر الزكاة شركاء لرب المال؟ الأقرب المنع، و هو أحد قولي الشافعي، و إلا لما جاز للمالك الإخراج من غيره، و يحتمل ضعيفا الشركة» ثم ذكر الاحتمالين المزبورين غير مرجح أحدهما على الآخر و ذكر ما يتفرع عليهما و على الشركة و قال في البيان: «في كيفية تعلقها بالعين وجهان، أحدهما أنه طريق الاستحقاق فالفقير شريك، و ثانيهما أنه استيثاق فيحتمل أنه كالرهن، و يحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد، و تضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر، و هو مرجح للتعلق بالذمة، و عورض بالإجماع على تتبع الساعي العين إذا باعها المالك، فلو تمحض التعلق بالذمة امتنع- ثم قال:- و يحتمل أن يفرد تعلق الزكاة في نصب الإبل الخمسة بالذمة لأن الواجب شاة، و ليست من جنس المال، و يجاب بأن الواجب في عين المال قيمة شاة» و الجميع كما ترى، و الأصل في هذه الاحتمالات العامة و إن تبعهم عليها غيرهم غفلة عما تقتضيه نصوصنا و غيرها، و حينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان، و وقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه السلام أو وكيله، فيأخذ من الثمن بالنسبة، و لو أدى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة، ضرورة عدم الملك حال البيع، اللهم إلا أن يجعل الشرط الملك و لو متأخرا عنه، و فيه بحث أو منع، و ما يقال إن التأدية من الغير تقوم مقام الإجازة يدفعه- بعد اختصاصه بالتأدية للإمام عليه السلام أو وكيله دون الفقير الذي لا تجدي الإجازة منه، لعدم الولاية له، و عدم

ج 15، ص: 143

اختصاص الحق به- أن المتجه حينئذ الرجوع بالثمن على النسبة كما هو مقتضى الإجازة، اللهم إلا أن يكون ذلك معاوضة عنه، و هو كما ترى.

نعم لو ضمن المال قبل البيع و قلنا بصحة الضمان له على معنى أن له نقل المال إليه بالقيمة في ذمته اتجه حينئذ الجواز لحصول الشرط، لكن في

صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (1)«قلت للصادق (عليه السلام): رجل لم يزك إبله و شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى، قال: نعم تؤخذ زكاتها و تبع البائع أو يؤدي زكاتها البائع»

و احتمله في البيان، قال: «إذا باع بعد الوجوب نفذ في قدر نصيبه قولا واحدا، و في

قدر الفرض يبني على ما سلف، فعلى الشركة يبطل البيع فيه و يتخير المشتري الجاهل لتبعض الصفقة، فإن أخرج البائع من غيره ففي نفوذ البيع فيه إشكال من حيث أنه كإجازة الساعي، و من أن قضية الإجازة تملك المجيز الثمن، و هنا ليس كذلك، إذ قد يكون المخرج من غير جنس الثمن و مخالفا له في القدر» قلت: يمكن أن يكون بمنزلة الإجازة له في ضمانه إياه و نقله اليه، ثم قال: «و على القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن أدى المالك لزم، و إلا فللساعي تتبع العين، و يتجدد البطلان و يتخير المشتري، و على الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان و يخرج من غيره، و على الجنابة يكون البيع التزاما بالزكاة، فإن أداها نفذ، و إن امتنع تتبع الساعي العين، و حيث قلنا بالتتبع لو أخرج البائع الزكاة فالأقرب لزوم البيع من جهة المشتري، و يحتمل عدمه، إما لاستصحاب خياره، و إما لاحتمال استحقاق المدفوع، فتعود مطالبة الساعي» قلت:

فيه أن المتجه على الأول عدم تبعية الساعي العين، لعدم تعلق الحق بها كما هو الفرض، و قد يقوى الصحة على الثاني إذا تعقبه الفك بأداء الزكاة من غيره على ما تسمعه إن شاء الله في كتاب الرهن، و كأنه عرض بما ذكره لما في التذكرة، قال: «فإذا باع النصاب


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 144

بعد الحول و قبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة مبني على الأقوال، فمن أوجبها في الذمة جوز البيع، و من جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة، و إن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضا، لعدم استقرار حق المساكين، فان له إسقاطه بالإخراج من غيره، و إن قيل تعلق أرش الجاني ابتنى على بيع الجاني، و الوجه ما قلناه من صحة البيع مطلقا، و يتبع الساعي المال إذا لم يؤد المالك المال، فينفسخ البيع فيه على ما تقدم، و لو لم يؤد المالك من غيره و لم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار، لتزلزل ملكه، و تعرض الساعي به متى شاء، و لو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري لزوال العيب، و يحتمل ثبوته، لإمكان أن يخرج المدفوع مستحقا، فيتبع الساعي المال- ثم قال-: و لو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة كما اختاره الشيخ صح البيع في الباقي، فللمشتري الخيار، و لا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر، لأن العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحا بذلك».

فيه مواضع للنظر لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا، كما لا يخفى عليك أنه لا يتجه ما ذكراه من صحة البيع على تقدير الشركة في نصيبه إلا على المختار من أن الشركة على جهة الإشاعة في كل جزء من أجزاء النصاب دون الشركة على جهة الترديد في الكلي بمعنى أن

للفقير شاة من الأربعين مثلا دائرة، لا أن له في كل شاة جزءا، إذ هو مع أنه خلاف ظاهر الأدلة السابقة لا يتم القول بالصحة في نصيبه عليه، للإبهام و الاجمال في كل من نصيب الفقير و المالك، فلا يصح بيع واحد منهما، لأنه بمنزلة بيع شاة من هذه الشياة و عبد من هؤلاء العبيد، و قد عرفت الإجماع على الصحة في نصيب المالك، بل قد يستفاد مما هنا قوة ما ذكرناه سابقا من تعلق الزكاة بالنصاب و العفو لو كان، لا أنها مختصة به دون العفو، فإنه قد لا يتجه صحة البيع حينئذ للإبهام و الاجمال

ج 15، ص: 145

أيضا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[في ضمان المالك الزكاة إذا تلفت بتفريطه]

و كيف كان ف على المختار إذا تمكن من إيصالها أي الزكاة إلى مستحقها فلم يفعل فقد فرط فإذا فرط فان تلفت لزمه الضمان بلا خلاف في الثاني و لا إشكال، ضرورة معلومية هذا الحكم في الأمانات التي هذه من جملتها، بناء على أنها في العين، و أما الأول فلا ريب فيه على تقدير عدم جواز التأخير له، إذ هو حينئذ كالغاصب، أما على الجواز كما هو مقتضى جملة من النصوص المعتبرة على ما تعرفه في محله فلعل الضمان فيه حينئذ للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، و

صحيح ابن مسلم (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فعبث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها قد خرجت من يده، و كذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه اليه، و إن لم يجد فليس عليه ضمان»

و صحيح زرارة(2)عنه (عليه السلام) أيضا «عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت، فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان، قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا و لكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها»

و بهما يقيد إطلاق ما دل على عدم الضمان بالإرسال و نحوه، كما أنه لا منافاة بينهما و بين ما دل على جواز التأخير و الإرسال و نحوهما، لعدم التضاد بين الجواز و الضمان الذي لم يعتبر فيه الإثم في شي ء من الأدلة كما هو واضح، و إطلاق التفريط في المتن و غيره عليه من حيث ترتب الضمان به لا من جهة الإثم، و ربما تسمع فيما يأتي إن شاء الله تعالى زيادة تحقيق للمسألة.


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 146

و كذا يلزمه الضمان لو تمكن من إيصالها إلى الساعي أو الإمام عليه السلام لكون الإيصال

إليهما إيصالا إلى أهلها، بل الظاهر أن الحكم كذلك في المجتهد أو وكيله بالنسبة إلى هذا الزمان، لاتحاد المدرك في الجميع، و هو عموم ولايتهم، و الله أعلم.

[في حكم ما لو أمهر امرأة نصابا و حال عليه الحول عندها]

و لو أمهر امرأة نصابا ملكته بالعقد كما تعرفه في محله إن شاء الله، و حينئذ فلو أقبضها إياه و حال عليه الحول في يدها وجب عليها الزكاة بلا خلاف و لا إشكال فيه، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، و كونه في معرض السقوط أو التشطير غير قادح كما في الهبة و غيرها و لو طلقها قبل الدخول و بعد الحول و لم تخرج بعد الزكاة من العين و لا من الغير مع تمكنها من الإخراج كان له النصف موفرا، و عليها حق الفقراء فتخرجه من نصيبها أو غيره للآية التي يمكن امتثالها، بخلاف ما لو وجده تالفا فإنه ينتقل للقيمة، و خطاب الزكاة خاص بها لا مدخلية للزوج به، فلا ينقص من نصيبه شي ء، لكن قد يناقش فيه في بادئ النظر بأن مقدار الزكاة قد خرج عن ملكها بحول الحول، فليس الباقي في يدها إلا ما عداه، و الطلاق إنما يفسخ المملك الذي هو عقد النكاح في النصف، و هو حقيقة الحصة المشاعة في جميع المهر، فمع فرض ذهاب شي ء منه يتعذر من النصف نسبته، فينتقل إلى القيمة، لا أنه يذهب جميعه منها، و إلا لاقتضى فيما لو تلف منه النصف قبل الطلاق انحصار حقه فيما بقي في يدها من النصف الآخر، و هو معلوم البطلان، ضرورة عدم كون ما في يدها النصف المشاع حقيقة و إن أطلق عليه اسم النصف، فالمتجه حينئذ في الفرض انتقال النصف المشاع في غير فريضة الزكاة للزوج و تغرم له قيمة النصف من الفريضة، و يكون المراد مما في المتن و نحوه من أن له النصف موفراً عدم النقصان في حقه باعتبار ضمانها له قدر الفائت، لا أن له النصف كملا من الموجود، و احتمله في المدارك تبعا للمسالك.

و من هنا كان المحكي عن المبسوط فيما نحن فيه أن لها الإخراج من الغير و من

ج 15، ص: 147

العين، و يكون الحكم كما لو طلقها بعد الإخراج كذلك، و احتمله في البيان، قال «و لو طلق قبل الدخول بعد الحول وجبت الزكاة عليها، فان طلق بعد الإخراج أخذ نصف الباقي و نصف قيمة المخرج، و لا ينحصر حقه في الباقي على الأقوى، و إن طلق قبل الإخراج احتمل أن لها الإخراج من العين و تضمن للزوج، فلو اقتسمها قبل الإخراج فالأقوى صحة القسمة و تضمن للساعي، فلو أفلست فله الرجوع على الزوج، ثم هو يرجع عليها، و لو طلق قبل تمكنها من الإخراج لم تسقط زكاة ما أخذ الزوج، لرجوع عوضه إليها، و هو البضع، بخلاف ما إذا تلف بعض النصاب قبل التمكن من الإخراج» و كذا الدروس، قال: «و لو تشطر قبل الدخول و بعد الحول فالزكاة عليها و في جواز القسمة هنا نظر، أقربه الجواز و ضمانها، و به قطع في المبسوط، فلو تعذر أخذ الساعي من نصيب الزوج، و رجع الزوج عليها، و لا يسقط وجوب الزكاة في النصف هنا لو طلق قبل إمكان الأداء، لرجوع العوض إليها».

قلت: لا يخفى عليك- بناء على ما ذكرنا سابقا من التعلق بالعين على جهة شركة الإشاعة- أن المتجه استحقاقه النصف كملا من العين، لعدم المعارضة بين الخطاب به و الخطاب بالزكاة بعد فرض الإشاعة في كل منهما، فكل شاة مثلا نصف منها للزوج و جزء من أربعين جزء للفقير، فهو حينئذ كالنصف مثلا و الثلث في المواريث، و يختص النقصان حينئذ في نصيبها خاصة، لأن الباقي بعد إخراج الحصتين لها، نعم لو أن خطاب الزكاة يقتضي شاة مخصوصة أو شاة كلية مرددة اتجه حينئذ انتقال نصف الموجود له، و غرامة ما فات بالزكاة عليها، و من ذلك ظهر لك أن ليس لها الإخراج من العين قبل القسمة كما عن المنتهى و التحرير التصريح به، لكون المال مشتركا بينها و بين الزوج و الفقراء، بل عن الشافعي المنع من القسمة قبل أداء الزكاة إلا أن تنتقل إليها بضمان و نحوه، فتختص الشركة بينها و بين الزوج، فتصح القسمة، نعم يمكن أن يقال بصحة

ج 15، ص: 148

القسمة مراعاة بالأداء على نحو ما سمعته في بيع النصاب، و لا فرق في الحكم المزبور بين طلاقها قبل التمكن من الأداء أو بعده، ضرورة حصول ملك الفقير بحول الحول، و عدم معارضة ما ثبت للزوج بالطلاق له، مضافا إلى تأخره عن خطاب الزكاة كما هو الفرض، فلا حاجة إلى التعليل برجوع العوض إليها، و هو البضع.

فمن الغريب ما عن التحرير من أن الوجه سقوط نصف الفريضة، و أغرب منه التعليل له بأنه كالتلف قبل التمكن، و لم يثبت عنده عوضية البضع، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين، و عدم بناء المسألة على عوضية البضع و عدمها، على أن المحكي عنه و المنتهى أنه قرب وجوب الزكاة فيما لو انفسخ النكاح بعيب و سقط المهر كله، و إن ضمنت قدر المأخوذ فيها، و لا فرق بين المسألتين، اللهم إلا أن يخصا ذلك بما إذا كان بعد التمكن و إن كان هو غير مجد لهم في الحكم في أصل المسألة، لأن التمكن من الأداء معتبر في الضمان لا في الوجوب، و الفرض أن خطاب النصف أو الكل حصل بعد خطاب الزكاة، فهو كما لو كان تالفا من يدها، و هو واضح.

هذا كله فيما لو طلقها قبل الإخراج من العين، أما لو كان بعده فالمتجه أخذ نصف الموجود و غرامة نصف قيمة المخرج في الزكاة أو نصف مثله إن كان مثليا، و لا ينحصر حقه في الباقي وفاقا لما سمعته من الدروس و البيان، و هو المحكي عن التذكرة في آخر كلامه خلافا للمحكي عن المبسوط و التحرير و غيرهما، فحصروه في الباقي، بل ربما استظهر من المتن و القواعد و محكي المنتهى، و لعله لإطلاق كلامهم و إن كان قد يحتمل كون موضوع المسألة في كلامهم ما كان قبل الإخراج، و قد عرفت أن التحقيق فيها ذلك.

و على كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما ذكرنا، لما عرفت من أن نصف المهر حقيقة الحصة المشاعة في جميع أجزائه، فمع فرض تلف شي ء و لو بالانتقال إلى الغير يسقط من النصف على النسبة، و إن غرمت له القيمة أو المثل، لأنه في يدها مضمون

ج 15، ص: 149

عليها، و بذلك ظهر لك الفرق بين الطلاق قبل الإخراج و عدمه، ضرورة عدم ملك الفقير في الأول لجميع الشاة بل حصة منها لا تعارض ملك الزوج لنصفها، بخلاف الثاني الذي قد ملك الفقير فيه جميع الشاة، كما هو واضح، أما لو كان الإخراج من غير العين فلا خلاف أجده في استحقاق الزوج النصف كملا من المجموع، لوجود المقتضي، و هو الطلاق، و عدم المانع كما عرفت، و ما يتوهم في بادئ النظر من أن ذلك انتقال جديد إليها بسبب أداء القيمة أو غيرها، و الطلاق إنما يفسخ الملك الحاصل لها بسبب النكاح دون غيره من النواقل الجديدة، فلو فرض انتقال المهر عنها بهبة أو نحوها ثم عاد إليها بإرث أو غيره ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له إلا القيمة، لأن الطلاق فاسخ لا ناقل- يدفعه- بعد تسليم أن ليس له إلا القيمة فيما فرض مثالا لما نحن فيه- أن ما هنا ليس كذلك، لما عرفت من عدم المعارضة بين حق الزكاة و ما يثبت للزوج من النصف، لكونهما حقين مشاعين في المال المحتمل لهما من غير عول كما أوضحناه سابقا، فلا فرق بين بقائه للفقير و بين انتقاله عنه حينئذ، و الله أعلم.

و لو هلك النصف بعد قسمته مع الزوج قبل أداء الزكاة حيث يصح لها ذلك بتفريط منها و لم تؤد الزكاة لفلس أو غيره كان للساعي أن يأخذ حقه من العين التي في يد الزوج و يرجع الزوج عليها به، لأنه مضمون عليها إلا أن الظاهر كون حقه نصف الزكاة لا تمامها بناء على ما عرفته من الإشاعة، و يتبعها أي الساعي في النصف الآخر، لأن الفرض التفريط منها، نعم إذا لم يكن تفريط فلا رجوع له عليها، و أما احتمال رجوعه بتمام الزكاة على ما في يد الزوج فلا يتم على ما قلناه من تعلقها بالعين على وجه الإشاعة لا الكلي في النصاب، كما أن المتجه بناء على ما ذكرنا لو كان التلف بعد الطلاق انتقال نصف الموجود إلى الزوج، و يغرمها ما قابل النصف التالف، لا أنه يختص بالموجود، ضرورة اقتضاء الشركة ذلك، كما هو واضح بأدنى تأمل، و الله أعلم.

ج 15، ص: 150

و لو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال فإن أخرج زكاته في رأس كل سنة من غيره تكررت الزكاة فيه لعدم نقصانه و إن لم يخرج من غيره وجب عليه زكاة حول واحد لحصول النقصان حينئذ بناء على المختار من كون التعلق في العين تعلق شركة، أما على تقدير وجوبها في الذمة فالمتجه حينئذ تكرار الزكاة في كل سنة و لو وصل إلى حد يستوعب النصاب أو يزيد عليه بتعاقب السنين، و هو واضح، نعم لو كان عنده أكثر من نصاب كتسعة و أربعين من الغنم مثلا فحال عليه الحول كانت الفريضة في النصاب و يجبر في الحول الثاني من الزائد فتجب فريضته و هكذا في كل سنة حتى ينتهي الزائد ف ينقص المال عن النصاب كما في السنة الحادية عشر في المثال المفروض فإنه لا تجب فيها زكاة لنقصان النصاب في السنة العاشرة و كذا لو كان عنده ست و عشرون من الإبل و مضى عليها حولان وجب عليه (11) للحول الأول بنت مخاض (12) فينقص النصاب و (13) يرجع في السنة الأخرى إلى نصاب الخمس و عشرين، فيجب فيه خمس شياه، فان مضى عليها ثلاثة أحوال وجب عليه (14) للأول بنت مخاض (15) و للثاني خمس شياه، و للثالث أربع شياه، لنقصانه عن نصاب الخمس و عشرين بالسنة الثانية، فيرجع إلى نصاب العشرين الذي فيه أربع و (16) يكون المجموع حينئذ تسع شياه (17) و ذلك كله واضح، لكن في المدارك «لا يخفى أن ذلك مقيد بما إذا كان النصاب بنات مخاض، أو مشتملا عليها، أو قيمة الجميع قيمة بنت المخاض، أما لو انتفت الفروض فان كانت زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن يفرض خروج قيمة بنت المخاض عن الحول الأول من جزء و أخذه من النصاب، و يبقى منها قيمة خمس شياه عن الحول الثاني، فتجب في الثالث خمس شياه أيضا، و لو كانت ناقصة عن قيمة بنت المخاض نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس و عشرين، فيجب فيه أقل من خمس شياه، كما لا يخفى» و هو جيد و إن كان ما فرضه أخيرا يمكن أن

ج 15، ص: 151

يحصل في نصاب بنت المخاض أو المشتمل عليها إذا فرض كونها من الأفراد العائبة، فان الواجب للفقير حينئذ في النصاب قيمة الوسط من بنت المخاض، و خطاب الزكاة لا يتعلق في بنت المخاض التي هي أحد أجزاء النصاب، بل الواجب فيها جزء أيضا كغيرها، كما هو واضح، و الأمر سهل، هذا، و لا أظنك تحتاج بعد ذلك إلى كيفية تفريع هذه الفروع و نظائرها على قولي تعلق الرهانة و أرش الجناية مع كونها في الذمة و عدمه، و ما يتأتى منها و ما لا يتأتى، و لا كيفية التفريع، لوضوحه بأدنى تأمل حتى مسألة الضمان بالتمكن من الإيصال للمستحق و عدمه، و إن كان قد يقال: إن مسألة الضمان و عدمه لا تبتني على الأقوال، لوفاء الأدلة من الإجماع و النصوص، فلاحظ و تأمل جيدا.

و النصاب المجتمع من المعز و الضأن و كذا من البقر و الجاموس و كذا من الإبل العراب و البخاتي تجب فيه الزكاة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه، لكون الجميع من جنس واحد هنا، و لتعليق الزكاة على اسم الإبل و البقر و الغنم الشامل للجميع و لكن الكلام في أن المالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء تساوت القيم أو اختلفت كما هو ظاهر القواعد و الإرشاد و صريح جماعة من متأخري المتأخرين، و ربما لاح من السرائر، أو أنه يجب التقسيط و الأخذ من كل بقسطه مع تفاوت القيم على معنى إخراج فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين على النسبة كما هو خيرة الفاضل في بعض كتبه و الشهيدين و الكركي و أبي العباس و الصيمري و محكي المبسوط و غيره، بل قيل: إنه المشهور، لأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة، فلو كان عنده عشرون بقرة و عشرون جاموسة و قيمة المسنة من أحدهما اثنا عشر و من الآخر خمسة عشر أخرج مسنة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر و نصف التي هي مجموع نصفي القيمتين، بل احتمل في البيان أنه يجب في كل صنف نصف مسنة أو قيمته كما عن

ج 15، ص: 152

بعض العامة، ثم قال: «ورد بأن عدول الشرع في الناقص عن ست و عشرين من الإبل إلى غير العين إنما هو لئلا يؤدي الإخراج من العين إلى التشقيص، و هو هنا حاصل، نعم لو لم يؤد إلى التشقيص كان حسنا، كما لو كان عنده من كل نصاب» و فيه أن التشقيص لازم بناء على ما سمعته سابقا من كيفية تعلقها بالعين، بل عند التأمل مرجع هذا الاحتمال إلى القول بالتقسيط السابق، ضرورة أنه مع فرض عدم الفريضة التي قيمتها ما عرفت ينتقل إلى التنصيف المزبور في القيمة، بل هذا الاحتمال أوفق بقواعد الشركة عند التأمل، نعم هو مناف لإطلاق ما دل على إجزاء مسمى الفريضة كمنافاة القول بالتقسيط لذلك، و كشف الحال بناء على ما ذكرناه من كيفية تعلق الزكاة في العين و أنها على الإشاعة و أن هذه المسماة بالفريضة ذكرت ضبطا لتلك الحصة المتعلقة بالمال، و من هنا انصرفت إلى الوسط من المسمى، فلا يجزي الأدنى، و لا يكلف الأعلى، و حينئذ لا تفاوت في كون النصاب جميعه من الجاموس أو من البقر أو مجتمعا بعد فرض كون الجميع من جنس واحد هنا، و الحصة واحدة، لتقديرها بأقل أفراد الوسط من الجنس، فإذا دفعه من أي صنف يكون أجزأ، لصدق الامتثال، و إن تطوع بالعالي من إفراط الوسط زاد خيرا كما لو تطوع بأعلى أفراد الجنس، نعم لا يجزيه الأدنى من أفراد الصنف الأدنى من أفراد الجنس، لأنه أدنى الجنس حينئذ، و قد عرفت تقدير حصة الفقير بغيره، بخلاف الوسط من أي صنف يكون، فإذا كان الأمر كذلك لم تكن قاعدة الشركة تقتضي التقسيط المزبور.

نعم لو كان هناك خطابان: أحدهما يقتضي وجوب تبيع الجاموس لو كان هو النصاب و الآخر يقتضي تبيع البقر اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة، لا ما نحن فيه الذي ليس فيه إلا خطاب واحد، و هو

قوله (عليه السلام): «في كل

ج 15، ص: 153

ثلاثين من البقر تبيع»

مثلا، و الفرض شموله للصور الثلاثة، كما أن ظاهره يقتضي اتحاد الفريضة فيها أجمع، و ليس إلا على ما ذكرنا، لأن الفريضة في كل صورة مغايرة للأخرى، ضرورة عدم إمكان استفادة ذلك من نحو الخطاب المزبور بناء على التعلق بالعين على الوجه الذي ذكرناه، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و من ذلك ظهر لك قوة القول الأول و أن المالك بالخيار لكن على الطريق المزبور و أنه لا ينافي القول بالشركة التي قد عرفت كونها على الوجه المذكور، بل ليس النصاب المجتمع من الصنفين إلا كالنصاب من الصنف الواحد المختلفة أفراده بالجودة، فإنه لا إشكال في عدم التقسيط فيه، فكذا ما نحن فيه، ضرورة عدم الفرق بين اختلاف القيمة في أفراد الصنف الواحد و الصنف المتعدد بعد الاتحاد في الجنس الذي هو مورد خطاب الزكاة، و صدق اسم الفريضة على كل من الفردين، و الفرض أن التقدير بها كما هو واضح، بل ظهر مما ذكرنا أنه يجزى عن نصاب كل من الصنفين فرد من الصنف الآخر، فيجزي عن نصاب الضأن ثني من المعز، و عن نصاب المعز جذع من الضأن كما عن التذكرة التصريح به، بل عنها أيضا و المبسوط أنه إذا كان المال ضأنا أو ماعزاً كان الخيار لرب المال، إن شاء أعطى من الضأن، و إن شاء من الماعز، و هو موافق لما قلناه هنا، لكن المحكي عنهما فيما نحن فيه التقسيط، و هو مناف لذلك، إلا أن يحمل على عدم اختلاف القيمة، إذ الظاهر عدم اعتبار التقسيط، لعدم الفائدة فيه و إن اقتضاه إطلاق بعضهم، لكن يجب تنزيله على اختلاف القيمة، بل ربما كان في كلامه ما يشهد بذلك، و على كل حال فالتحقيق ما عرفت.

و لو قال رب المال: لم يحل على مالي الحول أو قد أخرجت ما وجب علي أو تلف ما ينقص تلفه النصاب أو لا حق علي أو نحو ذلك قبل منه ما لم يعلم كذبه بلا خلاف يظهر منا كما اعترف به في الجملة بعضهم للأصل في البعض و

قول أمير المؤمنين

ج 15، ص: 154

(عليه السلام)(1)في حسن يزيد بن معاوية لمصدقه: «ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه؟

فان قال لك قائل: لا فلا تراجعه، فان أنعم لك منعم منهم فانطلق معه»

و في رواية أخرى (2)«فإن ولى عنك فلا تراجعه»

مؤيدا ذلك كله بأن الإخراج حق له، لكونه ولاية كولاية الوكيل، كما هو حق عليه، و لأنه لا يعلم غالبا إلا من قبله، لعدم انحصار المستحق حتى يستعلم، خصوصا و قد جاز احتسابها من دين و غيره مما يتعذر الاشهاد عليه، و لأنه عبادة فيقبل قوله في أدائها و لم يكن عليه بينة و لا يمين في ذلك و إن كان مخالفا للأصل بلا خلاف أجده، نعم في الدروس يصدق المالك في تلفها بظالم و غيره بيمينه بعد الحكم بتصديقه في عدم الحول بغير اليمين، قيل: و لعله لكون الأولى على خلاف الأصل دون الثانية، لكن مقتضاه ثبوته في كل ما كان من هذا القبيل حتى الإخراج، اللهم إلا أن يفرق بينه و بين غيره بأنه عبادة، فلا يكلف البينة على أدائها بخلاف غير الإخراج.

و كيف كان ف لو شهد عليه شاهدان بأنه قد حال الحول أو أن المال موجود غير تالف قبلا لعموم ما دل على قبول البينة، و لا معارض له

حتى الحسن المزبور(3)الظاهر في غير المفروض، أما لو شهدا بعدم الإخراج فإن كان مع دعوى المالك الإخراج في صورة يمكن الشهادة بنفيها، كأن يقول: دفعت الزكاة إلى هذا المستحق في اليوم الفلاني من غير محاسبة عليه بدين و نحوه فشهدا بأنه لم يكن في ذلك اليوم في هذا البلد و دفعت الشاة الفلانية في يوم كذا فشهدا بأنها قبله و نحو ذلك فلا إشكال في القبول، لأنه و إن كان نفيا إلا أنه باعتبار كونه شيئا مخصوصا يرجع إلى


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 لكن روى عن بريد بن معاوية.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 155

الإثبات، بخلاف النفي المطلق الذي لا يمكن العلم به غالبا، و كذا لا تقبل دعوى المالك مع العلم بكذبها، ضرورة أولوية ذلك من عدم سماعها مع الشهادة عليه بخلافها، مضافا إلى أدلة الأمر بالمعروف و غيره، و به صرح في الروضة و غيرها، بل كأنه من الواضحات، لكن ربما توهم القبول معه عملا بإطلاق الحسن المعلوم عدم إرادة ما يشمل ذلك منه، كما هو واضح.

و إذا كان للمالك أموال متفرقة في أماكن متعددة إلا أنها من جنس واحد كان له إخراج الزكاة من أيها شاء بلا خلاف و لا إشكال، ضرورة خياره مع الاجتماع، و قاعدة الشركة لا تنافي ذلك بعد ثبوته بالأدلة السابقة، و كذا لو كانت أجناسا مختلفة بناء على الاجتزاء بالقيمة، و أنها لا تخص النقود، فلم يتضح لنا وجه ذكر المصنف ذلك هنا مع استفادته من

المباحث المتقدمة، و يمكن أن يكون لخلاف بعض العامة أو لدفع توهم المنع من ذلك، للمنع من إخراج الزكاة عن البلد التي حصلت فيه مع وجود المستحق، لكن تسمع إن شاء الله تحقيق الحال في ذلك.

و لو كان السن الواجبة في النصاب كبنت المخاض و الحقة و المسنة مريضة و باقي النصاب صحيحا لم يجب على الساعي أخذها لو دفعها المالك بل لا يجوز و أخذ غيرها مما هو من أفراد الفريضة إن اختار المالك شراءها مثلا، فان لم يختر المالك ذلك و لا البدل الشرعي الذي عرفته سابقا دفع القيمة من النقدين أو غيرهما بالقيمة على التفصيل الذي مر سابقا، و كأن المصنف ذكر ذلك توطئة لما بعده، و هو قوله و لو كان كله مراضا بمرض واحد لم يكلف شراء صحيحة بلا خلاف بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المدارك و محكي المنتهى الإجماع عليه، كظاهر اقتصار نسبة الخلاف فيه إلى مالك و محكي التذكرة، بل هو صريح الحدائق للأصل و ما سمعته سابقا من أن الزكاة في العين على وجه الشركة حقيقة، و أن المراد من ذكر الفريضة

ج 15، ص: 156

تقدير الحصة الواجبة، فلا تفاوت حينئذ بين كون النصاب مريضاً أو صحيحاً، ضرورة رجوع الحال إلى نحو

قولهم (عليهم السلام)(1): «فيما سقت السماء العشر»

الذي من المعلوم عدم الفرق فيه بين الجيدة و الردية، فكذا

قوله (عليه السلام)(2): «في الأربعين شاة شاة»

المراد منه وجوب ربع العشر، و انسياق الصحة من

قولهم (عليهم السلام)(3): «في ستة و عشرين من الإبل بنت مخاض»

و نحوه لو سلم غير مناف بعد كون المراد منه تقدير النسبة، فمع فرض ضبطها بنسبة الصحيح من بنت المخاض إلى باقي النصاب الصحيح كان الواجب الحصة المشاعة التي هي العشر و نحوه مثلا، فلا تفاوت حينئذ بين المراض و الصحاح، إذ حاصله أن الله تعالى أوجب الزكاة في الإبل و البقر و الغنم كما هو مضمون النصوص، و لاحظ تقدير الحصة في الجميع بالصحيح، كما هو واضح.

نعم لو فرض تفاوت المرض أو فرض كونه في البعض دون البعض اتجه عدم الاجتزاء بالمريضة حينئذ، لعدم انطباقها على الحصة المشاعة التي هي ربع العشر في الأربعين من الغنم مثلا، إذ الفرض تفاوت الأفراد في القيمة، فلو كان عنده عشرون شاة صحيحة قيمة كل شاة عشرة دراهم، و عشرون مريضة قيمة كل واحدة منها خمسة دراهم كان قيمة ربع العشر منه سبعة دراهم و نصف، لا الخمسة دراهم الذي فيه ضرر على الفقير و لا العشرة الذي فيه ضرر على المالك، و مع ذلك مناف لقاعدة الشركة، و من هنا صرح الشيخ و ابن حمزة و الفاضل و الشهيدان و الكركي و غيرهم بمراعاة التقسيط

في صورة التلفيق، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب، لكن قالوا: إنه يخرج حينئذ فرد من مسمى الفريضة قيمته نصف قيمة الصحيح و نصف قيمة المريض لو كان التلفيق بالنصف


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 157

و هكذا في الثلثين و الثلث و غيره، بل في محكي التذكرة و التحرير لو كان كله مراضا و الفرض صحيح لم يجز أن يعطي مريضا، لأن في الفرض صحيحا، بل يكلف شراء صحيح بقيمة الصحيح و المريض، قال في الأول: فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستة و ثلاثين مراض كلف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستة و ثلاثين جزءا من صحيحة و خمسة و ثلاثين جزءا من مريضة، لكن قد يشكل ذلك بأن الفريضة لا ينظر إلى قيمتها أصلا إلا إذا أخرجت من غير الجنس، أو من غير المقدر شرعا، أما إذا أخرج ما يقع عليه الاسم شرعا فإنه يجزي و لا ينظر إلى القيمة، نعم يستقيم الإخراج فيما إذا كانت الفرائض متعددة كبنتي لبون من ست و سبعين نصفها مراض، فإنه يجزي إخراج صحيحة و مريضة، و كذا إذا أخرج القيمة فإنه يراعى فيها الصحة و المرض، و مما يؤيد ذلك أنك قد عرفت فيما تقدم سابقا عدم إجزاء المريضة و الهرمة و ذات العوار، و المراد اعتبار أن لا تكون الفريضة إحدى الثلاث، فيكون الحاصل أنه في الأربعين شاة شاة ليست إحدى الثلاث، و أظهر أفراد ذلك ما لو كان النصاب جميعه أو معظمه صحيحا و الباقي مريضا أو ذات عوار، و مقتضاه وجوب شاة منه ليست إحدى الثلاث، و هو أحد صور التلفيق، مع أنه لم يلحظ فيه التقسيط، بل قد ينقدح من ذلك عدم اعتباره في القيمة أيضا، ضرورة كونها عوض الفريضة التي لم يعتبر الشارع فيها ذلك، فليست هي حينئذ إلا كفريضة النصاب المختلف بالجودة و الأجودية، فان الظاهر عدم مراعاة التقسيط فيه سواء أخرج الشاة مثلا أو قيمتها، نعم يعتبر في الشاة أن تكون من أواسط الشياه، للانصراف الذي عرفته سابقا، و يختص إجزاء المريضة مثلا فيما إذا كان النصاب كله مريضا لما سمعته، و لعله لذا قال في المدارك: متى كان في النصاب صحيحة لم تجز المريضة، لإطلاق النهي عن إخراجها، بل يتعين إخراج الصحيح إلا أني لم أجده لغيره، نعم لعله ظاهر الرياض أيضا، فلاحظ و تأمل.

ج 15، ص: 158

و دعوى الشك في وجوب الصحيحة في الفرض المزبور لانصراف النهي عن أخذ المريضة إلى غيره يدفعها أن مقتضاها الاجتزاء بالمريضة، لعدم معارض للإطلاقات حينئذ، و يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، و لو سلم عدمه فلا ريب في حصول الشك بالبراءة بها عن الشغل اليقيني للشك في إرادة ذلك من الإطلاق، أما إذا أخرج شاة صحيحة من أواسط الشياه أجزأه قطعا، لصدق الامتثال و إن لم يلحظ التقسيط في قيمتها، و قاعدة الشركة بعد تقدير الشارع للحصة بما أخرجه لا يلتفت إليها، بل الظاهر الاجتزاء بقيمتها، لأنها هي مقدر الحصة، بل هذا هو الفائدة في التنصيص عليها بالتقدير، فيرجع بإخراج القيمة إليها لا قيمة الحصة كي يحتاج إلى التقسيط، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و إن قل الموافق عليه، إلا أنه كفى بالحق رافعاً للوحشة، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا تؤخذ الربى و هي الوالدة إلى خمسة عشر يوما على المعروف بين الأصحاب، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بالإجماع عليه و إن كان كثير منهم بعد تفسيرها بذلك قال و قيل إلى خمسين يوما إلا أنه لم نعرف قائله، كما أنه لم نعرف من نص على الأول من أهل اللغة عدا ما تسمعه عن الأزهري، نعم عن مجمع البحرين حكايته بلفظ القيل، كالتفسير بالعشرين يوما، و بالشهرين، و بالشاة القريبة العهد بالولادة، و بالشاة التي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن، ثم قال:

و خصها بعضهم بالمعز، و بعضهم بالضأن، و عن جامع اللغة «هي الشاة إذا ولدت و أتى عليها من ولادتها عشرة أيام أو بضعة عشر يوما» و في الصحاح «الشاة التي وضعت حديثا، و جمعها رباب بالضم، و المصدر رباب بالكسر، و هو قرب العهد بالولادة، تقول شاة ربي بينة الرباب بالكسر و أعنز رباب بالضم، قال الأموي: هي ربي ما بينها و بين شهرين، و قال أبو زيد: الربى من المعز، و قال غيره من المعز و الضأن جميعا، و ربما جاء في الإبل أيضا، قال الأصمعي: أنشدنا منتجع بن نبهان حنين أم البوفى ربابها» انتهى،

ج 15، ص: 159

و عن الأزهري «ربابها ما بينها و بين خمس عشرة ليلة» و في المحكي عن المغرب «الربى الحديثة النتاج من الشاة» و عن أبي يوسف «التي معها ولدها» و في المحكي عن الفائق أنها التي في البيت للبن، و قيل: الحديثة النتاج، و نحوه عن نهاية الجزري، كما أن المحكي عن الثعالبي في فقه اللغة و ابن قتيبة في المجمل و أدب الكاتب نحو ما سمعته عن الأموي و عن العين «هي الشاة من حين تلد إلى عشرين يوما» و عن أبي فارس «أنه لم يذكر في المقاييس إلا بمعنى ما يحبس من الشاة في اللبن» و في المحكي عن القاموس «الربى كحبلى الشاة إذا ولدت و إذا مات ولدها و الحديثة النتاج، و يمكن أن يكون ما في كلام الأصحاب تحديدا لقرب النتاج كما أومأ إليه ثاني الشهيدين في الروضة، فقال: «هي بضم الراء و تشديد الباء الوالد من الأنعام عن قرب إلى خمسة عشر يوما» إلا أن هذا التعميم لم نجده لغيره صريحا كما اعترف به بعضهم، بل ربما ظهر من البيان و كثير من كتب الأصحاب اختصاصها بالشاة، و كذا ما سمعته من كتب اللغة، فإنها متفقة على عدم هذا التعميم، نعم عن أبي عبيدة «الربى من المعز و الضأن و ربما جاء في الإبل» و لعله الذي أرسله في الصحاح، و يمكن أن يكون ذلك منه للاشتراك في العلة، و إطلاق

موثق سماعة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «لا تؤخذ أكولة، و الأكولة الكبيرة من الشياه تكون في الغنم، و لا والدة و لا الكبش الفحل»

و أما

صحيح عبد الرحمن (2)عنه عليه السلام أيضا «ليس في الأكيلة و لا في الربى، و الربى التي تربي اثنين، و لا شاة لبن و لا فحل الغنم صدقة»

فقد يؤيد اختصاصها بالمعز، لأنها هي التي تلد اثنين، نعم تفسيره الربى بذلك لم نعثر على من فسره به من الفقهاء و اللغويين عدا الأستاذ في كشفه، و لعله من


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
2- 2 فروع الكافي ج 1 ص 535 المطبوعة عام 1377« باب صدقة الغنم» 2.

ج 15، ص: 160

الراوي، و لذلك أعرض عنه الأصحاب، لكن عن

الفقيه (1)روايته «و لا في الربى التي تربي اثنين»

فيتعين كونه من لفظ الامام (عليه السلام)، و يمكن أن يكون الحذف فيها من النساخ.

و كيف كان فالحكم مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد، إلا أنهم اختلفوا في تعليله اختلافا يقتضي الاختلاف في الحكم، ففي الدروس و الروضة تعليله بأنها نفساء، و النفاس مرض، فتندرج في النهي عن المريضة أو ذات العوار أي العيب، و في المسالك الاستدلال عليه بقول الثعالبي «يقال امرأة نفساء، ناقة عائذ، أتان فريش، نعجة رغوت، عنز ربي» قال: «و مقتضى جعلها نظيرة النفساء أن المانع من إخراجها المرض، لأن النفساء مريضة، و من ثم لا يقام عليها الحد» و علله الفاضلان بأن فيه إضراراً بالمالك، لاستقلالها بتربية ولدها، و مقتضى الأول عدم الاجتزاء بها و إن رضي المالك، للإضرار بالمستحقين، و به صرح في الروضة و فوائد الشرائع بخلاف الثاني فتجزي مع رضى المالك كما عن جماعة التصريح به منهم المصنف و الفاضل، بل قد يظهر من محكي المنتهى عدم الخلاف فيه، فإنه- بعد أن نفى أخذ الربى و الأكولة و كرائم الأموال و فحل الضراب و الحامل- قال: «و لو تطوع المالك بذلك جاز بلا خلاف، لأن النهي في هذه منصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع، و للإرفاق به، لا لعدم إجزائها» و ربما يؤيده ما عن النهاية من حديث عمر(2)و عن الربى و الماخض و الأكولة أمر المصدق أن يعد على رب المال هذه الثلاثة و لا يأخذها في الصدقة، لأنها خيار المال، ضرورة ظهوره في كون المنع مراعاة للمالك، بل لعل جمعها مع شاة اللبن و فحل


1- 1 الفقيه ج 2 ص 14- الرقم 37 طبع النجف.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 100 و 101 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 161

الغنم و الأكيلة و وصفها بتربية الاثنين في صحيح عبد الرحمن (1)يومي اليه أيضا.

إلا أن الجميع كما ترى، إذ لا يخرج بذلك عن العلة المستنبطة، لا أقل من الشك، فيتجه حينئذ العمل بإطلاق النهي، فلا تجزي و إن رضي المالك، بل لعله الظاهر منه، ضرورة أنه لا

يجوز للساعي أن يأخذ شيئا من الغنم من دون رضى المالك سواء كان أحد هذه المذكورات أو غيرها، فلا وجه لاختصاص المنع فيها على تقدير عدم رضاه، اللهم إلا أن يحمل على خصوص ما إذا امتنع المالك عن الزكاة و أريد أخذها منه قهرا، لكن حمل ما في النص و الفتوى على خصوص هذه الصورة كما ترى، فلا ريب في أن الأقوى عدم الاجتزاء بها مطلقا، نعم ينبغي اختصاص ذلك بالشاة، لما عرفت من أنها هي الربي دون غيرها الباقي على مقتضى الإطلاق، و دعوى اندراج النفاس في المرض يمكن منعها، و كلام الثعالبي مع أنه ليس حجة في الأحكام الشرعية لا دلالة فيه على كون النفاس مرضا، كما هو كذلك في الإنسان، بل ربما خصها بعضهم بالمعز، و قد عرفت شهادة الصحيح (2)له، لكن قد سمعت أن كلام الأكثر على خلافه، و المثبت مقدم على النافي، و ما في الصحيح لم يعلم كونه من الامام (عليه السلام)، و كذا ينبغي الاقتصار فيها إلى الخمسة عشر يوما، و ما عداها يبقى على مقتضي إطلاق الأدلة، و ما عن النهاية من أن الضابط استغناء الولد عنها واضح المنع، و كلام أهل اللغة و إن كان مطلقا في القرب من الولادة إلا أنه يشكل الأخذ به في الزائد على ذلك، لما سمعته من كلام الأصحاب الذي به يقوى الإطلاق بحيث لا يصلح الاستصحاب معارضا له.

هذا كله إذا لم يكن الجميع ربي، و إلا أجزأه خروجها كما صرح به غير واحد، بل في الرياض قولا واحدا للإطلاق السالم عن معارضة ما هنا بعد انصرافه إلى غير الفرض، لكن عن التذكرة الأقرب إلزامه بالقيمة، و لا وجه له على كل من التعليلين،


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 162

اللهم إلا أن يكون العلة الاحترام لولدها، بل و لها من جهة ما يحصل لهما من الأذى بالمفارقة، و الصدقة لا يتبعها أذى، و

قال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للأعرابي في مرسل النوفلي المروي في آخر كتاب المعايش (1)من الكافي: «أهد لنا ناقة و لا تجعلها و لها»

أي شديدة الحزن بانقطاع ولدها عنها، لكن على كل حال لا يلزم بالقيمة فإن له شراء شاة غير ربي و يدفعها، و احتمال عدم الاجتزاء بها لكون النصاب ربابا كما هو المفروض يدفعه ما سمعته سابقا من عدم وجوب كون الفريضة من صنف النصاب، كما هو واضح، و مما تقدم في المريضة تعرف الحال في الملفق من الربى و غيره، بل هو من المسألة السابقة بناء على أن المنع فيها للنفاس الذي هو المرض، فلاحظ و تدبر.

و كذا لا تؤخذ الأكولة بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهرهم الاتفاق عليه، كما اعترف به بعضهم للموثق المزبور(2)و الصحيح (3)بناء على أن المراد منه الأخذ لا العد كما ستعرف الحال فيه، نعم عن جماعة تقييد ذلك بما إذا لم يبذلها المالك بل قد سمعت نفي الخلاف عنه في محكي المنتهى و في شرح اللمعة للاصبهاني مما لا شبهة فيه، و هو مبني على أن العلة في المنع دفع الضرر عن المالك و الاوفاق به،

لكونه المنساق من تفسيرها بأنها هي السمينة المعدة للأكل بلا خلاف أجده فيه، و لا ينافيه تفسيرها في الموثق بالكبيرة بعد إرادة السمينة منه لا كبر السن، و في الصحاح «الأكولة الشاة التي تعزل للأكل و تسمن، و يكره للمصدق أخذها» و عن العين و المقاييس «أنها التي ترعى للأكل» و الظاهر عدم إرادة التخصيص بالرعي، لكن لا يخفى أن الاعتماد على مثل ذلك في تنقيح العلة على وجه يفيد جواز أخذها زكاة لو بذلها المالك و ينزل إطلاق النهي عليه لا يخلو من إشكال، خصوصا بعد احتمال كون مراعاة المالك حكمة لخروجها


1- 1 فروع الكافي ج 3 ص 317 من الطبع الحديث« باب النوادر» 54.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 163

عن قبول دفعها فريضة زكاة شرعا، فلا ينفع بذل المالك، بل لعل ذلك هو الظاهر، سيما من صحيح عبد الرحمن، مضافا إلى ما سمعته سابقا في الربى من عدم فائدة للنهي عن الأخذ مع عدم رضا المالك إلا نادراً، فلعل الأقوى عدم الاجتزاء بها إن لم يقم إجماع على خلافه، و الظاهر عدم ثبوته، فلاحظ و تأمل، هذا. و في شرح اللمعة للاصبهاني «لعل ما في العين و المقاييس و غيرهما من التفسير بالشاة على سبيل التمثيل» و فيه منع خصوصا بعد تعارف الاعداد منها لا الإبل و البقر، و التنصيص عليها في الموثق، و المدار في كونها معدة للأكل على العرف، و لعله يقضي بما كان كذلك بالقوة القريبة من الفعل، ثم إنه يختلف باختلاف عادة المالك، و هل المعتبر إعداده لنفسه أو مطلقا حتى يدخل ما يعده الجزارون لغيرهم؟ فيه نظر، و الأظهر الأول كما في شرح اللمعة للاصبهاني و لو كان النصاب جميعه أكولة فعن التذكرة وجوب إخراجها، و فيه ما لا يخفى، نعم يجزيه خروجها كالمريضة التي يستفاد مما قدمناه فيها معرفة الحكم في التلفيق هنا أيضا بأدنى تأمل.

و كذا لا يؤخذ فحل الضراب بدون إذن المالك بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه، أما مع بذله فقد صرح غير واحد بأخذه حينئذ، بل في محكي المنتهى نفي الخلاف عنه، و هو مبني على ما عرفت، و فيه البحث السابق، و لذا جزم ثاني الشهيدين و المحققين في المسالك و شرح القواعد و غيرهما بأنه لا يجزي إلا بالقيمة، و هو قوي جدا، لإطلاق النهي الذي لم ينقح علته دليل معتبر بل ربما يومئ

النبوي (1)«لا يخرج في الصدقة هرمة و لا ذات عوار و لا تيس إلا ما شاء المصدق»

إلى عدم كونها مراعاة المالك، خصوصا مع كون النهي فيه عن الإخراج لا الأخذ، و لا فرق في ذلك بين كونه أعلى قيمة من الفريضة أو لا، فما عن بعضهم من التفصيل بذلك فيؤخذ في


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 87.

ج 15، ص: 164

الأول دون الثاني واضح الضعف، ضرورة اقتضائه جواز أخذ غير مسمى الفريضة مع بذل المالك و علو قيمتها لا على وجه القيمة، كما هو محل البحث، نعم لو كان الكل فحولة اتجه جواز أخذه كما نص عليه غير واحد، لإطلاق الأدلة

السالم عن معارضة ما هنا بعد انصرافه إلى غير ذلك، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه المنع كما عرفت حتى لو كان زائدا على الحاجة، لإطلاق النهي، فما عن بعضهم من تقييده بما إذا لم يكن زائدا على الحاجة و إلا كان كغيره محتاج إلى تنقيح كون العلة الحاجة، و ليس، و دعوى ظهور الإضافة إلى الغنم في صحيح عبد الرحمن و إلى الضراب في فتاوى الأصحاب في ذلك واضحة المنع، خصوصا بعد احتمال أن تكون الأولى لإخراج الإبل و البقر كما يشهد له لفظ الكبش في الموثق (1)و عدم القول بالفصل بين الجميع لم نتحققه، بل المتحقق خلافه نعم نهى عن أخذه و الأكولة في البيان في الإبل و الغنم، و بعضهم أطلق، و الثانية بمعنى الحاصل منه الضراب و نحوه لا المحتاج اليه لذلك، كما هو واضح.

هذا كله في الأخذ، أما العد فلا خلاف أجده في أن الربى تعد، بل نقل الاتفاق عليه غير واحد، بل قيل: إنه ضروري، نعم هو بالنسبة إلى الأكولة و فحل الضراب متحقق، فعن أبي الصلاح عدم عد الأخير، و استظهره في المحكي من مجمع البرهان و زيد في النافع و الإرشاد و اللمعة و الروضة و الحدائق عدم عد الأكولة أيضا لظاهر صحيح عبد الرحمن (2)المؤيد بما أرسله في السرائر من أنه لا يعد فحل الضراب في شي ء من الأنعام، و المشهور نقلا على لسان جماعة إن لم يكن تحصيلا عدهما، لإطلاق الأدلة، و فصل ثاني الشهيدين بين المحتاج اليه فلا يعد، و غيره فيعد، و أوجب أولهما في البيان

عد الفحل مع كون الكل فحولا أو المعظم أو تساوت الفحول و الإناث، دون ما نقص فلا يعد، و عن المنتهى أنهما لا يعدان إلا أن يرضى المالك فيعدان بلا خلاف.


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 165

و الأقوى ما عليه المشهور، للإطلاق المؤيد بما في] خبر محمد بن قيس (1)من التصريح بأنه يعد صغيرها و كبيرها السالم عن المعارض عدا صحيح عبد الرحمن و ما

عن السرائر «روي أنه لا يعد فحل الضراب في شي ء من الأنعام»

و المرسل غير حجة، و لا جابر له، و الصحيح يمكن إرادة الأخذ منه بقرينة اشتماله على الربى و شاة لبن، و قد حكى الإجماع غير واحد على عدهما، بل قيل: إنه لا ينبغي الشك فيه، لأن الغرض الأهم من تملك الغنم إنما هو الولادة و اللبن، فلو لم تجب الزكاة فيهما لشاع و ذاع و ملأ الأسماع، فإذا انضم إلى ذلك فحل الضراب و الأكولة كان ما يجب فيه الزكاة أقل قليل لندرة حصول نصاب تام مستوف للشرائط خال عنها، فقد صح لنا أن ندعي أن الحكم ضروري فضلا عن أن يكون مجمعا عليه، و من ذلك يعلم أنه لا وجه لترجيح هذا الصحيح الدال على عدم العد في الربى و غيرها على الإجماع المحكي و إن احتمله بعضهم، كما أنه لا وجه لتخصيص الصحيح بالإجماع في الربى و شاة اللبن، و تبقى الأكولة و فحل الضراب على ظاهره، ضرورة عدم كونه منه بعد التنصيص على

كل واحد فيه بالخصوص نعم قد يقال: إنه لا بأس بالعمل به في بعض دون بعض، لكن ذلك ليس بأولى من حمله على الأخذ، خصوصا بعد الموثق المصرح فيه بذلك الظاهر في العد، بل هو أولى قطعا، و أولى من إرادة عموم المجاز منه الشامل للعد و الأخذ.

و بالجملة لا يكاد يمكن أن ينكر قوة الظن بإرادة الأخذ منه لا العد بملاحظة الموثق و غيره مما عرفت، مضافا إلى الإطلاقات و العمومات العظيمة التي ليس فيها إشعار بعدم العد لا مطلقا و لا مع التفاصيل المزبورة الخالية عن الدليل المعتد به، بل فيها الإشعار بخلافه، بل ربما يحصل القطع بملاحظة كل من النصوص المتعرضة لبيان الزكاة و كيفية إخراجها و لما يؤخذ و ما لا يؤخذ بالعد للجميع، بل في شرح الأستاذ الأكبر أنه ربما


1- 1 الاستبصار ج 2 ص 23 الرقم 62 طبع النجف.

ج 15، ص: 166

يصير متواترا بالمعنى، فلا ريب في فساد القول بالعد مطلقا أو مع التفاصيل المزبورة التي أضعفها ما سمعته عن المنتهى، ضرورة عدم مدخلية رضى المالك في الحكم الشرعي بعد عدم ما يقتضي تعليقه عليه، كما هو واضح.

ثم إن ظاهر المصنف و غيره تخصيص المنع عن الأخذ بهذه المذكورات، لكن في التحرير و الدروس و البيان و محكي المبسوط و السرائر و التذكر زيادة الحامل، لأن

النبي (صلى الله عليه و آله)(1)نهى أن يأخذ شافعا

أي حاملا، و عن الأخير «إلا أن يتطوع المالك بإخراجها» و نحوه في التحرير و البيان، بل فيه و عن التذكرة لو طرقها الفحل فكالحامل لتجويز الحمل، و عن الأخير «لو كانت كلها حوامل وجب إخراج حامل» و في البيان في وجوبه عندي نظر، قلت: بل منع، للأصل و إطلاق الأدلة، و الشركة الحادثة في الحامل لا تقتضي الشركة في المحمول، و من ذلك يعلم الوجه في عدم أخذ الحامل في الصورة الأولى، مضافا إلى الخبر المزبور، نعم في إلحاق المطروقة بالحامل نظر بل منع.

و كيف كان فلا إشكال في أنه يجوز أن يدفع من غير غنم البلد في زكاة الإبل و إن كان أدون قيمة للإطلاق السالم عن معارضة قاعدة الشركة في العين و غيرها، بل لا خلاف أجده فيه عدا ما يحكى عن مبسوط الشيخ و خلافه، فقال في الأول: «يؤخذ من نوع البلد لا من نوع آخر، لأن المكية و العربية و النبطية مختلفة» و في الثاني «يؤخذ من غالب غنم البلد» و فيه أن الاختلاف لا يخرجها عن صدق الشاة التي هي مناط الامتثال للأمر بها، كما هو واضح، نعم خالف الشهيدان و الكركي و أبو العباس و الصيمري على ما حكي عن بعضهم في زكاة الغنم، فلم يجوزوا الدفع من غير غنم البلد إلا أن تكون أجود أو بالقيمة، لقاعدة الشركة، مع أن الأقوى خلافه،


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 96.

ج 15، ص: 167

وفاقا للمصنف و الفاضل، للإطلاق الذي قد عرفت في المباحث السابقة استفادة حكمين منه: أحدهما كون الفقير شريكا في النصاب على حسب نسبة الفريضة، و ثانيهما إجزاء مسمى ما قدر الشارع به تلك النسبة عن الحصة المشاعة التي في النصاب، و لعل ذلك هو الفائدة في ذكر التقدير به، مضافا إلى بيان مقدار النسبة، و به استحق إطلاق اسم الفريضة، و إلا فقد عرفت أنها في الحقيقة الحصة المشاعة في العين، و لو أن غير غنم البلد لا يجزي و إن صدق عليه الاسم لقاعدة الشركة لم يجز ما كان منه أيضا إذا كان خارجا عن النصاب، ضرورة منافاتهما معا لقاعدة الشركة، لكن يدفعها أن الشارع اكتفى عن تلك الحصة بمسمى الشاة التي هي من أواسط الشياه و ليست أحد المذكورات فلا يتفاوت الحال بين غنم البلد و غيره، و لو أن وصف الشامية و العراقية و المكية ملاحظ في الفريضة المخرجة للوحظ فيها الأجودية و نحوها إذا كان النصاب من الأجود، و هو معلوم البطلان، كمعلومية بطلان ملاحظة النسبة لو فرض كون النصاب ملفقا من غنم البلد و غيره، و مقتضاه تعيين القيمة في بعض الأفراد، كما إذا لم يحصل شاة قيمتها المنتزعة من القيمتين، بل جميع هذه الالتزامات زيادة فيما وصل إلينا منهم (عليهم السلام)، و الواجب على العباد اتباعهم دون غيرهم، و كذا الكلام في فريضة الإبل و البقر، ضرورة اشتراك الجميع فيما عرفت، فيجزي مسمى فرائضها و إن لم يكن من إبل البلد و بقرة، و قد تقدم في دفع الضأن فريضة عن المعز و بالعكس ما يشهد لما هنا، على أن الأمر واضح بعد التأمل فيما ذكرنا.

و منه يظهر أنه يجزي في الفريضة الذكر و الأنثى لتناول الاسم الذي هو الشاة لهما، سواء كان النصاب فحولا أو أناثا أو ملفقا، و قاعدة الشركة لا تنافي بعد تقدير الشارع الحصة بما عرفت، فما عن الخلاف من كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى، و في الذكور يتخير، و جامع المقاصد من أنه يتخير في الذكران أو في شاة

ج 15، ص: 168

الإبل لا مطلقا، و المختلف من أنه يجوز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها دون غيره لقاعدة الشركة في العين، فيه مضافا إلى ما عرفت أن ليس المتعلق بالعين إلا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها، و إلا لما تصور تعلقها بالإبل و لا الغنم التي قد عرفت جواز دفع الجذع فريضة فيها، و هو ليس من النصاب قطعا، لعدم حول الحول عليه كما عرفته سابقا، و كان المسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى إطناب خصوصا بعد تأمل الفرائض في الإبل مثلا التي يمكن أن يكون النصاب خاليا عنها، مع أن المراد من الخطاب واحد من غير فرق بين حالي الوجود و العدم، و كأن الوهم نشأ من الانسياق في بادئ النظر في خصوص نصاب الغنم الذي لا ينفك عنه صدق الفريضة على أحد أجزائه، و لم يعلم أنه لا فرق بين خطاب الغنم و الإبل و البقر في عدم اعتبار كون الفريضة من النصاب، بل و جميع محال الزكاة، كما هو واضح بأدنى تأمل. و من هنا كان المشهور هنا على خلاف ما سمعته من الثلاثة، بل لم يحك الخلاف إلا عنهم، فلاحظ و تأمل، خصوصا فيما وقع من بعض الأصحاب كالشهيد و غيره من اعتبار قاعدة الشركة في العين تارة، و الاعراض عنها أخرى، و الله و رسوله و أهل بيته (عليهم الصلاة و السلام) هم أعلم.

[القول في زكاة الذهب و الفضة]
اشاره

القول في زكاة الذهب و الفضة

[في نصاب الذهب و الفضة]
اشاره

لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا أي مثقالا شرعيا بلا خلاف أجده فيه نصاً و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)متواترة فيه، فإذا بلغ عشرين ففيه نصف دينار عبارة عن عشرة قراريط هي نصف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 169

المثقال الذي قد عرفت أنه الدينار، و هو ثمان و ستون شعيرة و أربعة أسباع شعيرة، و القيراط ثلاث شعيرات و ثلاثة أسباع شعيرة، فالمثقال عشرون قيراطا، و نصفه عشرة و هي ربع العشر من العشرين ديناراً ثم ليس في الزائد شي ء حتى يبلغ أربعة دنانير، ففيها

قيراطان، و لا زكاة فيما دون عشرين مثقالا و لا فيما دون أربعة، ثم كلما زاد المال أربعة ففيه قيراطان بالغا ما بلغ، و قيل و القائل ابنا بابويه في الرسالة و المقنع على ما حكي عنهما لا زكاة في العين أي الدنانير حتى تبلغ أربعين فإذا بلغ ففيه دينار بل عن علي بن بابويه منهما الخلاف في النصاب الثاني أيضا، فجعله أربعين أيضا و على كل حال ف الأول أشهر فتوى و رواية، بل هو المشهور نقلا و تحصيلا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل عن الغنية لا خلاف فيه، و ظاهرها نفيه بين المسلمين، بل في المحكي عن السرائر إجماعهم عليه، و أن علي بن بابويه مخالف لهم، و عن التذكرة إذا بلغ أحدهما يعني النقدين وجب فيه ربع العشر، فيجب في العشرين مثقالا نصف دينار و في المائتين من الفضة خمسة دراهم بإجماع علماء الإسلام، بل في مفتاح الكرامة الذي وجدناه فيما عندنا من المقنع و الهداية و الفقيه موافقة المشهور، نعم في الأول نسب بعد ذلك خلاف المشهور إلى الرواية، و الموجود فيما حضرنا من نسخة الهداية «اعلموا أنه ليس على الذهب شي ء إلى أن يبلغ أربعة و عشرين، ثم فيه نصف دينار و عشر دينار ثم على هذا الحساب متى ما زاد على عشرين و أربعة، ففي كل أربعة عشر إلى أن يبلغ أربعين، فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال» و لم يحك ذلك عنه أحد، و على كل حال فلم نتحقق الخلاف من غيره و غير أبيه، لكن عن المعتبر أنه نسب الخلاف اليه و إلى أبيه و جماعة، كما أنه حكاه عن الخلاف عن قوم من أصحابنا، و لعلهما أرادا الرواة، و إلا فالمنقول عن القدماء من أهل الفتاوى كالمفيد و السيد و غيرهما التصريح بالمشهور.

و كيف كان فلا ريب في ضعفه، إذ النصوص في غاية الاستفاضة بخلافه، بل

ج 15، ص: 170

يمكن دعوى تواترها، و فيها الصحيح و غيره، منها خبر علي بن عقبة(1)و عدة من أصحابنا عن الباقر و الصادق (عليهما السلام)، و منها موثق سماعة(2)عنه (عليه السلام) أيضا، و منها صحيح أبي بصير(3)و منها خبر أبي عيينة(4)عنه (عليه السلام) أيضا، و منها صحيح الحسين بن بشار(5)عن أبي الحسن (عليه السلام)، و منها خبر يحيى بن أبي العلاء(6)و منها

صحيح زرارة(7)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه نصف دينار، و ليس فيما دون العشرين شي ء، و في الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم، و ليس فيما دون المائتين شي ء، فإذا زادت

تسعة و ثلاثون على المائتين فليس فيها شي ء حتى تبلغ الأربعين، و ليس في شي ء من الكسور شي ء حتى تبلغ الأربعين، و كذلك الدنانير على هذا الحساب»

أي متى بلغ قيمتها ذلك وجب فيها ربع العشر، ففي العشرين دينارا التي هي بحساب المائتين درهما- لما قيل من أنه في ذلك الوقت كل دينار بعشرة، و عليه تقدير الدية- نصف دينار، و في الأربعة بعدها التي هي بمنزلة الأربعين ربع عشرها أيضا قيراطان، و هكذا حتى تصل إلى الأربعين، فيكون فيها دينار، ثم على هذا الحساب، و اليه أومى في

صحيح ابن أبي عمير(8)«سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الذهب و الفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال: مائتا درهم و عدلها من الذهب، و قال: سألته عن النيف الخمسة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 13 و هو صحيح الفضلاء.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 8.
7- 7 ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 9 و ذيله في الباب 2 منها- الحديث 6.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1 عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي.

ج 15، ص: 171

و العشرة قال: ليس عليه شي ء حتى يبلغ أربعين، فيعطى من كل أربعين درهما درهم»

و صحيح محمد بن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة»

و هو المراد من

موثق زرارة(2)عن أحدهما (عليهما السلام) «ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فان زادت فعلى حساب ذلك في كل أربعين درهما درهم و ليس في الكسور شي ء، و ليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال، ثم على حساب ذلك إذا زاد المال في كل أربعين دينارا دينار»

لا أن المراد أنه لا يحسب إلا بذلك حتى يكون منافيا للروايات الأخر، و من

صحيح زرارة و بكر(3)سمعا أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي ء، فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار، و ليس في أقل من مائتي درهم شي ء، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم، فما زاد فبحساب ذلك، و ليس في مائتي درهم و أربعين درهما غير درهم إلا خمسة الدراهم، فإذا بلغت أربعين و مائتي درهم ففيها ستة دراهم، فإذا بلغت ثمانين و مائتين ففيها سبعة دراهم و ما زاد فعلى هذا الحساب، و كذلك الذهب».

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يصلح لمعارضتها

صحيح زرارة(4)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل عنده مائة درهم و تسعة و تسعون درهما و تسعة و ثلاثون دينارا أ يزكيها؟ قال: لا، ليس عليه شي ء من الزكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى


1- 1 لوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 2- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 8 و ذيله في الباب 1 منها- الحديث 10.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 11 و ذيله في الباب 2 منها- الحديث 10 عن زرارة و بكير و هو الصحيح.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 14.

ج 15، ص: 172

تتم أربعين دينارا و الدراهم مائتي درهم»

و صحيح الفضلاء(1)عن الصادقين (عليهما السلام) قالا: «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال، و في الورق في كل مائتين خمسة دراهم، و ليس في أقل من أربعين مثقالا شي ء، و لا في أقل من مائتي درهم شي ء و ليس في النيف شي ء حتى يتم أربعون، فيكون فيه واحد»

فلا بأس بطرحهما في مقابلة ما سمعت أو حملهما على إرادة الدينار الكامل الذي يجب في الأربعين و إن بعد، بل قيل في عبارة الفقيه و الهداية إشعار بذلك، ك

قوله (عليه السلام): «ليس في النيف»

إلى آخره، مع أن الثاني منهما مطلق قابل للتقييد بغيره، بل و الأول أيضا، و أبعد من ذلك كله ما في شرح اللمعة للاصبهاني من أنه يحتمل أن يكون زرارة سأل عن دنانير هي أنصاف الدنانير المعروفة، أو عن رجل كان عنده تسعة و ثلاثون ديناراً لم يكن من ماله إلا تسعة عشر دينارا و إن لم يكن يعلم ذلك و كان (عليه السلام) يعلم ذلك، ثم قال:

و ليس في الخبر الأخير ذكر للزكاة، فيجوز أن يكونا (عليهما السلام) إنما قالا ذلك في مقابلة بين اثنين أو جماعة من بيع أو صلح أو مضاربة لم يكن فيما دون الأربعين على ما

اقتضته المعاملة شي ء على العامل أو له مثلا شي ء، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم، ففيها ربع العشر خمسة دراهم، ثم كلما زادت أربعين كان فيها درهم بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (2)يمكن دعوى تواترها فيه و حينئذ ليس فيما نقص في جميع الموازين عن الأربعين زكاة عندنا كما ليس فيما ينقص عن المائتين شي ء و لو يسيرا كالحبة و نحوها و إن تسومح فيه في


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 13 و ذيله في الباب 2 منها- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 173

المعاملة بحيث يروج فيها، لأن المسامحة العرفية لا يبتني عليها الأحكام الشرعية، إذ الحقيقة في التقدير كونه على التحقيق دون التقريب، نعم لو كان النقصان مما تختلف به الموازين فينقص في بعضها دون بعض ففي المحكي عن المعتبر و التحرير و التذكرة و نهاية الأحكام و الميسية و المسالك تجب الزكاة، و اليه يرجع ما عن البيان «في الغلات لو اختلفت الموازين فبلغ في بعضها و تعذر التحقيق فالأقرب الوجوب».

و كيف كان فهو الأقوى، لاغتفار ذلك في المعاملة، فكذا هنا، و لصدق بلوغ النصاب بذلك، ضرورة عدم اعتبار البلوغ بالجميع، لعدم إمكان تحققه، فلا إشكال في الاجتزاء بالبلوغ في البعض مع عدم العلم، بخلاف

الباقي، و ليس إلا لحصول الصدق بذلك المشترك بينه و بين الفرض الذي لا مدخلية للعلم، بخلاف الغير و عدمه فيه، و دعوى الفرق بصحة السلب أيضا في الأول دون الثاني يدفعها منع الصحة على الإطلاق و إنما يصح مقيدا في البعض، بخلاف الإثبات فإنه يصح إطلاقه بالبلوغ بالبعض، كما هو ظاهر في المقام و في أشبار الكر و أذرع المسافة و غيرها، و تحقيق ذلك أنه لا إشكال في انصراف ما به التقدير إلى الوسط لأنه الغالب، لكن من المعلوم أن له أفرادا متعددة فيجزي كل منها للصدق، و دعوى اختصاص الحكم بالوسط منها أيضا يدفعها أنه ليس فرداً مخصوصاً كي ينصرف إليه الإطلاق، على أن المدار الصدق العرفي، و هو متحقق في أقل أفراد الوسط، و يمكن تأييده بعد الاحتياط بإطلاق ما دل على أن الزكاة في الذهب مثلا خرج منه الناقص عن العشرين في جميع الموازين، و يبقى ما عداه، فما عن خلاف الشيخ و تذكرة الفاضل- من عدم الوجوب للأصل المقطوع بما عرفت، و لأنه لو صدق الإثبات بالبعض لصدق السلب به، فيبقى الأصل حينئذ سالما، و قد عرفت الفرق بينهما- واضح الضعف.

و كيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أن للذهب نصابين و كذا للفضة، و إن

ج 15، ص: 174

شئت جعلته نصابا واحدا كليا بأن تقول لا شي ء في الذهب حتى يبلغ عشرين، فإذا بلغ ففي كل أربعة قيراطان دائما، و لا شي ء في الفضة حتى تبلغ المائتين، فإذا بلغت ففي كل أربعين درهما درهم دائما، و لكن الموافق لما في النصوص التعبير الأول، و لعله لذلك عبر به الأصحاب، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب، و بعد أن ظهر أن الواجب في كل منهما بعد بلوغ النصاب ربع العشر، و لذا لو أخرجه من عنده أحدهما بعد العلم بالاشتمال على النصاب الأول أجزأ و إن لم يعتبر الجميع، بل ربما زاد خيرا، إذ قد يشتمل ما عنده على العفو، كما هو واضح.

[في تحديد الدرهم و الدينار]

و كيف كان ف الدرهم ستة دوانيق، و الدانق ثمان حبات من أواسط حب الشعير في العظم و الصغر و الرزانة و الخفة بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل عن ظاهر المنتهى في الفطرة الإجماع على الأول، بل عن ظاهر الخلاف إجماع الأمة عليه، نحو ما في المدارك من أنه نقله الخاصة و العامة، و نص عليه جماعة من أهل اللغة، و في المفاتيح «أنه كذلك باتفاق الخاصة و العامة و نص أهل اللغة» و في الرياض لم أجد فيه خلافا بين الأصحاب، و عزاه جماعة إلى الخاصة و العامة مؤذنين بكونه مجمعا عليه عندهم، بل في المفاتيح نفي الخلاف أيضا عما بعد الأول، و في محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا، و في المدارك قطع به الأصحاب، بل عن رسالة المجلسي في تحقيق الأوزان أنه متفق عليه بينهم، و أنه صرح به علماء الفريقين، نحو ما في الحدائق، إلى غير ذلك من كلماتهم المعلوم كفايتها في هذا الموضوع، و منه يعلم شذوذ

المرسل (1)عن المروزي المجهول عن أبي الحسن (عليه السلام) «إن الدرهم ستة دوانيق، و الدانق وزن ست حبات، و الحبة وزن حبتين شعيرا من أواسط الحب لا من صغاره و لا من كباره»

كما اعترف به غير واحد، فما عن مجمع البرهان «أن هذا عمدة في كثير من الأحكام،


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 3 من كتاب الطهارة.

ج 15، ص: 175

و ما نجد له دليلا إلا أنه مشهور و نقله الأصحاب المعتمدون، و نقلهم مقبول حتى كاد يكون إجماعا و إن كانت الرواية تخالفه» مما عساه يشعر بالتوقف فيه في غير محله، إذ قد عرفت شذوذ الرواية، و كفاية ما سمعته من الاتفاق المزبور دليلا لما هو أعظم منه فضلا عنه، مضافا إلى ما عن ظاهر الخلاف من إجماع الأمة على أن الدرهم نصف مثقال شرعي و خمسه، و عن رسالة المجلسي أنه مما لا شك فيه و مما اتفقت عليه العامة و الخاصة و فيها أيضا أنه مما لا شك فيه أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي، فالصيرفي مثقال و ثلث من الشرعي، و في الحدائق أيضا «لا خلاف بين الأصحاب و غيرهم أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية و لا إسلام، صرح بذلك جملة من علماء الطرفين» قال الفاضل في النهاية أن الدنانير لم يتغير المثقال فيها في جاهلية و لا إسلام، و كذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز، قيل و شرحه الآخر لليمني.

و يتحصل حينئذ من ذلك كله و مما سمعته سابقا في القيراط و الدينار أنه يكون مقدار العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية أي دنانير، فالعشرون دينارا التي هي أول نصب الذهب وزن ثمانية و عشرين درهماً و أربعة أسباع درهم، و المائتا درهم التي هي أول نصب الفضة وزن مائة و أربعين مثقالا، و علم من ذلك أن المثقال درهم و ثلاثة أسباع الدرهم، كما أن الدرهم سبعة أعشار المثقال أي مثقال إلا ثلاثة أعشاره، فهو مع ثلاثة أعشار المثقال مثقال، بل علم أيضا أن الدرهم وزن ثمانية و أربعين حبة شعير، و المثقال وزن ثمانية و ستين حبة و أربعة أسباعها كما هو واضح بأدنى تأمل، و على كل حال فالمدار في الدرهم و الدينار هنا و في الدية و غيرها على هذا الوزن، و لا عبرة بغيره سابقاً و لاحقا، فيرجع الأنقص منه و الأزيد إليه، فما بلغ به ترتب عليه الحكم، إذ لا إشكال عندنا في أن العبرة بالوزن لا بالعد، و الإجماع بقسميه عليه، و في بعض

ج 15، ص: 176

النصوص (1)دلالة عليه، و الظاهر وجود الدرهم بهذا الوزن في عصر النبي صلى الله عليه و آله، قال الفاضل في محكي المنتهى: الدراهم في بدء الإسلام كانت على صنفين بغلية، و هي السود، و طبرية، و كانت السود كل درهم منها ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام و جعلا درهمين متساويين وزن كل درهم منها ستة دوانيق، فصار وزن كل عشرة

دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، و كل درهم نصف مثقال و خمسه، و هو الدرهم الذي قدر به النبي (صلى الله عليه و آله) المقادير الشرعية في نصاب الزكاة و القطع و مقدار الدية و الجزية و غير ذلك، و نحوه عن التحرير و التذكرة و إن كان لم ينص في الأخير على أن النبي (صلى الله عليه و آله) قدر به المقادير، و في المحكي عن المعتبر «أن المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل، و هو الوزن المعتدل، فإنه يقال: إن السود كانت ثمانية دوانيق، و الطبرية أربعة دوانيق فجمعا و جعلا درهمين، و ذلك موافق لسنة النبي (صلى الله عليه و آله)» لكن في المحكي عن نهاية الأحكام «و السبب أي في صيرورة الدرهم ستة دوانيق أن غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدرهم في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) و الصدر الأول بعده نوعان: البغلية و الطبرية، و الدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق، و من الطبرية أربعة دوانيق، فأخذوا واحدا من هذه و قسموها نصفين، و جعلوا كل واحد درهما في زمن بني أمية، و أجمع أهل ذلك العصر على تقدير الدراهم الإسلامية بها، فإذا زادت على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا، و إذا نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما، و كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و كل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما و سبعان، قال المسعودي: إنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبع مثاقيل من الذهب لأن الذهب أوزن


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.

ج 15، ص: 177

من الفضة، و كأنهم ضربوا مقداراً من الفضة و مثله من الذهب فوزنوهما فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها، و استقرت الدراهم في الإسلام على أن كل درهم نصف مثقال و خمسه، و بها قدرت نصب الزكاة و مقدار الجزية و الديات و نصاب القطع في السرقة و غير ذلك» و بمعناه في البيان، و فيه أن ذلك كان بإشارة زين العابدين (عليه السلام)، و عن أبي عبيد في كتاب الأموال التصريح بأن ذلك كان في زمن بني أمية أيضا، و ربما أشكل ذلك على بعض الناس بأن تقدير الزكاة بالخمسة دراهم لا ينبغي حمله على العرف الحادث، و فيه أنه لا دلالة في شي ء مما سمعت على انحصار الدراهم في تلك، بل أقصاه غلبة المعاملة بها، و الحادث إنما هو انحصار المعاملة بها، و هو غير قادح، على أنه يمكن أن يكون تقدير النبي (صلى الله عليه و آله) للزكاة بغير لفظ الدرهم بل كان شي ء ينطبق على هذا الدرهم الحادث الذي قدروا به أئمة ذلك الزمان، كما هو واضح، و على كل حال فلا ينبغي الإشكال في ذلك، فان الدراهم و إن اختلفت إلا أن التقدير بما عرفت.

و في المحكي عن كشف الرموز «أن الدرهم في قديم الزمان كان ستة دوانيق، كل دانق قيراطان بوزن الفضة، كل قيراط أربع حبات، كل حبة ستة أسباع من حبات الشبه المستعملة الآن، فالدرهم ثمان و أربعون حبة، و الدانق ثمان منها، لأنه سدس الدرهم، و كان الدرهم في ذلك الزمان بوزن الذهب أربعة عشر قيراطا، فيكون وزن عشرة دراهم سبعة مثاقيل، و الزكاة إنما تجب في الدراهم إذا كانت بهذا الوزن، فأما في زماننا هذا فالدرهم أربعة دوانيق، كل دانق ثلاثة قراريط و حبة، كل قيراط ثلاث حبات، فيكون الدانق عشر حبات من حبات الشعير، و التفاوت بين الموضعين إنما هو بثلاث السبع» و عن السرائر أن الدرهم أربعة دوانيق، و الدانق ثمان حبات، و الغرض من ذلك كله أن الدرهم مختلف بحسب الأزمنة، إلا أن الذي وقع به التقدير

ج 15، ص: 178

باتفاق الأصحاب على الظاهر ما عرفت، و لعل المرسل (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) السابق محمول على درهم في ذلك الزمان و إن لم يكن به التقدير، بل التقدير للنصاب بالدرهم المزبور، و الإخراج منه على نسبته، كما أومى إليه في

خبر حبيب الخثعمي المروي في باب علة وضع الزكاة على ما هي من كتاب الكافي (2)قال: «كتب أبو جعفر المنصور إلى محمد بن خالد و كان عامله على المدينة أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة، و لم يكن هذا على عهد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و أمره أن يسأل فيمن

يسأل عبد الله بن الحسن و جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال:

فسأل أهل المدينة فقالوا: أدركنا من كان قبلنا على هذا، فبعث إلى عبد الله بن الحسن و جعفر بن محمد (عليهما السلام) فسأل عبد الله بن الحسن فقال: كما قال المستفتون من أهل المدينة، فقال: ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) جعل في كل أربعين أوقية أوقية، فإذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة و قد كانت وزن ستة و كانت الدراهم خمسة دوانيق، قال حبيب: فحسبناه فوجدناه كما قال، فأقبل عليه عبد الله بن الحسن فقال: من أين أخذت هذا؟ قال: قرأت في كتاب أمك فاطمة (عليها السلام) قال: ثم انصرف فبعث اليه محمد بن خالد ابعث إلى بكتاب فاطمة (عليها السلام) فأرسل إليه أبو عبد الله (عليه السلام) إني إنما أخبرتك أني قرأت و لم أخبرك أنه عندي، قال حبيب: فجعل محمد بن خالد يقول لي: ما رأيت مثل هذا قط»

قال في الوافي: «إن بناء هذه الشبهة و انبعاثها على تغير الدراهم في الوزن بحسب القرون، و قد كانت في زمن رسول الله (صلى الله عليه و آله) تحسب بالأوقية، و كانت الأوقية أربعين


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 3 من كتاب الطهارة و هو عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام.
2- 2 فروع الكافي ج 1 ص 507 المطبوعة عام 1377.

ج 15، ص: 179

درهما، و الدرهم ستة دوانيق، ثم صار الدرهم خمسة دوانيق، و كانت الزكاة وزن ستة كما يستفاد من هذا الخبر، و لعله صار في زمن المنصور أقل من خمسة دوانيق، و صارت الزكاة وزن سبعة، إن قيل كما غيرت الدراهم في الزكاة غيرت أيضا في النصب قلنا إنما كان العد في الزكاة، و أما النصب فكانوا يزنونها من غير عد» قلت: حكي عن بعض الأفاضل فيما كتبه على هذا الخبر أن الدرهم غير الطبري و البغلي على ضروب ثلاثة، درهم زنته ستة دوانيق، و هو الشرعي الذي كان خمسة منه أول ما يجب في نصب الفضة و درهم زنته خمسة دوانيق، و درهم زنته خمسة أسباع الدرهم الشرعي، و هو الدرهم المحدث في زمان المنصور و ما قاربه، و قرر الوجه في سؤال المنصور أنه لما كان المشهور في عصره أن سبعة دراهم غير تلك الدراهم المحدثة هي أول ما يجب في نصب الفضة مع أن هذا المحدث لم يكن في عصر النبي (صلى الله عليه و آله) و لم يرد فيه رواية و الروايات وردت في الخمسة دراهم استفسر عن هذا و استعلم حقيقته ثم طبق جواب الامام (عليه السلام) على ذلك، لكن عن آخر أن حاصل السؤال أن هذه الدراهم لم تكن في زمن النبي صلى الله عليه و آله فكيف صار المائتان نصابا أولا زكاته خمسة دراهم، و حاصل الجواب: أن النبي صلى الله عليه و آله جعل النصاب الأول أربعين أوقية، زكاتها أوقية، و كان هذا القدر المخرج أي الأوقية وزن سبعة دراهم في زمن النبي (صلى الله عليه و آله)، ثم زيد في قدر الدرهم فصار وزن ستة دراهم، لأن كانت الدراهم بعد النبي (صلى الله عليه و آله) خمسة دوانيق، ثم صارت الأوقية وزن خمسة دراهم بعد أن زيد دانق في الدرهم، فالنصاب الأول وزن خاص لم يتفاوت، نعم كان هذا القدر في زمن النبي (صلى الله عليه و آله) مائتين و ثمانين درهما، ثم صار مائتين و أربعين، ثم صار مائتين، فالنصاب قد نقص في عدد الدراهم، و الدرهم قد زيد في قدره، لكن نسبة المخرج إلى النصاب لم تتفاوت، قلت: و المدار عليها لا على غيرها من العد و نحوه كما عرفته سابقا، و لا أظن أنه يخفى عليك شي ء بعد

ج 15، ص: 180

الإحاطة بجميع ما ذكرناه، و الله أعلم.

[في شروط الزكاة في الذهب و الفضة]
[منها اعتبار كون الدرهم و الدينار منقوشين بسكة المعاملة]

و كيف كان ف من شرط وجوب الزكاة فيهما مضافا إلى بلوغ النصاب كونهما مضروبين من سلطان الوقت أو مماثله دنانير أو دراهم منقوشين بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل في الغنية و التذكرة و المدارك و محكي الانتصار الإجماع عليه، و إن زاد في الأول أو سبائك فر بسبكها من الزكاة الذي هو بمعنى ما في الوسيلة من كونهما مضروبين منقوشين أو في حكم المضروب المنقوش، لأن المراد من الشرط كما في شرح اللمعة للاصبهاني كونهما كذلك في الجملة، لكن لا يخفى عليك ما فيه من اقتضائه وجوب الزكاة في المسبوكين لا بقصد الفرار، نعم الذي يمكن تحصيله من الإجماع عدم الوجوب في غير المضروب المنقوش أصلا و المسبوك منه لا بقصد الفرار، و لعله المراد له بل و لغيره ممن حكى الإجماع، لما تعرفه إن شاء الله من كثرة المخالفين في المسبوك فرارا، و حينئذ فهو الدليل على المطلوب، مضافا إلى

خبر علي بن يقطين (1)عن أبي إبراهيم صلوات الله عليه «و كل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء، قال:

قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش»

و مضمر مرسل جميل (2)«ليس في التبر زكاة، إنما هي على الدنانير و الدراهم»

و خبره الآخر(3)عن أبي عبد الله و أبي الحسن (عليهما السلام) و إلى ما دل على نفيها عن السبائك و الحلي و النقار و التبر من الأخبار(4)و هي كثيرة.

و المراد من النقش أنه يكون بسكة المعاملة كما نص عليه غير واحد، بل هو من معقد إجماع المدارك، بل هو المنساق من غيره أيضا حتى خبر ابن يقطين، بل قيل لعله يفهم ذلك من تعبير الأكثر بالدرهم و الدينار، قلت: و حينئذ يدل عليه الخبران


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 8 و 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 181

المزبوران، نعم لا يعتبر دوام ذلك فيها، بل يكفي حصول المعاملة بها سابقا و إن هجرت

بعد ذلك كما صرح به جماعة منهم المصنف، فقال أو ما كان يتعامل بهما بل لم أر فيه خلافا كما اعترف به في محكي الرياض، للاستصحاب و الإطلاق و غيرهما.

و لا فرق في السكة بين الكتابة و غيرها، و لا بين كونها سكة إسلام أو كفر كما صرح به غير واحد، للإطلاق نصا و فتوى و معقد إجماع، بل قال في كشف الأستاذ:

«إنه لا فرق بين القديمة و الجديدة و الإسلامية و غيرها و بقاء الأثر مع بقاء المعاملة فيها و عدمه و الصافية و المغشوشة و إلغاء السكة و عدمه و عموم الأماكن و عدمه و لا بين الاتخاذ للمعاملة و بين الاتخاذ لزينة الحيوان و الإنسان و غيرهما» نعم قال بعد ذلك «و لو كان سكة غير سكة سلطان الوقت فان عمت بها المعاملة فكسكة السلطان، و إلا فلا اعتبار بها» و فيه بحث، و أما ما ذكره غير واحد من الأصحاب- من عدم الزكاة في غير المنقوش و لو جرت المعاملة به، بل في المدارك و محكي الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه- فيمكن أن يكون مستنده الأخبار السابقة، مع أنه لا يخلو من بحث أيضا.

و كذا لا زكاة في الممسوح على ما نص عليه في الروضة، لكن قد يناقش ببقاء اسم الدرهم و الدينار، و إطلاق الزكاة في الذهب و الاستصحاب، و الوصف بالمنقوش في خبر ابن يقطين (1)مع أنه جار مجرى الغالب فيما فيه المعاملة في ذلك الوقت و مع قوة الظن بإرادة الكناية بذلك عن الدراهم و الدنانير

لم يعلم حجية الوصف فيما زال عنه الوصف، و يمكن أن يريد الممسوح أصالة لا عارضا، فيكون عين ما سمعته من المدارك، و لا مخالفة فيه حينئذ لما سمعته من كشف الأستاذ، فتأمل.

و لو كان النقش لغير المعاملة ثم اتخذ بعد ذلك لها فالظاهر تعلق الزكاة، مع احتمال العدم، من غير فرق بين كون الاتخاذ عن ضرب سلطان و بين غيره، و لعل


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 182

لفظ الضرب في كلام الأصحاب جريا على الغالب، و لو ضربت للمعاملة لكن لم يتعامل بها أصلا أو تعومل بها تعاملا لم تصل به إلى حد تكون به دراهم أو دنانير مثلا لم تجب الزكاة للأصل و غيره، و لعله إليه أومأ في جامع المقاصد بقوله: «و ينبغي أن تبلغ برواجها أن تسمى دراهم و دنانير».

و لو اتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحلي و غيرها ففي الروضة و شرحها للاصبهاني لم يتغير الحكم، زاده الاتخاذ أو نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة، لإطلاق الأدلة و الاستصحاب الذي به يرجح الإطلاق المزبور على ما دل على نفيها عن الحلي، و إن كان التعارض بينهما من وجه، بل يحكم عليه، لأن الخاص و إن كان استصحابا يحكم على العام و إن كان كتابا، مضافا إلى ما قيل من أن المفهوم من نصوص الحلي (1)المعد لذلك أصالة، و دعوى ظهورها في جعل الدراهم و الدنانير حليا فلا تقبل التخصيص

حينئذ واضحة المنع، كدعوى ترجيح نصوص الحلي باشتمالها على التعليل لها باقتضاء الزكاة فيها عدم بقاء شي ء منها أو ما هو كالتعليل، ضرورة أنه بعد تسليم كونه علة لا حكمة أقصاه العموم القابل للتخصيص بما عرفت، نعم لو تغيرت بالاتخاذ بثقب و نحوه بحيث لا تبقى المعاملة بها اتجه عدم وجوب الزكاة فيها حينئذ، لانتفاء الشرط الذي هو المعاملة بصنفها، و ليس ذا كالمهجورة التي قد حصل التعامل بصنفها سابقا، كما هو واضح، و الله أعلم.

[منها حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع]

و من شرط وجوبها فيهما أيضا حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (2)دالة عليه عموما و خصوصا فيهما، و من الواضح كون المفهوم منهما بقاء شخص النصاب في تمام


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 183

الحول فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب بجنسه أو بغير جنسه لم تجب الزكاة خلافا للشيخ فأوجبها مع التبديل بالجنس، و قد عرفت ضعفه سابقا، كما أنك قد عرفت أيضا عدم الفرق بين فعل ذلك للفرار و غيره، لإطلاق الأدلة، و أن الخلاف فيه ضعيف كسابقه.

[منها التمكن من النصاب تمام الحول]
اشاره

و كذا يشترط أيضا التمكن من النصاب تمام الحول، ف لو منع من التصرف فيه سواء كان المنع شرعيا كالوقف بناء على صحة وقف الدراهم و الدنانير للزينة و الرهن، أو قهريا كالغصب فلا زكاة كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، بل لا ينبغي للمصنف ذكر ذلك هنا، ضرورة عموم هذا الشرط لكل ما تجب فيه الزكاة، و قد قدمه في الشرائط العامة، فلاحظ و تدبر.

[في عدم وجوب الزكاة في الحلي]

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا تجب الزكاة في الحلي محللا كان كالسوار للمرأة و حلية السيف للرجل أو محرما كالخلخال للرجل و المنطقة للمرأة و كالأواني المتخذة من الذهب و الفضة و آلات اللهو لو عملت منهما بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة، مضافا إلى النصوص السابقة سيما الحاصرة للزكاة في غير ذلك، و إلى

خبر رفاعة(1)«سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) و سأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة قال: لا و إن بلغ مائة ألف»

و نحوه

خبر أبي المحسن (2)عنه (عليه السلام) أيضا، و زاد «و أبي يخالف الناس في هذا»

و قال هو (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن أبي عمير(3): «زكاة الحلي أن يعار»

و سأله الحلبي(4)«عن الحلي فيه زكاة قال: لا»

و قال أبو إبراهيم (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.

ج 15، ص: 184

في خبر ابن يقطين (1): «فأما الحلي فإنه ليس في شي ء منها و إن كثر الزكاة»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا بأس بدعوى تواترها.

و قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه يستحب فيه أي الحلي المحرم الزكاة و لم نقف له على مأخذ، بل و لا عليه في الحلي المحلل عدا ما سمعته من أن زكاته إعارته نعم في التذكرة أطبق الجمهور كافة على إيجاب الزكاة فيه، لأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا، و لا حجة فيه، لأن عدم الصفة غير مقتض لإيجاب الزكاة، فإن المناط كونهما مضروبين بسكة المعاملة، كما أن فيها أيضا قال الشافعي في الجديد: تجب الزكاة في الحلي المباح، و به قال عمرو بن مسعود و ابن عباس و عبد الله بن عمرو ابن العاص و سعيد ابن المسيب و سعيد بن جبير و عطا و مجاهد و جابر بن يزيد و ابن سيرين و الزهري و الثوري و أحمد في

رواية و أصحاب الرأي، و لعله (عليه السلام) إليهم أشار بقوله:

«و أبي يخالف الناس في هذا» في الخبر السابق، و بالجملة لا إشكال في شي ء من ذلك عندنا، لفوات الشرط الذي قد عرفت، كما أنك قد عرفت الحال في الدراهم و الدنانير لو جعلت حليا، و تعرف الحال إن شاء الله تعالى فيما لو قصد به الفرار.

[في عدم الزكاة في السبائك]

و كذا لا زكاة في السبائك المتخذة من الذهب و النقار التي هي قطع الفضة غير المضروبة و التبر الذي هو غير المضروب من الذهب أو تراب الذهب قبل تصفيته بلا خلاف أجده فيه مع عدم قصد الفرار، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (2)وافية الدلالة عليه، أما إذا قصد بالسبك الدراهم و الدنانير أو جعلهما


1- 1 لم تذكر هذه الجملة في خبر ابن يقطين و إنما هي عبارة الشيخ قده في ذيل الخبر المروي في التهذيب ج 4 ص 8- الرقم 19.
2- 2 الوسائل- الباب- 8 و 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.

ج 15، ص: 185

حلية الفرار من الزكاة فالمشهور بين المتأخرين سقوط الزكاة، بل في الرياض نسبته إلى عامتهم، كما أن عن جماعة حكاية الشهرة المطلقة على ذلك، بل في المفاتيح أن القول بالوجوب شاذ و قيل و القائل الصدوقان و المرتضى و الشيخ و ابنا زهرة و حمزة و الحلبي في إشارة السبق فيما حكي عنهم إذا عملهما أي النقدين كذلك سبكا فرارا وجبت الزكاة و لو كان ذلك قبل حول الحول و عن المفيد أنه حكاه رواية بل عن الانتصار

الإجماع عليه و على مثله إذا بادل جنسا بغيره، و سأل نفسه عن خلاف ابن الجنيد في السبك و أجاب بأن الإجماع سبقه و لحقه، بل عن ظاهر الخلاف و الغنية الإجماع عليه أيضا، و لعل ذلك هو الحجة لهم بعد

موثق محمد بن مسلم (1)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلي فيه الزكاة قال: لا إلا ما فر به من الزكاة»

و قوي معاوية بن عمار(2)عنه (عليه السلام) «قلت له: الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار و المائتي دينار و أراني قد قلت: ثلاثمائة فعليه الزكاة قال: ليس فيه زكاة، قال:

قلت: فإنه فر به من الزكاة فقال: إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة، و إن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة»

و موثق إسحاق بن عمار(3)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليه زكاة؟ فقال: إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة» و

لم نقف على غيرها كما اعترف به بعضهم.

لكنها قاصرة عن معارضة غيرها مما دل على السقوط، ك

صحيح ابن يقطين (4)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قلت له: إنه يجتمع عندي الشي ء فيبقى نحوا من سنة


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 9- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 6 و ذيله في الباب 11 منها- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 186

أ يزكيه؟ قال: لا، كلما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة، و كلما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء، قلت: و ما الركاز؟ قال: الصامت المنقوش، ثم قال:

إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب و نقار الفضة زكاة»

و حسن هارون ابن خارجة(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أخي يوسف ولى لهؤلاء أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة و أنه جعل المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أ عليه الزكاة؟

قال: ليس على الحلي زكاة، و ما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه و منعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة»

و رواية عمر بن يزيد(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

رجل فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أ عليه فيه شي ء؟ فقال: لا، و لو جعله حليا أو نقرا فلا شي ء عليه فيه، و ما منع

نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله أن يكون فيه»

صحيح زرارة(3)الآتي مؤيدا ذلك كله بالأصل و عموم (4)«وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ» و نصوص عدم الزكاة فيما لم يحل عليه الحول جامعا للشرائط، كصحيح الفضلاء(5)و حسن زرارة(6)في الحرث و الثمرة، و حسنه الآخر(7)في السوم طول الحول، و حسنه الثالث (8)الدال على اشتراط بقاء النصاب في الدراهم طول الحول

و صحيح علي بن يقطين (9)سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عن المال الذي لا يعمل به


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
4- 4 سورة محمد ص- الآية 38.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1 عن زرارة و عبيد ابن زرارة جميعا.
7- 7 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
9- 9 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.

ج 15، ص: 187

و لا يقلب فقال: يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك»

و نصوص الحلي السابقة(1)و صحيح زرارة(2)الوارد في الغلة الكثيرة من أصناف شتى، و غير ذلك من النصوص التي لا فرق فيها بين نية الفرار و عدمه.

على أن نصوص الخصم لا صراحة في خبر محمد بن مسلم منها، لأن ما فيه الزكاة أعم من الوجوب

و الندب، و الخبران الآخران و إن اشتملا على لفظ «على» لكن يمكن عود الضمير فيهما إلى المال، فتكون حينئذ بمعنى «في» بل في التهذيب حمل خبري الحلي منها على الفرار بعد الحول، و قال: ليس لأحد أن يقول: إن هذا التأويل لا يمكنكم، لأن الخبرين تضمنا أن السائل سأل عن الحلي هل فيه الزكاة أم لا؟ فقال:

لا إلا ما فر به من الزكاة، و ما يجعله حليا بعد حلول الحول لم تجب الزكاة فيه، و إنما وجب قبل أن يصير حليا، فإذا لا معنى لإخراج بعض الحلي من الكل، لأن قوله (عليه السلام) حين سأله السائل عن الحلي هل فيه زكاة أم لا؟ «فقال: لا،» قضى أن كل ما يقع عليه اسم الحلي لا تجب فيه الزكاة سواء صيغ قبل حلول الوقت أم بعد حلوله لدخوله تحت العموم، فقصد (عليه السلام) بذلك إلى تخصيص البعض من الكل، و هو فيما قدمناه مما صيغ بعد حلول الوقت، بل استدل على ما ذكر من الحمل بما في

صحيح زرارة و محمد(3)عن الصادق (عليه السلام) «أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه، قلت له: فان وهبه قبل حله بشهر أو يومين قال: ليس عليه شي ء أبدا، و قال زرارة عنه (عليه السلام): إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته


1- 1 الوسائل- الباب- 9 و 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 12- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2 و ذيله في الباب 11 منها- الحديث 5.

ج 15، ص: 188

ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه، و قال:

إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة، و لكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز و لم يكن عليه شي ء بمنزلة من خرج ثم أفطر، إنما لا يمنع ما حال عليه الحول، فاما ما لم يحل عليه فله منعه، و لا يحل له منع مال غيره فيما قد حل عليه- و الظاهر من قوله (عليه السلام) هذا الإشارة إلى قوله: «أيما رجل كان له مال و حال عليه الحول فإنه يزكيه»

و الصواب «ثم وهبه فإنه يزكيه» و لعله سقطت كلمة «ثم وهبه» من قلم النساخ أو اكتفى عنها بدلالة ما بعدها عليها- قال زرارة: و قلت له: رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر فقال: إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول و وجبت عليه فيها الزكاة، قلت له: فإن أحدث فيها قبل الحول قال: جائز ذلك له، قلت: إنه فر بها من الزكاة قال: ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها، فقلت له: إنه يقدر عليها فقال:

و ما علمه أنه يقدر عليها و قد خرجت من ملكه قلت: فإنه دفعها اليه على شرط، فقال:

إنه إذا سماها هبة جازت الهبة و سقط الشرط و ضمن الزكاة، قلت له: و كيف يسقط الشرط و تمضي الهبة و يضمن الزكاة فقال: هذا شرط فاسد، و الهبة المضمونة ماضية، و الزكاة لازمة عقوبة له، ثم قال: إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا، ثم قال زرارة: قلت له: إن أباك (عليه السلام) قال لي: من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها فقال: صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه، و ما لم يجب عليه فلا شي ء عليه فيه، ثم قال: أ رأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أ كان عليه و قد مات أن يؤديها؟ قلت: لا إلا أن يكون أفاق من يومه، ثم قال: لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أ كان يصام عنه؟ قلت: لا، قال: فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول» فان ذيله صريح في إرادة الفرار بعد الحول

ج 15، ص: 189

و ما فيه من الاجمال السابق في الهبة غير قادح.

فمن الغريب بعد ذلك ما في انتصار المرتضى من «أن ابن الجنيد قد عول على أخبار رويت عن أئمتنا (عليهم السلام) تتضمن أنه لا زكاة عليه و إن فر بماله، و بإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر منها و أقوى و أولى و أوضح طريقا تتضمن أن الزكاة تلزمه، و يمكن حمل ما تضمن من تلك الأخبار أنها لا تلزمه على التقية، فإن ذلك مذهب جميع المخالفين، و لا تأويل للأخبار التي وردت بأن الزكاة تلزمه إذا فر منها إلا إيجاب الزكاة، فالعمل بهذه الأخبار أولى» و فيه مضافا إلى ما عرفت أنه يمكن حملها على الندب، و ما نسبه إلى جميع المخالفين لم نتحققه، نعم هو منقول عن الشافعي و أبي حنيفة و المحكي عن أحمد و مالك الوجوب، و المشتهر في زمن الصادق (عليه السلام) كما قيل مذهب مالك، فهو أولى بالتقية، كل ذلك مضافا إلى عدم معلومية مذهب القائلين بعدم السقوط بالفرار أنه بالنسبة إلى جميع أفراده بالسبك و الإتلاف و غيرهما أو خاص بالبعض و أنه بالنسبة إلى سنة الفرار أو كل سنة، و أنه عام لابتداء تملك المال على وجه لا تتعلق به زكاة فرارا منها أو خاص بما لو ملكه كذلك ثم أراد الفرار بإعدام شرط أو إيجاد مانع، و المحكي عن المرتضى (رحمه الله) أنه تعرض للسبك خاصة كابن زهرة في الغنية و الحلبي في الإشارة، أو مع إبدال الجنس بغيره، و عن اقتصاد الشيخ أن من فر في الغلات بنقصها عن النصاب لم تسقط عنه، و لم يتعرض لغير ذلك، و في الوسيلة لغير المنقوش المضروب، و قال في الخلاف: «من كان معه نصاب فبادل بغيره لا يخلو إما أن يبادل بجنس مثله مثل أن بادل إبلا بابل أو بقرا ببقر أو غنما بغنم أو ذهبا بذهب أو فضة بفضة فإنه لا ينقطع الحول و يبني، و إن كان بغيره مثل أن بادل إبلا بغنم أو ذهبا بفضة و ما أشبه ذلك انقطع حوله و استأنف الحول في البدل الثاني- و قال-: يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من الزكاة، فإن فعل و حال عليه

ج 15، ص: 190

الحول و هو أقل من النصاب فلا زكاة عليه- و قال-: إذا كان معه نصاب من جنس واحد ففرقه في أجناس مختلفة فرارا من الزكاة لزمته الزكاة إذا حال عليه الحول، و من نقصه من غير حاجة فعل مكروها و لا يلزمه شي ء إذا كان التبعيض قبل الحول على أشهر الروايات- و قال-: لا زكاة في سبائك الذهب و الفضة، و متى اجتمع دراهم أو دنانير و معها سبائك أو نقار أخرج الزكاة من الدراهم و الدنانير إذا بلغا النصاب و لم يضم السبائك و النقار إليها، و قال جميع الفقهاء يضم بعضها إلى بعض، و عندنا أن ذلك يلزمه إذا قصد به الفرار من الزكاة، دليلنا الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما، و أيضا الأصل براءة الذمة، و ما اعتبرناه يجب فيه الزكاة بلا خلاف، و ما قالوه ليس على وجوب الزكاة فيه دليل» و هو كما ترى صريح في التفصيل، و قوله: «و عندنا» يشعر بالإجماع، و قوله أخيرا: «و ما اعتبرناه يجب فيه الزكاة بلا خلاف» يحتمل أن يكون المراد به ما قصد به الفرار فيكون كالتصريح بالإجماع، و يحتمل أن يكون المراد به الدراهم و الدنانير.

و في محكي المبسوط «من نقص ماله عن النصاب لحاجة اليه لم يلزمه الزكاة إذا حال عليه الحول، و إن نقصه من غير حاجة فعل مكروها، و لا يلزمه شي ء إذا كان التبعيض قبل الحول- ثم ذكر- أنه إن بادل جنسا بمثله لم ينقطع الحول مطلقا، و إن بادل بالخلاف انقطع إن لم ينو الفرار، و إلا فلا، و أنه يلزمه الزكاة فيما نوى بسبكه الفرار- و ذكر- أن المبادلة إن كانت فاسدة لم ينقطع الحول- ثم قال-: و إذا كان معه خلخال فيه مائتان و قيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لا يلزمه زكاته، لأنه ليس بمضروب، فان كان قد فر به من الزكاة لزمه زكاته على قول بعض أصحابنا يعني به وجوب إخراج ربع عشر الزائد للصنعة أيضا حتى يكون عليه في المثال سبعة دراهم و نصف- و ذكر- أن أواني الذهب و الفضة لا قيمة للصنعة فيها أصلا إلا إذا قصد بها الفرار،

ج 15، ص: 191

فيها ربع عشرها- ثم قال-: و متى أراد رب الثمرة قطعها قبل بدو صلاحها مثل الطلع لمصلحة جاز له ذلك من غير كراهية، و يكره له ذلك فرارا من الزكاة، و على الوجهين معاً لا يلزمه الزكاة» و لا يخفى عليك الوجه في وجوب السبعة و نصف و إن كان قد يقع في بادئ النظر أن المتجه سبعة بناء على ملاحظة زيادة الصيغة، و إلا فخمسة، إذ من الواضح أن ذلك ليس زكاة، بل هي مقدار قيمة الخمسة خاصة في الخلخال التي زادت بسبب الصنعة في عشرها.

و في البيان عن الشيخ في الفرض «أنه يتخير بين إخراج ربع العشر وقت البيع و بين إخراج خمسة دراهم قيمتها سبعة و نصف، و بين إخراج قيمتها ذهبا، و ليس له أن يدفع مكان الخمسة سبعة و نصفا، لأنه ربا، و أشكله بأنه ليس بمعاوضة، و إخراج القيمة جائز عندنا، و لأن الشيخ يحكم بأنه لو أتلفها متلف فعليه قيمتها، و قيمة الصنعة و الزيادة لمكان الصنعة مع أنه معاوضة، فهنا أولى» انتهى، و هو جيد، ضرورة ابتنائه على ما هو ظاهر أدلة القائلين بالفرار من تعلق الزكاة بنفس الحلي الذي قصد به الفرار لا بالدراهم التي صيغت حليا، و بذلك يفرق بين المقام و بين صوغ الدراهم التي فيها الزكاة فإن الظاهر الاجتزاء بتأدية المالك مقدارها و إن زادت قيمة الحلية، فتأمل جيداً، هذا.

و في المحكي عن نهاية الأحكام «لا زكاة في الحلي و إن كان محرما، خلافا لبعض علمائنا في المحرم إذا فر به من الزكاة، فعلى قوله تجب الزكاة سواء كان التحريم لعينه كالأواني و القصاع و الملاعق و المجامر المتخذة من الذهب و الفضة، أو باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذي اتخذه أو ورثه أو اشتراه كالسوار و الخلخال أن يلبسه غلمانه، أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف و المنطقة أن تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء، و كذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه و جواريه، أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها و غلمانها، فكل ذلك محرم تجب فيه الزكاة عندهم، و حكم القصد الطاري

ج 15، ص: 192

بعد الصياغة حكم المقارن، فلو اتخذه على قصد استعمال محظور ثم غير قصده إلى مباح بطل الحول، فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة، و لو لم يقصد استعمالا مباحا و لا محرما فلا زكاة، لعدم الشرط و هو النقش أو تحريم الاستعمال، و كذا لا زكاة لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله و إن اتخذه للنماء، فإنه لا اعتبار بالأجرة هنا، لأنها كأجرة العوامل، و لو انكسر بحيث لا يمنع الاستعمال لم يؤثر في السقوط، و لو لم يصلح للاستعمال و احتاج إلى سبك و صوغ جديد سقطت الزكاة، لخروجه عن صفة التحريم، و لو كان بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحتاج إلى صوغ جديد بل يقبل الإصلاح باللحام لم تسقط، لدوام صورة الحلي المحرم» إلى غير ذلك من كلماتهم التي قد عرفت عدم الدليل عليها، بل ظاهر الأدلة خلافها، و منها يعلم أن نصوص عدم السقوط بالفرار للحلي لا شهرة بين القائلين به على العمل بمضمونها و حينئذ فلا ريب في أن حملها على الاستحباب أشبه بأصول المذهب و قواعده.

هذا كله لو كان الفرار قبل الحول أما لو جعل الدراهم و الدنانير كذلك بعد حول الحول و بعد أن وجبت الزكاة لم تسقط إجماعا بقسميه، للأصل و غيره، لكن الظاهر اجتزاء المالك بدفع مقدار الزكاة من الدراهم و الدنانير من غير الحلي و إن زادت قيمة الحلي، لأصالة جواز الدفع من غير العين، أما لو لم يؤد أمكن القول بمشاركة الفقراء له في الحلية، فلهم من الزيادة بسبب الصنعة على حسب النسبة، و يحتمل أن يكون لهم مقدار الزكاة خاصة في الحلي، و الأول أوفق بقواعد الشركة، و الثاني أوفق بالإرفاق بالمالك، و الله أعلم.

[و أما القول في أحكامها]
اشاره

و أما القول في أحكامها أي زكاة الذهب و الفضة فمسائل:

[المسألة الأولى لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين]

الأولى لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين في صدق الاسم

ج 15، ص: 193

و إن اختلفت القيمة و الأوصاف بذلك بل يضم بعضها إلى بعض بلا خلاف أجده فيه، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه، و لعله كذلك مضافا إلى إطلاق الأدلة و أما الكلام في كيفية الإخراج للزكاة فالمشهور أنه إن تطوع المالك ب إعطاء الأرغب و نحوه من الأفراد الكاملة فقد أحسن و زاد خيرا و أنفق مما يجب و إلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه كما تقتضيه قاعدة الشركة، و لا يجزيه الدفع من الأردى، لمنافاته لقاعدة الشركة، و فيه ما عرفته سابقا من منافاة التقسيط لإطلاق أدلة الفرائض التي لا فرق فيها بين أفراد النصاب، و لعله لذا حكي عن مبسوط الشيخ أن الأفضل التقسيط، و إن اقتصر على الإخراج من جنس واحد لم يكن به بأس، و نحوه عن التحرير بل عن التذكرة و القواعد ما يوافق ذلك أيضا، قالا: لو تساويا في العيار و اختلفت القيمة كالرضوية و الراضية استحب التقسيط، و أجزأ التخيير إلا أنهما قالا في المقام: يكمل جيد النقرة برديها كالناعم و الخشن، ثم يخرج من كل جنس بقدره، و ظاهرهما الفرق بين اجتماع النصاب من الجيد و الردي و بين الجيد و الأجود، فيقسط في الأول مع المماسكة بخلاف الثاني، و فيه أن قاعدة الشركة تقتضي التقسيط في الجميع، و لذا التزمه في الجميع ثاني المحققين و الشهيدين على ما حكي عنهما، بل لعله ظاهر المصنف و أول الشهيدين و غيرهما، و إن كان الأقوى خلاف ذلك أيضا، لما تقدم من أن الشارع قد جعل مسمى هذا الاسم عوضا عن الحصة المشاعة فيؤخذ بإطلاقه فيجزيه كل فرد إذا لم يكن الوسط الذي ينصرف إليه الإطلاق، أو يظن إرادته باعتبار جمعه مراعاة الحقين المعلوم من الأدلة اعتبارهما معا، للنهي عن أخذ المريضة و ذات العوار و نحوهما، و عن أخذ كرائم الأموال، و شدة تأكيد أمير المؤمنين (عليه السلام) على مصدقة في مراعاته كما سمعته سابقا، و أما التقسيط فلا أثر له في شي ء من النصوص، بل ظاهرها خلافه، بل كان دعواه زيادة في علم الشارع حيث أنه أطلق

ج 15، ص: 194

المقدار المخصوص في النصاب الذي قل ما يتفق تساوي أفراده في الحيوان و نحوه، و دعوى ظهور تلك الإطلاقات في إرادة بيان النسبة خاصة لا إجزاء المسمى كائنا ما كان واضحة البطلان، بل إن لم نقل بظهورها في العكس فلا ريب في إفادتها الأمرين كما هو ظاهر بأدنى تأمل، و ملاحظة لما سمعته سابقا في زكاة الحيوان، فلاحظ و تدبر.

و قد ظهر لك من ذلك كله أنه لا فرق عندنا بعد الاتحاد في الجنس بين تساوي الرغبة و عدمها و تساوي القيمة و عدمها و تساوي العيار و عدمه إذا كان مما يتسامح به، و تساوي السكة و عدمها في وجوب الضم بل و في الإخراج، لكن في الإرشاد و يضم الجوهران من الواحد مع تساويهما و إن اختلف الرغبة، و لكن يخرج بالنسبة، و ظاهره اعتبار التساوي في الضم زيادة على الاتحاد في الجوهر، و لا وجه له قطعا، بل هو غير مراد له أيضا و إن كانت العبارة غير جيدة، و الأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

ثم إن الظاهر عدم جواز دفع الأعلى قيمة عن الأدنى مثل أن يخرج ثلث دينار جيد قيمة عن نصف دينار كما صرح به جماعة، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور، لأن الواجب إخراج نصف دينار من العشرين، فلا يجزي الناقص عنه، لكن احتمله في التذكرة، و ضعفه جماعة، و قال آخر: «إنه مبني على وجوب الأخذ بالنسبة، و إلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون كأنه متجه، لأنه إذا كان الواجب عليه دينارا و اختار دفع الأدون ثم أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمة ليس هو الفريضة الواجبة حتى يقال: إن الواجب دينار، فلا يجزي ما دونه» قلت: لعل المتجه العدم مطلقا، لعدم عموم في ما دل على القيمة بحيث يشمل مثل ذلك، بل ظاهر تلك الأدلة خلافه، على أن الفريضة كالدينار مثلا شامل للأعلى و غيره فكل منهما فرد إذا دفعه المكلف، و لا يتشخص أحدهما بحيث يكون هو الواجب بمجرد الاختيار، بل لا يتشخص إلا بدفعه أو دفع قيمته من غير أفراد الفريضة، فليس له

ج 15، ص: 195

أن يدفع من أفرادها بقصد جعل بعضه قيمة عن فرد آخر، ضرورة عدم صدق الامتثال معه، لا أقل من الشك، فيبقى استصحاب الشغل بحاله، نعم له أن يصالح الفقير مثلا عن بعض بقيمة في الذمة ثم يحتسبها قيمة عن الفرد الأدنى، و فرق واضح بين المقامين، بل ينقدح من ذلك عدم جواز دفع الأدنى قيمة عن الأعلى بناء على كونه أحد الأفراد المجزية، لما عرفت، و إن كان هو زائدا عن الفريضة، كما لو دفع دينارا تاما أدنى عن نصف دينار جيد، و كان فرضه النصف، لكن الظاهر إجزاؤه باعتبار كونه الفريضة و زيادة، و قصد المكلف أنه قيمة عن الأعلى لا يقدح في الاجزاء و إن لم يتم له ما قصده و من ذلك يظهر لك ما في المدارك و غيرها من جواز دفع الأدنى قيمة دون العكس، فلاحظ و تأمل جيدا.

[المسألة الثانية الدراهم المغشوشة]

المسألة الثانية الدراهم المغشوشة مثلا بما يخرجها عن اسم الفضة الخالصة و لو الردية لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا بلا خلاف أجده فيما قبل الغاية و لا بعدها بل الأول من الواضحات، و أما الثاني فقد يتأمل فيه باعتبار أن الزكاة إنما تجب في الفضة و الذهب المسكوكين دراهم و دنانير، و المركب من كل منهما و غيره خارج عن الاسم، فلا تتعلق به الزكاة، بل قد يمنع صدق اسم الدراهم و الدنانير على غير الخالص حقيقة، لكن قد يدفع- بعد عدم الخلاف فيه، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه- بخبر زيد الصائغ (1)الآتي المنجبر بعمل الأصحاب، و يمنع عدم صدق الدرهم و الدينار حقيقة على ذلك، خصوصا بعد غلبة الغش في الدراهم و تعارفه، فيتحصل حينئذ مما دل على الزكاة في الدراهم مثلا- الشامل لهذه الأفراد و إن كانت نادرة، لأنه من العموم اللغوي، و مما دل على أن لا زكاة في غير الفضة و الذهب- أنه متى بلغ ما فيها من الفضة نصابا وجبت الزكاة فيها، و أنه متى وقعت السكة عليها و لو في ضمن غيرها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.

ج 15، ص: 196

تعلقت بها كما هو واضح.

نعم يعتبر في الحكم بوجوبها العلم بالبلوغ نصابا، أما لو شك فلا وجوب للأصل و غيره، بل المعروف أيضا عدم وجوب التصفية و نحوها للاختبار، بل عن المسالك لا قائل بالوجوب، و وجه ذلك كله أن مقدمات الوجوب لا يجب تحصيلها و لا تعرفها، لكن و قد يناقش بأن الأول مسلم بخلاف الثاني، ضرورة معلومية الوجوب في مثله من مذاق الشرع، و أنه ليس المراد الوجوب إذا اتفق حصول العلم بوجود الشرط، فلا يجب حينئذ على من احتمل في نفسه الاستطاعة مثلا أو ظنها اختبار حاله، و لا على من علق نذره على شي ء مثلا تعرف حصوله و نحو ذلك، إذ هو كما ترى فيه إسقاط لكثير من الواجبات، نعم هو كذلك حيث لا يكون له طريق

إلى التعرف، أو كان فيه ضرر عليه بحيث يسقط بمثله وجوب المقدمة، و لعله لذلك مال بعض المحققين هنا إلى وجوب التعرف بالتصفية أو غيرها، و هو قوي جدا إن لم يكن إجماع على خلافه.

ثم اعلم أنه لا يجوز له أن يخرج المغشوشة عن الجياد بلا خلاف و لا إشكال إلا إذا علم اشتمالها على ما يساوي الجياد، و في كونها حينئذ فريضة لا قيمة و إن زادت في العدد على الفريضة المسماة إشكال، و إن كان الأقوى أنها كذلك، و كذا لو أدى المغشوشة عن المغشوشة أو أدى جيادا عنها، و لو ملك النصاب و لم يعلم هل فيه غش أم لا فعن التذكرة أنه تجب الزكاة، لأصالة الصحة و السلامة، و فيه تأمل، و لو كان الغش بأحدهما كالدراهم بالذهب أو بالعكس و بلغ كل من الغش و المغشوش نصابا وجبت الزكاة فيهما أو في البالغ، و يجب الإخراج من كل جنس بحسابه، فان علمه و إلا توصل اليه بالسبك و نحوه، قيل: أو ميزان الماء، و هو كذلك إن أفاد اليقين، و كيفيته أن يوضع قدرا من الذهب الخالص في ماء و يعلم على الموضع الذي يرتفع اليه الماء ثم يخرج و يوضع مثله من الفضة الخالصة و يعلم على موضع الارتفاع أيضا، و تكون هذه العلامة

ج 15، ص: 197

فوق الأولى، لأن أجزاء الذهب أشد كثافة(1)ثم يوضع فيه المخلوط و ينظر إلى ارتفاع الماء هل هو إلى علامة الذهب أقرب أو إلى علامة

الفضة، و كيف كان فإن أشكل الأكثر منهما و ماكس المالك و لم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر مرتين، فلو كان قدر أحد النقدين ستمائة و الآخر أربعمائة إلا أنه لا يشخصهما أخرج زكاة ستمائة ذهبا و ستمائة فضة، و يجزي ستمائة من الأكثر قيمة و أربعمائة من الأقل كما هو واضح، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة في حكم الدراهم المغشوشة]

المسألة الثالثة قد ظهر لك مما قررناه أنه إذا كان معه دراهم مغشوشة مثلا لا غير أو معها دراهم فان عرف قدر ما فيها من نصاب الفضة أخرج الزكاة عنها فضة خالصة و إن شاء أخرج عن الجملة منها مراعيا للنسبة، فلو كان معه ثلاثمائة درهم و الغش ثلثها في كل درهم تخير بين إخراج خمسة دراهم خالصة أو إخراج سبعة و نصف عن الجملة، كما هو واضح، و كذا لو كان معه مغشوشة و خالصة، نعم لو علم قدر الفضة في الجملة لا في الأفراد الخاصة لا بد من الإخراج جيادا أو ما يتحقق معه البراءة و لا يجزيه ذلك و إن جهل ذلك أي قدر ما فيها من نصاب الفضة و لكن علمه على الإجمال فإن أخرج عن جملتها من الجياد احتياطا جاز أيضا للعلم بالبراءة حينئذ و إن ماكس ألزم تصفيتها جميعا أو ما يعلم منه الحال في الجميع ليعرف قدر الواجب الذي قد علم اشتغال الذمة به، فلا بد له من العلم بحصول البراءة منه كما صرح به جماعة، بل نسب إلى الأكثر بل عن الأردبيلي الإجماع عليه لو لا ما تسمعه من المنتهى، لكن استشكله في التحرير، و لعله لما استوجهه في محكي المعتبر و التذكرة و المنتهى و قواه المحقق الثاني و المولى الأردبيلي و استحسنه صاحب المدارك و غيره من الاكتفاء بإخراج ما تيقن اشتغال الذمة به و طرح المشكوك فيه، عملا بأصالة البراءة، و بأن الزيادة كالأصل، فكما


1- 1 و في النسخة الأصلية« كنازيا».

ج 15، ص: 198

تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصابا، فلو تيقن وجود النصاب الأول مثلا و شك في الزائد و هو الثاني مرة أو مرتين مثلا فإذا أخرج ما تيقنه صار المال مشكوكا في تعلق الوجوب به فلا تجب التصفية، كما لو شك في الوجوب ابتداء، و كما لو شك في الدين بعد أن دفع ما علمه، و ليس المراد من قاعدة يقين الشغل نحو ذلك، ضرورة كون البراءة هنا كالشغل، فإنه دفع ما تيقنه، و ما عداه لا يقين للشغل فيه، إذ ليس ما نحن فيه كالصلاة و نحوها مما لا يحصل الامتثال معه إلا بالإتيان بالمشكوك فيه، لكونه خطابا واحدا، بخلاف المقام الذي هو بمنزلة خطابات متعددة لا يتوقف امتثال بعضها على الآخر، كما هو واضح، و هو جيد، لكن قد يقال: إن أصل البراءة لا يجري في حق الغير المعلوم ثبوته في المال في الجملة، و لا أصل يشخص كونه مقتضى النصاب الأول أو الثاني، و تيقن الخمسة دراهم مثلا باعتبار أنها فريضة المائتين و بعض فريضة المائتين و الأربعين لا يقتضي تيقن النصاب الأول الذي هو عبارة عن المائتين التي لم يتم معها أربعون، و دعوى أن المائتين و أربعين نصابان، و الثمانين ثلاثة نصب، و هكذا واضحة الضعف، بل الظاهر أن المائتين و أربعين نصاب واحد كالمائتين، فحينئذ مع العلم بحصول سبب شركة الفقير و لا أصل يشخصه لا يجدي أصل براءة ذمة المالك من دفع الزائد في دفع تعرف مقدار الشركة، بل عند التأمل ما نحن فيه كالمال الذي خلط أجنبي معه مال شخص آخر، و يمكن علم المقدار، فتأمل جيدا، و بذلك يفرق بين المقام و السابق، على أنك قد عرفت قوة احتمال وجوب التعرف فيه، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة مال القرض]

المسألة الرابعة مال القرض الزكوي إن تركه المقترض بحاله و لم يحصل ما ينافي تعلق الزكاة مما سمعته سابقا وجبت الزكاة عليه دون المقرض بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى، بل ظاهر التنقيح الإجماع عليه، بل يمكن تحصيله فيه، و هو مما

ج 15، ص: 199

يعين القول بملكه بالقبض، و لا يتوقف على التصرف و إن ذكروه قولا هناك، كما أن ذلك يعين الفرق بين القرض المفروض و غيره من أقسام الدين، ضرورة أن القائل بالوجوب في الدين على صاحبه إذا كان المديون موسرا و متمكنا من قبضه لا يقول به فيما نحن فيه، كما حكي عنه النص عليه هنا، و لعله للإجماع و النصوص، و لأنه يكون حينئذ كتزكية المال الواحد في السنة مرتين، و دعوى أنهما مالان باعتبار الثبوت في ذمة المقترض مثل ما في يده، فالقارض يزكي ماله في الذمة، و المقترض ما في يده واضحة الفساد، نعم لو لم يبق مال القرض في يد المقترض أمكن حينئذ القول بوجوب الزكاة على القارض بناء على وجوبها في الدين الذي من أفراده القرض، بل قد يمكن ذلك أيضا لو سقطت الزكاة عن المقترض بجنون و نحوه، لإطلاق ما دل على وجوبها في الدين خرج عنه القرض الباقي في يد المقترض على وجه يخاطب بزكاته دون غيره من الأفراد و لو أقرضه المقرض من شخص آخر أمكن القول بسقوط الزكاة عن المقترض الأول، لعين ما سمعته فيه من دون واسطة، و عدمه للإطلاق السابق، و لعل الأول أقوى، بل يمكن القول بخروج مطلق القرض عن الدين من غير فرق بين وجوب الزكاة على المقترض و عدمه بتصرف أو جنون أو غيرهما، لظهور الأدلة في أن مورد خطاب الزكاة نفيا و ثبوتا في القرض المقترض دون المقرض، و الانصاف عدم خلو المسألة عن الاشكال لكن يسهل الخطب عدم وجوبها في الدين عندنا كما عرفته سابقا.

و كيف كان فلا خلاف في أن الزكاة فيما نحن فيه على المقترض كما اعترف به غير واحد و إنما الخلاف فيما لو شرط المقترض الزكاة على المقرض في عقد القرض ف قيل و القائل الشيخ في باب القرض من النهاية يلزم الشرط و تكون الزكاة على القارض دون المستقرض،

لعموم (1)«المؤمنون»

و صحيح ابن


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الخيار- الحديث 7 من كتاب التجارة.

ج 15، ص: 200

سنان (1)«سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: باع أبي (عليه السلام) من هشام ابن عبد الملك أرضا بكذا و كذا ألف دينار و اشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين و إنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي»

و صحيح الحلبي (2)عن الصادق (عليه السلام) «باع أبي (عليه السلام) أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال و اشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين»

و عن علي بن بابويه و ولده الفتوى بمضمونهما، قال الأول منهما: «إن بعت شيئا و قبضت ثمنه و اشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه»

و صحيح منصور بن حازم (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول و هو عنده فقال:

إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه، و إن كان لا يؤدي أدى المستقرض».

و قيل و القائل المشهور لا يلزم و إن اختلفوا في بطلان القرض حينئذ فتكون الزكاة على المقرض، و عدمه فتكون على المقترض كما عرفته سابقا و على كل حال ف هو الأشبه لكونه شرطا مخالفا للكتاب و السنة الدالين على أن خطاب الزكاة على المالك، و

عموم «المؤمنون»

و نحوه إنما يقتضي إلزام ما هو مشروع في نفسه و حد ذاته كما أوضحناه في محله، لا أنه يقتضي شرعية ما لم يعلم شرعيته، على أنه معارض لما دل على اعتبار الملك في الزكاة من وجه، و الترجيح بالشهرة و غيرها لها، و الصحيحان مع عدم وضوح المراد منهما- بل يمكن دعوى إجمالهما، بل يبعد كل البعد كنز الامام عليه السلام المال هذه المدة كي يشترط زكاته، و احتمال إرادة مقدار زكاته و إن لم يجمع شرائط الزكاة في هذه المدة خروج عما نحن فيه، ضرورة كونه في اشتراط قدر


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 201

مخصوص لا على أنه زكاة- يمكن كون المراد منهما اشتراط تأدية زكاته لما مضى من السنين احتياطا في تطهير المال، لأن هشاما و سليمان مظنة عدم إخراجهما الزكاة في هذه السنين، و يمكن كون المراد تأدية الزكاة لا انتقال خطابها إلى المشروط عليه، و ربما احتمل إرادة زكاة الأرض المشتراة لا الثمن و إن كان لفظ المال في الخبر الأخير ظاهر فيه، و غير ذلك، هذا كله مضافا إلى مهجوريتهما و عدم العمل بهما في ذلك، فلا ريب في قصورهما عن معارضة ما يقتضي العدم، كما هو واضح.

و أما صحيح منصور فإنما يدل على جواز تبرع المقرض بالإخراج، و هو لا يستلزم جواز اشتراط تعلق الوجوب به دون المالك، نعم بعد ثبوت جواز التبرع يتجه لزوم اشتراطه لو اشترطه، للعموم المزبور على معنى تحمل المشروط عليه لها عن المديون، و إخراجها من ماله عنه مع كون الوجوب متعلقا بالمقترض، لا على معنى تعلق الوجوب بالمقرض ابتداء و سقوطه عن المقترض، فان و في المقرض بالشرط سقطت عن المقترض و إلا تعين عليه الإخراج، كما لو وجب على شخص أداء دين آخر بنذر و شبهه فإنه لا يسقط الوجوب عن المديون، بل يتعلق الوجوب به، فان و في الأجنبي برئت ذمة المديون، و إلا تعين عليه الأداء، و حمل كلام المخالف على ذلك يقتضي لفظية النزاع، و لعله كذلك، لكن قد عرفت أن هذا مبني على جواز التبرع، و قد توقف فيه بعضهم لكون الزكاة عبادة، فاعتبر الأذن، و فيه أنها لا تجدي أيضا، و الاستناد إلى الصحيح المزبور يقتضي الإجزاء مطلقا، و هو الأقوى في النظر له مؤيدا بما في الزكاة من شبهية الدين، و لذا صحت الوكالة فيها، و قد تقدم شطر صالح في المسألة فيما تقدم، فلاحظ و تأمل.

[المسألة الخامسة و هي من دفن مالا و جهل موضعه]

كما أنه تقدم الكلام في المسألة الخامسة و هي من دفن مالا و جهل موضعه أو ورث مالا و لم يصل اليه و مضى عليه أحوال ثم وصل اليه أو تمكن من قبضه زكاه لسنة استحبابا بل في المدارك لا يظهر لإعادتها وجه يعتد به، لكن نقول هنا قد يتجه

ج 15، ص: 202

الوجوب في المدفون الذي لم يحصل اختباره إلا بعد سنين فجهل موضعه ثم وجده بعد ذلك، لأصالة تأخر الحادث، و هو الجهل، فيبقى على استصحاب التمكن إلى آن الجهل، و كذا إذا لم يجده أصلا، اللهم إلا أن يقال إن الأصل لا يصلح لتنقيح الشرط الذي هو صدق كون المال عنده و في يده في هذه المدة، إذ يمكن تقدم التلف، فيكفي حصول الشك في الشرط في سقوط المشروط، و أصالة تأخر الحادث لا يقتضي حصول تلك الصفة عرفا، على أن أصالة براءة الذمة و عدم تعلق الزكاة بالمال تقتضيان العدم، بل هما محصلان للمطلوب بلا واسطة، بخلاف أصل تأخر الحادث، و لعله لذا أطلق الأصحاب استحباب التزكية لسنته من غير إشارة من أحد منهم إلى شي ء مما ذكرنا، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

[المسألة السادسة إذا ترك نفقة لأهله]

المسألة السادسة إذا ترك نفقة لأهله تبلغ قدر النصاب فما زاد بحيث لا يعلم زيادتها عن قدر الحاجة فهي معرضة للإتلاف بالإنفاق، و المشهور شهرة عظيمة أنها تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك، و تجب لو كان حاضرا، و قيل و القائل ابن إدريس تجب فيها على التقديرين، و الأول مع أنه مشهور مروي في

الموثق (1)عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) «قلت له: رجل خلف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة قال: إن كان شاهدا فعليه زكاة، و إن كان غائبا فليس عليه زكاة»

و خبر أبي بصير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: الرجل يخلف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة قال: إن كان شاهدا فعليها زكاة، و إن كان غائبا فليس فيها شي ء»

و مرسل ابن أبي عمير(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «عن رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال: إن كان مقيما زكاة، و إن كان غائبا لم يزك»

إلا أن ابن إدريس على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد لم يفرق بينها


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 17- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 203

و بين غيرها من المال الغائب عنه مالكه لكنه قادر على التصرف فيه متى أراد في وجوب الزكاة، لعموم الأدلة الذي لا تفاوت فيه بين حضور المالك و غيبته، و قال:

إن الفرق أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا، و فيه أن الواجب الخروج عنه بهذه النصوص، و كون التعارض بينها من وجه لا ينافي ظهور هذه النصوص في الفرد الذي هو محل النزاع، فيتجه التخصيص بها حينئذ على هذا التقدير، بل قد يجول في الذهن أن مبنى

هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات لا تخصيصها بها باعتبار تعريضه للتلف بالاتفاق و الاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة، فكأنه أخرجه عن ملكه، فلا يصدق عليه أنه حال الحول عليه و هو عنده، خصوصا مع عدم علمه بسبب غيبته عنه كيف صنع به عياله، و يمكن أن يكون بدلوه بمال آخر أو اشتروا به ما يحتاجونه سنتين مثلا، و غير ذلك من الاحتمالات التي تحصل له بالغيبة دون الحضور الذي ليس فيه سوى عزم منه على إنفاق هذا المال، و بالجملة لا يخفى على من له ذوق بالفقه و معرفة بخطاباتهم (عليهم السلام) أن المراد من هذا التفصيل أنه لا يصدق على هذا المال أنه حال الحول عليه و هو عنده، خصوصا و ليس في هذه النصوص إشارة إلى التخصيص، فيكون الحاصل أنه يكفي في سقوط الزكاة عدم هذه العندية، كما أنه يكفي في وجوبها هذه العندية مع الحضور و إن عزم على أنه للإنفاق، فتأمل جيدا فإنه دقيق، و ربما كان في قول المصنف: «معرضة للإتلاف» إشارة إلى بعض ذلك، و الله أعلم.

[المسألة السابعة لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس]

المسألة السابعة لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس من الزكوي نصابا لما دل على اعتباره في كل جنس منها من النصوص (1)المستفيضة أو المتواترة و حينئذ ف لو ملكها جميعها مالك و قصر كل جنس منها أو بعضها عن النصاب لم


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الأنعام و الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة و الباب 2 من أبواب زكاة الغلات و غيرها من الأبواب.

ج 15، ص: 204

يجبر بالجنس الآخر إجماعا بقسميه و نصوصا(1)كمن معه عشرة دنانير و مائة درهم أو أربعة من الإبل و عشرون من البقر و هكذا فلا يجبر أحدهما بقيمة الآخر و يتمم به النصاب و يخرج منه الزكاة، خلافا لبعض العامة فضم الذهب إلى الفضة، لاتفاقهما في كونهما ثمنا، و الحنطة إلى الشعير للاشتراك في القوت، و هو اجتهاد في مقابلة النص و الإجماع و الأصول،

قال زرارة(2)في الصحيح: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

رجل عنده مائة و تسعة و تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ يزكيها؟ فقال: لا ليس عليه زكاة في الدراهم و لا في الدنانير حتى تتم، قال زرارة: و كذلك هو في جميع الأشياء و قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل كن عنده أربع أنيق و تسعة و ثلاثون شاة و تسعة و عشرون بقرة أ يزكيهن؟ فقال: لا يزكي شيئا منهن، لأنه ليس شي ء منهن تاما فليس تجب فيه الزكاة»

و أما

موثق إسحاق بن عمار(3)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «قلت له: تسعون و مائة درهم و تسعة عشر دينارا عليها في الزكاة شي ء فقال: إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم

ففيها الزكاة، لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة و الديات»

فشاذ مطرح، أو محمول على التقية، أو على زكاة التجارة، أو على ما عن الشيخ من احتمال إرادة بلوغ الفضة خاصة، لكنه بعيد جدا مناف للتعليل و غيره، و احتمال كونه خاصا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة كل واحد منها لا تجب فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الأنعام و الباب 5 من أبواب زكاة الذهب و الفضة و الباب 2 من أبواب زكاة الغلات و غيرها من الأبواب.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 5- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1 و ذيله في الباب 1 من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.

ج 15، ص: 205

الزكاة فرارا منها مستدلا عليه ب

موثقه الآخر(1)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) أيضا عن رجل له مائة درهم و عشرة دنانير أ عليها زكاة؟ فقال: إن فر بها من الزكاة فعليه الزكاة».

و فيه أنه مع عدم ملائمة التعليل و غيره مناف لما سمعته سابقا من سقوط الزكاة بذلك و لو فعله فرارا للنصوص (2)و غيرها كما عرفته مفصلا، فتعين حينئذ حمل الخبر المزبور على ما قدمنا، كحمل خبر الفرار على الندب أو غيره كما تقدم و الله أعلم.

[القول الثالث في زكاة الغلات]
اشاره

القول الثالث في زكاة الغلات و يقع النظر في الجنس و الشروط و اللواحق، أما

[النظر الأول في الجنس]

الأول ف قد علمت سابقا أنه لا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض إلا في الأجناس الأربعة: الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، لكن يستحب فيما عدا ذلك من الحبوب مما يدخل في المكيال و الميزان كالذرة و الأرز و العدس و الماش كما تقدم الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه و كذا السلت و العلس بناء على خروجهما عن الحنطة و الشعير و لكن قيل و القائل الشيخ و جمع من الأصحاب كالفاضل في بعض كتبه و الشهيدين و ثاني المحققين و الميسي و ابن إدريس على ما حكي عن بعضهم السلت كالشعير و العلس كالحنطة في الوجوب، و الأول أشبه و أشهر، بل عن كشف الالتباس و المفاتيح أنه المشهور، بل عن الغنية الإجماع عليه، لأصالة عدم الوجوب، و حصره في التسعة في المستفيض من النصوص (3)المنساق من الحنطة و الشعير فيه غيرهما، بل عن ابن دريد «السلت حب


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

ج 15، ص: 206

يشبه الشعير أو هو بعينه، و العلس حبة سوداء يخبز في الجدب أو يطبخ» و عن المغرب «العلس بفتحتين عن الثوري و الجوهري حبة سوداء إذا أجدب الناس طحنوها و أكلوها، و قيل هو مثل البر إلا أنه عسر الاستنقاء، تكون في الكمامة حبتان، و هو طعام أهل صنعاء» و عن المحيط «العلس شجرة كالبر إلا أنه مقترن الحب حبتين حبتين» و عن الفائق «السلت حب بين الحنطة و الشعير لا قشر له» بل في ظاهر خبري زرارة(1)و ابن مسلم (2)أن السلت غير

الحنطة و الشعير، و يتم بعدم الفصل بينه و بين العلس، كما أنه يتم في الحكم بالاستحباب فيهما بالنصوص العامة و الخاصة، لكن و مع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال، لنص بعض أهل اللغة على كونهما منهما، قال في الصحاح: «العلس ضرب من الحنطة حبتان في قشر، و هو طعام أهل صنعاء- و قال أيضا-: السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة» و قال ابن الأثير:

«السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له، و قيل هو نوع من الحنطة، و الأول أصح، لأنه صلى الله عليه و آله سئل عن بيع البيضاء بالسلت فكرهه، و البيضاء الحنطة» و عن القاموس «السلت بالضم الشعير أو ضرب منه» و عن الأزهري «العلس صنف من الحنطة يكون عنه في الكمام الحبتان و ثلاثة» و عن العين «السلت شعير لا قشر عليه بالحجاز و الغور يتبردون بالسويق منه في الصيف» و نحوه عن المحيط، و عن أدب الكاتب «السلت ضرب من الشعير دقيق القشر صغير الحب» و نحوه عن المجمل و ديوان الأدب، و عن المقاييس «السلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر، و العرب تسميه العريان» و عن المغرب «شعير لا قشر له يكون بالغور و الحجاز» و قال في محكي المبسوط: «السلت شعير فيه مثل ما فيه، و العلس نوع من الحنطة، يقال: إذا ديس بقي كل حبتين في كمام، و لا يذهب ذلك حتى يدق و يطرح في رحى خفيفة، و لا ينقى نقاء الحنطة و يبقى


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 207

في كمامها، و يزعم أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف فإذا كان كذلك تخير أهلها بين أن يلقى عنها الكمام و تكال على ذلك، فإذا بلغت النصاب أخذ منها الزكاة أو تكال على ما هي عليه، و يؤخذ عن كل عشرة أوسق زكاة فإذا اجتمع عنده حنطة و علس ضم بعضه إلى بعض، لأنها كلها حنطة» و في الخلاف «السلت نوع من الشعير، يقال: إنه بلون الحنطة و طعمه طعم الشعير بارد مثله، فإذا كان كذلك ضم اليه و حكم فيه بحكمه» و في القواعد «العلس حنطة حبتان في كمام واحد على رأي، و السلت يضم إلى الشعير لصورته، و يحتمل إلى الحنطة، لاتفاقهما طبعا، و عدم الانضمام» و هو خلاف ما سمعته من الخلاف من أنه بارد كالشعير، لكن لا يخفى عليك أن المدار على الاسم الذي لا مدخلية له في الصورة و الطبيعة، و تناوله له على وجه الحقيقة المساوية للفرد الآخر في الفهم عند الإطلاق في زمن صدور الأخبار محل نظر أو منع، فالأصل حينئذ بحاله، و الله أعلم.

[النظر الثاني في الشروط]
اشاره

و أما النظر في الشروط ف لا إشكال و لا خلاف

[في تحديد النصاب في الغلات]

في اعتبار بلوغ النصاب في الوجوب، بل الإجماع بقسميه عليه، كما أن النصوص (1)متواترة فيه، بل هو ضروري و هو خمسة أوسق فما في

خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) «لا تجب الصدقة إلا في وسقين، و الوسق ستون صاعا»

كقوله (عليه السلام) في خبره الآخر(3): «لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين، و الوسق ستون صاعا»

بل في

المرسل عن ابن سنان (4)«سألته أيضا عن الزكاة في كم تجب في الحنطة و الشعير؟ فقال: في وسق»

و في

صحيح الحلبي (5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم تجب الزكاة من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب؟ قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث- 10.

ج 15، ص: 208

في ستين صاعا»

بل في

موثق إسحاق بن عمار(1)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الحنطة و التمر عن زكاتهما فقال: العشر و نصف العشر- إلى أن قال- فقلت: ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عما خرج

منه قليلا كان أو كثيرا قال: من كل عشرة واحد، و من كل عشرة نصف واحد، قلت: فالحنطة و التمر سواء قال: نعم»

مطرح أو محمول على الندب، أو على التقية بناء على عدم اعتبار وجود القائل بها، أو على إرادته بعد إحراز النصاب الذي هو الخمسة، أو غير ذلك.

نعم ما في الأولين من أن الوسق ستون صاعا لا خلاف فيه نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه و الصاع تسعة أرطال بالعراقي و ستة بالمدني بلا خلاف معتد به أجده، ل

خبر الهمداني (2)الذي رواه المشايخ الثلاثة، بل رواه الصدوق منهم في عدة من كتبه، قال: «كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) على يد أبي جعلت فداك أن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدني و بعضهم يقول: العراقي فكتب إلى الصاع ستة أرطال بالمدني و تسعة أرطال بالعراقي، قال: و أخبرني أنه يكون ألفا و مائة و سبعين وزنة»

و خبر علي بن بلال (3)قال: «كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الفطرة و كم تدفع؟ قال: فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني، و ذلك تسعة أرطال بالبغدادي»

إذ من المعلوم كون المراد بذلك الصاع المتفق على كونه الواجب في الفطرة، كما أن من المعلوم عدم الفرق في الصاع بين المقام و الفطرة.

و من ذلك يعلم المراد مما في

صحيح أيوب بن نوح (4)الوارد في الفطرة أيضا


1- 1 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات الحديث 6 و ذيله في الباب 3 منها- الحديث 2 مع الاختلاف في الألفاظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 209

و هو أنه كتب إلى أبي الحسن (عليه السلام) و قد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم قيمة تسعة أرطال، فكتب (عليه السلام) جوابا محصوله التقرير على ذلك

خصوصا مع كون الراوي عراقيا، و في

صحيح زرارة(1)«كان رسول الله صلى الله عليه و آله يتوضأ بمد و يغتسل بصاع، و المد رطل و نصف، و الصاع ستة أرطال»

يعني أرطال المدينة، فيكون تسعة أرطال بالعراقي و لا ريب في كونه مؤيدا للمطلوب و إن لم يعلم كونه من الامام (عليه السلام)، بل قيل: الظاهر من جماعة أن التفسير من تتمة الرواية و يشهد له قوله في التذكرة و

قول الباقر (عليه السلام): «و المد رطل و نصف، و الصاع ستة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي»

و عن المصنف (رحمه الله) أنه نقل الخبر من

كتاب الحسين بن سعيد هكذا «و الصاع ستة أرطال بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي».

و على كل حال ف هو حينئذ أربعة أمداد و ذلك لأن المد رطلان و ربع بالعراقي و رطل و نصف بالمدني فيكون النصاب حينئذ ألفين و سبعمائة رطل بالعراقي حاصلة من ضرب الخمس في الستين، فتبلغ ثلاثمائة، فتضرب في التسعة أرطال فتبلغ المقدار المزبور، و ألف و ثمانمائة رطل بالمدني حاصلة من ضرب الثلاثمائة في الستة و ألف و مائة و سبعون درهما، لأن المد مائتا درهم و اثنان و تسعون درهما و نصف درهم، لكن في

خبر المروزي (2)قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام): «الغسل بصاع من ماء، و الوضوء بمد من ماء، و صاع النبي (صلى الله عليه و آله) خمسة أمداد، و المد وزن مائتين و ثمانين درهماً، و الدرهم ستة دوانيق، و الدانق وزن ست حبات، و الحبة وزن حبتي شعير من أواسط الحب لا من صغاره و لا من كباره»

و في الموثق(3)


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 3 من كتاب الطهارة.
3- 3 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 4 من كتاب الطهارة.

ج 15، ص: 210

«سألته عن الماء الذي يجزي للغسل فقال: اغتسل رسول الله (صلى الله عليه و آله) بصاع و توضأ بمد، و كان الصاع على عهده خمسة أمداد، و كان المد قدره رطل و ثلاث أواق»

و هما واجبا الطرح لشذوذهما، و ربما حملا على الفرق بين صاع الماء و غيره باعتبار

الثقل و الخفة، و تداخل الأجسام و عدمه، و فيه أنه ينافيهما صحيح زرارة(1)حينئذ أو من جهة مشاركة بعض أزواجه في الغسل له.

و كيف كان فالرطل العراقي مائة و ثلاثون درهما أحد و تسعون مثقالا بلا خلاف أجده إلا من الفاضل في التحرير و موضع من المنتهى، فجعله مائة و ثمانية و عشرين درهما و أربعة أسباع درهم أي تسعون مثقالا، و لم نعرف له مستندا، بل هو مخالف لما سمعته من خبر الهمداني (2)المراد من الوزنة فيه الدرهم بقرينة

خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (3)فإن فيه «الفطرة صاع من قوت بلدك- إلى أن قال-: تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة، و الرطل مائة و خمسة و تسعون درهما، تكون الفطرة ألفا و مائة و سبعين درهما»

و التقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني، و لعله لذا و غيره قيل:

إنه سهو من قلمه الشريف، أو أنه تبع فيه بعض العامة.

و كيف كان فقد اعتبرناه في يوم الثلاثاء عشرين في شعبان سنة ألف و مائتين و تسعة و ثلاثين من الهجرة النبوية بعيار البقال في النجف الأشرف فكان اثني عشر و زنة إلا ربع الوقية و خمس مثاقيل صيرفية، لأن الحقة كانت فيه ستمائة مثقال صيرفي و أربعين مثقالا

كذلك، و الصاع ستمائة مثقال و أربعة عشر مثقالا صيرفيا و ربع مثقال


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب الوضوء- الحديث 1 من كتاب الطهارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2 و ذيله في الباب 7 منها- الحديث 4.

ج 15، ص: 211

ينقص عن الحقة ستة و عشرون مثقالا إلا ربعا، و أما عيار العطار في النجف فقد اعتبرناه فكان ربع الوقية فيه تسعة عشر مثقالا صيرفياً نصف من ربع البقال إلا مثقالا لأنه أربعون مثقالا صيرفيا، فإذا أردت ضبط النصاب به فعلى هذا الحساب، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و السبب في ضبط ذلك أن هذا التقدير عندنا على التحقيق دون التقريب، فلو حصل النقصان و لو قليلا فلا زكاة للأصل، و ل

قوله (عليه السلام)(1): «و ليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي ء»

بل

قال الباقر (عليه السلام) في صحيح زرارة و بكير(2): «فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي ء و إن قل فليس فيه شي ء، و إن نقص البر و الشعير و التمر و الزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شي ء»

و عدم صدق التقدير حقيقة مع النقصان و لو يسيرا، و المسامحة العرفية ليست من الحقائق التي يحمل عليها الإطلاق، على أنه قد صرح بعدم العبرة بها في الجملة في الخبر المزبور، نعم لا عبرة بما جرت العادة به من

ممازجته للنصاب من غيره كالتراب اليسير و التبن كذلك و الشعير في الحنطة و نحو ذلك مما لا يخرج به عن الاسم، بل أقصاه تعدد الأصناف عرفا، أما إذا كان كثيرا لا يتسامح فيه في العرف فلا يغتفر، بل لو كان أجنبيا قد مزج بصنف خالص عنه قدح في العفو و إن لم يكن كثيرا، فتأمل جيدا.

و على كل حال فما عن بعض الجمهور من أن التقدير تقريب لا تحقيق لأن الوسق حمل و هو يزيد و ينقص واضح الضعف، لأن المعتبر التقدير الشرعي لا اللغوي.

ثم إن المحكي عن المنتهى أنه قال: «النصب معتبرة بالكيل بالأصواع، و اعتبر الوزن للضبط و الحفظ، فلو بلغ النصاب بالكيل و الوزن معا وجبت الزكاة قطعا، و لو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك، و لو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فإنه أخف من الحنطة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 8.

ج 15، ص: 212

مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى، و قال بعض الجمهور: تجب و ليس بالوجه» و في المدارك بعد حكاية ذلك عنه قال: «و مرجعه إلى اعتبار الوزن خاصة، و هو كذلك، إذ التقدير الشرعي إنما وقع به لا بالكيل» قلت: هذا مناف لأول كلامه، و أيضا فالموجود في أكثر النصوص التقدير بالأوسق و الصوع، بل إنما وقع ضبط الصاع بالوزن في زكاة الفطرة و الغسل، و لعله لذا قال في التذكرة: النصاب يعتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة، و إنما نقلت للوزن لتضبط و تحفظ، و حينئذ فان لم يكن المتجه الاعتبار بالكيل خاصة فلا محيص عن القول بكفايته لو حصل وافق الوزن أولا، و يكون النصاب حينئذ ما بلغ بأحدهما، و ما نقص عنهما معاً ليس بنصاب نحو ما سمعته في تقدير الكر بالوزن و المساحة و ليس ذا من التخيير بين الأقل و الأكثر، بل للتسامح في التفاوت اليسير الحاصل في بعض الأفراد منهما، و لا ينافي ما تقدم منا من البناء على التحقيق دون التقريب، لرجوع الحاصل إلى مراعاة التحقيق في البلوغ بأحدهما، و كان ذلك لعدم تيسر الوزن في جميع الأوقات لجميع الناس، و كذا الكيل، لكن الأمر في ذلك كله سهل، لعدم معرفة الصاع في هذا الزمان إلا بالوزن، فيكون المدار عليه حينئذ كما هو واضح، هذا.

و في التذكرة النصاب المعتبر و هو خمسة أوسق إنما يعتبر وقت جفاف التمرة، و يبس العنب و الغلة، فلو كان الرطب مثلا خمسة أوسق و لو جف نقص فلا زكاة إجماعا و إن كان وقت تعلق الوجوب نصابا، ثم قال: و أما ما لا يجف مثله و إنما يؤكل رطبا كالهلبات و البرين و شبههما من الدقل فإنه يجب فيه الزكاة أيضا، ل

قوله (عليه السلام)(1): «فيما سقت السماء العشر»

و إنما يجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا، و هل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب

الأول و إن كان تمره يقل، ثم نقل عن الشافعية وجها بأنه يعتبر بغيره، و لا ريب في ضعفه، و لو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات.

ج 15، ص: 213

التمر أو الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا، و هو جيد، و ربما كان ما في

صحيح ابن مسلم (1)عن الصادق (عليه السلام)- من «ترك معا فأرة و أم جعرور و أنهما لا يزكيان و إن كثرا»

- إشارة اليه في الجملة، لأنهما كما قيل من أرادا التمر، مضافا إلى ما تسمعه من الصحيح في العنب.

و كيف كان فقد ظهر لك أن ما نقص عن التقدير المزبور و لو يسيرا فلا زكاة فيه و أما ما زاد ففيه الزكاة و إن قل بلا خلاف أجده فيه، كما عن المنتهى نفيه عنه أيضا بين العلماء، و النصوص (2)دالة عليه، فليس حينئذ في الغلات إلا نصاب واحد، ما نقص عنه فلا زكاة فيه، و ما بلغه فيه الزكاة كما هو واضح، و لا عبرة بما تختلف به الموازين الصحيحة مما جرت العادة نحو ما سمعته في النقدين، و الله أعلم.

[وقت تعلق الزكاة بالغلات]

و على كل حال ف الحد الذي تتعلق به الزكاة من الأجناس الأربعة أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا كما في المعتبر و النافع و

حكاه جماعة عن أبي علي و فخر الإسلام على ما قيل، و عن المنتهى أنه حكاه عن والده، و كأنه مال إليه في الروضة كالمحكي عن صاحب الذخيرة و حكاه الفاضل الهندي عن نهاية الشيخ و المراسم و الموجود في النهاية في باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة بعد أن ذكر وقت الوجوب في النقدين و أما الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد و الجذاذ و الصرام، و ربما حملت على وقت الإخراج لا وقت الوجوب، و في محكي المراسم «أما الوقت الذي تجب فيه الزكاة فعلى ضربين: أحدهما رأس الحول يأتي على نصاب، و الآخر وقت الحصاد، فأما رأس الحول فيعتبر في النعم و الذهب و الفضة، و أما ما يعتبر فيه الحصاد و الجذاذ فالباقي من التسعة» و فيها الاحتمال المزبور، إلا أنه بعيد، ضرورة كونه بعد التصفية لا الحصاد الذي يحصل بالجفاف و اليبس الحاصل عندهما اسم الحنطة


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات.

ج 15، ص: 214

و الشعير على ما قيل، لكن عن إيضاح النافع كأن المصنف يسلم ذلك في الحبوب أي يوافق المشهور، لأنه يرى أن الاشتداد يصدق معه الاسم، و من ثم لم يذكر القول إلا في التمر، قلت: و كذا هنا، و ربما أومأ إليه في الجملة ما عن إيضاح الفخر، حيث قال في شرح كلام والده: «هذا هو المشهور، و قال ابن الجنيد: لا تجب الزكاة حتى تسمى تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا، و هو بلوغها حد الجفاف، و منعه في الحنطة و الشعير ظاهر، فإنه يسمى بذلك ما انعقد حبه» إلى آخره، هذا. و في البيان عن أبي علي و المصنف أنهما اعتبرا في الثمرة التسمية عنبا أو تمرا، و هو مخالف للمعروف نقله عن أبي علي و للموجود في كتب المصنف الثلاثة، و في مفتاح الكرامة أنه قد يلوح مذهب المحقق من المقنع و الهداية و كتاب الأشراف و المقنعة و الغنية و الإشارة و غيرها، لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير، و ظاهرها اعتبار صدق الأسامي.

و كيف كان فقد قيل و القائل المشهور نقلا و تحصيلا بل إذا اشتد الحب و أحمر ثمرة النخل أو اسفر أو انعقد الحصرم بل في التنقيح لم نعلم قائلا بمذهب المحقق قبله، و عن المقتصر أنه عليه الأصحاب، و عن موضع من المنتهى لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في ملكه، فلو ابتاع أو استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة بإجماع العلماء، و توقف في القولين جماعة و لكن الأشبه بأصول المذهب و عموم (1)«وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ» و نحو ذلك الأول للتعليق في أكثر النصوص على اسم الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب، و دعوى تحقق الاسم بذلك إن سلمت في الأولين فهي واضحة المنع في الأخيرين، خصوصا الأخير، ضرورة عدم صدق اسم الزبيب على العنب فضلا عن الحصرم، و نصوص الخصم ظاهرة الدلالة على ذلك كما


1- 1 سورة محمد ص- الآية 38.

ج 15، ص: 215

ستسمع، أما التمر فعن الفاضل و غيره أن أهل اللغة نصوا على أن البسر و الرطب نوعان من التمر، و يتم بعدم القول بالفرق بينه و بين غيره، لكن فيه- مضافا إلى منافاة ذلك للعرف كما يشهد له صحة السلب عنهما فيه- أن الموجود في الصحاح في ثمر النخل أوله طلع ثم خلال ثم بسر ثم رطب ثم تمر، و عن مجمع البحرين «قد تكرر في الحديث ذكر التمر، و هو بالفتح و السكون اليابس من ثمر النخل» و عن المصباح التمر ثمر النخل كالزبيب من العنب، و هو اليابس بإجماع أهل اللغات، لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع و يترك في الشمس حتى ييبس، قال أبو حاتم: ربما جذت النخلة و هي باسرة بعد ما أخلت لتخفيف عنها أو خوف السرقة حتى يكون تمرا، و ما عن بعض نسخ الصحاح من أن التمر أوله طلع ثم خلال إلى آخر ما سمعت يراد منه الأول و إن لم يطلق عليه اسمه، و إلا لكان الطلع منه، و لا يقوله أحد، و كذا ما عن القاموس الحصرم التمر قبل النضج، و أول العنب ما دام أخضر، و كذا قوله أيضا:

البسر هو التمر قبل إرطابه، و كذا ما عن المغرب أيضا من أن غورة خرما، لأن غورة كما قيل: الحصرم، و قد سمعت تفسيره في القاموس، و قد ظهر من ذلك كله حينئذ توافق العرف و اللغة على عدم تسمية البسر تمرا، نعم عن العين البسر من التمر قبل أن يرطب، و هو غير نص في عده منه أيضا، بل يؤيد العدم قوله بعد ذلك و

في الحديث (1)«لا تبسروا»

أي لا تخلطوا التمر بالبسر للنبيذ، فمن الغريب ما عن المختلف من الجواب عن عدم عد البسر في العرف تمرا بأن العبرة باللغة دون العرف، فانا لم نتحقق أولا ما نسبه هو و غيره إلى اللغة، و ثانيا فيه منع تقديم اللغة على العرف في الأحكام الشرعية و دعوى أن الأصل في العرف التأخر لحدوثه، و الأصل في كل زمان عدم النقل فيه إلى أن يتحقق، و النقل في العرف غير متحقق في أزمنة النصوص تنافي ما وقع منهم في غير


1- 1 النهاية لابن الأثير في مادة« بسر» و« ثجر».

ج 15، ص: 216

مقام من تقديم العرف على اللغة، اللهم إلا أن يدعى تيقن ثبوته في ذلك الزمان، و هو كما ترى، و أغرب من ذلك ما عن فخر الإسلام من منع النقل عرفا، قال: «و أما في التمر فقد نقل عن أهل اللغة أن البسر تمر، و النقل على خلاف الأصل، قالوا: متعارف عند العرف ما قلناه، قلنا: المجاز خير من الاشتراك و النقل، قالوا: راجح في الاستعمال قلنا: الحقيقة أولى و إن كانت مرجوحة» و هو كما ترى و إن أيد بأن الطبيب إذا منع منه حكم أهل العرف باندراج الرطب و البسر فيه، كالحلف على عدم أكله، و فيه أنه للقرائن، و إلا كان ممنوعا، و لئن أغضي عن ذلك كله فهو

مطلق لا ينصرف إلى هذا الفرد منه، خصوصا البسر، و دعوى شيوعهما أيضا فيه واضحة الفساد، و تعلق الزكاة بالسخال ليس للفظ الإبل و البقر و الغنم، بل لخصوص النصوص فيها، مع إمكان الفرق بين المقامين.

فلم يبق للمشهور حينئذ سوى النصوص التي لا فرق فيها بين الحقيقة و المجاز، ك

صحيح سلمان (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق، و العنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا»

و أرسل ذلك في التهذيب إرسالا(2)فيمكن أن يكون غير الصحيح المزبور، بل قيل: إنه الظاهر، فيكون حينئذ روايتين، و

صحيح سعد بن سعد(3)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر و الشعير و التمر و الزبيب فقال: خمسة أوساق بوسق النبي (صلى الله عليه و آله)، فقلت: كم الوسق؟ قال: ستون صاعا، قلت: فهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال: نعم إذا خرصه أخرج زكاته»


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 7 عن سليمان.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.

ج 15، ص: 217

و صحيح سعد الآخر(1)عن أبي الحسن (عليه السلام) «سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أو يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: متى حلت أخرجها، و عن

الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال:

إذا صرم و إذا خرص»

و خبر أبي بصير(2)«لا يكون في الحب و لا في النخل و لا في العنب زكاة حتى يبلغ وسقين، و الوسق ستون صاعا»

و يتم الاستدلال بنصوص العنب بعدم القول بالفصل بينه و بين غيره، و بنصوص الخرص بما صرح به الفاضلان و غيرهما من أنه وقت بدو الصلاح، و في شرح الأستاذ أنه على ما صرح به الأصحاب و منهم المحقق إنما يكون في حال البسرية و العنبية، فيصح لنا الاستدلال بكل ما دل على جواز الخرص في النخيل و الكرم من الروايات و الإجماعات، بناء على ما ذكروه في صفته و فائدته من أنه تقدير الثمرة لو صارت تمرا و العنب لو صار زبيبا، فان بلغت الأوساق وجبت الزكاة، ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم و بين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن حصتهم إلى آخر ما ذكروه. و كل ذلك إنما يكون على المشهور، و إلا فلا وجه للخرص في ذلك الوقت، و لا للمنع عن التصرف على القول الآخر، لجوازه من غير احتياج اليه.

و قد يناقش في دلالة الجميع على المطلوب، أما الصحيح الأول فالظاهر من أوله إرادة تمرا بقرينة ما بعده، و حينئذ يمكن إرادة البلوغ زبيبا فعلا لا أنه يقدر فيه ذلك بل قيل: إن الظاهر الأول، و دعوى أن المراد من أوله ثمرة النخل- لأنه المجاز المعروف فيثبت حينئذ بإطلاقه الزكاة فيها، خرج ما خرج و

بقي الباقي، على أنها قبل بدو الصلاح لا عبرة بها، فلا ينصرف إليها الإطلاق- كما ترى، خصوصا بعد ما سمعت من ظهور


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 3.

ج 15، ص: 218

إرادة التمر بقرينة ما بعده، و المرسل على فرض أنه غيره يجري فيه ذلك أيضا، و صحيح سعد- مع أنه كأكثر النصوص السابقة في العنب، و دعوى التتميم بعدم القول بالفصل يدفعها المحكي عن أبي علي في أحد النقلين فيه، و مال إليه في المدارك- يمكن كونه بالحاء المهملة من حرص المرعي إذا لم يترك منه شيئا، و يكون ذلك كناية عن صرمه زبيبا، و على تقدير كونه بالخاء المعجمة فهو من جملة أخبار الخرص، و لعل المراد منه حينئذ الكناية عن تصييره زبيبا، لأنه لا يخرص عليه عادة إلا إذا أريد بقاؤه للزبيبية لا إذا أراد صرمه عنبا، و إن كان قد يقال: إن المراد منه إذا خرص على تقدير بقائه زبيبا يخرج زكاته إذا صرم عنبا، و أما الصحيح الآخر فمع ما فيه مما يشهد للمطلوب من قوله:

«متى حلت أخرجها» يحتمل كونه بالحاء المهملة كما سمعته سابقا، و يكون المراد أنه إذا صرم و حرص أي لم يترك منه شي ء وجب إخراج الزكاة منه، بل لعل ذلك متعين، إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام و الخرص بالمعجمة، لاختلافهما جدا، و من هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا، بل عن الذخيرة الجواب بذلك عن أدلة الخرص جميعها، قال: يجوز أن يكون أي الخرص مختصا بما كان تمرا على النخل، أو يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا و زبيبا، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.

و دعوى أن ذلك إن تم في التمر فلا يتم في الزبيب- لأنه لا يصير زبيبا إلا بعد الصرم و مضي مدة، و حينئذ يصير مكيلا أو موزونا بالفعل بلا شبهة، فلا يجوز أخذ الزكاة منه بمجرد الخرص و الظن و التخمين، لكونه مكيلا أو موزونا بالفعل، كما هو الظاهر من فتوى الفقهاء و الأخبار في مباحث التجارة- يمكن منعها و أنه يجوز خرصه زبيبا على شجره، فلا يكون مكيلا و لا موزونا كالتمر في النخل، كدعوى أنه غير تام في التمر أيضا، لأنه لو أريد صيرورة جميع الثمرة تمرا جافا يابسا ففساده في غاية الوضوح

ج 15، ص: 219

لأنه من المحالات العادية إبقاؤه إلى تلك الحال، لما فيه من المضار الكثيرة من تناثره من هبوب الرياح و عبث الطيور، و تنقله إلى حالات ردية، و صعوبة جمعه أو كبسه، و تغيره بالغبار، إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة على المالك و الفقير، سلمنا أنه ليس من المحالات العادية و عدم حصول تلك المضار الشديدة لكنه إذا بلغ إلى ذلك الحد بادروا إلى الصرم و الجذاذ، فلا فائدة في الخرص عليهم، لأنه إنما شرع للتوسعة و الرخصة في التصرفات إلى وقت الجذاذ، و إن كان أراد وقت صيرورة بعض التمار تمرا جافا ففيه أنه لا فائدة في هذا الخرص، لأن الرطب إنما يصير تمرا على التدريج، مضافا إلى تفاوت الأثمار و الأشجار، بل العنقود الواحد قد تتفاوت أجزاؤه، فكلما صار البعض تمرا تجب فيه الزكاة بعد بلوغ المجموع النصاب، فخرص البعض يكون لغوا لعدم انحصار الزكاة فيه، و لعدم العلم بقدر المجموع، و لا تجدي معرفة البعض في معرفة المجموع، لما عرفت من أن ذلك على التدريج، و الاكتفاء بخرص ما صار تمرا دون غيره فتسقط الزكاة عنه فاسد قطعا، ثم إنه يلزم أن يكون لكل بستان خارص، إذ من المعلوم أنه على ما ذكره لا يكفي الخارص الواحد للقرى المتعددة، إذ هي كما ترى، إذ لعل فائدة الخرص الحفظ من الخيانة و نحوها، بل هو المقصد الأصلي فيه، و كذا ما قيل من أن الزكاة لو كانت مقصورة على التمر و الزبيب لشاع الحكم فيها و ذاع عند الفقهاء و غيرهم كما في زكاة الفطرة، و لم يكن الأمر بالعكس، بل ربما يلزم من ذلك ضياع الزكاة، لأنهم كانوا يحتالون بجعل العنب و الرطب دبسا و خلا، أو كانوا يبيعونهما كذلك، بل كان قد تعرضت النصوص له و للاحتيال به فرارا، أو تعرضت له في معرض الامتنان، إذ فيه أن الأول معارض بمثله و بجريان السيرة و الطريقة على عدم توقف المالك في التصرف لمكان شركة الفقراء له في العين، و الثاني مدفوع بأن الغالب في الثمرة خصوصا ثمرة النخل إرادة التمر الذي يبقى تمام السنة، و من هذه الجهة ما وقعت الحيلة بذلك

ج 15، ص: 220

لكن الانصاف مع هذا كله عدم خلو المسألة عن الاشكال، خصوصا مع ملاحظة الشهرة، و بعض الصحاح السابقة، و ظاهر الإجماع و ما سمعته من إجماع المنتهى و فتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس، فالاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه، بل لعل التأمل في نصوص العنب يقضي بأن محل الزكاة ذوات الأمور المذكورة لا أحوالها المقارنة للأسماء، فلا يقدح حينئذ عدم التسمية زبيبا و حنطة و شعيرا و تمرا، و لا ينافي ذلك اعتبار بدو الصلاح بالاحمرار و الاصفرار مثلا في ثمرة النخل، ضرورة عدم الاعتناء بها قبل ذلك مع عدم الأمن من سلامتها من الآفة، فهي حينئذ كبقائها طلعا، و قد ظهر من ذلك أن القول المزبور مع موافقته للاحتياط لا يخلو من قوة، هذا. و لا ينبغي التعرض للثمرة بين القولين، فإنها في غاية الوضوح، و الله العالم.

[في وقت وجوب إخراج الزكاة من الغلات]

و كيف كان ف وقت وجوب الإخراج الذي هو بحيث يسوغ للساعي مطالبة المالك به و إذا أخرها عنه مع التمكن ضمن في الغلة إذا صفت، و في التمر بعد اخترافه و اجتذاذه و في الزبيب بعد اقتطافه بلا خلاف أجده فيه، بل في محكي المنتهى «اتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الإخراج في الحبوب إلا بعد التصفية و في التمر إلا بعد التشميس و الجفاف» و في التذكرة «لا يجب الإخراج حتى تجد الثمرة و تشمس و تجفف، و تحصد الغلة و تصفي من التبن و القشر بلا خلاف» و حينئذ فيختلف على المشهور زمان وجوب الزكاة و زمان وجوب الإخراج، بل و على غير المشهور بناء على ظاهر العبارة و غيرها، لكن في الروضة «أن وقت الوجوب و الإخراج واحد، و هو وقت التسمية بناء على غير المشهور، أما عليه فهو مغاير لوقت الإخراج» و في المسالك و المدارك «جعل ذلك وقت الإخراج تجوز، و إنما وقته عند يبس الثمرة و صيرورتها تمرا أو زبيبا» و لعل مرادهما أن وقت الإخراج التسمية لا الاقتطاف و الاختراف، فيوافق حينئذ ما سمعته من الروضة، فلا يجوز له الامتناع إذا طلبه

ج 15، ص: 221

الساعي، و لو أخره مع التمكن ضمن، نعم الاختراف و الاقتطاف و غيرهما من مقدمات الأداء، لتوقفه على معرفة مقدار الحق الذي يكلف بإخراجه، و لا ينافي ذلك ما سمعته من معقد الإجماع و نفي الخلاف، ضرورة عدم دلالتهما على عدم وجوب الجذاذ و نحوه و إن أطلق عدم وجوب الإخراج إلا بعده، لكن المراد عدم وجوب الإخراج لو طلب بدون الجذاذ و الاقتطاف، و كذا الكلام في الحنطة و الشعير بناء على اتحاد زمان تحقق مساهما و زمان أوان حصادهما، فيتحد حينئذ وقت الوجوب و الإخراج و إن توقف الأخير على الحصاد و نحوه مما يجب عليه فعله مقدمة على نحو ما عرفت.

و على كل حال فالمراد بوقت الإخراج الوقت الذي إذا أخرت الزكاة عنه مع التمكن من إخراجها تصير مضمونة، و الوقت الذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالإخراج، لا الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي لمالك الثمرة قبل الجذاذ، و إجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار، و يدل على الجواز مضافا إلى العمومات خصوص

قوله (عليه السلام) في صحيح سعد(1)«إذا خرصه أخرج زكاته».

ثم لا يخفى عليك أن عدم وجوب الإخراج مع وجوب الزكاة بناء على المشهور إنما هو إذا أريد البقاء إلى المنتهى، أما إذا أريد اقتطافه حصرما أو عنبا أو بسرا أو رطبا فلا ريب في وجوب الإخراج منه حينئذ، ضرورة معلومية كون التأخير إرفاقا بالمالك الذي يريد الانتظار بالثمرة إلى نهايتها، فتأمل.

و لو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب إجابة المالك له على الظاهر، لإطلاق معقد الإجماع على جواز التأخير، و لو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا للساعي وجب القبول على الأقوى، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.

ج 15، ص: 222

[في عدم وجوب الزكاة في الغلات إلا إذا ملكت بالزراعة]

و كيف كان ف لا تجب الزكاة في الغلات الأربعة إلا إذا ملكت ب سبب ملك الزراعة التي هي بمعنى النمو، قال الله تعالى (1)«أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ» و المراد أنه يعتبر كون ملكها حال تعلق الزكاة بها ببدو الصلاح أو حصول المسمى على القولين بسبب سبق الملك على ذلك الحال و لو بالشراء أو غيره، لا ما إذا كان الملك لها في حال التعلق بغيره من الأسباب للتملك كالابتياع و الهبة أو غيرهما، فإنه لا زكاة فيها على المنتقل إليه، ضرورة عدم تعلق خطاب الزكاة المعلوم اشتراطه بسبق الملك المفقود في الفرض، و إلى ذلك يرجع ما في المعتبر «لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في الملك، فلا تثبت فيما يبتاع بثمره و لا ما يستوهب، و عليه اتفاق العلماء» و محكي المنتهى «لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا نمت في ملكة، فلو ابتاع غلة أو استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة، و هو قول العلماء كافة» و النافع و إيضاحه و التحرير و التذكرة من التعبير بنمو الغلة و الثمرة في ملكه، لكن في المدارك «أن هذا التعبير غير جيد، أما على ما ذهب اليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلات إلا بعد تسميتها حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا فظاهر لأن تملكها قبل ذلك كاف في تعلق الزكاة بالمتملك، كما سيصرح به المصنف و إن لم تتم في ملكة، و أما على القول بتعلق الوجوب بها ببدو الصلاح فلأن الثمرة إذا انتقلت بعد ذلك تكون زكاتها على الناقل قطعا و إن نمت في ملك المنتقل

اليه» و فيه أن المراد من ذلك بيان الشرطية لما ذكروه من متعلق الزكاة، و ليس المقصود منه ما يقصد بالتحديد من الطرد و العكس، و قد عرفت أن المراد بالنمو حال تعلق الزكاة كل على مختاره فيه، فاشترطوا فيه كون ملكه على الوجه المزبور حتى يتحقق خطاب الزكاة للمنتقل اليه، بل عند التأمل الجيد ما ذكرناه أولى مما ذكره الشهيد الثاني في المسالك،


1- 1 سورة الواقعة- الآية 64.

ج 15، ص: 223

و تبعه عليه غيره، و ربما حكي عن قطب الدين من أن المراد بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك، و حمل الابتياع و الهبة الواقعين في العبارة على ما حصل من ذلك بعد تحقق الوجوب، إذ هو كما ترى، مع أنه إنما يناسب كلام القائلين بتعلق الوجوب بها بالانعقاد، و أما على قول المصنف فيكون المراد بها تحقق الملك قبل تعلق الوجوب فيها، هذا، و في الدروس «يشترط في الغلات تملكها بالزراعة و انعقاد الحب و بدو الصلاح، و يكفي انتقالها قبلهما إلى ملكه» و في اللمعة و الروضة «يشترط فيها التملك بالزراعة إن كان مما يزرع أو الانتقال أي انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردة إلى ملكه قبل انعقاد الكرم و بدو الصلاح في النخل و انعقاد الحب في الزرع، فتجب عليه الزكاة حينئذ و إن لم يكن زارعا، و ربما أطلقت الزراعة على ملك الحب و الثمرة على هذا الوجه» و فيه ما عرفت من شمول الزراعة بالمعنى الذي ذكرناه للغلات الأربعة، فلا حاجة إلى تقييد العبارة، و على كل حال فالمراد واضح كوضوح الدليل، فالاطناب في ذلك خال عن الثمرة، و الله أعلم.

[في أن المزكى لا يزكى و لو بقي أحوالا]

و يزكى حاصل الزرع ثم لا يجب بعد ذلك فيه زكاة و لو بقي أحوالا بل ألف حول إجماعا بقسميه و نصوصا(1)مضافا إلى اقتضاء الأمر الطبيعة و لا معارض له، بخلافه في الأنعام و النقدين كما هو واضح، و الله أعلم.

[في عدم وجوب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان]

و لا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان بلا خلاف أجده كما عن جماعة الاعتراف به أيضا، بل عن الخلاف الإجماع عليه، بل في المعتبر خراج الأرض يخرج وسطا، و يؤدي زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا إذا كان لمسلم، و عليه فقهاؤنا و أكثر علماء الإسلام، و قال أبو حنيفة: لا عشر في الأرض الخراجية، و في التذكرة تجب الزكاة في أرض الصلح، و من أسلم أهلها عليها بإجماع العلماء، و أما ما فتح عنوة فإذا


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الغلات و المستدرك- الباب 7 منها.

ج 15، ص: 224

زرعها و أدى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب، و لا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع، و في

صحيح أبي بصير و محمد(1)قالا للباقر (عليه السلام):

«هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال: كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه، و ليس على جميع ما أخرج الله منها العشر، إنما العشر عليك فيما حصل بعد مقاسمته لك»

و خبر صفوان و البزنطي (2)قالا: «ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها أهل بيته فقال: من أسلم طوعا تركت أرضه في يده و أخذ منه العشر مما سقت السماء و الأنهار و نصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها، و ما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره، و كان للمسلمين على المتقبلين في حصصهم العشر أو نصف العشر، و ليس في أقل من خمسة أوسق شي ء من الزكاة، و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى، كما صنع رسول الله (صلى الله عليه و آله) بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني أرضها و نخلها، و الناس يقولون لا يصلح قبالة الأرض و النخل و قد قبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) خيبر، و على المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر و نصف العشر في حصصهم، ثم قال:

إن أهل الطائف أسلموا و جعلوا عليهم العشر و نصف العشر، و إن أهل مكة دخلها رسول الله (صلى الله عليه و آله) عنوة و كانوا أسراء في يده فأعتقهم، و قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء»

و هما صريحان في إخراج الخراج قبل الزكاة، بل لا ينبغي التأمل فيه في حصة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة، ضرورة أنه كالحصة من المزارعة التي يستحقها مالك الأرض، فإنه لا إشكال في عدم وجوب زكاتها على المزارع، لأنها ملك غيره،


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1 مع الاختلاف فيه.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.

ج 15، ص: 225

و إنما تجب الزكاة عليه فيما يرجع اليه من الزرع.

و لعل المراد بحصة السلطان التي عبر بها الأكثر هنا هي هذه، لكن عن جامع المقاصد «المراد بحصة السلطان خراج الأرض أو قسمتها» و في الحدائق «خراج السلطان و حصته هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل و إن سمي الأخير مقاسمة» و لعله أشار بذلك إلى ما ذكروه في التجارة من قولهم: ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة و الأموال باسم الخراج، و عن بعض الأصحاب أنه عبر هنا بالخراج بدل الحصة، و عن آخر أنه عبر بهما فقال بعد الخراج و حصة السلطان، و عن الصيمري «أن الكل عبارة عن معنى واحد، فمن اقتصر على الحصة أراد بها الخراج مطلقا سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوح عنوة أو مختصا كالأنفال و صدق على المشترك أنه حصة، لأنه الجابي و المتولي له، و من اقتصر على الخراج فقد أراد ذلك، و من جمع بينهما أراد بالحصة ما اختص بالإمام و بالخراج المشترك» قلت:

على كل حال ظاهر النص و الفتوى أنه لا زكاة إلا بعد القسمين من غير فرق بين الحصة و غيرها، و أما

مرسل ابن بكير(1)عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «في زكاة الأرض إذا قبلها النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه، و ليس على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض الزكاة على المتقبل، فان اشترط فإن الزكاة عليهم، و ليس على أهل الأرض زكاة إلا على من كان في يده شي ء مما قطعه الرسول (صلى الله عليه و آله)»

فهو مع منافاته للإجماع مناف لما دل من النصوص على وجوب الزكاة عليهم في حصصهم، بل مناف لما يقتضي سقوطها عن المملوك بالجهة العامة، اللهم إلا أن يحمل على الأرض المملوكة للنبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) كما أنه ينبغي حمل عدم الزكاة فيه على عدمها في الحصة التي أخذها


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4.

ج 15، ص: 226

الامام (عليه السلام) و كذا قوله (عليه السلام) في ذيله: «ليس» على الرخصة التي ستعرفها في سقوط الزكاة إذا أخذها الجائر أو على أن المراد من جهة شدة ظلمهم فيما يأخذونه من الخراج، و لعل استثناءه خصوص ما

أقطعه النبي (صلى الله عليه و آله) لعدم أخذهم منه شيئا، هذا، و لكن في التذكرة «تذنيب لو ضرب الامام (عليه السلام) على الأرض الخراج من غير حصته فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع، لأنه كالدين» و هو كما ترى محجوج بظاهر النص و الفتوى، و لا أقل من أن يكون الخراج كأجرة الأرض التي لا كلام عندهم في أنها من المؤن.

نعم قد يتوقف فيما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما، قال في المسالك: «لا يستثنى الزائد إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن من منعه سرّاً أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد» و نحوه ما في فوائد الشرائع إلا أنه قال: «مقدار الخراج المعتبر شرعا» و لم يحله على العادة كالمسالك لعدم التقدير به شرعا، و في شرح الفاضل «أنه أظهر، إذ لا تقدير له شرعا» و على كل حال هو كذلك من غير إشكال لو كان المأخوذ من نفس الغلة، بل و من غيرها في وجه قوي، و ربما كان في

خبر سعيد الكندي (1)ما يستفاد منه ذلك، حيث قال لأبي عبد الله (عليه السلام): «إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم، فقال: أعطهم فضل ما بينهما، فقلت: لم أظلمهم و لم أزد عليهم، قال: نعم، و إنما زادوا على أرضك»

بل و كذا الحال في غير الخراجية من الأرض، بل و إن كان الظالم ممن لم يدع الإمامة كسلاطين الشيعة، فتأمل.

و على كل حال فلا كلام عند الأصحاب في عدم سقوط الزكاة فيما بقي في يده بعد أخذ

الخراج إذا كان بالغا للنصاب، و قد عرفت ما يدل عليه من محكي الإجماع


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من كتاب المزارعة و المساقاة- الحديث 10.

ج 15، ص: 227

و النص، لكن

قال رفاعة(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيه العشر؟ قال: لا»

و في

خبر أبي كهمس (2)عنه (عليه السلام) «من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه»

و خبر أبي قتادة(3)عن سهل ابن اليسع أنه حيث أنشأ سهل آباد سأل أبا الحسن (عليه السلام) «عما يخرج منها ما عليه؟

قال: إذا كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي ء، و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها»

و صحيح رفاعة(4)أيضا «سألت الصادق (عليه السلام) عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه عشر فيها؟ قال: لا»

إلا أنه قد حكى غير واحد الإجماع على خلافها، فوجب طرحها أو حملها على التقية من أبي حنيفة، أو على إرادة عدم الزكاة فيما أخذه من الخراج، أو على أن الخراج كان من غير الحاصل، و باحتسابه من المؤن لم يبق شي ء

تجب فيه الزكاة، أو على إرادة ما يأخذه الحاكم المحتسب زكاة من الخراج فيها بناء على أن للمالك ذلك و إن كان هو لا يخلو من إشكال، خصوصا بعد

صحيح زيد الشحام (5)«قلت للصادق (عليه السلام):

جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أ تجزي عنا؟ قال: لا، إنما هؤلاء قوم غصبوكم أو قال: ظلموكم أموالكم، و إنما الصدقة لأهلها»

نعم في

صحيح يعقوب بن شعيب (6)«سألت الصادق (عليه السلام) عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال: نعم إن شاء»

و صحيح العيص (7)في الزكاة، فقال: «ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فان المال لا يبقى على هذا إن يزكى مرتين»

و صحيح سليمان (8)«سمعت الصادق (عليه السلام)


1- 1 الاستبصار ج 2 ص 25 الرقم 71 طبع النجف.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
4- 4 الاستبصار ج 2 ص 25 الرقم 71 طبع النجف.
5- 5 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
7- 7 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
8- 8 الوسائل- الباب- 20- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4

ج 15، ص: 228

يقول: إن أصحاب أبي (عليه السلام) أتوه فسألوه عما يأخذ السلطان فرق لهم، و أنه يعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها، فأمرهم أن يحتسبوا به، فجاز ذا و الله لهم، فقلت:

يا أبه إن سمعوا ذلك لم يزك أحد، فقال: يا بني حق أراد الله تعالى أن يظهره»

إلى غير ذلك، و من هنا حمل الشيخ صحيح الشحام على استحباب الإعادة، و في الحدائق الأظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكار و نحوه و لم يفعل بل سلمها لهم بمجرد الطلب، على أن المسألة مع ابتنائها على كون الزكاة في العين قد تبنى أيضا على أن الغاصب لأحد الشريكين يقوم مقامه في القسمة، و لنا فيها بحث ذكرناه في البيع.

[في عدم وجوب الزكاة إلا بعد إخراج المؤن]

هذا كله في حصة السلطان و أما خروج المؤن كلها فهو كذلك على الأظهر عند المصنف وفاقا للمقنع و المقنعة و كتاب الأشراف و جمل العلم و العمل و النهاية و موضع من المبسوط و المراسم و الغنية و السرائر و الإشارة و النافع و المعتبر و المنتهى و التذكرة و المختلف و نهاية الأحكام و الإرشاد و التلخيص و تخليصه و التحرير و التبصرة و البيان و الدروس و تعليق الشرائع و إيضاح النافع و تعليقه و جامع المقاصد و الموجز و كشفه و مجمع البرهان و المصابيح و الرياض و المجلسي في شرحه على الفقيه و ظاهر الاستبصار و التنقيح أو صريحهما على ما حكي عن بعضها، فلا ريب في أنه المشهور شهرة عظيمة كما حكاها غير واحد عليه، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه، و يدل عليه- مضافا إلى الأصل في وجه و إجماع الغنية المعتضد بما سمعت- قوله تعالى (1)«خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» بل و قوله (2)«وَ يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ قُلِ الْعَفْوَ» بناء على أن المراد منه ما يفضل عن النفقة، قال في الصحاح: «عفو المال ما يفضل عن النفقة» و حينئذ فكلما قابل المئونة ليس من العفو، و فحوى ما دل (3)على اعتبار


1- 1 سورة الأعراف- الآية 198.
2- 2 سورة البقرة- الآية 216 و 217.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب ما يجب فيه الخمس- الحديث 4 من كتاب الخمس.

ج 15، ص: 229

الخمس من الضيعة و نحوها بعد مئونتها و بعد خراج السلطان، إذ هو زكاة في المعنى كما أومأت اليه النصوص بل لعل زيادته على العشر لاعتبار إخراج مئونة المستفيد في الأرباح تمام السنة بخلاف الزكاة، و ما في

الفقه (1)المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) بناء على حجيته، فعن نسختين منه أنه قال: «بعد خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية»

و عن أخرى «بعد خراج السلطان و مئونة القرية»

و هي الموافقة لما عن الفقيه و الهداية و المقنع و المقنعة، و لعل المراد بها كما عن المجلسي الزرع، لغلبة كونه في القرى، ضرورة عدم اعتبار نفس القرية، و لذا لم ينسب إلى أحد منهم ذلك، فليس المراد إلا ما ذكرنا

و الحسن أو الصحيح (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «و يترك للحارس العذق و العذقان و الثلاثة لحفظه إياه»

و أخصيته من المدعى مدفوعة بعموم التعليل، مع العلم بعدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس و غيره، و ما عساه يظهر من

خبر الريان (3)عن يونس أو غيره ممن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا، فأنا أحب أن أسمعه منك، قال: فقال: نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس و يأكلوه، و كنت آمر في كل يوم أن توضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة، كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى، يلقى لكل نفس منهم مد من رطب، و كنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ و العجوز و المريض و الصبي و المرأة و من لا يقدر أن يجي ء فيأكل منها لكل إنسان مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام و الوكلاء و الرجال أجرتهم، و أحمل الباقي إلى المدينة


1- 1 الموجود في فقه الرضا ع ص 22 و المستدرك الباب 6 من أبواب زكاة الغلات الحديث 1 هكذا « فإذا بلغ ذلك و حصل بغير خراج السلطان و مئونة العمارة و القرية.».
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 230

ففرقت في أهل البيوتات و المستحقين الراحلتين و الثلاثة و الأقل و الأكثر على قدر استحقاقهم، و حصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار، و كان غلتها أربعة آلاف دينار».

بل ربما يستفاد منه و من غيره مما ورد في الإنفاق من البساتين و من نصوص المارة(1)و نصوص الحفنة(2)و غيرها استثناء ما جرت السيرة و الطريقة به من الأكل من البستان للمترددين و أضيافها و نحو ذلك مما هو من حقوقها، بل لعله من جملة مؤنها أيضا، فتأمل جيدا، و فحوى ما مر من نصوص الخراج و الحصة اللذين لا إشكال في كون الأول منهما من المئونة، و مناسبته لقاعدة الشركة في المؤن اللاحقة بعد تعلق الزكاة، ضرورة اشتراك النصاب بين المالك و الفقراء، فلا يختص أحدهما بالخسارة، كما لا يختص بالنفع، و لا قائل بالفصل بين اللاحقة و السابقة، مع أن المئونة السابقة سبب الزيادة، فتكون على الجميع، و عدم ملاحظة الشركة في بعض الأحوال إرفاقا بالمالك إنما هو للدليل، و ما في إلزام المالك بالمئونة كلها من الحرج و الضرر عليه، مع أن الزكاة إنما شرعت صلة، و ما فيه أيضا من تنفير الناس عن القيام بأمر الزرع و الغرس، أو حملهم على المعصية بمخالفة الأمر بما يشق، و هو خلاف اللطف الواجب، و قد وقع إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (3)«وَ لا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ» و تعليله ذلك «إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ» و ما فيه أيضا من لزوم التكرار في زكاة الغلة لو أخرجت منها جميعها مع تزكية

البذر سابقا، إلى غير ذلك مما لا يقدح المناقشة في بعضه مع سلامة المجموع الذي يمكن حصول القطع بملاحظته.

خصوصا بعد ندرة القائل بالعدم، إذ هو الشيخ في الخلاف و موضع من المبسوط


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب بيع الثمار من كتاب التجارة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الغلات.
3- 3 سورة محمد ص- الآية 38.

ج 15، ص: 231

و لم نعرف موافقا له ممن تقدمه أو تأخر عنه إلى زمن يحيى بن سعيد ثم منه إلى زمن ثاني الشهيدين، فعن فوائده على القواعد صريحا و غيرها ظاهرا أنه قال به، نعم مال اليه بعض متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك و المفاتيح، و ربما آذنت به عبارة اللمعة، فمن الغريب دعوى الثاني الإجماع عليه، و أما الشيخ فإنما نسبه إلى جميع الفقهاء الإعطاء و الظاهر إرادته العامة، و ربما توهم بعض فنسب إلى الشيخ دعوى الإجماع، بل و لعل ضعف دليله أيضا، إذ هو ليس إلا إطلاق ما دل على العشر و نصفه الذي يجب الخروج عنه ببعض ما ذكرنا، و لا أقل من الشك في شموله لما قابل المئونة، فيبقى الأصل سالما و

حسن أبي بصير و محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) أنهما قالا له: «هذه الأرض يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال: كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه، و ليس

على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته تلك»

و هو أيضا مخصص أو مقيد بما عرفت، على أن الحصر فيه بالنسبة إلى خصوص الحصة، بل قد يقال: إن مقاسمته له تكون بعد المؤن الحاصلة على الزرع، و من هنا حكي عن الاستبصار و غيره أنه جعله دليلا للمشهور، فما في المدارك من أنه كالصريح في المطلوب واضح الضعف، و دعوى أن الشيعة كانوا يخرجون المؤن من أنفسهم كي تزيد حصة السلطان طمعا فيه أو خوفا منه لم نتحققها، بل ربما قيل: إن المتحقق خلافها، و

خبر علي بن شجاع (2)سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) «عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر مما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار و ذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا و بقي في يده ستون كراً ما الذي يجب ذلك من ذلك؟ و هل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي ء؟ فوقع لي


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 232

منه الخمس مما يفضل من مئونته»

و هو- مع أنه لا ظهور فيه في كون العمارة من المئونة التي تخرج من نماء الضيعة لما ستعرف أن القائل بخروج المئونة يخصها بالمئونة التي تكرر في كل سنة، و عليه يكون الخبر حينئذ مخالفا للإجماع- إنما هو في كلام

السائل، فلا حجة فيه، مضافا إلى ما في سنده، و ما عساه يظهر من نصوص نصف العشر(1)من أن هذه النقيصة في الفريضة في مقابلة ما يحتاج اليه الزرع من الآلات كالدوالي و النواضح و نحوها، و لو أن المئونة تخرج من الأصل لم يفرق في الفريضة بين ما يسقى سيحا و بين ما يسقى بالدوالي، و فيه- مع أن الحكم تعبدي لا تعرف حكمته- يمكن أن يكون ذلك للكلفة في استعمال الأجراء على السقي و الحفظة و أشباه ذلك زائدا على بذل الأجرة، فناسب التخفيف، بل في تقديم المئونة من الكلفة ما لا يخفى، على أن الغالب قلة ما يحصل من ذرع ذي العلاج و الآلات بخلاف ما يكون بغيره، كما أن الغالب مباشرة المالك للعمل بنفسه في تلك الأوقات، و ستعرف أن عمله ليس من المؤن، فراعى حاله الشارع بنقصان الفريضة، كل ذلك مضافا إلى إمكان قلب الدليل على الخصم بأن يقال: لو كانت على رب المال لما توجه تنصيف العشر فيما كثرت.

و لكن الإنصاف أنه لا شهادة لهذه النصوص بل نصوص العشر و غيره من الأخبار المطلقة في وجوب الزكاة أو العامة على شي ء من القولين، ضرورة عدم كونها مساقة لبيان ذلك، و لذا خلت عن التعرض لحصة السلطان التي لا كلام في خروجها، و لا للبذر الذي قيل: إنه كذلك أيضا، و لا أعذاق الحارس، مع أنه يمكن انصرافها إلى المتعارف، بناء على اعتياد الخروج، كما أنه يمكن أن يكون خلوها عن التصريح بذلك للتقية، لما عرفت من اتفاق الفقهاء إلا عطاء على عدم إخراج المؤن، و بالجملة كلما


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات.

ج 15، ص: 233

أجاد الفقيه التأمل في المسألة ازداد القول بخروج المؤن قوة كما هو واضح لمن حصل له.

ثم إنه هل يعتبر النصاب بعد المئونة فلا زكاة حينئذ إذا لم يحصل، أم قبلها فيزكي الباقي من بعدها و إن قل، أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي و الحرث قبل النصاب فان لم يبلغ الباقي نصابا فلا زكاة، و ما تأخر كالحصاد و الجذاذ و نحوهما بعده، فيزكي الباقي و إن قل؟ أقوال أشهرها بل المشهور الأول، للرضوي (1)بناء على حجيته و إجماع الغنية بل و غيره في خصوص حصة السلطان، و لعل مستند الثاني إطلاق ما دل على وجوبها ببلوغ النصاب الذي لا ينافيه وجوب المئونة و إن كانت متقدمة في الإخراج و اتفاق استغراقها النصاب غير قادح بعد ما دل على ترتبهما فيه، فينتفي حينئذ موضوع متعلق الزكاة، و فيه أن العمل بإطلاق ما دل على وجوب الزكاة ببلوغ النصاب يقتضي عدم إخراج المئونة، ضرورة أنه لا دليل حينئذ على إخراجها منها، إذ عليه يكون الحاصل من نحو

قوله (عليه السلام)(2): «فيما سقت السماء العشر»

أن العشر ثابت في ذلك مع بلوغ النصاب و لو بضميمة ما يقابل لمئونة، و من هنا فصل ثالث بما سمعت مراعاة لقواعد الشركة على معنى العمل بالإطلاق المزبور بعد إخراج المؤن السابقة، فيكون مقتضى الزكاة حينئذ متحققا،

و المئونة المتأخرة موزعة على المالك و الفقراء كما هو مقتضى قاعدة الشركة، فيؤخذ العشر من الباقي و إن قل، لتحقق الزكاة فيه قبل حدوث المئونة، و فيه أنه لا فرق فيما سمعته سابقا من الأدلة المعتد بها على إخراج المئونة بين السابقة و اللاحقة، و أن تأخرها في الوجود لا ينافي اعتبار كون النصاب بعدها كالمئونة السابقة، و قاعدة الشركة فرع ثبوتها، و الكلام فيه، و من ذلك يعلم أنه لا وجه للاستدلال من بعضهم على إخراج المئونة بقاعدة الشركة، خصوصا


1- 1 المستدرك- الباب- 6- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات.

ج 15، ص: 234

بعد كونه من غير إذن الشريك، و لا يرجع به لو زادت المئونة على المال، و غير ذلك مما يعلم منه عدم بناء ذلك على هذه القاعدة، فليس حينئذ إلا ما سمعت من الأدلة السابقة التي لا فرق فيها بالنسبة إلى ما نحن فيه بين المئونة السابقة و اللاحقة، كما أن المنساق منها إخراجها أولا ثم ملاحظة الباقي ببلوغ النصاب و عدمه، فتأمل جيدا فإن جملة من أفاضل الأصحاب كالفاضل و الكركي و الشهيد و غيرهم قد خفي الحال عليهم في ذلك، و الله الموفق للصواب ثم قال في المسالك: «و المراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلة مما يتكرر كل سنة عادة و إن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة و الحرث و السقي و أجرة الأرض و إن كانت غصبا و لم ينو إعطاء مالكها أجرتها، و مئونة الأجير و ما نقص بسببه من الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها، و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزع، و عين البذر إن كان من ماله المزكى، و لو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه و عينه، و كذا مئونة العامل المثلية، و أما القيمة فقيمتها يوم التلف، و لو عمل معه متبرع لم يحتسب أجرته، إذ لا تعد المنة مئونة عرفا، و لو زرع مع الزكوي غيره قسط ذلك عليهما، و لو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي لم يحتسب الزائد، و لو كانا مقصودين ابتداء وزع عليهما ما يقصد لهما، و اختص أحدهما بما يقصد له، و لو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحتسب من المؤن و لو اشترى الزرع احتسب ثمنه و ما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه، و حصة السلطان من المئونة اللاحقة لبدو الصلاح، فاعتبار النصاب قبله» و نحو ذلك في الروضة و فوائد الشرائع، قال في الأخير: «كلما يحتاج اليه الزرع عادة فهو من المؤن، سواء تقدم على الزرع كالحرث و الحفر و عمل الناضح و نحو ذلك، أو قاربه كالسقي و الحصاد و الجذاذ و تنقية مواضع الماء مما يحتاج إليه في كل سنة، لا أعيان الدولاب و الآلات

ج 15، ص: 235

و نحو ذلك، نعم يحسب نقصها لو نقصت، و البذر من المئونة فيستثنى، لكن إذا كان مزكى سابقا أو لم تتعلق به الزكاة سابقا، و لو اشتراه لم يبعد أن يقال: يجب أكثر الأمرين من ثمنه و قدر قيمته» قلت: قال في البيان: «لو اشترى بذرا فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن و القدر، و يحتمل إخراج القدر خاصة، لأنه مثلي، أما لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت و لم يكن قد عاوض عليها فان المثل معتبر قطعا و لو كان البذر معيبا فالظاهر أن المخرج بقدره» و في محكي نهاية الأحكام و التحرير و غيرهما «إنما تجب الزكاة بعد إخراج المؤن من أجرة السقي و العمارة و الحافظ و المساعد في حصاد و جذاذ و تجفيف الثمرة و إصلاح موضع التشميس و غير ذلك» و في محكي الموجز و كشفه بعد أن ذكرا جملة من المؤن قالا: «و الضابط كل ما يتكرر كل سنة بسبب الثمرة- ثم قالا-: و ليس له إخراج أجرة عمله بيده من المئونة، و لا أجرة العوامل كالثيران التي يسقى عليها و يحرث عليها، و لا أجرة سهم الدالية، و هو الجذع المركب على العين، و لا أجرة الأرض المملوكة أو المستعارة، و لو استأجر جميع ذلك أو غصب الأرض احتسب الأجرة» إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخلو بعضها من النظر، كاعتبار التكرر كل سنة في المئونة الخارجة، مع أنه لا ريب عرفا في عد ما له مدخلية في الثمرة من المؤن و إن لم يتكرر كل سنة، كاستنباط المستقي و تحسين النخل بالتركيب و نحوه، و بناء جدران البستان و حفر النهر الذي هو العمود و نحو ذلك.

نعم قد يتوقف في كيفية إخراج غراماتها باعتبار عموم نفعها للثمرة في كل سنة، مع أنه قد يقوى خروجها أجمع من الثمرة أولا في سنة واحدة أو سنتين، للزوم التغرير بمال المالك إن لم يكن كذلك، و ربما كان في خبر علي بن شجاع (1)المتقدم و غيره شهادة على ذلك و على خروج مثل هذه المؤن حيث لم يستفصل فيه عن العمارة المخرجة،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 236

بل ربما كان ظاهره الأعم من الذي يتكرر كل سنة، فلاحظ و تأمل، كما أن ما سمعته من التحرير و النهاية من عد العمارة من المؤن يمكن أن يكون المراد منه الأعم أيضا، فتأمل.

و مما يمكن أن يكون محلا للنظر أيضا ما سمعته من التخيير في إخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه، خصوصا إذا لم يكن قد اشتراه للبذر، بل اشتراه للقوت و نحوه ثم بدا له فبذره، إذ الذي يعد أنه من مؤن الزرع و صار هو سببا لإتلافه عين البذر لا ثمنه، و لو منع ذلك و جعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر، و بالجملة التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع، و كذا مئونة العامل المثلية لو كان قد اشتراها، و الضرر على المالك يدفعه الضرر على الفقراء، و قد ينقدح من ذلك التوقف في إخراج قدر البذر إذا كان معيبا أيضا، كما أنه ينقدح النظر في غير ذلك، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من أدلة المؤن، و ملاحظة أن القاعدة عدم إخراج ما يشك في أنه من المؤن، لإطلاق أدلة الوجوب

و عموماته، فليكن على ذلك المدار، و الله هو العالم.

[النظر الثالث في اللواحق]
اشاره

و أما اللواحق فمسائل:

[المسألة الأولى كلما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا ففيه العشر]

الأولى كلما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا ففيه العشر، و ما سقي بالدوالي و النواضح ففيه نصف العشر بلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في المعتبر نسبته إلى إجماع العلماء، بل في محكي كشف الالتباس إجماع المسلمين، و يدل عليه مضافا إلى ذلك

صحيح زرارة و بكير(1)عن أبي جعفر عليه السلام قال: «في الزكاة ما يعالج بالرشاء و الدلاء و النضح ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل ففيه العشر كاملا»

و صحيحه الآخر(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا «ما أنبتت الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5.

ج 15، ص: 237

ما بلغ خمسة أوساق، و الوسق ستون صاعا، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر، و ما كان منه

يسقى بالرشاء و الدوالي و النواضح ففيه نصف العشر، و ما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما»

و صحيحه الثالث (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) أيضا «إذا كان يعالج بالرشاء و النضح و الدلاء ففيه نصف العشر، و إن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تاما»

و صحيح الحلبي (2)قال أبو عبد الله (عليه السلام):

«في الصدقة فيما سقت السماء و الأنهار إذا كان سيحا أو كان بعلا العشر، و ما سقت السواني و الدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهر منها كالفتاوى ما صرح به بعضهم من أن المدار في وجوب العشر و نصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب و نحوه و عدمه، و أنه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار و السواقي و إن كثرت مئونتها، لعدم اعتبار الشارع إياه.

و المراد بالسيح الجريان على وجه الأرض سواء كان قبل الزرع كالنيل أو بعده و البعل بالعين المهملة ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء، و اليه يرجع ما في الوافي من أنه ما لا يسقى من نخل أو شجر أو زرع، و بالعذي ما سقته السماء، و الدوالي جمع دالية، و هي الناعورة التي تديرها البقر أو غيرها، و النواضح جمع ناضح و هو

البعير يستقى عليه، و الرشاء الحبل، و الغرب بالغين المعجمة و سكون الراء الدلو العظيم الذي يتخذ من جلد الثور، و السواني جمع سانية و هي الناقة التي يسقى عليها، و مما هنا انقدح السؤال المشهور، و هو أن الزكاة إذا كانت لا تجب إلا بعد إخراج المؤن فأي فارق بين ما كثرت مئونته و قلت حتى وجب في أحدهما العشر و في الآخر نصفه، و إن احتمل الشهيد في البيان إسقاط مئونة السقي لأجل نصف العشر دون ما عداها، و قد يجاب عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 238

أولا بأن أحكام الشرع تعبدية متلقاة من الشارع لا يعرف كثير من حكمها، و ثانيا بأن استعمال الأجراء على السقي و الحفظة و أشباه ذلك كافة متعلقة بالمالك زائدة على بذل الأجرة، فناسبها التخفيف عن المالك، و بأن تقديم المئونة من الكلفة، فلهذا وجب نصف العشر، و بأن الغالب في ذلك الزمان علاجهم بأنفسهم، و قد عرفت عدم احتساب ذلك من المؤن، فناسب إرفاق الشارع بهم بنصف العشر، مضافا إلى قلة الحاصل مما يزرع بالعلاج بخلاف السيح و نحوه، و الله أعلم.

و كيف كان ف ان اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر بلا خلاف أجده فيه، بل في الغنية و ظاهر التذكرة و غيرها الإجماع عليه فان تساويا أخذ العشر من نصفه و من نصفه نصف العشر بلا خلاف أيضا كما اعترف به في التذكرة، بل في الغنية و المعتبر و المنتهى و غيرها الإجماع عليه على ما حكي عن بعضها، بل يدل عليه و على سابقيه مضافا إلى ذلك

حسن معاوية بن شريح (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:

«فيما سقت السماء و الأنهار أو كان بعلا العشر، و أما ما سقت السواني و الدوالي فنصف العشر، قلت له: فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحاً قال:

إن ذلك ليكون عندكم كذلك. قلت: نعم، قال: النصف و النصف، نصف بنصف العشر و نصف بالعشر، فقلت: الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية و السقيتين سيحا قال (عليه السلام): كم تسقى السقية و السقيتين سيحا؟ قلت: في ثلاثين و أربعين ليلة و قد مضت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال: نصف العشر»

ضرورة ظهور السؤال في أوله في المساواة، كظهور آخره بل صراحته في الاختلاف، و قد يؤيد ذلك أيضا بما عن التذكرة من أن اعتبار مقدار السقي و عدد مراته و قدر ما يشرب في كل سقية مما يشق و يتعذر، فجعل الحكم للغالب، كالطاعة إن كانت غالبة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.

ج 15، ص: 239

على الإنسان كان عدلا و إن ندرت منه المعصية، قلت: يمكن أن يقال: إن المراد بالأكثر في الفتاوى ما يتحقق به صدق كون الزرع مما يسقى بالسيح مثلا، ضرورة عدم قدح النادر في

ذلك عرفا، فيكون المراد حينئذ بالتساوي ما لا يتحقق معه ذلك و لا خلافه، بل يصدق كونه يسقى بهما كما هو ظاهر السؤال أولا في الخبر المزبور، و منه يتجه الحكم في المقامين لاندراج الأول في أدلة العشر، و للجمع بين مقتضى السببين في الثاني الذي علله بعض الأصحاب بأن دوام كل من الأمرين في جميع السنة يوجب مقتضاه، فإذا وجد في نصفه أوجب في نصفه، فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر، و كأنه أشبه شي ء بالجمع بالتنصيف في المال الذي عليه يد كل من الشخصين، إذ بالإجماع في المقام كان كل منهما نصف السبب، فيؤثر مقتضاه على هذه النسبة، و لذا كان الفرض ثلاثة أرباع العشر، لأنهما نصف العشر و نصف نصفه، كما هو واضح.

و منه انقدح لبعض العامة الأخذ في الأغلب بالقسط كما يؤخذ مع التساوي، فإن شرب بالسيح ثلث السقي مثلا كان في ثلثه العشر، أو ربع السقي فالربع و هكذا، و هو متجه لو لم نقل بكون المراد بالأكثر ما عرفت، كما أنه لولا ذلك لصعب إقامة الدليل عليه من النصوص، ضرورة كون الخبر المزبور ظاهرا في الكثرة التي ذكرنا، و لذلك وصفه الراوي أولا بأنه يسقى بالدوالي، فيبقى غير الكثير محتاجا إلى الدليل، و ليس، بل ظاهر تلك الأدلة السابقة عدم خلو الزرع عن الوصفين جمعا أو انفرادا، و دعوى أنه مع (و إن خ ل) صدق أحد الأمرين إلا أن حكمه باعتبار الأكثرية ذلك، فيكون كالتخصيص لتلك الأدلة واضحة الفساد لا دليل عليها، و لا ضرورة تلجى ء إليها و لا ينافي ذلك سؤال الإمام (عليه السلام) عن زمان السقية و السقيتين، لإمكان كونه لزيادة الاستظهار و لأنه يمكن كونهما على وجه يصدق عليه مما يسقى سيحا إذا كان سقيه بالدوالي مدة قليلة، و العمدة فيه سقية السيح أو سقيتاه، لشدة رطوبة الأرض أو غير ذلك، فتأمل جيدا.

ج 15، ص: 240

و منه ينقدح لك أنه لا وجه للبحث بين الأصحاب في أن الاعتبار بالأكثر عدداً كما هو صريح البعض و ظاهر الأكثر على ما قيل، لأن المئونة إنما تكثر بسبب ذلك، و لعلها هي الحكمة في اختلاف الواجب، و يمكن أن ترجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر، بل ربما قيل: إنه الظاهر من الرواية، أو زمانا كما مال إليه في المسالك مدعيا أنه الظاهر من الخبر باعتبار أنه عليه السلام رتب جوابه على أغلبية الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات في تلك المدة، أو نموا و نفعا كما هو خيرة الفاضل و أول الشهيدين و ابن فهد و الكركي و الصيمري على ما قيل، و ذلك لأنه لما سأله الراوي عما يحصل من مجموع القسمين أجابه (عليه السلام) بثلاثة أرباع من دون استفصال عن كيفية الحصول و التكون أ هو بالنسبة إليهما على السواء في القدر أو الزمان أم لا، فعلمنا أنه (عليه السلام) فهم من كلام الراوي أن الحصول و النمو من القسمين على نمط واحد من الاعتداد به و الاعتبار له، فسأله الراوي عما إذا كان السقي بالدلاء هو الأكثر و الأغلب زمانا لمكان قول الراوي: «يسقى» الدال على الاستمرار و التجدد، و قد ذكر في الطرف الآخر المقابل له السقية و السقيتين، و الامام (عليه السلام) لم يجبه بادى بدء بأن في ذلك نصف العشر، بل أخر الجواب حتى سأل و استفصل، فلو كانت الأغلبية الزمانية و العددية كافية لكان الواجب عليه الجواب بأن فيه نصف العشر من دون استفصال و سؤال، و لما سأل و استفصل ظهر له أن السقي بالسيح ليس على نحو معتد به، و أنه نادر بالنسبة إلى الدلاء فأجاب بنصف العشر، و علمنا أنه (عليه السلام) ما ترك الجواب قبل الاستفصال مع وضوح السؤال في الأغلبية الزمانية و العددية إلا مخافة أن يتوهم السائل جواز الاكتفاء بأغلبية الزمان أو العدد، فظهر أن المدار على الحصول و التعيش و النمو المعتد به.

ج 15، ص: 241

و إيضاح ذلك أن السقي يقع على أنحاء لا يعدوها: الأول أن يكون فيه النفع التام، فإن كان من السيح و الدوالي على السواء أو بتفاوت يسير فالواجب ثلاثة أرباع، فإن كان أحدهما أغلب حتى يكون الآخر في جنبه نادرا ندرة تلحقه بالعدم فالحكم حينئذ منوط بالأغلب، تنزيلا للنادر منزلة المعدوم، الثاني أن يكون السقي مضرا بالزرع على اختلاف مراتب الضرر، إذ ربما لزم من السقي تلف الزرع أو أكثره، الثالث أن لا يكون مضرا و لا نافعا بل يكون كالعبث أو عبثا، الرابع أن يكون فيه نفع يسير جدا و يكون النمو و التكون و التعيش إنما هو من جهة أخرى كالجذب بالعروق مثلا، و لا ريب أن

قولهم (عليهم السلام): ما سقي بكذا ففيه العشر

إلى آخره، إنما ورد على القسم الرابع و الأول أن كانا من سنخ واحد، و هذا أمر واضح لا مجال للإشكال فيه، إذ من المعلوم أن الأخبار ليس موردها ما كان فيه نفع يسير جدا و إن دام السقي به طول السنة، فما أظنك بما اشتمل على ضرر أو كان عبثا، إذ لا يرتاب أحد في أن قوله (عليه السلام): «فيما سقت» ليس واردا فيما إذا كان نفع الزرع بسقي السماء يسيرا جدا بحيث يعد نادرا و إن طالت مدته بالنسبة إلى السقي بالدوالي مثلا الكثير النفع الذي لولاه لما حصل التعيش المعتد به، و كذلك الحال في العكس، لا يقال: إنه قد يكون هناك نادر يكون له نفع عظيم في النمو أو الحفظ و التعيش بحيث يساوي نفعه الغالب أو يزيد عليه، لأنا نقول: مع أنه فرض نادر لو تحقق كان معتدا به، فان ساوى الأول قسط، و إن زاد عليه زيادة توجب للأول عدم الاعتداد به فالحكم له، إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا ينبغي الالتفات إليها إذا لم يكن مبناها على ما ذكرنا لما عرفت، و يمكن أن يكون هذا البحث منهم لتحقيق الصدق الذي قلناه و حينئذ فلا ريب في أن الأخير أقربها، بل يمكن أن يقال بعد التأمل مرجعه إلى ما قلناه، و بملاحظته يندفع ما عن جامع المقاصد من التوقف و الاشكال في خصوص ما لو كان حفظه أكثر من نموه، كما إذا

ج 15، ص: 242

قارب الزرع البلوغ و خيف عليه اليبس لولا السقي بعد أن اختار كون العبرة النمو في أصل المسألة، بل و ما في البيان أيضا حيث قال: و لو تقابل العدد و الزمان فإشكال، كما لو سقي بالنضح مرة واحدة في أربعة أشهر، و بالسيح ثلاثا في ثلاثة أشهر، فإن اعتبرنا العدد فالعشر، و إلا فنصفه، لما عرفت من أن المدار على الصدق المزبور الذي لا يختلف فيه الفروض المزبورة، و لو فرض حصول الشك في بعض الموضوعات فلا ريب في أن الواجب الاقتصار على المتيقن و نفي الزائد بأصل البراءة، و الاحتياط أولى قطعا، هذا و من المعلوم أنه لا عبرة بالأمطار العادية في أيام السنة، و إلا لم يبق ما يجب فيه نصف العشر، نعم لو اتفق حصول الاستغناء بها عن العلاج بحيث ساواه أو نسب إليه جرى عليه الحكم، و في كثير من البلدان يبلغ الزرع من مجرد نزول المطر عليه مرة أو مرتين من دون حاجة إلى سقي آخر أصلا، و لعل ذلك داخل في العذي.

و من جميع ما ذكرنا يظهر لك ما في كشف الأستاذ، فإنه اختار كون المدار على الأغلب زمانا لا عددا و لا نفعا، و هو أضعف الوجوه عند التأمل، ثم قال: «و لو كان الزرع مشتركا و اختلف الشركاء في كيفية السقي كان على من سقى موافق حصته من غير علاج العشر، و على الثاني نصفه» و فيه أن المدار على صدق الزرع نفسه، فلا مدخلية للزارعين، اللهم إلا أن يكون فهم من النصوص السابقة علية العلاج في نصف العشر و عدمها في العشر، و قال أيضا: «و لو سقي بالماءين دفعة بنهرين أو نهر واحد لوحظ الاختلاف في القلة و الكثرة، و حكم الشك علم مما تقدم، و لو سقي زرع بالدوالي مثلا فجرى الزائد على زرع آخر من دون علاج احتمل فيه الوجهان، و لعل نصف العشر أقوى، و لو أخرج الماء بالدوالي مثلا على أرض ثم زرعت فكان الزرع بعلا احتمل أيضا الوجهان، و الأقوى نصف العشر و لو سقي البعل أو العذي بالدوالي عفوا من غير تأثير لزم العشر، و بالعكس العكس، و لو شك في كيفية السقي هو من موجب العشر

ج 15، ص: 243

أو من غيره بني على الثاني، و الأحوط الأول» انتهى، و هو جيد في البعض محل للنظر في الآخر، خصوصا مع ملاحظة ما ذكره أولا، و الله هو العالم.

[المسألة الثانية إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة]

المسألة الثانية إذا كان له نخيل أو زروع في بلاد متباعدة يدرك بعضها قبل بعض ضم الجميع و كان حكمها حكم الثمرة في الموضع الواحد بلا خلاف أجده فيه، لإطلاق الأدلة و عمومها، بل في محكي التذكرة «وجوب ضم بعض ثمر النخل و الزرع إلى بعض سواء طلع دفعة أو أدرك دفعة أو اختلف الأمران مما أجمع عليه المسلمون» و في محكي المنتهى «لو كان له نخل يتفاوت إدراكه بالسرعة و البطء فإنه يضم الثمرتان إذا كانا لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر، و لا نعرف في هذا خلافا» و في المدارك «أن من ذلك يعلم أن تسوية المصنف بين اطلاع الجميع دفعة و إدراكه دفعة و اختلاف الأمرين بيان الواقع لا رد على مخالف كما ذكره جدي قدس سره» قلت:

يحكى عن الميسي أنه ذكر كما ذكر جده أيضا، و الأمر سهل.

و كيف كان فقد ظهر مما سمعت أن ما أدرك و بلغ نصابا أخذ منه ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر، و إن سبق ما لا يبلغ نصابا تربصنا في وجوب الزكاة إدراك ما يكمل نصابا سواء أطلع الجميع دفعة أو أدرك الجميع دفعة أو اختلف الأمران نعم يعتبر بقاء الناقص عن النصاب على اجتماع شرائط الزكاة من الملكية و نحوها إلى أن يدرك ما يكمله كذلك، كما هو واضح.

[المسألة الثالثة إذا كان له نخل يطلع مرة و آخر يطلع]

المسألة الثالثة إذا كان له نخل يطلع مرة و آخر يطلع في عام واحد مرتين قيل: لا يضم الثاني إلى الأول، لأنه في حكم ثمرة سنتين، و قيل: يضم، و هو الأشبه عند المصنف و الأشهر، بل المشهور كما قيل، لإطلاق الأدلة، و كونه باعتبار اتحاد العام كالبستانين المختلف إدراك ثمرتهما أو طلوعها، خلافا للمبسوط و الوسيلة فلا يضم، لأنهما بحكم ثمرة سنتين، و للأصل، ورد بمنع الأول و قطع الثاني، لكن الانصاف عدم خلو

ج 15، ص: 244

المسألة عن إشكال، ضرورة عدم تعليق الحكم في شي ء من النصوص على اتحاد المال بمجرد كونه في عام واحد، و أهل العرف لا يشكون في صدق التعدد عليهما، خصوصا إذا حصل فصل بين الثمرتين بزمان معتد به، و ما حال ذلك إلا كحال الثمرة التي أخرجت معجزة في تلك السنة، و لعله لذا اقتصر في محكي البيان و الدروس و المصابيح على نقل القولين من دون ترجيح، هذا. و لو قال المصنف: «إذا كان له نخل يطلع في السنة مرتين قيل: لا يضم» إلى آخره لكان أظهر، و لعله عبر بما سمعت تنبيها على عبارة المحكي عن المبسوط، فإنه قال: «و إن كان له ثمرة بتهامة و ثمرة في نجد فأدركت التهامية و جذت ثم أطلعت النجدية ثم أطلعت التهامية مرة أخرى لا يضم النجدية إلى التهامية الثانية، و إنما تضم إلى الأولى، لأنهما لسنة واحدة، و التهامية الثانية لا تضم إلى الأولى و لا إلى النجدية، لأنهما في حكم سنتين» نعم عن الوسيلة الاقتصار على المسألة الأولى أي النخل الواحد الذي يطلع مرتين، و الغرض بيان الحال، و إلا فلا فرق، و الله أعلم.

[الرابعة لا يجزي أخذ الرطب عن التمر و لا العنب عن الزبيب]

المسألة الرابعة لا يجزي أخذ الرطب عن التمر و لا العنب عن الزبيب كما صرح به جماعة لا لنقصانه عند الجفاف بل لعدم كونه من أفراد المأمور به، فلا يجزي فريضة و إن بلغ قدر الواجب عند الجفاف، نعم له دفعة قيمة بناء على جوازها من غير النقدين و لا رجوع فيه حينئذ و إن نقص، و ما عن المنتهى- من إجزائه عنه فريضة إذا كان بحيث لو جف لكان بقدر الواجب من التمر لتسميته تمرا لغة- واضح المنع، مع أنه لو تم لاقتضى إجزاءه مطلقا، أما لو أخرجهما عنهما بناء على تعلق الزكاة فيهما أجزأ قطعا، لصدق الامتثال، و

قوله (عليه السلام)(1): «إذا خرصه أخرج زكاته».

و قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو أخذه الساعي و جف ثم نقص رجع


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.

ج 15، ص: 245

بالنقصان ضرورة عدم جواز الأخذ فريضة، فهو حينئذ باق على ملك مالكه، فمع فرض صيرورته زبيبا أو تمرا و أراد المالك حينئذ دفعه عما عليه صح و طولب بنقصانه كما أن له المطالبة بزيادته لو كانت، بل لو أراد المطالبة به لعدم خروجه عن ملكه كان له، بل كان من الواجب على الساعي إرجاعه إلا إذا رضي المالك ببقائه، و من هنا اتجه ضمانه على الساعي لو تلف في يده، لأنه كالمقبوض

بالعقد الفاسد، بل هو مما يشمله قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، قال في البيان و محكي المبسوط: «لو أخذه الساعي كذلك وجب رده، فان تلف ضمنه، و لو جف فنقص طالب» إلى آخره.

و ربما يشكل ضمانه فيما لو علم الدافع بالفساد دون الساعي بأن المالك هو الذي غرر بماله و سلط عليه، بل و مع علمهما معا به، لكن يدفع بتقييد إذن المالك بالصحة و إن كانت ممتنعة، و تحقيق المسألة يأتي في محلها إن شاء الله، و ظهر لك أيضا أنه لا يجزي أيضا دفع التمر عن الرطب و لا الرطب عن البسر و لا الزبيب عن العنب و لا العنب عن الحصرم لاتحاد المدرك في الجميع، و هو عدم صدق الامتثال.

و أما الكلام في الجودة و الرداءة فقد تقدم في الأنعام ما يعلم منه الحال في المقام لكن في التذكرة هنا «الثمرة إن كانت جنسا واحدا أخذ منه سواء كان جيدا أو رديا و لا يطالب بغيره، و لو تعددت الأنواع أخذ من كل نوع بحصته، لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيد و عن الفقراء بأخذ الردي، و هو قول عامة أهل العلم، و قال مالك و الشافعي إذا تعددت الأنواع أخذ من الوسط» قلت: قد يفرق بين ما هنا و ما تقدم بالتكليف هناك باسم الفريضة من الشاة و نحوها بخلاف ما هنا، فان الواجب فيه الحصة المشاعة، فينبغي مراعاة قاعدة الشركة هنا، و مقتضاها ما سمعته من التذكرة، اللهم إلا أن يقال بقرينة جواز دفع غير العين أن المراد من العشر مثلا مقدار العشر، فيكون حينئذ كاسم الفريضة في إجزاء مطلق التمر، نعم لا يدفع خصوص الردي منه لقوله

ج 15، ص: 246

تعالى (1)«وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ» و ما دل (2)على عدم خرص الجعرور و المعافارة لرداءة تمرهما، بل ورد(3)أنهم كانوا يأتون بهما إلى النبي (صلى الله عليه و آله) زكاة عما عندهم من التمر الجيد، و قد وقع ذلك منهم مكررا من غير حياء من أحد منهم فأنزل الله تعالى الآية، و نهى رسول الله (صلى الله عليه و آله) عن خرصهما، بل من أعطى التأمل حقه في الآية و فيما ورد من النصوص في ذلك جزم باجزاء مطلق الطيب من التمر و لا يلتفت إلى قاعدة الشركة، خصوصا بعد ملاحظة السيرة في عدم إلزام المالك الدفع من جنس جميع ما عنده من أنواع التمر، فتأمل جيدا.

ثم لا يخفى عليك أن المراد بعدم إجزاء الرطب عن التمر مثلا على جهة كونه فريضة أما قيمة فلا إشكال في الجواز كغيره من الأجناس الزكوية و غيرها، بناء على جواز دفع القيمة من غير النقدين، و لا ربا في متحد الجنس بعد أن لم يكن ذلك من المعاوضة، بل هو من قبيل امتثال التكليف، و لذا لم يعتبر التراضي في دفع القيمة، و لو اقتضت المصلحة قبول الردي مثلا كان للحاكم القبول باعتبار ولايته على الفقراء، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة إذا مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة و بلغت نصابا]

المسألة الخامسة إذا مات المالك و عليه دين فظهرت الثمرة و بلغت نصابا قبل قضاء الدين لم يجب على الوارث زكاتها كما عن المنتهى، لعدم ملكه، إذ التركة قبل الوفاء على حكم مال الميت الذي انقطع عنه الخطاب بموته، فلا زكاة حينئذ، لكن فيه أنه إن تم ففي المستوعب لا مطلق الدين، فانا لا نعرف قائلا معتدا به ببقاء التركة جميعها على حكم مال الميت بمجرد الدين المفروض كونها أضعافه كما اعترف به في المدارك بل المعروف دخول ما زاد على الدين في ملك الوارث أو دخول الجميع في ملكه، و المتجه على الأول فضلا عن الثاني الذي هو الأقوى كما حققناه في محله وجوبها على الوارث مع


1- 1 سورة البقرة- الآية 269.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات.

ج 15، ص: 247

فرض بلوغ حصته بعد الوفاء النصاب، لإطلاق الأدلة، و دعوى أن الزائد في الفرض و إن كان ملكا له إلا أنه محجور عليه فيه، لتعلق الدين بالتركة تعلق رهانة أو أرش جناية أو تعلقا مستقلا، فتسقط الزكاة عنه لذلك، يدفعها أولا أن ذلك في الأصول دون الثمرة المفروض ظهورها في ملكه، و ثانيا منع الحجر عليه فيه، و قيامه مقام المقابل لو تلف قبل قضاء الدين به أعم من ذلك، على أنه لا دليل على سقوط الزكاة بتعلق الأرش أو التعلق المستقل، ضرورة عدم اقتضائهما المنع من التصرف، بل قد عرفت عدم اقتضاء تعلق الرهانة ذلك مع القدرة على الفك عند جماعة.

و من ذلك يعلم الحال في المستوعب بناء على ما حققناه في محله من انتقال التركة معه إلى الوارث، و كون التعلق تعلقا مستقلا لم يثبت منعه للوارث من التصرف، بل أقصاه تسلط الديان على الفسخ مع عدم وفائه الدين من غيرها، و حينئذ فيتجه وجوب الزكاة عليه في الفرض، لعدم كون الثمرة من التركة، بل هي نماء ملك الوارث، بل و فيما لو كان موته بعد ظهورها قبل بلوغ حد تعلق الزكاة، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض كما عرفت، بل الظاهر عدم غرامته قدرها للديان في الأخير، لأنها كالتلف السماوي و نقص القيمة السوقية و النفقة على التركة، بل هو ليس من تصرفاته حتى تكون مضمونة عليه، ضرورة قهرية ملك الفقراء عليه، و دعوى الفرق بوصول الثواب اليه عوضها بخلاف الأمور السابقة كما ترى، لكن في البيان «الأقرب أنه يغرم العشر للديان لسبق حقهم، نعم لو زادت الثمرة عن وقت الانتقال إليهم فلهم الزيادة و يتقاصان» و فيه أن سبق الحق بعد فرض عدم صلاحيته لمنع تعلق خطاب الزكاة لا يقتضي الغرامة و لو أبدل هذه الدعوى بدعوى منعه تعلق خطاب الزكاة لكان له وجه باعتبار كون التعارض بين الأدلة من وجه، ثم قال: «و إذا قلنا بالتغريم و وجد الوارث ما لا يخرجه عن الواجب ففي تعينه للإخراج وجهان: أحدهما نعم، لانه لا فائدة في الإخراج ثم

ج 15، ص: 248

الغرم، و الثاني لا، لتعلق الزكاة بالعين فاستحق أربابها حصة منها» قلت: لا يخفى عليك قوة الثاني.

و قد بان لك من ذلك النظر في كلام المصنف و غيره حتى قوله و لو قضى الدين و فضل منها النصاب لم تجب الزكاة، لأنها على حكم مال الميت الذي هو كالوصل للسابق المحمول على استيعاب الدين، و يكون الفضل حينئذ باعتبار علو القيمة السوقية و نحوه، فلا إشكال في العبارة حينئذ بناء على مختاره، و إنما هو في أصل الاختيار، لكن أطنب ثاني المحققين في فوائده على الكتاب في ذلك، قال: اعلم أن قول المصنف: «و لو قضى» إلى آخره، يقتضي أن تكون شعب المسألة ثلاثا: إحداها أن يكون الدين مستوعبا للتركة، الثانية أن يكون غير مستوعب و يبقى بعد قضاء الدين نصاب لكنه لم يقض الدين، الثالثة الصورة بحالها لكنه قضى، فيلزم من هذا أن يفرق في الحكم مع عدم إحاطة الدين بالتركة بين القضاء و عدمه، إلا أن الفرق غير مستقيم، فإنه إنما ينظر إلى الوجوب و عدمه عند بدو الصلاح، فان كان بحيث تتعلق به الزكاة حينئذ وجب، و إلا فلا، و ليس للقضاء المتجدد بعد ذلك اعتبار، و يمكن أن يحمل قول المصنف: «و لو قضى» على إرادة إمكان القضاء مع إبقاء بقية من التركة بعده تبلغ النصاب، فيكون المراد أن الدين غير مستوعب للتركة، و يكون قوله: «إذا مات المالك و عليه دين» منزلا على أن الدين مستوعب، و يمكن أن يريد معنى آخر، و هو أن الدين على تقدير أن لا يستوعب التركة و يبقى بعده نصاب فانا لو حكمنا بتعلق وجوب الزكاة به لم يحكم به قبل قضاء الدين، لإمكان تلف بعض التركة بغير تفريط من الوارث قبل وصولها إلى يده، فيكون الباقي متعينا لقضاء الدين، و يتبين عدم وجوب الزكاة، فيكون قضاء الدين و بقاء النصاب كاشفا عن الوجوب، و قضاؤه بعد

ج 15، ص: 249

تلف العين و عدم بقاء النصاب كاشفا عن العدم، و على هذا فيكون القضاء معتبرا من هذه الجهة، فإن قلت: المصنف لا يرى الوجوب مطلقا، لأنه يرى أن التركة على حكم مال الميت، فلا ينظر إلى القضاء و عدمه عنده، قلت: و إن كان لا يرى ذلك إلا أن عدم الوجوب إنما يستند إلى كون التركة على حكم مال الميت إذا انتفت جميع موانع الوجوب مثل استيعاب الدين للتركة و عروض التلف قبل قضائه، فإذا وجد شي ء من هذه الموانع لم يكن عدم الوجوب مستندا إلى خصوص كون التركة على حكم مال الميت بل يعم القولين، فلا بد من التقييد بانتفاء الموانع، فيكون عدم الوجوب مستندا إلى ذلك، و من هذا يعلم أن قوله: «لأن التركة على حكم مال الميت» تعليل لقوله أخيرا «لم تجب الزكاة» و أما قوله قبل ذلك: «لم يجب على الوارث» فإنه معلل بأمر آخر، و هو تعلق الدين بالتركة الموجب للحجر على الوارث فيها، لأن الظاهر أن المراد هناك كون الدين مستغرقا، و لقائل أن يقول: إن الوارث متى تمكن من التركة تعلق به وجوب الزكاة إذا كانت تفي بالدين و يبقى بعده نصاب و إن لم يضع يده عليها، و لو تلف بعضها في هذه الحالة لم يسقط من الزكاة شي ء، فلا يكون لاعتبار القضاء وجه.

و هي كما ترى متعبة عظيمة لا مقتضي لها، مع أن فيها نظرا من وجوه، و قد عرفت أن المراد من الدين فيها المستوعب، و من قوله: «و لو قضى» إلى آخره اتفاق زيادة قيمة أعيان التركة بحيث قضي الدين منها، و فضل للوارث نصاب بعد أن كان الدين محيطا بها وقت بلوغها الحد الذي تتعلق به الزكاة، و عدم الوجوب حينئذ لأن التركة على حكم مال الميت عند المصنف وقت تعلق الوجوب، و إذا سقطت الزكاة في هذا الفرض سقطت في غيره أي فيما لم يفضل شي ء بطريق أولى، فيكون مراد المصنف التنبيه على الفرد الأخفى، فلا حاجة إلى ذلك كله و إلى حمل كلام المصنف على ما لا يقول به أحد من بقائها على حكم مال الميت و إن لم يكن مستوعبا، و لا إلى غير ذلك مما يحتاج

ج 15، ص: 250

بيان فساده إلى إطناب، و لا إلى ما أطنب به ثاني الشهيدين حيث تصدى لدفع ما ذكره المحقق المزبور، إلا أنه أيضا غير خال عن النظر، بل كلامه في المسألة أيضا كذلك، فلاحظ و تأمل، بل وقع لغير الفاضلين المزبورين في المقام كلام لا يخلو من تشويش، و لعله للتشويش في تحرير أصل المسألة، و هي حكم التركة مع الدين و حكم تعلقه بها، و لقد فرغنا من تحريرها بحمد الله تعالى على أحسن وجه قبل ذلك، فمن أرادها فليلاحظها.

و من ذلك ما في محكي نهاية الأحكام «إذا مات و عليه دين مستوعب و له ثمرة بدا صلاحها بعد موته يحتمل سقوط الزكاة، لأنها في حكم مال الميت، و ملك الورثة غير مستقر في الحال، و إنما يستقر بعد قضاء الدين من غيره، و الوجه عندي الوجوب إن كانوا مؤسرين، لأنها ملكهم ما لم تبع في الدين، و لهذا كان لهم التصرف فيها و قضاء الدين من موضع آخر، و إنما لرب الدين التعلق بالتركة و طلب الحق منه، فتكون الرقبة لهم كالمرهون و الجاني، و قيمتها للمالك، فإذا ملكوها و هم من أهل الزكاة وجبت عليهم، و إن كانوا معسرين فلا زكاة، لأنه في حكم المحجور عليهم، إذ ليس لهم التصرف إلا بعد قضاء الدين من غير النصاب، و هم عاجزون عنه، و إنما تجب الزكاة عليهم لو بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب، فان قصر لم تجب و إن بلغ المجموع، لأنا لا نوجب الزكاة على الخلطة، و لو قصر نصيب أحدهم دون غيره وجب على من لا يقصر نصيبه عن النصاب» و في الدروس «لو مات المديون قبل بدو الصلاح وزع الدين على التركة، فإن فضل نصاب لكل وارث ففي وجوب الزكاة عليه قولان» و في البيان «إن مات قبل بدو الصلاح سواء كان بعد الظهور أو لا فلا زكاة على الوارث عند الشيخ إذا كان الدين مستوعبا حال الموت، لأنه على حكم مال الميت سواء فضل نصاب أم لا، و إن قلنا بملك الوارث وجبت إن فضل نصاب عن الدين، و يحتمل عندي الوجوب في متعلق الدين على هذا القول، لحصول السبب و الشرائط أعني إمكان التصرف، و تعلق

ج 15، ص: 251

الدين هنا أضعف من تعلق الرهن» و في محكي حواشي الشهيد «إن قلنا إن التركة تبقى على حكم مال الميت فلا زكاة مع الاستيعاب و تأخر بدو الصلاح، و مع عدمه تجب في الزائد على تقسيط الدين على الثمرة و غيرها، و إن قلنا إنها تنتقل إلى الوارث يحتمل الوجوب مطلقا لحصول الملك و إمكان التصرف، و العدم مطلقا لتعلق الدين بالتركة فأشبه الرهن، و يحتمل تقييد الوجوب بيسار الوارث لتحقق التمكن من التصرف حينئذ و هذا الاشكال إنما يجري في الذي يصيب الثمرة من الدين، أما الزائد فيجب قطعا، و إن هناك احتمالا بعيدا و هو الحجر على التركة و إن كان الدين غير مستوعب، فحينئذ ينقدح عدم وجوب الزكاة على الوارث مطلقا» إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا تحرير فيها للمطلوب، و التحقيق ما عرفت، هذا كله في الموت قبل الظهور أو بعده قبل حد تعلق الزكاة.

و أما لو بدا صلاحها أو صارت تمرا و المالك حي ثم مات وجبت الزكاة و لو كان دينه يستغرق تركته لأصالة بقاء الوجوب من غير خلاف و لا إشكال نعم لو ضاقت التركة عن الدين قيل و القائل الشيخ في المحكي عن مبسوطة يقع التحاص بين أرباب الزكاة و الديان، و قيل و القائل غيره تقدم الزكاة لتعلقها بالعين قبل تعلق الدين بها، و هو الأقوى بل ينبغي القطع به بناء على ذلك، ضرورة عدم كون مقدارها من تركة الميت كي يتعلق بها الدين، بل الفرض انتقالها عنه إلى الفقراء في زمن حياته، نعم لو قلنا بكونها في الذمة أمكن ذلك، مع أنه بناء عليه أيضا و قلنا بتعلقها بالمال أيضا تعلق رهانة أو أرش جناية يتجه تقديمها أيضا للسبق، و إن كان ظاهر الشهيد في البيان التوزيع حينئذ، لكنه لا يخلو من نظر، و الله أعلم.

[المسألة السادسة لو ملك نخلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته]

المسألة السادسة قد تقدم سابقا ما يعلم منه حكم ما إذا ملك نخلا مثلا قبل أن يبدو صلاح ثمرته فالزكاة عليه مع بقاء الثمرة على ملكه بلا خلاف أجده فيه

ج 15، ص: 252

بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص جميعها متناولة له و كذا لو اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها على الوجه الذي يصح بالضميمة أو أزيد من عام أو غير ذلك مما هو مذكور في محله، لعموم الأدلة، بل لا فرق بين الشراء و غيره من أسباب الملك كما أنه لا فرق بين الثمرة و الزرع في ذلك كما عرفته سابقا بلا خلاف أجده فيه إلا من ابن زهرة فلم يوجب الزكاة على حصة المساقي في المساقاة، و كل من لا يكون البذر منه من المالك و العامل في المزارعة، و مقتضاه السقوط عنهما لو كان البذر من ثالث، و لقد سبقه الإجماع و لحقه، و النصوص المتقدمة سابقا في مسألة المئونة و غيرها عامها و خاصها شاهدة عليه، و شنع عليه ابن إدريس في سرائره غاية التشنيع، و حكي عنه التعليل لذلك بأنه كغاصب الحب ثم زرعه، فإنه لا زكاة عليه، و هو كما ترى قياس فاسد، ضرورة عدم ملك الغاصب شيئا من الزرع بخلاف العامل في المزارعة و المساقاة، فإنهما يملكان الحصة قبل بلوغ حد الزكاة، و أقبح من ذلك تعليله بأن الحصة هنا بمنزلة الأجرة للأرض و العمل، و فيه أنه بعد التسليم لا ينافي وجوب الزكاة فيه، كما لو آجر الأرض أو نفسه بزرع قبل انعقاد حبه، نعم ربما استدل له بمرسل ابن بكير المتقدم (1)سابقا في مسألة المئونة إلا أنه- مع كونه من المرسل و اشتمال ذيله على ما لا يقول به أحد من سقوط الزكاة الآن إلا على من كان في يده شي ء مما أقطعه الرسول (صلى الله عليه و آله)- لا دلالة فيه على اعتبار عدم كون البذر منه في السقوط، فلا بد من طرحه أو حمله على ما تقدم سابقا مما لا ينافي ذلك، ضرورة قصوره عن معارضة غيره من وجوه لا تخفى ك

مضمر ابن مسلم (2)«سألته عن الرجل يتكارى الأرض من السلطان بالثلث و النصف هل عليه في حصته زكاة؟ قال: لا»

خصوصا مع احتمال إرادة زكاة الجميع حتى ما يأخذه السلطان، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5.

ج 15، ص: 253

و كيف كان فان ملك الثمرة بعد ذلك فالزكاة على المالك الأول الذي قد خوطب بالزكاة، و

الأصل عدم سقوطه عنه كما هو واضح، هذا، و في المدارك «إن كان التمليك بعد الضمان نفذ في الجميع، و إن كان قبله نفذ في نصيبه، و في قدر الواجب يبني على ما سلف، فعلى الشركة يبطل البيع فيه، و كذا على الرهن، و على الجناية يكون البيع إلزاما بالزكاة، فإن أداها نفذ البيع، و إلا تبع الساعي العين، و لو باع المالك الجميع قبل إخراج الزكاة ثم أخرجها قال الشيخ: صح البيع في الجميع، و استشكله المصنف في المعتبر بأن العين غير مملوكة، فإذا أدى العين ملكها ملكا مستأنفا فافتقر بيعها إلى إجازة مستأنفة، كمن باع مال غيره ثم اشتراه، و هو جيد، و على هذا فلا ينفذ البيع في نصيب الزكاة إلا مع إجازة المالك بعد الإخراج» قلت: قد يتوقف في النفوذ مع الضمان للتوقف في مشروعيته، خصوصا إذا أريد منه معناه المتعارف، كما أنه قد يناقش في البطلان على الشركة بل لولي المسلمين و وكيله إجازة البيع و المطالبة بالثمن على النسبة، بل قد يناقش فيما حكاه عن المعتبر بأن المستند في ذلك الخبر السابق (1)الدال على كون الأداء كإجازة الفضولي على الكشف، فلا يحتاج إلى إجازة مستأنفة، و إلا فمقتضى الضوابط عدم اعتبار إجازة غير المالك الأول، خصوصا إذا كان الانتقال عنه بمعاوضة و نحوها لا بارث و شبهه، و قد تقدم منا سابقا ما له دخل في المقام، و ربما يأتي له زيادة تحقيق إن شاء

الله تعالى، و الله الموفق لكل خير، هذا. و لا يخفى عليك أن ما ذكره المصنف هنا من بدو الصلاح مبني على أنه الحد الذي تتعلق به الزكاة لا على مختاره، و لذا قال و الأولى الاعتبار بكونه تمرا، لتعلق الزكاة بما يسمى تمرا لا بما يسمى بسرا و قد عرفت تحقيق الحال في ذلك.

[السابعة ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة]

المسألة السابعة لا خلاف في أن حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 254

الزكاة حكم الأجناس الأربعة في قدر النصاب، و كمية ما يخرج منه، و اعتبار السقي سيحا أو بالدلاء، و أمر المئونة و غير ذلك مما عرفته سابقا، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (1)المتقدمة سابقا عند الكلام في استحبابها فيها دالة عليه، مضافا إلى انسياق الاتحاد في الكيفية، و أن الاختلاف في الوجوب و الندب خاصة، كما يومي اليه اتحاد الكيفية في الواجب و الندب في غير المقام من الوضوء و الغسل و غيرهما، بل لعل ذلك هو مقتضى القاعدة المستفادة من النصوص، و لا يخرج

عنها إلا بالدليل كما أوضحنا ذلك في كتاب الطهارة، و الله أعلم.

[المسألة الثامنة يجوز للساعي الخرص في ثمرة النخل و الكرم]

المسألة الثامنة يجوز للساعي الخرص في ثمرة النخل و الكرم بلا خلاف أجده بيننا بل في الخلاف و المعتبر و غيرهما الإجماع عليه، بل في الأول «أن الشافعي و الزهري و مالك و أبا ثور ذكروا أنه إجماع الصحابة» و قد سمعت

قول أبي الحسن (عليه السلام) في صحيح سعد بن سعد(2): «إذا خرصه أخرج زكاته»

و في

خبر رفاعة(3)المروي عن تفسير العياشي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله تعالى (4)«إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» فقال: إن رسول الله (صلى الله عليه و آله) بعث عبد الله بن رواحة فقال: لا تخرصوا أم جعرور و لا معافارة، و كان أناس يجيؤون بتمر أسوأ فأنزل «وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و ذكروا أن عبد الله خرص عليهم تمرا أسوأ، فقال النبي (صلى الله عليه و آله): يا عبد الله لا تخرص أم جعرور و لا معافارة»

و في

خبر إسحاق بن عمار(5)عن جعفر بن محمد (عليه السلام) المروي عنه أيضا، قال:


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 4.
4- 4 سورة البقرة- الآية 270.
5- 5 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 5.

ج 15، ص: 255

«كأن أهل المدينة يأتون بصدقة فطر إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله) و فيه عذق يسمى الجعرور و عذق يسمى معافارة عظيم نواهما دقيق لحماهما في طعمهما مرارة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله) للخارص: لا تخرص عليهم هذين اللونين، لعلهم يستحون لا يأتون بهما، فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ- إلى قوله- تُنْفِقُونَ»(1)

و في

خبر أبي بصير(2)المروي في الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قول الله عز و جل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ» إلى آخره، قال: «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذا أمر بالنخل أن يزكى يجي ء قوم بألوان من التمر و هو من أردى التمر يؤدونه عن زكاتهم تمرا يقال له الجعرور و المعافارة قليل اللحم عظيم النوى و كان بعضهم يجي ء بهما عن التمر الجيد فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): لا تخرصوا هاتين التمرتين، و لا تجيئوا منهما بشي ء، و في ذلك نزل «وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَ لَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ» و الإغماض فيه أن يأخذ هذين التمرتين»

و نحوه خبر شهاب (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) المروي عن مستطرفات السرائر.

و الجميع كما ترى خاص في النخيل و الكرم، لكن في الخلاف «يجوز الخرص على أرباب الغلات و تضمينهم حصة المساكين» و ظاهره الجواز في غيرهما، كما هو خيرة جامع المقاصد و كشف الأستاذ و محكي التلخيص، بل في المدارك نسبته إلى الشيخ و جماعة بل عن التلخيص أنه المشهور، خلافا لمحكي المعتبر و المنتهى و التحرير و ظاهر المبسوط و غيره و الإسكافي فلم يجوزوه في غيرهما، اقتصارا على مورد النص فيما هو مخالف للقواعد من وجوه، و لأن الزرع قد يخفى خرصه، لاستتار بعضه و تبدده بخلاف النخل و الكرم فان ثمرتيهما ظاهرة يتمكن الخارص من إدراكها و الإحاطة بها، و لأن الحاجة في النخل


1- 1 سورة البقرة- الآية 269.
2- 2 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات- الحديث 2.

ج 15، ص: 256

و الكرم تامة لاحتياج أهلها إلى تناولها، و لا كذلك الفريك فإن الحاجة إليه قليلة، و فيه منع قلة الاحتياج قبل التصفية، بل في كشف الأستاذ في عدمه فيها حرج و ضيق، و لذا جوزه فيها أجمع، بل احتمل قويا جوازه فيما تعلق به الزكاة استحبابا مما يدخله الكيل و الوزن محافظة على السنة، و لما سمعته من انسياق الاتحاد في الكيفية في الواجب و الندب، بل يمكن دعوى الأولوية فيه من الواجب، إلا أنه لا يخلو من إشكال، نعم قد يقوى جوازه في متعلق الوجوب لما عرفت، و لما في

صحيح سعد(1)الآخر المتقدم سابقا الذي قد سأل فيه أبو بصير أبا الحسن (عليه السلام) «عن الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب متى تجب على صاحبها فقال: إذا صرم و إذا خرص»

و ظاهره كون ذلك للجميع، و لأنه من معقد إجماع الخلاف، و لغير ذلك.

و فائدة الخرص أن للمالك مع قبوله التصرف كيف شاء، بخلاف ما إذا لم يقبل فإنه لا يجوز له التصرف فيه على ما نص عليه جماعة، لكن قد يقوى جوازه مع الضبط و وقته حين بدو الصلاح على ما صرح به جماعة، بل في مفتاح الكرامة كأنه مما لا ريب فيه، و قد سمعت دعوى ظهور الإجماع عليه من شرح الأستاذ للمفاتيح، إلا أنه قد يشكل ذلك بعدم موافقته للقول بكون حد الزكاة التسمية لا بدو الصلاح، و من الغريب وقوع ذلك من المصنف مع أنه ممن يختار التسمية محتاجا عليه بأن النبي (صلى الله عليه و آله) كان يبعث عبد الله بن رواحة خارصا للنخل حين يطيب (2)و يمكن أن يكون قد ذكر ذلك بناء على أن حدها بدو الصلاح، فلاحظ و تأمل، و قد تقدم منا سابقا ما له نفع في المقام.


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 و فيه « عن سعد بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته» و ليس فيه ذكر عن أبي بصير و هو الصحيح كما تقدم في ص 217.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 143.

ج 15، ص: 257

و صفة الخرص أن يدور بكل نخلة أو شجرة و ينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ثم يقدر ما

يجي ء منه تمرا أو زبيبا، و ينبغي للخارص التخفيف على المالك، لما رواه

أبو عبيدة(1)بإسناده إلى النبي (صلى الله عليه و آله) «كان إذا بعث الخارص قال:

خففوا على الناس، فان في المال العرية و الواطية و الآكلة»

قال أبو عبيدة: و العرية هي النخلة و النخلات بهب الإنسان تمرها، و الواطية السائلة سموا بذلك لوطئهم بلاد الثمار مجتازين، بل عن جماعة من الجمهور منهم أحمد بن حنبل أنه يترك الثلث أو الربع له، لما

روى سهل بن أبي خيثمة(2)«أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يقول:

إذا خرصتم فخففوا و دعوا الثلث، فان لم تدعوا الثلث فدعوا الربع»

لكن فيه أنه إجحاف بالفقراء و مناف لأصل عدم جواز التسليط على مال الفقراء و النقص له، و الخبر المزبور غير صالح لقطع ذلك، نعم ما ذكرناه من التخفيف في الجملة يستفاد مما عرفت و من غيره من النصوص (3)الدالة على مراعاة المالك المتقدم بعضها في زكاة الأنعام.

و على كل حال فالظاهر اعتبار التراضي في الخرص، كما يومي اليه التخيير بين الصور الثلاثة، و لو رضي بعض الشركاء فقط خص بالخرص، و لو وقع الرضا على البعض دون

البعض جاز، و الخارص الامام (عليه السلام) أو نائبه الخاص أو العام، لولايته على مال الفقراء، بل قد يقوى جوازه من المالك إذا كان عارفا، و خصوصا مع تعذر الرجوع إلى الولي العام كما عن الفاضلين و الشهيد و المقداد و الصيمري النص عليه، و على جواز إخراجه عدلا يخرصه له و إن كان الأحوط الرجوع إلى الولي مع التمكن، قال في المعتبر: «و يجوز عندنا تقويم نصيب الفقراء من غير مراجعة الساعي» و لعله لمعلومية عدم خصوصية خرص الساعي، و إطلاق

قوله (عليه السلام) في صحيح سعد بن سعد: «إذا


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 124.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 123.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 258

خرصه أخرج زكاته»

و قوله (عليه السلام): «إذا صرم و خرص»

و قال أيضا: يجوز لرب المال قطع الثمرة و إن لم يستأذن الخارص ضمن أو لم يضمن و منع الشيخ في المبسوط إذا لم يضمن المالك الخرص، قال: لأنه تصرف في مال الغير، فيقف على الأذن و ليس بوجه، لأن المالك مؤتمن على حفظها، فله التصرف بما يراه مصلحة، و هو جيد.

و لا يشترط في الخرص صيغة، بل هو معاملة خاصة يكتفى فيها بعمل الخرص و بيانه، و لو جي ء بصيغة الصلح كان أولى، و هو معاملة غريبة، لأنها تتضمن وحدة العوض و المعوض و ضمان العين، ثم إن زاد ما في يد المالك كانت الزيادة له و إن قيل:

إنه يستحب له بذل الزيادة، و إن نقص فعليه، تحقيقا لفائدة الخرص، لكن جزم بعدم الضمان في البيان، و تردد فيه في المعتبر، لأن الحصة أمانة في يده، و لا يستقر ضمان الأمانة كالوديعة، و هو كما ترى.

و لو تلفت الثمرة بآفة سماوية أو أرضية أو ظلم ظالم سقط ضمان الحصة بلا خلاف أجده فيه، بل عن التذكرة الإجماع عليه، لأنها أمانة فلا تضمن بالخرص، خلافا للمحكي عن مالك فضمنه، لانتقال الحكم إلى ما قال الخارص، و هو واضح الضعف، و لو ادعى المالك غلط الخارص فان كان قوله محتملا أعيد الخرص، و إن لم يكن محتملا سقطت دعواه، و لكن من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش، و لو كان الخرص في عدة أمور فليس له سوى الفسخ في الجميع، بل الظاهر جواز اشتراط الخيار فيه،

لعموم (1)«المؤمنون».

و يشترط في الخارص إن لم يكن مالكا أن يكون عدلا ضابطا، و اعتبار العدلين أوفق بالاحتياط، و لو ظهر فسقه بطل خرصه، بخلاف ما لو تجدد بعد الخرص، و لو رجع الخارص عن خرصه بدعوى أنه زاد فيه قبل قوله، و لو ادعى أنه أجحف بالفقراء لم


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الخيار- الحديث 7 من كتاب التجارة.

ج 15، ص: 259

يقبل بغير البينة في وجه قوي، و لو ادعى العلم على المالك كان له حلفه على نفي العلم، و لو اقتضت المصلحة تخفيف النخل جاز و سقط من الحق بالحساب، و لو كان قبل بلوغه جاز تخفيفه و قطعه أصلا، لما يراه من مصلحة نفسه و أصوله، و في محكي التذكرة لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدو الصلاح لئلا تتضرر النخلة بمص الثمرة جاز القطع إجماعا، لأن الزكاة تجب على طريق المواساة، فلا يكلف ما يتضرر به المالك و يهلك به أصل ماله و لأن في حفظ الأصول حظا للفقراء، لتكرر حقهم، و لا يضمن المالك خرصها، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بسرا أو رطبا، و لو كفى تخفيف الثمرة خففها و أخرج الزكاة مما قطعه بعد بدو الصلاح، و هل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة؟ الوجه ذلك، لأن الزكاة تجب مواساة، فلا يجوز تفويت مصلحته بسببها، و في قطعها بغير مصلحة إشكال، من تضرر الفقراء، و من عدم منع المالك من التصرف بماله كيف يشاء و لو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز، و لو اختار الخارص القسمة رطبا و وافقه المالك جاز، لأنها تمييز الحق، و ليست بيعا حتى يمنع بيع الرطب بمثله عند من منعه، و يجوز لولي الفقراء بيع نصيب المساكين من رب المال و غيره، و الله أعلم.

[القول في مال التجارة]
اشاره

القول في مال التجارة و يقع البحث في موضوعه من حيث تعلق الزكاة به و في شروط زكاته و في أحكامه،

[الأول البحث في موضوعه]

أما الأول فهو عند المصنف و جماعة المال الذي ملك بعقد معاوضة و قصد به الاكتساب عند التملك، فلو انتقل اليه ب غير عقد كالم يراث و حيازة المباحات و نحو ذلك أو عقد لكن ليس عقد معاوضة كال هبة و الصدقة و الوقف و نحو ذلك لم يزكه، و كذا لو ملكه بعقد معاوضة لكن لا بقصد التكسب بل للقنية فإنه لا يزكيه و إن قصد به التكسب بعد ذلك، ضرورة عدم مقارنته لحال

ج 15، ص: 260

الانتقال اليه، بل الظاهر اعتبار المصنف استمرار قصد التكسب به، لقوله و كذا لو اشتراه للتجارة ثم نوى القنية أي لا زكاة فيه بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك إلا في اعتبار مقارنة قصد التكسب لحال التملك، فإنه و إن كان ظاهر المصنف و الفاضل في القواعد و غيرهما ذلك، بل في المدارك «أنه ذهب علماؤنا و أكثر العامة إلى اعتبارها» و عن المعتبر «أنه موضع وفاق» لكن الذي يقوى في النظر عدمه، لإطلاق الأدلة، و لصدق التجارة عليه عرفا بذلك، و لأنه كما يقدح نية القنية في التجارة فكذا يقدح نية التجارة في القنية، و دعوى الفرق بين النيتين بأن الأصل الاقتناء و التجارة عارضة و بمجرد النية يعود حكم الأصل و لا يزول حكم الأصل بمجردها كما ترى، و لأن المؤثر حال التملك نية التجارة، فلا فرق، و لعله لذلك كان خيرة البيان و ظاهر اللمعة، و استحسنه في المسالك و قواه في الروضة، بل مال إليه في المعتبر، قال فيما حضرني من نسخته: مسألة قال الشيخ: لو نوى بمال القنية التجارة لم يدخل في حول التجارة بالنية و به قال الشافعي و أبو حنيفة و مالك، لأن التجارة عمل، فلا تصير بالنية، كما لو نوى سوم المعاملة و لم يسمها، و قال إسحاق: تدور في الحول بالنية، و به

رواية عن أحمد لما رووا عن سمرة(1)«أمرنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع بالنية»

و هذا عندي قوي، لأن نية التجارة هو أن يطلب به زيادة على رأس ماله و ينوي بها البيع كذلك، فتجب الزكاة بظاهر الروايتين اللتين سبقتا، و قولهم التجارة عمل، قلنا: لا نسلم أن الزكاة تتعلق بالفعل الذي هو البيع، لم لا يكفي إعداد السلعة لطلب الربح، و ذلك يتحقق بالنية، و لأنه لو نوى القنية بأمتعة التجارة صح بالنية اتفاقا فكذا لو نوى الاكتساب، و هو مع خلوه عما حكي عنه من الإجماع واضح الميل لما قلنا من عدم اعتبار مقارنة النية للتملك، بل إن لم ينعقد إجماع على اعتبار الملك بعقد.


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 147 و فيه « من الذي نعد للبيع».

ج 15، ص: 261

معاوضة لأمكن المناقشة فيه بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة بل بارث مع نية التجارة به إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه، و رأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه و إن كان من الواهب و المورث.

و ظهور بعض النصوص في ذلك مع أنه مبني على الغالب ليس هو على جهة الشرطية كي ينافي ما دل على العموم، ففي

خبر محمد بن مسلم (1)أنه قال: «كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول»

قال يونس: تفسيره أنه كل ما عمل به للتجارة من حيوان و غيره فعليه فيه زكاة، و في

خبر خالد بن الحجاج الكرخي (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الزكاة فقال: ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك فزكه، و ما كان للتجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي ء آخر»

و خبر شعيب (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كل شي ء جر عليك المال فزكه، و كل شي ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به»

و لا ينافي ذلك

موثق سماعة(4)«سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة و السنتين

أو أكثر من ذلك قال: ليس عليه زكاة حتى يبيعه إلا أن يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة، فان لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه و إن حبسه ما حبسه، فإذا هو باعه فإنما عليه زكاة سنة واحدة»

لما عرفت، بل يمكن عود الضمير فيه إلى المتاع، و كذا

خبر العلاء(5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت: المتاع لا أصيب به رأس المال


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث 9.

ج 15، ص: 262

علي فيه الزكاة قال: لا، قلت: أمسكه سنين ثم أبيعه ماذا علي؟ قال: سنة واحدة»

و خبر أبي الربيع الشامي (1)عنه (عليه السلام) أيضا «في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه و قد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال:

إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة»

و صحيح محمد بن مسلم (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل اشترى متاعا و كسد عليه و قد زكى ماله قبل أن يشتري متاعا متى يزكيه؟ فقال: إن كان أمسك متاعه ينبغي به

رأس المال فليس عليه زكاة، و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال».

ضرورة احتمال الجميع كون المراد برأس المال ثمن المتاع في نفسه و إن لم يكن قد بذله من في يده.

نعم

خبر أبي بصير(3)عنه (عليه السلام) أيضا «لا تأخذن مالا مضاربة إلا ما تزكيه أو يزكيه صاحبه، و قال: و إن كان عندك متاع في البيت موضوع فأعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته»

و خبر إسماعيل بن عبد الخالق (4)قال:

«سأله سعيد الأعرج و أنا أسمع فقال: إنا نكبس الزيت و السمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة و السنتين هل عليه زكاة؟ فقال: إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة، و إن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة، فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي اتجرت فيها»

ظاهران في رأس مال الرجل، لكن لا دلالة فيهما على الشرطية، مع أن الأخير منهما رواه الحميري في المحكي عن

قرب الاسناد(5)«إن كنت تربح منه أو يجي ء منه رأس ماله


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 15- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3 و ذيله في الباب 13 منها- الحديث 7.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 263

فعليك زكاته»

و هو كالصريح في رأس مال المتاع في نفسه، و المسألة محتاجة إلى تأمل تام فيما ذكرنا و في المأخوذ بالمعاطاة بناء على أنها إباحة لا تمليك، فان اعتبار نية الاكتساب حال حصول الملك بالتصرف أو بالتلف لأحد العوضين كما ترى، و في المأخوذ بعقد الفضولي على قولي الكشف و النقل.

و لو اشترى عرضا للقنية بمثله ثم رد ما اشتراه بعيب أو رد عليه ما باعه به فأخذه على قصد التجارة لم ينعقد لها بناء على اعتبار المقارنة للتملك بعقد المعاوضة، ضرورة عدم كون الفسخ بالعيب عقد معاوضة، و كذلك الفسخ بالخيار المشروط مثلا و الإقالة و نحوها، نعم إذا كان المدفوع و المأخوذ كلاهما للتجارة كما إذا تعاوض التاجران ثم ترادا لعيب و شبهه جرى المتاعان في التجارة كما صرح به في البيان، لتعلقها بالمالية لا بالعين، و لو اشترى عرضا للتجارة بعرض قنية فرد عليه عرض القنية بالعيب انقطعت التجارة لأن القنية كانت في العين و قد استرد، و لو باع عرض تجارة بعرض للقنية ثم رد عليه عرضه فكذلك، لانقطاع التجارة بنية القنية في بدله.

هذا كله على ذلك القول، أما على المختار فلا إشكال في شي ء من ذلك، إذ قد عرفت الاكتفاء

بالنية و الاعداد، هذا. و في المسالك «أن المال بمنزلة الجنس، و يدخل فيه ما صلح لتعلق الزكاة المالية به وجوبا و استحبابا و غيره كالخضروات، و تدخل فيه أيضا العين و المنفعة و إن كان في تسمية المنفعة مالا خفاء، فلو استأجر عقارا للتكسب تحققت التجارة» و في البيان «و لو استأجر دارا بنية التجارة أو أخذ أمتعة للتجارة فهي تجارة» قلت: قد يناقش في استفادة ذلك من الأدلة، ضرورة ظهورها في الأمتعة و نحوها كما نص على ذلك بعض مشايخنا، بل هو الظاهر من المقنعة و غيرها و حينئذ فما يأتي من مسألة العقار المتخذ للنماء قسم مستقل لا يندرج في مال التجارة، و أولى من ذلك الاستئجار على الأعمال للتكسب، فان عد مثلها في التجارة كما ترى،

ج 15، ص: 264

و قال أيضا فيها: «إن المراد بالمعاوضة ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع و الصلح، و يعبر عنها بالمعاوضة المحضة، و قد يطلق على ما هو أعم من ذلك، و هو ما اشتمل على طرفين مطلقا، فيدخل فيه المهر و عوض الخلع و مال الصلح عن الدم، و في صدق التجارة على هذا القسم مع قصدها نظر، و قطع في التذكرة بعدمه» قلت: قد نظر فيه في البيان أيضا، قال: «و هل يعتبر في المعاوضة أن تكون محضة فيخرج الصداق و المختلع به و الصلح عن الدم العمد؟ نظر، من أنه اكتساب بعوض، و من عدم عد مثلها عوضا عرفا» قلت:

قد عرفت الاكتفاء بالنية و الاعداد في الأثناء فضلا عن الابتداء، و مقتضى ذلك كونه مال تجارة.

و منه ينقدح عدم اعتبار وجود رأس المال فيها، ضرورة عدمه في الفرض، و من ادعى الإجماع على ذلك أو دلالة النصوص عليه أمكن منعه عليه، أما الأول فواضح، إذ لم نجد هذا التعريف لمال التجارة قبل المصنف، و أما الثاني فقد سمعت أنه لا دلالة في النصوص على الاشتراط على وجه تسقط الزكاة إذا لم يكن له رأس مال، أو كان و قد نسي أو لم يعلم و نحو ذلك، و إنما هي في خصوص بيان ذي رأس المال، لا أن الزكاة منحصرة فيه، فيبقى ما عداه حينئذ على مقتضى إطلاق ما دل على زكاة مال التجارة، بل لعل التأمل يقضي بأولوية الزكاة في متاع التجارة الذي لم يغرم المالك فيه رأس مال، بل حصل له بحيازة أو إرث أو هبة أو نحو ذلك، فتأمل جيدا فان المقام محتاج اليه باعتبار ظهور المفروغية من اعتبار هذه القيود من كلام جماعة من المتأخرين و متأخريهم، مع ظهور النصوص و جملة من كلمات القدماء في خلافه، و مما يؤيد ما ذكرنا مضافا إلى ما عرفت ما تسمعه من حكمهم من غير خلاف يعرف فيه بينهم بأن من جملة مال التجارة زيادته القيمية و نتائجه المنفصلة، مع أنه ليس مالا قد ملك بعقد معاوضة،

ج 15، ص: 265

و لو أريد منه و لو بالواسطة أمكن فرض مثله في الموهوب و الموروث مثلا إذا ملكه الواهب و المورث بعقد معاوضة، على أنه إن تم في ذلك لا يتم فيما ذكروه من اشتراط الطلب برأس المال أو زيادة، ضرورة عدم رأس مال للثمرة مثلا أو السخال إذا بيع الأصل برأس المال و بقيت، فإنه لا رأس مال لها، و كذا الربح في المضاربة كما ستعرف فيعلم حينئذ أن المراد بالشرط لما كان له رأس مال معلوم، فلا ينافي الإجماع على اشتراطه ما قلناه، كما لا ينافيه ما دل عليه من النصوص، فلاحظ و تأمل.

هذا كله في موضوعه

[و أما الشروط فثلاثة]
اشاره

و أما الشروط فثلاثة:

[الشرط الأول أن يبلغ قيمته النصاب]

الأول أن يبلغ قيمته النصاب بلا خلاف أجده فيه، بل عن ظاهر التذكرة و غيرها الإجماع عليه، بل عن صريح نهاية الأحكام ذلك، بل في المعتبر و محكي المنتهى و كشف الالتباس و غيرها أنه قول علماء الإسلام، و المراد به نصاب أحد النقدين لما عساه يظهر من النصوص أنها زكاة النقدين بعينها، إلا أن الفرق بالوجوب و الندب فقط، كما أنه يظهر منها قيام أعيان مال التجارة مقام النقد الذي اشتريت به، و في

خبر إسحاق بن عمار(1)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) ظهور في ذلك بناء على أن المراد منه مال التجارة، قال فيه: «قلت له: مائة و

تسعون درهما و تسعة عشر دينارا أ عليها في الزكاة شي ء؟ فقال: إذا اجتمع الذهب و الفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة، لأن عين المال الدراهم، و كل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود إلى الدراهم في الزكاة و الديات»

على أن الحجة في قوله: «و كل» إلى آخره. بل قد يحتمل كون المراد زكاة التجارة من

صحيح ابن مسلم (2)قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال: إذا بلغ قيمة مائتي درهم فعليه الزكاة»

بناء على أن المراد الذهب المتجر به، و كان تخصيص الدراهم لغلبة المعاملة بها في ذلك الوقت


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.

ج 15، ص: 266

و كون المائتي درهم عشرين دينارا، و لذلك يجعلون الدينار في مقابلة العشرة دراهم في الديات، مع أنه قال في الخلاف: روينا عن

إسحاق بن عمار(1)عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال «كل ما عدا الأجناس مردود إلى الدراهم و الدنانير»

و بالجملة لا ينبغي التأمل في المسألة بعد ما عرفت و إن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين، لكنه في غير محله، بل الظاهر من النص و الفتوى و معقد الإجماع أنها على حسب

النقدين في النصاب الثاني أيضا، فلا زكاة فيما لا يبلغه بعد النصاب الأول كما صرح به جماعة، فما عن فوائد القواعد من أنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني و أن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة في غير محله، و لقد أجاد في المدارك في رده بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني، و الجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا، لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة.

و مما ذكرنا يظهر لك أيضا أنه يعتبر وجوده في الحول كله، فلو نقص في أثناء الحول و لو يوما سقط الاستحباب كما سقط الوجوب في زكاة النقدين و غيرهما مما اعتبر فيه النصاب و الحول بلا خلاف أجده فيه، بل ظاهر المدارك و غيرها الإجماع عليه، و هو كذلك و لو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال البالغ نصابا ثم زاد زيادة تبلغ النصاب الثاني بنفسها أو كان في الأول عفو يكملها كان حول الأصل من حين الابتياع، و حول الزيادة من حين ظهورها و لا يبني حول الربح على حول الأصل بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا، لمنافاته لما دل على اعتبار الحول، ضرورة أن الزيادة مال مستقل يشمله ما دل على اعتبار الحول، و إلغاء ما مضى من حول الأصل و استئنافه للجميع من حين ظهور الربح مناف لحق الفقراء، و تكرار الزكاة للأصل من


1- 1 الخلاف ج 1 ص 345 الطبعة الثانية عام 1377- كتاب الزكاة المسألة 111.

ج 15، ص: 267

تمام حوله و عند تمام حول الزيادة مناف لمراعاة حق المالك، و لما دل (1)على أن المال لا يزكى في الحول مرتين، فلم يبق إلا مراعاة الحول لكل منهما كما سمعت نحوه في السخال و من هنا كان جريان ذلك في نمو المال كنتاج الدابة و ثمرة الشجرة أوضح منه في الربح، بل قد يتوقف فيه دون النتاج باعتبار عدم ظهور الاستقلال في ماليته بخلافه، و لإطلاق ما دل (2)على تزكية المال إذا لم يطلب بنقيصة عند تمام الحول الشامل للأصل و الربح فتأمل جيدا، لكن فرق بينهما في البيان فجزم بإلحاق الربح بمال التجارة دون النتاج، قال: «و نتاج التجارة منها على الأقرب، لأنه جزء منها، و وجه العدم أنه ليس باسترباح فلو نقص الأم ففي جبرها به نظر، من حيث أنه كمال آخر، و من تولده منها، و يمكن القول بأن الجبر يتفرع على احتسابه في مال التجارة، فإن قلنا به جبر، و إلا فلا» قلت:

يمكن منع تفريعه على ذلك، كما أنه يمكن منع الجبر به عملا بالمنساق من النصوص، نعم هو مال تجارة للنية التي قد عرفت الاكتفاء بها.

و من النتاج ثمرة النخل و الكرم، و لا يمنع وجوب العشر فيهما من انعقاد حول الأصل و لا حولهما، و عن المبسوط المنع، لأن المقصود من الأصول و الأرض الثمرة، فهي كالتابعة لها، و قد زكت بالعشر الواقع عن الثمرة و الأصول و مغرسها، و فيه أنا لا نسلم التبعية، لوجوب العشر على من ملك الثمرة المجردة عن الأصل و

المغرس، و لئن سلمنا ذلك فجهتا الزكاتين متغايرتان كما هو واضح، هذا كله مماشاة للأصحاب، و إلا فقد يتوقف في أصل الحكم باعتبار ظهور النصوص في زكاة المال المطلوب برأس المال أو بالربح الشامل للزيادة، فلا تحتاج هي إلى حول مستقل، خصوصا

خبر شعيب (3)


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.

ج 15، ص: 268

منها عن الصادق (عليه السلام) «كل شي ء جر عليك المال فزكه، و ما ورثته و اتهبته فاستقبل به»

بل

روى عبد الحميد(1)عنه (عليه السلام) أيضا «إذا ملك مالا آخر في أثناء الحول الأول زكاهما عند الحول الأول»

و قد اعترف في الدروس بدلالتهما على ذلك، فقال: فيهما دلالة على أن حول الأصل يستتبع الزائد في التجارة و غيرها إلا السخال، ففي

رواية زرارة(2)عنه (عليه السلام) «حتى يحول الحول من يوم تنتج»

فتأمل جيدا، و على كل حال فالزيادة المتجددة بعد الزيادة الأولى يعتبر لها حول مستقل أيضا بناء عليه كالأولى.

[الشرط الثاني أن يطلب برأس المال أو زيادة]

الشرط الثاني أن يطلب برأس المال أو زيادة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل عن صريح المعتبر و المنتهى و ظاهر الغنية و التذكرة الإجماع عليه، للنصوص السابقة التي منها موثق سماعة(3)فإنه كالصريح في كون الشرط على الوجه الذي ذكره الأصحاب لا أنه أن لا يطلب بنقيصة حتى يحتاج في نفي الزكاة عن المال الذي لم يعلم حاله بالنسبة إلى الطلب بها أو برأس المال إلى الأصل، بل موثق سماعة دال على كون الشرط ما عرفت، فالشك فيه حينئذ على الوجه منفي به، مضافا إلى الأصل، و الأمر سهل.

و على كل حال ف لا شك في أنه لو كان رأس ماله مائة دينار فطلب بنقيصة و لو حبة من قيراط يوما من الحول في الأول أو الآخر أو الوسط لم يستحب الزكاة عندنا، لما عرفت من الإجماع و النصوص، قال في محكي التذكرة: فلو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
2- 2 الاستبصار ج 2 ص 20 الرقم 58 عن أبي جعفر و أبي عبد الله عليهما السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 269

كان قد اشترى بنصاب ثم نقص السعر في أثناء الحول ثم ارتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا، و هذا واضح، و إنما المخالف فيه بعض العامة نعم روى سماعة(1)و روى العلاء(2)

أنه إذا مضى و هو على النقيصة أحوال زكاه لسنة واحدة استحبابا بناء على الوجوب، و غير مؤكد بناء على الندب جمعا بينهما و بين غيرهما مما دل على السقوط، بل ليس فيهما اشتراط مضي الأحوال للطلب بالنقصان في هذا الاستحباب و لعل الكلام هنا يشبه ما سمعته في المال الغائب، فلاحظ و تأمل، و ما عساه يظهر من المصنف من التوقف في ذلك مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه في غير محله، كما أن نقله للرواية بالمعنى في صورة الشرط كذلك، هذا، و في الوسيلة «مال التجارة يعني يستحب فيه الزكاة إذا طلب برأس المال أو بأكثر، فإن طلب بأقل لم يلزم، و قال قوم من أصحابنا: يجب في قيمته الزكاة، و من قال بالاستحباب قال بعضهم يكون فيه زكاة سنة و إن مر عليه سنون، و قال آخرون: يلزم كل سنة» و هو- مع أنه خارج عما نحن فيه، ضرورة ظهوره في المطلوب برأس المال فصاعدا- لم نعرف حكاية هذا القول من غيره و غير الفاضل في المنتهى و الشيخ على ما قيل، و إنما المعروف تزكيته سنة للمطلوب بنقصان خاصة.

و المراد برأس المال في النص و الفتوى الثمن المقابل للمتاع، و يحتمل قويا جميع ما يغرمه عليه من مئونة نقل و أجرة حفظ و ما يأخذه العشار و غير ذلك، و لو سلم عدم كون ذلك من رأس المال لغة و عرفا فلا يبعد كونه من المؤن التي قد عرفت الحال فيها، إذ الظاهر عدم الفرق بين الزكاة الواجبة و المندوبة في ذلك.

و الأمتعة التي اشتريت صفقة واحدة و أريد بيعها بتفرقة رأس المال في كل واحد منها ما خصها من الثمن فالزكاة فيه يدور على طلبه به أو بزيادة و عدمه، نعم قد يقوى


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 9.

ج 15، ص: 270

جبر خسران أحدهما بربح الآخر، خصوصا مع إرادة البيع صفقة، لكون الجميع تجارة واحدة، أما إذا كانا تجارتين مثلا فالظاهر عدم جبر خسران إحداهما بربح الأخرى، فلا يكفي حينئذ في ثبوت الزكاة في التي طلبت بنقيصة طلب الثانية بربح يجبر تلك النقيصة بل تتعلق الزكاة بإحداهما دون الأخرى حتى لو أريد البيع صفقة واحدة، فتأمل جيدا و جبر إحدى التجارتين بالأخرى في الخمس على تقدير التسليم لا يستلزمه هنا بعد ظهور نصوص المقام في خلافه، بل ربما يستفاد منها عدم جبر المتاع بنتاجه، لصدق الطلب بنقصان معه أيضا، و كونه كالجزء بالنسبة إلى ذلك محل منع كما تقدم الكلام فيه، و الله أعلم

[الشرط الثالث مضي الحول من حين التكسب به]

الشرط الثالث مضي الحول من حين التكسب به بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل عن المعتبر و المنتهى حكايته عن علماء الإسلام، مضافا إلى

صحيح ابن يقطين (1)قال: «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) أنه يجتمع عندي الشي ء قيمته نحوا من سنة أ نزكيه؟ فقال: كلما لم يحل عندك عليه حول فليس عليك زكاة و كلما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي ء»

و صحيح ابن مسلم المتقدم (2)آنفا، و

حسنه الآخر(3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يوضع عنده الأموال يعمل بها فقال: إذا حال الحول فليزكها»

بناء على إرادة ما يشمل أمتعة التجارة من الأموال فيه و لا يخفى عليك أن اشتراط الحول هنا على حسب اشتراطه في غيره من النقدين و الأنعام بمعنى أنه لا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من الشرائط العامة و الخاصة من أول الحول إلى آخره، فلو نقص رأس ماله يوما منه أو نوى به القنية كذلك أو لم يتمكن فيه من التصرف انقطع الحول بلا خلاف أجده فيه هنا و في ما تقدم إلا ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين في أول كتاب الزكاة، نعم قد


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 271

عرفت الحال في اعتبار البلوغ و العقل في زكاة التجارة، كما أنك تعرف الحال في اعتبار بقاء السلعة طول الحول في الزكاة هنا و عدمه، و أن مختار المصنف الأول.

و من هنا أطلق فيما لو كان بيده نصاب من النقد بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة

فقال قيل و القائل الشيخ في المبسوط كان حول العرض حول الأصل، و الأشبه استئناف الحول من حين الشراء، لأنه مال جديد من غير فرق بين كون النقد المزبور مال تجارة أو لا، لما عرفت من اعتبار المصنف بقاء عين مال التجارة طول الحول، نعم بناء على عدم اعتبار ذلك يتجه التفصيل المزبور، و لذا كان هو خيرة التذكرة و غيرها هنا، و الغرض هنا التعرض لكلام الشيخ، فإنه لم يبن المسألة على ذلك، بل بناها على أن العرض مردود إلى النقد، فكأنه موجود تمام الحول، خصوصا بعد أن كانت زكاة التجارة في قيمة المتاع لا عينه، و مراده على الظاهر بالمتاع ما لا يشمل النصاب الزكاتي، لأنه قد صرح فيما حكي عنه فيه بأنه إذا كان عنده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها أربعين شاة للتجارة انقطع حول الأصل، لأن الزكاة تتعلق بعين الأربعين لا بقيمتها، و صرح بأنه إذا اشترى بنصاب من غير الأثمان كخمسة من الإبل استأنف الحول، و صرح أيضا بأنه إذا كان عنده أربعون شاة سائمة للتجارة ستة أشهر و اشترى بها أربعين سائمة للتجارة كان حول الأصل حولها، لأنه بادل بما هو من جنسه، و الزكاة تتعلق بالعين، و قد حال عليها الحول، و هو كما قلنا بنى المسألة على أمر آخر، و قال في الخلاف: «إذا اشترى عرضا للتجارة ففيه ثلاث مسائل:

أولها أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم أو الدنانير، فعلى مذهب من قال من أصحابنا إن مال التجارة ليس فيه زكاة ينقطع حول الأصل، و على مذهب من أوجب فإن حول العرض حول الأصل، و به قال الشافعي قولا واحدا، و إن كان الذي اشترى به نصابا تجب فيه الزكاة كالمائتين فإنه يستأنف الحول، دليلنا أنا قد روينا عن

إسحاق بن

ج 15، ص: 272

عمار(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «كل ما عدا الأجناس مردود إلى الدراهم و الدنانير»

و إذا ثبت ذلك لا يمكن أن يبنى على حول الأول، لأن السلعة تجب في قيمتها من الدنانير و الدراهم الزكاة، و الأصل تجب في عينها، و لا يجب حمل أحدهما على الآخر، و أيضا

روي (2)عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»

فإذا لم يحل على الأول الحول وجب أن لا يبنى على الثاني» و على كل حال فهو واضح الضعف، ضرورة عدم صدق حول الحول على العرض بذلك، و الخبر المزبور لا دلالة فيه عليه، ضرورة أعمية الرد من ذلك، و النبوي الأخير كما أنه حجة على الثاني حجة على الأول أيضا، كما هو واضح و لو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا و لو بارتفاع قيمة المتاع بلا خلاف و لا إشكال.

[و أما البحث في أحكامه]
اشاره

و أما البحث في أحكامه أي مال التجارة ف فيه مسائل:

[المسألة الأولى زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه]
اشاره

الأولى زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا، بل في المفاتيح نسبته إلى أصحابنا، بل ربما قيل: إن عبارة المنتهى تشعر بالإجماع عليه، لخبر إسحاق بن عمار المتقدم آنفا المنجبر سندا و دلالة بالشهرة، و استصحاب خلو العين عن الحق و جواز التصرف فيها، و إشعار اعتبار النصاب بالقيمة في ذلك، و عدم ظهور نصوص المقام في العينية، لأن كثيرا منها بلفظ الأمر، و ما فيها بلفظ «في» محتمل للتسبيب و لو للشهرة العظيمة، و إشعار اعتبار البيع في الموثق (3)الوارد في المطلوب بنقصان بذلك، كاشعار خبر إسماعيل بن عبد الخالق (4)الوارد في


1- 1 الخلاف ج 1 ص 245 الطبعة الثانية عام 1277- كتاب الزكاة المسألة 111.
2- 2 المستدرك- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 273

الزيت المتقدم سابقا الذي أمر فيه بزكاة الثمن بعد البيع للسنة التي اتجر فيها في المطلوب بنقصان أيضا، إذ الظاهر عدم الفرق في كيفية تعلق الزكاة بين الجميع و إن اختلف في السنة الواحدة و الأزيد، مضافا إلى ما قدمناه سابقا في سائر أقسام الزكاة المستحبة من صعوبة دعوى التعلق في العين على إرادة الملك للفقراء، فإن مراعاة قواعد الملك مع الاستحباب في غاية الصعوبة، و لغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل، خلافا لما عساه

يظهر من المعتبر و التذكرة من الميل إلى كونها في العين، حيث أنهما بعد أن حكيا عن أبي حنيفة ذلك قال في أولهما: إنه أنسب بالمذهب، و نفي عنه البأس في ثانيهما، و استحسنه في المدارك و في المفاتيح أنه أصح، و اعتمده في المحكي عن إيضاح النافع لكثير مما سمعته في تعلقها بالعين في غيرها من أقسام الزكاة، و لإشعار

موثق سماعة(1)بذلك، قال فيه:

«سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتجر به؟ فقال: ينبغي له أن يقول لأصحاب المال زكوه، فان قالوا: إنا نزكيه فليس عليه غير ذلك، و إن هم أمروه بأن يزكيه فليفعل. قلت: أ رأيت لو قالوا: إنا نزكيه و الرجل يعلم أنهم لا يزكونه قال: فإذا هم أقروا بأنهم يزكونه فليس عليه غير ذلك، و إن هم قالوا إنا لا نزكيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك و لا يعمل به حتى يزكوه».

و فيه أن الفرق واضح بين ما نحن فيه و بين باقي أقسام الزكاة، ضرورة صراحة تلك الأدلة في العين من وجوه، خصوصا ما جاء منها بلفظ العشر و نصفه و ربع العشر و نحوه مما هو كالصريح في الحصة المشاعة في العين، كما أوضحناه سابقا، و من لحظ الأدلة في الطرفين مع التأمل الجيد يجد الفرق الواضح بين المقامين حتى لفظ «في» في المقام، فإنه ليس بذلك الظهور في إرادة العينية، و لا مساقا له، بل الخبر المشتمل عليها قد اشتمل على

لفظ «عليه» و نحوه مما يقتضي خلافه، كما هو واضح بأدنى تأمل، و الموثق مع أنه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 274

بلفظ «ينبغي» و مشتمل على ما ينافي العينية من الاكتفاء بالقول المعلوم كذبه محتمل لإرادة المال الذي يراد به المضاربة لا مال التجارة الحاصل بعد المضاربة، بل لعل تدقيق النظر في الخبر المزبور بعد تسليم كونه مال التجارة يقتضي شهادته للزكاة في القيمة، و إن كان مع ذلك له تعلق في العين، لكن ليس تعلق ملك و نحوه.

و على كل حال فقد ذكروا أن فائدة الخلاف تظهر في جواز التصرف بالعين قبل أداء الزكاة من دون ضمان على المشهور بخلافه على غير المشهور، و في التحاص و عدمه مع قصور التركة كما عن الشهيد الثاني التصريح به، و فيما لو ارتفعت القيمة بعد الحول، فعلى المشهور إنما له القيمة عند الحول فالزيادة للمالك بخلاف القول الآخر فإنها تتبع العين و من هنا قال الشهيد الأول في الدروس: «و تتعلق بالقيمة لا بالعين، فلو باع العين صحت، و لو ارتفعت قيمتها بعد الحول أخرج ربع عشر القيمة عند الحول» و قال هو أيضا في المحكي عن حواشيه على القواعد: «إنه تظهر الفائدة في مثل من عنده مائتا قفيز من حنطة تساوي مائتي درهم ثم تزيد بعد الحول إلى ثلاثمائة درهم، فان قلنا تتعلق بالعين أخرج خمسة أقفزة أو قيمتها سبعة دراهم و نصفا، و إن قلنا بالقيمة أخرج خمسة دراهم أو بقيمتها حنطة» و هو عين ما ذكره في البيان «و لو اشترى مائتي قفيز حنطة بمائتي درهم فتم الحول و هو على ذلك أخرج خمسة دراهم أو خمسة أقفزة، فإن صارت تسوى ثلاثمائة درهم بعد الحول فليس عليه سوى خمسة دراهم أو حنطة بقيمتها، لأن الزيادة لم يحل عليها الحول، و لو قلنا بتعلق العين أخرج خمسة أقفزة أو سبعة دراهم و نصفا، و لو سارت بعد الحول مائة درهم بعيب أو نقص في السوق و لم يكن فرط زكى الباقي، و إن فرط ضمن قيمته لا غير و إن زاد ثمن الحنطة فيما بعد» و من الغريب أن الشهيد الثاني اعترضه في المحكي عن حواشيه على القواعد بأن ذلك إنما يتم لو لم يعتبر في زكاة التجارة النصاب الثاني لأحد النقدين، و إلا لوجب سبعة لا غير، لأن العشرين

ج 15، ص: 275

بعد الثمانين عفو، و فيه أن السبعة و نصف إنما أخذت قيمة عن الخمسة أقفزة الواجبة في هذا المال لا زكاة عن الثلاثمائة، ليعتبر فيها النصاب الثاني، فإن المائة الزائدة لم يحل عليها الحول كما هو المفروض، و لو نقصت القيمة بعد الحول فان كان قبل إمكان الأداء فلا ضمان على القولين، و إن كان بعده كان النقص على المالك سواء كان لعيب أو للسوق على المشهور، أما على التعلق بالعين فالمتجه عدم ضمان السوق، فيجزيه حينئذ دفع العين كما في الغاصب، هذا.

و في المدارك بعد أن حكى عن الشارح الفائدة الثانية للخلاف «و يمكن المناقشة فيه بأن التعلق بالقيمة غير الوجوب في الذمة، فيتجه القول بتقديم الزكاة على القول بالوجوب و إن قلنا إنها تتعلق بالقيمة كما اختاره في الدروس، إلا أن يقال إن التعلق بالقيمة إنما يتحقق بعد بيع عروض التجارة، أما قبله فلا، و هو بعيد جدا» قلت:

الذي يظهر بعد التأمل أنه لا فرق بين القول بالذمة و القول بالقيمة، بل هو مرادهم منها ضرورة أن القيمة أمر معدوم لا يمكن أن يتحقق فيه ملك للفقير، إذ ليس المراد منها سوى ما يقابل هذا المتاع لو بيع، و من الواضح كونه أمرا عدميا، فليس الحاصل حينئذ إلا الخطاب بالمقدار المخصوص من القيمة المفروضة في ذمة صاحب المال، و هذا عين القول بالذمة، و كأن الذي دعاهم إلى التعبير بالقيمة هنا دون الذمة إرادة بيان أن الثابت في ذمة المكلف دراهم أو دنانير في هذه لا حصة مشاعة في العين و لا أمر كلي منها في الذمة كالعشر في الغلات مثلا، و احتمال أن المراد المقدار المخصوص من القيمة لكن في العين لا في الذمة على معنى أنه يستحق إخراجه منها ببيع و نحوه فيكون أشبه شي ء بأرش الجناية بعيد من كلماتهم، كما أنه يعسر تحصيله من الأدلة، و عليه فلو أدى من غير العين كان ذلك بدلا عن الواجب، و هو خلاف الظاهر أيضا، بل يمكن القطع بعدمه بعد التأمل في قولهم بقيمة المتاع لا عينه، و أنهم لو أرادوا المعنى المزبور لم يكتفوا

ج 15، ص: 276

عنه بهذه العبارة المخصوصة، و ما حكاه عن الدروس لم أتحققه، و إنما فيها و لا يمنعها أي زكاة التجارة الدين، و الأقرب أنه على القول بالقيمة لا يمنع أيضا، و لا شهادة فيه على ما ذكر، و إنما هي مسألة مستقلة سيذكرها المصنف و غيره، بل في الدروس ما يشهد لكون المراد من التعلق بالقيمة الذمة، و لعله صريح البيان، قال فيه: «هذه الزكاة و إن وجبت في القيمة فهي مشروطة ببقاء العين أو تلفها بعد التمكن من الإخراج، فحينئذ تتعلق بالذمة، و كذا على القول المشهور بالاستحباب، إذ المراد أنها في الذمة في الصورتين أي بقاء العين و التلف بعد التمكن، بخلاف ما إذا لم تكن العين باقية أو تلفت قبل التمكن من الأداء، فإنها تسقط» و أراد من ذلك دفع ما عساه يتخيل من أنه بناء على التعلق بالقيمة دون العين تثبت و لو تلفت قبل التمكن، لعدم مدخلية العين فيه، فتأمل، و صرح أيضا في المسالك في المسألة الثانية بكون التعلق في الذمة، و جعله الفائدة في زكاة المال و التجارة، فلاحظ و تدبر، بل من أعطى النظر حقه فيما حكاه المصنف في المعتبر من استدلال الشيخ على التعلق بالقيمة و مناقشته له و ما حكاه عن أبي حنيفة يجزم أن المراد بالقيمة المقدار المخصوص منها في الذمة، فلاحظ و تأمل، و قد ظهر لك من ذلك كله ما في كلام سيد المدارك، و الله أعلم.

و كيف كان ف تقوم بالدراهم أو الدنانير كما في الإرشاد و القواعد و غيرها بل لا أجد خلافا في أصل التقويم بهما بيننا، لأنهما أصل المال، و لذا كانا المرجع في الديات و في عوض المتلفات و أروش الجنايات و المعيبات و غير ذلك مما يرجع إلى الغرامات و نحوها، و مقتضى المتن و غيره ممن أطلق أنه لا فرق في التقويم بأحدهما بين كون ثمن المتاع عروضا أو نقدا و بين كون الثمن من جنس ما وقع به التقويم و عدمه، و لعله لإطلاق ما دل على التقويم من موثق إسحاق بن عمار(1)و غيره، لكن في المدارك «أنه مشكل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 7.

ج 15، ص: 277

على إطلاقه، و الأصح أن الثمن إن كان من أحد النقدين وجب تقويم السلعة بما وقع به الشراء كما صرح به المصنف في المعتبر و العلامة و من تأخر عنه، لأن نصاب العرض مبني على ما اشترى به، فيجب اعتباره به، كما لو لم يشتر به شيئا، و ل

قوله (عليه السلام)(1): «و إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته»

و رأس المال إنما يعلم بعد التقويم بما وقع به الشراء، و لو وقع الشراء بالنقدين وجب التقويم بهما، و لو بلغ أحدهما النصاب زكاه دون الآخر، و لو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب، و اعتبر بلوغ النصاب و وجود رأس المال في الحول به خاصة، و لو تساوى

النقدان كان له التقويم بأيهما شاء، و يكفي في استحباب الزكاة بلوغ القيمة النصاب بأحدهما، و كذا وجود رأس المال».

و قال أيضا في شرح قول المصنف

[تفريع إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر]

تفريع إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلقت به الزكاة، لحصول ما يسمى نصابا «هذا إنما يتم إذا كان الثمن عروضا و تساوى النقدان، و إلا وجب التقويم بالنقد الذي وقع به الشراء أو بالنقد الغالب خاصة كما تقدم» و يقرب من ذلك ما في المسالك فإنه في شرح قول المصنف: «و يقوم» إلى آخره قال: «هذا إذا كان رأس المال عروضا، أما لو كان أحد النقدين تعين تقويمه به، فان بلغ به النصاب استحبت، و إلا فلا، و لو كان منهما معا قوم بهما على التقسيط، و لو كان نقدا و عرضا قسط أيضا على القيمة، و قوم ما يخص النقد به، و الآخر بالنقد الغالب منهما، فان تساويا تخير، و كذا القول فيما لو كان جميعه عرضا» و في شرح قوله: «تفريع» إلى آخره قال أيضا: «إن اشتريت بعرض أو بما بلغت به من النقد، و إلا فلا» و قال في الدروس: «و العبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد، فلو اشترى بدراهم و باعها بعد الحول بدنانير قومت


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 278

السلعة دراهم و لو باعها قبل الحول قومت الدنانير دراهم عند الحول، و قيل: لو بلغت بأحد النقدين نصابا استحبت، و هو حسن إن كان رأس المال عرضا» إلى غير ذلك من كلماتهم المتقاربة، بل حكي عن المبسوط و الخلاف نحو ذلك فضلا عن الكركي و الميسي و أبي العباس و الصيمري و غيرهم، بل قد سمعت نسبته في المدارك إلى الفاضلين و من تأخر عنهما.

و فيه أولا أن المتجه بناء على كلامهم ملاحظة ثمن العرض الذي وقع ثمنا للسلعة و لا يكفي كونه ثمنا في التقويم بأي النقدين مع التساوي، و ثانيا أن الظاهر كون النقدين معا من النقد الغالب شرعا، فلا يقدح في جواز التقويم بأحدهما في نحو ما نحن فيه اتفاق كثرة استعمال الآخر في بعض الأزمنة و الأمكنة، إذ لا إطلاق حتى ينصرف إلى الغالب، مع أن الظاهر كونهما غالبين في زمن صدور النصوص، مضافا إلى موثق إسحاق بن عمار(1)على ما رواه الشيخ، فالمتجه جواز التقويم بكل منهما على كل حال و أنه متى بلغ النصاب بأحدهما زكاه، لإطلاق الموثق المزبور، و عموم ما دل على زكاة مال التجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقن، و هو الناقص عنهما، و دعوى توقف معرفة رأس المال على التقويم بما وقع به الشراء واضحة الفساد، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيه، فإنه قد يعرف قيامها برأس المال و إن قومت بغير الثمن، و كذا دعوى أن السلعة محكوم في المقام بكونها على حكم ما اشتريت به من دراهم أو دنانير فلا معنى لتقويمها بغيره، إذ هو كتقويم الدراهم بدنانير و بالعكس مما هو معلوم البطلان، لأنه لا دليل على هذا التنزيل، و

الاستحسان غير حجة عندنا، و دعوى كونه جهة ترجيح للتقويم لا يصغى إليها في إثبات حكم شرعي و نفيه، و من ذلك كله ظهر لك أن الأولى إطلاق المصنف و غيره، خصوصا بعد أن كان الحكم ندبيا، نعم لو كان مال التجارة دراهم أو دنانير اتجه اعتبار نصابهما، و لا يلحظ قيمة كل منهما بالآخر، ضرورة كون


1- 1 الخلاف ج 1 ص 345 الطبعة الثانية عام 1377- كتاب الزكاة المسألة 111.

ج 15، ص: 279

كل منهما قيمة لباقي الأموال كما هو واضح، فإن المسألة أكثر المتأخرون من الكلام فيها، و ربما ظهر من بعضهم مفروغية الحال فيما ذكروه من التفصيل، و أنت خبير بما فيه و الله أعلم.

[المسألة الثانية إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة]

المسألة الثانية إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك سقطت زكاة التجارة المستحبة و وجبت زكاة المال الواجبة و ذلك لأنه لا يجتمع الزكاتان بلا خلاف كما في الخلاف، بل في الدروس و محكي التذكرة و المعتبر و المنتهى الإجماع عليه، و في المسالك ذكر جماعة أن لا قائل بثبوتهما، و الأصل فيه

قول النبي (صلى الله عليه و آله)(1): «لا ثنى في صدقة»

و قول الصادق (عليه السلام) في حسن زرارة(2): «لا يزكى المال من وجهين في عام واحد»

و يشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة لعدم الترجيح حينئذ كما ستعرف و على كل حال بذلك يخرج عما تقتضيه القاعدة من عدم السقوط و يضعف ما قيل: من أنه تجتمع الزكاتان هذه وجوبا و هذه استحبابا مع أنا لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد، و احتمال أن المراد من الخبرين و معاقد الإجماعات خصوص الواجبتين واضح الفساد بأدنى ملاحظة لناقلي الإجماع، و أنهم ممن يقولون بالندب، و لظاهر النفي في الخبرين المحمول على نفي الحقيقة الشاملة للواجب و المندوب، فلا فرق حينئذ بين الواجبتين و المندوبتين و المختلفتين، نعم لا دلالة في شي ء مما سمعت على تعيين الساقط في نحو المقام، لكنه مفروغ من كونها زكاة التجارة عند الأصحاب بناء على الندب معللين له بأن الواجب مقدم على الندب، و فيه أن ذلك عند التزاحم في الأداء بعد معلومية وجوب الواجب و ندبية المندوب لا فيما نحن فيه الذي مرجعه


1- 1 النهاية لابن الأثير مادة« ثني» و« ثني» على وزن« إلى».
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 280

إلى معلومية عدم مشروعية أحدهما على وجه لا ينتقل منه إلى التخيير المعلوم عدم تعقله في المقام، ضرورة أنه لا معنى له بين الواجب و الندب، و دعوى رجوع الحال إلى تعارض الأدلة من وجه فيرجع إلى الترجيح، و لا ريب في كونه لدليل الواجب واضحة الفساد، ضرورة أن ذلك لا يصلح شاهدا لتعيين الساقط منهما

الذي استفدنا سقوطه من الخبرين المزبورين، و ليس المقام أي مقام تعرف الثابت منهما من تعارض الدليلين اللذين قد عرفت عدم تعارضهما، و لكن علمنا بدليل خارجي ارتفاع أحدهما المعين في الواقع المبهم عندنا، فلا بد من دليل معتبر يعينه، و لا يكفي الظن الناشئ من اعتبارات و نحوها كما هو واضح، فالمتجه إن لم يثبت إجماع التوقف حينئذ في الحكم بسقوط أحدهما على التعيين، كما أن المتجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه، و احتمال وجوبه هنا لا يصغى اليه، لدوران الأمر بين الواجب و الندب.

و مما ذكرنا يظهر لك الحال بناء على الوجوب أيضا، إذ لا فرق فيه عليه و إن زاد هنا باحتمال التخيير، بل في المسالك أنه ربما قيل به، لتساويهما في الوجوب، و امتناع الجمع بينهما، و عدم المرجح، و أنهما كالأمرين المتعذر عقلا إرادتهما معا من الأمر لضيق الوقت أو غيره، و فيه أن التخيير هناك ينتقل اليه الذهن من مجرد اللفظ بخلافه هنا، بل لعل ظاهر دليل عدم الجمع هنا عدم التخيير كما هو ظاهر الأصحاب أيضا فتعين حينئذ كون الثابت أحدهما، و لا دليل على التعيين كما سمعته في الندب، و ترجيح المالية بالاتفاق على وجوبها و تعلقها بالعين أو التجارة بأنها أحظ للفقراء مع قطع النظر عما فيه غير مجد فيما نحن فيه إن لم يثبت إجماع، إذ مرجعه إلى ما لا يصلح الاعتماد عليه في تعيين الساقط منهما، لعدم كون المقام من التعارض عند التأمل، كما أوضحناه سابقا و لعله إلى ذلك كله أومأ المصنف بقوله: «و يشكل ذلك على القول بالوجوب» لأن

ج 15، ص: 281

مراده على الظاهر- و بقرينة ما ذكره في المعتبر «أنه يشكل»- تعيين الثابتة من الساقطة على تقدير الوجوب، لعدم صلاحية ما ذكروه لذلك، و قد عرفت مثله على تقدير الندب، فتأمل.

فالمتجه أيضا إن لم يثبت إجماع التوقف في الحكم و في العمل على الاحتياط، لمعلومية انقطاع أصالة البراءة بيقين الشغل، فيؤدي الزكاة غير ناو خصوص أحدهما، مقتصرا على أقلهما قدرا لسلامة الأصل هنا في نفي الزائد، لعدم ارتباط جزء منهما بالآخر، و كذا جواز بيع العين، لعدم معلومية تعلق الحق فيها، لاحتمال كون الثابتة زكاة التجارة، و محلها الذمة كما عرفت لا العين، فتأمل.

ثم لا يخفى عليك أن المراد من عدم الثني بقرينة حسن ابن مسلم (1)عدم ثبوت الزكاتين الماليتين، فلا يقدح اجتماع زكاة الفطرة مع المالية كما في العبد المشتري للتجارة و لا الخمس مع الزكاة، و لا غير ذلك، إنما الكلام في اعتبار اتحاد العام في ذلك، فلا يقدح اجتماعهما في المال مع اختلاف العام و إن اشتركا في بعضه، و عدم اعتبار ذلك، وجهان بل قولان، أولهما أقرب إلى مدلول الحسن، كما

أن ثانيهما أوفق بمدلول النبوي (2)كما أن اختصاص ذلك بما يعتبر في زكاته الحول أو الأعم كما لو انتقلت إليه غلة للتجارة قبل تعلق الزكاة فيها كذلك أيضا بالنسبة إلى النبوي و الحسن، فتأمل، و الله أعلم.

[المسألة الثالثة لو عاوض أربعين سائمة]

المسألة الثالثة لو عاوض أربعين سائمة كانت عنده للتجارة بعض الحول بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية و التجارة و استأنف الحول فيهما فان مضى و شرائط كل منهما مجتمعة قدمت المالية بناء على ما سمعت، أو توقف في الحكم و رجع في العمل إلى ما ذكرنا بناء على ما قدمنا، و إن اختلت الشرائط في إحداهما ثبتت


1- 1 الظاهر أن الصواب حسن زرارة كما تقدم في ص 279.
2- 2 النهاية لابن الأثير مادة« ثني» و« ثنى» على وزن« إلى».

ج 15، ص: 282

الأخرى، و لا يحكم بسقوط أحدهما على التعيين قبل مضي الحول، و لذلك قال: استأنف الحول فيهما و قيل و القائل الشيخ بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة من غير استئناف لأن اختلاف العين مع الاتفاق في الجنس لا يقدح في الوجوب في المالية مع تحقق كلي النصاب في الملك، و الأول أشبه بأصول المذهب، و بالمستفاد من نصوص الباب (1)و هو كذلك بالنسبة إلى المالية، لما عرفته سابقا من ظهور النص و الفتوى في اعتبار بقاء شخص

النصاب تمام الحول، أما التجارة فعن ظاهر المفيد و ابن بابويه اعتبار البقاء فيها أيضا، و به صرح في المعتبر لأنه مال ثبتت فيه الزكاة فيعتبر بقاؤه كغيره، و بأنه مع التبدل تكون الثانية غير الأولى، فلا تجب فيها الزكاة، لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول، و لظاهر ما حكي من الإجماع على اعتبار ما يعتبر في المالية فيها، و لإطلاق ما دل على اعتبار البقاء، ك

قوله (عليه السلام)(2): «كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة فيه»

الشامل للمالية و التجارة، و اختاره في المدارك و عن غيرها، و استدل عليه زيادة على ما عرفت بأن مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزكاة السلعة طول الحول، كما يدل عليه

قوله (عليه السلام) في حسنة ابن مسلم (3)المتقدمة: «و إن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة»

و في رواية أبي الربيع (4)«إن كان أمسكه يلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة»

و قريب منهما صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (5)الواردة في الزيت.

لكن قد يقوى خلاف ذلك وفاقا للعلامة و من تأخر عنه، بل هو صريح المحكي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام و الباب 13 من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 283

عن المبسوط أيضا، بل في التذكرة الإجماع عليه، بل في محكي إيضاح الفخر لا خلاف بين الكل في بناء حول التجارة على حول الأولى، و إنما النزاع في بناء العينية، لظهور النصوص في عدم اعتبار ذلك ك

صحيح محمد(1)«كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول»

و الضمير المجرور بعد وصف المال بالعمل به لا يقتضي التشخيص ضرورة صدقه على المال المتقلب، و

خبر شعيب (2)«كل شي ء جر عليك المال فزكه»

و موثق سماعة(3)«سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتجر به؟ فقال: ينبغي له أن يقول لأصحاب المال: زكوه، فان قالوا:

إنا نزكيه فليس عليه غير ذلك، و إن هم أمروه بأن يزكيه فليفعل، قلت: أ رأيت لو قالوا: إنا نزكيه و الرجل يعلم أنهم لا يزكونه؟ قال: فإذا هم أقروا بأنهم يزكونه فليس عليه غير ذلك، و إن هم قالوا: لا نزكيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك المال و لا يعمل به حتى يزكوه».

بل قد يشهد له أيضا النصوص التي حملها الأصحاب على نفي الوجوب جمعا بينها و بين ما دل على الوجوب بحمله على الندب، ك

قول الصادق (عليه السلام) في خبر ابن بكير و عبيد و جماعة(4): «ليس في المال المضطرب به زكاة»

و صحيح زرارة(5)المشتمل على منازعة عثمان و أبي ذر و غيرهما مما تقدم ذكره في ذلك المبحث، ضرورة ظهور الجميع في الكناية بالاضطراب و العمل به و الاتجار به و الدوران و نحو ذلك عن مال التجارة، فمع فرض كون المراد منها نفي الوجوب و المراد من الأمر في النصوص الأخر


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الذهب و الفضة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 284

الندب ظهر حينئذ أن موضوع مال التجارة الثابت فيه الحكم أعم من الباقي سنة، بل ربما ظهر بعد التأمل أن الغالب في مال التجارة التقلب و الدوران، كل ذلك مع أن الحكم ندبي، و ليس في النصوص التي ذكرها سيد المدارك ظهور في اشتراط المكث سنة، بل أقصاها ثبوت الزكاة فيه كما اعترف هو به، فلا تعارض ما دل على الإطلاق، و يمكن أن يكون السؤال فيها عن المال الماكث لتخيل سقوط الزكاة عنه بالمكث باعتبار بناء مال التجارة على التقلب و التغير، لا أن السؤال لمعلومية عدم الزكاة عن الذي لا يبقى و لا

يتغير، و كذا ليس في النصوص الدالة على اعتبار الحول بعد أن كان موضوعها المال الذي يعمل به كما سمعته في

صحيح محمد، و قال في صحيحه الآخر(1): «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال: إذا حال عليها الحول فليزكها».

و من ذلك يعلم عدم منافاة غيرها من النصوص العامة لذلك، ك

قوله عليه السلام (2): «كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة فيه»

ضرورة كون المراد منها بيان اشتراط الحول في المال الذي جمع غير ذلك من شرائط الزكاة، فيكون حينئذ كل حول في المال على حسب حاله، فمع فرض كون الموضوع في مال التجارة الأعم من الماكث كان مندرجا فيها أيضا على حسب حاله، كما هو واضح بأدنى تأمل.

و قد ظهر من ذلك كله قوة ما اختاره العلامة و من تأخر عنه، لكن مع ذلك كله لا يكون القول المقابل له ساقطا عن درجة الاعتبار بحيث لا ينبغي صدوره من مثل المصنف حتى يحتاج إلى تأويل عبارته هنا كما وقع من ثاني الشهيدين و المحققين، فحمل أولهما الأربعين الأولى على أنها للقنية و حمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي، و هو


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 285

انتفاؤها، قال: «و غايته أنه يكون مجازا، و هو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة» و هو كما ترى مع بعده أو فساده لا ضرورة تلجى ء اليه، و قال ثانيهما في توجيه العبارة بما لا ينافي الإجماع الذي حكاه الفاضل: «إن ما مضى من الحول ينقطع بالنسبة إلى المالية و التجارة معا، أما المالية فلتبدل العين في أثناء الحول، و أما التجارة فلأن حول المالية يبتدأ من حين دخول الثانية في ملكه، فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة، لأن الحول الواحد كما لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا بعضه» و فيه- مع أنه مخالف لظاهر قوله: «استأنف» إلى آخره و مبني على أحد القولين في المراد من الثني كما سمعته سابقا- أنه قد يقال: بأن المتجه في الفرض ثبوت زكاة التجارة عند تمام الحول، و عدم جريان النصاب في العينية إلا بعد تمام حول التجارة بناء على التنافي بين الزكاتين، لسبق سبب زكاة التجارة على العينية، خصوصا بناء على الوجوب، فتأمل جيدا فإنه بعد الإحاطة بما ذكرنا لم يبق لك إشكال في المقام، و الله المؤيد و المسدد.

[المسألة الرابعة إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل على رب المال]

المسألة الرابعة إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل مع اجتماع الشرائط على رب المال بلا خلاف و لا إشكال لانفراده بملكه، و أما زكاة الربح بناء على أنه من توابع مال التجارة فتشمله الأدلة حينئذ، فهي بينهما أي المالك و العامل بناء على أنه يملك الربح لا أجرة المثل، و أنه بالظهور دون الإنضاض و دون القسمة كما هو محرر في محله، بل في المسالك و عن غيرها لا يكاد يتحقق مخالف في ملكه بالظهور، و حينئذ تضم حصة المالك إلى ماله لكونهما مال شخص واحد و تخرج منه الزكاة، لأن رأس ماله نصاب كما هو المفروض، فيزكي الربح حينئذ مع بلوغه النصاب الآخر و إن قلنا باختلاف الحول في كل منهما، إذ اختلافه لا يقدح في الانضمام المذكور الحاصل من إطلاق أدلة النصاب و لا يستحب أو لا يجب في حصة الساعي الزكاة إلا أن تكون نصابا لمعلومية اشتراطه في زكاة مال التجارة كاشتراط

ج 15، ص: 286

الحول و غيره مما عرفت، و احتمال عدم الزكاة عليه- كما هو خيرة المحكي عن ثاني المحققين بل ربما مال اليه فخر المحققين و سيد المدارك، لعدم الملك حقيقة، و إلا لملك ربح الربح فيما لو كان رأس المال عشرة مثلا فربح عشرين ثم ثلاثين من أن الخمسين بينهما على حسب الشرط في ابتداء المضاربة من غير ملاحظة لحصة ربحه من العشرين الأولى، بل ربما يؤيده ما في ذيل

موثق سماعة(1)المروي في الكافي قال: «سألته عن الرجل يربح في السنة خمسمائة و ستمائة و سبعمائة هي نفقته، و أصل المال مضاربة، قال: ليس عليه في الربح زكاة»

- واضح الضعف، لما تعرفه في باب المضاربة من أنه لا إشكال في ملكه حقيقة بالظهور، و لا ينافيه عدم ملكه ربح الربح لأمور تعرفها في محلها إن شاء الله تعالى منها لزوم استحقاقه من الربح أكثر ما شرط له، و لا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه، و الخبر(2)محمول على عدم حول الحول باعتبار إنفاقه منه، أو عدم تأكد الندب بالنسبة إليه، لكون الفرض انحصار نفقته فيه كما تسمعه إن شاء الله تعالى في جملة من النصوص (3)المذكورة في حكم ذي الحرفة، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، كما لا إشكال في ضعف تعليل العدم أيضا بعدم إمكان التصرف فيه إلا بالقسمة، ضرورة عدم منع الشركة الزكاة كما في المال المشترك البالغ نصيب كل منهما منه نصابا.

و هذا كله واضح، إنما الكلام في أن هل للعامل أن يخرج الزكاة من عين مال المضاربة قبل أن يستقر ملكه عليه بأن ينض المال و يتحول عينا و يقسم مع المالك، أو يفسخ؟ قيل و القائل الشيخ في ظاهر المبسوط في أول كلامه و التحرير و الموجز و كشفه و العليين و غيرهم على ما حكي لا يجوز لأنه أي الربح وقاية لرأس المال فإذا أخرجه و اتفق خسران رأس المال كان النقص على المالك،


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 15، ص: 287

فهو حينئذ كالمرهون عنده لذلك و قيل و القائل الشيخ في ظاهر الخلاف و الفاضلان في المعتبر و الإرشاد نعم، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية و هو أشبه بأصول المذهب و قواعده بناء على تعلق زكاة التجارة بالعين، إذ مقتضاه كونها كغيرها من أقسام الزكاة تدخل في ملك الفقراء بمجرد تعلق الخطاب، فإذا خرجت عن ملك العامل بذلك بطلت صفة الوقاية فيها، ضرورة كونها فيما هو للعامل و من في حكمه كالوارث و نحوه من الربح لا في مال الفقير، و استصحابها مع تغير الموضوع الذي عليه مدار الحكم غير متجه، و دعوى منع الصفة المزبورة تعلق الزكاة مع أنها خلاف فرض موضوع المسألة يمكن منعها، لإطلاق أدلة الزكاة أو عمومها، نعم قد يتوقف في تأديتها من خصوص مال المضاربة من غير إذن المالك باعتبار كونه مشتركا، و لا يجوز التصرف فيه من غير إذن الشريك، مع احتماله حينئذ باعتبار كون الزكاة حينئذ من المؤن التي تلزم المال كأجرة الدلال و الوزان و أرش جناية العبد و فطرته، لكن قد يدفعه موثق سماعة(1)المشتمل على أمره أهل المال بالتزكية، و اجتنابه إن لم يفعلوا، بل يدفعه أيضا وضوح الفرق بين المقامين، لا يقال: إن ظاهر فرض موضوع المسألة في كلام الأصحاب الإخراج من نفس المال لأنا نقول مع

أنه خلاف صريح البعض واضح البطلان ضرورة كون الشركة من الموانع، و لعل مراد بعض الأصحاب بتعجيل الإخراج بغير إذن الشريك الدفع من مال آخر غير مال المضاربة، فينتقل إليه حينئذ مقدار ما أداه من الربح بحيث ليس للمالك منعه منه و إن خسر المال، لأنه بالتأدية ملك مال الفقراء.

هذا كله بناء على كون الزكاة في العين، أما على الذمة فالمتجه بقاء صفة الوقاية مع التأدية من مال آخر غير المضاربة، لعدم خروج العين عن الملك بالخطاب، بل لو أداها من المال نفسه باذن المالك اتجه ضمانه مقدار ما أداه لو خسر المال بعد ذلك،


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 288

لأنه هو الذي أتلف ما به الوقاية، لما عرفت من عدم اقتضاء خطاب الزكاة بناء على الذمة رفعها، لعدم المنافاة بينهما، و ليس ذا من تعقب الإذن الشرعية الضمان، بل لإقدامه عليه، لإمكان تخلصه منه بفسخ المضاربة حال تعلق الزكاة تحصيلا لاستقرار ملكه بل قد يظهر من الفاضل في القواعد أنه لا منافاة بين الوقاية و استحقاق الفقراء على كل حال، قال بعد نقل القولين: «و الأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق و الوقاية، فيضمن العامل الزكاة لو تم بها المال» لكن رده في الدروس بأنه قول محدث، مع أن فيه تغريرا بمال المالك إذا أعسر العامل، و أجيب عنه بأن إمكان الإعسار أو ثبوته بالقوة لا يزيل حق الإخراج الثابت بالفعل، و كان المجيب أخذ ذلك من فخر المحققين فإنه قال في المحكي من شرحه: «و التحقيق أن النزاع في تعجيل الإخراج بغير إذن المالك بعد تسليم ثبوت الزكاة ليس بموجه، لأن إمكان ضرر المالك بإمكان الخسران و إعساره لا يعارض استحقاق الفقراء بالفعل، لأن إمكان أحد المتنافيين لو نفى ثبوت الآخر فعلا لما تحقق شي ء من الممكنات، و لأن الزكاة حق الله و الآدمي، فكيف يمنع مع وجود سببه بإمكان حق الآدمي، بل لو قيل: إن حصة العامل قبل أن ينض المال لا زكاة فيها لعدم تمام الملك و إلا لملك ربحه كان قويا» و في المدارك «إن قوته ظاهرة».

قلت: قد عرفت ما فيه سابقا، بل كلامه الأول غير منقح، لعدم معلومية كونه مبنيا على كون الزكاة في العين أو الذمة، و عدم معلومية غرامة العامل بعد ذلك لو احتاج المال، كعدم معلومية الخروج من نفس مال المضاربة أو غيرها، بل كلام الفاضل في القواعد غير منقح أيضا، و لذا قال في جامع المقاصد: «إنه مشكل، لأن الاستحقاق إذا أخرجه عن الوقاية كان ذلك فرع التنافي، و ثبوت التالف في ذمة العامل لا يخرجه عن المنافاة بينهما، و إلا لاجتمعا في المال، إذ كل متنافيين لا يمتنع فيهما الوجود

ج 15، ص: 289

في محلين، و على تقدير المنافاة الذي هو مقابل الأقرب يحتمل سقوط الزكاة، و يحتمل ثبوت الضمان في ذمة العامل، فلا يستقيم ما ذكره، و كأنه حاول الجمع بين ثبوت الزكاة و عدم سقوط حق المالك من استحقاق عوض ما تلف، فلم تساعده العبارة لمجيئها متضمنة منشأ آخر، و المتجه عدم الوجوب، لأن الملك غير حقيقي، و إلا لملك ربح الربح، و لعدم إمكان التصرف فيه قبل» انتهى. لكن قد عرفت ما فيه، بل تعرف مما قدمنا مما في كثير من كلمات الأصحاب، فلاحظ و تأمل حتى ما في البيان قال في المسألة: و في استبداد العامل وجهان، لتنجيز التكليف عليه، فلا يعلق على غيره، و حينئذ لو خسر المال ففي ضمانه ما أخرجه للمالك نظر، من حيث أنه كالمؤن أو كأخذ طائفة من المال و كذا إذا أخرج المالك، و الثاني أقرب، و الأول ظاهر كلام الشيخ، لأن المساكين يملكون من ذلك المال جزءا، فإذا ملكوه خرج عن الوقاية لخسران يعرض، و هو حسن على القول بوجوبها، قلت: بل و على تقدير الندب بناء على أنها في العين كما اعترف به في المدارك في الجملة، و الله أعلم.

[المسألة الخامسة الدين لا يمنع من زكاة مال التجارة]

المسألة الخامسة الدين المطالب به فضلا عن غيره لا يمنع من زكاة مال التجارة و لو لم يكن للمالك وفاء إلا منه بلا خلاف أجده فيه، بل عن التذكرة و ظاهر الخلاف الإجماع عليه، و لعله كذلك بناء على الوجوب و كونها في العين، بل و الذمة لعدم المنافاة بين الخطابين، بل الظاهر تقديمها في الأداء، لكونهما أهم منه باعتبار اجتماع حق الله و حق آدمي مع تعلق في العين أيضا، بل بناء على الندب و تعلقها بالعين لا يمنع تعلق خطابها حتى لو طالب صاحب الدين، و لعله على ذلك يحمل ما عن التذكرة من أنه يمكن أن يقال لا يتأكد إخراج زكاة مال التجارة للمديون مع المضايقة، لأنه نفل يضر بالفرض، نعم بناء على كونها في الذمة و ذو الدين مطالب بدينه و لا مال له سوى المال المخصوص كانت المسألة من جزئيات مسألة الضد، فتأمل جيدا

ج 15، ص: 290

و كذا القول في عدم منع الدين زكاة المال غير التجارة لأنها إن قلنا بكونها تتعلق بالعين فلا إشكال، و إن قلنا بكونها في الذمة لم يكن تناف بين خطاب الدين و خطابها كما عرفت، قال في محكي المنتهى: «الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن، و سواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه و سواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم و الحرث أو باطنة كالذهب و الفضة، و عليه علماؤنا أجمع» بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في مقامات متعددة كزكاة مال القرض و محاصة الدين لها، و عدمه لو مات المالك، و غير ذلك، و يدل عليه مضافا إلى ذلك و إلى ما دل على كون زكاة القرض على المستقرض من النصوص (1)صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) و

خبر ضريس عن أبي عبد الله (عليه السلام)(2)أنهما قالا: «أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه، و إن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده»

لكن و مع ذلك كله قال في المدارك: إنه يفهم التوقف في هذا الحكم من الشهيد في البيان، قال: و الدين لا يمنع زكاة التجارة كما مر في العينية و إن لم يمكن الوفاء من غيره، لأنها و إن تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة، و كذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان مالكا مئونة السنة و لا من الخمس إلا خمس الأرباح، نعم يمكن أن يقال لا يتأكد إخراج الزكاة التجارة للمديون، لأنه نفل يضر بالفرض، و في

الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه السلام (3)«من كان له مال و عليه مال فليحسب ماله و ما عليه، فان كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسة»

و هذا نص في منع الدين الزكاة، و الشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 291

منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة، و فيه أنه يمكن كون التوقف في خصوص التأكد في زكاة التجارة لا في أصل الحكم، و على

تقديره فلا ريب في ضعفه، ضرورة قصور الخبر المزبور عن مقابلة ما عرفت من وجوه كما لا يخفى على من له أدنى نظر، و الله أعلم.

[المسألة الأولى استحباب الزكاة في حاصل العقار المتخذ للنماء]

الأولى لا خلاف أجده في أن العقار المتخذ للنماء الذي هو لغة الأرض و المراد به هنا على ما صرح به الأصحاب كما في المدارك ما يعم البساتين و الخانات و الحمامات يستحب الزكاة في حاصله و إن كان لم يذكره في الجمل و الوسيلة و الغنية و الإشارة و السرائر، نعم قد اعترف في المدارك و غيرها بعدم الوقوف له على دليل، قلت: قد يقوى في الذهن أنه من مال التجارة بمعنى التكسب عرفا، إذ هي فيه أعم من التكسب بنقل العين و استنمائها، فان الاسترباح له طريقان عرفا، أحدهما بنقل الأعيان و الثاني باستنمائها مع بقائها، و لذا تعلق فيه الخمس كغيره من أفراد الاسترباح، و من ذلك يتجه اعتبار الشرائط السابقة فيه، بل أجاد الأستاذ الأكبر في المصابيح بقوله:

«إن عدم تعرضهم لذكر قدر هذه الزكاة و وقت الإخراج و كيفيته أصلا قرينة على كونها كزكاة التجارة، و كون القدر أي قدر يكون و أن الوقت دائما في جميع أوقات السنة لعله مقطوع بفساده» و لا ينافي ذلك تعرض جماعة كالفاضل و الشهيد و أبي العباس و الصيمري و المحقق الثاني و غيرهم لخصوص كون المخرج هنا ربع العشر كزكاة التجارة فإن المراد عدم التعرض لذلك في جملة من كتب الأصحاب كالكتاب و غيره، و من هنا يعلم أن دعوى كون الأكثر على عدم اشتراط النصاب و الحول في غير محلها، ضرورة معلومية أن منشأها عدم التعرض، و لعله لما ذكرنا من الإيكال على ما تقدم في زكاة التجارة التي هذا قسم منها، و أفرد بالذكر باعتبار كونه قسما آخر من استنماء المال،

ج 15، ص: 292

مضافا إلى عموم دليليهما، بل منه يعلم ما في التعريف السابق بناء على عدم شموله لذلك، اللهم إلا أن يكون المراد منه تعريف القسم الخاص و لو بقرينة ذكر ذلك مستقلا، بل لعل ما يحكى من تصريح الفاضل و ابن فهد و الصيمري و الكركي و ثاني الشهيدين بعدم اعتبار النصاب و الحول هنا منشأه ذلك أيضا، و حينئذ يكون فيه ما عرفت، و لذا قال في البيان: «الظاهر أنه يشترط فيه الحول و النصاب عملا بالعموم» و في المدارك و محكي الذخيرة أنه لا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم.

و كيف كان ف لو بلغ الحاصل الزكوي نصابا و حال عليه الحول وجبت الزكاة بلا خلاف و لا إشكال، نعم ذكر غير واحد من الأصحاب أنه على القول بعدم اعتبار النصاب و الحول أخرج الزكاة المستحبة ابتداء ثم أخرج الواجبة بعد اجتماع شرائط الوجوب، و إن قلنا باعتبارهما و كان الحاصل نصابا زكويا ثبت الوجوب و سقط الاستحباب، و هو حاصل ما في البيان، فإنه بعد أن استظهر اعتبارهما و احتمل العدم قال: فعلى هذا أي احتمال العدم لو حال الحول على نصاب منه وجبت، و لا يمنعها الإخراج الأول، و حينئذ لو آجره بالنقد لم يتحقق الاستحباب على قولنا أي اشتراط الحول و النصاب، و لو آجره بالعرض و كان غير زكوي تحقق، و هذا كله مؤيد لما سمعته من أحد الاحتمالين في معنى «لا يزكى المال في عام واحد من وجهين» و الله أعلم.

و لا تستحب الزكاة في المساكن و لا في الثياب و الآلات و الأمتعة المتخذة للقنية للأصل بلا خلاف أجده، بل في التذكرة «لا تستحب الزكاة في غير ذلك من الأثاث و الأمتعة و الأقمشة المتخذة للقنية بإجماع العلماء» و الله أعلم.

[المسألة الثانية الخيل إذا كانت إناثا سائمة]

المسألة الثانية الخيل إذا كانت إناثا سائمة و حال عليها الحول ففي العتاق جمع عتيق، و هو الذي أبواه عربيان كريمان عن كل فرس منها في كل عام ديناران و في البرازين جمع برزون بكسر الباء عن كل فرس دينار استحبابا بلا خلاف

ج 15، ص: 293

أجده فيه، بل في التذكرة «قد أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة: السوم و الأنوثة» و نحوه عن كشف الحق، و في محكي المنتهى أن تمامية الملك و الحول و السوم شرط عند الجميع، و قال: إنها مجمع عليها عند القائل بالزكاة فيها وجوبا أو استحبابا، و أما الأنوثة فبإجماع أصحابنا، و الأصل فيه

حسن زرارة و محمد بن مسلم (1)قالا: «وضع أمير المؤمنين (عليه السلام) على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين، و جعل على البرازين دينارا»

و يدل على اعتبار السوم- مضافا إلى قوله عليه السلام: «الراعية» و إلى الإجماع بقسميه، و إلى عموم ما دل عليه في سائر الحيوان-

صحيح زرارة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي ء؟ فقال: لا، ليس على ما يعلف شي ء، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي ء»

و هو و إن لم يكن فيه ظهور باعتبار الأنوثة، بل الفرس للأعم منها و من الذكر لغة إلا أنه قد صرح به في

صحيح زرارة(3)قال: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

هل في البغال شي ء؟ فقال: لا، فقلت: كيف صار على الخيل و لم يصر على البغال؟

فقال: لأن البغال لا تلقح و الخيل الإناث ينتجن، و ليس على الخيل الذكورة شي ء، قال: قلت: فما في الحمير؟ قال: ليس فيها شي ء».

و لعلهم فهموا الندب من ظاهر قوله (عليه السلام): «وضع» إلى آخره مضافا إلى محكي الإجماع في الخلاف على الندب، و في محكي كشف الحق ذهبت الإمامية إلى أنه لا تجب الزكاة في الخيل، و خالف أبو حنيفة، و عن الغنية الإجماع أيضا على استحبابها في الإناث منها، و على سقوط اعتبار النصاب، و كيف كان فلا إشكال من هذه الجهة، خصوصا بعد العمومات


1- 1 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 294

الواردة في جملة من النصوص (1)في أنه لا شي ء فيما عدا الأصناف الثلاثة.

ثم إن ظاهر ما سمعته من محكي الإجماع ثبوت الاستحباب بمجرد اجتماع الشروط الثلاثة، لكن في المسالك و أكثر كتب المحقق الثاني اعتبار عدم العمل و أن يكمل للمالك فرس كاملة و لو بالشركة كنصف اثنين، و في البيان «في اشتراط الانفراد و منع استعمالها عندي نظر، و خصوصا الانفراد، فلو ملك اثنان فرسا فلا زكاة» قلت:

قد استقرب ذلك في الدروس فقال: «و الأقرب أنه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد فرس، و في اشتراط كونها غير عاملة أقربه نعم، لرواية زرارة(2)» قلت:

خبر زرارة عن أحدهما (عليهما السلام)- «ليس في شي ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة: الإبل و البقر و الغنم، و كل شي ء من هذه الأصناف من الدواجن و العوامل فليس فيها شي ء»

إلى آخره- لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة كون المراد من النفي فيه للوجوب، و أما

صحيح الفضلاء(3)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) قالا: «ليس على العوامل من الإبل و البقر شي ء، إنما الصدقة على السائمة الراعية»

إلى آخره فالظاهر أنه كذلك أيضا فتأمل، بل قد يناقش في اعتبار الانفراد أيضا بإطلاق الخبر المزبور الظاهر في الأعم من ذلك، بل و في عدم اعتبار البلوغ و العقل أيضا و غيرهما مما لا دليل له بحيث يصلح لتخصيص ما هنا و لو للتعارض من وجه، و الترجيح للمقام بظاهر الفتاوى و بالتسامح في الندب و غير ذلك، و الظاهر كون الزكاة هنا في الذمة، لما سمعته سابقا من منافاة قواعد الملك للاستحباب، و بذلك كله ظهر لك تمام القول في الواجب من الزكاة و مندوبها.


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1 و 2.

ج 15، ص: 295

نعم قد يقال باستحباب الزكاة في الرقيق في كل سنة بصاع، فإنه و إن

قال الصادق (عليه السلام) في موثق سماعة(1): «ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغى به التجارة، فإنه من المال الذي يزكى»

و ظاهره بقرينة الاستثناء نفي الندب، لكن يمكن إرادة التأكيد منه ل

صحيح زرارة و محمد(2)سألا أبا جعفر و أبا عبد الله (عليهما السلام) «عما في الرقيق؟ فقالا: ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول، و ليس في ثمنه شي ء حتى يحول عليه الحول»

جمعا بينهما، اللهم إلا أن يحمل الصحيح على زكاة الفطرة على أن يكون المراد من حول الحول ليلة الفطر، لكنه كما ترى، مع أنه لا داعي إليه، خصوصا بعد التسامح في الندب.

و قد يقال أيضا باستحباب الزكاة في عوامل الإبل و معلوفها ل

خبر إسحاق (3)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الإبل العوامل عليها زكاة فقال: نعم عليها زكاة»

و خبره الآخر(4)«سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أ يجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية فقال: نعم»

و لا داعي إلى حمل الزكاة في الأول على الإعارة و حمل العاجز و الضعيف، هذا، و قد تقدم لك سابقا الاستحباب أيضا في زكاة المال الغائب، و فيما يفر به من الزكاة قبل الحول، كما أنه تقدم لك في الحلي أن زكاته الإعارة، و الله العالم.

[يلحق بهذا الفصل مسألتان]

ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان:

[النظر الثالث مما يتعلق بزكاة المال]
اشاره

النظر الثالث مما يتعلق بزكاة المال فيمن تصرف اليه و وقت التسليم و النية،

[القول فيمن تصرف اليه]
اشاره

القول الأول فيمن تصرف اليه و يحصره أقسام:


1- 1 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 7.

ج 15، ص: 296

[القسم الأول أصناف المستحقين للزكاة]
اشاره

الأول أصناف المستحقين للزكاة ثمانية بالنص و الإجماع في محكي المنتهى تارة و لا خلاف فيه بين المسلمين أخرى و بإجماع العلماء في التذكرة، بل لعل الإجماع ظاهر الغنية أيضا أو صريحها، بل يمكن تحصيله لاتفاق ما وصل إلينا من كتب الأصحاب على الثمانية عدا المصنف في خصوص هذا الكتاب، فجعلهم سبعة

[الصنف الأول و الثاني الفقراء و المساكين]

بعد الفقراء و المساكين و هم الذين تقصر أموالهم في مئونة سنتهم، و قيل: من يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية صنفا واحدا، بل لم يحك عن أحد من العامة ذلك أيضا عدا ما عن مجمع البيان من حكايته عن الجبائي و صاحبي أبي حنيفة، و لعله لا ينافي ذلك ما حكاه في المدارك عن المصنف و جماعة من القول بالترادف، إذ عليه يمكن القول في خصوص الزكاة بكون المراد التغاير الذي به صارت الأصناف ثمانية حتى سمعت الإجماع على ذلك، مضافا إلى النصوص كمرسل حماد بن عيسى (1)عن العبد الصالح (عليه السلام) المروي في باب الخمس و كيفية قسمته، و مرسله الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا الوارد في كيفية قسمة ما يخرج من الأرض المفتوحة عنوة، و خبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (3)عن أبي عبد الله عليه السلام المشتمل على احتجاجه (عليه السلام) مع عمر بن عبيد، و المروي (4)عن المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم عن العالم (عليه السلام) و صحيح محمد بن مسلم (5)و صحيح أبي بصير أو حسنه (6)اللذين تسمعهما عن قريب إن شاء الله تعالى و غير ذلك و تظهر الثمرة في وجوب البسط و استحبابه و في نذره و غير ذلك، و قد ظهر من ذلك


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3 و هو من قطعات المرسل الأول.
3- 3 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.
5- 5 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 297

أنه لا إشكال هنا، و ما حكاه المصنف بقوله ثم و من الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد و ظاهره في المقام بقرينة قوله و منهم من فرق بينهما في الآية(1)لم نتحققه و لا حكاه غيره عن غيره و من هنا كان الثاني لا الأول أشبه لما عرفت.

نعم ما يظهر من المصنف- من الاتفاق على كونهما بمعنى في غير الآية أي في غير صورة الاجتماع، و خصها لعدم اجتماعهما في الكتاب بغيرها- قد يشهد له ما في محكي المنتهى من أنه لا تمييز بينهما مع الانفراد، بل العرب قد استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر، أما مع الجمع بينهما فلا بد من المائز، و قد اختلف العلماء في أيهما أسوأ حالا من الآخر، و عن نهاية الأحكام التصريح بعدم الخلاف في إطلاق اسم كل منهما على الآخر حال الانفراد، و في محكي المبسوط «لا خلاف في أنه إن أوصي للفقراء منفردين أو للمساكين كذلك جاز صرف الوصية إلى الصنفين جميعا» و لعل ظاهر السرائر ذلك أيضا، و في المسالك «و اعلم أن الفقراء و المساكين متى ذكر أحدهما دخل فيه الآخر بغير خلاف، نص على ذلك جماعة منهم الشيخ و العلامة كما في آية الكفارة(2)المخصوصة بالمسكين، فيدخل فيه الفقير، و إنما الخلاف فيما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير و الأصح أنهما متغايران لنص أهل اللغة، و

صحيحة أبي بصير(3)عن أبي عبد الله عليه السلام «الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه»

و لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك، للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكر، أو دخول أحدهما تحت الآخر حيث يذكر أحدهما، و إنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصي لأسوئهما حالا فان الآخر لا يدخل فيه بخلاف العكس» و في الحدائق و محكي إيضاح النافع نفي الخلاف


1- 1 سورة التوبة- الآية 60.
2- 2 سورة المجادلة- الآية 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 298

عن ذلك أيضا، بل في الروضة و محكي الميسية الإجماع على ذلك، قال في الأول: «و اختلف في أن أيهما أسوأ حالا مع اشتراكهما فيما ذكر، و لا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك للإجماع على إرادة كل منهما من الآخر حيث يفرد، و على استحقاقهما من الزكاة، و لم يقعا مجتمعين إلا فيها، و إنما تظهر الفائدة في أمور نادرة، و المروي في

صحيحة أبي بصير أن المسكين أسوأ حالا،

و هو موافق لنص أهل اللغة» قلت: هو المحكي عن ابن السكيت و ابن دريد و ابن قتيبة و أبي زيد و أبي عبيدة و يونس و الفراء و تغلب و أبي إسحاق و يعقوب و الأصمعي في أحد النقلين، قال يونس: «قلت لأعرابي:

أ فقير أنت؟ قال: لا و الله و لكن مسكين».

لكن و مع ذلك كله قال في القواعد في الإطعام في الكفارات: «و هل يجزي الفقراء؟ إشكال إلا إن قلنا بأنهم أسوأ حالا» و في الوصايا «و لو أوصي للفقراء دخل فيهم المساكين و بالعكس على إشكال» بل عن وصايا الإيضاح و جامع المقاصد عدم الدخول، و في وصية الدروس «لو أطلق أحد اللفظين ففي دخول الآخر خلاف قد سبق» و في البيان «و قال الشيخ و الراوندي و الفاضل: يدخل كل منهما في إطلاق لفظ الآخر فان أرادوا به حقيقة ففيه منع، و يوافقون على أنهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج إلى فصل مميز بينهما» و في المدارك «أن المتجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلا بقرينة» و في الجميع أنه اجتهاد في مقابلة ما سمعت، فلا ينبغي الالتفات اليه، و كأن الذي دعاهم إلى ذلك صعوبة جريان ذلك على الضوابط، ضرورة عدم الملاحظة في الوضع حال الاجتماع و حال الانفراد، كضرورة عدم الدليل الخارجي على اندراج كل منهما في الآخر مع الانفراد دون الاجتماع.

و التحقيق بعد إعطاء التأمل حقه أنه لا ريب في صدق الفقير على المسكين و لو الفرد الأدنى منه عرفا، و الأصل عدم النقل و التغير، و أما المسكين فهو مأخوذ من

ج 15، ص: 299

المسكنة بمعنى الذلة، فحيث يستعمل في غير الغني يراد منه تمام مصداق الفقير، كما يومي إلى ذلك إطلاقه في الخمس و الكفارة و غيرهما، فان من لاحظ أخبار الخمس مع التأمل الصادق علم إرادة الفقير من المسكين على وجه لا يخص الخمس، بل إنما هو من حيث ذل الفقر، و كفى به ذلا، فهو متحد المصداق حينئذ مع الفقير حال استعماله في هذا المعنى، و قد يستعمل في معنى آخر للذل من جهة أخرى تجامع الغنى و الثروة، لكن لا مدخلية له في مقامنا، و قد ظهر من ذلك وجه اندراج كل منهما في الآخر حال الانفراد، و أنه ليس للترادف المصطلح، بل للاتحاد في المصداق و إن تغايرا بالمفهوم، أما مع الاجتماع فوجود لفظ الفقير قرينة صارفة عن عدم إرادة مصداقه من لفظ المسكين لأصالة التأسيس بالنسبة إلى التأكيد، و لما عرفته حينئذ من نص الأكثر على التغاير، و الأصل بقاء لفظ الفقير على حقيقته، فليس حينئذ بعد كون المراد من المسكين ذا الذلة من حيث عدم الغني إلا أن يراد من المسكين ذلة خاصة تنطبق على بعض أفراد الفقير، و هي إظهار شدة الحاجة بالسؤال و نحوه، كما أومأ إليه

العالم (عليه السلام) فيما أرسله عنه في المحكي من تفسير علي بن إبراهيم (1)فقال: «الفقراء هم الذين لا يسألون لقول الله تعالى- في سورة البقرة(2)- «لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ» إلى آخره، و المساكين هم أهل الديانات قد دخل فيهم النساء و الصبيان»

مراده (عليه السلام) بالديانات المذلات، فان الدين الذل، و

الصادق (عليه السلام) في خبر أبي بصير أو حسنه (3)قال: «قلت له: قول الله تعالى (4)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ»


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7 مع الاختلاف.
2- 2 الآية 274.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
4- 4 سورة التوبة- الآية 60.

ج 15، ص: 300

فقال: الفقير الذي لا يسأل الناس، و المسكين أجهد منه، و البائس أجهدهم»

و في

صحيح محمد بن مسلم (1)عن أحدهما (عليهما السلام) أنه سأله «عن الفقير و المسكين فقال: الفقير الذي لا يسأل، و المسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل»

و الظاهر أن مراده ما عرفت من ظهور أثر الذل عليه بالسؤال و نحوه، كما أن مراده نحو ما سمعته في خبر أبي بصير و سابقه من كون ذلك حال الاجتماع كما في آية الزكاة لا مطلقا، و قال ابن عرفة على ما حكي عنه: أخبرني أحمد بن يحيى عن محمد بن سلام أنه قال ليونس:

«افرق لي بين المسكين و الفقير فقال: الفقير الذي يجد القوت، و المسكين الذي لا شي ء له» و يؤيد ذلك كله ما عن الغنية من الإجماع على أن الفقراء لهم شي ء، و المساكين لا شي ء لهم، و قد نص على ذلك الأكثر من أهل اللغة.

قلت: قد عرفت فيما تقدم المحكي عنه من أهل اللغة، بل قد عرفت نسبته في المسالك و محكي التنقيح إلى الأكثر من غير تقييد، بل قد سمعت نسبته إلى أهل اللغة، و في محكي التحرير نسبة كون المسكين أسوأ حالا لأهل البيت (عليهم السلام) و نص أهل اللغة أيضا، و على كل حال فلا ريب في كونه المعروف بين أهل اللغة و الفقه، بل قد يشهد له

النبوي (2)الآتي «ليس المسكين الذي ترده اللقمة و اللقمتان»

إلى آخره، ضرورة كون المراد منه نفي المعنى المعروف للمسكين و إثباته لغيره على نوع من التجوز نحو قول الشاعر:

ليس من مات و استراح بميت إنما الميت ميت الأحياء

و كيف كان فلا ريب في أن الأقوى كون المسكين أسوأ حالا من الفقير مع الاجتماع، خلافا للشيخ في أحد قوليه و ابني حمزة و إدريس، فقالوا: إن الفقير أسوأ


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 11.

ج 15، ص: 301

حالا من المسكين، و ربما نقل عن القاضي و الطبرسي، و هو مع مخالفته لما سمعت و للعرف لم نعرف له شاهدا معتدا به، و من الغريب ما في السرائر من الاستدلال عليه- بعد تفسير الفقير بالذي لا شي ء معه، و المسكين بالذي له بلغة من العيش لا تكفيه طول سنته- بقوله تعالى (1)«أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ» فسماهم مساكين و لهم سفينة بحرية، و قوله تعالى (2)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ» باعتبار أن القرآن قد نزل على لسان العرب، و كيفية خطابهم و عادتهم البدأة بالأهم فالأهم، فيعلم أن الفقير أهم، و ما ذاك إلا لأنه أسوأ حالا، قال: و لا يلتفت إلى قول الشاعر:

أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد

يقال: لا سبد له و لا لبد أي لا قليل و لا كثير، لأنه لا يجوز العدول عن الآيتين من القرآن إلى بيت شعر، على أنه لا دلالة فيه على موضع الخلاف، لأن كل واحد من الفقير و المسكين إذا ذكر على الانفراد دخل الآخر فيه، و إنما يمتاز أحدهما عن الآخر و يحتاج إلى الفرق إذا اجتمعا في اللفظ كما في الآية، و غيره بأنه مشتق من فقار الظهر، فكأن الحاجة كسرت فقار ظهره،

و بأنه (صلى الله عليه و آله) تعوذ عن الفقر، و قال:

«اللهم أحيني مسكينا و أمتني مسكينا و احشرني في زمرة المساكين»(3).

و فيه- مع أن الآية الأولى مستعمل فيها لفظ المساكين خاصة، و قد اعترف أنه غير محل النزاع- أولا يمكن أن يكون الإطلاق عليهم لاشتراكهم بها على وجه لا يكون لكل واحد منهم إلا الشي ء اليسير، و ثانيا يجوز أن يكون سماهم مساكين على وجه الرحمة كما في الأخبار مسكين ابن آدم، مساكين أهل النار، كقول الشاعر:


1- 1 سورة الكهف- الآية 78.
2- 2 سورة التوبة- الآية 60.
3- 3 المستدرك- الباب- 20- من أبواب الصدقة- الحديث 15 من كتاب الزكاة.

ج 15، ص: 302

مساكين أهل الحلب حتى قبورهم علاها تراب الذل بين المقابر

ثالثا أنهم كانوا يعملون عليها بالإجارة فأضيفت إليهم، و رابعا أنه لا دلالة فيه على الدعوى، إذ الإطلاق أعم من ذلك، و أما آية الصدقة فكما أن العرب يبتدئون بالأهم فربما يترقون إلى الأعلى، و أما التعوذ من الفقر مع مسألة المسكنة فيحتمل أن يكون المراد بالفقر فيه العدم بلا قناعة، أو مجرد عدم القناعة، فإنه أشد من العدم، كما أنه يحتمل إرادة الذل بين يدي الله من المسكين في دعائه (صلى الله عليه و آله).

و بالجملة لا يخفى ما في ذلك كله من القصور عن ثبوت المطلوب، و كذا الاستدلال على المختار بقوله تعالى (1)«أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ» و هو المطروح على التراب لشدة الحاجة، و بأنه يؤكد به الفقير، فيقال: فقير مسكين، ضرورة عدم دلالة الأول على محل الاجتماع، و إمكان منع الثاني، و بالجملة إذا أحطت خبرا بجميع ما ذكرنا تعرف ما في كلام جملة من المتأخرين، بل و كلام بعض اللغويين، و خصوصا المخلط صاحب القاموس، فإنه قال: الفقر و يضم ضد الغنى، و قدره أن يكون له ما يكفي عياله، أو الفقير من يجد

القوت و المسكين من لا شي ء له، أو الفقير المحتاج، و المسكين من أذله الفقر أو غيره من الأحوال، أو الفقير من له بلغة، و المسكين من لا شي ء له، أو هو أخس حالا من الفقير، أو هما سواء، و ظاهر الصحاح في مادة «فقر» عدم الترجيح لأنه قال رجل فقير من المال، قال ابن السكيت: «الفقير الذي له بلغة من العيش، و المسكين الذي لا شي ء له» و قال الأصمعي: «المسكين أخس حالا من الفقير» و قال يونس: «الفقير أخس حالا من المسكين- قال-: و قلت لأعرابي: أ فقير أنت؟

فقال: لا و الله بل مسكين» لكن قال في مادة «سكن»: المسكين الفقير، و قد يكون بمعنى الذلة و الضعف، يقال: تسكن الرجل و تمسكن كما قالوا: تمدرع و تمندل من


1- 1 سورة البلد- الآية 16.

ج 15، ص: 303

المدرعة و المنديل على الفعل، و هو شاذ، و قياسه تسكن و تدرع و تندل مثل تشجع و تحلم و كان يونس يقول، إلى آخره، و

في الحديث (1)«ليس المسكين الذي ترده اللقمة و اللقمتان، و إنما المسكين الذي لا يسأل و لا يفطن له فيعطى»

إلى غير ذلك من كلماتهم و أقربها إلى ما حققناه- من أن الفقير ضد الغني- المحتاج، قال الله تعالى (2)«أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ» أي المحتاجون اليه، فأما المسكين فالذي قد أذله الفقر أو غيره، فإذا كان هذا إنما

مسكنته من جهة الفقر حلت له الصدقة، و إذا كان مسكينا قد أذله شي ء سوى الفقر فالصدقة لا تحل له، إذ كان شائعا في اللغة أن يقال: ضرب فلان المسكين و ظلم المسكين و هو من أهل الثروة و اليسار، و إنما لحقه اسم المسكين من جهة الذلة.

و ممن أشكل عليه الحال في المقام سيد المدارك و بعض من تأخر عنه حتى أنه حكى عن جده ما حكيناه سابقا، و اعترض عليه بوجوه، منها أن المتجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق الآخر إلا بقرينة، و ما ذكره من عدم الخلاف لا يكفي في إثبات هذا الحكم، و قد عرفت وجهه بلا إشكال، و منها ما ذكره من الفائدة بأن المتجه عدم دخول كل منهما في الآخر و إن كان أسوأ حالا من المنذور له، لأن اللفظ لا يتناوله كما هو المفروض، و فيه أن المراد إذا علم كون النذر مثلا له من حيث الحاجة فإن الدخول حينئذ للأولوية، نعم قد يناقش بأنه إن كان المذكور في النذر لفظ أحدهما دخل فيه الآخر على كل حال، لما عرفت من نفيه الخلاف عن ذلك، و إن ذكرا معا فلا حاجة للاندراج، و إن كان متعلق النذر أسوأهما حالا فهو خروج عما نحن فيه، ضرورة كون المراد بيان فائدة الخلاف في لفظ الفقير و المسكين لو كان هو المتعلق و لو جعل الفائدة في النذر و الوصية و الوقف إذا كان كل منها لهما معا مع تفضيل أحدهما


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 11 مع الاختلاف في اللفظ.
2- 2 سورة الفاطر- الآية 16.

ج 15، ص: 304

على الآخر أو أنه خص أحدهما بشي ء من ذلك و نص على نفي الآخر لكان أظهر، و يمكن حمل كلامه على ذلك و إن قصرت عبارته، فتأمل جيدا، و الأمر في ذلك كله سهل بعد تحقق أصل المسألة الذي تعرف ما في كلام جملة من الأصحاب من التشويش بعد الإحاطة به.

و كيف كان فالحد المسوغ لتناول الزكاة في الصنفين عدم الغني الشامل للمعنيين، فمتى تحقق استحق صاحبه الزكاة بلا خلاف، و عن المنتهى الاعتراف به، كما أنه إذا تحقق الغني أو ما في حكمه حرمت بلا خلاف أيضا، بل قد تواتر أنها لا تحل لغني.

نعم قد اختلف الأصحاب فيما به يتحقق عدم الغنى، و المشهور بين المتأخرين من الأصحاب تحققه بقصور المال أو ما يقوم مقامه عن مئونة السنة له و لعياله، فيكون الغني من لم يقصر ماله قوة أو فعلا عن ذلك، بل عليه عامتهم عدا النادر الذي لا يعبأ بخلافه، بل نسبه غير واحد إلى الشهرة من غير تقييد، و عن آخر نسبته إلى محققي المذهب، و حكاه في المعتبر عن الشيخ في باب قسم الصدقات

للمرسل (1)في المقنعة عن يونس بن عمار «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة»

و صحيح أبي بصير(2)«سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره، قلت:

فان صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة قال: زكاته صدقة على عياله و لا يأخذها إلا أن

يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقل من سنة فهذا يأخذها، و لا تحل الزكاة لمن كان متحرفا و عنده ما تجب فيه الزكاة»

و في الصحيح المروي عن العلل عن علي


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 305

ابن إسماعيل الدعي (1)عن أبي الحسن (عليه السلام) سأله «عن السائل عنده قوت يوم إله أن يسأل، و إن أعطي شيئا إله أن يقبل؟ قال: يأخذ و عنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة، لأنها إنما هي من سنة إلى سنة»

و مرسل حماد(2)عن العبد الصالح (عليه السلام) المشتمل على كيفية قسمة الخمس و الزكاة و الأنفال و غيرها، إلى غير ذلك من النصوص، بل عن فهرست الوسائل أن فيه أحد عشر حديثا، و لأن الفقر لغة و عرفا الحاجة، قال الله تعالى (3)«يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ» و من قصرت أمواله عن كفاية عامه فهو محتاج بل لعل المراد من النصوص التي يمر عليك بعضها المشتملة على الكفاية و عدمها و نحو ذلك كفاية السنة، و أنه ترك التعرض لها في كثير منها لمعلومية ذلك و لو بحسب عادة أغلب أفراد الإنسان من الاهتمام بأمر قوت السنة، بل النصوص التي ذكرناها فيها إشارة إلى تعارف ذلك، و إلى معلومية كون المراد من إطلاق الكفاية و نحوها ذلك، خصوصا بعد

عدم ظهور تحديد عرفا لهذا المطلق غيرها، ضرورة عدم إمكان تنقيح العرف زمانا مخصوصا لتمام مصداق هذا الإطلاق، و تنقيح بعض الأفراد غير كاف، بل جرت عادة الشارع في أمثال ذلك على الضبط التحقيقي الذي به تتميز الأفراد الداخلة و الخارجة، و ليس هنا إلا السنة نصا و فتوى.

نعم قيل: إنه قصور المال عن أحد النصب الزكاتية، و لم نعرف القائل به و إن نسبه غير واحد إلى الشيخ و آخر إليه في الخلاف و لم نتحققه، بل المحكي في السرائر عن الخلاف القول الأول، بل في مفتاح الكرامة «و لقد نظرت الخلاف مرة بعد أولى و كرة بعد أخرى فلم أجد فيه تصريحا بشي ء من النقلين إلا قوله في باب الفطرة: تجب زكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7 و فيه علي بن إسماعيل الدغشي كما أنه كذلك في العلل ج 2 ص 60.
2- 2 أصول الكافي ج 1 ص 539« باب الفي ء و الأنفال» 4.
3- 3 سورة الفاطر- الآية 16.

ج 15، ص: 306

الفطرة على من ملك نصابا تجب فيه الزكاة أو قيمة نصاب، و به قال أبو حنيفة» قلت:

يمكن أن يكون مدار وجوبها عنده ذلك لا الغنى و الفقر، و فيه أيضا عن بعض أنه على هامش المبسوط أن القائل به هو المفيد و السيد، فان صحت النسبة فلعله في غير ما حضرني من كتبهما، لكنه في الناصرية ادعى الإجماع على خلاف هذا القول، و في المقنعة روى خبر يونس بن عمار(1)الظاهر في مذهب المشهور إن لم يكن الصريح.

و على كل حال فلا ريب في ضعفه كضعف ما ذكر دليلا له، و هو

النبوي (2)المروي مضمونه في نصوصنا أيضا أنه (صلى الله عليه و آله) قال «لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله فان هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم و الليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم»

و التنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه و جواز أخذ مالها، و فيه أن الأخذ من الأغنياء لا ينافي الأخذ من الفقراء و الاقتصار عليهم، لكونهم الواجب عليهم غالبا، خصوصا و غني الأعراب في ذلك الوقت يحصل بأدنى شي ء، لقلة مئونة سنتهم، بل و ربما أجيب بجواز أن يكون الغنى مشتركا بين الموجب للزكاة و المانع من أخذها، و الاشتراك و إن خالف الأصل فلا بد من المصير إليه إذا وجد الدليل عليه، و قد وجد، و فيه مع كونه لا يدفع ما تعطيه المقابلة أنه لا حاجة إلى دعوى الاشتراك اللفظي التي يمكن القطع بفسادها، إذ يمكن أن يقال مع الاشتراك المعنوي أن للغنى و الفقر مراتب لا تحصر، و المراد منهما ما دل عليه الدليل فيهما من المراتب، و أما دليل التنافي فمنعه واضح، إذ الزكاة على الفقير كالدين لا يدفع وجوب أدائه فقره، و العامل تدفع له


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 10.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 96.

ج 15، ص: 307

الزكاة و قد تجب عليه و كذا غيره، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح زرارة(1): «لا يحل لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول عنده أن يأخذها، و إن أخذها أخذها حراما»

كناية عن الغنى أي عنده أربعون درهما غير محتاج إليها و قد حال عليها الحول لذلك، ك

قوله (عليه السلام) في ذيل خبر أبي بصير(2): «لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة».

فظهر لك أنه لا إشكال حينئذ من هذه الجهة كما ظهر لك استقرار المذهب على ما ذكرناه، و أنه ليس في المسألة إلا قولان كما هو ظاهر جماعة بل صريح البيان، قال:

«إن الاتفاق واقع على أنه يشترط في الفقير و المسكين أن يقصر مالهما عن مئونة السنة لهما و لعيالهما أو عن نصاب أو عن قيمته على اختلاف القولين» و كذا في مصابيح الأستاذ الأكبر، لكن مع ذلك كله جعل في المفاتيح الأقوال ثلاثة، ثالثها أن الفقير من لم يقدر على كفايته و كفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام بربح مال أو غلة أو صنعة، و هو الذي اختاره حاكيا له عن المبسوط، و المنقول من عبارته ما نصه «و الغنى الذي يحرم معه أخذ الصدقة أن يكون قادرا على كفايته و كفاية من يلزمه كفايته على الدوام، فان كان مكتفيا بضيعة و كانت ضيعته ترد عليه كفايته و كفاية من يلزمه نفقته حرمت عليه، و إن كانت لا ترد عليه حل له ذلك، و إن كان من أهل البضائع احتاج أن

يكون معه بضاعة ترد عليه قدر كفايته، فان نقصت عن ذلك حلت له الصدقة، و يختلف ذلك على اختلاف حاله حتى إن كان الرجل بزازا أو جوهريا يحتاج إلى بضاعة قدرها ألف دينار فنقص عن ذلك حل له أخذ الصدقة، هذا عند الشافعي، و الذي رواه أصحابنا أنها تحل لصاحب السبعمائة، و تحرم على صاحب الخمسين، و ذلك على قدر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 308

حاجته إلى ما يتعيش به، و لم يرووا أكثر من ذلك، و في أصحابنا من قال: إن ملك نصابا تجب فيه الزكاة و تحرم عليه الصدقة، و ذلك قول أبي حنيفة» و الذي فهمه المصنف و غيره من هذه العبارة مذهب المشهور، و لذا حكاه في المعتبر عنه في باب قسم الصدقات و الموجود فيه في الباب المزبور هذه العبارة، و في محكي المنتهى نقل عبارة المبسوط و اختارها، و استدل عليه بأدلة المشهور، و نحوه ما عن المهذب البارع، و في المختلف الظاهر أن مراد الشيخ بالدوام مئونة السنة، مضافا إلى ما عرفته من أن ظاهر بعض و صريح آخر انحصار الخلاف في القولين.

قلت: و يمكن أن يتعلق قيد الدوام في كلامه بلزوم الكفاية أي من يلزمه أن ينفق عليه دائما لا من تجب نفقته في بعض الأوقات مثل الأجير المشترط إجارته و غيره فيبقى حينئذ مطلقا كالنصوص يجب تنزيله على ما عند المشهور، لعدم التحديد له في الشرع غيره، كما أنه لا حد له في العرف و اللغة، و لقد أطنب الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح في فساد فهمه، و أنه يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من المذهب، و حيث كان الأمر من الوضوح بمكانة لم نتعرض لنقل كلامه، على أن ما قدمناه سابقا في أول المسألة كاف في رده، ضرورة عدم معقولية المراد بالدوام إذا لم ينزل على ما عند المشهور.

و كيف كان ففي المدارك و بعض ما تأخر عنها «أن إطلاق المشهور مناف لما صرح به الشيخ و المحقق و العلامة و غيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به، أو ضيعة يستغلها إذا كان بحيث يعجز عن استمناء الكفاية، إذ مقتضاه أن من كان كذلك كان فقيرا و إن كان بحيث لو أنفق رأس المال المملوك لكفاه- إلى أن قال-:

و المعتمد أن من كان له مال يتجر به أو ضيعة يستغلها فان كفاه الربح أو الغلة له و لعياله لم يجز له أخذ الزكاة، و إن لم يكفه جاز له، و لا يكلف الإنفاق من رأس المال و لا من ثمن الضيعة، و من لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مئونة السنة له و لعياله»

ج 15، ص: 309

و المحكي عن الأردبيلي أنه نسب إلى صريح الأصحاب جواز التناول إذا لم يكف الربح و إن كان رأس المال يكفيه، لكنه تأمل فيه، فإنه بعد أن أورد خبر هارون بن حمزة الذي ستسمعه قال: و ظاهره أنه يأخذها و إن كان رأس المال يكفيه كما صرح به الأصحاب، و فيه تأمل، لعدم الصراحة و الصحة مع مخالفته للأخبار الأخر.

قلت: الذي عثرنا عليه في المسألة من النصوص هو

خبر هارون (1)قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يروي عن النبي (صلى الله عليه و آله) أنه قال:

لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي، فقال: لا تصلح لغني، قال: فقلت له:

الرجل يكون له ثلاثمائة درهم في بضاعة و له عيال فإن أقبل عليها أكلها عياله و لم يكتفوا بربحها قال: فلينظر ما يستفضل منها فيأكلها هو و من وسعه ذلك، و ليأخذ لمن لم يسعه من عياله»

و صحيح معاوية بن وهب (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة أو يأخذ الزكاة؟ قال: لا بلى ينظر إلى فضلها فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله، و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرف بهذه لا ينفقها»

و موثق سماعة(3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «سألته عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟ فقال: نعم إلا أن يكون داره دار غلة فيخرج له من غلتها ما يكفيه و عياله،

فان لم تكن الغلة تكفيه لنفسه و عياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير إسراف فقد حلت له الزكاة، و إن كانت غلتها تكفيه فلا»

و خبر أبي بصير(4)سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن رجل له ثمائمائة درهم و هو رجل خفاف و له عيال


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 310

كثيرة إله أن يأخذ من الزكاة؟ فقال: يا أبا محمد أ يربح في دراهمه ما يقوت به عياله و يفضل؟ قال: نعم، قال: كم يفضل؟ قال: لا أدري، قال: إن كان يفضل عن القوت مقدار نصف القوت فلا يأخذ الزكاة، و إن كان أقل من نصف القوت أخذ الزكاة»

و خبره الآخر(1)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره، قلت: فان صاحب السبعمائة يجب عليه الزكاة فقال: زكاته صدقة على عياله، فلا يأخذها إلا أن يكون إذا اعتمد على السبعمائة أنفذها في أقل من سنة، فهذا يأخذها، و لا تحل الزكاة لمن كان محترفا و عنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة»

و موثق سماعة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة، و

تحرم على صاحب الخمسين درهما، فقلت له: و كيف هذا؟

قال: إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم تكفه فليف عنها نفسه و ليأخذها لعياله، و أما صاحب الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده و هو محترف يعمل بها و هو يصيب منها ما يكفيه السنة»

و ذيل خبر عبد العزيز(3)الآتي.

و هي و إن كان بعضها مطلقا شاملا لمن يكفيه رأس المال سنة و من لا يكفيه لكن قد يستفاد من

قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «فلا يأخذها إلا أن يكون»

إلى آخره اعتبار قصور رأس المال عن كفاية السنة، و كذا موثق سماعة، نعم إطلاقها بالنسبة إلى ثمن الضيعة لا معارض له، فلو فرض أن نماءها لا يكفيه لسنته حل له أن يأخذ الزكاة و إن كان ثمنها لو باعها يكفيه سنين، مع أنه لا يخلو من إشكال في بعض


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و في ذيله« ما يكفيه إن شاء الله».
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 311

الأفراد، كما إذا كان عنده ضيعة ذات ثمن عظيم لبعض الأحوال التي لا مدخلية لها في النماء و يمكنه بيعها و شراء ضيعة أخرى بثمنها تقوم بمئونته سنة أو أزيد، فإن الزكاة لمثله قد يتوقف في حلها، بل يمكن

دعوى عدم شمول النصوص لذلك، حملا لها على المتعارف.

و على كل حال فالأمر في الضيعة هين، أما رأس المال فقد عرفت ظهور بعض النصوص في أن المدار على ربحه لا عليه، و سمعت نسبته إلى الأصحاب، كما أنك عرفت ظهور بعض النصوص في خلاف ذلك، مضافا إلى ما يظهر من الأصحاب في تعريف الفقر و الغني بملك ما يمون به نفسه و عياله سنة و عدمه، و إلى عد العرف لبعض الأفراد في سلك الأغنياء، كما لو كان رأس مالهم لكوكا لكن نماؤه يقصر عن مؤونتهم، إلا أنهم لو أرادوا الصرف من رأس المال كفاهم سنين متعددة، بل يمكن أن يكفيهم تمام أعمارهم، فإن حل الزكاة لأمثالهم كما ترى، فلو جعل المدار على قصور الربح و عدم عده غنيا عرفا برأس ماله كان قويا، و ربما يؤيده أن أكثر الموجود في النصوص فرض رأس المال الثمانمائة درهم، و مثلها مع قصور ربحها عن مئونة السنة لا يعد كونه غنيا بها، بخلاف الآلاف المتعددة، و على كل حال لا بد من ملاحظة أمر آخر، و هو أن المراد استعداد قصور رأس المال لعدم كفاية ربحه، فلا عبرة بالاتفاق في بعض السنين لبعض العوارض فلا تحل الزكاة بمجرد القصور في تلك السنين، فتأمل جيدا فان هذه المسائل و نظائرها غير محررة في كلام الأصحاب، بل قد يأتي نحو ما ذكرنا في الضيعة، بل ربما مال إليه في الروضة بعد أن حكاه قولا، قال: و المعتبر في الضيعة، نماؤها لا أصلها في المشهور، و قيل: يعتبر الأصل، و مستند المشهور ضعيف، و كذا الصنعة بالنسبة إلى الآلات، فتأمل، و الله أعلم.

و كيف كان ف من يقدر على اكتساب ما يمون نفسه و عياله على وجه

ج 15، ص: 312

يليق بحاله لا تحل له، لأنه كالغني و كذا ذو الصنعة اللائقة بحاله التي تقوم بذلك كالتجارة و الحياكة و نحوهما بلا خلاف معتد به أجده في الأخير، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل و الأول إذا كان محترفا فعلا، نعم عن الخلاف أنه حكى عن بعض أصحابنا جواز الدفع للمكتسب من غير اشتراط لقصور كسبه، و لعله لكونه غير مالك للنصاب و لا لقدر الكفاية، فجاز له الأخذ كالفقير، و فيه أن الفقير محتاج إليها بخلاف الفرض كما هو واضح، و بالجملة لا ينبغي التأمل في ذلك خصوصا مع ملاحظة النصوص و الفتاوى، أما إذا لم يكن محترفا فعلا إلا أنه قابل لاكتساب ذلك فلا يخلو من إشكال ينشأ من اختلاف عبارات الأصحاب في المقام، لظهور جملة منها في اعتبار كونه محترفا فعلا، و أخرى في الاكتفاء بقدرته على ذلك، قال الشيخ في النهاية: «و لا يجوز أن يعطى الزكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده و أود عياله، فان كانت حرفته لا تقوم به جاز أن يأخذ ما يتسع به على أهله، و من ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته لم يجز له أن يأخذ الزكاة، و إن كان سبعمائة و هو لا يحسن أن يتعيش بها جاز له أن يقبل الزكاة، و يخرج ما يجب عليه فيما يملكه من الزكاة ليتسع به على عياله» و في التحرير «لو كان ذا كسب يكتسبه حرم عليه أخذها، و لو كان كسبه يمنعه من النفقة في الدين فالأقرب عندي جواز أخذها، و لو كان معه ما يمون به عياله و نفسه بعض السنة جاز أن يتناولها من غير تقدير، و قيل: لا يتجاوز» و في الدروس «و يمنع من يكتفي بكسبه و لو ملك خمسين، كما لا يمنع من لا يكتفي به و لو ملك سبعمائة، و كذا ذو الصنعة و الضيعة، و لو كان أصلها يقوم به دون النماء استحق، و هل يأخذ تتمة السنة أو يسترسل الأخذ قولان، و لو اشتغل بالنفقة أو محصلاته عن التكسب جاز الأخذ» و في البيان «و يعطى ذو الحرفة و الصنعة إذا قصرتا عن حاجته

ج 15، ص: 313

أو شغلاه عن طلب العلم على الأقوى» إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة في المحترف فعلا.

و في المقنعة «لا تجوز الزكاة في اختصاص الصفتين إلا لمن حصلت له حقيقة الوصفين، و هو أن يكون مفتقرا إليها بزمانه يمنعه من الاكتساب أو عدم معيشة تغنيه عنها فيلتجئ إليها للحاجة و الاضطرار» و في الغنية «و أن لا يكون ممن يمكنه الاكتساب لما يكفيه- إلى أن قال-: بدليل الإجماع المتكرر و طريقة الاحتياط، و قد

روي (1)من طرق المخالف «لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي»

و في رواية أخرى (2)و لا لذي قوة مكتسب»

و في السرائر «و أن لا يقدر على الاكتساب الحلال بقدر ما يقوم بأوده و سد خلته» إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة في الاكتفاء بالقدرة على الاكتساب، بل في المدارك في شرح المتن نسبته إلى الشهرة، و في مفتاح الكرامة في شرح قول الفاضل في القواعد: «و يمنع القادر على تكسب المئونة بصنعة أو غيرها» «هذا مما لا خلاف فيه كما في تخليص التلخيص إلا ما حكاه في الخلاف، و هو مع عدم معروفيته نادر».

و أما النصوص فالذي عثرنا عليه منها مضافا إلى بعض النصوص السابقة

صحيح زرارة(3)عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «سمعته يقول: إن الصدقة لا تحل لمحترف و لا لذي مرة سوي قوي، فتنزهوا عنها»

و في

خبر معاوية بن وهب (4)قال:

«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): يروون عن النبي (صلى الله عليه و آله) إن الصدقة لا تحل لغني و لا لذي مرة سوي فقال أبو عبد الله (عليه السلام): لا تصلح لغني»

و كأنه إليه أشار

الصدوق في الفقيه بقوله: قيل (5)للصادق (عليه السلام): «إن الناس يروون


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 13.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 14.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.

ج 15، ص: 314

عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه قال: إن الصدقة لا تحل لغني و لا لذي مرة سوي فقال (عليه السلام): قد قال لغني و لم يقل لذي مرة سوي»

و في

خبر زرارة(1)المروي عن معاني الأخبار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «قال رسول الله صلى الله عليه و آله:

لا تحل الصدقة لغني و لا لذي مرة سوي و لا لمحترف و لا لقوي، قلنا: ما معني هذا؟

قال: لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر على ما يكف نفسه عنها»

و الخبر الأخير منها ظاهر في موافقة الثاني، لكن الأول فيه إشعار بالكراهة لا الحرمة، فيمكن حمل نفي الحل فيه للقوي عليها، كما أن الظاهر من إنكاره أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال ذلك جواز تناولها لذي القوة، لكن في الوافي جعل الوجه فيه «أن ذكر الغني يغني عن ذكر ذي المرة السوي، قال: و لذا لم يقله، و ذلك لأن الغني قد يكون بالقوة و الشدة كما يكون بالمال، و لو فرض رجل لا

تغنيه القوة و الشدة فهو فقير محتاج لا وجه لمنعه من الصدقة، فبناء المنع على الغنى ليس إلا» و هو كما ترى، و الأولى حمله على ما قلنا، فيدل على جواز إعطاء ذي القوة إذا لم يكن محترفا فعلا.

و يؤيد ذلك ما عساه يظهر من بعضهم من الإجماع على جواز إعطاء ذي الصنعة إذا أعرض عنها و ترك التكسب بها، و إطلاق الأدلة و ترك الاستفصال في كثير منها، و السيرة المستمرة في سائر الأعصار و الأمصار على إعطائها للأقوياء القابلين للاكتساب اللهم إلا أن يحمل ذلك على حاجتهم الفعلية و إن كان ذلك بسبب تركه التكسب المقدور له، أو على عدم العلم بكونه قادرا على تكسب ما يمون به نفسه و عياله، ضرورة أعمية الاحتراف من ذلك، فمجرد قابليته للتكسب و قوته عليه لا يقضي بقدرته على تكسب مئونته، إذ ربما لا يربح بل قد يخسر.

لكن الأقوى في النظر الجواز مطلقا و إن كان الأولى له التنزه عنها إذا لم يكن


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8.

ج 15، ص: 315

مشغولا بطلب العلم على وجه لا يمكنه الاجتماع مع الكسب، قال في المحكي عن نهاية الأحكام و المنتهى و التحرير و غيرها: «لو كان التكسب يمنعه عن التفقه في الدين جاز أخذها، لأنه مأمور به إذا كان من أهله» نعم في الأول «لو كان لا يتأتى له تحصيل العلم لبلادته لم تحل له الزكاة مع القدرة على التكسب، و كذا لو اشتغل بنوافل العبادة و كان التكسب يمنعه عن استغراق الوقت بها لم تحل له الصدقة، لأن قطع الطمع عما في أيدي الناس أولى» و نحوه عن الإيضاح و المهذب البارع، بل عن الأخير «و كذا لو اشتغل بالرياضات لا تحل له، و أما ما زاد على الواجب على التفقه فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد أو قد بلغها و تحتاج الناس إلى التعلم منه جاز له ترك التكسب، و إن كان يعلم أنه لا يبلغ درجة الاجتهاد و كان في ازدياد و يعلم حاجة الناس إلى القدر الذي عنده جاز له الاشتغال بالتعلم و التعليم عن التكسب، و إلا فلا».

قلت: لا يخفى عليك عدم اعتبار شي ء من ذلك على ما ذكرناه، لما عرفت من صدق اسم الفقير عليه بمجرد عدم ملكه لما يمون نفسه و عياله سنة، و عدم تلبسه بما يقوم بذلك، و لا تكفي القدرة عليه إذا لم يكن متلبسا به عازما عليه، و من هنا كان البحث عن كثير من الفروع السابقة غير متجه، و إلا كان للنظر فيها مجال، خصوصا مع ملاحظة الوجوب الكفائي في العلم و عدمه، و أمكن المناقشة في جواز التناول مع عدم الوجوب، و في غير ذلك مما لا يخفى، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و على كل حال فقد اتضح لك عدم الجواز إذا لم يقصر الحرفة أو الصنعة عن مئونته و أنه لو قصرت عن كفايته جاز له أن يتناولها بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، بل النصوص التي تقدم شطر منها ظاهرة أو صريحة فيه، إنما الخلاف و الاشكال في تقدير الأخذ للقاصر و عدمه، ف قيل كما حكاه غير واحد يعطى ما يتمم كفايته و استحسنه الشهيد في البيان و الأكثر، بل المشهور أنه ليس

ج 15، ص: 316

ذلك شرطا فيعطى ما يراد أن يعطى و لو زاد على غناه كالفقير غير المكتسب، لإطلاق الأمر بالإعطاء، و

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح سعيد بن غزوان (1)لما سأله «كم يعطى الرجل الواحد من الزكاة؟ فقال: أعطه من الزكاة حتى تغنيه»

و في

موثقة عمار الساباطي (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سئل «كم يعطى الرجل من الزكاة؟

فقال: قال أبو جعفر (عليه السلام): إذا أعطيت فأغنه»

و قال أبو بصير(3): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن شيخا من أصحابنا يقال له عمر سأل عيسى بن أعين و هو محتاج فقال له عيسى بن أعين: أما أن عندي من الزكاة و لكن لا أعطيك منها فقال له: و لم؟ فقال: لأني رأيتك اشتريت لحما و تمرا، فقال: إنما ربحت درهما فاشتريت بدانقين لحما و بدانقين تمرا ثم رجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبد الله (عليه السلام) يده على جبهته ساعة ثم رفع رأسه ثم قال: إن الله تبارك و تعالى نظر في أموال الأغنياء ثم نظر في الفقراء فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفون به، و لو لم يكفهم لزادهم، بل يعطيه ما يأكل و يشرب و يتزوج و يتصدق و يحج»

و موثق إسحاق بن عمار(4)«قلت لأبي الحسن موسى (عليه السلام): أعطي الرجل من الزكاة ثمانين درهما قال: نعم و زده، قلت: أعطيه مائة قال: و أغنه إن قدرت أن تغنيه»

و موثقه (5)الآخر «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أعطي الرجل من الزكاة مائة درهم قال: نعم قلت: مائتين قال: نعم، قلت: ثلاثمائة قال: نعم، قلت: أربعمائة قال: نعم، قلت:

خمسمائة قال: نعم حتى تغنيه»

إلى غير ذلك من النصوص المرخصة في الإغناء الذي من أفراده الإغناء سنين متعددة.


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 41- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 7.

ج 15، ص: 317

لكن في البيان «و ما ورد في الحديث من الإغناء بالصدقة محمول على غير المتكسب» و رده في المدارك بأن هذا الحمل ممكن إلا أنه يتوقف على وجود المعارض، و لم نقف على نص يقتضيه، نعم ربما أشعر به مفهوم

قوله (عليه السلام) في صحيح معاوية بن وهب (1): «و يأخذ البقية من الزكاة»

لكنها غير صريحة في المنع من الزائد، و مع ذلك فمورد الرواية من كان معه مال يتجر به و عجز عن استنماء الكفاية لا ذو الكسب القاصر، قلت: هذا الإشعار مؤيد بما يظهر من

رواية هارون بن حمزة(2)و موثق سماعة(3)و غيرهما من النصوص الظاهرة في الرخصة في أخذ البقية خاصة من الزكاة، و الظاهر حجة شرعية كالصريح، بل يؤيده ما دل (4)على أن الله فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم، و لو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم، حيث علل عدم استحقاقهم الزائد باكتفائهم بالناقص، و ما دل (5)على أن للفقير الذي عنده قوت شهر أن يأخذ قوت سنة، لأنها من سنة إلى سنة، الظاهر في أن منتهى الرخصة ذلك، و المناقشة في هذه باقتضائها عدم الفرق بين المكتسب القاصر كسبه و غير المكتسب يدفعها أن التحقيق ذلك إن لم يكن إجماعا و لم أتحققه، و إن كان ستسمعه من العلامة، بل ربما ادعاه بعض أهل الظاهر من أهل العصر تمسكا ببعض العبارات، لكن وصول الدال منها على المطلوب إلى حد الإجماع واضح المنع، ضرورة كون جملة منها كنصوص الإغناء التي لا دلالة فيها على المطلوب عند التأمل، ضرورة صدقه على كفاية السنة، و دعوى كون المراد منه الأعم من ذلك يمكن منعها، بل هي عند التدبر دالة على خلاف المطلوب، و من هنا قال الفاضل الأصبهاني إنه لا دلالة فيها، لأن الإغناء يحصل بالتتمة، و ما زاد


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 41- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 318

عليها شي ء زائد على الإغناء، و دعوى تحصيل الإجماع مع ما يظهر من عبارة المصنف و غيرها من كون محل الخلاف ذا الكسب القاصر دون غيره

كما ترى، بل في المدارك ربما ظهر من كلام العلامة في موضع من المنتهى تحقق الخلاف في غيره أيضا، فإنه قال:

«لو كان معه ما يقصر عن مئونته و مئونة عياله حولا جاز له أخذ الزكاة، لأنه محتاج، و قيل: لا يأخذ زائدا عن تتمة المئونة حولا، و ليس بالوجه» لكنه حكى عنه في موضع آخر منه أيضا أنه قال: «يجوز أن يعطى الفقير ما يغنيه و ما يزيد على غناه، و هو قول علمائنا أجمع» و بالجملة إن تحقق هذا الإجماع فهو، و إلا كان المنع قويا جدا، خصوصا مع الإجحاف بغيره من الفقراء، بل يمكن دعوى معلومية إنكار إعطاء الخمس أو الزكاة فقيرا واحدا من الشرع، فتأمل جيدا فيما وصل إليك من النصوص، و المعلوم من طريقة الشرع.

و ليعلم أن ذلك كله في الإعطاء دفعة، أما إذا أريد إعطاؤه دفعات فلا إشكال في عدم جواز ما زاد منها على كفاية السنة، ضرورة صيرورته غنيا بالدفعة الأولى مثلا فلا يجوز إعطاؤه حينئذ، و الله أعلم.

و على كل حال فقد بان لك أن من هذا الباب تحل الزكاة لصاحب الثلاثمائة بل السبعمائة بل الثمانمائة بل الأزيد من ذلك إذا كان ربحها لا يقوم بمئونته و تحرم على صاحب الخمسين فما دون مع قيام الربح بها اعتبارا بعجز الأول عن تحصيل الكفاية و تمكن الثاني كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا، و سمعت النصوص الدالة عليه، و الله أعلم.

و يعطى الفقير و لو كان له دار يسكنها أو خادم يخدمه إذا كان لا غنى له عنهما و لو لشرفه بلا خلاف أجده فيه، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و في

الصحيح عن عمر

ج 15، ص: 319

ابن أذينة(1)عن غير واحد عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «أنهما سئلا عن الرجل له دار أو عبد أو خادم يقبل الزكاة قال: نعم، إن الدار و الخادم ليسا بمال»

و في

خبر عبد العزيز(2)قال: «دخلت أنا و أبو بصير على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبو بصير: إن لنا صديقا و هو رجل صدق يدين الله بما ندين به، فقال: من هذا يا أبا محمد الذي تزكيه؟ فقال: العباس بن الوليد بن صبيح، فقال: رحم الله الوليد بن صبيح ما له يا أبا محمد؟ قال: جعلت فداك له دار تسوى أربعة آلاف درهم، و له جارية و له غلام يستقي على الجمل كل يوم ما بين الدرهمين إلى الأربعة سوى علف الجمل، و له عيال إله أن يأخذ من الزكاة؟ قال: نعم، قال: و له هذه العروض فقال:

يا أبا محمد أ تأمرني أن آمره ببيع داره و هي عزه و مسقط رأسه أو ببيع جاريته التي تقيه الحر و البرد، و تصون وجهه و وجه عياله، أو آمره ببيع غلامه أو جمله و هو

معيشته و قوته بل يأخذ الزكاة و هي له حلال، و لا يبيع داره و لا غلامه و لا جمله»

و هما ظاهران في استثناء كل ما يحتاج اليه كفرس الركوب و ثياب التجمل اللتين نص على إلحاقهما الفاضل في المحكي من تذكرته، قائلا إنه لا يعلم في ذلك كله خلافا، و الظاهر إرادته منهما المثال لكل ما يحتاجه حتى كتب العلم و نحوها مما تمس الحاجة اليه، و لا يخرج بملكها عن حد الفقر إلى الغني عرفا، بل الظاهر أن منها ما يحتاج إليه لعزة و شرفه، هذا.

و في المدارك «أنه لو كانت دار السكنى تزيد عن حاجته بحيث تكفيه قيمة الزيادة حولا و أمكنه بيعها منفردة فالأظهر خروجه بذلك عن حد الفقر، أما لو كانت حاجته تندفع بأقل منها قيمة فالأظهر أنه لا يكلف بيعها و شراء الأدون، لإطلاق النص


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 9- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3 و تمامه في فروع الكافي ج 1 ص 562 المطبوعة عام 1377.

ج 15، ص: 320

و لما في التكليف بذلك من العسر و المشقة، و به قطع في التذكرة- ثم قال-: و كذا الكلام في العبد و الفرس، و لو فقدت هذه المذكورات استثني له أثمانها مع الحاجة إليها، و لا يبعد إلحاق ما يحتاج إليه في التزويج بذلك مع حاجته اليه» و فيه أن إطلاق النص يقتضي عدم الفرق بين الزيادتين لحمله على المتعارف من عدم الزيادة، و كذا الكلام في العبد و الفرس، و أما استثناء الأثمان فلا يخلو من وجه، ضرورة صدق الحاجة إليها، فتندرج في المئونة من غير فرق في ذلك بين الحاجة إليها للعجز أو للعز، و لعله لذا جزم ثاني الشهيدين و ثاني المحققين بالإبدال مع الزيادة، و هو جيد لما عرفت، فالمدار حينئذ على عادته أو حاجته، و قد يجتمعان و قد يفترقان، و لا وجه لاعتبارهما جميعا كما عن بعضهم و لا للاقتصار على الأولى كما عن آخر، نعم لا بأس بالاقتصار على الثانية مع إرادة عمومها للأولى، و لا فرق معها بين المتحد و المتعدد، و ما في بعض الكتب من أن الظاهر عدم اعتبار العادة في تعدد فرس الركوب، لعدم نقص قدر الشريف في الاقتصار على فرس واحد فيه ما لا يخفى، و بالجملة المدار على ما يناسب حاله حاجة و عزا في جميع ذلك كما و كيفا، و يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة، و الله أعلم.

و لو ادعى الفقر فان عرفت صدقه أو كذبه عومل بما عرف منه بلا خلاف و لا إشكال و لو جهل الأمران أعطي من غير يمين سواء كان قويا أو ضعيفا بلا خلاف معتد به أجده، بل في المدارك هو المعروف من مذهب الأصحاب، بل ظاهر المعتبر و العلامة في كتبه الثلاثة أنه موضع وفاق، نعم في المبسوط «لو ادعى القوي الحاجة إلى الصدقة لأجل عياله ففيه قولان، أحدهما يقبل قوله بلا بينة، و الثاني لا يقبل إلا ببينة لأنه لا يتعذر، و هذا هو الأحوط» لكن في المختلف الظاهر أن مراد الشيخ بالقائل من الجمهور، و على كل حال فقد استدل عليه بعضهم بالأصل، و هو- مع أنه لا يتم فيمن

ج 15، ص: 321

كان له أصل مال الذي ستعرف عدم الفرق بينه و بين المقام، و لا فيمن ادعى الكتابة أو الغرم كما ستعرف في سهم الرقاب و الغارمين، إذ من المعلوم كون الجميع من واد واحد عند المعظم، بل مقتضاه جواز الدفع من دون دعوى- قد يناقش فيه بمعلومية انقطاع الأصل، للقطع بحصول مال له في الجملة فيما مضى من الأزمنة، و فرض موضوع لم يحصل فيه القطع غير مجد، إذ هو في غاية الندرة، نعم قد يقال: إن القطع بحصول مال له في الجملة لا ينافي استصحاب حال عدم الغنى له، إذ حصول مال له أعم من حصول صفة الغنى له به، لكن قد يدفع بأن المال المقطوع بحصوله له يمكن حصول وصف الغنى به، و يمكن أن لا يكون كذلك، و إثبات صفته بالأصل كما ترى، و على كل حال فالاستدلال بالأصل لا يتم في جميع أفراد البحث كما هو واضح.

و من هنا استدل عليه بعضهم بما حاصله أن الأصل قبول كل دعوى للمسلم مع عدم المعارض له فيها، و نصوص البينة(1)بقرينة

قوله (عليه السلام) فيها: «و اليمين على من أنكر»

ظاهرة في الدعوى المقابلة بالإنكار لا مطلقا، و في

خبر منصور بن حازم (2)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له: عشرة كانوا جلوسا و في وسطهم كيس و فيه ألف دينار فسأل بعضهم بعضا أ لكم هذا الكيس؟ فقالوا كلهم: لا، و قال واحد: هو لي، فلمن هو؟ فقال: هو للذي ادعاه»

إشعار به في الجملة، بل قد يقال:

إن الزكاة بعد أن أوجبها الشارع و ملكها الفقراء صارت كالمال المطروح، فمن ادعى أنه من أهلها أخذ منها، و في الحدائق يستفاد من هذا الخبر أن كل من ادعى ما لا يد عليه قضي له به، و بذلك صرح الأصحاب من غير خلاف ينقل، ثم حكى عن الشهيد الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب كيفية الحكم- من كتاب القضاء.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب كيفية الحكم- الحديث 1 من كتاب القضاء مع الاختلاف.

ج 15، ص: 322

في المسالك أنه بعد نقل الرواية المذكورة دليلا للحكم قال: و لأنه مع عدم المنازع لا وجه لمنع المدعي منه، و لا لطلب البينة و لا لإحلافه، إذ لا خصم له.

و قد يناقش في هذا الدليل بأنه لو سلم فإنما يسلم في الكيس و نحوه مما لا مدخلية لمسلم آخر فيه بخلاف المقام الذي قد كلف فيه المسلم بإيصال الزكاة للفقير المتوقف ذلك على العلم بفقره و لو بالبينة الشرعية و ما يقوم مقامها، و ليس دعوى الفقير من ذلك، بل المقام أشبه شي ء بدعوى العدالة أو دعوى الاجتهاد في جواز الصلاة خلفه أو الأخذ منه، و

أما ما دل من النصوص (1)على تصديق المرأة في أن لا زوج لها فمع موافقته للأصل في بعض الأفراد لا يتعدى منه إلى غيره، كبعض الصحاح (2)الدالة على تصديقها في تجحيش نفسها إذا كانت مطلقة ثلاثا، و ما دل من النصوص (3)أيضا على قبول قول من كان عليه خمس أو زكاة في الإخراج، و قبول قوله في إبدال النصاب فرارا من الزكاة، و دعوى النقصان عند الخرص، و غير ذلك من المواضع التي ذكر ثاني الشهيدين منها ما يزيد على عشرين، ثم قال: و ضبطها بعضهم بأنها كل ما كان بين العبد و بين الله، و لا يعلم إلا من قبله، و لا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلق به الحد أو التعزير ضرورة مطالبة كل ما كان منها نحو المقام بالدليل، و دعوى كون المنشأ في الجميع أنها دعوى لا معارض لها على وجه يشمل المقام ممنوعة، و لعله لذا استشكل في الحكم هنا في المدارك و تبعه غيره، قال: «و المسألة محل إشكال من اتفاق الأصحاب ظاهرا على جواز الدفع إلى مدعي الفقر إذا لم يعلم له أصل مال من غير تكليف له ببينة و لا يمين، و ورود


1- 1 الوسائل- الباب- 23 و 25- من أبواب عقد النكاح- من كتاب النكاح.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب أقسام الطلاق- الحديث 1 من كتاب الطلاق.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1 و الباب 14 من أبواب زكاة الأنعام.

ج 15، ص: 323

بعض الأخبار بذلك، و كونه موافقا للأصل، و استلزام التكليف بإقامة البينة على الفقر الحرج و العسر في أكثر الموارد، و من أن الشرط اتصاف المدفوع إليه بأحد الأوصاف الثمانية، فلا بد من تحقق الشرط كما في

نظائره، و الاحتياط يقتضي عدم الاكتفاء بمجرد الدعوى إلا مع عدالة المدعي أو ظن صدقه» و فيه أن عدالة المدعي أو ظن الصدق لا يجديان في إثبات الشرط أيضا على وجه يحصل به براءة الذمة كما هو واضح، و لعله أشار بورود بعض الأخبار إلى ما ورد(1)في إعطاء السائل و لو كان على ظهر فرس أو إلى خصوص

خبر عبد الرحمن (2)عن الصادق (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى الحسن و الحسين (عليهما السلام) و هما جالسان على الصفا فسألهما فقالا: إن الصدقة لا تحل إلا في دين موجع أو غرم مفظع أو فقر مدقع ففيك شي ء من هذا، قال: نعم، فأعطياه و قد كان الرجل سأل عبد الله بن عمر و عبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه و لم يسألاه عن شي ء، فرجع إليهما فقال لهما: ما بالكما لم تسألاني عن حالي كما سألني الحسن و الحسين (عليهما السلام) و أخبرهما بما قالا، فقالا: إنهما غذيا بالعلم غذاء»

و ضعف السند منجبر بالشهرة أو الاتفاق ظاهرا كالدلالة، و كأنهما (عليهما السلام) علما كونه من غير الأصناف الأخر و انحصار حاله في الفقر أو الغرم بناء على إرادة الصدقة الواجبة أي الزكاة.

و الانصاف أنه مع ذلك كله لا مناص عما عليه الأصحاب في المقام، و في دعوى الكتابة و الغرم و نظائرها لذلك، أو لأن الثابت من التكليف إيتاء الزكاة لا إيتاؤها للفقير

مثلا، و قوله تعالى (3)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ» إلى آخره لا يفيد إلا كونها لهم في الواقع


1- 1 الوسائل- الباب- 22- من أبواب الصدقة- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 1 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6 و تمامه في فروع الكافي ج 2 ص 47 المطبوعة عام 1377.
3- 3 سورة التوبة- الآية 60.

ج 15، ص: 324

دون غيرهم، لا أن المكلف يجب عليه إحراز الصفات في الدفع، و

قوله صلى الله عليه و آله (1): «لا تحل الصدقة لغني»

إنما يفيد مانعية الغنى لا شرطية الفقر في الدفع و الإيتاء، و فرق واضح بينهما، فالزكاة في يد من كانت مكلف بدفعها، و أما من تناولها فان عرف أنه من أهلها فهي حلال له، و إلا فحرام عليه، لأنها مال الله، و ليس لأحد مدخلية فيها، فهي و في الحقيقة كالمال المطروح الذي لا يد لأحد عليه مؤيدا ذلك كله بالعسر و الحرج في التكليف بالبينة في كثير من المقامات، و بالسيرة و الطريقة، و ما يظهر من جملة من النصوص في الصدقة الواجبة و المندوبة قولا و فعلا.

و من ذلك يظهر لك الحال في قول المصنف و كذا لو كان له أصل مال و ادعى تلفه كما هو المعروف أيضا بين الأصحاب في المقام و قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه بل يحلف على تلفه لأصالة بقائه، و فيه أنه لا دليل على إثبات اليمين لمثل ذلك، و لعله لذا كان المحكي عنه في نقل آخر التكليف بالبينة، و هو و إن كان أجود من الاكتفاء باليمين بناء على عدم قبول قوله لكن فيه ما عرفت مما لا

فرق فيه في المقام بين ما لو كان له أصل مال أو لا، و لعل ما ذكرنا و نحوه هو الدليل في دعوى النسب في جواز تناول الخمس و إن توقفنا فيه هناك، و لو و كله من عليه الحق وكالة مطلقة فتناولها هو لعلمه بحاله كان طريق احتياط مع عدالة الوكيل إن قلنا باعتبارها، و كذا في دعوى النسب فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان ف لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع اليه زكاة لإطلاق الأدلة فلو كان ممن يترفع عنها و يدخله حياء منها و هو مستحق جاز صرفها اليه على وجه الصلة ظاهرا و الزكاة واقعا، بل الظاهر استحبابه، بل عن التذكرة أنه لا يعرف فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8.

ج 15، ص: 325

خلاف،

قال أبو بصير(1)في الصحيح أو الحسن كالصحيح «قلت لأبي جعفر عليه السلام:

الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ الزكاة فأعطيه من الزكاة و لا أسمي له أنها من الزكاة فقال: أعطه و لا تسم له و لا تذل المؤمن»

و دعوى ضعفها باشتراك أبي بصير بين الثقة و غيره مع أنا في غنية عنها بإطلاق الأدلة و انجبارها بالعمل على وجه لا يعرف فيه خلاف كما اعترف به في الحدائق مضافا إلى ما سمعته من التذكرة يدفعها منع الاشتراك بين

الثقة و غيره أولا كما حقق في محله، و ثانيا أن الظاهر كونه المرادي الثقة الجليل القدر بقرينة رواية عاصم بن حميد عنه، لكن

قال محمد بن مسلم (2)في الحسن كالصحيح «قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الرجل يكون محتاجا فنبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها يأخذه من ذلك زمام و استحياء و انقباض، أ فنعطيها إياه على غير ذلك الوجه و هي منا صدقة؟

فقال: لا، إذا كانت زكاة فله أن يقبلها، فان لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها إياه و ما ينبغي له أن يستحيي مما فرض الله عز و جل، إنما هي فريضة الله فلا يستحي منها»

إلا أنه لم نجد عاملا به على ظاهره، و إن كان قد يظهر من الدروس نوع توقف في الحكم من جهته، لأنه اقتصر- بعد ذكر مثل ما هنا- على ذكر الخبر المزبور من غير تعرض للتأويل، و حمله في المدارك على الكراهة، قال: و

روى الكليني (3)بعدة طرق عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «تارك الزكاة و قد وجبت له مثل مانعها و قد وجبت عليه»

و مرجعه إلى أن الأولى منعه منها و إعطاؤها لمن يقبلها، فان ظاهره الغنى عنها، و آخر على أن «لا» فيه إضراب عن الكلام السابق لا على النهي، و يكون ما بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 58- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب 58 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و ذيله في الباب 57 منها- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 57- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و 3.

ج 15، ص: 326

«لا» بيانا، و حاصل المراد أن له قبولها و لا يستحي من فريضة الله، فان لم يقبلها على هذا الوجه فلا يلزمه بها و يعطيها إياه على وجه الزكاة، و يفهم منه حينئذ جواز الإعطاء لا على هذا الوجه، و جواب السؤال حينئذ إنما علم من المفهوم، و إلا فمنطوق الخبر قد سيق لبيان حال المستحق من أنه ينبغي له و لا ينبغي له، و ثالث على احتمال كون الامتناع لعدم الاحتياج و انتفاء الاستحقاق، و فيه أنه خلاف ما فرضه الراوي، و قال في الوافي بعد نقل الخبرين: «لعل الفرق بينهما أن الأول قد علم من حاله الاستحياء منها و لكن إذا بعثت اليه يقبلها إذا كان مضطرا إليها، بخلاف الثاني فإنه قد بعثت اليه و لم يقبلها، و إنما نهي عن إعطائها إياه لأنه إن كان مضطرا إليها فقد وجب عليه أخذها، فان لم يأخذها فهو عاص، و هو كمانع الزكاة، و إن لم يضطر إليها و لم يقبلها فلا وجه لإعطائها إياه».

قلت: يمكن حمل الحسن المزبور على عدم الاجتزاء بقبض المستحق مصرحا باشتراط كونه لا على وجه الزكاة بل على وجه الصلة أو الهبة أو استيفاء دين يزعمه على الدافع أو نحو ذلك، و أنه إن كانت الزكاة فهو غير قابل لها، بخلاف الصحيح الأول فإن أقصاه إيصال الزكاة له من دون تسميتها له، و لم يكن قد قبضها مشترطا في قبضه عدم كونها زكاة، بل أقصاه عدم تشخيص قصده بكونها زكاة الحاصل من عدم تسميتها له، و لا دليل على اشتراطه، بل إطلاق الأدلة يقتضي عدمه، خصوصا بناء على أنها في الذمة، أو صارت فيها بالعارض، لأنها كالدين يكفي فيه نية الدافع، و كذا بناء على كونها في العين فإنه يكفي نيته و قبض المستحق بعنوان التملك، لإطلاق الأدلة، و صدق امتثال الأمر بالإيتاء، و معلومية كون الزكاة ليست من قسم العقود المعتبر مطابقة قبولها و لو فعلا لإيجابها، بل هي أشبه شي ء بالأحكام، و اعتبار قبض المستحق إنما هو لتحقيق امتثال الدافع فيما أمر به من الإيتاء، و إلا فهو لا ربط له بالدفع، فمع حصول كل من

ج 15، ص: 327

الدفع و القبض يتم الامتثال و إن لم يقصد القابض كونها زكاة، و لا يحصل (و لا حصل خ ل) منافاة بين القصدين بل الظاهر الاجتزاء بذلك و إن كذب الدافع و قال: إنها ليست زكاة إلا أن القابض لم يقبضها على أنها ليست زكاة بل نوى التملك المطلق الذي يجامع كونها زكاة في الواقع، لأن الإثم الحاصل الدافع بالكذب في إخباره لا يقدح في صدق الامتثال في الواقع، نعم لو كان القبض على أنها ليست زكاة بل هبة أو نحوها أشكل براءة ذمة الدافع بذلك، و أشكل دخول المدفوع في ملك القابض، ضرورة كونه حينئذ كالذي لم ينو التملك، لأن ما نواه لم يسلم له في الواقع، و الاكتفاء بمجرد القبض و لو كان مجردا عن النية لا يخلو من إشكال، لاستصحاب الشغل و عدم الدخول في ملك الفقير، و لو صح ذلك لجاز دسها في مال الفقير من غير علم، و أشكل منه الاكتفاء بنية التملك المنافي لقصد المالك الذي لم يسلم للناوي، ففي الحقيقة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد، فتأمل جيدا فان المقام محتاج إليه، ضرورة ظهور جملة من العبارات في الاجتزاء و إن اختلف القصدان، كعبارة اللمعة و نحوها مما صرح فيها بإيصالها على وجه الهدية القاضي غالبا بكون قصد القابض ما ظهر له من الاهداء، فينافي كونها زكاة، و الله أعلم.

و كيف كان ف لو دفعها أي الزكاة اليه على أنه فقير فبان غنيا ارتجعت منه مع التمكن مع بقاء العين أو تلفها مع علم القابض بكونها زكاة، لكونه حينئذ غاصبا، فيجري عليه حكمه حتى لو كان جاهلا بحرمة دفع الزكاة للغني، إذ هو جهل بالحكم الشرعي لا يعذر فيه بالنسبة إلى الضمان، بل الظاهر ذلك أيضا لو دفعها اليه على أنه غني جاهلا بحرمة الزكاة على الغني أو عالما و تعمد الدفع، ضرورة تحقق العدوان في استيلاء يده على كل حال كالمقبوض بالمعاملة الفاسدة مع علم الدافع بالفساد و جهل المدفوع اليه، فضلا عن حال علمهما معا أو جهلهما معا أو جهل الدافع و علم المدفوع إليه، لأن الفرض كون الدفع على وجه الزكاة، فإذنه حينئذ مقيدة بذلك، و علمه بعدم تحقق القيد

ج 15، ص: 328

شرعا لا ينافي التقييد به كي يتفرع عليه الضمان و نحوه، و لا غرور منه بعد الأخبار بأنه زكاة، و إنما غره جهله بالحكم الشرعي، فلا يعذر فيه، و بالجملة فساد الدفع يقضي بعدم ترتب أثر الدفع الصحيح عليه، و إرجاع بعض الصور السابقة إلى الهبة أو نحوها مع عدم قصد الدافع لها كما هو الفرض واضح الفساد.

هذا كله مع علم المدفوع إليه بأنها زكاة، أما مع جهله فعن المصنف في المعتبر القطع بعدم جواز ارتجاع العين معللا له بأن الظاهر كونها صدقة أي مندوبة، و فيه أن الدفع بنفسه أعم من ذلك، و عن المنتهى ذلك أيضا معللا له بأن الدفع محتمل للوجوب و التطوع، و فيه أن الاحتمال لا يثبت المطلوب هنا، و حمل فعل المسلم على الصحة كما ترى بعد التصريح من الفاعل بما يقتضي الفساد، و هو المؤتمن على فعله و أبصر به، لأنه لا يعلم إلا من قبله، و الفرض أن المدفوع اليه لم يعارضه بأن ادعى عليه إظهار كونه هبة أو نحوها و إلا كان من مدعي الصحة و الفساد يقدم الأول بيمينه على الثاني، أما في الفرض فالمتجه العكس، و فرق واضح بين ذلك و بين المعاملة الواقعة من الطرفين إذا ادعى أحدهما صحتها و الآخر فسادها، لاتحاد المعاملة المتنازع فيها، و اختلاف وجهها، و الأصل صحة فعل كل منهما، و دعوى أحدهما فساد فعله بحيث يسري إلى فساد فعل الآخر مخالفة للأصل المزبور، فكان القول قول الموافق للأصل دونه، بخلاف ما نحن فيه الذي قبض المدفوع اليه فيه من توابع فعل الدافع، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

نعم قد يتجه عدم الرجوع مع التلف باعتبار كونه كالغار له، فهو أقوى منه في الإتلاف، و لعله إلى ذلك مال سيد المدارك، فإنه- بعد أن حكى عن المعتبر و المنتهى ما سمعت، و عن التذكرة «أنه استقرب جواز الاسترجاع لفساد الدفع، و لأنه أبصر بنيته»- قال: «و هو جيد مع بقاء العين، و انتفاء القرائن الدالة على كون المدفوع

ج 15، ص: 329

صدقة أي مندوبة» و إنما قيده بذلك لظهور عبارته في الإطلاق كالمتن، و التحقيق ما سمعت، و قال الأستاذ في كشفه: «و لو دفع زكاته إلى الامام (عليه السلام) أو نائبه العام أو الخاص برئت ذمته سواء أصاب الدافع المدفوع إليه في دفعه أو أخطأ، و لا ضمان على أحد منهم، و لو دفعها بنفسه إلى الفقير بزعم فقره و علم المدفوع إليه بأنها زكاة و كان ممن لا يستحقها استرجعها منه مع التلف و بدونه، و مع علم الدافع لا رجوع مع التلف إلا أن يكون بعد العزل، و إن لم يعلم بكونها زكاة استرجعها مع بقائها دون التلف، و الحكم في دفع الامام (عليه السلام) أو نائبه مثله» و هو موافق لما قلناه إلا في الفرق بين العزل و عدمه مع التلف و علم الدافع، و فيه أن المتجه في ذلك ما سمعت من الرجوع مطلقا من غير فرق بين العزل و عدمه، و إن كان الأول أوضح باعتبار تشخصه بالعزل مال الغير، فلولي المسلمين مطالبة كل منهما به بخلافه قبل العزل، فيختص مطالبة الولي فيه بالمالك، لبقائه مشغولا بالخطاب، و المالك يطالب المدفوع اليه باعتبار كون الإذن مقيدة فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان فان تعذر ارتجاعها حيث يرجع عليه كانت ثابتة في ذمة الآخذ لما عرفت و لم يلزم الدافع مع عدم التقصير ضمانها سواء كان الدافع المالك أو الإمام (عليه السلام) أو الساعي بلا خلاف أجده في الأخيرين كما اعترف به في محكي المنتهى، بل نفاه عنه بين العلماء، قال: لأن المالك أدى الواجب، و هو الدفع إلى الامام (عليه السلام) أو نائبه، فيخرج عن العهدة، و الدافع فعل المأمور به، و هو الدفع إلى من يظهر منه الفقر، إذ الاطلاع على الباطن متعذر، و امتثال الأمر يقتضي الاجزاء و فيه أن مثله يجري في المالك أيضا، و من هنا كان خيرة المصنف عدم الفرق، بل هو المحكي عن الشيخ و جماعة، بل قيل: إنه المشهور، اللهم إلا أن يفرق بينهما بظهور الأدلة في الشرطية الواقعية في الزكاة، فيبقى المكلف في العهدة، بخلاف دفع الامام (عليه السلام)

ج 15، ص: 330

أو نائبه، فإنه ليس فيه الدفع الزكاتي، بل خطاب آخر يكفي في امتثاله مراعاة الإذن الشرعية، خصوصا بعد أصالة براءة ذمتهما من الضمان، و بعد معلومية منافاة منصب السلطنة ضمان أمثال ذلك، و معلومية كون فعل النبي (صلى الله عليه و آله) فعل الله الذي هو المالك الحقيقي، على أن خطأ الإمام في الموضوع يكون في بيت المال، و لا معنى له هنا، إذ مرجعه الغرامة للفقراء من مالهم، إلى غير ذلك مما يصلح فارقا بين الامام (عليه السلام) و المالك.

و لعله لذا كان المحكي عن المفيد و أبي الصلاح الإعادة في دفع المالك دونهما لما عرفت

و للصحيح عن الحسين بن عثمان (1)عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى أنه معسر فوجده موسرا قال: لا يجزي»

و إرساله- مع كون الراوي عن الحسين بن أبي عمير الذي مراسيله كالصحاح عند الأصحاب، و الظاهر كونه هو المرسل- منجبر بموافقته لقاعدة الشرطية المستفادة من الظاهر الأدلة القطعية، و دعوى ظهور الاجزاء مما دل على حجية الأصول و الاستصحابات و نحوها واضحة المنع، خصوصا في إيصال الأموال إلى غير أهلها، و معتضد بأصالة الشغل، و بما في

صحيح أبي المعزى (2)عن الصادق (عليه السلام) «إن الله أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال، فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم»

و ما في غيره من الصحاح (3)و المعتبرة من أن الزكاة مخصوصة بأهلها حتى أن المخالف بعد الاستبصار يقبل منه جميع عباداته في حال الضلال سوى الزكاة، لأنه وضعها في غير أهلها، و في

الصحيح عن الوليد بن صبيح (4)«أنه قال له شهاب بن عبد ربه الثقة الجليل: أبلغ


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 2 و 3 و 4- من أبواب المستحقين للزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 331

الصادق (عليه السلام) عني السلام و أعلمه إنه يصيبني فزع في منامي، فقال الصادق (عليه السلام):

قل له: فليزك، فأجاب شهاب إن الأطفال يعلمون أني أزكي مالي، فقال (عليه السلام):

قل له: إنك تخرجها و لا تضعها مواضعها»

و لعل فيه إيماء إلى ترك الاجتهاد في مستحقها.

و من هنا جعل جماعة المدار في الضمان و عدمه على الاجتهاد و عدمه، بل لعله المشهور بين المتأخرين، لأنه أمين فيجب عليه الاستظهار، و لفحوى

الحسن (1)أو إطلاقه «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل عارف أدى الزكاة إلى غير أهلها زمانا هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟ قال: نعم، قلت: فان لم يعرف لها أهلا فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع قال: ليس عليه أن يؤديها مرة أخرى»

و في الكافي و التهذيب و عن زرارة(2)مثله غير أنه قال: «إن اجتهد فقد بري ء، و إن قصر في الاجتهاد و الطلب فلا»

لكن في المدارك «يتوجه على الأول أنه إن أريد بالاجتهاد القدر المسوغ لجواز الدفع و

لو بسؤال الفقير فلا ريب في اعتباره إلا أن مثل ذلك لا يسمى اجتهادا، و مع ذلك فيرجع هذا التفصيل بهذا الاعتبار إلى ما أطلقه الشيخ في المبسوط من انتفاء الضمان مطلقا، و إن أريد به البحث عن حال الفقير زيادة على ذلك كما هو المتبادر من لفظ الاجتهاد فهو غير واجب إجماعا على ما نقله جماعة» قلت: قد يقال: لا منافاة بين عدم وجوبه و ترتب الضمان على عدمه، ثم قال: «و على الروايتين أن موردهما خلاف محل النزاع، لكنهما تدلان بالفحوى على انتفاء الضمان مع الاجتهاد في محل النزاع، أما الضمان مع انتفاء الاجتهاد فلا دلالة لهما عليه في التنازع بوجه» قلت: قد يمنع دلالتهما بالفحوى على عدم الضمان أيضا بناء على ظهورهما في إرادة إعطائها للمخالفين، و المراد بالاجتهاد فيهما في السؤال الثاني الطلب لأهلها المؤمنين فلم يجدهم ثم دفعها حينئذ إلى غيرهم، و هذا غير


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 332

ما نحن فيه من الاجتهاد في كون المدفوع إليه مؤمنا مثلا ثم بان أنه مخالف، و لا يستفاد منه حكمه لا بالفحوى و لا بغيرها، و من ذلك كله ظهر لك قوة ما ذهب اليه المفيد و أبو الصلاح من الضمان مطلقا، و دعوى منافاته لسهولة الملة و سماحتها و كون الفقير من الموضوعات الخفية التي لا يكلف فيها بالواقع يدفعها أن المنافي لها إيجاب الدفع للمتيقن فقره في الواقع إذا قلنا بأن له الدفع، أما لمن ظاهره الفقر و لو بدعواه بل و إن لم يدع بناء على اعتبار الأصل فيه و لكن يضمن إذا ظهر الخلاف فلا منافاة فيه، كما هو واضح.

و كذا الكلام فيما لو بان أن المدفوع اليه كافر أو فاسق أو ممن تجب نفقته أو هاشمي و كان الدافع من غير قبيله لاتحاد الجميع فيما تقدم من الأدلة، لكن قد يظهر من بعض متأخري المتأخرين إطباق الأصحاب هنا على عدم الضمان مطلقا، و كأنه أخذه مما في المختلف من الإجماع على الاجزاء فيها، إلا أنه يمكن إرادته الإجماع من الخصم، لأنه ذكره في الرد على أبي الصلاح بعد ما حكى عنه الفرق بين الفقير و الغني على أنه يمكن منعه عليه بالتتبع حتى عند المتأخرين، فإن ظاهر الدروس و غيره ممن جعل المدار على الاجتهاد عدم الفرق بين سائر الشرائط، و ما ذكرناه من الكلام بعينه آت في المقام خصوصا بعد أن لم يذكروا له دليلا سوى قاعدة الاجزاء التي قد عرفت ما فيها سيما في المقام الذي هو كالدين و كالأمانة و نحوهما مما لا يسقط الإعادة عن المكلف بهما الأخذ بالطرق الشرعية الظاهرية.

و كيف كان فقد استثنى غير واحد من ذلك ما لو بان أن المدفوع اليه عبد للمالك فإن الإعادة فيه واجبة مطلقا، لأن المال لم يخرج عن ملك المالك بذلك، فجرى مجرى عزلها من غير تسليم، و أشكله في المدارك بأن ذلك بعينه آت في سائر الصور، فان غير المستحق لا يملك الزكاة في نفس الأمر سواء كان عبد المالك أو غيره، و الجواب عن الجميع واحد، و هو تحقق التسليم المشروع المقتضي للاجزاء، و فيه أنه يمكن الفرق

ج 15، ص: 333

بين العبد و غيره بأن الدفع اليه ليس إيتاء بخلاف الدفع إلى غيره، فإنه إيتاء، إلا أنه فقد شرط الصحة في الواقع لا الملك و عدمه حتى يتجه عليه ما ذكره، و المراد بعدم الخروج عن ملك المالك أنه وقع المال في يد ماله، فهو كما لو عزله و جعله في صندوق و نحوه، و لعله لذا خص الاستثناء في عبد الدافع لا مطلق العبد، فتأمل، نعم الظاهر اختصاص الاستثناء بدفع المالك لا الامام، خلافا للمحكي عن أبي حنيفة فلم يفرق بينهما و فيه منع واضح، و الله أعلم.

[الصنف الثالث العاملون]

الصنف الثالث من مستحقي الزكاة كتابا و سنة و إجماعا بقسميه العاملون عليها و هم عمال الصدقات الساعون في تحصينها، و تحصيلها بجباية و ولاية على الجباة و غيرهم من أصناف السعاة أو على بلد الزكاة بحيث تتضمن الولاية على السعاة، و كتابة و حساب و حفظ و نحو ذلك مما له مدخل في التحصيل أو التحصين إلى أن تصل إلى المستحقين، و في شرح الفاضل «و القسمة مما لها مدخلية في ذلك، لأنها تحصيل الزكاة لمستحقيها، و تحصين لها عن غيره، و عن استبداد البعض بجميعها» قلت: لكن

قال العالم (عليه السلام) في المروي (1)عنه في تفسير علي بن إبراهيم: «وَ الْعامِلِينَ

عَلَيْها هم السعاة و الجباة في أخذها و جمعها و حفظها حتى يؤدوها إلى من يقسمها»

و ظاهره خروج القسمة عن العمل، و يمكن إرادة أول الشهيدين و غيره من القسمة المذكورة في العمل القسمة مع المالك.

و كيف كان فلا خلاف بيننا في استحقاق هؤلاء نصيبا منها، خلافا لبعض العامة فقال: إن ما يأخذه العامل يكون أجرة و عوضا لا زكاة، لأنه لا يعطي إلا مع العمل، و الزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا، و لأنه يأخذها مع الغني إجماعا محكيا عن الخلاف، للأصل و ظاهر الآية و الصدقة لا تحل لغني، و حكاه في التذكرة عن أبي حنيفة، و فيه


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 334

مع أنه اجتهاد في مقابلة الكتاب و السنة أن توقف الأخذ على العمل لا ينافي الاستحقاق لها بشرط العمل، بل لا ينافي أخذها باعتباره لا باعتبار الفقر، و لذا جازت له مع الغنى كابن السبيل الغنى في بلده، و ما ورد في النصوص (1)من أن علة شرعها الفقر لا يقتضي اختصاص جهة صرفها فيه.

و على كل حال فللعمال أحكام كثيرة قد اشتمل صحيح بريد(2)على جملة منها، إلا أن الذي يجب أن يستكمل فيهم أربع صفات: التكليف بلا خلاف أجده فيه و لا إشكال، فلا تجوز عمالة الصبي و المجنون و لو باذن وليهما، لأنها نيابة عن

الامام (عليه السلام) في الولاية على قبض مال الفقراء و حفظه لهم، و هما قاصران عن ذلك و من هنا اعتبر فيهم الايمان بالمعنى الأخص، لعدم جواز هذه الولاية لغيره، إذ هي غصن من شجرة العهد الذي لا يناله الظالمون، مضافا إلى عموم ما دل (3)على عدم جواز إعطائهم الصدقات و إلى ما حكي من الإجماع في الروضة و المفاتيح على اعتبار العدالة فيهم المعلوم انتفاؤها في غير المؤمن، و الخلاف الآتي في اعتبار العدالة في المستحقين في غير المقام، و

قال أمير المؤمنين (عليه السلام)(4)لمصدقه الذي أرسله إلى الكوفة: «انطلق يا عبد الله و عليك بتقوى الله وحده لا شريك له، و لا تؤثرن دنياك على آخرتك، و كن حافظا لما ائتمنتك عليه، راعيا لحق الله فيه- إلى أن قال له-:

فإذا قبضته- أي حق الله- فلا توكل به إلا ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشي ء منها، ثم احدر كل ما اجتمع عندك من كل ناد إلينا نصيره حيث أمر الله، فإذا انحدر بها رسولك فأوعز اليه ألا يحول بين ناقة و بين فصيلها، و لا يفرق بينهما، و لا يمصرن لبنها


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المستحقين للزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 335

فيضر ذلك بفصيلها، و لا يجهدنها ركوبا، و ليعدل بينهن في ذلك، و ليوردهن كل ماء يمر به، و لا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جواد

الطرق في الساعة التي تريح و تعبق و ليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن الله سماحا سمانا غير متعبات و لا مجهدات، فيقسمن باذن الله على كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه و آله) فان ذلك أعظم لأجرك و أقرب لرشدك، ينظر الله إليها و إليك و إلى جهدك و نصحك لمن بعثك و بعثت في حاجته، فان رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة و النصيحة له و لامامه (عليه السلام) إلا كان معنا في الرفيق الأعلى».

و معلوم أن ذلك كله لا يطمئن بحصوله من الفاسق الذي عزله الشارع عن درجة الأمانة الشرعية و الولاية الربانية.

و أما اعتبار الفقه فلا دليل عليه في غير ما يحتاجون إليه في عملهم، و لذا قال المصنف و لو اقتصر على ما يحتاج اليه فيه جاز بل قد يظهر من المصنف في المعتبر الميل إلى عدم اعتبار الفقه في العامل، و الاكتفاء فيه بسؤال العلماء، و استحسنه في البيان، و نفي البأس عنه في المدارك.

و كذا يعتبر في العامل أن لا يكون هاشميا بلا خلاف أجده، و ما عن المبسوط من أنه حكي عن قوم جوازه لأنه يأخذ على وجه الأجرة يريد به من العامة كما استظهره في المختلف، قال: إذ لا أعرف قولا لعلمائنا في ذلك، لعموم ما دل (1)على حرمة الصدقة الواجبة عليهم، و التعارض بينه و بين الآية و إن كان من وجه لكن يرجح عليه من وجوه، مضافا إلى

صحيح العيص بن القاسم (2)عن الصادق (عليه السلام)


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1 و تمامه في فروع الكافي ج 2 ص 58 الطبع الحديث.

ج 15، ص: 336

قال: «إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي، و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم و لكن قد وعدت الشفاعة، ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):

اللهم اشهد قد وعدها، فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم».

و في اعتبار الحرية خلاف و تردد من أن العامل يملك نصيبا من الزكاة و العبد لا يملك، و مولاه لم يعمل، و هو خيرة الشيخ على ما قيل، و من حصول الغرض بعمله، و كون العمالة نوعا من الإجارة، و العبد صالح لذلك مع إذن سيده، و قواه في المختلف و مال اليه المصنف في المعتبر و نفي البأس عنه في المدارك، و لا ريب في أن الأول أقوى، نعم ينبغي تقييده بغير المكاتب، أما هو فلا ريب في جواز عمالته، لأنه صالح للملك و التكسب، كما أنه ينبغي أن يعلم أن المراد في المقام

و نظائره صيرورته عاملا مندرجا في آية الزكاة، لا أنه غير قابل لأصل العمل في الزكاة، فإنه لا إشكال في صحة استئجاره من بيت المال، و تبرعه لو أذن له سيده بلا عوض، بل قد يقال بجواز إجارته من الزكاة، بل من الزكاة التي يستأجر للعمل فيها، لعدم كونه من العاملين الذين هم بعض مصارف الزكاة، و كذا الكلام في الهاشمي، ضرورة عدم كون ذلك أخذا من الزكاة على وجه التصدق بها عليهم، بل هي أجرة على عمل قد وقعت ممن له الولاية على الفقراء، و هو واضح بأدنى تأمل، كوضوح عدم البأس في العبد و غيره حتى الصبيان إذا كانوا من توابع العامل، و ليسوا بعمال نواب عن الامام (عليه السلام) أو نائبه بحيث يندرجون في مصارف الزكاة، بل قد ينقدح في المقام شي ء، و هو إمكان أن يقال:

ج 15، ص: 337

إنه لا يعتبر في بعض أنواع العمل إذن الامام (عليه السلام)، و كونه نائبا عنه كالكتابة و الحفظ و نحوهما، و بذلك يندرج صاحبه في العاملين، لإطلاق الآية، فيعطون حينئذ من هذا السهم و إن لم يكونوا في الصفات السابقة، ضرورة اعتبارها في العمال السعاة الولاة عن الامام (عليه السلام) و ربما يشهد لذلك في الجملة بعض ما تسمعه من كلمات الأصحاب في المؤلفة فإن جماعة جعلوا هناك من سهم العمالة إعطاء قوم يجبون الزكوات من غيرهم و لا يحوجون الامام (عليه السلام) إلى إرسال عامل لجبايتها ردا على من جعلهم من المؤلفة، فلاحظ و تأمل، لكن قد يمنع ذلك ظاهر تعريف الأصحاب للعاملين من أنهم النواب و السعاة من قبل الامام (عليه السلام) و حينئذ فيتجه سقوط هذا السهم في هذا الزمان إلا إذا استعمل المجتهد على جبايتها و نحوها، مع احتمال السقوط فيه أيضا باعتبار انسياق العمل الناشئ عن بسط اليد من الأدلة، و ليس ذلك إلا في زمن ظهور الامام (عليه السلام) و بسط يده، قال في النهاية: «و يسقط سهم المؤلفة و سهم السعاة و سهم الجهاد، لأن هؤلاء لا يوجدون إلا مع ظهور الامام (عليه السلام)، لأن المؤلفة إنما يتألفهم ليجاهدون معه و السعاة الذين يكونون من قبله في جمع الزكوات» إلى آخره.

و كيف كان ف الامام (عليه السلام) مخير بين أن يقدر لهم جعالة مقدرة أو أجرة عن مدة مقررة و بين أن لا يجعل لهم شيئا من ذلك، فيعطيهم ما يراه،

قال الحلبي (1)في الحسن: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما يعطى المصدق؟

قال: ما يرى الامام (عليه السلام) و لا يقدر له شي ء»

ثم لو عين له أجرة فقصر السهم عن أجرته أتمه الإمام (عليه السلام) من بيت المال أو من باقي السهام، و لو زاد نصيبه عن أجرته فهو لباقي المستحقين، و في المدارك «لا يخفى أن ذلك إنما يتفرع على وجوب البسط على الأصناف على وجه التسوية، و هو غير معتبر عندنا» و تبعه على ذلك في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 338

الحدائق، قلت: يمكن تفريعه على غيره أيضا، نعم قد ينافيه ما أشرنا إليه سابقا من أنه حيث تقدر للعامل أجرة يخرج عن كونه مصرفا للزكاة، ضرورة ملكه لها بعقد الإجارة، و لذا وجب الإتمام من بيت المال، بل لو لم يأت بشي ء أو ذهب ما جاء به أخذ من الامام (عليه السلام) ما يستحقه، و من المعلوم أن المراد من الآية إعطاء العامل من الصدقات على وجه الصدقة، و هو الذي لم يقدر له شي ء، و قد سأل عنه الحلبي فأجابه (عليه السلام) بما عرفت، فتأمل جيدا، هذا. و قد ذكر غير واحد أنه يجب على الامام بعث السعاة في كل عام، و هو حسن إن توقف حصولها على ذلك، و حينئذ فلو فرقها الامام (عليه السلام) بنفسه أو وكيله في مكانها لم يجب، و كذا لو علم أن قبيلا يؤدوها اليه أو إلى أهلها و لم يتعلق له غرض بجمعها، و كان المسألة خالية عن الثمرة، إذ هو (عليه السلام) أعرف بتكليفه مع بسط يده (عليه السلام)، و أما مع قصورها كما في هذا الزمان فلا ريب في عدم وجوب ذلك عليه و لا على الحكام من قبله، كما هو واضح.

[الرابع الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ]

و الثالث من الأصناف أو الرابع الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ، و هم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد، و لا تعرف مؤلفة غيرهم كما في محكي المبسوط بتفاوت يسير، قال: «هم كفار يستمالون إلى الإسلام و يتألفون ليستعان بهم على الجهاد بالاسهام لهم منها- ثم قال-:

و لا يعرف أصحابنا مؤلفة أهل الإسلام» و نحو منه عن الخلاف، و نص على الإجماع عليه لكن لم يذكر فيه الاستمالة إلى الإسلام، و في محكي الاقتصاد «قوم كفار لهم ميل في الإسلام يستعان بهم على قتال أهل الحرب» و نحوه عن المصباح، و في الوسيلة «و الذين يستمالون من الكفار استعانة منهم على قتال غيرهم من أمثالهم» و في الإرشاد «هم الكفار الذين يستمالون إلى الجهاد» و في الدروس «هم كفار يستمالون بها إلى الجهاد، و في مؤلفة الإسلام قولان أقربهما أنهم يأخذون من سهم سبيل الله» و يمكن أن يكون مراده ما في الجمل حيث قال: «هم الذين يستمالون إلى الجهاد» بل و السيد ابن زهرة في الغنية لقوله:

ج 15، ص: 339

«وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ هم الذين يستمالون إلى الجهاد بلا خلاف» فيكون معقد نفي الخلاف حينئذ، و إن كان ظاهره الإطلاق كالحلبي في إشارة السبق، حيث قال: «هم المستعان بهم في الجهاد و إن كانوا كفارا» و نحوه النافع و المعتبر و التذكرة، و ظاهرهم أو صريحهم أنهم مسلمون و كفار كما هو صريح المحكي عن المفيد، و اختاره ابن إدريس و غيره، كما أنه مال إليه جماعة من المتأخرين، بل ظاهر كتاب الأشراف للمفيد اختصاصهم بالمسلمين قال فيه: «هم الداخلون في الايمان على وجه يخاف عليهم معه مفارقته، فيتألفهم الامام بقسط من الزكاة، لتطيب نفوسهم بما صاروا اليه و يقيموا عليه، فيألفوه و يزول عنهم بذلك دواعي الارتياب» و عن حواشي القواعد للشهيد الأول لا ريب أن التأليف متحقق في الجميع، إلا أن الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ زمن النبي (صلى الله عليه و آله) الذين كان يعطيهم من الزكاة و غيرها زيادة على غيرهم ما كانوا كفارا ظاهرا، بل مسلمين ضعيفي العقائد أشرافا في قومهم كأبي سفيان و الأقرع بن حابس و عيينة بن حصين و نظائرهم (نظرائهم خ ل) و هم معلومون مضبوطون بالعدد بين العلماء، و قد أحسن ابن الجنيد حيث عرفهم بأنهم من أظهر الدين بلسانه و أعان المسلمين و إمامهم (عليه السلام) بيده، و كان معهم إلا قلبه، إلى آخره.

و في

صحيح زرارة أو حسنه (1)عن الباقر (عليه السلام) «سألته عن قول الله عز و جل (2)«وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ» قال: هم قوم وحدوا الله عز و جل و خلعوا عبادة من يعبد من دون الله، و شهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلى الله عليه و آله و هم في ذلك شكاك في بعض ما جاء به محمد (صلى الله عليه و آله)، فأمر الله نبيه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكي يحسن إسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقروا به، و أن


1- 1 أصول الكافي ج 2 ص 411 الطبع الحديث.
2- 2 سورة التوبة- الآية 60.

ج 15، ص: 340

رسول الله (صلى الله عليه و آله) يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و مضر منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) فقال:

يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أ تأذن لي بالكلام؟ فقال: نعم، فقال: إن كان هذا الأمر في هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله الله رضينا، و إن كان غير ذلك لم نرض، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): أ كلكم على قول سيدكم سعد؟

فقالوا: سيدنا الله و رسوله، ثم قالوا في الثالثة: نحن على قوله و رأيه، فحط الله نورهم و فرض للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن»

و به يظهر المراد من

خبره الآخر(1)عنه عليه السلام أيضا «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قوم وحدوا الله و خلعوا عبادة من دون الله و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فكان (صلى الله عليه و آله) يتألفهم و يعرفهم و يعلمهم»

كالمرسل (2)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن تفسير علي ابن إبراهيم بزيادة «فجعل لهم نصيبا في الصدقات لكي يعرفوا و يرغبوا»

بل و

خبر زرارة(3)الآخر عن الباقر (عليه السلام) أيضا «الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لم يكونوا قط أكثر منهم اليوم»

كمرسل موسى بن بكير(4)عنه (عليه السلام) أيضا لكن زاد فيه «و هم قوم وحدوا الله و خرجوا من الشرك و لم تدخل معرفة محمد (صلى الله عليه و آله) قلوبهم»

بل لعله إلى ذلك رمز

الصادق (عليه السلام) في قوله لإسحاق بن غالب (5)فيما رواه عنه: «كم ترى أهل هذه الآية(6)«فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا، وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ»


1- 1 أصول الكافي ج 2 ص 411 الطبع الحديث.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.
3- 3 أصول الكافي ج 2 ص 411 الطبع الحديث.
4- 4 أصول الكافي ج 2 ص 412 الطبع الحديث.
5- 5 أصول الكافي ج 2 ص 412 الطبع الحديث.
6- 6 سورة التوبة- الآية 58.

ج 15، ص: 341

قال: ثم قال: هم أكثر من ثلثي الناس»

لأن الظاهر كون المراد من الأولين أن ضعفاء الدين المحتاجين للتأليف لأجل البقاء عليه و رسوخه في قلوبهم ليسوا مخصوصين بوقته، بل هم أكثر كثير في هذه الأوقات، و لعل ذلك باعتبار عدم الإقرار بإمامتهم (عليهم السلام) و الاعتقاد بها التي هي أعظم ما جاء به النبي (صلى الله عليه و آله) فان الشكاك في إمامتهم و هم القسم الثالث المتوسط بين

النصاب و المؤمنين و يعبر عنهم في الأخبار(1)تارة بالشكاك و تارة بأهل الضلال و تارة بالمستضعفين أكثر الناس في زمانهم، كما دلت عليه الأخبار المتضمنة لكون حكمهم في الدنيا حكم أهل الإسلام و في الآخرة من المرجين لأمر الله.

و التحقيق بعد التأمل التام في كلمات الأصحاب و الأخبار المزبورة و معقد الإجماع و نفي الخلاف أن الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ عام للكافرين الذين يراد ألفتهم للجهاد أو الإسلام، و المسلمين الضعفاء (الضعيفي خ ل) العقائد، لا أنهم خاصون بأحد القسمين، و إن أطنب في الحدائق في الإنكار على من أدرج الكافرين عملا بظاهر النصوص المزبورة، لكن فيه مضافا إلى منافاته لإطلاق الآية طرح لمعقد الإجماع و نفي الخلاف، بل ربما ادعي ظهور بعض النصوص السابقة في غير المسلم، و في حاشية الإرشاد لولد الكركي المروي أنهم قوم كفار، على أنه قد

أرسل في دعائم الإسلام (2)عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) «أنه قال في قول الله عز و جل وَ الْمُؤَلَّفَةِ قوم يتألفون على الإسلام من رؤساء القبائل، كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يعطيهم ليتألفهم، و يكون ذلك في كل زمان إذا احتاج إلى ذلك الامام فعله»

و في

الصحيح أو الحسن عن زرارة و محمد(3)أنهما قالا


1- 1 أصول الكافي ج 2 ص 399 إلى 406 الطبع الحديث.
2- 2 المستدرك- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 11 عن أبي جعفر محمد بن على عليهما السلام.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 342

لأبي عبد الله عليه السلام: «أ رأيت قول الله تعالى (1)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ»- إلى آخره- لكل هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف، فقال: إن الامام يعطي هؤلاء جميعا، لأنهم يقرون له بالطاعة، قال زرارة: قلت: فان كانوا لا يعرفون فقال: يا زرارة لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع، و إنما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه، فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك إلا من يعرف، فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس، ثم قال: سهم المؤلفة و سهم الرقاب عام، و الباقي خاص».

فان الظاهر أن مراده بالعموم ما ذكرنا، بل قد يستفاد منه عموم التأليف لضعف الايمان بالمعنى الأخص، كما أنه يستفاد من بعض النصوص السابقة كمرسل الدعائم و بعض الفتاوى أن المراد بمؤلفة الكتاب من كان له ميل إلى الإسلام أو إلى الجهاد مع المسلمين، فإنه يعطى لتحصيل كمال الألفة و الدخول في الإسلام، بل لعل ذلك هو ظاهر الآية باعتبار الوصف و كونهم كالعاملين بالنسبة إلى ذلك، و أما الإعطاء للكفار الذين لم يظهر منهم

ميل لاحتمال حصول الألفة فلا يخلو من إشكال، فتأمل.

و على كل حال فما عن الشافعي- من أن مؤلفة الإسلام أربعة أقسام: قوم لهم نظراء فإذا أعطوا رغب نظائرهم، و قوم في نياتهم ضعف فيعطون لتقوى نياتهم، و قوم بأطراف بلاد الإسلام أولوا قوة و طاقة بمن يليهم من الكفار إذا أعطوا منعوا الكفار من الدخول و الهجوم على المسلمين، و إن لم يعطوا لم يفعلوا و احتاج الإمام إلى تجهيز الجيوش لمقاتلتهم، و قوم جاوروا قوما يجب عليهم الزكاة إذا أعطوا منها جبوها للإمام و لم يحوجوه إلى عامل، و إن لم يعطوا لم يفعلوا، و استحسنه بعض أصحابنا، بل تبعه عليه آخر- لا يخلو من إشكال إن أراد الإعطاء من سهم المؤلفة، ضرورة عدم كون


1- 1 سورة التوبة- الآية 60.

ج 15، ص: 343

الأولين منهم قطعا، بل و الأخيرين، بل و الثالث ما لم يكن ذلك لضعف في أيمانهم، بل لا بأس بإعطاء الجميع من غير هذا السهم بعد إحراز ما يعتبر فيه، و من هنا قال بعضهم بعد ذكره الأقسام: «إنه يمكن إعطاء ما عدا الأخير من سهم سبيل الله، و الأخير من سهم العمالة» و قد ظهر لك التحقيق، فلا حاجة إلى تطويل الكلام، و به يظهر لك ما في جملة من كلمات الأصحاب، و كيف كان فالظاهر بقاؤه، و في التذكرة نسبته إلى علمائنا لإطلاق الأدلة، و عدم الجهاد في هذا الزمان لا يقدح في بقائه مع أنه قد يحتاج إليه أيضا، و قد عرفت عدم انحصار التأليف فيه، فما في النهاية و الوسيلة و عن الصدوق- من السقوط، و اختاره شيخنا في كشفه، و الثبوت لمن انبسطت يده من الأئمة (عليهم السلام) بعد النبي (صلى الله عليه و آله)- ضعيف، و كأن الأستاذ بناه على مختاره من أن المؤلفة قسم من الكفار وحدوا الله و لم يقروا بالنبوة و يجاهدون مع المسلمين، ثم قال:

«و الظاهر أنها حرام عليهم و إن وجب إعطاؤها لهم» و هو لا يخلو من وجه و إن كان للنظر فيه مجال، و قال أيضا: «و الشرط في إعطاء هذا السهم رجاء التأثير في المعطى له، و عدم لزوم الخلل من جهة حسد قوم آخرين فينتقض الغرض، و في هذا القسم يجب البسط مع توقف الغرض عليه، و لو دخلوا في الإسلام و حصل الاطمئنان فلا شي ء لهم، و مع بقاء الخوف منهم بالرجوع إلى ما كانوا عليه يبقى السهم لهم، و الظاهر أن هذا السهم مداره على حصول التأليف، فإن كانوا متعددين لا يألفون إلا بتمامه سلم السهم تاما، و إن كانوا قليلين يحصل تأليفهم ببعضه أعطوا بعضه، و لو حصل تأليفهم بلين الكلام و حسن السيرة اقتصر على هذا الحال و لم يبذل المال» و لا يخفى عليك محل النظر من ذلك و غيره بأدنى تأمل، و الله أعلم.

[الخامس الرقاب]

و السهم الرابع أو الخامس فِي الرِّقابِ و عدل عن اللام إلى «في» تبعا للآية، و لعل الوجه فيه ما قيل من أن الأصناف الأول يصرف إليهم المال فيتصرفون

ج 15، ص: 344

فيه كيف شاءوا بخلاف الأربعة الأخيرة، فإن المال يصرف في جهات حاجاتهم التي لأجلها استحقوا الزكاة، فيخلص به الرقاب من الأسر و الرق، و يقضى به الدين، و كذا في سبيل الله و ابن السبيل، و في الكشاف «إنما عدل للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره، لأن «في» للوعاء، فنبه به على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات و يجعلوا مظنا لها و مصبا- إلى أن قال-: و تكرير «في» في قوله تعالى «وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ» فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب و الغارمين».

و على كل حال فهم عند المصنف و كثير ثلاثة المكاتبون و العبيد الذين تحت الشدة و العبد يشترى و يعتق و إن لم يكن في شدة لكن بشرط عدم المستحق بل لا خلاف أجده في الأول بيننا و بين العامة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في

المرسل (1)المروي في الفقيه و التهذيب عن الصادق (عليه السلام) «أنه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدي بعضها قال: يؤدي عنه من مال الصدقة، إن الله تعالى يقول في كتابه وَ فِي الرِّقابِ»

و التعليل ظاهر في عدم تقييد الحكم بما وقع في السؤال من تأدية البعض، و لذا أطلق الأصحاب الحكم في المكاتب من غير فرق بين

ذلك و عدمه، بل و لا بين مطلقه و مشروطه، و أما الثاني فالعمدة في إدراجه في هذا القسم الإجماع المحكي صريحا و ظاهرا مستفيضا المعتضد بالتتبع، و إلا

فالصحيح (2)عن الصادق (عليه السلام) «في الرجل تجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة يعتقها فقال: إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم، ثم مكث مليا ثم قال: إلا أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه فيعتقه»

لا دلالة فيه على كونه من هذا السهم، لاحتمال كونه من سهم سبيل الله بناء


1- 1 الوسائل- الباب- 44- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 345

على عمومه لذلك، اللهم إلا أن يقال و لو بمعونة الإجماع المزبور: إن مقتضى الاستثناء الظاهر في خروجه بذلك عن ظلم القوم كونه من سهم الرقاب حتى على القول بالمصرف لا البسط، فان المراد حينئذ عليه بيان أنهم إذا لم يكونوا في شدة لم يكونوا من موضوع الرقاب الذي جعله الله من المصارف، فليس حينئذ إلا كونه من سبيل الله، و الكلام في ترجيحه على صلة الفقراء الجامعين للوصفين أيضا إن قلنا بكون السبيل أعم من الجهاد و من المصالح العامة، فهو حينئذ ظلم لقوم آخرين، لعدم حاجة العبيد اليه، أما مع الحاجة فيندرجون في موضوع الرقاب، و قد جعله الله مصرفا، فتأمل جيدا، و الأمر سهل بعد الاتفاق عليه عندنا.

و المرجع في الشدة و الضرورة إلى العرف، لعدم التقدير لها شرعا، و إن كان ربما قيل: أقلها أن يمنعوا من الصلاة أول الوقت، فيشترون منها و يعتقون بعد الشراء و لا يجزي الشراء بلا عتق، و ربما يوجد في بعض الحواشي أنه إن نوى العتق حين الشراء حصل العتق، و إلا احتيج إلى الإعتاق، بل في زبدة البيان احتمال العتق بمجرد الشراء، و فيه مضافا إلى ظهور الصحيح السابق أو صراحته أن للعتق صيغة و أسبابا، و الشراء من الزكاة ليس سببا، و كان وجهه ظهور الآية في حصول الفك بمجرد دفع الصدقة من غير حاجة إلى سبب آخر، لكن يدفع ذلك أنه يقتضي كون المراد بالرقاب المكاتبين لا الأعم المقتضي لحصول العتق في غيرهم بلا صيغة، و ربما يؤيد ذلك أن الأصحاب ألحقوا هذا القسم بالرقاب إلحاقا، و لعله لأدلة خاصة أفتوا بمضمونها، أو ظهر لهم أن المراد بالرقاب في الآية الأعم مما يحصل به الفك بلا واسطة.

و على كل حال ففي الروضة «أن نية الزكاة مقارنة لدفع الثمن للبائع أو للعتق» و في المسالك و عن حواشي النافع «أنها مقارنة للعتق» و لعل الثاني لا يخلو من قوة، لأن دفع الثمن خصوصا إذا كان بعد إجراء الصيغة لكونه مقتضى البيع، و من هنا ينتقل

ج 15، ص: 346

العبد إلى أهل الصدقة، و لذا كان ولاؤه لهم، كما صرح به غير واحد من الأصحاب في القسم الثالث، بل ربما نسب إليهم، و دل عليه خبر أبي محمد الوابشي (1)الآتي، فيكون إيصاله إلى الفقراء بعتقه عنهم، و كان وجه التخيير بينه و بين دفع الثمن أنه يحصل الامتثال بكل منهما أما بالعتق فلما عرفت، و أما بالدفع فلأنه به يحصل دفع الزكاة أيضا باعتبار الشراء لأهل الصدقة، هذا و لكن قد يفرق بين هذا القسم و القسم الثالث في حكم الولاء، فيجعل الولاء في الثالث للفقراء، دون ما نحن فيه باعتبار كونه من الرقاب بلا خلاف، فهو من مصارف الزكاة للفقراء، بخلاف العبد في غير الشدة فإنه ليس من المصارف، خصوصا بعد استغنائه عن العتق، لعدم كونه في شدة، فهو إن اشتري يكون بمال الفقراء، و لهذا ورد كون ولائه لهم، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و أما القسم الثالث ففي المعتبر أن عليه فقهاء الأصحاب، و يدل عليه

الموثق (2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك اليه، فنظر إلى مملوك يباع فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال: نعم لا بأس بذلك»

لكن فيه أولا أنه لا دلالة فيه على كونه من سهم الرقاب، بل ظاهره أو صريحه خلاف ذلك، لكون المفروض الشراء بتمام الزكاة، و ثانيا أن التقييد فيه بعدم المستحق إنما هو في السؤال، فلا يقتضي تقييد إطلاق الآية بناء على شمولها و لا إطلاق

خبر أيوب بن الحر(3)المروي عن كتاب العلل، قال: «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه في يد من يزيد أشتريه من الزكاة و أعتقه قال: فقال: اشتره و أعتقه، قلت: فان هو


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3 مع الاختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 347

مات و ترك مالا قال: فقال: ميراثه لأهل الزكاة، لأنه اشتري بسهمهم» و في حديث آخر «بمالهم»

و خبر أبي محمد الوابشي (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سأله بعض أصحابنا «عن رجل اشترى أباه من الزكاة زكاة ماله قال: اشترى خير رقبة لا بأس بذلك»

و لعله لذا كان ظاهر الانتصار و المراسم و السرائر و القواعد و حواشيها و الإرشاد و صريح الإيضاح و الكنز و المسالك على ما حكي عن بعضها جواز العتق من سهم الرقاب مع وجود المستحق، و هو و إن كان جيدا من حيث الإطلاق لكن قد عرفت عدم الدليل على كونه من سهم الرقاب مع عدم المستحق فضلا عنه مع وجوده، بل ظاهر اقتصار جماعة من الأصحاب أو الأكثر على ما تعرف على الأولين عدمه، بل صرح في الروضة بكونه من سهم سبيل الله مع وجود المستحق، و لكن الأمر سهل بعد عدم وجوب البسط، و أن الأصناف مصارف كما تعرف ذلك في محله إن شاء الله.

فان قيل: كفى بالنصوص السابقة دليلا على كونه من سهم الرقاب، لأنه المنساق من مثل ذلك، ضرورة عدم إرادة بيان الجواز من حيث كونه قربة من القرب، بناء على أن ذلك معنى سبيل الله، مضافا إلى

مرسل الدعائم (2)أنه قال في قوله: «وَ فِي الرِّقابِ»: «إذا جازت الزكاة خمسمائة درهم اشتري منها العبد و أعتق»

بل لعل

قوله (عليه السلام): «اشترى خير رقبة»

فيه إيماء إلى ذلك. قلنا: إن كانت هذه النصوص جميعها مساقة لذلك فالمتجه حينئذ الاقتصار على القسمين الأولين، لأنهما حينئذ هما مقتضى الجمع بين الإطلاق و التقييد فيها، فان ما عدا خبر الشدة مطلق يقيد به، و لعله لذا اقتصر جماعة أو الأكثر أو المشهور عليهما.

قال الشيخ في النهاية: «وَ فِي الرِّقابِ» و هم المكاتبون و المماليك الذين يكونون


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 المستدرك- الباب- 25- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 348

تحت الشدة العظيمة، فيبتاعون من الزكاة و يعتقون، و قد روي أن من وجبت عليه كفارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطأ أو غير ذلك و لا يكون عنده يشترى عنه و يعتق و قال في الجمل: «و هم المكاتبون و العبيد إذا كانوا في شدة» و قال في الانتصار: «و هم

المكاتبون، و عندنا يدخل فيهم المملوك الذي يكون في شدة يشترى من مال الزكاة يشتري و يعتق و يكون ولاؤه لأرباب الزكاة، لأنه اشتري بمالهم» و في المبسوط «و أما سهم الرقاب فإنه يدخل فيه المكاتبون بلا خلاف، و عندنا أنه يدخل فيه العبيد إذا كانوا في شدة، فيشترون و يعتقون عن أهل الصدقات، و يكون ولاؤهم لأرباب الصدقات، و لم يجز ذلك أحد من الفقهاء، و روى أصحابنا أن من وجب عليه عتق رقبة في كفارة و لا يقدر على ذلك جاز أن يعتق عنه، و الأحوط عندي أنه يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري و يعتق هو عن نفسه» و في المختلف قد اختار ما في المبسوط، و عن ابن الجنيد «و أما الرقاب فهم المكاتبون و من يفدى من أسر العدو الذي لا يقدر على فدية نفسه و المملوك المؤمن إذا كان في يد من يؤذيه» و في الغنية «و أما الرقاب فهم المكاتبون بلا خلاف أيضا، و يجوز عندنا أن يشترى من مال الزكاة كل عبد هو في ضر و شدة و يعتق بدليل الإجماع المشار اليه، و أيضا فظاهر الآية يقتضيه» و قال في الوسيلة:

«وَ فِي الرِّقابِ العبيد المضيق عليهم عند ساداتهم، فان اشتروا و أعتقوا عن أهل الصدقة أو عن من وجب عليه عتق رقبة و لم يجد أجزأ من الزكاة، و كذلك المكاتب إذا عجز عن أداء مال الكتابة أعين بمال الصدقة على فك رقبته» و في إشارة السبق «و هم المكاتبون و من في حكمهم من كل عبد مضرور بالعبودية» و قال في المعتبر: «سهم الرقاب و يدخل فيه المكاتبون و العبيد إذا كانوا في ضر و شدة» و حكى عن أبي حنيفة و الشافعي الاختصاص بالمكاتبين و دليلهم و بطلانه، ثم قال: «و لو لم يوجد مستحق حاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضر، و عليه فقهاء الأصحاب روى

ج 15، ص: 349

ذلك عبيد بن زرارة(1) إلى آخره و لعله لا يريد من سهم الرقاب، بل لعل كلامه الأول يومي إلى خلافه، و أظهر منه في ذلك التحرير فإنه قال: «المراد بالرقاب المكاتبون و العبد إذا كان في ضر و شدة يشترون ابتداء و يعتقون» ثم قال بعد ذلك: «المبحث الثالث لو لم يوجد مستحق جاز أن يشترى العبد من مال الزكاة و يعتق و إن لم يكن في شدة» و أظهر منهما التذكرة فإنه قال: «و الرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن و أجمع المسلمون عليه، و اختلفوا في المراد فالمشهور عند علمائنا أن المراد به صنفان: المكاتبون يعطون من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم، و العبيد تحت الشدة يشترون و يعتقون لقوله تعالى «وَ فِي الرِّقابِ» و هو شامل لهما، فان المراد إزالة رقيته، و شرطنا في الثاني الضر و الشدة، لما روي عن الصادق (عليه السلام)- إلى أن قال-: و روى علماؤنا ثالثا، و هو من وجب عليه كفارة عتق في ظهار و شبهه و لم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما

يشتري به رقبة و يعتقها في كفارته، لرواية علي بن إبراهيم(2)- إلى أن قال-: و لو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة و عتقه و إن لم يكن في ضر و شدة، و عليه فقهاؤنا لقول الصادق (عليه السلام)» إلى آخره، بل و كذا كنز العرفان فإنه قال: «الخامس الرقاب، و هم المكاتبون، و أضاف أصحابنا العبد المؤمن يكون في الشدة يشترى و يعتق، و به قال ابن عباس و الحسن و مالك و أحمد، و كذا جوز أصحابنا مع عدم المستحق شراء العبد من الزكاة و عتقه» و في آيات الأحكام للجواد «الأكثر على اشتراط الضر و الشدة» و في الدروس «هم المكاتبون و العبيد في الشدة، و في جواز شراء العبد منها بغير شدة أو ليكفر به في المرتبة أو المخيرة خلاف» و في البيان «الرقاب و هم المكاتبون و العبيد في شدة، و روى علي بن إبراهيم في تفسيرها جواز التكفير للعاجز


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 350

و ربما حمل على الغارمين، و روى عبيد بن زرارة شراء العبد مطلقا من الزكاة عند عدم المستحق» و في اللمعة «و هم المكاتبون و العبيد في الشدة» إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا ريب في تحقق الشهرة بملاحظتها على اختصاص الرقاب بالقسمين.

فمع فرض كون الروايات مساقة لبيان ذلك كان المتجه الجمع بين مطلقها و مقيدها و هو يقتضي الانحصار فيهما، و حينئذ فمبني الجواز في الفرض عموم سبيل الله لذلك و عدمه و ستعرف الحال فيه، و إن كان المراد منها أصل الجواز و إن لم يكن من سهم الرقاب فلا تعارض بينها و بين خبر الشدة الذي لا إشكال في إرادة كونه من سهم الرقاب على ما أفتى به الأصحاب، و يكون المتجه حينئذ جواز العتق مطلقا، لما عرفت من كون القيد في السؤال، فلا يقتضي التقييد للإطلاق الذي عرفت، و ظاهر الإجماع المحكي في المعتبر و التذكرة و المنتهى على الجواز مع عدم المستحق أعم من الاشتراط، فلا يعارض الإطلاق المزبور، اللهم إلا أن يقال: إن التقييد بعدم المستحق مستفاد مما في الصحيح المزبور، ضرورة ظهوره في كون الظلم باعتبار وجود المستحق و لو لأصالة كون الزكاة للفقراء و إن صرفت في الرِّقابِ، و لذا كان الولاء لهم في موضوع الرقاب أي العبيد تحت الشدة، و حينئذ فمع فرض عدم المستحق لا ظلم، و عليه يكون المقيد بالشدة العتق مع وجود المستحق، أما إذا لم يوجد فهو على إطلاقه، لعدم المعارض، فيكون الرقاب حينئذ ثلاثة، و إطلاق خبر العلل (1)مقيد بما في الصحيح (2)بل ربما كان فيه إيماء إلى الشدة حيث أنه فرض فيه كون العبد عارفا و في يد من يزيد، فيحتمل شراء المخالف له، بل لعل مولاه كان كذلك، لغلبتهم في ذلك الزمان، بل تعريضه بيد الدلال في السوق المشتمل على اليهودي و المخالف و غيرهما أشد شي ء عليه، و المراد من المرسل السؤال عن شراء الأب و

أنه من الرقاب أو لا، فلا إطلاق فيه حينئذ يدل على


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 351

المطلوب، لكن مع ذلك كله قد اختار في المدارك جواز الإعتاق مطلقا و أنه من سهم الرقاب بعد أن حكاه عن الفاضل، قال: و قواه ولده في الشرح، و نقله عن المفيد و ابن إدريس تمسكا بالخبرين السابقين، ثم حكى عن جده أن اشتراط الضرورة و عدم المستحق إنما هو في الإعتاق من سهم الرقاب، فلو أعتق من سهم سبيل الله لم يتوقف على ذلك، و قال: هو غير جيد، لعدم استفادته من النص، بل ظهوره في خلافه، إذ المتبادر من الرواية الأولى يعني رواية الظلم كون الشراء وقع بجميع الزكاة، و الأولى حملها على الكراهة، أما الثانية فلا دلالة فيها على اعتبار هذا الشرط أعني عدم المستحق، لأن ذلك إنما وقع في كلام السائل، و ليس في الجواب دلالة على اختصاص الحكم بالمسؤول عنه، كما هو واضح، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، و الغرض من هذا الاطناب بيان التحقيق أولا، و ثانيا بيان الخبط في كلام جملة من الناس حيث أنهم لم يحرروا كلام الأصحاب كسيِّد المدارك و غيره، بل قد يظهر من الكاشاني في المفاتيح الجواز من سهم الرقاب مع عدم المستحق قولا واحدا، فلاحظ و تأمل، و الله أعلم.

و كيف كان فقد روي قسم ثالث أو رابع من موضوع الرقاب و هو من وجبت عليه كفارة و لم يجد فإنه يعتق عنه رواه

علي بن إبراهيم (1)في كتاب التفسير عن العالم (عليه السلام) قال: «وَ فِي الرِّقابِ قوم لزمتهم كفارات في قتل الخطأ و في الظهار و في الأيمان و في قتل الصيد في الحرم و ليس عندهم ما يكفرون به و هم مؤمنون، فجعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفر عنهم»

و عليه يمكن أن يكون المراد بالرقاب من عليه الكفارة بمعنى تعلق الحق في رقبته أي ذمته، بل في المدارك «أن مقتضاه جواز إخراج الكفارة من الزكاة و إن لم تكن عتقا، لكنها غير واضحة الإسناد لأن علي بن إبراهيم أوردها مرسلة، و من ثم تردد المصنف في العمل بها، و هو في محله»


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 352

قلت: مضافا إلى ما قيل في وجه قول المصنف و فيه تردد من عدم الحاجة في الكفارة إلى العتق، لأنها مخيرة أو مرتبة، و على كل حال ينتقل إلى الفرد الآخر من الخصال، لكن فيه أن الخبر المزبور لم يذكر فيه اعتبار الحاجة إلى خصوص العتق، فمع فرض العمل به يتجه عدم اعتبار ذلك، على أن من الكفارة كفارة الجمع، نعم قد يتوقف في العمل بها و إن اشتهر روايتها بين الأصحاب إذا أريد الشراء من الزكاة و العتق عمن عليه الكفارة

من غير احتساب عليه و تمليك الرقبة إياه، لعدم الجابر لها، ضرورة أن لا شهرة في العمل بها، بل لعلها على العكس و إن استفاض نسبة مضمونها إلى الرواية في كلمات الأصحاب حتى أنه في التذكرة نسبه إلى رواية علمائنا، لكن ليس ذلك عملا بها، كما هو واضح.

هذا كله في صرف الزكاة في ذلك على الوجه المزبور، أما دفعها اليه باعتبار أنه فقير كما سمعته من المبسوط أو من سهم الغارمين بناء على شمول الغرم لذلك كما صرح به المصنف في المعتبر فلا بأس به، و ليس عملا بالرواية، بل يبعد تخريجها عليهما، هذا، و قد أطنب المحدث البحراني في الإنكار على عدم العمل بالخبر المزبور، و انحصار المراد بفي الرقاب به و بالمكاتب، و أن ما دل عليه باقي النصوص من جواز العتق مطلقا فهو شي ء خارج عن الأصناف الثمانية بدليل التعليل بالظلم، و كون الولاء للفقراء، و لو أنه كان من الرقاب لم يكن فيه ظلم و لا استحق الفقراء الولاء، و لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا، و يمكن أن يكون مبنى الظلم و الولاء على ما أشرنا إليه سابقا من أصالة كون الزكاة للفقراء كما أومأت اليه نصوص التشريك (1)بينهم و بين الأغنياء،


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة و الباب 2 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 353

و نصوص (1)حكمة مشروعية الزكاة لدفع الحاجة و سد الخلة و غيرهما، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان ف المكاتب إنما يعطى من هذا السهم إذا لم يكن معه ما يصرفه في كتابته بلا خلاف محقق أجده، لأنه هو الذي دل عليه المرسل السابق، و إطلاق الآية غير مساق إلا لبيان المصرف، فلا وثوق بشموله للأفراد، كما لا وثوق بإرادته من التعليل، خصوصا بعد ملاحظة الفتاوى و ما ورد من النصوص في مشروعية الزكاة و أنها لدفع الضرورة و الحاجة، و إشعار تقرير السائل على سؤاله بعدم ذكر الجواب عاما بذلك أيضا، بل اعتبر الشهيد في البيان قصور كسبه عن مال الكتابة، و هو لا يخلو من قوة لما عرفت، مضافا إلى إطلاق عدم حلها للمحترف السوي، بل قد عرفت اندراجه في الغني عندهم، و إلى ما تسمعه من بعضهم في الغارمين، لكن في المدارك أن مقتضى العبارة الجواز و إن كان قادرا على تحصيله بالتكسب، و هو كذلك عملا بالإطلاق، قلت:

قد عرفت عدم الوثوق بالإطلاق المزبور، و إلا لاقتضى الجواز مع المال أيضا، و ليس في المرسل منافاة باعتبار كون التقييد في السؤال، و هو معلوم البطلان، و منه يعلم بناؤهم على التقييد به في خصوص المقام، و هو يقتضي ما سمعته من الشهيد، بل قد يتجه لذلك ما قيل من توقف الإعطاء على حلول النجم فلا يجوز قبله، لانتفاء الحاجة في الحال، فلا يصدق العجز و إن استضعفه في المدارك أيضا معللا له بالعموم المراد منه الإطلاق الذي قد

عرفت حاله، نعم لا بأس بالتمسك به في الآية و الرواية بالنسبة إلى ما صرح به بعضهم من جواز الدفع إلى السيد بغير إذن المكاتب، لإطلاق الأدلة الشامل لذلك و للدفع إلى المكاتب نفسه، فان صرفه فيما عليه من مال الكتابة و تحرر فقد وقع موقعه إجماعا.


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

ج 15، ص: 354

و لو صرفه في غيره و الحال هذه أي دفع اليه و لم يكن معه ما يصرفه في الكتابة و لكن لم يصرفه فيها بل صرفه في غيرها و لو لاستغنائه عنها بأن أبرأه السيد من مال الكتابة أو تطوع عليه متطوع فالوجه الاجزاء عن الزكاة للأمر، لكن إذا تمكن من إرجاعه جاز له ارتجاعه بل وجب عليه ذلك حسبة، لأنه مال الجهة الخاصة، فلا يصرف في غيرها حتى لو قلنا بعدم وجوب البسط، لكن لا ريب في أن للمالك الخيرة في صرف الزكاة في الأصناف، فمع فرض كون الدفع لهذه الجهة الخاصة تعين لها فلم يكن المكاتب مالكا للمال ليتصرف فيه كيف شاء، و المناقشة في اعتبار هذا القصد يدفعها ما تسمعه في الغارم و ابن السبيل من الاستدلال على جواز الارتجاع منهما في مثل الفرض بأن كلا منهما إنما ملك المال ليصرفه في وجه مخصوص، فلا يسوغ لهما صرفه في غيره، و هو بعينه جار في المقام، بل في المدارك لو لا ذلك لجاز إعطاء المكاتب و الغارم و ابن السبيل ما يزيد على قدر حاجتهم، و هو باطل اتفاقا.

و حينئذ فقد ظهر لك من ذلك كله أن ما قيل و القائل الشيخ فيما حكي عنه من أنه لا يرتجع منه لأنه ملكه بالقبض فكان له التصرف فيه كيف يشاء ضعيف لما عرفت من كون الملك على وجه مخصوص، نعم لو دفعه المكاتب إلى السيد ثم عجز عن الأداء في المشروطة فاسترق ففي المدارك أنه قد قطع الشيخ و غيره هنا بعدم جواز ارتجاعه، لأن المالك مأمور بالدفع إلى المكاتب ليدفعه إلى سيده و قد فعل، و الامتثال يقتضي الاجزاء، مع أنه حكى في التذكرة وجها للشافعية بجواز ارتجاعه، لأن القصد تحصيل العتق، فإذا لم يحصل به وجب استرجاعه كما لو كان في يد المكاتب، لكن رده في التذكرة بأن الفرق ظاهر، لأن السيد ملك المدفوع بالدفع، قلت: قد يمنع ملكه له على جهة الإطلاق، اللهم إلا أن يدعى ظهور الأدلة في صرف هذا السهم فيما يتعلق بالرقاب و إن لم يترتب عليه الفك، فتأمل جيدا.

ج 15، ص: 355

و على كل حال فهذا كله مع الدفع من سهم الرقاب، أما لو دفع اليه من سهم الفقراء لم يرتجع قطعا و كان له التصرف فيه كيف يشاء، لأن الفقير لا يحتكم عليه فيما يأخذه من الزكاة إجماعا و لو ادعى أنه كوتب فان علم صدقه أو أقام بينة فلا بحث، و إلا فإن كذبه السيد لم يقبل قوله بدونهما للأصل، و إن لم يعلم حال السيد من تصديق أو تكذيب إما لفقده أو لغير ذلك ف قيل و القائل الأكثر كما في المدارك يقبل قوله و في المتن قيل و لكن لم نعرف القائل منا لا يقبل إلا بالبينة أو يحلف، و الأول أشبه عند المصنف معللا له في المعتبر كالفاضل في التذكرة و محكي المنتهى بأنه مسلم أخبر عن أمر ممكن فيقبل قوله كالفقير، و بأصالة العدالة الثابتة للمسلم، و هما معا كما ترى، خصوصا بعد ما عرفت فيما تقدم في دعوى الفقر، و من هنا حكى في المدارك عن بعض العامة عدم القبول إلا بالبينة، ثم قال: و ظاهر العبارة تحقق القائل بذلك من الأصحاب، و لا يخلو من قوة، و هو كذلك، نعم لا وجه لقيام الحلف مقامها كما هو ظاهر القيل في المتن و أما لو صدقه مولاه (11) في دعواه قبل (12) قوله بلا خلاف، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، لأن الحق له، فيقبل إقراره فيه، لكن عن الشافعي أنه لا يقبل أيضا، لجواز التواطؤ لأخذ الزكاة، و عن الشيخ أن الأول أولى فيمن عرف أن له عبدا، و الثاني أحوط فيمن لم يعلم منه ذلك، و هو حسن كما في المدارك، أما عدم الجواز مطلقا بدونها كما سمعته من الشافعي فواضح الضعف ضرورة كون التواطؤ مجرد احتمال لا يقدح في إطلاق ما دل على حجية الإقرار الذي لم يعارضه إنكار و لا غيره في أمثال المقام كالإقرار بالتحرير و طلاق الزوجة و نحوهما، نعم قد يتجه عدم قبول الإقرار فيما لو كذبه العبد، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[السادس الغارمون]

و (13) الخامس أو السادس الغارمون و هم (14) لغة المدينون، و لكن المراد بهم شرعا هنا الذين علتهم الديون في غير معصية (15) بلا خلاف أجده فيه، كما لا أجده

ج 15، ص: 356

في استحقاقهم في الجملة هذا السهم من الزكاة كما اعترف به في المعتبر على ما قيل، بل الكتاب و السنة و الإجماع بقسميه دالة على ذلك، نعم صرح غير واحد باعتبار كونه غير متمكن من القضاء، بل في محكي الخلاف و الغنية و ظاهر التذكرة الإجماع منا على اعتبار الفقر فيه، بل عن المبسوط الإجماع من أهل العلم كافة على ذلك، و هو المراد مما في المعتبر أن الغارم لا يعطى مع الغنى، لكن في المدارك الظاهر أن المراد من الغنى انتفاء الحاجة إلى القضاء لا الغنى الذي هو ملك قوت السنة، إذ لا وجه لمنع مالك قوت السنة من أخذ ما يوفي به الدين إذا كان غير متمكن من قضائه، و قد أخذ ذلك مما في المسالك حيث صرح بالفرق بين الفقير و الغارم، فمنع من إعطاء مالك قوت السنة من سهم الفقراء و إن كان دينه أضعاف ما عنده، لأنه حينئذ غارم غير فقير، و في شرح اللمعة للاصبهاني يمكن أن لا يكون المراد بالفقير هنا ما عرفته في الفقراء و المساكين من عدم مئونة السنة فعلا أو قوة، بل عدم التمكن من قضاء الدين بدليل أن جماعة منهم الشارح عبروا بذلك و نحوه مما يفيد مفاده، قلت: الأصل في ذلك ما دل على أن الزكاة إنما شرعت لسد الخلة و دفع الحاجة، و أنها لا تحل لغني، و أن الله شرك بين الأغنياء و الفقراء إلى غير ذلك مما دل على كونها للفقراء، و قد صرح غير واحد باعتبار الفقر فيهم، بل قد عرفت أنه معقد الإجماعات المزبورة، فيمكن أن ينقدح من ذلك اعتبار القدرة على قضاء الدين مع مئونة السنة في الغني، فمن عجز عنهما أو أحدهما فهو فقير، و من ملك ما يقابلهما معا كان غنيا كما صرح به الأستاذ في كشفه في تعريف الفقر و الغنى ضرورة أن الحاجة إلى وفاء الدين أشد من الحاجة إلى غيرها من المؤن، مضافا إلى صدق الفقير على من ملك قوت سنته و كان عليه أضعافها دينا، و خصوصا إذا كان قد اشتراها به، و لذا يعطى في الخمس و غيره مما يشترط فيه الفقر، و دعوى أن مثله غني كما ترى، فحينئذ اشتراط الفقر ممن عرفت في محله، إذ متى كان عاجزا عن وفاء الدين

ج 15، ص: 357

كلا أو بعضا كان فقيرا و إن ملك قوت سنته، و هو المراد من اشتراط عدم التمكن من القضاء، و لعل إلى ذلك لمح الفاضل بما في المحكي من نهايته من جواز إعطاء الغارم المتمكن من قضاء دينه من الزكاة إذا كان بحيث لو صرف ما عنده في دينه صار فقيرا معللا له بانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر، و إن كان في التعليل بل و العبارة ما لا يخفى، بل الأولى تعليله بأنه في الفرض فقير، لقصور ما عنده عن مئونة السنة التي منها وفاء الدين، و مقابلة الغارمين في الآية للفقراء يمكن أن يكون لبيان كون الغرم مصرفا من مصارف الزكاة و إن لم يصدق على الغارم أنه فقير كالميت و نحوه، فالغرض تعداد المصارف، و يكفي هذا الاعتبار في المقابلة، و لا ريب أن ذلك أولى من دعوى كون الفقير و الغارم قسمين متقابلين بمعنى أنه قد يكون الغارم غنيا إذا كان مالكا لمئونة سنته و لم يكن عنده ما يقابل دينه، ضرورة أنه مع منافاته لما عرفت يحتاج إلى ترجيح ما دل على جواز وفاء الغرم من الزكاة على ما دل على أنها لا تحل للغني فتأمل جيدا فان به يظهر لك ما في كلام جملة من الأعلام، و قد تقدم، و ربما يأتي مزيد تحقيق لذلك، كما أنه به يظهر لك ثمرات مهمة في المقام و غيره.

و على كل حال فلو لم يملك شيئا إلا أنه كسوب يتمكن من قضاء دينه من كسبه فعن نهاية الأحكام احتمال الإعطاء بخلاف الفقير و المسكين، لأن حاجتهما تتحقق يوما فيوما، و الكسوب يحصل في كل يوم ما يكفيه، و حاجة الغارم حاصلة في الحال لثبوت الدين في ذمته، و إنما يقدر على اكتساب ما يقضي به الدين بالتدريج، و احتمال المنع تنزيلا للقدرة على الكسب منزلة القدرة على المال.

ثم إن صريح المتن حيث قال فلو كان في معصية لم يقض عنه كصريح غيره اعتبار عدم كون الدين في معصية، بل لا أجد فيه خلافا، بل عن الخلاف و المنتهى و التذكرة الإجماع على منع الإعطاء من سهم الغارمين في الدين المنفق في معصية، و يدل

ج 15، ص: 358

عليه- مضافا إلى ذلك، و إلى أن الزكاة إرفاق لا تناسب المعصية، بل في وفائه منها إغراء بالقبيح- ما في

تفسير علي بن إبراهيم (1)من قول العالم (عليه السلام):

«و الغارمين قوم قد وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف، فيجب على الامام (عليه السلام) أن يقضي عنهم و يفكهم من مال الصدقات»

و خبر الحسين ابن علوان (2)المروي عن قرب الاسناد عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) «أن عليا عليه السلام كان يقول: يعطى المستدينون من الصدقة و الزكاة دينهم كله إذا استدانوا في غير سرف»

و خبر محمد بن سليمان (3)المروي في الكافي في باب الديون «عن رجل من أهل الجزيرة يكنى أبا نجار قال: سأل الرضا (عليه السلام) رجل و أنا أسمع فقال له:

جعلت فداك إن الله عز و جل (4)يقول «وَ إِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» أخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله تعالى في كتابه لها حد

يعرف إذا صار هذا المعسر إليه لا بد من أن ينظر و قد أخذ مال هذا الرجل و أنفقه على عياله و ليس له غلة ينتظر إدراكها، و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه، قال: نعم ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الامام (عليه السلام) فيقضي عنه ما عليه من الدين من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله، فان كان أنفقه في معصية الله فلا شي ء على الامام (عليه السلام) له قلت: فما هذا الرجل الذي ائتمنه و هو لا يعلم فيما أنفقه في طاعة الله عز و جل أم في معصيته؟ قال: يسعى له في ماله و يرده عليه و هو صاغر»

و خبر صباح بن سيابة(5)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 10.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدين و القرض- الحديث 3 من كتاب التجارة و فيه« أبا محمد» بدل« أبا نجار».
4- 4 سورة البقرة- الآية 280.
5- 5 المستدرك- الباب- 27- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 359

عن الصادق (عليه السلام) المروي فيه أيضا قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله):

أيما مؤمن أو مسلم مات و ترك دينا لم يكن في فساد و لا إسراف فعلى الامام أن يقضيه، فان لم يقضه فعليه إثم ذلك»

مضافا إلى ما يشعر به صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (1)الآتي في قضاء الدين عن الميت، بل

خبر موسى بن بكر(2)المروي في الكافي أيضا لا يخلو من إشعار أيضا، قال: «قال لي أبو الحسن (عليه السلام): من طلب هذا الرزق من

حله ليعود به على نفسه و عياله كان كالمجاهد في سبيل الله، فان غلب عليه فليستدن على الله و على رسوله ما يقوت به عياله، فان مات و لم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فان لم يقضه كان عليه وزره، إن الله عز و جل يقول: «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ- إلى قوله- وَ الْغارِمِينَ» و هو فقير مسكين مغرم»

إلى غير ذلك من النصوص المحمول مطلقها على مقيدها و عامها على خاصها، فتجتمع جميعا على ما سمعت من الأصحاب الإجماع عليه، فوسوسة صاحب المدارك في دليل ذلك في غير محلها.

نعم لو تاب صرف اليه من سهم الفقراء و جاز أن يقضي هو و لا يجوز إعطاؤه معها من سهم الغارمين لإطلاق الأدلة السابقة، خلافا للمحكي عن المصنف في بعض فتاواه و ظاهره أو صريحه، في المعتبر، فجوز إعطاءه من سهم الغارمين، و احتمله في التذكرة لإطلاق الآية، و فيه ما لا يخفى، و اعتبار التوبة في الإعطاء من سهم الفقراء مبني على ما تعرف إن شاء الله من اعتبار العدالة أو اجتناب الكبائر، أما على القول بعدمه يعطى و إن لم يتب، بل قيل: و كذا الإعطاء من سهم سبيل الله بناء على تعميمه لكل قربة كما نص عليه في المسالك، و لعله لأنه بدونها لا قربة فيه، لما فيه من الإغراء بالقبيح، هذا. و في المسالك «في المسألة إشكال، و هو أنه مع صرف المال في المعصية


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدين و القرض- الحديث 2 من كتاب التجارة.

ج 15، ص: 360

إن لم يجز وفاؤه من سهم الغارمين لم يجز من سهم الفقراء و إن تاب، لأن الدين لا يدخل في سهم الفقراء، و إلا لم يكن الغرم قسيما للفقر، بل قسما منه، بل إما أن تكون التوبة مسوغة للدفع اليه من سهم الغارمين أو سهم سبيل الله، و إما أن لا يجوز الدفع لوفاء دين المعصية مطلقا، و قد لزم من ذلك احتمالات: عدم الجواز مطلقا اعتبارا بالمعصية المانعة، ذكره العلامة حكاية، و الجواز مع التوبة من سهم الفقراء، و هو الذي اختاره الشيخ، و تبعه عليه جماعة، و الجواز معها من سهم سبيل الله، و هو متوجه، و يمكن حل الإشكال بأن الفقير و إن لم يعط بسبب الفقر إلا قوت السنة لكن إذا دفع اليه ذلك ملكه و جاز له صرفه حيث شاء، فيجوز له صرفه في الدين، مع أن إعطاء قوت الزائد على قوت السنة إنما هو ممنوع تدريجا، أما دفعة فلا، نعم لو لم يكن فقيرا بأن كان مالكا لقوت سنته لم يتوجه على ذلك إعطاؤه من سهم الفقراء لعدم الفقر، و لا من سهم الغارمين لانفاقه في المعصية، فيجب أن يقيد كلام المصنف في جواز إعطائه من سهم الفقراء بكونه فقيرا» و لعلك إذا أحطت خبرا بما ذكرنا لا يخفى عليك محال النظر من كلامه، بل قد يقال: إنه بناء على ما قدمنا من تحقق الفقر بالغرم لا حاجة إلى تقييد كلام المصنف بما ذكره، فإنه يعطى المالك لقوت سنته من حيث الفقر بسبب ما عليه من الدين و إن كان قد صرفه في معصية لكن بشرط التوبة بناء على ما عرفت، فان دين المعصية و إن كان لا يقضى من سهم الغارمين لكنه يؤثر في الغارم صفة الفقر، فيعطى من هذه الجهة، فتأمل جيدا فإنه دقيق.

و كيف كان ف لو جهل فيما ذا أنفقه قيل و القائل الشيخ في المحكي عن نهايته يمنع و ربما مال إليه أول الشهيدين لخبر محمد بن سليمان (1)المتقدم آنفا،


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب الدين و القرض- الحديث 3 من كتاب التجارة.

ج 15، ص: 361

و للشك في وجود شرط الاستحقاق، و هو الاستدانة في غير معصية، كما هو المفهوم من الأخبار السابقة، فيحصل الشك في المشروط، فلا تبرأ الذمة بالدفع اليه و قيل و القائل الأكثر كما عن التذكرة، بل المشهور لا يمنع و هو الأشبه بعموم الأدلة و إطلاقها، و الخبر المزبور- مع احتماله المعلوم حاله من الاقدام على المعاصي و عدم التحرز عن الفسوق- لا جابر له، بل قد عرفت الشهرة على خلافه. بل منها ينقدح الشك في كون ذلك شرطا و إن كان يقتضيه ظاهر النصوص المزبورة، إلا أنه لإرادة المانعية منه و بعد التسليم يمكن تنقيح الشرط بأصالة الصحة في أفعال المسلم، لأنها من العلم الشرعي و قد بنيت عليه العبادات و المعاملات، مضافا إلى معلومية العسر في تتبع مصارف الأموال و التطلع على ما يخرجه الإنسان دائما، خصوصا بالنسبة إلى بعض الأفراد في بعض الأوقات، فمن البعيد اشتراط إعطاء الزكاة به، نعم لو علم هو حال

نفسه حرم عليه الأخذ من هذا السهم، و من ذلك يقوى إرادة المانعية مما ظاهره الشرطية، كما أنه يقوى في الذهن كون المدار على الإنفاق في غير المعصية، لا أن المدار على الإنفاق في الطاعة و إن اقتضاه أيضا ظاهر النصوص المزبورة، إلا أن المراد منها ذلك، خصوصا بملاحظة كلام الأصحاب، فحينئذ لا فرق في الإنفاق بين الواجب و المندوب و المكروه و المباح، و الناسي و الجاهل بالموضوع بل و الحكم مع عدم احتمال المعصية عنده و المجبور و المضطر لا يدخلون في العصاة، بل و كذا غير المكلف، و الظاهر أن المراد من الغرم هنا كل ما اشتغلت به الذمة و لو بإتلاف لا خصوص الاستدانات، و في اعتبار الحلول وجهان، و لكن مقتضى إطلاق النص و الفتوى عدمه.

هذا كله في الغارم لمصلحة نفسه، أما الغارم لإصلاح ذات البين- كما لو وجد قتيل لا يدري من قتله و كاد يقع بسببه فتنة فتحمل رجل ديته، أو بأن تلف مال لا يدري من أتلفه و كاد يقع بسببه فتنة فتحمل رجل قيمته- فالمحكي عن الشيخ و من

ج 15، ص: 362

تأخر عنه أنه يعطى الأول ما تحمله من الدية فقيرا كان أو غنيا إذا لم يؤدها من ماله، سواء استدان فأداها أم لم يؤدها بعد، لإطلاق الآية و غيرها المقتصر في تقييدها على المتيقن، و ل

قوله صلى الله عليه و آله (1): «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمس: غاز في سبيل الله، أو عامل عليها، أو غارم»

و قد يناقش فيه إن لم يكن إجماع بأن الخبر المزبور غير موجود في أصولنا، بل الموجود فيها مجرد عن الاستثناء، فيكون دالا على اعتبار الفقر في الغارم كما سمعت دعوى الإجماع عليه سابقا، بل ربما كان المتن في بعضها أو جميعها مطلقا، فيقيد به الآية حينئذ على إطلاقه الشامل للمستدين للمصلحة المزبورة، نعم لا بأس بإعطائه من سهم سبيل الله بناء على عمومه لكل قربة، بل لا بأس في استدانة الإمام (عليه السلام) أو وكيله على هذا السهم باعتبار ولايته، و لعله لذا استشكل فيه في المحكي عن نهاية الأحكام فقال: «فيقضي دينه من سهم الغارمين غنيا كان على إشكال أو فقيرا، لئلا يمتنع الناس من هذه المكرمة».

و من ذلك يظهر لك الحال في محتمل المال للإتلاف الذي قال في محكي المبسوط أنه ألحقه قوم بالدية، بل قيل: إنه قطع به الفاضل في جملة من كتبه ناصا على التسوية بين الفقير و الغني للآية، و للحاجة إلى إصلاح ذات البين، بل ألحق به الضامن مالا عن غيره إلا أنه قال: ما حاصله إن كانا معسرين جاز الأداء قطعا من غير فرق بين الصرف إلى الضامن أو المضمون عنه إذا كان الضمان بالاذن، نعم إن دفعه إلى الضامن فقضي به لا يرجع به على المضمون عنه لعدم الغرامة، و إن كانا موسرين لم يعط من سهم الغارم، سواء كان الضمان بالإذن أو لا، و أما إن كان

الضامن خاصة معسرا فان ضمن بالاذن لم يعط، لأن له الرجوع عليه، و إلا أعطي، إذ لا ملجأ له، و احتمال العدم كما عن التحرير لعود النفع إلى المضمون عنه ضعيف، و لو كان المعسر المضمون عنه خاصة


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 15.

ج 15، ص: 363

جاز إعطاؤه مع كون الضمان باذنه، و في الضامن إشكال من أنه دين تحمل لا صلاح ذات البين فيقضى مع اليسار، و من أن المصلحة هنا جزئية فلا يلتفت إليها بخلاف الكلية و عن المنتهى «الأقرب الصرف إلى الأصل، لأنه ممكن، و لا يصرف إلى الضامن لا يساره» و نحوه عن التحرير، و عن النهاية «لو استدان لعمارة المسجد أو قرى الضيف أعطي مع الفقر» و عن بعض الحواشي «لا يشترط الفقر» و لا يخفى عليك تحقيق الحال بعد الإحاطة بما ذكرنا، و الله أعلم.

و كذا لو كان للمالك دين على الفقير الذي لم يملك قوت سنته أو لم يتمكن من قضاء دينه على الكلام السابق جاز أن يقاصه به من الزكاة بمعنى احتسابه عليه من الزكاة المستحقة عليه بلا خلاف، كما اعترف به الفاضلان في ظاهر المعتبر و التذكرة و محكي المنتهى، و لا إشكال لأنه أحد أمواله، و مقبوض للمدفوع اليه، فهو أحد أفراد الإيتاء المأمور به،

قال عبد الرحمن بن الحجاج (1): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن دين لي على قوم طال حبسه عندهم لا يقدرون على قضائه و هم مستوجبون للزكاة هل لي أن أدعه و أحتسب به عليهم الزكاة؟ قال: نعم»

و قال عقبة بن خالد(2): «دخلت أنا و المعلى و عثمان بن عمران على أبي عبد الله (عليه السلام) فلما رآنا قال: مرحبا بكم وجوه تحبنا و تحبها، جعلكم الله معنا في الدنيا و الآخرة، فقال له عثمان: جعلت فداك فقال: نعم فمه، قال: إني رجل موسر فقال له: بارك الله في يسارك، قال: فيجي ء الرجل فيسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): القرض عندنا بثمانية عشر، و الصدقة بعشر، و ما زاد عليك إذا كنت موسرا أعطيته، فإذا


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 ذكر ذيله في الوسائل في الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و تمامه في فروع الكافي ج 2 ص 34 الطبع الحديث« باب القرض» 4.

ج 15، ص: 364

كان إبان زكاتك احتسبت بها من الزكاة».

إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه، بل الظاهر جواز مقاصته بأن يحتسبها صاحب الدين إن كانت عليه عليه، و يأخذها مقاصة من دينه و إن لم يقبضها المديون و لم يوكل في قبضها.

و كذا يجوز لمن هي عليه دفعها إلى رب الدين كذلك كما صرح به الشهيدان لإطلاق الأخبار و

الفتاوى بالاحتساب و بقضاء الدين عنه الشامل لصورتي الاذن و عدمه و في

موثق سماعة(1)«سألته عن الرجل يكون له الدين على رجل فقير يريد أن يعطيه من الزكاة فقال: إذا كان الفقير عنده وفاء بما كان عليه دين من دار أو متاع من متاع البيت، أو يعالج عملا ينقلب فيها بوجهه، فهو يرجو أن يأخذ منه ماله عنده من دين فلا بأس أن يقاصه بما أراد أن يعطيه من الزكاة أو يحتسب بها، و إن لم يكن عند الفقير وفاء و لا يرجو أن يأخذ شيئا منه فليعطه من زكاته و لا يقاصه بشي ء من الزكاة»

و لا يقدح ما فيه من التفصيل المحمول على ضرب من الندب، بل منه يعلم أن المقاصة غير الاحتساب، فالأولى تفسيرها في المتن و نحوه بما سمعته من الشهيدين و إن استبعده بعضهم بل الظاهر أنها حقيقة في ذلك مجاز في الاحتساب، و الأمر سهل بعد جواز الأمرين معا، لكن عن نهاية الفاضل أنه يجوز صرف السهم إلى الغارم بغير إذن صاحب الدين، و إلى صاحب الدين باذن المديون، و بدون الإذن إشكال، و لو منعناه سقط من الدين قدر المصروف، و منشأ الاشكال، مما تقدم، و من أن الغارم هو المستحق، و الآية نصت على كونها له، و منه ينسحب الإشكال في بعض أفراد المقاصة التي ذكرنا جوازها، إلا أنه لا ريب في ضعفه بعد ظهور الأدلة فيما قلناه، خصوصا ما تسمعه من نصوص الوفاء(2)عن الميت، بل في كشف الأستاذ بعد أن ذكر المسألة المزبورة قال: «و لو كان له على


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 15، ص: 365

الديان دين جاز له الاحتساب من الزكاة و إسقاط ما على المدين» و هو كذلك إذا كان قد حوله به أو أذن له في احتسابه على جهة الوفاء له عما عليه، بل له احتساب ما على الديان زكاة و فاء له عما له في ذمة الفقير.

و كذا لو كان الغارم ميتا جاز أن يقضى عنه من الزكاة، لأنه كالحي بالنسبة إلى ذلك، ضرورة بقائه مشغول الذمة و أن يقاص بها على الوجهين السابقين فيها بلا خلاف أجده في ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه،

قال عبد الرحمن في الصحيح (1): «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل عارف فاضل توفي و ترك عليه دينا لم يكن بمفسد و لا مسرف و لا معروف بالمسألة هل يقضى عنه من الزكاة الألف و الألفان؟

قال: نعم»

و عن يونس بن عمار(2)قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول:

قرض المؤمن غنيمة و تعجيل أجر، إن أيسر قضاك، و إن مات قبل ذلك احتسب ما به من الزكاة»

و قال زرارة(3)في الحسن: «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل حلت عليه الزكاة و مات

أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير فقال: إن كان أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه عنه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته، و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذا الحال أجزأت عنه».

و هما معا شاهدان على اعتبار قصور التركة عن الوفاء في الاحتساب من الزكاة، كما عن المبسوط و الوسيلة و التذكرة و التحرير و الدروس و البيان التصريح به، و اختاره


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 366

في المدارك و كشف الأستاذ و غيرهما، تحكيما لهما على غيرهما من النصوص (1)مضافا إلى ما دل على عدم انتقال التركة للوارث إلا بعد الوفاء أو عدم تمامية الانتقال، نعم في الأخير «لو أتلف الوارث المال و تعذر الاقتضاء لم يبعد جواز الاحتساب و القضاء» و هو كذلك و إن نسبه في الدروس إلى القيل مشعرا بالتوقف فيه، بل لا يبعد جواز الاحتساب مطلقا إذا تعذر الاستيفاء من التركة إما لعدم إمكان إثباته أو لغير ذلك كما صرح به في المسالك و كذا الروضة اقتصارا في تقييد المطلق على محل اليقين، خلافا لصريح المختلف و ظاهر المنتهى و نهاية الشيخ و ابن إدريس و المصنف هنا و الشهيد في اللمعة فجوزوا الوفاء مطلقا، للإطلاق المحمول على المقيد، و

لانتقال التركة إلى الوارث بالموت فيبقى الميت فقيرا، و فيه أن ذلك أولا أحد الأقوال في المسألة، و ثانيا أنها و إن انتقلت اليه إلا أن حق الدين متعلق بها، كما هو محرر في محله.

و كذا لو كان الدين على من تجب نفقته جاز أن يقضي عنه حيا و ميتا و أن يقاص بلا خلاف بل و لا إشكال، ضرورة كونه كالأجنبي بالنسبة إلى وفاء الدين، فتشمله الأدلة، بل لعل ظاهر المعتبر و التذكرة و المنتهى أنه موضع وفاق، و قد سمعت حسن زرارة(2)السابق، و

قال إسحاق بن عمار(3): «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل على أبيه دين و لابنه مئونة أ يعطي أباه من زكاته يقضي دينه؟ قال: نعم، و من أحق من أبيه»

و لا ينافي ذلك ما في

صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (4)«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا: الأب و الأم و الولد و المملوك و الامرأة، و ذلك أنهم عياله


1- 1 الوسائل- الباب- 46- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 و الباب 49 منها- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 367

لازمون له»

لأن المراد إعطاؤهم النفقة الواجبة، كما يدل عليه قوله عليه السلام: «و ذلك» إلى آخره فان قضاء الدين لا يلزمه اتفاقا، و الله أعلم.

و لو صرف الغارم ما دفع اليه المصرح له بكونه من سهم الغارمين في غير القضاء ارتجع على الأشبه لتشخص المال بقصد الدافع للغرم، فصرفه في غيره صرف المال في غير محله، خلافا للشيخ في المحكي من مبسوطة و جمله، فلا يرتجع لحصول الملك بالقبض، و فيه أنه بعد التسليم إنما ملكه ليصرفه في وجه مخصوص، فلا يشرع له غيره نعم الظاهر الاجتزاء عن الزكاة لحصول الامتثال بالدفع اليه، و لكن إذا تمكن من الارتجاع ارتجعه حسبة، كما تقدم تحقيق ذلك في المكاتب في نحو الفرض، و منه و مما تقدم في الفقر يعلم الحال فيما لو أبرأه صاحب الدين أو بان أن دينه في معصية أو أنه غير غارم و نحو ذلك، فلاحظ و تأمل.

و كذا تقدم في المكاتب و الفقير ما يعلم منه الحال فيما لو ادعى أن عليه دينا من أنه يقبل قوله إذا صدقه الغريم و كذا لو تجردت دعواه عن التصديق و الإنكار و في المتن أنه قيل: لا يقبل إلا بالبينة، و يحتمل أو اليمين لكن لم نعرف القائل كما اعترف به في المدارك، نعم قال: حكى العلامة في التذكرة عن الشافعي أنه لا يقبل دعوى الغرم إلا بالبينة، لأنه مدع، و لا يخلو من قوة، قلت: قد عرفت أنه توقف أيضا في دعوى الفقر و الكتابة، بل قال: ربما كان عدم القبول هنا أولى من عدمه في الفقر، لأن الغرم مما يمكن إقامة البينة عليه، و قد يقال في دفع الإشكال في المقامات الثلاثة إن الحاصل من الكتاب و السنة وجوب دفع الزكاة لا وجوب دفعها للفقير أو للغارم أو للمكاتب، و قوله تعالى «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ» إلى آخره إنما يدل على كون الصدقات لهم لا أن التكليف دفعها إليهم، و فرق واضح بين المقامين، نعم

ورد «لا تحل الصدقة لغني»

و نحوه مما يقضي بعدم جواز دفعها لغير الأصناف الثمانية،

ج 15، ص: 368

و هو كذلك في المعلوم أنه ليس منهم، أما غير المعلوم فيتحقق امتثال الأمر بالإيتاء بالدفع اليه، لكونه أحد أفراد الإطلاق، و لم يعلم كونه من أفراد النهي، بل أصالة البراءة عن حرمة الدفع إليه يقتضي خروجه عنها، و بالجملة الغنى مانع لا أن الفقر شرط و لو سلم كونه شرطا فهو محل لتناول الزكاة لا لدفعها ممن وجبت عليه، لعدم الدليل، بل مقتضى الإطلاق خلافه، و على هذا يتجه ما ذكره الأصحاب من قبول دعوى الفقر و الكتابة و الغرم، و لذا قال المصنف و الأول أشبه فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع، و تقدم و ربما يأتي له تتمة، هذا و في المدارك أن موضع الخلاف الغارم لمصلحة نفسه، أما الغارم لمصلحة ذات البين فلا يقبل دعواه إلا بالبينة قولا واحدا، و لعله كذلك إذا كان المانع متحققا فيه، كما لو كان غنيا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[السابع سبيل الله]

و السادس أو السابع في سبيل الله و هو في المقنعة و النهاية و المراسم و الإشارة على ما حكي عن بعضها الجهاد السائغ خاصة و قيل و القائل الأكثر بل المشهور يدخل فيه المصالح كبناء القناطر و الحج و مساعدة الزائرين و بناء المساجد و جميع سبل الخير، بل عليه عامة المتأخرين، بل في الخلاف و الغنية الإجماع عليه و من هنا كان هو الأشبه مضافا إلى اقتضاء اللفظ ذلك، إذ السبيل هو الطريق فإذا أضيف إلى الله سبحانه كان عبارة عن كل ما يكون وسيلة إلى تحصيل رضا الله و ثوابه، فيتناول الجهاد و غيره، و قال العالم (عليه السلام) فيما رواه عنه

علي بن إبراهيم (1)في تفسيره: «وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قوم يخرجون إلى الجهاد و ليس عندهم ما ينفقون، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما يحجون به و في جميع سبل الخير فعلى الامام (عليه السلام) أن يعطيهم من مال الصدقات حتى يقووا على الحج و الجهاد»

و قال علي بن يقطين في


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 369

الصحيح (1)لأبي الحسن (عليه السلام): «يكون عندي المال من الزكاة أ فأحج به موالي و أقاربي؟ قال: نعم»

و ترك الاستفصال فيه عن كيفية إحجاجهم كاف في الاحتجاج، ك

خبر محمد بن أبي نصر(2)المروي في مستطرفات السرائر عن جميل، قال: «سألت الصادق (عليه السلام) عن الصرورة أ يحجه الرجل من الزكاة؟ قال:

نعم»

و قال الحسن بن راشد(3): «سألت أبا الحسن العسكري (عليه السلام) بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله فقال: سبيل الله شيعتنا»

و خبر الحسين بن عمر(4)قال: «قلت للصادق (عليه السلام): إن رجلا أوصى إلى بشي ء في سبيل الله فقال لي:

اصرفه في الحج، قال: قلت: أوصى في السبيل قال: اصرفه في الحج، فاني لا أعلم شيئا في سبيل الله تعالى أفضل من الحج»

و في رواية أحد المشايخ «لا أعلم سبيلا من سبيله أفضل من الحج».

و على كل حال هو ظاهر في تعدد سبل الله و إن كان الحج أفضلها، على أنه على أي تقدير فيه شهادة على خلاف ما يقوله الخصم من كونه الجهاد الذي ربما يشعر بعض النصوص بكون التفسير له به للعامة،

قال يونس بن يعقوب(5): «إن رجلا كان بهمدان ذكر أن أباه مات و كان لا يعرف هذا الأمر

فأوصى بوصية عند الموت و أوصى أن يعطى شي ء في سبيل الله فسئل عنه أبو عبد الله (عليه السلام) كيف يفعل به؟

فأخبرناه أنه كان لا يعرف هذا الأمر فقال: لو أن رجلا أوصى إلى بوصية أن أضع في يهودي أو نصراني لوضعته فيهما، إن الله عز و جل (6)يقول:


1- 1 الوسائل- الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4 لكن عن آخر السرائر نقلا عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر عن جميل.
3- 3 الوسائل- الباب- 33- من كتاب الوصايا- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 33- من كتاب الوصايا- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 33- من كتاب الوصايا- الحديث 4.
6- 6 سورة البقرة- الآية 177.

ج 15، ص: 370

«فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» فانظر إلى من يخرج إلى هذا الوجه يعني بعض الثغور فابعثوا به اليه».

فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عمومه لكل قربة، فيداخل حينئذ جميع المصارف و يزيد عليها، و إنما يفارقها في النية، ضرورة شموله لجميع القرب من بناء خانات و تعمير روضة أو مدرسة أو مسجد أو إحداث بنائها، أو وقف أرض أو تعميرها، أو وقف كتب علم أو دعاء و نحوها، أو تزويج عزاب أو غيرهم، أو تسبيل نخل أو شجر أو ماء أو مأكول أو شي ء من آلات العبادة، أو إحجاج أحد أو إعانة على زيارة أو في قراءة أو تعزية، أو تكرمة علماء أو صلحاء أو نجباء، أو إعطاء أهل الظلم و الشر لتخليص الناس من شرهم و ظلمهم، أو إعطاء من يدفع ظلمهم و يخلص الناس من شرهم، أو بناء ما يتحصن به المؤمنون عنهم، أو شراء الأسلحة لدفاعهم، أو إعانة المباشرين لمصالح المسلمين من تجهيز الأموات أو خدمة المساجد و الأوقاف العامة أو غير ذلك.

و من هنا قال الأستاذ في كشفه: «إنه لا يعتبر في المدفوع إليه إسلام و لا إيمان و لا عدالة و لا فقر و لا غير ذلك للصدق» لكن في التذكرة بعد أن ذكر دخول الزوار و الحجاج قال: «و هل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السهمين، و من اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير» بل جزم في المسالك و الروضة باعتبار الفقر، بل ربما ظهر من الغنية الإجماع عليه، قال في الأول: «و يجب تقييد المصالح بما لا يكون فيه إعانة لغني مطلقا بحيث لا يدخل في شي ء من الأصناف الباقية، فيشترط في الحاج و الزائر الفقر أو كونه ابن السبيل أو ضيفا، و الفرق بينهما حينئذ و بين الفقير أن الفقير لا يعطى الزكاة ليحج بها من جهة كونه فقيرا و يعطى لكونه في سبيل الله» و استشكله في المدارك بأن فيه تخصيصا لعموم الأدلة من غير دليل، إلا أنه قال: «و المعتمد جواز صرف هذا السهم في كل قربة لا يتمكن فاعلها من الإتيان بها،

ج 15، ص: 371

و إنما صرنا إلى هذا التقييد لأن الزكاة إنما شرعت بحسب الظاهر لدفع الحاجة، فلا تدفع مع الاستغناء عنها، و مع ذلك فاعتباره محل تردد» قلت: هو في محله، بل الأقوى عدم اعتباره، لإطلاق الأدلة، و حكمة المشروعية لا تصلح للتقييد، و إلا لاقتضت الصرف في خصوص سد الخلة، و ما ورد من أنها لا تحل الصدقة لغني محمول على ما لا ينافي ذلك من إرادة الصدقة عليه على نحو الصدقة على الفقير، بل هو الظاهر منه، و حينئذ لا تكون الصدقة عليه من القرب التي هي سبيل الله، كما هو واضح.

و مما يؤيد ذلك اتفاقهم ظاهرا على أن الغازي يعطى و إن كان غنيا قدر كفايته على حسب حاله شرفا و ضعة و قرب المسافة و بعدها و غير ذلك، بل في المدارك أن هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، إذ العمدة فيه العموم المزبور، لأن

النبوي (1)«لا تحل الصدقة لغني إلا لثلاثة- و عد منها- الغازي»

قد عرفت عدم وجوده في شي ء من أصولنا، و كون ما يأخذه من الزكاة كالأجرة على الغزو فلا يعتبر في إعطائه وصف آخر تعليل اعتباري لا يصلح أن يكون مدركا.

و كيف كان فلا خلاف في أنه إذا غزا لم يرتجع ما بقي منه عنده، بل في التذكرة أنه موضع وفاق بين العلماء، لأنه ملكه بالقبض، و كونه كالإجارة له على عمله، أو كالنفقة التي لا ريب في ملك ذيها ما يفضل منها بما يضيق على نفسه، فلا يسترد و هو واضح، نعم إن لم يغز أو رجع من الطريق استعيد لأنه إنما ملكه ليصرفه في الوجه المخصوص و لم يحصل و إذا كان الامام (عليه السلام) غير مبسوط اليد على وجه لا يقع منه الجهاد أو كان مفقودا أي غائبا مستترا سقط نصيب الجهاد (11) بناء على أنه سبيل الله، و حينئذ يحفظ بناء على التوزيع إلى حصول مصرفه و (12) لا يصرف في المصالح (13) نعم بناء على أن سبيل الله كل قربة لا يسقط


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 15 و فيه« إلا الخمس.».

ج 15، ص: 372

هذا السهم بتعذر بعض أفراد المصرف و هو ظاهر، مع أنه قد يمكن وجوب الجهاد مع عدم تمكنه أيضا، كما إذا دهم المسلمين عدو يخاف منه على بيضة الإسلام لا للدعوة إلى الإسلام، فإن ذلك لا يكون إلا مع الامام (عليه السلام) و حينئذ ف لا يسقط هذا السهم على كل من القولين بل يكون النصيب باقيا مع وقوع ذلك التقدير بل منه يعلم عدم سقوط سهم المؤلفة بناء على أن المراد بهم الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ للجهاد، لما عرفت من إمكانه في زمن الغيبة، لكن في المتن و كذا يسقط سهم السعاة و سهم المؤلفة و يقتصر بالزكاة على بقية الأصناف و فيه ما لا يخفى، بل قد عرفت أن الأقوى عموم التألف، بل في المدارك لم أقف على ما يقتضي سقوط سهم السعاة، و من ثم جزم الشهيد في الدروس ببقائه في زمن الغيبة مع تمكن الحاكم من نصيبهم، و هو جيد، لاندراجهم في العاملين، قلت: اللهم إلا أن يقال: إن المراد بالعاملين السعاة لجباية الصدقات بإذن الامام، و هذا لا يكون إلا مع ظهوره و بسط يده، بل لا ينكر إشعار الآية و غيرها بذلك و كذا التأليف، فلعل المراد بالسقوط هنا نحو سقوط تعيين صلاة الجمعة و العيدين و الحدود و غيرها، و الله أعلم.

[الثامن ابن السبيل]

و السابع أو الثامن ابن السبيل و هو و إن كان عاما لمطلق المسافر إلا أن المراد به هنا المنقطع به فعجز عن سفره بذهاب نفقته أو نفادها أو تلف راحلته أو نحو ذلك مما لا يقدر معه أن يتحرك، فلا يستعمل إلا في المسافر إلى غير وطنه و مقره و لو بالعارض كالبلد التي دخلها مسافرا فعزم على استيطانها، أما المقيم عشرا فصاعدا أو المتردد ثلاثين يوما أو نحو ذلك مما يوجب التمام فغير خارج عن صدق ابن السبيل عرفا و إن انقطع سفره شرعا بالنسبة للقصر و الإتمام، و الإفطار و الصيام، ضرورة عدم التنافي بينهما، فما عن ظاهر المبسوط و صريح التذكرة و كذا ابن فهد في المحرر و إن قال:

إلا لضرورة كانتظار رفقة من انقطاع سفره بالنسبة للمقام فلا يعط من سهم ابن السبيل

ج 15، ص: 373

واضح الفساد، كوضوح فساد دعوى صدقه على من أراد إنشاء السفر المحتاج اليه و لا قدرة له عليه، خلافا للمحكي عن الإسكافي و الشهيد في الدروس و اللمعة، ضرورة انسياق المتلبس في الاستطراق لا المريد له، و في

تفسير علي بن إبراهيم (1)عن العالم عليه السلام «و ابن السبيل أبناء الطريق الذين يكونون في الأسفار في طاعة الله فينقطع عليهم و يذهب مالهم فعلى الامام أن يردهم إلى أوطانهم من مال الصدقات»

فدعوى صدقه عليه باعتبار إرادته قطع الطريق و إنشائه للسفر لا يصغى إليها، كقياسه على ناوي الإقامة في بلد ثم أراد الخروج منها، ضرورة فرق العرف بينهما، نعم لا بأس بالدفع اليه من سهم سبيل الله، كما أنه لا بأس بالدفع اليه بعد تلبسه بالسفر على وجه يصدق عليه أنه ابن سبيل، إذ لا نعتبر فيه حدوث انقطاع الطريق به يتجدد ذهاب ماله، بل يكفي فيه انقطاع الطريق به و لو لقصور أصل ماله، و لعل ذا هو الذي دعا الشهيد إلى عده ابن سبيل، لأنه بمجرد تلبسه بالسفر و خروجه إلى محل الرخصة يصدق عليه ذلك، فلا فائدة في اعتبار حصول ذلك منه، لكنه بعد تسليم الصدق عليه بذلك لا بد من تحققه في جواز التناول و التصرف، لتوقف صدق الموضوع عليه، و الأول إليه غير كاف قطعا.

و كيف كان يعطى ابن السبيل هذا السهم و إن كان غنيا في بلده إذا كان لا يمكنه الاعتياض عنه ببيع أو اقتراض أو غيرهما، و إلا لم يعط، لعدم صدق الانقطاع به، و دعوى تحققه بمجرد تعذر البيع و نحوه دون الاستدانة كدعوى تحققه و إن تمكن من الجميع لا يصغى إليهما، و إن نسب ثانيهما إلى المصنف في المعتبر لكن لا تصريح فيه، نعم لم يذكره شرطا، و يمكن اكتفاؤه عن ذلك بتفسيره ابن السبيل بالمنقطع به، لما عرفت من عدم صدقه بدون ذلك، بل لعل ترك كثير التعرض له لذلك لا لعدم اشتراطه، و إلا كانوا محجوجين بما دل عليه من النص و معقد الإجماع و غيرهما مما دل


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 374

على اعتبار الفقر و الحاجة في الزكاة، و أنها لا تحل لغني و غير ذلك.

و كذا الكلام في الضيف الذي هو محتاج للضيافة، فإنه لا يخرج بها عن كونه ابن سبيل، ضرورة تحقق الصدق عليه، فيعطى من سهم ابن السبيل، بل يحتسب عليه ما يأكله عنده منه، لعدم وجوب نفقته عليه، و كأن الداعي إلى نص المصنف عليه بيان أنه لا يخرج بالضيافة عن كونه ابن سبيل، و دفع توهم فرد آخر لابن السبيل، أو أنه يلحق به، و أن ما ورد فيه من الرواية(1)محمولة على ذلك، و الأصل في المسألة عبارة المفيد في المقنعة قال: «و ابن السبيل و هم المنقطع بهم في الأسفار، و قد جاءت رواية أنهم الأضياف يراد به من أضيف لحاجة إلى ذلك و إن كان له في موضع آخر غنى و يسار، و ذلك راجع إلى ما قدمناه» و كأنه أشار بقوله: «و ذلك راجع» إلى آخره إلى ما ذكرناه، و قال ابن زهرة: «و روي أيضا أنه الضيف الذي ينزل بالإنسان و إن كان في بلده غنيا أيضا» و ربما استظهر منها و من المقنعة أن الرواية تقتضي انحصار ابن السبيل فيه، لكن قد يحتمل في كلام ابن زهرة عدم الانحصار باعتبار وجود لفظ «أيضا» في كلامه، و في نهاية الشيخ «و قيل أيضا: إنه الضيف الذي ينزل بالإنسان، و يكون محتاجا في الحال و إن كان له يسار في بلده و موطنه» و نحوه في نقل الانحصار قولا الطبرسي و سلار على ما قيل، لكن ليس في كلامهما لفظ «أيضا» و أطلقا الضيف، و عن المبسوط و روي أن الضيف داخل فيه، فصرح بالدخول، و أطلق الضيف كالمحكي عن نهاية الفاضل، و في الوسيلة «و قال بعض أصحابنا:

الضيف إذا كان فقيرا داخل فيه» و عن فقه القرآن للراوندي «و ابن السبيل المسافر المنقطع به و الضيف» و هو مع إطلاقه الضيف ظاهر في الدخول، و في شرح الأصبهاني للمعة، و كذا الفاضلان في غير المنتهى و التحرير و النهاية و المختلف إلا أنهما لم يطلقا، بل اشترطا السفر و نصا


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 9.

ج 15، ص: 375

على التسوية بينه و بين المنقطع به في الشرائع و القواعد، و عن المنتهى و التحرير بعد ذكر المنقطع به قال: و يدخل فيه الضيف، و ظاهرهما الدخول في التفسير كالشهيد في اللمعة، بل هو صريح المختلف، لكن في المسالك في شرح عبارة المصنف أي «يلحق بابن السبيل في جواز ضيافته من الزكاة» قال: «و يشترط فيه أن يكون مسافرا محتاجا إلى الضيافة و إن كان غنيا في بلده» و في الإرشاد «و هو المنقطع به و إن كان غنيا في بلده، و الضيف بشرط إباحة سفرهما» و عن حاشية ثاني الشهيدين عليه أيضا أي يلحق بابن السبيل في جواز ضيافته من الزكاة مع حاجته إليها و إن كان غنيا في بلده، و فيه أن العبارتين ظاهرتان في الدخول في ابن السبيل، خصوصا عبارة الإرشاد، مع أنه لا وجه للإلحاق و لا دليل معتد به عليه، سيما مع ظهور الآية و الرواية و معاقد الإجماعات في خلافه، على أنه بعد أن اشترط فيه السفر و الحاجة للضيافة لا ينبغي التأمل في دخوله فيه، بل في المنقطع به.

و بالجملة دعوى لحوق الضيف بابن السبيل في الحكم كدعوى كونه فردا منه مقابلا للمنقطع به لا دليل عليهما، إذ الرواية مع إرسالها و عدم انجبارها لم نقف على متنها في شي ء من الأصول، فلا تصلح لإثبات ذلك، خصوصا مع منافاتها على هذا التقدير لظاهر الآية و الرواية و معاقد الإجماعات، فيجب الاقتصار حينئذ في ابن السبيل على ما ذكرنا، و يدخل فيه الضيف الذي هو مسافر و محتاج للضيافة، ضرورة كونه حينئذ أحد أفراد المنقطع به، و من الغريب ما يحكى عن بعض الحواشي من عدم اشتراط الغربة فيه و لا الحاجة، و احتمال أن مستنده إطلاق الرواية غير مجد، مع أن الذي عثرنا عليه من حكايتها الإطلاق الذي هو غير كاف في المعارضة لمفهوم ابن السبيل، و ما وقع تفسيرا في غيرها و مقام استحقاق الزكاة المشعر بالحاجة و غير ذلك، و على كل حال فالنية عند شروعه في الأكل بالوضع في الفم أو المضغ أو البلع، و إن لم يعلم مقدار ما سيأكله

ج 15، ص: 376

و قد يحتمل عند البذل كما في الفقير، إلا أن الأول أظهر، لعدم التمليك هنا بل و لا بذل و إنما فيه تقديم للأكل، و لذا لا يملك إلا ما يأكله، و له أن ينوي ما أكله زكاة بعد الأكل، و لا يقدح كونه مجهولا عند المحتسب و الناوي، لعدم منافاة ذلك لمعلومية أقل ما يحتمل أكله، على أنه إن كان قد عزل الحنطة للزكاة و قد بقي من الخبز شي ء أعطاه مستحقا آخر إن أمكن، و إلا اقتصر في الاحتساب على ما ذكرناه، كما هو واضح.

و كيف كان ف لا بد أن يكون سفرهما مباحا، فلو كان معصية لم يعط بلا خلاف كما اعترف به بعضهم، بل نفاه في المدارك بين العلماء، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، و رواية العالم (عليه السلام)(1)دالة عليه، مضافا إلى ما في إعطائه من الإعانة على الإثم و العدوان، بل الرواية المزبورة دالة على اعتبار كون السفر طاعة كالمحكي عن ابن الجنيد، إلا أنها لقصور سندها و عدم مقاومتها لإطلاق الكتاب المعتضد بفتاوى الأصحاب ينبغي حمل الطاعة فيها على ما لا معصية فيه، و اليه أومأ في المختلف في الجواب عنها بأن الطاعة تصدق على المباح، بمعنى أن فاعله معتقد لكونه مباحا مطيع في اعتقاده و إيقاع الفعل على وجهه، لا أن المراد صدقها حقيقة، كما هو واضح.

و على كل حال ف يدفع اليه من الزكاة قدر الكفاية اللائقة بحاله من المأكول و الملبوس و المركوب أو ثمنها أو الأجرة إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء الوطر من سفره، أو يصل إلى محل يمكنه الاعتياض فيه و لو فضل منه شي ء و لو بالتضييق على نفسه أعاده وفاقا للأكثر بل المشهور، تقديرا للضرورة بقدرها، و لتشخيص المالك له في المصرف الخاص كما هو المفروض، و قد عرفت أن قصده مشخص للمصارف و لو لم نقل بوجوب البسط و قيل و القائل الشيخ في الخلاف


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.

ج 15، ص: 377

لا يعيد، و لا ريب في ضعفه كما سمعته في الغارم و الرقاب، هذا. و في المسالك «لا فرق أي في وجوب الرد بين النقدين و الدابة و المتاع» و كأنه أشار إلى ما عن نهاية الفاضل من إنه لا يسترد منه الدابة، لأنه ملكها بالإعطاء، بل عن بعض الحواشي إلحاق الثياب و الآلات بها، و لعل ذلك لأن المزكي يملك المستحق عين ما دفعه اليه، و المنافع تابعة، و الواجب على المستحق رد ما زاد من العين على الحاجة، و لا زيادة في هذه الأشياء إلا في المنافع، و لا أثر لها مع ملكية تمام العين، اللهم إلا أن يلتزم انفساخ ملكه عن العين بمجرد الاستغناء، لأن ملكه متزلزل، فهو كالزيادة التي تجدد الاستغناء عنها.

ثم إن الإعادة كما في الروضة للمالك أو وكيله، فان تعذر فالى الحاكم، فان تعذر صرفه بنفسه إلى مستحق الزكاة ناويا به عن المالك، و فيه أولا أنه لا وجه للزوم هذا الترتيب بعد فرض تعين المال زكاة بالدفع و القبض، فيجزيه، بل يتعين عليه الدفع للحاكم من أول الأمر، اللهم إلا أن يقال ببقاء ولاية المالك عليه، فينبغي اعتبارها مع التمكن منها، و لو قيل بعدم صيرورته زكاة بذلك بل يعود إلى ملك المالك أشكل بعدم جواز دفع المستحق بل و الحاكم الزكاة عنه من دون إذنه مع عدم امتناعه، و بالجملة لا يخلو الترتيب المزبور من إشكال، على أنه ينبغي تقييد الأخير بدفعه زكاة في هذا المصرف الخاص، لأنه هو الذي حصل فيه إذن المالك، و الله أعلم.

[القسم الثاني في أوصاف المستحقين للزكاة]
اشاره

القسم الثاني في أوصاف المستحقين للزكاة

[الوصف الأول الإيمان]

الوصف الأول الإيمان بالمعنى الأخص فلا يعطى الكافر بجميع أقسامه في غير التأليف و سبيل الله بلا خلاف معتد به بين المسلمين فضلا عن المؤمنين، بل

ج 15، ص: 378

الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر، بل يمكن دعوى كونه من ضروريات المذهب أو الدين و كذا لا يعطى عندنا معتقدا لغير الحق من سائر فرق المسلمين بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه متواتر كالنصوص خصوصا في المخالفين،

قال إسماعيل بن سعد الأشعري (1): «سألت الرضا (عليه السلام) عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال: لا و لا زكاة الفطرة»

و قال ضريس(2): «سأل المدائني أبا جعفر (عليه السلام) أن لنا زكاة نخرجها من أموالنا فيمن نضعها؟ فقال: في أهل ولايتك، فقال: إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك فقال: ابعث بها إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا

تدفعها إلى قوم إن دعوتهم إلى أمرك لم يجيبوك، و كان و الله الذبح»

و قال ابن بلال (3): «كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال و الصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب لا تعطي الصدقة و الزكاة إلا لأصحابك»

و قال عمر بن يزيد(4): «سألته عن الصدقة على النصاب و على الزيدية فقال: لا تتصدق عليهم بشي ء، و لا تسقهم من الماء إن استطعت، و قال:

الزيدية هم النصاب»

و قال ابن أبي يعفور(5)لأبي عبد الله (عليه السلام): «جعلت فداك ما تقول في الزكاة لمن هي؟ فقال: هي لأصحابك، قال: قلت: فان فضل عنهم قال: فأعد عليهم، قال: قلت: فان فضل عنهم قال: فأعد عليهم، قال: قلت: فان فضل عنهم قال: فأعد عليهم، قلت: فيعطى السؤال منها شيئا فقال: لا و الله إلا التراب إلا أن ترحمه، فان رحمته فأعطه كسرة، ثم أومأ بيده فوضع إبهامه على أصول أصابعه»

و في المقنعة عن

زرارة و بكير و الفضيل و محمد بن مسلم و بريد كلهم (6)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «أنهما قالا: موضع الزكاة أهل الولاية»

و رواه الشيخ


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 12.

ج 15، ص: 379

في الصحيح (1)بما يقرب من هذا الاسناد عنهما أيضا كذلك، قال: «قالا: الزكاة لأهل الولاية قد بين الله لكم موضعها في كتابه»

بل في

المروي (2)عن قرب الاسناد عن علي بن جعفر أنه سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن الزكاة هل هي لأهل الولاية؟

فقال: قد بين الله لكم ذلك في طائفة من الكتاب»

و لعل المراد الإشارة إلى آية النهي (3)عن موادة من حاد الله و ما شابهها، فيكون الكتاب دالا على المطلوب مضافا إلى السنة، إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربعة و غيرها التي لا يسع المقام استقصاؤها، بل هي أكثر من أن تستقصي، خصوصا مع ملاحظة ما دل (4)على إعادة المستبصر زكاته، و جملة منها بإطلاقها أو عمومها تدل على المنع بالنسبة إلى باقي الفرق المخالفة و إن عدوا من الشيعة.

مضافا إلى ما ورد فيهم من النصوص بالخصوص، ك

خبر يونس بن يعقوب (5)«قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام): أعطي هؤلاء الذين يزعمون أن أباك حي من الزكاة شيئا قال: لا تعطهم، فإنهم كفار مشركون زنادقة»

و مرسل ضريس (6)عن الطيب يعني علي بن محمد و عن أبي جعفر (عليهما السلام) «أنهما قالا: من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة و لا تصلوا وراءه»

و غيرهما.

و لا يخفى عليك ظهور النصوص في شرطية الايمان لا أن عدمه مانع، فمجهول الحال لا يعطي إلا أن يكون هناك طريق شرعي لإثبات إيمانه بدعواه أو كونه في سبيل


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 15.
3- 3 سورة المجادلة- الآية 22.
4- 4 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المستحقين للزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 7- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و هو مرسل الحسن بن العباس بن جريش الرازي.

ج 15، ص: 380

أهل الايمان، قال الأستاذ في كشفه: «و يكفي في ثبوت وصف الإيمان ادعاؤه و كونه مندرجا في سلك أهله، أو ساكنا أو داخلا في أرضهم ما لم يعلم خلافه» بعد أن حكم بأن الجاهل المطلق القاصر عقله عن الإدراك أو البعيد بحيث لا يمكنه الوصول و السؤال و المتربي

بين كفار و نحوهم بحيث لا يمكنه الخروج للاستعلام أو كان مشغولا بالنظر يقبل عذره لو اعتذر ليسوا من العصاة، و لا يعطون من الزكاة، و هو جيد.

ثم إن الظاهر استثناء المؤلفة لما عرفت و سهم سبيل الله من هذا الشرط، أما غيرهم فعلى مقتضى إطلاق ما دل على المنع، و دعوى كونه شرطا فيهم أيضا واضحة الفساد على ما سمعت البحث فيه مفصلا، كوضوح فساد اعتباره في سهم سبيل الله بعد ظهور دليله في عدم اعتبار ذلك فيه، بل هو موضوع آخر لا يوصف بالايمان، و ظاهر ما دل على اعتبار الإيمان إنما هو في المستحقين بالذات لا ما كان مصرفه الجهات و إن رجعت إلى الذات في بعض الأوقات، كإعطاء أهل الخلاف لدفع شرهم عن المؤمنين و نحو ذلك مما هو في الحقيقة دفع للمؤمنين باعتبار وصول النفع إليهم، مع أن أدلة اعتبار الايمان ظاهرة في كون ذلك شرطا في الاستحقاق الشرعي، و الدفع لهؤلاء في نحو الفرض ليس لاستحقاقهم ذلك، و بالجملة لا يخفى على من له أدنى درية عدم صلاحية أدلة سبيل الله للتقييد بما هنا، نعم ظاهر الأدلة هنا أن غير المؤمن ليس من سبيل الله تعالى، فلا يدفع اليه لذاته من الزكاة، أما الدفع إليه لمصلحة أخرى فلا بأس به، ضرورة كونه كالدفع لتحصيل مصالح المؤمن أو دفع المضار عنه، و لعله إلى ما ذكرنا يرجع استثناء بعضهم المؤلفة و الغزاة من اشتراط الايمان، لما عرفت من أن الدفع للغزاة من سهم السبيل أما استثناء العاملين خاصة مع المؤلفة كما وقع من ابن زهرة فلا وجه له، لما عرفت و تعرف أن العاملين يعتبر فيهم العدالة فضلا عن الايمان، و لعله لحظ أن الدفع إليهم من قسم الأجرة التي لا تفاوت فيها بين المؤمن و غيره، لكن لا يخفى عليك ما فيه

ج 15، ص: 381

بعد الإحاطة بما قدمنا.

و أوضح منه فسادا دعوى أن اعتبار الايمان في سهم الفقراء و المساكين خاصة دون باقي الأصناف، إذ مقتضاه جواز الدفع للغارمين من المخالفين و في فك رقابهم و لابن السبيل منهم زيادة على العاملين، و لا ريب في بطلانه، لقوة ما دل على اعتبار الايمان في دفع الزكاة من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات، حتى أنه ورد في بعض النصوص (1)طرحها في البحر مع عدم المؤمن، و أن أموالنا و أموال شيعتنا حرام على أعدائنا، و أنك لا تعطيهم إلا التراب، إلى غير ذلك مما لا يصغى معه إلى دعوى كون التعارض بين الأدلة من وجه التي هي في المقام شبه دعوى كون التعارض بين ما دل على قضاء حاجة المؤمن و حرمة اللواط مثلا من وجه، كما هو واضح، و الله أعلم.

و كيف كان ف مع عدم المؤمن و عدم مصرف آخر شرعي تحفظ إلى حال التمكن منه، و لا تعطى للمخالف بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، لإطلاق أدلة المنع، و ظهور جملة منها، و صراحة آخر في ذلك، فما في

خبر يعقوب بن شعيب الحداد(2)عن العبد الصالح (عليه السلام) من أنه «إن لم يجد من يحمل زكاة ماله للمؤمن يدفعها إلى من لا ينصب»

مطرح أو محمول على مستضعف الشيعة أو نحو ذلك، كما أن ما عساه يظهر من جملة من الكتب من وجود الخلاف الآتي في الفطرة في المقام لا يلتفت اليه.

نعم يجوز صرف الفطرة خاصة مع عدم المؤمن إلى المستضعفين من المخالفين كما في المسالك عند المصنف، بل نسب إلى الشيخ و أتباعه، ل

موثق الفضيل (3)


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8 و 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 382

عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كان جدي (صلى الله عليه و آله) يعطي فطرته الضعفة و من لا يتوالى، و قال: قال أبوه: هي لأهلها إلا أن لا تجدهم فلمن لا ينصب و لا تنقل من أرض إلى أرض، و قال: الإمام أعلم يضعها حيث يشاء، و يصنع فيها ما يرى»

و موثق إسحاق بن عمار(1)عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «سألته عن صدقة الفطرة أعطيها غير أهل ولايتي من جيراني قال: نعم، الجيران أحق بها لمكان الشهرة»

و صحيح علي بن يقطين (2)سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام) «عن زكاة الفطرة أ يصلح أن تعطى الجيران و الظؤرة ممن لا يعرف و لا ينصب؟ فقال: لا بأس بذلك إذا كان محتاجا»

و خبر مالك الجهني (3)«سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن زكاة الفطرة قال: تعطيها المسلمين، فان لم تجد مسلما فمستضعفا»

و مكاتبة علي بن بلال (4)«تقسم الفطرة على من حضره و لا يوجه ذلك إلى بلدة أخرى و إن لم يجد موافقا».

لكن المعروف بين الأصحاب عدم الجواز حتى نسبه بعض إلى الأشهر و آخر إلى المشهور، بل عن الانتصار و الغنية الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق النهي عن دفع الزكاة إلى غير المؤمن الشامل للمستضعف، و إطلاق

قول الرضا (عليه السلام)(5)لما سئل عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف: «لا و لا زكاة الفطرة»

كقوله (عليه السلام)(6)في تعليل تعطيل الزكاة أربع سنين إن لم يوجد لها أحد من الشيعة و إلا فصرها صررا و اطرحها في البحر: «فان الله عز و جل حرم أموالنا و أموال شيعتنا على عدونا»

و غير ذلك من إطلاق النصوص و معاقد الإجماعات، لكن لا يخفى عليك انصرافها كغيرها

من المطلقات إلى زكاة المال، و قول الرضا (عليه السلام) الأول


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8.

ج 15، ص: 383

مطلق يقيد بما عرفت، و الإجماع المحكي موهون بمصير من عرفت إلى خلافه، خصوصا بعد عدم تحقق الشهرة المحكية التي يمكن أن يكون حاكيها قد استفادها من ظاهر إطلاق الفتاوى، لأن ما حكي عنهم من التصريح بذلك لم يصل إلى حد الشهرة، بل إن لم ينعقد إجماع لأمكن القول بجواز دفعها مع التقية لغير المستضعف من الجيران، كما أومأت إليه تلك النصوص، و ليس عليه أن يعيدها، و لعله لا إجماع عليه في هذا الفرض، بل لا يبعد الجواز أيضا في زكاة المال مع التقية أيضا، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و تعطى الزكاة أطفال المؤمنين دون أطفال غيرهم بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم، بل في المختلف و الروضة و المدارك الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق الكتاب و السنة، و

حسن أبي بصير(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):

الرجل يموت و يترك العيال يعطون من الزكاة قال: نعم»

و خبر عبد الرحمن (2)«قلت لأبي الحسن (عليه السلام): رجل مسلم مملوك و مولاه رجل مسلم و

له مال لم يزكه و للمملوك ولد حر صغير أ يجزي مولاه أن يعطي ابن عبده من الزكاة؟ قال: لا بأس»

و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة(3): «ورثة الرجل المسلم إذا مات يعطون من الزكاة و الفطرة كما كان يعطى أبوهم حتى يبلغوا، فإذا بلغوا و عرفوا ما كان أبوهم يعرف أعطوهم، و إذا نصبوا لم يعطوا»

و خبر يونس بن يعقوب (4)المروي عن قرب الاسناد «قلت للصادق (عليه السلام): عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا و طعاما و أرى أن ذلك خير لهم قال: لا بأس».

و لا فرق في ذلك بين عدالة الآباء و فسقهم، لمعلومية عدم تبعية الولد في ذلك، لعدم الدليل، كمعلومية عدم بناء الحكم هنا على عدم اعتبار العدالة، أو على كون الفسق


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 45- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 384

مانعا، و ليس متحققا في الطفل، ضرورة تصريح من اشترطها بالدفع إليهم للأدلة الخاصة التي سمعتها، و انسياق ما دل على اعتبارها في القابل للاتصاف بها و بضدها، كما هو واضح.

و كذا لا فرق بين الذكر و الأنثى و الخنثى و لا بين المميز و غيره، لإطلاق الأدلة.

و لو تولد بين المسلم و الكافر ففي البيان و المسالك مسلم، و مقتضاه عدم الفرق بين كون الأب المسلم أو الأم، و لعله لدليل التبعية لأشرف الأبوين و لو لكون الشرف بالنسبة إلى الإسلام و الكفر أتم من الرقية بالنسبة للحرية، و كذا الحال في الايمان، و لذا صرحا أيضا بأنه لو تولد بين المؤمن و غيره من الفرق الإسلامية جاز إعطاؤه خصوصا إذا كان المؤمن الأب، بل قد يقال بالتبعية للجد المؤمن و إن كان الأب كافرا على إشكال، و ولد الزنا من المؤمنين كولده من الكافرين لا تبعية فيه لأحدهما، بناء على كونها في النكاح الصحيح، فدفع الزكاة إليه حينئذ مبني على كون الايمان فعلا أو حكما شرطا فلا يعطى، أو أن الكفر فعلا أو حكما مانع فيعطى.

ثم لا يخفى أن المراد من إعطاء الأطفال في النص و الفتوى الإيصال إليهم على الوجه الشرعي المعلوم بالنسبة إليهم، فإذا أراد الدفع إليهم من سهم الفقراء مثلا سلم بيد وليهم لأن الشارع سلب أفعالهم و أقوالهم، فلا يترتب ملك لهم على قبضهم، و معلوم اعتبار الملك في هذا السهم، و احتمال الاجتزاء به هنا تمسكا بالإطلاق المزبور الذي لم يكن مساقا لذلك في غاية الضعف، كاحتمال عدم اعتبار الملك في هذا السهم تمسكا بإطلاق الأمر بالإيتاء الشامل للأمرين، إذ قد عرفت فيما تقدم ظهور الأدلة خصوصا السنة في ترتب الملك على القبض بالنسبة إلى هذا السهم، هذا، و لكن عن التذكرة أنه- بعد أن ذكر ما قلناه من كون الدفع للولي من غير فرق بين اليتيم و غيره- قال: «فان لم

ج 15، ص: 385

يكن ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره و يعتني بحاله» و في المدارك «أن مقتضى كلامه جواز الدفع إلى غير ولي الطفل إذا لم يكن له ولي، و لا بأس به إذا كان مأمونا بل لا يبعد جواز تسليمها إلى الطفل بحيث تصرف في وجه يسوغ للولي صرفها فيه، و حكم المجنون حكم الطفل، أما السفيه فإنه يجوز الدفع اليه و إن تعلق الحجر به بعد قبضه» و عن الكركي في فوائده على الكتاب و الكفاية و شرح المفاتيح للمولى الأكبر موافقته على جواز الدفع لغير الولي ممن يقوم بأمره مع عدم الولي، بل ربما ظهر من بعض المعاصرين الميل إلى جواز ذلك مع التمكن من الولي، و هو أغرب من سابقه، ضرورة منافاتهما معا للمعلوم من قواعد المذهب بلا مقتض عدا بعض الاعتبارات التي لا تصلح لأن تكون مدركا لحكم شرعي، و الإطلاق الذي لم يسق لإرادة تناول ذلك كما عرفت.

و أغرب من ذلك دعوى بعضهم بعد أن ذكر الحكم المزبور اتحاد حكم المجنون مع الطفل، و مقتضاه جواز التسليم اليه مطلقا أو مع عدم الولي، و هو كلام لا يصغى اليه و لا يستأهل التصدي للرد عليه، خصوصا في المجنون الذي يكون حاله كحال غير المميز و لا ينافي ذلك جواز الإنفاق عليه في الأكل و الكسوة من الولي أو من يقوم مقامه بعد القبض المزبور، ضرورة كونه حينئذ أي بعد قبض الولي من أمواله التي حكمها ذلك، بخلافه قبل القبض، فان الكلام في أن قبضه نفسه يصيره مالا له، بل لا ينافي ذلك الإنفاق عليه من سهم سبيل الله، فإنه لا يعتبر فيه الملكية، و محل النية بناء على ما قلناه واضح، إذ هي حال الدفع إلى الولي، و في سهم السبيل عند الصرف فيه، هذا، و تمام البحث في أحكام الأولياء و اعتبار الايمان فيهم و عدمه، و العدالة و عدمها، و معلومية الإنفاق في المحل و عدمه ما لم يعلم الإنفاق في غير المحل، ليس ذا محل ذكره، كالبحث عن كيفية الإنفاق و أنه يراعى فيه المصلحة أو عدم المفسدة، فيجوز حينئذ مزج نفقته

ج 15، ص: 386

مع نفقة العيال بعد ملاحظة ذلك، و لا يجب العزل، و الله أعلم.

و كيف كان ف لو أعطى مخالف زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعاد بلا خلاف أجده فيه، بل لعله إجماعي كما حكاه في التنقيح و غيره، لعدم وصول المال إلى مستحقه، و اليه أشار الصادقان (عليهما السلام) في

صحيح الفضلاء(1)قالا «في الرجل يكون في بعض الأهواء الحرورية و المرجئة و العثمانية و القدرية ثم يتوب و يعرف هذا الأمر و يحسن رأيه أ يعيد كل صلاة صلاها أو صوم أو زكاة أو حج أو ليس عليه إعادة شي ء من ذلك؟ قال: ليس عليه إعادة شي ء من ذلك غير الزكاة، فإنه لا بد أن يؤديه لأنه وضع الزكاة في غير موضعها، و إنما موضعها أهل الولاية»

و الصادق (عليه السلام) في صحيح العجلي (2)قال: «كل عمل عمله في حال نصبه و ضلالته ثم من الله عليه و عرفه الولاية فإنه يؤجر عليه إلا الزكاة، فإنه يعيدها، لأنه وضعها في غير موضعها، لأنها لأهل الولاية»

و حسنة ابن أذينة(3)«أن كل عمل عمله الناصب في حال ضلالته أو حال نصبه ثم من الله عليه و عرفه هذا الأمر فإنه يؤجر عليه و يكتب له إلا الزكاة، فإنه يعيدها، لأنه وضعها في غير موضعها و إنما موضعها أهل الولاية، و أما الصلاة و الصوم فليس عليه قضاؤهما»

إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة فيما ذكرنا.

بل قد يستفاد منها جواز استرجاع العين مع بقائها، لعدم كون القابض من أهلها، فتبقى على ملك المالك، بل يستفاد منها وجه الفرق بين الزكاة و غيرها من العبادات التي هي حق لله تعالى و قد أسقطها عنه رحمة كما أسقطها عن الكافر بالإسلام، نعم قد يستفاد منها إلحاق غير الزكاة من العبادات المالية بها، و من الغريب ما وقع للفاضل هنا حيث أنه بعد أن روي صحيح الفضلاء قال: «و هذا الحديث حسن الطريق و هل هو مطلق؟ نص علماؤنا على أنه في الحج إذا لم يخل بشي ء من أركانه لا يجب عليه


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 387

الإعادة، أما الصوم و الصلاة ففيهما إشكال من حيث أن الطهارة لم تقع على الوجه الصحيح و

الإفطار قد يقع منهم في غير وقته، و يمكن الجواب بأن الجهل عذر كالتقية، فصحت الطهارة، و الإفطار قبل الوقت إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء كالظلمة الموهمة فكذا هنا، و بالجملة فالمسألة مشكلة» إذ هو كما ترى كأنه اجتهاد في مقابلة النص، و من هنا رده في المدارك بما يقرب من ذلك، لكن قال: ليس في هذا الحكم أعني سقوط القضاء دلالة على صحة الأداء بوجه، فان القضاء فرض مستأنف، فلا يثبت إلا مع الدلالة، فكيف مع قيام الدليل على خلافه، مع أن الحق بطلان عبادة المخالف و إن فرض وقوعها مستجمعة لشرائط الصحة عندنا، للأخبار(1)المستفيضة المتضمنة لعدم انتفاعه بشي ء من أعماله.

قلت: لعل

قوله (عليه السلام): «يؤجر عليه»

فيه دلالة على الصحة، ك

خبر ابن حكيم (2)قال: «كنت قاعدا عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجلان كوفيان كانا زيديين فقالا: جعلنا لك الفداء كنا نقول بقول: و إن الله من علينا بولايتك فهل يقبل شي ء من أعمالنا؟ فقال: أما الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة فإن الله يتبعكما ذلك فيلحق بكما، و أما الزكاة فلا، لأنكما أنفذتما حق امرئ مسلم و أعطيتماه غيره»

فيكون الايمان حينئذ شرطا كاشفا لصحة عباداته السابقة، و الأخبار المستفيضة إنما تدل على الأعمال التي لم يتعقبها إيمان، نعم يعتبر في عباداته أن يكون قد جاء بها على مقتضى مذهبه، كما هو مقتضى إضافة الأعمال إليه في النصوص السابقة الظاهرة في عدم اندراج الصلاة الباطلة على مقتضى مذهبه مثلا فيها، و قد أوضحنا ذلك في باب القضاء من الصلاة، و ذكرنا حكم ما لو جاء بها مستجمعة للشرائط على مذهبنا و نوى بها


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب مقدمة العبادات.
2- 2 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 5.

ج 15، ص: 388

التقرب، و ذكرنا هنا غير واحد أنه لو أعطى الزكاة أهل الولاية لا يعيد إذا استبصر تمسكا بظاهر التعليل، و فيه بحث، لمعارضته بإطلاق المعلل، فتأمل جيدا فان فيه كلاما ليس ذا محل ذكره، إذ هو كالبحث في اقتضاء اختصاص الضمير العائد إلى العام تخصيص العام، كقوله تعالى(1): «وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ.

وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ» و مبنى البحث هنا عدم ما يقتضي في اللفظ مطابقة التعليل لجميع أفراد المعلل، فيبقى العالم على دلالته اللفظية، اللهم إلا أن يدعى الفهم العرفي، و هو غير بعيد.

بقي أمران: أحدهما أن الكافر و المخالف مع سقوط القضاء عنهما بالإسلام و الايمان لم يعقل خطابهما به مع اشتراط صحته بهما، و الفرض السقوط معهما، و هو مناف لقاعدة التكليف

بالفروع عندنا، و ربما أجيب بالتزام عدم التكليف به أو بأن التكليف به ابتلائي و امتحاني، لأنه هو الذي صير نفسه كذلك، ضرورة إمكان حصول الايمان منه قبل فوات وقت الأداء لتعقل خطابه بالقضاء، فتأمل جيدا، ثانيهما ظاهر النصوص السابقة عدم الفرق بين الحج و غيره من العبادات، لكن اعتبر في الدروس في سقوطه بالايمان عدم الإحلال بركن مبني على مذهبنا، و لم نجد ما يصلح للفرق بينه و بين غيره من العبادات التي عرفت اعتبار عدم الإخلال بها على مذهبه لا مذهبنا، بل ظاهر الأدلة أو صريحها عدم الفرق، و لتمام الكلام في هذه المباحث و غيرها محل آخر، و الله أعلم.

[الوصف الثاني العدالة]

الوصف الثاني العدالة، و قد اعتبرها كثيرون من القدماء، بل في التنقيح نسبته إلى الثلاثة و أتباعهم، و في المختلف إلى المرتضى و أبي الصلاح و ابني إدريس و البراج، بل في الخلاف «الظاهر من أصحابنا أن زكاة الأموال لا تعطى إلا العدول


1- 1 سورة البقرة- الآية 228.

ج 15، ص: 389

من أهل الولاية دون الفساق منهم، و خالف جميع الفقهاء في ذلك، و قالوا: إذا أعطى الفساق برئت ذمته، و به قال قوم من أصحابنا» بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع على ذلك، بل لعله اليه يرجع ما في الانتصار من الإجماع على عدم إعطائها الفساق و إن كانوا يعتقدون الحق، و أن المخالفين أجازوا إعطاءها إليهم و إلى أصحاب الكبائر، ضرورة عدم ملاحظة الواسطة على فرضها، كعدم ملاحظة مانعية الفسق لا شرطية العدالة و من هنا حكى الفاضلان و الشهيد و غيرهم عن السيد كما قيل شرطيتها، و دعواه الإجماع عليها، و احتمال أنه في غير هذا الكتاب أو في غير موضع منه تعويل على المني و اتكال على الهباء، فالحجة حينئذ على ذلك الإجماعان المزبوران المعتضدان بما سمعته من الخلاف الظاهر في كون ذلك هو المعروف المشهور بين الأصحاب، بل في الرياض نسبته إلى الشهرة العظيمة بين القدماء غير مرة، بل لم نر منهم مخالفا لم يعتبر العدالة مطلقا صريحا بل و لا ظاهرا عدا ما يحكى عن ظاهر الصدوقين و الديلمي حيث لم يذكروها في الشروط و هو كما ترى ليس فيه الظهور المعتد به في المخالفة فضلا عن أن يقدح في الإجماع المنقول فقد يحتمل اكتفاؤهم بذكر الايمان بناء على احتمال اعتبار العمل فيه، كما يعزى إلى غيرهم من القدماء منهم المفيد، و يدل عليه جملة من النصوص(1).

نعم أكثر المتأخرين على عدم اعتبارها مطلقا، و حكاه في الخلاف عن قوم من أصحابنا بعد أن عزاه إلى جميع الفقهاء من العامة العمياء، و هذا الإجماع المنقول معتضد بالشهرة العظيمة بين القدماء القريبة من الإجماع، بل الإجماع حقيقة على اعتبار مجانبة الكبائر، إذ لا خلاف فيه بينهم أجده، و ربما تشعر به العبارة هنا و في النافع حيث لم ينقل فيهما قولا بعدم اعتبارها مطلقا، و

الشهرة المتأخرة- مع أن الشهيد منهم في اللمعة اعتبرها- ليست بتلك الشهرة التي تقوى بها العمومات و تصونها عن قبولها التخصيص


1- 1 أصول الكافي ج 2 ص 33 إلى 40.

ج 15، ص: 390

بالإجماعين المزبورين المعتضدين بما عرفت، و ب

قول الصادق (عليه السلام) في خبر أبي خديجة(1): «فليقسمها- أي الزكاة- في قوم ليس بهم بأس أعفاء عن المسألة لا يسألون أحدا شيئا»

إلى آخره، و بقاعدة الشغل، و ب

خبر داود الصيرفي (2)«سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا قال: لا»

بناء على عدم القول بالفصل بين شرب الخمر و غيره من الكبائر، و على رجوع القولين إلى واحد كما أومأنا إليه سابقا، و بما يشعر به منع ابن السبيل إذا كان سفره معصية و الغارم إذا كان غرمه كذلك، و بكل ما دل على النهي عن الإعانة للفساق و على الإثم و العدوان (3)و عن الموادة لمن يحاد الله و رسوله (4)و عن الركون إلى الظالمين (5)من كتاب أو سنة المراد منها فعل ما يقتضي الإعانة و إن لم يكن بقصد الإعانة على الفسق،

كما يومي اليه ما ورد من النصوص (6)في إعانة الظالمين و أن منها معاملتهم و مساعدتهم في بناء المسجد فضلا عن غيره، خصوصا بعد ما ورد(7)من أن الزكاة إرفاق و معونة و مودة للفقراء و مواساة لهم، بل ورد(8)فيها أنها تقسم على أولياء الله المعلوم عدم كون الفساق منهم، ربما


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 عن داود الصرمي و هو الصحيح.
3- 3 سورة المائدة- الآية 3.
4- 4 سورة المجادلة- الآية 22.
5- 5 سورة هود عليه السلام- الآية 115.
6- 6 الوسائل- الباب- 42- من أبواب ما يكتسب به من كتاب التجارة.
7- 7 الوسائل- الباب- 1 و 7- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
8- 8 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 391

كتب الرضا (عليه السلام) في جواب محمد بن سنان (1)في علة الزكاة من أنها من أجل قوت الفقراء إلى أن قال: «مع ما فيه من الزيادة و الرأفة و الرحمة لأهل الضعف و العطف على أهل المسكنة، و الحث لهم على المواساة و تقوية الفقراء و المعونة لهم على أمر الدين»

إلى غير ذلك مما هو معلوم عدمه في الفساق، و خصوصا بعض أنواع الفسق بل لعل منعها عنهم من النهي عن المنكر بل الأمر بالمعروف الواجبين على المكلف بالكتاب و السنة و الإجماع، لا أقل من ذلك كله يحصل الشك في اندراج هؤلاء الفاسقين المعاندين المحاربين لله و رسوله في إطلاق الآية الذي لم يكن مساقا لبيان جميع الشرائط كإطلاق الشيعة و أهل الولاية و العارفين و المؤمنين في الروايات، سيما مع ملاحظة ما ورد في المؤمن و الشيعي و الموالي من المدح و الثناء على وجه يقطع بعدم إرادة أولئك منهم، و أن الشيعة الذين

أمرنا بإعطائهم و أن الوصول إليهم وصول إلى الأئمة (عليهم السلام) غير هؤلاء المعاندين المرتكبين الفجور من الزنا و اللواط و شرب الخمر و أمثال ذلك، بل ربما كان بعضهم من أجناد الظلمة، و يعيش مدة عمره لم يأت بصلاة واحدة فضلا عن استمراره على أنواع المعاصي.

و المرسل (2)المروي عن العلل عن أبي الحسن (عليه السلام) «ما حد المؤمن الذي يعطى الزكاة؟ قال: يعطى المؤمن ثلاثة آلاف ثم قال: أو عشرة آلاف و يعطى الفاجر بقدر، لأن المؤمن ينفقها في طاعة الله، و الفاجر ينفقها في معصية الله»

مع ضعف سنده غير دال على الجواز مطلقا كما هو ظاهر الخصم، بل على إعطائه بقدر، و لم يذكروا هذا الشرط، و محتمل للتقية مما عليه إجماع العامة، و يؤيده كون الخبر المزبور عن أبي الحسن (عليه السلام) و التقية في زمانه في غاية الشدة، و عدوله عن الجواب بما يوافق


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 392

السؤال و يناسبه من تحديد المؤمن و حاله من فسق أو عدالة مثلا إلى الجواب بتحديد مقدار ما يعطى عشرة آلاف أو ثلاثة آلاف فان في ذلك تنبيها واضحا على ورود الحكم للتقية، كما لا يخفى على من أنصف و أعطى التأمل حقه.

لكن لا يخفى عليك أن كثيرا من ذلك إنما يقتضي القول الآخر، و هو ما ذكره المصنف

بقوله و اعتبر آخرون مجانبة الكبائر كالخمر و الزنا دون الصغائر و إن دخل بها في جملة الفساق و إن كنا لم نعرف من حكي عنه هذا القول إلا ابن الجنيد و المرتضى في ظاهره أو محتمله كما سمعت، بل أرجعه ثاني الشهيدين إلى القول الأول قائلا: قد عرف الشهيد العدالة هنا و في شرح الإرشاد بأنها الملكة الباعثة على التقوى، و لم يعتبر فيها المروة، و حينئذ فمرجعها إلى اجتناب الكبائر، لأن الإصرار على الصغيرة يلحقها بالكبيرة، و عدم الإصرار لا يؤثر، فيتحد القولان، و ملخصه ما أشار إليه في الروضة من أن الصغائر إن أصر عليها لحقت بالكبائر، و إلا لم توجب الفسق، و المروة غير معتبرة في العدالة هنا، فلزم من اشتراط تجنب الكبائر اشتراط العدالة، و إن كان قد يناقش فيه بأنه- مع مخالفته للمصنف و غيره ممن حكى هذا القول مع القول الأول، و عدم معلومية عدم اعتبار المروة من كل من اشترط العدالة الظاهرة في اعتبارها بعد دخولها في مفهومها، و عدم ظهور الدليل عليها عندنا لا يقتضي عدم اعتبارها عندهم لدليل لم يصل إلينا أو تخيله و إن لم يكن كذلك، و مع إمكان الفرق بينهما على هذا التقدير باعتبار الملكة و عدمها فان اجتناب الكبائر أعم من أن يكون عن ملكة تقتضي ذلك بخلاف العدالة- يمكن أن يقال: إن المتبادر من الكبائر في عبارة من اعتبر اجتنابها كل ذنب من الذنوب الذي يكون بنفسه كبيرا لا باجتماع الصغائر، سيما في عبائر النقلة لهذا القول، و خصوصا المتن.

لكن على كل حال قد عرفت أن جميع ما تقدم من الأدلة بين قاصر السند و الدلالة

ج 15، ص: 393

و بين ما لا يصلح للاستدلال، و إنما هو صالح للتأييد، و بين ما هو معارض لما يقتضي العدم مما ستسمعه من وجه، و الترجيح لغيره من وجوه، و بين ما هو موهون بمصير المتأخرين إلا النادر إلى خلافه، فكيف يكون مثله صالحا لتقييد إطلاق الكتاب و السنة و عمومها، خصوصا

قول الباقر و الصادق (عليهما السلام)(1): «الزكاة لأهل الولاية قد بين الله لكم مواضعها في كتابه»

و قول الصادق عليه السلام (2): «هي لأصحابك»

و قوله (عليه السلام) أيضا(3): «من وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه»

و قول الرضا (عليه السلام)(4): «إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا»

و ترك الاستفصال من

أبي الحسن (عليه السلام) لما سأله أحمد بن حمزة في الصحيح (5)«رجل من مواليك له قرابة كلهم يقولون بك و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ فقال له: نعم،»

خصوصا مع استبعاد العدالة في جميع القرابة حتى النساء، و نحوه

الخبر الآخر(6)«لا تعطين قرابتك الزكاة كلها، و لكن أعطهم و اقتسم بعضا»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يستريب من تصفحها في توسعة الأمر في الزكاة بالنسبة إلى المؤمنين الذين يكفي إيمانهم في استحقاق الرأفة و الرحمة و العطف و الإعانة و الموادة في الله تعالى، خصوصا بعد ملاحظة السيرة و الطريقة في إعطاء مجهول الحال و غير العدل، و خصوصا مع ملاحظة تصديق من ادعى كونه من أهلها لفقر أو غرم أو كتابة من غير بينة.

نعم لا ريب في رجحان إعطاء العدل على غيره، خصوصا إذا كان مرتكب الكبائر متجاهرا بها غير مبال بتوعد الله عليها، و خصوصا بعض أجناد الظلمة و فسقة الشيعة، و خصوصا إذا علم صرفهم لها في المعصية، أو كان الغالب فيها ذلك، بل لا يبعد


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 394

حينئذ عدم جواز دفعها إلى هؤلاء، لكون مثله إعانة و إن كانت هي حيثية أخرى غير ما نحن فيه، ضرورة خروجها عن محل النزاع، لأن الكلام في أصل الجواز من حيث نفسه لا إذا اقترن بجهة أخرى، كما هو واضح، أما الدفع اليه لقوته أو قوت عياله فلا بأس، و لعله إلى ذلك

أشار (عليه السلام) بقوله: «يعطى الفاجر بقدر»

إلى آخره أي ما يحتاجه لقوته و قوت عياله و لباسهم، و لا يطلق له الأمر كما يطلق إلى غيره، و لكن مع ذلك كله فالاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه، خصوصا في مثل المقام الذي قد اشتغلت فيه الذمة بيقين، فإنه قد يشك في إرادة بعض الأفراد من الإطلاقات و العمومات و لا ريب أن الأول هو الأحول و الله هو العالم بحقيقة الحال.

هذا كله في الصنف الأول من أصناف الزكاة، و هو الفقير، أما غيره من الأصناف فلا ريب في عدم اعتبارها في المؤلفة منه كما عرفته سابقا، و إن كان قد يقضيه إطلاق بعضهم إلا أنه لا ريب في ضعفه، و أما العاملون أي السعاة ففي الإرشاد و الدروس و المهذب البارع و الروضة و غيرها الإجماع على اعتبارها فيهم، و هو الحجة بعد اعتضاده بالتتبع، و بما في العمالة من تضمن الاستيمان، و قد سمعت ما في

الصحيح (1)من أنه «لا يوكل بها إلا ناصحا شفيقا أمينا»

و لا أمانة لغير العدل، و أما ابن السبيل و الغارم فقد يومي اقتصارهم على اعتبار عدم كون السفر و الغرم في معصية ممن اعتبرها هنا إلى عدم اعتبارها فيهما، و إن اقتضاه إطلاق بعضهم كبعض الأدلة، لكن الأقوى الأول و كذا الرقاب، و أما سهم سبيل الله فقد قدمنا ما يعلم منه عدم اعتبار الايمان و الكفر فيه فضلا عن غيرهما، كما أنه تقدم لك ما يعلم منه عدم اعتبار المروة في العدالة هنا و إن

اقتضاه إطلاق بعضهم، لكن لا يخفى عليك أن كثيرا من أدلتهم السابقة إنما يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 395

عدم جواز الإعطاء للفاسق، و لا فسق في منافي المروة، و الاستناد إلى إجماع ابن زهرة على اعتبار العدالة كما ترى، خصوصا مع غلبة الظن بكون مراده ما حكاه السيد، و قد سمعته، كما أنه لا يخفى عليك أن ذلك كله على القول باعتبارها أو اجتناب الكبائر، أما على المختار فلا إشكال في شي ء من ذلك و لا في زكاة الفطرة التي لا خلاف على الظاهر في أن مصرفها مصرف زكاة المال كما تعرفه في محله إن شاء الله.

بقي شي ء و هو أنه على تقدير اعتبار العدالة لا ريب في أن مقتضى قاعدة الشرطية عدم جواز الدفع لمجهول الحال، و عدم الاكتفاء بدعواه، لكن قد يظهر لك مما قدمناه في قبول دعوى الفقير الفقر ما يقتضي قبول قوله، فلاحظ و تأمل و أما على اعتبار مجانبة الكبائر فالمتجه الدفع مع الشك، لأصالة عدم صدور معصية منه، و لا ينافي ذلك كون بعض أفرادها على مقتضى الأصل كعدم الصلاة و الصوم و نحوهما من الأفعال الواجبة، ضرورة أعمية عدم فعلها من كونه معصية، فأصالة عدم المعصية بحالها، و لا يقتضي ذلك ثبوت العدالة التي هي بمعنى الملكة، كما هو واضح، فتأمل جيدا.

[الوصف الثالث أن لا يكون المستحق ممن تجب نفقته على المالك]

الوصف الثالث من أوصاف المستحق أن لا يكون المدفوع اليه منها لمئونته ممن تجب نفقته على المالك كالأبوين و إن علوا و الأولاد و إن سفلوا و الزوجة و المملوك بلا خلاف أجده فيه مع القدرة عليها و البذل لها كما اعترف به في السرائر، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، فضلا عن محكيه في التذكرة و التحرير و فوائد الشرائع و المدارك، بل في المحكي عن المنتهى أنه قول من يحفظ عنه العلم، مضافا إلى تصريحه أيضا بأنه لا يجوز لكل من الوالد و الولد أخذها إذا كان مكتفيا بإنفاق الآخر عليه إجماعا، كتصريحه ثالثا و المعتبر و نهاية الأحكام بأنه لا يجوز للزوج دفعها إلى الزوجة مطلقا إذا كان ينفق عليها إجماعا، و

قال الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الرحمن (1):


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 396

«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا الأب و الأم و الولد و المملوك و الزوجة، و ذلك بأنهم عياله لازمون له»

و قال (عليه السلام) في خبر الشحام (1)في الزكاة: «يعطى منها الأخ و الأخت و العم و العمة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجد و الجدة»

و قال (عليه السلام) أيضا في خبر أبي خديجة(2)عن الصادق (عليه السلام): «لا تعط الزكاة أحدا ممن تعول»

و سأل إسحاق بن عمار(3)الكاظم (عليه السلام) في الموثق أو الصحيح، فقال:

«قلت له: لي قرابة أنفق على بعضهم و أفضل على بعضهم فيأتيني أو ان الزكاة أ فأعطيهم منها؟ قال يستحقون لها قلت: نعم، قال: هم أفضل من غيرهم أعطهم، قال: قلت:

فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحتسب الزكاة عليهم؟ فقال: أبوك و أمك قلت: أبي و أمي قال: الوالدان و الولد»

بل ظاهره المفروغية من ذلك عند الراوي، و في

مرفوع العدة(4)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن العلل، قال: «خمسة لا يعطون من الزكاة الوالدان و الولد و المرأة و المملوك، لأنه يجبر على النفقة عليهم».

لكن و مع ذلك قال الأستاذ فيما حضرني من نسخة كشفه: إن الحكم فيما عدا الزوجة و المملوك بطريق الندب، بل في نسخة أخرى الاقتصار على المملوك، و لم أجد موافقا له على ذلك، كما لم أجد له دليلا سوى الجمع بين النصوص المزبورة و بين

مكاتبة عمران بن إسماعيل القمي (5)إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) «إن لي ولدا رجلا و نساء أ فيجوز أن أعطيهم من الزكاة شيئا؟ فكتب أن ذلك جائز لك»

و المرسل عن محمد بن خرك (6)قال: «سألت الصادق (عليه السلام) أدفع عشر مالي إلى ولد ابني


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب 15 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و ذيله في الباب 13 منها- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
6- 6 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4 لكن عن محمد بن جزك و هو الصحيح.

ج 15، ص: 397

فقال: نعم لا بأس»

و هما- مع ضعف سندهما و قلة عددهما و متروكيتهما، و كونهما مكاتبة و مرسلا، و احتمال الأولى الأقارب الذين يصلح إطلاق الولد عليهم مجازا كما عن المنتهى، و الزكاة المندوبة، و عدم تمكن الوالد من الإنفاق عليه، و كونهم ممن لا يجب إنفاقه عليهم، و أن المراد بقرينة قوله (عليه السلام): «لك» اختصاصه بهذا الحكم، و دفع الزكاة إليهم للتوسعة عليهم كما عن الشيخ مستدلا عليه بخبر أبي خديجة، إلى غير ذلك من الاحتمالات القريبة المتعين بعضها و لو باعتبار الإطلاق و التقييد، و كذا المرسل المحتمل أيضا المشاورة في هبة ذلك أو الصدقة به، و ليس سؤالا عن الزكاة، و احتمل في الوافي بناءه على عدم وجوب نفقة ولد الولد، و رواه في الوسائل «ابنتي» و حمله على قيام الأب أو الجد له بنفقته، فيكون ما يدفعه الجد للأم

على جهة التوسعة- لا ريب في قصورهما عن معارضة النصوص المزبورة المعتضدة بما سمعت، و بالاحتياط، و بكونه كالغني ذي الحرفة أو الصنعة، و بالشك في كونه إيتاء لو دفع إليهم باعتبار عود النفع اليه بسقوط نفقة الوالد و الولد بها، لصيرورتهم بها ذوي مال، و بغير ذلك كما هو واضح.

و لا يبعد كون النسخة غلطا كما يشهد لذلك قرائن، منها أن الموجود في رسالته المعروفة في الزكاة ما هو عند الأصحاب من عدم الجواز، اللهم إلا أن يكون الأستاذ في الكشف قد حمل النص و الفتوى على إرادة احتساب نفقتهم زكاة، لا أن المراد عدم جواز دفع الزكاة لهم مطلقا، و ربما يؤيده ما صرح به الفاضل في المنتهى، و المحكي عن التذكرة و النهاية و يحيى بن سعيد في الجامع و الكركي في فوائده و الشهيد في الدروس على ما حكي عن بعضهم من جواز تناول ما عدا الزوجة و المملوك الزكاة من غير المنفق و إن كان موسرا باذلا لها بتقريب عدم الفرق بين زكاة المالك و غيره، ضرورة اشتراكهما في اشتراط الفقر، فلو كان وجوب النفقة رافعا له لمنع في التناول من الغير للإنفاق، و كذا ما ذكروه من جواز التناول من المالك فضلا عن غيره للتوسعة، لعدم

ج 15، ص: 398

وجوبها عليه، و للحقوق اللازمة عليهم، كنفقة الزوجة و المملوك و نحوهما، إذ ذلك كله مؤيد لجواز الدفع من المالك، لأن وجوب النفقة عليه لا يخرجون به عن حد الفقر الذي يندرجون به تحت إطلاق الأدلة، و تحمل النصوص المانعة حينئذ على إرادة عدم احتساب النفقة الواجبة عليه زكاة، لأنها هي اللازمة عليه و التي يجبر عليها، و لكن إنما تجب عند الحاجة إليها لا مطلقا، فله أن يدفع إليهم من الزكاة لما عرفت من الاتصاف بالفقر باعتبار عدم ملكه لمئونة السنة، فيرتفع وجوب النفقة عليه، لحصول مال لهم عند الحاجة، فلا تجب نفقتهم حينئذ، كما أن له أن يدفع إليهم عند الحاجة إليها باعتبار ما يلزمهم من مئونة من يعولون به، أو للتوسعة ما يستغنون به، لما عرفت من عدم التقدير في المدفوع دفعة عند المعظم، فمع تحقق مقتضى الجواز فله أن يدفع ما يشاء، و كل ذلك مؤيد لما يقوله الأستاذ، فيتجه له حمل النصوص المزبورة و لو للجمع بينها و بين ما عرفت على ما ذكرنا، أو على الكراهة أو غير ذلك.

هذا أقصى ما يمكن أن يقال له، إلا أنه كما ترى و إن كان الأقوى جواز التناول من الغير، و اختاره في المدارك، لعدم الخروج بذلك عن حد الفقر، فيندرج حينئذ في إطلاق الأدلة و عمومها، و ل

صحيح ابن الحجاج (1)عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) «سألته عن الرجل يكون أبوه أو عمه أو أخوه يكفيه مئونته أ يأخذ من الزكاة فيوسع به إذا كانوا لا يوسعون عليه في كل ما يحتاجون اليه؟ قال: لا بأس»

خلافا للفاضل في التذكرة، فمنع مع البذل و اليسار معللا له بأن الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة، فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته، و تبعه في شرح المفاتيح و هو كما ترى قياس أولا، و مع الفارق ثانيا، و دعوى شمول ما دل من صحيح


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 399

ابن الحجاج (1)و خبر الشحام (2)على عدم جواز إعطاء الزكاة لزكاة المنفق و غيره واضحة المنع، و لو سلم فبينها و بين ما دل على الجواز من الآية و غيرها تعارض العموم من وجه، و الترجيح للثاني من وجوه، و كذا دعوى ظهور التعليل في الغني الذي لا فرق فيه بين المنفق و غيره، ضرورة إمكان كون التعليل مبنيا على عدم صدق الإيتاء معه باعتبار عود النفع له، أو على غير ذلك.

فلا ريب في أن الأقوى الجواز و إن أطنب الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح في ترجيح عدم الجواز، بل مقتضى ما ذكرنا الجواز أيضا في الزوجة مع فقرها إن لم يقم إجماع، اللهم إلا أن يفرق بأن نفقتها كالعوض عن بعضها، و لذا يضمنها المنفق إذا لم يؤدها، بخلاف نفقة الوالد و الولد، و إن كان قد يناقش فيه بأنها و إن كانت كذلك إلا أنها إنما تملك عليه يوما فيوما، و مثله لا يخرجها عن حد الفقر الذي هو عدم ملك مئونة

السنة، و كونها حينئذ كذي الصنعة قياس أولا، و مع الفارق بالدليل ثانيا، لكن الإجماع على عدم جواز تناولها مع يسار الزوج و بذله يمكن تحصيله، و إن احتمل بعض الناس الجواز أيضا.

نعم قد يقال بجوازها في غير نفقتها كما إذا كان عندها من تعول به من مملوك أو غيره، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض، و وجوب نفقتها على الزوج لا يجعلها غنية بمعنى ملك مئونة السنة لها و لمن تعول به، بل لا يبعد جواز تناولها من الزوج المنفق من هذه الحيثية، و كذا غيرها من واجبي النفقة كما صرح به في المدارك و غيرها، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما هنا بعد ظهوره خصوصا بملاحظة التعليل في إرادة المنع من دفع الزكاة إليهم للإنفاق، كما هو معقد إجماع الكركي في فوائد الكتاب، قال:

«يشترط في المستحقين للزكاة أن لا يكونوا واجبي النفقة على الدافع إجماعا في أصل


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 400

الإنفاق» و لعل هذا مراد غيره، و عليه بنى الكركي و ثاني الشهيدين في المسالك جواز دفع الزكاة من المالك لقريبه للتوسعة، لعدم لزومها عليه، بل حكاه بعضهم عن غيرهما، لإطلاق الأدلة و عمومها، و خصوص موثق إسحاق بن عمار(1)و موثق سماعة(2)و خبر أبي خديجة(3)و

خبر أبي بصير(4)لكن الجميع يحتمل زكاة التجارة التي قد عرفت ندبها، فيكون المراد حينئذ بيان أولوية مراعاة استحباب التوسعة من إخراج زكاة التجارة، بل بعضها كاد يكون صريحا في ذلك، و منه يعلم الحال في غيره لكون الجميع على مذاق واحد، بل ظاهر آخر أنه لا زكاة عليه للتوسعة المزبورة، لا أنها يخرجها و يحتسبها عليهم، على أنه يمكن أن يكون المراد غير واجبي النفقة من عياله، و ترك الاستفصال في ذلك كتركه في كون العيال أغنياء أو فقراء، إذ الزوجة قد تكون غنية و إن وجبت نفقتها، بل هما و غيرهما شاهدان على إرادة الزكاة المندوبة التي هي المتسامح فيها بالنسبة إلى ذلك و غيره، كل ذلك لإطلاق أدلة المنع الذي يمكن عدم معارضة التعليل له و إن كانت التوسعة غير واجبة على المنفق، إلا أن كثيرا من أفرادها أفضل أفراد الواجب المخير، كشراء البر عوض الشعير، و لبس الحرير عوض الخام و نحو ذلك، فالإنفاق الممنوع من احتسابه زكاة شامل لذلك حينئذ، خصوصا بملاحظة ندرة الاقتصار على أقل الواجب من المنفقين، و خصوصا بملاحظة السيرة المستمرة بين الأعوام و العلماء في إخراج الزكاة من الفقراء و الأغنياء، بل لو كان ذلك جائزا لاشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار، لشدة الداعي له، و لكان ذلك عذرا


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 401

في عدم إخراج الزكاة، بل معه تهلك الفقراء من الجوع، سيما بالنسبة إلى بعض أفراد التوسعة و إن كانت هي مقيدة باللائق عند من جوزها، بل يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلاف ذلك، و أنه ليس إيتاء للزكاة، ضرورة رجوع التوسعة على عياله إليه، لأن الإنسان همه في كسبه و تعبه عياله. و لعل إطالة الكلام في ذلك من اللغو الذي نسأل الله العصمة منه.

و على كل حال فقد ظهر من ذلك كله أنه لا ينفع الأستاذ شي ء مما ذكرنا جوازه لأنه خاص بما إذا كان هناك جهة للفقر غير الإنفاق، و أما هو فليس للمالك مع وجوبه عليه الدفع لا لحصول وصف الغنى بل لكونه ليس إيتاء للزكاة، لأصالة عدم تداخل الأسباب، و من المعلوم عدم إرادة النفقة آنا فآنا حتى يقال: إنه يجوز له دفع الزكاة لذلك حال عدم الحاجة إليها، بل المراد أنه متى كان بهذا الحال لا يجوز الاحتساب عليه لها مطلقا، بل قد يقال بوجوبها عليه مطلقا و إن توقفت التأدية على شرائط متأخرة لحصول سبب الوجوب المستصحب فيما يأتي من الزمان.

نعم لو كان له جهة فقر غير الإنفاق كما إذا كان عنده من يعول به أو غير ذلك جاز الدفع إليه، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة نصوص المقام بعد ظهورها بقرينة ما فيها من التعليل في النفقة، بل لا يبعد بناء على عدم تقدير الإعطاء للفقير جواز الدفع اليه على وجه يستغني به عن الإنفاق.

هذا كله في الدفع من المالك، أما الأجنبي فلا ينبغي التوقف في جواز الدفع منه للنفقة، خلافا للفاضل و من تبعه كالبهبهاني في شرح المفاتيح، و عليك بالتأمل في المقام فإنه قد أطنب فيه بعض المعاصرين من الأعلام، لكنه لم يأت بشي ء، و لعل فيما ذكرنا الكفاية في ذلك، بل و في غيره من الفروع المذكورة في المقام، مثل كون المراد بالزوجة هنا الدائمة دون المتمتع بها، لأنها ذات النفقة الواجبة التي قد عرفت دوران الحكم مدارها

ج 15، ص: 402

في النصوص السابقة، نعم لو وجبت نفقتها بالنذر أو الشرط أو غيرهما أمكن القول بعدم الجواز حينئذ للتعليل المزبور، و في كشف الأستاذ «أن من نذر أو عاهد أو حلف أن ينفق عليه بحكم واجب النفقة من الأنساب، أما الخادم الذي وجبت نفقته بخدمته بمعاملة صلح أو غيره أو الذي كانت الخدمة حرفة له فلا يجوز له الأخذ من مخدومه و لا غيره إلا في حوائج ضرورية أو للتوسعة مع دخولها في الحاجة» قلت:

لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان النذر مثلا على وجه يستغني به، لا ما إذا كان شهرا مثلا و نحوه، بل لعل المتجه عدم الفرق بين الجميع بناء على عدم استحقاق المنذور له على الناذر ما نذره، و أنه كالدين عليه.

و لو أسقطت الدائمة نفقتها بشرط أو بغيره من الوجوه الشرعية صارت كغيرها في جواز التناول، و من الغريب ما وقع هنا للأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح فإنه بعد أن حكى عن الذخيرة الجواز في المتعة لعدم وجوب الإنفاق عليها قال:

«هذا أيضا فيه ما فيه، لأن الدائمة ربما لا تتمكن من أخذ النفقة، و ربما وقع اشتراط عدم النفقة، و في المتعة ربما يقع الاشتراط، و مع عدمه ربما تكفي مئونتها كما هو المتعارف الغالب الآن، فعدم الوجوب لا يصير علة، بل العلة عدم كفاية المئونة، مع أنه لا تفاوت بين بضعها و بين بضع الدائمة في القابلية للعوض، فعندها العوض قبل إيقاع العقد و متمكنة منه و بعد إيقاع العقد، و إعطاء البضع من دون عوض يكون حالها حال الدائمة التي يشترط عليها عدم النفقة، أو تهب النفقة لزوجها و تأخذ الزكاة بإدخال نفسها في الفقراء الغير المتمكنين من العوض شرعا مع تمكنها من العوض و تحصيل المئونة به، فلا بد لها من عذر شرعي في ذلك، إذ هي كمن عنده مئونة السنة و يهبها للرحم، أو بعوض قليل غاية القلة، أو يتلفها و يجعل الزكاة عليه حلالا بعد أن كانت حراما، فمع العذر الشرعي يكون الأمر كما ذكره بلا شبهة، و أما مع عدمه يكون

ج 15، ص: 403

حراما، فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع و لا الأخذ» إذ هو كما ترى من غرائب الكلام، ضرورة معلومية كون المدار في الفرق بين الدائمة و غيرها وجوب الإنفاق و عدمه بناء على غالب الحال فيهما، لا ما إذا فرض انعكاس الأمر بشرط أو نحوه، فان الحكم حينئذ ينعكس، و قوله: إن المدار على كفاية المئونة لا الوجوب واضح الفساد إذا كانت الكفاية بطريق التبرع و نحوه مما هو غير لازم، و لذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف نصا و فتوى، بل الإجماع بقسميه عليه.

و اليه أشار المصنف بقوله و يجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب و لو قربوا كالأخ و العم بل في

موثق إسحاق بن عمار(1)أنهم أفضل من غيرهم، من غير فرق بين الوارث منهم كالأخ و العم مع فقد الولد مثلا و عدمه، خلافا لبعض العامة فمنع منه في الأول بناء منه على أن على الوارث نفقة الموروث، و هو معلوم البطلان كما لا يخفى، و أغرب من ذلك دعواه كون البضع من قبيل الأموال، إذ هو و إن كان يقابل بالمال في بعض الأحوال لكن لا يعد بنفسه مالا بحيث تكون المرأة به غنية، و بالجملة هذا الكلام كله خال عن الثمرة، و لعله ليس للأستاذ المزبور كما لا يخفى.

و لو سقطت نفقة المرأة بالنشوز احتمل جواز الدفع إليها بناء على جوازها للفاسق و يحتمل العدم بسبب قدرتها على الطاعة، بل في كشف الأستاذ الجزم به، قال:

«و الزوجة الناشزة حكمها في المنع حكم غيرها، و كذا العبد الآبق و الأجير الممتنع» قلت: لكن لا يخلو من إشكال، ضرورة اندراجها في إطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن معارضة

ما هنا بعد عدم وجوب الإنفاق عليها، و قدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع المزبور الذي قد عرفت كونه المدار لا غيره، مع إمكان منع صدق الغنى عليها


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 404

بالقدرة المزبورة، فتأمل جيدا.

و قد ظهر لك أيضا مما ذكرنا أنه لا إشكال في جواز دفع الزوجة زكاتها للزوج و كذا الأجير و منذور النفقة و إن أنفقها عليهم، لإطلاق الأدلة و عمومها السالمين عن معارضة وجوب الإنفاق و غيره، فما عن ابني بابويه من المنع مطلقا حتى أنه جعله أحدهما من معقد ما حكاه عن دين الإمامية في أماليه على ما قيل واضح الضعف، و كذا ما عن ابن الجنيد من الجواز لكن لا ينفق عليها منها، بل هو أوضح فسادا من الأول كما لا يخفى، هذا.

و كأن المصنف و غيره ممن ذكر المملوك في المقام تبعا للنص، و إلا فالأصح أن المانع فيه الرقية لا وجوب النفقة، و لذا لم يتفاوت الحال بين زكاة المالك و زكاة غيره، بل و لا بين إعسار المولى و يساره في عدم جواز الدفع اليه من سهم الفقراء، و لعله لظهور الأدلة في اعتبار كون المدفوع اليه من هذا السهم قابلا للملك، خصوصا ما دل منها على جواز تصرف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه، فضلا عن قوله تعالى(1):

«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ» إلى آخره. و لذا صرح غير واحد باعتبار الحرية في أوصاف المستحق، نعم لا بأس بالدفع اليه من سهم سبيل الله، لعدم اعتبار الملك فيه، بل لا بأس به حتى إذا لم يرض المولى مع اضطرار العبد كما صرح به الأستاذ في كشفه، لكن قال:

«يدفعها حاكم الشرع اليه» كما أنه قال أيضا: «و لو كان مولاه عاجزا عن نفقته و كان فقيرا أخذها لنفسه و دفعها اليه، و لو أريد تعينها للعبد جعل دفعها اليه مشروطا على المولى و لزم ذلك على الأقوى».

قلت: لا يخفى عليك أن للنظر في لزوم هذا الشرط مجالا، و على كل حال فقد اختبط الأمر على بعض أعلام العصر، فظن أن المانع من إعطاء العبد الزكاة يمنع مطلقا


1- 1 سورة التوبة- الآية 60.

ج 15، ص: 405

حتى سهم سبيل الله، فاعترض عليهم بأنه لا يعتبر فيه الملكية، فلا وجه للمنع من الدفع اليه معللا بعدم قابليته للملكية، ثم حمل ما دل على المنع منه حال وجوب نفقته من نص أو معقد إجماع على ما إذا بذلت له النفقة مطلقا، و اعترض على نفسه بأن ذلك يقتضي اتحاد هذا الشرط أي عدم كونه من واجبي النفقة مع اشتراط الفقر و التزم به، و قال:

إنه إلى الآن لم يظهر لي فرق بين الشرطين، فجوز الدفع إلى واجبي النفقة من المالك و غيره مع الفقر، و هو من غرائب الكلام، بل لا يكاد أن يرجع إلى محصل، و فرق واضح بين الشرطين كوضوح الثمرة المترتبة على كل منهما، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا، و كيف كان فمن المعلوم أن منع المالك من دفع الزكاة لمن وجبت نفقته عليه إنما هو من سهم الفقراء لا مطلقا، أما إذا دخلوا تحت مستحقي باقي السهام فلا خلاف معتد به، كما لا إشكال في جواز الدفع إليهم من المالك و غيره، لعموم الأدلة السالم عن المعارض بعد تنزيل النصوص السابقة على الدفع من سهم الفقراء.

و حينئذ ف لو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ من الزكاة، و كذا الغازي و الغارم و المكاتب و ابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة لما عرفت من وجوب الأصلية أي نفقة الحضر، فلا يدفعها المالك له زكاة، بخلاف الزيادة فإنها ليست واجبة عليه، و قد صرحت النصوص (1)بفك رقبة الأب من الزكاة و أنه خير رقبة و بوفاء دين الأب و أنه أحق من غيره بذلك، فما عن ابن الجنيد من عدم جواز دفع السيد إلى مكاتبه من زكاته ليفك بها رقبته واضح الضعف، و أضعف منه تعليله بعود النفع إليه، إذ فيه أنه لا دليل على منع ذلك ما لم يستلزم عدم كونه إيتاء و نحوه مما ينافي ما دل على اعتباره في الزكاة، كما هو واضح، و الله أعلم.


1- 1 الوسائل- الباب- 18 و 19- من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 15، ص: 406

[الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا]

الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا، فلو كان كذلك لم تحل له زكاة غيره الواجبة بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين بل و بين المسلمين، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما متواتر كالنصوص (1)التي اعترف غير واحد بكونها كذلك إكراما لهم بالتنزيه عن أوساخ الناس التي هي من الرجس الذي أذهب الله عنهم و طهرهم عنه تطهيرا، فحرمه عليهم و عوضهم عنه الخمس من غير فرق بين أهل العصمة منهم و بين غيرهم، فما في

خبر أبي خديجة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم، و إنما تحرم على النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) الذي يكون بعده و الأئمة (عليهم السلام)»

بعد الغض عما في سنده مطرح أو محمول على حال الضرورة، و بيان أن النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) بعده لا يضطر إلى ذلك، أو على بعض الصدقات المندوبة التي يختص بالرفعة عنها منصب النبوة و الإمامة، أو غير ذلك.

و لا فرق في الحكم المزبور بين السهام كلها كما صرح به غير واحد، و هو مقتضى إطلاق الأدلة حتى معقد الإجماع منها، مضافا إلى تصريح

صحيح العيص (3)عن الصادق (عليه السلام) بحرمة سهم العاملين عليهم الذي هو كالعوض عن العمل، فغيره أولى، قال فيه: «إن أناسا من

بني هاشم أتوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي و قالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عز و جل للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي و لا لكم، و لكن قد وعدت الشفاعة، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
3- 3 ذكر صدره و ذيله في الوسائل في الباب 29 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1 و تمامه في فروع الكافي ج 2 ص 58.

ج 15، ص: 407

لقد وعدها فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أ تروني مؤثرا عليكم غيركم»

فما في كشف الأستاذ من التأمل في حرمة سهم سبيل الله عليهم و سهم المؤلفة و الرقاب- مع فرضهما بارتداد الهاشمي، أو كونه من ذرية أبي لهب و لم يكن في سلسلة مسلم، و بتزويجه الأمة و اشتراط رقية الولد عليه على القول به- في غير محله، نعم هو كذلك بالنسبة إلى بعض أفراد سهم سبيل الله مما لا يعد أنه صدقة عليهم، كالتصرف في بعض الأوقاف العامة المتخذة منه و الانتفاع بها و نحو ذلك مما جرت السيرة و الطريقة في عدم الفرق فيها بين الهاشمي و غيره و إن كانت متخذة من الزكاة، مع أنها في الحقيقة كتناول الهاشمي الزكاة من يد مستحقها بعد الوصول إليه، فإنه لا إشكال في جواز ذلك له، ضرورة عدم كونها زكاة حينئذ، كما هو واضح.

و يثبت الانتساب إلى بني هاشم بالشياع و بالبينة، و في كشف الأستاذ هنا بعد ذكرهما قال: «و الظاهر الاكتفاء بادعائه أو ادعاء آبائه لها مع عدم مظنة الكذب، و الأحوط طلب الحجة منه على دعواه، أما ادعاؤه في الفقر فمسموع، و حكم الادعاء للنسب الخاص كالحسنية و الحسينية و الموسوية و نحوها حكم الادعاء للعام» قلت: للنظر في ذلك مجال و إن تقدم لنا في الفقر ما يقتضي القبول، لكن لا على جهة الثبوت شرعا بذلك بل بالنسبة إلى دفع الخمس كدفع الزكاة لمن ادعى أنه أحد مصارفها، نعم في المقام لا يبعد قبوله إلزاما له بإقراره، فلا تدفع له الزكاة.

و على كل حال فالأحوط عدم دفعها للمتولد منهم و لو من زنا و إن كان قد يقوى خلافه، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة، و لم يثبت أنه هاشمي بعد الانسياق للمتولد منهم بغير ذلك، فيبقى مندرجا تحت العموم كمجهول النسب و لو كان كاللقيط المجهول نسبه عنده و عند الناس، و إن كان الأحوط له تجنب ما عدا زكاة الهاشمي.

و كيف كان فالذي يحرم على الهاشمي زكاة غيره و تحل له زكاة مثله في النسب

ج 15، ص: 408

الذي هو الانتساب إلى هاشم و إن اختلفوا في الآباء بعده بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص،

قال زرارة(1)في الموثق: «قلت للصادق (عليه السلام): صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم قال: نعم»

و سأله (عليه السلام) أيضا الشحام (2)عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال: هي الزكاة المفروضة، و لم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض»

و سأله (عليه السلام) أيضا إسماعيل بن الفضل الهاشمي (3)«عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟

فقال: هي الزكاة، قلت: فتحل صدقة بعضهم على بعض قال: نعم»

و سأله (عليه السلام) ابن دراج (4)أيضا «هل تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال: لا، قلت: لمواليهم قال:

تحل لمواليهم، و لا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض»

و سأل ابن أبي نصر(5)الرضا (عليه السلام) «عن الصدقة تحل لبني هاشم فقال: لا، و لكن صدقات بعضهم على بعض»

إلى غير ذلك من النصوص التي لا معارض لها إلا ما يجب حمله عليه لو سلم أن فيه تناولا لذلك، و إلا كان عموم أدلة الزكاة كافيا في إثبات الحكم المزبور الذي لا غضاضة فيه

عليهم بعد أن كانوا شجرة واحدة و بعضهم من بعض.

و الظاهر أنه لا فرق في جميع السهام بالنسبة إلى بعضهم مع بعض، فلا بأس حينئذ باستعمال الهاشمي على صدقات بني هاشم، لكن في الدروس جعله احتمالا، فقال: «و لو تولى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل الجواز» و فيه أن المتجه بملاحظة الأدلة السابقة الجزم، و أن احتمال العدم لإطلاق صحيح العيص (6)ضعيف، ضرورة قوة ما سمعته


1- 1 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 34- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
5- 5 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 8.
6- 6 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 409

من النصوص المعتضدة بما عرفت بحيث لا يصلح ذلك لمعارضتها، فوجب تنزيله على غير الفرض، كما هو واضح، و الله أعلم.

و كيف كان ف ان لم يتمكن الهاشمي من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ من الزكاة و لو من غير هاشمي كما عبر بذلك كثير، بل في المختلف «قد بينا أنه لا يحل إعطاء الهاشميين من الزكاة في حال تمكنهم من الأخماس، فإن قصر الخمس عن كفايتهم جاز أن يأخذوا من الزكاة قدر الكفاية، و هل يجوز التجاوز عن قدر الضرورة؟

الأشهر ذلك، و قيل: لا تحل» بل في الانتصار «و مما انفردت به الإمامية القول بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلت لهم الصدقة، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، دليلنا على صحة ما ذهبنا

إليه الإجماع المتردد، و يقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار و بأن الله حرم الصدقة على بني هاشم و عوضهم الخمس منها، فإذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم الصدقة» و في الغنية «فإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكي هاشميا مثله جاز دفع الزكاة إليه بدليل الإجماع المشار اليه» و في المدارك عن المنتهى «أن فتوى علمائنا على جواز التناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم» و في المعتبر «قال علماؤنا: إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة» إلى غير ذلك من عباراتهم التي ظاهرها جواز التناول بمجرد عدم التمكن من الخمس و إن تمكن مما هو جائز له مع الاختيار كزكاة مثله و الصدقات المندوبة أو الواجبة غير الزكاة بناء على حلها لهم، بل ظاهر عبارة المصنف جواز التناول بمجرد قصور الخمس عن مئونة السنة، بناء على أن المراد من الكفاية ذلك كما هو المنساق، بل لعل المراد من التمكن ما لا مشقة عليه في تحصيله، فمتى كانت و لو من جهة ما يلاقيه من الذل و نحوه عد غير متمكن.

لكن لا يخفى عليك أنه لا دليل معتد به على هذا الحكم بهذا الإطلاق سوى

ج 15، ص: 410

ما أومأ إليه السيد بمعاوضة حرمة الزكاة بالخمس المتمكن منه، فمع عدم الوصف تسقط المعاوضة، و يكون حالهم كحال باقي الفقراء و إن تمكنوا من غيره مما هو حلال لهم، و فيه أن الثابت من المعاوضة بالنسبة إلى الحكم أي حرم عليهم الزكاة و عوضهم بفرض الخمس على الناس من غير مدخلية للتمكن و عدمه، و سوى قصور تناول أدلة التحريم لمثل الفرض، فيبقى عموم أدلة الزكاة بحاله، و فيه منع واضح، كوضوح المنع للاستدلال بإطلاق خبر أبي خديجة(1)الذي خرج منه حال التمكن من الخمس بالإجماع، فيبقى غيره، ضرورة كونه من قسم المأول الذي ليس بحجة عندنا، على أن ذلك كله تقرير صناعي إذا اختبرته لم نجد إذعانا للقلب منه بشي ء، خصوصا بعد ورود

موثق زرارة(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلبي إلى صدقة، إن الله جعل لهم في كتابه ما فيه سعتهم، ثم قال: إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة، و الصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا و يكون ممن تحل له الميتة»

و ظاهره اعتبار شدة الحاجة في جواز التناول، و أن المتناول مقدار الضرورة، كالمتناول للميتة لمن اضطر إليها، و من هنا حكي عن الآبي التقدير بسد الرمق، لكن قد يقال:

إن المراد من ذلك التشبيه لا كونه كذلك حقيقة، فينتقل منه حينئذ إلى أقرب المجازات و لذا قدره ابن فهد في المحكي عنه بقوت يوم و ليلة لا مئونة السنة، لأن الخمس لا يملك منه ما زاد عن مئونة السنة، و هو له طلق، فكيف ما لا يحل له إلا للضرورة، و زاد آخر إلا مع

عدم اندفاع الضرورة إلا به، كأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفعها به.

فالذي يقوى في النظر عدم جواز التناول إلا مع شدة الحاجة، و يمكن حمل كلام كثير من الأصحاب على ذلك و إن قصرت عبارتهم عن التأدية، كما يومي اليه ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 33- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 411

المختلف و غيره من كون الخلاف في جواز تناول مقدار الضرورة أو أنه لا يقدر بقدر و مقتضاه المفروغية من اعتبار كون المسوغ للتناول حال الضرورة، و لكن الخلاف في المأخوذ حالها، بل لعل التأمل في عبارة المتن يقتضي ذلك أيضا لقوله متصلا بما سمعت:

و قيل: لا يتجاوز قدر الضرورة و أظهر منها عبارة المدارك، و كذا شرح الأصبهاني للمعة، فلاحظ و تأمل.

هذا كله بالنسبة إلى حال التناول، و أما القدر المتناول فلا ريب أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على ما يندفع به الضرورة، قال الكركي في حواشي الكتاب:

«الأصح أنه يدفع اليه قدر كفايته له و لعياله يوما فيوما، و لو توقع ضرر الحاجة إن لم يدفع اليه ما يكمل به مئونة السنة عادة دفع اليه ذلك، فلو وجد الخمس في أثناء السنة لم يبعد وجوب استعادة ما بقي من الزكاة» و نحوه عن حواشيه على الإرشاد، قيل:

و عكس في حواشي القواعد فذكر إعطاءه ما يكفيه لسنة له و لواجبي النفقة عليه إلا أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة على وجه لا يتوقع معه ضرر، فإنه يعطى تدريجا، قلت: الأحوط إن لم يكن الأقوى التدريج على كل حال حتى مع العلم ببقاء الضرورة عليه إلى تمام السنة، لعدم جواز تقدم المسبب على السبب، و عليه يسقط حينئذ تفريع الاسترجاع بعد التمكن من الخمس، أما على القول الآخر- و هو عدم التقدير و صيرورته في حال الضرورة كالفقير من غير الهاشمي، تمسكا بإطلاق ما دل على الإغناء المعلوم عدم إرادة مثل هذا الفرد منه- فالمتجه عدم الاسترجاع منه، ضرورة حصول ملكه لها، فلا يزول، و دعوى كونه مراعى لا شاهد عليها، فتأمل جيدا.

ثم إنه قد يظهر من جماعة كالسيد و الشيخ و المصنف و الفاضل في جملة من كتبه إلحاق جميع الصدقات الواجبة بالزكاة كالكفارة و نحوها، بل ربما ظهر من الثلاثة في الانتصار و الخلاف و المعتبر الإجماع عليه، بل صرح بعضهم بأن من ذلك الصدقة الواجبة

ج 15، ص: 412

بالنذر و أخويه، و آخر الصدقة الموصى بها، و ثالث الهدي الواجب، و ربما كان مقتضى ذلك حرمة رد المظالم الواجبة عليهم، ضرورة كونها كالواجبة بالعارض بنذر و وصية و نحوهما، لكنه لا دليل صالح لذلك، إذ الإجماع المحكي- مع أنا لم نتحقق الإطلاق من معقده، لاحتمال إرادة خصوص الزكاة من الصدقة الواجبة كما هو المتعارف في إطلاق النصوص، خصوصا مع ذكرهم ذلك في باب الزكاة، فلا يشمل حينئذ غيرها من الصدقة الواجبة بالأصل فضلا عن الواجبة بالعارض- موهون بمصير جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد و المقداد في التنقيح و الكركي في جامعه و ثاني الشهيدين في الروضة و المسالك و سبطه في المدارك إلى خلافه، و إطلاق كثير من الأخبار(1)الصدقة منساق إلى الزكاة، أو مقيد بما دل على ذلك من

خبر الشحام (2)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال: هي الصدقة المفروضة المطهرة للمال»

إلى آخره و

خبره الآخر(3)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم ما هي؟ فقال: هي الزكاة المفروضة»

و خبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي (4)«سألت الصادق (عليه السلام) عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال: هي الزكاة»

و خبر جعفر بن إبراهيم الهاشمي أو صحيحه (5)عن الصادق (عليه السلام) «قلت له:

أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال: إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس، و لو كان كذلك ما

استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة، و هذه المياه عامتها صدقة»

بناء على انسياق الزكاة من الصدقة الواجبة فيه و لو باعتبار العهدية


1- 1 هكذا في النسخة الأصلية و لكن الصواب« أخبار الصدقة».
2- 2 لم نعثر على هذا الخبر إلى الآن بعد التتبع في كتب الأخبار.
3- 3 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 32- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 413

المفهومة من اسم الإشارة، و ما دل (1)على كون الوجه في حرمتها عليهم أنها أوساخ و قد نزههم الله عنها و عوضهم بالخمس، و المعروف كون الزكاة الأوساخ، و لذا كانت مطهرة للمال، و لا يخفى على من رزقه الله فهم لسانهم (عليهم السلام) و معرفة إشاراتهم كون المحرم الزكاة خاصة، فتقيد بذلك تلك النصوص (2)المعلوم عدم إرادة مطلق الصدقات منها، لخروج صدقة الهاشمي و الصدقة المندوبة و نحو ذلك، كما أنه لا يخفى من قرائن كثيرة اعتبار هذه النصوص، فلا يقدح ضعف أسانيدها، على أن التعارض بين هذه الإطلاقات و إطلاق ما دل (3)على عموم مصرف الكفارة مثلا كإطلاق الأمر بالتصدق في غيرها من وجه، فلا أقل من خروج هذه النصوص مرجحة لها عليها، بل لولا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتحاد مصرف زكاة المال و زكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة، اقتصارا على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال، خصوصا ما ذكر فيه صفة التطهير للمال الشاهد

على كون المراد من غيره ذلك أيضا، و كيف كان فالذي يقوى الجواز مطلقا و إن كان الأحوط خلافه.

هذا كله في الواجبة و أما غيرها ف يجوز للهاشمي غير النبي و الأئمة (عليهم الصلاة و السلام) أن يتناول المندوبة من هاشمي و غيره بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه صريحا و ظاهرا فوق الاستفاضة كالنصوص، منها ما تقدم سابقا، و في

خبر عبد الرحمن بن الحجاج (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «لو حرمت علينا الصدقة لم يحل أن نخرج إلى مكة، لأن كل ما بين مكة و المدينة فهو صدقة»

نحو ما سمعته في خبر الهاشمي (5)


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب قسمة الخمس- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة.
3- 3 سورة المجادلة- الآية 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 414

و ما في

خبر إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري (1)قال: «كنا نمر و نحن صبيان و نشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة فدعانا جعفر بن محمد (عليهما السلام) فقال:

يا بني لا تشربوا من هذا الماء و اشربوا من ماء أبي»

يمكن حمله على ماء أشتري بمال الزكاة، أو أن المراد ترجيح الشرب من مائه لا على تحريم الماء الآخر، أو غير ذلك، لما عرفت من أنه لا إشكال نصا و فتوى في عدم حرمة المندوبة عليهم، مضافا إلى ما دل على رجحان برهم و إعانتهم و الإحسان إليهم و نحو ذلك من غير فرق بين أفراد ذلك فيشمل حينئذ الصدقة المندوبة و إفراضهم و الاهداء إليهم و الوقف عليهم و نحوها، بل ربما قيل: إن الكل من قسم الصدقة، ل

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «كل معروف صدقة»

و إن كان فيه ما فيه، و الخبر محمول على إرادة التشبيه بالنسبة إلى الثواب و نحوه، لا أن المراد منه بيان أفراد الموضوع كما هو واضح، و على كل حال فالحكم مفروغ منه.

نعم قد يتوقف في الصدقة المندوبة بالنسبة إلى النبي (صلى الله عليه و آله)، بل عن التذكرة و ثاني الشهيدين حرمتها عليه، لما فيها من الغضاضة و النقص و تسلط المتصدق و علو مرتبته على المتصدق عليه، و أن له المنة عليه، و منصب النبوة أرفع و أجل و أشرف من ذلك، و ل

قوله (عليه السلام)(3): «إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة»

لكن صريح جماعة و ظاهر آخرين الجواز أيضا، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا و أكثر أهل العلم، للإطلاق، و لعل الأول أقوى بالنسبة إلى بعض أفرادها، كالزكاة المندوبة التي هي

من الأوساخ أيضا، و بعض الصدقات الخسيسة كالتي توضع تحت رؤوس المرضى


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 41- من أبواب الصدقة.
3- 3 الوسائل- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6.

ج 15، ص: 415

و نحوها مما لا يليق بمنصب النبوة، و الامام (عليه السلام) كالنبي (صلى الله عليه و آله) في ذلك، و

قولهم (عليهم السلام)(1): «لو حرمت علينا الصدقة»

إلى آخره إنما تدل على إباحة مثل هذه الصدقات التي هي كالأوقاف العامة، و لا غضاضة عليهم في التناول منها، لا مطلق الصدقات، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان ف الذين تحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولد هاشم خاصة على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، خلافا للإسكافي و المفيد فألحقا به أخاه المطلب، و لا ريب في ضعفه، كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس، مع أن المسألة قليلة الثمرة، لعدم معلومية من ينتسب إليه في هذا الزمان، بل لم نعلم من ذرية هاشم إلا العلويين، و ربما قيل و العباسيين، لكن في المتن و هم الآن أولاد أبي طالب عليه السلام و العباس و الحارث و أبي لهب و لم يثبت عندنا الآن من ينتسب إلى الأخيرين، بل الظاهر أن العباسيين أقرب إلى الإثبات منهما، فكان

الأولى ذكرهم (2)و الأمر سهل بعد أن عرفت الحال في المشكوك فيه منهم، و الله أعلم.

[القسم الثالث في المتولي للإخراج]

القسم الثالث في المتولي للإخراج و هم ثلاثة: المالك و الامام (عليه السلام) و العامل بل أربعة بإضافة نائب المالك، و الاستغناء بذكر المالك عنه يقتضي الاستغناء بذكر الامام (عليه السلام) عن


1- 1 الوسائل- الباب- 31- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الظاهر من هذه العبارة أن« العباس» لم يكن في النسخة التي كانت عند الشيخ قدس سره و لكنه موجود في كثير من النسخ.

ج 15، ص: 416

العامل الذي هو وكيل عنه أيضا، فيتجه حينئذ الاقتصار على الأصلين دون الفرعين، بل إن أريد من الإخراج أداء الزكاة على وجه القربة كان المتولي أصالة المالك خاصة، إذ الامام إن دفعت اليه على وجه الولاية عن الفقراء كان ذلك إخراجا من المالك، و إن كان على وجه النيابة عن المالك فهو كباقي الوكلاء عنه، و بالجملة فعبارة المتن غير نقية إلا أن الأمر سهل بعد وضوح الحكم.

و على كل حال ف للمالك أن يتولى تفريق ما وجب عليه بنفسه و بمن يوكله إذ لا خلاف بيننا بل بين المسلمين كافة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص (1)أو تواترت، بل جملة(2)منها دالة على الحكم الآخر، و هو تفريق المالك نفسه، مضافا إلى

إطلاق الأدلة و النصوص الأخر التي بملاحظتها جميعا يشرف الفقيه على القطع بذلك، خصوصا نصوص (3)الأمر بإيصالها إلى المستحقين، و نصوص (4)نقل الزكاة إلى بلد آخر، و نصوص (5)شراء العبيد، و غير ذلك، و إلى السيرة القطعية بل لعل الحكم المزبور و سابقه من الضروريات بين العلماء، نعم قد يستفاد من سيرة رسول الله (صلى الله عليه و آله) أيام حياته و من قام مقامه خصوصا سيدنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته أنهم كانوا يجبون الصدقات و يرسلون العمال عليها، كما دل عليه صحيح عبد الله بن سنان (6)المتضمن أنه لما نزلت آية الزكاة(7)


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 28 و 36- من أبواب المستحقين للزكاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 4- من أبواب المستحقين للزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المستحقين للزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة.
6- 6 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
7- 7 سورة التوبة- الآية 104.

ج 15، ص: 417

«خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ» إلى آخره أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة- إلى أن قال-: ثم تركهم حولا، ثم وجه عمال الصدقة و عمال الطسوق، و نصوص (1)الأمر بخرص النخيل و إرسال أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقا يقبض الزكاة و ينقلها اليه (2)و غير ذلك من النصوص التي يستفاد منها ذلك، مضافا إلى ما يومي اليه قوله تعالى (3)«وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها».

و لعله لذا أفتى الشيخ بوجوب نصب الامام (عليه السلام) عاملا للصدقات، بل في الحدائق أنه المشهور إلا أنه يمكن حملها على زمان بسط اليد و التسلط لا زمن الغيبة و ما في حكمه من زمن التقية، و من هنا استفاضت النصوص (4)فيما يستفاد منه تولي المالك نفسه أو وكيله، لأن جميعها أو غالبها منهم (عليهم السلام) في زمن قصور اليد، حتى ورد في

خبر جابر المروي (5)عن العلل امتناع الامام (عليه السلام) من قبضها، قال:

«أقبل رجل إلى الباقر (عليه السلام) و أنا حاضر فقال: رحمك الله اقبض مني هذا الخمس مائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي، فقال (عليه السلام): بل خذها أنت وضعها في جيرانك و الأيتام و المساكين و في إخوتك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا (عليه السلام) فإنه يقسم بالسوية و يعدل في خلق الرحمن البر و الفاجر».

و كأن المفيد و أبا الصلاح و ابن البراج اغتروا بتلك النصوص فأوجبوا حملها إلى الامام (عليه السلام) مع ظهوره، و مع غيبته فالى الفقيه المأمون من أهل ولايته، لأنه القائم مقامه عليه السلام في ذلك و أمثاله، بل ألحق التقي منهم الخمس و كل حق وجب إنفاقه بها


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الغلات.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.
3- 3 سورة التوبة- الآية 60.
4- 4 الوسائل- الباب- 35 و 36- من أبواب المستحقين للزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 36- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 418

أيضا، و غفلوا عن النصوص الأخر الدالة على جواز تولي المالك ذلك التي هي فوق التواتر، بل مضمونها كالضروري بين الشيعة، و الآية المشتملة على أمره صلى الله عليه و آله بالأخذ- التي يجري البحث فيها على نحو آية النداء(1)في صلاة الجمعة، فلا يكون فيها دلالة على حكم هذا الزمان و نحوه- يمكن اختصاصها فيمن هم مرجع الضمير فيها، و هم الذين أشار إليهم بقوله تعالى (2)«وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً» فلا تدل حينئذ على وجوب الأخذ من غيرهم، مع احتمال كون الصدقة فيها غير الزكاة، بل هي أموال كانوا يعطونها لتكفير ما أذنبوه من التخلف، فإنه

روي (3)«انهم قالوا: يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا و طهرنا و استغفر لنا، فقال (صلى الله عليه و آله): ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا، فأنزل الله هذه الآية»

كاحتمال القول بأن الأمر بالأخذ لا يستلزم وجوب الإعطاء، بل جزم به الفاضل في المحكي من نهايته في الأصول، و قال: «لا يقال وجوب الأخذ إنما يتم بالإعطاء، و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، لأنا نقول: الأمر هنا إن كان بالطلب لم يتوقف على الإعطاء، و إن كان بالأخذ لم يكن الإعطاء واجبا، لأن ما لا يتم الواجب إلا به إنما يكون واجبا لو كان مقدورا لمن وجب عليه الأخذ، و إعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الأخذ، فلا يكون

واجبا» و اليه يرجع ما في المختلف من قوله بعد تسليم أن الأمر للوجوب. إنما يدل على وجوب الأخذ عليه (صلى الله عليه و آله) إذا دفعت اليه، و لا يستلزم ذلك وجوب الدفع اليه، هذا كله بعد القول بكون الأمر هنا للوجوب، و هو غير معلوم، لاحتمال كونه من الأمر بعد الحظر، فيكون للإباحة،


1- 1 سورة الجمعة- الآية 9.
2- 2 سورة التوبة- الآية 103.
3- 3 تفسير الرازي ج 15 ص 175 و تفسير الطبري ج 11 من ص 12 إلى 17.

ج 15، ص: 419

و الأقوى في الجواب أن الآية عند بسط يد الامام و ظهور السلطنة التي أشير إليها ب

قوله (عليه السلام)(1): «الامام يرى رأيه بقدر ما رآه. فان رأى أن يقسم الزكاة على السهام التي سماها الله قسمها، و إن أعطى أهل صنف واحد رآهم أحوج لذلك في الوقت أعطاهم».

و مما يؤيد ذلك أنه بعد موت رسول الله (صلى الله عليه و آله) لما اغتصب الناس منصب السلطنة جروا على آثارها، و أرسلوا عمالهم على جبايتها، و حاربوا من منعها، و استحلوا دماءهم و سموهم أهل الردة، و في

دعائم الإسلام (2)«و إن أحدا لم يكن يفرق زكاته بنفسه كاليوم»

بل عن أكثر فقهاء العامة إيجاب الدفع إلى الأمراء و إن علم عدم صرفها في محالها، و رووا ذلك عن سعد بن مالك و أبي سعيد الخدري و عبد الله ابن عمر و أبي هريرة و عائشة و الحسن البصري و عامر الشعبي و إبراهيم

النخعي و سعيد ابن جبير و الأوزاعي و الشافعي و أبي ثور و غيرهم حتى حكي عن بعضهم أنه سئل عن الزكاة فقال: ادفعوها إلى الأمراء و لو أكلوا بها لحوم الحيات، و عن آخر أنه سئل كذلك فأجاب بالدفع إلى الأمراء، فقيل له: إنهم يشترون بها العقد و الدرر و ينفقونها فقال: ما أنتم و ذلك، أمرتم بدفعها إليهم و أمروا بصرفها في وجوهها، فعليكم ما حملتم و عليهم ما حملوا، و عن ابن عمر أنه قال: أربعة إلى السلطان: الزكاة و الجمعة و الفي ء و الحدود، و أنه قيل: إن السلطان يستأثر بالزكاة فقال: ما أنتم و ذلك، أ رأيتم لو أخذتم لصوصا فقطعتم بعضا و تركتم بعضا أ كنتم مصيبين؟ قالوا: لا، قال: فلو رفعتم إلى السلطان فقطع بعضهم و ترك بعضهم أ كان عليكم من ذلك شي ء؟ قالوا: لا، قال:


1- 1 البحار- ج 20 ص 19 من طبعة الكمباني.
2- 2 دعائم الإسلام ج 1 ص 312 و فيه« و إن أحدا لم يكن يفرق زكاة ماله على المساكين كما يفعل اليوم عامة الناس. إلخ».

ج 15، ص: 420

و لم؟ قالوا: لأنا قد فعلنا ما كان علينا أن نفعله من رفعهم إلى السلطان، و ما فعله فعليه، قال: صدقتم و هكذا تجري الأمور، إلى غير ذلك مما حكى عنهم في دعائم الإسلام التي صرح فيها بأن طريقة النبي (صلى الله عليه و آله) و من قام مقامه كان على نقل الصدقات و جمعها من أيدي أهلها، و أنه لا إذن لأحد منهم في تفرقتها و توزيعها و لعله كذلك في زمن السلطنة الربانية لا في زمن الغيبة و التقية التي قد أمرنا فيها بإخفاء الأحكام الشرعية الخفية، فضلا عن نقل المال و جمعه المؤدي إلى استئصال الشيعة.

لكن و مع ذلك كله لا ريب في أن الأولى مع الإمكان حمل ذلك إلى الامام (عليه السلام) أو نائبه، بل عن الخلاف الإجماع عليه، لأنه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها، و فيه رفع للتهمة و هوى النفس في التفضيل و غير ذلك و في المتن و غيره أنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي و الغلات لكن في المدارك أني لم أقف على حديث يدل عليه بمنطوقه، و لعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام و الاقتداء بالسلف الكرام، قلت: و هو كذلك إلا أن أمره سهل يتسامح فيه، نعم قد فرق أبو عبيد بينهما فأوجب نقل هذه إلى الأمراء، و لا يجزيه الدفع من نفسه إلى الفقراء مثلا، بخلاف زكاة الذهب و الفضة فجوز للمالك الأمرين، و قال الشيخ في المحكي من مبسوطة: «و الأموال على ضربين ظاهرة و باطنة، فالباطنة الدنانير و الدراهم و أموال التجارات فللمالك الخيار في هذه الأشياء بين أن يدفعها إلى الامام أو من ينوب عنه و بين أن يفرقها بنفسه على مستحقيه بلا خلاف في ذلك، و أما زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشي و الغلات فالأفضل حملها إلى الامام إذا لم يطلبها» و لعله يريد ما في المحكي من خلافه «الأموال الباطنة لا خلاف في أنه لا يجب دفع زكاتها إلى الامام، و صاحب المال بالخيار بين أن يؤديها للإمام و بين أن يؤديها بنفسه، و أما الظاهرة فعندنا يجوز أن يؤديها بنفسه- إلى أن قال-: و في القديم يجب عليه دفعها إلى

ج 15، ص: 421

الامام» و ظاهره أو صريحه الإجماع منا على ما سمعته من المفيد و من تبعه، و الله أعلم.

هذا كله في الحمل ابتداء و أما لو طلبها الامام على وجه الإيجاب بنفسه أو بساعيه وجب صرفها اليه بلا خلاف و لا إشكال، لوجوب طاعته و حرمة مخالفته عقلا و نقلا و لو فرقها المالك في أهلها و الحال هذه قيل و القائل الشيخ في المحكي من مبسوطة و خلافه و ابن حمزة و الشهيد في اللمعة و الدروس و الفاضل في المختلف لا يجزي بل في الأخير أنه الذي يقتضيه قول كل من أوجب الدفع اليه ابتداء للنهي المفسد للعبادة باعتبار كون الدفع حينئذ إتيانا بالمأمور به على غير وجهه المطلوب شرعا و قيل و القائل المصنف في النافع و الفاضل في التذكرة و الإرشاد و ولده في المحكي من شرح الإرشاد يجزي لصدق امتثال الأمر بالإيتاء و إن أثم بترك امتثال أمر الطلب، و لعدم اقتضاء الأمر بالشي ء النهي عن الضد، و لأنه أدى الحق إلى مستحقه، فخرج عن العهدة، و الامام إنما يطلبه لإيصاله إلى المستحقين، فلا يكون الدفع إليهم ضدا للدفع اليه، بل موافقة لغرضه، بل الدفع إلى الفقير ليس ضدا للدفع إلى الامام بذاته، إذ يمكن الدفع اليه بعد الدفع اليه، و إنما عرضت له الضدية لاستلزامه هنا التمليك، و إن قلنا بالنهي عنه لاستلزامه التمليك لزم من وصفه صحة الدفع، فإنه لا نهي إذا لم يكن تمليك، و لا تمليك إذا كان نهي، و لأنه في الحقيقة كالعبد الذي يطيع الله و يعصي سيده، ضرورة عدم اقتضاء طلب الامام عليه السلام لها تقييد أوامر الإيتاء للفقراء.

و مما سمعت للقولين تردد الفاضل و سيد المدارك، لكن قال في الأخير: «إلا أن الأمر فيها هين، لاختصاص الحكم بطلب الامام عليه السلام)، و مع ظهوره عجل الله فرجه تتضح الأحكام كلها إن شاء الله» قلت: يمكن أن تظهر ثمرتها في زمن الغيبة بطلب الفقيه لها بناء على وجوب إجابته، لعموم نيابته كما حكاه الشهيد، فقال: «قيل و كذا يجب دفعها إلى الفقيه في الغيبة لو طلبها بنفسه أو وكيله، لأنه نائب للإمام كالساعي،

ج 15، ص: 422

بل أقوى منه لنيابته عنه في جميع ما كان للإمام، و الساعي إنما هو وكيل للإمام عليه السلام في عمل مخصوص» لكن في شرح الأصبهاني للمعة لم أظفر بقائل ذلك، و إنما عثرت على القول بوجوب الدفع اليه أو وكيله في الغيبة ابتداء، بل قال: «إنا نمنع كونه كالساعي، فان الساعي إنما يبلغ أمر الإمام، فاطاعته إطاعة الامام بخلاف الفقيه، و لا يجدي كونه أعلا رتبة و منصبا منه، و لم يعلم أمر منهم صلوات الله عليهم بإطاعة الفقيه في كل شي ء» قلت: إطلاق أدلة حكومته خصوصا رواية النصب (1)التي وردت عن صاحب الأمر (عليه السلام) روحي له الفداء يصيره من أولي الأمر الذين أوجب الله علينا طاعتهم، نعم من المعلوم اختصاصه في كل ما له في الشرع مدخلية حكما أو موضوعا، و دعوى اختصاص ولايته بالأحكام الشرعية يدفعها معلومية توليه كثيرا من الأمور التي

لا ترجع للأحكام، كحفظه لمال الأطفال و المجانين و الغائبين و غير ذلك مما هو محرر في محله، و يمكن تحصيل الإجماع عليه من الفقهاء، فإنهم لا يزالون يذكرون ولايته في مقامات عديدة لا دليل عليها سوى الإطلاق الذي ذكرناه المؤيد بمسيس الحاجة إلى ذلك أشد من مسيسها في الأحكام الشرعية.

و من ذلك يظهر حينئذ أن ثمرة المسألة تتحقق في زمن الغيبة كزمن الظهور و التحقيق فيها أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده مع النهي عن التفريق لعدم التمكن من نية القربة حينئذ التي لا ريب في اشتراطها في صحة دفع الزكاة، لأن نهيه (صلى الله عليه و آله) نهي الله تعالى، فإنه «ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى»(2)و كذا مع الاقتصار على الأمر بالدفع إليه المنافي للأمر حينئذ بالإيتاء، فوجب تقييده به على معنى وجوب الإيتاء على هذا الوجه بالنسبة إلى خصوص من


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب صفات القاضي- الحديث 10 من كتاب القضاء.
2- 2 سورة النجم- الآية 3 و 4.

ج 15، ص: 423

تعلق به الطلب، بناء على توقف وجوب الدفع اليه عليه، و ليس ذا من مسألة الضد بوجه، و الإيصال إلى المستحق بعد أن لم يكن على الوجه المأمور به غير مجز، كما أن عدم ترتب الملك عليه للنهي لا يقتضي جوازه، لعدم منافاته حينئذ، و ما أشبه هذا الكلام بما عن أبي حنيفة من اقتضاء النهي الصحة، لعدم تحقق النهي عن الصلاة مثلا إلا بعد صحتها،

لعدم كونها صلاة مع فسادها، فلا نهي، و هو واضح الفساد كما بيناه في محله، و الله أعلم.

و ولي الطفل و المجنون كالمالك في ولاية الإخراج بنفسه أو وكيله و الدفع إلى الامام، لإطلاق دليل ولايته، هذا و في المحكي عن المبسوط أنه يجب على الامام أن ينصب عاملا لقبض الصدقات لوجوب التأسي بفعل النبي (صلى الله عليه و آله) الظاهر باعتبار استمراره على ذلك في الوجوب عليه أيضا إن لم نقل بوجوب التأسي بفعله الذي لم نعلم وجهه، مضافا إلى اقتضاء قاعدة اللطف ذلك، ضرورة عدم سماحة أنفس المكلفين بالإخراج من أموالهم، و بنقلها، و ربما استلزم ذلك مئونة عظيمة، فلا ريب في أن ذلك يبعدهم عن الطاعة و يقربهم إلى المعصية، و إلى اقتضاء قاعدة وجوب مراعاة الولي مصالح المولى عليهم أو عدم المفسدة ذلك أيضا، و لا ريب في خصوص المفسدة على الفقراء بترك نصب العامل، نعم عن المنتهى تقييد ذلك بما إذا عرف أو غلب على ظنه أن الصدقة لا تجمع إلا بالعامل، و استحسنه في المدارك، و فيه أنه يمكن أن يكون المتجه بناء على ما عرفت وجوب النصب إلا إذا علم الجمع بدونه، و الأمر في ذلك كله سهل، بل في المدارك أن أمثال هذه المناصب لا يناسب أصولنا، لأن الإمام (عليه السلام) أعلم بما يجب علينا و عليه، و هو كذلك بعد السقوط في زمن الغيبة التي هي وقت التقية و زمن الفترة، كما هو واضح، و الله أعلم.

و قد عرفت سابقا أنه لا إشكال و لا خلاف في أنه يجب دفعها اليه عند

ج 15، ص: 424

المطالبة لكون طلبه طلب الامام (عليه السلام) و كذا قد عرفت سابقا أنه لو قال المالك: أخرجت قبل قوله: و لا يكلف ببينة و لا يمينا كما نص عليه (1)مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) في تعليمه لمصدقه و لا يجوز للساعي تفريقها إلا بإذن الإمام لأن العمالة ولاية و وكالة، فيقتصر فيها على موضع الاذن من الموكل، نعم في المدارك «لو أذن له المالك في تفريقها و لم نوجب حملها إلى الامام ابتداء جاز له ذلك، مع احتمال العدم، لأن طلب الساعي قائم مقام طلب الامام (عليه السلام)» قلت: لا ريب في قوة هذا الاحتمال، ضرورة عدم ولاية للمالك عليها بعد قبض الساعي لها، فإذنه كعدمها، و احتمال أن للعامل التفريق بنفسه باعتبار صيرورة المال للفقراء بقبضه فيشمله ما دل على إيصال الأمانة إلى أهلها فلا يحتاج إلى الاذن يدفعه أن يده يد الامام، فالأمانة حينئذ عند الامام لا عنده حتى يكون مكلفا بها و إن كانت هي أمانة عنده أيضا لكن على معنى كونه وكيلا عنه كالوكيل على قبض الوديعة من صاحبها، و هو واضح أما إذا أذن له جاز أن يأخذ نصيبه ثم يفرق الباقي بلا إشكال، لأنه أحد المستحقين بل أعظمهم، لكونه كالأجير، و إن كان الاذن مطلقة تصرف كيف شاء بما تحصل به البراءة، و إن كانت مقيدة لم يجز التعدي، و

لو عين المالك و عين له الامام و اختلف المحل أو التقسيط ففي المدارك اتبع تعيين الإمام خاصة، لأنه أولى بنا من أنفسنا، و فيها أيضا «و لو أطلق الامام و عين المالك لم يبعد جواز التعدي عن تعيينه، لزوال ولايته بالدفع إلى الساعي» قلت: قد يقال بناء على عدم وجوب الدفع إلى الامام ابتداء و لم يكن طلب منه و لم يكن دفع المالك للساعي مثلا على أن يكون التفرقة على وجه


1- 1 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 425

مخصوص بوجوب ما عينه المالك، لعموم

قوله (صلى الله عليه و آله)(1): «المؤمنون عند شروطهم»

كما أومأنا إليه سابقا، لكن الانصاف عدم خلوه بعد من البحث و النظر، و مثله يأتي الآن في الدفع إلى المجتهد، فتأمل جيدا.

و كيف كان ف إذا لم يكن الامام (عليه السلام) موجودا بين رعيته على وجه يتمكنون من الرجوع اليه دفعت ابتداء إلى الفقيه المأمون من الإمامية فإنه أبصر بمواقعها استحبابا أو وجوبا على القولين، لأنه نائب الإمام فيجري فيه ما تقدم، بل قيل: إنه لا قائل بوجوب دفعها إلى الامام (عليه السلام) ابتداء و عدمه إلى الفقيه، و إن كان قد يخدش بما في الغنية من الوجوب في الأول و عدمه في الثاني، و لعله لما عرفت من عدم

عموم ولايته. لكن فيه ما تقدم سابقا، و منه يعلم الحال في طلبه.

و المراد بالفقيه الجامع لشرائط الفتوى و الحكومة، قيل: و بالمأمون من لا يتوصل إلى أخذ الحقوق مع غنائه عنها بالحيل الشرعية، بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين، ثم نفى البأس عنه، قال: لأن في غير المأمون بهذا المعنى نقصا في الهمة و انحطاطا عما أهله الشارع له، و في الدفع إليه إضرارا بالمستحقين، و نقصا في الحكمة التي لأجلها شرعت الزكاة، و عن بعضهم احتمال زيادة عدم التوجه إلى الأمور الدنيوية- التي توجب نقصا في إيصال الحقوق إلى المحتاج، كشدة الصحبة مثلا مع بعض الفقراء- على ذلك، إلا أن الانصاف عدم خلو اعتبار الزائد على العدالة عن الاشكال، لعدم الدليل، بل إطلاق عبارة النصب يقتضي خلافه.

و على كل حال فالمستحب حملها اليه، خلافا لبعض العامة فجعل الأفضل تفريق المالك بنفسه، و لا ينافي ذلك قوله تعالى(2):


1- 1 المستدرك- الباب- 5- من أبواب الخيار- الحديث 7 من كتاب التجارة.
2- 2 سورة البقرة- الآية 273.

ج 15، ص: 426

«وَ إِنْ تُخْفُوها وَ تُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ» إذ الإخفاء لا ينافي الحمل إلى الامام، لأن إعطاء الفقير كما يكون بالإبداء و الإخفاء كذلك الحمل إلى الامام، و إيتاء الفقراء لا يتعين أن يكون بنفسه، بل لعل المراد من الإخفاء الحمل إلى الامام، فإن معه لا يعلم ممن و لا ما هو، على أن

إسحاق بن عمار(1)روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية أنه قال: «هي سوى الزكاة، فإنها علانية غير سر»

و في مرسل ابن بكير(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) فيها أيضا قال: «فَنِعِمَّا هِيَ يعني الزكاة المفروضة، قلت: و إن تخفوها قال: يعني النافلة إنهم كانوا يستحبون إظهار الفرائض و كتمان النوافل»

و عن العياشي في تفسيره عن

الحلبي (3)عن أبي عبد الله (عليه السلام) فيها أيضا، قال: «ليس تلك الزكاة، و لكنه الرجل يتصدق لنفسه الزكاة علانية ليس بسر»

و في المروي عن

علي بن إبراهيم (4)عنه (عليه السلام) «الزكاة المفروضة تخرج علانية و تدفع علانية، و غير الزكاة إن دفعه سرا فهو أفضل»

و في

خبر أبي بصير(5)عنه (عليه السلام) أيضا «كل ما فرض الله عز و جل عليك فإعلانه أفضل من إسراره، و كل ما كان تطوعا فإسراره أفضل من إعلانه»

إلى غير ذلك، و الله أعلم.

و الأفضل قسمتها في الأصناف الثمانية مع سعتها و وجودهم، لتعميم النفع و المراعاة

لظاهر الآية، و عن التذكرة و المنتهى «و لما فيه من التخلص من الخلاف، و حصول الاجزاء يقينا» لكن فيه أنه لا يناسب ما تسمعه من دعواه الإجماع منا على عدم وجوب البسط، و الأمر سهل.

و كذا يستحب اختصاص جماعة أقلها ثلاثة من كل صنف مع الوجود و السعة، و الأولى البسط مع إمكانه اعتبارا لصيغة الجمع المعرفة باللام، و أما في


1- 1 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 9.
4- 4 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 8.
5- 5 الوسائل- الباب- 54- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.

ج 15، ص: 427

إعطاء جماعة فلأنها و إن استعيرت للجنس الشامل للواحد نحو ركبت الخيل و نكحت النساء إلا أن الجمع أقرب أفراد المجاز إلى الحقيقة، كذا قيل، لكنك خبير أن ذلك لا يجري في سهم سبيل الله و ابن السبيل، إذ لا جمع فيهما، اللهم إلا أن يكون وجهه ما في تفسير

علي بن إبراهيم (1)عن العالم (عليه السلام) «و فِي سَبِيلِ اللَّهِ قوم يخرجون- و قوله-: و ابْنِ السَّبِيلِ أبناء الطريق»

و الأمر سهل بعد أن كان الحكم ندبيا يتسامح فيه.

و يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب كما رواه

السكوني (2)قال:

«قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به، و كيف أعطيهم؟ فقال: أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل».

كما أنه ينبغي تفضيل الذي لا يسأل على الذي يسأل، لحرمانه في أكثر الأوقات و مدح الله له في كتابه المجيد(3)و ل

صحيح ابن الحجاج (4)«سألت أبا الحسن عليه السلام عن الزكاة يفضل بعض من يعطى ممن لا يسأل على غيره قال: نعم يفضل الذي لا يسأل على الذي يسأل».

و ينبغي أيضا صرف صدقة المواشي إلى المتجملين و من لا عادة له بالسؤال، و صرف صدقة غيرها إلى الفقراء المدقعين المعتادين للسؤال،

قال عبد الله بن سنان (5):

قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إن صدقة الخف و الظلف تدفع إلى المتجملين من المسلمين، فأما صدقة الذهب و الفضة و ما كيل بالقفيز و ما أخرجته الأرض فللفقراء المدقعين، قال: فقلت: كيف صار هذا هكذا؟ فقال: لأن هؤلاء يتجملون و يستحيون


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
3- 3 سورة البقرة- الآية 174.
4- 4 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 26- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 428

من الناس، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس، و كل صدقة»

و ربما تعارضت جهة الترجيح، و ربما تحصل مرجحات أخر، و المتجه حينئذ مراعاة الميزان، و من هذا و شبهه قلنا: إن الفقيه أبصر بمواقعها و أعرف بمواضعها، و الذي يسهل الخطب كون الحكم استحبابيا.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لو صرفها في صنف واحد جاز، و لو خص بها و لو شخصا واحدا من بعض الأصناف جاز أيضا بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، بل في التذكرة نسبته إلى أكثر أهل العلم، و النصوص فيه مستفيضة أو متواترة، و فيها الصحيح و الحسن و غيرهما،

قال أحمد بن حمزة(1): «قلت لأبي الحسن (عليه السلام): رجل من مواليك له قرابة كلهم يقول بك، و له زكاة أ يجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال: نعم»

و قال زرارة(2): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وجبت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين أ يؤدي زكاته في دين أبيه؟- فقال بعد كلام طويل-: و إن لم يكن أورثه الأب مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه، فإذا أداها في دين أبيه على هذا الحال أجزأت عنه»

إلى غير ذلك مما تقدم من نصوص الإعتاق(3)و الإحجاج (4)و غيرها، بل في

حسنة عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (5) عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كان رسول الله صلى الله عليه و آله يقسم صدقة أهل البوادي في البوادي، و صدقة أهل الحضر لأهل الحضر، و لا يقسمها بينهم بالسوية، و إنما يقسمها بينهم ما يحضره منهم و ما يرى، و قال: ليس في ذلك شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 18- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة.
4- 4 الوسائل- الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة.
5- 5 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 429

موقت»

و نحوها غيرها في ذلك، بل في المروي عن

تفسير العياشي عن أبي مريم (1)عن الصادق (عليه السلام) في قول الله عز و جل «إِنَّمَا الصَّدَقاتُ» إلى آخره، فقال:

«إن جعلتها فيهم جميعا و إن جعلتها لواحد أجزأ عنك».

و بذلك كله يعلم أن المراد من الآية بيان المصرف الذي هو مقتضى الأصل أيضا بعد قطع النظر عن النصوص و الإجماع، فما عن بعض العامة- من وجوب القسمة على الأصناف الستة الموجودين على السواء، و يجعل لكل صنف ثلاثة أسهم فصاعدا، و لو لم يوجد إلا واحد من ذلك صرفت حصة الصنف إليه، لأنه تعالى جعل الزكاة لهم بلام الملك، و عطف بعضهم على بعض بواو التشريك، و ذلك يوجب الاشتراك في الحكم-

ضعيف جدا(2)و ربما أجيب عنه بأنه تعالى جعل جملة الصدقات لهؤلاء الثمانية، فلا يلزم أن يكون كل جزء من أجزائها كصدقة زيد مثلا موزعا على كل واحد منهم، و بأن اللام في الآية الشريفة للاختصاص لا للملك، كما تقول باب الدار، فلا يقتضي وجوب البسط و لا التسوية في العطاء، و بأن المراد من الآية بيان المصرف أي الأصناف التي تصرف الزكاة إليهم لا إلى غيرهم، كما يدل عليه الحصر بانما، و قوله تعالى (3)«وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ» الآية، و هو الذي أشار إليه في محكي الخلاف بقوله: إن الآية محمولة على أن الثمانية أصناف محل الزكاة لا أنه يجب دفعها إليهم بدلالة أنه لو كان كذلك لوجب التسوية بين كل صنف، و يفرق في جميع الصنف، و ذلك باطل بالاتفاق، قلت:

و هو كذلك، ضرورة أنها لو أفادت وجوب الصرف إلى جميع ما ذكر من الأصناف أفادت وجوبه إلى جميع ما يدخل في كل صنف، لإفادة الجمع المعرف الاستغراق إلا أن يراد منه الجنس مجازا، نحو ركبت الخيل، و أما التسوية فلعدم المرجح لبعضهم على


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
2- 2 ليس في النسخة الأصلية كلمة« ضعيف جدا» و لكن الصحيح ما أثبتناه.
3- 3 سورة التوبة- الآية 58.

ج 15، ص: 430

الآخر، فهو كما لو أوصى بشي ء لجماعة من غير تفضيل، و على كل حال فالمحافظة على معنى اللام المعلوم انتفاؤه هنا من وجوه ليس بأولى من المحافظة على الاستغراق في الجمع الذي لا مانع من إرادته على تقدير كون

المراد بيان المصرف و الاستحقاق و الاختصاص و نحو ذلك مما لا يقتضي البسط المزبور.

و لا يجوز أن يعدل بها أي الزكاة إلى غير الموجود من الفقراء، لما فيه من تأخير الإخراج مع التمكن منه الممنوع عند المصنف على ما ستعرف و كذا لا يجوز نقلها إلى غير أهل البلد مع وجود المستحق في البلد على المشهور كما في الحدائق بل في التذكرة الإجماع عليه، بل لعله ظاهر الخلاف أو محتمله، و هو الحجة، مضافا إلى ما فيه من لزوم التأخير المنافي للفورية الذي ستعرف عدم جوازه عند المصنف، و من التغرير بالمال و التعريض لتلفه، و إلى

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح عبد الكريم ابن عتبة الهاشمي (1): «كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقسم صدقة أهل البوادي على أهل البوادي و صدقة أهل الحضر على أهل الحضر»

الخبر، و قوله في

صحيح الحلبي(2): «لا تحل صدقة المهاجرين للأعراب، و لا صدقة الأعراب للمهاجرين»

لكن الجميع كما ترى، إذ الشهرة فضلا عن الإجماع لم نتحققها، بل الفاضل نفسه الذي حكى الإجماع المزبور و قد اختار في المنتهى و المختلف و التحرير الجواز على كراهية، كالمحكي عن ابن حمزة، و أما الشيخ فإنه و إن صرح بالعدم في الخلاف لكن المحكي عنه في مبسوطة و الاقتصاد الجواز بشرط الضمان، و قواه أول الشهيدين في الدروس و ثانيهما في المسالك و محكي حواشي القواعد، بل اختاره فيما حكي عنه من حواشي الإرشاد، اللهم إلا أن يريدوا بالضمان نقل المال إلى الملك باقتراض و نحوه، فيكون حاصله عدم


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 431

جواز النقل إلا إذا أخرجه عن الزكاة بالضمان، لكن فيه أنه ليس قولا بعدم الجواز أيضا، ضرورة أنه عليه لا يجوز له أن يضمن و ينقل، و بذلك كانت المسألة ثلاثية الأقوال، قال في الدروس: «و لا يجوز نقلها مع وجود المستحق فيضمن، و قيل:

يكره و يضمن، و قيل: يجوز بشرط الضمان، و هو قوي» و ظاهر الشهيد في الروضة أن ما في الدروس هو قول بالجواز.

و على كل حال فالقول بالعدم ليس مظنة الإجماع، بل لعل العكس أقرب منه، خصوصا مع أن المحكي عن الحلبي أنه جعل عدم النقل أولى، و ظاهره الجواز، و عن إيضاح المفيد كما في المنتهى الجواز أيضا، و إن كان ما وصل إلينا من عبارته في المقنعة ليس بتلك الصراحة، و المنافاة للفورية التي يمكن منع وجوبها على وجه يقتضي منع ذلك كما ستعرفه في محله- بل في المدارك و غيرها أن النقل شروع في الإخراج، فلا يكون منافيا كالقسمة مع التمكن من إيصالها إلى شخص واحد- لا تخص النقل بعدم الجواز، ضرورة عدم الفرق حينئذ بينه و بين التأخير و إن لم ينقلها، بل قد يوافقها بعض أفراد النقل إلى البلدان القريبة دون الإيصال في البلد، فلا وجه لذكر هذه المسألة بعنوان مخصوص ظاهر في عدم ابتنائها على الفورية، و أنه لا يجوز النقل نفسه إلى بلد آخر و إن جاز له التأخير في بلده، و التغرير للمال (بالمال خ ل) و التعريض لتلفه بعد كونه مضمونا على المالك غير مضر في حق الفقير، و الصحيح (1)غير دال على الوجوب، خصوصا بعد معلومية جواز الإعطاء لكل من القسمين مع عدم النقل، بل ليس فيه تعرض للنقل أصلا، ضرورة أنه قد يستدعي ذلك للنقل، بل فيه منافاة لما دل (2)على نقله عليه السلام للزكاة و إرسال الجباة لها، فالمقصود منه ضرب من الندب، و كذا الكلام في


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 432

الصحيح الآخر(1).

فبان لك من ذلك كله قصور هذه الأدلة عن تقييد إطلاق الآخر المقتضي تخيير المالك في جميع أفراد الدفع فضلا عن الأدلة الخاصة، ك

صحيح هشام بن الحكم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يعطي الزكاة يقسمها إله أن يخرج الشي ء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال: لا بأس»

و الصحيح عن أحمد بن حمزة(3)قال:

«سألت أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يخرج زكاته من بلد إلى بلد آخر يصرفها إلى إخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال: نعم»

و مرسل درست (4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده فقال: لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع، و الشك من أبي أحمد».

نعم المتجه جمعا بين هذه النصوص و بين ما دل على الضمان بتأخير الأداء مع وجود المستحق- من

حسن زرارة(5)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بعث إليه أخ له زكاة يقسمها فضاعت فقال: ليس على الرسول و لا على المؤدي ضمان، قلت: فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت و تغيرت أ يضمنها؟ قال: لا، و لكن إن عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حين أخرها»

و حسن محمد بن مسلم (6)قال:

«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان، لأنها خرجت من


1- 1 الوسائل- الباب- 38- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4
4- 4 الوسائل- الباب- 37- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 433

يده، و كذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان»

و كذلك من وجه اليه زكاة مال ليفرقها و وجد لها موضعا فلم يفعل ثم هلكت كان ضامنا، و غير ذلك- الحكم بالجواز مع الضمان.

و على كل حال فلو نقلها و أوصلها إلى المستحق أجزأ عند علمائنا أجمع، كما في المدارك و عن الخلاف و المنتهى و التذكرة و المختلف لصدق الامتثال، فما عن بعض العامة من عدم الاجزاء لأنه دفعها إلى غير من أمر بالدفع إليه فأشبه ما لو دفعها إلى غير الأصناف معلوم البطلان، نعم عن المنتهى «أنه إذا قلنا بجواز النقل كان مكروها، و الأولى صرفها إلى فقراء بلدها دفعا للخلاف» و قال أيضا: «أنه إذا نقلها اقتصر على أقرب الأماكن التي يوجد المستحق فيها استحبابا عندنا، و وجوبا عند القائل بتحريم النقل» و استشكله في التذكرة من جواز النقل مطلقا لفقد المستحق، و من كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحق فيه» و عن النهاية «انه إن كان أحد البلدين طريقا للآخر تعين التفريق في الأقرب، و لو لم يكن كذلك تخير بين البعيد و القريب مع التساوي في غلبة ظن السلامة، إلا أن يختص الأبعد بالأمن تحقيقا أو احتمالا أو رجح احتمال الأمن فيه عليه في الأقرب فيجوز النقل اليه و لو كان الأقرب في طريقه إذا لم يمكنه المبادرة فيه إلى الدفع إلى الفقراء، و إن لم يكن في طريقه كان النقل اليه متعينا إن اشترطنا في جواز النقل ظن السلامة» و فيه أن المتجه بناء على كون منشأ التحريم منافاة الفورية مراعاة الأقرب فالأقرب مطلقا مع التساوي في الأمن، كما هو واضح، و أجرة النقل على المالك كما جزم به ثاني الشهيدين في الروضة، و قد يحتمل كونها من الزكاة فيما لا سبيل له إلى الإيصال فيه إلا النقل، خصوصا مع عدم إمكان الإبقاء أمانة لخوف تلف و نحوه، فتأمل جيدا.

و كذا لا يجوز عند المصنف و جماعة أن يؤخر دفعها مع التمكن بناء

ج 15، ص: 434

على الفورية التي ستعرف البحث فيها، و عليها و على حرمة النقل فان فعل شيئا من ذلك أثم و ضمن للتعدي و للنصوص (1)المتقدمة في الضمان الذي لم نجد فيه خلافا على كل حال و كذا في الإثم و الضمان كل من في يده مال لغيره و طالبه الغير به فامتنع عن دفعه اليه من دون عذر شرعي بلا خلاف و لا إشكال، لكن قد يفرق بينه و بين الزكاة بعدم الطلب من جميع المستحقين، و طلب البعض صريحا فضلا عن كونه بشاهد الحال لا يقتضي الوجوب، لعدم تعين الحق له، نعم لو طلب ولي الجميع المستحقين فيجب الدفع أو أوصي اليه بصرف شي ء فلم يصرفه مع التمكن أو دفع اليه ما يوصله إلى غيره فلم يوصله كذلك، لحسن محمد بن مسلم (2)المتقدم الذي نص فيه على الضمان دون الفورية، فلا بد لمدعيها من دليل آخر، كما أنه ينبغي له تقييد ذلك بما إذا لم ينص

الموصى و الدافع على التراخي أو دلت عليه القرائن، فإنه لا ريب في انتفاء الفورية حينئذ، بل و الضمان مع عدم التعدي و التفريط في وجه قوي، بل ينبغي الجزم به بناء على كونه حينئذ كالأمانات.

و كيف كان ف لو لم يجد المستحق للزكاة جاز نقلها إلى بلد آخر بلا خلاف و لا إشكال، بل في محكي التذكرة و المنتهى الإجماع عليه، و هو الحجة بعد إطلاق الأمر بالإيتاء، لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يكن الطريق مخوفا، و إلا كان مغررا بها أو مفرطا كما اعترف به الحلي و الفاضلان، و لا عبرة بإذن المستحق بعد عدم انحصار الحق فيه، فما عن الحلبي- من أنه إن كان السبيل مخوفا لم يجز حملها إلا بإذن الفقير، فان حمل من غير إذنه فهي مضمونة حتى تصل إليه- في غير محله، و إن وافقه ابن زهرة مدعيا الإجماع عليه، و يمكن إرادتهما إذن الفقيه الذي هو الولي العام، لأنه


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 435

هو الذي يكون إذنه إذن تمام المستحق، و حينئذ يتجه ما ذكراه، بل ظاهر الأستاذ في كشفه دوران جواز النقل و عدمه على إذن المجتهد و عدمه، قال: «و لا يجوز نقلها لغير المجتهد إلى مواضع بعيدة مع وجود المستحق في البلد، أو موضع قريب منها، و لو أخرجها و نقلها لفقد المستحق و عدم مصرف آخر في البلد فلا بأس و لا ضمان مع التلف، و لو نقلها إلى بعض المواضع القريبة مع وجود المستحق جاز، و عليه ضمانها مع التلف ما لم يكن مجتهدا أو مأذونا منه» إلى آخره، و إن كان قد عرفت فيما تقدم أن التحقيق عندنا الجواز مع وجود المستحق بدون الاذن منه من غير فرق بين المواضع القريبة و البعيدة.

و كيف كان فالظاهر فيما نحن فيه الجواز من غير خلاف و لا إشكال، نعم قال المفيد: «إلا أن يغلب في ظنه قرب وجود المستحق و يكون أولى ممن يحمل اليه» و عن سلار موافقته إلا في قيد الأولوية و القرب فاعتبر ظن الحضور و أطلق، مع أن الأصح عدم اعتبار ذلك أيضا، خصوصا على ما اخترناه من جواز النقل مع وجود المستحق، للنصوص السابقة فضلا عن المقام الذي هو أولى منه من وجوه، خصوصا بعد

حسن ابن مسلم (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان»

و نحوه حسن زرارة(2).

و منهما يعلم أنه لا ضمان عليه مع التلف إلا أن يكون هناك تفريط مضافا إلى الإجماع على الظاهر كما اعترف به بعضهم، و إلى أنه تصرف تصرفا مشروعا، فالأصل عدم ترتب الضمان عليه به، بل قد عرفت ما تقدم أن من المحتمل قويا عدم الضمان و إن تمكن من المصارف الأخر كسهم سبيل الله و نحوه، لظاهر الحسن المزبور


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 436

و غيره، و على كل حال فقد ظهر لك أنه لا إشكال في الجواز مع عدم الضمان، بل في المدارك الظاهر وجوب النقل لتوقف الدفع الواجب عليه و إن كان قد يناقش فيه بأن الأصل يقتضي التخيير بين ذلك و بين الحفظ إلى حضور مستحق مع التساوي في عدم فساد المال و احتمال التلف، كما صرح به الفاضل في الإرشاد، بل قيل: إنه لا يظهر خلافه من كلام غيره من الأصحاب و لا من ألفاظ النصوص، إذ ليس فيها إلا نفي الضمان و الجواز و نفي البأس، نعم في

خبر ضريس (1)أنه سأل المدائني أبا جعفر عليه السلام «أن لنا زكاة نخرجها من أموالنا فيمن نضعها فقال: في أهل ولايتك، فقال: إني في بلاد ليس فيها أحد من أوليائك فقال: ابعث إلى بلدهم تدفع إليهم، و لا تدفعها إلى قوم إن دعوتهم غدا إلى أمر لم يجيبوك، و كان و الله الذبح»

و ليس نصا في الوجوب، لأن المقصد فيه بيان حرمة الدفع إلى غير الموالي، مع أن الأمر في مقام توهم الحظر، فينزل على الإباحة، و في خبر إبراهيم الأوسي (2)عن الرضا (عليه السلام) المتقدم سابقا الأمر بالانتظار بها سنة مع عدم معرفة أحد لها، بل و سنتين بل و أربع سنين، فان لم تصب لها أحدا فصرها صررا و اطرحها في البحر، الحديث، و كأن منشأ توهم

السيد المزبور استدلال الفاضلين على الجواز بكونه مقدمة للدفع الواجب، و يمكن أن يكون وجهه الوجوب و لو على التخيير بينه و بين الحفظ، فيكون حينئذ مقدمة للواجب في الجملة، و إلا كان محلا للمنع، ضرورة أن المستحقين إنما يستحقونه في المكان المخصوص فلا يجب عليه النقل إلى غيره، و لذلك تعارف في ذلك الزمان إرسال العمال لجلب الزكاة و جبايتها، فلا وجوب حينئذ للدفع حتى يجب النقل مقدمة له، بل قال بعضهم: إنه إذا كان الحفظ مؤديا إلى فساد أو تلف دون النقل و لم يمكن التبديل بما لا يفسد و لا يتلف من النقل و نحوه ففي وجوب النقل إشكال، و إن كان الوجوب حينئذ


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 8.

ج 15، ص: 437

لا يخلو من قوة.

و كيف كان ف لو كان ماله في غير بلده فالأفضل صرفها في بلد المال عند العلماء كافة كما في المدارك، و هو الحجة، مضافا إلى ما قيل من أنه يدل عليه مع ذلك حسن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (1)إلا أنه ليس بتلك المكانة، ضرورة عدم اقتضاء قسمته صلى الله عليه و آله صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر المحافظة على البلد، إنما الإشكال في أن ذلك لا يوافق ما تقدم من المصنف و غيره من حرمة النقل المقتضية لوجوب الصرف في البلد لا لأفضليته، و احتمال الفرق بين بلد المالك و غيره لا يصغى اليه، و يمكن دفعه بأنه ليس

مراد المصنف بغير الأفضل جواز النقل، بل المراد جواز دفع العوض في بلده مثلا الذي أشار إليه بقوله متصلا بذلك:

و لو دفع العوض في بلده جاز و قد نفى الخلاف عنه في المدارك، و ليس هو من النقل لكن في الروضة و أما نقل قدر الحق بدون النية فهو كنقل شي ء من ماله فلا شبهة في جوازه مطلقا، فإذا صار في بلاد أخر ففي جواز احتسابه على مستحقيه مع وجودهم في بلده على القول بالمنع نظر، من عدم صدق النقل الموجب للتغرير بالمال، و جواز كون الحكمة نفع المستحقين بالبلد، و عليه يتفرع ما لو احتسب القيمة في غير بلده أو المثل من غيره، إلا أنه لا يخفى عليك وضوح ضعف النظر في المقامين، بل في محكي الخلاف في قسمة الصدقات و المنتهى و التذكرة و المختلف الإجماع على الاجزاء في الأول، ضرورة عدم الاختصاص لها بفرد دون فرد من الأصناف الثمانية، فيتحقق الدفع إلى المستحق، و لأنه إذا حضر فقير غير أهل البلد في البلد فدفعت إليه أجزأ فكذا في الفرض، بل أيده في المعتبر بحسن محمد بن مسلم السابق باعتبار جعل غاية الضمان فيه الدفع، نعم هو محكي عن أحد قولي الشافعي و إحدى الروايتين عن أحد، للنهي عن البدل المتضمن


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 438

للنهي عن الدفع إلى من ليس في البلد المقتضي للفساد من جهة التعلق بالعبادة، و من جهة استلزامه خروج من ليس في البلد عن المستحقين، لكنه كما ترى، إذ قد عرفت أن العمدة في دليل حرمة النقل الفورية، فلا نهي إلا عن التأخير، و في الفرض ربما يكون هو في بعض الأحوال أقرب من الإيصال إلى المستحق في البلد، كما إذا كان له دين على شخص في غير بلده و نحو ذلك، و أما خروج من ليس في البلد عن الاستحقاق فلا وجه له.

و على كل حال فقد بان لك أن مراد المصنف بغير الأفضل ما ذكرنا الذي لا ينافيه قوله بحرمة النقل، و كذا لا ينافيه قوله و لو نقل الواجب إلى بلده ضمن حيث أنه اقتصر على الضمان دون الإثم بناء على ما في المسالك من احتمال كون المراد بالواجب في كلامه مماثلة في القدر و الوصف، و كون المراد بضمانه ذهابه من ماله و بقاء الحق في ماله أو ذمته، لكنه كما ترى، مع أنه خلاف الظاهر لا داعي له، و كأن الذي دعاه إلى ذلك ظهوره في كون المنقول الواجب خاصة لا أنه في ضمن غيره، و حينئذ لا يكون إلا بعزله الذي لا يجوز إلا مع عدم المستحق، و حينئذ إذا نقله لا ضمان عليه، لما عرفته سابقا، و فيه أولا منع كون المراد الواجب خاصة، ضرورة صدقه إذا نقل الجميع، و ثانيا منع اعتبار عدم المستحق في العزل كما هو ظاهر المعتبر و صريح التذكرة و الدروس و ستعرف قوته فيما يأتي، و ثالثا إمكان فرضه بالعزل مع عدم المستحق ثم وجد بعد ذلك، فالمراد حينئذ بيان أنه لا فرق في لزوم الضمان بالنقل بين أن يكون إلى بلد المالك أو غيره، لعموم الأدلة الدالة على ذلك.

نعم كان عليه أن يذكر الإثم مع الضمان بناء على مختاره، و لعله تركه اعتمادا على ما سبق و الأمر سهل، هذا كله في زكاة المال، و أما زكاة الفطرة فالأفضل أن تؤدي في بلده و إن كان له مال في غيره، لأنها تجب في الذمة دون المال

ج 15، ص: 439

فلا مدخلية حينئذ لبلد ماله، كما أنه لا مدخلية لبلد استيطانه، بل ينبغي له تأديتها في البلد الذي هو فيها سواء كانت بلد استيطانه أولا، و لو أراد إخراج القيمة اعتبرت قيمة تلك البلد و لو عين زكاة الفطرة في مال غائب عنه ضمن بنقله عن ذلك البلد مع وجود المستحق فيه لما ستعرفه إن شاء الله في مبحث زكاة الفطرة أنها و إن كانت واجبة في الذمة إلا أنها تتعين بالتعيين مع وجود المستحق و عدمه، و حينئذ تكون كالمالية في تحريم النقل أو كراهته، و تحقق الضمان بتأخير الإخراج مع التمكن منه، كما قطع به الأصحاب على ما اعترف به في المدارك لاشتراكهما في الدليل على ذلك، و احتمال اختصاص العزل الجائز فيها بالمال الحاضر مناف لإطلاق أدلته، و لذا قال في البيان:

«و لو عزلها في مال حاضر أو غائب في موضع جواز العزل ثم نقلها لعدم المستحق فلا ضمان كما لا يضمن في زكاة المال» هذا. و في المدارك أنه ربما كان الوجه في فرض المصنف المسألة في تعيين الفطرة في المال الغائب التنبيه على أن استحباب إخراج الفطرة في بلد المخرج لا يقتضي انتفاء الضمان بنقلها من بلد المال مع وجود المستحق فيه، و لا يخفى ما فيه، قلت: هو كذلك، ضرورة كون الاستحباب لا ينافي الضمان كالجواز، و قد بينا هناك أنه يجوز له النقل و التأخير و إن ترتب عليه الضمان بهما، كما هو واضح، و الله أعلم.

[القسم الرابع في اللواحق و فيه مسائل]
اشاره

القسم الرابع في اللواحق و فيه مسائل:

[المسألة الأولى إذا قبض الامام (عليه السلام) أو نائبه برئت ذمة المالك و لو تلفت بعد ذلك]

الأولى إذا قبض الامام (عليه السلام) أو نائبه الخاص ك الساعي أو العام كالفقيه الزكاة على جهة الولاية عن الفقراء برئت ذمة المالك و لو تلفت بعد ذلك بتفريط أو بدونه بلا خلاف و لا إشكال حتى في الأخير بناء على شمول

ج 15، ص: 440

ولايته لذلك، لأن الوصول إليهم على الوجه المزبور بمنزلة الوصول إلى المستحق.

[المسألة الثانية إذا لم يجد المالك لها مستحقا]

المسألة الثانية إذا لم يجد المالك لها مستحقا يدفعها إليه فالأفضل له عزلها و تعيينها في مال مخصوص، و به يتشخص المال حينئذ زكاة، و يتبعه النماء و غيره، و لا يجب للأصل و غيره، و إن قيل: إنه محتمل عبارة الشيخين و غيرهما، و لعل نص المصنف و الفاضل و الشهيد على الأفضلية دفعا لهذا الاحتمال الذي لم أجد قائلا به و لا دليلا عليه، و

موثق يونس (1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): زكاتي تحل علي في شهر أ يصلح لي أن أحبس شيئا منها مخافة أن يجيئني من يسألني فقال: إذا حال عليها الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشي ء ثم أعطها كيف شئت، قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها يستقيم لي قال: لا يضرك»

لا دلالة فيه على ذلك، ضرورة كون الأمر فيه للإرشاد لجواز التأخير حتى مع وجود المستحق، و منه ينقدح الإشكال في الاستدلال به على الندب كما وقع من بعضهم، و الأولى الاستدلال له ب

خبر أبي حمزة(2)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عن الزكاة تجب علي في موضع لا يمكنني أن أؤديها قال: اعزلها فإن اتجرت بها فأنت لها ضامن و لها الربح، و إن نويت في حال ما عزلتها من غير أن تشغلها في تجارة فليس عليك شي ء، و إن لم تعز لها و اتجرت بها في جملة مالك فلها بقسطها من الربح و لا وضيعة عليها»

بل ربما كان ظاهر الأمر فيه للوجوب، إلا أن قوله عليه السلام بعده: «و إن لم» إلى آخره، مشعر بجواز الإبقاء، بل ربما كان فيه إشعار أيضا بإرادة الإرشاد من الأمر الأول إلى عدم الضمان بالعزل مع التلف، لكن الاستحباب أمره

سهل يكفي فيه ذلك و نحوه بخلاف الوجوب الذي من المعلوم عدم كفاية ذلك و نحوه فيه.


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 441

و دعوى أن العزل إخراج و إيصال إلى المستحق، لأن المالك حينئذ يكون بمنزلة الولي له، و لذا يتعين المال زكاة بتعيينه، فهو كوجود الامام (عليه السلام) أو نائبه، فإن الظاهر كون وجودهما كوجود المستحق، يدفعها أولا وضوح الفرق بينه و بينهما، و تعين المال بتعيينه للدليل لا يقتضي كونه بمنزلتهما في صدق الوصول إلى المستحق أو وليه، و ثانيا أنه ستعرف عدم وجوب الفور في الدفع مع وجود المستحق و إن ترتب عليه الضمان بالتأخير، و منه يعلم ضعف احتمال وجوب العزل في المقام الذي هو أدنى من وجود المستحق بمراتب، فلا إشكال حينئذ في فساده، كما أنه لا إشكال بتعين المال زكاة للخبرين السابقين، مضافا إلى

حسن عبيد بن زرارة(1)عن الصادق (عليه السلام) أنه قال: «إذا أخرجها من ماله فذهبت و لم يسمها لأحد فقد بري ء منها»

و خبر أبي بصير(2)عن الباقر (عليه السلام) «إذا أخرج الرجل الزكاة من ماله ثم سماها لقوم فضاعت، أو أرسل بها إليهم فضاعت فلا شي ء عليه»

و لا يقدح ما فيهما و في غيرهما من إطلاق عدم الضمان مع العزل سواء وجد المستحق أو لم يوجد المقيد بالنصوص السابقة الدالة على الضمان بالتأخير مع وجود المستحق، لاعتضادها بالإجماع المحكي إن لم يكن المحصل، فما عساه يقال من كون التعارض بينها من وجه بعد تسليمه لا يصغى اليه.

نعم لا ينكر ظهور معظم هذه النصوص في مشروعية العزل و حصول فائدته مع وجود المستحق و لو من جهة الإطلاق، بل كاد يكون صريح بعضها، و من هنا جزم الفاضل في المحكي من تذكرته و منتهاه بأن له العزل بحول الحول سواء كان المستحق موجودا أو لا، و سواء أذن له الساعي أو لا، مستدلا عليه مضافا إلى ما عرفت بأن له ولاية الإخراج، فيكون له ولاية التعيين، و بأنه أمين على حفظها فيكون أمينا على تعيينها و إفرادها، و بأن له دفع القيمة و تملك العين فله إفرادها، و بأن منعه من إفرادها يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 39- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 442

منعه من التصرف في النصاب، و ذلك ضرر عظيم، و إن كان لا يخفى عليك ما في بعض ذلك، و العمدة النصوص السابقة المؤيدة بما دل عليه في الفطرة التي هي في الذمة، اللهم إلا أن يقال: إن الحكم مخالف للضوابط المعلومة في الديون و في الشركة، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن، و هو في حال عدم المستحق، و النصوص عدا الأول منها بين صريح كخبر أبي حمزة و بين ظاهر باعتبار الاشتمال على عدم الضمان بالتلف المعلوم اعتبار عدم المستحق فيه، لكن ذلك و إن كان هو أقصى ما يمكن أن يقال إلا أنه كما ترى فإن الأول كاف في إثبات المطلوب، على أن جميع ما قيل في غيره أو أكثره يمكن دفعه بل لعله ظاهر، كما هو واضح، و حينئذ فالإشكال في العزل من بعضهم و الجزم بالعدم من آخر باعتبار كون الزكاة دينا أو كالدين لا يتعين إلا بقبض المالك أو ما في حكمه مع الإمكان لا يخلو من نظر أو منع.

و لذا قال في الدروس: و لو عين المالية أو الفطرة في مال تعين مع عدم المستحق و الأقرب التعين مع وجوده، فليس له إبداله في الموضعين في وجه، نعم لو نما كان له، لكن فيه أن المتجه القطع بعدم جواز الابدال و تبعيته النماء و لغير ذلك من الأحكام التابعة للزكاة المتعينة بغير ذلك كالقبض و نحوه، ضرورة كون المراد بالعزل تعينها في المال المخصوص، و صيرورتها أمانة في يده لا يضمنها إلا بالتفريط و نحوه، كما أشار إليه الباقر (عليه السلام) في خبر أبي حمزة(1)و لعله (رحمه الله) ظن أن العزل لا يخرج المال عن ملك المالك و إنما يعين دفعه للفقير، و فيه أنه مناف لما دل على كون التلف من الفقير و الربح له، كما هو واضح.

و قد ظهر لك مما ذكرنا قوة القول بجواز العزل مطلقا، فلا فرق حينئذ بين وجود المستحق و عدمه، و لا بين التمكن من باقي المصارف و عدمها، إنما يتجه ذلك على


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 443

القول الآخر، و المتجه عليه اعتبار عدم المستحق و عدم التمكن من غيره من المصارف حتى سهم سبيل الله الذي عرفت سعته، و حينئذ يندر فرضه ندرة لا تليق بتنزيل النصوص عليها، اللهم إلا أن يدعى الاكتفاء في جوازه بمجرد عدم وجود المستحق و إن تمكن من باقي المصارف، استنادا إلى ظاهر بعض النصوص (1)و إلى كونه المعظم في المصرف، بل ربما قيل: إن الزكاة لهم كما تفضي به نصوص المشروعية(2)و إن جاز صرفها في باقي المصارف، و ربما يؤيد ذلك استفاضة عبارات الأصحاب في الاقتصار على اعتبار عدم المستحق خاصة في العزل و في الضمان و في النقل و غير ذلك، لكن الانصاف عدم خلوه عن البحث و النظر، و لم أجد من تصدى لتحريره، و الله أعلم.

و كيف كان ف لو أدركته الوفاة أوصى بها وجوبا على وجه تثبت به شرعا كغيرها من الأمانات و الديون بلا خلاف أجده، بل في المدارك لا ريب فيه، لتوقف الواجب عليه، و لعموم الأمر بالوصية، و لكونه كالخائن و المفرط بدون ذلك، بل أوجب الشهيد في الدروس العزل مع ذلك، و لعله لكونها كالدين الذي قد غاب صاحبه غيبة منقطعة، و قد استوفينا الكلام على ذلك في محله، فلاحظ و تأمل فإن له نفعا في المقام، و لو كان الورثة محاويج

جاز احتسابها عليهم و إن كانوا ممن تجب نفقتهم على المورث، لانقطاع الوجوب عنه بالموت، إلا أنه يستحب دفع شي ء منها لغيرهم، قال

علي بن يقطين (3)في الصحيح: «قلت لأبي الحسن الأول (عليه السلام): رجل مات و عليه زكاة و أوصى أن يقضى عنه الزكاة و ولده محاويج إن دفعوها أضر بهم ذلك ضررا شديدا فقال: يخرجونها فيعودوا بها على أنفسهم، و يخرجون منها شيئا فيدفع


1- 1 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.

ج 15، ص: 444

إلى غيرهم».

[المسألة الثالثة المملوك الذي يشترى من الزكاة إذا مات و لا وارث له ورثه أرباب الزكاة]

المسألة الثالثة المملوك الذي يشترى من الزكاة لكونه في شدة أو مطلقا على البحث السابق إذا مات و لا وارث له عدا الامام (عليه السلام) و أرباب الزكاة ورثه أرباب الزكاة على المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا شهرة عظيمة، بل في المعتبر و عن المنتهى نسبته إلى المحققين تارة و إلى علمائنا أخرى مشعرا بالإجماع عليه، بل ربما ظهر ذلك من الانتصار أيضا و قيل: و إن كنا لم نعرف قائله من القدماء كما اعترف به في البيان لا يرثه أرباب الزكاة بل يرثه الامام (عليه

السلام) إلا أنه اختاره من المتأخرين الفاضل و ولده، و ربما مال اليه المصنف في المعتبر و على كل حال ف الأول أظهر

للصحيح عن أيوب بن الحر(1)«قلت لأبي عبد الله عليه السلام:

«مملوك يعرف هذا الأمر الذي نحن عليه أشتريه من الزكاة و أعتقه فقال: اشتره و أعتقه، قلت: فان هو مات و ترك مالا قال: فقال: ميراثه لأهل الزكاة، لأنه أشتري بسهمهم»

و موثق عبيد بن زرارة(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ألف درهم فلم يجد لها موضعا يدفع ذلك اليه و نظر إلى مملوك يباع بثمن يزيد فاشتراه بتلك الألف درهم التي أخرجها من زكاته فأعتقه هل يجوز ذلك؟

قال: قال: نعم لا بأس بذلك، قلت: فإنه لما أعتق و صار حرا اتجر و احترف فأصاب مالا ثم مات و ليس له وارث فمن يرثه إذا لم يكن له وارث؟ قال: يرثه فقراء المؤمنين الذين يستحقون الزكاة، لأنه إنما اشتري بمالهم»

و إن ناقش فيه في المدارك بأنها مع قصور سندها لا تدل على أن إرثه لأرباب الزكاة مطلقا، بل إنما تدل على اختصاص الفقراء بذلك، قال: «و الظاهر أن

قوله (عليه السلام): «لأنه إنما أشتري بمالهم»

توجيه للحكمة المقتضية لذلك، و المراد أنه اشتري بالمال الذي كان يسوغ صرفه في


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 445

الفقراء لا أنه اشتري بسهم الفقراء خاصة» لكن يدفعه- مع أن الخبر من قسم الموثق و هو حجة- منجبر بالعمل كما عرفت، كانجبار الدلالة به، بل معتضدة بالخبر السابق (1)الظاهر في اتحاد المراد منه معه، سيما مع ملاحظة التعليل، و قد عرض بما ذكره أخيرا إلى ما في الدروس من أن في هذا التعليل إيماء إلى أنه لو اشتري من سهم الرقاب لم يطرد الحكم، لأنه اشتري بنصيبه لا بمال غيره، و ذلك لأن الظاهر من الرواية وقوع الشراء بجميع الزكاة لا بسهم مخصوص منها، قلت: مضافا إلى ما عرفت من عدم وجوب البسط، فلم يكن سهم مخصوص للرقاب، لكن لا يخفى عليك ما في التوجيه المزبور في المدارك ضرورة عدم صلاحية ذلك حكمة للحكم المزبور فضلا عن أن يذكر علة، و لعل الأولى حمله على ما أشرنا إليه سابقا في الأصناف من أن المراد بيان كون الأصل في مصرف الزكاة الفقراء، كما يومي اليه نصوص المشروعية و غيرها، و من هنا كان الولاء لهم في العبد المشتري من الزكاة.

و بذلك يسقط ما أطنب به في الحدائق، و لقد ذكر فيها أن كلام الأصحاب في ذلك في غاية الاضطراب، و لقد وقع هو فيما ادعاه عليهم، و

الذي استقر عليه في آخر كلامه أن المدار على القصد و النية، فإن كان المشتري قد اشترى العبد بالمال الذي قصد أنه للفقراء كان الولاء لهم، و إن كان قصد أنه من سهم سبيل الله كان ميراثه للإمام (عليه السلام) و إن كان قد وقع من غير قصد بمال الزكاة صنفا من الأصناف كان الإرث مشتركا بين جميع أرباب الزكاة، و بذلك جمع بين الخبرين السابقين اللذين تضمن أحدهما كون الإرث للفقراء، و به عبر جماعة كما قيل، و الآخر لأرباب الزكاة كما عن جماعة أخرى، ثم استشكل بعد ذلك في القسم الأخير بأن هذا الإرث على حسب الزكاة فيجوز اختصاص صنف به، أو أنه يجب فيه البسط على الأصناف، و مال إلى الأخير،


1- 1 الوسائل- الباب- 43- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 446

و جميع كلامه كما ترى، و ما تركناه منه أظهر فسادا.

و التحقيق كون الإرث للفقراء، و هم أرباب الزكاة، لما عرفت من كونهم المعظم في مصرفها، بل و مشروعيتها، و من المعلوم عدم إرادة البسط فيه، لعدم انحصار المستحق، فليس هم إلا مصرفا لذلك قطعا، فيجوز تخصيصه بواحد من الفقراء، كما هو واضح، و أغرب من ذلك كله ما وقع لبعض مشايخنا في كتاب الميراث، حيث أنه بعد أن حكى عن الطوسي ما نحن فيه من جملة أقسام الولاء و ذكر له الصحيح دليلا، قال: و قد أعرض الأصحاب عن ذلك، و انعقد إجماعهم على حصر الولاء في الأقسام الثلاثة أي المعتق و ضامن الجريرة و الامام (عليه السلام) و المخالف نادر، نعم ذلك مذهب العامة، و كأنه (رحمه الله) غفل عما هنا من شهرة الأصحاب إن لم يكن إجماعهم كما سمعته من المعتبر، بل قد عرفت أن الشهيد في البيان لم يعرف القائل بأن الوارث الامام (عليه السلام) من القدماء، و إنما هو من المتأخرين، و أندر منه القول بأن الشراء إن كان من سهم الرقاب فالميراث للإمام (عليه السلام) لصيرورة العبد سابئة، و لم يكن قد اشتري بمال الفقراء كي يكون الإرث لهم كما هو مقتضى التعليل، و إن كان الشراء من سهم الفقراء كان الإرث لهم، و أضعف منه التفصيل بين العبد في الشدة و بين غيره باعتبار كون الأول من موضوع الرقاب التي جعلها الله مصرفا، فيكون ميراثه للإمام (عليه السلام) و بين الثاني فإنه ليس منها بل من سهم الفقراء، و من الواضح خلو هذا الكلام كله عن التحصيل، و التحقيق ما عرفت، و في المسالك أن التفصيل بين من اشتري من سهم الرقاب فميراثه للإمام (عليه السلام) و إلا فلأرباب الزكاة فلا أصل له في المذهب، و الله أعلم.

[المسألة الرابعة إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك]

المسألة الرابعة إذا احتاجت الصدقة إلى كيل أو وزن كانت الأجرة على المالك المكلف بالإيتاء الذي من مقدماته ذلك و قيل و القائل الشيخ يحتسب من الزكاة

ج 15، ص: 447

لأصالة براءة ذمة المالك من وجوب دفعها، و ظهور أدلة وجوب الزكاة التي هي بمعنى القدر المخصوص في عدم وجوب غيرها عليه و لا ريب أن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده، ضرورة أولوية المقام من البيع الذي يجب فيه أجرة الكيل و الوزن على البائع باعتبار كونهما مقدمة للتسليم الواجب عليه، ضرورة توافق الكتاب و السنة على تكليفه بالإيتاء الذي قد عرفت كونهما مقدمة له، و بذلك ينقطع الأصل، كما أنه يمنع ظهور أدلة وجوب الزكاة في عدم وجوب ما يشمل ذلك مما هو خارج عن المثال، و إنما هو مقدمة للامتثال عند الحاجة إليه، كما هو واضح.

[المسألة الخامسة إذا اجتمع للمستحق كالفقير و غيره سببان]

المسألة الخامسة إذا اجتمع للمستحق كالفقير و غيره سببان أو ما زاد يستحق بهما الزكاة كالفقر و الكتابة و الغزو جاز أن يعطى بحسب كل سبب نصيبا لاندراجه حينئذ في الصنفين مثلا، فيستحق بكل منهما، و دعوى اعتبار الانفراد في الأصناف بالنسبة إلى الدفع لا يصغى إليها، لعدم الشاهد لها، بل الشاهد على خلافها متحقق، فما في الحدائق- من المناقشة في ذلك بأن المتبادر من الآية إنما هو الشائع المتكثر من هذه الأفراد، و لذا صارت أصنافا ثمانية باعتبار مقابلة كل منها للآخر، و بأنه متى أعطي من حيث الفقر ما يغنيه و يزيد فكيف يعطى من حيث الغرم و الكتابة المشروطين بالعجز كما تقدم- واضح الفساد خصوصا الأخير، ضرورة معلومية اعتبار ما تقدم سابقا في الدفع، فمع فرض حصول المانع لا يعطى كما في الفرض الذي فرضه، و هو خارج عن موضوع كلام الأصحاب، كما هو واضح.

[المسألة السادسة أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول]

المسألة السادسة أقل ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأول من النقدين و هو عشرة قراريط أو خمسة دراهم، و قيل و القائل الإسكافي و سلار و غيرهما و المرتضى في المصريات على ما حكي أقله ما يجب في النصاب الثاني و هو قيراطان أو درهم بل في الأخير الإجماع عليه و الأول أكثر قائلا كما في المعتبر، إذ هو

ج 15، ص: 448

على ما قيل خيرة الشيخين و الصدوقين و المرتضى و ابن زهرة و الحلبي و غيرهم، بل ربما حكي عن ابن الجنيد أيضا، بل في الانتصار و الغنية الإجماع عليه، ل

صحيح أبي ولاد الخياط(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «سمعته يقول: لا يعطى أحد من الزكاة أقل من خمسة دراهم، و هو أقل ما فرض الله من الزكاة في أموال المسلمين، فلا تعطوا أحدا أقل من خمسة دراهم فصاعدا»

و خبر معاوية بن عمار و عبد الله بن بكير(2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «لا يجوز أن يدفع الزكاة أقل من خمسة دراهم، فإنها أقل الزكاة»

هما و إن كان لم يذكر فيهما النصف دينار الذي هو الواجب في أول نصب الذهب لكن الظاهر إرادة المقدار من الخمسة دراهم، و من المعلوم أن مقابلها من الذهب ذلك.

و على كل حال فمن ذلك يظهر لك قوة هذا القول، بل القول الثاني لم أجد له دليلا، إنما الكلام في أن ذلك على سبيل الوجوب أو الندب، ظاهر جملة من العبارات الأول، بل لعله الأكثر، كما أنه ظاهر معقد إجماعي الغنية و الانتصار، إلا أن الفاضل في التذكرة ادعى الإجماع على الثاني منزلا عليه عبارات المقدرين، و هو مع أنه لا مقتضي له خلاف ظاهرهم جميعا، بل صريح بعضهم كسلار، قال فيما حكي عنه: «و أقل ما يجزي إخراجه من الزكاة ما يجب في نصاب، فمن أصحابنا من قال أقله نصف دينار أو خمسة دراهم، و منهم من قال: أقله قيراطان أو درهم، فالأولون قالوا بوجوب النصاب الأول و الآخرون قالوا بالثاني، و الأثبت الأول، و كذلك في سائر ما يجب فيه الزكاة» و قال ابن حمزة: «لا يجوز أن يعطى المستحق من الذهب و الفضة و المواشي أقل من نصاب» اللهم إلا أن يريدا من الوجوب تأكد الندب، و من عدم الجواز الكراهة،


1- 1 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 449

سيما مع معروفية ذلك في عبارات القدماء التي ظاهر بعضها في المقام الندب، قال ابن البراج فيما حكي عنه: «أقل ما ينبغي دفعه من الزكاة إلى مستحقها هو ما يجب في نصاب واحد» و لعله مراد الباقين كابن زهرة، قال: «و أما مقدار المعطى منها فأقله للفقير الواحد ما يجب في النصاب الأول، فإن كان من الدنانير فنصف دينار، و إن كان من الدراهم فخمسة دراهم، و كذا في الأصناف الباقية» و الحلبي في الإشارة «و أقل ما يعطى مستحقها ما يجب في أول نصاب من أنصبتها» إلى غير ذلك من عباراتهم المحتملة لذلك لكن لا مقتضي له.

نعم هو التحقيق وفاقا للمرتضى في المحكي من جمله و ابن إدريس و الفاضل في جملة من كتبه و غيرهم من المتأخرين و متأخريهم، للأصل و إطلاق الأدلة و الإجماع المحكي في التذكرة، و

حسن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (1)عن الصادق (عليه السلام) «ليس في ذلك شي ء موقت»

و خبر محمد بن أبي الصهبان (2)«كتبت إلى الصادق (عليه السلام) هل يجوز لي يا سيدي أن أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة الدراهم؟ قد اشتبه ذلك علي، فكتب ذلك جائز»

و صحيح محمد بن عبد الجبار(3)«إن بعض أصحابنا كتب على يدي أحمد بن إسحاق إلى علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) أعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين و الثلاثة فكتب افعل إن شاء الله»

و ما في

مرسل حماد بن عيسى (4)«ليس في ذلك شي ء موقت و لا مسمى و لا مؤلف، إنما يضع ذلك على قدر ما يرى و ما يحضره حتى يسد فاقة كل قوم منهم»

و حسن الحلبي (5)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت له: ما يعطى المصدق؟ قال: ما يرى الامام (عليه السلام) و لا يقدر له شي ء»

فالجمع بين ذلك و النصوص السابقة يقتضي


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
5- 5 الوسائل- الباب- 23- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.

ج 15، ص: 450

حمل النهي في الخبرين السابقين على الكراهة، و أنه يستحب إعطاء الخمسة فصاعدا.

و المناقشة فيها بأن الأصل مقطوع بالدليل، و الإطلاق لا دلالة فيه على كيفية الإيتاء، مع أنه يجب تقييده بالدليل كالأصل، و الإجماع مع معارضته بغيره متبين خلافه كما عرفت، و بأن المراد من حسن عبد الكريم نفي القول بالبسط الذي ادعاه عمرو ابن عبيد المعتزلي كما هو مقتضي مساق الخبر، لأن

الصادق (عليه السلام) قال له:

«ما تقول في الصدقات؟ فقال له إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ إلى آخر الآية، قال: فكيف تقسمها؟ قال: أقسمها على ثمانية أجزاء فأعطي كل جزء واحدا، قال: و إن كان صنف منهم عشرة آلاف و صنف منهم رجلا واحدا أو رجلين أو ثلاثة جعلت لهذا الواحد ما جعلت للعشرة آلاف قال: نعم، قال: و تجمع صدقات أهل الحضر و البوادي

فتجعلهم فيها سواء قال: نعم، قال: فقد خالفت رسول الله (صلى الله عليه و آله) في كل ما قلت في سيرته، كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي و صدقة أهل الحضر في أهل الحضر، و لا يقسم بينهم بالسوية، و إنما يقسم على قدر ما يحضره منهم و ما يرى، و ليس في ذلك شي ء موقت موظف، و إنما يصنع»

إلى آخر ما سمعت، فسياقه يقتضي عدم التوقيت الذي ادعاه عمرو، و المكاتبتان محمولتان على التقية، لأن عدم التحديد مذهب العامة، و حسن الحلبي إنما هو في المصدق و الظاهر أن محل الخلاف في الفقير لا في باقي الأصناف المعلوم عدم جريان هذا الخلاف فيه، إذ العمال و المؤلفة و الغارمون لا تقوم بهم الخمسة أو الدرهم، كما هو واضح.

يدفعها قصور الخبرين عن معارضة الأصل و الإطلاق الذي لا معنى لنفي دلالته بعد فرض اندراج معطي الأقل فيه، و أن المورد لا يخصص الوارد، و التقية إنما هي محمل اضطراري، لما فيها من إخراج الخبر عن الحجية، و المراد من حسن الحلبي عدم التوقيت في أصناف الزكاة لا في خصوص العاملين، و بالجملة لا يخفى على من رزقه الله

ج 15، ص: 451

معرفة لحن القول عدم وجوب هذا التحديد، خصوصا مع ملاحظة ما في الخبرين من التعليل الظاهر في إرادة الكراهة من النهي فيهما، ضرورة كون المراد منه أنه إذا كان ذلك هو الأقل فرضا فهو الأقل دفعا، لأن الزكاة اسم للقدر المخصوص من المال، فمع فرض كون أقله ذلك كان الناقص منه ليس زكاة، فلا يصدق عليه أن المأتي زكاة حتى يكون خمسة فصاعدا، و لا يخفى عليك كونه تعليل مناسبة للحكم لا تعليلا له حقيقة لوجوه لا تخفى، و لعل الأشد من ذلك كراهة الأقل من الدرهم و القيراطين و إن كنا لم نعثر على ما يدل على ذلك صريحا، و إجماع المرتضى في المصريات متبين خلافه، على أنه غير صريح، لأن المحكي عنه أنه قال فيها: إن أقل ما يجزي من الزكاة درهم للاحتياط و إجماع الفرقة المحقة، لأن من أخرج هذا المبلغ أجزأ عنه و سقط ما في ذمته بالإجماع، و ليس الأمر على ذلك فيمن أخرج أقل منه، و هو كما ترى، نعم لا بأس في القول بشدة الكراهة للتسامح، و للخروج عن شبهة الخلاف، و لما يشعر به سؤال المكاتبتين من أن منتهى القلة الدرهم الذي سئل فيهما عن جواز دفعه لا الأقل منه.

كما أنه لم نعثر على التقدير بالنسبة إلى الذهب، و لعله لذا اقتصر عليها في المقنعة اللهم إلا أن يجعل المراد من الخمسة دراهم ما يقابلها منه، و هو نصف دينار، لمعروفية مقابلة العشرة به، و لعله لذا اقتصر بعضهم كالاسكافي و علم الهدى و الشيخين على ما حكي عنهم على التقدير بالنسبة إليهما خاصة، فيبقى غيرهما حينئذ على أصالة عدم التقدير، إنما العجب ما يحكى عن علي بن بابويه من الاقتصار على نصف دينار، مع أنا لم نعثر على خبر فيه فضلا عما يقتضي الاقتصار عليه، و نحوه ما في المختلف عن مقنع ولده من أنه يجوز أن يعطى للرجل الواحد الدرهمين و الثلاثة، و لا يجوز في الذهب إلا نصف دينار و كأنه تبع به والده، لكن الفاضل الأصبهاني قال: إن الموجود فيما حضرني من نسخته الاقتصار على نصف دينار من غير تعرض للدراهم، كما نقله في الفقيه عن أبيه، و على

ج 15، ص: 452

كل حال لم يصل إلينا ما يدل عليه.

أما التعدي إلى غير النقدين بملاحظة التقدير بهما فهو أحد الوجهين الناشئين من إطلاق النص و الفتوى بالتقدير بالمذكور، و لا يعم غير النقدين إلا بالتقويم، و شيوع مثل هذه العبارة فيه، و من الاقتصار على النصوص فيما هو مخالف للأصل و الإطلاق، بل عن ثاني الشهيدين القطع به في حواشي القواعد، و استجوده في المسالك، قال فيها:

«و التقدير بخمسة دراهم و نصف دينار يؤذن بأن ذلك مختص بزكاة النقدين فلا يتعدى الحكم إلى غيرها و إن فرض فيها نصاب أول و ثاني، و إلا لزم وجوب إخراج القيمة أو استحبابه و لا يقولون به، و قيل: يتعدى فلا يدفع للفقير أقل مما في النصاب الأول أو الثاني على حسبه، و يحتمل تقدير أقل ما يعطى بمقدار زكاة النقدين عملا بظاهر الخبر، فيعتبر قيمة المخرج إن لم يكن من النقدين بأحدهما، و هذا هو الأجود- إلى أن قال-: و لو لم يكن للمال إلا نصاب واحد كالغلات ففي اعتبار المخرج بقيمة النقدين كما مر الوجهان» قلت: قد يقال: إن الأولى اعتبار ما يجب في أول نصاب من كل جنس، و ماله نصاب واحد و هو الغلة فما يجب أولا إذا بلغ النصاب، بل هو المنطبق على ما سمعته من العبارات السابقة، و جعله في السرائر أحد القولين، قال: «و اختلف أصحابنا في أقل ما يعطى الفقير من الزكاة في أول دفعة، فقال بعضهم: أقل ما يجب في النصاب الأول من سائر أجناس الزكاة، و قال بعضهم: أخصه بأول نصاب الذهب و الفضة فحسب» إلى آخر ما قال، و كان وجهه جعل ما في الخبرين مثالا لغيره لا أن المراد القيمة به، و ربما كان في التعليل نوع إيماء اليه، و الله أعلم.

هذا كله مع بلوغ الواجب المقدار فصاعدا، أما لو أعطى ما في النصاب الأول من النقدين مثلا لواحد ثم وجبت عليه الزكاة في النصاب الثاني أخرج زكاته و سقط اعتبار التقدير فيه إذا لم يجتمع منه نصب كثيرة تبلغ الأول، و لو كان عند المالك نصاب أول

ج 15، ص: 453

و ثاني فقد ذكر ثاني الشهيدين و غيره أنه يجوز إعطاء ما في الأول لواحد و ما في الثاني لآخر من غير كراهة و لا تحريم على القولين، و استشكله في المدارك لإطلاق النهي عن إعطاء ما دون الخمسة، و إمكان الامتثال بدفع الجميع إلى الواحد، و طريق الاحتياط واضح.

و كيف كان فهذا كله بالنسبة إلى الأقل، و أما غيره فقد عرفت سابقا أنه لا حد للأكثر إذا كان دفعة فله إعطاء الفقير غناه و زيادة على ما صرح به غير واحد، و حكى عليه الإجماع في الجملة جماعة، و استفاضت به النصوص (1)كذلك لكن قد عرفت الاشكال منا فيه، كما أنك قد عرفت تفصيل الكلام فيه، و أنه يمكن التحديد بالغنى الذي هو بمعنى الكفاية، و تنزيل كثير من العبارات عليه، فلاحظ و تأمل. و لو تعاقبت العطية فبلغت مئونة السنة تناول ما زاد من حيث الفقر، لحصول الغنى الذي لا تحل الصدقة معه، كما هو واضح.

[المسألة السابعة استحباب أن يدعو الإمام (ع) لصاحب الزكاة إذا قبض]

المسألة السابعة إذا قبض النبي (صلى الله عليه و آله) أو الإمام (عليه السلام) الزكاة دعا لصاحبها وجوبا عند جماعة منهم الشيخ في المحكي من مبسوطة، و الفاضلان في المعتبر و الإرشاد، و الشهيدان في الدروس و المسالك و غيرهم، بل نسب إلى الأكثر و قيل و قائل الشيخ و الفاضل في غير التذكرة و الإرشاد على ما قيل و غيرهما استحبابا، و هو الأشهر عند المصنف لأصالة عدم الوجوب، و لأنه لا يجب على الفقير إجماعا حكاه في المدارك عن بعضهم فنائبه أولى، و لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يأمر بذلك ساعيه الذي أنفذه إلى بادية الكوفة مع اشتمال وصيته التي أوصاه بها على كثير من الآداب و السنن (2)لكن فيه أن الأصل لا يعارض الدليل، و هو ظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 24- من أبواب المستحقين للزكاة.
2- 2 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 1.

ج 15، ص: 454

الآية(1)كما أن عدم الوجوب على الفقير للإجماع لا يقتضي عدمه في النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) و نائبهما، و ترك أمير المؤمنين (عليه السلام) تعليمه الساعي أعم من عدم الوجوب قطعا، مع أنه لا ينافي وجوبه على النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام)، نعم في المدارك أن البحث في وجوب ذلك على النبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) و استحبابه خال عن الفائدة، و إنما الكلام في وجوب ذلك و استحبابه على الساعي و الفقيه، لكن فيه منع عدم الفائدة، ضرورة اقتضاء الوجوب عليهما الوجوب على غيرهما، لأصالة الاشتراك أو للتأسي.

و بذلك ظهر حينئذ أن المتجه الوجوب عملا بظاهر الأمر بالصلاة عليهم (2)الظاهر في كون المراد منه عند الأخذ، نحو قولك: خذ من زيد كذا و ادع له، و دعوى اختصاص ذلك بالنبي (صلى الله عليه و آله) و الامام (عليه السلام) لظهور التعليل فيه، إذ هما الذي يسكن المرء إلى دعائهما و تطمئن به نفسه، لمعلومية استجابة دعائهما بخلاف غيرهما، يدفعها معلومية عدم كون المراد من التعليل دوران الحكم مداره وجودا و عدما، بل ربما ظهر من المحكي عن بعضهم إشعاره بالوجوب، لأنه استدل عليه أولا بظاهر الصيغة، و ثانيا بالعطف على

«خذ» و ثالثا لتعليله بأن فيه لطفا للمكلف و اللطف واجب، فالموصل اليه مثله، ضرورة عدم التفاوت في اللطف بين النبي صلى الله عليه و آله و نائبه الخاص أو العام.

و على كل حال فلا ريب في ظهور الآية في جواز الدعاء لهم بلفظ الصلاة كما ذهب إليه أصحابنا للأصل، و لقوله تعالى (3)«أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ» و لأن المنقول عن النبي (صلى الله عليه و آله) في صحاح العامة الدعاء لهم بلفظ


1- 1 سورة التوبة- الآية 104.
2- 2 سورة التوبة- الآية 104.
3- 3 سورة البقرة- الآية 152.

ج 15، ص: 455

الصلاة،

قال عبد الله بن أبي أوفى (1)«كان النبي (صلى الله عليه و آله) إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلى على آل أبي فلان فأتاه أبي بصدقة فقال: اللهم صلى على آل أبي أوفى»

و في رواية أخرى (2)«إذا أتى رجل النبي (صلى الله عليه و آله) بصدقة قال: اللهم صل عليه»

فما عن العامة من عدم الجواز اجتهاد في مقابلة النص، و في المسالك «أنهم وافقوا على الدلالة و خالفوا في المدلول لوجه قريب» قلت: بل قد يقال بتعيين الدعاء بلفظ الصلاة كما هو المحكي عن بعض أصحابنا، لتبادر خصوص الدعاء بلفظها من الأمر بها كالتحميد و التسبيح و نحوهما، لكن المعروف عدمه، بل في كنز العرفان أنه لا قائل بالعدم، لأن المراد

من الصلاة الدعاء لغة، و هو عام للدعاء بلفظها و بغيره، و الأحوط الأول و إن كان الأقوى الثاني، و في محكي التذكرة أنه ينبغي أن يقال في صورة الدعاء آجرك الله تعالى فيما أعطيت، و جعله لك طهورا، و بارك الله لك فيما أبقيت، و لكن لم أجده في نص و إن كان لا بأس به، و الأمر سهل.

[المسألة الثامنة يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا]

المسألة الثامنة يكره أن يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا واجبة كانت أو مندوبة بلا خلاف أجده فيه كما عن المنتهى الاعتراف به، بل في المدارك الإجماع عليه و هو الحجة، مضافا إلى أنه طهور لماله لأنه وسخ، فالراجع فيه كالراجع بقيئه، و إلى أنه ربما أستحيي الفقير فيترك المماكسة معه، و يكون ذلك وسيلة إلى استرجاع بعضها، و ربما طمع الفقير في غيرها فأسقط بعض ثمنها، و على كل حال فلا ريب في جوازه، لإطلاق الأدلة و الإجماع بقسميه، بل الظاهر أن المالك أحق من غيره إذا أراده،

قال الصادق (عليه السلام)(3): «فإذا أخرجها- يعني الشاة- فليقومها فيمن يزيد، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها، و إن لم يردها فليبعها»

كما أنه إذا


1- 1 سنن البيهقي ج 4 ص 157.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 157.
3- 3 الوسائل- الباب- 14- من أبواب زكاة الأنعام- الحديث 3.

ج 15، ص: 456

احتاج إلى شرائها بأن يكون العوض جزء من حيوان لا يتمكن الفقير من الانتفاع به و لا يشتريه غير المالك أو يحصل للمالك ضرر بشراء غيره جاز شراؤها و زالت الكراهة إجماعا محكيا عن المنتهى، و الأمر سهل، و الله أعلم.

و لا بأس في إبقائه على ملكه إذا عاد عليه بميراث و ما شابهه مما هو غير الملك اختيارا، بل في المدارك يندرج في شبهة شراء الوكيل العام و استيفائها من مال الموكل، و هو جيد.

[المسألة التاسعة يستحب أن يوسم نعم الصدقة]

المسألة التاسعة يستحب عند علمائنا و أكثر العامة كما في المدارك أن يوسم نعم الصدقة في أقوى موضع منها و أكشفه كأصول الآذان في الغنم و أفخاذ الإبل و البقر فإن النبي (صلى الله عليه و آله)(1)كان يسم الإبل في أفخاذها، و

عن أنس (2)[ «أنه دخل على رسول الله (صلى الله عليه و آله) و هو يسم الغنم في آذانها»

مضافا إلى ما فيه من التمييز عن غيرها، فيعرفها به من يجدها لو شردت فيردها، و غيره من الفوائد.

و ينبغي أن يكتب على الميسم بكسر الميم و فتح السين و هو المكواة بكسرها أيضا ما

أخذت له زكاة أو صدقة أو جزية و لو أضاف «لله» كان أبرك و أولى، و الله أعلم.

[القول في وقت التسليم]
اشاره

القول في وقت التسليم إذا هل الثاني عشر أو تم وجب دفع الزكاة وجوبا مستقرا على اختلاف القولين كما تقدم البحث فيه مشبعا و على كل حال فالأكثر كما في المدارك و المشهور في غيرها أنه لا يجوز التأخير إلا لمانع (11) كعدم المال أو خوف التغلب أو (12) لعدم


1- 1 سنن البيهقي ج 7 ص 36.
2- 2 سنن البيهقي ج 7 ص 36.

ج 15، ص: 457

المستحق فيؤخرها حينئذ لانتظار من له قبضها بل عن المنتهى نسبة ذلك إلى علمائنا و به أفتى الشيخ في النهاية أولا لكن قال بعد ذلك: ما حاصله أنه إذا عزلها جاز تأخيرها إلى شهر أو شهرين و اختاره في الحدائق بزيادة كتابتها و إثباتها على العزل، و جعله وجه جمع بين نصوص الجواز و العدم و الأشبه عند المصنف أن التأخير إذا كان لسبب مبيح دام بدوامه و لا يتحدد، و إن كان اقتراحا لم يجز و ظاهره أو صريحه وجوب الإخراج فورا مع الإمكان من غير فرق بين العزل و عدمه، و انتظار الأفضل و عدمه، و إرادة التعميم و عدمه، و معتاد السؤال و عدمه، و قد سمعت كلام الشيخ في النهاية، و جوز في الدروس التأخير لانتظار الأفضل و التعميم، و لم يذكر الثاني في البيان لكن زاد الأحوج و معتاد الطلب منه، و قيد التأخير بما لا يؤدي إلى الإهمال، و في محكي التذكرة و النهاية و المنتهى و التحرير التأخير للتعميم خاصة بشرط دفع نصيب الموجودين فورا، و في محكي النهاية «جاز أن يؤخر إعطاء بعض بقدر ما يعطي غيره» و نحوه عن الأخيرين، و تردد فيهما في الضمان حينئذ إن تلفت، و عن محرر ابن فهد «و لو أخرها للبسط لم يأثم و يضمن» و عن جماعة جواز التأخير شهرا أو شهرين مطلقا خصوصا مع المزية، و مال إليه ثاني الشهيدين، و حكاه في البيان عن الشيخين، و كذا في التذكرة مع العزل، نعم ربما ظهر من ابن إدريس، بل ظاهره الإجماع عليه، قال:

«و إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه إذا حضر المستحق، فإن أخر ذلك إيثارا به مستحقا آخر غير من حضر فلا إثم عليه بغير خلاف، إلا أنه إن هلك قبل وصوله إلى من يريد إعطاءه إياه فيجب على رب المال الضمان، و قال بعض أصحابنا إذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور، و لا يؤخره، فإن أراد على الفور وجوبا مضيقا فهذا خلاف إجماع أصحابنا، لأنه لا خلاف بينهم في أن للإنسان أن يخص بزكاته فقيرا دون فقير، و لا يكون مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح،

ج 15، ص: 458

و إن أراد بقوله على الفورية إذا حضر المستحق فإنه يجب عليه إخراج الزكاة، فان لم يخرج طلبا و إيثارا بها لغير من حضر من مستحقها و هلك المال فإنه يكون ضامنا و يجب عليه الغرامة للفقراء فهذا الذي ذهبنا اليه و اخترناه» لكنه كما ترى ليس فيه التقييد بالشهر و الشهرين.

و قد تلخص مما ذكرناه أن الأقوال في المسألة ستة أو خمسة، و الظاهر إمكان تحصيل الإجماع هنا على عدم إرادة مطلق الطبيعة من الأمر على وجه يكون التكليف هنا على حسب غيرها من الواجبات المطلقة التي وقتها العمر أو الوصول إلى حد التهاون على اختلاف القولين، و إن كان ربما يوهم ذلك بعض كلمات بعض خصوصا ما في البيان، إلا أنه يمكن القطع بفساده من التدبر في النصوص فضلا عن الإجماع، كالقطع بفساد القول بالفورية و أنه لا يجوز التأخير مع الإمكان مطلقا بحال من الأحوال، ضرورة اقتضائه طرح النصوص الكثيرة الدالة على جواز التأخير، ك

صحيح حماد بن عثمان (1)عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين و تأخيرها شهرين»

و صحيح عبد الله بن سنان (2)عنه (عليه السلام) أيضا «في الرجل يخرج زكاته فيقسم بعضها و يبقى بعض يلتمس لها المواضع، فيكون بين ذلك و آخره ثلاثة أشهر، قال: لا بأس»

و موثق يونس بن يعقوب (3)«قلت للصادق (عليه السلام): زكاتي تحل في شهر أ يصلح لي أن أحبس منها شيئا مخافة أن يجيئني من يسألني؟

فقال: إذا حال الحول فأخرجها من مالك و لا تخلطها بشي ء ثم أعطها كيف شئت، قال: قلت: فإن أنا كتبتها و أثبتها أ يستقيم لي؟ قال: نعم لا يضرك»

و صحيح معاوية بن عمار(4)عن الصادق


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 53- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 9.

ج 15، ص: 459

(عليه السلام) «قلت له: الرجل تحل عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخرها إلى المحرم قال: لا بأس، قال: قلت: فإنها لا تحل عليه إلا في المحرم فيعجلها في شهر رمضان قال: لا بأس»

و في المحكي عن

فقه الرضا (عليه السلام)(1)«إنما أروي عن أبي عليه السلام في تقديم الزكاة و تأخيرها أربعة أشهر».

و ليس في مقابلها من النصوص الدالة على التعجيل إلا

صحيح سعد بن سعد الأشعري (2)قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يحل عليه الزكاة في السنة ثلاثة أوقات أ يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال: متى حلت أخرجها»

و خبر أبي بصير(3)المروي عن مستطرفات السرائر نقلا من نوادر محمد بن علي بن محبوب قال: قال الصادق (عليه السلام): «إن كنت تعطي زكاتك قبل حلها بشهر أو شهرين فلا بأس، و ليس لك أن تؤخرها بعد حلها»

و أما حسن عمر بن يزيد(4)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «الرجل يكون عنده المال أ يزكيه إذا مضى عليه نصف سنة؟ قال: لا، و لكن حتى يحول عليه الحول و يجعل عليه، إنه ليس لأحد أن يصلي الصلاة إلا لوقتها، و كذلك الزكاة، و لا يصوم أحد شهر رمضان إلا في شهره إلا قضاء و إنما تؤدى إذا حلت»

فإنه و إن استدل به بعضهم على ذلك للغاية و التشبيه بالصلاة و التسوية بينها و بين الزكاة و استفادة الحصر من «إلا» لكن الانصاف عدم دلالته، ضرورة كون المراد منه بيان عدم جواز التقديم على أنه زكاة لا التأخير الذي هو محل البحث، كما هو واضح، فينحصر دليل الفورية فيهما، مضافا إلى دعوى كونها من مقتضيات الصيغة التي قد فرغنا في الأصول من فسادها، و دعوى كون الزكاة كالوديعة


1- 1 المستدرك- الباب- 29- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 51- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 460

و الدين و نحوهما مما يجب أداؤها بالمطالبة المتحققة هنا من المستحق بشهادة الحال، بل لا ريب في كونها من الأمانات الشرعية التي يجب إيصالها إلى صاحبها و إن لم يطلب، و إنما جواز التأخير مشروط بالاذن فعدمها

حينئذ كاف في وجوب الدفع فورا لا أن الطلب شرط، مع أنك قد عرفت تحققه، بل عن فخر الإسلام تحققه بطريق آخر، و هو أن طلب الولي يقوم مقام طلب المولى عليه، و لا ريب في كون الله تعالى وليا لقوله (1)«إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ» إلى آخره. و قد طلبها بقوله (2)«آتُوا الزَّكاةَ»* فيجب الفور في الدفع.

لكن الجميع كما ترى لا يصلح معارضا للأدلة الخاصة، بل الأخير منها واضح الفساد، لمعلومية عدم كون المراد من قوله تعالى طلب دفع من حيث الولاية، بل المراد منه طلب إيجاب للزكاة في المال، فلا محيص حينئذ عن العمل بالنصوص السابقة، و حمل الخبرين المزبورين على استحباب التعجيل و كراهة التأخير لا لغرض، أما التأخير مع العزل أو التماس المواضع أو لمعتاد السؤال أو شهر أو شهرين و ثلاثة اقتراحا فلا بأس به عملا بالنصوص السابقة التي لا وجه للاقتصار على رواية العزل منها، و تقييد الخبرين بها، خصوصا بعد ظهورها بقرينة ما فيها من الكتابة و الإثبات في عدم اعتبار العزل، و أنه غير لازم، كما أنه لم نعثر على ما يدل على جواز التأخير للتعميم خاصة، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و كيف كان فقد عرفت مما تقدم لنا في الأبحاث السابقة أنه يضمن لو تلفت مع التأخير لغير عذر و إن قلنا بجوازه للنصوص الخاصة التي قدمناها الصريحة في الضمان، فلاحظ و تدبر.


1- 1 سورة المائدة- الآية 60.
2- 2 سورة البقرة- الآية 40.

ج 15، ص: 461

هذا كله في التأخير و أما التعجيل فالمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة أنه لا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب، فان آثر ذلك دفع مثلها قرضا و لا يكون ذلك زكاة و لا يصدق عليها اسم التعجيل فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها زكاة إن شاء كغيرها من الديون بشرط بقاء المقترض على صفة الاستحقاق، خلافا لابن أبي عقيل و سلار، قال الأول: «يستحب إخراج الزكاة و إعطاؤها في استقبال السنة الجديدة في شهر المحرم، و ان أحب تعجيله قبل ذلك فلا بأس» و قال أيضا: «و من أتاه مستحق فأعطاه شيئا قبل حلول الحول و أراد أن يحتسب به في زكاته أجزأه إن كان قد مضى من السنة ثلثها إلى ما فوق ذلك، و إن كان قد مضى من السنة أقل من ثلثها فاحتسب به من زكاته لم يجزئه، بذلك تواترت الأخبار عنهم (عليهم السلام)» و قال سلار:

«و قد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق» لكن الثاني لا صراحة في كلامه، بل و لا ظهور معتد به، فينحصر الخلاف حينئذ في الأول الذي دعاه إلى ذلك ما سمعته من دعوى تواتر النصوص اليه، و إن كان ما وصل إلينا منها ليس كذلك.

نعم قد سمعت صحيحتي (1)حماد و معاوية بن عمار(2)

و في الصحيح عن أبي بصير(3)عن الصادق (عليه السلام) «سألته عن رجل يكون نصف ماله عينا و نصفه دينا فتحل عليه الزكاة قال: يزكي العين و يدع الدين، قلت: فان اقتضاه بعد ستة أشهر قال: يزكيه حين اقتضاه، قلت: فإنه هو حال عليه الحول و حل الشهر الذي كان يزكي فيه و قد أتى لنصف ما له سنة و نصف الآخر ستة أشهر قال: يزكي الذي مر عليه سنة و يدع الآخر حتى تمر عليه سنة، قلت: فإذا اشتهى أن يزكي ذلك قال: ما أحسن


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 11.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 9.
3- 3 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 6- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 9 و ذيله في الباب 49 من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.

ج 15، ص: 462

ذلك»

و في الصحيح عن الحسين بن عثمان عن رجل (1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن الرجل يأتيه المحتاج فيعطيه من زكاته في أول السنة فقال: إن كان محتاجا فلا بأس»

و خبر أبي بصير(2)عن الصادق (عليه السلام) أيضا «سألته عن الرجل يعجل زكاته قبل المحل قال: إذا مضت خمسة أشهر فلا بأس»

و خبره الآخر المروي (3)عن مستطرفات السرائر المتقدم آنفا في المسألة السابقة، و خبر الأحول (4)الآتي.

لكن في مقابلتها حسن عمر بن يزيد(5)أو صحيحه المتقدم سابقا،

و صحيح زرارة(6)«قلت للباقر (عليه السلام): أ يزكي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟

قال: لا، أ يصلي الأولى قبل الزوال»

مضافا إلى ما دل من النصوص (7)على اعتبار الحول و أنه لا شي ء في المال قبله، بل مما ذكر في الصحيحين (8)المزبورين من الاستدلال على عدم جواز التعجيل إشعار بخروج تلك النصوص مخرج التقية، لأن المحكي في التذكرة عن الحسن البصري و سعيد بن جبير و الزهري و الأوزاعي و أبي حنيفة و الشافعي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد جواز التعجيل مع وجود سبب الوجوب، و هو النصاب كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة رمزهم (عليهم السلام) و ما يلحنون به من أقوالهم.

و لعل هذا أولى مما جمع به الشيخ بينها في التهذيب و الاستبصار، قال في الأول:

«ليس لأحد أن يقول: إن هذه الأخبار مع تضادها لا يمكن الجمع بينها، لأنه يمكن


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 12.
3- 3 الوسائل- الباب- 52- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 50- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 51- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.
6- 6 الوسائل- الباب- 51- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 3.
7- 7 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الأنعام و الباب 15- من أبواب زكاة الذهب و الفضة.
8- 8 الوسائل- الباب- 15- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و 3.

ج 15، ص: 463

ذلك، لأنه لا يجوز عندنا تقديم الزكاة إلا على جهة القرض، و يكون صاحبه ضامنا له متى جاء وقت الزكاة و قد أيسر المعطى، و إن لم يكن

أيسر فقد أجزأ عنه، و إذا كان التقديم على هذا الوجه فلا فرق بين أن يكون شهرا أو شهرين أو ما زاد على ذلك، و الذي يدل على هذه الجملة ما رواه

محمد بن علي بن محبوب عن أحمد عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن مسكان عن الأحول (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل عجل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة فقال: يعيد المعطى الزكاة» و روى هذا الحديث محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن ابن أبي عمير عن الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله»

و قال في الثاني: «الوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن يحمل جواز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها على أن يجعلها قرضا على المعطى، فإذا جاء وقت الزكاة و هو على الحد الذي يحل له الزكاة و صاحبها على الحد الذي يجب عليه الزكاة احتسب به منها، و إن تغير أحدهما عن صفته لم يحتسب بذلك، و لو كان التقديم جائزا على كل حال لما وجب عليه الإعادة إذا أيسر المعطى عند حلول الوقت- قال-: و الذي يدل على ذلك ما رواه محمد بن علي ابن محبوب» إلى آخر ما في التهذيب.

و أورد عليه في المعتبر بأن ما ذكره شاهدا على الجمع لا دلالة فيه، إذ يمكن القول بجواز التعجيل مع ما ذكره، مع أن الرواية تضمنت أن المعجل زكاة، فتنزيله على القرض تحكم، و كأن الأقرب ما ذكره المفيد من تنزيل الرواية على ظاهرها في الجواز فيكون فيه روايتان، و

فيه- بعد الإغضاء عما حكاه عن المفيد كما لا يخفى على من لاحظ المقنعة- أن عبارة التهذيب ليست نصا في الاستدلال بها على ما ذكره من التأويل، إذ من المحتمل كون المراد من هذه الجملة في كلامه ما ذكره «و يكون صاحبه ضامنا» إلى آخره


1- 1 الوسائل- الباب- 50- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 464

و عبارة الإستبصار ناصة على وجه الاستدلال بها، و هو وجه وجيه، فان يسار المستحق بعد أخذه الزكاة على وجه الزكاة لا أثر له فيما أخذه، فالروايات إن لم تصلح أدلة على ذلك فلا تقصر عن التأييد، لكن عن المنتهى القطع باعتبار هذا الشرط على تقدير تعجيل الزكاة، فلا بد حينئذ من بقاء صفة الاستحقاق حال وجوب الزكاة، لصحيح الأحول السابق، و لما في المدارك من أن الدفع يقع مراعى في جانب الدافع اتفاقا فكذا القابض، و إن كان للنظر فيه مجال إن لم يحصل إجماع عليه، و دونه خرط القتاد، و حمل صحيح الأحول على ذلك ليس بأولى من جعله دليلا على عدم جواز التعجيل الذي يومي اليه كثير من النصوص الدالة على القرض للزكاة، ضرورة أن لو كان التعجيل مشروعا لم يحتج إلى جعل ذلك قرضا، ك

خبر عقبة بن خالد بن عثمان بن عمران (1)«دخل على أبي عبد الله (عليه السلام) و قال له: إنه رجل موسر فقال له أبو عبد الله (عليه السلام):

بارك الله في يسارك، قال: و يجيئني الرجل يسألني الشي ء و ليس هو إبان زكاتي فقال له أبو عبد الله (عليه السلام): القرض عندنا بثمانية عشر و الصدقة بعشرة، و ماذا عليك إن كنت موسرا أعطيته فإذا كان إبان زكاتك احتسب بها من الزكاة»

و غيره من النصوص، و القياس على حال الدافع الذي لا إشكال في اعتبار بقائه على صفة الوجوب بناء على التعجيل لا نقول به، خصوصا مع الفارق، ضرورة انكشاف عدم الزكاة مع فقد شي ء مما يعتبر فيه، فلا زكاة حينئذ حتى تكون معجلة، بخلاف صفة القابض، فان المعتبر حصولها حال الدفع، لأن الفرض كونها زكاة


1- 1 الوسائل- الباب- 49- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2 و فروع الكافي ج 2 ص 34 الطبع الحديث و الصحيح هكذا« كخبر عقبة بن خالد أن عثمان بن عمران دخل.» و تقدم الحديث أيضا بهذا المضمون في ص 363.

ج 15، ص: 465

فلا مدخلية لمراعاة حاله حال الوجوب، إذ هو حينئذ كالدفع بهلال الثاني عشر بناء على عدم استقرار الوجوب إلا بالثاني عشر، فان ارتفاع صفة الاستحقاق للقابض ما بين الثاني عشر إلى الثالث عشر لا يقتضي فساد ما وقع من الدفع زكاة، بخلاف صفات الدافع و المال، فإنه ينكشف حينئذ بفقد شي ء منها عدم وجوب الزكاة، و أن ذلك الوجوب كان ظاهريا كما عرفته في محله.

و من هنا بان لك فساد آخر في القول بالتعجيل، ضرورة أنه إذا كان كالوجوب بالأحد عشر شهرا اقتضى عدم اعتبار الحول في الوجوب، فلا بد من طرح ما دل عليه من النصوص و معاقد الإجماعات، كطرح ما تقدم من الأدلة على أن الوجوب إنما يحصل بهلال الثاني عشر و أنه لا وجوب قبله، و إن اختلفوا في كونه حينئذ مستقرا أو متزلزلا و احتمال أن القائل بالتعجيل يدعي كونه رخصة أو ندبا يسقط به الواجب لا أنه واجب من أول السنة كالخمس عند ظهور الربح يدفعه أنه لا يتم عليه ما ذكره من اعتبار النية كالزكاة في الوقت فيه، و أنه إن خرج الدافع أو المال عن صفة الوجوب استعيدت العين من المدفوع اليه، و لو كانت كذلك لم يكن وجه للرجوع، ضرورة كونه حينئذ كتقديم الغسل يوم الخميس، و كتقديم صلاة الليل على وقتها، و لئن أغضينا عن ذلك كله كانت النصوص قاصرة أيضا عن إثبات التعجيل على هذا الوجه، كقصورها عن إثبات كونه قرضا يكون زكاة قهرا عند حلول وقت الوجوب من غير حاجة إلى نية و نحوها، فلا وجه حينئذ لحملها عليه أو على كونه قرضا على الزكاة على حسب استقراض المجتهد عليها، فلا تكون ذمة الفقير حينئذ مشغولة، و يكون الدفع اليه كالصرف في سبيل الله على الزكاة، فإنه لا شغل ذمة فيه لأحد، و لا على كون المراد منها أنه ليس قرضا محضا و لا زكاة معجلة كما يومي اليه بعض الفروع المحكية عن الشيخ، و لا غير ذلك مما هو مخالف للضوابط و القواعد التي من الواضح قصور هذه النصوص عن معارضتها من وجوه

ج 15، ص: 466

فليس حينئذ إلا الطرح أو الحمل على التقية، و أما الحمل على القرض الذي سمعته فهو و إن كان المحمول عليه غير مخالف للضوابط لكن يبعد حملها عليه تقييد بعضها في كلام الامام (عليه السلام) بالشهر و الشهرين و نحوهما مما لا يناسب ذلك، كما أنه لا يناسبه إطلاق اسم التعجيل زكاة كما هو واضح، و لولا ذلك لكان حملها على إرادة تقديم نية كونها زكاة، و الاجتزاء باستمرار هذا العزم إلى حصول وقت الوجوب، فتكون زكاة حينئذ عند حلول الوقت باعتبار حصول الداعي سابقا، و الاستمرار عليه على نحو نية الصوم، أو على غير ذلك مما هو أقرب منه، لكن لا يخفى على من رزقه الله معرفة رموزهم (عليهم السلام) و لحن قولهم أن المتجه حملها على التقية ممن عرفت، و الله أعلم.

و كيف كان فلو دفع المالك على جهة القرض فإذا جاء وقت الوجوب احتسبها من الزكاة إن شاء ك غيرها من الدين على الفقير بشرط بقاء القابض على صفة الاستحقاق و بقاء الوجوب في المال بلا خلاف و لا إشكال في شي ء من ذلك، بل قد عرفت الحال في ذلك لو دفعها زكاة معجلة و قلنا بجوازه، أما على الفساد فالمتجه بقاؤه على ملك الدافع، ضرورة عدم كونه قرضا، لعدم قصده، و عدم كونه زكاة، لأن الفرض عدم جواز التعجيل، فالمال حينئذ باق على ملك الدافع مع وجود عينه، و مضمون على القابض بالمثل أو القيمة مع التلف إذا كان عالما بالحال، نعم للمالك احتساب العين أو مثلها أو قيمتها زكاة جديدا عند حلول الوقت إذا اجتمعت الشرائط كما هو واضح، إذ فساد الدفع السابق لا ينافي شيئا من ذلك.

و لو كان النصاب مما يتم بالقرض لم تجب الزكاة سواء كانت عينه باقية أو تالفة على الأشبه بأصول المذهب و قواعده، لأن التحقيق عندنا كما أشبعنا الكلام فيه في محله أن القرض يملك بالقبض، و أنه لا زكاة في الدين عندنا من غير فرق بين القرض و غيره، و بين بلوغه نفسه نصابا و بين كونه مكملا له، و أن تبديل النصاب في

ج 15، ص: 467

الأثناء بجنسه أو بغير جنسه مسقط للزكاة، لانثلام النصاب في الحول، و لم يصدق عليه أن الحول قد حال على مال مخصوص بعينه، خلافا للشيخ في جميع ذلك، فقال: «إن القرض يملك بالتصرف دون القبض» و قال: «إن الزكاة تجب في الدين» و قال:

«إن تبديل النصاب في أثناء الحول لا يسقط الزكاة» و مقتضى جميع ذلك أو بعضه أن النصاب إذا تم بالقرض وجبت الزكاة مع وجود العين، بل و مع تلفها إذا فرض كون مثلها أو قيمتها مكملة للنصاب كما في الدراهم و الدنانير، و لعله على ذلك بنى ما يحكي عن مبسوطة من أنه إذا كان عنده أربعون شاة فعجل واحدة ثم حال الحول جاز أن يحتسب بها، لأنها بعد في ملكه ما دامت عينها باقية، و استدل عليه في محكي الخلاف بأنه ثبت أن ما يعجله على وجه الدين و ما يكون كذلك فكأنه حاصل عنده، و جاز له أن يحتسب به، لأن المال ما نقص عن النصاب، لكن عن المنتهى «أن هذا الكلام من الشيخ يدل على أن المدفوع ليس قرضا محضا و لا زكاة معجلة» و فيه أن ما ذكرناه أولى.

و من هنا صرح في البيان بأنه مبني على ما صرح به قبيل ذلك من أنه لا يملكه المقترض ما بقيت عينه، و فرع عليه أن العين إن زادت فالزيادة للمالك متصلة كانت أم منفصلة، و في المدارك- بعد أن ذكر ما يقرب من ذلك و استضعفه- قال: و نقل عنه قول آخر بأن النصاب لا ينثلم بالقرض مطلقا إذا تمكن المالك من استعادته، بناء على وجوب الزكاة في الدين إذا كان مالكه متمكنا منه، قال في المعتبر: و هذا ليس بجيد، لأنا بينا أن ما يدفعه يكون قرضا، و لا ريب أن القرض يخرج عن ملك المقرض فلا يتم به النصاب، و يتوجه أنه لا ريب في خروج القرض عن ملك المقرض إلا أن ما ثبت في ذمة المقترض من المثل أو القيمة من أقسام الدين، فيمكن تعلق الزكاة به عند من قال بوجوبها في الدين، و عدم سقوط الزكاة بإبدال النصاب أو بعضه بالمثل،

ج 15، ص: 468

و لا يخفى عليك رجوع ذلك كله إلى ما أشرنا اليه، و يمكن أن يكون المراد مما في المبسوط بيان عدم فساد الدفع زكاة على القول بالتعجيل باعتبار اقتضائها نقص النصاب، لأن هذا النقص غير قادح باعتبار كونه من حيث تعجيل الزكاة الذي هو بحكم البقاء على ملك المالك بالنسبة إلى هذه الجهة.

و كيف كان فقد ظهر لك مما ذكرناه أنه لو خرج المستحق عن الوصف استعيدت العين منه إن دفعها و إلا فمثلها أو قيمتها، لأنها قرض عليه، و من هنا كان له أن يمتنع من إعادة العين ببذل القيمة عند القبض إن كانت العين المدفوعة من القيمي، ضرورة كونه حينئذ كالقرض الذي لم يعزم صاحبه على احتسابه زكاة، و قد حررنا الحال فيه في محله، و قلنا هناك إن كانت العين المستقرضة مثلية ثبت مثلها في ذمة المستقرض، فيتخير حينئذ بين دفع تلك العين أو غيرها، لكون الجميع من أفراد المثل الثابت في الذمة، و إن كانت قيمية ثبت قيمتها في الذمة لا مثلها على الأصح، فلا يلزم المستقرض حينئذ بالعين المدفوعة التي ملكها بالقبض عندنا كما أنه لا يلزم المقرض بقبولها على الأصح لو دفعت إليه، لأن الثابت له في الذمة القيمة.

و لو تعذر استعادتها من المقترض غرم المالك الزكاة من رأس و بقي له ذلك المال في ذمته كما هو واضح.

و لو كان المستحق على الصفات و حصلت شرائط الوجوب جاز له أن يحتسبها عليه و أن يستعيدها و يعطي عوضها، لأن الفرض كون ها قرضا و لم تتعين (11) زكاة و (12) حينئذ ف يجوز له أن يعدل بها عمن دفعت إليه أيضا (13) فيدفعها إلى غيره، و أن يدفع غيرها اليه و إلى غيره، نعم لو قلنا بكونها زكاة معجلة لم يجز شي ء من ذلك، لصيرورتها زكاة حينئذ، و لو دفعها على هذا الوجه و قلنا بفساد التعجيل و كان القابض عالما بقيت العين على ملك الدافع، و كانت مضمونة على القابض لو تلفت يرجع المالك

ج 15، ص: 469

عليه بالمثل أو القيمة، أما لو كان مغرورا من المالك كما إذا لم يعلم بالحال و دفعها اليه على أنها زكاة و تلفت في يده فالمتجه عدم الرجوع عليه، لغروره، و ذلك كله واضح بحمد الله.

[فروع]
اشاره

فروع بناء على القرض

[الفرع الأول لو دفع إليه شاة قرضا]

الأول لو دفع إليه أي المستحق شاة قرضا فزادت زيادة متصلة كالسمن أو لم تزد لم يكن له استعادة العين على وجه يلزم المقترض به مع ارتفاع الفقر و عدمه، لأن القرض يملك عندنا بالقبض، و القيمي يضمن بقيمته، ف للفقير حينئذ بذل القيمة، و كذا لو كانت الزيادة منفصلة كالولد لكن لو تراضيا على دفع الشاة لم يجب عليه دفع الولد لأنه نماء ملكه، و بذلك يظهر أن تقييد المصنف الحكم المزبور بالزيادة و ارتفاع الفقر ليس في محله، اللهم إلا أن يكون مبناه على غلبة عدم تعلق غرض المالك باستعادة العين بدونهما، و هو كما ترى، و أضعف منه توجيه اعتبار الأول بأنه مع الزيادة يمنع إلزام المالك بالإعادة بكل وجه، أما بدونه فقد ثبت جواز الإلزام على القول بأن الواجب في قرض القيمي المثل إذا انحصرت الأفراد المطابقة للحق في تلك العين، و يكون المراد حينئذ عدم وجوب الدفع على هذا التقدير، لخروجها بالسمن المتجدد عن المماثلة، فهو حينئذ من تعذر المثل ضرورة أن مقتضى كلامه في هذا الفروع و ما بعده لزوم القيمة في القيمي، على أنه لا إشعار في العبارة بتعذر المثل، كما هو واضح، بل لا يخفى عليك بعد التأمل فيما ذكرنا ما وقع لثاني الشهيدين في المسالك، فلاحظ و تأمل، كما أنه لا يخفى عليك الحال بناء على عدم ملك المقترض بالقبض، و لا حكم الدفع زكاة معجلة، و قلنا بفساده أو انكشف عدم الوجوب باختلال أحد الشرائط، و الله أعلم.

[الفرع الثاني لو نقصت الشاة]

الفرع الثاني لو نقصت الشاة قيل و القائل الشيخ يردها و لا شي ء على الفقير (11) لعدم ملك المقترض بالقبض عنده، و فيه أنها مضمونة في يده و إن لم يملكها

ج 15، ص: 470

بالقبض كما لو تلفت و الوجه بناء على المختار لزوم القيمة حين القبض لأن القرض يملك بالقبض، فتثبت القيمة حينئذ في الذمة، أما لو كانت زكاة معجلة بناء على الصحة كذلك و انكشف عدم الوجوب فقد يقال بعدم الضمان لو كان النقصان بآفة سماوية للأصل، مع احتماله لأن اليد يد ضمان، فيشمله

عموم (1)«على اليد»

كما لو تلفت، و لو دفعها زكاة معجلة و قلنا بالفساد و كان عالما بالحال اتجه ضمان النقص، ضرورة كونه كالتلف، و ذلك كله واضح بحمد الله.

[الفرع الثالث إذا استغنى المقترض بعين المال ثم حال الحول]

الفرع الثالث إذا استغنى المقترض بعين المال ثم حال الحول جاز احتسابه عليه، و لا يكلف المالك أخذه و إعادته لما قدمناه سابقا من اعتبار ما يقابل الدين في مئونة السنة التي يحصل بها وصف الغنى المانع من الاحتساب، و حينئذ فهو فقير لا بأس باحتسابه عليه و إن استغنى به، إذ هو كالفقير الذي يدفع اليه ما يغنيه، خلافا لابن إدريس فمنعه باعتبار كونه غنيا، لأن المقترض يملك ما استقرضه دون القارض، فهو غني حينئذ، قال: «و عندنا أن من عليه دين و له من المال الذهب و الفضة بقدر الدين و كان ذلك المال الذي معه نصابا فلا يعطى من الزكاة، و لا يقال: إنه فقير يستحق الزكاة، بل يجب عليه إخراج الزكاة مما معه، لأن الدين عندنا لا يمنع من وجوب الزكاة، لأن الدين في الذمة و الزكاة في العين» و لا يخفى عليك ما فيه من الخبط بين المسألتين، ضرورة الفرق بين عدم منع الدين وجوب الزكاة على من ملك النصاب و بين اقتضائه وصف الفقر إذا فرض قصور ماله عن مقابلته و مئونة سنته، و بذلك يظهر عدم تناول خبري الأحول (2)لمحل الفرض، لعدم حصول وصف اليسار له حينئذ مع فرض كون استغنائه بعين مال القرض، بل به يظهر أن ذلك أولى مما أجاب به في


1- 1 سنن البيهقي ج 6 ص 90 و كنز العمال ج 5 ص 257 الرقم 5197.
2- 2 الوسائل- الباب- 50- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 1.

ج 15، ص: 471

المختلف من أن الغنى هنا ليس مانعا، إذ لا حكمة ظاهرة في أخذه و دفعه.

و لعله هو الذي أشار إليه المصنف بقوله: «و لا يكلف المالك» إلى آخره هذا كله إن استغنى بنفس مال القرض، ف ان استغنى بغيره و لو بنمائه أو ارتفاع قيمته استعيد القرض منه و احتسب زكاة على غيره، و المراد عدم جواز الاحتساب عليه، لحصول وصف الغنى الذي عرفت كونه مانعا من الاحتساب بناء على ما عرفت من أن القرض يملك بالقبض، فالنماء مثلا حينئذ للمقترض، نعم يتجه الاحتساب بناء على مذهب الشيخ من أن القرض لا يملك بالقبض، فهو حينئذ على ملك القارض، و يتبعه النماء و ارتفاع القيمة، و لا يمنع الاحتساب عليه إلا غناؤه بمال آخر، و هو واضح كوضوح باقي الفروع المتصورة في المقام على تقدير التعجيل و عدمه، و إن أطنب فيها الفاضل في المنتهى و التذكرة و غيرهما، و الظاهر قصر الحكم فيه عند القائل به منا على خصوص اعتبار الحول، فلا تعجيل قبل غيره من الشرائط كالنصاب و السوم و التمكن من التصرف و نحوها، لعدم الدليل عليه، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[و أما القول في النية]
اشاره

و أما القول في النية الذي هو أحد مباحث النظر الثالث فلا خلاف في اعتبارها في الزكاة، بل الإجماع بقسميه عليه، بل لعله كذلك بين المسلمين، و في المعتبر أنه مذهب العلماء إلا الأوزاعي، و في التذكرة أنه قول عامة أهل العلم، إلى أن قال: و حكي عن الأوزاعي عدم وجوبها فيها، لأنها دين فلا تجب فيها كسائر الديون، و لذا يخرجها ولي اليتيم و يأخذها السلطان من الممتنع، و الفرق ظاهر، لانحصار مستحقه، فقضاؤه ليس بعبادة و لذا يسقط بإسقاط مستحقه، و ولي الطفل و السلطان يقومان عند الحاجة، فعموم ما دل

ج 15، ص: 472

على اعتبارها من قوله (1)«وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» و

قوله (صلى الله عليه و آله)(2): «إنما الأعمال بالنيات»

و نحو ذلك لا معارض له هنا، و كذا الكلام في الخمس و إن قل المصرح باعتبارها فيه، و كأنهم أوكلوا الأمر فيه على الزكاة، نعم في البيان في الخمس في أرض الذمي «و لا يشترط فيها النصاب و لا الحول و لا النية» لكن في الدروس في مسألة أرض الذمي قال: «و النية هنا غير معتبرة من الذمي، و في وجوبها على الامام عليه السلام أو الحاكم نظر، أقربه الوجوب عنهما لا عنه عند الأخذ و الدفع» و في حواشي الإرشاد للكركي في هذه المسألة «و يتولى النية هنا الامام (عليه السلام) أو الحاكم، و لا ينويان النيابة عن الكافر، إذ لا تقع العبادة منه و لا عنه مع احتمال أن يقال: إن هذا القسم من العبادة لا يحتاج إلى النية، كتغسيل الكافر للمسلم، و كغسلها إذا كانت حائضة تحت مسلم و قد طهرت و قلنا إنه لا يحل إتيان الحائض حتى تغتسل» و نحوه في حاشية الشرائع، و حكم في المسالك بتولي الإمام (عليه السلام) أو الحاكم النية وجوبا عنهما لا عنه، ثم احتمل سقوطها هنا كما في

القواعد، و حكى عن الشهيد في حواشيه على القواعد التعرض للنية في هذه المسألة، و حكايته عن الفخر، و على كل حال فلا إشكال في اعتبار النية.

و الظاهر جريان نحو هذا البحث في الزكاة المأخوذة من الكافر و نحوه مما لا تصح منه النية، فيتولاها حينئذ الإمام (عليه السلام) أو الحاكم عنهما لا عنه على حسب ما عرفت و لا ينافي ذلك كون الخطاب لغير المتقرب، لأنه بعد أن قصر لعدم الايمان المانع من صحة عباداته كان المخاطب بإيتاء الزكاة من ماله الامام (عليه السلام) أو الحاكم، فالتقرب


1- 1 سورة البينة الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب مقدمة العبادات- الحديث 10.

ج 15، ص: 473

حينئذ منهما باعتبار هذا الخطاب الذي لا ريب في إجزائه في نحو الزكاة المشابهة للديون من جهات، و لذا جازت النيابة فيها، بل قد عرفت أن الأقوى صحة التبرع بها كالدين من غير إذن من صاحبها سابقه و لا لاحقة إذا كان المال المدفوع زكاة من المتبرع من دون إرادة الرجوع به لا من صاحب الزكاة، و إلا اعتبرت الوكالة حينئذ سابقا أو لاحقا على نحو الفضولي فيها، بل قد يقال بجريان الفضولي في الزكاة من دون اعتبار الوكالة، لكنه لا يخلو من إشكال أو منع.

و كيف كان ف المراعى نية الدافع للفقير أو من يقوم مقامه حال الدفع إن كان مالكا مخاطبا بالزكاة أو وليه و إن كان الدافع للفقير ساعيا أو الإمام (عليه السلام) أو وكيلا للمالك جاز أن يتولى النية حال الدفع للمستحق كل واحد من الدافع و المالك قيل: أما الأخير فلتعلق الزكاة به أصالة، فكانت نيته عند الدفع إلى الفقير كافية، و أما الامام عليه السلام و نائبه و الوكيل فلقيامهم مقام المستحق، (المالك خ ل) و فيه أن الأول مخالف للمحكي عن الشيخ بل المصنف في المعتبر من عدم إجزاء نية الموكل دون الوكيل، اللهم إلا أن يحمل ذلك على غير المفروض الذي هو النية حال الدفع للمستحق، و إنما هو النية حال الدفع للوكيل، و ربما يؤيده ما يحكى عن الشيخ من الاستدلال لذلك بأن النية يعتبر مقارنتها للدفع إلى المستحق، و الدفع إلى الوكيل غيره كما أنه يحمل إطلاق الاجتزاء هنا و محكي الإرشاد بها من الموكل على ما إذا كانت حال الدفع لا مطلقا، فيكون ذلك عين التفصيل المحكي عن نهاية الأحكام و التذكرة و فخر الإسلام و ثاني الشهيدين، بل يرتفع الخلاف حينئذ من البين، و دعوى إمكان المنع و إن كان حال الدفع باعتبار عدم تحقق الإيتاء منه- فلا وجه لنية التقرب منه، و تجويز الوكالة في إيتاء الزكاة المشتمل على النية لا يستلزم جوازها على مجرد الفعل بحيث يكون فعلا للموكل حتى ينوي التقرب به- واضحة الفساد بعد معلومية كون المراد من

ج 15، ص: 474

الإيتاء مجرد الوصول كيفما كان، و معلومية تناول إطلاق الوكالة ذلك، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة.

نعم قد يناقش بأن هذا كله في الوكيل، أما الامام (عليه السلام) و الساعي فإن كانا وكيلين عن المالك في الدفع الذي نوى فيه الموكل فلا ينبغي ذكرهما بالخصوص، ضرورة كونهما حينئذ من قسم الوكيل، و إن لم يكونا وكيلين فلا وجه للنية في الدفع الحاصل منهما بعد عدم كونه فعلا له بالوكالة، و دعوى الاجتزاء به و إن لم يكونا وكيلين باعتبار كون المراد مجرد الوصول تستلزم عدم الفرق حينئذ بينهما و بين الأجنبي، فلا وجه لذكرهما بالخصوص، كما أن دعوى ثبوت ولايتهما عليه في ذلك مطلقا و هي غير الوكالة يمكن منعها، لعدم عموم في أدلتها بحيث يشمل الفرض، و من ذلك ينقدح الإشكال في الاجتزاء بنيتهما عن نيته مع فرض عدم وكالتهما كما هو مقتضى مقابلتهما به، بل عن الشيخ و المصنف في المعتبر عدم الاجتزاء بها من الوكيل أيضا، لأنه غير مالك، فلا تكفي نيته، و إن كان يدفعه أنها عبادة تقبل النيابة كالحج، بل يمكن دعوى السيرة القطعية التي هي أعظم من الإجماع عليه، بل النصوص (1)أيضا دالة عليه، بل لا فرق على الظاهر في الجواز بين الوكالة في الدفع و النية أو في أحدهما.

و من هنا جزم غير واحد بالاجتزاء بنية الوكيل هنا كالشهيدين و فخر الإسلام و الفاضل في جملة من كتبه، و إن توقف فيه في محكي المنتهى و التذكرة و التحرير، إنما الإشكال في الاجتزاء بنية الإمام (عليه السلام) و الساعي عن نيته مع عدم وكالتهما و عدم امتناعه، بل الأقوى العدم وفاقا للشيخ، و خلافا للمصنف هنا و بعض من تأخر عنه كالفاضل في الإرشاد و المنتهى كما قيل و ثاني

الشهيدين، لكونه وليا عن المالك، و لذا يأخذها منه مع الامتناع اتفاقا، و لأنه كالقاسم بين الشركاء، فلم يحتج إلى نية،


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب المستحقين للزكاة.

ج 15، ص: 475

و لأنه لو لم يجز المالك ذلك لما أخذها و لأخذها ثانيا و ثالثا حتى ينفد ماله، لأن أخذها إن كان لاجزائها لم يحصل بدون النية، و إن كان لوجوبها فهو باق بعد أخذها، و لأنه لا يدفع إلى السلطان إلا الفرض، و هو لا يفرق على أهل السهمين إلا الفرض، فأغنت هذه القرينة عن النية، و لأن الإمام (عليه السلام) كالوكيل، و هذه عبادة يصح فيها النيابة، فاعتبرت نية النائب كالحج.

و الجميع كما ترى، ضرورة منع الولاية في مثل الفرض، و أن الأولوية بالمؤمن من النفس لا تقتضي النيابة عنه فيما هو متعبد به، فلا امتناع منه، و فرق واضح بين الممتنع الذي يسقط اعتبار نيته و بين غيره، لكونه وليا حينئذ عنه، مع أنه ربما احتمل عدم الاجزاء للمالك باطنا، لأنه لم ينو، و هو متعبد بأن يتقرب، و إنما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر، كما يجبر المكلف على الصلاة ليأتي بصورتها و إن كان لم تجزه عند الله لعدم النية، و إن كان يدفعه أن الزكاة مال متعين للفقراء في يد المالك، و للإمام (عليه السلام) الإجبار على قسمة المشترك و على تسليمها، فجاز له إفرادها عند امتناع المالك، و النيابة في تسليمها جائزة، و ليست كذلك الصلاة، كما هو واضح، و كون الامام (عليه السلام) كالقاسم لا يخرج الزكاة عن العبادة المقتضية لوجوب النية من المتعبد، و بذلك افترقت عن القسمة التي لا يعتبر فيها النية، على أن البحث في إجزاء نية الإمام (عليه السلام) و الساعي لا الاجزاء بلا نية كما هو مقتضى هذا الاستدلال، و هي في يد الامام (عليه السلام) أمانة في الفرض لا يجوز له تسليمها، لكونها حينئذ مال المالك، و لم يتشخص كونها زكاة حتى من حيث العزل، ضرورة اعتبار النية فيه أيضا، و بذلك سقط الاستدلال بأنه لو لم يجز المالك إلى آخره، بل هو عند التأمل لا يرجع إلى حاصل ينفع في المقام، بل كأنه خارج عن محل البحث، كما أن الأخير مصادرة واضحة فالأحوط إن لم يكن الأقوى اعتبار النية من المالك، و أن تسليمه إلى الامام (عليه السلام)

ج 15، ص: 476

بدونها لا يزيد على تسليمها للفقير بدونها.

نعم لو نوى عند الدفع إلى الامام (عليه السلام) أو الساعي أو الفقيه اتجه الاجزاء باعتبار ولايتهم عن المستحق، كما عن جماعة التصريح به كالفاضل و الشهيدين و غيرهم، بل في محكي التذكرة لا فرق بين أن يطول زمان دفع الامام (عليه السلام) إلى الفقراء و بين أن يقصر، و احتمال عدم الاجزاء- بناء على أن الامام (عليه السلام) كالوكيل عن المالك أيضا فلا تجزي النية عند الدفع إليه الذي هو كبقاء المال في يده- واضح الضعف كوضوح الضعف في احتمال الاجزاء مع عدم نية المالك و الامام (عليه السلام) ضرورة منافاته لكونها عبادة كما صرح به غير واحد، فما عن التذكرة من أنه في كل موضع قلنا بالاجزاء مع عدم نية المالك لو لم ينو الساعي أو الإمام (عليه السلام) أيضا حالة الدفع إلى الفقراء توجه الاجزاء، لأن المأخوذ زكاة قد تعينت بالأخذ، و هو كما ترى، و الله أعلم، هذا.

و ربما احتمل في عبارة المتن كون المراد أن الدافع للفقير إن كان الامام عليه السلام أو الساعي أو الوكيل جاز أن يتولى المالك النية عند الدفع إلى أحد الثلاثة أو أحد الثلاثة عند الدفع إلى الفقير، و فيه مضافا إلى ما عرفت من الاجتزاء بنية الإمام (عليه السلام) أو الساعي مع عدم الوكالة أنه لا وجه للاجتزاء بنيته عند الدفع إلى الوكيل الذي من الواضح الفرق بينه و بين الامام (عليه السلام) و الساعي المعلوم ولايتهما عن المستحق، فكانت النية عند الدفع إليهما كالنية عند الدفع اليه، بخلاف وكيله الذي يده يد الموكل فتكون النية عند الدفع إليه كالنية و المال في يده، فما عن فخر الإسلام- من الاكتفاء بذلك لحصول الغرض الأقصى من الزكاة، و هو دفع حاجة المحتاجين، و وجود النية منه حال تعينها، لأنها بالدفع إلى الوكيل تتعين كما في صورة العزل، بل أولى، لأنه أخرجها هنا عن يده- لا يخفى ما فيه بعد ما عرفت من عدم نيابة الوكيل عن الفقير،

ج 15، ص: 477

أو عدم كون وقت التعيين وقت الدفع إلى الوكيل، بل هو وقت الدفع إلى الفقير، و جعل ذلك من العزل بناء على جوازه مطلقا خروج عن البحث الذي هو الاجزاء من حيث قبض الوكيل، كما هو واضح.

و من ذلك كله يظهر لك الحال في جملة من كلمات الأصحاب، بل و يظهر لك أيضا محل النظر و عدمه فيما ذكره في المسالك و إن كان هو أجود من غيره، قال فيها:

«اعلم أن النية معتبرة في الزكاة عند الدفع، لكن الدفع قد يكون إلى المستحق، و قد يكون إلى من يدفع اليه، و هو إما وكيل المالك لا غير، أو وكيله و وكيل المستحق، و هو الامام (عليه السلام) و ساعيه و الفقيه عند تعذرهما، و الدافع إلى المستحق إما المالك أو أحد الأربعة، فإن دفع المالك الزكاة إلى المستحق ابتداء و نوى عنده أجزأ قطعا، و إن دفعه إلى أحد الأربعة و نوى عند الدفع إليهم و نوى المدفوع اليه عند المستحق أجزأ أيضا، بل هو الأفضل، و إن اقتصر على نية أحدهما فإن كان الناوي هو المالك عند الدفع إلى أحدهم ففي الاجتزاء به قولان، أجودهما ذلك في غير وكيله المختص به، لأن يده كيده، فنيته عند الدفع اليه كنيته و هي في يده، و إن كان الناوي هو الدافع إلى المستحق ففي الاجتزاء به وجهان أيضا، و الأصح الاجتزاء به مطلقا، و كذا لو لم ينو الدافع إلى المستحق و لكن نوى المالك عنده، و في حكم نية المالك عند الدفع إلى الامام (عليه السلام) نية الساعي خاصة عند الدفع إليه، فتأمل جيدا» فإنه لا يخفى عليك محل النظر من غيره بعد الإحاطة بما ذكرناه الذي هو موافق له في الأكثر.

بقي شي ء، و هو أن ذلك كله في الدفع إلى المستحق أو وليه، أما وكيله الخاص فحكمه حكمه، لكن عن ابني إدريس و البراج منع الوكالة في ذلك، و اختاره سيد المدارك لأن إقامة الوكيل مقام الموكل في ذلك يحتاج إلى دليل، و لم يثبت، و لأن الذمة مرتهنة بالزكاة، و لا خلاف بين الأمة في اليقين بالبراءة بتسليمها إلى المستحق، و ليس كذلك

ج 15، ص: 478

إذا سلمت إلى الوكيل، لأنه ليس أحد الثمانية أصناف بلا خلاف، و لأن التوكيل إنما يثبت فيما يستحق الموكل المطالبة به، و الزكاة لا يستحقها واحد بعينه، و لا يملكها إلا بعد القبض، و الجميع كما ترى، ضرورة صلاحية إطلاق أدلة الوكالة للأعم من ذلك، كما لا يخفى على من له أدنى بصيرة، و الله أعلم.

و كيف كان ف الولي عن الطفل و المجنون يتولى هو النية في دفع الزكاة المتعلقة بهما بلا خلاف و لا إشكال أو يتولاها عن كل منهما من له أن يقبض عنه كالإمام (عليه السلام) و الساعي بناء على ولايتهما على كل من كانت الزكاة في ماله، أو على خصوص زكاة الطفل و المجنون، و هما معا محل للنظر كما عرفته سابقا في الجملة، و الأمر سهل، هذا.

و قد تقدم في المباحث السابقة في الصلاة و غيرها وجوب مقارنتها لأول العمل، ف تتعين هنا حينئذ عند الدفع إلى المستحق مثلا الذي هو أول العمل و لا يجزي التقدم و لو يسيرا، خلافا لبعض العامة فجوزه، و لا ريب في بطلانه، لأن ما سبق إن لم يستدم خلا عن النية، و إن استدام تحقق الشرط، و الأمر هين بناء على أنها الداعي لا الاخطار لغلبة استمراره و لو نوى بعد الدفع لم أستبعد جوازه بلا ريب فيه مع بقاء العين، لعدم خروجها عن الملك، فتصادفها النية، بل و مع التلف إذا كان القابض عالما بالحال، لكونه مشغول الذمة بالعوض، فيجوز احتسابها كسائر الديون، نعم المتجه عدم الجواز مع التلف و عدم العلم، لعدم الضمان حينئذ، فلا تصادف النية حينئذ شيئا، و في محكي المبسوط بعد أن ذكر أنه ينبغي المقارنة قال: و لا يجوز نقل زكاة ما بأن نقله إلى غيره، لفوات محل النية، قيل: و هو مشعر بعدم الاجتزاء بالنية بعد الدفع، و لا ريب في ضعفه إلا إذا كان المراد احتساب الدفع الأول زكاة بالنية المتأخرة، لا إذا احتسب باعتبار ذلك الحال المقارن للاحتساب، و هو حينئذ يكون

ج 15، ص: 479

احتسابا للزكاة لا الدفع السابق، و كذا لو أراد احتساب ما في يد الأمين أو الغاصب أو غيرهما، فتأمل جيدا.

و على كل حال فقد ذكرنا سابقا أن حقيقتها أي النية القصد إلى القربة و أنه لا يعتبر فيها نية الوجه من الوجوب أو الندب، و لكن يعتبر فيها كونها زكاة مال أو فطرة بناء على أنهما نوعان مختلفان، و توقف التعيين المتوقف عليه الامتثال على ذلك، إذ حالهما حينئذ كالكفارة و الخمس، و إن كان قد يقوى عدم وجوب التعيين مع اتحاد الحق في ذمته و إن جهل نوعه و كيف كان ف لا يفتقر إلى نية الجنس الذي يخرج الزكاة منه كالأنعام و الغلات و النقدين، لأنها أصناف لا أنواع، من غير فرق بين اتحاد محل الوجوب و تعدده، و بين اتحاد نوع الحق كما لو كان عنده أربعون من الغنم و خمس من الإبل و عدمه كنصاب من النقدين و واحد من النعم، و بين كون المدفوع من جنس أحدهما و عدمه، و لكن لو عينه حال الدفع تعين على الظاهر، و لو دفعه من غير تعيين فهل يبقى له صرفه إلى ما شاء منهما أم يوزع؟

صرح في التذكرة بالأول، و اختاره الشهيد الثاني، و تعرف إن شاء الله في الفروع التحقيق، و تظهر الثمرة في تلف أحد النصابين قبل التمكن و قبل إخراج فريضة الثاني، و في غير ذلك أيضا.

[فروع]

فروع لو قال: إن كان مالي الغائب باقيا فهذه زكاته، و إن كان تالفا فهي نافلة صح بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا، بل في فوائد الشرائع لا مانع من صحته بوجه من الوجوه، بل عن الشيخ الإجماع عليه و لا كذا لو قال: أو نافلة لكون الترديد حينئذ في النية، بخلاف الأولى فإنه في المنوي، و هو غير قادح، لأنه جازم بالوجوب على تقدير سلامة المال، و بالنفل على تقدير تلفه، و التحقيق أن هذا و إن كان ترديدا لكن بعد الإجماع المزبور عليه- و شدة الحاجة إليه في كثير من

ج 15، ص: 480

المقامات، و ثبوت شرعيته في الفائتة المجهولة، و في ركعات الاحتياط، بل و في كثير من موارد الاحتياط- لا مناص من القول به مع الاضطرار دون الاختيار كما صرح به في المسالك، بخلاف الصورة الأخرى التي لا دليل على صحتها، بل ما دل على اعتبار النية يقتضي العدم، ضرورة منافاة الترديد للجزم المتوقف عليه صدق امتثال الأمر المخصوص، فان حاصلها الترديد بين الزكاة و النفل على تقدير واحد، و هو بقاء المال كما هو واضح.

و لو كان له مالان مثلا متساويان أو مختلفان، حاضران أو غائبان، أو أحدهما حاضر و الآخر غائب فأخرج زكاة و نواها عن أحدهما من غير تعيين أجزأته لإطلاق الأدلة، و ما تقدم من عدم الدليل على وجوب تعيين الأفراد التي جمعها أمر واحد، نعم لو أراد التعيين لم يكن به بأس، لكن في الفرض يحتمل بقاء التخيير له في التعيين بعد الدفع، بل عن الفاضل في التذكرة الجزم به، و هو مشكل، و إن ذكروا نظيره في الدين لشخصين إذا قبضه وكيلهما، و الدينين المختلفين في الرهن على أحدهما و عدمه للآخر، لأنه لا دليل على تعيين الأفعال بعد وقوعها، و إنما الثابت تعينها بالنية المقارنة، اللهم إلا أن يقال: إنه باق على كليته بعد الدفع كما كان قبله، فله احتسابه على الوجه الذي يريده بعد أن كان له التعيين، بل ربما يقال نحوه في مثل الصوم إذا كان عليه قضاء لشهري رمضان فصام بلا تعيين ثم أراده بعد ذلك تخلصا من كفارة تأخيره عن شهر رمضان المقبل، أو غير ذلك من الثمرات، بل لو كان عليه صلاة لشخصين فأدى من غير تعيين لأحدهما ثم عين بعد ذلك.

لكن الجميع كما ترى، بل مقتضى الأخير جواز التأدية من غير تعين أصلا إذا كان قد جاء بتمام العمل لهما كالدينين لشخصين، و في التزامه ما لا يخفى، هذا كله

ج 15، ص: 481

مضافا إلى ما في المقام و نظائره من الضرر على الفقير لو تلف أحد المالين بتخير (باختيار خ ل) كون المدفوع عن الباقي، و كذا لو اختلفت القيمة وقت الإخراج و الاحتساب إذا تخير بتعيين (إذا اختار تعيين خ ل) المدفوع عن الأقل قيمة، و لعله لذا مال في البيان إلى التوزيع، و في فوائد الشرائع «و هو قريب» و في المسالك «و هو الأجود» لكن فيه أنه لا دليل عليه بعد فرض كونه غير مقصود، و يحتمل قويا كون الحاصل من سببي الوجوب مثلا كالحاصل من السبب الواحد الذي يوجب التعدد، و كأفراد الدين الواحد ففي صورة وجوب الشاتين عليه لخمس من الإبل و أربعين من الغنم لو أدى شاة عن أحدهما و لم يتمكن من إخراج الثانية لتعذر المصرف أو غيره بتلف أحد النصابين سقط عنه الشاة الأخرى و إن لم يعين المدفوعة عن الموجود، ضرورة اعتبار التمكن من كل النصابين في وجوب كل من الشاتين إلى حال الإخراج، فتلف أحدهما مسقط لأحدهما و لو اختلفت القيمة خير فيما بقي عليه، إلى غير ذلك من الأحكام التي لا يخفى عليك جريانها، فتأمل جيدا، أو يدعى وجوب التعيين مع اختلاف الثمرات إذا لم يكن يؤدي الجميع دفعة.

و كيف كان ف كذا في الاجزاء لو أخرج الزكاة عن أحد المالين الحاضر و الغائب و قال: إن كان مالي الغائب سالما فان ذلك لا ينافي الجزم بالنية، ضرورة كونه معتبرا في نفسه، و يمكن أن يريد المصنف بقوله: «و كذا» إلى آخره التنبيه على مسألة مستقلة لا تعلق لها بالمسألة السابقة، و هي الاجزاء لو أخرج زكاة عن ماله الغائب و قيده بالسلامة من غير ذكر النفل على تقدير التلف، و لا الزكاة عن الحاضر لكونه شرطا غير مناف بعد أن كان معتبرا في نفسه، و أقصاه البقاء على ملك المالك مع التلف، كما أشار إليه المصنف بقوله و لو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره من أمواله على الأشبه بأصول المذهب و قواعده،

ج 15، ص: 482

سواء كانت العين باقية أو تالفة إذا كان القابض عالما بالحال، لما عرفت من بقاء المال المدفوع حينئذ على ملك المالك، لأنه لم يصادف سلامة المال، و كان مضمونا في يد القابض

لعموم «على اليد»

بعد أن كان الدفع على وجه خاص لم يسلم، فله حينئذ احتساب العين أو مثلها أو قيمتها زكاة عن غير ذلك من أمواله على المدفوع إليه أولا و على غيره، و له أخذها و احتساب غيرها عليه أو على غيره إن كان عليه حق، بل الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين التصريح بالشرط المذكور حال الدفع و عدمه مع كون قصده ذلك و دفع على هذا الوجه و كان القابض عالما بالحال، أما مع عدم علمه فالمتجه عدم ضمانه مع التلف، لغروره، و قد مر نظائر ذلك، كما مر ضعف ما يحكى عن الشيخ في المقام و نحوه من عدم جواز النقل لفوات وقت النية، اللهم إلا أن يريد النية بالدفع الأول على ما عرفته سابقا، و الله أعلم.

و لو نوى عن مال يرجو وصوله اليه لم يجز و إن وصل إذ لم يتحقق فيه خطاب الزكاة، بل هو على هذا التقدير من مسألة التعجيل التي هي غير محل البحث، و إن فرض كون المراد مالا يتحقق فيه خطاب الزكاة على تقدير الوصول فهو كالمال الغائب إن كان سالما، و قد عرفت أن الأقوى فيه الاجزاء، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن الأصل يقتضي في الثاني السلامة، بخلافه في الأول، فإنه يقتضي عدم الوصول، فالنية حينئذ خالية عن الجزم واقعا و شرعا، لكن قد عرفت أن مبني المسألة على الاحتياط الذي هو أوسع من ذلك، و لا يتفاوت فيه بين موافقة النية للأصل و مخالفتها له، كالغسل عن الجنابة المحتملة و الوضوء عن الحدث المحتمل، و احتساب المال عن احتمال الحق في الواقع، و نحو ذلك، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

و لو لم ينو رب المال و نوى الساعي أو الإمام (عليه السلام) عند التسليم فان كان قد أخذها الساعي أو الإمام (عليه السلام) كرها من رب المال جاز

ج 15، ص: 483

لقيامه بعد فرض امتناعه مقامه، بل لهما النية عند الأخذ منه، و الاكتفاء بها عنها عند التسليم، لقيامهما مقام الدافع و القابض و إن أخذها طوعا قيل و القائل الشيخ:

لا يجزي بناء على عدم الاكتفاء بنية الوكيل عن نية الموكل و الاجزاء أشبه مع فرض الوكالة، و إلا فعدمه أشبه، كما هو واضح.

[القسم الثاني في زكاة الفطرة]
اشاره

القسم الثاني في زكاة الفطرة و هي فعلة من الفطر، و أصله الشق، و استعمل بمعنى الخلق، فهي حينئذ بمعنى الخلقة أي الحالة التي عليها الخلق، بل لعل منه إطلاقها على الإسلام و لو مجازا باعتبار كونه حالة لا ينفك الخلق عنها، و هو المراد من

قوله صلى الله عليه و آله(1): «كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه و ينصرانه»

و المراد بها على الأول زكاة الأبدان على معنى كونها مطهرة لها من أوساخ المعاصي، أو منمية لها، أو صدقة لحفظها من الموت و نحوه كما يومي اليه

قول الصادق (عليه السلام)(2)لمعتب: «اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة أجمعهم، و لا تدع منهم أحدا، فإنك إن تركت منهم أحدا تخوفت عليه الفوت، قلت: و ما الفوت؟ قال: الموت»

و تقسيمهم الزكاة إلى مالية و بدنية، و على الثاني زكاة الإسلام و الدين، و من ثم وجبت على من أسلم قبل الهلال من دون توقف على حول و لا صوم على معنى مطهرته أو منميته أو موجبة و مقتضاه، بل ربما أيد بما في


1- 1 مسند أحمد ج 12 ص 120 الرقم 7181 و صحيح مسلم ج 8 ص 52 المطبوع عام 1334.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.

ج 15، ص: 484

صحيح زرارة و أبي بصير(1)«من أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة، كما أن الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) تمام الصلاة، لأنه من صام و لم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا، و لا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي (صلى الله عليه و آله) إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة، و قال (2): قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى»

و ذكر في المسالك وجها ثالثا، و تبعه عليه غيره، و هو أن يكون الفطرة من الإفطار أي الزكاة المقارنة ليوم الفطر، و هو المغروس في الأذهان المنساق إليها، إلا أني لم أجده فيما حضرني من كتب اللغة، نعم يفهم من بعض عبارات أهل اللغة بل و الفقه بل و كثير من الأخبار(3)كون لفظ الفطرة اسما لما يخرج، فيحتمل وضعه لذلك مشتقا من الفطر أو من الفطر، فتكون إضافة الزكاة إليها حينئذ من إضافة العام إلى الخاص كيوم الأحد و شجر الأراك، و يحتمل كون الأصل زكاة الفطرة فحذف المضاف و اكتفي بالمضاف اليه توسعا، و يجوز

أن يكون كل من العبارتين اسما لذلك كرمضان و شهر رمضان، و الأمر في ذلك كله سهل.

[في أركان زكاة الفطرة]
اشاره

و كيف كان ف أركانها أربعة:

[الركن الأول فيمن تجب عليه]
اشاره

الأول فيمن تجب عليه لكن ينبغي أن يعلم أولا أن وجوبها في الجملة إجماعي بين المسلمين إلا من شذ من بعض أصحاب مالك و نصوصنا(4)متواترة فيه، بل هو من ضروريات الفقه، من غير فرق بين البادية و غيرها، فما عن عطاء و عمر بن عبد العزيز و ربيعة من سقوطها عن البادية غلط قطعا، نعم إنما

[تجب الفطرة بشروط ثلاثة]
اشاره

تجب الفطرة بشروط ثلاثة:

[الشرط الأول التكليف]

الأول التكليف بلا خلاف أجده فيه، بل هو قول علمائنا أجمع في محكي المعتبر و المنتهى و التذكرة فلا تجب على الصبي و المجنون


1- 1 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.
2- 2 سورة الأعلى- الآية 14 و 15.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة.
4- 4 الوسائل- الباب- 1- من أبواب زكاة الفطرة.

ج 15، ص: 485

لرفع القلم عنهما، فلا يشملهما إطلاق الأمر، و تكليف الولي لا دليل عليه، فالأصل براءة ذمته، و في

الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري (1)«كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال، فكتب (عليه السلام) لا زكاة على يتيم، و عن المملوك يموت مولاه و هو عنه غائب في بلد آخر و في يده مال لمولاه و يحضر الفطر يزكي عن نفسه من مال مولاه و قد صار لليتامى قال: نعم»

بل قد يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى من يعولون به أيضا لذلك لا أنفسهما خاصة، و ذيل المكاتبة المزبورة مع مخالفته لما دل على عدم جواز التصرف لغير الولي لم أجد عاملا به، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول.

و كذا لا تجب على من أهل شوال عليه و هو مغمى عليه بلا خلاف أجده فيه أيضا، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب، لكن قال: «قد ذكره العلامة و غيره مجردا عن الدليل، و هو مشكل على إطلاقه، نعم لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك» و فيه أن الدليل الأصل بعد ظهور الأدلة في اعتبار حصول الشرائط عند الهلال، فلا عبرة بالبلوغ و الإفاقة من الجنون و الإغماء بعده كما تعرفه فيما يأتي عند تعرض المصنف له، و لا خصوصية للإغماء على غيره و منه يعلم حينئذ أن التوسعة في وقت الأداء لا وقت الوجوب، فتأمل جيدا، و الله أعلم.

[الشرط الثاني الحرية]

الشرط الثاني الحرية بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع محكي عليه مستفيضا إن لم يكن محصلا، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم كافة إلا

داود، و حينئذ فلا تجب على المملوك القن، و وجهه واضح بناء على الأصح من عدم ملكه كما حققناه في محله، بل لا يجب عليه و لو قيل يملك لإطلاق معاقد الإجماعات، كإطلاق ما دل


1- 1 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2 و 3.

ج 15، ص: 486

على أن زكاته على مولاه من النصوص (1)المستفيضة، و ما عن داود من وجوبها عليه و وجوب إطلاقه للتكسب فاسد قطعا و كذا لا تجب على المدبر و لا على أم الولد و لا على المكاتب المشروط و لا المطلق الذي لم يتحرر منه شي ء لاشتراك الجميع في الإطلاق المزبور المعتضد بالأصول، لكن عن الصدوق (رحمه الله) أن المكاتب فطرته عليه، ل

صحيح علي بن جعفر(2)سأل أخاه موسى (عليه السلام) «عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه و تجوز شهادته؟ قال: الفطرة عليه، و لا تجوز شهادته»

و المناقشة فيه باشتماله على ما لا يلتزم به من عدم جواز شهادته يدفعها أولا عدم سقوط الخبر عن الحجية بذلك، خصوصا بعد أن كان مذهب بعض كما قيل، و ثانيا أن الصدوق (رحمه الله) حمله على الإنكار دون الاخبار، و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، بل عن كتاب المكاتب من المبسوط إطلاق نفي فطرة المكاتب المطلق على مولاه، كالمحكي عن ابني إدريس و البراج و إن كان لا دلالة فيه على كون الزكاة عليه، إذ من المحتمل سقوطها عندهم رأسا، و فيه أن

الخبر المزبور و إن صح سنده قاصر عن تقييد ما عرفت، خصوصا بعد معارضته ب

قول الصادق (عليه السلام) في مرفوع محمد ابن أحمد بن يحيى(3): «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و ما أغلق عليه بابه»

المنجبر بما سمعت، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما تقدم.

و لو ملك المملوك عبدا على القول بملكه فعن المنتهى أن الذي يقتضيه المذهب وجوبها على المولى، لأنه المالك حقيقة، و العبد مالك بمعنى إساغة التصرف، و لأن ملكه ناقص، و فيه أن الذي يقتضيه المذهب عدم الوجوب على المولى، لعدم ملكيته،


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة-.
2- 2 الوسائل- الباب- 17- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.

ج 15، ص: 487

اللهم إلا أن يقال: إنه من عياله، و أما العبد فان كانت العبودية مانعة من الوجوب عن نفسه و عن غيره- كما سمعت في الصبي و المجنون، و به صرح في محكي التذكرة هنا بالنسبة إلى زوجة العبد، حتى على القول بالملك كما هو مقتضى الأصل، و إن استشكله في المدارك- اتجه السقوط عنه أيضا كما احتمله في البيان، و إلا كانت زكاته عليه، و الله أعلم.

و لو تحرر منه شي ء وجبت عليه و على المولى بالنسبة مع حصول باقي الشرائط، ضرورة عدم

وجوب زكاة الجميع على المولى، لأصالة براءة ذمته بالنسبة إلى الجزء الحر، كأصالة براءة ذمة المكاتب عنها بالنسبة إلى الجزء الرق بعد إطلاق الأدلة في كون زكاة المملوك على مولاه، فليس حينئذ إلا كون الفطرة عليهما بالنسبة لاندراج حكم الجزء في دليل حكم الكل، و احتمال سقوط الفطرة عنهما- لعدم كونه حرا فيلزمه حكمه، و لا مملوكا لأنه قد تحرر بعضه، و لا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة، فالأصل براءة الذمة، بل عن الشيخ في المبسوط أنه قواه، بل مال إليه في المدارك- ضعيف، إذ عدم كونه كامل الحرية و الملكية لا يقتضي سقوط الفطرة عنه بعد إطلاق الأدلة أو عمومها، و عدم عيلولة الكل لا ينافي عيلولة البعض، أو يقال: إنه و سيده المعيلان به، فيكون كالعبد بين الشريكين كما ستعرف الحال فيه، و لئن كان قصور في شمول الأدلة فهو منجبر بفهم الأصحاب، و بما يظهر من الأدلة من عدم سقوط الفطرة عن المسلم مع يساره أو يسار المعيل به، نعم يتجه وجوبها عليه بناء على ما سمعته من الصدوق من كون فطرة المكاتب عليه، ضرورة أولوية ذلك من الذي لم يتحرر منه شي ء، هذا، و تسمع إن شاء الله في العبد بين الشريكين ما له نفع في المقام.

و على كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في أنه لو عاله مولاه وجبت عليه دون المملوك و الله أعلم.

ج 15، ص: 488

[الشرط الثالث الغني]

الشرط الثالث الغني، فلا تجب على الفقير للأصل و الإجماع بقسميه الذي لا يقدح في المحكي منه خلاف الإسكافي، حيث أوجبها على من فضل على مئونته و مئونة عياله ليومه و ليلته صاع، فضلا عن المحصل منه، و إن حكاه في الخلاف عن كثير من علمائنا، إلا أنا لم نتحققه، بل المتحقق خلافه، و يمكن حمله على ذي الكسب الذي يكسب في كل يوم مئونته و مئونة عياله، و اعتبار زيادة الصاع حينئذ مبني على ما تسمعه إن شاء الله من المصنف و الفاضل من اعتبار زيادة مقدار الفطرة على قوت السنة في وجوبها على الغني، أو على اعتبار ذلك في خصوص المكتسب كما صرح به في الدروس حيث قال: «و يجب على المكتسب قوت سنته إذا فضل عنه صاع» و لئن أبى كلامه ذلك فلا ريب في ضعفه، بل لم نجد له دليلا يدل عليه صريحا، مضافا إلى عدم معلومية كون المراد حينئذ وجوب الفطرة تماما و إن زادت على الصاع، بل ربما تزيد على ما عنده من قوت اليوم و الليلة، أو أنه يكتفي بإخراج الصاع عنه و عن عياله و لو بأن يديره عليهم لكن قد يمنع الإرادة إيسار بعض العيال، أو بغير ذلك.

و بذلك يظهر لك زيادة ضعفه مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على خلافه، ففي

الصحيح (1)عن الحلبي أنه «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة قال: لا»

المعلوم كون المراد منه أخذ الزكاة من حيث الفقر و المسكنة، لأنه الأصل في مصرف الزكاة، فكان هو المنساق، و في

الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار(2)«قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام):

على الرجل المحتاج صدقة الفطرة قال: ليس عليه فطرة»

و نحوه خبر إسحاق


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 6.

ج 15، ص: 489

ابن المبارك (1)و في

خبر الفضيل بن يسار(2)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): لمن تحل الفطرة؟ قال: لمن لا يجد، و من حلت له لم تحل عليه»

و في الصحيح عن أبان بن عثمان عن يزيد بن فرقد الهندي (3)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال: لا»

و في

خبر الآخر(4)عنه عليه السلام أيضا سمعته يقول: «من تحل عليه الزكاة فليس عليه فطرة،

قال: و قال أبو عمارة: إن أبا عبد الله (عليه السلام) قال: لا فطرة على من أخذ الزكاة»

و في خبره الثالث (5)قلت له عليه السلام أيضا: «على المحتاج صدقة الفطرة قال: لا»

و المروي في المقنعة عن

يونس بن عمار(6)قال: «سمعت الصادق (عليه السلام) يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة»

بل و المروي فيها أيضا عن

عبد الرحمن بن الحجاج (7)عن أبي عبد الله (عليه السلام) أيضا «تجب الزكاة على من عنده قوة السنة، و تجب الفطرة على من عنده قوت السنة»

إلى غير ذلك من النصوص التي يجب بها الخروج عن إطلاق بعض الأدلة أو عمومها، خصوصا بعد اعتضادها بما عرفت، فيقيد بها أو يخص.

كما انه ينبغي اطراح ما عارضها من النصوص الأخر ك

خبر الفضيل بن يسار(8)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال: أما من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة، و ليس عليه لما قبله زكاة، و ليس على من يقبل الفطرة


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث- 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث- 8.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث- 5 لكن روى عن يزيد بن فرقد النهي و هو الصحيح.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 7 مع الاختلاف.
5- 5 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
6- 6 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 10.
7- 7 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1 و فيه « تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة» كما انه كذلك في المقنعة ص 40.
8- 8 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.

ج 15، ص: 490

فطرة»

و نحوه خبر زرارة(1)و مفهوم

خبر القداح (2)عن أبي عبد الله عن أبيه (عليهما السلام) أنه قال: «زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد صغير أو كبير، و ليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج»

و في

خبر زرارة(3)«قلت: الفقير الذي يتصدق عليه هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال: نعم يعطي مما يتصدق به عليه»

أو تحمل على الندب كما صرح به الشيخ في كتابي الأخبار، بل به صرح في المقنعة أيضا، و جعلها سنة مؤكدة للفقير الذي يقبل الزكاة، و فضيلة دون ذلك لمن يقبل الفطرة، و هو جيد جدا، بل علل ما ذكره من الحمل باستحالة الإيجاب بالفرض على الفقراء، كل ذلك بعد الإغضاء عما في سند الجميع، و إمكان المناقشة في دلالة البعض أو الجميع، و عدم صراحة شي ء منها فيما تقدم عن ابن الجنيد، فلا عامل بها حينئذ أبدا على ظاهرها، و لا محيص عن حملها حينئذ على الندب و يبقى ما دل على اختصاص وجوبها بالغني بحاله.

و كيف كان فالمراد بالفقير عند العجلي هو من لا يملك عين أحد النصب الزكاتية و عند الشيخ أو قيمتها و قيل من تحل له الزكاة لحاجته و ضابطه أن لا يملك قوت سنة له و لعياله، و هو الأشبه كما تقدم الكلام مشبعا في ذلك، و في اعتبار ما يقابل الدين و نحوه مع قوت السنة في الغني و غير ذلك مما قدمناه سابقا، بل ما تقدم آنفا من النصوص كاف في الدلالة على المطلوب، خصوصا خبر يونس بن عمار(4)المروي في المقنعة، بل غيره- مما دل على عدم وجوب


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.
2- 2 ذكر ذيله في الوسائل في الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 11 و ذيله في الباب 2 منها الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
4- 4 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 10.

ج 15، ص: 491

الفطرة على من لم يملك مئونة السنة، لأن الزكاة و الفطرة تحل له، و من حلتا له لم تجب الفطرة عليه- كاف أيضا في المطلوب بضميمة ما دل على وجوب الفطرة على المكلف، و وجوب إخراجها عن نفسه و عن عياله، إذ لا ريب في كون الحاصل من الجميع وجوبها على المالك مئونة السنة و عدمه على غير المالك، و ليس هما إلا الفقير و الغني، لعدم موضوع ثالث بينهما، و حينئذ فلا ينبغي التوقف في أن الأقوى ذلك، لكن في الدروس هنا وجوبها على المالك أحد نصب الزكاة أو قوت سنة على الأقوى، و لعله يريد الإشارة إلى القولين لا الجمع بينهما، و احتمال خصوصية الفطرة في الاكتفاء بذلك و إن لم يتحقق به وصف الغنى لا يصغى اليه، و لقد أجاد المصنف في رده القول المزبور المحكي عن الشيخ و ابن إدريس بأنه

لا أعرف له حجة و لا قائلا من قدماء الأصحاب، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة فقد بينا ضعفه، و بالجملة فإنا نطالبه من أين قاله، و بعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع، و خص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية، و منع القيمة، و ادعى اتفاق الإمامية على قوله، و لا ريب أنه وهم، و لو احتج بأن مع ملك النصاب تجب الزكاة أي الفطرة بالإجماع منعنا ذلك، فان من ملك النصاب و لا يكفيه لمئونة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة، و إذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة لما روي عن الصادق (عليه السلام) في عدة روايات، منها رواية الحلبي (1)و يزيد بن فرقد(2)و

معاوية بن عمار(3)أنه سئل «عن الرجل يأخذ الزكاة عليه صدقة الفطرة قال: لا»

و هو جيد، مضافا الى ما قدمناه في الزكاة، فلاحظ فإنه نافع في ذلك و في غيره مما يتعلق بالمقام.


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 7 و الحديث مذكور في ذيل خبر يزيد بن فرقد.

ج 15، ص: 492

و على كل حال فمقتضى إطلاق النص و الفتوى و معقد الإجماع عدم اشتراط ملك الصاع أو مقدار الفطرة زيادة على ملك مئونة السنة فعلا أو قوة في وجوب الفطرة، لإطلاق الأدلة، خلافا لما

سمعته من الدروس من اعتبار زيادة الصاع في الغني قوة، و نحوه في البيان، لكن اعتبار زيادة قدر الفطرة كالمنتهى، إلا أنه ظاهر في اعتبار ذلك في الغني فعلا أو قوة، و كذا التحرير، مع احتمالهما الاختصاص بالأخير، و كذا التذكرة إلا أنه اعتبر زيادة الصاع نحو ما في الدروس و محكي المعتبر، و لم نقف لهم جميعا على حجة معتبرة، نعم ربما وجه ذلك بأن الزكاة مواساة، فتجب حيث لا تؤدي الى الفقر، فلو وجبت على من لا يملك الزيادة لانقلب فقيرا، و هو كما ترى.

و أما التفصيل بين الغني قوة و فعلا فان كان المراد أنه يشترط أن يزيد فيما يكتسبه طول السنة على مئونة سنته صاع أو مقدار الزكاة فلا أجد له وجها، و إن كان المراد أنه يجب أن يكون بيده في يوم الفطر زيادة على مئونته ليومه ذلك فلعل وجهه حينئذ أنه لو لم يكن ذلك احتاج في أداء الفطرة إلى الاقتراض و نحوه، و الأصل عدم وجوبه عليه، بخلاف الغني فعلا فان عنده ما يؤديه فطرة، و إلا لم يكن غنيا فعلا، و لا يخفى عليك عدم صلاحية مثل ذلك مقيدا للإطلاقات أو مخصصا للعمومات، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عدم الاشتراط مطلقا، و الله أعلم.

و كيف كان فلا ريب في أنه يستحب للفقير إخراجها أي الفطرة عن نفسه و عياله، بل الإجماع بقسميه عليه، و قد عرفت أن خلاف الإسكافي غير قادح، كما أنه قد عرفت ما يدل عليه من النصوص و المراد هنا بيان أن أقل ما يتأدى به ذلك الاستحباب للمحتاج أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به ل

موثق إسحاق بن عمار(1)«قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل لا يكون عنده شي ء


1- 1 الوسائل- الباب- 3- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 493

من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه وحدها يعطيه غريبا أو يأكل هو و عياله قال: يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه فيرادونها فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة»

قيل و ظاهر العبارة أن المتصدق هو الأول، و ذكر الشهيد في البيان أن الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي، و هو لا يطابق معنى الإدارة التي ذكرها هو و غيره، و الرواية خالية من ذلك كله، قلت: بل قد يدعى ظهور الرواية في عدم خروجها عنهم، كما أنه قد يدعى ظهور الرواية في أن المراد منها تعليم الاحتيال في إخراج الصاع الواحد عن الجميع، و ذلك يكون بإعطاء ذي العيال أحدا من عياله على وجه الفطرة و الآخر للآخر الى أن ينتهي الدور اليه، أو يكون بإعطائه على وجه التمليك ثم هو يحتسبه عليه ثم يعطيه الآخر و يرده عليه محتسبا له الى أن ينتهي العيال، فيخرجه هو عن نفسه، بل لعل ذلك غير محتاج إلى الرواية، لانطباقه على الضوابط التي لا فرق فيها عليه بين يسار العيال و إعسارهم، بل و كذا الأول الذي ليس فيه ما هو مناف للضوابط سوى احتسابها على من يعول به، و لعله جائز هنا مع إعسار العيال، لعدم وجوبها عليه، أو لاغتفاره في

خصوص المقام، و الأمر سهل بعد أن كان الحكم ندبيا.

و ظاهر إطلاق النص و الفتوى عدم الفرق في المعال بين كونه مكلفا أو غيره، و لا يشكل ذلك بأنه لا يجوز إخراج الولي ما صار ملكا له عنه مع فرض كونه غير مكلف، إذ هو- مع أنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النص و الفتوى، و قد ثبت مثله في الزكاة المالية- يمكن دفعه بأن غير المكلف إنما ملكه على هذا الوجه أي على أن يخرج عنه صدقة، لكن في المدارك بعد أن حكى الاشكال المزبور و ما يدفعه عن جده قال:

«و هو جيد لو كان النص صالحا لإثبات ذلك، لكنه ضعيف من حيث السند، قاصر من حيث المتن عن إفادة ذلك، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلفين، و الأصح اختصاص الحكم بهم، لانتفاء ما يدل على تكليف ولي الطفل بذلك، بل يمكن

ج 15، ص: 494

المناقشة في هذا الحكم من أصله إن لم يكن إجماعيا» و هو كما ترى خصوصا بعد أن كان الخبر من قسم الموثق الذي قد فرغنا من حجيته في الأصول، بل قد عرفت أن هذا الاحتيال موافق للضوابط في وجه، فلا يحتاج الى النص، مع أنه وارد مورد الغالب من تسلط الولي على المولى عليهم بذلك و غيره، لما له من كمال اليد عليهم في الإنفاق و غيره كما هو واضح، هذا، و في البيان بعد أن ذكر أن الأخير من العيال يتصدق بالصاع على الأجنبي قال: «فلو تصدق به الأجنبي على المتصدق فطرة أو غيرها كره له تملكه كما قلناه في زكاة المال، و هل تكون الكراهة مختصة بالأخير منهم؟ لأنه المباشر للصدقة عن نفسه، أو هي عامة للجميع؟ الأقرب الثاني لصدق إعادة ما أخرجه من الصدقة إلى ملكه، و لأن إخراجها إلى الأجنبي مشعر بذلك، و إلا أعادها الأخير إلى الأول منهم» و فيه أن الأقرب الأول، لأنه الذي يصدق عليه العود الى ملكه دون غيره، و الله أعلم.

و على كل حال ف مع اجتماع الشروط يجب على المكلف أن يخرجها عن نفسه و عن جميع من يعوله فرضا أو نفلا أو إباحة أو كراهة بل أو حرمة في وجه مع صدق العيلولة من زوجة و ولد و ما شاكلهما من الأب و الأم و الجد و غيرهم من الأرحام الذين يعولهم و كذا يجب عليه أن يخرجها أيضا عن الضيف و ما شابهه ممن يعولهم من الأجانب تبرعا من غير فرق في المخرج عنه في جميع ذلك صغيرا كان أو كبيرا حرا أو عبدا مسلما أو كافرا بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص يمكن دعوى تواترها فيه، و في

خبر عبد الله بن سنان (1)منها عن أبي عبد الله (عليه السلام) «كل من ضممت الى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه»

و في

صحيح عمر بن يزيد(2)«سألت


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.

ج 15، ص: 495

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة فقال: نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك»

و في

مرفوعة محمد بن أحمد بن يحيى (1)عنه (عليه السلام) أيضا «يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه و رقيق امرأته و عبده النصراني و المجوسي و لما أغلق عليه بابه»

قال المصنف في المعتبر: «و هذا و إن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب، أفتوا بمضمونه» قلت: لتضمن الصحاح و غيرها مضمونه، و حينئذ فما في

صحيح ابن الحجاج (2)«سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته و كسوته أ تكون عليه فطرته، قال لا إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه، و قال العيال الولد و المملوك و الزوجة و أم الولد»

مطرح أو محمول على أن المراد منه بيان عدم كفاية تكلف الإنفاق في الوجوب، بل لا بد مع ذلك من صدق العيلولة كالزوجة و الولد و

المملوك و أم الولد و نحوهم ممن يعولهم الإنسان في الغالب، لا أن المراد حصر الوجوب في الأربعة أو حصر العيال بهم، لمنافاته حينئذ المقطوع به من النصوص و الفتاوى و معاقد الإجماعات.

إنما الكلام في قدر الضيافة المسبب للوجوب ففي المقنعة «و من أضاف مسلما لضرورة به الى ذلك طول شهر رمضان أو في النصف الأخير الى آخره وجب عليه إخراج الفطرة عنه» و ظاهره اعتبار النصف الأخير، و الذي يفهم من الانتصار و الخلاف و الغنية اعتبار طول الشهر، و في السرائر «و يجب إخراج الفطرة عن الضيف بشرط أن يكون آخر الشهر في ضيافته، فأما إذا أفطر عنده مثلا ثمانية و عشرين يوما ثم انقطع باقي الشهر فلا فطرة على مضيفه، فان لم يفطر عنده إلا في محاق الشهر و آخره بحيث يتناوله اسم الضيف فإنه يجب عليه إخراج الفطرة عنه و لو كان إفطاره عنده في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 496

الليلتين الأخيرتين فحسب» و ظاهره عدم الاكتفاء بليلة فضلا عن لحظة في صدق الاسم، و ظاهر الوسيلة و نهاية الشيخ الاكتفاء بمسمى الإفطار عنده في الشهر، و في محكي المنتهى «اختلف علماؤنا في الضيافة المقتضية لوجوب الفطرة، فقال بعضهم:

يشترط ضيافة الشهر كله، و شرط آخرون ضيافة العشر الأواخر، و اقتصر آخرون على آخر ليلة من الشهر بحيث يهل الهلال و هو في ضيافته، و هو الأقرب عندي» و نحوه في التذكرة و التحرير و اختار في المختلف قول ابن إدريس، و في المعتبر «اختلف الأصحاب فشرط بعضهم في الضيافة الشهر كله، و آخرون العشر الأواخر، و اقتصر آخرون على آخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال و هو في ضيافته، و هذا هو الأولى» و في الدروس «و يكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متصلا بشوال سمعناه مذاكرة» و في البيان «و موثق عمر بن يزيد(1)مطلق، فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال و هو عنده كما قال في المعتبر إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل».

قلت: إن كان مبنى هذا الخلاف دعوى توقف صدق العيلولة على ذلك بحيث يندرج في إطلاق اسم العيال فيستدل عليه بتلك النصوص التي علق الحكم فيها عليها فهو واضح الفساد، ضرورة عدم اندراجه في الإطلاق المزبور على جميع الأقوال، و أقصى ما يمكن تسليمه صدق العيال مع التقييد في شهر أو نصفه أو ليلة و نحوها، و الأول مدار الحكم لا الثاني، فلا وجه للاستدلال عليه بتلك النصوص حينئذ، بل لا وجه للاستدلال عليه بما في

خبر عبد الله بن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) «كل من ضممت الى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه»

و ما

في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.

ج 15، ص: 497

آخر(1)«من ضممت إليك»

فضلا عن غيرهما، للعلم بكون المراد منهما من يعولهم تبرعا لا مطلق من يضمه و إن لم يصدق معه اسم العيال، و الموثق المزبور و إن أشعر باندراجه في مصداق من يعول به لكن يمكن أن يقال إن الجواب عن الضيف فيه بقول «نعم» و يكون ما بعده كلاما مستأنفا، أو يقال إن المراد منه الاكتفاء بالعيلولة الضيفية لا أن المراد اندراجه تحت الموضوع المزبور، فلا يتعدى حينئذ إلى غيره مما لا يعد ضيفا و إن عاله في تلك الليلة أو أزيد بحيث لا يعد في إطلاق العيال و من يعول به و نحوه، و لعل منه المدعوين من أهل البلد و نحوهم مما لا يصدق عليهم اسم الضيوف، و إن كان مبنى الخلاف صدق الضيف فلا ريب في الاكتفاء في تحققه بنزوله في آخر جزء من نهار يوم الآخر، و لا يتوقف على آخر ليلة فضلا عن الليلتين و العشر الأواخر و النصف و كل الشهر كما اعترف به ثاني الشهيدين و فخر الإسلام في المحكي من شرح إرشاده و غيره.

نعم يعتبر في وجوب الأداء عنه كونه ضيفا عند تعلق الوجوب كغيره ممن تخرج الفطرة عنه من العيال، لأنه زمن الخطاب، فلا يجدي السبق، و لا اللحوق من دون الاتصال المذكور، كما هو واضح، و لا يحتاج للاستدلال عليه

بالنبوي (2)«أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون»

بتقريب أنه يقتضي الحال و الاستقبال، و تنزيله على الحال أولى، لأنه وقت الوجوب، و الحكم المعلق على وصف يتحقق عند حصوله لا مع مضيه و لا مع توقعه، و قد عرفت عدم الحاجة الى ذلك.

كما أنه مما ذكرنا تعرف عدم اعتبار الإفطار عند المضيف في الصدق، بل هو كذلك حتى على اعتبار الليلة و الليلتين، خلافا للمحكي عن الشيخ و ابني إدريس و حمزة من الإفطار عنده، و في الدروس و الأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 12.
2- 2 سنن البيهقي ج 4 ص 161 مع اختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 498

و ربما أيد بما يظهر من الموثق المزبور من كون المناط فيه العيلولة المتوقفة على ذلك، و قد تقدم لك ما فيه، و لقد أجاد في المسالك الضيف نزيل الإنسان و إن لم يكن قد أكل عنده، لأن ذلك هو المفهوم منه لغة و عرفا. فلا يشترط أن يفطر عنده مجموع الشهر و لا نصفه الثاني و لا العشر الآخر و لا ليلتين من آخره و لا آخر ليلة على الأصح، بل يكفي نزوله عليه قبل دخول شوال و بقاؤه عنده الى أن يدخل، و يؤيده أن الضيف من ضاف بمعنى مال، فيكفي فيه ميلة إليك و نزوله عليك، نعم لا يطلق عرفا إلا على من نزل للأكل، و أما تحقق الأكل فلا مدخل له، و إلا لم يصدق عليه قبله، و بطلانه ظاهر.

و كيف كان ف النية معتبرة في أدائها كغيرها من العبادات، إذ لا ريب في أنها منها لآية الإخلاص (1)و غيرها، و لا يخفى عليك جريان ما يمكن جريانه مما تقدم من مباحث النية في الزكاة و غيرها، بل و لا يخفى عليك أيضا انه لا يصح إخراجها من الكافر و إن وجبت عليه كالزكاة المالية و الصلاة و غيرها، لما عرفته من أن الايمان شرط في صحة العبادة فضلا عن الإسلام، و احتمال عدم وجوبها باعتبار كونها طهرا و هو ليس من أهلها واضح الفساد، ضرورة إمكان ذلك له بالإسلام و الايمان، فعمومات الأدلة حينئذ بحالها و قد عرفت أيضا فيما تقدم أنه لا ينافي ذلك أنه لو أسلم سقطت عنه كالزكاة المالية و قضاء الصلاة و نحوهما مما يجبه الإسلام مضافا الى صحيح معاوية بن عمار(2)بالخصوص هنا، و ليس كذلك المخالف هنا، لما سمعته سابقا من النصوص (3)الدالة على إعادته الزكاة لو استبصر كما تقدم الكلام


1- 1 سورة البينة الآية 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 31- من أبواب مقدمة العبادات.

ج 15، ص: 499

في ذلك مفصلا، و الله أعلم.

[مسائل ثلاث]
اشاره

مسائل ثلاث:

[المسألة الأولى من بلغ قبل دخول ليلة الهلال]

الأولى من بلغ قبل دخول ليلة الهلال التي هي غرة الشهر أو أسلم أو زال جنونه و لو الأدواري أو إغماؤه أو ملك ما به يصير غنيا

وجبت الفطرة عليه بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، و هو الحجة، مضافا الى

صحيح معاوية بن عمار، أو خبره (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المولود ولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر قال: ليس عليهم فطرة، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر»

ضرورة صدق الإدراك على محل الفرض، و خصوص مورده لا يقدح في العموم الشامل لما نحن فيه المستفاد منه عدم الوجوب على من لم يدركه مضافا الى الأصل، و إدراك الشهر مع عدم الاتصال بليلة الهلال كما لو زال الجنون في أثناء الشهر ثم جن أو صار غنيا ثم افتقر كذلك لا يجدي ضرورة معلومية كون المراد الاجتزاء بإدراك الشرائط آخر الشهر، و أنه منتهى تحقق سبب الوجوب، لا أن المراد حصولها آنا ما في أثناء الشهر و إن زالت، إذ لا فرق حينئذ بين الشهر و بين باقي الأشهر السالفة بعد فرض عدمها حال وقت الوجوب، كما هو واضح، و في

خبره الآخر(2)«سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا قد خرج الشهر، قال و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال: لا».

و على كل حال ف لو كان البلوغ أو الإسلام أو العقل أو الغنى بعد ذلك أي بعد دخول الليلة ما لم يصل العيد استحب له إخراج الفطرة كما هو المحكي عن الأكثر،

للمرسل (3)في التهذيب «ان من ولد له قبل الزوال يخرج عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 3.

ج 15، ص: 500

الفطرة، و كذلك من أسلم قبل الزوال»

و خبر محمد بن مسلم (1)عن أبي جعفر (عليه السلام) «سألته عما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة قال: تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة»

المحمولين على الاستحباب جمعا بينهما و بين ما دل على نفي الوجوب من الأصل و الإجماع بقسميه و خبر معاوية بن عمار(2)و المناقشة فيهما بأنهما يدلان على خروج الفطرة عمن يدخل في العيال ما بين الغروب و الصلاة أو يسلم كذلك لا على البلوغ و العقل و الغنى كذلك يدفعها ظهور النص و الفتوى في عدم الفرق بين الأمرين هنا، و لذا كان الجواب في خبر معاوية بن عمار شاملا للحكمين معا.

و اليه أومأ المصنف بقوله و كذا التفصيل بين ما قبل الهلال و ما بعده في الوجوب و الندب لو ملك مملوكا أو ولد له أو غيرهما مما يدخل في عياله نحو ما سمعته في خبر محمد بن مسلم بلا خلاف أجده سوى ما حكاه في المختلف من ظاهر قوله في المقنع: «و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه

الفطرة، و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال و بعده» المحمول على الندب بقرينة قوله في الفقيه: «و إن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا، و إن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه، و كذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال و بعده، و هذا على الاستحباب و الأخذ بالأفضل، فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر» و كيف كان فمراد المصنف و غيره من الصلاة منتهى وقتها و هو الزوال كما نص عليه بعضهم، و أومأ إليه المرسل (3)بل و خبر محمد بن مسلم (4)بل هو مبنى كلام الصدوق و غيره.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 3.
4- 4 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 6.

ج 15، ص: 501

بقي شي ء و هو ما عساه يقال من أنه قد تحقق الإجماع على الحكم المزبور في الموضوعين، لكن ينافيه ما يحكى عن الشيخين في المقنعة و الغرية و النهاية و المبسوط و الخلاف و المرتضى في الجمل و سلار و أبي الصلاح و ابني الجنيد و البراج و زهرة من أن وقت الإخراج فجر يوم العيد المقتضي لعدم تحقق الوجوب و قبله، إذ لا يعقل وجوب الموقت على التنجيز بحيث يخرج من التركة إن مات مثلا قبل حصول الوقت، إذ التمكن من الامتثال من شرائط الوجوب عقلا، بل يقتضي أيضا تحقق الوجوب على من أحرز الشرائط أو دخل في العيال في الليل قبل الفجر الذي هو أول وقت الإخراج المستلزم لكونه أول وقت الوجوب، مع أن المحكي عن

الشيخ التصريح بعدم الوجوب في بعض ذلك، اللهم إلا أن يقال إن ذلك مما يدل على صحة القول الآخر الذي عليه الشيخ في جملة من كتبه و ابنا حمزة و إدريس و معظم المتأخرين من أن وقت الإخراج وقت الوجوب. و هو غروب الشمس من آخر يوم من شهر رمضان، فيتخرج حينئذ ما سمعته من الأدلة على ما في المقام دليلا على هذا القول كما يحكى عن الفاضلين الاستدلال به، و يدفع ذلك كله ما ستعرفه في محله من أن نزاع معظم هؤلاء في الوجوب، و منه يعلم ما في دعوى الإجماع عليه هنا من سيد المدارك و غيره، و لو سلم فلا تنافي بين الوجوب هنا بمعنى شغل الذمة و كونه كالدين و بين تأخر الإخراج من المكلف أو غيره ممن يقوم مقامه من وارث أو غيره، و لا نريد بالوجوب بمعنى مباشرة الأداء منه نفسه على كل حال، بل لعل وجوب الزكاة المالية أيضا كذلك، ضرورة عدم اشتراطه بالتمكن من الأداء على معنى أنه لو مات بعد تمام الحول قبل التمكن من الأداء سقط الزكاة، بل هي ثابتة في ماله تخرج منه بعد موته، و لذا قلنا هناك إنه شرط في الضمان لا الوجوب، و الله هو العالم.

المسألة الثانية الزوجة و المملوك تجب الزكاة عنهما

و لو لم يكونا في عياله إذا لم يعلهما

ج 15، ص: 502

غيره لإطلاق

قول الصادق (عليه السلام) في خبر إسحاق بن عمار(1): «الواجب عليك أن تعطي عن نفسك و أبيك و أمك و ولدك و امرأتك و خادمك»

بل في السرائر «يجب إخراج الفطرة عن الزوجات سواء كن نواشز أو لم يكن، وجبت النفقة عليهن أو لم تجب، دخل بهن أو لم يدخل، دائمات أو منقطعات للإجماع و العموم من غير تفصيل من أحد من أصحابنا» و في المدارك «قد قطع الأصحاب بوجوب فطرة المملوك على المولى مطلقا» و عن الشيخ التصريح بوجوبها عن العبد الغائب المعلوم حياته كالمصنف في المعتبر مع زيادة الآبق و المرهون و المغصوب محتجا بوجوب نفقته عليه فتجب فطرته عليه، و مقتضاه كون الفطرة تابعة لوجوب الإنفاق، و لذا قال في المدارك أنه صرح الأكثر بأن فطرة الزوجة إنما تجب إذا كانت واجبة النفقة دون الناشز و الصغيرة و غير المدخول بها إذا كانت غير ممكنة.

و قيل لا تجب الفطرة عن الزوجة و المملوك فضلا عن غيرهما إلا مع العيلولة، و فيه تردد عند المصنف مما تقدم و مما تعرفه، فتكون الأقوال في المسألة حينئذ ثلاثة:

الأول الوجوب في الزوجة و المملوك مطلقا، الثاني دوران الحكم على وجوب الإنفاق عليهما، الثالث تبعيته للعيلولة و عدمها، و تفصيل الحال أنه لا خلاف و لا إشكال في وجوب إخراج الفطرة عنهما مع العيلولة، وجبت النفقة أو لم تجب، لاستفاضة النصوص في

إخراجها عن جميع من تعول، فمع فرض عدم لزوم النفقة يكون كالمعال به تبرعا الذي لا بحث في وجوب إخراج الفطرة عنه، كما أنه لا ينبغي الإشكال في عدم وجوب الفطرة مع عدم لزوم الإنفاق لنشوز و نحوه و عدم العيلولة، للأصل السالم عن المعارض و الخبر المزبور(2)المشتمل على ما لا يقول به الخصم في الأب و الأم و الولد و الخادم غير المملوك منزل على ما هو الغالب من العيلولة بهؤلاء مع حاجتهم، كما يومي اليه ما في


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.

ج 15، ص: 503

صحيح ابن الحجاج (1)السابق «العيال الولد و المملوك و الزوجة و أم الولد»

و دعواه الإجماع ممنوعة عليه كما صرح به المصنف و الفاضل، بل قالا: إنه لم يقل بذلك أحد من الأصحاب، بل في المنتهى و لا أحد من الجمهور إلا الشذوذ، و يمكن أن يريد الإجماع على إخراجها عن الزوجة من غير تفصيل و إن كان لا يجديه، إذ المتيقن منه في الجملة لا الإطلاق.

أما لو وجبت النفقة و لكن لم يعلها عصيانا فظاهر بعض و صريح آخر الوجوب بل قد عرفت نسبته إلى الأكثر، بل ربما نسب إلى المشهور لكونها عيالا شرعا حينئذ لكن للمناقشة فيه مجال ان لم يثبت الإجماع عليه ضرورة انصراف غيره من نحو قولهم: «يعول» و «يمون» و «العيال» و نحو ذلك، و الاستناد إلى إطلاق الخبر المزبور- مع أنه يقتضي عدم اختصاص

الحكم بالزوجة و المملوك، إذ الفرق بينهما و بين غيرهما بأنه قد لا تجب نفقة غيرهما، و أن نفقة الزوجة من الديون لا يجدي، كما هو واضح، و التزامه خلاف ظاهر الأكثر- يدفعه أنك قد عرفت انسياقه الى ما هو الغالب من العيلولة العرفية، و دعوى شمولها للشرعية واضحة المنع بعد أن لم تكن لها حقيقة شرعية، كدعوى عدم التعارض بين الخبر المزبور و نصوص العيلولة بعد التوافق في الحكم، إذ لا يخفى ملاحظة المفهوم في نصوص العيلولة، خصوصا في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج المصرح فيه بالحصر، فلا ريب في التعارض حينئذ، نعم هو من وجه، و لا ريب في أن الترجيح لنصوص العيلولة من وجوه، و دعوى الترجيح للآخر، بظاهر فتوى الأصحاب يدفعها أنه لم يتحقق عندنا الى الآن الشهرة على ذلك فضلا عن الإجماع، خصوصا مع ملاحظة كلامهم في أول المبحث الظاهر في تعليق الحكم على العيلولة، و لعل إطلاقهم في العبد أن فطرته على مولاه مبني على غلبة كونه كلا على مولاه، لأنه إذا أكل من كسبه فهو من مولاه، ضرورة كونه مالا له.


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 504

و من ذلك كله يظهر لك ضعف ما يحكى عن المبسوط من إطلاق كون فطرة الأبوين و الأجداد و الأولاد الكبار عليه مع إعسارهم، و إن احتج له في المختلف بكونهم واجبي النفقة، لكن قد أجاب في رده بأن الفطرة تابعة للنفقة لا لوجوبها، و أضعف من ذلك ما يحكى عنه أيضا من أن نفقة الولد الصغير الموسر في ماله، و فطرته على أبيه، لأنه من عياله، و التحقيق سقوطها عنهما، أما الصغير فلاشتراط البلوغ، و أما الأب فلعدم عيلولته به كما هو الفرض، بل مما ذكرنا يظهر لك الاضطراب في كلام جملة من الأعلام حيث عللوا الحكم تارة بوجوب الإنفاق، و أخرى بالعيلولة، فلاحظ و تأمل.

هذا كله إذا لم يعلهما غيره، أما إذا عالهما فلا إشكال عندنا في سقوط الفطرة حينئذ عن الزوج و السيد بناء على ما عرفت من دورانها على العيلولة، كما لا إشكال لذلك في وجوبها على العائل مع يساره، لإطلاق ما دل على وجوبها عليه، نعم قد يشكل ذلك بناء على اقتضاء الزوجية و المملوكية وجوب الفطرة، ضرورة تحقق سببي الوجوب فيهما، و عدم الثني في الصدقة بعد تسليم شموله لما نحن فيه إنما يقتضي عدم الوجوب على كل منهما، فالمتجه حينئذ التوزيع بينهما، أو صيرورته كالواجب الكفائي يسقط بفعل أحدهما، و يأتمان معا بالترك، و كذا الاشكال على تقدير دوران وجوبها على وجوب الإنفاق، فإنه متحقق في الفرض مع عدم قصد المعيل التبرع عنه في الإنفاق فتأمل جيدا، فإنه قد يدفع ذلك كله بأن المراد كفاية الزوجية و الملك و إن لم يكن عيلولة، لا أن العيلولة إذا تحققت لم تؤثر، بل لا شبهة في أنها أقوى لنطق النصوص فكل من عالهما وجبت عليه صدقتهما، و لو جوزنا الثني في الصدقة لأوجبناها على العائل و الزوج و المولى، لكن ذلك كله كما ترى، و لو كان المعيل معسرا سقط الفطرة عنه و عن الزوج و السيد بناء على ما قلناه، لإعساره و عدم العيلولة منهما لكن

ج 15، ص: 505

صرح الشهيدان بوجوبها حينئذ عليهما، و كأنهما بنياه على سببية الزوجية و الملكية، فالسقوط من جهة العيلولة لا يقتضي السقوط من جهتهما.

[المسألة الثالثة كل من وجبت زكاته على غيره سقطت عن نفسه]

المسألة الثالثة كل من وجبت زكاته على غيره لضيافة أو عيلولة سقطت عن نفسه و إن كان لو انفرد وجبت عليه كالضيف الغني و الزوجة و غيرهما بلا خلاف محقق معتد به أجده فيه بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب، بل عن شرح الإرشاد لفخر الإسلام الإجماع عليه، نعم في البيان «ظاهر ابن إدريس وجوبها على الضيف و المضيف» و الذي فهمه الأصبهاني من عبارته الوجوب على الضيف مع إعسار المضيف، و هو غير ما نحن فيه، فهو غير محقق الخلاف، و على تقديره فلا ريب في ضعفه، لأنه لا ثني في صدقة، و لأن ظاهر الأخبار المتضمنة لوجوب الزكاة على المعيل سقوطها عن المعال، خصوصا نحو

خبر عبد الله بن سنان (1)عن الصادق عليه السلام «سألته عن صدقة الفطرة قال: عن كل رأس من أهلك الصغير منهم و الكبير و الحر و المملوك و الغني و الفقير، كل من ضممت إليك»

، و لغير ذلك، بل الظاهر سقوطها و إن لم يخرجها عنهم كما عن جماعة التصريح به، بل

ربما نسب إلى المشهور، لتوجه الخطاب اليه دونهم، فما عساه يظهر من الإرشاد- من اعتبار الإخراج في السقوط و احتمله في المسالك مع العلم بعدم الإخراج- واضح الضعف، و دعوى ظهور لفظ «عن» في النصوص في النيابة المقتضية بقاء الخطاب على المنوب عنه إذا لم يؤد النائب يدفعها معلومية عدم كون المراد منها ذلك هنا، و لذلك لم يفرق في التعبير بها بين الموسر و المعسر فلا ريب حينئذ في توجه الخطاب اليه دونهم، و عليه يتفرع حرمة إعطائها للهاشمي إذا كان المعيل غير هاشمي و إن كان العيال هاشميين، و الجواز مع العكس، و ذلك لما عرفت من أنها زكاة المعيل و إن كانت عن العيال، بل لو تكلفوا إخراجها بغير إذنه لم يجز عنه


1- 1 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطر- الحديث 12.

ج 15، ص: 506

و لا تكون فطرة، لما عرفت من عدم الخطاب، بل الظاهر ذلك أيضا حتى لو قصدوا التبرع بها عنه كما عن الشيخ في الخلاف التصريح به، بل عن الفاضل في التحرير القطع به لعدم الدليل، و القياس على الدين غير جائز، خصوصا بعد الفارق من اعتبار النية التي لا يتصور وقوعها من غير المخاطب في المقام و عدمه فيه، نعم استشكل فيه في القواعد من الأصالة و التحمل، و فيه أنه لا حاصل له، إذ الوجوب إن كان باقيا فلا تحمل، و إلا فلا وجوب، على أن عمومات الوجوب إن كانت شاملة لم يكن لما ذكره محصل، لثبوت الوجوب عليهما و لا تحمل، و إلا فلا وجوب عليها أصلا، اللهم إلا أن يتكلف و يقال: إن الوجوب على كل منهما يتحقق، فيسقط بفعل كل منهما، لكن على ذلك لا تحمل، كما هو واضح.

هذا كله في الإخراج بغير إذنه، أما معها فعن الخلاف أنه لا خلاف في الاجزاء حينئذ، و ظاهره في المسالك كونه مفروغا منه، و لعله لكونه حينئذ بمنزلة المخرج، كما إذا أمر بأداء الدين و العتق، و قد يشكل بأنه عبادة فلا يصح من غير من وجبت عليه و الوكالة إنما صحت للدليل الذي صير فعل الغير و نيته فعل الموكل و نيته مع أنها من مال الموكل، اللهم إلا أن يقال: إن الاستيذان يتضمن التمليك، فيكون الإخراج حينئذ من ماله، لكنه كما ترى، و من ذلك تعرف أنه لا فرق في الاشكال بين الاذن و عدمها، حتي أن ما سمعته من العلامة من الإشكال في الثاني للإشكال في الأصالة و التحمل بعينه جار في الاذن، لأنها إن كانت واجبة عليه أصالة لم يكف الإذن إلا إذا انضم إليها الوكالة، بل و كون الإخراج من ماله، إلا أن يقال: إن الاذن توكيل، أو المراد به المقرون به، أو الاستئذان تمليك، أو يثبت الإجماع عليه مؤيدا ب

قول الصادق عليه السلام في خبر جميل(1): «لا بأس بأن يعطي الرجل عن عياله و هم غيب عنه، و يأمرهم


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.

ج 15، ص: 507

فيعطون عنه و هو غائب»

إن لم نقل إن الظاهر منه أمر العيال بالإخراج من مال المعيل لكن الإنصاف أن ذلك كله بعد الإغضاء عما قدمناه في الزكاة المالية من جواز التبرع، لصحيح منصور(1)الوارد في أداء المقرض الزكاة عما أقرضه، و إلا كانت الصحة متجهة مع عدم الاذن فضلا عنها بناء على أولوية المقام منها، ضرورة شدة شبهها في الدين منها، بل قد سمعت سابقا احتمال جريان الفضولي فيها، فلاحظ و تأمل، و ليس ذا من القياس كما في المدارك بل من تنقيح المساواة أو الأولوية، فتأمل جيدا.

هذا كله مع يسار المعيل، أما مع إعساره و إعسار المعال فلا خلاف و لا إشكال في سقوطها عنهما، فان كان المعال موسرا فقد قطع الحلي بالوجوب عليه و قواه في المعتبر لإطلاق الأدلة، خلافا لمحكي المبسوط و الخلاف و إيضاح الفخر فلا وجوب للأصل المنقطع بما عرفت، و اضطرب كلام العلامة في المختلف، فتارة فصل بين إعسار الزوج مثلا إلى حد يسقط نفقة الزوجة بأن لا يفضل معه شي ء البتة، و بين ما لم ينته الحال إلى ذلك بأن كان الزوج ينفق عليها مع إعساره، فإن كان الأول فالحق ما قاله ابن إدريس، لعموم الأدلة المقتصر في تخصيصه على زوجة الموسر لمكان العيلولة، و إن كان الثاني فالحق ما قاله الشيخ، لأنها في عيلولة الزوج، فسقطت فطرتها عن نفسها و عن زوجها لفقره، و فيه أن العموم المزبور شامل لها أيضا، و مجرد الإنفاق لا يصلح للتخصيص، على أن الأول كأنه ليس محلا للبحث، و أن موضع الاشكال ما إذا تكلف الزوج المعسر إعالة الزوجة الموسرة، فلو أعالت نفسها وجب عليها الفطرة بغير إشكال، و أخرى قال:

«التحقيق أن الفطرة إن كانت بالأصالة على الزوج سقطت لإعساره عنه و عنها، و إن كانت بالأصالة على الزوجة و إنما يتحملها الزوج سقطت عنه لفقره و وجبت عليها، عملا بالأصل» و فيه أن ظاهر الأخبار و كلام الأصحاب و إن اقتضى وجوب الفطرة بالأصالة على الزوج


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب من تجب عليه الزكاة- الحديث 2.

ج 15، ص: 508

مع يساره إلا أن ذلك لا يقتضي سقوطها عن الزوجة الموسرة مع إعساره، فلا ريب بعد ذلك كله في قوة القول الأول، نعم يبقى شي ء، و هو أن لو تكلف المعيل المعسر الإخراج امتثالا للأمر الندبي يسقط الوجوب عن الموسر من العيال، لعدم الثني في الصدقة، و ظهور النصوص في اتحاد الفطرة، و أنها إذا أخرجها المعيل لم يبق خطاب للمعال، لكن في البيان أنه لمانع أن يمنع الندب في هذا، و إنما المنصوص استحباب إخراجها للفقير عن نفسه و عياله، و المفهوم من عياله الفقراء، سلمنا لكن الندب قاصر عن الوجوب في المصلحة الراجحة، فلا يساويه في الاجزاء، و هو غير خال من الوجه و الله أعلم.

[فروع]
اشاره

فروع:

[الفرع الأول إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته]

الأول إذا كان له مملوك غائب يعرف حياته فان كان يعول نفسه باذن سيده أو في عيال مولاه وجبت على المولى لاندراجه حينئذ في إطلاق الأدلة، إذ عيلولته لنفسه مرجعها للمولى و إن عاله غيره وجبت على العائل إن كان موسرا إجماعا بقسميه عليه، و سقطت حينئذ عن السيد لما عرفت، بل منه يعلم سقوطها عنه و إن كان معسرا، لعدم العيلولة به عرفا، و عن المعيل لإعساره، و قد تقدم الكلام فيه سابقا، أما إذا كان عيلولته لنفسه بغير إذن سيده فظاهر إطلاق المتن و غيره أنه على المولى أيضا، لكن أشكله في المدارك بعدم صدق العيلولة حينئذ، و فيه أن التحقيق عدم تبعية صدقها و عدمه للاذن و عدمه، فرب مأذون ليس عيالا عرفا، و رب غير مأذون هو عيال كذلك، فالأولى جعلها أي العيلولة مناطا للحكم كما تقدم سابقا، و من ذلك يعلم ما في كلام المصنف في المعتبر حيث قال فيه: «تجب الفطرة عن العبد الغائب الذي يعلم حياته و الآبق و المرهون و المغصوب، و به قال الشافعي و كثير من أهل العلم و قال أبو حنيفة: لا يلزمه زكاته لسقوط نفقته كما تسقط عن الناشز، لنا أن الفطرة تجب على من يجب أن يعوله، و بالرق تلزم العيلولة» و حجته ضعيفة، لأنا لا نسلم أن

ج 15، ص: 509

نفقته على غير المالك مع الغيبة و إن اكتفى بغير المالك، كما لو كان حاضرا و استغنى بكسبه، و لقد أجاد رده في المدارك بأن مقتضى الروايات أن الفطرة تابعة للعيلولة نفسها لا لوجوبها، و دعوى أن الإجماع على عدم اعتبارها بالنسبة إلى المملوك واضحة المنع، بل ظاهر عبارة المصنف السابقة في المسألة الثانية تحقق الخلاف في ذلك، و أنه كالزوجة في اعتبار العيلولة عند بعض، و قد تردد هو فيه، بل عن المبسوط التصريح بأنه لا يجب فطرة العبد المغصوب على الغاصب، و لا على المولى إلا أنه استدل للسقوط عن الثاني بعدم التمكن، و يمكن أن يكون مراده الخروج عن العيلولة بذلك عرفا.

و من هنا يتجه سقوطها عن العبد الغائب غيبة منقطعة وفاقا لصريح سيد المدارك و ظاهر غيره، لعدم صدق العيلولة، و استصحاب بقائه حتى جاز عتقه عن الكفارة للإجماع المحكي و صحيح الجعفري (1)لا يستلزم صدقها، بل قد عرفت عدم صدقها في بعض الأحيان حتى مع عدم الانقطاع فضلا عنه، و لعله هو الذي إليه أشار المصنف بالتقييد بمعرفة الحياة، لكن ذكر غير واحد أن للأصحاب في غير معروف الحياة قولين:

أحدهما عدم الوجوب على المولى، و هو المحكي عن الشيخ في الخلاف و الفاضلين في المعتبر و المنتهى محتجين عليه بأنه لا يعلم أن له مملوكا، فلا تجب عليه زكاته، و بأن الإيجاب شغل للذمة فيقف على ثبوت المقتضي، و هو الحياة، و هي غير معلومة، و بأن الأصل عصمة مال الغير فيقف انتزاعه على العلم بالسبب، و لم يعلم، و ثانيهما الوجوب، و هو المحكي عن ابن إدريس محتجا بأصالة البقاء، و لذا صح عتقه عن الكفارة، و أورد عليه بأن أصالة البقاء معارضة بأصالة براءة الذمة، و بالمنع من إجزائه في الكفارة، و مع التسليم

يمكن الفرق بأن العتق إسقاط ما في الذمة من حقوق، و هي مبنية على التخفيف بخلاف الفطرة التي هي إيجاب مال على المكلف لم يثبت سبب وجوبه، لكن لا يخفى عليك


1- 1 الوسائل- الباب- 48- من كتاب العتق- الحديث 1.

ج 15، ص: 510

ما في الجميع بناء على ما ذكرنا من بناء الأمر على العيلولة و عدمها، كما أنه لا يخفى عليك قوة ما قاله ابن إدريس بناء على أن السبب في وجوبها الملكية لا العيلولة، ضرورة عدم صلاحية معارضة أصالة البراءة لاستصحاب بقائه، و لا ينافيه عدم العلم بأن له مملوكا، و إنما ينافيه العلم بالعدم، فالمقتضي للشغل متحقق شرعا، و كذا العلم بالسبب، كما هو واضح.

بل من ذلك يعلم ما في كلام سيد المدارك فإنه و إن اعترف بعدم تحرير محل الخلاف في كلامهم لكن قال: إن كان المملوك الذي انقطع خبره كما ذكره الشهيد في البيان اتجه القول بعدم لزوم فطرته، للشك في السبب و إن جاز عتقه في الكفارة للدليل، و إن كان مطلق المملوك الذي لا يعلم حياته فينبغي القطع بالوجوب مع تحقق العيلولة إذا لم ينقطع خبره و إن لم تكن حياته معلومة و لا مظنونة كما في الولد الغائب و غيره، إذ لو كان العلم بالحياة معتبرا لم يجب إخراج الفطرة عن غائب، و هو معلوم البطلان، و يدل على الوجوب مضافا إلى العمومات ما رواه

الكليني في الصحيح عن جميل بن دراج (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لا بأس أن يعطي الرجل عن عياله و هم غيب عنه و يأمرهم فيعطون عنه و هو غائب»

و فيه ما لا يخفى عليك من أنه ينبغي القطع بذلك في الأول أيضا بناء على أن السبب الملك كما عرفته سابقا، و الله أعلم.

[الفرع الثاني إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما]

الفرع الثاني إذا كان العبد بين شريكين فالزكاة عليهما مع عيلولتهما به، لفحوى مكاتبة محمد بن القاسم بن الفضيل البصري (2)المتقدمة في أول الباب، و إطلاق الأدلة المعلوم عدم الفرق فيها بين اتحاد المعيل و تعدده، و لا بين كون المعال إنسانا أو بعض إنسان، و دعوى أن المنساق منها خلاف ذلك- خصوصا بعد اشتمال بعضها بعد


1- 1 الوسائل- الباب- 19- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 4- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 511

بيان وجوبها عن كل العيال على بيان قدرها، و هو الصاع عن كل رأس- يدفعها أنه انسياق أظهرية، فلا ينافي الحجية في غيره، سيما بعد فهم الأصحاب و عدم معروفية الخلاف بينهم في ذلك في المقام و في المكاتب الذي تحرر جزء منه و نحو ذلك، نعم عن ابن بابويه منهم خاصة عدم وجوب الفطرة على الموالي إلا أن يكمل لكل واحد منهم رأس تام، ل

خبر زرارة(1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قلت له: عبد بين قوم عليهم فيه زكاة الفطرة قال: إذا كان لكل إنسان رأس فعليه أن يؤدي عنه فطرته و إن كان عدة العبيد و عدة الموالي سواء أدوا زكاتهم كل واحد على قدر حصته، و إن كان لكل إنسان منهم أقل من رأس فلا شي ء»

و مال اليه بعض متأخري المتأخرين، حيث قال: «و هذه الرواية و إن كانت ضعيفة السند إلا أنه لا يبعد المصير إلى ما تضمنته لمطابقتها لمقتضى الأصل، و سلامتها عن المعارض» و فيه أنه يعارضها إطلاق الأدلة أو عمومها، مضافا إلى المكاتبة السابقة، فلا يجدي بعد ضعف سندها مطابقتها للأصل المقطوع بذلك الذي لا ريب في عدم الفرق فيه بين اتحاد المعيل و تعدده، و ما نحن فيه من ذلك، و لئن كان شك في الشمول فهو في نحو المكاتب الذي تحرر منه شي ء باعتبار ظهور الأدلة في كون المعال إنسانا تاما لا نصف إنسان مثلا، و ما نحن فيه من الأول لا الثاني، لكن المتجه حينئذ بناء عليه سقوطها رأسا مع إعسار أحدهما، لعدم صدق إيسار المعيل الذي هو عبارة عن مجموعهما لا كل واحد منهما، نعم لو كان بناء المسألة على صدق العيلولة على كل منهما باعتبار عيلولة النصف مثلا اتجه حينئذ سقوط نصفها عن المعسر منهما و لزوم النصف الآخر على الآخر، و لعل ذلك أقرب إلى كلام الأصحاب من سابقه خصوصا مع ملاحظة كلامهم في المكاتب الذي تحرر جزء منه، و ربما يقوى التعميم في الأمرين، كما أنه يقوى في خصوص العبد دون غيره ملاحظة الاكتفاء بعيلولة


1- 1 الوسائل- الباب- 18- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.

ج 15، ص: 512

البعض، و حينئذ فلا يقدح إعسار أحدهما في الوجوب على الآخر الموسر في حصته، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال فان عاله أحدهما تبرعا و كان موسرا فالزكاة على العائل دون الآخر، و إن كان معسرا دونه ففيه البحث السابق، نعم ينبغي أن يعلم أن مراد المصنف بالعائل ما ذكرنا من المتبرع بالنفقة على وجه يعد من عياله، لا ما إذا تهايوا فيه و اتفق وقت الوجوب في نوبة أحدهم، فإن ذلك لا يقتضي اختصاصه بوجوب الفطرة، ضرورة عدم صدق إطلاق أنه من عياله و إن صدق عليه أنه منهم مقيدا بذلك الوقت، و المدار على الأول لا مطلق العيال و لو بالتقييد، فتأمل جيدا فإنه نافع في كثير من الأفراد التي يتوهم فيها ذلك، و قد أومأنا إليه سابقا في الضيف، و قلنا: إنه ليس من أفراد إطلاق العيال، فلا تشمله تلك الأدلة قطعا، و إن كان قد يوهمه الخبر الوارد فيه كما أنه ينبغي أن يعلم عدم اعتبار اتحاد الجنس في المخرج و إن اتفق نوبتهم كما صرح به بعضهم، لإطلاق الأدلة، نعم في المسالك الأولى اتفاقهم في جنس المخرج، ليصدق إخراج الصاع، و الله أعلم.

[الفرع الثالث لو مات المولى]

الفرع الثالث لو مات المولى أو غيره من العائلين و عليه دين فان كان بعد الهلال وجبت عليه زكاة مملوكه أو غيره من عياله في ماله سواء قلنا بأن وقت الأداء الفجر أو أول الليل، و من هنا لم يعتبر في الوجوب مضي زمان يمكن فيه الأداء، لأنها بعد حصول السبب و هو الهلال دين في الذمة كغيرها من الديون، فلا تقدم عليه، و لا يقدم عليها، بخلاف زكاة المال الباقية فيه بعد الموت، فإنها تقدم على الديون باعتبار كونها في العين، كما تقدم سابقا.

و حينئذ ف ان ضاقت التركة و لو لتلف بعضها في الأثناء قسمت على

ج 15، ص: 513

الدين و الفطرة بالحصص على نحو الديون بلا خلاف و لا إشكال، و لا فرق بين المملوك و غيره في ذلك، و إنما خصه بالذكر تنبيها على عدم تعلقها برقبته، أو ليفرع عليه ما بعده من قوله و إن مات قبل الهلال لم تجب الزكاة على أحد إلا بتقدير أن يعوله بناء على بقاء التركة على حكم مال الميت مع الدين المستوعب مع فرض البحث فيه أو مطلق الدين، أما على القول بانتقالها إلى الوارث فالمتجه وجوب زكاته مع صدق العيلولة بناء على أنها المعتبرة في سبب الوجوب، و إلا وجبت مطلقا، لتحقق الملك حينئذ، و ذلك كله واضح مما تقدم سابقا.

[الفرع الرابع إذا أوصي له بعبد و كان الثلث يسع ذلك]

الفرع الرابع إذا أوصي له بعبد و كان الثلث يسع ذلك ثم مات الموصى فإن قبل الموصى له الوصية قبل الهلال وجبت الفطرة عليه لصيرورته حينئذ ملكه، فيكون فطرته عليه بناء على أنه السبب فيها، و إلا اعتبر صدق العيلولة مع ذلك و إن قبل بعده سقطت عنه، لكون الملك حينئذ بعد حصول سبب الوجوب، فتسقط الفطرة حينئذ، نعم لو قلنا: إن القبول كاشف عن الملك من حين الموت اتجه الوجوب حينئذ عليه، مع احتمال العدم، لاستحالة تكليف الغافل، و لعدم صدق العيلولة به، و في المسالك أن الأصح الأول، لما سيأتي إن شاء الله من أن القبول كاشف، و عدم علمه حين الوجوب لا يقدح، لأنه إنما يخاطب حال العلم، كما لو ولد له ولد و لم يعلم به حتى دخل شوال، و هو جيد بناء على ذلك لكن مع صدق العيلولة به عرفا و على تقدير النقل قيل تجب الفطرة حينئذ على الوارث (11) لأن التركة إلى حال القبول ملك له، فتكون الفطرة حينئذ عليه، بل في المسالك احتماله مع الكشف أيضا باعتبار كونه مالكا ظاهرا، و من الممكن رد الموصى له الوصية، و فيه أن المتجه السقوط عن الوارث على الاحتمالين كما عن الشيخ الجزم به في الخلاف و المبسوط بناء على بقاء المال الموصى به وصية نافذة على حكم مال الميت، و من هنا قال المصنف و فيه تردد (12) و قد

ج 15، ص: 514

أشحنا البحث في ذلك و في حكم المنجزات في كتاب الحجر، فلاحظ و تأمل.

و لو وهب له عبد قبل الهلال و قبل و لم يقبض لم تجب الزكاة على الموهوب له بناء على أن القبض شرط في الصحة، إذ لا ملك حينئذ و لا عيلولة، بل تبقى الزكاة على الواهب مع حياته و لو مات الواهب كانت على الورثة لانتقال المال إليهم حينئذ و بطلان الهبة و قيل و القائل الشيخ لو قبل الموهوب له و مات ثم قبض الورثة أي ورثة الموهوب له قبل الهلال وجبت عليهم بناء على عدم اعتبار القبض من الموهوب له في الصحة، فلا تبطل الهبة حينئذ بالموت قبله و فيه تردد تعرفه إن شاء الله في محله، و من التأمل فيما ذكرنا يظهر لك الحال في المبيع بالخيار في الثلاثة و غيرها و في الفضولي على النقل و الكشف و في غير ذلك، بل لا يخفى عليك جريان البحث بناء على العيلولة أو على الملك و الزوجية حتى في المطلقة الرجعية التي هي بحكم الزوجة، أما البائن فلا ريب في عدم وجوب فطرتها إذا لم تكن حاملا، فان كانت حاملا ففي البيان «وجبت فطرتها عليه سواء قلنا: النفقة للحمل أو الحامل، قال:

و بناها الفاضل على المذهبين فأسقطها إن قلنا بأنها للحمل، إذ لا فطرة له، قلنا: الإنفاق في الحقيقة على الحامل و إن كان لأجل الحمل» قلت: قد عرفت أن المدار على صدق العيلولة، و الله أعلم.

[الركن الثاني من أركان زكاة الفطرة في جنسها و قدرها]
اشاره

الركن الثاني من أركان زكاة الفطرة في جنسها و قدرها

[جنس الفطرة]

، و الضابط في الأول إخراج ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و دقيقهما و خبزهما و التمر و الزبيب و الأرز (11) منزوع القشر الأعلى و اللبن (12) كما هو المحكي عن أبي الصلاح و ابني الجنيد و زهرة و الفاضل، بل في محكي منتهى الأخير منهما «الجنس ما كان قوتا غالبا كالحنطة و الشعير و التمر و الزبيب و الأقط (13) و اللبن، ذهب إليه علماؤنا أجمع» و نحوه عن المعتبر إلا أنهما اختارا بعد ذلك ما ذهب اليه الشيخ من عدم إجزاء الدقيق و السويق و الخبز على

ج 15، ص: 515

أنها أصول معللين ذلك بأن النص على الأجناس المذكورة، فيجب الاقتصار عليها أو على قيمتها، و هو ظاهر في الحصر فيها، كما هو ظاهر اللمعة و الشيخين في كتبهما، قال المفيد في المقنعة: «و هي فضلة أقوات أهل الأمصار على اختلاف أقواتهم من التمر و الزبيب و الحنطة و الشعير و الأرز و الأقط و اللبن، أهل كل مصر فطرتهم من قوتهم» و في محكي المبسوط و الفطرة يجب صاع وزنه تسعة أرطال بالعراقي و ستة أرطال بالمدني من التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير أو الأرز أو الأقط أو اللبن، قال: «و الأصل في ذلك أنه فضلة أقوات البلد الغالب على قوتهم» ثم ذكر اختصاص أهل كل ناحية بشي ء منها. قال: «و إن أخرج واحد من هؤلاء من غير ما قلناه كان جائزا إذا كان من أحد الأجناس التي قدمنا ذكرها، فتأمل» و كذلك اقتصر في المحكي من جميع كتبه على وجه يظهر منه الحصر، و قال في الخلاف: «يجوز إخراج صاع من الأجناس السبعة- الى أن قال- دليلنا إجماع الفرقة، و أيضا فالأجناس التي اعتبرناها لا خلاف أنها تجزي، و ما عداها ليس على جوازها دليل» و هو صريح في الحصر، و عن سلار و ابني حمزة و إدريس موافقتهما على ذلك، بل في الدروس نسبته الى أكثر الأصحاب.

و حينئذ تكون هي المرادة من الضابط المزبور، لا أنها مذكورة من باب المثال، كما أن المراد من الغلبة في القوت بالنسبة إلى غالب نوع الإنسان، و يؤيده أنها جملة ما اشتملت عليه الأخبار نصا، و ما اشتمل منها(1)على غيرها من الذرة و العدس و السلت و نحوها فقد نص في صحيح محمد بن مسلم (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) على أنها لمن لا يجد الحنطة و الشعير، و لا يقدح ضعف السند في بعضها بعد انجباره بما عرفت، و ما في المدارك من الاقتصار على ما في الصحيح منها فحصرها في الحنطة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة-.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 13.

ج 15، ص: 516

و الشعير و التمر و الزبيب و اللبن- مع انه كان عليه زيادة الذرة، لاشتمال صحيح الحذاء(1)عليها- لم نعرفه قولا لأحد، نعم يحكى عن الصدوقين و ابن أبي عقيل الاقتصار على الأربعة الأول، و هو مشعر بالحصر فيها، و لعله لا يريدونه، مع أنك قد عرفت دعوى الإجماع من الشيخ و الفاضل و غيرهما على

خلافه، فلا ريب حينئذ في ضعفهما، بل و ضعف القول بالحصر في السبعة فضلا عنهما.

و الأقوى كون المدار على الغلبة في القوت لغالب الناس كالأجناس الأربعة الزكوية، أو القطر أو البلد كغيرها، ل

مرسل يونس (2)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت: جعلت فداك على أهل البوادي الفطرة قال: فقال: الفطرة على كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت»

و خبر زرارة و ابن مسكان (3)عنه عليه السلام أيضا «الفطرة على كل قوم مما يغذون عيالاتهم من لبن أو زبيب أو غيره»

و خبر إبراهيم ابن محمد الهمداني (4)«اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت الى أبي الحسن صاحب العسكر (عليه السلام) أسأله عن ذلك فكتب أن الفطرة صاع من قوت بلدك، على أهل مكة و اليمن و الطائف و أطراف الشام و اليمامة و البحرين و العراقين و فارس و الأهواز و كرمان تمر، و على أوساط الشام زبيب، و على أهل الجزيرة و الموصل و الجبال كلها بر أو شعير، و على أهل طبرستان الأرز، و على أهل خراسان البر إلا أهل مرو و الري فعليهم الزبيب، و على أهل مصر البر، و من سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم، و من سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط»

بل فيما في ذيله من الاجتزاء بالأقط و هو لبن جاف مستحجر غير منزوع الزبد من الإيماء الى ما ذكرنا ما لا يخفي كنصوص اللبن، ضرورة عدم

كونهما من الأقوات الغالبة لغالب الناس، و إنما هما لبعضهم، و في


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 10.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
4- 4 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.

ج 15، ص: 517

خبر حماد و يزيد و محمد بن مسلم (1)عن الصادقين (عليهما السلام) «سألناهما عن زكاة الفطرة، قالا: صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو نصف ذلك كله حنطة أو دقيق أو سويق أو ذرة أو سلت»

و في صحيح الحذاء(2)عن الصادق (عليه السلام) «صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة».

هذا كله مضافا الى ما في تكليف الإنسان من شراء غير قوته و صرفه الى الفقراء من الحرج و المشقة و الضرر المنفية بالآية(3)و الرواية(4)و الى ما في اختلاف نصوص المقام بالزيادة و النقصان من الإيماء الى ما ذكرنا من أن الضابط ذلك، و أنها أمثلة، فنقص في صحيح صفوان (5)الشعير، و في صحيح عبد الله بن ميمون (6)البر و زيد الأقط، و اقتصر في صحيح معاوية(7)على التمر و الزبيب و الشعير و ترك الحنطة و غيرها، و في

صحيح الحلبي (8)«صاع من تمر أو نصف صاع من بر»

و في

صحيح عبد الله ابن سنان (9)«صاع من حنطة أو صاع من شعير»

و قد سمعت صحيح الحذاء، الى غير ذلك من النصوص المبنية على ما ذكرنا، و أن الاقتصار في كثير منها على السبعة أو بعضها لغلبة التقوت به.

و لعل ما ذكرنا هو مراد المنتهى و المعتبر و غيرهما ممن عرفت بقرينة ذكرهم الضابط المزبور، و لا ينافيه ما ذكراه في الدقيق و الخبز، لاحتمال كون المراد اعتبار الأسماء الواردة في النصوص، فيكون الحاصل حينئذ اعتبار الصاع من القوت الغالب حنطة


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 17.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 10.
3- 3 سورة الحج- الآية 77 و سورة البقرة- الآية 181.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من كتاب إحياء الموات- الحديث 3 و 4 و 5.
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
6- 6 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 12.
9- 9 الاستبصار ج 2 ص 47- الرقم 155.

ج 15، ص: 518

أو شعيرا أو نحوهما، فلا يجزي الدقيق و الخبز و لا غيرهما من الفروع و غيرها مما لا يندرج تحت الاسم كالرطب و العنب و نحوهما إلا على جهة القيمة.

بل الظاهر انسياق الصحيح منها، فلا يجزي المعيب كما نص عليه في الدروس، بل و لا الممزوج بما لا يتسامح فيه إلا على جهة القيمة، لفقد الاسم المتوقف عليه الامتثال أو المنساق منه عند الإطلاق، خصوصا مع ملاحظة عدم إجزاء ذات العوار و المريضة في الزكاة المالية و إن كان هو من القوت الغالب، اللهم إلا أن يفهم الأولوية، و أن المراد اليسر على المالك بعدم تكليفه الطحن و

نحوه، و هو غير بعيد، خصوصا مع ملاحظة الخبر المزبور الظاهر في الاجزاء أصالة لا قيمة، و لعله لذا جزم المصنف هنا بإجزائهما، و في

خبر عمر بن يزيد(1)عن الصادق (عليه السلام) «سألته يعطى الفطرة دقيقا مكان الحنطة قال: لا بأس، يكون أجرة طحنه بقدر ما بين الحنطة و الدقيق»

و لعل مراد السائل إعطاء الدقيق أعني الذي يحصل من صاع من الحنطة بعد وضع أجرة الطحن منها كما يستفاد من الجواب، و على كل حال فهو خارج عما نحن فيه من إجزاء القوت الغالب في نفسه و إن لم يكن قوتا للمخرج و في خصوص قطر المخرج أو بلده، و عدم اجزاء غير الغالب في شي ء من الأحوال الثلاثة، لكن الاحتياط في الاقتصار على السبعة بل الخمسة بل الأربعة لا ينبغي تركه.

و كيف كان فيجزيه من غير ذلك أن يخرج بالقيمة السوقية مع التمكن من الأنواع بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه فوق الاستفاضة كالنصوص، قال

محمد بن إسماعيل بن بزيع (2): «بعثت الى الرضا (عليه السلام) بدراهم لي و لغيري و كتبت له أنها من فطرة العيال فكتب بخطه قبضت و قبلت»

و قال أيوب بن نوح (3)«كتبت الى أبي الحسن (عليه السلام) أن قوما


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.

ج 15، ص: 519

يسألوني عن الفطرة و يسألوني أن أحمل قيمتها إليك، و قد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة كل تسعة أرطال بدرهم، فرأيك جعلني الله فداك في ذلك، فكتب (عليه السلام) الفطرة قد كثر السؤال عنها، و أنا أكره كل ما أدي الى الشهرة، فاقطعوا ذكر ذلك، و اقبض ممن دفع لها و أمسك عمن لم يدفع»

و قال إسحاق بن عمار(1): «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): جعلت فداك ما تقول في الفطرة أ يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سميتها؟ قال: نعم، إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد»

و عنه أيضا في موثقه الآخر(2)«لا بأس بالقيمة في الفطرة».

بل ربما استفيد من الأخير إخراج القيمة من الدراهم و غيرها، بل عن مبسوط الشيخ التصريح بهذا التعميم، فقال: «يجوز إخراج القيمة عن أحد الأجناس التي قدرناها سواء كان الثمن سلعة أو حبا أو خبزا أو ثيابا أو دراهم أو شيئا له ثمن بقيمة الوقت» و أشكله في المدارك بقصور الرواية المطلقة من حيث السند عن إثبات ذلك، و اختصاص الأخبار السليمة بإخراج القيمة من الدراهم، و فيه ما تبين في الأصول من حجية الموثق، نعم قد يشكل بانصراف خصوص النقدين من القيمة، بل

الظاهر المسكوك منهما، لكن قد تقدم في الزكاة المالية ما يستفاد منه قوة التعميم المزبور هنا، ضرورة أولويته منها أو مساواته، فلاحظ و تأمل، بل ربما ظهر من خلاف للشيخ و غيره كون المسألتين من باب واحد، فيكون حينئذ ذلك من معقد إجماعه كما هو ظاهر غيره، بل لم يظهر الخلاف إلا من ظاهر مقنعة المفيد. و لعله لا يريده، و الاقتصار في النصوص على الدراهم لغلبتها في ذلك الزمان، و إلا فلا ريب في إجزاء الدنانير و غيرها من النقد المسكوك، و الظاهر خروج ما يكون كالصلح مع الحاكم الذي هو ولي الفقراء عن البحث، كخروج المدفوع الى الفقير بثمن من النقد ثم يحتسب ذلك فطرة عنه أيضا


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 6.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.

ج 15، ص: 520

بل قد يقال باجزاء المدفوع الى الفقير على جهة الوفاء عن الفطرة على حسب دفع المديون بالنقد مثلا للديان من غيره مع الرضا به، بناء على كون الوفاء فيه بإثبات قيمة المدفوع في ذمة المدفوع اليه على وجه يقع التهاتر قهرا، إذ الفطرة من جملة الديون للفقراء الذين جعل الشارع قبض واحد منهم كافيا في الاجزاء، لكنه لا يخلو من نظر أو منع، و الاحتياط لا ينبغي تركه.

ثم على الجواز لو أخرج نصف صاع أعلى قيمة يساوي صاعا أدون قيمة منها أو من غيرها فالأصح عدم الاجزاء، وفاقا للبيان و المدارك، لظهور كون قيمة الأصول من غيرها، خصوصا و ليس في الأدلة التخيير بين الصاع من كل نوع و قيمته حتى يدعى ظهوره في تناول القيمة للنوع الآخر، و إنما الموجود فيها ما عرفت مما هو ظاهر فيما ذكرنا، و ربما يؤيد ذلك ما تسمعه من النصوص (1)الآتية المشتملة على إنكار ما وقع في زمن عثمان و معاوية من الاجتزاء بنصف صاع من حنطة باعتبار غلو سعرها كما ستعرف، و ليس ذلك مبنيا على الاجتزاء به أصلا، ضرورة عدم وجوب نية ذلك و ظهور تلك النصوص في غيره، نعم لو باعه من الفقير مثلا بثمن أراد احتسابه قيمة صاع من الأدون لم يكن في ذلك بأس، و حينئذ فقد ظهر لك أن ما في المختلف من الاجتزاء بالنصف المزبور عن الصاع من الأدون لا يخلو من نظر، و قد تقدم نظير ذلك في الزكاة المالية، و لا فرق فيما ذكرنا بين صاع نفسه و صاع من يعوله للاتحاد في المدرك قيل و ربما يوجد الفرق في بعض القيود، و ليس بشي ء، و الله أعلم.

و كيف كان ف الأفضل إخراج التمر عند الأكثر، ل

قول الصادق عليه السلام(2)


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة.
2- 2 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.

ج 15، ص: 521

«التمر في الفطرة أفضل من غيره، لأنه أسرع منفعة، و ذلك انه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه»

و قوله (عليه السلام) أيضا في خبر زيد الشحام (1)«لئن أعطي صاعا من تمر أحب الي من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة»

و سأله أيضا عبد الله ابن سنان (2)عن صدقة الفطرة فقال: «عن كل رأس من أهلك الصغير و الكبير الحر و المملوك عن كل إنسان صاع من حنطة أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب، و قال التمر أحب إلى»

لكن قد يقال إن مقتضى التعليل مساواة الزبيب للتمر، و لعله لذا حكي عن ابن البراج ذلك، و فيه أن اختصاص التمر بما سمعت من النصوص كاف في زيادة فضيلته.

و من هنا قال المصنف ثم الزبيب و إن ساواه في التعليل المزبور، و في كونه قوتا و إداما و يليه أي الزبيب أن يخرج كل انسان ما يغلب على قوته لمكاتبة الهمداني (3)العسكري (عليه السلام) المتقدمة سابقا المحمولة على الندب قطعا و إجماعا محكيا و محصلا، بل لها قال في الخلاف المستحب ذلك، و ظاهره عدم خصوصية للتمر، و وافقه عليه بعض من تأخر عنه، بل هو محتمل المعتبر و محكي المبسوط و الاقتصاد، لكن فيه أن أقصاها استحباب الغالب على قوت البلد، و هو لا ينافي أفضلية التمر لخصوصية فيه، نعم هي ظاهرة في مراعاة قوت البلد لا قوت الإنسان نفسه الذي لا طريق الى تعيينه، كما هو المحكي عن الشافعي في أحد قوليه، بل ربما استظهر ذلك من المصنف هنا و التذكرة و

الإرشاد و اللمعة، و يمكن إرادة قوت البلد منها كما وقع لابن


1- 1 الوسائل- الباب- 10- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 6.
2- 2 ذكر صدره في الوسائل في الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 12 و ذيله في الباب 10 منها- الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.

ج 15، ص: 522

إدريس، و إن فهم منه في المختلف خلاف ذلك، فلا خلاف حينئذ بينها و بين ما في النافع و البيان من اعتبار البلد فضلا عما في القواعد و التبصرة و الدروس من التعبير بغالب القوت، ضرورة كونه أولى بالرجوع الى قوت البلد، بل في الخلاف الاستدلال على الشافعي بإجماع الفرقة على الرواية المروية(1)عن أبي الحسن العسكري (عليه السلام) في تصنيف أهل الأمصار و ما يخرجه أهل كل مصر و بلد، و بذلك تتفق عبارات الأصحاب، بل و النصوص بناء على كون المراد من

قوله (عليه السلام)(2)«مما يغذون عيالاتهم»

و قوله عليه السلام (3)«كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت»

ما هو الغالب من اتفاق معظم البلد في القوت الغالب، هذا، و قد ظهر لك أن مراتب الندب ثلاثة: التمر ثم الزبيب ثم غالب القوت، و ما عن سلار من أن العبرة في الندب بعلو القيمة لم نجد له شاهدا سوى ما يومي اليه خبر الأنفع (4)لكن ذلك خارج عن النزاع، ضرورة كون المراد الاستحباب الخصوصي المنصوص دون ما

يحصل بالمرجحات الخارجية، فإن ذلك لا ضابطة له، و الله أعلم.

[في كمية زكاة الفطرة]

هذا كله في الجنس و أما القدر ف الفطرة من جميع الأقوات المذكورة عدا اللبن صاع بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه، و النصوص (5)يمكن دعوى تواترها فيه، فما في صحيح الحلبي (6)و صحيح الفضلاء(7)من الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير، و صحيح آخر للحلبي (8)نصف صاع من بر، كصحيح عبد الله بن سنان (9)و ما في صحيح حماد و بريد و محمد(10)المتقدم سابقا مطرح أو محمول على التقية


1- 1 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 8- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 6.
5- 5 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة.
6- 6 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 11.
7- 7 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 14.
8- 8 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 12.
9- 9 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 12.
10- 10 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 17.

ج 15، ص: 523

كما جزم به في التهذيبين، قال: و وجهها أن السنة كانت جارية بصاع من كل شي ء، فلما كان زمن عثمان و بعده في أيام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر، و تابعهم الناس على ذلك، فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم، قلت: و الى ذلك أشار

أمير المؤمنين (عليه السلام) في المرسل (1)عنه أنه سئل «عن الفطرة فقال:

صاع من طعام، فقيل أو نصف صاع فقال: بئس الاسم الفسوق بعد الايمان»

و قال الرضا (عليه السلام) في خبر ياسر القمي (2)«الفطرة صاع من حنطة و صاع من شعير و صاع من تمر و صاع من زبيب، و إنما خفف الحنطة معاوية»

و قال ابن وهب (3)«سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في الفطرة جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير فلما كان زمن عثمان و كثرت الحنطة قومه الناس فقال: نصف صاع من البر بصاع من شعير»

و في صحيح الحذاء(4)عنه عليه السلام أيضا «صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة، قال: فلما كان زمن معاوية و خطب الناس عدل الناس عن ذلك الى نصف صاع من حنطة»

فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة، لما عرفت من النص و الفتوى الظاهرين أيضا في اعتبار الصاع من كل جنس، فلا يجزي الملفق إلا على وجه القيمة، لتوقف صدق الامتثال على ذلك، خلافا للفاضل في المختلف فاستقرب إجزاءه، لأن المطلوب شرعا إخراج الصاع و قد حصل، و ليس تعيين الأجناس معتبرا في نظر الشارع، و إلا لما جاز التخيير فيه و لانه يجوز إخراج الأصوع المختلفة من الشخص الواحد عن جماعة

فكذا الصاع الواحد، و لأنه إذا أخرج أحد الصنفين فقد خرج عن عهدته و سقط عنه نصف الواجب فيبقى مخيرا في النصف الآخر، لأنه كان مخيرا قبل إخراج الأول فيستصحب، و الجميع كما ترى، و الاجتزاء بالتلفيق في


1- 1 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 21.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 5.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 8.
4- 4 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة الحديث 10.

ج 15، ص: 524

العبد بين الشريكين إنما هو لأن كلا منهما مكلف بنصف صاع مخير فيه كما عرفته سابقا، لا أنهما مكلفان بصاع يخيران فيه، و إلا اتجه ذلك أيضا كما اختاره في الدروس، و قد أشرنا الى ذلك سابقا، فلاحظ و تأمل.

و على كل حال ف الصاع أربعة أمداد، و هي تسعة أرطال بالعراقي و ستة بالمدني كما بينا ذلك مفصلا.

هذا كله في غير اللبن و أما من اللبن ففي

مرفوع القاسم (1)أنه «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة قال: يتصدق بأربعة أرطال- من لبن»

أربعة أرطال من لبن» و فسره قوم و هم الشيخ في المبسوط و المصباح و مختصره و الاقتصاد و ابنا حمزة و إدريس كما قيل بالمدني فتكون ستة أرطال بالعراقي، و تبعهم الفاضل في محكي التذكرة و التبصرة، ل

مكاتبة ابن الريان (2)الى الرجل يسأله عن الفطرة و زكاتها كم تؤدى؟ فقال: أربعة أرطال بالمدني»

و هي- مع عدم اختصاصها باللبن، فيكون معارضا للمقطوع به نصا و فتوى، و احتمال تضعيف الراوي الأمداد بالأرطال- غير صالحة للحجية من جهة السند الذي لا جابر له هنا، و تأييده بأن اللبن خال عن الغش بخلاف التمر و الزبيب اللذين لا يخلوان عن النوى و أنه مستغن عن المئونة بخلاف الحبوب فكان ثلثا الصاع يقاوم الصاع تقريبا غير مجد، و من هنا كان ظاهر المصنف كون الرطل عراقيا، لأنه المنساق، بل قيل إنه ظاهر الجمل و النهاية و كتابي الأخبار لذلك أيضا، بل حكي أيضا عن ظاهر الإرشاد و التلخيص و صريح القواعد و النافع، لكن قد عرفت كون الخبر الذي هو الأصل في الحكم مرفوعا، مع عدم صراحته لاحتماله الندب باعتبار كون السؤال فيه عمن لا يمكنه الفطرة، و إن كان يمكن إرادته عدم التمكن من


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3 و لكنه مرسل.
2- 2 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.

ج 15، ص: 525

الحبوب باعتبار كونه بالبادية لا باعتبار الفقر، بل ربما ادعي أنه الظاهر، فلا يصلح لتخصيص ما دل على اعتبار الصاع من جميع الأنواع خصوصا خبر علي بن بلال (1)

و خبر جعفر بن معروف (2)قال: «كتبت الى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة و سألناه أن يكتب في ذلك الى مولانا يعني علي بن محمد الهادي (عليه السلام) فكتب أن ذلك قد خرج لعلي بن مهزيار أنه يخرج من كل شي ء التمر و

البر و غيره صاع، و ليس عندنا بعد جوابه عليا في ذلك اختلاف»

مؤيدا ذلك بما دل على اعتباره بالخصوص في الأقط، ك

قول الصادق (عليه السلام) في صحيح معاوية بن عمار(3)«يعطي أصحاب الإبل و البقر و الغنم في الفطرة من الأقط صاعا»

بناء على أولوية اللبن منه، لأنه يخرج من جوهره، و يتوقف يقين البراءة عليه، و بغير ذلك.

و دعوى أن نصوص الصاع لا تعارض ذلك باعتبار كون مقداره في خصوص اللبن ستة أرطال بالعراق- قال الشيخ في المحكي من مصباحه: «و يجب عليه عن كل رأس صاع من تمر أو الزبيب أو حنطة أو شعير أو أرز أو أقط أو لبن، و الصاع تسعة أرطال بالعراقي من جميع ذلك إلا اللبن، فإنه أربعة أرطال بالمدني أو ستة بالعراقي» قيل: و نحوه عبارة مختصره و الجمل، و كأنه فهم منه ذلك الشهيد في اللمعة و البيان، و حينئذ تجتمع النصوص جميعا على ذلك- واضحة الفساد، بل فيها من الغرابة ما لا يخفى ضرورة منافاتها حينئذ للمقطوع به نصا و فتوى من عدم تفاوت مقدار الصاع في اللبن و غيره، نعم ربما ادعي ذلك في الماء و غيره، و قد بينا فساده أيضا في محله، فلاحظ و تأمل، و قد ظهر من ذلك كله أن الأحوط إن لم يكن الأقوى مساواة اللبن لغيره في المقدار الذي أفتي به غير واحد صريحا و ظاهرا، كما أنه ظهر لك القطع بفساد ما عن


1- 1 الوسائل- الباب- 7- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
3- 3 الوسائل- الباب- 6- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.

ج 15، ص: 526

الشيخ من إلحاق الأقط به، إذ هو مع منافاته لصريح ما دل عليه من الصحيح المزبور لا شاهد له سوى دعوى أولويته من اللبن الواضح منعها، و الله أعلم.

و كيف كان فالمشهور بين الأصحاب أنه لا تقدير في الشرع ل عوض الواجب بل الثابت فيه كما عرفته سابقا إطلاق الاجتزاء بالقيمة، و مقتضاه كما في غير المقام أنه يرجع فيه إلى قيمة السوقية عند الإخراج، بل في

مضمر سليمان بن جعفر المروزي (1)«و الصدقة بصاع من تمر، أو قيمته في تلك البلاد دراهم»

لكن في المتن و غيره أنه قدره قوم بدرهم و آخرون ب ثلثي درهم أربعة دوانيق فضة و لا ريب في أن كلا منهما ليس بمعتمد بل لم نعرف قائله و لا مستنده، نعم روى في الاستبصار

خبر إسحاق بن عمار(2)عن الصادق (عليه السلام) «لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما»

ثم قال: و هذه الرواية شاذة، و الأحوط أن يعطي قيمة الوقت قل أم كثر، و هذه رخصة إذا عمل الإنسان بها لم يكن مأثوما، و لعله ظاهر في جواز العمل بها، اللهم إلا أن يريد الإشارة بذلك إلى أصل القيمة لا خصوص الدرهم الذي تضمنه الخبر المزبور الذي هو مع ضعفه قد سمعت أنه رماه بالشذوذ، على أن من المحتمل كون المراد من الدرهم فيه الجنس، أو كون القيمة في ذلك الوقت كذلك، كما أشار إليه المفيد في المقنعة، قال:

و سئل (3)الصادق (عليه السلام) «عن مقدار القيمة فقال:

درهم في الغلاء و الرخص،

و روي (4)«أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم»

و ذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه، و الأصل إخراج المسألة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه، و في محكي المبسوط «و قد روي أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهما، و روي أربعة دوانيق في الرخص و الغلاء، و الأحوط إخراجه بسعر الوقت» و الظاهر


1- 1 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 7.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 11.
3- 3 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 14.
4- 4 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 14.

ج 15، ص: 527

إرادته الاحتياط الواجب مراعاته باعتبار توقف يقين البراءة عليه. و كيف كان فلا ريب في أن الأقوى ما ذكرناه، و لا يجوز الخروج عنه بنحو ذلك مما هو ليس حجة بنفسه فضلا عن أن يعارض الحجة و ربما نزل على اختلاف الأسعار بل سمعته من المفيد صريحا، و إلا فالطرح، و الله أعلم.

[الركن الثالث في وقتها]

الركن الثالث في وقتها و تجب الفطرة ب الإدراك جامعا للشرائط السابقة هلال شوال كما

عن جماعة التصريح به منهم الشيخ في الجمل و الاقتصاد و ابنا حمزة و إدريس و المصنف و الفاضل و الشهيدان و غيرهم، بل هو المشهور بين المتأخرين، بل قد عرفت فيما تقدم دعوى كونه موضع وفاق بين العلماء في المدارك و شرح الأصبهاني و إن كان فيه أنه خلاف المحكي عن ابن الجنيد و المفيد و المرتضى و الشيخ في النهاية و المبسوط و الخلاف و أبي الصلاح و ابن البراج و سلار و ابن زهرة من أن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، و احتمال أن مرادهم وقت الإخراج لا وقت الوجوب- كما هو صريح الفاضل الأصبهاني بل و سيد المدارك، فيكون الوجوب بالهلال حينئذ متفقا عليه، و إنما الخلاف في وقت الإخراج، فهل مبتدأة وقت الوجوب كما هو المعروف في الواجبات أو أنه طلوع الفجر من يوم الفطر- خلاف الظاهر مما وصل إلينا من كلامهم بلا داع و لا شاهد، نعم لعله كذلك بالنسبة إلى خصوص الشيخ في الكتب الثلاثة لما حكي عنه من التصريح فيها بأنه إذا وهب له عبد أو ولد له ولد أو أسلم أو ملك مالا قبل الهلال وجبت الزكاة، و إن كان بعده استحبت إلى قبل الزوال، و إن أمكن التكلف له بما لا ينافي كون وقت الوجوب طلوع الفجر و لو للدليل كما التزموه له في اختلاف وقت الإخراج و الوجوب، لكنه خلاف ظاهر المحكي عنه، و من هنا خصه في المختلف بذلك و حينئذ تكون المسألتان محل خلاف الأولى في كون الهلال وقت الوجوب أو طلوع الفجر، و الثانية في وقت الإخراج هل هو طلوع الفجر أو وقت الوجوب.

ج 15، ص: 528

و كيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول، ل

خبر معاوية بن عمار(1)عن الصادق (عليه السلام) «في الولد يولد ليلة الفطر و اليهودي و النصراني يسلم ليلة الفطر عليهم فطرة قال: ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر»

و صحيحه الآخر(2)عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة قال: لا قد خرج الشهر، و سألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة قال: لا»

و لا ينافي ذلك

صحيح العيص بن القاسم (3)«سألت الصادق (عليه السلام) عن الفطرة متى هي؟ فقال:

قبل الصلاة يوم الفطر، قلت: فإن بقي منه شي ء بعد الصلاة قال: لا بأس، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه»

و خبر إبراهيم بن ميمون (4)عنه (عليه السلام) أيضا «الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة، و إن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة»

إذ هما- مع ضعف سند الثاني منهما بل و دلالته، ضرورة كون المراد منه بيان حكم إعطائها قبل الخروج إلى العيد و بعده، فلا دلالة فيه على حكمه في الليل مثلا، بل يمكن دعوى شمول ما قبل الخروج إلى العيد له، و إن كان خلاف المنساق و عدم انطباق الأول

منهما على ما يقوله الخصم من التوقيت بطلوع الفجر، لكون المنساق من قبلية الصلاة فيه خلافه- محمولان على إرادة بيان وقت الفضيلة، كما صرح به في

صحيح الفضلاء(5)عن أبي جعفر و أبي عبد الله (عليهما السلام) «قالا: على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر أو عبد و صغير و كبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل، و هو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره»

الحديث. و لا يقدح فيه اشتماله على التوسعة المزبورة، مع أنك ستعرف قوة القول بها


1- 1 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.
4- 4 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
5- 5 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.

ج 15، ص: 529

و أما الثانية فالأقوى فيها اتحاد وقتي الإخراج و الوجوب، لأنه الأصل الذي لا معارض له هنا بعد ما عرفت من كون المراد من صحيح العيص و غيره بيان الفضل الذي لا ينافي وقت الاجزاء، فما في المدارك و غيره- من الاستدلال له بوجوب الاقتصار على المتيقن و هو طلوع الفجر دون غيره مما هو محل للشك- في غير محله ضرورة عدم الشك حينئذ بعد الأصل المزبور الذي هو مع كونه موافقا للعقل مقتضى ظاهر ما يدل على الوجوب و بذلك و غيره يظهر لك ما في استدلاله له أيضا بالصحيح المزبور و خبر ابن ميمون و ما في جوابه عن صحيح ابن عمار من أنه إنما يدل على وجوب الإخراج على من أدرك الشهر، لا على

أن أول وقت الإخراج الغروب و أحدهما غير الآخر، إذ هو- بعد الإغضاء عما فيه من قصره النزاع عليه دون الوجوب، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه هنا و إجماعه السابق- واضح الضعف، لما عرفت من ظهور جميع ما يدل على الوجوب مع عدم التقييد في زمان في صلاحية جميع الأوقات للامتثال، إذ الأزمنة كالأمكنة في ذلك، فلا ريب حينئذ في أن وقت الإخراج وقت الوجوب، كما أنه لا ريب بناء على ما عرفت في أن هلال شوال من وقت الوجوب.

و أما أنه هو المبتدأ على وجه لا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض من غير فرق بين شهر رمضان و غيره فهو خيرة المصنف هنا، حيث قال على الأظهر و الشيخين و أبي الصلاح و ابن إدريس و غيرهم على ما قيل، بل في المدارك و غيرها أنه المشهور بين الأصحاب، لثبوت توقيتها بذلك، و الموقت لا يجوز تقدمه على وقته كصلاة الظهرين، بل يكفي الشك في مشروعيتها قبله، و قال ابنا بابويه و الشيخ في المبسوط و الخلاف و النهاية: يجوز إخراجها فطرة من أول شهر رمضان إلى آخره، و نسبه المفيد و سلار و ابن البراج إلى الرواية، و اختاره المصنف في المعتبر و الفاضل في المختلف و ثاني الشهيدين و غيرهم على ما قيل، بل في الدروس و المسالك أنه المشهور، بل في الخلاف

ج 15، ص: 530

الإجماع عليه، لصحيح الفضلاء السابق (1)المؤيد بما في خبري معاوية بن عمار السابقين (2)من تعليق الحكم على إدراك الشهر، و تعليل عدم الوجوب عن المولود ليلة الهلال بأنه قد خرج الشهر المشعر خصوصا الأول بأن إدراك الشهر هو السبب في الوجوب و إن كان يتحقق ذلك بإدراك آخره، فالفرد الأكمل حينئذ منه إدراكه تاما، فهو على حسب

قوله (عليه السلام)(3): «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله»

و قوله (عليه السلام)(4): «من أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الجماعة»

و غيرهما، فان في لفظ الإدراك رمزا إلى كونه هو الغاية التي لا بد لها من بداية، و ليست هنا نصا و فتوى إلا أول الشهر، مضافا إلى ما في ذلك من المصلحة للفقراء بتعجيل الإعانة لهم و رفع الحاجة عنهم، و إلى ما في خلافه من طرح صحيح الفضلاء الذي قد عرفت عمل جملة من الأصحاب به، بل دعوى الإجماع عليه، و هو مناف لما دل على حجية مثله كتابا و سنة و عقلا، أو تأويله بالقرض و نحوه مما هو صريح في خلافه، خصوصا مع ملاحظة عدم اختصاص ذلك بشهر رمضان، و التزام احتساب خصوص هذا القرض دون غيره للصحيح المزبور ليس بأولى من التزام التوسعة المزبورة التي لا ينافيها قاعدة التوقيت بعد فرض كون الوقت ما ذكرناه من أول شهر رمضان كما أجاب به عن ذلك في

المختلف، إذ لا دليل على التوقيت بغيره بعد ما عرفت من كون المراد من صحيح العيص الفضل، و خبرا معاوية بن عمار إنما يدلان على خروج وقت الوجوب بالهلال لا أنه أوله، بل قد عرفت إشعارهما بخلاف ذلك، فصحيح الفضلاء


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1 و 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 30- من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة مع الاختلاف في اللفظ.
4- 4 الوسائل- الباب- 45- من أبواب صلاة الجماعة مع الاختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 531

حينئذ بحاله، نعم إن ثبت من إجماع أو غيره سقوط الفطرة بانتفاء أحد شرائط الوجوب في الأثناء كان الجمع بينهما بالوجوب غير المستقر نحو ما سمعته في الزكاة المالية عند القائل بوجوبها بهلال الثاني عشر، و يستقر الوجوب بتمامه كما تقدم الكلام فيه سابقا و المناقشة في ذلك كله أو بعضه بأنه لا خلاف في كون الوقت الهلال، و إنما الكلام في جواز التعجيل على حسب تقديم غسل الجمعة يوم الخميس، و الزكاة المالية من أول الحول على القول به، يدفعها ملاحظة التصريح في كلام بعض القائلين بأن ذلك على جهة التوقيت لا التعجيل كما هو مقتضي ظاهر الصحيح المزبور، فحينئذ لا مناص للفقيه عن الفتوى به و إن كان الأفضل و الأحوط التأخير إلى الهلال بل إلى يوم الفطر قبل الصلاة.

و من هنا قال المصنف و يجوز إخراجها بعده أي الهلال و لكن تأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل بل في الدروس الإجماع على ذلك، و في المدارك لا ريب في أفضلية ذلك، لأنه موضع نص و وفاق، و قد سمعت ما يدل عليه من النصوص كصحيح العيص (1)و صحيح الفضلاء(2)و ما عن ابن بابويه- من أن أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان- لم نعرف له شاهدا.

و إنما الكلام في انتهاء وقتها، ففي المدارك «ذهب الأكثر إلى أن آخره صلاة العيد» حتى قال في المنتهى: «و لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا، فإن أخرها أثم، و به قال علماؤنا أجمع» لكن قال بعد ذلك بأسطر قليلة: «و الأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة، و يحرم التأخير عن يوم العيد» و مقتضى ذلك امتداد وقتها إلى آخر النهار، و قال ابن الجنيد: «أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر، و آخره زوال الشمس منه» و استقر به العلامة في المختلف.

قلت: حاصل ذلك أن الأقوال فيه ثلاثة: الأول التحديد بفعل الصلاة


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.

ج 15، ص: 532

لا وقتها، و هو الذي نسبه في محكي التذكرة إلى علمائنا، و في المنتهى إليهم أجمع، و في المدارك إلى الأكثر، و لعله أخذه مما في المختلف. لأنه حكى فيه عن المرتضى في الجمل أنه قال: «وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم الفطر قبل صلاة العيد، و روي أنه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم الفطر» قال: «و هذا الكلام يشعر بوجوب إيقاعها مضيقا قبل الصلاة، و أنه لا يجوز تأخيرها إلى قبل الزوال» و قال الشيخ في

النهاية: «الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد» و لم يقيد بالزوال، و كذا في الخلاف و المبسوط و الاقتصاد، و قال ابنا بابويه: «فهي زكاة إلى أن يصلي العيد، فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة» و هو موافق قول الشيخ في التحديد، و كذا قال ابن البراج، و زاد فيه «و يتضيق الوجوب كلما قرب وقت صلاة العيد» و قال المفيد: «وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر من قبل صلاة العيد» و قال سلار: «إلى صلاة العيد، فإن أخر كان قاضيا» و به قال أبو الصلاح، الثاني الزوال، و اختاره في الدروس و البيان، و الثالث إلى آخر يوم الفطر، و اختاره في المنتهى و مال إليه في المدارك و محكي الذخيرة.

و استدل للأول بخبر إبراهيم بن ميمون (1)المتقدم سابقا، و

خبر عبد الله بن سنان (2)عن الصادق (عليه السلام) قال فيه: «و إعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل، و بعد الصلاة صدقة»

و صحيح الفضلاء السابق بناء على كون المراد منه مفضولية السابق لا الأعم منه و اللاحق، و ما عن

إقبال ابن طاوس (3)قال: روينا بإسنادنا إلى الصادق (عليه السلام) أنه قال: «ينبغي أن تؤدي الفطرة قبل أن يخرج إلى الجبانة، فإذا

أداها بعد ما رجع فإنما هي صدقة و ليست فطرة»

و ما عن

تفسير العياشي عن سالم بن


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
2- 2 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 7.

ج 15، ص: 533

مكرم الجمال (1)عن الصادق (عليه السلام) «إعطاء الفطرة قبل الصلاة، و هو قول الله تعالى «أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ»* فان لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعدله فطرة»

و خبر سليمان بن حفص المروزي (2)«سمعته يقول: إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة».

و للثاني بعدم صلاحية فعل صلاة العيد لتحديد الوقت، ضرورة اختلافها فيه من المكلفين، بل لم يصلها كثير من الناس، خصوصا في هذه الأزمنة، فلا بد حينئذ من إرادة وقت الصلاة، و هو إلى الزوال، و ربما يرمز اليه ما ورد(3)من استحباب إخراج (4)الفطرة عمن يولد قبل الزوال أو يسلم كذلك، إذ ليس هو إلا باعتبار بقاء الوقت، و النصوص السابقة ما كان قابلا للحمل منها على ذلك حمل عليه، و إلا كان محمولا على الفضل دون اللزوم، و ربما احتمل بعضها إرادة صلاة الظهر لا العيد، خصوصا بعد

خبر أبي الحسن الأحمسي (5)عن الصادق (عليه السلام) المروي عن الإقبال نقلا من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري، قال: «و الفطرة عن كل حر و مملوك إلى أن قال: قلت: أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال: إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة، و إن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك، قلت: فأصلي الفجر. فأعزلها و أمسك يوما أو بعض يوم ثم أتصدق بها قال: لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة»

بناء على إرادة الظهر من الصلاة فيه أخيرا، و إن أريد منه بيان كون العزل قبل الصلاة كافيا في كونها فطرة و لو بعد يوم كفى الأول في الاستدلال به على المطلوب، و احتمال وقوع لفظ الظهر


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.
3- 3 الوسائل- الباب- 11- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.
4- 4 و في النسخة الأصلية« خروج الفطرة».
5- 5 الوسائل- الباب- 5- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 16.

ج 15، ص: 534

سهوا لا يجوز التعويل عليه في النصوص.

و للثالث- بصحيح العيص و صحيح الفضلاء، لكن قد عرفت ما في الاستدلال بالثاني، و أما الأول فيحتمل، بل لعله الظاهر منه إرادة المعزولة، و هي غير محل البحث، فلا ريب في ضعفه حينئذ، و انحصار الأمر في القولين، و أقواهما الثاني على الظاهر لما عرفت.

و على كل حال ف ان صلى أو خرج وقت الصلاة أو خرج اليوم على الأقوال الثلاثة و لم يكن قد أوصلها إلى المستحق أو من يقوم مقامه فان كان قد عزلها في الوقت المزبور و إن لم يؤدها فيه ناويا للقربة أخرجها واجبا بنية الأداء بل لا يحتاج إلى نية ذلك أيضا، ضرورة

صيرورتها فطرة، و خروجها من الذمة إلى الخارج بالعزل حينئذ، فليس حينئذ في يده إلا أمانة من الأمانات، إذ المكلف حينئذ يكون كالولي عن المستحق فيقوم قبضه و استيلاؤه مقام قبضه، و لذا ينوي التقرب بالعزل المزبور، و لا يناقش في مشروعية ذلك بعد تظافر النصوص و الفتاوى به هنا، قال

إسحاق بن عمار(1)في الصحيح «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفطرة قال: إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها»

و قال زرارة(2): في الصحيح عنه (عليه السلام) أيضا «سألته عن رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا فقال:

إذا أخرجها من ضمانه فقد بري ء، و إلا فهو ضامن حتى يؤديها»

و مرسل ابن أبي عمير(3)عنه (عليه السلام) أيضا «في الفطرة إذا عزلتها و أنت تطلب لها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به»

الى غير ذلك من النصوص الدالة عليه.

بل مقتضاها كالفتاوى عدم الفرق بين وجود المستحق و عدمه كما اعترف به في


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 5.

ج 15، ص: 535

المدارك و ما في بعض النصوص (1)مما يوهم التقييد غير مراد منه ذلك، أو قاصر عن

معارضة الإطلاق المزبور من النص و الفتوى، هذا.

و في المسالك «أن المراد بعزلها تعيينها في مال خاص بقدرها في وقتها بالنية، و في تحقق العزل مع زيادته عنها احتمال، و يضعف بتحقق الشركة، و أن ذلك يوجب جواز عزلها في جميع ماله، و هو غير المعروف من العزل، و لو عزل أقل منها اختص الحكم به» قلت: ينبغي أن يكون المدار على صدق العزل عرفا، و لا ريب في عدم صدقه بالعزل في جميع المال و نحوه، أما اعتبار عدم الزيادة فيه أصلا فمحل منع، خصوصا مع رفع اليد عن الزيادة، و دعوى اعتبار التشخيص في المعزول على معنى اعتبار عدم الشركة فيه أصلا واضحة المنع، ضرورة صدق العزل بالمال المشترك بينه و بين غيره، فالأولى تعليق الحكم على ما ذكرنا، و ربما يؤيده أن مرجع جواز العزل الى أن الشارع جعل المكلف كالولي عن المستحق، فأقام ذلك منه مقام قبضه، و حينئذ لم يكن فرق بعد صدق العزل بين الزيادة و النقيصة، كالقبض من المستحق، ثم إنه قد تقدم في الزكاة المالية ما يستفاد منه جملة من أحكام العزل، إذ الظاهر عدم الفرق بين المقامين في أحكامه، و لذا استدل غير واحد من الأصحاب على بعض أحكامه هناك ببعض نصوص المقام، و بالعكس، فلاحظ و تأمل.

و كيف كان ف ان لم يكن عزلها حتى خرج الوقت قيل و القائل جماعة منهم المفيد و ابنا بابويه و أبو الصلاح و ابنا البراج و زهرة و غيرهم على ما قيل سقطت بل حكى الأخير منهم الإجماع عليه و قيل و القائل جماعة أيضا منهم الشيخ و الفاضل و ثاني الشهيدين و غيرهم يأتي بها قضاء، و قيل و القائل ابن إدريس: يأتي بها أداء و الأول أشبه عند المصنف، لقاعدة انتفاء الموقت بانتفاء وقته، و القضاء يحتاج الى


1- 1 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1.

ج 15، ص: 536

أمر جديد، بل قد سمعت ما تقدم من النصوص (1)الدالة على كونها صدقة بعد الوقت، و

قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة(2): «و إلا فهو ضامن لها حتى يؤديها»

إنما يدل على وجوب الإخراج مع العزل، و هو غير محل النزاع، و في المدارك «الظاهر أن المراد بإخراجها من ضمانه تسليمها إلى المستحق، و بقوله: «و إلا» إلى آخره الخطاب بإخراجها و إيصالها إلى مستحقها، لا كونه بحيث يضمن مثلها أو قيمتها مع التلف لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك» ثم احتمل أن يكون الضمير في «أخرجها» عائد إلى مطلق الزكاة، و يكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها، و المراد أنه إن عزلها فقد بري ء، و إلا فهو مكلف بأدائها إلى من يوصلها إلى أربابها، و قال: «لا ريب أن المعنى الأول أقرب» قلت: بل لعله غير دال على خلاف المطلوب على الثاني، ضرورة كون المراد منه بقاء الخطاب عليه في الوقت مع عدم العزل لا بقاؤه مطلقا.

و بذلك كله يظهر لك ضعف القولين، خصوصا قول ابن إدريس الذي مرجعه إلى عدم التوقيت أصلا،

و إلى حمل جميع ما دل عليه من النصوص السابقة على الفضل و الندب و أن زكاة الفطرة كزكاة المال و الخمس في امتداد الوقت و صلاحيته للفعل، إذ هو كما ترى، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه، بل عن بعضهم دعواه عليه، نعم قد يقال: إن تلك النصوص لا صراحة فيها في التوقيت على وجه ينتفي التكليف بانتفائه، بل أقصاها الوجوب فيه، فيمكن حينئذ كونه تكليفا آخر زائدا على أصل وجوب الفطرة الذي دل عليه إطلاق كثير من النصوص و معاقد الإجماعات مؤيدا ذلك بثبوت أحكام غير الموقت لها، كما لو مات من وجبت عليه قبل التمكن من أدائها


1- 1 الوسائل- الباب- 12- من أبواب زكاة الفطرة.
2- 2 الوسائل- الباب- 13- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.

ج 15، ص: 537

فان الظاهر تعلقها بتركته كسائر ديونه و إن خرج الوقت، و ما ذاك إلا بملاحظة تسبيب الشغل منها من غير ملاحظة التوقيت فيها كالزكاة المالية، و لعله الى هذا يرجع القول بالقضاء، لا أن المراد منه المعنى المصطلح، بل و قول ابن إدريس إن لم يجوز عدم أدائها في الوقت اختيارا، و لعل ما في المختلف يرجع الى ما ذكرنا، حيث أنه استدل للقول الثاني بعد أن اختاره بأنه لم يأت بالمأمور به، فيبقى في عهدة التكليف الى أن يأتي به، و بأن المقتضي للوجوب قائم، و المانع لا يصلح للمانعية، أما الأولى فللعموم الدال على إخراج الفطرة عن كل رأس صاع، و أما الثانية فلأن المانع ليس إلا خروج وقت الأداء، لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت لا يسقط الحق كالدين و زكاة المال و الخمس، و ب

صحيحة زرارة «و إلا فهو ضامن لها حتى يؤديها»

إلا أنه بناء على استتباع القضاء للأداء، و عدم احتياجه إلى أمر جديد الذي قد بينا ضعفه في الأصول.

و بالجملة لا يخفى على من لاحظ النصوص الدالة على وجوب الفطرة و النصوص المستفاد منها التوقيت قصورها عن التقييد على وجه يكون الحال فيه كالموقت الذي هو كقوله تعالى (1)«أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ» و إنما أقصاها الوجوب في نفسه كقضاء شهر رمضان بين الشهرين و غيره، سيما بعد ما عرفت من إرادة الندب في أكثر تلك النصوص، بل لولا إمكان تحصيل الإجماع على الوجوب في هذا الوقت لأمكن حملها جميعا على الندب، لقوة تلك المطلقات، و يتجه حينئذ ما سمعته من ابن إدريس حاكيا له عن الشيخ، و مع الأعضاء عن ذلك كله فلا أقل من الشك في التقييد على الوجه المزبور، و العمل على الإطلاقات حتى يثبت التقييد و على استصحاب الوجوب الذي لم يعلم كونه مغيا بالوقت المزبور على وجه يرتفع التكليف بانتهاء الوقت، مضافا


1- 1 سورة الإسراء- الآية 80.

ج 15، ص: 538

إلى موافقة الإخراج للاحتياط الذي لا ينبغي تركه في المقام، و الله أعلم.

و كيف كان ف إذا أخر دفعها بعد العزل مع الإمكان كان ضامنا بلا خلاف نصا و فتوى و لا إشكال لما سمعته في الزكاة المالية و منه يعلم أنه إن كان التأخير لا معه أي الإمكان فتلف المال من غير تعد و لا تفريط لم يضمن بل و منه يعلم الحال أيضا في قول المصنف هنا كقوله هناك لا يجوز حملها الى بلد آخر مع وجود المستحق و أنه لا مدخلية لعدم الجواز في الضمان، فان التحقيق كما تقدم أنه يضمن و إن جاز له النقل و كذا الحال في التأخير، نعم لا إشكال يعتد به بل و لا خلاف كذلك في أنه يجوز له الحمل مع عدمه (11) أي المستحق و لا يضمن (12) بذلك كما تقدم البحث في ذلك و في غيره مفصلا، و الله أعلم.

[الركن الرابع في مصرفها]

الركن الرابع في مصرفها، و هو مصرف زكاة المال (13) على المعروف بين الأصحاب، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلامهم، بل في شرح الأصبهاني للمعة الإجماع عليه، و لعله كذلك، إذ لم يحك فيه الخلاف إلا عن ظاهر المفيد في المقنعة، فخصها بالمساكين، و المحكي عن الاقتصاد حيث قال: «و مستحق زكاة الفطرة هو مستحق زكاة المال من المؤمنين الفقراء العدول و أطفالهم، و من كان بحكم المؤمنين من البله و المجانين» و أما ما يحكى عن المعتبر و المنتهى من حصر مصرفها في ستة فقد قيل إنه مبني على أنه لا سهم للمؤلفة و العاملين في الغيبة، و حينئذ فيختص الخلاف إن كان بمن عرفت، و لعله ل

خبر الفضيل (1)عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قلت لمن تحل الفطرة؟ فقال: لمن لا يجد»

و خبر زرارة(2)«قلت له: هل على من قبل الزكاة زكاة، قال: أما من قبل زكاة المال فان عليه الفطرة، و ليس على من قبل الفطرة فطرة».

لكن لا يخفى عليك عدم دلالة الأول على الحصر، بل المراد منه و من الثاني


1- 1 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 8.
2- 2 الوسائل- الباب- 2- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 9.

ج 15، ص: 539

بيان كون الفطرة ينبغي أن تكون لذي الحاجة الشديدة كصدقات المرضى و نحوهم، و ليس المراد من ذلك حصر مصرفها في المساكين الذين لا يجدون شيئا، خصوصا بعد قوله تعالى (1)«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ» إلى آخره و

قوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي (2)«عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين»

بل قد يقال إنه مما يشملها لفظ الزكاة التي قد عرفت ما يدل على مصرفها، بل جزم به في محكي المنتهى حتى استدل به هنا، و بعد السيرة المستمرة على عدم اختصاصها بالمساكين، و ربما كان الوجه في ذكر الفقراء في الصحيح المزبور باعتبار كونه المصرف الأعظم نحو ما ورد في زكاة المال، لا أن المراد الاختصاص، بل ربما يحمل على ذلك

عبارة المقنعة، فتخرج المسألة عن الخلاف، قال: «و مستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقراء أولا ثم المعرفة و الايمان» بل هي مع عدم اختصاصها بالمساكين كما حكي عنه محتملة لإرادة بيان اعتبار ما تقدم في الزكاة في خصوص هذا الصنف من مصرفها، و هو كذلك بالنسبة إلى كثير مما تقدم، كعدم كونه من واجبي النفقة و عدم كونه هاشميا إلا إذا كان من عليه الفطرة هاشميا، و قد ذكرنا سابقا أن العبرة في ذلك بالمعيل دون العيال، لما تقدم من ظهور النصوص في كون الخطاب له أصليا لا تحمليا، فإذا كان هاشميا و عياله أعواما جاز له دفع الفطرة للهاشمي دون العكس، و إضافة الفطرة إلى أفراد العيال في بعض الأحوال إنما هو لأدنى ملابسة، على أنه معارض بإضافتها إلى المعيل أيضا، و دفع الموت بها عنهم إنما يقتضي كون ثمرتها لهم كالصدقة عن المريض، لا أن الخطاب بها لهم و إن تحملها المعيل عنهم، ضرورة القطع بفساده بملاحظة النصوص التي صرحت بوجوبها على المعيل عن


1- 1 سورة التوبة- الآية 60.
2- 2 الوسائل- الباب 6 من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 11.

ج 15، ص: 540

عياله الذين قد يكون فيهم من لا يصلح للخطاب لصغر أو جنون أو غيرهما، فليست هي حينئذ كالزكاة المشترط التبرع بها على غير من وجبت عليه، و لفظ «على» في نصوص الفطرة قد ذكرنا أنه بمعنى «عن» لا أن المراد الثبوت عليه، كما هو واضح بأدنى تأمل، و من ذلك يظهر لك سقوط ما أطنب به المحدث البحراني من دعوى كون المدار على العيال دون المعيل، فلاحظ و تدبر، و قد أشرنا الى ذلك فيما تقدم، و الله أعلم.

و كيف كان ف يجوز أن يتولى المالك إخراجها و إيصالها إلى المستحق، لأنه المخاطب بها، و في المحكي عن المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء كافة و لكن الأفضل دفعها الى الامام (عليه السلام) ل

قول الصادق (عليه السلام)(1): «هو أعلم يضعها حيث يشاء، و يصنع فيها ما يرى»

و للإجماع المحكي في الخلاف، و في

خبر علي بن راشد(2)«سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال: للإمام (عليه السلام) قال:

قلت له: فأخبر أصحابي قال: نعم من أردت أن تطهره منهم، و قال: لا بأس بأن تعطي و تحمل ثمن ذلك ورقا»

و لعل المراد من ذيله التخيير بين الإعطاء بنفسه و بين حمل الثمن للإمام (عليه السلام)، و على كل حال فالمراد استحباب دفعها له أو من نصبه خصوصا و مع التعذر كزماننا هذا ف الى فقهاء الشيعة المأمونين الذين هم من المنصوبين أيضا من الامام (عليه السلام) و لعل البحث السابق في زكاة المال في وجوب الدفع ابتداء أو مع الطلب منه عليه السلام خاصة أو منه و من المجتهد و في الاجزاء و عدمه مع المخالفة يأتي مثله في المقام،

خصوصا مع ظهور بعض نصوصه (3)في شمول آية التطهير(4)لهذه


1- 1 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 9- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2 عن أبي على بن راشد.
3- 3 الوسائل- الباب- 1- من أبواب ما تجب فيه الزكاة- الحديث 1.
4- 4 سورة التوبة- الآية 104.

ج 15، ص: 541

الزكاة، و خصوصا مع ظهور بعض آخر(1)في أن عادة السلف حملها الى الامام (عليه السلام) و ربما ظهر من المفيد وجوبه و إن كان الأقوى ما قدمناه هناك، فلاحظ و تأمل.

كما أن الأقوى ما تقدم أيضا سابقا من أنه لا تعطى غير المؤمن أو المستضعف مع عدمه و أنه تعطى أطفال المؤمنين و لو كان آباؤهم فساقا فلاحظ و تدبر.

و المشهور بين الأصحاب نقلا و تحصيلا أنه لا يعطى الفقير منها أقل من صاع بل في المختلف نسبته إلى فقهائنا، و أنه لم يقف على مخالف منهم، بل في انتصار المرتضى مما انفردت به الإمامية القول بأنه لا يجوز أن يعطى الفقير الواحد أقل من صاع، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، ل

مرسل الحسين بن سعيد(2)عن بعض أصحابنا عن الصادق (عليه السلام) المنجبر بما عرفت «لا يعطى أحد أقل من رأس»

و في الفقيه انه في خبر(3)«لا بأس أن تدفع عن نفسك و عمن تعول الى واحد، و لا يجوز أن تدفع ما يلزم واحد الى نفسين»

بناء على أن «و لا يجوز» الى آخره مما في الخبر كما فهمه في الوسائل لا من كلامه كما فهمه في الوافي، و استظهره في الحدائق، و ربما يؤيده غلبة تعبيره و أبيه بما في فقه الرضا (عليه السلام) و المحكي عنه «و لا يجوز» الى آخره دون سابقه، فيكون الخبر حينئذ لا بأس، و حينئذ ينحصر الدليل في المرسل الأول، لكن في المعتبر انه مرسل لا يصلح للحجية، فالأولى أن يحمل على الاستحباب، و تبعه على ذلك جماعة ممن تأخر عنه منهم الشهيدان و غيرهما، لإطلاق الأدلة، خصوصا

خبر إسحاق بن المبارك (4)«سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن صدقة الفطرة قلت


1- 1 الوسائل- الباب- 35- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 6 و الباب 9 من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 3.
2- 2 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2.
3- 3 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 16- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 1 مع اختلاف في اللفظ.

ج 15، ص: 542

أجعلها فضة و أعطيها رجلا واحدا أو اثنين قال: تفرقتها أحب إلى»

و خصوصا بعد ملاحظة ما ورد من حسن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (1)و مرسل حماد بن عيسى (2)و غيرهما ممن تضمن كيفية قسمة رسول الله (صلى الله عليه و آله) صدقات أهل الحضر و البادية، و أنه ليس في ذلك شي ء موقت و لا مسمى، و بعد ملاحظة ما ورد من نحو ذلك في زكاة المال الذي قد عرفت حمله على الندب.

و خصوصا مع ملاحظة قول المصنف و غيره إلا أن يجتمع جماعة لا يتسع لهم معللين له بأن فيه تعميما للنفع، و بأن في منع البعض أذية للمؤمن، فجاز التشريك بينهم حينئذ و إن كان نصيب كل واحد منهم أقل من صاع، إذ لا يخفى عليك أن مثل ذلك لا يصلح الخروج به عن الدليل المزبور، مع أنه ربما يحصل أيضا مع عدم الاجتماع، فلا ريب في أن المراد من الخبر المزبور أنه لا ينبغي إعطاء الأقل من صاع للفقير الواحد لقلة الانتفاع به حينئذ ما لم يحصل مرجح آخر من الاجتماع و شدة الحاجة و نحوهما، و بذلك يظهر لك أن هذا القول لا يخلو عن قوة، و إن كان الاحتياط لا ينبغي تركه، و الله أعلم.

و على كل حال فلا خلاف نصا و فتوى كما لا إشكال في أنه يجوز أن يعطى الواحد أصواعا متعددة، بل ما يغنيه دفعة و دفعات على حسب ما تقدم في الزكاة المالية و يستحب اختصاص ذوي القرابة بها كغيرها من الصدقة، ل

قوله (عليه السلام)(3): «لا صدقة و ذو رحم محتاج»

و قوله (4): «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح»

ثم الجيران ل

قوله (عليه السلام)(5): «جيران الصدقة


1- 1 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 1.
2- 2 الوسائل- الباب- 28- من أبواب المستحقين للزكاة الحديث 3.
3- 3 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصدقة- الحديث 4.
4- 4 الوسائل- الباب- 20- من أبواب الصدقة- الحديث 1.
5- 5 الوسائل- الباب- 15- من أبواب زكاة الفطرة- الحديث 2 و 5 و 7.

ج 15، ص: 543

أحق بها»

و ينبغي ترجيح أهل الفضل في الدين و العلم،

قال عبد الله بن عجلان السكوني (1)«قلت: لأبي جعفر (عليه السلام): إني ربما قسمت الشي ء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ فقال: أعطهم على الهجرة في الدين و الفقه و العقل»

و المقصود من ذلك بيان أن هذه و نحوها مرجحات، و مع التعارض ينبغي ملاحظة الميزان كما أشرنا إلى نحو ذلك في الزكاة المالية، و الأمر سهل.

الى هنا تم الجزء الخامس عشر من كتاب جواهر الكلام بحمد الله و منه و به تم كتاب الزكاة و قد بذلنا غاية الجهد في تصحيحه و مقابلته للنسخة الأصلية المخطوطة بقلم المصنف (قدس سره) و قد خرج بعون الله عز و جل خاليا عن الأغلاط إلا ما زاغ عنه البصر و يتلوه الجزء السادس عشر في الخمس و الصوم ان شاء الله تعالى عباس القوچاني


1- 1 الوسائل- الباب- 25- من أبواب المستحقين للزكاة- الحديث 2.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.